الملحق الثقافي االفتتاحية
دريئة العدد
مجالت المدن الصقيلة بطاقة بيضاء
المفردة القاتلة
هاشم شفيق
مجالت املدن الصقيلة
المجالت الثقافية جدلية الوالدة والموت؟ المجلة الثقافية المغربية ما مصيرها اليوم؟
لكل أجل كتاب
نابكوف يحاضر عن تشيكوف ()2 قيد الطبع
الحب أحمد بوزفور
نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق سارق األسرار في البيت الخالء
أيوب المزين
مع الناشر
عبد الجليل ناظم :الثقافة بالمغرب في نفق مسدود
العدد l 88الخميس 28فبراير 5 2013 حلم بورخيس نبيل منصر
الحب إال للحبيب األول ما ّ
فريدة محمد بنميلود
دريئة العدد هشام فهمي
Hicham_fahmi@hotmail.com
أصبحت أحلم بدبي وأبو ظبي والدوحة ونزوى. ملونة كاملة في أدف��ع خمسة عشر درهما وتأتيني مدينة ّ ملفوف بالستيكي شفاف .لم تعد باريس األن��وار والثقافة أو مونريال وطني الثاني تعنيان لي شيئا .وحدها دبي بإمكانها أن تبهر العالم وتصنع منتجعات جليدية للتزحلق في قلب الصحراء .أصبح صديقي الكندي يحترمنا أكثر، نحن العرب ،عندما اكتشف برج دبي األسطوري ،وهو الذي كان يتخيلنا مجرد سوارح إبل إرهابيني. الثورة الثقافية قادمة بال ريب من اخلليج. الثقافة العربية ُتصنع بأرخص األثمان في الكويت العاصمة التي هي دول��ة في اآلن ذات��ه .مجالت ثقافية تشبه فنادق الوليد بن طالل الباذخة .تتلمس صفحاتها بأصابع تزلق اللماع .كبار املثقفني واألدب���اء العرب يطلون على ال��ورق ّ هنا بصورهم البارزة .ب��دءا من شاعرنا أدونيس إلى آخر مثقف مرتزق متخصص في حمل البراميل .املنتخب القومي للكتاب العرب .كتاب نحترمهم وآخ��رون نعرف أن هذا هو أقصى ما ميكن أن ينجزوه .جتلس وتقرأ مقاالت متنوعة حتت أعمدة نور خافتة .تقفل املجلة فتختفي بني يديك؟ انتهى عهد «الكرمل» و«مواقف» و»اآلداب» .انتهت املشاريع الثقافية الكبرى ،ودخلنا عصر الثقافة امللونة .سنة 1994 حضر أدونيس إلى مراكش ،وكانت مجلة «مواقف» مازالت حية ،استمعنا إلى أشعاره ،ولفتني أحد نقاد قصيدة النثر كان يجلس خلفي ،يدندن وهو يسمع ألشعار أدونيس كأنه أمام منشد صوفي ،فهمت وقتها ملاذا ال أحد يفهم هذا الشاعر. بعد انتهاء القراءة الشعرية سرقت حلظة خاطفة مع أدونيس وقلت له بوقاحة شاب تنغل في رأسه حشرة ضخمة « :أستاذ أدونيس لقد أصبحت تنشر قصائد رديئة في «مواقف» ،صمت الرجل قليال ،وبحكمة الكبار ،ر ّد علي مبا جعلني أكثر اندهاشا: «أنت رمبا على حق». تركت جموعا تتزاحم اللتقاط صورة مع الشاعر كأنه مأثرة سياحية .في البيت تنتظرني ثالثية «الثابت واملتحول» ،أو البيان األدونيسي املضاد للثقافة العربية .أسابيع بعد هذا اللقاء سمعت عن توقف مجلة «مواقف». هل ميكن لهذه املجالت الثقافية القادمة من اخلليج أن تصنع شاعرا واعدا؟ أشك في ذلك .اقرؤوا ملفاتها الشعرية ،إنها من عالمات انحطاط اللغة والثقافة العربيتني ،خصوصا عندما يصبح الشعر النبطي أفصح من الفصاحة. حتتاج الثقافة العربية إلى م��ال ،ورمب��ا أكثر من ذل��ك ،إلى أف��ك��ار فيها روح م��ت��ج� ّددة ،جتعل املجلة بوديوما حقيقيا للثقافة واإلب��داع حيث تتنافس النصوص وتلمع األسماء اجل��دي��دة ،وتخلق حلظة تاريخية تنتعش فيها احلركات والتيارات. ال��ي��وم أح��س أن ثمة م��ن يقبض على عنق الثقافة بقوة، ويضغط متى ش��اء .ال نحتاج إل��ى االع��ت��راف بأننا نختنق برائحة النفط ،وال نحتاج أيضا إلى أن نستيقظ من وهم. نحن داخل خزان غسان كنفاني .