Alharmal (36) 15 03 2016 العدد 36 من مجلة الحرمل

Page 1

‫الثورة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫عدد خاص‬

‫‪1‬‬

‫السورية‬

‫يف عامها السادس الثورة مستمرة واألخضر يولد من جديد‪..‬‬ ‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪WWW.ALHARMAL.COM‬‬

‫‪sayı 36‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــ��ًا‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬

‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫صفيح ساخن‬ ‫روســيا تنســحب‪ ..‬والعملية السياسية مستمرة‪ ..‬وإدلب على‬ ‫ٍ‬ ‫ذرور احلرمل‬ ‫روس��يا‪ ..‬حالة فصام أم وعي؟!‬ ‫بسام البليبل‬

‫النص��رة وداع��ش وجهان لعمل��ة واحدة بوت�ين يعل��ن االنس��حاب‪ ..‬وأوبام��ا‬ ‫يرح��ب‪ ..‬وظري��ف يش��يد‬ ‫واحلر ال يتعظ‪!..‬‬ ‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫شــهدت األيــام املاضيــة خــروج‬ ‫العديــد مــن املظاهــرات الســلمية يف‬ ‫معظــم املناطــق الســورية املحــررة‬ ‫وجــاءت عــى خلفيــة بــدء رسيــان‬ ‫اتفــاق وقــف إطــاق النــار يف ســوريا‪،‬‬ ‫واقــراب موعــد الذكــرى الســنوية‬ ‫الخامســة النطــاق ثــورة الحريــة‬ ‫والكرامــة‪.‬‬ ‫وخــرج املواطنــون الســوريون يف‬ ‫مظاه ـرات حاشــدة الجمعــة املاضيــة‪،‬‬ ‫أطلقــوا عليهــا اســم جمعــة «تجديــد‬ ‫البيعــة»‪ ،‬رفعــوا خاللهــا أعــام الثــورة‪،‬‬ ‫وأطلقــوا الهتافــات واألغــاين واألهازيج‪،‬‬ ‫يف خطــوة هامــة‪ ،‬جــددوا فيهــا‬ ‫مطالبهــم بالحريــة والكرامــة‪ ،‬وإســقاط‬ ‫النظــام بكامــل رمــوزه‪ ،‬وإطــاق رساح‬ ‫املعتقلــن‪ ،‬إضافــة إىل دعــوة قــادة‬ ‫املعارضــة إىل التوحــد واالندمــاج‪.‬‬ ‫وبالتزامــن مــع انطــاق هــذه‬ ‫املظاهــرات‪ ،‬قامــت فصائــل مــن‬ ‫جبهــة النــرة بحملــة مــن االعتقــاالت‬ ‫طالــت ناشــطني مــن الحـراك الســلمي‪،‬‬ ‫ومــن مؤيــدي فصائــل الجيــش الحــر‪،‬‬ ‫كــا تــم االعتــداء عــى عــدد مــن‬ ‫املتظاهريــن‪ ،‬ومتزيــق علــم الثــورة‪،‬‬

‫حســب مــا نقلتــه صفحــات الناشــطني‬ ‫عــى مواقــع التواصــل االجتامعــي‪.‬‬ ‫ويف خطــوة اســتباقية قامــت فصائــل‬ ‫مــن جبهــة النــرة باالعتــداء عــى‬ ‫مقــرات الفرقــة ‪ 13‬التابعــة للجيــش‬ ‫الســوري الحــر‪ ،‬واالســتيالء عــى‬ ‫معداتهــا العســكرية وذخائرهــا‪،‬‬ ‫وقتلــت‪ ،‬واعتقلــت عــددا ً مــن قادتهــا‬ ‫وعنارصهــا‪ ،‬رغــم دعــوة األهــايل‬ ‫ووجهــاء املنطقــة وبعــض الفصائــل‬ ‫إلقنــاع جبهــة النــرة بالتوقــف‬ ‫عــن اعتداءاتهــا املتكــررة‪ ،‬واســتقدام‬ ‫التعزي ـزات ملهاجمــة فصائــل الجيــش‬ ‫الحــر‪.‬‬ ‫وأعــادت هــذه التطــورات إىل األذهــان‬ ‫األحــداث التــي جــرت يف محافظــة‬ ‫الرقــة‪ ،‬وأدت نتيجــة النزاعــات املتكررة‬ ‫بــن الفصائــل إىل ســيطرة داعــش عــى‬ ‫عمــوم محافظــة الرقــة‪ ،‬إضافــة إىل‬ ‫شــال حلــب‪ ،‬وامتــدت فيــا بعــد‬ ‫إىل الحســكة ثــم إىل ديــر الــزور‪ ،‬كــا‬ ‫أثــارت مخــاوف النشــطاء والسياســيني‬ ‫مــن نــزوع جبهــة النــرة إىل الســيطرة‬ ‫عــى عمــوم منطقــة إدلــب‪ ،‬وفــرض‬ ‫حاكميتهــا املطلقــة التــي تؤســس‬ ‫لوجــه آخــر مــن تنظيــم داعــش‪.‬‬

‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫أعلــن الرئيــس الــرويس فالدميــر‬ ‫بوتــن خــال اجتامعــه بوزيــر دفاعــه‬ ‫ببــدء ســحب الجــزء الرئيــس مــن‬ ‫القــوى العســكرية الروســية يف ســوريا‬ ‫اعتبــارا ً مــن يــوم الثالثــاء ‪.2016/3/15‬‬ ‫كــا قــال بوتــن إن القــوات الروســية يف‬ ‫ســوريا أوجــدت ظروفـاً مالمئــة لعمليــة‬ ‫الســام‪.‬‬ ‫هــذا وقــد تدخلــت القــوات الروســية‬ ‫يف ســوريا يف خريــف العــام املــايض‪،‬‬ ‫وتحديــدا ً يف أواخــر شــهر نوفمــر‪،‬‬ ‫ملســاندة القــوات املؤيــدة لنظــام بشــار‬ ‫األســد‪.‬‬ ‫وقــد تعامــل البيــت األبيــض بحــذر‬ ‫مــع إعــان الرئيــس الــرويس عــن قـراره‬ ‫بســحب قواتــه مــن ســوريا‪ ،‬واعتــر أنــه‬ ‫مــن الســابق ألوانــه التكهــن بالتداعيات‬ ‫املحتملــة لق ـرار مــن هــذا النــوع عــى‬ ‫املفاوضــات الجاريــة يف جينيــف‪ ،‬فيــا‬ ‫رحــب الرئيــس األمريــي أوبامــا الحق ـاً‬ ‫بقــرار نظــره الــرويس‪ ،‬كــا ناقــش‬ ‫يف محادثتــه الهاتفيــة معــه‪ ،‬التقــدم‬ ‫املحــرز بشــأن وقــف األعــال العدائيــة‪.‬‬ ‫وأكــد أوبامــا تعقيبــاً عــى اإلعــان‬ ‫الــرويس باالنســحاب الجــزيئ عــى‬

‫أهميــة الخطــوات التاليــة املطلوبــة‬ ‫للتنفيــذ الكامــل لوقــف األعــال‬ ‫العدائيــة بهــدف دفــع عجلــة‬ ‫املفاوضــات السياســية لحــل النــزاع‪.‬‬ ‫فيــا قــال وزيــر الخارجيــة اإليــراين‬ ‫محمــد جــواد ظريــف‪ :‬إنــه يجــب‬ ‫النظــر إىل خطــة ســحب روســيا لقواتهــا‬ ‫مــن ســوريا كإشــارة إيجابيــة لوقــف‬ ‫إطــاق النــار‪.‬‬ ‫فيــا قــال وزيــر الخارجيــة األملــاين‬ ‫فالــر شــتاينامير‪« :‬إذا تحقــق إعــان‬ ‫ســحب القــوات الروســية‪ ،‬فســيزيد ذلك‬ ‫الضغــط عــى األســد يف نهايــة املطــاف‬ ‫لتحقيــق انتقــال ســيايس ســلمي يف‬ ‫جينيــف»‪.‬‬ ‫أمــا املتحــدث باســم الهيئــة العليــا‬ ‫للتفــاوض ســامل املســلط فقــد قــال‪:‬‬ ‫إذا كانــت الخطــوة الروســية جــادة‬ ‫فستشــكل عنــرا ً أساســياً للضغــط‬ ‫عــى النظــام وســتتغري األمــور كثــرا ً‪،‬‬ ‫وســتنعكس إيجاب ـاً عــى املفاوضــات يف‬ ‫جينيــف‪ .‬فيــا قــال الســفري ماخــوس‪:‬‬ ‫االنســحاب الــرويس‪ ،‬ســيغري املعادلــة‬ ‫الســورية برمتهــا‪ ،‬وســيعطي فرصــة أمام‬ ‫الحــل الســيايس‪ ،‬واصف ـاً هــذه الخطــوة‬ ‫بالصاعقــة‪.‬‬

‫مــن الســابق ألوانــه اســتكناه أبعــاد ودوافــع وتداعيــات قــرار‬ ‫الرئيــس فالدميــر بوتــن‪ ،‬بســحب الجــزء الرئيــي مــن القــوات‬ ‫العســكرية الروســية يف ســوريا‪ ،‬ومــن غــر املستحســن االســتعجال‬ ‫بتوقــع اآلثــار اإليجابيــة الرسيعــة لهــذا االنســحاب عــى املفاوضــات‬ ‫يف جنيــف‪ ،‬واالطمئنــان إىل تداعياتــه عــى األرض‪ ،‬وصــوالً إىل ســقوط‬ ‫رصح بذلــك بعــض قــادة املعارضــة‪.‬‬ ‫النظــام القريــب‪ ،‬كــا ّ‬ ‫ولكــن مــا ال شــك فيــه أ ّن هــذا القـرار املفاجــيء جــاء يف توقيــت هــو‬ ‫غايــة يف األهميــة‪ ،‬لروســيا وللشــعب الســوري يف آن‪.‬‬ ‫وإ ّن ربــط هــذا الق ـرار بحســابات روســية يف القــرم وأوكرانيــا والوضــع‬ ‫االقتصــادي الــرويس ال يجــايف الحقيقــة‪ ،‬ولكنــه ليــس كل الحقيقــة‪ ،‬ألن‬ ‫هــذه القضايــا ليســت طارئــة عــى الواقــع الــرويس‪ ،‬وليســت خــارج‬ ‫حســابات القيــادة الروســية باألصــل‪.‬‬ ‫أ ّمــا أ ّن هــذا القـرار جــاء عــى خلفيــة توافقــات أمريكيــة روســية‪ ،‬فهــذا‬ ‫مــا ال تؤكــده حالــة املفاجــأة‪ ،‬والتعبــر الحــذر للبيــت األبيــض‪ ،‬الــذي‬ ‫اعتــر أنــه مــن الســابق ألوانــه التكهــن بالتداعيــات املحتملــة لق ـرار‬ ‫مــن هــذا النــوع‪.‬‬ ‫وكذلــك ترصيــح جــوش إيرنســت املتحــدث باســم الرئيــس األمريــي‬ ‫بــاراك أوبامــا الــذي قــال فيــه‪« :‬ال بــد لنــا مــن أن نعــرف بدقــة مــا هــي‬ ‫النوايــا الروســية»‪.‬‬ ‫ال شــك أ ّن الخطــوة الروســية مفاجئــة‪ ،‬وطارئــة‪ ،‬وغــر مجدولــة يف‬ ‫هــذا التوقيــت‪ ،‬ألن الترصيحــات الروســية كانــت قــد وضعــت ســقفاً‬ ‫زمني ـاً لتدخلهــم العســكري ي ـراوح بــن ‪ 12‬و‪ 18‬شــهرا ً‪ ،‬فيــا مل يكمــل‬ ‫تدخلهــم شــهره الخامــس بعــد‪.‬‬ ‫وأغلــب الظــن أ ّن القيــادة الروســية التــي كانــت عازمــة عــى املــي يف‬ ‫العمليــة السياســية‪ ،‬قــد قــررت يف لحظــة فارقــة‪ ،‬وبوعــي إدرايك كامــل‪،‬‬ ‫أن تخــرج مــن اللعبــة بأقــل الخســائر‪ ،‬بــل بأعــى ســقف مــن املكاســب‬ ‫واالنتصــارات التــي ال زيــادة عليهــا‪ ،‬ألنهــا أدركــت أن تحقيــق انتصــار‬ ‫عســكري كامــل للنظــام أمــر مســتحيل‪ ،‬وأ ّن صمــود الشــعب الســوري‬ ‫مســتمر‪ ،‬وأ ّن الواقــع اإلقليمــي والــدويل ال يســمح لهــا بأكــر مــن ذلــك‪.‬‬ ‫كــا أنّهــا اكتشــفت أ ّن النظــام الســوري غــر املنضبــط‪ ،‬ال ميكــن الركــون‬ ‫إىل عنجهيتــه‪ ،‬واســتعالئه‪ ،‬وتشــبثه الجنــوين بالحكــم‪ ،‬الــذي قــد يســاهم‬ ‫يف إفشــال املفاوضــات السياســية‪ ،‬اعتــادا ً عــى الوجــود الــرويس‬ ‫الداعــم‪ ،‬األمــر الــذي قــد يــؤدي إىل حــرب طويلــة األمــد‪ ،‬باهظــة‬ ‫التكاليــف‪ ،‬ال يخــر فيهــا النظــام شــيئاً‪ ،‬وهــو الفاقــد لــكل يشء‪ ،‬فيــا‬ ‫تخــوض روســيا حربـاً بالنيابــة عنــه‪ ،‬ليــس فيهــا انتصــار حاســم‪ ،‬مــع كل‬ ‫العواقــب الوخيمــة‪ ،‬واملفاجــآت املحتملــة‪.‬‬ ‫أ ّمــا فيــا يخــص تركيــا‪ ،‬فإنــه مــن املرجــح أن تعطــي هــذه الخطــوة‬ ‫القيــادة الرتكيــة فســحة أكــر يف املنــاورة‪ ،‬واتخــاذ القـرارات التــي تعــذر‬ ‫اتخاذهــا يف الســابق‪ ،‬كــا ســتعطي للســعودية دورا ً أكــر يف دعــم‬ ‫الثــورة الســورية‪ ،‬ومواجهــة املــد اإليــراين‪ ،‬مثلــا ســتحمل اإليرانيــن‬ ‫عــبء االنفــراد يف تحمــل تكاليــف وعواقــب دعــم النظــام الســوري‬ ‫املهــرىء‪ ،‬وهــذا مــا ســيدفعهم إىل إعــادة النظــر يف ســلوكهم الشــاذ‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬ومــا ســيرتتب عليــه مــن عزلــة واســتعداءات‪ ،‬كــا ســتدفع‬ ‫النظــام الســوري إىل التفكــر جدي ـاً مبســتقبله الوجــودي قبــل أي يشء‬ ‫آخــر‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫الثورة‬

‫السورية‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫هل سنشهدُ تقسيم سورية؟!‬ ‫أحمد ال ُعجيلي‬ ‫يسافر السوريون مجتازين القفار والبحار‬ ‫بحثاً عن جنتهم املوعودة‪ ،‬وسعياً وراء األمان‬ ‫الذي حرمهم إيّاه نظامهم االستبدادي عقاباً‬ ‫شق عصا الطاعة‪ ،‬ورغبتهم يف‬ ‫لهم عىل ّ‬ ‫الخروج من ربقة ظلمه واستعباده؛ يحملون‬ ‫خف حمله وغال مثنه‬ ‫يف حقائبهم الصغرية ما ّ‬ ‫رش السؤال‪ُ ،‬مخلفني وراءهم بيوتاً‬ ‫علّه يقيهم ّ‬ ‫وأرزاقاً أفنوا حيواتهم يف جمعها وبنائها‪،‬‬ ‫لتغدو بني ليل ٍة وضحاها ُملكاً لشبيحة النظام‬ ‫ً‬ ‫غنيمة ملرتزقة داعش أو من شابهها؛ إال‬ ‫أو‬ ‫أنهم ما إن يصلوا ب ّر األمان وتطأ أقدامهم‬ ‫أرض الج َّنة املوعودة حتى تراهم يخرجون ما‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫خالف وتنافرٍ‪.‬‬ ‫يف جعبتهم من‬ ‫يــروي أحــد هــؤالء كيــف تطــور النقــاش‬ ‫الحــاد بينــه وبينــه مواطنــه الســوري داخــل‬ ‫الفصــل املخصــص لــدورات تعلّــم اللغــة‬ ‫األملانيــة‪ ،‬وكيــف تدخّــل رجــال األمــن‬ ‫لفــض االشــتباك الحاصــل‬ ‫الخــاص باملدرســة ّ‬ ‫كل منهــا كانــت لديــه‬ ‫بــن الجئَــن ســوريني‪ٌّ ،‬‬ ‫وجهــة نظــر مختلفــة عــن اآلخــر؛ فــاأل ّول‬ ‫يتحـ ّدر مــن منطقــة باتــت ت ُعــرف بأنهــا مــن‬ ‫املناطــق الســنيّة‪ ،‬يف حــن كان خصمــه يف‬ ‫النقــاش يتحـ ّدر مــن أصــو ٍل كرديــة‪ ،‬وقــد كال‬ ‫هــذا األخــر لخصمــه تهـاً مــن قبيــل «أنتــم‬ ‫دواعــش»‪« ،‬أنتــم متطرفــون»‪« ،‬ومناطقكــم‬ ‫بيئــاتٌ حاضنــة لإلرهــاب»‪ ،‬يف حــن ر ّد األول‬ ‫عــى ُمتهِمــه بــأن األك ـراد هــم «مجموعــات‬ ‫انفصاليــة»‪« ،‬وجامعــات عميلــة إلرسائيــل‬ ‫وقــوى الــر يف العــامل»‪ ..‬الــخ تلــك االتهامــات‬ ‫التــي مــا فتئــت وســائل التواصــل االجتامعــي‬ ‫تغــص بهــا حتــى باتــت تشــكّل مفاهيــم‬ ‫ّ‬ ‫راســخ ًة يف الالوعــي الجمعــي لعمــوم‬ ‫الســوريني عــى اختــاف مشــاربهم‪.‬‬ ‫أ ّمــا اآلخــر‪ ،‬وهــو مــن أوائــل املتظاهريــن‬ ‫واملشــاركني يف الحــراك الثــوري _أيــام‬ ‫ســلميته_ قبــل أن يغــدو صــوت الســاح هــو‬ ‫األعــى يف ســورية‪ ،‬فيقــول‪ :‬أجــ ُد صعوبــ ًة‬ ‫يف إقنــاع رشيــي يف الســكن أنّ مــا يجــري‬ ‫يف ســورية هــو ثــورة حريّــة وكرامــة قــام‬ ‫بهــا الشــعب بعــد أن طــا خطــب الظلــم‬

‫واســتعباد البــر فــوق الــرؤوس ال الركــب‪،‬‬ ‫ـيحي‬ ‫ولكــن كيــف ميكننــي إقناعــه وهــو املسـ ٌ‬ ‫القــادم مــن حلــب؟ حيــث كان ميتلــك محلّــه‬ ‫التجــاري الخــاص يف أحــد أحيــاء مدينــة‬ ‫حلــب‪ ،‬وقــد اضطــر إىل تــرك منزلــه ورزقــه‪،‬‬ ‫واالنتقــال للعيــش خــارج ســورية بعــد أن‬ ‫اســتوىل متطرفــون عــى الحــي الــذي يقطنــه‪،‬‬ ‫وفرضــوا عليــه إ ّمــا أن يدخــل اإلســام‪ ،‬وإ ّمــا‬ ‫أن يدفــع الجزيــة صاغـرا ً وإ ّمــا حـ ّد الســيف!‬ ‫أليســوا هــؤالء هــم ثواركــم! يصيــح يب بنــرة‬ ‫ال تخلــو مــن قهــر؛ وغــر تلــك القصــص هناك‬ ‫الكثــر مــا حملــه الســوريون يف ذاكرتهــم‬ ‫قــد ال تفلــح ســنون الغربــة يف محوهــا أو‬ ‫تغييبهــا‪.‬‬ ‫ال بــ ّد أنّ لــكلٍ حججــه ومربراتــه يف‬ ‫ـض النظــر عــن‬ ‫آرائــه وأحكامــه‪ ،‬إال أنّــه وبغـ ّ‬ ‫ماهيــة اآلراء والتحليــات يتكشــف للمــرء‬ ‫أنّ الســوريني قبــل زمــن حكــم عائلــة األســد‬

‫هــم غريهــم بعــد حكــم األســد مبرحلتيــه‬ ‫األب أو االبــن؛ فحــن الحديــث عــن األقليــات‬ ‫واإلثنيــات يســتنجد الســوريون بقصــص‬ ‫فــارس الخــوري الــذي ُعـ ّـن وزي ـرا ً لألوقــاف‬ ‫ـيحي‪ ،‬فقــط للتدليــل عــى صحــة‬ ‫وهــو مسـ ٌ‬ ‫بنــاء الجســد الســوري‪ ،‬وعــدم وجــود‬ ‫األمــراض الطائفيــة مــن قبــل‪ ،‬وقــد تجــد‬ ‫أحدهــم يذكّــرك بثــورة إبراهيــم هنانــو‪،‬‬ ‫وأنــه كان كرديـاً‪ ،‬وقــاد ثــورة ضـ ّد املســتعمر‬ ‫الفرنــي مــن أجــل تحريــر بلــده ســورية‬ ‫كام ـاً‪ ،‬وليــس بهــدف اقتطــاع دويلــة ألبنــاء‬ ‫جنســه كــا يُــر ّوج اليــوم مــن يريــد تفكيــكك‬ ‫هــذه الفسيفســاء الســورية الجميلــة بغناهــا‬ ‫وتنوعهــا الثقــايف والحضــاري‪.‬‬ ‫الحــق أنّ ســورية جمعــت كثــر مــن‬ ‫اإلثنيــات والطوائــف وامللــل‪ ،‬وجميعهــا كانت‬ ‫تعيــش مــع بعضهــا البعــض دون أيــة مشــاكل‬ ‫ت ُذكــر ســوى بعــض الحــوادث املتفرقــة هنــا‬

‫وهنــاك مــا ال ميكــن البنــاء عليــه بوصفــه‬ ‫ظاهــرة‪ .‬ولكــن الســؤال اليــوم الــذي يواجــه‬ ‫الســوريني هــو كيــف تتفــكك هــذه اللوحــة‬ ‫الفسيفســائية‪ ،‬وت ُلغــى تلــك الحميميــة التــي‬ ‫كانــت تســود مختلــف أطيــاف الشــعب‬ ‫الســوري عــى الرغــم مــن النــداءات‬ ‫متــل خوفــاً‬ ‫تــكل وال ّ‬ ‫والرصخــات التــي ال ّ‬ ‫عــى وحــدة البلــد مــن التقســيم‪ ،‬ورغب ـ ًة يف‬ ‫اســتمرار الخارطــة الســكانية والجغرافيــة كــا‬ ‫كانــت قبــل ثــورة الســوريني؟‬ ‫إال أنّ أمنيــات الســوريني يشء والواقــع عــى‬ ‫األرض يشء آخــر‪ ،‬فالتقســيم حصــل منــذ‬ ‫انطالقــة الربيــع الســوري‪ ،‬وال ميكــن ألحــد‬ ‫نكرانــه‪ ،‬فالعلــوي تقوقــع داخــل مناطــق‬ ‫نفــوذ النظــام‪ ،‬ومل يعــد مبقــدوره العــودة‬ ‫إىل ســكنه الســابق ســواء أكان يف الرقــة أم‬ ‫حلــب أم الحســكة أو حتــى إدلــب‪ ،‬ويف‬ ‫املقابــل الكــردي يتنقــل فقــط داخــل مناطــق‬

‫نفــوذ قــوات الحاميــة الكرديــة فيــا بــات‬ ‫يُعــرف بـــ «كردســتان ســورية»‪ ،‬واملســيحي‬ ‫مل ي ُعــد إىل الرقــة أو إىل البوكــال أو بعــض‬ ‫مناطــق ســيطرة داعــش والنــرة وأشــباهها‪،‬‬ ‫ناهيــك عــن أن العــريب الســني فيــا لــو قــرر‬ ‫الذهــاب إىل مناطــق العلويــن أو األكــراد‬ ‫فإنــه ســيحتاج إىل أ ّدلــة وإثباتــات تربهــن أنــه‬ ‫ليــس مــع اإلرهابيــن‪ ،‬وال يتبــع ألي تنظيــم‬ ‫ســيايس أو عســكري‪ ،‬عــاوة عــى أن بعــض‬ ‫املناطــق باتــت تطلــب منــه كفيــاً محل ّيــاً‬ ‫يضمنــه عــى مســؤوليته يك يدخــل تلــك‬ ‫املناطــق‪.‬‬ ‫إذا ً‪ ،‬التقســيم حــادثٌ عــى األرض‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫يــدرك الجميــع أنّ مــا كانــوا يتغنــون بــه مــن‬ ‫وحــدة ومتاســك يف مجتمعهــم ليــس ســوى‬ ‫ثــوب ُمرقّــعٍ مهــرئ قــام النظــام بنســجه‬ ‫ٍ‬ ‫طــوال عقــود حكمــه‪ ،‬ومــا إنْ اقرتبــت نهايــة‬ ‫هــذا النظــام‪ ،‬ودنــا أجلــه حتــى ســقط هــذا‬ ‫الثــوب ل ُيظهــر عورة جســدنا الســوري املمزق‬ ‫عــى حقيقتــه‪ ،‬ويُظهــر كيــف نجــح النظــام‬ ‫بتمزيــق هــذه الفسيفســاء التــي كانــت‬ ‫تزيــن ســورية مــن شــالها إىل جنوبهــا‪.‬‬ ‫رمبــا تكــون الثــورة الســورية قــد أخفقــت‬ ‫يف أحــد مراحلهــا يف بنــاء ومـ ّد جســور الثقــة‬ ‫بــن الســوريني كافــة عــى اختــاف مشــاربهم‬ ‫وانتامءاتهــم‪ ،‬إال أنهــا هــي الطريــق الوحيــد‬ ‫إلقامــة دولــة املواطنــة والدميقراطيــة وح ّريــة‬ ‫الــرأي‪ ،‬ومــا دام هــذا النظــام جامثــاً عــى‬ ‫نفــوس الســوريني فلــن يهنــؤوا يوم ـاً بحيــا ٍة‬ ‫كرميــة تســودها العدالــة والكرامــة واحــرام‬ ‫اآلخــر أيّـاً كان دينــه أو قوميتــه‪ ،‬وإال فال خيار‬ ‫أمامهــم ســوى التقوقــع داخــل كانتوناتهــم‬ ‫التــي كانــوا يعيشــون أصـاً داخلهــا متوهمــن‬ ‫أنهــم يعيشــون مــع بعضهــم البعــض‪ .‬رمبــا‬ ‫يــرى الســوريون اليــوم يف أملانيــا وغريهــا مــن‬ ‫دول أوربــا التــي غصــت بهــم كيــف يســود‬ ‫القانــون بــن أبنــاء هــذه املجتمعــات‪ ،‬وكيــف‬ ‫يعيــش املســلم مــع املســيحي مــع اليهــودي‬ ‫مــع امللحــد داخــل البنــاء الواحــد ورمبــا يف‬ ‫الطابــق ذاتــه‪ ،‬يتشــاركون املصعــد وتنظيــف‬ ‫البنــاء‪ ،‬ورمبــا يتشــاركون حتــى الطعــام دون‬ ‫أيــة غضاضــة‪.‬‬

‫نساء تحت القصف يف اليوم العاملي للمرأة‪!..‬‬ ‫عبد الكريم خشفة‬ ‫مــا ت ـزال يف ذاكــريت منــذ خمــس سـ ٍ‬ ‫ـنوات‬ ‫الســبعني مــن‬ ‫مضــت‪ ،‬تلــك األ ُّم التــي قاربـ ْ‬ ‫ـت ّ‬ ‫تــرش علينــا بتــات الــورد‬ ‫عمرهــا‪ ،‬والتــي ّ‬ ‫ـوري املل ّونــة وتزغــرد عندمــا متـ ّر املظاهــرة‬ ‫الجـ ّ‬ ‫مــن أمــام بيتهــا‪ ،‬فتزيدنــا حامس ـاً كــا تزيدنــا‬ ‫طأمنينـ ًة بأنّنــا مــا نـزال نسـ ُر بالثّــورة باتجاهها‬ ‫الصحيــح‪ ،‬ليــس هــذا وحســب‪ ،‬إنهــا تنتظــر‬ ‫ّ‬ ‫ـرب‪..‬‬ ‫الشّ ــبان املتظاهريــن باملــاء البــارد للـ ّ‬ ‫كان للمــرأة ‪-‬ومــا يـزال‪ -‬حيّـ ٌز ومــكان يف األرسة‬ ‫الســورية‪ ،‬فهــي األم واألخــت والزوجــة واالبنــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يُنظــ ُر إليهــا بــكل احــرامٍ وقدســ ّي ٍة‪ ،‬أمرنــا‬ ‫ديننــا بهــا‪ ،‬فكانــت ِص ْن ـ َو الرجــل يف ال ّجهــاد يف‬ ‫خنــادق الصمــود واملجاهــدة‪ ،‬والصــر عــى آالم‬ ‫الحصــار وال ّنــزوح املتك ـ ّرر‪.‬‬ ‫الســورية التــي وقــع عليهــا الظلــم‬ ‫إنهــا املــرأة ّ‬ ‫كــا وقــع عــى ال ّرجــل‪ ،‬وهــل مييــز الظّلــم‬ ‫بينهــا‪..‬؟!‬ ‫الســورية أبناءهــا عــى العــ ّزة‬ ‫أنشــأتْ املــرأة ّ‬

