الملحق الثقافي عدد 2

Page 1

‫الملحق الثقافي‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪ l 47‬الخميس ‪ 10‬يناير ‪2013‬‬

‫متابعات‬

‫الذكرى الثالثون لرحيل الشاعر لويس أراغون‬

‫«عندما ستمنحني حبيبتي‬ ‫مولودا ستكون كلمة «ستالين»‬ ‫ّ‬ ‫سألقنها له»‬ ‫األولى التي‬

‫رسالة‬ ‫من شاعر ميت‬

‫مرئيات‬ ‫أمينة بنبوشتى‬

‫أفكار‬ ‫ما بعد اإلنسان سنة ‪ ..2050‬عندما‬ ‫اإلنسان إنسانا أعلى (‪)1‬‬ ‫يصير‬ ‫ُ‬

‫محمد أسليم‬

‫دريئة العدد‬ ‫رحيل شاعر عاش في مغارة وأكل‬ ‫وأمه اضطرت وعمرها‬ ‫من مزبلة ّ‬ ‫‪ 72‬سنة إلى العيش في مقبرة‬ ‫وممارسة الدعارة‬

‫عصب الكتابة‬ ‫أكتب من حيث أنني ميت حفيظ بودى‬ ‫لكل أجل كتاب‬

‫نص أندريه بروتون‬ ‫"نادجا" ّ‬ ‫األخطبوطي‬ ‫حسن ملهبي‬

‫مملكة هذا العالم‬ ‫تأمالت في اليومي‬ ‫األمريكي (‪ )2‬خالد سليكي‬ ‫الحب إال للحبيب األول‬ ‫ما ّ‬ ‫جمال المعتصم بالله‬

