Alharmal (29) 01 12 2015 العدد 29 من مجلة الحرمل

Page 1

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬ ‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬ك األول ‪2015‬‬

‫‪AL harmal‬‬

‫‪1‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــاً‬

‫الطريان الروسي يرتكب جمزرة يف أرحيا‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬

‫قــال نشــطاء إن «‪ 50‬مدنيـاً استشــهدوا وجــرح العـرات‬ ‫بقصــف رويس عــى ســوق أريحــا الشــعبي»‪ ،‬مشــرين‬ ‫إىل أن «العــدد مرجــح للزيــادة بســبب وجــود جرحــى‬ ‫حالتهــم خطــرة»‪.‬‬

‫‪sayı 29‬‬

‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫هل حتمل حكومة العدالة والتنمية الرتكية جديداً للس��وريني؟‬ ‫ذرور احلرمل‬ ‫باألم��س العراق‪ ..‬واليوم س��وريا‬ ‫وتركيا ليس��ت خارج االس��تهداف!‬ ‫بسام البليبل‬

‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫تنفــس الســوريون الصعــداء بفــوز حــزب العدالة‬ ‫والتنميــة‪ ،‬فهــم عــى ثقــة كاملــة بــأن حــزب العدالــة‬ ‫والتنميــة لــن يتخــى عنهــم‪ ،‬وأن حكومتــه املرتقبــة‬ ‫التــي تشــتمل عــى مبــادئ الحــزب اإلنســانية‪،‬‬ ‫والتزامــه بالقوانــن الدوليــة‪ ،‬ومبــادئ العدالــة‬ ‫واإلخــوة الدينيــة‪ ،‬ســتفرض عــى تركيــا حكومــة‬

‫وشــعباً‪ ،‬ليــس اســتضافة الســوريني فحســب‪ ،‬وإمنــا‬ ‫تقديــم جميــع الخدمــات الرضوريــة لهــم‪.‬‬ ‫رصح األكادميــي والباحــث الســيايس ـ‬ ‫وبهــذا الشــأن ّ‬ ‫باكــر أتاتجــان ـ خــال لقــاء لــه عــى قنــاة أورينــت‬ ‫نيــوز قائـاً‪« :‬نتمنــى بعــد تشــكيل الحكومــة برئاســة‬ ‫حــزب العدالــة والتنميــة أن تعطــي االهتــام لقضيــة‬ ‫الالجئــن الســوريني‪ ،‬وأن تفعــل الــيء الكثــر‬

‫للســوريني»‪.‬‬ ‫أمــا وقــد تشــكلت اآلن الحكومــة الرتكيــة الجديــدة‬ ‫برئاســة أحمــد داود أوغلــو‪ ،‬فقــد بــات الســوريون‬ ‫يتطلعــون إىل مــا وعــد بــه الحــزب عــى لســان‬ ‫ناطــق رســمي باســمه‪ ،‬حيــث قــال‪« :‬إن قــرارات‬ ‫مصرييــة ســتتخذ بشــأن الســوريني خــال مئــة يــوم‬ ‫مــن تشــكيل الحكومــة»‪.‬‬

‫الطريان الروسي يرتكب جمازر يف الرقة وحلب وإدلب ويوقع مئات الشهداء‬ ‫خروج جسري الرقة عن اخلدمة وأسعار غري مسبوقة للمواد والسلع التموينية‬

‫هل أودى إسقاط الطائرة احلربية الروسية باملنطقة اآلمنة؟‬ ‫أكث��ر م��ن ‪ 50‬ش��هيداً حصيل��ة أرب��ع جم��ازر‬ ‫ارتكبتها قوات األس��د والطريان الروس��ي بدرعا‬

‫دير ال��زور حتت القصف الروس��ي وداعش تعتقل‬ ‫وتقتل على األرض‬

‫تتواصــل املجــازر التــي يرتكبهــا الط ـران الحــريب الــرويس واملروحــي بحــق‬ ‫أهــايل محافظــة درعــا‪ ،‬حيــث وصــل عــدد املجــازر التــي ارتكبــت يف مــدن‬ ‫وقــرى وبلــدات درعــا خــال ‪ 10‬أيــام إىل ‪ 4‬مجــازر راح ضحيتهــا ‪ 52‬شــهيدا ً‬ ‫وع ـرات الجرحــى‪..‬‬ ‫اقرأ املزيد صفحة ‪3‬‬

‫نفــذ تنظيــم الدولــة اإلســامية «داعــش» حكــم اإلعــدام بشــخص مــن‏ديــر‬ ‫الــزور‬‪ ،‬وذلــك عــى خلفيــة اتهامــه بتصويــر مقراتــه والتجســس عــى عنــارصه‪،‬‬ ‫بالتزامــن مــع اســتهداف الط ـران األســدي والــرويس ألحيــاء املدينــة الخاضعــة‬ ‫لتنظيــم الدولــة‪..‬‬ ‫اقرأ املزيد صفحة ‪3‬‬

‫هــل خطــط الغــرب ألن يجعــل ســوريا والعـراق االسـراتيجيتني‬ ‫جيوسياســياً‪ ،‬واملحوريتــن عربيــاً‪ ،‬والراجحتــن يف ميــزان القــوى‬ ‫اإلقليميــة‪ ،‬يف القبضــة اإليرانيــة‪ ،‬وتحــت عبــاءة الــويل الفقيــه؟!‬ ‫كل املــؤرشات تقــول أن إيــران باتــت عامــاً أساســياً يف تفكيــك‬ ‫املنطقــة العربيــة‪ ،‬وأ ّن تدخلهــا يف الــدول العربيــة مــن شــأنه أن‬ ‫يفتــح بــاب الرصاعــات الطائفيــة واملذهبيــة إىل ُمــدد مفتوحــة‬ ‫تلتقــي فيهــا الطموحــات الفارســية مــع املصالــح األمريكيــة‪ ،‬يف‬ ‫خلــق دول ضعيفــة‪ ،‬مفككــة‪ ،‬فاشــلة‪ ،‬فاقــدة للســيادة‪ ،‬ومفتقــرة‬ ‫إىل وســائل الدفــاع املشــرك عــن مصالــح شــعوبها‪.‬‬ ‫فاملخطــط الغــريب الــذي بــدأ يف العــراق بعــد أحــداث الحــادي‬ ‫عــر مــن ســبتمرب‪ ،‬وتنامــي الفعــل الجهــادي القاعــدي‪ ،‬يتكــرر‬ ‫اليــوم مــع هجــات باريــس نوفمــر ‪ 2015‬ومتــدد الفعــل الجهــادي‬ ‫الداعــي‪.‬‬ ‫وترصيحــات تــوين بلــر رئيــس وزراء بريطانيــا يف ‪ 2003‬عن أســلحة‬ ‫الدمــار الشــامل العراقيــة التــي اســتثارت الــرأي العــام الربيطــاين‬ ‫والعاملــي‪ ،‬يقابلهــا اليــوم ترصيحــات رئيــس الــوزراء الفرنــي‬ ‫مانويــل فالــس‪ ،‬الــذي حــذر مــن خطــر هجــات بأســلحة كيامويــة‬ ‫أو جرثوميــة‪ ،‬معت ـرا ً أنــه ال ميكــن اســتبعاد أي احتــال‪.‬‬ ‫وقـرار مجلــس األمــن ‪ 1441‬الــذي هــدد العـراق بعواقــب وخيمــة‬ ‫يف حــال رفــض عمــل املفتشــن الدوليــن‪ ،‬والــذي اتــكأت عليــه‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة يف تشــكيل التحالــف الــدويل لغــزو‬ ‫العـراق‪ ،‬يقابلــه اليــوم تصويــت مجلــس األمــن عــى مــروع القرار‬ ‫الفرنــي الــذي يجيــز اتخــاذ كل اإلجــراءات الالزمــة للتصــدي‬ ‫لتنظيــم الدولــة اإلســامية «داعــش» يف ســوريا والعــراق‪ ،‬ولكــن‬ ‫مــا هــو جديــد اليــوم‪ ،‬هــو أن الواليــات املتحــدة األمريكيــة التــي‬ ‫تتجنــب االنخــراط املبــارش يف ســوريا‪ ،‬فتحــت املجــال للتدخــل‬ ‫الــرويس العســكري املبــارش يف ســوريا‪ ،‬الســاعي لقيــادة تحالــف‬ ‫دويل جديــد ضــد اإلرهــاب كــا يزعــم‪ ،‬واملتعطــش إلثبــات الــذات‬ ‫واســتعراض القــوة‪.‬‬ ‫وفيــا تجنبــت أمريــكا الظهــور مبظهــر الدولــة املؤيــدة لنظــام‬ ‫بشــار األســد القاتــل لشــعبه‪ ،‬دفعــت روســيا لتــارس دور محامــي‬ ‫الشــيطان يف دفاعــه عــن األســد‪ ،‬والقيــام باألعــال القــذرة بالنيابــة‬ ‫عنهــا‪.‬‬ ‫وإىل أن يتشــكل التحالــف الــرويس الفرنــي‪ ،‬مبــوازاة مــا ســبق‬ ‫مــن تحالــف أمريــي بريطــاين‪ ،‬بــارشت روســيا حملتهــا الرببريــة‬ ‫التــي تزعــم أنهــا تريــد تدمــر «داعــش»‪ ،‬يف معركــة أُريــد لرحاهــا‬ ‫أن تــدور يف مدينــة الرقــة‪ ،‬ضحاياهــا مــن أبنائهــا املســاملني‪،‬‬ ‫وإرتداداتهــا عــى كامــل الـراب الســوري‪ ،‬عــى أن يتكفــل الحليــف‬ ‫اإلي ـراين مبناطــق نفــوذه يف ســوريا‪ ،‬فيــا يقيــم الكــورد إداراتهــم‬ ‫الذاتيــة عــى أطـراف ســوريا‪ ،‬وعــى الحــدود الجنوبيــة الرتكيــة يف‬ ‫تكريــس لسياســة اغتنــام الفــرص‪ ،‬ومــا تســمح بــه الفــوىض‪.‬‬ ‫ال شــك أن تركيــا قــد أدركــت اآلن أنهــا مســتهدفة‪ ،‬مثلهــا مثــل‬ ‫الــدول العربيــة‪ ،‬وال ســيام بعــد أن ُســحب البســاط مــن تحــت‬ ‫أقــدام أردوغــان فيــا يخــص املنطقــة اآلمنــة‪ ،‬بعــد إدخــال‬ ‫صواريــخ أس ‪ 400‬عــى خلفيــة إســقاط الطائــرة الروســية‪ ،‬وانكفــاء‬ ‫الطــران الــريك إىل داخــل الحــدود الرتكيــة‪ ،‬كــا أدركــت أنهــا‬ ‫أخطــأت عندمــا رهنــت قراراتهــا بالضــوء األخــر األمريــي‪،‬‬ ‫وآن لهــا أن تواجــه مــع العــرب الطموحــات اإليرانيــة‪ ،‬والتغــول‬ ‫الــرويس‪ ،‬بعيــدا ً عــن املظلــة األمريكيــة‪ ،‬وأن عليهــا أن تــزود الثــوار‬ ‫الســوريني بالخــرة والتخطيــط والســاح النوعــي‪ ،‬الــذي قــد يكــون‬ ‫مــن شــأنه أن يســاهم يف انقــاذ مــا ميكــن انقــاذه‪ ،‬يف ظــل رشعيــة‬ ‫القــوة‪ ،‬وإجــازة الصمــت العاملــي‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫هل أودى إسقاط الطائرة احلربية‬ ‫الروسيةباملنطقةاآلمنة؟‬

‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫لقــد دأب الطـران الــرويس مــذ دخــل‬ ‫األجــواء الســورية‪ ،‬وأرىس قواعــده الجويــة‬ ‫يف الســاحل الســوري‪ ،‬عــى اخــراق‬ ‫األجــواء الرتكيــة‪ ،‬والقيــام بطلعــات‬ ‫اســتفزازية فيهــا الكثــر مــن التحــرش‬ ‫بالط ـران الــريك‪ ،‬مســتكمالً هــذا التغــول‬ ‫باســتهداف القــرى الرتكامنيــة واملدنيــن‬ ‫الرتكــان‪ ،‬دافعــاً األتــراك إىل الزاويــة‬ ‫الصعبــة‪ ،‬التــي ال خيــار فيها إال لالســتكانة‬ ‫أو اإلبــاء‪ ،‬وهــذا مــا فعلتــه طائــرات‬ ‫اف ‪ 16‬الرتكيــة التــي طبقــت قواعــد‬ ‫االشــتباك‪ ،‬وتصــدت لطائـرايت ســوخوي ‪24‬‬ ‫روســيتني‪ ،‬وأســقطت إحداهــا يف األرايض‬ ‫الســورية املحاذيــة للحــدود الرتكيــة‪،‬‬ ‫حيــث أودى ســقوط الطائــرة بحيــاة أحــد‬ ‫الطياريــن الروســيني‪ ،‬ويبــدو أنــه قــد‬ ‫أودى أيضـاً باملنطقــة اآلمنــة التــي كانــت‬ ‫تركيــا تســعى إىل إقامتهــا‪.‬‬ ‫وقــد اغتنمــت روســيا هــذه الفرصــة‪،‬‬

‫والتــي رمبــا كانــت تســعى إليهــا‪ ،‬لزيــادة‬ ‫تدخلهــا العســكري يف ســوريا‪ ،‬وإدخــال‬ ‫منظومــة دفاعهــا الجــوي املتطــورة اس‬ ‫‪ 400‬إىل األرايض الســورية‪ ،‬هــذا النظــام‬ ‫القــادر عــى اعــراض أهــداف عــى بعــد‬ ‫‪400‬كــم‪ ،‬ويســتطيع الــرادار الخــاص‬ ‫بهــذا النظــام الجديــد اكتشــاف األهــداف‬ ‫الجويــة عــى ارتفاعــات منخفضــة جــدا ً‪،‬‬ ‫ســواء كانــت طائــرات أو صواريــخ‪.‬‬ ‫وبنــا ًء عليــه أعلنــت تركيــا إيقــاف‬ ‫رضباتهــا الجويــة لداعــش داخــل‬ ‫ســوريا‪ ،‬وانكفــأت إىل داخــل حدودهــا‪،‬‬ ‫وأصبحــت املنطقــة اآلمنــة يف خــر كان‪،‬‬ ‫حيــث تقاعســت تركيــا كث ـرا ً عــن اتخــاذ‬ ‫الق ـرار بإقامتهــا بانتظــار الضــوء األخــر‬ ‫األمريــي‪ ،‬والــذي مــا كان ليــأيت‪ ،‬ألن‬ ‫أمريــكا غــر راضيــة عــى إقامــة مناطــق‬ ‫آمنــة يف ســوريا‪ ،‬وصــار لزام ـاً عــى تركيــا‬ ‫أن تفكــر مل ّيــاً بالتحــوالت الجديــدة‬ ‫الطارئــة عــى مســار األزمــة الســورية‪.‬‬

‫رمحاء اخلري‬ ‫مهند البكور ‪ -‬حمص‬

‫يســتمر أهــايل حــي الوعــر الحمــي‬ ‫بإرســال مناشــدات يتجاهلهــا العــامل‪ ،‬ومــن‬ ‫هــذا الواقــع األليــم والصعــب‪ ،‬ورغــم الحصــار‬ ‫والدمــار ال بــد مــن تشــكيل جهــة تقــوم بدعــم‬ ‫وإعانــة الحــاالت اإلنســانية الصعبــة مــن‬ ‫ذوي احتياجــات خاصــة‪ ،‬وجرحــى ومصابــن‪،‬‬ ‫والحــاالت اإلنســانيه الحرجــة والعائــات‬ ‫املحتاجــة للمــواد األساســية‪.‬‬ ‫فــارس أحــد أعضــاء فريــق رحــاء الخــر يقــول‬ ‫لـــ «الحرمــل»‪ :‬تــم تشــكيل فريــق «رحــاء‬ ‫الخــري» بالتعــاون مــع الســيدة «أم محمــد‬ ‫الحمصيــة» املقيمــة يف دولــة قطــر‪ ،‬التــي تقــدم‬ ‫الدعــم املــايل‪ ،‬ويتكــون كادره مــن مثانيــة‬ ‫شــباب متطوعــن يعملــون بأجــور رمزيــة‬ ‫تكفيهــم كفــاف يومهــم‪ ،‬ومــن املعــروف أن كل‬ ‫عمــل إغــايث تواجهــه صعوبــات‪ ،‬أهمهــا الدعــم‬ ‫املــايل‪ ،‬وبفضــل مــن اللــه قامــت الســيدة «أم‬ ‫محمــد الحمصيــة» بتقديــم الدعــم الــازم‬ ‫لبدايــة فريــق رحــاء مببالــغ بســيطة‪.‬‬ ‫فريــق رحــاء‪ -‬يعتنــي ببعــض العائــات‬ ‫املحتاجــة‪ ،‬وبعــض حــاالت اإلعاقــة الخاصــة‬ ‫باألطفــال‪ ،‬والناجمــة عــن الحــرب‪ ،‬أو اإلعاقــات‬ ‫الخلقيــة‪ ،‬ويقــدم الفريــق لهــؤالء األطفــال مــا‬ ‫يحتاجونــه مــن دعــم غــذايئ وإغــايث‪ ،‬كالحليــب‬ ‫وســات غذائيــة‪ ،‬وبعــض املبالــغ الرمزيــة إن‬ ‫توفــرت‪ ،‬كــا قــام فريــق «رحــاء» بدعــم‬ ‫إقامــة مــروع يعتنــي باألطفــال مــن خــال‬ ‫تأســيس نــا ٍد يعنــى بهــم‪ ،‬ويهتــم برعايتهــم‪،‬‬ ‫حمــل اســم نــادي «بســمة نــور» لألطفــال‪.‬‬ ‫ويتابــع‪« :‬بســمة نــور»‪ ،‬هــو نــا ٍد ترفيهــي‬ ‫وتعليمــي يعنــى بشــؤون األطفــال‪ ،‬ويقــدم‬ ‫لهــم مــا فقــدوه خــال الحــرب مــن تعليــم‬

‫وترفيــه موجــه‪ ،‬وقــد تــم اختيــار كادر تدريــي‬ ‫كل حســب اختصاصــه بطريقــة جيــدة‪ ،‬وبعــد‬ ‫ٌ‬ ‫أن ينتهــي أطفــال حــي الوعــر مــن دراســتهم‪،‬‬ ‫يتوجــون إىل مركــز النــادي الــذي تــم تجهيــزه‬ ‫للهــو والرتفيــه والتعليــم الحــر غــر املوجــه‪،‬‬ ‫ويقــدم النــادي عــدة نشــاطات منهــا «املــرح‬ ‫واملوســيقا والرياضــة‪ ،‬هنــاك اهتــام بالجانــب‬ ‫العلمــي للمــواد األساســية كالرياضيــات واللغــة‬ ‫العربيــة واإلنكليزيــة‪.‬‬

‫الناشــطة «غــرام حمــص»‪ ،‬قالــت‪ :‬مــروع‬ ‫إحــداث نــادي بســمة نــور هــو مــروع إيجايب‪،‬‬ ‫ويؤمــن بيئــة آمنــة ومريحــة للطفــل‪ ،‬وهــو‬ ‫خطــوة نحــو املســتقبل بــروح األمــل املتجــدد‪،‬‬ ‫هدفــه إبعــاد األطفــال عــن أجــواء الحــرب‪،‬‬ ‫واملشــاهدة املروعــة‪ ،‬واملجــازر اليوميــة التــي‬ ‫يتعرضــون لهــا بشــكل يومــي‪ ،‬ونأمــل أن‬ ‫يتجــاوز الــكادر العامــل يف النــادي املشــاكل‬ ‫والعقبــات املاليــة‪ ،‬حيــث أن الدعــم ال يكفــي‬ ‫لتغطيــة متطلبــات النــادي الكبــرة‪.‬‬ ‫ويقــول الناشــط واإلعالمــي «أبــو إيــاد‬ ‫الحمــي»‪ :‬إن تشــكيل مؤسســة تعنــى‬ ‫بالرتفيــه‪ ،‬والتوجيــه النفــي والتعليــم بطريقــة‬ ‫مرحــة يســهل عــى أطفــال الحــي اإلبتعــاد‬ ‫عــن مظاهــر القتــل والدمــار‪ ،‬وهــذه الخطــوة‬

‫مــن الخطــوات اإليجابيــة‪ ،‬التــي يجــب علينــا‬ ‫دعمهــا بشــتى الوســائل املمكنــة للمتابعــة‪،‬‬ ‫ومواصلــة العمــل بشــكل جيــد‪.‬‬ ‫يقــول أحــد أعضــاء الفريــق‪ :‬نســعى كفريــق‬ ‫عمــل أن يكــون عملنــا جامعي ـاً‪ ،‬ودامئــا نحــو‬ ‫األفضــل‪ ،‬وأي نشــاط ممكــن أن يكــون لــه‬ ‫تأثــر إيجــايب يف هــذا الحـراك‪ ،‬مــن املمكــن أن‬ ‫يكــون هدف ـاً جديــدا ً وجدي ـاً لفريــق العمــل‪،‬‬ ‫خصوصــاً إذا كان يســتهدف الطفــل مبــارشة‪.‬‬ ‫مــع مــرور كل يــوم يــزداد عــدد الفريــق ليصــل‬ ‫بالفــرة املاضيــة إىل نحــو مثانيــة وعرشيــن‬ ‫ناشــطاً بعــد إضافــة املدرســن واملرشفــن‬ ‫عــى األطفــال‪ ،‬وطبيــب للمتابعــة األســبوعية‬ ‫ألطفــال النــادي مــع تقديــم الــدواء لهــم إن‬ ‫وجــد‪.‬‬ ‫كــا قامــت إدارة النــادي التعليميــة بإجــراء‬ ‫ســر معلومــات ملعرفــة املســتوى التعليمــي‬ ‫للطــاب‪ ،‬وقامــوا بتوزيعهــم عــى أربــع مراحل‬ ‫مــن ريــاض األطفــال إىل الصــف الســادس‪،‬‬ ‫متضمنــة مرحلــة أوىل ريــاض أطفــال‪ ،‬مرحلــة‬ ‫ثانيــة مــن األول والثــاين‪ ،‬واملرحلــة الثالثــة‬ ‫تتضمــن الثالــث والرابــع‪ ،‬والرابعــة للخامــس‬ ‫والســادس‪ ،‬وهنــاك فصــل خــاص يعنــى مبحــو‬ ‫األميــة للنســاء‪.‬‬

‫تركي��ا تس��قط طائ��رة س��وخوي روس��ية اخرتق��ت جماهل��ا اجل��وي‬ ‫الحرمل ـ وكاالت‬ ‫أعلنــت مصــادر يف الحكومــة الرتكيــة ‪،‬‬ ‫الثالثــاء ‪ 2015/11/24‬أن تركيــا أســقطت‬ ‫طائــرة عســكرية روســية انتهكــت مجالهــا‬ ‫الجــوي بالقــرب مــن الحــدود مــع ســوريا‬ ‫وتــم إســقاطها بواســطة طائــرة ‪ .F16‬فيــا‬ ‫أظهــرت صــور تداولهــا ناشــطون عــى مواقــع‬ ‫التواصــل االجتامعــي مقتــل أحــد طيــاري‬ ‫املقاتلــة الروســية‪ ،‬واعتقــال اآلخــر عــى أيــدي‬ ‫عنــارص مــن املعارضــة الســورية‪ ،‬فيــا أكــد‬ ‫مصــدر رويس أن الطـران الثــاين اســتطاع الفـرار‬ ‫باتجــاه مواقــع النظــام‪ ،‬ووصولــه أخــرا ً إىل‬ ‫مطــار «حميميــم» بالقــرب مــن مدينــة جبلــة‬ ‫الســاحلية‪.‬‬ ‫وقالــت مصــادر الرئاســة الرتكيــة إن «طائــرة‬ ‫روســية مــن ط ـراز ســوخوي ‪ 24‬تــم اســقاطها‬ ‫طبق ـاً لقواعــد االشــتباك الجــوي‪ ،‬إثــر تحليقهــا‬ ‫يف املجــال الجــوي الــريك عــى الرغــم مــن‬ ‫التحذيــرات املتكــررة»‪.‬‬ ‫مــن جانبهــا‪ ،‬أكــدت وزارة الدفــاع الروســية‬ ‫أن الطــران الــريك أســقط مقاتلــة مــن طــراز‬ ‫ســوخوي ‪ 24‬تابعــة للجيــش الــرويس‪ ،‬لكنهــا‬ ‫نفــت أن تكــون خرجــت مــن املجــال الجــوي‬ ‫الســوري‪ ،‬بينــا تؤكــد أنقــرة أنهــا انتهكــت‬ ‫املجــال الجــوي الــريك‪.‬‬ ‫وقــال الرئيــس الــرويس بوتــن أننــا تلقينــا‬ ‫طعنــة يف الظهــر مــن تركيــا التــي تتعــاون‬ ‫مــع اإلرهــاب‪ ،‬وقالــت وزارة الدفــاع الروســية‬ ‫إن بوســعها إثبــات أن الطائــرة كانــت داخــل‬ ‫األجــواء الســورية طــوال الوقــت‪.‬‬ ‫وقالــت الــوزارة يف بيــان رســمي إن «طائــرة‬ ‫ســوخوي ‪ 24‬تابعــة لســاح الجــو الــرويس يف‬

‫تصعيد سياسي خطري ينذر بكارثة حمتملة‬

‫ســوريا تحطمــت اليــوم يف األرايض الســورية»‪.‬‬ ‫مضيفــاً أن الطائــرة «كانــت موجــودة يف‬ ‫املجــال الجــوي الســوري حــرا ً‪ ،‬وهــي مل‬ ‫تنتهــك األجــواء الرتكيــة‪ ،‬وأن طيــاري الطائــرة‬ ‫ســوخوي‪ 24‬التــي أســقطت هبطــا باملظلــة‪،‬‬ ‫ومصريهــا مل يعــرف بعــد»‪.‬‬ ‫ويف ســياق متصــل أعلنــت هيئــة األركان‬ ‫الروســية عــن مقتــل جنــدي رويس مــن مشــاة‬ ‫البحريــة يف ســوريا‪ ،‬خــال عمليــة البحــث عــن‬ ‫الطياريــن الذيــن أســقطت تركيــا طائرتهــا‬ ‫قــرب الحــدود الســورية الرتكيــة‪.‬‬ ‫وأفــادت هيئــة األركان العامــة الروســية‬ ‫بــأن مروحيتــن تابعتــن للمجموعــة الجويــة‬ ‫الروســية املتمركــزة يف قاعــدة «حميميــم»‬ ‫الجويــة يف ســوريا شــاركتا مــع وحــدة مــن‬ ‫مشــاة البحريــة الروســية يف عمليــة البحــث‬ ‫عــن طيــاري «ســوخوي ‪ »24‬الروســية التــي‬ ‫أســقطتها مقاتلــة تركيــة مــن ط ـراز «إف ‪»16‬‬ ‫بصــاروخ يف «املجــال الجــوي الســوري»‬ ‫وأوضحــت الهيئــة يف بيــان أن «عمليــة اإلنقــاذ‬ ‫مل تحقــق غايتهــا‪ ،‬إذ جوبهــت املروحيتــان‬ ‫بن ـران أرضيــة كثيفــة يف منطقــة البحــث مــا‬ ‫أدى إىل إصابــة إحداهــا‪ ،‬ومقتــل أحــد جنــود‬ ‫مشــاة البحريــة مــن الذيــن كانــوا عــى متنهــا»‪.‬‬ ‫ولفــت البيــان إىل أن الفريــق املشــارك يف‬ ‫العمليــة متكــن مــن العــودة إىل قاعــدة‬ ‫«حميميــم» بواســطة املروحيــة الثانيــة‬ ‫ا لســليمة ‪.‬‬ ‫مــن جانبــه‪ ،‬أفــاد مكتــب رئيــس الــوزراء الرتيك‪،‬‬ ‫أن أحمــد داوود أوغلــو أعطــى تعليامتــه لوزارة‬ ‫الخارجيــة بالتشــاور مــع حلــف األطلــي‬ ‫واألمــم املتحــدة ودول معنيــة بشــأن تطــورات‬

‫* الطائــرة الروســية أثنــاء إحرتاقهــا يف الســاء‬

‫الوضــع عــى الحــدود الرتكيــة الســورية‪.‬‬ ‫ويف تطــور الفــت لألحــداث‪ ،‬ألغــى وزيــر‬ ‫الخارجيــة الــرويس زيــارة رســمية لــه إىل تركيــا‬ ‫كان مــن املرتقــب أن يقــوم بهــا يف اليــوم التــايل‬ ‫إلســقاط الطائــرة الروســية‪ ،‬كــا حــذر الــروس‬ ‫مــن الســفر إىل تركيــا‪ ،‬وطالــب الســواح الــروس‬ ‫املتواجديــن يف منتجعــات تركيــا مبغادرتهــا‬ ‫فــورا ً‪.‬‬ ‫ويف اتصــال هاتفــي مــع أردوغــان أعــرب‬ ‫الرئيــس األمريــي أوبامــا عــن دعــم أمريــكا‬ ‫والناتــو لحــق تركيــا يف الدفــاع عــن ســيادتها‪.‬‬ ‫فيــا أكــدت وزارة الدفــاع الروســية أن موســكو‬ ‫قطعــت عالقاتهــا العســكرية مــع أنقــرة ردا ً‬ ‫عــى إســقاط طائــرة «ســوخوي ‪ »24‬فــوق‬ ‫األرايض الســورية‪.‬‬ ‫وقــال الرئيــس الــريك يف كلمــة لــه ألقاهــا يف‬ ‫أنقــره العاصمــة الرتكيــة يف معــرض حديثــه‬ ‫حــول إســقاط الطائــرة الرتكيــة «عــى الرغــم‬ ‫مــن أنــه تــم تحذيــر الطائــرة عــر م ـرات يف‬ ‫خمــس دقائــق فإنهــا كانــت متجهــة صــوب‬ ‫حدودنــا وأرصت عــى مواصلــة انتهاكهــا‪،‬‬

‫وهــذه الترصفــات ليســت حامقــة‪ ،‬بــل تتفــق‬ ‫متامــاً وقواعــد االشــتباك الرتكيــة»‪.‬‬ ‫وأكــد أن تركيــا تدعــم املعارضــة الســورية‬ ‫املعتدلــة ضــد النظــام الســوري الظــامل‪ ،‬بينــا‬ ‫تريــد روســيا الحفــاظ عــى نظــام األســد‬ ‫الرببــري»‪.‬‬ ‫وأضــاف الرئيــس الــريك «نقــول لألســد ومــن‬ ‫يحميــه إن منطقــة جبــل الرتكــان ال يوجــد‬ ‫فيهــا مجموعــات إرهابيــة‪ ،‬وتركيــا ستســتمر‬ ‫بدعــم املظلومــن»‪ ،‬وذلــك يف إشــارة إىل روســيا‬ ‫التــي أوضحــت أنهــا تقصــف مناطــق لقــوات‬ ‫داعــش وجبهــة النــرة‪ ،‬مشــددا ً أن جبــل‬ ‫الرتكــان منطقــة مهمــة جــدا ً بالنســبة لرتكيــا‪،‬‬ ‫وهــي منطقــة خاليــة مــن املنظــات اإلرهابية‪،‬‬ ‫مؤكــدا ً أن تركيــا وبالتعــاون مــع حلفائهــا‬ ‫ستنشــئ قريبــا «منطقــة إنســانية آمنــة» بــن‬ ‫جرابلــس الســورية وشــاطئ املتوســط»‪.‬‬ ‫يذكــر أن تركيــا تكشــف للمــرة األوىل أن‬ ‫املنطقــة اآلمنــة التــي تعتــزم إقامتهــا يف ســوريا‬ ‫ســتمتد إىل البحــر املتوســط‪ ،‬حيــث جــرى‬ ‫الحديــث ســابقاً بــأن املنطقــة اآلمنــة متتــد مــن‬

‫جرابلــس وصــوالً إىل أعــزاز‪.‬‬ ‫وكان مصــدر رســمي تــريك قــد أكــد قبــل يومــن‬ ‫أن «املنطقــة اآلمنــة» ســتقام خــال أســبوع‪ ،‬يف‬ ‫حــن يــرى خـراء أتـراك أن اندفــاع نظــام األســد‬ ‫وروســيا باتجــاه جبــل الرتكــان بأنهــا «محاولــة‬ ‫إلجهــاض فكــرة املنطقــة اآلمنــة» التــي تلــوح‬ ‫أنقــره بهــا‪.‬‬ ‫وضمــن التداعيــات الناجمــة عــن حــادث‬ ‫إســقاط الطائــرة الروســية‪ ،‬أطلــق ناشــطون‬ ‫ســوريون نــداءات عــر هاشــتاغ موحــد عــى‬ ‫موقــع تويــر‪ ،‬طالبــوا فيــه مبادلــة جثــة الطيــار‬ ‫الــرويس بالعقيــد حســن هرمــوش املعتقــل‬ ‫لــدى النظــام‪.‬‬ ‫والهرمــوش مــن أبنــاء جبــل الزاويــة بريــف‬ ‫إدلــب‪ ،‬وهــو أول ضابــط انشــق عــن جيــش‬ ‫األســد‪ ،‬ومــن مؤســي الجيــش الســوري‬ ‫الحــر‪ ،‬وقــد أســس أوالً لــواء الضبــاط األح ـرار‪.‬‬ ‫وتــواردت عــدة أنبــاء عــن استشــهاده داخــل‬ ‫املعتقــل‪ ،‬لكــن نظــام األســد مل يذكــر ذلــك‬ ‫أبــدا ً‪ ،‬فيــا أكــد بعــض املفــرج عنهــم أنــه مــا‬ ‫زال عــى قيــد الحيــاة‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫‪3‬‬

‫أكث��ر م��ن ‪ 50‬ش��هيداً حصيل��ة أرب��ع جم��ازر ارتكبتها‬ ‫قوات األس��د والطريان الروس��ي بدرعا‬ ‫سارة الحوراني ‪ -‬درعا‬

‫تتواصــل املجــازر التــي يرتكبهــا الطــران‬ ‫الحــريب الــرويس واملروحــي بحــق أهــايل‬ ‫محافظــة درعــا‪ ،‬حيــث وصــل عــدد املجــازر‬ ‫التــي ارتكبــت يف مــدن وقــرى وبلــدات درعــا‬ ‫خــال ‪ 10‬أيــام إىل ‪ 4‬مجــازر راح ضحيتهــا ‪52‬‬ ‫شــهيدا ً وعــرات الجرحــى ‪.‬‬ ‫كان يــوم الخميــس ‪ 19‬مــن الشــهر الجــاري‬ ‫عــى موعــد مــع مجــزرة مروعــة راح ضحيتهــا‬ ‫مــا يقــارب ‪ 30‬شــهيدا ً وعــرات الجرحــى‬ ‫عندمــا اســتهدفت الطائــرات املروحيــة‬ ‫معــرة زيتــون يف مدينــة الشــيخ مســكني‬ ‫بالرباميــل املتفجــرة‪ ،‬مــا أســفر عــن استشــهاد‬ ‫عــدد كبــر مــن األهــايل ممــن كانــوا ينتظــرون‬ ‫دورهــم لعــر مثــار الزيتــون‪ ،‬و بعــد تجمــع‬ ‫األهــايل و فــرق الدفــاع املــدين إلخــاء‬ ‫الشــهداء و الجرحــى عــاودت مدفعيــة قــوات‬ ‫النظــام اســتهدافها للمنطقــة لتوقــع املزيــد‬ ‫مــن الشــهداء و الجرحــى‪ ،‬ومــن بــن الجرحى‬ ‫عنــارص مــن الدفــاع املــدين الســوري‪.‬‬ ‫ومل متــي ســاعات قليلــة حتــى وقعــت‬ ‫مجــزرة أخــرى يف مدينــة الشــيخ مســكني‪،‬‬ ‫عندمــا ســقط برميــل متفجــر عــى أحــد‬ ‫منــزل الدكتــور مــراد هــال مديــر املشــفى‬ ‫امليــداين يف املدينــة‪ ،‬نجــم عنــه ارتقــاء أرسة‬ ‫الدكتــور املكونــة مــن ‪ 7‬أشــخاص مــن بينهــم‬ ‫زوجتــه وشــقيقته و‪ 5‬أطفــال فيــا نجــا أبنــه‬ ‫البكــر‪.‬‬ ‫وكانــت مدينــة نــوى يف ريــف درعــا الشــايل‬ ‫عــى موعــد هــي األخــرى مــع مجــزرة‬

‫زيد الفارس ‪ -‬الرقة‬

‫جرح��ى وح��االت اختن��اق يف س��جن‬ ‫الحرمل ‪ -‬حمص مح��ص املرك��زي‬ ‫مروعــة راح ضحيتهــا أرسة نازحــة مــن بلــدة‬ ‫كفــر شــمس مكونــة مــن خمســة أشــخاص‬ ‫وإصابــة آخريــن عندمــا اســتهدفت الطائـرات‬ ‫الروســية منزلهــم بصــاروخ فراغــي حولــه إىل‬ ‫كومــة مــن الــركام واالنقــاض التــي احتجــزت‬ ‫تحتهــا العائلــة الشــهيدة‪.‬‬ ‫ولكــن مدينــة درعــا وتحديــدا ً طريــق الســد‬ ‫شــهد مجــزرة مروعــة راح ضحيتهــا ‪10‬‬ ‫شــهداء مــن أرسة واحــدة «الطعــاين» مــن‬ ‫بــن الضحايــا الجــد والجــدة و‪ 4‬مــن أبنائهــم‬ ‫و‪ 4‬مــن أحفادهــم أصغرهــم ‪ 7‬أشــهر فقــط‪،‬‬ ‫حيــث كثفــت طائ ـرات قــوات النظــام منــذ‬ ‫صبــاح يــوم الســبت‪ 21‬مــن الشــهر الجــاري‬ ‫مــن غاراتهــا عــى مدينــة درعــا و اســتهدفت‬ ‫يف املســاء حــي طريــق الســد بـــ ‪ 3‬غــارات‬ ‫جويــة مــن الط ـران الــرويس «ميــج» كذلــك‬ ‫‪ 4‬غــارات عــى أحيــاء درعــا البلــد املحــررة‬ ‫واملناطــق املجــاورة ‪.‬‬ ‫مــن جهــة ثانيــة تواصــل االشــتباكات العنيفــة‬

‫بــن قــوات األســد املدعومــة باملليشــيات‬ ‫اإليرانيــة واللبنانيــة واألفغانيــة وبالطــران‬ ‫الــرويس مــن جهــة وبــن فصائــل املعارضــة‬ ‫الســورية مــن جهــة أخــرى يف مدينــة الشــيخ‬ ‫مســكني‪ ،‬حيــث متكنــت فصائــل املعارضــة‬ ‫مــن التقــدم واســتعادة بعــض النقــاط التــي‬ ‫خرستهــا يف الفــرة املاضيــة لصالــح قــوات‬ ‫األســد‪ ،‬وأوقعــت العديــد مــن قــوات األســد‬ ‫بــن قتيــل وجريــح ودمــرت عــدد مــن‬ ‫آلليــات واملركبــات لهــم ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يشــار إىل أن ‪ 2977‬مدنيــا استشــهدوا بعــد‬ ‫‪ 53‬يومــاً مــن التدخــل الــرويس يف ســوريا‪،‬‬ ‫مــن بينهــم ‪ 550‬شــهيدا ً نتيجــة الرضبــات‬ ‫الروســية‪ ،‬حيــث بلــغ عــدد الغــارات الجويــة‬ ‫للط ـران الــرويس يف ســوريا ‪ 2943‬غــارة‪ ،‬تــم‬ ‫اســتهداف ثــاث مــدارس و‪ 14‬مستشــفى‬ ‫ميــداين ومعمــل لألدويــة وآخــر للصناعــات‬ ‫الغذائيــة يف ســوريا اســتنادا لترصيــح خالــد‬ ‫خوجــة رئيــس االئتــاف الوطنــي الســوري‪.‬‬

‫الرق��ة بع��د تفج�يرات فرنس��ا‪!..‬‬

‫من��ذ أح��داث تفج�يرات فرنس��ا الدامي��ة ال�تي قتل��ت أكث��ر م��ن ‪ ١٢٧‬ش��خصاً ومجي��ع انظ��ار‬ ‫العامل تتجه إىل معقل تنظيم داعش يف مدينة الرقة ش��رق س��وريا‪ ،‬حيث كان الرد س��ريعاً‬ ‫من قبل طائرات التحالف الدولي حيث ش��ن طائرات الرافال واملرياج الفرنس��ية يف الـ ‪ ١٥‬من‬ ‫ه��ذا الش��هر أكث��ر م��ن ‪ ٣٠‬غ��ارة جوي��ة عل��ى معاق��ل التنظي��م يف مدين��ة الرق��ة يف الي��وم األول‬ ‫بعد أحداث فرنس��ا يف حني صرحت القيادة الفرنس��ية بأن طائراتها اس��تهدفت معاقل داعش‬ ‫يف الرقة بعشر طــ��ائرات كــ��انت تقــصــ��ف املــدينــــــــ��ة‪.‬‬

‫هجــات باريــس يف مســاء ‪2015/11/13‬‬

‫يف اليــوم األول حيــث كانــت جميــع‬ ‫الغــارات مدتهــا أقــل مــن ســاعة واحــدة‪،‬‬ ‫اســتهدفت املناطــق الحساســة لــدى التنظيــم‬ ‫ونقــاط مهمــة جــدا ً لهــم ويف يــوم الـــ‪ ١٧‬مــن‬ ‫نفــس الشــهر عــادت طائـرات املـراج والرافــال‬ ‫الفرنســية لتقــوم بقصــف مناطــق ومراكــز‬ ‫التدريــب لتنظيــم داعــش حيــث اســتهدفت‬ ‫معاقــل داعــش بأكــر مــن ‪ ٢٨‬غــارة جويــة‬ ‫اســتهدفت املدينــة واألطــراف وحتــى الريــف‬ ‫الرشقــي عــى إثــر ذلــك قــام التنظيــم بإغــاق‬ ‫جميــع طــرق املدينــة ومنــع األهــايل مــن‬ ‫الخــروج منهــا‪ ،‬وكــا قامــت أيضــاً مبصــادرة‬ ‫جميــع أجهــزة االنرتنــت الفضــايئ يف مقاهــي‬ ‫االنرتنــت بحجــة أن هناك أشــخاص يســتخدمون‬ ‫االنرتنــت وإرســال إحداثيات لطائـرات التحالف‬ ‫الــدويل‪ ،‬واســتمرت الحملــة الفرنســية عــى‬ ‫معاقــل التنظيــم يف الرقــة ليلــة أمــس حيــث‬ ‫اســتهدفت أيضــاً معاقــل التنظيــم يف املدينــة‬ ‫والريــف الرشقــي والغــريب بأكــر مــن ‪ ٢٥‬غــارة‬ ‫جويــة‪.‬‬ ‫وكــا أفــاد الطبيــب محمــد ســعيد «اســم‬

‫مســتعار لدواعــي أمنيــة» مــن الرقــة بــأن‬ ‫هنــاك أكــر مــن ‪ ٦٠‬جثــة ملقاتــي التنظيــم‬ ‫يف اليــوم األول‪ ،‬وكــا اســتمرت قــدوم جثــث‬ ‫املقاتلــن حتــى وصــل العــدد إىل أكــر مــن ‪١٨٠‬‬ ‫مقاتــاً مــن تنظيــم داعــش فقــط الســوريني‬ ‫ألن التنظيــم ال يقــوم بجلــب أي جثــة ملقاتــل‬ ‫غــر ســوري إىل املشــفى العــام للمدينــة بــل‬ ‫يأخذوهــم إىل مشــايف رسيــة تابعــة لهــم‪،‬‬ ‫وأكمــل قائ ـاً‪ :‬عــدد الجرحــى ج ـراء الغــارات‬ ‫أكــر مــن ‪ ٢٠٠‬مقاتــل مــن داعــش‪ ،‬وأن بـراد مل‬ ‫يعــد يتســع لجثــث مقاتــي التنظيــم‪ ،‬وأضــاف‬ ‫أخـرا ً عنــد ســؤاله عـ ّـا حــدث يف باريــس مــن‬ ‫أحــداث دمويــة‪ ،‬أجــاب‪ :‬إن مــا حــدث هنــاك‬ ‫أمــر مؤســف حق ـاً‪ ،‬فهــؤالء النــاس هــم أبريــاء‬ ‫ويف الديــن اإلســامي ال يحــق لــك قتــل إنســان‬ ‫مــن دون ســبب‪ ،‬وتحــرم هكــذا أمــر ألنــه‬ ‫يخالــف تعاليــم اإلســام‪ ،‬وال ميــت لــه بصلــة‪،‬‬ ‫لكــن مــا حــدث هنــاك إرهــاب حقيقــي‪ ،‬لكنــه‬ ‫جــزء صغــر مــا يحــدث هنــا يف الرقــة‪ ،‬ومــا‬ ‫ميارســه تنظيــم داعــش عــى املدنيــن بشــكل‬ ‫يومــي‪ ،‬نحــن نتمنــى أن نتخلــص مــن هــذا‬

