Alharmal (37) 01 04 2016 العدد 37 من مجلة الحرمل

Page 1

‫‪1‬‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫هل س��تكون الرقة اهلدف القادم للهمجية الروس��ية حبجة وجود داعش‬

‫االئت�لاف الوط�ني ين��دد ألول م��رة جبرائ��م روس��يا يف الرق��ة‬

‫الصفحــة «‪»2‬‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬

‫‪sayı 37‬‬

‫‪WWW.ALHARMAL.COM‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــ��ًا‬

‫ملف خاص‬

‫مستقبل‬

‫الرقة‬

‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫ذرور احلرمل‬ ‫نقــل جبــال قنديــل إىل‬ ‫شــمال ســورية‬ ‫إبراهيم العلوش‬

‫تركي يذبح طف ً‬ ‫ال سوري ًا‪ ..‬ماذا تقولون يا أهل غازي عينتاب‬ ‫تعقيبـاً عــى حادثــة َذبْــح الطّفــل الســوري يف‬ ‫غــازي عنتــاب‬ كتــب الـ ّـريك حســن دوغــان مــا يــي‬ ‫وقــد قــام بالرتجمــة للعربيــة عابــو حســو مشــكوراً‪.‬‬

‫‪Gaziantep›te Suriyeli bir çocuğun bir‬‬ ‫‪Türk vatandaşı tarafından katledilmesi‬‬ ‫‪sonrası Hüseyin Doğan kardeşimizin‬‬ ‫‪yazdığı sözler ve arkadaşımız Abou‬‬ ‫‪Alhessow arapçaya çevirisi‬‬

‫ســوري ذنبــاً‪ ،‬تتهمــون كل‬ ‫«عندمــا يقــرف‬ ‫ّ‬ ‫الســوريني وتعتــدون عليهــم جميعــاً وتحرقــون‬ ‫ســياراتهم‪ ،‬وترضبونهــم وســط الشــارع وتنظّمــون‬ ‫املظاهــرات مطالبــن بطردهــم!‬ ‫اآلن أســأل هــؤالء‪ :‬مــن أجــل ‪ 200‬لــرة ذُبــح طفــل‬ ‫ســوري عمــره ‪ 13‬ربيعــاً عــى يــد تــريك عنتــايب‬ ‫فــاذا ســتقولون؟‬ ‫مــا يحصــل لهــم ال تحتملــه دابّــة‪ ..‬تؤجرونهــم‬ ‫البيــوت بـــ‪ 700‬لــرة‪ ،‬تفلحــون عليهــم كالـــ‪ ..‬دون‬ ‫تأمــن صحــي أو اجتامعــي‪ ،‬وتحاولــون تشــويه‬ ‫ســمعتهم ورشفهــم‪ ..‬فلــرى يــا أهــل ‫‏عنتــاب‬ مــاذا ســتترصفون ومــاذا ســيكون‬ ‫رد فعلكــم؟ الشــعب الــذي يقــف صامت ـاً أمــام الظّلــم محكــوم بالهــاك‪ ،‬مــا‬ ‫ذنــب هــذا الطفــل؟؟‬‬

‫‪Bir Suriyeli suç işlediğinde bütün Suriyelileri‬‬ ‫‪suçlayıp, hepsine saldıran, arabalarını‬‬ ‫‪yakıp taşlayan, sokak ortasında döven,‬‬ ‫‪yürüyüşler yapıp defolsun Suriyeliler‬‬ ‫‪diyenler soruyorum şimdi size 200 lira‬‬ ‫‪için 13 yaşındaki bir çocuğun kafasını‬‬ ‫‪kesip parçalayan bir Antepli Türk›e ne‬‬ ‫‪diyeceksiniz, ulan adamlara hayvan‬‬ ‫‪bağlasan durmaz evlerinizi 700 liraya‬‬ ‫‪kiraya veriyorsunuz, adamları eşşek gibi‬‬ ‫‪çalıştırıp, sigortasız ve asgari ücretin‬‬ ‫‪yarısına çalıştırıyorsunuz, namuslarına‬‬ ‫‪daldırıyoruz, hadi bakalım Antepli olarak ne‬‬ ‫‪tepki göstereceksiniz, şimdiden milliyetçilik yaparak cevap‬‬ ‫‪vereceklere söylüyorum ağzınızı bile açmayın o gereksiz‬‬ ‫‪yorumlarınızı hemen silerim, zulüme karşı sessiz duran bir‬‬ ‫‪millet mahvolmaya mecburdur... Bu çocuğun suçu ne‬‬

‫حكوم��ة وطنية‪ ..‬أم هيئة حك��م انتقالي‪ ..‬وحرب املصطلحات‬ ‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫لقــد عــاش الســوريون عــى مــدى خمــس‬ ‫ســنوات أزمــة املصطلحــات السياســية والعســكرية‪،‬‬ ‫التــي مل تختلــف آثارهــا الكارثيــة عــى اختــاف‬ ‫مســمياتها‪ ،‬فمــن الثــورة إىل اللبننــة والصوملــة‬ ‫والرصبنــة والعرقنــة‪ ..‬ومــن الحــرب األهليــة إىل‬ ‫النــزاع املســلح غــر الــدويل‪ ،‬ومــن وقــف إطــاق‬ ‫النــار إىل وقــف العمليــات العدائيــة‪ ،‬وأخ ـرا ً وبعــد‬ ‫أن بــات املســار الســيايس ملزمــاً بحكــم الــرورة‬ ‫لــكل األط ـراف‪ ،‬والــذي تح ـ ّول إىل الحــل الســيايس‪،‬‬

‫دأب وفــد النظــام يف جينيــف عــى إطــاق‬ ‫مصطلحــات تســويفية جديــدة تخــرج عــن مضمــون‬ ‫بيــان جينيــف ‪ ،2012‬ومضمــون القــرار األممــي‬ ‫‪.2254‬‬ ‫فقــد أطلــق بشــار الجعفــري مــا يســمى «عنــارص‬ ‫أساســية للحــل الســيايس»‪ ،‬وكأنــه يريــد أن يرســم‬ ‫للمفاوضــات خارطــة طريــق عــى مزاجــه‪ ،‬وعندمــا‬ ‫اضطــر أمــام ضغــط دمييســتورا لتقديــم مقرتحــات‬ ‫عمليــة بشــأن رؤيــة النظــام ملرحلــة االنتقــال‬ ‫الســيايس‪ ،‬بــدأ اللعــب عــى مســمى الحكومــة‬

‫الوطنيــة‪ ،‬يف تجاهــل لفكــرة ومضمــون هيئــة الحكم‬ ‫االنتقــايل‪ ،‬كاملــة الصالحيــات التنفيذيــة‪.‬‬ ‫ولكــن علينــا أن نقــرأ مــا يرسبــه اإلعــام الــرويس‬ ‫مــن أن روســيا غــر متمســكة ببشــار األســد‪ ،‬وأن‬ ‫األســد مســتعد النتخابــات مبكــرة‪.‬‬ ‫ومــا يرسبــه اإلعــام األمريــي عــن تفاهــم أمريــي‬ ‫رويس عــن رحيــل األســد‪..‬‬ ‫وبانتظــار لقــاء جينيــف القــادم‪ ،‬ومهــا تعــددت‬ ‫املصطلحــات‪ ،‬فلــن يتنــازل الشــعب الســوري عــن‬ ‫شــعاره األثــر «الشــعب يريــد إســقاط النظــام‪.‬‬

‫حــرب جبــال قنديــل ورجاالتهــا تنتقــل اليــوم إىل شــال ســورية‪ ،‬وتحــاول‬ ‫اقتطــاع أج ـزاء مــن ال ـراب الســوري‪ ،‬لتحويلــه إىل جبهــة جديــدة ملحاربــة‬ ‫تركيــا‪ ،‬ولتحويــل قــرى العــرب واألكــراد الســوريني إىل قواعــد النطــاق‬ ‫العصابــات الجديــدة‪ ،‬التــي ســتواصل مســرة جبــال قنديــل‪ ،‬طــوال ربــع‬ ‫القــرن القــادم‪ ،‬ورمبــا ســتمتد هــذه الحــرب إىل ســنوات طويلــة لتلتهــم هــذا‬ ‫القــرن كلــه!‬ ‫اللعبــة الدوليــة بتفجــر املنطقــة‪ ،‬وتحويــل أبنائهــا إىل وقــود حــروب سياســية‪،‬‬ ‫واقتصاديــة واســراتيجية‪ ،‬تخــدم الــدول القويــة ضــد شــعوب املنطقــة‪،‬‬ ‫ولتوقــف تعايشــها ومنوهــا‪ ،‬تتجــى اليــوم بأســاليب جديــدة ومبتكــرة‪،‬‬ ‫وبــأدوات محل ّيــة مع ّدلــة‪ ،‬وتحمــل أوهامــاً كبــرة تحولهــا إىل تفجــرات‬ ‫واســتبدادات‪ ،‬وهيمنــة جديــدة!‬ ‫هــل ســيتحول أبنــاء تــل أبيــض‪ ،‬وأبنــاء عفريــن وعــن العــرب (كوبــاين)‬ ‫والدرباســية مــن العــرب والكــرد إىل جنــود يف حــروب العصابــات القادمــة‪،‬‬ ‫وهــل ســتتحول قــرى الشــال الســوري إىل مرابــض للمدفعيــة‪ ،‬وإىل قواعــد‬ ‫النطــاق الهجــات ضــد تركيــا‪ ،‬وللتدخــل يف شــؤونها الداخليــة‪ ،‬ومــن‬ ‫ثــم تتحــول هــذه القــرى إىل أهــداف للطائــرات الرتكيــة التــي ســرد عــى‬ ‫االعتــداءات عليهــا‪ ،‬كــا كانــت تفعــل ضــد مســلحي جبــال قنديــل طــوال‬ ‫العرشيــن ســنة الفائتــة؟‬ ‫التضحيــة مبكونــات الشــعب الســوري‪ ،‬وتحويلهــا إىل أدوات حــروب إقليميــة‬ ‫ضــد تركيــا‪ ،‬أو ضــد غريهــا‪ ،‬عمــل ســيكلف شــعبنا الســوري ع ـرات ألــوف‬ ‫الضحايــا‪ ،‬واملزيــد مــن تدمــر البنــى التحتيــة الفقــرة التــي بناهــا النــاس‬ ‫بعــرق جبينهــم‪ ،‬وبســواعد أبنائهــم الفقــراء‪ ،‬وبجهودهــم الجامعيــة التــي‬ ‫تكونــت مــن التعايــش العــريب الكــردي عــر قــرون طويلــة!‬ ‫تنشــد عصابــات جبــال قنديــل قيــام دولــة قوميــة يحكمهــا العســكر‪ ،‬بينــا‬ ‫العــامل يتجــه إىل دولــة املواطنــة والعــدل واإلنصــاف واملســاواة أمــام القانــون‪.‬‬ ‫لقــد جربنــا الدولــة القوميــة فأذلّتنــا طــوال خمســن عام ـاً ودمــرت بالدنــا‪،‬‬ ‫وهــا هــي الدولــة الدينيــة التــي متثلهــا داعــش‪ ،‬ومتثلهــا دولــة واليــة الفقيــه‬ ‫اإليرانيــة‪ ،‬تتعامــل معنــا بوحشــية تفــوق نازيــة وفاشــية هتلــر وموســوليني!‬ ‫هــل نعيــد اخ ـراع العجلــة‪ ،‬ونكــرر األخطــاء التــي دمرتنــا‪ ،‬ودمــرت بالدنــا‬ ‫ر عــى بنــاء دول قوميــة‪ ،‬أو دينيــة يهيمــن عليهــا‬ ‫والبلــدان األخــرى‪ ،‬ونــ ُّ‬ ‫العســكر‪ ،‬ويحكمهــا املســتبدون‪ ،‬ويتعاملــون مــع املكونــات القوميــة والدينيــة‬ ‫املغايــرة بعنرصيــة‪ ،‬وبوحشــية تتعجــب مــن هولهــا حيوانــات الغابــات‬ ‫والصحــاري‪ ،‬وتعيــد همجيــة العصــور الحجريــة‪.‬‬ ‫اقتطــاع جــزء مــن ســورية‪ ،‬وتحويــل الشــال الســوري إىل ســاحة عمليــات‬ ‫ملســلحي جبــال قنديــل‪ ،‬ضــد تركيــا أو ضــد بقيــة الســوريني‪ ،‬ســيجعل‬ ‫مســتقبلنا يف التعايــش مســتحيالً‪ ،‬وســيم ّد مــن عمــر الحــروب القوميــة‬ ‫والدينيــة‪ ،‬وســيجر علينــا عــداوات الــدول املجــاورة وغــر املجــاورة‪ ،‬ولــن تنفع‬ ‫أحــدا ً الطائــرات الروســية أو األمريكيــة املتواجــدة حاليــاً‪ ،‬وال التأييــد مــن‬ ‫تحــت الطاولــة الــذي يشــبه التحريــض‪ ،‬واالســتخدام االســتزالمي‪ ،‬ضــد دول‬ ‫وشــعوب املنطقــة‪ ،‬وضــد نســيجها الــذي ينشــد الســام والتعايــش‪.‬‬ ‫الثــورة الســورية شــارك فيهــا العــرب واألكـراد‪ ،‬وكل املكونــات الســورية‪ ،‬وهــي‬ ‫ثــورة الحريــة التــي نحلــم أن نبنــي بهــا ألبنائنــا دولــة املواطنــة العادلــة‪،‬‬ ‫وأن تصــل بنــا إىل ســاحات التقــدم والعلــم واملعرفــة‪ ،‬واالبتــكارات الفنيّــة‬ ‫الخلقــة‪ ،‬التــي تزيــد رفاهيــة شــعبنا‪ ،‬وترفــع مكانتــه‬ ‫والتكنولوجيــة‪ ،‬واألفــكار ّ‬ ‫وتعــرف بثقافاتــه وتحرتمهــا‪ ،‬بــدالً مــن ز ّجــه يف حــروب قوميــة وعنرصيــة‪،‬‬ ‫لــن تخمــد نارهــا طــوال العقــود القادمــة‪ ،‬ولــن تشــبع مــن دمــاء أبنائنــا‬ ‫أبــدا ً‪ ،‬مــا دامــت األجنــدات تخــدم اآلخريــن‪ ،‬ومــا دامــت تهــدف إىل الهيمنــة‬ ‫والســيطرة عــى العقــول‪ ،‬وتحويــل البــر إىل أدوات للطاعــة‪ ،‬وللخضــوع‬ ‫ألوامــر املســتبدين الجــدد!‬


‫‪2‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫هل ستكون الرقة اهلدف القادم للهمجية الروسية حبجة وجود داعش‬ ‫تنس��يقية تدم��ر‪ :‬الروس يدمّرون تدمر بأكثر م��ن ‪ 2000‬ضربة جوية‬ ‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫متكنــت قــوات النظــام مدعومــة‬ ‫بالطــران الــرويس مــن اســتعادة مدينــة‬ ‫تدمــر‪ ،‬وأعــادت قــوات النظــام صــورة القتل‬ ‫والتنكيــل بالســكان املدنيــن يف تدمــر‪ ،‬يف‬ ‫مشــهد مرسحــي أعــاد إىل األذهــان صــورة‬ ‫إجــرام داعــش وهــو ينــكل باآلمنــن‪.‬‬ ‫وقــال رئيــس وفــد التفــاوض‪ ،‬أســعد‬ ‫الزعبــي‪ ،‬إن النظــام ســلّم واســتلم مدينــة‬ ‫تدمــر بالتنســيق مــع تنظيــم الدولــة‪ ،‬متهـاً‬ ‫النظــام باالنســحاب طوعــاً مــن تدمــر‪.‬‬ ‫وتوقــع الزعبــي‪ ،‬أن ينســحب تنظيــم داعش‬ ‫مــن مدينــة ديــر الــزور بالطريقــة ذاتهــا‪،‬‬ ‫مــا مينــح النظــام ورقــة ضغــط جديــدة‬ ‫تدعــم موقفــه‪ ،‬ليظهــر مــع حليفــه الــرويس‪،‬‬ ‫كبطلــن يف الحــرب الدوليــة ض ـ ّد اإلرهــاب‪.‬‬ ‫وكانــت األعــال الحربيــة التــي ســبقت‬ ‫اســتعادة تدمــر أظهــرت تعــاون داعــش مــع‬ ‫الــروس لتدمــر مدينــة تدمــر أمــام العــامل‪،‬‬ ‫وتحــت مراصــده الفضائيــة والتجسســية‪،‬‬ ‫فاآلثــار التاريخيــة العظيمــة تقصــف بشــكل‬ ‫ممنهــج‪ ،‬ومواقــع داعــش آمنــة‪ ،‬ومل يصبهــا‬ ‫إال القليــل مــن األرضار‪.‬‬ ‫وقــد طالبــت تنســيقية تدمــر املجتمــع‬ ‫الــدويل بتحمــل مســؤوليته لحاميــة املدينــة‬

‫وآثارهــا‪ ،‬وإيقــاف مــا وصفتــه “آلــة القتــل‬ ‫والتدمــر الروســية»‪.‬‬ ‫وأوضحــت التنســيقية أن عمليــات القصــف‬ ‫والتدمــر املمنهــج الــذي تتبعــه روســيا‬ ‫عــى مدينــة تدمــر األثريــة تســتمر لليــوم‬ ‫العرشيــن‪ .‬حيــث مل تتوقــف طائــرات‬ ‫وصواريــخ ومدفعيــة الــروس عــن قصــف‬ ‫املدينــة بشــكل عشــوايئ‪ ،‬وضمــن سياســة‬ ‫األرض املحروقــة‪ ،‬دون تفريــق بــن بــر أو‬ ‫حجــر‪.‬‬ ‫ووثقــت التنســيقية مــا ال يقــل عــن‬ ‫‪ 2000‬رضبــة جويــة اســتهدفت املدينــة‬

‫خــال أســبوعني أكــر مــن نصفهــا بالســاح‬ ‫العنقــودي املحــرم دولياً‪ ،‬باإلضافــة إىل مئات‬ ‫الصواريــخ والقذائــف والرباميــل املتفجــرة‪.‬‬ ‫وينطبــق هــذا التوصيــف عــى مدينــة‬ ‫الرقــة‪ ،‬حيــث يقــوم الطــران الــرويس‬ ‫بقصــف املدنيــن واألســواق الشــعبية‪،‬‬ ‫وآخرهــا شــارع تــل أبيــض الــذي استشــهد‬ ‫فيــه حــوايل ثالثــن مدنيــاً ال عالقــة لهــم‬ ‫بداعــش املتمرتســة يف مالجئهــا‪ ،‬والتــي تســر‬ ‫قوافلهــا تحــت نظــر الــروس وغريهــم‪.‬‬ ‫وكان ناشــطو املدينــة قــد أطلقــوا حملــ ًة‬ ‫عــى موقــع (آفــاز) يطالبــون فيهــا األمــم‬ ‫املتحــدة ومجلــس األمــن الــدويل بإيقــاف‬ ‫الحملــة العســكرية الروســية والســورية‬ ‫عــى مدينتهــم‪.‬‬ ‫يذكــر بــأن الطــران الــرويس قــام بعــدد كبــر‬ ‫مــن الهجــات املروعــة ضــد املدنيــن يف‬ ‫الرقــة‪ ،‬ويتخــوف مراقبــون‪ ،‬مــع أهــل الرقــة‪،‬‬ ‫بــأن الهمجيــة الروســية ذات الســوابق يف‬ ‫تدمــر املــدن ســتحيل العديــد مــن املــدن‬ ‫الســورية إىل مصــر غــروزين التــي قــام‬ ‫بوتــن بتحويلهــا إىل أنقــاض‪ ،‬بحجــة وجــود‬ ‫تنظيــم إرهــايب فيهــا‪ ،‬ويذكــر بــأن املجتمــع‬ ‫الــدويل مل يحاســبه ومل يطالبــه بوقــف‬ ‫القصــف‪.‬‬

‫االئتالف الوطين يندد ألول مرة جبرائم روسيا يف الرقة‬ ‫الطريان الروسي ال يستثين املدنيني من قصفه العشوائي‬ ‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫يف خطــوة هــي األوىل مــن نوعهــا‪ ،‬أدان االئتالف‬ ‫الوطنــي لقــوى الثــورة واملعارضــة الســورية جرائــم‬ ‫روســيا بحــق املدنيــن يف الرقــة‪ ،‬والتــي خلّفــت‬ ‫بحســب آخــر اإلحصائيــات نحــو خمســن شــهيدا ً‬ ‫مــن املدنيــن‪ ،‬إضافــة إىل أكــر مــن مئــة جريــح‪.‬‬ ‫وأشــار بيــان اإلدانــة إىل أن اســتهداف األســواق‬ ‫ومراكــز تجمــع املدنيــن غــر مــرر وتحــت أيــة‬ ‫ذريعــة‪ ،‬ويعتــر جرميــة حــرب مبوجــب القانــون‬ ‫الــدويل‪ ،‬مشــددا ً عــى أن الجرائــم التــي ترتكــب يف‬ ‫ســوريا مــن قبــل أي طــرف لــن متــر دون محاســبة‬ ‫وعقــاب‪ ،‬محمــاً املجتمــع الــدويل مســؤولية‬ ‫الصمــت إزاء هــذه االنتهــاكات املريعــة‪.‬‬ ‫كــا أدان مجلــس محافظــة الرقــة األعــال‬ ‫اإلجراميــة التــي يرتكبهــا النظــام والطـران الــرويس‬ ‫بحــق املدنيــن يف الرقــة‪ ،‬وشــدد عــى لســان رئيســه‬ ‫ســعد الشــويش عــى رضورة تحييــد املدنيــن‬ ‫عــن النزاعــات املســلحة‪ ،‬مطالبــاً الــدول الكــرى‬ ‫واملنظــات اإلنســانية‪ ،‬العمــل عــى إدانــة هــذه‬ ‫الجرائــم‪ ،‬واتخــاذ اإلجــراءات القانونيــة الالزمــة‬ ‫بحــق النظــام الســوري وأعوانــه‪ ،‬ومعاملتهــم‬ ‫كمجرمــي حــرب‪ ،‬عــى اعتبــار أن الجرائــم التــي‬ ‫يرتكبونهــا بحــق أهلنــا املدنيــن‪ ،‬ترتقــي إىل جرائــم‬

‫خطبــاء مســاجد النظــام يف ديــر الــزور يبشــرون بمعركــة الحســم‬

‫والنظ��ام وداعش يتس��ابقون لقتل املدنيني وزجهم يف النزاعات املس��لحة‬ ‫دير الزور ـ خاص‬ ‫اســتهدف تنظيــم الدولــة حــي الجــورة‬ ‫يف مدينــة ديــر الــزور الواقــع تحــت ســيطرة‬ ‫النظــام بعــدة قذائــف هــاون‪ ،‬وســقطت هــذه‬ ‫القذائــف عــى شــارع الســجن‪ ،‬دون وقــوع‬ ‫إصابــات‪ ،‬وكان مصــدر القصــف قريــة البغيليــة‬ ‫الواقعــة تحــت ســيطرة التنظيــم‪ .‬فيــا متكــن‬ ‫عنــارص مــن تنظيــم داعــش مــن التســلل إىل‬ ‫حــي هرابــش‪ ،‬وبحســب إفــادات أهــايل الحــي‬ ‫قــام هــؤالء العنــارص بإعــدام بعــض عوائــل‬ ‫الجيــش والضبــاط والعنــارص مبســاكن الضبــاط‬ ‫بالقــرب مــن التنميــة‪ ،‬وإعدامهــم لســبعة‬ ‫مدنيــن بحــارة الــداوود بحــي هرابــش وقتلهــم‬ ‫لعــدد كبــر مــن عنــارص النظــام وشــبيحته‬ ‫داخــل الحــي‪ ،‬والســيطرة عــى محطــة األبقــار‪،‬‬ ‫وهــروب األهــايل خــارج الحــي‪ ،‬ومتكنــت قــوات‬ ‫النظــام مــن طــرد عنــارص التنظيــم مــن الحــي‪،‬‬ ‫والســيطرة عليــه مــن جديــد‪ ،‬كــا متكنــت‬ ‫قــوات النظــام مــن اســتعادة فنــدق فــرات‬ ‫الشــام بعــد اشــتباكات عنيفــة مــع مقاتــي‬ ‫تنظيــم داعــش الذيــن اســتولوا عــى أجـزاء مــن‬ ‫الفنــدق لفــرة وجيــزة‪.‬‬ ‫وقامــت قــوات النظــام وشــبيحته بأحيــاء‬ ‫الجــورة والقصــور بالتمثيــل بجثــث ثالثــة مــن‬ ‫عنــارص تنظيــم داعــش قتلــوا أثنــاء االشــتباكات‬ ‫مــع قــوات النظــام مبعاركهــم املختلفــة‪ ،‬كــا‬ ‫تبــن أن حركــة الطــران املروحــي مــن وإىل‬ ‫القامشــي توقفــت اليــوم بســبب العواصــف‬ ‫الغباريــة وســوء األوضــاع الجويــة‪.‬‬ ‫مــن ناحيــة ثانيــة اســتمر انقطــاع امليــاه عــن‬ ‫أحيــاء الجــورة‪ ،‬والقصــور لليــوم الرابــع عــى‬ ‫التــوايل‪ ،‬ومل تتمكــن مؤسســة امليــاه مــن ضــخ‬ ‫امليــاه بســبب االشــتباكات عنــد محطــة ميــاه‬ ‫فنــدق ف ـرات الشــام التــي تقــوم بضــخ امليــاه‬ ‫الخاميــة ملحطــة ميــاه الجــورة‪ ،‬كــا حــدث‬ ‫ازدحــام عــى األف ـران العاملــة بأحيــاء الجــورة‬ ‫والقصــور لتوقــف عمــل ثالثــة أفــران وهــي‬ ‫فــرن الضاحيــة وفــرن القصــور وفــرن الشــاهر‬ ‫وذلــك لعــدم تزويــد النظــام لهــذه األفــران‬

‫مبــادة املــازوت‪ ،‬فيــا عــاد ضــخ امليــاه ألحيــاء‬ ‫الجــورة والقصــور بعــد انقطاعهــا ملــدة خمســة‬ ‫أيــام متواصلــة‪ ،‬عل ـاً أن مؤسســة امليــاه تقــوم‬ ‫بضــخ امليــاه ليــوم واحــد ومبعــدل ‪ 8‬ســاعات‬ ‫وتنقطــع امليــاه ملــدة ثالثــة أيــام أو أكــر‬ ‫بحســب توفــر مــادة املــازوت‪ ،‬وال تصــل امليــاه‬ ‫إىل أغلــب املناطــق كــون فــرة الضــخ قليلــة‪،‬‬ ‫وبعــض املناطــق ال تصلهــا امليــاه مطلق ـاً ألنهــا‬ ‫تتغــذى مــن محطــة البغيليــة التــي يســيطر‬ ‫عليهــا تنظيــم الدولــة ويضطــر األهــايل‬ ‫بالحــارات التــي ال تصــل اليهــا امليــاه بجلــب‬ ‫امليــاه مــن الحــارات التــي تصــل إليهــا امليــاه‬ ‫بالطــرق البدائيــة‪.‬‬ ‫وحــثّ خطبــاء املســاجد يف أحيــاء مدينــة‬ ‫ديــر الــزور الخاضعــة لســيطرة قــوات‬ ‫النظــام‪ ،‬مــن خــال الخطبــة املوزعــة عليهــم‬ ‫مــن مديريــة األوقــاف‪ ،‬شــباب املدينــة عــى‬ ‫االلتحــاق بصفــوف قــوات النظــام طوع ـاً وإال‬ ‫ســيتم إجبارهــم عــى ذلــك‪ ،‬وشــدد خطبــاء‬ ‫مســاجد ‪/‬النظــام‪ /‬عــى أهميــة املعركــة‬ ‫التــي ســيطلقها النظــام قريب ـاً تحــت مســمى‬ ‫«معركــة الحســم»‪ ،‬والتــي تهــدف لفــك‬ ‫الحصــار عــن املدينــة‪ ،‬تزامنــا مــع وصــول عــدد‬ ‫كبــر مــن قــوات النظــام كتعزيـزات عســكرية‪،‬‬ ‫حيــث اســتقدمت قــوات النظــام ‪ 350‬عن ـرا ً‬

‫بالط ـران املروحــي مــن مدينتــي «القامشــي»‬ ‫و»الحســكة» تحضــرا ً لشــن هجــوم عنيــف‬ ‫لفتــح طريــق «الشــوال»‪.‬‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬قامــت قــوات النظــام‬ ‫وامليليشــيات التابعــة لــه بشــن حملــة‬ ‫اعتقــاالت عشــوائية بصفــوف املدنيــن يف‬ ‫األحيــاء الواقعــة تحــت ســيطرته كنــوع مــن‬ ‫عمليــات التجنيــد اإلجبــاري مــن أجــل ز ّجهــم‬ ‫يف املعــارك التــي يخوضهــا ضــد عنــارص داعــش‬ ‫عــى عــدة جبهــات داخــل املدينــة‪.‬‬ ‫ويف ســياق متصــل تتواصــل املعــارك بــن قــوات‬ ‫النظــام‪ ،‬وتنظيــم داعــش‪ ،‬عــى أط ـراف حقــل‬ ‫التيــم النفطــي‪ ،‬جنــوب مدينــة ديــر الــزور‪،‬‬ ‫إذ متكنــت قــوات النظــام مــن الســيطرة عــى‬ ‫مواقــع يف محيــط الحقــل‪ ،‬كانــت قــد خرستهــا‬ ‫يف معــارك مــع الجيــش الحــر عــام ‪.2012‬‬ ‫وتســعى قــوات النظــام‪ ،‬خــال حملــة بريــة‪،‬‬ ‫يشــنها مقاتلوهــا‪ ،‬للســيطرة عــى الحقــل‪،‬‬ ‫وبســط نفوذهــا عــى منطقــة الشــوال‪ ،‬الواقعــة‬ ‫عــى الطريــق الــدويل دمشــق – ديــر الــزور‪.‬‬ ‫كــا شــنت املقاتــات الحربيــة التابعــة للنظــام‬ ‫الســوري‪ ،‬غــارات جويــة مرك ـ ّزة عــى منطقــة‬ ‫غســان عبــود‪ ،‬يف مدينــة ديــر الــزور‪ ،‬أســفر عــن‬ ‫ارتقــاء شــهداء وجرحــى يف صفــوف املدنيــن‪،‬‬ ‫بينهــم طفــل‪ ،‬وقصــف ط ـران النظــام الحــريب‪،‬‬ ‫بالصواريــخ الفراغيــة‪ ،‬أحياء (الصناعــة‪ ،‬كنامات‪،‬‬ ‫والرصافــة) يف مدينــة ديــر الــزور‪ ،‬بالتزامــن مــع‬ ‫قصــف مدفعــي مكثــف مــن قــوات النظــام‬ ‫عــى حــي الحويقــة يف املدينــة‪ ،‬فيــا تــزداد‬ ‫حــدة االشــتباكات العنيفــة بــن تنظيــم داعــش‪،‬‬ ‫وقــوات النظــام‪ ،‬عــى أط ـراف حــي الرصافــة‪،‬‬ ‫يف مدينــة ديــر الــزور‪ ،‬دون تحقيــق أي طــرف‬ ‫تقدمــاً عــى حســاب الطــرف اآلخــر‪ ،‬وســط‬ ‫انقطــاع شــبه كامــل للكهربــاء عــى عمــوم‬ ‫أحيــاء مدينــة ديــر الــزور الــذي أدى إىل شــلل‬ ‫شــبه كامــل يف الحيــاة‪ ،‬ونقــص حــاد يف املــواد‬ ‫واملشــتقات النفطيــة‪ ،‬وغــاء فاحــش بأســعار‬ ‫املــواد والســلع التموينيــة األساســية‪ ،‬مل تشــهده‬ ‫املدينــة مــن قبــل‪.‬‬

‫حــرب ضــد اإلنســانية‪ ،‬والعمــل عــى إيقــاف‬ ‫نزيــف الــدم الســوري بالســبل كافــة‪.‬‬ ‫وكانــت مدينــة الرقــة قــد تعرضــت خــال‬ ‫األســبوعني الفائتــن إىل سلســلة مــن الغــارات‬ ‫الهمجيــة للطــران الــرويس وطــران النظــام‪،‬‬ ‫اســتهدفت بنحــو عنيــف األســواق التجاريــة‬ ‫واألحيــاء املدنيــة‪ ،‬وكانــت جرميتــه الكــرى يف‬ ‫اســتهداف شــارع تــل أبيــض‪ ،‬وهــو أكــر الشــوارع‬ ‫حيويــة يف املدينــة‪ ،‬حيــث طــال التدمــر عــددا ً‬ ‫كبــرا ً مــن األبنيــة واملحــات التجاريــة‪ ،‬ووقــوع‬ ‫ضحايــا مــن املدنيــن‪.‬‬ ‫بينــا تــري يف ســوريا اتفاقيــة هدنــة‪ ،‬مل تلحــظ‬ ‫املدنيــن يف مناطــق ســيطرة داعــش والنــرة‬ ‫وأخواتهــا‪ ،‬وتعطــي مــررا ً غــر أخالقــي للنظــام‬ ‫الســوري وطــران روســيا يف متابعــة قصفهــم‬ ‫املتواصــل ملــدن ديــر الــزور والرقة‪ ،‬وحلــب وإدلب‪،‬‬ ‫فيــا ينتظــر املدنيــون يف هــذه املواقــع أن تلحــظ‬ ‫املؤسســات الدوليــة والحقوقيــة اســتثناء املدنيــن‬ ‫واملنظــات اإلنســانية واإلعالمــن والناشــطني‬ ‫مــن هــذا القصــف العشــوايئ‪ ،‬ومــا ميكــن وصفــه‬ ‫بجرائــم حــرب‪ ،‬وجرائــم ضــد اإلنســانية‪ ،‬وتفعيــل‬ ‫املعاهــدات والقوانــن الدوليــة التــي تلحــظ تحييــد‬ ‫املدنيــن عــن النزاعــات املســلحة‪.‬‬

