Alharmal (9) 01 02 2015 مجلة الحرمل العدد التاسع

Page 1

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬ ‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫‪1‬‬

‫احلريــ��ة دائمــــاً‬

‫‪Her Daim Özgürlük‬‬

‫‪AL harmal‬‬ ‫ثقافية ـ ـ سياسية ـ ـ نصف شهرية ـ ـ مستقلة ـ ـ تصدر عن مؤسسة توتول اإلعالمية بالتعاون مع منظمة بيت الرقة لكل السوريني‬

‫‪Kültür - Siyasi - 15 günde bir‬‬

‫املعتقل السوري واملوت الصامت‬

‫‪Alharmal Dergisi‬‬

‫مفتتح الكالم‬ ‫من طل امللوحي‬ ‫إىل‬ ‫رزان زيتونة‬ ‫ماجد رشيد العويد‬

‫املعتقلون‬ ‫هم الوجع‬ ‫األول‪،‬‬ ‫هم املوت‬ ‫البطيء‪،‬‬ ‫هم العدّاد‬ ‫الصامت‬ ‫للموت‬ ‫اجملاني‬ ‫الذي ال‬ ‫يلتفت إليه‬ ‫أحد‪.‬‬

‫كل لحظــة مــن لحظــات الثــورة الســورية‬ ‫تســتحق أن يُحتفــى بهــا‪ ،‬وأن يُفــرد لهــا يــوم‪،‬‬ ‫ومــن هــذه األيــام تخصيــص يــوم للمعتقــات‪،‬‬ ‫ولعــل التــي تــأيت عــى رأس القامئــة منهــن طــل‬ ‫امللوحــي الشــابة التــي مل يخجــل نظــام بشــار‬ ‫مــن القيــام بتشــويه صورتهــا‪ ،‬وليــس انتهــاء‬ ‫بأيقونــة الثــورة رزان زيتونــة التــي أنشــأت‬ ‫مــع مجموعتهــا مــا ُعــرف الحق ـاً مبركــز توثيــق‬ ‫االنتهــاكات‪ .‬يف هــذا الســياق تــأيت حملــة «فكــوا‬ ‫قيدهــن» فــا يعقــل أن تظــل يف األرس أم وأخــت‬ ‫وزوجــة وحبيبــة‪ ،‬وال يُعقــل أن تبقــى يف األرس‬ ‫أنثــى عندهــا مثــل مــا عنــد الكــون مــن رحابــة‪،‬‬ ‫وأمــا السـ ّجان فنظــام ترعــرع يف حضــن العاملــة‬ ‫منــذ زمــن بعيــد‪ ،‬وتنظيــات فقــدت بوصلتهــا‬ ‫فــا عــادت تــدري مــن أمرهــا شــيئاً أبــدا ً‪.‬‬ ‫جــاء اعتقــال طـ ّـل امللوحــي عــى خلفيــة كتاباتهــا‬ ‫ذات الطابــع الســيايس يف مدونتهــا‪ ،‬وتــأيت بدايــة‬ ‫االهتــام بطــل أمنيــاً مــن مناشــدتها رئيــس‬ ‫النظــام الســوري بشــار أســد بإمتــام عمليــة‬ ‫التحــول الدميقراطــي‪ ،‬ومذكــرة إيــاه بوعــوده‬ ‫بالقضــاء عــى الفســاد‪ ،‬وكان هــذا عــام ‪.2006‬‬ ‫بالطبــع مل يخجــل نظــام االســتبداد مــن اتهامهــا‬ ‫بالتجســس لصالــح دولــة أجنبيــة ليــرر اعتقالــه‬ ‫للشــابة طــل‪.‬‬ ‫وجــاء اعتقــال رزان ومجموعتهــا عــى خلفيــة‬ ‫عملهــا يف مركــز توثيــق االنتهــاكات‪ ،‬عــى غــر يد‬ ‫النظــام‪ ،‬وإمنــا مــن مجموعــة متطرفــة‪ ،‬وعملُهــا‬ ‫يف تقديــم الخدمــات ألهلهــا يف الغوطــة الرشقيــة‬ ‫أثــار نقمــة مــن تعلّــم الــر يف ســجون األســد‪.‬‬ ‫يــؤرش االعتقــاالن عــى أن ماهيــة االســتبداد‬ ‫واحــدة‪ ،‬وإن اختلفــت املرجعيــة‪ ،‬وأن املســتبد‬ ‫يعلــو كعبــه بنــر الخــوف الــذي يحقــق لــه‬ ‫بعــض مــا ينشــده مــن االســتقرار‪ ،‬وعمومـاً باســم‬ ‫األيديولوجيــة‪ ،‬رافعــاً ســيفه يف وجــه مخالفيــه‬ ‫ومناهضيــه‪.‬‬ ‫مــن هنــا فــإن مــا قامــت بــه رزان زيتونــة‬ ‫ومجموعتهــا مــن توثيــق االنتهــاكات الواقعــة‬ ‫عــى املواطــن الســوري أزاح الســتار عــن ذلــك‬ ‫الخيــط الخفــي الــذي يربــط بــن النظــام‪ ،‬وتلــك‬ ‫الجامعــات املتطرفــة مــن دون أن نحتــاج إىل‬ ‫مجــرد اإلشــارة أنــه يف وقــت ســابق مــن الثــورة‬ ‫قــام بإطــاق رساح أكــر مــن تســعامئة مــن‬ ‫اإلســاميني املتطرفــن‪ ،‬وغايتــه كانــت نــر‬ ‫الفــوىض يف الربــوع الســورية مــن خــال قيــام‬ ‫اإلمــارات اإلســامية يف املحافظــات الســورية‪.‬‬ ‫غــر أن الــذي غــاب عــن ذهــن النظــام‪ ،‬وتلــك‬ ‫الجامعــات أن مــا قامــت بــه رزان ومجموعتهــا‬ ‫أعظــم بكثــر مــن اعتقــال لــن تكــون مفاعيلــه‬ ‫خــارج دائــرة التذكــر بــأن يف ســجون النظــام‪،‬‬ ‫وتلــك الجامعــات إناثــاً أنجــن كونــاً واســعاً‪،‬‬ ‫وفضــاء ال يُحــد مــن حريــة يريدهــا الشــعب‬ ‫الســوري‪ ،‬ودفــع ألجلهــا مثنـاً باهظـاً‪ .‬أفــا يصــح‬ ‫القــول فكــوا قيدهــن؟‬ ‫بىل أيها العامل ّ‬ ‫فك قيدهن‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫سياســات جديدة للديوان اإلغاثي لداعــش بهدف تركيع املواطنني‬ ‫تعــاين مدينــة الرقــة مــن تــردي األوضــاع االقتصاديــة‬ ‫للمواطنــن بســبب أمــور عــدة منهــا‬ ‫• تعــر اســتالم عــدد كبــر مــن املواطنــن لرواتبهــم مــن‬ ‫النظــام بســبب صعوبــة اســتالم الراتــب واإلجـراءات األخــرة‬ ‫التــي قــام تنظيــم داعــش بفرضهــا عــى الســفر‪ ،‬عل ـاً أن‬ ‫عــدد موظفــي الرقــة قرابــة ‪ 65.000‬موظــف‪.‬‬ ‫• فقــدان قســم كبــر مــن املواطنــن ألعاملهــم بســبب‬ ‫األوضــاع الســيئة يف املدينــة كاألعــال اليوميــة وبعــض‬ ‫أصحــاب املهــن ( البنــاء مثــاً)‪.‬‬ ‫• الحصــار االقتصــادي الــذي تتعــرض لــه املدينــة بشــكل‬ ‫مبــارش أو غــر مبــارش بعــد إغــاق معــر تــل أبيــض‬ ‫الحــدودي الــذي يعتــر الرشيــان الرئيــي املغــذي للمدينــة‪،‬‬ ‫ويضــاف إليــه العقبــات التــي تواجــه نقــل البضائــع مــن‬ ‫املعابــر األخــرى‪ ،‬ومناطــق ســيطرة النظــام باتجــاه املدينــة‪.‬‬ ‫• انخفاض سعر رصف اللرية السورية مقابل الدوالر‪.‬‬ ‫• ارتفــاع أســعار املــواد األساســية‪ ،‬وخصوصــاً بعــد فتــح‬ ‫الحــدود مــع العــراق‪ ،‬وســحب التجــار العراقيــن للمــواد‬ ‫مــن الســوق مــا تســبب بارتفــاع أســعار املــواد‪.‬‬ ‫• الرضائب التي يقوم التنظيم بفرضها عىل املواطنني‪.‬‬ ‫• تعــر الــدورة الزراعيــة يف كثــر مــن املناطــق بســبب‬ ‫األرضار التــي لحقــت بشــبكات الــري‪ ،‬وارتفــاع أســعار‬ ‫املحروقــات مــا تســبب بعــدم قــدرة الكثــر مــن املزارعــن‬ ‫مــن زراعــة األرايض لعــدم الجــدوى االقتصاديــة‪.‬‬ ‫يضــاف إىل كل ذلــك تواجــد قرابــة ‪ 25.000‬عائلــة نازحــة يف‬ ‫املحافظــة بنســبة ‪ %75‬يف املدينــة و‪ %25‬منهــا يف األريــاف‬ ‫قســم منهــا يقطــن يف ‪ 20‬مخيــاً يعانــون مــن ظــروف‬ ‫اقتصاديــة صعبــة جــدا ً‪ ،‬ويفتقــدون فيهــا كل مقومــات‬ ‫الحيــاة‪.‬‬ ‫وكانــت الهيئــات والجمعيــات اإلغاثيــة املتواجــدة يف‬ ‫املحافظــة واملدينــة تخفــف‪ ،‬ولــو بالجــزء اليســر مــن‬ ‫معانــاة تلــك العائــات مــن خــال تقديــم املســاعدات‬ ‫اإلغاثيــة والتــي كانــت تــأيت إىل املدينــة مــن ثــاث جهــات‪:‬‬ ‫• قســم قــادم مــن خــال منظــات األمــم املتحــدة ‪WFP‬‬ ‫وغريهــا مــن املنظــات والهيئــات الدوليــة‪ ،‬وكانــت تــوزع‬ ‫تلــك الســال واملســاعدات عــن طريــق الهــال األحمــر‬ ‫الســوري املســؤول يف ريــف املحافظــة‪ ،‬وجمعيــة الــر‬ ‫والخدمــات االجتامعيــة للمدينــة‪ ،‬يضــاف لهــم فريــق‬

‫شــباب الرقــة التطوعــي‪.‬‬ ‫كانــت تســتقدم تلــك الجمعيــات قرابــة ‪ 20.000‬ســلة‬ ‫شــهرياً‪ ،‬توقفــت تلك املســاعدات منــذ تاريــخ ‪2013/10/15‬‬ ‫بســبب منــع حواجــز النظــام للقوافــل اإلغاثيــة مــن الوصول‬ ‫للمدينــة‪.‬‬ ‫• قســم قــادم مــن مؤسســات املعارضــة واملنظــات‬ ‫الخرييــة‪ ،‬وكانــت تــوزع تلــك املســاعدات عــن طريــق‬ ‫املكاتــب االغاثيــة التابعــة للمجالــس املحليــة‪ ،‬وبعــض‬ ‫الجمعيــات األخــرى مثــل (تجمــع أبنــاء الرشــيد اإلغــايث –‬ ‫هيئــة شــام اإلســامية – مركــز بــاب بغــداد الهــال األزرق –‬ ‫جمعيــة شــام لأليتــام– منــر الطبقــة– تجمــع مغــريب الرقــة‬ ‫اإلغــايث– مركــز الرقــة اإلغــايث– جمعيــة أهــل األثــر)‪ ,‬وكانــت‬ ‫تقــوم تلــك املنظــات بتوزيــع قرابــة ‪ 3000‬ســلة إغاثيــة‬ ‫شــهرياً‪ ,‬توقفــت عــن العمــل مــع بدايــة ســيطرة التنظيــم‬ ‫عــى املدينــة وإغــاق معــر تــل أبيــض الحــدودي‪.‬‬ ‫• جمعيــات أهليــة‪ :‬تعتمــد عــى تربعــات املغرتبــن مــن‬ ‫أبنــاء املدينــة يف املهجــر‪ ،‬وتقــوم بتجهيــز الســال محليــاً‬ ‫وتــوزع قرابــة ‪ 2000‬ســلة شــهرياً‪.‬‬ ‫• املطابــخ اإلغاثيــة‪ :‬وعددهــا ‪ 5‬مطابــخ باملدينــة‪ ،‬ومطبخــن‬ ‫مبدينــة الطبقــة‪ ،‬كلهــا توقفــت عــن العمــل‪ ،‬ومل يتبــق ســوى‬ ‫مطبــخ الرقــة اإلغــايث الــذي يقــوم بتقديــم الوجبــات ألكــر‬ ‫مــن ‪ 2000‬عائلــة‪.‬‬ ‫وبعــد ســيطرة التنظيــم عــى املحافظــة‪ ،‬وإنشــاء املكتــب‬ ‫اإلغــايث الخــاص بــه‪ ,‬عمــل املكتــب عــى التدخــل يف عمــل‬ ‫الجمعيــات واملنظــات مــا تســبب يف توقــف عــدد‬ ‫كبــر مــن تلــك الجمعيــات‪ ،‬وبقــاء بعضهــا محافظ ـاً عــى‬ ‫هيكليتــه بشــكل شــكيل فقــط‪ ,‬تــم إيقــاف فريــق شــباب‬ ‫الرقــة التطوعــي بدايــة‪ ،‬ثــم مداهمــة مقــر هيئــة شــام‬ ‫اإلســامية‪ ،‬واعتقــال العاملــن فيهــا‪ ،‬والتدخــات يف عمــل‬

‫جمعيــة الــر والخدمــات االجتامعيــة‪ ،‬وتكفري عمــل املجالس‬ ‫املحليــة‪ ،‬وتوقفهــا عــن العمــل‪ ،‬ومؤخـرا ً إيقــاف عمــل فريق‬ ‫الهــال األحمــر الســوري – فــرع الرقــة‪ ،‬ومداهمــة مقراتــه‬ ‫واالســتيالء عــى املعــدات والعربــات والتجهي ـزات الخاصــة‬ ‫بــه‪ ,‬ومصــادرة محتويــات املســتودعات‪ ،‬ووضــع اليــد عــى‬ ‫املقـرات حيــث كان يعمــل الفريــق عــى أمــور عــدة منهــا‪:‬‬ ‫• عمليات نقل وإخالء الجرحى من مناطق القصف‪.‬‬ ‫• العنايــة الصحيــة مــن خــال املســتوصفات التابعــة‬ ‫للهــال‪.‬‬ ‫• العنايــة مبواضيــع اإلصحــاح مــن خــال دورات التوعيــة‬ ‫الصحيــة‪ ،‬واالهتــام مبوضــوع امليــاه‪.‬‬ ‫• االهتــام مبراكــز إيــواء النازحــن مــن صيانــة‪ ،‬وتقديــم‬ ‫املســاعدات عــى قــدر اإلمكانيــات املحــدودة املتواجــدة‬ ‫لديــه‪.‬‬ ‫• الدعــم النفــي الــذي تقدمــه من خــال بعض النشــاطات‬ ‫الخاصــة يف مركــز اإليواء‪.‬‬ ‫جــاءت هــذه األمــور مــن خــال السياســات الجديــدة‬ ‫التــي يقــوم بتطبيقهــا ديــوان اإلغاثــة بعــد التغيـرات التــي‬ ‫طــرأت عــى الديــوان‪ ،‬حيــث تــم تغيــر األمــر املســؤول‬ ‫عــن املكتــب‪ ،‬حيــث اســتلم أمــر ليبــي الجنســية‪ ،‬محــل‬ ‫آخــر قطــري الجنســية‪.‬‬ ‫وأصبحــت العوائــل املحتاجــة والباحثــة عــن لقمــه تســد بها‬ ‫رمــق جوعهــا مضطــرة إىل طــرق بــاب ديــوان الــزكاة التابــع‬ ‫للتنظيــم‪ ،‬والــذي يســاعد العائــات املحتاجــة عــن طريــق‬ ‫لجــان قــام التنظيــم بتشــكيلها مــن أهــايل الحــي املقربــن‬ ‫منــه باإلضافــة إىل أمئــة املســاجد الذيــن تــم تعيينهــم مــن‬ ‫قبــل التنظيــم‪ ،‬حيــث تقــوم تلــك اللجــان بفــرز العائــات‬ ‫املحتاجــة‪ ،‬والتعامــل مــع العوائــل حســب التزامهــا الدينــي‪.‬‬ ‫وبحســب تلــك اآلليــة بــات ســكان محافظــة الرقــة‬ ‫مضطريــن للتوجــه إىل ديــوان الــزكاة لتســجيل أســائهم‪،‬‬ ‫ومحاولــة محابــاة مــن هــم باللجــان والديــوان‪ ،‬والســعي‬ ‫ألن تكــون مــن العوائــل املســتفيدة‪ ،‬رغــم امتنــاع الكثــر‬ ‫مــن العائــات عــن طــرق بابهــم‪ ،‬ومحاولــة االســتفادة مــا‬ ‫يوزعونــه‪ ,‬أو أن يتوجهــوا إىل املطبــخ اإلغــايث‪ ،‬الــذي يعــاين‬ ‫أص ـاً مــن قلّــة الدعــم‪ ،‬وقلــة اإلمكانيــات‪ ،‬والتــي تقدمــه‬ ‫العائــات مــن مســافات بعيــدة تصــل أحيان ـاً ألكــر مــن ‪4‬‬ ‫كــم بحث ـاً عــا يســكن بطون ـاً جاعــت‪.‬‬ ‫وخــال الفــرة املاضيــة‪ ،‬وبســبب الحاجــة وانتشــار الفقــر‬

‫بصــورة كبــرة‪ ،‬عــادت ظاهــرة الرسقــة إىل الظهــور مجــددا ً‬ ‫رغــم العقوبــات الصارمــة التــي يقــوم التنظيــم بتطبيقهــا‬ ‫مــن قطــع األيــدي والســجن‪ ،‬لكــن مل تعــد هنالــك حيلــة‪,‬‬ ‫فإمــا أن تكــون عنـرا ً مــن عنــارص التنظيــم لتعيــش حيــاة‬ ‫كرميــة‪ ،‬أو تبحــث عــن طريقــة أخــرى لتكفــي بهــا نفســك‪،‬‬ ‫بعيــدا ً عنهــم‪ ،‬فكانــت الرسقــة هــي إحــدى تلــك الطــرق‪,‬‬ ‫وال يـزال عنــارص التنظيــم يتبجحــون بنــر صــور موائدهــم‬ ‫العامــرة والفاخــرة مبــا لــذ وطــاب بينــا يخيــم الجــوع‬ ‫عــى الرعيــة‪ ,‬فالــرخ بــات واضحـاً وعموديـاً بــن طبقــات‬ ‫املجتمــع‪ ,‬طبقــة يــزداد ثراؤهــا بصــورة كبــرة مــن عنــارص‬ ‫وأم ـراء وتجــار حــروب لهــم ارتباطــات بالتنظيــم‪ ,‬وطبقــة‬ ‫الرعيــة التــي متــوت جوعـاً وتــن مــن شــدة الرضائــب التــي‬ ‫فرضهــا التنظيــم عــى رعيتــه مــن أجــل أن يهنــأ بتلــك‬ ‫األمــوال‪.‬‬ ‫سياس ـ ُة فــرض الجــوع مــن أجــل فــرض الســلطة والــوالء‪،‬‬ ‫ولــي يكــون هــ ّم املواطــن لقمــة العيــش‪ ،‬وأن ال يفكــر‬ ‫إال كيــف ســيحظى بهــا‪ ،‬والتــي لــن تكــون إال مــن بــاب‬ ‫التقــرب مــن التنظيــم بطــرق عــدة ومنهــا‪:‬‬ ‫• االنتساب إىل التنظيم واملبايعة‪.‬‬ ‫• االنضامم ملؤسساته الخدمية‪.‬‬ ‫• تزويج بناته لعنارص التنظيم‪.‬‬ ‫• محاولة محاباة التنظيم‪.‬‬

‫الرقة تذبح بصمت‬

‫تحرير مدينة عني العرب «كوباني»‬

‫حرمل الصحافة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫‪3‬‬

‫الطريان الســوري يقتل أكثر من ‪ 200‬مدني يف بلدة الخنســاء يف الحســكة‬ ‫الســوريون يعتصمــون يف أورفــا واالئتــاف ينــدد باملجــزرة‬ ‫كلــا اشــتدت رضبــات الجيــش الحــر‪ ،‬وحــارصت قواتــه‬ ‫يف مناطــق ســورية القتاليــة املتعــددة‪ ،‬وكلــا ســجل الحــر‬ ‫انتصــارا ً عــى أيــة بقعــة مــن األرض الســورية‪ ،‬يلجــأ النظــام‬ ‫إىل ارتــكاب املجــازر بحــق املدنيــن‪ ،‬وكأنــه يوجــه رســالة‬ ‫إىل العــامل‪ ،‬وللجيــش الحــر أيضـاً‪ ،‬كلــا قتلتــم م ّنــا عســكرياً‪،‬‬ ‫فلدينــا القــدرة عــى القتــل والتدمــر‪ ،‬تفــوق تصوراتكــم‬ ‫جميع ـاً‪.‬‬ ‫هكــذا يتعامــل النظــام املجــرم مــع شــعبه فيمطرهــم‬ ‫بالقنابــل والصواريــخ والرباميــل والحاويــات املتفجــرة‪ ،‬فقــد‬ ‫أقــدم الطـران املروحــي يــوم الثالثــاء ‪2015/1/20‬عــى إلقاء‬ ‫الرباميــل املتفجــرة عــى ســوق شــوق شــعبي «املاكــف»‬ ‫يف بلــدة الخنســاء التابعــة ملحافظــة الحســكة‪ ،‬ويف وقــت‬ ‫تواجــد الكثــر مــن املدنيــن‪ ،‬أســفر عــن مجــزرة مروعــة‬ ‫بحــق أهــايل البلــدة مــن املدنيــن العــزل راح ضحيتهــا أكــر‬ ‫مــن مئتــي شــهيد‪ ،‬ومئــات الجرحــى‪ ،‬حيــت تناثــرت األشــاء‬ ‫عــى بعــد مئــات األمتــار‪ ،‬يف جرميــة ُوصفــت باملروعــة بحــق‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬ينــدى لهــا جبــن املجتمــع الــدويل‪ ،‬لكــن الصمــت‬ ‫الــدويل والعــريب كان خجــوالً‪ ،‬وأيضــاً رســائل تلــك الــدول‬ ‫واضحــة للشــعب الســوري‪ ،‬فــا نصــر للثــورة الســورية‪،‬‬ ‫ســوى جهــود أبنائهــا‪ ،‬واملخلصــن ممــن حملــوا الســاح‬ ‫للدفــاع عــن أراضيهــا‪.‬‬ ‫حالــة مــن الغضــب يف أوســاط املجتمــع املــدين الســوري‪،‬‬ ‫تجلــت يف مــدن العــامل‪ ،‬وكان أبرزهــا يف مدينــة أورفــا‬ ‫الرتكيــة‪ ،‬حيــث تداعــت أطيــاف املجتمــع الســوري إىل‬ ‫اعتصــام صامــت يف ســاحة «طوبجــي ميــدان» الشــهرية‪،‬‬ ‫يــوم الخميــس ‪ 2015/1/22‬تنديــدا ً بآلــة القتــل والتدمــر‪،‬‬ ‫ورصخــة قويــه يف وجــه الحكومــة الســورية املؤقتــة‬ ‫واالئتــاف‪ ،‬لتقديــم كل مــا ميكــن تقدميــه مــن مســاعدات‬ ‫طبيــة لعــاج الجرحــى‪ ،‬ولتحريــك أغلــب الضامئــر الســاكتة‬ ‫عــن املجــازر التــي ترتكــب بحــق الشــعب الســوري‪ ،‬وقفــة‬ ‫احتجاجيــة تداعــى لهــا أغلــب املنظــات والتجمعــات‬ ‫املدنيــة والناشــطني واإلعالميــن‪ ،‬وكل مــن يهتــم بالــدم‬ ‫الســوري‪.‬‬ ‫ويف بدايــة االعتصــام وقــف املعتصمــون دقيقــة صمــت‬ ‫إجــاالً واحرتامــاً ألرواح الشــهداء الذيــن ارتقــوا يف هــذه‬ ‫املجــزرة املروعــة‪ ،‬وألقــى الســيد عبــد العزيــز محمــد كلمــة‬ ‫افتتاحيــة قــال فيهــا‪ :‬يــا طغــاة العــر إنهــم بــر وليســوا‬ ‫أرقامـاً‪ ،‬رصختنــا اليــوم مؤملــة ونوجــه نداءنــا لــكل صاحــب‬

‫ضمــر حــي فهــل مــن مغيــث؟ أيــن حقــوق اإلنســان‪ ،‬وأيــن‬ ‫رشفــاء العــامل؟‬ ‫وتابــع يف كلمتــه موجهــاً اللــوم إىل االئتــاف والحكومــة‬ ‫الســورية املؤقتــة‪ ،‬قائــاً‪ :‬أمــا عــن االئتــاف والحكومــة‬ ‫املؤقتــة‪ ،‬فنقــول لهــم إنكــم مقــرون جــدا ً بحق أهلنــا‪ ،‬لقد‬ ‫تركتموهــم دون أي مســاعدة طبيــة وعالجيــة‪ ،‬يواجهــون‬ ‫املــوت وحدهــم‪ ،‬نســترصخ اليــوم فيكــم ضامئركــم فهــل‬ ‫مــن مجيــب‪.‬‬ ‫وأعــرب الســيد «شــكري كريبوغــا» رئيــس جمعيــة عــرب‬ ‫تركيــا عــن اســتنكاره لهــذه الجرميــة بحــق املواطنــن‬ ‫الســوريني العــزل‪ ،‬مؤكــدا ً عــى وقــوف الشــعب الــريك مــع‬ ‫إخوتهــم الســوريني الذيــن يواجهــون املــوت يوميـاً‪ ،‬وأضــاف‪:‬‬ ‫أوجــه رســالة إىل كل دول العــامل‪ ،‬أدعوهــم إلدانــة املجــازر‬ ‫التــي يرتكبهــا النظــام الســوري بحــق الشــعب األعــزل‪ ،‬وأن‬ ‫يقفــوا إىل جانبــه‪ ،‬وهــو يواجــه املــوت جوعـاً وقتـاً وتدمـرا ً‪.‬‬ ‫الســيد مــر حــاد األســعد «رئيــس املكتــب الســيايس‬ ‫لحــزب الوطــن» ورئيــس املكتــب اإلعالمــي يف الكتلــة‬ ‫الجامعــة الســورية‪ ،‬قــال‪ :‬مــا قامــت بــه طائ ـرات النظــام‬ ‫األســدي يف منطقــة تــل حميــس والشــدادي‪ ،‬راح ضحيتــه‬ ‫أكــر مــن ‪ 200‬ســوري بــن شــهيد وجريــح‪ ،‬أغلبهــم مــن‬ ‫الشــيوخ واألطفــال‪ ،‬الذيــن كانــوا يبحثــون عن لقمــة خبزهم‬ ‫وكفــاف يومهــم‪ ،‬مــا جــرى ال ميكــن وصفــه إالّ بالجرميــة‬ ‫النكـراء‪ ,‬ونقــول للمجتمــع الــدويل‪ ،‬وجامعــة الــدول العربيــة‬ ‫عليكــم تحمــل مســؤولياتكم اإلنســانية‪ ،‬وإيقــاف جرائــم‬

‫النظــام‪ ،‬ونزيــف الــدم الســوري‪ ،‬والوقــوف مــع الشــعب‬ ‫الســوري األعــزل‪ ،‬وإســقاط نظــام االســد‪ ،‬وتحويلــه إىل‬ ‫محكمــة العــدل الدوليــة‪ ،‬بتهمــة قتــل أكــر مــن مليــون‬ ‫ســوري وتدمــر املــدن الســورية‪.‬‬ ‫وقــال الســيد زبــر شــويخ «منظمــة بيــت الرقــة لــكل‬ ‫الســوريني»‪ :‬مــا حــدث يف الحســكة يرتقــي إىل جرائــم حــرب‬ ‫ضــد اإلنســانية‪ ،‬ومــا يحــدث يف ســورية عامــة‪ ،‬مــن قتــل‬ ‫وتدمــر للمــدن إرهــاب دولــة بحــق شــعب أعــزل‪ ،‬ويجــب‬ ‫أن يصــل صوتنــا لــكل املحافــل الدوليــة وهــذه مســؤولية‬ ‫الحكومــة الســورية املؤقتــة واالئتــاف‪ ،‬ونطالــب بإحالــة‬ ‫األســد وأعوانــه ومــن وااله إىل املحاكــم الدوليــة ومحاكمتــه‪،‬‬ ‫ونعلــن يف هــذه الوقفــة التضامنيــة وقوفنــا مــع أهلنــا يف‬ ‫محافظــة الحســكة‪ ،‬مؤكديــن عــى وحــدة الــدم الســوري‬ ‫واألرض الســورية‪.‬‬ ‫وتحــدث محمــد الجوعــاين «قائــد لــواء الحــق الهاشــمي يف‬ ‫الحســكة» قائـاً‪ :‬الــدم الســوري ليــس مــا ًء يهــدر‪ ،‬ونطالــب‬ ‫العــامل الصامــت عــى مجــازر األســد بحــق أهلنــا وذوينــا‬ ‫وإخوتنــا‪ ،‬أن يرفــع صوتــه عاليــاً منــددا ً‪ ،‬ونؤكــد أن الــدم‬ ‫الســوري واحــد‪ ،‬فــكل دم روى أرض الوطــن‪ ،‬هــو دم ســوري‬ ‫غــا ٍل‪ ،‬وأريــق بغــر وجــه حــق‪ ،‬وعــى املجتمــع الــدويل‬ ‫القيــام بواجبــه تجــاه أهلنــا ورفــع قضيتنــا إىل املحكمــة‬ ‫الدوليــة‪.‬‬ ‫وقــال فيصــل الظفــري‪ :‬اعتصامنــا اليــوم مــن أجــل ضحايــا‬ ‫الخنســاء بتــل حميــس‪ ،‬الجزيــرة املهمشــة تاريخيـاً‪ ،‬وعتبنــا‬

‫عروة المهاوش‬

‫هنــا عــى إعــام الثــورة والناشــطني الثوريــن‪ ،‬واالئتــاف‬ ‫والحكومــة املؤقتــة‪ ،‬الذيــن قــروا يف مواكبــة هــذه‬ ‫األحــداث اإلجراميــة التــي يرتكبهــا النظــام األســدي املجــرم‬ ‫بحــق شــعبنا‪ ،‬لنــا اللــه فقــط‪.‬‬ ‫الســيد دحــام الســطام «منتــدى الخابــور املــدين»‪ :‬نحــن يف‬ ‫منتــدى الخابــور املــدين نديــن أي عمــل إجرامــي يرتكبــه‬ ‫االســتبداد بحــق الســوريني‪ ،‬ومــن يكــون مــع هذا االســتبداد‪.‬‬ ‫املدنيــون العــزل تتســاقط عليهــم براميــل املــوت والدمــار‪،‬‬ ‫دون أن يــرف جفــن أحــد يف هــذا العــامل املتمــدن لســكوته‬ ‫عــى هــذه الجرائــم املروعــة‪ ،‬ونؤكــد عــى مواصلــة عملنــا‬ ‫يف اإلطــار املــدين للحفــاظ عــى النســيج والعقــد االجتامعــي‬ ‫الــذي مل يحرتمــه االســتبداد يوم ـاً‪ ،‬ونقــف اليــوم هنــا لــي‬ ‫نــرخ ال للقتــل‪ ،‬ال للتدمــر‪ ،‬ونطالــب املجتمــع الــدويل‬ ‫تحمــل مســؤولياته تجــاه اإلج ـرام املنظــم وإرهــاب الدولــة‬ ‫ضــد الشــعب األعــزل‪.‬‬ ‫جرائــم النظــام مل تتوقــف منــذ بــدء الثــورة الســورية‪،‬‬ ‫املجتمــع الــدويل الــذي ســكت مطــوالً‪ ،‬حتــى تجــرأ النظــام‬ ‫عــى رضب املــدن بالســاح الكيــاوي‪ ،‬واألســلحة املحرمــة‬ ‫دوليــاً‪ ،‬وبقــي العــامل خجــوالً حتــى يف ترصيحاتــه‪ ،‬مــاذا‬ ‫ينتظــر املجتمــع الــدويل؟‬ ‫ومــاذا ينتظــر الشــعب الســوري غــر املــوت والدمــار‬ ‫والتهجــي؟‬ ‫أســئلة برســم الحكومــة الســورية واالئتــاف وجههــا‬ ‫االعتصــام رصخــة علّهــا تُســمع‪.‬‬ ‫وكان االئتــاف الســوري ممثـاً برئيســه الســيد خالــد خوجــا‬ ‫أدان هــذه الجرميــة النكـراء‪ ،‬وقــال‪ :‬أنبــاء الجرميــة الفظيعــة‬ ‫التــي ارتكبهــا النظــام يف بلــدة الخنســاء بريــف الحســكة‬ ‫مروعــة إىل أقــى الحــدود‪ ،‬وحجــم املجــزرة أكــر مــن أي‬ ‫تقديــر مبــديئ ممكــن‪ .‬مــن غــر املــرر اليــوم االســتمرار‬ ‫يف تــرك املدنيــن رازحــن مــا بــن مطرقــة النظــام اإلرهــايب‬ ‫وســندان التنظيــات اإلرهابيــة‪ .‬إن عــدم القيــام بالتدخــل‬ ‫الفــوري إلنقــاذ الجرحــى وإرســال معونــات طبيــة عاجلــة‬ ‫وإخــاء املصابــن‪ ،‬والبــدء ببنــاء حملــة مشــركة لوضــع‬ ‫نهايــة لهــذا النظــام وملحقاتــه مــن التنظيــات اإلرهابيــة؛‬ ‫ســيمثل وصمــة عــار تالحــق املجتمــع الــدويل والقــادة‬ ‫أصحــاب الق ـرار فيــه إىل األبــد‪.‬‬ ‫إننــا نتوقــع مــن املجتمــع الــدويل موقف ـاً جديــدا ً وحاس ـاً‬ ‫يكــر الصمــت الطويــل‪ ،‬ونطالــب التحالــف بــرورة‬ ‫اإلرساع يف فــرض مناطــق آمنــة شــال ســورية وجنوبهــا‪.‬‬

‫هل ســيفتح الطريق لتطهري كامل املناطق الخاضعة لســيطرة داعش؟!‬ ‫يف الســادس مــن شــهر ترشيــن الثــاين‬ ‫عــام ‪ 2014‬أقــدم تنظيــم الدولــة اإلســامية‪،‬‬ ‫عــى مهاجمــة مدينــة كوبــاين حيــث ســيطر‬ ‫عــى أكــر مــن نصــف املدينــة مســاحة‪،‬‬ ‫وقصفهــا بشــتى أنــواع االســلحة‪ ،‬مبحاولــة‬ ‫للســيطرة عليهــا بالكامــل وإخضاعهــا لنفــوذه‪،‬‬ ‫مــا تســبب بدمــار كبــر يف املدينــة‪ ،‬ونــزوح‬ ‫جامعــي للســكان باتجــاه تركيــا والعــراق‪،‬‬ ‫فيــا وصــف بأنــه أكــر عمليــة نــزوح ملدينــة‪،‬‬ ‫حيــث تجــاوز العــدد ‪ 145‬الفـاً مــن املدنيــن‪،‬‬ ‫أغلبهــم مــن الشــيوخ والنســاء واألطفــال‪.‬‬ ‫اســتجابات املجتمــع الــدويل كانــت رسيعــة‪،‬‬ ‫حيــث قامــت طائــرات التحالــف الــدويل‬ ‫بقصــف مواقــع التنظيــم مبــارشة بغــارات‬ ‫عديــدة ومكثفــة طــوال فــرة املعركــة‪،‬‬ ‫مســاندة بذلــك القــوات الكورديــة املتمركــزة‬ ‫يف املدينــة‪ ،‬والتــي وضعــت كل إمكاناتهــا‬ ‫العســكرية والبرشيــة للحيلولــة دون ســقوط‬ ‫املدينــة بيــد تنظيــم الدولــة اإلســامية‪ ،‬تزامنــا‬ ‫مــع إرســال إقليــم كوردســتان الع ـراق قــوات‬ ‫مدفعيــة مــن البشــمركة للمســاهمة يف دعــم‬ ‫القــوات الكورديــة الســورية والجيــش الحــر يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬أربعــة أشــهر مــن املعــارك الدائــرة‬

‫يف املدينــة كانــت بــن كــر وفــر‪ ،‬قــ ّدم فيهــا‬ ‫الطرفــان املتحاربــان الكثــر مــن الشــهداء‪.‬‬ ‫‪ 135‬يومــاً مــن املعــارك توجــت باملعركــة‬ ‫األخــرة التــي بــدأت الســاعة التاســعة مــن‬ ‫صبــاح يــوم الثالثــاء ‪ 2015/1/27‬وانتهــت‬ ‫عــرا ً‪ ،‬بتحريــر كامــل املدينــة مــن عنــارص‬ ‫التنظيــم ودحرهــم خارجهــا‪ ،‬حيــث ســقط‬ ‫العديــد منهــم قتــى‪ ،‬بينــا اســتطاعت‬ ‫الوحــدات العســكرية‪ ،‬ووحــدات حاميــة‬ ‫الشــعب مــن أرس أكــر مــن ‪ 30‬عنــرا ً مــن‬ ‫التنظيــم‪ ،‬واالســتيالء عــى مجموعــة كبــرة‬ ‫وضخمــة مــن األســلحة املتنوعــة‪.‬‬ ‫تحريــر مدينــة كوبــاين كان لــه صــدى‬ ‫إعالمــي كبــر‪ ،‬مل تقــل درجتــه عــن محاولــة‬ ‫احتاللهــا‪ ،‬وعــن مســاندة الــدول الكــرى‬ ‫للقضيــة الكورديــة‪ ،‬حيــث اعتــر رئيــس إقليــم‬ ‫كوردســتان «مســعود البــارزاين» بترصيــح لــه‬ ‫يــوم الثالثــاء ‪ 2015/1/27‬أن ســيطرة القــوات‬ ‫الكرديــة عــى مدينــة كوبــاين وتحريرهــا هــو‬ ‫انتصــار لإلنســانية وللشــعب الكــوردي عــى‬ ‫وحشــية اإلرهــاب‪ ،‬فيــا يفخــر كل الكــورد‬ ‫بالوقــوف بوجــه أرشس منظمــة إرهابيــة‪،‬‬ ‫«مشــرا ً بذلــك لتنظيــم الدولــة اإلســامية»‪،‬‬ ‫شــاكرا ً قــوات التحالــف لدعمهــا ووقوفهــا‬

‫مــع قضيــة الشــعب الكــردي‪ ،‬وخــص بذلــك‬ ‫الشــكر دولــة تركيــا التــي فتحــت املجــال‬ ‫لقــوات البيشــمركة بالعبــور والوصــول إىل‬ ‫كوبــاين لدعــم املقاتلــن‪ ،‬واعتــر بــرزاين أن‬ ‫تضحيــات األكــراد يف ســوريا والعــراق دليــل‬ ‫عــى وحــدة الــدم تجــاه القضيــة الكورديــة‪،‬‬ ‫يف إشــارة إىل تطلــع االكــراد إلقامــة دولتهــم‬ ‫املســتقلة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫العميــد مصلــح زيبــاري «قائــد قــوات‬ ‫البيشــمركة يف كوبــاين» قــال إن التنظيــم‬ ‫فقــد الســيطرة عــى املدينــة نهائيــاً‪ ،‬مؤكــدا ً‬ ‫أن قواتــه تقــوم بتطهــر املدينــة مــن األلغــام‬ ‫والعبــوات الناســفة التــي خلفهــا التنظيــم‬ ‫وراءه‪ ،‬وبحســب املرصــد الســوري لحقــوق‬ ‫اإلنســان فقــد أســفرت املعــارك التــي اســتمرت‬ ‫أربعــة أشــهر عــن مقتــل ‪ 1737‬قتي ـاً بينهــم‬ ‫‪ 1196‬مــن تنظيــم الدولــة اإلســامية‪ ،‬تحريــر‬ ‫يعــزز قضيــة الشــعب الكــوردي كــا وصفــه‬ ‫مســعود البــارزاين‪ ،‬فهــل ســيقود هــذا التحريــر‬ ‫إىل املزيــد مــن تحريــر املــدن الســورية مــن‬ ‫ســيطرة تنظيــم الدولــة اإلســامية عليهــا‪،‬‬ ‫وبالتــايل تحريــر ســوريا مــن كل الطغــاة؟‬ ‫ســؤال تــم طرحــه عــى العديــد مــن اإلخــوة‬ ‫الســوريني‪.‬‬

‫الســيد عــز الديــن مســحاوي أجــاب ردا ً‬ ‫عــى ســؤالنا‪ :‬نحــن هنــا أمــام قســمني‪،‬‬ ‫قســم عاطفــي وقســم آخــر عقــاين‪ ،‬عاطفي ـاً‬ ‫نتمنــى تحريــر كل املــدن الســورية‪ ،‬وعــودة‬ ‫املهجريــن ملدنهــم وقراهــم‪ ،‬وأمتنــى فعــاً‬ ‫تحريــر مدينتــي تــل أبيــض الحدوديــة‬ ‫وســلوك بالتعــاون مــع القــوات الكورديــة‬ ‫ولــواء ثــوار الرقــة‪ ،‬وبالتــايل تســليم قيادتهــا‬ ‫لقائــد لــواء ثــوار الرقــة‪ ،‬هــذا التعــاون الــذي‬ ‫نريــده ويريــده الشــعب الســوري‪ ،‬أمــا القســم‬ ‫العقــي فتحريــر ســوريا كام ـاً‪ ،‬وهــو يحتــاج‬ ‫لقــرار دويل‪ ،‬وألمــركا الــدور األكــر يف هــذا‬ ‫القــرار‪ ،‬وحســب الترصيحــات األخــرة أن‬ ‫املعركــة مل تنتــ ِه بعــد‪ ،‬وتحتــاج إىل وقــت‬ ‫طويــل‪ ،‬وكل مــا نتمنــاه يف النهايــة هــو تحريــر‬ ‫كل األرايض الســورية مــن حكــم الطغــاة أي ـاً‬ ‫كانــت صفتهــم‪.‬‬ ‫بــال األحمــد «ســوري نــازح مــن دمشــق»‪،‬‬ ‫قــال‪ :‬ال أعتقــد أن تحريــر مدينــة كوبــاين‬ ‫ســوف يســاعد عــى تحريــر باقــي املــدن‬ ‫الســورية‪ ،‬مــن احتــال تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلســامية‪ ،‬عنــدي أمــل كبــر أن تتعاضــد كل‬ ‫الجهــود عــى األرض‪ ،‬وأن يتوحــد الشــعب‬ ‫الســوري بكافــة انتامءاتــه العرقيــة والدينيــة‪،‬‬

‫والعمــل عــى تحريــر ســوريا بالكامــل‪ ،‬وطــرد‬ ‫نظــام األســد أوالً‪ ،‬وكل قــوى الظــام التــي‬ ‫تحــاول بنــاء دولهــا املزعومــة‪.‬‬ ‫عــي الدرويــش أفادنــا قائــاً‪ :‬اعتمــد‬ ‫اإلســاميون يف أي حــرب يخوضونهــا عــى‬ ‫العامــل النفــي‪ ،‬إلضعــاف الــروح القتاليــة‬ ‫للخصــم ورفــع الــروح القتاليــة ملقاتليهــم‪،‬‬ ‫مرتافقــة مــع ضــخ إعالمــي قــوي عــر بــث‬ ‫صــور منافيــة أليــة قيــم إنســانية‪ ،‬وبذلــك‬ ‫يحــاط املقاتــل بهالــة لهــا تأثــر يتجــاوز‬ ‫محيطــه إىل عــدة كيلــو مــرات‪ ،‬إذا مل يتــم‬ ‫االســتفادة مــن هزميــة التنظيــم يف عــن‬ ‫العــرب «كوبــاين» باإلضافــة إىل االنقســامات‬ ‫يف صفــوف التنظيــم‪ ،‬وإعــادة ترتيــب صفــوف‬ ‫املقاتلــن ضمــن عقيــدة ثوريــة تحــت خارطــة‬ ‫ســوريا للجميــع‪ ،‬واالســتفادة مــن عامــل‬ ‫الوقــت هــو الكفيــل يف تحقيــق مكاســب عــى‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫تحريــر عــن العــرب اعتــره البعــض نــرا ً‬ ‫كبــرا ً‪ ،‬فيــا اعتــره البعــض اآلخــر تحقيقــاً‬ ‫ملشــاريع عامليــة ليكــون مقدمــة لتقســيم‬ ‫ســوريا مبــا يتناســب مــع مصالــح الــدول‬ ‫اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬وننتظــر يف قــادم األيــام‬ ‫مــا تكشــفه الحقائــق عــا تضمــره القلــوب‪.‬‬