‫املنــ ّددة بظلــم ال ّنظــام‪ ،‬وتــداوي الجرحــى‬ ‫واملصابــن‪..‬‬ ‫وعندمــا زاد ال ّنظــام مــن بطشــه باملتظاهريــن‬ ‫كانــت صابــر ًة محتســب ًة عندمــا فقــدت‬ ‫الســجون‬ ‫أبناءهــا تحــت الـ ّـراب أو يف ظلــات ّ‬ ‫واملعتقــات‪ ،‬بــل وتدفــع مبــن تبقــى مــن‬ ‫أبنائهــا إىل ســاحات الوغــى للــذّود عــن‬ ‫دينهــم وأعراضهــم‪ ،‬فــا أكــر الخنســاوات يف‬ ‫ثورتنــا‪ ،‬بــل إ َّن صمودهــا يف بيتهــا مــع أوالدهــا‬ ‫وخــروج زوجهــا اللتقــاط رزقــه جعلهــا يف كثــر‬ ‫مــن الحــاالت شــهيد ًة مــع أطفالهــا تحــت‬ ‫األنقــاض‪...‬‬ ‫يقــل‬ ‫الســوريّة ال ُّ‬ ‫إ َّن مــا عانــت منــه املــرأة ّ‬ ‫شــ ّدة عــن معانــاة ال ّرجــل‪ ..‬ولكــ َّن لحظــات‬ ‫ال ّنــر والفــرج قــد اقرتبــت‪ ،‬وســتكون األيــام‬ ‫الســوريني عمومــاً‪،‬‬ ‫حــب الوطــن دفعـ ْ‬ ‫الســورية الثّــورة باتجــاه األمــام القادمــة أيــا َم خــرٍ عــى ّ‬ ‫ـت املــرأة ّ‬ ‫والكرامــة والشّ ــموخ‪ ،‬فــكان أن نهــض أبناؤهــا جيــلٍ مــن األبــاة وإرضاعهــم ّ‬ ‫ولعــل هــذه هــي امله ّمــة األســمى والتّضحيــة يف ســبيل اللــه‪ ،‬فــكان لهــا حـ ٌّظ مــن عندمــا كانــت ت ُِخيــط أعــام الثّــورة وتدفــع بهــا وعــى املــرأة خصوصــاً بــإذن اللــه‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫بالثّــورة‪،‬‬ ‫إىل أبنائهــا‪ ،‬وتخــرج يف املظاهــرات ال ّنســائ ّية‬ ‫وللســورية خصوصــاً‪ :‬تربيــة االعتقــال والقتــل ألنهــا مصنــع ال ّرجولــة‪..‬‬ ‫للمــرأة عمومــاً‪ّ ،‬‬


‫الثورة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫الحــراك الســلمي يعيــد للثــورة‬ ‫الســورية ألقهــا‬

‫محمد الصليبي‬ ‫يف عيدهــا الخامــس‪ ،‬ومــا إن غابت الطائرات‬ ‫التــي كانــت ترســل حمــم املــوت والدمــار عــى‬ ‫أهلنــا حتــى عــاد وعــى الفــور الحـراك الســلمي‬ ‫للثــورة‪ ،‬ويف كل املناطــق الســورية التــي خرجت‬ ‫عــن ســيطرة النظــام املجــرم‪ ،‬هــذا الحـراك الذي‬ ‫فاجــأ مؤيــدي الثــورة قبــل أن يفاجــئ أعداءهــا‪.‬‬ ‫غصــن الزيتــون‪ ،‬وعلم الثــورة األخــر بعودتهم‬ ‫إىل الســاحات الســورية‪ ،‬عــاد ألــق الثــورة‬ ‫ليذيــب الجليــد مــن جديــد‪ ،‬ويهــدم الهــوة بــن‬ ‫الثــورة الحقيقيــة وأعدائهــا املرتبصــن بهــا‪ ،‬لكــن‬ ‫عــاد النظــام بحلّتــه الجديــدة الســوداء لقمــع‬ ‫املظاهــرات‪ ،‬وتفريــق املتظاهريــن الســلميني‬ ‫واعتقالهــم‪ ،‬واســكاتهم بقــوة الســاح‪ ،‬عــاد‬ ‫ليقــول إنهــم ليســوا ســوى إرهابيــن ال يفقهــون‬ ‫مــن الحيــاة إال منهــج القتــل والذبــح‪.‬‬ ‫املعاملــة الســيئة للشــعب الســوري مــن‬ ‫قبــل الذيــن يحملــون فكــر تنظيــم القاعــدة‪،‬‬ ‫والرتاجــع الكبــر لشــعبيتهم عــى مســتوى‬

‫فرحان مطر‬ ‫متــر اليــوم الذكــرى الخامســة النطالقــة‬ ‫الثــورة الســورية املباركــة‪ ،‬ثــورة الحريــة‬ ‫والكرامــة‪ ،‬وســوريا عــى عتبــة أيــام فاصلــة‬ ‫تــكاد أن تكــون هــي األخطــر يف تاريخهــا‪،‬‬ ‫ليــس فقــط منــذ بــدء انطالقــة حناجــر‬ ‫الســوريني بالهتــاف‪ :‬الشــعب يريــد إســقاط‬ ‫النظــام‪ ،‬والشــعب الســوري مــا بينــذل‪ ،‬بــل‬ ‫ملــا يعــود إىل بــدء تشــكل هــذا الكيــان الــذي‬ ‫يجمعنــا كســوريني منــذ مــا بعــد االســتقالل‬ ‫عــن االحتــال الفرنــي‪.‬‬ ‫منــذ أن غــادر آخــر جنــدي مســتعمر فرنــي‬ ‫تــراب ســوريا‪ ،‬مل تشــهد بلدنــا شــكالً مــن‬ ‫أشــكال هــذا الوجــود الكثيــف‪ ،‬واملتنــوع‬ ‫اﻷشــكال‪ ،‬املتعــدد اﻷهــداف والغايــات لــكل‬ ‫مــا هــب ودب مــن مرتزقــة‪ ،‬وشــذاذ اآلفــاق‬ ‫الذيــن توافــدوا‪ ،‬تحــت كافــة الذرائــع‪ ،‬وبــكل‬ ‫الطــرق والوســائل‪ ،‬فمنهــم مــن جــاء تحــت‬ ‫يافطــة الجهــاد يف أرض الربــاط والجهــاد‪،‬‬ ‫لنــرة الديــن‪ ،‬وإقامــة دولــة الخالفــة‪ ،‬وبنــاء‬ ‫القاعــدة لدولــة إســامية تكــون منطلقـاً لنــر‬ ‫الدعــوة اإلســامية يف العــامل‪ ،‬والعــودة لزمــن‬ ‫الفتوحــات اإلســامية‪ ،‬دون أن ينســوا املطالبــة‬ ‫بإعــادة فتــح األندلــس مــرة أخــرى‪.‬‬ ‫يف مقابــل هــذا اســتجلب النظــام اﻷســدي‬ ‫املجــرم ‪ -‬وكان هــو الســباق يف ذلــك ‪ -‬كل مــن‬ ‫كان يحلــم بــأن تكــون أرض ســوريا متاحــة‬ ‫ألهدافــه االســتعامرية التوســعية املكشــوفة‪،‬‬ ‫كــا يف حالــة روســيا‪ ،‬التــي تحــاول اســتعادة‬ ‫أمجــاد اإلمرباطوريــة الروســية بانتصــار ســهل‬ ‫تتصــوره هنــا يف هــذا البلــد الضعيــف املنهــك‪،‬‬ ‫وكــا يف حالــة إيــران ذات األطــاع العلنيــة‬

‫الداخــل‪ ،‬وبأنّهــم مل يأتــوا مــن خلــف البحــار‬ ‫لنــرة الشــعب الســوري املظلــوم كــا ادعــوا‪،‬‬ ‫مل يأتــوا إلّ لتنفيــذ مشــاريعهم املتطرفــة‪ ،‬وقتــال‬ ‫الجيــش الحــر‪ ،‬ومتزيــق أعــام الثــورة‪ ،‬وتجهيــز‬ ‫وإرســال األرتــال لقتــال أنصــار الثــورة‪ ،‬وتحريــر‬ ‫املحــرر‪ ،‬بــدالً مــن إرســالها إىل جبهــات النظــام‬ ‫ملقارعتــه انتصــارا ً للحريــة والكرامــة‪ ،‬لكــن بعــد‬ ‫أن تجلّــت حقيقتهــم‪ ،‬ويف ظـ ّـل تراكــم الوعــي‬ ‫وعمــق التجــارب التــي اكتســبها الشــعب‬ ‫الســوري عــى مــدى الســنوات الخمــس مــن‬ ‫عمــر الثــورة الســورية‪ ،‬ســتكون مجتمعــة‬ ‫هــي العامــل املهــم بإزالــة باقــي األقنعــة التــي‬ ‫تختبــئ خلــف الثــورة‪ ،‬وفضــح مشــاريعهم التــي‬ ‫ال تتــاءم مــع تطلعــات الشــعب الســوري الحــر‬ ‫يف الحريــة والكرامــة‪ ،‬والــذي يحلــم بوطــن‬ ‫جامــع مانــع‪ ،‬يجمــع الســوريني جميعهــم بــكل‬ ‫ألوانهــم وأطيافهــم‪ ،‬تحــت رايــة ســورية رصفــة‪،‬‬ ‫ويف ظــل دولــة مدنيــة منشــودة‪ ،‬يتســاوى فيهــا‬ ‫الجميــع تحــت ســقف القانــون‪.‬‬

‫السورية‬

‫‪3‬‬

‫الرقة والثورة املتجددة‬ ‫عبد الرحمن مطر‬ ‫أحيــت التظاهـرات الســلمية اآلمــال‪ ،‬بعــد‬ ‫خمــس ســنوات عــى انتفاضــة الســوريني‪ ،‬يف‬ ‫ثــورة شــعبية عارمــة‪ ،‬عــى طغمــة االســتبداد‪.‬‬ ‫ثــورة مدنيــة متجــددة‪ ،‬مل تســتطع كل‬ ‫املحــاوالت بــأن ترسقهــا‪ ،‬وإن اســتطاعت‬ ‫حــرف مســاراتها‪ ،‬إىل حيــث أثقلتهــا وأنهكتهــا‬ ‫وأضعفتهــا‪ ،‬مبشــكالت وقضايــا كثــرة‪ ،‬مــن‬ ‫التســلط والفســاد والتســليح‪ ،‬إىل محاولــة‬ ‫إســباغ األســلمة عليهــا كلبـ ٍ‬ ‫ـوس‪ ،‬ج ّرها عنــو ًة إىل‬ ‫عتمــة تشــتد حلكتهــا ومتتــد باندفاعــة يؤمنهــا‬ ‫وفــرة املــال والســاح‪ ،‬وإرادة أط ـراف إقليميــة‬ ‫ودوليــة لحــرف الثــورة وخنقهــا‪ .‬ومل يعــد هنــاك‬ ‫مــن غاللــة تســر الجــزع مــن انتصــار ثــورة‬ ‫تنــادي بالحريــة والعدالــة وتؤســس ملجتمــع‬ ‫املواطنــة الــذي ترنــو إليــه شــعوب املنطقــة‪.‬‬ ‫كان ميكــن للرقــة أن تحتفــي يف الرابــع مــن‬ ‫مــارس‪ ،‬اليــوم الــذي خــرج فيــه الســوريون‬ ‫بعلــم الثــورة‪ ،‬يجــددون األمــل والعهــد‪ ،‬أن‬ ‫تحتفــي بذكــرى تحررهــا يف العــام‪ 2013‬مــن‬ ‫ربقــة االســتبداد‪ ،‬كأول محافظــة ســورية‪،‬‬ ‫يطــرد منهــا النظــام بالكامــل‪ .‬الرقــة التــي‬ ‫شــكل فيهــا إســقاط متثــال املســتبد األكــر‬ ‫« ُهبــل» انعطافــة مهمــة يف تاريــخ الثــورة‪ ،‬ال‬ ‫يقــل أهميــة عـ ّـا حــدث يف الرســن وجوارهــا‬ ‫حــن أســقط التمثــال وفصــل الــرأس عــن‬ ‫الجســد‪ ..‬وألقــى بــه املتظاهــرون يف مجــرى‬ ‫القــاذورات‪ ،‬بعــد مــرور شــهر واحــد فقــط عــى‬ ‫قيامــة الثــورة عــام ‪.2011‬‬ ‫غــر أن الظالميــة املريــرة‪ ،‬اقتطفــت زهــرة‬ ‫الحريــة قبــل أن يشــتد عودهــا وتينــع يف ربــوع‬ ‫الفــرات العظيــم‪ ،‬الظالميــة القاتلــة املجرمــة‪،‬‬

‫التــي أدمــت قلــوب الســوريني يف الرقــة وحيثام‬ ‫حلّــت‪ ،‬صــادرت الفــرح‪ ،‬وقتلــت كل إمكانيــة‬ ‫للتــوق إىل نــر النــور يف ربــوع البــاد مــ ّرة‬ ‫أخــرى‪ .‬هــي ذاتهــا التــي تدمــي اليــوم قلــوب‬ ‫الســوريني يف مناطــق إدلــب وحلــب التــي‬ ‫أنهضهــا األمــل وخرجــت إىل الشــوارع بعــد‬ ‫توقــف القتــل الرباميــي األســدي – الــرويس‪،‬‬ ‫للســوريني بعشــوائية تحــرف صناعــة املــوت‬ ‫عــى أوســع نطــاق‪ ،‬وبآليــات ووســائل‪ ،‬مل يعــد‬ ‫املجتمــع الــدويل يعبــأ باســتخدامها الوحــي‪،‬‬ ‫الخــارج عــى القوانــن الدوليــة التــي مل يتــم‬ ‫تفعيلهــا‪ ،‬ولــو مــرة واحــدة إليقــاف الطغــاة‬ ‫عــن ارتــكاب املجــازر‪.‬‬ ‫قبــل خمســة أعــوام‪ ،‬كانــت الرقــة شــأن‬ ‫املــدن الســورية األخــرى‪ ،‬تــرزح تحــت فــأس‬ ‫أجهــزة املخابــرات التــي مل تكــن تتــواىن عــن‬ ‫االعتقــال والتعذيــب‪ .‬يعــرف أهــل الرقــة‬ ‫مبلــغ املــرارات واألذى الــذي لحــق بهــم‬ ‫جــ ّراء ســطوة املخابــرات‪ ،‬ومــع ذلــك مــزق‬ ‫الشــباب حواجــز الصمــت والخــوف‪ ،‬وكانــوا‬ ‫قــي قلــوب املظاهـرات يف كل املــدن الســورية‪،‬‬ ‫دون اســتثناء‪ ،‬اســتمروا يف مغــادرة الرقــة إىل‬

‫حلــب وجامعتهــا‪ ،‬واىل ديرالــزور‪ ،‬واملشــاركة يف‬ ‫التظاهـرات‪ .‬كانــت األمهــات يباركــن أوالدهــن‬ ‫ويركضــن خلــف أحــام أبنائهــن الذيــن يتــم‬ ‫اعتقالهــم بــن هــذه املدينــة وتلــك‪ .‬ثــم ارتــدت‬ ‫الرقــة أثــواب أعراســها منــذ الخامــس والعرشين‬ ‫مــن آذار‪ ..‬وعــى محدوديــة الحركــة‪ ،‬وشــدة‬ ‫االنتشــار األمنــي‪ ،‬كان الشــباب فــ ّوارا ً ألِقــاً يف‬ ‫مجــاراة الســاء‪ ،‬يف طلــب الحريــة‪.‬‬ ‫خــال شــهور التحريــر األوىل كانــت الرقــة‪،‬‬ ‫كمثيالتهــا يف ريــف إدلــب‪ ،‬رساقــب وبنــش‪،‬‬ ‫ومنبــج‪ ،‬تقــدم أمنوذجهــا يف إدارة املجتمعــات‬ ‫املحليــة‪ ،‬بــدءا ً مبجلــس «تــل أبيــض» املميــز‪.‬‬ ‫كان هنــاك مجتمــع مــدين وا ٍع ومـ ٍ‬ ‫ـدرك‪ ،‬ومثقف‬ ‫يقــود املدينــة‪ /‬املحافظــة نحــو الخــاص‬ ‫وإعــادة البنــاء الســيايس واالجتامعــي‪ ،‬ومل تكــن‬ ‫الرقــة قــد دمرتهــا طائ ـرات األســد‪ ،‬وتنظيــات‬ ‫التســلط اإلرهابيــة التــي خ ّربــت ونهبــت كل‬ ‫يشء‪ :‬أحــرار الشــام وجبهــة النــرة‪ ،‬قبــل أن‬ ‫تتســل داعــش عــر صفوفهــا‪.‬‬ ‫كل ســلطات القهــر‪ ،‬تضافــرت يك تجهــض الحلم‬ ‫الســوري‪ .‬غــر أن الثــورة الســورية تجــدد ربيــع‬ ‫الثــورة املدنيــة الســلمية التــي تصــل بهــا إىل‬ ‫الحريــة‪ ،‬واســتعادة الكرامــة املســلوبة‪.‬‬

‫الرقة وذكرى الثورة السورية‬

‫بإعــادة بنــاء إمرباطوريــة فارســية ال تغيــب‬ ‫عنهــا الشــمس‪ ،‬مســتخدمة بذلــك ســاح الدين‬ ‫ذاتــه الــذي يؤمــن بــه (األعــداء املفرتضــون‬ ‫يف التنظيــات الجهاديــة الســلفية للقاعــدة‬ ‫ومشــتقاتها) الفــرق الوحيــد بــن الطرفــن‬ ‫(عبــارة ســنة وشــيعة فقــط)‪.‬‬ ‫نفــس األســاليب‪ ،‬والوســائل‪ ،‬واألدوات‪ ،‬ولغــة‬ ‫الخطــاب‪ ،‬واملرجعيــات‪ ،‬ومــا إىل ذلــك مــن‬ ‫تجييــش لعواطــف الغالبيــة الجاهلــة مــن‬ ‫عمــوم جامهــر املســلمني الســنة‪ ،‬أو الشــيعة‬ ‫عــى حــد ســواء‪.‬‬ ‫هــذا األمــر الــذي رأينــاه مــع ميليشــيات حــزب‬ ‫اللــه وكتائــب أبــو الفضــل العبــاس‪ ،‬وعصائــب‬ ‫أهــل الحــق‪ ،‬الشــيعية الطائفيــة الحاقــدة‬

‫املجرمــة يف مقابــل مثيالتهــا يف الجهــة األخــرى‬ ‫يف املعســكر الســني‪ ،‬عنــد جبهــة النــرة‪،‬‬ ‫وأحــرار الشــام‪ ،‬ودولــة اإلســام‪ ،‬وجيــش‬ ‫اإلســام‪ ،‬وكل مــن رفــع أعالم ـاً دينيــة يف وجــه‬ ‫علــم الثــورة الســورية الــذي كان جامعــاً‬ ‫للســوريني الثائريــن يف وجــه الطاغيــة مــن‬ ‫أجــل الحريــة والدميقراطيــة يف ســوريا البلــد‬ ‫الواحــد املوحــد لــكل الســوريني‪.‬‬ ‫خمــس ســنوات مضــت‪ ،‬وكل هــذا الخــراب‬ ‫والدمــار والقتــل والنــزوح‪ ،‬وبعــد أن أصبحــت‬ ‫ســوريا ســاحة رصاع دوليــة بامتيــاز‪ ،‬ومــا زالــت‬ ‫األطـراف املتصارعــة تتخنــدق يف ذات املتاريس‬ ‫التــي وقفــت بهــا نتيجــة أطامعهــا‪ ،‬وأجنداتهــا‪،‬‬ ‫وهــذا الشــعب الســوري العظيــم مــا يـزال كــا‬

‫أيامــه األوىل يجــدد العهــد عــى الوفــاء لدمــاء‬ ‫شــهداء الحريــة الذيــن قضــوا يف ســبيلها‪ ،‬ومل‬ ‫يرفــع ‪ -‬هــذا الشــعب ‪ -‬رايــة االستســام ومل‬ ‫يرتاجــع‪ ،‬أو ينكــر‪ ،‬والدليــل األكــر وضوحــاً‬ ‫وقــوة هــو هــذه العــودة املباركــة للمظاهـرات‬ ‫التــي تعــم املــدن والبلــدات الســورية‪ ،‬وهــي‬ ‫ترفــع علــم ثورتهــا وحــده دلي ـاً عــى وفائهــا‬ ‫لــه وملــا يرمــز إليــه‪.‬‬ ‫يف ذكــرى الثــورة الخامســة ونحــن عــى أعتــاب‬ ‫العــام الســادس أقــرأ بقلــق شــديد غيــاب‬ ‫الرقــة عــن هــذه املظاهـرات‪ ،‬وأنــا أفهــم متامـاً‬ ‫طبيعــة الظــروف القاهــرة التــي تحكمهــا‪،‬‬ ‫وتحكــم عــى مــن يفكــر برفــع علــم الثــورة‬ ‫فيهــا بالويــل والثبــور‪ ،‬وهــي الرقــة ذاتهــا‬

‫التــي مل تتأخــر يوم ـاً عــن تلبيــة نــداء الثــورة‬ ‫يف ســوريا حــن كانــت مظاهرتهــا األوىل يف‬ ‫‪ 25.3.2011‬وهــي التــي قدمــت الكثــر مــن‬ ‫الشــهداء‪ ،‬وهــي التــي قفــزت إىل مقدمــة‬ ‫املشــهد الســوري حــن كانــت أول محافظــة‬ ‫ســورية تتحــرر مــن النظــام اﻷســدي البعثــي‬ ‫املجــرم‪ ،‬قــد يقــول قائــل هنــا‪ :‬إن هــذا التحرير‬ ‫مرســوم ومخطــط لــه بتواطــؤ مــن النظــام‪...‬‬ ‫لســت أنفــي‪ ،‬وال أؤكــد هنــا‪ ،‬ولكنهــا مــع ذلــك‬ ‫اســتحقت وبجــدارة لقــب‪ :‬عاصمــة التحريــر‪.‬‬ ‫أذكــر خــال زيــاريت للرقــة بدايــة الشــهر‬ ‫الســادس عــام ‪ 2011‬أنهــا كانــت تســعى‬ ‫لتقديــم الصــورة األجمــل للحــراك املــدين‬ ‫العلــاين الــذي يجــب أن تكــون عليــه أيــة‬ ‫أرض ســورية عنــد تحريرهــا‪ ،‬غــر أن الرقــة‬ ‫خُذلــت أوالً مــن املعارضــة الســاقطة التــي‬ ‫تخلّــت عنهــا‪ ،‬ومل تســتطع دخولهــا وتركتهــا‬ ‫بذلــك فريســة ســهلة لــكل طيــور الظــام‬ ‫الذيــن بســطوا ســيطرتهم عليهــا بهــذه‬ ‫الســهولة الالفتــة للنظــر‪ ،‬وهــي اليــوم تصبــح‬ ‫العنــوان األول يف األخبــار العامليــة كونهــا‬ ‫عاصمــة تنظيــم داعــش‪.‬‬ ‫يحــز يف نفــي كثــرا ً أن تظــل الرقــة هكــذا‬ ‫وحيــدة‪ ،‬تذبــح علنــاً ويهجــر خــرة أبنائهــا‪،‬‬ ‫ويطبــق عــى مــن بقــي فيهــا قوانــن العــر‬ ‫الحجــري والجاهليــة األوىل باســم اإلســام‪.‬‬ ‫يف ذكــرى الثــورة الســورية العظيمــة الخامســة‪،‬‬ ‫أجــدد ثقتــي بأبنــاء الرشــيد‪ ،‬وقدرتهــم عــى‬ ‫الصمــود عــى الرغــم مــن قتامــة الصــورة‪،‬‬ ‫وأنتظــر اليــوم الــذي ســيعلن فيــه عــن بــزوغ‬ ‫فجــر الحريــة فيهــا‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫الثورة‬

‫السورية‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫عود على بدء‬

‫ابتسام تريسي‬

‫اخليار بني احلر ّية واألمان‪.‬‬

‫«الثورة مستمرة» شعار رفعته املظاهرات‬ ‫الســوريني‬ ‫التي ع ّمت معظم مدن وريف املناطق املح ّررة ســوريا‪ ،‬بــل كان رايــة جمعــت ّ‬ ‫وبعض املدن الواقعة تحت حصار ال ّنظام يف‬ ‫ووحدتهــم‪.‬‬ ‫الغوطة‪.‬‬ ‫الســوري يخــاف مــن‬ ‫ومل يكــن ال ّنظــام ّ‬ ‫الســوريني‬ ‫يشء مقــدار خوفــه مــن اتحــاد ّ‬ ‫بعــد خمــس ســنوات مــن عمــر الثورة الســورية مبختلــف مذاهبهــم وطوائفهــم ضــده‪ ..‬هــو‬ ‫تعــود املظاهـرات الســلمية‪ ،‬التــي كانــت عنوان يخــاف أصحــاب العقــول لــذا ســعى لتصفيــة‬ ‫ثورتنــا وذهــب ضحيتهــا آالف مــن الشــباب‪ ،‬الشــباب املتنــور واعتقــال مئــات اآلالف وقتــل‬ ‫قبــل أن تتحـ ّول إىل ثــورة مســلحة! كلنــا يعــرف عـرات اآلالف تحــت التعذيــب‪ ،‬وأطلــق رساح‬ ‫أ ّن مــن حمــل الــورد وأغصــان الزيتــون ال املجرمــن مــن الســجون وسـ ّهل وصــول الســاح‬ ‫ميكنــه أن يحمــل الســاح‪ ،‬وأ ّن مــن كان شــعاره إىل أيديهــم‪.‬‬ ‫«الشــعب الســوري واحــد» ال ميكــن أن يكــون اعتقــال «جبهــة النــرة» لناشــطني مدنيــن يف‬ ‫طائفيــاً‪ .‬عمــل النظــام عــى خلخلــة هــذا مظاهــرة إدلــب منــذ أيــام يجعلنــا يف مواجهــة‬ ‫الجــدار الصلــب‪ ،‬ببثــه روح التفرقــة والطائفيــة‪ ،‬أســئلة كثــرة‪ ،‬أهمهــا «ملــاذا يبقــى هــؤالء‬ ‫وإيجــاد نزعــة عدائيــة وإجبــار الشــباب عــى املســلحون يف املــدن بعــد تحريرهــا؟»‬ ‫حمــل الســاح بعــد إطــاق الرصــاص عــى مــن الواضــح أ ّن بقاءهــم يف املــدن ال يخــدم‬ ‫املظاه ـرات وحملــة االعتقــاالت والتعذيــب يف مصلحــة أحــد ســوى النظــام‪ ،‬ومــن الواضــح‬ ‫املعتقــات حتــى املــوت‪.‬‬ ‫أيضــاً أنّهــم جــزء مــن تركيبتــه ال يختلفــون‬ ‫النظــام الطائفــي الســوري فــرض رؤيتــه عنــه يف يشء‪ ،‬وبهــذا يصبــح املواطــن الســوري‬ ‫الطائفيــة عــى الســوريني مــن حيث ال يــدرون‪ ،‬مثــل الــذي قــام مــن تحــت «الدلــف لتحــت‬ ‫وزعــزع متاســكهم‪ .‬هــذا هــو رس قــوة النظــام املــزراب» بحســب املثــل الشــعبي‪.‬‬ ‫وصمــوده طيلــة تلــك الســنوات‪ ،‬باإلضافــة قيمــة علــم الثــورة أصبحــت مشــكلة جوهريــة‪،‬‬ ‫إىل تآمــر دول العــامل قاطبــة عــى الســوريني مشــكلة أساســية أنبتــت رصاعــاً غريبــاً‪ ،‬جــاء‬ ‫ووقوفهــم بجانبــه‪.‬‬ ‫يف التوقيــت الخطــأ بــن الناشــطني الســلميني‬ ‫أن تجعــل عــدوك يقــف موقفــك هــو النــر واملتظاهريــن مــن جهــة‪ ،‬وقــادة الفصائــل‬ ‫بعينــه‪ ،‬وقــد أفلــح ال ّنظــام ّ‬ ‫الســوري بجعــل والعنــارص الذيــن يترصفــون بشــكل «فــردي»‬ ‫الســوريني طائفيــن ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقســمهم إىل فصائــل أعــاد إىل أذهاننــا بدايــة الحــراك الثــوري يف‬ ‫تحمــل رايــات مختلفــة‪ ،‬بعــد أن كانــوا تحــت ســوريا مــع اختــاف العــدو!‬ ‫قيــادة الجيــش الحــر وعلــم الثــورة‪.‬‬ ‫أُنــزل العلــم وم ـ ّزق وداســته األقــدام والحجــة‬ ‫علــم الثــورة مل يكــن رمــزا ً فقــط الســتقالل يف ذلــك «درء الفتنــة»‪ .‬العنــارص التــي قامــت‬

‫بهــذا الفعــل ا ّدعــت أنّهــا قامــت بــه لــدرء‬ ‫الفتنــة بــن املتظاهريــن واملجاهديــن الذيــن‬ ‫ال يريــدون رؤيــة أعــام غــر «راياتهــم»‪ .‬أكّــد‬ ‫املحيســني أنــه ال إشــكالية رشعيــة يف رفــع‬ ‫العلــم‪ ،‬مــع هــذا يعتــر «العنــارص» أ ّن هــذا‬ ‫العلــم رايــة الكفــر!‬ ‫اجتمــع ناشــطون مــع «شــورى الفتــح»‬ ‫لســاعات مطولــة ملناقشــة املوضــوع‪ ،‬وخرجــوا‬ ‫مبيثــاق! أهــم بنــوده‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ اعتــذار رســمي يصــدر عــن هيئــة الفتــح ملــا‬ ‫حــدث يف مظاهــرة إدلب‪.‬‬ ‫أي رايــة يف‬ ‫‪ 2‬ـ بحســب امليثــاق ال ترفــع ّ‬ ‫«مناطــق الفتــح» ســواء كانــت رايــة فصيــل‬ ‫مــن فصائــل الفتــح أو غــر ذلــك عــدا رايــة‬ ‫جيــش الفتــح حفاظــاً عــى مكــون الفتــح‪..‬‬ ‫ميثــاق التشــكيل قبــل تحريــر إدلــب‪.‬‬ ‫‪..‬‬ ‫عبــارة «مناطــق الفتــح» ذكّرتنــي بعبــارة‬ ‫«مناطــق النظــام»!‬ ‫أحــد النشــطاء ممــن تفاوضــوا مــع شــورى‬ ‫الفتــح قــال‪« :‬كانــت الشــورى توافــق عــى‬ ‫معظــم طرحنــا ولكــن لديهــم وجهــة نظرهــم‬ ‫يف رفــع الرايــات‪ ،‬ووقّعــوا عــى ميثــاق يف ذلــك‪،‬‬ ‫وخــرق امليثــاق ال ســمح اللــه قــد يــؤدي‬ ‫القتتــال داخــي بينهــم وهــذا أمــر ال نرضــاه‪..‬‬ ‫أكّدنــا عــى قناعتنــا بعلــم الثــورة طيلــة‬ ‫الجلســة وتفهمــوا ذلــك وتفهمنــا مطلبهــم‬ ‫الحــايل»‪.‬‬ ‫التفهــم مــن قبــل النشــطاء كان بقبــول واقــع‬