‫املوت يرتبص املدنيني يف‬ ‫منطقة الحولة‬

‫حمص ‪ -‬مهند البكور‬

‫تعــاين منطقــة ســهل الحولــة يف ريــف‬ ‫حمــص الشــايل املحــارص مــن نقــص حــاد‬ ‫باملــواد الغذائيــة والطبيــة‪ ،‬فسياســة التجويــع‬ ‫التــي يتبعهــا النظــام ضــد مــن طالبــوا‬ ‫بحقوقهــم املرشوعــة‪ ،‬وخرجــوا لنيــل حيــاة‬ ‫كرميــة‪ ،‬وتضــع املدنيــن أمــام خياريــن‪،‬‬ ‫هــا االستســام أو املــوت جوع ـاً‪ ،‬ويف هــذه‬ ‫السياســة يحــاول النظــام الحــد مــن الحاضنــة‬ ‫الشــعبية للفصائــل املقاتلــة عــى األرض‪،‬‬ ‫وذلــك مــن خــال بــث اإلشــاعات‪ ،‬ومــن هذه‬ ‫اإلشــاعات أن الفصائــل املقاتلــة هــم الســبب‬ ‫يف األوضــاع التــي وصلــت إليهــا املنطقــة مــن‬ ‫حصــار وقصــف وترشيــد‪.‬‬ ‫اشــتد الحصــار والقصــف عــى املنطقــة‪،‬‬ ‫ومــع بدايــة الحملــة العســكرية التــي بدأهــا‬ ‫النظــام يف ريــف حــاة الجنــويب‪ ،‬وإغــاق‬ ‫آخــر املعابــر التــي كان يدخــل منهــا كميــات‬ ‫قليلــة مــن املــواد الغذائيــة للريــف الحمــي‪،‬‬ ‫والهــدف مــن هــذه الحملــة هــو تضييــق‬ ‫الخنــاق عــى الريــف الوحيــد الــذي مــا‬ ‫زال خــارج ســيطرة قــوات النظــام‪ ،‬وبســبب‬ ‫شــح املــواد الغذائيــة أغلــق معظــم التجــار‬ ‫يف املنطقــة محالتهــم التجاريــة لعــدم توفــر‬ ‫الســلع الغذائيــة‪ ،‬باســتثناء بعــض املتاجــر‬ ‫التــي احتكــرت بعــض املــواد الغذائيــة‪،‬‬ ‫ووتقــوم اآلن بعرضهــا للبيــع بأســعار مرتفعــة‬ ‫جــدا ً‪ ،‬ارتفعــت أســعار بعــض الســلع إىل‬ ‫‪ 200%‬مــن ســعرها الســابق‪.‬‬ ‫وقــد قــال ”أحمــد” أحــد التجــار الذيــن مل‬ ‫يغلقــوا محالهــم بعــد‪ :‬بعــد أن كان متجــري‬ ‫يعــج باملــواد الغذائيــة والزبائــن أصبــح اآلن‬ ‫خاليــاً متامــاً مــن أي ســلعة‪ ،‬ومل أســتطع أن‬ ‫أحــر البضائــع الرتفــاع مثنهــا‪ ،‬وحســب‬ ‫علمــي بأوضــاع أغلــب املواطنــن يف املنطقــة‪،‬‬ ‫وهــم ال يســتطيعون رشاء الخبــز ألطفالهــم‪،‬‬ ‫فكيــف سيشــرون املــواد بأســعار مرتفعــة‪،‬‬ ‫واألســعار يف املنطقــة تتحكــم فيهــا عــدة‬ ‫أشــياء منهــا املبالــغ التــي تعطــى للحاجــز‬

‫الــذي يــرف عــى إدخــال البضاعــة‬ ‫للمنطقــة‪ ،‬والــذي يصــل لـــ‪ 100‬ألــف لــرة‬ ‫ســورية لــكل ســيارة تدخــل‪ ،‬وهــي محملــة‬ ‫باملــواد الغذائيــة يف حــن مينــع دخــول حليــب‬ ‫األطفــال والطحــن بــأي طريقــة كانــت‪.‬‬ ‫ويف حديــث مــع أحــد الناشــطني يف املنطقــة‪،‬‬ ‫أشــار إىل أن ريــف حمــص الشــايل عــى‬ ‫وشــك الدخــول يف أزمــة خانقــة‪ ،‬التــي كانــت‬ ‫أوىل مراحلهــا قــد بــدأت بفقــدان مــادة‬ ‫الخبــز‪ ،‬وتوقــف املخابــز يف الحولــة حيــث‬ ‫يعمــل اآلن مخب ـزان إىل ثالثــة مخابــز فقــط‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬علــاً أن األفــران الثالثــة عليهــا‬ ‫تأمــن الخبــز لنحــو ‪ 80‬ألــف نســمة مــن‬ ‫الســكان الذيــن يواجهــون حصــارا ً خانقــاً‬ ‫بــكل مــا تحملــه الكلمــة مــن معنــى‪ ،‬وقــال‬ ‫الناشــط اإلعالمــي إن أهــايل الحولــة أبــدوا‬ ‫مخاوفهــم يف ظــل فقــدان بعــض املــواد‪،‬‬ ‫وارتفــاع بعضهــا اآلخــر‪ ،‬مثــل أســطوانات‬ ‫الغــاز وبعــض الخـراوات‪ ،‬إضافــة إىل وجــود‬ ‫تفــاوت كبــر يف األســعار بــن املصــدر وصــوالً‬ ‫إىل املنطقــة املحــارصة‪ ،‬ويصــل الفــرق يف‬ ‫الســعر إىل أكــر مــن ‪ 150%‬مــن األســعار‪،‬‬ ‫فمثــاً ســعر كيــس الطحــن (‪ 50‬كــغ) يف‬ ‫مدينــة حــاة ‪ 8000‬لــرة ســورية‪ ،‬ويصــل إىل‬ ‫منطقــة الحولــة بســعر ‪ 22000‬لــرة‪ ،‬وهــذا‬ ‫الفــرق الكبــر يف الســعر يتــوزع عــى التجــار‬ ‫املســوقني للبضائــع والحاجــز املــرف عــى‬ ‫إدخــال هــذه املــواد‪.‬‬ ‫يذكــر أن منطقــة الحولــة املحــارصة تعــاين‬ ‫مــن ارتفــاع وتــرة الحصــار مــع مــرور كل‬ ‫يــوم‪ ،‬ويف كل لحظــة متــي‪ ،‬ويناشــد أهــايل‬ ‫منطقــة الحولــة كافــة الهيئــات واملنظــات‬ ‫اإلنســانية واإلغاثيــة املحليــة والدوليــة النظــر‬ ‫يف حصــار الحولــة أكــر مــن مثانــن ألــف‬ ‫نســمة معرضــن لخطــر املــوت جوعــا‪ ،‬عل ـاً‬ ‫أن منطقــة الحولــة املحــارصة تحيــط بهــا أكرث‬ ‫مــن ‪ 40‬قريــة مواليــة للنظــام الســوري‪ ،‬وال‬ ‫يوجــد ســوى منفــذ صغــر قتــل عليــه مئــات‬ ‫األشــخاص وهــم يدخلــون املــواد الغذائيــة‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫‪3‬‬

‫«كفالة اليتيم»‪ ..‬ضرورة ملحة وأعداد األيتام يف ازدياد‬ ‫ادلب ‪ -‬إبراهيم إسماعيل‬ ‫يف ظــل الحــرب الدائــرة يف ســوريا‬ ‫واســتمرارها عــى مــدى أربــع ســنوات‪ ،‬خلّفــت‬ ‫هــذه الحــرب أعــدادا ً كبــرة مــن الشــهداء‬ ‫الذيــن تركــوا خلفهــم أطفــاالً ونســاء دون‬ ‫معيــل أو مســاعد‪ ،‬وبســبب صعوبــة األوضــاع‬ ‫وازديادهــا ســوءا ً‪ ،‬كان مــن الــروري القيــام‬ ‫بأعــال مســاعدة إلعالــة هــذه األرس‪ ،‬وهــؤالء‬ ‫األطفــال‪.‬‬ ‫ظهــرت الجمعيــات واملنظــات الخرييــة بشــكل‬ ‫كبــر‪ ،‬وكانــت الرشيحــة املســتهدفة بشــكل‬ ‫مســتمر عوائــل الشــهداء وأطفالهــم‪ ،‬مــن‬ ‫كفــاالت لليتيــم ومســاعدات ماليــة لزوجــة‬ ‫الشــهيد‪ ،‬ومســاعدات غذائيــة لــأرسة‪ ،‬عملــت‬ ‫هــذه املســاعدات عــى تســيري أمــور الكثــر‬ ‫مــن العائــات يف املناطــق املحــررة‪.‬‬ ‫اســتمرار دوران رحــى الحــرب يف الداخــل‬ ‫الســوري مــا زال عام ـاً كب ـرا ً يف ازديــاد أعــداد‬ ‫الشــهداء‪ ،‬وبالتــايل زيــادة أعــداد األطفــال‬ ‫اليتامــى واملرشديــن‪ ،‬األمــر الــذي يســبب‬ ‫ضغطــاً كبــرا ً عــى منظــات العمــل املــدين‪،‬‬ ‫والعمــل عــى تقديــم الكفــاالت واملســاعدات‬ ‫املتكــررة واملتجــددة لــكل طفــل يتيــم‪.‬‬ ‫كف��االت األيت��ام ودوره��ا الفاع��ل يف‬ ‫مس��اعدة أس��ر الش��هداء‬ ‫قدمــت الكثــر مــن الجمعيــات الخرييــة‬ ‫واملنظــات اإلغاثيــة مبالــغ ماليــة شــهرية‬ ‫لأليتــام أطلــق عليهــا «كفــاالت األيتــام»‪ ،‬والتــي‬ ‫تــم اعطاؤهــا بنــاء عــى قوائــم أعــدت مســبقاً‬ ‫مــن قبــل املجالــس املحليــة أو التنســيقيات‬ ‫الثوريــة املعنيــة بالخدمــات اإلنســانية‪ ،‬وكانــت‬

‫تــوزع هــذه الكفــاالت بشــكل شــهري عــى‬ ‫أوالد الشــهداء باإلضافــة إىل تجديــد هــذه‬ ‫القوائــم ومواكبــة األيتــام يف كل منطقــة‬ ‫يتواجــدون فيهــا يف املناطــق املحــررة‪.‬‬ ‫ففــي ظــل غيــاب الراعــي الوحيــد لــأرسة‬ ‫اســتطاعت هــذه الكفــاالت تقديــم عــون كبــر‬ ‫لهــذه األرس املكلومــة‪ ،‬وتقديــم احتياجــات‬ ‫هــؤالء األطفــال الــذي وقعــوا ضحيــة هــذه‬ ‫الحــرب وحرمــوا مــن آبائهــم وأمهاتهــم‪.‬‬ ‫أم محمــد «‪ »35‬عامـاً يف حديثهــا تحدثــت عــن‬ ‫الكفــاالت املقدمــة لهــا‪« :‬استشــهد زوجــي يف‬ ‫قصــف طــال البلــدة مــن الطـران الحــريب‪ ،‬كان‬ ‫املعيــل الوحيــد يل وألوالدي الثالثــة (محمــد –‬ ‫غاليــة – أحمــد)‪ ،‬حيــث كان يعمــل يف مجــال‬ ‫املحامــاة‪ ،‬قدمــت لنــا جمعيــة ســاند الخرييــة‬ ‫كفالــة ألوالدي بعــد استشــهاد والدهــم‪،‬‬ ‫واســتمرت الكفالــة مــدة قصــرة‪ ،‬وانقطعــت‬ ‫ألســباب مل أعرفهــا‪ ،‬واليــوم تقــدم يل جمعيــة‬ ‫أخــرى كفــاالت ماليــة أذهــب إلحضارهــا مــن‬ ‫مدينــة كفرنبــل»‬

‫ه��ل ُتعط��ى الكف��االت جلمي��ع أوالد‬ ‫الش��هداء وك��م م��دة الكفال��ة؟‬ ‫عنــد الســؤال لعــدة أرس مــن أرس الشــهداء عــن‬ ‫الكفــاالت اختلفــت أحاديثهــم‪ ،‬فالبعــض منهــم‬ ‫أخــذ‪ ،‬ويأخــذ كفــاالت مســتمرة‪ ،‬أمــا البعــض‬ ‫اآلخــر مل يحصــل عــى كفالــة لطفلــه أبــدا ً‪،‬‬ ‫يف املجلــس املحــي لقريــة الشــيخ مصطفــى‬ ‫يف ريــف إدلــب‪ ،‬أخربنــا أبــو أحمــد املســؤول‬ ‫عــن عمليــة اإلحصــاء يف املجلــس أن عوائــل‬ ‫الشــهداء كلهــا مكفولــة مــن قبــل منظمــة‬ ‫إغاثيــة واحــدة أو عــدة منظــات مشــركة‬ ‫تقــدم الكفــاالت لهــؤالء األطفــال باإلضافــة‬ ‫إىل رضورة التدقيــق عــى أمــر الكفالــة ملــرة‬ ‫واحــدة يك ال يكــون للطفــل أكــر مــن كفالــة‪،‬‬ ‫وبالتــايل يحــرم غــره مــن الكفالــة‪.‬‬ ‫أم صــدام «‪ 32‬عامـاً» استشــهد زوجهــا يف ريــف‬ ‫حلــب يف القصــف بالط ـران املروحــي نزحــت‬ ‫إىل تركيــا مــع عائلتهــا برفقــة ابنهــا الصغــر‬ ‫«صــدام»‪ ،‬أخربتنــا يف حديثهــا عــن الكفــاالت‪:‬‬ ‫«بقيــت يف مدينــة حلــب بعــد وفــاة زوجــي ومل‬

‫أحصــل عــى كفالــة البنــي الوحيــد بســبب عدم‬ ‫وجــود اســم لصــدام يف الجمعيــات املعنيــة‪،‬‬ ‫وبعــد خروجــي إىل تركيــا مــا زلــت أبحــث عــن‬ ‫جمعيــات تقــدم كفــاالت ألوالد الشــهداء‪ ،‬وإىل‬ ‫اآلن مل أســتطع تأمــن كفالــة لــه»‪.‬‬ ‫تختلــف نوعيــة الكفالــة املقدمــة ألوالد‬ ‫الشــهداء‪ ،‬فبعضهــا يكفــل الطعــام والــراب‬ ‫واللبــاس والتعليــم والصحــة‪ ،‬وتبلــغ قيمــة‬ ‫الكفالــة املقدمــة شــهريا «‪ 90‬دوالر أمريــي»‪،‬‬ ‫أمــا النــوع اآلخــر فهــو كفــاالت الطعــام‬ ‫والــراب فقــط‪ ،‬وتبلــغ «‪ 50‬دوالر أمريــي»‬ ‫عــى حســب املعلومــات التــي أفادنــا بهــا‬ ‫الســيد «أبــو أنــس» مســؤول قســم األيتــام يف‬ ‫مؤسســة إعــار الشــام اإلنســانية‪ ،‬والتــي تقــدم‬ ‫هــذه الكفــاالت بنوعيهــا يف الغوطــة الرشقيــة‬ ‫املحــارصة‪.‬‬ ‫كــا أضــاف الســيد أبــو أنــس عنــد ســؤالنا لــه‬ ‫عــن مــدة الكفالــة‪« :‬تعتــر هــذه الكفــاالت‬ ‫كرواتــب شــهرية تقــدم إىل أبنــاء الشــهداء‪،‬‬ ‫الذيــن مل يتــم كفالتهــم مــن قبــل منظــات‬ ‫أخــرى‪ ،‬اســتطعنا تأمــن دفــع هــذه الكفــاالت‬ ‫ملســتحقيها منــذ ســنتني إىل اآلن ومــا زلنــا‬ ‫نقدمهــا لهــم‪ ،‬وسنســتمر يف تقدميهــا ألنهــا‬ ‫كفــاالت مســتمرة‪ ،‬وليســت ملــرة واحــدة‪ ،‬كــا‬ ‫يحــدث يف بعــض املنظــات األخــرى»‬ ‫ماذا يق��دم لليتي��م غري الكف��االت املالية‬ ‫واملساعدات؟‬ ‫تعمــل املجالــس املحليــة واملنظــات اإلغاثيــة‬ ‫عــى تقديــم املســاعدات املعيشــية‪ ،‬كاملــواد‬ ‫الغذائيــة‪ ،‬واللبــاس الشــتوي والصيفــي ألوالد‬ ‫الشــهداء وأرسهــم بشــكل دوري‪ ،‬حيــث تقــوم‬

‫املجالــس املحليــة يف املــدن والبلــدات يف‬ ‫املناطــق املحــررة بتوزيــع هــذه املســاعدات‬ ‫عنــد ورودهــا أو تزويدهــم بهــا مــن قبــل‬ ‫منظــات إغاثيــة عربيــة وأجنبيــة‪.‬‬ ‫ابراهيــم زيــدان ناشــط إعالمــي وإغــايث‬ ‫مــن ريــف إدلــب حدثنــا عــن املســاعدات‬ ‫املقدمــة وآليــة التوزيــع يقــول‪« :‬يتــم تقديــم‬ ‫املســاعدات كســال إغاثيــة للمجالــس املحليــة‬ ‫يف البلــدات‪ ،‬والتــي بدورهــا تقــوم بتوزيــع‬ ‫هــذه الســال عــى عوائــل الشــهداء يف املرتبــة‬ ‫األوىل‪ ،‬والعوائــل الفقــرة أيضــاً‪ ،‬والتــي تــم‬ ‫إعــداد ســجل خــاص بهــا يف كل قريــة أو مدينة‪،‬‬ ‫باإلضافــة إىل املســاعدات املاليــة املنفصلــة‬ ‫عــن كفالــة اليتيــم‪ ،‬والتــي يتــم تقدميهــا مــن‬ ‫متربعــن مــن الخــارج الســوري»‪.‬‬ ‫قــد ال تكــون هــذه الكفــاالت مقدمــة لجميــع‬ ‫أوالد الشــهداء إال أنهــا تقــدم عونــاً كبــرا ً يف‬ ‫ظــل القتــل اليومــي الــذي يتعــرض لــه الشــعب‬ ‫الســوري مــن قبــل طائ ـرات النظــام الســوري‬ ‫والط ـران الــرويس أيض ـاً‪ ،‬األمــر الــذي زاد مــن‬ ‫أعــداد الشــهداء‪ ،‬وأعــداد أرس الشــهداء‪ ،‬والذين‬ ‫يعتــرون اليــوم مــن أكــر املحتاجــن لهــذه‬ ‫املســاعدات يف ظــل الغــاء الكبــر واملعيشــة‬ ‫القاســية وظروفهــا الصعبــة‪.‬‬

‫الشعب قال «ال» لالستبداد‪ ...‬ريف إدلب ثورة متجددة‬ ‫ادلب ‪ -‬إبراهيم اإلدلبي‬ ‫بعــد أن انطلقــت رشارة الثــورة يف درعــا‪،‬‬ ‫وتنقلــت عــر مناطــق ســوريا برسعــة النــار يف‬ ‫الهشــيم‪ ،‬وصلــت إىل ريــف إدلــب الــذي قالها‬ ‫مــن أولهــا الشــعب يريــد اســقاط النظــام‪ ،‬مل‬ ‫يكــن لينتظــر اإلصالحــات أو غريهــا‪ ،‬كان هــذا‬ ‫الريــف مــن الســباقني لكــر قيــود االســتبداد‬ ‫والعبودية‪.‬‬ ‫لهــذه املنطقــة تاريــخ نضــايل ضد األســد األب‪،‬‬ ‫حيــث رمــي بالطامطــم يف معــرة النعــان‪،‬‬ ‫وشــارك ريفــه بأحــداث الثامنينيــات‪ ،‬فلــم‬ ‫يتمكــن عــر مؤسســاته‪ ،‬وعــر مــرور الزمــن‬ ‫أن يخمــد رشارة الحقــد الــذي تكونــت‪،‬‬ ‫وعشــق الحريــة التــي نبتــت يف قلــوب أحفــاد‬ ‫جيــل الثامنينيــات‪.‬‬ ‫رأى أهــايل ريــف إدلــب بصيــص النــور‪ ،‬بعــد‬ ‫أن متكنــوا مــن طــرد النظــام املهــرئ مــن‬ ‫ريفهــم بقــوة الســاح بعــد أن أيقنــوا أنــه‬ ‫ال يفــل الحديــد اال الحديــد‪ ،‬وكانــوا هــم‬ ‫الحاضنــة الشــعبية للجيــش الحــر‪ ،‬الــذي‬ ‫هــو مــن أبنائهــم‪ ،‬فقدمــوا الغــايل والنفيــس‬ ‫الســتئصال بقايــا جســم النظــام املتــآكل‪ ،‬حتى‬ ‫وصولهــم إىل مدينــة إدلــب‪ ،‬ويف آخــر املطــاف‬ ‫طــردوا النظــام مــن ربوعهــا‪ ،‬فــكان زيتونهــا‬ ‫أقــوى مــن آلــة القتــل التــي اســتخدمها‪.‬‬ ‫بعــد أن خــر النظــام ريــف إدلــب حــاول‬ ‫الســيطرة عليــه بالوكالــة مــن خــال توفــر‬ ‫أرض خصبــة للتنظيــات املتطرفــة‪ ،‬ووجــدت‬ ‫داعــش «تنظيــم الدولــة اإلســامية» التــي‬ ‫رسعــان مــا بــدأت تســر عــى نهــج األســد‪،‬‬ ‫ولكــن تحــت غطــاء الديــن فأعلنــت دولتهــا‬ ‫املزعومــة‪ ،‬وبــدأت تعتقــل‪ ،‬وتقتــل‪ ،‬وتغيــب‪،‬‬ ‫وتســيطر‪ ،‬وتقيــم الحــدود‪ ،‬وتقاتــل أبنــاء‬ ‫الجيــش الحــر متذرعــة بالــردة والعاملــة‪،‬‬

‫متناســية أن الحــر مــن حــرر هــذه املناطــق‪،‬‬ ‫وأن الشــعب كان مضخــة الوقــود لــه‪.‬‬ ‫رسعــان مــا عــاد الحــراك الســلمي إىل‬ ‫الشــوارع ليقــول تســقط داعــش‪ ،‬ودولــة‬ ‫النفــاق يف العـراق والشــام‪ ،‬وكــا هــي عــادة‬ ‫االســتبداد بــدأ تنظيــم الدولــة بالــرد‪ ،‬كــا رد‬ ‫األســد مــن قبلــه‪ ،‬إنهــا آلــة االســتبداد والقمع‪،‬‬ ‫قتــل وغ ّيــب مــن املدنيــن اآلالف يف معتقالت‬ ‫الظــام األســود باســم الديــن الداعــي‪،‬‬ ‫ومــا كان مــن الجيــش الحــر اال أن لبــى‬ ‫نــداء الشــارع ليقــول ال ملــن ينــكل بأهــي‪،‬‬ ‫ويســتغلهم‪ ،‬ويــرق خرياتهــم‪ ،‬واحتدمــت‬ ‫املعــارك بــن التنظيــم والجيــش الحــر الــذي‬ ‫يدعمــه الشــعب‪ ،‬حتــى أقــي آخــر داعــي‬ ‫ِ‬ ‫يكتــف بذلــك‪ ،‬بــل‬ ‫مــن ريــف إدلــب‪ ،‬ومل‬ ‫الحقــه إىل ريــف حلــب‪ ،‬وليطــرده إىل‬ ‫املناطــق الرشقيــة‪ ،‬ويســتقر هنــاك مــع العلم‬ ‫أن العديــد مــن الفصائــل التــي تقــول أنهــا‬

‫وجــدت لحاميــة املدنيــن كانــت قــد امتنعــت‬ ‫عــن القتــال‪ ،‬وبــل هــي مــن ســمحت مبــرور‬ ‫التنظيــم إىل املناطــق الرشقيــة تحــت حاميته‪،‬‬ ‫مانعــة فصائــل الحــر مــن مطاردتــه واإلجهــاز‬ ‫عليــه‪ ،‬وعــى العكــس جــاءت اليــوم مســتغلة‬ ‫املاكينــات اإلعالميــة لتقــول هــي أول مــن‬ ‫انــرى لقتالــه‪ ،‬إال أن الشــعب يعلــم مــن كان‬ ‫معــه حينهــا‪ ،‬ومــن وقــف عــى الحيــاد‪ ،‬ومــن‬ ‫ســاعد التنظيــم تــارة أخــرى للخــروج‪.‬‬ ‫وهن��ا تتك��رر العب��ارة ال لالس��تبداد حت��ت‬ ‫أي مس��مى‪ ،‬وليق��ول الش��عب زيتون��ك‬ ‫أق��وى م��ن س��وادهم‪.‬‬ ‫مــا لبــث أن خــرج التنظيــم مــن الريــف‬ ‫وليستنشــق املدنيــون رائحــة الحريــة‬ ‫املنشــودة‪ ،‬وينعمــوا مبناطــق تــدار بحكــم‬ ‫مــدين يعمهــا الســام إىل أن جــاء مــن يدعــي‬ ‫نــرة أهــل الشــام ليســر حــذو أخوتــه‬ ‫ممــن ســبقوه وطــردوا ولكــن هــذه املــرة‬

‫بحيلــة وحنكــة تحــت مظلــة الديــن الرشعــي‬ ‫متالفــن أخطــاء مــن ســبقهم مــن أخــوة‬ ‫للمنهــج‪.‬‬ ‫ســيطروا عــى الشــارع مبراحــل مدروســة‬ ‫وأقصــوا أمئــة املســاجد‪ ،‬ووضعــوا أمئــة لهــم‪،‬‬ ‫ثــم مــا لبثــوا أن بــدأوا الحشــد لحــرب‬ ‫الــذراع العســكرية التابعــة للشــعب قبــل‬ ‫التنكيــل بهــم‪ ،‬فرسعــان مــا رضبــوا قــوى‬ ‫الثــورة ممثلــة بجبهــة ثــوار ســوريا‪ ،‬مســتغلني‬ ‫هيمنتهــم عــى املســاجد‪ ،‬وليقنعــوا الشــعب‬ ‫أن قائدهــا مفســد ســارق قاتــل‪ ...‬الــخ‪.‬‬ ‫لتبــدأ النــرة وأخواتهــا يف الشــال بســحب‬ ‫األرتــال الجـرارة تاركــة الثغــور‪ ،‬واضعــة نصب‬ ‫عينيهــا القضــاء عــى مــن قــى عــى أخوتهــا‬ ‫داعــش يف الشــال حتــى ال يكــون عائقــاً‬ ‫أمــام مرشوعهــا املســتقبيل‪ ،‬مســتغلة الحشــد‬ ‫الشــعبي‪ ،‬وكــره بعــض الفصائــل لكيــان‬ ‫الجيــش الحــر يف الشــال‪ ،‬الــذي يتعــارض مع‬ ‫مشــاريعهم يف املنطقــة بعــد اإلجهــاز عليهــا‬ ‫مــا لبثــت أن تابعــت مســرها لإلجهــاز عــى‬ ‫بقيــة الفصائــل التــي حاربــت داعــش ســابقاً‬ ‫باســم الفســاد‪ ،‬والعاملــة فأجهــزت عــى حزم‪،‬‬ ‫وألويــة الحــق‪ ،‬والعديــد مــن الفصائــل‪ ،‬ثــم‬ ‫عاشــت يف الشــال عــى أنهــا جــزء منــه‪،‬‬ ‫مخفيــة مرشوعهــا‪ ،‬متقربــة مــن الشــعب‬ ‫حتــى كــرت عــن أنيابهــا‪ ،‬وبــدأت تنــكل‬ ‫بالناشــطني‪ ،‬وتعتقلهــم بتهمــة العاملــة‪ ،‬ثــم‬ ‫مــا لبثــت أن أحســت بالخطــر يحــوم حولهــا‪،‬‬ ‫وهــو عــودة الشــعب ليلتــف حــول الجيــش‬ ‫الحــر يف ريــف إدلــب‪ ،‬وتجـ ّـى ذلــك يف مدينــة‬ ‫معــرة النعــان‪ ،‬حيــث بــدأ املدنيــون يلتفــون‬ ‫حــول قيــادة الفرقــة ‪ 13‬التابعــة للجيــش‬ ‫الحــر‪ ،‬حيــث بــدأ الجيــش الحــر بدعــم‬ ‫الشــارع لتعــود املظاه ـرات‪ ،‬ومتــأ الشــوارع‬

‫مطالبــة بإســقاط األســد وتجديــد العهــد‬ ‫للثــورة الســلمية‪ ،‬وهــذا مل يــرق لتنظيــم‬ ‫النــرة‪ ،‬فبــدأت تعــد العــدة لــرب الفرقــة‬ ‫‪ 13‬يف مركــز ثقلهــا‪ ،‬وهــي املدينــة لتســر‬ ‫النــرة عــى خطــى داعــش متجاهلــة أن‬ ‫الذيــن تقاتلهــم اليــوم هــم أبنــاء الشــعب‬ ‫فرسعــان مــا قــام الشــعب يف املدينــة‬ ‫والريــف ليقولــوا مــن جديــد‪« :‬ال لالســتبداد‬ ‫وال للنــرة وال لغريهــا ممــن يســتلغنا ويقتــل‬ ‫أبناءنــا»‪.‬‬ ‫رسعــان مــا كشــفت النــرة عــن نواياهــا‬ ‫وبــدأت تقمــع املظاه ـرات يف مركــز املدينــة‬ ‫حتــى ال تفقــد الشــارع‪ ،‬ويكــون جحيــاً‬ ‫عليهــا‪ ،‬ولكــن شــعباً صامــدا ً قُصــف بــكل‬ ‫أنــواع الســاح مل يعــد يهمــه قمــع غلــان‬ ‫القاعــدة‪ ،‬فبــدأت املظاهــرات تعــود مــن‬ ‫جديــد‪ ،‬وتنتــر كالنــار يف الهشــيم يف ربــوع‬ ‫إدلــب نــرة ملعــرة النعــان‪ ،‬ومجــددة‬ ‫البيعــة للجيــش الحــر‪ ،‬ومســتنكرة أفعــال‬ ‫تنظيــم النــرة يف مناطقهــا‪ ،‬فكــا فعــل‬ ‫النظــام ســابقاً يف مناطــق ســيطرته بــدأت‬ ‫النــرة تخــرج مظاهــرات مؤيــدة لهــا‬ ‫يف مناطــق نفوذهــا‪ ،‬مســتغلة قلّــة وعــي‬ ‫األطفــال الذيــن غســلت أدمغتهــم مــن‬ ‫خــال فعاليتهــا املدنيــة‪ ،‬وأفالمهــا التــي تبثهــا‬ ‫عليهــم يف النــدوات‪.‬‬ ‫ليعيــد التاريــخ نفســه‪ ،‬ولتبــدأ حقبــة‬ ‫جديــدة مــن محاربــة االســتغالل واالســتبداد‬ ‫والقمــع‪ ،‬وليقــول الشــارع كلمتــه مــن جديــد‬ ‫ال لالســتبداد ولتنطلــق الثــورة الثالثــة يف‬ ‫ريــف إدلــب‪ ،‬وليســجل التاريــخ مــن هــم‬ ‫أبنــاء الشــعب‪ ،‬ومــن ســيقف معهــم‪ ،‬ومــن‬ ‫ســيكون ضدهــم‪ ،‬ومــن ســيحمي عدوهــم‬ ‫ومــن ســينأى بنفســه عــن الحــرب‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫التكامل االقتصادي‬

‫وداع ًا جورج طرابيشي‬

‫د‪ .‬عبد القادر العلي‬

‫الحرمل ‪ -‬خاص‬

‫ـن أربــع‪،‬‬ ‫قــال املأمــون الخليفــة العبــايس‪« :‬امل ِ َهـ ْ‬ ‫صناعــة وزراعــة‪ ،‬تجــارة وإمــارة»‪.‬‬ ‫هكــذا كانــوا يــرون مقومــات الحيــاة االجتامعيــة‬ ‫يف ذلــك العــر‪ .‬هــذا الــكالم عــى بســاطته يظهــر‬ ‫بوضــوح املعادلــة التــي يجــب أن يُبنــى عليهــا‬ ‫اقتصــاد كل بلــد‪ ،‬ومــا ال شــك فيــه أن املأمــون‬ ‫اعتــر اإلمــارة (السياســة والحكــم) أيضــاً مهنــة‬ ‫مثلهــا مثــل غريهــا مــن املهــن‪ ،‬وتخضــع لنفــس‬ ‫املعايــر التــي تخضــع لهــا بقيــة املهــن‪ ،‬كاملهــارة‬ ‫والخــرة والقــدرة عــى التحكــم وإدارة شــؤون‬ ‫البلــد‪ ،‬وهــذا مــا فشــل فيــه قــادة البعــث‪.‬‬ ‫ولكــن‪ ،‬وبالعــودة اىل عرصنــا الحديــث‪ ،‬إىل عــر‬ ‫حكــم البعــث لســوريا منــذ أوائــل الســتينيات‪،‬‬ ‫وكيــف تعامــل مــع مثلــث القــوى‪ ،‬الزراعــة‬ ‫والصناعــة والتجــارة؟ وهــل اســتطاع أن ينهــض بهــن‬ ‫كــا يجــب حســب اإلمكانــات املتوفــرة يف البــاد؟‬ ‫منــذ أن اســتوىل البعثيــون عــى الســلطة‪ ،‬مل يراعــوا‬ ‫أيــة قواعــد أو معايــر للتكامــل االقتصــادي بــن‬ ‫هــذه القطاعــات األساســية لتطويــر البلــد‪ ،‬بــل‬ ‫كانــت السياســة هــي القائــدة لبقيــة القطاعــات‬ ‫دون األخــذ بعــن االعتبــار قوانــن االقتصــاد‪ ،‬التــي‬ ‫متــي عــى السياســة حركتهــا الديناميكيــة‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫تبعيــة السياســة لهــا‪ .‬يف حينهــا‪ ،‬كان التأميــم‬ ‫للقطاعــات املرصفيــة والبنــوك الخاصــة أثره الســلبي‬ ‫عــى اســتقاللية التمويــل واملنافســة بــن القطاعــن‬ ‫الحكومــي والخــاص‪ ،‬ووضــع التجــارة التــي هــي‬ ‫أساسـاً صلــة الوصــل بــن الزراعــة والصناعــة تحــت‬ ‫ارشاف الدولــة بشــكل غــر مبــارش‪ ،‬والتحكــم فيهــا‬ ‫عــر التمويــل الحكومــي لهــا‪ .‬ففــي الوقــت الــذي‬ ‫كان عــى الدولــة أن تفتــح آفاق ـاً جديــدة‪ ،‬وتســهل‬ ‫العالقــة بــن األقطــاب الثالثــة‪ ،‬أصبحــت تضــع‬ ‫العراقيــل البريوقراطيــة أمــام حركــة رأس املــال‬ ‫بــن مختلــف القطاعــات‪ .‬هــذه العمليــة وضعــت‬ ‫االقتصــاد مبجملــه تحــت ضبابيــة قيــاس النمــو‬ ‫االقتصــادي وتطــوره‪ ،‬ومــا هــي درجــة هــذا النمــو‬ ‫قياســاً لألعــوام الســابقة‪ ،‬حتــى ال يظهــر فشــل‬ ‫الدولــة يف إدارة مجمــل االقتصــاد الوطنــي‪ ،‬ومــن‬ ‫يومهــا أصبــح مــن الصعــب قيــاس معــدالت النمــو‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬والخســائر التــي يتعــرض لهــا االقتصــاد‬ ‫كل عــام‪ ،‬إال مــن خــال معــدالت التضخــم‪،‬‬ ‫وانخفــاض القيمــة الرشائيــة للــرة الســورية‪،‬‬