‫خالد خوجا واللواء سليم إدريس يزوران جبهة الالذقية‬ ‫بــدالً مــن التوجــه إىل موســكو‬ ‫للتحــاور مــع النظــام‪ ،‬زار الســيد‬ ‫خالــد خوجــا رئيــس االئتــاف الوطنــي‬ ‫لقــوى الثــورة واملعارضــة الســورية‬ ‫الســاحل الســوري يف ريــف الالذقيــة‪،‬‬ ‫يرافقــه اللــواء ســليم إدريــس وزيــر‬ ‫الدفــاع يف الحكومــة الســورية املؤقتــة‪.‬‬ ‫واطلعــا هنــاك عــى اســتعدادات‬ ‫الجيــش الحــر وخططهــم املســتقبلية‪،‬‬ ‫وتحضرياتهــم امليدانيــة يف جبهــة‬ ‫الســاحل‪.‬‬ ‫وقــال الخوجــا ملقاتــي الجيــش الحــر‪:‬‬

‫نحــن يف االئتــاف ووزارة الدفــاع يف‬ ‫الحكومــة املؤقتــة والجيــش الحــر‬ ‫ســنبقى يــدا ً واحــدة‪ ،‬ومســتمرون‬ ‫حتــى إســقاط النظــام‪ ،‬وهنــا تــرز‬ ‫أهميــة توحيــد قــوى الجيــش الحــر‪،‬‬ ‫ومأسســة العمــل العســكري التــي‬ ‫ســتكون عنــوان املرحلــة املقبلــة‪.‬‬ ‫وأضــاف‪ :‬بــكل أســف أتلقــى التقاريــر‬ ‫اليوميــة عــن اســتمرار ســقوط‬ ‫الشــهداء بــن املدنيــن الع ـ ّزل‪ ،‬وعــدم‬ ‫توقــف النظــام الســوري عــن قصــف‬ ‫املدنيــن يفــرض علينــا االنتقــال‬ ‫مبــارشة إىل الخطــوة الثانيــة مــن‬

‫التصعيــد العســكري‪ ,‬الهــادف لفــرض‬ ‫معادلــة جديــدة عــى األرض‪ ,‬إلرغــام‬ ‫نظــام الطاغيــة عىل تســليم الســلطات‬ ‫يف البــاد بشــكل كامــل‪.‬‬ ‫وأشــار الخوجــا يف كلمتــه ملقاتــي‬ ‫الجيــش الحــر‪ :‬ال ميكــن أن نجلــس‬ ‫مــع النظــام القاتــل يف دمشــق عــى‬ ‫طاولــة حــوار واحــدة للتفــاوض‪ ،‬إالّ‬ ‫عــى أســس اتفاقيــة جنيــف‪ 1‬والتــي‬ ‫انتهــت بجنيــف‪ ،2‬وإذا كان هنــاك‬ ‫جهــود إلحيــاء عمليــة التفــاوض عــى‬ ‫أســس جنيــف فاالئتــاف جاهــز‪.‬‬ ‫وعــن أبــرز معــامل املرحلــة القادمــة‬

‫التــي يعمــل إلنجاحهــا‪ ،‬قــال‪ :‬ســتكون‬ ‫أبــرز املعــامل يف اتجاهــات متعــددة‪،‬‬ ‫أولهــا القيــام بزيــارات دوريــة‬ ‫لجبهــات القتــال يف املــدن واملناطــق‬ ‫املحــررة‪ ،‬والســعي لفــرض منطقــة‬ ‫آمنــة مبســاعدة الجيــش الحــر‪،‬‬ ‫وتصعيــد العمــل العســكري ضــد نظام‬ ‫األســد املجــرم‪ ،‬والنهــوض مبشــاريع‬ ‫الحكومــة املؤقتــة يف املناطــق اآلمنــة‪،‬‬ ‫والعمــل عــى اســتكامل املشــاريع‬ ‫الحاليــة بانســجام تــام بــن االئتــاف‬ ‫والحكومــة والقــوى الثوريــة املنتــرة‬ ‫عــى كامــل األرايض الســورية‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫حنم��ل ب�ين أيدين��ا م��ا ميكنن��ا م��ن اإلع�لان أنك��م‬ ‫مازلت��م بينن��ا وأن أرواحن��ا تفتقدك��م‪ ،‬وحماول��ة‬ ‫إلظه��ار معاناتك��م لع��امل صم��ت ع��ن جرحن��ا الن��ازف‬ ‫أبداً‪.‬‬ ‫فكوا قيد معتقلينا‬ ‫انقذوا البقية‪.‬‬ ‫س��وريون يعتصم��ون يف غ��ازي عينت��اب تضامن��اً م��ع‬ ‫املعتقل�ين يف س��جون النظ��ام‪.‬‬ ‫نفــذ عــدد مــن املواطنــن الســوريني يف مدينــة غــازي‬ ‫عينتــاب الرتكيــة «ميــدان الدميقراطيــة» اعتصام ـاً تضامني ـاً‬ ‫مــع املعتقلــن الســوريني يف ســجون األســد‪ ،‬وشــهد االعتصــام‬ ‫الــذي دعــا إليــه نشــطاء عــر مواقــع التواصــل االجتامعــي‬ ‫تقديــم عـ ٍ‬ ‫ـروض تحــايك معانــاة املعتقلــن مــن شــبح وجلــد‬ ‫وغــر ذلــك‪.‬‬ ‫ورفــع الحضــور لوحــات تنــادي بالحريــة للمعتقلــن وتح ّمل‬ ‫النظــام واملجتمــع الــدويل مســؤولية اإلف ـراج عنهــم‪ ،‬ويــأيت‬ ‫االعتصــام يف ســياق الحملــة اإلنســانية إلنقــاذ حيــاة وحريــة‬ ‫مــن تبقــى مــن آالف املعتقلــن املغيبــن قرسيـاً يف ســجون‬ ‫األســد‪.‬‬ ‫ملعتقلينــا األوليــة فهــم مشــاريع شــهداء لــدى النظــام‬ ‫األســدي املجــرم‪.‬‬ ‫بادر إلنقاذهم‪...‬‬ ‫انــر ‫‏املعتقلــن‬ ولــو بكلمــة حــق‪ ،‬ال ترتكهــم للنســيان‬ ‫يلتهــم ذكراهــم فإنهــم يصارعــون املــوت ويضحــون‬ ‫بحريتهــم مــن أجلنــا‪‬‬‬‬‬.‬‬ ‫انطــاق حملــة أنقــذوا البقيــة‬ مــن وســط العاصمــة‫‬ ‫‏دمشــق‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‫يف الوقــت الــذي ظــن فيــه الطاغيــة ومنظومتــه األمنيــة‬ ‫أن دمشــق باتــت حصنهــم املنيــع‪ ،‬قامــت مجموعــة مــن‬ ‫ناشــطي وناشــطات مدينــة دمشــق بتوزيــع قصاصــات‬ ‫ورقيــة تحمــل يف جانبهــا األول شــكل نقــود‪ ،‬أمــا جانبهــا‬ ‫اآلخــر فيحــوي عبــارات تذكــر باملعتقلــن‪ ،‬وذلــك يف أكــر‬ ‫مــن عــرة أحيــاء بالعاصمــة دمشــق وهــي‪« :‬امليــدان‪ ،‬بــاب‬ ‫رسيجــة‪ ،‬دمشــق القدميــة‪ ،‬الحلبــوين‪ ،‬أبــو رمانــة‪ ،‬املهاجرين‪،‬‬ ‫املالــي‪ ،‬مــروع دمــر‪ ،‬الفحامــة‪ ،‬الربامكــة»‬ ‫ضمن حملة أنقذوا البقية‬‪‬‬‬‬‬‪Save The Rest‬‬ ‫تاركــن رســالة واحــدة مفادهــا‪ ..‬أننــا لــن ننــى معتقلينــا‪..‬‬ ‫ورافعــن الصــوت عاليــاً بصيحــات حــق تطالــب بحريــة‬ ‫املعتقلــن وعودتهــم إىل أهلهــم ووطنهــم فمعتقلونــا لنــا‬ ‫وليســوا للســجان‪.‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫صوت املعتقلني‬

‫معتقــل هــو الدخــول إىل الحــام لقضــاء حاجتــه دون‬ ‫وجــود شــخص يــرخ فــوق رأســه‪.‬‬ ‫وعــى الرغــم مــن عــدم مصادقــة حكومــة األســد عــى‬ ‫نظــام «رومــا» األســايس ملحكمــة الجنايــات الدوليــة‪ ،‬ومــع‬ ‫تفــادي حكومــات العــامل «الحــرة» التعامــل املســؤول مــع‬ ‫قضيــة املعتقلــن والشــهداء تحــت التعذيــب بالرغــم مــن‬ ‫أنهــا أكــر جرميــة موثقــة يف العــامل‪ ،‬إذ قــام «قيــر» املنشــق‬ ‫عــن نظــام األســد بتوثيــق صــور ‪ /11000/‬ضحيــة؛ فإنــه ال‬ ‫ميكننــا الوقــوف عاجزيــن أمــام قتــل آالف األبريــاء تحــت‬ ‫التعذيــب وتــرك القاتلــن دون حســاب‪.‬‬ ‫وعليه فإننا يف حملة أنقذوا البقية نطالب مبا ييل‪:‬‬ ‫ إطــاق رساح كافــة معتقــي الــرأي واملعتقــات‪ ،‬وكشــف‬‫مــكان ومصــر األشــخاص املختفــن قرسي ـاً‪.‬‬ ‫ إلغــاء كافــة املحاكــم العســكرية ومحاكــم اإلرهــاب‪ ،‬التــي‬‫تشــكل انتهــاكاً صارخـاً لحقــوق اإلنســان‪.‬‬ ‫ محاســبة ومحاكمــة كل مــن قــام باعتقــال وتعذيــب‬‫وانتهــاك حقــوق النــاس‪.‬‬

‫ولحني تحقق ما سبق نطالب‪:‬‬

‫بيان محلة‫ ‏أنقذوا البقية‬‬‬‬‬‬‬

‫«مــا فقدتــه ليــس مبقــدور أحــد أن يعيــده يل‪ ،‬فقــد فقــدت‬ ‫عمــري ولحظــايت مــع عائلتــي‪ ,‬لقــد فقــدت أجمــل وأرقــى‬ ‫األصدقــاء الذيــن شــهدت موتهــم عــى يــدي‪ ،‬ومبحــاوالت‬ ‫يائســة ألنقــذ أرواحهــم ولكــن املــوت البائــس ســبقني‬ ‫اليهــم‪ ،‬ووحشــية الســجانني كانــت أقــوى منــي‪»...‬‬ ‫هــذه العبــارة مأخــوذة من رســالة أحــد املعتقلني يف ســجون‬ ‫نظــام األســد والتــي حصلنــا عليهــا بصعوبــة لخطــورة األمــر‪.‬‬ ‫بينــا تقــرأ هــذه الســطور قــد يكــون صاحــب الرســالة‬ ‫يتعــرض للتعذيــب أو لإلهانــة أو يتضــور جوعـاً ويتــأوه أملـاً‪.‬‬ ‫فهــو مــا يـزال هنــاك يف العتمــة حيــث ال يجــرؤ أحــد حتــى‬ ‫عــى مجــرد تخيــل مــا يحــدث لــه‪.‬‬ ‫ومــع ازديــاد عنــف ووحشــية قــوات األســد ازداد عــدد‬ ‫املعتقلــن واملختفــن قرسيــاً‪ ،‬لدرجــة مــوت ‪ 250‬معتقــل‬ ‫تحــت التعذيــب يف ســجون النظــام يف شــهر آب‪/‬أغســطس‬ ‫مــن العــام املــايض؛ أي مبعــدل مثانيــة أشــخاص كل يــوم!‬ ‫ولــك أن تتخيــل مــا معنــى أن يكــون منتهــى أحــام أي‬

‫املعتقل الســوري واملــوت الصامت‬ ‫المحامي أنور البني‬

‫الرسالة األوىل‪:‬‬

‫ إرســال لجــان تفتيــش إىل ســجون النظــام وفروعــه‬‫األمنيــة الرسيــة والعلنيــة لتقــف عــى الظــروف اإلنســانية‬ ‫للمعتقــل‪.‬‬ ‫ تقديــم الرعايــة الطبيــة الالزمــة لكافــة املعتقلــن تحــت‬‫إرشاف الصليــب األحمــر الــدويل والهــال األحمــر الســوري‪.‬‬ ‫ كشــف أماكــن املختفــن قرسيــاً ومصريهــم‪ ،‬واإلفصــاح‬‫عــن أماكــن دفــن املعتقلــن املتوفــن تحــت التعذيــب‪.‬‬ ‫وقامــت مجموعــة مــن النشــطاء الســوريني وضمــن‬ ‫فعاليــات الحملــة بالتجمــع أمــام البيــت األبيــض تضامنــاً‬

‫مــع املعتقلــن يف ســجون األســد‪ ،‬حيــث قــام الناشــطون‬ ‫بــرح معانــاة املعتقلــن وظروفهــم املعيشــية الســيئة‬ ‫وســط دهشــة واســتغراب املــارة لســاعهم معانــاة‬ ‫املعتقلــن‪ ،‬وكيــف أن النظــام يحرشهــم بأعــداد كبــرة يف‬ ‫زنازيــن ضيقــة‪.‬‬ ‫وقــام النشــطاء الســوريون بوضــع مجســم لزنزانــة ضيقــة‬ ‫كان النظــام قــد حــر فيهــا ‪ 4-3‬أشــخاص لعــدة أشــهر‪ ،‬كــا‬ ‫قــام الناشــطون األح ـرار بتوزيــع رســائل ملعتقلــن مرسبــة‬ ‫مــن معتقلــن ال زالــوا يف ســجون األســد‪ ،‬إضافــة لتوزيــع‬ ‫منشــورات عــن أحالمهــم داخــل الزنازيــن‪.‬‬ ‫وتنتــر دعــوة لالعتصــام يف اســطنبول‪ ...‬كونــوا صــوت‬ ‫املعتقلــن‪...‬‬ ‫التجمــع بســاحة الســلطان أحمــد يف ‪ 1‬شــباط‪/‬فرباير مــن‬ ‫الســاعة ‪ 2‬للســاعة ‪ 4‬ع ـرا ً بتوقيــت اســطنبول‪ ..‬وشــاركوا‬ ‫بالعــرض املرسحــي‪..‬‬ ‫«وخلينــا نعــرف العــامل كلــو شــو يعنــي معتقــل ســوري»‪...‬‬ ‫«وشــو يعنــي عــم ميــوت تحــت التعذيــب»‪...‬‬ ‫وضمــن فعاليــات الحملــة تــم توزيــع عــدد مــن الرســائل‬ ‫املرسبــة مــن معتقلــن لــدى النظــام الســوري تحمــل‬ ‫رصخاتهــم وآالمهــم‪ ،‬رغبــة منهــم يف أن يشــاركونا يف الحملــة‬ ‫وتكــون كلامتهــم رصخــات مــن مقابــر األحيــاء لعلهــا تعيــد‬ ‫الحيــاة لضمــر العــامل الــذي تخــدر‪‬.‬‬ ‫تــم توزيــع هــذه الرســائل يف عــدد مــن املــدن العامليــة‬ ‫مــن قبــل الناشــطني املشــاركني يف الحملــة لــرح معانــاة‬ ‫املعتقلــن واملســاهمة بتوصيــل صوتهــم‪.‬‬ ‫وسننرش هذه الرسائل تباعاً‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫(ألول مــرة أشــعر أن هنــاك أحــد يهتــم ألمــري‪ ،‬وليــس مــن‬ ‫أهــي أو مــن يعرفــوين ألول مــرة أشــعر أين لســت وحيــدا ً‪،‬‬ ‫أشــعر أن هنــاك مــن يؤنــس وحــديت يف ظلمــة قــري وبــرد‬ ‫زنزانتــي‪.‬‬ ‫ألول مــرة هنــاك مــن يســمع خيبتــي فطاملــا أرعبنــي‬ ‫مصــر أهــي وخصوصــاً ابنتــي فلقــد تركتهــا بعمــر ‪12‬‬ ‫ســنة واآلن وبعــد ســنتني يل يف املعتقــل وأنــا ال أدري عنهــا‬ ‫شــيئاً وتجتاحنــي األفــكار املرعبــة حــول مصريهــا وأخوهــا‬ ‫وجدتهــا وزوجتــي‪.‬‬ ‫وبعــد أن رصت يف الســجن وســنحت يل الفرصــة ألكلمهــا‬ ‫عــى الهاتــف مل أعرفهــا‪ ،‬تبــددت الكلــات مــن قامــويس‪،‬‬ ‫ابنتــي اآلن عمرهــا ‪ 15‬ســنة‪.‬‬ ‫هــي ثــاث ســنوات مل أكــن قربهــا‪ ،‬مل أشــاركها همومهــا‪ ،‬مل‬ ‫أعــرف كيــف مــرت عليهــا تلــك األيــام تركتهــا طفلــة فــإذا يب‬ ‫أراهــا صبيــة تكمــل دراســتها‪.‬‬ ‫كثـرا ً مــا كان الصمــت هــو الحديــث خــال الدقائــق الثالث‬ ‫التــي يســمح يل مبكاملــة أهــي‪ ،‬فــا لغــة مشــركة وال وقــت‬ ‫حتــى أفهمهــا وتفهمنــي‪.‬‬ ‫هــل تشــعرون معــي مبقــدار الخســارة التــي أعانيهــا بضيــاع‬ ‫عمــري يف زنزانــة ال لجنايــة اقرتفتهــا بــل ألين كنــت أمــارس‬ ‫مهنتــي وأبــ ّر بقســمي وأداوي جــراح أبنــاء بلــدي لعــل‬ ‫مهنتــي لديكــم تســتحق التقديــر‪ ،‬لكنهــا ولــدى الديكتاتــور‬ ‫الــذي يحكــم بلــدي عنــوة جرميــة‪ ،‬مــا فقدتــه ليــس‬ ‫مبقــدور أحــد أن يعيــده يل‪ ،‬فقــد فقــدت عمــري ولحظــايت‬ ‫مــع عائلتــي‪ ,‬لقــد فقــدت أجمــل وأرقــى األصدقــاء الذيــن‬ ‫شــهدت موتهــم عــى يــدي‪ ،‬ومبحــاوالت يائســة ألنقــذ‬ ‫أرواحهــم ولكــن املــوت البائــس ســبقني إليهــم‪ ،‬ووحشــية‬ ‫الســجانني كانــت أقــوى منــي أفتقــد ابنتــي وولــدي‬ ‫الذيــن أمتنــى أال يكــون فقــدي لهــم أبدي ـاً‪ .‬نعــم أنتــم ال‬ ‫تســتطيعون مســاعديت فيــا فقــدت‪ ،‬ولكنكــم تســتطيعون‬ ‫إنقــاذ الســوريني بإيقــاف هــذا املســتبد الــذي تطــال أنيابــه‬ ‫ومخالبــه وشــبيحته األبريــاء يف ســوريا‪.‬‬ ‫ساعدونا لوقف االعتقال التعسفي واالختفاء القرسي‪.‬‬ ‫انبــذوا املســتبد‪ ...‬قولــوا ال للطاغيــة الــذي يقتــل األطبــاء‬ ‫وطــاب الجامعــات وعــال اإلغاثــة واألبريــاء ويلفــق لهــم‬ ‫التهــم‪ ،‬حتــى األطفــال مل يوفرهــم‪ ،‬إنــه يعتقلنــا يخلــع عنــا‬ ‫إنســانيتنا عنــوة ويعاملنــا كمخلوقــات دون مرتبــة البــر‪.‬‬ ‫هــل أحــي لكــم كيــف ومــاذا نــأكل‪ ،‬أم أحــي لكــم عــن‬ ‫أجســادنا التــي تعفنــت‪ ،‬أم أحــي لكــم عــن طريقــة قضــاء‬ ‫حاجتنــا؟!‪.‬‬ ‫إن مل تفلحــوا بإنقــاذ املعتقلــن‪ ..‬انقــذوا الســوريني‪ ،‬مشــاريع‬ ‫املعتقلني‪ ،‬مشــاريع الشــهداء‪).‬‬

‫‏صوت املعتقلني‬‬‬‬‬‬‬

‫«كل يــوم وأنتــو ســند ألهــايل املعتقلــن»‪« ...‬كل يــوم‬ ‫وإنســانيتنا صامــدة بوجــه الطغــاة ومحاوالتهــم لــزرع‬ ‫الخــوف فينــا ورفــع الحواجــز بينــا وبــن أهالينــا»‪.‬‬ ‫«كل يــوم وإنســانيتنا عــم تزهــر حــب وعطــاء ألرس‬ ‫املعتقلــن ولبعضنــا البعــض»‪.‬‬ ‫«كل يــوم واألمــل برجعــة األحبــاب عــم يضــوي حياتكــم‪،‬‬ ‫والصــر زينــة أوقاتكــم ورفيقكــم»‪.‬‬

‫ست طرق لتساهم بإنقاذ املعتقلني‪:‬‬

‫‪ -1‬شــارك بالصيــام والدعــاء للمعتقلــن يــوم الخميــس‬ ‫‪ 22‬الشــهر الجــاري‬ ‫‪ -2‬شــارك بعاصفــة التغريــدات عــى تويــر يف ‪26‬‬ ‫الشــهر الجــاري باســتخدام الهاشــتاغ ‫‪#‬‏أنقذوا_البقيـة‬‪...‬‬ ‫‬‪‪ SaveTheRest‬‬ ‫‪ -3‬وقــع العريضــة وشــاركها يف الروابــط واملواقــع ذات‬ ‫الصلــة‬ ‫‪ -4‬نظــم فعاليــة يف مــكان تواجــدك وكــن صــوت‬ ‫املعتقلــن هنــاك‪.‬‬ ‫‪ -5‬اظهــر دعمــك بالتعليــق واملشــاركة ونــر الحملــة‬ ‫والتعريــف بقضيــة املعتقلــن‪.‬‬ ‫‪ -6‬كــن مــع أهــل املعتقــل ولــو بزيــارة أو معلومــة أو‬ ‫توجيــه ويخفــف عنهــم‪.‬‬

‫صبحي دسوقي‬

‫موضــوع املعتقلــن هــو القضيــة األكــر يف الوضــع‬ ‫الســوري‪ .‬ومعانــاة املعتقلــن هــي األكــر واألشــد وطــأة‬ ‫حتـاً‪ ,‬فمهــا يكــن مــن هــو خــارج الســجن لديــه عىل‬ ‫األقــل خيــارات أخــرى لتخفيــف املعانــاة ولديــه عــون‬ ‫ممــن حولــه‪ ,‬ولكــن املعتقــل ليــس لديــه أي خيــار‪ ,‬فهو‬ ‫وحيــد ال حــول لــه وال قــوة يف مواجهــة مستأســد عليــه‬ ‫ال يعــرف أي نــوع مــن الرحمــة أو الشــفقة‪ ،‬وميــارس‬ ‫عليــه كل أنــواع التعذيــب واملعاملــة التــي ال تخطــر‬ ‫ببــال إنســان حتـاً‪ .‬وال ميكــن بــأي حــال تصــور الوضــع‬ ‫اإلنســاين والجســدي األكــر مــن مأســاوي للمعتقلــن‪,‬‬ ‫بحيــث قــد يصبــح املــوت أمنيــة حقيقيــة للخــاص مــن‬ ‫املعانــاة واملــوت مئــات امل ـرات كل يــوم‪.‬‬ ‫األرقــام تتكلــم‪ ,‬نعــم هنــاك أكــر مــن مائــة وخمســن‬ ‫ألــف معتقــل‪ .‬ثالثــون ألفــا منهــم أحيلــوا إىل محكمــة‬ ‫اإلرهــاب وهنــاك حــوايل عــرون ألــف محالــن‬ ‫للمحاكــم امليدانيــة العســكرية وهنــاك مائــة ألــف‬ ‫مجهولــو املصــر بعضهــم منــذ أكــر مــن ثــاث ســنوات‪.‬‬ ‫األرقــام تتكلــم‪ :‬نعــم هنــاك حــوايل عــرون ألــف‬ ‫ضحيــة قضــوا تحــت التعذيب لدى الســلطات وبســبب‬ ‫الظــروف الالإنســانية التــي متــارس ضدهــم حســب مــا‬ ‫هــو موثــق‪ ,‬ولكــن حســب مــا نحــن متأكــدون منــه‬

‫أن العــدد يتجــاوز الخمســن ألــف ضحيــة‪ ،‬ومــا يظهــر‬ ‫للعلــن مــن قضيــة املعتقلــن مــا هــو إال رأس جبــل‬ ‫جليــد إن كان بالنســبة لألرقــام أو بالنســبة للتعذيــب‬ ‫وظــروف املعتقــات‪.‬‬ ‫املعتقلــون هــم الوجــع األول‪ ،‬هــم املــوت البطــيء‪,‬‬ ‫هــم العـ ّداد الصامــت للمــوت املجــاين الــذي ال يلتفــت‬ ‫إليــه أحــد‪ ,‬ومتــر األرقــام بــاردة جوفــاء عــى العــامل دون‬ ‫أن يفكــروا ولــو للحظــة مــا عانــاه ويعانيــه املعتقلــون‬ ‫قبــل الوصــول ألن يكونــوا رقـاً إضافيـاً يف هــذا العـ ّداد‪.‬‬ ‫مــاذا نفعــل؟ نعــم مــاذا نفعــل أمــام نظــام يعتــر‬ ‫القتــل بالنســبة لــه وأمــام العــامل والكام ـرات وأجهــزة‬ ‫اإلعــام مجــرد تســلية وانتقــام مــن شــعب أراد تغيــر‬ ‫حياتــه‪ .‬ألن العــامل وقــف يتفــرج دون أي حركــة وكأن‬ ‫ذلــك ضــوء أخــر لالســتمرار‪.‬‬ ‫رمبــا ال نســتطيع نحــن شــيئاً‪ ،‬ولكــن عــى األقــل ميكننــا‬ ‫الـراخ‪ ،‬ميكننــا الـراخ وبأعــى صوتنــا ونســتمر حتــى‬ ‫لــو بحــت أصواتنــا‪ ,‬فلرمبــا هنــاك مــن يســتطيع فعــل‬ ‫يشء وينزعــج مــن رصاخنــا فيقــوم بفعلــه ليــس دفاعـاً‬ ‫عــن املعتقلــن وال عــن حقــوق اإلنســان التــي أصبحــت‬ ‫لــدى صنــاع الق ـرار العاملــي واملؤثريــن عــى األحــداث‬ ‫مجــرد شــعار وســلعة يبيعــون ويشــرون بهــا حســب‬ ‫مصالحهــم دون النظــر ألي اعتبــار إنســاين أو حتــى‬

‫قانــوين‪ ,‬وإمنــا يقــوم بفعلــه لالرتيــاح مــن رصاخنــا عــى‬ ‫األقــل فعــى األقــل نكــون قــد حققنــا شــيئاً‪.‬‬ ‫ال متّــر لحظــة عــي إال وأتخيــل وضــع املعتقلــن‪..‬‬ ‫حالتهــم التــي كنــا عــى متــاس مبــارش معهــا حــن‬ ‫يحولــون للمحاكــم مــن األفــرع األمنيــة واملعتقــات‪،‬‬ ‫وال عــن شــهاداتهم عــن الظــروف واألوضــاع التــي‬ ‫عانــوا منهــا وعــن الضحايــا الذيــن قضــوا بــن يديهــم‬ ‫مــن التعذيــب أو مــن الجــوع أو مــن الــرد أو مــن‬ ‫االختنــاق أو مــن األم ـراض التــي كان ميكــن معالجتهــا‬ ‫بحبــة دواء ض ـ ّن عليهــم بهــا س ـ ّجانهم‪ .‬وال متــر لحظــة‬ ‫دون أن أســرجع روائــح أجســاد املعتقلــن الذيــن‬ ‫قدمــوا للمحكمــة مــن املعتقــات والتــي أجــرت‬ ‫القضــاة واملوظفــن عــى الهــروب مــن املحكمــة ولبــس‬ ‫الكاممــات‪ .‬ال متــر لحظــة دون أن أتذكــر أصدقــاء غابــوا‬ ‫باملعتقــات دون أن يظهــر خــر عنهــم‪ .‬خليــل‪ ،‬فايــق‪،‬‬ ‫عبــد العزيــز وماهــر وإيــاس‪ ..‬زيك ومهيــار‪ ،‬عدنــان‪،‬‬ ‫ومئــات وآالف وعــرات األلــوف‪.‬‬ ‫لنــرخ بــكل أصواتنــا عـ ّـل وعــى يســمع املعتقلــون‬ ‫رصاخنــا فيعرفــون عــى األقــل أنهــم ليســوا وحدهــم‬ ‫فيك ّفــون عــن املــوت بصمــت‪.‬‬

‫رئيس املركز السوري للدراسات‬ ‫واألحباث القانونية‬

‫املعتقلــون‪ ..‬مغيبــون معذبــون‬

‫محمد صبحي‬

‫وأي خــوف؟!‬ ‫درج الســوريون عــى عــادة الخــوف‪ُّ ..‬‬ ‫فــا أفرزتــه حالــة األحــكام العرفيــة يف ســوريا (قانــون‬ ‫الطــوارئ) لتثبيــت ســلطة الجـرال املتوحــش ومعانــاة‬ ‫االنقــاب الشــهريِ لــ ُه واســتحوا ِذ‬ ‫الســوريني بعــد‬ ‫ِ‬ ‫العســك ِر عــى الســلطة يف ســوريا تفــوق كل تصــور‪.‬‬ ‫كان (حافــظ األســد) أســوأ لعنــ ٍة أخرجــت ســوريا‬ ‫قرسيــاً مــن دائــرة حقــوق اإلنســان التــي يجــدر‬ ‫بهــا أن تكــون املصانــة بحاميــة القانــون للمواطــن‬ ‫الســوري‪ ،‬فكانــت مرحلــة تصفيــة الخصوم السياســيني‬ ‫مــن األعــال املبكــرة ومــا «صــاح جديــد» أو «ســليم‬ ‫حاطــوم» إال الدليــل املاثــل يف الذاكــرة السياســية عــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬ثــم جــاءت موجــة الثامنينــات لتجــرف مــا‬ ‫تبقــى مــن إرادة النخــب الســورية‪ ،‬ومحاولتهــا إعــادة‬ ‫الواقــع الســيايس الســوري إىل مــا كانــت عليــة ســوريا‬ ‫قبــل حقبــة األســد األب‪.‬‬ ‫واكبــت النخــب السياســية والثقافيــة تأســيس‬ ‫الجيــش الســوري الطائفــي‪ ،‬ومل تســتطع فعــل يشء‬ ‫حــن اســتخدم هــذا الجيــش كامــل قوتــه يف أحــداث‬ ‫الثامنينــات‪ ،‬وكان الفت ـاً الــدور املتوحــش الــذي قــام‬ ‫بــه شــقيق األســد (رفعــت وقواتــه الخاصــة) يف مــدن‬ ‫ســورية عديــدة كان أبرزهــا (تدمــر كامــل املدينــة يف‬ ‫حــاه) باســتقواء‪ ،‬مل يســبق لــه مثيــل عــى الشــعب‪،‬‬ ‫مل يكــن لــه أي تفســر ســوى الغطرســة والتأســيس‬ ‫للســلطة الفئويــة التــي همشــت الســوريني وألحقتهــم‬ ‫إلحاقــاً قرسيــاً بدولــة الرعايــا وظــل ســجن تدمــر‬ ‫وزنازينــه‪ ،‬ومجــازره الرهيبــة شــاهدا ً ال ينمحــي عــى‬ ‫حالــة التمــوت النهــايئ للضمــر الوطنــي واإلنســاين‬ ‫لــدى الفعاليــات الســورية‪ ،‬فطحنــت وعــي الســوري‬ ‫وحولتــه إىل دقيــقٍ تعجنــه الدمــاء واملــآيس وأصبــح‬ ‫الخــاص الفــردي والتزلــف لتلــك الســلطة ســم ًة‬ ‫ومحــددا ً لذلــك الوعــي املتخــرص عــى األنانيــة‬ ‫والفرديــة‪ ،‬مــا يعنــي انتفــاء العمــل الجامعــي‬ ‫ـب يف خانــة الحــزب الواحــد‬ ‫واملنظــم إال يف حــاالت تصـ ُّ‬ ‫واملصالــح التــي تشــتغل عــى تكريســها تلــك الدولــة‬ ‫األمنيــة‪.‬‬ ‫تتلخــص معانــاة األرس واألهــايل وال أقــول‪« :‬املواطنــون‬ ‫الســوريون» بجملــة يحكمهــا البعــد االخت ـزايل وصــار‬ ‫يعمــل عــى ترويجهــا كل «العقــاء» وكبــار الســن‬ ‫ليحفظهــا األطفــال والشــباب دون إدراك ملعناهــا‬ ‫وصــارت املثــل الــذي يتداولــه كل النــاس (للحيطــان‬ ‫آذان) يشــر ويدلــل ذلــك منطقي ـاً عــى أن اســتغراق‬

‫الخــوف الــذي ال مثيــل لــه يف نفــوس «الرعايــا»‬ ‫واحتســابهم أليــة حالــة قبــل وقوعهــا متثــل تفاديــا‬ ‫ر األعظــم‪ ،‬مــن اعتقــا ٍل‬ ‫اســتباقياً لحالــة مــن الــ ِّ‬ ‫وتنكيــلٍ وتغييــب يصــل إىل حــد املــوت دون أي‬ ‫شــفق ٍة تذكــر‪.‬‬ ‫ت ُ ِّو َجــت مرحلـ ُة الثامنينــات بتــاج قبيــح مــن انعــدام‬ ‫الضمــر واإلنســاني ِة‪ ،‬ووث ِّقــت املجــازر املخيفــة التــي‬ ‫ارتكبــت يف تدمــر دون رحمــ ٍة أو شــفقة جــاء عــى‬ ‫إثرهــا اإلجــراء الــذي عــدل الدســتور لينــص عــى‬ ‫إعــدام أي شــخص ينتســب إىل حــزب اإلخــوان‬ ‫املســلمني وبذلــك‪ ،‬أُ َ‬ ‫ســدل الســتار عــى «التعدديــة‬ ‫والدميقراطيــة» بتكريــس نهــايئ لحالــة الســلط ِة‬ ‫املتوحشــ ِة يف ســوريا‪.‬‬ ‫حظــي اليمــن العراقــي بنصيبــه مــن االعتقــاالت‪،‬‬ ‫واالنتهــاكات لحقــوق اإلنســان بدرجـ ٍة أقـ ّـل‪ ،‬وأتبعهــم‬ ‫الســجن لليســاريني والقوميــن‪ ،‬وبذلــك اســتطاع‬ ‫النظــام تكريــس ســلطة البعــث الحاكــم األحاديــة‬ ‫والوحيــدة ممثــاً بقيادتــه القطريــة‪ ،‬وجعــل مــن‬ ‫«الجبهــة الوطنيــة» ديكــورا ً يتلطــى خلفــه مدعيــاً‬ ‫املامرســة الدميقراطيــة يف ســلطته‪ ،‬وأنهــا الطيــف‬ ‫الســيايس الــذي يعــر عــن كامــل توجهــات الســوريني‪،‬‬ ‫ليبتلــع الســوريون الطعــم الجديــد يف املفاهيــم‬ ‫املشــوهة للسياســة وتطبيقاتهــا الدميقراطيــة‪.‬‬ ‫دخلــت ســوريا باعتبارهــا «مملكـ ًة الرعــب املخيــف»‬ ‫حالــة مــن الصمــت وصلــت عنــد رعاياهــا إىل حــد‬ ‫ابتــاع اللســان ماعــدا بعــض الحــاالت الرسيــة التــي‬ ‫بقيــت جذوتهــا متقــدة هنــا وهنــاك متثلــت بالعمــل‬ ‫الســيايس الــري‪ ،‬وبعــض الن ـرات التــي تعــر عــن‬ ‫هــذه النشــاطات هنــا وهنــاك‪ ،‬إىل أن جــاءت الهــزة‬ ‫العنيفــة التــي اعــرت مفاصــل النظــام األمنــي‬ ‫فأرعــدت فرائصــه واضطــر النظــام الســوري إىل‬ ‫التخــي عــن أوراق عــدة كان العنــف املكافــئ لهــا‬ ‫يف ســلوك النظــام اغتيالــه لعــدد مــن الشــخصيات‬ ‫اللبنانيــة‪ ،‬فاضطــر لالنســحاب مــن لبنــان مــا ولــد‬ ‫انطباع ـاً لــدى النخــب الســورية بــرورة التحــرك‪ ،‬يف‬ ‫محاولــة للتغيــر الدميقراطــي يف ســوريا‪ ،‬وفــرض حالــة‬ ‫نصــت عليــه وثيقــة إعــان‬ ‫إطــاق الحريــات‪ ،‬وهــو مــا َّ‬ ‫دمشــق‪ ،‬ولجانــه التــي تشــكلت يف املحافظــات تبعهــا‬ ‫تشــكيل «املجلــس الوطنــي إلعــان دمشــق» يف منــزل‬ ‫الناشــط (ريــاض ســيف) وكان نصيــب الرقــة آنــذاك‬ ‫ثالثــة مــن (الكــورد) وأربعــة مــن العــرب‪.‬‬ ‫ضــاق صــدر النظــام مجــددا ً مبجلــس «إعالن دمشــق»‬

‫وكــرس اعتقــاالً أجهــض التجربــة مــن جديــد‪ ،‬بالرغــم‬ ‫مــن أن النشــاط كان علنيـاً‪ ،‬وتــم ســجن بعــض أعضــاء‬ ‫ِ‬ ‫الصمــت مــن‬ ‫األمانــة العامــة ليعــود الســوريون إىل‬ ‫جديــد‪.‬‬ ‫يف آذار العــام ‪ 2011‬هــب الســوريون ينــادون بالحرية‬ ‫والكرامــة وأصابتهــم العــدوى مــن فــورة الربيــع‬ ‫العــريب‪ ،‬التــي أعــادت للشــارع الســوري‪ ،‬قدرتــه عــى‬ ‫التحــدي بالصــدور العاريــة إرصارا ً منــه عــى الحركــة‬ ‫والتحــرك‪ ،‬ومل تكــن ردة فعــل النظــام أيضــاً هــذه‬ ‫املــرة إالّ القمــع والعنــف‪ ،‬وصــارت املعتقــات تغــص‬ ‫باملعتقلــن واملخطوفــن مــن ســاحات الحريــة‪ ،‬وعــاىن‬ ‫ســجناء الحريــة مــن جديــد أســاليب البطــش والتنكيل‬ ‫يف غيــاب لــكل املؤسســات التــي كان مــن املفــرض أن‬ ‫تنحــاز إىل صــوت الشــعب‪ ،‬وشــكل احتجــاز النشــطاء‬ ‫واعتقالهــم نقطــة التغلــب والقــوة يف اســراتيجية‬ ‫النظــام القبيحــة‪ ،‬وهــي النقطــة التــي يرتكــز عليهــا يف‬ ‫قضــم أي حالــة تعبــر عــن التطلــع للحريــات العامــة‪،‬‬ ‫فضاقــت ســجون النظــام ذرعــاً بأعــداد املعتقلــن‬ ‫واملغيبــن وافتتحــت الســجون اإلضافيــة‪ ،‬وكل هــذا مل‬ ‫مينــع الســوريني مــن أن متابعتهــم مشــوار التحــدي‬ ‫للنظــام بالرغــم مــن جســامة التضحيــة واألمثــان‪.‬‬ ‫حظيــت الرقــة بنصيبهــا الوافــر مــن الســجن واالعتقال‬ ‫لنشــطائها‪ ،‬ولقــي معتقلوهــا التعذيــب والتصفيــة‬ ‫واالحتجــاز الطويــل‪ ،‬ومل يــزل حتــى اآلن إعالميــون‬ ‫ونشــطاء مــن الرقــة‪ ،‬رهن ـاً لالعتقــال والتغييــب‪ ،‬ومــا‬ ‫اســتمرار االعتقــال للناشــط الســلمي «أبــو جبــل»‬ ‫واإلعالمــي «عبــد الفتــاح النعيمــي» ونشــطاء آخريــن‬ ‫(‪ )..‬مــا زالــوا قيــد االعتقــال إال الدليــل عــى أن هــذا‬ ‫النظــام مل يســتفد أبــدا ً مــن دروس التاريــخ‪ ،‬وأن هــذا‬ ‫النظــام ذو ســلوك أعمــى فشَ ـ ِم َل باالعتقــال والقتــل‬ ‫حتــى منارصيــه ومؤيديــه‪.‬‬ ‫وإذا كان النظــام قــد اســتهدف النشــطاء يف الرقــة‬ ‫وغريهــا مــن املــدن الســوري ِة‪ ،‬فــإن لدولــة العــراق‬ ‫والشــام (داعــش) نصيبــاً يف هــذا الســلوك القمعــي‬ ‫أيض ـاً‪ ،‬إذ غيبــت العديــد مــن النشــطاء والسياســيني‬ ‫واإلعالميــن يف الرقــة‪ ،‬ومــا زال مصريهــم مجهــوالً‬ ‫حتــى هــذه اللحظــة‪ ،‬وإذا كانــت هنــاك مــن هيئــات‬ ‫حقوقيــة وإنســانية «عامليــة أو إقليميــة» تتمكــن مــن‬ ‫الدفــاع عــن املعتقلــن يف ســجون النظــام‪ ،‬وتطالــب‬ ‫بهــم بالحــد األدىن‪ ،‬فذلــك مــا يبــدو مســتحيالً يف كنــف‬ ‫الخالفــة اإلســامية وســيبقى مصــر أولئــك مجهــوالً‬ ‫«حتــى يقــي اللــه أمــرا ً كان مفعــوالً»‪.‬‬