‫يف الذكرة الخامسة النطالق الثورة السورية‪..‬‬

‫الحــال الــذي فرضتــه هيئــة الشــورى وهــو‬ ‫عــدم رفــع علــم الثــورة حاليـاً‪ .‬وتفهــم الفصائــل‬ ‫ملطالــب الناشــطني كان يف قمــع مظاهــرة‬ ‫املعــرة اليــوم ونــزع أعــام الثــورة!‬ ‫الــذي حمــل ســاحاً لنــرة الشــعب يجــب‬ ‫أن يحــرم عقــول الحاضنــة االجتامعيــة‪ ،‬التــي‬ ‫أوصلتــه إىل النــر والتحريــر‪ ،‬والتــي مل يكــن‬ ‫لوالهــا موجــودا ً يف األصــل‪.‬‬ ‫هــذا التــرف ســيجعل إدلــب «رقــة» ثانيــة‬ ‫ســيكون مصريهــا يف أيــدي داعــش أو سيســلمها‬ ‫أليــدي النظــام‪.‬‬ ‫يبــدو أ ّن علــم الثــورة ســيكون اإلشــكالية األكــر‬ ‫خطــورة عــى املناطــق املحــ ّررة؛ أل ّن النظــام‬

‫يريــد «قبــل الفصائــل» إغراقهــا بالرايــات‬ ‫الســود تتويج ـاً لسياســته التــي انتهجهــا منــذ‬ ‫بدايــة الثــورة‪.‬‬ ‫بني الحرية واألمان‬ ‫الخيــار نفســه الــذي وضعــه النظــام أمــام‬ ‫الشــعب الســوري يف بدايــة الثــورة تضعــه‬ ‫اآلن الفصائــل املســلحة ممثلــة بجيــش الفتــح‬ ‫وجبهــة النــرة يف محافظــة إدلــب‪ .‬إ ّمــا علــم‬ ‫الثــورة رمــز «الحريّــة» وإ ّمــا األمــان الــذي‬ ‫توفــره الفصائــل للنــاس!‬ ‫أي أمــان ذاك واألســباب التــي يتــذ ّرع بهــا‬ ‫لكــن ّ‬ ‫النظــام وروســيا لقصــف املناطــق املحـ ّررة هــو‬ ‫وجــود تلــك الفصائــل فيهــا؟‬

‫ي��وم طالب أهل الرقة بس��قوط النظام‪ ،‬ومزقوا صورة بش��ار األس��د علنًا‬

‫املركــز (م) يف الثــورة الســورية‬

‫عنتر دعيس‬

‫إسماعيل خليل الحسن‬

‫لــو أردت أن أورد مــررا ً لقيــام الثــورة‬ ‫الســورية غــر احتجاجــات أهــل درعــا التي‬ ‫أشــعلت رشارة الثــورة الســتطعت تقديــم‬ ‫ألــف مــرر النــدالع الثــورة يف كل مــدن‬ ‫ومناطــق ونواحــي وقــرى ســوريا‪ ،‬ظلــم‬ ‫النظــام أبناءهــا‪ ،‬وأســاء إليهــم‪ ،‬وســلب‬ ‫كرامتهــم وحقوقهــم‪ ..‬كانــت احتجاجــات‬ ‫شــباب درعــا‪ ،‬واقتحــام املســجد العمــري‪،‬‬ ‫وقتــل املتظاهريــن‪ ،‬واعتقــال الشــباب‬ ‫والنســاء واألطفــال ســبباً كافيـاً لتظاهـرات‬ ‫حمــص وحــاة وديــر الــزور‪ ،‬وكنــا يف الرقــة‬ ‫نراقــب بحســد كل املظاه ـرات‪ ،‬وخصوص ـاً‬ ‫والشــباب يعلنــون وقوفهــم إىل جانــب‬ ‫درعــا‪ ،‬وعهــدا ً حتــى املــوت‪ ،‬وبذلــك كتبــوا‬ ‫عهــدا ً جديــدا ً‪ ،‬وتحالفــاً ســا بجموعهــم‬ ‫عــن اآلخريــن املتفرجــن‪ ،‬وكنــا مــن هــؤالء‬ ‫حتــى إن بعض ـاً مــن شــباب الرقــة اختــار‬ ‫مشــاركة الديريــة مظاهراتهــم‪ ..‬يســافرون‬ ‫إىل ديــر الــزور صبــاح يــوم الجمعــة‪،‬‬ ‫يشــاركون يف املظاه ـرات‪ ،‬يســقطون فيهــا‬ ‫النظــام ويعــودون مســا ًء‪...‬‬ ‫الرقــة تغــي بالح ـراك الصامــت‪ ،‬ويتناقــل‬ ‫الناشــطون أحــداث ســوريا عــى وســائل‬ ‫التواصــل االجتامعــي‪ ،‬ويف املقاهــي‪،‬‬ ‫وســهرات البعــض‪ ،‬وال حديــث إال مــا يفعله‬ ‫النظــام باملــدن الثائــرة‪ ،‬وتخلــف الرقــة عن‬ ‫املشــاركة‪ ،‬واســتعدادات مخابـرات النظــام‪،‬‬ ‫األمــن العســكري‪ ،‬الســيايس‪ ،‬أمــن الدولــة‪،‬‬ ‫والجويــة‪ ،‬واألمــن الداخــي‪ ،‬ومدنيــن‬ ‫فاعلــن يف شــعبة الريــف األوىل والثانيــة‬

‫وتــل أبيــض وحــوض الفــرات واملدينــة‪.‬‬ ‫وناشــطني يف اتحــاد الفالحــن والعــال ووو‬ ‫وكلهــم يســتعدون والنشــطاء يحــرون‬ ‫ليومهــم املوعــود‪.‬‬ ‫كان يومـاً رقاويـاً بامتيــاز‪ ،‬خــرج مــن جامع‬ ‫الفــواز يف شــارع تــل أبيــض عــدد مــن‬ ‫الشــبان‪ ،‬يصــل عددهــم إىل مئة وخمســن‪،‬‬ ‫أعامرهــم مــن الـــ‪ 16‬إىل الـــ‪ 25‬بينهــم بضع‬ ‫نســوة‪ ،‬طالبــات يف جامعــة الفـرات بالرقــة‪،‬‬ ‫تقدمــوا إىل مبنــى املجمــع الحكومــي‪،‬‬ ‫والــذي يبــدأ ببــاب مقــر األمــن الجــوي‪،‬‬ ‫وبــدأوا بإطــاق هتافـاً نــرة ألهــل درعــا‪،‬‬ ‫وتكبــرات عاليــة‪ ،‬ارتــج لوقعهــا املــكان‪:‬‬ ‫«ال إلــه إال اللــه وهــاي الرقــة هــا هــا‬ ‫هــا»‪ ،‬وغريهــا مــن الهتافــات التــي شــقت‬ ‫بعلوهــا مســامعنا‪ ،‬وأنــا أرقبهــم مــن زاويــة‬ ‫بيتــي يف نهايــة الشــارع‪ ،‬الجمــوع تتقــدم‬ ‫وتــزداد أعدادهــا‪ ،‬وأصبحــوا عنــد الســاحة‬ ‫بحــدود األلــف‪ ،‬والنســاء تزغــرد‪ ،‬وفــروع‬ ‫األمــن والشــبيحة بكامــل أســلحتهم‬ ‫ينتظــرون بحــذر وخــوف‪ .‬املتظاهــرون‬ ‫اســتعدوا بحجــارة يف أيديهــم وجيوبهــم‪،‬‬

‫واشــتبكوا عنــد الســاحة ببعــض الجريئــن‬ ‫مــن عنــارص األمــن والشــبيحة‪ ،‬وبــدأ يتعاىل‬ ‫الهتــاف‪ ،‬وحدثــت اشــتباكات‪ ،‬املشــهد‬ ‫مرعــب‪ ،‬أعقبــه إطــاق النــار فــوق رؤوس‬ ‫املتظاهريــن‪ ،‬ويف الهــواء‪ ،‬املتظاهــرون‬ ‫يهاجمــون عنــارص األمــن‪ ،‬يدخلــون البنــاء‪،‬‬ ‫ويعتلــون ســطح البوابــة‪ ،‬ويحتلــون‬ ‫مداخــل املجمــع‪ ،‬يُحــر عــدد مــن‬ ‫الشــباب ســلامً خشــبياً‪ ،‬يصعــد أحدهــم‪،‬‬ ‫ويبــدأ بتمزيــق صــورة بشــار األســد ورميها‪،‬‬ ‫حيــث يدوســها املتظاهــرون‪ ،‬إطــاق‬ ‫نــار يســتهدف الشــاب‪ ،‬رصاصــة غــادرة‬ ‫يف ظهــره‪ ،‬يحملــه زمــاؤه‪ ،‬ويرصخــون‬ ‫شــهيد‪ ،‬يحملونــه ويغــادرون املــكان بعــد‬ ‫أن امتــأ املــكان بضجيــج املتظاهريــن‪،‬‬ ‫واحتجاجاتهــم الســلمية‪ ،‬ســاحهم الوحيــد‬ ‫الحجــارة وحناجرهــم‪ ،‬وبهــم بــدأت‬ ‫سلســلة التظاهـرات يف الرقــة تأخــذ مســارا ً‬ ‫جديــدا ً‪ ..‬وكانــت بدايــة التطهــر والدخــول‬ ‫إىل معــرك ثــورة الحريــة والكرامــة‪..‬‬ ‫الشــاب مــا زال يف الرقــة‪ ،‬مقعــدا ً ال يغــادر‬ ‫فراشــه‬

‫كل نقطــة يف محيــط الدائــرة تظــل مشــدودة إىل‬ ‫مركزهــا (م) مهــا زاد طــول نصــف القطــر واتســع‬ ‫املحيط‪.‬‬ ‫مركــز الدائــرة يف الثــورة الســورية هــو شــعارها‬ ‫الجامــع‪« :‬ســوريا بدهــا حريــة»‪ ،‬ابتعــدت‬ ‫عنــه ذرات املحيــط نتيجــة التدخــات الدوليــة‬ ‫واإلقليميــة‪ ،‬وضيــاع البوصلــة الثوريــة لــدى بعــض‬ ‫الثــوار‪ ،‬وتضــارب مصالــح الكتائــب العســكرية‪،‬‬ ‫ومصــادر متويــل املــال الســيايس‪.‬‬ ‫ســتظل جــذوة الثــورة متقــدة حتـاً‪ ،‬ويعــود ألــق‬ ‫مشــكاتها حــن تصمــت قرقعــة الســاح‪ ،‬ويقــدم‬ ‫كل طــرف مــن األطـراف التــي ذكرناهــا آنفـاً جــردة‬ ‫حســاب لحاملــه االجتامعــي وداعمــه‪ ،‬وتجــري‬ ‫املوازنــة بــن الخســائر واألربــاح‪.‬‬ ‫إن الثــوار الحقيقيــن هــم وحدهــم مــن يقــدم‬ ‫نقــدا ً ذاتيـاً لتجربتــه‪ ،‬فيــا يكابــر اآلخــرون أعــداء‬ ‫الثــورة داخ ـاً وخارج ـاً أو متســلقوها مــن الثــوار‬ ‫الوهميــن املســتفيدين مــن عســكرة الثــورة‪،‬‬ ‫ولصــوص اإلغاثــة‪ ،‬ونجــوم املؤمتــرات فهــم إمــا‬ ‫مادحــاً أو ممدوحــاً‪.‬‬ ‫لقــد أبدعــت الثــورة يف خطواتهــا األوىل تنظيامتهــا‬ ‫املوســومة بالتنســيقيات الثوريــة‪ ،‬والتــي طــورت‬ ‫مــن أدواتهــا وشــعاراتها وأهازيجهــا‪ ،‬وجــاء‬ ‫الجيــش الحــر يف بداياتــه رفضــاً للســعار الــذي‬ ‫أصــاب النظــام وأجهزتــه القمعيــة وإيغالــه بدمــاء‬ ‫املتظاهريــن الســلميني‪ ،‬وكان الهــدف املعلــن مــن‬ ‫تأسيســه حاميــة املتظاهريــن مــن القتــل‪ ،‬قبــل‬ ‫أن يدخــل اإلفســاد الســيايس واملذهبــي باســم‬ ‫الديــن تــارة‪ ،‬وباســم املنــاورة السياســية‪ ،‬التــي‬

‫أدت الرتهــان مــن اعتــروا قــادة الثــورة وزعامئهــا‬ ‫للمخابــرات اإلقليميــة والدوليــة‪.‬‬ ‫لقــد كانــت الكارثــة تنــذر مبيلــه وتحييــده عــن‬ ‫أهــداف الثــورة‪ ،‬وإن بدرجــات قليلــة يف البدايــة‪،‬‬ ‫ومل يكــن الوعــي كافي ـاً لخطورتهــا‪ ،‬حيــث يــؤدي‬ ‫االنحــراف بجــزء صغــر مــن الدرجــة إىل افــراق‬ ‫بــن ضلعــي الزاويــة كلــا متــددا يف االفــق‪.‬‬ ‫فبــدالً مــن شــعار الشــعب الســوري واحــد‪ ،‬وصيحة‬ ‫الحريــة لــدى العــريب‪ ،‬تعانقهــا صيحــة آزادي لــدى‬ ‫الكــردي‪ ،‬بتنــا نســمع نغــاً نشــازا ً‪ ،‬يلعــب عــى‬ ‫وتــر الطائفيــة‪ ،‬والتعصــب القومــي إىل أن طــ ّوح‬ ‫هــذا املنطــق برايــة الثــورة جانبـاً لرتفــع بــدالً عنهــا‬ ‫رايــات مل نعهدهــا مــن قبــل‪ ،‬بــل غريبــة عــن‬ ‫ثقافتنــا الســورية األصيلــة بتدينهــا املتســامح‪ ،‬لقــد‬ ‫أصبحــت هــذه النعــرة هويــة وفريقــاً مســلحاً‪،‬‬ ‫واقتســم أرضـاً‪ ،‬ورفــع عليهــا رايــة‪ ،‬وانقــض أول مــا‬ ‫انقــض عــى شــباب الح ـراك الثــوري الذيــن لــوال‬ ‫صمودهــم األســطوري يف الســنة األوىل للثــورة ملــا‬ ‫كنــا أبرصنــا مثــل هــذه الوجــوه وهــذه الرايــات‪.‬‬ ‫إن عــودة الحــراك الثــوري اليــوم فاجــأ الجميــع‬ ‫املعارضــن قبــل أزالم النظــام وقبــل الــرويس‬ ‫واإليــراين‪ ،‬وهــذا مــا يفــر انقضــاض النظــام‬ ‫وحلفائــه والتكفرييــن مبختلــف فصائلهــم عــى‬ ‫الهدنــة رغــم هشاشــتها وعــدم جديتهــا‪ ،‬وأكــد‬ ‫حقيقــة أن شــعبنا الســوري متمســك بثورتــه إىل‬ ‫النهايــة‪ ،‬وأنــه ســيعيد لحمــة مــا انقطــع مــن أوارص‬ ‫بــن مكوناتــه‪ ،‬وأن نصــف قطــر الدائــرة ســتنقص‬ ‫منــه العوالــق الغريبــة التــي أدت إىل اغــراب‬ ‫الثــورة عــن عاملهــا‪ ،‬ليبقــى ملون ـاً بشــعار الحريــة‬ ‫الــذي هــو أقــر الخطــوط بــن محيــط الدائــرة‬ ‫واملركــز (م)‪.‬‬


‫الثورة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫مراجعــة وتقييــم فكــري لســنني الثــورة الخمــس‬

‫السورية‬

‫‪5‬‬

‫الحرملي‬

‫محمد صالح عويد‬ ‫يفح ضوعها‪ ،‬وينفجر ألجل‬ ‫الثورة مل ْ‬ ‫تحرير السامء من سلط ٍة مجهولة‪،‬‬ ‫وال ألجلِ تحديد الفرق ِة الناجية‬ ‫التي ستلجها دون غريها فهذا ليس‬ ‫يف حساباتنا‪ ،‬وال يضمن أحد من‬ ‫البرش بأحق ّية دخولها دونَ غريه‪،‬‬ ‫وهؤالء الذين يلهثون إلقناعِ طائف ٍة‪،‬‬ ‫واستدراجهم ليكونوا مطايا لهم لينالوا‬ ‫الدنيا وسلطتها‪ ،‬ليسوا سوى مرتزقة‬ ‫وخونة وأعداء علنيني لقضايا السامء‬ ‫ذاتها‪.‬‬ ‫كــا هــؤالء الذيــن انفلقــت عنهــم‬ ‫أمــواج غُثــاء الســيل ليج ِّدفــوا بإصــا ِح‬ ‫ذاك الخطــاب وفــق رؤيــة ارتزاقيــة‬ ‫رخيصــة تهــدف لحــرف التيّــار الجــارف‬ ‫للثــورة نحــو هاويــة الخــراب بح ّجــة‬ ‫اإلصــاح يجعجعــون ويتقيــأون بغــر‬ ‫أوانهــم كــا أنهــم ليســوا األكفــاء‬ ‫لولــو ِج هــذا البــاب واالجتهــا ِد‬ ‫بــ ِه ســوى انهــم ُمكلفــن مبهــات‬ ‫اســتخبارية وســخة لخلــق بلبلــة‬ ‫وتشــتيت وضوضــاء تخــدم أعــدا َء‬ ‫الفكــر والــراث والثقافــة الســائدة ‪-‬‬ ‫الثابتــة عــر التاريــخ ‪ -‬لغايــات وســخة‬ ‫ال تخفــى عــى ذي عقــلٍ ورؤيــة‬ ‫ناضجــة‪ ،‬كــا ال يخفــى علينــا بالبــل‬ ‫تلــك النع ـرات والدعــوات التــي تغ ـ ّرد‬ ‫بعيــدا ً عــن قيــم الســاء وخدمــة‬ ‫الديــن واألمــة‪.‬‬ ‫وهــؤالء الذيــن يتســكّعون باألزّقــة‬ ‫امل ُعتمــة ِخلسـ ًة ويتداولــون الدســائس‬ ‫ليــاً مــع أعــداء النهــار ليتناهبــوا‬ ‫األرض‪ ،‬وهــم ينتهكــون أبســط قيــم‬ ‫اإلنســان ووجــود ِه بغيّــة اللحــاق‬ ‫بركــب الفرصــة التــي الحــت مــن‬ ‫ِ‬ ‫خــال أفــق الثــورة بعــد أن لفظتهــم‬ ‫األرض والجبــال واملحيــط لســو ِء‬ ‫النوايــا والفعــل واملــآالت املقبلــة‪..‬‬ ‫يجــب عــى اإلنســان الســوري الثائــر‪،‬‬ ‫الطامــح للحريــة والتحريــر والكرامــة‬ ‫والنهــوض‪ ،‬أن يعــي أن جوهــر معركتنــا‬ ‫الحقيقيــة هــو التضامــن والرتاصــف‬ ‫واالتحــاد ألجــلِ تحريــر األرض‬ ‫واإلنســان الســوري‪ ،‬والســعي الــدؤوب‬ ‫مــن الجميــع لتحقيــق كرامتــه عــى‬ ‫أرضـ ِه وإكــال ســيادته عــى مقــدرات‬ ‫وطنــ ِه تلــك التــي فقدناهــا جميعــاً‬ ‫مــن عقــود االســتبداد البغيــض الــذي‬ ‫مل يوفــر أحــدا ً مــن طغيانــ ِه‪.‬‬ ‫ثورتنــا التــي انفجــرت بوجــه العــامل‬ ‫واالســتبداد هــي حــرب إثبــات‬ ‫وجــود‪ ،‬وليســت معركــة عابــرة‬ ‫لنختــار أولوياتهــا‪ ،‬وتتميّــز كل فئــة‬ ‫وتصطــاد مــا يحلــو لهــا مــن طرائــد‬ ‫أحــام اليقظــة ‪ ،‬والفرائــس الرخيصــة‬

‫أعيدوني إىل بلدي‪!..‬‬

‫املســمومة إلشــكالية الزمــان واملــكان‬ ‫واالســراتيجية القــارصة عــن فهــم‬ ‫حركــة التاريــخ ودروســ ِه‪.‬‬ ‫معاركنــا الطاحنــة تــدور رحاهــا بــن‬ ‫إخفــاقٍ ‪ ،‬وخــران وعــرات طبيعيــة‬ ‫متــ ّر بهــا أي ثــورة حقيقيــة تحــاول‬ ‫قلــب تربــة متكلّســة‪ ،‬وتجتــث‬ ‫وتقتلــع جــذور االســتبداد الغارقــة يف‬ ‫قعــر جحيمنــا األســود‪ ،‬وبــن طمــو ٍح‬ ‫ـئ وإن تهافتــت‬ ‫النتصــار قــادم‪ ،‬ال ينكفـ ُ‬ ‫علينــا األمــم الوضيعــة لقه ـ ِر أرواحنــا‬ ‫ومرشوعنــا اإلنســاين الناجــز والناجــع‬ ‫واملنشــود‪ ،‬فقضايــا إثبــات الوجــود‬ ‫واختطافــه مــن أشــداق الوحــوش‬ ‫ـدب وصــوب‬ ‫املرتبِّصــة بنــا مــن كل حـ ٍ‬ ‫ليــس ّإل مســأل ُة ص ـ ٍر ويق ـنٍ‪ ،‬ووقــتٍ‬ ‫تســتدعيه ظــروف وإشــكاليات هــذا‬ ‫االســتبداد النــارش جــذوره وامل ُمســكة‬ ‫خيوطـ ِه مــن الداخــل والخــارج بشــكل‬ ‫ســوريايل مخيــف وقــذر‪.‬‬ ‫كــا أن قضايــا ال ـراع ألجــل الوجــود‬ ‫اإلنســاين دامئـاً تنتهــي لصالــح اإلنســان‪،‬‬ ‫وحياتــه وحريتــه وكرامتــ ِه والقضايــا‬ ‫الشــائكة التــي يحاولــون إدخالنــا يف‬ ‫دوامتهــا ألجــل اختطــاف الســاء‪،‬‬ ‫وإثبــات حقــوق ضيّقــة‪ ،‬هــي معــارك‬ ‫الواهمــن الحاملــن بالنيــلِ مــن إرصارنا‪،‬‬ ‫وعزميــة أطفالنــا الذيــن أنشــبوا‬ ‫أظفارهــم بوجــ ِه وعيــون االســتبداد‪،‬‬ ‫وهــم اآلن بعــد ســنني صــاروا رجــاالً‪،‬‬ ‫وســيتابعون معركتهــم الطفوليــة التــي‬ ‫أشــعلوها بعبـ ِ‬ ‫ـث الطفولــة‪ ،‬ولكــن هذه‬ ‫املـ ّرة كرجــا ٍل مســؤولني وعارفــن حجم‬ ‫مــا يتطلبــه النــر مبعركــة املصــر مــن‬ ‫تضحيــات وفــروض وواجبــات‪..‬‬ ‫ومــن يتخيّــل أنــه سيســتطيع حــرف‬ ‫قافلــة الثــورة بفتــح معــارك اختطــاف‬ ‫الســاء‪ ،‬ونيــل رضاهــا املزعــوم ‪-‬‬ ‫املكــذوب ‪ -‬فهــو واهــم ومكشــوف‬ ‫ألصغــر أطفالنــا الذيــن تعيــش الثــورة‬ ‫يف دواخلهــم الغضّ ــة بصــدقٍ ويقــن‪.‬‬ ‫لنكســب معركتنــا ألجــل الحيــاة ويف‬ ‫ســبيل األرض ‪ -‬الوطــن ‪ -‬يجــب أن‬ ‫نقاتــل بالكلمــة والفكــرة اإلبداعيــة‬ ‫وبالسياســة الحصيفــة واملوقــف النبيــل‬

‫الراقــي وبالبندقيــة واملدفــع‪ ،‬ويجــب‬ ‫أن تكــون صفوفنــا م ّوحــدة تتجــاوز‬ ‫اله ّنــات‪ ،‬وتصلــح بعضهــا البعــض‬ ‫بــروح عاليــة وبرحابــة صــدور تفيــض‬ ‫مــو ّدة ومحبــة ووئــام‪ ،‬حينهــا ســربح‬ ‫معاركنــا األرضيــة وننــال رضــا الســاء‪،‬‬ ‫ونرتــع يف حقولهــا‪ ،‬كــا ســرتع الــورود‬ ‫والســنابل بحقولنــا املرويّــة بدمــاء‬ ‫الشــهداء واملعطّــرة بأنــن املعتقــات‬ ‫واملعتقلــن‪.‬‬ ‫هــل آن للســوريني الذيــن تعلقــوا‬ ‫تعلقــا تناحريــاً ‪ -‬مرضيــاً ‪ -‬مفاجئــاً‬ ‫بالتاريــخ‪ ،‬وأهملــوا الجغرافيــا‬ ‫والهويــة الوطنيّــة حــد الجحــود‬ ‫والكراهيــة‪ ،‬وتعامــل البعــث مــع‬ ‫ســوريا «الجغرافيــا»‪ ،‬وكأنهــم ضيــوف‬ ‫فيهــا‪ ،‬وعليهــم أن يعــودوا إىل وطنهــم‬ ‫الحقيقــي «التاريــخ» العــريب بعثيــاً‪،‬‬ ‫والراشــدي إســاموياً عــى اختــاف‬ ‫التســميات‪ ،‬وكالهــا وجــه مــن وجهي‬ ‫العملــة التاريخيــة‪ ،‬التــي تحفــل‬ ‫بطلــب الثــارات املتعفنــة والتــي تنــوء‬ ‫بهــا ثورتنــا اآلن‪ ،‬ويُزيــد مــن ترشذمنــا‬ ‫أمــام امل ُعضلــة األكــر واألكــر أهميــة‪.‬‬ ‫الســؤال هــو‪ :‬هــل آن األوان لتأخــر‬ ‫إشــكالية فهــم وتحقيــق التاريــخ‬ ‫بعــض الوقــت ملرحلــة الحقــة نلت ِق ـ ُط‬ ‫أنفاســنا‪ ،‬حتــى يتســ ّنى لنــا تثبيــت‬

‫أوتــاد الجغرافيــة والهويــة الوطنيّــة‬ ‫أوالً بوجــه االحتــاالت املرتبصــة بنــا ‪/‬‬ ‫صهيونيــة ‪ -‬فارســية ‪ -‬دوليــة‪ /‬فمعاركنا‬ ‫الهزيلــة لتثبيــت الحــق التاريخــي‬ ‫واملرجعيّــة دون احــرام الوطــن‬ ‫واإلنســان مل تجلــب لنــا إال الكــوارث‪،‬‬ ‫كــا أن االهتــام والبحــث بإخــاص‬ ‫وتواضــع يف أمـراض الجغرافيــا الالصقــة‬ ‫بنــا هــو مــا ســيأخذ بيــد الوطــن‬ ‫وأقدامنــا نحــو شــاطئ األمــان!!!‬ ‫الســؤال الثــاين البديهــي الــذي يصفــع‬ ‫بعــض مــن ينتمــون لســورية األرض‪:‬‬ ‫هــل كان األكـراد وســيكون هــذا ديدن‬ ‫العلويــن بعــد مــا تــ ّم ارتكابــه مــن‬

‫وحشــية وبيــع للوطــن ألجــل حكــم‬ ‫طائفــي ‪ -‬اســتبدادي ‪ -‬قــذر وأخــى‬ ‫مــن ظهــور آخريــن صامتــن حتــى‬ ‫الســاعة بانتظــار اإلرادات والرِهانــات‬ ‫الدوليــة وخططهــا‪ ،‬يطالبــون‬ ‫بالفيدراليــة واالســتقالل والهويــة‬ ‫املعاديــة ألهلهــم الســوريني قبــل قفــز‬ ‫حــزب البعــث إىل الحكــم‪ ،‬ومعاداتــه‬ ‫لــكل املكونــات الســورية مــن كــرد‬ ‫وتركــان‪ ،‬ورشكــس ومســيحيني‬ ‫بطوائفهــم ومذاهــب إســامية ال‬ ‫تنســجم مــع العقــل البعثــي الضيــق؟!‬ ‫لــن يكــون لنــا عــ ٌّز وارتقــاء بــا‬ ‫ٍ‬ ‫أرض حــ ّرة نكــون أســيادها وحرســها‬ ‫وعاملهــا بالحــق والعمــل‪ ،‬فقــد أخربنــا‬ ‫العقـ ُـل واألديــان والتاريــخ بــأن األ ِذ ّل َء‬ ‫ِ‬ ‫بــاألرض‪ ،‬أ ِذ ّلء غــدا ً يف الســاء‪..‬‬ ‫واالرتقــاء يف األوىل بالحــق والعــدل‬ ‫هــم أصحــاب اآلخــر ِة وفائزيهــا‬ ‫األوائــل‪ ،‬وحدنــا األيتــام عــى ِ‬ ‫أرض‬ ‫ُ‬ ‫الوطــن وأبنــاء ثورتهــا املنبوذيــن مــن‬ ‫كل ذي غايــة ال يكرهــون أحــد‪ ..‬قتلنــا‬ ‫اليُتـ ُم والنخــوة وال ُنبـ ُـل‪ ،‬ولكــن ســتكون‬ ‫الغلبـ ُة لنــا‪ ،‬وإن تأخــر الحسـ ُم فغربال‬ ‫ـمس الحــق ال يُبقــي عــى‬ ‫الثــورة‪ ،‬وشـ ُ‬ ‫زؤانٍ وال حــى وال أشــواك‪ ..‬وحدهــم‬ ‫األيتــام والثــكاىل منتــرون بعزمهــم‬ ‫ويقينهــم حتــى لــو مل يقــف معنــا عــى‬ ‫الضفــة ســوى أمثالنــا ممــن لفظتهــم‬ ‫تداعيــات املصالــح وتقاطعــات غايــات‬ ‫الشــياطني‪.‬‬ ‫حــن نتغنــى مبجــد هــذه الثــورة‪،‬‬ ‫فنحــن نتغنــى مبــا تحملــه مــن رمــوز‬ ‫إنســانية ســامية ســعى إليهــا اإلنســان‬ ‫منــذ وجــوده عــى هــذه االرض‪ .‬ال‬ ‫يعنينــا تجــار السياســة وأمـراء الحــرب‬ ‫يف يشء‪ .‬هــؤالء كلهــم بالنســبة لنــا‬ ‫جــزء ال يتجــزأ مــن الظلــم الثــي ثرنــا‬ ‫عليــه‪ ،‬ونحــن عــى قناعــة عميقــة‬ ‫بــأن هــذا الشــعب العظيــم ســيجد‬ ‫الوســائل للتخلــص مــن كل هــذه‬ ‫األلغــام التــي زرعهــا النظــام بيننــا‪.‬‬ ‫حــن ترانــا نتغنــى مبجــد هــذه‬ ‫الثــورة‪ ،‬فهــذا مبــا يحملــه هــذا‬ ‫الشــعب العظيــم مــن تــوق لالنعتــاق‬ ‫مــن الظلــم ومبــا نحملــه يف عقولنــا‬ ‫وأحالمنــا مــن رغبــة يف العــدل والخــر‬ ‫والحريــة‪.‬‬ ‫مــا ثرنــا مــن أجلــه ال يختلــف يف صلبــه‬ ‫عــن األهــداف الســامية التــي ناضــل‬ ‫مــن أجلهــا أي ثائــر يســاري حــر‪ ،‬وال‬ ‫تلــك التــي يؤمــن بهــا أي إســامي‬ ‫معتــدل تقــي خـ ّـر‪.‬‬ ‫نحــن مــع الثــورة أقويــاء ألننــا مالئكــة‬ ‫الخــر بقــدر مــا نحــن جنــودا ً للحريــة‪.‬‬