‫تــويف املفكــر الســوري البــارز جــورج‬ ‫طرابيــي يــوم األربعــاء ‪ 2016/3/16‬عــن‬ ‫‪ 77‬عام ـاً‪ .‬طرابيــي مفكــر وكاتــب وناقــد‬ ‫ومرتجــم مــن مواليــد حلــب ‪ ،1939‬يحمــل‬ ‫إجــازة باللغــة العربيــة وماجســتري بالرتبيــة‬ ‫مــن جامعــة دمشــق‪ ..‬عمــل مديـرا ً إلذاعــة‬ ‫دمشــق ‪ ،1963‬ورئيســاً لتحريــر مجلــة‬ ‫دراســات عربيــة ‪ ،1984-72‬ومحــررا ً ملجلــة‬ ‫الوحــدة ‪1989-84‬م‪.‬‬ ‫متيــز طرابيــي بكــرة ترجامتــه ومؤلفاتــه‪،‬‬ ‫فقــد ترجــم لفرويــد وهيغــل وســارتر‬ ‫وغــارودي ودي بوفــوار وآخريــن‪ .‬بلغــت‬ ‫ترجامتــه مــا يزيــد عــن ‪ 200‬يف الفلســفة‬ ‫وااليديولوجيــا والتحليــل النفــي والروايــة‪.‬‬ ‫ولطرابيــي مؤلفــات هامــة يف املاركســية‬ ‫والقوميــة والنقــد األديب للروايــة العربيــة‪..‬‬ ‫ومــن أبــرز مؤلفاتــه‪« :‬معجــم الفالســفه»‪،‬‬ ‫و»مــن النهضــة إىل الــردة»‪ ،‬و»هرطقــات ‪1‬‬ ‫و‪ »2‬ومرشوعــه الضخــم ‪ 5‬مجلــدات «نقــد‬ ‫نقــد العقــل العــريب» يف نقــد مــروع‬ ‫املفكــر املغــريب محمــد عابــد الجابــري‪،‬‬ ‫ويوصــف هــذا العمــل بأنــه موســوعي‬ ‫إذ احتــوى عــى قــراءة ومراجعــة لــكل‬ ‫مــن الــراث اليونــاين واألورويب الفلســفي‬ ‫والعــريب اإلســامي‪ ،‬الكالمــي والفقهــي‬ ‫والصــويف واللغــوي‪..‬‬ ‫تعازينــا لعائلتــه ورفاقــه وأصدقائــه‪..‬‬ ‫خســارة لســوريا وللعــامل العــريب‪ ..‬لكــن‬ ‫تراثــه ســيبقيه حيــاً تتداولــه األجيــال‬ ‫املتتاليــة‪.‬‬ ‫وائــل ســواح الكاتــب الســوري علــق عــى‬ ‫رحيــل جــورج طرابيــي قائ ـاً‪:‬‬ ‫أديــن بالكثــر ‪ -‬ومثــي كــرة مــن أبنــاء‬ ‫جيــي ‪ -‬لجــورج طرابيــي‪ ،‬مفكـرا ً ومثقفـاً‬ ‫وصديقـاً‪ .‬كان مدخــي إىل الفكــر املاركــي‬ ‫غــر األرثوذكــي‪ ،‬خــارج كتــب دار التقدم؛‬ ‫وكان مدخــي إىل عــامل فرويــد الــري‪،‬‬ ‫ومدخــي إىل فهــم محمــد عابــد الجابــري‬ ‫مــن دون تأليهــه‪ .‬منــه تعلمــت نقــد الفكر‬ ‫الدينــي‪ ،‬ونقــد الفكــر القومــي‪ ،‬ونقــد‬ ‫املاركســية‪ ،‬ونقــد النقــد‪ ،‬ومنــه تعلمــت‬

‫وارتفــاع األســعار‪.‬‬ ‫كان تأميــم املؤسســات املاليــة‪ ،‬وتطبيــق اإلصــاح‬ ‫الزراعــي بشــكل جائــر‪ ،‬وعــى أســاس موقــف هــذا‬ ‫اإلقطاعــي مــن حــزب البعــث والحكومــة‪ ،‬خلــق‬ ‫إشــكاالت اجتامعيــة‪ ،‬ومل يــرا ِع مبــدأ العدالــة يف‬ ‫التأميــم والتوزيــع بــن أف ـراد املجتمــع‪ ،‬مــا شــكل‬ ‫عــداوات بــن الفئــات االجتامعيــة مــا زالــت آثارهــا‬ ‫إىل اآلن‪ .‬لســت ضــد توزيــع اإلقطاعــات الكبــرة‪،‬‬ ‫ولكــن رشط أن تتــم عــى أســاس موضوعــي‪ ،‬مــع‬ ‫األخــذ بعــن االعتبــار املهنيــة والخــرة الزراعيــة‪،‬‬ ‫وعــدد أفــراد األرسة‪ ،‬وغــر ذلــك‪ .‬وأن تؤمــم‬ ‫اإلقطاعــات الكبــرة‪ ،‬وليــس املتوســطة والصغــرة‪،‬‬ ‫ألن اإلقطاعــات املتوســطة تصبــح أيضــاً صغــرة‬ ‫بحكــم تزايــد الورثــة بعــد جيــل أو جيلــن‪ ،‬وهــذا‬ ‫مــا مل تقــم بــه حكومــات البعــث املتعاقبــة‪.‬‬ ‫إن إخضــاع الزراعــة والصناعــة والتجــارة والحركــة‬ ‫املاليــة املغذيــة لهــن جميعــاً‪ ،‬حــول االقتصــاد‬ ‫إىل آليــة غــر حيويــة‪ ،‬وغــر ديناميكيــة‪ ،‬تخضــع‬ ‫بالكامــل لســلطة حزبيــة وإرادة سياســية‪ ،‬وهنــا‬ ‫بــدأ الفســاد يف االســتيالء والتوزيــع عــى األشــخاص‬ ‫املتنفذيــن يف الحــزب والدولــة‪ ،‬إن كان فيــا يخــص‬ ‫املناصــب أو التعامــل مــع الســارسة مــن كل صنف‬ ‫ولــون مــن الحــزب نفســه لالســتيالء عــى األربــاح‬ ‫التــي مــن املفــرض أن تذهــب إىل جيــب العامــل‬ ‫الزراعــي أو الصناعــي أو التاجــر الوســيط فعــاً‪.‬‬ ‫طــوال هــذه العقــود وأعضــاء الحــزب والحكومــة‬ ‫هــم الرابحــون مــن القيــام بــدور الوســيط أو‬ ‫مقــرر العطــاءات يف جميــع املجــاالت عــى حســاب‬ ‫الطبقــة العاملــة واملنتجــة يف هــذه القطاعــات‬ ‫الثالثــة‪ ،‬ومنــذ ذلــك الحــن‪ ،‬واللــرة الســورية يف‬ ‫هبــوط مســتمر‪ ،‬واألســعار يف ارتفــاع‪ ،‬والتضخــم‬ ‫يــزداد عــى حســاب مســتوى املعيشــة لعامــة‬ ‫الشــعب‪.‬‬

‫ق ـراءة نجيــب محفــوظ بشــكل مختلــف‪..‬‬ ‫بعثــي تــرك البعــث ‪ -‬عــى عكــس التيــار ‪-‬‬ ‫بعــد أن اســتلم الســلطة‪ ،‬مســيحي رفــض‬ ‫الكهنــوت املســيحي وفكــرة الجحيــم‪،‬‬ ‫ماركــي مل يحــج إىل موســكو أو بكــن‪،‬‬ ‫فرويــدي مل يعتــر فرويــد نهايــة التاريــخ‪..‬‬ ‫كصديــق‪ ،‬كان جــورج مدخــي إىل جمعيــة‬ ‫العقالنيــن العــرب وموقــع األوان‪ ،‬ومعــه‬ ‫أقمنــا مؤمتــر العامنيــة األول يف ســوريا‬ ‫عــام ‪ .2007‬أهــم مــن كل مــا ســبق كان‬ ‫مدخــي إىل رفــض املقــدس‪ ،‬كل مقــدس‬ ‫والنظــر إىل الواقــع باعتبــاره حيــاة جاريــة‪.‬‬ ‫وداع ـاً جــورج‪..‬‬ ‫أمــا الدكتــور أحمــد نســيم برقــاوي أســتاذ‬ ‫الفلســفة يف جامعــة دمشــق ســابقاً فقــد‬ ‫قــال‪:‬‬ ‫وداع ـاً جــورج طرابيــي شــاركنا مؤمترنــا‬ ‫الفلســفي‪ ،‬وشــاركناه مؤمتــر العقالنيــن‬ ‫العــرب يف بــروت‪ ،‬كان شــخصاً مهمومــا‬ ‫ً مبشــكالت العــرب‪ ،‬ســألته مــرة‪ :‬هــل‬ ‫يســتحق إنتــاج الجابــري أن يشــغلك كل‬ ‫هــذه الســنني‪ :‬قــال لقــد أعــادين إىل قـراءة‬ ‫الــراث اإلســامي ومــا قبــل اإلســامي‪،‬‬ ‫فأدركــت أنــه قــد أصيــب كغــره بــداء‬ ‫الــراث‪ ،‬وفضلــه عــى نقــل الفلســفة‬ ‫والفكــر الغربيــن إىل العربيــة كبــر جــدا ً‬ ‫جــدا ً‪ .‬كان حاس ـاً يف علامنيتــه وعقالنيتــه‬ ‫ودميقراطيتــه‪ .‬وداعــاً جــورج‪ ..‬العــزاء‬ ‫للفكــر ‪.‬‬ ‫وكتــب خالــد غــزال يف صحيفــة الحيــاة‬ ‫عــن جــورج طرابيــي قائــاً‪:‬‬ ‫الثابــت يف مســرة طرابيــي هــو «املوقــع»‬ ‫الــذي يصــدر عنــه‪ ،‬هــذا املوقــع يتلخــص‬ ‫يف التــزام التقــدم والتحــرر والحداثــة‬ ‫وتجــاوز التخلــف يف مجتمعاتنــا العربيــة‪.‬‬ ‫ويف السياســة يصــدر عــن النضــال ضــد‬ ‫االســتبداد بأشــكاله املختلفــة‪ ،‬ودعــوة‬ ‫رصيحــة إىل اعتــاد العقــل والتــزام‬ ‫الدميوقراطيــة والعلامنيــة ســبيالً إىل‬ ‫تحريــر اإلنســان العــريب مــن أرس املــايض‬ ‫وبنــاء مــروع نهضــوي متجــدد مبــا يتيــح‬ ‫ملجتمعاتنــا العربيــة الدخــول يف العــر‬

‫والحداثــة‪ .‬هــذا املوقــع الــذي مل يغــادره‬ ‫طرابيــي مطلقـاً ميكــن تل ّمســه‪ ،‬يف كتاباته‬ ‫األوىل حتــى وهــو يف قلــب التجربــة‬ ‫الحزبيــة التــي انتمــى إليهــا‪ ،‬ثــم تكــ ّرس‬ ‫هــذا املوقــع يف مجمــل كتاباتــه املتنوعــة‬ ‫يف كل املجــاالت وصــوالً إىل موســوعته‬ ‫األخــرة (نقــد نقــد العقــل العــريب)‪.‬‬ ‫الكاتــب معبــد الحســون رىث املفكــر الكبــر‬ ‫قائالً‪:‬‬ ‫رحــل جــورج طرابيــي بهــدوء‪ ..‬رجــل‬ ‫عــاش للعلــم واملعرفــة والرتجمــة‪ ..‬عــاش‬ ‫بهــدوء ورحــل بهــدوء‪ ..‬كان أمــة بذاتــه‪،‬‬ ‫وإضافــة كبــرة إىل فكــر هــذه األمــة‪ ..‬مل‬ ‫يغنــم ومل يفكــر يومـاً يف ُغ ْنــم أو شــهرة أو‬ ‫منصــب أو نجوميــة‪ ..‬انســجم مــع عقلــه‬ ‫الحــر الفــذ وإخالصــه للمعرفــة والحقيقــة‬ ‫حتــى اســتحال فكــرا ً أو متاهــى الفكــر‬ ‫فيــه‪ ..‬ملثــل هــذه القامــات االســتثنائية‬ ‫يجــب أن تنحنــي الجبــاه احرتامـاً‪ ،‬وتحتفظ‬ ‫األمــة لهــم بالذكــر واإلشــادة وعرفــان‬ ‫الجميــل‪ ..‬وداعــاً جــورج طرابيــي‪ ،‬وإن‬ ‫كان مــا تركتــه وراءك مــن مؤلفــات كافي ـاً‬ ‫لتتســطر يف ســفر الخالديــن يف تاريخنــا‬ ‫الحديــث‪.‬‬ ‫أخــرا تــريث الحرمــل املفكــر جــورج‬ ‫طرابيــي الــذي أغنــى املكتبــة العربيــة‬ ‫بدراســاته العميقــة‪ .‬وكلنــا أمــل أن‬ ‫تكــون جهــوده مقدمــة لظهــور مفكريــن‪،‬‬ ‫وباحثــن جــدد يخلّصــون هــذه األمــة مــن‬ ‫التخبــط الفكــري الــذي يســيطر عليهــا‬ ‫منــذ مئــات الســنني‪ ،‬ويصلــون بهــا إىل‬ ‫بــ ّر األمــان الفكــري‪ ،‬ويســطّرون مجدهــا‬ ‫وإبداعاتهــا جنبـاً إىل جنــب مــع إبداعــات‬ ‫األمــم الحيــة والفعالــة‪.‬‬

‫يف مهد الثورة‬ ‫الث��ورة يف عامه��ا الس��ادس‪ ..‬مت��دد للفصائ��ل املبايع��ة لداع��ش يف ري��ف درع��ا الغرب��ي‬ ‫درعا ‪ -‬سارة الحوراني‬

‫دخلــت الثــورة الســورية عامها الســادس‪،‬‬ ‫لتدخــل يف مهــد الثــورة «درعــا» حــرب‬ ‫اســتنزاف ليــس مــع قــوات األســد املجــرم‪،‬‬ ‫ولكــن هــذه املــرة مــع فصائــل معارضــة‬ ‫أخــرى بايعــت تنظيــم الدولــة اإلســامية‬ ‫«داعــش»‪ ،‬ولتتوجــه البنــادق واملدافــع‬ ‫مــن جبهــات القتــال إىل القــرى والبلــدات‬ ‫الريفيــة الغربيــة مــن محافظــة درعــا والتــي‬ ‫تشــكل امتــدادا ً للفصائــل املبايعــة‪.‬‬ ‫وعــى الرغــم مــن إعــان أمــر حركــة‬ ‫املثنــى اإلســامية «أبــو أيــوب» عــدم‬ ‫مبايعتــه للتنظيــم‪ ،‬إال أن جميــع املــؤرشات‬ ‫تــدل عــى أن الحركــة تحالفــت مــع لــواء‬ ‫شــهداء الريمــوك‪ ،‬الــذي أعلــن الحــرب عــى‬ ‫جميــع الفصائــل املنضويــة تحــت مظلــة دار‬ ‫العــدل يف حــوران‪ ،‬والتــي أصــدرت ق ـرارات‬ ‫باســتئصال اللــواء واعتقــال أمرائــه ورشعييه‪،‬‬ ‫وأبرزهــم أمــر اللــواء أبــو عــي الربيــدي‬ ‫امللقــب بالخــال‪ ،‬الــذي قتــل بتفجــر‬ ‫اســتهدف اجتــاع لقــادة اللــواء ضــم أبــرز‬ ‫قــادة اللــواء‪ ،‬ورشعييــه ليتــم مبايعــة مقاتــل‬ ‫ســعودي أمــرا ً للــواء حاليــاً‪.‬‬

‫وكانــت حركــة املثنــى اإلســامية قــد‬ ‫طــردت مــن مناطــق ريــف درعــا الرشقــي‬ ‫إثــر ارتكابهــا لسلســة مــن االغتيــاالت‬ ‫والخطــف‪ ،‬ومــن أبــرز مــن تــم اغتيالــه‬ ‫أســامة اليتيــم رئيــس محكمــة دار العــدل‬ ‫بحــوران‪ ،‬واختطــاف الدكتــور يعقــوب‬ ‫العــار رئيــس مجلــس محافظــة درعــا‬ ‫الحــرة‪ ،‬والــذي تــم فــك أرسه إثــر عمليــة‬ ‫عســكرية عــر عــى عــرات املعتقلــن‬ ‫والقتــى يف إحــدى مقـرات حركــة املثنــى يف‬ ‫ريــف درعــا الرشقــي «بلــدة صيــدا»‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي أســفر عــن هــروب معظــم قــادة‬ ‫الحركــة واســتقرارهم يف ريــف درعــا الغــريب‪،‬‬ ‫الــذي يعتــر معقــاً للفصائــل اإلســامية‪،‬‬ ‫وخاصــة لــواء شــهداء الريمــوك وجبهــة‬ ‫النــرة وحركــة أحــرار الشــام اإلســامية‪.‬‬ ‫ويف أواخــر شــهر آذار املــايض أعلــن لــواء‬ ‫شــهداء الريمــوك وحركــة املثنــى اإلســامية‬ ‫حربهــا عــى املرتديــن وعمــاء املــوك‪ ،‬كــا‬ ‫وصفتهــم‪ ،‬قاصــدة بذلــك فصائــل الجيــش‬ ‫الحــر وجبهــة النــرة وأحــرار الشــام‪،‬‬ ‫وبــدأت بالهجــوم عــى القــرى والبلــدات‬ ‫التــي تخضــع لتلــك الفصائــل‪ ،‬حيــث قامــوا‬

‫بتفجــر جــر الهريــر االســراتيجي‪ ،‬والــذي‬ ‫يشــكل معــرا ً ملناطــق الريــف الغــريب التــي‬ ‫يســيطر عليهــا لــواء شــهداء الريمــوك وحركــة‬ ‫املثنــى‪ ،‬وبالتــايل قطــع الطريــق بوصــول‬ ‫تعزي ـزات مــن الفصائــل املقاتلــة الســتعادة‬ ‫املناطــق التــي ســيطرت عليهــا حركــة‬ ‫املثنــى ولــواء شــهداء الريمــوك‪ ،‬وأبرزهــا‬ ‫بلــدات ســحم الجــوالن والشــيخ ســعد‬ ‫وجلــن‪ ،‬فيــا تــدور حالي ـاً معــارك طاحنــة‬ ‫بــن الطرفــن للســيطرة عــى بلــدة حيــط‪،‬‬ ‫التــي تســيطر عليهــا جبهــة النــرة وأحـرار‬

‫الشــام والجيــش الحــر‪ ،‬حيــث تتعــرض‬ ‫البلــدة لقصــف عنيــف بشــتى أصنــاف‬ ‫األســلحة مــن قبــل لــواء شــهداء الريمــوك‬ ‫وحركــة املثنــى يف محاولــة القتحــام البلــدة‪،‬‬ ‫والتــي هــرب معظــم ســكانها إىل الوديــان‬ ‫الســاحقة يف رحلــة محفوفــة باملخاطــر‪،‬‬ ‫فيــا يتــم اســتهدافهم أثنــاء الهــروب مــن‬ ‫قبــل لــواء شــهداء الريمــوك بالرشاشــات‬ ‫الثقيلــة‪ ،‬وقذائــف الهــاون‪ ،‬مــا أســفر عــن‬ ‫ســقوط عــدد كبــر مــن الهاربــن بــن شــهيد‬ ‫وجريــح‪ ،‬كــا تتعــرض بلــدة تســيل وجلــن‬

‫لقصــف مــن قبــل فصائــل الجيــش الحــر‬ ‫وجبهــة النــرة‪ ،‬األمــر الــذي أدى الستشــهاد‬ ‫عــدد مــن املدنيــن وجــرح آخريــن تــم‬ ‫نقــل بعضهــم عــر الوديــان الوعــرة إىل‬ ‫مناطــق أكــر أمنــاً لتلقــي العــاج‪ ،‬وتقــدر‬ ‫عــدد األرس الهاربــة مــن البلــدات التــي‬ ‫تشــهد اشــتباكات بــن الطرفــن ألــف أرسة‬ ‫مــن بلــدات ســحم وحيــط جلــن وتســيل‬ ‫والشــيخ ســعد‪ ،‬حيــث تعيــش األرس أوضاعـاً‬ ‫مأســاوية‪ ،‬ونقصــاً يف معظــم املســتلزمات‬ ‫الرضوريــة‪.‬‬ ‫يبــدو أن الهدنــة التــي خطط لها دميســتورا‬ ‫نجحــت يف حاميــة األســد‪ ،‬وفتــح قتــال دامٍ‬ ‫بــن فصائــل املعارضــة يدفــع مثنهــا البســطاء‬ ‫مــن األهــايل‪ ،‬الذيــن باتــوا يهربــون مــن‬ ‫مــكان إىل آخــر باحثــن عــن األمــن املفقــود‪،‬‬ ‫فيــا تســتعيد قــوات األســد مناطــق‬ ‫اســراتيجية مــن املعارضــة الســورية‪ ،‬وعــر‬ ‫حليفتــه داعــش‪ ،‬التــي نجحــت يف تحقيــق‬ ‫مــا عجــزت عنــه قــوات األســد وحلفائهــا يف‬ ‫تحقيقــه وتســليمها للمناطــق املهمــة عــى‬ ‫طبــق مــن الذهــب كلــف تحريــره أهــايل‬ ‫املنطقــة كثــرا ً مــن الدمــاء واألرواح‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫مستقبل الرقة‬

‫‪5‬‬

‫الحرملي‬ ‫آثار الرقة يف مهب الريح‬ ‫يوسف دعيس‬

‫الرقة ما بني الواقع املتشح بالسواد‪ ،‬والتدمري والقتل املمنهج الذي يستهدفها كل يوم‪ ،‬هل ستنتقل من الظالم إىل فضاءات جديدة‬ ‫للحرية؟‬ ‫الرقة تنتظر أبناءها‪ ،‬ومن أولويات قراءة مفردات مشهدها املأساوي‪ ،‬التداعيات اليت تواجه املرأة والطفولة‪ ،‬ومسألة إعادة اإلعمار‪،‬‬ ‫وكيف نعيد احلياة الثقافية إىل ألقها؟ ومسائل تتعلق بالسلم األهلي والعيش املشرتك‪ ،‬وإحياء احلياة القانونية‪.‬‬ ‫ملف «مستقبل الرقة» الذي نضعه بني أيدي القراء هو جمرد حماولة صغرية يف درب طويل وشائك‪ ،‬لك ّننا نؤكد بأنها جادة‪ ،‬وتأتي‬ ‫يف إطار تفاهم مشرتك مع شبكة أمان‪ ،‬اليت تدعم مثل هذا التوجه‪.‬‬

‫أسعد فخري‬

‫األسد إلحراق البلد‪..‬؟!‬

‫ليــس مــن الصعوبــة مبــكان تتبــع حجــم الدمــار‬ ‫املريــع واآلثــار الكارثيــة التــي خلّفهــا القصــف الوحيش‬ ‫املمنهــج لطائــرات النظــام الحربيــة ولصواريخــه‬ ‫ومدفعيتــه الثقيلــة التــي طالــت أغلــب املراكــز‬ ‫واملؤسســات الثقافيــة والعلميــة‪ ،‬إضافــة إىل العديــد‬ ‫مــن املتاحــف واملواقــع األثريــة الهامــة‪ ،‬والتــي انتــر‬ ‫جلّهــا يف املــدن واألريــاف الســورية التــي خرجــت‬ ‫عــن ســيطرة النظــام املجــرم طــوال الخمــس ســنوات‬ ‫املنقضيــة مــن عمــر الثــورة الســورية ليؤكــد النظــام‬ ‫املســتبد بأنصــع الصــور شــكل الجرميــة وإجرائيــة‬ ‫التعبــر عنهــا‪ ،‬الفت ـاً األنظــار بصــورة أو بأخــرى نحــو‬ ‫مضامــن تحمــل يف طياتهــا قــذارة األهــداف التدمرييــة‬ ‫وصناعــة الفــوىض التــي ســعت إليهــا ســلطانيته‬ ‫األســدية وذيولهــا الطائفيــة مــن عصابــات املرتزقــة‬ ‫التــي اســتقدمها مــن كل أصقــاع الدنيــا بحذاقــة‬ ‫القاتــل املنفلــت مــن عقالــه‪ ،‬متخــذا ً سياســة األرض‬ ‫املحروقــة التــي طالــت البــر والحجــر دون روادع‬ ‫أخالقيــة أو إنســانية‪.‬‬ ‫تلــك مفاعيــل النظــام وحصتــه مــن كعكــة التدمــر‬ ‫عــن بعــد‪ ،‬أمــا الجانــب األكــر خطــورة يف هــذا‬ ‫املقــام‪ ،‬فقــد تجــى بأبهــى صــوره عــى األرض‪ ،‬ومــا‬

‫جــرى عليهــا مــن وقائــع صادمــة أقدمــت عليهــا ثلــة‬ ‫مــن اللصــوص ممــن كانــوا يعملــون يف تلــك املراكــز‬ ‫واملؤسســات وبعــض الفصائــل املســلحة التــي حــررت‬ ‫املــدن واألريــاف مــن ســلطة النظــام‪ ،‬متخذيــن مــن‬ ‫الدمــار الــذي أحدثــه قصــف الطائـرات الحربيــة مــررا ً‬ ‫لنهــب تلــك املراكــز واملؤسســات‪ ،‬واحتاللهــا كمقــار‬ ‫لهــا‪ ،‬والعبــث مبحتوياتهــا‪ ،‬فقــد نهبــت املتاحــف‪ ،‬وتــم‬ ‫تحطيــم التامثيــل مــن قبــل تلــك الفصائــل املســلحة‪،‬‬ ‫أمــا املكتبــات التــي احتوتهــا املراكــز الثقافيــة‪ ،‬ومــا‬ ‫تواجــد يف مســتودعاتها مــن لوحــات فنيــة‪ ،‬فقــد‬ ‫تــم إحراقهــا أو اســتخدامها للتدفئــة واإلبقــاء عــى‬ ‫املحتويــات التــي ال تخالــف الرشيعــة اإلســامية‪،‬‬ ‫ومــا حــدث يف املركــز الثقــايف يف مدينــة ديــر الــزور‪،‬‬ ‫ومديريــة الثقافــة يف مدينــة الرقــة عــى أيــادي‬ ‫جبهــة النــرة‪ ،‬والحقــاً عــى يــدي داعــش لهــو‬ ‫أدل شــواهد العيــان عــى همجيــة عقليــة التمــرس‬ ‫خلــف اللــون الواحــد‪ ،‬وإقصــاء التعــدد مــن أجنــدة‬ ‫ســورية الجديــدة‪ ،‬وهــو مــؤرش يــي بالخطــر املحــدق‬ ‫واملرتبــص مبــا ســيحدث يف املقبــل مــن األيــام‪.‬‬ ‫مــن هنــا نــدرك أهميــة الســؤال الــذي يفــرض نفســه‬ ‫أمــام هــذه املحنــة التــي طالــت جانب ـاً أساســياً مــن‬

‫البنــى املؤسســاتية عــر مفاصلهــا الثقافيــة واملعرفيــة‬ ‫والعلميــة‪ ،‬إضافــة إىل األبعــاد الوحشــية‪ ،‬وهــول‬ ‫التدمرييــة التــي غرقــت فيهــا تلــك املفاصــل‪ ،‬ذلــك‬ ‫مــا يدفعنــا للتســاؤل والبحــث عــن إجابــات منطقيــة‬ ‫وموضوعيــة عــا ســيكون عليــه املشــهد املقبــل‬ ‫للمحافــل واملؤسســات الثقافيــة واملعرفيــة‪ ،‬إضافــة‬ ‫إىل العديــد مــن الفعاليــات االجتامعيــة واالقتصاديــة‬ ‫والسياســية‪ ،‬بعيــدا ً عــن املواربــة‪ ،‬وبوضــوح شــديد‬ ‫وشــفافية‪ ،‬ودون اصطفــاف إىل جانــب أحــد عــى‬ ‫حســاب طموحــات الثــورة الســورية وأهدافهــا يف بنــاء‬ ‫دولــة ســورية الجديــدة بحلتهــا املدنيــة والتعدديــة‪.‬‬ ‫وبتقديرنــا أن مــا ســيخلفه انتهــاء ال ـراع يف ســورية‬ ‫مــن قيــم جديــدة ومفاعيــل ومعطيــات متنابــذة عــى‬ ‫مختلــف األصعــد‪ ،‬وتنــوع وتعــدد الحيــوات واألهداف‪،‬‬ ‫ســيفتح البــاب عــى مرصاعيــه لتنابــذ مديــد قــد‬ ‫ـب‬ ‫يســتمر طويـاً‪ ،‬وإن إعــادة إعــار الحجــر ليســت لـ ّ‬ ‫املشــكلة وتحديــات العمــل عــى إيجــاد حلــول لهــا‪،‬‬ ‫بــل املشــكلة والعقبــة التــي ال بــد مــن االلتفــات إليهــا‬ ‫تتمثــل يف إعــادة إعــار العقــول‪ ،‬وقبــول اآلخــر‪ ،‬وهــي‬ ‫مقاربــة أساســية ومفصليــة تحتاجهــا ســوريا الجديــدة‬ ‫وفــق معايــر الدولــة املدنيــة التعدديــة‪.‬‬

‫يف األيــام األوىل للثــورة الســورية تعــرض متحــف قلعــة جعــر‬ ‫يف محافظــة الرقــة للرسقــة‪ ،‬وتعرضــــت مســــتودعات هرقلــــة‬ ‫ملحاولــــة الرسقــــة يف بدايــــة تحريــــر الرقــــة‪ ،‬لكــــن بجهــــود‬ ‫أهــــايل املنطقــــة وحـــراس املوقع وبعــــض العاملـيـــن يف دائــــرة‬ ‫اآلثــــار‪ ،‬الذيــــن اتصلــوا باملســــؤولني (الهيئــة الرشعية يف الرقــة)‬ ‫تــــم منــع التعــدي‪ ،‬لكــن مــن آثــــاره العبــث بنتائــج تنقيــب‬ ‫البعثــات األثريــة‪ ،‬وتكسيــر وتحطيــم عــدد كبيــر مــن القطــع‬ ‫الفخاريــــة التــــي تفيــــد الدراســات والبحــــث العلمــــي‪ ،‬كــا‬ ‫تعرضــــت بعــــض التــــال واملواقــــع األثريــــة داخــــل وخــــارج‬ ‫مدينــــة الرقــــة للحفــــر والتجريــــف غــر العلمــي‪ ،‬والــذي تــم‬ ‫بواســطة اآلليــات الثقيلــة مــن قبــل لصــوص اآلثــار‪ ،‬وأبرزهــا‬ ‫تــــل زبــــن عــىل ضفــــاف البليــخ‪ ،‬وعــدد مــــن التــالل املنترشة‬ ‫عــى ضفــاف نهــري البليــــخ والفـــرات‪ ،‬وأبرزهــا تــل زالبــا األثــري‪،‬‬ ‫ومستودعاته‪ ،‬وهــــذه العمليــــات تســــهم يف طمــــس وتخريــــب‬ ‫معــــامل هويــــة منطقتنــا التاريخيــــة والحضاريــة‪ ،‬كام تم التعدي‬ ‫علــــى موقــــع قصــر البنــــات داخــل مدينــــة الرقــة‪ ،‬تــم خالله‬ ‫رسقــــة محتويات املســــتودع‪ ،‬وهــي عبــارة عــن عينــات لكــرس‬ ‫فخاريــة للدراســة واألبحــاث األثريــة‪ ،‬وبعــد رسقتهــا تــم إرضام‬ ‫النــــار باملســتودع‪.‬‬ ‫وخــال تواجــد فصائــل الجيــش الحــر وســيطرة العديــد مــن‬ ‫الكتائــب واأللويــة اإلســامية وغريهــا عــى عمــوم املحافظــة‪ ،‬تــم‬ ‫رسقــة ودائــع املــرف املركــزي‪ ،‬الــذي يضــم إضافــة إىل الودائــع‬ ‫املاليــة والعينيــة‪ ،‬ثالثــة صناديــق كبــرة‪ ،‬تحتــوي عــى أكــر مــن‬ ‫‪ 500‬قطعــة أثريــة نــادرة‪ ،‬ثــم رسقــة كافــة محتويــات متحــف‬ ‫الرقــة بالكامــل‪ ،‬وترصيفــه خــارج حــدود الوطــن‪ ،‬وانتــرت ظاهــرة‬ ‫التجــارة بالقطــع األثريــة الســورية يف أســواق تركيــا ولبنــان تحديدا ً‪،‬‬ ‫ونقلهــا بواســطة مهربــن وتجــار االثــار إىل الــدول األوربيــة وأمريكا‪.‬‬ ‫بعــد ســيطرة داعــش عــى عمــوم محافظــة الرقــة‪ ،‬أنهــت مــا تبقــى‬ ‫مــن حيــاة أثريــة يف الرقــة‪ ،‬فعملــت أوالً عــى هــدم األرضحــة‬ ‫واملقامــات التــي تشــكل بــؤرا ً حقيقيــة للســياحة الدينيــة‪ ،‬أبرزهــا‬ ‫مقــام الصحــايب عــار بــن يــارس‪ ،‬والتابعــي أويــس القــرين‪ ،‬والصحايب‬ ‫وابصــة بــن معبــد األســدي‪ ،‬ومقــام الخليــل يف عــن العــروس‪،‬‬ ‫ومقــام البخــاري يف مدينــة الرقــة‪ ،‬ثــم عمــدت إىل هــدم جــزء مــن‬ ‫ســور الرقــة األثــري الــذي يشــكل عالمــة فارقــة يف املشــهد األثــري‬ ‫يف الرقــة‪ ،‬وتابــع لصــوص اآلثــار عملهــم غــر املمنهــج يف التنقيــب‬ ‫عــن اآلثــار واللقــى األثريــة يف عمــوم املحافظــة وســط موافقــة‬ ‫رصيحــة مــن تنظيــم الدولــة‪ ،‬الــذي يبيــح لرعايــاه التنقيــب عــن‬ ‫اآلثــار وبيعهــا‪ ،‬يف مشــهد غــر حضــاري يســتبيح قيــم اإلنســان‬ ‫وتاريخــه الحضــاري‪.‬‬ ‫الخطــوات األوىل التــي يجــب أن تتبعهــا القــوى الثوريــة ممثلــة‬ ‫بائتــاف قــوى الثــورة واملعارضــة الســورية‪ ،‬والحكومــة الســورية‬ ‫املؤقتــة عــر وزارة الثقافــة‪ ،‬العمــل عــى توثيــق القطــع األثريــة‬ ‫املرسوقــة‪ ،‬والخطــوات الالحقــة تتــم يف مخاطبــة منظمــة اليونســكو‬ ‫واالنرتبــول الــدويل‪ ،‬وحثهــم للعمــل الجــاد إلرجــاع القطــع‬ ‫واملرسوقــات األثريــة إىل بلدهــا األم‪ ،‬ووضــع برامــج وخطــط‬ ‫علميــة إلعــادة ترميــم املواقــع األثريــة التــي تعرضــت للتجريــف‬ ‫والهــدم‪ ،‬وتوثيــق أســاء املتاجريــن ولصــوص اآلثــار‪ ،‬ليصــار إىل‬ ‫محاســبتهم مســتقبالً‪ ،‬والكشــف عــن أســاء مقتنــي هــذه القطــع‪،‬‬ ‫ليتــم إعادتهــا إىل موطنهــا األصــي مبســاعدة اليونســكو واالنرتبــول‬ ‫الــدويل‪.‬‬ ‫ونخــى مــا نخشــاه أن يقــوم الط ـران الــرويس وط ـران النظــام يف‬ ‫تدمــر مــا تبقــى مــن اآلثــار‪ ،‬ومســحها عــن الخارطــة‪ ،‬مثلــا يقــوم‬ ‫بتدمــر بنــى البلــد التحتيــة‪ ،‬وقتــل كل مــدين دون وازع مــن ضمــر‪،‬‬ ‫أو اســتنكار وإدانــة دوليــة‪ ،‬وغيــاب كامــل للمنظــات الدوليــة‬ ‫التــي تعنــى بشــؤون اآلثــار والـراث اإلنســاين‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫الرقة‪ ..‬البنية التحتية املتهالكة‬ ‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫شــارك الط ـران الــدويل مــع ط ـران النظــام‬ ‫بتدمــر املزيــد مــن البنــى التحتيــة يف مدينــة‬ ‫الرقــة‪ ،‬فبعــد الرباميــل املتفجــرة التــي دمــرت‬ ‫املجمــع الحكومــي‪ ،‬وعــددا ً كبـرا ً مــن الدوائــر‬ ‫واملقــرات الخدميــة واملــدارس‪ ،‬اســتكمل‬ ‫الطــران الــرويس عمليــات التدمــر املمنهــج‪،‬‬ ‫بتدمــر املركــز الثقــايف أحــد أكــر املجمعــات‬ ‫الثقافيــة يف منطقــة الجزيــرة الســورية‪ ،‬والــذي‬ ‫ظــل العمــل فيــه عرشيــن ســنة متواصلــة‪،‬‬ ‫إلنجــازه وهــو رمــز مــن رمــوز التحــر‬ ‫يف مدينــة الرقــة‪ ،‬وكان ميدانــاً للنقاشــات‬ ‫واللقــاءات والنشــاطات الفكريــة والفنيــة‪.‬‬ ‫كــا قــام الطــران الــرويس بتدمــر مبنــى‬ ‫املــرف العقــاري الجديــد الــذي يعتــر تحفــة‬ ‫معامريــة حديثــة‪ ،‬ومركــزا ً خدميــاً يصلــح‬ ‫لخدمــات كبــرة ومهمــة يف مدينــة الرقــة لــو‬ ‫بقــي دون تدمــر‪.‬‬ ‫ويف اســتمرار لنهــج دمــار غــروزين الــرويس‪،‬‬ ‫دمــرت الطائــرات الروســية أجمــل شــارع يف‬ ‫الرقــة هــو نهايــة شــارع ‪ 23‬شــباط املواجــه‬ ‫لحديقــة الرشــيد‪ ،‬ودمــرت مســاحات واســعة‬ ‫مــن شــارع تــل أبيــض مســتهدفة النــاس‬ ‫واملــارة مــن املدنيــن‪.‬‬ ‫تبــدو طائــرات النظــام والطائــرات الروســية‬ ‫يف ســباق تدمــري لحرمــان املدينــة مــن كل‬ ‫طابــع حــري‪ ،‬وإرجاعهــا مجــرد قريــة نائيــة‪،‬‬ ‫اللهــم إال اذا كان اســتهداف مراكــز املدينــة‪،‬‬

