Alharmal (34) 15 02 2016 العدد 34 من مجلة الحرمل

Page 1

‫‪1‬‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫األم��م املتحدة ختش��ى عل��ى مئ��ات اآلالف إذا ُحوصرت حلب‬ ‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬

‫‪sayı 34‬‬

‫حلب اليوم‬

‫‪WWW.ALHARMAL.COM‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــ��ًا‬

‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫هــل تطــرق منــاورات رعد الشــمال العســكرية مســامع الدب الروســي‬ ‫ذرور احلرمل‬ ‫الخطــة بــاء وإعــادة‬ ‫خلــط األوراق!‬ ‫بسام البليبل‬

‫آثار الرببرية الروسية واألسدية املجرمة‬ ‫على دار الثقافة يف الرقة‬

‫‪ % 11،5‬مــن الســوريني قتلــى وجرحــى‬ ‫وأكثر من ‪ % 85‬تحت خط الفقر‬ ‫الحرمل ـ وكاالت‬ ‫أشــار تقريــر صــادر عــن املركز الســوري لبحوث‬ ‫السياســات إىل أن ‪ 11،5%‬مــن الســوريني قتلــوا أو‬ ‫جرحــوا خــال الســنوات الخمــس املاضيــة‪ ،‬و‪45%‬‬ ‫إمــا نزحــوا داخليـاً أو لجــأوا إىل خــارج البــاد‪ ،‬أمــا‬ ‫نســبة الفقــر العــام يف ســوريا فبلغــت ‪ ،85%‬يف‬ ‫حــن يعيــش ‪ 69،3%‬مــن الســكان يف فقــر شــديد‪،‬‬ ‫و‪ 35%‬يف فقــر مدقــع غــر قادريــن عــى تأمــن‬

‫الحــد األدىن مــن احتياجاتهــم الغذائيــة األساســية‪.‬‬ ‫ولفــت التقريــر إىل أن الخســائر البرشيــة هــي‬ ‫األكــر كارثيــة عــى املجتمــع الســوري‪ ،‬الــذي‬ ‫يشــهد تراجعـاً اقتصاديـاً كبــرا ً يف املجــاالت كافــة‪،‬‬ ‫ففــي قطــاع الزراعــة عــى ســبيل املثــال‪ ،‬شــهدا‬ ‫تراجعــاً خطــرا ً‪ ،‬نتيجــة خــروج أرايض كبــرة‬ ‫عــن إنتــاج املــواد األساســية كالقمــح والشــعري‬ ‫والقطــن والشــوندر الســكري والــذرة الصفــراء‪،‬‬

‫بســبب توقــف مرشوعــات الــري الحكوميــة‬ ‫والخاصــة عــن الــري‪ ،‬وهــو مــا ينــذر بكارثــة‬ ‫عــى الصعيــد اإلنســاين‪ ،‬إضافــة لنقــص هائــل يف‬ ‫أعــداد الــروة الحيوانيــة‪ ،‬التــي تعتمــد بشــكل‬ ‫أســايس عــى مخلفــات اإلنتــاج الزراعــي‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫يهــدد ســوريا بتدهــور اإلنتــاج الحيــواين‪ ،‬بســبب‬ ‫عمليــات التهريــب املنظــم للــروة الحيوانيــة إىل‬ ‫دول الجــوار‪ ،‬إضافــة للذبــح الجائــر‪.‬‬

‫كل أطــراف النــزاع عــى األرض الســوريّة وصلــت إىل نقطــة‬ ‫الالعــودة‪ ،‬فالنظــام ال ميلــك اآلن قــرار االنســحاب مــن األزمــة‪ ،‬ألن‬ ‫مثــل هــذا الق ـرار مرتبــط مبصالــح طه ـران وموســكو اللتــن تدي ـران‬ ‫الـراع عــى األرض‪ ،‬كــا أن هــذا القـرار مرتبــط بســامة بشــار األســد‬ ‫واملقربــن منــه‪ ،‬وهــذه الســامة ال تكفلهــا إال الــدول التــي تدعمــه‬ ‫وتحــرص عــى اســتمراره‪ ،‬وهــي الوحيــدة الضامنــة أيضــاً لخروجــه‬ ‫اآلمــن وعــدم مالحقتــه أمــام املحاكــم الجنائيــة‪.‬‬ ‫أمــا املعارضــة السياســية والعســكرية فهــي أيضــاً مرتهنــة وجدانيــاً‬ ‫بحجــم التضحيــات الهائــل‪ ،‬والتطلعــات الســلطوية التــي تــرى أنهــا‬ ‫باتــت قريبــة‪ ،‬إضافــة إىل مخاطــر االنســحاب‪ ،‬التــي تهــدد باالســتئصال‬ ‫والتنكيــل‪ ،‬وكذلــك االرتهــان لقــرارات الــدول الداعمــة ومصالحهــا‬ ‫اإلقليميــة والدوليــة‪.‬‬ ‫أ ّمــا طه ـران فــإن مرشوعهــا الســيايس املذهبــي‪ ،‬الــذي ض ّحــت مــن‬ ‫أجلــه بالكثــر‪ ،‬يرتبــط مصــره مبصــر نظــام األســد‪ ،‬وكذلــك املصالــح‬ ‫الروســية التــي تســتمد مرشوعيتهــا‪ ،‬ومرتكزهــا القانــوين مــن اإلرصار‬ ‫الــرويس عــى رشعيــة نظــام األســد‪ ،‬واســتمراره يف الســلطة‪ ،‬والعمــل‬ ‫عــى انتقــال ســيايس يغـ ّـر األشــخاص وال يغـ ّـر النظــام‪.‬‬ ‫أمــا وقــد بــدأت مخاطــر هــذا الـراع تهــدد األمــن والســلم الدوليــن‪،‬‬ ‫وترهــق األطــراف املوجــودة عــى األرض ماديــاً وبرشيــاً‪ ،‬وت ُنــذر‬ ‫بانفجــارات إقليميــة ورمبــا دوليــة ال ميكــن تداركهــا‪ ،‬فقــد صــار لزامـاً‬ ‫عــى كل األط ـراف حســم هــذا الن ـزاع عســكرياً أو سياســياً‪.‬‬ ‫وحيــث أن موســكو قــد بالغــت يف فهمهــا لق ـراءة املوقــف األمريــي‪،‬‬ ‫وعــدم رغبــة أمريــكا االنخــراط املبــارش يف الــراع الســوري‪ ،‬فقــد‬ ‫أرادت اغتنــام الفرصــة‪ ،‬وحســم هــذا الـراع عســكرياً لصالــح النظــام‪،‬‬ ‫وإخضــاع الشــعب واملعارضــة الســورية بفعــل القــوة التدمرييــة‬ ‫الشــاملة لــإرادة الروســية‪ ،‬وهــذا مــا ال تســمح بــه أمريــكا‪ ،‬ألنهــا لــن‬ ‫تســمح بانتصــار حلــف ســوريا وإيـران وحــزب اللــه‪ ،..‬ومــا ينجــم عنــه‬ ‫مــن احتــاالت تهديــد إرسائيــل‪.‬‬ ‫كــا أنهــا لــن تســمح لروســيا بتجــاوز دورهــا املرســوم لهــا يف املنطقــة‪،‬‬ ‫والعــودة بالعــامل إىل القطبيــة الثنائيــة‪ ،‬والحــرب البــاردة‪ ،‬ومــا ُيكــن أن‬ ‫يغــري روســيا بأكــر مــن ذلــك‪ ،‬ويدفــع العــامل إىل حــرب عامليــة ثالثــة‪.‬‬ ‫كــا أن حلــف الناتــو الــذي مل يكــن يُعطــي لالتحــاد الســوفيتي هــذا‬ ‫الــدور إبــان وجــود حلــف وارســو‪ ،‬فكيــف ســيقبل بإعطــاء روســيا مــع‬ ‫حلفائهــا الصغــار هــذا الــدور اليــوم؟‪.‬‬ ‫وحيــث أن شــاعة اإلرهــاب التــي أُوجــدت باألســاس إلطالــة أمــد‬ ‫األزمــة الســورية‪ ،‬وإجهــاض الثــورة‪ ،‬وإتاحــة فــرص التدخــل‪ ،‬هــي‬ ‫حــارضة أيضــاً إليجــاد مــرر التدخــل مــن جديــد إلنهــاء األزمــة‬ ‫الســورية‪ ،‬وإعــادة ترتيــب املنطقــة وفــق املصالــح الدوليــة‪.‬‬ ‫تجــى بظهــور الخطــة بــاء‪ ،‬والتلويــح بالعمليــات الربيــة‬ ‫وهــذا مــا ّ‬ ‫عــى األرض الســورية‪ ،‬والــذي ســيعيد خلــط األوراق مــن جديــد‪،‬‬ ‫والكشــف عــن تراجعــات ومواقــف جديــدة‪.‬‬ ‫وعــى هيئــة التفــاوض العليــا اســتغالل هذا الوضــع الجديــد‪ ،‬والتصلب‬ ‫مبواقفهــا قــدر اإلمــكان‪ ،‬واللعــب عــى التناقضــات‪ ،‬واملخاطــر الدوليــة‬ ‫واإلقليميــة‪ ،‬لتحقيــق أكــر املكاســب عــى طاولــة املفاوضات‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫داود أوغلــو يحــذر موســكو مــن مصــر مشــابه لتجربتهــا بأفغانســتان‬ ‫إسطنبول ــ وكاالت‬ ‫وســط تخبــط دويل‪ ،‬وتآمــر عــى الشــعب‬ ‫الســوري وزيــادة عذاباتــه‪ ،‬تحتفــل موســكو‬ ‫بالقصــف الوحــي ضــد الشــعب الســوري‪،‬‬ ‫وضــد املعارضــة والجيــش الحــر‪ ،‬ويتغنــى‬ ‫الشــبيحة بالقتــل االســتعامري الــرويس وااليـراين‬ ‫الذيــن اســتجروهام إىل ســورية لتدمريهــا مــن‬ ‫أجــل أن يبقــى الشــبيح األكــر‪.‬‬ ‫يف حــن و ّجــه رئيــس الــوزراء الــريك‪ ،‬أحمــد‬ ‫داود أوغلــو‪ ،‬انتقــادات شــديدة حيــال صمــت‬ ‫املجتمــع الــدويل تجــاه الكارثــة اإلنســانية التــي‬ ‫تحصــل يف ســورية‪ ،‬مشــددا ً عــى أن أنقــرة لــن‬ ‫تتخــى عــن املعارضــة يف مدينــة حلــب‪.‬‬ ‫وحــذر داود أوغلــو موســكو مــن مصــر مشــابه‬ ‫لتجربتهــا يف أفغانســتان‪ ،‬يف ســورية‪ ،‬قائـ ًـا‪« :‬ال‬ ‫تنســوا كيــف خرجتــم ذليلــن مــن أفغانســتان‬

‫عندمــا كنتــم قــوة عظمــى أيــام الحــرب‬ ‫البــاردة‪ ،‬واليــوم ســيخرج غــزاة ســورية منهــا‬ ‫بنفــس الطريقــة»‪.‬‬ ‫املســؤول الــريك شــدد‪ ،‬خــال كلمــة ألقاهــا يف‬ ‫االجتــاع األســبوعي لكتلــة العدالــة والتنميــة‬ ‫الربملانيــة‪ ،‬عــى أن تركيــا لــن تخــذل حلــب‪،‬‬ ‫قائـاً‪« :‬الطائـرات الروســية ال تســتهدف ســوى‬ ‫املدنيــن واملعارضــة املعتدلــة‪ ...‬تواصــل روســيا‬ ‫بــا هــوادة قصــف أهــداف مدنيــة ال عالقــة‬ ‫لهــا باإلرهــاب»‪.‬‬ ‫وأوضــح دواد أوغلــو‪ ،‬أن «أكــر مــن ‪ 90‬باملائــة‬ ‫مــن الهجــات الروســية‪ ،‬والتــي بلغــت أكــر‬ ‫مــن ‪ 6‬آالف طلعــة جويــة‪ ،‬اســتهدفت املدنيــن‬ ‫الســوريني واملعارضــة املعتدلــة‪ ،‬بينــا مل‬ ‫تســتهدف تنظيــم الدولــة اإلســامية (داعــش)‬

‫إال بنحــو ‪ 10‬باملائــة»‪.‬‬ ‫وأضــاف‪« :‬لدينــا معلومــات عــن األهــداف‬ ‫الروســية‪ ،‬والواليــات املتحــدة تعلــم ذلــك‪،‬‬ ‫وكذلــك األمــم املتحــدة وحلــف األطلــي‪.‬‬ ‫لقــد حــان الوقــت لوضــع حــد لهــذا‪ ،‬ومــا زلنــا‬ ‫ننتظــر تحــرك الضمــر اإلنســاين»‪.‬‬ ‫كــا حــذر داود أوغلــو مــن أن نحــو ‪ 70‬ألــف‬ ‫الجــئ ســوري قــد يصلــون إىل الحــدود الرتكيــة‪،‬‬ ‫إذا اســتمرت الحملــة العســكرية الروســية عــى‬ ‫حلــب‪ ،‬وأضــاف أن تركيــا لــن تغلــق حدودهــا‬ ‫أمــام الالجئــن‪.‬‬ ‫ويذكــر بــأن الثــورة الســورية قــد تعرضــت إىل‬ ‫بعــض النكســات املشــابهة‪ ،‬ولكنهــا رسعــان‬ ‫مــا اســتعادت املبــادرة‪ ،‬وأعــادت النظــام واأليــام القــادم تنــذر بالكثــر مــن املــؤرشات إىل املناطــق التــي انحــر إليهــا وال تزيــد عــن‬ ‫واملســتعمرين الذيــن يســاندونه عــى أعقابهــم‪ ،‬الحقيقيــة وااليجابيــة التــي ســتعيد النظــام عرشيــن باملئــة مــن مســاحة البــاد‪.‬‬

‫رعــد الشــمال يطــرق مســامع الرياضــة وســيلة للحيــاة‪ ..‬والطائــرات‬ ‫الــدب الروســي‬ ‫الروســية وســيلة للمــوت‬ ‫منــاورات عســكرية هــي األكــر‬ ‫يف الشــرق األوســط‬

‫مــن املقــرر أن تســتضيف اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية منــاورات عســكرية وصفهــا اإلعــام‬ ‫الرســمي بأنهــا األكــر يف املنطقــة‪ ،‬وذلــك‬ ‫مبشــاركة عرشيــن دولــة عربيــة وإســامية‬ ‫إضافــة إىل قــوات «درع الجزيــرة»‪،‬‬ ‫تحــت اســم «رعــد الشــال»‪ ،‬وقــد بــدأت‬ ‫قــوات الــدول املشــاركة يف هــذه املنــاورات‬ ‫بالوصــول إىل الســعودية‪ ،‬لالنضــام إىل التمرين‬ ‫العســكري األكــر مــن نوعــه‪ ،‬مــن حيــث عــدد‬ ‫الــدول املشــاركة‪ ،‬والعتــاد العســكري النوعــي‪،‬‬ ‫والــذي ســتقوده الســعودية‪.‬‬ ‫وتــأيت منــاورات رعــد الشــال بالتزامــن مــع‬ ‫وصــول طائـرات ســعودية إىل قاعــدة أنجرليــك‬ ‫الرتكيــة‪ ،‬اســتعدادا ً لتدخــل قــوات برية مشــركة‬ ‫مــن الســعودية وتركيــا إىل األرايض الســورية‪،‬‬ ‫مدعومــة بإســناد جــوي مشــرك ملحاربــة‬ ‫تنظيــم «داعــش»‪ ،‬والتــي جــاءت عــى خلفيــة‬ ‫متــدد وحــدات حاميــة الشــعب الكرديــة يف‬

‫شــال حلــب‪ ،‬وتصاعــد القصــف الــرويس‪،‬‬ ‫ومحاولــة محــارصة حلــب مــن قبــل قــوات‬ ‫النظــام وامليلشــيات الطائفيــة والحــرس الثــوري‬ ‫اإليــراين‪.‬‬ ‫وقــال رئيــس الــوزراء الــريك أحمــد داود‬ ‫أوغلــو‪ ،‬إن أنقــرة لــن تســمح بســقوط بلــدة‬ ‫إعـزاز بشــال ســوريا يف أيــدي «حــزب االتحــاد‬ ‫الدميقراطــي»‪ ،‬مضيفـاً أنهــا ســتواجه «أقــى رد‬ ‫فعــل» إذا مــا حاولــت االقــراب مــن البلــدة‬ ‫مجــددا ً‪.‬‬ ‫ويف ســياق متصــل قــال مجلــس الــوزراء‬ ‫الســعودي إن وزراء الدفــاع بحلــف الناتــو‬ ‫أشــادوا بالخطــوات الرائــدة التــي أقدمــت‬ ‫عليهــا اململكــة بإنشــاء تحالــف إســامي‬ ‫عســكري ملحاربــة اإلرهــاب‪ ،‬وأن ذلــك ســيكون‬ ‫داعــاً للجهــود الدوليــة ملحاربــة الجامعــات‬ ‫اإلرهابيــة‪ ،‬وعــى رأســها تنظيــم داعــش‬ ‫اإلرهــايب‪.‬‬

‫إبراهيم إسماعيل‬ ‫املناطــق املحــررة ولعنــة القصــف اليومــي‬ ‫الــذي تشــهده مــن الطـران الــرويس والســوري‬ ‫وغــره‪ ،‬جعــل مــن مامرســة النشــاطات‬ ‫الطبيعيــة كمامرســة األلعــاب الرياضيــة‪،‬‬ ‫وتجهيــز الفــرق‪ ،‬والدوريــات كباقــي دول‬ ‫العــامل‪ ،‬مهمــة صعبــة ومســتحيلة‪ ،‬ومــن النــادر‬ ‫وجودهــا يف منطقــة أو اثنتــن‪.‬‬ ‫مدينــة ادلــب وهــي املحافظــة املحــررة‬ ‫بالكامــل‪ ،‬والتــي تحتــوي عــى العديــد مــن‬ ‫ســكان املحافظــات األخــرى كانــت الســباقة‬ ‫يف هــذا العمــل‪ ،‬يف مراحــل ســابقة لتحريــر‬ ‫املدينــة اقتــرت الدوريــات والفــرق عــى‬ ‫كــرة القــدم فقــط‪ ،‬واقتــرت الفعاليــات عــى‬ ‫مناطــق الشــال وجبــل الزاويــة مبشــاركة‬ ‫خجولــة منهــم‪.‬‬ ‫الغيــاب الواضــح للتشــكيالت الرياضيــة‪،‬‬ ‫وانشــغال النــاس بالنــزوح والقصــف واملجــازر‪،‬‬ ‫كان ســبباً يف انحــدار هــذه األلعــاب خــال‬ ‫فــرات الثــورة الســورية‪.‬‬ ‫الهيئــة العامــة للرياضــة والشــباب يف مدينــة‬ ‫ادلــب واملناطــق املحــررة‪ ،‬هــي اآلن الراعــي‬ ‫الرســمي ألبــرز الفعاليــات التــي تقــوم‬ ‫بتنظيمهــا عــى مســتوى كــرة القــدم وكــرة‬ ‫الطائــرة مبشــاركة مــن فــرق متعــددة مــن‬ ‫الريــف واملدينــة يف كال اللعبتــن‪.‬‬ ‫تقيــم الهيئــة حاليـاً بطولــة كــرة الطائــرة تحــت‬ ‫أرض واحــدة» ألنديــة الرجــال‬ ‫اســم «ســورية ٌ‬ ‫مبشــاركة ‪ 14‬نــا ٍد ريــايض وزعــوا عــى أربــع‬ ‫مجموعــات‪.‬‬

‫مــن أبــرز األنديــة املشــاركة يف البطولــة‪،‬‬ ‫فريــق مدينــة خــان شــيخون‪ ،‬ومعــرة النعــان‪،‬‬ ‫ومعــرة حرمــة‪ ،‬والبــارة‪ ،‬وهــي مــن األنديــة‬ ‫التــي كانــت تشــارك يف بطــوالت ســابقة قبــل‬ ‫انطــاق الثــورة الســورية‪.‬‬ ‫يف حديــث مــع الســيد عبــد العظيــم أمــن رس‬ ‫الهيئــة العامــة للرياضــة والشــباب يف مدينــة‬ ‫ادلــب أخربنــا عــن بعــض مــن الفعاليــات التــي‬ ‫تقــام حالي ـاً وأهمهــا بطولــة كــرة الطائــرة‪:‬‬ ‫«أقامــت الهيئــة هــذه البطولــة يف ســبيل إعــادة‬ ‫املشــاركة باأللعــاب الرياضيــة‪ ،‬وإعــادة احيائهــا‬ ‫يف نفــوس الالعبــن‪ ،‬ونقــوم حاليـاً بالعمــل عــى‬ ‫القيــام ببطــوالت أخــرى يف ألعــاب متنوعــة‪،‬‬ ‫ولدينــا دورة تحكيميــة‪ ،‬وصقــل لحــكام كــرة‬ ‫الطائــرة لتغطيــة مباريــات الــدوري التــي‬ ‫ســتقام عــى درجتــن أوىل وثانيــة»‪.‬‬ ‫تســتمر املباريــات التــي تجمــع الفــرق‬ ‫املشــاركة يف اللعــب والتقــدم يف الــدور األول‬ ‫والثــاين‪ ،‬حيــث تأهلــت فــرق‪ ،‬خــان شــيخون‬ ‫والبــارة وأهــي األتــارب والتضامــن ومعــرة‬ ‫حرمــة وغريهــم مــن الفــرق اىل الــدور الثــاين‪.‬‬ ‫وحســب مــا أفــاد الســيد عبــد العظيــم‪،‬‬ ‫فقــد وجــدت الهيئــة مســتويات متميــزة بــن‬ ‫الالعبــن مل يعهــد وجودهــم عــى املســتوى‬ ‫الســوري ســابقاً‪ ،‬وذلــك بســبب الفســاد املنترش‬ ‫ســابقاً بــن املســؤولني الرياضيــن يف زمــن حكــم‬ ‫األســد‪.‬‬ ‫بــدأت فعاليــات الــدور الثــاين يف الرابــع مــن‬ ‫الشــهر الجــاري‪ ،‬ومــا زالــت املباريــات مســتمرة‬ ‫بــن الفــرق‪ ،‬والتــي تســعى بــكل جدهــا‬

‫للوصــول إىل النصــف النهــايئ‪ ،‬وبعدهــا الــدور‬ ‫النهــايئ‪ ،‬والــذي ســيحدد الفائــز بالبطولــة‬ ‫الحاليــة‪.‬‬ ‫وجــدت الفعاليــات مشــاركة كبــرة مــن قبــل‬ ‫العبــن كــر مــن أبنــاء املحافظــة واملناطــق‬ ‫املحــررة‪ ،‬فبالرغــم مــن القصــف والقتــل‬ ‫والتــرد مل مينعهــم ذلــك مــن مزاولــة‬ ‫رياضاتهــم املفضلــة وبشــكل مســتمر ومتكــرر‪.‬‬ ‫«مصطفــى» ‪ 30‬عام ـاً مــن الالعبــن املشــاركني‬ ‫يف البطولــة يقــول‪:‬‬ ‫«لقــد كانــت البطولــة مطلبــاً كبــرا ً مــن‬ ‫الالعبــن منــذ وقــت طويــل‪ ،‬إال أن الظــروف‬ ‫الصعبــة التــي كنــا منــر بهــا منعتنــا من تشــكيل‬ ‫فــرق وأنديــة وتنظيــم دوريــات عــى املســتوى‬ ‫املطلــوب»‪.‬‬ ‫«عــي» ‪ 26‬عــام مــن فريــق معــرة حرمــة‬ ‫املشــارك بالبطولــة‪:‬‬ ‫«اســتطعنا التغلــب عــى العديــد مــن الفــرق‬ ‫التــي شــاركت يف الــدوري األول‪ ،‬ومــا زلنــا‬ ‫نطمــح للفــوز يف الــدور الثــاين‪ ،‬والتأهــل إىل‬ ‫األدوار النهائيــة مــن البطولــة»‪.‬‬ ‫تســتمر البطولــة بالتقــدم عــى أرض مدينــة‬ ‫إدلــب‪ ،‬ويف الصــاالت الرياضيــة داخــل املدينــة‪،‬‬ ‫كــا تطمــح الهيئــة املنظمــة إىل ترتيــب بطولــة‬ ‫كبــرة لكــرة القــدم عــى مســتوى املناطــق‬ ‫املحــررة بشــكل كامــل‪ ،‬يف خطــوة منهــا‬ ‫لتشــكيل منتخبــات وطنيــة حــرة تشــارك يف‬ ‫املحافــل العربيــة مســتقبالً‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫‪3‬‬

‫حكاية لجوء‬ ‫عنتر دعيس‬ ‫ال حيــاة تناديــك هنــا‪ ..‬املدينــة اتشــحت‬ ‫بالســواد وغابــت كل ألــوان الفــرح‪ ،‬تبقــى‬ ‫حالــة واحــدة تراهــا عــى كل دوار أو ناصيــة‬ ‫شــارع‪ ،‬رؤوس برشيــة مقطوعــة ومرتوكــة‪،‬‬ ‫أو بــر مصلوبــون عــى أعمــدة‪ ،‬كل هــذا‬ ‫يتــم وفــق الرشيعــة‪ ،‬وكأن أحــكام اللــه‬ ‫كلهــا ثقيلــة ونهائيــة‪ ،‬وليــس فيهــا رجعــة‬ ‫أو اســتئناف أو حتــى طعــن‪ ،‬أو يف القليــل‬ ‫الحصــول عــى أدلــة كافيــة‪ ..‬أيــام وأقبــض‬ ‫مــا تبقــى مــن مثــن بيتــي‪ ،‬وألتحــق مرغــاً‬ ‫بالعائلــة يف تركيــا‪ ،‬يتملكنــي إحســاس أننــي‬ ‫مل أعــد أنتمــي إىل هــذا املــكان‪ ،‬املدينــة التــي‬ ‫ولــدت فيهــا‪ ،‬وأحببــت حجارتهــا وهواهــا‬ ‫وماءهــا‪ ،‬وحتــى نســاءها أصبحــن ال يعنينــي‪،‬‬ ‫أشــعر أن أيامهــا أصبحــت ثقيلــة وقاهــرة‪،‬‬ ‫كل مــا فيهــا عجيــب وغريــب‪ ،‬تغــرت أســاء‬ ‫ســكانها‪ ،‬وليلهــا ونهارهــا‪ ،‬وأصبــح كل مــا‬ ‫فيهــا هـاً ثقيـاً عــى ذايت‪ ،‬أريــد أن أســحبهم‬ ‫خــارج ذاكــريت‪ ،‬وأرميهــم خلفــي وأبــدأ مــن‬ ‫جديــد‪ ..‬األوالد خرجــوا مــع أمهــم وخالهــم‪،‬‬ ‫وهــم يف أمــان‪ ،‬وبقــي بعــض األمــور العاديــة‪،‬‬ ‫فالوظيفــة انتهــت مــن حيــايت‪ ،‬وتبقــى نصــف‬ ‫مثــن البيــت‪ ،‬فقــط أقبضــه وأســلمه‪ ،‬وأصبــح‬ ‫حــرا ً يف البحــث عــن مــكان جديــد أســكنه‬ ‫وأجــر أح ـزاين وذكريــايت‪ ،‬ومــا تبقــى يل مــن‬ ‫عمــر خــارج هــذا الجنــون‪ ..‬تعهــد أحدهــم‬ ‫بإعطائنــا وكالــة بيــع قطعــي‪ ،‬موقعــة مــن‬ ‫كاتــب عــدل ونظاميــة حســب األصــول‪،‬‬ ‫وفعــاً وقعتهــا واســتلمت باقــي املبلــغ‪،‬‬ ‫وبرسعــة حولــت املبلــغ إىل اللــرة الرتكيــة‪،‬‬ ‫وحملــت بعضـاً مــن متعلقــايت‪ ،‬وتوجهــت إىل‬ ‫انطــاق «الفوكســات»‪ ،‬كانــت وجهتــي مدينــة‬ ‫تــل أبيــض‪..‬‬ ‫مــكان التهريــب قريــة يعمــل أهلهــا يف‬ ‫الزراعــة ظاهــرا ً‪ ،‬ويف الباطــن «قجقجيــة»‪،‬‬ ‫يتوارثــون مهنــة التهريــب عــر الحــدود‪،‬‬ ‫ينقلــون الدخــان واألغنــام والبقــر‪ ،‬وبعــض‬

‫احتياجــات الــرك مــن مــواد مصنوعــة يف‬ ‫ســوريا‪ ،‬العبــور يتــم يف املســاء‪ ،‬وكنــت‬ ‫وعائلــة نراقــب حركــة ســيارة «العقربــة»‬ ‫التابعــة لعنــارص «الجندرمــا» الرتكيــة‪ ،‬وهــي‬ ‫تتحــرك ذهاب ـاً وإياب ـاً‪ ،‬مل يكــن يف القريــة أي‬ ‫نشــاط آخــر‪ ،‬جمعتنــي املصادفــة بعوائــل‬ ‫عراقيــة وحلبيــة وديريــة وحســكاوية مــن‬ ‫كــرد وعــرب وتركــان‪ ،‬وكلهــم ينــوون‬ ‫العبــور إىل الجهــة األخــرى‪ ..‬حـ ّـل املســاء‪ ..‬يف‬ ‫الســاعة الحاديــة عــر بــدأت تتصاعــد حركــة‬ ‫النــاس‪ ،‬وإذ األعــداد آالف مؤلفــة‪ ،‬وكلهــم‬ ‫يتهيــؤون للرحيــل‪ ،‬النــاس متــي صــوب‬ ‫ممــر صغــر‪ ،‬فتحــه املهربــون بــن الســلك‬ ‫الشــائك‪ ،‬هــو مقصــد الجميــع ال منــاص‪،‬‬ ‫األرض أمامنــا منبســطة‪ ،‬خاليــة مــن الــزرع‪،‬‬ ‫وكأنهــم حيدوهــا‪ ،‬وجعلوهــا مكشــوفة لرصــد‬ ‫حركــة العابريــن‪ ،‬يبــدأ النــاس بالدخــول إىل‬ ‫أطــراف الســلك‪ ،‬تتــوزع بالجــوار صخــور‬ ‫كبــرة‪ ،‬وأكــوام مــن ردم تــرايب غــر منظــم‪،‬‬ ‫والجندرمــا املرافقــون للعقربــة بــدأوا الـراخ‬ ‫علينــا «ولــن‪ ..‬غيــت ولــن»‪ ،‬أصــوات لطلقــات‬ ‫ناريــة امتزجــت مــع بــكاء أطفــال وخــوف‬ ‫الكبــار‪ ..‬املوجــة البرشيــة األوىل دخــل‬ ‫بعضهــا‪ ،‬وآخــرون عــادوا أدراجهــم مرسعــن‬ ‫وخائفــن‪ ،‬تلطيــت وراء صخــرة أنشــد أمانــاً‬ ‫يصــد عنــي عيــون «الجندرمــا»‪ ،‬ألننــي ال‬ ‫أســتطيع العــودة‪ ،‬بعــد أن قطعــت كل هــذه‬ ‫املســافة‪ ،‬عندمــا أخفيــت جســدي رأيــت‬ ‫عــددا ً مــن النســاء واألطفــال وكبــار الســن إىل‬ ‫جــواري‪ ،‬مل يصــدر أحدنــا أي صــوت‪ ،‬وقــف‬ ‫عنــارص الجندرمــا بجــوار املنفــذ‪ ،‬أطلقــوا النــار‬ ‫يف الهــواء‪ ،‬ورصخــوا باتجــاه الهاربــن‪ ،‬طلــب‬ ‫قائدهــم منهــم الصعــود ملهاجمــة نقطــة‬ ‫أخــرى‪ ..‬غــادروا عــى عجــل‪ ،‬وقلــت يف نفــي‪:‬‬ ‫حانــت لحظــة دخــويل‪ ،‬تحاملــت عــى نفــي‬ ‫واســتقمت ثــم عــرت متــوكالً‪ ..‬مئــة مــر‬ ‫فقــط تفصلنــي عــن الســيارات‪ ،‬لكنهــا طويلــة‬ ‫ومليئــة باملفاجــآت بعــد ســقوط حــر ومتعمد‬