‫التنظيــم االرهــايب اليــوم قبــل غــدا ً‪.‬‬ ‫عــى إثــر الغــارات الجويــة التــي قامــت بهــا‬ ‫طائــرات التحالــف الــدويل رد تنظيــم داعــش‬ ‫بقســوة كبــرة عــى املدنيــن حيــث حــاول‬ ‫فــرض التجنيــد اإلجبــاري عــى املدنيــن‪ ،‬وقــام‬ ‫بإغــاق املدينــة كاملــة عــى املدنيــن رمبــا هــي‬ ‫خطــة جديــدة لحاميــة أنفســهم مــن غــارات‬ ‫التحالــف‪ ،‬وجعــل املدنيــن دروعـاً برشيــة لهــم‬ ‫يف حــال قــام التحالــف الــدويل بقصــف مراكــز‬ ‫التنظيــم يف الرقــة‪.‬‬ ‫وكــا أفــاد أبــو محمــد مــدين مــن الرقــة بــأن‬ ‫األيــام املاضيــة كانــت مــن أصعــب األيــام التــي‬ ‫متــر بهــا مدينــة الرقــة بســبب الخــوف مــن قوة‬ ‫االنفجــارات‪ ،‬وعــدد الغــارات الجويــة التــي‬ ‫اســتهدفت املدينــة‪ ،‬لكــن بنفــس الوقــت هــذه‬ ‫الغــارات ال تقتلنــا كغــارات الطائـرات الروســية‪،‬‬ ‫والنظــام الســوري املجــرم‪ ،‬إمنــا نطمــن بــأن‬ ‫هــذه الغــارات تقصــف الجامعــات اإلرهابيــة‪،‬‬ ‫والتــي هــي تنظيــم داعــش ألنهــا تدعــي القــوة‬ ‫لكــن عندمــا تــأيت أي طائــرة للتحالــف الدويل ال‬ ‫تــرى أي مقاتــل يف الشــارع‪ ،‬يهربــون كالجــرذان‬ ‫ويختبئــون يف املنــازل أو بــن املدنيــن‪.‬‬ ‫تنظيــم داعــش هــو بالفعــل تنظيــم جبــان‪،‬‬ ‫لكنــه يدعــي القــوة يف ظــل الخنــاق الــذي‬ ‫يطبــق عليــه مــن جميــع الجهــات‪ ،‬حيــث‬ ‫يحــاول أن يســتجمع قــواه‪ ،‬لكــن طــران‬ ‫التحالــف ال يدعــه يتنفــس مــن جهــة والجيــش‬ ‫الســوري الحــر‪ ،‬والقــوات الكرديــة تقــوم‬ ‫بالهجــوم عليــه مــن جهــة أخــرى بعــد إعــان‬ ‫قائــد «ثــوار الرقــة»‪ ،‬بــدء العمليــات العســكرية‬ ‫لتحريــر مدينــة الرقــة مــن تنظيــم داعــش‪ ،‬رمبــا‬ ‫التنظيــم يعيــش أنفاســه األخــرة يف مدينــة‬ ‫الرقــة‪ ،‬وســوف نشــاهد املدينــة محــررة خــال‬ ‫مــدة زمنيــة قصــرة كــا يأمــل أهــايل املدينــة‬ ‫ذلــك‪.‬‬

‫أفــاد املدعــو «أبــو عبــد اللــه»‪ ،‬أحــد معتقــي‬ ‫ســجن حمــص املركــزي بأن قــوات أمن الســجن‬ ‫بقيــادة املــازم أول «محمــد األحمــد» تحــاول‬ ‫اقتحــام الســجن بــكل أقســامه منــذ يومــن‬ ‫إىل حينــه‪ ،‬وذلــك للســيطرة عــى زمــام األمــور‬ ‫وضبــط املعتقلــن‪ ،‬اســتنفروا بشــكل جامعــي‬ ‫ضــد مــا يرونــه مــن تعذيــب وقهــر وحــاالت‬ ‫اغتصــاب داخــل الســجن‪ ،‬مضيفـاً أن املعتقلــن‬ ‫يف حالــة اســتعصاء منــذ ثــاث ســنوات‪ ،‬وهــم‬ ‫يتنقلــون داخــل الســجن‪ ،‬ولكــن مــا اســتجد أن‬ ‫قــوات أمــن الســجن أخرجــت أحــد األشــخاص‬ ‫املوقوفــن مــن الســجن عــى أن يتــم اإلف ـراج‬ ‫عنــه‪ ،‬وقامــت بتعذيبــه‪ ،‬ورضبــه‪ ،‬وتحويلــه إىل‬ ‫أفــرع دمشــق‪ ،‬كــا أن املــازم أول «محمــد‬ ‫األحمــد» يقــوم بشــكل مســتمر باالعتــداء عــى‬ ‫املعتقــات يف قســم النســاء ورضبهــن والطعــن‬ ‫يف رشفهــن‪ ،‬ويقــوم بتأجيــج النعـرات الطائفيــة‬ ‫داخــل الســجن‪ ،‬والتعــرض ألهــايل الســجناء‬ ‫أثنــاء زيــارة أبنائهــم‪ ،‬وهــذا مــا أثــار غضــب‬ ‫املعتقلــن ودفعهــم للتظاهــر داخــل الســجن‪،‬‬ ‫فســارعت قــوات أمــن الســجن باالنتشــار عــى‬

‫أســطح املبنــى املحــارص‪ ،‬واســتهداف املعتقلــن‬ ‫بالرصــاص الحــي‪ ،‬وأوقعــوا جرحــى يف صفــوف‬ ‫الســجناء‪ ،‬الذيــن حاولــوا التصــدي لهــم‪،‬‬ ‫وقامــوا برمــي قنابــل مســيلة للدمــوع‪ ،‬وأخــرى‬ ‫مرخيــة لألعصــاب‪ ،‬أثــرت بشــكل مبــارش عــى‬ ‫الســجناء‪.‬‬ ‫ومــع اســتمرار الــراع الدائــر‪ ،‬يشــهد‬ ‫املعتقلــون يف ســجن حمــص املركــزي حــاالت‬ ‫إنســانية صعبــة جــدا ً‪ ،‬حيــث أن قــوات أمــن‬ ‫الســجن منعــوا عنهــم «الطعــام واملــاء والــدواء‬ ‫والكهربــاء»‪ ،‬وهــم اآلن يفتقــرون ألدىن‬ ‫مقومــات الحيــاة يف ظــل املــوت واألرس الــذي‬ ‫يعيشــون فيــه‪ ،‬ويف ظــل غيــاب كل الضامئــر‬ ‫اإلنســانية عــن نرصتهــم‪.‬‬ ‫وأنهــى «أبــو عبــد اللــه» حديثــه بتوجيــه نــداء‬ ‫مســجل يناشــد فيــه عــدد مــن األشــخاص‬ ‫مــن داخــل ســجن حمــص املركــزي كل قــادة‬ ‫الفصائــل وقبــادات الثــورة يف ســوريا لفــك‬ ‫حصــار الســجن‪ ،‬وتحطيــم قيــود األرس التــي‬ ‫تلتــف حــول أعناقهــم وأعنــاق كل املعتقلــن‬ ‫يف ســوريا‪ .‬فيــا هــل تــرى هــل مــن مجيــب؟!‬

‫دي��ر ال��زور حت��ت القص��ف الروس��ي‬ ‫وداع��ش تعتق��ل وتقت��ل عل��ى األرض‬

‫الحرمل ‪ -‬دير الزور‬ ‫نفــذ تنظيــم الدولــة اإلســامية «داعــش»‬ ‫حكــم اإلعــدام بشــخص مــن‏ديــر الــزور‬‪ ،‬وذلــك‬ ‫عــى خلفيــة اتهامه بتصويــر مقراته والتجســس‬ ‫عــى عنــارصه‪ ،‬بالتزامــن مــع اســتهداف الطريان‬ ‫األســدي والــرويس ألحيــاء املدينــة الخاضعــة‬ ‫لتنظيــم الدولــة‪ ،‬وأطــراف قريــة عيــاش يف‬ ‫الريــف الغــريب بأكــر مــن غــارة‪ ،‬مــع اســتمرار‬ ‫تحليــق للط ـران الحــريب يف ســاء ريــف ديــر‬ ‫الــزور‪.‬‬ ‫ويف ظــل قصــف الطــران املتواصــل للمدينــة‬ ‫وريفهــا‪ ،‬قامــت الرشطــة اإلســامية التابعــة‬ ‫لداعــش بنصــب عــدة حواجــز عــى جــري‬ ‫البصــرة واملياديــن بريــف ديــر الــزور الرشقــي‪،‬‬ ‫وذلــك بهــدف إلقــاء القبــض عــى عنــارص مــن‬ ‫التنظيــم ممــن يحاولــون الهــرب والف ـرار نحــو‬ ‫األرايض الرتكيــة‪ .‬كــا قــام عنــارص ‫داعـش‬ بشـ َّن‬ ‫حملــة مداهــات واعتقــاالت طالــت العديــد‬ ‫مــن األشــخاص مــن قــرى «الدحلــة وإبريهــة‬ ‫وجديــد عكيــدات والجــرذي» بريــف ديــر الزور‬ ‫الرشقــي‪ ،‬وتــم اقتيادهــم إىل جهــة مجهولــة‪.‬‬ ‫كــا قــام عنــارص التنظيــم بحملــة مداهــات‬ ‫واعتقــاالت طالــت العديــد مــن شــباب بلــدة‬

‫البوليــل بريــف ديــر الــزور الرشقــي‪ ،‬وتنظيــم‬ ‫‫حملــة اعتقــاالت واســعة طالــت جميــع عنــارص‬ ‫األمــن العــام الذيــن كانــوا يعملــون ســابقاً يف‬ ‫الهيئــة الرشعيــة املشــركة يف مدينــة ‫‏املياديــن‪.‬‬ ‫ويف ظــل الحصــار الــذي يفرضــه تنظيــم الدولــة‬ ‫عــى مدينــة ديــر الــزور‪ ،‬تــم توثيــق وفــاة‬ ‫الطفــل أحمــد حســان العيــى نتيجــة النقــص‬ ‫يف الــدواء والطعــام يف حــي الجــورة‪ ،‬فيــا‬ ‫تــواردت أنبــاء عــن ســاح تنظيــم ‫‏داعــش‬‬ ‫لعــودة عمــل محــات اإلنرتنــت يف مدينــة‬ ‫‫‏املياديــن‬ ومــا حولهــا‪ ،‬وذلــك لــكل الذيــن‬ ‫حصلــوا عــى موافقــات ورخــص عمــل جديــدة‬ ‫يف هــذا املجــال‪.‬‬ ‫ويف بلــدة الزبــاري أقيــم بيــت ع ـزاء للمدعــو‬ ‫أســعد ســليم املحيميــد الــذي أعدمــه تنظيــم‬ ‫‫‏داعــش‬ بتهمــة التواصــل مــع النظــام ومثــل‬ ‫بجثتــه ورماهــا يف القريــة‪ ،‬لتنشــب مشــاجرة‬ ‫بــن األهــايل والتنظيــم‪ ،‬حيــث قــام بعــض‬ ‫الشــبان بطعــن عنــارصه بالســاح األبيــض‪،‬‬ ‫ورد العنــارص باســتدعاء املــؤازرة‪ ،‬وقيامــه‬ ‫باعتقــاالت طالــت الع ـرات‪ ،‬وإقــدام أمنييــه‬ ‫عــى إعــدام عــرة أشــخاص يف موحســن‪ ،‬فيــا‬ ‫ظــل مصــر اآلخريــن مجهــوالً حتــى اآلن‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫قص��ف متواص��ل عل��ى حمافظ��ة درع��ا‬ ‫وجرائم مروعة يرتكبها الطريان الروسي‬

‫أمريكيون لتدريب أكراد سوريا‬

‫الصورة تعبريية‬

‫الحرمل ـ وكاالت‬ ‫ً‬ ‫وصــل نحــو خمســن عســكريا أمريكيــا إىل‬ ‫مدينــة كوبــاين (عــن العــرب) شــال ســوريا‪،‬‬ ‫لتدريــب املقاتلــن األكــراد ضــد تنظيــم‬ ‫«الدولــة اإلســامية»‪ ،‬وفــق ما أعلنــت مصادر‬ ‫محليــة‪ .‬فيــا أعلنــت مصــادر متطابقــة‬ ‫للجــان التنســيق املحليــة يف ســوريا وصــول‬ ‫عــرات العســكريني األمريكيــن إىل مدينــة‬ ‫كوبــاين (عــن العــرب) شــال ســوريا خــال‬ ‫األيــام القليلــة املاضيــة عــر تركيــا‪ .‬وقالــت‬ ‫اللجــان إن نحــو ‪ 50‬عســكرياً أمريكيـاً‪ ،‬بينهــم‬ ‫ضبــاط‪ ،‬وصلــوا إىل داخــل األرايض الســورية‬

‫بهــدف تدريــب مقاتلــن أكــراد ملواجهــة‬ ‫تنظيــم «الدولــة اإلســامية» (داعــش)‪.‬‬ ‫وأضافــت اللجــان أن «ذلــك يــأيت ضمــن‬ ‫الخطــة األمريكيــة إلرســال جنــود إىل الشــال‬ ‫الســوري بهــدف تدريــب مقاتــي الوحــدات‬ ‫الكرديــة»‪ ،‬وأنــه كان قــد ســبقهم قبــل فــرة‬ ‫قصــرة عــدد أقــل مــن الجنــود إىل مدينــة‬ ‫القامشــي التــي تســيطر عليهــا وحــدات‬ ‫مقاتلــة مــن حــزب العــال الكردســتاين‪ ،‬فــرع‬ ‫ســوريا‪ ،‬املعــروف بـــ(يب واي ديــه) يف شــال‬ ‫رشق ســوريا‪.‬‬

‫وكانــت مصــادر عســكرية أمريكيــة قــد‬ ‫أشــارت الشــهر املــايض إىل أن عنــارص القوات‬ ‫الخاصــة األمريكيــة ســتصل إىل شــال ســوريا‬ ‫خــال شــهر ترشيــن الثاين‪/‬نوفمــر‪ ،‬يف مهمــة‬ ‫استشــارية ال تشــمل مرافقــة املقاتلــن يف‬ ‫عمليــات ضــد تنظيــم داعــش‪ .‬كــا ســبق‬ ‫للمتحــدث باســم البيــت األبيــض جــوش‬ ‫إرنســت اإلشــارة إىل أن العســكريني الذيــن‬ ‫ســوف يرســلون إىل ســوريا هــم أقــل مــن‬ ‫خمســن عنــرا ً‪ ،‬ولــن تكــون لهــم مهــام‬ ‫قتاليــة‪.‬‬

‫نب��ارك لصحيف��ة «الرق��ة الي��وم» إنضمامه��ا إىل‬ ‫العائل��ة اإلعالمية الس��ورية يف ش��انلي اورف��ا الرتكية‬

‫الحرمل ‪ -‬درعا‬ ‫مازالــت براميــل املــوت تتســاقط مــن قبــل‬ ‫الطــران املجــويس املجــرم عــى مــدن وقــرى‬ ‫محافظــة درعــا‪ ،‬إضافــة الســتهداف الطــران‬ ‫الــرويس ملعظــم املناطــق والبلــدات‪ ،‬ففــي حــي‬ ‫الســد أوقــع الط ـران الــرويس مجــزرة مروعــة‬ ‫بحــق املدنيــن جــراء الغــارات الجويــة التــي‬ ‫اســتهدفت طريــق الســد راح ضحيتهــا مثانيــة‬ ‫شــهداء أغلبهــم مــن النســاء واألطفــال وســقوط‬ ‫عــدد مــن الجرحــى‪ ،‬مــا أدى ملشــاهد مروعــة‪،‬‬ ‫عــر عنهــا أهــايل الحــي‪ ،‬ونــددوا بالصمــت‬ ‫العــريب واإلســامي عــى ارتــكاب املجــازر بحــق‬ ‫األطفــال واآلمنــن‪.‬‬ ‫كــا تــم اســتهداف مدينــة درعــا بغــارة جويــة‬ ‫عنيفــة مــن قبــل الطــران الحــريب الــرويس‪،‬‬ ‫بالتزامــن مــع قصــف مدينــة نــوى بأربــع‬ ‫غــارات متتاليــة‪ ،‬إحداهــا أحدثــت دمــارا ً‬ ‫هائـاً‪ ،‬كــا قامــت عصابــات االحتــال اإليـراين‬

‫املجرمــة باســتهداف مــدن وبلــدات محافظــة‬ ‫درعــا باملدفعيــة الثقيلــة وبقذائــف الهــاون‬ ‫وراجــات الصواريــخ‪ ،‬وطالــت هــذه القذائــف‬ ‫مــدن وبلــدات الشــيخ مســكني والحــارة وبــر‬ ‫الحريــر ورخــم واليــادودة وطفــس واملســيفرة‬ ‫ودرعــا البلــد‪ ،‬وموقــع اللــواء ‪ 52‬املحــرر‪ .‬وتــم‬ ‫توثيــق استشــهاد أكــر مــن عرشيــن شــخصاً‬ ‫معظمهــم مــن األطفــال والنســاء يف مواقــع‬ ‫عــ ّدة مــن املحافظــة‪ ،‬وســقوط عــرات‬ ‫الجرحــى بإصابــات مختلفــة‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة لألوضــاع اإلنســانية‪ ،‬فــا زالــت‬ ‫مــدن وبلــدات محافظــة درعــا تشــهد انقطاعـاً‬ ‫للتيــار الكهربــايئ‪ ،‬معظــم أوقــات اليــوم‪ ،‬وقطــع‬ ‫االتصــاالت األرضيــة والخليويــة‪ ،‬وانقطــاع ميــاه‬ ‫الــرب أيضـاً عــن األهــايل‪ ،‬وهنــاك نقــص كبــر‬ ‫يف املــواد الغذائيــة واألساســية واملحروقــات‪،‬‬ ‫خصوصـاً مــادة حليــب األطفــال الرضــع‪ ،‬وســط‬ ‫إغــاق تــام ألغلــب املشــايف امليدانيــة‪.‬‬

‫وعر محص شوكة يف خاصرة النظام‬ ‫حمص ـ مراسل الحرمل‬ ‫يقــع حــي الوعــر غــريب مدينــة حمــص‬ ‫الســورية‪ ،‬واالســم الرســمي لهــذا الحــي هــو‬ ‫«حمــص الجديــدة»‪ ،‬ويقســم إىل قســمني‪،‬‬ ‫الوعــر القديــم‪ ،‬والوعــر الجديــد‪ ،‬ويقســم‬ ‫الوعــر الجديــد إىل مثــان جــزر‪ ،‬ويحتــوي عــى‬ ‫العديــد مــن األبـراج التــي تــرواح عــدد طوابق‬ ‫بــن ‪ 13 - 9‬طابــق تتميــز الجزيــرة الســابعة‬ ‫والثامنــة بأنهــا األحــدث‪ ،‬وفيهــا عــدة مــدارس‬ ‫حكوميــة منهــا‪ :‬عبــد الوهــاب الشــواف ‪-‬‬ ‫أحمــد املبــارك ‪ -‬أحمــد العيــى ‪ -‬خولــة بنــت‬ ‫األزور ‪ -‬الحســن بــن الهيثــم ‪ -‬الكنــدي ‪ -‬صــاح‬ ‫غــايل ‪ -‬قرطبــة ‪ -‬الرائــدة العربيــة ‪ -‬نــوري حوا‪،‬‬ ‫باإلضافــة إىل املعهــد الصحــي‪ ،‬ومعظــم تلــك‬ ‫املــدارس مدمــرة ومنهــا مدمــرة بشــكل جــزيئ‬ ‫وال تصلــح ملتابعــة التدريــس‪ .‬فيــا يضــم الحي‬ ‫عــددا ً مــن املرافــق العامــة منهــا القــر العديل‬ ‫(الرسايــا)‪ ،‬وفيهــا املحاكــم الخاصــة ملدينــة‬ ‫حمــص‪ ،‬وفيهــا أيضــاً مشــفى قيــد اإلنشــاء‬ ‫(مشــفى حمــص الوطنــي الكبــر) إضافــة إىل‬ ‫املشــفى العســكري‪ ،‬ومشــفى الوليــد‪ ،‬ومشــفى‬ ‫الــر‪ ،‬ومؤسســة بنــك الــدم باإلضافــة لعــدد‬ ‫كبــر مــن القطــع العســكرية املحيطــة بالحــي‬ ‫مــن الجهــة الرشقيــة والشــالية‪ ،‬مثــل الكليــة‬ ‫الحربيــة‪.‬‬ ‫يحيــط بـــالحي مــن الشــال غابة صغــرة تعترب‬ ‫منتــزه لجميــع ســكان حمــص‪ ،‬ومــن الجنــوب‬ ‫بســاتني حمــص ونهــر العــايص‪ ،‬كــا يضــم‬ ‫الحــي قاعــة زنوبيــا للمؤمت ـرات‪ ،‬ومخب ـزا ً آلي ـاً‪،‬‬ ‫ومديريــة البيئــة‪ ،‬ومخفــرا ً للرشطــة‪ ،‬وعــددا ً‬ ‫مــن املســاجد‪ ،‬مثــل جامــع فاطمــة باإلضافــة‬ ‫إىل كنيســة القديســن بطــرس‪.‬‬ ‫يقطــن حــي الوعــر حــوايل ‪ 90‬ألــف نســمة‪،‬‬

‫فكوا حصار الوعر‬

‫ويتميــز بارتفــاع نســبة املتعلمــن واملثقفــن‬ ‫فيــه‪ ،‬إذ أنهــا تبلــغ حــوايل ‪ 98%‬ويعمــل‬ ‫معظــم الســكان كموظفــن يف القطاعــن العــام‬ ‫والخــاص وأطبــاء وتجــار باإلضافــة إىل طــاب‬ ‫يف املــدارس والجامعــة‪ ،‬كــا يتميــز الوعــر‬ ‫بالتنــوع الطائفــي بــن ســكانه مــن مســلمني‬ ‫ومســيحيني‪ ،‬ومعظــم الســكان مــن الســوريني‬ ‫باإلضافــة لبعــض العائــات الفلســطينية‪،‬‬ ‫ويف ربيــع العــام ‪ 2012‬نــزح عــدد كبــر مــن‬ ‫ســكان أحيــاء حمــص القدميــة إىل الوعــر‬ ‫بســبب تصاعــد حــدة املعــارك واالشــتباكات‬ ‫بــن الجيــش الســوري ومقاتــي املعارضــة‬ ‫ليتضاعــف عــدد ســكان الحــي إىل حــوايل ‪300‬‬ ‫ألــف نســمة‪ ،‬ويف ‪ 27‬ترشيــن األول ‪ 2013‬تــم‬ ‫تطويــق الحــي‪ ،‬وفــرض حصــار محكــم عليــه‬ ‫وســط اشــتباكات عنيفــة‪ ،‬خصوصـاً يف الجزيــرة‬ ‫الســابعة التــي دمــرت معظــم أبنيتهــا وأبراجهــا‬ ‫بشــكل شــبه كامــل‪ ،‬وســبق أن عقــد مقاتلــو‬ ‫املعارضــة هدنــة مــع النظــام الســوري بدايــة‬ ‫العــام لوقــف إطــاق النــار يف حــي الوعــر‬ ‫مبدينــة حمــص‪ ،‬لكــن النظــام خرقهــا مــرارا ً‪،‬‬ ‫ومــا زال يحــارص الحــي الــذي يقطنــه قرابــة‬ ‫‪ 90‬ألــف نســمة‬ ‫أحــوال حــي الوعــر املحــارص بعــد عــدة‬ ‫ســنوات مــن املعــارك والقصــف والحصــار‬ ‫يعيــش حــي الوعــر آخــر أحيــاء حمــص‬ ‫الخاضعــة لســيطرة املعارضــة الســورية‬ ‫حصــارا ً خانق ـاً مــن قبــل النظــام منــذ عامــن‬ ‫ونصــف‪ ،‬وهــو يشــهد تصعيــدا ً منــذ الثالثــة‬ ‫أشــهر األخــرة أدى إىل نفــاد املــواد الغذائيــة‬ ‫والدوائيــة املخزنــة يف الحــي‪ ،‬وأفــاد ناشــطون‬ ‫أن النظــام يحــارص الحــي الــذي يبلــغ عــدد‬ ‫ســكانه ‪ 90‬ألــف نســمة‪ ،‬مــن كافــة الجهــات‬

‫بثكنــات عســكرية ومؤسســات حكوميــة‪،‬‬ ‫منهــا «الكليــة الحربيــة‪ ،‬واملشــفى العســكري‪،‬‬ ‫ومشــفى حمــص الكبــر‪ ،‬وبــرج الغاردينيــا‪،‬‬ ‫واألمــن الجنــايئ‪ ،‬وكتيبــة املدفعيــة»‪ ،‬وهــي‬ ‫متــارس القصــف يومي ـاً بكافــة أنــواع األســلحة‬ ‫الثقيلــة‪ ،‬مــا أدى إىل استشــهاد العــرات‬ ‫وإصابــة آخريــن بإعاقــة مســتدمية‪.‬‬ ‫وأضــاف ناشــطون أن النظــام الســوري منــع يف‬ ‫األشــهر األخــرة دخــول أي يشء يتعلــق بالحياة‬ ‫حتــى الخضــار واألدويــة‪ ،‬مــا أدى إىل تهديــد‬ ‫الجمعيــات اإلغاثيــة‪ ،‬واملؤسســات املدنيــة‬ ‫يف الحــي بالتوقــف الكامــل عــن العمــل‪ .‬ومل‬ ‫يــرك لهــم ســوى معــر وحيــد يخضــع لحواجــز‬ ‫تتبــع ألكــر مــن فــرع مخابـرايت‪ ،‬وهــي متــارس‬ ‫التفتيــش الدقيــق لــكل مــن يدخــل أو يخــرج‬ ‫مــن الحــي‪ ،‬وال يســمح لهــم بحمــل أكــر مــن‬ ‫ألفــي لــرة ســورية مبــا يعــادل (‪ 7‬دوالرات‬ ‫تقريبـاً)‪ ،‬وإال تعرضــوا لالعتقــال بشــكل مبــارش‪.‬‬ ‫ويقــول مديــر إحــدى الجمعيــات اإلغاثيــة يف‬ ‫الوعــر إنهــم ســيتوقفون عــن توزيــع الغــذاء‬ ‫يف األشــهر القادمــة‪ ،‬نظ ـرا ً ملنــع قــوات النظــام‬ ‫دخــول شــاحنات املســاعدات املقدمــة مــن‬ ‫منظمــة األوتشــا التابعــة لألمــم املتحــدة‬ ‫ومنظمــة األغذيــة العامليــة‪ ،‬مضيفـاً أن ســيارات‬ ‫الخضــار واألجبــان منعــت أيض ـاً مــن الدخــول‬ ‫منــذ أشــهر‪ ،‬يف حــن زاد اســتهالك ســكان الحي‬ ‫ج ـراء تزايــد عددهــم منــذ عيــد األضحــى‪.‬‬ ‫وقــال ناشــط طبــي داخــل الحــي إن الوعــر مل‬ ‫تدخلــه علبــة دواء واحــدة منــذ عــدة أشــهر‬ ‫مضــت‪ ،‬حيــث يفــرض أن يدخــل الــدواء‬ ‫إىل الحــي يف الســبت األول مــن كل شــهر‬ ‫مقدم ـاً مــن منظمــة الصحــة العامليــة‪ ،‬مضيف ـاً‬ ‫أن صيدليتــه ســتغلق نتيجــة هــذا النقــص‪،‬‬

‫ويحتــاج الحــي ألكــر مــن ‪ 11‬ألــف جرعــة مــن‬ ‫اللقاحــات املختلفــة‪ ،‬أهمهــا الســحايا والحصبة‬ ‫وغريهــا مــن األمــراض‪ ،‬مضيفــاً أن األدوات‬ ‫اإلســعافية التــي تقــدم للمصابــن والجرحــى‬ ‫جــراء القصــف ســتنفد هــي األخــرى أيضــاً‪.‬‬ ‫وأشــار مديــر فريــق الدفــاع املــدين يف الحــي‬ ‫أبــو عامــر إىل أن فريقــه ينقــل مــا ال يقــل عــن‬ ‫عــر حــاالت يوميــاً‪ ،‬معظمهــا لكبــار الســن‬ ‫واألطفــال الذيــن يعانــون مــن ســوء التغذيــة‬ ‫إىل مشــايف الحــي امليدانيــة‪ ،‬لكــن نقــص‬ ‫الوقــود بــات مشــكلة كبــرة للفريــق‪.‬‬ ‫مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬قــال أحــد شــبّان حــي‬ ‫الوعــر إن الحــي بــات يفتقــر إىل أبســط‬ ‫املــواد الالزمــة ألي منــزل كامللــح والســكر‬ ‫وغريهــا‪ ،‬مضيفــاً أن النظــام مينــع دخــول‬ ‫أي يشء مبــا يف ذلــك املناديــل الورقيــة‬ ‫ولــوازم الدراســة واملالبــس‪ ،‬مبديــاً تخوفــه‬ ‫مــن ازديــاد املعانــاة مــع اقــراب فصــل‬ ‫الشــتاء‪ ،‬وناشــد الشــاب هيئــات األمــم‬ ‫املتحــدة والجمعيــات اإلغاثيــة رضورة‬

‫الضغــط عــى النظــام الســوري لفتــح معابــر‬ ‫إنســانية إلدخــال املــواد الغذائيــة والطبيــة‬ ‫ومســتلزمات الشــتاء‪ ،‬محــذرا ً مــن كارثــة‬ ‫إنســانية محققــة تهــدد الحــي‪ ،‬كــا وجــه‬ ‫أهــايل حــي الوعــر املحــارص نــداء اســتغاثة‬ ‫للفصائــل العســكرية العاملــة يف الحــي‪،‬‬ ‫ويف الريــف الشــايل للتحــرك الرسيــع لفــك‬ ‫حصــار الحــي‪.‬‬ ‫يذكــر أن مقاتــي حــي الوعــر مــن الثــوار‬ ‫الذيــن عقــدوا هدنــة مــع النظــام يف بدايــة‬ ‫العــام‪ ،‬تــم مبوجبهــا وقــف إطــاق النــار‬ ‫جزئيــاً رغــم خــرق النظــام لهــا ببعــض‬ ‫عمليــات القنــص والقصــف املدفعــي‪ ،‬مــع‬ ‫مواصلــة الحصــار باســتثناء الســاح بدخــول‬ ‫كميــات محــدودة مــن الطعــام بضغــط مــن‬ ‫األمــم املتحــدة‪ ،‬وقــد زار وفــد أممــي الحــي‬ ‫أكــر مــن مــرة خــال األشــهر الســابقة‪ ،‬وكان‬ ‫آخرهــا قبــل أســبوعني‪ ،‬بالتزامــن مــع إطــاق‬ ‫حملــة لعــدد مــن الناشــطني مــن داخــل‬ ‫الحــي «فكــوا حصــار الوعــر»‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫الط�يران الروس��ي يرتكب جم��ازر يف الرقة وحل��ب وإدلب ويوقع مئات الش��هداء‬ ‫خروج جس��ري الرقة عن اخلدمة وأس��عار غري مسبوقة للمواد والسلع التموينية‬

‫‪5‬‬

‫الحرملي‬ ‫أيام العروس‪..‬‬ ‫أيام الدم‪!..‬‬ ‫يوسف دعيس‬

‫الطـران الــرويس يقصــف الرقــة بقنابــل الفســفور‬

‫قصــف الطــران الــرويس مدينــة الرقــة مجــددا ً‪،‬‬ ‫لكــن هــذه املــرة بالقنابــل العنقوديــة‪ ،‬مــا أدى الرتقــاء‬ ‫ع ـرات الشــهداء والجرحــى‪ ،‬وطــال القصــف مناطــق‬ ‫عــدة‪ ،‬أغلبهــا تقــع يف وســط املدينــة‪ ،‬ويف مناطــق آهلــة‬ ‫بالســكان املدنيــن‪.‬‬ ‫يف يــوم الخميــس ‪ 2015/11/26‬واصــل الطـران الــرويس‬ ‫قصــف مدينــة الرقــة‪ ،‬واســتهدف بغاراتــه املتتابعــة‬ ‫أحيــاء الرميلــة‪ ،‬ونهايــة شــارع املنصــور‪ ،‬ومحيــط‬ ‫محطــة القطــار‪ ،‬وموقــع مكاتــب بيــع الســيارات‪،‬‬ ‫ومحيــط مدرســة حطــن‪ ،‬حيــث ســقطت قنبلــة يف‬ ‫أحــد البيــوت‪ ،‬مــا أدى الستشــهاد عائلــة مؤلفــة مــن‬ ‫مثانيــة أشــخاص بينهــم خمســة أطفــال‪ ،‬كــا أحدثــت‬ ‫القنابــل العنقوديــة دمــارا ً هائــاً‪ ،‬وخوفــاً ورعبــاً يف‬ ‫قلــوب أهــايل الرقــة‪.‬‬ ‫الطــران الــرويس كثّــف غاراتــه عــى جــر الرشــيد‬ ‫(الجديــد)‪ ،‬ودمــره يف مواقــع متعــددة‪ ،‬مــا أدى‬ ‫لخروجــه عــن الخدمــة نهائيــاً‪ ،‬وكان قبــل أيــام قــد‬ ‫اســتهدفه مــع جــر املنصــور (القديــم) بعــدد مــن‬ ‫الغــارات‪ ،‬وكان قــد انهــار أجـزاء كبــرة مــن الجرسيــن‪،‬‬ ‫واليــوم أصبحــا خــارج الخدمــة نهائي ـاً‪ ،‬وبذلــك تكــون‬ ‫الرقــة قــد انقطعــت عــن الداخــل الســوري بعــد‬ ‫تهديــم الجرسيــن‪.‬‬

‫الطـران الــرويس يســتهدف ســوق لبيــع املشــتقات النفطيــة يف بلــدة املنصــورة‬

‫القصــف مل يرتكــز عــى الرقــة وحدهــا‪ ،‬بل امتد ليشــمل‬ ‫ريفهــا‪ ،‬فقــد اســتهدف الطـران الــرويس قــرى وبلــدات‬ ‫الســبخة والعكــريش وزور شــمر يف ريــف الرقــة الرشقي‬ ‫واملنصــورة‪ ،‬وشــال الرقــة‪ ،‬وكان قبلهــا باالشــراك‬ ‫مــع الط ـران الفرنــي قــد اســتهدف قــرى الك ـرات‬ ‫والحم ـرات والكرامــة ومزرعــة بــدر ومعمــل القرميــد‪،‬‬ ‫ومحيــط مقــر الفرقــة ‪ 17‬ومدينــة الطبقــة‪ ،‬ومراكــز‬ ‫بيــع املشــتقات النفطيــة يف بلــدة املنصــورة‪ ،‬إضافــة‬ ‫لعــدد مــن الصوميعــات ومراكــز تخزيــن الحبــوب يف‬

‫الطريان الرويس يقصف السوق الشعبي يف مدينة أريحا‬

‫شــهداء مدينــة الرقــة بالقصــف الــرويس ملدرســة حطــن‬

‫املحافظــة‪.‬‬ ‫الهجــات األخــرة الفرنســية جــاءت عــى خلفيــة‬ ‫تفجـرات باريــس اإلرهابيــة‪ ،‬وحملــت عنوانـاً انتقاميـاً‬ ‫مــن أهــايل الرقــة‪ ،‬الذيــن يدفعــون مثــن تخــاذل العــامل‪،‬‬ ‫فط ـران فرنســا ينتقــم منهــم يف مشــهد مكــرر يؤكــد‬ ‫بربريــة العــامل وهمجيتــه يف التعاطــي مــع املســألة‬ ‫الســورية‪ ،‬ويغــض الطرف عــن أرتال املقاتلــن املتطرفني‬ ‫ومراكــز تدريبهــم‪ ،‬ويف النهايــة يدفــع املدنيــون فاتــورة‬ ‫الــدم‪ ،‬ففــي يــوم واحــد اســتهدف الط ـران الفرنــي‬ ‫يف ‪ 30‬غــارة مواقــع املتحــف ومحيــط امللعــب البلــدي‬ ‫ودوار الفروســية‪ ،‬ومركــز العيــادات الشــاملة واملشــفى‬ ‫الوطنــي‪ ،‬ومحيــط مدرســة حطــن‪ ،‬ومبنــى السياســية‪،‬‬ ‫والعدليــة‪ ،‬ودار التوليــد‪ ،‬والســباهية‪ ،‬ومحيــط مســاكن‬ ‫االدخــار‪ ،‬ومبنــى حــوض الفــرات‪ ،‬كــا أن غــارات‬ ‫الطـران الــرويس تــأيت يف إطــار حملتــه االنتقاميــة التــي‬ ‫جــاءت ردا ً عــى إســقاط األت ـراك لطائرتــه الســوخوي‬ ‫‪ 24‬وحملتــه هــذه مل تقتــر عــى الرقــة فقــط بــل‬ ‫امتــدت مــن الســاحل الســوري‪ ،‬وتحديــدا ً يف مناطــق‬ ‫الرتكــان‪ ،‬إىل مناطــق عديــدة يف ريفــي حلــب وإدلــب‪،‬‬ ‫إضافــة الســتهدافه بوابــة الســامة يف بلــدة إعـزاز‪ ،‬التــي‬ ‫أحــدث فيهــا دمــارا ً هائــاً‪ ،‬وإحــراق شــاحنات عــدة‬ ‫محملــة مبــواد متوينيــة وإغاثيــة للداخــل الســوري‪،‬‬ ‫واستشــهاد العــرات ووقــوع عــرات الجرحــى‬ ‫واملصابــن‪ ،‬وتعطيــل البوابــة‪ ،‬وتهــدف هــذه الرضبــات‬ ‫لقطــع الطريــق عــى تركيــا التــي كانــت تعــد العــدة‬ ‫إلنشــاء منطقــة آمنــة متتــد مــن الســاحل وصــوالً إىل‬ ‫مدينــة جرابلــس‪.‬‬ ‫بــدوره قــام عنــارص تنظيــم الدولــة «داعــش» بإغــاق‬ ‫محــات االنرتنيــت‪ ،‬واالقتصــار عــى محــل واحــد‬ ‫يف كل حــي يكــون خاضعــاً لرقابــة عنــارص التنظيــم‬ ‫مبــارشة‪ ،‬وحرمــان أهــل الرقــة مــن التواصــل مــع العــامل‬ ‫الخارجــي وقيامهــم بإغــاق مناطــق القصــف‪ ،‬ومنــع‬ ‫األهــايل مــن االقـراب مــن أماكــن الغــارات‪ ،‬والتضييــق‬ ‫عليهــم‪ ،‬ومنعهــم مــن الخــروج مــن املحافظــة إال‬ ‫مبوافقــة خطيــة‪.‬‬ ‫تــأيت هــذه اإلجــراءات التــي يتخذهــا التنظيــم يف‬ ‫مدينــة الرقــة يف إطــار خطــوة اســتباقية تجعــل مــن‬ ‫أهــايل املدينــة والنازحــن إليهــا دروعـاً برشيــة‪ ،‬يتقــون‬ ‫فيهــا أرضار الغــارات املرتقبــة‪ ،‬وتشــر املصــادر هنــاك‬ ‫أن نزوحــاً كبــرا ً حــدث باتجــاه الريــف الرشقــي‬

‫للمدينــة‪ ،‬وهــو مقدمــة للنــزوح باتجــاه محافظــة‬ ‫الحســكة‪ ،‬والهــروب إىل مناطــق تــل أبيــض املحــررة‬ ‫مــن التنظيــم مؤخــرا ً‪ ،‬أو باتجــاه الحــدود الســورية‬ ‫الرتكيــة أمــاً بدخــول األرايض الرتكيــة بســام‪.‬‬ ‫الغــارات املتتابعــة ومــا نجــم عنهــا أدت إىل ارتفــاع حاد‬ ‫يف أســعار املــواد التموينيــة والســلع واملــواد األساســية‬ ‫واملشــتقات النفطيــة‪ ،‬خصوصــاً بعــد رضب ســوق‬ ‫النفــط يف بلــدة املنصــورة بعــدة غــارات‪ ،‬وعــى مــدى‬ ‫أيــام متتابعــة‪ ،‬ونــدرة يف الــدواء والحليــب والدقيــق‪،‬‬ ‫كــا تعطــل قســم كبــر مــن املشــفى الوطنــي ودار‬ ‫التوليــد وخــروج أجـزاء منــه عــن الخدمــة‪ ،‬كــا خلــت‬ ‫الشــوارع مــن املــارة نتيجــة الخــوف مــن القصــف‬ ‫الــرويس الــذي بــات يســتخدم علنـاً القنابــل العنقوديــة‬ ‫والفســفورية املحرمــة دوليـاً‪ ،‬وســط صمــت دويل عــا‬ ‫يجــري يف الرقــة وســوريا عموم ـاً‪.‬‬

‫ووصــل ســعر ليــر املــازوت إىل ‪ 150‬لــرة ســورية‪،‬‬ ‫فيــا تجــاوز ســعر ليــر البنزيــن عتبــة الـــ‪ 250‬وتجــاوز‬ ‫ســعر طــن الحطــب الخمســن ألــف لــرة‪ ،‬ووصــل‬ ‫ســعر ربطــة الخبــز ‪ 150‬لــرة‪ ،‬وأســطوانة الغــاز املنــزيل‬ ‫بحــدود ألفــي لــرة‪ ،‬فيــا ســجلت أســعار الخضــار‬ ‫والفواكــه أســعارا ً غــر مســبوقةـ يف ظــل نــدرة العمــل‬ ‫وشــح مصــادر الــرزق وانقطــاع الرواتــب واألجــور عــن‬ ‫معظــم ســكان املدينــة‪.‬‬ ‫يــوم األحــد ‪ 2015/11/29‬كان داميــاً بحــق‪ ،‬كــا‬ ‫األيــام املاضيــة‪ ،‬فمنــذ صبــاح هــذا اليــوم قــام الطـران‬ ‫الــرويس بتكثيــف طريانــه وطلعاتــه الجويــة عــى عموم‬ ‫محافظــات إدلــب وحلــب والرقــة وديــر الــزور‪ ،‬ورضب‬ ‫يف غــارة وحشــية ســوق شــعبية يف مدينــة أريحــا‪،‬‬ ‫وأوقــع أكــر مــن ‪ 40‬شــهيدا ً‪ ،‬إضافــة لعـرات الجرحــى‬ ‫واملصابــن‪ ،‬كــا غــارت الطائـرات الروســية عــى قريــة‬ ‫معيزيلــة شــال الرقــة‪ ،‬وأوقعــت ع ـرات اإلصابــات‬ ‫والجرحــى‪.‬‬