‫ومبانيهــا الكبــرة‪ ،‬مبثابــة فتــح مجــاالت‬ ‫نهــب لــركات إعــادة اإلعــار التــي تســتأجر‬ ‫الطائــرات لتدمــر املزيــد مــن مســاحات‬ ‫املــدن ومــن بناهــا التحتيــة‪ ،‬لتضخيــم عقــود‬ ‫اإلعــار املقبلــة للــركات الروســية والصينيــة‬ ‫التــي تدعــم النظــام مــن أجــل االســتيالء عــى‬ ‫ملفــات اإلعــار التــي يتاجــر بهــا النظــام‪،‬‬ ‫ويشــري بهــا مصالــح الــدول الكــرى مــن أجــل‬ ‫بقــاء عصابــة التشــبيح واإلرهــاب األســدية‪.‬‬ ‫فالصــن التــي دعمــت النظــام بعــدة‬ ‫اســتعامالت للفيتــو يف مجلــس األمــن‪ ،‬عينــت‬ ‫أخــرا ً مندوبــاً لهــا يف ســورية‪ ،‬وهــو معنــي‬ ‫بعمليــات اإلعــار واالســتيالء عــى العقــود‬ ‫التــي سـتُنهب بهــا البــاد‪ ،‬وتجعلهــا رهينــة لهــا‬ ‫ولروســيا طــوال العقــود القادمــة‪.‬‬ ‫لقــد تــم تدمــر قطاعــات واســعة مــن شــبكة‬ ‫الكهربــاء‪ ،‬ونهــب الكابــات الكبــرة‪ ،‬ومحطــات‬ ‫الكهربــاء الكبــرة التــي تــم االســتيالء عــى‬ ‫الكثــر مــن معداتهــا‪ ،‬وهــذا يحتــاج إىل عــاج‬ ‫مبــارش لحفــظ االســتقرار والســلم األهــي‪،‬‬ ‫ووقــف تــردي العيــش يف الرقــة بعــد الرحيــل‬ ‫الحتمــي لداعــش خــال األشــهر القليلــة‬ ‫القادمــة‪ ،‬وذلــك بعــد رحيلهــا مــن تدمــر‬ ‫باالتفــاق مــع النظــام وروســيا وإيــران‪.‬‬ ‫شــبكة امليــاه قــد تكــون أحســن حــاالً‪ ،‬ولكــن‬ ‫صيانتهــا املبــارشة أهــم مطلــب لحفــظ الخدمة‬ ‫األساســية والنظافــة‪ ،‬ومنــع انتشــار األوبئــة‬ ‫واألوســاخ‪ ،‬باإلضافــة إىل رضورة صيانــة شــبكة‬

‫الــرف الصحــي للمدينــة‪ ،‬التــي تــررت كثـرا ً‬ ‫بســبب االنقطاعــات الطويلــة لخدمــة امليــاه‪،‬‬ ‫مــا أدى إىل انســدادات كبــرة يف الشــبكة‪،‬‬ ‫وانخفــاض أدائهــا بشــكل كبــر‪.‬‬ ‫صيانــة املنــازل واملنشــآت بشــكل إســعايف‪،‬‬ ‫لوضعهــا يف الخدمــة بشــكل عاجــل‪ ،‬ولتأمــن‬ ‫دورة الحيــاة للمهاجريــن العائديــن بأعــداد‬ ‫هائلــة‪ ،‬ســتضغط عــى الخدمــات‪ ،‬واملبــاين‪،‬‬ ‫والشــوارع املرتوكــة بــا صيانــة طــوال‬ ‫الســنوات املاضيــة‪ ،‬ناهيــك عــن ســوء تنفيذهــا‬ ‫أصـاً‪ ،‬وذلــك بســبب الفســاد الكبــر مــن قبــل‬ ‫اإلدارات املرشفــة واملصممــة لتلــك الخدمــات‬ ‫األساســية يف املدينــة‪.‬‬ ‫صيانــة الجســور املدمــرة وإعــادة تشــغيلها‪،‬‬ ‫كونهــا رشايــن أساســية لعــودة الحركــة‬ ‫الســكانية والتجاريــة بــن املدينــة والريــف‪،‬‬ ‫وبــن املدينــة واملــدن الســورية األخــرى‪ ،‬وهــذا‬ ‫يحتــاج إىل خـرات نوعيــة متخصصــة‪ ،‬ورسيعــة‬ ‫التنفيــذ وموثوقــة‪ ،‬وآمنــة‪ ،‬بســبب خطــورة أي‬ ‫خلــل يف الجســور التــي تتعــرض لحمــوالت‬ ‫كبــرة ومتحركــة وخطــرة‪.‬‬ ‫تحتــاج املدينــة إىل إعــادة املــدارس إىل الخدمــة‬ ‫بشــكل عاجــل إلعــادة األطفــال‪ ،‬الذيــن حرمــوا‬ ‫مــن الدراســة بســبب الحــرب‪ ،‬إىل صفوفهــم‬ ‫ومتابعــة التعليــم‪ ،‬وفــق ضوابــط جديــدة‬ ‫ومرنــة تســتوعب الطلبــة املحليــن الذيــن‬ ‫تعرضــوا للتعليــم املتطــرف‪ ،‬واالنتحــاري‪،‬‬ ‫والحاقــد عــى النــاس والعــامل جميعــاً‪ ،‬مــا‬

‫أيام الرقة الحزينة‪!..‬‬ ‫عنتر دعيس‬ ‫مل يعــد يف الرقــة مــن يلـ ّوح مــن جرسهــا ويبحــث عــن‬ ‫حبيــب أو قريــب (مــن فــوق جــر الرقــة سـلّم عـ ّـي بيــدو‬ ‫ومــا قــدرت أرد الســام خــاف يقولــون تريــدو)‪ ..‬ومل يعــد‬ ‫هنــاك يف الرقــة ســيارات حمـراء أو زرقــاء أو حتــى صفـراء‬ ‫متــر بــن الرقــة وديــر الــزور (بــن الرقــة وديــر الــزور مــرت‬ ‫ســيارة حمــرا)‪ ،‬كل الســيارات عــى الطــرق راياتهــا ســود‬ ‫تنــر املــوت‪ ،‬وتــزرع الخــوف والدمــار والحقــد‪ ..‬يف الرقــة‬ ‫التــي يســكنها أمــل بغــد أفضــل‪ ،‬ويعمــل أبناؤهــا‪ ،‬وهــم‬ ‫يكابــدون التمييــز والتهميــش‪ ،‬ويصنعــون دامئــاً متيزهــم‬ ‫بالفكــر واألمــل‪ ،‬لكــن ال تــكاد تعــود إىل الحيــاة حتــى‬ ‫يعرتيهــا الخ ـراب‪.‬‬ ‫مــرت ســنوات واملدينــة يكــر حلمهــا بغـ ٍـد أفضــل‪ ،‬ويــوم‬ ‫جديــد قــادم‪ ،‬وتجربــة يســكنها حلــم فريــد‪ ،‬يرفــع عنهــا‬ ‫الجهــل‪ ،‬ويؤســس لتقــدم أهلهــا‪ .‬لحظــات عابــرة لحيــاة‬ ‫جديــدة‪ ،‬مل تــدم طويــاً لتتجــى صــورة النظــام بكامــل‬ ‫قبحهــا‪ ،‬وهــي تقتــل وتدمــر‪ ،‬النظــام الــذي عمــل منــذ‬ ‫األيــام األوىل‪ ،‬إبــان خــروج الرقــة عــن ســيطرته‪ ،‬عــى‬ ‫اســتهداف حجارتهــا وأبنيتهــا‪ ،‬وتحويــل مكتبــة مركزهــا‬ ‫الثقــايف إىل رمــاد وركام‪ ،‬ونــال مــن نســيج أهلهــا فتــكاً‬ ‫بأعتــى أســلحة الدمــار‪ ،‬قصفــاً بالطائــرات والصواريــخ‪،‬‬ ‫وبــن لحظــة وأخــرى تحولــت كتبهــا التــي تربــو عــى‬ ‫ســتني ألــف كتــاب منــوع إىل رمــاد كامــل‪ ،‬ونــال مــن مبنــى‬ ‫املكتبــة تدمــرا ً وهدمــاً‪.‬‬ ‫دار الثقافــة‪ ،‬التــي تضــم املكتبــة العامــرة بالكتــب واملراجــع‬ ‫الهامــة‪ ،‬والتــي كانــت مكانـاً الجتــاع أهــل الرقــة‪ ،‬وقاعاتها‬ ‫الكبــرة‪ ،‬تحولــت مبــا يشــبه الحلــم إىل مــكان مهجــور‪،‬‬ ‫ثــم آلــت بأنقاضهــا لســيطرة داعــش‪ ،‬وبــدأت بحياكــة‬ ‫اجتامعــات القتلــة والظالميــن‪ ،‬وهــم يصنعــون املــوت بــن‬ ‫جــدران مــا تبقــى مــن مديريــة الثقافــة‪ ،‬مرسحهــا وقاعــات‬ ‫املحــارضات‪ ،‬والتدريــب والتأهيــل‪ ،‬وإدارتهــا‪ ،‬وحتــى أماكــن‬ ‫ذكرياتنــا التــي خفتــت فيهــا أصواتنــا‪ ،‬وطغــت أصــوات‬ ‫جديــدة‪ ،‬لكــن مل يرحمهــا الط ـران الــرويس عندمــا ح ـ ّول‬ ‫كل املبنــى إىل ركام‪..‬‬ ‫مــروع مديريــة الثقافــة انتظــره أهــل الرقــة عــر‬ ‫ســنوات‪ ،‬وراقبــوا أعــال البنــاء بشــغف لحــن اكتاملــه‪،‬‬

‫يســبب خطــورة كبــرة عــى مســتقبل الرقــة‪،‬‬ ‫ومســتقبل ســورية نفســها‪.‬‬ ‫وكذلــك عــى النظــم التعليميــة اســتيعاب‬ ‫األطفــال املهاجريــن والعائديــن‪ ،‬وقــد تعلمــوا‬ ‫وفــق أنظمــة تعليميــة مغايــرة ســواء يف تركيــا‪،‬‬ ‫أو االردن‪ ،‬أو لبنــان أو العــراق‪ ،‬وحتــى يف‬ ‫املــدن الســورية األخــرى‪.‬‬ ‫البنيــة الهندســية الزراعيــة تــررت بالنهــب‬ ‫والتدمــر‪ ،‬ويجــب إعــادة صيانــة األقنيــة‪،‬‬ ‫واملرافــق الزراعيــة‪ ،‬إلعــادة عجلــة اإلنتــاج‬ ‫الزراعــي‪ ،‬وإعالــة املواطنــن‪ ،‬وتشــجيعهم عــى‬ ‫االعتــاد عــى أنفســهم‪ ،‬وليــس الجلــوس يف‬ ‫املنــازل‪ ،‬وانتظــار املســاعدات الخرييــة الضئيلة‪.‬‬ ‫مــن الناحيــة البلديــة يجــب التشــديد عــى‬ ‫حفــظ نظافــة البلــد‪ ،‬ومنــع انتشــار األوبئــة‬ ‫املتســللة مــع الفــوىض املتوقعــة‪ ،‬ويجــب‬ ‫حفــظ األمــن ملنــع التعــدي عــى النــاس‪ ،‬وعــى‬ ‫املنشــآت واألمــاك الخاصــة والعامــة‪.‬‬ ‫كــا يجــب تشــجيع قيــام املرشوعــات الصغــرة‬ ‫بالتســاهل يف الــروط بهــدف اســتيعاب‬ ‫األهــايل‪ ،‬ومنعهــم مــن االستســام للبطالــة‪،‬‬ ‫وتنظيــم تواجدهــم بشــكل منتظــم ملنــع‬ ‫انتشــار التلــوث‪ ،‬واملــواد الســامة يف املدينــة‪،‬‬ ‫ويف القــرى التــي تنتــر فيهــا مثــل هــذه‬ ‫املشــاغل التــي ســتدعمها حتــاً املســاعدات‬ ‫الدوليــة واملحليــة‪ ،‬عــى أن تكــون حقيقيّــة‪،‬‬ ‫وفاعلــة عــى األرض‪ ،‬وليســت وهميــة‪،‬‬ ‫وموجــودة فقــط عــى الــورق‪ ،‬وينهبهــا‬

‫البارعــون يف التعامــل مــع املنظــات والبنــوك‪،‬‬ ‫ومــع اإلدارات الحكوميــة‪.‬‬ ‫يجــب توزيــع مقاســم مــن أمــاك الدولــة عــى‬ ‫املترضريــن‪ ،‬ومــن ُد ّمــرت بيوتهــم‪ ،‬لتشــجيع‬ ‫العــودة إىل املدينــة وإىل قراهــا‪ ،‬التــي يجــب‬ ‫أن تتخــذ أيضـاً مثــل هــذه الخطــوات الجاذبــة‬ ‫للســكان وللمشــاغل الصغــرة‪.‬‬ ‫إعــادة فتــح الجامعــات واملعاهــد‪ ،‬وكافــة‬ ‫املــدارس العامــة والصناعيــة والفنية الســتيعاب‬ ‫الشــباب والشــابات‪ ،‬ومنــع االستســام لليــأس‬ ‫وللبطالــة ولألفــكار املخربــة للديــن وللمجتمع‪.‬‬ ‫إعــادة تأهيــل املستشــفيات واملبــاين الصحيــة‪،‬‬ ‫وبنــاء مشــايف ميدانيــة رسيعــة التشــييد‪ ،‬ملنــع‬ ‫انتشــار األمـراض واألوبئــة‪ ،‬وملســاعدة الجرحــة‬ ‫وذوي االحتياجــات الخاصــة وأصحــاب‬ ‫األمــراض املزمنــة‪ ،‬وعــدم تركهــم عبئــاً عــى‬ ‫أهاليهــم‪ ،‬ودون مشــورة‪ ،‬أو مســاعدة حقيقيــة‬ ‫تشــجعهم عــى االنخـراط يف الحيــاة اإلنتاجيــة‬ ‫التعليميــة‪.‬‬ ‫إصــدار قوانــن تشــجع تشــكيل الجمعيــات‬ ‫واملنظــات األهليــة ملراقبــة األعــال‬ ‫الحكوميــة‪ ،‬ومنعهــا مــن االســتبداد‪ ،‬ومــن‬ ‫التحكــم املطلــق باملجتمــع‪ ،‬وكذلــك اإلرشاف‬ ‫عــى توزيــع املســاعدات واملشــاريع الدوليــة‪،‬‬ ‫وملنــع التالعــب بحصــص الســكان املســتحقني‬ ‫للخدمــات وللمســاعدات‪ ،‬مــا يع ّمــق الفــروق‬ ‫بــن املبالــغ املرصوفــة عــى الــورق‪ ،‬وواقــع‬ ‫البنــى التحتيــة املتدهــور‪.‬‬

‫املشهد اإلعالمي الرقاوي‬ ‫بشير الهويدي‬

‫وأصبــح منارتهــم‪ ،‬ومركــز اجتامعهــم‪ ،‬وأملهــم بعقــل‬ ‫جديــد ميســحون جهــاً امتــد ملئــات الســنني‪ ،‬وهكــذا‬ ‫بــدأوا نشــاطهم الثقــايف بقــوة‪ ،‬مدفوعــن بالحــب‬ ‫واألمــل‪ ،‬مســخرين كل اإلمكانــات الثقافيــة واالجتامعيــة‪،‬‬ ‫مــن خــال عقــد مهرجانــات القصــة والروايــة واملــرح‬ ‫والفنــون والطــرب والفنــون الشــعبية‪ ،‬وتســابقوا محارضيــن‬ ‫ومســتمعني ومتفرجــن‪ ،‬حتــى اعتــر النــاس أ ّن مدينــة‬ ‫الرقــة رغــم صغــر حجمهــا‪ ،‬وقلّــة ســكانها مــن أميــز مــدن‬ ‫ســوريا‪ ،‬ومكانــاً واعــدا ً للفكــر والفنــون‪ ،‬وكانــت هــذه‬ ‫الفعاليــات جــزءا ً مــن مــروع ثقــايف كبــر‪ ،‬اتفــق عليــه‬ ‫أصدقــاء الثقافــة يف الرقــة‪ ،‬وكان أهلهــا عــى رأس قامئــة‬ ‫الداعمــن والفاعلــن‪ ،‬ونشــطت بعــد ذلــك مراكــز الريــف‬ ‫الثقافيــة‪ ،‬وتســابق املثقفــون واملهتمــون بــن داعمــن‬ ‫ومحارضيــن يف الحضــور واملشــاركة‪ ،‬وليتجــاوز نشــاطهم‬ ‫جغرافيــا املحافظــة إىل املحافظــات األخــرى‪ ،‬والــدول‬ ‫العربيــة والغربيــة‪ ،‬ولتتحــول الرقــة إىل عاصمــة للثقافــة‪،‬‬ ‫وهــي تســتقدم كبــار املحارضيــن والكتــاب والشــعراء‬ ‫والفنانــن مــن أقــايص الدنيــا‪ ،‬وهــم ينقلــون معارفهــم‬ ‫وثقافــات شــعوبهم وتجاربهــا اإلنســانية‪..‬‬ ‫كان هــذا حلمنــا الكبــر‪ ،‬ويشــهد النــاس والــراب ونهــر‬ ‫الف ـرات أنهــم قتلــوا الرقــة‪ ،‬وعبثــوا بحلــم مــدين شــفاف‪،‬‬ ‫واغتالــوا لحظــات الفــرح بأفــق حضــاري إنســاين متجــدد‪..‬‬ ‫نعــم هــم كذلــك‪ ،‬وكــا مــ ّر هوالكــو مــن هنــا‪ ..‬هــا‬ ‫هــم قتلــة اإلنســان والحضــارة مــن املجرمــن واللصــوص‬ ‫واملخربــن ميــرون ثانيــة‪..‬‬

‫دار الثقافــة بالرقــة قبــل تدمريهــا بشــكل كامــل‬

‫يغيــب دور الصحافــة الرقــايب والتنويــري يف‬ ‫البلــدان التــي تحكمهــا أنظمــة شــمولية‪ ،‬وتشــكل‬ ‫املنظومــة اإلعالميــة غــر املســتقلة قالبــا ً يخــدم‬ ‫مصالــح هــذه األنظمــة وتطلعاتهــا‪ ،‬ويخضــع لتوجهاتها‬ ‫األيديولوجيــة‪ ،‬مــا يــؤدي لضيــق مســاحة اإلبــداع‪،‬‬ ‫وانحســار دور اإلعــام الرقــايب‪ ،‬واالهتــام باإلنجــازات‬ ‫االقتصاديــة وتضخيمهــا‪ ،‬والرتكيــز عــى مــا تحققــه مــن‬ ‫نتائــج لشــعوبها املســتكينة لالســتبداد والقهــر‪.‬‬ ‫يف ســورية وقبــل أن يطيــح حــزب البعــث بالحيــاة‬ ‫الدميقراطيــة‪ ،‬ويقــوم بإلغــاء األحــزاب والتأســيس‬ ‫لنظريــات الحــزب القائــد‪ ،‬والجيــش العقائــدي‪،‬‬ ‫والقائــد الخالــد‪ ،‬ومصــادرة الحريــات‪ ،‬كانــت البــاد‬ ‫تنعــم بتنــوع ســيايس واجتامعــي واقتصــادي أســهم يف‬ ‫ثرائهــا‪ ،‬وكانــت تنتــر يف البــاد املؤسســات اإلعالميــة‪،‬‬ ‫بالتــوازي مــع زيــادة الوعــي بأهميــة الصحافــة‬ ‫ودورهــا‪ ،‬والتوســع األفقــي لعــدد القــراء‪ ،‬واالنتشــار‬ ‫املتســارع لثقافــة القــراءة‪.‬‬ ‫يف الرقــة كانــت الحيــاة اإلعالميــة شــبه معدومــة ســوى‬ ‫تواجــد عــدد مــن املراســلني لعــدد مــن الصحــف‬ ‫املحليــة‪ ،‬تتنــاول عــى الغالــب مواضيــع هامشــية‪،‬‬ ‫مــا خــا بعــض املواضيــع التــي يتناولونهــا صحفيــون‪،‬‬ ‫متيــزوا بحرفيــة عاليــة‪ ،‬وشــفافية قاربــت املشــهد‬ ‫املغيــب ملحافظــة الرقــة‪ ،‬فيــا اختلــف املشــهد‬ ‫اإلعالمــي بعــد تحريــر الرقــة‪ ،‬وخروجهــا عــن ســيطرة‬ ‫النظــام‪ ،‬فجــاءت صحــف الثــورة مقاربــة لقضيــة‬ ‫الحريــة‪ ،‬وفضاءاتهــا الجديــدة‪ ،‬فصــدرت أول صحيفــة‬ ‫ورقيــة يف الرقــة بعــد انــدالع الثــورة الســورية‪ ،‬وهــي‬ ‫صحيفــة «ثــوري أنــا» وذلــك بتاريــخ ‪ 2011/3/15‬التــي‬ ‫كانــت تصــدر عــن تنســيقية شــباب الرقــة‪ ،‬ثــم تتالــت‬ ‫املطبوعــات واملطويــات يف مشــهد يعيد صورة اإلنســان‬ ‫الحضــاري املتجــدد الــذي يبحــث عــن الحقيقــة‪،‬‬ ‫ويحــاول إيصالهــا بشــفافية إىل جمهــور القـراء‪ ،‬ورغــم‬ ‫ضعــف اإلمكانــات املاديــة والفنيــة‪ ،‬املتمثلــة بنــدرة‬ ‫الــورق والطابعــات الحديثــة‪ ،‬صــدرت صحــف عــدة‬

‫أبرزهــا‪« :‬كلمــة حــرة»‪ ،‬و»نبــض البلــد»‪ ،‬و»قندريــس»‪،‬‬ ‫و «شــمس الحريــة»‪ ،‬و «أمنــاء الرقــة»‪ ،‬و»منــازل»‪،‬‬ ‫و «تصبحــون عــى وطــن»‪ ،‬ومجمــل هــذه الصحــف‬ ‫يفتقــر للموضوعيــة والدقــة واملهنيــة‪ ،‬ووحدهــا مجلــة‬ ‫منــازل اختصــت باملحتــوى الثقــايف والفكــري عــى‬ ‫مســتوى ســورية‪ .‬كــا متيــزت «ثــوري أنــا» مــن بــن‬ ‫الصحــف التــي اهتمــت بالناحيــة الصحفيــة‪ .‬فيــا‬ ‫بــدأت بالوصــول إىل الرقــة صحــف املحافظــات األخــرى‬ ‫التــي متيــزت مبحتواهــا الفنــي واملهنــي مثــل‪« :‬عنــب‬ ‫بلــدي»‪ ،‬و»عــن املدينــة»‪ ،‬و»نــور الشــام» و»طلعنــا‬ ‫عالحريــة»‪ ،‬و»أوكســجني» وغريهــا‪ ،‬كل ذلــك بالتــوازي‬ ‫مــع منــو التجمعــات املدنيــة‪ ،‬والتــي تجــاوزت الثالثــن‬ ‫تجمعـا ً أبرزهــا ائتــاف أبنــاء الرقــة‪ ،‬وتجمــع «حقنــا»‪،‬‬ ‫و»أحفــاد الرشــيد»‪ ،‬و»الشــباب الســوري الحــر»‪.‬‬ ‫لكــن بعــد ســيطرة تنظيــم الدولــة عــى كافــة أشــكال‬ ‫الحيــاة يف محافظــة الرقــة‪ ،‬توقفــت الصحــف عــن‬ ‫اإلصــدار‪ ،‬ثــم تتــاىل إغــاق التجمعــات املدنيــة‪ ،‬أعقبــه‬ ‫هجــرة كبــرة للناشــطني املدنيــن واإلعالميــن واألدبــاء‬ ‫واملفكريــن إىل خــارج حــدود املحافظــة‪ ،‬واســتقر‬ ‫معظمهــم يف تركيــا والــدول األوربيــة‪ ،‬بعيــدا ً عــن‬ ‫ســطوة النظــام وقــوى داعــش وأخواتهــا املتطرفــة‪.‬‬ ‫يف تركيــا أصــدر مجموعــة مــن املثقفــن والكتــاب‬ ‫صحيفــة الحرمــل‪ ،‬التــي تشــكل اســتمرارية لجريــدة‬ ‫منــازل‪ ،‬والتــي اســتفاد كادرهــا مــن عملهــم الســابق‬ ‫يف «منــازل»‪ ،‬بوجــود إمكانيــة فنيــة عاليــة يف الطباعــة‬ ‫واإلخــراج الفنــي‪ ،‬والقــدرة عــى التوزيــع يف منافــذ‬ ‫متعــددة‪ ،‬تجــاوزت حــدود تركيــا لتصــل إىل الداخــل‬ ‫الســوري‪ ،‬فيــا تالهــا إصــدار صحيفــة ثانيــة هــي‬ ‫«عــن عــى الوطــن»‪ ،‬وأخــرا ً صحيفــة «الرقــة اليــوم»‪.‬‬ ‫تتابــع الصحــف الرقاويــة صدورهــا يف تركيــا‪ ،‬وتنتظــر‬ ‫بهمــة كتابهــا إمكانيــة صدورهــا مــن الرقــة مبــارشة‪،‬‬ ‫بعــد خــروج داعــش‪ ،‬ويتطلعــون لهــذا اليــوم بشــغف‬ ‫العاشــقني‪ ،‬لتكــون قبلتهــم الرقــة‪ ،‬وتعــود بألــق جديــد‪،‬‬ ‫ويف فضــاء للحريــة والكرامــة‪ ،‬يحــرم اآلخــر‪ ،‬ويغلّــب‬ ‫لغــة العقــل‪ ،‬والحــوار‪ ،‬وهــذا اليــوم ليــس ببعيــد‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫‪7‬‬

‫ه��ل يتج��اوز الس��وريون دع��وة الفيدرالي��ة؟!‬

‫إع��ادة اإلعم��ار واألم��ن اجملتمع��ي يف الرق��ة‬

‫عروة المهاوش‬

‫بشير مسلط الهويدي‬

‫أثــار اإلعــان عــن إنشــاء فيدراليــة يف الشــال‬ ‫الســوري جــدالً واســعاً عــى صفحــات التواصــل‬ ‫االجتامعــي‪ ،‬وعــى صفحــات الصحــف واملجــات‬ ‫واملواقــع اإللكرتونيــة‪ ،‬ورغــم أن اإلعــان جــاء مــن‬ ‫طــرف واحــد‪ ،‬وعــر قــوة سياســية واحــدة مــن املكــون‬ ‫الكــردي يف ســوريا‪ ،‬هــو حــزب االتحــاد الدميقراطــي‬ ‫(الجنــاح الســوري)‪ ،‬الــذي ميثــل الوجــه اآلخــر لحــزب‬ ‫العــال الكــردي‪ ،‬واملدعــوم مــن البيــدا‪ ،‬القــوة‬ ‫العســكرية التــي تتحكــم بــإدارة الشــال الســوري‬ ‫املمتــد مــن الحســكة رشق ـاً‪ ،‬وصــوالً إىل منطقــة عــن‬ ‫العــرب «كوبــاين»‪ ،‬فقــد بينــت الوقائــع واملعطيــات‬ ‫عــى األرض أن إنشــاء فيدراليــة يف هــذه املنطقــة‪ ،‬يــكاد‬ ‫يكــون عصيــاً عــى التنفيــذ‪ ،‬ألنــه يف العمــق يؤســس‬ ‫لدعــوة ظاهرهــا دميقراطــي‪ ،‬يعــر عــن مظلوميــة‬ ‫أهــل املنطقــة تجــاه مركزيــة الحكــم‪ ،‬التــي تجعــل‬ ‫مــن املنطقــة حديقــة خلفيــة للمحافظــات األخــرى‬ ‫والعاصمــة دمشــق‪ ،‬بينــا يف الحقيقــة‪ ،‬هــي مقدمــة‬ ‫لتقســيم ســوريا تحــت شــعار الفيدراليــة أوالً‪.‬‬ ‫ورغــم أن اإلعــان جــاء أحادي ـاً كــا قلنــا‪ ،‬فقــد أبــرز‬ ‫نقــاط عــدة أهمهــا‪ ،‬انحيــاز الغالبيــة العظمــى مــن‬ ‫األكــراد إىل الدعــوة إلنشــاء فيدراليــة‪ ،‬رغــم اختــاف‬ ‫النســبة العظمــى مــن األكــراد مــع تطلعــات حــزب‬ ‫االتحــاد الدميقراطــي‪ ،‬الــذي يقــوده يف ســوريا صالــح‬ ‫مســلم‪ ،‬وانحيــاز املكــون العــريب إىل الطــرف املعــارض‬ ‫إلنشــاء الفيدراليــة‪ ،‬تحــت شــعار ال للتقســيم‪ ،‬ونعــم‬ ‫لســوريا موحــدة‪ ،‬تضمــن حقــوق مكونــات املجتمــع‬ ‫الســوري كافــة‪ ،‬كــا يعتــره عمــاً انفصاليــاً يؤســس‬ ‫لكيــان منفصــل عــن الجســد الســوري األم‪.‬‬ ‫النقطــة الثانيــة التــي أبرزتهــا تداعيــات اإلعــان‪ ،‬تخوف‬ ‫املكــون الكــردي مــن إغفــال األغلبيــة لحقــوق األكـراد‬ ‫وتطلعاتهــم يف ســوريا الجديــدة‪ ،‬رغــم أن معظــم‬ ‫الســوريني مبــا فيهــم األكـراد كانــوا يعيشــون حالــة مــن‬ ‫التهميــش واإلقصــاء املنظــم مــن قبــل القــوى الحاكمــة‬ ‫واملتنفــذة يف ســوريا يف ظــل حكــم دولــة البعــث‪ ،‬الــذي‬ ‫امتــد عــى مــدى أكــر مــن خمســن ســنة خلــت‪.‬‬

