الملحق الثقافي العدد 4

Page 1

‫الملحق الثقافي‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪ l 59‬الخميس‪/‬الجمعة ‪ 25/24‬يناير ‪2013‬‬

‫بطاقة بيضاء‬

‫األدب المغربي واألفق المفتوح أبو يوسف طه‬

‫متابعات‬ ‫رواية «نظرية المعلومات»‬ ‫ألوريليان بالنجي‬

‫نادي األدب‬ ‫امليكيافيللي‬

‫أفكار‬ ‫ما بعد اإلنسان سنة ‪ ..2050‬عندما‬ ‫اإلنسان إنسانا أعلى (‪)3‬‬ ‫يصير‬ ‫ُ‬ ‫نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق‬

‫مرئيات‬ ‫أوسكار نيماير‪ :‬مهندس‬ ‫أدهش العالم نبيل منصر‬ ‫دريئة العدد‬

‫تأمالت أمريكية (‪ )4‬خالد سليكي القصة المغربية‪ ..‬ما قصتها بالضبط؟‬

‫عصب الكتابة‬

‫أنا ما كاينش‬

‫الحب إال للحبيب األول‬ ‫ما ّ‬

‫أحمد لمسيح‬

‫لكل َأج ٍل كتاب‬ ‫مونيك النج و«كبائن‬ ‫االستحمام» إبراهيم الخطيب‬

‫أنا مدينة له بمعرفة معنى الحب العفيف‬ ‫بريد القراء‬

‫الزهرة رميج‬

‫رسالة من أصدقاء المرحوم حفيظ بودى‬

‫مرئيـات‬ ‫هشام فهمي‬

‫‪Hicham_fahmi@hotmail.com‬‬

‫الساسة سادة العالم‪ .‬هم من يحدّدون مصيرنا‪ ،‬حاضرون في كل‬ ‫مكان ويتحدثون باسمنا وباسم كل الشعوب‪ .‬ما الفرق بني السياسي‬ ‫والشاعر؟ السياسي يضع التكتيكات واالستراتيجيات كأنه قائد كتيبة‬ ‫في كتاب «فنّ احلرب» للصيني سون تزو‪ ،‬أما الشاعر فيحلم‪ ،‬هو يحلم‬ ‫فقط‪ ،‬وقد يحدث أن يحلم بقصيدة عنوانها «األرض اخلراب» أيقظ فيها‬ ‫الشاعر إليوت الع ّراف األعمى تريسياس وجعله شاهدا على العصر‪.‬‬ ‫عينا تريسياس األعمى وعينا الشاعر‪ ،‬ترى كل شيء‪.‬‬ ‫كان للشاعر‪ ،‬عبر األزمنة‪ ،‬سلطة الكالم‪ ،‬لكن عن أي كالم نتحدّث؟ الشاعر‬ ‫قد يستعمل البالغة ورمبا يقذف بها في سطل زبالة ألنه ال يحتاج إال‬ ‫لذاته في اللغة‪ .‬السياسي أكثر مكرا‪ ،‬سرق من الشاعر اللعب بالكلمات‬ ‫فأصبح يلعب عليها وعلينا‪ ،‬لكنه عندما يتكلم فهو يحاجج ويرصف‬ ‫أمامنا أوهامه البالغية وبالغاته املقنِ َعة واملق َّنعة‪ ،‬فنصدّقه‪ ،‬الشاعر ال‬ ‫نحتاج إلى تصديقه‪ ،‬لغته هي لغة حلم رأيناه ونحاول‪ ،‬دون جدوى‪،‬‬ ‫تذ ُّكره فضاقت العبارة عن وصفه‪ .‬العرب كانت ترى أن أعذب الشعر‬ ‫أكذبه‪ ،‬لذلك فهي ال تصدّق ال الشاعر وال السياسي‪ ،‬وال حتى نفسها‪.‬‬ ‫موجة عارمة اليوم تخبط رأس األدب بحائط السياسة‪ .‬ما يحدث من‬ ‫غليان في الشارع العربي‪ ،‬أربك الكثيرين‪ ،‬أربك بالضبط أولئك الذين‬ ‫اختاروا منذ عقود أن يكونوا «كالب حراسة» لقلعة السلطة‪ .‬يكتبون‬ ‫األدب الذي يجعلهم ميارسون سلطة الكالم على قبيلة احلزب‪ ،‬لكنهم‬ ‫دوما خلف ظهر «األمير» هم ظهره‪ ،‬ويهدونه كتبهم ودواوينهم الشعرية‬ ‫مقوسة‪ .‬هذا ما فعله ميكيافيللي بالضبط‪ ،‬بعد أن عزلته‬ ‫بظهور ّ‬ ‫السلطة‪ ،‬فقدّم كتابه «األمير» هدية «للورنزو العظيم» أحد أبناء آل‬ ‫ميديشي‪ ،‬ع ّله ينعم عليه بالعودة إلى تق ّلد منصب جديد‪ .‬ميكيافيللي‬ ‫ّ‬ ‫املنظر السياسي‪ ،‬الذي أحدث انقالبا في علم السياسة كان أيضا أديبا‪،‬‬ ‫وله مسرحية هزلية إن ُترجم عنوانها إلى العربية سيمنحنا عنوانا‬ ‫عجيبا هو «تفاح اجلن»‪ .‬حفدة ميكيافيللي اجلدد‪ ،‬هم ساسة العصر‬ ‫وأدباء عند احلاجة‪ ،‬فعندما تخذلهم السلطة وتطردهم خارج بالطاتها‬ ‫اللماعة ويصارعون الوحش‬ ‫ّ‬ ‫يتحولون إلى األدب‪ ،‬يخرجون فيه أنيابهم ّ‬ ‫في احلكاية التي ُتروى لألطفال‪« ،‬فغايتهم امليكيافيللية تب ّرر الوسيلة»‪.‬‬ ‫م��ن ك��ان‬ ‫يتصور أن شباب ‪ 20‬فبراير سيقتحمون صالوناتهم‬ ‫ّ‬ ‫األدبية‪ ،‬إلزعاج نصوصهم املساملة واملتصاحلة مع العالم‪ .‬هؤالء‪ ،‬ويا‬ ‫للغرابة‪ ،‬ميكنهم أن يستبدلوا وجوها بأخرى في حفل األقنعة الزائف‪،‬‬ ‫وبإمكانك أن تسمعهم يتحدّثون عن فضائل األدب الذي تخ ّلص من‬ ‫دودة االيديولوجيا التي ظهرت في سبعينيات القرن املنصرم وكانوا‬ ‫ميلؤونها بالصراخ‪ ،‬وعن وهم األدب الثوري‪ ،‬ما دام األدب يثور على‬ ‫نفسه باستمرار‪ ،‬وعن خرافة األدب امللتزم ألنه أصال ملتزم باإلنسان‬ ‫في عمقه‪ ،‬سننتبه مع الوقت إلى أن هؤالء ملتزمون فعال باالنخراط‬ ‫في موجات العصر الضاربة‪ ،‬هم رخويات في صالونات الفن املخملي‪،‬‬ ‫وثوريون شرسون مع الشباب أمام مكبرات الصوت وعبر كل الوسائط‬ ‫املتعدّدة‪ ،‬هم بكلمة واح��دة مع الورقة الرابحة ومي ّثلون عصرهم‬ ‫بامتياز‪.‬‬ ‫يتمرم ُد‬ ‫ميكيافيللي املغربي‪ ،‬يقفز على َح ْب َلي األدب والسياسة‪ .‬عندما َ‬ ‫في السياسة يرمتي في َمطهر األدب ع ّله يغسل الرياء ووسخ املناورة‪.‬‬ ‫ينعم بسلطة استثنائية‪،‬‬ ‫وحده دون غيره من الكتاب واألدباء املغاربة َ‬ ‫استمدّها من سلطة السياسة والوزارة واحلزب‪ ،‬جعلته عندما يصدر‬ ‫روايته األولى يستضيف لها نقاد الشرق ليزردوا على مائدته الكرمية‬ ‫ويشربوا ويدوخوا بضيافته‪ ،‬ث ّم يد ّبجوا املقاالت والشهادات بح ّقه‪،‬‬ ‫كأن هذا البلد هم وحدهم يصنعون أدبه وثقافته‪ ،‬وكل هؤالء الذين‬ ‫اختاروا أال يقايضوا بنصوصهم سيتذكرهم املوت وستعرض عظامهم‬ ‫في متحف النسيان املعاصر‪.‬‬ ‫ال يتو ّرع ميكيافيللي املغربي الذي سينعم بتقاعد مريح من أجر‬ ‫االستوازار والبرملان‪ ،‬أن يعطي الدروس مص ّرحا‪« :‬بأن ابتعاد السياسة‬ ‫عن الثقافة خلق سياسة هجينة وسياسيني هجينني»‪ ،‬كأنه كان إضافة‬ ‫نوعية في الثقافة السياسية املغربية العجيبة‪ ،‬وكأن ما أجنزه وأشباهه‬ ‫لم يكن هو الهجانة ذاتها متشي بكعب عال وهي تتثاقف وتتعالم على‬ ‫املغاربة‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬ميكيافيللي املغربي يؤ ّلف مسرحية هزلية سيرا على هدي مع ّلم‬ ‫امليكيافيللية اإليطالي‪ .‬مسرحية فرجوية يستمر عرضها منذ عقود‬ ‫على املغاربة‪ ،‬تتحدّث عن السلطة وتصفها بالوحش بعد أن كانت هي‬ ‫«اجلميلة» في احلكاية اخلرافية القدمية عندما كان وزيرا‪ .‬مسرحية‬ ‫تطرح السؤال على الوحش «شكون أنت؟ في حني لم يسأل ميكيافيللي‬ ‫املغربي نفسه «شكون أنا؟‬ ‫هذا هو األدب امليكيافيللي املغربي‪ .‬أدب املصالح البراغماتي‪ .‬أدب‬ ‫االنقضاض على الفرص‪ .‬األدب الذي يرفع شعار امليكيافيللية‪« :‬ال‬ ‫يجدي أن يكون املرء شريف ًا دائما»‪ ،‬ألن هذا الشرف هو ادعاء لطهرانية‬ ‫غبية‪ ،‬ال تواكب هذا العصر األعمى‪ .‬باب نادي األدب امليكيافيللي مفتوح‬ ‫للجميع‪ ،‬وطلبات االنخراط ُترسل مباشرة إلى املعنيني باألمر‪.‬‬

‫أوسكار نيماير‪ ..‬مهندس أدهش العالم‬

‫القصة املغربية‪ ..‬ما قصتها بالضبط؟‬ ‫ربيعة عبد الكامل‬

‫سعيد بوكرامي‬

‫سعيد رضواني‬

‫محمد قاسمي‬

‫عبد الحميد بوحسين‬

‫فاطمة الرغيوي‬

‫محمد آيت حنا‬

‫بطاقة بيضاء‬

‫األدب املغربي واألفق املفتوح‬ ‫في الوقت الفارط الذي كان فيه ال ّتسييج‬ ‫الشائك على القول األدبي والثقافي‪ ،‬يفتح‬ ‫طريقا سريعا نحو الزنزانة أو اإلقصاء في‬ ‫الزوايا املهملة املظلمة‪ ،‬كان الك ّتاب املغاربة‬ ‫الذين يرفضون حلس عسل السلطة يقومون‬ ‫بلعبة مثيرة لتهريب نواياهم‪ ،‬ملفوفة‬ ‫بالرموز والكنايات واالستعارات‪ ،‬بينما ّ‬ ‫ظل‬ ‫الكثيرون يتزحلقون فوق سطوح األشياء ‪،‬‬ ‫لقد كان ّ‬ ‫الضغط اكثر سمكا وصفاقة سواء‬ ‫من طرف كليان ّية مجهورة أو الحقا ناعمة‬ ‫ومهموسة‪ ،‬جت ّلى ذلك في تدابير متنوعة‪،‬‬ ‫بعضها رسمي‪ ،‬وبعضها يؤول إلى اجلمرك‬ ‫احلزبي ذي العني الثاقبة الذي يوزع‬ ‫التفضيالت من خالل احتكار غير م ّبرر‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬وقد انكسرت قضبان القفص بفعل‬ ‫وعي جديد ونوعي ارتفاقا مع التكنولوجية‬ ‫التواصلية‪ ،‬أصبح في مكنة األدب أن‬ ‫يرتاد آفاقا أكثر عمقا واتساعا‪ ،‬وبات من‬ ‫الضروري التوكيد على أن احلدود باتت‬ ‫مفتوحة دون إزعاج على القيم األكثر تعبيرا‬ ‫عن املستقبل‪ ،‬وهكذا أصبحنا نشاهد أسرابا‬ ‫من الطيور املبدعة حتلق في جغرافيا غير‬ ‫محدودة إ ّال مبا يع ّبر عن رؤيتها األكثر‬ ‫حميمية‪ ،‬وليس من احملق قطعا‪ ،‬في إطار‬ ‫فوران عارم في الرؤى واملشاعر‪ ،‬الزعم‬ ‫بأن هذا التغ ّير نبت كالفطر‪ ،‬إذ هو نتاج‬

‫تراكمات‪ ،‬وثمار شجرة غرست من قبل‪ ،‬ال‬ ‫ميكن بطبيعة احلال مراوغة منطق التاريخ‪،‬‬ ‫وإيقاف حتلحله وتوثباته بالتلبيس‪،‬‬ ‫واإلبداالت التي ال جدوى فيها‪ ،‬وهذا ما‬

‫أصبحنا نشاهد أسرابا من‬ ‫الطيور المبدعة تحلق في‬ ‫جغرافيا غير محدودة إالّ‬ ‫يعبر عن رؤيتها األكثر‬ ‫بما ّ‬ ‫حميمية وليس من المحق‬ ‫قطعا في إطار فوران‬ ‫عارم في الرؤى‬ ‫والمشاعر‬ ‫يفطن إليه ويعيه اجليل اجلديد من الك ّتاب‪،‬‬ ‫الذين يدركون أن نسغ كتاباتهم هو استعادة‬ ‫مجتمعهم وذواتهم عن طريق التملٍ ك‬