‫مــن نســاء يرتطمــن بــك‪ ،‬ورجــال يشــدونك‬ ‫أثنــاء ســقوطهم‪ ،‬ورجــال يســألونك عــن نســاء‬ ‫فقــدن يف الطريــق‪ ،‬نســاء ال تعرفهــن وأطفــال‬ ‫مل تشــاهدهم‪ ،‬يكتفــون بعالمــات مل ترهــا أو‬ ‫إشــارة عابــرة‪.‬‬ ‫بعــد وصولنــا إىل أورفــه رأيــت بعضــاً مــن‬ ‫أصحــايب يف الرحلــة‪ ،‬جلّهــم مــا بــن ضاحــك‬ ‫وحزيــن‪ ،‬وأغلبهــم يتحدثــون عــن مغامــرة‬ ‫الدخــول‪ ،‬وهــم يبكــون‪ ،‬ثــم يبتســمون‪ ،‬هــو‬ ‫يــوم يشــبه القيامــة‪ ،‬ومــا شــاهدناه أمامنــا‬ ‫ذكرنــا مبــا ورد عــن يــوم الحــر‪ ..‬ســاعات‬ ‫وتنطلــق الحافلــة باتجــاه أضنــه‪ ،‬املدينــة‬ ‫الرتكيــة التــي اخرتتهــا للجــويئ باعتبــار غالبيــة‬ ‫أهلهــا مــن العــرب‪ ،‬وهنــاك ســأعرف متامــاً‬ ‫كيــف أعيــش‪ ،‬تفقــدت جيــويب‪ ،‬مــايل وعنــوان‬ ‫عائلتــي‪ ،‬حجــزت مقعــدا ً‪ ،‬انطلقــت الحافلــة‪،‬‬ ‫وبعــد مســر ســاعات عــدة‪ ،‬وصلــت أضنــه‪،‬‬ ‫خابــرت العيــال‪ ،‬بعــث صــويت الــدفء فيهــم‪،‬‬ ‫وبعــد حــن اســتقبلني خــال األوالد‪ ،‬وقــادين‬ ‫إىل بيــت متــداعٍ‪ ،‬عرفــت فيــا بعــد أن هــذا‬ ‫البيــت هــو مــا اســتطاعوا تأمينــه‪ ،‬حمــدت‬ ‫اللــه عــى نعمــة األمــان‪ ،‬فهــي أكــر غنيمــة‬ ‫حققتهــا أم األوالد‪ ،‬اقرتاحــاً وقــدرة‪ ،‬أيــام‬ ‫وبــدأت أتعــرف عــى الحــارة والج ـران‪ ،‬ثــم‬ ‫معــامل املدينــة‪ ،‬شــاهدت بعضهــا‪ ،‬حدائقهــا‬ ‫وجوامعهــا وأبنيتهــا األثريــة‪ ،‬مــا قرأتــه عــن‬ ‫املدينــة وســكانها‪ ،‬يناقــض مــا أراه‪ ،‬فاملدينــة‬ ‫قــد نســيت أصولهــا‪ ،‬ولغتهــا ال يعرفهــا اال‬ ‫بعــض كبــار الســن‪ ،‬فقــد تحولــوا إىل أتــراك‬ ‫لغــة وســلوكاً ومنــط حيــاة‪ ،‬كان ال بــد يل‬ ‫مــن العمــل فزوجتــي تعمــل خ ّياطــة يف‬ ‫ورشــة‪ ،‬وهــي بالــكاد تؤمــن آجــار البيــت‬ ‫ومــروف الطعــام‪ ،‬وال معــن لنــا هنــا‪ ..‬أكــر‬ ‫مــن واحــد نصحنــي بالبحــث عــن عمــل‬ ‫حــر‪ ،‬ولــن أجــد أحــدا ً مــن األت ـراك يشــغلني‬ ‫يف ورشــة أو معمــل أو‪ ..‬ألنهــم يحتاجــون‬ ‫الشــباب‪ ،‬وأغلــب عملهــم يف العتالــة‪ ،‬وهــو‬ ‫مــا مل أســتطع عليــه صـرا ً بســبب كــر ســني‪،‬‬

‫ولكــن نظــرة متمعنــة إىل بائــع الكعــك‬ ‫كانــت كافيــة الختيــاري‪ ،‬دفــع عربــة بــدوالب‬ ‫واحــد‪ ،‬وخشــبتي اســتناد‪ ،‬تحتــاج فقــط إىل‬ ‫رفعهــا قليــاً ثــم تنطلــق‪ ،‬والعمليــة رأس‬ ‫مالهــا صغــر‪ ،‬حتــى العربــة ال تشــريها‪ ،‬فهــي‬ ‫ملــك الفــرن املختــص بإنتــاج الكعــك‪ ،‬أحــد‬ ‫الجـران كفلنــي عنــد صاحــب الفــرن‪ ،‬واتفقنــا‬ ‫أن أحــر باكــرا ً الســتالم العربــة والبضاعــة‪،‬‬ ‫يف آخــر الليــل بــدأت وزوجتــي التخطيــط‬ ‫للعمــل ومنــت وأنــا أضــع النجــاح نصــب‬ ‫عينــي‪ ،‬ويوميــة جيــدة يف جيبــي‪.‬‬ ‫السادســة صباحـاً اســتيقظت لوحــدي‪ ،‬وعــى‬ ‫عجــل رشبــت قهــويت‪ ،‬وخــال دقائــق كنــت‬ ‫قــرب عربتــي‪ ،‬كــا وصفهــا صاحــب الفــرن‬ ‫العربــة جميلــة أساســها حديــد ومســورة‬ ‫بالخشــب والبلــور ومغلقــة لتحافــظ عــى‬ ‫بضاعتهــا صغــرة وناعمــة ورقيقــة‪ ،‬اســتبرشت‬ ‫خــرا ً بوصفهــا وشــكلها وأســميتها الغريبــة‬ ‫كنايــة عــن وضعــي‪ ،‬درت حولهــا‪ ،‬مســتعملة‬ ‫ولكنهــا متينــة وحنونــة‪ ،‬رتــب الفــران‬ ‫البضاعــة بعــد أن ســألني عــن الكميــة‪ ،‬اتفقنــا‬ ‫عــى كميــة تــوازي يف نتيجتهــا مربــح خمســن‬ ‫لــرة‪ ،‬البضاعــة كثــرة‪ ،‬وضــع بعضهــا يف‬ ‫صنــدوق‪ ،‬وقــال يل ال تــرخ عــى بضاعتــك‪،‬‬ ‫وقــام بتأمــن مرشوبــات رضوريــة مــع الكعك‪،‬‬ ‫عــران عبــوات وشــلغم‪ ،‬وهــي مرشوبــات‬ ‫ت ُبــاع مــع الكعــك‪ ..‬جاهــز لالنطــاق خمســون‬ ‫م ـرا ً وأصــل الشــارع الرئيــي‪ ،‬ومنــه باتجــاه‬ ‫موقــف العــال الســوريني‪ ،‬وبعــده إىل‬

‫الحديقــة الكبــرة‪ ..‬الشــارع أمامــي امتــد‬ ‫عريضــاً‪ ،‬مل أتحــدث أو أرصخ‪ ،‬فقــط حملــت‬ ‫طــرف العربــة ودفعتهــا بحنيــة وعطــف‪،‬‬ ‫وأنــا أمــي مشــية األعــرج واملســحوب مــن‬ ‫تالبيبــه‪ ،‬حاولــت أن أنــادي‪ ،‬لكــن عبثــاً مل‬ ‫يلتفــت أحــد‪ ،‬الطريــق يضيــق أمامــي‪ ،‬ال‬ ‫أحــد يكــرث‪ ،‬وبهــدوء تــام انســلت مــن فمــي‬ ‫كلمــة‪« :‬ســميط‪ ..‬ســميط»‪ ،‬توقعــت ســاع‬ ‫رصاخــي‪ ،‬مل يكــرث أحــد‪ ،‬ناديت مــرة أخرى مل‬ ‫يلتفــت أحــد‪ ،‬موقــف العــال أمامــي مبارشة‪،‬‬ ‫بــر وبائعــون وعــال‪ ،‬وكانــت رصختــي‬ ‫والتفــت كل الجمــوع إيل‪ ،‬أحــد الســوريني‬ ‫«عطينــا كعكــة شــو بيــاع وال محــارب‪»..‬‬ ‫ي‪ ،‬مشــرون وصــويت‬ ‫صــوت آخــر نــادى عــ ّ‬ ‫املخنــوق‪ ..‬أحسســت أنــه غنــايئ‪ ،‬أحببــت أن‬ ‫أرصخ وأقــول للنــاس كلهــم إننــي الســوري‬ ‫الضائــع بــن زحمــة الوقــت ومطرقــة الحاجــة‪،‬‬ ‫أنــا مــن دفعتــه بــاد ظاملــة ووقــت مســتقطع‬ ‫عــن املــوت‪ ،‬أنــا مــن ض ّيــع يف األوهــام عمــره‪،‬‬ ‫اآلن اســتيقظت وجرحــي نــازف‪ ،‬تركــت‬ ‫عمــري ورايئ وجئتكــم بعهــد جديــد‪ ،‬تركــت‬ ‫أحالمــي ورايئ بــن الخيــال واإلرادة‪ ،‬مولــود‬ ‫جديــد‪ ،‬مــرد يف طرقــات غريبــة‪ ،‬وهــواء‬ ‫جديــد‪ ،‬أنــا الســوري ســاكن غيــات الحــزن‪،‬‬ ‫مــرد ال حبيــب وال أليــف‪ ،‬وال يشء أحبــه‬ ‫يف بالدكــم‪ ..‬اشــروا منــي بضاعتــي واتركــوين‪،‬‬ ‫فــإين أبلــع ســكاكني كل القتلــة‪ ..‬وأدور‪ ..‬أدور‪..‬‬ ‫فقــط أنــا ال مــكان يل بينكــم‪ ،‬مــكاين فــوق‬ ‫الغيــم‪ ،‬أنــا مــكاين فــوق الغيــم‪.‬‬

‫النظــام يواجــه ســخط ًا مــن مؤيديــه بعــد «خيانــة» ضباطــه لـــ‪ 250‬جندي ـ ًا‬ ‫بريــف دمشــق ويطالبــون بفتــح تحقيــق بحادثــة تــل الصــوان‬ ‫مــن بــن الـــ‪ 250‬مقاتـ ً‬ ‫ا نجــى فقــط ‪ 60‬منهــم حوصــروا يف بركــة صغــرة»‪.‬‬ ‫الحرمل ـ وكاالت‬ ‫أعــادت صــور قتــى قــوات النظــام‬ ‫الذيــن لقــوا مرصعهــم األحــد املــايض يف تــل‬ ‫الصــوان بريــف دمشــق إىل أذهــان املوالــن‬ ‫مــا يصفــه بعضهــم بـ»فاجعــة الرقــة» عندمــا‬ ‫تخــى ضبــاط النظــام عــن قرابــة ‪ 400‬مقاتــل‬ ‫وتركوهــم عرضــة لنـران «داعــش» فيــا أعــدم‬ ‫بعضهــم األخــر‪.‬‬ ‫ويف الوقــت الــذي كان نظــام األســد يتحــدث‬ ‫عــن انتصاراتــه يف أريــاف حلــب الشــايل‪،‬‬ ‫والالذقيــة‪ ،‬ودرعــا‪ ،‬كان ‪ 250‬عنــرا ً مــن‬ ‫جنــوده يحاولــون التقــدم يف جبهــات الغوطــة‬ ‫الرشقيــة عنــد منطقتــي تــل الصــوان‪ ،‬وتــل‬ ‫كــردي‪ ،‬لكــن أعــدادا ً قليلــة منهــم بقيــت‬ ‫عــى قيــد الحيــاة‪ ،‬إذ وقعــوا يف كمــن محكــم‬ ‫ملقاتــي «جيــش اإلســام» الذيــن متكنــوا مــن‬ ‫قتــل العـرات مــن قــوات النظــام‪ ،‬فيــا بقــي‬ ‫آخــرون محــارصون وبينهــم جرحــى‪.‬‬ ‫وفيــا اعــرف «جيــش اإلســام» بقتلــه ‪80‬‬ ‫عنــرا ً خــال الهجــوم‪ ،‬اعرتفــت مصــادر‬ ‫إعالميــة مواليــة للنظــام أن العــدد الحقيقــي‬ ‫للقتــى وصــل إىل ‪ 180‬مقاتــاً‪ ،‬وهــو مــا‬

‫أثــار عاصفــة مــن االحتجاجــات بــن املوالــن‬ ‫للنظــام مــن مدنيــن وعســكريني ضــد قيــادات‬ ‫الجيــش يف ريــف دمشــق ال ســيام اللــواء عــي‬ ‫عبــاس قائــد القطــاع‪ ،‬متهمــن إيــاه بـ»الخيانــة‬ ‫وتوريــط الجنــود والتســبب مبقتلهــم»‪.‬‬ ‫صفحــة مواليــة لنظــام األســد تطلــق عــى‬ ‫نفســها اســم «املفقوديــن» يف موقــع التواصــل‬ ‫االجتامعــي «فيســبوك»‪ ،‬ســلطت منــذ أمــس‬ ‫الضــوء عــى «املجــزرة بحــق قــوات النظــام» يف‬ ‫تــل الصــوان‪ ،‬ونــرت إىل اآلن مقطعــي فيديــو‬ ‫تؤكــد فيهــا حــدوث «خيانــة» بحــق الجنــود‬ ‫الذيــن قتلــوا‪ ،‬عــى حــد تعبريهــا‪ ،‬ونــرت‬ ‫صبــاح اليــوم األربعــاء‪ ،‬مــا دار مــن نقــاش بــن‬ ‫اللــواء عبــاس والجنــود املقتحمــن قبــل أن‬ ‫يلقــوا مرصعهــم بقليــل‪.‬‬ ‫وقالــت الصفحــة إن «اللــواء أخربهــم بــرورة‬ ‫اقتحــام مناطــق املســلحني ملســافة ‪ 1‬إىل ‪ 2‬كــم‪،‬‬ ‫لكــن الجنــود أخــروه بــأن املــكان خطــر جــدا ً‬ ‫وأنــه مــن الــروري أن يســبق الهجــوم متهيــد‬ ‫مدفعــي‪ ،‬فات ّهــم اللــواء الجنــود بأنهــم طابــور‬ ‫خامــس‪ ،‬وأن مــا يطلبــه منهــم أوامــر عســكرية‬ ‫يحــال مــن يخالفهــا ملحكمــة عســكرية‪.‬‬

‫واضطــر الجنــود للهجــوم ليجــدوا أنفســهم يف‬ ‫كمــن مجهــز بجميــع أنــواع األســلحة ومــن‬ ‫بــن الـــ‪ 250‬مقاتــاً نجــى فقــط ‪ 60‬منهــم‬ ‫حــورصوا يف بركــة صغــرة»‪.‬‬ ‫وأظهــرت مقاطــع الفيديــو مناشــدة املقاتلــن‬ ‫املحارصيــن لقياداتهــم طالبــن منهــم اســتخدام‬ ‫الدبابــات وفــك الحصــار عنهــم‪ ،‬وظهــر يف‬ ‫الفيديــو جنــود أصيبــوا خــال املواجهــات‪.‬‬ ‫وطالــب موالــون نظــام األســد بفتــح تحقيــق‬ ‫فيــا وصفــوه بـ»املجــزرة» ومحاســبة الخائنني‪،‬‬ ‫واتهــم بعضهــم يف تعليقــات نــرت عــى‬

‫«فيســبوك» ضبــاط قــوات النظــام بـ»الخيانة»‪،‬‬ ‫وقالــوا إنهــم يضحــون بالجنــود مقابــل بقائهــم‬ ‫عــى قيــد الحيــاة‪.‬‬ ‫ويف الســياق ذاتــه‪ ،‬تســاءلت صفحــة «بدنــا‬ ‫نتــرح» التــي يديرهــا جنــود لقــوات النظــام‬ ‫مــن الــدورة ‪ 102‬عــن الوقــت الذي سيحاســب‬ ‫فيــه املســؤولون عــن «مسلســل الخيانــات»‬ ‫حســب تعبريهــا‪ ،‬وقالــت‪« :‬الفرقــة ‪ 17‬ومطــار‬ ‫الطبقة يف الرقة‪ ،‬مدرســة املشــاة‪ ،‬ومســتودعات‬ ‫خــان طومــان يف حلــب‪ ،‬وتــل الحــارة يف درعــا‪،‬‬ ‫وأخــرا ً وليــس آخــر تــل الصــوان يف الغوطــة‬

‫الرشقيــة‪ ..‬أماكــن ســقطت بســبب خيانــات يف‬ ‫تلــك املناطــق‪ ،‬وذهــب ضحيتهــا املئــات مــن‬ ‫رفاقنــا مــن دون محاســبة املســؤول عنهــا‪ ..‬إىل‬ ‫متــى سيســتمر مسلســل الخيانــات‪.»..‬‬ ‫ويشــكك موالــون يف أن يتخــذ النظــام أي‬ ‫إج ـراء أو فتــح تحقيــق بحادثــة تــل الصــوان‪،‬‬ ‫معتربيــن أن جميــع الحــوادث الســابقة التــي‬ ‫قتــل فيهــا العــرات مــن جنــوده نتيجــة‬ ‫«الخيانــات» حســب قولهــم مل يهتــم بهــا‪ ،‬إذ‬ ‫مــا يـزال الضبــاط املتهمــن بالخيانــة عــى رأس‬ ‫عملهــم‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫األمم املتحدة ختشى على مئات اآلالف إذا ُحوصرت حلب‬ ‫جنيف ‪ -‬رويرتز‬

‫أعلنــت األمــم املتحــدة‪ ،‬اليــوم الثالثــاء‪،‬‬ ‫أن مئــات اآلالف مــن املدنيــن قــد تنقطــع‬ ‫عنهــم إمــدادات الطعــام إذا نجحــت قــوات‬ ‫الحكومــة الســورية يف محــارصة املناطــق التــي‬ ‫تســيطر عليهــا املعارضــة يف مدينــة حلــب‪،‬‬ ‫وحــذرت مــن موجــة ف ـرار جديــدة لالجئــن‪.‬‬ ‫وتخــى األمــم املتحــدة أن يقطــع تقــدم‬ ‫القــوات الحكوميــة الطريــق الوحيــد املتبقــي‬ ‫بــن املناطــق التــي تســيطر عليهــا املعارضــة‬ ‫يف حلــب ومعابــر الحــدود الرتكيــة الرئيســية‪،‬‬ ‫والتــي كانــت مبثابــة رشيــان حيــاة للمناطــق‬ ‫التــي تســيطر عليهــا املعارضــة‪.‬‬ ‫وقــال مكتــب األمــم املتحــدة لتنســيق‬ ‫الشــؤون اإلنســانية يف نــرة عاجلــة‪« :‬إذا‬ ‫قطعــت الحكومــة الســورية وحلفاؤهــا‬ ‫طريــق الفــرار الوحيــد املتبقــي للخــروج‬ ‫مــن رشق مدينــة حلــب‪ ،‬فهــذا ســيعزل ‪300‬‬ ‫ألــف يعيشــون يف املدينــة عــن أي مســاعدات‬

‫إنســانية‪ ،‬مــا مل يتــم التفــاوض عــى نقــاط‬ ‫دخــول عــر الخطــوط»‪.‬‬ ‫وأضــاف «إذا اســتمر تقــدم قــوات الحكومــة‬ ‫الســورية حــول املدينــة‪ ،‬تقــدر املجالــس‬ ‫املحليــة أن مــا بــن ‪ 100‬ألــف و‪ 150‬ألفــاً‬ ‫ســيفرون نحــو عفريــن والريــف الغــريب‬ ‫ملحافظــة حلــب»‪.‬‬ ‫وتســتضيف تركيــا بالفعــل ‪ 2.5‬مليــون ســوري‪،‬‬ ‫وهــو أكــر تجمــع لالجئــن يف العــامل‪ .‬لكنهــا‬ ‫تغلــق حتــى اآلن حدودهــا أمــام موجــة‬ ‫النــزوح الجديــدة‪ ،‬مــا يصعــب مهمــة إيصــال‬ ‫مســاعدات يحتاجهــا الفــارون بشــدة‪.‬‬ ‫ودعــت األمــم املتحــدة أنقــرة اليــوم إىل فتــح‬ ‫الحــدود‪ ،‬كــا طالبــت دوالً أخــرى بتقديــم‬ ‫مســاعدات لرتكيــا‪.‬‬ ‫وأعــرب وليــام ســبيندلر املتحــدث باســم‬ ‫املفوضيــة الســامية لشــؤون الالجئــن التابعــة‬ ‫لألمــم املتحــدة عــن تفهــم املفوضيــة ملخــاوف‬ ‫تركيــا مــن «تدفــق كبــر محتمــل» عــى البــاد‬

‫التــي تســتضيف بالفعــل أكــر مــن ‪ 2.5‬مليــون‬ ‫الجــئ ســوري‪.‬‬ ‫وقــال‪« :‬ســمحت تركيــا أيضــاً بدخــول عــدد‬ ‫مــن األشــخاص املصابــن واملهدديــن إىل‬ ‫تركيــا‪ .‬لكــن هنــاك عــددا ً كبــرا ً ال يســمح‬

‫لهــم بعبــور الحــدود‪ .‬ونطلــب مــن تركيــا أن‬ ‫تفتــح حدودهــا أمــام كل املدنيــن يف ســورية‬ ‫الفاريــن مــن الخطــر واملحتاجــن إىل حاميــة‬ ‫دوليــة كــا فعلــت مــن قبــل»‪.‬‬ ‫ورصح رئيــس الــوزراء الــريك أحمــد داود‬ ‫أوغلــو بــأن نحــو ‪ 70‬ألــف الجــئ ســوري قــد‬ ‫يصلــون إىل الحــدود الرتكيــة إذا اســتمرت‬ ‫الحملــة العســكرية هنــاك بهــذه الشــدة‪.‬‬ ‫وأضــاف أن تركيــا لــن تغلــق حدودهــا أمــام‬ ‫الالجئــن‪.‬‬ ‫وأوضــح برنامــج األغذيــة العاملــي التابــع لألمم‬ ‫املتحــدة يف بيــان أنــه بــدأ توزيــع الطعــام‬ ‫يف بلــدة أع ـزاز القريبــة مــن تركيــا ملســاعدة‬ ‫املوجــة الجديــدة مــن الفاريــن مــن القتــال‪.‬‬ ‫وقــال جيكــوب كــرن مديــر الربنامــج يف‬ ‫ســورية «املوقــف هــش للغايــة يف شــال‬ ‫حلــب مــع تنقــل األرس بحثــاً عــن األمــان»‪،‬‬ ‫مضيفــاً «نحــن قلقــون للغايــة ألن مســارات‬ ‫الدخــول واإلمــداد مــن شــال حلــب إىل‬

‫رشقهــا واملناطــق املحيطــة مقطوعــة اآلن‪،‬‬ ‫لكننــا نبــذل كل جهــد لتوفــر مــا يكفــي مــن‬ ‫طعــام للمحتاجــن عــن طريــق نقــاط عبــور‬ ‫الحــدود التــي ال ت ـزال مفتوحــة مــن تركيــا»‪.‬‬ ‫عــى صعيــد متصــل‪ ،‬أفــادت منظمتــان غــر‬ ‫حكوميتــن أن أكــر مــن مليــون ســوري‬ ‫يعيشــون تحــت الحصــار‪ ،‬مشــرة إىل أن‬ ‫األزمــة «أســوأ بكثــر» مــا تحــدث عنــه‬ ‫مســؤولو األمــم املتحــدة‪.‬‬ ‫وأوضحــت جمعيــة «باكــس» الهولنديــة‬ ‫و»معهــد ســوريا» األمــريك أن «املعلومــات‬ ‫التــي جمعتهــا مبــادرة «ســييج ووتــش» تبــن‬ ‫أن هنــاك أكــر بكثــر مــن مليــون ســوري‬ ‫يخضعــون للحصــار يف مناطــق داخــل دمشــق‬ ‫ويف محافظــات ريــف دمشــق ويف حمــص‬ ‫وديــر الــزور ومحافظــة إدلــب»‪ ،‬وهــم‬ ‫معرضــون «ملخاطــر الوفــاة بصــورة متزايــدة»‬ ‫بســبب نقــص املــواد الغذائيــة والكهربــاء‬ ‫وميــاه الــرب‪.‬‬

‫اجملرم بش��ار األس��د يبشر باس��تمرار احلرب الطويلة يف س��ورية‪ ..‬ويقف مع داعش ضد حماربة اإلرهاب!‬

‫األسد يبشر باستمرار تدمري سورية‬ ‫دمشق – (أ ف ب) ‪(.‬رويرتز)‬

‫ـر رأس النظــام الســوري بشــار األســد‬ ‫بـ ّ‬ ‫الســوريني والعــامل بحــرب طويلــة يف بــاده‪،‬‬ ‫وقــال إن هدفــه «اســتعادة (كامــل) األرايض‬ ‫الســورية‪ ،‬ولكــن ذلــك يتطلــب وقتـاً طويـاً»‪،‬‬ ‫مشــددا ً عــى أن التفــاوض مــع املعارضــة «ال‬ ‫يعنــي التوقــف عــن مكافحــة اإلرهــاب»‪.‬‬ ‫ويف مقابلــة حرصيــة مــع وكالــة «فرانــس‬ ‫بــرس» يف دمشــق بثتهــا (الجمعــة)‬ ‫‪ ،2016/2/12‬رفــض (املجــرم) بشــار األســد‬ ‫االتهامــات التــي وجهتهــا إليــه األمــم املتحــدة‬ ‫بارتــكاب جرائــم حــرب وأوردت أدلــة مثبتــة‬

‫عليهــا‪ ،‬وقــال إن «االتهامــات مسيســة»‪.‬‬ ‫وردا ً عــى ســؤال حــول إمــكان قواته اســتعادة‬ ‫األرايض الســورية كافــة مــن أيــدي املعارضــة‪،‬‬ ‫قــال األســد الــذي يشــكك املجتمــع الــدويل يف‬ ‫رشعيتــه ويدعــوه إىل الرحيــل للبــدء مبرحلــة‬ ‫انتقاليــة يف ســورية‪ ،‬إنــه «مــن غــر املنطقــي‬ ‫القــول إن هنــاك جــزءا ً ســنتخىل عنــه»‪ .‬وتابــع‬ ‫«ســواء كان لدينــا اســتطاعة أو مل يكــن‪ ،‬فهــذا‬ ‫هــدف ســنعمل عليــه مــن دون تــر ّدد»‪ .‬لكنــه‬ ‫أضــاف‪« :‬هــذا يعنــي بشــكل بديهــي أن‬ ‫يكــون زمــن الحــل طوي ـاً‪ ،‬والثمــن كب ـرا ً»‪.‬‬

‫واعتــر أن املعركــة التــي يخوضهــا جيشــه‬ ‫مدعومــاً بحملــة جويــة روســية واســعة‬ ‫وبعنــارص مــن ميليشــيات إيرانيــة ولبنانيــة‬ ‫وعراقيــة يف منطقــة حلــب‪ ،‬هدفهــا «قطــع‬ ‫الطريــق» مــع تركيــا‪.‬‬ ‫وقــال‪« :‬املعركــة اآلن يف حلــب ليســت معركــة‬ ‫اســتعادة املدينــة‪ ،‬ألننــا كدولــة موجــودون‬ ‫فيهــا‪ ،‬ولكــن املعركــة األساســية هــي قطــع‬ ‫الطريــق بــن حلــب وتركيــا»‪ ،‬مشــرا ً إىل أن‬ ‫«تركيــا هــي طريــق اإلمــداد األســايس حالي ـاً‬ ‫بالنســبة لإلرهابيــن»‪.‬‬ ‫وتابــع (مــررا ً اســتمرار جرامئــه) «نؤمــن إميانـاً‬ ‫كامــاً بالتفــاوض وبالعمــل الســيايس منــذ‬ ‫بدايــة األزمــة‪ ،‬ولكــن أن نفــاوض ال يعنــي أن‬ ‫نتوقــف عــن مكافحــة اإلرهــاب»‪ ،‬مش ـرا ً إىل‬ ‫أنــه «ال بــد مــن مســارين يف ســورية‪ ...‬أوالً‬ ‫التفــاوض وثانيــاً رضب اإلرهابيــن‪ ،‬واملســار‬ ‫األول منفصــل عــن املســار الثــاين»‪.‬‬ ‫وبــدا األســد مدافعــاً عــن تنظيــم «الدولــة‬ ‫اإلســامية» (داعــش) عندمــا انتقــد عرضــاً‬ ‫ســعودياً وتركيــاً بإرســال قــوات بريــة إىل‬ ‫ســورية يف إطــار التحالــف الــدويل ملحاربــة‬ ‫التنظيــم اإلرهــايب‪ ،‬وقــال‪« :‬املنطــق يقــول‬

