Alharmal (6) 15 12 2014 - العدد السادس من مجلة الحرمل

Page 1

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬ ‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫‪1‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــاً‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬

‫‪AL harmal‬‬ ‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫مفتتح الكالم‬

‫األس��د يدم��ر س��وريا ويقتل ش��عبها‬

‫الصورة المشوهة‬ ‫ماجد رشيد العويد‬

‫ثــوار إدلــب يحــررون معســكري وادي الضيــف والحامديــة‬

‫متكــن ثــوار محافظــة إدلــب وبعــد اشــتباكات عنيفــة مــع قــوات‬ ‫النظــام مــن فــرض ســيطرتهم الكاملــة عــى معســكري وادي الضيــف‬ ‫والحامديــة‪ ،‬وكانــت مجموعــات كبــرة مــن جبهــة النــرة وحركــة‬ ‫أحــرار الشــام ومجموعــة مــن كتائــب الجيــش الحــر قــد باغتــوا‬ ‫الجميــع وحــرروا املوقعــن القريبــن مــن مدينــة معــرة النعــان‬ ‫يف ريــف إدلــب الجنــويب‪ ،‬ووصلــت موجــة التحريــر إىل قريــة معــر‬ ‫حطــاط‪ ،‬وأمــام تقــدم الثــوار ف ّر عنــارص النظــام مذعوريــن إىل األرايض‬ ‫الزراعيــة‪ ،‬فيــا أصبحــت الطريــق إىل مركــز مدينــة إدلــب مفتوحــة‬ ‫أمــام الثــوار‪.‬‬

‫لعقــود خلــت والنظــرة املتبادلــة بــن الــرك والعــرب تقــوم عــى‬ ‫الكراهيــة‪ ،‬وعــى تشــويه بعضهــا‪ ،‬وبنــاء صــورة قبيحــة‪ ،‬وهــذا كلــه‬ ‫بفعــل السياســات التــي ك ّرســها الغــاة مــن الشــعبني‪.‬‬ ‫أمــران اثنــان أساســيان ســاهام يف تكويــن صــورة غــر حقيقيــة عــن‬ ‫الشــعبني‪ .‬ينظــر األت ـراك إىل العــرب عــى أنهــم قــوم خونــة ســاهموا‬ ‫يف إســقاط الســلطنة العثامنيــة باالتفــاق عليهــم مــع القــوى الصاعــدة‬ ‫آنــذاك ممثلــة بالفرنســيني واالنكليــز‪ ،‬ويــرى العــرب إىل األت ـراك عــى‬ ‫أنهــم كانــوا قــوة اســتعامرية تحتــل بالدهــم‪ ،‬ويجــب التحــرر منهــم‪.‬‬ ‫ظلَّــت هــذه الصــورة قامئــة طــوال العقــود املاضيــة‪ ،‬ويف ســوريا يقــوم‬ ‫املنهــاج البعثــي عــى نقــل صــورة للســفاح جــال باشــا الــذي عمــل‬ ‫عــى إعــدام أكــر مــن عرشيــن ثائــرا ً يف لبنــان وســوريا‪ ،‬ويحــاول‬ ‫تعميــم هــذه الصــورة‪ ،‬وجعلهــا عنوان ـاً لصــورة الــريك عامــة‪ ،‬ويقابــل‬ ‫هــذا التعميــم الجائــر آخــر تــريك أكــر جــورا ً عندمــا يذهــب الغــاة‬ ‫مــن الــرك إىل تســمية كالبهــم بأســاء عربيــة محاولــن تعميــم صــورة‬ ‫قبيحــة للعــريب عامــة‪.‬‬ ‫ثــم جــاءت الثــورات العربيــة األخــرة لتلعــب دورا ً يف تحريــك هــذه‬ ‫الصــورة وتغيــر بنيتهــا‪.‬‬ ‫كان موقــف األت ـراك مــن الثــورة الســورية واضح ـاً مــن البدايــة‪ ،‬فقــد‬ ‫ســاند الــرك الشــعب الســوري يف مطالبــه‪ ،‬وقامــوا مبــا توجــب عليهــم‬ ‫مــن اســتضافة العــدد الهائــل مــن الســوريني‪ .‬يف هــذا الســياق جــاءت‬ ‫الحرمــل التــي ولــدت بالتعــاون مــع بيــت الرقــة لــكل الســوريني‬ ‫معــززة برتخيــص مــن جمعيــة عــرب تركيــا التــي يقــوم عــى رئاســتها‬ ‫الســيد شــكري كريبوغــا لتســاهم يف إزالــة ذيــول تلــك الصــورة القدميــة‪،‬‬ ‫ولتســهم يف تكويــن صــورة جديــدة للعالقــة بــن الشــعبني‪.‬‬ ‫إذا كانــت الثــورة تقــوم عــى اإلطاحــة بنظــم الحكــم الفاســدة‪ ،‬فــإن‬ ‫مآالتهــا تكويــن نظــم حكــم تقــوم عــى العــدل واملســاواة‪ ،‬وعــى إرســاء‬ ‫عالقــات جــوار ســليمة تعمــل عــى بنــاء تنميــة حقيقيــة بــن الشــعوب‪،‬‬ ‫وعــى هــذا فــإن الثــورة الســورية قامــت عــى نظــام حكــم مســتبد قـ َّـل‬ ‫نظــره‪ ،‬وإذا كانــت حتــى اآلن قــد دفعــت مثن ـاً باهظ ـاً فــأن حجــم‬ ‫الفســاد املكــرس منــذ مــا يزيــد عــى خمســن ســنة كان كبـرا ً جــدا ً‪.‬‬ ‫وإذا كان ال بــد مــن التعويــل عــى يشء أو عــى أحــد يف تنظيــف‬ ‫املنطقــة مــن الشــوائب كافــة فاملعــ ّول عليــه يف هــذا الســياق هــو‬ ‫الســوري الــذي أخــذ ق ـراره‪ ،‬وذهــب يف ثورتــه إىل آخــر مــدى ممكــن‪،‬‬ ‫وليــس مــن ناقــل للوقائــع‪ ،‬كــا هــي‪ ،‬مثــل اإلعــام الحــر‪ ،‬ولعلنــا‬ ‫نتمنــى أن تكــون الحرمــل من ـرا ً مــن منابــره تذكــره الثــورة الســورية‬ ‫يــوم تقــوم ببنــاء ســورية الجديــدة مــن الداخــل الــذي رغــم مــا أصابــه‬ ‫مــن دمــار فإنــه يؤســس لبنــاء إنســان ســوري معــاىف مــن أمــراض‬ ‫الخمســن ســنة الفائتــة‪.‬‬

‫«البحرة» يلتقي عدداً من وزراء وسفراء االحتاد األوربي‬ ‫ويطالب بتسوية سياسية شاملة وفق مبادئ جنيف‬ ‫انعقــد مســاء يــوم األحــد يف العاصمــة البلجيكيــة ضوابــط لضــان تنفيــذ أي اتفــاق مبــا يف ذلــك لجهــة‬ ‫بروكســل اجتــاع ضــم الســيد هــادي البحــرة رئيــس عــدم اســتغالل النظــام لتجميــد القتــال عــى جبهــة‬ ‫االئتــاف الوطنــي لقــوى الثــورة واملعارضــة الســورية معينــة ونقــل قواتــه إىل جبهــات أخــرى‪.‬‬ ‫ومســاعديه وعــدد مــن وزراء وســفراء االتحــاد األورويب‬ ‫بحــث خاللــه بشــكل رئيــي خطــة املبعــوث األممــي وقــد أشــار بعــض الــوزراء إىل اجتامعهــم مــع املبعــوث‬ ‫ســتيفان دي ميســتورا‪ ،‬ورؤيــة االئتــاف تجــاه األفــكار الــدويل وأنهــم وجــدوا أيض ـاً يف خطتــه بعــض الجوانــب‬ ‫املطروحــة يف ظــل عــدم وجــود اقرتاحــات مكتوبــة التــي ال ت ـزال غــر واضحــة املعــامل‪.‬‬ ‫وواضحــة املعــامل يف مــا ســبق وقدمــه املبعــوث الــدويل‪ .‬وقــد تطــرق االجتــاع إىل جوانــب أخــرى مــن ضمنهــا‬ ‫وأكــد رئيــس االئتــاف عــى رضورة أن تتضمــن خطــة املســاعدات اإلنســانية‪ ،‬وآليــات تنفيــذ قــرار مجلــس‬ ‫دي مســتورا التوصــل إىل تســوية سياســية شــاملة وفــق األمــن ‪ 2165‬وأوضــاع الالجئــن الســوريني‪ ،‬والعقوبــات‬ ‫مبــادئ بيــان جنيــف‪ .‬كــا ركــز عــى رضورة وجــود املتخــذة ضــد النظــام‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫إســرائيل تقصف مواقع ســورية واألســد يــرد في الرقة‬ ‫‪ 19‬ش��هيداً حصيلة الغارات اهلمجية واش��تباكات بني اجليش والش��بيحة‬ ‫عروة املهاوش‬

‫واصــل طـران النظــام األســدي قصــف محافظة‬ ‫الرقــة نهــارا ً بالتــوازي مــع قصــف طــران‬ ‫التحالــف ليــاً‪ ،‬وجــاءت الغــارات األخــرة‬ ‫التــي نفذهــا الط ـران الحــريب يــوم الخميــس‬ ‫‪ 2014/12/11‬عــى خلفيــة ر ّد النظــام عــى‬ ‫القصــف االرسائيــي يــوم األحــد عــى مواقــع‬ ‫عســكرية ســورية بالقــرب مــن مدينــة دمشــق‪،‬‬ ‫واســتهدف خاللهــا مســتودعات لألســلحة‪،‬‬ ‫تحتــوي عــى أســلحة ثقيلــة وصواريــخ روســية‬

‫متطــورة مضــادة للطائــرات‪.‬‬ ‫ويف التفاصيــل‪ ،‬قــام الط ـران األســدي بقصــف‬ ‫موقعــن هــا مطــار الطبقــة‪ ،‬ومحميــة الكرين‬ ‫بالقــرب مــن مدينــة الطبقــة‪ ،‬فيــا نفــذ ثــاث‬ ‫غــارات عــى أحيــاء آهلــة بالســكان املدنيــن يف‬ ‫مدينــة الرقــة‪ ،‬مــا أســفر عــن استشــهاد ســتة‬ ‫أشــخاص‪ ،‬ووقــوع عـرات الجرحــى‪.‬‬ ‫الغــارة األوىل اســتهدفت جنــوب مدرســة‬ ‫الغافقــي‪ ،‬وخلّفــت دمــارا ً كبــرا ً‪ ،‬وأنبــاء عــن‬

‫فقــدان شــخص يف املنطقــة جــراء القصــف‪،‬‬ ‫الثانيــة اســتهدفت حــي الفــردوس‪ ،‬يف املوقــع‬ ‫املقابــل لبنــاء الجميــي‪ ،‬وخلفّــت شــهيدين‬ ‫وأربعــة جرحــى بينهــم طفــل‪ ،‬فيــا اســتهدف‬ ‫الطــران الحــريب يف غارتــه الثالثــة محيــط‬ ‫جامــع الشــهداء‪ .‬واســتطعنا توثيــق أســاء‬ ‫أربعــة شــهداء فقــط نتيجــة نقــص املعلومــات‬ ‫التــي تردنــا مــن الداخــل وهــم‪ :‬أحمــد خليــل‬ ‫الشــيخ‪ ،‬محمــد نــور الســويحة‪ ،‬معصــوم عبــد‬

‫الرحمــن‪ ،‬وأحمــد البــكار‪.‬‬ ‫ويف ســياق متصــل ارتقــى ثالثــة عــر شــهيدا ً‬ ‫مــن عــال رشكــة الكهربــاء يف الطبقــة ج ـراء‬ ‫االشــتباكات الدائــرة عــى حاجــز «أثريــا» عــى‬ ‫طريــق الســلمية – الرقــة بــن شــبيحة الدفــاع‬ ‫الوطنــي وعنــارص مــن جيــش النظــام التــي‬ ‫تــدور بينهــم منــذ أيــام‪.‬‬ ‫وكان عــال الكهربــاء متوجهــن إىل مدينــة‬ ‫حــاة لقبــض رواتبهــم ومســتحقاتهم املاليــة‪،‬‬ ‫إثــر تحويلهــا مــن ديــر الــزور إىل مدينــة حامة‪،‬‬ ‫يف املوقــع املذكــور‪ ،‬ونتيجــة خــاف بــن عنــارص‬ ‫الجيــش والدفــاع الوطنــي‪ ،‬ونزاعهــم عــى‬ ‫أولويــات تشــليح وســلب العــال أموالهــم‪،‬‬ ‫وقــع االشــتباك وكان ضحيتــه ارتقــاء ثالثــة‬ ‫عــر شــهيدا ً‪.‬‬ ‫يذكــر أن مشــايف مدينــة الرقة العامــة والخاصة‪،‬‬ ‫تشــكو مــن نقــص شــديد وحــاد يف املــواد‬ ‫واملســتلزمات الطبيــة‪ ،‬واألدويــة‪ ،‬وتعــاين مــن‬ ‫نقــص الكــوادر الطبيــة والتمريضيــة‪ ،‬وخــروج‬ ‫معظمهــا عــن الخدمــة جـ ّراء تعرضهــا للقصــف‬ ‫املتواصــل‪ ،‬رغــم الكثــر مــن املطالبــات اليوميــة‬ ‫ألبنــاء الرقــة‪ ،‬ومحاوالتهــم الدؤوبــة لحــث‬ ‫الحكومــة الســورية املؤقتــة لتأمــن احتياجــات‬ ‫املشــايف‪ ،‬إال أن طلباتهــم تظــل حبيســة األدراج‬

‫املغلقــة‪ ،‬وكأن الرقــة ال تعنيهــم بــيء‪.‬‬ ‫مــن جهــة أخــرى تســتمر طلعــات طــران‬ ‫التحالــف أيضــاً عــى مدينــة الرقــة وريفهــا‪،‬‬ ‫وإن كانــت متقطعــة يف بعــض األحيــان‪ ،‬ورغــم‬ ‫كل الخــوف والرعــب الــذي يصيــب أهلنــا‬ ‫وأطفالنــا مــن صــوت الطــران واالنفجــارات‪،‬‬ ‫إال أنهــم يشــعرون بنــوع مــن االنزعــاج رغــم‬ ‫دقــة التصويــب لألهــداف التــي يقــوم بقصفهــا‬ ‫ط ـران التحالــف‪ ،‬عــى عكــس غــارات النظــام‬ ‫التــي تصيــب األهــايل بالرعــب والفــزع‪،‬‬ ‫وتضطرهــم اللت ـزام بيوتهــم‪ ،‬رمبــا أليــام بعــد‬ ‫الغــارات‪.‬‬ ‫ويف ظــل كل هــذه األجــواء املرعبــة التــي‬ ‫يعيشــها أهلنــا يف الرقــة‪ ،‬وانعــدام الحيــاة‬ ‫املدنيــة‪ ،‬وتــردي مســتوى املعيشــة‪ ،‬وانقطــاع‬ ‫الكهربــاء املتواصــل‪ ،‬ونــدرة وســائل التدفئــة‬ ‫جــراء الغــارات والقصــف والدمــار واملــوت‪،‬‬ ‫هنــاك رعــب مــن نــوع آخــر يعانيــه أهلنــا‬ ‫مــن األحــكام والترشيعــات‪ ،‬التــي يصدرهــا‬ ‫تنظيــم الدولــة اإلســامية بــن الحــن واآلخــر‪،‬‬ ‫والتــي كان مــن نتائجهــا هجــرة أغلــب عائــات‬ ‫املدينــة‪ ،‬وشــبابها وناشــطي الثــورة إىل خــارج‬ ‫البــاد‪ ،‬ليواجهــوا مصـرا ً مجهــوالً يف دول النزوح‬ ‫واالغــراب‪.‬‬

‫معلمو الرقة األحرار يدعون وزير التربية لزيارة أورفا‬ ‫واالطالع على أوضاع التعليم والعملية التدريسية‬ ‫طالــب الســيد حســن املحمــود رئيــس اتحــاد معلمــي‬ ‫الرقــة األحـرار يف تركيــا مكتــب الحكومــة الســورية املؤقتة‬ ‫مبراقبــة عمــل مــدارس الســوريني يف أورفــا‪ ،‬وارســال وزارة‬ ‫الرتبيــة مفتشــن لتقييــم أداء املدرســن‪ ،‬والوقــوف عــى‬ ‫احتياجــات العمليــة التعليميــة فيهــا‪ ،‬وذلــك يف االجتــاع‬ ‫املوســع الــذي عقــد يــوم الجمعــة ‪ 2014/12/12‬يف مكتب‬ ‫الحكومــة املؤقتــة بأورفــا‪ ،‬وضــم رئيــس وأعضــاء اتحــاد‬ ‫معلمــي الرقــة يف تركيــا والعاملــن يف مكتــب الحكومــة‪،‬‬ ‫وقــدم أعضــاء االتحــاد رشحـاً وافيـاً حــول أوضــاع املــدارس‬ ‫الســورية‪ ،‬وطــرق املحاصصــة للمــدن واملحســوبيات‬ ‫يف تعيــن املدرســن واإلداريــن‪ ،‬والتــي تتــم دون النظــر‬ ‫واالهتــام بأصحــاب الخــرات والشــهادات والكفــاءات‪،‬‬ ‫وقــدم الســيد رئيــس االتحــاد عــددا ً مــن املطالــب ملكتــب‬ ‫الحكومــة‪.‬‬

‫نذكر منها‪:‬‬ ‫عــدم اهتــام وزارة الرتبيــة يف الحكومــة املؤقتــة‪ ،‬ممثلــة‬ ‫بوزيــر الرتبيــة بتعليــم أطفــال الســوريني‪ ،‬ورضورة افتتــاح‬ ‫مكتــب التحــاد معلمــي الرقــة يف تركيــا بدعــم مــن‬ ‫مكتــب الحكومــة‪ ،‬وعــدم قبــول أي تشــكيل تربــوي يف‬ ‫مدينــة أورفــا دون حضــور أعضــاء ممثلــن عــن االتحــاد‪،‬‬ ‫وتخصيــص رواتــب للمعلمــن املفصولــن‪ ،‬ويكــون‬ ‫االتحــاد هــو املصــدر الوحيــد لرفــع وتوثيــق تلــك األســاء‬ ‫وعــى مســؤوليته‪ ،‬وافتتــاح مدرســة للســوريني بــإرشاف‬ ‫االتحــاد‪ ،‬وإعطــاء معلمــي الرقــة األولويــة يف التوظيــف‪،‬‬ ‫والتنســيق مــع مكتــب الحكومــة لزيــارة وزيــر الرتبيــة‬ ‫الجديــد ورضورة اطالعــه عــى أوضــاع التعليــم‪ ،‬والتشــاور‬ ‫مــع اتحــاد معلمــي الرقــة يف كل قــرار تربــوي الختيــار‬ ‫األنســب بعيــدا ً عــن املحاصصــة واملحســوبيات‪.‬‬

‫(اجملل��س احملل��ي ملدين��ة الرق��ة) يلتقي أعضاء بيت الرقة لكل الس��وريني‬ ‫املطالب��ة بلوائ��ح امسي��ة للمن��ح املدفوع��ة للرقاوي�ين‬ ‫التقــى أعضــاء املجلــس املحــي املنتخــب بأعضــاء‬ ‫منظمــة بيــت الرقــة لــكل الســوريني‪ ،‬يف االجتــاع املوســع‬ ‫الــذي ضــم عــددا ً مــن أبنــاء محافظــة الرقــة‪ ،‬وذلــك‬ ‫يــوم الجمعــة ‪ 2014/12/12‬يف مقــر املنظمــة‪ ،‬وناقــش‬ ‫املجتمعــون عــددا ً مــن األمــور التــي تخــص عمــل مكتــب‬ ‫الحكومــة املؤقتــة يف مدينــة أورفــا‪ ،‬ومنعكســه عــى‬ ‫أوضــاع الالجئــن الســوريني يف أورفــا‪ ،‬واتفقــوا يف نهايــة‬ ‫االجتــاع عــى رفــع مطالبهــم ملكتــب الحكومــة‪ ،‬والتــي‬ ‫تتضمــن رضورة نــر أســاء املســتفيدين مــن املنحــة‬ ‫ومصدرهــا عــى الصفحــة الرســمية ملكتــب الحكومــة‪،‬‬

‫وإرســال نســخة ورقيــة بأســاء كل املســتفيدين مــن‬ ‫املنحــة يف الداخــل والخــارج إىل منظمــة بيــت الرقــة لــكل‬ ‫الســوريني مرفقــة بالعناويــن وأرقــام الهواتــف رشيطــة‬ ‫أن تكــون مختومــة بشــكل رســمي‪ ،‬ومذيلــة بالتواقيــع‪،‬‬ ‫ونــر بيــان لــكل املبالــغ التــي تــم اســتالمها منــذ تأســيس‬ ‫املكتــب والتــي تخــص محافظــة الرقــة ح ـرا ً مــع تبيــان‬ ‫رصفيــات املبالــغ‪.‬‬ ‫ويف انتظــار رد مكتــب الحكومــة مــازال أهــايل محافظــة‬ ‫الرقــة يف مدينــة أورفــا يعانــون ضنــك العيــش‪ ،‬وبــرد‬ ‫الشــتاء‪.‬‬


‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫‪3‬‬

‫سيهترئ المخمر ولكن بعد سنوات‪!..‬‬ ‫محمد الحاج صالح‬ ‫ك��ي ال يض��ع أح��د عل��ى خاطره أتكلم‬ ‫عما كان حولي وقريباً ّ‬ ‫من‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫منــذ ســنوات عندمــا كنــت يف البلــد حدثــت الحادثتــان‬ ‫التاليتــان‪ ،‬الحادثــة األوىل بــن عائلتــن مــن أقربــايئ‪ ،‬أمــا‬ ‫الثانيــة فقــد كانــت بــن ابــن عمــى وأحــد معارفــه‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬م ـ ّر قريبــي الــذي يســكن قريــة أخــرى بإخــوة‬ ‫يعمــرون دارا ً‪ ،‬هــم يف الواقــع أقربــاؤه أيضـاً‪ .‬كان ملثـاً‬ ‫ومل يلــق الســام‪ .‬صــاح بــه أحــد اإلخــوة مزعوج ـاً مــن‬ ‫لثامــه رمبــا‪« :‬ليــش مــا تســلم يـ ْ‬ ‫ـوال؟»‪ .‬رد امللثــم‪« :‬مــا‬ ‫بــ ّدي أســلّم‪ .‬أخــو كيفــي أنــت؟»‪ .‬شــتيمة مــن هــذا‬ ‫وشــتيمة مــن ذاك وحدثــت املشــاجرة‪ ،‬فــات امللثــم‬ ‫حــرب اســتمرت ســت‬ ‫املــا ّر عــى الفــور‪ .‬ونشــأت‬ ‫ٌ‬ ‫ســنوات والكلفــة ســبع ضحايــا‪ .‬حــرب بســوس‪.‬‬ ‫الثانيــة‪ :‬كان ابــن عمــي شــاباً صغــرا ً يف عــام ‪1994‬‬

‫ويســكن وحيــدا ً يف الرقــة بينــا يســكن أهلــه يف‬ ‫القريــة‪ .‬ال أحــد يعــرف الســبب‪ ،‬وهــو ال يقــول مــا‬ ‫الســبب الفعــي للمشــاجرة مــع بعــض شــبان الحــارة‪.‬‬ ‫زعيــم الشــبان تقــدم منــه وغمــزه بإصبعــه يف صــدره‬ ‫ـمعت؟»‪ .‬فــا كان‬ ‫«هــذه آخــر مــرة متــر بالحــارة‪ .‬سـ ْ‬ ‫مــن الشــاب الصغــر إال أن اســتل ســكيناً مــن جيبــه‬ ‫وغمدهــا يف صــدر الزعيــم متامـاً يف ناحيــة القلــب‪ .‬ظــل‬ ‫وضــع الجريــح قلقـاً أيامـاً‪ .‬أنــا شــخصياً مل أكــن أعــرف‬ ‫باألمــر إال بعــد أســبوع عندمــا بــدأت تأتينــي هواتـ ٌـف‬ ‫غامضــة فيهــا رائحــة التهديــد مثــل «حــر حالــك‬ ‫ْ‬ ‫جايينــك منشــان مريــض بالكــرة وهنــاك نتفاهــم‬ ‫ونتحاســب َع اآلخــر» وهكــذا‪ .‬دفعنــا الكثــر للخــاص‬ ‫والصلــح‪.‬‬ ‫القصــد أننــا مل تكــن لدينــا ثقافــة القانــون واملواطنــة‪.‬‬

‫«الحــق» يؤخــذ باليــد‪ .‬كان حكــم الدكتاتــور قــد‬ ‫ّ‬ ‫وضعنــا يف مخمــر وأغلــق علينــا‪ .‬تخمرنــا فع ـاً‪ .‬ومــن‬ ‫هــذا الوضــع وثقافــة أخــذ «الحــق!» باليــد خرجنــا‬ ‫إىل الثــورة‪ .‬فليــس غريبــاً أن تكــون ثورتنــا تحــت‬ ‫تأثــر العنــف الوحــي للنظــام واملتطرفــن اإلســاميني‬ ‫قــد انتقلــت مــن هــدف الحريــة والكرامــة واحتــال‬ ‫تحولهــا إىل حركــة تحريــر كبــرة إىل ال ُف ْرقــة وإىل فــوىض‬ ‫أخــذ «الحــق» باليــد‪ ،‬مــا يعنــي العــودة إىل املخمــر‪.‬‬ ‫قبــل يومــن فقــط ويف نقــاش مــع أحــد إخواننــا الثــوار‬ ‫ـغل‬ ‫الشــوام اإلســاميني الــذي ميثّــل شــاماً تقليديــة‪ ،‬شـ ُ‬ ‫قبضايــات يعنــي‪ ،‬عــى الرغــم مــن تغطيــة خطابــه‬ ‫بشــام الحضــارة والتمــدن‪ ،‬احت ـ ّد األخ الثائــر وســألني‬ ‫باســتهانة «كــم سياســياً يف الرقــة؟» مــن النقــاش تبــن‬ ‫أنــه يعنــي أن ال سياســيني يف الرقــة بينــا الشــام تعــج‬

‫بالسياســيني الذيــن يكفــون وميكــن تصديــر بعضهــم‬ ‫لحكــم العــامل‪ .‬متامــاً عــود ٌة إىل املخمــر مــن طريــق‬ ‫أخــرى‪ ،‬ولكــن بالحــركات ذاتهــا وبطريقــة رفــع غطــاء‬ ‫املخمــر ذاتهــا وبأســلوب االندســاس إىل داخــل املخمــر‬ ‫ذاتــه وبطريقــة إعــادة غطــاء املخمــر ذاتهــا‪.‬‬ ‫املعنــى النهــايئ ملــا نقــول هــو أ ْن ال نجــاح للثــورة‬ ‫دون ثقافــة تنظيــم مدنيــة الطابــع وحديثــة وموحــدة‬ ‫هدفهــا وطــن ومواطــن ال ثقافــة التعصــب وأخــذ الحق‬ ‫بالعضــات وحدهــا‪ .‬نعــم ســتنترص أهــداف الثــورة‬ ‫ولكــن بعــد ســنني طويلــة‪ .‬وســيهرتئ املخمــر حتــاً‪.‬‬

‫ثــوار إدلــب يحررون معســكري وادي الضيف والحامدية‬

‫متكــن ثــوار محافظــة إدلــب وبعــد اشــتباكات عنيفــة‬ ‫مــع قــوات النظــام مــن فــرض ســيطرتهم الكاملــة عــى‬ ‫معســكري وادي الضيــف والحامديــة‪ ،‬وكانــت مجموعــات‬ ‫كبــرة مــن جبهــة النــرة وحركــة أحـرار الشــام ومجموعة‬ ‫مــن كتائــب الجيــش الحــر قــد باغتــوا الجميــع وحــرروا‬ ‫املوقعــن القريبــن مــن مدينــة معــرة النعــان يف ريــف‬ ‫إدلــب الجنــويب‪ ،‬ووصلــت موجــة التحريــر إىل قريــة معــر‬ ‫حطــاط‪ ،‬وأمــام تقــدم الثــوار فـ ّر عنــارص النظــام مذعورين‬ ‫إىل األرايض الزراعيــة‪ ،‬فيــا أصبحــت الطريــق إىل مركــز‬ ‫مدينــة إدلــب مفتوحــة أمــام الثــوار‪.‬‬ ‫وكانــت قــوات الثــوار قــد فرضــت حصــارا ً محك ـاً عــى‬ ‫معســكري وادي الضيــف والحامديــة اســتمر مــدة‬ ‫عامــن‪ ،‬وانتهــت املعركــة الفاصلــة بأقــل مــن يــوم بفضــل‬ ‫تكاتــف ثــوار النــرة وأح ـرار الشــام وعــدد مــن كتائــب‬ ‫الجيــش الحــر‪ ،‬التــي اعتمــدت تكتيــكاً جديــدا ً يف قيــادة‬ ‫املعركــة مــن خــال غرفــة عمليــات مشــركة‪ ،‬واســتغاللها‬

‫لعامــل الضبــاب والغيــوم التــي منعــت الط ـران الحــريب‬ ‫واملروحــي مــن تقديــم اإلمــداد واإلســناد لقــوات النظــام‬ ‫وتغطيــ ِة عنارصهــا وحاميتهــم عــى األرض‪.‬‬ ‫وبعــد انقــاب موازيــن القــوى لصالــح الثــوار‪ ،‬تعالــت‬ ‫التكبــرات يف عمــوم جوامــع الريــف الجنــويب ملحافظــة‬ ‫إدلــب‪ ،‬وقــام األهــايل بتوزيــع الحلــوى فرحــاً وابتهاجــاً‬ ‫بالنــر‪ ،‬بالتزامــن مــع زخــم كبــر للتحريــر قــد ينتــي بــه‬ ‫ثــوار محافظــة حلــب‪ ،‬ويســهم يف تعزيــز معنويــات ثــوار‬ ‫حــاة‪ ،‬ويحفزهــم الســتعادة مدينــة مــورك التــي خرستهــا‬ ‫قــوات املعارضــة ســابقاً‪ ،‬يف ظــل تراجــع معنويــات جيــش‬ ‫النظــام املهزومــة‪.‬‬ ‫وتفيــد األنبــاء الــواردة مــن قلــب الحــدث بســقوط‬ ‫وادي الضيــف بشــكل كامــل ووقــوع نحــو ‪ 300‬قتيــل‬ ‫و‪ 250‬أســر مــن قــوات النظــام يف حصيلــة أوليــة‬ ‫للعمليــات العســكرية خــال يــوم واحــد مــن القتــال بــن‬ ‫الطرفــن‪ ،‬وتدمــر عــدد مــن الدبابــات واآلليــات الثقيلــة‬ ‫ومســتودعات للذخــرة‪ ،‬ومــع ارتفــاع حــدة املعــارك كان‬

‫يســمع نــداءات االســتغاثة بالنظــام عــر األجهــزة‪.‬‬ ‫وقــال الدكتــور عبــد اللــه املحيســني مــن قلــب املعســكر‪:‬‬ ‫بعــد أن تحــول هــذا الــوادي إىل أســطورة لجيــش النظــام‪،‬‬ ‫هــا هــو اليــوم تتكــر قواتــه بقــدرة اللــه ســبحانه وتعاىل‪،‬‬ ‫وبفضــل ثبــات املجاهديــن‪ .‬هنــا انكــرت أســطورة وادي‬ ‫الضيــف‪ ،‬بعــد أن حــاول النظــام فــك حصــاره‪ ،‬لكــن‬ ‫املجاهديــن أبــوا إال أن يفكــوه بطريقتهــم وأن يــأرسوا مــا‬ ‫فيــه مــن قــوات ويغنمــوا ع ـرات الدبابــات والصواريــخ‬ ‫والذخائــر‪.‬‬ ‫وأضــاف‪ :‬هــذه رســالة إىل كل جنــدي مــازال يحمــي‬ ‫بســطار األســد‪ ،‬إن مصريكــم كمصــر هــؤالء النتنــة‬ ‫الذيــن ألقاهــم النظــام وتركهــم ثــاث ســنوات‪ ،‬ومل يسـ َع‬ ‫لتحريرهــم حتــى قُتلــوا بأيــدي املجاهديــن‪.‬‬ ‫وتكمــن أهميــة معســكري وادي الضيــف والحامديــة‬ ‫يف أنهــا أكــر معســكرين يف ريــف إدلــب‪ ،‬وفيهــا أكــر‬ ‫خزانــات للوقــود بأنواعهــا‪ ،‬ويحــوي أكــر مــن ‪ 5‬مليــون‬ ‫ليــر وقــود ميــد قــوات النظــام بالشــال‪ ،‬وهــو أكــر‬

‫مســتودع لألســلحة واآلليــات الثقيلــة‪ ،‬ويقــدم خدمــات‬ ‫اإلمــداد للمنطقــة الشــالية كافــة بســبب موقعــه‬ ‫االســراتيجي‪ ،‬وتقــع املعســكرات يف وادي محــاط بأربــع‬ ‫هضــاب تحتهــا كل أنــواع املســتودعات البرتوليــة‪.‬‬ ‫ويعتــر مــن أهــم مراكــز اإلمــداد للنظــام يف الشــال‬ ‫إلطاللتــه عــى الطريقــة الدوليــة التــي تصــل العاصمــة‬ ‫دمشــق مبدينــة حلــب‪ ،‬وســيعتمد النظــام بعــد خســارته‬ ‫للموقعــن عــى طريــق بــري واحــد مــن مينــاء الالذقيــة‬ ‫إىل حلــب إلرســال اإلمــدادات إىل قواتــه التــي تقاتــل‬ ‫الســتعادة الســيطرة عــى حلــب ثــاين أكــر مدينــة يف‬ ‫ســوريا‪.‬‬ ‫مــن جهتــه أكــد إعــام النظــام أن وحــدات الجيــش‬ ‫الســوري املتمركــزة يف وادي الضيــف والحامديــة نفــذت‬ ‫انســحاباً باتجــاه بعــض النقــاط العســكرية القريبــة‬ ‫إثــر حصــار دام ألشــهر عــدة‪ ،‬واشــتباكات عنيفــة مــع‬ ‫املتطرفــن‪.‬‬

‫وداع ًا حسن الكبة‬ ‫يف مدين��ة ش��انلي أورف��ا وبعد م��رض مفاجئ‪ ،‬انتقل إىل رمحته تعاىل أحد‬

‫مثقف��ي الرق��ة املرحوم حس��ن الكبة «أب��و حازم»‪ ،‬وقد دفن يف‬ ‫مق�برة أورف��ا الرتكي��ة ي��وم األربع��اء ‪ 2014/12/10‬حبض��ور ع��دد كب�ير م��ن‬ ‫أبن��اء الرق��ة وأهل��ه الذي��ن كان��وا يف وداعه األخري‪.‬‬

‫«إنا هلل وإنا إليه راجعون»‬


‫‪4‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫مساومات بغيضة وممارسات مرعبة‬ ‫دفــع مبالــغ كبيــرة لقاء فــك أســر المختطفين فــي الر ّقة!‬ ‫عبد الكريم البليخ‬

‫تعــ ّرض الكثــر مــن أهــايل مدينــة الرقّــة لحــاالت‬ ‫االختطــاف‪ ،‬ودفــع مبالــغ مجزيــة مــن أجــل فــك‬ ‫احتبــاس هــذا الشــخص املختطــف أو ذاك‪ .‬وكانــت‬ ‫محــور أحاديــث كثــرة جــداً عايشــها ابــن الرقّــة يف‬ ‫الفــرة املاضيــة‪ ،‬وال زالــت أمثــال هــذه الصــور املؤملــة‬ ‫عالقــة‪ ،‬وتأخــذ أبعــاداً ش ـ ّتى لقــاء دفــع الفديــة‪ ،‬وهــذا‬ ‫مــا تعـ ّرض لــه أنــاس كــر يف مدينــة الر ّقــة‪ ،‬وريفهــا‪ ،‬ومــا‬ ‫رافقهــا مــن نتائــج مل تُحمــد عقباهــا‪.‬‬ ‫هــذا املشــهد تواصــل مــع تزايــد ظهــور أمثــال هــذه‬ ‫الحــاالت التــي صــارت أشــهر مــن نــار عــى علــم‪ ،‬وراح‬ ‫ضحيتهــا شــباب بعمــر الــورود‪ ،‬ومل يكتـ ِ‬ ‫ـف أهلهــم بدفــع‬ ‫الفديــة‪ ،‬وإمنــا تع ـ ّرض بعضهــم‪ ،‬فــوق ذلــك للقتــل!‬ ‫وإذا مــا عدنــا إىل ألــوان العــذاب الــذي اقــرف بحقهــم‬ ‫فهــو يتعــدى حــدود الضمــر اإلنســاين الــذي وحــده‬ ‫حــدد نتــاج هــذه املشــكلة‪ ،‬وأبعادهــا‪ ،‬والتــي خيّمــت‬ ‫بأحداثهــا‪ ،‬ونكبتهــا عــى املجتمــع اآلمــن ككل‪ ،‬والــذي‬ ‫كان يعيــش أيامــه بأمــان واطمئنــان‪.‬‬ ‫مساومات بغيضة‪..‬‬ ‫وال ميكــن بــأي حــال تصــور هــذا املشــهد املــؤيس الــذي‬ ‫اندمجــت يف ظلّــه صــور عـ ّدة‪ ،‬وأفــرزت نتاجــات مزدوجة‬ ‫لهــذه الوقائــع‪ ،‬والتــي نحــاول قــدر اإلمــكان اســتعراض‬ ‫بعضهــا‪ ،‬مــن خــال اللقــاء الــذي جمعنــا مــع بعــض‬ ‫األشــخاص وذويهــم الذيــن عايشــوا هــذه املأســاة بــكل‬ ‫أبعادهــا‪ ،‬وجهــاً لوجــه‪ ،‬مــع بقــاء وجــود األشــخاص‬ ‫الذيــن تع ّرضــوا لالختطــاف يف جانــب آخــر مــن هــذا‬ ‫الحديــث الــذي كان لــه خصوصيتــه املطلقــة‪ ،‬وأدلــوا‬ ‫بآرائهــم لـ»الحرمــل» الــذي تابــع مجريــات مــا حــدث يف‬ ‫ّ‬ ‫املتعــرة‪،‬‬ ‫الفــرة التــي عايشــتها مدينــة الرقّــة‪ ،‬وقراهــا‬ ‫جانب ـاً مــن هــذا الحــدث الــذي تــرك تســاؤالت ع ـ ّدة!‬ ‫(ح‪.‬ع)‪ ،‬وهــو شــاب يف مقتبــل العمــر مل يتجــاوز التاســعة‬ ‫عــرة ربيع ـاً‪ ،‬والــذي تع ـ ّرض لعمليــة اختطــاف‪ ،‬وهــو‬ ‫الزال وإىل اليــوم بانتظــار اإلف ـراج عنــه‪ ،‬ومنــذ مــا يزيــد‬ ‫عــن الثامنيــة أشــهر‪ ،‬ومصــره ظــل مجهــوالً‪ ،‬ومل يعــرف‬ ‫أهلــه بعــد مــكان إقامتــه بالضبــط عــى الرغــم مــن دفــع‬ ‫املبلــغ الــذي طلــب منهــم بعــد تأكيــده!‬ ‫يــروي لنــا والــده مــا حــدث‪ ،‬فقــال‪ :‬اتصلــت بنــا جهــة‬ ‫مــا‪ ،‬مل نعــرف مــن هــي‪ ،‬وقالــت لنــا‪ ،‬وبالحــرف الواحــد‪:‬‬ ‫«ولدكــم موجــود لدينــا بالحفــظ والصــون‪ ،‬وميكنكــم فــك‬ ‫أرسه لقــاء دفــع فديــة مــن املــال‪ ،‬وهــو مليــون لــرة‬ ‫ســورية‪ ،‬وســيكون يف أحضانكــم خــال فــرة قصــرة‬ ‫جــدا ً»‪.‬‬ ‫وبعــد جــدال‪ ،‬وأخــذ ورد‪ ،‬مل يتمكنــوا مــن تأمــن املبلــغ‬ ‫املطلــوب دفعــه‪ ،‬فتــم االتصــال بهــم مــر ًة ثانيــة‪ ،‬وقالــوا‬ ‫لهــم‪« :‬مشــان خاطــر ع يونكــم» نكتفــي بإرســالكم لنــا‬ ‫مبلــغ ‪ 500‬ألــف لــرة‪ ،‬مــا دامــت أوضاعكــم املاديــة‬ ‫صعبــة للغايــة»‪.‬‬