‫املعرفي‪ ،‬والتملك اجلمالي من خالل التمتع‬ ‫بفضائل حريتهم الشخصية‪ ،‬وال جدال في أن‬ ‫مسلسل هذه اإلستعادة تتوالى حلقاته من‬ ‫تتحسس مكنون‬ ‫خالل السير الذاتية التي‬ ‫ّ‬ ‫الدواخل وعالئقه‪ ،‬أو الكتابة األدبية ذات‬ ‫الطابع التاريخي التي تريد احلفر باجتاه‬ ‫الغميس واملنسي‪ ،‬أو الشعر الذي يبني‬ ‫فراديسه موسوما برنني الصوت املغربي‪،‬‬ ‫أصبحت التحديات‪ ،‬في ظل وضع كهذا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫متكنت فيه وسائط اإلتصال من انتهاك سر ّية‬ ‫كثير من املخابئ؛أمام الك ّتاب أكثر وعورة‪،‬‬ ‫مما يلزم بوضع كثير من األشياء على احملك‬ ‫في إطار «نقد مغاير» وتوجه للكتابة يلتقط‬ ‫ببصيرة نافذة (الدافعية املضمرة) للتحوالت‬ ‫اجلارية وجتلياتها في مكونات األشخاص‬ ‫ومواقفهم ومواقعهم‪ ،‬إن املغرب بتلويناته‬ ‫ومشاغله وصراعاته‪ ،‬حقائقه وأوهامه‪،‬‬ ‫حراك الناس فيه هو ما يجب أن يكون مدار‬ ‫كتابة أدبية‪ ،‬ذات مدارين أفقي وعمودي‪،‬‬ ‫وذات إشراق‪ ،‬تغتني باحلوار‪ ،‬وتسير نحو‬ ‫األفق املفتوح لتحمل لألجيال القادمة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مشكال في شبكة من الرموز تع ّبر عنه‬ ‫مغربا‬ ‫احمللي إلى‬ ‫بنقل‬ ‫إنساني‪،‬‬ ‫هو‬ ‫مبا‬ ‫موصوال‬ ‫ّ‬ ‫العاملي؛ أال توجد في أدبنا احلالي بعض‬ ‫هذه السمات املبتغاة‪ ،‬ذلك ما يجب على‬ ‫النقد املكلل بغار احلصافة أن يستبينه‪.‬‬

‫أبو يوسف طه‬

‫محمد الشايب‬

‫محمد العتروس‬


‫الملحق الثقافي‬

‫العدد ‪ l 59‬الخميس‪/‬الجمعة ‪ 25/24‬يناير ‪13 2013‬‬

‫نسخة غير ّ‬ ‫منقحة ومنقوصة من ميشيل ويلبيك‬

‫متابعات‬

‫أوريليان بيالجني يصدر روايته األولى «نظرية املعلومات» معتمدا موسوعة ويكيبيديا‬ ‫األخبار‬ ‫الضجة التي رافقت صدور رواية «نظرية املعلومات»‬ ‫في فرنسا‪ ،‬تستحق املتابعة والتأمل‪ ،‬خصوصا أن‬ ‫الروائي الشاب أوريليان بيالجني (‪ 23‬سنة)‪ ،‬ارتبط‬ ‫اسمه منذ البداية باسم روائ��ي معروف وهو ميشيل‬ ‫ويلبيك‪ ،‬إذ انساقت بعض عناوين الصفحات الثقافية‬ ‫إلى مقارنته بصاحب رواية «املنصة» و«إمكانية جزيرة»‪.‬‬ ‫يبدو تأثير الروائي ميشيل ويلبيك واضحا‪ ،‬فأوريليان‬ ‫بيالجني أصدر دراسة عن ويلبيك سنة ‪ 2010‬بعنوان‬ ‫«ويلبيك الكاتب الرومانسي» عن منشورات «ليو شير»‪،‬‬ ‫كما أن اهتماماته الفكرية ال تختلف عن عوالم ويلبيك‪،‬‬ ‫فهو كان طالب دكتوراه سابق في شعبة الفلسفة‪ ،‬لكنه‬ ‫تخ ّلى عن إمتامها وكان موضوعها‪« :‬ميتافيزيقا العوالم‬ ‫املمكنة» باملدرسة العليا للدراسات االجتماعية‪.‬‬

‫هوس جيل «الغيك»‬

‫خمسمائة صفحة هو حجم رواية «نظرية املعلومات»‬ ‫الصادرة عن دار «غاليمار»‪ ،‬أول عمل روائي ألوريليان‬ ‫حتوالت العصر‬ ‫بيالجني الذي حاول فيه أن يقذفنا في‬ ‫ّ‬ ‫التكنولوجية‪ ،‬حتى إننا أحيانا ّ‬ ‫نشك في كوننا نقرأ نصا‬ ‫روائيا أم مج ّرد مرجع أو دليل حول املستحدثات التقنية‪،‬‬ ‫فشخصية باسكال إيختوجني الروائية ال تختلف عن‬ ‫شخصية كزافييه نيل الواقعية‪ ،‬وهو ميلياردير فرنسي‬ ‫معروف‪ ،‬مؤسس أكبر شركات االتصاالت واألنترنت‪،‬‬ ‫وأحد الشركاء في مؤسسة «لوموند» اإلعالمية‪.‬‬ ‫باسكال إيختوجني يشبهه مت��ام��ا‪ ،‬فهو يعلن عن‬ ‫اهتمامه‪ ،‬في سن مبكرة‪ ،‬مبجال املعلوميات ويصبح ثريا‬ ‫في سنّ العشرين‪ ،‬بعد أن كان واحدا من أبناء الضواحي‬ ‫الهامشية‪ .‬باسكال إيختوجني‪ ،‬كما يبينّ اسمه الذي يقلب‬ ‫حروف كلمة ‪ Etranger‬أي الغريب لتصبح ‪،Ertanger‬‬ ‫مي ّثل جيال جديدا مهووسا باملعلوميات والشبكات‪،‬‬ ‫منطلقا من أجهزة «مينيتيل»‪ ،‬التي اخترعتها فرنسا‬

‫ومت القذف بها في مقبرة املستحدثات التكنولوجية‪،‬‬ ‫إلى أجهزة احلاسوب املستوردة سنوات السبعينات من‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬لينتهي به املطاف في النهاية‬ ‫كأحد أباطرة الثورة الرقمية ومبدعيها‪.‬‬ ‫«نظرية املعلومات» التي اعتمدها أوريليان بيالجني‬ ‫هي نظرية كلود شانون العلمية أو املسماة‬ ‫«بخطاطة ش��ان��ون» املساهمة في تطوير‬ ‫علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬رغم ذلك‪ ،‬يرفض‬ ‫أوريليان بيالجني صفة «الغيك» أي ذلك‬ ‫الشخص املنعزل واملهووس مبجال محدد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويفضل أن يل ّقب بـ«العلمي املستاء»‪ .‬رغم‬ ‫يحولنا جميعا‪ ،‬ه��ذا االنفجار‬ ‫ذل��ك‪ ،‬أل��م‬ ‫ّ‬ ‫الكبير للمستحدثات التقنية الذي نعيش‬ ‫كل يوم سباقه نحو األس��واق‪ ،‬إلى «غيك»‬ ‫يصيبنا أي ان��ق��ط��اع لصبيب األنترنت‬ ‫باجلنون؟‬

‫يحكي أوري��ل��ي��ان بيالجني ف��ي ح��وار‬ ‫معه‪ ،‬بأنه كان يشتغل بائعا للكتب‪ ،‬فقرر‬ ‫يوما اعتزال العمل والتف ّرغ لكتابة رواية‪،‬‬ ‫يقول‪« :‬في البداية‪ ،‬لم أكن أفعل شيئا‪ ،‬ولم‬ ‫أك��ن أكتب حتى‪ .‬لذلك قمت بإعادة ق��راءة‬ ‫«الكوميديا البشرية» لبالزاك‪ .‬وكلما أوغلت في القراءة‬ ‫أصبحت معجبا أكثر‪ ،‬فنصحني صديق أن أكتب رواية‬ ‫بالزاكية»‪.‬‬ ‫واق��ع��ي��ة أوري��ل��ي��ان بيالجني جتعله يستلهم اسم‬ ‫شخصية عامة كامليلياردير كزافييه نيل‪ ،‬وحتويله إلى‬ ‫شخصية روائية‪ ،‬أو استحضار شخصيات سياسية‬ ‫كنيكوال ساركوزي‪ ،‬وهي التقنية نفسها التي اعتمدها‬ ‫ميشيل ويلبيك في متنه الروائي‪.‬‬

‫الحاسوب‪ُ ،‬موزَ ٌار جديد‬

‫ُيس ِ ّل ُم جوليو بريسكو‪ ،‬بلهجة اإلنسان العابر‬ ‫«معادل‬ ‫ِّ‬ ‫الطيب‪ ،‬بأنه في يوم ما سيكون لنا ُ‬ ‫هذه التكنولوجيات (أي‪ :‬خوذة تقرأ موجات‬ ‫الدماغ الكهربائية أو رقاقات مزروعة داخل‬ ‫اجلمجمة) في الدماغ‪« .‬ميكن للدماغ أن يرسل‬ ‫رسالة إلى احلاسوب‪ .‬تخيلوا القيام بالعملية‬ ‫نفسها في االجتاه املعاكس‪ ،‬أي من احلاسوب‬ ‫إلى الدماغ‪ ،‬وها نحن لسنا بعيدين جدا عن‬ ‫التخاطر»‪ .‬وعندما ستكون هذه العمليات قد‬ ‫تقدمت مبا فيه الكفاية في عام ‪ ،2030‬حسب‬ ‫جوليو بريسكو‪ ،‬هل ستكون جتربة الواقع‬ ‫االفتراضي حقيقية بحيث لن يعود بإمكاننا‬ ‫متييزها عن الواقع احلقيقي؟ هل سيظهر من‬ ‫هنا ذكاء خارق لدرجة هل سيصير الشعور‬ ‫ب��ال��ـ «أن����ا»‪ ،‬واإلب��داع��ي��ة‪ ،‬وال����روح البشرية‬ ‫باختصار‪ ،‬في متناول اآلالت وليس حصرا‬ ‫على البشر؟ هل ستستطيع احلواسيب في‬ ‫يوم من األيام أن تلحن معزوفات موسيقية‬ ‫للبيانو‪ ،‬وتؤلف كتبا‪ ،‬وتستمتع بقطعة من‬ ‫الفن املعاصر؟ هل سينصه ُر الذكاء العضوي‬ ‫ُ‬ ‫يتساءل الفيزيولوجي‬ ‫في نظيره االصطناعي؟‬ ‫ال��ف��رن��س��ي ج��ان‪-‬دي��دي��ي��ه ف��ن��س��ان ودك��ت��ورة‬ ‫احل��ق��وق جونيفييف ف��ي��رون ف��ي كتابهما‬ ‫«مرحبا إلى اإلنسانية العابرة»‪ .‬في مفترق‬ ‫الطرق بني عاملني‪ :‬عالم أجهزة الكمبيوتر التي‬ ‫تصبح هي نفسها ما‬ ‫تصير أكثر ذكاء إلى أن‬ ‫َ‬ ‫بعد إنسانية‪ ،‬والبشر الذين ُير ُّقونَ أنفسهم‬ ‫ِ‬ ‫اآلالت التي‬ ‫لكي يندمجوا في نهاية املطاف في‬ ‫َ‬ ‫حتميل العقل‪ ،‬أي‬ ‫صمموها هم أنفسهم‪ ،‬جن ُد‬ ‫َ‬ ‫تنزيل وعينا في حامل آخر غير جسدنا‪.‬‬

‫وعي داخل اآللة‬ ‫ٌ‬ ‫مقتنع‪ ،‬مثل بضعة آخرين‪،‬‬ ‫جوليو بريسكو‬ ‫ٌ‬ ‫بأننا «قابلني لالختزال في املعلومات املش َّفرة‬ ‫ف��ي بنية دم��اغ��ن��ا وخ��ص��ائ��ص��ه الفيزيائية‬ ‫والكيميائية»‪ .‬ويرى ما بعد اإلنسانيني َّ‬ ‫أن‬ ‫أخذ نسخة من شخص مما تتلخص في نقل‬ ‫ُ‬ ‫دماغه إلى حامل‬ ‫املعلومات التي يحتويها‬ ‫آخ��ر‪ ،‬إلى حاسوب هائل مثال‪« .‬األم � ُر ُيشبه‬ ‫أن أقرر نقل ملف من هاتفي إلى هاتفك‪ ،‬إال‬ ‫أن امللف هنا‪ ،‬سيكونُ هو أنا‪ .‬أو أنت»‪ُ ،‬يع ِ ّل ُق‬ ‫الباحث بكل بساطة وه��و يمُ ��س� ُ�ك بهاتفني‬ ‫ذكيني‪.‬‬

‫تثليج الدماغ والحياة ثانية‬ ‫يشتغل ب��اح��ث��ون بالفعل م��ن��ذ وق���ت على‬ ‫إع���ادة بناء ال��دم��اغ قطعة قطعة‪ ،‬واخلاليا‬ ‫العصبية واحدة واحدة واملشبكات العصبية‬ ‫واح��دة واح���دة‪ ،‬وصنع دم��اغ افتراضي في‬ ‫ح��اس��وب ع��م�لاق‪ ،‬مثل ف��ري��ق البروفيسور‬ ‫هنري م��ارك��رام‪ ،‬في ال��ـ ‪ ،LFPE‬في العالمة‬

‫املدهش أن هذا الروائي الشاب ال يخفي اعتماده على‬ ‫موسوعة «ويكيبيديا» وال يخجل من االع��ت��راف بأنه‬ ‫بفضل هذه املوسوعة استطاع م��رات عديدة أن يعثر‬ ‫على حلول سريعة لورطاته السردية‪ ،‬وهنا ال ميكننا‬ ‫أن ننسى مع ّلمه الكبير ميشيل ويلبيك ال��ذي اتهمته‬

‫مرئيـات‬

‫ما بعد اإلنسان سنة‬ ‫‪ ..2050‬عندما يصير‬ ‫اإلنسا ُن إنسانا أعلى (‪)3‬‬ ‫س��ل��س��ل��ة م���ن ال��ب��ح��وث ال��ع��ل��م��ي��ة ي��ق�دّم��ه��ا‬ ‫ويترجمها الكاتب والباحث املغربي محمد‬ ‫أس��ل��ي��م ع��ل��ى ح��ل��ق��ات‪ ،‬تنقل ألول م���رة إل��ى‬ ‫العربية على جريدة «األخبار»‪ ،‬حول نظريات‬ ‫ما بعد اإلنسان‪ ،‬فاإلجنازات التكنولوجية‬ ‫ت��غ��زو حياتنا إل��ى ح��د ستخلق معه نوعا‬ ‫بشريا ج��دي��دا‪ .‬ه��ذا ه��و أم��ل أن��ص��ار حركة‬ ‫«اإلنسانية العابرة»‪ ،‬وهي عائلة من الباحثني‬ ‫ورثة اخليال العلمي وق َّناصو اخللود‪ .‬وقد‬ ‫ال��ت��ق��ت مجلة « ‪ »L’Illustré‬ب��أح��د س��ف��راء‬ ‫احلركة‪.‬‬

‫هل هو عصر ما بعد األدب؟‬

‫رواية بالزاكية بلغة موسوعة‬ ‫«ويكيبيديا »‬

‫أفكار‬

‫ترجمة ‪ :‬محمد أسليم‬

‫ويقصفك باملعلومات العلمية والتقنية‪ ،‬كما هو الشأن‬ ‫مع رواية «نظرية املعلومات»‪ ،‬إلى درجة أن بعض النقاد‬ ‫سخر من أوريليان بيالجني واعتبر أنها تشبه السلسلة‬ ‫العلمية الشهيرة «ماذا تعرف؟»‪.‬‬ ‫جريدة «ليبراسيون» الفرنسية عنونت متابعة لها حول‬ ‫رواية بيالجني اجلديدة «هذه الرواية لم يكن لها أن ترى‬ ‫النور من دون «ويكيبيديا»‪.‬‬