‫قصف شاحنات قرب الحدود الرتكية يف ريف حلب الشاميل‬

‫يف القــرن الثامــن امليــادي حظيــت الرقــة باهتــام‬ ‫كبــر‪ ،‬وجعلهــا الخليفــة العبــايس هــارون الرشــيد عاصمــة‬ ‫لدولتــه ملــدة تزيــد عــى عــر ســنوات‪ ،‬و ُدعيــت أيامهــا‬ ‫بأيــام العــروس‪ ،‬حيــث كانــت تــرب فيهــا املهرجانــات‬ ‫واالحتفــاالت‪ ،‬وتقــام مســابقات الخيــول والفروســية عــى‬ ‫أطرافهــا‪ ،‬بلغــت الرقــة أوج تألقهــا آنــذاك‪ ،‬فقــال عنهــا‬ ‫الرشــيد يومــاً‪« :‬الدنيــا أربعــة منــازل دمشــق والــري‬ ‫وســمرقند والرقــة»‪.‬‬ ‫تعرضــت الرقــة عــى مـ ّر التاريــخ إىل غــزو متتابــع‪ ،‬وحــدث‬ ‫فيهــا زالزل ودمــار‪ ،‬وم ـ ّر عليهــا الطاعــون‪ ،‬فهجرهــا أهلهــا‪،‬‬ ‫واســتوطنها الخــراب لفــرة طويلــة امتــدت إىل منتصــف‬ ‫القــرن التاســع عــر‪ ،‬حيــث عــادت إىل الحيــاة مــن جديــد‪،‬‬ ‫يف العــر الحديــث وإبــان حكــم البعــث‪ ،‬كان مــن املمكــن‬ ‫أن تكــون الرقــة حــارضة هامــة‪ ،‬نظ ـرا ً ملــا تتمتــع بــه مــن‬ ‫منــاخ متعــدد ووفــرة يف املــاء‪ ،‬أمنــت لهــا مكانــة زراعيــة‬ ‫ممتــازة‪ ،‬لكــن النظــام أىب إال أن تكــون حديقــة خلفيــة لــه‪،‬‬ ‫وعــاش أهلهــا حــرة أن يــروا اســمها عــى ن ـرات األخبــار‬ ‫الجويــة‪ ،‬واكتفــوا بالفقــر والعــوز والحاجــة يف ظــل نظــام‬ ‫اســتنزف ثرواتهــا لحســاب جيــوب املتنفذيــن‪.‬‬ ‫اليــوم تعــود الرقــة إىل الظهــور دون ألــق‪ ،‬ومــن بــاب آخــر‪،‬‬ ‫فهــي اليــوم عاصمــة دولــة الخالفــة‪ ،‬وهــي تدفــع مثنــاً‬ ‫باهظـاً‪ ،‬أكــر مــن الســابق‪ ،‬وهــي تتلقــى الرضبــات مــن الجو‬ ‫والبحــر‪ ،‬وتُ ــارس بحــق أبنائهــا أبشــع االنتهــاكات والجرائــم‪.‬‬ ‫تعــاور عليهــا الظاملــون‪ ،‬الــروس والنظــام والتحالــف مــن‬ ‫الجــو والبحــر‪ ،‬وعنــارص داعــش مــن األرض‪ ،‬وراح اســمها‬ ‫يــردد عــى كل لســان‪ ،‬إىل حــد أنّ ذكرهــا بــات يُــدرج عــى‬ ‫مقدمــة أي خطــاب ألي رئيــس جمهوريــة أو وزيــر أو ملــك‬ ‫يتحــدث يف شــأن ســوريا وأزمتهــا‪ ،‬أو أي حديــث يتعلــق‬ ‫مبحاربــة اإلرهــاب‪.‬‬ ‫يقطــن الرقــة أكــر مــن نصــف مليــون إنســان‪ ،‬يتهددهــم‬ ‫املــوت ويرتبــص بهــم يف كل لحظــة‪ ،‬فاملــوت يحصدهــم‬ ‫إثــر جمعــة باريــس الداميــة‪ ،‬وإثــر إســقاط األتـراك لطائــرة‬ ‫القيــر‪ ،‬وكــا كان النظــام الســوري املجــرم يــرد عــى‬ ‫انتصــارات الثــوار بقصفــه للمدنيــن‪ ،‬هــا هــم الفرنســيون‬ ‫يطبقــون نفــس النظريــة‪ ،‬فهــم يــردون عــى إرهــاب باريــس‬ ‫بقصــف الرقــة‪ ،‬وهــا هــو بوتــن املولــع بنياشــن القيــر يــرد‬ ‫عــى إســقاط طائرتــه بقصــف املدنيــن يف الرقــة‪.‬‬ ‫مــا بــن أيــام العــروس وأيــام القتــل والتدمــر تنبعــث‬ ‫الرقــة إىل الوجــود مثــل كائــن خ ـرايف‪ ،‬تريــد البقــاء وســط‬ ‫تهافــت القــادة املدججــن بالنياشــن‪ ،‬والصواريــخ والبــوارج‬ ‫وحامــات الطائـرات‪ ،‬القــادة الذيــن أعجزتهــم بنــادق أنفــار‪،‬‬ ‫بثــوا الرعــب يف كل أوربــا‪ ،‬وأمــام عجزهــم يف بســط نفوذهــم‬ ‫عــى بلدانهــم‪ ،‬هــا هــم يصــدرون خيباتهــم إىل ســوريا‪ ،‬وال‬ ‫بــأس إن كانــت باتجــاه بلــد الرشــيد‪ ،‬ولتغــرق أيــام العــروس‬ ‫بدمــاء األبريــاء‪ .‬وإن كانــت أيامنــا الداميــة تشــكل خالص ـاً‬ ‫للســوريني‪ ،‬فللمــوت معنــى إضــايف للحريــة‪.‬‬ ‫مــا بــن القتــل والقتــل اآلخــر مــوت جديــد‪ ،‬فمنــذ أيــام‬ ‫كانــت الرضبــات الروســية والفرنســية تســتهدف ذاكــرة‬ ‫املــكان بطائــرات احتلــت الســاء‪ ،‬وتقــي عــى كل‬ ‫أشــكال الحيــاة‪ ،‬فاألوامــر أُعطيــت ملــن ينفذهــا‪ :‬دمــروا‬ ‫الجســور والطرقــات‪ ..‬دمــروا األفــران واملطاحــن‪ ..‬اقطعــوا‬ ‫املــاء والكهربــاء عــى النــاس‪ ..‬اقضــوا عــى البــر والشــجر‬ ‫والحجــر‪ .‬يف صــورة مؤملــة تعيــد إىل األذهــان مشــاهد املجازر‬ ‫التــي ارتكبهــا النظــام الســوري يف شــارع القوتــي‪ ،‬ومحيــط‬ ‫متحــف الرقــة‪ ،‬ووســط املنطقــة الصناعيــة يف مثــل هــذه‬ ‫األيــام مــن العــام املــايض‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫حرمل االقتصاد‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫االقتصاد وتعميق األزمة‪!..‬‬ ‫عبد الفتاح الراكان‬ ‫بالرغــم مــن الطابــع الســلمي الذي اتســمت‬ ‫بــه الثــورة الســورية يف أولهــا‪ ،‬والــذي مل يتمكن‬ ‫النظــام الســوري مــن مســايرته‪ ،‬بســبب قرارات‬ ‫الحكومــة‪ ،‬ومراســيم بشــار األســد السياســية‬ ‫واألمنيــة واالقتصاديــة الدكتاتوريــة والوحشــية‬ ‫مــا نتــج عنه عجــز ورفــض النظــام عــن القيام‬ ‫باإلصالحــات الالزمــة‪ ،‬وهوســه بالبقــاء عــى‬ ‫رأس الســلطة‪ ،‬التــي تقلدتهــا األقليــة العلويــة‬ ‫لنصــف قــرن‪ ،‬متكنــت مــن خاللــه تحقيــق‬ ‫خطــوات اقتصاديــة هامــة‪ ،‬ولكــن لألســف‬ ‫تــم احتكارهــا يف عقــد اتفاقــات تجاريــة مــع‬ ‫األغلبيــة الســنية واألقليــة املســيحية ملصلحــة‬ ‫أعــداء الشــعب مــا عــزز األزمــة‪ ،‬وســاهم يف‬ ‫انــدالع االحتجاجــات الشــعبية‪.‬‬ ‫بذلــك خــرج االقتصــاد الســوري‪ ،‬أو مــا‬ ‫تبقــى منــه‪ ،‬عــن مركزيــة اإلدارة مــن‬ ‫العاصمــة دمشــق‪ ،‬بعــد أن خــرج نحــو ‪70%‬‬ ‫مــن مســاحة ســورية عــن ســيطرة النظــام‪،‬‬ ‫ومتــددت ســيطرة تنظيــم الدولــة «داعــش»‬ ‫عــى ‪ 50%‬مــن مســاحة البــاد‪ ،‬بعــد ضمهــا‬ ‫أخــرا ً مدينــة تدمــر ومعظــم باديــة الشــام‬ ‫لتكــون نحــو ‪ 9‬محافظــات ســورية تحــت‬ ‫إدارة اإلســاميني واملعارضــة‪ ،‬مبســاحة وصلــت‬ ‫إىل ‪ 95‬ألــف كيلومــر مربــع‪ ،‬ويف حــن ثبتــت‬ ‫ســيطرة النفــوذ الكُــردي يف ســورية عــى‬ ‫ثالثــة تجمعــات رئيســية‪ ،‬جــزء مــن محافظــة‬ ‫الحســكة‪ ،‬ومنطقتــي عفريــن وعــن العــرب‪،‬‬ ‫ترتاجــع ســيطرة األســد عــن املســاحة الســورية‪،‬‬ ‫ليتعاظــم باملقابــل نفــوذ املعارضــة املســلحة‪،‬‬ ‫بعــد ســيطرة «جيــش الفتــح» الــذي يضــم‬ ‫جبهــة النــرة وأحـرار الشــام وفصائــل أخــرى‪،‬‬ ‫عــى كامــل محافظــة إدلــب وصــوالً لحــدود‬ ‫مدينــة الالذقيــة لجهــة جــر الشــغور‪،‬‬ ‫وللحــدود الرتكيــة لجهــة معــر بــاب الهــوى‪.‬‬ ‫وتوســع ســيطرة مقاتــي الجنــوب يف‬ ‫محافظتــي درعــا والقنيطــرة وأجــزاء مــن‬ ‫محافظتَــي دمشــق وريفهــا‪ ،‬لتصــل املســاحة‬

‫د‪ .‬عبد القادر العلي‬ ‫مــن ِمــ ْن املواطنــن الســوريني ال يتذكــر‬ ‫تلــك البوملانــات‪« ،‬الكرانــك»‪ ،‬ومثيالتهــا يف‬ ‫املحافظــات الثانيــة؟!‬ ‫كانــت رمــز عــر األب القائــد‪ ،‬الــذي ســيبقى‬ ‫محفــورا ً يف ذاكــرة الســوريني طويــاً‪ .‬زمــن‬ ‫التحكــم باملواطــن حتــى يف وســيلة التنقــل‬ ‫إىل محافظــة أخــرى أو إىل العاصمــة‪ ،‬يبحــث‬ ‫عــن وســاطة ليجــد املــكان املناســب يف ذلــك‬ ‫البوملــان!!‬ ‫جــاء االبــن‪ ،‬وكأن األب تــرك البــاد مــن دون‬ ‫إرث يذكــر عليــه بخــر‪ ،‬ويصبــح كل جديــد يف‬ ‫حياتنــا إنجــازا ً لالبــن‪ ،‬ويجــب عــى الشــعب أن‬ ‫يشــكره عــى مــا دأب إعــام النظــام بتســميته‬ ‫بـ(املكرمــة)‪ .‬نعــم لقــد عــاش الشــعب الســوري‬ ‫عــر املكرمــات الرئاســية‪ ،‬العيديــة الرئاســية‬ ‫مكرمــة‪ ،‬زيــادة الراتــب مكرمــة‪ ،‬بنــاء مدرســة‬ ‫مكرمــة‪ ،‬حديقــة يف املدينــة مكرمــة‪ ،‬فقــط مــا‬ ‫ينــزل مــن الســاء مل يكــن مكرمــة!!!‬ ‫بــدأ النظــام يســمح باالســتثامر‪ ،‬ونظــام‬ ‫االســتثامر تطلــب بــدوره إجــراء تعديــات‬ ‫عــى منــط اإلنتــاج االشـرايك‪ ،‬عــى غـرار بعــض‬ ‫أحــزاب االشــراكية العامليــة‪ ،‬ولكــن مل يجــد‬ ‫ضالتــه إلّ يف الصــن‪ ،‬األمنــوذج األقــرب لــه‬ ‫عقائديــاً‪ ،‬وكانــت التســمية للتوجــه الجديــد‬ ‫لالبــن الجديــد‪ ،‬ولكــن للنظــام القديــم بــكل‬ ‫مقوماتــه (االشــرايك االجتامعــي)‪ ،‬وكانــت‬ ‫اللعبــة الجديــدة التــي لعبهــا النظــام عــر‬

‫التــي يســيطر عليهــا الجيــش الحــر مــع جبهــة‬ ‫النــرة لنحــو ‪ 20%‬مــن إجــايل مســاحة‬ ‫ســورية‪ .‬واقتــرت ســيطرة النظــام الســوري‬ ‫عــى مراكــز املــدن يف طرطــوس والالذقيــة عــى‬ ‫الســاحل الســوري ومركــز العاصمــة دمشــق‪،‬‬ ‫فض ـاً عــن مدينــة الســويداء وحــاة وأج ـزاء‬ ‫مــن مدينتــي حلــب وحمــص‪ .‬بذلــك ينتقــل‬ ‫ثقــل اإلنتــاج الزراعــي والصناعــي والنفطــي‬ ‫إىل ســيطرة تنظيــم الدولــة «داعــش» وباقــي‬ ‫فصائــل املعارضــة‪ ،‬وتقتــر مــوارد النظــام عىل‬ ‫الدعــم املــايل مــن حلفــاء الحــرب يف موســكو‬ ‫وطهـران بنــا ًء عــى مصادقــة الربملــان الســوري‬ ‫يف متــوز املــايض‪ ،‬عــى قبــول قــرض مبليــار دوالر‬ ‫مــن إي ـران‪ ،‬مــا يؤكــد عــى أهميــة وجديــة‬ ‫املعامــات التجاريــة بــن دمشــق وإيــران‪،‬‬ ‫والتــي هــي إحــدى املصــادر النــادرة للعملــة‬ ‫األجنبيــة‪ ،‬املتبقيــة للحكومــة الســورية‪ ،‬إضافـ ًة‬ ‫عــى بعــض اإلنتــاج داخــل مراكــز املــدن وعــى‬ ‫مــا تبقــى مــن ســيولة وأتــاوات يفرضهــا عــى‬ ‫مؤيديــه باســم الرضائــب وتحويــات منارصيــه‬ ‫يف الخــارج‪.‬‬ ‫مــا كشــف حقيقــة االقتصــاد الســوري بعــد‬ ‫خســارة نظــام األســد ألكــر مــن ‪ 95%‬مــن آبــار‬ ‫ومواقــع النفــط‪ ،‬ومل يعــد يســيطر ســوى عــى‬ ‫إنتــاج ‪ 9‬آالف برميــل رشقــي مدينــة حمــص‪،‬‬ ‫مــن أصــل نحــو ‪ 380‬ألــف برميــل إنتــاج يومــي‬ ‫قبــل الثــورة‪ ،‬مــا دفعــه لبيــع وتأجــر ســورية‬ ‫لــركات إيرانيــة وروســية‪ ،‬بعــد أن بــدد‬ ‫ورسق االحتياطــي النقــدي املقــدر بنحــو ‪18‬‬ ‫مليــار دوالر قبــل عــام ‪ .2011‬والــذي فضحتــه‬ ‫األســواق‪ ،‬مــن ارتفــاع أســعار وقلّــة العــرض‬ ‫الســلعي‪ ،‬جــاء نتيجــة خــروج مدينــة حلــب‬ ‫التــي تعــد العاصمــة االقتصاديــة لســورية‪،‬‬ ‫مبعاملهــا ومدينتيهــا الصناعيتــن‪ ،‬وخــروج نحــو‬ ‫‪ 80%‬مــن الصناعــة الســورية عــن اإلنتــاج‪ ،‬كــا‬ ‫أورد تقريــر اتحــاد غــرف الصناعــة الســورية‪،‬‬ ‫فض ـاً عــى ســيطرة املعارضــة الســورية عــى‬ ‫خــزان ســورية الزراعــي يف الحســكة وديــر‬ ‫الــزور والرقــة‪ ،‬قبــل الســيطرة أخــرا ً عــى‬

‫محافظــة إدلــب املنتــج األول للزيتــون والثــاين‬ ‫لألشــجار املثمــرة‪ ،‬بعــد ســيطرتهم عــى أريــاف‬ ‫حلــب وحمــص وحــاة‪ .‬وبعــد مــي أربــع‬ ‫ســنوات عــى الثــورة الســورية تــوزع اإلنتــاج‪،‬‬ ‫وخاصــة الزراعــي عــى حســب القــوى عــى‬ ‫األرض‪ ،‬ومســاحات النفــوذ والســيطرة‪ ،‬وتحــول‬ ‫االقتصــاد الســوري إىل اقتصــاد أطـراف النـزاع‪،‬‬ ‫الــذي يديــره كل طــرف عــى نحــو نفعــي بعيد‬ ‫عــن مفهــوم الدولــة ومركزيــة القـرار‪ ،‬بــل بنــاء‬ ‫عــى إنتــاج مناطــق ســيطرته مــن ثــروات‬ ‫ومــا يفرضــه عــى «قطاعــه» مــن رضائــب‪،‬‬ ‫وإن اختلفــت التســمية بــن جزيــة ورضيبــة‬ ‫وحســبة ناهيــك عــن الرسقــات العلنيــة‪.‬‬ ‫تدهــور القطــاع الزراعــي بنســبة ‪ 60%‬مــا‬ ‫أفــى النخفــاض مســاهمتها يف الناتــج املحــي‬ ‫اإلجــايل‪ ،‬ليبلــغ بالــكاد ‪ 16%‬ســنة ‪ ،2010‬بعــد‬ ‫أن كان ميثــل ربعــه‪.‬‬ ‫تســببت يف تبايــن بــن مناطــق تعدد الســيطرة‪،‬‬ ‫ويف حــن ال يســيطر نظــام األســد ســوى عــى‬ ‫إنتــاج الزراعــات املحميــة والحمضيــات يف‬ ‫مــدن الســاحل وبعــض إنتــاج األشــجار املثمــرة‬ ‫يف الســويداء والالذقيــة وطرطــوس‪ ،‬وتتســع‬ ‫ســيطرة املعارضــة عــى معظــم اإلنتــاج‬ ‫الزراعــي يف الجزيــرة الســورية وســهول حــاة‬ ‫وريفــي إدلــب وحلــب‪.‬‬ ‫بذلــك زادت مكاســب الثــوار بعــد تحرير جرس‬

‫الشــغور وكامــل محافظــة إدلــب‪ ،‬حيــث تعتــر‬ ‫إدلــب مــن أهــم املــدن الزراعيــة الســورية‪،‬‬ ‫نظ ـرا ً لتجــاوز مســاحة القطــاع الزراعــي فيهــا‬ ‫أكــر مــن ‪ 75%‬مبــا يقــارب ‪ 4000‬كــم‪ 2‬مــن‬ ‫املســاحة اإلجامليــة للمحافظــة والبالغــة ‪6000‬‬ ‫كــم‪ .2‬ومــن أشــهر الزراعــات يف محافظــة‬ ‫إدلــب الزيتــون كونهــا تحــوي ‪ 12‬مليــون‬ ‫شــجرة مثمــرة والقمــح والشــعري والبقوليــات‬ ‫والخضــار الصيفيــة كالخيــار والبنــدورة‬ ‫والفليفلــة والبطيــخ األحمــر واألصفــر وغريهــا‬ ‫مــن املحاصيــل الزراعيــة‪.‬‬ ‫مــن جهــة أخــرى يحــاول نظــام بشــار األســد‬ ‫ترميــم خســائر الصناعــة بعــد أن نقــل معظــم‬ ‫املنشــآت إىل مدينــة الالذقيــة (مســقط رأســه)‪،‬‬ ‫يف خطــوة ليســت ســوى رسقــة ملمتلــكات‬ ‫الســوريني واحتياطــاً اقتصاديــاً يف مــا لــو‬ ‫تقســمت ســورية ولــو عــى نحــو فيــدرايل‪،‬‬ ‫حيــث تــم نقــل أكــر مــن ‪ 214‬منشــأة صناعية‬ ‫مــا كانــت بدمشــق وريفهــا وحلــب وحمــص‬ ‫إىل املــدن الســاحلية «بعمليــات ســطو قادهــا‬ ‫رئيــس اتحــاد غــرف الصناعــة يف ســوريا»‪.‬‬ ‫بذلــك تقــدر خســائر القطــاع الخــاص الصناعي‬ ‫‪ 295.5‬مليــار لــرة خــال الحــرب‪ ،‬وأن نحــو‬ ‫‪ 80%‬مــن الصناعــة الســورية انهــار‪ ،‬وأن‬ ‫‪ 50%‬مــن الصناعيــن مل يجــددوا تســجيلهم يف‬ ‫غرفــة الصناعــة‪ ،‬بعــد هجرتهــم مــن ســورية‬

‫أو تهديــم منشــآتهم الصناعيــة بســبب قصــف‬ ‫طــران األســد أو رسقتهــا مــن كال الطرفــن‬ ‫«وميكــن القــول إن الصناعــة الســورية‬ ‫برمتهــا تهدمــت وخاصــة يف مناطــق ســيطرة‬ ‫املعارضــة‪ ،‬لكــن نظــام األســد ميتلــك جــزءا ً مــن‬ ‫البنــى واملنشــآت يف مدينــة دمشــق ومــدن‬ ‫الســاحل»‪ .‬وتبقــى خســائر النفــط الــذي كان‬ ‫يشــكل ‪ 24%‬مــن الناتــج اإلجــايل الســوري‬ ‫و‪ 25%‬مــن عائــدات املوازنــة وأكــر مــن ‪40%‬‬ ‫مــن عائــدات التصديــر‪ ،‬هــي الخســارة األهــم‬ ‫للنظــام الســوري بعــد ســيطرة تنظيــم الدولــة‬ ‫«داعــش» عــى ‪ 95%‬مــن مســاحة مدينــة ديــر‬ ‫الــزور «رشق ســورية»‪ ،‬وهــي األكــر إنتاجــاً‪،‬‬ ‫الــذي يبيعهــا بأبخــس األمثــان‪ ،‬ومتــدده إىل‬ ‫مناطــق الشــدادي والهــول وتــل حميــس‪،‬‬ ‫وصــوالً لحــدود آبــار مدينــة الحســكة التــي‬ ‫يســيطر عليهــا «حــزب االتحــاد الدميقراطــي‬ ‫الكــردي» ليبقــى تحــت ســيطرة النظــام‬ ‫الســوري بعــض حقــول الغــاز وإنتــاج نفطــي‬ ‫مــن رشقــي مدينــة حمــص ال يزيــد عــن ‪10‬‬ ‫آالف برميــل يومي ـاً‪ ،‬وهــي مرشــحة للخســارة‬ ‫بعــد ســيطرة تنظيــم «داعــش» عــى تدمــر‬ ‫والباديــة القريبتــن مــن الفرقلــس وحقــول‬ ‫الغــاز‪.‬‬ ‫وبالتــايل تعتــر هــذه االنتكاســة الخطــرة‬ ‫التــي تشــهدها جميــع القطاعــات يف البلــد‪،‬‬ ‫بعــد أن كانــت أبــرز ركائــزه االقتصاديــة‪،‬‬ ‫حيــث أصبحــت اإلســتفادة شــبه مســتحيلة‬ ‫مــع انتشــار الخــراب والدمــار‪ ،‬مــا أفــى إىل‬ ‫نــزوح ‪ 7‬ماليــن ســوري‪ ،‬ولجــوء ‪ 4‬ماليــن‪ ،‬أكــر‬ ‫نســبة الجئــن تنســب ل ـراع واحــد‪ ،‬يف جيــل‬ ‫واحــد حســب املفوضيــة العليــا لألمــم املتحــدة‬ ‫لشــؤون الالجئــن‪.‬‬ ‫وختامــاً‪ ،‬مــا ســبق ال ميكــن إنــكار الدوافــع‬ ‫الشــعبية الســورية مــن املنــاداة بالحريــة‬ ‫والعدالــة‪ ،‬كــا أنــه ال ميكــن التغــايض عــن‬ ‫العوامــل االقتصاديــة واالجتامعيــة التــي‬ ‫عززتهــا ونتيجــة ملــا ســبق «اســتحالة التنبــؤ‬ ‫بنتائــج األزمــة»‪.‬‬

‫الفساد املقنون بني اإلنتاج واالستهالك‪!..‬‬

‫وكاالتــه الحزبيــة الجاهــزة دامئـاً كحافــة الجبــل‬ ‫العاليــة أوكلــت لهــا مهمــة ترديــد الصــدى‬ ‫القــادم مــن كهــوف النظــام املظلمــة‪.‬‬ ‫يطــل برأســه عــر‬ ‫ّ‬ ‫بــدأ الفســاد املخفــي‬ ‫تطويــر الفنــادق‪ ،‬ووســائط النقــل‪ ،‬وكل مــا‬ ‫ميكــن أن يــدر الربــح الرسيــع عــى أزالم‬ ‫النظــام وأعوانهــم‪ ،‬أو ممــن وكلهــم النظــام‬ ‫إلدارة اســتثامراته مــن العائلــة الحاكمــة‪ .‬منــذ‬ ‫ذلــك اليــوم بــدأ نهــب الــروات تحــت مــرر‬ ‫االســتثامر‪ .‬بــدأت أجهــزة النظــام آنــذاك ســعيها‬ ‫املحمــوم مــع تدفــق أمــوال الخليــج إىل البحــث‬ ‫عــن املســتثمرين القادمــن لتســهيل معامــات‬ ‫االســتثامر‪ ،‬مقابــل حصــص لهــم يف مشــاريعهم‪.‬‬ ‫أصبــح املســتثمر رهــن هــذه األجهــزة األمنيــة‪،‬‬ ‫بعــد ذلــك‪ ،‬يبــدأون الضغــط عليــه والتحايــل‬ ‫والنصــب عــى نســب األربــاح‪ ،‬ليصبــح املرشوع‬ ‫خــارسا ً‪ ،‬ثــم يعرضــون عليــه بيــع حصتــه مببلــغ‬ ‫زهيــد يضعونــه كخيــار أحــادي ال مفــر لــه مــن‬

‫القبــول بــه‪.‬‬ ‫مل يكــن تدعيــم االقتصــاد الوطنــي عــر اإلنتــاج‬ ‫املتكامــل إىل جانــب تطويــر الخدمــات يومــاً‬ ‫كخيــار اسـراتيجي للنظــام‪ ،‬ألن اإلنتــاج بخــاف‬ ‫الخدمــات يتطلــب رأســال ثابــت‪ ،‬يف حــن أن‬ ‫الخدمــات رأســال متحــرك‪ ،‬وربحــه مبــارش‪،‬‬ ‫وال يتطلــب يــدا ً عاملــة كبــرة‪ ،‬مقارنــة باليــد‬ ‫العاملــة يف قطــاع اإلنتــاج‪.‬‬ ‫بقيــت ســورية جمهوريــة اســتهالكية‪ ،‬خاليــة‬ ‫مــن أيــة صناعــة تؤســس لبلــد يكتفــي‬ ‫بخرياتــه املتوفــرة‪ ،‬ومعتمــدا ً عــى طاقــات‬ ‫أبنائــه وقدراتهــم الكبــرة‪.‬‬ ‫بــدأ إعــام النظــام الرتكيــز عــى الســياحة‬ ‫منــذ قــدوم االبــن إىل الحكــم‪ ،‬لدرجــة أن‬ ‫الربامــج التــي خُصصــت للمطاعــم واملقاهــي‬ ‫والســاحل والطقــس واآلثــار تحتــل وقتــاً‬ ‫كبــرا ً مــن وســائل إعالمــه‪ ،‬وهــذا ليــس‬ ‫عبثــاً أو حبــاً بالســياحة بحــد ذاتهــا‪ ،‬بقــدر‬

‫مــا هــي إال طريقــة لزيــادة أربــاح مالــي‬ ‫مقومــات الســياحة مــن فنــادق ومطاعــم‬ ‫ورشكات النقــل‪ ،‬زيتــوين ورشكاه وأشــباههام‪.‬‬ ‫يف حــن أُهملــت الزراعــة متامـاً‪ ،‬وبــدأ النظــام‬ ‫بتحطيــم أسســها املتمثلــة بتوفــر أدواتهــا‬ ‫مــن آالت الزراعــة وأســمدة وبــذور‪ ،‬التــي‬ ‫ارتفعــت أســعارها إىل الحــد الــذي مل تعــد‬ ‫الزراعــة مفيــدة للمـزارع الســوري‪ ،‬فانخفــض‬ ‫اإلنتــاج إىل الحــدود الدنيــا‪ ،‬تحديــدا ً يف‬ ‫مجــال زراعــة القطــن‪ ،‬تلــك الــروة الوطنيــة‬ ‫التــي يفــرض بهــا أن تكــون عــاد الصناعــة‬ ‫النســيجية يف ســوريا‪ ،‬كــا كانــت يف العهــد‬ ‫الوطنــي ســابقاً‪.‬‬ ‫مل يســ َع النظــام لتطويــر أي جانــب مــن‬ ‫جوانــب االقتصــاد الوطنــي‪ ،‬والتأســيس لــه‬ ‫بطريقــة علميــة‪ ،‬يحمــي التــوزع الدميوغـرايف‬ ‫للســكان يف األريــاف والباديــة‪ ،‬مــا دفــع كثري‬ ‫مــن األيــدي العاطلــة عــن العمــل للهجــرة إىل‬

‫املــدن‪ ،‬وتحــول الريــف الزراعــي إىل مــدن‬ ‫خاليــة ّإل مــن االطفــال وكبــار الســن‪ ،‬واملــدن‬ ‫الكبــرة إىل مخــزن لليــد العاملــة الرخيصــة‪،‬‬ ‫أو الهجــرة إىل البلــدان املجــاورة‪.‬‬ ‫معمــل الجــرارات الزراعيــة «فــرات» يف‬ ‫حلــب‪ ،‬خــر مثــال عــى درجــة اهتــام‬ ‫الدولــة بالزراعــة وأدواتهــا‪ ،‬ميكــن للمــزارع‬ ‫الحصــول عــى هــذه الوســيلة بعــد ســنوات‬ ‫مــن االنتظــار واملراجعــات‪ ،‬وأصبحــت‬ ‫الرشــوة الوســيلة الوحيــدة للحصــول عليــه‪.‬‬ ‫ظهــور التجــار والســارسة يف جميــع محطــات‬ ‫خدمــة الزراعــة‪ ،‬وضــع الفــاح أمــام أجهــزة‬ ‫طفيليــة بــا رقابــة وال محاســبة‪ ،‬تعتــاش‬ ‫عــى جهــده منــذ بدايــة املوســم الزراعــي إىل‬ ‫نهايتــه‪ ،‬ليحصــل يف النهايــة عــى جــزء مــن‬ ‫جهــده الســنوي بالــكاد يغطــي مصاريفــه‬ ‫األساســية‪ .‬للتذكــر فقــط يف عــام ‪٢٠١٠‬‬ ‫وحــده تــم تصديــر أربعــة ماليــن خــروف‬ ‫مــن فصيلــة العــواس إىل اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية‪ .‬بعدهــا ارتفعــت أســعار الخــروف‬ ‫الســوري إىل الضعــف بحــدود ألفــي ريــال‬ ‫ســعودي‪ ،‬بســبب منــع التصديــر إليهــا‪ .‬ولــو‬ ‫قمنــا بحســاب بســيط لهــذه املــادة الغذائيــة‬ ‫الحيويــة‪ ،‬لعرفنــا حجــم مــا ميكــن أن تــدره‬ ‫الرتبيــة الحيوانيــة للخزينــة‪ .‬هكــذا حــول‬ ‫النظــام ســوريا‪ ،‬مــن بلــد أنعــم اللــه عليــه‬ ‫بــروات متنوعــة‪ ،‬إىل بلــد يقــف أبنــاؤه‬ ‫طوابــر أمــام األفــران بعــد منتصــف الليــل‬ ‫ليحصلــوا عــى ربطــة الخبــز‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫أسعد فخري‬ ‫لعلــه مــن املفيــد هنــا أن نرتيــث كثــرا ً‬ ‫داخــل مفصــل لــه مــن األهميــة مبــكان‬ ‫إذ يعــد مبنظــور العديــد مــن املحللــن‬ ‫االس ـراتيجيني‪ ،‬واملعاهــد املتخصصــة يف قضيــة‬ ‫تصنيــع الســاح الحــريب‪ ،‬وآليــة عمــل رشكاتــه‬ ‫العمالقــة داخــل الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪،‬‬ ‫والتــي أثــارت جــداالً‪ ،‬وحــوارا ً معمقــن‬ ‫تضمــن تقريــات موثقــة أماطــت اللثــام عــن‬ ‫جملــة مــن االلتباســات الصادمــة‪ ،‬واألخالقيــة‬ ‫التــي تتعلــق بالدوافــع الغامضــة وراء إخفــاء‬ ‫ماهيــة‪ ،‬وبنيــة العالقــات الرسيــة التــي تربــط‬ ‫بــن رشكات تصنيــع األســلحة أو مــا يســمى‬ ‫بـــ «املجمــع الصناعــي العســكري األمريــي‬ ‫‪ ،« MIC‬وساســة كبــار يف «البيــت األبيــض»‪،‬‬ ‫والعديــد مــن جــراالت «البنتاغــون» إضافــة‬ ‫إىل أمــراء الــركات املتعــددة الجنســيات يف‬ ‫أصقــاع عديــدة مــن العــامل الصناعــي حيــث‬ ‫تــأيت أهميــة تلــك املســألة لتحتــل مكانــة كبــرة‬ ‫ج ـراء اآلثــار التــي خلفتهــا لتكــون أحــد أهــم‬ ‫األســباب املركبــة‪ ،‬والجوهريــة التــي ســاهمت‬ ‫يف تفعيــل نقــاط التوتــر‪ ،‬واالحرتابــات يف‬ ‫العديــد مــن البلــدان التــي التهمتهــا الحــروب‪،‬‬ ‫والضغائــن منــذ أعلنــت الواليــات املتحــدة أنهــا‬ ‫ســتكون «اإلمرباطوريــة الفاضلــة» يف األلفيــة‬ ‫الثالثــة بامتيــاز مــا يحقــق لهــا رشوط منحهــا‬ ‫لقــب «القــرن األمريــي» الــذي ســيغري معــامل‬ ‫الكــرة األرضيــة دون منافــس يطــل برأســه أمــام‬ ‫قوتهــا‪ ،‬وجربوتهــا عــى كل صعيــد‪ ،‬وذلــك مــا‬ ‫دفــع صانعــي قراراتهــا اإلســراتيجية لتفعيــل‬ ‫حــأة مــن التدابــر التــي تنظــم العالقــات‬ ‫الخاصــة‪ ،‬والرسيــة مــع َمــ َردة الصناعــات‬ ‫العســكرية يف أمريــكا‪ ،‬والعديــد مــن البلــدان‬ ‫األوربيــة‪.‬‬ ‫‪4‬ـ املارد األكرب» مارتن لوكهيد «‬

‫‪7‬‬

‫املذحبة املفتوحة ‪!..‬‬ ‫«فئ��ران املخاب��ر‪ ،‬وجت��ارب الفوض��ى اخلالق��ة» ‪/4/‬‬ ‫تعــد الرشكــة العمالقــة « مارتــن لوكهيــد» مــن‬ ‫أكــر‪ ،‬وأهــم الــركات األمريكيــة املصنعــة‬ ‫للســاح يف العــامل بعــد الحــرب العامليــة‬ ‫الثانيــة‪ ،‬ومــن أكرثهــا تنوعــاً وتطــورا ً خاصــة‬ ‫مبــا يتعلــق بصناعــة األســلحة اإلســراتيجية‬ ‫الرسيــة مبختلــف أجيالهــا‪ ،‬وأنواعهــا‪ ،‬وأصنافهــا‬ ‫حيــث متيــزت رشكــة «لوكهيــد» بخصوصيــة‬ ‫فائقــة‪ ،‬ومتجــددة مــا منحهــا لقــب الصنــدوق‬ ‫األســود الــذي يحتــوي عــى الكثــر مــن أرسار‬ ‫«البنتاغــون» الخفيــة كــا أنهــا مــن أكــر‬ ‫الــركات مبيع ـاً للســاح يف العــامل كونهــا تــأيت‬ ‫عــى رأس قيــادة «املجمــع الصناعــي العســكري‬ ‫األمريــي ‪ »MIC‬الــذي يصنــع املــوت بجــدارة‬ ‫لآلخريــن دون نــازع أخالقــي‪ ،‬وتحــت حجــج‬ ‫واهيــة مــن قيــم الدفــاع عــن النفــس‪ ،‬وحاميــة‬ ‫البلــدان املســتوردة ملنتجاتــه يف ســباق محمــوم‬ ‫مــن خــال إيجــاد نقــاط ســاخنة‪ ،‬وتفعيــل‬ ‫منازعــات احرتابيــة داخــل تلــك البلــدان‬ ‫املســتوردة أو مــا حولهــا عــر لعبــة متعــددة‬ ‫األط ـراف يشــرك فيهــا ساســة البيــت األبيــض‪،‬‬ ‫والهيئــات االستشــارية‪ ،‬وجــراالت البنتاغــون‪،‬‬ ‫واألصابــع الخفيــة للمخابــرات األمريكيــة‬ ‫التــي تســوق محاذيــر واهيــة‪ ،‬ومخادعــة عــن‬ ‫األخطــار الداهمــة يف مناطــق محــددة مــن‬ ‫العــامل يتحقــق مــن خاللهــا تفعيــل االحرتابــات‬ ‫فيهــا مبــا يتناغــم ومصالــح الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة مــن جهــة‪ ،‬ومصالــح الــركات‬ ‫املصنعــة للســاح مــن جهــة أخــرى‪.‬‬ ‫مــن هنــا نــدرك األبعــاد الخفيــة‪ ،‬والخطــرة‬ ‫لتلــك التحالفــات القــذرة‪ ،‬وأثرهــا الــكاريث‬ ‫الــذي كان قــد حــذر منــه يف خمســينيات القرن‬ ‫املــايض الرئيــس األمريــي األســبق «إيزنهــاور»‬ ‫عــر صيحتــه الشــهرية أمــام الكونغــرس محــذرا ً‬ ‫األمريكيــن مــن مغبــة الخطــر الداهــم الــذي‬ ‫ســتخلفه ملفــات البنتاغــون الرسيــة املتعلقــة‬ ‫تحديــدا ً بتســويق الســاح‪ ،‬وشــيطنة بيعــه مبــا‬

‫يخالــف قيــم الحريــة واإلنســانية التــي تقــوم‬ ‫عليهــا تقاليــد أمريــكا عــى حــد تعبــره‬ ‫مؤكــدا ً الــدور املشــن الــذي يلعبــه «املجمــع‬ ‫الصناعــي العســكري األمريــي ‪ »MIC‬معتــرا ً‬ ‫إيــاه يف اآلن ذاتــه مصــدر الــرور يف العــامل‪،‬‬ ‫وفاتــح أبــواب الجحيــم التــي تغــذي أغلــب‬ ‫الحــروب يف املناطــق الســاخنة‪ ،‬واملتوتــرة‪،‬‬ ‫وأنــه الدولــة الخفيــة داخــل الدولــة األمريكيــة‪.‬‬ ‫كذلــك نضيــف هنــا مقالــة نــرت مؤخـرا ً عــى‬ ‫موقــع «مؤسســة مســتقبل الحريــة» األمريــي‬ ‫للناشــط البــارز يف حقــوق اإلنســان األمريــي‬ ‫«جــون وايتهيــد» يحــذر فيهــا الشــعب‬ ‫األمريــي مــن عصابــة «املجمــع الصناعــي‬ ‫العســكري األمريــي» واصف ـاً املجمــع بالعــدو‬ ‫الداخــي يف الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وأن‬ ‫خطورتــه تكمــن يف العالقــات الرسيــة‪ ،‬والخفيــة‬ ‫التــي تربطــه بجــراالت البنتاغــون‪ ،‬وساســة‬ ‫الكونغــرس األثريــاء‪ ،‬وأصحــاب رشكات النفــط‬ ‫املمولــن النتخابــات البيــت األبيــض‪ ،‬والــذي‬ ‫يعــد مــن وجهــة نظــره العــدو الخفــي الــذي‬ ‫يهــدد كيــان الدولــة األمريكيــة مــن الداخــل‬ ‫مؤكــدا ً عــى الرابــط املدنــس بــن أعضــاء‬ ‫عصابــة «املجمــع» وساســة بارزيــن وســارسة‬ ‫عســكريني مبينــاً أن مــا يتــم إنفاقــه عــى‬ ‫إســراتيجية القواعــد العســكرية الخارجيــة‬ ‫التــي تقودهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫يف الســاعة الواحــدة قرابــة مبلــغ «‪ 20‬مليــون‬ ‫دوالر»‪ ،‬ومبــا يعــادل «‪ 15‬مليــار دوالر» يف‬ ‫الشــهر الواحــد تنفــق عــى تلــك القواعــد‬ ‫املنتــرة يف العــامل‪ ،‬والتــي تجــاوز عددهــا بعــد‬ ‫هجــات ‪ /11‬أيلــول إىل مــا يقــارب «‪»950‬‬ ‫قاعــدة عســكرية‪ ،‬ومــا ينفــق عليهــا يســاوي مــا‬ ‫تنفقــه «‪ »50‬واليــة أمريكيــة عــى بنــود تخــص‬ ‫«الصحــة والتعليــم واألمــن والرفاهيــة»‪.‬‬ ‫إن التقــري املتــأين يف ملــف العالقــة املدنســة‪،‬‬ ‫والتداخــات املريبــة بــن رشكات تصنيــع‬

‫الســاح‪ ،‬والعديــد مــن ساســة البيــت األبيــض‪،‬‬ ‫وجــراالت البنتاغــون ســيقدم لنــا األســباب‬ ‫الحقيقيــة‪ ،‬واملوضوعيــة لتلــك الرشاكــة التــي‬ ‫يغــذي كل طــرف منهــا اآلخــر مبــا يخــدم‬ ‫مصالحــه تحــت ذريعــة األهــداف اإلسـراتيجية‬ ‫للواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬والحفــاظ‬ ‫عــى أمنهــا القومــي لكــن مــا نــره معهــد‬ ‫«ســتوكهومل الــدويل لبحــوث الســام» يف تقريــره‬ ‫مؤخ ـرا ً يدحــض األهــداف التــي يتشــدق بهــا‬ ‫ساســة البيــت األبيــض‪ ،‬وعســكر البنتاغــون‪،‬‬ ‫ومييــط اللثــام عــن حــرب هــي األكــر إماتــة‬ ‫يف التاريــخ املعــارص حققــت مــن خاللهــا‬ ‫رشكات التصنيــع الحــريب يف الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة أرباحــاً تفــوق الخيــال رفعــت‬ ‫نســبة مبيعاتهــا إىل مــا يتجــاوز ‪ 50%‬عــن‬ ‫معــدالت مبيعاتهــا قبــل أحــداث ‪ /11‬أيلــول‪،‬‬ ‫وغــزو أفغانســتان‪ ،‬والعــراق‪ ،‬والحــرب عــى‬ ‫اإلرهــاب إضافــة إىل امللــف النــووي اإليــراين‪،‬‬ ‫وحــرب اليمــن‪ ،‬والحــرب الســورية‪ ،‬ومــا ميثلــه‬ ‫التهديــد اإليـراين‪ ،‬وتدخالتــه يف الــرق األوســط‬ ‫إضافــة إىل إس ـراتيجية إشــعال الفــن الطائفــة‪،‬‬ ‫والقوميــة بــن مكونــات شــعوب املنطقــة‪،‬‬ ‫وذلــك مــا دفــع العديــد مــن تلــك البلــدان‬ ‫للتهافــت عــى رشاء األســلحة وبكميــات كبــرة‪.‬‬ ‫إن الالفــت يف تقريــر «معهــد ســتوكهومل»‬ ‫حصافــة األرقــام املدونــة‪ ،‬ودقتهــا‪ ،‬والتــي تشــر‬ ‫إىل اإلنتــاج الضخــم للســاح الفتــاك الــذي يتــم‬ ‫تصديــره إىل الــدول املحرتبــة وفــق جــدول‬ ‫صــادم تضمــن أرقامــاً كبــرة مــن الــدوالرات‬ ‫يتحقــق مــن خاللهــا لتلــك الــركات أربــاح‬ ‫طائلــة‪ ،‬ولســنوات قادمــة حيــث تصــدرت‬ ‫دول الخليــج قامئــة املشــريات األكــر للســاح‬ ‫األمريــي‪ ،‬ويف مقدمتهــم اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية التــي أزاحــت الهنــد مــن املرتبــة‬ ‫األوىل يف العــامل كمســتورد للســاح األمريــي‬ ‫يف ف ـرات ســابقة‪ ،‬وذلــك مــن خــال الصفقــة‬