‫ويقــول أبــو حســام‪ ،‬والــد الشــاب (ح) ليــس باليــد‬ ‫حيلــة‪ ،‬حاولنــا‪ ،‬ومــن خــال عالقاتنــا األرسيــة‪ ،‬مــن جمــع‬ ‫مــا نســتطيع جمعــه‪ ،‬مــن املــال‪ ،‬لدفعــه لهــم‪ ،‬وهــو‬ ‫مبلــغ بســيط ال يتجــاوز الـــ‪ 100‬ألــف لــرة‪ ،‬فاتصلــوا بنــا‬ ‫مــن جديــد‪ ،‬وقالــوا لنــا‪ :‬نحــن ال نريــد مــاالً‪ ،‬وابنكــم‬ ‫يف عهدتنــا‪ ،‬وق ّررنــا إرســاله لكــم دون مقابــل‪ ،‬وبعــد‬ ‫طــول انتظــار عــاودوا االتصــال بنــا مــر ًة أخــرى‪ ،‬وقالــوا‬ ‫لــه‪ :‬نكتفــي بإرســالكم مبلــغ ‪ 125‬ألــف لــرة‪ ،‬وبالفعــل‬ ‫وصلهــم املبلــغ الــذي تــم تحديــده مــن قبلهــم‪ ،‬وعــى‬ ‫ضــوء ذلــك تقـ ّرر إرســال ولدهــم‪ ..‬واســتمرت املســاومات‬ ‫البغيضــة بــن أخــذ ورد‪ ،‬ومــا زال أبــو حســام وزوجتــه‬ ‫وأخواتــه بانتظــار اإلفــراج عنــه‪ ،‬وعودتــه إىل بيتــه‪.‬‬

‫ضمري غائب!‬ ‫وإذا مــا عدنــا إىل حــاالت االختطــاف التــي تع ـ ّرض لهــا‬ ‫أبنــاء الرقّــة‪ ،‬فــا َّن بعضهــا مل يخـ ُـل مــن الطرافــة‪.‬‬ ‫ومــن بــن الصــور التــي ســجلت حــاالت اختطــاف‪،‬‬ ‫صــورة لشــاب مل يتجــاوز الـــ‪ 28‬ربيعـاً‪ ،‬وبعــد جــدال مــع‬ ‫املختطفــن نــزل املبلــغ ودفــع الفديــة إىل مليــوين لــرة‬ ‫لقــاء فــك أرسه مــن بــن أيــدي العصابــات اإلرهابيــة التي‬ ‫اختطفتــه مــن بيتــه‪ ،‬بعــد احتجــاز والــده وأحــد إخوتــه‪.‬‬ ‫والحــال كذلــك بالنســبة للمواطــن (ص) الــذي ظــل‬ ‫مختطفــاً ألكــر مــن ثالثــن يومــاً‪ ،‬وطلبــوا منــه دفــع‬ ‫مبلــغ ثالثــة ماليــن لــرة‪ ،‬وبعــد محــاوالت اضطــر أهلــه‬ ‫إىل اســتدانة املبلــغ‪ ،‬وجمــع املســاعدات مــن أهــل الخــر‬ ‫حتــى متكنــوا مــن تأمــن املبلــغ بالكامــل وأفــرج عنــه‬ ‫أخ ـرا ً‪.‬‬ ‫والصــورة تنطبــق عــى أحــد الفالحــن الــذي دفــع مبلــغ‬ ‫ثالثــة ماليــن لــرة‪ ،‬مــن أجــل اإلف ـراج عنــه‪ ،‬والتــي تــم‬

‫تأمينهــا‪ ،‬ومبســاعدة أهلــه‪ ،‬وإالّ كان مصــره القتــل ال‬ ‫محالــة‪.‬‬ ‫واألغــرب مــن ذلــك أ َّن املختطفــن قامــوا باختطــاف‬ ‫الشــاب (ط‪.‬خ) أثنــاء خروجــه مــن منــزل أحــد أقربائــه‬ ‫صدفـةً‪ ،‬يف الوقــت الــذي كانــت فيــه ســيارتهم املدججــة‬ ‫باملســلحني مــارة مــن أمامــه‪ ،‬وكان نصيبــه االختطــاف‬ ‫ونقلــه يف الســيارة التــي تضــ ّم بداخلهــا عــددا ً مــن‬ ‫املســلحني الذيــن قامــوا باحتجــازه‪ ،‬وبعــد نقلــه إىل مــكان‬ ‫إقامتهــم اتصلــوا بأهلــه لدفــع املبلــغ الــذي فرضــوه‬ ‫عليــه‪ ،‬فاعتــذروا منهــم ألنــه ال يوجــد لديهــم أي مبلــغ‬ ‫ميكــن دفعــه لقــاء فــك أرسه‪ ،‬ومل يكتفــوا بذلــك بــل أنهــم‬ ‫مارســوا بحقــه أقــى أنــواع العــذاب‪ ،‬وقامــوا برضبــه‪،‬‬ ‫كــا تع ـ ّرض ملامرســات ال ميكــن أن يتقبلهــا عقــل‪ ،‬أو أي‬ ‫ضمــر إنســاين‪ ،‬واكتفــوا بــأن يدفــع لهــم مبلــغ ‪ 50‬ألــف‬ ‫لــرة فقــط!‬ ‫وكــا يؤكــد أهــل املختطــف بــأن هــذه العصابــة‬ ‫املجرمــة املارقــة اكتفــت بدفــع هــذا املبلــغ لتغطيــة‬ ‫مرصوفــات املحروقــات الخاصــة بالســيارة الخاصــة بهــم‪،‬‬ ‫والتــي قطعــت مشــوار املســافة‪ ،‬إىل حيــث يقيمــون‪،‬‬ ‫وهــذا النــوع مــن االختطــاف مل يخـ ُـل مــن الطرافــة جـ ّراء‬ ‫هــذا الفعــل الــذي مــورس بحــق هــذا الشــاب الــذي ال‬ ‫حــول لــه وال قـ ّوة‪ ،‬والــذي ظــل يعــاين مــن هــذه األزمــة‬ ‫التــي تعــ ّرض لهــا‪ ،‬وهــو إنســان فقــر الحــال ال ُ‬ ‫ميلــك‬ ‫قــوت يومــه!‬ ‫فكيــف بحــال هــذه املامرســات والضغوطــات التــي نالــت‬ ‫مــن األهلــن‪ ،‬وبصــور ٍة خاصــة‪ ،‬الشــباب منهــم‪ ،‬الذيــن‬ ‫تع ّرضــوا لالختطافــات تحــت تهديــد الســاح‪ ،‬ودفــع‬ ‫الفديــة‪ ،‬وظلــت هــذه الصــور لهــا حرفيتهــا‪ ،‬وجهلهــا‬ ‫لــدى البعــض ممــن مل يقعــوا ضحيــة هــذه املشــاكل‬ ‫والتــي أخــذت أبعادهــا‪ ،‬وجانبــاً مــن اهتــام النــاس‬ ‫الذيــن عايشــوا هــذا الواقــع وبــكل أبعــاده‪.‬‬

‫ممارسات مرعبة‪..‬‬ ‫ومــن صــور االختطــاف والرسقــة التــي تركــت أكــر مــن‬ ‫وغصــة يف الحلــق‪ ،‬وهــي الترصفــات‬ ‫إشــارة اســتفهام‪ّ ،‬‬ ‫املشــينة التــي تنــادي بهــا هــذه العصابــة‪ ،‬والتــي تفاخــر‬ ‫بهــذه املامرســات املؤســفة التــي اتخــذت منهــا الطريــق‬ ‫األســهل لســلب النــاس‪ ،‬ورسقــة م ّدخراتهــم‪ ،‬وهــذا‬ ‫مــا حــدث مــع املواطــن (ع‪.‬ع) الــذي فــزع مــن هــول‬ ‫الصدمــة التــي عاشــها خــال فــرة احتجــازه لديهــم‪،‬‬ ‫والتــي اســتمرت ألكــر مــن عرشيــن يومــاً‪ ،‬واملعانــاة‬ ‫التــي عايشــها خــال فــرة إقامتــه الجربيــة هنــاك‪ ،‬وهــو‬ ‫الــذي فقــد ابنــه مــن ج ـ ّراء مامرســات هــذه العصابــة‬ ‫التــي اختطفتــه‪.‬‬

‫إن فقــدان ابنــه الشــاب‪ ،‬وقتلــه مــن قبــل هــذه‬ ‫العصابــة‪ ،‬بعــد اختطافــه‪ ،‬مل يَشـفَع للمدعــو (ع) مــن أن‬ ‫يعتــدوا عليــه‪ ،‬وقامــوا برضبــه رضب ـاً م ّربح ـاً‪ ،‬وأفعالهــم‬ ‫وترصفاتهــم هــذه خرجــت عــى كل املفاهيــم والقيــم‬ ‫والرشائــع واألعــراف والقوانــن الدنيويــة‪ ،‬واحتجــازه‬ ‫لفــرة طويلــة‪ ،‬وتعذيبــه بشــتى صنــوف العــذاب مكنتهــم‬ ‫مــن أن يخضــع لرغباتهــم‪ ،‬وإرغامــه عــى دفــع أكــر مــن‬ ‫أربعــة ماليــن لــرة‪ ،‬رغــم فقــد ابنــه‪ ،‬وهــو اآلن حبيــس‬ ‫البيــت يعــاين مــن هــول الصدمــة التــي حلّــت بــه!‬ ‫حــاالت االختطــاف هــذه‪ ،‬ومــا رافقهــا مــن دفــع الفديــة‬ ‫لقــاء فــك أرس املختطفــن يف محافظــة الرقّــة‪ ،‬عــاىن‬ ‫منــه كثــرون‪ ،‬كــا وميكــن أن نذكــر أن مــن بــن الذيــن‬ ‫رروا لقــاء هــذا الواقــع املــؤيس‪ ،‬وحــاالت االختطــاف‪،‬‬ ‫تـ ّ‬ ‫مــا تعــ ّرض لــه أحــد العاملــن يف إحــدى املديريــات‬ ‫العاملــة يف الرقّــة‪ ،‬والــذي اضطــر إىل دفــع مبلــغ مليــوين‬ ‫لــرة لقــاء اإلف ـراج عنــه‪ ،‬وكذلــك الحــال بالنســبة ألحــد‬ ‫املــدراء املركزيــن يف الرقّــة الــذي اختطــف ابنــه البكــر‪،‬‬ ‫وهــو طالــب يف الصــف الثالــث الثانــوي‪ ،‬مــن قبــل‬ ‫مجموعــة مس ـلّحة‪ .‬ففــي صبــاح باكــر مــن أحــد األيــام‪،‬‬ ‫وبعــد مــي مــا ينــوف عــن الـــ‪ 21‬يومـاً تــم اإلفـراج عنــه‬ ‫بعــد دفــع املبلــغ املح ـ ّدد والــذي مل يعلــن عنــه بصــورة‬ ‫رسي للغايــة‪،‬‬ ‫واضحــة‪ ،‬وظــل حتــى هــذه اللحظــة‪ّ ،‬‬ ‫تخــل ســاحة االختطــاف‬ ‫وعــدم الكشــف عنــه‪ ،‬كــا مل ُ‬ ‫التــي شــهدتها الرقّــة مــن خطــف أحــد أبنــاء املفتشــن‬ ‫العاملــن يف الجهــاز املركــزي للرقابــة والتفتيــش‪ ،‬بعــد‬ ‫مســاومات طالــت‪.‬‬

‫العيش بأمان‪..‬‬ ‫وطالــت عمليــات الخطــف (أ‪.‬م) العامــل يف مديريــة‬ ‫الزراعــة يف الرقّــة‪ ،‬والــذي طلــب منــه مبلــغ ‪ 20‬مليــون‬ ‫لــرة لقــاء اإلفــراج عنــه‪ ،‬والزال محتجــزا ً ومل يُعــرف‬ ‫مصــره بعــد‪.‬‬ ‫إ َّن هــذه الحــاالت املتكـ ّررة لعمليــات االختطــاف‪ ،‬ودفــع‬ ‫الفديــة لقــاء عــودة املختطفــن إىل منازلهــم‪ ،‬والتــي‬ ‫عايشــها ابــن الرقّــة خــال فــرة الفلتــان التــي قلّبــت‬ ‫املواجــع‪ ،‬وتركــت مؤســياتها عــى أهــايل املدينــة الذيــن‬ ‫اســتغربوا هــذه الصــور‪ ،‬وحــدوث هــذه الحــاالت‪ ،‬والتــي‬ ‫مل يَنفـ ُذ منهــا ابــن املدينــة‪ ،‬وريفهــا الــذي عــاىن مــا عانــاه‬ ‫لقــاء هــذا الواقــع املــؤمل‪ ،‬والــذي ظــل حالــه يشــكو وقوع‬ ‫أمثــال هــذه القضايــا واملســائل‪ ،‬ومــا رافقهــا مــن خــوف‬ ‫ورعــب حقيقــي‪ ،‬وال زال لســان حالــه يقــول‪ :‬إىل متــى‬ ‫تظــل أمثــال هــذه الصــور عــى هــذه الحالــة‪ ،‬والتــي‬ ‫نريدهــا أن تثمــر ربيع ـاً مزه ـرا ً‪ ،‬ومتــي بنــا إىل ناصيــة‬ ‫املحبــة والســام‪ ،‬والعيــش بأمــان واطمئنــان؟!‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫مشفى وحيد يف دير الزور‬

‫انعدام فرص احلياة لألطفال يف ظل غياب الكوادر الطبية وشح الدواء‬

‫غياب كامل لوزارة الصحة في الحكومة المؤقتة‬ ‫وتعذر وصول إعانات المنظمات الدولية‬

‫نقــل إلينــا أحــد العاملــن يف منظومــة الصحــة املتبقيــة يف مدينــة‬ ‫ديــر الــزور معانــاة أهلنــا هنــاك يف ظــل انعــدام فــرص الحيــاة‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬يقــول‪ :‬الحيــاة املدنيــة مزدحمــة يف أســواق وحــارات‬ ‫ديــر الــزور‪ ،‬وتعــر عــن وجــود ســكاين كبــر‪ ،‬وهــو مــا يتطلــب‬ ‫حاجــة كبــرة للطبابــة واالستشــفاء يف ظــل عــدم وجود مستشــفيات‬ ‫مطلق ـاً‪ ،‬عــدا عــن مشــفى وحيــد تــم تجهيــزه منــذ ســنة تقريب ـاً‬ ‫مــن أنقــاض املشــايف األخــرى التــي تعرضــت للقصــف الهمجــي‪،‬‬ ‫وتحــول مــع األيــام إىل مشــفى كبــر يضــم معظــم االختصاصــات‬ ‫الطبيــة‪ ،‬لكــن ينقصــه الكثــر مــن املعــدات واملســتلزمات الطبيــة‬ ‫واملســتهلكات اليوميــة‪ ،‬وعــدم توفــر التغطيــة املاليــة للــكادر‬ ‫واألمــور األخــرى امللحقــة بعمــل هــذا املشــفى‪ .‬وتقديــم الخدمــات‬ ‫الطبيــة بنظــام االستشــفاء املــادي حتــى الرمــزي غــر ممكنة بســبب‬ ‫ســوء األحــوال املاديــة واالقتصاديــة داخــل املدينــة وخارجهــا‪ .‬وعــدم‬ ‫وجــود أريحيــة بالعمــل‪ ،‬وتوفــر الدعــم املــادي الــازم يزيــد األمــر‬ ‫صعوبــة يف اســتقطاب كــوادر طبيــة ومتريضيــة وفنيــة جديــدة‪ ،‬أو‬ ‫الحفــاظ عــى الــكادر املوجــود‪.‬‬ ‫ويضيــف قائــاً‪ :‬يتــم الرتكيــز األكــر عــى اإلســعافات الحربيــة‪،‬‬ ‫وأغلــب الدعــم يوجــه للمصابــن نتيجــة األعــال الحربيــة‪ ،‬مــع‬

‫مالحظــة إهــال األمـراض االعتياديــة بشــكل كبري‪ ،‬ومعظــم الحاالت‬ ‫يتــم تحويلهــا بســبب قلــة اإلمكانــات الطبيــة كاالســتقصاءات‪،‬‬ ‫وعــدم امكانيــة املتابعــة للحــاالت التــي تســتلزم القبــول‪ ،‬وهنــاك‬ ‫نســبة وفيــات كبــرة للحــاالت الخطــرة حتــى مــع التحويــل‪ ،‬حيــث‬ ‫معظــم املــرىض ميوتــون عــى الطريــق أو بعــد الوصــول بســبب‬ ‫تــأزم حالتهــم الصحيــة‪ ،‬وأكرثهــا حــاالت نقــص األكســجة الوالديــة‪.‬‬ ‫ويؤكــد أن العاملــن يف هــذا املشــفى‪ ،‬قامــوا مبراســلة الكثــر مــن‬ ‫املنظــات اإلنســانية دون جــدوى‪ ،‬مــع مالحظــة وجــود تالعــب‬ ‫عنــد األشــخاص املعنيــن بعمليــة التواصــل يف كثــر مــن األحيــان‪ ،‬وال‬ ‫يعــرف مــا هــو الســبب‪ ،‬فيــا ال تهتــم وزارة الصحــة يف الحكومــة‬ ‫املؤقتــة‪ ،‬وال املنظــات اإلنســانية بهــذا الواقــع املــؤمل إطالقــاً‪،‬‬ ‫مشـرا ً إىل رضورة تأمــن مخــر جيــد وجهــاز تصويــر أشــعة وجهــاز‬ ‫طبقــي محــوري خــاص بقســم األطفــال‪ ،‬وتأمــن الــكادر الفنــي‬ ‫والطبــي الــازم ملعالجــة الحــاالت املرضيــة الكثــرة‪ ،‬والتــي ينجــم‬ ‫عنهــا يف كثــر مــن األحيــان وفيــات األطفــال بســبب قلّــة الــكادر‬ ‫ملراقبــة الحــاالت أو إلعطــاء العــاج أو الحاجــة لجهــاز معــن مثــل‬ ‫املعالجــة الضوئيــة أو الحاجــة لتحاليــل بســيطة تســاعد يف عمليــات‬ ‫االســتقصاء املــريض‪.‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫‪5‬‬

‫الحرملي‬

‫املوت ترفاً‪!..‬‬ ‫يوسف دعيس‬ ‫تعرضــت املشــايف واملراكــز الطبيــة يف محافظتــي الرقــة وديــر الــزور إىل رضبــات‬ ‫منظمــة ومكثفــة‪ ،‬اشــرك فيهــا الطـران الحــريب واملروحــي‪ ،‬إضافــة الســتهداف معظمهــا‬ ‫بصواريــخ بعيــدة ومتوســطة املــدى‪ ،‬واملدفعيــة الثقيلــة التابعــة لقــوات النظــام الســوري‪،‬‬ ‫مــا أدى لخــروج معظمهــا عــن الخدمــة الفعليــة‪.‬‬ ‫ترافقــت العمليــات الحربيــة املوجهــة عــى مرافــق الصحــة العامــة مــع نــدرة وشــح‬ ‫للــدواء‪ ،‬واملســتلزمات الطبيــة األخــرى‪ ،‬إضافــة إىل هجــرة معظــم العاملــن يف القطــاع‬ ‫الصحــي‪ ،‬ومنهــم األطبــاء االختصاصيــن إىل مناطــق أكــر أمن ـاً يف الداخــل الســوري أو‬ ‫إىل خــارج الوطــن‪ ،‬كل ذلــك جعــل مــن فــرص الحيــاة للمــرىض واملصابــن الناجــن مــن‬ ‫القصــف تــكاد تكــون شــبه معدومــة‪.‬‬ ‫يف الجانــب اآلخــر تخـ ّـى النظــام الســوري عــن إمــداد هاتــن املحافظتــن الخاضعتــن‬ ‫لتنظيــم الدولــة اإلســامية بالــدواء واملعــدات واألجهــزة الطبيــة‪ ،‬مــا خــا منطقــة صغــرة‬ ‫مــن مدينــة ديــر الــزور خاضعــة لــه‪ ،‬ممثلــة بأحيــاء الجــورة واملوظفــن والقصــور‬ ‫ومعســكر الطالئــع‪ ،‬وهــي أوفــر حظ ـاً يف الحصــول عــى أســباب النجــاة مــن املــرض‪.‬‬ ‫املعانــاة يف محافظتــي الرقــة وديــر الــزور يف تفاقــم‪ ،‬فمــرىض الــكىل يف الرقــة يعانــون‬ ‫األمل‪ ،‬ويفقــدون فــرص الحيــاة يومـاً بعــد يــوم‪ ،‬فالطـران الحــريب ونتيجــة قصفــه املتكــرر‬ ‫للمشــايف يف الرقــة والطبقــة ومعــدان قــى عــى آخــر أمــل لهــم بالشــفاء‪ ،‬عندمــا‬ ‫أخــرج أقســام الكليــة عــن الخدمــة‪ ،‬ودمــر أجهــزة الغســيل الكلــوي بالكامــل‪ ،‬إضافــة‬ ‫ألجهــزة التحليــل والتصويــر‪ ،‬وإتــاف األدويــة بأنواعهــا املختلفــة‪ .‬أمــا بالنســبة ملحافظــة‬ ‫ديــر الــزور فقــد انتــرت أم ـراض الســل وشــلل األطفــال والالشــانيا والتهابــات الكبــد‬ ‫بأنواعهــا عــى نحــو يُنــذر بخطــر محــدق يحيــق بأهلنــا يف ظــل عجــز الجهــاز الطبــي‬ ‫هنــاك عــن انقــاذ األطفــال مــن أم ـراض صغــرة مــن املمكــن أن تكــون مميتــة‪ ،‬نتيجــة‬ ‫عــدم توفــر أبســط مقومــات الحيــاة‪.‬‬ ‫مــن جهتهــا تفتقــد الحكومــة الســورية املؤقتــة‪ ،‬ممثلــة بــوزارة الصحــة ألســس صحيحــة‬ ‫للتواصــل مــع هاتــن املحافظتــن‪ ،‬والتنســيق مــع كوادرهــا الصحيــة املتبقيــة‪ ،‬وتعجــز‬ ‫عــن إيصــال الــدواء‪ ،‬وتوفــر األجهــزة الطبيــة الالزمــة إلنقــاذ مــا ميكــن إنقــاذه‪ ،‬يقابلهــا‬ ‫تعــر شــبه تــام للمنظــات اإلغاثيــة يف عمليــات الوصــول إىل هــذه املناطــق‪.‬‬ ‫يف ظــل تراجــع أداء عمــل القطــاع الصحــي‪ ،‬وانعــدام فــرص التواصــل معهــم‪ ،‬وتعــر‬ ‫وصــول الــدواء‪ ،‬وتعــذر أســباب النجــاة‪ ،‬صــار بإمكاننــا القــول إن املــوت املحتــم يرتبــص‬ ‫بأهلنــا‪ ،‬فمــن ينجــو مــن القصــف‪ ،‬ميــوت نتيجــة تعرضــه إىل النــزف أو بــر األعضــاء‪،‬‬ ‫ومــن يتجــاوز هــذه الصعــاب مــن املمكــن أن ميــوت بالتهــاب بســيط‪ ،‬ليــس ترفـاً لكــن‬ ‫يف ظــل نــدرة الــدواء وشــحه‪ ،‬لذلــك البــد مــن قــرع ناقــوس الخطــر‪ ،‬والبحــث عــن حلــول‬ ‫ناجعــة‪ ،‬وأن تجــد وزارة الصحــة يف الحكومــة الســورية املؤقتــة الطريــق الصحيــح إليصــال‬ ‫املســتلزمات الطبيــة والــدواء لهاتــن املحافظتــن‪ ،‬وأن تضطلــع مبهامهــا وتقــوم بالتواصــل‬ ‫مــع الجهــات الداعمــة‪ ،‬وتزويدهــا بالبيانــات الحقيقيــة عــن واقــع قطــاع الصحــة يف هــذه‬ ‫املناطــق‪ ،‬وأن تجــد معهــا حلــوالً لواقعهــا الصحــي املــردي‪ .‬وإذا مل يتــم ذلــك يف القريــب‬ ‫العاجــل ســتعجز مســتقبالً عــن تــدارك بــوادر الكارثــة التــي تحيــق بأهلنــا هنــاك‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫حــوار مع المفكر االســامي د‪ .‬خالص الجلبي‬ ‫ح��اوره د‪ .‬مح��زة رس��تناوي‬ ‫س‪ : 1‬هل نستطيع القول إن الثورة السورية فشلت؟ وملاذا؟‬

‫الجــواب األول‪ :‬الثــورة الســورية انحرفــت عــن مســارها الســلمي إىل‬ ‫العســكري‪ ،‬وهــذا يعنــي تلقائي ـاً أن قرارهــا لــن يكــون بيدهــا كليــة ـ عــى‬ ‫األقــل ـ فالقتــال واالحـراب العنيــف يعنــي التســلح‪ ،‬وهــذا بــدوره يحتــاج إىل‬ ‫أســلحة بيــد دول‪ ،‬وهــي تحتــاج لتمويــل‪ ،‬وبالتــايل دخــول دول عــى الخــط‬ ‫عندهــا أجندتهــا الخاصــة‪ ،‬تتحكــم يف قــرار النــر والهزميــة العســكرية‪.‬‬ ‫هــذا مــع العلــم أن النــر العســكري خطــر ولــو جــاء مــن أي طــرف؛ فهــو‬ ‫بالنســبة للنظــام مــوت ســوريا إىل نصــف قــرن قادمــة أو أقــل‪ ،‬بانتظــار‬ ‫ثــورة جديــدة‪ ،‬وإن انتــرت املعارضــة املســلحة انطبــق عليهــا ليلــة نــكاح‬ ‫العنكبــوت‪ ،‬أي أن الجنــاح العســكري يلتهــم املــدين‪ .‬كــا حصــل مــع صــدام‬ ‫وعصابتــه‪ ،‬واألســد ورفاقــه الثوريــن الذيــن حكمــوا عــى مؤســس الحــزب‬ ‫ميشــيل عفلــق باإلعــدام‪ ،‬وقتلــوا الرجــل الثــاين يف الحــزب صــاح البيطــار يف‬ ‫شــوارع باريــس‪ .‬وهــذا القانــون ينطبــق عــى كل التجمعــات اإلنســانية وليــس‬ ‫العــرب اســتثناء منهــا‪.‬‬

‫العلويــون أقســام ثالثــة‪ :‬اإلســاعيليون واملرشــديون وفريــق ثالــث (امللتحــم‬ ‫بالســلطة يف ســوريا) مــن كالزيــة وحيدريــة‪ .‬ومشــكلة الســوريني معهم ليســوا‬ ‫مبــا يعتقــدون ولكــن باســتئثارهم بالســلطة؛ وبغيهــم‪ ،‬وهــم ليســوا ســواء كــا‬ ‫علمنــا القــرآن‪ ،‬فالظاملــون منهــم عائلــة األســد ومــن دعمهــم‪ ،‬وليــس كل عائلة‬ ‫األســد‪ ،‬بــل مبــن تــورط يف القتــل والدمــاء‪ ،‬وهنــاك الكثــر مــن العلويــن‬ ‫الذيــن يخافــون كــا هــو الحــال يف الكتلــة الرماديــة الســورية الخائفــة‪ .‬ولــذا‬ ‫يجــب أن نركــز عــى فكــرة الظلــم واالســتكبار أكــر مــن الطائفــة‪ ،‬ففــي كنــدا‬ ‫مــن الطوائــف أكــر مــا هــو موجــود يف ســوريا‪ ،‬ولكــن ال يســتأثر بالســلطة‬ ‫ومعهــا الظلــم تلقائي ـاً أي طائفــة وحــزب وجامعــة‪ ،‬بــل هــو قانــون يحكــم‬ ‫بالعــدل عموم ـاً‪ ،‬ولــذا ال مجــال لحــروب ودمــاء‪ ،‬وحــن اختلــف الكنديــون‬ ‫قامــوا بالتصويــت النفصــال مقاطعــة كيبــك‪ ،‬فكانــت النتيجــة أن حكمــت‬ ‫األغلبيــة عــى بقــاء كنــدا موحــدة‪ ،‬وباملقابــل صــوت التشــيكيون باالنفصــال‬ ‫دون قطــرة دم واحــدة‪ ،‬أمــا الــرب الشــبيهون بالشــوفينيني مــن العلويــن‬ ‫وبنــي صهيــون فأبــوا إال الــدم فتدفــق مهراق ـاً‪.‬‬

‫س‪ :7‬هل يعترب صحيح البخاري ومسلم من مصادر التشريع‬ ‫س‪ :2‬ما هو رأيك مبشروع دولة اخلالفة اإلسالمية؟‬ ‫الخالفــة اإلســامية خرافــة‪ .‬والدولــة اإلســامية خرافــة أكــر‪ .‬ووظيفــة الديــن يف اإلسالم؟‬

‫أي ديــن أو مبــدأ إصالحــي يهــدف إىل ثــاث‪ :‬إرســاء العــدل االجتامعــي‪،‬‬ ‫وترســيخ الســام بــن األنــام‪ ،‬وتكويــن البوصلــة األخالقيــة عنــد الفــرد؛‬ ‫فالفــرد دون ديــن وحــش‪ ،‬والتخلــص مــن املؤسســة الدينيــة واجــب فهــي‬ ‫وحــش كارس‪ ،‬أينــا كانــت ومهــا دانــت‪ ،‬مــن قــم إىل الفاتيــكان إىل األزهــر‪،‬‬ ‫فهــذه املؤسســات عــر التاريــخ كانــت وظيفتهــا ومازالــت تكريــس الطغيــان‬ ‫الســيايس‪ ،‬واغتيــال العقــل املنظــم‪.‬‬ ‫تأمــل خطــب الجمعــة يف طــول وعــرض العــامل اإلســامي؟ إنهــا ال تســتحق‬ ‫عنــاء االجتــاع؛ حيــث يتكلــم الخطيــب عــن فواكــه الجنــة‪ ،‬واملواطــن يعيــش‬ ‫جحيـاً أرضيـاً‪ ،‬ويتحــدث عــن رؤيــة اللــه واملواطــن ال يــرى إال وجــه الرشطــي‬ ‫العابــس وســوط املخاب ـرات وغــدارة الجاندرمــا‪.‬‬

‫س‪ : 3‬ما سبب ظهور داعش‪ ،‬وما هو تفسريك للعنف الوحشي‬ ‫الذي يقومون به من قطع الرؤوس وحنوها؟‬ ‫الديــن ميكــن أن يكــون إيديولوجيــا أو رحمــة‪ ،‬حســب نوعيــة الثقافــة التــي‬ ‫يحملهــا الفــرد‪ ،‬فالصــويف رحامنيــة‪ ،‬والوهــايب يحمــل قســاوة الصحـراء‪ .‬وبــن‬ ‫ذلــك توجــد فــرق النهائيــة مــن املســلمني ونســخ منوعــة‪ .‬ونســخة داعــش‬ ‫هــي ذلــك املزيــج االنفجــاري مــن شــباب متمــرد حاقــد محبــط ميــي إىل‬ ‫نهايــة الشــوط يف التطــرف األقــى‪ ،‬ويــرى يف اآلخــر كافــرا ً حــال الــدم‪.‬‬ ‫وهــذه النســخة اإليديولوجيــة لهــا منــاذج مــن الفاشــيني والنازيــن والقرامطــة‬ ‫واألزارقــة والشــيعة والشــيوعيني‪ ،‬والبعثيــن العبثيــن‪ ،‬والقوميــن والنارصيــن‬ ‫واالش ـراكيني؛ فهــم ليســوا بدعــة بــل نســخة إنســانية قابلــة للتشــكل حــن‬ ‫اجتــاع ظــروف تكونهــا‪.‬‬

‫س‪ :4‬م��ا حك��م اإلس�لام يف اليزيدي�ين؟ واألدي��ان األخ��رى م��ن‬ ‫غ�ير أه��ل الكتاب؟‬ ‫الجــواب ورد يف القــرآن‪ ،‬ويف أكــر مــن موضــع‪ ،‬بــأن اليهــود والنصــارى‬ ‫والصابئــن ومــن يدخــل يف طريقتهــم وديانتهــم ومذهبهــم‪ ،‬ال خــوف عليهــم‬ ‫وال هــم يحزنــون‪ ،‬طاملــا آمنــوا باللــه واليــوم األخــر وعملــوا صالحـاً‪ .‬والقــرآن‬ ‫حــارب فئتــن مــن حــزب الشــيطان هــا أصــل بــاء املجتمعــات‪ :‬املســتكربين‬ ‫والظاملــن‪ ،‬وحــن تســاءلت املالئكــة عــن جــدوى خلــق اإلنســان كان اعرتاضهــا‬ ‫عــى ســفك الــدم وليــس الكفــر‪.‬‬

‫س‪ : 5‬ه��ل اجلزي��ة واجب��ة عل��ى غ�ير املس��لمني اآلن؟ وكي��ف‬ ‫ِّ‬ ‫نعط��ل حكم��اً ورد يف الق��رآن الكري��م وطبق��ه املس��لمون يف‬ ‫تارخيه��م مب��ن في��ه اخللف��اء الراش��دون؟‬ ‫الجزيــة هــي حالــة القــذايف‪ ،‬التــي دفعهــا عــن يــد وهــو صاغــر‪ ،‬وهــي حالــة‬ ‫حربيــة بــن املجتمعــات‪ ،‬كــا يف دفــع تعويضــات الحــرب‪ ،‬عــى النحــو الــذي‬ ‫فعلتــه أوربــا مــع أملانيــا يف الحــرب العامليــة األوىل‪.‬‬ ‫أمــا بقيــة البــر والطوائــف واملذاهــب وامللــل والنحــل يف املجتمــع اإلســامي؛‬ ‫فهــي تعامــل عــى أســاس املواطنــة‪ ،‬لهــم مالنــا وعليهــم مــا علينــا‪ ،‬يف رشيعــة‬ ‫العــدل‪ ،‬التــي أمرنــا اللــه أن نقســط فيهــا‪ ،‬ولــو عــى أنفســنا والوالديــن‬ ‫واألقربــن‪ ،‬وعــى بقيــة األديــان واآلراء واألحــزاب ولــو عبــدوا الشــياطني‬ ‫والجــرذ والج ـراد والقمــل والضفــادع‪.‬‬

‫س‪ : 6‬م��ا رأي��ك يف العلوي�ين ه��ل ه��م مس��لمون أم أنه��م فئة من‬ ‫الش��يعة أم هم أصحاب دين مس��تقل؟‬

‫علينــا أن نركــز عــى مفهــوم العــدل؛ فحيــث العــدل فثــم رشع اللــه‪ ،‬وأي‬ ‫حديــث أعــرج مضطــرب لــو كان يف البخــاري والصحــاح التســعة‪ ،‬ويتصــادم‬ ‫بشــكل أســايس مــع النــص القــرآن يتــم االســتغناء عنــه‪ ،‬ولــو كان ســنده مــن س‪ :11‬م��ا ه��ي توقعات��ك بالنس��بة إلي��ران ومس��تقبل الش��رق‬ ‫بالتــن وفضــة‪ ،‬كــا يف الكثــر مــن األحاديــث (الصحيحــة) العرجــاء الشــوهاء‬ ‫االوس��ط؟‬ ‫الصلعــاء مثــل حديــث قتــل املرتــد‪ ،‬مــا يشــكل معضلــة إجراميــة ملــن يريــد‬ ‫أخطــأت إيــران كثــرا يف قتــل األطفــال الســوريني‪ ،‬واملراهنــة عــى املعتــوه‬ ‫أن يغــر قناعاتــه‪.‬‬ ‫بشــار الرباميــي‪ ،‬ولكــن شــهوة التوســع هــي مثــل قصــة الجــرذ واملصيــدة‬ ‫وقطعــة الجــن‪ .‬وهــم يقولــون أن خســارة دمشــق يعنــي أنهــم لــن يحتفظــوا‬ ‫س‪ :8‬ه��ل احلج��اب وتغطي��ة ش��عر ال��رأس للم��رأة م��ن أح��كام بطهـران وعبــدان‪ .‬وهــو مــا ســيحدث يف نصــف القــرن القــادم التــي ســتتغري‬ ‫الش��ريعة اإلس�لامية؟ وم��ا ه��و حك��م الس��فور؟‬ ‫فيهــا شــعوب املنطقــة مبــن فيهــا الشــعب اإلي ـراين‪ ،‬واملســتقبل هــو لــدول‬ ‫اللبــاس ليــس مــن العقيــدة‪ ،‬وعــى املــرأة املســلمة أن ال تعمــد إىل اإلثــارة تقــوم عــى العــدل والعقالنيــة‪ ،‬وليــس عــى مرسحيــات تاريخيــة‪ ،‬ولطــم‬ ‫الجنســية يف لباســها بكشــف الفخــذ والنهــود ومــا شــابه‪ ،‬مــع العلــم أن هــذا الوجــوه‪ ،‬وســلخ الجلــود بالسالســل والســواطري لقضايــا انتهــت وعــف عليهــا‬ ‫يف قبائــل الفيليبــن وغينيــا ونيوزلنــدا عــادي‪ ،‬ألن العــري هــو ثقافــة‪ ،‬ففــي الزمــن‪ ،‬ولكنهــا املؤسســة الدينيــة؟ وكســب ‪ 20‬باملائــة مــن جيــوب املغفلــن‪،‬‬ ‫أوربــا حيــث تــورط هوالنــد الرئيــس الفرنســاوي يف عالقــة جنســية مــع فتــاة كــا هــو الحــال يف كل املؤسســات الدينيــة قدميـاً وحديثـاً‪ .‬تأمــل يف املالبــس‬ ‫خلفهــا الغــراء واإلغــراء‪ ،‬ومنــه فاللبــاس للفتــاة املســلمة يجــب أن يحمــل والقالنــس والقبــب والعامئــم واملالبــس املزركشــة الالمعــة لرجــال الديــن هــل‬ ‫شــعار التقــوى‪ ،‬ويف ســورة األع ـراف كالم واضــح عــن وظائــف اللبــاس؛ أنــه يشــبهون يف يشء األنبيــاء الذيــن جــاؤوا بالكلمــة الطيبــة‪.‬؟‬ ‫للظــرف املناخــي‪ ،‬وللجــال مثــل ريــش الطيــور‪ ،‬والحشــمة‪ ،‬ولكــن املســلمني جــاء يف اإلنجيــل عــن هــذا النمــوذج أنهــم يطيلــون صلواتهــم ولحاهــم‪،‬‬ ‫اليــوم يعتــرون أن اللبــاس أهــم مــن الشــهادتني والصلــوات والحــج‪ ،‬يف قلــب ويحبــون املجلــس األول يف الوالئــم‪ ،‬وأن يقبــل النــاس أيديهــم ويتربكــوا بهــم‪.‬‬ ‫ألولويــات اإلســام‪ .‬وهــذا االنقــاب يف الرتتيــب هــو بســبب االهتــام بالقــرة قــال املســيح عنهــم‪ :‬إنهــم مثــل القبــور مــن الخــارج مطــي أبيــض ومــن‬ ‫أكــر مــن اللــب‪ ،‬ومحاولــة الســيطرة الجنســية عــى املــرأة‪.‬‬ ‫الداخــل نجاســات وعظــام أمــوات‪ ..‬والويــل لكــم يــوم الدينونــة‪.‬‬ ‫علينــا أن نــرك لبــاس املــرأة للمــرأة‪ ،‬تتأنــق وتلبــس كيــف تشــاء‪ ،‬يف إطــار‬ ‫الحشــمة واألناقــة والجــال والجانــب العمــي‪ .‬انظــر مثـاً إىل الكعــب الــذي س‪ :12‬ه��ل ّ‬ ‫تدخ��ل أمري��كا يف قت��ال داع��ش س��يكون ملصلح��ة‬ ‫يرتفــع ‪ 25‬ســم عــن األرض كــم هــو ســخيف‪ ،‬وكــم يتســبب يف تشــويه ومــرض‬ ‫الس��وريني أم مصلح��ة األس��د وإي��ران؟‬ ‫الســاقني ولكنهــا عبــادة املوضــة؟ فهــل نقــول لبناتنــا افعلــوا هــذا؟‬ ‫ملصلحــة أمريــكا فهــي تنــر فريق ـاً عــى فريــق مبــا هــو يف مصلحتهــا أكــر‬ ‫مــن مصلحــة أي طــرف هــل ســمعتم بقصــة القطــن وقطعــة الجــن والقــرد‬ ‫س ‪ : 9‬مل��اذا يقتت��ل الس��نة والش��يعة بينم��ا توقف��ت احل��روب الناســك؟‬ ‫الديني��ة ب�ين املس��يحيني يف الع��امل من��ذ مئ��ات الس��نوات؟‬ ‫زعمــوا أن قطــن تنازعــا عــى قطعــة مــن الجــن الشــهي فــأرادوا االحتــكام إىل‬ ‫ألن الجنــون هــو ســيد املوقــف‪ ،‬وغيــاب العقالنيــة‪ ،‬والتوقــف عنــد مربعــات قــرد ناســك عابــد شــاع ذكــره أنــه أعــدل العادلــن قــد نصــب ميزانــه‪ ،‬وهــو‬ ‫التاريــخ‪ ،‬ألمــور لســنا مســؤولني عنهــا‪ ،‬ومــن يســتفيد منهــا يف النهاية املؤسســة يقــول أنــا العــدل أنــا املســاواة أنــا الدميقراطيــة‪..‬‬ ‫الدينيــة التــي يجــب أن نريــح العبــاد منهــا‪.‬‬ ‫اقــرب القطــان منــه وهــو منشــغل بالصــاة بجنــب البحــر‪ ،‬حتــى إذا فــرغ‬ ‫مــن صالتــه وتســبيحاته التــي ال تنتهــي التفــت إليهــا وقــال يــا أوالدي مــاذا‬ ‫س ‪ : 10‬هل االمرباطورية األمريكية يف حالة تراجع وضعف تريــدون؟‬ ‫أمام القوى الصاعدة مثل روسيا والصني؟‬ ‫قاال قطعة الجنب تنازعنا عليها ونريد العدل واإلنصاف‪.‬‬ ‫أمريــكا مفلســة‪ ،‬ولــن يطــول الوقــت حــن تتحــول أمريــكا إىل دولــة مــن قــال حســناً ثــم قطــع الجــن قطعتــن ووضعهــا عــى كفتــي املي ـزان‪ ،‬وهــو‬ ‫الدرجــة الثانيــة‪ ،‬يف نصــف القــرن القــادم‪ .‬اقــرأ كتــاب بــاول كنــدي عــن يقــول ليــس أفضــل مــن العــدل‪ ،‬وال أروع مــن املســاواة‪.‬‬ ‫االســتعداد للقــرن الواحــد والعرشيــن‪ ،‬حيــث يذكــر أن إنتــاج أمريــكا العاملــي كان الخبيــث قــد عمــد إىل زيــادة أحــد القطعتــن عــن األخــرى‪ ،‬واآلن مــن‬ ‫ســيرتاجع مــن ‪ 35‬باملائــة إىل ‪ 18‬باملائــة يف الثالثــن ســنة القادمــة‪.‬‬ ‫أجــل تعديــل كفتــي املي ـزان نهــش قطعــة مــن الزايــدة‪.‬‬ ‫وحســب سوانســون يف كتابــه اإلفــاس القــادم فــإن أمريــكا تخطــت عتبــة بلــع القطــان ريقهــا هــا يريــان أول ذوبــان الجــن يف حلــق القــرد الناســك‬ ‫إمكانيــة اإلصــاح االقتصــادي‪ ،‬ولــو أن البــرول يتــم بيعــه بغــر الــدوالر املتعبــد‪.‬‬ ‫فســوف يركــب بــوش بســكليت ويصبــح الــدوالر ورق دورات امليــاه عفــوا ً‪ ،‬ولكــن هــذه العمليــة تكــررت‪ ،‬والقطــان يذوبــان حــرة‪ ،‬والجــن يــذوب يف‬ ‫واألمريكيــون يعيشــون فــوق إمكانياتهــم‪ ،‬وربعهــم مريــض بالبدانــة والســكر‪ ،‬حلــق القــايض الدميوقراطــي العــادل‪.‬‬ ‫وربــع باالكتئــاب والنحــس‪ ،‬وربــع يركــض للربــح الرسيــع املجنــون وتكويــن حتــى إذا فــرغ مــن الــوزن كان مــا تبقــى يف أحــد الكفتــن قطعــة صغــرة‬ ‫الــروات ولــو بطــرق الح ـرام‪ ،‬وقليــل مــن عبــادي الشــكور‪ .‬واملســتقبل هــو عاجلهــا بالتهامهــا وهــو يحــدق يف القطــن قائــا‪ :‬هــذا جــزاء أتعــايب؟ مــا‬ ‫للصــن ودول املحيــط الهــادي حيــث العمــل الــدؤوب واإلنتــاج الحــال‪ .‬راجــع رأيكــم‬ ‫يف هــذا كتــاب آفــاق املســتقبل لجــاك أتالييــه مستشــار مي ـران األســبق‪.‬‬ ‫فهذه هي قصة داعش وأمريكا وبشار الكياموي الربامييل وإيران‪.‬‬


‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫‪7‬‬

‫تذكروا سوريا‪ ...‬ال تنسوا الثورة‬ ‫فواز تللو‬ ‫النــر صــر ســاعة‪ ،‬والســاعة يف عمر الثــورات عرب التاريخ‬ ‫ســنوات‪ ،‬وقــد مــى أكرثهــا‪ ،‬وبق ـراءة سياســية وعســكرية‬ ‫واعيــة‪ ،‬ورغــم كل الفــوىض السياســية والعســكرية التــي‬ ‫تعيشــها الثــورة الســورية والنظــر للمشــهد كامـاً مــن أعــى‬ ‫بالخــروج مــن خضــم الترصيحــات واملامحــكات السياســية‬ ‫اليوميــة وتفاصيــل املعــارك (مبحصلتهــا اإليجابيــة يف النهاية)‬ ‫وتفاصيــل الثــورة اليوميــة بســلبياتها وإيجابياتهــا؛ عــر‬ ‫مشــهد كامــل مــن األعــى أقــول إننــا ســنعود لســوريا أعـزاء‬ ‫وســتنترص الثــورة ولــو اســتغرق األمــر ســنة أخــرى أو اثنتــن‪،‬‬ ‫ورمبــا أكــر (لكــن االحتــال ضئيــل أن يتأخــر النــر إىل‬ ‫أكــر مــن ذلــك) نعــم ســنعيش بعدهــا فــرة مــن الفلتــان‪،‬‬ ‫والفــوىض مل يعــد مــن مجــال لتجاوزهــا ولســت بصــدد‬ ‫مناقشــة أســبابها‪ ،‬لكنهــا ســتمر برسعــة بعــد أن نكــون قــد‬ ‫انتهينــا مــن البــاء األكــر متمث ـاً بالنظــام الطائفــي بــكل‬ ‫حضــوره وتجلياتــه يف مفاصــل دولــة ســوريا الجديــدة‪.‬‬ ‫لكــن تأخــر النــر والفــوىض التــي ســتليه إيجابيــات أيضـاً‪،‬‬ ‫هــي مبثابــة فــرة تطهــر فنقاهــة‪ ،‬تطهــر ال يتــم إال بثمــن‬ ‫ومعانــاة أيضـاً‪ ،‬تطهــر مــن أدران زرعهــا النظــام فينــا خــال‬ ‫نصــف قــرن مــن أنانيــة وســلبية وفســاد وتخــاذل‪ ،‬وتطهــر‬ ‫مــن طحالــب ظهــرت أثنــاء الثــورة مــن سياســيني وناشــطني‬ ‫ومثقفــن ورجــال ديــن ورجــال أعــال وقــادة اجتامعيــن‬ ‫وتجمعــات حزبيــة وقــادة عســكريني وتنظيــات تطــرف‬ ‫أو تنظيــات تشــويل ورسقــة‪ ،‬طحالــب ســقطوا يف امتحــان‬ ‫الثــورة كل مــن زاويــة خاصــة بــه ومــا أكرثهــم‪ ،‬أيضـاً طــول‬ ‫األمــد تطهــر مــن قشــور غطــت تدريجيـاً روح الثــورة حتــى‬ ‫كادت تحجبهــا؛ حــن الحديــث عــن إمكانية التشــارك مجددا ً‬ ‫مــع النظــام‪ ،‬أو كالم عــن خالفــة إســامية ومــا يحيــط بهــذه‬

‫الدعــوى الســطحية‪ ،‬وكأننــا كنــا كفــارا ً يف مطالــب الثــورة‬ ‫األوىل بدولــة الحريــة والكرامــة املدنيــة الدميوقراطيــة‪ ،‬أو‬ ‫كأن آبــاء االســتقالل يف ســوريا االســتقالل مــا قبــل البعــث‬ ‫الطائفــي التــي قامــت الثــورة تحــت علمهــا برمزيتــه؛ كأنهــم‬ ‫كانــوا كفــارا ً‪ ،‬دعــوى ســطحية ألننــا كنــا وســنظل مســلمني‬ ‫بعقيدتنــا ومامرســتنا وثقافتنــا‪ ،‬وهــو مــا ينعكــس تلقائي ـاً‬ ‫يف حياتنــا ودولتنــا وقوانينــا دون حاجــة ألوصيــاء يســمون‬ ‫أنفســهم أهــل حــل وعقــد‪ ،‬ويفرضــون رؤيتهــم وفهمهــم‬ ‫لإلســام علينــا بالقــوة‪ ،‬ومــن اقتلــع النظــام الطائفــي بــكل‬ ‫جربوتــه وعالقاتــه ســيقتلع مــن يفكــر بــأي وصايــة أو قهــر‬ ‫أو فــرض عــى الســوريني ولــو بالتلطــي تحــت رايــة إســام‪،‬‬ ‫وال حــق ألحــد بــأن ي ـزاود علينــا فيــه كســوريني‪.‬‬ ‫نعــم بنظــرة محيطــة للمشــهد مــن األعــى؛ النــر قــادم‬ ‫والنظــام اليــوم ينهــار ويتفــكك‪ ،‬ومرتزقتــه يرصخــون أمل ـاً‪،‬‬ ‫وحلفــاؤه تضيــق مواردهــم املاديــة والبرشيــة لدعمــه‬ ‫ويتذمــرون‪ ،‬واملجتمــع الــدويل املنافــق محشــور يف زاويــة‬ ‫فشــله يف أربعــة ملفــات‪ ،‬أوالً يف حــرب داعــش والتطــرف‬ ‫«الحقيقــي»‪ ،‬وثانيــاً امتــداد اللهيــب الســوري إىل دول‬ ‫الجــوار‪ ،‬وتفجــر املنطقــة إن طــال األمــر‪ ،‬وثالثــاً موجــة‬ ‫تســونامي (الالجئــن الســوريني) التــي تهــدد أوروبــا ودول‬ ‫الجــوار‪ ،‬ورابع ـاً الخــوف مــن انهيــار تــام للنظــام عســكريا‪ً،‬‬ ‫وبالتــايل إنهــاء النظــام الطائفــي ودولتــه ممثلــة مبؤسســاتها‬ ‫األمنيــة والعســكرية التــي تعبــوا عــى بنائهــا ودعمهــا‬ ‫خــال نصــف قــرن‪ ،‬وال يريــدون إســقاط النظــام بإســقاطها‪،‬‬ ‫فهــذه امللفــات األربعــة هــي التــي تحــرك املجتمــع الــدويل‬ ‫ال معانــاة الســوريني‪ ،‬وهــي ملفــات باتــت ناضجــة لتطيــح‬ ‫بــكل مؤامـرات النظــام واملجتمــع الــدويل‪ ،‬فالنظــام وأنصــاره‬

‫وميليشــياته الطائفيــن وحلفــاؤه ومرتزقتهــم‪ ،‬وإدارة أوبامــا‬ ‫يعضــون جميع ـاً عــى يــد الســوريني لدفعهــم لل ـراخ أوالً‬ ‫مــن خــال معاناتهــم‪ ،‬واملجتمــع الــدويل يســعى إلنقــاذ‬ ‫النظــام مبفاوضاتــه وفــق مــا يطــرح حاليـاً مــن حــل ســيايس‬ ‫كاذب معتمــدا ً عــى بيــع األوهــام بإنهــاء معاناتكــم مــن‬ ‫لجــوء وتــرد ومعتقلــن ومصاعــب حيــاة دون ذكــر أن‬ ‫الثمــن هــو إجهــاض الثــورة‪ ،‬لذلــك تجنــب هــؤالء طــرح‬ ‫أي رؤيــة أو برنامــج أو تفاصيــل عــن املفاوضــات وأهدافهــا‬ ‫ومآالتهــا العمليــة‪.‬‬ ‫ال تعملــوا عــى نســيان ســوريا‪ ،‬وأيض ـاً ال تعيشــوا يف عــامل‬ ‫التفكــر اليومــي بذكرياتكــم يف ســوريا قبــل الثــورة فهــذا‬ ‫ال يفيــد يف مرحلــة اللجــوء والنــزوح والتــرد والغربــة‬ ‫املؤقتــة والحصــار التــي نعيشــها‪ ،‬وذلــك يــر بنــا ومبــن‬ ‫حولنــا وينــر اإلحبــاط بيننــا‪ ،‬قــد نعــود مــن وقــت آلخــر‬ ‫مبناســبة مــا لبعــض ذكرياتنــا يف ســوريا قبــل الثــورة ال أن‬ ‫نعيشــها يف كل لحظــات حياتنــا اليوميــة ففــي ذلــك تدمــر‬ ‫ملقاومتكــم لتقبلــوا عندهــا بالخــاص بــأي طريقــة‪ ،‬وعــى‬ ‫حســاب أهــداف الثــورة مفرطــن بــكل تضحياتكــم‪ ،‬ليكــن‬ ‫اســتحضاركم األســايس واليومــي لســوريا يف عقلكــم وقلبكــم‬ ‫ووجدانكــم مــن خــال مــا تعيشــه ســوريا والســوريون اليوم‬ ‫مــن معانــاة وقهــر مــن قبــل النظــام واملجتمــع الــدويل‪،‬‬ ‫وليــس بالتفكــر اليومــي بالعــودة إىل ســوريا بــأي مثــن كــا‬ ‫يســعى البعــض لزرعــه يف عقلنــا الباطــن بخطــاب يســتغل‬ ‫معاناتكــم لتمريــر مــا يريــد متجنبــاً الخــوض بالرؤيــة‬ ‫والربنامــج والتفاصيــل لــي ال تــروا مثــن هــذا الطريــق‪،‬‬ ‫ففــي ذلــك مقتــل للثــورة يدفــع تجاهــه أعداؤنــا بوســائل‬ ‫عديــدة‪ ،‬بإعالمهــم وبخطــاب محبــط ومقصــود مــن قبــل‬

‫األعــداء املختفــن بعبــاءة أصدقــاء ســوريا‪ ،‬وعــى رأســهم‬ ‫إدارة بــاراك حســن أوبامــا‪ ،‬ومبضمــون مــا يطــرح اليــوم مــن‬ ‫مفاوضــات‪.‬‬ ‫نعــم ال تنســوا ســوريا‪ ،‬لكــن تذكروهــا مــن خــال الثــورة‪،‬‬ ‫ولحظاتهــا املوثقــة‪ ،‬ومعانــاة الســوريني‪ ،‬ومعاناتكــم‬ ‫وتضحياتكــم لتحافظــوا عــى غضبكــم وتصميمكــم بداخلكم‬ ‫دون أن يدمــر الغضــب حياتكــم‪ ،‬عيشــوا حياتكــم اليوميــة‬ ‫بشــكل طبيعــي مــا أمكــن‪ ،‬أينــا كنتــم يف ســوريا أو خارجهــا‬ ‫يف مناطــق محــررة أو تحــت االحتــال األســدي‪ ،‬عيشــوا‬ ‫حياتكــم لكــن اغضبــوا‪ ،‬ليــس كل الوقــت لكــن ولــو ملــرة‬ ‫واحــدة يف اليــوم‪ ،‬اغضبــوا عــر صــورة أو مقطــع فيديــو‪،‬‬ ‫ملعانــاة أو تعليــق أو ترصيــح أو موقــف ســيايس ملعــارض أو‬ ‫عــدو للثــورة الســورية ولــو اختبــأ بلبــاس الصديــق‪ ،‬عــودوا‬ ‫إىل ســوريا بذكرياتكــم عــر أيــام ومناســبات ســاهمتم فيهــا‬ ‫يف الثــورة بشــكل مــا‪ ،‬مبظاهــرة أو تشــييع أو نشــاط مــا‬ ‫وتذكــروا مــا كنتــم تتطلعــون إليــه حينهــا مــن هــذه الثــورة‬ ‫لتتمســكوا بــه اليــوم ال لــي تتنازلــوا عنــه وعــن الثــورة‬ ‫بســبب عوائــق أو انحــراف مــا‪ ،‬ال تتنازلــوا عــن حلمكــم‬ ‫مــن الثــورة فبذلــك تحققــون هــذا الحلــم‪ ،‬وال تســمحوا‬ ‫باالنح ـراف عنــه لتحافظــوا عــى روح الثــورة وتزيلــوا عنهــا‬ ‫القشــور والطحالــب‪ ،‬ثــورة حريــة وكرامــة مــن أجــل دولــة‬ ‫مدنيــة دميوقراطيــة لســوريني أحـرارا ً‪ ،‬ال نظامـاً طائفيـاً يعــاد‬ ‫إنتاجــه‪ ،‬وال كالمــاً ســطحياً عــن خالفــة إســامية‪ ،‬عندمــا‬ ‫تقومــون بــكل ذلــك تحافظــون عــى توازنكــم النفــي‬ ‫وقــوة اندفاعكــم وتصميمكــم عــى العــودة إىل ســوريا‪ ،‬ال‬ ‫مــن بــاب الهزميــة «وبدنــا نخلــص بــأي طريقــة» بــل مــن‬ ‫بــاب الحريــة والكرامــة والنــر املــؤزر اآليت بــإذن اللــه‪.‬‬

‫الرقة مدينة الرشيد‪ ،‬تذبح من قبل النظام الفاشي وأعوانه الدواعشة‬ ‫بهنان يامين‬

‫مــع بدايــة الثــورة وعنــد أول عيــد ميــر‬ ‫عــى ســورية الثائــرة‪ ،‬صــى الطاغيــة األســدي‪،‬‬ ‫مــع مفتيــه املتشــيع الحســون‪ ،‬يف أحــد مســاجد‬ ‫الرقــة‪ ،‬وحتــى اآلن مل يُفهــم ملــا صـ ّـى األســد يف‬ ‫الرقــة‪ ،‬وبنصيحــة َمـ ْن ِمــن مستشــاريه‪ ،‬وكــا مل‬ ‫يعــرف ملــا فعــل ذلــك‪ ،‬كذلــك مل يعــرف آنــذاك‬ ‫مــاذا كان يبيــت األســد للرقــة أو الرافقــة كــا‬ ‫عرفــت أيض ـاً‪.‬‬ ‫اســتمرت الثــورة ودخلتهــا الرقــة أســوة بباقــي‬ ‫املــدن الســورية‪ ،‬وأول مــا قــام بــه أهلهــا‬ ‫كان إســقاط متثــال املقبــور الديكتاتــور األســد‬ ‫األب‪ ،‬ومــع ســقوط هــذا الصنــم‪ ،‬ســقط أوائــل‬ ‫الشــهداء مــن أبنــاء الرقــة نتيجــة غضــب‬ ‫النظــام مــن انتفاضــة هــذه املدينــة القدميــة‪،‬‬ ‫قــدم املســيحية يف باديــة الشــام‪ ،‬والتــي عرفــت‬ ‫عــددا ً كب ـرا ً مــن الكنائــس واألديــرة يف الرقــة‪،‬‬

‫وأبرزهــا ديــر مــار زىك‪ ،‬ويف الرصافــة التــي‬ ‫عرفــت أول الكنائــس املســيحية‪ ،‬وكان فيهــا‬ ‫تســع كنائــس‪ ،‬أبرزهــا البازليــكا «الكنيســة‬ ‫الكــرى»‪ ،‬التــي تجــاور مســجد هشــام‪ ،‬حيــث‬ ‫جــدار املحــراب يالصــق املذبــح‪ ،‬وكنيســة‬ ‫القديــس رسجيــوس‪ ،‬الــذي يعتــر مــن أوائــل‬ ‫شــهداء املســيحية‪.‬‬ ‫فجــأة انســحبت قــوات النظــام بــا أي قتــال‬ ‫مــن مدينــة الرقــة‪ ،‬مخليــة املدينــة للقــوى‬ ‫الظالميــة للدولــة اإلســامية يف العـراق والشــام‪،‬‬ ‫وكانــت أول مدينــة كــرى تســقط يف يــد‬ ‫داعــش بشــكل كامــل‪ ،‬لتفــرض عليهــا منوذج ـاً‬ ‫للدولــة الرشعيــة اإلســاموية‪ ،‬بعــد أن فرضــت‬ ‫هــذا النمــوذج عــى مدينــة تــل أبيــض قبلهــا‪.‬‬ ‫مــن يعــرف تواجــد قــوات النظــام يســتغرب‬ ‫عــدم اســتخدامه للفرقــة الســابعة عــرة‬ ‫املتمركــزة مــع األلويــة املرفقــة بهــا يف منطقــة‬

‫عــن عيــى‪ ،‬التــي هــي تقريبــاً يف منتصــف‬ ‫الطريــق بــن الرقــة وتــل أبيــض‪ ،‬وهــي منطقــة‬ ‫تعايشــنا فيهــا مــع عشــائرها ألكــر مــن نصــف‬ ‫قــرن‪ ،‬حيــث مل نلحــظ أي تطــرف إســاموي يف‬ ‫كل محافظــة الرقــة‪ ،‬فلــاذا مل تســتخدم هــذه‬ ‫القــوات‪ ،‬حينــا احتلــت داعــش تــل أبيــض‪،‬‬ ‫املدينــة املختلطــة إســامياً ومســيحياً‪ ،‬وهــي‬ ‫املدينــة املقابلــة ألورفــا أو الرهــا‪ ،‬تلــك املدينــة‬ ‫التــي يقــال بــأن ابراهيــم الخليــل انطلــق منهــا‬ ‫يف رســالته الســاوية‪ ،‬لريتــوي وجِاملــه مــن‬ ‫عينهــا‪ ،‬التــي عرفــت بعــن عــروس إبراهيــم‬ ‫الخليــل؟ هــذا الســؤال املحــر والــذي مل يفهــم‬ ‫حتــى اآلن‪.‬‬ ‫بقيــت الرقــة وتــل أبيــض تحــت رحمــة داعــش‪،‬‬ ‫وحتــى يومنــا هــذا‪ ،‬ومارســت حكومتهــا‬ ‫الباغيــة عســفها ومامرســتها اإلســاموية عــى‬ ‫شــعب محافظــة الرقــة األبيــة‪ ،‬التــي مل تعــرف‬

‫التطــرف أبــدا ً يف يــوم مــن األيــام‪ ،‬ففــي يــوم‬ ‫أنزلــت داعــش الصليــب مــن عــى كنيســة‬ ‫ســيدة البشــارة‪ ،‬ســار أهــل الرقــة بــذاك‬ ‫الصليــب يف مظاهــرة متحديــن بذلــك داعــش‪،‬‬ ‫التــي مل تســتطع أن متنــع تلــك املظاهــرة املعربة‬ ‫عــن كونهــا مدينــة متســامحة‪ ،‬وبــأن شــعبها‬ ‫يرفــض رفضـاً قطعيـاً املامرســة الداعشــية ضــد‬ ‫مســيحيي الرقــة‪.‬‬ ‫تســلمت داعــش مــن النظــام كل املبــاين‬ ‫الحكوميــة والحزبيــة‪ ،‬بــا أي مقاومــة‪ ،‬مــا‬ ‫أثــار الريبــة لــدى أهلهــا‪ ،‬حيــث خطفــت‬ ‫داعــش واعتقلــت كل مــن األب باولــو داليلــو‪،‬‬ ‫فــراس الحــاج صالــح وإبراهيــم الغــازي‬ ‫وغريهــم الكثرييــن وكلهــم مــن أعــداء النظــام‪.‬‬ ‫ال زال الجميــع يتســاءل‪ :‬ملــاذا خــال ســنتي‬ ‫االحتــال الداعــي للرقــة مل تتحــرك قــوات‬ ‫النظــام؟ بــل أكــر مــن ذلــك‪ ،‬وبعــد أن‬ ‫احتلــت داعــش املوصــل واســتعرضت قواتهــا‬ ‫يف ســاحات الرقــة‪ ،‬ســلم لهــا النظــام وبطريقــة‬ ‫خيانيــة بــارزة الفرقــة الســابعة عــرة واأللويــة‬ ‫املرفقــة‪ ،‬وكذلــك مطــار الطبقــة حيــث أعدمــت‬ ‫داعــش ضبــاط وجنــود النظــام بطريقــة بربريــة‬ ‫ممجوجــة‪ ،‬وهــم ليســوا ضحايــا داعــش فقــط‪،‬‬ ‫بــل هــم ضحايــا النظــام الفــايش الــذي تخــى‬ ‫عنهــم بعــد أن ســحب الضبــاط الكبــار املوالــن‬ ‫لــه‪ ،‬وبقناعــة العديــد مــن املراقبــن فــإن هــذه‬ ‫التصفيــات ليســت إال إلرهــاب الشــعب يف‬ ‫ســورية‪ ،‬مــع أن هــذه اإلعدامــات ال تــوازي‬ ‫شــيئاً أمــام إعدامــات واعتقــاالت والتدمــر‬ ‫الــذي مارســه وميارســه النظــام األســدي عــى‬

‫ســورية‪.‬‬ ‫األســبوع املــايض اســتيقظ النظــام وتذكــر بأن يف‬ ‫الرقــة داعــش‪ ،‬ولكــن عوضـاً عــن قتــال داعــش‬ ‫التــي يعــرف أماكــن تواجدهــا‪ ،‬ألن هنــاك‬ ‫شــكوكاً بــأن العديــد مــن قادتهــا هــم ضبــاط‬ ‫بعثيــون عراقيــون وســوريون‪ ،‬لــذا يتربقعــون‬ ‫بالســواد وال يكشــفون عــن وجوههــم أبــدا ً‪،‬‬ ‫فــإذا بط ـران النظــام يــرب املدنيــن ليســقط‬ ‫يف يــوم واحــد أكــر مــن ‪ 240‬شــهيدا ً‪ ،‬مدم ـرا ً‬ ‫أحيــا ًء بكاملهــا يف الرقــة‪.‬‬ ‫الرقــة‪ ،‬مدينــة الرشــيد ومصيفــه‪ ،‬تلــك املدينــة‬ ‫التــي عرفــت العديــد مــن الكتــاب واألدبــاء‪،‬‬ ‫وكان أبرزهــم الدكتــور عبــد الســام العجيــي‬ ‫ذاك األديــب الكبــر الــذي مل يــرك الرقــة حتــى‬ ‫موتــه‪ ،‬ولقــد عرفــت شــخصياً العديــد مــن‬ ‫هــؤالء األدبــاء‪ ،‬ملــاذا ذبحــت هــذه املدينــة‬ ‫مرتــن‪ ،‬مــرة عــى أيــدي النظــام قبــل الثــورة‬ ‫وخــال الثــورة وبعــد الثــورة‪ ،‬ومــرة أخــرى‬ ‫عــى يــد داعــش الغريبــة عــى أهــل الرقــة‬ ‫وعــى كل أهــل ســورية؟ ســؤال يرادفــه ســؤال‬ ‫آخــر ملــاذا الرقــة وليســت باقــي املــدن رزحــت‬ ‫تحــت نــر ظلــم النظــام وداعــش مع ـاً؟ هــل‬ ‫هــو بســبب رفــض قســم كبــر مــن أهلهــا‬ ‫التشــيع أو تراجــع مــن تشــيع مــن أبنائهــا عــن‬ ‫تشــيعه‪ ،‬ف ُعوقبــت املدينــة وأهلهــا عــى أيــدي‬ ‫أتبــاع النظــام اإليـراين املحتــل لســورية؟ أســئلة‬ ‫وغريهــا ســيجيب عنهــا التاريــخ يــوم تقــوم‬ ‫الدولــة املدنيــة الدميوقراطيــة الســورية‪ ،‬بكتابــة‬ ‫تاريــخ أعظــم ثــورة يف املنطقــة ثــورة الشــعب‬ ‫الســوري ضــد االســتبداد‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫من ذاكرة السجن‪:‬‬

‫حتية للرفيق الش��هيد نعمان عبدو‬ ‫أنور بدر‬ ‫بعــد أن تخرجــت مــن كليــة العلــوم يف جامعــة‬ ‫دمشــق عــام ‪ ،1979‬قصــدت إىل لبنــان للتســجيل يف‬ ‫كليــة الدراســات االجتامعيــة بالجامعــة اللبنانيــة‪ ،‬لكــن‬ ‫مشــوار الدراســة هــذا مل يتحقــق‪ ،‬ومل أســتطع إكــال‬ ‫ســفري إىل لبنــان‪ ،‬حيــث كانــت تنتظــرين مذكــرة توقيــف‬ ‫عــى الحــدود الســورية اللبنانيــة‪ ،‬دون أن تتضمــن أيــة‬ ‫تفســرات أو إيضاحــات حــول أســباب التوقيــف‪.‬‬ ‫ِــت ليلتــي هــذه يف النظــارة‪ ،‬ونقلــت يف‬ ‫املهــم أننــي ب ُّ‬ ‫اليــوم التــايل إىل فــرع األمــن الســيايس يف دمشــق‪ ،‬حيــث‬ ‫اســتقبلني العقيــد أمــن العــي وبــدأت تهــدأ أعصــايب‬ ‫قلي ـاً حــن عرفــت أن املســألة تتعلــق مبذكــريت توقيــف‬ ‫صدرتــا بشــكل منفصــل قبــل ســنتني‪ ،‬واحــدة مــن األمــن‬ ‫الســيايس‪ ،‬واألخــرى مــن األمــن العســكري‪ ،‬ويبــدو أن هذا‬ ‫األخــر كان أنشــط باملتابعــة فتــوىل القضيــة والتحقيــق‪،‬‬ ‫وأحلــت إىل محكمــة أمــن الدولــة العليــا بدمشــق‪ ،‬لكــن‬ ‫املفارقــة أن األمــن الســيايس مل يعلــم بذلــك‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫مــا زالــت مذكــرة التوقيــف التــي أصدرهــا قبــل عامــن‬ ‫ســارية املفعــول‪.‬‬ ‫ورغــم هــذا الوضــوح يف املســألة‪ ،‬إال أن اإلجـراءات األمنية‬ ‫مل تكــن بهــذه الســهولة‪ ،‬بحيــث يجــب إعــادة التحقيــق‬ ‫مجــددا ً واالطــاع عــى مســار االجــراءات يف محكمــة‬ ‫أمــن الدولــة مــا يســتغرق أيامـاً بــل وأســابيع‪ ،‬أودعــت‬ ‫خاللهــا يف ســجن الشــيخ حســن املعــروف بـ»كركــون‬ ‫الشــيخ حســن» وكانــت إقامتــي يف زنزانــة بالقبــو الثــاين‬ ‫مــن هــذا الســجن الــذي ال يضاهيــه أي ســجن يف العــامل‬ ‫بقذارتــه وســوء املعاملــة فيــه‪.‬‬

‫تتألــف الزنزانــة مــن مســطبة بعــرض نصــف مــر أو أقــل‬ ‫قليــاً‪ ،‬وبارتفــاع مشــابه عــن مســتوى األرض‪ ،‬وعليهــا‬ ‫بطانيــة للنــوم تحــوي كل ألــوان وطعــوم وروائــح القــذارة‬ ‫املعروفــة‪ .‬وهنــاك مســاحة موازيــة لتلــك املســطبة‪ ،‬أي‬ ‫بعــرض ال يتجــاوز النصــف مــر‪ ،‬يوجــد يف نهايتهــا فتحــة‬ ‫ميكــن اعتبارهــا مرحاض ـاً‪ ،‬وفــوق الفتحــة بقليــل وضــع‬ ‫صنبــور ميــاه للنظافــة والــرب‪ ،‬إن متكنــت مــن الــرب‬ ‫منــه‪.‬‬ ‫فــإذا علمنــا أن هــذا الســجن املبنــي أص ـاً تحــت األرض‬ ‫يقــع بالقــرب مــن منطقــة بــاب مصــى‪ ،‬يف زاويــة مــن‬ ‫مقــرة الشــيخ حســن أو «تربــة» لدفــن املــوىت‪ ،‬فــإن‬ ‫القــارئ يســتطيع أن يتخيــل حجــم الجــرذان والقــوارض‬ ‫التــي ميكــن أن تــزوره يف كل األوقــات ليــاً ونهــارا ً‪.‬‬ ‫ومــا أن اســتقر يب املقــام يف هــذه الزنزانــة حتــى أتــاين‬ ‫صــوتٌ فتــي‪ :‬يــا جديــد يــا جديــد؟ ومل أر ْد بالطيــع عمـاً‬ ‫بتعليــات الســجان‪ ،‬لكــن الصــوت تكــرر مــع إضافــة‪:‬‬ ‫هــل تريــد دخــان؟ هــل تريــد شــاي؟ مــا حفــزين‬ ‫للنظــر مــن فتحــة صغــرة يف بــاب الزنزانــة الحديــدي‬ ‫فتــى صغــر الجســم يتحــرك‬ ‫تدعــى «رشاقــة»‪ ،‬فرأيــت ً‬ ‫بنشــاط وحــذر بــن الزنازيــن‪ ،‬علمــت الحقـاً أن الســجانة‬ ‫اســتأمنوه لصغــر ســنه‪ ،‬فســمحوا لــه بالبقــاء خــارج‬ ‫الزنزانــة يك يســتطيع الســجان أن يقــي وقتــه يف غرفــة‬ ‫الحــرس املوجــودة يف الطابــق األريض مــن الســجن‪،‬‬ ‫ويتكفــل هــذا الفتــى بنقــل طلبــات املوقوفــن إىل‬ ‫الســجانة عنــد الــرورة‪.‬‬ ‫صبــاح هــذا اليــوم بتاريــخ ‪ 2014 /12 /7‬وبعــد مــا يقــرب‬

‫مــن ‪ 35‬ســنة عــى تلــك الذكــرى أتــاين خــر استشــهاد‬ ‫ذلــك الفتــى الرفيــق نعــان عبــدو يف مخيــم الريمــوك‪.‬‬ ‫نعــان عبــدو مــن مدينــة ســلمية‪ ،‬تعرفــت إليــه يف‬ ‫زنازيــن الســجن‪ ،‬ومل يبلــغ الثامنــة عــر مــن عمــره‪ ،‬وكان‬ ‫فتــى يانعـاً مقبـاً عــى الحيــاة‪ ،‬وقــد خــرج مناضـاً صلبـاً‬ ‫مــن الســجن‪ ،‬والتقيــت بــه بعــد ذلــك بســنوات‪ ،‬وقــد‬ ‫خــر رجلــه اليــرى‪ ،‬وهــو يقاتــل مــع الفلســطينيني يف‬ ‫لبنــان‪ ،‬خــر رجلــه برصاصــة مــن الجيــش الســوري الذي‬ ‫هاجــم معســكر للشــباب يف شــتاء عــام ‪ 1983‬لكنــه ظـ ّـل‬ ‫واقفـاً‪ ،‬ومل مينعــه ذلــك مــن املشــاركة يف العمــل الســيايس‪،‬‬ ‫ويف الثــورة الســورية لحظــة اندالعهــا‪ ،‬وحــن ضاقــت بــه‬ ‫مدينــة ســلمية جــاء إىل مخيــم الريمــوك الــذي هجــره‬ ‫كثــر مــن ســكانه الســوريني والفلســطينيني‪ ،‬وظـ ّـل واقفـاً‬ ‫ومشــاركاً يف صنــع مســتقبل أفضــل لســوريا حتــى وفاتــه‬ ‫صبــاح هــذا اليــوم الشــتايئ الحزيــن‪.‬‬ ‫هنــاك أشــخاص نــذروا حياتهــم للحريــة ولعشــق الحيــاة‪،‬‬ ‫رس‬ ‫لذلــك نراهــم يواجهــون املــوت بتفــاؤل يشــكل ّ‬ ‫قوتهــم ومنبــع العزميــة الــذي ينهلــون منــه‪ ،‬وقــد عرفــت‬ ‫الســجن ملـرات طويلــة آخرهــا ‪ 12‬عامـاً يف فــرع فلســطني‬ ‫وســجن صيدنايــا العســكري بدمشــق‪ ،‬لكننــي لــن أنــى‬ ‫مــا حييــت ذلــك الفتــى الــذي أخرجنــي مــن عزلــة‬ ‫ووحشــة زنزانــات كركــون الشــيخ حســن‪ ،‬وهــو يقــدم يل‬ ‫كــوب الشــاي الدافــئ‪ ،‬ويشــكل جـرا ً بينــي وبــن باقــي‬ ‫رفاقــي املوزعــن يف تلــك الزنازيــن الرهيبــة‪.‬‬ ‫نعــان عبــدو مل يســتطع الســجن‪ ،‬ومل تســتطع اإلعاقــة‬ ‫أن تنــال مــن عزميتــه‪ ،‬ومــن عشــقه للحيــاة وللحريــة‪،‬‬

‫فظــل يقاتــل واقفـاً حتــى مامتــه يف مخيــم الريمــوك‪ ،‬ذلــك‬ ‫املــوت الــذي يذكرنــا اآلن مبرسحيــة أليخانــدرو كاســونا‬ ‫الشــهرية «األشــجار متــوت واقفــة»‪ ،‬إذ أن صديقــي الــذي‬ ‫تفتحــت يفاعتــه يف الســجن‪ ،‬اســتمر وفيـاً ملبادئــه وقيــم‬ ‫الثــورة والحريــة‪ ،‬واســتمر يف مواقفــه ضـ ّد نظــام الفســاد‬ ‫والطغيــان‪ ،‬ورحــل واقفـاً وعاشــقاً للحريــة التــي ضمنــت‬ ‫أخ ـرا ً جســده املنهــك حتــى النهايــة‪.‬‬

‫واشنطن تحاول شيطنة اإلسالم المعتدل‪..‬؟!‬ ‫الطاهر إبراهيم‬ ‫مــع بدايــة العــر األخــر مــن القــرن العرشيــن وبعــد‬ ‫هــدم جــدار برلــن وتفــكك االتحــاد الســوفيايت‪ ،‬شــهد العــامل‬ ‫قــوة وحيــدة تتحكــم فيــه هــي أمريــكا‪ ،‬التــي فرضــت‬ ‫نفســها رشطيـاً للعــامل وقاضيـاً يحكــم بتجريــم أقــوام وتربئــة‬ ‫آخريــن‪ .‬لعــل أبــرز املظاهــر التــي ظهــرت فيهــا واشــنطن‬ ‫أنهــا اتخــذت قوائــم لإلرهــاب تضــع عليهــا مــن ال يوافقهــا‬ ‫مــن الــدول والجامعــات واألشــخاص‪.‬‬ ‫كان مــن أذرعهــا التــي تطــال الذيــن وضعــت أســاؤهم‬ ‫عــى الالئحــة الســوداء‪ :‬اإلنرتبــول واملحكمــة الجنائيــة‬ ‫الدوليــة ومعظــم البنــوك التــي لهــا صفــة دوليــة‪ .‬وأحيان ـاً‬ ‫ترســل جيشــها لجلــب املطلوبــن لهــا إىل الســاحة التــي‬ ‫تجعلهــا مكان ـاً لتطبيــق عدالتهــا عليــه‪ ،‬أو تجمــد مالحقــة‬ ‫مطلوبــن للوقــت الــذي قــد ت ـراه مناســباً لفــرض رشوطهــا‬ ‫عليهــم‪ .‬يكفــي أن نــرى مــا فعلتــه يف العـراق عندمــا غزتــه‬ ‫عــام ‪ 2003‬وحطمــت دولتــه وســلمته أنقاض ـاً إىل حكومــة‬ ‫املالــي ففــرض الطائفيــة التــي دمــرت مــا كان يعــرف‬ ‫بدولــة اســمها الع ـراق‪ ،‬وكل ذلــك فعلتــه واشــنطن بعيــدا ً‬ ‫عــن مجلــس األمــن‪.‬‬ ‫كان مــا فعلتــه واشــنطن بعيــدا ً عــن العدالــة الدوليــة‪،‬‬ ‫أنهــا كانــت ترســل طائ ـرات دون طيــار تقصــف يف جبــال‬ ‫أفغانســتان‪ ،‬بعــد أن عجــزت جيوشــها عــن تنفيــذ مــا‬ ‫تريــده‪ .‬كــا أنهــا كانــت ترســل طائراتهــا لتقصــف طالبــان‬ ‫باكســتان يف شــال باكســتان‪ ،‬وتقصــف قبائــل يف جنــوب‬ ‫اليمــن بحجــة أنهــا أماكــن وجــود القاعــدة‪ ،‬وقــد قتلــت‬ ‫أضعــاف مــا تقتــل مــن عنــارص القاعــدة‪ .‬كان آخــر هجــوم‬ ‫يف ‪ 24‬ترشيــن أول الجــاري يف «رداع» اليمنيــة ملــؤازرة‬

‫الحوثيــن ضــد رجــال القبائــل‪ .‬وقــد جيشــت اآلن تحالف ـاً‬ ‫مــن أكــر مــن ‪ 40‬دولــة لنــرة حفنــة مــن األكـراد يف عــن‬ ‫العــرب‪ ،‬ومنعــت وصــول ســاح مضــاد للطائــرات التــي‬ ‫تقصــف الســوريني بالرباميــل‪.‬‬ ‫لعــل األشــد فظاعــة مــن ذلــك كلــه اعتقــال واشــنطن‬ ‫ألكــر مــن ‪ 500‬مــن العــرب واملســلمني وإيداعهــم ســجن‬ ‫غوانتنامــو الرهيــب مــن دون محاكمــة‪ .‬وقبــل وصــول‬ ‫بــاراك أوبامــا إىل الســلطة‪ ،‬كان أكــد يف دعايتــه االنتخابيــة‬ ‫تقديــم هــؤالء إىل املحاكمــة‪ ،‬ومــن ثــم إغــاق غوانتنامــو‪،‬‬ ‫لكنــه رجــع عــن ذلــك‪ .‬ال يهمنــا ســبب رجوعــه‪ ،‬إمنــا املهــم‬ ‫أنــه ال ميكــن االطمئنــان إىل مــا تفكــر بــه واشــنطن‪.‬‬ ‫هــذه السياســة التــي أصبحــت خلقــاً ألمريــكا ولّــد عنــد‬ ‫الشــعوب اإلســامية والعربيــة «كـاً» هائـاً مــن عــدم الثقة‬ ‫مــا ميكــن أن تفعلــه بهــم أمريــكا‪ .‬ومــا جعــل املســلمني‬ ‫يتوجســون مــن مســتقبلهم الغامــض مــع واشــنطن أنهــا‬ ‫احتكــرت الحقيقــة‪ .‬والحقيقــة املخوفــة هنــا هــي تفســر‬ ‫واشــنطن لألمــور‪ ،‬وليــس مــا يحصــل عــى أرض الواقــع‪.‬‬ ‫كان اإلخــوان املســلمون يف ســورية أعلنــوا قبــل أكــر مــن‬ ‫ســنتني يف وثيقــة ســموها «عهــد وميثــاق»‪ :‬التزا َمهــم‬ ‫بالدميقراطيــة والتعدديــة السياســية‪ ،‬ومــا تفــرزه صناديــق‬ ‫االقـراع ومبــدأ تــداول الســلطة يف ســورية املســتقبل‪ .‬وقــد‬ ‫هلــل السياســيون الســوريون لهــذا اإلعــان‪ ،‬ثــم تبــن لهــم‬ ‫أن واشــنطن لــن تقبــل باإلخــوان املســلمني ولــو خلعــوا‬ ‫جلودهــم‪ ،‬فانكفــأ باقــي السياســيني الســوريني نحــو‬ ‫واشــنطن‪.‬‬ ‫واشــنطن تريــد شــيطنة اإلخــوان املســلمني ليــس يف ســورية‬