‫التجارية املسجلة بتوقيع مشروع الدماغ‬ ‫األزرق‪ .‬ط��م��وح��ه��م ع�ل�اج���ي‪ :‬حت��ق��ي� ُ�ق فهم‬ ‫أفضل لألمراض العصبية وعالجها بشكل‬ ‫أفضل‪ .‬وم��ع ذل��ك‪ ،‬فإمكانيات ه��ذه البحوث‬ ‫التي تظل بعيدة املنال بالنسبة لإلنسانيني‬ ‫العابرين‪ ،‬نظرا لتعقيد الدماغ‪ ،‬جعلت هؤالء‬ ‫يحلمون بها‪ .‬بيد َّ‬ ‫أن معظمهم لن يستطيعوا‬ ‫االستفادة من هذه التطورات التكنولوجية‪.‬‬ ‫فاملراهنة هنا تت ُّم على التجميد‪ ،‬أي على حفظ‬ ‫أعضاء اجلسم في درجات حرارة منخفضة‬ ‫ج��دا‪َ .‬ي ُ‬ ‫كل املعنيونَ بهذا األم��ر أجسادهم ‪-‬‬ ‫أو أدمغتهم فقط ‪ -‬لشركات لتجميد املوتى‬ ‫نشطة جدا في الواليات املتحدة‪ ،‬مثل شركة‬ ‫ألكور ‪ .www.alcor.org‬وبحفظ أنفسهم‬ ‫بعثوا من‬ ‫على هذا النحو‪ ،‬فهم يأملون بأن ُي َ‬ ‫تيح التكنولوجيا ذلك‪ .‬وقد‬ ‫جديد ِط ِ ّبيا يو َم س ُت ُ‬ ‫جم َد خمسة أشخاص كليا أو جزئيا ُجثتهم‬ ‫َّ‬ ‫في شركة ألكور في عام ‪ .2011‬ولكن للتجميد‬ ‫حدود معينة‪ :‬فاألنسجة واألعضاء تفسد بني‬ ‫وق��ت ال��وف��اة وعملية احلفظ‪ .‬في مختبرات‬ ‫م��ؤس��س��ة احل���ف���اظ ع��ل��ى ال���دم���اغ بجامعة‬ ‫ه���ارف���ارد‪ ،‬يعيد ال��ب��روف��ي��س��ور ك�ين هيورث‬ ‫��ور إج��راء‬ ‫األم���ل مل��ا بعد اإلن��س��ان��ي�ين‪ ،‬إذ ط� َّ‬ ‫كيميائيا حلفظ الدماغ على مستوى متناهي‬ ‫الصغر أثبت فعاليته على الفئران‪ .‬ويرى‬ ‫جوليو بريسكو َّ‬ ‫أن «هذا بالفعل هو مفتاح‬ ‫اخللود»‪.‬‬

‫ُ‬ ‫العيش داخل حاسوب‬

‫َيتو َّقع جوليو بريسكو أنه في غضون عشر‬ ‫سنوات س ُيمكن تطوير معادل لهذا اإلجراء‬ ‫اإلكلينيكي خاص بالبشر‪ ،‬لنكون آن��ذاك مع‬ ‫بدايات حتميل العقل الذي يتوقع أن يتم في‬ ‫عام ‪ .2050‬يقول‪« :‬سوف يستطيع اإلنسانُ‬ ‫في مرحلة أول��ى أن يتطور بضع ث��وان في‬ ‫واق���ع اف��ت��راض��ي داخ���ل ح��اس��وب ف��ائ��ق‪ ،‬ثم‬ ‫ستصبح أسعار التكنولوجيا تدريجيا في‬ ‫املتناول‪ .‬وهناك احتمال كبير أال يكون ملعظم‬ ‫الناس في عام ‪ 2100‬إطالقا اجلسد املادي‬ ‫ُ‬ ‫ستعيش نسخة َ‬ ‫منك في‬ ‫الذي نعرفه اليوم‪.‬‬ ‫العالم االفتراضي‪ ،‬وس ُيمكنها حسب رغبتها‬ ‫أن تقتني لنفسها ج��س��دا بيولوجيا‪ ،‬هو‬ ‫النموذج األخير جلسد بيوني أو أن تبقى‬ ‫افتراضية‪ ».‬حتول اإلنسان إلى كائن ما بعد‬ ‫ُ‬ ‫والعيش مثل البرمجيات‬ ‫كائن بيولوجي‪،‬‬ ‫املعلوماتية‪ ،‬ومحاكاة البيئة بتقنيات الواقع‬ ‫االفتراضي – مع ما سينطوي عليه ذلك من‬ ‫مزايا وعيوب‪ ،‬وضرورة النسخ االحتياطي‪،‬‬ ‫والعودة في ال َّزمن‪ ،‬ولكن أيضا سرقة البيانات‬ ‫أو قرصنة ال��ذه��ن‪ :‬ه��ذه ال��رؤي��ة للعالم في‬ ‫مطلع القرن تذكرنا بتلك التي تخيلها كاتب‬ ‫اخليال العلمي األسترالي غريغ إيغان في‬ ‫روايته «شتات عام ‪« .»1997‬إن كنا قادرين‬ ‫على تصنيع عوالم بكائنات ذكية في داخلنا‪،‬‬ ‫فال ميكننا استبعاد أننا أنفسنا كائنات ذكية‬ ‫ُ‬ ‫يالحظ جوليو‬ ‫أنشأها من الصفر أح ٌد ما»‪،‬‬ ‫بريسكو‪ .‬وآن��ذاك سوف يأتي أوان األسئلة‬ ‫املخيفة التي يطرحها ما بعد اإلنسان بالفعل‬ ‫وب��إحل��اح على وال��ده كما يطرحها مخلوق‬ ‫ال��دك��ت��ور ف��ران��ك��ش��ت��اي��ن ع��ل��ى خ��ال��ق��ه‪ .‬كيف‬ ‫نقبل بفكرة مغادرة جسدنا وتغيير طبيعته‬ ‫والتحول إلى كائنات غير مادية؟ وحتى لو‬ ‫سمحت لنا التقنية بذلك‪ ،‬فهل من الضروري‬ ‫أن نقوم بذلك؟ يجيب جوليو بريسكو‪« :‬الكف‬ ‫عن البقاء طفال من أجل التحول إلى بالغ هو‬ ‫أيضا أمر مخيف‪ .‬أنا لست نادما مع ذلك أني‬ ‫ُ‬ ‫أصبحت بالغا‪ .‬وإيقاف عملية التطور العلمي‬ ‫والتكنولوجي اجلارية هو منع طفل من أن‬ ‫يك ُبر»‪.‬‬

‫نبيل منصر‬

‫الصحافة الثقافية سنة ‪ 2010‬بانتحال مقاطع كاملة‬ ‫من موسوعة ويكيبيديا‪.‬‬ ‫لكن ذلك بالنسبة إلى ويلبيك هو تقنية سردية تعتمد‬ ‫معلومات واستشهادات تدعم السرد‪ ،‬وأحيانا يوهمك‬ ‫الكاتب ب��أن رواي��ت��ه تأخذ منحى وأسلوبا توثيقيا‪،‬‬

‫انتقادات كثيرة نشرتها الصحافة الفرنسية الورقية‬ ‫واإللكترونية‪ ،‬أهمها أن هذه الرواية التي قامت مبسح‬ ‫لثالثني سنة من االختراعات العلمية في خمسمائة‬ ‫صفحة‪ ،‬نوع من املبالغة‪ ،‬يقول موقع «ميديا ب��ارت»‪،‬‬ ‫وكلما تقدّمنا في القراءة «كل شيء يبدو «ما بعد» شيء‬ ‫آخر‪ ،‬حتى أننا قد نتساءل ماذا ميكنه أن يخترع أكثر‬ ‫«ما بعديا»؟ رمبا‪ ،‬ما بعد األدب؟»‬ ‫حتاول موجة األدب الويلبيكي أن تستشرف املستقبل‪،‬‬ ‫وأن متنحنا رؤي��ة «كلبية أو سينيك» عن مجتمع ما‬ ‫بعد صناعي تتقدم فيه احلضارة نحو عصر ما بعد‬ ‫للتحوالت‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فرواية بيالجنيه تبدو مثل سجل‬ ‫ّ‬ ‫التي تعيشها فرنسا‪ ،‬منذ ظهور جهاز املينيتيل الفاشل‬ ‫إلى آخر التنظيرات املستقبلية حول مجتمع التواصل‬ ‫اجل��دي��د على األن��ت��رن��ت ‪ ،Web 2.0‬لنلمس خطابا‬ ‫سياسيا واضحا ينتقد احتكار التكنولوجيات احلديثة‬ ‫التي ستهيمن على حياتنا وحتدث انقالبا في سلوكاتنا‬ ‫ورؤيتنا للعالم‪ ،‬بدءا من شركة االتصاالت في فرنسا‬ ‫مرورا بـ«غوغل» و«إيبل»‪.‬‬ ‫حياة بطل الرواية باسكال إيختوجني يختصر تلك‬ ‫ال��ت��ح��والت العميقة ف��ي حياتنا إذ سيصبح‪ ،‬حسب‬ ‫اجلملة األول��ى التي افتتحت ال��رواي��ة‪« ،‬املليارديرات‬ ‫هم بروليتارويو عصر ما بعد اإلنسان»‪« .‬فتدريجيا‪،‬‬ ‫سيتخلى البشر عن حياتهم الدنيوية لصالح رحلة بال‬ ‫حراك «كما تعلن رواية «نظرية املعلومات»‪.‬‬

‫أوسكار نيماير‪ ..‬مهندس أدهش العالم‬

‫روح املُهندس العاملي‪ ،‬البرازيلي أوسكار نيماير‪،‬‬ ‫صعدتْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫إلى السماء‪ ،‬بعد أن نثرتْ أيقوناتها اجلميلة في جميع بقاع‬ ‫تنتصب‬ ‫الكون‪ .‬كل قطعة أرض تشربتْ ندى إلهام نيميار‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فكر ُتها املعمارية في بهاء إشراقي يس ُّر الناظر‪ ،‬و ُيعطي‬ ‫للمكان احتماالته الشعرية التي تصون السر‪ .‬حقيقة‪ ،‬لقد‬ ‫اختبرتْ الوديع ُة املعمارية‪ ،‬جدار َتها الفنية‪ ،‬في خيال‬ ‫ِ‬ ‫جعلت‬ ‫ذهب إلى فانتازيا سحرية‪،‬‬ ‫نيماير اخل�لاق‪ ،‬الذي‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫تنشق عن مخلوقات معمارية نورية تبدو‪ُ ،‬م َج ّللة في‬ ‫األرض‬ ‫بياضها‪ ،‬وكأنها هبطتْ للتو من السماء‪ .‬السح ُر ك ّله ُيسطره‬ ‫ُ‬ ‫خيال ميليار في تصاميم ُمدهشة‪ ،‬متنح البناية كيانا ُيضفي‬ ‫على وضيفتها أبعادا مجازية‪ ،‬تغذي خيال اإلنسان قبل أن‬ ‫تفي جتاهه بالتزاماتها اليومية‪.‬‬ ‫وُ ِل � َد أوسكار نيماير(‪ )1907‬بريو لعائلة بورجوازية‬ ‫من أصول متعددة‪ .‬في شرايينه البرازيلية تتدفق دماء‬ ‫جرمانية وبرتغالية وعربية وإفريقية‪ ،‬لتجعل منه ُملتقى‬ ‫صمها السح ُر الفنتازي للبرازليني‪،‬‬ ‫أصداء ثقافية كونية‪َ ،‬ب َ‬ ‫الذين ُيقبلون على احلياة بنهم ِحسوي إبداعي‪ .‬األلوان‬ ‫املُغتبطة باحلياة ودفئها‪ ،‬تنعكس على خيال تصاميمه‬ ‫املُتفتحة فوق األرض‪ ،‬كزهور أسطورية تتضوع بشذى‬ ‫كوني‪ .‬على امتداد سبعني سنة من العمل الفني الذؤوب‪،‬‬ ‫شارك نيماير في أكثر من ‪ 600‬عمل معماري في العالم‪،‬‬ ‫أغل ُبها ينتصب في شموخ وتواضع‪ُ ،‬يرضي طموح الفنان‬ ‫إلى املجد‪ ،‬لكنه يبقي أيضا على حظه من السر واألفة‬ ‫وال��غ��راب��ة‪ .‬صفات ال تتناقض‪ ،‬ألنها منبثقة من ُصلب‬ ‫ُ‬ ‫يعشق احلياة فوق األرض‪ ،‬لكنه يطوي‬ ‫خيال معماري‬ ‫أنهارها وجبالها وغاباتها بأجنحة تبتعد لتقترب أكثر‬ ‫من اجلوهر‪.‬‬ ‫مباشرة بعد تخرج نيماير من مدرسة الفنون الوطنية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اشتغل في مكتب‬ ‫فرع العمارة‪ ،‬بريو دي جانيرو(‪،)1934‬‬ ‫«لوسيا كوستا» املعماري البرازيلي املعروف بتوجهاته‬ ‫صممني ملبنى‬ ‫الوظيفية الطليعية‪ ،‬ليشارك ضمن فريق املُ ِ ّ‬ ‫وزارة امل��ع��ارف والصحة‪ .‬وف��ي (‪ )1959‬أس��ن� َد رئيس‬ ‫البرازيل «خوسيلينو كوبيتجيك»‪ ،‬إلى صديقه (نيميار)‪،‬‬ ‫ُمهمة اإلشراف على بناء العاصمة اجلديدة برازيليا‪ ،‬التي‬ ‫أبدعَ تصاميمها زميله «لوسي كوستا» ‪ .‬تلك كانتْ مناسبة‬ ‫نيماير ليبتكر تصاميم أغلب املباني العامة‪ ،‬ومنها‬

‫نزهة المشتاق‬ ‫في اختراق اآلفاق‬

‫قصر الفارادو‪ ،‬ومبنى الكونغرس الوطني‪ ،‬وكاتدرائية‬ ‫متروبوليتان‪ ،‬واملتحف الوطني للفن املعاصر‪...‬وفي كل‬ ‫م��رة ك��ان التصميم يجنح للخروج عن األط��ر املعمارية‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬ليستقر في فكرة شعرية خالقة بإيحاءات‬ ‫بخيال يتجاوزها‬ ‫مجازية متعددة‪ ،‬حتتضن الوظيفة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بفيضه الكرمي‪.‬‬ ‫فعمر األرض بدهشة‬ ‫عاش نيماير أكثر من مائة سنة‪ّ ،‬‬ ‫سمح ملوهبته‬ ‫معمارية ال ُتخطئها العني‪ .‬هذا العُ مر الطويل‬ ‫َ‬ ‫بالتمدد أكثر ف��ي ال��زم��ان‪ ،‬لتنتزع قبضتها م��ن مجهول‬ ‫األشكال‪ .‬الفكر ُة املِعمارية تش َّربتْ أيضا نسغ الزمن للتمرد‬ ‫ُ‬ ‫متكث فوق األرض بقوتها الذاتية‬ ‫على قانونه بإداعات‬