‫إن التدخــل غــر ممكــن لكــن أحيان ـاً الواقــع‬ ‫يتناقــض مــع املنطــق‪ ،‬وهــذا احتــال ال‬ ‫أســتطيع اســتبعاده لســبب بســيط وهــو أن‬ ‫(الرئيــس الــريك رجــب طيــب) أردوغــان‬ ‫شــخص متعصــب‪ ،‬مييــل لإلخــوان (املســلمني)‬ ‫ويعيــش الحلــم العثــاين»‪ .‬وأضــاف‪« :‬األمــر‬ ‫نفســه بالنســبة إىل الســعوديني‪ ،‬فمثــل هــذه‬ ‫العمليــة لــن تكــون ســهلة بالنســبة إليهــم‪،‬‬ ‫وســنواجهها بــكل تأكيــد»‪.‬‬ ‫وعــر هــذا اللقــاء اســتمر املجــرم مــع‬

‫شــبيحته مــن مؤيــدي الرباميــل املتفجــرة‬ ‫والتعذيــب والتهجــر‪ ،‬يــررون تدمــر ســورية‬ ‫للحفــاظ عــى رأس النظــام املجــرم‪ ،‬الــذي‬ ‫أحــال ســورية إىل خ ـراب‪ ،‬واســتدعوا الــروس‬ ‫واإليرانيــن ملعاونتهــم عــى تحويــل ســورية‬ ‫إىل مقــرة مهجــورة‪ ،‬ولــرووا غرائزهــم‬ ‫البهامئيــة‪ ،‬يف االنتقــام الوحــي مــن املعارضــة‬ ‫الســورية‪ ،‬والشــعب الســوري الــذي ف ّجــر‬ ‫الثــورة‪ ،‬وطالــب بالحريــة والكرامــة لــكل‬ ‫الســوريني‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫بيان إعالن املنصة املدنية السورية‬

‫االستقاللية والشفافية والرقابة والتشاركية عناوين رئيسة‬ ‫تحكم عمل املنصة السورية‬ ‫الحرمل ـ اسطنبول‬ ‫بعــد عــام وخمســة أشــهر مــن‬ ‫العمــل ونتيجــة للشــعور باإلحبــاط‬ ‫خــال الســنوات الخمــس املاضيــة مــن‬ ‫عــدم قــدرة املجتمــع الــدويل عــى‬ ‫تنفيــذ القــرارات الدوليــة‪ ،‬ودعــم أي‬ ‫جهــود تهــدف إىل وقــف القصــف‪،‬‬ ‫وإطــاق النــار‪ ،‬وحاميــة املدنيــن‪،‬‬ ‫وإطــاق رساح املعتقلــن‪ ،‬وبيــان مصــر‬ ‫املفقوديــن‪.‬‬ ‫بنــا ًء عليــه أعلنــت منظــات املجتمــع‬ ‫املــدين يف ســوريا عــن والدة املنصــة‬ ‫املدنيــة الســورية يف ‪ 10‬شــباط‪/‬فرباير‬ ‫‪ 2016‬يف مدينــة إســطنبول الرتيكــة‪.‬‬ ‫وتتكــون املنصــة املدنيــة الســورية‬ ‫مــن ‪ 11‬منصــة محليــة يف ‪ 11‬محافظــة‬ ‫مــن أصــل ‪ 14‬محافظــة ســورية‪،‬‬ ‫وثــاث أخــرى يف بلــدان اللجــوء‬ ‫املجــاورة لســوريا‪ ،‬وهــي لبنــان واألردن‬ ‫وكردســتان العــراق‪ ،‬ممثلــة عــن ‪191‬‬ ‫منظمــة و‪ 145‬قياديــاً مجتمعيــاً‪.‬‬ ‫وانطالقــاً مــن أهميــة دور املجتمــع‬ ‫املــدين يف إحــال الســلم األهــي‪ ،‬دعــت‬ ‫املنصــة إىل مشــاركة فاعلــة‪ ،‬ومســتمرة‬ ‫للمجتمــع املــدين بــدور استشــاري‬ ‫ورقــايب عــى عمليــة االنتقــال الســيايس‬ ‫بأكملهــا‪ ،‬وهــي تحــث كل األطــراف‬ ‫املنخرطــة يف مباحثــات جنيــف التــي‬ ‫ستســتأنف يف الخامــس والعرشيــن من‬ ‫الشــهر الجــاري أن تأخــذ بعــن االعتبار‬ ‫مــا تضمنتــه ورقــة املبــادئ التــي تــم‬ ‫نرشهــا بتاريــخ إعــان املنصــة املدنيــة‬ ‫الســورية‪ ،‬والتــي أقرتهــا بعــد تشــاور‬ ‫معمــق مــع كل املنصــات املحليــة مبــا‬ ‫يعــر عــن حاجــات ورغبــات املجتمــع‬ ‫الســوري‪.‬‬ ‫وبيّنــت املنصــة املدنيــة الســورية‬ ‫ورقــة املبــادئ التــي تحكــم عملهــا‬ ‫مــن خــال تقريرهــا الــذي صدرتــه‬ ‫خــال مؤمترهــا التأســييس الــذي‬ ‫أطلقتــه يف إســطنبول‪ ،‬وتضمنــت أفــق‬

‫املســار الســيايس‪ ،‬والعمــل عــى املســار‬ ‫اإلنســاين مــن خــال فــك الحصــار‪،‬‬ ‫وإيصــال املســاعدات اإلنســانية‪،‬‬ ‫واإلف ـراج عــن املعتقلــن واملخطوفــن‪،‬‬ ‫وبيــان مصــر املفقوديــن‪ ،‬ووقــف‬ ‫أطــاق النــار‪ ،‬ومبــا فيهــا وقــف القصف‬ ‫فــورا ً وتنفيــذ البنــود اإلنســانية بشــكل‬ ‫فــوري‪.‬‬

‫الحــل الســيايس‪ ،‬الــذي يعــد الحــل‬ ‫األمثــل يف ســوريا‪ ،‬وأخــذ املقاربــات‬ ‫عــى املســتوى املحــي بعــن االعتبــار‪،‬‬ ‫وهــو مــا يجعــل أي مقرتحــات للحــل‬ ‫الســيايس هــي واقعيــة وأقــرب إىل‬ ‫الدقــة‪ ،‬لذلــك تعــد املشــاركة الفعالــة‬ ‫للمجتمــع املــدين والنســاء يف الحــل‬ ‫الســيايس رضوريــة وأساســية‪.‬‬ ‫وبنــاء عــى هــذه الفرضيــات الثــاث‬ ‫تــم العمــل عــى تشــكيل املنصــة‬ ‫املدنيــة الســورية‪ .‬التــي اعتمــدت‬ ‫مبــدأي التضمــن والتشــاور كأســاس‬ ‫للمشــاركة املجتمعيــة الفاعلــة يف صنــع‬ ‫الحــل الســيايس يف ســورية‪.‬‬ ‫فيــا تؤكــد املنصــة املدنيــة الســورية‬ ‫رؤيتهــا للحــل الســيايس يف إطــار تثمــن‬ ‫الجهــود الدوليــة الداعمــة الســتمرار‬ ‫الحــل الســيايس يف ســوريا عــى‬ ‫أســاس جنيــف ‪ 1‬والق ـرارات الصــادرة‬ ‫عــن مجلــس األمــن‪ ،‬وتعتــر املنصــة‬ ‫البنديــن‪ ١٢،١٣‬مــن القــرار ‪٢٢٥٤‬‬ ‫مدخ ـاً أساســياً إلج ـراءات بنــاء الثقــة‬ ‫لبــدء املفاوضــات‪ ،‬وبدورهــا تعمــل‬ ‫املنصــة املدنيــة الســورية عــى نجــاح‬ ‫االنتقــال الســيايس الســلمي لتحقيــق‬

‫طموحــات الشــعب الســوري بالعدالــة‬ ‫والحريــة والكرامــة وإحــال الســام‬ ‫املســتدام يف ســورية‪.‬‬ ‫وأشــار التقريــر أن املنصــة املدنيــة‬ ‫الســورية تشــعر باإلحبــاط مــن عــدم‬ ‫قــدرة املجتمــع الــدويل عــى تنفيــذ‬ ‫القـرارات الدوليــة‪ ،‬وتــرى رضورة دعــم‬ ‫أي جهــود تهــدف إىل وقــف القصــف‬ ‫ووقــف إطــاق النــار وحاميــة املدنيــن‬ ‫وإطــاق رساح املعتقلــن وبيــان مصــر‬ ‫املفقوديــن‪ ،‬كــا تــرى أن املفاوضــات‬ ‫يجــب أن تكــون بــن وفديــن‬ ‫متفاوضــن فقــط عــى أن تكــون‬ ‫الهيئــة العليــا للمفاوضــات مســتقلة‬ ‫باختيــار الوفــد املمثــل للمعارضــة‬ ‫طاملــا أنهــا ملتزمــة بــرورة الحــل‬ ‫الســيايس وفــق جنيــف ‪ 1‬وتطبيــق‬ ‫البنــود املتعلقــة بوقــف إطــاق النــار‬ ‫يف القـرار ‪ .2254‬وتحــث الهيئــة العليــا‬ ‫للمفاوضــات عــى التضمــن والتشــاور‬ ‫بشــكل مســتمر مــع املجتمــع املــدين‪،‬‬ ‫ومــع األطــراف العســكرية‪ ،‬ومــع كل‬ ‫األطــراف السياســية‪ ،‬وكل مكونــات‬ ‫الشــعب الســوري‪ ،‬وتدعــو إىل العمــل‬ ‫عــى فصــل املســار اإلنســاين عــن‬

‫أمــا بالنســبة للمبــادئ الحاكمــة ملنهــج‬ ‫عمــل املنصــة املدنيــة الســورية‪ ،‬فهــي‬ ‫تؤكــد عــى االســتقاللية أوالً‪ ،‬وهــي‬ ‫عمليــة مــن الصعــب عــى أي جهــة‬ ‫أن تكــون حياديــة يف مأســاة بهــذا‬ ‫الحجــم يف ســوريا‪ ،‬لذلــك فاملنصــة‬ ‫املدنيــة الســورية ال تعتــر نفســها‬ ‫حياديــة تجــاه املامرســات االســتبدادية‬ ‫مــن الســلطة وباقــي القــوى وإمنــا‬ ‫مســتقلة‪ .‬وإن اســتقاللية املنصــة تعنــي‬ ‫اعتبــار الحريــة والكرامــة والعدالــة‬ ‫واملســاواة قيــاً عليــا تحكــم عملهــا‪.‬‬ ‫كــا تلتــزم املنصــة باملصلحــة العامــة‬ ‫للمجتمــع الســوري‪ ،‬والوقــوف عــى‬ ‫مســافة واحــدة مــن كل مكونــات‬ ‫املجتمــع الســوري‪ ،‬إضافــة العتــاد‬ ‫مبــدأ املســاءلة وجــر الــرر‪ ،‬واعتبــار‬ ‫االســتقاللية باتخــاذ القــرارات أساســاً‬ ‫أوليـاً بعيــدا ً عــن التوجهــات السياســية‬ ‫مبــا يخــدم مصالــح الشــعب الســوري‪.‬‬ ‫وتؤســس املنصــة لــدور فاعــل‬ ‫للمجتمــع املــدين يف دعــم حــل ســيايس‬ ‫مســتدام يف ســوريا‪ ،‬ودور كبــر يف‬ ‫التشــاور عــى املســتوى املحــي‬ ‫باملوضوعــات املختلفــة املطروحــة عــى‬ ‫أجنــدة املفاوضــات‪ ،‬وتقديــم توصيــات‬ ‫ومقرتحــات باملواضيــع املطروحــة‬ ‫مــن خــال املشــاورات عــى املســتوى‬ ‫املحــي‪ ،‬وتعزيــز الــدور الرقــايب‬ ‫واالستشــاري يف عمليــة االنتقــال‬ ‫الســيايس بأكملهــا‪.‬‬

‫قاعدة جوية لألمريكان يف شمال شرق سوريا‬ ‫الحرمل ـ وكاالت‬ ‫أفــادت وكالــة األنبــاء الفرنســية أن‬ ‫األمريكيــن يرشعــون بتجهيــز مطــار يف‬ ‫محافظــة الحســكة‪ ،‬وذلــك الســتخدامه‬ ‫كقاعــدة عســكريه يف شــال رشق‬ ‫ســوريا‪ ،‬وأكــدت مصــادر ذات صلــة أن‬ ‫األمريكيــن يجهــزون قاعــدة عســكريه‬ ‫يف منطقــة أبــو حجــر جنــوب الرميــان‬ ‫منــذ عــدة أشــهر‪ ،‬وذلــك بحاميــة‬ ‫وتعــاون وتنســيق مــع وحــدات حاميــة‬ ‫الشــعب الكرديــة‪.‬‬ ‫وحســب فرانــس بــرس أنــه تــم‬ ‫تجهيــز القاعــدة الســتقبال املروحيــات‬ ‫وطائــرات الشــحن‪ ،‬وقــد تــم توســيع‬ ‫مدرجــات املطــار بطــول ‪ 2700‬مــر يف‬ ‫الوقــت الــذي مــا زالــت املروحيــات‬ ‫األمريكيــة تهبــط فيــه‪ ،‬اســتعدادا ً‬ ‫الســتقبال طائــرات الشــحن الضخمــة‬ ‫يف وقــت قريــب‪.‬‬

‫وقــد كشــف مصــدر أمنــي مقـ ّرب مــن‬ ‫النظــام الســوري أن القاعــدة أصبحــت‬ ‫مقــرا ً للمستشــارين العســكريني‬ ‫األمريــكان‪ ،‬وذلــك بعد هبــوط طائرات‬ ‫هيلوكوبــر منــذ عــدة أســابيع محملــة‬ ‫بالخــراء واملدربــن واالستشــاريني‬ ‫األمريــكان‪ ،‬وأن القــوات األمريكيــة‬ ‫تســتخدم الحوامــات للتنقــل مــن‬ ‫القاعــدة إىل جبهــات القتــال‪.‬‬

‫ويف ســياق متصــل أكــدت مصــادر‬ ‫متعــددة أن مطــار القامشــي قــد‬ ‫تحــول إىل قاعــدة عســكريه روســية‬ ‫تُــدار منهــا العمليــات لقتــل الشــعب‬ ‫الســوري‪ ،‬وتقديــم الدعــم والعتــاد‬ ‫واإلســناد الجــوي للقــوات املنضويــة‬ ‫تحــت مشــاريع روســيا والنظــام‪.‬‬ ‫وقــد شــوهد عســكريني روس يف‬ ‫مدينــة القامشــي يدخلــون إحــدى‬

‫الكنائــس ألداء الصــاة كرســالة تطمــن‬ ‫لآلشــوريني والرسيــان باملنطقــة‪ ،‬كــا‬ ‫يتــم عقــد اجتامعــات دوريــة بــن‬ ‫ضبــاط روس وقيــادات عســكرية‬ ‫آشــورية يف كنيســة العــذراء‪ ،‬وقــد‬ ‫تــم تقديــم أســلحة خفيفــة لقــوات‬ ‫الســوتورو‪ ،‬وكل ذلــك ليــس بعيــدا ً عــن‬ ‫مباركــة البطريــرك األرثوذكــي الــرويس‬ ‫للصواريــخ والقنابــل التــي يقصــف‬ ‫الــروس بهــا الشــعب الســوري‪.‬‬ ‫بقــي أن نشــر أن إقليــم كردســتان‬ ‫الع ـراق‪ ،‬وإبــان غــزو أمريــكا للع ـراق‬ ‫يف العــام ‪ 2003‬تــم انشــاء قاعــدة‬ ‫عســكرية أمريكيــة يف مطــار أربيــل‬ ‫لــرب الجيــش العراقــي لتكــون‬ ‫خنجــر غــدر يف ظهــر العــراق‪ ،‬ومثــن‬ ‫ذلــك إقليــم فيــدرايل مســخ مل تشــهد‬ ‫لــه القوانــن‪ ،‬وال الســوابق التاريخيــة‬ ‫مثيــاً‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫الحرملي‬ ‫م��ن ُيعي��د األم��ل‬ ‫للس��وريني؟!‬ ‫يوسف دعيس‬ ‫مثّــة مــن يعتقــد أن جيــش النظــام الســوري يســتطيع أن‬ ‫يســرد حريــة وكرامــة الســوريني‪ ،‬الجيــش الــذي أمطــر املدن‬ ‫الســورية بالقنابــل والصواريــخ والرباميــل املتفجــرة‪ ،‬الجيــش‬ ‫الــذي اســتعان مبيليشــيات الحقــد الطائفــي والحــرس‬ ‫الثــوري اإلي ـراين وروســيا لريتكــب وأعوانــه أفظــع الجرائــم‬ ‫بحــق الشــعب الســوري‪ ،‬هــو مــن يع ـ ِّول عليــه بعــض مــن‬ ‫الســوريني ممــن يعيشــون خــارج الزمــن ليحــرر أرضـاً تركهــا‬ ‫جهــارا ً نهــارا ً‪ ،‬نهبـاً لشــذاذ اآلفــاق‪ ،‬فهــو مل يكــن يف يــوم مــن‬ ‫األيــام يفكــر بحاميتهــا أو الدفــاع عنهــا‪.‬‬ ‫مثــة مــن أرســل برقيــة تهنئــة يبــارك فــك الحصــار عــن نبــل‬ ‫والزهــراء‪ ،‬وضمنيــاً مينــي النفــس مبتابعــة حصــار النظــام‬ ‫ألهلنــا يف ديــر الــزور ومضايــا ومعظميــة الشــام وباقــي مدن‬ ‫الغوطــة‪ ،‬ويشــدد عــى رضورة متابعــة التضييــق عــى أهلنــا‬ ‫يف ريفــي حمــص وحــاة‪ ،‬ويطالــب بحرقهــم أو إبادتهــم‪ ،‬إن‬ ‫مل ميوتــوا مــن الجــوع‪ ،‬وأيضـاً مثّــة مــن يهلــل لجيــش النظــام‬ ‫بأنــه مــن ســيحرر الرقــة مــن داعــش‪ ،‬ولــو عــى جثــث‬ ‫ســاكنيها مــن الرقاويــن والديريــن والحلبيــن والتدامــرة‬ ‫والســخاين الذيــن يتجــاوز عددهــم النصــف مليــون نســمة‪،‬‬ ‫وال يعنيهــم مــن الحيــاة إال أمنهــم‪ ،‬وهــم أبعــد مــا يكونــون‬ ‫عــن داعــش أو أخواتهــا‪ ،‬ومثّــة شــيخ حلبــي آبــق بنــى حلفـاً‬ ‫مــع الشــيطان يراهــن أحدهــم بقولــه‪ :‬أتحــداك أن ت ُعطينــي‬ ‫اســاً ملــدين واحــد قُتــل بالقصــف الــرويس عــى أحيــاء‬ ‫حلــب‪ ،‬وكأن صــور الشــهداء مــن األطفــال والنســاء والشــيوخ‬ ‫جــرى تلفيقهــا يف غــرف تابعــة للمخاب ـرات الروســية‪.‬‬ ‫ولــي ال نبتعــد كثــرا ً عــن الواقــع‪ ،‬أعــود بالذاكــرة قليــاً‪،‬‬ ‫وأســأل هــؤالء هــل يُعيــد الحريــة مــن قتــل أكــر مــن‬ ‫‪ 1400‬شــخص بالكيــاوي يف ليلــة واحــدة؟ هــل يُعيــد‬ ‫األمــل مــن ارتكــب جرائــم الرتميســة والحولــة ودومــا وكفــر‬ ‫بطنــا وداريــا؟ وهــل يُعيــد الكرامــة مــن قصــف املــدارس‬ ‫واملســاجد والكنائــس واألســواق الشــعبية‪ ،‬واألحيــاء املدنيــة؟‬ ‫وللتذكــر فقــط عندمــا خرجــت بعــض أحيــاء ديــر الــزور‬ ‫عــن ســيطرة النظــام‪ ،‬اقتحــم الجيــش الــذي يهلــل لــه التفــه‬ ‫مــن البــر‪ ،‬ومــا هــم ببــر‪ ،‬يف شــهر أيلــول مــن العــام‬ ‫‪ 2012‬حــي القصــور يف مدينــة ديــر الــزور‪ ،‬وارتكــب بحــق‬ ‫املدنيــن مجــازر مر ّوعــة‪ ،‬وكان مــن ضحاياهــا علــان مــن‬ ‫أعــام ديــر الــزور‪ ،‬هــا األديبــان محمــد رشــيد رويــي‪،‬‬ ‫وإبراهيــم خريــط‪ ،‬األول تــم العثــور عــى جثتــه محروقــة‬ ‫ومتفســخة بعــد شــهرين مــن اختطافــه‪ ،‬والثــاين قتــل‬ ‫وولــداه راين وســومر برصــاص القــوات النظاميــة‪ ،‬حيــث مل‬ ‫يشــفع لهــم عمرهــم وال مكانتهــم األدبيــة الرفيعــة‪.‬‬ ‫هــذا هــو الجيــش الــذي يهلــل لــه بعــض مــن اآلبقــن‬ ‫(جامعــة هــاي الحريــة الــي بدكــم ياهــا)‪ ،‬وللتذكــر أيض ـاً‬ ‫يــا جامعــة ال تنســوا الطــران الــرويس الــذي يحتمــي بــه‬ ‫مختــار حــي املهاجريــن وعصابتــه‪ ،‬الــذي قتــل منــذ أقــل‬ ‫مــن شــهر أكــر مــن خمســن شــخصاً مــن أهلنــا يف الرقــة‪،‬‬ ‫وأظنكــم تعرفــون هنــداوي الجمعــة وعائلتــه‪ ،‬وعائلــة‬ ‫عجــان الحديــد‪ ،‬وعائلــة الدخيــل‪ ،‬وعائلــة خالــد الــراكان‪،‬‬ ‫وعائلــة أحمــد خــر الســهو‪ ،‬وجميعهــم مــن الرقــة وديــر‬ ‫الــزور تقاســموا الشــهادة عــى أرض الرقــة‪.‬‬ ‫يــا مــن اســتهواكم الــذل‪ ،‬واســتمرأتم لعــق البســطار‪،‬‬ ‫ســتعودون إىل الرقــة يف قــادم األيــام وتعيشــون وتتنفســون‬ ‫هــواء الفــرات‪ ،‬وميتــد بكــم العمــر طويــاً‪ ،‬وتطوفــون يف‬ ‫شــوارع الرقــة وحواريهــا‪ ،‬لكــن ســتكونون أذالء مهانــن بــا‬ ‫كرامــة‪ ،‬ولــن تجــدوا كلمــة تســعفكم يف كل قواميــس لغــات‬ ‫العــامل‪ ،‬وأنتــم تواجهــون أطفالكــم وأحفادكــم‪ ،‬وأتحداكــم‬ ‫إن كنتــم تســتطيعون النظــر يف عيــون زوجاتكــم وأمهاتكــم‪.‬‬ ‫فهــل ســتعون الــدرس بــأن القاتــل واملجــرم ال يُعيــد الكرامــة‬ ‫والحريــة ألهلــه؟‬


‫‪6‬‬ ‫أسعد فخري‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫«برابرة الشمال»‬ ‫يقظة الدب الروسي يف كروم الشرق األوسط (‪)4‬‬

‫ال شــك أن العالقــة املتداخلــة بــن األســباب‬ ‫«املبــارشة‪ ،‬وغــر املبــارشة» يف مشــهد دوافــع‬ ‫تدخــل الــدب الــرويس عســكرياً يف الشــأن‬ ‫الســوري تفصــح عــن ماهيــة جملــة مــن‬ ‫األهــداف املركَّبــة التــي ســترتك أثــرا ً بالغــاً‬ ‫وكارثيــاً عــى حيــاة الــروس‪ ،‬ومقدراتهــم‬ ‫االقتصاديــة ففــي الوقــت الــذي تدخــل روســيا‬ ‫حربــاً رضوســاً يف ســوريا مبيزانيــة عســكرية ال‬ ‫تتجــاوز «‪ 85‬مليــار دوالر»‪ ،‬نجــد تباينــاً الفتــاً‬ ‫أمــام املقــدرات الهائلــة‪ ،‬والكبــرة للواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة التــي تجــاوزت ميزانيــة‬ ‫إنفاقهــا العســكرية ســنوياً مــا يفوق مبلــغ «‪700‬‬ ‫مليــار دوالر» خالي ـاً مــن املشــكالت والعقبــات‪،‬‬ ‫وهــذا مــا ســيثقل كاهــل األهــداف الطموحــة‬ ‫التــي يســعى الــدب الــرويس لتحقيقهــا‪ ،‬ويقلــل‬ ‫مــن اســتمرار تواجــده ملــدة طويلــة يف مربــع‬ ‫احـراب مســعور عــى األرايض الســورية تعددت‬ ‫أجنداتــه‪ ،‬وغاياتــه‪ ،‬وســط دوامــة كبــرة مــن‬ ‫الرباغامتيــة السياســية التــي تقــوم عــى تصفيــة‬ ‫حســابات تاريخيــة مــن التنابــذ بــن الــدول‬ ‫صاحبــة األهــداف االس ـراتيجية‪ ،‬والجيوسياســية‬ ‫املتباينــة التــي تقودهــا الواليــات املتحــدة التــي‬ ‫تعتمــد آليــة اســتنزاف مقــدرات تلــك الــدول‬ ‫التــي وقعــت يف املســتنقع الســوري‪ ،‬وتوريــط‬ ‫العديــد مــن الــدول اإلقليميــة التــي مل تدخلهــا‬

‫بعــد مبــا يتفــق‪ ،‬وأهــداف الواليــات املتحــدة‬ ‫واسـراتيجيتها الهدامــة التــي مــا انفكــت تخلــط‬ ‫أوراق اللعبــة‪ ،‬وتخلخــل موازينهــا كلــا الحــت‬ ‫بارقــة أمــل الحلــول الســلمية‪.‬‬ ‫ب ـ األسباب املبارشة‪:‬‬ ‫ليــس مــن غمــوض يذكــر أمــام معرفــة‪ ،‬وتبــن‬ ‫األســباب املبــارشة التــي دفعــت الــدب الــرويس‬ ‫إىل أتــون الحــرب الســورية‪ ،‬وإلقــاء ثوابــت‬ ‫القانــون الــدويل للتدخــل العســكري املبــارش‬ ‫يف الرصاعــات خلــف ظهــره تحــت مزاعــم‬ ‫عديــدة لطاملــا كان الــدب الــرويس مــن أشــد‬ ‫املدافعــن عنهــا أمــام املحافــل الدوليــة‪ ،‬لكــن‬ ‫التحــوالت التــي ازدادت رضاوة‪ ،‬وتصعيــدا ً يف‬ ‫امللــف الســوري تؤكــد بصــورة ال تحتمــل الشــك‬ ‫اســتحالة الحلــول السياســية يف الوقــت الراهــن‪،‬‬ ‫وإ ّن تدخــل الــروس العســكري مــا هــو إال طــوق‬ ‫نجــاة للنظــام الســوري الــذي تآكلــت قوتــه‬ ‫العســكرية‪ ،‬وفقــد كـاً كبـرا ً مــن ســيطرته عــى‬ ‫مســاحات جغرافيــة واســعة لصالــح «داعــش»‬ ‫مــن جهــة‪ ،‬وللفصائــل العســكرية املعارضــة‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬والتــي أوشــكت هــي األخــرى‬ ‫عــى اإلجهــاز عليــه يف العاصمــة دمشــق إضافــة‬ ‫إىل اقــراب تلــك الفصائــل الكاســح‪ ،‬والخطــر‬ ‫مــن أوكاره الحصينــة يف الالذقيــة وأريافهــا‬ ‫التــي تعــد الخــزان البــري الطائفــي لقواتــه‪،‬‬ ‫وميليشــياته القاتلــة‪ ،‬ولــي تتحقــق مــررات‬

‫التدخــل العســكرية للــدب الــرويس‪ ،‬وتســويغ‬ ‫رشعتنــه مبــا ينســجم وتفاهــات تحــت الطاولةـ‬ ‫مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة أمــام الــرأي‬ ‫العــام العاملــي‪ ،‬بــادر الــروس‪ ،‬والنظــام الســوري‬ ‫إىل تفعيــل اتفاقيــة عــام ‪ 2007‬للدفــاع املشــرك‬ ‫بينهــا‪ ،‬إضافــة إىل تفاهــات جديــدة ُعــ َّدت‬ ‫ملحقــاً إجرائيــاً لالتفاقيــة األساســية‪ ،‬حيــث‬ ‫تضمنــت املالحــق العديــد مــن البنــود التــي‬ ‫تكفــل منــح صالحيــات جديــدة للقــوات‬ ‫العســكرية الروســية املتواجــدة عــى األرايض‬ ‫الســورية‪ ،‬وأطــر قانونيــة متعــددة تحميهــا‬ ‫مــن املســاءلة أمــام املحاكــم الدوليــة مــن‬ ‫خــال تدخلهــا املبــارش يف الحــرب الدائــرة‪،‬‬ ‫وذلــك مــا دفــع النظــام الســوري لإلقــدام‬ ‫عــى طلــب املســاعدة العســكرية املبــارشة‬ ‫مــن الحليــف الــرويس بصــورة مبــارشة بحجــة‬ ‫محاربــة اإلرهابيــن‪ ،‬ووقــف تقــدم‪ ،‬وتوســع‬ ‫قــوات املعارضــة املســلحة يف العديــد مــن‬ ‫املناطــق التــي يتوافــق الــروس‪ ،‬واإليرانيــن مــع‬ ‫النظــام عــى أنهــا «ســورية املفيــدة» التــي ال‬ ‫بــد مــن حاميتهــا‪ ،‬وإبعــاد املعارضــة املســلحة‬ ‫عــن حدودهــا‪ ،‬والتــي ســتكون الورقــة املقبلــة‬ ‫لتقســيم ســورية إىل كانتونــات طائفيــة‪،‬‬ ‫ومذهبيــة‪ ،‬وعرقيــة يف حــال فقــد النظــام كل‬ ‫أوراق اللعبــة التــي يديرهــا بالتعــاون مــع‬ ‫اإليرانيــن‪ ،‬والــروس‪ ،‬وحــزب اللــه‪ ،‬وامليليشــيات‬