‫حرمل الصحافة‬

‫الحرملي‬

‫‪5‬‬

‫أولويات وزارة العدل يف‬ ‫الحكومة السورية املؤقتة‬

‫يوسف دعيس‬

‫يشــكل إحــداث وزارة للعــدل يف الحكومــة الســورية املؤقتــة إضافــة‬ ‫جديــدة وجديّــة للمعارضــة الســورية‪ ،‬وهــي تؤكــد‪ ،‬إن قامــت بدورهــا‬ ‫الصحيــح‪ ،‬عــى علــو كعبهــا يف إطــار العمــل املؤسســايت‪ ،‬الــذي يخــدم‬ ‫الســوريني يف املناطــق املحــررة‪ ،‬وتركيــا التــي تشــكل الحاضــن الرئيــس‬ ‫ملؤسســات الثــورة الســورية‪.‬‬ ‫الــدور الــذي ســتلعبه وزارة العــدل يف املســتقبل ســيكون كب ـرا ً جــدا ً‪،‬‬ ‫ويعــول عليــه يف رســم مالمــح مدنيــة ملجتمــع متحــر إنســانياً‪ ،‬ومــن‬ ‫املتوقــع أن تبــدأ خطوتهــا األوىل يف وضــع الرتتيبــات األوليــة لتحقيــق‬ ‫العدالــة االنتقاليــة‪ ،‬ألن ســوريا وعــى مــدى أربــع ســنوات متتاليــة‬ ‫شــهدت انتهــاكات كبــرة لحقــوق اإلنســان‪ ،‬نتيجــة تخريــب الجســم‬ ‫القضــايئ‪ ،‬وتدمــر املؤسســات‪ ،‬الــذي تزامــن مــع تدمــر البنــى التحتيــة‪،‬‬ ‫وإرهــاب الدولــة الــذي مارســه النظــام القمعــي بحق الشــعب الســوري‪.‬‬ ‫مــن هنــا يجــب أن نطــرح الســؤال الهــام عــى وزارة العــدل‪ ،‬كيــف‬ ‫نبــدأ؟ ولــي نكــون صادقــن مــع أنفســنا يجــب أن نضــع برنامجــاً‬ ‫موضوعي ـاً أوالً‪ ،‬يحــدد خطــة العمــل وضوابطــه‪ ،‬ويعتمــد عــى نتائــج‬ ‫البحــث والتقــي التــي قامت بهــا مراكــز البحــوث العلمية‪ ،‬والدراســات‬ ‫االســراتيجية‪ ،‬والبيانــات التــي أعدتهــا مــن خــال أعاملهــا امليدانيــة‬ ‫يف رصــد انتهــاكات حقــوق اإلنســان‪ ،‬ومرتكبــي األفعــال اإلجراميــة‪،‬‬ ‫والضحايــا الذيــن وقعــت عليهــم هــذه الجرائــم‪ ،‬ومنعكــس هــذه‬ ‫األعــال واالنتهــاكات عــى املجتمــع‪.‬‬ ‫إن قضيــة املعتقلــن يف ســجون النظــام الســوري القمعــي‪ ،‬ورصــد‬ ‫عمليــات التعذيــب والتنكيــل والقتــل‪ ،‬والخطــف واإلخفــاء القــري‪،‬‬ ‫تــأيت يف املقدمــة‪ ،‬وإذا وضعتهــا وزارة العــدل يف ســلم أولوياتهــا‪ ،‬ســتكون‬ ‫مقدمــة لنجاحهــا الحقيقــي‪ ،‬ألنهــا ســتعري النظــام أوالً‪ ،‬وتــرز زيــف‬ ‫ادعاءاتــه يف محاربــة اإلرهــاب‪ ،‬وتســلط الضــوء عــى أجــواء محكمــة‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬التــي متــارس اإلرهــاب قــوالً وفعـاً عــى املواطنــن مــن خــال‬ ‫تلفيــق التهــم عــى األبريــاء‪ ،‬وانتـزاع االعرتافــات قـرا ً وقهـرا ً دون أدلــة‬ ‫وإثبــات‪ ،‬وأخـرا ً تســهم يف إيصــال النظــام املجــرم إىل محكمــة الجنايــات‬ ‫الدوليــة يف انتظــار محاكمتــه بــدءا ً بــرأس النظــام وانتهــا ًء بأعوانــه‬ ‫ومؤيديــه‪ ،‬إضافــة لذلــك رصــد وتوثيــق االنتهــاكات واالعتقــاالت‬ ‫وعمليــات االغتيــال والقتــل التــي تقــوم بهــا املجموعــات املســلحة‪،‬‬ ‫التــي تنضــوي تحــت صــف النظــام واملعارضــة‪ ،‬ومعاملتهــم كمجرمــي‬ ‫حــرب‪ ،‬ج ـراء مــا اقرتفتــه أيديهــم بحــق املدنيــن‪.‬‬ ‫مجموعــة األعــال التــي يعــول عــى وزارة العــدل أن تقــوم بهــا كبــرة‬ ‫جــدا ً‪ ،‬وشــاقة جــدا ً‪ ،‬وهــي تتطلــب فريقـاً متكامـاً يؤمــن قبــل كل يشء‬ ‫بعدالــة الثــورة الســورية‪ ،‬وتعاونـاً مســتمرا ً مــع املجتمــع الــدويل الحــر‪،‬‬ ‫وبقــدر مــا يســتطيع فريــق العمــل أن ميــارس الــدور الرئيــس يف كشــف‬ ‫الحقيقــة‪ ،‬يســتطيع بذلــك أن يكســب الــرأي العــام العاملــي ملصلحــة‬ ‫قضيــة الســوريني‪ ،‬ويؤكــد عــى صدقيــة ثــورة الشــعب الســوري يف‬ ‫ســعيه لنيــل حريتــه وكرامتــه‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫هادي البحرة‬ ‫مــن املقــوالت الشــهرية لحســني البورظــان (رحمــه‬ ‫اللــه)‪« :‬أذا أردنــا أن نعــرف مــاذا يجــري يف الربازيــل يجــب‬ ‫أن نعــرف مــاذا يجــري يف إيطاليــا»‪ .‬هــذه املقولــة املحقــة‬ ‫تقودنــا لدراســة مــدى ارتبــاط السياســة باالقتصــاد‪.‬‬ ‫السياســة يف الغــرب والعــامل (املتمــدن) يحركهــا االقتصــاد‪,‬‬ ‫فــأي تحــرك ســيايس أو عســكري يكمــن خلفــه تحقيــق أو‬ ‫حاميــة مصالــح اقتصاديــة‪ ,‬وكوننــا نعيــش يف عــامل صغــر‪ ,‬يف‬ ‫عــر االتصــاالت والــركات العابــرة للقــارات‪ ,‬باتــت الطاقة‬ ‫هــي أهــم مصــدر تحكــم وســيطرة‪ ،‬وضــان لالقتصــاد يف‬ ‫أي دولــة صناعيــة‪ .‬يف الثامنينــات دخــل االقتصــاد العاملــي‬ ‫يف حالــة ثبــات لحجــم األســواق املتوفــرة‪ ,‬ومل تعــد هنــاك‬ ‫أســواق تكفــي للتصديــر واالســتهالك‪ ,‬حينهــا كان الرئيــس‬ ‫ريغــن رئيس ـاً للواليــات املتحــدة األمريكيــة (‪,)1989-1981‬‬ ‫ولحظــت القــوى االقتصاديــة العامليــة أنــه ال بــد مــن إنهــاء‬ ‫الحــرب البــاردة‪ ,‬بربحهــا لصالــح املجتمــع الرأســايل بشــكل‬ ‫قاطــع‪ ,‬وتفتيــت االتحــاد الســوفيتي وتحويــل جمهورياتــه‬ ‫لالقتصــاد الحــر الرأســايل‪ .‬وكــون االتحــاد الســوفيتي‬ ‫يشــكل الخــط الدفاعــي األهــم للصــن كان البــد مــن البــدء‬ ‫منــه‪ ,‬لجــر الصــن الحق ـاً نحــو االنفتــاح عــى االســتثامرات‬ ‫األجنبيــة وتعديــل تركيبتهــا االقتصاديــة والسياســية‪ ,‬مبــا‬ ‫يســمح بتنشــيط اقتصادهــا وإعــادة توزيــع ثرواتهــا بشــكل‬ ‫يحقــق منــوا ً يف دخــل الفــرد مبــا يســمح بتعزيــز القــدرة‬ ‫الرشائيــة وبالتــايل خلــق ســوق جديــد يســمح بتحقيــق منــو‬ ‫االقتصــاد العاملــي‪.‬‬ ‫ولتحقيــق ذلــك جــرى إتبــاع اس ـراتيجية إنهــاك االقتصــاد‬ ‫يف االتحــاد الســوفيتي‪ ,‬وإدخالــه يف حــرب اســتنزاف تــرع‬ ‫يف تفتيتــه‪ ,‬حيــث قــررت حينهــا الواليــات املتحــدة‪ ,‬جــر‬ ‫االتحــاد الســوفيتي لســباق تســلح‪ ,‬عــر إخافتــه بربامــج‬ ‫تســليح تحــت أســاء متعــددة لعـ ّـل أهمهــا حــرب النجــوم‪,‬‬ ‫الــذي تــم إنشــاؤه يف عهــد الرئيــس األمــريك رونالــد ريغــان‬ ‫يف ‪ 23‬مــارس‪ 1983 ،‬الســتخدام األرض والنظــم الفضائيــة‬ ‫لحاميــة الواليــات املتحــدة مــن هجــوم بالصواريــخ‬ ‫الباليســتية النوويــة االســراتيجية‪ .‬وركــز عــى مبــادرة‬ ‫الدفــاع االســراتيجي بــدالً مــن االســراتيجية الســابقة‬ ‫املخالفــة لعقيــدة التدمــر املتبــادل املؤكــد‪ .‬ورصــد لــه‬ ‫ميزانيــة ‪ /26/‬مليــار دوالر‪ ,‬عــى مــدى خمــس ســنوات‪.‬‬ ‫(الناتــج املحــي اإلجــايل الــرويس يف ذلــك العــام كان ‪/993/‬‬ ‫بليــون دوالر‪ ,‬ومتوســط الناتــج املحــي للفــرد الواحــد‬

‫مصطفى الجرادي‬ ‫مــا انفكَّــت اليــ ُّد اإليرانيــة بالعبــث‬ ‫والتخريــب بالــدول العربيّــة أو لنقــل –‬ ‫مــا تبّقــى منهــا والــدول املعنيّــة هــي‬ ‫التــي قامــت فيهــا ثــورات شــعبية ا ُصطلــح‬ ‫عليهــا «الربيــع العــريب»‪ ،‬تلــك الــدول التــي‬ ‫قادهــا الشــباب‪ ،‬وهــم العنــر الرئيــس‬ ‫واملحــ ّرك األســايس للحــراك الشــعبي الــذي‬ ‫زلــزل عــروش طواغيــت اســت ّبدت بالعبــاد‪،‬‬ ‫فأطاحــت بقســمٍ منهــا ومل يُكتــب النجــاح‬ ‫والخــاص لهــا يف دول أخــرى كــا يف ســوريّة‬ ‫اليــوم‪.‬‬ ‫كانــت هــذه اليــ ُّد العابثــة أكــر وضوحــاً‬ ‫ْ‬ ‫وتجل ّيــاً للعيــان يف الثــورة الســوريّة التــي‬ ‫الســوري‬ ‫اســتبعدها بــادئ األمــر الرئيــس‬ ‫ّ‬ ‫حليــف طهـران الرئيــي يف املنطقــة‪ ،‬طهـران‬ ‫التــي نــارصت وهلَّلــت لســقوط أنظمــة‬ ‫عربيّــة بــدءا ً مــن خلــع الرئيــس العراقــي‬ ‫الســابق صــدام حســن وصــوالً لســقوط‬ ‫كل مــن مــر‬ ‫أنظمــة الحكــم ورموزهــا يف ّ‬ ‫وليبيــا واليمــن عــى التــوايل‪.‬‬ ‫مل يجـ ْد نظــام املــايل اإليراين حرجـاً وغضاضة‬ ‫يف «الوقــوف إىل جانــب الشــعوب املظلومــة»‬ ‫ودعــم حقّهــا بالثــورة ضــد أنظمــة الفســاد‬ ‫والطغيــان يف مختلــف البلــدان العربيّــة‬ ‫التــي اندلعــت فيهــا ثــورات شــعبية لتغيــر‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫االقتصــاد والسياســة‬

‫‪ /3,644/‬دوالر‪ ,‬بينــا كان حينهــا الناتــج املحــي اإلجــايل يف‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة ‪ /3,638/‬بليــون دوالر وللفــرد‬ ‫‪ /14,828/‬دوالر)‪ ،‬ومــن ثــم تــم إحــداث رشاكات دوليــة يف‬ ‫هــذا الربنامــج مثــل بريطانيــا وأملانيــا وفرنســا وإرسائيــل‪,‬‬ ‫لتعطــي هــذا الربنامــج املزيــد مــن املصداقيــة‪.‬‬ ‫مل يســتطع قــادة االتحــاد الســوفيتي تجنــب الوقــوع يف هــذا‬ ‫الفــخ‪ ,‬وقامــوا باســتثامرات كبــرة وغــر مجديــة يف قطــاع‬ ‫الصناعــات العســكرية‪ ,‬عــى حســاب االســتثامر يف مشــاريع‬ ‫إنتاجيــة وتطويريــة‪ ,‬مــا أرهــق االقتصــاد الســوفييتي‪ .‬ففي‬ ‫هــذه الفــرة (‪ )1991-1982‬التــي امتــدت مــن وفــاة الرئيس‬ ‫ليونيــد بريجينيــف إىل تفــكك االتحــاد الســوفييتي‪ ،‬وانتصــار‬ ‫الواليــات املتحــدة عليــه يف حربــه يف أفغانســتان‪ ,‬كل ذلــك‬ ‫أدى إىل إثــارة مشــاعر الشــعب وعــدم رضائــه عــن أداء‬ ‫حكومتــه‪ ,‬ال ســيام يف جمهوريــات البلطيــق ورشق أوروبــا‪,‬‬ ‫كــا بــث خالفــات محوريــة ضمــن صفــوف قياداتــه‪ ,‬حيــث‬ ‫ســطع نجــم الســكرتري العــام للحــزب الشــيوعي ميخائيــل‬ ‫غورباتشــوف الــذي شــغل ذلــك املنصــب مــن العــام ‪1985‬‬ ‫وحتــى العــام ‪ 1991‬وشــغل منصــب الرئيــس مــن العــام‬ ‫‪ 1988‬إىل العــام ‪ 1991‬حيــث تفتــت االتحــاد الســوفييتي‬ ‫ومل يعــد لــه وجــود كــا عرفنــاه‪ ,‬وكان غورباتشــوف آخــر‬ ‫رئيــس لالتحــاد الســوفييتي‪.‬‬

‫ضمــن هــذه االس ـراتيجية التــي نجحــت نجاح ـاً ســاحقاً يف‬ ‫االتحــاد الســوفييتي‪ ,‬بــدأ الغــرب تركيــزه يف الضغــط عــى‬ ‫القيــادة الصينيــة لتغيــر سياســاتها االقتصاديــة والتحريــر‬ ‫التدريجــي ألســواقها باســتخدام سياســة العصــا والجــزرة‪,‬‬ ‫العصــا كانــت يف تفتيــت االتحــاد الســوفييتي‪ ،‬وتشــجيع‬ ‫الناشــطني يف الصــن للمطالبــة مبزيــد مــن الحريــات‪،‬‬ ‫ودعمهــم يف ذلــك‪ ,‬مــا يشــكل تهديــدا ً للنظــام الســيايس‬ ‫القائــم يف الصــن حينهــا‪ .‬أمــا الجــزرة فكانــت عــر الق ـرار‬ ‫بخــروج الواليــات املتحــدة األمريكيــة مــن االســتثامر‬ ‫يف القطــاع الصناعــي االســتهاليك والتحويــي التقليــدي‪,‬‬ ‫مثــل صناعــات النســيج والبالســتيك وغريهــا بشــكل شــبه‬ ‫كامــل داخــل الواليــات املتحــدة األمريكيــة ونقــل هــذه‬ ‫االســتثامرات إىل الصــن‪ ,‬وتحويــل االقتصــاد األمريــي إىل‬ ‫اقتصــاد يعتمــد عــى الخدمــات والصناعــات التكنولوجيــة‬ ‫العاليــة‪ ,‬وفتــح الســوق األمريــي للمنتوجــات الصينيــة‬ ‫بشــكل تشــجيعي‪ .‬مــا أدى لقفــزة كبــرة يف الطاقــة‬ ‫اإلنتاجيــة والنمــو االقتصــادي يف الصــن‪ ،‬ورفــع القــدرة‬ ‫الرشائيــة للســوق‪ ،‬وأصبــح مــن األســواق االســتهالكية‬ ‫األكــر يف العــامل‪ ,‬حيــث كان إجــايل الناتــج املحــي يف‬ ‫الصــن يف العــام ‪ 1981‬يبلــغ ‪ /194.11/‬بليــون دوالر وقفــز‬ ‫إىل ‪ /379.469/‬بليــون دوالر يف العــام ‪ 1991‬ثــم قفــز إىل‬ ‫‪ /7,318.5/‬بليــون دوالر يف العــام ‪ 2011‬ويف نفــس العــام‬

‫محمد حجي درويش‬

‫كان إجــايل الناتــج املحــي يف الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫يبلــغ ‪ /14,991.3/‬بليــون دوالر‪ ,‬كــا ارتفــع متوســط الناتــج‬ ‫املحــي للفــرد يف الصــن مــن ‪ /195.31/‬دوالر أمريــي يف‬ ‫العــام ‪ 1981‬إىل ‪ /329.75/‬دوالر أمريــي يف العــام ‪,1991‬‬ ‫ليبلــغ يف العــام ‪ 2011‬مبلغــاً وقــدره ‪ /5,444.79/‬دوالر‬ ‫أمريــي‪ .‬وبالتــايل نجــح املجتمــع الرأســايل يف حــل مشــكلة‬ ‫توقــف منــو األســواق بخلــق أســواق جديــدة عامدهــا‬ ‫الصــن ورشق آســيا‪ ،‬ولكــن للوصــول لذلــك اقتــى إتبــاع‬ ‫صناعــة الحــدث الســيايس والعســكري املناســب‪ ,‬هــذه‬ ‫املعالجــة الناجحــة أدت لتحســن االقتصــاد العاملــي وال‬ ‫ســيام الصــن‪ ،‬وتحســن مســتوى املعيشــة‪ ،‬ورفــع القــدرة‬ ‫الرشائيــة للمواطنــن يف الكثــر مــن دول العــامل‪ ,‬ومع األســف‬ ‫كانــت هنــاك أيضـاً تكلفــة عاليــة بــاألرواح التــي زهقــت يف‬ ‫حــرب أفغانســتان وبقائهــا كدولــة غــر مســتقرة إىل يومنــا‬ ‫هــذا‪ ،‬كــا مــرور العــامل بفــرة مــن عــدم االســتقرار‪.‬‬ ‫هــذه املعالجــة أنعشــت األســواق لفــرة جيــدة مــن الزمــن‬ ‫إىل أن حدثــت األزمــة املاليــة العامليــة يف الفــرة ‪2008-2007‬‬ ‫والتــي بلغــت ذروتهــا يف العــام ‪ 2008‬والتــي يعتربهــا كبــار‬ ‫اقتصاديــي العــامل أكــر أزمــة اقتصاديــة منــذ فــرة الكســاد‬ ‫العظيــم يف الثالثينيــات مــن القــرن املــايض‪ ,‬وهــذا يدخلنــا‬ ‫إىل موضــع أحــداث العــامل الحاليــة والتــي هــي موضــوع‬ ‫املقــال القــادم‪.‬‬

‫بالد الفرس أوطاني‬ ‫أنظمــة الحكــم املتهالكــة‪ ،‬لك ـ ّن إي ـران تلــك‬ ‫الدولــة التــي تقــف مــع حقــوق املظلومــن‪،‬‬ ‫وتســاندهم يف انتزاعهــا مــن أيــدي الطغــاة‪،‬‬ ‫كل أقنعتهــا املزيفــة وبــدأت بالدفاع‬ ‫كشــفت َّ‬ ‫عــن حليفهــا األســدي عندمــا قرعــت الثــورة‬ ‫أبــواب دمشــق وعصفــت رياحهــا الهوجــاء‬ ‫يف أرجائهــا‪ ،‬فمــع مرحلــة الثــورة الســلم ّية‬ ‫تب ّنــت طهــران روايــة الســلطة الســورية‬ ‫وكذّبــت كل املظاهــرات التــي اندلعــت‬ ‫يف املــدن الســوريّة واعتــرت مــا يجــري‬ ‫فيهــا عبــارة عــن «مؤامــرة كون ّيــة» هدفهــا‬ ‫الرئيــس تقويــض حلــف املقاومــة واملامنعــة‬ ‫ضــد ارسائيــل والشــيطان األكــر «أمريــكا»‪.‬‬ ‫وحي ّنــا تســلّحت الثــورة الســوريّة بفعــل‬ ‫عوامــل عــدة‪ ،‬مل ت ّدخــر إي ـران جهــدا ً لدعــم‬ ‫النظــام الســوري فم ّدتــ ُه بالعتــاد والســاح‬ ‫للحيلولــة دون ســقوطه‪ ،‬وعبــأت خزائنــه‬ ‫الفارغــة بأمــوا ٍل للحفــاظ عــى اقتصــاده‬ ‫املتهالــك كتعويــض عــن عائــدات الدولــة‬ ‫ومقدراتهــا التــي أنفقهــا للقضــاء عــى‬ ‫الحــراك الشــعبي ومقارعتــه‪.‬‬ ‫يف املقلــب اآلخــر مل يتأخــر الحليــف اللبنــاين‬ ‫إليــران «حــزب اللــه» الــذي يتخــذ مــن‬ ‫النهــج الخمينــي مذهب ـاً وإمام ـاً لــه‪ ،‬ليأخــذ‬ ‫دوره املرســوم ضمــن الخطــة اإليرانيــة‬ ‫للهيمنــة عــى املنطقــة والتحكــم بــه‪ ،‬فحــن‬

‫احتاجــه األســد وقواتــه العاجــزة عــن حاميــة‬ ‫عرينــه املتهالــك‪ ،‬دخــل الحــزب الحــرب‬ ‫الســوريّة رصاحــة وعالنيـ ًة أمــام أعــن العــامل‬ ‫لـ»حاميــة العتبــات املق ّدســة» ودحــر خطــر‬ ‫اإلرهــاب التكفــري عــن لبنــان وشــعبه‪ ،‬هــذا‬ ‫الخطــر الــذي أثبتــت األيــام زيــف ادعــاءات‬ ‫الحــزب وبهتانهــا‪ ،‬فالخطــر الــذي ذهبــوا‬ ‫لحربــه يف ســوريّة‪ ،‬جــاء إىل لبنــان مــن بوابــة‬ ‫عرســال واختطــاف العديــد مــن عنــارص‬ ‫الجيــش اللبنــاين الــذي أُريــد لــه الدخــول‬ ‫ـوري‪ ،‬واالنضــام إىل جوقــة‬ ‫يف املســتنقع السـ ّ‬ ‫إيــران يف املنطقــة علّــه يكــون هــو اآلخــر‬ ‫رأس حربــة للمــروع اإليــراين يف املنطقــة‪.‬‬ ‫بعــد تعاظــم خطــر داعــش وإلغائــه للحــدود‬ ‫بــن ســوريّة والعـراق‪ ،‬حيــث قضمــت قواتــه‬ ‫العديــد مــن أرايض الع ـراق وضمتهــا ألرايض‬ ‫الخليفــة البغــدادي‪ ،‬دون وجــود مقاومــة‬ ‫تُذكــر مــن جيــش وقــوات املالــي «رجــل‬ ‫املدلــل» التــي الذت بالفــرار تاركــة‬ ‫ّ‬ ‫إيــران‬ ‫وراءهــا أحــدث أنــواع العتــاد واألســلحة‬ ‫غنيمــة لـ»مجاهــدي» التنظيــم‪ ،‬ورسعــان‬ ‫مــا تســارعت األحــداث يف هــذا البلــد التــي‬ ‫عبثــت فيــه اليّــد اإليرانيــة التــي كانــت لهــا‬ ‫اليــد الطــوىل فيهــا بعــد انســحاب القــوات‬ ‫األمريكيّــة وتركهــا لقمــة ســائغة إليــران‬ ‫وحلفائهــا الذيــن ط ّيفــوا هــذا البلــد وأهدروا‬

‫حقــوق باقــي املكونــات فيــه‪ ،‬تق ّدمــت‬ ‫قــوات داعــش تجــاه إقليــم كردســتان الــذي‬ ‫يشــكّل مجــاالً حيويّــاً واســراتيجياً ألمريــكا‬ ‫والــدول الغربيــة مــا أجربهــا عــى التدخــل‬ ‫والــذود عــن مصالحهــا‪ ،‬إىل أن وصــل األمــر‬ ‫إىل تشــكيل حلــف دويل للقضــاء عــى‬ ‫اإلرهــاب ا ُســتبعدت طهــران منــه‪ ،‬وأزيــح‬ ‫ممثلهــا الفاشــل يف الع ـراق «نــوري املالــي»‬ ‫الــذي أغــرق الع ـراق بالسياســات الطائف ّيــة‬ ‫ووصلــت مســتويات الفســاد يف عهــده إىل‬ ‫مســتويات قياســية وحــ ّول العــراق لبقايــا‬ ‫بلــد فاشــل‪.‬‬ ‫طهــران التــي مل تســتوعب وجودهــا‬ ‫خــارج الــرب الــدويل ملحاربــة اإلرهــاب‬ ‫«الداعــي» التــي ســاهمت هــي وحليفهــا‬ ‫األســدي بتمــدده وانتشــاره والتغــايض عنــه‬ ‫يف األرض الســوريّة والعراقيــة‪ ،‬فح ّركــت يدها‬ ‫العابثــة يف منطقــة عربيّــة أخــرى وهــي‬ ‫اليمــن الــذي مــا كاد يســتعيد عافيتــه بعــد‬ ‫اإلطاحــة برئيســه الســابق عــي عبــد اللــه‬ ‫صالــح‪ ،‬فاســتخدمت هــذه املــرة حلفاءهــا‬ ‫«الحوثيــن» الذيــن هاجمــوا العاصمــة‬ ‫بلبــوس االحتجاجــات الشــعبيّة واملطلبيّــة‬ ‫ضــد الحكومــة اليمنيــة وسياســاتها‪ ،‬لتحتّــل‬ ‫الجامعــة املياديــن وتعطّــل املصالــح الحيويــة‬ ‫يف العاصمــة صنعــاء‪ ،‬وصــوالً إىل انقالبهــا‬

‫العســكري التــام الــذي ت ُــ َّوج باســتقالة‬ ‫الحكومــة والرئيــس اليمنــي الذيــن كانــوا‬ ‫بقايــا ســلطة صوريــة يكســب الحوثيــون مــن‬ ‫خاللهــا غطــا ًء رشعيّـاً يحلل اســتباحتهم لكل‬ ‫مفاصــل الدولــة أو مــا بقــي منهــا‪ .‬هــذا البلد‬ ‫الــذي كان يُدعــى يومـاً مــا «اليمــن الســعيد»‬ ‫ولــرد طهــران وحليفهــا الحــزب‪ -‬اإللهــي‬ ‫عــى الغــارة اإلرسائيليــة التــي اســتهدفت‬ ‫كــوادره وأحــد القيــادات العســكرية اإليرانية‬ ‫يف القنيطــرة الســورية مؤخــرا ً باالنقضــاض‬ ‫رصح بذلــك‬ ‫والســيطرة عــى اليمــن كــا ّ‬ ‫أحــد عــ ّرايب املامنعــة واملقاومــة اإلعالميــن‬ ‫إلحــدى الفضائيــات العربيــة‪.‬‬ ‫مــا كان إليــران وغريهــا أن تعبــث يف‬ ‫أوطاننــا وبلداننــا؛ لــو أنّنــا اســتطعنا بنــاء‬ ‫هويّــة وطن ّيــة جامعــة بعيــدا ً عــن الجهويّــة‬ ‫والطائف ّيــة والقبل ّيــة التــي مــا زلنــا نعيــش‬ ‫ألي جه ـ ٍة دوليّــة أو إقليميــة‬ ‫بهــا‪ ،‬ومــا كان ّ‬ ‫أن تعبــث يف مجتمعاتنــا والتأثــر عليهــا لــو‬ ‫اســتطعنا التغلــب عــى رصاع «الهويّــات‬ ‫القاتلــة» وإعــاء قيــم املواطنــة لتصبــح هــي‬ ‫املقيــاس الــذي يتفاضــل ويتاميــز فيــه أبنــاء‬ ‫الوطــن الواحــد‪ ،‬كان العــرب فيــا مــى‬ ‫ـرب‬ ‫يرتّمنــون باألهزوجــة الشــهرية «بــا ُد ال ُعـ ِ‬ ‫أوطــاين»‪ ،‬لكــ ّن املعادلــة اليــوم انقلبــت‬ ‫وأصبحــت بــاد العــرب لغريهــم‪.‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫نشــأ إعــان دمشــق يف ‪ 2005/10/16‬إثــر‬ ‫مشــاورات اســتغرقت أكــر مــن عــام‪ ،‬وبعــد‬ ‫إرهاصــات مجتمعيــة شــديدة التعقيــد بــدأت‬ ‫قبــل وفــاة املجــرم حافــظ األســد عــام ‪2000‬‬ ‫واســتمرت مفاعيلهــا حتــى اللحظــة‪ .‬لقــد شــكل‬ ‫إعــان دمشــق بارقــة أمــل للعاملــن يف الشــأن‬ ‫الســيايس الســوري‪ ،‬حيــث حــاول اإلجابــة عــى‬ ‫التســاؤل القلــق لــدى عمــوم الســوريني‪ :‬مــن‬ ‫هــو البديــل سياســياً عــن نظــام االســتبداد يف‬ ‫ظــل غيــاب تــام ألي إمكانيــة لتشــكل جســم‬ ‫ســيايس بديــل عــن النظــام؟‪.‬‬ ‫وكان أبــرز النقــاط التــي ضمنهــا اإلعــان يف‬ ‫بيانــه التأســييس‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬القطــع مــع االســتبداد‪ ،‬والحديــث‬ ‫بلغــة واضحــة عــن رضورة التغيــر الوطنــي‬ ‫الدميقراطــي‪ ،‬بشــكل متــدرج وآمــن وســلمي‪.‬‬ ‫ثانيــاً‪ :‬هــو رضورة وإمكانيــة تالقــي التيــارات‬ ‫السياســية الرئيســية يف ســورية عــى برنامــج‬ ‫عمــل يشــكل الحــد األدىن املتفــق عليــه بينهــا‪.‬‬ ‫ثالثــاً‪ :‬اإلعــان الرصيــح عــن التالقــي مــع‬ ‫اإلســام الســيايس ممثــاً باإلخــوان املســلمني‬ ‫عــى رضورة بنــاء ســورية املســتقبل (دولــة‬ ‫مدنيــة) لــكل الســوريني‪.‬‬ ‫رابعــاً‪ :‬إقــرار جميــع األطــراف املوقعــة عــى‬ ‫البيــان عــى أن (الهويــة الســورية) تعنــي وحدة‬ ‫ســورية يف جغرافيتهــا السياســية املعــرف بهــا‬ ‫يف األمــم املتحــدة ووحــدة الشــعب الســوري‪.‬‬ ‫خامســاً‪ :‬إقــرار املوقعــن عــى أن القضيــة‬

‫«إعالن دمشــق» كان ضرورة وطنية‬ ‫الكرديــة قضيــة وطنيــة ســورية‪ ،‬وأن حلّهــا يــأيت‬ ‫يف ســياق العمليــة الدميقراطيــة لدولــة املواطنــة‬ ‫املتســاوية للجميــع‪ ،‬عــى أســاس اإلقــرار‬ ‫بوحــدة األرض والشــعب يف ســوريا‪.‬‬ ‫سادس ـاً‪ :‬إن اإلســام هــو الوعــاء الثقــايف الــذي‬ ‫شــكل الهويــة الثقافيــة ملجمــوع املواطنــن‬ ‫الســوريني‪.‬‬ ‫ســابعاً‪ :‬اإلق ـرار بــأن التنــوع الطائفــي واالثنــي‬ ‫يف ســورية هــو مصــدر غنــى وتنــوع للنســيج‬ ‫املجتمعــي الســوري‪.‬‬ ‫وبــدأ التحضــر للمؤمتــر األول لإلعــان الــذي‬ ‫اســتغرق قرابــة ســنتني‪ ،‬وتكللــت الجهــود‬ ‫بإق ـرار الوثائــق األساســية (الوثيقــة السياســية‬ ‫والهيــكل التنظيمــي وبعــض البيانــات‬ ‫املكملــة)‪ ،‬وقــد أنهــى املؤمتــر اعاملــه يف‬ ‫‪ ،2007/12/1‬ومل ميــر وقــت طويــل حتــى‬ ‫اتخــذ النظــام قــرار قتــل الحالــة الناشــئة يف‬ ‫مهدهــا قبــل أن يشــتد عودهــا‪ ،‬فشــن حملــة‬ ‫اعتقــاالت عــى اإلعــان يف ‪ 2007/12/7‬شــملت‬ ‫ســتني عضــوا ً ممــن حــروا املؤمتــر مــن أصــل‬ ‫املائــة وثالثــة وســتني‪ ،‬تــرك غالبيتهــم بعــد‬ ‫أن وجــه رســالة تهديــد واضحــة (لــن يتــواىن‬ ‫عــن اعتقــال الجميــع)‪ ،‬واحتفــظ بعــدد رمــزي‬ ‫وهــم االثنــا عــر معتقـاً؛ لــي يفهــم املجتمــع‬ ‫الســوري أنــه لــن يتســاهل مــع أحــد‪ ،‬وعــى‬ ‫اســتعداد للبطــش بشــكل وحــي كــا كان يف‬ ‫الثامنينيــات مــن القــرن املــايض‪.‬‬ ‫لقــد شــكّل اعتقــال وغيــاب معظــم قيــادة‬ ‫اإلعــان املنتخبــة حالــة ارتــكاس للعمــل‬

‫الســيايس العلنــي يف ســوريا‪ ،‬إضافــة إىل حالــة‬ ‫عجــز عــن متابعــة العمــل اليومــي‪ ،‬مــع األخــذ‬ ‫بعــن االعتبــار العجــز والثغــرات املوجــودة‬ ‫اصــاً يف وثيقــة (الهيــكل التنظيمــي)‪ ،‬وجنــح‬ ‫مــن تبقــى مــن القيــادة إىل العمــل الــري‬ ‫الــذي يحمــل يف طياتــه مركــزة شــديدة يف‬ ‫اتخــاذ الق ـرار‪ ،‬ومــا يحملــه هــذا التوجــه مــن‬ ‫أخطــار تســلط العقــل الفــردي املنغلــق عــى‬ ‫الــذات‪ ،‬والــذي يغــذي بــذور الشــك والريبــة‬ ‫دامئــاً يف كل مختلــف عنــه‪.‬‬ ‫مل تســمح الهيكليــة املبنيــة عــى مبــدأ املركزيــة‬ ‫شــديدة الرصامــة ملنتســبي اإلعــان يف الخــارج‬ ‫بالحركــة املرنــة‪ ،‬والعمــل عــى أســاس االحتيــاج‬ ‫الوطنــي‪ ،‬وبقــي اإلعــان أســر ق ـرارات األمانــة‬ ‫بالداخــل التــي يتحكــم بتفكريهــا غــول‬ ‫االســتبداد والبطــش‪ .‬ترافــق ذلــك بظــرف‬ ‫ســيايس غــر مــوات مــع إرادة دوليــة إلعــادة‬ ‫تأهيــل النظــام الســوري مــن أجــل اســتعادة‬ ‫قبولــه يف النــادي الــدويل مــن خــال الخدمــات‬ ‫األمنيــة التــي قدمهــا للواليــات املتحــدة‬ ‫االمريكيــة عــر الرئيــس الفرنــي ســاركوزي‪.‬‬ ‫بعــد خــروج معتقــي اإلعــان مــن الســجن‬ ‫انــرف أغلبهــم عــن العمــل يف هيئــة القيــادة‬ ‫كل واحــد منهــم‬ ‫بأشــكال مختلفــة أعلــن ّ‬ ‫مــررا ً لذلــك مختلف ـاً عــن مــرر اآلخــر‪ ،‬وهــي‬ ‫مــررات يجمــع بينهــا قاســم مشــرك مضمــر‬ ‫مل يتــم اإلفصــاح عنــه‪ ،‬وهــو عــدم الــرىض‬ ‫عــن الحــال الــذي وصــل اليــه اإلعــان‪ ،‬وعــدم‬ ‫الــرىض عــن أداء األمانــة يف فــرة الغيــاب‪ .‬مل‬

‫يــدم الحــال طويــاً حتــى انطلقــت الثــورة‬ ‫الســورية التــي فاجــأت الجميــع مبــا فيهــم‬ ‫إعــان دمشــق وقيادتــه‪ ،‬وأصبــح الحــال شــديد‬ ‫الحاجــة للوحــدة والتحالــف الوطنــي‪ ،‬وبــدأ‬ ‫ح ـراك نشــط كــا العــادة يف الغــرف املغلقــة‬ ‫للتالقــي مــع الحالــة‪ ،‬واالســتجابة للمطلــب‬ ‫امللــح بالتحالــف‪ ،‬وتوحيــد الهــدف املتمثــل‬ ‫ّ‬ ‫يف التالقــي مــع جمــوع املواطنــن‪ ،‬الذيــن‬ ‫هبــوا ضــد الظلــم دون قيــادة أو تخطيــط‪،‬‬ ‫وراح عــدد مــن الشــباب النشــط يف الحــراك‬ ‫ـتظل‬ ‫الثــوري يبحــث عــن قيــادة لــه‪ ،‬وظـ ّـل يسـ ّ‬ ‫بــه فلــم يجــد ضالتــه‪ ،‬ومل يطــل بهــم الوقــت‬ ‫حتــى بــدأوا يف التفكــر بإيجــاد البدائــل املرنــة‬ ‫املتناســبة مــع الحالــة‪ ،‬أمــا القــوى السياســية‬ ‫الســورية املعارضــة بــدل أن تبحــث عــن‬ ‫آليــة عمــل توحــد الجهــود الجبــارة للشــباب‬ ‫وتؤطرهــا يف هيكليــات متناســبة مــع الظــرف‬ ‫الثــوري لتحســن أدائهــا بــدأت يف البحــث‬ ‫عــن صيــغ تحالــف فيــا بينهــا؛ لــي تتبنــى‬ ‫الثــورة وتتقــدم لقيادتهــا‪ ،‬وتعلــن متثيلهــا‪،‬‬ ‫وكان ذلــك املطــب هــو املقتــل الــذي أدى‬ ‫إىل خــروج اإلعــان مــن املشــهد الثــوري‬ ‫الســوري‪ ،‬والبحــث عــن قــوى تشــبهه مــن‬ ‫حيــث البنيــة واألداء؛ ولهــذا وجــد نفســه يف‬ ‫املجلــس الوطنــي الــذي تأســس ومنــذ اللحظــة‬ ‫األوىل‪ ،‬وهــو يشــك يف متثيلــه للثــورة الســورية‪.‬‬ ‫حتــى يف ظــل التحالــف الناشــئ خــال الثــورة‬ ‫(املجلــس الوطنــي) كان أداء اإلعــان ســيئاً‪،‬‬ ‫ومل يســتطع االســتجابة للتحديــات‪ ،‬واتســم‬

‫‪7‬‬

‫بالفرديــة وردود األفعــال‪ ،‬ومل يســتطع أن يتحرر‬ ‫مــن ســلطة األمانــة العامــة وهيئــة الرئاســة‪،‬‬ ‫مــا ســمح بتشــكل ظاهــرة مرضيــة جديــدة‪،‬‬ ‫وهــي عقليــة العالقــات الشــخصية والشــللية‪.‬‬ ‫كان مــن املمكــن ملؤمتــر اإلعــان يف الخــارج‬ ‫أن يشــكل نقطــة انطــاق جديــدة لــو أحســن‬ ‫التحضــر لــه واســتطاع أن يفســح لنفســه حيـزا ً‬ ‫مــن الحريــة يف اتخــاذ الق ـرار فقــط لــو عمــل‬ ‫عــى أســاس أن املؤمتــر ســيد نفســه‪ ،‬وفيــا‬ ‫لــو تحــرر مــن ســلطة هيئــة الرئاســة ولكــ ّن‬ ‫البعــض‪ ،‬وعــر الصــات الشــخصية مــع هيئــة‬ ‫الرئاســة اســتطاعوا متييــع القضايــا الرئيســية يف‬ ‫املؤمتــر وأدخلــوه يف نفــق ضيــق‪ ،‬وهــو الـراع‬ ‫عــى قيــادة‪ ،‬فاقــدة القــدرة عــى اتخــاذ القـرار‪،‬‬ ‫ولهــذا خــرج املؤمتــر منــذ انفضــاض أعاملــه‬ ‫وهــو مشــلول‪ ،‬وتل ّهــت القيــادة بنزاعــات‬ ‫بــن القيــادة الجديــدة رصفتهــا عــن متابعــة‬ ‫احتياجــات الثــورة والوطــن‪ ،‬وهكــذا أنهــى‬ ‫إعــان دمشــق نفســه بنفســه‪ ،‬وأصبحــت‬ ‫الحاجــة املاســة اآلن للعمــل عــى خلــق تحالف‬ ‫وطنــي بديــل قــادر عــى متثــل األهــداف التــي‬ ‫قامــت مــن أجلهــا الثــورة الســورية واالســتجابة‬ ‫للتغــرات شــديدة التعقيــد التــي تواجههــا‪.‬‬

‫الطائفيــة رجــس مــن عمــل الســلطان منتدى موســكو لتعزيز موقف األســد‬ ‫جمال الفالح‬ ‫املدقــق يف أثــر الطائفيــة عــى ثــورات الربيــع العــريب‪،‬‬ ‫وخاصــة يف الــدول ذات التنــوع الطائفــي يكتشــف‬ ‫دون كبــر عنــاء أنهــا اســتخدمت كأداة ســلب لبصــرة‬ ‫مجتمــع يســعى للتحــرر والنهــوض‪ ،‬كــا عملــت‬ ‫عــى شــق املجتمــع بشــكل عمــودي‪ ،‬وانحيــاز كتــل‬ ‫شــعبية كاملــة لصالــح الســلطة بدافــع حاميــة الــذات‪،‬‬ ‫ال بدافــع املصلحــة‪ ،‬كــا يظــن البعــض‪ ،‬وعــى هــذا‬ ‫يبــدو لنــا أن الحديــث عــن الطائفيــة ليــس مــن بــاب‬ ‫الــرف الفكــري‪ ،‬بــل رضورة ملحــة لعلنــا نضــع يدنــا‬ ‫عــى الجــرح‪ ،‬ونجــي بعــض الحقائــق‪ ،‬فكــم مــن‬ ‫دمــاء وتضحيــات وخســائر كان ميكــن توفريهــا لــوال‬ ‫هــذا الــداء الــذي اســترشى يف جســد الثــورة‪ ،‬وحتــى‬ ‫ال تختلــط املفاهيــم ال بــد لنــا مــن إزالــة اللبــس بــن‬ ‫مفهــوم الطائفيــة كمامرســة إقصائيــة مقيتــة‪ ،‬وبــن‬ ‫االنتــاء لطائفــة‪ ،‬فــاألوىل موقــف تعصبــي لصالــح‬ ‫أبنــاء الطائفــة دون النظــر إىل أخطائهــم وخطاياهــم‬ ‫وشــيطنة اآلخريــن‪ ،‬وبخســهم فضائلهــم‪ ،‬ولســان‬ ‫الحــال كقــول الشــاعر‪:‬‬ ‫ال يسألون أخاهم حني يندبهم ‬ ‫يف النائبات عىل ما قال برهانا‬ ‫ ‬ ‫وكقــول أهــل الجاهليــة «انــر أخــاك ظاملــاً أو‬ ‫مظلومــاً»‬ ‫فالطائفيــون يــررون كل مــا يصــدر مــن أبنــاء‬ ‫طائفتهــم‪ ،‬وال ينكــرون‪ ،‬وال يســتنكرون‪ ،‬بــل يكيلــون‬ ‫مبكيالــن رغــم أنهــم يزعمــون أنهــم ضحايــا الكيــل‬ ‫مبكيالــن‪ ،‬أمــا االنتــاء املجــرد لطائفــة فهــو حــق‬ ‫مصــون يف الرشائــع الوضعيــة ورشيعــة الســاء‪.‬‬ ‫ولقــد قدمــت األنظمــة االســتبدادية أســوأ الحلــول‬ ‫إلدارة التنــوع الطائفــي‪ ،‬إذ كرســت نفســها كضامــن‬ ‫(للســلم األهــي) بالقــوة واإلكــراه و(عجــزت) عــن‬ ‫إنجــاز مــروع وطنــي قائــم عــى إرادة شــعبية حــرة‬ ‫تبلــور هويــة مجتمعيــة جامعــة‪ ،‬تحتــوي الهويــات‬ ‫الفرعيــة‪ ،‬وتحــول دون تحولهــا إىل أداة متزيــق ورصاع‬