‫العمالقــة بــن الســعودية‪ ،‬ومجموعــة مــن‬ ‫الــركات األمريكيــة األهــم يف تصنيــع الســاح‬ ‫املتطــور يف العــامل حيــث بلغــت قيمــة العقــود‬ ‫املربمــة مــع اململكــة العربيــة الســعودية مبــا‬ ‫يتجــاوز مبلــغ «‪ »67‬بليــون دوالر حســب‬ ‫مدونــة معهــد «ســتوكهومل» وذلــك مــا ســيحقق‬ ‫اســتمرارية عمــل تلــك الــركات ملــدة «‪»10‬‬ ‫ســنوات مقبلــة إضافــة إىل أن اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية قــد أبرمــت مؤخــرا ً ويف بدايــة‬ ‫عمليــة عاصفــة الحــزم يف اليمــن عقــدا ً آخــر‬ ‫بقيمــة «مليــار دوالر» مــع رشكــة «لوكهيــد»‬ ‫الســترياد طائــرات «‪ »F155‬ذات القــدرات‬ ‫العاليــة والتــي تعــد الطائــرات األحــدث يف‬ ‫صناعــة ســاح الجــو األمريــي املعــد للتصديــر‬ ‫إضافــة إىل معــدات فنيــة لخدمــة صيانــة تلــك‬ ‫الطائـرات‪ ،‬وكــا يلفــت تقريــر «ســتوكهومل» أن‬ ‫عــدد العــال‪ ،‬والفنيــن‪ ،‬واملهندســن العاملــن‬ ‫يف رشكــة «لوكهيــد» يتجــاوز «‪ »126‬ألــف‬ ‫عامــل مــا يحقــق لهــم دميومــة عمــل مســتمر‬ ‫ويقلــل مــن نســبة البطالــة املرتفعــة أص ـاً يف‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪.‬‬

‫املستبد وحربه ضد املفكرين‪...‬‬ ‫أحمد العجيلي‬ ‫حــدث ذلــك يف صيــف عــام ‪ ، 2011‬وكان‬ ‫قــد مــى مــا يقــارب خمســة أشــهر عــى‬ ‫انــدالع ثــورة الكرامــة يف ســورية‪ ،‬كنــت‬ ‫حينــذاك قــد أنهيــت للتــو دفاعــي عــن‬ ‫أطروحــة املاجســتري يف اللغــة العربيــة وآدابها‪،‬‬ ‫ورجعــت مزهــوا ً بفرحــة النجــاح أحتفــل مــع‬ ‫مجموعــة مــن األصدقــاء‪ ،‬وكانــوا جميعهــم‬ ‫ممــن انحــازوا إىل خيــار الشــعب يف ثورتــه‪،‬‬ ‫وممــن ميكــن أن يُطلــق عليهــم « النخبــة‬ ‫املثقفــة» يف الرقــة‪.‬‬ ‫خــال حفــل العشــاء الــذي جمعنــي‬ ‫وأصدقــايئ انضــ ّم إلينــا قــرا ً أحــد عيــون‬ ‫النظــام التــي ترصــد حركــة املثقفــن يف‬ ‫الرقــة‪ ،‬وكان يشــغل منصــب املســؤول األمنــي‬ ‫عــن قطــاع الثقافــة يف مفــرزة االســتخبارات‬ ‫العســكرية يف الرقــة؛ فوجــئ الجميــع للوهلــة‬ ‫األوىل بانضــام هــذا الضيــف غــر املرغــوب‬ ‫بــه إىل طاولــة العشــاء‪ ،‬إال أنّ بعــض األصدقــاء‬ ‫ـص صدمــة املفاجــأة‪ ،‬واتخ ـ ّذ موقــع‬ ‫قــد امتـ ّ‬ ‫الهجــوم بــدالً عــن حالــة الدفــاع التــي كانــت‬ ‫تســتبد بنــا كلــا اضطررنــا للمواجهــة مــع‬ ‫رجــال أمــن النظــام ومخربيــه‪ .‬مــا اســتق ّر‬ ‫عليــه رأي الجميــع وقتــذاك هــو تخــ ّوف‬ ‫النظــام مــا هــو ٍ‬ ‫آت‪ ،‬ورغبتــه يف استشــفاف‬ ‫رأي النخبــة املثقفــة داخــل املجتمــع الرقــي‬ ‫آنــذاك؛ وبالطبــع مل يخيــب األصدقــاء رأي‬

‫ذاك املخــر‪ ،‬ودار حــوار احتــدم بــن الطرفــن‬ ‫كاد أن يجعلنــا نكمــل عشــاءنا داخــل الفــرع‪،‬‬ ‫مــع مقبــات شــهيّة مــن نــوع آخــر‪.‬‬ ‫مــع تســارع األحــداث داخــل ســورية‪،‬‬ ‫وتســاقط املزيــد مــن الشــهداء يوميـاً مل يكــن‬ ‫مــن املتوقــع اســتمرار صــر النظــام عــى‬ ‫تلــك النخبــة املثقفــة داخــل عمــوم ســورية‪،‬‬ ‫فلــم يســلم أحــد مــن وحشــية الدكتاتــور‪،‬‬ ‫فــازدادت االعتقــاالت يف صفــوف الناشــطني‬ ‫الســلميني‪ ،‬والكتّــاب‪ ،‬والصحفيــن‪ ،‬فقــى‬ ‫عــدد كبــر منهــم وســط املظاهـرات برصــاص‬ ‫األمــن والشــبيحة‪ ،‬وقســم آخــر غيبّتــه أقبيــة‬ ‫املخاب ـرات وســجونها الظالميــة‪ ،‬وقســم أخــر‬ ‫قــرر النجــاة والهــرب خــارج أســوار الســجن‬ ‫األكــر « ســورية»‪.‬‬ ‫أمــا اســتعادة هــذه الذكريــات بآليــة تشــبه‬ ‫ميــزة (الفيســبوك) الــذي يذكــرك بأهــم‬ ‫األحــداث التــي قمــت بهــا قبــل عــام أو‬ ‫عامــن‪ ،‬هــو اســتمرار هــذه املامرســات‬ ‫ذاتهــا داخــل الــدول الســورية املســتحدثة‪،‬‬ ‫واملقصــود هنــا تلــك املناطــق التــي خرجــت‬ ‫عــن ســيطرة النظــام شــكلياً‪ ،‬إال أنهــا بقيــت‬ ‫متــارس األســلوب املخاب ـرايت ذاتــه الــذي كان‬ ‫النظــام ميارســه مــن خــال أذرعــه األمنيــة‬ ‫ومخربيــه؛ فمــن تغييــب واعتقــال وتصفيــة‬ ‫الناشــطني والصحفيــن والكتّــاب يف مدينــة‬ ‫دومــا الســورية ونذكــر منهــم عــى ســبيل‬

‫املثــال‪ ( :‬الحقوقيــة رزان زيتونــة والناشــطة‬ ‫ســمرية الخليــل ووائــل حــادة والشــاعر‬ ‫ناظــم حــادي)‪ ،‬إىل ترهيــب واعتقــال‬ ‫الناشــطني املدنيــن داخــل مدينــة إدلــب‬ ‫الخاضعــة إىل ســيطرة جيــش الفتــح‪ ،‬أو‬ ‫بتعبــر أكــر رصاحــة لجبهــة النــرة تحديــدا ً؛‬ ‫ناهيــك عــا تقــوم بــه ســلطات األمــر الواقــع‬ ‫يف مدينــة تــل أبيــض الســورية والحســكة‪،‬‬ ‫حيــث تعمــل وحــدات حاميــة الشــعب أو‬ ‫الفــرع الســوري لحــزب العــال الكردســتاين‬ ‫عــى سياســة كــ ّم األفــواه ورشاء الذمــم‬ ‫وتكبيــل الحريــات‪ ،‬وهــي السياســة ذاتهــا‬ ‫التــي كان ينتهجهــا ضبــاط مخاب ـرات األســد‬

‫وجالوزتــه خــال فــرة ســيطرتهم عــى تلــك‬ ‫املناطــق‪.‬‬ ‫وبالطبــع هنــا ال ميكننــا أن ننــى ســلطة‬ ‫الخليفــة وأمنييــه ورشعييــه داخــل الرقــة‬ ‫ومنبــج وباقــي مناطــق ســورية الخاضعــة‬ ‫لســيطرة التنظيــم‪ ،‬واألمثلــة هنــا ال تــكاد‬ ‫تحــى فجميــع أهــل الرقــة يذكــر تصفيــة‬ ‫« مهنــد حبايبنــا» أو «روبــن هــود الرقــة»‬ ‫وكيــف قــام عنــارص التنظيــم بتصفيتــه إثــر‬ ‫محاولتــه انتقــاد ســلطة التنظيــم‪ ،‬وتجاوزاتــه‬ ‫بحــق املدنيــن‪ ،‬ومــن ث ـ ّم حملــة االعتقــاالت‬ ‫التــي طالــت النشــطاء واإلعالميــن مــن أبنــاء‬ ‫الرقــة مثــل ‪ :‬فـراس الحــاج صالــح وإبراهيــم‬ ‫الغــازي ومهنــد الفيــاض وغريهــم كــر‪ ،‬ناهيك‬ ‫عــن خطــف وتغييــب الناشــط الســلمي «‬ ‫األب باولــو دالوليــو» الــذي حــاول محــاورة‬ ‫رجــال التنظيــم وماججتهــم باملنطــق‪ ،‬فــا‬ ‫كان منهــم ســوى اعتقالــه ورمبــا تصفيتــه‬ ‫الحقـاً؛ وقــد ال تكــون تصفيــة نشــطاء حملــة‬ ‫« الرقــة تذبــح بصمــت» داخــل مدينــة‬ ‫أورفــا الرتكيــة هــي األخــرة‪ ،‬فكثــر مــن‬ ‫كتّــاب الــرأي والصحفيــن متــت تصفيتهــم أو‬ ‫تهديدهــم أو تهجريهــم خــارج ســلطة األمــر‬ ‫الواقــع التــي فرضهــا التنظيــم أســوة بالنظــام‬ ‫قبلــه‪ ،‬والخيــار طبعـاً كان عــى الــدوام إ ّمــا أن‬ ‫تبايــع وتكــون صوتـاً للدفــاع عنهــم‪ ،‬والرتويــج‬ ‫لســلطتهم‪ ،‬وإمــا أن تكــون حياتــك هــي‬

‫الثمــن‪ ،‬ويف أحســن االحــوال _كــا حــدث‬ ‫مــع كاتــب هــذه الســطور_ أن يكــون مالــك‬ ‫وجميــع ممتلكاتــك هــي الثمــن‪.‬‬ ‫هــذا التشــابه يف الحــاالت جميعهــا التــي‬ ‫ســاقها املقــال يــؤدي إىل فكــرة واحــدة أال‬ ‫وهــي أن االســتبداد بأشــكاله كافــة يحــارب‬ ‫الفكــر‪ ،‬ويرفــض أي مــروع تنويــري قــد‬ ‫يســهم بتقويــض ســلطته القمعيــة‪ ،‬وينتقــد‬ ‫مامرســاته الهمجيــة‪ ،‬وهــذا مــا ذكــره لنــا‬ ‫الكواكبــي يف طبائــع االســتبداد بقولــه‪(:‬‬ ‫إنّ رجــال االســتبداد يالحقــون العلــاء‬ ‫واملفكريــن‪ ،‬ويصلونهــم ألوانــاً قاســية مــن‬ ‫العــذاب‪ ،‬ومــن كان حظّــه وافــرا ً منهــم‬ ‫يســتطيع أن يــرك وطنــه وبــاده هارب ـاً مــن‬ ‫ظلمهــم)‪.‬‬ ‫هــل تنبــأ الكواكبــي بطبيعــة حكــم نظــام‬ ‫األســد ومــا بعــده مــن مســتبدين؟! أم إن‬ ‫االســتبداد نســخة واحــدة تتكــرر دومــاً‬ ‫عــى م ـ ّر التاريــخ ولكــن مبســميات وأشــكال‬ ‫مختلفــة‪ .‬لعــل الطريــف أن نختــم باســتنكار‬ ‫الشــيخ « أحمــد الشــاش» عــى صفحتــه يف‬ ‫الفيســبوك فــوز أعضــاء حملــة « الرقــة تذبــح‬ ‫بصمــت» بجائــزة حريــة الصحافــة العامليــة‪،‬‬ ‫واصفــاً إياهــم بالعاملــة وخيانــة الوطــن‪،‬‬ ‫والالفــت أن االســتنكار ذاتــه قــد صــدر مــن‬ ‫رشعيــي داعــش وأبواقــه اإلعالميــة‪.‬‬ ‫ولله يف خلقه شؤون!‬


‫‪8‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫عصام حقي‬ ‫يف قلــب الحــرب العامليــة األوىل‪ ،‬وقــد بــدت‬ ‫مالمــح نهايــة اإلمرباطوريــة العثامنيــة‪ ،‬وقعــت‬ ‫الدولتــان العظميــان آنــذاك‪ ،‬إنكلــرا وفرنســا‪،‬‬ ‫االتفاقيــة املعروفــة بـ»ســايكس – بيكــو»‪،‬‬ ‫والتــي اتفقتــا فيهــا عــى تقســيم منطقــة‬ ‫الهــال الخصيــب الــرق األوســط توزيعــا‬ ‫جيوسياســياً جديــدا ً‪ ،‬يتــم مبوجبــه بســط‬ ‫الســيطرة االســتعامرية عليــه‪ ،‬وحيــازة مناطــق‬ ‫نفــوذ جديــدة‪ ،‬إضافــة إىل مناطــق نفوذهــا‬ ‫االســتعامرية القدميــة‪.‬‬ ‫ومــن مفارقــات ســايكس ‪ -‬بيكــو التاريخيــة‪،‬‬ ‫أنــه كان فيهــا طــرف ثالــث رشيــك معهــا يف‬ ‫االتفاقيــة هــو روســيا القيرصيــة ممثلــة بوزيــر‬ ‫خارجيتهــا (ســرجي ســازانوف)‪.‬‬ ‫لكــن الثــورة البلشــفية ‪ ،1917‬جعلــت روســيا‬ ‫تنســحب مــن االتفاقيــة بــل تطلــع العــامل عــى‬ ‫بنودهــا حــن اقتحــم الثــوار الســفارة الفرنســية‬ ‫يف موســكو‪ ،‬واســتولوا عــى وثائقهــا‪ ،‬ونــروا‬ ‫محتوياتهــا‪ ،‬ومــن ضمنهــا نســخة مــن اتفاقيــة‬ ‫(ســايكس ‪ -‬بيكــو ‪ -‬ســازانوف) التــي اقتــرت‬ ‫بعدئــذ عــى انكل ـرا وفرنســا فقــط‪.‬‬ ‫بهــذا خرجــت روســيا خاليــة الوفــاض صفــر‬ ‫اليديــن مــن حلمهــا بالعــوم يف امليــاه الدافئــة‬ ‫يف رشق املتوســط بعــد التمــدد إىل البحــر‬ ‫األســود ومضيقــي البوســفور والدردنيــل‪.‬‬ ‫انتهــى الحلــم الــرويس االســتعامري الــذي‬ ‫كان قــد أوىص بــه املــؤرخ الــرويس (لوكــن)‬ ‫بقولــه‪( :‬إذا كانــت روســيا تريــد الحيــاة كان‬ ‫لزامـاً عليهــا أن تنــزل مــن الشــال البــارد نحــو‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫سايكس بيكو وحلم القيصر اجلديد‬ ‫امليــاه الدافئــة الواهبــة للحيــاة‪ ،‬وكان لزامــاً‬ ‫عليهــا بــكل جربوتهــا وقوتهــا وبثقــل أراضيهــا‬ ‫الشاســعة أن تنــزل نحــو البحــر األســود)‪.‬‬ ‫ومل يبـ َـق لروســيا مــن حلمهــا ووصيــة لوكــن‬ ‫ســوى جائــزة الرتضيــة التــي منحهــا الغــرب‬ ‫لهــا بحــق بســط الســيطرة عــى بعــض‬ ‫الجمهوريــات الجنوبيــة كجورجيــا مثــاً‪.‬‬ ‫وبعــد قــرن كامــل عــى ســايكس بيكــو يجــد‬ ‫(بوتــن) نفســه أمــام وضــع مشــابه ملــا حــدث‬ ‫مــع جــده القيــر‪ ،‬ويجــد لزامـاً عليــه أال يكــرر‬ ‫خطــأ األجــداد بالتخــي عــن الحلم االســتعامري‬ ‫مــن جهــة‪ ،‬وأن الفرصــة ســانحة الســتعادة‬ ‫روســيا شــيئاً مــن هيبــة مهــدورة بعــد انهيــار‬ ‫االتحــاد الســوڤييتي مــن جهــة ثانيــة‪.‬‬ ‫هكــذا وضــع بوتــن عينــه عــى املنطقــة‪ ،‬ويــده‬ ‫بيــد النظــام الســوري املتهالــك الــذي اســتنزفته‬ ‫الحــرب الحمقــاء املهلكــة اقتصادي ـاً وعســكرياً‬ ‫وجغرافيــاً‪ ،‬فوجــد يف روســيا حليفــاً قويــاً‪،‬‬ ‫سياســياً يف منــر مجلــس األمــن‪ ،‬وعســكرياً يف‬ ‫امليــدان الســوري امللطــخ بالــدم واألمل‪.‬‬ ‫التقــى الحليفــان اللــذان وجــد كل منهــا‬ ‫خالصــه ونجاتــه يف طــوق نجــاة اآلخــر‪ ،‬فبوتــن‬ ‫ســارع لنصــب قواعــده العســكرية األرضيــة‬ ‫والجويــة عــى الــراب الســوري يف طرطــوس‪،‬‬ ‫وأعــد طريانــه ليقــذف حمــم املــوت كيفــا‬ ‫اتفــق يف حــرب إبــادة وقودهــا يف الغالــب‬ ‫األبريــاء والنســاء واألطفــال بخاصــة‪.‬‬ ‫أجــل أقــدم بوتــن عــى مغامرتــه هــذه‬ ‫املــرة وهــو موقــن بأهميــة ســورية كموقــع‬ ‫اســراتيجي يحفــظ لروســيا وجــودا ً باهــرا ً يف‬

‫التوازنــات الدوليــة الجديــدة القادمــة‪ ،‬وأهميــة‬ ‫رشق املتوســط اقتصادي ـاً‪ ،‬وخاصــة بعــد تفجــر‬ ‫آبــار النفــط (الغــاز) يف مياهنــا املالحــة بكميات‬ ‫يســيل لهــا لعــاب الجميــع‪ .‬كــا يريــد االحتفاظ‬ ‫مبوطــئ قــدم يف طرطــوس والالذقيــة كآخــر‬ ‫قاعــدة لــه يف العــامل بعدمــا فقدهــا جميعــاً‬ ‫مــع تداعــي االتحــاد الســوڤييتي وانهيــاره‪.‬‬ ‫وانطالق ـاً مــن هــذا الواقــع كان اندفــاع بوتــن‬ ‫اندفاعــاً كبــرا ً ودقيقــاً يف آن واحــد نحــو‬ ‫الســاحة الســورية ليعــود ويتلمــس يف نهايــة‬ ‫نفقهــا بقعــة لــه يف أضــواء العــامل التــي حــرم‬ ‫منهــا طويــاً‪.‬‬ ‫وقــد وجــد بوتــن النظــام الســوري عــى عتبات‬ ‫البوابــة الســورية جاه ـزا ً الســتقباله والرتحيــب‬ ‫بــه بتصفيــق حــار وترحيــب بــا حــدود بهــذا‬ ‫القــادم املنتظــر حامـاً معــه ســرة اإلنقــاذ مــن‬ ‫غــرق كان محتـاً يف بحــر القريــب العاجــل‪.‬‬ ‫فكيــف اســتطاع بوتــن اإلقــدام عــى هــذه‬

‫الخطــوة دون موافقــة مجلــس األمــن (وهــو‬ ‫الــذي كان طــوال خمــس ســنوات يتدخــل‬ ‫بحــق النقــض ضــد أقــل مــن تدخلــه بكثــر)؟!‬ ‫لقــد اســتمد بوتــن رشعيــة تدخلــه الســافر‬ ‫واندفاعــه املبيــت مــن‪:‬‬ ‫ املواقــف الغربيــة عامــة واألمريكيــة الهشــة‬‫خاصــة إزاء الشــال الدمــوي املتدفــق يف‬ ‫املنطقــة‪.‬‬ ‫ اعتــاده عــى مركزيــة الســلطة يف روســيا‪،‬‬‫أو الديكتاتوريــة املقنعــة بقنــاع الديقراطيــة‬ ‫(وتبــادل األدوار املعــروف بــن بوتــن‬ ‫وميدفيــدف) خــر دليــل عــى مــا نذهــب إليــه‪.‬‬ ‫ موافقــة مجلــس (الدومــا) الــرويس الشــبيه إىل‬‫حــد كبــر مبجالــس التصفيــق يف الديكتاتوريــات‬ ‫يف العــامل الثالــث‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ منــح الغــزو الــرويس طابعــا دينيــا يف غايــة‬‫الرعونــة واملتمثــل بأخــذ مباركــة الكنيســة‬ ‫األرثوذوكســية الروســية عــى مغامرتــه‪ ،‬مــا‬

‫يطبــع العمليــه بطابــع غــر محمــود قــد متتــد‬ ‫عقابيلــه إىل ســنني بــل رمبــا عقــود‪.‬‬ ‫ وأعتقــد هنــا أنــه قبــل هــذا وذاك قــد‬‫حصــل عــى مباركــة الســيد أوبامــا صاحــب‬ ‫الظاهــرة الصوتيــة‪ ،‬املرتافقــة بخطوطــه الحمــر‬ ‫وتهديداتــه الجوفــاء املســتهرتة بالنزيــف‬ ‫الســوري‪ ،‬مــن بدايــة النزيــف حتــى اليــوم‬ ‫فيــا يبــدو أنــه يريــد إنهــاء فرتتيــه يف البيــت‬ ‫األبيــض بلطخــة ســوداء قــد ال تســتطيع إزالــة‬ ‫أثرهــا جائــزة نوبــل التــي منحــه إياهــا مخطــط‬ ‫عاملــي ولعبــة أمميــة‪ ،‬حتــى قبــل أن يتعــرف‬ ‫بشــكل واضــح عــى معــامل البيــت األبيــض‬ ‫الــذي انتقــل إليــه حديث ـاً يومئــذ‪ ،‬فقــد أكمــل‬ ‫أوبامــا املســرة بالقتــل الصامــت بعــد القتــل‬ ‫املعلــن لســلفه (بــوش)‪.‬‬ ‫لقــد أوكل الغــرب املهمــة الدمويــة للســيد‬ ‫بوتــن‪ ،‬فدخــل وأدخــل روســيا املســتنقع‬ ‫املوحــل‪ ،‬وأحــرق أوراقــه كلهــا دفعــة واحــدة‪،‬‬ ‫دون أن يحســب حســاباً للمســتقبل القريــب‬ ‫وحتــى البعيــد‪ ،‬نعــم أحــرق أوراقــه وســفنه‬ ‫وهــو يبــذر بــذور عــداوة وحقــد ســتنمو‪،‬‬ ‫وتشــتد رضاوتهــا مــع كل صــاروخ‪ ،‬يقتــل‬ ‫اآلمنــن‪ ..‬اآلمنــن ال غريهــم‪.‬‬ ‫وســوف يضطــر الــدب القــادم مــن امليــاه‬ ‫البــاردة إىل االنكفــاء عــى نفســه‪ ،‬واالنســحاب‬ ‫مــن ســورية‪ ،‬كل ســورية إىل ثلــوج ســيبرييا‪،‬‬ ‫وهــو يــردد مــن جديــد حكايــة حلــم قيــر‬ ‫آخــر تبخــر يف رشق املتوســط‪ ،‬ودخــل مرحلــة‬ ‫التجمــد النهــايئ يف صقيــع القطــب الشــايل‬ ‫الشــديد الــرودة‪.‬‬

‫مكافح��ة النازي��ة اجلدي��دة يف ش��رق يعي��ش خم��اض ال��والدة‬ ‫منهكــون نحــن مــن نظريــات املؤامــرة‬ ‫التــي أينــا تلفتنــا حولنــا نجدهــا‪ ،‬الــدول التــي‬ ‫تحــارب داعــش يف اإلعــام هــي ذاتهــا التــي‬ ‫تؤمــن لهــا الســاح واملعابــر والوجــود الرضوري‬ ‫لحروبهــم غــر املعلنــة مــع متعاديــن فيــا‬ ‫بينهــم يقفــون مبتســمني ســويةً‪ ،‬يتصافحــون‬ ‫أمــام عدســات الكامــرات والشاشــات‬ ‫التلفزيونيــة‪ ،‬يدلــون عــادة بترصيحــات تطمــن‬ ‫فقــط املشــاهد القاطــن خلــف البحــار‪ ،‬هنــاك‬ ‫يف األماكــن البعيــدة عــن مراكــز املــوت والقتــل‬ ‫الســوري املعلــن‪..‬‬ ‫منــذ بدايــة األحــداث واألوراق مختلطــة مــا‬ ‫بــن الــدول املعنيــة بســوريا‪ ،‬ولعــل أعقــد مــا‬ ‫يف األمــر كــرة تشــابك املصالــح عــى بلدنــا‬ ‫الصغــر‪ ..‬هــل يعنــي هــذا أ ّن علينــا أن نســلم‬ ‫ونستســلم لفكــرة أن هنــاك مؤامــرة أُحيكــت‬ ‫ضــد ســوريا كــا يقــول إعــام بشــار األســد؟‬ ‫أم علينــا أن نســلم بــأن هنــاك مؤامــرة‬ ‫أُحيكــت ضــد الثــورة ذات العلــم األحمــر؟ أو‬ ‫أن هنــاك مؤامــرة كونيــة تحــاك منــذ الحــروب‬ ‫الصليبيــة ولورانــس العــرب عــى ثــورة العلــم‬ ‫األخــر‪ ،‬تلــك التــي تريــد للمنطقــة نــر األمة‬ ‫اإلســامية ضــد األمــة العربيــة أو الكورديــة‬ ‫أو القوميــات املتعجرفــة كلهــا أو حتــى ضــد‬ ‫الصليبيــن‪ ،‬ويضــاف إليهــم اليهــود والبوذيــن‬ ‫واإلســاعيليني واالزيديــن والعلويــن والــدروز‪،‬‬ ‫وطبعــاً الشــيعة املكفريــن كغريهــم‪..‬؟‬ ‫نظريــات املؤامــرة حقيقــة وواقــع يقــول بــأن‬ ‫مصالــح أمــركا العميقــة هــي إخــراج روســيا‬ ‫نهائيــاً مــن حــوض البحــر األبيــض املتوســط‪،‬‬ ‫وإبعــاد شــبح أي منافــس لهــا عــن آبــار الغــاز‬ ‫والنفــط ومعابرهــا‪ ،‬وفتــح املنطقــة الــرق‬ ‫أوســطية عــى أســواق العــامل ذو االقتصــاد‬ ‫الحــر‪ ،‬بعيــدا ً عــن القيــود القانونيــة التــي‬ ‫تحيــط أوروبــا بهــا ذاتهــا‪ ،‬وبالتــايل تكــون‬ ‫ســوق الــرق منافســة لســوق أوروبــا‪ ،‬وغريهــا‬

‫كاريكاتري للفنان عيل فرزات‬

‫يف عــامل آخــر جديــد غــر ذاك الــذي نعيشــه‬ ‫اآلن‪..‬‬ ‫املــروع األمــريك يفكــر بعيــدا ً جــدا ً أبعــد‬ ‫مــن مداركنــا‪ ،‬وبالتــايل حيــاة آالف املئــات بــل‬ ‫املاليــن مــن الســوريني والعراقيــن وغريهــم‬ ‫ال يكــرث لهــا بعمــق أحــد‪ ،‬ليــس ألنهــم‬ ‫مســلمون أو مســيحيون أو غــر‪ ،‬بــل ألن‬ ‫خســارتهم تحــى ضمــن تحصيــل الحاصــل يف‬ ‫حــرب املســتقبل‪ ..‬هنــاك مــن يســقط لتحيــا‬ ‫أجيــال بكرامــة حقيقيــة‪ ،‬وليســت تلــك التــي‬ ‫يرددهــا بغبــاء البعــض‪.‬‬ ‫أمــا عــن الفكــر الداعــي فهــو كــا يؤكــد‬ ‫الكثــرون فكــر إســامي بحــت يصعــب تكفــره‬ ‫متام ـاً مــن أغلــب األمئــة جدي ـاً‪ ،‬حيــث أنــه ال‬ ‫يعــارض التعاليــم املتداولــة يف تلــك املنطقــة‬ ‫مــن العــامل يف عمــق املفهــوم منــذ قــرون‪ ،‬وقــد‬ ‫جربــت أجيــال مــن النســاء والرجــال منــذ‬ ‫مطلــع القــرن الثــورة عــى هــذا الفكــر وتغيريه‪،‬‬ ‫لكــن وبعــد مــا يقــارب ســبعني عامـاً مــن عمــل‬

‫مضــنٍ ودواويــن كثــرة مــن القصائــد القبانيــة‬ ‫والدرويشــية مــا زال شــبح ابــن تيميــة يهيمــن‬ ‫عــى عقــول آبــاء وأزواج وأخــوة رشقيــن يــرون‬ ‫املــرأة قطــة مدللــة ال عقــل لهــا وال قلــب‪..‬‬ ‫ويــرون الــا مســلم دون‪.‬‬ ‫لــذا فمــن درس فكــرة ظهــور دولــة الخالفــة‬ ‫يف تلــك املنطقــة ملرحلــة مؤقتــة‪ ،‬درســها‬ ‫بحنكــة إلظهــار حقيقــة باهظــة الثمــن لكافــة‬ ‫املســلمني‪ ،‬وهــي أن حلمهــم القديــم بخالفــة‬ ‫إســامية قــد يكــون ممكنــاً‪ ،‬لكــن بــرط‬ ‫الدمــار التــام لذواتهــم ولغريهــم ولإلنســانية؟‬ ‫وهــي تســتدعي حربــاً عامليــة ثالثــة كتلــك‬ ‫التــي شــ ّنها العــامل عــى الفكــر النــازي‪..‬‬ ‫قــد يفــرح حاليـاً بعــض أمـراء داعــش وأخواتهــا‬ ‫مــن جيــوش فاتحــة إســامية بتعــاون تــريك أو‬ ‫قطــري معهــم طبع ـاً مبع ّيــة أمريكيــة‪ ،‬وتحــت‬ ‫الســيطرة‪ ،‬ولكــن مــا ال يعلمونــه هــؤالء األمـراء‬ ‫الدواعــش أو األقــل داعشــية هــو أنهــم أداة‬ ‫مرحليــة وإن كانــت متثــل الجنــون البــري يف‬

‫أعــى مراتبــه الــا إنســانية‪...‬‬ ‫لقــد أنهــت أوروبــا آخــر ســيطرة للكنيســة‬ ‫عليهــا وللفكــر القومــي اإلثنــي واالســتعامري‬ ‫يف الوقــت ذاتــه بفضــل الفكــر النــازي بزعامــة‬ ‫هتلــر‪ ،‬ولقــد اســتمر هتلــر لســنوات بانــت‬ ‫طويلــة لكنهــا ال يش بعمــر البرشية‪ ،‬ظن نفســه‬ ‫حينهــا منت ـرا ً‪ ،‬ميلــك الحقيقــة التــي تعطيــه‬ ‫حــق إبــادة اليهــود واألعـراق األخــرى‪ ،‬والكثــر‬ ‫مــن األوروبيــن حتــى خــارج حــدود أملانيــا‬ ‫اعتنقــوا فكــره‪ ،‬معتربيــن أنفســهم بــكل جديــة‬ ‫العــرق األســمى بــن البــر‪ ..‬متام ـاً كــا يكــرر‬ ‫عــى مســامع املســلمني بعــض األمئــة «أنتــم‬ ‫خــر أمــة أخرجــت للنــاس»‪ ..‬لكــن مــا ال يعيــه‬ ‫البعــض أن البرشيــة أقــوى‪ ،‬ألنهــا انتــرت‬ ‫عــى فكــر هتلــر العنــري الــا إنســاين‪ ،‬ونهايــة‬ ‫الحــرب العامليــة الثانيــة أوجــدت هــذا العــامل‬ ‫الحديــث الــذي منــذ تأســيس عصبــة أممــه‬ ‫يعمــل عــى تكريــس أفــكار املســاواة وحقــوق‬ ‫اإلنســان يف كل مــكان‪ ،‬ورغــم أن عجلتــه تتعــر‬ ‫وتعرقلهــا مطامــع النفــوذ واملــال والجشــع‬ ‫لبعــض املتنفذيــن الكبــار مــن بنــوك وصناديــق‬ ‫نقــد وديكتاتوريــات رشقيــة إال أنهــا تســر‬ ‫وتســتمر‪.‬‬ ‫ولكــن هنــاك بعــض املناطــق يف هــذا العــامل‬ ‫بقيــت رافضــة لفكــر اإلنســانية الحديــث‪،‬‬ ‫وبقيــت متشــبثة بعقليــات هتلــر والنازيــة عىل‬ ‫الطريقــة الرشقيــة‪ ،‬مــا بــرر كخيــار ســيايس‬ ‫غــريب ظهــور ديكتاتوريــات علامنيــة كأتاتــورك‬ ‫واألســد وصــدام حســن‪ ،‬ديكتاتوريــات تدعــم‬ ‫غربي ـاً بجديــة مــن القــوى العظمــى‪ ،‬ألنهــم مل‬ ‫يجــدوا بديــاً أو مــن يقــف يف وجــه جنــون‬ ‫البــر‪ ..‬إنهــا ديكتاتوريــات مفوضــة مبهمــة‬ ‫رســمية للتصــدي للنازيــة اإلســامية التــي تق ـ ّر‬ ‫بــأن للذكــر مثــل حــظ االنثيــن‪ ،‬وبــأن هنــاك‬ ‫فرق ـاً بــن األعجمــي والعــريب بالتقــوى‪ ،‬وبــأن‬ ‫هنــاك مراتــب بــن البــر يف عــامل بأمــس‬

‫لمى األتاسي‬ ‫الحاجــة لتكريــس حقــوق الجميــع واملســاواة‪..‬‬ ‫نعــم علينــا أن نعــي جدي ـاً أن الشــعوب التــي‬ ‫ال تعتنــق فكــر اإلنســانية الحديــث يصعــب‬ ‫منحهــا رقــاب البــر بالدميقراطيــة‪ ،‬حيــث‬ ‫أن الدميقراطيــة فكــرة مؤسســة عــى مبــادئ‬ ‫فصــل الســلطات واملســاواة وحريــة التعبــر‪،‬‬ ‫واملجتمعــات اإلســامية بشــكلها الحــايل‬ ‫التقليــدي ال تتقبــل أيــاً مــن تلــك املبــادئ‪..‬‬ ‫الفكــر اإلنســاين‪ ،‬وليــس الغــريب مبنــي عــى‬ ‫منطــق علمــي‪ ،‬والرياضيــات أحــد أسســه‪ ،‬أي‬ ‫أن واحــد زائــد واحــد لــن يســاوي اثنــن‪ ..‬ولــو‬ ‫زرعنــا قمح ـاً لــن نحصــد عنب ـاً‪ ،‬بالتــايل هنــاك‬ ‫منطــق علمــي ال بــد مــن التعامــل مــن خاللــه‪،‬‬ ‫منطــق يرفضــه القامئــون عــى الفكــر اإلســامي‬ ‫مــن كل التيــارات‪ ،‬وبــل يجــدون لذاتهــم‬ ‫تربيــرات تضعهــم يف خانــة العــداء وتصفهــم‬ ‫مــع داعــش‪..‬‬ ‫يف النهايــة هنــاك مؤامــرات كــا هــو حــال‬ ‫هــذا العــامل الــذي يجــرب أن يفــكك ذاتــه‬ ‫ليطــور‪ ،‬ولكــن الحقيقــة هــو أن البرشيــة يف‬ ‫حالــة تطــور دائــم‪ ،‬وعجلــة الحضــارة مســتمرة‬ ‫نحــو األمــام‪ ،‬ولــن تعــود للســلف‪ ،‬وتتخلــف‬ ‫ألن ليــس هنــاك مــا يقنــع عق ـاً ح ـرا ً يف تلــك‬ ‫النظريــات الخرافيــة‪..‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫‪9‬‬

‫األيديولوجيا املنحطة‬ ‫ككل محطــة مــن محطــات الثــورة‬ ‫الســورية‪ ،‬نعيــد صياغــة عالقتنــا بالعــامل‪.‬‬ ‫حيــث مــن املفــرض‪ ،‬أن تكــون هــذه العالقــة‬ ‫متغــرة مــع تغــر العــامل ذاتــه‪ .‬امللفــت للنظــر‬ ‫هــو ظهــور األيديولوجيــا كنفايــة سياســية‪.‬‬ ‫األيديولوجيــا هــي يف النهايــة جملــة املعايــر‬ ‫التــي يحكــم فيهــا الفــرد داخــل الجامعــة‬ ‫عــى أيــة ظواهــر حياتيــة‪ .‬هــي إحــال النحــن‬ ‫محــل األنــا‪ .‬أيضــاً محاولــة انخــراط األنــا يف‬ ‫جامعــة‪.‬‬ ‫األيديولوجيــات يســارية وميينيــة وإســامية يف‬ ‫الربيــع العــريب عمومـاً‪ ،‬كانــت يف أســوأ مراحل‬ ‫انحطاطهــا‪ .‬مل تكــن مهيــأة مطلقــاً للتعامــل‬ ‫مــع الظاهــرة‪ ،‬فــا بالنــا باســترشافها‪ .‬الظاهرة‬ ‫التــي ذهــب ضحيتهــا ماليــن مــن األبريــاء‪،‬‬ ‫ودمــرت بلــدان بكاملهــا‪ ،‬مــن أجــل مقولــة‬ ‫بســيطة (الحريــة والكرامــة) بعدهــا بــدأت‬ ‫هــذه األيديولوجيــات برمــي أوســاخها عــى‬ ‫هــذه املقولــة‪ ،‬وتحميلهــا أبعادهــا املهزومــة‬ ‫أصــاً‪ .‬أصبحــت الحريــة والكرامــة رصاعــاً‬ ‫طبقيـاً أو علامنيـاً أو إلحــال رشع اللــه‪ ،‬هــذا‬

‫مــن جهــة املعارضــة‪ ،‬ونفــس األيديولوجيــات‬ ‫مــن جهــة جامعــة األســد واالســتبداد عمومـاً‪،‬‬ ‫محــور دفاعهــم عــن البســطار تحــت شــعار‬ ‫العلامنيــة‪ ،‬أيــة علامنيــة تدافــع عن البســطار؟‬ ‫عــى فــرض أن هنالــك خطـرا ً مــن اإلســاميني‪،‬‬ ‫هــل هــذا مــرر للوقــوف مــع بســطار مبنــي‬ ‫عــى تدمــر البلــد؟ بينــا الشــباب يف الربيــع‬ ‫العــريب‪ ،‬الذيــن خرجــوا يف التظاهــرات‪،‬‬ ‫ودفعــوا حياتهــم مثن ـاً لهــذا‪ ،‬كانــت الحســبة‬ ‫بســيطة وبســيطة جــدا ً‪ .‬تأثرهــم بحســهم‬ ‫العمــي والعــامل الغــريب خصوصــاً‪ ،‬حريــة‬ ‫الفــرد وكرامتــه أمــام تغ ـ ّول الفســاد والقمــع‬ ‫والطائفيــة والتمييــز‪ .‬أيديولوجيــات كلهــا‬ ‫ا ُختــرت و ُهزمــت‪ .‬لكــن ال يــزال حاملوهــا‪،‬‬ ‫يفخخــون أي حــراك مجتمعــي‪ .‬هزميــة‬ ‫األيديولوجيــات هــذه ليســت فقــط أخالقيــة‬ ‫وقيميــة‪ ،‬بــل ُهزمــت سياســياً ومصلحيــاً يف‬ ‫عــامل‪ ،‬مل تفهــم هــذه األيديولوجيــات وقائعــه‪،‬‬ ‫تفاصيلــه وقــواه‪ .‬يوجــد أيديولوجيــا ال تحمــل‬ ‫شــعارات براقــة‪ ،‬وضعيــة كانــت أم دنيويــة‪.‬‬ ‫لكــن قــدر األيديولوجيــا أي أيديولوجيــا أن‬

‫تنتهــي‪ ،‬أن يتجاوزهــا التاريــخ‪ .‬ويبقــى حاملهــا‬ ‫عــى هامــش الحــدث تنقلهــم السياســة‬ ‫الراهنــة بتشــابكاتها وتعقــد مصالحهــا‪ ،‬مــن‬ ‫مكــب نفايــات آلخــر‪.‬‬ ‫أدونيــس مثــال يشــبه حــال الجــرال ميشــيل‬ ‫عــون‪ .‬كالهــا محمــوالن اآلن عــى مــن‬ ‫هزمهــا‪ .‬ميشــيل عــون أخرجــه األســد األب‬ ‫مــن لبنــان بالبيجامــا‪ ،‬ليصبــح اآلن حــذا ًء عند‬ ‫األســد االبــن‪ .‬أدونيــس كذلــك الحــال منــذ أن‬ ‫أغلــق األســد األب بوجهــه ملحقــه الثقــايف!!‬ ‫وخ ّونــه اتحــاد كتــاب األســد‪ ،‬واآلن أيضــا صــار‬ ‫فــردة الحــذاء األخــرى لبشــار األســد‪ .‬أدونيس‬ ‫ال يناقــش ثقافيــاً‪ ،‬أدونيــس فقــط يتــم‬ ‫تعريــف الجمهــور عــى أي سياســة ومصالــح‬ ‫محمــول ومــع مــن هــو‪ .‬مــا عــدا ذلــك كلــه‬ ‫هــراء ولغــو‪ .‬هــذه حــرب وأي ثــورة هــي‬ ‫حــرب‪ ،‬كل هــذه األيديولوجيــات محمولــة‬ ‫عــى عســكرها وسياســة عســكرييها‪ .‬عبــث‬ ‫وتضليــل أن نقــوم مناقشــة‪ ،‬عبــد البــاري‬ ‫عطــوان أو جــورج طرابيــي أو البطــرك‬ ‫بشــارة الراعــي‪ .‬تصــوروا مناقشــة أدونيــس‬

‫بثابتــه ومتحولــه اآلن!! ودمــاء الســوريني ال‬ ‫يراهــا‪ ،‬دمــاء الســوريني التــي قتــل أســده‬ ‫أصحابهــا‪ .‬لســت محايــدا ً‪ ،‬عندمــا يكتــب‬ ‫نشــطاء الثــورة عــن متجيــد جــال الغيطــاين‪،‬‬ ‫الــروايئ املــري أنــه عظيــم‪ ،‬وهــو مــن كتــب‬ ‫مدافعــاً عــن جيــش األســد وهــو يقتــل‬ ‫شــعبنا! يف النهايــة أي مثقــف وأيــة ثقافــة‪،‬‬ ‫تصــب يف خدمــة الســيايس‪ ،‬ومحمولــة عــى‬ ‫موازيــن قــوى السياســة واملصالــح‪ .‬قيميتهــا‬ ‫وأخالقيتهــا تأخذهــا مــن وقوفهــا ليــس مــع‬ ‫ضحايــا الجــاد‪ ،‬بــل مــن وقوفهــا يف وجــه‬ ‫قمــع عــا ٍر وطائفــي‪ ،‬وفســاد منظــور لــكل‬ ‫طفــل يف ســورية‪ .‬يكفــي فســاد آل األســد‬ ‫وآل مخلــوف ونهبهــم للــال العــام‪ ،‬حتــى‬ ‫تقــف ضدهــم‪ .‬أمــا أن متجــد بجيشــهم أيضـاً‪،‬‬ ‫فهــذه ليســت ثقافــة‪ ،‬هــذا عهــر‪ .‬لهــذا لســت‬ ‫حياديـاً ولــن أكــون‪ .‬خطــر اإلســاميني وخالفه‬ ‫مــن مخاطــر تحيــق بالبلــد ال تجعلــك ترهــن‬ ‫عنقــك للبــوط العســكري القاتــل والفاســد‪.‬‬ ‫إنهــا قمــة انحطــاط األيديولوجيــا‪ .‬والقيــم‬ ‫والسياســة معـاً‪ .‬عندمــا ناشــط كبــر بحقــوق‬