‫الطائفيــة التــي اســتقدمها مــن كل أصقــاع‬ ‫األرض‪ ،‬وذلــك مــا ســيحقق أيضـاً للــدب الــرويس‬ ‫حضــورا ً فاعـاً يف ملــف القطبيــة أمــام الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬والــدول األوربيــة التــي‬ ‫كــا العديــد مــن الــدول املشــاركة يف مســتنقع‬ ‫الحــرب الســورية مل يعلنــوا رفضهــم رصاحــة‬ ‫لتدخــل الــدب الــرويس العســكري الــذي ُعــ َّد‬ ‫مــن وجهــة نظرهــم أم ـرا ً سيســاهم يف جــذب‬ ‫األطـراف املتصارعــة إىل طاولــة املفاوضــات عــى‬ ‫الرغــم مــن أنــه ســيعقد املشــكلة‪ ،‬ويطيــل أمــد‬ ‫الحــرب‪ ،‬وهــذا مــا دفــع الــروس إىل استســهال‬ ‫التغــول يف الــدم الســوري بصــورة ترقــى إىل‬ ‫جرائــم الحــرب‪ ،‬ويتحــول بالتدريــج إىل رشيــك‬ ‫فاعــل‪ ،‬ومــؤازر للنظــام يف قتــل الســوريني‬ ‫وتهجريهــم‪ ،‬ومســاعدة النظــام يف إيجــاد الفــرص‬ ‫املناســبة إلحــداث تحــول دميغــرايف للســكان‬ ‫األصليــن‪ ،‬واســتقدام بدائــل ســكانية طائفيــة‬ ‫للحلــول مكانهــم‪.‬‬ ‫أمــا الجوانــب «الخفيــة» واملتعــددة داخــل‬ ‫«األســباب املبــارشة» لتدخــل الــدب الــرويس‬ ‫عســكرياً فإنهــا ســتعود بالفائــدة عليــه بأشــكال‬ ‫مختلفــة حيــث ســتتحول إىل قيمــة مضافــة‬ ‫لهــا أهميتهــا يف االســراتيجية «الجيوسياســية»‬ ‫للــدب الــرويس أمــام جــروت الحضــور األمريــي‬ ‫الواســع يف كــروم الــرق األوســط‪ ،‬حيــث‬ ‫ســيظهر شــأن جديــد للحضــور الــرويس يتحصــل‬

‫مــن خاللــه عــى مكانــة قطبيــة هامــة‪ ،‬تقــارب‬ ‫يف أهدافهــا صيــغ التفاهــات التــي متــت مــع‬ ‫البيــت األبيــض‪ ،‬وتســهيل هــذا األخــر لعمليــة‬ ‫انفـراد الــدب الــرويس بامللــف الســوري‪ ،‬وقبــول‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة بفــرض وجــوده‬ ‫العســكري كأمــر واقــع يحقــق للــدب الــرويس‬ ‫تواجــدا ً عســكرياً طويــل األمــد مــن خــال‬ ‫القاعــدة العســكرية يف «طرطــوس»‪ ،‬واســتخدام‬ ‫مينــاء الالذقيــة لتســهيل مهــات حربيــة‪،‬‬ ‫وإقامــة قواعــد عســكرية ومطــارات داخــل‬ ‫حــدود «ســوريا املفيــدة» كــا أن ذلــك ســيزيل‬ ‫عــن كاهــل الــدب الــرويس عقــدة املضائــق‬ ‫اإلجباريــة الرتكيــة يف «البوســفور والدردنيــل»‬ ‫التــي تشــكالن عائق ـاً بحري ـاً كب ـرا ً أمــام حريــة‬ ‫تحركاتــه البحريــة‪ ،‬ويحقــق لــه تواجــدا ً عســكرياً‬ ‫يف البحــر املتوســط‪ ،‬يقابــل ولــو بحــدود‬ ‫ضيقــة الوجــود األمريــي واألوريب الواســعني‬ ‫يف امليــاه الدافئــة‪ ،‬وهــذا مــا تســعى إليــه‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة لتحقيــق هدفهــا‬ ‫االســراتيجي يف اســتنزاف مقــدرات الــدب‬ ‫الــرويس داخــل املســتنقع الســوري‪ ،‬وتوريطــه‬ ‫يف حــرب ضاريــة قــد ال يســتطيع الصمــود فيهــا‬ ‫كث ـرا ً مــا سيتســبب لــه مبشــكالت اقتصاديــة‬ ‫كبــرة وتوتــرات داخليــة ســتلحق الــرر‬ ‫بأهدافــه القطبيــة التــي مــا انفــك يلهــث خلــف‬ ‫اســتعادتها مهــا كانــت األمثــان‪.‬‬

‫يف امتداح هدير «الحلم» السوريِّ‬ ‫كيف يمكن تأويل «الحلم» السوري؟‬ ‫لــن يُ َبالِغَــ َّن املــرء يف القــول‪ :‬إ َّن االنتفاضــة‬ ‫الســورية إذ تدمــ ُغ تاريــخ الفضــاء اإلقليمــي‬ ‫أي تواقيــع أخــرى؛‬ ‫بتوقيعهــا الــذي يتبايــن عــن ِّ‬ ‫متقصــدة مــى‬ ‫ـة‬ ‫فإنهــا تنقــذ التاريــخ مــن عطالـ‬ ‫ّ‬ ‫لنقــل بتعبــرٍ‬ ‫يف صمتهــا زهــاء نصــف قــرنٍ ‪ ،‬أو ْ‬ ‫آخــر‪ :‬إنّهــا ص َدعــت وت ُص ـ ِّد ُع املشــه َد بـ»حـ ٍ‬ ‫ـدث‬ ‫ي»‪ ،‬لتكــون أشــب َه بطيــ ٍة‪ ،‬أو عالمــة‬ ‫مفصــ ٍّ‬ ‫ت ُــ َباي ُن «املــا البعــد» عــن «املاقبــل»؛ هــذا الـراء‬ ‫املعنــوي الــذي وهبتــه هــذه االنعطافــة َوت َ َه َب ـ ُه‬ ‫للتاريــخ؛ بــل هــذا التَّحــدي املريــع للطغيــان هــو‬ ‫الــذي ميّــز ومييّـ ُز هديـ َر «حلــم» الســوريني عــن‬ ‫ســواه مــا جــرى مــن أحــداث وأحــام للشــعوب‬ ‫يف فضائنــا اإلقليمــي يف راهــن مــا م ـ ّر مــن زمــن‬ ‫قريــب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ولــن حــاول املــرء َم ْف َه َمـة هــذا االحتشــاد املعـ ِّـر‬ ‫عــن «حريــة مفقــودة» طــوال أربعــة عقــود‬ ‫مــن اســتبدا ٍد مفتــو ٍح عــى همجيــ ٍة منقطعــ ٍة‬ ‫النظــر؛ فــإ َّن ال مفهــو َم يتفـ ّوق عــى «االختــاف‪/‬‬ ‫‪ »Difference‬يف تجســيد هــذا الحـراك وتأويلــه؛‬ ‫مــن حيــث إ َّن «االختـ َ‬ ‫ـاف» رش ُط إمــكانٍ لالنتقــال‬ ‫مــن التامثــل إىل التغيــر‪ ،‬ومــن التشــاكل إىل‬ ‫ـي قدم ـاً يف التحليــل‬ ‫التبايــن‪ .‬ولذلــك؛ فــإ َّن املـ َّ‬ ‫االصطالحــي‬ ‫ســيبعدنا بالــرورة عــن الحقــل‬ ‫ٍّ‬ ‫االجتامعــي الــ ّرث الــذي يتّخــذ مــن الفكــر‬ ‫املاركــي برؤيــ ٍة تقليديــ ٍة فضــا ًء لــه‪ .‬ويف‬ ‫الوقــت ذاتــه ســيق ِّربنا مــن فلســفة التبايــن‬ ‫واملغايــرة‪ .‬ومــن هنــا تقودنــا اللغــة الجديــدة‬ ‫إىل تضاريــس دالليــة تتميــز بالــراء والغنــى‬ ‫تدشّ ــنها مقولــة «االختــاف»؛ حيــث يــرف‬ ‫االختــاف عــى دالالت‪ :‬البـ ْون؛ التباعــد؛ التبايــن؛‬ ‫التغايــر؛ التفــاوت؛ الخصومــة؛ الخــاف؛ الفــرق؛‬ ‫لتؤســس‬ ‫النزاع‪....‬إلــخ‪ .‬وهــذه الــدالالت تتكثَّــف ِّ‬ ‫بنيــة «ت َ ْكتُ ْونِ َّيــة» متنــح االنتفاضــة الســورية‬ ‫خاصيــة التضــاد املطلــق يف مواجهــة عطالــة‬ ‫التاريــخ واالســتقرار ــــ املــوات الــذي مثّلتــه‬ ‫ســلطة اســتبدادية وقــوى «الـ تاريخية»حيــث‬ ‫تســتمد هــذه الســلطة منهــا أســباب االســتمرار‪،‬‬ ‫وهكــذا تتقــ َّدم يف مواجهــة االختــاف دالالتٌ‬ ‫مضــادةٌ‪ :‬االتفــاق؛ االنســجام؛ االمتثــال؛ التجانــس؛‬

‫«االختالف وتقويض التَّطابق»‬

‫التطابــق؛ التشــابه؛ التقارب؛‪...‬إلــخ‪ .‬ومــن هنــا‬ ‫تلخّــص الثــورة الســورية رصاعــاً مضطرمــاً بــن‬ ‫«فاعــل تاريخــي»‪ ،‬وقــوى تنتســب إىل «خــارج‬ ‫التاريــخ»؛ وإذ أســتخدم مصطلــح «الفاعــل‬ ‫التاريخــي» فلــي أدلِّــل عــى عجــز املقاربــة‬ ‫املاركســية التقليديــة عــن اصطيــاد «الهديــر‬ ‫الســوري» ســوى أنــه ينزلــق إىل اصطفــاف‬ ‫القــوى االمربياليــة العامليــة؛ لكــن أصحــاب هــذه‬ ‫املقاربــات املمجوجــة ـ التــي تفتــك بهاالعطالــة‬ ‫الرؤيويــة ورثاثــة التحليــل ـ هــم أولئــك الذيــن‬ ‫فاتهــم أن «الهديــر الســوري» يتجــاوز مفهــوم‬ ‫«الــراع الطبقــي» ـ الــذي غــدا مــن نفايــات‬ ‫الحداثــة ـ إىل مفهــوم «الكتلــة البرشيــة» التــي‬ ‫تتطلــع إىل إحــداث نقلــ ٍة مجتمعيــ ٍة إيل فضــاء‬ ‫«الحريــة» كعالمــة عــى الخــروج مــن «مضيــق‬ ‫ــر فيــه الســوريون‬ ‫األبــد األســدي» الــذي ُح ِ َ‬ ‫طــوال نصــف قــرن مــن حكــم يســتم ُّد نســغه‬ ‫مــن طائفيــة مقيتــة وأكاذيــب «املامنعــة‬ ‫واملقاومــة» التــي كان املاركســيون ينتشــون بهــا‬ ‫إلخفــاء تــايش قدرتهــم عــى (الفعــل الســيايس)‪،‬‬ ‫ومــن ثـ َّم خياناتهــم للشــعب وخنوعهــم للســلطة‬ ‫االســتبدادية‪ .‬وإزاء عجــز املقاربــات املاركســية‬ ‫التقليديــة عــن اكتنــاه «االختــاف» الــذي يحـ ّرك‬ ‫تضاريــس الحــراك الســورية مل يكــن أمامهــا‬ ‫ســوى أن تنهــار يف صمــت انغــاقٍ ميتافيزيقــي‬ ‫عــى نفســها أو تكــرار املعزوفــات املرشوخــة‬ ‫التــي ســئمها الســوريون‪ :‬االمربياليــة‪ ،‬الصهيونيــة‪،‬‬ ‫ال ـراع الطبقي‪...‬إلــخ‪ .‬أو الوقــوف مــع الســلطة‬ ‫التــي اســتباحت كينونــة الســوريني بالدمــار‬ ‫والخــراب والجرائــم مدفوعــ ًة بحقــد يــرخ‬ ‫طائفــي متعفــن‪.‬‬ ‫ويتعــاىل مــن دهاليــز تاريــخ‬ ‫ٍّ‬ ‫إن «التجــاوز» أو «التباعــد» يدفــع بقــو ٍة‬ ‫الصفيحــة التكتونيــة لـ»االختــاف»؛ ذلــك أ َّن‬ ‫الحــراك الســوري بوصفــه «فاعــاً تاريخيــاً»‬ ‫يرمــي إىل تجــاوز «فضــاء ـ املــوات ـ الخنــوع ــــ‬ ‫االمتثــال» إىل فضــاء التغايــر والتباعــد عــا كان‬ ‫ويكــون راهنــاً عــر تقويــض حالــة «التطابــق»‬ ‫الــذي خيَّمــت عــى ســورية وميّــزت فضاءهــا؛‬ ‫فمــن أوىل دروس االســتبداد الشــمويل فــرض‬

‫التشــاكل املقيــت عــى الفضاء»السوســيو ــــ‬ ‫الثقــايف ــــ الجغــرايف» وجعلــه نســخاً متامثلــة‬ ‫ومتشــاكلة‪ ،‬وهــذا كان شــأن (األب) ومــن بعــده‬ ‫(االبــن) يف تكريــس التامثــل الخانــع والدفــع‬ ‫بالســوريني إىل حال ـ ٍة مــن «التصميــت» املريــع!‬ ‫ٍ‬ ‫سياســات‬ ‫الســوري إىل بنــاء‬ ‫اندفــع الحــر ُاك‬ ‫ُّ‬ ‫جديــد ٍة مذهلــ ٍة ص ّبــت جميعهــا يف اســتغراق‬ ‫ٍ‬ ‫ـوريةبصوت واحــد‪ ،‬بيــد أن الذُّهــول‬ ‫املــدن السـ‬ ‫والفجاءةاكتســبَتا مســاح ًة هائلــ ًة حــن رفــع‬ ‫املتظاهــرون مــن قيمــة «املواطنــة واإلنســان‬ ‫والحريــة» يف ظـ ِّـل سـ ٍ‬ ‫ـنوات مــن النســيان بفعــل‬ ‫السياســات الهمجيــة للســلطة الطائفيــة بلبوســها‬ ‫البعثــي املقيــت لكينونــة (اآلخــر) الســوري؛‬ ‫ليغــدو الحــر ُاك الفســح َة املضيئــ َة لآلخــر أن‬ ‫يتكلــم‪ ،‬وهــذا مــاكان مفاجئــاً حــن اتفقــت‬ ‫املــدن الثائــرة عــى الكلمــة الكورديــة‪=Azadi« :‬‬ ‫الحريــة» شــعارا ً لل ُمظاهــرات يف أحــد ال ُج َمــع‪.‬‬ ‫لقــد شـك َّل ذلــك منعرجـاً يف ســر اندفــاع الـ ُّروح‬ ‫الســورية ـ بلغــة هيغيليــة ـ نحــو الحريــة مــن‬ ‫ُّ‬ ‫حيــث‪ ،‬هــي انفتــاح الكائــن نحــو آخــره‪ ،‬بأعمــق‬ ‫دالالت االختــاف وتقويضــاً للتامثــل الــذي‬ ‫غطّــى بطبق ـ ٍة ثخين ـ ٍة مــن الصــدأ حركــة الوعــي‬ ‫العــام بشــعارات منخــورة وزائفــة للتَ َسـ ُّـر عــى‬ ‫سياســات طائفيــة وعنرصيــة مل تفعــل ســوى عــى‬ ‫الصــدوع‬ ‫تأســيس الـ ُّ‬ ‫ـروخ املجتمعيــة وتوســيع ُّ‬ ‫بــن أبنــاء البلــد الواحــد‪ .‬ومــن هنــا مل يكــن‬ ‫التنافــذ والتنــادي بــن «الحريــة»‪ :‬و“‪”Azadi‬‬ ‫حدث ـاً عارض ـاً؛ وحتــى ال يأخــذ َّن هــذا التفاعــل‬ ‫الســلطة وريقــة‬ ‫مــداه األقــى َس ـتُ َف ِّع ُل دهاقنــة ُّ‬ ‫مخفيــة يف أدراجهــا القدميــة عــر اســتقدام‬ ‫كائنـ ٍ‬ ‫ـات مســعورة مــن ِفجــاج جبــال «قنديــل»؛‬ ‫كائنــات مل تصـ ّدق كيــف تخــدم ال َّنظــام الطائفــي‬ ‫لتعطيــل مســار التاريــخ؛ لتخلــط األوراق وتح ـ َّد‬ ‫الســوري يف فضــاءات شــال‬ ‫مــن هديــر الحلــم ُّ‬ ‫ِّعل‬ ‫ســورية ورشقهــا‪ .‬وعــى هــذا ال ِغــرار ســتف ُ‬ ‫الطغمــة الحاكمــة وريقاتهــا الخارجيــة املتمثلــة‬ ‫ٍ‬ ‫حاقــدـ مــن لبنــان والعــراق‬ ‫مبقاتلــن وبفائــض‬ ‫وأفغانســتان رشعــوا يثــأرون للحســن مــن‬

‫األطفــال الســوريني (يــرود مث ـاً)‪ ،‬ثــم ســتطلق‬ ‫«دوائــر املخابــرات» لــدى الطغمــة كائنــات‬ ‫غريبــة تتغــذى عــى عفــن العصــور املاضيــة‪،‬‬ ‫تعيــث ال ُّرعــب والفــزع يف املــدن والبلــدات‬ ‫لتحــارب عنهــا قــوى الثــورة؛ فتزيــد مــن أوجــاع‬ ‫الســوريني أكــر‪ ،‬فأكــر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إ َّن تو َّجهــات «االختــاف» التــي تــرب بقــوة يف‬ ‫سياســات الحـراك مل تكــن متوقَّعــة البتــة؛ ولذلــك‬ ‫حينــا أُدركــت تلــك السياســات ُجوبهــت بقــو ٍة‬ ‫الســلطة باملعنــى‬ ‫عنيفــة أدا ًة وخطابـاً؛ ليــس مــن ُّ‬ ‫األلتوســري فحســب وإمنــا مــن الفضــاءات‬ ‫السوســيو ــــ ثقافيــة التــي يجــد فيهــا ال َّنظــام‬ ‫جــذوره ورســوخه وامتدادتــه؛ ولذلــك جــرى‬ ‫أي معارضــة واقعيــة و‪/‬أو محتملــة‬ ‫اجتثــاث ِّ‬ ‫ً‬ ‫يف هــذا الفضــاءات املواليــة بدايــة بالســجن‬ ‫يبــق ســوى‬ ‫أو التخويــن أو التصميــت‪ ،‬ومل َ‬ ‫صــوت واحــد‪ :‬األســد أو نحــرق البلــد‪ ،‬األســد‬ ‫أو ال أحد‪...،‬إلــخ‪ .‬ومــن هنــا؛ فــإدراك سياســات‬ ‫الح ـراك كانــت تعنــي أن يُ َعــاد ترتيــب «العــامل»‬ ‫مــن جديــد يف ســوريا‪ ،‬بحيــث يعــود «الكائــن»‬ ‫إىل حجمـ ِه االعتيــادي؛ وهــذا مــا غــدا مرفوضـاً يف‬ ‫منطــقٍ بيئ ـ ٍة تجــد يف كينونتهــا والنظــام تطابق ـاً‪،‬‬ ‫وإئتالفــاً‪ ،‬وتشــاكالً تا َّمــاً‪.‬‬ ‫إن هــذه الفضــاءات التــي أتــاح لهــا النظــا ُم‬ ‫الخــروج مــن الــذات والعتمــة والجغرافيــا‬ ‫َ‬ ‫املغلقــة‪ ،‬ومــن ث ـ َّم اغتصــاب املشــهد يف مناحيــه‬ ‫االقتصاديــة والثقافيــة واالجتامعيــة طــوال‬ ‫أربعــن عام ـاً؛ لذلــك كان مــن االســتحالة مبــكان‬ ‫لهــذه الفضــاءات أن تَتَب َّنــى سياســات الحــراك‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫حــاالت‬ ‫وتفــك حالــة متاثلهــا مــع ال َّنظــام إال يف‬ ‫ٍ‬ ‫فرديــة محــدودة‪ .‬وبنــاء عــى ذلــك يتموضــع‬ ‫رشخ حــا ٌّد أو مواجه ـ ٌة بــن وعــي اختــايف وآخــر‬ ‫متاثُــي يجــد يف النظــام متثي ـاً حقيقي ـاً لهويتــه‪.‬‬ ‫وطاملــا أن التطابــق الهويــايت يجمــع بــن بنيتــي‬ ‫النظــام وهــذه الفضــاءات؛ كان مــن الســهولة‬ ‫مبــكانٍ أن يندفــع مثقفــو هــذه الفضــاءات‬ ‫(وباســتثناءات فرديــة أيضــاً!!!) عــى مختلــف‬ ‫خطــاب‬ ‫مشــاربهم األيديولوجيــة يف تأســيس‬ ‫ٍ‬ ‫مبواجهــة سياســات الحــراك‪ .‬ورمبــا‪ ،‬هنــا‪ ،‬تــرز‬

‫د‪.‬خالد حـسين‬ ‫«الحملــة املســعورة» ألدونيــس يف مناهضــة‬ ‫هديــر «الحلــم» الســوري ولسياســات االنتفاضــة‬ ‫ـاب يتغـذّى مــن هيــوىل قـاّرة يف «منظومــة‬ ‫بخطـ ٍ‬ ‫أفــكار» قادتــه يوم ـاً مــا إىل امتــداح «همجيــة»‬ ‫الخمينــي بوصفهــا «ثــورة»؛ لــذا مــن املنطقــي أن‬ ‫يتسـ َّـر عــى جرائــم حلفــاء الخمينــي وشــناعتهم‬ ‫بخطــاب تربيــري‪ ،‬اســتهزايئ مــن شــعب ُه ِّجــ َر‬ ‫ويُه ّجــر مــن بلــده بفعــل آلــة املــوت مــن‬ ‫طائــر ٍ‬ ‫ات وبراميــل وصواريــخ عابــرة للقــارات‪.‬‬ ‫ــوري البُ ْعــ َد «الــا ـ إنســا َّين»‬ ‫الس ُّ‬ ‫َعــ َّرى الحــر ُاك ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫الــذي يــرب بقــوة يف جــذور ال ّنظــام ومينحــه‬ ‫هويتــه املحضــة مــن حيــث هــو حثالــ ٌة مــن‬ ‫قاممــ ِة املجتمــع الســوري وزباالتِــه ومهمالتِــه‬ ‫ـ باســتعامل أفهومــات ســافوي جيجــك ـ أي‬ ‫لــكل منظومــ ٍة‬ ‫«الفائــض ـ الــ َّدارش‪ ،‬الرافــض ِّ‬ ‫ـب الرحم ـ َة مــن‬ ‫مجتمعي ـ ٍة وأخالقي ـ ٍة‪( :‬لــن نطلـ َ‬ ‫ٍ‬ ‫أحــد ألننــا لــن نرحــ َم أحــدا ً)؛ هكــذا كانــت‬ ‫كائنــات «التشــبيح األســدي» تخــ ُّط هــذه‬ ‫العالمــات عــى جــدران املــدن املســتباحة‪ ،‬لقــد‬ ‫كان «الــاـ إنســا ُّين» ـ يف الواقــع ـ رهـ َن التفعيــل‬ ‫أبــدا ً حينــا يشــعر الدكتاتــور ـ أبــاً وابنــاً ــــ‬ ‫سيوســع‬ ‫بــأي خطــر‪ .‬ومــع مجريــات االنتفاضــة ّ‬ ‫القابضــون عــى شــؤون «الحقــد» يف أجهــزة‬ ‫النظــام مــن أمــداء «الإلنســاين» الــذي ميثّــل‬ ‫الرأســايل الرمــزي العتيــد لــه؛ فعــاوة عــى‬ ‫التدمــر والقتــل املريــع والتعذيــب املمنهــج يف‬ ‫ـس‬ ‫الســجون واالغتصــاب ســيلجأ النظــام إىل أخـ ِّ‬ ‫ـس «الــا ـ إنســاين» يف فلســفة القتــل‬ ‫ســا ٍح يعكـ ُ‬ ‫لديــه وذلــك عــر «تجويــع» الفضــاءات الثائــرة‬ ‫وآخرهــا «مضايــا»‪ .‬وإزاء التَّحــدي املدهــش الــذي‬ ‫أظهــره «الحلــم الســوري» صــوب الحريــة‪ ،‬مل يبق‬ ‫أمــام الدكتاتــور ســوى االســتغاثة بقــوة إقليميــة‬ ‫تنهــض مــن صــدوع التاريــخ الطائفــي األعمــى‬ ‫إلعــادة ظــال امرباطوريــة لفظهــا تاريــخ املنطقــة‬ ‫أو قــوة عامليــة تنطلــق يف أصلهــا وفصلهــا مــن‬ ‫«الإلنســاين» لتســتعيد مجــدا ً زائف ـاً يف يــومٍ مــا‪،‬‬ ‫لكنهــا قــوى تتحــد جميعــاً لــوأد «االختــاف»‬ ‫وكبــح «هديــر الحريــة» لتأســيس مســار جديــد‬ ‫للتاريــخ يف ســورية‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫نقطة أول السطر‬

‫املضحك املبكي‬ ‫طارق عبد الغفور‬ ‫املرحــوم حبيــب كحالــة صحفــي‬ ‫ســوري لــن يطويــه النســيان‪ ،‬كان‬ ‫صاحــب املضحــك املبــي األســبوعية‬ ‫التــي لــن يطويهــا النســيان أيضــاً‪،‬‬ ‫والتــي أوقفهــا عــن الصــدور حــزب‬ ‫البعــث يف منتصــف الســتينات مــن‬ ‫القــرن املــايض بعــد اســتيالئه عــى‬ ‫الحكــم يف ســورية‪ ،‬ولســت أعلــم ملــاذا‬ ‫أطلــق عليهــا هــذا االســم‪ ،‬ال بــد وأنــه‬ ‫كان يف ســورية يف ذلــك الوقــت مــا‬ ‫يضحــك ويبــي يف آنٍ معــاً‪ ،‬لك ّنــه مل‬ ‫يكــن أكــر مــن ســوء إدارة أو فســا ٍد‬ ‫إداري يُســلّط عليــه ضــوء النقــد‬ ‫بهــدف تصويبــه وتصحيحــه‪.‬‬ ‫مــاذا كان ســيقول حبيــب كحالــة‬ ‫لــو طــال بــه العمــر إىل هــذه االيــام؟‬ ‫مــاذا كان ســيطلق عــى مــا يجــري‬ ‫فيهــا؟ مــاذا كان ســيقول عــن مخلــوق‬ ‫مثــل بشــار األســد احتــل منصــب‬ ‫الرئاســة وأصــ ّم أذنيــه عــن مطالــب‬ ‫ِ‬ ‫يكتــف هــو مبــا فعلــه‪،‬‬ ‫اإلصــاح‪ ،‬ومل‬ ‫بــكل زنــاة االرض ليقتلــوا‬ ‫بــل جــاء ِّ‬ ‫شــعباً كان يحكمــه‪ ،‬ويدمــروا بــادا ً‬ ‫كان يحكمهــا‪ ،‬وهــو يضحــك ضحكتــه‬ ‫البلهــاء‪.‬‬ ‫مــاذا كان ســيقول حبيــب كحالــة‬ ‫عــن رجــل مثــل كــري أو مثــل اوبامــا‬ ‫اللذيــن «فقعــت» سياســتهام مــرارة‬ ‫جريــدة الواشــنطن بوســت فقالــت‪:‬‬ ‫إنــه حــان الوقــت إلعــان اإلفــاس‬

‫األخالقــي للسياســة األمريكيــة يف‬ ‫ســورية‪ ..‬الــذي هــو موجــود منــذ‬ ‫وقــت طويــل يف واقــع األمــر وعــرت‬ ‫عنــه الترصيحــات الفارغــة‪ ،‬حــول‬ ‫وجــوب رحيــل األســد‪ ،‬وحــول الوعــود‬ ‫بتســليح املعارضــة‪ ،‬وحــول عــدم‬ ‫الســاح بتجــاوز الخــط األحمــر‪.‬‬ ‫ووصفــت سياســة البيــت األبيــض‬ ‫بـ»املشــينة» وانتهــت إىل القــول‪ :‬إن‬ ‫سياســة «التخــي الســوري» يجــب أن‬ ‫كل مــا بوســعنا‬ ‫تنتهــي‪ ،‬وإذا مل نفعــل ّ‬ ‫لوضــع حـ ٍـد ملعانــاة حلــب فســيكون‬ ‫ذلــك وصمــة عــار عــى ضمرينــا إىل‬ ‫األبــد‪.‬‬ ‫مــاذا كان ســيقول حبيــب كحالــة‬ ‫عندمــا يــرى ويســمع الســيد عــادل‬ ‫الجبــر وزيــر خارجيــة الشــقيقة‬ ‫الكــرى الســعودية (وقــد صــارت‬ ‫الكــرى بعــد أن أطــاح الزمــان مبــر)‪،‬‬ ‫يُعيــ ُد ويكــرر يف ميونيــخ مــا أعــاده‬ ‫وكــرره قبلهــا‪:‬‬ ‫إن مل يرحــل األســد بحــلٍ ســيايس‬ ‫فســرحل بحــلٍ عســكري‪ ،‬وإن هدفنــا‬ ‫هــو إزاحــة األســد وســوف نحقــق‬ ‫هــذا الهــدف‪ ،‬وهــو يعــرف أكــر‬ ‫مــن غــره أن ال الســعودية وحدهــا‪،‬‬ ‫بــل كل الــدول التــي تضــع نفســها يف‬ ‫«مجموعــة دعم ســورية» ال تســتطيع!‬ ‫وإذا افرتضنــا ســوء الظــن فإنهــا ال‬ ‫تريــد أن تقــدم للمعارضــة التــي تدعي‬ ‫أنهــا تدعمهــا صاروخ ـاً واحــدا ً مضــادا ً‬