‫يوسف دعيس‬ ‫«أريــد أن أعــود إىل بلــدي‪ ..‬ال أريــد إعاناتكــم‪ ..‬لــن أســتجدي‬ ‫أحــداً‪ ..‬أعيــدوين إىل بلــدي»‪.‬‬ ‫رمبــا صــارت هــذه العبــارات الحديــث األكــر شــيوعاً بــن أهــل‬ ‫الرقــة يف مدينــة شــانيل أورفــا الرتكيــة عــى وجــه الخصــوص‪ ،‬ورمبــا‬ ‫جــاءت نتيجــة املــرارة التــي يعيشــونها‪ ،‬وهــم يــرون أصحابهــم‬ ‫وأبنــاء جلدتهــم مــن ســكان أحيــاء حيــايت ح ـران‪ ،‬وأيــوب كنــت‪،‬‬ ‫واأليوبيــة‪ ،‬وبوغــار بــايش‪ ،‬والســليامنية‪ ،‬يحصلــون عــى ســال‬ ‫اإلغاثــة املتتابعــة‪ ،‬والخبــز‪ ،‬والتمــر‪ ،‬والحطــب‪ ،‬والفحــم‪ ،‬وبطاقــات‬ ‫املــول‪ ،‬وآخرهــا اإلعانــات املاليــة‪ ،‬وهــم ال يحصلــون عــى يشء يُذكــر‬ ‫ملجــرد أنهــم اختــاروا الســكن يف أحيــاء راقيــة أو حديثــة‪ ،‬كــا‬ ‫أصطلــح عــى تســميتها مــن قبــل املنظــات اإلنســانية التــي تســاعد‬ ‫الســوريني‪.‬‬ ‫يقــول أحــد الالجئــن مــن ســكان حيــايت ح ـران‪ :‬أحصــل عــى س ـلّة‬ ‫غذائيــة كل أســبوع‪ ،‬وحصلــت عــى بطاقــة مــول لــكل شــخص مــن‬ ‫األرسة بواقــع ‪ 50‬لــرة تركيــة‪ ،‬وأخ ـرا ً حصلــت عــى ‪ 580‬لــرة مــن‬ ‫الهــال األحمــر‪.‬‬ ‫أحــد موظفــي منظمــة عطــاء‪ ،‬يقــول‪ :‬أتريدنــا أن نســتهدف ســكان‬ ‫قــره كوبــري ونــرك ســكان أيــوب كنــت؟‬ ‫مواطــن مــن الرقــة‪ ،‬يقــول‪ :‬ليــس مــن املعقــول أن تنهال املســاعدات‬ ‫عــى أشــخاص بعينهــم وتســتثني اآلخريــن‪ ،‬صدقنــي أن أكــر مــن‬ ‫‪ 60%‬مــن أبنــاء الرقــة ال يحصلــون عــى أيــة مســاعدة‪ ،‬وهنــاك‬ ‫باملقابــل مــن وصــل إىل درجــة اإلشــباع‪ ،‬وصــار يبيــع الفائــض مــن‬ ‫مــواد املســاعدات؟‬ ‫تغيــب عــن املنظــات اإلغاثيــة التــي تســاعد الســوريني البيانــات‬ ‫املوحــدة لالجئــن الســوريني‪ ،‬وتغيــب القاعــدة األساســية يف‬ ‫اســتهداف الالجئــن‪ ،‬والتــي تعتمــد مبــدأ املســاواة وليــس العدالــة‪،‬‬ ‫فرمبــا يوجــد يف أورفــا أشــخاص ميســورون قــد خرجــوا مبدخراتهــم‬ ‫مــن الرقــة‪ ،‬وتجــاوزت مــدة مكوثهــم هنــا أكــر مــن أربــع ســنوات‪،‬‬ ‫اســتهلكوا فيهــا مــا ادخــروه‪ ،‬واســتعانوا بأهلهــم وأصدقائهــم‬ ‫املقيمــن يف دول الخليــج والــدول الغربيــة‪ ،‬وأصبــح حالهــم كحــال‬ ‫مــن خــرج خــايل الوفــاض مــن الرقــة‪.‬‬ ‫وأيضــاً تغيــب الشــفافية عــن عمــل هــذه املنظــات‪ ،‬فهــم ال‬ ‫يعرضــون أعاملهــم أمــام الــرأي العــام‪ ،‬وال يوضحــون طرائــق‬ ‫اســتهداف الالجئــن‪ ،‬ورمبــا أيض ـاً يشــوب أعاملهــم االنحيــاز لجهــة‬ ‫مــا‪ ،‬ومنطقــة مــا‪ ،‬ورمبــا أيضـاً وهــو األهــم أنهــم ال يقـ ّدرون معنــى‬ ‫األمانــة التــي يحملونهــا عــى أعناقهــم‪.‬‬ ‫أخ ـرا ً ليــس مــن الالئــق أن تحــدد عمليــة الكشــف التــي يجريهــا‬ ‫فريــق االســتقصاء ملنظمــة مــا عــى بيــوت الالجئــن مــدى احتياجــه‬ ‫قياس ـاً ملــا ميلــك مــن أدوات أو ســتائر أو ســجاد‪ ،‬رمبــا قــد جــاءت‬ ‫لهــذا الشــخص هديــة مــن أحــد األصدقــاء‪ ،‬أو رمبــا جاءتــه هبــة مــن‬ ‫أحــد الجــوار األتـراك‪.‬‬ ‫وحتــى ال تتحــول أحــوال الســوريني أمــام هــذا التهميــش إىل ثــورة‬ ‫جيــاع‪ ،‬نأمــل أن تعــود املنظــات اإلنســانية إىل رشــدها‪ ،‬ويكونــوا‬ ‫عــى قــدر عــا ٍل مــن املســؤولية األخالقيــة‪ ،‬أمــام أنفســهم أوالً‪ ،‬ثــم‬ ‫أمــام أهلهــم مــن الســوريني‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫الثورة‬

‫عبـد العظيـم إسـماعيـل‬

‫‪1‬‬ ‫يحــل العــام الخامــس للثــورة الســورية‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫رؤيــة واضحــة إالّ للمــوت والدمــار‪ ،‬نلــج إىل‬ ‫العــام الخامــس يف نفــق شــديد الظلمــة وعــر‬ ‫املســالك وال بصيــص أمــل إالّ بالترصيحــات‬ ‫الجوفــاء التــي أشــبه مــا تكــون بســحابة‬ ‫صيــف غــر ممطــرة‪ ،‬بــل عــى العكــس ازدادت‬ ‫ح ـ ّدة التدمــر املمنهــج‪ ،‬وإتبــاع سياســة األرض‬ ‫املحروقــة بعــد أن عجــزت الســلطة الغاشــمة‬ ‫الظاملــة عــن حســم األمــر‪ ،‬ففتحــت أبــواب‬ ‫الوطــن عــى مصارعــه لــكل شــذّاذ األفــاق‬ ‫وزنــاة الليــل‪ ،‬وأصحــاب الشــعارات البغيضــة‬ ‫مــن كافــة امللــل والنحــل‪ ،‬وأصحــاب مفاتيــح‬ ‫الجنــة‪ ،‬وصكــوك الغفــران‪ ،‬وأتبــاع شــعارات‬ ‫املامنعــة وصواريــخ املقاومــة‪ ،‬التــي يبــدو‬ ‫أن بوصلتهــا ُوضعــت باملقلــوب فأضاعــت‬ ‫الطريــق!‬ ‫‪2‬‬ ‫ســنوات خمــس عجــاف تقبــل‪ ،‬ليتحــ ّول‬ ‫أبنــاؤك يــا وطــن إىل األخــوة األعــداء؛ الذيــن‬ ‫كانــوا ي ّدعــون األخــوة ويتب ّجحــون بالشــعارات‬

‫السورية‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫الثورة الفاضحة‬ ‫الزائفــة‪ .‬كــم أنــت كبــر أيهــا الوطــن حتــى‬ ‫اســتطعت أن تلــ ّم شــتات كل هــذه الفئــات‬ ‫عــى مختلــف مشــاربها! لكــن‪ ،‬باملقابــل‪ ،‬كــم‬ ‫أنــت طيــب القلــب تحــاول أن تجمــع كل‬ ‫أبنائــك رغــم كل خطاياهــم فــوق أرض دنســوا‬ ‫طهرهــا‪ ،‬وســاء انتهكــوا حرماتهــا! ورغــم‬ ‫أنــك ال زلــت تتلقّــى الطعنــات مــن أبنائــك‬ ‫الجاحديــن‪ ،‬تحــاول أن تلــ ّم شــعثهم وتنــى‬ ‫جراحاتــك‪ ،‬وتغمــض عينيــك عــن نقائصهــم من‬ ‫أجــل إصالحهــم‪ .‬مــا أعظمــك يــا وطــن! ملــاذا‬ ‫ال يكــون مــن ي ّدعــي الوطنيــة ابن ـاً بــا ّرا ً ألبيــه‬ ‫الــذي أنشــأه عــى حــب الوطــن كــا ي ّدعــي‪،‬‬ ‫ومطي ًعــا لتعاليمــه وحكمتــه؟ أمل يقــل‪« :‬قوتــان‬ ‫ال تقهــران؛ قــ ّوة اللــه‪ ،‬وقــ ّوة الشــعب»؟‬ ‫‪3‬‬ ‫الســبحة قــد انفرطــت‪ ،‬وتناثــرت‬ ‫يبــدو أن ُّ‬ ‫حباتهــا يف مختلــف الجهــات‪ ،‬ويبــدو مــن‬ ‫الصعــب أن تعــود كــا كانــت‪ ،‬عــى األقــل‬ ‫يف املــدى املنظــور‪ .‬لقــد تقاســمت أبنــاؤك‬ ‫أمــم األرض يف جهاتهــا األربــع‪ ،‬كــا كان‬ ‫للبحــار نصيــب منهــم‪ ،‬ناهيــك عــن القبــور‬

‫املغلقــة املتحركــة‪ ،‬والضبــاع مبختلــف ألوانهــا‬ ‫وأحجامهــا البرشيــة والحيوانيــة‪ ،‬فهــم عــى‬ ‫ح ـ ٍّد ســواء‪ .‬افــرح يــا وطنــي‪ ،‬يــا مــن كانــت‬ ‫لــكل أشــقائك‪ ،‬وبيــوت‬ ‫حــدودك مفتوحــة ّ‬ ‫رشعــة األبــواب بــا قيــود‪ ،‬افــرح‪..‬‬ ‫أبنائــك م ّ‬ ‫يــا أمــة عربيــة واحــدة! لقــد ر ّد أشــقاؤك لــك‬ ‫الجميــل بأجمــل منــه؛ فأغلقــوا حدودهــم‬ ‫بوجــه أبنائــك وض ّيقــوا عــى مــن عندهــم‬ ‫مبختلــف الحجــج الواهيــة‪ ،‬وأخرجــوا مــن كان‬ ‫مريضـاً يف مشــافيهم‪ ،‬وتســارع أصحــاب اللحــى‬ ‫النجســة بإصــدار الفتــاوى باســتباحة حرائــرك‬ ‫بفتــاوى عــى حســب طــول اللحيــة وحجــم‬ ‫الكــرش‪ ،‬والقــدرة الجنســية‪ ،‬فمثــل هــؤالء ال‬ ‫يعرفــون مــن دينهــم إالّ «مثنــى وثــاث وربــاع»‬ ‫يجتزئــون مــن الديــن مــا يناســب دناءتهــم‪،‬‬ ‫والديــن الســمح بــراء منهــم‪ ،‬يســتغلون‬ ‫ظروفهــن‪ ،‬بــدالً مــن األخــذ بيدهــن وصــون‬ ‫كرامتهــن‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫واملحــرة؟ هــل‬ ‫مــا أكــر التســاؤالت املؤملــة‬ ‫ّ‬ ‫حقّقــت الثــورات اآلمــال واملطامــح التــي مــن‬

‫أجلهــا قُ ّدمــت التضحيــات الجســام؟ لألســف! ربيع ـاً أخــر؟‬ ‫هنــاك مــن امتطاهــا واســتغل دمــاء شــهدائها؛‬ ‫‪5‬‬ ‫العبــون انتهازيــون اتخذوهــا شــعارا ً ملصالحهــم‬ ‫الضيقــة أو ألجنــدات مشــبوهة‪ .‬وكأن الثــورات قيــل‪ :‬الثــورة يخطّــط لهــا املفكــرون‪ ،‬ويقــوم‬ ‫ال ت ـزال يف مرحلــة املخــاض! لكــن‪ ..‬إىل متــى؟ بهــا الشــجعان‪ ،‬ويجنــي مثارهــا االنتهازيــون‪...‬‬ ‫وإىل كــم ســتحتاج األرض مــن دمــاء لينبــت وال ن ـزال بانتظــار الربيــع املوعــود‪.‬‬

‫وعي الضحية (‪)2‬‬ ‫المغيرة الهويدي‬ ‫ ماذا يجب أن نفعل يك النصري قتلة؟‬‫لنحــاول أن نخــرج مــن التص ـ ّور العــام الــذي‬ ‫رســخ يف أذهاننــا عــن الضح ّيــة‪ ،‬ولنفكّــر‬ ‫ربــا علينــا أ ّوال أن نتســاءل‪ :‬ملــاذا نحــن‬ ‫قليـ ًـا‪ّ .‬‬ ‫ضحايــا؟ ومنــذ متــى نحــن ضحايــا؟‬ ‫نحــن ضحايــا منــذ زمــن بعيــد‪ ،‬رضعنــا‬ ‫الخــوف مــع حليــب األ ّمهــات اللــوايت كــن‬ ‫ـن كلّــا مـ ّرت ســيارة أمــن‪ ،‬أو‬ ‫يتحســس قلوبهـ ّ‬ ‫عــا صــوت أحدنــا معرتضــاً أو متذ ّمــرا ً‪.‬‬ ‫نحــن ضحايــا منــذ أن أصبحــت البــاد مزرعــة‬ ‫خاصــة تــدار بيــد ثل ـ ٍة مــن الطغــاة‪ ،‬ولســت‬ ‫ّ‬ ‫أقــول طاغيــة واح ـ ًدا‪.‬‬ ‫منــذ أن ارتفــع ســور البــاد لتصبــح ســج ًنا‬ ‫كب ـرا ً وتشــجرت املعتقــات‪ ،‬وصــارت الحريّــة‬ ‫لــكل مــن تســ ّول لــه نفســه‬ ‫تهمــ ًة جاهــزة ّ‬ ‫التفكــر بعــامل أجمــل بــا أســوار وأقبيــة‬ ‫تعذيــب‪ .‬منــذ أن أصبــح األخ عــد ًوا نخشــاه‬ ‫إذا شــ ّط بنــا الحديــث إىل عــامل أفضــل‪ .‬مــن‬ ‫أن أصبحــت اليــد العليــا هــي اليــد صاحبــة‬ ‫الخــ ّط الناعــم يف كتابــة التقاريــر املدفوعــة‬ ‫ســلفًا وتلــك املســحوبة بالذهــب واملــال وتنــك‬ ‫الجــن والهدايــا‪.‬‬ ‫نحــن ضحايــا منــذ أن صــارت الحريّــة هدف ـاً‬ ‫نــردده يف املــدارس‪ ،‬نكتبــه عــى واجهــات‬ ‫الدوائــر الرســميّة مؤط ـرا ً بدوائــر ال متناهيــة‬ ‫مــن أحــام رث ّــة وأمنيــات‪ .‬وأيضــاً منــذ أن‬ ‫أصبحــت الحريّــة غايـ ًة فقــط للكثــر‪ ،‬ومل تكــن‬ ‫هــي الوســيلة أيض ـاً‪.‬‬ ‫نحــن ضحايــا منــذ أن أصبــح الســاكت عــن‬ ‫الحــق فهلويًــا‪ ،‬والســارق أمينــاً عــى املــال‬ ‫حرســا للحــدود‪ ،‬والقاتــل‬ ‫العــام‪ ،‬واملهربــن ً‬ ‫قاضيــاً‪ ،‬والجــاد حاكــاً‪ ،‬واملثقّــف بوقــاً‪،‬‬ ‫والشــاعر بائــع كالم رديء كقطــن ألبســة‬ ‫رسة الحبيبــة‪.‬‬ ‫داخليــة تتجمــع يف ّ‬ ‫منــذ أن أصبحــت الجرائــد والصحــف تهتــف‬ ‫لحريــة غائبــة وتحتفــل بخــر جرميــة ســطو‬ ‫عــى خــ ّم دجــاج‪ ،‬ومنــذ أن أصبــح كلــب‬ ‫األمــر أمـ ًرا‪ ،‬ومنــذ أن أصبــح املواطنــون بنظــر‬ ‫كلــب األمــر كالب ـاً ســوق ّية‪.‬‬ ‫نحــن ضحايــا منــذ أن أصبــح املقتــول ســاذ ًجا‪،‬‬

‫والرشيــف غب ًيــا‪ ،‬واألمــن مســكيناً‪ ،‬والط ّيــب‬ ‫مجنونًا‪..‬منــذ أن أصبــح الــريء متهــاً حتــى‬ ‫يثبــت العكــس‪ ..‬وكيــف ميكــن أن نثبــت‬ ‫العكــس يف بــا ٍد كانــت ترانــا تهـاً تســر عــى‬ ‫أقــدامٍ متو ّرمــة؟‬ ‫نحــن ضحايــا ألســنة رجــال الديــن التــي كانت‬ ‫تلهــج بالدعــاء لــويل األمــر‪ ،‬ضحايــا أكفّهــم‬ ‫التــي كانــت تــرق ل ـرات املواطــن البائــس‬ ‫مــن مــزارات األوليــاء لتبنــي قصــو ًرا فــوق‬ ‫أجســاد الصالحــن مــن البســطاء والفقــراء‪.‬‬ ‫نحــن ضحايــا الجهــل والتخلــف واملــرض‬ ‫والفقــر والقمــع والكبــت و‪......‬‬ ‫نحــن ضحايــا منــذ زمــن بعيــد‪ ،‬أبعــد مــن‬ ‫الســنوات األخــرة‪ .‬ومــا حــدث بعــد ذلــك أننا‬ ‫ازددنــا وضو ًحــا تحــت شــمس املأســاة‪ .‬الصوت‬ ‫الــذي ارتفــع رافضً ــا الظلــم والطغيــان كان‬ ‫واعيـاً لحقيقــة أنّــه ضحيّــة‪ ،‬وأن مــن حقــه أن‬ ‫يرفــع الظلــم عــن نفســه‪ ،‬وهــذا مــا حــدث‬ ‫فعــاً‪ .‬عندمــا بــدأت االصــوات تتعــاىل يف‬ ‫موجــة أشــبه بال ـراخ املتواصــل لتعلــو فــوق‬ ‫أزيــز الرصــاص الــذي انطلــق عبثي ـاً مدفو ًعــا‬

‫برغبــة إســكات تلــك الحناجــر‪ .‬ثــم وجــد أن‬ ‫ذلــك متعــذرأ‪ ،‬فــراح يبتــدع أســاليب قمــع‬ ‫ليقــي عليــه نهائ ًيــا‪.‬‬ ‫كلنــا يعــرف مــا حــدث‪ .‬ولكننــا ولســبب‬ ‫غامــض ميكننــي أن أرده إلحساســنا بالعجــز‪،‬‬ ‫رسعــان مــا بــدأ الكثــر يقفــز ســابحاً إىل ضفــة‬ ‫القتلــة‪ .‬منجذبــاً بإغــراءات القــ ّوة والبطــش‪.‬‬ ‫وبقــي القابــض عــى مبدئــه وحقــه يف الحيــاة‬ ‫الحــ ّرة الكرميــة كالقابــض عــى الجمــر‪.‬‬ ‫إ ّمــا أن تصــر قات ـاً مأجــورا ً أو تصــر ضح ّيــة‬ ‫جاهلــة يتفنــن العــامل بتقدميهــا كضحيــة‬ ‫تســتحق القتــل‪ .‬وال يشء يغــري فيهــا ســوى‬ ‫القــدرة عــى تشــكيلها مبــا يتناســب وشــكل‬ ‫كل طــرف‪ .‬صــارت‬ ‫الحربــة التــي يرفعهــا ّ‬ ‫الثــورة يف نظــر الكثــر حرابًــا وحروب ـاً‪ ،‬وصــار‬ ‫الحلــم كلّــه مقت ـرا ً عــى رغبتنــا يف الهــروب‬ ‫والفـرار مــن جحيــم ال أملــك أنــا وال أي واحــد‬ ‫منــا أن يوقفــه‪ .‬رصنــا ضحايــا معروضــة للبيــع‬ ‫يف مســلخ عاملــي للبيــع بأســعا ٍر زهيــدة مقابل‬ ‫اســتثام ٍر دينء لحقوقنــا بوصفنــا ضحايــا‪.‬‬ ‫مــن املســؤول؟ مــن الســهل جــدا ً أن نقــول يف‬

‫ـن‬ ‫حالتنــا‪ :‬إ ّن نظــام األســد هــو املســؤول‪ ،‬لكـ ّ‬ ‫الحقيقــة أبعــد مــن ذلــك‪ .‬يرفــض الكثــر‬ ‫منــا االبتعــاد أكــر مــن ذلــك ‪ .‬ومــر ّد ذلــك‬ ‫ِ‬ ‫أكتــف‬ ‫هــو الخــوف مــن الســؤال‪ :‬ملــاذا مل‬ ‫بــأن أكــون ضحيــة تحلــم برفــع الظلــم عنهــا‪،‬‬ ‫بــدالً مــن أن تنتقــل إىل صفــوف القتلــة؟ وأل ّن‬ ‫الخيــار الثــاين هــو األســهل فالكثــر م ّنــا سـ ّوغ‬ ‫وبــرر هــذا االنتقــال بدافــع االنتقــام والتشـفّي‬ ‫ال بدافــع العــدل واإلنصــاف‪ .‬وشــتّان بــن‬ ‫االنتقــام ور ّد الظلــم‪.‬‬ ‫مــن املســؤول عــن تحويــل الضحيــة إىل‬ ‫قاتــل؟ هــذا الســؤال الوحيــد الــذي ال تعنينــي‬ ‫أول‪ ،‬لســبب‬ ‫اإلجابــة التــي ســتقفز إىل الذهــن ً‬ ‫ٍ‬ ‫بســيط جــدا ً ميكــن تلخيصــه بالقــول إن‬ ‫معرفتــي هــذه ال تق ـ ّدم وال تؤ ّخــر يف حقيقــة‬ ‫مــا حــدث‪.‬‬ ‫ولكــن‪ ،‬لنــرد باختصــا ٍر موج ـ ٍز مــاذا حــدث‬ ‫عندمــا تحــول الكثــر‪ -‬ال أقصــد التعميــم‪ -‬إىل‬ ‫قتلــة‪ .‬أصبحــت معارضتنــا تابعـ ًة منقــاد ًة أليـ ٍـد‬ ‫أكــر مــن أيــدي األخطبــوط‪ ،‬أصبــح مثقفونــا‬ ‫أبواق ـاً تهلــل لــكل قاتــلٍ مأجــور‪ ،‬مــا عــادت‬

‫نخبتنــا قــادر ًة عــى التمييــز بــن خطــاب‬ ‫التجييــش وصيحــات الثــأر والشــتم والســباب‬ ‫وخطــاب التوعيــة والتحفيــز والبحــث عــن‬ ‫صيــغٍ ورؤى جديــدة‪ .‬وبــا وعــي وجــد‬ ‫املظلــوم نفســه يحمــل ســيفًا وبــدالً مــن‬ ‫رفعــه فــوق ظلــم عــن نفســه وأهلــه رفعــه‬ ‫فــوق رقــاب البؤســاء‪ ،‬ووجــد املنهــوب‬ ‫مفاتيــح املــال وبــدالً مــن أن يعيــد الحــق‬ ‫ألصحابــه صــار ســارقاً‪ ،‬وانتقــل الســوط مــن‬ ‫يــد الجـاّد إىل يــد املظلــوم فـراح يجـ ّرب قوتــه‬ ‫املســتعادة عــى ظهــور املســاكني‪ ،‬وظلّــت‬ ‫يــزج بهــا األحــرار يف‬ ‫الحريّــة تهمــة جاهــزة ّ‬ ‫الســجون ويالحقــون خارجهــا يف بــا ْد صــارت‬ ‫بــا ًدا وســجناً صــار ســجوناً‪ ،‬ومعتقــاً صــار‬ ‫معتقــات‪ ،‬وشــعارا ً صــار شــعارات تتكاثــر‬ ‫فــوق جــدار الوطــن‪ ،‬وصــار الديــن باب ـاً يلــج‬ ‫منــه األمــرد ويخــرج بلحيــة وعاممــة وســيف‬ ‫وفتــاوى تكفرييــة‪...‬‬ ‫قــد يقــاس األمــر بالفعــل وردة الفعــل‪ ..‬هــذا‬ ‫منطــق فيزيــايئ يســتحق التأمــل‪ .‬ولكــن‬ ‫أليســت لــكل فعــل ردة فعــل تســاويها‬ ‫بالفعــل‪ ،‬واألهــم مــن ذلــك «تعاكســها يف‬ ‫االتجــاه»‬ ‫أضــاع الكثــر منــا االتجــاه‪ .‬وأبــت نفســه أن‬ ‫يكــون ضحيــة وصــار قات ـاً‪.‬‬ ‫مــن جهــة ثانيــة‪ .‬هنالــك مــن بقــي يف موقــع‬ ‫الضحيّــة‪ ،‬ولكــن بجهــلٍ يجعلنــا ال نفـ ّرق كثـرا ً‬ ‫بــن أن تصــر قات ـاً أو تظــل ضحي ـ ًة جاهلــة‬ ‫تلــك التــي تســوقها عصــا الراعــي وتوجههــا‬ ‫حيــث تشــاء‪ .‬الضحيــة الجاهلــة التــي ال‬ ‫متيــز بــن الحنــن إىل مــا يســتحق أن يبقــى‬ ‫والتفجــع عــى مــا مــى كامــاً كيفــا كان‪.‬‬ ‫الضحيــة التــي تســتد ّر العطــف وتطلــب‬ ‫الشــفقة بطريقــة دنيئــة ورخيصــة‪ .‬الضحيــة‬ ‫التــي ال تعــرف كيــف تكــون صاحبــة حــق‬ ‫والحريــة حــق واملطالبــة بهــا حــق‪ ،‬الحريــة‬ ‫بوصفهــا الغايــة والوســيلة‪.‬‬ ‫نعم ياسادة!‬ ‫الوعي هو ما نحتاجه يف هذه الفرتة‪.‬‬ ‫ هل هذا كل يشء؟‬‫‪ -‬ليس متاماً‪.‬‬


‫الثورة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫طارق عبد الغفور‬ ‫يف هــذا الشــهر تدخــل الثــورة‬ ‫الســورية عامهــا الســادس‪ ،‬مــع‬ ‫منعطــف حاســم ومصــري يف مســرتها‪،‬‬ ‫يتمثــل مبؤمتــر جنيــف ‪ 3‬الــذي تجــري‬ ‫فيــه املفاوضــات بــن طرفيــه – النظــام‬ ‫واملعارضــة – يف ظــل هدنــة هشّ ــة‬ ‫يــدأب النظــام وحليفــاه الــرويس‬ ‫واإليــراين عــى خرقهــا بــدمٍ بــارد‪.‬‬ ‫وال ب ـ ّد أن يكــون قــد كُتــب الكثــر يف‬ ‫هــذه املناســبة عــن مســرة الثــورة‪،‬‬ ‫وعــن انتصاراتهــا‪ ،‬كــا وعــن إخفاقاتها‪،‬‬ ‫وعــا مل تســتطع‬ ‫وعــا حققتــه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحقيقــه‪ ،‬وعــن املطبــات التــي وقعــت‬ ‫فيهــا قياداتهــا وكوادرهــا (مــع التحفــظ‬ ‫عــى اســتخدام هــذه املفــردة‪ ،‬إذا كان‬ ‫العميــد أســعد الزعبــي قــد أعلــن‬ ‫أن حــوايل مائــة فصيــل أكّــد التزامــه‬ ‫بالهدنــة‪ ،‬فهــل هنــاك كــوادر؟)‪ ،‬وهــل‬ ‫تج ّنبــت الوقــوع يف املطــب الواحــد‬ ‫أكــر مــن مـ ّرة؟ (لننظــر إىل مــا يجــري‬ ‫اآلن بــن جبهــة النــرة والفرقــة ‪13‬‬ ‫مــن الجيــش الحــر)‪.‬‬ ‫أريــد يف هــذه الســطور أن أركّــز عــى‬ ‫أم ـ ٍر يبــدو يل غاي ـ ًة يف األهميــة‪ :‬هــل‬ ‫اســتطاع القامئــون عــى الثــورة يف‬ ‫هــذا ِ‬ ‫الخضــ ّم أن يعرفــوا أصدقاءهــا‬ ‫وأعداءهــا؟ وأظــن أن الجــواب يــأيت‬ ‫نفيــاً‪.‬‬ ‫ومــا دفعنــي إىل هــذا الســؤال وأكّــد‬ ‫ـاب بعنــوان «نهايــة الــر»‬ ‫جوابــه كتـ ٌ‬ ‫وقــع يف يــدي مؤخ ـرا ً‪ ،‬وهــو صــادر يف‬ ‫العــام ‪ 2004‬لكــن موضوعــه مــا زال‬ ‫راهنــاً‪ ،‬وأحــد مؤلفيــه ديفيــد فــروم‬ ‫كان مستشــارا ً خاص ـاً للرئيــس جــورج‬ ‫بــوش االبــن‪ ،‬واآلخــر ريتشــارد بــرل‬ ‫كان مســاعدا ً لوزيــر الدفــاع‪ ،‬وكالهــا‬ ‫مــن ُعتــاة املحافظــن الجــدد الذيــن‬ ‫ســيطروا عــى الحيــاة السياســية‬ ‫األمريكيــة عمومــاً منــذ عهــد ريغــان‬ ‫وحتــى جــورج بــوش االبــن‪.‬‬ ‫لقــد كنــت ومــا زلــت أعتقــد أن‬ ‫اإلدارة األمريكيــة هــي العــدو األول‬ ‫للثــورة الســورية‪ ،‬وللشــعب الســوري‪،‬‬ ‫وأســتميح قــارئ هــذه الســطور عــذرا ً‬ ‫يف أن يكتــب ذاك الكتــاب معــي هــذا‬ ‫املقــال بالنظــر إىل كــرة مــا ســرد فيــه‬ ‫استشــهادات منــه تدعــم اعتقــادي‬ ‫هــذا‪.‬‬