‫غسان المفلح‬ ‫اإلنســان يقــف مــع اإلرهــاب الخامنئــي‬ ‫والــرويس يف احتــال بلــده‪ ،‬فــكل نشــاطه‬ ‫الحقوقــي نفايــة‪ .‬عندمــا يســاوي بعضهــم‬ ‫أيضـاً بــن األســد ومنتجاتــه‪ ،‬فهــو يســاوي بــن‬ ‫الضحيــة والجــاد لتصــب يف النهايــة يف إعفــاء‬ ‫األســد مــن جرميتــه التــي مل يســجل التاريــخ‬ ‫مثيــاً لهــا‪ .‬إنهــا أيديولوجيــات البســطار‬ ‫حمــراء أو خــراء أو ســوداء‪.‬‬

‫النك��وص يف القي��م واملفاهي��م االجتماعي��ة واجملتمعي��ة خ�لال األزم��ات احلالي��ة‪:‬‬ ‫حال��ة االنت��كاس العنص��ري املناطق��ي‪ ..‬الوض��ع الس��وري أمنوذج��ًا‬ ‫ديمــة محمــود‬ ‫نجحــت األنظمــة الشــمولية عــى مــدى‬ ‫ســنوات تجذرهــا يف تعميــة العقــل الجمعــي‬ ‫وبرمجتــه عــى حالــة التبعيــة واالستســام‪.‬‬ ‫فــا يــكاد أن ت ُفتــح لــه النوافــذ أو ت ُســلط‬ ‫الكشــافات يف عينيــه حتــى يرفضهــا بشــدة‬ ‫ويــر عــى الســر يف دهاليــز العتمــة‬ ‫ومتاهاتهــا‪ .‬تعينــه عــى ذلــك النزعــة‬ ‫الراكــدة لــدى مجتمعاتنــا والتــي تــؤول‬ ‫للســلبية وعــدم تصحيــح الــذات أو تطويرهــا‬ ‫واالستســام‪ ،‬وهــي ذاتهــا العنــارص التــي‬ ‫عملــت عليهــا هــذه األنظمــة خــال عقــود‪.‬‬ ‫مــا ســهل مهمتهــا يف متكــن نفســها مــن‬ ‫جهــة وص ّعــب اســتئصال هــذه األنظمــة‬ ‫نفســها ســابقاً والحقـاً‪ ،‬بــل وســاعد وبفعاليــة‬ ‫يف عــودة مــن اهتــ ّز منهــا بفعــل الثــورات‬ ‫مــن خــال متحــورات وتحــوالت انتكاســية‬ ‫ونكوصيــة لــدى الخاليــا النامئــة املوقوتــة‬ ‫املســاة متويهــاً باملعارضــة أو تلــك الفئــات‬ ‫الهالميــة الصامتــة التــي تبــدو ال مــع وال ضــد‪.‬‬ ‫النجــاح الحقيقــي مل يكــن لتلــك األنظمــة‬ ‫باســتمرارها فقــط طــوال تلك العقــود ومتكنها‬ ‫واســتنزافها ملــوارد البــاد والشــعوب بــل ويف‬ ‫محــو العقليــة املواطنيــة إىل أبعــد مــدى‬ ‫وتشــكيلها بقطيعيــة فريــدة وحــر مفهــوم‬ ‫املواطنــة يف علــم وأناشــيد وهتافــات والفتــات‬ ‫تشــيد باألنظمــة نفســها‪ .‬لقــد رضبــت هــذه‬ ‫الرتبيــة املنظمــة واملســتهدفة أســافينها يف‬ ‫قــاع التكويــن النفــي لإلنســان الفــرد فيهــا‬ ‫ـي (وظاهريـاً فقــط)‬ ‫فهــو بــادئ ذي بــدء معنـ ٌّ‬ ‫ببلــده وموطنــه (مــن خــال إلــه الوطــن!)‬ ‫ولــذا فــإن كارثـ ًة أو حدثـاً ســلبيّاً مــا سياسـيّاً‬ ‫أو ثقافيّــاً أو اجتامعيّــاً يف أي بلــد آخــر مــن‬ ‫املحيــط إىل الخليــج‪ ،‬فــا بالــك أبعــد مــن‬ ‫ذلــك‪ ،‬ال يعنيــه جملـ ًة وتفصيـاً طاملــا أنــه ال‬ ‫يتعلــق بالرتفيــه والـ(هشّ ــك بشّ ــك)‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إىل كونــه يف العمــوم منهمــك يف تأمــن‬ ‫معيشــته بصعوبــة‪.‬‬ ‫ـي واملنطقــي أن يكــون التفاعــل مــع‬ ‫إن العلمـ ّ‬ ‫اآلخريــن عــى األصعــدة اإليجابيــة والســلبية‬ ‫منظومــة واحــدة ال ميكــن تجزئتهــا‪ .‬مبعنــى‬ ‫ـي مبــا‬ ‫ـي حتــى العمــق بوطنــه معنـ ٌّ‬ ‫أن املعنـ ّ‬

‫يحــدث يف محيطــه بــل ومبــا يحــدث يف العــامل‬ ‫بنســبة وتناســب تتفــاوت حســب ثقافتــه‬ ‫وعالقــة مــا يحــدث باهتامماتــه‪ ،‬وحســب‬ ‫تحللــه مــن الضغــوط املختلفــة أيض ـاً‪ .‬وهنــا‬ ‫طبعـاً أعنــي املواضيــع الجوهريــة والخطــوط‬ ‫العريضــة والرئيســية وال أعنــي التفاصيــل‬ ‫ودقائــق األمــور عنــد أقــل تقديــر‪.‬‬ ‫ما حدث هو التالي‪:‬‬ ‫محــورة املواطــن حــول نفســه وأنــاه‪ ،‬فقــط‪..‬‬ ‫قــد يهتــف مــع القطيــع لصالــح الوطــن‬ ‫ظاهريـاً‪ ،‬لكــن طاملــا تشــكل هــذا يف منظومــة‬ ‫جامعيــة مســتوحاة مــن التلقــن والتوجيــه‬ ‫واإليحــاء املبــارش وغــر املبــارش فقــ ْد فقــ َد‬ ‫(املواطــن‪ /‬إنســان الوطــن) إنســانيته ووعيــه‬ ‫مبعنــى الكلمــة‪ ،‬وهــو منــذ اآلن آلــة وببغــاء‬ ‫يــردد ضمــن منظومــة قطيــع صغــر (حــزب‬ ‫أو مؤسســة مــا) أو قطيــع كبــر (عــى‬ ‫مســتوى الدولــة)‪.‬‬ ‫هــذا الكائــن اآلن فقــد إمكانياتــه الذاتيــة‬ ‫والخاصــة والفرديــة فمــن بــاب أوىل أن‬ ‫يكــون ســلبياً مــع مــا يحــدث مــن أمــور‬ ‫املحــك يف البــاد األخــرى القريبــة والبعيــدة‬ ‫ومبــا فيهــا األمــور اإلنســانية‪ ،‬وإن حقــن مثـاٌ‬ ‫مبطعومــات (تطعيــات) مثــل‪ :‬املقاومــة‬ ‫ودرء املفســدة مقــدم عــى جلــب املصلحــة‬ ‫(فيستســلم لعــدم التحديــث إذعانــاً لســد‬ ‫ثغـرات الفتنــة والغوايــة الدينيــة والدنيويــة)‪،‬‬

‫وداوِهــا بالتــي كانــت هــي الــداء‪.‬‬ ‫وعــودا ً عــى فكــرة النجــاح الحقيقــي‬ ‫للشــمولية عــى املســتوى الفــردي‬ ‫واالجتامعــي خــال كل هــذه الــزالزل‬ ‫واملخاضــات العــرة‪ ،‬فإنهــا قــد عــززت األنانيــة‬ ‫املطلقــة لــدى األف ـراد حتــى غــدت ظاهــر ًة‬ ‫فريــد ًة تســتحق التأمــل والدراســة وإعــادة‬ ‫النظــر خــال مــا نحــن فيــه‪.‬‬ ‫حيــث تبــدأ بدوائــر أوالهــا وأصغرهــا مــن‬ ‫النفــس يعنــي أنانيــة للــذات وتتوســع دائرتها‬ ‫شــيئاً فشــيئاً عــى نطــاق األرسة الصغــرة دون‬ ‫األصدقــاء‪ ،‬ثــم العائلــة دون العائلــة املمتــدة‪،‬‬ ‫ثــم القريــة دون غريهــا‪ ،‬ثــم املــدن واملناطــق‬ ‫دون غريهــا‪ ،‬ثــم البلــدان دون غريهــا‪.‬‬ ‫وهكــذا صعــودا ً مــن إنســان ذاتــه يف بلــد مــا‬ ‫أو هبوطــاً مــن إنســان العــامل ذاتــه يف ٍ‬ ‫بلــد‬ ‫مــا… النتيجــة واملحصلــة واحــدة‪ .‬وشــواهد‬ ‫هــذا العمليــة والواقعيــة كثــرة ال تعــد وال‬ ‫تحــى تراهــا يف تفــي االســتحواذ املــادي‬ ‫واالســتقواء عــى الحلقــات األضعــف وتفــي‬ ‫الفســاد واملحســوبيات هــو وجــه مــن وجــوه‬ ‫ذلــك‪.‬‬ ‫وحيــث الوضــع الســوري حالــة بذاتــه‬ ‫يف صعــد مختلفــة بســبب ردات الفعــل‬ ‫واله ـزات االرتداديــة لــكل مــا يحــدث‪ ،‬فــإن‬ ‫هــذا يظهــر يف الفئــات التــي خرجــت خــارج‬ ‫ســوريا بوضــوح‪ ،‬وهــو يســتحق الدراســة‪ ،‬بــل‬

‫والصدمــة‪ .‬فهنــاك الــزوج الــذي تــرك زوجتــه‬ ‫وأوالده للمجهــول دون أي دخــل مــادي‬ ‫وذهــب الجئــاً إىل أوروبــا‪ ،‬وهنــاك مواقــف‬ ‫يحكيهــا ســوريون عــن بعضهــم يف مجتمعــات‬ ‫االغــراب الجديــدة تكشــف تخليــاً واضحــاً‬ ‫والقيمــي‬ ‫عــن قيــم التكافــل االجتامعــي‬ ‫ّ‬ ‫حتــى بــن بعضهــم البعــض‪ ،‬بــل وأبعــد مــن‬ ‫ذلــك كاســتغالل بعضهــم احتياجــات بنــي‬ ‫جلدتــه بشــكل أو بآخــر‪ .‬أمــا مــن بقــي‬ ‫مــن الســوريني داخــل ســوريا فإنهــم وإن‬ ‫ســلكت فئــات منهــم بأنانيــة فإنهــم يظلــوا‬ ‫محكومــن بظــروف عيشــهم املحصــورة بــن‬ ‫مطرقــة القصــف والقذائــف وســندان الغــاء‬ ‫واالحتياجــات الحياتيــة الالزمــة للبقــاء عــى‬ ‫قيــد الحيــاة والعيــش‪ ،‬لكــن مــا ينبغــي‬ ‫االلتفــات إليــه بجديــة هــو تلــك األنانيــة‬ ‫التــي تتبلــور بوضــوح يف النزعــة املناطقيــة‬ ‫التــي نجحــت األنظمــة ومــن ضمنهــا البعــث‬ ‫يف تعزيزهــا وتأصيلهــا لــدى النــاس وهــي‬ ‫بالفعــل أكــر نجــاح حقيقــي ملمــوس األثــر‬ ‫اآلن‪.‬‬ ‫يف الشــأن الســوري مثـاً التغيــب عــن الذهــن‬ ‫طبعــا املامرســات الطائفيــة املموهــة يف‬ ‫إفســاد أبنــاء طائفتــه وحــر إســناد العمــل‬ ‫لهــم يف العديــد مــن املنظومــات واملؤسســات‬ ‫املختلفــة للدولــة باســتثناء وجــود قلــة قليلــة‬ ‫مــن غريهــم للديكــور وذ ّر الرمــاد يف العيــون‪.‬‬

‫كــا نــرى بوضــوح التغييــب اإلعالمــي لصالــح‬ ‫أحــداث منطقــة أو مدينــة عــى أخــرى مــن‬ ‫قبــل الجهــات واملصــادر اإلعالميــة ومنابــر‬ ‫الخــر عمومــاً وانتهــا ًء بالشــخصيات التــي‬ ‫جعلــت مــن نفســها منابــر خــال خمــس‬ ‫ســنوات‪.‬‬ ‫ومــن املعــروف أن معظــم املناطــق الســورية‬ ‫يف ظــل البعــث بقيــت خــارج دائــرة الضــوء‬ ‫عــدا دمشــق وحلــب والالذقيــة تقريبـاً‪ .‬لكــن‬ ‫املفارقــة أن تبقــى ذات املناطــق املهملــة يف‬ ‫عهــده مبعــدة إعالميـاً خــال الثــورة إىل حــد‬ ‫ال ميكــن التقليــل منــه مثــل الحســكة وديــر‬ ‫الــزور وإدلــب‪ .‬وأمــا عــن أخبــار تلــك املناطق‬ ‫فإنــك فتجدهــا بالــكاد يف زوايــا صغــرة عــى‬ ‫اســتحياء مــن املواقــع اإلخباريــة املتخصصــة‬ ‫املختلفــة واملضطــرة بحكــم وظيفتهــا للمــرور‬ ‫عليهــا‪ ،‬ومنهــا مــا هــو مشــوب الغايــات‪،‬‬ ‫ومــا ســوى ذلــك مــن منابــر وشــخصيات‬ ‫بــرت نفســها لشــأن الثــورة ال تــأيت عــى ذكــر‬ ‫اإلبــادة واإلجــرام والقصــف املســتمر عليهــا‬ ‫منــذ حــوايل شــهر ونــزوح ســكان مناطــق‬ ‫معينــة دون أخــرى‪.‬‬ ‫أمــا مــا يبــدو مركــزا ً وجليّــاً منــذ خمــس‬ ‫ســنوات هــو انفــراط العقــد تجــاه تفاعــل‬ ‫أبنــاء الوطــن الواحــد طاملــا كانــوا خــارج‬ ‫نطــاق مدينتهــم بــل رمبــا خــارج نطــاق‬ ‫األقــارب واألصدقــاء‪ .‬فالعمليــة تحصيــل‬ ‫حاصــل إذا مــن ثقافــة الــدوران حــول الــذات‬ ‫والتمحــور الفــردي ونكــوص املجتمــع نحــو‬ ‫مفاهيــم اإلنســان البــدايئ والتــي يفــرض‬ ‫أن نكــون قــد قطعنــا عنهــا شــوطاً بعيــدا ً‪.‬‬ ‫إنــه انتــكاس يف مفاهيــم التحــر والرؤيــة‬ ‫نحــو اآلخــر والتعايــش والوحــدة املجتمعيــة‬ ‫واإلنســانية‪ ،‬كيــف ال وهــو نكــوص واضــح‬ ‫نحــو مفاهيــم الجامعــات الصغــرى (مــن‬ ‫ناحيــة املصلحــة) والقبليــة والتــي بشــكل‬ ‫أو آخــر تتســع وتضيــق حســب الحاجــة‬ ‫النفســية واملاديــة لتشــمل مفهــوم املناطقيــة‬ ‫الــذي يســتدعي حزنـاً وقلقـاً بالغــن ألن مــن‬ ‫تربمــج عــى هــذا النحــو إن تعــرض مركبــه‬ ‫للغــرق فســيقذف بزوجتــه وفلــذات كبــده‬ ‫يومــاً مــا ليبقــى هــو وحــده‪ ،‬وإن بقــي‬ ‫وحــده يف هــذا العــامل…‬


‫‪10‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫ش��يء م��ن األزم��ة املعرفي��ة يف الثقاف��ة العربي��ة ورؤي��ة أوليّ��ة لتجاوزه��ا‬ ‫ثانيًا ‪ -‬التاريخ‪:‬‬ ‫تجربــة ال ـذّات العرب ّيــة‪ ،‬وتحتقــر وعــي األ ّمــة بعــن أصيلــة موضوع ّيــة‪ ،‬بعيــدة عــن التّبع ّيــة يف بعــض مواقعــه‪ ،‬إىل أســلوب تعليــم التّاريــخ‬ ‫ســنعمل عــى إبــراز أهميــة التاريــخ يف‬ ‫تشــكيل معرفــة تدعــم مــروع ال ّنهضــة‬ ‫والحريــة‪ ،‬واإلشــارة مــن خاللهــا إىل مــا ميكــن‬ ‫أن نتخطّــى بــه شــيئاً خطــرا ً مــن األزمــة‪،‬‬ ‫متعلق ـاً بالهويــة وق ـراءة الوجــدان التاريخــي‪.‬‬ ‫ـوي‬ ‫ـي الفوضـ ّ‬ ‫إ ّن اللجــوء إىل االســتحضار العاطفـ ّ‬ ‫التبيــة‬ ‫الســاذج للتّاريــخ‪ ،‬يف كثــر مــن وجهــات ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتّعليــم واإلعــام‪ ،‬يســهم يف تشــويش الوعــي‬ ‫ـاري؛ مــا يؤثّــر ســلباً وعميق ـاً‬ ‫ـي الحضـ ّ‬ ‫التّاريخـ ّ‬ ‫يف املعرفــة؛ فنحــن‪ ،‬عــى ال ّرغــم مــن ظاهــرة‬ ‫انتشــار مشــاريع القــراءة الجديــدة للتّاريــخ‪،‬‬ ‫مازلنــا عالقــن‪ ،‬يف فهــم تاريخنــا الــذي يك ـ ّون‬ ‫جــزءا ً كبــرا ً مــن هويتنــا الحضاريّــة‪ ،‬داخــل‬ ‫اريخــي‪ ،‬التــي‬ ‫رشنقــة الخــواء املعــر ّيف التّ‬ ‫ّ‬ ‫أنتجتهــا عصــور ظلمــة جاهلــة طويلــة؛ األمــر‬ ‫الــذي خلّــف فراغــات حضاريّــة هائلــة يســكنها‬ ‫الجهــل والتّزويــر والتّشــويه والتّحريــف‬ ‫والتّعصــب‪.‬‬ ‫إ ّن معرفتنــا التّاريخيّــة تبــدو أمــام املراقــب‬ ‫املســبق باألفــكار‬ ‫هشّ ــة‪ ،‬بســبب إمياننــا ّ‬ ‫ال ّراســخة القادمــة مــن بعــض املــوروث الثّقــا ّيف‬ ‫اقي‬ ‫الخـرا ّيف ال ّداخـ ّ‬ ‫ي‪ ،‬أو مــن ال ّدخيــل االســترش ّ‬ ‫ـتعامري‪ ،‬األمــر الــذي يجعلهــا عرضـةً‪ ،‬لــي‬ ‫االسـ‬ ‫ّ‬ ‫متألهــا بــن الحــن والحــن وجبــاتٌ جاهــزة‬ ‫مــن أفــكا ٍر غريبــة خطــرة عــى العقــل‪ ،‬ومــن‬ ‫ٍ‬ ‫ثقافــات أخــرى مغرِضــة‪ ،‬تلغــي الخصوبــة يف‬

‫اريخــي‪.‬‬ ‫الجمعــي التّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ليــس التّاريــخ رسدا ً لألحــداث وأزمانهــا‬ ‫ـجل لنشــاط اإلنســان املــا ّد ّي‬ ‫وأشــخاصها‪ .‬هو سـ ّ‬ ‫املوســوعي الشّ ــمو ّيل‬ ‫وحــي‪ ،‬وهــو العلــم‬ ‫ّ‬ ‫وال ّر ّ‬ ‫الــذي يتنــاول اإلنســان‪ ،‬ســرورة وصــرورة‪ ،‬فعالً‬ ‫وانفعــاالً‪ ،‬يف ال ّزمــان واملــكان‪( .‬أحمــد داوود‪،‬‬ ‫ـاري القديــم‪ ،‬ص‪ .).10‬وإن‬ ‫تاريــخ ســوريا الحضـ ّ‬ ‫تجديــد املعرفــة يف مــروع ال ّنهضــة العرب ّيــة‪،‬‬ ‫يفــرض علينــا تجــاوز الجمــود والتّقليــد يف قراءة‬ ‫التّاريــخ‪ ،‬ومــن ث ـ ّم نقــد املرجع ّيــة التّاريخ ّيــة‬

‫بعــن معــارصة وإعــادة بنائهــا وكبــح االخ ـراق‬ ‫ــلبي‪ ،‬الــذي‬ ‫الثّقــايف الناتــج مــن ال ّدخيــل ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫يعــ ّوق منــ ّو روح األ ّمــة؛ فاملــروع الحضــاري‬ ‫ـوي‪ ،‬يفــرض إعــادة استكشــاف التّاريــخ‬ ‫ال ّنهضـ ّ‬

‫عصــب‪ ،‬ورصــد العنــارص الفاعلــة‬ ‫والتّزويــر والتّ ّ‬ ‫يف تاريــخ األ ّمــة‪ ،‬لــي ينمــو مــن تراكــم املــايض‬ ‫يف ظـ ّـل الظّــروف والتّطـ ّورات الحــارضة للواقــع‪.‬‬ ‫محصلــة عالقــة‬ ‫أي إنجــا ٍز ثقــا ّيف هــو ّ‬ ‫إ ّن ّ‬ ‫اإلنســان بالواقــع والتّاريــخ‪ .‬وأجيالنــا‪ ،‬هــذه‪،‬‬ ‫ال يقتــر جهلهــا بالتّاريــخ عــى التّاريــخ‬ ‫القديــم ألمتهــا‪ ،‬بــل ميت ـ ّد إىل جهلهــا بتاريخهــا‬ ‫والقطــري‪ .‬وأل ّن‬ ‫القريــب والحديــث‪ ،‬العــام‬ ‫ّ‬ ‫معرفـ َة التّاريــخ عمل ّيـ ٌة مه ّمــة جـ ّدا ً يف التّغلّــب‬ ‫عــى كث ـرٍ مــن إخفاقاتنــا الحــارضة وخالفاتنــا‪،‬‬ ‫اريخــي؛‬ ‫يجــب أن نف ّعــل عمليّــة الوعــي التّ‬ ‫ّ‬ ‫فنعيــد قــراءة التّجربــة التّاريخيّــة‪ ،‬ونفهمهــا‬ ‫عميقــاً‪ ،‬ونفهــم أســبابها ونستشــف آثارهــا‬ ‫ونتائجهــا‪ ،‬ونعيــد إليهــا ذكاء الفهــم والتّحليــل‬ ‫العلمــي‬ ‫والحكــم‪ ،‬معتمديــن عــى املنهــج‬ ‫ّ‬ ‫ـي‬ ‫وقـ ّوة املوضوع ّيــة؛ فنتجــاوز التّعصــب املذهبـ ّ‬ ‫واإلقليمــي‪ ،‬ونخــرج عــى الجهــل والتّح ّيــز‬ ‫ّ‬ ‫والتّفاخــر الواهــي‪ ،‬رافضــن االستســام إىل‬ ‫حالــة الهزميــة املهيمنــة عــى روح الحــارض؛‬ ‫محصلــة لعمل ّيــة مــن‬ ‫فواقعنــا الحــا ّيل ”ليــس إال ّ‬ ‫اريخــي الطّويــل‪ .‬وإن أي حــدث‬ ‫التّواصــل التّ‬ ‫ّ‬ ‫تاريخــي اآلن البــ ّد أن ي ّؤ ّســس عــى هــذا‬ ‫ّ‬ ‫الواقــع‪ ،‬وينطلــق منــه ليمت ـ ّد عــى املســتقبل‬ ‫فعــاً وتأثــرا ً”‪(” .‬أحمــد داوود‪ ،‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.)13‬‬ ‫إ ّن انتفــاض هويّــة املعرفــة العرب ّيــة عــى‬ ‫القصــور الــذي أصــاب بعــض مقوالتهــا يف‬ ‫ـاري‪ ،‬يجــب أن يتو ّجــه‪،‬‬ ‫مــروع نهضتهــا الحضـ ّ‬

‫وتقدميــه؛ أل ّن التّاريــخ رشيــان األ ّمــة‪ ،‬وذلــك‬ ‫مــن خــال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ 1‬صياغــة قــراءة جديــدة عميقــة للتّاريــخ‪.‬‬‫واســتحضاره اســتحضارا ً نقديّــاً‪.‬‬ ‫‪ 2‬إعــادة تأســيس ذاكــرة األ ّمــة التّاريخ ّيــة‬‫الحضاريّــة تأسيســاً موضوع ّيــاً؛ لــي تكــون‬ ‫البنيــة التّحت ّيــة للمعرفــة والثّقافــة‪ ،‬بعيــدا ً‬ ‫عــن اســتهالك ال ّدخيــل والغريــب واملســموم‬ ‫والســاذج؛ إذ يســتطيع واقعنــا إنتــاج واالبتــكار‬ ‫ّ‬ ‫والتّجديــد ومقاومــة حالــة االســتهالك ال ّرتيــب‬ ‫للتاريــخ‪ ،‬بإعــادة قــراءة التّاريــخ وتقليــب‬ ‫ـي‬ ‫صفحاتــه بالبصــرة واملنطــق والبحــث العلمـ ّ‬ ‫ـي‪ ،‬وبفهــم الجينــات الثّقافيّــة املتوارثــة‪،‬‬ ‫التّاريخـ ّ‬ ‫الصالــح‪ ،‬وفحصهــا‬ ‫الصالــح عــن غــر ّ‬ ‫ومتييــز ّ‬ ‫تحــت مجهــر املنطــق‪ ،‬بــكل جوانبــه العلم ّيــة‬ ‫واالجتامع ّيــة واللغويّــة والنفســ ّية…‪ ،‬بعيــدا ً‬ ‫مســبقة‪ ،‬تش ـ ّوهه‪ ،‬وعــن‬ ‫عــن ق ـراءات ســلب ّية ّ‬ ‫قــراءات متصفحــة تعبــث بهــا األهــواء‪.‬‬ ‫‪ 3‬إعــادة مراجعــة التّاريــخ‪ ،‬بعيــدا ً عــن القراءة‬‫الغيب ّيــة‪ ،‬التــي تح ّنطــه يف أصنــام؛ فيكفينــا‬ ‫االســتمرار بقبــول املهــازل‪ ،‬التــي تســتخف‬ ‫بعقولنــا بســبب نقــص األســلحة املعرفيّــة‬ ‫وتســتغل فراغنــا املتــآكل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الفعالــة الناجحــة‪،‬‬ ‫‪ 4‬االنتبــاه إىل أ ّن الهــدف مــن تأكيــد‬‫أهم ّيــة التّاريــخ يف تجديــد املعرفــة‪ ،‬ليــس‬ ‫عبــادة املــايض وتقديســه والتّســليم املطلــق‬ ‫باملعجــزات والخرافــات‪ ،‬وليــس إثــارة الحقــد‬

‫د‪ .‬سماح هدايا‬ ‫عــى اآلخريــن مــن الشّ ــعوب األخــرى‪ .‬الهــدف‬ ‫هــو تعليــم أبنائنــا البحــث واالســتنتاج والتّفكري‬ ‫ي واملقارنــة واالســتقصاء؛ لــي يكونــوا‬ ‫التّحلي ـ ّ‬ ‫أغنيــاء بــاألدوات العلميّــة الجــا ّدة يف عمليّــة‬ ‫البحــث عــن الحقيقــة التّاريخيّــة وتفســرها‪،‬‬ ‫ولــي ال يســتخفّوا بإنجازاتنــا‪ ،‬وينجحــوا يف ربط‬ ‫الحــارض الــذي يحمــل خالصــة تجربــة األ ّمــة‬ ‫التّاريخ ّيــة بحبــل املــايض الحاضــن طاقــات‬ ‫الحضــاري‪ ،‬ويعيــدوا بنــاء الواقــع‬ ‫إبداعهــا‬ ‫ّ‬ ‫وبلــورة معرفتــه مــن أجــل تشــكيل هويّــة‬ ‫األ ّمــة التّاريخ ّيــة‪.‬‬ ‫وري‪ ،‬ختــم موضوعــة‬ ‫ونــرى أنّــه مــن ّ‬ ‫الــر ّ‬ ‫التّاريــخ‪ ،‬هنــا‪ ،‬بإثــارة مجموعــة أســئلة تدعــو‬ ‫إىل يش ٍء مــن التّفكّــر يف إشــكاليتنا املتعلّقــة‬ ‫لنكــف عــن‬ ‫بقــراءة التّاريــخ‪ :‬أمــا آن األوان‬ ‫ّ‬ ‫تصديــق املقــوالت الكثــرة الشّ ــائعة يف التّاريــخ‬ ‫املنقــول كتابــة وســاعاً‪ ،‬بــأ ّن العــرب ســقطوا‬ ‫ســهوا ً وخطــأً يف متاهــة التّاريــخ؟ متــى نثــور‬ ‫عــى الثّوابــت الراســخة‪..‬؟‬

‫عل��ى هام��ش االعت��داءات اإلرهابي��ة عل��ى باري��س‬ ‫بهنان يامين‬ ‫كــا كان لألمرييكيــن أيلولهــم األســود‪،‬‬ ‫كان للفرنســيني والباريســـيني منهــم ترشينهــم‬ ‫األســود‪ ،‬ففــي الثالــث عــر مــن ترشيــن الثــاين‬ ‫مــن هــذا العــام‪ ،‬تعرضــت العاصمــة الفرنســية‪،‬‬ ‫باريــس‪ ،‬إىل هجــوم إرهــايب‪ ،‬أقــل مــا يقــال فيــه‬ ‫بأنــه كان مقرفـاً‪ ،‬ومقــززا ً‪ ،‬ومســتهجناً‪ ،‬وال تفــي‬ ‫أي تعابــر كهــذه حــق تلــك الجرميــة النك ـراء‬ ‫التــي اســتهدفت أناس ـاً أبريــاء‪ ،‬كانــوا يريــدون‬ ‫االســتمتاع بفنــون الحيــاة والرياضــة وارتيــاد‬ ‫املطاعــم الباريســية البســيطة‪ ،‬فــإذا بيــد الغــدر‬ ‫اإلرهابيــة تأخــذ منهــم حياتهــم‪.‬‬ ‫ليــس الحــدث بحــد ذاتــه مقــززا ً ومرفوض ـاً‪،‬‬ ‫بــل تلــك الشــاتة التــي تجلّــت عنــد بعــض‬ ‫مريــدي النظــام اإلرهــايب القابــع يف قمــة‬ ‫قاســيون‪ ،‬وهــؤالء هــم مــن املرهوبــن‬ ‫مــن اإلســام‪ ،‬ومــا يعــرف باإلســاموفوبيا‪،‬‬ ‫التــي زرعهــا يف رؤوســهم النظــام الطائفــي‪،‬‬ ‫الالأخالقــي‪ ،‬واملســتبد‪ ،‬ومــع األســف نقــول‬ ‫بــأن معظــم هــؤالء ذوو ثقافــة فرنســية‪،‬‬ ‫وقــد كانــوا قبــل وقــوف فرنســا مــع الشــعب‬ ‫الســوري‪ ،‬يف ثورتــه ضــد الطغيــان‪ ،‬موالــن‬ ‫لفرنســا‪ ،‬منســجمني مــع ثقافتهــم الفرنســية‪،‬‬ ‫يف حــن هــم اآلن يشــمتون مبقتــل أبريــاء‪،‬‬ ‫دفعــوا حياتهــم مثنــاً لإلرهــاب الداعــي‪،‬‬ ‫الــذي يتقاطــع مــع إرهــاب الدولــة يف كل مــن‬ ‫ســورية والعـراق‪ ،‬يرهــب كال الشــعبني العراقــي‬ ‫والســوري‪ ،‬وإىل حــد مــا الشــعب اللبنــاين‪،‬‬ ‫املرهــوب مــن تســلط اإلرهــاب الحالــي‪،‬‬ ‫واملشــل لــكل مرافــق الدولــة اللبنانيــة‪.‬‬ ‫أول ردة فعــل لــدى الحكومــة الفرنســية‪،‬‬ ‫كان إعــان حالــة الطــوارئ‪ ،‬ودخــول فرنســا يف‬ ‫حــرب ضــد اإلرهــاب‪ ،‬لكــن محاربــة داعــش‬ ‫وغــر داعــش مــن قــوى اإلرهــاب‪ ،‬ال تتــم‬ ‫فقــط بتدمــر معاقلــه‪ ،‬وأماكــن تواجدهــا‪،‬‬ ‫وقتــل عنارصهــا وقيادتهــا‪ ،‬ألنــه قــد تفــرخ‬

‫حماربة اإلرهاب تقضي بـمحاربة مسبباته‬

‫عنــارص أخــرى أكــر تطرف ـاً‪ ،‬بــل هــي تكمــن‬ ‫يف محاربــة األســباب التــي دفعــت هــؤالء‬ ‫الشــبان‪ ،‬املغــرر بهــم‪ ،‬إىل التطــرف‪ .‬بالطبــع لــو‬ ‫أردنــا أن نفصــل األســباب التــي ك ّونــت هــذا‬ ‫التطــرف لــكان موضــوع كتــاب أو أكــر‪ ،‬ولكــن‬ ‫مــن املفيــد أن نعــدد املكونــات التــي أفــرزت‬ ‫اإلرهــاب املذهبــي‪ ،‬الــذي أول ضحايــاه كــا‬ ‫أســلفنا شــعوب منطقتنــا‪.‬‬ ‫أهــم مكــون لإلرهــاب هــو االســتبداد‬ ‫وإفرازاتــه‪ ،‬فاألنظمــة االســتبدادية‪ ،‬التــي‬ ‫متــارس إرهــاب الدولــة عــى شــعوبها‪ ،‬هــي‬ ‫املســبب األول لإلرهــاب املضــاد‪ ،‬الــذي يدفــع‬ ‫إىل التطــرف الدينــي‪ ،‬والــذي ســنفصله‪ ،‬أكــر‬ ‫يف الفقــرة التــي تتحــدث عــن املامرســة‬ ‫الطائفيــة لألنظمــة القمعيــة التــي ال رشعيــة‬ ‫لهــا‪ ،‬إال رشعيــة العســكر‪ ،‬التــي ترتكــب كل‬ ‫أنــواع العســف واالضطهــاد‪ .‬ولقــد كشــف عبــد‬ ‫الرحمــن الكواكبــي‪ ،‬يف خواتــم القــرن التاســع‬ ‫عــر‪ ،‬بــأن االســتبداد هــو أصــل بــاء األمــة‪،‬‬ ‫فهــو الــذي يفــرز الفســاد‪ ،‬ويفــرز الجهــل‪،‬‬ ‫والتأخــر الســيايس‪ ،‬واالجتامعــي‪ ،‬ويدفــع‬ ‫النــاس إىل التطــرف‪ ،‬خصوصــاً عندمــا ت ُســخّر‬

‫الســلطات املســتبدة الســلطة الدينيــة‪ ،‬لتجهيــل‬ ‫النــاس وزرع املفهــوم الخاطــئ للديــن‪ ،‬لــي‬ ‫يخــدم النظــام املســتبد‪.‬‬ ‫مــن إفــرازات أنظمــة االســتبداد‪ ،‬منــع‬ ‫الحريــات العامــة‪ ،‬مــن حريــة دينيــة أو‬ ‫معتقديــة‪ ،‬ومنــع نشــوء األحــزاب‪ ،‬التــي مــن‬ ‫املمكــن أن تســاهم يف خلــق الوعــي لــدى‬ ‫النــاس‪ ،‬وهــذا املنــع يســتجر منــع حريــة‬ ‫الصحافــة والفكــر‪ ،‬ويخلــق مناخــاً مواتيــاً‬ ‫للســلطة األمنيــة التــي تفــرض عــى الشــعوب‪،‬‬ ‫ويف غيــاب الوعــي‪ ،‬تتحــول ر ّدة الفعــل إىل‬ ‫تطــرف يقــود إىل ٍ‬ ‫مــآس كالتــي نشــاهدها يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬بشــكل خــاص‪ ،‬ويف العــامل بشــكل‬ ‫عــام‪ ،‬والتــي يكــون ضحاياهــا مــن األبريــاء‪،‬‬ ‫كــا حــدث يف الضاحيــة الجنوبيــة‪ ،‬التــي‬ ‫بســبب تهــور حــزب اللــه‪ ،‬وقتالــه مــع الطاغيــة‬ ‫األســدي ضــد الشــعب الســوري‪ ،‬أوصــل‬ ‫املتطرفــن إىل تفجــرات‪ ،‬كان ضحاياهــا أنــاس‬ ‫أبريــاء‪ ،‬كل ذنبهــم أنهــم يســكنون منطقــة‬ ‫مرتهنــة للحــزب الحالــي‪ ،‬الــذي هــو الوجــه‬ ‫اآلخــر للتطــرف الداعــي‪.‬‬ ‫مــن إفــرازات االســتبداد والجهــل أيضــاً‪،‬‬

‫املامرســات الطائفيــة التــي متارســها األنظمــة‬ ‫االســتبدادية‪ ،‬فالســلطات املســتبدة‪ ،‬وهــي‬ ‫متواجــدة يف معظــم مناطقنــا‪ ،‬تعمــل عــى‬ ‫إعــادة إحيــاء الطائفيــة‪ ،‬التــي قــد تكــون‬ ‫متواجــدة يف عقــول النــاس‪ ،‬وتكــون ر ّدة فعــل‬ ‫املــارس عليهــم طائفيــاً‪ ،‬هــو اللجــوء إىل‬ ‫الطائفــة التــي ينتمــون إليهــا‪ ،‬وغالبــاً يكــون‬ ‫ُــارِس للطائفيــة مــن املكونــات األقليــة يف‬ ‫امل َ‬ ‫املجتمعــات‪ ،‬واملُـ َـا َرس عليــه هــو مــن املكــون‬ ‫األكــري‪ ،‬مــن الناحيــة الطائفيــة‪ ،‬وهــذه‬ ‫املامرســة بشــكلها البشــع‪ ،‬تســتدعي ـ يف غيــاب‬ ‫الوعــي وســيطرة الجهــل ـ التطــرف الدينــي‪.‬‬ ‫ولنــا يف أمنــوذج ســلطة االســتبداد التــي عرفتهــا‬ ‫كل مــن الع ـراق وســورية‪ ،‬خــال نصــف قــرن‬ ‫مــن الزمــن‪ ،‬أمنوذج ـاً لهــذا التطــرف الطائفــي‪.‬‬ ‫إن التطــرف‪ ،‬وكــا اعــرف أخــرا ً النظــام‬ ‫العاملــي‪ ،‬املتمثــل باجتــاع قمــة دول‬ ‫العرشيــن‪ ،‬ليــس محصــورا ً بديــن معــن أو‬ ‫طائفــة معينــة أو عــرق معــن‪ ،‬فهــو متواجــد‬ ‫يف كل مــكان يكــون فيــه االســتبداد هــو‬ ‫الســلطة التــي تغــذي هــذا التطــرف‪ .‬وســأعتذر‬ ‫مســبقاً مــن القــارئ‪ ،‬الســتعامل بعــض التعابــر‬

‫الطائفيــة‪ ،‬فــا دفــع الكثــر مــن الشــباب‬ ‫الســني إىل االرمتــاء يف أحضــان التطــرف الســني‬ ‫متمثــاً بقــوى داعــش وجبهــة النــرة‪ ،‬هــو‬ ‫الشــعور بــأن الطائفــة الســنية‪ ،‬التــي ينتمــي‬ ‫إليهــا‪ ،‬أكرثيــة املســلمني‪ ،‬هــي املســتهدفة‪ ،‬يف‬ ‫حــن مل يـ ّر الغــرب‪ ،‬والذيــن يحاربــون التطــرف‬ ‫اإلســاموي الســنوي‪ ،‬التطــرف املقابــل املتمثــل‬ ‫بالتطــرف اإلســاموي الشــيعوي‪ ،‬والــذي هــو‬ ‫بالبشــاعة ذاتهــا‪ ،‬والــذي يجــب أن يحــارب‬ ‫بنفــس الدرجــة‪ ،‬ألنــه أيضــاً يحمــل فكــرا ً‬ ‫وأيديولوجيــة إســاموية متطرفــة‪.‬‬ ‫ال يوجــد فــرق مــا بــن داعــش وأخواتهــا‪،‬‬ ‫وحالــش وأخواتهــا‪ ،‬فــكال املعســكرين ميــارس‬ ‫التطــرف‪ ،‬ويُظهــر ألبنــاء طائفتــه بأنــه‬ ‫املســتهدف مــن املعســكر اآلخــر‪ ،‬والــذي يف‬ ‫الحقيقــة هــو اســتغالل الديــن لتثبيــت ســلطة‬ ‫سياســية‪ ،‬وغالبــاً يكــون االرتهــان إىل اآلخــر‬ ‫للحصــول عــى النفــوذ‪ ،‬كــا هــو حــال النظــام‬ ‫املســتبد يف دمشــق الــذي أدخــل التطــرف‬ ‫اإلســاموي بشــقيه الســني والشــيعي‪ ،‬وذلــك‬ ‫بارتهانــه إىل النظــام اإليـراين أوالً والــرويس ثانيـاً‪،‬‬ ‫وكالهــا ســلطة احتــال حاليـاً لســورية‪ ،‬وهــا‬ ‫املتحكــان بالســلطة يف ســورية‪ ،‬ومل يعــد‬ ‫لألســد االبــن أي ســلطة إال الســلطة الوهميــة‪.‬‬ ‫ولــو أردنــا أن نعــدد املزيــد مــن إفــرازات‬ ‫االســتبداد‪ ،‬وخاصــة االســتبداد الرشقــي والقــرو‪-‬‬ ‫وســطي‪ ،‬فهــو مــا ال يتســع لــه املقــال‪ ،‬ولكننــا‬ ‫يف الخالصــة نقــول بــأن محاربــة التطــرف‬ ‫ال تكــون بقتــل عنــارصه‪ ،‬بــل بالقضــاء عــى‬ ‫مســببه األســايس أال وهــو االســتبداد‪ .‬إذا أراد‬ ‫العــامل أن يحــارب اإلرهــاب‪ ،‬فعليــه مســاعدة‬ ‫القــوى الدميقراطيــة يف املنطقــة عــى محاربــة‬ ‫االســتبداد وإنهــاء ســلطته‪ ،‬وآن األوان أن يعــرف‬ ‫مــن يقــف مــع املســتبد‪ ،‬بــأن االســتبداد ال بــد‬ ‫أن يــزول وتنتــر إرادة الشــعوب يف نهايــة‬ ‫املطــاف‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫نقطة أول السطر‬

