الملحق الثقافي عصب الكتابة
لعنة الكائنات الصغيرة
إيمان مرسال
دريئة العدد ما هي السينما التي نريد؟!
األوديسة املعاصرة
متابعات كريس ماركر السينمائي والكاتب الذي كان يعشق القطط برج بابل
أفكار الحب إال للحبيب األول ما ّ بيان السايبورغ لـ«ضونا َه َار َاو ْاي» ( )1كانت تنقلني من العشق المراهق موديل عبد محمد أسليم الحليم إلى الحب الناضج عبد المنعم الشنتوف دريئة العدد
عشرون فرقا بين الفيلم والرواية فريديريك بيغبيدي ما هي السينما التي نريد؟
نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق
تأمالت أمريكية ( )5خالد سليكي
العدد l 64الخميس 31يناير 5 2013 نقطة ساخنة
المهرجان الوطني للفيلم :االستثناء
خليل الدامون
في الصاالت السينمائية
«زيرو» و«موشومة» و«السراب»
دريئة العدد هشام فهمي
Hicham_fahmi@hotmail.com
أتأمل مصير الشعر في العالم ،وكيف أن شاعرا من كل يوم ّ موريال يفرح بعشرة قراء يلت ّفون حوله ،وآخر من مدينة آسفي يقرأ أشعاره على نفسه كتعاويذ شامانية ،لكن الشعر حاضر بقوة يتجول في كل مكان وال ننتبه إليه ،يحتاج إلى عني ثالثة كي نراه ّ واذهب إلى قنوات املوسيقى ،حيث بالقرب منا .اف َتح التلفزيون ْ الكليبات الشعرية تخطف العقل .كليب شعري للمغنية اجلورجية يعولون Katie Meluaميكن أن يربك الكثير من الشعراء الذين ّ على لغتهم وصورهم الشعرية .هل أصبح الشعر بصيغته املكتوبة بلسان طبيعي متجاوزا؟ رمبا ،ال أدري. فيلم «أفاتار» ثالثي األبعاد ملخرجه جيمس كامرون ،شاهدته في موريال فور عرضه بالصاالت الكندية ،عندما خرجت من العرض، أحسست بصداع في الرأس وانقلبت أمعائي مبيترو األنفاق وأنا عائد إلى البيت ،أول مرة أرى فيلما ثالثي األبعاد ،كان ذلك بالنسبة إلي جرعة زائ��دة من خيال فائق .لو كان هوميروس حيا لتنازل عن ملحمته الشعرية «األودي��س��ة» ،وانصرف القتراف شيء آخر. كيف سيكون تأثير هذه الثورة السينمائية العارمة أو األوديسة املعاصرة في خيالنا الشعري؟ هل سيصبح الشعر حياة حقيقية نعيشها عوض أن نكتبها عبر الكلمات؟ حياة كاملة قد نعثر عليها في السينما كلقطة خاطفة ،إنها فنّ يتفوق على نفسه وعلينا ك ّلما أمع ّنا النظر في السرعة التي يتقدّم ّ بها كصناعة للخيال .من كان يحلم أن يرى جوليا روبرتس تقف أمامه وتبتسم ،ورمب��ا ملسته ،وسيحدث قريبا ،فتسري كهرباء ّ املسطحة ،والذين املتعة؟! كل شيء ممكن! لقد انتهى عهد الشاشات كانوا يردّدون ،إلى وقت قريب ،بأن مشاهدة فيلم سينمائي يحتاج إلى شاشة كبرى وصالة سينما مظلمة ،عليهم أن يراجعوا أفكارهم، التطور التكنولوجي املتسارع ،اخليال يصبح بأقل تكلفة، مع ّ وسنشاهد جدرانا ضوئية بصالة البيت ،وأشخاصا حقيقيني يتدحرجون أمامنا ويتبادلون عيارات نارية فوق رؤوسنا وسيارات طائرة ترتطم باألثاث ،وسنعيش داخل األفالم السينمائية حياتنا واحل��ب وننض ّم لعصابات تسرق أثمن املقبلة ،نشارك في القتل ّ التحف واملجوهرات ،ونسافر ونتس ّلق قمم الهمااليا دون أن نبرح مكاننا .السينما لن تكتفي بإبهار العني فقط ،بل إنها ستنتقل إلى كل احلواس التي سيتضاعف إحساسها باألشياء احمليطة ،فتلفحنا ونتذوق طعم املرارة عندما نضط ّر تفجرت لل ّتو، ّ شظية من قنبلة ّ إلى أكل نباتات غريبة ونحن نتيه جائعني في غابة مع بطلة فيلم. بهذا املعنى سيكون دورنا كبير في صياغة عوالم السيناريوهات ّ وسنتذكر السينمائيني املغاربة وهم يصنعون أفالمهم احملتملة، ويتعصرون من أجل كتابة سيناريو جتري أحداثه البدائية األولى ّ في الواقع ،في حني أن سينما املستقبل اخترقت الواقع إلى ُبعد آخر هو ببساطة :احللم .