‫فحســب‪ ،‬بــل هــذا ديدنهــا يف الــرق منــذ أن ورثــت‬ ‫بريطانيــا يف البــاد العربيــة ويف الــرق اإلســامي‪ .‬كان مــا‬ ‫ســعت لــه واشــنطن أن يقــود العلامنيــون الثــورة الســورية‬ ‫وســمتهم املعتدلــن‪ .‬وقــد علــم الســوريون أن هــؤالء‬ ‫املعتدلــن مــن غــر امللتزمــن باإلســام لكــن الواحــد منهــم‬ ‫مــا إن ينضــم إىل قتــال النظــام حتــى يصبــح جهاديـاً خالصـاً‪،‬‬ ‫فليــس هنالــك يف الثــورة الســورية معتــدل ومتطــرف‪ .‬أمــا‬ ‫املعتدلــون فهــم إمــا ضبــاط انشــقوا عــن الجيــش النظامــي‬ ‫وقــد أنفــوا أن ينخرطــوا تحــت قيــادة قــادة الفصائــل‬ ‫املدنيــن‪ ،‬وقــد تجمــع أكرثهــم يف تركيــا‪ .‬أو أنهــم أصحــاب‬ ‫طمــوح أرادوا أن يكــون لهــم شــأن فرضــوا مبــا عرضتــه‬ ‫واشــنطن‪.‬‬ ‫حتــى اآلن مل تســتطع طائــرات التحالــف أن تنجــح يف‬ ‫تحجيــم تنظيــم الدولــة داعــش‪ .‬بــل نــرى أن هــذا التنظيــم‬ ‫يــزداد اتســاعاً أفقيــاً وشــاقولياً كلــا ازدادت هجــات‬ ‫ط ـران التحالــف‪ .‬بــل إن البعــض يعتقــد أن هــذا التنظيــم‬ ‫ميتلــك أســلحة أمريكيــة مضــادة غنمهــا مــن جيــش املالــي‪،‬‬ ‫مل يســتعملها حتــى اآلن‪ ،‬يخبئهــا ليفجــر بهــا مفاجــأة‬

‫تعصــف بهيبــة واشــنطن أمــام شــعبها وحلفائهــا‪.‬‬ ‫نعــود إىل مــا بدأنــا بــه مقالنــا فنتســاءل‪ :‬ملــاذا تريــد‬ ‫واشــنطن شــيطنة اإلســام املعتــدل؟ وكان األحــرى بهــا أن‬ ‫تســتعني بــه لتحتــوي القاعــدة وداعــش وأخواتهــا ومــا‬ ‫ميكــن أن يظهــر بعــد‪ .‬الجــواب واضــح لدينــا‪ ،‬فهــي تخــى‬ ‫اإلســام املعتــدل أكــر مــا تخــى مــن القاعــدة وداعــش‪.‬‬ ‫فقــد رأت كيــف أحســن اإلســاميون املعتدلــون النتيجــة يف‬ ‫االنتخابــات التــي جــرت يف كل مــن مــر وتونــس ويف ليبيــا‬ ‫باالنتخابــات األوىل‪ ،‬لــذا فهــي تســتبق الوضــع يف ســورية‬ ‫فــا متكــن للثــوار‪.‬‬ ‫يبقــى التســاؤل الوجيــه الــذي يخطــر ببــال البعــض‪ :‬وهو أن‬ ‫واشــنطن مل تحســب حســاب توســع األمــر فينقلــب الســحر‬ ‫عــى الســاحر‪ .‬فيتوســع داعــش الــذي كان قبــل ســنة ال‬ ‫يعــد عســكره عــدة مئــات يف العــراق ومثلهــا يف ســورية‪،‬‬ ‫فأصبــح اآلن يعــد بع ـرات األلــوف‪ .‬بــل قــد ميتــد ذراعــه‬ ‫إىل اليمــن الــذي ميــوج بالقبائــل الســنية الذيــن قتلــوا حتــى‬ ‫اآلن عــدة مئــات مــن الحوثيــن الذيــن تدعمهــم واشــنطن‬ ‫وإي ـران‪ ،‬والحبــل عــى الج ـرار‪ .‬ومــا خفــى كان أعظــم!!‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫س��يغموند فروي��د وهيكلي��ة الش��خصية الس��ورية‬ ‫براء الجمعة‬ ‫مــا ال شــك فيــه أ ّن يف بلــدان العــامل الثالــث ال تنطبــق عــى‬ ‫ذواتنــا الشــخصية أي نظريــة مــن نظريــات بنــاء الشــخصية االنطبــاق‬ ‫التــام‪ ,‬بســبب اإلعاقــة النفســية والفكريــة‪ ،‬التــي تعرضــت لهــا هــذه‬ ‫املجتمعــات نتيجــة فكــر اســتبدادي شــخيص‪ ,‬أو فكــر جمعــي خاطــئ‬ ‫إلحــدى املفاهيــم الدينيــة أو العــادات والعــرف‪ ،‬ناهيــك عــن األوضــاع‬ ‫االقتصاديــة املزريــة‪ ،‬التــي تؤثــر عــى الشــخصية اإلنســانية بشــكل كبــر‬ ‫(ســلباً غالب ـاً‪ ،‬إيجاب ـاً)‪ ،‬ولكــن ســنحاول منذجــة إحــدى هــذه النظريــات‬ ‫عــى الشــخصية الســورية‪ ،‬ومــن النظريــات املشــهورة يف بنــاء الشــخصية‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬نظريــة الفيلســوف النمســاوي ســيغموند فرويــد‪ ،‬وهــذه‬ ‫النظريــة تتلخــص مبــا يــي يقــول‪ :‬يولــد الطفــل مــزودا ً مبجموعــة دوافــع‬ ‫هائلــة‪ ،‬تســعى لتحقيــق هدفــن‪:‬‬ ‫‪ -1‬املحافظة عىل ذاته من أخطار العامل الخارجي‪.‬‬ ‫‪ -2‬إشباع الرغبات وتحقيق الذات‪.‬‬ ‫ووصــف فرويــد النفــس اإلنســانية باملنطقــة أو الفـراغ‪ ،‬الــذي متــوج فيــه‬ ‫الرغبــات التــي يســعى لتحقيقهــا الكائــن الحــي وس ـ ّمى هــذه املنطقــة‬ ‫بـــ‪( :‬الهــو)‪ ،‬ولهــذا الف ـراغ رابطــن أو ضابطــن برتــب مختلفــة‪ ،‬أطلــق‬ ‫عليهــا حســب ترتيــب الرتــب بـ(األنــا) و(األنــا األعــى)‪ ،‬ومــا أطلــق عليــه‬ ‫فرويــد (األنــا) مــا نســميه نحــن‪( :‬الضمــر)‪ ،‬و(األنــا األعــى) هــو الضمــر‬ ‫الجمعــي للجامعــة‪ ،‬أي العــادة أو العــرف أو الرشيعــة التــي تعتقــد بهــا‬ ‫هــذه الجامعــة التــي ينتمــي إليهــا الفــرد‪.‬‬ ‫ولــو م ّررنــا ثــاث عينــات مــن املجتمــع الســوري‪ ،‬تحــت عدســة فرويــد‪،‬‬ ‫لتبــن لنــا‪ ،‬وطبعــاً هــذه العينــات التــي ســنختارها أغلبهــا شــاذ ألن‬ ‫الشــاذ هــو الــذي يلفــت النظــر وليــس الســوي‪.‬‬ ‫العينــة األوىل‪ :‬شــخصية ذات نشــأة مشــبوهة أيــام النظــام‪ ،‬وحــارض‬ ‫أســود أيــام الثــورة‪ ،‬عــى فــرض أن هــذا الشــخص كان لصـاً أيــام النظــام‬ ‫فاعتمــد عــى الرسقــة إلشــباع اللــذات والرغبــات‪ ،‬أو حاجاتــه األساســية‬ ‫كالطعــام‪ ،‬وهــو كفيــل نفســه مــن أخطــار العــامل الخارجــي طاملــا البلــد‬ ‫يف هدنــة دامئــة‪ ،‬فهــو لــن يضطــر عــى أيــة حــال لقتــل أي شــاهد عيــان‬ ‫عــى جرميتــه‪ ،‬إال إذا اعتــدى عليــه هــذا الشــاهد‪ ،‬ولكــن بعــد ســقوط‬ ‫النظــام يف املناطــق املحــررة‪ ،‬ط ـ ّور نفســه وتحــول إىل قاطــع طريــق أي‬ ‫لــص وقاتــل يف نفــس الوقــت‪ .‬فـ(الهــو) عنــده منطقــة دامئــة التوســع‪،‬‬ ‫أمــا األنــا (الضمــر) تحكمــه رغبــة إشــباع جوعــه وغريزتــه‪ ،‬واألنــا األعــى‬

‫كان النظــام ســابقاً‪ ،‬وليــس الديــن أو العــرف‪ ،‬ألنــه تحــول إىل قاتــل بعــد‬ ‫ســقوط (األنــا األعــى) عنــده أي النظــام‪ ،‬فهــو يخــى عقــاب النظــام‪،‬‬ ‫وليــس عقــاب الديــن أو العــرف والعــادة‪.‬‬ ‫العينــة الثانيــة‪ :‬شــخصية ســوية أيــام النظــام‪ ،‬منحــرف أيــام الثــورة‪،‬‬ ‫بلســان الشــارع (كان كايف النــاس خــره ورشه)‪ ،‬ولكــن الثــورة تجــي‬ ‫الغشــاوة عــن األبصــار‪ ،‬بســقوط النظــام انحــرف وتحــول إىل لــص تحــت‬ ‫اســم العمــل الثــوري والغطــاء الدينــي غالب ـاً (إن هــذه األمــوال ملــك‬ ‫النظــام البائــد وحاشــيته وحــال اســتغاللها ورسقتهــا)‪ ،‬وهــذه العينــة‬ ‫أخطــر مــن ســابقتها‪ ،‬ألن الفــرد فيهــا يعمــل عــادة ضمــن مجموعــات‬ ‫تدعــي اإلســام مــا يغــري عاطفيـاً الكثــر مــن املراهقــن لالنخـراط بهــا‪،‬‬ ‫بســبب العــوز الفكــري والعاطفــة التــي يجــب أن ت ُفــرغ يف مجــال مــا‪،‬‬ ‫كــا تُغــري مــن يفكــر بعقــل غــره‪.‬‬ ‫الرغبــة‪ :‬زيــادة الــروة بوتــرة متســارعة (غنــى رسيــع)‪( ،‬الهــو) منطقــة‬ ‫كانــت محبوســة وانفجــرت فلــن تنضبــط باألمــر الســهل‪( ،‬األنــا) إرضــاء‬ ‫الضمــر الفــردي بفتــوى غــر مقتنــع بهــا متام ـاً‪ ،‬ولكــن يتدخــل العقــل‬ ‫الطمــوح للتأثــر ســلباً عــى الضمــر وإســكاته‪ ،‬لتحقيــق الــروة الرسيعــة‪،‬‬ ‫(األنــا األعــى) هــو أنــا مســتعار فقهــي تســوقه املــادة كــا (األنــا)‪.‬‬ ‫العينــة الثالثــة‪ :‬شــخصية ســوية يف املرحلتــن (النظــام والثــورة) عــى‬ ‫املنظــور القريــب‪ ،‬ولكنهــا ســلبية يف املنظــور البعيــد‪ ،‬وهــذه الشــخصية‬ ‫يســوقها الهــوى‪ ،‬رشاعهــا كبــر‪ ،‬فهــي تعمــل رهينــة ملجموعــات تحمــل‬ ‫الفكــر الجهــادي التكفــري دون أدىن تفكــر أو تســاهل‪ ،‬مــن هــو القائــد؟‬ ‫ومــا الدافــع وراء التفجــر أو العمــل الــذي نقــوم بــه طاملــا أن هــؤالء‬ ‫األفــراد بايعــوا قائدهــم عــى الحيــاة واملــوت دون تســاؤل‪ ،‬والطامــة‬ ‫الكــرى أن يكــون القائــد بيــدق بيــد مافيــا عامليــة لهــا مــآرب شــخصية‬ ‫عــى األرض الســورية‪ ،‬أو يكــون هــو ذاتــه مافيــا مرتبطــة بالنظــام‪.‬‬ ‫الرغبــة هنــا للفــرد هــي رغبــة دفينــة يريــد تحقيقهــا يف العــامل اآلخــر‬ ‫(الجنــة) حيــث الحــور العــن وأنهــار اللــن والخمــر‪ ،‬أمــا (الهــو) منطقــة‬ ‫محبوســة ومكبوتــة دنيوي ـاً بتأثــر الفكــر اإلســامي تأمــل بالتحقــق يف‬ ‫العــامل الثــاين‪( ،‬األنــا) الضمــر اإلســامي للفــرد ذاتــه‪( ،‬األنــا األعــى)‬ ‫الفكــر اإلســامي كــا يفهمــه قائــد هــذه الجامعــة فقــط‪.‬‬ ‫ومــا ســلف نالحــظ‪ :‬أن الطغيــان الــذي يســببه الفــرد ضمــن الجامعــة‬ ‫أو املجتمــع هــو أشــد خطــر مــن طغيــان املجتمــع أو الجامعــة ككل‪ ،‬ولــو‬ ‫كان العكــس صحيــح لكــن املجتمــع أكــر اتزانـاً‪.‬‬

‫س��وريا املس��تقبل واملس��ألة الكردية‬ ‫خليل حسين‬ ‫الثــورة الســورية «ثــورة سياســية» وذات‬ ‫«طابــع تاريخــي»‪ ،‬إن مل نقــل «ثــورة تاريخيــة»‬ ‫مخافــة املبالغــة يف التوقعــات واإلغــراق يف‬ ‫التفــاؤل‪ .‬وهــي تواجــه تحديــات كبــرة بقــدر‬ ‫مــا تحمــل مــن آمــال عريضــة‪ .‬فاملأمــول منهــا‬ ‫ال يقــف عنــد حــد تغيــر «النظــام الســيايس»‪،‬‬ ‫وإمنــا إعــادة بنــاء «دولــة» ســورية ووالدة‬ ‫«شــعب» ســوري بـ»هويــة وطنيــة» ســورية‪.‬‬ ‫فمشــكلة ســورية مل تكــن تقتــر عــى بــدء‬ ‫تــآكل «عقدهــا االجتامعــي» منــذ أواخــر‬ ‫خمســينيات القــرن املــايض وصــوالً إىل تالشــيه‬ ‫خــال األربعــن ســنة املاضيــة وحســب‪ ،‬وإمنــا‬ ‫يف عيــوب وقصــور اعــرت «عقدهــا االجتامعــي‬ ‫التأســييس» األول‪ .‬فعــى الرغــم مــن أن الفصــل‬ ‫األول مــن دســتور ‪ 1950‬جــاء تحــت عنــوان «يف‬ ‫الجمهوريــة الســورية» نصــت املــادة األوىل منــه‬ ‫عــى أن‪« :‬ســورية جمهوريــة عربيــة دميقراطيــة‬ ‫نيابيــة ذات ســيادة تامــة‪ .‬وهــي وحــدة سياســية‬ ‫ال تتجــزأ وال يجــوز التخــي عــن جــزء مــن‬ ‫أراضيهــا‪ .‬والشــعب الســوري جــزء مــن األمــة‬ ‫العربيــة»‪ .‬ويف حــن قضــت املــادة الســابعة‬ ‫بــأن‪« :‬املواطنــون متســاوون أمــام القانــون‬ ‫يف الواجبــات والحقــوق ويف الكرامــة واملنزلــة‬ ‫االجتامعيــة‪ ».‬مل تكمــل لتقــول‪« :‬بغــض النظــر‬ ‫عــن الديــن أو العــرق أو الجنــس ‪ ،»...‬متاشــياً‬ ‫مــع املــادة الثانيــة مــن إعــان حقــوق اإلنســان‪:‬‬ ‫«لــكل إنســان حــق التمتــع بجميــع الحقــوق‬ ‫والحريــات املذكــورة يف هــذا اإلعــان‪ ،‬دومنــا‬ ‫متييــز مــن أي نــوع‪ ،‬وال ســيام التمييــز بســبب‬ ‫العنــر‪ ،‬أو اللــون‪ ،‬أو الجنــس‪ ،‬أو اللغــة‪ ،‬أو‬ ‫الديــن‪ ،‬أو الــرأي سياســياً وغــر ســيايس‪ ،‬أو األصل‬ ‫الوطنــي أو االجتامعــي‪ ،‬أو الــروة‪ ،‬أو املولــد‪ ،‬أو‬ ‫أي وضــع آخــر‪ ».‬وإذا كان هــذا هــو الحــال عــى‬ ‫املســتوى النظــري‪ ،‬دســتورياً ومــا ينتــج عنــه‬ ‫مــن ترشيعــات ومؤسســات‪ ،‬فــإن حــال مســتوى‬ ‫الواقــع العمــي املــارس للســوريني هــو األخطــر‪.‬‬ ‫فلقــد عاشــت الغالبيــة الكاســحة مــن الســوريني‬

‫(وجهة نظر تيار املواطنة يف سوريا)‬

‫ازدواجيــة عميقــة ومزمنــة‪ ،‬بــن مــا يحملونــه‬ ‫ويرفعونــه مــن أيديولوجيــا وشــعارات وأهــداف‬ ‫«قوميــة عروبيــة» عابــرة برتفــع عــن «الوطنيــة‬ ‫الســورية»‪ ،‬وبــن مــا يعيشــونه حقيقــة يف‬ ‫حياتهــم اليوميــة مــن انتــاءات وعالقــات‬ ‫ومؤسســات طائفيــة ومذهبيــة «مــا تحــت‬ ‫وطنيــة» دون أن يرتقــوا إىل «هويــة وطنيــة»‬ ‫ســورية‪ .‬وأدى هــذا التناقــض‪ ،‬فيــا أدى إليــه‪،‬‬ ‫إىل ضعــف «بنــاء دولــة وطنيــة ســورية» مقابــل‬ ‫تــورم «قطــر ســوري» يســعى إىل دولــة عربيــة‬ ‫منشــودة‪ ،‬وهشاشــة «وجــود شــعب ســوري»‬ ‫مقابــل «شــعب عــريب يف ســورية» يقــي‬ ‫ويهمــش الســوريني مــن غــر العــرب‪ ،‬والكــرد‬ ‫منهــم عــى وجــه الخصــوص‪.‬‬ ‫مــا تقــدم تتضــح إحــدى أكــر التحديــات‬ ‫أمــام ســوريا املســتقبل‪ ،‬أال وهــي بنــاء «دولــة‬ ‫وطنيــة» ســورية قامئــة عــى «عقــد اجتامعــي»‬ ‫جديــد يفتــح صــرورة الندمــاج اجتامعــي يفتــح‬ ‫صــرورة لخلــق «شــعب ســوري» يحمــل هويــة‬ ‫«وطنيــة ســورية»‪ .‬يبــدأ هــذا العقــد االجتامعــي‬ ‫بالحقــوق املتســاوية للمواطنــن بغــض النظــر‬ ‫عــن العــرق والدين والجنــس‪ ،‬وال ينتهــي عندها‪.‬‬ ‫فالحقــوق يجــب أن تشــمل الحقــوق الثقافيــة‬ ‫واللغويــة لجميــع الســوريني مــن مختلــف‬ ‫األعــراق والقوميــات بــا تــردد أو اســتثناء‪.‬‬ ‫يضــاف إىل ذلــك الحقــوق الخاصــة بالكــرد‪ .‬وإذ‬ ‫منيــز الكــرد عــن غريهــم مــن األصــول القوميــة‬ ‫األخــرى‪ ،‬غــر العربيــة‪ ،‬فذلــك بســبب الوضــع‬ ‫الدميوغـرايف والتاريخــي الخــاص بهــم واملختلــف‬ ‫عــن بقيــة األقــوام األخــرى‪ .‬فليــس لــكل مــن‬ ‫الرسيــان واآلشــوريني واألرمــن والرشكــس‬ ‫والرتكــان مطالــب وطموحــات تتعــدى حقــوق‬ ‫املواطنــة املتســاوية والحقــوق الثقافيــة واللغوية‬ ‫والسياســية املتناســبة مــع وجودهــم التاريخــي‬ ‫والراهــن عــى األرض الســورية وطموحاتهــم‬ ‫الذاتيــة‪ ،‬ألســباب تاريخيــة وجغرافيــة وســكانية‬ ‫غنيــة عــن التعريــف‪ .‬مــن هنــا تتوقــف صحــة‬ ‫«العقــد االجتامعــي» الســورية عــى معالجــة‬ ‫«خصوصيــة» املســألة الكرديــة يف ســورية‪.‬‬

‫واملدخــل الصحيــح لحــل املســألة الكرديــة يف‬ ‫ســورية ينطلــق مــن أمريــن اثنــن‪ ،‬يتجــى‬ ‫أولهــا بــأن يعيــد الســوريون مــن أصــل عــريب‬ ‫النظــر باملســألة الكرديــة مــن اعتبارهــا «مشــكلة‬ ‫أكـراد يف ســورية» إىل اعتبارهــا مســألة «وطنيــة‬ ‫ســورية» بامتيــاز‪ ،‬ويتوقــف عــى معالجتهــا‬ ‫بشــكل صحيــح رســم مســتقبل ســورية املأمــول‪.‬‬ ‫واألمــر اآلخــر يتعلــق مبــدى إمكانيــة أن ينظــر‬ ‫الكــرد الســوريون بوصفهــم جــزءا ً مــن الشــعب‬ ‫الكــردي إىل قضيتهــم‪ ،‬يف املــدى املنظــور‬ ‫واملســتقبل الراهــن عــى األقــل‪ ،‬بأنهــا «قضيــة‬ ‫ســورية» يحملهــا ســوريون مــن أصــل كــردي‬ ‫للوصــول إىل أفضــل تصــور ملســتقبل ســورية‪.‬‬ ‫وألن معالجــة «القضيــة الكرديــة» معالجــة‬ ‫تاريخيــة تتعلــق باألمــة الكرديــة وثقلهــا الرئيــس‬ ‫خــارج ســورية مــن جهــة أوىل‪ ،‬ومعالجتهــا‬ ‫مــن منظــور مبــدأ «حــق الشــعوب يف تقريــر‬ ‫مصريهــا» مــن جهــة أخــرى‪ ،‬متــت يف فقــرات‬ ‫ســابقة فســنحرص نقاشــنا يف هــذه الفقــرة‬ ‫عــى معالجتهــا مــن خــال االحتــاالت‬ ‫املتاحــة واملمكنــة يف الواقــع العيــاين امللمــوس‬ ‫يف الظــروف الســورية الراهنــة مبالبســاتها‬ ‫وتعقيداتهــا‪ .‬مــن الطبيعــي‪ ،‬واملــرر‪ ،‬واملفهــوم‬ ‫أن تعلــو األصــوات الكرديــة‪ ،‬وتصبــح واضحــة‬ ‫وعلنيــة وجذريــة بعــد الثــورة يف ســورية‪ ،‬بعــد‬ ‫أن كانــت اآلراء والطروحــات نفســها تُقــال يف‬ ‫الســابق بخفــوت‪ ،‬ويف الغــرف املغلقــة‪ ،‬وعــر‬ ‫بعــض األدبيــات الحزبيــة الجذريــة‪ .‬ومــن‬ ‫الطبيعــي أيضــاً أن يتــم الحديــث عــن «ربيــع‬ ‫كــردي بعــد الربيــع العــريب»‪ ،‬وأن يتــم التذكــر‬ ‫بــأن «ربيعــاً كرديــاً» ســبق الربيــع العــريب يف‬ ‫القامشــي عــام ‪ .2004‬وكــا يقــال‪ ،‬بحــق‪،‬‬ ‫بأنــه ال ميكــن تجــاوز «عطــش الكــرد إىل حكــم‬ ‫أنفســهم ذاتي ـاً»‪ ،‬وبــأن «الحــل الوحيــد يتمثــل‬ ‫بالفدراليــة»‪ .‬فهــل الفيدراليــة ممكنــة عملي ـاً يف‬ ‫الواقــع الســوري املشــخص عيانيــاً؟‬ ‫ينتــر الشــعب الكــردي يف ســورية عــى‬ ‫مســاحات شاســعة مــن األرض‪ ،‬وتتموضــع‬ ‫التجمعــات الســكانية ذات األغلبيــة الكرديــة‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫‪9‬‬

‫نقطة أول السطر‬ ‫الخطان المتوازيان يلتقيان‬ ‫الشاوي الضليل‬ ‫للوهلــة األوىل تبــدو أن خطــة دي ميســتورا‪ ،‬أمريكيــة بامتيــاز‪ ،‬أو مبعنــى آخــر‪ ،‬أحــد‬ ‫األســس التــي ترتكــز عليهــا الخطــة األمريكيــة املرســومة للمنطقــة‪ ،‬لكــن مــن خــال حركــة‬ ‫دي ميســتورا‪ ،‬وتكتيكاتــه يف التســويق‪ ،‬تتضــح بعــض مالمحهــا املعقــدة‪ ،‬التــي تؤكــد يف‬ ‫أكــر مــن عمــل‪ ،‬أنهــا بُنيــت عــى مســارين (خطــن) متوازيــن‪ ،‬يديــر األمريــكان و(أصدقــاء‬ ‫الشــعب الســوري) مســارا ً‪ ،‬واآلخــر تحــت إرشاف وإدارة روســيا (بوتــن)‪ ،‬وهــي مزيــج بــن‬ ‫جنيــف‪ 1‬وبــن موســكو‪ 1‬املرتقــب‪.‬‬ ‫أعتقــد أن مؤمتــر موســكو‪ 1‬الــذي أُعــد ويُعــد لــه روســياً‪ ،‬ســيكون أكــر خطــورة يف املســألة‬ ‫الســورية‪ ،‬وســتكون نتائجــه السياســية مدمــرة ألهــداف الثــورة الســورية‪ ،‬ألن املُــرب مــن‬ ‫لقــاءات الــروس بـ(معارضــن ســوريني)‪ ،‬يتمحــور حــول مثــن إيقــاف تدمــر مــا تبقــى مــن‬ ‫ســورية مــن البــر والحجــر واملــوارد‪ ،‬املوافقــة عــى بقــاء (النظــام كنظــام) عــر جيــش‬ ‫ت ُدمــج فيــه التشــكيالت اإلســامية (املعتدلــة)‪ ،‬واإلبقــاء عــى األجهــزة األمنيــة‪ ،‬بعــد تشــذيبها‬ ‫مــن بعــض العنــارص القياديــة املتهمــة بارتــكاب انتهــاكات جنائيــة خطــرة بحــق الشــعب‬ ‫الســوري‪ ،‬وحكومــة مختلطــة مــن مــوالة و(معارضــة)‪ ،‬فاقــدة لقرارهــا الســيادي‪ ،‬ألن ســورية‬ ‫املســتقبل ســتكون دولــة فاشــلة تُــدار بالرشاكــة مــن خــال تفاهــات الالعبــن الكبــار‪.‬‬ ‫أعتقــد أن املســار الــذي يؤســس دي ميســتورا لــه‪ ،‬عــر االتفاقــات الجزئيــة التــي أســس لهــا يف‬ ‫(عينتــاب)‪ ،‬ومبباركــة باطنيــة مــن بعــض األطـراف املعارضــة‪ ،‬وبشــكل أخــص تلــك التــي لهــا‬ ‫كتائــب مســلحة يف حلــب‪ ،‬ستؤســس لدمــج هــذه الكتائــب يف الجيــش والرشطــة واألمــن‪ ،‬يك‬ ‫تنــدرج الحقـاً يف الخطــة الدوليــة ملحاربــة اإلرهــاب‪ ،‬وحاميــة املعابــر واملســاعدة عــى ضبــط‬ ‫الحــدود الدوليــة‪ ،‬ومــن ثــم املســاعدة يف إعــادة الســيطرة عــى املجتمــع‪ ،‬التــي فُقــدت خــال‬ ‫ســنوات الثــورة‪ ،‬واعــادة إيقــاع الفــوىض إىل مســارات ميكــن إدارتهــا والســيطرة عليهــا (الجــزء‬ ‫الهــام مــا يعمــل عليــه اآلن ســمعته وبشــكل مبــارش مــن الســيد روبــرت فــورد منــذ متــوز‬ ‫‪ ،2013‬وهــو اإلبقــاء عــى تشــكيالت الجيــش واألجهــزة األمنيــة لــي يؤســس عليهــا بعــد‬ ‫بشــار األســد كضامنــة لــكل األط ـراف الســورية‪ ،‬ألن تشــكيل جيــش جديــد‪ ،‬وأجهــزة أمنيــة‬ ‫ســيكون مكلفـاً وغــر مضمــون النتائــج)‪.‬‬ ‫كانــت محادثــات دي ميســتورا يف عينتــاب مــع طعمــة‪ ،‬وقــادة التشــكيالت والكتائــب‬ ‫العســكرية‪ ،‬ذات طابــع تقنــي‪ ،‬متهيــدا ً للقبــول بنتائــج سياســية س ـتُفرز مــن خــال مؤمتــر‬ ‫موســكو‪ ،1‬التــي يعمــل الــروس بالتحضــر لــه عــى طريقــة آبــاء الكرملــن (الســوفيتي)‪،‬‬ ‫حيــث أنهــم اســتغلوا كل مــا ميكــن اســتغالله يف إقنــاع مــن يقــاوم ذلــك‪ ،‬بــدءا ً مــن‬ ‫معارضــات منتهيــة الصالحيــة مــرورا ً بتجــار دمشــق وحلــب وانتهــا ًء بتعبــرات علامنيــة‬ ‫وقوميــة وإســامية تســبح عــى شــواطئ اإلخــوان املســلمني‪.‬‬ ‫إن خارطــة الطريــق لحــل املســألة الســورية‪ ،‬بــدأت تتوضــح مالمحهــا عــر مســارين‬ ‫متوازيــن‪ ،‬األول ينطلــق مــن حلــب‪ ،‬وتحــت إرشاف أمريــكا‪ ،‬وهــو مســار تقنــي وإج ـرايئ‬ ‫شــكالً‪ ،‬والثــاين ينطلــق مــن موســكو عــر اتفاقــات تــرف عليهــا روســيا‪ ،‬وفيهــا تلعــب دور‬ ‫الرشيــك الضامــن للتنفيــذ‪ ،‬ومــن املرجــح أن يكــون مجلــس األمــن كمؤسســة دوليــة مكان ـاً‬ ‫لتصديــق كل االتفاقــات‪ ،‬وعــر قـرار ملــزم لجميــع األطـراف وتحــت البنــد الســابع‪ ،‬وبذلــك‬ ‫يلتقــي الخطــان املتوازيــان يف دمشــق‪ ،‬ألن السياســة واملصالــح الدوليــة ال تســر مــن خــال‬ ‫تعريفــات اقليــدس الرياضيــة‪.‬‬ ‫بشــكل متباعــد جغرافيــاً‪ ،‬وتتداخــل هــذه‬ ‫التجمعــات متشــابكة مــع تجمعــات ســكانية‬ ‫عربيــة ورسيانيــة وآشــورية وأرمينيــة‬ ‫وتركامنيــة ورشكســية‪ .‬فكيــف ســتقام منطقــة‬ ‫حكــم ذايت كرديــة ترتبــط بســورية بنظــام‬ ‫حكــم فيــدرايل‪ ،‬يف ظــل غيــاب اســتمرارية‬ ‫ســكانية‪ ،‬غــر متقطعــة وغــر متداخلــة‪ ،‬عــى‬ ‫أر ٍ‬ ‫اض غــر متواصلــة جغرافيــاً؟ فهــل ميكــن‬ ‫ذلــك عــن طريــق تبــادل أر ٍ‬ ‫اض ونقــل ســكان؟‬ ‫أم أن هنــاك حـاً ال ميكــن وصفــه بالفيــدرايل‬ ‫ولكنــه يحقــق معظــم أهــداف وغايــات‬ ‫الفيدراليــة؟ ومــا هــو هــذا الحــل‪.‬‬ ‫قبــل الثــورة‪ ،‬وبعيــدا ً عــن املســألة الكرديــة‪،‬‬ ‫«رؤى» لســورية مــا بعــد‬ ‫كانــت تُطــرح‬ ‫ً‬ ‫النظــام الشــمويل‪ ،‬يحملهــا ســوريون مــن‬ ‫منظــور «تنمــوي» حقيقــي وفعــال‪ .‬فمــن‬ ‫أجــل «تنميــة حقيقيــة شــاملة ومســتدامة»‪،‬‬ ‫اقتصاديــاً واجتامعيــاً وسياســياً وثقافيــاً‪ ،‬ال‬ ‫بــد مــن نظــام ســيايس مختلــف‪ .‬فباإلضافــة‬ ‫إىل رضورة ربــط التنميــة بالدميقراطيــة‬ ‫وحقــوق اإلنســان والتوزيــع العــادل للــروة‪،‬‬ ‫يجــب إقامــة «دولــة» «مركزيــة سياســياً»‬ ‫و»ال مركزيــة إداري ـاً»‪ .‬ويك ال تبقــى املســائل‬ ‫يف العموميــات وبشــكل ضبــايب‪ ،‬كان يُقــال‬ ‫بوضــوح أن «الالمركزيــة اإلداريــة» تتطلــب‬ ‫نصوصــاً دســتورية وترشيعــات قانونيــة‬ ‫تقتــي‪ ،‬فيــا تقتضيــه‪ ،‬أن يتــم انتخــاب‬ ‫املحافظــن ضمــن محافظتهــم مــن قبــل أبنــاء‬

‫املحافظــة‪ .‬وكذلــك مــدراء املناطــق والنواحــي‬ ‫واملخاتــر‪ .‬وأن تتمتــع الســلطات املحليــة‬ ‫بصالحيــات حقيقيــة وواســعة‪ ،‬وأن تكــون‬ ‫مســؤولة أمــام ناخبيهــا عــر صناديــق االقـراع‬ ‫يف كل دورة انتخابيــة‪ ،‬وحتــى أمــام القضــاء‬ ‫عندمــا يتطلــب األمــر ذلــك‪ .‬وأن تكــون‬ ‫حصــص امليزانيــات املحليــة مــن امليزانيــة‬ ‫املركزيــة متناســبة مــع الحاجــات واألعبــاء‬ ‫التنمويــة‪ ،‬وذلــك لصالــح املناطــق األقــل‬ ‫منــوا ً‪ .‬وميكــن التفكــر بأفــكار أخــرى ضمــن‬ ‫نقــاش وطنــي عــام يف املرحلــة االنتقاليــة‪.‬‬ ‫ومــن هــذه األفــكار عــى ســبيل املثــال ال‬ ‫الحــر إمكانيــة إعــادة التقســيامت اإلداريــة‬ ‫يف ســورية‪ ،‬كأن تقســم ســورية إىل أقاليــم‪،‬‬ ‫يضــم كل إقليــم مجموعــة مــن املحافظــات‪،‬‬ ‫وتكــون إدارة اإلقليــم منتخبــة مــن قبــل أبنــاء‬ ‫اإلقليــم‪ .‬كــا ميكــن التفكــر بتعديــات عــى‬ ‫حــدود املحافظــات إذا اقتــى ذلــك رضورات‬ ‫العمليــة التنمويــة‪ ،‬اقتصاديــاً وبرشيــاً‬ ‫وثقافيــاً‪ .‬ويجــب أن يبقــى النقــاش حــول‬ ‫هــذه األفــكار وغريهــا عامــاً ومفتوحــاً‪.‬‬ ‫ويف النهايــة‪ ،‬وألســباب كثــرة ال مجــال‬ ‫هنــا ملناقشــتها وتحليلهــا‪ ،‬يجــب التأكيــد‪،‬‬ ‫بوضــوح وصــدق وحــزم‪ ،‬عــى أن «املركزيــة‬ ‫السياســية» هــي «رضورة وجوديــة» ألي‬ ‫«دولــة» ســورية‪ ،‬والتفريــط بهــا هــو تفريــط‬ ‫بوجــود «دولــة ســورية» أصـاً‪ .‬لكــن املركزيــة‬ ‫اإلداريــة ليســت كذلــك‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫سـيميائيـات األُلـفـة‬

‫د‪ .‬خالد حسني‬ ‫«األُنـــس» يعنــي أن يتفتَّـــح املــكا ُن ألفـ ًة بحضــور اآلخــر‪،‬‬ ‫روح‬ ‫يف تحــ ِّد إلنــذارات الوحشــة باالنبثــاق؛ أل َّن «األَن َ​َســـ َة ٌ‬ ‫للقلــوب‪ ،‬وأ َّن الوحشــة رو ٌع عليهــا‪ /‬األدب الكبــر»‪ ،‬ومــن‬ ‫هنــا؛ فــإ َّن ســيميا َء األُنْــس تقــوم أساســاً عــى الجــذب‬ ‫يشــق‬ ‫بــن الــذات واآلخــر‪ ،‬فحضــور اآلخــر هــو الــذي‬ ‫ُّ‬ ‫ـاس ؛ إذ بحضــور‬ ‫لأللفــة ثغــرة للحــدوث‪ ،‬لــي ينم ـ َو اإلينـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـس‪ .‬لكــن مــاذا لــو كان هــذا األنْـــس هــو‬ ‫اآلخــر يبــدأ األُنـ ُ‬ ‫الصداقــة ؟ وهنــا لســيمياء األُنـــس أن تجــد طرائــق‬ ‫ـس َّ‬ ‫أَن َــ ُ‬ ‫لرصــد مضاعفـ ٍة يف دالالت األنـــس مــن حيــث قــو ُة املــود ِة‬ ‫الصداقــة‬ ‫وعن ُف َهــا‪«:‬إذ مــاتَ يل صديـ ٌـق َسـ َق َط عضـ ٌو منــي‪َّ /‬‬ ‫ـي؛‬ ‫َّ‬ ‫والصديــق»‪ ،‬هكــذا مبــوت الصديــق يتعــرض األُنـــس للطَّـ ِّ‬ ‫لتختفــي األُلفـــة‪ ،‬وتحــر ال َو ْحشَ ــ ُة عــى نحــو أرعــن‪،‬‬ ‫فاملــوت هــو انقطــا ُع األُنــس ورش ٌخ حــا ٌّد يف مــدار التواصــل‪،‬‬ ‫ومــن هنــا‪ ،‬الفــزع الــذي يتملّــك الكائـ َن اإلنســا َّين يف تجربــة‬ ‫املــوت‪ ،‬أل َّن الكائــن الميكــن لــه أ َّن يخــوض تجربــة املــوت إال‬ ‫خــال تجربــة مــوت اآلخــر‪ ،‬اآلخــر الــذي يرتبــط بحضــوره‬ ‫الصديــق تهديـ ٌد يل‪ ،‬عالمـ ٌة تنــذرين‪،‬‬ ‫حــدثُ األنـــس‪ ،‬فمــوتُ َّ‬ ‫بالســقوط يف عتمــة املــوت‪ ،‬ولذلــك ليــس‬ ‫تنــذر جســدي ّ‬ ‫مــوتُ الصديــق ســوى مــويت أنــا‪ ،‬وإمنــا برســم التأجيــل‪.‬‬ ‫هكــذا يحــدثُ املــوتُ انعطافــاً حــادا ً يف دوام ســيمياء‬ ‫األُنـــس حيــث القــرب وحيــث الجــوار ومتعــة املجالســة‬ ‫ـتحيل بعــدا ً وأثـرا ً وكمــدا ً؛ لببــدأ ســيمياء املــوت مبُراكم ِة‬ ‫يسـ ُ‬ ‫ـومريً‬ ‫الفجــوات واالنقطاعــات والوحــدة‪ ،‬لهــذا ينتقــل السـ ُّ‬ ‫ــــ كلكامــش مــن فضــاء األنــس إىل فضــاء العزلــة واليــأس‬ ‫مبــوت أنيســه أنكيــدو‪:‬‬ ‫«من أجل أنكيدو‪ ،‬خلّه وصديقه‬ ‫بىك جلجامش بكا ًء م ّرا ً‬ ‫الصحارى( وصار يناجي نفسه)‪:‬‬ ‫وها َم عىل وج ِه ِه يف َّ‬ ‫مت أفال يكو ُن مصريي مثل مصري أنكيدو‪.‬‬ ‫إذا ما ُّ‬