‫إيضاحات مطلوبة‬ ‫طارق عبد الغفور‬ ‫ال جــدال يف أن مــا أصــاب‬ ‫باريــس يف الثالــث عــر مــن الشــهر‬ ‫الفائــت كان أمــرا ً جلــاً‪ ،‬وال جــدال‬ ‫يف أنّ مــا أظهــره العــامل مــن تعاطــف‬ ‫مــع فرنســا كان أمـرا ً مرغوبـاً‪ ،‬وكذلك‬ ‫كانــت التغطيــة الدوليــة القويــة‬ ‫التــي أُعطيــت للحــدث‪ ،‬وال جــدال‬ ‫يف أن مــا يفعلــه الرئيــس الفرنــي‬ ‫ـعي لحشــد أكــر مــا‬ ‫هوالنــد مــن سـ ٍ‬ ‫ـوى ملنازلــة كان‬ ‫ميكــن حشــده مــن قـ ً‬ ‫أم ـرا ً ميكــن فهمــه‪ ،‬كــا ميكــن فهــم‬ ‫وتربيــر تعهــده للفرنســيني ببــذل‬ ‫كل جهــد للقضــاء عــى داعــش‪،‬‬ ‫الــذي أصبــح يف مقدمــة اهتاممــات‬ ‫الفرنســيني خصوصــاً‪ ،‬والغربيــن‬ ‫عمومــاً‪ ،‬لتوجســهم مــا ميكــن أن‬ ‫تقــوم بــه داعــش يف بالدهــم‪ ،‬وكانــت‬ ‫أحــداث باريــس إنــذارا ً‪.‬‬ ‫ونحــن نقــدم خالــص عزائنــا إىل‬ ‫باريــس‪ ،‬وإىل أهــايل الضحايــا الذيــن‬ ‫ســقطوا فيهــا‪ ،‬ونق ـ ّدر رمزيــة إغ ـراق‬ ‫الرصيــف أمــام املــرح الــذي‬ ‫ســقط فيــه أكــر عــدد مــن الضحايــا‬ ‫بالــورود والشــموع‪ ،‬فتلــك طريقتهــم‬ ‫يف التعبــر عــن تف ّجعهــم وحزنهــم‪،‬‬ ‫ولــكل شــعب طريقتــه يف التعبــر‬ ‫عــن أحزانــه‪ ،‬رغــم أنــه مــا أضــاء أح ٌد‬ ‫شــمع ًة يف دار مــن دور العبــادة‪ ،‬ومل‬ ‫يضــع أحـ ٌد ورد ًة عــى رصيــف‪ ،‬تعبريا ً‬ ‫عــن حزنــه عــى مئــات آالف الضحايا‬ ‫الذيــن ســقطوا برباميــل األســد‪،‬‬ ‫وصواريــخ حليفــه بوتــن وحلفائــه‬ ‫الصغــار اآلخريــن‪ ،‬ناهيــك عــن مئات‬ ‫آالف املعتقلــن واملفقوديــن‪ ،‬وعــى‬

‫خلف الخلف‬

‫مــا أصــاب ســورية مــا ال يعــدو مــا‬ ‫أصــاب باريــس قطــرة مــا أصابهــا‪،‬‬ ‫ولســنا بذلــك نعتــب عــى أحــد‪،‬‬ ‫ولكننــا إذ نغت ـ ّم ملــا أصابهــا فإننــا ال‬ ‫ـا أصابنــا ويصيبنــا مــع كل‬ ‫نغفــل عـ ّ‬ ‫طلعــة شــمس‪.‬‬ ‫ثــم جــاءت حادثــة إســقاط ســاح‬ ‫الجــو الــريك للمقاتلــة الروســية‬ ‫لتســتأثر باالهتــام‪ ،‬وترتاجــع تغطيــة‬ ‫ـتغل روســيا‬ ‫األحــداث الســورية‪ ،‬ولتسـ ّ‬ ‫«الطعنــة يف الظهــر» وقتــل الطيــار‬ ‫وتشــن‬ ‫لتفــرغ حقدهــا وإحباطهــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عــى املدنيــن الســوريني ال ُعــ ّزل‬ ‫ٍ‬ ‫الغــرب‬ ‫غــارات يدعــو وليــد املعلــم‬ ‫َ‬ ‫«يدرســها ويتعلــ َم منهــا»‪.‬‬ ‫إىل أن‬ ‫َ‬ ‫يف هــذا الخضَ ــم تظهــر أمــو ٌر‪ ،‬ال‬ ‫أقــول إنــه ال ميكــن فهمهــا‪ ،‬بــل أقــول‬ ‫إنهــا عــى األقــل تحتــاج إىل توضيــح‪.‬‬ ‫منهــا أن هوالنــد ذهــب إىل واشــنطن‬ ‫وعــاد بكيســه فارغـاً‪ ،‬إال مــن كلــات‬ ‫عــزاء ووعــو ٍد ال تســمن وال تغنــي‪،‬‬ ‫وذهــب إىل موســكو فخــرج فقــط‬ ‫باتفــاق مــع بوتــن عــى تنســيق‬ ‫«الرضبــات الجويــة» عــى ســورية‪،‬‬ ‫وهنــا فــإذا كان كل املعنيــن مبحاربــة‬ ‫داعــش يف ســورية‪ ،‬وعــى رأســهم‬

‫هوالنــد وبوتــن يقـ ّرون بأنــه ال ميكن‬ ‫القضــاء عــى داعــش بالرضبــات‬ ‫الجويــة –وملســألة القضــاء عــى‬ ‫داعــش قصــة أخــرى– فلــاذا تتجــه‬ ‫حاملــة الطائ ـرات شــارل ديغــول إىل‬ ‫رشق البحــر األبيــض املتوســط؟ وملــاذا‬ ‫إعطــاء األوامــر بتكثيــف الرضبــات‬ ‫الجويــة التــي ال تقــي مــن داعــش‬ ‫إال عــى أقــل مــن معشــار مــا تقــي‬ ‫عليــه مــن املدنيــن األبريــاء؟‬ ‫ومنهــا أنــه إذا كان كل املعنيــن‬ ‫يركّــزون عــى رضورة التنســيق‬ ‫املخابــرايت‪ ،‬وأن املعلومــات‬ ‫االســتخبارية هــي األســاس يف‬ ‫التعامــل مــع داعــش‪ ،‬فهــل تحتــاج‬ ‫مراكــز توجيــه الطياريــن‪ ،‬والطيــارون‬ ‫أنفســهم إىل معلومــات اســتخبارية‬ ‫لتحديــد أماكــن األســواق التجاريــة‪،‬‬ ‫واألفــران واملستشــفيات؟ وإذا كان‬ ‫النظــام يقصــف هــذه األماكــن‬ ‫بالرباميــل املتفجــرة انتقامــاً مــن‬ ‫الشــعب لثورتــه ضــ ّده‪ ،‬فــا بــال‬ ‫الــروس؟ ومنهــا أن الســيد كــري‬ ‫املمســك وســيده يف البيــت األبيــض‬ ‫بخيــوط اللعبــة الكارثــة التــي تجــري‬ ‫رح أن مصــر األســد‬ ‫عــى أرضنــا‪ ،‬يـ ّ‬

‫إمنــا يتقــرر مــن خــال املباحثــات‬ ‫الدوليــة‪.‬‬ ‫ومنهــا أنــه إذا كانــت اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية‪ ،‬وهــي مشــكورة‬ ‫عــى مــا تبذلــه مــن جهــود‪ ،‬قــد‬ ‫حــددت منتصــف الشــهر الجــاري‬ ‫موعــدا ً لجمــع أطــراف املعارضــة يف‬ ‫الريــاض‪ ،‬فلــاذا عــادت وأعلنــت‬ ‫عــى لســان وزيــر خارجيتهــا أن‬ ‫املوعــد مل يتحــدد بعــد؟ ولنالحــظ‬ ‫هنــا أيــة معارضــة هــذه التــي‬ ‫تحتــاج إىل جهــود إقليميــة ودوليــة‬ ‫مكثفــة لتوحيــد صفوفهــا ورؤيتهــا‪،‬‬ ‫وكأن مــا يجــري يف بالدهــا إمنــا يجري‬ ‫يف بــاد الــواق الــواق‪.‬‬ ‫ومنهــا مناشــدة رئيــس االئتــاف‬ ‫جبهــ َة النــرة َّ‬ ‫فــك ارتباطهــا مــع‬ ‫تنظيــم القاعــدة‪ ،‬وذلــك لتجنيــب‬ ‫البــاد املزيــد مــن الخ ـراب والدمــار‪،‬‬ ‫وتســتحق هــذه الحكايــة م ّنــا وقفــة‬ ‫خاصــة‪ ،‬وإىل حينهــا نكتفــي بالقــول‬ ‫إن هــذه املناشــدة ال تعــدو أن تكــون‬ ‫نفخــاً يف قربــة مبعوجــة‪.‬‬ ‫املتطلّــع إىل تفســرات لهــذه األمــور‬ ‫التــي أســلفنا أنهــا ليســت عصيّــة‬ ‫عــى الفهــم مــن املتابعــن لشــؤون‬ ‫الكارثــة الســورية‪ ،‬ال ب ـ ّد أن يجدهــا‪،‬‬ ‫إال أنــه ســوف يجنــي معهــا خيبــات‬ ‫أمــلٍ كبــرة وكثــرة ت ُضــاف إىل‬ ‫املخــزون املرتاكــم لديــه منهــا‪ .‬لكــن‬ ‫شــعباً دفــع‪ ،‬ومــا زال يدفــع مثنــاّ‬ ‫باهظـاّ يف ســبيل الوصــول إىل حريتــه‬ ‫وكرامتــه‪ ،‬ســيح ّول هــذه الخيبــات إىل‬ ‫بــذور أزاهــر ســتنمو عندمــا يديــر‬ ‫القامئــون عليــه عيونهــم إليــه‪ ،‬ال إىل‬ ‫أي مــكان آخــر!‪.‬‬

‫مقاربة بني ثورتني ‪..‬‬ ‫الث��ورة الس��ورية والث��ورة الفرنس��ية‬

‫اســتكامالً ملــا كتبتــه يف املقالــة‬ ‫الســابقة‪ ،‬مقارنــة بــن ثورتــن‪ ،‬الثــورة‬ ‫الســورية والثــورة الفرنســية‪ ،‬ســأحاول‬ ‫يف هــذه املقالــة أن أقــارب بينهــا‪،‬‬ ‫حيــث أن كل ثــورة لهــا رمــوز تحتفــظ‬ ‫بهــا ومتيزهــا عــن باقــي ثــورات العــامل‪،‬‬ ‫لكــن قــد يكــون هنــاك تقــارب بــن‬ ‫هــذه الرمــوز وبعــض األحــداث التــي‬ ‫تتكــرر يف كال الحالتــن‪.‬‬ ‫ولتكــن البدايــة مــن الشــعارين‬ ‫اللذيــن بــدأت بهــا الثورتــان‪ ،‬حيــث‬ ‫كان شــعار الثــورة الفرنســية هــو‬ ‫«النــر أو املــوت»‪ ،‬مــا يقابلــه يف‬ ‫الثــورة الســورية شــعار «املــوت‬ ‫وال املذلــة»‪ ،‬كال الشــعبني اختــار‬ ‫املــوت عــى البقــاء يف نفــس املوضــع‬ ‫الســائد آنــذاك‪ ،‬النــر والكرامــة حــن‬ ‫يجتمعــان يف ثــورة واحــدة‪ ،‬حيــث ال‬ ‫كرامــة بــا نــر‪ ،‬وال نــر مــن دون‬ ‫الحصــول عــى الكرامــة‪.‬‬ ‫الــرارة التــي أوقــدت الثــورة‬ ‫الفرنســية‪ ،‬كانــت اقتحــام املتظاهريــن‬ ‫ألســوار ســجن الباســتيل‪ ،‬حيــث كان‬ ‫رمـزا ً للظلــم وإرهــاب النــاس‪ ،‬فمجــرد‬ ‫الســيطرة عليــه يكــون حاجــز الخــوف‬ ‫قــد تحطــم أمــام النــاس‪ ،‬يقابلــه‬ ‫كتابــات أطفــال مدينــة درعــا عــى‬

‫جــدران ســور مدرســتهم عبــارات‬ ‫«الشــعب يريــد إســقاط النظــام»‪،‬‬ ‫هــذه الكلــات التــي مل يكــن أحــد‬ ‫يجــرؤ عــى التفكــر بهــا‪ ،‬فض ـاً عــى‬ ‫النطــق بهــا أو كتابتهــا عــى الــورق‪،‬‬ ‫هنــا يكــون الجــدار ورمزيتــه ومنعتــه‪،‬‬ ‫التــي عــى أساســها بنــى النظــام‬ ‫الحاكــم سياســته يف اضطهــاد الشــعب‬ ‫وســلبه حريتــه‪ ،‬قــد تحطــم تحــت‬ ‫كتابــات األطفــال‪.‬‬ ‫الشــارع هــو املــكان الــذي خرجــت‬ ‫منــه الثورتــان‪ ،‬مل تخرجــا مــن‬ ‫صالونــات املفكريــن واملثقفــن‪ ،‬وليــس‬ ‫مــن املســارح أو قاعــات املؤمتــرات‬ ‫والنــدوات‪ ،‬ومل توضــع الخطــط‪ ،‬ومل‬ ‫يكــن هنــاك قائــد‪ ،‬خــرج النــاس‬ ‫يريــدون إزاحــة الظلــم عنهــم‪ ،‬واملكان‬ ‫الــذي قصــدوه بالتأكيــد يعرفــون أنــه‬ ‫هــو املــكان الــذي يخــرج الظلــم منــه‪،‬‬ ‫ليقتلــوا الظلــم فيــه أو يزيحــوه‪ ،‬ســار‬

‫الشــعب الفرنــي باتجــاه ســجن‬ ‫الباســتيل‪ ،‬وســار الشــعب الســوري‬ ‫نحــو أفــرع األمــن‪.‬‬ ‫اســتخدم امللــك لويــس الســادس‬ ‫عــر ملــك فرنســا‪ ،‬الحــرس امللــي يف‬ ‫قمــع املتظاهريــن وقتلهــم‪ ،‬واســتخدم‬ ‫الرئيــس اللعــن الحــرس الجمهــوري‬ ‫لنفــس الغــرض‪ ،‬وكانــت النتيجــة قتــل‬ ‫اآلالف مــن النــاس يف الشــوارع‪ ،‬حتــى‬ ‫جــرت الدمــاء‪ ،‬لكــن اســتمر النــاس‬ ‫باملطالبــة بحقهــم‪ ،‬بــل زادهــم إرصارا ً‬ ‫عــى نيــل مطالبهــم‪.‬‬ ‫النقطــة األهــم هنــا هــي ظهــور‬ ‫مفهــوم اإلرهــاب وارتباطــه بالثــورة‬ ‫الفرنســية وقــادة الثــورة‪ ،‬وليــس‬ ‫بالحكومــة أو امللــك‪ ،‬هــذا اإلرهــاب‬ ‫الــذي تــم تربيــره عــى اعتبــار أنــه‬ ‫جــزء مــن الثــورة‪ ،‬حيــث أصبحــت‬ ‫املقصلــة هــي رمــز اإلرهــاب‪ ،‬فــكل‬ ‫مــن يشــتبه بانتامئــه للثــورة املضــادة‪،‬‬

‫‪11‬‬

‫كان يحكــم عليــه باإلعــدام‪ ،‬حيــث‬ ‫توضــع رقبتــه تحــت املقصلــة‪ ،‬ليفصل‬ ‫رأســه عــن جســده‪ ،‬والغريــب هنــا أن‬ ‫غالبيــة مــن قتلــوا هــم مــن رافــي‬ ‫الثــورة‪ ،‬وفيــا يخــص اإلرهــاب الــذي‬ ‫متارســه عصابــات النظــام وموالــوه‪،‬‬ ‫تجــاه املدنيــن‪ ،‬املؤيديــن للثــورة‪،‬‬ ‫كانــت الرباميــل املتفجــرة هــي رمــز‬ ‫اإلرهــاب يف ســوريا‪ ،‬حيــث قتلــت‬ ‫الرباميــل ودمــرت مدنــاً بســاكنيها‪،‬‬ ‫وارتكبــت املجــازر‪ ،‬لتبقــى العصابــات‬ ‫مســيطرة عــى الحكــم‪ ،‬فهــل ســيتم‬ ‫تربيــر هــذه الوحشــية يف قمــع‬ ‫الثــورة؟‬ ‫واملقاربــة األخــرة هــي مــا بعــد‬ ‫الثــورة‪ ،‬فرنســا قامــت بتوســيع‬ ‫رقعتهــا الجغرافيــة‪ ،‬وغــزت دول‬ ‫الجــوار وانتــرت عــى تحالفــات‬ ‫كانــت ضــد الثــورة‪ ،‬وهــذا مــا نأملــه‬ ‫يف ثورتنــا الســورية املباركــة‪.‬‬

‫آهل��ة الغب��اء وش��ياطينه‬ ‫معبــد الحســون‬ ‫بــات واضحــا ً أنّ كل القــوى الخارجيــة املتدخلــة‬ ‫ـج‬ ‫يف الحــدث الســوري‪ ،‬تفاع ـاً ومشــاركةً‪ ،‬إمنــا هــي تلـ ُ‬ ‫مــن مولــج محاربــة اإلرهــاب‪ ،‬والقضــاء عــى داعــش‬ ‫تحديــدا ً‪ ،‬كــا بــات واضحـا ً أيضـا ً أن داعــش باتــت هــي‬ ‫الـ»تيكــت»‪ ،‬أو بطاقــة الدخــول إىل املــرح الســوري‪،‬‬ ‫وأن هــذه البطاقــة رسعــان مــا يتــ ُّم إلقاؤهــا يف ســلة‬ ‫املهمــات فــور الدخــول‪ ،‬فتُنــى داعــش مؤقتــا ً‪ ،‬وإن‬ ‫ـج‬ ‫ظـ ّـل اإلعــام وبــوق النفــر العــام يذكــر بهــا‪ ،‬ويعجعـ ُ‬ ‫بالحــرب عليهــا ليــل نهــار‪ ،‬بوصفهــا الــيء الــذي يجــب‬ ‫محاربتــه‪ ،‬والــذي مل يُنــس بعـ ُد أو يغيــب عــن الذاكــرة‪.‬‬ ‫ولكــن أيــة ذاكــرة؟ بالتأكيــد ليــس ذاكــرة املتدخلــن‬ ‫أو صانعــي القــرار الدوليــن (فهــؤالء مل تكــن داعــش‬ ‫يف ذاكرتهــم يوم ـا ً)‪ ،‬وإمنــا ذاكــرة شــعوب املنطقــة مــن‬ ‫الســوريني و َمــن يف جوارهــم‪ ،‬وذاكــرة شــعوبهم مــن‬ ‫ـت‬ ‫دافعــي رضائــب ونفقــات الحــرب‪ ،‬والذيــن كلــا خبـ ْ‬ ‫داعــش وخملــت ســرتها يف خيــاالت ذاكرتهــم‪ ،‬يتــ ُّم‬ ‫تنشــيطُها وإنعاشُ ــها بأبــواق اإلعــام املســتطري‪ ،‬ثــم يتــوىل‬ ‫«أي يش ٍء» تحــت مســمى‬ ‫الطــرانُ ‪ ،‬أثنــاء ذلــك‪ ،‬قصـ َ‬ ‫ـف َّ‬ ‫الهجــوم عــى اإلرهــاب وقصــف مواقــع لإلرهابيــن‪..‬‬ ‫كوميــدي أســود‪،‬‬ ‫اجيــدي حزيــن‪ ،‬وهــو‬ ‫املشــه ُد تر‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ـق لنــا كــم فعــل‬ ‫ومضحـ ٌـك تافــه يف الوقــت ذاتــه‪ ،‬ولــو َحـ َّ‬ ‫كل‬ ‫أســافُنا الرومــان واإلغريــق‪ ،‬الذيــن كانــوا يختصــون َّ‬ ‫منشـ ٍ‬ ‫ـط مــن مناشــط الحيــاة بآلهــة خاصــة بهــا‪ ..‬فهنــاك‬ ‫آلهــة للينابيــع‪ ،‬وآلهــة لألمطــار‪ ،‬وآلهــة للجســد وشــهواته‪،‬‬ ‫ومثلهــا للخصــب والربيــع والنــاء والحــب والحــرب‪ ..‬لــو‬ ‫ـق لنــا أن نُســمي املحاربــن لداعــش اليــوم بتســمية‪،‬‬ ‫َحـ َّ‬ ‫لخصصناهــم بلقــب‪« :‬آلهــة الغبــاء وشــياطينه»‪ ..‬د ْعـ َـك‬ ‫ـكل طـ ٍ‬ ‫مــا يقـ ُ‬ ‫ـرف فيهــم ينافــس‬ ‫ـال ويُـ َر َّو ُج لــه قليـاً‪ ،‬فـ ُّ‬ ‫ـع يوشـ ُـك أن يُظهـ َر‬ ‫الجميــع ويُبيــت لــه العــداء‪ ،‬والجميـ ُ‬ ‫هــذا العــدا َء ويشــهر حربــه ســافرا ً حتــى عــى أقــرب‬ ‫ِ‬ ‫املســكوت‬ ‫مقربيــه‪ ،‬مــع أنهــم‪ ،‬ولــو يف الظاهــر‪ ،‬ال يف‬ ‫ٌ‬ ‫وهــدف واحــد أصبــح‬ ‫عنــه‪ ،‬تجمعهــم آرص ٌة واحــد ٌة‬ ‫كالشــعار‪ :‬محاربــة داعــش واإلرهــاب‪ ،‬مــع أن داعــش‬ ‫غــر قلقــة كــا هــو واضــح‪ ،‬وتنــام مطمئنــة وكأن هــذا‬ ‫الــذي يجــري حولهــا ال يعنيهــا بــيء‪ ..‬وهــي محقــة‬ ‫وغــر مرسفــة يف هــذه ال ُبلَ ْه ِنيــة التــي ت ُحســد عليهــا‪،‬‬ ‫وهــذا االطمئنــان الفائــض الزائــد‪.‬‬ ‫ـب مالحظتُ ـ ُه أيض ـا ً أنّ الــكل ال يريــد أن يكــون‬ ‫مــا يجـ ُ‬ ‫ـح أن يكــونَ دو ُره تاليـا ً‪ ،‬ولعــل‬ ‫أول املتدخلــن‪ ،‬بــل يطمـ ُ‬ ‫التدخــل الــرويس أشــاع راحــ ًة يف نفوســهم جميعــا ً‪،‬‬ ‫وحقــق لهــم هــذه األمنيــة‪ ،‬فاملؤكــد أن التدخــل الــريك‬ ‫واألورويب واألمــريك عــى األبــواب‪ ،‬ورمبــا معهــم رفقــ ًة‬ ‫ـض األطـراف العربيــة كذلــك‪ ،‬ومــا املســألة إال مســألة‬ ‫بعـ ُ‬ ‫وقــت‪ ،‬فالجميــع مــرو ٌر مــن بوتــن الــذي يفعــل‬ ‫أكــر مــا يقــول‪ ،‬فهــو الصامــت غالبــا ً‪ ،‬ويقــول أكــر‬ ‫ـوري‬ ‫مــا يفكــر‪ ،‬فهــو ال يفك ـ ُر بتات ـا ً إال يف ُحلُــمٍ أمرباطـ ٍ‬ ‫يُكرســه كقيــر‪ ،‬ويفــي لــه بحــق دخــول اســمه يف‬ ‫ـق‬ ‫التاريــخ‪ ،‬حتــى لــو سـ ّجل ذلــك التاريــخ أنــه بــات يرشـ ُ‬ ‫صواريــخ باليســتية بعيــدة املــدى‪ ،‬يصــل مداهــا إىل‬ ‫‪1500‬ـ‪2000‬كــم (مل ت ُســتخد ْم أبــدا ً حتــى يف فــرة الحــرب‬ ‫البــاردة‪ ،‬ويف أيــة أزمــة دوليــة ســبقت) ولكــن هــو‬ ‫يرشــقها ضــد مــن‪..‬؟ بالتأكيــد هــو يــرب بهــا مواقــع‬ ‫اإلرهابيــن‪ ،‬وبالتأكيــد هــو يســتعملها ضــد داعــش‪..‬‬ ‫ـت آمـ ُـل أك َرث‬ ‫ال تضحــك عزيــزي القــارئ‪ ،‬وال تقهقــه‪ ،‬فلسـ ُ‬ ‫مــن تبســمك املريــر لهــذه الكوميديــا الســوداء الصفـراء‬ ‫البلغميــة اللــون‪ ،‬كقيــح الصديــد املفتــوح املنظــر أمــام‬ ‫مــرأى الجميــع بــا نهايــة‪ ،‬وأن تقــول‪ :‬حســبنا اللــه أوالً‬ ‫وأخــرا ً‪..‬‬ ‫وتردد قول املرحوم (جرير) ‪:‬‬ ‫داعش‬ ‫سيقتل داعشاً * أبرش بطول سالمة يا ُ‬ ‫َ‬ ‫التحالف أن‬ ‫زعم‬ ‫ُ‬


‫‪12‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫ً‬ ‫عاري��ة جت��ي ُء‬ ‫القصائ��د‪!!..‬‬

‫شعر‪ * :‬تقى المرسي‬

‫خطوةٌ‪..‬‬ ‫خطوتان‪..‬‬ ‫ونبدأ رقصتَنا املطفأة‬ ‫نشاكس موتني‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫حني التجيل؛‬ ‫فعشقاً‪ ..‬منوت‬ ‫وشعرا ً ‪ ..‬منوت‬ ‫وعند السكوت‪..‬‬ ‫تظل البال ُد ‪-‬عىل صمتها‪-‬‬ ‫طلق ًة بالرئة‬ ‫شهقةٌ‪..‬‬ ‫شهقتان‪..‬‬ ‫وتبدأ رقصتُنا املطفأة‪!!..‬‬ ‫**‬ ‫سأموتُ ‪..‬‬ ‫بعد صبابتني‪ ،‬وأغنية‬ ‫سأموتُ صلباً‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫أو مرورا ً‬ ‫بالبيوت الباكية‬ ‫أنا لن أهاج َر‪..‬‬ ‫أو أنا َم عن الهوى‬ ‫باب لقلبي‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫والجروح سواسية‬ ‫ُ‬ ‫ظل القصيدة يف دمي‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫غضوب شام ٌخ ‪..‬‬ ‫ر‬ ‫شج‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫جم ٌر ته ّيأ للريا ِح‪...‬‬ ‫والحقيق ُة عارية‪!!..‬‬ ‫**‬ ‫يا ثالث الضدين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫النخالت يف رملِ الغواية؛‬ ‫وآخر‬ ‫يا موتاً يرتدي جسدي؛‬ ‫يراو ُغ صوت صافرة النهاية‪،‬‬ ‫خذين إىل النهر‪..‬‬ ‫فاألنها ُر يف وطني تعي ُد كتابة التاريخ‪،‬‬ ‫حني تحرتق البطولةُ‪..‬‬ ‫يف تفاصيلِ البداية‬ ‫يا ثاين الوجعني‪..‬‬ ‫وطني‪..‬‬ ‫وأنت‪..‬‬ ‫ووحديت‪..‬‬ ‫رصنا الحكاية‪!!..‬‬

‫* شاعرة من مصر‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫قصة قصرية‪..‬‬

‫عل��ى مه��ل ي��ؤكل الباذجن��ان‬

‫«يف ليلــة مقمــرة وقعــت جرميــة قتــل يف‬ ‫قريتنــا»‬ ‫وكــا أن العناكــب ال تحيــك بيوتهــا جزافــاً‪،‬‬ ‫كذلــك ال يشء اعتباطــي يف البيــت اللغــوي‬ ‫الصغــر الــذي تشــكله الجملــة الســابقة‪ ،‬حيث‬ ‫الكلــات الناظمــة تشــرك يف نفــس الحــرف‪:‬‬ ‫القــاف‪ ..‬ذاك الجبــل الواقــع يف مــكان قيص من‬ ‫األرض والذاكــرة الشــعبية عــى الســواء‪ ،‬والــذي‬ ‫لفظــه تجويــف مــا خصيص ـاً يك تهشــم فــوق‬ ‫صخــوره عظــام املبعديــن واملغضــوب عليهــم‪.‬‬ ‫إن هــذا الحــرف الــذي يندفــع كالبصقــة‪،‬‬ ‫واملضاعــف بشــكل غــر مــرر لكــن ليــس دون‬ ‫جــدوى‪ ،‬ســيظل يقــرع يف صــدري كالجــرس‬ ‫الكنــي‪ ،‬وســيحدد بشــكل مــا الواقعــة التــي‬ ‫ســأكون طرفــاً أساســياً يف نســجها بعــد نحــو‬ ‫خمــس وعرشيــن ســنة عــى حــدوث الجرميــة‬ ‫األوىل‪.‬‬ ‫كان البــدر متامــاً وســاطعاً بشــكل أخــاذ‪ ،‬ومل‬ ‫يكــن أي مــن أهــايل القريــة النامئــة يتوقــع أن‬ ‫دم ـاً س ـراق تلــك الليلــة‪ ..‬وحــن ق ّيــض يل أن‬ ‫أشــاهد ذاك الــيء املغطــى بجلبــاب رمــادي‬ ‫ومبقــع بالــدم‪ ،‬وأســمع أنــه جثــان موحــادي‬ ‫الــذي صعــدت روحــه إىل باريهــا‪ ،‬مل أجــد يف‬ ‫ذلــك ســوى حــدث مسـ ِّـل ومثــر‪ .‬لقــد وجــد‬ ‫يف مخــدع امــرأة متزوجــة‪ ،‬ومل يكــن الــزوج‬ ‫ممــن يســمحون مبثــل هــذه اإلهانــة‪ ،‬فغــرز‬ ‫يف أضلعــه خنج ـرا ً معــدا ً لهــذا القصــد‪ .‬وحــن‬ ‫شــد موحــادي عــى جرحــه الغائــر‪ ،‬وأدرك‬ ‫أنــه ميــت ال محالــة‪ ،‬متكــن مــن جرجــرة‬ ‫رجليــه إىل باحــة املنــزل لينــام تحــت ضــوء‬ ‫القمــر‪ .‬كان املشــهد بالنســبة يل مؤثـرا ً ومغذيـاً‬ ‫لغرائــز أوليــة مبهمــة ومتأصلــة منــذ زمــن ال‬ ‫أدري مبتــدأه‪ :‬القمــر املعلــق فــوق‪ ،‬الباســم‪،‬‬ ‫والــذي مل يكــن هنــاك مبحــض الصدفــة (أقصــد‬ ‫أن الجرميــة مل تكــن لتقــع دون إيعــاز منــه)‬ ‫والــدور املبثوثــة عــى الجســد الجبــي بــن‬ ‫أشــجار التــن والزيتــون والخــروب‪ ،‬والتــي‬ ‫تبــدو اآلن كالدمعــات املنطفئــة الخجــى‪ ،‬ثــم‬ ‫الجثــة امللقــاة هنــاك كطقــس ملغــز‪ ،‬التــي‬ ‫لــن تســتطيع الــكالم بعــد اآلن والذهــاب إىل‬ ‫الســوق‪ ،‬أو التفــرج علينــا نلعــب بالكــرات‬ ‫الزجاجيــة أو نجــري عــى الحــى بأرجلنــا‬ ‫الحافيــة‪.‬‬ ‫فيــا بعــد‪ ،‬ســأنتقل مــع أرسيت إىل املدينــة‪..‬‬

‫قصة قصرية‪..‬‬ ‫«بهروا الدنيا‬ ‫وما يف يدهم َّ‬ ‫إال احلجارة‬ ‫وأضاءوا كالقناديل‪ ،‬وجاءوا‬ ‫كالبشارة‪»..‬‬ ‫(نزار قباني)‬ ‫كانــت زوجتــي تحــل شــعرها أمــام املــرآة‬ ‫وهــي تتزيــن‪ ،‬تطوحــه عــى كتفيهــا العاريتــن‪،‬‬ ‫بــدت يف عينــي كمهــرة صغــرة شــقية ترنــو إىل‬ ‫فارســها‪ ،‬ضــوء «األباجــورة» الــوردي يفــرش ظالَّ‬ ‫خفيفــاً عــى الســقف والحوائــط املصقولــة‪،‬‬ ‫كان الليــل غريب ـاً هــذا املســاء‪ ،‬يختبــئ خلــف‬ ‫النافــذة‪ ،‬أعــرف أنــه بعيــد الغــور‪ ،‬موحــش‬ ‫وحزيــن‪ ،‬أخــاف ظلمتــه أن تلفنــي يف عباءتهــا‬ ‫وتلقــي يب يف غياهــب جــب ســحيق‪.‬‬ ‫زوجتــي مشاكســة لكنهــا ودودة‪ ،‬قفــزت جانبي‬ ‫عــى الفــراش‪ ،‬ســحبت الســيجارة مــن بــن‬ ‫ـفتي بأصابعهــا‪ ،‬ســحقت رأســها املتأجــج يف‬ ‫شـ ّ‬ ‫قــاع املنفضــة الخزفيــة‪ ،‬مل أتحــرك عندمــا مالــت‬ ‫برأســها عــى صــدري برفــق‪ ،‬شــممت عطرهــا‬ ‫وأنفاســها امللتهبــة ملَّــا أدارت بأصابعهــا وجهــي‬ ‫ناحيتهــا‪ ،‬كانــت ذراعــاي متقاطعتــن تحــت‬

‫ُرســت قبالــة مزلقــان‬ ‫رأيس كإشــارة تحذيــر غ ْ‬ ‫خطــر‪ ،‬كان رأيس محمومـاً‪ ،‬املســتوطنون اليهــود‬ ‫مــن جامعــة «جــوش أمونيــم» يقتحمــون‬ ‫مخيــم «طولكــرم»‪ ،‬يطلقــون الرصــاص يف كل‬ ‫اتجــاه بعشــوائية مقصــودة‪ ،‬ســقط شــاب مل‬ ‫يتجــاوز العرشيــن‪ ،‬أصيــب العــرات بجــراح‬ ‫خطــرة‪ ،‬ولولــت أم عجــوز ورفعــت يديهــا عــى‬ ‫غطــاء رأســها األبيــض‪ ،‬رنــا رجــل أشــيب ببــره‪،‬‬ ‫بــدا ظهــره املقــوس مثقـاً بحمولــة أعــوام مــن‬ ‫االحتــال‪ .‬مل أتحــرك‪ ،‬كانــت زوجتــي ســاخنة‪،‬‬ ‫تــأودت‪ ،‬تنهــدت مــن جــوف الصــدر‪ ،‬أحاطتنــي‬ ‫بذراعيهــا‪ ،‬حدقــت يف عينــي بســخرية طفوليــة‪.‬‬ ‫كان أطفــال املخيــم قــد قذفــوا عربــات الجنــود‬ ‫بالحجــارة فحطمــوا زجاجهــا‪ ،‬وأشــعلوا النــار يف‬ ‫اإلطــارات‪ .‬ســقطت ألــواح مــن زجــاج ثلجــي‬ ‫بــارد بينــي وبــن زوجتــي‪ ،‬صــارت حوائــط‬ ‫مــن األســمنت والصلــب‪ ،‬خبطــت كتفــي‬ ‫بقبضــة يدهــا بحنــو‪ ،‬وتصنعــت الغضــب مل َّــا‬ ‫ز َّمــت شــفتيها وعينيهــا وابتعــدت قلي ـاً‪ ،‬بــدا‬ ‫غضبهــا جميـاً‪ .‬رغــم أين أمقــت الصلــح املنفــرد‬

‫وحــن يســألنا املــدرس عــن املهــن والحــرف‬ ‫التــي نــود مزاولتهــا مســتقبالً‪ ،‬ســأعلن عــن‬ ‫اختيــاري امللتبــس الــذي ســيثري ضحــك‬ ‫اآلخريــن ويتســبب يل يف عــر رضبــات‬ ‫باملســطرة الحديديــة عــى رؤوس األصابــع‪:‬‬ ‫أريــد أن أصبــح قاتــاً‪.‬‬ ‫لقــد أمتمــت دراســتي‪ ،‬وأصبحــت موظفــاً‬ ‫حكوميـاً‪ ،‬ثــم عــرت عــى بنــت حــال أنجبــت‬ ‫منهــا ابن ـاً‪ ،‬لكــن األج ـراس القدميــة مــا فتئــت‬ ‫تجلجــل داخــي تبعــث لــدي أجــواء احتفاليــة‬ ‫غامضــة ورائحــة قرابــن ودمــاء تســيل ثــم‬ ‫تجــف وحامئــم بيضــاء مذعــورة ونظرة باســمة‬ ‫لبــدر مكتمــل‪ ..‬حينهــا أبحلــق يف يــدي بــيء‬ ‫مــن الذعــر‪ ،‬ويف الحلــق ســؤال متوتــر‪ :‬هــل‬ ‫حق ـاً‪ ،‬أيتهــا اليــد الراعشــة‪ ،‬املعروقــة‪ ،‬والتــي‬ ‫مل تخــر غــر القلــم اإلداري تســطر بــه أحــوال‬ ‫النــاس‪ ،‬تســتطيعني أن‪...‬؟ ثــم أبحلــق يف ابنــي‬ ‫(الــذي ال يشــبهني) ويف زوجتــي (التــي باعــت‬ ‫نفســها لنجــوم املسلســات) وأفــر هارب ـاً‪.‬‬ ‫كانــت املــرأة التــي ضبطــت مــع موحــادي‬ ‫قــد غــادرت هــي األخــرى إىل املدينــة‪ ..‬طلقــت‬ ‫مــن زوجهــا املحكــوم عليــه بثالثــن ســنة‬ ‫ســجناً‪ ،‬وحصلــت عــى عمــل يؤمــن غذاءهــا‬ ‫ويقيهــا صهــد الذاكــرة‪ .‬كنــت باملرحــاض أفــرغ‬ ‫نفــي وأفكــر يف تلــك الغاممــات األوىل التــي‬ ‫تحركهــا ريــح خالقــة يف ذهــن مــا‪ ،‬يك متطــر‬ ‫فيــا بعــد عــى قافلــة العطــش اإلنســاين‪ :‬يف‬ ‫أول مــن فكــر يف صنــع شــفرة حالقــة‪ ،‬وأول‬ ‫مــن حلــم بإمكانيــة الصعــود إىل الفضــاء‪ ،‬وأول‬ ‫مــن نقــش رسـاً عــى عظمــة أو حجــر صــوان‪،‬‬ ‫وأول مــن جــرب القيمــة العالجيــة لعشــب مــا‬ ‫أو خطــط تصميـاً للمرحــاض‪ ،‬مبوطــئ قدمــن‬ ‫وثقــب‪ ..‬حتــى عــ ّن يل أن هنــاك مــن يفكــر‬ ‫ّيف اللحظــة ويزمجــر يف ســخط بــأين أطلــت‬ ‫املكــوث‪ .‬خرجــت‪ ،‬وأديــت درهــا للمــرأة التي‬ ‫تعتنــي ببيــت الراحــة ذاك‪ ،‬والتــي – مبجــرد مــا‬ ‫ملحتهــا‪ -‬تذكــرت البســمة املاكــرة لبــدر مكتمل‬ ‫وحفيــف ورقــة نائحــة وجثــة راقــدة تحــت‬ ‫جلبــاب رمــادي‪ ..‬نفــس الوجــه واملالمــح‪..‬‬ ‫مل تتغــر كث ـرا ً إال مــن مســحة قســوة تظلــل‬ ‫عينيهــا وزاويتــي الفــم‪ ..‬ارتعشــت الصــورة‬ ‫القدميــة‪ ،‬ونــط خيــط دم مــن عــى حجــر‬ ‫بالجمجمــة‪ ،‬و– خارج ـاً‪ -‬قلــت إن القتــل هــو‬ ‫الفكــرة الوحيــدة التــي ليــس لهــا ســابق أو‬

‫الحــق‪ ،‬إذ نجــد يف الكتــاب املنــزل أن مــن قتــل‬ ‫فــردا ً واحــدا ً يكــون كمــن قتــل النــاس جميعـاً‪،‬‬ ‫لذلــك‪ ،‬فــكل جرميــة قتــل هــي األوىل‪ ،‬وهــي‬ ‫أيضــاً كل الجرائــم التــي ارتكبــت منــذ فجــر‬ ‫التاريــخ والتــي مل ترتكــب بعــد‪ .‬هكــذا فكــرت‬ ‫الســفر‪.‬‬ ‫بأنــه قــد حــان أوان دخــويل هــذا ِّ‬ ‫كنــت قــد عينــت مــن بــن الضحايــا املحتملــن‪،‬‬ ‫فتــى مغوليـاً مينــح زبائــن املقهــى لحظــة أنــس‬ ‫وتســلية كــا يُش ـغّل يف الســعي بــن املحبــن‬ ‫وطالبــي املتعــة‪ ،‬ثــم رجــاً مل تعجبنــي أبــدا ً‬ ‫نظراتــه‪ ،‬فامــرأة مبؤخــرة عظيمــة‪ ..‬كنــت أفكــر‬ ‫يف جرميــة مجانيــة‪ ،‬متليهــا الصدفــة فقــط وال‬ ‫يحركهــا دافــع‪ ،‬حتــى ال يعــرف لهــا املحققــون‬ ‫رأســاً مــن رجــل‪ ..‬لكنــي رأيــت يف النهايــة‬ ‫أن أفضــل ضحيــة هــي املــرأة التــي شــاركت‬ ‫موحــادي نفــس الثمــرة ومل تشــاركه نفــس‬ ‫املصــر‪ .‬لقــد حكــم عــى زوجهــا بثالثــن ســنة‬ ‫ســجناً‪ ،‬لكــن التخفيضــات التــي اســتفاد منهــا‬ ‫جعلتــه يســتنفد املــدة قبــل الوقــت املحــدد‪،‬‬ ‫ويخــرج‪ .‬ســمعت بالخــر‪ ،‬فــوددت أن أراه‪..‬‬ ‫أرى وجــه قاتــل حديــث عهــد بالحريــة‪ .‬بيد أين‬ ‫مل أتحمــس لذلــك‪ ،‬ألن اإلنســان الــذي يتلــف‬ ‫مــن تويــج عمــره ربــع قــرن جــزا ًء لســلوك‬ ‫لحظــي هــو إنســان فاشــل‪ ،‬وإذا كنــت قــد‬ ‫جازفــت بتغيــر مخططــي‪ ،‬ووقــع اختيــاري‬ ‫عــى املــرأة الخائنــة‪ ،‬فليــس مبعــث ذلــك‬ ‫حكايتهــا القدميــة‪ ،‬وإمنــا مــكان عملهــا‪ ،‬إذ أن‬ ‫أفضــل مــكان للجرميــة هــو املرحــاض‪.‬‬ ‫هكــذا أفقــت يف اليــوم التــايل خفيفــاً صــايف‬ ‫الذهــن‪ ..‬دخلــت حــام الحــي وأديــت‬ ‫للكســال عــرة دراهــم مــن أجــل أن‬ ‫رس‬ ‫يصقــل لحمــي‪ ..‬بعدهــا زرت مشــعوذا ً أ ّ‬ ‫يل بأوصــاف امــرأة (مربوعــة القــد‪ ،‬بيضــاء‬ ‫ي‪ ،‬وإنهــا‬ ‫عريضــة املبســم) قــال إن عينيهــا ع ـ ّ‬ ‫ســبب محنتــي مــع أجـراس الصــدر ومطارقــه‪،‬‬ ‫ثــم اقتنيــت جريــدة مل أقرأهــا أبــدا ً مــن قبــل‪،‬‬ ‫وقصــدت املقهــى‪.‬‬ ‫تشــر الســاعة إىل الثانيــة عــرة زواال‪ ..‬دوت‬ ‫صفــارة بإحــدى الثانويــات‪ ،‬وأغلقــت مكاتــب‪،‬‬ ‫ثــم علــت زمــارة ســيارة وأصــوات محــركات‬ ‫تســتعد لإلنطــاق‪ ..‬قلــت لنفــي‪ :‬مثلــا‬ ‫يــأيت الهــدوء بعــد العاصفــة‪ ،‬ســيحل محــل‬ ‫زحمــة الثانيــة عــرة ســكون الواحــدة‪ ،‬ثــم‬ ‫ناديــت الجرســون‪ :‬قهــوة ســوداء أيهــا األخ‪،‬‬