واحللم يصبح أكثر واقعية من الواقع، والقفز بني األزمنة يشبه متاما تغيير وسيلة نقل بأخرى. دعونا من هذا الهذيان ،ولنتوقف قليال لنتساءل ،ماذا نتع ّلم كي نتك ّلم لغة العصر :لغة الصورة؟ أكيد أن األجيال اجلديدة تنظر إلينا بسخرية ونحن نفتح شاشات حواسيبنا ونتصارع مع كلمة س ّر أضعناها ونريد استرجاعها .هم ال يحتاجون إلى أن نع ّلمهم شيئا، ويفعلون لوحدهم ،لكن االستهالك الساذج واملجاني للصور يصبح نتصور .ما تنقله الصور اليوم من معارف ومضامني ال أخطر مما ّ تنقله الكتب .الصور تصنع ثقافة العصر ،لذلك جند أن الكثير من ألميتهم ،لكن الناس في أمريكا الشمالية بالكاد مي ّيزون أسماءهم ّ لن تكتشفهم بسهولة وهم يختلطون باحلشود ويعيشون حياتهم سوي .هوليوود مدرسة كبيرة تخ ّرجت منها أجيال متعاقبة، بشكل ّ ليس من مشاهير السينما ،بل من الناس العاديني الذين ّ تركبت في رؤوسهم مواقف معادية للهنود احلمر وأصبحوا يصطادون السود بضواحي نيويورك كأنهم رعاة بقر .هوليوود صنعت قوة أمريكا أكثر من املارينز ،وأصبح خيالنا امبراطوريتها احملتلة. ّ أتذكر مخرجا كيبيكيا معروفا حضرت بعض ورشاته التكوينية في اإلخراج ،وأصبحنا أصدقاء فيما بعد ،ع ّرفني مبشروع رائع كان من املشرفني عليه اسمه ،Wapikoni Mobileوهو عبارة عن استوديو متح ّرك يقوم بتكوين شباب الهنود احلمر ،املقيمني في غيتوهات وقرى معزولة ،تقنيات اإلبداع السمعي البصري ليصنعوا بأنفسهم فيديوهاتهم وأفالمهم بعد أن ّ حطمت املخدّرات حياتهم للثقل التاريخي والنفسي ملا تع ّرضوا له من إبادة إثنية، فكانت إبداعاتهم مذهلة. نحن نتجادل بال توقف حول دعم الدولة للسينما ،التي متنح تروج لصورتها املنفتحة باخلارج ،باملقابل األموال لصناعة أفالم ّ حس إبداعي، ثمة صناعة مضادة بالداخل لثقافة الصورة ولكل ّ متارسها مؤسسات رسمية وتعليمية بشكل ممنهج .فقط لنفتح تلفزيوننا املغربي الكتشاف املذبح اليومي للخيال ولفكر الصورة.
عصب الكتابة
ما هي السينما التي نريد؟
محمد اشويكة :من ينتقدون الواقع سقطوا في الشعبوية كمن يظنون أن الشتائم أسلوب فني
لعنة الكائنات الصغيرة إيمان مرسال (شاعرة مصرية مقيمة بكندا)
يقولون إنّ مستعمر ًة من النمل كانت تأكل ُ اجلدران والطيور ،يقولون إن أجدادهم مرات في ق ْر نْ ني ،يقولون تن ّقلوا ثالث ٍ إ ّنهم ردموا ُمستنقع ًا وبنوا بيت ًا لله أو ًال وبيوت ًا لألموات ثاني ًا ،ثم أخير ًا بيوت ًا للناجني من لعنة الكائنات الصغيرة. وسميت هذه أناس كثيرون، ُظلم هنا ٌ ُ القرية «ميت عدالن» ،ويبدو أن األجيال اجلديدة فخورة باالسم أو أنّ التسميات تفق ُد ذاكرتها من كثرة ما نقضمها بأسناننا. «ميت عدالن» قريتي العزيزة اجلميلة الغالية ،وطني األ ّم الذي يزورني ّ ليلة كل ٍ أصبحت لشوارعها أسما ٌء في الكوابيس، َ كتب ْتها احلكومة بنفسها :شارع الثورة، ُ اخللفاء الراشدين ،حتى أنّ الفراعنة، مكتوب هناك سهم ًا ُيشير إلى املقابر ٌ عليه «املقابر». مُيكنك أن تبحث عنها في «غوغل» إرث، ساعة ُم ّ عط ٍلة نسيها أحدهم ستراها مثل ٍ جدار كان يوم ًا حائط ًا في بيت. على ٍ باب قرية األسرار العظيمة ،ليس لديها ٌ ل ُيغلق. <<<<<