‫كل الحزن واألىس بجسمي‬ ‫لقد َّ‬ ‫ـت مــن املــوت‪ ،‬وهــا أنــا أهي ـ ُم يف البــوادي ملحمــة‬ ‫خفـ ُ‬ ‫كلكامــش‬ ‫فاملــوت بــكل صالفــة يُنهــي لــذة التَّواصــل‪ ،‬ومييض باألنـــس‬ ‫ـول‬ ‫الصمــت وحــده الــذي يتـ َّ‬ ‫عتم ـ ًة أبدي ـ ًة حيــث ســلطان َّ‬ ‫إدراة شــؤون الظــام‪.‬‬ ‫أصــل‬ ‫واألُنـــس يحيلنــا عــى «اإلبصــار»‪ ،‬كذلــك‪ ،‬بــل إ َّن َ‬ ‫ْــس واألَن ِ‬ ‫اإلن ِ‬ ‫َــس واإلنْســان مــن اإلينــاس وهــو اإلبصــار‪،‬‬ ‫الصداقــة يفــور‬ ‫نـــس بالبــر‪ ،‬وحقــل َّ‬ ‫ولهــذا ارتبــط األُ ُ‬ ‫بهــذه العالقــة بــن األنـــس والبرص‪«:‬أشــتهي ـ يقــول صديــق‬ ‫َ‬ ‫ألقــاك كل‬ ‫أشــري دارا ً يف جــوارك حتــى‬ ‫لصديقــه ـ أن‬ ‫َ‬ ‫وقـ ٍ‬ ‫ـت‪ [ ،‬ر َّد اآلخــر]‪ :‬املــودة التــي يفســدها تراخــي اللقــاء‬ ‫والصديــق»‪ ،‬هكــذا؛ فالصداقــة تكــون‬ ‫الصداقــة َّ‬ ‫مدخولــة‪َّ /‬‬ ‫بإدامـــة األُنـــس رؤي ـ ًة عــر املســاكنة جــوارا ً إىل الصديــق‪،‬‬ ‫فال ِجــوار‪ /‬القــرب ســوف يضـــمن وقايــة األنـــس مــن طيّــات‬ ‫يؤســس للنســيان والرتاخــي‪ ،‬فالقــرب هــو‬ ‫البعــد الــذي ِّ‬ ‫األنــس‪ ،‬أل َّن األنـــس يكــون بالقــرب‪ ،‬فــأن‬ ‫مينــح‬ ‫الــذي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تكــون قريبــاً منــي‪ ،‬يعنــى أن تكــون أنيســاً‪ ،‬يعنــي أن‬ ‫تكــون صديقــاً‪ ،‬فاألنـــس هــو متعــة الجــوار والجلــوس‬ ‫الصديــق‪ ،‬ومــن هنــا‪ ،‬كان مشـ ُّ‬ ‫ـاق البحــث عــن‬ ‫بالقــرب مــن َّ‬ ‫الســفر للوقــوع عــى صديق‪«:‬قيــل‬ ‫األنـــس والتآلــف عــر َّ‬ ‫لفيلســوف‪ :‬مــن أطــول النــاس ســفرا ً ؟ قــال‪ :‬مــن ســافر يف‬ ‫والصديــق»‪ ،‬فالســفر هنــا ليــس‬ ‫الصداقــة َّ‬ ‫طلــب صديــق‪َّ /‬‬ ‫إال البحــث عــن الصديــق لإلمســاك باألنـــس‪ ،‬ففــي وجــود‬ ‫الصديــق تكمــن لــذة األنــس‪ ،‬فاألنـــس أن تســكن الصديــق‬ ‫ويســكن إليــك الصديــق الــذي «ليــس إال إنســان هــو أنــت‬ ‫إال أنــه بالشــخص غــرك» كــا قــال أرســطو‪.‬‬ ‫بالحب؟‬ ‫الحب باأللفة؟ أو ما شأن األلفة‬ ‫ِّ‬ ‫واآلن ما شأ ُن ِّ‬ ‫والصداقــة واملؤانســة‪،‬‬ ‫األُلفـــ ُة هــي االجتــاع وااللتئــام َّ‬

‫مرايا الظل‬

‫ــف الــي َء آنســ ُه وأَ َح َّبـــهُ‪ ،‬فهــو‬ ‫وهــي كذلــك‬ ‫الحــب‪ :‬أَلِ َ‬ ‫ُّ‬ ‫ـص‬ ‫آلِـ ٌـف والجمــع أُ ّلف‪ .‬يف هــذه االنعطافــة ال َّدالليــة يقتنـ ُ‬ ‫ـي عنوانـاً أثـرا ً ملصنفــه يف الحب‪«:‬طــوق‬ ‫ابــن حــزم األندلـ ُّّ‬ ‫الحاممــة يف األلفــة واألالف»‪ ،‬وال يخفــى علينــا إدراج‬ ‫الحــام يف العنــوان‪ ،‬فالحــام اليحيــا إال باألُنـــس واأللفـــة‬ ‫فهــو الينفـ ُّّـك عــن تأســيس العشــق يف فضاءاتــه‪ ،‬بــل هــو‬ ‫ســليل األُلفــ ِة‬ ‫ُ‬ ‫فالحــب مبراتبــه‬ ‫كائــن األلفـــة بامتيــاز؛‬ ‫ُّ‬ ‫وعالمـ ُة األُنْــ ٍ‬ ‫ـس حيــث تغــور املســاف ُة وال َو ْحشَ ـ ُة يف املــكان‪،‬‬ ‫ـب ضياف ـ ٌة‬ ‫واليبقــى ســوى بهــاء األنـــس وســلطانه؛ إذ الحـ ُّ‬ ‫دون اشــر ٍ‬ ‫ــب واملحبــوب‪ ،‬وذروة التَّخــارج‬ ‫اطات بــن امل ُِح ِّ‬ ‫عــن الــذات باتجــاه اآلخــر‪ « :‬ماالعشــق ؟ فقــال‪ :‬تش ـ ُّو ٌق‬ ‫إىل كــا ٍل مــا بحركــ ٍة دالّــ ٍة عــى صبــو ٍة ذي شــكلٍ إىل‬ ‫ـس صــور َة الذَّات‬ ‫شكلـِـ ِه‪ /‬املقابســات»‪ ،‬فالشــذرة ‪ ،‬هنــا تعكـ ُ‬ ‫الخارجــة عــن عزلتهــا نحــو اآلخــر‪ ،‬يدفعهــا التشـ ّوق لكــال‬ ‫نـــس مخلــو ٌط‬ ‫كل مبحبوبــه‪،‬‬ ‫والكلــف ٌّ‬ ‫األُنـــس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فالحــب أُ ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫بجحيــم التشــوق وســعري الصبــوة‪ ،‬وتأجــج الحركــة الخـراق‬ ‫فضــاء اآلخــر‪.‬‬ ‫ـب تغدو الــذاتُ واآلخـ ُر مبنزلــة ٍ‬ ‫ذات واحد ٍة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫مــع أُنـــس ال ُ ِّ‬ ‫ولكــن تحــت تســمي ٍة جديــد ٍة « الــذات عينهــا كآخــر»‪،‬‬ ‫حيــث تكـ ُّـف «الــذات» عــن أن تكــو َن ذاتهــا‪ ،‬واآلخــر أن‬ ‫يكــون آخـ َر‪ ،‬بنســف التطابــق والتامثــل‪ ،‬إذ تحـ ُّّـل التناصيــة‬ ‫أو التذاوتيــة بــن كائنــي األنس‪«:‬وللحــب عالمــات يقفوهــا‬ ‫الفطــن‪ /،‬ويهتــدي إليهــا الــذيكُّ‪ ،‬فأولّهــا إدمــان النظــر‪،‬‬ ‫والعــن بــاب النفــس الشــارع‪ ،‬وهــي املنقبــة عــن رسائرهــا‪،‬‬ ‫واملعـ ّـرة لضامئرهــا‪ ،‬واملعربــة عــن بواطنهــا‪ ،‬فــرى الناظــر‬ ‫اليطــرف‪ ،‬ينتقــل بتن ّقــل املحبــوب‪ ،‬وينــزوي بانزوائــه‪ ،‬ومييل‬ ‫حيــث مــا‪ /‬طــوق الحاممــة»‪ ،‬فاألنـــس حبّـاً‪ :‬تفاعـ ٌـل بال َّنظــر‬ ‫واالنتقــال وامليــان واإلنــزواء‪ ،‬وبتعــرٍ آخــر‪ :‬األنـــس حبــاً‬ ‫يشء مــن الكلــف باآلخــر‪ ،‬محاولــة إىل االتصــال والتواصــل‪،‬‬

‫ـب أُلفـ ـةٌ‪،‬‬ ‫هدفهــا لــزو ُم اآلخــر ــــ املحبــوب‪ ،‬ذلــك أ َّن ال ُحـ َّ‬ ‫وقــ ّو ٌة تنتقــل مــن هـــذا إىل ذاك؛ لتعكــس درجــة ال َكلَـ ِ‬ ‫ـف‬ ‫بــن العاشــق واملعشــوق‪ ،‬ومــدى حضــور األنــس وقوتــه‬ ‫الحــب ترســم لنــا تدرجــات‬ ‫بينهــا‪ ،‬ولهــذا نجــد كتــب‬ ‫ِّ‬ ‫فاللحــب مراتــب‪:‬‬ ‫ســيميائية لألنـــس واأللفــة والقــرب‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫الهــوى‪ ،‬العـــاقة‪ ،‬الكلـــف‪ ،‬العشـــق‪ ،‬الشَّ ـــغَف‪ ،‬اللوعــة‪،‬‬ ‫الجــوى‪ ،‬والهيام‪...‬إلــخ‪ ،‬وكلُّهــا َعال َمــاتٌ عــى اف ـراس اآلخــر‬ ‫اشــتها ًء وشــغفاً؛ أل َّن العشـ َـق هــو اشــتها ُء اآلخــر أُنـــساً‪ ،‬فمع‬ ‫الشــغف امل ُ ْؤنــس تنتحـ ُر املســاف ُة بــن العاشــق واملعشــوق‪،‬‬ ‫لتمــ َّر األلفــ ُة يف ط ّيــة ســيميائية ت ُســ َّمى االنصهــار يف‬ ‫التو ُّحــد‪ ،‬حيــث ينفجــر الجســ ُد بالكالم‪«:‬تبــدو حركــة‬ ‫العنــاق يف العشــق أنهــا تــؤدي‪ ،‬للحظــ ٍة‪ ،‬حلــم انصهــار‬ ‫العاشــق باملعشــوق‪ /‬شــذرات مــن خطــاب العشــق»‪،‬‬ ‫هنــا يكـ ُّـف التواصــل عــن طريــق اللغــة‪ ،‬إذ تغــدو األخــرة‬ ‫بكــاء التُ ْح ِس ـ ُن التعب ـ َر‪ ،‬ولهــذا يتــوىل الجســد‪ /‬الجســدان‬ ‫زمــام الخطــاب‪ ،‬وتأســيس األلفـــة واألنـــس‪ ،‬فالجســد يغــدو‬ ‫مفتونـاً بآخــره‪ ،‬يســتضيفه يف أروقتــه وضفافــه‪ ،‬كــا لــو أ َّن‬ ‫العنـ َ‬ ‫ـاق إمنــا هــو التأكيــد عــى األنـــس‪ ،‬بــل لنقــل‪ :‬إ َّن األنس‬ ‫مجالســ ًة وكالمــاً وإشــار ٍ‬ ‫ات قــد اســتنف َد طاقتــه للتدليــل‬ ‫عــى «القــرب»‪ ،‬فالبــــ َّد‪ ،‬والحــال هــذه‪ ،‬مــن اللجــوء إىل‬ ‫الحــب وحضــور األنيــس‬ ‫الحــس والل َّمــس لتأكيــد‬ ‫رضوب‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ــ املعشــوق‪.‬‬ ‫األنـــس‪،‬‬ ‫الحــب بوصفــه كائــ َن األُلفــة املدلَّـــل ُ َي ْركِــ ُز‬ ‫إ َّن‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ويجعــل الكينونــ َة حــا َّدة يف وجودهــا‪ ،‬ولهــذا فالتَّخــي‬ ‫عــن العشــق أشــبه بحالــة املنفــى‪ ،‬حيــث انقطــا ُع التواصــل‬ ‫ـب مكانـاً وكائنـاً‪ ،‬ولذلــك تــرز قســو ُة‬ ‫بينـ َـك وبــن الــذي تحـ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وتجــف األلفــة وينضــب‬ ‫املنفــى حيــث تزدهــ ُر املســافةُ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫األنــس‪ ،‬فــا تج ـ َد الــذاتُ لحظتئـ ٍـذ ســوى أن تــأكل ذاتهــا‬ ‫بفقــدان اآلخــر ــــ األنيــس‪.‬‬

‫ستذهب أنت أيض ًا‬ ‫دحام السطام‬

‫تتسكع وحيدا ً ودنياك كخلد‪..‬‬ ‫وهراؤك الطويل ميتد كصوت الصدى وقرع أجراس الحنني‪..‬‬ ‫دعونا نلم ستائر الدم‪ ،‬ونراقص ظالل من نحب‬ ‫محرابك القتيل‪ ..‬بالدي أنت‬ ‫طقوس عتيقة ودنان عشق بالدي القتيلة وأحالم ترحل يف الفيايف مرددات‪..‬‬ ‫جلجامش مىض بعيدا ً‬ ‫وأنكيدو يهرول كممسوس يهتف‪ ..‬باملوت نحيا ثم نحيا لنموت‬ ‫أنفاسك املتعبة مرياث محطتك األخرية ورفرفة حنني جلجامش‬ ‫تعال نرصخ معاً‪ ..‬دعونا نعانق أسوار بابل‪ ..‬وكهوف نينوى‪..‬‬ ‫نادوا عىل ذاك الحصان السومري‬ ‫ليحمــل رضاوة القاتــل والقتــل رايــة مــن وصايــا‪ ..‬أنفــاس (ســعد اللــه ونــوس)‬ ‫الالهثــة خلــف رساب البحــر ومهجــة املوجــة األخــرة‪..‬‬ ‫آت إليك كريح حصان آخيل ونديد روح تضحك‪ ...‬أو رمبا تبيك‪ ..‬سيان‬ ‫للدموع أحياناً طعم الضحكة‪ ..‬وسجع البكاء‪...‬‬ ‫رمبا لنا فصول أخرى‪..‬‬ ‫مرسح يتسع‪ ..‬دوائر متيض بعيدا ً بنا‪...‬‬ ‫تستحرض أرواح الراحلني‪...‬‬ ‫مــن دمشــق إىل أكاد‪ ...‬ومــن رقــة الفـرات إىل اســبارطة‪ ..‬الزمــن يتوقــف أحيانـاً‪..‬‬ ‫ال بــل ميــوت‬ ‫رمبــا يعــود مــن خلــف الســنني‪ ..‬ليطالعنــا بأيقونــات باريــس‪ ..‬وجــدران املاغــوط‬ ‫الثملــة حتــى الجنــون‪..‬‬ ‫ما بني الدم والدم‪ ..‬مقصلة‪..‬‬ ‫جدل الحكاية ومرايا الظل وقبلة الرياع‪ ..‬رضاوة الوحش واإلنسان‪..‬‬ ‫مازالت األشالء تعانق األشالء‪ ..‬والليل يصارع الليل‪..‬‬ ‫قد ُرنا‪ ..‬أن نسكر بدموعنا املالحة‪ ..‬وقبلنا املقتولة‪..‬‬ ‫دعونــا نرا ِقــص أشــكالنا الذبيحــة‪ ..‬ونزيــح الســتائر‪ ..‬عــن وجـعٍ أليــف هــو مــن‬ ‫عبــث يصــوغ صــورة مــن أمــل‪ ..‬وجنــون‪.‬‬

‫فاطمة الزهراء الرغيوي‬ ‫الحقـاً وأنــا يف البيــت‪ ،‬أســتعد للنــوم‪ ،‬تَ ْعـرِف‬ ‫يف تلــك اللحظــات التــي تراجــع فيهــا رغــاً‬ ‫عنــك تفاصيــل يومــك‪ ،‬يف تلــك اللحظــة تذكــرت‬ ‫ي الســيد املهــم‪،‬‬ ‫أ ّن اليــد التــي ســلم بهــا عــ ّ‬ ‫كنــت قــد رأيتــه قبــل ذلــك يولــج ســبابتها يف‬ ‫أنفــه‪.‬‬ ‫كنــت كــا أخربتــك أنتظــر النــوم مســتلقية يف‬ ‫رسيــري الفــردي فنحــن مل نتــزوج بعــد‪ .‬أنــت ال‬ ‫تجــد وظيفــة‪ .‬أنــا ال تكفينــي أجــريت لشــخصني‬ ‫–أنــا وأنــت‪ -‬لــذا أعيــل بهــا أيب وأمــي وأخــوي‬ ‫الصغرييــن‪ .‬كنــت إذا ً يف الرسيــر‪ ،‬أخربتــك عنــه؛‬ ‫فــراش قديــم نــام عليــه عمــي قبــل زواجــه‬ ‫وانتقالــه‪ ،‬ثــم نامــت عليــه أختــي قبــل زواجهــا‬ ‫وانتقالهــا‪ .‬أنــا أنــام هنــا منــذ عــر ســنوات‪.‬‬ ‫أحببــت قبلــك اثنــن‪ .‬األول كان يلهــو يب يف‬ ‫انتظــار التوبــة التــي أنعــم اللــه عليــه بهــا بعــد‬ ‫حــادث كان ســيقيض فيــه‪ .‬تــزوج بعدهــا بابنــة‬ ‫عمتــه البكــر‪ .‬الثــاين‪ ،‬كان يلهــو يب يف انتظــار‬ ‫قــارب ينقلــه إىل أوروبــا‪ .‬أىت القــارب ورحــل‬ ‫وانقطعــت أخبــاره‪ .‬أختــه التــي تعمــل معــي‬ ‫يف معمــل الخياطــة‪ ،‬أخربتنــي أنهــم وجــدوه‬ ‫يف شــاطئ الضفــة األخــرى‪ ،‬وجدتــه فتــاة‬ ‫شــقراء كانــت تلبــس البكينــي‪ .‬كان جســده‬ ‫قــد اكتســب لون ـاً رمادي ـاً‪ ،‬ال تغطيــه إال بعــض‬ ‫رقــع الثيــاب‪ .‬لــو أنــه علــم أن تلــك الشــقراء‬ ‫قــد تنازلــت وأنزلــت ألجــل ذكــراه‪ ،‬دمعتــن‪،‬‬ ‫النتابتــه حالــة الفــرح الشــديد‪ ،‬أمل يكــن يحلــم‬ ‫بحبيبــة شــقراء!‬ ‫املهــم‪ ،‬كنــت يف الرسيــر‪ ،‬قــد نزعــت عــن وجهي‬ ‫مســاحيق التجميــل‪ .‬أعــرف أنــك تحــب الكحــل‬ ‫يف عينــي‪ .‬مديــر املعمــل يحــب أحمــر الشــفتني‪،‬‬ ‫أنــا أخفــي آثــار الزمــن‪ ...‬كنــت قــد غســلت‬ ‫وجهــي وبالتــايل غســلت يــدي‪ ،‬حتــى إننــي‬

‫كنــت قــد أعــددت وجبــة العشــاء وأكلــت‪ ،‬ثــم‬ ‫غســلت األواين و‪ ...‬فكــرت بالنــوم‪.‬‬ ‫إنهــا حت ـاً فكــرة ســيئة أن تفكــر بالنــوم‪ ،‬ألن‬ ‫أفــكارا ً أخــرى ســتزحف إليــك‪ .‬تصعــد عــى‬ ‫الرسيــر القديــم‪ .‬تتســلل تحــت الغطــاء الــذي‬ ‫رفعتــه عــى رأســك‪ .‬متــي عــى وجهــك فــا‬ ‫تقــاوم رغبــة حــك خــدك بيــدك اليمنــى‪ .‬ثــم‬ ‫تفتــح عينيــك‪ ...‬حينهــا فقــط‪ ،‬تتذكــر يــدك يف‬ ‫يــده‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طبع ـا أنــت لــن تتذكــر‪ .‬رمبــا لــن تنتبــه ألمــر‬ ‫اإلصبــع الــذي يف األنــف‪ .‬رمبــا ستنشــغل فقــط‬ ‫بوعــد الرجــل أن يجــد لــك وظيفــة أســهل‬ ‫وبراتــب أكــر‪ .‬أعــرف‪ .‬نعــم‪ ،‬أنــا مثلــك‪ ،‬فكــرت‬ ‫فقــط يف الوظيفــة الجديــدة‪ .‬اســتيقظت متام ـاً‪،‬‬ ‫ذهبــت إىل بيــت املــا‪ ،‬أمــام املــرآة القدميــة‪،‬‬ ‫غســلت يــدي مـرارا ً وتكـرارا ً‪ .‬غســلتها بالجافيل‪،‬‬ ‫تعــرف إنــه يطهــر كل يشء‪ .‬قلــت يل ذلــك‬ ‫عندمــا انهمــر مــاؤك داخــي ألنــك نســيت أن‬ ‫تنســحب يف الوقــت املناســب‪ .‬مل أشــأ أن ننــام‬ ‫ســوية‪ .‬تعــرف‪ ،‬أحببــت قبلــك اثنــن آخريــن‪.‬‬ ‫عندمــا ســلمتهام نفــي‪ ،‬أقصــد جســدي‪ ،‬رحــا‪.‬‬ ‫أنــت لــن تذهــب‪ .‬أنــت تحبنــي‪ ،‬حلفــت يل‬ ‫خلــف ســور املســجد‪ .‬كنــت متوجهــا لصــاة‬ ‫الجمعــة فصدقتــك حتــى عندمــا رأيتــك تســدل‬ ‫لحيتــك‪ ،‬وعندمــا طلبــت منــي أن ال أضــع‬ ‫الكحــل‪ ،‬وعندمــا رأيتــك تضــع يــدك يف يــد ســيد‬ ‫مهــم‪...‬‬ ‫ال عليــك‪ ،‬الحيــاة تحتمــل هــذه التقلبــات‪،‬‬ ‫أقصــد‪ :‬هــذا الفــراق‪ .‬أنــت اآلن يف العــراق‪.‬‬ ‫كان أســتاذ الجغرافيــا يعلمــه لنــا يف الخريطــة‪،‬‬ ‫ـت‬ ‫هــل تذكــر؟ مل نكــن مجتهديــن‪ .‬تعــرف‪ ،‬كنـ َ‬ ‫منشــغالً بالكــرة وبالدراهــم التــي تتحصــل‬ ‫عليهــا مــن حمــل مشــريات املتســوقني يف‬

‫الســوق املجــاور للمدرســة‪ ،‬أنــا كنــت منشــغلة‬ ‫بالخياطــة‪ .‬قالــت يل أمــي‪ :‬الخياطــة ســتجعلك‬ ‫تأكلــن وترشبــن‪.‬‬ ‫مل آكل ومل أرشب ومل أغتســل منــذ يومــن‪ .‬قــال‬ ‫يل املحقــق (مل يقــل طبع ـاً‪ ،‬أنــت تعــرف‪ :‬لقــد‬ ‫رصخ وعــوى وارعــد‪ .‬املحققــون ال يقولــون‪ ،‬ال‬ ‫يســألون)‪:‬‬ ‫ من أين تعرفني سعيد؟‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ أنــا ال أعرفــه‪ .‬أقصــد آ ســيدي‪ ،‬أعرفــه‪ .‬إنــه أب‬‫ابنــي الــذي يكــر بداخــي‪ .‬مل ينفــع الجافيــل‪.‬‬ ‫هــو ال يعــرف ذلــك‪ .‬ســافر قبــل أن أعــرف أين‬ ‫حامــل‪.‬‬ ‫ سألتك من أين تعرفينه؟ منذ متى؟‬‫ ولكنــي ال أعــرف آ ســيدي‪ .‬ولدنــا مع ـاً‪ .‬رمبــا‬‫أرضعتنــي أمــه‪ .‬رمبــا أرضعتــه أمــي‪ .‬كان يحــب‬ ‫رسقــة دفاتــري وأقالمــي يف املدرســة‪ .‬أحيانـاً كان‬ ‫يرضبنــي عندمــا أتأخــر يف العــودة إىل البيــت‪.‬‬ ‫ال أعــرف منــذ متــى أعرفــه ومــن أيــن‪ .‬لقــد‬ ‫عرفتــه دامئ ـاً مثلــا أعــرف نفــي‪.‬‬ ‫أطلقــوا رساحــي البارحــة يــا ســعيد‪ .‬تعــرف‪،‬‬ ‫اضطــررت أن أخربتهــم عــن لقائنــا األخــر‪-‬‬ ‫تذكــره طبعـاً‪ -‬يف الروضــة‪ ،‬قلــت يل إننــي كافــرة‬ ‫وعاهــرة‪ ،‬وأنــك ســتذهب إىل حيــث تنتظــرك‬ ‫الجنــة‪ .‬أعــرف‪ :‬هنــاك الحــور العــن‪ ،‬هنــاك‬ ‫أنهــار الخمــر‪ ،‬هنــاك العنــب والغلــان‪...‬‬ ‫أعــرف‪ ،‬أعــرف أنــك تحــب ابــن جرياننــا‪ ،‬الفتــى‬ ‫ذا الشــعر الذهبــي والعينــن الواســعتني‪ .‬لكنــي‬ ‫مل أخربهــم كل يشء‪ :‬مل أخربهــم عــن ســبابة‬ ‫املديــر التــي كانــت يف أنفــه‪ ،‬عــن يــده التــي‬ ‫ســاقي‪ .‬ال داعــي‬ ‫مــ ّرت عــى يــدي‪ ،‬ثــم بــن‬ ‫ّ‬ ‫ألن يعرفــوا كل التفاصيــل اآلن‪ ...‬ســأخربك بهــا‬ ‫جميعهــا يف الجنــة‪ .‬ســنلتقي هنــاك‪ ،‬أليــس‬ ‫كذلــك!؟‬


‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫المثقف الخائن‪!..‬‬ ‫أسعد فخري‬

‫مــا مــن شــك أن مجريــات الثــورة الســورية كانــت املحــك‬ ‫الحقيقــي‪ ،‬والفيصــل بالنســبة للمثقــف الســوري الــذي اختــر مـراث‬ ‫أفــكاره وتطلعاتهــا بصــورة مبــارشة مــع الشــارع الســوري الثائــر دون‬ ‫أدىن مراجعــة حقيقيــة منــه ملــا يحصــل مــن تغـرات‪ ،‬وتحــوالت عــى‬ ‫األصعــد‪ ،‬واملســارات املختلفــة‪.‬‬ ‫ذلــك مــامل تدركــه الغالبيــة العظمــى مــن املثقفــن الســوريني‪ ،‬املوالــن‬ ‫للثــورة منهــم‪ ،‬واملعارضــن لهــا عــى حــد ســواء‪ ،‬يف الوقــت الــذي‬ ‫هــم بأشــد الحاجــة إىل تأمــل مــا تحصلــت عليــه الثــورة مــن نواظــم‬ ‫جديــدة‪ ،‬ومفاعيــل حراكيــة أمثــرت يف مشــهد الــراع‪ ،‬وانعكاســاته‬ ‫ميزانـاً جليـاً ال يقبــل اللبــس‪ ،‬بــأن الثــورة الســورية جــاءت ال لتقــدم‬ ‫الخــاص الفــردي ألحــد‪ ،‬وإمنــا جــاءت لتضــع كل مثقــف مــن أبنــاء‬ ‫ســوريا أمــام مســؤولياته الحقيقيــة‪ ،‬وقدرتــه عــى املواجهــة‪ ،‬والتفكــر‬ ‫يف حلــول ناجعــة للخــاص مــن أعتــى دكتاتوريــة شــهدها التاريــخ‬ ‫الحديــث‪ ،‬بيــد أنــه مــن املفيــد هنــا االلفــات إىل مســألة هامــة‬ ‫وجوهريــة يف ســياق الحديــث عــن عالقــة املثقــف بالثــورة‪ ،‬وعقليــة‬ ‫أدواتــه التــي عالهــا الصــدأ‪ ،‬وأجهضتهــا التحــوالت حيــث اســتطاعت‬ ‫الثــورة الســورية تجــاوز الفهــم التقليــدي القــارص ملــا يدعــى باملثقــف‬ ‫العضــوي أو النخبــوي‪ ،‬وال ضــ َر هنــا أن نقــول املثقــف الهامــي‬ ‫والطــارئ‪ ،‬وإىل مــا هنالــك مــن تســميات‪ ،‬حيــث تزدحــم أمــام لفظــة‬ ‫(مثقــف) املعــاين والصفــات‪ ،‬واملواصفــات دون التخــي عــن إطارهــا‬ ‫النظــري‪ ،‬ومبــا ال يتجــاوز الحــدود الذهنيــة غــر املقاربــة للمفاهيــم‬ ‫املعرفيــة‪ ،‬وأبعادهــا االنســانية‪ ،‬يف الوقــت الــذي ينظــر إىل الثــورة عــى‬ ‫أنهــا حــدث معــريف قبــل أن تكــون وقائــع ورصاعــات متتاليــة مــازال‬ ‫املثقــف الســوري يلهــث خلــف رساب مقيــت‪ ،‬وهــو غــر منفــك عــن‬ ‫اســتخدام أدواتــه املعرفيــة التقليديــة التــي اشــتغل عليهــا ردحـاً مــن‬ ‫الزمــن الســاكن‪ ،‬واملــوايت الغــارق يف قصــوره العضــوي داخــل املشــهد‬ ‫الســيايس الســوري وملــدة تجــاوزت األربعــن عام ـاً‪.‬‬ ‫إن مــن أهــم ميــزات الثــورة الســورية وتحصيالتهــا املعرفيــة أنهــا‬ ‫كشــفت وع ـ ّرت جملــة االدعــاءات‪ ،‬والشــعارات التــي تحتشــد بهــا‬ ‫رأس املثقــف طــوال تلــك العقــود التــي ســبقت الثــورة لنلمــس‬ ‫مــن بعــد ذلــك وهنــه‪ ،‬وهشاشــته أمــام الصــدى الشــعبي الــداوي‪،‬‬ ‫وتحــول املفاهيــم املعرفيــة‪ ،‬ومتغــرات رشوط امتــاك الحقيقــة‪،‬‬ ‫وإدارة تفعيــل الشــارع الثائــر‪ ،‬يف الوقــت الــذي أُحكــم الخنــاق عــى‬ ‫مفاعيــل املثقــف مــن خــال فقدانــه ملقدرتــه التبشــرية‪ ،‬وتخندقــه‬ ‫يف إطــار محــدو ٍد مــن املعضــات الفردانيــة التــي ال يتحصــل منهــا إال‬ ‫عــى ثقافــة (وحيــدة الخليــة) ال تبتعــد كث ـرا ً عــن أنفــه يف الوقــت‬ ‫الــذي نجــد فيــه أن الثقافــة‪ ،‬واملعرفيــة منتــج تشــاريك‪ ،‬ولــن يكــون‬

‫فاع ـاً إال كذلــك‪.‬‬ ‫كان عــى املثقــف أن يخــرج مــن صومعــة اســتهالك املعرفــة التقليدية‬ ‫إىل مفاعلــة ناقــدة لتلــك االفــكار‪ ،‬واملعايــر‪ ،‬ومــن ثــم االشــتغال عــى‬ ‫قيمــة ثقافيــة ومعرفية تنســجم وتستكشــف األبعــاد الحقيقيــة للثورة‬ ‫الســورية‪ ،‬واســتلهام الــدور التاريخــي للحـراك الشــعبي الــذي بُــذل له‬ ‫الغــايل والرخيــص‪ ،‬أمــام مـ ٍـد هائــلٍ مــن التعويــم الخارجــي الصــادم‬ ‫ملاهيــة الثــورة‪ ،‬وأبعادهــا اإلنســانية‪.‬‬ ‫لقــد فشــل املثقفــون الســوريون فشـاً ذريعـاً حــن التصــدي لدورهــم‬ ‫التاريخــي يف تأثيــث قيــم فاعلــة تظهــر األبعــاد النســقية لتوصيــف‪،‬‬ ‫وفهــم معادلــة االنفجــار الشــعبي الكبــر يف ســوريا‪ ،‬وتقــري حفرياتــه‬ ‫اإلثنيــة واالجتامعيــة خــال العقــود املنرصمــة مــا قبــل الثــورة‪ ،‬وإدراك‬ ‫ســياق القطيعــة التاريخيــة دون تجديــد األفــكار والنهــج‪ ،‬واملعايــر‬ ‫مــا دفــع بالكثــر مــن املثقفــن الســوريني إىل الهــروب نحــو األمــام‬ ‫للتخلــص مــن مأزقهــم التاريخــي‪ ،‬واالســتحواذ عــى دور ِ‬ ‫الضليــل‬ ‫لتغطيــة عجزهــم‪ ،‬وغيــاب وتــايش مقدرتهــم عــى تفعيــل رؤيــة‬ ‫حقيقيــة لتحــوالت الثــورة ومراحلهــا‪ ،‬واســترشاف مفاهيــم عمليــة‬ ‫تقــارب مــا يجــري‪ ،‬ومــا ســيجري عــى األرض الســورية بعيــدا ً عــن‬ ‫النــزوات الفرديــة‪ ،‬واالحـراب‪ ،‬والضغائــن‪ ،‬وتصفيــة الحســابات التــي‬ ‫لــن تقــدم للثــورة ســوى هزائــم جديــدة‪ ،‬و ُملـ ّـات وع ـرات‪.‬‬ ‫مــن هنــا ميكننــا القــول إ ّن املثقــف حينــا ال يشــتغل عــى تجديــد‬ ‫أدواتــه املعرفيــة‪ ،‬وال يحقــق لهــا حضــورا ً عــى األرض فهــو ســيخونها‬ ‫دامئـاً‪ ،‬وهــو بذلــك مؤهــل لــكل أنــواع الخســة والريبــة‪ ،‬وان افتقــاره‬ ‫لل ُحــدوس الخالقــة‪ ،‬وغيــاب املفاهيــم‪ ،‬واألفــكار الخصبــة داخــل‬ ‫مفاعيــل رشاكتــه يف ســياق الثــورة‪ ،‬كانــت االختبــار الحقيقــي‬ ‫وامللمــوس لغيابــه املعــريف‪ ،‬وتالشــيه وانعــدام وجــوده املؤثــر مــن‬ ‫خــال اتســاع الهــوة بــن األفــكار التــي يحملهــا يف رأســه املصــاب‪،‬‬ ‫وحقيقــة التحــوالت السياســية الجاريــة يف البــاد‪.‬‬ ‫إن مــا يحــدث يف العــامل قــد تجــاوز الكثــر مــن تصــورات املثقــف‬ ‫ـغل الشــاغل ألدواتــه املعرفيــة قــد طالــه‬ ‫الســوري‪ ،‬وإن مــا كان الشـ َ‬ ‫التغيــر‪ ،‬وأملــت بــه امللــات حيــث بــات مــن األجــدر أن يعيــد‬ ‫املثقــف النظــر وميعــن يف أجنــدة أولوياتــه وثوابتــه‪ ،‬فالثــورة الســورية‬ ‫اليــوم أصبحــت تحتــاج إىل مثقــف يبتكــر دوره الجديــد داخلهــا‬ ‫ويرســم صورتــه ومكانتــه الالئقــة مــن خــال بلــورة عالقــة أخالقيــة‬ ‫بســياقها التاريخــي‪ ،‬وفهــم مأزقهــا‪ ،‬وإبصــار عوائقهــا‪ ،‬وتحوالتهــا‪.‬‬ ‫الشــك أن املثقــف الســوري يعيــش األزمــة ذاتهــا التــي تعيشــها‬ ‫املعارضــة السياســية‪ ،‬وتتجاذبــه األجنــدات ذاتهــا التي تتجاذبهــا‪ ،‬وألنه‬ ‫قــارص عــن فعــل يشء ملمــوس فقــد تحــول مــن مثقــف (معــارض)‬ ‫منــذور لــدور أخالقــي شــائك وصعــب يف تضاعيفــه وواجباتــه املرجوة‬ ‫إىل مثقــف (معــرض) تســتنزفه الرصاعــات السياســة مبعــدة إيــاه عــن‬ ‫دوره الحقيقــي النبيــل‪.‬‬ ‫إن الفهــم القــارص ملفهــوم الســلطة يف عقليــة املثقــف وانكســاره‬ ‫وخيبتــه أمــام تحقيــق إنجــاز معــريف هــي إحــدى أهــم العوامــل‬ ‫االشــكالية التــي تدفــع بــه لطلــب الســلطة‪ ،‬واالجتهــاد لنيلهــا‪،‬‬ ‫واالســتحواذ عليهــا بــأي األمثــان وبشــتى الطــرق واألســاليب املمكنــة‪،‬‬ ‫وذلــك مــن أجــل الحفــاظ عــى وجــوده‪ ،‬واســتدراكاً ملتبســاً منــه‬ ‫أمــام مــأزق دوره املعــريف‪.‬‬ ‫صحيــح أن الســلطة واملعرفــة متالزمتــان‪ ،‬وأنــه ال توجــد ســلطة‬ ‫دون حقــل معــريف يســاهم يف وجودهــا إال أن تلــك العالقــة البــد‬ ‫أن تكــون نبيلــة‪ ،‬وأخالقيــة‪ ،‬وليســت تعويضـاً عــن فشــل ذريــع‪ ،‬ودا ٍو‬ ‫أصــاب املثقــف وتأمالتــه الفكريــة ليتحــول عندئـ ٍـذ إىل كائــن مجهــري‬ ‫طفيــي أو متعايــش كــا هــو حــال كائــن (األميبيــا) وحيــد الخليــة‬ ‫الــذي ال ميتلــك قوامـاً‪ ،‬وال أعضــاء محــددة وثابتــة يــؤدي بهــا وظائــف‬ ‫غريزيــة‪ ،‬وإمنــا تظهــر لــه أعضــاء تقــدم الخدمــة حســب احتياجاتــه‪،‬‬ ‫ومــن ثــم تختفــي ليعــود إىل شــكله الهالمــي‪ ،‬فــإن جــا َع تشــكل لــه‬ ‫فـ ٌم‪ ،‬وإن اســتدعت الحالــة تحركــه تشــكلت له أقــدا ٌم‪ ،‬وإن دعــاه دا ٍع‬ ‫إىل تنــاول يشء أو الوصــول إليــه تشــكلت لــه ذراع‪ ،‬وهلــم ج ـرا ً إىل‬ ‫مــا هنالــك مــن احتياجــات تتطلــب اســتمرار وجــوده وبقائــه حي ـاً‪.‬‬ ‫تلــك هــي الحــال التــي أصبحــت عليهــا صــورة املثقــف الخائــن مــن‬ ‫خــال تخليــه عــن أداء دوره األخالقــي النبيــل مؤثــرا ً إجــادة دور‬ ‫متثيــي متحــول ومتبــدل حســب مــا متليــه عليــه حاجــة بقائــه بعيــدا ً‬