‫* حسن البقالي‬ ‫فنكــس راياتــه التــي كانــت ترفــرف فــوق‬ ‫أجســاد التلميــذات ومــى باتجــاه الكونتــوار‪..‬‬ ‫تصفحــت الجريــدة وقــرأت بإحــدى الصفحات‬ ‫الداخليــة عمــودا ً كتــب بأحــرف رقيقــة كــا‬ ‫لــو أنــه رســالة رسيــة‪:‬‬ ‫«يف هــذه األثنــاء‪ ،‬هنــاك مــن يخطــط لجرميــة‬ ‫قتــل‪..‬‬ ‫إن هــذا املوظــف الحكومــي البائــس الــذي‬ ‫يشــهد رؤســاؤه وزمــاؤه يف العمــل عــى‬ ‫مزاجــه الدمــوي‪ ،‬تعــرض لرجــة نفســية‬ ‫عنيفــة عندمــا قتــل أبــوه املدعــو موحــادي‪،‬‬ ‫قبــل خمــس وعرشيــن ســنة‪ ..‬ومنذئــذ وهــو‬ ‫يبحــث عــن املــرأة التــي يقــول إنهــا الســبب‬ ‫يف مقتلــه‪ ،‬حتــى عــر عليهــا‪ ..‬وجاءنــا بهــذا‬ ‫الصــدد مــن أحــد مراســلينا أنــه ضالــع –‬ ‫ضمــن خطــة مدروســة – يف تشــغيلها كمنظفــة‬ ‫للمرحــاض‪ ..‬لقــد كتــب ذات يــوم –يف لحظــة‬ ‫ســهو أو إرشاق ذهنــي_ بــأن العــامل مــرف‬ ‫ميــاه غــاص بالجــرذان‪ ،‬شمســه التــي ال تغيــب‬ ‫ثقــب املرحــاض‪».‬‬ ‫وكان موحــادي مســجياً هنــاك تحــت ضــوء‬ ‫القمــر‪ ،‬يــده املخضبــة بــدم األحشــاء نامئــة‬ ‫بالقــرب منــه‪ ..‬قلــت‪« :‬أيب‪ ،‬قم لتنــام يف بيتنا»‬ ‫وملــا مل يجبنــي‪« ..‬أيب مــا الــذي حصــل؟» ثــم‬ ‫جرتنــي أمــي مــن يــدي وأبعدتنــي عنــه‪..‬‬ ‫تركــت الجريــدة ومثــن القهــوة عــى الطاولــة‪،‬‬ ‫وانرصفــت يف االتجــاه املرســوم‪.‬‬ ‫* قاص وروائي مغربي‬

‫ومل أحتــــــرك‬ ‫مــع الصهاينــة‪ ،‬وأؤيــد املؤمتــر الــدويل‪ ،‬رصت‬ ‫أتحســس مالبــي وجســدي بعــد أي صلــح‬ ‫منفــرد آخــر‪ ،‬لكــن لعبــة الحــب الغاضــب‪،‬‬ ‫والصلــح املنفــرد‪ ،‬معهــا‪ ،‬كان طقســاً محببــاً‬ ‫لنفــي‪ ،‬أمارســه معهــا يف ســاعات الصفــاء‪،‬‬ ‫ويحلــو لهــا هــذا‪ ،‬لكنــي مل أتحــرك‪« .‬جميلــة»‪،‬‬ ‫البنــت الفلســطينية‪ ،‬مل َّــا عــادت ملخيــم‬ ‫«شــاتيال» وجــدت بيتهــا مهدمــاً‪ ،‬وأباهــا‬ ‫املقعــد مقتــوالً بجــوار كرســيه املتحــرك‪ ،‬وأمهــا‬ ‫كانــت جثَّــة هامــدة‪ ،‬ومل َّــا حاولــت الرجــوع‬ ‫أمســك بهــا أحــد املســلحني‪ ،‬قادهــا إىل بيــت‬ ‫قريــب‪ ،‬كان هنــاك أربعــة آخــرون‪ ،‬مزقــوا‬ ‫رداءهــا األبيــض‪ ،‬وتناوبــوا االعتــداء عليهــا‪.‬‬ ‫كانــت زوجتــي قــد أدارت ظهرهــا يل وقالــت‪:‬‬ ‫«هــه»‪ ،‬وكــورت جســدها‪ ،‬لحمهــا األبيــض‬ ‫املخنــوق يف غاللــة قميصهــا الضيــق‪ ،‬كان ينبــض‬ ‫بحـرارة الــدم‪ ،‬وشــعرها الفاحــم الســواد ســائباً‬ ‫بعشــوائية مطلقــة‪ .‬ذقــن الحاخــام «كاهانــا»‬ ‫غزيــر الشــعر‪ ،‬ميســك التــوراة بيــد‪ ،‬ومكــرا ً‬ ‫للصــوت بيــده األخــرى‪ ،‬كان يصيــح بصــوت‬

‫األفعــى عنــد بــاب قريــة «أم الفحــم»‪:‬‬ ‫«أيهــا العــرب‪ ..‬اخرجــوا بحياتكــم قبــل أن‬ ‫نقتلكــم‪ ..‬اختــاروا الذهــاب إىل أي بلــد‬ ‫تفضلــون‪ ..‬ســوف نســاعدكم عــى الرحيــل‪..‬‬ ‫هــذه أرض صهيــون»‪..‬‬ ‫وكان يرفع التوراة‪..‬‬ ‫كانــت أجســادهم متالحمــة‪ ،‬وصاحــوا يف‬ ‫وجهــه‪:‬‬ ‫«لــن متــر مــن هنــا إالَّ عــى جثثنــا أيهــا‬ ‫املتعصــب األمريــي‪ ..‬عــ ْد إىل بلــدك وســوف‬ ‫نســاعدك نحــن عــى الرحيــل»‪..‬‬ ‫كانــت حوائــط الزجــاج الثلجــي والصلــب‬ ‫واألســمنت قــد اســتطالت حتــى رأيس‪ ،‬تفجــرت‬ ‫وتبعــرت شــظاياها حــادة مدببــة‪ ،‬أغمضــت‬ ‫عينــي بقــوة‪ ،‬تجمعــت الحوائــط م ـ َّرة أخــرى‬ ‫يف قوائــم أصلــب وأمــن‪ ،‬مل أتحــرك عندمــا‬ ‫اســتدارت هــي عنــد طــرف الفــراش وعــ َّرت‬ ‫ســاقيها‪ ،‬كنــت أحــدق يف غاللــة الضــوء الــوردي‬ ‫املرمــي عــى الســقف‪ ،‬ألقــت جســدها فوقــي‬

‫محمد عبد اهلل الهادي‬ ‫بغيــظ‪ ،‬مل أتحــرك‪ ،‬بوجــل تحسســت جبهتــي‬ ‫البــاردة املعروقــة‪ ،‬ترسبــت شــحنة الــدفء‬ ‫مــن جســدها املرمــي فوقــي إىل ف ـراغ الغرفــة‬ ‫برسعــة‪ ،‬كان ثــويب مبلــوالً بعــرق غزيــر‪ ،‬كان‬ ‫رأيس محموم ـاً وأنــا أهــذي‪ :‬طولكــرم‪ ..‬ص ـرا‪..‬‬ ‫شــاتيال‪ ..‬أم الفحــم‪ ..‬جميلــة‪ ..‬كاهانــا‪ ..‬وال‬ ‫أتحــرك‪ ،‬وهــي تحــدق يف وجهــي بعينــن‬ ‫ينســكب منهــا الذعــر‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫غريب الدار‬

‫غربة‪ ..‬وحنني‪ ..‬وذكريات‪..‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ينتقــل اإلنســان يف أحايــن يف البلدان‬ ‫مجــرا ً ال مختــارا ً‪ ،‬وقــد تتعـ ّدد الديار‬ ‫التــي يحــطّ بهــا املــرء عصــا الرتحــال‬ ‫علّــه يجــد راحــة واســتقرارا ً يف أي‬ ‫منهــا‪ ،‬ولكــن دون جــدوى فيكتــوي‬ ‫بنــار البعــد عــن األهــل والوطــن‪،‬‬ ‫وقــد ال يــزول الحنــن إىل األوطان وال‬ ‫ينتهــي إال بــزوال األســباب الداعيــة‬ ‫إليــه‪ .‬فــا دام املــرء غريبــاً‪ ،‬فــا‬ ‫بــ ّد لــه مــن الحنــن‪ ،‬فهنــاك تــازم‬ ‫وترابــط بــن الغربــة والحنــن‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫كــم مــن األيــام ميــي الغريــب‬ ‫ليلــه قلقــاً ال يــذوق طعــم النــوم‪،‬‬ ‫ويضطــره القلــق إىل الســهر‪ ،‬ويدفعه‬ ‫كالهــا ملراقبــة نجــوم الليــل‬ ‫وألألتهــا وثباتهــا فتزيــد مــن الهمــوم‬ ‫ملــا تنبــئ بــه مــن إيحــاء بطــول‬ ‫الليــل‪ ..‬فيــرح الغريــب بذهنــه‬ ‫وخيالــه ليصــل إىل مــا يخ ّفــف عنــه‬

‫قصة قصرية‬ ‫عندمــا قــرر أن يقطــع كل صلــة بينــه‬ ‫وبــن العــامل اآلخــر كان يُــدرك أن املوت‬ ‫حقيقــة أزليــة‪ ،‬ومــن املســلامت بهــا أن‬ ‫يخضــع لقوانينهــا للهــروب إىل عــامل‬ ‫جديــد «كأســك أيهــا املــوت دعنــي‬ ‫يحــر‬ ‫أحتــي نخبــك»‪ ،‬قالهــا وهــو‬ ‫ّ‬ ‫طعامــه األخــر «كل الذيــن توغلــوا يف‬ ‫طيــات املعرفــة والفلســفة واملنطــق‬ ‫تيقنــوا أن النهايــة رضورة حتميــة‬ ‫لهــذا‪ ،‬وقبــل أن يفــروا لعاملهــم الخــاص‬ ‫كانــوا يصنعــون طعامهــم األخــر وملــا ال‬ ‫أليــس مبقــدور أي باحــث عــن الواقــع‬ ‫يف الحقيقــة أن ينهــي حياتــه كــا نهــوا‬ ‫هــم وجودهــم يف عــامل يلفــه الغمــوض‬ ‫وانعــدام الرؤيــة لكشــف خفايــا أرسار‬ ‫اإلنســانية إين أشــعر بهــا» قالهــا وال‬ ‫أعلــم أهــو يف ســكرة الخمــر أم ســكرة‬ ‫املــوت القــادم مــن هنــاك‪.‬‬ ‫كانــت الســاعة الثانيــة بعــد منتصــف‬ ‫الليــل ومــا زلــت أرقبــه عــن كثــب‬ ‫تــارة يعــب كأســاً مــن النبيــذ وتــارة‬ ‫ينتشــل مديتــه الحــادة ونصلهــا الــذي‬ ‫يلمــع كالــرق يف العيــون الخائفــة‬ ‫ليالمســها بحنيــة ويداعبهــا وكأنهــا‬ ‫العاشــقة يف وقــت النشــوة‪ .‬أخــذ يقلبها‬ ‫«منــذ مــدة وأنــا أبحــث عنــك وأحــن‬ ‫إىل اإلنفــراد بــك وحيديــن بعيديــن‬ ‫عــن النــاس وفضائحهــم وفظائعهــم‬ ‫وانتقاداتهــم املجوفــة‪ ..‬كيــف للمــرء أن‬ ‫ميلــك القــدرة ليناقــض نفســه متناســياً‬ ‫أنــه ليــس مبقــدوره خداعهــا الحقيقــة‬ ‫ـت أتابع‬ ‫ســتأخذ مجراهــا حتـاً»‪ ..‬مازلـ ُ‬ ‫حديثــه‪..‬‬ ‫(حلظـــات من الصمـــت)‬ ‫«هــذا هــو مجتمعــي التناقــض هــو‬ ‫ســمته األساســية ال يقتنــي يف جعبتــه‬ ‫ســوى الرفــض‪ ،‬ولكــن دون أن‬ ‫يعــي مــا قيمــة الرفــض حــن نحتاجــه‬ ‫يف أوقــات الحســم‪ .‬مــا أروعــك‬ ‫أيهــا اإلنســان عندمــا ترفــض ألجــل‬ ‫الرفــض»‪ ..‬يتنــاول كأس النبيــذ ليعبــه‬ ‫برسعــة وليمســك برغيــف خبــز‬ ‫ليقتطــع منــه‪..‬‬ ‫عرفــت مكمــن وجــودك أيهــا‬ ‫«اآلن‬ ‫ُ‬ ‫الرغيــف التعيــس»‪ ..‬يضعــه فــوق‬ ‫صحــن البيــض املقــي وليــرع بافتتــاح‬

‫مــا هــو فيــه بتذكّــر ديــاره التــي كان‬ ‫يعيــش فيهــا‪ ،‬ليبــدأ مبرحلــة جديــدة‬ ‫باســرجاع مــا يســتطيع اســرجاعه‬ ‫مــن دورة حياتــه املنرصمــة‪ ،‬مبتدئ ـاً‬ ‫بأجمــل فــرات حياتــه مــن الطفولــة‬ ‫املكتســية بالطهــر والــراءة‪ ،‬إىل‬ ‫مالعبهــا وألعابهــا وأقرانــه‪ ..‬ليأخــذ‬ ‫دوره باالســرخاء والغــوص النتشــال‬ ‫الذكريــات األثــرة لتنفــرج أســاريره‪،‬‬ ‫وتداعــب االبتســامة شــفتيه‪،‬‬ ‫ولتتفلّــت منهــا بعــض الزفــرات‬ ‫الحــارة منبعثــة مــن جــوف ملتهــب‪،‬‬ ‫وكلــا تقــ ّدم خطــوة يف التذكّــر‪،‬‬ ‫كلــا تزايــدت دقــات القلــب امل ُع ّنــى‬ ‫وتفاقــم زخــم املشــاعر عــى زمــن‬ ‫أثــر صــار ُعهــدة للــايض الــذي‬ ‫أصبــح رسابـاً وأثـرا ً بعــد عني كـــ(إرم)‬ ‫ذات العــاد‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫صــار العمــر كتابــاً‪ ،‬والســنني‬ ‫صفحاتــه‪ ،‬والســطور ذكرياتــه‪،‬‬

‫والحــروف‬ ‫‪4‬‬ ‫كلــا آملتنــا الغربــة‪ ،‬يه ّزنــا الحنــن‬ ‫ويدفعنــا إىل كتــاب العمــر لتقليــب‬ ‫صفحاتــه‪ ..‬وكلام قُلبــت صفحة ازداد‬ ‫الشــوق للصفحــة التــي تليهــا‪ .‬وكــم‬ ‫يتوقّــف طوي ـاً عنــد صفحــة يفــوح‬ ‫منهــا (طيــب) الذكريــات العبقــة‪،‬‬ ‫ليــزداد (رفيــف) القلــب مرفوقـاً مــع‬ ‫(حنــن) ال ينفــد‪ ..‬كتلــك الصفحــة‬ ‫التــي ال ميــل مــن مطالعتهــا؛ التــي‬ ‫تذكّــره بــأول مــرة يخفــق بهــا‬ ‫قلبــه حبــاً‪ ،‬تلــك الصفحــة تجعلــه‬ ‫يعتــدل يف جلســته‪ ،‬وكأنــه يتهيّــأ‬ ‫الســتقبال حبيــب بعــد طــول غيــاب‪.‬‬ ‫الذكريــات الجميلــة تحتــاج إىل‬ ‫طقــوس خاصــة للتذكّــر‪ ..‬اســرخت‬ ‫هــذه الصــورة عــى ســطح الذاكــرة‪،‬‬ ‫كــا يســرخي (نيلوفــر) ِ‬ ‫بدعـ ٍة ودالل‬ ‫عــى ســطح الفــرات الخالــد األيب‪.‬‬

‫وجبتــه وبهــدوء ميضغهــا‪ ..‬ومــا زالــت‬ ‫املديــة تحــدق بــه‪ ،‬ويحــدق بهــا‬ ‫ليالمســها مــن جديــد ليختــر مــدى‬ ‫رسعتهــا يف االخــراق‪..‬‬ ‫«زمــن ليــس ببعيــد وأنــا أســ ّنها هــل‬ ‫تعلــم ملــاذا؟»‪ ..‬قالهــا يل ثــم أكمــل‬ ‫حديثــه‪« :‬لئــا أشــعر بأملهــا مــن‬ ‫الطعنــة األوىل‪ .‬ســئمت األمل‪ ..‬األمل‬ ‫آ ٍه منــك أيهــا األمل أصبحــت تجــري يف‬ ‫عروقــي كنــت يف بعــض األحيــان ألتجئ‬ ‫إليــك‪ ،‬ولكــن لــن ولــن تشــاركني‬ ‫لحظتــي األخــرة‪ ،‬يجــب عــي أن أتلــذذ‬ ‫باملــوت بعيــدا ً عنــك‪ .‬ال تحــزن ســوف‬ ‫تــازم قــري أنــا عــى يقــن مــن ذلــك»‪.‬‬ ‫(صمــــت)‬ ‫أشــار بإصبعــه نحــوي‪« :‬ال أريــد‬ ‫ألحــد أن يحمــل نعــي ســوى ُحلمــي‬ ‫ويقينــي‪ ..‬ال أريــد ألحــد أن ميــي يف‬ ‫جنــازيت ســوى طموحــي وصمتــي‬ ‫العميــق‪ ..‬دعــوين أمــوت غريبــاً‬ ‫دعــوين أمــوت وحيــدا ً‬ ‫أدركــت اآلن‬ ‫ُ‬ ‫أن الوحــدة بــن الحيــاة واملــوت هــي‬ ‫ـت أمنيتــي قبــل‬ ‫انتصــاري لرمبــا حققـ ُ‬

‫املثقف السوري‪ :‬فالدميري‬ ‫بوتني أبو عفش!‬

‫مكوناتــه‪..‬‬

‫حلظـــ��ة صـــ��دق‬

‫فــوات األوان»‪.‬‬ ‫ثــم يأخــذ كأس النبيــذ مــن جديــد‬ ‫لريشــف منــه رشبــة‪« :‬كأس واحــدة‬ ‫فقــط أرجــوك أيهــا الزمــن الراحــل يف‬ ‫دمــي امنحنــي بعضــاً مــن الوقــت‪،‬‬ ‫وبعدهــا ســأبدأ باالنفصــال عــن عاملــي‬ ‫املنــي ألرحــل إىل عــامل جديــد أحببتــه‬ ‫ـت أتصــوره يف كل‬ ‫منــذ زمــن بعيــد كنـ ُ‬ ‫لحظــة‪ ،‬وأنــا أعــاين مــن لعبــة القــدر‪.‬‬ ‫ـت أرســمه عــى وجــوه األمــل حــن‬ ‫كنـ ُ‬ ‫رمتنــي أقنيــة النظــام الفاســد الــذي‬ ‫عــر حــدوده‬ ‫ال يــرىض للطمــوح أن يَ ُ‬ ‫عــر أن رغبتــه يف التعايــش مــع‬ ‫وأن يُ ِ َ‬ ‫النجــاح»‪.‬‬ ‫(صمـــت)‬ ‫«مــا أروع تلــك اللحظــات القاتلــة أن‬ ‫يُصغــي املــرء ألنشــودة املــوت وهــي‬ ‫ت ُعــزف»‪ ..‬أرقبــه وهــو يتمتــم كلامتهــا‪:‬‬ ‫ـب‬ ‫أال يــا نائــم الليــل كيــف املنــام يطيـ ُ‬ ‫‪ ..‬املــوت حــق ولكــن الفـراق عصيــب‬ ‫ـت عــن وطنــي فطالــت غربتــي ‪..‬‬ ‫تغربـ ُ‬ ‫ـب‬ ‫فيــا أســفي عــى الزمــان أمــوتُ غريـ ُ‬ ‫حاولــت جاهــدا ً أن أحصــل عــى‬ ‫ُ‬

‫‪13‬‬

‫إبراهيم العلوش‬

‫عبـــد العظيـــم إسـماعيـل‬ ‫‪5‬‬ ‫ورغــم كل مــا مــر‪ ،‬ليــس كل مــا يف‬ ‫الغربــة ســيئ‪ ..‬فاللغربــة (فضيلــة)‪،‬‬ ‫بــل فضائــل؛ يف زيــادة املعــارف‪،‬‬ ‫وســعة املــدارك‪ ،‬وإثــراء التجــارب‪،‬‬ ‫وزيــادة الخــرة يف الحيــاة وبطبيعــة‬ ‫التعامــل مــع النــاس‪ ..‬وأحيانــاً ُر ّب‬ ‫ضــا ّرة نافعــة‪..‬‬

‫هائل حلمي سرور‬ ‫املديــة‪ ،‬لكــن دون جــدوى‪ ،‬قبضتــه‬ ‫حالــت دون اإلمســاك بهــا‪ .‬كأس‬ ‫النبيــذ مل يبـ َـق منــه ســوى القليــل‪ .‬كل‬ ‫مــا يف داخــي تأهــب إىل وقــف تلــك‬ ‫املذبحــة تلــك اللحظــة القاتلــة ولكــن‬ ‫كنــت أمتنــى أن تــري‬ ‫مــا العمــل؟‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫الحبــوب املنومــة التــي تناولهــا قبــل‬ ‫إعالنــه الرحيــل عــن عاملــه ومنــع‬ ‫حــدوث عمليــة االنتحــار‪ .‬أشــار إ ّيل مرة‬ ‫أخــرى بإصبعــه وكــرر نفــس الكلــات‪:‬‬ ‫«ال تدعــوا أحــدا ً يحمــل نعــي ســوى‬ ‫ُحلمــي ويقينــي‪ ،‬وأن ميــي يف جنــازيت‬ ‫ســوى طموحــي وصمتــي العميــق‪..‬‬ ‫دعــوين أمــوت وحيــدا ً»‪ ..‬رشع ميضــ ُغ‬ ‫ـت لــه بــروٍ‪ :‬هــذا‬ ‫طعامــه بهــدوء قلـ ُ‬ ‫هــروب مــن الواقــع وقــد أعتــره فشـاً‬ ‫بــكل املقاييــس أجابنــي‪« :‬الهــروب‬ ‫الحقيقــي هــو الهــروب مــن الــذات‪،‬‬ ‫وليــس مــن الواقــع ــــ صحــح مفهومــك‬ ‫ــــ وال أعتــره فش ـاً بــل قمــة النجــاح‬ ‫بعــض علــاء النفــس والفالســفة ســاروا‬ ‫يف هــذا املنحــى إلمتــام مرحلــة البنــاء‬ ‫للعــامل الجديــد وماتــوا رشفــاء‪ ،‬وأنــا‬ ‫أرغبهــا ألمــوت عظيــاً ورشيفــاً»‪..‬‬ ‫(حلظــات من الصمــت)‬ ‫مــا هــي إال لحظــات ويــرع جســده‬ ‫باالرتخــاء‪ ،‬وبــدأت عينــاه تســتجيبا‬ ‫للنــوم القــري‪ .‬مرحلــة صمــت بــن‬ ‫اليقظــة والحلــم‪ ،‬كان يُجــر نفســه عىل‬ ‫اليقظــة ليتفقــد املديــة‪ ،‬أمــا زالــت يف‬ ‫كنــت مــرورا ً عندمــا‬ ‫قبضتــه؟‪ .‬كــم‬ ‫ُ‬ ‫تراخــت قبضتــه لتســقط املديــة‬ ‫وتهــوي عــى أرض واقــع ملــوث أم‬ ‫كانــت عمليــة االنتحــار بدايــة للتلــوث‪.‬‬ ‫لحظــات مــن الصمــت‪ .‬أخــذ يغفــو يف‬ ‫زلــت أنظــر للمديــة‬ ‫نومــه‪ ،‬وأنــا مــا ُ‬ ‫بعــد ســقوطها تذكــرت عــى الفــور‬ ‫تلــك املقولــة التــي انتشــلتها مــن أملــي‬ ‫الفــردي ودونتهــا يف رســالة الدكتــوراه‬ ‫يف علــم النفــس‪ :‬إن مرحلــة الفشــل‬ ‫مرحلــة مؤقتــة يشــعر بهــا املــرء‬ ‫حاولــت‬ ‫ليبحــث عــن ذات أخــرى‬ ‫ُ‬ ‫بقــوة حملــه ألضعــه يف رسيــره‪ ،‬رميــت‬ ‫عليــه غطــاء مــن الصــوف‪ ،‬وأنــا مــا‬ ‫ـت أرقــب املديــة وهــي تلمــع مــن‬ ‫زلـ ُ‬ ‫بعيــد وكأنهــا تبغينــي‪.‬‬

‫الشــاعر الســوري نزيــه أبــو عفــش‪ ،‬وبعــد صمــت طويــل‪،‬‬ ‫وقبــول غــر معلــن للقتــل والتعذيــب حتــى املــوت يف ســورية؛‬ ‫خــرج عــن صمتــه أخـرا ً‪ ،‬ومنــح كنيتــه ملجــرم دويل وداعــم لنظــام‬ ‫اإلرهــاب هــو بوتــن‪ ،‬متجاهــاً بــأن بشــار األســد ومخابراتــه‬ ‫هــم منبــع اإلرهــاب والقتــل‪ ،‬ومــا داعــش إال نتيجــة لصنائعهــم‬ ‫القــذرة!‬ ‫اعتــاش نزيــه أبــو عفــش عــى أمــوال وزارة الثقافــة الســورية‬ ‫طــوال ســنينن‪ ،‬وهــو يصــدر مواضيعــه اإلنشــائية التــي يقبــض‬ ‫مثنهــا مكافــآت‪ ،‬وأعطيــات‪ ،‬وظهــور ثقــايف وأديب ُمبالــغ بــه! وهــا‬ ‫هــو يخلــع كنيتــه‪ ،‬ومينحهــا لزعيــم االحتــال الــرويس‪ ،‬باعتبــار أن‬ ‫االحتــال اإليـراين‪ ،‬الــذي كان صامتـاً عنه‪ ،‬ال يتناســب مــع ترتيباته‬ ‫الذاتيــة أو الطائفيــة‪ ،‬وال مــع أكــداس الدواويــن الشــعرية التــي‬ ‫ك ّومهــا طــوال مســرته الثقافيــة التــي انتهــت باالنحيــاز للقمــع!‬ ‫نزيــه أبــو عفــش واحــد مــن الكثرييــن مــن املثقفــن الذيــن‬ ‫وقفــوا إىل جانــب نظــام القمــع‪ ،‬أو صمتــوا عــن كل مامرســاته‬ ‫الوحشــية‪ ،‬فقــد اســتفادوا طــوال نفاقهــم الطويــل مــن نظــام‬ ‫املخابــرات‪ ،‬واعتاشــوا عــى إدعاءاتــه‪ ،‬التــي تتلخــص باحتقــار‬ ‫النــاس واعتبارهــم مجــرد رعــاع‪ ،‬وال يســتحقون الثقافــة الرفيعــة‬ ‫التــي يبيضونهــا يف كتــب ال تقرأهــا حتــى زوجاتهــم!‬ ‫الكثــر مــن املثقفــن الســوريني الذيــن أمضــوا العمــر يف املطالبــة‬ ‫بالحريــة‪ ،‬والتغنــي بهــا والتبشــر بقدومهــا الوشــيك‪ ،‬ارتعبــوا مــن‬ ‫بوادرهــا وانحــازوا لنظــام املخابــرات‪ ،‬فهــل كان هــؤالء مجــرد‬ ‫ف ّزاعــات فارغــة مــن أي مضمــون إنســاين حقيقــي؟!‬ ‫اندفــع الشــعب الســوري للمطالبــة بالحريــة غــر آبــه بــكل‬ ‫التنظــرات الفارغــة‪ ،‬وال بالتخوفــات املرضيّــة مــن املجهــول‪.‬‬ ‫كحجــج أدونيــس‪ ،‬مثــاً‪ ،‬الــذي يضــع رشوطــاً فنيــة وثقافيــة‪،‬‬ ‫ويطلــب مخططـاً واضحـاً‪ ،‬وال ينطلــق مــن أمــام الجوامــع‪ ،‬رغــم‬ ‫أنــه يوافــق عــى االحتــال اإليـراين املنطلــق مــن املفاهيــم املهرتئة‬ ‫للطائفيــة الدينيــة‪ ،‬الشــعب الســوري عندمــا انطلــق مل يكــن‬ ‫لديــه خيــار للتجمــع يف أماكــن يتطلبهــا بعــض مثقفيــه‪ ،‬فآلــة‬ ‫القهــر بــددت كل املراكــز االجتامعيــة‪ ،‬وكل أماكــن التجمعــات‬ ‫املدنيــة التــي كان مــن املمكــن أن يتجمــع فيهــا النــاس‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إىل تجمعهــم أمــام الجوامــع؛ حيــث تنــال الجوامــع ازدراء‬ ‫أدونيــس وفئــة كبــرة مــن املثقفــن الســوريني امل ّدعــن لعلامنيــة‬ ‫زائفــة‪ ،‬ونكايــة بهــذا الســلوك الــذي ال ينســجم مــع تخيالتهــم‬ ‫عــن الحريــة‪ ،‬فقــد وقفــوا مــع التعذيــب‪ ،‬ومــع االحتــال‪ ،‬ومــع‬ ‫القصــف اليومــي للمــدن وللقــرى الســورية‪ ،‬التــي تج ـ ّرأ ناســها‬ ‫عــى التعبــر عــن ذواتهــم املخنوقــة‪ ،‬مــن دون أخــذ اإلذن مــن‬ ‫نخبنــا املثقفــة التــي ظلّــت تجــرش التنظـرات طــوال نصــف قــرن‬ ‫بــا نتيجــة‪ ،‬وبــا معنــى‪ ،‬وبــا روح إبداعيــة أو فنيــة معتــرة أو‬ ‫معقولــة عــى األقــل!‬ ‫وظــل متكــورا ً‬ ‫ّ‬ ‫لقــد خ ّيــب املثقــف التوقعــات املرتجــاة منــه‪،‬‬ ‫بأنــاه املتكــرة باأليدلوجيــة القوميــة أو املاركســية أو الدينيــة‪،‬‬ ‫وظـ ّـل ال شــعوره مســتمرا ً بوصــف الشــعب بأنهــم مجــرد رعــاع‬ ‫وهمــج‪ ،‬متامــاً كــا يصفهــم الدكتاتــور‪ ،‬وأجهــزة مخابراتــه‬ ‫املحرتفــة لإلجــرام!‬ ‫فالقومــي يشــنق عقلــه بحبــل توحيــد األمــة مــن موريتانيــا إىل‬ ‫الصومــال؛ واملاركــي راح ضحيــة شــلليته املنغلقــة‪ ،‬وظــل ســجني‬ ‫حلمــه الضائــع يف بنــاء دولــة خياليــة لــن تتحقــق؛ والدينــي‬ ‫ظلّــت نظرتــه إىل النــاس كعــوام‪ ،‬وغــر أتقيــاء‪ ،‬ويجــب إعــادة‬ ‫تأهيلهــم ليعــودوا إىل الديــن الحنيــف‪ ..‬ومــا التفريخــات الدينيــة‬ ‫املتطرفــة اليــوم‪ ،‬إال مــن بعــض مــا كبتــه يف ذاتــه عميقـاً‪ ،‬والتــي‬ ‫خرجــت أخـرا ً عــى شــكل تكفــر وتنظـرات نــكاح وقطــع رقــاب!‬ ‫انتـزاع املثقــف مــن تبعيتــه للســلطة‪ ،‬ومــن الغــرق األيديولوجــي‪،‬‬ ‫ومــن التهويــم يف املجــردات‪ ،‬وإعادتــه إىل الحيــاة الواقعيــة‪،‬‬ ‫وإىل النــاس بــكل مــا فيهــم مــن نواقــص ومــن ســمو وتــوق‬ ‫للحيــاة‪ ،‬هــو الحــل للخــروج مــن هــذا املــأزق الثقــايف واألخالقــي؛‬ ‫فتحريــر ســورية لــن يكتمــل إال بتحريــر العقــل والوجــدان‪،‬‬ ‫وبتحريــر املثقــف مــن انفصامــه‪ ،‬وبتفكيــك اإلجــاع املرتســخ‬ ‫يف عقــول الكثــر مــن املثقفــن‪ ،‬املتمثــل بالنظــرة املســتخفة‬ ‫بالنــاس وبالحيــاة الواقعيــة وتجلياتهــا‪ ،‬والكــف عــن االنحبــاس‬ ‫يف دهاليــز الســلطة وطالبــي الســلطة‪ ،‬وتصوراتهــم التــي يرتــزق‬ ‫مــن أُعطياتهــا!‬


‫‪14‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫«نزالء العتمـــــــة»‬

‫تراجيدي��ا احلي��اة وامل��وت‬ ‫الدكتــور موســى رحــوم عبــاس‬ ‫‪ - 1‬يف البدء‬ ‫يف كثــر مــن األحيــان أتوجــس مــن تلــك‬ ‫األعــال األدبيــة التــي متنــح جوائــز عربيــة‪،‬‬ ‫فخيبــة األمــل غالب ـاً هــي مــا أعــود بــه‪ ،‬مثــل‬ ‫كل شــؤوننا‪ ،‬فالعالقــات العامــة والشــللية‬ ‫واملذهبيــات والتحــزب‪ ...‬كلهــا قنــوات ال‬ ‫تبتعــد عــن املطابــخ الصحفيــة التــي تهــول‬ ‫للكاتــب األوحــد عــى مثــال القائــد األوحــد‪،‬‬ ‫مــع االعتــذار للكاتــب الــرورة حســن م‬ ‫يوســف! لكــن مــا دفعنــي لقــراءة روايــة‬ ‫«نــزالء العتمــة» يشء آخــر!‬ ‫‪ -2‬عندما حييل الطغاة احلياة إىل موت‬ ‫صــدر مؤخــرا ً عــن دار فضــاءات للنــر‬ ‫والتوزيــع روايــة «نــزالء العتمــة» للصديــق‬ ‫الــروايئ األردين زيــاد أحمــد محافظــة يف ‪189‬‬ ‫صفحــة مــن القطــع املتوســط‪ ،‬وقــد نالــت‬ ‫جائــزة معــرض الشــارقة الــدويل للكتــاب‬ ‫ألفضــل كتــاب عــريب يف مجــال الروايــة‪.‬‬ ‫تــدور أحــداث الروايــة عــى مســتويني أحدهام‬ ‫علــوي واآلخــر ســفيل‪ ،‬أي بالتــوازي بــن الحيــاة‬ ‫واملــوت‪ ،‬حيــث تتحــول املقــرة إىل مــكان‬ ‫يضــج بالحيــاة وصخبــه‪ ،‬ويف الحقيقــة هــي‬ ‫مــرح األحــداث‪ ،‬فأبطــال املحافظــة هربــوا‬

‫مــن الحيــاة إىل املــوت ليكملــوا أحالمهــم‬ ‫املجهضــة‪ ،‬وينالــوا حريــة حرمــوا منهــا‪ ،‬يف‬ ‫حيــاة يســودها الطغــاة والقتلــة والفاســدون‪،‬‬ ‫فبطــل العمــل مصطفــى املعتقــل الســيايس يف‬ ‫ظــل نظــام أمنــي تركــه الســارد مفتوح ـاً عــى‬ ‫كل االحتــاالت‪ ،‬فقــد يكــون ســوريا‪ ،‬وقــد‬ ‫يكــون مــكان آخــر‪ ،‬ويف الحقيقــة ال أهميــة‬ ‫لذلــك‪ ،‬فالطغيــان مــدان ّأن كان‪ ،‬فاإلدانــة‬ ‫للفعــل مطلقــاً‪ ،‬وتتســارع وتــرة الــرد‬ ‫لتأخذنــا إىل حيــث املعتقــل‪ ،‬حيــث يفقــد‬ ‫الســجني هويتــه؛ ليتحــول إىل رقــم مجــرد‬ ‫مــن إنســانيته‪ ،‬ويصبــح األمل هــو الزمــن الــذي‬ ‫يعرفــه‪ ،‬والوجــوه املقنعــة هــي عاملــه‪ ،‬فيصبــح‬ ‫املــوت هــو البديــل‪ ،‬ويالفظاعــة هــذا البديــل‪،‬‬ ‫يــا لحيــاة يكــون املــوت أفضــل منهــا!‬ ‫يلتقــي مصطفــى بجــاده يف املســتوى اآلخــر‬ ‫مــن الروايــة‪ ،‬أي العــامل الســفيل عــامل املقابــر‪،‬‬ ‫الغريــب أن التســامح وليــس االنتقــام هــو مــن‬ ‫ينتــر يف روايــة املحافظــة‪ ،‬يف جــو يتحــول فيه‬ ‫البعــض إىل وكالء اللــه يف األرض‪ ،‬فيفرضــون‬ ‫رؤيتهــم وفهمهــم عــى النــاس‪ ،‬فيفســدون‬ ‫الحيــاة واملــوت أيضــاً‪ ،‬يشــوهون املفاهيــم‪،‬‬ ‫وينصبــون مــن أنفســهم قضــاة وجالديــن‪،‬‬ ‫ويشــنون حروبهــم عــى كل مــا هــو جميــل‬ ‫يف الحيــاة‪ ،‬ويرمــز املحافظــة لذلــك باملوســيقا‪،‬‬

‫تلــك اللغــة التــي قــال عنهــا بيتهوفــن‪:‬‬ ‫«املوســيقا لغــة عامليــة أرقــى مــن الفلســفة‬ ‫وأعمــق مــن الحكمــة»‪ ،‬أو الفنــون التــي كان‬ ‫البطــل يجمــل بهــا قبــح الحيــاة واملــوت‪ ،‬فقــد‬ ‫كان يصنــع مــن الصخــور متاثيــل صغــرة‪،‬‬ ‫تحيــل الرعــب يف املقــرة إىل أنــس وجــال‪،‬‬ ‫والنــاي الــذي يحيــل الوجــع إىل لحــن حزيــن‪،‬‬ ‫يشــفي القلــوب مــن صدئهــا‪.‬‬ ‫تراجيديا الحياة واملوت‬

‫يف روايــة «نــزالء العتمــة» يظهــر املــوت موازياً‬ ‫للحيــاة‪ ،‬ويف األنظمــة القمعيــة‪ ،‬يســتحيل إىل‬ ‫بديــل رمبــا أكــر حريــة وجذبــاً مــن الحيــاة‬ ‫نفســها‪ ،‬وهــذا وجــع ال ينتهــي‪ ،‬وفاجعــة كربى!‬ ‫وقــد يتحــول إىل تراجيديــا هائلــة عندمــا ينتقل‬ ‫أولئــك اللصــوص والقتلــة مــن وجــع الحيــاة إىل‬ ‫بــؤس املــوت‪ ،‬ليزرعــوا رشورهــم فيهــا مع ـاً‪،‬‬ ‫مفارقــات اســتثمرها الــروايئ باحرتافية شــديدة‪،‬‬ ‫ليضفــي عــى نصــه أجــواء غرائبيــة‪ ،‬لكنهــا‬ ‫تظــل يف اإلطــار الجــايل بديعــة‪ ،‬ورغــم أن‬ ‫القبــور واملقابــر ليســت مكانـاً ترتــاح لــه نفــس‬ ‫املتلقــي‪ ،‬إال أنــك تجــد نفســك مشــدودا ً للنــص‬ ‫متفاع ـاً معــه‪ ،‬يف متعــة ال حــدود لهــا‪.‬‬ ‫ومــن الناحيــة الفنيــة اســتعمل الــروايئ‬ ‫تكنيــكات أضفــت التشــويق واملتعــة فمثــاً‬ ‫اســتمر إخفــاؤه للعالقــة بــن البطــل املعتقــل‬ ‫الســابق مصطفــى وابنــه حســان الــذي ولــد‬ ‫بعــد مقتلــه تحــت التعذيــب‪ ،‬ومل يلتقيــا إال يف‬ ‫الحيــاة الســفىل حيــاة املقابــر‪ ،‬إىل آخــر ســطر‬ ‫يف الروايــة‪ ،‬وكشــفه بعبــارة رشــيقة فيهــا مــن‬ ‫الغمــوض بقــدر مــا فيهــا مــن الوضــوح!‬ ‫لســت ناقــدا ً متخصصــاً بــل أكتــب كــوين‬ ‫متلقيـاً لهــذا العمــل‪ ،‬فقــد وجــدت فيــه املتعــة‬ ‫األدبيــة لغــة ورسدا ً اســتطاع الــروايئ املحافظــة‬ ‫اإلمســاك بخيــوط العمــل حتــى آخــر جملــة‪،‬‬

‫رمبــا رســم الشــخصيات مل يكــن عميقــاً‪ ،‬ومل‬ ‫يســتطع تحويلهــا إىل شــخوص تتطــور مــع‬ ‫تنامــي الــرد‪ ،‬فجــاء بعضهــا مســطحاً‪ ،‬ليتحــول‬ ‫ملجــرد ديكــور يف العمــل الــروايئ‪ ،‬إال أنــه‬ ‫صنــع لنــا روايــة متميــزة اســتحقت االهتــام‪،‬‬ ‫ونالــت جائــزة مســتحقة‪ ،‬تبــر مبيــاد كاتــب‬ ‫روايئ مميــز عــى الســاحة األدبيــة‪ ،‬يحــرم فنــه‪،‬‬ ‫ويعمــل عــى صقــل قلمــه‪ ،‬تــرى هــل تســتمر‬ ‫دار فضــاءات للنــر يف عــان يف دورهــا‬ ‫وريادتهــا‪ ،‬فكـرا ً وثقافــة تبنــي املســتقبل الــذي‬ ‫ننشــده‪ ،‬هــذا مــا أمتنــاه لهــا وللصديــق زيــاد‬ ‫أحمــد محافظــة‪.‬‬ ‫يذك��ر أن زي��اد أمح��د حمافظ��ة روائ��ي‬ ‫أردن��ي مقي��م بأب��ي ظ�بي‪ ،‬حيم��ل درج��ة‬ ‫املاجس��تري يف اإلدارة العام��ة‪ ،‬ص��در ل��ه‪:‬‬ ‫‪ – 1‬باألمــس ‪..‬كانــت هنــاك‪ ،‬روايــة‪ ،‬دار‬ ‫الفــارايب للنــر‪ ،‬بــروت‬ ‫‪ – 2‬يــوم خذلتنــي الفراشــات‪ ،‬روايــة‪ ،‬دار‬ ‫الفــارايب للنــر‪ ،‬بــروت‪.‬‬ ‫‪ – 3‬أيب ال يجيــد حراســة القصــور‪ ،‬قصــص‪ ،‬دار‬ ‫فضــاءات للنــر‪ ،‬عــان ‪.‬‬ ‫‪ 4‬نــزالء العتمــة‪ ،‬روايــة‪ ،‬دار فضــاءات للنــر‪،‬‬‫عــان‪.‬‬ ‫‪ 5‬أنــا وجــدي وأفــرام‪ ،‬روايــة‪ ،‬دار فضــاءات‬‫للنــر‪ ،‬عــان‬