‫تأمـالت أمريكيـة‬

‫الهامش‪ ،‬في الهامش‪ ،‬وهي تتابع وتراقب‬ ‫وتضبط‪..‬‬ ‫ي��ج��رب��ون وه���م ي��ح��ق��ن��ون ب��امل��زي��د من‬ ‫اجلرعات‪ ..‬ال ألم‪..‬ابتسامة وهدوء‪ ..‬ويتم‬ ‫تفتيت الطرائد بصورة يستحيل جتميع‬ ‫أطرافها‪..‬‬ ‫>>>>>‬

‫خالد سليكي‬

‫ترى اجلميع وال ترى أحدا‪ .‬نصف عقلك‬ ‫ملوث بالذاكرة الرهيبة والنصف اآلخر‬ ‫لوثته األقنعة‪..‬بينهما الوهم‪ .‬يضيع منك‬ ‫فهمك الواضح للواقع‪ ..‬فكرتك عنه مجرد‬ ‫حقائق ال معنى لها‪ ..‬ولن يسعفك في فهم‬ ‫ما يدور من حولك‪..‬‬ ‫عن أي واقع ميكنك أن تتحدث؟ وكيف‬ ‫ينبغي لك أن تتحدث عنه؟ ثم ملاذا؟‬ ‫>>>>>‬

‫منذ أن تسقط رأسك على هذه األرض‬ ‫أو تضع قدمك عليها‪..‬سيان‪ ..‬تتعلم أنك‬ ‫وحدك‪ ،‬وعليك أن تتدبر أمرك‪ ،‬وعليك أن‬ ‫تتخلص من كل شيء‪ .‬خذ املبادرة‪ .‬اختر‬ ‫حياتك أو م��وت��ك‪ .‬ق��ل‪ .‬ال تقل‪ .‬ل��ك حياة‬ ‫ينبغي أن تنهيها ف��ي صمت وه���دود‪..‬‬ ‫ثمة جهة واحدة تتكفل برفع األصوات‪..‬‬ ‫الصخب ليس ملكا لكل أحد‪..‬وإذا لم تكن‬ ‫قادرا فثمة من ينوب عنك‪..‬‬ ‫>>>>>‬

‫ي��ت��م إغ������راق ال��ع��ال��م ب��ال��ت��ص��ري��ح��ات‬ ‫امل��ت��ض��ارب��ة‪ .‬ف��ي الظاهر ي��ب��دو تناقضا‬ ‫وخلبطة للساسة والسياسيني األمريكيني‪.‬‬ ‫إنه عصف ذهني ماكر وذكي ومخادع‪،‬‬ ‫يشرك اجلميع ويتم إلهاء الكل‪ ،‬غير أن‬ ‫األه���م ال ي��ق��ال‪ ..‬وال ي��ع��رف‪ .‬الكواليس‬ ‫وامل��خ��ت��ب��رات تشتغل ف��ي ص��م��ت‪ ،‬على‬

‫ا ُملتجددة‪ .‬لقد ع��اش نيماير أحداثا تاريخية كبرى على‬ ‫َ‬ ‫وعرف كيف َيحمي عُ مقا ه َّربه حتت‬ ‫امتداد القرن العشرين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫سقط وطنه البرازيل في أيدي حكم‬ ‫جلده إلى أوروبا‪ ،‬بعدما‬ ‫العسكر‪ .‬ولم تكن شيوعية نيماير‪ ،‬متناقضة مع خياله احلر‪،‬‬ ‫الذي يعكف على املادة املعمارية برفق ومحبة يجعالنها‬ ‫ُمحاورة لعمق أبدي‪.‬‬ ‫من منفاه األوروبي‪ ،‬دشن نيماير‪ ،‬في الواقع‪ ،‬طورا آخر من‬ ‫مغامرته املعمارية‪ ،‬بفرنسا وإسبانيا واجلزائر والعراق‪...‬‬ ‫بعد أن كان واحد من أح َد عش َر ُمهندس معماري‪ ،‬شاركوا‬ ‫في تصميم مبنى األمم املتحدة‪ ،‬على ضفاف النهر الشرقي‪.‬‬ ‫وعلى امتداد جتربته الطويلة‪ ،‬أبدا نيميار حيوية معمارية‬ ‫ال تستكني لغير اإلبداع والدهشة‪ .‬لقد اتخذ مثال تصميمه‬ ‫لكاتدرائية متروبوليتان هيئة أذرع منحنية‪ ،‬مشدودة دائريا‬ ‫للسماء على نحو يوحي بالتهجد‪ ،‬في نوع من جدل األرض‬ ‫والسماء‪ ،‬وتوحي في منظرها العام بزهرة خرافية مشدودة‬ ‫للروحي‪ .‬أما متحف برازيليا فيتخذ شكل صحن كبير‪ ،‬ينفتح‬ ‫وجهه على السماء‪ ،‬فيما تقف قاعدته على‬ ‫جذع دائري سميك في ليونة وانسيابية‪ ،‬وتخترقه من جهة‬ ‫البطن طريقان طويلتان‪ ،‬مشدودتان بقاعدتني إسمنتيتني‪،‬‬ ‫عبرهما تظهر جبال وم��ي��اه‪ .‬بينما مقر احملكمة العليا‬ ‫فهو عبارة عن بناية زجاجية شفافة‪ ،‬تربض داخل إطار‬ ‫مفتوح‪ ،‬يقف على أذرع متباعدة منحنية‪ ،‬وأمامها جتلس‬ ‫امرأة باستقامة على عرشها‪ ،‬فيما يبدو رامزا للعدالة‪ .‬أما‬ ‫القصر الرئاسي الفارادو فيتقدمه عمو ُد يشبه مسلة‪ ،‬بعده‬ ‫جوف شبه بيضوي‪ ،‬خلفه تنتشر‬ ‫يتمدد شكل معماري ُم َّ‬ ‫بناية ذات علو منخفض‪ ،‬تتقدمها أقواس متجاورة‪ ،‬وهو‬ ‫يوحي بالنبالة ويعطي إحساسا باالطمئنان‪.‬‬ ‫استلهم أوسكار نيماير فنه املعماري من طبيعة بلده‬ ‫وحيوية شعب البرازيل‪ .‬لقد و َّقع دائما قصيدته املعمارية‬ ‫ذات االن��ح��ن��اءات السحرية‪ُ ،‬مستلهما مشاهد اجلبال‬ ‫وتعرجات األنهار وانبساط البحر وفورة األمواج‪ ،‬فضال‬ ‫عن جمال املرأة البرازيلية ودقة منحنياتها‪ ،‬دون نسيان ما‬ ‫علق بروح الفنان من نسوغ تكوينية بعيدة‪ ،‬ضاربة الغور‬ ‫في امليثولوجية الشخصية للمهندس‪ .‬لقد أبدع أوسكار‬ ‫نيماير فأدهش العالم‪ ،‬واستحق جائزة بريتزكر(‪،)1988‬‬ ‫صنو «نوبل» في مجال الهندسة املعمارية‪ .‬يحقق للبرازيل‬ ‫إذن أن تعلن حدادا رسميا ملدة سبعة أيام‪ ،‬لوفاة هذا املبدع‬ ‫االستثنائي‪.‬‬

‫يفتخر العرب‪ ،‬املهاجرون‪ ،‬مبا الينبغي‬ ‫لهم أن يفتخروا به‪ .‬العالقات االجتماعية‬ ‫والتكافل‪..‬‬ ‫ال أع��رف من جيراني إال القليل منهم‪،‬‬ ‫ومن أعرفه أتبادل وإياه التحية‪ .‬ال أحد‬ ‫يتدخل في شؤون اآلخر‪ .‬ولست مضطرا‬ ‫ألن تساعده على معرفة حدود حريته!!‬ ‫كنت أقطن في عمارة‪ ،‬في املغرب‪ ،‬ملدة‬ ‫‪ 52‬سنة‪ .‬ثمة جيران لم نتبادل حتى سالم‬ ‫األعياد اإلسالمية!‬ ‫ماذا نسمي هذا؟‬ ‫أجمل ما في بلداننا قد فقدناه أو في‬ ‫الطريق إلى افتقاده‪.‬‬ ‫اجلار إما أن يكون صديقك بال حدود أو‬ ‫عدوك بال حدود‪.‬‬ ‫صديقك تبادله حتى مالبسك الداخلية‪،‬‬

‫أو عدوك فيستعمل كل الوسائل إليذائك‪..‬‬ ‫إن لم يستطع بالضجيج ليال‪ ،‬أو قطرات‬ ‫فبدِ يك يؤذن عليك كل فجر‪..‬‬ ‫املاء العادم‪ِ ،‬‬ ‫>>>>>‬

‫للجهل م�لام��ح واح���دة يتقاطعها كل‬ ‫اجل��ه��ل��ة‪ ،‬وف���ي ك��ل امل��ج��ت��م��ع��ات‪ .‬ال ف��رق‬ ‫بني عربي وأمريكي‪ ..‬لكن الهجرة تعمق‬ ‫امل���أس���اة وجت��ع��ل امل��ه��اج��ر ص���ورة حية‬ ‫ملسرحة من��ط م��ن ال��وع��ي امل��ض��اد‪ .‬فيتم‬ ‫متجيده على شاكلته‪ ،‬م��ن خ�لال خلق‬ ‫ظ��روف تواجده‪ ،‬ل ُيغ َّرب أكثر ويدفع به‬ ‫إلى مناطق يصبح فيها خطرا على ذاته‬ ‫قبل اآلخرين‪..‬‬ ‫ه��ك��ذا ت��ت��م ع��م��ل��ي��ة ص��ن��اع��ة «ال���ع���زل»‬ ‫و«االستئصال»!!!‬ ‫>>>>>‬

‫أش��د ال��وح��وش ش��راس��ة‪ ،‬يتم قنصها‬ ‫بطلقات م��خ��درة‪ ..‬تبدو ل��ك هائجة‪ ،‬ثم‬ ‫تراقب عن بعد‪...‬تتهاوى وتسقط‪ .‬ال هي‬ ‫ميتة وال هي حية‪ُ ..‬يفعل بها ما شيء‬ ‫وتلصق بها شريحة لرصدها عن بعد‪..‬‬ ‫ثم تطلق في األدغال‪..‬أدغالها هي‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫ع��ص��ر اجل���ي���ن���وم‪ !...‬م����اذا ت��ب��ق��ى من‬ ‫احلرية!؟‬ ‫>>>>>‬

‫ي��ب��دو ال��ن��ظ��ام أخطبوطيا ومطاطيا‪،‬‬ ‫ويبدو قابال لالختراق والسيطرة‪ ..‬يوهم‬ ‫اآلخرين بذلك‪ ..‬لذلك يروج لفكرة نهاية‬ ‫الهيمنة‪ ،‬ونهاية الرأسمالية‪ ..‬وقد نسي‬ ‫اجلميع أنه مت اإلعالن‪ ،‬من هنا‪ ،‬عن «نهاية‬ ‫التاريخ» و «صدام احلضارات»‪..‬‬ ‫الفهم اجلديد جت��اوز منطق األبيض‬ ‫واألسود‪...‬‬ ‫>>>>>‬

‫قرأت هذا النص‪« :‬إن النساء ينتفضن‬ ‫باالنتحار أو الغناء»‬ ‫ال��ش��اع��ر األف��غ��ان��ي‪ ،‬سيد ب��ه��اء الدين‬ ‫مجروح‪.‬‬ ‫ذك��رن��ي ك��ت��اب «ك��ت��ب��ي ك��اب��ول» بكتاب‬ ‫جيرالدين بروك عن املجتمعات اإلسالمية‬ ‫الشرقية‪..‬‬ ‫حني يكتب اآلخر عنا فإنه ‪-‬بعيدا عن‬ ‫اخللفيات‪ -‬يسلط األضواء على جوانب‪،‬‬ ‫غالبا‪ ،‬ما نعتبرها ع��ادي��ة‪ ،‬لكنها هامة‬ ‫وحبلى بالدالالت‪..‬‬ ‫ف��امل��رأة قضية القضايا‪ .‬ذك��رن��ي هذا‬ ‫الكتاب بكل املشاهد التي عاينتها في‬ ‫حياتي‪ ...‬تذكرت بعض النساء اللواتي‬ ‫تزوج رجالهن بنساء أخريات‪ ..‬والدموع‪..‬‬ ‫ومدى القهر الذي عانينه‪..‬‬ ‫لعل أخطر عنف ميارس على املرأة هو‬ ‫زواج الرجل بامرأة ثانية‪....‬‬ ‫أح���ب ال��ق��ان��ون األم��ري��ك��ي ال����ذي ي��زج‬ ‫بالرجل‪ ،‬إذا ما خولت له نفسه أن ميارس‬ ‫هذا اإلجرام‪ ،‬في غياهب السجن‪...‬‬ ‫أمت��ن��ى‪ ،‬ف��ي ال���ب���دء‪ ،‬أن حت��ق��ق امل���رأة‬ ‫العربية‪/‬اإلسالمية ما حققته نظيرتها‬ ‫األمريكية‪ ..‬ثم يكون احلديث عن البقية‪!..‬‬ ‫األمريكي إذا كتب‪ ،‬فإنه ال يكتب إال بحثا‬ ‫عن مركزيته واختالفه؟!‬ ‫كاتب وباحث مغربي مقيم بأمريكا‬


‫‪14‬‬

‫العدد ‪ l 59‬الخميس‪/‬الجمعة ‪ 25/24‬يناير ‪2013‬‬

‫الملحق الثقافي‬

‫القصة املغربية‪ ..‬ما قصتها بالضبط؟‬

‫دريئة العدد‬

‫إعداد ‪ :‬عبد الوهام سمكان‬

‫القصة املغربية‪ ،‬ما قصتها بالضبط؟ هل هناك فعال قصة مغربية؟ وملاذا‬ ‫كل هذا الضجيج الذي يرافق مسارها من داخلها ومن خارجها؟ وما س ّر‬ ‫فوضى التجنيس الذي يرافقها؟ وهل القصة القصيرة جدا هي فعال اختيار‬ ‫سردي أم أنها ليست أكثر من استسهال؟ وما س ّر ملتقيات القصة ومقاييس‬ ‫اختيار املشاركني فيها؟‬