‫مرئيـات‬ ‫هشام فهمي‬

‫‪Hicham_fahmi@hotmail.com‬‬

‫العزيز حفيظ بودى‬ ‫صباح اخلير‬ ‫اليوم قرأت على الفايسبوك أنك فارقت احلياة‪ .‬أحترم اختيارك هذا‪ ،‬فأنت‬ ‫نتصور‪،‬‬ ‫تعرف أنني لست من املتشبثني بأي وهم‪ ،‬واحلياة أتفه مما كنا‬ ‫ّ‬ ‫لذلك أحييك على قرارك النهائي باملغادرة الطوعية‪ .‬ماذا كان سيضيفه لك‬ ‫يوم زائد؟ ستف ّكر فقط بغرز حقنة إضافية من األنسولني في ذراعك‪ .‬احلياة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تستحق أن نكون شعراءها املفقودين‪ .‬فال أحد هنا يعترف‬ ‫تستحق‪ .‬ال‬ ‫ال‬ ‫بأحد‪ .‬الناس هنا هائمة بال اجتاه وال وجه‪ ،‬وأنت خالطتهم‪ ،‬وفهمت‬ ‫الدرس كما يجب‪ .‬القتلة التافهون كنت تعرفهم واحدا واحدا‪ .‬هم أبطال‬ ‫هذا العصر‪« ،‬عصر شاحب زائف جندي» كما وصفته في قصيدتك‪ .‬لست‬ ‫إلي؟ أنت و ّرطتني صراحة‪ ،‬وكلما‬ ‫أدري ماذا سأفعل بأشعارك التي أرسلتها ّ‬ ‫قرأت قصيدة أو رسالة لك‪ ،‬أحسست بأنني مجرد نذل ال يقوى على فعل‬ ‫شيء‪ .‬ماذا كنت تتنظر مني‪ ،‬غير التشهير بك؟ أعترف لك أنني عندما قرأت‬ ‫رسالتك التي حتكي فيها أنك عشت في مغارة وأكلت من مزبلة‪ ،‬تيقنت أنك‬ ‫مغربي حقيقي‪ .‬فهذه املغارة الكبيرة التي تؤوينا جميعا أحسسنا فيها‬ ‫باجلوع وطعم االضطهاد‪ .‬أنا هاجرت وتركتك ملصيرك‪ .‬ال أحتاج ألن أب ّرر‬ ‫علي موتا آخر يليق بشخص كان يحلم بالشمال‪ .‬أعود‬ ‫لك أنني اقترحت ّ‬ ‫اليوم ألحضن اجلميع حتت األنقاض‪ .‬أحضن أحبائي املوتى الذين تركتهم‬ ‫يتحدثون مع ثيابهم وقصائدهم‪.‬‬ ‫ترحل اليوم‪ .‬وأتساءل بقوة هل تصف ّر عظمة اللسان وتصبح رميما عند‬ ‫رحيل كل شاعر؟‬ ‫افتقدنا شاعرا آخر‪ ،‬سقط من شجرة اللغة وكنسته الريح بعيدا خارج دورة‬ ‫يحس‬ ‫األدب الطبيعية‪ .‬ماذا يعني أن يكون الشاعر الراحل مغربيا؟ هل‬ ‫ّ‬ ‫املغاربة بفقدان شعرائهم وأدبائهم؟‬ ‫وحده املوت يجعلنا نتذكر بعضنا‪ .‬شعراء حقيقيون كثر مي ّرون بالقرب‬ ‫منا وال ننتبه إليهم‪ .‬إنهم ليسوا بحاجة إلينا‪.‬كبرياؤهم وهشاشة أرواحهم‬ ‫جتعلهم ّ‬ ‫يفضلون االكتفاء بذواتهم‪ ،‬يشرطون أسماءهم على وجه اللغة‬ ‫بسكني اجلمال احلادّة‪ ،‬وأحيانا ّ‬ ‫يقطعون من حلمهم قصائد حية ومينحونها‬ ‫لألبدية‪.‬‬ ‫ال نحتاج إلى اإلعالن عن موتانا من الكتاب والشعراء‪ .‬هم يفعلون ذلك‬ ‫كمياومني في مصنع املوت للمنتوجات الروحية‪ ،‬ويتن ّفسون في‬ ‫لوحدهم ُ‬ ‫حي وآخر ميت؟