‫مــا هــي االحتياجــات واإلمكانيــات‪ ،‬والفــرص‬ ‫والتحديــات‪ ،‬التــي تواجــه التنميــة وإعــادة اإلعــار يف‬ ‫مســتقبل الرقــة؟‬ ‫انطالقاً من السؤال السابق‪ ،‬ميكن أن نعمل عىل‪:‬‬ ‫• إعــادة ترميــم املؤسســات الحكوميــة واملرافــق العامــة‪،‬‬ ‫هــي املمكــن األول لتلبيــة االحتياجــات مــن نظافــة وميــاه‬ ‫وكهربــاء‪ ،‬كاحتيــاج أســايس أليــة مدينــة‪.‬‬ ‫• ترميم شبكات املياه‪ ،‬وشبكات الكهرباء‪ ،‬والطرق‪.‬‬ ‫• إعــادة تأهيــل املــدارس‪ ،‬واســتعادة العمليــة التعليميــة‬ ‫املنقطعــة أكــر مــن ســنتني‪( ،‬تجــدر اإلشــارة هنــا إىل‬ ‫االســتفادة مــن املــوارد كلهــا يف املــدن‪ ،‬والقــرى لرتميــم‬ ‫املــدارس فيهــا مــن خــال حملــة يشــارك فيهــا املجتمــع‬ ‫كلــه)‪.‬‬ ‫• الحاجــة الصحيــة امللحــة‪ ،‬وخصوصـاً بعــد خــروج جميــع‬ ‫مستشــفيات املحافظــة مــن الخدمــة‪ ،‬واالعتــاد فقــط‬ ‫عــى العيــادات الخارجيــة وبعــض املشــايف الخاصــة‪ ،‬وهــي‬ ‫غــر كافيــة لتلبيــة االحتياجــات‪.‬‬ ‫• إعــادة تهيئــة صوامــع الحبــوب‪ ،‬وإدارتهــا‪ ،‬الســتيعاب‬ ‫الكميــات املنتجــة مــن القمــح‪ ،‬بحكــم أن الرقــة هــي مــن‬ ‫أكــر منتجــي القمــح بــن املحافظــات الســورية‪.‬‬ ‫• إدارة املطاحــن‪ ،‬لتلبيــة حاجــة األفــران‪ ،‬مــن الطحــن‬ ‫حيــث يعــد الخبــز هــو القــوت األســايس للنــاس‪.‬‬ ‫• إدارة مــوارد إنتــاج الطاقــة مــن نفــط وغــاز‪ ،‬وأيضــاً‬ ‫توفــر مســتلزمات الطاقــة للســكان مــن مشــتقات‬ ‫النفــط والغــاز لتلبيــة االحتياجــات األساســية‪ ،‬لألفــران‬ ‫واملستشــفيات واملنــازل واملعامــل‪.‬‬ ‫• ال يوجــد تهديــد كبــر لألمــن الغــذايئ ملدينــة زراعيــة‬ ‫كالرقــة‪ ،‬وهنــا يجــب أن ينــرف التفكــر إىل البحــث عــن‬ ‫أســواق لترصيــف الســلع املنتجــة‪ ،‬وأخــرى لضــان تدفــق‬ ‫مســتلزمات اســتمرار اإلنتــاج‪.‬‬ ‫• إن النظــام االقتصــادي للدولــة‪ ،‬يحــدده الدســتور الجديد‬ ‫للبــاد لكــن هــذا ال مينــع مــن التفكــر العمــي باملــوارد‬ ‫البرشيــة التــي تــم االســتغناء عنهــا‪ ،‬يف الدوائــر الحكوميــة‬ ‫واالســتفادة مــن هــذه الخربات بشــكل اســتثامري يســاهم‬ ‫يف التنميــة املجتمعيــة واالقتصاديــة والثقافيــة والسياســية‪.‬‬

‫لكــن مــن املؤكــد أننــا بحاجــة إلعــادة الثقــة بــن‬ ‫جميــع مكونــات املجتمــع الســوري‪ ،‬والدعــوة لتعميــم‬ ‫لغــة الحــوار املنفتــح عــى اآلخــر‪ ،‬ووضــع أســس‬ ‫حقيقيــة لبنــاء عقــد اجتامعــي بــن جميــع األط ـراف‪،‬‬ ‫يؤســس لدولــة تحفــظ حقــوق مواطنيهــا يف ظــل دولــة‬ ‫املواطنــة والقانــون‪ ،‬ويف ظــل دســتور جديــد ضامــن‬ ‫لحقــوق الســوريني كافــة‪.‬‬ ‫رمبــا قــد بيّنــت األحــداث أن الفصيــل الداعــي إلنشــاء‬ ‫الفيدراليــة يغــرد خــارج الــرب‪ ،‬وأن املامرســات التــي‬ ‫قــام بهــا هــذا الفصيــل‪ ،‬والتــي نحرصهــا يف مجمــل‬ ‫االنتهــاكات التــي حصلــت يف املنطقــة‪ ،‬والتــي جــاءت‬ ‫عــى خلفيــة عمليــات التهجــر واالعتقــال بحــق العــرب‬ ‫بالدرجــة األوىل وبحــق املكونــات األخــرى‪ ،‬مــا هــي إال‬ ‫ردة فعــل عــى مامرســة بعــض الفصائــل العســكرية‬ ‫التــي ســيطرت عــى املنطقــة إثــر خــروج النظــام منهــا‪،‬‬ ‫لكــن املؤســف يف األمــر‪ ،‬مــا فرضتــه قــوى األمــر الواقــع‬ ‫ممثلــة بالبيــدا‪ ،‬مــن رشوط محــددة لدخــول العــرب‬ ‫إىل مناطقهــا‪ ،‬وهــو مــا يؤســس إلحــداث رشخ كبــر يف‬ ‫العالقــة بــن املكونــن العــريب والكــردي يف املنطقــة‪،‬‬ ‫ورمبــا إىل ن ـزاع طويــل األمــد‪.‬‬ ‫الوقائــع عــى األرض تؤكــد عــى قــدرة جميــع األطـراف‬ ‫عــى تجــاوز هــذه املحنــة‪ ،‬ورغبــة أكيــدة وأصيلــة‬ ‫للعيــش املشــرك يف ســوريا واحــدة وموحــدة‪ ،‬ألن‬ ‫روعــة ســوريا يف تنوعهــا‪ ،‬الــذي يزيدهــا إث ـرا ًء وغنــى‬ ‫حضاريــاً‪ ،‬يضــع اإلنســان أوالً وتاليــاً‪.‬‬

‫• اســتعادة الجامعــات‪ ،‬وإعــادة الحيــاة الدراســية التــي‬ ‫انقطــع عنهــا الطــاب مــا تســبب يف فقدانهــم دراســتهم‪،‬‬ ‫واألمــل مبســتقبلهم‪ ،‬وهــذا مــا دفــع بعضهــم إىل الخيــارات‬ ‫األصعــب مثــل الهجــرة‪.‬‬ ‫• حريــة الحركــة التجاريــة واالســتثامرية‪ ،‬وذلــك لدعــم‬ ‫املشــاريع الفرديــة الصغــرة والكبــرة‪ ،‬الســتعادة الســوق‪،‬‬ ‫ودخولهــا يف االســتثامر االقتصــادي الحــر‪ ،‬وإعــادة الحيــاة‬ ‫إىل ســوق عانــت كث ـرا ً مــن اقتصاديــات الحــرب‪.‬‬ ‫• إعــداد الدراســات والخطــط االســتثامرية‪ ،‬للمشــاريع‬ ‫التــي تســاهم يف التنميــة االقتصاديــة املســتدامة‪ ،‬وفــق‬ ‫املــوارد واإلمكانيــات املتاحــة أو املمكنــة‪.‬‬ ‫يبقــى التحــدي األهــم أمــام هــذه الفــرص‪ ،‬لتلبيــة‬ ‫االحتياجــات وفــق اإلمكانيــات املتاحــة ملحافظــة الرقــة‪،‬‬ ‫هــو التحــدي األمنــي والحاميــة‪ ،‬مبعنــى أن توفــر الحاميــة‬ ‫واألمــن هــو االحتيــاج األول للمجتمــع ومؤسســاته‪ ،‬إداريــة‬ ‫وخدميــة‪ ،‬وتوفــر القانــون والعدالــة ملنــع التعــدي عــى‬ ‫حقــوق الغــر‪..‬‬

‫الرقــة‪ ..‬املدينــة القادمــة!‬ ‫الحرمل ‪ -‬خاص‬ ‫منــذ تأســيس مدينــة الرقــة يف عــام ‪ 244‬قبــل‬ ‫امليــاد‪ ،‬مل تتلـ َـق صدمــة عنيفــة تهــدد وجودهــا‬ ‫ومصريهــا مثــل صدمــة احتاللهــا مــن قبــل‬ ‫داعــش‪ ،‬اال احتــال املغــول لهــا عــام ‪1258‬م‪.‬‬ ‫لقــد قامــت داعــش بتهجــر ســكان الرقــة‪،‬‬ ‫تحــر املدينــة‪ ،‬وتحويــل مــا‬ ‫وباجتثــاث‬ ‫ّ‬ ‫تبقــى مــن ســكانها إىل رعايــا مــن املرت ّديــن‬ ‫والكفــرة‪ ،‬وهاتــان الصفتــان تنطبقــان عــى كل‬ ‫مــن مل يبايــع داعــش‪ ،‬ومل يوافــق عــى نهجهــا‬ ‫الوحــي!‬ ‫يف حــوايل عــام ‪1860‬م أعــادت الرقــة موهبتهــا‬ ‫بجمــع النــاس‪ ،‬واحتــواء األشــكال واأللــوان‬ ‫الســكانية املتفرقــة‪ ،‬لبنــاء مدينــة جديــدة‪،‬‬ ‫ولتتجــاوز منطــق القــرى والعشــائر يف البنــى‬ ‫املتشــابهة‪ ،‬واملتناســخة‪ ،‬والتــي تعيــد إنتــاج‬ ‫نفســها عــر مئــات الســنني‪ ،‬يف نرجســية‬ ‫العائلــة‪ ،‬والعشــرة التــي ال تعــرف إال بنفســها‬ ‫وبأجدادهــا املبالــغ بأوصافهــم إىل حــدود تصــل‬ ‫أحيانــاً إىل الكــذب العلنــي!‬ ‫وجــاءت داعــش بوحشــيتها‪ ،‬بعــد قــرن ونصــف‬ ‫مــن البنــاء الــذي قــام بــه أجدادنــا لبن ـ ًة بعــد‬ ‫لبنــة‪ ،‬وشــارعاً بعــد شــارع وحــار ًة بعــد حــارة‪،‬‬ ‫وبعــد انتقــال املدينــة إىل نــواة للتحــر‪ ،‬وقبول‬ ‫اآلخــر املختلــف حضاريــاً ودينيــاً وطائفيــاً‪،‬‬ ‫واســتيعاب نوبــات الثــأر والجنــون القبــي‬ ‫بحكمــة قذفتهــا بالكثــر مــن الحجــارة القبليّــة‬ ‫والطائفيّــة الدينيّــة‪.‬‬

‫مل يخطــر ببــال أحــد أن تنــال الرقــة‪ ،‬املدينــة‬ ‫الثائــرة‪ ،‬وأوىل املــدن املحــررة‪ ،‬هــذه الجرعــة‬ ‫الزائــدة مــن اإلرهــاب عــى أيــدي داعــش‪ ،‬وأن‬ ‫يتــم تهجــر ســكانها بهــذه الكثافــة العنرصيــة‬ ‫عــى أيــدي التوانســة‪ ،‬والليبيــن‪ ،‬وشــذاذ‬ ‫اآلفــاق واملتطرفــن مــن الســوريني ومــن‬ ‫غريهــم‪ ،‬بقيــادة الضبــاط العراقيــن‪ ،‬مــن بقايــا‬ ‫مخابــرات وجنــود صــدام حســن املعبأيــن‬ ‫باحتقــار النــاس وبالرغبــة يف إذالل اآلخريــن إىل‬ ‫حــدود الوحشــية!‬ ‫اليــوم الرقــة املحتلــة مــن قبــل داعــش‪ ،‬تنتظــر‬ ‫خالصهــا‪ ،‬وتنتظــر عــودة الســكان إليهــا‪ ،‬وعودة‬ ‫التســامح والتنــوع‪ ،‬وانتشــار كل األلــوان التــي‬ ‫خلقهــا اللــه لتزيــح عــن كاهلهــا اللــون األســود‬ ‫النابــع مــن الجحيــم!‬ ‫والرقــة كــا نتصورهــا كمدينــة جديــدة‪،‬‬

‫ومحــ ّررة مــن النظــام‪ ،‬ومــن داعــش‪ ،‬ومــن‬ ‫كل طامــع بهــا وبخرياتهــا‪ ،‬ومســت ِغ ٍّل لتســامح‬ ‫أهلهــا وطيبتهــم‪ ،‬مدينــة متشــبثة بتحرضهــا‪،‬‬ ‫ورافضــة لالنجــرار خلــف التطــرف الدينــي‪،‬‬ ‫ورافضــة للتــورط يف االنتقــام العشــوايئ‪ ،‬وغــر‬ ‫املبنــي عــى محاكــات عادلــة‪ ،‬تُلحــق الجرميــة‬ ‫بفاعلهــا‪ ،‬وليــس بأهلــه‪ ،‬وال بعشــرته‪ ،‬أو‬ ‫طائفتــه‪ ،‬كائنــاً مــن كان هــذا املجــرم‪ ،‬ســواء‬ ‫كان مــن أتبــاع داعــش‪ ،‬أو مــن أتبــاع النظــام‪،‬‬ ‫وشــبيحته املجرمــن!‬ ‫نريــد الرقــة مدينــة لــكل الســوريني مــن العرب‬ ‫والكــرد واألرمــن والشيشــان والرشكــس‪ ،‬ولــكل‬ ‫الطوائــف الدينيــة مهــا كانــت‪ ،‬مــا دام الجميع‬ ‫يلتــزم بخدمــة الرقــة‪ ،‬ويطبــق القانــون‪ ،‬ويلتــزم‬ ‫بالحفــاظ عليهــا‪ ،‬وعــى أهلهــا‪ ،‬وعــى خيارهــم‬ ‫يف التســامح واالنفتــاح!‬

‫نريــد الرقــة كمركــز ثقــايف‪ ،‬وتعليمــي يحتــوي‬ ‫األطفــال الذيــن َهجــروا التعليــم‪ ،‬ويعيــد‬ ‫تأهليهــم وانتـزاع قيــم الوحشــية مــن نفوســهم‬ ‫الغضــة‪ ،‬التــي احتلهــا مجرمــو النظــام ومجرمــو‬ ‫داعــش‪ ،‬فالتعليــم وإعــادة التأهيــل أمــ ٌر‬ ‫إســعايف والز ٌم لحفــظ األمــان والســلم األهــي‪،‬‬ ‫ولنــزع قيــم التكفــر واالنتحــار اإلجرامــي‬ ‫الــذي ح ّرمــه اللــه‪ ،‬وح ّرمتــه كل النظــم والقيــم‬ ‫واألديــان الســاوية!‬ ‫ونريــد أن تكــون مدينــة تجمــع عــددا ً مــن‬ ‫الجامعــات الحديثــة والتكنولوجيــة‪ ،‬التــي‬ ‫متســح عــن منطقــة الجزيــرة الســورية صفــة‬ ‫التخلــف والبدائيــة‪ ،‬وتجعلهــا يف طليعــة الركــب‬ ‫الحضــاري يف بلدنــا القــادم‪ ..‬ســوريا الحــرة‪.‬‬ ‫الرقــة نريدهــا مدين ـ ًة عرصي ـ ًة تتصــل باملــدن‬ ‫الســورية بطــرق حديثــة ال تقتــل مســافريها‪،‬‬ ‫وال تهــدر الزمــن يف قطعهــا‪ ،‬فطريــق رسيــع‬ ‫مــع دمشــق وحلــب وديــر الــزور‪ ،‬وقطــار‬ ‫حديــث ورسيــع ســيلغي صفــة املدينــة النائيــة‬ ‫عــن مدينتــا التــي عانــت الكثــر مــن اإلهــال‪،‬‬ ‫بســبب تخلــف املواصــات الواصلــة إليهــا‪،‬‬

‫ويُحكــم عليهــا بتصنيفهــا مدينــة مــن الدرجــة‬ ‫الثانيــة أو الثالثــة ورمبــا العــارشة‪.‬‬ ‫الرقــة القادمــة ســتنصف أبنــاء األريــاف‪،‬‬ ‫وتزيــد مــن قدراتهــم عــى تحــدي القيــم‬ ‫والبنــى املتخلفــة التــي ورطــت الكثرييــن منهــم‬ ‫باالنضــام إىل عصابــات النظــام أو داعــش يف‬ ‫محاولــة لالنتقــام مــن تخلــف قراهــم وحياتهــم‬ ‫املهملــة‪ ،‬أو بســبب االنجــرار خلــف غريــزة‬ ‫القطيــع القَبل ّيــة أو الفئويــة‪.‬‬ ‫الرقــة القادمــة نريدهــا أن تحافــظ عــى احـرام‬ ‫الثقافــات األخــرى مــن كرديــة وأرمنيــة واحـرام‬ ‫الطوائــف‪ ،‬وأن ال تتعامــل مــع أحــد إال كفــرد‬ ‫محــرم بغــض النظــر عــن كل معتقداتــه وعــن‬ ‫قوميتــه وطائفتــه‪.‬‬ ‫الرقــة مدينــة تح ـ َّدت التاريــخ عــر أكــر مــن‬ ‫ألفــي ســنة‪ ،‬وهــي جديــرة بإعــادة الحيــاة‬ ‫والتحــر إىل مرابــع هــارون الرشــيد‪ ،‬وأن‬ ‫تعــاود االفتخــار بفراتهــا‪ ،‬وبناســها‪ ،‬وبتاريخهــا‬ ‫الــذي مل يتغلــب عليــه التتــار واملغــول‪ ...‬ولــن‬ ‫تتغلــب عليهــا وحشــية داعــش‪ ..‬مهــا افتعلــت‬ ‫مــن جرائــم‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫أوباما وعقيدته‬ ‫طارق عبد الغفور‬ ‫يف عددها األخري نرشت مجلة اتالنتيك‬ ‫األمريكية تقريراً مطو ًال بعنوان «عقيدة أوباما»‬ ‫كتبه الصحفي جيفري غولدبرغ بنا ًء عىل‬ ‫مقابالت عديدة أجراها مع الرئيس األمرييك يف‬ ‫البيت األبيض‪ ،‬وعىل منت الطائرة الرئاسية يف‬ ‫رحالت متعددة‪.‬‬ ‫يف هــذا التقريــر يســتعري غولدبــرغ غالبــاً‬ ‫كلــات أوبامــا بحرفيتهــا لــرح عقيدتــه يف‬ ‫الحكــم‪ ،‬ونظرتــه إىل العــامل‪ ،‬وإىل دور الواليــات‬ ‫املتحــدة فيــه‪.‬‬ ‫وأعتقــد أن تقريــر اتالنتيــك مل يحـ َظ باالهتــام‬ ‫الــكايف مــن قبــل السياســيني واإلعالميــن العرب‪،‬‬ ‫بالرغــم مــن أن بعضهــم كتــب عنــه‪ ،‬وكان مــن‬ ‫أبرزهــم األمــر تــريك الفيصــل الــذي كنــت‬ ‫أمتنــى االّ تكــون رســالته املفتوحــة إىل أوبامــا‬ ‫قــد جــاءت عــى صفحــات «عــرب نيــوز»‬ ‫الســعودية‪ ،‬التــي تصــدر باللغــة اإلنكليزيــة‪ ،‬بــل‬ ‫كان ميكــن بســهولة حج ـ ُز مســاحة إعالنيــة يف‬ ‫صحيفــة أمريكيــة كــرى‪ ،‬كالواشــنطن بوســت‪،‬‬ ‫أو النيويــورك تاميــز‪ ،‬أو الفوريــن بوليــي‪ ،‬أو‬ ‫حتــى يف صحيفــة اتالنتيــك نفســها‪ ،‬يك يصــل‬ ‫الــرد بســهولة إىل الــرأي العــام األمريــي‪،‬‬ ‫ويكــو َن تأثــره أك ـرَ فعالي ـةً‪ ،‬وهــذا أم ـ ٌر ال بــد‬ ‫أن األمــر يعلمــه ومستشــاريه‪.‬‬

‫عصام حقي‬ ‫بغــض النظــر عــن املامرســات الوحشــية‬ ‫التــي ارتكبــت بحــق الشــعب الســوري‪،‬‬ ‫خــال ســنني الثــورة الخمــس‪ ،‬وخاصــة مــن‬ ‫الــدول املســاندة للنظــام الســوري‪ :‬روســيا‬ ‫وإي ـران‪ ،‬وامليلشــيات التابعــة لهــا‪ ،‬والقامئــة‬ ‫عــى إيديولوجيــات ثأريــة قدميــة حاقــدة‪،‬‬ ‫لهــا بدايــة لكنهــا بــا نهايــة‪ ،‬فقــد كشــفت‬ ‫هــذه الســنوات الخديعــة الكــرى التــي‬ ‫أعدتهــا اإلدارة األمريكيــة الغاشــمة للشــعب‬ ‫الســوري وثورتــه‪ ،‬تلــك اإلدارة التــي ادعــت‬ ‫منــذ اللحظــات األوىل للثــورة أنهــا مــع تحــرر‬ ‫الشــعب الســوري مــن كل أشــكال الطغيــان‬ ‫والديكتاتوريــة‪ ،‬وال أظــن أن أحــدا ً قــد نــي‬ ‫القنابــل الكالميــة التــي فجرهــا أوبامــا‪،‬‬ ‫والخطــوط امللونــة التــي رســمها‪ ،‬واملبــرة‬ ‫بقــرب خــاص الشــعب الســوري مــن حقبــة‬ ‫الظلــم واالســتبداد‪ ،‬ليكتشــف العــامل رسيعــاً‬ ‫أن سياســة أوبامــا الــذي خلــف الحــزب‬ ‫الجمهــوري يف أعــى هــرم الســلطات األمريكية‬ ‫ولدورتــن رئاســيتني متتاليتــن‪ ،‬سياســة قامــت‬ ‫بحســب أحــد املحللــن االســراتيجيني عــى‬ ‫مبــدأ (أن ال تفعــل شــيئاً وتربــح‪ ،‬خــر مــن أن‬ ‫تفعــل شــيئاً وتخــر)‪.‬‬ ‫فقــد كانــت مواقــف األمريــي الســلبية‪ ،‬أو‬ ‫مواقــف (الالفعــل الرابــح)‪ ،‬والــذي اتبعــه‬ ‫طــوال ســنوات املهلكــة الســورية الكارثيــة‪ ،‬ال‬ ‫تعتمــد مواقــف املتفــرج الالفاعــل فقــط‪ ،‬بــل‬ ‫امتــدت لتعمــل عــى منــع الفعــل اإليجــايب‬ ‫الــذي ميكــن لــه بطريقــة أو أخــرى أن يدعــم‬ ‫نضــال الســوري التحــرري‪ ،‬فقــد عملــت اإلدارة‬ ‫األمريكيــة منــذ بدايــة الثــورة ومــا زالــت‬ ‫تعمــل عــى مــا يــأيت‪:‬‬ ‫ منــع إقامــة منطقــة عازلــة يف ســورية يــأوي‬‫إليهــا املدنيــون الســوريون الفــارون مــن‬ ‫جحيــم املحرقــة‪.‬‬ ‫ منــع فتــح مســالك أو ممـرات آمنــة إليصــال‬‫الحــد األدىن مــن املســاعدات اإلنســانية‬ ‫للمناطــق املحــارصة‪ ،‬والتــي قــى فيهــا‬

‫وقــد المســت بعــض مقاربــات اإلعالميــن تلــك‬ ‫«الشــأ َن الســوري» إالّ أن أغلبهــا وقــع يف دائــرة‬ ‫الــرد عــى أبــرز اتهامــات أوبامــا للســعودية‬ ‫بأنّهــا تريــد أن «تركــب مجانــاً» عــى ظهــر‬ ‫الواليــات املتحــدة لتحقيــق أهدافهــا الخاصــة‪،‬‬ ‫وأنهــا تنــر إســاماً متشــددا ً‪ ،‬وأن عليهــا أن‬ ‫تقبــل بتقاســم النفــوذ يف الــرق األوســط مــع‬ ‫إيــران‪.‬‬ ‫مــا يهمنــا يف هــذا التقريــر هــو رؤيــة أوبامــا‬ ‫للكارثــة الســورية‪ ،‬وهــي رؤيــة يســودها‬ ‫الغمــوض والتناقــض‪ ،‬ومــن العســر جــدا ً تقبُّلُهــا‬ ‫بغموضهــا وتناقضاتهــا مــن رئيــس أكــر دولــة‬ ‫يف عاملنــا املعــارص يُــروج لدعــم دولتــه حزم ـ ًة‬ ‫مــن «الحقــوق العامليــة» مــن ضمنهــا ســيادة‬ ‫القانــون‪ ،‬وحريــة اختيــار الحاكــم‪ ،‬ويقــول إن‬ ‫دعمــه لهــذه الحقــوق ال يحتــل عنــده مكانــاً‬

‫ثانويــاً‪.‬‬ ‫مــن البديهــي االعتقــاد أن هــذا الدعــم لســيادة‬ ‫القانــون‪ ،‬ولحريــة اختيــار الحاكــم ليــس مكانــه‬ ‫يف الــدول الدميقراطيــة‪ ،‬بــل يف دول العــامل‬ ‫الثالــث التــي تعــاين غالبيتهــا مــن الديكتاتوريــة‪،‬‬ ‫وحكــم أجهــزة املخاب ـرات‪.‬‬ ‫يقــول أوبامــا‪« :‬يف عــامل قـ ٍ‬ ‫ـاس ومعقــد يجــب أن‬ ‫نــدرك أنــه ســيكون هنــاك وقــت نُســلط فيــه‬ ‫الضــوء عــى بقعــة مأســاوية رهيبــة‪ ،‬ولكــن‬ ‫علينــا أالّ نعتقــد أن بإمكاننــا حلَّهــا أوتوماتيكيـاً‪،‬‬ ‫وأنــه ســيكون هنــاك وقــت نســتطيع أن نفعــل‬ ‫فيــه شــيئاً ألنــاس أبريــاء ميوتــون‪ ،‬ولكن ســيكون‬ ‫هنــاك وقــت ال نســتطيع فيــه أن نفعــل شــيئاً»‪.‬‬ ‫ليســت واضح ـ ًة يف ذهــن أوبامــا املعايــر التــي‬ ‫بنــا ًء عليهــا يســتطيع أن يفعــل شــيئاً هنــا‪،‬‬ ‫وال يســتطيع أن يفعــل شــيئاً هنــاك‪ ،‬ويبــدو‬

‫للوهلــة األوىل أنــه ليســت هنــاك أيــة معايــر‬ ‫مطلق ـاً‪ ،‬ولكــن ق ـراء ًة متأنيــة لكالمــه ولتأكيــد‬ ‫غولدبــرغ عــى نظرتــه املتعاليــة إىل وزارة‬ ‫الخارجيــة‪ ،‬وكوادرهــا‪ ،‬واىل رؤيــة ســامنتا بــاور‬ ‫مندوبتــه لــدى األمــم املتحــدة إىل الســيادة‬ ‫الوطنيــة التــي يجــب أالّ تعتــر محصنــ ًة ضــد‬ ‫االخــراق إذا مــا قامــت الســلطة يف بلــد مــا‬ ‫بذبــح شــعبها‪ ،‬تدفعنــا كلُّهــا إىل االعتقــاد وبحــق‬ ‫شــخيص بحــت أرىض‬ ‫أن معيــار أوبامــا هــو‬ ‫ٌ‬ ‫غــروره عــى حســاب األبريــاء الذيــن ماتــوا فعالّ‬ ‫يف ســورية‪ ،‬وعــى حســاب مصداقيــة الواليــات‬ ‫املتحــدة التــي تأثــرت ســلباً بنكوصــه بعــد‬ ‫الخــط األحمــر يؤيــد ذلــك تعليــق غولدبــرغ‬ ‫عــى هــذا النكــوص بالقــول‪ :‬إنــه يعتقــد أن‬ ‫يــوم ‪ 2013/8/30‬يــوم تراجــع أوبامــا عــن تنفيذ‬ ‫الرضبــة الجويــة ضــد النظــام الســوري هــو يــوم‬ ‫تحــ ّرر أوبامــا مــن الضغــوط عليــه‪ ،‬وتحديــه‬ ‫ليــس فقــط لــوزارة الخارجيــة‪ ،‬التــي تــرى أن‬ ‫عــدم تدخلــه يف أزمــات الــرق األوســط ســوف‬ ‫رع مــن تراجــع مكانــة الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫يـ ّ‬ ‫بــل ولحلفائــه يف الــرق األوســط الذيــن‬ ‫يريــدون اســتغالل القــوة األمريكيــة لتحقيــق‬ ‫أهدافهــم الطائفيــة الضيقــة‪ ،‬بحســب إرسار‬ ‫أوبامــا نفســه لبعــض أصدقائــه ومستشــاريه‪.‬‬ ‫إذا أضفنــا إىل مــا تقــدم أن أوبامــا ال يــرى يف‬ ‫داعــش خطـرا ً وجوديـاً عــى الواليــات املتحــدة‪،‬‬

‫كــا يــرى يف الوقــت نفســه أن نظــام األســد ال‬ ‫يشــكل أيضـاً خطـرا ً‪ ،‬يرقــى إىل مســتوى األخطار‬ ‫التــي تســتلزم تدخــاً عســكرياً أمريكيــاً‪ ،‬وإذا‬ ‫أعدنــا التأكيــد عــى خطــأ املقاربــة األمريكيــة‬ ‫املتع ّمــد يف رأينــا‪ ،‬العتبــار أن املطلــوب منهــا‬ ‫إرســال القــوات األمريكيــة إىل ســورية‪ ،‬وإىل أنــه‬ ‫ال يــرى أن مــن مها ّمــه أن مينــع روســيا مــن‬ ‫ارتــكاب األخطــاء الهائلــة يف اســتنزاف مواردهــا‬ ‫يبــن لنــا حقيقــة‬ ‫يف ســورية‪ ،‬فــإن ذلــك كلَّــه ّ‬ ‫موقــف إدارة أوبامــا مــن الكارثــة الســورية‪،‬‬ ‫إنــه ال يريــد أن يفعــل شــيئاً لألبريــاء الذيــن‬ ‫ميوتــون ‪ -‬وذلــك لســوء حظّهــم – ولكــن هــل‬ ‫هــي إدارة أوبامــا أم هــو أوبامــا نفســه‪ ،‬الــذي‬ ‫وقــف كــا يقــول غولدبــرغ ض ـ ّد تكتــل وازنٍ‬ ‫مــن أركان إدارتــه يدفــع باتجــاه اتخــاذ إج ـرا ٍء‬ ‫ـض النظــر‬ ‫عســكري ضــد النظــام الســوري‪ ،‬بغـ ّ‬ ‫عــن حجمــه ونوعيتــه‪ ،‬وإذا كان األمــر كذلــك‬ ‫فهــل بــدأت الواليــات املتحــدة باالبتعــاد عــن‬ ‫كونهــا دولــة تحكمهــا املؤسســات؟‬ ‫لــن نُطلــق هنــا حكـاً عــى أوبامــا‪ ،‬لقــد أطلقــه‬ ‫غولدبــرغ عليــه‪ .‬قــال‪ :‬إن أوبامــا مقامـ ٌر‪ ،‬وليــس‬ ‫مخادعــاً‪ ،‬ولســنا نــرى مــا مينــع مــن تواجــد‬ ‫الصفتــن فيــه‪ ،‬وقــال‪ :‬إنــه كــا ســيحكم التاريــخ‬ ‫عــى بــوش االبــن ملــا فعلــه يف الــرق األوســط‪،‬‬ ‫فــإن التاريــخ ســيحكم عــى أوبامــا ملــا مل يفعلــه‬ ‫فيــه‪.‬‬

‫أوباما‪ ..‬براقش‪ ..‬والالفعل الرابح‬ ‫أطفالنــا جوعــاً وبــردا ً ومرضــاً‪.‬‬ ‫ حظــر وصــول أي ســاح مضــاد للطــران‬‫أليــدي الثــوار بذرائــع واهيــة‪ ،‬ذلــك الســاح‬ ‫الــذي يعــرف األمريــي أنــه كان بإمكانــه ‪ -‬لــو‬ ‫امتلكــه الثــوار ‪ -‬قلــب املعادلــة يف الســاحة‬ ‫الســورية منــذ الســنة األوىل‪.‬‬ ‫علــاً بأنــه أقــام الدنيــا ومل يقعدهــا حــن‬ ‫توجــس خيفــة عــى إرسائيــل مــن الســاح‬ ‫الكيــاوي الــذي ميتلكــه النظــام‪ ،‬ومل يهنــأ‬ ‫لــه بــال حتــى صــادر تلــك األســلحة‪ ،‬وقــام‬ ‫بإتالفهــا مبرسحيــة معروفــة قــام بأدوارهــا‬ ‫برباعــة املمثــل الــرويس عــى األرض الســورية‪.‬‬ ‫لكــن هــذه السياســة األمريكيــة مل تتمكــن‬ ‫مــن االســتمرار إىل األبــد بالتخفــي واملامطلــة‬ ‫والتســويف وتجاهــل آالم الســوريني‬ ‫وجراحهــم‪ ،‬فرسعــان مــا اضطــر الكاوبــوي‬ ‫األمريــي إىل إظهــار وجهــه الحقيقــي الــذي‬ ‫يتوافــق إىل حــد بعيــد مــع الوجــوه التــي‬ ‫أطلــق عليهــا هــو نفســه (محــور الــر)‪ ،‬ظهــر‬ ‫عــى حقيقتــه حــن أعلنــت تركيــا والســعودية‬ ‫اســتعدادهام للتدخــل الــري ضــد اإلرهــاب يف‬ ‫ســورية‪ ،‬ولكــن تحــت قيــادة التحالــف الــدويل‬ ‫الــذي تقــوده أمريــكا ذاتهــا‪ ،‬فرفــض األمــر‬ ‫برمتــه زاعــاً أنــه ال ينــوي محاربــة روســيا‬ ‫والتــي يعلــم مســ ّبقا أنهــا دخلــت ســورية‬ ‫ومبوافقتــه أللــف هــدف ســوى محاربــة‬ ‫اإلرهــاب!‬ ‫وإزاء هــذه املواقــف وتحالــف األعــداء‬ ‫واألصدقــاء وجــدت قــوى الثــورة الســورية‬ ‫نفســها وحيــدة يف امليــدان‪ ،‬وعليهــا بنــاء‬ ‫الــذات باالعتــاد عــى الــذات‪ ،‬مبزيــد مــن‬ ‫الصمــود واالســتمرار بالــدرب الــذي يجــر‬ ‫األعــداء قبــل األخــوة واألصدقــاء عــى اتخــاذ‬ ‫مواقــف منهــا أكــر إيجابيــة ودعـاً‪ ،‬والتخــي‬ ‫عــن االســتخفاف والتخــاذل‪.‬‬ ‫ومــن هنــا فقــد تداعــت قــوى االعتــدال‬ ‫الســورية السياســية والعســكرية إىل مؤمتــر‬ ‫الريــاض الــذي ضــم معظــم فصائــل الثــورة‬ ‫املســلحة‪ ،‬وقواهــا السياســية مــن مختلــف‬

