الملحق الثقافي
12
العدد l 47الخميس 10يناير 2013
متابعات
الذكرى الثالثون لرحيل الشاعر لويس أراغون
«عندما ستمنحني حبيبتي مولودا ستكون كلمة «ستالين» ّ سألقنها له» األولى التي
رسالة من شاعر ميت
مرئيات أمينة بنبوشتى
أفكار ما بعد اإلنسان سنة ..2050عندما اإلنسان إنسانا أعلى ()1 يصير ُ
محمد أسليم
دريئة العدد رحيل شاعر عاش في مغارة وأكل وأمه اضطرت وعمرها من مزبلة ّ 72سنة إلى العيش في مقبرة وممارسة الدعارة
عصب الكتابة أكتب من حيث أنني ميت حفيظ بودى لكل أجل كتاب
نص أندريه بروتون "نادجا" ّ األخطبوطي حسن ملهبي
مملكة هذا العالم تأمالت في اليومي األمريكي ( )2خالد سليكي الحب إال للحبيب األول ما ّ جمال المعتصم بالله
مرئيـات هشام فهمي
Hicham_fahmi@hotmail.com
العزيز حفيظ بودى صباح اخلير اليوم قرأت على الفايسبوك أنك فارقت احلياة .أحترم اختيارك هذا ،فأنت نتصور، تعرف أنني لست من املتشبثني بأي وهم ،واحلياة أتفه مما كنا ّ لذلك أحييك على قرارك النهائي باملغادرة الطوعية .ماذا كان سيضيفه لك يوم زائد؟ ستف ّكر فقط بغرز حقنة إضافية من األنسولني في ذراعك .احلياة ّ ّ تستحق أن نكون شعراءها املفقودين .فال أحد هنا يعترف تستحق .ال ال بأحد .الناس هنا هائمة بال اجتاه وال وجه ،وأنت خالطتهم ،وفهمت الدرس كما يجب .القتلة التافهون كنت تعرفهم واحدا واحدا .هم أبطال هذا العصر« ،عصر شاحب زائف جندي» كما وصفته في قصيدتك .لست إلي؟ أنت و ّرطتني صراحة ،وكلما أدري ماذا سأفعل بأشعارك التي أرسلتها ّ قرأت قصيدة أو رسالة لك ،أحسست بأنني مجرد نذل ال يقوى على فعل شيء .ماذا كنت تتنظر مني ،غير التشهير بك؟ أعترف لك أنني عندما قرأت رسالتك التي حتكي فيها أنك عشت في مغارة وأكلت من مزبلة ،تيقنت أنك مغربي حقيقي .فهذه املغارة الكبيرة التي تؤوينا جميعا أحسسنا فيها باجلوع وطعم االضطهاد .أنا هاجرت وتركتك ملصيرك .ال أحتاج ألن أب ّرر علي موتا آخر يليق بشخص كان يحلم بالشمال .أعود لك أنني اقترحت ّ اليوم ألحضن اجلميع حتت األنقاض .أحضن أحبائي املوتى الذين تركتهم يتحدثون مع ثيابهم وقصائدهم. ترحل اليوم .وأتساءل بقوة هل تصف ّر عظمة اللسان وتصبح رميما عند رحيل كل شاعر؟ افتقدنا شاعرا آخر ،سقط من شجرة اللغة وكنسته الريح بعيدا خارج دورة يحس األدب الطبيعية .ماذا يعني أن يكون الشاعر الراحل مغربيا؟ هل ّ املغاربة بفقدان شعرائهم وأدبائهم؟ وحده املوت يجعلنا نتذكر بعضنا .شعراء حقيقيون كثر مي ّرون بالقرب منا وال ننتبه إليهم .إنهم ليسوا بحاجة إلينا.كبرياؤهم وهشاشة أرواحهم جتعلهم ّ يفضلون االكتفاء بذواتهم ،يشرطون أسماءهم على وجه اللغة بسكني اجلمال احلادّة ،وأحيانا ّ يقطعون من حلمهم قصائد حية ومينحونها لألبدية. ال نحتاج إلى اإلعالن عن موتانا من الكتاب والشعراء .