‫ومــاذات يحتمــي بهــا النــاس لحاميــة (ذواتهــم) عــر‬ ‫خســارتها‪.‬‬ ‫كــا ســاهمت تلــك األنظمــة يف بدايــة انطــاق ثــورات‬ ‫الربيــع العــريب بــإذكاء نــار الطائفيــة عــر تغذيــة‬ ‫التيــارات الدينيــة ذات الصبغــة الطائفيــة املتشــددة‬ ‫مــن كل األطــراف للحيلولــة دون وصــول الجامهــر‬ ‫الثائــرة (للكتلــة الحرجــة) حاملــة التغيــر‪.‬‬ ‫وهــذا يفــر مــا حظــي بــه تدخــل حــزب اللــه وإيـران‬ ‫يف الــراع مــن صمــت للقــوى الطامعــة بــروات‬ ‫املنطقــة‪ ،‬والطامحــة الســتمرار تحكمهــا بالقــرار‬ ‫الســيايس عــر رشاكــة مــع أنظمــة االســتبداد‪ ،‬إذ أصبــح‬ ‫تدخلهــم عام ـاً حاس ـاً بتحويــل ال ـراع مــن نضــال‬ ‫ألجــل الحريــة والكرامــة مــع نظــم جائــرة إىل تقاتــل‬ ‫بينــي داخــل املجتمــع الواحــد‪ ،‬كــا يفــر لنــا شــكل‬ ‫ونــوع الدعــم الــذي قدمتــه بعــض األنظمــة املســتبدة‬ ‫للثــورات التــي تنــادي بالنظــام الدميقراطــي التعــددي‪،‬‬ ‫دعــم مــايل لكتائــب ذات ســلوك طائفــي‪ ،‬وإعــام‬ ‫موجــه عــر قنــوات فضائيــة إلذكاء االنقســام‪.‬‬ ‫ولعــل أهميــة موقــع ســوريا الجيوســيايس قــد جعــل‬ ‫مــن ثورتهــا جاذبــاً لتحالــف قــوى الثــورة املضــادة‪،‬‬ ‫كــا أن تركيبــة املجتمــع الســوري قــد جعلــت مــن‬ ‫ســاح الطائفيــة األمــى يف إجهــاض الثــورة‪.‬‬ ‫فــإذا ترســخ يف وعينــا أن الطائفيــة رجــس مــن عمــل‬ ‫الســلطان فعلينــا أن نعمــل جاهديــن إلرســاء خطــاب‬ ‫ثــوري جامــع يطمــن اآلخــر‪ ،‬ويســمح للتجمــع عــى‬ ‫أســاس مبــادئ الثــورة بصبغتهــا اإلنســانية واألخالقيــة‪،‬‬ ‫إذ علينــا أن نواجــه الظلــم دون أن نظلــم‪ ،‬وال ننزلــق‬ ‫يف وهــدة التأثيــم الجامعــي لفئــة معينــة يف املجتمــع‪.‬‬ ‫كــا يجــب علينــا أن نعــي أن الرصاعــات الطائفيــة ال‬ ‫منتــر فيهــا‪ ،‬وأن االنتصــار فيهــا هــو هزميــة مؤجلــة‪،‬‬ ‫أمــا االنتصــار الحقيقــي فيقــوم عــى نقــض منطــق‬ ‫الطائفيــة مبعــول العــدل الــذي ال ازدواجيــة فيــه‬ ‫والحريــة التــي ال مثنويــة فيهــا‪.‬‬

‫عبدالرحمن مطر‬ ‫بــدت لقــاءات القاهــرة‪ ،‬أشــبه‬ ‫بالنفــر يف بــوادي الريــح‪ ،‬وكذلــك‬ ‫موســكو‪ ،‬غــر أن األوىل أكــر أهمية‬ ‫وإيجابيــة‪ ،‬مــن حيــث رضورة‬ ‫التشــاور الــذي يجــب أن يحكــم‬ ‫أطـراف املعارضــة الســورية‪ ،‬لجهــة‬ ‫التوافــق عــى تصــور موحــد‪ ،‬فيــا‬ ‫يتصــل بدعــوة موســكو وخطــة دي‬ ‫ميســتورا‪.‬‬ ‫يف الواقــع‪ ،‬يجــدر باملعارضــة‬ ‫الســورية أن تلتفــت بجديــة‬ ‫ومســؤولية كاملــة‪ ،‬للبحــث يف‬ ‫آليــات بنــاء الثقــة فيــا بــن‬ ‫مكوناتهــا‪ ،‬بالتالقــي حــول املشــرك‪،‬‬ ‫مبــا يقــود إىل معالجــة االختالفــات‪،‬‬ ‫مهــا كانــت‪ ،‬مــا مينحهــا القــدرة‬ ‫عــى التحــرك يف اإلطــار الــدويل‪،‬‬ ‫كطــرف ن ـ ّد للنظــام‪ ،‬يف أي عمليــة‬ ‫تفــاوض ســيذهب إليهــا الجميــع‬ ‫دون اســتثناء‪.‬‬ ‫لكــن الصــورة والكيفيــة التــي‬ ‫عقــدت بهــا تلــك اللقــاءات‪،‬‬ ‫حملــت نوعــاً مــن تعمــد‬ ‫اإلقصــاء والتهميــش‪ ،‬ألطــراف‬ ‫دون أخــرى‪ ،‬وفقــاً لتجاذبــات‬ ‫التدخــات اإلقليميــة‪ ،‬التــي مــا‬ ‫انفكــت تأثرياتهــا تعــزز الــروخ‬ ‫واالنقســامات داخــل املعارضــة‬ ‫الســورية‪ .‬فيــا تشــر التطــورات‬ ‫أن لقــاء القاهــرة معنــي بإطــاق‬ ‫حــوار داخــي‪ ،‬بقــدر مــا هــو‬

‫متهيــد ملنتــدى موســكو وجعــل‬ ‫الطريــق إليــه ممكنــة ومرشوعــة‪،‬‬ ‫دون حــرج! وتبــدو الشــخصيات‬ ‫التــي شــاركت يف معظمهــا مثــرة‬ ‫للتســاؤل‪ ،‬حــول فاعليــة دورهــا يف‬ ‫الحــراك الوطنــي‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬ويف‬ ‫عالقــة بعضهــا مــع نظــام األســد‪،‬‬ ‫ويف موقعهــا الســيايس واالجتامعــي‬ ‫مــن حيــث انتامءاتهــا والقــوى‬ ‫التــي يفــرض أنهــا متثلهــا‪.‬‬ ‫مــن هنــا جــاء منتــدى موســكو‪،‬‬ ‫كــا القاهــرة دومنــا قيمــة مضافــة‪،‬‬ ‫يف أن يكونــا نافــذة حــوار حقيقيــة‪،‬‬ ‫متهــد جديــاً إلعــادة إطــاق‬ ‫املفاوضــات عــى أســاس جنيــف‪.1‬‬ ‫فقــد اتســم اللقــاءان مبشــاركة‬ ‫أشــخاص‪ ،‬دون تيــارات‪ ،‬فيــا كان‬ ‫النظــام طرفــاً موحــدا ً محــاورا ً‬ ‫يف موســكو‪ ،‬بغــض النظــر عــن‬ ‫مســتواه‪ .‬ومــا ي ـراد بذلــك التأكيــد‬ ‫مــن قبــل موســكو عــى تبنــي‬ ‫موقــف النظــام برفــض التعامــل‬ ‫مــع مؤسســات املعارضــة‪ ،‬أيــاً‬ ‫تكــن‪ ،‬مــا يســهل عزلهــا‪ ،‬وتعميــق‬ ‫خالفاتهــا‪ ،‬وبالتــايل الوصــول إىل‬ ‫تفاهــات كــا تريــد‪.‬‬ ‫مــن املهــم جــدا ً‪ ،‬بــل مثــة حاجــة‬ ‫ماســة ألن نذهــب إىل أي حــل‬ ‫ّ‬ ‫ســيايس‪ ،‬وهــو الحــل الــذي ال بديل‬ ‫عنــه‪ ،‬يف ظــل التطــورات‪ :‬الواقــع‬ ‫ودالالتــه‪ ،‬مــن حيــث موقــف‬ ‫املجتمــع الــدويل‪ ،‬ومعطيــات‬

‫الــراع عــى األرض‪ ،‬وضعــف‬ ‫كل األطــراف يف األزمــة الســورية‬ ‫التــي وصلــت إىل طريــق مســدود‪،‬‬ ‫ومل يعــد لــدى أحــد القــدرة عــى‬ ‫تحقيــق حســم عســكري‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك النظــام الــذي تغــدق عليــه‬ ‫موســكو وطهــران ‪ -‬وأطــراف‬ ‫أخــرى – املــال والســاح ملزيــد مــن‬ ‫ارتــكاب املجــازر وجرائــم اإلبــادة‬ ‫املنظمــة بحــق الســوريني‪ .‬يف‬ ‫الوقــت الــذي مينــع فيــه أي دعــم‬ ‫يذكــر للمعارضــة‪.‬‬ ‫مــا تريــد الوصــول إليــه موســكو‬ ‫هــو الوصــول إىل توافــق بــن‬ ‫أطــراف األزمــة الســورية‪ ،‬عــى‬ ‫أســس جديــدة للتفــاوض‪ .‬وقــد‬ ‫جــاء بيــان القاهــرة بنقاطــه‬ ‫العــرة‪ ،‬فضفاضـاً يف تأكيــده عــى‬ ‫ثوابــت الثــورة‪ ،‬لكنــه ال يغلــق‬ ‫البــاب أمــام إمكانيــة التفاهــم‬ ‫حــول القضايــا‪ ،‬مبــا يف ذلــك بقــاء‬ ‫األســد مــن عدمــه‪ ،‬يف املرحلــة‬ ‫االنتقاليــة‪.‬‬ ‫يف كل حــال‪ ،‬كل جهــد ال يكــون‬ ‫جامعيــاً‪ ،‬مبشــاركة كل األطــراف‪،‬‬ ‫ويف مقدمهــا مؤسســات املجتمــع‬ ‫املــدين‪ ،‬لــن يقــود إىل نتائــج‬ ‫ملموســة‪ ،‬والذهــاب إىل مؤمتــر‬ ‫وطنــي جامــع‪ ،‬هــو الخطــوة األوىل‬ ‫يف تحديــد املســار‪ ،‬ويف وضــع‬ ‫التصــورات واآلليــات التــي تصــل‬ ‫بنــا إىل املســتقبل‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫أحمد الرمح‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫لقاء موسكو‪ ..‬أبعاده‪ ..‬واملوقف منه؟؟‪.‬‬

‫إذا كان عــام ‪ 2014‬عــام داعــش بامتيــاز!‬ ‫فمــن املتوقــع أن يكــون عــام ‪ 2015‬عــام‬ ‫املبــادرات السياســية مــن عمــر الثــورة‬ ‫الســورية!؟‪ .‬مــا موجــود عــى ســاحة الطــرح‬ ‫اآلن‪ :‬هــو لقــاء موســكو؛ وقــد شــغل الشــارع‬ ‫كثــرا ً‪ ،‬وجعــل بعــض املعارضــة السياســية‬ ‫تضطــرب أكــر؟‪.‬‬ ‫والســؤال‪ :‬كيــف ينظــر الشــارع الثــوري‬ ‫إليــه‪ ..‬وهــل هــو محاولــة لتدويــر الزوايــا‬ ‫بــن املعارضــة والنظــام؟؟‪.‬‬ ‫يــأيت لقــاء موســكو؛ بعــد أن أصبــح األمــل‬ ‫بالحســم العســكري بعيــدا ً عــن طــريف‬ ‫ال ـراع‪ ،‬وإذا كانــت روســيا تتمتــع بحضــور‬ ‫قــوي يف املنطقــة؛ إال أن ذلــك ال يســمح‬ ‫لهــا بإهانــة املشــاعر الثوريــة للســوريني‪،‬‬ ‫واملتمثلــة بطريقــة الدعــوة واملدعويــن لــه‬ ‫ورشوطــه‪ .‬وكأنهــا مذك ـرات جلــب قضائيــة‬ ‫ملتهمــن؟؟ عــى موســكو أن تــدرك أن‬ ‫الســوريني ليــس لديهــم نيــة انبطاحيــة؛‬ ‫تجعلهــم يقبلــون بــأي يشء يقــدم لهــم‪،‬‬ ‫بذريعــة قســوة األزمــة عــى املجتمــع؛‬ ‫وحجــم الدمــار والقتــل‪.‬‬ ‫هــذا اللقــاء دخــل غرفــة اإلنعــاش قبــل‬ ‫والدتــه! وإمــارات موتــه وفشــله أكــر بكثــر‬ ‫مــن عالمــات حياتــه ألســباب موضوعيــة‪،‬‬ ‫منهــا‪ :‬أن موســكو يُنظــر إليهــا مــن الشــارع‬ ‫الســوري عــى أنهــا رشيكــة يف ســفك دم‬ ‫الســوريني وتدمــر بالدهــم‪ .‬وهــذا يعنــي‬ ‫أنهــا جــزء مــن املشــكلة وليــس الحــل‪.‬‬ ‫كــا أن موســكو قالــت عــن هــذا اللقــاء‬ ‫بأنــه حــوار ال مفاوضــات؟؟‪ .‬والفــارق كبــر؟‪.‬‬ ‫فاملفاوضــات تعقــد يف حــال قبــول طــريف‬ ‫النـزاع نتيجــة الحــل‪ ،‬ليجــري التفــاوض عــى‬ ‫جزئياتــه وحيثياتــه للوصــول إىل نتيجــة تــم‬ ‫االتفــاق عليهــا مســبقاً‪ .‬أمــا الحوار(وهــو مــا‬ ‫تريــده موســكو) فيكــون بــن طرفــن لــكل‬

‫طارق عبد الغفور‬ ‫تهتــم مواقــع التواصــل االجتامعــي‪،‬‬ ‫وبعــض القنــوات الفضائيــة‪ ،‬وبعــض الصحافــة‬ ‫املقــروءة‪ ،‬يف هــذه األيــام مبــا يطلــق عليــه‬ ‫البعــض «املبــادرة الروســية»‪ ،‬وإن كان بعضهــم‪،‬‬ ‫والــروس أنفســهم يــرددون يف إضفــاء صفــة‬ ‫املبــادرة عــى هــذا املســعى الــرويس‪.‬‬ ‫وال يجــادل أحــد يف أن هــذا هــو موضــوع‬ ‫الســاعة عــى الســاحة الســورية‪ ,‬وأنــه جديــر‬ ‫بــأن تســلط عليــه األضــواء نقــاً لألخبــار‬ ‫وتحليــاً لهــا‪.‬‬ ‫وهــذا املســعى الــرويس ‪ -‬ولنتفــق عــى‬ ‫تســميته كذلــك ‪ -‬يحمــل الكثــر مــن النقــاط‬ ‫التــي تثــر الجــدل‪ ,‬منهــا مــا يتعلــق باملســعى‬ ‫نفســه‪ ,‬فهــم ‪ -‬أي الــروس ‪ -‬وبنــاء عــى‬ ‫منطــوق الدعــوة الرســمية للخارجيــة الروســية‬ ‫التــي تعتــر الحــوار الســوري ‪ -‬الســوري دون‬ ‫رشوط مســبقة ســبيالً وحيــدا ً مي ّكــن مــن إيجاد‬ ‫الحلــول امللحــة‪ ,‬وتدعــو فالنــاً للمشــاركة‬ ‫يف إطــاق اتصــاالت متهيديــة بــن النظــام‬ ‫واملعارضــة‪ ,‬يدعــون الســوريني إىل الحــوار ال‬ ‫إىل التفــاوض‪ ,‬وهنــاك فــرق بــن املصطلحــن‪,‬‬ ‫فليــس بالــرورة أن يفــي األول إىل اتفــاق‪,‬‬ ‫وقــد يفــي إليــه‪ ,‬ومــن طبيعــة الثــاين أن‬ ‫يفــي إىل اتفــاق‪ ,‬ســواء طــال مــداه أم قــر‪,‬‬ ‫وقــد ال يفــي إليــه‪ .‬فدعوتهــم الســوريني إىل‬

‫منهــا وجهــة نظــر؛ إمــا أن يتفقــا عــى‬ ‫وجهــة نظــر واحــدة؛ أو يبقــى كل طــرف‬ ‫متمســكاً برؤيتــه‪ ،‬أو تحــدث بينهــا قواســم‬ ‫مشــركة نتيجــة الحــوار‪ ..‬وهــذا ليــس‬ ‫مخرجـاً للـراع إمنــا تدويــر لزوايــاه الحــادة‬ ‫التــي يتمســك بهــا طرفــا الن ـزاع يف ســوريا‪.‬‬ ‫النظــام يعيــش أزمــة اقتصاديــة واجتامعيــة؛‬ ‫ناهيــك عــن إرهــاق عســكري أصــاب جيشــه‬ ‫وميليشــياته‪ ،‬وهــو اآلن يريــد تصديــر أزمتــه‬ ‫مســتغالً األوضــاع املأســاوية للســوريني‬ ‫ــر الســيايس للثــورة‬ ‫إضافــة إىل فشــل امل ُ َع ِّ‬

‫التفــاوض فيــا بعــد متهيئــة نفســياً لتســوية‬ ‫سياســية للــراع؛ وليــس حــاً؟! وهــذا مــا‬ ‫متيــل إليــه أطـراف إقليميــة ودوليــة‪ .‬فغالبية‬ ‫الــدول العربيــة (باســتثناء الســعودية وقطر)‬ ‫تــرى بــأن إعــادة إنتــاج النظــام أقــل كلفــة‬ ‫مــن قبــول البديــل الثــوري الــذي ال يتوافــق‬ ‫مــع أجنداتهــا‪ ،‬يُضــاف إىل ذلــك الــرىض‬ ‫الــدويل بالفكــرة؛ خصوصــاً وأن األمريــكان‬ ‫ليــس لديهــم مــا يقدمونــه للســوريني؟ وقــد‬ ‫رصحــوا بذلــك مـرارا ً! وهــذا أثبتته سياســتهم‬ ‫تجــاه الحالــة الســورية؛ كــا أن الــروس‬

‫كــا تســاهم بتقدميهــا للــرأي العــام عــى‬ ‫أنهــا فعــاً متفرقــة ومشــتتة ‪.‬‬ ‫وتقــول ترسيبــات إعالميــة‪ :‬إن الــروس‬ ‫قدمــوا أســاء املعارضــن املقرتحــن للمؤمتــر‬ ‫إىل موســكو للنظــام؛ فاعــرض عــى األســاء‬ ‫التــي يراهــا معوقــة لهــدف اللقــاء؟!‪ .‬وهــذا‬ ‫إ ْن صــح‪ ..‬فــإن اللقــاء يُــراد منــه تســوية‬ ‫سياســية؛ تذهــب بتضحيــات الشــعب‬ ‫الســوري هبــا ًء وتعيــد إنتــاج النظــام‬ ‫بالشــكل الــذي يتمنــاه‪.‬‬ ‫كــا أن الــروس اشــرطوا عــى فريقــي‬

‫املتمثــل باالئتــاف وهيئــة التنســيق وفقــدان‬ ‫البعــد الشــعبي لهــا؛ إلعــادة إنتــاج نفســه‬ ‫مــن خــال مبــادرات يقدمهــا حلفــاؤه‬ ‫باتفاقــات رديئــة؛ لعلهــا تخرجــه مــا يعــاين‪.‬‬ ‫هنــاك بعــد نفــي للقــاء موســكو؟ ليــس يف‬ ‫صالــح الثــورة‪:‬‬ ‫إذ يُــراد منــه كــر الحاجــز الجليــدي بــن‬ ‫طــريف الــراع حتــى يقبــل كل منهــا‬ ‫اآلخــر؟‪ .‬عــى غـرار مــا حــدث للفلســطينيني‬ ‫واإلرسائيليــن قُبيــل أوســلو؛ لتكــون طاولــة‬

‫واإليرانيــن غــر مســتعدين للتخــي عــن‬ ‫النظــام رغــم األزمــات التــي تواجههــا؟‪.‬‬ ‫وعندمــا نحكــم عــى لقــاء موســكو بالفشــل؛‬ ‫ليــس ذلــك مــن بــاب التنجيــم والتخمــن‪،‬‬ ‫إمنــا لوقائــع صــدرت مــن الــروس أنفســهم!‬ ‫إذ أنهــم اشــرطوا حضــور املعارضــة‬ ‫كشــخصيات منفــردة؛ ال كيانــات سياســية‬ ‫لهــا صفتهــا االعتباريــة؛ وهــذه مســألة‬ ‫شــديدة األهميــة يف اللقــاء‪ ،‬ألنهــا ت ُفقــد‬ ‫املعارضــة وحــدة الــرأي واملوقــف والتنســيق؛‬

‫اللقــاء أن ال يضعــوا رشوطــاً لحضورهــم!‪.‬‬ ‫وعــدم الــرط رشطٌ؛ ومــن عالمــات الفشــل‬ ‫كذلــك فــإن الــروس اشــرطوا عــى األمريــكان‬ ‫للمــي قدمــاً يف حــل امللفــن الســوري‬ ‫واإليــراين؛ أن يرفــع األمريــكان العقوبــات‬ ‫األخــرة التــي وضعوهــا ضــد نظــام بوتــن!؟‪.‬‬ ‫األخطــر مــن ذلــك يف حــال فشــل اللقــاء‬ ‫كــا هــو متوقــع؛ ســيجعل الشــارع الثــوري‬ ‫الســوري ينظــر إىل املعارضــة يف حــال‬ ‫حضورهــا عــى أنهــا فاشــلة يف كل يشء‪،‬‬

‫وال أمــل فيهــا أو منهــا؟‪ .‬عندئــذ ســتكون‬ ‫األرضيــة متهيئــة ملبــادرات مثــل مبــادرة‬ ‫دي مســتورا أو غريهــا؛ ليكــون التفــاوض‬ ‫املســتقبيل مــع َمــ ْن هــم عــى األرض مــن‬ ‫كيانــات عســكرية متفرقــة‪ ،‬وهــذا مــا فعلــه‬ ‫ٍ‬ ‫عندئــذ ســتكون هنــاك‬ ‫دي مســتورا متامــاً؛‬ ‫اتفاقــات متعــددة؛ ومفاوضــات متنوعــة؛‬ ‫وســنوات أخــرى تعمــق جــراح الســوريني‬ ‫واختالفاتهــم‪.‬‬ ‫إن لقــاء موســكو هــو محاولــة لتدويــر‬ ‫الزوايــا الحــادة بــن النظــام واملعارضــة؛‬ ‫لتهيئــة رأي عــام؛ تتــم صناعتــه مــن خــال‬ ‫حمــات إعالميــة تدعــو للتســوية السياســية‬ ‫تحــت ذرائــع إنســانية وخــوف عــى الــدول‬ ‫اإلقليميــة مــن تداعيــات الــراع الســوري؛‬ ‫تجعــل تضحيــات الســوريني تذهــب بــا‬ ‫مقابــل‪ ،‬بذريعــة تفاقــم الــراع إنســانياً‬ ‫ومعانــاة املهجريــن والنازحــن واملحارصين؟‪.‬‬ ‫وأمــام هــذه اللحظــة التاريخيــة التــي‬ ‫ترســم مســتقبل الثــورة ورشعيــة املعارضــة‬ ‫السياســية؛ وحتــى ال نقــع يف فخــاخ‬ ‫املبــادرات ومــا وراءهــا ينبغــي عــى‬ ‫املعارضــة السياســية أن تســارع إىل الدعــوة‬ ‫ملؤمتــر وطنــي؛ ت ُدعــى إليــه كل أطــراف‬ ‫املعارضــة الوطنيــة لتضــع خارطــة طريــق‬ ‫للخــروج مــن األزمــة؛ تتضمــن الربنامــج‬ ‫الســيايس الــذي يكــون دليــل السياســيني‬ ‫أمــام أيــة مبــادرة تُقــدم إليهــم؛ يتمتــع‬ ‫مبرونــة سياســية وصالبــة يف املبــادئ؛ كــا‬ ‫يلحــظ التفريــق مــا بــن العقليــة السياســية‬ ‫الواقعيــة واالس ـراتيجية املنشــودة التحقــق؛‬ ‫للوصــول إىل أهــداف عاجلــة كإطــاق‬ ‫املعتقلــن وعــودة املهجريــن والنازحــن‪،‬‬ ‫وفــك الحصــار عــن املحارصيــن؛ دون أن‬ ‫يكــون ذلــك عــى حســاب االســراتيجية‬ ‫الثوريــة املتمثلــة برحيــل النظــام‪.‬‬

‫إىل موسكو مع كرهي‬ ‫الحــوار إذا تضــع يف حســبانها مســبقاً نتيجــة‬ ‫عــدم التوصــل إىل اتفــاق بالنظــر إىل املواقــف‬ ‫املســبقة التــي ينطلــق منهــا النظــام واألهــداف‬ ‫املســبقة واملعلنــة التــي يســعى إليهــا‪ ,‬فالنظــام‬ ‫وعــى لســان رئيســه ال يعــرف بوجــود ثــورة‬ ‫يف البــاد ويصــف الشــعب كلــه تقريب ـاً بأنــه‬ ‫إرهــايب‪ ,‬ويريــد مــن الثائريــن عليــه أن يلقــوا‬ ‫ســاحهم وأن يعــودوا إىل حضنــه فيتفضــل‬ ‫عليهــم مبــا يريــد ال مبــا يســتحقون‪.‬‬ ‫والــروس يف مســعاهم يدعــون املعارضــن إىل‬ ‫الحــوار بصفتهــم الشــخصية‪ ,‬أي مبــا هــم أفـراد‬ ‫معارضــون ال كيانــاً أو كيانــات معارضــة‪ ,‬وإن‬ ‫كانــت هــذه حتــى إذا دعيــت بصفتهــا ال‬ ‫متــارس ســلطة حقيقيــة عــى األرض تســتطيع‬ ‫مــن خاللهــا تنفيــذ مــا يتفــق عليــه‪ ,‬فــا بالنــا‬ ‫باألفــراد املعارضــن؟!‬ ‫والــروس ميارســون التدليــس الســيايس عندمــا‬ ‫يذكــرون يف دعوتهــم إىل الحــوار أنــه ســيكون‬ ‫عــى أســاس مبــادئ إعــان جنيــف‪ 1‬املــؤرخ‬ ‫يف األول مــن حزيــران ‪ .2012‬تلــك املبــادئ‬ ‫الغامضــة فيــا يتعلــق بهيئــة الحكــم االنتقالية‬ ‫التــي يختلفــون عــى تفســرها مــع الغربيــن‬ ‫ويقدمونهــا هنــا عــى أســاس تفســرهم لهــا‬ ‫فيــا يتعلــق ببقــاء األســد‪ ،‬ويريــدون أن تنزلــق‬ ‫املعارضــة إىل الحــوار ثــم االتفــاق معــه‪.‬‬ ‫والــروس يقولــون‪ :‬إنــه حــوار بــن الســوريني‬

‫دون أن يتدخلــوا فيــه‪ ,‬ثــم تجــيء ترصيحــات‬ ‫مســؤوليهم لتعلــن أن مســألة بقــاء األســد يف‬ ‫الســلطة أمــر غــر مطــروح للنقــاش يف هــذا‬ ‫الحــوار‪.‬‬ ‫ملــاذا يــر الــروس عــى إمتــام هــذا الحــوار؟‬ ‫الجــواب أجمــع عليــه املحللــون السياســيون‬ ‫الذيــن تناولــوه‪ .‬إنهــم يريــدون أن يذكّــروا‬ ‫الغــرب واألمريــكان بخاصــة‪ ،‬بأنهــم مــا زالــوا‬ ‫موجوديــن وأنهــم مــا زالــوا يســتطيعون التأثري‪.‬‬ ‫وهنــا يطــرح ســؤال‪ :‬هــل تســتحق هــذه‬ ‫األهــداف أن تغامــر مــن أجلهــا دولــة‪ ،‬تقــول‬ ‫إنهــا عظمــى‪ ،‬مبســعى الحــت بــوادر فشــله‬ ‫قبــل أن يُعقــد عندمــا أعلــن االئتــاف أنــه لــن‬ ‫يحــره وأعلنــت روســيا أنهــا ســتعقده مبــن‬ ‫حــر؟ أليــس هــذا دلي ـاً عــى حجــم املــأزق‬ ‫الضخــم الــذي متــر بــه روســيا مــا يصــح معــه‬ ‫القــول إن الغريــق يتعلــق بالقشــة؟‬ ‫ومــن النقــاط التــي تثــر الجــدل مــا يتعلــق‬ ‫بأمريــكا‪ ،‬وهــي التــي تصــح تســميتها باملمثــل‬ ‫الوحيــد ولســنا نــدري إن كان رشعيــاً أم‬ ‫ال ‪ -‬مــع االعتــذار مــن االئتــاف ‪ -‬وينطلــق‬ ‫موقفهــا مــن املســعى الــرويس مــن سياســتها‬ ‫الالأخالقيــة ليــس تجــاه الشــعب الســوري‬ ‫فحســب‪ ,‬بــل تجــاه القيــم األمريكيــة التــي‬ ‫يتغنــى بهــا مفكروهــا وتســعى إدارتهــا إىل‬ ‫نرشهــا يف أرجــاء العــامل‪ ,‬وال نقــول لفرضهــا‬

‫عــى العــامل‪ .‬أمريــكا ال متانــع يف ســعي الــروس‬ ‫إىل إيجــاد حــل ســيايس لألزمــة الســورية‪ ،‬وهــي‬ ‫تعلــم متام ـاً أن هــذا املســعى ســوف يفشــل‪,‬‬ ‫وأن فشــله ســيفاقم حــدة املــأزق الــرويس مــا‬ ‫ســيزيد مــن ســلبية التأثــر عــى مكانــة روســيا‬ ‫يف املنطقــة‪ ,‬األمــر الــذي يصــب يف النهايــة يف‬ ‫مصلحــة أمريــكا‪.‬‬ ‫وتركــب األمــم املتحــدة يف القطــار األمريــي‪،‬‬ ‫وتدعــم هــي األخــرى املســعى الــرويس وتدعــو‬ ‫موســكو املبعــوث األممــي دميســتورا إىل حضور‬ ‫الحــوار ويقــرر ســيادته إرســال موفــدا ً عنــه‪.‬‬ ‫أي دليــل أكــر ســطوعاً مــن هــذا عــى فقــدان‬ ‫الثقــة يف مــا ســينجم عــن هــذا الحــوار مــن‬ ‫نتائــج؟‬ ‫ويف مــا يتعلــق باملعارضــة التــي ال يــر حالهــا‬ ‫الصديــق ويــر العــدو‪ ,‬فقــد أحســنت قيــادة‬ ‫االئتــاف بإعالنهــا أنهــا لــن تذهب إىل موســكو‪،‬‬ ‫وهــو مــا ميكــن أن يســهم يف عرقلــة مــا ينتظــر‬ ‫مــن لقــاء القاهــرة مــن حيــث توحيــد كيانــات‬ ‫املعارضــة يف رؤيــة مشــركة وخارطــة طريــق‬ ‫كان يفــرض أن تذهــب بهــا إىل موســكو‪.‬‬ ‫إســدال ســتار مــن الصمــت حتــى اآلن عــى‬ ‫لقــاء القاهــرة املزمــع‪ ،‬والــذي قــد ال يعقــد – ال‬ ‫ســمح اللــه ‪ -‬يــدل عــى أن الهــدف األســاس‬ ‫منــه ليــس التوصــل إىل رؤيــة موحــدة بقــدر‬ ‫مــا هــو مناســبة لتســجيل نقــاط لصالــح فريــق‬

‫التنســيق ضــد فريــق االئتــاف مــا ســيتبني‬ ‫معــه يف حــال مــا تــم حــوار موســكو بالشــكل‬ ‫الــذي تريــده‪ ,‬أنــه إقــرار مبــا كان فريــق‬ ‫التنســيق ينــادي بــه‪ :‬الحــل عــر التفــاوض‬ ‫مــع النظــام‪ .‬هنــا نذكــر قــول هيثــم منــاع‬ ‫أحــد أقطــاب التنســيق‪ :‬إن قــوى املعارضــة‬ ‫الوطنيــة جاهــزة لالنتقــال إىل الحــل الســلمي‬ ‫الدميقراطــي يف ســورية‪ ,‬األمــر الــذي يعيــد إىل‬ ‫األذهــان الحكايــة املعروفــة يف الــراث عــن‬ ‫خطبــة ابــن الخبــاز لبنــت الســلطان‪.‬‬ ‫وعــى الرغــم مــن االنتقــادات التــي وجههــا‬ ‫منــذر خــدام وهــو أحــد قيــادات فريــق‬ ‫التنســيق للمســعى الــرويس عــى صفحتــه عــى‬ ‫الفيــس بــوك إال أنــه مل يغلــق البــاب يف وجهــه‬ ‫متام ـاً بــل تركــه موارب ـاً‪.‬‬ ‫مــا مل تنضــم هيئــة التنســيق إىل الكيانــات‬ ‫املعارضــة األخــرى وترفــض املســعى الــرويس‪,‬‬ ‫فــإن الشــك ســوف يحــوم حــول الجــدوى مــن‬ ‫لقــاء القاهــرة وحــول نتائجــه‪ ,‬وإذا كانــت‬ ‫موســكو بدعمهــا للنظــام خــال الســنوات‬ ‫املاضيــة رشيكــة يف جرامئــه‪ ,‬وإذا كانــت‬ ‫موســكو تستشــعر صعوبــة التحــرك يف وحــول‬ ‫مــأزق النظــام‪ ,‬فلــاذا تعطيهــا املعارضــة‬ ‫فرصــة التخلــص مــا وضعــت نفســها فيــه؟‬ ‫هــل ســؤال كهــذا يحتــاج إىل عظيــم جهــد‬ ‫لإلجابــة عليــه؟‬

‫حرمل الفكر والسياسة‬

‫دفاعا عن عبد الباسط ساروت‬ ‫د‪ .‬كمال اللبواني‬ ‫مل يكــن إال وطنيــاً عندمــا عمــل‬ ‫كريــايض‪ ،‬ومل يكــن إال رجــل شــارع‬ ‫عندمــا ســار مــع مشــجعيه يف‬ ‫مظاهراتهــم التــي تطالــب بحقوقهــم‪،‬‬ ‫ومطربهــم عندمــا اكتشــفوا موهبتــه يف‬ ‫الهتــاف والغنــاء‪ ،‬ومل يكــن جبانـاً عندمــا‬ ‫صمــد وقاتــل مــع أهــل حمــص حتــى‬ ‫مل يبــق معنــى مــن معــاين الصمــود‬ ‫إال وبلغــه‪ ...‬بعــد ذلــك وبعــد ســنوات‬ ‫مــن الجــوع والحصــار‪ ،‬وبعــد أن فقــد‬ ‫الصديــق والقريــب واألخ والشــقيق‪،‬‬ ‫وفقــد الحــي‪ ،‬خــرج بصفقــة مشــبوهة‬ ‫لــرى الخيانــة والغــدر والتجــارة‪ ،‬فقــرر‬ ‫العــودة إىل حمــص‪ ،‬وعندمــا مل يجــد مــن‬ ‫يريــد حمــص أو يتذكرهــا‪ ،‬أو يتذكــر‬ ‫شــهداءها الذيــن يرصخــون مــع قــر‬ ‫خالــد‪ ،‬بايــع الســاح الــذي قــد يعطيــه‬ ‫أمــاً يف العــودة ألزقتهــا حيــث املــكان‬ ‫الوحيــد للــرف والكرامــة‪ ..‬مل يكــن أمام‬ ‫الشــعب الســوري خيــارات لــي يختــار‪،‬‬ ‫بــل كانــت أمامــه عــى الــدوام مــرارة‬ ‫االستســام للنظــام‪ ،‬أو ظلــم العمــل‬ ‫تحــت هيمنــة الصغــار والتافهــن‪ ،‬أو‬ ‫عليــه مبايعــة املتطرفــن الذيــن وحدهــم‬

‫يجيــدون تأمــن املــوارد‪.‬‬ ‫حمــص عاصمــة الثــورة وعبــد الباســط‬ ‫رمزهــا‪ ،‬ومــن ضيــع البوصلــة فليبحــث‬ ‫عــن عبــد الباســط‪ ،‬أمــا مــن هــو خــارج‬ ‫املعركــة‪ ،‬ويبحــث عــن مــكان مناســب‬ ‫للعيــش خــارج ســوريا فيختــار مــا يحلــو‬ ‫لــه‪ ،‬لكــن مــن يريــد حمــص‪ ،‬ومــن ال‬

‫يقبــل العيــش إال بحمــص فعليــه أن‬ ‫يقاتــل مــن أجــل اســتعادتها‪ ،‬واملقاتــل ال‬ ‫يختــار بــل يرتــدي أي لبــاس ويســتعمل‬ ‫أي ســاح مناســب ملعركتــه‪ ..‬حمــص‬ ‫التــي تخــى عنهــا ريفهــا وجريانهــا‪،‬‬ ‫وتخلــت عنهــا املعارضــة‪ ،‬وســلمت‬ ‫فارغــة لشــبيحة إيــران لتســتوطنها‪،‬‬

‫تســترصخ كل قطــرة دم يف عــروق‬ ‫الســاروت العاشــق فيذهــب إليهــا مــع‬ ‫مــن يريــد الذهــاب كائن ـاً مــن كان‪ ،‬وال‬ ‫يجلــس يندبهــا مــع مــن تعــود النــدب‪..‬‬ ‫حمــص معركــة وجــود‪ ،‬وليســت خيارات‬ ‫بــن ألــوان أيديولوجيــة ال فــارق بينهــا‪..‬‬ ‫وتتغــر يف أي لحظــة‪ ،‬لكنهــا تفقــد‬ ‫جميعـاً قيمتهــا مــن دون وطــن ومدينــة‬ ‫وحــي وســكان‪ ..‬مــاذا يربــح الســاروت‬ ‫إن ربــح الثنــاء الــدويل وخــر حمــص‪،‬‬ ‫ومــاذا يخــر غــر خيانــة حمــص لــو‬ ‫خــر الثنــاء الــدويل؟ التطــرف مل يكــن‬ ‫خيــارا ً اختــاره الكثــر مــن أبنائنــا‪ ،‬الذيــن‬ ‫ثــاروا مــن أجــل الحريــة وليــس مــن‬ ‫أجــل الجهــاد العاملــي‪ ،‬لكــن العــامل كلــه‬ ‫تآمــر عــى ثورتهــم‪ ،‬فحولهــم ملجاهديــن‬ ‫ال يقبلــون الــذل والهــوان وال أن يصبحــوا‬ ‫ســكان مخيــات حتــى املــات‪ ..‬خلــوا‬ ‫بــن الرجــل وعشــيقته فحمــص هــي‬ ‫الســاروت والســاروت هــو حمــص‪،‬‬ ‫وهــو مــؤرش بوصلــة الثــورة‪ ،‬ومــن أراد‬ ‫اســرجاع الســاروت عليــه أن يلحــق بــه‬ ‫لجبهــات حمــص ســيجده هنــاك يهتــف‬ ‫لحمــص العديــة‪.‬‬

‫زحمــة مبادرات‪ ..‬وإشــارات مــرور معطلة‪!..‬‬ ‫راشد صطوف‬ ‫يبــدو الوضــع الســوري يف هــذه األيــام هدفــاً لبــازار‬ ‫ســيايس غــر مســبوق؟!‪ ..‬فمــن مبــادرة املبعــوث الــدويل‬ ‫الســيد دميســتورا‪ ،‬إىل االندفاعــة الروســية املحمومــة‪،‬‬ ‫بالتزامــن مــع حيويــة مرصيــة مفاجئــة؟!‪ ..‬ومل يقتــر‬ ‫األمــر عــى القــوى الدوليــة واإلقليميــة فحســب‪ ،‬بــل أن‬ ‫بعــض األفــراد الطموحــن أدلــوا بدلوهــم أيضــاً كالســيد‬ ‫معــاذ الخطيــب عــى ســبيل املثــال؟!‪..‬‬ ‫فــا الــذي يدفــع بــكل هــذه القــوى إىل هــذا النشــاط‬ ‫االســتثنايئ يف هــذه املرحلــة بالــذات‪ ،‬مــع أن الجميــع‬ ‫يــدرك أن معطيــات الــراع ال تشــر إىل إمكانيــة إنجــاز‬ ‫حــل ســيايس قريــب‪ ،‬وال حتــى تســوية سياســية قابلــة‬ ‫للحــد األدىن مــن الحيــاة؟!‪..‬‬ ‫ومــن الالفــت أن العديــد مــن هــذه املبــادرات ليســت‬ ‫واضحــة املعــامل بعــد‪ ،‬ومل تــزل معطياتهــا ودوافعهــا أقــرب‬ ‫إىل األحجيــة منهــا إىل املــروع الســيايس؟!‪ ..‬والالعــب‬ ‫الــدويل األبــرز‪ ..‬أي الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬تبــدو‬ ‫أقــرب إىل املتفــرج واملراقــب مــن بعيــد‪ ،‬دون أن تبــدي‬ ‫أيــة إشــارات ســلبية كانــت أم إيجابيــة إزاء هــذا البــازار‪..‬‬ ‫ومــع ذلــك ميكــن تلمــس بعــض الوقائــع التــي قــد تســاعد‬ ‫يف توضيــح بعــض جوانــب هــذه الصــورة وســياقها‪..‬‬ ‫عــى املســتوى الداخــي أصبــح وضــع النظــام بالــغ‬ ‫الهشاشــة عــى كافــة املســتويات ويف كافــة الجبهــات‪،‬‬ ‫وباتــت كلفــة الدفــاع عنــه باهظــة أكــر فأكــر بالنســبة‬ ‫لحلفائــه اإلقليميــن والدوليــن‪ ..‬خصوصاً بعد معــارك وادي‬ ‫الضيــف ونبــل والزه ـراء يف الشــال‪ ..‬ومعركــة الكســوة يف‬ ‫الجنــوب‪ ..‬حيــث بــات واضح ـاً أن زمــن املعــارك الخلبيــة‬ ‫قــد انتهــى بعــد ســيطرة جبهــة النــرة عــى العديــد مــن‬ ‫الجبهــات يف الشــال (وكان مــن أبــرز نتائجهــا املبــارشة‬ ‫بعــرة أوراق خطــة تجميــد الــراع يف مدينــة حلــب)‪.‬‬ ‫فالوضــع العســكري امليــداين بــات يحمــل يف طياتــه إمكانية‬ ‫لهزائــم عســكرية متســارعة للنظــام وحلفائــه‪ ..‬يضــاف إىل‬ ‫ذلــك خســارة النظــام للكثــر مــن املــوارد البرشيــة واملاديــة‬

‫التــي تســاعده‪ ،‬وســاعدته يف حــرب االســتنزاف والتدمــر‬ ‫التــي نجــح عــر الســنوات املاضيــة مــن خاللهــا يف توظيــف‬ ‫الوقــت لصالحــه ولصالــح حلفائــه‪..‬‬ ‫التبــدل الهــام يف لوحــة ال ـراع‪ ،‬حيــث أصبحــت القــوى‬ ‫املتطرفــة‪ ،‬باســتثناء جبهــة الجنــوب‪ ،‬هــي العنــر الفاعــل‬ ‫واألكــر قــوة وســيطرة‪..‬‬ ‫واقــع االئتــاف املــزري والتمزقــات الفئويــة البائســة التــي‬ ‫يعــاين منهــا والتــي تغــري‪ ،‬وأغــرت‪ ،‬األط ـراف األخــرى إىل‬ ‫اســتغالل هــذا الوضــع عــر دفــع االئتــاف إىل تقديــم‬ ‫تنــازالت سياســية جوهريــة‪ ،‬أو عــى األقــل تعميــق‬ ‫رشوخاتــه الذاتيــة وصــوالً إىل تفتيتــه وإنهــاء دوره كطــرف‬ ‫ســيايس ال ميكــن تجــاوزه يف أيــة تســوية سياســية ممكنــة‪.‬‬ ‫األزمــة اإلنســانية املرعبــة التــي تضغــط عــى قــوى الثــورة‬ ‫يف صــرورة متــي باتجــاه املزيــد مــن التعفــن واالحبــاط‬ ‫والتدمــر‪.‬‬ ‫أمــا عــى الصعيــد الــدويل واإلقليمــي‪ ..‬فمــن الواضــح أوالً‬ ‫أن االســراتيجية الدوليــة يف محاربــة اإلرهــاب تعــاين يف‬ ‫الســاحة الســورية مــن عطبــن أساســيني‪ ..‬األول ويتمثــل يف‬ ‫تجاهلهــا للنظــام بوصفــه أســاس وجــذر مشــكلة التطــرف‬ ‫عــى الســاحة الســورية‪ ،‬والثــاين يتجــى يف افتقارهــا إىل‬ ‫األدوات امليدانيــة عســكرياً وسياســياً إلنجــاح مرشوعهــا‪..‬‬ ‫وهــي ســرحب بالتــايل وإن يكــن بتحفــظ أو صمــت بــكل‬ ‫مــا مــن شــأنه أن مينحهــا مزيــدا ً مــن الوقــت لرتتيــب‬ ‫أوراقهــا امليدانيــة الفاعلــة‪ ..‬خصوصـاً بعــد أن بــات واضحـاً‬ ‫أنهــا ليســت بصــدد تقديــم تنــازالت ذات قيمــة للمطالــب‬ ‫الرتكيــة كــرط الندراجهــا يف هــذه االس ـراتيجية‪ ..‬والتــي‬ ‫كان ميكــن لهــا أن تغـ ّـر إىل حــد كبــر مــن معــدالت الـراع‬ ‫عــى األرض‪ ،‬فيــا لــو تــم التعاطــي معهــا مبرونــة أعــى‬ ‫وصــوالً إىل حلــول توافقيــة مشــركة تلبــي مصالــح ورؤيــة‬ ‫الطرفــن ملتطلبــات اللحظــة الراهنــة‪..‬‬ ‫أمــا فيــا يخــص حلفــاء النظــام‪ ..‬فالجميــع بــات يــدرك‬ ‫حجــم الضغــط الــذي يشــكله تراجــع أســعار النفــط عــى‬ ‫النظامــن اإليــراين والــرويس بوصفهــا نظامــن ريعيــن‬