‬ ‫كتاباتهم‪ .‬ما الفرق بني شاعر مغربي ّ‬ ‫موتى كثر ّ‬ ‫يلطخون مكتباتنا وهم أحياء وميشون في األسواق‪ ،‬وآخرون‬ ‫نردم عليهم التراب‪ ،‬ونعتقد أنهم رحلوا دون رجعة‪ ،‬لكننا نكتشف معهم أننا‬ ‫نحن األموات وهم األحياء‪ ،‬يزفرون اجلمال في مخطوطاتهم وكتبهم التي‬ ‫تركوها وصية لال أحد‪.‬‬ ‫حفيظ بودى أعتذر إليك‪ ،‬لكنه اعتذار امليت لصديق له في الضفة األخرى‪.‬‬ ‫أنا متأكد أنك ستوافقني الرأي بإتالف كل قصائدك التي بحوزتي‪ .‬سأختار‬ ‫ّ‬ ‫يستحق هنا‪ .‬ستتركها لهؤالء األحياء ّ‬ ‫يقطعون‬ ‫لها نهاية تليق بها‪ .‬ال شيء‬ ‫أوصالها ويتف ّرجون على أملك املفجع‪ .‬في شذرتك الشعرية التي بعنوان‬ ‫«اللغة» قلت‪« :‬إنها ال تسع حيرتي‪/‬وموتي املستمر»‪ ،‬لذلك فاللغة بالنسبة‬ ‫إليك مج ّرد شفرة حالقة تستعمل مرة واحدة‪ .‬كنتَ في قرارة نفسك تضحك‬ ‫ّ‬ ‫تستحق‪،‬‬ ‫على هؤالء الذين يتس ّلقون كقردة شجرة اللغة‪ ،‬مينحونها أكثر مما‬ ‫ويضعون قرابينهم قرب املعبد ويتلون األذكار‪ .‬كل قصائدك كانت متخ ّففة‬ ‫من أي إرث ثقيل‪ ،‬كانت واضحة وبسيطة كأمك املقاومة التي رأيتها بعينيك‬ ‫حية في مقبرة‪ .‬أعذرني إن ذ ّكرتك بجرح عميق‪ ،‬لكنني أزداد حنقا على هذا‬ ‫البلد الذي ال يستحقك‪ .‬أنت قلتها‪« :‬هل تساوي الكتابة قضيتي؟» ماذا كنت‬ ‫تقصد؟ محمود درويش كان يحمل قضية‪ .‬هو كان يرى وطنه ُيغتصب وأنت‬ ‫أمك‪ .‬يا لهول املقارنة!‬ ‫كنت ترى ّ‬ ‫كنتَ حتلم مبثقف جديد ينتج نصا تأسيسيا‪ ،‬لذلك كتبتَ ‪« :‬عندما جلستُ‬ ‫في مغارة ألكتب هذا الديوان كان شعوري أنني مقبل على إجناز صوت‬ ‫أركيولوجي ونص جنوبي‪ ،‬لطبيعة اهتماماتي واحترامي لقضيتي‪ ،‬وحدي‬ ‫أحس‬ ‫كالثلج‪ ،‬إنها جتربة الهامش أخي بتكاليفها الباهظة»‪ .‬ألول مرة‬ ‫ّ‬ ‫أحس‬ ‫يلوح مبغربيته كعلم في ملعب كرة من الدرجة الثالثة‪.‬‬ ‫مبغربي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫بجوبا أمازيغي‪ ،‬ويهودي‪ ،‬وإفريقي‪ ،‬ومتوسطي‪ .‬حفيظ بودى أنت كل هؤالء‪،‬‬ ‫وضدّنا جميعا‪ ،‬ض ّد كل شرقنة أو غربنة‪ .‬حفيظ بودى أنتَ نحن جميعا‪،‬‬ ‫عندما منوت ونشبع من املوت‪.‬‬ ‫حفيظ ترعبني الكلمات األخيرة‪ .‬ال تنتظر مني شيئا‪ ،‬فال أحد ينتظر أحدا‬ ‫هنا‪ .‬أعتذر‪ .‬املوت ال يعتذر‪ .‬إن وصلتك رسالتي وطقطقة عظامي حتت‬ ‫األرض‪ ،‬أبلغ سالمي لكل األصفياء من األحياء هناك‪.‬‬