هم يفعلون ذلك كمياومني في مصنع املوت للمنتوجات الروحية ،ويتن ّفسون في لوحدهم ُ حي وآخر ميت؟ كتاباتهم .ما الفرق بني شاعر مغربي ّ موتى كثر ّ يلطخون مكتباتنا وهم أحياء وميشون في األسواق ،وآخرون نردم عليهم التراب ،ونعتقد أنهم رحلوا دون رجعة ،لكننا نكتشف معهم أننا نحن األموات وهم األحياء ،يزفرون اجلمال في مخطوطاتهم وكتبهم التي تركوها وصية لال أحد. حفيظ بودى أعتذر إليك ،لكنه اعتذار امليت لصديق له في الضفة األخرى. أنا متأكد أنك ستوافقني الرأي بإتالف كل قصائدك التي بحوزتي .سأختار ّ يستحق هنا .ستتركها لهؤالء األحياء ّ يقطعون لها نهاية تليق بها .ال شيء أوصالها ويتف ّرجون على أملك املفجع .في شذرتك الشعرية التي بعنوان «اللغة» قلت« :إنها ال تسع حيرتي/وموتي املستمر» ،لذلك فاللغة بالنسبة إليك مج ّرد شفرة حالقة تستعمل مرة واحدة .كنتَ في قرارة نفسك تضحك ّ تستحق، على هؤالء الذين يتس ّلقون كقردة شجرة اللغة ،مينحونها أكثر مما ويضعون قرابينهم قرب املعبد ويتلون األذكار .كل قصائدك كانت متخ ّففة من أي إرث ثقيل ،كانت واضحة وبسيطة كأمك املقاومة التي رأيتها بعينيك حية في مقبرة .أعذرني إن ذ ّكرتك بجرح عميق ،لكنني أزداد حنقا على هذا البلد الذي ال يستحقك .أنت قلتها« :هل تساوي الكتابة قضيتي؟» ماذا كنت تقصد؟ محمود درويش كان يحمل قضية .هو كان يرى وطنه ُيغتصب وأنت أمك .يا لهول املقارنة! كنت ترى ّ كنتَ حتلم مبثقف جديد ينتج نصا تأسيسيا ،لذلك كتبتَ « :عندما جلستُ في مغارة ألكتب هذا الديوان كان شعوري أنني مقبل على إجناز صوت أركيولوجي ونص جنوبي ،لطبيعة اهتماماتي واحترامي لقضيتي ،وحدي أحس كالثلج ،إنها جتربة الهامش أخي بتكاليفها الباهظة» .ألول مرة ّ أحس يلوح مبغربيته كعلم في ملعب كرة من الدرجة الثالثة. مبغربي ال ّ ّ بجوبا أمازيغي ،ويهودي ،وإفريقي ،ومتوسطي .حفيظ بودى أنت كل هؤالء، وضدّنا جميعا ،ض ّد كل شرقنة أو غربنة .حفيظ بودى أنتَ نحن جميعا، عندما منوت ونشبع من املوت. حفيظ ترعبني الكلمات األخيرة .ال تنتظر مني شيئا ،فال أحد ينتظر أحدا هنا .أعتذر .املوت ال يعتذر .إن وصلتك رسالتي وطقطقة عظامي حتت األرض ،أبلغ سالمي لكل األصفياء من األحياء هناك.
بطاقة بيضاء
الفنانة أمينة بنبوشتى بورتريهات فوتوغرافية بال وجه الفنانة أمينة بنبوشتى بورتريهات فوتوغرافية بال وجه
رحيل الشاعر المغربي حفيظ بودى :أشعاره ورسائله الصادمة تنشر ألول مرة
عاش في مغارة وأكل من مزبلة وأمّه اضطرت وعمرها 72 سنة إلى العيش في مقبرة وممارسة الدعارة
للقراءة شؤون ..وشجون!