‫يف املقــام األول‪ ..‬مــا يضطرهــا للبحــث عــن حلــول‬ ‫ألزماتهــا‪ ،‬مبــا يف ذلــك أزمــة حليفهــا النظــام الســوري‪،‬‬ ‫مبــا يقلــل مــن حجــم الخســائر يف الحــدود الدنيــا املقبولــة‪،‬‬ ‫خوفـاً مــن اضطرارهــا إىل تقديــم تنــازالت مؤملــة وال مفــر‬ ‫منهــا يف املســتقبل‪ ،‬يف اســتمرار تدهــور وتفاقــم مشــاكلهام‬ ‫يف املســتقبل‪..‬‬ ‫إذا ً‪ ..‬يبــدو جلي ـاً أن هــذا البــازار يتجــه إىل تشــكيل حالــة‬ ‫متثيليــة للثــورة الســورية تتجــاوز كل الهيئــات القامئــة‪،‬‬ ‫يكــون ســقف مرشوعهــا الســيايس أدىن بكثــر مــن الحــد‬ ‫األدىن ملطلــب الثــورة الســورية بحيــث تتوافــق مــع‬ ‫ترتيبــات تســووية يعــد بصمــت ومــن تحــت الطاولــة‪..‬‬ ‫وجميعهــا يف نهايــة املطــاف ال تخــدم وال تصــب يف مصلحــة‬ ‫الثــورة‪..‬‬

‫‪9‬‬

‫نقطة أول السطر‬

‫هوامش وإشارات‬ ‫الشاوي الضليل‬

‫هامش ‪-1-‬‬ ‫مؤمتــر القاهــرة وحضــور شــخصيات ســورية‬ ‫(معارضــة)‪ ،‬بعضهــا ميثــل كتــاً (كتــل مــن اجتــاع‬ ‫أفــراد)‪ ،‬وأفــراد الزالــوا عــى اتصــال وثيــق بالنظــام‬ ‫عــى الرغــم مــن انشــقاقهم رســمياً عنــه‪.‬‬ ‫إشارة ‪-1-‬‬ ‫زيــارة خالــد خوجــا رئيــس االئتــاف‪ ،‬ووزيــر الدفــاع‬ ‫ســليم إدريــس ملناطــق يف الالذقيــة‪ ،‬تســيطر عليهــا‬ ‫قــوات عســكرية معارضــة‪ ،‬متــارس عليهــا تركيــا نفــوذا ً‬ ‫ألســباب متعــددة‪.‬‬ ‫هامش ‪-2-‬‬ ‫منتــدى موســكو للحــوار بــن ممثلــن عــن النظــام‪،‬‬ ‫وبعــض األفــراد بصفتهــم الشــخصية‪ ،‬وبرعايــة‬ ‫روســيا الرشيــك األول يف قتــل الســوريني وتدمــر‬ ‫مدنهــم‪ ،‬حيــث أنــه رافــق التحضــر لــه الكثــر مــن‬ ‫النقــد‪ ،‬واعتــذار الكثــر مــن األفــراد املدعويــن لــه‪،‬‬ ‫العتقادهــم أنــه ال جــدوى مــن التحــاور‪ ،‬بــل يجــب‬ ‫الجلــوس للتفــاوض وبرعايــة وضامنــات دوليــة‪ ،‬وعــى‬ ‫أرضيــة جنيــف(‪.)1‬‬ ‫إشارة ‪-2-‬‬ ‫زهــران علــوش يقصــف دمشــق‪ ،‬والالذقيــة‬ ‫بالصواريــخ‪ ،‬ويعلــن يف مؤمتــره الصحفــي مــن مدينــة‬ ‫دومــا‪ ،‬أن قصــف جيشــه لدمشــق ال عالقــة لــه مبــا‬ ‫يجــري يف موســكو‪ ،‬بــل مــن أجــل خلــق حالــة مــن‬ ‫تــوازن الرعــب‪.‬‬ ‫هامش ‪-3-‬‬ ‫االنســحاب املفاجــئ لقــوات داعــش مــن أحيــاء يف‬ ‫كوبــاين وأربــع قــرى محيطــة بهــا‪ ،‬وهــذا االنســحاب‬ ‫أطلــق العنــان لتخيــات وموجــة مــن الضجيــج‬ ‫واالحتفــاالت‪ ،‬عــى أنــه نــر لقــوات حاميــة الشــعب‬ ‫واملــرأة الكــوردي‪.‬‬ ‫إشارة ‪-3-‬‬ ‫محاولــة اإلعــام الكــوردي إظهــار ذلــك عــى أنــه نــر‬ ‫لقــوات حاميــة الشــعب واملــرأة الكــوردي‪ ،‬مــع تجاهل‬ ‫متعمــد ومــدروس إال مــا نــدر لــدور الجيــش الحــر يف‬ ‫تشــكيالته املتعــددة وأهمهــا لــواء ثــوار الرقــة‪ ،‬والــدور‬ ‫الــذي لعبــه يف صمــود كوبــاين‪ ،‬وهــذا كان محاولــة‬ ‫لتقزيــم دور الجيــش الحــر‪ ،‬وبالتــايل تركيــا‪ ،‬ودعــم‬ ‫ملوقــف صالــح مســلم وحزبــه يف موســكو‪.‬‬ ‫أعتقــد أن هــذه الهوامــش واإلشــارات يربــط بينهــا‬ ‫خيــط‪ ،‬عــى الرغــم مــن انفصالهــا‪ ،‬ولصدورهــا مــن‬ ‫جهــات مختلفــة ومتضاربــة املصالــح‪ ،‬لكــن أعتقــد‬ ‫أن الخيــط الــذي يربطهــا‪ ،‬ميكــن تلمســه‪ ،‬وتفســر‬ ‫مــا يحــدث مــن خــال ترصيحــات جــون ماكــن‪،‬‬ ‫واعرتافــه بالخطــأ الــذي ارتكبتــه أمريــكا‪ ،‬حــن أصمــت‬ ‫آذانهــا عــن ترصيحــات تركيــا حــن أكــد أحمــد داوود‬ ‫أغلــو لـ(الواشــنطن بوســت) عــى رضورة «أن تتفــق‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة وتركيــا عــى بنــاء‬ ‫اسـراتيجية متكاملــة‪ ،‬وإنشــاء منطقــة حظــر الطـران‬ ‫شــال ســورية‪ ،‬ورحيــل االســد»‪.‬‬ ‫أعتقــد أن زهــران قــد قصــف دمشــق بإشــارة مــن‬ ‫تركيــا أرســلتها عــر تجــار دمشــق ومعــاذ الخطيــب‪،‬‬ ‫وأن هــذا القصــف يحمــل رســالة للــروس والنظــام‪،‬‬ ‫مفادهــا أن تركيــا هــي الالعــب األكــر أهميــة بعــد‬ ‫أمريــكا يف إدارة الفــوىض يف ســورية‪ ،‬وأن أدوار‬ ‫اآلخريــن يجــب التفاهــم عليهــا معهــم أوالً‪ ،‬وأن‬ ‫زيــارة الخوجــا للالذقيــة هــي مجــرد رســالة داعمــة‬ ‫لحلفائهــا الذاهبــن إىل القاهــرة‪ ،‬وغــزل تــريك‪ /‬مــري‪،‬‬ ‫وتــريك‪ /‬ســعودي‪ ،‬وأن هــذا الغــزل ميكــن أن يتطــور إىل‬ ‫تفاهــات يف الســاحة الســورية واملنطقــة الحقـاً‪ ،‬ومــا‬ ‫انســحاب داعــش مــن أحيــاء كوبــاين وقراهــا املحيطــة‬ ‫بشــكل مفاجــئ‪ ،‬إال تأكيــد وتوضيــح بامللمــوس‬ ‫لألمريــكان عــى مــدى النفــوذ الــريك لــدى داعــش‪،‬‬ ‫وقدرتهــا عــى إلزامهــا بأولويتهــا‪.‬‬ ‫أعتقــد أن جــون ماكــن حــن قــال عــى صفحتــه يف‬ ‫تويــر تعليقــاً عــى ترصيحــات أوغلــو «كان علينــا‬ ‫اإلصغــاء ألوغلــو» ليــس مجــرد اع ـراف بالخطــأ‪ ،‬بــل‬ ‫كأنــه يقــول‪ ،‬أصغينــا وبدأنــا تنفيــذ مــا أصغينــا لــه‪.‬‬


‫‪10‬‬ ‫نفــس خضــراء يف خريــف آهــورا‬ ‫حرمل الثقافة‬

‫آرام كرابيت‬

‫التناغــم بــن امليثولوجيــا والواقــع يف روايــة‬ ‫«خريــف آهــورا» لألديبــة أمينــة برميكــو‪ ,‬ذات‬ ‫أفــق إبداعــي كبــر‪ ,‬تعكــس عالقــة اإلنســان‬ ‫بالطبيعــة والبعــد املــا ورايئ‪.‬‬ ‫لقــد خطــت الروائيــة عملهــا بــروح املــرأة‬ ‫املرهفــة الحــس‪ ,‬األنثــى وبشــفافية عاليــة‪:‬‬ ‫«الخريــف أكــر الفصــول حكمــة‪ ,‬أنــه فصــل‬ ‫التأمــات والخطــوات املصرييــة» كأن لــدى‬ ‫الروائيــة أمينــة شــعور عميــق يســكن ال‬ ‫شــعورها‪ ,‬املــرأة‪ ,‬الحلــم‪ ,‬اللــذان هــا عــى‬ ‫نقيضــن متوازيــن‪ ,‬يســتمران يف حالــة ضيــاع‪:‬‬ ‫«وألننــي مل أضيــع حلمــي‪ ,‬فقــد كان عــي‬ ‫تحملــه»‪.‬‬ ‫جملــة مملــوءة بالحكمــة تصــدر مــن قلــب‬ ‫امــرأة عاشــقة‪ ,‬موجوعــة‪ ,‬مجروحــة‪ ,‬تعيــش‬ ‫عاملــاً وحدانيــاً عميقــاً‬ ‫ثم ترد يف مكان آخر‪:‬‬ ‫«تعلمــت أن أخلــص لــذايت‪ ,‬ال أدهــش‬ ‫األخريــن»‪.‬‬ ‫ففــي هــذا‪ ,‬عالقــة انفصــال وتواصــل‪ ,‬تناغــم‬ ‫وتباعــد‪ ,‬تداخــل بــن الرجــل واملــرأة واف ـراق‪.‬‬ ‫إنــه العــامل الذكــوري اململــوء بالشــقاق بــن‬ ‫الكائنــن املتوحديــن‪ ,‬الــذي فرضتــه الذاكــرة‬ ‫التاريخيــة بينهــا‪ .‬لهــذا تلجــأ الروائيــة‪ ,‬املــرأة‪،‬‬ ‫إىل الزمــن الجميــل‪ ,‬إىل املــايض‪ ,‬امليثولوجيــا‪,‬‬ ‫لتعيــد عاملهــا أو تشــكو إليــه أو تســتدعيه‬ ‫ليكــون لهــا امللجــأ واألمــان‪ ,‬آهــورا مــزدا‪ ,‬إلــه‬ ‫الحكمــة‪ ,‬ســيد اآللهــة القديــم‪ ,‬اإللــه الرشقــي‬ ‫العظيــم يف الديانــة الزردشــتية‪ ,‬اإللــه الرحيــم‬ ‫الــذي ال يعــرف الــر‪.‬‬

‫عندمــا يضيــق الواقــع باملــرأة يكــون القلــب‬ ‫ملجــأ لهــا‪ ,‬مشــاعرها املرهفــة تــرح‪:‬‬ ‫«مل أســتطع الخــروج مــن غرفتــي‪ ,‬مل أرد عــى‬ ‫نــداءات هاتفــي‪ .‬كنــت مبعــرة فــوق رسيــر‬ ‫اليــأس‪ ,‬تتعــرق روحــي مــن شــدة البــكاء‪ .‬بهذه‬ ‫اللغــة الجميلــة الشــفافة الشــاعرية‪ ،‬ترســم‬ ‫أمينــة عــوامل روايتهــا التــي هــي مزيــج مــن‬ ‫عالقــة بــن امليثولوجيــا والطبيعــة والكائــن‬ ‫اإلنســاين املنفصــل عــن الطبيعــة‪ .‬إنهــا أقــرب‬ ‫إىل امللحمــة الشــعرية بأســلوب نــري‪.‬‬ ‫يــا حبــذا لــو عملــت بإدخــال عنــارص أخــرى‬ ‫عــى العمــل‪ ,‬إلضفــاء طابــع عــام عليــه‪ ,‬إلبـراز‬ ‫قســوة الواقــع‪ ,‬ورشوطــه الــذي يفــرض نفســه‬ ‫عــى عالقــة الرجــل واملــرأة ببعضهــم‪ .‬إن‬ ‫إفــرازات الواقــع هــي األشــد إيالمــاً بنفســية‬ ‫الكائــن‪ ,‬وتدخــل إىل داخلــه تحــوالت كبــرة‪,‬‬ ‫ليــس مبقــدور أحدهــم أن يتحــرر منهــا‪ ,‬أو أن‬ ‫ينفــرد بذاتــه ليكــون ح ـرا ً‪ ,‬ينســج العــامل عــى‬ ‫مقاســه‪ ,‬لهــذا فــإن املخيلــة اإلبداعيــة للروائيــة‬ ‫واســعة‪ ,‬تحلــق بعيــدا ً‪ ,‬تبتعــد عــن الواقــع‬ ‫املعيــش‪ ,‬عندمــا تقــف أمــام جبــل ليلــون يف‬ ‫عفريــن‪ ,‬تناجــي آهــورا مــزدا يف عليائــه‪ ,‬أن‬ ‫يرفــق بهــا‪ ,‬بحزنهــا النبيــل ووجدهــا‪ .‬تبثــه‬ ‫همومهــا‪ ,‬همهــا كامــرأة يف محاولــة الكتشــاف‬ ‫ذاتهــا ككائــن ومــكان والبحــث الحثيــث عــن‬ ‫الزمــن املفقــود‪ ,‬عــن اآلخــر‪ ,‬الرجــل‪.‬‬ ‫إن البحــث عــن التكويــن‪ ,‬الرجــل‪ ,‬املــرأة مــا‬ ‫زال قامئـاً ولــن يتوقــف‪ ,‬يف رصاعهــا وتواصلهام‬ ‫وانفكاكهــا‪ ,‬تقاربهــا وابتعادهــا‪ ,‬والدخــول‬ ‫يف عــوامل اللغــة‪ ,‬الســباحة بــن أضلعهــا للغــوص‬ ‫عميق ـاً يف املجهــول الغامــض‪:‬‬

‫زيارتي آلطمة‪..‬‬ ‫مل ألتــقِ أبــا وحيــد مــ ّرة أخــرى‪ ،‬ومل يرافقنــي كــا‬ ‫اتفقنــا لــرى مدينــة آطمــة الحدوديــة‪ ،‬واملشــنقة‪ .‬املصادفة‬ ‫لعبــت دورا ً يف زيــاريت ملخيــم آطمــة‪ .‬مل يكــن يف حســايب‬ ‫وأن‬ ‫وأنــا يف طريقــي إىل رسمــدا‪ّ ،‬أن ســأقوم بزيــارة املخيــم‪ّ ،‬‬ ‫ســأذهب مــرة أخــرى إىل الدانــا‪ ،‬وهــذه املــرة ســأرشب فيهــا‬ ‫شــاياً‪ ،‬باإلضافــة إىل املــاء! وزيــاريت لرسمــدا كانــت أهــم‬ ‫زيــارة بالنســبة يل قمــت بهــا ملدينــة ســورية منــذ ســنتني‪،‬‬ ‫كنــت أنتظــر ســاع صــوت ابنــي عــى الهاتــف مــن ســجن‬ ‫عــدرا بعــد تحويلــه إىل محكمــة اإلرهــاب! وقــد حالفنــي‬ ‫الحــظ بالســفر‪ ،‬لك ّنــه مل يحالفنــي بســاع صــوت ابنــي!‬ ‫«الحــظ» كلمــة ذات ارتبــاط وثيــق يب حــن يكــون األمــر‬ ‫متعلّقــاً بالســفر‪ .‬وقــد رافقنــي هــذا الحــظ يف الســنتني‬ ‫املاضيتــن مــن الثــورة الســورية‪ ،‬فلــم تتعــ ّرض الحافلــة‬ ‫أي نــوع‪ ..‬مل يوقفهــا جنــود‬ ‫ألي حــادث مــن ّ‬ ‫التــي أســتقلها ّ‬ ‫النظــام‪ ،‬ومل تتعــ ّرض لالعتــداء مــن لصــوص الثــورة‪ ،‬أو‬ ‫عصابــات الطريــق‪ ..‬ومل يصــدف أن اعتقــل أحــد الشــباب‬ ‫مــن حافلــة كنــت فيهــا! عــى الرغــم مــن تنقــي املســتمر‬ ‫يف األشــهر األخــرة مــا بــن دمشــق وحلــب وإدلــب‪.‬‬ ‫مــن املعــر الحــدودي «بــاب الهــوى» إىل «آطمــة» ال‬ ‫ميكنــك أن تشــعر بالدقائــق العرشيــن التــي قــد يســتغرقها‬ ‫الطريــق يف الســيارة‪ .‬فهنــاك متتــ ّد جبــال الزيتــون يف‬ ‫مشــهد غرائبــي يدفعــك لالعتقــاد أنّهــا صــورة للجنــة عــى‬ ‫األرض‪ .‬مل تكــن تلــك الجبــال مهبطــاً لألنبيــاء‪ ،‬وال منــزالً‬ ‫لدعواتهــم‪ .‬وقــد ُه ِّمشــت خــال العقــود األربعــة مــن‬ ‫حكــم آل األســد‪ ،‬بســبب تلــك الحادثــة الشــهرية حــن زار‬ ‫األســد األب يف جولتــه لالســتفتاء عــى الرئاســة محافظــة‬ ‫إدلــب‪ ،‬فاســتقبله أهلهــا أســوأ اســتقبال برميــه بأحذيتهــم‪.‬‬ ‫ُه ّمشــت املحافظــة‪ ،‬وأطلــق عــى مدنهــا «املــدن املنســية»‪.‬‬ ‫الســاء تعطيــك الفرصــة لنســيان‬ ‫الجبــال املمتــدة بوحــي ّ‬ ‫االلتــواءات الكثــرة يف الطريــق‪ ،‬إىل جانــب الحواجــز التــي‬ ‫تفــرض عليــك اإلبطــاء لتســتطيع االلتفــاف حــول األتربــة‬ ‫املوضوعــة يف منتصــف الطريــق الض ّيــق‪ .‬فــإن حالفــك‬

‫«وحــدك دمــرت عاملــي‪ ,‬أنــت أســوأ مخلــوق‬ ‫عرفتــه»‬ ‫فالرجــل يف عــامل املــرأة‪ ,‬انفصــال يف محاولــة‬ ‫اكتــال‪ .‬هــذا املخلــوق الذكــر‪ ,‬الطائــش‪,‬‬ ‫العــي عــى االنضبــاط الــذي شــيد عاملـاً عــى‬ ‫مقــاس نزواتــه وأهوائــه‪ ,‬فتوحاتــه وحروبــه‪,‬‬ ‫جنونــه يف بنــاء عــامل مجنــون مريــض‪ .‬والكتابــة‬ ‫هــي تحريــر الــذات مــن الثقــل‪ ,‬ذاتهــا مــن‬ ‫ربقــة هــذا اآلرس الفائــض والضيــاع‪ .‬تخــرج عىل‬ ‫شــكل شــهقة‪ ,‬وجــع‪ ,‬أو تخلــص مــن الثقــل‪:‬‬ ‫«مل أشــعر مبلوحــة الذاكــرة‪ ,‬وأنــا اســتعيد‬ ‫مفــردة»‪.‬‬ ‫ميكــن للمــرء أن يكتشــف بســهولة مشــاعر‬ ‫املــرأة الرشقيــة يف هــذه الروايــة‪ ,‬بســاطتها‪,‬‬ ‫شــفافيتها‪ ,‬رقتهــا‪ ,‬واصطدامهــا‪ .‬ففــي الحــب‪ ,‬يف‬ ‫حضــن الرجــل تغتســل أو تــذوب ويكــون‪:‬‬ ‫«مــررا ً لوالدتــك الثانيــة‪ ,‬أرنبــة بيضــاء» أو‬ ‫«فقــد تلــوح لــك إلهــة الحــب للمــرة األوىل يف‬ ‫هــذا العمــر‪ ,‬ورمبــا يصلبــك هــذا الحــب»‪.‬‬ ‫عبثــاً بحثــت عــن الرجــل‪ ,‬ســنوات طويلــة‬ ‫انتظرتــه‪ ,‬وعندمــا وجدتــه‪ ,‬ضــاع الحلــم‪,‬‬ ‫العشــق‪ ,‬خبــا ومــات وتحــول إىل مجــرد ذكــرى‬ ‫أليمــة‪ ,‬ذرة غبــار تناثــرت يف الفضــاء‪ .‬ففــي هذا‬ ‫اللقــاء الــذي انتظرتــه طويـاً‪ ,‬ونســجت حولــه‬ ‫تلــك الخيــوط الطويلــة والحكايــات‪ ,‬مــن األمــل‬ ‫والشــهقات‪ ,‬مل يكــن إال هيــكل إنســان‪ ,‬مهــزوم‪,‬‬ ‫تافــه‪ .‬مجــرد وهــم نســجه خيــال امــرأة‪ ,‬لونّــه‬ ‫وكــره‪ ,‬وح ّولــه إىل شــكل إلــه كاذب‪ ,‬مجــرد‬ ‫ّ‬ ‫مــن كل أدواتــه ومعاركــه‪.‬‬ ‫ويف ذلــك املونولــوج الداخــي الــذي يفــرض‬ ‫حضــوره يف الروايــة كلهــا‪ ,‬نقــرأ الكثــر مــن‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫تجليــات األدب الرتكــي‬

‫قوس قزح‬ ‫مواجهة االستبداد‬ ‫موفق فرزات‬

‫الكلــات امللونــة التــي تســتدعي منــا أن‬ ‫نتوقــف عندهــا‪:‬‬ ‫«ذات خريــف‪ ,‬خريــف مضمــخ بعطــر آهــورا‬ ‫وأنــا أحــاول اكتشــاف رس التســلق إىل قمــة‬ ‫ليلــون ومكتظــة بإشــارات االســتفهام والخيبــة‪,‬‬ ‫حــ ّط الحجــل األحمــر فــوق كتفــي وتــرك‬ ‫خارطــة القمــة يف صنــدوق القــدر ورحــل»‪.‬‬ ‫بهــذا الحــوار الرتاجيــدي‪ ,‬العالقــة بــن الطبيعة‪,‬‬ ‫الجبــل‪ ,‬الحجــل واملــرأة‪ ,‬ترســم الروائيــة لغتهــا‬ ‫الشــاعرية‪ ,‬وعالقتهــا بالرجــل واملــكان والزمــن‪,‬‬ ‫لتمنــح العالقــة بينهــم نوعــاً مــن املؤانســة‬ ‫ملحاولــة أنســنة اإلنســان والكائنــات وإضفــاء‬ ‫الجــال عــى كلــات معبــأة بالســحر والخلــق‬ ‫واإلبــداع‪.‬‬ ‫ميكننــا القــول إن الروايــة هــي وقفــة وتأمــل‬ ‫«أقــف أمــام النافــذة‪ ,‬ناظــرة إىل البيــاض‬ ‫الــذي يــيء عتمــة قمــة ليلــون‪ ,‬ودهــش‬ ‫هــذا البيــاض الــذي يخبــئ كل تلــك الكائنــات‬ ‫الجميلــة التــي كانــت قبــل لحظــات ملونــة‬ ‫تبتســم ألناهيــدا»‪ ,‬بيــد أنهــا رســالة محملــة‬

‫بالتجربــة املرعبــة التــي ميــر بهــا البــر‪,‬‬ ‫التقاليــد واألفــكار والحوامــل الثقافيــة واألحــام‬ ‫والخيبــات حــول اإلنســان ومصــره‪ ,‬والبحــث‬ ‫عــن الحــب‪ ,‬ذلــك الكائــن الغريــب الــذي‬ ‫يســكن النفــوس ويعشــش يف األفئــدة‪ ,‬وتأكيــدا ً‬ ‫فلســفياً كامنـاً يف النفــس عــى خالصــة العالقــة‬ ‫بــن الكائــن ومحيطــه‪ .‬إن الحــب هــو تلــك‬ ‫الرغبــة املتجــددة‪ .‬وقــد قــال عنهــا العــرب‬ ‫ســابقاً‪:‬‬ ‫النفس خرضاء‪.‬‬ ‫مــن خــال الروايــة ميكننــا االطــاع عــى‬ ‫منطقــة عفريــن‪ ,‬جبالهــا وأنهارهــا‪ ,‬ناســها‬ ‫وبيادرهــا وســهولها‪ .‬وميكــن للمــرء أن يطــرح‬ ‫الســؤال عــى نفســه‪:‬‬ ‫ـ ملــاذا مل نكــن نعــرف الكثــر عــن ذلــك املــكان‬ ‫الجميــل املفــروش بغابــات الزيتــون والنحــل‬ ‫وبســاتني العنــب ودوار الشــمس‪ .‬فجبــل ليلون‪,‬‬ ‫يقــف شــامخاً عــى بعــد قليــل يســجل حضــور‬ ‫التاريــخ والنــاس والحضــارات التــي مــرت عــى‬ ‫هــذه املنطقــة الجميلــة مــن ســورية‪.‬‬

‫أيامــي األخــرة يف ســوريا‬ ‫(‪)3‬‬

‫الحــظ تســتطيع أن مت ـ ّر بســهولة مــن غــر اســتجواب‪.‬‬ ‫وقــد حالفنــي الحــظ طيلــة الطريــق إىل آطمــة‪ ..‬فلــم‬ ‫أي مــن الحواجــز املنتــرة هنــاك‪ .‬حاجــز‬ ‫يوقــف الســيارة ٌ‬ ‫واحــد فقــط ســأل ابــن أخــي الــذي يقــود الســيارة‪ :‬هــل‬ ‫معــك وفــد أجنبــي؟ أجــاب‪ :‬نعــم‪ .‬الشــاب ســأله مــ ّرة‬ ‫أخــرى‪ :‬ترصيــح املــرور الخــاص بالوفــد لــو ســمحت‪.‬‬ ‫مل يكــن لدينــا ترصيــح مــرور ومل نكــن وفــدا ً أجنبيـاً‪ ،‬لكـ ّن‬ ‫الشــاب اجتهــد يف اســتنتاجه نظ ـرا ً لهيئــة الفتيــات اللــوايت‬ ‫يرافقننــي‪ .‬وبحكــم كــون دركســيون الســيارة عــى اليمــن‪،‬‬ ‫فقــد كان الحاجــز مــن طــريف‪ ..‬فتحــت النافــذة‪ ،‬وقلــت لــه‪:‬‬ ‫ـ ليــس معنــا ترصيــح‪ ،‬نحــن تابعــون ملنظمــة إغاثــة‬ ‫إنســانية‪ ،‬ونقصــد املخيّــم‪.‬‬ ‫الشــاب أحرجــه أن ينظــر يف وجهــي‪ ،‬فأومــأ لنــا لنتابــع‬ ‫الســر!‬ ‫أهو حظي جعله يرتكنا من ّر من دون ترصيح دخول؟‬ ‫حــن وصلنــا املخيّــم‪ ،‬وجلســنا داخــل خيمــة وســط حـرارة‬ ‫الجـ ّو الخانــق‪ ،‬وانحبــاس األنفــاس‪ ،‬وقصــص النــزوح واآلالم‪،‬‬ ‫كل تلــك األشــجار‪..‬‬ ‫والفقــد‪ ..‬صــار الجبــل قف ـرا ً‪ ..‬تالشــت ّ‬ ‫وتوقــف النســيم خــارج الخيمــة‪ ،‬وانقطعــت أنفاســنا‬ ‫ونحــن نســمع مكــر الجامــع «دم يــا شــباب‪َ ،‬مــن زمرتــه‬ ‫«‪ »o‬إيجــايب‪ ،‬ليذهــب برسعــة إىل مستشــفى األورينــت»‪.‬‬ ‫الرجــال يصلــون عــى عجــل‪ ،‬وينتعلــون أحذيتهــم التــي‬ ‫تثــر موجــة غبــار يف خطوهــم الرسيــع إىل ســيارات البيــك‬ ‫آب التــي ســتنقلهم إىل املستشــفى‪ .‬وجدتهــا فرصــة لــي‬ ‫أتخلّــص مــن الجــ ّو العابــق بالحــزن والذكريــات املريــرة‬ ‫لســيدة فقــدت ثالثــة مــن أبنائهــا! وضعــت كأس القهــوة‬ ‫عــى األرض الرتابيــة‪ ،‬وقلــت‪« :‬بالعــودة إن شــاء اللــه»‪.‬‬ ‫ي الذهــاب إىل‬ ‫أل ّحــت‪« :‬مل تكمــي قهوتــك»‪ .‬قلــت‪« :‬عــ ّ‬ ‫املستشــفى زمــرة دمــي مطابقــة»‪ .‬مل تســتطع التشــبث‬ ‫يب وأنــا أنحنــي ألخــرج مــن بــاب الخيمــة ســوى بتك ـرار‬ ‫الطلــب‪« :‬اللــه يحمــي لــك نــور‪ ،‬ال تنــي أســاءهم‪..‬‬ ‫اســأليه‪ ،‬قــد يكــون التقــى بهــم يف أحــد الفــروع بدمشــق»‪.‬‬ ‫خرســت‪ ..‬مل تخــرج الكلــات مــن حلقــي‪ ..‬كنــت أعلــم‬

‫حرمل الثقافة‬

‫‪11‬‬

‫مســبقاً أ ّن أبناءهــا الثالثــة قــد استشــهدوا يف مجــزرة أريحــا‬ ‫أيــام العيــد الصغــر‪.‬‬ ‫رميــت جســدي يف الســيارة‪ ،‬وطلبــت مــن ابــن أخــي‬ ‫الذهــاب إىل املستشــفى‪.‬‬ ‫امللفــت لالنتبــاه أ ّن املســاحة املحيطــة مبستشــفى األورينت‬ ‫تعطيــك الفرصــة لرؤيــة أجنــاس مــن البــر‪ ،‬وكأنّــك يف‬ ‫ســوق ح ـ ّرة ألحــد املطــارات يف الخليــج! مل أســتطع فهــم‬ ‫وجــود تلــك الوجــوه أيض ـاً يف املعــر الحــدودي الســوري‪،‬‬ ‫وحتّــى مدينــة رسمــدا‪ ..‬التــي تح ّولــت خــال أشــهر‬ ‫ملج ّمــع تجــاري لبيــع الجملــة والتهريــب وبيــع الســيارات‬ ‫املرسوقــة!‬ ‫إىل الدانــا مــ ّرة أخــرى‪ ،‬لكــن هــذه املــ ّرة مل أمــر بهــا‬ ‫مصادفــة‪ ،‬ومل أكــن أطلــب جرعــة مــاء‪ .‬ابــن أخــي أخــرين‬ ‫أ ّن شــخصاً يقيــم هنــاك‪ ،‬ســأله عنــي حــن التقــى بــه‬ ‫مصادفــة يف ســاحة بيــع الســيارات‪ .‬وقــال لــه‪ ،‬إنّــه يعرفنــي‬ ‫وألــح عليــه بزيارتــه!‬ ‫جيــدا ً‪ ،‬ودلّــه أيــن يعمــل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كان األمــر غريبــاً‪ ،‬طيلــة الطريــق وأنــا أشــحذ ذاكــريت‪،‬‬ ‫وأخ ّمــن مــن يكــون ذلــك الشــاب الــذي يعرفنــي‪ ،‬ويريــد‬ ‫أن يــراين!‬ ‫حــن وصلنــا املــكان كــا وصفــه الشــاب البــن أخــي‪،‬‬ ‫شــممت رائحــة البــزر املح ّمــص‪ ،‬كانــت تفــوح بشــ ّدة‪،‬‬ ‫ذكّرتنــي مبحامــص بلــدي‪ ،‬وبطفولــة بعيــدة كنــت أمـ ّر فيهــا‬ ‫بدكاكــن الســوق الخاصــة بعائلــة معينــة يف البلــد متتهــن‬ ‫تحميــص املكــرات وبيعهــا‪ ..‬رائحتهــا مميــزة‪ ،‬وشــكلها‬ ‫ي تلــك الذكريــات مصحوبــة بالرائحــة‬ ‫أيض ـاً‪ ..‬هجمــت ع ـ ّ‬ ‫حتّــى ظننــت ّأن ســأم ُّر بهــا بعــد دقائــق‪ .‬لكــ ّن املــكان‬ ‫بفســحته الرتابيــة والغبــار الــذي تثــره ريــح قويــة‪ ،‬والحــر‬ ‫املرافــق لهــا ال ينبــئ بشــبه ولــو بســيط مــع الســوق‬ ‫املســقوف القديــم يف أريحــا‪.‬‬ ‫نزلنــا مــن الســيارة‪ ،‬ألجــد أمامــي أحــد الشــباب الذيــن‬ ‫رافقــوين يف رحلتــي إىل تركيــا‪ .‬الشــاب الــذي أخــرين أنّــه‬ ‫انشـ ّـق منــذ خمســة أشــهر‪ ،‬وهــرب مــن الجيــش‪ ،‬ومل يجــد‬ ‫فصيــاً يؤويــه ويطعمــه ويعطيــه ســاحاً! الشــاب مــن‬

‫ابتسام تريسي‬ ‫بلــدي‪ ..‬وأهلــه أصحــاب دكاكــن املكـرات يف ســوق أريحــا‬ ‫القديــم! أحــر يل شــاياً‪ ،‬وبــزر ع ّبــاد الشــمس طازجــاً‬ ‫وســاخناً‪ ،‬وقــال وهــو يبتســم‪« :‬ســعيد بزيارتــك يــا خالتــي‪..‬‬ ‫هــل رأيـ ِ‬ ‫ـت إال َم صــار حالنــا! كنــت عــى قناعــة تامــة أ ّن‬ ‫وأن ســأكون حـ ّرا ً يف بلــد حر‪..‬‬ ‫الثــورة هــي خيــاري الوحيــد‪ّ ،‬‬ ‫لكــن يــا خالتــي مــا رأيتــه مل يكــن مشــجعاً أبــدا ً‪ ..‬فاخــرت‬ ‫أن أعــود ملهنــة أجــدادي‪ ..‬وأعيــش يف غربــة دامئــة»‬ ‫مل أســتطع التعليــق بكلمــة‪ ،‬مــع ّأن كنــت عــى يقــن أ ّن‬ ‫الشــاب ينتظــر منــي دعـاً نفســياً بتأييــد خيــاره‪ ،‬يك يشــعر‬ ‫أنّــه كان عــى صــواب يف اختيــاره للعمــل يف منطقــة محـ ّررة‬ ‫بعيــدة عــن القصــف واالشــتباكات‪ ،‬كنــت أدرك أنّــه ينتظــر‬ ‫منــي أن أبــارك خطوتــه تلــك‪ ،‬وأالّ ألومــه لعــدم لحاقــه‬ ‫لــدي بديــل أفضــل‬ ‫بالثــوار‪ ..‬لكــن كيــف ألومــه وليــس ّ‬ ‫أق ّدمــه لــه؟‬ ‫اصطحبــت غصتــي ومــا أهــداين إيــاه مــن بــزر عبّــاد‬ ‫الشــمس‪ ..‬وعــدت إىل رسمــدا‪.‬‬ ‫ألي‬ ‫يومــان قضيتهــا بــن آطمــة ورسمــدا‪ ،‬مل أتعـ ّرض فيهــا ّ‬ ‫أي فريــق مــن الحواجــز املنتــرة هنــاك‪ ..‬ال‬ ‫توقيــف مــن ّ‬ ‫مــن الكتائــب اإلســامية‪ ،‬وال مــن كتائــب الجيــش الحــر‪.‬‬ ‫حتّــى ّأن مل أســمح لســائق الســرفيس الــذي ســينقلني مــن‬ ‫املعــر الســوري إىل املعــر الــريك بتفتيــش حقيبتــي‪ ..‬رفــع‬ ‫رأســه قليــاً ليتكلّــم‪ ،‬لك ّنــه صمــت وهــو يــرى مرافقــي‬ ‫والســيارة التــي نزلــت منهــا‪.‬‬ ‫مل يكــن الحــظ هــو الــذي رافقني يف تلــك الرحلة‪ ،‬وســاعدين‬ ‫عــى الدخــول إىل املخيــم ونقــاط الكتائــب هنــاك‪ .‬كانــت‬ ‫لحيــة مرافقــي ودركســيون ســيارته هــا جــواز مــروري!‬ ‫ضحــك ابــن أخــي وهــو يخــرين‪« :‬الســيارات التــي يكــون‬ ‫دركســيونها عــى اليمــن أرخــص وأكــر شــيوعاً هنــا‪ ،‬ال‬ ‫يســتعملها ســوى عنــارص الجيــش الحــر‪ ..‬وأنــا! ابــن أخــي‬ ‫الــذي يعمــل يف «املنطقــة الحــرة» التابعــة ملدينــة رسمــدا‬ ‫والتــي خلقتهــا ظــروف الحــرب يف ســوريا‪ ،‬رشح يل‪ ،‬كيــف‬ ‫ومــن أيــن وإىل أيــن تســر الثــورة الســورية عنــد املعابــر‬ ‫الحدوديــة!‬

‫يبقــى األدب الــريك مــن أكــر‬ ‫الفنــون املتأثــرة باألدبــن‪ ،‬العــريب‬ ‫والفــاريس‪ ،‬ومــن أشــد املســتلهمني‬ ‫لهــا يف الوقــت الــذي مــا تــزال‬ ‫العديــد مــن األســاء األدبيــة‬ ‫الهامــة مجهولــة لــدى القــارئ‬ ‫العــريب عــى الرغــم مــن كثافــة‬ ‫الرتجــات إىل اللغــة العربيــة‪،‬‬ ‫والتــي بلغــت أو َجهــا يف نهايــات‬ ‫القــرن العرشيــن وبدايــات القــرن‬ ‫الحــايل‪.‬‬ ‫لقــد مــرت حركــة الرتجمــة مــن‬ ‫الرتكيــة إىل العربيــة بفــرات‬ ‫متتاليــة مــن الركــود اســتغرقت‬ ‫منهــا العديــد مــن الســنوات‪،‬‬ ‫لكــن التطــورات التــي جــرت يف‬ ‫املنطقــة أوجــدت حاجــة ماســة‬ ‫لــدى العــرب واألت ـراك عــى إيــاء‬ ‫ذلــك األمــر أهميــة بالغــة‪ ،‬مــا‬ ‫دفــع املؤسســات الرتكيــة لتبنــي‬ ‫مجموعــة مــن القــرارات التــي‬ ‫تخــص ترجمــة األدب الــريك إىل‬ ‫لغــات أخــرى مــن خــال إحــداث‬ ‫مؤسســة (تيــدا) التــي كانــت‬ ‫تغطــي كافــة مصاريــف أجــور‬ ‫الرتجمــة والطباعــة والنــر‪ ،‬وهــذا‬ ‫مــا شــكل دافعــاً وحافــزا ً لــدى‬ ‫دور النــر العربيــة مــن خــال‬ ‫تعاونهــم مــع هــذا املــروع‬ ‫بقــوة الفتــة خلفــت العديــد مــن‬ ‫األعــال الهامــة يف األدب الــريك‬ ‫املرتجــم إىل العربيــة حيــث بــرزت‬ ‫العديــد مــن األســاء الهامــة التــي‬ ‫ال يعرفهــا القــارئ العــريب مــن‬ ‫قبــل‪.‬‬ ‫لقــد كان عــام (‪ )2000‬عامــاً‬ ‫تركيــاً خالصــاً بالنســبة لفتــح‬ ‫نافــذة الرتجمــة مــن الرتكيــة إىل‬ ‫العربيــة دون وســيط عــن لغــة‬ ‫أخــرى‪ ،‬عــر مســاهمة جــادة مــن‬ ‫مرتج َمــن ســوريني هــا (فاضــل‬ ‫جنكــر وعبــد القــادر عبــد الــي)‬ ‫اللــذان كان لهــا الــدور األبــرز‪،‬‬ ‫والتفعيــل األقــوى لالشــتغال عــى‬ ‫ذلــك الجانــب الهــام‪ ،‬فقــد حققــا‬ ‫حضــورا ً الفتــاً يف الرتجمــة مــن‬ ‫الرتكيــة إىل العربيــة‪ ،‬وكانــا مــن‬ ‫أوائــل املرتجمــن العــرب الذيــن‬ ‫اشــتغلوا عــى تــدارك النقــص‬ ‫الحاصــل يف ترجــات املكتبــة‬ ‫العربيــة مبــا يخــص األدب الــريك‪،‬‬ ‫لقــد تعــرف القــارئ العــريب مــن‬ ‫خاللهــا عــى أدبــاء أتــراك لهــم‬

‫أهميتهــم العامليــة مثــل‪( :‬ناظــم‬ ‫حكمــت وعزيــز نيســن وكذلــك‬ ‫يشــار كــال وأورهــان بامــوك)‪،‬‬ ‫لكــن ترجامتهــم مل تتوقــف عنــد‬ ‫تلــك الرمــوز األدبيــة الرتكيــة‬ ‫وحســب‪ ،‬فقــد اشــتغال عــى‬ ‫مثابــر ٍة تحصلــت عــى العديــد من‬ ‫األســاء األدبيــة الرتكيــة املعــارصة‪،‬‬ ‫مــا أثــرى املكتبــة العربيــة‬ ‫بكــم هائــل مــن األســاء األدبيــة‬ ‫املعــارصة لكتــاب لهــم مكانتهــم‬ ‫وحضورهــم داخــل املشــهد الثقــايف‬ ‫الــريك‪ ،‬ومنهــم العديــد مــن‬ ‫الروائيــات الرتكيــات أمثــال‪( :‬آيفــر‬ ‫طونتــش‪ ،‬وأصــى اردغــان‪ ،‬ومينــه‬ ‫ســويوت‪ ،‬وإيبــك تشالشــلر‪ ،‬كذلــك‬ ‫الروائيــة موغــه ايليشــي‪ ،‬وغونــول‬ ‫كفلتشــيم وآليــف شــفق وشــعنام‬ ‫ايشــغوزل)‪ ،‬أمــا يف مجــال األدب‬ ‫الســاخر فــإن املرتجــم البــارع‬ ‫عبدالقــادر عبــد الــي اســتطاع أن‬ ‫يعرفنــا عــى أســاء ال تقــل أهميــة‬