‫بطاقة بيضاء‬

‫الفنانة أمينة بنبوشتى‬ ‫بورتريهات فوتوغرافية بال وجه‬ ‫الفنانة أمينة بنبوشتى بورتريهات فوتوغرافية بال وجه‬

‫رحيل الشاعر المغربي حفيظ بودى‪ :‬أشعاره ورسائله الصادمة تنشر ألول مرة‬

‫عاش في مغارة وأكل من مزبلة وأمّه اضطرت وعمرها ‪72‬‬ ‫سنة إلى العيش في مقبرة وممارسة الدعارة‬

‫للقراءة شؤون‪ ..‬وشجون!‬

‫بعد كتابه املدهش الشهير «تاريخ القراءة»‪ ،‬أصدر األرجنتيني‬ ‫ألبرطو مانغويل‪ ،‬عدد ًا من األعمال التي تقتفي أثر ذلك الكتاب‪،‬‬ ‫وحتاكي منهجيته الفريدة التي متزج النقد بالتاريخ وباملتعة‪،‬‬ ‫تذوق ذاتية صرفة‪.‬‬ ‫وتس ّلح املقاربة التعليمية البارعة بنزعة ّ‬ ‫لقد أصدر‪ ،‬على سبيل األمثلة‪« :‬املكتبة لي ً‬ ‫ال»‪« ،‬ستيفنسون حتت‬ ‫أشجار النخيل»‪« ،‬صحبة بورخيس»‪« ،‬وداع ًا همنغواي»‪« ،‬قاموس‬ ‫«بوابات الفردوس‪ :‬أنطولوجيا الرواية القصيرة‬ ‫األماكن املتخ َّيلة»‪ّ ،‬‬ ‫اإليروتيكية» و«مكتبة روبنسون كروزو»‪...‬‬ ‫وفي ربيع ‪ ،2001‬أتيحت لي بهجة االستماع إليه مباشرة‪ ،‬في‬ ‫املكتبة األمريكية هنا في باريس‪ ،‬يحاضر عن كتابه األحدث آنذاك‪:‬‬ ‫احلب والكراهية»‪ .‬وهذا عمل يسعى إلى‬ ‫«قراءة الصورة‪ :‬تاريخ‬ ‫ّ‬ ‫إنصاف الذائقة البصرية للمشاهد العادي‪ ،‬الذي يهوى الفنون‬ ‫التشكيلية وأعمال النحت والفوتوغراف والعمارة‪ ،‬ولكنه مضطر‬ ‫إلى اخلضوع لهذا أو ذاك من أمناط االستبداد التي تفرضها رطانة‬ ‫النقد ونظريات فلسفة الفنون‪.‬‬ ‫الكتاب يتضمن قراءات في عدد من األعمال‪ ،‬تبدأ من الفنان اإلرتيري‬ ‫فيلوكسينوس‪ ،‬الذي رسم جدارية لإلسكندر األكبر خالل العصور‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬وتنتهي عند الفنانة الكندية املعاصرة ماريانا غارتنر‪،‬‬ ‫مرور ًا بأمثال كارباشيو وبيكاسو وجون ميتشل وأليخادينو‪ .‬وهذه‬ ‫قراءات تن ّقب عميق ًا في باطن الصورة‪ ،‬أو املنحوتة أو النصب‬ ‫التذكاري‪ ،‬لكي تستخلص خطوط ترميز جامعة‪ ،‬حول الصورة‬ ‫بوصفها حكاية‪ ،‬أو غياب ًا‪ ،‬أو أحجية‪ ،‬أو شاهد ًا‪ ،‬أو استيعاب ًا‪ ،‬أو‬ ‫انعكاس ًا‪ ،‬أو عنف ًا‪ ،‬أو تهدمي ًا‪ ،‬أو فلسفة‪ ،‬أو ذاكرة‪ ،‬أو مسرح ًا‪...‬‬ ‫الكتاب الثاني الذي يحلو لي أن أتوقف عنده هنا‪ ،‬ألنه ال يقل‬ ‫إدهاش ًا وطرافة وجدة في آن مع ًا‪ ،‬هو «مفكرة قراءة‪ :‬تأمالت قارئ‬ ‫يدون‬ ‫شغوف حول سنة من الكتب»‪ .‬وكما قد يوحي بذلك العنوان‪ّ ،‬‬ ‫مانغويل وقائع قراءات سنة كاملة‪ ،‬يوم ًا بيوم تقريب ًا‪ ،‬وأحيان ًا وقت‬ ‫الصباح والظهيرة والعشية والليل‪ ،‬ولكن ليس على النحو الطبيعي‬ ‫الذي قد يخطر على بالنا جميع ًا‪ ،‬أو ّ‬ ‫لعل بعضنا قام ويقوم به‬ ‫يدون مذكرات حول ما قرأ أو يقرأ‪ ،‬بل حول منط ـ‬ ‫بالفعل‪ .‬إنه ال ّ‬ ‫ولع ّلي أقول‪ :‬حول نسق ـ محدّد فريد واستثنائي من القراءة‪.‬‬ ‫إليكم احلكاية‪:‬‬ ‫ذات يوم من عام ‪ ،2002‬كان مانغويل يعيد قراءة واحد من الكتب‬ ‫الكالسيكية املفضلة عنده‪ ،‬حني اكتشف أن هذا الكتاب يحمل الكثير‬ ‫من املغزى الراهن ليس في الوقائع اليومية التي يعيشها صاحبنا‬ ‫فحسب‪ ،‬بل في األحداث التي يشهدها البلد الذي يتحدر منه مؤلف‬ ‫ذلك الكتاب‪ ،‬والعالم على نطاق واسع أيض ًا‪ .‬وهكذا قرر مانغويل‬ ‫أن يقوم بالتالي‪ :‬سوف يختار ‪ 21‬من أمهات الكتب التي يحبها‪،‬‬