بعد كتابه املدهش الشهير «تاريخ القراءة» ،أصدر األرجنتيني ألبرطو مانغويل ،عدد ًا من األعمال التي تقتفي أثر ذلك الكتاب، وحتاكي منهجيته الفريدة التي متزج النقد بالتاريخ وباملتعة، تذوق ذاتية صرفة. وتس ّلح املقاربة التعليمية البارعة بنزعة ّ لقد أصدر ،على سبيل األمثلة« :املكتبة لي ً ال»« ،ستيفنسون حتت أشجار النخيل»« ،صحبة بورخيس»« ،وداع ًا همنغواي»« ،قاموس «بوابات الفردوس :أنطولوجيا الرواية القصيرة األماكن املتخ َّيلة»ّ ، اإليروتيكية» و«مكتبة روبنسون كروزو»... وفي ربيع ،2001أتيحت لي بهجة االستماع إليه مباشرة ،في املكتبة األمريكية هنا في باريس ،يحاضر عن كتابه األحدث آنذاك: احلب والكراهية» .وهذا عمل يسعى إلى «قراءة الصورة :تاريخ ّ إنصاف الذائقة البصرية للمشاهد العادي ،الذي يهوى الفنون التشكيلية وأعمال النحت والفوتوغراف والعمارة ،ولكنه مضطر إلى اخلضوع لهذا أو ذاك من أمناط االستبداد التي تفرضها رطانة النقد ونظريات فلسفة الفنون. الكتاب يتضمن قراءات في عدد من األعمال ،تبدأ من الفنان اإلرتيري فيلوكسينوس ،الذي رسم جدارية لإلسكندر األكبر خالل العصور الكالسيكية ،وتنتهي عند الفنانة الكندية املعاصرة ماريانا غارتنر، مرور ًا بأمثال كارباشيو وبيكاسو وجون ميتشل وأليخادينو .وهذه قراءات تن ّقب عميق ًا في باطن الصورة ،أو املنحوتة أو النصب التذكاري ،لكي تستخلص خطوط ترميز جامعة ،حول الصورة بوصفها حكاية ،أو غياب ًا ،أو أحجية ،أو شاهد ًا ،أو استيعاب ًا ،أو انعكاس ًا ،أو عنف ًا ،أو تهدمي ًا ،أو فلسفة ،أو ذاكرة ،أو مسرح ًا... الكتاب الثاني الذي يحلو لي أن أتوقف عنده هنا ،ألنه ال يقل إدهاش ًا وطرافة وجدة في آن مع ًا ،هو «مفكرة قراءة :تأمالت قارئ يدون شغوف حول سنة من الكتب» .وكما قد يوحي بذلك العنوانّ ، مانغويل وقائع قراءات سنة كاملة ،يوم ًا بيوم تقريب ًا ،وأحيان ًا وقت الصباح والظهيرة والعشية والليل ،ولكن ليس على النحو الطبيعي الذي قد يخطر على بالنا جميع ًا ،أو ّ لعل بعضنا قام ويقوم به يدون مذكرات حول ما قرأ أو يقرأ ،بل حول منط ـ بالفعل .إنه ال ّ ولع ّلي أقول :حول نسق ـ محدّد فريد واستثنائي من القراءة. إليكم احلكاية: ذات يوم من عام ،2002كان مانغويل يعيد قراءة واحد من الكتب الكالسيكية املفضلة عنده ،حني اكتشف أن هذا الكتاب يحمل الكثير من املغزى الراهن ليس في الوقائع اليومية التي يعيشها صاحبنا فحسب ،بل في األحداث التي يشهدها البلد الذي يتحدر منه مؤلف ذلك الكتاب ،والعالم على نطاق واسع أيض ًا .وهكذا قرر مانغويل أن يقوم بالتالي :سوف يختار 21من أمهات الكتب التي يحبها،