‫حرمل الثقافة‬

‫‪11‬‬

‫قوس قزح‬ ‫الفن والثورة‬

‫فهد الحسن‬

‫(إن اللوحــة ال تقــف أمــام املدافــع والرصــاص‪ ،‬ولكنــي أجــزم أنهــا تبعــث الرعــب يف‬ ‫قلــوب أعــداء الحيــاة‪ ،‬إنهــا الخالــدة عــى مــر العصــور‪).‬‬ ‫بهــذه العبــارة الفائقــة يدخلنــا الفنــان التشــكييل األرجنتينــي اليخانــدرو غابريــل‪ ،‬أحــد‬ ‫أهــم فنــاين الجرافيــك يف العــامل إىل فهــم خــاص يف أســلوب التعاطــي مــع اإلبــداع وفــق‬ ‫صياغــة خاصــة تتامهــى مــع نظريــة االنتــاء إىل منظومــة إبداعيــة تثويريــة خالقــة‪،‬‬ ‫وذات دور ريــادي يف بنــاء الحيــاة واملجتمعــات بنــا ًء ســليامً ومتامســكاً‪ ،‬وإذا تعمقنــا‬ ‫يف هــذا املعنــى أكــر نجــد أن للفــن وظيفــة اجتامعيــة بنــاءة ومؤثــرة يف حيــاة النــاس‬ ‫وطبائعهــم وتوجهاتهــم؛ وهــذه الوظيفــة يكــر دورهــا ويتنامــى أكــر يف التحــوالت‬ ‫السياســية واالجتامعيــة الكــرى واملفصليــة يف حيــاة اﻷمــم‪ ،‬فيصبــح رياديــاً بامتيــاز‪،‬‬ ‫وتنــاط بــه وظيفــة اســتثنائية تتمثــل يف تكريــس الوعــي والنهــوض بــه يف هكــذا مرحلــة‬ ‫دقيقــة مــن حيــاة الشــعوب‪ ،‬ومــا تتطلبــه مــن حــرق للمراحــل التــي تدعــم وتكثــف‬ ‫الــرؤى الثوريــة وتبســيطها لتصــل إىل أكــر الرشائــح االجتامعيــة‪ ،‬مــا يســاعد عــى بلــورة‬ ‫رؤاهــا وتوحيدهــا‪ ،‬وصــوالً إىل األهــداف والخطــوط العريضــة التــي تتبناهــا الجامهــر‬ ‫وتحــرص عــى تحقيقهــا‪.‬‬ ‫يقــول الناقــد الــرويس «نيقــوالي أخلوبكــوف»‪ :‬إن الفــن يأخذنــا دومـاً إىل رحابــة الحيــاة‬ ‫ليجســد لنــا عمقهــا وتفاصيلهــا بــروح صافيــة ومنحــازة بالــرورة إىل تطلعــات الشــعوب‬ ‫وتحقيــق مفاهيمهــا عــن الحريــة واملســاواة والعدالــة االجتامعيــة‪ ،‬وبهــذا املعنــى ميكننــا‬ ‫القــول‪ :‬إذا كان الفــن قــد احتفــى يف الحيــاة بهــذه الصــورة‪ ،‬فهــذا يعنــي أنــه مطالــب‬ ‫برصــد قيمهــا اإلنســانية النبيلــة‪ ،‬كأن يكــون شــاهدا ً وموثقـاً ﻷحداثهــا بأدواتــه الخاصــة‪،‬‬ ‫كــا يتوجــب عليــه أن يكــون مدافعــاً صلبــاً عــن املظلومــن ومعريــاً ﻷولئــك الذيــن‬ ‫يســتبيحون قيــم الحريــة والكرامــة وقدســية اإلنســان فيهــا‪.‬‬ ‫وهــذا يجعــل الفنــان شــاهدا ً فاعـاً يف عــره‪ ،‬ﻻ مجــرد شــاهد زور عــى حقائــق التاريــخ‬ ‫وخارجـاً منــه‪.‬‬ ‫كــا يحمــل الفنــان مســؤولية جســيمة‪ ،‬ويحتــم عليــه أن يكــون ذا قيمــة أخالقيــة‬ ‫متوهجــة ورؤيــة إنســانية رحبــة بحيــث تتقاطــع مــع تــوق الشــعوب إىل تحقيــق مــا‬ ‫يكفــل لهــا حرياتهــا وكرامتهــا‪.‬‬ ‫وهنــا ميكننــا تلمــس مــا أنتجــه الفــن عــر قــرون عــدة مــن ت ـراث خالــد حفلــت بــه‬ ‫تجــارب فنيــة كبــرة اســتلهمت معانــاة البرشيــة يف أعاملهــا‪ ،‬وكان هنــاك فنانــون كبــارا ً‬ ‫خلــدوا حــق الشــعوب يف تقريــر مصريهــا‪ ،‬ومنهــا لوحــة (الحريــة تقــود الشــعب) للفنــان‬ ‫الفرنــي يوجــن دوالكــروا‪ ،‬ولوحــة (اإلعــدام) لإلســباين فراشيســكو غويــا‪ ،‬ولوحــات‬ ‫املكســييك الربتــو سانشــيز التــي جســدت املفهــوم الخــاق يف حــق الشــعب مبحاربــة‬ ‫الطغيــان ومقاومــة الظلــم‪ ،‬وكذلــك (جورنيــكا) بيكاســو التــي فضحــت مامرســات النازيــة‪،‬‬ ‫وكذلــك أعــال الجرافيــك لألرجنتينــي اليخانــدرو غابريــل التــي اهتمــت بجراحــات‬ ‫األطفــال يف زمــن الحــروب والثــورات‪ ،‬وال ننــى الكثــر مــن التجــارب التشــكيلية العربيــة‬ ‫الجــادة التــي جســدت تــوق الشــعب العــريب إىل الحريــة واملســاواة‪ ،‬ونــورد منها‪ :‬ســليامن‬ ‫منصــور‪ ،‬إســاعيل شــموط‪ ،‬فريــد بلكاهيــة‪ ،‬متــام اﻷكحــل‪ ،‬مصطفــى الحــاج‪ ،‬ضيــاء‬ ‫الع ـزاوي‪ ،‬خزميــة علــواين‪ ،‬أســعد ع ـرايب‪ ،‬يوســف عبدلــي‪ ،‬نذيــر نبعــة‪ ،‬رافــع النــارصي‪،‬‬ ‫وكوكبــة كبــرة اســتطاعت أن تؤثــر يف وجــدان املواطــن العــريب‪ ،‬ويف رفــع وتــرة الوعــي‬ ‫لــدى املجتمعــات العربيــة‪ ،‬ورســخت الــرورة الحتميــة لــدور الفــن يف بعــث حيــاة‬ ‫جديــدة‪ ،‬وهــدم الواقــع الــرث الــذي تحيــاه‪ ،‬وبنــاء عــامل تســوده حريــة اﻷفـراد‪ ،‬وحقهــم‬ ‫يف العيــش الكريــم وتلمــس كرامتهــم اإلنســانية‪.‬‬ ‫وال ننــى هنــا مــا حفلــت بــه الثــورة الســورية مــن تجــارب وطاقــات فنيــة خالقــة‬ ‫اســتطاعت بــأدوات بســيطة أن تؤثــر بفاعليــة يف شــحن همــم الثائريــن عــى االســتبداد‪،‬‬ ‫ومدهــم بأســباب الثبــات وعمــق إميانهــم بحتميــة التغيــر‪ ،‬وقــد دفــع الكثــر مــن هــذه‬ ‫الطاقــات الخالقــة مــن دمــه مثن ـاً غالي ـاً يف مح ـراب الشــهادة قربانــا للحريــة‪ ،‬ولتنتــج يف‬ ‫املســتقبل القريــب وطن ـاً نقي ـاً وجديــدا ً يكفــل لــكل أبنائــه الكرامــة والحريــة والعيــش‬ ‫الكريــم‪.‬‬

‫عــن التجانــس والنقــاء‪ ،‬وهــا ســمتان أساســيتان متالزمتــان لتأثيــث االنتــاء إىل املعرفيــة‬ ‫التــي فشــل املثقــف يف اســتلهامها‪ ،‬وليكــون مــن أكــر املســتثمرين للثــورة وأقــل الدافعــن‬ ‫لألمثــان فيهــا‪.‬‬ ‫مــن هنــا نــدرك حجــم الكارثيــة التــي يتعــرض لهــا مســار الثــورة الســورية‪ ،‬ونلمــس‬ ‫عــن قــرب تلــك الرشاكــة غــر الربيئــة بــن مرتكزيــن هامــن وأساســيني (املثقــف ورجــل‬ ‫السياســة) يف احرتابهــا عــى امتــاك الحقيقــة‪ ،‬ومحاولــة كل منهــا اســتبعاد اآلخــر‬ ‫وتغييبــه‪ ،‬مخافــة احتــال كل منهــا مــكان اآلخــر يف الوقــت الــذي نــدرك جيــدا ً أن املثقــف‬ ‫الحقيقــي ليــس رجــل سياســة باملعنــى الحــريف لكلمــة ســيايس‪ ،‬والتاريــخ يثبــت يف كل مــرة‬ ‫أن املثقــف البــد أن يكــون مســتقالً عــن لعبــة الســيايس وتجاذباتــه‪ ،‬وهــو بذلــك يحقــق‬ ‫مفاعيــل دوره التاريخــي يف تقــري التجربــة السياســية‪ ،‬ونقدهــا وتقوميهــا دون االنخ ـراط‬ ‫فيهــا كرجــل ســيايس بصــورة مبــارشة‪ ،‬ليــس ألن ذلــك ليــس مــن حقــه‪ ،‬وحســب‪ ،‬بــل ألن‬ ‫دوره التاريخــي يحتــم عليــه أن يكــون مســتقالً بفكــره‪ ،‬وموقفــه‪ ،‬ورؤيتــه الحقيقيــة لألمــور‪،‬‬ ‫ومســار التحــوالت الجاريــة داخــل الثــورة الســورية‪ ،‬والتــي هــي يف الحقيقــة مــن أكــر‬ ‫الثــورات التــي تخضــع ملتغ ـرات متواتــرة مــن خــال األجنــدات الخارجيــة التــي فتكــت‬ ‫وأهــدرت أســباب انتصارهــا وتحقيــق الهــدف الــذي قامــت مــن أجلــه‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫أحالم «بدر» السورية وجارتها املصرية الطيبة‬

‫فلم��ا كان��ت الليلة العاش��رة‪..‬‬

‫تركتــك أيهــا القــارئ الســعيد األســبوع املــايض‪ ،‬بينــا ما سّلم الده ُر باليمنى على أح ٍد‬ ‫إال ويسراه تسقيه الردى كظماً‬ ‫ ‬ ‫كان ابنــي وأخــي وأحفــادي يف عــرض البحــر‪ .‬قلــت لــك‬ ‫إنهــم تســعة‪ ،‬حتــى ال تســتهول األمــر‪ ،‬لكــن العــدد‬ ‫الصحيــح بحســاب أوالد العــم وعــم العــم هــو ‪ .26‬نعــم‪ ،‬تركــوين أنــا الشــائب أرعــى النســاء واألطفــال‪ ،‬أنتظــر بشــارة‬ ‫ســتة وعــرون مــن عائلتــي عــى مركــب تهريــب واحــد‪ ،‬يف وصولهــم إىل بــر األمــان‪ .‬أتحســس الهاتــف يف يــدي‪ ،‬كل‬ ‫طريــق مجهــول يأخذهــم إىل شــواطئ إيطاليــا‪ ،‬أو إىل تخــوم لحظــة أريــد أن أهاتــف السمســار‪ ،‬ولكننــي أتراجــع‪ ،‬فهــو‬ ‫اآلخــرة‪ .‬أنتــم أطلقتــم عــى هــذه املراكــب يف مــر اســم ليــس مشــغوالً يب وحــدي أو بــأرسيت وحدهــا‪ .‬بــن كل عــر‬ ‫«قــوارب املــوت» ويكفيهــا هــذا قبحـاً‪ .‬ولكــن مل يكــن مــن م ـرات أهــم يف االتصــال بــه‪ ،‬لكننــي أتصــل مــرة واحــدة‪.‬‬ ‫ركوبهــا بــد‪ ،‬فقــد أوشــكت مدخراتنــا عــى النفــاد‪ ،‬وصمــم وبــن كل عــر اتصــاالت يجيبنــي مــرة واحــدة‪.‬‬ ‫شــباب العائلــة عــى الســفر‪ ،‬حتــى ال يصــدق علينــا قــول يف اليــوم الثامــن رد بالليــل وقــال إنــه يتواصــل مــع املركــب‬ ‫املبحــر‪ ،‬ويف التاســع قــال إنهــم يقرتبــون وإنــه ســيبرشنا‬ ‫الشــاعر‪:‬‬ ‫بوصولهــم خــال يومــن‪ .‬ويف اليــوم العــارش أغلــق تليفونــه‪،‬‬ ‫ميشي الفقري وكل شيء ضده‬ ‫ومل يعــد باســتطاعتي معرفــة أي يشء‪ .‬هــل تعــب منــي‬ ‫واألرض تغلق دونه أبوابها‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ومــن غــري أم حــدث للمركــب مكــروه؟ لعــب الفــأر يف‬ ‫وتراه ممقوتاً وليس مبذنب‬ ‫ويرى العداوة ال يرى أسبابها عبــي‪ .‬وجفــا النــوم جفنــي‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫أدور يف الشــقة‪ ،‬أســقي الزريعــة عــى الرشفــة‪ ،‬أقــف أمــام‬ ‫كان املركــب يطــوف حــول امليــاه اإلقليميــة املرصيــة الببغــاء الحزيــن مثلنــا‪ .‬أنظــر إىل زوجــة ابنــي‪ ،‬فــأرى عينيها‬ ‫ليســتكمل حمولتــه‪ ،‬ثــم أبحــر باتجــاه الشــواطئ اإليطاليــة‪ ،‬حمراويــن كالــدم ومــا انتبهــت إىل أن عينــي تشــبهان‬ ‫وهــذا الــكالم عــى ذمــة السمســار الــذي يتواصــل مــع عينيهــا‪ .‬كل منــا يبــي يف رسه‪ ،‬أمــا الصغــرة ورد التــي ال‬ ‫القبطــان بتليفــون «ثريــا» ال يعرفــه إال هــو مخافــة تعــرف احـراز الكبــار فكانــت تبــي دون أن تراعــي شــيئاً‪،‬‬ ‫تشــم مالبــس أختهــا‪ ،‬وتقــول‪« :‬هــذه رائحــة فــرح» ومــن‬ ‫انكشــافه لألمــن‪.‬‬ ‫ظـ ّـل السمســار يتواصــل معنــا طــوال أســبوع قضتــه أرسيت التعــب تنــام‪.‬‬ ‫يف عهدتــه عــى الــر‪ ،‬وأســبوع آخــر يف البحــر دون تقدم إىل هــذا واللــه مــا كان مــن أمــر الطفلــة ورد‪ ،‬أمــا أمهــا «بــدر‬ ‫الوجهــة املطلوبــة‪ .‬قــال إن العصائــر والتمــر الــذي حملــه البــدور» فاســتعانت عــى خوفهــا بالصيــام واألحــام‪ .‬تنــام‬ ‫املســافرون نفــد‪ ،‬وإنــه أرســل مركبــاً آخــر زود املركــب الصبيــة وتحلــم‪ ،‬ثــم تقــوم لتتصــل بجــارة لنــا مرصيــة‪،‬‬ ‫بكميــة جديــدة كالتــي نفــدت‪ ،‬أي بواقــع كيلــو ونصــف تفــر لهــا أحالمهــا وتطمئنهــا‪ .‬ثــم صــارت الصبيــة املرصيــة‬ ‫تحلــم أيضـاً‪ .‬مل نشــعر أننــا وحدنــا‪ ،‬وكــا قــال امــرؤ القيس‪:‬‬ ‫الكيلــو مــن التمــر لــكل منهــم‪.‬‬ ‫وبــدأت أعــد الســاعات والدقائــق والثــواين‪ ،‬أخــرج إىل أجارتنا إنا غريبان ها هنا‬ ‫وكل غريب للغريب نسيب‬ ‫ ‬ ‫الشــارع‪ ،‬ألتقــي باألصحــاب‪ ،‬وعندمــا أعــود إىل الشــقة‬ ‫فإن تصلينا فالقرابة بيننا‬ ‫أجدهــا خاليــة‪ ،‬ينطبــق عليهــا قــول مــن قــال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وإن تصرمينا فالغريب غريب‬ ‫ ‬ ‫حنل وهي عامرة‬ ‫كانت‬ ‫خليات ِ‬ ‫ُ‬ ‫أجارتنا مافات ليس يؤؤب‬ ‫ملا خلى حنلها عادت خليات‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫وماهو آت يف الزمان قريب‬ ‫ ‬ ‫كأنها اليوم بالسكان ما عمرت‬ ‫وليس غريبا من تناءت دياره‬ ‫أو غال سكانها فصل املنيات‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ولكن من وارى الرتاب غريب‬ ‫ ‬ ‫تركنــا بيوتنــا يف ســورية‪ ،‬وعم ّرنــا غريهــا عــى قــدر الحــال‬ ‫يف مــر‪ ،‬وكنــا ســعداء‪ ،‬أو كنــا عــى األقــل نعتــر أنفســنا تقــوم بــدر صارخــة‪ ،‬تحلــم أن زوجهــا يصــارع األمــواج‪،‬‬ ‫محظوظــن أكــر مــن غرينــا‪ ،‬وقــد جمعتنــا مــر بــا تهاتــف صديقتهــا‪ ،‬وتحــي لهــا مفزوعــة‪ ،‬ثــم أســمعها‬ ‫خســارات كالتــي رأيناهــا يف جـران ومعــارف آخريــن‪ ،‬مــات تبــي‪ ،‬وأســمعها تعتــذر لهــا‪ ،‬ألنهــا أيقظتهــا يف وقــت مبكــر‪،‬‬ ‫منهــم مــن مــات وتشــتت منهــم مــن تشــتت يف البــاد ثــم أســمعها تهــدأ‪ ،‬ثــم تدعــو للجــارة‪ .‬تغلــق الهاتــف‬ ‫والقــارات‪ .‬لكننــا تفرقنــا مــرة أخــرى‪ ،‬فحــق علينــا قــول مســتبرشة‪ ،‬تقــول إن الجــارة رأت يف املنــام أنهــم ميــرون‬ ‫بصعوبــة‪ .‬تقــول لهــا «حلمــت يــا بــدر أن ثعبان ـاً اقــرب‬ ‫الشــاعر‪:‬‬ ‫مــن زوجــك‪ ،‬وقبــل أن يلدغــه كانــت فــرح قــد حملــت‬ ‫يف جبهة الدهر سطر لو نظرت له‬ ‫أبكاك مضمونه من مقلتيك دماً ســاقاً طويلــة مــن الحديــد وأزاحتــه بعيــدا ً عــن أبيهــا ثــم‬ ‫ ‬

‫درامــــــا‬ ‫ألف عامٍ وأك ُرث‬ ‫ُ‬ ‫ِب ِظ ِّل عن هذ ِه‬ ‫وأنا أ ْح ِم ُل ُجثّ ًة تَ ْحج ُ‬ ‫ِ‬ ‫األرض‬ ‫وب‬ ‫وب ال َج ُن ِ‬ ‫َع َ ْبتُ ال ُفراتَ قادماً من َج ُن ِ‬ ‫وح رملُها وال ُغ َبار‬ ‫ش ُب ال ُّر َ‬ ‫اف‪ ،‬يَ ْ َ‬ ‫وجزتُ ال َف َي ِ َ‬ ‫أؤانس قلبي ب َِش ٍء م َن الشِّ ع ِر‬ ‫ُ‬ ‫وكنت ُ‬ ‫والتَ ْمتَ َم ِت‬ ‫ِ‬ ‫ئب ال َف َر ْز َدقِ‬ ‫ل ِّ‬ ‫َعل أؤنسن حزين كَذ ِ‬ ‫ديقي يف هذا ال َف َرا ِغ املُخَاتلِ​ِ‬ ‫فَ َنغْدو َص ْ ِ‬ ‫عادت ال َغ ْد ُر‬ ‫ليس من ِ‬ ‫فأنا َ‬ ‫الص ِ‬ ‫َ‬ ‫احب‪ ،‬حتى لو ّان‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫وملْ ُأك َّ َ ْ ُ َّ‬ ‫اكتويت ب َنا ِر ال َه ِجريِ والقَائِلَة!‬ ‫ُ‬ ‫وبي‬ ‫ِئت أخ ُُّب يف ال َّد ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫رب‪َ ْ ،‬‬ ‫َّريق ِ‬ ‫شَ ِ‬ ‫إليك‬ ‫وك الط َ‬ ‫ِئت‬ ‫و ِمأْرِب‪ ،‬ج ُ‬ ‫وت‬ ‫َوف ُو ُح َ‬ ‫وص ِ‬ ‫َمزاديت خ ِ‬ ‫وش الفَال ِة‪َ ،‬‬ ‫البَعيد‪ ،‬البَعيد‬ ‫ٍ‬ ‫وح‬ ‫َ‬ ‫والش َء فيها ِسوى ظ َ​َم يَ ْسك ُن ال ُّر َ‬

‫َحيثُ ال قَطْ َر‪ ،‬يف هذي ال ِّديا ِر‬ ‫السعيدِ‬ ‫وكُ ْن ُت ُ‬ ‫أقول‪ :‬يَا َ‬ ‫أنت‪ ،‬يف اليَ َمنِ َّ‬ ‫وتظ َْمُ ُرو ُحك!‬ ‫إنَّ َها ِق ْس َم ٌة ِضي َزى و َج ْو ٌر يف بِالد ال ُحكْمِ‬ ‫ِ‬ ‫والح ْك َم ِة‪َ ،‬ح ْ‬ ‫اول‬ ‫فلتُ َح ْ‬ ‫اول!‬ ‫ِب ِظ ِّل‬ ‫وأنا أ ْح ِم ُل ُجثَّ ًة ت ْحج ُ‬ ‫مي يف ال ُج ِّب‬ ‫يا أنَا‪ ،‬يا ُ‬ ‫يوس ُف امل َ ْر ُّ‬ ‫أنادي إ ْخ َو ِت‬ ‫وحتى الثَّ َم ُن البَخ ُْس غدا أ ْمطا َر َصيْ ٍف‬ ‫فال سيَّار ًة تأيت‪ ،‬وال َسعفَا‬ ‫يُداري َسو َءيت‬ ‫ْ‬ ‫فلتحاول‬ ‫البي‬ ‫هأنذا ٌ‬ ‫مثقل بال ِّري ِح وال َح ْنظلِ َ ِّ‬ ‫وألف ك ْربَالء‬ ‫ُ‬ ‫يف قا ِفل ِة العريِ قَطَ ْع ُت َم ْه َمهاً ذئابُه َج ُسو َر ٌة‬ ‫كل نخل ٍة َسيْ ٌف‬ ‫و ِعن َد ِّ‬ ‫و َح ْربَ ٌة َم ْس ُمو َم ٌة‬ ‫وألف ِخ ْنجِر‬ ‫ُ‬ ‫مزاديت فا ِر َغةٌ‪ ،‬وما ُؤها َغ ْو ٌر‬

‫رضبتــه عــى رأســه فأردتــه قتي ـاً»‪.‬‬ ‫فلما كانت الليلة الثالثة عشرة‪...‬‬ ‫متلكنــا الخــوف والقنــوط‪ .‬وجلســنا يف صمــت‪ .‬ال يريــد‬ ‫أحدنــا أن يبــدأ بالــكالم‪ .‬وإذا بهاتــف بــدر يــرن‪ .‬كانــت‬ ‫الجــارة الصبيــة‪ ،‬قالــت لهــا إننــي غفــوت بعــد صــاة‬ ‫العشــاء ورأيتــك تحملــن دورقــاً تصبــن منــه عصــر‬ ‫«مانجــو» ســيصلون بالســامة وســتقدمني يل املانجــو يــا‬ ‫بــدر‪.‬‬ ‫فرحــت بــدر وهللــت‪ ،‬أكلــت كــا مل تــأكل منــذ أســبوعني‪.‬‬ ‫وبــرد قلبــي «بــس شــوي» رغــم أننــي كنــت بعيــدا ً جــدا ً‬ ‫عــن أحــام املرأتــن‪ ،‬كنــت أبحــر يف اإلنرتنــت‪ .‬أدقــق النظــر‬ ‫يف صفحــة «هــارب مــن املــوت إىل املــوت» وهــي صفحــة‬ ‫أنشــأها الســوريون للتواصــل حــول الغرقــى يف مراكــب‬ ‫الهجــرة الرسيــة‪ .‬كل لحظــة أعيــد تنشــيط الصفحــة‬ ‫وتغيــب أنفــايس مــع غيــاب موجــات الشــبكة‪ ،‬حتــى تظهــر‬ ‫الصــور وال أجــد صــور عائلتــي بينهــا فأتنفــس مــلء رئتــي‪.‬‬ ‫عــى الصفحــة صــور شــباب‪ ،‬شــابات يف عمــر الــورد‪ ،‬أطفال‪،‬‬ ‫وســيدات حوامــل‪ .‬مفقــودون يتــم اإلبــاغ عنهــم ومناشــدة‬ ‫مــن يعــرف شــيئاً عنهــم‪ .‬أســتعرض الصــور مــرة‪ ،‬وبعــد أن‬ ‫أمتالــك أنفــايس أعــود أســتعرضها وأدقــق يف األســاء ألعــرف‬ ‫إن كان هنــاك اســم مــن بينهــم يشــبه األســاء التــي أعرفهــا‬ ‫وأعــرف أنهــا عــى املركــب نفســه الــذي اســتقلته أرسيت‪.‬‬ ‫وكانــت األخبــار قــد جــاءت عــن غــرق مركــب تحمــل‬ ‫ســتامئة شــخص قــرب الســواحل الليبيــة‪ ،‬ومل تتحــرك‬ ‫الدولــة الليبيــة املنهــارة‪ ،‬لكــن التــي تحركــت هــي البحريــة‬ ‫اإليطاليــة وأنقــذت ثالمثائــة‪.‬‬ ‫والــد مســافرين آخريــن هاتفنــي‪ ،‬وقــال يل ال تخــف‪،‬‬ ‫هــذا ليــس مركــب أوالدنــا‪ ،‬مركبنــا عــدد ركابــه أربعامئــة‬ ‫وخمســون شــخصاً‪ ،‬فاطأمننــت أكــر‪ .‬وال أقــول إننــي ال أثق‬ ‫بأحــام الجــارة الطيبــة‪ ،‬أو مبــا ذكــره الرجــل‪ ،‬لكــن قلبــي‬ ‫لــن يهــدأ إال بعــد أن أســمع أصواتهــم‪ .‬وحتــى يتحقــق هــذا‬ ‫فإننــي أجلــس صامت ـاً‪ ،‬أردد قــول الشــاعر‪:‬‬ ‫أستخرب الشمس عنكم كلما طلعت‬ ‫وأسأل الربق عنكم كلما ملعا‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫أبيت والشوق يطويين وينشرني‬ ‫يف راحتيه فال أشكو له وجعا‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫عزت القمحاوي‬

‫هــذا نطلقــه تجــاوزا ً‪ ،‬فهــو عــادة واحــد مــن املســافرين‬ ‫يتعلــم كيــف يضبــط البوصلــة ليصــل بالتقريــب يف االتجــاه‬ ‫املطلــوب‪ .‬هــو قبطــان لرحلــة واحــدة‪ ،‬يف مركــب ال ال يعــود‬ ‫أبــدا ً حتــى لــو وصــل ســاملاً إىل الشــاطئ اآلخــر‪.‬‬ ‫الذيــن وصلــوا مــن قبــل‪ ،‬قالــوا لنــا إن القبطــان ليــس‬ ‫مطالب ـاً بالرســو عــى شــاطئ‪ ،‬عليــه فقــط أن يقــرب مــن‬ ‫الشــواطئ اإليطاليــة‪ ،‬حيــث متســح الطائ ـرات البحــر مــن‬ ‫الجــو‪ ،‬وترســل بالبــوارج التــي تنتشــل املهاجريــن مــن‬ ‫القــوارب‪ ،‬تســتقبلهم وتســعف الضعفــاء واملــرىض منهــم‬ ‫أوالً‪ ،‬وتقــدم لهــم الطعــام‪ ،‬ثــم يبــدأ االســتجواب بحضــور‬ ‫مرتجــم عــريب عليــه أن يفــرز الســوري مــن املــري‪.‬‬ ‫الســوري يســجلون طلبــه‪ :‬إىل أيــة دولــة يريــد أن يذهــب‪،‬‬ ‫واملــري يردونــه إىل مــر‪.‬‬ ‫الشــخص الــذي هاتفنــي قــال‪ :‬طاملــا وجــد ت شــبكة‬ ‫إنرتنــت أبــر‪ ،‬هــم قريبــون مــن الــر‪ ،‬ومعظــم الخــوف‬ ‫زال‪.‬‬

‫وملا كانت الليلة اخلامسة عشرة‪..‬‬ ‫هلــل الببغــاء‪ ،‬وســمعتها منــه يف تلــك الليلــة واضحــة‬ ‫«ســامل»‪ .‬فاســتبرشت بســامتهم‪ ،‬كررهــا أكــر مــن مــرة‪،‬‬ ‫ورفــرف‪ ،‬قلــت لــه «شــاي؟» رددهــا ســعيدا ً‪ ،‬أعــددت لــه‬ ‫شــاياً وأخــذت أســقيه‪ .‬رشبــه ســاخناً‪ ،‬هــو معتــاد عىل رشب‬ ‫الشــاي الســاخن‪ .‬رشب باســتمتاع وقبلنــي عــى خــدي‪ .‬ومل‬ ‫متــض ســاعة حتــى اتصلــت الجــارة‪ ،‬تقــول وصلــوا‪ .‬وصلــوا‬ ‫يــا بــدر‪ ،‬واللــه وصلــوا وســتعدين يل عصــر املانجــو‪.‬‬ ‫ويف الصبــاح رن هاتفــي‪ .‬كان ابنــي عــى الفايــر قــال يل‬ ‫«كيفــك يــا أيب؟» وأنــا مل أرد‪ .‬أخــذوا الهاتــف منــي وردوا‬ ‫عليــه‪ ،‬وأعــادوه وأنــا ال أملــك نفــي‪ ،‬وأخــذ املســافرون‬ ‫يتناوبــون عــى محادثتــي‪ .‬كــذاب إذا قلــت لــك إننــي‬ ‫عرفــت مــن يتكلــم ومــاذا قــال يل‪ .‬وبعــد أن هــدأت عرفــت‬ ‫أنهــم كانــوا ينتقلــون مــن املركــب املــري إىل البارجــة يف‬ ‫اللحظــة التــي هاتفتنــا فيهــا الجــارة املرصيــة‪ .‬ومل يبــدأوا يف‬ ‫فتــح هواتفهــم عــى البارجــة إال بعــد أن تلقــوا اإلســعافات‬ ‫الرضوريــة وتــم فحصهــم وتســجيلهم‪ .‬ثــم هاتفــوين مــرة‬ ‫أخــرى‪ ،‬وأصبحــت أســمع منهــم وأســتوعب‪ .‬قالــوا أنهــم‬ ‫مــروا بأهــوال لــو كتبــت باإلبــر عــى آمــاق البــر لكانــت‬ ‫عــرة ملــن يعتــر‪.‬‬ ‫ثم‪.....‬‬ ‫أرســلوا يل صورهــم عــى البارجــة‪ ،‬وســط أعــداد ضخمــة‬ ‫فلما كانت الليلة الرابعة عشرة‪..‬‬ ‫جــاءين هاتــف مــن شــخص آخــر‪ ،‬أقســم أن األوالد بخــر‪ ،‬مــن الصبايــا والشــباب املتهللــن‪ ،‬يرفعــون عالمــة النــر‪،‬‬ ‫وأنــه تلقــى اتصــاالً عــى الفايــر مــن ابنــه‪ ،‬قــال لــه إننــا فرحــون بالنجــاة مــن البحــر واألوطــان!‬ ‫بخــر‪ ،‬وانقطــع االتصــال بعــد أن طأمنــه‪ ،‬لكنــه مل يعــرف‬ ‫منــه كــم تبقــى مــن الرحلــة‪ ،‬وهــل يســرون يف االتجــاه * األش��عار اجملهول��ة يف م�تن القص��ة ع��ن «أل��ف ليل��ة‬ ‫الصحيــح أم ال‪ .‬القبطــان نفســه ال يعــرف‪ .‬ولفــظ القبطــان وليلة»‪.‬‬

‫وألف ع ٍني من ضَ َواري الب ِ‬ ‫ِيد ت ْر ُص ُد املَكَان‬ ‫ُ‬ ‫فكيف يل ُعبُو ُر هذ ِه املَفَا َزةِ‬ ‫َ‬ ‫وك ُُّل َسعف ٍة تطلبني ثأرا ً‪ ،‬وال تَ ِني‬ ‫ت ُ‬ ‫َقول‪:‬‬ ‫يَا لِثَار ِ‬ ‫ات ال َّن ِخيلِ !‬ ‫أ ْد َركَ ِني الل َُّيل فَ ِن ْم ُت‪ ،‬ب َني ُرؤيا عاشقٍ‬ ‫وح قُ ْبلة‬ ‫ُمدن َِف‬ ‫ِ‬ ‫القلب ُي ِّني ال ُّر َ‬ ‫اصة‬ ‫وعىل ِض َّف ِة ال ُحلمِ َر َص َ‬ ‫الصديا َن‬ ‫ْ‬ ‫كانت نجو ُم اللِّيلِ ت َ ْر َعى قلبَ ُه َّ‬ ‫وكا َن الل َُّيل‬ ‫يَبْ ِك‬ ‫غيم ًة تَ ْه ِمي تَعاويذَ‬ ‫وآ ْه‬ ‫ٌ‬ ‫حقول من ِضيا ٍء‬ ‫واملزاراتُ‬ ‫ُح َّر ُاسها من د ِمنا املَطْلو ِل‬ ‫الباري‬ ‫تنبت‬ ‫ال ينامونَ‪ ،‬وال ُ‬ ‫ُ‬ ‫أعشاب َ‬ ‫عىل أ ْجفَانِ ُحل ِمي‬ ‫وهو وا ٍد غريِ ذي َز ْر ٍع‬ ‫أف ِئد ُة ال َّن ِ‬ ‫اس ال تَ ْهوي إلَيْ ِه‬ ‫غ َري ِّأن‬ ‫مل ْ‬ ‫ُطب‬ ‫أزل أ ْر ُص ُد نَ ْج َم الق ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َع ّل أهتدي لطريقٍ أو َم َج ّرة‬

‫ملْ تز ْرها قَا ِفلة‬ ‫يعرف ِعريا أو سبيالً ُم ِ‬ ‫وأبو ُس ْفيَا َن ال ُ‬ ‫وصالً‬ ‫يَن ُف ُذ ِم ْنهُ‪ ،‬ال لِ َص ْي ٍف أو ِشتاء!‬ ‫األرض التي متحو ُخطَاي‬ ‫هذ ِه ُ‬ ‫الصفرا ُء تَ ْعوي‬ ‫ري ُحها َّ‬ ‫مت‬ ‫الص َ‬ ‫تَ ْح ُج ُب َّ‬ ‫للس َم ِء‬ ‫كَأ َّن َ‬ ‫األرض تُطْ َوى َّ‬ ‫ازلت أ ْهوِي يف‬ ‫وأنا َم ُ‬ ‫ُنون‬ ‫ظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عاشقاً‪َ ،‬صباً ‪ ،‬يُدارِي خَوفَ ُه‬ ‫و َح ِني ِني لِبِال ٍد لَ ْم أ ُز ْر َها‬ ‫متط ُر ال ُعشَّ َاق من أو ِل َغيْ َمة‬ ‫والفراتُ‬ ‫ملْ ْ‬ ‫جيس‬ ‫يزل ِق َّص َة ِعشقٍ نَ ْر ٍّ‬ ‫كُلَّام ِجئْ ُت أُ َغ ِّني‬ ‫لِ َع ُر ِ‬ ‫وس ال َب ْح ِر َو ْج ِدي‬ ‫أت َ َه َّجى صد َرها َح ْرفاً فَ َح ْرفا‬ ‫أ ْز َر ُع ال ُق ُب ِ‬ ‫الت كَال َّنخلِ‬ ‫وأه ُّز ال ِج ْذ َع نَ ْح َو ال ِّري ِح‬ ‫لك ِّنني‬ ‫أحمل ُجثَّة‬ ‫مازلت أعدو‪ ،‬وأنا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِب ظ ِّل‪.‬‬ ‫ُجثَّ ًة تَ ْحج ُ‬

‫موسى رحوم عباس‬


‫حرمل الثقافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫غريب الدار‬

‫بائ��ع الش��يح‬

‫جناة عبد الصمد‬

‫ٌ‬ ‫عروق مح ٌر‬ ‫يف عيين بائع الشيح الربي‬ ‫ودمع م ّر‪ ،‬وفيهما طيب الشيح الذي يبيعه‬ ‫ٌ‬ ‫م��ن جعبت��ه املف��رودة عل��ى رصي��ف الس��وق‬ ‫يب‪ ،‬الشيح امل ّر واملداوي للمغص‪.‬‬ ‫الشع ّ‬ ‫هنــاك يف آخــر الربيــع‪ ،‬يف التــال الوعــرة حــول‬ ‫ضيعاتنــا الجنوبيــة يزهــر الشــيح‪ ،‬وين ـ ّد عنــه‬ ‫طلـ ٌع يســتغرق عي َنــي قاط ِفــه‪ ،‬فيصيبهــا بعشــق‬ ‫الطلــع وبالعــروق الحمــر وبالدمــع املـ ّر‪...‬‬ ‫مثــن كأس الشــيح ‪ 100‬لــرة‪ .‬مــأ يل كأس‬ ‫األملنيــوم (وحــدة الــوزن أو املكيــال التــي‬ ‫اخرتعهــا جـ ّدي وجـ ّده)‪ .‬وظـ ّـل يضيــف كمشـ ًة‬ ‫ـر أعــواد‬ ‫فــوق كمشــة‪ ،‬ويكبســها بيديــه‪ .‬تتكـ ّ‬ ‫الشــيح الضعيفــة‪ ،‬وهــو يحرشهــا ويضغطهــا‬ ‫حتــى اختنــق الــكأس‪ .‬دلقه يف الكيــس املجعلك‬ ‫الصغــر الــذي صــار يل مقابــل ‪ 100‬لــرة‪ ...‬حـ ّـك‬ ‫البائـ ُع الطيــب عينيــه‪ ،‬وغــرف كمشـ ًة إضافيّــة‬ ‫مــن جعبتــه وأفرغهــا يف كيــي‪ ...‬كيــي الــذي‬ ‫صــار فيــه أكــر بكثــر مــن مكيــال كأس حــن‬ ‫صــار يف عينــي بائــع الشــيح احمـرا ٌر مـ ٌّر ودمـ ٌع‬ ‫حلــو‪ ،‬وصــار يف جيبــه ‪ 100‬لــرة‪.‬‬ ‫مــا فــاض عــن املكيــال كان هديتــه ملــن‬ ‫يشــري‪ ،‬كان ك َرم ـاً تناســيناه منــذ زمــن‪ .‬كنبــع‬ ‫أخــاق الثــورة‪ .‬النبــع الــذي أيضــاً تناســيناه‪.‬‬ ‫النبــع الــذي كان اســمه‪ :‬حريــة‪ ،‬كرامــة‪ ،‬دولــة‬

‫بورتريه‪..‬‬

‫قانــون‪...‬‬ ‫بائــع الشــيح ال يعــرف ملــاذا تقــوم الثــورات‪.‬‬ ‫يعــرف فقــط كيــف ينهــض عنــد الفجــر‪،‬‬ ‫وميــي نحــو التــال ويقطــف النبتــة الربيّــة‪،‬‬ ‫ـس مكيالــه‪.‬‬ ‫ويــأيت ليبيعهــا يف الســوق‪ ،‬وال يخـ ّ‬ ‫لبائع الشيح الربي هذا ُ‬ ‫أخالق ثائر‪...‬‬ ‫وســامات لتلــك الليلــة‪ ،‬لذلــك الصبــاح‪ ،‬ألشــجار‬ ‫التــوت عــى مــدى املدينــة‪ ،‬لعناقيــد الفليفلــة‬ ‫والباذنجــان والقــرع والبنــدورة تتــدىل مــن‬ ‫ســقوف الدكاكــن‪ ،‬ومــن ســقائف قلبــي‪.‬‬

‫ترقية‬

‫ـي‪ ،‬بــاريك يل‪ .‬أخ ـرا ً ترقّيــت إىل‬ ‫ه ّنئينــي يــا أمـ ّ‬ ‫مرتبــة «ســجني»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ـت مجـ ّرد «معتقــل»‪ ،‬نكــرة‪ ،‬حــرة‪ ،‬مكــر‬ ‫كنـ ُ‬ ‫عصــا‪.‬‬ ‫وقريبــاً ســأنعم بحقــوق الســجني‪ :‬طعــام؛‬ ‫أي طعــام‪ ،‬ســاعة تنفــس صباحــي‪ ،‬ووقــت‬ ‫ـت للقـراءة‪ .‬ســأعود للقـراءة يــا‬ ‫لتــزوروين‪ ،‬ووقـ ٌ‬ ‫أمــي‪.‬‬ ‫أخ ـرا ً ســأخرج مــن فــرع املخاب ـرات الجويــة‪.‬‬ ‫ولــن تجفــي بعــد اليــوم مــن حــ ٍن لحــن‬ ‫هنــاك يف حمــص حــن يهتكــون ســرك هنــا‬

‫كل كابــلٍ‬ ‫رباعــي‬ ‫تحــت أرض الشــام مــع ّ‬ ‫ّ‬ ‫يســوط ظهــري‪.‬‬ ‫أتــوين بالــورق ألوقّــع‪ ،‬ألبصــم عــى اعــرايف‬ ‫ٍ‬ ‫ضغــط‬ ‫(وأنــا يف كامــل قــواي العقليــة‪ ،‬ودون‬ ‫أو إكــراه) بقامئــة التهــم التــي ارتكبــت‪:‬‬ ‫انتحــال هويــة مــزورة‪ ،‬إيهــان نفســية األمــة‪،‬‬ ‫إضعــاف الشــعور الوطنــي‪ ،‬رسقــة بيــت جرياننــا‬ ‫املســافرين‪ ،‬املتاجــرة بأســلحة مهربــة‪ ،‬اغتصــاب‬ ‫اثنتــن وعرشيــن صبيــة يف حمــص‪ ،‬ترويــع‬ ‫املدنيــن اآلمنــن يف الحــارات‪ ،‬حيــازة ســا ٍح غــر‬ ‫مرخــص‪ ،‬ثــم الته ّجــم عــى دوريّــة األمــن التــي‬ ‫حــرت تعتقلنــي عنــد الفجــر بتهمــة ارتــكايب‬ ‫كل مــا ســبق)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـت أن يبلّلــوا شــفتي بنقطــة مــاء‪،‬‬ ‫وألننــي تأ ّملـ ُ‬ ‫وأن يطعمــوين كــرة خبــز‪ ،‬وأن تنمــو يل أظافــر‬ ‫بــدالً عــن تلــك املقلوعــة‪ ،‬وتســكن قــروح‬ ‫وجهــي وحــروق جلــدي وكســور عظامــي‬ ‫وإغــاءايت املتالحقــة؛ فقــد أقــررتُ بهــا كلهــا يــا‬ ‫أمــي‪ ،‬ولــو طلبــوا منــي عــى موائــد التعذيــب‬ ‫أن أعــرف بــكل املوبقــات التــي ارتكبهــا كل‬ ‫النــاس منــذ بــدء الخليقــة؛ العرتفــت‪.‬‬ ‫ي أن أبصــم تحــت اعـرايف باغتصابك‬ ‫لــو كان عـ ّ‬ ‫أنــت؛ كنت ســأفعل‪.‬‬