‫صبحي حديدي‬

‫وسيوزع كل كتاب على شهر‪ ،‬ثم يبدأ ـ أثناء إعادة قراءة الكتاب ـ في‬ ‫تأمل ورصد وتدوين أي صالت وروابط ودالالت بني مضمون الكتاب‬ ‫(احلكاية والشخصيات واألزمنة والرموز والرسالة العامة‪،)...‬‬ ‫ومضمون الوقائع الفعلية في العالم الفعلي ذلك الشهر‪.‬‬ ‫احلصيلة مذهلة بالفعل‪ ،‬ليس في جانب تلك املهارة العالية التي‬ ‫حتلى بها مانغويل‪ ،‬في الربط بني املتخ َّيل والواقعي فحسب‪ ،‬بل‬ ‫أيض ًا وأساس ًا في العبقرية العالية التي حتلى بها أصحاب تلك‬ ‫الكتب‪ ،‬وأتاحت لهم اجتراح أعمال خالدة جتد فيها اإلنسانية‬ ‫ضالتها أي ًا كانت احلقبة‪ ،‬وأنى انصرمت الدهور وتبدّلت األمور‪.‬‬ ‫وللوهلة األولى‪ ،‬قد ال تبدو بعض األعمال التي اختارها مانغويل‬ ‫«خالدة» في رأي الكثيرين‪ ،‬ورمبا في يقني السواد األعظم من‬ ‫القراء‪ .‬وقد يبدو بعضها مغمور ًا أو عادي ًا أو حتى مجهو ًال‪ .‬غير‬ ‫أن بعض اللعبة يكمن هاهنا حتديد ًا‪ :‬تلك ذائقة قارئ اسمه ألبرطو‬ ‫مانغويل‪ ،‬وهذه حصيلة قراءته هو وليس سواه؛ ولكن هذه أيض ًا‬ ‫حصيلة اخللود التي متتعت وتتمتع بها تلك األعمال‪ ،‬كما التمسها‬ ‫صاحبنا‪.‬‬ ‫الالئحة تتضمن التالي‪ :‬أدولفو بيوي كاساريس‪« :‬اختراع‬ ‫موريل»‪ ،‬هـ‪ .‬ج‪ .‬ولز‪« :‬جزيرة الدكتور مورو»‪ ،‬روديارد كبلنغ‪« :‬كيم»‪،‬‬ ‫شاتوبريان‪« :‬مذكرات من وراء القبر»‪ ،‬آرثر كونان دويل‪« :‬عالمة‬ ‫األربعة»‪ ،‬غوته‪« :‬صالت انتقائية»‪ ،‬كنيث غراهام‪« :‬الريح في‬ ‫الصفصاف»‪ ،‬سيرفانتس‪« :‬دون كيخوتة»‪ ،‬دينو بوزاتي‪« :‬سهب‬ ‫التتار»‪ ،‬ساي شوناغون‪« :‬كتاب املخدّة»‪ ،‬مارغريت أتوود‪« :‬الطفو»‪،‬‬ ‫ويواكيم ماشادو دو أسيس‪« :‬مذكرات براس كوباس بعد وفاته»‪.‬‬ ‫وقد يقول قائل‪« :‬ولكن أين ألف ليلة وليلة‪ ...‬أ ّم السرد واحلكاية؟»‪،‬‬ ‫أو قد يهتف آخر‪« :‬أين «اإللياذة» وأين «األوديسة»؟» وقد يتابع‬ ‫ثالث‪« :‬بل أين جيمس جويس و«عوليس»؟»‪ ..‬ولن نعدم‪ ،‬بالطبع‪َ ،‬من‬ ‫سوف يستنكر‪« :‬أين الشعر؟ أين املسرح؟ أين القصة القصيرة؟»‪.‬‬ ‫هذه أسئلة مشروعة متام ًا عند طارحيها‪ ،‬ولكنها بالقدر ذاته‪،‬‬ ‫نافلة عند مانغويل‪ ،‬أو باألحرى عند مانغويل في هذه الذائقة‬ ‫القرائية حتديد ًا‪ .‬ذلك ال يعني أبد ًا أن كتابه ال يتحدث عن الشعر‪،‬‬ ‫إ ْذ كيف يعقل ألعمال خالدة في النثر‪ ،‬أال حتيل إلى الشعر؟ هنالك‪،‬‬ ‫طي فصول الكتاب وعلى نحو منتثر مبعثر عن سابق قصد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كالم عن والت ويتمان‪ ،‬كيتس‪ ،‬براوننغ‪ ،‬وأالس ستيفنز‪ ،‬رامبو‪،‬‬ ‫آنا أخماتوفا‪ ،‬هاينة‪ ،‬ريلكة‪ ،‬رامبو‪ ،‬بروتون‪ ،‬بدر شاكر السياب‬ ‫ومحمود درويش‪.‬‬ ‫في عبارة أخرى‪ ،‬للقراء في ما يقرؤون شؤون‪ ..‬وشجون!‬ ‫كاتب وباحث سوري مقيم بباريس‬