‫إلصداراتــه املتتاليــة‪ ،‬وضــع بــن‬ ‫ــل مــا‬ ‫يــدي القــارئ العــريب ُج ّ‬ ‫كتبــه أورهــان بامــوك مرتج ـاً إىل‬ ‫العربيــة‪ ،‬وذلــك مــا حقــق تقري ـاً‬ ‫حصيفــاً لقارئــه‪ ،‬الــذي أحــس‬ ‫مــراث الــرق يف رسود أورهــان‬ ‫العميقــة وعالقتهــا املســتجدة مــع‬ ‫الغــرب مــن منظــار تــريك رصف‪،‬‬ ‫أثــرى معرفتنــا لهــذا الجانــب‬ ‫املهــم‪ ،‬وأســهم يف اســتقراء الروابط‬ ‫التــي أظهــرت مقــدار املقاربــة بــن‬ ‫العــادات والتقاليــد بــن شــعوب‬ ‫املنطقــة‪ ،‬وتطابــق العديــد مــن‬ ‫مشــكالتها االجتامعيــة والسياســية‬ ‫املختلفــة‪ ،‬والتــي اســتطاع أورهــان‬ ‫بامــوك أن يقدمهــا مــن خــال‬ ‫العديــد مــن أعاملــه‪ ،‬وخاصــة‬ ‫عمليــه الهامــن (القلعــة البيضــاء‪،‬‬ ‫واســطنبول الذكريــات واملدينــة)‬ ‫حيــث تتمظهــر مذاقــات العالقــة‬ ‫بــن الــرق والغــرب‪ ،‬وحالــة‬ ‫الــراع الصاخــب بــن الغيبيــة‬

‫وفــق متــازج مدهــش بــن الحلــم‬ ‫والواقــع‪ ،‬بــن الحقيقــة والوهــم‪،‬‬ ‫عــر اســتخدام الفــت ملعــادل‬ ‫التداعــي الحــر‪ ،‬تحققــت فيــه‬ ‫الحذاقــة والدربــة عنــد الــروايئ‬ ‫رسدار‪ ،‬الــذي كان ميزانــاً دقيقــاً‬ ‫يف تقديــم رسوده الروائيــة عــر‬ ‫لوحــة بارعــة يف تحــوالت الزمــن‪،‬‬ ‫واســتعادة املــايض الغريــق منــه يف‬ ‫لحظــات يتمظهــر فيهــا الحــارض‬ ‫واملــايض واملســتقبل دفعــة‬ ‫واحــدة‪ ،‬انهــا لعبــة خلخلــة الزمــن‬ ‫الــروايئ واالنزيــاح املوضوعــي‬ ‫ملعايــر مــا انفكــت تســتلهم‬ ‫م ـراث الــرق الغرائبــي‪ ،‬وحريــة‬ ‫الغــرب يف أبعادهــا اإلنســانية‬ ‫لنتحصــل مــن خاللهــا عــى بعـ ٍـد‬ ‫جديـ ٍـد مــن مفاعيــل القلــق الــذي‬ ‫تعيشــه الشــخصية الرتكيــة وفــق‬ ‫عالقــات ال تعــرف الثبــات‪ ،‬وهــي‬ ‫مرهونــة إىل تحــوالت دامئــة‪.‬‬ ‫أمــا مــا وضعــه املرتجــم البــارع‬

‫يف حضورهــا داخــل مشــهد األدب‬ ‫الــريك عــن عزيــز نيســن مثــل‪:‬‬ ‫(مظفــر ايزكــو‪ ،‬ووداد صايغــل‪،‬‬ ‫وخلــدون طانــر‪ ،‬وتحســن يوجــل)‪.‬‬ ‫قــد يكــون الــروايئ الــريك‪ ،‬أورهــان‬ ‫بامــوك الحاصــل عــى جائــزة‬ ‫نوبــل لــآداب مــن أكــر الروائيــن‬ ‫األتــراك املعارصيــن الفاتــاً‪،‬‬ ‫حيــث القــى اهتامم ـاً خاص ـاً مــن‬ ‫املرتجمــن العــرب الذيــن يرتجمون‬ ‫عــن اللغــة الرتكيــة أو عــر لغــات‬ ‫وســيطة أخــرى‪ ،‬لكــن مــا خصــه‬ ‫بــه املرتجــم الســوري عبــد القــادر‬ ‫عبــد الــي مــن متابعــة حثيثــة‬

‫والعقــل‪ ،‬كــا قدمهــا يف روايتــه‬ ‫القلعــة البيضــاء‪ ،‬كذلــك نــدرك‬ ‫ســحر الغرائبيــة والفنتازيــا‬ ‫والتجريــد‪ ،‬كــا يف روايتــه الهامــة‬ ‫اســطنبول الذكريــات واملدينــة‪.‬‬ ‫لعــل روايــة (حــن تســتحيل‬ ‫الحيــاة نــورا ً) للــروايئ الــريك‬ ‫املعــارص وذائــع الصيــت داخــل‬ ‫املشــهد األديب الــريك (رسدار‬ ‫أوزكان) منوذجـاً ال يقــل أهميــة يف‬ ‫حضــوره عــن اشــتغاالت أورهــان‬ ‫بامــوك مــن خــال مضامينهــا‬ ‫وفحواهــا لنكتشــف مــدى القلــق‬ ‫الــذي يحتــل املســاحة الروائيــة‬

‫عبــد القــادر عبــد الــي مــن جديــد‬ ‫األدب الــريك بــن يــدي القــارئ‬ ‫العــريب هــا روايتــا (مقهــى‬ ‫البــاب العــايل‪ ،‬واســطنبول بيــت‬ ‫الخيــال) للــروايئ الشــاب (رسقــان‬ ‫اوزبــورون) الــذي يعتــره النقــاد‬ ‫األتــراك روائيــاً معــارصا ً هامــاً إىل‬ ‫درجــة أنهــم أطلقــوا عليــه لقــب‬ ‫(عشــقولوج) أي خبــر الحــب‪ ،‬مــن‬ ‫خــال انجــازه الكبــر والضخــم‬ ‫الــذي تجــاوز آالف الصفحــات‬ ‫التــي ت ُعنــى بالحــب‪ ،‬مســتلهامً‬ ‫فحــوى العديــد مــن املالحــم‪،‬‬ ‫واألســاطري الرشقيــة منهــا والغربيــة‬

‫عــر لغــة متتــاز ببســاطة الــرد‪،‬‬ ‫ومتيــزه املشــوب بنفحــة الخيــال‬ ‫الجامــح‪ ،‬وانشــغاله الدائــم يف‬ ‫تأثيــث مكانــة هامــة للخرافــة‬ ‫والســحر‪ ،‬محققــاً مــن خاللهــا‬ ‫حضــورا ً شــعبياً منقطــع النظــر‪.‬‬ ‫كذلــك تــأيت تجربــة الروائيــة‬ ‫الرتكيــة (مينــه ســويوت) عــر‬ ‫روايتهــا الهامــة (بنــاء خمســة)‪،‬‬ ‫والتــي اســتطاعت مــن خاللهــا‬ ‫احتــال حيــز داخــل املشــهد‬ ‫الــروايئ الــريك‪ ،‬وفــق رؤيــة‬ ‫مختلفــة يف التعامــل مــع الطقــوس‬ ‫الرشقيــة والغرائبيــة التــي تســود‬ ‫الــرود الروائيــة الرتكيــة عامــة‪،‬‬ ‫لتقــدم الروائيــة مــن خــال‬ ‫تجربتهــا بعــدا ً جديــدا ً‪ ،‬ومنوذجــاً‬ ‫فريــدا ً يف تنوعــه واشــتغاالته‪،‬‬ ‫حيــث تتمظهــر حالــة تنــاول‬ ‫العــوامل األكــر جاذبيــة يف رسودها‪،‬‬ ‫معايــر جديــدة مــن خــال طــرح‬ ‫أبعــاد مغايــرة ملفهومــة (ســحرية‬ ‫الــرق) وهــي بذلــك تقيــم حــدا ً‬ ‫فاصــاً بــن اســتلهام املفهومــة‪،‬‬ ‫ومفاعيــل تســويقها داخــل‬ ‫الــرد الــروايئ لتؤكــد بذلــك‬ ‫عــى جانــب مهــم يف إشــكالية‬ ‫التعامــل مــع املــراث الســحري‬ ‫ومتتالياتــه الغيبيــة‪ ،‬بعيــدا ً عــن‬ ‫تكريــس حالــة الرضــوخ لعــوامل‬ ‫الجــن والشــياطني‪ ،‬ومواجهــة تلــك‬ ‫األحاســيس الواهمــة كحالــة مــن‬ ‫االتكاليــة والقدريــة التــي تحكــم‬ ‫مشــاعر النــاس وتكبلهــا‪ ،‬وتغــذي‬ ‫املقاربــة الغيبيــة يف النفــس‬ ‫البرشيــة يف لحظــات إخفاقهــا‬ ‫وانكســارها أمــام خطــوات العقــل‬ ‫املــادي ومعطياتــه امللموســة‪.‬‬ ‫مثــة تجــارب عديــدة ومتنوعــة لهــا‬ ‫أهميتهــا البــارزة يف ســياق األدب‬ ‫الــريك‪ ،‬فقــد اســتطاعت الروايــة‬ ‫الرتكيــة دخــول اللغــات األخــرى‬ ‫بقــوة كبــرة‪ ،‬وتحقيــق حضــور‬ ‫الفــت ومميــز فيهــا‪ ،‬وقــد لعبــت‬ ‫املؤسســة الرســمية الرتكيــة دورا ً‬ ‫هامـاً يف إيجــاد العوامل املســاعدة‬ ‫عــى انتشــار األدب الــريك عــر‬ ‫تفعيــل ترجمتــه إىل العديــد مــن‬ ‫اللغــات األخــرى‪ ،‬وهــذا مــا حقــق‬ ‫لــأدب معايــر أبعــاده اإلنســانية‬ ‫وتفعيــل دوره يف حيــاة الشــعوب‪.‬‬

‫أسعد فخري‬

‫البــد أن يكــون الفنــان مرتبطـاً ارتباطـاً وثيقـاً‬ ‫مبحيطــه وبيئتــه التــي يعيــش فيهــا‪ ،‬والبــد‬ ‫أن يعــر عنهــا بــكل مــا لديــه مــن وســائل‬ ‫التعبــر‪ ،‬وهــذا االرتبــاط هــو جــزء مــن‬ ‫ارتباطــه باملحيــط العــام‪ ،‬أي املحيــط العــريب‬ ‫ككل‪ ،‬لكننــا ولألســف الشــديد نصــاب بخيبــة‬ ‫أمــل كبــرة كلــا أمعنــا النظــر يف محيطنــا‬ ‫العــريب‪ ،‬فالتمــزق العــريب والرصاعــات التــي‬ ‫أخــذت اتجاهــات مختلفــة‪ ،‬ومتعــددة أثــرت‬ ‫كث ـرا ً عــى الســاحة الفنيــة والتشــكيلية مــا‬ ‫ســاهم يف دخولهــا اىل حالــة مــن التخبــط‬ ‫والضيــاع‪.‬‬ ‫لقــد بــدأ الفنــان التشــكييل يعيــش حالــة‬ ‫ِفصــام حقيقــي مغايــر للواقــع والطمــوح‪،‬‬ ‫وبــدا يف طموحاتــه وأحالمــه مرهونــاً إىل‬ ‫القلــق والتشــتت أكــر مــا هــو طامحــاً‬ ‫وحامل ـاً لتحقيــق أهدافــه النبيلــة واإلنســانية‪،‬‬ ‫وقــد تأكــد لــه أن شــاطئ األمــان املنشــود‬ ‫بــات عصيــاً‪ ،‬وصعــب املنــال دون مواجهــة‬ ‫فاعلــة أمــام التحــوالت التــي يعيشــها الراهــن‬ ‫العــريب‪ ،‬يف الوقــت الــذي البــد أن يكــون‬ ‫اإلنســان معيــارا ً لســلوكه‪ ،‬ومبعثــاً ملواقفــه‬ ‫عــى كل صعيــد‪.‬‬ ‫إن الظــروف التــي يعيشــها الفنــان البــد أن‬ ‫تكــون داخــل الفعــل‪ ،‬وأحــد أهــم العوامــل‬ ‫املســاعدة عــى التغيــر الحقيقــي نحــو حيــاة‬ ‫أكــر إنســانية وكرامــة‪ ،‬وأن ال يكــون الفنــان‬ ‫مراقبــاً ســلبياً رماديــاً يف مواقفــه يســرخي‬ ‫عــى تخــوم املأســاة التــي يعيشــها البــر‬ ‫والحجــر يف وطنــه‪ ،‬وأن يكــون فاع ـاً‪ ،‬وليــس‬ ‫منفعــاً أمــام التحــوالت الخطــرة التــي‬ ‫تعصــف باملنطقــة العربيــة‪.‬‬ ‫مــن هنــا البــد أن ننظــر إىل إشــكالية فنيــة‬ ‫رصفــة يتجــى مــن خاللهــا أســلوب التعبــر‬ ‫عــن الواقــع الــذي نعيشــه عــر أحــد أهــم‬ ‫األدوات التعبرييــة وهــي رســوم (املوتيــف)‬ ‫والتــي ال تقــل أهميــة عــن لوحــة تشــكيلية‬ ‫ناجــزة‪ ،‬ولرمبــا تتفــوق عليهــا يف تأثيــث‬ ‫اإلحســاس عــر خطــوط يتشــكل مــن خاللهــا‬ ‫املعنــى املــراد التعبــر عنــه‪ ،‬لقــد كان‬ ‫الفنــان املعــروف (دومييــه) ينفــذ موتيفاتــه‬ ‫إىل لوحــات غنيــة يف مضامينهــا وأبعادهــا‬ ‫اإلنســانية‪ ،‬كذلــك هــو بيكاســو كان يحــرم‬ ‫هــذا األســلوب التعبــري ويعتــره مبقــام لوحة‬ ‫تشــكيلية‪ ،‬مــن خــال تلــك املعايــر الفنيــة‬ ‫نســتطيع القــول إن عــامل فــن الكاريكاتــر‬ ‫أيضـاً ال يقــل أهميــة عــن املوتيــف أو اللوحــة‬ ‫التشــكيلية‪.‬‬ ‫لقــد أســهم فــن الكاريكاتــر يف إبــراز‬ ‫خصوصيــة الوجــه العــريب مــن خــال توظيــف‬ ‫العديــد مــن مشــكالته ليتحــول عــر مجموعة‬ ‫فنانــن أثبتــوا مصداقيتهــم يف التعبــر عــن‬ ‫همــوم النــاس إىل حالــة حقيقيــة مــن التصدي‬ ‫واملواجهــة‪ ،‬حيــث تحولــت رســوم الكاريكاتــر‬ ‫عنــد بعــض الفنانــن الهامــن إىل بيــان ســيايس‬ ‫صــارخ يف وجــه الظلــم والطغيــان دون أن‬ ‫يتــواىن فنــان الكاريكاتــر عــن إظهــار رقيــه‬ ‫وحضاريتــه بلغــة ســهلة متتــاز ببســاطة‬ ‫التعبــر عــن أهدافهــا وطموحاتهــا؟‬ ‫لــذا البــد أن ندرك أن أشــكال التعبــر مختلفة‪،‬‬ ‫ومتباينــة يف أســاليبها‪ ،‬واتجاهاتهــا لكــن يبقــى‬ ‫الهــدف الحقيقــي مــن كل ذلــك هــو اإلنســان‬ ‫ومهمــة التعبــر عنــه بــكل الطــرق واألدوات‬ ‫التــي تحقــق أحالمــه يف الحريــة والكرامــة‬ ‫والعيــش الحقيقــي ملواجهــة مشــكالته أمــام‬ ‫غــول كبــر اســمه االســتبداد‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫حرمل الثقافة‬

‫عبد اهلل القصير‬ ‫بعــض وكاالت األنبــاء أكــدت مقتلــه‪،‬‬ ‫فانتــر الخــر بــن الســوريني عــر الفيســبوك‪،‬‬ ‫هلــل فرحــاً بنهايــة أحــد أهــم‬ ‫َ‬ ‫معظمهــم‬ ‫أعمــدة التنظيــات اإلســامية املتطرفــة‪،‬‬ ‫والبعــض أخــذ يالحــق هــذا الفــرح بتعليقـ ٍ‬ ‫ـات‬ ‫مــأى بالشــتائم واتهامــات العاملــة‪ ،‬إال أن‬ ‫الحقيقــة كانــت يف مــكان آخــر‪ ،‬فـــأبو عبــادة‬ ‫السـيّاف» مل يفــارق الحيــاة‪ ،‬بــل نُقــل إىل أحــد‬ ‫املشــايف الحكوميــة التــي تــم الســيطرة عليهــا‬ ‫مــن قبــل تنظيمــه منــذ أيــام قليلــة‪ ،‬القصــف‬ ‫واالشــتباكات املتبادلــة خلّفــت أرضارا ً كبــرة‬ ‫باملشــفى أتــت عــى أج ـزاء كبــرة منــه‪ ،‬فيــا‬ ‫بقــي محافظــاً عــى بعــض األقســام‪ ،‬واعتــر‬ ‫الطاقــم الطبــي تحــت اإلقامــة الجربيــة فيــه‪،‬‬ ‫فتمــت معاملتهــم كالســجناء‪ ،‬كالخــدم الذيــن‬ ‫ال يجيــدون عملهــم‪.‬‬ ‫مل يكــن «الســياف» ســوري الجنســية‪ ،‬ولقــب‬ ‫بهــذا االســم نســبة للــرؤوس الســورية التــي‬ ‫قطعهــا بيــده أو أمــر بقطعهــا‪ ،‬أُ ِ‬ ‫دخــل يف املمــر‬ ‫الطويــل برسعــة كبــرة‪ ،‬حولــه ثالثــة أطبــاء‬ ‫وخمســة ممرضــن‪ ،‬يحيــط بهــم مقاتلــون‬ ‫مدججــون بالســاح‪ ،‬وصلــوا إىل غرفــة‬ ‫العمليــات‪ ،‬وبــدأ الــكادر الطبــي عــى الفــور‬ ‫مبحاولــة قطــع نزيفــه الغزيــر‪ ،‬قبــل البحــث‬ ‫عــن الرصــاص والشــظايا يف جســده‪ ،‬أحــد‬ ‫املقاتلــن نــادى الطبيــب الجــ ّراح وقــال لــه‪:‬‬ ‫ أريده أن يعيش‬‫ ســأفعل كل مــا باســتطاعتي والباقــي عــى‬‫رب العاملــن‬ ‫ قلــت لــك‪ :‬أريــده أن يعيــش‪ ،‬وإال ســتلحق‬‫بــه‬ ‫‪..........‬‬ ‫تركه الطبيب دون أن يرد‪ ،‬وصاح مبساعديه‪:‬‬ ‫ هل أحرضتم أكياس الدم؟‬‫ نعم‪ ،‬وانتهينا من مطابقة الزمرة‬‫ ازرعها يف الوريد‪ ..‬برسعة‬‫عــاد الطبيــب إىل ذلــك املقاتــل الضخــم‪ ،‬وقــال‬ ‫لــه‪:‬‬ ‫ أكيــاس الــدم املتوفــرة غالبــاً لــن تكفينــا‪،‬‬‫نحتــاج ملتربعــن‪ ،‬سأرســل ممرض ـاً مــع بعــض‬ ‫رجالــك يك يفحــص زمرهــم‪.‬‬ ‫ عىل الفور‪ ..‬عىل الفور‬‫فتــح املمــرض وريــد «أيب عبــادة» وزرع فيــه‬ ‫الحقنــة املوصولــة إىل كيــس الــدم األول‪ ،‬كان‬

‫محمد الحمود البليبل‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫ســيافٌ بحاجــة إىل دمّ‬

‫املــكان يشــبه خليــة نحــل حقيقيــة‪ ،‬الــكل‬ ‫مهتــم بحيــاة هــذا القيــادي اإلســامي الكبــر‪،‬‬ ‫األطبــاء باتــوا عــى قناعــة أنهــم إن فشــلوا يف‬ ‫إنقــاذه سـرافقونه إىل العــامل اآلخــر‪ ،‬املمرضــون‬ ‫ال يعرفــون ممــن يتلقــون األوامــر‪ ،‬مــن األطبــاء‬ ‫أم مــن «املجاهديــن» املرافقــن‪ ،‬ضجيــج ميــأ‬ ‫املم ـرات والغــرف‪ ،‬رنــات موبايــات بأصــوات‬ ‫آليــات قرآنيــة وأدعيــة‪ ،‬كل ذلــك يحــدث‬ ‫وكأنــه مشــهد متقــن يف فيلــم ســيناميئ أو‬ ‫عــى خشــبة مــرح‪ ،‬عــى إيقــاع قطــرات‬ ‫الــدم التــي تتدفــق مــن الكيــس إىل جســد‬ ‫«الســياف»‪ ،‬عــاد ًة مــا تكــون هــذه األكيــاس‬ ‫مجهولــة الهويــة ومعلومــة الزمــرة فقــط‪،‬‬ ‫ولكــن قطــرات الــدم هــذه يف الحقيقــة‬ ‫المــرأة اســمها «ردينــة»‪ ،‬هــي مد ّرســة ملــادة‬ ‫املوســيقا يف مدرســة إعداديــة‪ ،‬تربعــت بدمهــا‬ ‫عندمــا أصيــب شــقيقها بشــظايا قذيفــة هــاون‬ ‫وفــارق الحيــاة قبــل أن يصــل دمهــا إليــه‪،‬‬ ‫حــدث ذلــك قبــل ثالثــة أســابيع مــن األحــداث‬ ‫الداميــة التــي انتهــت بالســيطرة عــى املشــفى‬ ‫واملنطقــة املحيطــة بــه‪ ،‬وقبــل خمســة أيــام‬ ‫عــى نزوحهــا القــري‪ ،‬وســفرها إىل خــارج‬ ‫ســورية‪.‬‬ ‫يف نفــس اللحظــة التــي ميتــزج دمهــا بــدم‬ ‫قاطــع الــرؤوس الكبــر‪ ،‬كانــت «ردينــة» تبحــر‬ ‫برفقــة زوجهــا وطفلتيهــا عــر زورق مــري‬ ‫إســكندراين باتجــاه الســواحل اإليطاليــة‪،‬‬ ‫وتلــف‬ ‫يف ميينهــا مصحــف صغــر الحجــم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫باليــرى ابنتيهــا‪ ،‬مل تســتطع التوقــف للحظــة‬ ‫واحــدة عــن ق ـراءة اآليــات والدعــاء والتــرع‬ ‫إىل اللــه يك تنتهــي رحلتهــم بخــر دون أن‬ ‫يصيــب أحــدا ً منهــم مكــروه‪ ،‬فهــي تعلــم‬ ‫أنهــا وعائلتهــا عــى مــن قــارب بــات يطلــق‬ ‫عليــه جميــع الســوريني اســم «قــارب املــوت»‪،‬‬ ‫زوجهــا املهنــدس «عبــد الــرزاق» ال يجيــد‬ ‫الســباحة أبــدا ً إال يف مســابح األطفــال عندمــا‬ ‫كانــا يصطحبــان الطفلتــن إىل أحــد املســابح‬ ‫العائليــة القريبــة مــن منطقــة ســكنهم‪ ،‬حيــث‬ ‫يصــل مســتوى املــاء لركبتيــه فقــط‪ ،‬يف نزهــات‬ ‫الســباحة تلــك َد َرجــت زوجتــه عــى مناداتــه‬ ‫مــن وســط مســبح الكبــار مقهقهــة‪( :‬يــا أوباما)‬ ‫بــدالً مــن‪( :‬يــا جبــان)‪ .‬يف تلــك اللحظــات مل‬ ‫تكــن تعلــم مد ّرســة املوســيقا النحيلــة أن دمهــا‬ ‫زج يف عمليــة إنقــاذ س ـ ّياف مجاهــد‪ ،‬كــا‬ ‫قــد ّ‬ ‫مل يكــن هنــاك مــن طريقــة ليعلــم مرافقــوه أن‬

‫الــدم الــذي أعطــي لــه هــو دم امــرأة‪ ،‬امــرأة‬ ‫تجيــد العــزف عــى آلــة األكورديــون‪.‬‬ ‫بعــد إجــراء الفحوصــات برسعــة قياســية‪،‬‬ ‫مل تطابــق أي زمــرة مــن زمــر املجاهديــن‬ ‫املتواجديــن زمــرة دم قائدهــم الــذي بــدأت‬ ‫تســوء حالتــه أكــر فأكــر‪ ،‬فبقــي االعتــاد‬ ‫عــى األكيــاس القليلــة الباقيــة‪ ،‬نفــ َد الكيــس‬ ‫األول‪( ،‬كيــس ردينــة) وأُلقــي بــه فارغــاً إال‬ ‫مــن بعــض القط ـرات يف ســلة القاممــة‪ ،‬وعنــد‬ ‫قيــام املمــرض بتعليــق الكيــس الثــاين مكانــه‬ ‫تعــرت قدمــه بعجلــة الرسيــر وكاد يُسـ ِقط كل‬ ‫أدوات الجراحــة أرضـاً‪ ،‬مل يكــن يعلــم املمــرض‬ ‫أن الــدم الــذي يف الكيــس قــد تــم التــرع بــه‬ ‫الســتيفاء رشوط حيــازة رخصــة قيــادة ســيارة‪،‬‬ ‫ومل يكــن يعلــم أن املتــرع هــو شــاب مســيحي‬ ‫اســمه «عبــد اللــه»‪ .‬منــذ أن قامــت الثــورة يف‬ ‫ســورية يف آذار ‪ ،2011‬وقــف «عبــد اللــه» عــى‬ ‫الحيــاد والتــزم الصمــت‪ ،‬كلــا تذكــر أنــه أنهــى‬ ‫خدمتــه اإللزاميــة قبــل الثــورة بفــرة قصــرة‬ ‫يشــعر بالســعادة ويعتــر نفســه محظوظــاً‪،‬‬ ‫يف أوقــات كثــرة كان يشــتم جميــع األط ـراف‬ ‫ كــا يطلــق عليهــم‪ -‬ويف ســاعات الشــدة‬‫واألحــداث الداميــة والتفجــرات يلجــأ بــا‬ ‫شــعوره للدعــاء إىل الجيــش العــريب الســوري‪،‬‬ ‫عــى الفيــس بــوك ‪ -‬وباســمه الوهمــي ‪ -‬نــر‬ ‫يف م ـرات عديــدة تعليق ـاً واحــدا ً ومكــررا ً‪« :‬يــا‬ ‫مــار رشبــل كــن مــع جيشــنا»‪ ،‬يف إحــدى املرات‬ ‫زاره «مــار رشبــل» يف منامــه‪ ،‬بــدا لــه القديــس‬ ‫منزعجــاً‪ ،‬يلبــس بدلــة عســكرية مموهــة‬ ‫ويركــب يف مؤخــرة ســيارة «زيــل» كبــرة‪ ،‬نظــر‬ ‫إليــه وقــال‪:‬‬ ‫ انبســطت يــا عبــد اللــه؟ املهــم تنبســط يــا‬‫عبــد اللــه!!‪.‬‬ ‫بعدها توقف األخري عن هذا الدعاء نهائياً‪.‬‬ ‫يف تلــك اللحظــات التــي يختلــط فيــه دم‬ ‫املســيحي بــدم اإلســامي‪ ،‬وأي إســامي!!‬ ‫كان «عبــد اللــه» يقــف عــى أحــد الحواجــز‬ ‫التــي يســيطر عليهــا إســاميون آخــرون‪،‬‬ ‫حاجــ ٌز يُطلــق عليــه العابــرون اســم «حاجــز‬ ‫البكالوريــا» ألن الجنــود امللتحــن يّخضعــون‬ ‫املدنيــن المتحــان مــن قســمني قبــل أن‬ ‫يســمحوا لهــم باملــرور‪ ،‬نجــح «عبــد اللــه»‬ ‫بامتيــاز يف القســم األول (الدينــي) عندمــا قــرأ‬ ‫لهــم آيــة الكــريس‪ ،‬وعــدة آيــات مــن ســورة‬ ‫مريــم دون أخطــاء‪ ،‬وأصــاب يف إجابتــه عندمــا‬

‫ســألوه‪ :‬مــن هــو شــيخ اإلســام؟ فقــال‪ :‬الشــيخ‬ ‫«ابــن تيميــة» رضــوان اللــه عليــه‪ ،‬نــال مكافــأة‬ ‫عــى ذلــك بــأ ْن مل يُخضعــوه للقســم الثــاين‬ ‫وهــو (امتحــان املعارضــة) ودعــوه ميـ ّر بســام‪.‬‬ ‫مل يكــن جنــود الحاجــز يعلمــون أن اســم «عبــد‬ ‫اللــه» مــن املمكــن أن يحملــه شــاب مســيحي‪،‬‬ ‫كــا مل يعلــم الجهاديــون املرافقــون يف غرفــة‬ ‫العمليــات أن الــدم الــذي أفــرغ يف جســد‬ ‫«الســيّاف» النــازف كان دمــاً مســيحياً‪.‬‬ ‫خفتــت رضبــات قلــب «الســياف» وأعلــن‬ ‫جهــاز املراقبــة توقــف قلبــه عــن الخفقــان‪،‬‬ ‫ارتفــع املــوج يف البحــر املتوســط وأخــذ القــارب‬ ‫يدنــو بركّابــه مــن اســمه الجديــد «قــارب‬ ‫املــوت» وارتفــع صــوت «ردينــة» يف الدعــاء‪،‬‬ ‫بينــا يلفــت «عبــد اللــه» نظــر أحــد القناصــن‬ ‫الضجريــن مــن قلــة املــارة‪ ،‬فرياقــب وجهــه من‬ ‫خــال منظــار البندقيــة‪ ،‬يف غرفــة العمليــات‬ ‫يســود ارتبــاك شــديد عــى األطبــاء‪ ،‬فيلجــأ‬ ‫أحدهــم إىل جهــاز الصدمــات الكهربائيــة‪،‬‬ ‫وينجــح يف اســتعادة اهتــزاز قليــل إىل الخــط‬ ‫املســتقيم عــى شاشــة الجهــاز‪ ،‬وبعــض األمــل‬ ‫يف إنقــاذه‪ ،‬مــع تدفــق دمــاء الكيــس الثالــث يف‬ ‫أوردة «أيب عبــادة» ورشايينــه‪ ،‬مل يكــن املتــرع‬ ‫بهــذا الكيــس يفعــل شــيئاً يف تلــك اللحظــات‪،‬‬ ‫ألن الب ّنــاء أو «املعمرجــي أبــو أحمــد»‬ ‫قتــل منــذ أيــام مــع عائلتــه بعــد أن أُســقط‬ ‫عــى البنــاء الــذي يقــع فيــه منزلهــم برميــل‬ ‫متفجــر‪ ،‬لشــهور عديــدة اســتكان يف منزلــه‪،‬‬ ‫وتوقــف عــن العمــل‪ ،‬ومثلــا يراقــب طبيــب‬ ‫أســنان ضحــكات النــاس ليتبــن النخــور‪ ،‬كان‬ ‫«أبــو أحمــد» يراقــب كل الدمــار الــذي حــل‬ ‫يف مدينتــه‪ ،‬ويحســب عــدد «البلــوكات» أو‬ ‫األحجــار الالزمــة لهــذا املبنــى أو ذاك‪ ،‬ثــم يق ّدر‬ ‫دخلــه اليومــي يف حــال تســلم عمليــة إعــادة‬ ‫إعامرهــا‪ .‬مل يكــن هنــاك طريقــة مــا ليَعلــ َم‬ ‫قائــد الطائــرة التــي قذفــت الربميــل املدمــر‪،‬‬ ‫أن صاحــب كيــس الــدم الــذي امتصــه جســد‬ ‫«الســياف» هــو لرجــل قــام خــال ثالثــن عامـاً‬ ‫مضــت برتكيــب ماليــن «البلــوكات» فــوق‬ ‫بعضهــا البعــض‪.‬‬ ‫يف هــذه األثنــاء تنــر وكاالت األنبــاء تعدي ـاً‬ ‫عــى خــر مقتــل «الســياف»‪( :‬عاجــل ‪ -‬رويرتز‪:‬‬ ‫مصــادر ميدانيــة تنفــي مقتــل «أيب عبــادة‬ ‫الســياف» وتقــر بإصابتــه إصابــات خطــرة)‪،‬‬ ‫جســد قــوي وضخــم كان يرتنــح بــن الحيــاة‬

‫واملــوت بــن أيــدي الــكادر الطبــي‪ ،‬كيــس دم‬ ‫رابــع لشــخص ملحــد‪ ،‬ثــم كيــس خامــس وأخري‬ ‫لفتــاة عانــس‪ ،‬وقــف بعدهــا األطبــاء حائــرون‪،‬‬ ‫النزيــف مل يتوقــف ومــا زال غزيــرا ً‪ ،‬ومل يبــق‬ ‫إال بضــع قط ـرات مــن ســائل الحيــاة األحمــر‪،‬‬ ‫ومــن ثــم يستســلمون‪ ،‬رصخ املجاهــد املرافــق‬ ‫يف وجــه الطبيــب‪:‬‬ ‫ مــاذا تقــول؟ بــادك تحولــت إىل بحــر مــن‬‫الــدم‪ ،‬وتقــول يل مل يبــق لدينــا دم؟؟ أحــر أي‬ ‫كيــس رمــل مــن أمــام املشــفى وعلّقــه هنــا‪،‬‬ ‫ولســوف يفــي بالغــرض‪ ،‬أكيــاس الرمــل مــأى‬ ‫بالدمــاء‪ ،‬أريــدك أن تخلــق يل دمـاً مــن تحــت‬ ‫األرض‪ ...‬هيــا‪ ..‬برسعــة‪ ..‬هيــا‪.‬‬ ‫يأخــذ الطبيــب املمــرض املســؤول ويهمــس يف‬ ‫أذنــه‪:‬‬ ‫ ال تدقــق عــى الزمــرة‪ ،‬اســحب مــن أي‬‫شــخص كان‪..‬‬ ‫ ولكن يا دكتور‪ ..‬سيموت عىل‪....‬‬‫ ســيقتلوننا‪ ..‬مل يعــد أمامنــا إال هــذا الخيــار‪،‬‬‫فليمــت وأكيــاس الــدم معلقــة أمــام أعينهــم‬ ‫أفضــل لنــا‪.‬‬ ‫يغيــب املمــرض قليــاً ثــم يعــود ومعــه‬ ‫كيســان‪ ،‬ثــم يغيــب ويعــود بثالثــة‪ ،‬ثــم‬ ‫يغيــب ويعــود بخمســة أكيــاس‪ ،‬كل الزمــر مل‬ ‫تكــن متوافقــة مــع زمــرة «الســيّاف» إال أن‬ ‫شــيئاً غريب ـاً حــدث‪ ،‬يفــوق مســلامت الطــب‪،‬‬ ‫وبديهيــات العلــم‪ ،‬فقاطــع الــرؤوس مل ميــت‪،‬‬ ‫جســده اســتجاب لــكل الدمــاء‪ ،‬وكلــا رشب‬ ‫كيســاً ازداد عطشــاً لكيــس آخــر‪ ..‬يف فــرة‬ ‫كيــس املتــرع الكــردي كانــت «ردينــة» تبتلــع‬ ‫ملوحــة البحــار واملحيطــات منــذ الخليقــة‪،‬‬ ‫عائلتهــا كامل ـ ًة لفظــت أنفاســها األخــرة مع ـاً‪،‬‬ ‫وكأنهــا تــردد الشــعار يف اجتــاع صباحــي‬ ‫بباحــة مدرســة‪ ،‬يف فــرة كيــس املتــرع‬ ‫اإلســاعييل انتهــى القنــاص مــن مداعبــة وجــه‬ ‫«عبــد اللــه» مبنظــاره وأطلــق رصاصــة واحــدة‬ ‫عــى رأس ذلــك املحظــوظ الــذي أنهــى خدمــة‬ ‫العلــم قبــل الثــورة‪ ،‬ثــم كيــس لعاهــرة‪ ،‬وكيــس‬ ‫للــص‪ ،‬وكيــس إلمــام جامــع‪ ،‬وكيــس لراقصــة‪،‬‬ ‫وكيــس لشــيخ قبيلــة‪ ،‬وأكيــاس لشــباب القبيلــة‬ ‫كلهــا‪ ،‬وأكيــاس ملعتقلــن‪ ،‬وأكيــاس مطارديــن‪،‬‬ ‫ومل تستســلم روح قاطــع الــرؤوس‪ ،‬وبقــي‬ ‫«الســياف» بحاجــة إىل دم‪ ،‬جســده تحــول‬ ‫متتــص الحانــات وال تســكر)‪.‬‬ ‫(إلســفنجة‬ ‫ّ‬

‫الحــب يف مناطــق النظــام‬

‫هو‪ :‬أتقيمني هنا؟‬ ‫هي‪ :‬أجل منذ أكرث من ثالثني عاماً‬ ‫هو‪ :‬أحتاج أن أرى هويتك ألتأكد‬ ‫هي‪ :‬تفضل‬ ‫هــو‪ :‬ال أصــدق أن األيــام اســتطاعت أن تــرق منــك ‪ 36‬ســنة! وجهــك الطفــويل‬ ‫يــدل عــى أنــك يف العرشينيــات! أأنــت متزوجــة؟‬ ‫هي‪ :‬ال‬ ‫هــو‪ :‬ملــاذا أهنــاك محظــوظ تنتظريــن عودتــه‪ ،‬أم هــو نصيــب أعمــى مل يــدق‬ ‫بابــك؟‬ ‫هي‪ :‬نصيب‬ ‫هــو‪ :‬لكنــي أشــعر أن ذلــك النصيــب يـراك وأنــه قريــب! ســأعتقلك بتهمــة هويــة‬ ‫مــزورة‪ ،‬عيونــك تشــبه ســهول الربيــع‪ ،‬وهــذه الهويــة لفتــاة عيونهــا بنيــة‪.‬‬ ‫هي‪ :‬هذه هويتي ولك ما تريد‪.‬‬ ‫هو‪ :‬أريدك أن تدخيل إىل منزلك بأمان‪ ..‬وابقِ بخري‪ ..‬وسوريا بخري‬ ‫صديقتهــا‪ :‬هــل رأيــت كيــف نظــر إليــك؟ كــم أنـ ِ‬ ‫ـت محظوظــة أن يعجــب بــك‬ ‫شــاب بهــذه الوســامة ويبــدو صغ ـرا ً بالعمــر‪.‬‬ ‫ال أظنه إعجاب فقط‪ ،‬أما سمعتي ما قال أن نصيبك قريب‬ ‫هــي‪ :‬هــل أنــت مجنونــة أمل تــري زيــه العســكري؟ وذلــك الســاح الــذي يعتــي‬ ‫كتفــه؟ كيــف يل أن أكــون محظوظــة بإعجــاب مــن يقتــل أوالد بلــده‪.‬‬ ‫صديقتها‪ :‬القتل هو املهنة التي ميارسها كل من يتنفس سوريتنا اليوم‪.‬‬

‫إن مل نحمــل الســاح ونقتــل‪ ..‬فإننــا نقتــل مــن نحــب بإبعادهــم وإهاملهــم‪ ،‬وإن‬ ‫عجزنــا قمنــا بقتــل أنفســنا بحيــاة يوميــة ال تشــبهنا‪.‬‬ ‫أولئــك الذيــن بايعــوا خلفــاء ال يعرفــون ش ـرا ً مــن ت ـراب ســورية‪ ،‬هــم أيضــا‬ ‫يقتلــون أوالد بلدهــم‪ ،‬وأولئــك الذيــن ينصبــون لبعضهــم الكامئــن ألن كالً منهــم‬ ‫يأتيــه ســاحه مــن بلــد مختلــف‪ ،‬هــم أيض ـاً يقتلــون أوالد بلدهــم‪.‬‬ ‫يف هذه الحرب كلنا قتلة‪ ..‬وكلنا ضحية‬ ‫هي‪ :‬أبعد كل هذه األنقاض التي منيش بقربها كل يوم تسميها حرباً؟‬ ‫أبعــد أن دفنــا شــباباً بعمــر الــورد تســميها حربــاً؟ أبعــد كل مــن تلتهمهــم‬ ‫املعتقــات مــن أربــع ســنني تســميها حربــاً؟‬ ‫صديقتهــا‪ :‬أحقـاً ال زلــت تهتمــن بالتســميات يف بلــد ال زال بعــد كل مــا ذكــريت‬ ‫يسـ ِ‬ ‫ـميك عانسـاً‪.‬‬ ‫أحقــا تهــم التســمية إن كانــت حربـاً أو أزمــة أو ثــورة يف بلــد تخــى فيهــا شــباب‬

‫الثــورة عــن حبيباتهــم بعــد خروجهــن مــن املعتقــات‪.‬‬ ‫أحقــاً هــو ربيــع بعــد أن اســتغل أوالد البلــد تــرد إخوانهــم يف املناطــق‬ ‫املحــارصة ليصنعــوا ثــروات مل يكونــوا حاملــن بهــا‪ ،‬وهــم ال زالــوا يــرددون أنهــم‪،‬‬ ‫قلب ـاً وقالب ـاً‪ ،‬مــع التغيــر والثــورة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫أنت حرة‬ ‫ابــقِ حيــث أنــت واســتمتعي بالوقــوف عــى أطــال أحالمنــا التــي دفناهــا تحــت‬ ‫أنقــاض مدينتنــا القدميــة‪.‬‬ ‫ابــقِ يف ســجن طفلــة ال تــزال يف الثامنــة تــرى يف عيونــك شــوقك لألمومــة‬ ‫وتســتغله‪.‬‬ ‫ابــقِ تحــت حكــم ذلــك الطاغيــة ابــن بلــدك‪ ،‬وثورتــك التــي ينظــر إليهــا كبضاعــة‬ ‫تكدســت يف األســواق أمــا هــو فقيمتــه تقــدر بالــدوالرات‪.‬‬ ‫أخربينــي مــاذا تنتظريــن؟ أن يعــود ذلــك الشــاب املثقــف الــذي أحببتــه يوم ـاً‬ ‫مــن بــاد اللجــوء‪ ..‬أن يخــرج نصيبــك مــن املعتقــل جســدا ً مــن غــر روح‪ ،‬أو‬ ‫لعلــك تنتظريــن يومـاً يــدق فيــه بابَــك رجـ ٌـل يكــرك بعــر ســنني ممــن تبقــى‬ ‫مــن أوالد بلــدك ليقــول لــك‪ :‬لســت مضطـرا ً أن أرتبــط بــك إال ألنــك تعجبيننــي‪،‬‬ ‫فأنــا أســتطيع أن أتــزوج فتــاة تصغــرك بأكــر مــن عــر ســنوات فمراكــز اإليــواء‬ ‫متتلــئ بالفتيــات واألرامــل‪..‬‬ ‫أنـ ِ‬ ‫ـت ال تســتطيعني الســفر خــارج دوامــة املــوت التــي نعيشــها فتوقفــي عــن‬ ‫عيــش حلــم مدفــون‪ ..‬تزوجــي ذلــك الشــاب بزيــه العســكري‪ ،‬فقــد تســتطيعني‬ ‫إنجــاب طفــل وتربيتــه ليكــر مختلف ـاً‪.‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫نخيل الجبانة‬

