الملحق الثقافي
12
العدد l 53الخميس 17يناير 2013
بطاقة بيضاء عالمي أم عولمة األدب ؟! صباح زوين أدب ٌ نقطة ساخنة األدب عندما يصبح ّردة فعل عن الخيبة السياسية
قصة غرام كافكاوية
دريئة العدد
أفكار مرئيات الفن المعاصر الرواية األمريكية اآلن؟ ما بعد اإلنسان سنة :2050عندما عادل عبد الصمد: ّ اإلنسان إنسانا أعلى ()2 يصير ُ يسددها الالعب كضربة رأسية عصب الكتابة ّ نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق زين الدين زيدان مراودةُ المستحيلة عادل عبد الصمد تأمالت أمريكية ( )3خالد سليكي أحمد الشهاوي
لكل َأج ٍل كتاب «بيروت صغيرة بحجم راحة اليد» للشاعر أمجد ناصر الحب إال للحبيب األول ما ّ
الخصار أرمونيكا زرقاء عبد الرحيم ّ
مرئيـات هشام فهمي
Hicham_fahmi@hotmail.com
الرواية مغرية وخطيرة في اآلن نفسه .رواية «كوسموبوليس» لألمريكي «دون دوليلو» جرت مجمل أحداثها داخل سيارة ليموزين .أحيانا أتخيل الرواية شاحنة نقل من نوع «هوندا» ،نرغب دائما بتكديسها، قدر املستطاع ،بكل األثاث واخلردوات ونحن عازمون على الرحيل بأقل التكاليف إلى بيت آخر .الرواية اليوم تضع على حجرها كل الفنون واألجناس كأ ّم حاضنة ،هي بكل منازع ملحمة العصر احلديث .شعراء كثر ملؤوا الشاحنة عن آخرها ،وانتقلوا إلى احلي الروائي اجلديد. الرواية رائعة ،نقرأها منتصبي القامة في حافلة أو ممدّدين على سرير نتحسسها النوم .إنها تشبه حياة صاخبة بني دفتي كتاب ،وميكن أن ّ بأصابعنا على شاشة آيباد اللوحية. لقد منحت جائزة «البوكر» في صيغتها العربية نفسا آخر للرواية العربية ،وضعت بوديوما وأشعلت املنافسة ،فبدأ سباق اخلمسني ألف دوالر حواجز .على األقل شيء مح ّفز في حياتنا الثقافية .املشكلة أننا نخاف أن ينمسخ اجلميع إلى روائيني ،فتنقرض األجناس األدبية األخرى .والعجيب أننا أصبحنا نتو ّرط ،كل سنة ،في اإلعالن عن طائفيتنا الثقافية بال خجل ،فنبدأ بالعدّ ،كم من مشرقي تس ّلق القائمة الطويلة ،وكم من مغاربي يحبو بأربع قوائم وال يصل؟ أليس األهم أن نقرأ لبعضنا؟ ألن التتويج في النهاية لألفراد وليس للمنتخبات حتول كل روائي إلى الدفاع عن لون قميصه الوطني، الوطنية ،وإال ّ وستصبح روايته حتت رحمة ديكتاتور دولة «الفيفا» الثقافية. هذه السنة يتم ّلكني الفضول لقراءة رواية «موالنا» للصحافي املصري املتميز إبراهيم عيسى واملرشحة للقائمة القصيرة ،هو ثرثار كبير، وميكنه أن يكتب حياة كاملة في جريدة ،لكنني أشك في مؤهالته السردية ،فأعمدته اليومية في الصحافة املصرية املثيرة للخبطات السياسية والناجحة ،ال تعد لغتها بالشيء الكثير .هذا احلكم نسبي ،ألن رواية «ما بعد األدب» حتتمل حتى لغة ويكيبيديا ،كما هو الشأن بالنسبة إلى رواية «نظرية املعلومات» للفرنسي الشاب أوريليان بيالجنيه. هذا هو الدور اإليجابي جلائزة البوكر ،أن تفتح الشهية للقراءة وجتعل النصوص أكثر تو ّترا وعصبية (باملفهوم النفسي ال اخللدوني) ،فقط علينا أال نطمئنّ إلى األضواء املسلطة على بعض األسماء ،وأن نتع ّقب كل النصوص الروائية من دون استثناء .فقد أثارت الصحافة العربية ردود فعل متشنجة جتاه جلنة حتكيم هذه السنة التي يرأسها املفكر املصري جالل أمني ،وثمة من ش ّكك في ذوق هذا األخير ،مستعيدا موقفه الرافض لتدريس رواية «اخلبز احلافي» حملمد شكري في اجلامعة األمريكية بسبب جرأتها الفاضحة. لنعد قليال إلى املغرب ،فهذا اليوم الذي نقرأ فيه العدد الثالث من امللحق ّ سيحل كافكا ضيفا في كازابالنكا ،لقد ل ّبى دعوة أصدقائنا الثقافي، في «مجموعة البحث في القصة باملغرب» ،وسيكون حاضرا معه أيضا كاتبنا املقتدر أحمد بوزفور ،لذلك أحاول فقط أن أتخ ّيل احلوار الذي سيجري بينهما .