‫السورية‬

‫‪7‬‬

‫نقطة أول السطر‬

‫نهاية الشر‬

‫أسقف كاذبة‬ ‫ألزالم السلطة‬

‫وال أبالــغ إذا قلــت إن كل ســطر مــن‬ ‫ســطور الكتــاب يثــر أكــر من تســاؤل‪،‬‬ ‫وإن الخــوض يف مــا يطرحــه يتطلــب‬ ‫مســاحة أكــر بكثــر مــا يُتيحــه حجــم‬ ‫مقــال كهــذا‪ ،‬إال أين أجــد أن فكــر ًة مــن‬ ‫أفــكاره توجــب طرح ـاً وتســتدعي ردا ً‪،‬‬ ‫وهــي ذات صلــة راهنــة مبــا شــهدته‬ ‫وتشــهده «القضيــة الســورية» يف هــذه‬ ‫املرحلــة‪.‬‬ ‫يركّــز الكتــاب يف أكــر مــن مــكان فيــه‪،‬‬ ‫عــى أنــه عندمــا تحــارب الواليــات‬ ‫املتحــدة اإلرهــاب‪ ،‬فإنهــا تدافــع‬ ‫عــن «القيــم األمريكيــة»‪ ،‬وتجعــل‬ ‫هــذا الدفــاع رشطــاً لالنتصــار عليــه‪،‬‬ ‫ويجعلهــا تــوين بلــر يف خطــاب لــه‬ ‫أمــام الكونغــرس األمريــي ال قيــاً‬ ‫غربيــ ًة فحســب‪ ،‬بــل ق َيــ ٌم عامليــة‬ ‫فيقــول‪« :‬الحريــة والدميقراطيــة‪،‬‬ ‫وحقــوق اإلنســان‪ ،‬وســيادة القانــون‬ ‫ليســت قيـاً غربيــة بــل قيـ ٌم عامليــة‪..‬‬ ‫وأنــه يف كل زمــان‪ ،‬ويف كل مــكان‬ ‫يُعطــى اإلنســان فرصــ َة االختيــار‬ ‫فــإن االختيــار واحــد‪ :‬الدميقراطيــة‬ ‫ال الديكتاتوريــة‪ ،‬وحكــم القانــون ال‬ ‫حكــم أجهــزة املخابــرات»‪.‬‬ ‫يتّضــح مــن هــذا أن الدفــاع عــن‬ ‫القيــم األمريكيــة ‪ -‬بحســب الكتــاب‬ ‫– سياس ـ ٌة ثابتــة للواليــات املتحــدة‪ ،‬ال‬ ‫تتغــر بتغــر شــاغل املكتــب البيضــاوي‬ ‫دميقراطيــاً كان أم جمهوريــاً‪ ،‬فهــل‬ ‫هــذا هــو الحــق؟ إذا كان األمــر كذلــك‪،‬‬ ‫فلــاذا مل تندفــع اإلدارة األمريكيــة‪،‬‬ ‫ومل يندفــع تــوين بلــر إىل مســاعدة‬

‫الشــعب الســوري الــذي قــام بثورتــه‬ ‫للتخلــص مــن حكــم املخابــرات؟ بــل‬ ‫ملــاذا يريــد كــري أن تتــم املحافظــة‬ ‫عــى جيــش النظــام وأجهزتــه األمنيــة؟‬ ‫ويدعــو الكتــاب إىل أكــر مــن ذلــك‬ ‫فيقــول‪« :‬إن الســيادة الوطنيــة هــي‬ ‫التــزا ٌم بقــدر مــا هــي اســتحقاق‪،‬‬ ‫والحكومــة التــي ال تقــوم بالتزاماتهــا‬ ‫تفقــد اســتحقاقاتها»‪ ،‬ويســتحرض‬ ‫تعديــل الرئيــس روزفلــت عــى‬ ‫مبــدأ مونــرو فيقــول‪ :‬إذا ترصفــت‬ ‫دولــ ٌة بحصافــة وبكفــاءة يف القضايــا‬ ‫السياســية‪ ،‬واالجتامعيــة‪ ،‬وإذا مل ت َِحــ ْد‬ ‫عــن الطريــق‪ ،‬وأ ّدت التزاماتهــا فــا‬ ‫تخــاف تدخـاً مــن الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫لكــن األخطــاء املتكــررة‪ ،‬وعــدم‬ ‫الكفــاءة التــي تُنتــج تســيباً يف روابــط‬ ‫املجتمــع املتحــر‪ ،‬تســتدعي تدخــاً‬ ‫مــن قبــل الواليــات املتحــدة أو أي‬ ‫مجتمــع متحــر آخــر ليقــوم بــدور‬ ‫الرشطــي العاملــي‪ ...‬واآلن وبعــد قــرن‬ ‫مــن الزمــان تظهــر نســخة مع ّدلــة مــن‬ ‫روزفلــت كقانــون يحكــم العالقــات‬ ‫الدوليــة»‪.‬‬ ‫كل ذلــك ينطبــق عــى ســلوك النظــام‬ ‫الســوري يف الســنوات الخمــس‬ ‫املاضيــة‪ ،‬ومــع ذلــك يرفــض الرئيــس‬ ‫أوبامــا أن ينــدم عــى أنــه مل يــرب‬ ‫النظــام بعــد تجــاوزه الخــط األحمــر‬ ‫باســتخدام الســاح الكيــاوي‪ ،‬بــل‬ ‫ويفتخــر بذلــك‪.‬‬ ‫وإذا قلنــا إن هــذا شــأنه فــا هــو‬ ‫تفســر رفضــه الدائــم الســاح أليــة‬

‫جهــة تزويــ َد فصائــل املعارضــة‬ ‫املعتدلــة بالســاح الــذي ميكنهــا مــن‬ ‫تــاح لــه أن يتأكّــد‬ ‫تغيــر النظــام فيُ َ‬ ‫مــن أن «الشــعب املوهــوب يف ســورية‬ ‫يســتطيع إنتــاج قــادة عندهــم مــا‬ ‫يقدمونــه غــر الحــرب والطغيــان»‪.‬‬ ‫ويرفــض الكتــاب أن تكــون مهمــة‬ ‫الدفــاع عن القيــم األمريكيــة‪ ،‬والرتويج‬ ‫لهــا مهمــ ُة حــزب أو جامعــة أو تيــار‬ ‫فكــري‪ ،‬بــل هــي «مهمــة أخالقيــة‬ ‫للشــعب األمريــي كلــه تنجزهــا‬ ‫القــوة األمريكيــة» ولســنا بحاجــة إىل‬ ‫دليــل أكــر مــن ترصيحــات ومواقــف‬ ‫أوبامــا وكــري‪ ،‬لــرى أن هــذه القــوة‬ ‫األمريكيــة تقــوم عــن طريــق عمالئهــا‪،‬‬ ‫ووكالئهــا بتحطيــم القيــم األمريكيــة‬ ‫عــى األرض الســورية‪.‬‬ ‫أمريــكا إذن تقــول شــيئاً وتفعــل‬ ‫عكســه‪ ،‬فانظــر مــاذا يقــول الكتــاب‬ ‫عــن ذلــك‪« :‬إن ا ّدعاءنــا قيــادة العــامل‬ ‫ال يســتند فقــط إىل قوتنــا وثروتنــا‪ ،‬بــل‬ ‫إىل أخالقياتنــا‪ ،‬فــإذا قلنــا شــيئاً وفعلنــا‬ ‫عكســه‪ ،‬وإذا مــا تبــن أننــا نلتــزم‬ ‫مببادئنــا فقــط عندمــا تخــدم مصالحنــا‬ ‫اآلنيــة‪ ،‬فعندهــا نعطــي املصداقيــة‬ ‫ألعدائنــا عندمــا يتهموننــا بأننــا دولــة‬ ‫رشيــرة‪ ،‬وبأننــا دولــة امربياليــة‪ ،‬وبأننــا‬ ‫نشــكل تهديــدا ً للنظــام العاملــي»‪.‬‬ ‫هــذا مــا يقولــه مفكــرون أمريكيــون‬ ‫عــن دولتهــم‪ ،‬ثــم يــأيت بعــد ذلــك مــن‬ ‫املؤتلفــن مــن يقــول‪ :‬إن أمريــكا دولــة‬ ‫صديقــة حتــى وهــي تفعــل مــا تفعلــه‬ ‫بنــا‪.‬‬

‫إدارة الحرمل‬ ‫تشكر منظمة هيلب إغاثة والعاملني فيها‬ ‫‪w w w . d a m i r - s y . c o m‬‬

‫صفحــة املنظمــة عــى فيــس بــوك‬

‫لمى األتاسي‬ ‫ســأفتح مــن جديــد أفــواه بنــادق تجــار الثقافــة‬ ‫والتقــدم والحضــارة الذيــن يتســكعون منــذ أربعــن عاماً‬ ‫يف مقاهــي باريــس ولنــدن‪ ،‬تتداولهــم ســفارات العروبــة‬ ‫املنافقــة‪ ،‬وترعاهــم عيــون النفــط بــرط أال يتجــاوزوا‬ ‫بخطابهــم وعربدتهــم الخطــوط الحم ـراء‪ ،‬فيــا يخــص‬ ‫الحريــات والدميقراطيــة‪ ،‬ورشط أن تتوقــف مطالبهــم‬ ‫عنــد ســقف واحــد اســمه القضيــة الفلســطينية‪ ،‬فهــي‬ ‫الشــاعة الوحيــدة املســموح بهــا‪ ،‬ســقف كاذب منافــق‬ ‫ال تعنيــه حق ـاً ال القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وال أيــة قضيــة‬ ‫أخــرى إنســانية‪.‬‬ ‫ي لقــويل لهــم بأننــا تعبنــا مــن‬ ‫ســأفتح البنــادق عــ ّ‬ ‫نفاقهــم ومتاجرتهــم مبــآيس الشــعب الفلســطيني‪،‬‬ ‫وبأنهــم بتســكعهم أربعــن عامـاً كانــوا أبعــد مــا يكــون‬ ‫عــن اإلبــداع‪ ،‬وعــن القضايــا التــي يرتمنــون بهــا بــرف‬ ‫دون أن يعــوا عمــق أبعادهــا‪ ،‬وأن يالمســوا نصوصهــا‬ ‫األساســية‪ ..‬إنهــم مســؤولون عــن إضعــاف القضيــة‬ ‫الفلســطينية‪ ،‬وعــن وقوعهــا يف رشك حبــال تجــار الديــن‪،‬‬ ‫وهــا هــم تــم إيفادهــم لســوريا لتصــدر رأس القضيــة‬ ‫الدميقراطيــة هنــاك‪ ،‬بعدمــا نحــروا قضيــة الحقــوق‬ ‫اإلنســانية يف فلســطني توجهــوا لــدول الجــوار ليغنــوا‬ ‫للقضايــا اللبنانيــة والعراقيــة واآلن الســورية‪.‬‬ ‫مل ينتبــه أحــد لنشــاز الخطــاب وتناقضــه‪ ،‬فهــو يكــون‬ ‫علامنيــاً يف مــكان‪ ،‬وإســامياً يف مــكان آخــر‪ ..‬يــذم‬ ‫هــذا ألنــه ديكتاتــور‪ ،‬ويقبــل يــد طغــاة‪ ،‬ويــأكل فيهــا‬ ‫بــود ألنــه رب نعمتــه‪ ،‬يدفــع لــه مثــن العربــدة بدمــاء‬ ‫الشــعوب‪ ..‬يتحــدث يف ليــايل الســمر عــن حريــة املــرأة‪،‬‬ ‫وحقهــا يف الحيــاة‪ ،‬ويناقــض هــذا الــكالم عندمــا يتغنــى‬ ‫يف ضــوء النهــار بقوانــن الــرق الباليــة‪ ،‬معتربهــا مــن‬ ‫ضمــن «الحــق بالفــارق الثقــايف للغــر»‪ ..‬الحــق بــأن‬ ‫يقتــل ابنتــه أو بــأن يخــون زوجتــه بالــزواج عليهــا‪ ..‬ال‬ ‫تزعجــه ضيــق مســاحة حريــة إنســانة ال متلــك حــق‬ ‫التجــول يف بالدهــا مــن دون غطــاء‪ ،‬أو أن تقــود ســيارتها‪،‬‬ ‫أو أن تشــارك يف الحيــاة العامــة‪ ،‬ولكــن يؤرقــه جــدا ً منــع‬ ‫حريــة النقــاب يف شــوارع باريــس‪ ،‬معتـرا ً هذا التعســف‬ ‫عــى جســد املــرأة مــن ضمــن الحريــات‪.‬‬ ‫هــؤالء ذاتهــم عندمــا نحدثهــم عــن الحلــول للقضايــا‬ ‫العالقــة مــا بــن ســكان الــرق عــر مفاوضــات إنســانية‬ ‫وخطــاب ال عســكري يرصخــون يف وجهنــا‪« :‬خونــة»‪..‬‬


‫‪8‬‬

‫الثورة‬

‫غسان المفلح‬ ‫تدخــل الثــورة الســورية عامهــا الســادس‪،‬‬ ‫رغــم ذلــك نجــد أنفســنا ندخــل يف الدفــاع‬ ‫عنهــا كثــورة‪ .‬كأن مفهــوم الثــورة مقتــر عــى‬ ‫تعريفــات مرتزقــة األســد أو مرتزقــة العلامنويــة‪.‬‬ ‫كالهــا مع ـاً أحيان ـاً‪.‬‬ ‫منــذ اليــوم األول للثــورة ‪ 18‬آذار ‪ 2011‬خــرج‬ ‫هــؤالء بعنــوان أنهــا ليســت ثــورة طاملــا تخــرج‬ ‫التظاهــرات مــن الجوامــع‪ .‬حيــث خرجــت‬ ‫التظاهــرة األوىل مــن الجامــع العمــري يف درعــا‪.‬‬ ‫دون أن يقدمــوا مكان ـاً آخــر‪ ،‬تســتطيع النــاس‬ ‫التجمــع فيــه؟ الجامعــة مثـاً خــرج الطــاب يف‬ ‫جامعــة حلــب وغريهــا مــن الجامعــات‪ ،‬عندمــا‬ ‫تســنت لهــم إمكانيــة التجمــع‪ ،‬لكــن هــؤالء‬ ‫حتــى الجامعــة بقيــت لديهــم جامعــاً!! كان‬ ‫الهــم األســايس لهــؤالء‪ ،‬نهــب رمزيــة الثــورة‪،‬‬ ‫بوصفهــا انقــاب إســامي!! يف ظـ ّـل وضــع دويل‬ ‫معقــد باإلســامفوبيا‪ .‬يك يحــارصوا الثــورة يف‬ ‫هــذه الخانــة‪ .‬يــرروا لنظــام القتــل األســدي‪ ،‬يف‬ ‫نهبهــا دموي ـاً‪ .‬تواطــأ العــامل مــع هــذا املنطــق‪،‬‬ ‫الــذي شــكل قــوالً وفعـاً تربيـرا ً حقـرا ً لألســدية‬ ‫لقتــل املدنيــن‪ .‬يف الوقــت الــذي كانــت معظــم‬ ‫التظاه ـرات تهتــف الحريــة للشــعب الســوري‬ ‫الواحــد مــن هــذا االحتــال األســدي‪ ،‬كانــوا‬ ‫هــم يعــدون األكاذيــب كتابــة وتلفيق ـاً‪ ،‬تزوي ـرا ً‬ ‫للوقائــع‪ .‬اتهــام الثــورة بالطائفيــة واإلســامية‬ ‫كان منــذ التظاهــرة األوىل يف درعــا‪ .‬كان هنالــك‬ ‫جهــاز مخاب ـرات يعمــل عــى تجنيــد املرتزقــة‬ ‫يف ســورية ولبنــان‪ ،‬ومنهــم مجنــد طوعي ـاً‪ .‬آلــة‬ ‫إعالميــة ضخمــة مــن أمــوال الشــعب الســوري‬ ‫لقتلــه بهــا‪ .‬خــرج األســد يتهــم املتظاهريــن‬ ‫بأنهــم جراثيــم ليقتلهــم‪ .‬أســاء كبــرة ســقطت‬ ‫عنهــا األقنعــة‪ ،‬أدونيــس‪ ،‬عزيــز العظمــة‪ ،‬جــورج‬

‫رعد أطلي‬

‫يطــل علينــا العيــد الخامــس للثــورة‪ ،‬وقــد‬ ‫شــهدت ســوريا العديــد مــن التغــرات منــذ‬ ‫اليــوم األول فيهــا إىل اليــوم‪ ،‬وتحمــل تلــك‬ ‫التغ ـرات عنوان ـاً رئيس ـاً عــى املشــهد امليــداين‬ ‫والســيايس‪ ،‬يشــكل تغــرا ً جذريــاً يف التعاطــي‬ ‫معــه عــر مســار الثــورة خــال الســنوات‬ ‫الخمــس‪ ،‬وقــد مــر بالعديــد مــن االنعطافــات‬ ‫ليصــل إىل املشــهد الحــايل‪ ،‬فمــن خــال أول‬ ‫جســم ســيايس تشــكل يف مرحلــة الثــورة وهــو‬ ‫املجلــس الوطنــي‪ ،‬أعلــن فريــق املعارضــة‬ ‫السياســية أنــه ال تفــاوض مــع النظــام‪ ،‬وأن‬ ‫الشــعب مـ ٍ‬ ‫ـاض إىل إســقاطه‪ ،‬ومـ ّر هــذا املوقف‬ ‫يف العديــد مــن التبــدالت والتحــوالت أفضــت‬ ‫إىل جنيــف ‪ 1‬و‪ 2‬وأخــرا ً ‪ ،3‬ويتــم الحديــث‬ ‫اليــوم عــن أنــه ال مــكان إال للحــل الســيايس‬ ‫يف القضيــة الســورية‪ ،‬وتتزامــن ذكــرى الثــورة‬ ‫مــع االتفــاق الــرويس األمريــي لوقــف إطــاق‬ ‫النــار يف ســوريا‪ ،‬الــذي اســتثنى تنظيــم الدولــة‬ ‫وجبهــة النــرة‪ ،‬وجــاء مســبوقاً بشــاالت‬ ‫الــدم التــي انســكبت يف شــوارع ســوريا ج ـ ّراء‬ ‫القصــف الــرويس الوحــي‪ ،‬والصمــت األمريــي‬ ‫األكــر وحشــية‪ ،‬والتــي مل يوقــف جريانهــا‬ ‫اتفــاق الهدنــة املنتهكــة مــن قبــل النظــام‬ ‫وحلفائــه‪ ،‬وكان املجتمــع الــدويل قــد أعلــن أ ّن‬

‫السورية‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫النهــب الدمــوي والرمــزي للثــورة الســورية‬

‫طرابيــي‪ ،‬وغريهــم‪ .‬هنالــك أســاء صغــرة ال‬ ‫داعــي لذكرهــا‪ ،‬خاصــة مــن يعتقــدون أنهــم‬ ‫كبــارا ٌ!! كانــت مهمــة هــؤالء جميعــاً نهــب‬ ‫الثــورة رمزيــاً‪ .‬علــاً أن الثــورة الســورية كان‬ ‫شــعارها األســايس‪ ،‬وتعريفهــا لنفســها مــن‬ ‫خاللــه‪ ،‬أنهــا ثــورة حريــة وكرامــة‪ .‬يف هــذا‬ ‫الوقــت كان األســد يقتــل املتظاهريــن املدنيــن‪،‬‬ ‫ويعتقلهــم باملئــات‪ ،‬بشــكل يومــي‪ .‬وهــم صــم‬ ‫بكــم‪ .‬كأن لســان حالهــم لألســد عليــك القتــل‬ ‫واالعتقــال‪ ،‬وعلينــا الــكالم‪ .‬تقاســم وظيفــي‬ ‫دوافعــه طائفيــة وارتزاقيــة ومصلحيــة‪ ،‬وأقلهــا‬ ‫أيديولوجيــة ‪-‬جامعــة املئاومــة‪ -‬ثــم دخلــوا‬ ‫التهــام الثــورة بالطائفيــة‪ ،‬علــاً أن املتحدثــن‬ ‫مــن الناشــطني باســمها‪ ،‬وباســم شــعاراتها‬ ‫كانــوا مــن كل الطوائــف واإلثنيــات واألديــان‪.‬‬ ‫مل يقنعهــم خــروج الســاروت‪ ،‬وفــدوى ســليامن‬ ‫ذات املنبــت العلــوي يف قيــادة بعــض تظاهـرات‬ ‫حمــص‪ ،‬وال قيــادة جــورج صــرا لتظاهــرات‬ ‫قطنــا وريفهــا‪ ،‬وال قيــادة النارصيــن لبعــض‬ ‫تظاهــرات دومــا‪ .‬األســد خــال ذلــك يقتــل‬ ‫ويعتقــل ويدمــر‪ ،‬ثــم أتــت نغمــة اتهــام الثــورة‬ ‫بالتســلح بقيــادة املدعــو الحقوقــي هيثــم‬ ‫منــاع‪ .‬املشــكلة الطريفــة أن قســاً ممــن‬

‫شــكك بالثــورة يعتــر نفســه معارضــاً‪ .‬هــذا‬ ‫عــى الصعيــد الداخــي الســوري‪ ،‬املتواشــج مــع‬ ‫الصعيديــن اإلقليمــي والــدويل‪ .‬إقليميـاً مل يكــن‬ ‫هنالــك طــرف يعتــد بــه‪ ،‬يريــد انتصــار ثورتنــا‪.‬‬ ‫هنــا انفتــح حقــل جهنمــي‪ ،‬هــذا الحقــل الــذي‬ ‫لغــم الثــورة منــذ يومهــا األول‪ ،‬حقــل املعركــة‬ ‫الخلبيــة يف صفــوف الثــورة بــن العلامنيــن‬ ‫واإلســاميني‪ .‬مل يكــن وقتهــا‪ ،‬واســتفادت منهــا‬ ‫األســدية‪ ،‬والجهــات املعاديــة للثــورة‪ .‬تــم ج ـ ّر‬ ‫الطرفــن لهــذه املعركــة قبــل ظهــور جبهــة‬ ‫النــرة أو داعــش بســنتني‪ .‬هــذه املعركــة‬ ‫اســتهلكت طاقــة ال بــأس بهــا مــن طاقــات‬ ‫ناشــطي الثــورة ومثقفيهــا وكتابهــا ومعارضيهــا‪.‬‬ ‫ســنتني كانــت النتيجــة أيض ـاً إدخــال القاعــدة‬ ‫وداعــش إىل ســورية‪ .‬هــذا كان قــرارا ً دوليــاً‬ ‫وإقليميــاً وأســدياً ال عالقــة للثــورة وقواهــا‬ ‫بــه‪ ،‬ســواء كانــوا إســاميني أو علامنيــن‪ .‬ثــم‬ ‫أتــت داعــش والنــرة‪ ،‬لتزيــد نهــب املشــهد‬ ‫الرمــزي للثــورة‪ .‬ســاهمت اســراتيجية أوبامــا‬ ‫بهــذا النهــب بطريقــة اســتخباراتية مفجعــة‬ ‫أيضـاً‪ .‬اخرتقــت امللــف الســوري برمتــه بالحــرب‬ ‫عــى داعــش‪ ،‬مــن جهــة أخــرى إدخــال الســاح‬ ‫لجامعــة قنديــل‪ ،‬وتســليمهم بعــض املناطــق‪،‬‬

‫وافتعــال معركــة بينهــم وبــن داعــش‪ ،‬مــا‬ ‫أدى أيضـاً إىل إشــعال حــرب رمزيــة أخــرى بــن‬ ‫طــريف كل منهــا يدعــي الكرديــة واإلســامية‬ ‫أو العربيــة‪ ،‬كال الطرفــن قامــا أيضــاً بالتهجــر‬ ‫والتطهــر العرقــي املتبــادل‪ ،‬كنهــب دمــوي‬ ‫للثــورة إىل جانــب قــوات األســد وحلفائــه مــن‬ ‫ميليشــيات إيــران‪.‬‬ ‫مــن جهــة أخــرى رشذمــة التمثيــل الســيايس‬ ‫للثــورة‪ ،‬بــدأ مــع تشــكيل االئتــاف الســوري‪.‬‬ ‫منــذ البدايــة مل تتوقــف آلــة القتــل األســدية عن‬ ‫القتــل واالعتقــال والتدمــر وتهجــر الســوريني‪.‬‬ ‫اإلســاميون بزعامــة اإلخــوان املســلمني كان‬ ‫أداؤهــم ســيئاً‪ .‬مؤسســة معارضــة عريقــة‬ ‫أنتجــت مامرســات إقصائيــة‪ .‬التيــارات األخــرى‬ ‫كان رموزهــا كل فــرة يؤسســون تكتــاً تحــت‬ ‫شــعار مواجهــة اإلســاميني‪ ،‬لكــن يتــم ترجمــة‬ ‫هــذا األمــر‪ ،‬بــأن ينضــم هــؤالء لنفــس املجلــس‬ ‫أو االئتــاف‪ ،‬عــر مــا يســمى التوســعة!! ســواء‬ ‫داخــل املجلــس الوطنــي‪ ،‬ومــن ثــم االئتــاف‬ ‫الحق ـاً‪ ،‬ثــم خطــوة تشــكيل الحكومــة املؤقتــة‪،‬‬ ‫حتــى وصلنــا لهيئــة التفــاوض‪ ،‬وبيــان الريــاض‪.‬‬ ‫كان هــذا نهبــاً رمزيــا للثــورة‪ ،‬يرافقــه قتــل‬ ‫الســوريني املســتمر مــن األســدية وحلفائهــا‪.‬‬ ‫تبعــرت أهــداف الثــورة وشــعاراتها يف خطابــات‬ ‫أيديولوجيــة عقيمــة‪ ،‬وال تـزال املعركة مســتمرة‪.‬‬ ‫التظاهــرات األخــرة بعــد حــدوث الهدنــة‪،‬‬ ‫أظهــرت خلبيــة هــذه املعــارك‪ ،‬كــا أظهــرت‬ ‫أن هــذه املعارضــة ال تعــرف مجتمعهــا‪ .‬هــذه‬ ‫التظاهـرات التــي خرجــت مــن املــدن الســورية‬ ‫املحــارصة باتهامهــا باإلســامية رمزيــاً مــن‬ ‫قبــل كوكبــة العلامنيــة املفلســة‪ ،‬وهــذه املــدن‬ ‫محــارصة مــن قبــل الفاشــية األســدية الطائفيــة‬

‫وحلفائهــا الطائفيــن والعنرصيــن‪ .‬النظــر يف‬ ‫املــرآة مفيــد أيض ـاً يف السياســة‪ ،‬عندمــا يكــون‬ ‫مصــر شــعب ووطــن مهــدد بالفنــاء‪ .‬أمــا‬ ‫عــى الصعيــد الــدويل األوبامــي كانــت الغايــة‬ ‫إنهــاء الربيــع العــريب‪ .‬لكــن إنهــاءه بعــد تدمــر‬ ‫بلدانــه‪ ،‬يف حلقــة مفرغــة ومســتمرة مــن‬ ‫التدمــر والقتــل‪ .‬تســهيل نقــل مقاتــي داعــش‬ ‫أوالً مــن تونــس مثــاً إىل ســورية كان مبعرفــة‬ ‫جميــع أجهــزة االســتخبارات املعنيــة‪ .‬ثــم‬ ‫تســهيل انتقالهــم بــن الع ـراق وســورية حتــى‬ ‫ليبيــا‪.‬‬ ‫عــدم دعــم القــوى املعتدلــة وعدم توفــر قاعدة‬ ‫لوجســتية حقيقيــة‪ ،‬لدعــم التيــارات الليرباليــة‬ ‫واليســارية واإلســامية املعتدلــة يف بلــدان الربيع‬ ‫العــريب وأولهــا ســورية‪ .‬ثــم التدخــل الــرويس‬ ‫املجــرم والربباغنــدا التــي رافقتــه‪ ،‬وغــض‬ ‫الطــرف األوبامــي عنــه‪ ،‬جعــل الوضــع الســوري‬ ‫أكــر تعقيــدا ً والضحايــا الســوريني أكــر‪.‬‬ ‫كتبــت مقــاالً أول الثــورة قبــل أقــل مــن خمــس‬ ‫ســنوات‪ ،‬بعنــوان الثــورة التــي يــراد الغــدر‬ ‫بهــا‪ ،‬هــذه املالمــح كانــت واضحــة‪ ،‬منــذ تلــك‬ ‫األيــام‪ .‬لكننــا ك ّنــا عميــان‪ .‬الشــعب مبــا قدمــه‬ ‫ويقدمــه‪ ،‬هــو الــذي كان وراء اســتمرار هــذه‬ ‫الثــورة املقدســة‪ ،‬بوجــه نظــام طائفــي مجــرم‪،‬‬ ‫واحتــاالت متعــددة األهــداف‪ ،‬لكنهــا متفقــة‬ ‫عــى هــدف واحــد وأد أي تفكــر للشــعب‬ ‫الســوري بالحريــة والتحــرر مــن األســدية‪ .‬لكــن‬ ‫الشــعب الســوري ســيبقى‪ ،‬وســيكتب عنــه‬ ‫التاريــخ‪ ..‬إنــه أكــر شــعب يف تاريــخ البرشيــة‬ ‫قــدم قرابين ـاً مــن أجــل حريتــه‪ ،‬وســينالها مــن‬ ‫األســدية‪ ،‬ومــن داعــش‪ ،‬وحالــش‪ ،‬والقــوى‬ ‫اإلرهابيــة كلّهــا‪.‬‬