‫محمد يحيى قاسمي ‪ :‬فوضى التجنيس في القصة‬ ‫القصيرة باملغرب‬

‫منذ سنة ‪ ،1947‬تاريخ صدور أول عمل قصصي – من وجهة نظرة‬ ‫بيبليوغرافية ‪ -‬إلى اآلن‪ ،‬وصل عدد املجموعات الصادرة باملغرب إلى‬ ‫تنوعت جتنيساتها تنوعا لم تشهده باقي األقطار العربية‪.‬‬ ‫‪ 616‬مجموعة ّ‬ ‫تعدّدت جتنيسات املجموعات القصصية املغربية وتنوعت ليس‬ ‫انطالقا من مجاورتها ألجناس أدبية أخرى ولكن داخل جتنيس واحد‪.‬‬ ‫وقد وصل عدد التجنيسات إلى ‪ 94‬جتنيسا للقصة املغربية‪ ،‬ميكن‬ ‫اختزالها في احلقول التالية ‪ :‬إبداع ‪ -‬حكي – خواطر ‪ -‬سرد ‪ -‬قص‬ ‫– مذكرات – نص‪ .‬‬ ‫قص التجنيسات التالية ‪:‬‬ ‫تتفرع عن حقل فعل ّ‬ ‫أقاصيص (باإلفراد واجلمع) – أقاصيص أندلسية ‪ -‬أقاصيص قصيرة‬ ‫– قصص بصيرة ‪ -‬قصص جتريبية – قصص ثرثارة ‪ – -‬قصص قصيرة‬ ‫– قصص قصيرة جدا ‪ -‬نصوص قصصية – ورشة قصصية‪.‬‬ ‫وتتفرع عن حقل فعل حكى التجنيسات التالية ‪ :‬حكايات – محكي –‬ ‫محكيات –‪ ‬‬ ‫وتتفرع عن حقل فعل سرد التجنيسات التالية ‪ :‬‬ ‫متون سردية ‪ -‬منظومات سردية في العشق والوجود‪ -‬نصوص سردية‪ ‬‬ ‫وتتفرع عن حقل فعل روى التجنيسات التالية ‪ :‬رواية قصصية‬ ‫وتتفرع عن حقل فعل ذكر التجنيسات التالية ‪ :‬تذكرات‬ ‫وتتفرع عن حقل فعل نص التجنيسات التالية ‪ :‬نصوص بتنورات قصيرة‬ ‫ نصوص بدون هوية ‪ -‬نصوص ساخرة – نصوص بالتناص‪-‬‬‫ونضيف جتنيسات أخرى مثل ‪ :‬أعمدة ‪ -‬ترحاالت مفتوحة‪ -‬منظومات‬ ‫ هلوسات – سيناريو‪.‬‬‫تتفاوت التجنيسات املرصودة من ناحية الكم إذ يحتل جتنيس قصص‬ ‫املرتبة األولى ثم يليه جتنيس قصص قصيرة فتجنيس قصص قصيرة‬ ‫جدا ثالثا فجنس قصة رابعا‪.‬‬ ‫غياب التجنيس عن كثير من األعمال القصصية دون أن يفسر ذلك بأنه‬ ‫ثورة على نظرية األجناس األدبية ‪.‬‬ ‫جنست كثير من األعمال نفسها بجنس القصة خاصة في العقود األولى‬ ‫من القرن املاضي‪ ،‬وهو أمر ال عالقة له بالقصة القصيرة‪ .‬واملالحظ أن أغلب‬ ‫الذين جلئوا إلى هذا التجنيس هم من اجليل القدمي‪ .‬بل وصل حد التمسك‬ ‫بهذا التجنيس إلى األعمال النهرية أو املسلسلة ‪.‬‬ ‫توزع النقد املوازي للقصة املغربية نفسه عبر جتنيسات متعددة‪.‬‬ ‫النساء أقل جرأة من الذكور في مسألة التجنيس‪.‬‬ ‫أغلب اإلشكاالت املطروحة مردها –في نظري‪-‬إلى أربعة أمور أساسية‬ ‫هي ‪ :‬‬ ‫* أوال ‪ :‬غياب الوعي النظري لدى كتابنا وخاصة املبتدئني منهم بقضية‬ ‫األنواع األدبية ‪.‬‬ ‫* ثانيا ‪ :‬غياب جهاز نقدي متمكن يضبط الفوضى السائدة في قضية‬ ‫التجنيس دون أن يعني ذلك فرض قيود على املبدع ‪.‬‬ ‫* ثالثا ‪ :‬مشاكل النشر باملغرب ومتاعبه ‪.‬‬ ‫* رابعا ‪ :‬الهواية الطاغية على كتاب القصة‪ ،‬واألدب بصفة عامة باملغرب‪،‬‬ ‫ألن الكاتب احملترف حريص على تتبع عمله في كل مراحله من الرقن إلى‬ ‫اختيار العتبات إلى التجنيس إلى ثمن الكتاب إلى التسويق إلى القراءة ‪.‬‬

‫سعيد بوكرامي‪ :‬القصة القصيرة جدا مجملها‬ ‫مجرد تمارين إنشائية‬ ‫القصة القصيرة الناجحة جنس أدبي متمنع ومحصن ال يستطيع دخول‬ ‫حدائقه إال كاتب بارع‪ .‬والقصة املغربية الناجحة قليلة جدا‪ ،‬وميكن عدّها‬ ‫على أطراف األصابع‪ .‬وحتى كتاب القصة املغاربة الكبار لديهم قصصهم‬ ‫الناجحة وهي ضمن أرشيفهم األدبي عالمات فارقة قد تغنيهم عما تبقى من‬ ‫قصص أخرى‪ .‬ونادرا ما جند قاصا مغربيا يبرع في مجمل قصصه‪ ،‬فتجده‬ ‫من مشروع قصصي إلى آخر‪ ،‬يشيد حدائق بابل بأناة ووعي وبراعة‪ .‬‬ ‫القصة املغربية قليلة‪ ،‬وكتابها كذلك‪ ،‬ونحن نريد لها أن تغزو كل املنابر‪.‬‬ ‫طبعا يجب أن يقوم النقد األدبي بدوره كي يقودنا إلى األلوان بدل عمى‬ ‫األلوان‪ .‬وأمتنى من النقاد أن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية ويخرجوا من‬ ‫دوائر اإلخوانيات‪ ،‬ألن هناك أسماء في القصة املغربية تستحق االهتمام‪.‬‬ ‫أما القصة املغربية القصيرة جدا فأغلبها محاوالت للتمرس على كتابة‬ ‫القصة القصيرة‪ .‬وهي في مجملها ‪ -‬إال ما قل‪ -‬مجرد متارين إنشائية‪ ،‬قد‬ ‫تكبر وتشب‪ ،‬لتصبح كتابة قصصية احلقيقية‪ .‬‬ ‫وبخصوص املهرجانات أو اللقاءات املخصصة للقصة القصيرة‪ ،‬فمقارنة‬ ‫بدول أخرى فاملغرب ال توجد فيه إال مهرجانات األغنية والصناعة التقليدية‪،‬‬ ‫بينما املهرجانات األدبية فعزيزة املنال وحتى وإن وجدت فهي تهتم بأشياء‬ ‫أخرى غير األدب‪.‬‬

‫محمد الشايب‪ :‬القصة‪ ‬تعاني الكثير‬ ‫من األمراض الخاصة‬

‫هذا اجلنس األدبي‪ ،‬يتطور بوتيرة متسارعة‪ ،‬فعدد اإلصدارات تتزايد‬ ‫باستمرار‪ .‬كل هذا يجعل من القصة الصغيرة في املغرب‪ ،‬اجلنس األدبي‬ ‫األكثر حضورا من خالل عدد األندية وامللتقيات واملهرجانات‪ .‬وأعتقد‬ ‫أن القصاصني املغاربة استطاعوا أن يؤسسوا لقصة مغربية‪ ،‬بلغتها‬ ‫وفضاءاتها وشخوصها وأحداثها‪ ،‬ولها خصائصها التي متيزها عن‬ ‫القصة في الشرق أو في الغرب‪ ،‬إن كتابا كبارا كمحمد زفزاف وادريس‬ ‫اخلوري ومحمد شكري وأحمد بوزفور‪ ،‬استطاعوا أن يجعلوا القصة‬

‫ربيعة عبد الكامل‬

‫ميكن كنت والو‬ ‫وعطاوني سمية‬ ‫مي��ك��ن ن��ك��ون «ك���اب���وس» لشي‬ ‫واحد وأنا باقي ما كاينش‬ ‫ميكن كنت حرف على الورقة‪...‬‬ ‫ومتحيت‬ ‫ميكن كنت سطر مح َّرز‬ ‫ومل��ا عرفو س � ّري ‪ ،‬ما بقيتش‬ ‫كاين‬ ‫<<<<<‬

‫ميكن يد وبال بصمة‬ ‫ميكن شي خيال ومحاه الضو‪..‬‬ ‫‪ ..‬ميكن‬ ‫ميكن ‪.. .. ..‬‬ ‫ميكن أنا كذبة ‪ ..‬أنا ما كاينش‬ ‫أن��ا كثير ب��ال��زاف ‪ ...‬ه��ي ما‬ ‫كاينش‬

‫عبد الحميد بوحسين‬

‫محمد آيت حنا‬ ‫فاطمة الرغيوي‬

‫محمد قاسمي‬

‫محمد العتروس‬

‫القصيرة تتكلم لغة مغربية‪ ،‬وعلى هذا الدرب سار كتاب الحقون‪.‬‬ ‫ورغم ما حققته القصة القصيرة من تطورات‪ ،‬فهي تعاني الكثير من‬ ‫األم��راض اخلاصة‪ ،‬حيث تعددت التجارب وس��ادت فوضى عارمة على‬ ‫مستوى النشر‪ ،‬خاصة االليكتروني‪ ،‬وعلى مستوى التجنيس تعددت‬ ‫املسميات وضاع اإلبداع في بحر االستسهال واإلخوانيات واملجامالت‪،‬‬ ‫كثر الضجيج‪ ،‬ولم يتحمل النقد مسؤوليته‪ ،‬وظل غائبا‪ ،‬وحضوره في‬ ‫الغالب يأتي مرتديا ألوان املجاملة والصداقة‪ ،‬ولم تنج امللتقيات القصصية‬ ‫من هذه اآلفة ‪.‬‬ ‫عرفت اآلونة األخيرة‪ ،‬ظهور مبدعني استطاعوا رسم مسارهم الفني‬ ‫الرفيع‪ ،‬ونال بعض النقاد الشباب االحترام نظرا ملنجزاتهم الرصينة‪،‬‬ ‫ومتيزت بعض امللتقيات القصصية عن سواها ألنها سلكت طريق نكران‬ ‫الذات وخدمة اإلبداع‪.‬‬

‫ربيعة عبد الكامل‪ :‬أغلب القصص عبارة عن أخبار‬ ‫أو نكات أو كتابات شذرية‬ ‫ال ميكن للمتتبع أن ينكر أن القصة القصيرة في املغرب‪ ،‬خالل السنوات‬ ‫األخيرة‪ ،‬عرفت تراكما كميا ملحوظا صاحبته متابعات نقدية حاولت متثل‬ ‫هذا الواقع و حتليله‪.‬لكننا ال ميكن أيضا أن ننفي بعض هفوات هذا‬ ‫اإلنتاج نذكر بعضها‪:‬‬ ‫النقد القصصي مطبوع باملجامالت واحملاباة ويبتعد عن املوضوعية‪،‬‬ ‫بل إن أغلب النقاد هم قصاصون إما يكتبون عن أنفسهم أو عن أصدقائهم‪.‬‬ ‫غياب متثل واضح ملفهوم القصة القصيرة جدا عند الكثير من القاصني‬ ‫املغاربة‪ ،‬حيث أن أغلب القصص القصيرة جدا‪ ،‬هي إما عبارة عن أخبار‬ ‫أو نكت أو كتابات شذرية بعيدة عن مقومات القصة القصيرة‪.‬‬ ‫امللتقيات واللقاءات التي تعنى بالقصة تكرر نفس األسماء‪ ،‬ويصبح‬ ‫القصاصون خالل السنة رحال ينتقلون بني املدن‪ ،‬ينصبون خيام الفرجة‬ ‫لالحتفاء مببدع أو مبدعة‪ ،‬غالبا ما يعتذر عن احلضور‪ ،‬ويعتذر معه‬ ‫أصدقاؤه النقاد‪ ،‬ويعتذر اجلمهور كذلك‪ ،‬ليتحول امللتقى إلى مجرد جلسة‬ ‫بني األصدقاء يستمعون إلى قصص بعضهم‪.‬‬ ‫لكن ال ميكننا أن ننفي كذلك أنه وسط هذا الضجيج القصصي هناك‬ ‫جتارب قصصية متألقة ملبدعني جتعلنا نصوصهم نقر أنه ثمة نور خافت‬ ‫وقوي وصادق يطمئننا أن القصة املغربية الزالت بخير‪.‬‬

‫فاطمة الزهراء الرغيوي‪ :‬لماذا نضع القصة في‬ ‫قفص االتهام؟‬ ‫أفضل أن أجيبك بسؤال يبدو لي بديهيا‪ ،‬ملاذا نناقش وجود وشكل القصة‬ ‫املغربية كأننا نضعها في قفص االتهام؟‬ ‫يبدو لي أن اجل��واب ال يكمن في الكم املوجود (باختالف التسميات‬ ‫أو التجنيس)‪ ،‬وال في دفاعنا اجلاهز عنها بصفتنا كتاب قصة إذ إننا‬ ‫متحيزون ملا نكتب بالضرورة‪ .‬أظن أن اجلواب يكمن في الغياب املؤسف‬

‫سعيد رضواني‬

‫للنقد الفعال الذي ميكنه وحده أن يجنس النصوص ويصنفها‪ .‬فمهمتي‬ ‫ككاتبة ليست التصنيف بقدر ما هي مهمة الكتابة في حد ذاتها‪ .‬هنا‬ ‫نالحظ الدور اخلافت للجامعيني‪ ،‬أساتذة وطلبة‪ ،‬في متابعتهم للمشهد‬ ‫األدبي املغربي مبا يليق من دراسة ونقد باستثناء بعض املتابعات القليلة‬ ‫مثل سلسلة جتارب إبداعية اخلاصة بطلبة شعبة اللغات باملدرسة العليا‬ ‫لألساتذة مبرتيل والتجربة الرائدة ملجموعة البحث في القصة القصيرة‪.‬‬ ‫أما احلديث عن ملتقيات القصة‪ ،‬فهو حديث ذو شجون‪ .‬إذ إننا في غياب‬ ‫مؤسسات وجهات قادرة على تنظيم ملتقيات دورية يكون لها تأثير وازن‬ ‫في املشهد الثقافي الوطني (وخارج الوطن)‪ ،‬نكتفي مبا سأسميه «ملتقيات‬ ‫هاوية»‪ ،‬ال توثق أشغالها وال حتدث تغييرا إيجابيا في املشهد القصصي‬ ‫لكنها فرصة للتعرف على جتارب إبداعية متنوعة‪.‬‬