‫معروف اإلسكافي‬

‫حممد عبد اهلل اهلادي‬ ‫هــو معــروف اإلســكايف‪ ،‬العبــد الفقــر إىل اللــه‪ ،‬الــذي يصلــح الزرابــن بــدكان‬ ‫صغــر مبــر املحروســة‪ ،‬ال شــك أنكــم تعرفونــه مثلــا أعرفــه‪ ،‬وهــي معرفــة (زي‬ ‫قلتهــا)‪ ،‬ذلــك أنهــا مل تنقــذه مــن براثــن زوجتــه (فاطمــة الع ـ َّرة)‪ ،‬وهــي امــرأة‬ ‫رشيــرة فاجــرة قليلــة الحيــاء كثــرة الفــن‪ ،‬ســقته كــؤوس املــر‪ ،‬ورضبتــه حتــى‬ ‫أســالت دمــه‪ ،‬وســبقته واشــتكت للقــايض‪..‬‬ ‫كان معــروف قــد أمــى يومــه ينتظــر زبونـاً يســتفتح بــه وطلــب «العــرة» يــدور‬ ‫ـب خــا ٍو ال يشخشــخ فيــه نصــف وال دينــار‪ ،‬وبأعــن دامعــة‬ ‫برأســه‪ ،‬فخــرج بجيـ ٍ‬ ‫راح يتطلــع للكنفــاين‪ ،‬الــذي َّ‬ ‫رق لحالــه فنــاداه وعــرف حكايتــه وقــرر أن يعطيــه‬ ‫الكنافــة باألجــل‪ ،‬وفــوق ذلــك الخبــز والجــن‪ ،‬بــل ذاد عــي ذلــك بــأن قــال لــه‪:‬‬ ‫«رح إىل زوجتــك وأعمــل حظـاً وخــذ هــذا النصــف حــق الحـ َّـام»‪..‬‬ ‫لكــن (العــ َّرة) فرجــت عليــه خلــق اللــه ألن الكنافــة كانــت بعســل القصــب‪،‬‬ ‫وليســت بعســل النحــل كــا طلبــت!‪.‬‬ ‫ومــن قــاض إىل آخــر‪ ،‬كان عليــه يف كل مــ َّرة أن يدفــع للعســس‪ /‬الرســل حــق‬ ‫خدمتهــم كــا طلبــوا منــه‪ ،‬وعندمــا وصــل األمــر للبــاب العــايل‪ ،‬وعــرف أن كبــر‬ ‫العســس‪ /‬أبــو طبــق يف طريقــه إليــه‪ ،‬بــاع عـ َّدة الــدكَّان وهــج مــن وجــه (العـ َّرة)‬ ‫إىل بــاد ال تعــرف لــه طريق ـاً مبســاعدة املــارد الجــان الــذي حملــه عــى ظهــره‬ ‫طائ ـرا ً بــه حتــى مطلــع الفجــر‪..‬‬ ‫أمل أقــل لكــم أن معرفتــي بــه منــذ أكــر مــن أربعــن عامــاً مل تنفعــه؟ كنــت‬ ‫طفــاً قرويــاً عندمــا اشــريته بقــرش صــاغ واحــد مــن ســوق االثنــن بجزيــرة‬

‫‪13‬‬

‫الرقة تحت القصف‬ ‫إبراهيم العلوش‬ ‫تذهــب طائـرات التحالــف‪ ،‬وتــأيت طائـرات النظــام‪ ،‬وأهــل الرقــة تحــت النــار‪ ،‬تتنــاوب‬ ‫الطائــرات عــى قصفهــم‪ ،‬وترويعهــم‪ ،‬وبــث الذعــر يف نفــوس أطفالهــم‪ ،‬كــا تتدمــر‬ ‫البنيــة التحتيــة للمدينــة‪ ،‬التــي ناضــل أهلهــا عــر ع ـرات الســنوات لتأمينهــا‪ ،‬فشــق‬ ‫طريــق‪ ،‬وبنــاء مســتوصف أو صومعــة حبــوب‪ ،‬كانــت مطالــب مزمنــة‪ ،‬باإلضافــة إىل‬ ‫بنــاء مدرســة‪ ،‬أو بنــاء جامعــة الــذي كان حل ـاً ظـ َّـل ي ـراود أبنــاء الرقــة طــوال نصــف‬ ‫قــرن‪ ،‬وهــا هــي األمنيــات تقصــف‪ ،‬واألهــايل يتــم تهجريهــم إىل املجهــول‪ ،‬ناهيــك عــن‬ ‫معانــاة املتبقــن يف املدينــة‪ ،‬الذيــن يتــم تكفريهــم أو معاملتهــم كمرتديــن‪ ،‬أو كــا‬ ‫يرتئــي أي متنطــع للفتــوى‪ ،‬حاقــد عــى البــر لعقــدة يف نفســه‪ ،‬أو لغايــة كريهــة يتكتــم‬ ‫عليهــا بــن جوانحــه اآلمثــة‪ ،‬ويظــل النــاس مرعوبــن وخائفــن عــى أنفســهم‪ ،‬وعــى‬ ‫أموالهــم‪ ،‬وعــى أوالدهــم‪ ،‬األوالد الصغــار الذيــن ترتبــص بهــم الخديعــة‪ ،‬والرتحيــل إىل‬ ‫بــاد مجهولــة‪ ،‬وبعيــدة‪ ،‬للمــوت هنــاك مــن أجــل قطــع املزيــد مــن الــرؤوس‪ ،‬وإذالل‬ ‫املزيــد مــن البــر‪ ،‬والتســبب باملزيــد مــن الهــوان والدمــار ملســاحات منســية مــن البــاد‬ ‫التــي تتدهــور حالتهــا يومـاً بعــد يــوم‪ ،‬وتتمــزق بــن العبــن وعابثــن‪ ،‬ال يهتمــون بكرامــة‬ ‫البــر‪ ،‬وال مبصــر األطفــال‪ ،‬ويحتقــرون النســاء إىل حــد اعتبارهــن مجــرد أدوات متعــة‪،‬‬ ‫والــوأد هــو املصــر املحتــوم لهــن‪..‬‬ ‫وتبقــى نــرات األخبــار تــردد األكاذيــب‪ ،‬والوعــود الزائفــة‪ ،‬والرحمــة امللفقــة‪ ،‬إنهــا‬ ‫مدينتنــا التــي تضيــع‪ ،‬مدينتنــا الفراتيــة‪ ،‬التــي تتمــزق‪ ،‬ويُحتقــر أهلهــا‪ ،‬وينهــب مالهــا‪،‬‬ ‫ويهــرب النــاس منهــا حاملــن ماضيهــم‪ ،‬وخرباتهــم‪ ،‬ومــا تيــر مــن متــاع يعينهــم عــى‬ ‫دروب العــذاب…‬ ‫هــل الرقــة مدينــة قيــد التــايش؟ ســؤال يرتجــف يف قلوبنــا‪ ،‬وال يجيــب عليــه إال الفـرات‬ ‫الــذي يحمــل األمــل لهــا‪ ،‬وألبنائهــا الخائفــن مــن املجهــول‪ ،‬املجهــول الــذي يتبــدى لهــم‪،‬‬ ‫عــى شــكل اســتبداد جديــد ال يقــل قســوة عــن اســتبداد النظــام الغاشــم…‬ ‫وتظــل الطائـرات تحتــل ســاء الرقــة‪ ،‬كــا تحتــل كل ســاوات ســورية املعذبــة‪ ،‬وتنهــال‬ ‫عليهــا باملزيــد مــن القنابــل ومــن الصواريــخ ومــن الرباميــل املتفجــرة… وتظــل ســوريا‬ ‫كلهــا تحــت القصــف‪..‬‬

‫مطــارع‪ ،‬متنيــت وقتهــا أن أخلــع حــذايئ وأنســله عــي رأس (الع ـ َّرة) ثــم أعطيــه‬ ‫لــه ليصلحــه وأمنحــه كل مــرويف (القــرش صــاغ) وال تهــم يف هــذه املـ َّرة دردرمــة‬ ‫أبــو زيك وال حــاوة عــم أحمــد شــعر البنــات‪..‬‬ ‫لكــن الكتــاب هـــدأ مــن ثــوريت مبــا جــاء عــي غالفــه الداخــي‪( :‬قصــة اجتامعيــة‬ ‫تصــور أحداثـاً لذلــك الرجــل املــري وفيهــا تصويــر طبائــع املــرأة بدقة‪ ،‬ليســتفيد‬ ‫العقــل مــا يــزن بــه األمــور يف معاملتهــا‪ ،‬وتأخــذ بالقــارئ حلقــات هــذه القصــة‬ ‫إىل عــر بالغــة مــع اإلمتــاع واإلبهــاج)‪.‬‬ ‫والصحيــح أيض ـاً أن حكايــة معــروف أخــذت بيــدي وقــرويش القليلــة يف أســواق‬ ‫تاليــة إىل حكايــات أخــرى كان البائــع يجلبهــا مــن (مكتبــة بســيدنا الحســن‬ ‫مبــر) مثــل‪:‬‬ ‫مزيــن بغــداد والســندباد البحــري وعــاء الديــن أيب الشــامات‪ ..‬وغريهــا مــن‬ ‫الليــايل‪.‬‬ ‫يف البــاد الغريبــة وجــد «معــروف» مرصي ـاً مــن أصدقــاء طفولتــه‪ ،‬كان هارب ـاً‬ ‫مثلــه ألســباب أخــرى‪ ،‬أقرضــه مــاالً ومنحــه النصيحــة‪ ،‬لكــن «معــروف» نــي‬ ‫النصيحــة‪ ،‬وصــدق كذبتــه‪ ،‬وهــو يقــرض مــن التجــار ويبعــر األمــوال ميينــاً‬ ‫وشــاالً عــى الفقـراء واملحتاجــن لحــن وصــول قافلتــه التجاريــة املزعومــة حتــى‬ ‫وصــل صيتــه ملــك البــاد‪ ،‬الــذي أعــاه الطمــع هــو اآلخــر وصدقــه وفتــح لــه‬ ‫خزائــن اململكــة‪ ،‬بــل وزوجــه ابنتــه الجميلــة! فعــرف «معــروف» أن للمــرأة‬ ‫طبائــع أخــرى جميلــة‪ ..‬تقــول شــهرزاد عــن دخولــه بهــا‪:‬‬ ‫«قــام وخلــع مــا عليــه مــن الثيــاب وجلــس عــى الفـراش‪ ،‬وطلــب النغــاش‪ ،‬ووقــع‬

‫الهــرش وحـ َّط يــده عــى ركبتهــا فجلســت هــي يف حجــره وألقمتــه شــفتها‪»..‬‬ ‫إىل أن تصل بالقول الرامز‪:‬‬ ‫«وحـ َّط الزخــر وأشــعل الفتيــل وحــرر عــى بيــت اإلبــرة وأشــعل النــار فخســف‬ ‫الــرج مــن األربعــة أركان وحصلــت النكتــة التــي ال يُســأل عنهــا إنســان»‪.‬‬ ‫أمــا النكتــة األخــرى فقــد كانــت اعرتافــه لزوجتــه التــي أحبهــا ـ بعــد شــكوك‬ ‫امللــك والوزيــر يف أمــره ـ بحقيقتــه كإســكايف فقــر ال يعــرف تجــارة وال ت َّجــارا ً‪،‬‬ ‫فدبــرتْ لــه خطــة هــروب وأعطتــه مــاالً ليتاجــر فيــه يف بــاد أخــرى حتــى تنصلــح‬ ‫أحوالــه فيعــود إليهــا ســاملاً غامن ـاً ويجتمــع الشــمل‪.‬‬ ‫لكنــه يف طريــق الهــروب يقابــل حراث ـاً فق ـرا ً يحــرث أرضــه فيســتضيفه‪ ،‬ويرتكــه‬ ‫ليحــر لــه طعامــاً مــن داره‪ ،‬فتفصــح لــه األرض عــن كنوزهــا فينــزل ويجــد‬ ‫الخاتــم الســحري ويطلــع لــه خادمــه (شــبيك لبيــك‪ ،)..‬ويحقــق لــه كل األحــام‬ ‫فيعــود لزوجتــه وصهــره بالقافلــة التــي أخــذت بألبــاب البــاد والعبــاد‪.‬‬ ‫أين فاطمة الع َّرة بعد كل هذه األحداث؟‬ ‫لقــد عرفــت طريــق «معــروف» ووصلــت إليــه‪ ،‬فاســتضافها وأكرمهــا‪ ،‬وألن الطبــع‬ ‫يغلــب التطبــع فقــد حاولــت رسقــة الخاتــم منــه وهــو نائــم فامتــت بســيف ابنــه‬ ‫الــذي كان يتبعهــا فلقيــت جزاءهــا املحتــوم‪..‬‬ ‫وصار اإلسكايف بعد موت امللك ملكاً عىل البالد!!‪ ..‬هكذا أخربتنا شهرزاد‪.‬‬ ‫إىل أن جــاء هــازم اللــذات ومفــرق الجامعــات ومخــرب الديــار العامـرات وميتــم‬ ‫البنــن والبنــات فســبحان الحــي الــذي ال ميــوت وبيــده مقاليــد امللــك وامللكــوت‪..‬‬ ‫وأدرك شهرزاد الصباح ومل تسكت حتى اآلن عن الكالم املباح‪.‬‬

‫س��رمنة احلامل�ين‬ ‫َ‬ ‫أخذتك الطريق‬ ‫الخفيف ُّ‬ ‫يدل عليك‬ ‫الغبا ُر‬ ‫ُ‬ ‫يقو ُد خُطانا إليك‬ ‫وأنت ت َص ُري حكايتنا يف املساء‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سيقول ال ّرعاةُ‪ ،‬وهم يوقدو َن الكال ْم‪:‬‬ ‫كان يع ُرب من بيننا يف الضحى‬ ‫ريح‬ ‫واثباً َ‬ ‫مثل ْ‬ ‫ضاحكاً‪ ،‬ساخرا ً من خياالتنا‬

‫موغالً يف الجهات‬ ‫رشقُ ُه غربُ ُه‬ ‫والشّ ُ‬ ‫الجنوب‬ ‫جنوب‬ ‫امل‪ ،‬لدي ِه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫سيقولو َن أيضاً‪ ،‬وهم ساهمونْ‪:‬‬ ‫يف الظهري ِة يأيت إلينا‪،‬‬ ‫غريب لها‬ ‫كظل‬ ‫ويجلس ب َني الصخو ِر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ال يشاركنا الزا َد‪،‬‬ ‫الشاي‪،‬‬ ‫لك ّنه يحتيس معنا‬ ‫َ‬

‫ٍ‬ ‫بصمت جليل‬ ‫يصغي إلينا‬ ‫ِ‬ ‫مس أطرافها‬ ‫فإذا‬ ‫جمعت الشّ ُ‬ ‫ونأتْ مثل طريِ ييضء‬ ‫قا َم ينق ُر أكتافنا‪:‬‬ ‫أنا ط ُري ال ّرعا ِة أواكبكم يف الرجوعِ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الذئاب‬ ‫أسوق الشّ يا َه‪ ،‬وأحرسها من نوايا‬ ‫ْ‬ ‫أنا ط ُريكُ ُم امل ُشتهى‪،‬‬ ‫جناحي ما غاب ع ْن َج ْهركم‪،‬‬ ‫يف‬ ‫َّ‬

‫ما ت ُربّونه يف مناماتك ْم‬ ‫فخذوا معكم أثري‬ ‫عتبات ِ‬ ‫ِ‬ ‫بيوت األراملِ والثاكالت‪،‬‬ ‫انرثو ُه عىل‬ ‫انرثو ُه عىل وجه أمي عليها السال ُم‬ ‫عليها السال ُم‬ ‫عليها السال ْم‬

‫خالد اجلبور‬


‫‪14‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫أيمن أبو الشعر‬ ‫رغــم االمتــاع واإلثــارة اللذيــن ُييــزان‬ ‫بوضــوح أعــال الكاتــب التشــييك املبــدع‬ ‫«كارل تشــابك» الــذي اشــتهر بكتاباتــه يف‬ ‫مجــال الخيــال العلمــي‪ ،‬إال أن الصياغــة‬ ‫التــي اعتمدهــا فيــا نتناولــه اليــوم يتــواري‬ ‫خلفهــا تحليــل عميــق لنفســية اإلنســان‬ ‫واملجتمعــات‪ ،‬وخاصــة يف الظــروف االســتثنائية‬ ‫التــي تكشــف الجوهــر الغــايف وراء الحيــاة‬ ‫اليوميــة االعتياديــة‪ ،‬بحيــث تســتنهض اإلثــارة‬ ‫انتباهــك ومتتعــك املفاجــآت وربــط األحــداث‬ ‫يف الســياق فتغــدو أنــت كوتــر مشــدود يعــزف‬ ‫عليــه املؤلــف األفــكار التــي يــود غمســها يف‬ ‫روحــك‪ ،‬وتتحــول إىل مجســات يصعــب أن‬ ‫يزيلهــا الزمــن‪.‬‬ ‫ورغــم مــي أكــر مــن ربــع قــرن عــى قـراءيت‬ ‫لهــذه الروايــة الرائعــة (حــرب مــع الســمندر)‬ ‫إال أن بصامتهــا مــا تــزال موغلــة يف الذائقــة‪.‬‬ ‫املثــر يف هــذا العمــل أن الكاتــب يــرك لــك‬ ‫مســاحة كــرى لتُســقط حالــة ســمندره عــى‬ ‫مــا تشــاء ومــن تشــاء بقــدر مــا ترتبــط بعــض‬ ‫الجوانــب التــي يتناولهــا ببعــض معطيــات‬ ‫الواقــع املعــاش‪ .‬بحيــث تقــول‪ :‬إن البرشيــة‬ ‫تعــاين حاليـاً مــن ظهــور بــوادر هــذا الســمندر‬ ‫ولــو بتنويعــات مختلفــة‪ .‬ســمندرات –‬ ‫عظــاءات ‪ -‬تســعى للســيطرة عــى مصــر‬ ‫هــذه البرشيــة وذلــك بعيــدا ً عــن عظــاءات‬ ‫األســاطري اليونانيــة الخياليــة بأفاعــي شــعرها‪.‬‬ ‫إن عظــاءات «تشــابك» يف إطــار الخيــال‬ ‫العلمــي قريبــة جــدا ً مــن الواقــع حتــى لتــكاد‬ ‫تتخيــل أحيانـاً أن الحديــث يجــري عــن وقائــع‬ ‫حقيقيــة متامــاً‪ ،‬وذلــك مــن خــال الســياق‬ ‫الــذي جعلــه املؤلــف قريبــاً مــن النمــط‬ ‫التوثيقــي واملعطيــات العلميــة حتــى بيولوجيــا‪.‬‬ ‫باختصــار‪ ،‬تحــدث (تشــابك) عــن كائــن‬ ‫بحــري يشــبه العظــاءة لــه قــدرة عجيبــة عــى‬ ‫التكيــف والتطــور‪ ،‬وتتنامــى األحــداث بعــد‬ ‫اكتشــافه ‪-‬عــن طريــق الصدفــة‪ -‬بحيــث يتــم‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫السمندر الجديد والسيطرة على العالم‬

‫تدريبــه أوالً عــى صيــد اللؤلــؤ ومــن ثــم عــى ويعمــل انطالقــاً مــن تكريــس األمــر الواقــع‬ ‫أعــال اإلنشــاءات البحريــة وتتعمــق صلتــه لتمريــر هــذه املصالــح مبــا يشــبه االنتدابــات‬ ‫باإلنســان الــذي يســعى عــر رشكاتــه لالســتفادة والوصايــات‪.‬‬ ‫منــه حتــى الحــد األقــى‪ .‬ومبــا أنــه يتطــور‬ ‫برسعــة مذهلــة فإنــه رسعــان مــا يبــدأ بتعلــم ويصــل كارل تشــابك إىل النقطــة االنعطافيــة‬ ‫اللغــة ويعمــق مــن خربتــه التــي يأخذهــا الحاســمة فالســمندر الــذي تكاثــر وانتــر‬ ‫عــن اإلنســان إبــان اســتغالله لــه ويوســع مــن تأثــره بشــكل مرعــب مل تعــد تكفيــه أحواضــه‬ ‫مهاراتــه بــدأب وذكاء‪ ،‬إىل أن يبــدأ مبنافســة (ومســتوطناته)‪ ،‬وبــات يطالــب البرشيــة بــأن‬ ‫تتخــى لــه عــن الســواحل واألرخبيــات‪ ،‬بــل‬ ‫اإلنســان والســعي للســيطرة عــى العــامل‪.‬‬ ‫مــا يهمنــي يف هــذا التنــاول هــو تركيــز كارل وبــات يلمــح إىل أنــه آجـاً أم عاجـاً سيســيطر‬ ‫تشــابك عــى طريقــة تــرف الــدول وخاصــة عــى الكوكــب األريض ويضــع رشوطــه لــي ال‬ ‫الكــرى حرصــاً عــى مصالحهــا يف مختلــف يتــم حــل (القضيــة) بشــكل حاســم‪ ،‬وإمنــا‬ ‫الظــروف الناشــئة‪ ،‬وتركيــزه عــى مكنــون لــي يتــم تنفيــذ مآربــه تدريجي ـاً تحــت اســم‬ ‫الطبــع البــري يف الظــروف االســتثنائية‪ ،‬اتفاقيــات ومبــادئ وإعالنــات حســن نيــة‪..‬‬ ‫فعندمــا يغــدو الســمندر قــوة عمــل منافســة ويحمــل تشــابك عــى املجتمعــات الغربيــة –‬ ‫ال يحتــاج ســوى إىل الطعــام وبعــض األدوات بالدرجــة الرئيســية – وعــى البرشيــة عمومــاً‬ ‫تتســابق الــدول والــركات لبنــاء أحــواض ألنهــا ال تتوخــى ســوى مصالحهــا املنفــردة‬ ‫هائلــة لــه ومتنحــه الوعــود مبناطــق وســواحل حتــى يف ظــروف اســتثنائية تهــدد العــامل‬ ‫جديــدة حتــى تلــك التــي ال متلكهــا أساســا بــأرسه‪ ،‬تلــك البرشيــة التــي تغاضــت وتهادنــت‬ ‫(‪..‬؟؟!!) وفــق النهــج البلفــوري‪ :‬أعــط مــا ال بــل وســاعدت عــى تكريــس ظاهــرة الســمندر‬ ‫متلــك ملــن ال يســتحق‪ ..‬وال تلبــث بعــد ســطوع طمعـاً باألربــاح وتوســيع مناطــق النفــوذ حتــى‬ ‫قدراتــه يف األعــال البحريــة أن تســتخدمه إبــان وجــود تحذيــرات مبكــرة عــن (خنجــر‬ ‫يف قواتهــا املســلحة ورصاعاتهــا مــع الــدول الســمندر يف ظهــر العــامل)‪ .‬يف هــذا املجــال‬ ‫األخــرى للســيطرة عــى امليــاه ومناطــق النفــوذ يوغــل (تشــابك) يف إظهــار هــذه املفارقــات‬ ‫مــا يشــعل حروبــاً ويســتدعي تدخــات مــرزا ً متســك الــدول ذات املصالــح الكــرى يف‬ ‫دوليــة تهتــز معهــا دعائــم االســتقرار ويبــدأ العــامل مبواقــف آنيــة لــي ال تتيــح للمنافســن‬ ‫العــامل املتحــر باملراوغــات والتشــتت وخــرق بالحصــول عــى أولويــة أو تفــوق حتــى وإن‬ ‫كان لــدرء الخطــر عــن البرشيــة‪ ،‬فحــن‬ ‫االتفاقيــات واملعاهــدات‪.‬‬ ‫تبــدأ الحــرب مــع الســمندر وتغــرق أرسابهــا‬ ‫ولعــل أهــم نقطــة مــرت رساعــاً يف الســياق أســاطيل بريطانيــا التــي تــدرك أن املواجهــة‬ ‫ّ‬ ‫وهــي جوهريــة جــدا ً أن الســمندر كائــن بــا يجــب أن تكــون جــوا ً وعليهــا بنــاء مائــة ألــف‬ ‫عاطفــة‪ ،‬بــا مشــاعر‪ ،‬ال يعــرف املــزاح أو طائــرة حربيــة تحتــج الــدول األخــرى بــأن ذلــك‬ ‫اللعــب‪ ،‬ويستســخف حتــى ظاهــرة الضحــك ســيخل مبيـزان القــوى‪ !!..‬ويكــرس كارل تشــابك‬ ‫أو املــرح‪ ،‬وهــو يســعى لتحقيــق ذاتــه املتطورة ســخريته مــن املجتمــع البــري غــر العــادل‪،‬‬ ‫باضطـراد وفــق املبــدأ امليكيافيلــي‪ ،‬والحصــول ذاك املجتمــع الــذي يتناحــر ويتنافــر مكرســاً‬ ‫عــى مــا يريــد وتســخريه خطــوة خطــوة حتــى الغنــى والفقــر واملثقــف وغــر املثقــف العبــد‬ ‫ضــد مــن ســاعده وحتــى ضــد مــن تبنــاه والحــر والحاكــم واملحكــوم‪ ،‬مشــددا ً عــى أن‬ ‫وقــدم لــه الســاح والخــرة واملتفجــرات‪ ،‬القوانــن والتعهــدات بعــدم إبــادة اآلخريــن –‬

‫المغيرة الهويدي‬ ‫يقــول خالــد الحســيني‪« :‬لثالثــة عقــود اآلن‪ ،‬مازالــت أزمــة‬ ‫الالجئــن األفغــان واحــد ًة مــن أعنــف األزمــات حــول األرض‪.‬‬ ‫الحــرب‪ ،‬الجــوع‪ ،‬انعــدام الدولــة‪ ،‬واالضطهــاد أجــر املاليــن‬ ‫مــن األشــخاص أن يتخلــوا عــن منازلهــم‪ ،‬حيــث يعيــش أكــر‬ ‫مــن مثانيــة ماليــن أفغــاين يف الخــارج كالجئــن»‪.‬‬ ‫أنهيــت للمــرة الثانيــة قــراءة روايــة «ألــف شــمس‬ ‫مرشقــة» للــروايئ األفغــاين «خالــد الحســيني»‪ .‬عــدت إليهــا‬ ‫مدفوعــاً برغبتــي يف البحــث عــن إجابــات‪ ،‬ومتجاهــاً رأي‬ ‫ســارتر بــأ ّن الروايــة مل تكــن يوم ـاً ح ـاً للمشــكالت مبقــدار‬ ‫مــا كانــت طرحـاً لهــا‪ .‬لكـ ّن ثقتــي بــاألدب دامئــا هــي األكــر‪.‬‬ ‫أي تفصيــل قــد ال يبــدو‬ ‫األدب يقــول ّ‬ ‫كل يشء‪ ،‬وال يتجاهــل ّ‬ ‫مهــاً للســيايس والعســكري واالقتصــادي‪ .‬التفاصيــل التــي‬ ‫ّ‬ ‫يــدوس عليهــا الجميــع لتنتــر غاياتهــم ومتــوت الحيــاة‬ ‫املمكنــة التــي ي ّدعــون متثيلهــا‪.‬‬ ‫كيــف ميكــن لروايــة تــدور أحداثهــا يف زمــان ومــكان آخريــن‬ ‫أن متاثــل مــا يحــدث هنــا اآلن؟‬ ‫بــن أفغانســتان وســورية آالف الكيلومــرات‪ .‬بيئتــان‬ ‫مختلفتــان متامــاً‪ ،‬ولكــ ّن الوقائــع ال تختلــف كثــرا ً بــل‬ ‫تصــل يف مفاصــل معيّنــة إىل تطابــق مخيــف‪ .‬بــدءا ً بالنظــام‬ ‫الدكتاتــوري املستســلم متامــاً للســوفيت آنــذاك مــرورا ً‬ ‫باملعارضــة املســلحة وانتهــا ًء باملجاهديــن الطالبــان الذيــن‬ ‫أكملــوا دفــن البــاد تحــت تـراب الجهــل والتخلــف والتطرف‪.‬‬ ‫تعــرض الروايــة لهــذه الحقبــة مــن تاريــخ أفغانســتان‬ ‫املعــارص بطريقــة تجعلنــي أتســاءل‪ :‬كيــف ميكــن للتاريــخ أن‬ ‫يكــرر نفســه هكــذا ودومنــا تغيــر يذكــر؟ هــل وجــد التاريــخ‬

‫دون االلت ـزام بهــا – ماهــي إال قــرة ســخيفة‬ ‫رسعــان ما تتفســخ أمــام معطيــات الواقــع‪ ،‬وأن‬ ‫البرشيــة عــر آالف الســنني كرســت جوهرهــا يف‬ ‫تعميــق التناقضــات بــن الشــعوب وفشــلت يف‬ ‫جعــل بنــي جنســها وحــدة متكاملــة ســعيدة‪،‬‬ ‫ويصــل إىل تقريــع حــاد ملــن جنــى عــى‬ ‫نفســه ودفــع بالطبيعــة إليجــاد البديــل وهــو‬ ‫الســمندر الــذي يحافــظ بقــوة عــى وحــدة‬ ‫جنســه‪ ..‬املهــم يف األمــر أن الكاتــب يوغــل‬ ‫يف حقيقــة التناحــرات القوميــة والعرقيــة‬ ‫ورصاع املصالــح التــي تلعــب دورا ً محوريــاً‬ ‫يف تكريــس تفــوق الســمندر مبــا يف ذلــك‬ ‫عــر املؤمتــرات العامليــة واملنظــات الدوليــة‬ ‫مســتقرئا أجــواء القــادم بعــد ع ـرات الســنني‬ ‫ذاك أن هــذا العمــل كتــب – حســب ذاكــريت‬ ‫نهايــة الخمســينات – وبعــض أجوائــه وظاللــه‬ ‫تظهــر اليــوم يف كثــر مــن املؤمتـرات ومعطيــات‬ ‫املنظــات الدوليــة وفــق إســقاطات يدركهــا‬ ‫القــارئ بنفســه‪ ،‬وخاصــة إن حــاول اســتقراء‬ ‫مــا ميكــن أن يكــون بعــد خمســن عامــاً‬ ‫أخــرى‪ ..‬إذ يصــل الكاتــب إىل النقطــة املحوريــة‬ ‫األهــم وهــي أن الســمندر بــدأ بوضــوح يعلــن‬ ‫عــن خططــه لالســتيالء عــى العــامل ومقايضــة‬ ‫البــر بوجودهــم – هكــذا – حيــث يوجــه‬ ‫رئيــس الســمندر نــدا ًء إىل البــر يؤكــد فيــه‬ ‫أن – قومــه – ال يريــدون الحــرب مــع الجنــس‬ ‫البــري ويعرضــون عــى البــر التفــاوض‬ ‫ويقدمــون مــا هــو أكــر مــن ذلــك بأريحيــة‪:‬‬ ‫يقدمــون أو مينــون بالســام تحــت شــعار –‬ ‫األرض مقابــل الذهــب والاللــئ – ثــم ميــي‬ ‫أبعــد مــن ذلــك بكثــر حــن يصبــح الســمندر‬ ‫قــوة ضاربــة هائلــة‪ ،‬فيطــرح عــن طريــق‬ ‫املفاوضــات رغبــة الســمندر يف إغـراق اليابســة‬ ‫لتحويلهــا إىل مســتعمرات ومســتوطنات‬ ‫أرخبيليــة تكفــي لتكاثــر الســمندر ونشــاطاته‪،‬‬ ‫ويقــدم (الفرصــة الذهبيــة للبرشيــة)‪ :‬اآلن‬ ‫أفضــل لكــم مــن الوضــع يف املســتقبل ألنكــم‬ ‫ســتحصلون عــى يشء مــا لقــاء فنائكــم‬

‫التدريجــي‪ ..‬أمــا هــدف الســمندر فــا رجعــة‬ ‫عنــه!!‪ .‬تتفــاوت املواقــف وتتبايــن لكنهــا عنــد‬ ‫كارل تشــابك تلتقــي يف أمــر محــوري هــو أن‬ ‫كل دولــة وشــعب وســلطة تفكــر يف مصالحهــا‬ ‫حتــى الواهمــة وكأنهــا مبنــأى عــن هــذه‬ ‫الحــرب وهــذه النتائــج‪ ،‬حتــى أن حــوارا ً شــيقاً‬ ‫بــن أحــد أبطــال الروايــة الســيد (بوفونــدرا)‬ ‫وابنــه يوضــح أن املجتمعــات والــدول كاألفـراد‬ ‫يف صياغــة الفجيعــة وتحملهــا متســكا بإحســاس‬ ‫مؤقــت ســاذج وهــو أن الحبــل اآلن ليــس حول‬ ‫عنقــي‪ .‬إذن ال عالقــة يل مبــا يجــري‪ ،‬فامليــاه‬ ‫البحريــة التــي يوســعها الســمندر حســب‬ ‫ســياق الروايــة وصلــت إىل دريــزدن والســيد‬ ‫بوفونــدرا يعــر عــن فرحتــه ألن أملانيــا بــدأت‬ ‫تــزول عــن األرض‪ ،‬والنقمــة باتــت نعمــة ألن‬ ‫بــاده ليســت لهــا ســواحل بحريــة ميكــن أن‬ ‫يتغلغــل منهــا الســمندر أمــا األملــان فهــذه‬ ‫مشــكلتهم‪!!..‬‬ ‫مالحظــة أخــرة‪ :‬يبــدو أن كارل تشــابك أرهــق‬ ‫أو مل يشــأ تقديــم حــل وســط يف ســياق عملــه‬ ‫اإلبداعــي الــذي وضــع فيــه البرشيــة كلهــا‬ ‫أمــام امتحــان الفنــاء نتيجــة ابتعادهــا عــن‬ ‫العدالــة والتآخــي‪ ،‬فيوضــح يف حــوار خارجــي‬ ‫مــع الكاتــب نفســه أن الذيــن يســاهمون يف‬ ‫فنــاء الجنــس البــري هــم أصحــاب البنــوك‬ ‫والــركات ورؤســاء الــدول الذيــن ميولــون‬ ‫ويدعمــون الســمندر‪ ،‬ويوحــي بــأن ال ســبيل‬ ‫للقضــاء عــى الســمندر وإنقــاذ البرشيــة ســوى‬ ‫يف نقــل بعــض ســموم البرشيــة وطباعهــا إىل‬ ‫الســمندر بحيــث يقاتــل نوعــه‪ ،‬مش ـرا ً إىل أن‬ ‫نهــر دجلــة غــر بعيــد عــن بغــداد ميكــن أن‬ ‫يكــون مــكان انفجــار املعركــة الكــرى الحق ـاً‬ ‫حيــث يقتــل الســمندر املحــي ضابطــن مــن‬ ‫ســمندر(األطلنطي) فيغــدو الشــعار‪ :‬إمــا نحــن‬ ‫وإمــا هــم‪ !!..‬كانــت هــذه اإلشــارة الرؤيويــة‬ ‫بغــض النظــر عــن جزئياتهــا التــي قــد نتحفــظ‬ ‫عليهــا‪ ..‬قبــل نحــو مــن خمســن عامــا!!‬

‫شمس مشرقة !‬ ‫ألف‬ ‫ٍ‬ ‫ليقــول لنــا‪« :‬إ ّن أحــدا ً ال يصغــي»؟ أم أنّــه كان ومــا يــزال‬ ‫صنيعــة األقويــاء الذيــن يعيــدون استنســاخه عنــد الحاجــة؟‬ ‫أفغانســتان «الشــيوعية»‪ ،‬ثــ ّم التســلط والقمــع وبــروز‬ ‫املعارضــة وظهــور الكتائــب املس ـلّحة ثــم االقتتــال الطائفــي‬ ‫واملذهبــي فيــا بينهــا ثــ ّم املجاهــدون «الباشــتون»‬ ‫وانتهــا ًء بأمريــكا الّتــي تــأيت تحــت شــعار الســام والحريّــة‬ ‫والدميقراطيــة‪ ،‬ثــم مــاذا؟ ال ســام وال حريّــة وال دميقراط ّيــة‪،‬‬ ‫بــل املزيــد مــن التطــرف واإلرهــاب والقمــع‪ .‬أليــس هــذا مــا‬ ‫يحــدث متامــاً؟!‬ ‫لوهلــة شــعرت أننــي أقــرأ روايــة تتحــدث عــن ســورية‪،‬‬ ‫وعــن «الرقــة» تحديــدا ً‪ .‬بــدءا ً بصــور «نجيــب اللــه» الحاكــم‬ ‫الــذي كان يحكــم يف ظــل رعايــة الســوفيت‪ ،‬اللوحــات والصور‬ ‫الّتــي مت ّزقــت وداســتها األقــدام‪ ،‬ث َّم خــروج الناس إىل الشــوارع‬ ‫مر ّحبــن بالقــادة الجــدد‪ ،‬تنــر النســاء عــى رؤوســهم حبــات‬ ‫األرز ويخــرج األطفــال ليتص ـ ّوروا مــع أســلحتهم‪« .‬هــم أوالد‬ ‫مســلمني محرتمــن‪ ،‬واللــه عندمــا يأتــون‪ ،‬ســينظفون هــذا‬ ‫املــكان‪ ،‬ســيجلبون الســام والنظــام‪ ،‬لــن يُقتــل النــاس وهــم‬ ‫خارجــون ليشــروا الحليــب»‪ .‬هــم أنفســهم الذيــن جــاؤوا‬ ‫مــن أماكــن عديــدة بعضهــم عــرب جــاؤوا نــرة لألفغــان‬ ‫يف حربهــم ضــد الشــيوعيّة الكافــرة وبعضهــم أجانــب‬ ‫جمعتهــم غايــة الجهــاد‪ .‬ويف تشــابه عظيــم يعلــن الطالبــان‬ ‫أ ّن وطنهــم اآلن هــو اإلمــارات اإلســام ّية األفغانيــة‪ ،‬وتبــدأ‬ ‫شــاحنات النقــل بحمــل رجــال مســلحني وملتحــن بعامئــم‬ ‫ســوداء بالتجــول يف شــوارع كابــول‪ ،‬يف وقــت تصــدح فيــه‬ ‫مكـرات الصــوت بصــوت الرشيعــة‪ ،‬وتدعــو إىل االلتـزام بهــا‪.‬‬

‫االلت ـزام بهــا متام ـاً كــا يفعــل «تنظيــم الدولــة اإلســامية»‬ ‫فيــا يصــدره مــن مراســيم يف هــذا الشــأن تطبيقـاً للرشيعــة‬ ‫اإلســامية!‬ ‫يقفــز هنــا ســؤال آخــر‪ :‬هــل تختلــف طالبــان عــن دولــة‬ ‫الخالفــة اإلســامية؟ وإذا كانــت اإلجابــة ال فلــاذا مل تكــن‬ ‫الثانيــة تابعــة لــأوىل؟ أم أ ّن الرشيعــة الواحــدة ال تغنــي عــن‬ ‫وجــود دولتــن إســاميتني أو ثــاث أو أكــر يف نـزاع أبــدي لــن‬ ‫يفــي إىل خالفــة منتظــرة؟!‬ ‫قــوات التحالــف هــي ذاتهــا بقيــادة الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة‪ .‬والعــامل يقــرأ املأســاة الســورية كــا قــرأ قبلهــا‬ ‫األفغانيــة‪ .‬األنظمــة القمعيــة ذاتهــا‪ ،‬األبطــال أنفســهم‪،‬‬ ‫والغايــات ذاتهــا‪ :‬العدالــة‪ ،‬الدميقراطيــة‪ ،‬الطائفيــة‪ ،‬املذهب ّيــة‪،‬‬ ‫العرقيــة‪ ...‬والعــامل يقــرأ!‬ ‫بعيــدا ً عــن السياســة‪ ،‬تبــدو الحــال واحــدة‪ .‬ماليــن‬ ‫النازحــن والالجئــن‪ ،‬انهيــا ٌر تــام لحقــوق اإلنســان‪ ،‬غيــاب‬ ‫األمــن‪ ،‬تفــي األم ـراض واألوبئــة وشــح يف الكــوادر واملــواد‬ ‫الطب ّيــة‪ ،‬انتشــار الجهــل وحرمــان األطفــال مــن التعلــم‪،‬‬ ‫انتهــاك حقــوق املــرأة‪ ،‬الفقــر وغيــاب الخدمــات األساس ـيّة‬ ‫وســوى ذلــك مــا يصعــب حــره اآلن‪ ،‬مــا يزيــد مــن‬ ‫فداحــة املأســاة وتراجيديتهــا بــن طائــر ٍ‬ ‫ات تقصــف دون‬ ‫هــدف واضــح ومحــدد‪ ،‬وأســلح ٍة تجــول يف شــوارع مدينتــي‬ ‫«الرقــة» تســتعرض قوتهــا وتســتظهرها يف بــؤس النــاس‬ ‫وشــقائهم املزمــن‪.‬‬ ‫كل هــذا تعرضــه الروايــة باســتغراقٍ تــا ٍّم يف رصــد تلــك‬ ‫التفاصيــل الصغــرة لحيــاة بائســة وشــقيّة يدفــع مثنهــا‬