‫للطائــرات علنــاً‪ ،‬وال أن تشــريه لهــا‬ ‫مــن ســوق الســاح الســوداء وتهربــه‬ ‫إليهــا تهريب ـاً‪ ،‬ألن اإلدارة األمريكيــة ال‬ ‫تســمح بذلــك‪ ،‬بحجــة الخــوف مــن‬ ‫الوقــوع يف األيــدي الخطــأ‪ ،‬بينــا‬ ‫تغمــض هــذه اإلدارة عينهــا – كــا‬ ‫قلنــا ســابقاً – عــن دبابــات االبرامــز‬ ‫ومدرعــات الهامفــي‪ ،‬أهداهــا املالــي‬ ‫– أي إيـران ‪ -‬إىل داعــش‪ ،‬وال يســتطيع‬ ‫ال الجبــر وال غــره أن يحاجــج اإلدارة‬ ‫األمريكيــة يف ذلــك‪ ،‬وهــي ليســت‬ ‫بحاجــة إىل ِحجــاج‪ .‬ولــي ال نُتّهــم‬ ‫بأننــا ناكــرون للجميــل‪ ،‬فإننــا نُحيــي‬ ‫َ‬ ‫املــال الســعودي‬ ‫بتقديــ ٍر وإجــا ٍل‬ ‫صــب يف جيــوب قيــادات‬ ‫الــذي يُ ُّ‬ ‫ويعمــل عــى‬ ‫ُ‬ ‫الفصائــل «اإلســامية»‪،‬‬ ‫رشاء ذخــرة لبنــادق الكالشــينكوف‬ ‫التــي تتســلح بهــا املعارضــة يف مواجهة‬ ‫أعدائهــا (مالحظــة‪ :‬أيــة قطعــة ســاح‬ ‫أثقــل مــن ذلــك متلكهــا هــذه الفصائل‬ ‫تكــون قــد غنمتهــا غالبـاً مــن النظــام)‪.‬‬ ‫ثــم مــاذا كان ســيقول عــن ملــك‬ ‫عــريب يذهــب إىل قاتــل الســوريني‬ ‫املفــرض أنهــم إخوتــه‬ ‫الذيــن مــن‬ ‫َ‬ ‫ليهديــه ســيفاً دمشــقياً يف وقـ ٍ‬ ‫تصب‬ ‫ـت ّ‬ ‫طائراتــه فــوق رؤوســهم الحميــم؟؟‬ ‫ثــم مــاذا كان ســيقول حبيب كحالة‬ ‫عندمــا يســمع ويــرى مــن تطلــب مــن‬ ‫أوبامــا رئيــس اإلدارة األمريكيــة‪ ،‬عــى‬ ‫لســان أحــد املتحدثــن الثالثــة باســمها‬ ‫(واحــد ال يكفــي) أن يتخــذ موقفــاً‬

‫أكــر رصامــ ًة مــن موســكو‪ ،‬لتوقــف‬ ‫حملــة األرض املحروقــة التــي ميارســها‬ ‫الطــران الــرويس‪ ،‬وكأن كــري كان‬ ‫يغنــي يف الطاحــون عندمــا ه ّددهــم‬ ‫قبــل الجولــة األوىل مــن جنيــف ‪،3‬‬ ‫وكــا ســيه ّددهم قبــل الجولــة الثانيــة‪،‬‬ ‫بأنهــم إن مل يســتجيبوا لــروط‬ ‫موســكو التــي ترفــع شــعار ال رشوط‬ ‫مســبقة‪ ،‬فإنهــم ســيفقدون الدعــم‬ ‫االمريــي وكأ ّن هنــاك دعــاً أمريكيــاً‬ ‫حقيقيــاً!!!!‬ ‫ثــم مــاذا كان ســيقول عــن‬ ‫الفصائــل اإلســامية الثابتــة عــى‬ ‫مواقفهــا‪ ،‬التــي ت ِ‬ ‫كل‬ ‫ُلحــق بهــا وبنــا َّ‬ ‫الويــل والثبــور‪ ،‬والتــي ت ُعطــي والءهــا‬ ‫لتنظيــم القاعــدة ال لشــعبها وتحمــل‬ ‫أجنــدة القاعــدة ال أجنــدة الخــاص‬ ‫مــن نــر الديكتاتوريــة التــي حكمتنــا‬ ‫أكــر مــن نصــف قــرن‪ ،‬وتعتقــد‬ ‫زورا ً أنــه هكــذا يكــون الثبــات عــى‬ ‫املوقــف‪ ،‬وكأنّهــا مل تســمع حديــث‬ ‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫عندمــا قــال لــه أح ـ ُد صحابتــه‪ :‬لقــد‬ ‫نلــت منــك يــا رســول اللــه قــال‬ ‫ُ‬ ‫أقلبــك مطمــن قــال نعــم قــال فــإن‬ ‫عــادوا ف ُعــد‪.‬‬ ‫أعتقــد أن حبيــب كحالــة إذا‬ ‫رأى مــا يجــري اآلن فلــن يُبقــي عــى‬ ‫املضحــك املبــي اس ـاً لجريدتــه‪ ،‬بــل‬ ‫ســيذهب إىل اســمٍ آخــر لســت أدريــه‪،‬‬ ‫فــا يجــري يعجــز عنــه الوصــف‪.‬‬

‫كيف فهم النظام الحاجات اإلنسانية للشعب السوري؟!‬ ‫د‪ .‬عبد القادر العلي‬ ‫مل يكــن ســلم الحاجــات اإلنســانية الــذي وضعــه‬ ‫ابراهــام ماســلو واملتمثــل برتتيــب أهميتهــا إال‬ ‫منهج ـاً علمي ـاً واســعاً يكشــف وبدقــة عــن أهميتهــا‬ ‫لــكل مجتمــع ونظــام واقتصــاد أينــا كان وهــي‬ ‫بهــذا الرتتيــب (الحاجــات الفيزيولوجيــة كاألكل‬ ‫والــرب‪ ،‬الحاجــة لألمــن واألمــان‪ ،‬الحاجــة للعالقــات‬ ‫االجتامعيــة‪ ،‬الحاجــة لالحــرام والتقديــر‪ ،‬وأخــرا ً‬ ‫الحاجــة لتحقيــق الــذات)‪.‬‬ ‫الحاجــات اإلنســانية‪ ،‬ليســت مجــرد حاجــات ميكــن‬ ‫التغــايض عنهــا أو تجاوزهــا ببدائــل أخــرى‪ ،‬بــل هــي‬ ‫أســاس وجــوده ألنهــا يف الواقــع رشط تقبلــه ملجتمعــه‪،‬‬ ‫وتقبــل املجتمــع لــه إذا توفــرت لــه هــذه الــروط‪.‬‬ ‫هكــذا بــدأت املجتمعــات املتطــورة بنــاء ذواتهــا‬ ‫االجتامعيــة يف هيكليــة تســمح للغالبيــة العظمــى‬ ‫مــن أبنائهــا باملشــاركة واالندمــاج يف بنيــة اجتامعيــة‬ ‫متامســكة دون متييــز طبقــي أو إثنــي أو جنــي مــن‬ ‫خــال برامــج تؤمــن للمواطــن أبســط الحاجــات‬ ‫اإلنســانية حتــى ال يصبــح منفيــاً أو مهمشــاً داخــل‬ ‫بيئتــه‪.‬‬ ‫عــى هــذا األســاس‪ ،‬أخــذت الدولــة املعــارصة عــى‬ ‫عاتقهــا مهمــة ومســؤولية تأمــن الحــد األدىن للعيــش‬ ‫الكريــم للمواطــن ولعائلتــه بتســمية الحــد األدىن‬ ‫ملســتوى املعيشــة‪ ،‬وأخــذ املجتمــع أيضـاً عــى عاتقــه‬ ‫أيضـاً مهمــة الدعــم مــن خــال كل أشــكال املنظــات‬ ‫االجتامعيــة الحــرة‪ ،‬املبنيــة عــى مبــدأ التكافــل‬ ‫االجتامعــي املبــادر لتنظيــم ذاتــه‪.‬‬ ‫هــذه النقلــة الهائلــة يف العالقــة اإلنســانية بــن الفــرد‬ ‫والدولــة واملجتمــع‪ ،‬تدفعنــا نحــن أبنــاء البــاد التــي‬ ‫دفعــت وســتدفع أمثانــاً باهظــة لقــاء ليــس فقــط‬ ‫فقــدان أبســط الحقــوق القانونيــة والدســتورية‪ ،‬بــل‬ ‫بفقــدان أبســط الحقــوق املعيشــية املتمثلــة بتأمــن‬ ‫الحــد األدىن للمعيشــة والبقــاء املتمثــل بالحاجــات‬

‫املاديــة (األكل والــرب)‪.‬‬ ‫عــى مــدى عقــود طويلــة‪ ،‬وهــذا النظــام الــذي بنــاه‬ ‫األب وورثــه االبــن مــن بعــده بعمليــة مرسحيــة‬ ‫هزيلــة يعرفهــا الشــعب الســوري جيــدا ً‪ ،‬تبنــى النظــام‬ ‫هــرم ماســلو‪ ،‬ولكــن بشــكل مغايــر متامـاً‪ ،‬وقلبــه رأسـاً‬ ‫عــى عقــب‪ ،‬وبــدالً مــن تأمــن الحاجــات األساســية‬ ‫اإلنســانية للشــعب‪ ،‬بــدأ بتأمــن حاجاتــه األساســية يف‬ ‫البقــاء واالســتمرار كــا ادعــاه هــو األســد لألبــد‪.‬‬ ‫ســوريا بــاد خـرات وافــرة ومتنوعــة‪ ،‬وأهمهــا الــروة‬ ‫الزراعيــة والحيوانيــة‪ ،‬التــي ميكــن لهــا وبتدبري بســيط‪،‬‬ ‫أن تؤمــن لشــعبها الحاجــات اإلنســانية املتمثلــة‬ ‫بالحاجــات املاديــة األساســية‪ ،‬وهكــذا كانــت طــوال‬ ‫قــرون وحتــى يف وقــت كانــت فيــه أدوات اإلنتــاج‬ ‫البســيطة هــي املســتخدمة‪ ،‬مل يذكــر التاريــخ الحديث‬ ‫أن الشــعب الســوري قــد تعــرض ملهانــة الجــوع أو‬ ‫حتــى الفقــر الــذي عــاىن منــه يف ظــل حكــم البعــث‬ ‫بقيــادة عائلــة األســد‪.‬‬ ‫أدرك النظــام منــذ البدايــة‪ ،‬أن تأمــن الحاجــات‬ ‫األساســية للفــرد الســوري تعنــي أنــه يطمــح وبال شــك‬ ‫لالنتقــال إىل مرحلــة أرقــى حســب طبيعــة البــر‪،‬‬ ‫لريتقــي إىل الحاجــة لتحقيــق الــذات التــي ســتصطدم‬ ‫بــا أدىن شــك بوجــود نظــام يتعــارض مبدئيـاً مــع هذا‬ ‫املطلــب اإلنســاين الــذي يفــرض وجــود نظــام حكــم‬ ‫حــر ودميقراطــي‪ ،‬بحيــث يســمح لــكل فــرد تحقيــق‬ ‫ذاتــه ضمــن األطــر القانونيــة واألخــاق املجتمعيــة‬ ‫التــي اختارهــا املجتمــع لنفســه‪ .‬ولهــذا حــاول النظــام‬ ‫منــذ البدايــة جاهــدا ً وبــكل الســبل اإلبقــاء عــى‬ ‫املواطــن الســوري بــن الركــض وراء تأمــن الحاجــات‬ ‫املاديــة‪ ،‬وبــن أمــن وأمــان يفرضــه النظــام بالقــوة‬ ‫حســب مفهومــه هــو‪ ،‬وليــس األمــن واألمــان الــذي‬ ‫يرغــب بــه املواطــن الســوري واملتمثــل بتأمــن‬ ‫احتياجاتــه اإلنســانية كاملــة‪.‬‬ ‫عــى مــدى عقــود والنظــام يتغنــى باألمــن واألمــان‬

‫‪7‬‬

‫الــذي وفــره لشــعبه‪ ،‬األمــن الــذي اعتــر فيــه‬ ‫الرشطــي ورجــل األمــن عــاده وحامتــه‪ ،‬أمــن متثــل‬ ‫بإلقــاء القبــض عــى لــص رسق حانوت ـاً أو ســيارة‪ ،‬أو‬ ‫مجــرم قــام بفعــل جنــايئ‪ .‬هكــذا فهــم النظــام األمــن‬ ‫للمواطــن‪ ،‬ولهــذا أنشــأ مئــات املقــرات واملفــارز‬ ‫والفــروع األمنيــة‪ ،‬حتــى مل تعــد تخلــو قريــة نائيــة‬ ‫مــن وجــه أمنــي أو مخابــرايت‪ ،‬يعــرض األمــن عــى‬ ‫املواطــن صباحــاً عــى فنجــان قهــوة‪ ،‬يف حــن‪ ،‬كان‬ ‫املواطــن ال يشــعر باألمــان مــن أن أطفالــه ســيكونون‬ ‫مبأمــن مــن الجــوع إذا مل يذهــب بعــد منتصــف الليــل‬ ‫ليصطــف يف طوابــر انتظــار رغيــف الخبــز ليؤمــن‬ ‫قــوت أطفالــه يف اليــوم الثــاين‪ ،‬وآخــر مــا توصــل إليــه‬ ‫النظــام مــن إبداعــات أمــن وأمــان‪ ،‬تأمــن البطاقــات‬ ‫املعاشــية عــى دفــر العائليــة‪ ،‬بحيــث تحــول كل‬ ‫مواطــن إىل شــحاذ عــى فتــات النظــام ومؤسســات‬ ‫القطــاع العــام التــي انتــرت يف جميــع املحافظــات‬ ‫الســورية املدنيــة منهــا والعســكرية‪ .‬هكــذا حــاول‬ ‫النظــام أن يقنــع املواطــن الســوري‪ ،‬أن األمــن واألمــان‬ ‫ليــس مــا ذكــره ابراهــام ماســلو يف ســلم الحاجــات‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬إمنــا مــا ي ـراه النظــام‪ ،‬أن حــاره املربــوط‬ ‫يف زريبتــه‪ ،‬وأطفالــه يذهبــون ملدرســتهم ويعــودون‬ ‫دون أن يتعرضــوا لــأذى‪ ،‬وحتــى بإمــكان ابنتــه أن‬ ‫تذهــب الســتكامل دراســتها الجامعيــة يف محافظــة‬ ‫أخــرى وتعــود دون أن تتعــرض لالغتصــاب‪.‬‬ ‫مــا ن ـراه اليــوم مــن أحــداث مأســاوية عــى مســاحة‬ ‫الوطــن أرضـاً وشــعباً‪ ،‬يغنــي عــن كالم كثــر حــول مــا‬ ‫كان يدعيــه هــذا النظــام حــول تأمــن األمــن واألمــان‬ ‫ملوطنيــه‪ ،‬وإن كان الشــعب كان يعــرف الحقيقــة‪،‬‬ ‫وكان ســكوته عــن أكاذيــب النظــام مجــرد نــوع مــن‬ ‫التقيــة الشــعبية تحــت التهديــد‪ ،‬إال أن كل مواطــن‬ ‫ســوري كان يفــرق بــن أمــن النظــام‪ ،‬وأمــن ابراهــام‬ ‫ماســلو دون أن يقــرأ عنــه شــيئاً‪.‬‬

‫املثقف األعور‬

‫عيسى الشيخ حسن‬ ‫بــرز يف عقابيــل الربيــع العــريب‪ ،‬وبخاصــة يف بعــض الــدول التــي‬ ‫تعــاين ضعــف اندمــاج اجتامعــي مســبق‪ ،‬ظاهــرة مثقــف الطائفــة أو‬ ‫اإلثنيــة الــذي يــرى بعــن واحــدة‪ ،‬بعــن مصلحــة (رب ِع ـ ِه) نازع ـاً عنــه‬ ‫قــرة الحداثــة املزعومــة التــي وســمت النخــب العربيــة املثقفــة لقــرن‬ ‫تقريب ـاً‪.‬‬ ‫كان أصدقــاء األمــس يجلســون معـاً يف املقاهــي‪ ،‬ويثنــون عــى إبداعــات‬ ‫بعضهــم يف املجالــس‪ ،‬ومــع تش ـ ّعب األحــداث‪ ،‬وتغـ ّـر املواقــف‪ ،‬تبـ ّـن‬ ‫كل بنطــال حــدايث (رشوال) أو ثــوب‪ ،‬ورسعــان مــا ثبــت أن‬ ‫أن تحــت ّ‬ ‫الحســابات مختلفــة‪ ،‬فتبــادل أصدقــاء األمــس القذف والشــتم والســباب‪،‬‬ ‫ومل يعــد مثقــف األمــس إالّ خــادم مصالــح (ربعــه) فانتصارهــم يف غــزوة‬ ‫مثــار افتخــار وقصائــد عصــاء وخطــب بليغــة‪ ،‬وهزميتهــم مثــار جــداول‬ ‫رثــاء غزيــرة الدمــع‪ ،‬واللجــوء إىل الحقــل اإلنســاين للتنديــد بالقتــل‬ ‫والترشيــد والتطهــر العرقــي واإلبــادة‪ .‬مقابــل ذلــك مل يكتــب كلمــة أو‬ ‫يــذرف دمعــة عــى قتــى الطــرف اآلخــر إذا انتــر (ربعــه)‪.‬‬ ‫ميتلــك املثقــف األعــور مــن القــدرات مــا يذكرنــا بالعمــاق ســيكلوب‬ ‫يف (األوديســة) صاحــب العــن الواحــدة‪ ،‬والــذي يشــكل خطــرا ً عــى‬ ‫أوديــس ورفاقــه‪ ،‬قــوة يف الخطابــة والتدليــس واللحــن يف الحجــة‪ ،‬وتربير‬ ‫كل هــذا أمــام جمهــوره املمتلــئ بعــاء العاطفــة‪ ،‬املستشــيط‬ ‫األخطــاء‪ّ ،‬‬ ‫املســتنفر املهتــاج‪ ،‬وبهــذا يصــدق املثــل القديــم «األعــور بــن العميــان‬ ‫مبــر» فهــم يتبعونــه مثــل الغاويــن يهيمــون خلفــه يف أوديــة الــدم‬ ‫والثــأر والتطهــر‪ .‬مقابــل األعــور اآلخــر قســيم املــكان واملــايض‪ ،‬ينتفــي‬ ‫قــى املثقــف البصــر (العميــل املتخــاذل) إىل‬ ‫املشــرك بينهــا‪ ،‬ويُ َ‬ ‫الهامــش يف أحســن األحــوال‪.‬‬ ‫كل الحــروب األهليــة مــن إنجــازات مثقفــن نظــروا إىل األمــر بعــن‬ ‫ّ‬ ‫ـر يف شــؤون البــاد‬ ‫واحــدة‪ ،‬ودفعــت شــعوبهم مثنـاً غاليـاً‪ ،‬ولعـ ّـل املتبـ ّ‬ ‫العربيــة يــرى عــودة األمــة إىل إنتــاج خطــاب الفتنــة‪ ،‬وتعــرض مفاهيــم‬ ‫األخــوة والتضامــن والرشاكــة االجتامعيــة إىل هــ ّزات حقيقيــة أمــام‬ ‫اختبــارات فرضتهــا ظــروف ال ـراع بــن األنظمــة والشــعوب‪.‬‬ ‫ظـ ّـل املثقــف العــريب غــر بعيــد عــن‪« :‬ومــا أنــا إالّ مــن غزيّــة» بالرغــم‬ ‫مــن البدلــة اإلفرنجيــة ولثغــة الحداثــة‪ ،‬إالّ أن غوايتــه ورشــده مرهونــان‬ ‫بغوايــة القبيلــة ورشــدها‪ ،‬ومــا خطــاب الحداثــة الــذي يتب ّنــاه إال (عـ ّدة)‬ ‫يحملهــا حــن الحاجــة‪ ،‬ويضعهــا جانب ـاً حــن يعــود إىل بيــت القبيلــة‪.‬‬ ‫ظــل املثقــف األعــور يلعــب بتشــجيع مرتفــع مــن جمهــور‬ ‫وهكــذا ّ‬ ‫أعمــى يهتــف لألهــداف‪ ،‬ويشــتم الحكــم إن هــزم العبــه ذو العــن‬ ‫الواحــدة‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫اسرتاتيجيات الغرب وجاذبية الشرق األوسط‬ ‫آرام كربيت‬ ‫منطقــة الــرق األوســط هــي أكــر املناطق‬ ‫يف العــامل تــررا ً مــن جـراء الهيمنــة الغربيــة‪،‬‬ ‫منــذ مجــيء نابليــون إىل مــر وإىل اآلن‪.‬‬ ‫فمنــذ ذلــك الوقــت بقيــت هــذه املنطقــة‬ ‫هشّ ــة سياســياً واقتصادي ـاً‪ .‬ومل تنعــم بالراحــة‬ ‫واالســتقرار الســيايس واالجتامعــي لكونهــا‬ ‫موضــع العمليــات السياســية لالســتثامرات‬ ‫السياســية لصنــاع القــرار الــدويل‪.‬‬ ‫فهــي موضــع التفاعــات السياســية العامليــة‬ ‫مــن موقــع املصالــح العميقــة للــدول الفاعلــة‬ ‫يف العــامل‪ ،‬متتــص كل األحــداث‪ ،‬واألزمــات‬ ‫الدوليــة العاصفــة‪ ،‬وكل مــا يــدور حولهــا‬ ‫وحــول غريهــا مــن مناطــق كثــرة يف العــامل‪.‬‬ ‫فــإذا حدثــت أزمــة اقتصاديــة يف الفلبــن أو‬ ‫نيكارغــوا أو الهونولولــو أو الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬فــإن الــرق األوســط هــو‬ ‫الرافعــة التــي تعيــد هــذه الــدول إىل موقعهــا‬ ‫الطبيعــي‪ ،‬وتدفــع املنطقــة الكلفــة السياســية‬ ‫واالقتصاديــة‪ .‬أو إذا دخــل النظــام الرأســايل‬ ‫يف دورتــه االقتصاديــة‪ ،‬يف مرحلــة االنكــاش‪،‬‬ ‫التــي هــي مجموعــة أزمــات‪ ،‬أي مرحلــة‬ ‫مــن الزمــن تبــدأ مــع بدايــة أزمــة‪ ،‬وتنتهــي‬ ‫مــع بدايــة أزمــة أخــرى نتيجــة االختــاالت‬ ‫االقتصاديــة للنظــام برمتــه‪ ،‬وهــي ظاهــرة‬ ‫مالزمــة للنظــام ولــه عالقــة بقانــون الســوق‪.‬‬ ‫مــع األســف فــإن منطقــة الــرق األوســط‬ ‫تتحــول إىل رافعــة لتنفيــذ األجنــدة السياســية‬ ‫واالقتصاديــة ومنطقــة االمتصــاص واالختالالت‬ ‫االقتصاديــة لكونهــا منطقــة رخــوة سياســياً‬

‫وهشــة اقتصاديــاً للــدول الكبــرة فندفــع‬ ‫الفاتــورة مــن مســتقبلنا وحياتنــا ووجودنــا‪.‬‬ ‫فهــذه املنطقــة كانــت ومــا زالــت تعمــل عــى‬ ‫امتصــاص األزمــات الخانقــة للنظــام‪ ،‬وإعــادة‬ ‫إنتــاج ظــروف إيجابيــة لألخريــن‪ .‬أي إننــا‬ ‫منفضــة أو مكنســة لقــش فضــات اآلخريــن‬ ‫برعايــة حكومــات املنطقــة وخضوعهــم‬ ‫للــروط التــي تفــرض علينــا مــن قبــل دول‬ ‫صنــع القــرار الســيايس واالقتصــادي‪.‬‬ ‫إن سياســة الــدول الكبــرة تعمــل عــى‬ ‫تدويــر أزمــات النظــام الرأســايل يف املناطــق‬ ‫الرخــوة‪ ،‬مثــل بالدنــا‪ ،‬خاصــة يف مرحلــة‬ ‫الجمــود االقتصــادي‪ ،‬وتعطــل حركــة القــوى‬ ‫املنتجــة نتيجــة تبــدد كميــات كبــرة مــن‬ ‫االنتــاج بســبب انكــاش الســوق‪ ،‬وتلــف‬ ‫كميــات كبــرة مــن الســلع وانخفــاض األســعار‬ ‫فتتدخــل دول صنــع القــرار يف القــرارت‬ ‫املصرييــة للبلــدان الهشــة قبــل وصــول‬ ‫االقتصــاد العاملــي إىل اإلنحــدار ثــم الهاويــة‪.‬‬ ‫أي أصبحنــا مشــفى للنظــام الرأســايل‪،‬‬ ‫ومنطقــة اإلســعافات األوليــة والتاليــة‪ ،‬ملــرض‬ ‫النظــام‪ ،‬فيتــم تفريــغ كل أوســاخه يف بالدنــا‪،‬‬ ‫كالحــروب والتوتـرات السياســية واالجتامعيــة‬ ‫واالضطرابــات السياســية الدوليــة‪ ،‬فتدفــع‬ ‫الــدول العظمــى إىل تحميلنــا الثقــل الســيايس‬ ‫واالقتصــادي للنظــام عــر التدخــل املبــارش يف‬ ‫شــؤوننا‪.‬‬ ‫يف الســابق بُعيــد الحــرب العامليــة األوىل‬ ‫كان يتــم ذلــك عــر الســيطرة املبــارشة‬

‫تحــت اســم انتــداب أو وصيــة‪ ،‬ليتحــول إىل‬ ‫شــكل مــن الهيمنــة السياســية بعيــد الحــرب‬ ‫العامليــة الثانيــة‪ ،‬عــر إنتــاج حكومــات عــى‬ ‫مقــاس مصالحهــم‪ .‬وعندمــا انهــار االتحــاد‬ ‫الســوفييتي واملنظومــة التــي كانــت تــدور‬ ‫يف فلكــه تحولــت هــذه املنطقــة إىل التدخــل‬ ‫املبــارش عســكرياً فيهــا منــذ العــام ‪1991‬‬ ‫وإىل األن‪ .‬ورمبــا بعــد أحــداث ‪11‬أيلــول‬ ‫العــام ‪ 2001‬املفتعلــة دخلنــا يف مرحلــة‬ ‫الرشاســة الرأســالية‪ ،‬القامئــة عــى البقــاء‬ ‫عســكرياً‪ ،‬وصنــع أدوات مــن لدنــه يف مخابــره‬ ‫ومعســكراته كالتنظيــات املســلحة مثــل‬ ‫داعــش والقاعــدة‪ ،‬وتحــول الــدول الصغــرة‬ ‫كحكومــة العــراق وســورية وافغانســتان‬ ‫إىل مجــرد خــدم للمشــاريع الكبــرة ملراكــز‬ ‫النظــام‪ ،‬مــا جعلنــا نعيــش حالــة فجائعيــة‬ ‫ومســتعصية وأقــرب إىل الخــراب‪.‬‬ ‫فاملنطقــة تعيــش منــذ قرنــن مــن الزمــن‪،‬‬ ‫كموقــع وجغرافيــة سياســية حالــة صعبــة‬ ‫قاســية نتيجــة املؤثــرات الخارجيــة ووقعهــا‬ ‫عليهــا مــن بلــدان املراكــز يف النظــام مــن‬ ‫هيمنــة وســيطرة‪ ،‬فــكل صدمــة نتلقاهــا أو‬ ‫توتــر يحــدث هنــا أو هنــاك أو هــزة قويــة أو‬ ‫ضعيفــة يــرك أثــره عــى واقعهــا االجتامعــي‬ ‫ويرتكنــا يف مهــب الريــح‪ ،‬ويجعــل اإلنســان‬ ‫العــادي يف حالــة ضيــاع لكــون مــا يحــدث‬ ‫يف بلــده سياســياً يدفــع رضيبتــه غاليــاً مــن‬ ‫حياتــه ومســتقبله ومصــره‪ ،‬لهــذا نــرى أغلــب‬ ‫ســكان الــرق األوســط يحاولــون الهــرب مــن‬

‫هــذا الواقــع القــايس الــذي مل يعــد يشــعر‬ ‫فيــه باألمــان عــى حياتــه وبيتــه وأرستــه‪ .‬تـراه‬ ‫يغامــر‪ ،‬يركــب البحــر يف عــز الشــتاء لينجــو‬ ‫بنفســه مــن تقلبــات الواقــع وتدخــل الــدول‬ ‫الصغــرة والكبــرة يف مصــره ومصــر وطنــه‬ ‫ووجــوده‪.‬‬ ‫التطــورات الحاليــة متســارعة عــى مختلــف‬ ‫الصعــد‪ ،‬وآثارهــا واضحــة متامــاً عــى‬ ‫بلداننــا ومجتمعاتنــا عــى الصعيــد النفــي‬ ‫واالجتامعــي والوجــودي‪ ،‬وال مفــر مــن‬ ‫مواجهــة التحديــات والتغــرات الهائلــة‬ ‫نتيجــة انتقــال النظــام الرأســايل إىل العوملــة‪،‬‬ ‫وهــي مرحلــة خطــرة مــن انعــدم االهتــام‬ ‫بالجانــب االجتامعــي واإلنســاين‪ ،‬وانتقــال‬ ‫الســلطة التنفيذيــة يف البلــدان املركزيــة مــن‬ ‫ســلطة تنفيذيــة يف بلدانهــا إىل حاميــة مصالــح‬ ‫االحتــكارات العامليــة الفــوق وطنيــة وخدمــة‬ ‫أجندتهــم‪.‬‬ ‫وأشــد مــا يخيــف أن تتحــول الدولــة يف العــامل‬ ‫املتمــدن إىل فاشــية معوملــة‪ ،‬تجــرد ســيفها‬ ‫مــن غمــده وتعلــن الحــرب عــى مجتمعهــا‪،‬‬ ‫وتتحــول هــذه املجتمعــات إىل وقــود حــرب‬ ‫أو حطــب أو تتحــول الدولــة إىل إداري حــرب‪،‬‬ ‫مــكان للتوفيــق بــن األطــراف املتصارعــة‪،‬‬ ‫كــا يحــدث يف ســوريا والعـراق وأفغانســتان‪،‬‬ ‫وهنــاك إشــارات كثــرة غــر نظيفــة نراهــا يف‬ ‫أكــر مــن مــكان‪ ،‬يــد خفيــة تخطــط بشــكل‬ ‫ذيك جــدا ً وبتنســيق عــايل‪.‬‬ ‫أي أن الحــرب ستشــتعل يف أوروبــا وآســيا‬