‫سعيد رضواني‪ :‬القصة آللئها تضاهي‬ ‫روائع القصص العالمية‬ ‫القصة املغربية نضجت وتشكلت هويتها وكل طعن في هذا أعتبره مجرد‬ ‫لغو قد يجد من يهلل له لكن حتما لن يجد القوة للصمود طويال في وجه‬ ‫احلضور الناضج والقوي للقصة املغربية‪ .‬وفقا لتصوري يستحيل تقدمي‬ ‫مالمح قصصية محددة تتقاطع فيها كل التجارب القصصية‪ ،‬ذلك أن كل‬ ‫قاص (وأقصد هنا أساتذة هذا اجلنس األدبي) يعتبر مختبرا حقيقيا‬ ‫ينحو نحو تقطير نصوصه املتفردة التي ال تعدم الروح املغربية‪ ،‬لكنها‬ ‫تنأى عن تقليد ومحاكاة جتارب غيرها‪ .‬أصبحت قصة «القصة املغربية»‬ ‫مثل قصة طائر السيمورغ‪ ،‬كيانها الشمولي في تعددها الالنهائي‪.‬‬ ‫القصة املغربية فسيفسائية الشكل واملضمون‪ ،‬اجترحت لنفسها مكانة‬ ‫مرموقة رسخها جيل الرواد في حقل الكتابة السردية‪ .‬إنه تناغم االختالف‬ ‫ال��ذي متح من تضاريس جغرافية متنوعة في مغرب متعدد الثقافات‬ ‫ومتنوع التقاليد واملرجعيات الفكرية والعقائدية‪ ،‬حتى بتنا قادرين على‬ ‫حتديد خصائص القصة عند كل قاص‪ ،‬سواء كان من جيل التأسيس‬ ‫والتأصيل‪ ،‬أو من جيل التجريب أو من اجليل احلالي‪ ،‬وقاصرين عن‬ ‫حتديد مالمح القصة املغربية التي باتت هويتها فضفاضة دفعت بالبعض‬ ‫إلى االعتقاد بأنها تعاني أزمة هوية‪ .‬األمر الذي أعزوه إلى حيويتها‬ ‫وزئبقيتها نتيجة اختالف طرائق سردها‪ .‬وأظن أنها اليوم بعيدة كل البعد‬ ‫عن النمطية‪ ،‬لها آللئ تضاهي روائع القصص العاملية‪ ،‬شكال ومضمونا‪.‬‬ ‫أما االحتفاء الذي يرافق القصة املغربية اليوم يجب أن تزداد وتيرته‪ ،‬شرط‬ ‫احلرص كل احلرص على عدم نسيان اجلوهري وهو انتاج ابداعات قيمة‬ ‫وعدم االهتمام بالعرضي أي صناعة النجوم واألسماء‪.‬‬

‫عبد الحميد بوحسين‪ :‬لن أبحث عن النصوص التي‬ ‫تلبس الجالبيب وتدخن الكيف‬

‫هل قصص بورخيس أرجنتينية؟ أطرح هذا السؤال في مواجهة سؤال‬ ‫هل هناك قصة مغربية؟‬ ‫اإلجابة نسبية‪ ،‬وقد ال تكون ضرورية‪ ،‬ألن األهم هو قيمة ما يكتبه‬

‫ثمة قصة مغربية‪ ،‬ما دام هناك قصاصون مغاربة‪ .‬غير أنّ‬ ‫بالطبع ّ‬ ‫القصة مطبوعة‬ ‫األمر ال يتع ّلق بتصنيف متليه دوافع ثقافية‪ ،‬جتعل‬ ‫ّ‬ ‫بهوية محدّدة‪ ،‬هي هوية املغربة‪ .‬وإنمّ ا نتحدث عن قصة مغربية اليوم‬ ‫من منطلق‪ ،‬كم التجارب القصصية الناجحة التي فرضت نفسها على‬ ‫أما على مستوى الهوية‬ ‫الساحة السردية‪ ،‬والتي ال تدين للمشرق بشيء‪ّ .‬‬ ‫القصصية‪ ،‬فما يبدو مثير ًا وجميال باألساس هو هذا االختالف الكبير‬ ‫والتنوع في التجارب‪.‬‬ ‫بقوة‪،‬‬ ‫الضجيج الذي يرافقها طبيعي‪ ،‬أل ّنها صارت جنس ًا حاضر ًا ّ‬ ‫وأل ّنه لم يعد باإلمكان النظر إليها كجنس ثانوي قياسا إلى الشعر أو‬ ‫الرواية‪.‬‬ ‫فوضى التجنيس منطقية‪ ،‬فهي اجلنس الوحيد الذي يشكو من كثرة‬ ‫ٌ‬ ‫فالقصة جنس الش ّكاكني‪،‬‬ ‫مثال‪.‬‬ ‫األجناس ولنا في القصة القصيرة جد ًا‬ ‫ّ‬ ‫ثمة قلق داخلي يعتريها‪ ،‬ما يدفع بعض القصاصني إلى البحث عن‬ ‫ّ‬ ‫جتنيسات فرعية‪.‬‬ ‫علينا التمييز في القصة القصيرة جد ًا بني حساسيتني مختلفتني‪:‬‬ ‫حساسية جاءت للقصة القصيرة جد ًا بعد التم ّرس على أجناس أخرى‪،‬‬ ‫وهي بالتأكيد غ ّذت الكتابة في هذا اجلنس بإبداعات جميلة‪ .‬وحساسية‬ ‫القصة القصيرة جد ًا رأس ًا‪ ،‬وهذه التجارب حتبو بصعوبة‬ ‫أخرى كتبت‬ ‫ّ‬ ‫بحث ًا عن بصمتها اخلاصة‪ ،‬مع أنّ بعضها استطاع أن يبدع أشياء‬ ‫جديدة‪ ،‬لكن يبقى االستسهال والنماذج اجلاهزة هو أكبر خطر يتهدد‬ ‫هذا اجلنس‪.‬‬ ‫امللتقيات القصصية ظ��اه��رة تستحق ال��ت��أم��ل‪ ،‬لك ّني أم��ي��ل إلى‬ ‫تشجيعها مع أخذ املسافة من بعض السلوكات االرجتالية التي‬ ‫قد تض ّر اإلبداع‪ .‬وأمتنى أن توثق األسئلة التي تناقشها في أعمال‬ ‫مطبوعة‪ .‬أما عن مقاييس اختيار املشاركني‪ ،‬فهي أم��ور موكولة‬ ‫لتقدير املنظمني‪ .‬لك ّني أمتنى من أصدقائي القائمني على املهرجانات‬ ‫أن ال ينسوا أنّ هذه امللتقيات كانت في جانب منها رد فعل على ثقافة‬ ‫اإلقصاء التي مارستها املؤسسات الرسمية على املبدعني‪ ،‬وبالتالي‬ ‫عليهم أن ال ينزلقوا في هذا املهوى بدورهم‪.‬‬

‫محمد العتروس‪ :‬القصاصون ال يثيرون حولهم‬ ‫الكثير من اللغط مقارنة مع الشعراء‬ ‫ال��ق��ص��اص��ون ال ي��ث��ي��رون ح��ول��ه��م الكثير م��ن ال��ل��غ��ط‪ ،‬باملقارنة‬ ‫م��ع ال��ش��ع��راء‪ ،‬ألن��ه��م إم��ا زاه����دون وإم���ا ال يجعلون ال��ك��ون ي��دور‬ ‫ح��ول��ه��م ب��ل ح���ول إب��داع��ه��م‪ .‬ل��ك��ن امل��ه��م ف��ي ك��ل ه���ذا أن���ه ضجيج‬ ‫بأقل ال��ع��داوات واخلسائر‪ .‬رمبا هذا راج��ع إلى كون القصاصني‬ ‫املغاربة كل يلعب في ملعبه ويؤمنون أكثر بدميقراطية اإلب��داع‬ ‫القصصي‪.‬‬ ‫من بني هذه القضايا اخلالفية ما تسميه هنا فوضى التجنيس‬ ‫حيث رشحت مجموعة من املسميات‪ ،‬وهي كلها أوصاف لطفلة خالدة‬ ‫واحدة هي‪ :‬القصة‪ .‬أحبذ النفاذ مباشرة إلى اجلوهر‪ ،‬إلى القصة‪.‬‬ ‫هل أكتب القصة أم ال أكتبها؟‬ ‫إن إشكالية الهوية هي إشكالية زئبقية‪ .‬انطالقا من هذا الوعي‬ ‫ميكن أن نتعامل معها ب��دون شوفينية‪ .‬مبعنى أن ننظر إليها‬ ‫باعتبارها راف���دا ومحفزا‪ .‬وه��ذا يجرنا إل��ى احل��دي��ث ع��ن إتقان‬ ‫االشتغال على ما هو محلي مبنطق كونية‪ .‬فالهوية كما فسرها‬ ‫أحمد بوزفور ليست أمنا إنها بنتنا‪.‬‬ ‫طبعا هناك قصة مغربية حقيقية وإال فما جدوى كتابات الرواد‬ ‫واألجيال الالحقة التي حاولت التأسيس لفضاءات ولغة وشخصية‬ ‫وأسلوب مغربي في الكتابة والتصور والرؤية‪.‬‬ ‫أكيد أن هناك قصصا متأثرة باألدب الشرقي أو الغربي ولكن هناك‬ ‫قصصا أخرى حتمل خصوصيتها املغربية‪ .‬القصة العاملية ذاتها‬ ‫ليست جنسا نقيا‪ ،‬وخصوصيتها أنها تنبت هنا واآلن وتتفاعل مع‬ ‫احمليط ومع اآلخر‪ ،‬هويتها في ذاتها‪ .‬القاص املغربي احلقيقي ال‬ ‫ميكن إال أن يكتب قصة مغربية‪.‬‬ ‫أما بالنسبة ملا يعرف بالقصة القصيرة ج��دا‪ ،‬فلي رأي رمبا‬ ‫يختلف عما هو رائج في املغرب‪ .‬إنها ليست وليدة سنوات األلفني‪،‬‬ ‫بل ولدت قبل هذا التاريخ بكثير وعلى بعض النقاد أن يراجعوا‬ ‫الريبيرتوار القصصي ليتأكدوا‪ .‬إنها ما يشير إليه النفري‪« :‬إذا‬ ‫اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة‪ ».‬وأنا أرى ضيقا شديدا في العبارة‬ ‫دون رؤية تذكر‪ .‬وهناك مناذج استطاعت أن تضيف بصمة ال تخطئها‬ ‫العني‪.‬‬ ‫أما امللتقيات القصصية فهي ظاهرة صحية العتبارات عدة‪ ،‬منها‬ ‫س ّد فراغ مهول خلفه متلص احتاد كتاب املغرب ووزارة الثقافة من‬ ‫مسؤولياتهما‪.‬‬

‫أنا ماكاينـش‬

‫ميكن ُق ْلتْ ل َِي ‪:‬‬ ‫إيال دق شي حد قل له أنا ما‬ ‫كاين‬ ‫ومشيت ِ ّ‬ ‫مني ‪ ..‬باش ما نبقى‬ ‫كاين‬ ‫<<<<<‬

‫كل واحد‬ ‫مفصل لي قناع‬ ‫َّ‬ ‫راسم لي صفة ِﮐ بغى هُ َو‬ ‫أنا ما كاينش‬ ‫ي‬ ‫ماحيان ‬ ‫جماعة ْ‬ ‫جماعة با ْلعاني‬ ‫جماعة فيها مذوباني‬ ‫جماعة ساكناني‬ ‫ِّ‬ ‫تكوني‬ ‫جماعة بغات‬ ‫جماعة بغات تكون هي مرايتي‬ ‫جماعة مخ ْب َية في لساني‬ ‫<<<<<‬

‫أنا َواقِ َ‬ ‫يل ما كاينش‬ ‫أنا نيت ما كاينش‬ ‫بغيت نكون‪..‬بغيت‪..‬‬ ‫شحال بغيت‪...‬‬ ‫ولكن‪...‬باقي‪....‬‬ ‫بال ِب ُك ْم‪ ..‬أنا‪..‬ما كاينش‬

‫األربعاء المقدس‬

‫فقت‬

‫محمد الشايب‬

‫محمد آيت حنا‪ :‬االستسهال‬ ‫والنماذج الجاهزة هو أكبر خطر‬

‫عصب الكتابة‬

‫ميكن أنا حلمة‬ ‫حلم بها شي حد ‪ ..‬وطاحت‬ ‫ﻔ املا‬ ‫ميكن شي حاجة‬ ‫تخ ّيلها شي حد‪،‬‬ ‫ميكن ظل سحابة‬ ‫ميكن مويْهَ ة وتبخرت‬ ‫ميكن متبوع ـ هربان‬ ‫وتخبيت في كناش اإلحصاء‪.‬‬

‫سعيد بوكرامي‬

‫الكاتب‪ ،‬لن أبحث في قصص الكتاب املغاربة عن النصوص التي تلبس‬ ‫اجلالبيب و تدخن الكيف‪ .‬أنا أبحث عن النص الذي ميكن أن أضعه‬ ‫بجوار نصوص كبار كتاب هذا الفن من مختلف أنحاء العالم‪ .‬نص‬ ‫يستطيع أن يصمد جماليا ويخترق عميقا الزمن‪.‬‬ ‫أفهم الضجيج الذي يواكب حركية القصة القصيرة في املغرب‪ ،‬كرد‬ ‫فعل طبيعي للفورة القصصية التي ب��دأت منذ أواخ��ر التسعينات‪.‬‬ ‫ملتقيات و ندوات القصة أيضا‪ ،‬رغم أنها انحرفت لتصبح مجرد نزهات‬ ‫و ثرثرة يقوم بها نفس األشخاص‪ ،‬طبعا الشللية و اإلقصاء أمران ال‬ ‫يشك أحد بوجودهما‪ .‬الكتابة هي العزلة‪ ،‬الكتابة هي خوان رولفو‬ ‫جالسا في زاوي��ة مقهى‪ ،‬يغزل حروفه ببطء‪ ،‬ويتهيب كل من يقترب‬ ‫لتحطيم هذه العزلة‪ .‬ال أعتقد أن الزمن سيكترث بعدد امللتقيات التي‬ ‫حضرها الكاتب‪ ،‬أو بعدد الكتب والنصوص التي بعثرتها املطابع‪.‬‬ ‫هناك فقط نص أعزل سيدافع عن نفسه وحيدا‪ .‬ومنذ اآلن جتري‪ ،‬بشكل‬ ‫المرئي‪ ،‬عملية االنتقاء الطبيعي التي ستخلف عددا هائال من النصوص‬ ‫اآليلة لالنقراض‪ .‬سأكون سعيدا إن استطاعت نصوص كاتب أو كاتبني‬ ‫في العشرين سنة األخيرة أن تضمن لها مكانا في مكتبة األبدية!‬

‫لمسيـح‬ ‫أحمد‬ ‫َّ‬

‫ما كاين حيوط تل ْمـني‬ ‫ما كاين ضو‬ ‫ما كاين ظالم‬ ‫ما كاين صياح‬ ‫ما كاين صمت‬ ‫فقت مت َّلف احلساب‬ ‫مض َّيع ل ّيام‬ ‫ناسي لوقات‪.‬‬ ‫ما عرفت الليل من النهار‬ ‫سولت واحد عاد جا‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ـ ساعدني نعرف األربعاء‬ ‫وقسمها لي اطراف‬ ‫َّ‬ ‫راها يوم جليل منشي فيه‬ ‫من����ش����ي ل����ل����م����درس����ة ن���اخ���ذ‬ ‫إيناس(‪)1‬‬ ‫نديها تلعب في نزهة األطفال‬ ‫ردني‪:‬‬ ‫ـ إي����ن����اس راه������ا ط��ال��ب��ة في‬ ‫اجلامعة‬ ‫وأن����ت ه��ن��ا ت��ع��ي��ش «ال��ي��وم‬ ‫األبدي»‬ ‫يوم ما عندو خوه ‪.‬‬ ‫ما كاين ايام‬ ‫ما كاين اعوام‬ ‫لهيه انت ما كاين‬