ال شيء حقيقي منلكه بني أيدينا غير موتنا .رمبا أرى األبيض واألس��ود فقط وأترك عدسات األلوان الالصقة لغيري. تسوق صور الكتاب ما تضمنه هذه املجالت اخلرافية أنها ّ ونتعجب كيف أن هذه األموال املنفقة لم الكبار ال أفكارهم، ّ تصنع ثقافة الداخل .شاعر من قطر اسمه محمد ابن الذيب يحكم باملؤبد ثم يستأنف احلكم ليصبح خمسة عشر عاما بسبب قصيدة .كيف لهؤالء الذين يرون تهديدا في قصيدة أن يصنعوا ثقافة حرة ودميقراطية خارج بلدانهم؟ ألم نصدق إع�لام «االجت��اه املعاكس» ،لنكتشف ب��أن م��ال النفط يصنع مجالت صقيلة ،وم��دن��ا صقيلة ،وق��ن��وات صقيلة وث��ورات صقيلة ،وأنظمة صقيلة؟ أمت��ن��ى أن أص���دق ك��ل ذل���ك ،أن أص���دق أن ال��ق��ارئ بإمكانه اليوم أن يقرأ لكل الكتاب العرب ،بثمن فقره .باملقابل ،ال أرى ثقافة تتأسس .أجيال في اخلليج تدرس في الواليات امل��ت��ح��دة وبريطانيا ومقطوعة مت��ام��ا ع��ن ذات��ه��ا .مجالت ت��س��ت��ورد مثقفني محترفني م��ن اخل����ارج ،وت��ص��ن��ع ال��دع��اة والشيوخ بالداخل .كتاب وشعراء من اخلليج نحترمهم، ونحترم ما أجن��زوه للثقافة العربية ،لكنهم م� َ�ع� َّ�وم��ون في السواد وأصواتهم ال ُتسمع .مجالت املدن الصقيلة أراها مجرد منتجعات لقضاء تقاعد ثقافي مريح بعد نهاية العمر، وأمتنى من كل قلبي أن أكون مخطئا.
بطاقة بيضاء
املجالت الثقافية باملغرب
جدلية الوالدة واملوت
عبد اجلليل ناظم :الثقافة باملغرب في نفق مسدود
املفردة القاتلة هاشم شفيق شاعر عراقي مقيم في لندن
عندنا ،وف��ي اآلون���ة الزمنية ه��ذه ،ومنذ مطلع األلفية الثالثة ،علتْ وتيرة التطرف اللغوي ،حيث هيمنت على هذا التط ّرف امل��ف��ردة األمبريالية ،تلك التي تستعمر حرية اآلخر وتلغي شرطه اإلنساني وحت� ّ�ول��ه ،بقوة سطوتها الكولونيالية، كائن ًا واقع ًا في كمائنها الظالمية. إن ه��ذه امل��ف��ردة ال��ت��ي حتمل صفة األن��ا ال��ع��ل��ي��ا وال��ن��ف��وذ ال��ك�لان��ي ،ت��س��ع��ى عبر الشائعة ،إل��ى أن تتغذى من االف��ت��راءات واألب��اط��ي��ل ،وم��ن اخل��ي��ال ال��ش��رس ال��ذي يحاول أنْ يبطل الضوء الكامن في اآلخر – الفرد املج ّرد من السلطة ،ه��ذه املفردة األمبريالية تظهر بقوة أمام الكائن احلر، ل��ت��ح��اص��ره ث��م ت��دف��ع��ه وت��زي��ح��ه م��ن امل�تن الى الهامش ،لتطرده من مواقع الرحاب وط��ب��ائ��ع ال���ن���ور ال���ى زاوي�����ة يستشري فيها اجل��ب��روت وطبائع ال��ق��وة ووسائل االس����ت����ب����داد ،ه����ذه ال���وس���ائ���ل احل��اف��ل��ة بالشيطنة اإلنسانية وأدوات��ه��ا الناحية إلى كتم الكلمة املنيرة القابعة في اآلخر، ابتغا ًء في اخراس معناها وإطفاء الوهج الطالع من مقاصدها ورموزها وإشاراتها الدالئلية. إذ ًا امل��ف��ردة األمبريالية ح�ين تنفلت من ح��ق��ل��ه��ا األس�����ود امل��س��ق��ي ب��ف��ي��ض ل��غ��وي متطرف ،جتاه كائن معينّ تقتله أو ترسم خ�لال مسارها ص��ورة خيالية للمقتلة ،أي أنها تهيئ للقاتل األج��واء اخلاصة والطريقة التي سيتم بها تصفية