‫ألــوان الطيــف الســوري‪ ،‬وكان مــن نتائــج‬ ‫هــذا املؤمتــر حــرق معظــم األوراق التــي كان‬ ‫يرفعهــا النظــام وتتــذرع بهــا القــوى العامليــة‬ ‫للتخــي عــن الشــعب ومطالبــه‪.‬‬ ‫لقــد أثبــت هــذا املؤمتــر أن ســورية ليســت‬ ‫كــا يزعمــون بــن خياريــن اثنــن ال ثالــث‬ ‫لهــا‪ :‬النظــام واإلرهــاب‪ ،‬فقــد اتضــح أن‬ ‫ســورية هــي الحقيقيــة هــي لــكل الســوريني‪،‬‬ ‫وهــي ذلــك الوجــه املــدين الدميقراطــي‬ ‫التعــددي املعتــدل‪ ،‬والــذي ميثــل كل رشائــح‬ ‫الشــعب الســوري وأطيافــه‪.‬‬ ‫أحرقــت مزاعــم النظــام‪ ،‬وكشــفت ذرائــع‬ ‫األعــداء بقيــادة الواليــات املتحــدة وحلــف‬ ‫الغــرب املتضمــن روســيا بــا شــك‪ ،‬والذيــن‬ ‫راحــوا يعــدون بالخفــاء العــدة لرســومات‬ ‫جديــدة للمنطقــة‪ ،‬يعيــدون مــن خاللهــا‬ ‫تشــكيل العــامل يف القــرن الواحــد والعرشيــن‬ ‫بإزاحــة نظــم‪ ،‬وإقامــة نظــم بديلــة‪ ،‬وتثبيــت‬ ‫نظــم الذيــل كدعائــم احتياطيــة عنــد الحاجــة‪.‬‬ ‫لقــد باتــت قــوى الثــورة تعــي أبعــاد هــذه‬ ‫املخططــات‪ ،‬وتــدرك أن مواجهتهــا تكــون‬ ‫بتحديــد نقــاط الضعــف التــي تخللــت‬ ‫مســرتها‪ ،‬ويف مقدمتهــا التشــتت والتــرذم‬ ‫والفئويــة الضيقــة‪ ،‬إضافــة إىل اخرتاقــات أمنيــة‬ ‫فظيعــة مــن قبــل النظــام متــت بأجســام‬ ‫ومكونــات غريبــة غرضهــا الــرب يف العمــق‪،‬‬ ‫مســتغلة مواطــن الضعــف ومــا أكرثهــا!‬

‫أدرك الثــوار أن اســتمرارها مرهــون بإعــادة‬ ‫بنــاء حقيقيــة‪ ،‬تقــوم عــى دراســة الواقــع‬ ‫خــال الســنوات املاضيــة واملعوقــات دراســة‬ ‫متناهيــة بالدقــة‪ ،‬وتحليلــه مــن أجــل رســم‬ ‫اســراتيجيات املســتقبل بوضــوح‪ ،‬واضعــن‬ ‫باالعتبــار أنهــم يف مواجهــة حلــف عاملــي رشس‬ ‫يعمــل عــى تثبيــت أنظمــة االســتبداد‪ ،‬وقمــع‬ ‫حــركات الثــورة والنهضــة والبنــاء‪.‬‬ ‫ولتحقيــق ذلــك ال بــد مــن مراجعــة العوائــق‬ ‫التــي اعرتضــت مســرة الثــورة‪ ،‬واســتنزفت دم‬ ‫أبنائهــا األبريــاء يف شــال مــا زال نازفــا حتــى‬ ‫اللحظــة‪ ،‬بــل ال بــد مــن مراجعــة دقيقــة‬ ‫لقامئــة الحلفــاء واألصدقــاء والتأكــد مــن‬ ‫النوايــا الحقيقيــة لــكل منهــم‪.‬‬ ‫ال بــد مــن املراجعــة واملحاســبة‪ ،‬بــدءا ً مــن‬ ‫الــذات‪ ،‬مــرورا ً إىل بعــض الكامنــن مبنزلــة‬ ‫ـزي‬ ‫األصدقــاء والذيــن كانــوا دومــا يتزيّــون بـ ّ‬ ‫الداعمــن زيّ ـاً شــكالً‪ ،‬مــع الهيمنــة مضمون ـاً‬ ‫عــى القـرار والفعــل الثوريــن ومنــع الســفينة‬ ‫مــن مواصلــة املســر يف االتجــاه الصحيــح‪،‬‬ ‫بــل تركهــا غالب ـاً يف مهــب العواصــف العاتيــة‬ ‫ملصريهــا‪.‬‬ ‫واألشــد مــن هــذا وذاك أنهــم كانــوا يف كثــر‬ ‫مــن األحيــان يضعــون العــي يف عجلــة الثــورة‬ ‫إن أحســوا أن تقدمهــا أكــر مــا يف ذهنهــم‬ ‫ومصلحــة حلفائهــم‪ ،‬وكانــوا يرتــدون إزاء ذلــك‬ ‫ثــوب الناصــح الحكيــم الداعــي إىل االعتــدال‬

‫والجنــوح للحلــول الســلمية‪ ،‬واعتــاد‬ ‫التفــاوض والحــوار كلغــة بديلــة للبندقيــة‬ ‫والشــجار‪ ،‬مــا يثبــت أن هدفهــم يف النهايــة‬ ‫هــو تحويــل املنطقــة العربيــة إىل منطقــة‬ ‫مزعزعــة منهكــة بالحــرب والدمــار والفــوىض‪،‬‬ ‫وهــو هــدف اسـراتيجي هــام مــن أهدافهــم‪،‬‬ ‫وليــس االســتقرار وإعــادة البنــاء والقــوة‬ ‫الذاتيــة املمكنــة‪.‬‬ ‫لقــد أمثــرت هــذه السياســة العامليــة عامــة‬ ‫بقيــادة القبطــان األمريــي مثــرات عكســية‬ ‫وبخــاف مــا خططــوا لــه متام ـاً‪.‬‬ ‫إنهــم شــاركوا بطريقــة أو أخــرى بإبــادة‬ ‫املاليــن مــن شــعبنا العــريب يف مختلــف‬ ‫الجبهــات مــن العــراق إىل ســورية وليبيــا‬ ‫فاليمــن‪ ،‬ولكنهــم كانــوا بالوقــت نفســه‬ ‫يشــكلون حلــف اإلرهــاب الــذي أرادوه‬ ‫لتحقيــق مصالحهــم وســندا ً لتثبيــت‬ ‫اســتقرار شــعوبهم وبلدانهــم‪ ،‬ولكنهــم‬ ‫فوجئــوا بــه كأحــد أهــم العوامــل التــي‬ ‫تهددهــم‪ ،‬وتتوعــد مســتقبلهم يف عقــر‬ ‫دارهــم‪ ،‬ومــا ذلــك إال النتيجــة لسياســة‬ ‫العنجهيــة املتغطرســة للكاوبــوي األمريــي‬ ‫الــذي تغافــل عامــدا ً عــن الســبب الرئيــس‬ ‫لــكل أخطــار الدنيــا‪ ،‬انطالقــاً مــن وجــود‬ ‫الكيــان الصهيــوين‪ ،‬وزرع أنظمــة اســتبدادية‬ ‫ظاملــة لشــعوبها يف املنطقــة ومســاندة‬ ‫الديكتاتوريــات فيهــا‪ ،‬وخلــق ودعــم مــا فيهــا‬ ‫مــن ميلشــيات تعاضــد الطغــاة وتشــد أزر‬ ‫طغيانهــم‪.‬‬ ‫هــذه السياســة بــدأت ‪ -‬كــا قلنــا ‪ -‬تجــرف‬ ‫نحــو الغــرب مــا رمــوا الــرق بــه مــن حمــم‬ ‫الويــات والثبــور‪ ،‬فقــد أصبحــوا دريئــة‬ ‫لإلرهــاب الــذي عملــوا عــى تعضيــده عندنــا‪،‬‬ ‫ليلــد توائــم رش عندهــم‪ ،‬ومــا يــوم باريــس‬ ‫منــذ شــهور ببعيــد‪ ،‬ومــا يــوم بروكســل إال‬ ‫الدليــل عــى مــا نذهــب إليــه‪ ،‬ومــع أننــا ال‬ ‫نطلــب الــر ألحــد مــن األبريــاء‪ ،‬إال أننــا‬ ‫ال منلــك إال أن نــردد املثــل العــريب الشــهري‪:‬‬ ‫(عــى نفســها جنــت براقــش)‪!..‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫‪9‬‬

‫سواعده احل ّرة تبين جمد غده‬ ‫د‪.‬سماح هدايا‬ ‫عــى مــدى خمــس ســنوات مــن الثــورة ضــد‬ ‫نظــام األســد‪ ،‬ومــا صاحبهــا مــن حــرب مضــادة‬ ‫ش ـ ّنها نظــام األســد وحلفــاؤه عــى الثــورة وقــوى‬ ‫توســعت األدلجــة والــوالءات بــكل‬ ‫املقاومــة‪ّ ،‬‬ ‫اتجاهاتهــا‪ ،‬وأنهكــت الثــورة الســورية‪ ،‬خصوصــاً‬ ‫مــع غيــاب منظومــة متامســكة واقع ّيــة للمعايــر‬ ‫الوطنيــة ومعايــر حقــوق اإلنســان الســوري‪،‬‬ ‫وبــروز مشــاريع سياســية عســكريّة النتــاءات‬ ‫ضيقــة عرقيــة ومذهبيــة وسياســية‪ ،‬مبــوازاة‬ ‫اســتجابة دول ّيــة ضعيفــة ملطالــب الشــعب‬ ‫الســوري يف الحريــة والدميقراطيــة‪ ،‬وقصــور يف‬ ‫تقديــم الدعــم الســيايس الحقيقــي لقــوى الثــورة‪،‬‬ ‫مــع اتجــاه أطــراف دول ّيــة مع ّينــة لدعــم نظــام‬ ‫بشــار سياســياً أو عســكرياً‪.‬‬ ‫مثلــا أســاء سياســيّاً واجتامعيّــاً‪ ،‬القنــاع‬ ‫اإلســامي املتشــدد الــذي غطّــى وجــه الثــورة‪،‬‬ ‫وجــاء مبثابــة ردة فعــل طائف ّيــة سياســية‪ ،‬أكــر‬ ‫مــن فعــل عقائــدي ناضــج أو إنتــاج فكــري‬ ‫حضــاري‪ ،‬أســاءت‪ ،‬كذلــك‪ ،‬الشــعارات العلامن ّيــة‬ ‫والليرباليــة التــي رفعتهــا تيــارات وأحــزاب‬ ‫ومنظــات محســوبة عــى املعارضــة‪ ،‬حــن‬ ‫أســهمت يف الخلخلــة وإثــارة الفــن‪ ،‬خصوصــاً‬ ‫أن العلامنيــة والليرباليــة جاءتــا كقــرة خارجيــة‬ ‫ملحاربــة اإلســام الســيايس‪ ،‬وليــس إلنتــاج مفاهيــم‬ ‫وطنيّــة عميقــة‪ .‬كــا أســهم يف اإلســاءة التبــاس‬ ‫املوقــف الــدويل واإلقليمــي بــن الحــق والباطــل‬ ‫والتدخــل العســكري بحجــة مكافحــة اإلرهــاب‪.‬‬ ‫داخليــاً؛ مختلــف األطــراف مــن تيــارات‬

‫ومنظــات ومؤسســات وجمعيــات وأحــزاب‬ ‫وتكتــات ومعارضــات مرتبطــة‪ ،‬غالبــاً‪ ،‬بدعــم‬ ‫خارجــي‪ ،‬ســاعدها يف تأســيس مصالــح خاصــة‪،‬‬ ‫وإدارة أعــال وهويــات فرع ّيــة مســتغّلة تــأزم‬ ‫األوضــاع نتيجــة الثــورة والحــرب‪ ،‬لتحقيــق‬ ‫طموحــات سياســية مســتقلّة‪ ،‬وتحصيــل منافــع‬ ‫ومكتســبات ونفــوذ يتقاطــع مــع مصالــح سياســية‬ ‫خارج ّيــة‪ .‬وهــو‪ ،‬بالطبــع‪ ،‬ما زاد يف رشاســة املعركة‪،‬‬ ‫ووســع قاعــدة الخالفــات‪ ،‬وأضعــف االندمــاج‬ ‫ّ‬ ‫الوطنــي‪ ،‬وبنــى مزيــدا ً مــن املتناقضــات باســم‬ ‫التعدديــة واملدنيــة والســلم ّية وحقــوق األقليــات‬ ‫والخالفــة واإلمــارة‪ .‬فنشــأت عــى األرض أدلجــة‬ ‫تقســيم ّية ودويــات حــرب‪ ،‬تتناقــض مــع مصالــح‬ ‫الشــعب الســوري املصرييــة‪ ،‬ومــع قيــام رشع ّيــة‬ ‫سياســية مســتق ّرة جامعــة لهــا مرجعيــة وســلطة‪.‬‬

‫خارجيــاً؛ فــإن النظــر إىل ثــورة ســوريا مــن‬ ‫منطلــق خصومــة وعــداوة كتهديــد عــريب‬ ‫نهضــوي وإســامي جهــادي للغــرب؛ حتــى قبــل‬ ‫تكــ ّون تنظيــات إســامية عســكريّة‪ ،‬وقبــل‬ ‫ظهــور أزمــة الالجئــن‪ ،‬أدى إىل محاربتهــا ودعــم‬ ‫الثــورة املضــادة ومتييــع نظــام بشــار‪ ،‬واســتغالل‬ ‫تنظيــم داعــش لتحويــل رشع ّيــة إزاحــة النظــام‬ ‫إىل مرشوع ّيــة محاربــة اإلرهــاب ودعــم دويــات‬ ‫أقليّــة‪.‬‬ ‫األمــم مثــل األفــراد تســر بدوافــع‪ ،‬وتفكّــر‬ ‫كــذوات‪ ،‬وتســعى للنفــوذ والســيادة ســائرة مبــا‬ ‫يشــبه الغرائــز للبقــاء والهيمنــة‪ .‬لك ـ ْن‪ ،‬ال ميكــن‬ ‫أن تســتمر أمــة أو فئــة بالســلطة والبغــي لألبــد‪.‬‬ ‫فهــي مرتبطــة بتاريــخ يتحــرك وفــق قوانــن‪.‬‬ ‫لذلــك تنهــار األمــم وتســقط الــدول‪ .‬املبــادىء‬

‫العامــة لالنهيــار واحــدة‪ .‬والســلوك البــري‬ ‫واحــد عــر التاريــخ‪ ،‬وهــو الشــغف بالســيطرة‬ ‫واالســتحواذ عــى املــال والــروات‪ ،‬وشــن الحــروب‬ ‫طلبــاً للنفــوذ والهيمنــة‪ .‬فــكل االمرباطوريّــات‬ ‫اســتولت عــى األمــوال والــروات‪ ،‬وقامــت باحتالل‬ ‫األرايض لتعزيــز قواهــا؛ لكــن يف متاديهــا عنــارص‬ ‫انهيارهــا وأفولهــا‪ .‬روســيا فعلــت هــذا يف القــرم‪،‬‬ ‫واآلن تفعلــه يف ســوريا؛ لكنهــا ستفشــل يف تحقيــق‬ ‫مخططــات الهيمنــة عــى ســوريا بوجــود مقاومــة‬ ‫ســورية شــعب ّية ناضجــة‪ .‬أمريــكا فعلــت ذلــك يف‬ ‫أفغانســتان والعـراق‪ ،‬ومل تحقــق نجاحـاً مســتداماً‪.‬‬ ‫الســلوك األممــي وتــرف البــر اليــوم شــبيه‬ ‫مبــا كان قبــل ‪ 5‬آالف ســنة‪ ..‬هــذه القــوى ليســت‬ ‫أبديــة‪ .‬والتاريــخ يثبــت هــذا‪ .‬اآلن هــي الفرصــة‬ ‫الذهبيــة الســتثامر طاقــات النهــوض العــريب‪.‬‬ ‫الســؤال الكبــر اآلن‪ :‬أيــن ســنتجه يف ثورتنــا‬ ‫ضمــن هــذا املنظــور وتداعياتــه بوجــود هــذه‬ ‫الخارطــة املحليــة واإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬مــع‬ ‫حـراك مفاوضــات مــن أجــل حــل ســيايس ســوري‪،‬‬ ‫وبنمــو توافقــات دوليــة جديــدة مــن جهــة‪،‬‬ ‫وخالفــات مســتحدثة مــن جانــب آخــر؛ خصوصـاً‬ ‫أن الدراســات االســراتيجية تشــر إىل تدهــور‬ ‫اقتصــادي‪ ،‬يهـ ّدد أوروبــا‪ ،‬قــد يزيــد يف الرصاعــات‬ ‫واملتناقضــات بــن املنظومــات الغربيــة والرشقيــة‪،‬‬ ‫ويؤث ّــر يف مصــر يف بالدنــا‪.‬‬ ‫بعــد خمــس ســنوات يصبــح النقــد واملكاشــفة‬ ‫واملراجعــة أمــرا ً يف غايــة األهميــة‪ ،‬واســتحقاقاً‬ ‫تاريخيّــاً‪ .‬خصوصــاً أ ّن مســألة الثــورة الســورية‬ ‫مرتبطــة مبســائل إقليميــة ودوليــة‪ ،‬وأ ّن تداخــل‬

‫األجنــدات الفكريــة والعقائديــة وإشــكاليات‬ ‫النفــوذ والســلطة‪ ،‬يؤ ّجــج الــراع‪ ،‬ويقــ ّوض‬ ‫مــروع الثــورة‪ ،‬الســيام بوجــود أطيــاف غــر‬ ‫قليلــة دخلــت يف الثــورة واملعارضــة‪ ،‬وفيهــا مــن‬ ‫يتفــق مــع النظــام ومنظومتــه وحلفائــه؛ لكــ ّن‬ ‫إنهــاء املأســاة يتطلــب إيقــاف شــحن الرصاعــات‬ ‫والنزاعــات الهدامــة‪ ،‬وإيقــاف التشــظي‪ ،‬وكبــح‬ ‫خطــاب التخويــن‪ ،‬والتشــكيك والتشــهري؛ ملــا‬ ‫يتيحــه مــن فســاد الــرأي وفــوىض العمــل وســوء‬ ‫الظــن‪ ،‬وملــا يجلبــه مــن خالفــات تقلــل فرصــة‬ ‫الوصــول لحــل نافــع جامــع قائــم عــى ثوابــت‬ ‫مــروع التحــرر واالســتقالل‪ ،‬وإســقاط النظــام‪،‬‬ ‫ومنظومــة االســتبداد‪.‬‬ ‫الذيــن يرو ّجــون فكــرة انهـزام الثــورة‪ ،‬ينطلقون‬ ‫مــن فشــل شــخيص‪ ،‬أو رؤيــة ضيقــة للثــورة؛‬ ‫فالثــورة ال تنتــر أو تنهــزم بيومــن أو ثالثــة هــي‬ ‫حالــة مســتمرة متســعة‪ .‬وإن مل يحصــل اندمــاج‬ ‫حقيقــي بالــذات الجمعيــة ونســج عقــد اجتامعــي‬ ‫يتدبــر أمــور االختــاف واالئتــاف‪ ،‬ويكــر برنامج‬ ‫التجزئــة‪ ،‬وفــوىض الــوالءات الســلب ّية‪ ،‬ويحتكــم إىل‬ ‫الرؤيــة الوطن ّيــة‪ ،‬ســيطول طريــق اآلالم والدمــاء‪.‬‬ ‫العقيــدة التــي يحتاجهــا الشــعب وطنيــاً هــي‬ ‫التفاهــم وإميانــه بذاتــه كســوري وبحضارتــه‬ ‫املتنوعــة الجامعــة‪ ،‬وثقتــه بقدرتــه عــى صناعــة‬ ‫مصــره وبلــورة موقــف وطنــي جامــع بعيــد عــن‬ ‫ولعــل جــزءا ً مــن الحــل‬ ‫ّ‬ ‫االنتــاءات الضيقــة‪.‬‬ ‫يكمــن يف التك ّيــف الســيايس اإليجــايب ضمــن‬ ‫موازيــن القــوى عــر التفــاوض اســتنادا ً إىل‬ ‫املقاومــة الوطنيّــة وإجــاع شــعبي داعــم‪.‬‬

‫سورية حمطيت األوىل واألخرية‬ ‫غسان مفلح‬ ‫تعلمــت مــن االختــاف والحــوار‪ ،‬مراجعــة‬ ‫الــذات وتطويــر رؤيتــي للعــامل قــدر اإلمــكان‬ ‫واملتــاح‪ .‬مــن املســائل التــي أشــعر أننــي تعبــت‬ ‫منهــا وعليهــا‪ ،‬وتخــص ســورية طبعــاً هــي‬ ‫املســألة الكرديــة‪ .‬الحــزب الوحيــد الــذي انتميــت‬ ‫إليــه هــو حــزب العمــل الشــيوعي‪ ،‬رغــم أننــي‬ ‫عشــت فيــه حيــايت الحزبيــة القصــرة كأقليــة‪،‬‬ ‫لكــن أجــواءه شــكلت الكثــر مــن وعيــي للعــامل‪.‬‬ ‫لهــذا رغــم كل الخالفــات بينــي وبــن كثــر مــن‬ ‫الرفــاق أعتــز أننــي عشــت هــذه التجربــة‪ ،‬غــر‬ ‫نــادم‪ .‬ســبب هــذه املقدمــة هــو رؤيتــي لــرأي‬ ‫مفــاده (أن كثــرا ً مــن رفــاق حــزب العمــل‬ ‫الشــيوعي كوعــوا نحــو النظــام)‪ ،‬هــذا الــرأي‬ ‫لناشــط معــروف وصديــق هــو الدكتــور جــال‬ ‫صبيــح‪ .‬حــزب العمــل الشــيوعي يف أدبياتــه بنــد‬ ‫رئيــي يتعلــق بحــق تقريــر املصــر للشــعب‬ ‫الكــردي‪ .‬تنازعتنــي مشــاعر متضاربــة حــول هــذا‬ ‫األمــر‪ ،‬منهــا مــا هــو شــوفيني قومــي‪.‬‬ ‫لكــن مل يخطــر عــى بــايل للحظــة أن الكــردي‬ ‫ليــس ســورياً حــرا ً يف ســورية‪ .‬هــذه املشــاعر‬ ‫الشــوفينية كانــت تطــل برأســها بــن الفينــة‬ ‫واألخــرى‪ .‬وخضــت حــوارات كثــرة مــع أصدقــاء‬ ‫كــورد تحــول قســم منهــم إىل أعــداء‪ .‬بعــد الثــورة‬ ‫الســورية ألســباب تتعلــق بهــم‪ .‬فأنــا ال عــدو يل‬ ‫بســورية ســوى األســدية بــكل مــا تعنيــه‪ .‬ووفقـاً‬ ‫ملــا كتبــت عــن هــذا االمــر مــرارا ً وتكــرارا ً يف‬ ‫رؤيتــي لألســدية ومــا فعلتــه وتفعلــه يف ســورية‪.‬‬ ‫أزعــم أن الثــورة علمتنــي آزادي‪ ،‬بــكل مــا تحملــه‬ ‫هــذه املفــردة مــن معنــى‪ ،‬ليــس يل بــل للكــورد‬ ‫الســوريني أنفســهم‪ .‬منــذ بدايــة الثــورة وأنــا مــن‬ ‫بــن كــر مــن نشــطاء الثــورة كــردا ً وعربـاً نخــوض‬ ‫غــار خــاف مســتعيص مــع جامعــة قنديــل‬ ‫وفرعهــم يف ســورية‪ .‬كيــف ميكــن أن تكــون مــع‬ ‫حريــة الشــعب الكــوردي وضــد سياســية قنديــل؟‬ ‫كيــف تكــون مــع الفيدراليــة عــى الطريقــة‬ ‫الســويرسية‪ ،‬وال تخــدم املــروع اإلي ـراين الــذي‬ ‫يريــد ســورية بــكل أطيافهــا محافظــة إيرانيــة؟‬

‫كيــف تكــون مــع الفيدراليــة تحــت متثــال‬ ‫األســد؟ ســورية حريــة دون األســدية وفيدراليــة‬ ‫أو غــر فيدراليــة حســبام يتفــق ممثلــو الشــعب‬ ‫الســوري‪ .‬هــي األولويــة‪ .‬أمتنــى مــن أصدقــايئ‬ ‫الكــورد الســوريني أن يســاهموا أيض ـاً يف اإلجابــة‬ ‫عن هذه األسئلة‪ .‬‬ ‫أعــود ملــا كتبــه الصديــق جــال صبيــح‪ .‬اإلشــارة‬ ‫واضحــة هنــا‪ ،‬والرســالة تعــود إىل االشــكالية‬ ‫الطائفيــة يف ســورية‪ .‬أكــر مــا ح ـ ّز يف نفــي أن‬ ‫يتهمنــي بعــض رفــاق يف حــزب العمــل أننــي‬ ‫طائفــي‪ .‬أنــا ال أتخيــل ســورية دون أي مكــون‬ ‫مــن مكوناتهــا‪ .‬وال أعمــل مــن أجــل ذلــك مهــا‬ ‫كانــت العــروض!‪ .‬أنــا ابــن حــوران‪ ،‬وابــن مدينــة‬ ‫تعرضــت للدمــار مـرارا ً وتكـرارا ً‪ ،‬الشــيخ مســكني‬ ‫وال ي ـزال أخــويت وعشــريت (الفواعــرة والحريريــة‬ ‫والديريــة والتمــي وغريهــم مــن متوالــة ونصارى‬

‫آل عقــل ليســمحوا يل بهــا أصدقــايئ العلامنيــن)‬ ‫نازحــن والجئــن مــع أبنــاء بلــديت‪ .‬ال ميكــن أن‬ ‫أخــرج مــن جلــدي املدمــى‪ ،‬أختــي مــن قنصهــا‬ ‫أســدي دون ســبب!!‪ .‬فهــل بعــض الرفــاق ‪-‬وهــم‬ ‫أقليــة كــرد عــى الصديــق جــال‪ -‬مل يســتطيعوا‬ ‫الخــروج مــن جلدهــم األبيــض! يف مركزيــة الرؤيــا‬ ‫القرداحيــة لســورية‪ .‬أنــا ال أســتطيع الخــروج مــن‬ ‫جلــدي املثخــن بالجـراح‪ 12 ،‬أخ وأخــت مشــتتني‬ ‫يف ســورية وخارجهــا مــع عائالتهــم‪ .‬الســبب هــو‬ ‫األســدية وذوي الجلــد األبيــض‪ .‬أنــا أقاتــل يك ال‬ ‫يصبــح هنالــك ســوقاً للعلويــة كــا صــار هنالــك‬ ‫ســوقاً للســنة بــإرشاف رجــال األســدية‪ .‬ســأبقى‬ ‫أقاتــل مــن أجــل ســورية بــا أســواق طائفيــة أو‬ ‫إثنيــة‪ .‬طبع ـاً ال يهمنــي اتهــام بعــض رفاقــي يل‬ ‫حتــى لــو أحزننــي‪ .‬الخــاف عــى موقــع األســدية‪.‬‬ ‫كــا قلــت يريــدون أن يبقــى جلدهــم أبيــض‪.‬‬

‫كل إســامي ال يرفــع علــم الثــورة الســورية‪ ،‬وال‬ ‫يؤمــن بدولــة دميقراطيــة تعدديــة‪ ،‬هــو ليــس‬ ‫ســورياً‪.‬‬ ‫اإلرهــاب يف ســورية ق ـرار دويل وإقليمــي‪ ،‬علينــا‬ ‫أن نصلــح إســامنا مبــا يتناســب وروح العــر‪،‬‬ ‫هــذا صحيــح لكــن كيــف؟ كيــف دون إرادة‬ ‫ســلطة سياســية؟ اإلرهــاب مهــا حاولنــا هــو يف‬ ‫النهايــة سياســوي وألغ ـراض سياســية‪ ،‬ال يحتــاج‬ ‫لالســتناد إىل نصــوص فيــا لــو أراد‪ ،‬هــو بحاجــة‬ ‫لشــعار‪ ،‬الشــعار يصنعــه الساســة ودوائــر‬ ‫االســتخبارات‪ ،‬التــي قــررت تصديــر اإلرهــاب‬ ‫ضــد الثــورة الســورية‪ ،‬لســحقها رمزيــاً عــى‬ ‫األقــل كــا أســلفت يف مقــال ســابق عــى هــذا‬ ‫املنــر‪ .‬ســتبقى ســورية محطتــي األخــرة ألنهــا‬ ‫كانــت األوىل‪.‬‬ ‫س��أختم ه��ذه امل��ادة مبقط��ع لفلس��طيين‬

‫مجي��ل‪ ..‬يكت��ب ع��ن الث��ورة الس��ورية‪:‬‬ ‫يف خمــس ســنوات‪ ...‬اســتطاع الســوريون أن‬ ‫يعلمــوا العــامل معنــى أن متــوت بصمــت‪ ،‬وأن‬ ‫تلــم ركام جرحــك بصمــت‪ ،‬وأن تنظــر إىل‬ ‫األمــام بصمــت‪ ،‬عــى أن ت ُــر عــى حريتــك!‬ ‫يف خمــس ســنوات‪ ...‬قــ ّزم الســوريون تاريخنــا‬ ‫وثوراتنــا ووجودنــا كلــه‪ ،‬وجعلونــا منســح رمــوزه‬ ‫أو معظمهــا‪ ،‬وأجربونــا عــى إعــادة النظــر يف‬ ‫ُمسـ ٍ‬ ‫ـلامت ســقطت‪ ،‬ومبــادئ اهــرأت‪ ،‬وعناويــن‬ ‫هــوت‪ ،‬غــروا كل يشء تقريبــاً‪ ،‬حتــى معنــى‬ ‫الشــهادة‪ ،‬حتــى املــوت‪ ،‬صــار لــه يف ســوريا معنى‬ ‫آخــر!‪ ..‬يف خمــس ســنوات كربنــا خمســن ســنة‪،‬‬ ‫هرمنــا يف عــز الشــباب‪ ،‬ونحــن نــرى الســوريني‬ ‫يختــرون التاريــخ ويعانــدون الزمــن ويعيــدون‬ ‫للوقــت ســرته األوىل!‪ ...‬يف خمــس ســنوات‪ ،‬مل‬ ‫يعــد املــايض يعنــي لنــا شــيئاً بإيحــاء الســوريني‬ ‫الذيــن غــروا بلحــوم أبنائهــم معادلــة الكــون‪،‬‬ ‫صــار املــايض غريبــاً‪ ،‬وصــار املهــم هــو مــا‬ ‫ســيكون‪ ،‬ال مــا كان يف ظــل مــا يقولــه ويريــده‬ ‫شــعب يقاتــل الرباميــل املتفجــرة وحيــدا ً إال مــن‬ ‫إرادتــه‪ ،‬وحيــدا ً إال مــن أغنياتــه‪ ،‬وحيــدا ً مــن إال‬ ‫مــن شمســه التــي مل ت ِغــب وال لــن تغيــب!‪ ..‬يف‬ ‫خمــس ســنوات غـ ّـر الســوريون كل يشء‪ ،‬الكلمــة‬ ‫صــارت شــيئاً آخــر‪ ،‬الشــعر‪ ،‬األغنيــة‪ ،‬الدمعــة‪،‬‬ ‫القصيــدة‪ ،‬الحبيبــة‪ ،‬اللغــة‪ ،‬غــروا كل يشء‪،‬‬ ‫وقلبــوا كل يشء‪ ،‬يف خمــس ســنوات‪ ..‬دوختنــا‬ ‫ســوريا‪ ،‬صــارت خبزنــا اليومــي‪ ،‬وهواءنــا النقــي‪،‬‬ ‫وحلمنــا الــذي ن ـراه يف النــوم‪ ،‬ويف اليقظــة عــى‬ ‫الســواء‪ ،‬يف خمــس ســنوات‪ ،‬قلبتنــا ســوريا‪،‬‬ ‫غــرت فينــا الكثــر‪ ،‬خلقــت فينــا وعيــاً أللــف‬ ‫ّ‬ ‫عــام‪ ،‬زرعــت فينــا إرصارا ً خفي ـاً عــى املطاولــة‪،‬‬ ‫رســمت زهــورا ً وانهــارا ً وصبيانــاً وتينــاً‪ ،‬عشــش‬ ‫يف أذهاننــا‪ ،‬حلقــت بنــا ســوريا إىل أماكــن‬ ‫مجهولــة‪ ،‬كشــفت لنــا وجوه ـاً ضاحكــة تحمــل‬ ‫وراء ظهورهــا الخناجــر‪ ،‬ع ّبــدت بلحــوم أطفالهــا‬ ‫درب الجنــة الحقيقــي‪ ،‬أعطــت فلســطني معناهــا‪،‬‬ ‫وصبــت امللــح عــى جــرح الع ـراق‪ ،‬إنهــا ســوريا‪،‬‬ ‫إنهــا الشــمس التــي ال تغيــب!‬


‫‪10‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫وعي الضحية (‪)3‬‬ ‫كنــت قــد تح ّدثــت عــن الوعــي الــذي‬ ‫يجــب أن تتس ـلّح بــه الضحيّــة لســببني‪ :‬األ ّول‬ ‫يك ال تبقــى ضح ّيــة‪ ،‬والثــاين يك ال تنتقــل إىل‬ ‫صــف القتلــة‪ .‬وهــذا يقــودين مبــارشة إىل‬ ‫الحديــث عــن دور املثقــف‪.‬‬ ‫عــى م ـ ّر التاريــخ‪ .‬كان املثقــف صــوت األ ّمــة‬ ‫وضمــر النــاس؛ وعيهــا بواقعهــا‪ ،‬واملؤســس‬ ‫لوعــي جديــد ممكــن يتجــاوز حالــة الركــود‬ ‫التــي تعمــل الســلطة عــى ترســيخها وتثبيتهــا‬ ‫لضــان اســتمراريتها‪ .‬هــذا مــا يؤكــده إدوارد‬ ‫ســعيد الــذي يــرى أن املثقــف «ميثّــل نبــض‬ ‫الجامهــر‪ ،‬وهــو الــذي ال يقبــل أنصــاف‬ ‫الحلــول وأنصــاف الحقيقــة‪ ،‬وهــو الشــخص‬ ‫الــذي يواجــه القــوة بخطــاب الحــق ويــر‬ ‫عــى أنّ وظيفتــه‪ ،‬هــي أن يجــر نفســه‬ ‫ومريديــه بالحقيقــة»‪ ،‬وهــذا مــا نجــده‬ ‫عنــد محمــد عابــد الجابــري الــذي يــراه‬ ‫«ذلــك الــذي يلتصــق بهمــوم وطنــه وبهمــوم‬ ‫الطبقــات املقهــورة والكادحــة»‪ ،‬وهــو‬ ‫ذاتــه املثقــف كــا يــراه غرامتــي عندمــا‬ ‫ميّــز بــن املثقــف التقليــدي مثــل املعلمــن‬ ‫ورجــال الديــن الذيــن ميتلــك ثقافــة مهنيــة‪،‬‬ ‫واملثقــف العضــوي القــادر عــى تأديــة دور‬ ‫وظيفــي للطبقــة االجتامعيــة‪ ،‬بحيــث يســهم‬ ‫يف خلــق وعــي جديــد لهــا بهمومهــا وحقوقها‪،‬‬ ‫ويرفــض كل أشــكال الظلــم والقهــر والتســلط‬ ‫يف املجتمــع‪ .‬ويــرى ســارتر يف أنّ «املثقــف‬ ‫الحقيقــي ليــس هــو ذلــك الــذي يقــف عنــد‬ ‫حــدود الكشــف عــن مختلــف التناقضــات‬ ‫القامئــة يف املجتمــع‪ ،‬بــل هــو الــذي يعمــل‬ ‫عــى تغيريهــا وتوجيههــا ويعلــن مســؤوليته‬ ‫الثقافيــة يف مواجهــة مختلــف التحديــات‬