‫* فكري داود‬ ‫خلــف املقابــر متتــد أفدنــة الفالحــن‪ ،‬عــى جانبــي الطريــق‪،‬‬ ‫لقنــات الــري‬ ‫َ‬ ‫يصطــف نخيــل القريــة يف صفــن‪ ،‬مالصقــن‬ ‫املتوازيتــن‪ ،‬مثــة شــوق قديــم يعرتينــي‪ ،‬إىل بلحــات ُحمــر‬ ‫طازجــات‪ ،‬هــوت بفعــل الريــح أو الطــر‪ ،‬وإىل أيــام تنقيــة‬ ‫دودة القطــن‪ ،‬رغــم الضنــك‪ ،‬وإىل مطــاردة البنــت (قمــر)‪،‬‬ ‫التــي مل تخلــف إال الــراب‪ ،‬وإىل‪...‬‬ ‫ولكن‪...‬‬ ‫لســنوات عــر‪ ،‬وإىل أرض جبليــة‪ ،‬قــذف يب البعــاد‪ ،‬مســلامً‬ ‫بحــق الدنيــا يف األخــذ‪ ،‬لقــاء أي عطــاء‪ ،‬مثــة حاجــات مل ّحــة‬ ‫أدت لذلــك‪.‬‬ ‫ـي النخيــل بقلبــي ربــا ٌط قديــم‪ ،‬يصل إىل حد القداســة‪،‬‬ ‫لِ َص َفـ ِّ‬ ‫حبــات مــن ذكريــات بينهــا‪ ،‬ال تـزال مبعــرة‪ ،‬جلســات قدميــة‬ ‫وقــت قيلولــة الغــداء‪ ،‬حيــث نتحلــق ـ أنــا وصغــار الــدودة‬ ‫ـ حــول األرغفــة اليابســة‪ ،‬امللطخــة باللــن الرائــب‪ ،‬وحبــات‬ ‫الطامطــم‪ ،‬وقطــع اللفــت املخلــل‪ ،‬غــر عابئــن أبــدا بأكفنــا‬ ‫املدججــة‪ ،‬برائحــة األوراق املصابــة بالــدود‪.‬‬ ‫ومثــة عصــاري خاليــة‪ ،‬مــن مكافحــة الــدودة‪ ،‬نســتغرقها يف‬ ‫قـراءات مدرســية‪ ،‬مــع مطالعاتنــا األوىل املفاجئــة‪ ،‬ملــا تصــادف‬ ‫وقوعــه بــن أيدينــا بصعوبــة تشــبه املعجــزة‪ ،‬مــن روايــات‬ ‫لتولســتوي وديكنــز وبلـزاك و‪ ،...‬وألــف ليلــة وليلــة‪...‬‬ ‫بــن النخــات‪ ،‬يســتغرقني عــدو (زجزاجــي)‪ ،‬ألحــق بطــرف‬ ‫جلبــاب البنــت‪ ،‬يحتوينــا الظــل الهثــن‪ ،‬تنبــش أصابعهــا‬ ‫عشــب األرض‪ ،‬املطــوق للجــذوع كأســاور خـراء‪ ،‬بحثـاً عــن‬ ‫بلحــات تائهــات‪ ،‬يف حلقينــا تحلــو الكلــات‪ ،‬متــأ ضحكاتنــا‬ ‫األجــواء‪ ،‬فتهيــم ربيع ـاً‪ ،‬يداعــب شــوايش الجريــد اله ـزاز‪.‬‬ ‫(قمر)!‬ ‫أين أنت يا قمر؟‬ ‫تضمنــا ســتائر أول الليــل‪ ،‬كحاممــة تعشــش عــى فرخيهــا‪،‬‬ ‫تحمــل همســاتنا يف بطونهــا‪ ،‬آمــاالً عراضــاً أليــام قادمــة‪،‬‬ ‫تحمــل بــن جوانبهــا‪ ،‬فيض ـاً مــن هنــاء‪ ،‬نحــاول بــا هــوادة‬ ‫حفــر اســمينا‪ ،‬عــى جســد نخلتنــا املحببــة‪ ،‬رغــم امتنــاع‬ ‫حراشــيف لحائهــا الغليــظ‪ ،‬عــن تحقيــق ذلــك بســهولة‪،‬‬ ‫لتبقــى آثــار محاوالتنــا‪ ،‬شــاهدا ً عــى تلــك الرغبــة‪ ،‬إىل جــوار‬ ‫ـت يف ســنوات‪ ،‬ورمبــا عقــود‬ ‫محــاوالت عديــدة آلخريــن‪ ،‬ن ُِحتَـ ْ‬ ‫ســالفة‪ ،‬تــرى أيــن هــي اآلن؟‬ ‫وأين ذهب االرتباط ـ املفرتض ـ بني فرديت اليامم؟‬ ‫هــل جــاء اغــراب الذكــر‪ ،‬نتيجــة النتهــاء حكايتهــا‪ ،‬أم أن‬ ‫االنتهــاء جــاء نتيجــة للرحيــل؟‬ ‫ســنوات عــر راحــت وبضعــة أيــام‪ ،‬عــى آخــر خطــوايت‪،‬‬ ‫فــوق هــذه الطريــق الرتابيــة‪ ،‬املؤديــة إىل املقابــر‪ ،‬ومــن‬ ‫بعدهــا أفدنــة الفالحــن‪ ،‬يجتاحنــي تســاؤل مباغــت‪:‬‬ ‫أهذه هي الطريق حقاً؟‬ ‫الطريق مربوكة يا ولد ـ هكذا يقول جدي ـ‪...‬‬ ‫فوقهــا ميــر األحيــاء إىل الغيطــان‪ ،‬طلبـاً ألســباب الحيــاة‪ ،‬ومتــر‬ ‫أيضـاً نعــوش الراحلــن‪ ،‬بأغطيتهــا الخـراء‪ ،‬املنقوشــة باآليات‪،‬‬ ‫تحــف أحذيــة مشــيعيهم األرض‪ ،‬مثــرة للغبــار‪ ،‬فيصعــد حــارا ً‬ ‫إىل األنــوف والعيــون‪ ،‬تلهــج ألســنتهم بأدعيــة هامســة‪ ،‬مغلفة‬ ‫بســكينة الخشــية مــن الغــد املجهــول‪ ،.‬ورسعــان مــا يخلفــون‬ ‫موتاهــم‪ ،‬خلــف ظهورهــم‪ ،‬مرسعــن بالعــودة‪ ،‬وهــم يتأبطــون‬ ‫األذرع مثنــى‪ ،‬وثــاث‪ ،‬و‪ ،...‬تخــوض ألســنتهم‪ ،‬يف حــوارات‬ ‫دنيويــة ســالفة الذكــر‪.‬‬ ‫ويف الذهــاب واإليــاب‪ ،‬يرمــي الســعف بظاللــه‪ ،‬بُ َق َعــا‬ ‫متواتــرة‪ ،‬تحجــب حــر الصيــف عــن الــرؤوس‪ ،‬كــا تقيهــا‬ ‫مظالتــه‪ ،‬مغبــة مطــر الشــتاء‪ ،‬فيــا تداعــب الطيــور البلحــات‪،‬‬

‫يف أي طــور تشــاء‪.‬‬ ‫تستحرض آذاين من جديد‪ ،‬نُتَفاً من أقول الجد‪:‬‬ ‫ـ النخلة أول شجريات األرض يا ولد‪.‬‬ ‫ـ أول شجريات األرض يا جدي؟‬ ‫ـ إي نعــم‪ ،...‬بضــع مت ـرات‪ ،‬وقليــل مــن لــن البهيمــة‪ ،‬يكفــل‬ ‫كل الحيــاة‪...‬‬ ‫ـ مترات ولنب ال غري يا جدي؟‬ ‫ـ نعم‪ ،‬ال غري يا ولد‪.‬‬ ‫تختلــط بداخــي أقوالــه القدميــة‪ ،‬بأقــوال بــدو القبيلــة‪،‬‬ ‫إبــان بُعــادي األخــر‪:‬‬ ‫مترنا فوق نخلنا‪ ،‬ولبننا يف رضوع أغنامنا‪ ،‬وماذا يهم؟‬ ‫يرددونهــا عنــد أي حديــث عــارض‪ ،‬يهــدد بقــاء مــا طالتــه‬ ‫أيديهــم‪ ،‬مــن حديــث املــأكل واملــرب‪.‬‬ ‫أقول لهم سائالً‪:‬‬ ‫وماذا عن السيارات؟‬ ‫ميــأون أشــداقهم بالضحــكات‪ ،‬يقولــون وهــم يشــرون‬ ‫إىل جاملهــم‪:‬‬ ‫ها هي راحالتنا تحت أيدينا‪.‬‬ ‫تعــود ذاكــريت للمخالطــة بــن ذلــك‪ ،‬وبــن مــا ج ـ َّد عــى‬ ‫ســنوايت مــن معــارف‪ ،‬وبــن حكايــا جــدي؛ تصيــب مزاجــي‬ ‫دهشــة الرضــا حينـاً‪ ،‬وتحتلنــي دهشــة الحــزن أحيانـاً‪ ،‬أبحــث‬ ‫جاهــدا ً عــن رس اختيــار الخالــق‪ ،‬للنخلــة سـرا ً وظـاً للعــذراء‪،‬‬ ‫وجعــل مثرهــا لهــا غــذاء‪.‬‬ ‫تــرى هــل يعــد مــن الكــرم‪ ،‬ذبــح البــدوي األصيــل‪ ،‬نخلتــه‬ ‫لعزيــز ضيفــه؟‬ ‫أال مــن طعــام آخــر‪ ،‬يربهــن بــه عــى الكــرم‪ ،‬وعلــ ّو قــدر‬ ‫ــاَر) النخلــة؟!‬ ‫الضيــف‪ ،‬غــر ( ُج ّ‬ ‫أردد مع نفيس قول الجد األثري‪:‬‬ ‫عمَتكم النخل‪...‬‬ ‫اتقوا الله يف ّ‬ ‫يجــري القــول‪ ،‬عــى لســانه مــرارا ً‪ ،‬عــى أنــه حديــث‬ ‫رشيــف‪ ،‬يف محاولــة منــه‪ ،‬إلضفــاء صفــة األنســنة عــى‬ ‫الشــجرة‪ ،‬يضيــف يف نفــس املضــار‪:‬‬ ‫كل األشــجار تعيــد منــاء فروعهــا‪ ،‬مهــا جــاءت قســوة قصفهــا‪،‬‬ ‫إال النخلــة؛ تبقــى كالبرش‪،‬عج ـزا ً خاوي ـاً أبــد الدهــر‪ ،‬إذا طــال‬ ‫رأســها القطــع!‬ ‫إىل داخــل الــدور‪ ،‬متتــد ســطوة نخــل القريــة‪ ،‬تتوغــل‬ ‫بســباطاته املعلقــة فــوق ُجـ ُدر اللــن‪ ،‬محملــة برطــب البلــح‪،‬‬ ‫حلــو طعــام الخلــق‪ ،‬ومــن بقايــاه يقتــات الحيــوان‪ ،‬تســتحيل‬ ‫بعدهــا الســباطات‪ ،‬إىل مكانــس خشــنة‪ ،‬تجــوب أرجــاء الدور‪،‬‬ ‫وأمــام األبــواب‪ ،‬قبــل رش املــاء لرتطيــب األجــواء‪ ،‬باألســقف‬ ‫الواطئــة أعجــازه‪ ،‬وبأقفــاص طيورهــم جريــده‪ ،‬وحتــى يف‬ ‫كوانــن الطهــو‪ ،‬وخلــف ظهــور بناتهــم يــوم الزفــاف‪.‬‬ ‫ال تــرح ذاكــريت أبــدا ً‪ ،‬وقائــع يومــي القريــة‪ ،‬اللذيــن ال‬ ‫ثالــث لهــا؛ يــوم للتلقيــح‪ ،‬ويــوم للجنــي‪ ،‬عيداهــا هــا‪ ،‬يف‬ ‫كليهــا متتــد األزرع‪ ،‬لتطــال كل أركان البيــوت‪ ،‬بدايــة مــن‬ ‫اللــوف الخشــن‪ ،‬وانتهــاء بصفائــح التمــر‪ ،‬الباقيــة مــن عيــد إىل‬ ‫عيــد‪ ،‬متتلــئ جيــوب املحتاجــن بالقــرش‪ ،‬تكــر أفـراح البنــات‪،‬‬ ‫و‪...‬‬ ‫نخل القرية هو‪ ،‬وويل نعمتها بعد الخالق‪.‬‬ ‫‪...‬‬ ‫أهذه هي الطريق حقاً؟‬ ‫هــا هــي املقابــر تلــوح‪ ،‬وهــا هــي األفدنــة املمتــدة مــن‬ ‫بعدهــا‪...‬‬ ‫شــمس العــر مل تعــد حنونــة‪ ،‬تلفــح أشــعتها رأيس لفحــاً‪،‬‬ ‫نقــاط مــن عــرق تســيل بطيئــة‪ ،‬عــى جانبــي وجهــي‪ ،‬وتحــت‬ ‫مالبــس صــدري‪ ،‬مل تــزل قناتــا الــري‪ ،‬تحــدان الطريــق كــا‬

‫هــا‪ ،‬اتســاع مــا أصــاب إحداهــا‪ ،‬رغــم ركــود املــاء‪ ،‬وعــكارة‬ ‫شــديدة‪ ،‬تصيــب مجــرى الثانيــة‪ ،‬ليســت كعــكارة األســاك‬ ‫الالعبــة‪.‬‬ ‫عــر ســنوات‪ ،‬ليســت بالعمــر الطويــل‪ ،‬يف حســاب الزمــن‬ ‫ـ أعلــم ذلــك ـ‪ ،‬هاهــي أشــجار املقابــر كائنــة‪ ،‬ميتلــك أهلنــا‬ ‫االعتقــاد‪ ،‬أن ســعف الجريــد األخــر‪ ،‬يعجــل برحمــة األموات‪،‬‬ ‫تــال منهــا ترتاكــم فــوق القبــور‪ ،‬وتحديــدا ً عنــد الــرؤوس‪ ،‬وأن‬ ‫األشــجار‪ ،‬عندمــا ت ُِظــل القبــور‪ ،‬يُ ِظــل اللــه ســاكنيها بظلــه‪ ،‬لــذا‬ ‫شــغلهم دوم ـاً‪ ،‬التواتــر عــى غرســها‪ ،‬بالطرقــات بــن القبــور‪،‬‬ ‫جيـاً بعــد جيــل‪ ،‬ال يثنيهــم عــن ذلــك‪ ،‬مــا يصيبهــا بعــد حــن‬ ‫مــن جفــاف‪ ،‬ومــا يتبعــه بالــرورة مــن مــوت أغصانهــا‪ ،‬بعــد‬ ‫عريهــا مــن األوراق‪ ،‬يقولــون بيقــن‪:‬‬ ‫كلــا امتــدت الجــذور‪ ،‬طالــت دم املــوىت وعظامهــم‪ ،‬فتصيبهــا‬ ‫لعنــة املــوات‪.‬‬ ‫يقولون ذلك‪ ،‬دون أن يتوقف الغرس‪.‬‬ ‫تحــت تربــة األرض‪ ،‬عــى جانبــي الطريــق‪ ،‬تكمــن ـ‬ ‫والبــد ـ اآلثــار القدميــة ألقدامنــا الصغــرة‪ ،‬فــوق تلــك اآلثــار‪،‬‬ ‫املطمــورة بفعــل الســنني‪ ،‬يــؤدي النخــل تحيــة اإلجــال‪ ،‬فاتحـاً‬ ‫أذرعــه إىل الســاء‪ ،‬يلقــن مخلوقــات األرض‪ ،‬دروس الكربيــاء‪.‬‬ ‫يدركني عىل الفور أمر الجد‪:‬‬ ‫كن كالنخيل يا ولد‪.‬‬ ‫باعد بني عينيك‪ ،‬وبني نظرات االنكسار‪.‬‬ ‫وتدركنــي ابتســامة أمــي‪ ،‬ردا ً عــى أول هدايــا النخلــة إيل؛‬ ‫مجــرد بلحــة خـراء‪ ،‬يف حجــم حبــة (زللخــت)‪ ،‬عــرت عليهــا‬ ‫عينــاي‪ ،‬وســاقاي مل تحســنا بعــد‪ ،‬تخطــي حراشــيف الجــذوع‪،‬‬ ‫يومهــا قبضــت كفــي عــى البلحــة اليتيمــة‪ ،‬داخــل جيبــي‬ ‫الصغــر‪ ،‬بــن يــدي أمــي‪ ،‬انتصبــت ممتلــئ القلــب‪ ،‬بحنــن ال‬ ‫ـت أمــي ـ يومهــا ـ‬ ‫يريــن‪ ،‬امتــدت يــدي إليهــا بالهديــة‪ ،‬مللمـ ْ‬ ‫ظــال ابتســامتها الراضيــة‪ ،‬منحتنــي شــفتاها املرتجفتــان قبلــة‬ ‫حانيــة‪ ،‬ومســحت كفهــا رأيس املكــور‪ ،‬وهــي تتمــم مراســم‬ ‫الدعــاء‪ ،...‬ومل أفهــم حتــى اليــوم‪ ،‬رس غاللــة الدمــع الشــفيفة‪،‬‬ ‫التــي غطــت حبتــي عينيهــا الســوداوين‪ ،‬واملرهقتــن‪.‬‬ ‫عــى الجانــب األميــن مــن الحقــول‪ ،‬نبهنــي نعــر غريــب‪،‬‬ ‫لجاموســة نافــرة‪ ،‬تنــادي ـ عــى مــا يبــدو ـ‪ ،‬فحــل الجامــوس‬ ‫عــى الجانــب اآلخــر مــن الطريق‪ ،‬بادلهــا رسب مــن أيب قردان‪،‬‬ ‫بزعقــات تشــبه النعيــق‪ ،‬ومثــة عصفــور صغــر‪ ،‬يتعــر محــاوالً‬ ‫الطــران‪ ،‬ال يبــدو لتعــره نهايــة‪ ،‬مــن بعيــد ترقبــه عيــون‬ ‫أمــه‪ ،‬خشــية وقوعــة فريســة‪ ،‬لف ـران الغيــط املتوحشــة‪ ،‬أو‬ ‫إلحــدى الحــدآت‪ ،‬تحــرين للتــو‪ ،‬محــاوالت أقدامــي الفاشــلة‪،‬‬ ‫لصعــود جــذع النخلــة الخشــن‪ ،‬يــوم عثــوري‪ ،‬عــى بلحــة أمــي‬ ‫الخ ـراء‪ ،‬واليتيمــة‪.‬‬ ‫اعتقــاد كبــر مل يــزل يجتاحنــي بضــال الطريــق‪ ،‬قفــز إىل‬ ‫رأيس‪ ،‬مــا بــدا يل‪ ،‬آخــر مــا قالــه الجــد‪:‬‬ ‫ـ النخل يا ولدي يكهل ويشيخ‪...‬‬ ‫ـ ياخرب‪ ،‬يكهل و‪ ...‬يشيخ كام البرش؟‬ ‫ـ نعم يا ولدي يكهل‪ ...‬و‪...‬‬ ‫ـ وماذا بعد يا جدي؟‬ ‫أشاح وجه الجد‪ ،‬وران الصمت‪...‬‬ ‫ـاقي‪ ،‬امتــدت رسيع ـاً إىل ســائر‬ ‫رعــدة عاتيــة تســلمت سـ َّ‬ ‫ـت كفــي جبهتــي‬ ‫ـت كمــن بُ ِعــث لتــوه‪ ،‬رضبـ ْ‬ ‫الجســد‪ ،‬انتفضـ ُ‬ ‫العارقــة‪ ،‬فركــت كفــي األخــرى حدقتــي عينيــي‪ ،‬إىل جانــب‬ ‫كومــة مــن ســباخ األرض‪ ،‬ألقيــت مبؤخــريت مربعــاً‬ ‫ســاقي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عــاودتْ عينــاي تأمــل جانبــي الطريــق‪ ،‬فلــم تقعــا إال عــى‬ ‫كثــر مــن الخــاء‪ ،‬تتخللــه جــذوع نخــل عتيقــة‪ ،‬متمــددة بــا‬ ‫أعنــاق‪.‬‬ ‫* كاتب مصري‬

‫الفرات العظيم‪ ..‬إىل مدينيت الرقة‪ ..‬ال ُدّر ُة اليت َ‬ ‫قذف بها ال ّنهر حنو َّ‬ ‫الشاطئ‪..‬‬ ‫إىل‬ ‫ِ‬

‫ظَأمى ُجـذوري يا فـراتُ فر ِّوين‬ ‫أطفئ هجريي يف َ‬ ‫ظاللك ض َّمني‬ ‫َ‬ ‫رحيقك يف دمايئ علَّها‬ ‫واسكب‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫تندى ُعروقي من‬ ‫جفاف األزمنِ‬ ‫ظأمى جذوري يا فراتُ ومل ْ‬ ‫أزل‬ ‫َ‬ ‫حنانك فاسقني‬ ‫أصبو لقط ٍر من‬ ‫الصبا‬ ‫يا ض َّف ًة ناجيتها من ُذ ِّ‬ ‫فرسمت ِ‬ ‫فيك طفولتي فأرستني‬ ‫ُ‬ ‫ذهب ال ِّرما ِل قصائدي‬ ‫فغزلت من ِ‬ ‫ُ‬

‫ر ِّوني يا فرات‬

‫ورسقت من ِ‬ ‫همس الشواطئ ألحني‬ ‫ُ‬ ‫السواقي رشف ًة‬ ‫ُ‬ ‫ورشفت من خم ِر َّ‬ ‫مسحت بقلبي َّ‬ ‫كل جر ٍح ُمثخنِ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫أسبح يف فضاء مقم ٍر‬ ‫ُ‬ ‫ومضيت ُ‬ ‫يسبح يف اللُّج ِني وينثني‬ ‫والبد ُر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫فهمست يف أذنِ الضِّ فاف لواعجي‬ ‫ُ‬ ‫واستقت من أش ُجني‬ ‫رقَّت لقلبي‬ ‫ْ‬ ‫ظل َ‬ ‫حورك كم تهادى مركبي‬ ‫يف ِّ‬ ‫ورسى رشاعي راقصاً ال ينحني‬

‫وعىل َ‬ ‫حت‬ ‫رمالك كم عدوتُ فل َّو ْ‬ ‫شمس الهجريِ جب َني طفلٍ أرعنِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تركت قلبي هامئاً‬ ‫يف‬ ‫مقلتيك ُ‬ ‫َ‬ ‫ضفافك غص ُن عمري ينحني‬ ‫وعىل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أشتاق إن م َّرتْ بأفقي غيم ٌة‬ ‫َ‬ ‫بغيمك يا فراتُ يزورين‬ ‫أرسل‬ ‫ْ‬ ‫يل بوابلٍ‬ ‫فلعلَّ ُه يهمي ع َّ‬ ‫فالجو ُد َ‬ ‫رسين‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫والجوا‬ ‫طبعك‬ ‫ُ ُّ‬ ‫زلت أبحثُ عن عيونِ حبيبتي‬ ‫ما ُ‬

‫السوسنِ‬ ‫ب َني الخامئلِ يف عيونِ َّ‬ ‫سمرا ُء من عبقِ الفر ِ‬ ‫ات أري ُجها‬ ‫والكحل من طمي الفر ِ‬ ‫ات يروقني‬ ‫ُ‬ ‫أعانق يا فراتُ حبيبتي‬ ‫فمتى ُ‬ ‫يل أضمها وتضمني‬ ‫عه ٌد ع َّ‬ ‫يقتل حبُّها‬ ‫السمراء ُ‬ ‫هي رقتي َّ‬ ‫القتيل بعشقِ ذاك املوطن‬ ‫ُ‬ ‫فأنا‬ ‫فأنت عشقي والهوى‬ ‫نأيت‬ ‫مهام‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كل األماكنِ تلقني‬ ‫وأر َاك يف ِّ‬

‫صالح الحاج‬

‫حرمل الثقافة ‪13‬‬ ‫غريب الدار‬ ‫معتقلونا يستغيثون!‬ ‫إبراهيم العلوش‬ ‫عــرات األلــوف مــن شــباب ســورية‬ ‫وشــيوخها ونســائها يف أقبيــة التعذيــب‪،‬‬ ‫ويف مجاهــل االختطــاف‪ ،‬ال تــكاد أن تفتــح‬ ‫إذاعــة أو قنــاة تلفزيونيــة‪ ،‬إال ويذكــر اســم‬ ‫معتقــل أو مخطــوف أو مختــف‪ ،‬وال تــكاد أن‬ ‫تقابــل صديق ـاً‪ ،‬إال وهــو قلــق عــى ابنــه أو‬ ‫قريبــه‪ ،‬املخطــوف أو املعتقــل أو املختفــي‪،‬‬ ‫كل محــاوالت املنظــات اإلنســانية فشــلت‬ ‫يف تقــي أحــوال املعتقلــن الســوريني‪ ،‬وكل‬ ‫القيــم األخالقيــة‪ ،‬والقيــم الدينيــة التــي‬ ‫منتلكهــا ونفاخــر بهــا‪ ،‬مل تســتطع أن تؤمــن‬ ‫كرامــة معتقــل أو مخطــوف أو مختــف‪ ،‬بــل‬ ‫صــار التعذيــب عالمــة مــن عالمــات النظــام‬ ‫املســجلة‪ ،‬وصــار يفاخــر بقدراتــه النازيــة‪،‬‬ ‫والوحشــية يف التعذيــب حتــى املــوت‪ ،‬وكل‬ ‫االحتجاجــات الدوليــة‪ ،‬واإلنســانية يــرب بها‬ ‫عــرض الحائــط‪ ،‬وتجــد الشــبيحة‪ ،‬يتفاخــرون‬ ‫بالتعذيــب وبالقتــل البطــيء‪ ،‬وغــر البطــيء‬ ‫للمعتقلــن‪ ،‬لكنهــم رسعــان مــا ينقلبــون عــى‬ ‫مفاهيمهــم‪ ،‬عندمــا يتعلــق األمــر باعتقــال‬ ‫أحدهــم‪ ،‬أو أحــد أبنائهــم‪ ،‬ويتباكــون عــى‬ ‫القيــم التــي داســوها بأرجلهــم!‬ ‫نحــن ضــد كل اعتقــال‪ ،‬وضــد كل تعذيــب‪،‬‬ ‫وكل خطــف‪ ،‬وضــد كل إعــدام‪ ،‬أو أي‬ ‫إجــراء‪ ،‬ال يأخــذ إنســانية املعتقــل بعــن‬ ‫االعتبــار‪ ،‬مهــا كان هــذا املعتقــل‪ ،‬ومهــا‬ ‫كان موقفنــا منــه‪ ،‬فكرامــة اإلنســان واجــب‬ ‫علينــا احرتامهــا وصونهــا‪ ،‬لئــا نكــون مجــرد‬ ‫همــج‪ ،‬ونشــجع الهمجيــة‪ ،‬ونخــرج مــن‬ ‫قيمنــا الكرميــة والســمحة‪ ،‬نحــن ال نستأســد‬ ‫عــى املعتقــل‪ ،‬وال عــى األســر‪ ،‬وال عــى‬ ‫املختطــف‪ ،‬املعركــة انتهــت مــع مثــل هــؤالء‬ ‫النــاس الذيــن صــاروا ال حــول لهــم وال قــوة‪،‬‬ ‫والتمرجــل عليهــم هــو عــن الجــن وعــن‬ ‫الخســة‪ ،‬مــن يتمرجــل عــى جســد مكبــل‬ ‫ومــن يستأســد عــى امــرأة‪ ،‬وعــى طفــل‪،‬‬ ‫وعــى عابــر ســبيل‪ ،‬ال ينتمــي إىل فئــة البــر‪،‬‬ ‫بــل إىل فئــة الــدواب بــل هــو أضــل ســبيالً‪..‬‬ ‫املعتقلــون أمانــة يف رقابنــا جميعــاً‪،‬‬ ‫املعتقلــون هــم أرواحنــا األســرة‪ ...‬ونحــن‬ ‫نرفــض أن يكــون التعذيــب واالعتقــال عالمــة‬ ‫ســورية‪ ،‬ونرفــض أن يكــون التعذيــب‪ ،‬وقطــع‬ ‫الــرؤوس عالمــة إســامية‪ ،‬نرفــض أن نخــرج‬ ‫عــن إنســانيتنا التــي كرمنــا اللــه بهــا‪ ،‬وح ـ ّرم‬ ‫انتهاكهــا مهــا كانــت املــررات والفتــاوى‬ ‫واملقــوالت التشــبيحية!!!‬ ‫تحيــة ألهــايل املعتقلــن املحرتقــن شــوقاً‪،‬‬ ‫واملعذبــن طــوال لياليهــم‪ ،‬ونهاراتهــم‪ ،‬التــي‬ ‫يتخيلــون بهــا أحبتنــا وأحبتهــم الضائعــن‬ ‫يف املعتقــات بــكل ألوانهــا التشــبيحية‬ ‫والتكفرييــة الوحشــية‪..‬‬ ‫تحيــة إىل املعتقلــن الدكتــور إســاعيل‬ ‫الحامــض وعيــى الغــازي وفــراس الحــاج‬ ‫صالــح‪ ،‬وإىل رزان زيتونــة وســمرية الخليــل‬ ‫ومــن معهــا‪ ،‬وتحيــة إىل مــازن درويــش‬ ‫وكل الكتــاب والصحفيــن املعتقلــن‪ ،‬وتحيــة‬ ‫إىل املعتقــل املجهــول االســم الــذي يخضــع‬ ‫للتعذيــب كل يــوم‪ ،‬وإىل عــرات ألــوف‬ ‫الرجــال والنســاء الذيــن تعــج بهــم أقبيــة‬ ‫النظــام النازيــة‪ ...‬تحيــة ألهــايل املعتقلــن‬ ‫وألطفالهــم ونقــول لهــم‪ ..‬إن ســورية الحــرة‬ ‫الكرميــة قادمــة‪ ..‬ولــن يبقــى ليــل القهــر‬ ‫هــذا طويــاً‪.‬‬


‫‪14‬‬ ‫السورية «فداء الوعر» فنانة تتحدى اللجوء القسري يف لبنان!‬ ‫حرمل املنوعات‬

‫الالجــئ الســوري يتحــدى قــدره ويحــاول أن يثبــت وجــوده‬ ‫وعــدم استســامه لتقلبــات األقــدار الظاملــة التــي ابعدتــه‬ ‫عــن ســورية‪،‬‬ ‫فعــى وقــع صــوت القنابــل حملــت فــداء الوعــر مــا‬ ‫تبقــى مــن قصاصــات الــورق التــي رســمت عليهــا لوحــات‬ ‫الطفولــة بعدمــا تعــرض منزلهــا وغرفتهــا يف حــي جوبــر‬ ‫مبدينــة حمــص الســورية لقصــف النظــام‪.‬‬ ‫متــي فــداء ويف حقيبــة هجرتهــا القرسيــة إىل لبنــان بريشــة‬ ‫متعبــة كانــت قــد عزفــت بهــا رســومات الطفولــة التــي‬ ‫عكرتهــا مشــاهد مؤملــة مــن «ثــورة شــعب مشــتت اليــوم‬ ‫يف كل بقــاع األرض»‪.‬‬ ‫الشــابة الســورية صاحبــة العقديــن ونيــف‪ ،‬والتــي تعيــش‬ ‫يف بلــدة وادي الجامــوس شــايل لبنــان كشــفت بدايــات‬ ‫عالقتهــا بهوايتهــا املفضلــة‪ ،‬وقالــت فــداء إنهــا بدأت الرســم‬ ‫منــذ صغرهــا وهي تــدرس يف الصفــوف االبتدائيــة‪ ،‬وعمدت‬ ‫لصقــل موهبتهــا وتنميتهــا وكان والدهــا يســاعدها يف ذلــك‬ ‫وكــذا أســاتذتها يف املدرســة‪« ..‬كنــت أرســم كل مــا يحيــط يب‬ ‫مــن طفولــة وجــال موطنــي»‪.‬‬ ‫وتضيــف فــداء قائلــة «كانــت رســومايت حتــى انــدالع الثــورة‬ ‫الســورية تزيــن غرفتــي‪ ،‬إال أن قصــف منزلنــا أتلــف كل‬ ‫اللوحــات الجميلــة التــي رســمتها‪ ,‬لكننــي رغــم ضعــف‬ ‫اإلمكانــات ثابــرت عــى إعــادة بعــض املشــاهد‪ ،‬ولكــن األمل‬ ‫والهــم قــد ســبقا مخيلتــي‪ ،‬خاصــة أن الشــعب الســوري‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫الجزيرة نت‬

‫يعــاين األم ّريــن ســواء كان يف الداخــل الســوري أو يف بــاد‬ ‫التهجــر التــي نعيــش فيهــا‪ ,‬لقــد أصبحنــا مشــتتني يف كل‬ ‫هــذا الكــون»‪.‬‬ ‫وعــن املــواد التــي تســتعني بهــا فــداء يف رحلتهــا اإلبداعيــة‬ ‫تقــول «مــع قلــة اإلمكانيــات بــدأت أرســم بألــوان عاديــة‬ ‫جــدا ً‪ ،‬وكنــت أســتعمل الزيــت الــذي نســتخدمه يف طهــي‬ ‫الطعــام لذلــك‪ ,‬كــا اســتخدمت أيضــا الفحــم للرســم‪,‬‬

‫جائزة اإلبداع الطالبي‬ ‫(غداً أجمل)‬

‫تعلــن وزارة الثقافــة وشــؤون األرسة يف الحكومــة الســورية املؤقتــة عــن إطــاق مســابقة أدبيــة تحــت‬ ‫عنــوان‪ :‬جائــزة االبــداع الطــايب (غــدا ً أجمــل) وتدعــو جميــع الطلبــة الســوريني للمشــاركة باملســابقات‬ ‫األدبيــة اإلبداعيــة والتــي ســتعلن نتائجهــا بالتزامــن مــع الذكــرى الرابعــة لثــورة شــعبنا ضــد نظــام القتــل‬ ‫املجــرم‪.‬‬ ‫الهــدف مــن املســابقة‪ :‬تشــجيع اإلبــداع والتأليــف ورعايتــه يف املجــاالت األدبيــة‪ ،‬والفكريــة‪ ،‬ومنــح الفرصــة‬ ‫للمتميــز منهــا‪ ،‬ورفــع ســوية النتــاج الثقــايف مــن خــال تبنــي الــوزارة لألعــال الفكريــة واألدبيــة والفنيــة‬ ‫والتعريــف باملبدعــن الســوريني ونتاجاتهــم‪ ،‬وتســويقهم محل ّي ـاً وعرب ّي ـاً ودول ّي ـاً‪.‬‬ ‫أماكــن اإلبــداع‪ :‬ســتطلق الحملــة الرتويجيــة يف املخيــات واملــدارس واملعاهــد والجامعــات ويف الداخــل‬ ‫الســوري ودول الجــوار ووســائل التواصــل االجتامعــي واالذاعــات ومحطــات التلفــزة ومــن خــال الناشــطني‬ ‫الثقافيــن ودعــوة املنظــات الثقافيــة املدنيــة الســورية للمشــاركة واملســاهمة يف هــذه املســابقة‪.‬‬ ‫نوع املسابقة‪ :‬تقسم إىل خمسة أنواع أدبية‪:‬‬ ‫القصة القصرية – الشعر – املقالة – الخاطرة – القصة الطفلية‪.‬‬ ‫لجنة تحكيم‪ :‬مكونة من أسامء أدبية وفنية معروفة وبإرشاف وزير الثقافة‪.‬‬ ‫الجائــزة عبــارة عــن جائــزة ماديــة ودرع وشــهادة تقديــر عليــه اســم املســابقة‪ ،‬واإلعــان عــن اســم الفائــز‬ ‫عــر الصحــف واملواقــع االلكرتونيــة وعمــل حــوار صحفــي معــه‪ ..‬والتعريــف بــه واملشــاركة يف االحتفاليــة‪.‬‬ ‫ـ الجوائــز متنــح للفائزيــن الثالثــة األوائــل يف كل جنــس أديب‪ .‬تقــدر لجنــة التحكيــم الجوائــز‪ ،‬وتكــون ذات‬ ‫فائــدة ماديــة ومعنويــة‪ .‬ينشــأ موقــع خــاص للمســابقة يتــم نــر األعــال الفائــزة‪.‬‬ ‫رشوط املسابقة‪:‬‬ ‫ يحــق لكافــة املبدعــن الســوريني تحــت ســن األربعــن املشــاركة يف هــذه الجائــزة ‪ -‬األعــال املقدمــة ال‬‫يزيــد عــدد صفحاتهــا عــن ‪ 3‬صفحــات ‪ -‬أن تكــون املــواد املشــاركة باللغــة العربيــة الفصحــى‪ ،‬مــع إمكانيــة‬ ‫اســتخدام العاميــة إذا مــا اســتلزم الســياق ذلــك ‪ -‬يرســل الكاتــب ثــاث نســخ مطبوعــة بالكمبيوتــر مــن‬ ‫العمــل ‪ -‬ترســل الســرة الذاتيــة للمتقــدم ‪ -‬يحــق املشــاركة يف أكــر مــن مجــال واحــد مــن فــروع الجائــزة‬ ‫والفــوز يكــون مبجــال أديب واحــد ‪ -‬آخــر موعــد لتقديــم األعــال يــوم ‪ 28‬شــباط ‪ - 2015‬يرجــى املســاهمة‬ ‫والكتابــة يف املوضــوع املقــرح (غــدا ً أجمــل) ‪ -‬القصــة القصــرة واملقالــة والخاطــرة والقصــة املوجهــة لألطفال‬ ‫يجــب أال تتجــاوز األلــف كلمــة ‪ -‬للشــعر ميكــن التقــدم بقصائــد عموديــة وشــعر التفعيلــة‪ ،‬وأن ال تتجــاوز‬ ‫القصيــدة الخمســن بيتـاً‪.‬‬ ‫تُسـلّم املــواد املشــاركة يف املســابقة باليــد لدائــرة األدب بــوزارة الثقافــة وشــؤون األرسة عــى العنــوان التــايل‪:‬‬ ‫مدينــة غــازي عنتــاب‪ ،‬غــازي مختــار باشــا‪ ،‬آغــور بــازا إيــش مركــزي‪ ،‬مدخــل مــول آوتلــت‪ ،‬الطابــق األول‬ ‫مكتــب ‪ /152/‬لالستفســار عــى االمييــل التــايل‪dassoki7@hotmail.com :‬‬ ‫ولالستفسار عرب الهاتف‪05360636055 :‬‬ ‫جائزة اإلبداع الطاليب (غدا ً أجمل)‬ ‫تعلــن وزارة الثقافــة وشــؤون األرسة يف الحكومــة الســورية املؤقتــة عــن اطــاق مســابقة املعــرض الفنــي‬ ‫تحــت عنــوان‪ :‬جائــزة االبــداع الطــايب (غــدا ً أجمــل) وتدعــو جميــع الطلبة الســوريني للمشــاركة باملســابقات‬ ‫الفنيــة اإلبداعيــة والتــي ســتعلن نتائجهــا بالتزامــن مــع الذكــرى الرابعــة لثــورة شــعبنا ضــد نظــام القتــل‬ ‫املجــرم‪.‬‬ ‫اختصاص املسابقة‪ -1 :‬الرسم التشكييل ‪ -2‬رسوم الكاريكاتري ‪ -3‬رسم الخط العريب ‪ -4‬التصوير الضويئ‪.‬‬ ‫رشوط تقديــم اللوحــات للمســابقة‪ُ -1 :‬منســجمة مــع العنــوان ‪ -2‬ملتزمــة بالحالــة العمريــة ‪ -3‬ملونــة أو‬ ‫أبيــض وأســود‪ .‬فئــات األعــار‪ -1 :‬األطفــال تحــت ســن ‪ 12‬ســنة ‪ -2‬اليافعــن مــن (‪ 13‬إىل ‪ -3 )18‬الفتيــات‬ ‫والشــباب مــن ‪ 19‬إىل ‪ - 30‬يختــار صاحــب اللوحــة عنــوان للوحتــه‪ ،‬وإرســال الســرة الذاتيــة للمتقــدم‪ - .‬آخــر‬ ‫موعــد لتســليم اللوحــات ‪ 28‬شــباط ‪ - .2015‬تُسـلّم اللوحــات باليــد لدائــرة الفــن بــوزارة الثقافــة وشــؤون‬ ‫األرسة عــى العنــوان التــايل‪ :‬مدينــة غــازي عنتــاب‪ ،‬غــازي مختــار باشــا‪ ،‬آغــور بــازا ايــش مركــزي‪ ،‬مدخــل‬ ‫مــول آوتلــت‪ ،‬الطابــق األول مكتــب ‪ /152/‬لالستفســار عــى االمييــل التــايل‪k.a.a.almoh@gmail.com :‬‬ ‫ولالستفسار عرب الهاتف‪05348177595 :‬‬

‫ورســمت أوالً عــى الــورق ثــم اســتطعت الحصــول عــى‬ ‫بعــض قطــع الجلــد»‪.‬‬ ‫وتواصــل الرســامة الســورية الشــابة «أهدتنــي إحــدى‬ ‫الجمعيــات عــدة بســيطة للرســم ولكننــي أســعى للتميــز‬ ‫وأحتــاج ملــن يدعمنــي لتحقيــق حلمــي‪ ،‬لــدي مــروع‬ ‫كبــر لرســومات ضخمــة عــن وجــع األطفــال يف ســوريا‬ ‫وخارجهــا‪ ،‬وأحــب أن تصــل هــذه الرســالة إىل كل العــامل»‪.‬‬

‫وتــرح الوعــر بعــض مضامــن رســومها‪ ،‬حيــث تقــول‬ ‫«رســمت العدالــة التائهــة واملفقــودة يف هــذا العــامل‪,‬‬ ‫ورســمت أيضـاً فقــر أطفالنــا الذيــن كانــوا ينعمــون بالـراء‬ ‫ومزقــت ثيابهــم الجميلــة التــي أصبحــت باليــة‪ ,‬رســمت‬ ‫ســوريا الحســناء التــي تنتظــر»‪.‬‬ ‫ولكــن ملــاذا ال ترســم فــداء لوحــات الفــرح؟ نســألها عــن‬ ‫غيــاب األلــوان الزاهيــة يف رســوماتها فتجيــب «لقــد فــرت‬ ‫األلــوان مــع أول قطــرة دم ســفكت ألطفــال شــعبي‪..‬‬ ‫كيــف أرســم األلــوان وهــي غائبــة عــن بلــدي‪ ،‬وشــوارع‬ ‫مدينتــي حمــص مألتهــا رائحــة البــارود وغبــار الدبابــات‬ ‫وســواد القذائــف؟ ال يوجــد يف بلــدي اليــوم ســوى الســواد‬ ‫املقيــت»‪.‬‬ ‫وتتابــع فــداء «األلــوان نامــت ورمبــا ستســتيقظ يومـاً بــإذن‬ ‫اللــه‪ ,‬وسأرســم يومــاً مــا لوحــات جميلــة ملســتقبل هــذا‬ ‫الوطــن الــذي يدفــع فاتــورة كبــرة‪ ,‬الجــرح الــذي ينــزف‬ ‫أنســاين كل يشء‪ ..‬مؤملــة هــي مشــاعر األىس ولكنهــا الدافــع‬ ‫اليــوم ملــا ترونــه»‪.‬‬ ‫ويذكــر أن الالجئــن الســورين ورغــم الضيــق الشــديد‬ ‫الــذي يعانــون منــه‪ ،‬يحاولــون أن يثبتــوا براعتهــم وقدرتهــم‬ ‫ومواهبهــم يف شــتى االختصاصــات والفنــون يف تحــد منهــم‬ ‫للنظــام الغاشــم الــذي يهــدف إىل تحطيــم إرادة الســوريني‬ ‫ويجعلهــم يستســلمون لشــبيحته الذيــن يعيثــون فســادا ً‬ ‫وتعذيب ـاً بالشــعب الســوري‪.‬‬

‫جهود الستعادة املشهد الثقايف يف املعارضة السورية‬ ‫أقامــت مؤسســة التنميــة املجتمعيــة التابعــة للمنتــدى الســوري‪ ،‬األربعــاء ‪ ،2015/1/21‬يف مدينــة اســتنبول برتكيــا‪ ،‬نــدوة حواريــة تحــت‬ ‫عنــوان «دور املثقــف يف التــازج الثقــايف وتقويــة ركيــزة الحــوار»‪ ،‬وذلــك ضمــن فعاليــات مــروع حــوار الثقافــات الــذي يهــدف إىل تعزيــز‬ ‫التواصــل الثقــايف ومتكــن الحــوار مــا بــن الثقافــات الســورية املتنوعــة وباألخــص الثقافــات املتجــاورة العربيــة والكرديــة والرتكامنيــة والتــي‬ ‫ترتبــط مــع بعضهــا البعــض تاريخيـاً بروابــط مشــركة وأرضيــة واحــدة‪.‬‬ ‫وتــأيت هــذه النــدوة كواحــدة مــن الفعاليــات املســتمرة إىل جانــب ملتقيــات ثقافيــة موســعة والكتابــة والنــر يف وســائل اإلعــام‪ ،‬وعــروض‬ ‫مرسحيــة‪ ،‬ونشــاطات تســتهدف الجيــل الناشــئ‪.‬‬ ‫وشــارك يف النــدوة عــدد مــن الكتــاب واملثقفــن والناشــطني الذيــن قدمــوا مداخــات متنوعــة ورؤى وأفــكار لدفــع الحــوار إىل األمــام ومتكــن‬ ‫التواصــل الفعــال بــن املثقفــن مــن املكونــات املختلفــة ألطيــاف الشــعب‪ ،‬والتأكيــد عــى أن املثقــف الســوري عــى املحــك‪ ،‬واملرحلــة تســتدعي‬ ‫بذلــه كامــل جهــوده إلنــارة الطريــق أمــام املجتمــع مبينــن أن جوهــر املعركــة اليــوم هــو الـراع مــا بــن القــوى االســتبدادية‪ ،‬وقــوى املجتمــع‬ ‫الســاعية لتفكيــك أدوات االســتبداد ونيــل حريتهــا‪ ،‬والتــي هــي بالــرورة معركــة الفئــات االجتامعيــة كافــة‪ ،‬ومعركــة اإلثنيــات كافــة‪ ،‬وترســيخ‬ ‫التــازج الثقــايف وتعزيــز روابــط األخــوة املجتمعيــة هــي مــن أســباب النــر يف هــذه املعركــة‪.‬‬ ‫ومــن الجديــر بالذكــر أن مؤسســة التنميــة املجتمعيــة تعمــل عــى تعزيــز اســتقرار الجاليــة الســورية يف تركيــا مــن خــال العديــد مــن الربامــج‬ ‫الخدميــة النوعيــة والثقافيــة واالجتامعيــة‪،‬‬ ‫كــا أن املشــهد الثقــايف يف املعارضــة الســورية يشــكو مــن التغييــب والضعــف لصالــح املشــهد الدينــي واملشــهد العســكري‪ ،‬وكذلــك لصالــح‬ ‫املشــهد الســيايس الــذي يقــف عاجـزا ً عــن الفعــل مــا يســمح باســتمرار املأســاة الســورية‪ ،‬وغيــاب املرشوعيــة للجهــات السياســية املعارضــة‬ ‫نتيجــة غيــاب املشــهد الثقــايف والشــعبي الفعــال!‪.‬‬