‫عن التفاوض والهزيمة‪!..‬‬ ‫االتفــاق ســيوفر فرصــاً أكــر للحــل الســيايس‬ ‫يف ســوريا‪ ،‬ولكــن مــا هــو الحــل الســيايس‬ ‫الــذي ميكــن أن ينبثــق عــن تلــك املفاوضــات‬ ‫يف حــال اســتئنافها؟ إ ّن أي حــل ســيايس ناتــج‬ ‫عــن عمليــة تفاوضيــة مــع النظــام ســيحمل يف‬ ‫طياتــه هزميــة الثــورة والقضــاء عليهــا‪ ،‬فالثــورة‬ ‫أساســاً هــي نتــاج انســداد األفــق أمــام أي‬ ‫عمــل ســيايس‪ ،‬وال ميكــن أن تشــتعل إال بعــد‬ ‫أن تكــون‪ ،‬وقبــل وقــت طويــل‪ ،‬قــد تشــكلت‬ ‫لــدى الشــعب الثائــر قناعــة تامــة ببطــان‬ ‫النظــام‪ ،‬وبطــان التعاطــي الســيايس معــه‪ ،‬وأ ّن‬ ‫التغيــر الكامــل الــذي يســقط النظــام‪ ،‬ويهــدم‬ ‫املنظومــة الحضاريــة مــن ثقافــة وفــن وسياســة‬ ‫وعــرف وتقليــد وتاريــخ ووو… بشــكل كامــل‪،‬‬ ‫تلــك املنظومــة التــي ترعــرع فيهــا النظــام‬ ‫وترعرعــت فيــه‪ ،‬هــو النــر الفعــي للثــورة‪،‬‬ ‫وقــد يتــم االســتعانة بتفصيــات مــن تلــك‬ ‫املنظومــة الحقــاً عــى أن يكــون الهــدم قــد‬ ‫اكتمــل ســابقاً‪.‬‬ ‫التفــاوض مفــردة ميكــن أن توضــع يف جــدول‬ ‫العكوســات ملفــردة الثــورة‪ ،‬عــى مــاذا ميكــن أن‬ ‫تفــاوض ثــور ٌة انتفضــت عــى نظــام حكــم بعــد‬ ‫تجرميــه‪ ،‬فعــى مــاذا ميكــن أن تفــاوض مجرمـاً؟‬ ‫الثــورة أداة هــدم عميــاء‪ ،‬يتمثــل الوعــي‬ ‫فيهــا بعــد عمليــة الهــدم‪ ،‬فهــي يف مضمونهــا‬ ‫تحمــل الهــدم‪ ،‬وال متلــك ضامنــات ملرحلــة‬ ‫مــا بعــده‪ ،‬تفســخ شــكل العالقــة القائــم يف‬ ‫الدولــة ســابقاً بــن الشــعب والســلطة‪ ،‬وتفتــح‬ ‫املجــال لكتابــة عقــد جديــد‪ ،‬عقــد اجتامعــي‬ ‫بــن عنــارص املجتمــع يحــدد العالقــة مــن‬ ‫جديــد بــن الشــعب والســلطة واألرض‪ ،‬ويضــع‬ ‫معــانٍ جديــدة للســيادة‪ ،‬وأســلوباً جديــدا ً‬

‫أنهــا عمليــة سياســية ميكــن أن يتــم الوصــول‬ ‫لحلهــا بالســبل السياســية‪ ،‬فالهزميــة السياســية‬ ‫تكــون عــى حســاب فرقــاء ضــد فرقــاء‬ ‫آخريــن‪ ،‬ولكــن هزميــة الثــورات‪ ،‬تعنــي هزميــة‬ ‫الشــعوب‪ ،‬كل الشــعب مبــا فيــه املؤيــدون‬ ‫للنظــام الحاكــم يكــون قــد ُهــزِم‪ ،‬ســتحفر‬ ‫هــذه الهزميــة مكانهــا يف الوجــدان الشــعبي‪،‬‬ ‫وســيكون مــن الصعــب تكــرار التجربــة‪ ،‬بــل‬ ‫ســينكفئ الشــعب عــى نفســه مــرددا ً ألــف‬ ‫مــرة يف تكــرار املحاولــة‪ ،‬وحتــى لــو العمليــة‬ ‫التفاوضيــة أفضــت إىل أفــق أكــر ســيهيئ‬ ‫الســتمرار الثــورة أو اســتتباعها بدفقــة جديــدة‪،‬‬ ‫إال أن الشــعب حينهــا ســيكون قــد انهــزم‪ ،‬ولــن‬ ‫يُق ِبــل عــى املغامــرة ثانيــة‪ .‬هــذه الثــورات التي‬ ‫قبلــت التفــاوض قبــل أن تتــم أركان الهــدم يف‬ ‫مــر واليمــن وليبيــا وحتــى يف تونــس‪ ،‬مــا زال‬ ‫النظــام القديــم متمكنـاً أكــر مــن ذي قبــل‪ ،‬مــا‬ ‫تغــر أن الشــعوب أصبحــت أقــل تفاعـاً حيــال‬ ‫الظلــم‪ ،‬لقــد تعبــت دون طائــل ألن الساســة‬ ‫الذيــن تصــدوا لقيــادة الثــوار أرادوا أن يشــكلوا‬ ‫منوذج ـاً «الئق ـاً سياســياً» مــع املجتمــع الــدويل‬ ‫فكانــت تلــك النتيجــة‪ .‬الثــورة ال تــرى ســوى‬ ‫نفســها‪ ،‬ومــا إن تحــرف نظرهــا عــن ماهيتهــا‬ ‫حتــى تنزلــق منهزمــة‪ .‬الثــورة ال تحتمــل أدوات‬ ‫تجميــل وال إكسســوارات ديكــور‪ ،‬هــي الغضــب‬ ‫والرعــب حتــى تــأيت عــى كل قامئــة مــن قوائــم‬ ‫النظــام كــا الطوفــان‪ ،‬وتهــدي األرض ألصحابهــا‬ ‫ليقيمــوا دولتهــم مــن جديــد‪ .‬عنــد هــذه‬ ‫اللحظــة تكــون الثــورة قــد انتــرت ويكــون‬ ‫التفــاوض مرحب ـاً بــه مــع الجميــع‪.‬‬

‫الحتــكار العنــف‪ ،‬هنــا يكــون للوعــي دور‪،‬‬ ‫فتنشــأ عمليــات تفاوضيــة‪ ،‬وتتفتــح آفــاق‬ ‫سياســية مــن أجــل عمليــة البنــاء التــي ســيقوم‬ ‫عليهــا العقــد الجديــد‪ ،‬ذلــك بعــد أن تكــون‬ ‫الثــورة قــد انتــرت بالكامــل‪ ،‬نرصهــا يكــون‬ ‫بإســقاط النظــام بشــكل كامــل مــ ّرة وإىل‬ ‫األبــد‪ .‬مل يتحــدث التاريــخ عــن ثــورة فاوضــت‬ ‫قبــل نرصهــا ونجحــت‪ ،‬هــل فــاوض البالشــفة‬ ‫الحــرس األبيــض‪ ،‬وهــم يف أضعــف حاالتهــم‪،‬‬ ‫والعــامل يهاجمهــم إبــان ثــورة «اكتوبــر» ‪،1917‬‬ ‫وهــل فــاوض الفرنســيون قبلهــم امللكيــن وهــم‬ ‫يعانــون أســوأ الحقــب؟ ال يهــم مــآل الــدول‬ ‫بعــد الثــورة ألنــه مرتبــط باســتحقاقات النــر‬ ‫فيهــا‪ ،‬وهــذا يعــود ليــس للثــوار فحســب‪ ،‬وإمنــا‬ ‫لعمــوم الشــعب الــذي انتــرت ثورتــه‪ ،‬أمــا‬ ‫الثــورة بحــد ذاتهــا فهــي مرتبطــة مبفهومهــا‬ ‫فحســب‪ .‬إ ّن أي تفــاوض يعنــي أنــك ســتقدم‬ ‫تنــازالً مــا مقابــل تنــازل مــن الطــرف اآلخــر‪،‬‬ ‫ولكــن الثــورة تفــرض‪ ،‬وال تــرى فيــا تقدمــه‬ ‫الســلطة أي تنــازل‪ ،‬فهــي مل تعــد تقبــل بتلــك‬ ‫الســلطة مــن األصــل‪ ،‬ويف الوقــت نفســه مــا‬ ‫هــو شــكل التنــازل الــذي ميكــن أن تقدمــه‪ ،‬أن‬ ‫تــرك أشــخاصاً مــن النظــام يف الحكــم ضمــن‬ ‫مــا ســمي حكومــة وطنيــة أو انتقاليــة أو أي ـاً‬ ‫كان اســمها؟ حتــى وإن كان رأس النظــام خــارج‬ ‫اللعبــة‪ ،‬هــذا يعنــي أنهــا ســتعيد بنــاء نظامهــا‬ ‫وفقـاً ألســس النظــام القديــم‪ ،‬وبذلــك ال تكــون‬ ‫عمليــة هــدم لبنــاء عقــد جديــد بقــدر مــا هــي‬ ‫ترميــم للعقــد القديــم‪ ،‬ولهــذا تكــون الثــورة‬ ‫فــد انهزمــت‪ ،‬ومل تنجــح يف تحقيــق التغيــر‪.‬‬ ‫تكمــن إشــكالية هزميــة الثــورات بأنهــا ال‬ ‫مــن املحتــم أن الظــرف التاريخــي يلعــب‬ ‫تشــكل هزائــم سياســية‪ ،‬كــا يحــاول أن يصبــغ‬ ‫املجتمــع الــدويل الثــورة الســورية بهــا‪ ،‬عــى دوره يف الشــكل البنيــوي للثــورة‪ ،‬ولعـ ّـل تدخــل‬

‫املجتمــع الــدويل يف ثــورات الربيــع العــريب‬ ‫عمومــاً‪ ،‬والثــورة الســورية خصوصــاً‪ ،‬يفــرض‬ ‫معطيــات جديــدة مختلفــة عــن الثــورات‬ ‫يغــر‬ ‫الســابقة‪ ،‬إال أنــه ال ميكنــه مــن أن‬ ‫ّ‬ ‫ماهيتهــا التاريخيــة‪ .‬يدافــع اليــوم املجتمــع‬ ‫الــدويل عــن نظــام األســد ألنــه قائــم يف‬ ‫منطقــة جيوسياســية ميكــن ألي تغيــر فيهــا أن‬ ‫يــؤدي لتغــر يف النظــام العاملــي برمتــه‪ ،‬لذلــك‬ ‫مــن الصعــب قبــول التغيــر هنــا‪ ،‬ويســعى‬ ‫املجتمــع الــدويل لإلبقــاء عليــه بوجــود األســد‬ ‫أو بدونــه‪ ،‬ولذلــك ومــع القــوة العاريــة التــي‬ ‫يســتخدمها املجتمــع الــدويل ضــد محاولــة‬ ‫الشــعب الســوري هــدم أحــد أهــم أركان‬ ‫النظــام العاملــي القائــم‪ ،‬فإنــه قــد يجــر الثــوار‬ ‫عــى حضــور عمليــات تفــاوض يف جنيــف‬ ‫وغريهــا‪ ،‬ولكــن عليهــم أن يقتــدوا هــذه املــرة‬ ‫بالنظــام الديكتاتــوري وســلوكيته‪ ،‬عليهــم أن‬ ‫يحــروا عمليــات التفــاوض‪ ،‬وهــم مدركــون‬ ‫متامــاً أنهــم يســعون لكســب الوقــت أو‬ ‫لتغيــر مــا يف قواعــد التعاطــي والتــداول مــع‬ ‫املجتمــع الــدويل أو مــع نظــام األســد‪ ،‬ولكــن‬ ‫ال يغفلــون عــن حقيقــة أن الجالســن أمامهــم‬ ‫أو يف الغــرف األخــرى هــم أعــداء الشــعب‪ ،‬وال‬ ‫ميكــن أن يكونــوا رشكاء‪ ،‬ال يف حكومــة وطنيــة‬ ‫أو انتقاليــة تديــر أمــوره‪ .‬ميكــن أن تفــاوض‪،‬‬ ‫وميكــن أن تقبــل بــروط عــى أن تكــون‬ ‫قــادرا ً عــى نــر وعــي لــدى الجمهــور الثائــر‬ ‫بــأن هــذا تكتيــك ال ينهــي الثــورة‪ ،‬وأن الثــورة‬ ‫مســتمرة حتــى تســقط كافــة أعمــدة النظــام‬ ‫ومتعلقاتــه مهــا كانــت صغــرة‪ ،‬هنــا تنتــر‬ ‫الثــورة‪ .‬ولكــن دخــول التفــاوض عــى أنــه‬ ‫عمليــة اســراتيجية وحــل نهــايئ يعنــي أمــرا ً‬ ‫واحــدا ً فقــط‪ ،‬هزميــة الثــورة‪...‬‬


‫الثورة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫ما تخلفه الحروب الدامية على املرأة‬ ‫آرام كربيت‬ ‫أول من ميوت يف الحرب هو الضمري‪،‬‬ ‫والقيم األخالقية التي يرتكز عليها أي‬ ‫مجتمع‪ ،‬ويستعاض عنه ببدائل تفرضها‬ ‫مجريات األحداث‪ .‬كام تختل الرتاتبية‬ ‫االجتامعية التي تقبض عليها فئات‬ ‫محددة بحكم عالقتها بالسلطة القامئة‬ ‫وقوانينها التي تكرسها كأمر واقع‪.‬‬ ‫يف الحــرب‪ ،‬ينهــار االقتصــاد القائــم‪،‬‬ ‫وتنهــار معــه هــذه القــوى االجتامعيــة‬ ‫املتامســكة بوشــائج القــوة التــي‬ ‫تعززهــا الســلطة أو الدولــة القامئــة‪،‬‬ ‫وينحــدر املهمشــون إىل القــاع ونحــو‬ ‫الجــوع والفاقــة‪ .‬يف هــذه الحالــة‪ ،‬تفرض‬ ‫مجريــات األمــر الواقــع‪ ،‬الحاجــة إلعــادة‬ ‫إنتــاج تراتبيــة جديــدة تنمــو مــن رحــم‬ ‫الواقــع الجديــد‪ ،‬املنهــار‪ .‬هــذه الرتاتبيــة‪،‬‬ ‫تحمــل هــم نفســها يف املعيــار األول‪.‬‬ ‫إن الحــرب تفــرض واقعــاً اجتامعيــاً‬ ‫مهــزوزا ً‪ ،‬يفســح املجــال للفئــات‬ ‫املهــزوزة‪ ،‬والقلقــة اجتامعيـاً‪ ،‬يف البحــث‬ ‫عــن دور لهــا مهــا كانــت الصفقــة يف‬ ‫مجتمــع اقتصــاده منهــار‪ ،‬وشــبابه قضــوا‬ ‫يف املعــارك الدائــرة‪ ،‬وانهــارت البنــى‬ ‫االجتامعيــة القدميــة والتقليديــة‪ ،‬مــا‬ ‫يدفــع بالرتاتبيــة إىل التــايش واملــوت‬ ‫بفعــل تــآكل دورهــا‪ ،‬وتغيــب إىل األبــد‬ ‫مؤسســات الدولــة القدميــة‪ ،‬والحاجــة‬ ‫إلعــادة عالقــات اجتامعيــة سياســية‬ ‫اقتصاديــة جديــدة‪ ،‬وقــوى اجتامعيــة‬ ‫جديــدة انتهازيــة‪ ،‬متعاونــة مــع املنتــر‬ ‫يف الحــرب لقيــادة املرحلــة السياســية‬ ‫الجديــدة‪.‬‬ ‫يف هــذا املقــام ســنتناول الحالــة‬ ‫اإلنســانية العاطفيــة للنســاء‪ ،‬للشــابات‬ ‫املقبــات عــى الــزواج‪ ،‬أي يف ســن‬ ‫البلــوغ وفــورة الشــباب واإلنجــاب‪.‬‬ ‫الحــرب كالســجن‪ ،‬كالغربــة‪ ،‬أول تحــول‬ ‫يحــدث لإلنســان عندمــا يتعــرض‬ ‫لواحــدة مــن هــذه األقانيــم القاســية‪،‬‬ ‫أ ّن عاملــه الداخــي القديــم يتمــزق‪،‬‬ ‫ويتمــزق معــه أجمــل أحالمــه وأمالــه‪،‬‬

‫وأفــكاره‪ .‬وبعــد ذلــك يدخــل ممــرات‬ ‫غربتهــا املعتمــة‪ ،‬ويتجــول يف هــذه‬ ‫الغربــة دون أن يعــرف لــه موضعـاً يلجــأ‬ ‫إليــه مــن الــرد الــذي يكمــن يف أوصالــه‪.‬‬ ‫واألســوأ‪ ،‬أنــه ال يســتطيع التصالــح مــع‬ ‫ذاتــه أو العــودة إىل ســابق عهــده مهــا‬ ‫حــاول‪.‬‬ ‫يف هــذه الحالــة‪ ،‬يكتشــف املــرء كــم‬ ‫أن الحيــاة عاريــة متام ـاً‪ ،‬عــى حقيقتهــا‬ ‫وقســوتها‪ ،‬وفســاد بنائهــا‪.‬‬ ‫قــد تكــون الروايــة هــي األقــدر عــى‬ ‫رصــد الجانــب اإلنســاين يف املجتمــع‪،‬‬ ‫وخاصــة‪ ،‬روايــة ذهــب مــع الريــح‬ ‫للروائيــة األمريكيــة مارغريــت ميتشــل‬ ‫التــي ســلطت الضــوء عــى الحــرب‬ ‫األهليــة األمريكيــة‪.‬‬ ‫يف هــذه املقــام ســنتناول الحالــة‬ ‫العاطفيــة واالجتامعيــة للنســاء‬ ‫والفتيــات اللــوايت كنــا يف مقتبــل العمــر‪،‬‬ ‫للعائــات الكبــرة مــن املزارعــن الذيــن‬ ‫كانــوا ميلكــون الكثــر مــن األرايض‬ ‫الزراعيــة والقصــور والعبيــد‪ ،‬ثــم بــن‬ ‫ليلــة وضحاهــا يفقــدون كل يشء‪ ،‬املــال‬ ‫واملكانــة االجتامعيــة بفعــل التضخــم‪،‬‬ ‫وانعــدام الســلع يف األســواق‪ ،‬وحــرق‬ ‫الجيــش الشــايل املنتــر للبيــوت‬ ‫واملــزارع ومنتجــات األرض كالقطــن‬ ‫والــذرة‪ .‬واألهــم أن هــذه الحــرب‬ ‫قضــت عــى الشــبان‪ ،‬عــى األحبــة‬ ‫الذيــن قاســموا الفتيــات حفــات الرقــص‬ ‫والشــواء‪ ،‬ولحظــات اللقــاء الجميلــة‬ ‫والحميميــة بينهــم تحــت الشــمس‬ ‫اليانعــة وضــوء القمــر‪ ،‬ولحظــات‬ ‫العشــق اللذيــذة‪ ،‬والنظــرة الورديــة‬ ‫للحيــاة واملســتقبل‪ .‬والحــاس الــذي‬ ‫غلّــف عقــل الشــبان للحــرب‪ ،‬وتعزيــز‬ ‫مكانــة الجنــوب الــذي ميلــك منتجــات‬ ‫األرض‪ ،‬وارتــداء الفتيــات أجمــل الثيــاب‪،‬‬ ‫ورغبتهــن يف الحصــول عــى اإلعجــاب‬ ‫مــن الحبيــب أو الصديــق‪ .‬وعندمــا‬ ‫تبــدأ الحــرب يذهــب الجميــع إليهــا‪ ،‬إىل‬ ‫حتفــه أو تشــوه الحــرب نفســياً وروحيـاً‬ ‫وماديــاً‪ ،‬فيعــود بعضهــم وهــم القلّــة‪،‬‬

‫خاليــي الوفــاض‪ ،‬مكســوري الجنــاح‬ ‫والخاطــر ومدمريــن عــى كل الصعــد‬ ‫املاديــة والنفســية‪.‬‬ ‫باختصــار مــن يعــود إىل بيتــه‪ ،‬يعــود‬ ‫شــبه حطــام أو أكــر‪ .‬ال يــرى أهلــه‬ ‫أو أحبــاءه‪ ،‬إ ّمــا إن قتلــوا أو رشدوا أو‬ ‫حرقــوا‪ ،‬والنســوة اغتصــن أو قتلــن‪ ،‬أو‬ ‫قتــل األب أو جــن فيــا إذا بقــي عــى‬ ‫قيــد الحيــاة‪ ،‬أو ماتــوا بفعــل األوبئــة‬ ‫واألمـراض والعــدوى‪ .‬وكل إنســان يحاول‬ ‫أن يــداوي جراحــه لوحــده أو يحــاول أن‬ ‫يحمــي نفســه‪ ،‬وال ميكــن أن يــرى املــرء‬ ‫قلبــاً حنونــاً يضمــه إىل صــدره يف بيئــة‬ ‫جريحــة كــرت القبــور واألنصــاب‪.‬‬ ‫أغلــب النســاء يصبحــن عوانــس‪ ،‬ال‬ ‫حبيــب وال زوج وال رجــل ســليم البنيــة‪.‬‬ ‫البعــض منهــم‪ ،‬أمــا مقطــوع اليــد أو‬ ‫الرجــل أو محطــم نفســياً أو مفقــوء‬ ‫العــن أو مصــاب يف مــكان مــا مــن‬ ‫جســمه‪.‬‬ ‫إن حالــة الوجــع الــذي تعانيــه املــرأة‬ ‫يف ظــل الحرائــق واملــوت واالغتصــاب‬ ‫الجســدي والنفــي فظيــع جــدا ً‪.‬‬ ‫يف هــذا املقــام يعــود املــايض يزيــن‬ ‫حياتهــن‪ ،‬يبقــن مســكونات يف املــايض‪،‬‬ ‫يف العاطفــة املؤجلــة بالحلــم املنحــر‪،‬‬ ‫واملتخيــل كبديــل عــن واقــع حقيقــي‬ ‫مــن لحــم ودم يف عــامل منكــر ومشــاعر‬ ‫ســوريالية لعــامل مهــزوم‪ ،‬ونكــوص‬ ‫وحــرة وخــوف مــن القــادم مــن األيــام‪.‬‬ ‫بعــض النســوة يتمنــن مــوت الحبيــب‬ ‫عــى فقدانــه‪ ،‬ألنــه عــى األقــل كان‬ ‫يوجــد بعــض الجــال يف أمــر حبيــب‬ ‫ميــت‪ .‬واملــرأة الشــابة التــي مل تنجــب‬ ‫تلــوم املتزوجــات وينظــرن إىل غريهــن‬ ‫بحســد ألنهــا تزوجــت وأنجبــت طف ـاً‪.‬‬ ‫عندمــا تعتــاش النســاء عــى املــايض‪،‬‬ ‫عــى حــب رحــل إىل البعيــد‪ ،‬ســاقته‬ ‫األقــدار‪ ،‬إىل النهايــة املأســاوية‪ ،‬إىل هــذه‬ ‫الذكريــات املــرة‪ .‬والفاجعــة العاطفيــة‬ ‫أن تحتــل األماكــن بــكل مــا فيهــا مــن‬ ‫جــال ورونــق إىل ثقــل‪ ،‬إىل ذكريــات‬ ‫تنهــش الــروح والجســد‪ .‬ويتحــول الواقــع‬

‫القــايس إىل شــبق حلــم‪ .‬وتصبــح البيــوت‬ ‫واألشــجار والشــوارع واألماكــن إىل رمــوز‬ ‫ودالالت عــى ذلــك الحبيــب الــذي‬ ‫ذهــب ومل يعــد‪ ،‬إ ّمــا قاتــل أو مقتــول‪.‬‬ ‫ذهــب وذهــب معــه الحلــم واألمــل‪،‬‬ ‫وذلــك التناغــم بــن عاملــي الرجــل‬ ‫واملــرأة‪ ،‬واختاللــه مبــوت الرجــل وبقــاء‬ ‫املــرأة وحيــدة مــع الفــراغ والصمــت‪.‬‬ ‫األنــى‪ ،‬عندمــا تنتهــي الحــرب ويحــل‬ ‫الصمــت املقيــت امللبــس بالحــرة‬ ‫والحــزن‪ ،‬ويعــود املــرء إىل رشــدة يحــي‬ ‫خســائره الواقعيــة‪ ،‬ويهيمــن الســؤال يف‬ ‫ظــل الخــراب‪:‬‬ ‫ـ ملاذا حدث الذي حدث؟‬ ‫وأكــر إنســان يتأثــر بهــذا الســؤال هــم‬ ‫النســوة‪ .‬ويعــود الســؤال‪:‬‬ ‫ـ هــل كان صوابـاً مــا قمنــا بــه وألجلــه؟‬ ‫الرجــال ماتــوا أو شــوهوا‪ ،‬الحرائــق‬ ‫حلّــت محــل العمــران‪ .‬ملــاذا تذهــب‬ ‫الجهــود واألمــوال يف البنــاء مــرة ثــم‬ ‫تــأيت الحــرب عــى كل يشء مــرة أخــرى؟‬ ‫يف متواليــة مســتمرة ودامئــة دون إيجــاد‬ ‫معادلــة مغايــرة تنقــل عــامل اإلنســان‬ ‫مــن حالــة الدمــار إىل البنــاء الب ّنــاء‪.‬‬ ‫مل يبــق للنســاء إال الفســاتني الباليــة‪،‬‬ ‫املرقعــة‪ ،‬أثــواب قطنيــة باهتــة اللــون‬ ‫مــن النــوع الرخيــص‪.‬‬ ‫ففــي انهيــار املجتمــع القديــم متــوت‬ ‫قيمــه معــه‪ ،‬معادالتــه وأفــكاره‪ .‬وتغيــب‬ ‫النضــارة‪ ،‬وزهــوة الشــباب والتحليــق‬ ‫والجــال‪ .‬ويتحــرن عــى الثيــاب‬ ‫الجديــدة الجميلــة املزركشــة األلــوان‬ ‫والــورد والعطــر يف حقائبهــن‪.‬‬ ‫أول يشء تفعلــه الحــرب أنهــا تضفــي‬ ‫اللــون الشــاحب عــى الحيــاة‪ .‬تخفــض‬ ‫النســاء ســقف مطالبهــن‪ ،‬يقبلــن أي‬ ‫رجــل يتقــدم للــزواج بهــن‪ ،‬وتذهــب إىل‬ ‫النهايــة تلــك الرتاتبيــة التــي كــن فيهــا‪،‬‬ ‫ويذهــب معــه الزيــف الــذي كــن يتكــن‬ ‫عليــه‪ ،‬وميــوت قانونهــم‪ ،‬وتقــى القلوب‬ ‫ومتــوت الضامئــر وتتحجــر‪ .‬وبــدالً مــن‬ ‫الركــوب عــى الخيــول األصيلــة ميتطــن‬ ‫البغــال العرجــاء أو املريضــة‪.‬‬

‫يف مثل هذا اليوم قامت الثورة!‬ ‫صالح العيسى‬ ‫يف مثــل هــذا اليــوم‪ ،‬هـ ّم الشــعب املقيــد بالخــروج‬ ‫مــن زنزانتــه التــي لبــث فيهــا أربعــن عامــاً‪ُ ،‬حــرم‬ ‫بداخلهــا دفء الشــمس املعطــاءة‪ ،‬وأعطــي حقنــات‬ ‫التخديــر التــي ألقتــه طريــح الف ـراش‪ ،‬شــارد الذهــن‪،‬‬ ‫الهثــاً خلــف لقمــة عيــش تعــر علقــاً‪ ،‬وترغــم‬ ‫النفــوس عــى احتســائه‪.‬‬ ‫يف مثــل هــذا اليــوم أعلــن الشــعب حالــة الطــوارئ‬ ‫عــى الظــامل‪ ،‬وأعلــن الظــامل طوارئــه عــى الشــعب‪،‬‬ ‫متســك الظــامل مببــدأ القــوة‪ ،‬ومتســك الشــعب بقــوة‬ ‫املبــدأ‪..‬‬ ‫يف مثــل هــذا اليــوم‪ ،‬بقــي الظــامل متمســكاً بســاح‬ ‫الــذل‪ ،‬والغــدر‪ ،‬والطعــن مــن الخلــف‪ ،‬يتفاخــر بآلــة‬ ‫القتــل التــي تعــددت أصنافهــا‪ ،‬وأســاليبها‪ ،‬لرتســم‬ ‫أقــى اللوحــات الدمويــة عــى أجســاد نحيلــة تحلّــت‬ ‫بالصــر الــذي ذاق أصحابهــا حالوتــه‪ ،‬وحاربــوا بســاح‬ ‫اإلميــان‪.‬‬ ‫يف مثــل هــذا اليــوم حملــت درعــا لقــب املهــد بوالدة‬ ‫ثــورة الكرامــة‪ ،‬التــي متثلــت بزلـزال مفاجــئ امتـ ّد عرب‬

‫رقعــة البــاد عامــة‪ ،‬ورضب بأعــى درجاتــه عروشــهم‬ ‫التــي تربعــوا عليهــا‪ ،‬عــراة وســكارى‪ ،‬مغمضــن‬ ‫أعينهــم أمــام مــرأى الحــق‪.‬‬ ‫يف مثــل هــذا اليــوم‪ ،‬نســج عنكبــوت الجــن خيوطــه‪،‬‬ ‫محــاوالً ســ ّد ثغــر كل مــن أراد أن ينطــق بكلمــة‬ ‫حــق واحــدة‪ ،‬ثــم بــدأ يلتــف التفافــة األفعــى حــول‬ ‫أعنــاق هــؤالء الشــجعان‪ ،‬تلــك التــي كانــت منحنيــة‬ ‫ول بــا رجعــة‪.‬‬ ‫مستســلمة يف زمــن ّ‬ ‫يف مثــل هــذا اليــوم‪ ،‬أقســم الشــعب أن يخلــع األســد‪،‬‬ ‫كــا يخلــع املــرء ثوبــه املهــرئ البــايل الــذي لبســه‬ ‫لفــرة طويلــة‪ ،‬وطاملــا تلطــخ باألقــذار‪ ،‬واألوســاخ‪،‬‬ ‫وصــار حري ـاً بــه أن يرميــه بعيــدا ً‪ ..‬بعيــدا ً يف مكانــه‬ ‫املناســب‪ ،‬يف مكــب النفايــات‪.‬‬ ‫يف مثــل هــذا اليــوم بــدأت العواصــف تــرب البــاد‬ ‫ليتــرذم النــاس بــن رصيــع‪ ،‬ومه ّجــر‪ ،‬وغريــق‪ ،‬ليغلق‬ ‫الــر بوابــة الحيــاة الحــرة الكرميــة‪ ،‬ويؤذيهــم بتجــرع‬ ‫كأس الــذل املمتلــئ مبــا يخــ ّدر الجســد والعقــل‬ ‫والنفــس ليبقــي عــى خمولــه ونومــه‪ ،‬بــل ليغــط يف‬ ‫نومــة كنومــة أهــل الكهــف أو يزيــد‪..‬‬