‫وأفريقيــا‪ ،‬وســتحول الدولــة األمريكيــة نفســها‬ ‫دولــة فــوق دول العــامل‪ ،‬دولــة املخابــرات‬ ‫األوىل لتســيطر عــى الجميــع‪ ،‬وتجــر الجميــع‬ ‫عــى تنفيــذ أجندتهــا‪ ،‬مبــا فيهــا الحكومــات‬ ‫األوروبيــة‪.‬‬ ‫إن مــا يحــدث يف ســوريا خطــر جــدا ً‪ ،‬أبعــد‬ ‫مــن موضــوع رصاع داخــي أو إقليمــي‪،‬‬ ‫وهنــاك إشــارات كثــرة تــدل عــى ذلــك‪ ،‬أن‬ ‫ينقــل مجتمــع كامــل باملاليــن إىل مجتمــع‬ ‫أخــر‪ ،‬وتتحــول حكومــة ســورية إىل إداري‬ ‫حــرب بــإرشاف دول عظمــى وتخطيــط منهــم‬ ‫وتنفيــذ أيضــاً‪ .‬ويشــاركهم دول إقليميــة‪،‬‬ ‫كأنهــم جوقــة موســيقية يعملــون عــى نوتــة‬ ‫واحــدة‪.‬‬ ‫نقــول ال مفــر مــن مواجهــة التحديــات‬ ‫والتغيـرات الهائلــة‪ ،‬فــكل فعــل لــه رد فعــل‪،‬‬ ‫فلــكل نشــاط إنســاين لــه معادلــن‪ ،‬أحدهــا‬ ‫يف مواجهــة األخــر‪ .‬وال مــكان للهــروب مهــا‬ ‫طــال الزمــن‪ .‬وكــا نتأثــر مبــا يحــدث ســيرتك‬ ‫هــذا األمــر أثــره عــى املجتمعــات يف العــامل‬ ‫ســواء أمريكيــة أو أوروبيــة أو الصــن‪ ،‬ومــا‬ ‫يحــدث مــن أزمــة يف مــكان ســينتقل تلقائي ـاً‬ ‫إىل مناطــق أخــرى‪.‬‬ ‫وليــس أمامنــا كمجتمــع ونــاس إال مواجهــة‬ ‫مشــكالتنا املعقــدة واملرتاكمــة عــر املعرفــة‬ ‫والجــرأة يف املصارحــة ومراجعــة حارضنــا‬ ‫وماضينــا حتــى ميكننــا أن نعالــج عالقتنــا‬ ‫بالحريــة والــرورة مــن موقــع الفاعــل‬ ‫لالنتقــال إىل عــامل أقــل قســوة‪.‬‬

‫شرع اهلل‪ ...‬أم شريعة األوصياء على كلمة اهلل؟!‬ ‫حمزة رستناوي‬ ‫مع ـاً ض ـ ّد الحيــاة‪ ،‬معــا ضــد الحريــة‪ ،‬معــا‬ ‫ضــ ّد الفــرح‪ ...‬هكــذا يتــ ّم تأويــل مصطلــح‬ ‫(رشع اللــه) يف فكــر الســلفية‪ ،‬والســلفية‬ ‫الجهاديــة‪ ،‬وعمــوم تيــارات اإلســام الســيايس‪،‬‬ ‫عنــد املســلمني اليــوم! (رشع اللــه) هــو‬ ‫النســخة املقابلــة ‪ -‬يف أدبيــات اإلســام الســيايس‬ ‫املعــارض‪ -‬ملفهــوم رشع البــر‪ ،‬وهــذا يطــرح‬ ‫عــددا ً مــن االشــكاالت‪.‬‬ ‫أوال‪ -‬هــل اإلنســان واملجتمعــات البرشيــة‬ ‫قــارصة ومتخلّفــة عقليــاً بحيــث ال تســتطيع‬ ‫متييــز الخــر مــن الــر؟ وهــل البــر غــر‬ ‫قادريــن عــى تنظيــم إدارة شــؤونهم بشــكل‬ ‫جيــد؟! وإذا كان هــذا اإلنســان قــارصا ً – وفق ـاً‬ ‫لزعــم تيــارات اإلســام الســيايس‪ -‬فكيــف‬ ‫نــوكل شــأن فهــم وتطبيــق (رشع اللــه) إىل‬ ‫هــذا الكائــن القــارص! ومــا تفســر أ ّن أكــر‬ ‫املجتمعــات والــدول ازدهــارا ً هــي دول ال‬ ‫يحكمهــا رشع اللــه! إنســانها وسياســيوها‬ ‫جاهلــون بــرع اللــه! وبالطبــع ال يســتقيم أن‬ ‫يقــول يل فــان مــن النــاس إن ســويرسا وكنــدا‬ ‫متخلفــة‪ ،‬أمــا جمهوريــة إيــران اإلســامية‪ ،‬أو‬ ‫إمــارة طالبــان اإلســامية متق ّدمــة!!‬ ‫ثانيــاً‪ -‬مــا هــي قرائــن وبراهــن أن ي ّدعــي‬ ‫اختصهــم –دون‬ ‫بعــض البــر بــأ ّن اللــه قــد ّ‬ ‫غريهــم‪ -‬مبعرفــة وتطبيــق رشعــه! وهــذا أمــر‬ ‫خــايف جــدا ً بــن البــر‪ ..‬مثــاً كرويــة األرض‬ ‫أو عــدد أصابــع يــد اإلنســان هــي قضايــا أكــر‬ ‫ـت خالفيــة مقارنــة بقضيــة (رشع‬ ‫قبــوالً وليسـ ْ‬ ‫اللــه) ملــاذا يكــون رشع اللــه اشــكالياً‪ ،‬وليــس‬ ‫بدهيـاً أو قابـاً للربهــان مبعيــار عامــة النــاس أو‬ ‫عامــة أهــل االختصــاص يف القانــون والسياســة‬ ‫عــى االقــل!‬ ‫ثالث ـاً‪ -‬ملــاذا (رشع اللــه) اإلســامي غــر (رشع‬

‫اللــه) اليهــودي؟ ملــاذا رشع اللــه الشــيعي‬ ‫غــر رشع اللــه الســ ّني؟ ملــاذا رشع اللــه‬ ‫الحنبــي الوهــايب غــر رشع اللــه الحنفــي؟!‬ ‫هــل رشع اللــه عنــد داعــش غــر رشع اللــه‬ ‫عنــد شــقيقتهم جبهــة النــرة؟! هــل هــو اللــه‬ ‫لــكل فئــة‬ ‫واحــد يف إميانهــم ورشائعهــم! أم ّ‬ ‫منهــم رشعهــا الــذي تنســبه إىل اللــه! ثــم مــا‬ ‫ـكل فئــة‬ ‫هــو معيــار موافقــة أو تأييــد اللــه لـ ّ‬ ‫ت ّدعــي منهــم! هــل ســبق أ ّن عـ ّـن اللــه ناطق ـاً‬ ‫رســميا باســمه؟! كثــرون يف التاريــخ البــري‬ ‫نصبــوا أنفســهم‬ ‫واإلســامي‪ ،‬وكذلــك يف حارضنــا ّ‬ ‫يف وظيفــة الناطــق الرســمي‪ ،‬وكلّهــم ال يريــدون‬ ‫الحكــم بــل يريــدون تحكيــم رشع اللــه فينــا!‬ ‫ويســتعينون عــى ذلــك بالســياط والســيوف‬ ‫والســجون والصلــب وســائر أنــوع العنــف‬ ‫املــادي واملعنــوي!‬ ‫رابع ـاً‪ -‬معيــار الــرع األفضــل أو الدســتور أو‬ ‫القانــون الجيــد‪ ،‬ليــس يف مصــدره! وليــس يف‬ ‫عــدد أتباعــه! بــل إ ّن معيــار الفضــل والجــودة‬ ‫هــو يف توافقــه مــع أولويــة الحيــاة والعــدل‬ ‫والحريــة‪ ،‬يف التزامــه بحقــوق اإلنســان واحـرام‬ ‫ربــا ال تجــد‬ ‫آدميتــه‪ ،‬وليــس بــيء آخــر! ّ‬ ‫مســتبدا ً أو طالــب ســلطة يف املجتمعــات‬ ‫اإلســامية إال و ي ّدعــي أنــه يطبّــق رشع اللــه‪،‬‬ ‫أو أنّـ ُه األقــرب إىل رشع اللــه! يحتكــرون كلمــة‬ ‫اللــه يقتلــون وينتهكــون حقــوق عبــاد اللــه!!‬ ‫رون عــى إعــادة اكتشــاف العجلــة مــن‬ ‫يــ ّ‬ ‫جديــد! وكأ ّن اللــه مل يخلــق ســوانا عــى هــذا‬ ‫الكوكــب!‬ ‫خامســاً‪ -‬للمقارنــة بــن عدالــة ترشيعــات‬ ‫وضعيــة وفقــاً لــرأي اإلســاميني وترشيعــات‬ ‫ســاوية (رشيعــة اللــه)‪ ،‬ســأرضب مثــاالً حــول‬ ‫العبوديــة‪ .‬فاإلســام مل يحــ ّرم العبوديــة‪ ،‬بــل‬

‫أباحهــا وأوىص بالعتــق كحســنة نافلــة‪ .‬ولكــن‬ ‫باملقابــل الرشائــع الحديثــة قامــت بتحريــم‬ ‫وتجريــم العبوديــة مطلقــاً‪ ..‬فأيهــا أكــر‬ ‫عدالــة واحرتامـاً لحقــوق اإلنســان! وأمــا ح ّجــة‬ ‫الســياق التاريخــي املختلــف‪ ،‬وكــون زمــن نزول‬ ‫رشع اللــه (يف القــرن الســابع امليــادي) ليــس يف‬ ‫القــرن التاســع عــر أو العرشيــن‪ ،‬فهــذه ح ّجــة‬ ‫ال تصلــح للــرد لكون اإلســاميني مي ّجــدون (رشع‬ ‫اللــه)‪ ،‬ويرونــه صالحــاً لــكل زمــان ومــكان‪.‬‬ ‫ي قائــاً‪:‬‬ ‫*اعــرض أحــد األصدقــاء منكــرا ً عــ ّ‬ ‫كيــف تقــارن مــا بــن نــص ترشيعــي عظيــم‬ ‫كالقــرآن الكريــم أو أحــكام الرشيعــة اإلســامية‬ ‫الغــراء‪ ،‬وبــن واقــع الترشيــع والحيــاة يف‬ ‫دولــة أوربيــة كســويرسا اآلن! القــرآن وأحــكام‬ ‫ـت عــى حقيقتهــا‪..‬‬ ‫الرشيعــة اإلســامية لــو طبّقـ ْ‬ ‫ســتكون حالنــا كمســلمني أفضــل بكثــر مــن‬ ‫ســويرسا وغريهــا! أمل تقــرأ وتتعــرف عــى‬ ‫الســرة النبويــة ودولــة الخالفــة الراشــدة يــا‬ ‫رعــاك اللــه!‬ ‫ويف ذلــك أقــول‪ :‬املقارنــة تكــون بــن نــص‬ ‫ترشيعــي‪ ،‬ونــص ترشيعــي آخــر‪ ،‬أو مقارنــة بــن‬ ‫واقــع تطبيــق القوانــن يف الــدول واملجتمعــات‬ ‫املختلفــة‪ ..‬االســتغالل موجــود وممكــن‬ ‫بدرجــات مختلفــة‪ ،‬ولكــن بعــض املجتمعــات‬ ‫فيهــا التـزام وشــفافية أكــر مــن بعــض‪ ،‬لنقــارن‬ ‫بــن القانــون نصـاً وتطبيقـاً يف إمــارة داعــش أو‬ ‫يف إمــارة النــرة أو إيــران اإلســامية مقارنــة‬ ‫مــع تركيــا أو بســويرسا أو أملانيــا أو اليابــان‬ ‫مث ـاً‪ ..‬لتصــل فكــريت‪ ،‬ث ـ ّم إنــه ال ميكــن فصــل‬ ‫النــص عــن التطبيــق وصريورتــه التاريخيــة‬ ‫والثقافيــة‪ ،‬فالنــص وليــد أو نتيجــة تفاعــل‬ ‫مــع الواقــع‪ ..‬وهــو بــدوره يؤثــر بالواقــع‪ ،‬وأي‬ ‫فصــل نقــوم بــه هــو فصــل إجــرايئ لغايــات‬

‫*أي منــوذج‬ ‫دراســية فقــط‪ ،‬مبصالــح مح ـ ّددة‪ّ .‬‬ ‫يُحتــذى ق ّدم ـ ُه اإلســاميون يف الحكــم (بــرع‬ ‫اللــه) حتّــى يتبعهــم العاملــن‪ ..‬منــوذج طالبــان‬ ‫افغانســتان أم منــوذج داعــش أم منــوذج بوكــو‬ ‫حــرام يف نيجريــا أم منــوذج إيــران اإلســامية‬ ‫أم منــوذج جعفــر منــري والبشــر يف الســودان!‬ ‫يحــق لعاقــل أن يتبــع هكــذا منــاذج‬ ‫هــل‬ ‫ّ‬ ‫ورشائــع!!‬ ‫*مــا الفــرق بــن منشــور عــى الفيــس بــوك فيه‬ ‫محظــور رشعــي‪ ،‬ومنشــور عــى الفيســبوك فيــه‬ ‫تهديــد ألمــن الدولــة وتوهــن نفســية األ ّمــة!!‬ ‫هــذا مثــال يفضــح اســتغالل مفهــوم اللــه أو‬ ‫مفهــوم الدولــة أو مفهــوم األمــة‪ ..‬بغيــة قمــع‬ ‫الحريــات‪ ،‬وتحصــن الســلطة مــن املســائلة!‬ ‫وتتســاوى يف ذلــك مثــاً ســلطة النظــام‬ ‫االســتبدادي لألســد مــع ســلطة جبهــة النــرة‬ ‫(تنظيــم القاعــدة) مــع ســلطة تنظيــم الدولــة‬ ‫االســامية يف العــراق والشــام (داعش)‪..‬الــخ‪.‬‬ ‫*ليــس حـرا ً‪ ..‬وال يطلــب الح ّريــة مــن يســتبدل‬ ‫إرهــاب النظــم الشــمولية املخابراتيــة ممثــاً‬ ‫بالنظــام األســدي عــى ســبيل املثــال ال الحــر‬ ‫بإرهــاب الســلفية الجهاديــة ممثلــة بداعــش‬ ‫والنــرة وبقيــة الجوقــة مــن جامعــة ُمســمى‬ ‫تحكيــم رشع اللــه!‪( ..‬نحــن ال نطلــب الحكــم‪،‬‬ ‫بــل نطلــب تحكيــم رشع اللــه يف النــاس!)‪،‬‬ ‫وهــل يســتقيم رشع مــن دون إعطــاء األولويــة‬ ‫للحيــاة والعــدل والحريــة!!‬ ‫*اإلدارة هــي أحــد أبعــاد الكينونــة االجتامعيــة‪،‬‬ ‫وهــي متثّــل الشــكل الســيايس الفئــوي لتنظيــم‬ ‫الكينونــة االجتامعيــة‪ ،‬والعقيــدة كذلــك هــي‬ ‫أحــد أبعــاد الكينونــة االجتامعيــة‪ ،‬وهــي متثــل‬ ‫الشــكل األيديولوجــي األخالقــي للكينونــة‬ ‫االجتامعيــة‪ ،‬فــاإلدارة والعقيــدة كالهــا مــن‬

‫أبعــاد الكينونــة االجتامعيــة البرشيــة‪ ،‬بالتأكيــد‬ ‫مث ّــة تفاعــل وتأثــر متبــادل مــا بــن اإلدارة‬ ‫والعقيــدة‪ ،‬ولك ّنهــا بعديــن مختلفــن‪ ،‬اإلدارة‬ ‫ال تكــون فئويــة وال تقــوم بالــرورة عــى‬ ‫الحريــة االختيــار‪ ،‬واإلدارة ال تحتمــل اإلميــان‬ ‫بالغيبيــات‪ ،‬بينــا العقيــدة تكــون فئويــة‬ ‫بالــرورة‪ ،‬وتقــوم عــى الحريــة واالختيــار‪،‬‬ ‫وعــى مبــدأ اإلميــان بالغيبيــات‪.‬‬ ‫إن مفهــوم مصطلــح (رشع اللــه) يقــوم عــى‬ ‫الخلــط ما بــن البعــد اإلداري والبعــد العقائدي‬ ‫تعســف بـ ّـن‪،‬‬ ‫للكينونــة االجتامعيــة ويف ذلــك ّ‬ ‫وقــد ينطــوي عــى قصــور وإســاءة اســتخدام‬ ‫لــكل مــن العقيــدة واإلدارة‪.‬‬ ‫إ ّن كل بعــد مــن أبعــاد الكينونــة االجتامعيــة‬ ‫يؤثــر ويتأثــر يف األبعــاد األخــرى‪ ،‬مثـ ًـا لنالحــظ‬ ‫تأثــر الزمــن عــى البعــد اإلداري والعقائــدي‪،‬‬ ‫وكيــف أن مفهوم ـاً كــرع اللــه يتأثــر بالزمــن‬ ‫وتغرياتــه‪ ،‬فــرع اللــه اليهــودي مثـاً وجــد يف‬ ‫عــر جغرافيــاً واجتامعيــاً‬ ‫تاريــخ معــن وقــد ّ‬ ‫وتكنولوجيــاً واقتصاديــاً ولغويــاً عــى مصالــح‬ ‫العــر الــذي وجــد فيــه‪ .‬وكذلــك رشع اللــه‬ ‫اإلســامي‪ ..‬الــخ‪ .‬وإ ّن رشائــع أخــرى ال يطلــق‬ ‫عليهــا مصطلــح رشع اللــه كرشيعــة حمــورايب‬ ‫أو الــرع الرومــاين تخضــع لفعــل البعــد‬ ‫الزمنــي كذلــك‪ ،‬وينطبــق عليهــا مــا ينطبــق‬ ‫عــى مــا يُس ـ ّمى برشائــع اللــه!!‬ ‫*إذا – رشطيــة‪ -‬كان اللــه هــو العــادل والرحمن‬ ‫الرحيــم‪ ،‬فرشيعــة اللــه هــي العــدل والرحمــة‪..‬‬ ‫ليســت مــن رشع‪/‬‬ ‫وكل ظلــم أو قســوة هــي‬ ‫ْ‬ ‫رشائــع اللــه! رشائــع اللــه هــي الرشائــع التــي‬ ‫يكــون معيارهــا أولويــة الحيــاة والعــدل‬ ‫بغــض النظــر عــن التســميات‬ ‫والحريــة‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ودعــاوى أصحابهــا‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫ومضــات ومحطــات يف حيــاة هــارون الرشــيد‬ ‫الرشيد (‪)1‬‬

‫عبـدالعظيـمإسـماعيـل‬ ‫‪1‬‬ ‫يف كل تاريــخ األمــم منــذ آالف‬ ‫الســنني‪ ،‬وحتــى اآلن‪ ،‬بــرزت‬ ‫شــخصيات وضعــت بصمتهــا التــي‬ ‫ال تكــون لغريهــا‪ ،‬وتركــت آثــارا ً ال‬ ‫يــزال بعضهــا ماثــاً حتــى اللحظــة‪،‬‬ ‫ومنهــا آثــار ماديــة واآلخــر منهــا‬ ‫معنــوي وفكــري‪ ،‬ومــا أريــد أن‬ ‫ألفــت النظــر إليــه‪ ،‬تقييــم هــذه‬ ‫الشــخصيات بشــكل موضوعــي‪،‬‬ ‫ومبيــزان الباحــث الحــق بإنصــاف‬ ‫التعصــب أو التج ّنــي‪،‬‬ ‫بعيــد عــن‬ ‫ّ‬ ‫فكيــف باســم كان‪ ،‬وال يــزال أشــهر‬ ‫مــن نــار عــى علــم‪ ،‬اســم اكتســب‬ ‫شــهرة أقــرب إىل األســاطري‪ ،‬تخطّــت‬ ‫محيطهــا وعاملهــا إىل مختلــف أصقــاع‬ ‫األرض‪ ،‬وتُرجمــت أخبــاره إىل لغاتهــا‪،‬‬ ‫حتــى صــارت كحكايــات «ألــف ليلــة‬ ‫وليلــة»‪ .‬إنــه‪ :‬هــارون الرشــيد‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫ولهذه الشهرة أسباب كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ـ بلــوغ الحضــارة العربيــة اإلســامية‬ ‫يف عــره مكانــة مل تصلهــا كثــر مــن‬ ‫األمــم يف مختلــف مجــاالت الحيــاة‬ ‫يف العلــم واألدب والفــن‪ ،‬فرعاهــا‬ ‫بعطفــه‪ ،‬وغذَاهــا ببذلــه‪ ،‬وأوالهــا‬ ‫عنايــة فائقــة‪ ،‬حتــى ازدهــرت‬ ‫وأمثــرت‪.‬‬ ‫ـ باإلضافــة إىل خطــورة بعــض‬ ‫األحــداث التاريخيــة التــي جــرت يف‬ ‫دوي يف‬ ‫عــره وخلّفــت آثــارا ً لهــا ّ‬ ‫التاريــخ‪ ،‬والــراء الفاحــش‪ ،‬أضــف‬ ‫إليهــا مــا نســجته أخيلــة األدبــاء‬ ‫والكتّــاب حــول مــا يجــري يف بالطــه‬ ‫وقصــور وزرائــه وحاشــيته مــن أخبــار‬ ‫الــرف والبــذخ الــذي يفــوق التصـ ّور‬ ‫الــذي اتّصفــت بــه‪ ،‬طــوال أيامــه‬ ‫عاصمتــه «بغــداد» التــي أُطلــق‬ ‫عليهــا اســم «العــروس» لبهجتهــا‬

‫ونضــارة العيــش فيهــا‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫بيــد أن مــن يقــرأ األخبــار املتناثــرة‬ ‫مــا كُتــب عــن‬ ‫يف بطــون الكتــب‪ّ ،‬‬ ‫هــذه الشــخصية الفــذّة وأعاملهــا‪،‬‬ ‫يــرى تناقض ـاً ظاه ـرا ً محـ ّـرا ً‪ ،‬وتباين ـاً‬ ‫واختالفــاً ملفتــاً للنظــر‪ ،‬يصعــب‬ ‫معهــا تكويــن فكــرة صحيحــة عــن‬ ‫ســرته وســجاياه‪:‬‬ ‫فمــن حــزم ويقظــة إىل ميوعــة‬ ‫وتــرا ٍخ‪ ،‬ومــن إصــاح وتدبــر‬ ‫تعســف وتبذيــر‪ ،‬ومــن ورع‬ ‫إىل ّ‬ ‫وتقــوى وخشــوع إىل ســكر وعربــدة‬ ‫وانغــاس يف اللذائــذ ومجــون‪ ،‬ومــن‬ ‫رقّــة ودمــوع تنهمــر بســخاء أمــام‬ ‫املواعــظ إىل ظلــم وجــور واســتبداد‬ ‫وغلظــة ورشاســة وســفك للدمــاء‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫لكــن يبــدو أن عوامــل غري محــدودة‪،‬‬

‫ونزعــات وأهــواء متفرقــة‪ ،‬تضافــرت‬ ‫مجتمعــة للعبــث بســرته‪ ،‬وتشــويه‬ ‫فصيتــه‬ ‫الحقائــق يف ســ ّجل حياتــه‪ّ ،‬‬ ‫شــخصيه أســطورية تلتــف حولهــا‬ ‫نــوادر الخالعــة واملجــون واالســتهتار‪،‬‬ ‫الســار والعابثــن‬ ‫وتصــ ّور أحــام‬ ‫ّ‬ ‫واملؤلفــن لحكايــات «ألــف ليلــة‬ ‫وليلــة» ومــا يشــابهها‪ ،‬عــن قصــد‬ ‫وغــر قصــد‪ ،‬وبتجــنٍ واف ـراء‪ ،‬إلّ أن‬ ‫مــن أشــ ّدها خطــرا ً‪ ،‬وأعظمهــا أثــرا ً‬ ‫وجــرأة عــى تشــويه تاريخــه‪ ،‬تلــك‬ ‫النزعــة الشــعوبية التــي أعامهــا‬ ‫حقدهــا مــن جامعاتهــا املؤرخــن‬ ‫ومــد ّوين األحــداث‪ ،‬فجعلتهم يشـ ّنون‬ ‫عليــه حرب ـاً بــا هــوادة ـ ومــا ت ـزال‬ ‫ـ لحرصــه عــى عروبتــه‪ ،‬وال ســ ّيام‬ ‫عندمــا بــدأ يحــس ويــرى أن ســيادة‬ ‫العــرب تــكاد تُحتــر بــن أيــدي‬ ‫مــن يســعون إليذائهــا والكيــد لهــا‪،‬‬ ‫رش مم ـ ّزق‪.‬‬ ‫فانقـ ّ‬ ‫ـض عليهــم وم ّزقهــم ّ‬

‫الخليفة القائد ‪/2/‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مل يغــ ُز خليفــة مــن خلفــاء‬ ‫املســلمني بنفســه بقــدر مــا غــزا‬ ‫هــارون الرشــيد‪ ،‬ومل تتعطّــل حركــة‬ ‫الجهــاد طــوال أعــوام خالفتــه‪،‬‬ ‫منــذ توالّهــا حتــى قــرب أجلــه‪،‬‬ ‫ســواء أكان ذلــك الجهــاد بشــخصه‬ ‫أم برجــال الحــرب مــن قادتــه‪ ،‬يف‬ ‫رشقــي الدولــة وشــالها‪ ،‬ويف الــر‬ ‫والبحــر‪ .‬وهــو الوحيــد بــن الخلفــاء‬ ‫وامللــوك املســلمني الــذي ُعــرف بأنــه‬ ‫يغــزو ســنة ويحــج ســنة‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫كانــت رقعــة دولــة الرشــيد مرتاميــة‬ ‫األطـراف‪ ،‬متتــد مــن املغــرب األقــى‬ ‫حتــى أرايض الســند وتخــوم الصــن‬ ‫رشقــاً‪ ،‬ومــن بــاد أرمينيــة شــاالً‬ ‫حتــى ســواحل اليمــن جنوبــاً‪ .‬أ ّمــا‬ ‫الحــدود الغربيــة فكانــت مجــاورة‬ ‫لدولتــن عدوتــن‪ ،‬ولكنهــا عربيتــان‬

‫مســلمتان‪ ،‬هــا دولــة بنــي أميــة‬ ‫يف األندلــس‪ ،‬التــي مل يصطــدم‬ ‫بهــا لبعــد الشــقّة بينهــا‪ ،‬وألنهــم‬ ‫أيضـاً كانــوا منشــغلني بالجهــاد ضــد‬ ‫بــاد الفرنجــة‪ ،‬والدولــة اإلدريســية‬ ‫يف املغــرب األقــى‪ ،‬التــي رىض‬ ‫باملهادنــة معهــا بنــا ًء عــى طلــب‬ ‫«إدريــس الثــاين»‪ ،‬فعــدل عــن فكــرة‬ ‫الحــرب والصــدام معهــا‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫أمــا أقــرب املاملــك إىل عاصمــة‬ ‫الخالفــة وأشــ ّدها خصومــة وعــدا ًء‬ ‫لدولــة املســلمني هــي دولــة الــروم‬ ‫الرشقيــة «بيزنطيــة» التــي انفصلــت‬ ‫عــن إمرباطوريــة «رومــا» القدميــة‪..‬‬ ‫وقــد غــزا العــرب هــذه الدولــة‬ ‫عــدة مــرات يف عهــد األمويــن‬ ‫والخلفــاء األ ّول مــن بنــي العبــاس‪،‬‬ ‫وغزاهــا الرشــيد مرتــن يف عهــد‬ ‫أبيــه املهــدي‪ ،‬فانتــر عليهــم‪،‬‬

‫ووصــل عاصمتهــا القســطنطينية‪،‬‬ ‫وفــرض عليهــا الجزيــة‪ .‬كــا غزاهــا‬ ‫الرشــيد يف عهــده بنفســه‪ ،‬أربــع‬ ‫مـرات‪ ،‬ومل يكــن كل هــذا اإلرصار يف‬ ‫القتــال والصــدام مــن أجــل غايــات‬ ‫سياســية فحســب‪ ،‬بــل كان يفعلــه‬ ‫أيض ـاً بدافــع دينــي‪ ،‬هدفــه الجهــاد‬ ‫يف ســبيل اللــه‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫كانــت األهــداف الرئيســة لسياســة‬ ‫الرشــيد يف داخــل البــاد‪ ،‬املحافظــة‬ ‫عــى كيــان الدولــة قبــل كل يشء‪،‬‬ ‫وقمــع االضطرابــات والشــغب‪،‬‬ ‫وطأمنــة نفــوس النــاس مــن غوائــل‬ ‫الفــوىض‪ ،‬وإقــرار األمــن‪ ،‬ففــي‬ ‫شــال أفريقيــا حدثــت الكثــر مــن‬ ‫الصدامــات‪ ،‬وكانــت الحالــة بــن‬ ‫مــ ّد وجــزر إىل أن اســتق ّرت األمــور‬ ‫وهــدأت‪ ،‬أمــا يف مــر فكانــت‬ ‫األوضــاع هادئــة طــوال فــرة‬

‫‪9‬‬

‫خالفتــه‪ ،‬ومل يعكّــر صفــو األمــن‬ ‫فيهــا إالّ بعــض األمــور الصغــرة‬ ‫التــي ال ت ُذكــر إذا مــا قُورنــت‬ ‫بحــوادث الدولــة الخطــرة‪ .‬أ ّمــا يف‬ ‫اليمــن فكانــت هنــاك صعوبــة يف‬ ‫إدارة هــذا اإلقليــم‪ ،‬فحدثــت ثــورات‬ ‫ومت ـ ّرد‪ ،‬إىل أن اختــار ملواجهــة هــذا‬ ‫التمــ ّرد «حــاد الرببــري» الــذي‬ ‫اســتطاع إخــاده بقــوة‪ .‬ويف بــاد‬ ‫الحجــاز مل يحــدث مــا يســتحق‬ ‫الذكــر‪ .‬ويف الشــام حدثــت ثــورة‬ ‫عارمــة عــام «‪ »174‬للهجــرة بــن‬ ‫القبائــل اليامنيــة والنزاريــة‪ ،‬ثــم مــا‬ ‫لبثــت أن تط ـ ّورت إىل ثــورة داميــة‬ ‫ضــد عــال الرشــيد وجيوشــه‪ ،‬إىل‬ ‫أن أرســل إليهــم الرشــيد جعفــر‬ ‫الربمــي‪ ،‬الــذي اســتطاع إنهــاء األمر‪،‬‬ ‫وأعــاد الطأمنينــة إىل النفــوس‪.‬‬