‫وهنا انت تتس َّنى‬ ‫ما غادي يكون ‪.‬‬

‫كاين وما كاين‬

‫اسمك فيه السفر‬ ‫و ْنت عازل حمقك‪..‬‬ ‫بل ْيـ َتك تصالح احلروف‬ ‫باش تقول فرحك‬ ‫تروع احلروف‬ ‫َّ‬

‫باش تقول قرحك‬ ‫وهي عندها حيلتها‬ ‫تعطيك راس اخليط‬ ‫وتخ َّبل لك الك َّبة‪..‬‬ ‫ال تنساش راسك في اجلر‬ ‫متوت‪..‬‬ ‫متشي وتنساك‬ ‫ساروت مدفون في قفل‬ ‫لباب بحر‪-‬يطير وينزل‪،‬‬

‫يهاجر ويحط‬ ‫والطلسم اللي دخلك وسجنك‬ ‫في الكالم‬ ‫منقوش في املوج‬ ‫واملوج فاني في حياة البحر‪.‬‬ ‫ما تبقاش‪(..‬تزول ـ تفنى)‬ ‫وطوف على الفنا يبلعك‬ ‫تلقاك ما مكتوبش‬ ‫ِ‬ ‫متحيت‪..‬‬ ‫حتت الصلصال كانوا حروفك‪..‬‬ ‫غوص في الطني‬ ‫وسقيه بدموعك‬ ‫تكون به‪..‬يكون منك‪..‬‬ ‫قد ما لعبو به األطفال‬ ‫باق‪..‬باق‪..‬‬ ‫تكون‪..‬‬ ‫وحتى يقربو يعجنوك‬ ‫وتفرح غادي تكون‪..‬‬ ‫يضرب اجلرس‬ ‫وكل واحد يتالح على طاولتو‬ ‫وتبقى تتس َّنى وقتاش يرجعو‬ ‫التالميذ‬ ‫ووقتاش تكون الشتا‪..‬‬ ‫ل������ع� َّ‬ ‫�����ل ي���ك���م���ل���وا األط�����ف�����ال‬ ‫لعبهم‬ ‫باش تكون‪..‬‬ ‫التالميذ جلسوهم‬

‫في اللي فات‬ ‫في الزمان املاضي‬ ‫و ْن َت دواك في املستقبل‬ ‫(اللي جاي)‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بغيت تتحرك‪..‬‬ ‫مد ِ‬ ‫ّيت يدك من الطني‬ ‫لعكاز اخليال‪..‬‬ ‫وقفزت حتبو‪..‬‬ ‫توقف‪..‬تطيح‬ ‫ِ‬ ‫ومشيت‪..‬للقسم‪.‬‬ ‫وتش َّت ِت على السبورة‬ ‫ّ‬ ‫غط ِ‬ ‫يت كالم احلاكمني‬ ‫وباش يزولوك‬ ‫الزم ينقيو كالم اللولني‪،‬‬ ‫وحلمت يعجنو طينك‬ ‫ينحتوك‪..‬يسميوك ْن ُيوآدم‬ ‫ويرميوك في فران احلياة‪..‬‬ ‫(‪)...‬‬ ‫والتالميذ لقاو السبورة‬ ‫ممحية‬ ‫خذاو منك عكاز اخليال‬ ‫او‪:‬‬ ‫وخربشوا ما بغاو‪ ..‬وغ َّن ْ‬ ‫أنت كاين‪..‬‬ ‫وما كاين‪....‬‬

‫كونيني نكونك‬

‫ِجيـبيني إيال ْل َق ْيـتِ يني‬

‫راني ت َّل ْفـ َتك‪..‬‬ ‫في‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ح ّتى ما حد يلقاك‪..‬‬ ‫أنا َوهْ م‪..‬‬ ‫ِبك ن ْتح َّق ْق‪..‬‬ ‫ِبك نكون‪،‬‬ ‫أنا حقيقة بالصح‬ ‫ِبك نو ِ ّلي وهْ م‪...‬‬ ‫إذا تمْ َ ا َت ْلناـ َن ْف َنى‬ ‫ناي به تكوني‬ ‫ْف َ‬ ‫وفي فناك أنا ما ْنكون‪،‬‬ ‫َم ْيليني نهواك‬ ‫عَ ْط ِشـيني َن ْسـقيك‬ ‫ا ْر ِويني مدادك ـ ْ‬ ‫نطرز إيزارك‬ ‫ْن َرش سريرك حروف‬ ‫َّ‬ ‫نعطر املكان برمادي‪.‬‬ ‫َن ْندَس في املخ َدّة‬ ‫حلمة ْت َف ْر َحك‪،‬‬ ‫جنمع َّ‬ ‫الض ْو فيك‬ ‫وتكوني حجابي‪....‬‬ ‫‪ ....‬من شعاه‪،‬‬ ‫‪......‬‬ ‫ُكونِ يني‪...‬‬ ‫ْن ُكو َنك‪.‬‬ ‫صيف ‪2012‬‬ ‫‪ - 1‬إيناس ‪ :‬حفيدتي‬


‫الملحق الثقافي‬ ‫لكل أجل كتاب‬

‫العدد ‪ l 59‬الخميس‪/‬الجمعة ‪ 25/24‬يناير ‪2013‬‬

‫‪15‬‬

‫مونيك النج و«كبائن االستحمام»‬

‫عندما تختلي امرأة بذاتها‬

‫إبراهيم اخلطيب‬

‫في ال��رواي��ة‪ ،‬أنها لم تعد موضع حب من طرف‬ ‫زوجها تقرر االرمتاء في أحضان الكتابة‪ .‬معنى‬ ‫ذل��ك أن األل���م ه��و م��ح��رك حياتها كإنسانة‪ ،‬كما‬ ‫أنه أيضا هو محرك حياتها ككاتبة‪ ،‬لذا اكتسى‬ ‫شروعها في الكتابة صفة محاولة لفهم اختالالت‬ ‫وضعها‪ ،‬ولكونها تعرف مفاتيح عاملها‪ ،‬وتعرف‬ ‫تقلبات ال��ك� ّت��اب (إذ ك��ان زوج��ه��ا ك��ات��ب��ا)‪ ،‬فإنها‬ ‫تعمد إلى احلديث عن عالم نسبي‪ ،‬يسوده سالم‬ ‫ظرفي متقلب وال يخلو من زلزلة وجودية‪ .‬عالم‬ ‫ال حت��اول السيطرة عليه‪ ،‬وإمن��ا تنوي االقتراب‬ ‫منه بتواضع رغم علمها بأن «التواضع نوع من‬ ‫االنتحار»‪ :‬فهل بإمكانها التسلل إلى تلك الشبكة‬ ‫املعقدة من العالقات؟ إنها لم تعشق في حياتها‬ ‫غير املهمشني الذين يربأون بأنفسهم عن االنصياع‬ ‫ألسر العادي واملمكن‪ ،‬ولذا كانت تعتبر االختالف‪،‬‬ ‫رغم ضرورته‪ ،‬أملا مبرحا وحقيقيا وجرحا متعذر‬ ‫االلتئام‪ .‬حتاور املرأة أشباحها الكثر على شاطئ‬ ‫روسكوف (منطقة بريطاني الفرنسية) حيث تقضي‬ ‫فترة نقاهة «مصطنعة»‪ ،‬لكن شبح زوجها «الذي‬ ‫مي��ارس حبا غريبا مع رج��ل من أص��ل جزائري»‬ ‫يقض مضجعها فتحاول التوافق وجوديا مع هذا‬ ‫الوضع ال��ذي يحرمها من متعة التملك ويجعل‬ ‫منها عينا متلصصة على محاذير ما يحدث‪ ،‬لكنها‪،‬‬ ‫للمفارقة‪ ،‬مجبولة على التسامح في الوقت نفسه‬ ‫«فليس هناك ما هو أكثر سرية من كيان امرأة»‪.‬‬ ‫بقي أن نشير إلى أن مونيك الجن عملت‪ ،‬إبان‬ ‫خمسينيات وستينيات القرن املاضي‪ ،‬مبصلحة‬ ‫الترجمة لدى الناشر الفرنسي غاليمار حيث‬ ‫تعرفت على كبار الكتاب الفرنسيني واألجانب‬ ‫الذين كانت دار النشر تنشر أعمالهم‪ ،‬خصوصا‬ ‫جان جونيه الذي صار صديقا حميما لها‪ ،‬وكان‬ ‫يعتبر شقتها في حي سانتييه الشعبي بباريس‬ ‫مبثابة صندوقه البريدي‪ .‬وفي سنة ‪1955‬‬ ‫التقت بخوان غويتيصولو الذي كان قد حل‬ ‫بالعاصمة الفرنسية هربا من اجلو السياسي‬ ‫اخلانق الذي عرفته إسبانيا إثر احلرب األهلية‪،‬‬ ‫فتمكنت من إقناع غاليمار بأهمية ترجمة أعماله‬ ‫املبكرة إلى اللغة الفرنسية‪ ،‬خصوصا أن هذا‬ ‫األخير كان بصدد البحث عن منفذ للتعبير عن‬ ‫مساندته للكتاب اإلسبان املناهضني للديكتاتورية‬ ‫والكنيسة‪ .‬توطدت عالقات خوان مبونيك منذ‬ ‫سنة ‪ ،1956‬فانتقل إلى اإلقامة بشقتها‪ ،‬وإثر‬ ‫ذلك سافرا سويا إلى إسبانيا‪ ،‬وهوالندا‪ ،‬ومصر‪،‬‬ ‫واجلزائر‪ ،‬فاملغرب‪ ،‬لكنهما لن يقترنا بصفة‬ ‫رسمية إال بعد مرور ردح من الزمن‪ .‬وعقب‬ ‫وفاتها‪ ،‬نشر خوان غويتيصولو نصا مؤثرا عنها‬ ‫في صحيفة «الباييس» (اإلسبانية) هو عبارة عن‬ ‫سلسلة شذرات قصيرة ال تنحو منحى الرثاء‬ ‫املباشر‪ ،‬وإمنا ترمي إلى استحضار صورة امرأة‬ ‫في مختلف جتلياتها‪.‬‬

‫في أواخر سنة ‪ ،1996‬دعاني معهد العالم العربي‬ ‫بباريس للمساهمة في ندوة تكرميية مكرسة‬ ‫للكاتب اإلسباني خوان غويتيصولو‪ ،‬وعشية‬ ‫اليوم الثاني من الندوة احتفى هذا األخير‬ ‫مبترجميه املشاركني فيها‪ ،‬وهم ألني شوملان‪،‬‬ ‫وكاظم جهاد‪ ،‬وعبد اللطيف بنسالم‪ ،‬وكاتب‬ ‫هذه السطور‪ ،‬فهيأ لنا عشاء «قبا ْيلي ًا» في مطعم‬ ‫جزائري غير بعيد عن «شارع املدارس» بالعاصمة‬ ‫الفرنسية‪ .‬كان خوان ينتظرنا عند باب املطعم‬ ‫صحبة زوجته مونيك الجن التي ستقضي نحبها‬ ‫أسبوعني بعد ذلك إثر أزمة قلبية مفاجئة عن‬ ‫سن تناهز ‪ 68‬عاما‪ .‬أتذكر أنها كانت متوسطة‬ ‫القامة‪ ،‬قوية البنية‪ ،‬عليها آثار سمرة من مخلفات‬ ‫الصيف‪ ،‬ومع أن ابتسامة رائقة لم تكن تفارق‬ ‫شفتيها‪ ،‬فإن املرأة‪ ،‬بسبب ندرة كالمها أثناء‬ ‫العشاء‪ ،‬بدت لنا خجلى أو باألحرى شاردة رمبا‬ ‫ألن ال أحد منا حتدث عنها ككاتبة أو استحضر‬ ‫بعض مؤلفاتها بغية استدراجها للحديث‪.‬‬ ‫لم أكن حينئذ قرأت ملونيك الجن شيئا‪ ،‬وعقب‬ ‫عودتي من باريس‪ ،‬عثرت على رواية لها في‬ ‫طبعة جيب (فوليو) هي «كبائن االستحمام»‬ ‫(‪ )Les cabines de bain‬الصادرة سنة ‪1983‬‬ ‫فاقتنيتها ووضعتها بني كتبي إلى حني‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫عندما علمت بنبأ وفاة الكاتبة بادرت إلى قراءة‬ ‫الرواية فأسرتني حميميتها وقوتها اإليحائية‪،‬‬ ‫علما أنها لم تخ ّلف أية أصداء نقدية في الصحافة‬ ‫ُ‬ ‫حدث املوت هو‬ ‫الفرنسية إبان صدورها‪ :‬فهل‬ ‫ما جعلني أميل إلى استحضار «محاسن» نص‬ ‫مونيك الجن؟‬ ‫هناك سؤاالن خطرا ببالي أثناء القراءة‪ :‬أليس‬ ‫من حق كاتبة أن تقترن بكاتب؟ وما عالقة احلب‬ ‫بالكتابة؟‪ .‬ذل��ك ه��و عمق اإلش��ك��ال ال��ذي تطرحه‬ ‫مونيك الجن في هذه الرواية القصيرة التي يرمز‬ ‫عنوانها إلى معنى االختالء بالذات‪ .‬إنني لست من‬ ‫ذلك النوع من القراء الفضوليني الذين يعمدون إلى‬ ‫البحث في كل رواية يقرأونها عن عالمات شخصية‬ ‫أو إحاالت سير ذاتية متوارية بني أسطرها‪ .‬فهذه‬ ‫املمارسة‪ ،‬في ظني‪ ،‬تفقرنا كقراء‪ ،‬وال يكون من‬ ‫نتائجها سوى التقليل من شأن الرواية ككتابة‪.‬‬ ‫لكن حالة مونيك الجن وعالقاتها املعروفة ببعض‬ ‫الكتاب املثليني‪ ،‬لم تفتأ أن فرضت نفسها علي‬ ‫كخلفية لنصها اجلميل‪ ،‬رغم حرصي على التملص‬ ‫من ذلك‪.‬‬ ‫منذ اجلملة األول���ى م��ن «ك��ب��ائ��ن االس��ت��ح��م��ام»‪،‬‬ ‫تظهر امرأة في اخلمسني من عمرها‪ ،‬وهي حتاول‬ ‫مواجهة آالمها بغية بلوغ سعادتها القصوى‪:‬‬ ‫إدراك مكانها احلقيقي والتالؤم مع واقع معقد‪،‬‬ ‫وعندما تشعر ه��ذه امل���رأة‪ ،‬التي ال ُيذكر اسمها‬