‫اســتنتج الشــعب فكــرة النــص الرئيســة‪ ..‬وضعهــا‬ ‫ضمــن إطــار يكللهــا طموحــه‪ ،‬ويزيدهــا رونقــاً‬ ‫تحفــزه لالرتقــاء‪ ،‬وألقــى أفــكاره املترشبــة مســبقاً‪،‬‬ ‫يف بــر املــايض املظلــم لرتتفــع وتــرة صوتــه الخجــول‬ ‫فباتــت عاليــة يســمعها اإلنــس والجــن‪..‬‬ ‫يف مثــل هــذا اليــوم بــدأ هــذا الشــعب باقتــاع‬ ‫أشــجار الــر‪ ،‬التــي طاملــا غرســوها بدربــه‪ ،‬مســتخدماً‬ ‫فؤوس ـاً جديــدة‪ ،‬لينبــت الحقــل نبات ـاً حســناً طاه ـرا ً‪،‬‬ ‫واســتخدم كل مــا مــن شــأنه أن يســاعده يف بــزوغ‬ ‫فجــر جديــد‪ ،‬يــرى فيــه الــدرب خاويــاً متامــاً مــن‬ ‫هــذه األشــجار‪ ،‬لتحــل محلهــا أشــجار الزيتــون‪ ،‬التــي‬ ‫ســتكون جذورهــا أكــر تشــبثاً بــاألرض‪ ،‬والتــي روتهــا‬ ‫دمــاء طاهــرة ســكبها شــهدائنا األبــرار‪.‬‬ ‫بــدأ الشــعب يف مثــل هــذا اليــوم بــزرع أشــجار اإلبــاء‪،‬‬ ‫والشــموخ‪ ،‬والعــزة‪ ،‬والتحــدي‪ ،‬والكربيــاء‪ ،‬لتشــكل‬ ‫بســتاناً يدعــى بســتان الكرامــة‪ ،‬هــذا البســتان‬ ‫الــذي يتالقــى مــع بســاتني أخــرى‪ ،‬يف أماكــن أخــرى‪،‬‬ ‫لتتوحــد‪ ،‬ولتشــكل مجتمعــة حديقــة الحريــة عــى‬ ‫امتــداد وطننــا الحبيــب‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫السورية‬

‫غريب الدار‬ ‫الثــورة التــي‬ ‫أ حببنا هــا‬ ‫إبراهيم العلوش‬ ‫الثــورة مزقتنــا‪ ،‬الثــورة ه ّجرتنــا‪ ،‬الثــورة تس ـ ّببت‬ ‫بتهديــم بيوتنــا‪ ،‬الثــورة د ّمــرت بالدنــا!!‬ ‫أجــل‪ ..‬الثــورة تســببت بــكل ذلــك‪ ،‬ولكنهــا ليســت‬ ‫هــي مــن قــام بــكل تلــك األفعــال الشــنيعة‪ ،‬ومل‬ ‫متــارس التعذيــب‪ ،‬ومل تقصفنــا بالرباميــل املتفجــرة‪،‬‬ ‫الثــورة أوقــدت يف دواخلنــا جــذوة الكرامــة والحريــة‪،‬‬ ‫ومل نعــد آبهــن مبفــارز املخابــرات وال بتهديداتهــم‪.‬‬ ‫الثــورة أيقظتنــا مــن ســبات الــذّل والنفــاق الــذي‬ ‫أهــدر أكــر مــن نصــف قــرن مــن حياتنــا‪ ،‬وجعــل‬ ‫بالدنــا رهينــة بأيــدي املســتبدين‪ ،‬ومل نكــن قادريــن‬ ‫عــى إبــداء مالحظــة‪ ،‬مهــا كانــت صغــرة يف‬ ‫شــأن بالدنــا‪ ،‬أمــام العقيــد رئيــس فــرع املخاب ـرات‬ ‫العســكرية‪ ،‬وال حتــى أمــام املخــر الصغــر الــذي‬ ‫يتغلغــل يف خصوصياتنــا‪ ،‬ويســتمتع بتقليــب أرسارنــا‬ ‫الحميمــة!‬ ‫لقــد تد ّمــرت بيوتنــا‪ ،‬وغادرنــا مــا مل يُد ّمــر منهــا‪،‬‬ ‫تاركــن تحويشــة العمــر‪ ،‬وسالســل الذكريــات‪ ،‬انتقلنــا‬ ‫مــن عــذاب إىل عذابــات‪ ،‬مــن عــذاب القصــف‬ ‫واالعتقــال‪ ،‬إىل عــذاب اللجــوء املــ ّر‪ ،‬والهجــرات‬ ‫املتتاليــة‪ ،‬والعــوز وفقــدان األمــل!‬ ‫خضعنــا البتــزاز النظــام الغاشــم‪ ،‬والبتــزاز بعــض‬ ‫رجــال الديــن الحاقديــن‪ ،‬وتـ َّم نهبنــا مــن قبــل بعــض‬ ‫النشــطاء الذيــن ص ّدقنــا بأنهــم مخلصــون للثــورة‬ ‫ولكرامــة اإلنســان الســوري املهــدورة!‬ ‫يســألنا أطفالنــا أيــن بالدنــا‪ ،‬وأيــن ألعابنــا‪ ،‬وأيــن‬ ‫شــوارعنا‪ ،‬وأيــن مدارســنا‪ ،‬أيــن زياراتنــا لألهــل‬ ‫وللجــ ّد والجــ ّدة‪ ،‬يســألنا أهلنــا‪ -‬عــر الواتــس أب‪-‬‬ ‫أيــن نحــن‪ ..‬ونســألهم أيــن أنتــم‪...‬؟‬ ‫كل مــن نــراه أيــن فــان‪ ..‬هــل مــا يــزال‬ ‫ونســأل ّ‬ ‫عــى قيــد الحيــاة أم اختطفــه أحــد الحواجــز‪ ،‬وأيــن‬ ‫صديقنــا املشــرك الــذي اختطفتــه داعــش‪ ..‬ومــاذا‬ ‫حــل بأقاصيصــه الجميلــة‪ ،‬وبلفتاتــه املضحكــة‪..‬‬ ‫وأيــن‪ ..‬وأيــن؟!‬ ‫مثــل بــركان انفجــرت الثــورة‪ ،‬بــركان كبــر ومد ّمــر‬ ‫وغــر آبــه مبصرينــا‪ ،‬وال بتفاصيلنا الصغــرة وال الكبرية‪،‬‬ ‫بــركان د ّمــر مقــوالت املســتبد‪ ،‬وجعلهــا إجرامـاً صافياً‬ ‫وواضحـاً‪ ،‬ال يقبــل التأويــل‪ ،‬وال يقبــل إعــادة اإلنتــاج‪،‬‬ ‫فامكينــات الكــذب توقفــت عــن العمــل‪ ،‬وعــن‬ ‫تكويــم األمجــاد الخالــدة ملجرمــي النظــام‪ ،‬ولرمــوزه‬ ‫الذيــن اعتاشــوا عــى شــقائنا وشــقاء بالدنــا نصــف‬ ‫قــرن‪ ،‬أو مــا يزيــد عــى نصــف القــرن!‬ ‫الثــورة أتعبتنــا ولكنهــا هــي الحــل‪ ،‬الثــورة هــي‬ ‫الخــاص مــا تراكــم يف بالدنــا مــن عفــنٍ ومــن ّ‬ ‫ذل‪،‬‬ ‫الثــورة ض ّحــت بنــا مــن أجــل أبنائنــا الباقــن‪ ،‬ومــن‬ ‫أجــل مســتقبلهم الخــايل مــن االســتبداد‪ ،‬ومــن أجــل‬ ‫حيــاة قادمــة ال تتخللهــا اســتدعاءات املخابـرات‪ ،‬وال‬ ‫أكاذيــب الشُ ـ َعب الحزبيــة‪ ،‬وال املس ـرات التاريخيــة‬ ‫الكاذبــة‪ ،‬ومــن أجــل حيــاة خاليــة مــن آلهــة التمــر‬ ‫البائســة‪ ،‬التــي قضينــا العمــر ُمرغمــن عــى تبجيلهــا!‬ ‫ليــس لنــا إال الثــورة‪ ..‬فهــي حلمنــا وأملنــا‪ ،‬فــا‬ ‫املســتبد الغاشــم وأتباعــه الشــبيحة هــم الحــل‪ ،‬وال‬ ‫التكفرييــن الحاقديــن عــى البــر وعــى الحجــر‬ ‫هــم الحــل‪ ،‬وال الخونــة الذيــن باعــوا قــرار بالدنــا‬ ‫لألجنبــي هــم الحــل‪.‬‬ ‫الثــورة هــي النجمــة الوحيــدة املشــ ّعة يف ســاء‬ ‫حياتنــا املظلمــة‪ ،‬ليــس لنــا إال الثــورة‪ ..‬ومــا تحملــه‬ ‫مــن حلــمٍ جميــلٍ وحريــ ٍة تنتشــلنا مــن وحــلِ‬ ‫االســتبداد وال ـذّل‪ ،‬لنأخــذ مكاننــا بــن األمــم الح ـ ّرة‬ ‫والكرميــة والقويّــة!‬


‫‪10‬‬

‫الثورة‬

‫السورية‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫مسألة اللجوء والهجرة إىل الغرب‬ ‫فوجئ البعض بفوز حزب الجبهة الوطنية‬ ‫الفرنيس يف االنتخابات اإلقليمية األخرية‪.‬‬ ‫وبعيداً عن لغة األرقام والنسبية الرضورية‬ ‫يف معالجتها بالنظر اىل عدد من اقرتع‪ ،‬ومع‬ ‫اإلشارة بأن ناخبي هذا الحزب اليميني‬ ‫املتطرف‪ ،‬والذي يتبنى خطاباً عنرصياً‪ ،‬مل يزد‬ ‫عددهم إال بكمية ضئيلة عن آخر انتخابات‬ ‫رئاسية جرت يف فرنسا (ما يقارب ‪ 6‬مليون‬ ‫ناخب)‪ ،‬إال أن أغلب املراقبني أغفلوا اإلشارة‬ ‫إىل عدد املمتنعني عن التصويت الكبري‪ .‬ومن‬ ‫أشار إليهم‪ ،‬تناولهم بالغضب املربر نسبياً ألن‬ ‫بامتناعهم ساهموا يف بروز التطرف السيايس‬ ‫لحزب مارين لو بني‪ .‬وجاءهم الرد املربر‬ ‫أيضاً‪ ،‬بأن كثرياً من الفرنسيني ُمحبط من أداء‬ ‫األحزاب التقليدية بيمينها وبيسارها‪.‬‬ ‫ميكــن ربــط أســباب هــذا التوجــه مبســألة‬ ‫اللجــوء وبقضيــة اإلرهــاب‪ .‬ومــع املقتلــة‬ ‫الســورية املســتمرة يف ظــل صمــت متواطــئ‬ ‫عربيــاً ودوليــاً‪ ،‬ومــا نجــم عنهــا مــن نــزوح‬ ‫داخــي ولجــوء خارجــي‪ ،‬بــدأت ظاهــرة قــوارب‬ ‫املــوت‪ ،‬كــا صــور الجثــث التــي يلفظهــا البحــر‬ ‫األبيــض املتوســط‪ ،‬كــا صــور اآلالف أمــام‬ ‫أســاك الغــرب الشــائكة‪ .‬تُثــر الجــدل بعيــدا ً‬ ‫عــن مســبباتها الرئيســية‪.‬‬ ‫ابتعــد إذا مــا يُســ ّمى باملجتمــع الــدويل عــن‬ ‫الســبب وجــذور الثــورة الســورية التــي‬ ‫تح ّولــت إىل عمليــة قتــل جامعــي لشــعب مل‬ ‫يطمــح‪ ،‬بعــد عقــود طويلــة مــن ليل االســتبداد‬ ‫الســدميي‪ ،‬إال لقليــلٍ مــن الحريــة‪ ،‬وركّــز‬ ‫كل اهتاممــه عــا متخّــض عنهــا مــن لجــوء‬ ‫وهجــرة‪ .‬كــا أنــه ابتعــد عــن االهتــام بالنزوح‬ ‫الداخــي‪ ،‬وعــن الحالــة اإلنســانية الكارثيــة‬ ‫التــي يعيشــها الســوريون يف مخيــات الــدول‬ ‫املحيطــة بســوريا‪ ،‬لظنــه بأنهــم ال يُشــكّلون‬ ‫خطــرا ً يُهــدد اســتقراره وأمنــه‪.‬‬ ‫إضافــة إىل ظاهــرة اللجــوء‪ ،‬بــرز مــن نتائــج‬ ‫الكارثــة الســورية‪ ،‬ظهــور الجامعــات اإلرهابيــة‬ ‫الدخيلــة عــى املشــهد الثــوري واالجتامعــي‬ ‫والدينــي والثقــايف يف هــذا البلــد‪ .‬فبعــد ســنة أو‬ ‫أكــر مــن انطالقــة الثــورة‪ ،‬ظهــرت عــى ســاحة‬ ‫املــوت جامعــات رسعــان مــا متخّض عــن بعضها‬ ‫تنظيــات إرهابيــة‪ .‬ومتــددت هــذه املجموعات‬ ‫لتهــدد الغــرب عــى أرضــه‪.‬‬ ‫فأحــداث يــوم الجمعــة األســود يف ‪ 13‬ترشيــن‬

‫سالم الكواكبي‬ ‫الثــاين ‪ 2015‬صعقــت املجتمــع الفرنــي مبــدى‬ ‫وحشــيتها‪ .‬فاإلرهابيــون اســتهدفوا ملعــب‬ ‫الرياضــة وصالــة املوســيقا واملقهــى‪ .‬أماكــن‬ ‫شـكّلت لهــم عقــدة تجــاه محبــة الحيــاة بعــد‬ ‫أن أصبحــوا مشــحونني مبحبــة املــوت وصناعتــه‪.‬‬ ‫مــع الصدمــة الداميــة إذا ً‪ ،‬أُضيــف عامــل مبارش‬ ‫آخــر للخــوف مــن الغريــب‪ .‬وقــد قفــز اليمــن‬ ‫املتطــرف عــى هــذه الفرصــة الذهبيــة لإلشــارة‬ ‫إىل الخطــر القــادم مــع الالجئــن‪ .‬وهــو برأيهــم‬ ‫ال يتمثــل فقــط بالتهديــد يف لقمــة العيــش‬ ‫بأســعار عمــل منخفضــة‪ ،‬وإمنــا صــار مرتبط ـاً‬ ‫بصناعــة املــوت وتهديــد الحيــاة الغربيــة‪ .‬لقــد‬ ‫صــار أيضـاً مرتبطـاً بعــادات وتقاليــد ميكــن لهــا‬ ‫أن ت ُغـ ّـر‪ ،‬كــا ي ّدعــي الفكــر املتطــرف األقــرب‬ ‫إىل الفاشــية‪ ،‬مــن طبيعــة املجتمــع الفرنــي‪.‬‬ ‫إن صعــود اليمــن املتطــرف حديث ـاً يف أوروبــا‬ ‫يعــود أساســاً إىل غيــاب البدائــل السياســية‬ ‫التقليديــة يف أكــر مــن بلــد‪ .‬فبدايــة‪ ،‬كان انهيار‬ ‫االتحــاد الســوفييتي ومنظومتــه‪ ،‬وهــو الــذي‬ ‫أ ّدى إىل ارتفــاع التحــ ّول إىل التطــرف اليمينــي‬ ‫كــر ّدة فعــل عــى املعانــاة مــن منظومــة‬ ‫اشــراكية فاســدة‪ .‬كــا أن القمــع الــذي كان‬ ‫ســائدا ً‪ ،‬كان يتلفّــح بالتضامــن مــع «قضايــا‬ ‫الشــعوب» و»األنظمــة الصديقــة» و»األح ـزاب‬ ‫التقدميــة»‪ ،‬وكلهــا تعابــر حــق مــورس مــن‬ ‫خاللهــا الباطــل اقتصاديــاً وسياســياً‪ .‬ويف هــذا‬ ‫التلطّــي‪ ،‬إســقاط مبــارش عــى حالــة وواقــع‬ ‫األنظمــة العربيــة املســتبدة التــي أفقــرت‬ ‫شــعوبها وقمعتهــا‪ ،‬وفرضــت عليهــا تطرفــاً‬

‫وجهــاً‪ ،‬بحجــة مواجهــة «العــدو الصهيــوين»‪ .‬مجتمعــات غــر أوروبيــة تتفــق يف سياســاتها‬ ‫وبالعــودة إىل الواقــع األورويب يف دول مــا كان مــع هــذا التوجــه مقابــل عطــاءات ماليــة أو‬ ‫يُعــرف باملعســكر االشــرايك‪ ،‬نــرى صعــودا ً سياســية‪.‬‬ ‫رسيعــاً وقويــاً تــى اندثــار القــرة الرخــوة‬ ‫يف حالــة الســوريني‪ ،‬وهــم الغالبيــة مــن‬ ‫مــن األيديولوجيــا اليســارية‪ .‬فكــرت األح ـزاب‬ ‫العنرصيــة‪ ،‬وتك ّونــت أحـزاب تحمــل يف رشيــان الالجئــن يف األشــهر القليلــة املاضيــة‪ ،‬فتشــديد‬ ‫اإلجــراءات وتعزيــز الخــوف مــن االخرتاقــات‬ ‫حياتهــا فكــرة مواجهــة اآلخــر وكراهيتــه‪.‬‬ ‫وليــس مــن املســتغرب‪ ،‬عنــد مراجعــة محــارض اإلرهابيــة بــن صفوفهــم‪ ،‬ال تصــب إال يف‬ ‫جلســات املؤسســات األوروبيــة‪ ،‬أن يُالحــظ مصلحــة سياســات وخطابــات اليمــن املتطــرف‬ ‫تعــدد التحفّظــات الصــادرة عــن البلــدان بعيــدا ً عــن كل حقيقــة وواقــع‪ .‬ويبــدو جل ّي ـاً‬ ‫املنضويــة حديثــاً يف االتحــاد األورويب مــن بــأن سياســات اليســار تختلــف بــن الحملــة‬ ‫وســط ورشق القــارة األوروبيــة عندمــا يتعلــق االنتخابيــة التــي تحمــل الوعــود الورديــة‬ ‫األمــر بتقديــم املســاعدات أو تطويــر العالقــات والتجربــة يف الحكومــة التــي ميكــن مقارنتهــا‬ ‫مــع دول جنــوب املتوســط وإفريقيــا‪ .‬كــا بأســوأ اإلدارات اليمينيــة معالجــة للمســألة‪.‬‬ ‫يُالحــظ بــأن التحفظــات عديــدة فيــا يتعلّــق مقابــل برامــج أو طروحــات مختلــف اليمــن‬ ‫بسياســات الهجــرة واســتقبال األجانــب‪ ،‬وذلــك املتطــرف األورويب‪ ،‬قليلــون هــم رجال السياســة‬ ‫أو الفكــر مــن اليســاريني أو مــن غريهــم‬ ‫قبــل بــروز ظاهــرة اللجــوء‪.‬‬ ‫عــى مســتوى أوروبــا‪ ،‬تــم تســجيل أكــر ممــن حاولــوا اإلجابــة بشــكل رصيــح ومحــدد‬ ‫مــن ‪ 630‬ألــف حالــة طلــب لجــوء ســنة ‪ 2015‬عــى تر ّهــات أطيــاف اليمــن املتطــرف‪ .‬ومــا‬ ‫باملقارنــة مــع رقــم مل يكــن يتجــاوز ‪ 200‬ألــف زاد املوضــوع تعقيــدا ً‪ ،‬اقــراب االســتحقاقات‬ ‫يف الســنوات الســابقة‪ .‬الجــواب األورويب عــى االنتخابيــة يف عديــد مــن الــدول‪ .‬لقــد دفــع‬ ‫هــذا التزايــد يفتقــد متامــاً للخيــال والرؤيــة‪ .‬هــذا بــكل السياســيني إىل تبنــي لغــة الحــذر‬ ‫يُعــاد تك ـرار نفــس األخطــاء التــي ارتكبــت يف واملواربــة يف معالجــة املســألة خوفــاً مــن‬ ‫إدارة مســألة الهجــرة منــذ ثالثــن عامـاً‪ .‬معايــر فقــدان األصــوات‪.‬‬ ‫أمنيــة يف الدرجــة األوىل‪ ،‬كإقامــة الجــدران إن دور املثقــف كان أساســياً يف الدول األوروبية‬ ‫وتجييــش الحــدود‪ .‬كــا تتكاثــر الترصيحــات إبــان األزمــات السياســية واإلنســانية ســابقاً‪.‬‬ ‫السياســوية عــن إعــادة وضــع مــروع عــودة فقــد لعــب املثقفــون مــن كافــة التوجهــات‬ ‫الالجئــن مرغمــن إىل بلدانهــم عــى الطاولــة‪ ،‬السياســية دورا ً هامــاً يف قيــادة مســرات‬ ‫أو يف البحــث حــول كيفيــة إعــادة إدماجهــم يف تضامنيــة هائلــة التأثــر إن كان بخصــوص‬

‫الحــروب االســتعامرية ومــا تالهــا‪ ،‬أو بخصــوص‬ ‫فتــح الحــدود أمــام الجئــي القــوارب مــن‬ ‫الهنــد الصينيــة يف ســبعينات القــرن املــايض‪،‬‬ ‫حيــث اســتقبلت حينهــا فرنســا لوحدهــا أكــر‬ ‫مــن ‪ 130‬ألــف الجــئ‪ .‬كــا ت ُعتــر إصداراتهــم‬ ‫الفكريــة يف علــوم الهجــرة واالندمــاج ركنــاً‬ ‫أساســياً يتــم تدريســه حتــى اليــوم‪ .‬وهــم كانــوا‬ ‫أول مــن ن ّبــه إىل خطــر اســتغالل املتطرفــن‬ ‫والعنرصيــن ملســألة الهجــرة واللجــوء‪.‬‬ ‫اليــوم‪ ،‬يــرز مثقفــون أوروبيــون مــن نــوع‬ ‫جديــد‪ ،‬ميكــن تســميتهم بـ»الســياديني»‪ .‬وهــم‬ ‫يطــورون فكــرا ً مثقــاً بكــره متنكــر لألجنبــي‬ ‫وخصوصــاً ذاك اآليت مــن ديــنٍ مختلــف‪.‬‬ ‫ورواجهــم كبــر نتيجــة توصلهــم إىل معرفــة‬ ‫مفتــاح اللغــة املبســطة‪ ،‬وتســليط وســائل‬ ‫اإلعــام الضــوء عليهــم‪ .‬وكثــ ٌر منهــم أىت مــن‬ ‫لــدن اليســار ويصــب الزيــت عــى نــار اليمــن‬ ‫املتطــرف مبواقفــه‪.‬‬ ‫التطــرف ظاهــرة خطــرة يف املجتمعــات‬ ‫األوروبيــة‪ ،‬ولكــن املبالغــة بتأثريهــا مامرســة‬ ‫غــر مفيــدة‪ .‬إن طبيعــة املجتمعــات السياســية‬ ‫الغربيــة ال ميكــن أن تســمح بتطــور هــذه‬ ‫الظاهــرة إىل حــد ميكــن أن يشــكّل خطــراً‬ ‫ملموســاً‪ .‬وهنــاك أيضــاً دور املجتمعــات‬ ‫املدنيــة املؤثّــر‪ ،‬واإلعــام الــذي يتمتــع بحريات‬ ‫واســعة‪ ،‬ووعــي النخبــة السياســية التقليديــة‪.‬‬ ‫إن كل مــا ســبق يدعــم القناعــة بصعوبــة‬ ‫طغيــان التيــار العنــري املتطــرف عــى‬ ‫مقدمــة املشــهد‪.‬‬

‫الثورة السورية يف ذكراها الخامسة تستعيد املبادرة‬ ‫بشير الهويدي‬ ‫أكملــت الثــورة الســورية ســنتها‬ ‫الخامســة‪ ..‬وإذا مــا اســتعرضنا مســرة هــذه‬ ‫الســنوات الخمــس قــد نختلــف‪ .‬وقــد نتفــق‬ ‫يف جوانــب كثــرة‪ .‬لكــن هنــاك ثابــت واحــد‬ ‫هــو أن الســوريني خرجــوا وهتفــوا مــن‬ ‫أجــل الكرامــة والحريــة‪ ،‬مــن أجــل أن تكــون‬ ‫لهــم دولــة يحكمهــا القانــون‪ .‬وقيــم العــدل‬ ‫واملســاواة‪.‬‬ ‫مــا حــدث ويجــب أن نعــرف بــأن املســار‬ ‫الثــوري قــد أصيــب بانحرافــات كثــرة‪،‬‬ ‫وابتــي بأيدولوجيــات وشــعارات أحاديــة‬ ‫هــي وجــه آخــر بشــع مــن أوجــه االســتبداد‪.‬‬ ‫هــذه األيديولوجيــات والرايــات قــادت إىل‬ ‫كــرة الالعبــن عــى الســاحة الســورية‪ ،‬التــي‬ ‫أصبحــت ميدانــاً واســعاً لتصفيــة الحســابات‬ ‫اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬بــل وحقــل تجــارب‬

‫وســوقاً لترصيــف منتجــات مصانــع الســاح‪.‬‬ ‫وموطئــاً لــكل مــن هــب ودب مــن القتلــة‬ ‫والســفاحني الذيــن رفعــوا الشــعارات الدينيــة‬ ‫زورا ً وبهتانــاً وتنطعــاً‪ ،‬مــا أشــر إليــه يدركــه‬ ‫الــكل‪ ،‬وهــو ليــس بالجديــد‪ ،‬هــو املنطــق‬ ‫الــكاريث الــذي صــادر الثــورة‪ ،‬ورشد وقتــل‬ ‫املاليــن‪ ،‬وحــول ســورية إىل لعبــة أمــم ال‬ ‫نــدري متــى تنتهــي‪ ،‬وال إىل أيــن تتجــه‬

‫اليــوم نحــن بحاجــة ماســة إىل ق ـراءة واقعيــة‬ ‫ومعمقــة للتجربــة‪ ،‬هنــاك متغ ـرات إقليميــة‬ ‫ودوليــة وق ـرارات اتخــذت مــن قبــل القــوى‬ ‫الكــرى‪ ،‬ومــا يصــدر عــر وســائل اإلعــام مــا‬ ‫هــو إال نــز ٌر يســر مــن الحقيقــة التــي هــي‬ ‫تحــت الطاولــة وطــي األدراج املغلقــة‪ ،‬والتــي‬ ‫تتضمــن شــكل الدولــة الســورية القادمــة‪،‬‬ ‫وشــكل نظامهــا الســيايس أيضــاً‪.‬‬

‫أمــا مــا يقــال عــن مفاوضــات وأخــذ ورد فــا‬ ‫هــي إال فصــول معــدة لســيناريو كتــب وأقــر‪.‬‬ ‫ومــا بقــي إال أن ننتظــر إشــارة البــدء مــن‬ ‫املخــرج‪.‬‬ ‫ومــا ن ـراه يوحــي بــأن هنــاك تقاســم مصالــح‬ ‫ونفــوذ بــن القــوى ذات التأثــر عــر خطــوط‬ ‫بــدأت معاملهــا بالظهــور‪.‬‬ ‫االهتــام األمريــي مبنطقــة الجزيــرة‪( ،‬بنــاء‬ ‫مطــار ومــدرج حديــث) يوازيــه التطلــع‬ ‫الــرويس الــذي أحكــم قواعــده العســكرية يف‬ ‫منطقــة الســاحل وغريهــا‪..‬‬ ‫بالنســبة إىل داعــش وأخواتهــا‪ ،‬مــا هــي إال‬ ‫مــروع اســتخبارايت اســتنفذت أغراضــه‬ ‫ووجــب التخلــص منــه‪ ،‬مــروع أوصــل‬ ‫الســوريني إىل منتهــى القــرف واألمل والقبــول‬ ‫ببدائــل رمبــا كانــت يف الســابق مســتنكرة‬ ‫ومرفوضــة‪ ،‬داعــش هــي الكارثــة التــي فتحــت‬

‫املجــال لــكل هــذا النكــوص‪ ،‬واليــأس‪ ،‬وكل‬ ‫هــذا التدخــل املتعــدد األشــكال واأللــوان بــدءا ً‬ ‫مــن جلبهــا لعــرات اآلالف مــن األغــراب‬ ‫الذيــن يحملــون ثقافــة مدمــرة وهمجيــة‪،‬‬ ‫غريبــة عــى الســوريني وأخالقهــم‪ ،‬ووصــوالً إىل‬ ‫بــروز قــوى أخــرى لهــا مامرســاتها املرفوضــة‬ ‫أيضـاً لكنهــا مدعومــة بقــوى دوليــة‪ ،‬وأصبحت‬ ‫واقعـاً ال ميكــن تجــاوزه‪ ،‬ويجــب احتــواءه عــى‬ ‫أقــل تقديــر ‪pyd‬‬ ‫بعــد خمــس ســنوات مــن الواجــب‪ ،‬ومــن‬ ‫املهــم أن نســتعيد املبــادرة‪ ،‬ولــو سياســياً‪،‬‬ ‫وهــذا يفــرض وجودنــا يف منتصــف الطاولــة‪،‬‬ ‫وليــس عــى حوافهــا لنتعامــل مــع املمكــن‬ ‫واملتــاح‪ .‬ودون الخــروج عــن الهــدف املتمثــل‬ ‫يف وصولنــا إىل نظــام مــدين تعــددي دميقراطي‪،‬‬ ‫ولــكل الســوريني عــى اختــاف أعراقهــم‬ ‫وانتامئهــم وأديانهــم‪.‬‬


‫الثورة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫الصبار‬ ‫شعر‪ :‬علي شيخو برازي‬ ‫سورية التاريخ‬ ‫يا بلد الشمس والقمر‬ ‫سنني م ّرت ِ‬ ‫وأنت‬ ‫ترتدين الدخان والغبار‬ ‫إىل متى ستصمدين‬ ‫يف ش ّدة اإلعصار؟‬ ‫سيل حقد أعمى‬ ‫يجرف تعب الدهر‬ ‫الساكن يف جدائل‬ ‫الزيتون والليمون والجلنار!‬ ‫يجرف أجمل مسافات الود‬ ‫بني الجار والجار‬ ‫ها هي الجفون تشد الرحال‬ ‫إىل وجع القيثار‪.‬‬ ‫أنهر من الدمع والدم‬ ‫تجري دون وجهة‬ ‫يف متاهات الدوالر‬ ‫حلم أجيال الليل الكئيب‬ ‫ضاع عىل أكتاف النهار‬ ‫حدائقك الغناء أصبحت‬ ‫غابات من القندريس‬ ‫والصبار‪.‬‬ ‫حرائر الشام والشهباء‬ ‫والرقتني و ما بينهام‬ ‫يف سوق النخاسة‬