‫الناجمــة عــن ذلــك»‪.‬‬ ‫إنّ تبايــن اآلراء حــول تعريــف املثقــف ودوره‪،‬‬ ‫يفتــح البــاب واســعاً للبحــث أكــر حــول‬ ‫املقصــود باملثقــف‪ .‬وإن كنــت أميــل أكــر‬ ‫إىل تصــ ّور غرامتــي ومتييــزه بــن املثقــف‬ ‫العضــوي والتقليــدي‪ ،‬فــإنّ جميــع التعريفــات‬ ‫تتفــق عــى الــدور االجتامعــي الــذي يجــب‬ ‫أن يقــوم بــه املثقــف بغــض النظــر عــن‬ ‫االختــاف حــول تحديــد مــن هــو املثقــف؟‬ ‫وبالتــايل وضــع حــدود ملــا ميكــن أن يكــون‬ ‫ثقافــة عــى نحــو أشــمل‪.‬‬ ‫هــذا امليــل يدفعنــي ملســاءلة الــدور الوظيفي‬ ‫للمثقــف يف توعيــة املجتمــع بحقوقــه وبنــر‬ ‫قيــم الحريــة والعدالــة واملســاواة‪ .‬لك ّننــا ومــع‬ ‫غيــاب التعريــف الجامــع املانــع اصطدمنــا‬ ‫مبواقــف مخ ّيبــة للنفــس‪ ،‬وال ســ ّيام بعــد‬ ‫تخــي الكثــر‬ ‫الربيــع العــريب عندمــا رأينــا ّ‬ ‫مــن «املثقفــن» عــن دورهــم هــذا‪ ،‬ووقــوف‬ ‫بعضهــم إىل جانــب الســلطة‪ ،‬وأيضــاً عندمــا‬ ‫وجدنــا أنّ الكثــر ممــن ي ّدعــي االنحيــاز إىل‬ ‫الجامهــر يف مطالبهــا املرشوعــة ينحرفــون‬ ‫عــن تلــك املطالــب‪ ،‬ويلعبــون دورا ً ســلبياً‬ ‫ه ّمــه إثــارة مشــاعر الحقــد والكراهيــة‪.‬‬ ‫يحــرين أيضـاً تصنيــف ملمــدوح عــدوان عــن‬ ‫الشــعراء‪ ،‬ميكننــا االســتفادة منــه يف تحديــد‬ ‫دور املثقــف الســوري يف الحـراك‪ .‬حيــث يــرى‬ ‫عــدوان أنّ «البــر منقســمون إىل طائفتــن‪:‬‬ ‫طائفــة تريــد اإلبقــاء عــى العــامل كــا هــو؛‬ ‫ألنّهــا مســتفيدة مــن صورتــه هــذه أو ألنهــا‬ ‫غــر متــررة منهــا أو ألنهــا ال تعــي حجــم‬ ‫الــرر الالحــق بهــا فيــه‪ .‬وطائفــة تريــد‬ ‫تغيــر العــامل وقلــب موازينــه وموائــده‬

‫وإعــادة ترتيبــه»‪ ..‬ومبــا أنّ الشــعراء هــم مــن‬ ‫البــر كــا يقــرر عــدوان‪ ،‬وهــم مثقفــون‬ ‫كــا نتفــق عليــه ملــا للشــاعر مــن إحســاس‬ ‫عــا ٍل بــآالم اآلخريــن ومــا يتفتــق عنــه قلقهــم‬ ‫الوجــودي مــن أســئلة تعيــد صياغــة مفاهيــم‬ ‫ـق اإلنســان يف‬ ‫جديــدة أكــر انســجاماً مــع حـ ّ‬ ‫الحيــاة والحريــة والعدالــة؛ فــإنّ «الشــاعر‬ ‫منتــمٍ ‪ ،‬حت ـاً‪ ،‬إىل إحــدى الطائفتــن‪ .‬إ ّمــا أنــه‬ ‫طامــح إىل تغيــر العــامل وإ ّمــا إنــه مســاهم يف‬ ‫تكريســه»‪.‬‬ ‫هــذا التصــور الــذي يقرتحــه عــدوان يقودنــا‬ ‫إىل تصنيــف أ ّويل للمثقــف الســوري يف موقفــه‬ ‫مــن الحـراك عمومـاً‪ .‬هنالــك مثقفــان‪ :‬مثقــف‬ ‫الســلطة‪ ،‬واملثقــف املعــارض‪ .‬أ ّمــا األ ّول فــا‬ ‫نحتــاج الحديــث عنــه مطـ ّوالً‪ ،‬فهــو املســتفيد‬ ‫مــن هبــات املتنفذيــن واملســؤولني‪ ،‬وال يعــدو‬ ‫أن يكــون صاحــب حرفــة يســرزق منهــا يف‬ ‫كتابــة املقــاالت وقصائــد املــدح والخطــب‬ ‫الفارغــة‪.‬‬ ‫ميكننــا إدراج مثقــف آخــر تحــت هــذا‬ ‫الصنــف وهــو املثقــف «املقــاوم‪ /‬األصــويل»‪،‬‬ ‫ليــس مبعنــى املقاومــة الــذي تســ ّوق لــه‬ ‫الســلطة‪ ،‬بــل باملعنــى الــذي يجعلــه رافض ـاً‬ ‫لحركــة التاريــخ متقوقعـاً عــى نفســه‪ ،‬ويــرى‬ ‫فيــا يحــدث صدمــة مل يســتطع أن يتجاوزهــا‬ ‫أو ميتصهــا ويعيــد بالتــايل إنتــاج وعــي جديــد‪.‬‬ ‫وهــذا الصنــف هــو املضحــك املبــي فهــو‬ ‫ينطلــق مــن صــورة منطيــة انطبعــت عميقـاً يف‬ ‫ذهنــه عــن الثــورات مســتلهامً مبــادئ الثــورة‬ ‫الفرنســية وانتصــار الشــيوعيّة وســواها مــن‬ ‫حــركات التحــرر الوطنــي مبنطلقاتهــا الفكريّة‪.‬‬ ‫ويــرى فيــا حــدث ويحــدث تشــويهاً ممنهجـاً‬

‫لتلــك الصــورة‪ .‬ال ميكنــه أن يقبــل الثــورة إال‬ ‫إذا جــاءت وفــق مقاســاتها العامليــة ملغيــاً‬ ‫بذلــك الزمــان واملــكان والظــرف التاريخــي؛‬ ‫لذلــك نجــده وقــد عاش رصاعـاً طويـاً قبل أن‬ ‫يعلــن والءه التــام للســلطة بوصفهــا املخلــص‬ ‫واملنقــذ‪ ،‬وقــد ارتبــط مصــره مبصريهــا‪ ،‬وكأنّ‬ ‫رفضــه للظلــم وســجلّه الطويــل يف املقاومــة‬ ‫ليــس أكــر مــن ســندات يق ّدمهــا لضــان‬ ‫بقائــه يف موقــع النخبــة التــي ال تــرى يف‬ ‫النــاس أكــر مــن رعــا ٍع وســفلة‪ ،‬فـراه جالسـاً‬ ‫يحـ ّدق يف البعيــد بعــد أن تنــازل عــن الحــارض‬ ‫لصالــح الســلطة القمعيــة‪ ،‬وتنــازل أيض ـاً عــن‬ ‫إنســانيته التــي كنــا نتوقــع منهــا أن تدفعــه‬ ‫لقــول «ال» يف مواقــف عصيبــة ال صــوت يعلــو‬ ‫فيهــا ســوى صــوت اإلنســانية‪.‬‬ ‫املثقــف الثــاين هــو املثقــف املعــارض الــذي‬ ‫أعلــن مــع بدايــة الحــراك انحيــازه ملطالــب‬ ‫الجامهــر‪ .‬للمثقــف املعــارض أصنــاف‬ ‫مختلفــة‪ .‬ولــو أردنــا تعــداد األســباب التــي‬ ‫دفعتهــم لالنضــام إىل صفــوف الثــورة ســنجد‬ ‫مــن تلــك األســباب هــو أنّ عــى املثقــف أن‬ ‫يكــون معارضــاً‪ ،‬وهــذا دوره الطبيعــي‪ .‬وألنّ‬ ‫الكثــر كان ينــدرج تحــت مســمى «مثقــف‬ ‫الظــل»‪ ،‬أي أنــه كان ولفــرة طويلــة تحــت‬ ‫ظــال الســلطة ثــم بعــد الثــورة انتقــل إىل‬ ‫موقــع يوفّــر لــه الظهــور واملنــر بعــد أن كان‬ ‫دوره مقت ـرا ً عــى املشــاركة والتصفيــق ملــن‬ ‫تق ّدمهــم الســلطة بوصفهــم مثقفــن‪ .‬وهنالــك‬ ‫مــن انضــ ّم إىل الثــورة ألنّــه كان معارضــاً‬ ‫للســلطة‪ ،‬ومل يتجــرأ خــال تلــك العقــود عــى‬ ‫نقدهــا أو مهاجمتهــا‪ ،‬وعجــزه هــذا قــاده إىل‬ ‫الفرصــة الســانحة التــي هيــأت له الظهــور وال‬

‫المغيرة الهويدي‬ ‫س ـيّام مــع دور وســائل التواصــل االجتامعــي‬ ‫وكام ـرات القنــوات اإلخباريّــة التــي مل توفّــر‬ ‫أحــدا ً ممــن ميكنــه أن يقــول مــا يتفــق‬ ‫وسياســة تلــك القنــاة أو أهــواء الجامهــر ومــا‬ ‫يــريض غرائزهــا العدوانيــة واالنتقاميــة‪.‬‬ ‫ميكــن إدراج نــوع آخــر مــن املثقفــن تحــت‬ ‫املثقــف املعــارض‪ ،‬وهــو املثقــف العاجــز‬ ‫املنــي الــذي وبدافــع الخــوف أو العجــز‬ ‫أو برغبــة يف الفهــم راح يرتنّــح طويــاً بــن‬ ‫مــا يحــدث ومــا يجــب‪ ،‬ويحــاول أن يقــارب‬ ‫الواقــع بالصــورة املثــال التــي يصبــو إليهــا‪،‬‬ ‫ثــم رسعــان مــا ســكت عندمــا ات ّســعت الهــوة‬ ‫وصــار االنشــقاق واالصطفــاف واضحـ َـن‪ ،‬ثــم‬ ‫أصبــح منســياً بعــد أن اشــتعلت الحــروب‬ ‫عــى األرض الســورية‪ ،‬وصــارت لغــة التجييــش‬ ‫والثــارات هــي لغــة الكثــر مــن املثقفــن‪ .‬مل‬ ‫يعــد لكالمــه معنــى بــل صــار تهمــة يتقاذفهــا‬ ‫اآلخــرون‪ .‬ثــم غــاب صوتــه متامـاً أمــام املنابــر‬ ‫التــي تشـ ّجرت يف طــول البــاد وعرضهــا تلــوك‬ ‫كالمـاً فارغـاً ال قيمــة لــه‪ ،‬ويف خطاباتهــا دعــوة‬ ‫لإلقصــاء واإللغــاء واإلبــادة‪ .‬أصبــح منســياً‬ ‫متام ـاً‪.‬‬

‫قبلة يهوذا‬

‫ُعري التاريخ واستعادته الراهنة‬ ‫آرام كرابيت‬ ‫«قــال فالفيــوس قائــد الحاميــة الرومــاين‬ ‫مبتسـاً‪ ،‬أنــت فعـاً صغــرة جــدا ً‪ .‬لكــن اآللهــة‬ ‫شــاءت ذلــك‪ .‬آلهتنــا عــى األقــل‪ .‬انتفــض‬ ‫انطونيــوس الــذي خــرج مــن وســط شــعبي‪،‬‬ ‫وأخــذ موقــع نائــب الحاكــم‪.‬‬ ‫ـ ال يحق لك أن تفعل هذا يا فالفيوس؟‬ ‫ـ هــه‪ ،‬إن معــاوين الشــجاع يســتيقظ‪ ،‬وملــاذا يــا‬ ‫ترى؟‬ ‫ـ قوانينــا متنعــه‪ .‬إنهــا متنــع إعــدام فتــاة عــذراء‪.‬‬ ‫كان عمــر الفتــاة مثانيــة أعــوام‪.‬‬ ‫ـ وهــل ال تزالــن عــذراء؟ ســأل فالفيــوس الفتــاة‬ ‫الصغــرة وهــو يرتجــل عــن حصانــه‪ .‬واقــرب‬ ‫مــن الصغــرة وانتــزع فســتانها الــذي متــزق‬ ‫عــى الفــور‪ ،‬وقبــل أن تتمكــن مــن ســر عورتهــا‬ ‫بيديهــا‪ ،‬كان قــد غــرز إصبعيــه بعنــف بــن‬ ‫فخذيهــا‪ ،‬ثــم رفعهــا أمــام القرويــن‪ ،‬ثــم قــال‪:‬‬ ‫ـ اعتقــد األن أن املشــكلة القانونيــة قــد حلــت‪.‬‬ ‫شــهر فالفيــوس ســيفه ورضب عنــق الفتــاة‪.‬‬ ‫فانهــارت ببــطء وســقطت عــى نفســها كــا لــو‬ ‫أنهــا أرادت أن تحمــي حتــى النهايــة حشــمتها‬ ‫املهانــة»‪.‬‬ ‫إن هــذا النــص القــايس‪ ،‬فيــه كــم هائــل مــن‬ ‫الــدالالت والرمــوز‪ ،‬والتعريــة‪ ،‬عندمــا يتوحــد‬ ‫الجــاد مــع ذاتــه يف فــض بــكارة التاريــخ‬ ‫وترشيــح جثــة الضحيــة‪ ،‬واملجتمــع‪ ،‬وتحويلهــا‬ ‫إىل رمــوز مهزومــة ومهانــة وانكســار عــر‬ ‫التاريــخ الطويــل‪.‬‬ ‫يف يــدي روايــة‪ ،‬قبلــة يهــوذا للــروايئ «أوبــر‬

‫برولونجــو»‪ ،‬الــذي شــحن قلبــي بالحــزن واألمل‪.‬‬ ‫ق ـ ّدم شــخصياته بلغــة أدبيــة بديعــة‪ ،‬وس ـلّط‬ ‫الضــوء عــى أبطالــه الضحايــا بــكل ســهولة‬ ‫ويــر وأبــرز لنــا قســوة الطاغيــة‪ ،‬الجــاد‬ ‫مقرب ـاً املســافة األنيــة مــع الزمــن قبــل ألفــي‬ ‫عــام‪ ،‬بــن طاغيــة األمــس وطاغيــة اليــوم‪ ،‬كأن‬ ‫الزمــن واحــد‪ ،‬هــو الزمــن ذاتــه‪ ،‬مكثفـاً بذاتــه‪.‬‬ ‫فالســلطة «هــي هــي» والضحيــة «هــي هــي»‪،‬‬ ‫وزمــن الضحيــة والجــاد مــا زاال متوحديــن‪،‬‬ ‫داخــل رصاع مفتــوح وعــر دميومــة األمل‬ ‫الضــاري‪ ،‬ورمــوزه املســتباحة أيضــاً‪.‬‬ ‫إن العمــل اإلبداعــي هــو عمليــة خلــق‪ ،‬كشــف‬ ‫أو تعريــة‪ ،‬ســباحة يف فضــاء الحريــة والــرورة‪،‬‬ ‫عــر الدخــول يف عمــق األزمــة اإلنســانية‪،‬‬ ‫برفقــة الوجــع عــر امتــاك األدوات الفنيــة‬ ‫واللغــة‪ ،‬واســتخدام األســاليب املتعــددة لرفــع‬ ‫العمــل إىل الــذروة عــر اإليحــاء أو االلتفــاف‬ ‫املبــارش عــى الحقيقــة وعــر طــرق متعرجــة‬ ‫للوصــول إىل الجوهــر‪ ،‬إىل كشــف التاريــخ‬ ‫القديــم ورصــده وإســقاطه عــى الحــارض‬ ‫ليكــون رافعــة لتغيــر هــذه النمطيــة التــي‬ ‫تســيطر عــى عقولنــا منــذ أن بــدأ التاريــخ‪.‬‬ ‫فالروايــة أو أي عمــل أديب هــو راصــد أمــن‬ ‫لالوعــي الجمعــي اإلنســاين‪ ،‬وناقــل لــه عــر‬ ‫صــور مختلفــة ومتعــددة‪ ،‬والســعي بــكل‬ ‫الوســائل إىل تحويــل هــذه األرض والوقائــع‬ ‫واألحــداث إىل ســاء تصطخــب بالطيــور الحــرة‬ ‫يف فضــاء يتســع وميتــد إىل مــا ال نهايــة‪.‬‬

‫إن خلــق ســخصيات الروايــة مــن لحــم ودم‬ ‫ووضعهــا يف فضــاء إيحــايئ تتحــرك ضمن ســياق‬ ‫فنــي لهــا همومهــا الخاصــة والعامــة‪ ،‬يعاينــوا‬ ‫الواقــع‪ ،‬يدخلونــه مرغمــن‪ .‬وكل شــخصية لهــا‬ ‫رغباتهــا وأمالهــا وطموحهــا ضمــن ســياق‬ ‫الواقــع ومجاالتــه وقدرتــه عــى تحقيــق هــذا‬ ‫الطمــوح ليشــق طريقــه يف الحيــاة ومدنــا‬ ‫بســبل العيــش وطرائقــه وأســاليبه‪ ،‬وفتــح‬ ‫قنــوات عــر حفريــات الزمــان واملــكان لنتجــاوز‬ ‫الواقــع مــن خــال الواقــع ذاتــه‪ .‬إن االيحــاء‬ ‫واملراوغــة واســتخدام الصــور والخيــال رضورات‬ ‫يســتخدمها األديــب النتـزاع وقائــع الروايــة مــن‬ ‫الواقــع الحقيقــي‪ .‬فكلــا كان املبــدع متمكن ـاً‬ ‫مــن عملــه ومــن قدرتــه اإلبداعيــة عــى رســم‬ ‫معــامل عملــه عــر بنــاء جــايل‪ ،‬والدخــول يف‬ ‫مم ـرات األدب مــن داخلــه‪ ،‬وبلغــة موســيقية‬ ‫يتبادلهــا األديــب مــع شــخصياته‪ ،‬ونقلهــم عــر‬ ‫الزمــان واملــكان‪ ،‬وتحريكهــم عــر الــدالالت‬ ‫والرمــوز كلــا قــدم لنــا عمـاً جميـاً‪ ،‬وبصياغة‬ ‫فنيــة جميلــة‪ ،‬وصــور جميلــة وأنيقــة‪ .‬طبعــاً‬ ‫قــدم لنــا العمــل كقيمــة جامليــة‪ ،‬كعمــل فنــي‬ ‫أديب متقــن الصنــع‪ ،‬كلــا أدى الهــدف وقــدم‬ ‫غــرض العمــل‪.‬‬ ‫إن مشــاهد الصلــب يف الروايــة‪ ،‬رصــد األمل‬ ‫اإلنســاين يف قمــة تألقــه‪ ،‬يف لحظــة انفصــال‬ ‫الوعــي املرتبــط باملــكان‪ ،‬ولحظــة االنتقــال إىل‬ ‫املــوت والحــرة عــى الحيــاة‪ ،‬عــى فقــدان‬ ‫األحبــة واألصحــاب واألهــل األع ـزاء‪ ،‬والزوجــة‬

‫واألوالد‪.‬‬ ‫إن حيــوات النــاس‪ ،‬الضحايــا يبقــون ضحايــا‬ ‫ســواء كانــوا يهــودا ً أو غريهــم‪ ،‬يبقــون يف‬ ‫الذاكــرة جــزءا ً مــن الرتاجيديــة‪ ،‬عاشــها‬ ‫ويعيشــها البــر كضحايــا اآللــة‪ ،‬الســلطة‪،‬‬ ‫التــي تهرســهم وتفتتهــم وتخرجهــم مهمشــن‬ ‫وعجــزة‪.‬‬ ‫صحيــح أن الــرواي قــدم إســقاطات فنيــة‬ ‫عــى اليهــود يف ذلــك الزمــن‪ ،‬بيّــد أنهــا قربــت‬ ‫لنــا شــكل الحيــاة يف ذلــك الوقــت‪ ،‬االحتــال‬ ‫الرومــاين للمنطقــة‪ ،‬قســوته‪ ،‬نــوع الطعــام‪،‬‬ ‫األدوات املســتخدمة يف األكل والــرب‪ ،‬الثيــاب‬ ‫وأســاء املــدن والقــرى‪ ،‬بســاطة حركــة النــاس‪،‬‬ ‫التشــابه يف املعانــاة‪ ،‬األعــال اليدويــة التــي‬ ‫يتداولونهــا‪ ،‬الرضائــب الثقيلــة التــي كانــت‬

‫تأخذهــا الدولــة الرومانيــة مــن النــاس‪ ،‬وبــكل‬ ‫الوســائل املتاحــة‪ ،‬وعــدم الرأفــة بالفالحــن‬ ‫الفقــراء خاصــة يف مواســم شــح املطــر أو‬ ‫انعدامــه‪ ،‬ويف بعــض املواســم الزراعيــة‪ .‬املجــازر‬ ‫الجامعيــة التــي يقــدم عليهــا املحتــل‪ ،‬مزاجيــة‬ ‫الطاغيــة وهلوســاته يف تنفيــذ القتــل‪ ،‬رأفتــه أو‬ ‫شــفقته‪.‬‬ ‫األدب كان ومــا زال‪ ،‬شــاهدا ً‪ ،‬يســجل ويــروي‬ ‫ويحــرض وال يكــف عــن الوقــوف إىل جانــب‬ ‫املهمشــن‪ .‬وإن اإليحــاءات التــي يســتخدمها‪،‬‬ ‫واملراوغــة التــي ميارســها عــر اســتحضار التاريخ‬ ‫مــن أجــل تعريــة الســلطة كمفهومــة صلبــة‬ ‫وجامــدة‪ ،‬كــا الصنــم الــذي يركــع الجميــع لــه‬ ‫ويتحكــم بحيــوات النــاس ومصائرهــم منــذ‬ ‫فجــر التاريــخ وإىل يومنــا هــذا‪.‬‬


‫حرمل الثقافة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫فرحان مطر‬

‫ارحل أيه��ا الربيع‬

‫شكر ًا جزي ً‬ ‫ال أيها القرف‬

‫لســت متأكــدا ً فيــا إذا كنــت ‪ -‬شــخصياً ‪-‬‬ ‫أول مــن يتوجــه مبثــل هــذا الشــكر واالمتنــان إىل‬ ‫الســيد املوقــر املدعــو (القــرف)‪ ،‬غــر أن هــذا لــن‬ ‫يغــر مــن حقيقــة األمــر شــيئاً‪ ،‬ذلــك أننــي لــن‬ ‫أزيــد يف حــال كــوين أول مــن يقــوم بــه – الشــكر‬ ‫ ســوى الحصــول عــى رشف الريــادة‪ ،‬أمــا يف حــال‬‫أن آخريــن قــد ســبقوين بــه‪ ،‬فإننــي ســأكون مــن‬ ‫الرعيــل اﻷول‪ ،‬أو عــى اﻷقــل مــن القالئــل الذيــن‬ ‫خالفــوا املألــوف‪ ،‬وتوجهــوا لــه بهــذا التقديــر‪.‬‬ ‫التقطــت بحــوايس املدربــة شــخصاً يــود طــرح‬ ‫الســؤال‪ :‬ملــاذا؟!‪...‬‬ ‫غــر أننــي اكتشــفت للتــو أنــه مصــاب بالحــرج‬ ‫الشــديد مــن مجــرد طــرح الســؤال‪ ،‬العتبــارات‬ ‫الصداقــة القدميــة التــي تربــط بيننــا‪.‬‬ ‫ال عليــك يــا صديقــي مــن الحــرج يف طرح الســؤال‪،‬‬ ‫فأنــا عــى يقــن مــن أن كثرييــن ســواك يشــاركونك‬ ‫الــرأي ذاتــه‪ :‬ملــاذا‪ ،‬وكيــف‪ ،‬وبــأي حــق أشــكر‬ ‫القــرف الــذي يتحاشــاه النــاس األســوياء مــن‬ ‫أمثالــك املحرتمــن؟!‪....‬‬ ‫ســأرشح لــك أيهــا الصديــق املتلبــس بالحــرج‬ ‫الشــديد تجاهــي‪ ،‬األســباب املوجبــة التــي حدت يب‬ ‫التخــاذ مثــل هــذه الخطــوة غــر املألوفــة بالنســبة‬ ‫لــك‪ ،‬ورمبــا كنــت مثلــك قبــل أن أصــل إىل مثــل‬ ‫هــذه املرحلــة الحساســة‪ ،‬حيــث مل أكــن أحــب‬ ‫القــرف أبــدا ً‪ ،‬ومل يخطــر يل ببــال يومـاً أن أهادنــه‪،‬‬ ‫أو أغازلــه‪ ،‬فــا بالــك بــأن أتوجــه لــه بالشــكر‬ ‫واالمتنــان العلنــي؟!‪...‬‬ ‫حــن حــارصين القــرف مــن كل الجهــات‪ ،‬مل أجــد‬ ‫بــدا ً مــن البحــث عــن طــوق نجــاة‪ ،‬فــكان يل ذلــك‬ ‫حــن اتخــذت قــرارا ً حاســاً غــر مــن مجمــل‬ ‫ظــروف حيــايت التــي أعيشــها قبــل أن أصــل إىل‬ ‫مــا وصلــت إليــه مــن القــرف املشــار إليــه‪ ،‬والــذي‬ ‫اســتدعاين التخــاذ ذاك القــرار‪ ،‬فقبــل ‪ -‬القــرار ‪-‬‬ ‫وصلــت ملرحلــة مل أعــد أعــرف فيهــا ذايت‪ ،‬رصت‬ ‫ال أشــبهني يف يشء‪ ،‬ال أفعــايل‪ ،‬وال ردود أفعــايل‪،‬‬ ‫هــي ذاتهــا تلــك التــي أعرفهــا عنــي ســابقاً‪ ،‬والتــي‬ ‫كانــت متيــزين‪ ،‬ومتنحنــي خصوصيتــي التــي عرفــت‬ ‫بهــا‪ ...‬باختصــار رصت ليــس فقــط‪ ،‬ال أشــبهني‪،‬‬ ‫ولكــن أيضــاً ال أعرفنــي‪ ....‬تضحــك يف رسك مــن‬ ‫هــذه التعابــر أليــس كذلــك؟!‪ ..‬تظــن أننــي أبالــغ‬ ‫باســتخدامها حبــاً باإلثــارة ليــس إال‪ ،‬أو رمبــا ‪-‬‬ ‫برأيــك ‪ -‬مــن بــاب االســتعراض يف التعامــل مــع‬ ‫اللغة؟!‪...‬هــذا رأيــك الــذي ال أملــك أن أثنيــك‬ ‫عنــه‪ ،‬أو أغــر بــه شــيئاً‪.‬‬ ‫إال أن الحقيقــة مــن وجهــة نظــري ليســت كذلــك‬

‫َ‬ ‫حمنة السؤال‬

‫أبــدا ً‪.‬‬ ‫أنــا يــا ســيدي أشــكر القــرف مــن صميــم قلبــي‬ ‫ألنــه فع ـاً قــرع لــدي ناقــوس الخطــر‪ ،‬وجعلنــي‬ ‫وجهــا لوجــه أمــام تلــك الحالــة التــي خــرت‬ ‫فيهــا خصوصيتــي‪ ،‬وأوصلنــي ‪ -‬بعــد اتخــاذ القـرار‬ ‫وتطبيقــه ‪ -‬الســتعادة عافيتــي‪ ،‬وذايت املســتلبة‪.‬‬ ‫مــرة أخــرى ألحــظ شــخصاً آخــر يــداري ضحكــة‬ ‫تخفــي دهشــة تضمــر ســؤاالً‪ :‬عــم يتحــدث‬ ‫األخ؟!‪....‬‬ ‫لــك يــا ســيدي‪ ،‬ولهــذا الشــخص اآلخــر أقــول مــن‬ ‫اآلخــر‪ :‬أتحــدث عــن الفيســبوك‪.‬‬ ‫تضحــكان معــاً هــذه املــرة‪ ،‬وتتبــادالن النظــرات‬ ‫وتتســاءالن‪ :‬ومــا عالقــة هــذا بذاك؟!‪...‬مــا عالقــة‬ ‫الفيــس بــوك مبــا ســبق الحديــث عنــه؟!‪...‬‬ ‫علــا أن الفيــس بــوك بنظركــا‪ ،‬ونظــر املاليــن‪،‬‬ ‫وحتــى نظــري أنــا ‪ -‬قبــل هــذا القــرار ‪ -‬هــو‬ ‫فســحة التقــاء البــر والتواصــل االجتامعــي ومــا‬ ‫إىل ذلــك‪.‬‬ ‫صحيــح متام ـاً‪ ،‬ومل أقــل مــا يخالفــه‪ ،‬ولكــن حــن‬ ‫كان يعنــي أن يكــون ســاحة نظيفــة راقيــة لــكل مــا‬ ‫ســبق مــن أســباب التواصــل ورضوراتــه‪.‬‬ ‫هــل تــرى معــي يــا ســيدي أنــت وذاك الشــخص‬ ‫اآلخــر أن الفيــس بــوك قــد بقــي بــه يشء مــا‬ ‫يليــق مــن تلــك الصــورة اللطيفــة؟!‪...‬‬ ‫ال أعــرف بالضبــط مــا تكــون إجاباتكــا‪ ،‬ولكــن‬ ‫الــذي أعرفــه‪ ،‬ومتأكــد منــه هــو أنــه مل يعــد كذلــك‬ ‫عنــدي‪ ،‬وبالنســبة يل‪.‬‬ ‫مــا أراه هــو يشء آخــر مختلــف‪ ،‬ومناقــض متام ـاً‬ ‫لتلــك الصــورة الورديــة‪ ،‬أصبحــت أرى فيــه ســاحة‬ ‫للمعتوهــن‪ ،‬واملختلــن عقليـاً‪ ،‬وســلوكياً‪ ،‬وعاطفيـاً‪،‬‬ ‫والحاقديــن الذيــن ال يتوقفــون عــن غمــر صفحات‬ ‫الفيــس بــوك بأمراضهــم‪ ،‬وأحقادهــم‪ ،‬وثاراتهــم‪.‬‬ ‫هــل كل مــا ينــر عــى الفيــس بــوك بهــذه الصورة‬ ‫القامتة؟!‪...‬طبعـاً ال‪ ،‬ومــن بــاب األمانــة فــإن الكثــر‬ ‫مــن األقــام واألصوات املحرتمــة الناضجة املســؤولة‬ ‫الراقيــة مــا زالــت تواصــل حضورهــا الجميــل‪،‬‬ ‫ولكــن كل هــذا الجــال ال يســتطيع أن يخفــي‬ ‫تلــك القباحــة‪ ،‬وذاك األذى الــذي أرشت إليــه‪.‬‬ ‫مــا هــي الطريقــة التــي ميكننــي بهــا عــدم رؤيــة‬ ‫مثــل ذلــك الــرر؟!‪ ....‬ســتقول يل ببســاطة‪ :‬الجــأ‬ ‫إىل ميــزة الحظــر‪.‬‬ ‫طيــب ســأميش معــك يف هــذه النقطــة‪ ،‬ولكــن هل‬ ‫تنتهــي الحكايــة عنــد هــذه الحــدود؟!‪ ....‬قطعاً ال‪.‬‬ ‫كل مــن ســتحظره ملــا تــرى أنــه مــيء للعــام‪،‬‬ ‫ســيقوم باالنتقــام منــك‪ ،‬وإقامــة حفــات الــردح‬ ‫والتشــويه والشــتائم بحــق‪.‬‬

‫الغارق يف وحلِ‬ ‫ُ‬ ‫ملاذا ال يفه ُم الجال ُد‬ ‫الهزمية‬ ‫متى يفهم الجندي‬ ‫ِ‬ ‫مفاتيح الزنزانة‬ ‫وباألخرى‬ ‫السوط‪،‬‬ ‫ه‬ ‫بيد‬ ‫َ‬ ‫أ ّن عنقه تحت سكّين ِه امل ُرشع يف ظلمت ِه‬ ‫الزانية تلته ُم زبائنها‬ ‫ٌ‬ ‫خجول ُ‬ ‫ينزف فضّ َة ضياؤ ِه‪.‬؟‬ ‫و القمر‬ ‫ِ‬ ‫الصب ِح‬ ‫ع‬ ‫شمو‬ ‫وحاميل‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫الشُ‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُمبعرثا ً ُمد ّمى عىل ح ِّد النصل!‬ ‫متى يفهم ِ‬ ‫الخل ُد األحمق وهو يفقأُ ِ‬ ‫األرض‬ ‫القتيل بال أوزا ٍر‬ ‫ُ‬ ‫مييض‬ ‫ببثو ِر أكوام ِه‬ ‫وينز ُِف الوقت س َّم‬ ‫ِ‬ ‫عقارب الندمِ‬ ‫بأنهم لن يشيدوا بهذا وطناً‬ ‫يتقه َق ُر غرقاً‬ ‫يسيجون ُه بأعوا ِد املشانقِ‬ ‫حتى يرسو عىل ض ّف ِة الخرائب‬ ‫القتيل‬ ‫َ‬ ‫وستائر نوافذ ِه أكفان ت ُدث ِّ ُر الفج َر‬ ‫أنخاب الحرس ِة‬ ‫يتبادالن وحيدين‬ ‫َ‬ ‫متى يفه ُم أباطر ُة ال ُعه ِر األممي‬ ‫يتسامران ودُفىل املقابر‬ ‫ِ‬ ‫متاريس النهار‬ ‫ذئاب خلف‬ ‫محض ٍ‬ ‫بأننا ُ‬ ‫ْ‬ ‫تخرتق جدا َر اإلرادة‬ ‫مث ّة مذبح ٌة مل‬ ‫الغائب عىل‬ ‫مث ّ َة جدا ٌر ينتظ ُر تدفئ ِة النامئني بهدو ٍء يك ال بحضنِ الليلِ نُرت ُِّل صال َة‬ ‫ِ‬ ‫أرواحنا‬ ‫يستيقظ األطفال‬ ‫التي غادرناها باألمس‬ ‫حليب الثدي الغايف‬ ‫فيقط ُر‬ ‫َ‬ ‫ولن نتملّص من خندقِ الردى‬ ‫عىل صاعقِ لغمِ ِ‬ ‫الغد‬ ‫حقولنا‪ ،‬تنو ٌر‪ ،‬ومدرس ًة‬ ‫فيط ِفئ ُه‬ ‫ِ‬ ‫ُنعطفات التاريخية يُلهبنا‬ ‫ورصي ُر امل‬ ‫اح‪ ،‬مذابح‪ ،‬مقابر تنتظرنا‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫فث ّم َة ِ ٌ‬ ‫متى يفهم الخونة‪:‬‬ ‫مث ّ َة فج ٌر ينتظ ُر لهف َة الصغار‬ ‫ِ‬ ‫بأبخس‬ ‫األنقاض التي ساهموا بقضِّ ها‬ ‫أ ّن‬ ‫َ‬ ‫ال يغفو عىل ِ‬ ‫كتف األمنيات الساذجة‬ ‫األمثانِ‬