‫اإل‬

‫ا مجعي‬ ‫��‬ ‫ة‬ ‫خلاص�� «يا‬ ‫‪ /50/‬ة‪ ،‬م��ن مس�ين‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫يرج�� حال�� عم��ر ش��ا‬ ‫م‬ ‫»‬ ‫وعن ى مم�� ة‪ ،‬وتق ي��وم من‬ ‫ظ‬ ‫وانن��ا ن يع ��دم واح�� م��‬ ‫ة‬ ‫إ‬ ‫‪ :‬ش��ان ��رف هل��م ا د إىل غا‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫��‬ ‫ة‬ ‫لي أو أح��د لع�لا ‪18‬‬ ‫س‬ ‫��‬ ‫رف��ا املعا ج وا نة‪ ،‬خم‬ ‫ت‬ ‫ص‬ ‫ مق ق�ين أ ملش��ف ترغ�� ��ة‬‫ب‬ ‫ا‬ ‫اب��ل ن ي ى و ب يف أل‬ ‫ط‬ ‫ف‬ ‫بلدي�� زودن��ا متطل تب�ني ��ا‬ ‫ل‬ ‫برق باته�� ح��ا م��‬ ‫ةأ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ف��ا ال م��ه ل م‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫يف‬ ‫ك�بر لت‬ ‫مدي ال‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ى‪ .‬ص��‬ ‫ل‬ ‫ن��ة أور ياج‬ ‫��‬ ‫ا‬ ‫ف��ا ت‬ ‫مع��‬ ‫‪om‬‬ ‫ه‬ ‫‪c‬‬ ‫أ‬ ‫‪.‬‬ ‫وت‬ ‫‪il‬‬ ‫عدد‬ ‫ز‬ ‫‪a‬‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫��د‬ ‫‪gm‬‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫@‬ ‫‪8‬‬ ‫رق‬ ‫‪73 214‬‬ ‫من��ا‬ ‫‪0‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪m‬‬

‫خ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ال‬

‫س‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫يو‬

‫ن‬

‫يف‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫رفا‬

‫‪25 sha‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪n‬‬ ‫‪05 smi‬‬ ‫‪Ya‬‬

‫حرمل املنوعات‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫‪Her ihtiyaç sahibinin hikayesi bir dramdır‬‬

‫‪15‬‬

‫لكل صاحب حاجة حكاية درامية‬

‫أعظم إرث يعطيه األب البنه هو غرســة روح التقاســم!‬

‫هنــاك مــكان فيــه شــخص تتجمــع أمامــه‬ ‫طوابــر طويلــة مــن املهاجريــن الســوريني‬ ‫الذيــن كثــرا ً مــا ال ننتبــه إىل وجودهــم‪.‬‬ ‫مــن هــذه األماكــن‪ ,‬مــكان بجانــب بلديــة‬ ‫مدينــة أورفــا‪ ,‬حيــث يتواجــد شــخص اســمه‬ ‫عــي أكبابــا‪ ,‬يعمــل متطوع ـاً لفــرة طويلــة يف‬ ‫اإلغاثــة واملســاعدة‪.‬‬ ‫ســألناه عــن املشــاعر‪ ،‬وعــن الحيــاة اليوميــة‬ ‫ملتطوعــي األعــال اإلنســانية‪ ،‬وما هــي الدوافع‬ ‫التــي تحفز العــال املتطوعــن ليكونوا وســائط‬ ‫إليصــال املســاعدة؟ حاولنــا أن ننظــر مبنظــوره‬ ‫ونتعلــم منــه‪:‬‬ ‫ هل نستطيع أن نتعرف إليك؟‬‫اســمي عــي اقبابــا متــزوج ولــدي ‪ 4‬أوالد‪ ،‬وأنــا‬ ‫ممثــل يف إيليــك دار‪ .‬ومنــذ أربــع ســنني أعمــل‬ ‫يف مســاعدة املهاجريــن الســويني‪.‬‬ ‫ـ منــذ متــى تعمــل ضمــن أنشــطة املســاعدات‬ ‫اإلنســانية؟ ومــا هــي املشــاعر التــي تدفعــك‬ ‫لهــذا العمــل؟‬ ‫هنــاك أحاديــث نبويــة رشيفــة منهــا قولــه‪:‬‬ ‫(مــن ال يشــعر بعنــاء املســلمني ليــس منــا)‬ ‫وهــذا ســبب دفعنــي للعمــل ضمــن هــذه‬ ‫الفعاليــات‪ .‬ثانيــاً‪( :‬خــر النــاس هــم الذيــن‬ ‫يفيــدون غريهــم)‪ .‬وشــعارنا اآلخــر هــو إذا‬ ‫تعرضــت قــدم مســلم مــن مــرق العــامل‬ ‫لشــوكة‪ ،‬ومل يشــعر أخــوه املســلم بأملــه يف‬ ‫مغــرب العــامل‪ ..‬ففــي هــذه الحالــة نحــن‬ ‫نشــك يف إميــان هــذا الرجــل‪ .‬نقطــة انطالقنــا‬ ‫هــو إمياننــا‪ .‬نحــاول تطبيــق أخــاق التعــاون‬ ‫والتبــادل الــذي فرضــه علينــا إمياننــا‪ .‬وهــذه‬ ‫املســاعدات مل تقــدم فقــط للمســلمني بــل‬ ‫لــكل األشــخاص املظلومــن بغــض النظــر عــن‬ ‫أديانهــم ولغتهــم وأعراقهــم‪.‬‬ ‫ هــل بــدأت باألعــال التطوعيــة مــع بدايــة‬‫األحــداث يف ســورية؟‬ ‫بــدأت مشــواري بعــد الزلــزال الــذي أصــاب‬ ‫مدينــة فــان‪ .‬وذاك كان مــع الحملــة الخرييــة‬ ‫التــي شــكلتها منظمــة (إنســان دار)‪ ،‬وبعــض‬ ‫املنظــات األخــرى غــر الحكوميــة يف أورفــا‪.‬‬ ‫علقــت الفتــة أمــام متجــري القديــم يف عــرب‬ ‫ميــدان لجمــع التربعــات‪ ،‬ومعهــا أصبحــت‬ ‫ضمــن هــذه الفعاليــات‪ ،‬وبعــد بــدء األحــداث‬ ‫يف ســورية أصبحــت ضمــن قيــادة هــذه‬ ‫الفعاليــات‪.‬‬ ‫ هــل تســتطيع أن تخربنــا عــن عملــك يف‬‫منصــة توزيــع املســاعدات التــي شــكلتها‬ ‫مســاعدات البــات فــورم؟‬ ‫بعــد بــدء األحــداث يف ســوريا دخلــت أعــداد‬ ‫كبــرة مــن الســوريني إىل تركيــة‪ ،‬وخاصــة‬ ‫مدينــة أورفــا ونحــن بواســطة البــات فــورم‬ ‫نحــاول أن نشــاركهم همومهــم‪ .‬نحــاول إيصــال‬ ‫املســاعدات اإلنســانية للمهاجريــن الســوريني‬ ‫يف أورفــا‪ ,‬ونحــاول أن نؤمــن كل احتياجاتهــم‬ ‫األساســية‪ ,‬كــا أننــا نســتقبل املســاعدات مــن‬ ‫املحســنني‪ ،‬وبعدهــا نعيــد توزيعهــا‪.‬‬ ‫ مــا حجــم االحتياجــات التــي يطلبونهــا؟‬‫وكيــف توصلونهــا لهــم؟‬ ‫عــدد املهاجريــن الذيــن أتــوا مــن ســورية كبــر‪،‬‬

‫وعــدد األقــام التــي يحتاجونهــا كثــرة‪ .‬مثلــا‬ ‫تــرون بيــدي قامئــة ليومــن‪ ،‬وهنــا عــرات‬ ‫مــن النــاس بحاجــة للمســاعدة‪ .‬نــرى كثافــة‬ ‫واضحــة يف هــذه القامئــة‪ .‬يتواجــد يف العناويــن‬ ‫املعطــاة مــن ‪ 2‬إىل ‪ 3‬عائــات‪ .‬أحيان ـاً تتكــون‬ ‫هــذه العائــات من ‪ 50‬إىل ‪ 60‬شــخصاً‪ .‬بالنســبة‬ ‫إليصــال الطلبــات إىل العناويــن التــي حددناها‪،‬‬ ‫وعندمــا يتعلــق األمــر باملطالــب نحــدد عناوين‬ ‫األحيــاء‪ ،‬ونقــوم بتوزيــع املــواد ملمثــي األحيــاء‪.‬‬

‫يقــوم كل منهــم بتثبيــت العناويــن‪ ،‬ويحــاول‬ ‫البحــث عــن الســوريني املهاجريــن لتوزيــع‬ ‫املســاعدات‪ ،‬وبينــا نلبــي الحاجــات نغــض‬ ‫النظــر عــن العــرق والديــن ولغــات األشــخاص‪.‬‬ ‫ مــا هــي أكــر طلبــات االحتياجــات التــي‬‫تأتيكــم؟‬ ‫األهــم هــو الطعــام‪ ،‬ألنه مــن أساســيات الحياة‪,‬‬ ‫وهنــاك حاجــات تتغــر مــع ظــروف الطقــس‬ ‫وخاصــة يف يومنــا هــذا‪ ,‬فمثـاً ازدادت طلبــات‬ ‫وســائل التدفئــة‪ ،‬ومعداتهــا‪ ،‬واأللبســة الشــتوية‬ ‫الدافئــة‪ .‬وهنــاك حاجــة لحليــب األطفــال‪،‬‬ ‫ومســتلزماتهم األخــرى‪ ،‬ووســائل التنظيــف‪.‬‬ ‫ أنــت لغتــك األصليــة عربيــة‪ ،‬مــا هــي‬‫إيجابيــات وســلبيات هــذه املعرفــة؟‬ ‫قبــل معرفــة املهاجريــن الســوريني أن هنــاك‬ ‫شــخص بالبــات فــورم‪ ،‬يعــرف لغتهــم كانــوا‬ ‫يأتــون إلينــا مــرة واحــدة بالشــهر‪ ,‬وبعــد‬ ‫معرفتهــم أصبحــوا يأتــون إلينــا ثــاث أو أربــع‬

‫مـرات بالشــهر‪ ,‬وذلــك ألنهــم أصبحــوا يعرفــون‬ ‫بــأن هنــاك شــخص يفهمهــم‪ ،‬ويســتطيعون أن‬ ‫يشــكوا همومهــم لــه‪ ,‬حتــى لــو مل نســتطع‬ ‫أن نحــل أمرهــم‪ ،‬يخرجــون مــن هنــا وهــم‬ ‫مرتاحــون نســبياً‪ ،‬وهــم يدعــون لنــا وملــن‬ ‫ســاهم بالبــات فــورم بالخــر‪.‬‬ ‫ هــل ميكــن لــك أن توضــح لنــا أكــر؟ هــذه‬‫املنصــة (البالتفــورم) ليســت منصــة توزيــع‬ ‫مســاعدات ماديــة فقــط‪ ،‬هــل هــي منصــة‬

‫دعــم معنويــة أيضــاً؟‬ ‫بالتأكيــد إن املهاجريــن الســوريني مل يأتــوا إىل‬ ‫هنــا فقــط مــن أجــل املــواد األساســية التــي‬ ‫يحتاجونهــا‪ .‬وحتــى يأتــوا إىل هنــا مــن أجــل‬ ‫مســاعدتهم الســتخراج الهويــة‪ ،‬أو إنهــم مل‬ ‫يســتطيعوا رشح همهــم لطبيــب‪ ،‬أو الطبيــب‬ ‫مل يفهــم عليهــم‪ .‬إضافــة إىل ذلــك توجــد هنــا‬ ‫قاعــة للمســاعدات اإلنســانية‪ ،‬لكنهــا ليســت‬ ‫فقــط قاعــة للمســاعدات اإلنســانية‪ ،‬بــل إنــه‬ ‫مركــز لتوجيــه ومســاعدة املهاجرين الســوريني‪.‬‬ ‫ انشــغالك بالنــاس الذيــن هــم يف حالــة انهيــار‬‫نفــي ومــادي‪ ,‬كيــف تؤثــر عــى نفســيتك؟‬ ‫اإلنســان ليــس بيــده إال أن يتأثــر‪ ،‬عنــد ســاعه‬ ‫أي مشــكلة‪ ،‬أو حكايــة حيــاة‪ ،‬تصــور بــأن‬ ‫شــخصاً يتأثــر بقــراءة روايــة‪ ،‬أو مبشــاهدة‬ ‫فيلــم‪ ,‬والبعــض يبــي من فيلــم دراماتيــي‪ ،‬فام‬ ‫بالــك إذا اســتمعت إىل قصــة حقيقــة‪ ،‬وتتحدث‬ ‫مــع بطــل هــذه القصــة‪ ,‬ومــن أصعــب وأحــزن‬

‫األمــور أنــك ال تســتطيع مســاعدة شــخص‬ ‫ميتلــك الكثــر مــن اآلالم‪ ،‬وال تســتطيع الدعــاء‬ ‫لــه ولعــن الظاملــن‪.‬‬ ‫ كيــف تتغلــب عــى هــذه األمــور الصعبــة؟‬‫وكيــف تنعكــس نفســيتك عــى زوجتــك‬ ‫وأوالدك؟‬ ‫أتغلــب عــى هــذه الصعوبــات بالتــوكل عــى‬ ‫اللــه‪ ،‬باإلضافــة إىل ذلــك أحــس عنــد مســاعدة‬ ‫النــاس املظلومــن بالســعادة‪ ،‬والراحــة‬ ‫النفســية‪ ،‬وهــذا يجعلــك حيــاً وقويــاً‪ .‬ولكــن‬ ‫باســتمرار مشــاهدة النــاس املظلومــن تشــعر‬ ‫بداخلــك بــأمل‪ .‬وأجمــل مــا يف هــذه الحيــاة‪،‬‬ ‫مســاعدة اآلخريــن‪ ،‬وأنــا تذوقــت طعــم ذلــك‬ ‫الشــعور‪ .‬عندمــا تســتطيع مســاعدة اآلخريــن‪،‬‬ ‫وحتــى اإلجابــة عــن أســئلتهم‪ ،‬وال تذلهــم‪،‬‬ ‫وهــذا يعتــر بحــد ذاتــه مســاعدة‪.‬‬ ‫أمــا بالنســبة للســؤال الثــاين فأنــا أحــاول عــدم‬ ‫إظهــار حالتــي النفســية لعائلتــي‪ .‬برصاحــة أنــا‬ ‫آخــذ ابنتــي أمينــة معــي لتوزيــع املســاعدات‪.‬‬ ‫عندمــا آخــذ أوالدي معــي لتوزيــع املســاعدات‪،‬‬ ‫وعندمــا يــرون تلــك املشــاهد‪ ،‬أظــن بأننــي‬

‫أعطيهــم درســاً مــن دروس الحيــاة‪ ،‬باإلضافــة‬ ‫إىل ذلــك يتعلــم أوالدي عــى إعطــاء أشــيائهم‬ ‫للنــاس بــا مقابــل‪ .‬يف هــذا العــر الرأســايل‪،‬‬ ‫ويف هــذا العــر الــذي أصبــح فيــه كل شــخص‬ ‫أنــاين‪ ،‬وأحــد الــدروس التــي يعطيهــا األب‬ ‫البنــه هــو إمكانيــة حــدوث هــذه الظــروف‬ ‫مــع أي إنســان‪ ،‬ويغــرس بداخلــه روح التقاســم‬ ‫والتبــادل‪.‬‬ ‫ هــل تســتطيع التوضيــح‪ ،‬ورشح شــعورك‬‫بالســعادة؟‬ ‫هــؤالء النــاس قتــل آباؤهــم وأمهاتهــم‬ ‫وأوالدهــم‪ ,‬وهدمــت أماكــن عملهــم‪,‬‬ ‫ومبســاعدة هــؤالء النــاس نحــس بلــذة اإلســام‪.‬‬ ‫كمســلم يعتــر هــذا عمــل صالــح‪ ،‬عندمــا متــد‬ ‫يــدك للمســاعدة فإنهــم يتمســكون بهــا‪ ،‬وال‬ ‫ميكــن وصــف الفــرح والراحــة عندمــا تقــدم‬ ‫عمــل مســاعد اآلخريــن‪.‬‬ ‫‪ -‬ماذا تشاهد يف عيون السوريني؟‬

‫ثقافي��ة ـ��ـ سياس��ية ـ��ـ نص��ف ش��هرية ـ��ـ تص��در ع��ن مؤسس��ة توت��ول اإلعالمي��ة بالتع��اون م��ع بي��ت الرقة لكل الس��وريني‬ ‫رئي��س جمل��س اإلدارة‪ :‬بس��ام البليب��ل ‪ -‬رئي��س التحري��ر‪ :‬ماج��د رش��يد العوي��د ‪ -‬مدي��ر التحري��ر‪ :‬يوس��ف دعيس للتواصل عرب فيس بوك‬ ‫هيئة التحرير‪ :‬أسعد فخري ‪ -‬خلف اجلربوع ‪ -‬إبراهيم العلوش ‪ -‬عروة املهاوش‪ -‬حممد صلييب ‪ -‬إياس احملمد‪ .‬للتواصل عرب تويرت‬ ‫عبدالرمحن اهلويدي ‪ -‬مصطفى سليمان‪ ALHARMAL : 15 günde bir Siyasi ve Kültürel Gazete .‬للتواصل عرب الربيد اإللكرتوني‬ ‫‪SAYI:3 YIL: 2014 )1) - İMTİYAZ SAHİBİ : ŞÜKRÜ KIRBOĞA - EDİTÖR: MAJED RASHEED ALOWAYYED‬‬

‫نــرى يف عيــون الســوريني كل االمتنــان‬ ‫للحكومــة الرتكيــة وللشــعب الــريك‪ ،‬وهــم‬ ‫ال يشــعرون باالمتنــان فقــط‪ ،‬بــل يصورونهــا‬ ‫مبفهــوم (املهاجريــن واألنصــار)‪ .‬ودامئـاً يعــرون‬ ‫عــن شــكرهم لنــا‪ .‬وأنــا أســتطيع قــراءة كل‬ ‫الشــكر يف عيونهــم‪.‬‬ ‫ مــا وجهــة نظــر الشــعب الــريك يف أورفــا‬‫تجــاه املســاعدات؟‬ ‫أنــا أؤمــن بــأن شــعب أورفــا فعــل مــا يتوجــب‬ ‫عليــه فعلــه‪ ،‬وقــام بــدور األنصــار مبســاعدة‬ ‫الســوريني‪ ،‬كــا أن صحيفــة «غــاب» وباقــي‬ ‫وســائل اإلعــام اســتمرت بنــر أحــوال‬ ‫املهاجريــن الســوريني‪ ،‬وهــو مــا يحفــز عــى‬ ‫دوام قــدوم املســاعدات للشــعب الســوري‪.‬‬ ‫ مــع اســتمرار األزمــة الســورية مازالــت‬‫املســاعدات تجمــع للســوريني بأورفــا‪ ,‬وهــذا‬ ‫دليــل عــى كــرم شــعب أورفــا‪ ،‬هــل تســتطيع‬ ‫أن تشــاركنا مبوقــف تأثــرت بــه؟‬ ‫هنــاك الكثــر مــن األوقــات‪ ،‬واملواقــف تأثــرت‬ ‫بهــا كثـرا ً مثـاً أنــا أســكن يف منطقــة األيوبيــة‪،‬‬ ‫ويف يــوم مــا‪ ،‬كان يف بيتــي ضيــف‪ ،‬ويف منتصــف‬ ‫الليــل خرجــت لــراء بعــض املســتلزمات‪،‬‬ ‫ورأيــت يف الحديقــة عائلــة ســورية‪ ،‬فاتهــم‬ ‫ســيارة (أقجــه قلعــة) ومل يوجــد مــكان‬ ‫يذهبــون إليــه‪ ،‬يف ذلــك الــرد‪ ،‬كان بيــدي‬ ‫املــرأة طفلهــا‪ ،‬وعنــد عــوديت إىل البيــت مل يرتــح‬ ‫ضمــري ببقــاء العائلــة يف هــذا الجــو البــارد‪،‬‬ ‫وأخــذت العائلــة ألســتضيفهم يف بيتــي‪ .‬لقــد‬ ‫تأثــرت مــن حالــة الطفــل الصغــر‪ ،‬وأفــراد‬ ‫عائلتــه العاجزيــن عــن فعــل أي يشء‪ .‬وحالــة‬ ‫أخــرى أتــت أم إىل القاعــة لتطلــب لطفلهــا‬ ‫الرضيــع الحليــب‪ ،‬وأنــا مل أســتطع تأمــن ذلــك‪.‬‬ ‫عندمــا ال تعطــي للرضيــع حليــب لســاعة‬ ‫واحــدة‪ ،‬فإنــه يقـ ّوم القيامــة‪ ،‬أمــا اآلن تصــوروا‬ ‫حالــة األم وأيض ـاً حالــة األب الــذي مل يســتطع‬ ‫تأمــن الحليــب البنــه‪.‬‬ ‫ ماذا تريد أن تضيف يف نهاية املقابلة؟‬‫أوالً نشــكركم‪ ،‬ونشــكر صحيفــة (غــاب)‬ ‫لنقلهــا أحــوال أصحــاب الحاجــة والســوريني‬ ‫املهاجريــن‪ ،‬ونشــكر مواصلتكــم اليوميــة يف‬ ‫نقــل مشــاكل النــاس املظلومــن‪ ،‬مــا يجعــل‬ ‫روح املســاعدة لــدى النــاس حيّــة‪ ،‬باإلضافــة إىل‬ ‫ذلــك‪ ،‬يف موضــوع الســوريني املهاجريــن هنــاك‬ ‫وســائل إعــام تبــث بقصــد أو مــن دون قصــد‬ ‫ســلبيات عــن الشــعب الســوري‪ ،‬وأنــا أقــول‬ ‫لهــم ليــس كل الســوريني مســيئني فهــؤالء‬ ‫املتطرفــون‪ ،‬ال ميثلــون الشــعب الســوري وأنــا‬ ‫أطلــب منهــم أن يســتخدموا طريقــة تكلّــم‬ ‫مناســبة‪ .‬وبهــذه الوســيلة أن تعملــوا كفريــق‬ ‫يســاعد املظلومــن‪ ،‬ويكــون أملهــم‪ .‬وأقــدم كل‬ ‫الشــكر ملحبــي الخــر للســوريني‪.‬‬

‫إسحاق بوالت‬ ‫ترجمة‪ :‬أكرم دادة‬

‫‪Facebook.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Twitter.com/AlharmalJournal‬‬ ‫‪Alharmal.journal@gmail.com‬‬

‫‪Atatürk Mah7-.sk. NO = 9. ŞanliUrfa MOB: 00905459679973 BASKI: İMAJ OFSET.Sırrın Mah.647 sok.no:33‬‬


‫‪16‬‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬

‫زاويـة حـرة‬

‫نعمة الشـك‬ ‫بسام البليبل‬

‫االئتالف الوطني يبدأ بتجديد جوازات الســوريني‬ ‫كندا الوحيدة التي ترفض اعتمادها رسمياً‬

‫بــدءا ً مــن يــوم الخميــس املقبــل الواقــع يف‬ ‫‪ 2015/1/29‬ســيتم البــدء بتجديــد جــوازات الســفر‬ ‫املنتهيــة للســوريني يف دولــة قطــر كمرحلــة أوىل‬ ‫عــر ســفارة االئتــاف يف الدوحــة‪ ,‬عــى أن يتبعهــا يف‬ ‫املرحلــة الثانيــة تجديــد جــوازات الســوريني يف دول‬

‫الجــوار خــال الشــهرين القادمــن‪.‬‬ ‫وقــال مصــدر يف االئتــاف الوطنــي لقــوى الثــورة‬ ‫واملعارضــة الســورية‪ :‬إن لصاقــة التمديــد املعتمــدة‬ ‫لتجديــد جــوازات الســفر للســوريني صــادرة بكافــة‬ ‫املواصفــات والعالمــات الفنيــة واألمنيــة وفــق‬ ‫املقاييــس العامليــة‪ ,‬ودولــة كنــدا هــي الدولــة‬

‫الوحيــدة التــي أجابــت برفــض اعتبــار اللصاقــة‬ ‫رســمية‪.‬‬ ‫مضيفـاً إن متديــد الجــوزات الســورية يعتــر رســمياً‬ ‫كونــه صــادر عــن ســلطة رســمية هــي االئتــاف‬ ‫الوطنــي املمثــل الرشعــي والوحيــد للشــعب‬ ‫الســوري‪.‬‬

‫ني مكسواً بنفسهِ‬ ‫الحن ُ‬

‫إبراهيم الجرادي‬ ‫ ما أحب املدن إليك؟‬‫تركت بها قلبي‪.‬‬ ‫‪ -‬تلك التي ُ‬

‫جــواب أحــ ُد املتصوفــة عــى‬ ‫هــذا‬ ‫ُ‬ ‫الســؤا ِل الــذي طُـر َِح عليــه؛ متصـ ٌ‬ ‫ـوف لَـ ْم‬ ‫أنســب‬ ‫أعــد أذكــر اســمه وال أريــد أن‬ ‫َ‬ ‫قولــ ُه هــذا لســواه‪ ،‬ألن يف ذلــك ‪ -‬كــا‬ ‫أرى – اجحافــاً فادحــاً لــه وظلــاً‪ ،‬ألن‬ ‫يف هــذا القــول‪ ،‬مــا يُشــ ُر إىل حكمــ ِة‬ ‫صاحبــ ِه‪ ،‬وجدارتــ ُه يف صياغــ ِة القــول‬ ‫بربهــان اســتثامرنا اآلن‪ ،‬لقولــه الــذي‬ ‫قالــه‪ ،‬قبــل مئــات الســنني‪ ،‬رمبــا‪.‬‬ ‫ـت بهــا‬ ‫أحــب املــدن إ َّيل‪ ،‬تلــك التــي تركـ ُ‬ ‫قلبــي‪ ،‬فــاذا إذا كانــت هــذه املدينــة‬ ‫ديــر الــزور‪ ،‬ومــاذا لــو كا َن الــذي تـ َ‬ ‫ـرك‬ ‫قلبــه كاتــب هــذه الســطور‪ ،‬الفتــى‬ ‫القــادم‪ ،‬آنــذاك‪ ،‬مــن ضاللــ ِة الوقــت‪،‬‬ ‫ومــن مســاح ِة الــروح التــي تتســ ُع‬ ‫بالشــغف‪ ،‬حتــى يصبــح الهــوى ردا ًء‬ ‫لحامــل الحنــن‪.‬‬ ‫ســاعدين‪ ،‬إذن‪ ،‬أيهــا املجــازُ‪ ،‬يك أرفــو‬ ‫ذاكــريت بالنســيان!‬ ‫و ُم َّد يل يدا ً يا ُمنقذ الروح من غيّها!‬ ‫كان ذلــك يف زمــانِ اليفاعــ ِة الجســورة‪،‬‬ ‫ـب‬ ‫عندمــا كان الشـ ُ‬ ‫ـغف يدلـ ُـف إىل القلـ ِ‬

‫محتدمــاً خاطفــاً مصائــر الوقــت‪ ،‬هــذا‬ ‫القلــب الــذي كان يرتجـ ُـف كــورد ٍة عــى‬ ‫ـري‬ ‫الرابيــة‪ ،‬ويتشـ ُ‬ ‫ـقق‪ ،‬رمبــا كالتــن الطـ ّ‬ ‫وهــو يشــع كنجمــ ٍة يف ســا ِء الجزيــر ِة‬ ‫ـض بهــا غيــوم‬ ‫الصافيــة‪ ،‬تلــك التــي تنهـ ُ‬ ‫الوجــد كأعمــد ِة الدخــان‪ ،‬الوج ـ ُد الــذي‬ ‫ُي ِعـ ُن يف العذوبـ ِة حتــى أقــى العذوبــة‪،‬‬ ‫القلــب‬ ‫القلــب بالشــجن‪ ،‬هــذا‬ ‫فيمــأ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الــذي أتعب ـ ُه األىس‪ ،‬وكســا الحنــن وقت ـ ُه‬ ‫بالدنــف؛ الحن ـ ُن الــذي ســأتجاهله اآلن‬ ‫عامــدا ً‪ُ ،‬متعمــدا ً يك ال أوقــظ الغــزاالت‬ ‫النامئــة يف رشايــن القلــب‪ ،‬الرشايــ ُن‬ ‫تضيــق يومــاً بعــد يــوم لســبب‬ ‫التــي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أعرفــه‪ ،‬وآخــر ال أعرفــه! أري ـ ُد‪ُ ،‬هنــا‪ ،‬أن‬ ‫أضــع الديــر يف املنزل ـ ِة التــي لَ ـهُ‪ ،‬الديــر‬ ‫حــارض ُة الفــرات‪ ،‬ال عروســه وال د َّرتــهُ‪،‬‬ ‫املدينـ ُة التــي حملــت عــبء وعيهــا منــذ‬ ‫ع ـرات الســنني‪ ،‬ليســت عروس ـاً‪ ،‬وهــي‬ ‫ـب أحيان ـاً إىل‬ ‫كذلــك ألن العــروس تذهـ ُ‬ ‫حيــثُ ال يُريـ ُد لهــا امل ُحبــون أن تذهــب!‬ ‫وليســت درة‪ ،‬وهــي كذلــك‪ ،‬ألن الــدرر‬ ‫ميتلكهــا الوارثــون‪ ،‬والفُــرات ال وراث‬ ‫لَــهُ‪ ،‬والديــر مــن واريث طميــ ِه‪ ،‬ومــن‬ ‫مو ِّرثيــه‪...‬‬ ‫أقــول ذلــك يف زمــن الخســار ِ‬ ‫ات الــذي‬ ‫ـرض الخســارات الفادحــة‪ ،‬هــذا الزمن‬ ‫يفـ ُ‬

‫الــذي يتفســ ُخ فيــه الوفــا ُء كســمك‬ ‫الســلمون! وتتهــادى فيــه العــراتُ‬ ‫كوجــلٍ يتباهــى بفتنتــ ِه!‬ ‫ولســت أريــد‬ ‫كان ذلــك يف االبتدائيــة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أقــول مــن خــال ذلــك مــا يحــب‬ ‫أن‬ ‫الكاتبــون واألدبــاء‪ ،‬أو بعضهــم عــى‬ ‫األقــل أن يشــر مــن خاللــه إىل مت ُّيــزه‬ ‫امل ُبكــر (املفــرض)‪ ،‬عندمــا طلــب منــه‬ ‫أســتاذ مــادة التعبــر أن يصــف مبــاراة‬ ‫كــرة قــدم يف يــومٍ ماطــر‪ ،‬فــكان أن‬ ‫أعطــى هــذا الوصــف‪ ،‬الحــق ألســتاذ‬ ‫العربيــة‪ُ ،‬مــد ّرس مــادة اإلنشــاء‪ ،‬أن‬ ‫يُبــره مبســتقبلٍ أديب باهــر‪ ،‬يذكــره‬ ‫اآلن‪ ،‬مبناســب ٍة وغــر مناســبة داللـ ًة عــى‬ ‫بالغت ـ ِه امل ُبكــرة يف ذلــك الوقــت‪ ،‬كانــت‬ ‫تصلنــي أنــا تلميــذ الصــف الســادس‬ ‫مبدرســ ِة الرشــيد االبتدائيــة يف الرقــة‪،‬‬ ‫بســبب مــن متيــز ُمفــرض يف مــادة‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنشــاء!! مجلــة (الطالــب العــريب) التــي‬ ‫تصــدر يف ديــر الــزور‪ ،‬والتــي قــرأتُ فيهــا‬ ‫ال يف ســواها‪ ،‬وألول مــرة قصائــد ملحمــد‬ ‫ـت وقتـاً طويـاً‪ ،‬أعلــق هــذا‬ ‫الفـرايت‪ ،‬ظللـ ُ‬ ‫البيــت مــن أبياتهــا عــى ُجــدران البيــت‬ ‫كنــت أســكن‪.‬‬ ‫الــذي‬ ‫ُ‬ ‫املصالح يف أقالمِ دولتنا‬ ‫(متيش‬ ‫ُ‬ ‫ميش الخنافس يف ج ٍّز من الصوف)‬ ‫َ‬

‫أتلمــس بأصابعــي اخــرار‬ ‫ثــم بــدأتُ‬ ‫ُ‬ ‫شــجر ال َغـ َرب‪ ،‬واهتـزاز الجــر العتيــق‪،‬‬ ‫مــن خــال صــو ٍر باألبيــض واألســود‬ ‫طبعــاً‪ ،‬ملصــور اســمه «جــال»‪ ،‬إن مل‬ ‫تخنــي الذاكــرة؛ ثــم شــاءت يل الظــروف‬ ‫ـاب‬ ‫أو األقــدار‪ ..‬ال أدري‪ ،‬أن أكــون يف ذهـ ٍ‬ ‫ـاب إىل ديــر الــزور ومنــه يف ُمحاولـ ٍة‬ ‫وإيـ ٍ‬ ‫كســبت عــددا ً‬ ‫لتغيــر العــامل! حيــثُ‬ ‫ُ‬ ‫ـح بعضهــم‪ ،‬فيــا‬ ‫وافـرا ً مــن أصدقــاء أصبـ َ‬ ‫بعــد‪ ،‬شــاعرا ً معروف ـاً‪ ،‬أو طبيــب عيــون‬ ‫وشــاعرا ً‪ ،‬أو ُمخرجــاً ســينامئياً‪..‬‬ ‫ولَـ ْن يفوتنــي أن أذكـ َر أن هــذه املجلــة‪،‬‬ ‫مجلــة (الطالــب العــريب)‪ ،‬هــي التــي‬ ‫عرفتنــي كيــف يذهــب الديريــون‪،‬‬ ‫متطوعــن إىل الجزائــر للمشــارك ِة يف‬ ‫تدعيــم ثورتهــا الظافــرة‪ ،‬وكيــف خَــ َر َج‬ ‫مــن هــذه املدينــة األصيلــة‪ ،‬مفكــرون‬ ‫وأصحــاب رأي‪ ،‬ومؤسســون‪ ،‬خرجــوا مــن‬ ‫بــن ذويهــم وأهلهــم األقربــن إىل أفقهــم‬ ‫العــريب الرحــب‪.‬‬ ‫ســأترك الحديــث عــن ذلــك ملــكانٍ آخــر‬ ‫وزمــن آخــر‪ ،‬ألن الوقــت الــذي مــى‬ ‫ي أن أتوقــف عنــد هــذه‬ ‫يشــر عــ َّ‬ ‫النقطــة يك ال أثــر الذعــر يف النفــس‬ ‫الحنــون‪.‬‬

‫ـ ملــاذا أنــت محجــم عــن الكتابــة التــي فشــا أمرهــا حتــى أصبحــت‬ ‫عمــل مــن ال عمــل لــه؟‬ ‫ـ إننــي مشــغول‪ ...‬نعــم مشــغول بالــذي شــغل «بوســيه» ذات يــوم‬ ‫ولكــن ليــس لنفــس الســبب ‪ .‬هــل هــذه أحجيــة‪..‬؟‬ ‫ـ ال‪ ..‬كان «بوســيه» مــريب وريــث لويــس الرابــع عــر وكان يؤمــــن‬ ‫أن ( امللكيــة الوراثيــة هــي أنســب أشــكال الحكــم) وأنــه (ال ميكــن‬ ‫أن يكــون هنــاك دواء ضــد ســلطة العاهــل إال يف ســلطته) لذلــك‬ ‫فإنــه عندمــا خــرت أرسة ســتيوارت يف بريطانيــا املعركــة نهائيــاً‬ ‫وكســـــــــبها الربملــان عــام ‪ /1866/‬أي عندمــا انتــرت ليرباليــة‬ ‫األح ـرار عــى الســلطة املطلقــة التــي يؤمــن بهــا «بوســــــيه»‪.‬‬ ‫أدرك هــذا األخــر أن هــذه العــدوى البــد مــن أن تنتقــل إىل دول‬ ‫الجــوار فكتــب إىل أحـــدهم قائـاً‪( :‬ال شــغل يل إال أن أتحــر عــى‬ ‫إنجلرتا) أي عىل الســــلطة املطلقة‪ .‬وأنا ال شــغل يل إال أن أتحســــــر‬ ‫عــى العــرب والدميوقراطيــة املفقــودة!‬ ‫وال أقــول األرض املحتلــة‪ ،‬والعواصــــم املســــــتباحة‪ ،‬والتخلــف‪ ..‬فام‬ ‫هــي إال نتـــائج أمــا األســباب فتكمــن يف حقوقنــا الفردية التــي أضعنا‬ ‫صكــوك ملكيتهــا‪ ،‬ومل نعــر عليهــا بعــد!‬ ‫ـ وهــل تعتقــد أن الحقــوق الطبيعيــة تحتــاج إىل صكــوك إلثبـــــاتها‪،‬‬ ‫وهــي هبــة اللــه لــك يــوم ولــدت‪ ،‬أم أنــك صدقــت فـــــولتري عندمــا‬ ‫قــال‪( :‬لقــد أضــاع الجنــس البــري صكــوك ملكيتــه فعــر الســيد‬ ‫مونتســكيو عليهــا وردهــا إليــه)‪.‬‬ ‫ـ الحق أين مل أعد أعرف أصدق من؟؟‬ ‫ـ عليــك أن تصــدق نفســك‪ ،‬فاألمــر منــوط بــك وبقدرتــك عــى أن‬ ‫تكــون حـرا ً ويف أســـــوأ الظــروف‪.‬‬ ‫ـ وكيف يكون هذا بحقك؟؟‬ ‫ـ بــأن تتذكــر دومـاً أنــك غــر مجــر عــى االعـراف مبــا يــدور حولــك‪،‬‬ ‫وأن تفكــــــر مبــا أنــت مقتنــع بــه وهــذا حســبك‪ ،‬بــل هــذا جـ ّـل مــا‬ ‫نــادى بــه «جــان جــاك روســو» حيــث يقــول‪( :‬إن الحريــة ليســت‬ ‫شــيئاً يهــدى‪ ،‬فالرجــل يســــتطيع أن يعيــش يف ظــل الطغيـــــــان‬ ‫والدكتاتوريــة ويكفيــه أن يكــون غــر مؤمــن مبــا يحــدث لــه)‪.‬‬ ‫باختصــار‪ :‬كــن مــا تريــد بينــك وبــن نفســك‪ ...‬فأنــت حــر! وال تنــى‬ ‫مبــدأ النســبية يف كل مــا يحيــط بــك‪ ...‬فأنــت منطقــي!‬ ‫(باندهاش)؟؟؟‬ ‫ـ إذا ً تريــدين أن أشــــــك بأننــي مقهــور‪ ،‬وأعمــل عــى أننــي حـــــر‪.‬‬ ‫وأشــــــك أننــي خــارج النظــام الســـياســـي‪ ،‬وأعمــل عــى أننــي‬ ‫فيـــــــه‪ .‬وأشــــــك بأننــي يف نظــام غــر تعـــــددي‪ ،‬طاملــا أن هنــاك‬ ‫جبهــة وطنيــة‪ .‬وأشــــــك أن بغداد محتلة‪ ،‬قياســاً عىل اســــــتقاللية‬ ‫القــرار العــريب‪ .‬وأشــــــك مبرشوعيــة املقاومــة الوطنيــة‪ ،‬اعتــادا‬ ‫عــى عــدم صــدور تعريــف لإلرهــاب‪ .‬وأشـــــك بجــدوى النفــط يف‬ ‫املعركــة‪ ،‬طاملــا أنــه ال توجد معركة يف األســاس وأشــــــك‪ ..‬وأشـــــك‪..‬‬ ‫وأشـــك‪.‬‬ ‫(ثم نــــدرت مني ضحكة أشــــــبه ما تكون بالنشــــــــيج‪)..‬‬ ‫ـ ما الذي يضحك بعد‪..‬؟‬ ‫ـ تذكــرت كتــاب الشـــــكوك‪ ،‬طبعـاً ليســـت شــكوك ديــكارت وإمنــا‬ ‫شـــــــكوك صالــح بــن عبــد القــدوس (عــى مبــدأ أننــا لســـــــــنا‬ ‫بحاجــة للغــــــــرب فنحــن ســــــــــبقناهم بــكل شــــيء!!)‬ ‫ـ وما كتاب الشكوك هذا؟؟‬ ‫ـ هــذا كتــاب كان قــد ألفــه صالــح بــن عبــد القــدوس‪ ،‬وكان صالــح‬ ‫ماجنـاً مــــانوياً عــى ديــن آبــــائه‪ .‬حيــث يــروى أنــه مــات لصالــح‬ ‫هــذا ولــد فلقيــه أبــو هذيــل العــاف والنظــام (وهــا مــن رؤســــاء‬ ‫املعتزلــة وأصحــاب الــكالم) فوجــداه جزع ـاً عــى ابنــه‪ ،‬فقــال لــه‬ ‫العــاف‪ :‬ال أعــرف لحزنــك وجهـــاً إذا كان الناس عندك كالــــــزرع؟؟‬ ‫فقــال صالــح‪ :‬يـــا أبــا الهذيــل إمنــا أجــــزع عليــه ألنـــه مل يقــرأ كتاب‬ ‫الشــــــكوك‪.‬‬ ‫فقال أبو الهذيل‪ :‬وما كتاب الشكوك هذا؟؟‬ ‫قــال‪ :‬كتــاب وضعتــه‪ ،‬مــن قــرأه شــك فيــا كان حتــى يتوهــم أنــه مل‬ ‫يكــن‪ ،‬وفيمــــا مل يكــن حتــى يظــن أنه قــد كان‪.‬‬ ‫فقــال لــه النظــام‪ :‬فشــك أنــت يف مــوت ابنــك وأعمــل عــى أنــه مل‬ ‫ميــت وإن مــات‪ ،‬وشـــك أيضـاً يف أنــه قــرأ هــذا الكتــاب وإن مل يكــن‬ ‫قــد قــرأه‪.‬‬ ‫فحرص صــالح!!‬

‫جمل��ة احلرم��ل تدع��و املؤسس��ات واألف��راد إىل دع��م اس��تمراريتها وإس��تقالهلا‪ ،‬م��ن خ�لال االش�تراك واإلع�لان فيه��ا‪ ،‬وذل��ك باإلتص��ال عل��ى هات��ف اجملل��ة رق��م‪ )05459679973( :‬أو مراجع��ة مقره��ا الكائ��ن خل��ف بلدي��ة أورف��ا‬

‫اآلراء اليت تنشر باجمللة تعرب عن رأي أصحابها‪ ،‬وال متثل بالضرورة رأي اجمللة‬

‫السنة األولى ‪ /‬العدد التاسع ‪ 01 /‬شباط ‪2015‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.