‫الملحق الثقافي‬ ‫متابعات‬

‫العدد ‪ l 47‬الخميس ‪ 10‬يناير ‪2013‬‬

‫‪13‬‬

‫الذكرى الثالثون لرحيل الشاعر الفرنسي لويس أراغون ال تخلو من مفاجآت‬

‫«عندما ستمنحني حبيبتي مولودا ستكون كلمة «ستالني» األولى التي سألقّنها له»‬

‫األخبار‬

‫تستعيد فرنسا ال��ي��وم‪ ،‬ال��ذك��رى الثالثني لرحيل‬ ‫تخصص له ملفات‬ ‫شاعرها الكبير لويس أراغون‪ ،‬إذ‬ ‫ّ‬ ‫وصفحات ثقافية كاملة‪ ،‬وتعقد الندوات واللقاءات‬ ‫األدبية‪ ،‬كما أن دور النشر تتنافس‪ ،‬بدورها‪ ،‬في أن‬ ‫تكون س ّباقة إلى النبش عن اجلديد الذي لم ُيكشف‬ ‫عنه بعد في أعماله وسيرته‪.‬‬ ‫تطرح العودة إلى منجز لويس أراغون الكثير من‬ ‫األسئلة امللتبسة‪ ،‬إذ يصعب تصنيفه أو وضعه في‬ ‫خانة نقدية محدّدة‪ ،‬فهو العابر بني األزمنة واملخترق‬ ‫للنظريات والتيارات األدبية‪ .‬لويس أراغون الشاعر‬ ‫��س��ري��ال��ي ورف��ي��ق احل���زب الشيوعي‬ ‫وال���روائ���ي‪ ،‬ال ّ‬ ‫الفرنسي‪ ،‬املقاوم للنازية والعاشق‪ .‬إنه كل هؤالء‬ ‫وأكثر‪ ،‬حتى إن البعض يعتبره شاعر فرنسا الكبير‪،‬‬ ‫بعد أن أصبح من الكالسيكيات اعتبار فيكتور هوغو‬ ‫وج��ه فرنسا الشعري‪ .‬فهل هو ح ّقا شاعر فرنسا‬ ‫األول اآلن؟‬ ‫تبدو ه��ذه التصنيفات مجحفة ف��ي ح ّ‬ ‫��ق الشعر‬ ‫والشعراء‪ ،‬وال أهمية نقدية لها‪ ،‬باملقارنة مع ما‬ ‫أجنزه كل شاعر وساهم به إلثراء الشعرية الفرنسية‬ ‫والعاملية‪.‬‬ ‫ولد لويس أراغ��ون سنة ‪ 1897‬بإحدى ضواحي‬ ‫ب���اري���س‪ ،‬وع����اش ط��ف��ول��ة م���ؤمل���ة‪ ،‬إذ رف���ض أب���وه‬ ‫أم��ه إل��ى الناس‬ ‫االع��ت��راف به كابن‪ ،‬وكانت تق ّدمه ّ‬ ‫على أنه أخوها‪ .‬هذا الوضع االجتماعي والنفسي‪،‬‬ ‫ج��ع��ل م���ن أراغ������ون م��ق��اوم��ا ش��رس��ا ل��ك��ل م��ظ��اه��ر‬ ‫الطبقية والبرجوازية‪ ،‬فالتحق باحلزب الشيوعي‬ ‫الفرنسي سنة ‪ ،1927‬وبقي وفيا اللتزامه السياسي‬ ‫والنضالي‪ ،‬واعتبر شاعر احلزب وصوته الثقافي‬ ‫حتى نهاية حياته‪ ،‬رغ��م أن رفيقه الشاعر أن��دري‬ ‫ب��روت��ون‪ ،‬ال��ذي التحق ب��دوره باحلزب الشيوعي‪،‬‬ ‫سرعان ما تراجع عن ذل��ك في نهاية الثالثينات‪،‬‬