‫‪11‬‬

‫مــا هــي الطريقــة باملقابــل لضبــط النفــس‪ ،‬وعــدم‬ ‫الــرد عــى مــا تواجــه مــن تلــك النــاذج الســقيمة‬ ‫املريضــة املتخلفــة؟!‪...‬‬ ‫رمبــا ال توجــد أيــة وصفــة جاهــزة ميكــن مــن‬ ‫خاللهــا ضبــط النفــس وعــدم الــرد‪ ،‬وألن الحظــر‬ ‫ ثبــت بالتجربــة أنــه ‪ -‬ليــس حــاً‪ ،‬فــإن الحــل‬‫الوحيــد الــذي اهتديــت إليــه‪ ،‬وكان الفضــل‬ ‫يف ذلــك يرجــع أوالً وأخــرا ً إىل الســيد املوقــر‬ ‫(القــرف) فــكان هــو النــأي بالنفــس عــن هــذه‬ ‫املعمعــة بغيــة الحصــول عــى قــدر مــن الراحــة‬ ‫والســكينة‪.‬‬ ‫فــا هــي النتائــج الفعليــة التــي حصلــت عليهــا‬ ‫ج ـراء ذلــك الق ـرار الحاســم؟!‪...‬‬ ‫اســتطعت التخــي عــن حالــة االســتنفار التامــة‬ ‫التــي كنــت عليهــا ‪ -‬قبـاً ‪ -‬حــن كنــت أبقــى عــى‬ ‫وضــع (أون اليــن) عــى مــدار الوقــت‪ ،‬مــا دمــت‬ ‫يقظ ـاً‪..‬‬ ‫متكنــت مــن العيــش بعيــدا ً عــن حالــة االســتفزاز‬ ‫التــي تنتابنــي كلــا قــرأت كالم ـاً لشــخص موتــور‬ ‫يقذفــه يف كل الجهــات بوجــوه البــر‪.‬‬ ‫صــار مبقــدوري أن أنــام بوقــت محــدد دون‬ ‫أن أشــعر بحتميــة االطــاع عــى تلــك الرتهــات‬ ‫واألمــراض املســتعصية‪.‬‬ ‫حــن أصحــو مــن النــوم مل يعــد همــي األول هــو‬ ‫متابعــة آخــر مــا قيــل مــن تلــك األشــياء املجانيــة‬ ‫التــي ال تقــدم معلومــة وال تفيــد يف يشء‪.‬‬ ‫عــدت إىل ذايت األوىل حــن كنــت أعمــد إىل تنظيــم‬ ‫الوقــت ‪ -‬قــدر املســتطاع ‪ -‬واالســتفادة مــن‬ ‫الق ـراءة املمنهجــة‪ ،‬لغــة جديــدة‪ ،‬أدب‪ ،‬صحافــة‪،‬‬ ‫سياســة‪.‬‬ ‫شــيئاً فشــيئاً بــدأت أشــعر بــذاك اإلحســاس الــذي‬ ‫ينتــاب املــرء بعــد أن يــرى كيــف أنــه اســتعاد‬ ‫عافيتــه بعــد الشــفاء مــن مــرض عضــال‪ ،‬وبعــد أن‬ ‫خــرج مــن مرحلــة النقاهــة‪.‬‬ ‫كل ذلــك مل يحــدث‪ ،‬ومل يكــن لــه أن يحــدث‬ ‫ معــي عــى األقــل ‪ -‬لــوال أن داهمنــي الســيد‬‫القــرف‪ ،‬وحــارصين بــكل مــا تعنيــه كلمــة الحصــار‬ ‫عــى املســتوى النفــي بــكل مفــردات وآثــار‬ ‫القــرف‪.‬‬ ‫عنــد تلــك اللحظــة الفارقــة بالنســبة يل‪ ،‬خطــوت‬ ‫خطــويت األوىل عــى درب الخــاص‪ ،‬واســتطعت أن‬ ‫أثبــت لــذايت أن باإلمــكان أحيانـاً أن نفعــل أفضــل‬ ‫مــا كان‪.‬‬ ‫بعــد كل هــذا هــل بقــي لديــك يــا ســيدي أدىن‬ ‫اســتغراب لتوجيــه خالــص شــكري وامتنــاين‬ ‫وتقديــري للســيد القــرف؟!‪.‬‬

‫ت ُث ُري بنا شهو َة البناء‬ ‫الخصب‬ ‫ت ُهيّ ُج يناب َع‬ ‫ِ‬ ‫تتمطَّى يف عرو ِقنا أناشي َد الرخاء‬ ‫بح‬ ‫ّس ُ‬ ‫الص ُ‬ ‫غدا ً سيتنف ُ‬ ‫الشمس متثاقل ًة من رسي ِر ُس ِ‬ ‫بات‬ ‫وتنهض‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الكهف العتيق‬ ‫ِ‬ ‫ومتيض بنا الخطواتُ عىل‬ ‫أكتاف الغيمِ‬ ‫ِ‬ ‫الوقت غدا ً‪:‬‬ ‫ايُها امل ُعربِدون أما َم سكني‬ ‫تبقو َن ذُباباً يحو ُم فوق جثّ ِة احالمكم‬ ‫ُتفسخ ِة‬ ‫امل ِّ‬ ‫ورا َء سيا ِج الخيبة‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫الوقت‬ ‫يقضمون جثّة‬ ‫ثعلب جائِع‬ ‫يحتسون انتظاراتهم مبرار ِة ٍ‬ ‫ينهش فُضل َة ِممن سبقه من‬ ‫اقب ضبعاً ُ‬ ‫ير ُ‬ ‫ِ‬ ‫وحوش الديار‬ ‫يرتقبون قشّ ًة تكرس ظهر البعريِ‬ ‫لكن البعري َ‬ ‫أفاق‬ ‫مييض ال ُمبالياً‬ ‫فوق رملِ ال ِنصا ِل والخناجر‬ ‫بخُفيّ ِه‬ ‫القلوب الجميلة‬ ‫ُ‬

‫الشاعرة خالدة نرصت زورلوتونا‬ ‫(‪ ،)1984 - 1901‬شــاعرة تركيــة مــن مواليــد‬ ‫اســتنبول‪ ،‬أطلــق عليهــا األت ـراك لقــب «أم‬ ‫املحــررات»‪ ،‬لهــا العديــد مــن املؤلفــات‪،‬‬ ‫ومنهــا‪« ..‬الرمــاد»‪ ،‬و«الحــب والظفــر»‪،‬‬ ‫و«أصدقــايئ الصغــار»‪ ،‬وهــي معلمــة‬ ‫مارســت التعليــم يف أورفــا لعــدة ســنوات‪.‬‬

‫‪Mabettir orasi, meyhane‬‬ ‫‪değil...‬‬ ‫‪Işiklar, kokular, sesler,‬‬ ‫‪çiçekler...‬‬ ‫‪Ömrünün her günü bir başka‬‬ ‫‪düğün,‬‬ ‫‪Bülbüller koynunda açtı‬‬ ‫‪çiçekler‬‬ ‫‪Güller dökülürler göğsüne‬‬ ‫‪bütün!..‬‬

‫األضواء‪ ..‬الروائح‪ ..‬األصوات‪ ..‬الورود‬ ‫كل يوم من عمرك أيها الربيع عرس مختلف‬ ‫البالبل يف حضنك‪ ..‬والورود متفتحة عىل‬ ‫جنباتك‬ ‫والجوري يفرتش كامل صدرك‬ ‫فجاملك حقيقة وليس أسطورة‬ ‫ملاذا هذا األقحوان يتوج رأسك بالذهب؟‬ ‫فليتوشح شعرك األصفر بالورد الزهري‬ ‫اذهب أيها الربيع من أجل الخشوع الذي‬ ‫يف قلبي‬ ‫واحرتس من أن تخيف الفتيات الراكعات‬ ‫وال تدخل قلبي‪ ..‬فذاك ليس قرصا ً‬

‫‪Kalbime girme, o kaşane‬‬ ‫‪değil!..‬‬

‫خالدة نصرت زورلوتونا‬

‫‪M‬‬

‫‪O‬‬

‫‪Gerçekten güzelsin, efsane‬‬ ‫‪değil:‬‬ ‫?‪Altınlı başında papatya niçin‬‬ ‫‪Sarı saçlarına pembe gül takın‬‬ ‫‪Git bahar...Gönlümde ibadet‬‬ ‫‪için,‬‬ ‫‪Diz çöken kızları ürkütme‬‬ ‫‪sakın,‬‬

‫اذهب اذهب أيها الربيع واضحك بعيدا ً‬ ‫واترك من ألوانك هدية للبحر‬ ‫تج ّول يف األفق‪ ..‬وانترش يف السامء‬ ‫ال تقتحم قلبي كام لو أنه حانة‬ ‫فاللوايت رأيتهن قناديل وليست كؤوس خمر‬

‫‪Git bahar, git bahar ! Uzaklarda‬‬ ‫‪gül,‬‬ ‫‪Denize renginden bırak hediye,‬‬ ‫‪Ufuklarda gezin, semaya‬‬ ‫‪süzül...‬‬ ‫»!‪Kalbime sokulma «Peymane‬‬ ‫‪diye,‬‬

‫‪Yazar : Halide Nusret Zorlutuna‬‬ ‫ِ‬ ‫مبالقط الصرب‬ ‫نُثبتها‬ ‫تهف عليها نسائم انتظار‬ ‫ُّ‬ ‫تجف‪.‬‬ ‫تبقى نديّ ًة ال ّ‬ ‫ألف مقرب ٍة عامر ٍة‬ ‫كذا َ‬ ‫وزنازي َن قه ٍر‬ ‫وجثثَ املدائنِ امل ُلقا ِة عىل قارع ِة الخراب‬ ‫ودروب عامر ٍة بأقدامِ الخائفني الهاربني‬ ‫ٍ‬ ‫ال ُحفاة‬ ‫ِ‬ ‫بالصيف‪،‬‬ ‫بصامتُ اقدامهم عىل الوحو ِل‬ ‫والشتاء‬ ‫تقرأها أقامر الحلفاء‬ ‫تعرف ُها من عارمِ اإلراد ِة‬ ‫كأنّها أزهار ص ّبار‬ ‫ِ‬ ‫نبتت بع َد ارتواء النزو ِح من ظام ِ‬ ‫ئات‬ ‫الديار‬ ‫ري‬ ‫من سيسد ُد فوات َري الجوعِ‪ ،‬والهلعِ وال ُع ِ‬ ‫أنفاس االفو ِل‬ ‫ويُحيص عليكم َ‬ ‫ومينحكم صكوك اندثار‪.‬؟‬

‫تصهل‬ ‫يُغلِّفونها عن الري ِح‪ ،‬زوبع ًة واحد ًة ُ‬ ‫بها الجهات‬ ‫ت ُزمج ُر يف عيون األطفال‬ ‫لن ينتهي مهرجان الضحايا بعد الحصار‬ ‫يُفاجئ ُهم دموزي‬ ‫ِ‬ ‫املنهوب غدرا ً وخ ّسة‬ ‫ليسرتج َع خصب َه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫خريف اإلرصار‬ ‫فتُز ِه ُر عشتار يف‬ ‫الغضب قنابل مسيلة للقبور‪..‬؟‬ ‫صي‬ ‫من ّ‬ ‫َ‬ ‫وح ّول مشاعر املقهورين امل ُه ّمشني اىل‬ ‫أحزم ٍة ناسفة؟‬ ‫لتميض وراء جنون العصب ّية‪..‬‬ ‫لتسكن مستشفى املجانني‪!..‬‬ ‫يهرفون وراءها‬ ‫دو َن تأملٍ واختبار‬ ‫غدا ً‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الجثث‬ ‫كل‬ ‫تقف كأعمد ِة كهرباء‬ ‫ح ّية بيننا‪ُ ،‬‬ ‫كأشجا ِر ٍ‬ ‫توت وسنديانٍ ‪ ،‬ودردار‬ ‫نربط عليها َ‬ ‫حبال غسيلنا العمومي‬ ‫رش عليها جميع ثارات األعمد ِة‬ ‫ونن ُ‬ ‫واالشجا ِر‬ ‫‪C‬‬

‫‪.‬‬

‫‪L‬‬

‫‪A‬‬

‫‪M‬‬

‫رئي��س جمل��س اإلدارة و رئي��س التحري��ر‪ :‬بس��ام البليب��ل ‪ /‬مدي��ر التحري��ر‪ :‬يوس��ف دعي��س للتواصل عرب فيس بوك‬ ‫‪ ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete‬للتواصل عرب تويرت‬ ‫‪ SAYI: 37 YIL: 2016 )2) -‬للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬

‫‪İMTİYAZ SAHİBİ: ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: BASSAM ALBULAIBL‬‬ ‫‪BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬ ‫‪MOB: 00905316201958‬‬

‫‪Çekil bu gölgeli yolda gezinme,‬‬ ‫‪Bahar bakişlarin yine pek‬‬ ‫‪sarhoş.‬‬ ‫‪Yanilip gönlüme misafir inme.‬‬ ‫‪Kapisi kilitli, mihrabi bomboş‬‬

‫ابتعد‪..‬‬ ‫ال تتجول يف هذا الطريق املوشح بالظالل‬ ‫النظر إليك أيها الربيع مجددا ً يبعث عىل‬ ‫السكر‬ ‫فال تتوهم‪ ..‬وتنزل ضيفاً عىل قلبي‬ ‫فبابه موصد‪ ..‬ومحرابه خا ٍل عىل عروشه‬ ‫وما قلبي ذاك إال معبد‪ ..‬وليس حانة‬

‫كام الوجوه الوسيمة‬ ‫اب‪ِ ،‬خصباً يرت ُع بهِ‬ ‫تذوب يف الرت ِ‬ ‫ُ‬ ‫والبق ّية‪ :‬أشواك تفقأ دمامل النسيان‬ ‫ِ‬ ‫الكوابيس‬ ‫لنربأ من سقمِ‬ ‫ينبح كلباً واحدا ً‬ ‫فرحاً بظهو ِر شب ِح عظم ٍة جرداء‬ ‫ال زالت تلوكها ِ‬ ‫الضباع‬ ‫يرت َ‬ ‫ادف أالف الكالب بالنبا ِح‬ ‫يتخيلون وهامً‪:‬‬ ‫أن النبا ِح سيُكيس العظم َة لحامً!؟‬ ‫يتناولو َن خرائطهم‬ ‫يصعدو َن بها لقع ِر الهاويةِ‬ ‫ٍ‬ ‫دويالت من ورقٍ أصفر كام الرايات‬ ‫بيوتاً بال نوافذ عىل الجوا ِر‬ ‫دون حقو ٍل‬ ‫ِ‬ ‫سوى املزابلِ ينبشها القاد ُة الكبار‬ ‫يلتقطون منها أكياس النايلون ل ُيعبأوا‬ ‫أحالمهم العائليّة‬ ‫يس ِّمرو َن نه َم الجائز ِة‬ ‫نقض‬ ‫مبطرق ٍة عىل ُم ٍّ‬ ‫الجدار‬

‫صحيفة احلرمل‪ :‬ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪GİT BAHAR‬‬

‫‪R‬‬

‫‪A‬‬

‫‪H‬‬

‫‪L‬‬

‫محمد صالح العويد‬ ‫‪A‬‬

‫‪.‬‬

‫‪W‬‬

‫‪W‬‬

‫‪W‬‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬

‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Muzaffer kartal bahçelievler- hekŞmler apt no.3 ŞanliUrfa‬‬


‫‪12‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫زاويـة حـرة‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬

‫‪www.alharmal.com‬‬

‫الرقة تاريخي ًا‬

‫الرقة من النظام إلى الثورة‬

‫قليلة احلظ��وة‪ ..‬ولكنها‬ ‫شديدة النكاية‪!..‬‬ ‫بسام البليبل‬

‫الرقــة مدينــة يف شــال رشق ســوريا‪ ،‬عاصمــة محافظة‬ ‫الرقــة‪ ،‬تقــع عــى الضفــة الشــالية لنهــر الف ـرات‪ ،‬عــى‬ ‫بعــد حــوايل ‪ 195‬كــم رشق مدينــة حلــب‪ .‬منــذ أواســط‬ ‫الســبعينيات يعتمــد اقتصــاد الرقــة عــى ســد الف ـرات‬ ‫وعــى الزراعــة وعــى الحقــول النفطيــة املجــاورة‪ .‬يف‬ ‫الرقــة متحــف تاريخــي صغــر يســمى متحــف الرقــة‪،‬‬ ‫وقــد كشــفت الحفريــات فيهــا عــن آثــار قدميــة تعــود‬ ‫إىل القــرن الثامــن قبــل امليــاد‪ ،‬حيــث تــم العثــور عــى‬ ‫حفريــات تؤكــد وجــود أول اســتيطان بــري يف العــامل‬ ‫يف موقــع تــل املريبــط‪ ،‬وأيضــاً آثــار تعــود إىل العــر‬ ‫العبــايس (‪ 750‬هـــ) (‪1258‬م)‪ .‬ومــن أهــم اآلثــار الباقيــة‬ ‫يف املدينــة ســور الرافقــة‪ ،‬قــر العــذارى أو قــر‬ ‫البنــات‪ ،‬والقصــور العباســية‪ ،‬والجامــع الكبــر الــذي‬ ‫بنــي يف القــرن الثامــن امليــادي‪ .‬تحتــوي املدينــة القدميــة‬ ‫أيض ـاً عــى أرضحــة عــدد مــن رجــال الديــن املســلمني‪،‬‬ ‫منهــم الصحــايب عــار بــن يــارس وأويــس القــرين‪ ،‬عــدد‬ ‫ســكان املدينــة حــوايل مليــون نســمة‪.‬‬ ‫االسم ومنشأه‬ ‫أنشــئت الرقــة عــام ‪ 244‬أو ‪ 242‬قبــل امليــاد وســميت‬

‫يف البدايــة كالينيكــوس‪ ،‬نســبة إىل ســلوقس األول‪،‬‬ ‫مؤســس املدينــة‪ ،‬الــذي كان يعــرف أيض ـاً بهــذا االســم‪،‬‬ ‫(ويقــول البعــض أن االســم يعــود إىل الفيلســوف اليونــاين‬ ‫كالينيكــوس الــذي يعتقــد أنّــه تــويف يف الرقــة)‪ .‬يف العــر‬ ‫البيزنطــي‪ ،‬كانــت املدينــة مركـزا ً اقتصاديـاً وعســكرياً‪ .‬يف‬ ‫‪ 639‬فتحتهــا الجيــوش العربيــة اإلســامية‪ ،‬وتحولــت‬ ‫تســميتها إىل الرقــة وتعنــي يف اللغــة الصخــرة املسـطّحة‪،‬‬ ‫أو هــي كل أرض منبســطة ينحــر عنهــا ميــاه الفيضــان‬ ‫فتشــكل رقائــق متشــققة‪.‬‬ ‫تاريخ الرقة‬ ‫يف عــام ‪ 772‬هـــ بــدأ الخليفــة العبــايس املنصــور ببنــاء‬ ‫عاصمــة صيفيــة للدولــة العباســية بالقــرب مــن الرقــة‪،‬‬ ‫ســميت الرافقــة‪ .‬بنيــت املدينــة الجديــدة بشــكل دائــري‬ ‫عــى الط ـراز املعــاري لبغــداد‪ ،‬لكــن بســبب وقوعهــا‬ ‫عــى ضفــاف الفـرات جــاءت عــى شــكل حــدوة فــرس‪،‬‬ ‫ورسعــان مــا اندمجــت مــع الرقــة‪ .‬وبــن عامــي ‪796‬‬ ‫و‪ 808‬هـــ اســتعمل الخليفــة العبــايس هــارون الرشــيد‬ ‫الرقــة عاصمــة لــه أيضـاً‪ ،‬وأصبحــت املدينــة مركـزا ً علمياً‬

‫وثقافيـاً هامـاً‪ .‬و ُعرفــت أيامهــا بأيــام العــروس‪ ،‬يف الرقــة‬ ‫عــاش وتعلــم الفلــي العــريب الشــهري البتــاين (‪– 858‬‬ ‫‪ 929‬هـــ)‪ .‬يف عــام ‪ 1258‬د ّمــر املغــول الرقــة كــا فعلــوا‬ ‫ببغــداد‪.‬‬ ‫هلجات الرقة‬ ‫يتحــدث معظــم ســكان محافظــة الرقــة اللهجــة الرقاوية‬ ‫وهــي لهجــة عربيــة‪ ،‬تأثــرت مبعظــم اللهجــات املجــاورة‬ ‫كاللهجــة العراقيــة وغريهــا‪ ،‬وتتميــز هــذه اللهجــة‬ ‫بخصوصيتهــا ومفرداتهــا‪.‬‬ ‫اللهجــة الرقاويــة هــي لهجــة ســورية تســتخدم يف‬ ‫محافظــة الرقــة‪ ،‬وكذلــك قريبــة مــن اللهجــة املحكيــة‬ ‫يف الحســكة وديــر الــزور‪ ،‬والعديــد مــن املــدن عــى‬ ‫ضفــاف نهــر الفـرات يف ســوريا‪ .‬وهنالــك فــروق بــن كل‬ ‫مدينــة وأخــرى‪ .‬وهــي لهجــة قدميــة أقــرب اللهجــات‬ ‫للفصحــى ميكــن مالمســة الكثــر ملفرداتهــا لــدى أهــل‬ ‫الجزيــرة العربيــة كاليمــن والســعودية‪.‬‬ ‫• يقــول محمــد بــن أحمــد املقــديس‪ :‬وأهــل الجزيــرة‬ ‫الفراتيــة لغتهــم حســنة وأصــح مــن لغــة أهــل الشــام‪.‬‬

‫للمأساة ألف وجه‪ ..‬وداعًا بشري‬ ‫يف ثنائيــة أيب متــام «الســيف والكتــب» كان الســيف أصــدق أنبــاء‪ ،‬ويف املعادلــة‬ ‫ذاتهــا عنــد املتنبــي كان «املجــد للســيف‪ ،‬ليــس املجــد للقلــم» وبينهــا وقبلهــا‬ ‫وبعدهــا‪ ،‬كانــت القـ ّوة يف هــذا الــرق لحامــل الســيف‪ ،‬وليــس مهـ ّـاً أيــن يتموضــع‬ ‫الكتــاب وأهلــه والقلــم وبنــوه‪ ،‬فهــذا الــرق «مــا يجــي غــر بالســيف»‪ ،‬وتلــك املقارنة‬ ‫مــع الخُطاطــات و»الشــخابيط» مــا هــي إالّ مــن رضورة البحــث عــن رشيــك يف جــدل‬ ‫الحيــاة الدائــم‪ ،‬ويف الــرق العتيــد كان الســيف هــو مــن يكتــب املصائــر والخطــط‪،‬‬ ‫ويف تجــارب األمــم وتعاقــب الهمــم كان الســيف والرمــح ال القرطــاس والقلــم كلمــة‬ ‫ر التــي ال تحتــاج جليــل عنــاء يف اكتشــافها‪.‬‬ ‫ال ـ ّ‬ ‫يف ديــر الــزور الســورية‪ ،‬التــي متــوت بصمــت بــن املطرقــة والســندان‪ ،‬نــال أصحــاب‬ ‫القلــم مــا مل ينالــوه يف املدينــة أخــرى‪ ،‬فأُعــدم الروائيــان إبراهيــم خريــط ومحمــد‬ ‫رشــيد الرويــي‪ ،‬قبــل ‪ 3‬ســنوات تقريب ـاً‪ ،‬وفُجعنــا قبــل أيــام قليلــة بإعــدام الشــاعر‬ ‫محمــد بشــر العــاين ونجلــه إيــاس رميـاً بالرصــاص‪ ،‬وبهــذا تكــون الديــر مدينــة الفـرات‬ ‫وال َعجــاج والبســاتني قــد دفعــت مثن ـاً مضاعف ـاً‪.‬‬ ‫يــأيت الخــر يف وكاالت األنبــاء وحيــد الجهــة والصيغــة‪ ،‬دون أي تفاصيــل تضعنــا أمــام‬ ‫طرائــق القتــل وصنــوف العــذاب الجديــدة‪ ،‬فــا أســتطيع تص ـ ّور أنّــه شــاه َد إعــدام‬ ‫ابنــه قبلــه كــا حــدث أليب محمــد الــد ّرة‪ ،‬وال أســتطيع تص ّورهــا واقفــن عــى جــدار‬ ‫أي حــال فقــد دفــع الشــاعر الجميــل‬ ‫والقاتــل يرديهــا بصليــة رصــاص كثيفــة‪ .‬وعــى ّ‬ ‫ـكل شــجاعة‪ ،‬فقــد آثــر البقــاء مؤثـرا ً يف ظـ ّـل الــدار جانــب أهلــه وزوجتــه‬ ‫مثــن خيــاره بـ ّ‬ ‫التــي توفيــت مؤخـرا ً بعــد مــرض عضــال‪ ،‬عــى ّ‬ ‫ذل النــزوح‪.‬‬

‫ال أعــرف شــاعرا ً القــى حتفــه مــع ابنــه غــر املتن ّبــي‪ ،‬الرجــل الــذي فاجــأه أن «الخيــل‬ ‫والليــل» ليســت لعبتــه‪ ،‬ولكــ ّن أوالد «ض ّبــة» كانــوا كرميــن معــه‪ ،‬وســمحوا لــه أن‬ ‫يدافــع عــن نفســه‪ ،‬كان الطرفــان يف الواقعــة يحتكــان إىل ثقافــة الثــأر‪ ،‬وقانونهــا‬ ‫رر‪ .‬كانــت اللعبــة أقـ ّـل رشاســة‪ ،‬وأكــر تراجيديــة‪ .‬فالشــعر يف النهايــة‬ ‫بانتقــام املت ـ ّ‬ ‫(كالم) وهــذه بــاد حــرب‪ ،‬ال ســوق فيهــا ألصحــاب «القرطــاس والقلــم»‪ .‬رغــم أ ّن هــذه‬ ‫البــاد بيــداء‪ ،‬بيــداء بامتيــاز‪.‬‬ ‫يرمحك اهلل يا بشري‪.‬‬

‫حنن هنا‬

‫عيسى الشيخ حسن‬ ‫إ‬ ‫عالن‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫اين‬

‫رؤيــة متجــددة للعمــل اإلنســاني‬ ‫منظم��ة تركي��ة مس��تقلة تل�بي احتياج��ات الن��اس األساس��ية‬ ‫داخ��ل تركي��ا وخارجها‪.‬‬

‫ش��انلي أورف��ا ‪ -‬يان��ي ش��اهري ـ ب��والت كان‬ ‫هاتــف‪05312800920 :‬‬

‫‪biz0buradayiz@gmail.com‬‬

‫مل تكــن الرقــة اســتثنا ًء مــن املــدن الســورية التــي أُخضعــت‬ ‫الختـزال هويتهــا الوطنيــة واملواطنيــة‪ ،‬فأصبحــت الوطنيــة تُقاس‬ ‫بدرجــة الــوالء للنظــام وليــس للوطــن‪ ،‬وأصبحــت املواطنيــة‬ ‫القــارصة‪ ،‬معيــارا ً للصــاح‪ ،‬وااللتـزام بالنظــام العــام‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫عطــل الحيــاة االجتامعيــة والثقافيــة والسياســية واالقتصاديــة‪،‬‬ ‫مــن خــال عمليــة تخريــب مزدوجــة‪ ،‬أمنيّــة وتريفيّــة‪ ،‬فَرضــت‬ ‫مبواجهــة النظــام املدينــي منوذجـاً مضادا ً مــن القيم والســلوكات‪،‬‬ ‫عــادت بالحيــاة املدينيــة إىل مرحلــة مــا قبــل الدولــة برعايــة‬ ‫أمنيــة قرسيــة‪ ،‬أعطــت للســلطة الحاكمــة الشــعور باالطمئنــان‪،‬‬ ‫مــن خــال الســكونية الظاهريــة‪ ،‬التــي رانــت عــى املجتمــع‪،‬‬ ‫والتــي أوحــت بالخضــوع التــام‪ ،‬دون إدراك للديناميــة الداخليــة‬ ‫التــي ال تتوقــف‪ ،‬والتــي ســتنفجر ذات حــن‪.‬‬ ‫ولكــن االســتثناء الــذي تعرضــت لــه محافظــة الرقــة‪ ،‬هــو‬ ‫إغفالهــا مــن التمثيــل الحقيقــي يف العمليــة السياســية عــى‬ ‫مــدى أكــر مــن خمســة عقــود مــن الحكــم البعثــي األســدي‪،‬‬ ‫واعتبارهــا حديقــة خلفيــة للنظــام مبواردهــا املائيــة والنفطيــة‬ ‫والزراعيــة وثروتهــا الحيوانيــة‪ ،‬وخزانــاً برشيــاً للتعبــر عــن‬ ‫الــوالء والطاعــة‪ ،‬وتكريــس عبــادة الشــخص‪ ،‬حتــى أنهــا مل تحـ َظ‬ ‫بأيــة زيــارة رئاســية عــى مــدى حكــم حافــظ األســد الطويــل‪،‬‬ ‫ومل يتذكرهــا بشــار األســد إال بعــد أن استشــعر ح ـراكاً تكتوني ـاً‬ ‫تحــت قدميــه ينبــئ بزل ـزال قــادم‪ ،‬فقــرر أن يصــي فيهــا صــاة‬ ‫العيــد يف ‪ ،2011/11/6‬حيــث ســبقت زيارتــه وصــول دعــوات‬ ‫وزارة األوقــاف الرســمية ألشــخاص محدديــن للمشــاركة يف هــذه‬ ‫الصــاة‪ ،‬وقــد اســتجاب مــن كان ال ي ـزال يعتقــد بأبديــة هــذا‬ ‫الحكــم‪ ،‬ولبــى آخــرون مــن بــاب التقيــة‪ ،‬وألقــى مــن كان قــد‬ ‫انخــرط يف الثــورة بهــذه الدعــوة يف ســلة املهمــات‪.‬‬ ‫لقــد أراد بشــار األســد أن يُثبــت للعــامل أن مظاهــرة الحميديــة‬ ‫التــي انطلقــت يف ‪ 2011/3/15‬لــن يحــرك شــعارها «الشــعب‬ ‫الســوري مابينــذل» ســكون مدينــة الرقــة‪ ،‬وأن العبــارات التــي‬ ‫كتبهــا أطفــال درعــا يف أقــى الجنــوب الســوري عــى الجــدران‬ ‫«يــا دكتــور جــاك الــدور»‪ ،‬مل يــردد صداهــا يف أقــى الشــال‪.‬‬ ‫لقــد كان بشــار األســد مخطئ ـاً‪ ،‬فقــد انطلقــت أوىل املظاه ـرات‬ ‫املؤيــدة لحــراك دمشــق ودرعــا يف الرقــة يف ‪ 2011/3/25‬يف‬ ‫محيــط جامــع الفــردوس‪ ،‬كــا مل متنــع اإلجـراءات األمنيــة التــي‬ ‫رافقــت صــاة بشــار األســد يف الرقــة‪ ،‬انطــاق مظاهـرات طيــارة‪،‬‬ ‫رفعــت يف محيــط مســجد النــور عبــارات االحتجــاج عــى وجــود‬ ‫بشــار األســد يف الرقــة‪.‬‬ ‫ثــم مــا لبثــت الرقــة أن كانــت أوىل املــدن الســورية التــي‬ ‫أســقطت رشعيــة األســد‪ ،‬وهيبتــه الرئاســية إىل األبــد‪ ،‬عندمــا‬ ‫تحــررت مــن ربقــة هــذا الحكــم البعثــي الشــمويل يف ‪2013/3/4‬‬ ‫ومل يجــد النظــام مــا يعــر فيــه عــن خيبتــه ســوى بالقــول‪« :‬إن‬ ‫الرقــة مدينــة صحراويــة ال تحتاجهــا الدولــة الســورية»‪ .‬مبــا‬ ‫يوحــي ضمنـاً اســتعداد النظــام للتخــي عــن أجـزاء مــن الوطــن‬ ‫الســوري‪ ،‬وتقســيم البلــد‪ ،‬إذا اقتــى اســتمرار نظــام الحكــم‬ ‫ذلــك‪.‬‬ ‫بــل عمــل عــى جعــل مدينــة الرقــة مرتع ـاً متاح ـاً لــكل القــوى‬ ‫التعصبيــة‪ ،‬واملجموعــات املتطرفــة التــي تجعــل لنظامــه رجحانـاً‬ ‫إيجابيــاً –حســب تقديراتــه‪ -‬باملقارنــة معهــا‪ ،‬إذا مل يكــن مــن‬ ‫بــد لهــذا الخيــار‪.‬‬ ‫ولكــن مــا يؤســف لــه أن االئتــاف الوطنــي لقــوى الثــورة‬ ‫واملعارضــة الســورية‪ ،‬قــد اشــرك مــع النظــام يف نظرتــه إىل الرقــة‬ ‫عــى أنهــا مدينــة هامشــية‪ ،‬يــوم أن رفــض دعــوة التجمعــات‬ ‫املدنيــة لدخــول الرقــة بعــد تحريرهــا‪ ،‬ومــلء الف ـراغ الســيايس‬ ‫واإلداري‪ ،‬ويف ذلــك يقــول ميشــيل كيلــو‪« :‬ارتكــب االئتــاف‬ ‫خطيئــة اســتثنائية بحــق الثــورة»‪.‬‬ ‫كــا اشــرك مــع النظــام يف إقصــاء أبنــاء الرقــة عــن املشــاركة‬ ‫الفاعلــة يف العمليــة السياســية وال يــزال‪.‬‬ ‫ولكــن الرقــة‪ ،‬وإن كانــت قليلــة الحظــوة عنــد مــن يعتقــدون‬ ‫أن بإمكانهــم تهميشــها‪ ،‬إال أنهــا شــديدة النكايــة يــوم يحــن‬ ‫الحســاب‪.‬‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05316201958( :‬أو مراجع��ة مقره��ا (أورف��ا ‪ -‬س��احة املدف��ع)‬

‫اآلراء اليت تنشر باجمللة تعرب عن رأي أصحابها‪ ،‬وال متثل بالضرورة رأي اجمللة‬

‫‪WWW.ALHARMAL.COM‬‬

‫الســنة الثانيــة ‪ /‬العــدد ‪ 01 / 37‬نيســان ‪2016‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.