‫البســطاء فيــا يقــرأ العــامل هــذه املأســاة دون أن يحــ ّرك‬ ‫وربــا مــن األفضــل أن أعتــذر عــن تعبــر «العــامل‬ ‫ســاكناً‪ّ .‬‬ ‫يقــرأ»؛ أل ّن الحقيقــة تضحــد هــذا التعبــر‪ ،‬فالــكل كان‬ ‫مشــاركاً يف كتابــة هــذه الروايــة املأســاوية‪ ،‬الجميــع كان‬ ‫مســاهامً يف تأليــف بشــاعتها وقبــح وقائعهــا‪ .‬الجميــع كان‬ ‫يعيــد إنتــاج التاريــخ تلبيــة ملصالحــه‪ ،‬فيــا يدفــع الشــعب‬ ‫مثــن هــذا التكــرار بــأن يعيــش املأســاة مضاعفــة‪.‬‬ ‫التاريــخ يكــ ّرر نفســه برصخــة مريــم وليــى املكتومــة‬ ‫بطلتــي الروايــة‪ ،‬بعنجهيــة النظــام االجتامعــي الذكــوري‪،‬‬ ‫بالقمــع الســيايس والتطــرف الدينــي‪ .‬أنهيــت الروايــة وأنــا‬ ‫أردد هــذا املقطــع الجميــل يف وصــف كابــول‪« ..‬ال أحــد‬ ‫يســتطيع أ ْن يعــ َّد األقــار التــي تشــع عــى أســطحها أو‬ ‫األلــف شــمس مرشقــة الّتــي تختبــئ خلــف جدرانهــا»‪.‬‬ ‫كابــول التــي ال تشــبه الرقــة املنســ ّية‪ ،‬لكــ ّن وجــع الحــرب‬ ‫جعلهــا وجهــن ملــوت واحــد‪ .‬ويف بالدنــا هنالــك اآلالف مثــل‬ ‫مريــم وليــى‪ ،‬رجــاالً ونســا ًء رصخاتهــم املكتومــة تســتحيل‬ ‫أنين ـاً دون أن يج ـ َد أذن ـاً تصغــي يف صخــب العــامل املشــغول‬ ‫بصناعــة غربــال للمــوت‪ ،‬غربــال يغطــي ألــف شــمس‬ ‫مرشقــة!‬


‫حرمل املنوعات‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫‪15‬‬

‫‪Suriyeliler misafirler‬‬ ‫الضيوف السوريون يتعلمون اللغة التركية!‬ ‫!‪Türk dilini öğreniyorlar‬‬ ‫ظــروف الحــرب يف ســورية أجــرت مئــات‬ ‫ألــوف الســوريني عــى النــزوح والهجــرة‬ ‫داخــل البــاد الســورية‪ ،‬وإىل دول الجــوار‪،‬‬ ‫ومنهــا تركيــا التــي اســتقبلت الالجئــن‬ ‫الســوريني باحـرام تشــكر عليه‪ ،‬كل الشــكر‪،‬‬ ‫وهاهــم ألــوف الســوريني يعيشــون يف‬ ‫مختلــف املــدن الرتكيــة‪ ،‬وخاصــة يف منطقــة‬ ‫جنــوب رشق تركيــا واملعــروف بـــ(‪)GAp‬‬ ‫حيــث رصت تســمع اللغــات املتعــددة يف‬ ‫أســواق أورفــا مثـاً‪ ،‬وخاصــة اللغــة العربية‪،‬‬ ‫والكرديــة‪ ،‬باإلضافــة إىل الرتكيــة‪ ،‬لغــة البــاد‬ ‫املضيفــة‪ ،‬ورصت تســمع الكلــات الرتكيــة‬ ‫بلكنــة عربيــة أو بلكنــة كرديــة‪ ،‬والكتابــة‬ ‫الرتكيــة يقرأهــا العــرب باللفــظ اإلنكليــزي‪،‬‬ ‫الــذي يثــر اســتغراب األت ـراك!‬ ‫ورغــم أن كفــاءات كثــرة‪ ،‬وخــرات فنيــة‬ ‫وهندســية وطبيــة كبــرة‪ ،‬هاجــرت إىل‬ ‫تركيــا‪ ،‬إال أن فــرص العمــل أمامهــا قليلــة‬ ‫جــدا ً‪ ،‬مــا يحــرم مــدن (‪ )GAP‬مــن هــذه‬ ‫الخــرات ومــن التفاعــل معهــا‪..‬‬ ‫يحــاول الســوريون إدخــال أبنائهــم إىل‬ ‫الجامعــات الرتكيــة‪ ،‬إال أن رســوم تعلــم‬ ‫اللغــة الرتكيــة يف جامعــة حـران مثـاً‪ ،‬تصــل‬ ‫إىل (‪ 900‬يــورو) للمراحــل الثــاث الالزمــة‬ ‫إلتقــان اللغــة‪ ،‬وهــذا مبلــغ كبــر جــدا ً‬ ‫بالنســبة ملهاجــر تــرك بــاده‪ ،‬ومالــه‪ ،‬وبيتــه‬ ‫قيــد الدمــار‪..‬‬ ‫أمــا تعلــم اللغــة الرتكيــة يف الــدورات‬ ‫الخاصــة‪ ،‬فشــديد التخلــف‪ ،‬وال يرتكــز إىل‬ ‫نظــام متكامــل‪ ،‬فــكل أســتاذ يعلــم اللغــة‬ ‫الرتكيــة‪ ،‬وفــق مزاجــه‪ ،‬ووفــق أولوياتــه‪،‬‬ ‫عــدا أن هــذا التعليــم مكلــف وطويــل‬ ‫جــدا ً‪ ،‬اذ يســتغرق حــوايل ســنة‪ ،‬وال يقــل‬ ‫عــن تســعة أشــهر‪ ،‬أمــا بعــض املراكــز‬

‫املجانيــة‪ ،‬فهــي مزدحمــة والــدروس فيهــا‬ ‫شــديدة الصعوبــة‪ ،‬بســبب عــدم وجــود‬ ‫مقاعــد كافيــة للجلــوس‪ ،‬وكــرة الطلبــة‪،‬‬ ‫وقلــة املعلمــن‪ ،‬وهــي تــكاد تشــبه اإلغاثــة‬ ‫الغذائيــة يف محدوديتهــا وبطئهــا…‬ ‫تدفــع الــدول الكثــر مــن املــال والجهــد‪،‬‬ ‫مــن أجــل نــر لغتهــا وثقافتهــا‪ ،‬لتجعــل‬ ‫مــن متعلميهــا ســفراء لهــا‪ ،‬وأصدقــاء‬ ‫لثقافتهــا يف املســتقبل‪ ،‬ويف العالقــات‬ ‫االقتصاديــة والعامــة بــن الشــعوب‪..‬‬ ‫أمــا هنــا يف تركيــا‪ ،‬فتعلــم اللغــة الرتكيــة‬ ‫شــديد الصعوبــة‪ ،‬وال تدعمــه أيــة جهــة‬ ‫إعالميــة أو ثقافيــة‪ ،‬أو تربويــة‪ ،‬وال نجــد‬ ‫أيــة محطــة راديــو (اف ام ‪ )fm‬أو قنــاة‬ ‫تلفزيونيــة مزدوجــة اللغــة ترشــد املهاجرين‬ ‫وتســتمع إىل مشــاكلهم‪ ،‬وتعلمهــم العبارات‬ ‫الرتكيــة الرضوريــة الالزمــة الندماجهــم يف‬ ‫املجتمــع والعمــل‪ ،‬وعــدم البقــاء خــارج‬ ‫عجلــة االقتصــاد الــريك القــوي‪ ،‬واملحتــاج‬ ‫إىل املزيــد مــن القــوى العاملــة الخبــرة‬ ‫واملتدربــة‪..‬‬ ‫كثــر مــن الكفــاءات الســورية‪ ،‬تبحــث عنهــا‬ ‫الســفارات األجنبيــة‪ ،‬وتعطيهــا جــوازات‬ ‫ســفر ترحلهــا إىل أوربــا‪ ،‬أو غريها لالســتفادة‬ ‫مــا لديهــا مــن إمكانــات كبــرة‪ ،‬اقتصاديــة‪،‬‬ ‫أو ثقافيــة أو مهنيــة‪ ،‬بينــا االقتصــاد الــريك‬ ‫واإلعــام الــريك مــا يــزاالن مــرددان يف‬ ‫التوجــه إىل الســوريني وإىل مــا ميتلكــون مــن‬ ‫إمكانــات وخ ـرات‪ ،‬رغــم أن أحــد الــوزراء‬ ‫األت ـراك خاطــب الفعاليــات االقتصاديــة يف‬ ‫أورفــا قبــل أســبوعني قائ ـاً‪ ..‬تعلمــوا أنتــم‬ ‫أيضــا العربيــة مــن أجــل أن تســتفيدوا مــن‬ ‫الســوريني والعراقيــن والعالقــة معهــم اآلن‬ ‫ويف املســتقبل‪...‬‬

‫‪göndermeye çalışıyorlar.‬‬ ‫‪Ama Türk dilini öğrenme‬‬ ‫‪ücreti mesela Harran‬‬ ‫‪üniversitesinde üç‬‬ ‫‪seviyesini öğrenmek‬‬ ‫‪için ) 900yuro (. Bu‬‬ ‫‪ücret, ülkesini terk etmek‬‬ ‫‪zorunda kalmış birisi‬‬ ‫‪için büyük bir miktar.‬‬ ‫‪Ama özel dershanelerde‬‬ ‫‪her öğretmen Türk‬‬ ‫‪dilini kendi keyfine ve‬‬ ‫‪kendi bildiklerine göre,‬‬ ‫‪bir sistem olmaksızın‬‬ ‫‪öğretmeye çalışıyor.‬‬ ‫‪Bu eğitim de çok zor ve‬‬ ‫‪uzun. Dokuz ay az değil,‬‬ ‫‪yaklaşik bir yıl. Ama bazı‬‬ ‫‪ücretsiz merkezler de‬‬ ‫‪çok kalabalık ve dersler‬‬ ‫‪de çok zor. Dersliklerde‬‬ ‫‪öğrenci sayısı fazla.‬‬ ‫‪Oturacak sıra ve‬‬ ‫‪öğretmen sayısı yetersiz.‬‬ ‫‪Bu sınırlamalar ve‬‬ ‫‪yavaşlık, neredeyse gıda‬‬ ‫‪yardımlarına benziyor.‬‬

‫‪öğrenmek çok zor.‬‬ ‫‪Türkçenin öğrenilmesinde‬‬ ‫‪yardımcı olacak iki dilde‬‬ ‫‪radyo veya herhangi bir‬‬ ‫‪medya yada bir televizyon‬‬ ‫‪kanalı yok. Muhacirlere‬‬ ‫‪yol gösterecek, sorunlarını‬‬ ‫‪dinleyip gerekli rehberliği‬‬ ‫‪yapacak bir kurum yada‬‬ ‫‪mekanizma yok. İki‬‬ ‫‪dilli medya kanaları,‬‬ ‫‪muhacirlerin topluma‬‬ ‫‪uyumunun sağlanması‬‬ ‫‪için gerekli. Türkçenin‬‬ ‫‪öğretilmesi, sosyal ve iş‬‬ ‫‪hayatına uyum göstermek‬‬ ‫‪için acilen sağlanmalıdır.‬‬ ‫‪Atıl durumdaki Suriyeli iş‬‬ ‫‪gücü ve sermayesi, güçlü‬‬ ‫‪Türk ekonomisinin dışında‬‬ ‫‪kalmamalı. Bir çok ülkenin‬‬ ‫‪konsoloslukları yüksek‬‬ ‫‪öğretim görmüş nitelikli‬‬ ‫‪ve işlerine yarayan‬‬ ‫‪Suriyelileri pasaport‬‬ ‫‪verip Avrupa ülkelerine‬‬ ‫‪gönderiyorlar. Çalışma‬‬ ‫‪Bakanı’nın açıklamasına‬‬ ‫‪Ülkeler kültürlerini ve‬‬ ‫‪rağmen Suriyelilere‬‬ ‫‪dillerini yaymak için‬‬ ‫‪çalışma izni verilmesi‬‬ ‫‪önemli bütçeler ayırıp,‬‬ ‫‪konusunda adım atılmadı.‬‬ ‫‪büyük çabalar sarf ederler. Türk ekonomisi ve‬‬ ‫‪Dil ve kültürlerini öğrenen medyası hala Suriyelilere‬‬ ‫‪kişilerin, ülkelerinde‬‬ ‫‪yönelik adım atmış değil.‬‬ ‫‪gönüllü elçi olması,‬‬ ‫‪Suriyeli ve Iraklı‬‬ ‫‪kültürel ve ekonomik‬‬ ‫‪muhacirlerden istifade‬‬ ‫‪ilişkilerde, halkların‬‬ ‫‪edip daha sağlam ve‬‬ ‫‪yakınlaşmasında köprü‬‬ ‫‪ortak bir gelecek için siz‬‬ ‫‪olması için çabalarlar.‬‬ ‫‪Türk kardeşlerimiz de‬‬ ‫‪Turkiye’de Türkçe‬‬ ‫‪Arapça öğrenin.‬‬

‫محلة مدفوعة األجر هدفها حتسني صورة النظام السوري‬

‫‪Suriye’deki savaş koşulları‬‬ ‫‪yüzünden yüzbinlerce‬‬ ‫‪Suriyeli ülkelerini terk‬‬ ‫‪etmek zorunda kaldı.‬‬ ‫‪Muhacir durumuna düşen‬‬ ‫‪insanlarımıza kapılarını‬‬ ‫‪açan ülkelerin başında‬‬ ‫‪Türkiye . geliyor .‬‬ ‫‪Türkiye’ye gönül dolusu‬‬ ‫‪teşekkürler. Yüzbinlerce‬‬ ‫‪Suriyeli Türkiye’nin çeşitli‬‬ ‫‪bölgelerinde yaşıyorlar.‬‬ ‫‪Özellikle Türkiye›nin‬‬ ‫‪Güneydoğu bölgesinde.‬‬ ‫‪Şimdilerde Urfa sokakların‬‬ ‫‪da çeşitli diler duyulmaya‬‬ ‫‪başlandı :Arapça Kürtçe‬‬ ‫‪ve Türkçe. Bugünler de‬‬ ‫‪Türkçe kelimeleri Arap‬‬ ‫‪ve Kürtlerin de ağzından‬‬ ‫‪duyabilirsiniz. Türk‬‬ ‫‪yazılarını Araplar, İngilizce‬‬ ‫‪okuyor ve bu da Türklerin‬‬ ‫‪tuhafına gidiyor.‬‬ ‫‪Suriye’den Türkiye’ye‬‬ ‫‪bir çok nitelikli nüfus da‬‬ ‫‪geldi. Bunlar arasında‬‬ ‫‪teknik, mühendislik, tıp‬‬ ‫‪alanlarında meslek ve‬‬ ‫‪kariyer sahibi olanlar‬‬ ‫‪da vardı. Ne yazık ki‬‬ ‫‪çalışma fırsatları önlerinde‬‬ ‫‪çok az. Bu durum‬‬ ‫‪Güneydoğu şehirlerini‬‬ ‫‪bu tecrübelerden ve‬‬ ‫‪onlarla etkileşimden‬‬ ‫‪mahrum bırakıyor ..‬‬ ‫‪Suriyeliler çocuklarını‬‬ ‫‪Türk üniversitelerine‬‬

‫هل تســرد جامعة «الســا بينزا» الدكتوراه الفخرية من أســاء األسد؟‬

‫يف الوقــت الــذي دعــت فيــه «إيرينــا بوكوفــا»‬ ‫املديــرة العامــة ملنظمــة األمــم املتحــدة للرتبيــة‬ ‫والعلــوم والثقافــة «اليونيســكو» إىل إقامــة‬ ‫«مناطــق ثقافــة محميــة إلنقــاذ الـراث الســوري‬ ‫مــن التدمــر‪ ،‬بدايــة باملســجد األمــوي يف مدينــة‬ ‫حلــب»‪.‬‬ ‫وقالــت يف افتتــاح منتــدى عــن ال ـراث الثقــايف‬ ‫يف الع ـراق وســوريا يف مقــر املنظمــة يف باريــس‪:‬‬ ‫«إن تدمــر الـراث والتنــوع الثقــايف أمــر يقــع يف‬ ‫صلــب النزاعــن العراقــي والســوري»‪.‬‬ ‫وأضافــت‪« :‬إن ســوق حلــب القدميــة‪ ،‬روح‬ ‫هــذه املدينــة املدرجــة ضمــن الــراث العاملــي‬ ‫لليونيســكو أضحــى رمــادا ً وفــق مــا نقلــت وكالــة‬ ‫فرانــس بــرس»‪.‬‬ ‫ودعــت األطــراف املتقاتلــة يف ســوريا والعــراق‬ ‫إىل التوقــف الفــوري عــن اســتخدام املواقــع‬ ‫الثقافيــة أو اســتهدافها‪.‬‬

‫ثقافي��ة ـ��ـ سياس��ية ـ��ـ نص��ف ش��هرية ـ��ـ تص��در ع��ن مؤسس��ة توت��ول اإلعالمي��ة بالتع��اون م��ع بي��ت الرقة لكل الس��وريني‬

‫رئي��س جمل��س اإلدارة‪ :‬بس��ام البليب��ل ‪ -‬رئي��س التحري��ر‪ :‬ماج��د رش��يد العوي��د ‪ -‬مدي��ر التحري��ر‪ :‬يوس��ف دعيس‬ ‫هيئة التحرير‪ :‬خلف اجلربوع‪ ،‬أسعد فخري‪ ،‬إبراهيم العلوش‪.‬‬

‫‪ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete‬‬

‫يف ظــل هــذه الظــروف التــي تتعــرض لهــا‬ ‫املواقــع األثريــة إىل التدمــر املمنهــج‪ ،‬منحــت‬ ‫جامعــة الســا بينــزا يف رومــا العــام الفائــت‬ ‫شــهادة الدكتــوراه الفخريــة يف علــم اآلثــار‬ ‫للســيدة «أســاء األســد» تقديـرا ً لدعمهــا القــوي‬ ‫يف حاميــة الـراث التاريخــي لســوريا‪ ،‬ولجهودهــا‬ ‫يف عمليــة التنميــة الريفيــة‪.‬‬ ‫واليــوم تختــار رشكــة «ليــدرس» الســيدة أســاء‬ ‫األســد لتكــون الشــخصية األوىل التــي متنــح هــذه‬ ‫الجائــزة تقديــرا ً لجهودهــا يف مجــال اآلثــار‪،‬‬ ‫ودعمهــا ألعــال البحــث والتنقيــب‪.‬‬ ‫ويف الوقــت ذاتــه تراجعــت آنــا وينتــور رئيســة‬ ‫تحريــر مجلــة «فــوغ» الشــهرية عــن وصفهــا‬ ‫لزوجــة الرئيــس الســوري بـــ»وردة يف الصحـراء»‪،‬‬ ‫وذلــك بعــد أن نــرت يف مــارس‪ /‬آذار املــايض‬ ‫مقــاالً كالــت فيــه الكثــر مــن املديــح لســيدة‬ ‫ســوريا األوىل‪ ،‬مشــرة إىل أنهــا مــن أكــر‬

‫للتواصل عرب فيس بوك‬ ‫للتواصل عرب تويرت‬ ‫للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬

‫الســيدات اللــوايت يتمتعــن بهــذا اللقــب جاذبيــة‬ ‫ونضــارة‪ ،‬وأنهــا متــي واثقــة الخطــوات بربيــق‬ ‫نعلهــا األحمــر‪ ،‬يف إشــارة إىل أحذيــة «كريســتان‬ ‫لوبوتــان» الــذي يعــد مصمــم األحذيــة املفضــل‬ ‫لــدى الكثــر مــن الفنانــات العامليــات ونســاء‬ ‫املجتمــع املخمــي‪.‬‬ ‫وكانــت صحيفــة «نيويــورك تاميــز» قــد ذكــرت‬ ‫يف أحــد أعدادهــا أن مقــال املديــح املنشــور يف‬ ‫«فــوغ» جــاء يف إطــار حملــة إعالميــة مدفوعــة‬ ‫األجــر‪ ،‬تهــدف إىل تحســن صــورة النظــام‬ ‫الســوري واملقربــن منــه‪.‬‬ ‫واتخــذت «وينتــور» هــذا املوقــف تعب ـرا ً عــن‬ ‫اســتنكارها ملــا تشــهده ســوريا مــن أحــداث‬ ‫دمويــة‪ .‬فهــل تحــذو جامعــة «الســا بينــزا»‪،‬‬ ‫ورشكــة «ليــدرس» حــذو مجلــة «فــوغ»‪ ،‬وتســرد‬ ‫شــهادة الدكتــوراه الفخريــة والجائــزة املقدمــة‬ ‫إىل أســاء األســد؟!‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Atatürk Mah7-.sk. NO = 9. ŞanliUrfa MOB: 00905459679973 SAYI:3 YIL: 2014 )1) - İMTİYAZ SAHİBİ : ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: MAJED RASHEED ALOWAYYED‬‬ ‫‪BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬


‫‪16‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬

‫زاويـة حـرة‬

‫هناك كلمة اسمها‬ ‫بسام البليبل‬

‫األس��د يقص��ف درع��ا وري��ف دمش��ق رداً عل��ى القصف اإلس��رائيلي‬

‫استشــهاد ثالثــة إعالمييــن ســوريين مــن قنــاة أورينــت‬ ‫في قصف للنظام على ريف درعا‪.‬‬

‫ذكــرت قنــاة أورينــت الفضائيــة املعارضــة أن صاروخــاً‬ ‫حراريــاً مــن طــراز «كورنيــت» اســتهدف ســيارة فريقهــا‬ ‫اإلعالمــي العامــل يف محافظــة درعــا املؤلــف مــن الصحافيــن‬ ‫رامــي العاســمي (مهنــدس معلوماتيــة) ويوســف الــدوس (أدب‬ ‫إنكليــزي) واملصــور ســامل خليــل يــوم االثنــن ‪ 2014/12/8‬لــدى‬ ‫وصولهــم إىل بلــدة الشــيخ مســكني يف ريــف درعــا حيــث كانــوا‬ ‫يف مهمــة تغطيــة مبــارشة‪ ،‬مــا أدى إىل استشــهادهم عــى الفور‪.‬‬ ‫ونعــت رابطــة الصحافيــن الســوريني العاســمي والــدوس‬ ‫وخليــل‪ ،‬وقالــت إن «عــدد ضحايــا اإلعــام الذيــن وث ّقتهــم‬ ‫الرابطــة منــذ بــدء الثــورة الســورية تجــاوز أكــر مــن ‪260‬‬ ‫إعالميــاً‪ ،‬فقــد غالبيتهــم حياتــه بأيــدي النظــام الســوري»‪.‬‬ ‫وأصــدر نائــب رئيــس االئتــاف الوطنــي لقــوى الثــورة‬ ‫واملعارضــة الســورية محمــد القــداح بيانـاً قــال فيــه إنــه «بعــد‬ ‫ســاعات مــن الغــارة التــي نفّذتهــا طائـرات االحتــال اإلرسائيــي‬ ‫عــى مواقــع قــرب العاصمــة دمشــق‪ ،‬أقلعــت طائ ـرات نظــام‬

‫األســد متّجهــة نحــو درعــا حيــث اســتهدفت عــددا ً مــن بلــدات‬ ‫الريــف بصواريــخ حراريــة أدّت إىل استشــهاد فريــق قنــاة‬ ‫أورينــت‪ .‬وحمــل البيــان عنــوان «األســد يقصــف درعــا وريــف‬ ‫دمشــق ردا ً عــى االحتــال اإلرسائيــي»‪.‬‬ ‫وإن التصنيــف الجديــد «للجنــة الدوليــة لحاميــة الصحافيــن»‪،‬‬ ‫ومنظمــة «مراســلون بــا حــدود»‪ ،‬والــذي وضــع ســت دول‬ ‫عربيــة ضمــن بلــدان العــامل التــي تشــكل أكــر خطــر عــى‬ ‫حيــاة الصحفيــن (العــراق‪ ،‬ســوريا‪ ،‬مــر‪ ،‬الجزائــر‪ ،‬اليمــن‪،‬‬ ‫ليبيــا)‪ .‬مــا يجعــل مهنــة الصحافــة يف هــذه البلــدان‪ ،‬البحــث‬ ‫عــن املــوت‪ ،‬بــدالً مــن البحــث عــن املتاعــب‪.‬‬ ‫والحقيقــة أن أوضــاع الصحفيــن العــرب ازدادت ســوءا ً بعــد‬ ‫ظهــور أطـراف جديــدة يف الرصعــات الداخليــة يف هــذه الــدول‪،‬‬ ‫مثــل تنظيــم الدولــة اإلســامية‪ ،‬وجامعــة الحوثيــن‪ ،‬وتنظيــم‬ ‫القاعــدة‪ ،‬وغريهــا مــن التنظيــات املســلحة‪.‬‬

‫مروان‪ ...‬وأطفال الحروب‬

‫أيوب أزالل‬

‫عــى طاولــة مليئــة بالكتــب ومجموعــة‬ ‫أوراق مرتوكــة وأنــا جالــس أفكــر مبقالــة هــذا‬ ‫األســبوع‪ ،‬يف بــادئ األمــر أردت أن أكتــب‬ ‫شــيئاً مــن األدب اإلنكليــزي‪ ,‬إحــدى ذكريــات‬ ‫شكســبري املشــهورة‪.‬‬ ‫يف أحــد األيــام قــام أحــد صانعــي املظــات‬ ‫بزيــارة شكســبري حتــى يطلعــه عــى إحــدى‬ ‫القصائــد التــي كتبهــا‪ ,‬رد شكســبري قائــاً‪ :‬يــا‬ ‫صديقــي اصنــع مظــات فقــط!‪.‬‬ ‫مــن مثــل هــذه الذكريــات ميكننــي أن أمــارس‬ ‫الكثــر مــن الجهــد العقــي وألعــاب األلغــاز‬ ‫مــادام لســاين ينطــق وأذنــاي تســمع‪ ،‬ولكــن‬ ‫وراء كل هــذه الحضــارة‪ ،‬أليســت الطاقــة‬ ‫الســلبية مســؤولة عنهــا؟‬ ‫هــذه املســؤولية عندمــا تندمــج مــع الصــوت‬ ‫الداخــي للشــخص يــا لــه مــن يشء مــؤمل‪ ،‬يعني‬ ‫ســوريا تحــرق يف داخلنــا‪ ،‬وهــذا الحريــق‬ ‫يحــرق قلوبنــا جميعـاً‪ ,‬واضعـاً رأيس بــن يــدي‬ ‫أشــاهد األخبــار‪ ،‬أقــرأ الكتابــات‪ ،‬وأردد‪ :‬يــا رب‬

‫أنــت وحــدك قــادر عــى إطفــاء هــذا الحريــق‪.‬‬ ‫اآلن أخبــار املــوت وأداة القتــل هــي الرباميــل‬ ‫املتفجــرة والغــازات الكيامويــة‪ ،‬أنــت ال تقتــل‬ ‫فقــط إنســان‪ ،‬وامنــا تقتــل اإلنســانية بأكملهــا‪,‬‬ ‫وهنــا تكمــن خيانــة لآليــات‪ ,‬وخيانــة للــه‪.‬‬ ‫شكســبري؛ رجــا ًء ال تغضــب منــي اليــوم‪ ,‬اليــوم‬ ‫ال أســتطيع التحــدث عنــك وعــن صديقــك‬ ‫صانــع املظــات‪ ،‬ســنتحدث عــن أشــعاركم‬ ‫ومظالتكــم مــع األصدقــاء الشــعراء يف مدينــة‬ ‫اوســكدار يف يــوم مشــمس‪.‬‬ ‫ســأكتب عــن حــرب دامــت ثالثــة أعــوام‪ ,‬ال‬ ‫أحــد يعــرف ســبب الحــرب‪ ،‬وال أحــد يعــرف‬ ‫مــن يقاتــل مــن‪ ,‬أمــا الخــارسون بــا شــك هــم‬ ‫األطفــال واألمهــات والحضــارة اإلســامية‪ .‬أمــا‬ ‫الحضــارة الغربيــة يف القــرون ‪ 20, 19, 18‬يبــدو‬ ‫أنهــا لقنــت درسـاً مــن الحــروب التــي حدثــت‬ ‫يف أراضيهــا فبــدأت تقــود الرصاعــات يف كل مــن‬ ‫ســوريا وافغانســتان وباكســتان وليبيــا ومــر‬ ‫لذلــك تحولــت املنطقــة إىل مســتنقع دمــاء‪.‬‬

‫يعــزى للفيلســـوف اليونــاين هرياقليطــس أنــه قــال‪« :‬إن‬ ‫الحــرب ســتكون أســاس كل يشء»‪.‬‬ ‫وإن نظــرة رسيعــة عــى تاريــخ الحــروب يعــزز صحــة‬ ‫هــذه النظريــة‪.‬‬ ‫فلــم ينتــر اســتخدام البنيســيللني ويبلــغ مرحلــة اإلنتــاج‬ ‫الصناعي إال فــــي عــــام ‪1943‬‬ ‫وكذلــك الجراحــة بصفــة عامــة‪ ..‬وجراحــة التجميــل‬ ‫بصفــة خاصــة مــا كان لهــا أن تتطــور هــذا التطــور لــو مل‬ ‫تســتفد مــن ماليــن التجــارب والعمليــات التــي أجريــت يف‬ ‫املستشــفيات العســكرية‪..‬‬ ‫وكذلــك التقــدم يف مجــال الســاح‪ ،‬ويف مجــال العم ـران‪،‬‬ ‫وكذلــك الحاســـب اآليل الــذي صــــنع لضبــط كميــات‬ ‫املخــزون مــن قطــع الغيــار املطلــوب إرســالها إىل مطــارات‬ ‫املحيــط الهــادي أثنــاء الحــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬والــذي‬ ‫يعتــر اليــوم ــــ أي الحاســوب ــــ جــزء مــن حياتنــا اليومية‬ ‫ــــ أعنــي حيــاة أولئـــك الذيــن جعلــوا االنرتنــت خدمــة‬ ‫مجانيــة ملواطنيهــم ومل يجعلــوا عــى كل موقــع إخبــاري‬ ‫أو معــريف رقيــب عتيــد!‬ ‫ومــا أريــد قولــه بهــذا الخصــوص‪ ..‬ملــاذا الــذي يصـــدق‬ ‫لــدى اآلخريــن ال يصــح لدينــــا؟؟‬ ‫فالدميقراطيــة التــي لديهــم تفســــد أخالقنــا‪ ،‬ونظــام‬ ‫االقتصــاد الحـــر الـــذي لديهــم يخــرب بيوتنــا والحــروب‬ ‫التــي صــارت أساســا لــكل يشء لديهــم‪ ،‬زعزعــت كل‬ ‫أساســاتنا؟!‬ ‫هــل يشــكل العــرب االســــتثناء الخاطــئ لــكل قاعــدة‬ ‫صحيحــة؟ أم نحــن االســـتثناء الصحيــح الــــذي يوجــب‬ ‫إعــادة فحــص كل قاعــدة؟؟‬ ‫ملــاذا أشــهر ثالثــة حـــروب يف تاريخنــا املعــارص لــــم تعــد‬ ‫علينــا إال بالويــل والثبــور‬ ‫وعظائم األمور؟؟‬ ‫ملــاذا يكــون معــدل التطــور يف وقت الحــرب ــ لــــدى الغري‬ ‫ــــ أرسع مبقــدار ثالثــة أضعــاف معدلــه وقــت الســلم‪ ،‬يف‬ ‫حــن أن هــذه املعــــادلة كانــت مقلوبــة لدينــا؟‬ ‫فقــد تراجــع العــرب يف حدودهــم وترابطهــم القومــي‪،‬‬ ‫ودفاعهــم املشــرك‪ ،‬وحرياتهــم‪ ،‬بــل حتــى يف االنتصـــار‬ ‫لعزتهــم وكــ ـرامتهم!‬ ‫أمــا لجهــة التطــور التقنــي والعســكري‪ ،‬فــإن مثــاالً واحــدا ً‬ ‫يكفــي إلثبــات أننــا األكــر إخفاقـاً فـــي هــذا املجــال عــى‬

‫وجــه الكــرة األرضيــة‪ ،‬حيــث أن اثنيــن وعرشيــن دولــة‬ ‫عربيــة مل تســتطع مجتمعــة أن تحقــق التوازن االسـراتيجي‬ ‫مــع العــدو الصهيــوين بعــد أكــر مــن خمســــن ســنة مــن‬ ‫رهــن حريتنــا‪ ،‬واقتصادنــا‪ ،‬وكرامتنــا‪ ،‬مــن أجــل تحقيــق‬ ‫هــذا الغــرض!‬ ‫قــد يعــرض البعــض عــى نظريــة الحــرب هــذه فيقــول‬ ‫ليـــس كل تقــدم بالــرورة أن يكــون مثــرة للحــرب‪ ،‬ولكنــه‬ ‫قــد يكــون نتيجــة لــراع ليــس بالــرورة أن يكــون‬ ‫مســلحاً‪.‬‬ ‫إذا كان هــذا صحيح ـاً ــــ وأظنــه كذلــك ــــ فلِ ـ َم مل تنجــح‬ ‫أحــــزابنا العربيــة مجتمعــة‪ ..‬القوميــة منهــا واألمميــة‬ ‫والشــوفينية‪ ،‬يف االســتفادة مــن هــذا الـراع والوصــول بــه‬ ‫إىل مــــا تحقق فـــي بـــاد النــاس؟! أم أن ما تحقــق لدينا ــ‬ ‫كــا تقــول أحزابنــا العتيــدة ــــ هــو املقيــاس؟؟!‬ ‫فهــل نصــدق دعــاة العنرصيــة يف الحضــارة الغربيــة الذيــن‬ ‫قالــوا لنــا أن عجزنــا نحــن الرشقيــن بنـــيوي‪ ،‬وأننــا بحاجة‬ ‫إىل مــن يأخــذ بيدنــا مــن حالة (الـــن ــــ الجمــود) إىل حالة‬ ‫(اليــــانج ــ الحركة ــ) ‪./1/‬‬ ‫أم نصــدق أويل األمـــر الذيــن قالــوا لنــا إننــا مل نبلــغ ســن‬ ‫الرشــد الســياســــي بعــد‪ ،‬وإننـــا بحاجة إىل مــن يحمل عنا‬ ‫مســؤولية التفكــر والقـرار‪ ،‬وأوكلونا إلــــى دعــــة الخمول‪.‬‬ ‫أم نصــدق الصــوت الهامــس مــن موقــف التيــه ‪ /2/‬قائ ـاً‬ ‫لنــــا أن هنــاك كلمــة ســــحرية اســمها الحريــة جـربـــوها‪،‬‬ ‫وإن مل تجدوهــا فاطلبوهــا‪.‬‬ ‫لقــد جربــت جميــع الــدول العربيــة بعــد اســتقاللها‬ ‫أن تكــون دوالً اســـرطية ففشــــلت‪ ،‬فلِ ـ َم ال تجــرب مــرة‬ ‫واحــدة أن تكــون دوالً أثيــــنية ‪/3/‬؟!‪.‬‬ ‫‪ :/1/‬يــرى املفكــرون الصينيــون يف الكــون تصارعــاً بــن‬ ‫قوتــن متكاملتــن هــا اليانــج وهــي قــوة ايجابيــة متثــل‬ ‫‪/‬الضــوء والقــوة والعمــل‪ .../‬أمــا الــن فقــوة ســلبية متثــل‬ ‫‪/‬الظــل والضعــف والســكون‪./‬‬ ‫‪ :/2/‬موقف التيه‪ :‬كتــاب املواقف ــ النفري‪.‬‬ ‫‪ :/3/‬اســرطة‪ :‬مدينــة يونانيــة اعتمــدت النظــام‬ ‫الريــايض العســكري الصــارم يف حــل مشــــاكلها الســكانية‬ ‫واالقتصاديــة‪..‬‬ ‫أثـينــــا‪ :‬مدينــة يونانيــة اعتمــدت األســلوب الدميقراطــي‬ ‫والثقــايف والتجــاري‪ ،‬دومنــا إهــال للقــوة حتــى أصبحــت‬ ‫(معلمــة هيــاس) أي اليونــان‪.‬‬

‫‪MERVAN VE ONLAR… SAVAŞIN ÇOCUKLARI‬‬ ‫‪Eyyüp Azlal‬‬ ‫‪Allah’ın ayetlerine ihanet‬‬ ‫‪edenler var.‬‬ ‫‪Ne olur Shakespeare darılma‬‬ ‫‪bana. Bu gün senden ve‬‬ ‫‪senin arkadaşın olan şemsiye‬‬ ‫‪ustasından bahsetmediğim‬‬ ‫‪için gücenme. Şiirlerinizden‬‬ ‫‪ve şemsiyelerinizden günlük‬‬‫‪güneşlik bir vakitte Üsküdar’a‬‬ ‫‪gider iken “katib” arkadaşımla‬‬ ‫‪beraber bahsedeceğiz.‬‬ ‫‪Üç yıldır ne adına yapıldığı,‬‬ ‫‪kimin kiminle savaştığı belli‬‬ ‫‪olmayan bu savaşın yenilen‬‬ ‫‪tarafı şüphesiz anneler ve‬‬ ‫‪çocuklar… Ve kadim İslam‬‬ ‫‪medeniyeti… Batılılar,‬‬ ‫‪19 ,18 ve 20. asırda kendi‬‬ ‫‪coğrafyalarında meydana gelen‬‬ ‫‪savaş ve ölümlerden çokça‬‬ ‫‪ders almış olmalı ki şimdilerde‬‬ ‫‪Suriye üzerinden, Afganistan,‬‬ ‫‪Pakistan, Libya, Mısır üzerinden‬‬ ‫‪bilek güreşi yapıyorlar. Ve‬‬ ‫‪ortalık kan gölüne dönüyor.‬‬ ‫‪Şimdi spor ve‬‬

‫‪Bu hatıra etrafında entelektüel‬‬ ‫‪çaba ve kelime oyunlarıyla‬‬ ‫‪çok şey yazabilirdim. Dilimiz‬‬ ‫‪dönüyor, kulağımız duyuyor ne‬‬ ‫‪de olsa. Ama bütün bunların‬‬ ‫‪ötesinde aydın, çağının şahidi‬‬ ‫‪ve bütün olumsuzlukların‬‬ ‫‪mes’ulü değil mi? Hele bu‬‬ ‫‪mes’uliyet bilincinin dıştan‬‬ ‫‪dayatılmaktan ziyade, içten‬‬ ‫‪gelen bir sesle birleşmesi ne‬‬ ‫‪acı bir şeydir.‬‬ ‫‪Suriye yanı başımızda‬‬ ‫‪yanıyor. Bu yangın yüreğimizi‬‬ ‫‪yakıyor. İki elimin arasında‬‬ ‫‪başımı tutmuş haberleri seyre‬‬ ‫‪dalıyorum. Bir yandan alt yazı‬‬ ‫‪haberleri bir yandan görsel.m.‬‬ ‫‪Aman Allah’ım bu yangını‬‬ ‫‪ancak sen söndürürsün. Artık‬‬ ‫‪ölüm haberleri, bir ihanet‬‬ ‫‪ürünü olan varil bombaları,‬‬ ‫‪kimyasal gazlar bir insanı değil‬‬ ‫‪bütün insanlığı, bütün âlemi‬‬ ‫‪öldürüyor. Allah’ın ayetlerine‬‬ ‫‪ihanet var burada. Ve burada‬‬

‫‪Kitaplarla dolu bir masa,‬‬ ‫‪bir sürü evrak-ı metruke ve‬‬ ‫‪ben. Bu hafta yazacağım‬‬ ‫‪yazıyı düşünüyorum. Önce‬‬ ‫‪İngiliz edebiyatçı William‬‬ ‫)‪Shakespeare’nin (Şekspır‬‬ ‫‪meşhur bir hatırasından yola‬‬ ‫‪çıkarak bir şeyler yazmak‬‬ ‫‪istedim. Bir Şemsiye ustası‬‬ ‫‪Shakespeare’in yanına gider‬‬ ‫‪ve ona yeni yazdığı bir şiirini‬‬ ‫‪gösterdiğinde, Shakespeare,‬‬ ‫‪ona: “dostum sen sadece‬‬ ‫‪şemsiye yap” demişti.‬‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05459679973( :‬أو مراجع��ة مقره��ا الكائ��ن خل��ف بلدي��ة أورف��ا‬

‫اآلراء اليت تنشر باجمللة تعرب عن رأي أصحابها‪ ،‬وال متثل بالضرورة رأي اجمللة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد السادس ‪ 15 /‬كانون االول ‪2014‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.