‫قاض‪ ..‬وال أحب النقد القاس��ي وأفرح عند الفوز جبائزة‪..‬‬ ‫الروائي أش��رف العش��ماوي‪ :‬فخور بأنين ٍ‬ ‫والكتاب��ة تدر دخ ً‬ ‫ال على عكس ما يقال!‬ ‫حوار وفاء شهاب الدين‬ ‫إن مل أفــز ال أحــزن‪ ،‬وأنشــغل بالكتابــة إىل أن‬ ‫القــايض‪ ،‬األديــب‪ ،‬كاتــب املقــاالت أحيان ـاً‪ ،‬تــأيت فرصــة أخــرى‪ ..‬حت ـاً ســتأيت مــرة أخــرى‪.‬‬ ‫صاحــب املقــوالت الســاخرة ذات التوريــة‬ ‫واإلســقاط عــى صفحتــه الخاصــة بالفيســبوك‪ * ،‬ه��ل صحي��ح أن��ك تعد جزءاً ثانياً لرواية‬ ‫املثــر للجــدل كــا وصفــه النقــاد ىف بعــض كالب الراعي؟‬ ‫رواياتــه‪ ،‬الــروايئ أرشف العشــاوي الــذي ** ال هــذا غــر صحيــح‪ ،‬وليــس ىف خطتــي‬ ‫صــدرت لــه خمــس روايــات حتــى اآلن وصلــت القادمــة‪ ،‬أنــا أعمــل عــى روايــة اجتامعيــة‬ ‫إحداهــا لقامئــة البوكــر العامليــة كواحــدة مــن واقعيــة معــارصة حاليــاً‪.‬‬ ‫أفضــل الروايــات ىف العــامل العــريب عــام ‪2013‬‬ ‫وفــازت أخــرى بجائــزة أفضــل روايــة عربيــة * ه��ل س��تصدر ف��ى مع��رض الكت��اب‬ ‫أيض ـاً مــن وزارة الثقافــة املرصيــة لعــام ‪ ،2014‬كاملعت��اد ه��ذا الع��ام؟‬ ‫ومؤخــرا ً أصــدر روايتــه الخامســة «كالب ** ال لــن يظهــر يل عمــل جديــد هــذا العــام‪ ،‬ال‬ ‫الراعــي» التــي تحمــل إســقاطات كثــرة عــى زلــت ىف مرحلــة الكتابــة مل أنتـ ِه بعــد‪ ،‬وال أعرف‬ ‫ســنوات الفــوىض ىف عــر املامليــك‪ ،‬وقبــل متــى أمتكــن مــن تســليم مســوديت للنــارش‪.‬‬ ‫تــوىل محمــد عــي حكــم مــر بشــهور قليلــة‪،‬‬ ‫وراهــن بهــا عــى شــعبيته لــدى قرائــه باعتبــار‬ ‫أن الكثرييــن ال يحبــذون الروايــات التاريخيــة‬ ‫لكنهــا إىل حــد كبــر القــت قبــوالً لــدى الق ـراء‬ ‫والنقــاد‪ ،‬ونجحــت تجاري ـاً حتــى بــات البعــض‬ ‫ينتظــرون منــه جــزءا ً ثانيــاً لــذات الروايــة‪،‬‬ ‫ورمبــا أجـزاء أخــرى‪ ،‬خاصــة وأن التاريــخ يزخــر‬ ‫باألحــداث‪ .‬والعشــاوي لديــه قــدرة عــى‬ ‫إطــاق العنــان لخيالــه ىف خلــق شــخصيات‬ ‫تبــدو مــن فــرط مصداقياتهــا حقيقيــة وواقعيــة‪،‬‬ ‫ترشــحت الروايــة للبوكــر‪ ،‬وصــدرت طبعتهــا‬ ‫الرابعــة منــذ أســابيع قليلــة بعــد مــرور ســبعة‬ ‫شــهور عــى إطــاق الروايــة ومعــه كان هــذا * ُترمج��ت بع��ض أعمال��ك إىل األملاني��ة‬ ‫وأخ�يراً البارم��ان س��تصدر ف��ى طبعته��ا‬ ‫الحــوار‪..‬‬ ‫* ه��ل تتوق��ع ظه��ور كالب الراع��ي ف��ى الفرنس��ية أوائ��ل العام القادم بعد ش��هرين‬ ‫م��ا الس��بيل لرتمج��ة األعم��ال العربي��ة؟‬ ‫قائم��ة البوك��ر ه��ذا الع��ام؟‬ ‫** أعــايل ترجمــت مــن خــال نــارشي الــدار‬ ‫** ال أعرف وال ميكنني توقع أي يشء‬ ‫املرصيــة اللبنانيــة‪ ،‬وهــو نــارش محــرف ومــن‬ ‫* ه��ل تعت�بر اجلائ��زة مهم��ة بالنس��بة أفضــل النارشيــن ىف الوطــن العــريب‪ ،‬ويعمــل‬ ‫عــى تقدميــي جيــدا ً ىف املعــارض الدوليــة‬ ‫للكات��ب؟‬ ‫** طبعـاً أنــا أفــرح عندمــا أفــوز بجائــزة‪ ،‬لكــن للنارشيــن‪ ،‬ومــن خاللــه متكنــت مــن ترجمــة‬

‫بعــض أعــايل‪ ،‬لكننــي أرى أن األدب العــريب دون مقارنــة بالغــرب‪ ،‬فنحــن بعيــدون عنهــم يف‬ ‫صالــح للرتجمــة طاملــا كان مختلفــاً‪ ،‬ويقــدم أشــياء كثــرة جــدا ً‬ ‫بأســلوب جــاذب للقــارئ الغــريب‪ ،‬إمنــا الكتابــات‬ ‫العاديــة املنتــرة هــذه األيــام ال أظــن أنهــا * بعيدون فى أش��ياء كثرية مثل ماذا هل‬ ‫تضرب لنا مث ً‬ ‫ال؟‬ ‫ســتحظى برتاجــم‪.‬‬ ‫** مثــال مهــم هــو الوكيــل األديب هــذه الوظيفة‬ ‫* ْ‬ ‫من يف مصر يصلح لرتمجة أعماله؟ غــر موجــودة ىف مــر‪ ،‬وهــو شــخص يفعــل كل‬ ‫** أرشف الخاميــي‪ ،‬وحســن كــال‪ ،‬وأســتاذنا يشء‪ ،‬إال الكتابــة وهــذا مــا يحتاجــه املحرتفــون‪،‬‬ ‫مــكاوي ســعيد طبعـاً‪ ،‬وعمــرو العــاديل‪ ،‬وأحمــد وباســتثناء املرصيــة اللبنانيــة‪ ،‬والــروق‪ ،‬ودار‬ ‫عبــد املجيــد‪ ،‬والقرمــاوي مــن جيــل الشــباب‪ ،‬العــن‪ ،‬فالكاتــب ىف مــر يعــاين أيضــاً كثــرا ً‬ ‫كل هــؤالء تصلــح أعاملهــم للرتجمــة بلغــات لعــدم وجــود وظيفــة املحــرر األديب‪ ،‬وهــي‬ ‫كثــرة‪ ،‬وهنــاك مرصيــون كثــرون ىف العــر تتطلــب شــخصاً لديــه حــس روايئ عــال يعــرف‬ ‫الحديــث ترجمــت أعاملهــم مــن قبــل مثــل مــا الــذي يحــذف‪ ،‬ومــا الــذي يحتاجــه النــص‬ ‫أســاتذيت الكبــار‪ :‬صنــع اللــه إبراهيــم‪ ،‬وإبراهيــم مــن عمــق يف بعــض املواضــع ولألســف أيضــاً‬ ‫عبــد املجيــد‪ ،‬وعــاء األســواين بالطبــع‪ ،‬وصديقي هــذه الوظيفــة تــكاد تكــون من املســتحيالت إال‬ ‫أحمــد م ـراد‪ ،‬والكاتبــة ســهري املصادفــة‪ ،‬ورمبــا ىف دور النــر التــي ذكرتهــا‪ ،‬ورمبــا اآلن ىف دار‬ ‫غريهــم‪ ،‬فالذاكــرة ال تســعفني اآلن‪ .‬لســت أول الــرواق بســبب وجــود أحمد عبــد املجيــد‪ ،‬ودار‬ ‫مــن تُرجــم لــه عمــل أديب‪ ،‬ولــن أكــون األخــر‪ .‬تويــا لوجــود أحمــد القرمــاوي مــع مالحظــة‬ ‫أنهــم روائيــون ىف األســاس أي غــر متفرغــن‪.‬‬ ‫* وماذا تعين الرتمجة بالنسبة لك؟‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫** إن مــا أكتبــه إنســاين بدرجــة كبــرة يصلــح * ق��رأت ل��ك تصرحي��ا مؤخ��را أنك كتبت‬ ‫للق ـراءة بأكــر مــن لغــة‪ ،‬وهــذا أكــر مــا مييــز ح��وار رواي��ة البارم��ان بالعامي��ة البس��يطة‬ ‫ألول م��رة‪ ،‬وأن��ك ل��ن تلج��أ هل��ا م��رة ثاني��ة‬ ‫األدب‪ ،‬تلــك وجهــة نظــرى الخاصــة‪.‬‬ ‫فلماذا؟‬ ‫** أعتقــد أننــي رصحــت بذلــك ىف لحظــة‬ ‫* ما مدى تقبلك للنقد؟‬ ‫** برصاحــة ليــس لدرجــة كبــرة‪ ،‬نحــن نقــول انفعــال وتخــوف مــن تقبــل القــارئ للعاميــة يف‬ ‫ىف النــدوات أن صدرنــا رحــب‪ ،‬ونتقبــل‪ ،‬لكننــي روايتــي الرابعــة‪ ،‬لكــن اآلن أعلــن بوضــوح أننــي‬ ‫ترسعــت ىف هــذه املقولــة‪ ،‬ومــن املؤكــد أننــي‬ ‫برصاحــة أتضايــق مــن النقــد القــايس‪.‬‬ ‫ســألجأ للعاميــة مــرة أخــرى إذا مــا اقتضــت‬ ‫* يقول��ون أن الكات��ب ال يعيش من الكتابة طبيعــة الشــخصيات أن تتحــدث بهــا‪.‬‬ ‫ما رأيك بهذه املقولة؟‬ ‫* م��ا رأي��ك بصراح��ة ف��ى الرواي��ات الت��ى‬ ‫** غــر صحيحــة متامــاً‪ ،‬عــى مــا يبــدو قالهــا تطب��ع مئ��ات الطبع��ات هيبت��ا عل��ى س��بيل‬ ‫كاتــب يخــي الحســد‪ ،‬املبيعــات الكثــرة تــدر املث��ال؟‬ ‫دخـاً محرتمـاً ميكــن العيــش بــه ىف مــر‪ ،‬لكــن ** محمــد صــادق أكــر كاتــب تعــرض لهجــوم‪،‬‬

‫وأنــا ىف الحقيقــة أراه ناجحـاً‪ ،‬هــو يخاطــب فئــة‬ ‫عمريــة محــددة‪ ،‬هــذا ال يعيبــه بالعكــس‪ ،‬فهــو‬ ‫يــؤدى دورا ً مهـاً‪ ،‬ويعــرف كيــف يتواصــل مــع‬ ‫قرائــه‪ ،‬وكونــه يطبــع كثــرا ً فهــذا دليــل عــى‬ ‫نجاحــه أنــا ال أراه غــر ذلــك‪.‬‬ ‫* ه��ل ت��روق ل��ك ه��ذه الكتابات مث��ل هيبتا‬ ‫وأدب الرع��ب والفانتازيا؟‬ ‫** هيبتــا ليســت أدب رعــب‪ ،‬وال فانتازيــا‪ ،‬وأنــا‬ ‫ال أقــرأ روايــات الرعــب‪ ،‬وال أميــل كثـرا ً لقـراءة‬ ‫الفانتازيا‪.‬‬ ‫* س��ؤال أخ�ير بعي��داً ع��ن األدب والرواي��ة‪،‬‬ ‫مل��اذا ترف��ض مناص��ب تنفيذي��ة مث��ل‬ ‫احملاف��ظ والوزي��ر م��ع أنه��ا ق��د عرض��ت‬ ‫عليك��م وف��ق م��ا أعل��ن بالصح��ف؟‬ ‫** لــذات الســبب «األدب والروايــة» أنــا أفضــل‬ ‫أن أظــل مــع القــارئ‪ ،‬أكتــب وأنــر روايــايت‪ ،‬وال‬ ‫أريــد العمــل ىف منصــب تنفيــذي‪ ،‬فض ـاً عــن‬ ‫أننــي فخــور بكــوين قــاض‪ ،‬وال أرى منصبـاً آخــر‬ ‫يالمئنــي غــره‪ ،‬ولــو تركــت القضــاء ســأتفرغ‬ ‫متام ـاً للكتابــة وال يشء آخــر‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫‪15‬‬

‫وداعًا يا نهر اخلابور ـ ‪ 7‬ـ‬ ‫إن حافــظ األســد‪ ،‬رشب الــذل يف بيتــه‪،‬‬ ‫الطائفيــة والحقــد عــى كل مــا هــو جميــل‬ ‫يف هــذه الحيــاة‪ .‬ذيــي‪ ،‬مجــرد حــذاء يف قــدم‬ ‫إرسائيــل والواليــات املتحــدة‪ ،‬كالهــا ثبتــا‬ ‫وجــوده وبقــاءه ومجيئــه إىل الحكــم واســتمرار‬ ‫تدمــر مقومــات الحيــاة يف ســورية‪ .‬أذكــر‬ ‫كتــاب كــال جنبــاط‪ ،‬هــذه وصيتــي‪ ،‬يتنبــأ أن‬ ‫يفصــل هــذا الواطــي‪ ،‬حافــظ األســد‪ ،‬الســاحل‬ ‫عــن الداخــل تلبيــة ملــروع والــده‪ ،‬لفصــل‬ ‫ســورية عــن بعضهــا ومتزيقهــا‪ ،‬لهــذا باركــت‬ ‫أولربايــت‪ ،‬وزيــرة الخارجيــة األمريكيــة ابنــه‬ ‫بشــار عــى رئاســة الدولــة يف ســورية ملعرفتهــم‬ ‫أنهــا عــى خــط ســر ومســرة واحــدة‪ ،‬إلبقــاء‬ ‫ســورية كموقــع ودولــة ومجتمــع مجــرد مــكان‬ ‫عائــم‪ ،‬وظيفــي لخدمــة أجنــدة األقويــاء يف‬ ‫تراتبيــة النظــام الــدويل‪.‬‬ ‫مــا أقــى أن يعيــش اإلنســان معــزوالً يف بلــده‪،‬‬ ‫وحيــدا ً‪ ،‬ال معــن لــه‪ ،‬ال صديــق أو رفيــق درب‪.‬‬ ‫يف األوقــات الصعبــة‪ ،‬أيــام ال ـراءة والبســاطة‪،‬‬ ‫عندمــا كان الخابــور طفـاً يقظـاً‪ ،‬كنــت أذهب‬ ‫إليــه أبثــه لواعجــي وهمومــي‪ ،‬أفــرش حــزين‬ ‫عــى ضفافــه‪ ،‬أحدثــه ويحدثنــي‪ ،‬نغني معـاً أو‬ ‫نبــي معـاً‪ ،‬أعــود إىل نفــي أنــر هــذا الوجــع‬ ‫يف الفضــاء أو عــى وجنتيــه‪ ،‬وأعــود إىل هــدويئ‬ ‫وطبيعتــي‪ .‬أمــا اليــوم ملــن أشــكو أو أحــي‪،‬‬ ‫بعــد أن مــات الخابــور وضــاع يف وجنــات‬ ‫القــدر‪.‬‬ ‫يف عــامل االســتبداد‪ ،‬عليــك أن تلغــي عقلــك‪.‬‬ ‫أن تتحــول إىل ممســحة‪ ،‬تتكــئ عــى الصنــم‪،‬‬ ‫وتــردد بــن الفاصلــة واألخــرى‪ ،‬إنــك تابــع أمــن‬ ‫لــه‪ ،‬تنفــذ أوامــره بدقــة‪ .‬أن تقــول كث ـرا ً‪ ،‬وأن‬ ‫ال تقــول شــيئاً‪ ،‬أن ال يكــون لكالمــك أي معنــى‪،‬‬ ‫مجــرد زبــد‪ .‬أن تتحــول إىل ببغــاء‪ ،‬تنــر‬

‫إدعــاءات مغاليــة يف التفاهــة والســطحية‪ .‬يف‬ ‫عــامل االســتبداد الواســع‪ ،‬تضيــق بــك الحيــاة‬ ‫وتصغــر‪ .‬حتــى تبقــى يف مأمــن‪ ،‬عليــك أن‬ ‫تنفــذ الوصايــا‪ ،‬أن تقتــل صوتــك الداخــي‪،‬‬ ‫أن تقتــل الحــس الســليم باملســؤولية الفرديــة‬ ‫والجامعيــة يف كيانــك‪ ،‬أن تشــوه جوهــرك‪ .‬أن‬ ‫تكــون أنــت ال أنــت‪ .‬أن تصبــح ظ ـاً‪ ،‬شــبحاً‪،‬‬ ‫وهـاً‪ ،‬شــيئًا لــايشء‪ .‬يجعلــك عامئـاً‪ ،‬تتجاهــل‬ ‫الواقــع‪ ،‬وتنســاق وراء الوهــم‪ .‬ممنــوع أن‬ ‫تتوقــف أو تتــأىن أو تفكــر‪ .‬يجــب أن تخفــض‬ ‫رأســك‪ ،‬وتســر يف القطيــع صفـاً واحــدا ً‪ .‬التفكري‬ ‫الحــر ســيكلفك كث ـرا ً‪ ،‬لهــذا يجــب أن ت ـزاود‪،‬‬ ‫تكــذب وتتملــق‪ ،‬أن تقتــل صوتــك الداخــي‪،‬‬ ‫روحــك وكيانــك‪ ،‬تلغــي نفســك‪ ،‬ثقتك بنفســك‪،‬‬ ‫وتضعهــا يف الصنــم‪ .‬ليــس مه ـاً نــوع الصنــم‪،‬‬ ‫املهــم أن تخــدع نفســك‪ ،‬أن ال يكــون لديــك‬

‫صوتــاً فرديــاً‪ ،‬تفكــرا ً فرديــاً حــرا ً‪ ،‬وعليــك أن‬ ‫تنجــرف مــع التيــار العــام‪ .‬تلغــي الشــأن العــام‬ ‫مــن ذاتــك‪ ،‬وتلتصــق بالصنــم‪ ،‬تعبــده وتقــدم‬ ‫لــه آيــات الطاعــة والخضــوع‪ .‬أن ندافــع‬ ‫عــن هــذا الصنــم‪ ،‬األب‪ ،‬الــذي اغتصــب أمنــا‬ ‫وحولنــا‪ ،‬وحــول أنفســنا تلقائيـاً إىل موميــاءات‬ ‫أو حــرات قارضــة ال رأس لهــا‪ .‬هــذا هــو‬ ‫حــال املجتمعــات املســتلبة‪ ،‬املهزومــة‪ ،‬يجــب‬ ‫أن يكــون هنــاك كب ـرا ً‪ ،‬كب ـرا ً جــدا ً‪ ،‬أن يكــون‬ ‫لــه املقــام الواســع‪ ،‬الكلمــة الكبــرة‪ ،‬أن يبقــى‬ ‫كبــرا ً‪ ،‬أي ال يتحــول إىل صغــر‪.‬‬ ‫ففــي املجتمعــات األبويــة‪ ،‬يجــب أن تكــون‬ ‫الكلمــة للكبــر‪ .‬إذا أصبــح الجميــع كبــارا ً‪،‬‬ ‫ســيأكلون بعضهــم‪ .‬لهــذا قالــوا‪:‬‬ ‫ـ مــن ليــس لديــه كبــرا ً‪ ،‬عليــه أن يشــري‬ ‫لنفســه مــن الســوق‪ ،‬كبــرا ً‪ ،‬حتــى لــو كان‬ ‫متثــاالً‪ ،‬أو موميــاء‪.‬‬ ‫التجربــة‪ ،‬هــي التــي جاوبــت عــى أســئلتنا‬ ‫عــى مرمــى التاريــخ القديــم والحديــث‪ .‬ومــا‬ ‫أكــر األصنــام يف حياتنــا‪ ،‬املوميــاءات التــي‬ ‫تعبــد وتقــدم لهــا الشــموع والبخــور والســجود‬ ‫يف متعــة ال متناهيــة‪ ،‬وال تضاهيهــا متعــة‪.‬‬ ‫إن الخــروج مــن جــوف املوميــاء‪ ،‬االســتبداد‪،‬‬ ‫تراتبيــة القــوة واملــال والســلطة‪ ،‬تحتــاج إىل‬ ‫جلــود وعقــول ومفاهيــم مختلفــة يف عاملنــا‬ ‫املعــارص‪ .‬إىل مفاهيــم تكــر هــذه الرتاتبيــة‪،‬‬ ‫وتنتــج بديــاً لهــا‪ ،‬ترفــع مــن شــأن القيمــة‬ ‫الحقيقيــة للطبيعــة والكائنــات واإلنســان‪.‬‬ ‫مــا زال عاملنــا املعــارص متوحشـاً‪ ،‬جوقــة ذئــاب‬ ‫يقــودوه‪ ،‬يف عمليــة إقصــاء كل فكــر حــر أو‬ ‫مامرســة حــرة‪ .‬البــر متخندقــون ضمــن‬ ‫كيانــات هامشــية اســمها قوميــة أو دينيــة أو‬ ‫مذهبيــة‪ .‬إن الوقــت الــذي يضيــع مــن عمــر‬

‫اإلنســان يذهــب ســدى لخدمــة صنــاع الق ـرار‬ ‫يف هــذا العــامل‪.‬‬ ‫الدولــة‪ ،‬الحكومــة‪ ،‬الســلطة منتجــات القــوة‪،‬‬ ‫تديــر هــذا العــامل باألزمــات‪ ،‬تدويــر هــذه‬ ‫األزمــات مبــا يتناســب مــع كل مرحلــة‪ .‬يف‬ ‫الســابق كانــت تقــاد املجموعــات البرشيــة‬ ‫تحــت ظــل الخضــوع الكامــل لهــم بالقــوة‬ ‫املجــردة والثقافــة األبويــة القامئــة عــى الديــن‪.‬‬ ‫وإن نــر الســلطة هــو نــر اللــه‪ ،‬وإن دخــول‬ ‫عــامل اللــه يكــون بالســيطرة عــى املــوارد‬ ‫والقــوة وإخضــاع قطاعــات اجتامعيــة تحــت‬ ‫شــهواتهم وتســلطهم وأحذيتهــم‪.‬‬ ‫كنــت أعمــل يف مؤسســة اإلســكان العســكرية‬ ‫براتــب كبــر‪ ،‬يتجــاوز األربعــة آالف لــرة‬ ‫ســورية يف العــام ‪ ،1987‬أقدمهــا كلهــا لــأرسة‪،‬‬ ‫ومل أكــن أتــرك يف حــوزيت إال مــروف الجيب‪،‬‬ ‫حــوايل مئتــي لرية كل شــهر‪ ،‬وأحيانــا ال أرصف‬ ‫قرشــاً واحــدا ً‪ ،‬لكــوين ال أدخــن أو أســهر أو‬ ‫جــل وقتــي بــن العمــل والبيــت أو‬ ‫أرشب‪ّ ،‬‬ ‫األصدقــاء الرائعــن‪ ،‬اخرتتهــم بدقــة شــديدة‪،‬‬ ‫نــرب الشــاي أو القهــوة معــاً‪ ،‬نلعــب‬ ‫الشــطرنج أو نتحــدث يف الشــؤون العامــة أو‬ ‫الخاصــة‪ ،‬عــن الحيــاة أو الــزواج وبنــاء أرس‬ ‫جديــدة يف بيئــة صعبــة ال توفــر لإلنســان‬ ‫العــادي الحــد األدىن مــن املــال مــن أجــل‬ ‫تحقيــق مــا يصبــو إليــه‪.‬‬ ‫يف الفــرة األوىل مــن خروجــي مــن الســجن‪،‬‬ ‫كان هنــاك عــد ٌد كبـ ٌر مــن النــاس‪ ،‬واألقربــاء‬ ‫واألخــوة واألصدقــاء‪ ،‬وجودهــم مل يســمح يل‬ ‫أن أفكــر أو أقــرر مــاذا ســأفعل يف املســتقبل‪.‬‬ ‫فالســجن أصبــح ورايئ والحيــاة ومتطلباتهــا‬ ‫ي أن اصــارع مــن أجــل أن أعيــش‬ ‫أمامــي وعـ ّ‬ ‫وأحلــم وأحــب وأرتبــط بامــرأة‪ ،‬أتــزوج‬

‫آرام كرابيت‬ ‫وأعمــل مثــل بقيــة النــاس‪ ،‬لكــن مــن أيــن‬ ‫أبــدأ وكيــف أخــط ســر حيــايت؟‪.‬‬ ‫ذهبــت إىل مؤسســة اإلســكان العســكري مــن‬ ‫أجــل أخــذ بـراءة الذمــة مــن العمــل‪ .‬وجــدت‬ ‫هنــاك زمــايئ يف العمــل‪ ،‬ســلمت عليهــم‬ ‫ي‪ ،‬دخلــت الديــوان ورشحــت‬ ‫وســلموا عــ ّ‬ ‫لهــم مــا أريــد‪ ،‬قــال يل أحدهــم‪:‬‬ ‫ـ أنت موظف‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫ـ واملعنى؟‬ ‫ـ ما زلت موظفاً!‬ ‫ـ كيف تقول أنني موظف؟‬ ‫ـ هذا هو الواقع‪.‬‬ ‫ي محكمــة أمــن الدولــة‬ ‫ـ لقــد حكمــت عــ ً‬ ‫بالســجن ثالثــة عــرة عامــاً مــع األشــغال‬ ‫الشــاقة وتجريــدي مــن الحقــوق املدنيــة‬ ‫ي حجــر‪ ،‬مــدة ثالثــة عــرة‬ ‫والسياســية‪ ،‬وعـ ّ‬ ‫عامــاً أخــرى‪ ،‬أي ينتهــي حكمــي يف العــام‬ ‫‪ ،2013‬فكيــف أنــا موظــف؟‬

‫مدير مسؤول وفالح ساذج‬ ‫حســن العــي‪ ،‬إنســان بســيط بطبعــه‪ ،‬لطيــف‬ ‫بأخالقــه‪ ،‬ودود بتعاملــه‪.‬‬ ‫أراد العــم أبــو عــي يومــاً‪ ،‬وهــو فــاح أبــاً‬ ‫عــن جــد‪ ،‬أن يدفــع بواقــع قريتــه وأن يخ ّفــف‬ ‫العــبء عــن كاهــل أهلهــا بحــل مشــاكلهم‬ ‫بجهــوده الخاصــة عندمــا تقــدم بطلــب إىل أحــد‬ ‫مســؤويل املحافظــة التــي يقيــم فيهــا‪ ،‬ويتضمــن‬ ‫واقــع القريــة‪ ،‬وســوء آليــة التخديــم فيهــا‪.‬‬ ‫ومــن حســن حــظ العــم أبــو عــي‪ ،‬أنــه ســبق‬ ‫ســن مبكــرة‬ ‫وأن تعلّــم القــراءة والكتابــة يف ّ‬ ‫عــى يــد أحــد حفّــاظ القــرآن الكريــم مــع‬ ‫عــد ٍد مــن أقرانــه‪ ،‬وهــو‪ ،‬إضافــة لذلــك‪ ،‬إنســان‬ ‫متــزن بطبعــه‪ ..‬وإذا تحــدث أبهــر كل مــن‬ ‫حــر جلســاته‪ ،‬والتــي تقــرأ فيهــا عمق أفــكاره‪،‬‬ ‫وسالســة أســلوبه‪ ،‬ونظرتــه الثاقبــة ألبســط‬ ‫األمــور وحبّــه للحيــاة‪ ،‬وهــو الرجــل املتفائــل‬ ‫مبــا تــدر عليــه أرضــه مــن خرياتهــا الوفــرة يف‬ ‫مواســم الحصــاد يف كل عــام‪ ،‬عــى الرغــم مــن‬ ‫مســاحتها الضيقــة‪.‬‬ ‫ســأله املديــر املســؤول‪ ،‬عــن ماهيــة طلبــه الــذي‬ ‫تقــدم بــه ألحــد رؤســاء األقســام يف مؤسســة‬ ‫امليــاه‪ ،‬وقــال لــه‪ :‬ومــا أدراك يــا عــم أن ورشــات‬ ‫الصيانــة مل تقــم بدورهــا حيــال إصــاح خــط‬ ‫ميــاه الــرب املكســور‪ ،‬فقــد أوعــزت منــذ‬

‫صبــاح أمــس األول إىل عاملنــا بإصــاح العطــل‪،‬‬ ‫وأعلمــوين بأنــه وضــع يف الخدمــة‪ ،‬وهــو يعمــل‬ ‫اآلن وبشــكلٍ جيــد‪ ..‬أرجــو منــك أن تأخــذ‬ ‫ورقتــك هــذه‪ ،‬فاملشــكلة التــي جئــت بهــا‪،‬‬ ‫حلــت!‬ ‫اســتغرب العــم أبــو عــي مــن رد املدير املســؤول‬ ‫عــى طلبــه‪ ،‬وهــو يعلــم متامــاً أن املعضلــة ال‬ ‫زالــت قامئــة حتــى صبــاح اليــوم‪ ،‬قبــل مغادرتــه‬ ‫القريــة والركــوب يف باصاتهــا املهرتئــة‪ ،‬وتوجهــه‬ ‫إىل بــاب املؤسســة‪.‬‬ ‫قــام العــم مــن عىل كرســيه‪ ،‬بعــد أن رشب كأسـاً‬ ‫مــن الشــاي األحمــر‪ ،‬وقــال للمديــر املســؤول‪:‬‬ ‫أســتغرب مــا قلتــه يل ياأســتاذ‪ ،‬ومــا أعلمــوك‬ ‫بــه عاملــك فهــو غــر صحيــح‪ ،‬وميكنــك التأكــد‬ ‫مــن ذلــك مــر ًة أخــرى‪ ،‬إذا ســمحت‪ ،‬فالحــال‬ ‫ال يطمــن‪ ،‬والحاجــة للميــاه يف هــذا الوقــت‬ ‫بالــذات يدفعنــي إىل أن أطلــب منكــم التأكــد‬ ‫مــن األخــوة العــال الذيــن قامــوا بإصــاح خــط‬ ‫امليــاه كــا ذكــرت يل‪.‬‬ ‫تج ّهــم املديــر‪ ،‬وتطلــع بحنــق إىل حســن‬ ‫العــي‪ ..‬نظ ـرات فيهــا ازدراء وتعــا ٍل وأســتذة مل‬ ‫يســبق للعــم أبــو عــي أن ملســها يف يــوم مــا‪،‬‬ ‫مــن قبــل املــدراء الذيــن طاملــا يعــرف أغلبهــم‪،‬‬ ‫ويــردد عليهــم بصــور ٍة مســتمرة‪ ،‬ال ســيام وأنــه‬

‫هــو املعنــي مبتابعــة قضايــا قريتــه‪ ،‬وتأمــن‬ ‫احتياجاتهــا‪.‬‬ ‫هكــذا هــي عادتــه‪ ،‬وأهــل القريــة‪ ،‬التــي متتــد‬ ‫عــى مســاحة شاســعة وعــدد ســكانها يتجــاوز‬ ‫الـــعرشة آالف إنســان‪ ،‬يثقــون بالعــم أبــو عــي‬ ‫كل الثقــة‪ ،‬وهــو القائــم عــى حــل مشــكالتهم‬ ‫أي ـاً كانــت‪.‬‬ ‫تفّــرس العــم يف وجــه املديــر املكفهــر‪ ،‬ومل‬ ‫يســتطع حبــس أنفاســه وكبــت غضبــه‪ ،‬وهــو‬ ‫العــارف بخفايــا الكثــر مــن املســائل‪ ،‬وأالعيــب‬ ‫املوظفــن والتــي مل تعــد تنطــي عــى أحــد‪.‬‬ ‫وقــف صامتــاً‪ ،‬متح ّجــرا ً يف مكانــه‪ ،‬وقــال لــه‪:‬‬ ‫أعــرف طلباتكــم‪ ،‬إالّ أننــي ال أملــك املقــدرة عــى‬ ‫دفــع مــا تريدون‪ ،‬وســأنقل شــكواي إىل املســؤول‬ ‫الفــاين‪ ،‬وســوف يتخــذ بحقــك وبحــق ُعاملــك‬ ‫القــرار املناســب!‬ ‫فوجــئ املديــر بــرد العــم أبــو عــي‪ ،‬وهــو رد‬ ‫قــاس‪ ،‬وال ميكــن أن ينطــق بــه إنســان ســاذج‬ ‫مــن عا ّمــة النــاس‪ ،‬ولكــن‪ ،‬وكــا يبــدو‪ ،‬بــأن‬ ‫هــذا اإلنســان‪ ،‬يعــرف البــر وغطــاه‪ ،‬وإرضــاؤه‬ ‫ال بــد منــه‪ ،‬واكتشــف أمرنــا‪ ،‬وعندهــا ال ميكــن‬ ‫أن نخلــص مــن هــذه الحلقــة املفرغــة التــي‬ ‫وقعنــا فيهــا‪.‬‬ ‫هذا ما دار يف ذهن املدير املسؤول‪ ،‬وتابع‪:‬‬

‫صحيفة احلرمل‪ :‬ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع بيت الرقة لكل السوريني‬

‫مــن األفضــل حــل مشــكلته‪ ،‬وبرسعــة وإال‬ ‫ســيفضح أمرنــا‪.‬‬ ‫اســتدار املديــر مــن خلــف طاولــة املكتــب‪،‬‬ ‫وحــاول إرضــاء العــم أبــو عــي‪ ،‬رغــاً عنــه‪،‬‬ ‫باالســتئناس بــه‪ ،‬وتكرميــه التكريــم الــذي يليــق‪،‬‬ ‫بعــد أن ســمع منــه مــا ســمع‪ ،‬وإنــه ســينقل‬ ‫شــكواه إىل مســؤول مهــم لــه شــأنه‪ ،‬وهــذا مــا‬ ‫جعــل املديــر أن يغـ ّـر مــن صورتــه تجاهــه‪ ،‬ومن‬ ‫نــرة صوتــه‪ ،‬وإمنــا أراد أن يُف ِه ْم ـ ُه بــأن الخطــأ‬ ‫العــال‪ ،‬وليــس خطــأه‪ .‬فقــال لــه‪:‬‬ ‫هــو خطــأ‬ ‫ّ‬ ‫أرجــو منــك يــا عــم أن تســامحني‪ ،‬ومشــكلتك‬ ‫ســتحل خــال يومــن اثنــن فقــط عــى األغلــب‪.‬‬ ‫تن ّفــس الفــاح حســن العــي الصعــداء‪ ،‬وقــال‬ ‫لــه‪ :‬أخــرا ً فهمــت عــي ياأســتاذ‪ ،‬فأنــا متأكــد‬ ‫مــن أن خــط امليــاه ال زال مكســورا ً‪ ،‬وبحاجــة إىل‬ ‫اهتاممكــم‪ ،‬وأهــل القريــة يشــكرون جهودكــم‬ ‫لحاجتهــم الرضوريــة مليــاه الــرب يف هــذه‬ ‫الفــرة مــن فصــل القيــظ‪.‬‬ ‫التفــت إليــه املديــر املســؤول‪ ،‬وقــال لــه‪ :‬اطمــن‬ ‫يــا عــم‪ ،‬مشــكلتك ســأتابعها شــخصياً‪ ،‬وســأكلف‬ ‫بعــض العاملــن يف قســم الصيانــة‪ ،‬وعــى الفــور‪،‬‬ ‫مبعالجتهــا‪ ،‬وقــد تســتمر يومــن‪ ..‬اد ُع لنــا‬ ‫بالخــر‪ ،‬ونحــن دامئ ـاً يف خدمــة النــاس الطيبــن‬ ‫مــن أمثالكــم‪ ..‬أرجــو منــك أن تفهــم مقصــدي‪.‬‬

‫ودّعــه العــم أبــو حســن مــرورا ً مبــا ســمعه‪،‬‬ ‫وبعــد مــرور يــوم واحــد مــن زيارتــه‪ ،‬عــادت‬ ‫ميــاه الــرب املقطوعــة عــن القريــة ألكــر مــن‬ ‫أســبوعني‪ ،‬ومل يخلــص الفــاح حســن العــي‬ ‫مــن أهــايل القريــة الذيــن بــادروا بزيارتــه‬ ‫وفرحــوا جــدا ً بعــودة امليــاه إىل مجاريهــا‪ ،‬ومل‬ ‫يكفــوا عــن الدعــاء لــه بطــول العمــر‪ ،‬وهــذا‬ ‫مــا أعــاد الحيــاة مــن جديــد إىل قلــب حســن‬ ‫العــي الفــاح املتواضــع البســيط الــذي متكــن‪،‬‬ ‫وبأســلوبه املــرن‪ ،‬وجرأتــه املعهــودة‪ ،‬مــن أن‬ ‫يســدي خدمــة مل يكــن بإمــكان أحــد مــن وجــوه‬ ‫القريــة أن يقــوم بهــا‪.‬‬

‫‪WWW.ALHARMAL.COM‬‬

‫رئي��س جمل��س اإلدارة و رئي��س التحري��ر‪ :‬بس��ام البليب��ل ‪ /‬مدي��ر التحري��ر‪ :‬يوس��ف دعي��س للتواصل عرب فيس بوك‬ ‫‪ ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete‬للتواصل عرب تويرت‬ ‫‪ SAYI:29 YIL: 2015 )2) -‬للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬

‫‪İMTİYAZ SAHİBİ: ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: BASSAM ALBULAIBL‬‬ ‫‪BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬ ‫‪MOB: 00905316201958‬‬

‫عبدالكريم البليخ‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬

‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Muzaffer kartal bahçelievler- hekŞmler apt no.3 ŞanliUrfa‬‬


‫‪16‬‬ ‫م��ن أعم��ال الفن��ان التش��كيلي الس��وري ف��واز يون��س‬

‫زاويـة حـرة‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬كانون األول ‪2015‬‬

‫تنقل لوحات التش��كيلي الس��وري فواز يونس األخرية مفردات وتفاصيل‬ ‫الثورة السورية ومآالتها إىل مناخات تكشف عورة العامل وزيفه وختاذله‬

‫أمام مآساة شعب خرج إنتصاراً حلريته وكرامته‪ ...‬حرفية اليونس‬ ‫عالية تعري الواقع وتقدم نفسها دون إستئذان‪..‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫التدخل الروسي‪..‬‬ ‫وغياب احللول‬

‫مازن عليوي‬

‫ط�لاب فن��ون جامع��ة ح��ران يف مدين��ة أورف��ا حيتف��ون بي��وم املعل��م‬ ‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫احتفــل طــاب كليــة الفنــون الجميلــة بجامعــة حـران‬ ‫بيــوم املعلــم عــى طريقتهــم‪ ،‬فأقامــوا معرضــاً فنيــاً‬ ‫يف مركــز بلديــة الخليليــة يف شــانيل أورفــا‪ ،‬ومبشــاركة‬ ‫عرشيــن طالب ـاً‪ ،‬قدمــوا عصــارة فنهــم ومــا تعلمــوه أثنــاء‬ ‫دراســتهم‪ ،‬لتكــون واحــة فنيــة جميلــة‪ ،‬تغنــي الحيــاة‬ ‫الفنيــة األورفليــة‪.‬‬ ‫عــرون فنانــاً قــ ّدم كل منهــم رؤيتــه الفنيــة التــي‬

‫تتناســب مــع هــدف االنعتــاق والتحــرر مــن قوالــب‬ ‫املــدارس الفنيــة املتعــارف عليهــا‪ ،‬وإحــال القيــم‬ ‫الجامليــة التجريديــة وإمكانيــة إبــراز درجــات اللــون‬ ‫الواحــد للتعبــر عــن أشــكال ومواضيــع لهــا دالالتهــا‬ ‫الفنيــة والفكريــة‪ ،‬وضمــن هــذه الرؤيــة كان املعــرض‬ ‫لوحــة واحــدة وأســلوب واحــد‪ ،‬وإن تعــددت األســاء‬ ‫املشــاركة‪ .‬بخطــوط بســيطة مشــحونة برمــوز‪ ،‬تراوحــت‬ ‫مــا بــن الصالبــة واللــن مشــكلّة حساســية ذات أبعــاد‬

‫إنســانية وفنيــة متداولــة ومألوفــة‪ ،‬مثــل وجــه‪ ،‬طبيعــة‬ ‫صامتــة‪ ،‬وأخــرى خلويــة‪ ،‬زخــارف‪ ،‬طيــور‪ ..‬هــذه املفــردات‬ ‫مــن املحيــط املعــاش تناولهــا الفنانــون املشــاركون يف هــذا‬ ‫املعــرض بتقنيــة الحفــر «الغرافيــك»‪ ،‬والطباعــة «شاشــة‬ ‫حريريــة»‪ ،‬هــي تجــارب أرادت أن تقــدم نفســها بباقــة‬ ‫أعــال‪ ،‬لعلّهــا البدايــة لــكل منهــم يف ســاحة التشــكيل‬ ‫الــريك‪ ..‬أعــال تســتحق املشــاهدة والوقــوف عندهــا‬ ‫مل ّي ـاً‪.‬‬

‫ال دخــان مــن غــر نــار‪ ،‬واالتهامــات املوجهــة إىل روســيا‬ ‫بأنهــا يف تدخلهــا العســكري يف ســورية تســعى إلضعــاف‬ ‫املعارضــة مقابــل تقويــة النظــام الســوري مل تـ ِ‬ ‫ـأت مــن فـراغ‪،‬‬ ‫ومــا مطالبــة كثــر مــن الــدول للــروس بوقــف الهجــات‬ ‫الجويــة داخــل األرايض الســورية إال ألن تلــك الهجــات‬ ‫لــن تســهم ســوى يف متديــد عمــر األزمــة التــي ال نهايــة‬ ‫لهــا إال برحيــل رأس النظــام الســوري‪ ،‬وجميــع املــؤرشات‬ ‫تبـ ّـن أن الغايــة الروســية مــن التدخــل هــو دعمــه ليســتمر‬ ‫رئيس ـاً لدولــة كان هــو الســبب الواضــح يف تدمريهــا وتهجــر‬ ‫مواطنيهــا‪.‬‬ ‫وإن كانــت دول التحالــف الــدويل أعلنت اســتهدافها بالغارات‬ ‫الجويــة التنظيــات اإلرهابيــة مثــل داعــش‪ ،‬فالســاح الجــوي‬ ‫الــرويس بحســب وزيــر الدفــاع الربيطــاين يف بدايــة التدخــل‬ ‫العســكري الــرويس اســتهدف داعــش بنســبة رضبــة واحــدة‬ ‫مــن كل عرشيــن رضبــة‪ ،‬أي إن ‪ 95%‬مــن الرضبــات الروســية‬ ‫ذهبــت إىل غــر «داعــش»‪ ..‬ولــن يصعــب معرفــة األهــداف‬ ‫مــا دامــت النيــة الروســية واضحــة وال تخفــى عــى أحــد‪ ،‬أمــا‬ ‫ادعــاءات الــروس بــأن غايتهــم رضب اإلرهــاب فغــر قابلــة‬ ‫للتصديــق‪ ،‬ألن نتائــج وأماكــن القصــف الــرويس تنفيهــا‪،‬‬ ‫ومــا قالتــه الخارجيــة الروســية ذات يــوم مــن أن األهــداف‬ ‫التــي تــم رضبهــا يف ســوريا «تخــص اإلرهابيــن وهــي منتقــاة‬ ‫بعنايــة وفــق معلومــات دقيقــة»‪ ..‬ال يتجــاوز كونــه كالمــاً‬ ‫بــن كثــر مــن‬ ‫مجانيــاً للرتويــج اإلعالمــي‪ ،‬أو أنهــا ‪ -‬كــا ّ‬ ‫املحللــن ‪ -‬تعنــي بـ»اإلرهابيــن» كل مــن يقفــون ضــد النظــام‬ ‫الســوري ومامرســاته‪.‬‬ ‫املحاولــة الروســية بعــد دخــول طائراتهــا الحربيــة األجــواء‬ ‫الســورية لطــرح مــروع قــرار يف مجلــس األمــن للحصــول‬ ‫عــى موافقــة األمــم املتحــدة لرشعنــة عملياتهــا العســكرية‬ ‫كانــت ســاذجة‪ ،‬فــا أحــد ميكــن أن تنطــي عليــه الخدعــة‬ ‫الروســية‪ ،‬والجميــع يعــرف أنهــا عملي ـاً عقــدت األمــر بــدل‬ ‫تســهيله‪ ،‬وعملــت عــى مضاعفــة معانــاة الســوريني بــدل‬ ‫التوجــه إىل إيجــاد حــل لهــا‪.‬‬ ‫باختصــار‪ ..‬مــا يفعلــه الــروس خــارج عــن املقبــول مــن حيــث‬ ‫املبــدأ‪ ،‬واألهــداف غــر املعلنــة لتدخلهــم العســكري ســوف‬ ‫تضعهــم أمــام مســؤولية تاريخيــة تجــاه مــا ســينجم مــن‬ ‫ضحايــا ودمــار‪ ،‬فاســتعادة هيبــة روســيا كوريثــة لالتحــاد‬ ‫الســوفييتي عــى حســاب األبريــاء هــو عــار مــا بعــده عــار‪..‬‬ ‫ولعــل األفضــل لهــم أن يضعــوا مصالحهــم جانبــاً فهنــاك‬ ‫شــعب يبــاد‪ ..‬وإن أرادوا التخلــص مــن عــار أبــدي ســوف‬ ‫يالحقهــم عليهــم أن يســتدركوا بإنقــاذ مــا ميكــن إنقــاذه‪،‬‬ ‫ويتعاونــوا مــع الجميــع للتوصــل إىل حــل ســواء كان ذلــك‬ ‫الحــل جذريــاً أم مرحليــاً‪ ،‬فبقــاء األســد يف الســلطة يعنــي‬ ‫غيــاب الحلــول‪.‬‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05316201958( :‬أو مراجع��ة مقره��ا (أورف��ا ‪ -‬س��احة املدف��ع)‬

‫اآلراء اليت تنشر باجمللة تعرب عن رأي أصحابها‪ ،‬وال متثل بالضرورة رأي اجمللة‬

‫‪WWW.ALHARMAL.COM‬‬

‫السنة الثانية ‪ /‬العدد التاسع والعشرون ‪ 01 /‬ك األول ‪2015‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.