‫غريب الدار‬

‫تدمري الثقافة‬ ‫إبراهيم العلوش‬ ‫صبــاح يــوم الخميــس ‪2016/2/4‬م قامــت الطائ ـرات الغاشــمة‪ ،‬بتدمــر‬ ‫مبنــى املركــز الثقــايف بالرقــة‪ ،‬حــدثٌ كبـ ٌر بتاريــخ املدينــة يــأيت الحقـاً بعــد‬ ‫أن قامــت طائـرات النظــام بحــرق مكتبــة املركــز يــوم ‪2013/3/7‬م‪ ،‬وحرمــت‬ ‫املدينــة مــن مكتبــة ثريــة‪ ،‬كانــت تحتــوي عــى أكــر مــن ‪ 40‬ألــف كتــاب‪،‬‬ ‫متتــد تواريــخ إيــداع بعــض كتبهــا إىل الســتينات مــن القــرن الســابق‪.‬‬ ‫املركــز الثقــايف يف الرقــة كان مــن النقــاط املضيئــة بتاريــخ املدينــة‪ ،‬وعام ـاً‬ ‫محفـ ّزا ً منــذ الســتينات لشــباب الرقــة‪ ،‬ليدخلــوا العــر الحديــث‪ ،‬وليفهمــوا‬ ‫التاريــخ والفــن والعلــم‪ ،‬وقــد حـ ّرض الكثــر مــن أبنــاء الرقــة لدخــول عــامل‬ ‫اإلبــداع األديب والفكــري واملرسحــي والفنــي‪.‬‬ ‫فـأُوىل املرسحيــات ُعرضــت يف املركــز الثقــايف‪ ،‬وأوىل اللوحــات الفنيــة ُعرضت‬ ‫يف املركــز الثقــايف‪ ،‬ومنــه انطلــق معــرض تجمــع فنــاين الرقــة الســنوي‪ ،‬يجــول‬ ‫يف ســورية كلّهــا‪ ،‬ليحصــد التفاعــل واالهتــام والنجــاح مــع فنــاين املــدن‬ ‫الســورية األخــرى أيــام إدارة األســتاذ عبــد الغفــور الشــعيب لهــذا املركــز‪،‬‬ ‫ـدأب لدعــم النشــاطات الفنيــة‪ ،‬وتزويــد املركــز بــآالف‬ ‫فقــد كان يعمــل بـ ٍ‬ ‫العناويــن الجديــدة واملهمــة يف مجالهــا‪.‬‬ ‫أتذكــر املركــز الثقــايف منــذ زيــاريت األوىل لــه يف طفولتــي‪ ،‬فقــد أخــذين ابــن‬ ‫جرياننــا املرحــوم عبــد العزيــز كنجــو لق ـراءة مجــات األطفــال يف صالتــه‪،‬‬ ‫وبُهــرتُ أنــا الطفـ ُـل‪ ،‬ابــن الحــارة الشــعبية الفقــرة بالكـ ِّم الكبــر للمجــات‪،‬‬ ‫وبنظافــة الصالــة‪ ،‬وحفــظ الهــدوء فيهــا‪ ،‬وصــار بعدهــا املركــز بيتــاً يل‪،‬‬ ‫وألصدقــاء كُـ ُـر يرتادونــه يف مدينــة الرقــة الصغــرة والخاليــة مــن وســائل‬ ‫الثقافــة والرتفيــه‪.‬‬ ‫معــارض لناظــم الجعفــري ولفاتــح املــدرس ويوســف عبدلــي‪،‬‬ ‫حرضنــا‬ ‫َ‬ ‫ونعمــت بــدوي وأخيــه‪ ،‬وفنانــن ك ـرٌ أصبحــوا نجوم ـاً يف الفــن‪ ،‬وخصوص ـاً‬ ‫مــن أبنــاء الرقــة مثــل عنايــت عطــار‪ ،‬وفــواز اليونــس‪ ،‬وطــال وأحمــد‬ ‫معــا‪ ،‬وعبــد الحميــد فيــاض‪ ،‬وعــاء األحمــد ومصطفــى الســليامن وفهــد‬ ‫الحســن واملرحــوم ياســن الجــدوع وغريهــم مــن فنــاين الرقــة!‬ ‫ومــن املركــز الثقــايف خرجــت املجموعــة القصصيــة الجامعيــة والشــهرية‬ ‫يف تاريــخ الرقــة (الــدم ليــس أحمــر)‪ ،‬والتــي أسســت للكتابــة القصصيــة‬ ‫الجديــدة يف الرقــة‪ ،‬ويف ســورية‪ ،‬حيــث ازدهــرت كتابــة القصــة القصــرة‬ ‫بفضــل الدعــم واملواكبــة والحــاس الشــبايب‪ ،‬ودعــم املركــز‪ ،‬ووجــود مثــال‬ ‫هــو األديــب الكبــر عبــد الســام العجيــي‪ ،‬وحرصــه عــى حضــور الفعاليــات‬ ‫مهــا كانــت صغــرة‪.‬‬ ‫تنقّــل مــكان املركــز الثقــايف مــن قــرب بيــت آل عــدي جنــوب الســوق‬ ‫الغــريب‪ ،‬وحــارة العجيــي‪ ،‬وحـ ّـل إىل جــوار املجمــع الحكومــي‪ ،‬ومــن ثــم إىل‬ ‫مبنــاه الكبــر جنــوب الســاعة‪ ،‬وأمــام مبنــى املحافظــة ‪،‬والــذي تــم تدمــره‬ ‫مــن قبــل الطائ ـرات الحربيــة الغاشــمة‪.‬‬ ‫يف عــام ‪1985‬م كنــت طالب ـاً يف الســنة الخامســة بكليــة الهندســة املدنيــة‬ ‫صــب أساســات البنــاء‪ ،‬وإقــاع املــروع‪ ،‬وكان‬ ‫بحلــب‪ ،‬وقــد حــرت‬ ‫ّ‬ ‫املهنــدس حينهــا فرحــاً بتنفيــذ مبنــى عــى مســتوى ســورية مســاحته‬ ‫عــرة آالف مــر مربــع‪ ،‬درســته الوحــدة الهندســية لجامعــة دمشــق‪،‬‬ ‫وقــام مبعاونتــه عــى التنفيــذ عــدد كبــر مــن املهندســن والفنيــن‪ ،‬ومــن‬ ‫أشــهرهم املعــاري خوجــة حــاج خليــل الــذي كان يتســم بالهــدوء والحســم‬ ‫والشــجاعة يف تحــدي املصاعــب‪.‬‬ ‫وبعــد أكــر مــن عــر ســنوات مــن التلكــؤ والعرقلــة البريوقراطيــة‬ ‫واإلجــراءات اإلداريــة‪ ،‬ونهــب األثــاث املتــوايل مــن قبــل عــدة مــدراء ال‬ ‫عالقــة لهــم بالثقافــة‪ ،‬حيــث كان همهــم األكــر التزلــف والنفــاق والتقاريــر‬ ‫األمنيــة‪.‬‬ ‫أخ ـرا ً انتقــل املركــز إىل املبنــى الجديــد الــذي انطلقــت فيــه إحــدى أهــم‬ ‫فعالياتــه‪ ،‬وهــي مهرجــان العجيــي للروايــة العربيــة‪ ،‬وكان مــن أبــرز‬ ‫املرشفــن عليــه املديــر حمــود املــوىس‪ ،‬واألديــب ماجــد رشــيد العويــد الــذي‬ ‫اتســم بالقــدرة عــى التواصــل واملواكبــة ألدق التفاصيــل الالزمــة لنجــاح كل‬ ‫دورة مــن دوراتــه!‬ ‫أحــ ّن إىل الكتــب التــي قرأتهــا مــن مكتبــة املركــز‪ ،‬وإىل اللوحــات التــي‬ ‫شــاهدتها يف جنباتــه‪ ،‬أحــ ّن إىل جلســات النقــاش‪ ،‬واملحــارضات التــي‬ ‫جعلتنــا نختلــط‪ ،‬ونتعــارف مــع كبــار الكتــاب والنقــاد يف العــامل العــريب‬ ‫وتركيــا‪ ،‬وغريهــا مــن البلــدان‪ ،‬أح ـ ّن إىل ســاع املوســيقى يف قاعــة املركــز‬ ‫وخاصــة الفرقــة الســمفونية الوطنيــة الســورية‪ ،‬التــي جلبــت إىل املركــز‬ ‫أكــر مــن مئــة عــازف وعازفــة‪ ،‬وأمتعتنــا بعــزف ســيظل يــردد يف جنبــات‬ ‫أحاسيســنا طــوال الســنني القادمــة‪ ،‬ذلــك العــزف الرائــع واملتســق‪ ،‬وعازفــوه‬ ‫املندمجــون مــع األلحــان‪ ،‬وكادت آالتهــم املوســيقية أن تكــون جــزءا ً مــن‬ ‫أجســادهم املحلقــة يف عــامل الجــال‪.‬‬ ‫املركــز الــذي دمرتــه الطائـرات الغاشــمة‪ ،‬كان كنـزا ً ملدينتــا الرقــة الجميلــة‬ ‫واملتســامحة‪ ،‬والتــي دفعوهــا إىل الهــاك والدمــار‪ ،‬مــن أجل أن يبقى األســد‪،‬‬ ‫لكــن األســد لــن يبقــى حتـاً‪ ..‬وأبنــاء الرقــة ســيبنون مراكــز جديــدة للعلــم‬ ‫والفــن والجــال‪ ،‬ولــن يقبلــوا العيــش يف مكبــات التاريــخ املنتنــة أبــدا ً!‬


‫‪10‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫يقول الطفل العجوز‬ ‫يتي ـاً‪ ،‬يف صحــاري التســاؤ ِل والدهش ـ ِة وخيب ـ َة سوى الصارمِ بيد ٍ‬ ‫رسو َم أقالمي‬ ‫ولصوص‪ ،‬وسامرس ًة أفذاذ‬ ‫متسولني‪،‬‬ ‫فارس مجهو ٍل‬ ‫‪*1‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫األمنيـ ِ‬ ‫أفتش عني‪ ،‬ال أجدين‪....‬‬ ‫ُ‬ ‫ال ينظــ ُر بعينــي الخائفتــن‪ ،‬بــل بعينيــ ِه‬ ‫ـات‬ ‫يقول الطفل العجوز‪:‬‬ ‫امللوك عىل العشا ِء‬ ‫لعل حسا َء‬ ‫َّ‬ ‫ال زادا ً‬ ‫مل ترتكوا يل خندقاً ملعركتي القادمة غدا ً‬ ‫وجدتُني أخريا ً‪:‬‬ ‫يطفح بشبقِ الفحول ِة‪ ،‬فينتيش املخصيني‬ ‫ا لجســورتني‬ ‫ُ‬ ‫يف الصباح‪:‬‬ ‫يقص ُم ظه َر بعريِ الخذالن‬ ‫ال ما ًء‬ ‫يقض ُم ِدب َر قلم ِه بحثاً عن املمحا ِة‬ ‫لكنني يف ربق ِة البهائمِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أرسف بإسار!‬ ‫تغتســل أمتــي مــن جنابتهــا‪ ،‬وتُقــ ِّد ُم القهــو َة‬ ‫ُ‬ ‫ســوى جفلتــي كطــرِ قطــاة فاجأ ُهــا ومــض ومييض‬ ‫األنخاب‪.‬‬ ‫ليمحي بؤسنا‪ ،‬وخيانات‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أرشعــة الرحيــلِ‬ ‫‪*** 7‬‬ ‫لعيني الكسريتني‬ ‫ال ينظ ُر‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫وهــي تبتســ ُم بجــذل‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يقول الطفل العجوز‪:‬‬ ‫ويــي مــن الشــامتني الذيــن هــم عــن مــروءة بادية الغن ِج‬ ‫كفي‬ ‫لست معكم عىل طاولة املفاوضات‬ ‫ُ‬ ‫أم ُّد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫كاللصوص يف ل ّجة العتم ِة‬ ‫أتنفس حلمي‬ ‫مباركة‪:‬‬ ‫صباحية‬ ‫ـق‬ ‫ـ‬ ‫الح‬ ‫ة‬ ‫الشاحب‬ ‫ابتسامتي‬ ‫برق‬ ‫ر‬ ‫حج‬ ‫ثدي‬ ‫من‬ ‫حليب‬ ‫ة‬ ‫برضع‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫مشغو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫بانتظار إغفاء ِة البرش‬ ‫العرب‪....‬‬ ‫يا أ ّم َة‬ ‫ساهون‪.‬‬ ‫هيهات‪...‬‬ ‫هل ين ُّز حجر!؟‬ ‫ِ‬ ‫كحل الحلمِ من أهدايب‬ ‫خشي َة أن يرسقوا َ‬ ‫‪*6‬‬ ‫‪**** 4‬‬ ‫فثــدي أمــي املائتــة يابس ـاً‪ ،‬تش ـظّى بالقصــف ترت ُّد الريح عن جدا ِر الخذالنِ األممي‬ ‫ُ‬ ‫قبل زفاف ِه يف انبال ِج النهار‬ ‫يقول الطفل العجوز‪:‬‬ ‫يقول الطفل العجوز‪:‬‬ ‫ال يخرتقها الصدى‬ ‫األممــي منــذ شــهرين‬ ‫ٍ‬ ‫ضجري يتجاو ُز أنفايس‬ ‫رشدي‪ ،‬وتغايض املتفرج َني‪:‬‬ ‫بصمت‬ ‫يخرتقني ألف خنج َر غد ٍر‬ ‫لست ُهناك‬ ‫غدي كالِ َح السحن ِة‬ ‫ُ‬ ‫يف زُحامِ ت ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بعيدا ً عن ضف ِة األملِ‬ ‫الكلامت‪ ،‬أرف ُع ِمئذن َة ابتهااليت‬ ‫أصقل قُبّة‬ ‫ُ‬ ‫كضيف باغتني عىل ح ِني ِغ ّرة‬ ‫رض‬ ‫إخويت‬ ‫لستُم ُهنا‬ ‫حا ٌ‬ ‫بني ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أه ُّز ور َد ناقويس‬ ‫وال كرس َة خُب ٍز يف الديار‬ ‫ماض ال َذ بال ِفرا ِر‬ ‫أغرق يف وحلِ خيبتي األبدية‬ ‫وثغــري امل ُتشــقِّق‪ُ ،‬معلّقــاً كــذ ّر ِة غُبــا ٍر عــى‬ ‫فيفوح من متثايل الحجري يف الليلِ‬ ‫أهل‬ ‫وليس يل ٌ‬ ‫والهاربو َن كُرثٌ‪:‬‬ ‫وحد ُه أزيز الريا ِح يُص ِّف ُر‬ ‫اللمعــة‬ ‫أحذيــة الســادة ّ‬ ‫ُ‬ ‫ألف عبقٍ دمشقي‬ ‫ليس يل جار‬ ‫خفقا ٌن ال يذوي‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫أنتم ُهناك ملسحي عنه بشواربكم كرمى‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫أبحثُ‬ ‫تتألق يف الساموات بقية األخبار‬ ‫عن موطئٍ يف دوامة همجية‬ ‫غدي‪ ،‬وحارضي‬ ‫لست بكابوس لييل‪ ،‬فقد رقدت منذ سن ِني‬ ‫ملرج عيون‪....‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وحدي‪ :‬وطناً‬ ‫أست ِن ُد وحدي عىل ما ِء نه ِر البقا ِء‬ ‫هاجت تقتاتُ وجودي‬ ‫كام زفر َة املو ِج تتقيأُ جثّتي‬ ‫يف‬ ‫يتدل‬ ‫ّ‬ ‫ِخامص البطنِ‬ ‫العدمِ‬ ‫أبحثُ‬ ‫قلب السام ِء‪ ،‬ح َني متي ُد بالرعو ِد‬ ‫شحويب يفق ُد صرب ُه بانتظا ِر خامت َة رؤياي‬ ‫أفتِّ ُش عن حلمي بني القصيد ِة واملروء ِة‬ ‫وأنتم‪....‬‬ ‫كرعش ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫بانتظار مويت‬ ‫وحد ُه يلتهمني ألف إعصار‬ ‫قريب!؟‬ ‫مخذول الوج ِه‬ ‫باألمس‬ ‫أعو ُد‬ ‫‪** 2‬‬ ‫قريب‪ْ ،‬‬ ‫هل موتنا ٌ‬ ‫والرو ِح‪ِ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫كابوساً من هزائمٍ شتّى‬ ‫أفتِّ ُش عني‬ ‫والرفاق ير ِمقو َن اكتامل خرايب األخري‬ ‫يقول الطفل العجوز‪:‬‬ ‫والغد‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫سوف أضي ُع‬ ‫صفعات غيمة‬ ‫أستيق ُظ عىل‬ ‫أمنيات ِعذَاب‬ ‫يُحي ُط ب ِه هال ًة من‬ ‫كــا انثيــال حريــر ال ُعنــق‪ ،‬عــى مخمــلِ نصــلٍ ‪*** 3‬‬ ‫تبتس ُم هازئةً‪:‬‬ ‫ليل أعدايئ‬ ‫يل َ‬ ‫بأن أكو َن وحدي‬ ‫يقول الطفل العجوز‪:‬‬ ‫غــاد ٍر‬ ‫إن عرثَ ع َّ‬ ‫كعشب ٍ‬ ‫متيض بفمِ الريح‬ ‫يابس‬ ‫أو غشيني‬ ‫يكو ُن وطني‬ ‫الحق‬ ‫هبوب أنفاس لهفتي‬ ‫أبثُّ غيوم الله‬ ‫ٍ‬ ‫غائبون أنتم عن مرامِ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وكل الحقائق تنصا ُع ِّ‬ ‫لعلّ ُه ُيط ُر غوثاً مدرا َر‬ ‫متت ُّد كأغنية غجرية ال يُبايل السادة مبعانيها‬ ‫لهيب النهار‬ ‫اب!‬ ‫للشك‬ ‫س َة الخر ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أقطف عنقو َد ذكرياتَ طفولتي‬ ‫ُمعل ٌّق يف دوامتي من ياقة قصيديت‬ ‫تندمل عىل ُركامي وحدي‪ ،‬تكو ُن قربي‬ ‫ُ‬ ‫والشـ ّـك أول خطــوة نحــو وجــع الســؤال‪ ،‬نحــو‬ ‫وحدي ُمعلّقاً بسام ِء ال ُدعاء‬ ‫ُ‬ ‫الطفل العجوز‬ ‫ُ‬ ‫أنا‬ ‫ويسلمون!‬ ‫اليقــن‬ ‫هو كل ما بقي يف ذخري ِة احتضاري‬ ‫تنبذين جاذبي َة الحيا ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ذكريات!‪.‬‬ ‫بال‬ ‫يواصل إنصات ِه‬ ‫ُ‬ ‫والسم ُع‬ ‫‪***** 5‬‬ ‫أخشاب بالدتكم‬ ‫وســا ُء ريب لفظــت أدعيــة امل ُســلمني‪ ،‬يتقيأونهــا يصلبني السؤال عىل‬ ‫ِ‬ ‫متلُّقـاً وريــا ًء بــا فعــلِ‬ ‫وتنحس حويل األبصار‬ ‫الطفل العجوز‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫يقول‬ ‫جفاين ُدجى كُحل مقلتي أ ّمي الغائب ِة‬ ‫ُِ‬ ‫ِ‬ ‫ُمعل ٌَّق أنا كذبيح ٍة بخط ِ‬ ‫بسيف الل ِه املرسوقِ‬ ‫ها ُهم حويل‪:‬‬ ‫ّاف ج ّزار‬ ‫دب هواجيس‬ ‫أنكرتني الفيايف‪ ،‬البحا ُر‪ ،‬الخيام‬ ‫وذابَت انتظارايت عىل ُه ِ‬ ‫يكبحو َن جِام ِح أغنيايت‬ ‫يُفتِّ ُش عنها كل العبي الكشتبان‬ ‫يرأب صدوعي‬ ‫رش‬ ‫ضامئ َر الب ِ‬ ‫ال ُ‬ ‫محمدصالح عويد‬

‫الروائيــة الســورية شــهال العجيلــي ضمــن القائمــة القصــرة للجائــزة‬ ‫اإلعــان عــن القائمــة القصــرة للجائــزة العامليــة للروايــة العربيــة (البوكــر)‬ ‫موقع اجلائزة ‪:‬‬ ‫أعلن��ت ي��وم الثالث��اء املواف��ق ‪ 9‬فرباي��ر‪ 2016‬القائم��ة القص�يرة للروايات ّ‬ ‫املرش��حة لنيل اجلائ��زة العاملية للرواية العربي��ة للعام ‪.2016‬‬ ‫واش��تملت القائمة على س��ت روايات كالتالي‪:‬‬

‫وجــرى اإلعــان يف مؤمتــر صحفــي ُعقــد يف‬ ‫النــادي الثقــايف يف مســقط‪ ،‬ســلطنة ُعــان‪،‬‬ ‫بحضــور لجنــة التحكيــم الخامســية‪ ،‬والتــي‬ ‫ترأســتها الشــاعرة والناقــدة اإلماراتيــة‬ ‫الدكتــورة أمينــة ذيبــان‪.‬‬ ‫وقــد متيــزت الروايــات الســت مبجموعــة‬ ‫مــن الخصائــص املشــركة‪ ،‬فروايــة «نوميديــا»‬ ‫تصــور قلــق املثقــف العــريب الباحــث عــن‬ ‫هويتــه يف مواجهــة التمثيــات املختلفــة‬ ‫لهــذه الهويــة‪ ،‬بينــا متثــل روايــة «عطــارد»‬ ‫رصخــة عنيفــة وواعيــة باإلحباطــات التــي آل‬ ‫إليهــا طمــوح الحاملــن بالتغيــر‪ .‬إنهــا يوتوبيــا‬ ‫تؤســس عاملــا بالــغ القســوة والقبــح‪.‬‬ ‫مضــادة ّ‬ ‫أمــا روايــة «مديــح لنســاء العائلــة» فتحــي‬ ‫عــن التحــوالت الفلســطينية الجذريــة‪،‬‬ ‫جغرافيـاً وثقافيـاً وسياســياً‪ ،‬وعــن األثــر الــذي‬ ‫تركتــه يف األفــراد والجامعــات‪ ،‬وخصوصــاً‬ ‫املــرأة‪ .‬وتتحــدث روايــة «ســاء قريبــة‬ ‫مــن بيتنــا» عــن يقظــة الذاكــرة الســورية‬ ‫ووجعهــا؛ تســتعيد األمل الشــخيص وتطــل منــه‬ ‫عــى ضمــور الجســد بنــرة أنثويــة خافتــة ال‬

‫تفقــد بطلتهــا األمــل يف النهــوض مــن جديــد‪.‬‬ ‫وتعتــر «مصائــر» الروايــة الفلســطينية‬ ‫الشــاملة‪ ،‬فهــي ترجــع إىل زمــن مــا قبــل‬ ‫النكبــة لتلقــي ضــوءا ً عــى املأســاة الراهنــة‬ ‫املتمثلــة يف الشــتات واالســتالب الداخــي‪.‬‬ ‫إنهــا روايــة ذات طابــع بوليفــوين مأســاوي‪،‬‬ ‫لتجســد تعــ ّدد‬ ‫تســتعري رمــز الكونرشتــو‬ ‫ّ‬ ‫املصائــر‪ .‬وتقــارب روايــة «حــارس املــوىت»‬ ‫املأســاة اللبنانيــة عــر منظــور جديد يتســاوى‬ ‫فيــه الضحايــا عــى اختــاف هوياتهــم‪،‬‬ ‫األحيــاء يف الحــرب واملــوىت داخــل املستشــفى‪،‬‬ ‫وتســعى إىل إيجــاد أجوبــة عــن أســئلة عبثيــة‬ ‫ال أجوبــة لهــا أصــاً‪.‬‬ ‫يُذكــر أن ربعــي املدهــون ســبق لــه أن ترشّ ــح‬ ‫عــى القامئــة القصــرة للجائــزة العامليــة‬ ‫للروايــة العربيــة يف عــام ‪ ،2010‬عــن روايتــه‬ ‫«الســيدة مــن تــل أبيــب» التــي صــدرت‬ ‫باإلنجليزيــة عــن دار تليغـرام بوكس‪ ،‬وتشــمل‬ ‫القامئــة الروايــة األوىل لطــارق بكــري‪.‬‬ ‫يُذكــر أيضــا أن كالً مــن محمــد ربيــع وشــهال‬ ‫العجيــي شــاركا يف ورشــة الكتابــة اإلبداعيــة‬

‫«النــدوة» التــي تديرهــا الجائــزة لتشــجيع‬ ‫شــباب الكتّــاب الواعديــن يف العامــي ‪2012‬‬ ‫و‪ .2014‬ويف هــذا الصــدد ننــ ّوه بــأن شــهال‬ ‫العجيــي قــد كتبــت قســاً مــن روايتهــا‬ ‫«ســاء قريبــة مــن بيتنــا» خــال تواجدهــا‬ ‫يف نــدوة عــام ‪ ،2014‬وســاعدتها تجربتهــا يف‬ ‫الورشــة عــى إمتــام كتابــة الروايــة‪.‬‬ ‫وفيــا يــي أســاء لجنــة التحكيــم التــي‬ ‫طــي الكتــان حتــى اليــوم‪:‬‬ ‫ظلــت ّ‬ ‫الدكتــورة أمينــة ذيبــان‪ ،‬رئيس ـاً‪ ،‬مــع عضويــة‬ ‫كل مــن‪ :‬الصحــايف والشــاعر املــري ســيد‬ ‫محمــود‪ ،‬األكادميــي املغــريب محمــد مشــبال‪،‬‬ ‫األكادميــي واملرتجــم البوســنوي منــر مويتــش‪،‬‬ ‫والشــاعر والناقــد اللبنــاين عبــده وازن‪ .‬يُشــار‬ ‫إىل أن القامئــة القصــرة للروايــات الســت قــد‬ ‫ا ُختــرت مــن بــن الروايــات ال‪ 16‬للقامئــة‬ ‫الطويلــة التــي كانــت أُعلنــت يف الشــهر‬ ‫املــايض ينايــر ‪ ،2016‬وهــي القامئــة التــي‬ ‫ا ُختــرت مــن ‪ 159‬روايــة مرشــحة للجائــزة‬ ‫مــن ‪ 18‬بلــدا ً‪ ،‬تــم نرشهــا خــال االثنــي عــر‬ ‫شــهرا ً الســابقة‪.‬‬

‫علّقــت أمينــة ذيبــان‪ ،‬رئيســة لجنــة التحكيــم‪،‬‬ ‫قائلــة‪ :‬شــهدت هــذه الــدورة مــن الجائــزة‬ ‫ترشــح أعــال مهمــة متثــل تجــارب روائيــة‬ ‫حديثــة منفتحــة عــى حقــول غــر مطروقــة‬ ‫ســابقاً تندمــج فيهــا الــذات الفرديــة والــذات‬ ‫الجامعيــة‪ .‬وتشــمل هــذه الحقــول فضــاءات‬ ‫نفســية واجتامعيــة وسياســية وتاريخيــة‪،‬‬ ‫تتميــز بانفتاحهــا عــى أشــكال وأســاليب‬ ‫رسديــة مبتكــرة تســائل املــوروث الــروايئ‬ ‫العــريب وتتفاعــل مــع اللحظــة املأســاوية‬ ‫الراهنــة‪ .‬وقــد اتســمت مهمــة اللجنــة‬ ‫باملتعــة والتحــدي‪.‬‬ ‫هــذه هــي الســنة التاســعة للجائــزة‪ ،‬والتــي‬ ‫ت ُعــ ّد الجائــزة الرائــدة للروايــة األدبيــة يف‬ ‫العــامل العــريب‪.‬‬ ‫وبــدوره قــال يــارس ســليامن‪ ،‬رئيــس مجلــس‬ ‫أمنــاء الجائــزة‪ :‬روايــات القامئــة القصــرة‬ ‫لهــذا العــام متنوعــة يف مواضيــع وتقنياتهــا‬ ‫وتجليــات شــخوصها‪ ،‬تجعــل مــن القريــب‬ ‫بــؤرة مكثفــة يف متاهيهــا مــع الوضــع اإلنســاين‬ ‫يف أطــره االجتامعيــة والسياســية‪ ،‬ويف البــوح‬ ‫عــن مكونــات النفــس البرشيــة‪ .‬شــوط كبــر‬ ‫مــا زال أمــام الروايــة العربيــة لتقطعــه‪ ،‬لكــن‬ ‫روايــات هــذه القامئــة تــؤرش بتفــاؤل متنــام‬ ‫أن املســرة قــد انطلقــت لتصــل إىل قــارئ‬ ‫يــزداد تفاعـاً مــع األدب الــروايئ العــريب عامـاً‬ ‫بعــد عــام‪.‬‬ ‫وننــوه بأنــه سيشــارك الكاتــب ســعود‬ ‫الســنعويس الفائــز بجائــزة العــام ‪ 2013‬يف‬ ‫نــدوة ت ُعقــد يف معــرض مســقط الــدويل‬ ‫للكتــاب يف فربايــر‪ ،‬كــا أنــه ســيناقش روايتــه‬ ‫الفائــزة «ســاق البامبــو» بطــاب جامعــة‬ ‫الســلطان قابــوس يف ســلطنة عــان‪.‬‬