العقل املستنير صاحب الكلمة املنيرة. هذا هو ما نلمسه اآلن من مفردات تتجه صوب مفكرين وأدباء وشعراء لهم معيار ج��م��ال��ي ك��ب��ي��ر ع��ب��ر م��ن��ج��زه��م اإلب���داع���ي والفكري واجلمالي كاحلملة التي يتعرض لها أدون��ي��س بواسطة سيل ج��ارف من م��ف��ردات ال��ت��ط��رف ال��ل��غ��وي ،وه��ي ترسم بسمها املصنوع من صورة املقتلة ،ملوحة ّ ملعان السيوف .إنه السم األزرق الذي هو حبر هذه املفردات ينطق بالقتل ويستعدي ويتهم الرائي بالتمذهب واالنحياز الى ملة وطائفة ذات بعد أق ّلوي ،وأن أدونيس م��� ّي���ال ال���ى ال��ه��ج��س ب��ش��ع��ل��ة ه��رم��س��ي��ة، باطنية تقول باالبتداع واملشايعة ،بينما هو في احلقيقة احملسوسة واملرئية رائد وم��ن م��ؤس��س��ي عملية اخل��ل��ق اإلب��داع��ي العربي ،ومن أشد أشياع احلداثة تنظير ًا وكتابة وإب��داع� ًا ،ال يهجس إال بالتغيير واإلب��ت��ك��ار وم��ن��اص��رة اجل��دي��د واخ��ت��راع األفكار املعاصرة التي دحضت في كتبه العديدة املنهج السلفي – االرتدادي عبر نظرياته األدبية ونقده العلمي املنطلق من نظرة حديثة معاصرة ،دح��رت مبنهجها املتحول عقلية الثبات والرسوخ الفكري ّ والتماثل. وع��ود ًا إلى بدء ،تستطيع املفردة القاتلة أن متحو مفكر ًا ومبدع ًا ،مجرد أن يأتي عقل شرير ،يلتقطها من هذا الفيض اللغوي الطاغي والعنيف نص ًا فيص ّبها ف��ي عقل ج��اه��ل ل��م ي��ق��رأ ّ
في حياته ،ليذهب مدفوع ًا بعماه صوب شيخ جليل مبدع كنجيب محفوظ ليطعنه بسكني ك��ون��ه ق��ال رأي��� ًا ف��ي جملة وردت على لسان إح��دى شخصياته في مقطع ص��غ��ي��ر م��ن رواي�����ة .أو ش���نّ ح��م��ل��ة شبه دموية على مواقف الشاعر سعدي يوسف
منذ مطلع األلفية الثالثة علت وتيرة التطرف اللغوي ْ التطرف حيث هيمنت على هذا ّ المفردة األمبريالية تلك التي تستعمر حرية اآلخر وتلغي شرطه اإلنساني وتحوله ،بقوة سطوتها ّ ً ً الكولونيالية ،كائنا واقعا في كمائنها الظالمية ال��ذي قال كالم ًا مخالف ًا للسائد ،مغاير ًا لعقلية القطعنة ،ورأي ال��ده��م��اء ،حتى انهالت عليه امل��ف��ردات ال��دام��ي��ة ،متهمة إ ّي���اه بالنزوع نحو جهة مذهبية يدافع عنها وه��ي من مكون آخ��ر ،بينما هو لم يكن يوم ًا في حياته العملية س��وى ذلك اليساري العنيد ال��ذي أفنى ج� ّ�ل حياته
ف��ي م��ح��ارب��ة املستبد منذ يفاعه وحتى شيخوخته احلالية. س��ع��دي ي��وس��ف ح�ين ذه��ب��ت إل��ى ب��غ��داد، سألتني عنه طائفة من املثقفني ،عن سر موقفه املضاد ،وهل هو حق ًا يؤيد مذهب ًا معين ًا وي��ؤازره ،فضحكت حينها وقلت: أجل إنه ي��ؤازر مذهب ًا ماركسي ًا ،اعتنقه منذ كان فتى وال يزال الى اآلن ينافح عنه بوسائله الكتابية املتاحة لديه ول��م يفه طيلة حياته وكما أعرفه إال بلغة نبيذية ذات ذهنية قرنفلية. وملا تصدى سعدي يوسف الى عقلية برهان غليون في مقالة ما ،وقال رأيه اخلاص به، خفتت تلك األصوات وأخرستْ ،ترى ملاذا ك ّفت ه��ذه األص��وات عن مهاجمة سعدي مبفرداتها الدموية ،ببساطة ألنها كانت حتمل نبرتها الطائفية. وكذلك هو احلال مع نصر حامد أبي زيد، مفكرإسالمي متنور ومتبحر في علومه وج��ريء في ق��ول كلمة احل��ق ،طالته هو أي��ض� ًا امل��ف��ردات املميتة واتهمته قسر ًا وع��ن��وة ب���اإلحل���اد واخل�����روج ع��ن ال��دي��ن وأس��س الشريعة ،بينما ه��و ل��م يقل في سلسلة م��ن��ظ��وم��ات��ه ال��ف��ك��ري��ة والفقهية واجلدلية سوى بالرأي السديد ،فهوجم بعنف م��ري��ع و ُك��� ّف���ر ،وف���ق ن��ه��ج تأويلي وس��ل��ف��ي م��ع��ت��م ح��ي��ث ع���وجل���ت ال��ف��ك��رة املضيئة بأخرى س��وداء لتؤتي ثمارها، وترسم له النهاية احلزينة ،أقلها إبعاده إلى اجلهنم اجلليدي للمنفى.