ندوة علمية وأدبية في املغرب حول كافكا أمر في غاية األهمية ،خصوصا أن الكافكاويني كثر هذه األيام ،ويجب فعال أن نعيد قراءة اخلطاطة القصصية الكافكاوية في املغرب، ونضع متاهاتها في مختبر علمي للخيال.كافكا كان يؤمن بأن «الكتاب يجب أن يكون الفأس التي ّ املتجمد داخلنا» تشق البحر ّ وأننا عندما نقرؤه وال يوقظنا «بخبطة على اجلمجمة ،فلماذا نك ّلف أنفسنا عناء قراءته؟» .هذا أكبر درس تع ّلمته من كافكا، وهو ما جعل من الكافكاوية رمزا لإلطاحة بكل سلطة ،حتى سلطة األدب نفسها علينا كجاهز وكإرث .عندما استيقظ جوزيف نص «احملاكمة» ليجد نفسه رهن االعتقال واملقاضاة «ك» في ّ نحس بأننا بالفعل نعيش محاكمة جماعية بسبب جرمية يجهلها، ّ ميتافيزيقية وغامضة ،قد نعزو جذورها عند كافكا إلى تكوينه العبراني .هذه هي النصوص الفارقة التي تع ّري جذر شجرة األدب. أخيرا ،صدرت بباريس الترجمة الفرنسية لرواية «روعة احلياة» لألملاني ميخائيل كامفمولر ،وهي تروي بقوة آخر غراميات كافكا .هنا تتداخل احلياة مع األدب لنكتشف كم كان كافكا كافكاويا في حياته .ففي السنة حب األخيرة قبل موته ،واألولى بعد األربعني من عمره ،يعيش قصة ّ عميقة عند اكتشافه لعشيقته دورا ديامنت ،قصة غرام كافكاوية بامتياز، احلب أيضا .الروائي األملاني يفتك فيها املرض بأحشائه مثلما فعل به ّ يحول هذا املصير التراجيدي ،إلى عمل ميخائيل كامفمولر استطاع أن ّ روائي في غاية الروعة .إنها روعة الرواية و«روعة احلياة» في اآلن ذاته.
بطاقة بيضاء كان الشاعر األملاني الكبير غوته يقول إنه يتمنى أن يصل األدب يوم ًا ما إلى مرتبة ما أسماه هو «األدب العاملي» ،حيث تصبح كتاباته وكتابات أخرى مهمة في عصره ،مترجمة لكي تبلغ القراء في أرجاء العالم ولكي تصل إلى أوسع جمهور ممكن عبر مختلف البلدان. كان غوته يتمنى أن يقرأ بدوره األدب الصيني واألدب ُ أسلفت ،أن حتوز الفارسي وفي الوقت ذاته ،كما كتاباته ترجمات أجنبية حتى يرى نفسه منتشر ًا في بلدان شتى ،فيصبح مقروء ًا ليس فقط في بلده أملانيا وإمنا أيض ًا في بلدان كثيرة. هذا هو احللم الذي كان يحلم به غوته ،احللم اجلريء قد أقول ،ألنه في تلك األيام ،من القرن التاسع عشر، عندما كانوا ال يزالون يخافون من البرق والرعد اللذين ينذران باملطر ،أي في تلك احلقبة حني كانت البراءة البشرية التزال في أوجها ،كان جريئ ًا من يحلم بأن تصبح كتاباته مترجمة إلى لغات عديدة أو إلى لغتني أو ثالث على األقل ،وهذا كثير في عصر شبه بدائي صناعي ًا وترويجي ًا ،بل هذا أكثر من ملفت. وإشارة هنا إلى أن غوته كان يتكلم فقط على األدب املرموق ،والكبير ،أي ،وفي كلمة واحدة ،األدب العاملي، أي الذي يستحق بجدارة أن يسمى عامليا ،أن يكون خالد ًا ،وعظيم ًا. ولكن ماذا بات يعني لنا اليوم «األدب العاملي»؟! ألم يفرغ من معناه؟ ،ألم يصبح صناعة معوملة ،بدل أن يكون أدبا عاملي ًا؟ أسأل ألننا بتنا نعيش في عصر كثرت فيه صناعة الكتب حتى االبتذال .أليس اليوم يسمونه «إبداع ًا» ،مجرد صناعة إنتاجية جتارية ما ّ صرفة؟ اليوم أصبح كل «أديب» «عاملي ًا» ،وكل كتاب «كوني ًا». ترجم إلى لغات ال حتصى .أصبح األدب ي اليوم الكل ُ َ مثله مثل أية سلعة جتارية ،مثل صناعة الفوتبول وصناعة جنوم الغناء والطرب ،وصناعة السيارات، وصناعة األزياء وغيرها .كثرت الكتب املترجمة واملروج لها حتى باتت الكتابات الهزيلة هي املنتشرة َّ في مكتبات «صناعة الكتاب» ولم يعد في مقدورنا االرتكاز إلى أي مرجع أدبي ،أعني لم يعد ميكننا الوثوق بأية ترجمة لسببني ،إضافة إلى ما أسلفته، اعاله؛ السبب األول ضخامة عدد الترجمات والتضخم
يسددها الالعب زين الدين زيدان الفن المعاصر كضربة رأسية ّ ّ
الرواية األمريكية اآلن!