ُ وعندما تكون جناز ٌة ِ الرجال في يخ ُّب جالليب بيضا َء َ مجاني عن إعالن كأنهم جموعٌ في ٍ ّ مسحوق غسيل ِ ُ طيورهن البسات السواد أكبر وتذبح ِ األبواب مفتوح ٌة والوالئ ُم تنتظر ُ
ُقربان ًا إلله املوت كي ال يزورهم قبل أن تكبر الطيور الصغيرة. <<<<<
هذا املراهق ،جعله اجليش رج ً ال؛ بطاقته الشخص ّية في جيب األفارول املموه ّ وبد ًال من التدخني بني كراكيب اخلزين، حيث العفاريت وعقاب األب، الصحراء ك ّلها أمامه وخلفه. لقد س ّلموه بياد ًة ليدوس بها على املاضي ،فتس ّربت الطفولة رم في حذائه القدمي، مثل قطرة ماء من ُخ ٍ وزاد طوله سنتيمترين بالتمام. خندق ُكريك حتت إبطه ،وسيجتهد حلفر ٍ لن يجد وقت ًا ليختبئ فيه. ال أعرف من الذي كان خلف الكاميرا ألشكره ،لكنها وصلتْ أمه .واحلمد لله .مع ساعة اليد إلى بيت ّ والبطاقة ،واجلثة. <<<<<
ُ ُ كنت أعيش امتلكت أول كاميرا عندما مدينة بالفِ عل وحدي في ٍ كم حمل ُتها إلى ميت عدْالن كعيوني التي ال أرى الوجوه بدونها ُ يتجمع انتظرت بتأهّ ِب ص ّي ٍاد أن كثير ًا ما ّ ُ بعضهم على كنبة أن جُت ّفف صاحبة بيت يد ْيها أن ُيغ ّير أحدهم جلباب ًا بجلباب أو أن لدقيقة يغلقوا التليفزيون ٍ أنا الي ُد اإلله ّية التي ُتث ّب ُت في الزيارات
البعيدة ما لن مُيكن استعادته ٌ لكم مت ّن ُ حريق بينما حرب أو يت أن تبدأ ٌ ّ البطار ّية مازالت جديدة كبتي اخلراب على ُر ألجلس في ذلك َ ِ ّ ُ األنقاض وألتقط صور ًا ملَن حتت ِ زيارة قادمة ح ّتى ثم ُأريها للناجني في ٍ يفرحوا أنهم جنوا. <<<<<
يوم تهوية الصالون وإعادة ّ شيء إلى كل ٍ مكانه، رائحة املُ ّ نظفات وحبال الغسيل والوقت الذي تدركه بساعة الشمس جه ّنم تأتي من ميكروفون املسجد ّ ِ البيت بعد حتتل صالة ثم قيلولة الرجال الغداء إذا لم حتدث كارث ٌة في اليوم املبارك ٌ كائنات كئيبة تشكو من آالم فزيارات من ٍ ِ املفاصل واحلظ األسود ٌ كائنات تش ُفط الشاي و ُتبسمل ثم تشعر بالذنب عندما تنسى أمراضها أو تضحك. يوم اجلمعة ،هو اليوم الذي لم أحب. <<<<<
تنظر النسا ُء إليك بجبني ُم ّ تغضن ،كأ ّنهنّ َ حت ّمصن سنوات حتت الشمس. لقد َح َب ْلنَ أكثر مما ينبغي ،وفقدْن أج ّن ًة في الطريق إلى املستشفى ،دائم ًا في الطريق إلى املستشفى ،من جنا لهُ نّ كانوا الفجر في ُغرف اخلبيز. قد وُ لِدوا قبل ْ
في عائلتي ،كان األطفال كاحلصاد؛ ُمناصف ًة مع احلكومة. هل ُّ تدل هذه الصورة املكرمشة عل ْيهن؛ لقد وضعتها حتت املرتبة كما كانت ج ّدتي تفعل بصورة ابنها في اجليش .أمامي: خالخيل فوق جوارب ،بناطيل حتت فساتني قصيرة ،أساور ُرفِ عت من أجلها األكمام ،شعو ٌر ُمنسابة على األكتاف لوال تعاريج الضفائر. يرتد ْين كل ما َمل ْكن ولكنّ رائحة احلليب ال تتس ّلل من حتت املالبس. سأجنح في تضييق شروخ الصورة بالفوتوشب .لك ّنهن ملمومات ما زلن في ُمنتصف الشاشة ،عيونٌ تسأل :ما الذي ستفعلينه بنا؟ البد أن صاحب االستوديو ِ فابتس ْمن .ال خجل وال ابتس ْمن قال َ جرأة ،ال غنج وال احتشام ،حتى خشونة أصابعهن ّ أقل حضور ًا منها على الورق املصقول. ليس هذا ما أذكره عن اخلاالت ،كيف أصبحن متاثيل للعصر الفيكتوري املصري ،هل عندنا عص ٌر من هذا القبيل؟ كم ُكن فاتنات في ليالي الزفاف ،ملكات جديد لفقد ٍ في املطابخ املُعتمة ،وحزينات ٍ في صباحات األعياد ..ما أذكره غائب عن الصورة فلماذا أجتهد هكذا ألحافظ عليها من الضياع. من مجموعة شعرية حتت الطبع بعنوان «حتّى أتخ ّلى عن فكرة البيوت»