‫هــذا وقــد تحــ ّدد يــوم األربعــاء ‪ 26‬أبريــل‬ ‫‪ 2016‬إلعــان اســم الفائــز بالجائــزة العامليــة‬ ‫للروايــة العربيــة يف احتفــال ســيقام يف‬ ‫أبوظبــي عشــ ّية افتتــاح معــرض أبوظبــي‬ ‫الــدويل للكتــاب‪ .‬ويحصــل كل مــن املرشّ ــحني‬ ‫الســتة يف القامئــة القصــرة عــى ‪10.000‬‬ ‫دوالر أمريــي‪ ،‬كــا يحصــل الفائــز بالجائــزة‬ ‫عــى ‪ 50.000‬دوالر أمريــي إضافيــة‪.‬‬ ‫تهــدف الجائــزة إىل الرتويــج للروايــة العربيــة‬ ‫عــى املســتوى العاملــي‪ ،‬ومــن هنــا تضمــن‬ ‫الجائــزة ترجمــة األعــال الفائــزة إىل اللغــة‬ ‫اإلنجليزيــة‪ .‬ســتصدر روايــة «طــوق الحــام»‬ ‫لرجــاء عــامل عــن دار دكــوورث يف يونيــو‬ ‫مــن هــذا العــام‪ ،‬وصــدرت «ســاق البامبــو»‬ ‫لســعود الســنعويس عــن دار بلومزبــري ‪-‬‬ ‫مؤسســة قطــر للنــر يف العــام ‪ .2015‬أ ّمــا‬ ‫الروايــات الفائــزة األخــرى‪ ،‬فقــد صــدرت‬ ‫«واحــة الغــروب» لبهــاء طاهــر عــن دار‬ ‫ســيبرت‪ ،‬و»عزازيــل» ليوســف زيــدان عــن دار‬ ‫آتالنتيــك‪ ،‬وكل مــن «ترمــي بــرر» لعبــده‬ ‫خــال‪ ،‬و»القــوس والفراشــة» ملحمــد األشــعري‬ ‫عــن دار بلومزبــري ‪ -‬مؤسســة قطــر للنــر‪.‬‬ ‫كــا أُعلــن إصــدار الرتجمــة اإلنجليزيــة‬ ‫لروايــة «فرنكشــتاين يف بغــداد» ألحمــد‬ ‫ســعداوي الفائــزة بجائــزة عــام ‪ 2014‬عــن دار‬ ‫وون ورلــد يف اململكــة املتحــدة ودار بنجويــن‬ ‫يف الواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫الجائــزة العامليــة للروايــة العربيــة جائــزة‬ ‫ســنوية تختــص مبجــال اإلبــداع الــروايئ‬ ‫باللغــة العربيــة‪ .‬ترعــى الجائــزة «مؤسســة‬ ‫جائــزة بوكــر» يف لنــدن‪ ،‬بينــا تقــوم «هيئــة‬ ‫أبــو ظبــي للســياحة والثقافــة» يف اإلمــارات‬ ‫العربيــة املتحــدة بدعمهــا ماليــاً‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫خيبة‬ ‫حني ال يبقى من األوطانِ إال‬ ‫والحقائب‬ ‫وجرح‬ ‫نص ُل سك ٍني‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ال تق ُْل شيئاً‬ ‫ُنت‬ ‫تنس سوى ما ك َ‬ ‫وﻻ َ‬ ‫وجهــك املكســو َر يف جِلــدِ‬ ‫َ‬ ‫ــل‬ ‫وا ْح ِم ْ‬ ‫ا لحقيبــ ِة‬ ‫واستع ْذ بالبحر‬ ‫ْ‬ ‫غالب‬ ‫إ ّن‬ ‫املوتَ‬ ‫ْ‬ ‫رمبا تنجو إىل ح ٍني‬ ‫وقد تُ ْد َ‬ ‫نيك أنثى من روابيها‬ ‫فرتتحالنِ َس ْيا ً‬ ‫يف ضحى ع ْين ِني‬ ‫ِ‬ ‫تحتشــدانِ‬ ‫باآليــات والشــوق املقامــ ِر‬ ‫والكواكــب‬ ‫ْ‬ ‫حني ال يبقى من األوطانِ إال‬ ‫ٌ‬ ‫وحاجب‬ ‫وسياف‬ ‫نصل سك ٍني‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫حــن ﻻ يبقــى ســوى األمــوات والتــاج‬ ‫والعناكــب‬ ‫امل ُ َد ّمــى‬ ‫ْ‬ ‫ث ّم تُ ْدعى‬ ‫شايُها املكت ُّظ بالنعنا ِع‬ ‫ــآمي الــذي ي ْربــو عــى‬ ‫والســح ِر الشّ ِّ‬ ‫العجائــب‬ ‫الســ ْبعِ‬ ‫ْ‬ ‫حني تُ ْدعى‬ ‫ث ُ ّم ﻻ ت ُْصغي‬ ‫ُ‬ ‫الصمت أحياناً أمانينا‬ ‫يقول‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وقد نُغ ُ‬ ‫املوارب‬ ‫ْتال بالصمت‬ ‫ْ‬ ‫ق ُْل لها‬ ‫لست وحدي خائباً‬ ‫ﻻ ُ‬ ‫كل هذا الكونِ‬ ‫خائب‬ ‫ْبل‪ُّ ..‬‬ ‫ِ‬

‫أحمد الرفاعي‬

‫‪11‬‬

‫فتى املعتقل ‪)8( /‬‬ ‫يا حام ً‬ ‫ال قلبي بكفك‬

‫ديمة محمود‬

‫أي متهل‬ ‫يا حامالً قلبي بكف َّك ْ‬ ‫ال تُطل يف ِ‬ ‫البعد بُ َ‬ ‫أي ترفق‬ ‫عدك ْ‬ ‫راحت روحي فدا َ‬ ‫وي كأنك‬ ‫روحك ْ‬ ‫ط ّرزت عمري نرجساً مبدا ِد شوقك‬ ‫عيني نجم ًة تحيا برسمك‬ ‫َ‬ ‫وغرست يف ّ‬ ‫هذه األيام متيض تقتفي أثرا ً لصربك‬ ‫ها قد غفا الرشيان مني دون نفسك‬ ‫ورصفت ِشعري دون جرحك‬ ‫ُ‬ ‫يا حامالً قلبي بكفك ّ‬ ‫فك الله أرسك‬

‫لم ينشأ الشعب اليهودي يف أرض إسرائيل‬

‫بقلم البروفيسور‪ :‬روحما فايس‪ ..‬يديعوت أحرونوت ‪2015/12/18‬‬

‫الشتات هو املرساة‬ ‫عــاوة عــى ذلــك‪ ،‬ق ـراءة التــوراة تعلمنــا أن‬ ‫الشــتات يف مــر هــو البوصلــة األخالقيــة‬ ‫للشــعب اليهــودي‪ .‬وتأمرنــا مــرة تلــو األخــرى‬ ‫بالتذكــر بأننــا كنــا عبيــدا ً يف أرض مــر‪،‬‬ ‫وعليــه ال بــد أن نتعامــل باحـرام مــع الســكان‬ ‫الج ـران لنــا يف هــذه األرض‪ .‬فالحيــاة يف أرض‬ ‫إرسائيــل ‪-‬عــى الرغــم مــن ذلــك‪ -‬ليســت‬ ‫فرض ـاً وإمنــا هديــة إلهيــة‪ ،‬تعطــى لنــا أحيان ـاً‬ ‫وتؤخــذ منــا أحيان ـاً أخــرى‪.‬‬ ‫ففــي حلقــة هــذا األســبوع «ويتقــدم» وهــي‬ ‫بعنــوان (اليهــود املتجــول‪ :‬يعقــوب أبانــا‬ ‫كفــاك ركضــاً)‪ ،‬بــدأ الــدرس األهــم للشــعب‬ ‫اليهــودي – بدراســة حيــاة الشــتات وتكــ ّون‬ ‫تــراث أبنــاء الشــتات‪.‬‬

‫(يتقــدم‪ ،‬هــي الكلمــة األوىل مــن اآليــة ‪ 18‬يف‬ ‫تكونت روح الشعب اليهودي يف مصر‪ ،‬وتشكلت شخصيته الروحانية يف أرض الشتات‪ .‬وبعد خراب اهليكل االصحــاح ‪ ،44‬ســفر التكويــن)‪ :‬يصــل يعقــوب‬ ‫الثان��ي مل ُنل��ى بفع��ل الق��وة الباطش��ة‪ ،‬وإمنا كانت مغادرتن��ا اختياراً يف ظل الظروف الصعبة‪ .‬وما وثيقة (النبــي) وأبنــاء أرستــه إىل مــر (راجــع ســفر‬ ‫التكويــن ‪ 5 :46‬و‪« :)6‬وحمــل بنــوا إرسائيــل‬ ‫االستقالل إال حماولة خللق وصنع ميثولوجيا (أساطري) وطنية‪.‬‬ ‫يعقــوب أباهــم وأوالدهــم ونســاءهم يف‬ ‫ه��ل أرض إس��رائيل (فلس��طني) ه��ي كالتلمــود البابــي‪ ،‬وأدب العباقــرة‪ ،‬ومعظــم اليهــودي وفيــاً ألرض إرسائيــل يف َصالتــه العجــات التــي أرســل فرعــون لحملــه –‬ ‫وأخــذوا مواشــيهم ومقتناهــم الــذي اقتنــوا يف‬ ‫األرض ال�تي نش��أ فيه��ا الش��عب اليهودي؟ تفســرات املقــرا (التــوراة) والتلمــود‪ ،‬وعبادتــه فحســب‪ ،‬وليــس يف أفعالــه‪.‬‬ ‫أرض كنعــان وجــاءوا إىل مــر يعقــوب وكل‬ ‫الفقــرة االفتتاحيــة مــن وثيقــة االســتقالل وكتابــات رمبــام (الحاخــام املشــهور مــوىس  ‬ ‫لدولــة إرسائيــل (وثيقــة اإلعــان عــن إقامــة بــن ميمــون)‪ ،‬وأجــزاء كبــرة مــن الكتابــات وثيق��ة االس��تقالل ليس��ت وثيق��ة نســله معــه»‪.‬‬ ‫دولــة إرسائيــل) تقــوم عــى سلســلة مــن الصوفيــة اليهوديــة والفلســفة اليهوديــة تا ر خيي��ة‬ ‫التشــويهات التاريخيــة‪ :‬فالشــعب اليهــودي مل والفقــه اليهــودي‪ .‬فالشــخصية الروحانيــة هــي محاولــة لخلــق وإنتــاج ميثولوجيــا وهــذا الخــروج مل يكــن األول مــن أرض‬ ‫ينشــأ يف أرض إرسائيــل وهــذا مــا يثبتــه كتابنــا والدينيــة والسياســية للشــعب اليهــودي وطنيــة‪ .‬تريــد أن تربــط وتناســب وتســخر إرسائيــل‪ ،‬فقــد ســبقهم إبراهيــم وهبــطَ‬ ‫ر هرب ـاً مــن املجاعــة‪ ،‬ولكــن هــذه املــرة‬ ‫ســفر األســفار (التــوراة) ســواء عندمــا حــدد تبلــورت يف الشــتات ونبعــت مــن الفكــر األســاطري القدميــة خدمــة ألهــداف وطنيــة م ـ َ‬ ‫حاليــة‪ .‬ومــن األخطــاء الكارثيــة تصديــق النيــة هــي لالســتقرار مبــر‪ .‬وبالفعــل وعــى‬ ‫بدايــة نشــوء الشــعب اليهــودي باســتجابة الشــتايت‪.‬‬ ‫هــذه الخرافــات وإعطاءهــا بعــدا ً تاريخيــاً‪ ،‬الرغــم مــن انتهــاء ســنوات الجــوع (العجــاف)‬ ‫إبراهيــم لألمــر اإللهــي «اذهــب اذهــب»‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مل ترجــع األرسة عــى أرض كنعــان‪ ،‬والفضــل‬ ‫وســواء إذا اعتربنــا بــأن بدايــة الشــعب «وعندم��ا أجل��ي الش��عب اليه��ودي م��ن والشــعور بأننــا ملزمــون بتطبيقهــا‪.‬‬ ‫ال ميلــك الشــعب اليهــودي أحقيــة قانونيــة أو يعــود يف ذلــك لإللــه الــذي تعهــ َد بتكويــن‬ ‫اليهــودي ونشــأته تعــود إىل حقبــة الخــروج ب�لاده بالق��وة»‬ ‫مــن مــر والشــتات يف جبــال ســيناء – إذا ً‪ ،‬بعيــدا ً عــن الخرافــة التــي تحــاول وثيقــة غــر قانونيــة بــأرض إرسائيــل‪ ،‬وليــس لدينــا الشــعب اليهــودي يف مــر (التكويــن ‪:46‬‬ ‫ويف كال الحالتــن الشــعب اليهــودي نشــأ االســتقالل إثباتهــا‪ ،‬عمليــة اإلجــاء الوحيــدة مســؤولية تجاههــا‪ .‬بــل لدينــا قصــص قويــة ‪« :)3‬فقــال أنــا اللــه إلــه أبيــك ال تخــف مــن‬ ‫ترجمة‪ :‬خالد خليل‬ ‫التــي حدثــت للشــعب اليهــودي كانــت بعــد حــول العالقــة املعقــدة التــي تربطنــا بــأرض النــزول اىل مــر ألين أجعلــك أمــة عظيمــة‬ ‫خــارج أرض إرسائيــل‪.‬‬ ‫إعالمي سوري‬ ‫خ ـراب الهيــكل األول‪ .‬أمــا يف أعقــاب خ ـراب إرسائيــل‪ ،‬واليــوم بحكــم الواقــع وكوننــا هنــاك»‪.‬‬ ‫«يف أرض إس��رائيل تش��كلت ش��خصية الهيــكل الثــاين وبعــد فشــل التمــرد يف جبــل نعيــش فيهــا حيــاة ســيادية‪ ،‬ووفقــاً لهــذا‬ ‫اما رابط للنص العربي ملقال فايس يف يديعوت أحرونوت‪:‬‬ ‫جــل اليهــود مــن بالدهــم‪ .‬وإن الواقــع نشــعر باملســؤولية تجاههــا‪.‬‬ ‫الش��عب اليه��ودي الروحاني��ة والديني��ة كوكبــا‪ ،‬مل يُ َ‬ ‫‪http://m.ynet.co.il/Articles/4740998‬‬ ‫والسياس��ية»‬ ‫مغــادرة اليهــود ألرض إرسائيــل كانــت مبحــض‬ ‫رابط ترجمة الوثيقة يف موقع وزارة الخارجية االرسائيلية‬ ‫هــذا التحديــد يتجاهــل وينفــي حقيقــة إرادتهــم وأحيان ـاً بســبب الظــروف القاســية‪ .‬يف مص��ر تش��كلت الش��خصية الروحانية‬ ‫‪http://mfa.gov.il/MFAAR/KeyDocuments/IndependenceDeclaration/Pages/‬‬ ‫مفادهــا إن مجمــل مكونــات ومرتكــزات وهــل حافــظ الشــعب اليهــودي عــى عهــده والدينية والسياسية‬ ‫‪megilat%20haatsmaut.aspx‬‬ ‫الثقافــة اليهوديــة أُنتجــت يف بلــدان الشــتات‪ :‬ألرض إرسائيــل؟ عــى الــدوام كان الشــعب ففــي حلقــة هــذا األســبوع مــن «ويتقــدم»‬ ‫صحيفة احلرمل‪ :‬ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪M‬‬

‫‪O‬‬

‫‪C‬‬

‫‪.‬‬

‫‪L‬‬

‫‪A‬‬

‫‪M‬‬

‫رئي��س جمل��س اإلدارة و رئي��س التحري��ر‪ :‬بس��ام البليب��ل ‪ /‬مدي��ر التحري��ر‪ :‬يوس��ف دعي��س للتواصل عرب فيس بوك‬ ‫‪ ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete‬للتواصل عرب تويرت‬ ‫‪ SAYI:34 YIL: 2016 )2) -‬للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬

‫‪İMTİYAZ SAHİBİ: ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: BASSAM ALBULAIBL‬‬ ‫‪BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬ ‫‪MOB: 00905316201958‬‬

‫‪R‬‬

‫‪A‬‬

‫‪H‬‬

‫‪L‬‬

‫‪A‬‬

‫‪.‬‬

‫‪W‬‬

‫‪W‬‬

‫‪W‬‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬

‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Muzaffer kartal bahçelievler- hekŞmler apt no.3 ŞanliUrfa‬‬


‫‪12‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫بلدية الخليلية تكرّم مبدعيها‬

‫زاويـة حـرة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬

‫الفنان األورفلي محمد نهاد كوركجو أوغلو يف مجلد خاص‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫قلق العبور‬ ‫ميخائيل سعد‬

‫مجلــد ُمذ ّهــب وأنيــق أصدرتــه‬ ‫بلديــة شــانيل أورفــا ملجموعــة جديدة‬ ‫مــن لوحــات الفنــان األورفــي محمــد‬ ‫نهــاد كوركجــو أوغلــو‪ ،‬الــذي يرصــد‬ ‫فيهــا التحــوالت املعامريــة والجامليــة‪،‬‬ ‫وأحــوال النــاس يف أورفــا طــوال‬ ‫خمســن عامــاً‪ ،‬حيــث متتــد بعــض‬ ‫اللوحــات إىل الفــرة التــي شــهدت‬ ‫إجــاء الفرنســيني عــن أورفــا‪.‬‬ ‫وت ُبحــر مخيلــة الفنــان وألوانــه بعيــدا ً‬ ‫لرتصــد املحرقــة املتخيلــة للنبــي‬ ‫إبراهيــم الخليــل عليــه الســام‪ ،‬والذي‬ ‫تعتــر أورفــا ممــرا ً مهــاً يف مســرة‬

‫النبــي الــذي رحــل إىل فلســطني ثــم‬ ‫اىل مكــة املكرمــة حيــث قــام ببنــاء‬ ‫الكعبــة املرشفــة‪.‬‬ ‫تتســم لوحــات الفنــان األورفــي‬ ‫برصــد دقائــق الحيــاة األورفليــة‪،‬‬ ‫بحــب ووفــاء وأحاســيس عشــق‬ ‫للمــكان ولتاريخــه املمتــد بعيــدا ً يف‬ ‫قلــب الزمــان‪.‬‬ ‫أورفــا متــر بــك يف لوحــات الفنــان‪،‬‬ ‫وهــي متألقــة بنــور الشــمس‪ ،‬كذلــك‬ ‫وهــي تتخفــى يف أعطــاف الليــل‪ ،‬ميــر‬ ‫بــك أنــاس أورفــا متعبــن ووحيديــن‪،‬‬ ‫ويــكادون أن يخرجــوا مــن اللوحــات‬

‫ليجلســوا معــك يف املنفــى األورفــي‬ ‫الــذي اســتقبل الســوريني بحنــان‬ ‫وعطــف‪.‬‬ ‫خمســون عامــاً مــن العمــل الفنــي‬ ‫الــدؤوب‪َ ،‬عرضَ هــا الفنــان يف مجلــده‬ ‫الرائــع واملحــب ألورفــا‪ ،‬وعندمــا‬ ‫تــزوره يف مرســمه القريــب مــن ســاحة‬ ‫طوبجــي ميــدان األورفــي‪ ،‬تجــد‬ ‫ابتســامته مرشقــة وتســتقبلك لوحاتــه‬ ‫التــي تضــج باللــون والضــوء‪ ،‬حيــث‬ ‫ترتاكــم يف جنبــات املرســم الــذي‬ ‫يكثــف أورفــا وتاريخهــا‪ ،‬وأحــوال‬ ‫ناســها الطيبــن والودوديــن‪.‬‬

‫معرض فني لثالث شقيقات سوريات‬

‫بورتريــه‪ ..‬عنــوان املعــرض الــذي أقيــم يف مركــز‬ ‫املجتمــع املــدين بواليــة شــانيل أورفــا الرتكيــة بتاريــخ‬ ‫‪ 2016/2/13‬برعايــة منتــدى ورد البلــد‪ ،‬شــاركت فيــه‬ ‫الفنانــة التشــكيلية شــرين البوظــان‪ ،‬بتســع عــرة‬ ‫لوحــة‪ ،‬منهــا اثنتــا عــرة زيتيــة عــى القــاش وســبع‬ ‫لوحــات باالكلرييــك والشــمع‪ ،‬كــا شــاركت الفنانــة‬ ‫رنكــن البوظــان بعــر منحوتــات مــن الجبصــن‪ ،‬وقــد‬ ‫رافــق املعــرض عــزف وغنــاء عــى العــود أدتــه شــقيقتهم‬ ‫الصغــرى روين البوظــان‪.‬‬ ‫الفنانــة شــرين البوظــان‪ ..‬ترشــق اللــون عــى مــرآة‬ ‫القلــب فيشــهق‪ ..‬تحمــل الفنانــة يف لوحاتهــا همــوم‬ ‫مدينــة منكوبــة هــي عــن العــرب (كوبــاين)‪ ،‬حــن‬ ‫تعيــد بذاكرتهــا وألوانهــا الحــادة خلــق املــكان والوجــوه‬ ‫املســافرة يف ليــل املنــايف الســورية‪.‬‬

‫ظلــت ألوانهــا تركــض كغــزالن بريــة عــى قــاش اللوحة‪،‬‬ ‫ترســم بأنامــل القلــب‪ ،‬وتتلمــس املعانــاة بريشــة الحلــم‪،‬‬ ‫وبواقعيــ ٍة تعبرييــة تفــوح بالدهشــة‪ ،‬وتكــر صمــت‬ ‫اللوحــة لتصحبنــا إىل فضــاءات النبــض والخفقــان‪.‬‬ ‫وجــوه نســاء تــرد حكايــا الرحيــل يف الشــتات والغربــة‪،‬‬ ‫طفــل يشــع بابتســامة حاملــة بالشــمس واألمــل‪.‬‬ ‫تدخــل شــرين أحــام لوحتهــا بألــوان مندلقــة مــن‬ ‫أباريــق الشــغف‪ ،‬لــون يضحــك‪ ،‬لــون يصمــت‪ ،‬لــون‬ ‫يبــي‪ ،‬لتشــعل بيــاض اللوحــة بأقــواس قــزح‪ ،‬مــا انفكــت‬ ‫متطــر مــن غيــم الجــال‪ ،‬وشــفافية الحــزن يف عيــون‬ ‫شــخوص لوحاتهــا الحائــرة‪.‬‬ ‫الفنانة رنكني البوظان‪ ..‬وعوامل النحت الحيس‪:‬‬ ‫هــذه الكتــل الصغــرة مبالمحهــا النافــرة وذلــك الجــص‬ ‫الحنــون‪ ،‬كيــف نفخــت فيــه مــن روحــك‪ ..‬تعيديــن‬

‫خلقــه مــرة أخــرى ليخــرج عــن صمتــه ويشــهق بــكل‬ ‫هــذا اإليحــاء والجــال‪ ،‬كتــل تنطــق ذاكرتهــا بعــوامل‬ ‫الحــرب واملعانــاة‪.‬‬ ‫الفنانة روين البوظان‪ ..‬تعزف عىل وتر الذكريات‪:‬‬ ‫فتــاة ذات الخمســة عــر ربيع ـاً‪ ..‬كان صوتهــا شموس ـاً‬ ‫وعنــادل‪ ،‬ورنّــة أوتــار عودهــا طيــو ٌر تســابق النبــض‬ ‫والحــواس‪ ،‬تُــدوزن لهفتنــا عــى مقــام النهاونــد والبيــات‬ ‫والصبــا‪.‬‬ ‫أحــن إىل خبــز أمــي‪ ..‬وقهــوة أمــي‪ ..‬وملســة أمــي!‪ ..‬نعــم‬ ‫يــا روين هــو دفــق الحنــن يف صوتــك العــذب‪ ،‬مللــم‬ ‫م ّنــا مــا تســاقط مــن شــوق‪ ..‬كيديــن تل ّوحــان لشــمس‬ ‫الغيــاب‪.‬‬ ‫كان املعــرض اسـراحة الــروح يف بســاتني الضــوء واللــون‪،‬‬ ‫وغفــوة حاملــة يف رسيــر الدهشــة والخيــال‪.‬‬

‫أمضيــت قســاً مــن حيــايت متنقــاً مــن مــكان إىل آخــر‬ ‫يف ســوريا‪ ،‬مل تكــن هنــاك حواجــز متنعنــي مــن ذلــك‪ ،‬وكانــت‬ ‫حواجــز األمــن طارئــة ومؤقتــة ومثنهــا أحيانـاً ابتســامة أو إبـراز‬ ‫هويــة أو تفتيــش حقائــب‪ ،‬ويف حــاالت «الســخونة» كان الثمــن‬ ‫أحيانـاً «كفـاً» عــى الوجــه أو «بوكسـاً» عــى الصــدر‪ ،‬ولكــن كل‬ ‫ذلــك كان مؤقت ـاً‪ ،‬ففــي ق ـرارة نفــس الســوري‪ ،‬إن «الحاجــز»‬ ‫سيســقط قريب ـاً‪.‬‬ ‫مل يتحــول العبــور إىل مخاطــرة تهــدد الحيــاة إال عندمــا انتقلــت‬ ‫للعيــش والعمــل يف بــروت‪.‬‬ ‫كانــت ترعبنــي فكــرة أن أقــع بــن يــدي «القــوات»‪ ،‬فــا مــرر‬ ‫ســيكون عنــدي للدفــاع عــن نفــي؛ ســوري ومســيحي ويعيــش‬ ‫يف الفاكهــاين ويعمــل يف صحافــة املقاومــة‪ ،‬اذا ً املــوت ســيكون‬ ‫محتــاً‪ ،‬لذلــك كنــت يف األشــهر األوىل إلقامتــي البريوتيــة‬ ‫أتنقــل بــن أحيــاء «بــروت الغربيــة» سـرا ً عــى األقــدام‪ ،‬وكان‬ ‫دليــي ملعرفــة مــدى قــريب مــن مناطــق الخطــر أو بعــدي‬ ‫عنهــا هــو قــراءة الشــعارات املكتوبــة عــى الحيطــان‪ ،‬بــل‬ ‫إننــي كنــت أعــرف نــوع الفصيــل املســلح الــذي يهيمــن عــى‬ ‫الحــي ويفــرض ســيطرته وســطوته ويجبــي مالــه‪ ،‬مــن خــال‬ ‫الشــعارات وامللصقــات التــي تحمــل صــور «الشــهداء»‪.‬‬ ‫كان تجــوايل ينتهــي يف كثــر مــن األحيــان عنــد الحواجــز‬ ‫العســكرية املتعــددة الــوالءات والثيــاب قــرب خطــوط‬ ‫التــاس‪ ،‬ورغــم خــويف الدائــم مــن الحواجــز الســورية‪ ،‬إال أن‬ ‫ســاعي إلحــدى اللهجــات الســورية تخــرج مــن فــم جنــدي‪،‬‬ ‫كان يشــعرين باألمــان‪ ،‬رغــم أنــه أمــان كاذب‪ ،‬ولكنــه عــى األقــل‬ ‫«خطــر» أعرفــه وأعــرف طريقــة التعامــل معــه‪.‬‬ ‫كان تعامــي مــع بقيــة الحواجــز فيــه نــوع مــن االطمئنــان إىل‬ ‫«جــواز ســفري الســوري»‪ .‬فجميــع الفصائــل كانــت تحرتمــه‪،‬‬ ‫رمبــا مــن بــاب الخــوف مــن بطــش جيشــه أكــر مــا هــو مــن‬ ‫بــاب الرتحيــب بالهويــة «العروبيــة» املشــركة‪.‬‬ ‫كان العبــور إىل «بــروت الرشقيــة»‪ ،‬رغــم شــوقي إىل اكتشــاف‬ ‫املشــرك املســيحي بيننــا‪ ،‬يقلقنــي ويخيفنــي‪ ،‬وكنــت أقــاوم‬ ‫غوايــة عبــور الحواجــز خوف ـاً مــن نفــي‪ ،‬ومــن اآلخــر الــذي‬ ‫قــد ال أجــد عنــده مــا يشــبهني‪ ،‬وكنــت أرتــ ّد إىل «ســوريتي‬ ‫العروبيــة» كلــا خطــر ببــايل العبــور «املرعــب» إىل بحــر‬ ‫املســيحية «اليمينيــة»‪.‬‬ ‫يف خريــف ‪ ٢٠١٤‬وصلــت إىل نقطــة عبــور «كلــس» الرتكيــة‬ ‫الســورية‪ ،‬وكان يب شــوق حــارق إىل تجــاوز الحاجــز‪ ،‬والعبور إىل‬ ‫الطــرف الســوري «املحــرر»‪ ،‬ولكــن مخــاويف اللبنانيــة القدميــة‬ ‫عــادت‪ ،‬وإ ْن كانــت بصــورة مختلفــة؛ فأنــا ســوري وأحمــل‬ ‫جــواز ســفر كنــدي ومســيحي يريــد العبــور إىل منطقــة محــررة‬ ‫«إســامياً»‪ ،‬املختلــف الطائفــي فيهــا غــر مرحــب بــه ألســباب‬ ‫عديــدة‪ ،‬منهــا وقوفــه مــع نظــام القتــل األســدي‪ ،‬أو عــى‬ ‫األقــل رماديتــه‪ ،‬مبعنــى آخــر إن العبــور يحمــل أحيانـاً خطــورة‬ ‫وتوقفــت هنــا عــى خَشَ ــبة الحاجــز الــريك‬ ‫فخفــت‬ ‫املــوت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وعيــوين باتجــاه األرايض الســورية‪.‬‬ ‫عندمــا كنــت هــذا العــام يف تركيــا اجتاحنــي الحنــن إىل بــروت‬ ‫فســألت صديق ـاً لبناني ـاً عــن إمكانيــة زيــارة لبنــان‪ ،‬فقــال‪ :‬اذا‬ ‫مل تكــن مضط ـرا ً فــا أنصــح بهــا‪ .‬ميكــن دامئ ـاً ترتيــب الدخــول‬ ‫عــر املطــار‪ ،‬ولكــن قــد يحــدث أن يكــون اســمك عنــد «حــزب‬ ‫اللــه» فيصبــح األمــر شــائكاً‪ ،‬وخاصــة إذا كان وراء املســألة‬ ‫أمـرا ً ســورياً‪ ،‬عندهــا يصبــح شــبه مســتحيل تخليصــك مــن بــن‬ ‫أيديهــم‪ .‬وتذكــرت أننــي اآلن ســوري معــارض لنظــام القتــل‬ ‫األســدي‪ ،‬وقــادم مــن تركيــا «االردوغانيــة العميلــة»‪ ،‬واملتهــم‬ ‫ســابقاً بالتعامــل مــع اإلخــوان املســلمني وإرسائيــل‪ ،‬فــا مــكان‬ ‫يل يف بــروت «املامنعــة»‪ .‬حليفــة نظــام املــوت األســدي حتــى‬ ‫املــوت‪.‬‬ ‫أخــى اآلن‪ ،‬لــو عــدت إىل ســوريا‪ ،‬التــي ال أعــرف كيــف‬ ‫ســتكون‪ ،‬أن ال يغفــر يل تقاعــدي وعمــري يف تجــاوز الحواجــز‬ ‫بــن املناطــق الســورية‪ ،‬فقــد يكــون العبــور مــن منطقــة إىل‬ ‫أخــرى أو مــن قريــة إىل أخــرى‪ ،‬أو رمبــا مــن شــارع إىل آخــر يف‬ ‫نفــس املدينــة‪ ،‬قات ـاً هــذه املــرة‪ .‬وبــدأت أعيــش مــن جديــد‬ ‫قلــق العبــور‪ ،‬رغــم وجــودي يف كنــدا!!‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05316201958( :‬أو مراجع��ة مقره��ا (أورف��ا ‪ -‬س��احة املدف��ع)‬

‫اآلراء اليت تنشر باجمللة تعرب عن رأي أصحابها‪ ،‬وال متثل بالضرورة رأي اجمللة‬

‫‪WWW.ALHARMAL.COM‬‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 34‬شــباط ‪2016‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.