توماس بينشون وكورماك ماكارثي وفيليب روث وطوني موريسون وبريت إيستون إيليس: هؤالء يصنعون مجد الرواية األمريكية المعاصرة
عاملي أم عوملة األدب؟! أدب ٌ
صباح زوين
في إنتاج هذه الصناعة ،والسبب الثاني تكملة للفكرة األولى ،الكل يحظى بترجمة واحدة على األقل في حياته «األدبية» .لكن الرائج كثير ًا هو أن لدى كل كاتب ترجمات عديدة إلى لغات عديدة! ،هذا هو املشهد اليوم. فكم من شاعر وروائي عربي يحظى بترجمات إلى لغات غربية عديدة ،وكم من شاعر وكاتب غربي يحظى بترجمة عربية ،وكل أولئك ،أقله ممن أعرفهم من اجلهتني ،ال قيمة أدبية تذكر لهم .إنه حقل الصناعة والتجارة ،ال حقل األدب. من املؤسف جد ًا أن تصبح اإلبداعات الكتابية سلعة ليس إ ّال .أن تصبح لعبة في أيدي التجار .وأن تكون الكتابة من جهة أخرى صناعة مبتذلة في أيدي من يظنون أنفسهم كتاب ًا. كان حلم غوته شبه مستحيل وك��ان صعب ًا ،وك��ان حق ًا توق ًا إلى األمام ،لكن لألسف لم يعد اليوم ذلك احللم الراقي حلم ًا ،ولم يعد راقي ًا ،إمنا أضحى كابوس ًا حقيقي ًا على القارئ .أقول كابوس ًا ألن كثرة اإلنتاج تعني الرداءة ببسيط العبارة .من غير املعقول أن يكون لدى كل بلد كل هذا الكم مترجمني ،هذه من الشعراء والروائيني و 90في املائة منهم َ الطفرة غير صحية. يقال إن اإلبداع يدل على رقي بلد ما ومن دونه ال حياة ألمة .هذا صحيح ،لكن هذه الكثرة ال تدل على أي رقي، إنها على العكس تدل على انحطاط مستوى األدب ،أتكلم عن الكثرة وكل كثرة تكون فارغة من أية نوعية ،وهي ناجتة عن سهولة الطباعة والنشر وعدم الرقابة األدبية الذاتية ،والنقدية من قبل النقاد .انتهى النقد وانتهى اإلبداع ،وما يطلع علينا من كتب ،رغم االستثناءات اجلميلة ،هو هدر ال قيمة له. كنا في الثمانينات ننظر إلى من حظي بترجمة ما ،ننظر إليه بتقدير ودهشة ،كان للترجمة وقع مهم ومحترم علينا ،وكان لها مركزها املرموق ،أما اليوم فمن يبالي مبا يطلع من ترجمات؟! وأغلبها غير خاضع ألي اعتبار أدبي إمنا العتبارات مادية وعشوائية. فخ ُر الترجمة ذهب مع الريح منذ أن راح كل من لديه بعض املال ،إلى دفع نفقات الترجمة والنشر في أوربا، على حسابه (حساب الكاتب ،وكل كاتب صغير وكبير، ناشئ ومتمرس ،على ح ّد سواء) .بتنا اليوم نقرأ أدبا ً معومل ًا – مص ّنع ًا ،ال أدب ًا عاملي ًا. شاعرة ومترجمة من لبنان