‫أو يف سجون االحتضار‬ ‫أطفال الحرية يطفون‬ ‫عىل أمواج البحار ‪.‬‬ ‫مدن من القبور‬ ‫تبحث عن اسم لها‬ ‫بني البارود والنار‬ ‫اضمحلت معامل الحضارة‬ ‫زنوبيا وأخواتها ‪....‬‬ ‫يف العراق والشام‬ ‫تنئ تحت أقدار الكفار ‪.‬‬ ‫تشتت الياسمني ‪...‬‬ ‫يف أصقاع األرض‬ ‫يشحذ كرامة من عىل‬ ‫أرصفة التجار‬ ‫ساسة العهر ‪....‬‬ ‫رسقوا الوطن ‪...‬‬ ‫وباتوا ينامون عىل‬ ‫وقع األخبار ‪.‬‬ ‫أي قضية ثكىل ِ‬ ‫أنت‬ ‫ّ‬ ‫يف فيايف الرساب‬ ‫يا قضيتي ؟‬ ‫والحل ينزوي يف سبطانات‬ ‫املدافع !‬ ‫أو يف عباءة الطيار ‪.‬‬

‫السورية‬

‫حـجٌّ إىل الـقيـامـة‬ ‫‪...........................................................‬‬ ‫كل الـ ُمستأشَ فني من أرضهم يف هذه األرض‪،‬‬ ‫إىل ِّ‬ ‫كل الراحلني عن بالدهم بأي طريقة‪ ،‬قهرا ً‪..‬‬ ‫وإىل ّ‬ ‫‪............................................................‬‬ ‫هناك يف الوطنِ املكذوب‬ ‫الوطن ال ُهالم!‬ ‫اللوجود إىل‬ ‫حيث ال ّراحلون من ّ‬ ‫العدم‬ ‫الـ ُمتسلّلو َن بِصحبة ال ّنكبات‬ ‫والتجاعيد‬ ‫الـموشومون بِغيث األحداق‬

‫ال ّنافضون ركا َم الذّاكر ِة القاسية‬ ‫الحابُون نحو الحتوف‬ ‫العابرون الشقا َء من ُذ سنني‬ ‫ال ّراكبون يف قوافلِ االغرتاب‬ ‫الحا ّجون إىل القيامة قبل األوان‬ ‫ِ‬ ‫الـمـوت إىل‬ ‫الـ ُمنتقلو َن من‬ ‫الـمـوت‬

‫*‬ ‫األمواتُ النازحون‬ ‫الخارجون من فـ ّوهـ ِة مدين ِتهم‬ ‫التي ضاقت بهم‬ ‫الـ ُمتدفّقون ع َرب املعاب ِر والحدود‬ ‫إىل الطّالسمِ واملجهول‬ ‫املسافرو َن إىل الوراء‬

‫«الديكتاتــور ذو الرقبة الطويلة»‬ ‫جديد حمزة رســتناوي الشــعري‬

‫القاهرة ـ وفاء شهاب الدين‬

‫هكــذا مثلــا هــم‪ ،‬مثلــا هــم يتقبلوننــا‬ ‫عــى عالتنــا‪ ..‬مل ال نكــون نحــن املــرىض‬ ‫بأفكارنــا املتعفنــه الصدئــة التــي عفــى عليهــا‬ ‫الزمــن‪ ،‬مــن أعطانــا الحــق بــأن نجردهــم‬ ‫مــن آدميتهــم ونجعلهــم ذليــي النفــس‪ ..‬أال‬ ‫يكفــي مــا هــو مقــدر لهــم‪ ..‬أيجــب عليهــم‬ ‫أن يتحملــو جهلنــا وحامقتنــا‪ ..‬متــى ســتتبدل‬ ‫املفاهيــم يف مجتمعنــا؟!‬ ‫أتــرك لنفســك العنــان مــع ذاك امللــف األزرق‬ ‫الــذي ســيأخذك يف رحلــة يف عــامل املــرض‬

‫الالئذو َن بِأرصف ِة الغرباء‬ ‫املعجونو َن بِالغربة‬ ‫من امليال ِد حتّى الـمامت‬ ‫اللعقو َن عفون َة متا ِعهم‬ ‫ّ‬ ‫وذاكرتِهم‬ ‫*‬ ‫الـ ُممتطون ِقمم الـموت ق ّم ًة‬

‫إثر ق ّمة‬ ‫الهاوو َن يف قيعان البؤس من ُذ‬ ‫األزل‬ ‫يلُـوكو َن خناج َر الغدر‬ ‫الشاهة‬ ‫ويجـتـ ّرو َن هراوات ّ‬ ‫لل ّدم وال ّنفط بال هوادة‬ ‫وبال هوي ٍة وال ذوات!‬

‫شعر‪ :‬ديمة محمود‬

‫رواية «ملف أزرق» للشيماء عبد العال‬ ‫صــدر حديثــاً عــن دار نــون للنــر‬ ‫والتوزيــع بالقاهــرة روايــة «ملــف أزرق»‬ ‫للمعالجــة النفســية أ‪ /‬الشــيامء عبــد العــال‬ ‫تــدور الروايــة حــول العــامل الداخــي للنفــس‬ ‫اإلنســانية يف حالــة املــرض النفــي‪ ،‬رمبــا‬ ‫تتســاءل مــاذا يكــون املــرض النفــي‪ ،‬تــراه‬ ‫مجنونــاً؟! تــرى هــل يصــح أن نطلــق عــى‬ ‫املريــض النفــي مجنــون؟‪ ..‬هنــا تجــد‬ ‫نفســك أمــام مجتمــع يــرى املريــض النفــي‬ ‫جرميــة يعاقــب عليهــا املــرىض‪ ،‬مجتمــع كل‬ ‫مــا يقدمــه هــو الجحــود والظلــم ألنــاس‬ ‫ال يحتاجــون ســوى أن يعيشــوا حارضهــم‬ ‫الســيئ‪ ،‬ويواجهــوا مســتقبلهم املظلــم‪ ،‬بــل‬ ‫وأيضــاً يعانــون مــن املــايض املــؤمل الــذي ال‬ ‫يســتطيعون نســيانه‪ ،‬بــل ويرتبــص بهــم مــن‬ ‫كل صــوب وجهــة‪ ،‬هــؤالء مــن ظلمتهــم‬ ‫عقولهــم‪ ،‬ومل تصمــد تجــاه مــا واجهــوا مــن‬ ‫ضغــوط أردتهــم ضحايــا ألمـراض مزمنــة‪ ،‬بــل‬ ‫هــؤالء مــن مل يكــن لهــم ذنبــاٌ يف جيناتهــم‬ ‫املرضيــة التــي جعلــت منهــم أرسى لشــئ ال‬ ‫ينتهــي‪ ،‬جعلــت منهــم مدمنــن لعالجاتهــم‬ ‫التــي تفعــل بهــم األفاعيــل فقــط ليعيشــوا‪،‬‬ ‫ال يســتطيعون الفــكاك مــن تلــك األدويــة‬ ‫اللعينــة التــي ميقتونهــا بشــدة‪ ..‬ولكــن ال‬ ‫ســبيل إال هــي‪ ..‬تــرى ملــاذا نبغضهــم أو‬ ‫نهاجمهــم أو نجرحهــم؟؟ مل ال نتقبلهــم‬

‫‪11‬‬

‫النفــي فلرمبــا لــو كنــت تســتهجنه أو ترفضه‬ ‫تغــر مــن فكرتــك تجاهــه‪ ،‬أو رمبــا يضيــف‬ ‫لــك معلومــة غائبــة عنــك عــن مــرض مرضــاه‬ ‫مل يســلط عليهــم الضــوء‪ ،‬ورمبــا تتســاءل مــا‬ ‫هــو ذاك املــرض‪ ،‬ســأخربك ألثــري الفضــول‬ ‫بداخلــك‪ ..‬املــرض هــو االضطــراب ثنــايئ‬ ‫القطــب‪ ،‬أو فيــا يعــرف قدميــا بـ(الهــوس‬ ‫االكتئــايب)‪ ..‬تتســاءل عــن روايــة ملــف أزرق‬ ‫عــا تحويــه مــن أحــداث لــن متلهــا‪ ،‬وحتــا‬ ‫ســتغري نظرتــك لهــؤالء‪.‬‬

‫صحيفة احلرمل‪ :‬ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع بيت الرقة لكل السوريني‬

‫الحرمل ـ خاص‬ ‫صــدر حديثــاً عــن دار أوراق يف‬ ‫القاهــرة الديــوان الشــعري الجديــد‬ ‫«الديكتاتــور ذو الرقبــة الطويلــة»‬ ‫للشــاعر الســوري الدكتــور حمــزة‬ ‫رســتناوي‪ ،‬والــذي حمــل عنوانــاً‪،‬‬ ‫يثــر إشــكاليات جديــدة حــول طغــاة‬ ‫العــر الحديــث‪ ،‬الذيــن ميارســون‬ ‫القتــل والتدمــر يف حــق شــعوبهم‬ ‫املغيّبــة‪ ،‬يف إشــارة واضحــة لديكتاتــور‬ ‫ســوريا‪.‬‬ ‫«الديكتاتــور ذو الرقبــة الطويلــة»‪ ،‬هــو‬ ‫الكتــاب الشــعري الخامــس لحمــزة‬ ‫رســتناوي بعــد‪« :‬طريــق بــا أقــدام»‪،‬‬ ‫و»ملكــوت الرنجــس»‪ ،‬و»ســيدة‬ ‫الرمــال»‪ ،‬و»الشــذرات»‪.‬‬ ‫وجــاء يف إهــداء الكتــاب‪« :‬إىل أصــوات‬ ‫مــن ماتــوا لــي نعيــش‪ ..‬إىل مــن فقــدوا‬ ‫حناجرهــم لــي نت ّكلّــم‪ ..‬وملّــا نتكلّــم!»‪ ،‬وجــاء‬ ‫الكتــاب يف ‪ 111‬صفحــة مــن القطــع الصغــر‪،‬‬ ‫ويحتــوي عــى ثالثــة أقســام‪ ،‬القســم األول‬ ‫هواجــس الصــوت القصــر‪ ،‬هواجــس الصــوت‬ ‫الطويــل‪ ،‬يف يقظــة الصــوت‪ ..‬مــا بعــد آذار‪.‬‬ ‫ويتألــف القســم األخــر مــن قصائــد مســتوحاة‬ ‫ُتبــت‬ ‫وذات صلــة بالثــورة الســورية‪ ،‬وقــد ك ْ‬ ‫معظــم قصائــد املجموعــة عــى طريقــة قصيدة‬ ‫النــر‪ ،‬وبعضهــا عــى طريقــة التفعيلــة‪ ،‬ونختــم‬ ‫‪M‬‬

‫‪O‬‬

‫‪C‬‬

‫‪.‬‬

‫‪L‬‬

‫‪A‬‬

‫‪M‬‬

‫رئي��س جمل��س اإلدارة و رئي��س التحري��ر‪ :‬بس��ام البليب��ل ‪ /‬مدي��ر التحري��ر‪ :‬يوس��ف دعي��س للتواصل عرب فيس بوك‬ ‫‪ ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete‬للتواصل عرب تويرت‬ ‫‪ SAYI: 36 YIL: 2016 )2) -‬للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬

‫‪İMTİYAZ SAHİBİ: ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: BASSAM ALBULAIBL‬‬ ‫‪BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬ ‫‪MOB: 00905316201958‬‬

‫‪R‬‬

‫‪A‬‬

‫‪H‬‬

‫مبقطــع قصــر مــن أجــواء املجموعــة الشــعرية‪:‬‬ ‫أجــدادي‬ ‫(الفقــراتُ التــي َو ِرثْتُ َهــا عــ ْن‬ ‫َ‬ ‫ا لد ينا صــورا ت‬ ‫سأجعلُ َها زنازي َن لهم‬ ‫والرشاي ُني التي ألهمتني الحيا َة‬ ‫سأل ُّف َها َ‬ ‫حول أعناقهم‬ ‫يف ِ‬ ‫مجد رقبتي‪ ..‬ستعيشون!‬ ‫سأنصب طاول ًة للحوا ِر‬ ‫وأسفل ذقني‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫تحت سقفي أنا‬ ‫َ‬ ‫تحت سقفي‬ ‫َ‬ ‫تحت ِ‬ ‫سقف الوطن‪).‬‬ ‫َ‬ ‫‪L‬‬

‫‪A‬‬

‫‪.‬‬

‫‪W‬‬

‫‪W‬‬

‫‪W‬‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬

‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Muzaffer kartal bahçelievler- hekŞmler apt no.3 ŞanliUrfa‬‬


‫‪12‬‬

‫الثقافة‬ ‫حرمل الثورة‬

‫زاويـة حـرة‬

‫السورية‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫الحــراك النســائي‬ ‫ووعــي التحديــات‬ ‫د‪ .‬سماح هدايا‬

‫الفن والثورة‬

‫فهد الحسن‬

‫كلنــا يعلــم أن الثــورات الشــعبية‬ ‫يف العــامل هــي حـراك اجتامعــي بالدرجــة‬ ‫األوىل‪ ،‬هدفــه التغيــر يف بنيــة املجتمــع يف‬ ‫كل مناحيــه‪ ،‬وصــوالً إىل عدالــة اجتامعيــة‬ ‫مفقــودة‪ ،‬وحقــوق أفــراد سياســة‬ ‫واقتصاديــة تــم هدرهــا وتناســيها مــن‬ ‫قبــل ســلطة نظــام ســيايس حاكــم جائــر‬ ‫وظــامل‪..‬‬ ‫والثــورات التــي شــهدها العــامل يف الحقــب‬ ‫الحديثــة مل تكــن ذات طابع ســيايس رصف‪،‬‬ ‫ومل تقدهــا الفئــات الثوريــة أو الطليعيــة‬ ‫املرتبطــة بهــذه الفئــات‪ ،‬بــل تضافــرت‬ ‫جهــود متعــددة‪ ،‬وســاهمت فعاليــات‬ ‫كثــرة حتــى تبلــورت كل الــرؤى للوصــول‬ ‫إىل تحقيــق األهــداف املرجــوة مــن هكــذا‬ ‫حــراك واســع يف املجتمــع‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫اصطلــح عــى تســميته بالثــورة‪.‬‬ ‫ومــن الجهــود املؤثــرة يف تعميــق رؤى‬ ‫الثــورة وإنتاجهــا معرفيـاً وثقافيـاً إىل جانب‬ ‫النضــال الســيايس والعســكري أحيان ـاً هــي‬ ‫جهــود الطبقــة املثقفــة (االنتلجنســيا)‬ ‫التــي اضطلعــت بــدور ريــادي فعــال‬ ‫يف صقــل‪ ،‬ورفــد نســغ التغيــر الشــامل‬ ‫بظاللهــا ورؤاهــا وأفكارهــا الخالقــة التــي‬ ‫تســعى دومــاً إىل بنــاء مجتمــع نظيــف‬ ‫قائــم عــى مبــدأ تكافــؤ الفــرص وتســاوي‬

‫املواطنــن يف الحقــوق والواجبــات العامــة‪،‬‬ ‫وقــد كان لهــذه الجهــود دورهــا الفعــال يف‬ ‫تثويــر الفكــر الثــوري‪ ،‬وايصالــه إىل قناعــات‬ ‫ثابتــة يف أن الفــن مبختلــف تياراتــه وأقنيتــه‬ ‫هــو عامــل أســاس يف دفــع عجلــة الثــورات‪،‬‬ ‫واالرتقــاء بهــا إىل مســتو مــن التســامي‬ ‫والرقــي‪ ،‬وعــدم انجرارهــا إىل أهــواء‬ ‫ونزعــات هوجــاء قــد تعمــل عــى احباطهــا‬ ‫ورشذمتهــا وتأخريهــا‪ ،‬والفــن كأداة خلــق‬ ‫وإبــداع منــوط بــه إعــداد اإلنســان الثوري‪،‬‬ ‫وتهذيــب رغائبــه وأســلوب تعاطيــه مــع‬ ‫حركــة التغيــر التــي آمــن بهــا‪ ،‬والنهــوض‬ ‫بوعــي إىل املســتوى الالئــق مبــا يبنــي لــه‬ ‫ســقفاً مــن املســار الصحيــح يف مســرته‬ ‫نحــو النجــاح وتحقيــق مــا يصبــو إليــه‪.‬‬ ‫لقــد دأب الفــن الطليعــي عــى إحــداث‬ ‫نقلــة نوعيــة يف حركــة الثــورات الشــعبية‬ ‫التــي شــهدها العــامل يف العــر الحديــث‪،‬‬ ‫وكانــت هنــاك رمــوز وأســاء كثــرة رفــدت‬ ‫تلــك الحــركات الثوريــة بأعــال أرخــت‬ ‫ولعــل‬ ‫ّ‬ ‫لهــا‪ ،‬ووســعت آفاقــاً رحبــة لهــا‬ ‫مــن أبــرز األســاء التــي ارتبطــت بالثــورة‬ ‫الفرنســية مثــاً الفنــان الفرنــي يوجــن‬ ‫دوالكــروا‪ ،‬الــذي أرخ لهــا بعملــه الخالــد‬ ‫(الحريــة تقــود الشــعب)‪ ،‬حيــث رمــز‬ ‫للثــورة الفرنســية بامــرأة تحمــل الرايــة‪،‬‬

‫وقــد انطلقــت معهــا الجمــوع الغاضبــة‬ ‫مــن الفئــات التــي ســاهمت يف إنجــاح‬ ‫الثــورة‪ ،‬كل هــذا يف مشــهد ملحمــي‬ ‫يســجل قــدرة الفنــان العاليــة عــى اختـزال‬ ‫حـراك اجتامعــي بأكملــه يف لوحــة برصيــة‬ ‫خالــدة‪ .‬واألمــر ذاتــه يتكــرر مــع الفنــان‬ ‫اإلســباين العبقــري فرانشيســكو دل غويــا‬ ‫الــذي تنــاول يف أعاملــه مراحــل الحــرب‬ ‫اإلســبانية‪ ،‬وكانــت وثيقــة خالــدة قدمتهــا‬ ‫كحركــة فاعلــة يف التاريــخ‪ ،‬وأهــم مــا‬ ‫صورهــا فيــه لوحتــه الشــهرية (اإلعــدام)‬ ‫التــي رســم فيهــا لحظــة إعــدام مجموعــة‬ ‫مــن الثــوار‪ ،‬وكيــف يستبســلون أمــام‬ ‫الجنــود والبنــادق يف لحظــة املواجهــة مــع‬ ‫املــوت‪ ،‬وال نذهــب بعيــدا ً عــن مواطنــه‬

‫عبدلــي‪ ،‬الــذي وعــى منــذ عــدة عقــود‬ ‫وظيفــة الفــن الجوهريــة‪ ،‬واشــتغل عليهــا‬ ‫يف سلســلة مــن األعــال الجــادة والهادفــة‬ ‫ارتبطــت بالرماديــات التــي قدمهــا بصــورة‬ ‫باهــرة‪ ،‬موظفــاً مــن خاللهــا قدراتــه‬ ‫الهائلــة يف الرســم والتكويــن التشــكييل‬ ‫البــري الالفــت‪ ،‬مــا طبــع أعاملــه‬ ‫بطابــع االنحيــاز إىل اإلنســان وتوقــه إىل‬ ‫الحريــة‪ ،‬وتصويــره بأبشــع الحــاالت أعــداء‬ ‫اإلنســانية والشــعوب‪.‬‬ ‫إن الفــن يقودنــا إىل حتميــة قدرتــه عــى‬ ‫إحــداث فعــل للتغيــر الشــامل يف بنيــة‬ ‫املجتمــع‪ ،‬ونفــض وكــر كل الصــور القامتــة‬ ‫التــي تعيــق تطــوره وارتقــاءه‪ ،‬وهــذا يعنــي‬ ‫أن لــه دورا ً بــارزا ً يف تهيئــة الشــعوب‬

‫اإلســباين العبقــري ســلفادور دايل‪ ،‬الــذي لالنتقــال إىل موقــع آخــر ينســجم مــع‬ ‫وثــق الحــرب األهليــة يف بــاده بأســلوب آمالهــا وتطلعاتهــا‪.‬‬ ‫ســوريايل مدهــش‪ ،‬صــور يف لوحتــه قــذارة‬ ‫الحــرب‪ ،‬وال إنســانيتها ومــا تخلفــه مــن‬ ‫آثــار مدمــرة يف بنيــة املجتمــع‪.‬‬ ‫أمــا عربيـاً فهنــاك كوكبــة مــن التشــكيليني‬ ‫الذيــن واكبــوا بوعيهــم‪ ،‬وأدواتهــم‬ ‫املتطــورة‪ ،‬ورؤاهــم العميقــة حركــة‬ ‫املجتمــع العــريب وتوقــه إىل التحــرر مــن‬ ‫الظلــم والفســاد والطغيــان‪ ،‬ولعـ ّـل أهمهــم‬ ‫الفنــان التشــكييل الســوري الكبــر يوســف‬

‫أتاحــت الثــورة الســورية للمــرأة كــر األدوار التقليديــة‪ ،‬والخــروج ضــد‬ ‫قــوى االســتبداد والقهــر‪ ،‬واالنتصــار ملطالــب التحــرر؛ لك ـ ّن هــذه الفرصــة‬ ‫الذهبيــة للتحـ ّرر‪ ،‬مل تحــظ بالدعــم الحقيقــي املجــدي مــن القــوى الحقوقيــة‬ ‫الدوليــة‪ ،‬فقــد اســتمر طغيــان نظــام األســد االســتبدادي‪ ،‬الــذي مــارس أشــد‬ ‫أشــكال العنــف وارتكــب جرائــم ضــد اإلنســانيّة‪ ،‬وأتــاح املجــال لتطــور حالــة‬ ‫اإلرهــاب التــي تعتــدي عــى الجميــع‪.‬‬ ‫نهضــت منظــات دوليــة إنســانية وحقوقيــة ومتكينيــة ملســاعدة املــرأة‬ ‫الســورية يف مكافحــة العنــف الجنــي والجنــويس والحقوقــي‪ ،‬ولكــن ذلــك‬ ‫حصــل ضمــن رؤيتهــا وأهدافهــا ورســائلها الخرييــة أو السياســية؛ وليــس‬ ‫ضمــن رؤيــة أصيلــة ملشــاكلنا‪ ،‬ومل تضــع يدهــا عــى الجــرح الحقيقــي‬ ‫لتعالجــه‪ ،‬وعملــت ســطحياً وجزئي ـاً‪ ،‬ون ّفــذت إج ـراءات نفســية واجتامعيــة‬ ‫وسياســية مهمــة؛ لك ّنهــا ظلّــت هامشــية‪ ،‬تتعامــل مــع العــوارض‪ ،‬ال األســباب‬ ‫الجوهريــة والعلــل املتمثلــة يف منظومــة القهــر واالســتبداد الســيايس التــي‬ ‫تقمــع املــرأة‪.‬‬ ‫الدفــاع عــن حقــوق املــرأة ونيــل حريتهــا وكرامتهــا‪ ،‬يبــدأ بإســقاط نظــام‬ ‫الطاغيــة والطغيــان الــذي يؤســس ملنظومــة االســتبداد والقهــر‪ ،‬ويــؤدي إىل‬ ‫مــا حصــل يف ســوريا مــن أهــوال‪ .‬صحيــح أن املشــكلة الســورية حلولهــا‬ ‫عامليــة‪ ،‬لكــن حلولهــا الجوهريــة بيــد الســوريني‪ ،‬أوالً؛ لذلــك عــى املــرأة‬ ‫االعتــاد عــى ذاتهــا وعــى قوتهــا كحـراك نســايئ وطنــي ناهــض‪ ،‬ينبغــي أن‬ ‫يعــي التحديــات؛ مثــل‪:‬‬ ‫ االســتمرار يف الثــورة ومقاومــة العــدوان واالســتبداد بــكل اشــكال املقاومــة‬‫املرشوعــة‪.‬‬ ‫ كــر القالــب الجامــد للتفكــر املتمثــل يف النظــر لقضايــا املــرأة مــن‬‫الخــارج‪ ،‬شــكلياً‪ ،‬ومبضمــون ســطحي‪ ،‬وبإجــراءات مجــزوءة مقطوعــة‬ ‫عــن ســياقها اإلنســاين واملجتمعــي‪ ،‬بشــعارات جاهــزة ال دميومــة لهــا‪ ،‬وال‬ ‫تحمــل حلــوالً جذريــة ملشــاكل املــرأة‪ .‬وإعــادة النظــر للمــرأة‪ ،‬كإنســان‬ ‫كامــل متكامــل‪ ،‬لــه حقــوق وعليــه واجبــات؛ لديــه طاقــة عاطفيــة وذهنيــة‬ ‫عاليــة ميكــن اســتثامرها بإيجابيــة فاعلــة‪ .‬املــرأة لهــا تجــارب وأحاســيس‬ ‫وطموحــات وضمــر وعقــل‪ ،‬ويثمــر عملهــا‪ ،‬واقعيـاً‪ ،‬عندمــا يلتصــق بســياق‬ ‫مجتمــع ووطــن وباســتحقاقات إنســانية‪.‬‬ ‫ عــدم االنجــرار للتبســيط الســاذج لقضايــا املــرأة وللتصــورات الذهنيــة‬‫النمطيــة والجاهــزة؛ مثــل الصــور النمطيــة للحجــاب‪ ،‬بــن ظالميــة ارتدائــه‬ ‫وتحرريــة خلعــه‪ ،‬ومــا يرافــق ذلــك مــن خطــاب غــر منطقــي بــن أصوليــة‬ ‫دينيــة متشــددة‪ ،‬وأصوليــة اســترشاقية متشــددة‪ ..‬فأســاس الحركــة النســائية‬ ‫التحرريــة ليــس التديــن أو عدمــه‪ ،‬وإمنــا حقــوق اإلنســان واملــرأة‪.‬‬ ‫ إنتــاج املــرأة االجتامعــي واملجتمعــي والفكــري واالقتصــادي والســيايس يف‬‫غايــة األهميــة‪ .‬وهــذا ال يتحقــق إال بالنضــال الفــردي والجامعــي واالجتامعي‬ ‫واملجتمعــي‪ ،‬وتتكلــل الجهــود النســوية التحرريــة بالنجــاح عندمــا يكــون‬ ‫العمــل جديـاً ومنهجيـاً وجامعيـاً‪ ،‬مرتبطـاً باالســتحقاقات التاريخيــة‪ .‬الجهــود‬ ‫التحرريــة مطلوبــة مــن املجتمــع كلــه؛ لكــن الجهــود التــي ســتبذلها املــرأة‬ ‫أعــى؛ ألن التحديــات أمامهــا أشــد بســبب معركــة اجتامعيــة عامــة ضــد‬ ‫الجهــل والقهــر‪ ،‬ومعركــة خاصــة لنيــل حقوقهــا كامــرأة‪.‬‬ ‫ التحــدي األكــر أن تثــق املــرأة بدورهــا اإلنســاين وبدورهــا القيــادي‬‫وقدراتهــا‪ ،‬مهــا قيــل مــن أن املــرأة أنقــص وأقــل عقـاً ورشــادا ً؛ فــا يجعــل‬ ‫املــرأة أنقــص هــو رأيهــا بــأن الرجــل أرفــع شــأناً وهــي أقــل منزلــة‪ .‬وعليهــا‬ ‫أن تقــاوم التح ّيــز ضدهــا يف العمــل‪ ،‬ويف التعلــم ويف اإلدارة والسياســة‬ ‫والترشيــع‪ .‬والعمــل ضــد هــذا التحيــز شــأن عاملــي ألن ظاهــرة التحيــز‬ ‫ال تقتــر عــى بالدنــا‪ .‬لكــ ْن‪ ،‬يف بالدنــا مــا زالــت النســوة‪ ،‬يف األغلــب‪،‬‬ ‫غــر فاعــات يف التغلّــب عليــه‪ ،‬وعــى ذهنيــة االســتئثار الذكــوري‪ ،‬نتيجــة‬ ‫الرصاعــات السياســية التحرريــة التــي يخوضهــا املجتمــع والرصاعــات‬ ‫الثقافيــة واالجتامعيــة‪ .‬والرهــان هنــا عــى قــدرة املــرأة التنظيميــة والنفســية‬ ‫والفكريــة‪ ،‬وعــى عمليــة التنميــة والتمكــن للخــروج بتغيــر حقيقــي‬ ‫مســتفيدة مــن واقــع الثــورة‪.‬‬ ‫ االســتحقاق التاريخــي الــذي تواجهــه املــرأة الســورية أن تكــون حــارضة‬‫يف الشــأن الســيايس وفاعلــة فيــه‪ .‬هــذا يتطلــب آليــات عمــل مكثّــف لنضــال‬ ‫مســتمر يف ســياق متكــن ســيايس‪ ،‬يك ال يبقــى متثيــل املــرأة ضعيف ـاً‪ ،‬وحتــى‬ ‫ال تبقــى تجربــة مشــاركتها يف الربملانــات واملؤسســات الترشيعيــة والتنفيذيــة‬ ‫هزيلــة وشــكلية‪ ،‬وذلــك ينطبــق عــى الشــؤون غــر السياســية‪ ،‬بســعي املــرأة‬ ‫لتحقيــق كفــاءة كبــرة مــن أجــل تقلّــد املناصــب العليــا امل ّؤثــرة يف اإلدارات‬ ‫املختلفــة للمؤسســات التعليميــة والبحثيــة واالقتصاديــة وغــر ذلــك‪.‬‬ ‫ النضــال الفكــري والقانــوين لتعديــل الحقــوق املتســاوية يف الدســتور‪،‬‬‫وتعديــل القوانــن مبــا يضمــن حقــوق املــرأة‪ .‬صحيــح أن العــامل قطــع‬ ‫أشــواطاً يف موضــوع حقــوق املــرأة وأننــا مــا زلنــا نســر ببــطء‪ ،‬لكــن خــوض‬ ‫هــذه العمليــة الطويلــة لتحقيــق إنجــاز ومكتســب حقيقــي‪ ،‬ال ينفصــل‬ ‫عــن مكافحــة اجتامعيــة لجــور العــادات والتقاليــد الباليــة الجائــرة التــي‬ ‫يجــري رشعنتهــا باملقــدس الدينــي وهــي غــر يف ســياق آخــر مرتبــط بالجهــل‬ ‫واالســتبداد‪.‬‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05316201958( :‬أو مراجع��ة مقره��ا (أورف��ا ‪ -‬س��احة املدف��ع)‬

‫اآلراء اليت تنشر باجمللة تعرب عن رأي أصحابها‪ ،‬وال متثل بالضرورة رأي اجمللة‬

‫‪WWW.ALHARMAL.COM‬‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 15 / 36‬آذار ‪2016‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.