‫يف المكتبات‬ ‫كتاب‬ ‫لتشومسكي عن‬ ‫حركة «احتلوا»‬

‫الحب إال للحبيب األول‬ ‫ما‬ ‫ّ‬

‫عن منشورات إيرن تصدر الترجمة الفرنسية لكتاب تشومسكي‬ ‫«احتلوا» الذي ميكن اعتباره تكرميا حملتجي حركة «وول‬ ‫ستريت»‪ .‬تشومسكي الذي أحدث ثورة حقيقية في اللسانيات‬ ‫والعلوم اإلنسانية‪ ،‬يأمل اليوم في حتقيق ثورة من أجل العدالة‬ ‫واحلرية في ظل اشتراكية حتررية‪ ،‬فرغم أنه بلغ ‪ 83‬سنة فهو‬ ‫مازال يصارع‪ ،‬منذ حرب فييتنام‪ ،‬ضد النظام النيورأسمالي‬ ‫ويرى أن ما حدث في نيويورك بفضل الشباب أمر يجب أن‬ ‫يستمر «لدمقرطة الدميقراطية األمريكية» حسب قوله‪.‬‬

‫«أوبيريو‪ :‬آخر شرارة طليعية في‬ ‫األدب الروسي» كتاب مترجم جديد‬ ‫لعبد القادر اجلنابي عن دار «الغاوون»‬ ‫عن دار الغاوون‪ ،‬يصدر كتاب‬ ‫م��ت��رج��م ج��دي��د ل��ع��ب��د ال��ق��ادر‬ ‫اجلنابي بعنوان «أوبيريو‪:‬‬ ‫آخر شرارة طليعية في األدب‬ ‫ال����روس����ي»‪ ،‬وه���و م��خ��ت��ارات‬ ‫م��ت��رج��م��ة ل��ك��ت��اب��ات متزعمي‬ ‫هذه احلركة دانيال خار ْمس‬ ‫والكسندر فيدنسكي‪ ،‬وض� ّم‬ ‫ال��ك��ت��اب م��ق��دم��ة ح���ول مسار‬ ‫مجموعة «أوبيريو» أو احتاد‬ ‫ال����ف����ن احل���ق���ي���ق���ي (‪-1927‬‬ ‫‪ ،)1940‬ومعاناتها من القمع‬ ‫الستاليني ف��ل��م ي��ر نتاجها‬ ‫النور اكثر من أربعني عاما‪.‬‬ ‫وتعتبر هذه املجموعة رائدة‬ ‫ف���ي م���ا س���م���ي ب���ع���د احل���رب‬ ‫ال���ع���امل���ي���ة ال���ث���ان���ي���ة ب»أدب‬ ‫العبث»‪.‬‬

‫رواية «دولفي وماريلني»‬ ‫تستنسخ األموات سنة‬ ‫‪2060‬‬

‫بعد استنساخ الكائنات احلية‪،‬‬ ‫سيرخص القانون سنة ‪2060‬‬ ‫في باريس الستنساخ األم��وات‬ ‫بعد سبعني سنةعلى األق��ل من‬ ‫وفاتهم‪ .‬لذلك سيطرح السؤال‬ ‫امل�����ه�����ول إذا مت اس���ت���ن���س���اخ‬ ‫أدول������ف ه��ت��ل��ر أو دول���ف���ي هل‬ ‫سيعود امل��اض��ي بكل بشاعته؟‬ ‫وه��ل ميكننا ش��راء شخصيات‬ ‫م���س���ت���ن���س���خ���ة م�����ن األم���������وات‬ ‫واالحتفاظ بها في البيت مثل‬ ‫حيوانات أليفة‪ ،‬وهل سنتخ ّيل‬ ‫دول���ف���ي امل��س��ت��ن��س��خ ع���ن زع��ي��م‬ ‫النازية يهرب يوما من البيت؟‬ ‫ال���رواي���ة امل��ث��ي��رة ال��ت��ي كتبها‬ ‫فرانسوا سانتوجن‪ ،‬وهو مجرد‬ ‫اسم مستعار‪ ،‬صدرت هذه األيام‬ ‫عن دار غراسيه‪.‬‬

‫بريد القراء‬

‫سالم األخوة من آسفي‪،‬‬

‫رسالة من أصدقاء املرحوم حفيظ بودى‬

‫باسم أصدقاء «املرحوم حفيظ بودى» نشكركم على املبادرة‬ ‫العظيمة التي قمتم بها من خالل نشركم لنبذة عن حياة صديقنا‬ ‫العظيم في صفحة امللحق الثقافي على جريدة األخبار بتاريخ‬ ‫اخلميس ‪ 10/01/2013‬بحيث اعتمدمت إلى رسالتني شخصيتني‬ ‫بعثهما املرحوم باسمكم كما تطرقتم في مقالكم عن ديوانه «هكذا‬ ‫تكلم جوبا» مع قراءة خفيفة حوله‪ ،‬لكننا كأصدقاء بودى نكرر‬ ‫شكرنا اجلزيل على هذه اخلطوة اإلعالمية الطيبة‪ ،‬ونأسف في‬ ‫متس‬ ‫نفس الوقت على عدم حتفظكم عن التطرق إلى إشارات‬ ‫ّ‬

‫بشخصية أمه الكرمية (التي ال تعرفونها مطلقا) على الرغم من‬ ‫كونكم اعتمدمت الرسالتني اللتني من خاللهما صرح صديقنا بها‪،‬‬ ‫وحتى ال نطيل عليكم‪ ،‬نود أن نربط اخلط التواصلي عبر أثير‬ ‫هذا املنبر اإلعالمي املفتوح أمام كلمات وآراء اجلميع ونواصل‬ ‫التحدث والتعريف بصديقنا حفيظ اإلنسان واملثقف والفيلسوف‬ ‫واملفكر الذي مترد على كل شيء وله ظروفه ومبرراته الذاتية‬ ‫واملوضوعية دون أن يكسب أي شيء لكنه عرف كيف يربح‬ ‫أصدقاء كانوا البديل في حياته الصعبة والقاسية فغالبا ما‬ ‫كانوا يسهلون طريقها أمامه في صراع ليعيش ولو حلظة‬ ‫طبيعية ولكي يخرج من ظلمة التمرد وصراع الفكر الوجودي»‪.‬‬

‫كتـاب وشعـراء يـروون‬ ‫قصـة حبـهم األولـى‬

‫أنا مدينة له مبعرفة‬ ‫معنى احلب العفيف‬

‫الزهرة رميج‬

‫كان يجلس على الطاولة األولى املقابلة ملكتب األستاذ‪ ،‬يثير االنتباه لكونه معروفا بعدم انفتاحه على الفتيات‪،‬‬ ‫بينما كنت أجلس على إحدى الطاوالت وسط القاعة‪ .‬كان تصرفات كثيرة كانت تفضحه رغم تكتمه‪.‬‬ ‫عندما انتهت السنة الدراسية وحلت العطلة الصيفية‪،‬‬ ‫وسيما‪ ،‬وخجوال في تعامله مع الفتيات‪ ،‬أو رمبا مترفعا‪،‬‬ ‫لكن هذه الصفات لم تكن ما أثار اهتمامي‪ ،‬وإمنا تفوقه أصبح يرابط بالقرب من بيتنا‪ ،‬إذ اتخذ من بعض التالميذ‬ ‫املبهر في مادة اللغة العربية على وجه اخلصوص‪ ،‬والذي القاطنني باحلي أصدقاء له‪ ،‬يقضي معهم معظم وقته‪ ،‬لكني‬ ‫جعل منه منافسي األول‪ .‬هكذا بدأت أنتبه إلى وجوده‪ ،‬لم أكن أغادر البيت إال نادرا‪ ،‬ليس ذلك بسبب منع والدي‬ ‫وأس��ت��رق النظر إل��ى حيث يجلس‪ ،‬الحظت أن��ه يتصرف ل��ي‪ ،‬وإمن��ا بسبب طبيعة تكويني من جهة‪ ،‬وإحساسي‬ ‫بأن احلب‪ ،‬أخرجني من عالم الطفولة البريئة‪ ،‬كما أني‬ ‫باملثل‪.‬‬ ‫ذات م��رة‪ ،‬تغيب األس��ت��اذ‪ ،‬ف��إذا به يقوم إل��ى السبورة أصبحت أشعر بالذنب جتاه والدي الذين خنت ثقتهما‪.‬‬ ‫ويكتب عليها بيتا شعريا (عبارة عن حكمة) بخط جميل‪ .‬هذا اإلحساس بالذنب‪ ،‬واخل��وف من االنعكاس السلبي‬ ‫وجدتني أنهض بدوري‪ ،‬وأكتب أسفل بيته الشعري بيتا لهذا احلب على مساري الدراسي‪ ،‬خصوصا على حلمي‬ ‫آخر استقيته من الذاكرة‪ ،‬منذ تلك اللحظة‪ ،‬ستستمر لعبة مبتابعة ال��دراس��ة العليا‪ ،‬جعلني أنتفض ض��د نفسي‪،‬‬ ‫وأقاوم عواطفي‪ ،‬لم أجد من وسيلة غير‬ ‫التحدي هذه‪ ،‬بإبراز كل واحد منا‬ ‫الصالة والتضرع إلى لله كي أخرج من‬ ‫رصيده من حفظ الشعر‪ ،‬وتفننه‬ ‫هذا املأزق‪.‬‬ ‫ف��ي اخل��ط ال��ع��رب��ي‪ ،‬كلما سنحت كانت رغبتي الشديدة في‬ ‫كانت رغبتي الشديدة في التخلص‬ ‫ال��ف��رص��ة‪ .‬وألن امل��ن��اف��س��ة ك��ان��ت‬ ‫التخلص من الحب نابعة من من احلب نابعة من إمياني بأن مرحلة‬ ‫ال��س��م��ة ال��ت��ي تطبع ال��ع�لاق��ة بني‬ ‫املراهقة يجب أن تكرس لتلقي العلم‬ ‫التلميذات والتالميذ في قسمنا‪،‬‬ ‫ف��ق��د ك���ان ك��ل م��ن��ا ي��ح��اول إب���راز إيماني بأن مرحلة المراهقة وح����ده‪ ،‬وأن احل���ب ال ي��ص��ح ف��ي ه��ذه‬ ‫السن‪ .‬لست أدري من أين استقيت هذه‬ ‫مهاراته‪ ،‬ويعلن حتديه صراحة‪،‬‬ ‫غير أن املنافسة بيني وبينه لم يجب أن تكرس لتلقي العلم األفكار‪ ،‬هل من قراءاتي أم من الواقع‪ ،‬إذ‬ ‫تكن قط معلنة‪ ،‬لكنها كانت قائمة وحده‪ ،‬وأن الحب ال يصح في غالبا ما كنت أسمع عن مآسي احلب في‬ ‫هذه املرحلة املبكرة من العمر؟‬ ‫ومستمرة‪ .‬ذات مرة‪ ،‬عندما انتهى‬ ‫بعد ثالثة أشهر من احلرب مع النفس‪،‬‬ ‫األستاذ من إمالء ملخص الدرس هذه السن‪ .‬لست أدري من‬ ‫وجدتني أفتح صفحة جديدة‪ ،‬في مكان‬ ‫علينا‪ ،‬فوجئ بهذا التلميذ يقترح‬ ‫عليه أن يقرأ منوذجا آخر مللخص أين استقيت هذه األفكار‪،‬‬ ‫جديد ال أث��ر فيه للجنس اآلخ��ر داخل‬ ‫الفصول ال��دراس��ي��ة‪ .‬ذل��ك أن املؤسسة‬ ‫ال���درس كتبه بأسلوبه اخل��اص‪،‬‬ ‫هل من قراءاتي أم من‬ ‫ال��ت��ي تابعت فيها دراس��ت��ي الثانوية‬ ‫اس��ت��ح��س��ن األس����ت����اذ امل��ل��خ��ص‪،‬‬ ‫مبدينة الدارالبيضاء كانت غير مختلطة‪.‬‬ ‫وأثنى عليه‪ ،‬أما أنا‪ ،‬فقد انبهرت‬ ‫ليس فقط‪ ،‬بروعة أسلوبه‪ ،‬وبقدرته الواقع‪ ،‬إذ غالبا ما كنت أسمع وألن م��دي��ن��ت��ي ال��ص��غ��ي��رة ل���م تكن‬ ‫تتوفر على مؤسسة ثانوية‪ ،‬فقد جاء‬ ‫على متثل األفكار وإعادة‬ ‫صياغتها عن مآسي الحب في هذه‬ ‫كل الراغبني في متابعة ال��دراس��ة إلى‬ ‫بسرعة فائقة‪ ،‬وإمنا أيضا‪ ،‬بنبرة‬ ‫المرحلة المبكرة من العمر؟ الدارالبيضاء‪ ،‬وق��د علمت أن حبيبي‬ ‫صوته‪ ،‬وجمال إلقائه‪ .‬بعد ذلك‪،‬‬ ‫السابق‪ ،‬ك��ان من بني ه��ؤالء‪ ،‬غير أني‬ ‫س���أج���د ه����ذا اإلع����ج����اب ي��ت��ح��ول‬ ‫لم ألتق به قط‪ ،‬ولم أعرف أي الشعبتني‬ ‫إل��ى إح��س��اس غريب علي‪ ،‬م��ا إن‬ ‫اختار‪ :‬األدبية أم العلمية؟ لكني كنت‬ ‫تلتقي نظراتنا حتى أشعر بالدم‬ ‫يتصاعد إلى وجهي‪ ،‬وبدواخلي كلها مت��وج‪ ...‬استفزني دائما‪ ،‬أتخيله إما كاتبا‪ ،‬أو صحافيا‪ ،‬أو مذيعا‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬وقد التهم النسيان معظم أسماء التالميذ الذين‬ ‫هذا الشعور‪ ،‬فحاولت إخفاء مشاعري‪ ،‬والتحكم في نفسي‬ ‫حتى ال ينكشف أمري‪ ،‬وكذلك التخلص من هذا الشعور‪ ،‬درسوا معي في تلك املرحلة‪ ،‬ما زال اسم ذلك «احلبيب»‬ ‫لكن تفكيري سيظل مسكونا به‪ ،‬وستزداد معاناتي بعدما المعا في الذاكرة‪ ،‬وأجدني كلما طفا على سطحها‪ ،‬أتطلع‬ ‫وجدت إحدى زميالتي تعرف حقيقة مشاعري جتاهه‪ ،‬كان إلى معرفة املصير الذي آل إليه‪ ،‬فقد كان تلميذا موهوبا‪،‬‬ ‫األمر مكشوفا‪ ،‬فقد كان يتبعني عن بعد‪ ،‬في الذهاب وفي عاشقا للغة العربية‪ ،‬ومتمكنا منها‪ ،‬كما أن��ي مدينة له‬ ‫اإلي��اب‪ ،‬ومهما غيرت اجتاهي‪ ،‬أج��ده خلفي‪ .‬وفي بعض مبعرفة معنى احلب العفيف‪ ،‬وبتفجر طاقة اإلبداع بداخلي‪،‬‬ ‫األحيان‪ ،‬عندما تتغيب زميلتي‪ ،‬يجلس بجانبي‪ ،‬األمر الذي ألن هذا احلب هو الذي ألهمني كتابة الشعر‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.