صبحي حديدي
وسيوزع كل كتاب على شهر ،ثم يبدأ ـ أثناء إعادة قراءة الكتاب ـ في تأمل ورصد وتدوين أي صالت وروابط ودالالت بني مضمون الكتاب (احلكاية والشخصيات واألزمنة والرموز والرسالة العامة،)... ومضمون الوقائع الفعلية في العالم الفعلي ذلك الشهر. احلصيلة مذهلة بالفعل ،ليس في جانب تلك املهارة العالية التي حتلى بها مانغويل ،في الربط بني املتخ َّيل والواقعي فحسب ،بل أيض ًا وأساس ًا في العبقرية العالية التي حتلى بها أصحاب تلك الكتب ،وأتاحت لهم اجتراح أعمال خالدة جتد فيها اإلنسانية ضالتها أي ًا كانت احلقبة ،وأنى انصرمت الدهور وتبدّلت األمور. وللوهلة األولى ،قد ال تبدو بعض األعمال التي اختارها مانغويل «خالدة» في رأي الكثيرين ،ورمبا في يقني السواد األعظم من القراء .وقد يبدو بعضها مغمور ًا أو عادي ًا أو حتى مجهو ًال .غير أن بعض اللعبة يكمن هاهنا حتديد ًا :تلك ذائقة قارئ اسمه ألبرطو مانغويل ،وهذه حصيلة قراءته هو وليس سواه؛ ولكن هذه أيض ًا حصيلة اخللود التي متتعت وتتمتع بها تلك األعمال ،كما التمسها صاحبنا. الالئحة تتضمن التالي :أدولفو بيوي كاساريس« :اختراع موريل» ،هـ .ج .ولز« :جزيرة الدكتور مورو» ،روديارد كبلنغ« :كيم»، شاتوبريان« :مذكرات من وراء القبر» ،آرثر كونان دويل« :عالمة األربعة» ،غوته« :صالت انتقائية» ،كنيث غراهام« :الريح في الصفصاف» ،سيرفانتس« :دون كيخوتة» ،دينو بوزاتي« :سهب التتار» ،ساي شوناغون« :كتاب املخدّة» ،مارغريت أتوود« :الطفو»، ويواكيم ماشادو دو أسيس« :مذكرات براس كوباس بعد وفاته». وقد يقول قائل« :ولكن أين ألف ليلة وليلة ...أ ّم السرد واحلكاية؟»، أو قد يهتف آخر« :أين «اإللياذة» وأين «األوديسة»؟» وقد يتابع ثالث« :بل أين جيمس جويس و«عوليس»؟» ..ولن نعدم ،بالطبعَ ،من سوف يستنكر« :أين الشعر؟ أين املسرح؟ أين القصة القصيرة؟». هذه أسئلة مشروعة متام ًا عند طارحيها ،ولكنها بالقدر ذاته، نافلة عند مانغويل ،أو باألحرى عند مانغويل في هذه الذائقة القرائية حتديد ًا .ذلك ال يعني أبد ًا أن كتابه ال يتحدث عن الشعر، إ ْذ كيف يعقل ألعمال خالدة في النثر ،أال حتيل إلى الشعر؟ هنالك، طي فصول الكتاب وعلى نحو منتثر مبعثر عن سابق قصد، ّ كالم عن والت ويتمان ،كيتس ،براوننغ ،وأالس ستيفنز ،رامبو، آنا أخماتوفا ،هاينة ،ريلكة ،رامبو ،بروتون ،بدر شاكر السياب ومحمود درويش. في عبارة أخرى ،للقراء في ما يقرؤون شؤون ..وشجون! كاتب وباحث سوري مقيم بباريس