‫أن نراها من زوايا نظر مختلفة‪ .‬فعاشق «عيني إلزا»‬ ‫وضع نفسه دائما في قلب الصراع والسجال‪ ،‬وكانت‬ ‫شخصيته امللتبسة مثار انتقادات كثيرة‪ ،‬واليوم‬ ‫أيضا في ذك��راه الثالثني ُيفتح النقاش من جديد‬ ‫حول غموض شخصية أراغون‪ ،‬عندما اتهم دانييل‬ ‫بونيو‪ ،‬املشرف على أعمال أراغون الروائية الكاملة‪،‬‬ ‫الشاعر جان ريستا‪ ،‬من ّفذ وصية أراغون‪ ،‬على أنه‬ ‫ك��ان وراء ح��ذف الفصل السابع من كتاب دانييل‬ ‫بونيو «أراغون‪ ،‬بلبلة األجناس»‪ .‬هذا الفصل املثير‬ ‫يتحدث فيه دانييل بونيو عن حكايته مع أراغون‪،‬‬ ‫عندما حت�� ّرش ب��ه جنسيا سنة ‪ 1973‬داخ��ل أحد‬ ‫الفنادق ولم يتجاوز عمره ‪ 29‬سنة‪ ،‬بعد أن أصدر‬ ‫كتابه األول عن أراغون‪ ،‬وأبهجه ذلك كثيرا الى درجة‬ ‫أنه‪ ،‬كما يقول دانييل بونيو‪« ،‬كشف له شخصيته‬ ‫بالغة التعقيد»‪ .‬اعتبر أن رقابة جان ريستا «سلوك‬ ‫يعود الى عصر آخر‪ ،‬إنها االحتاد السوفياتي»‪ ،‬وأن‬ ‫كتابه «أراغون‪ ،‬بلبلة األجناس»‪ ،‬ال يقصد فقط البلبلة‬ ‫بني األجناس األدبية عند أراغ��ون‪ ،‬بل البلبلة بني‬ ‫الذكورة واألنوثة‪ ،‬ويضيف أن أراغ��ون يبقى «أهم‬ ‫كاتب واألكثر إثارة في القرن العشرين»‪ ،‬لكن جان‬ ‫ريستا ال يرى في ما فعله رقابة‪ ،‬ور ّد على أن دانييل‬ ‫بونيو بإمكانه إصدار ما نشره في دار نشر أخرى‪،‬‬ ‫وأن دوره يقتضي أن ُتقرأ أعمال أراغون على نطاق‬ ‫واس��ع‪ ،‬وب��رأي��ه فـ»قبل احلكم على أراغ���ون‪ ،‬لنبدأ‬ ‫بقراءته أوال‪ ،‬وباخلصوص رواياته الثالث املهمة»‪.‬‬ ‫رمبا كان جان ريستا يحاول تفادي التشويش على‬ ‫عمل أراغون الروائية‪ ،‬بقضية هامشية ته ّم حياته‬ ‫احلميمية واخلاصة‪ ،‬لكن نقادا فرنسيني يرون غير‬ ‫ذل��ك‪ ،‬ويعتبرون أن الفصل احمل��ذوف يكشف عن‬ ‫جانب مهم من حياة شاعر وروائي كبير‪ ،‬ترك أثره‬ ‫في املشهد الفرنسي والعاملي‪ ،‬غير أن آخرين يرون‬ ‫أنه ال ميكن اختزال منجز أراغون األدبي الرصني في‬ ‫سلوكه الشخصي واألخالقي‪.‬‬

‫وهو الذي ساهم مع أراغون في تأسيس الدادائية‬ ‫والسوريالية‪ .‬هذا املسار السياسي كان مثار أسئلة‬ ‫كثيرة ح��ول عالقة السياسي بالثقافي‪ .‬في إطار‬ ‫االحتفاء بالذكرى الثالثني لرحيل لويس أراغ��ون‪،‬‬ ‫أصدر بيير جوكان‪ ،‬أحد زعماء احلزب الشيوعي‪،‬‬ ‫كتابا بعنوان «أراغون‪ ،‬املصير الفرنسي»‪ ،‬عن دار‬ ‫«ال مارتينيير»‪ ،‬يرصد فيه أربعني سنة من حياة‬ ‫أراغون‪ ،‬يقول عنه‪« :‬إنه في نفس اآلن‪ ،‬أهم فاعل في‬ ‫تاريخ فرنسا املعاصر والشاعر العميق‪ ،‬ينضاف‬ ‫إلى ذلك الروائي والصحافي والباحث وناقد الفن‪،‬‬ ‫وحتى املؤرخ (لالحتاد السوفياتي)‪ .‬كل هذا يندرج‬ ‫ضمن تراثنا املشترك‪ ،‬فهو أ م��ام فيكتور هوغو‪،‬‬ ‫الشاعر الفرنسي األكثر ورودا في األغنية‪ ،‬ووظفه‬ ‫امللحنني»‪ .‬في حوار مع بيير جوكان‪،‬‬ ‫عدد كبير من‬ ‫ّ‬ ‫نشرته أسبوعية «لونوفيل أوبسرفاتور»‪ ،‬يتح ّدث‬ ‫هذا األخير بتفصيل عن رفيق دربه أراغون‪ ،‬لنكتشف‬ ‫ّ‬ ‫يفضل ستالني على الروائي مارسيل‬ ‫أن الشاعر كان‬ ‫بروست‪ .‬لكن األسبوعية ستطرح عليه السؤال األكثر‬ ‫إح��راج��ا ف��ي ح��ي��اة أراغ����ون‪ ،‬ع��ن��دم��ا ك��ت��ب قصيدة‬ ‫«اجلبهة احل��م��راء» متجيدا لشرطة ستالني‪ ،‬وقال‬ ‫ب��ا حل��رف‪« :‬عندما ستمنحني محبوبتي م��و ل��ودا‪،‬‬ ‫ستكون ستالني أول كلمة أل ّقنها ل���ه»‪ ،‬ي��رد بيير‬ ‫جوكان بأن أراغون «كان يريد أن يكون ماياكوفسكي‬ ‫الفرنسي‪ .‬لقد دافع عن احملاكمات الستالينية‪ ،‬في‬ ‫حني كان اجلنرال برمياكوف‪ ،‬صهر إل��زا تريولي‪،‬‬ ‫أح��د املتهمني‪ .‬لقد آم��ن أراغ����ون بكل ذل���ك‪ .‬باسم‬ ‫معاداة الفاشية‪ .‬قال يوما‪« :‬هل لي أن أقطع اليد‬ ‫التي كتبت هذه األشياء؟ أراغون شخصية مأساوية‬ ‫في تراجيديا الشيوعيني»‪.‬‬ ‫بعد ثالثني سنة على رحيل «مجنون إلزا»‪ ،‬سنتذكر‬ ‫أشعاره التي تغ ّنى بها كبار املغنيني الفرنسيني‪،‬‬ ‫أمثال براسنس وليو فيري‪ ،‬سنتذكر رواياته وأفكاره‬ ‫املقاومة‪ .‬لذلك يبقى أراغون شخصية متع ّددة‪ ،‬ميكن‬

‫مرئيـات‬

‫أفكار‬

‫ما بعد اإلنسان سنة‬ ‫‪ ..2050‬عندما يصير‬ ‫اإلنسا ُن إنسانا أعلى (‪)1‬‬ ‫ترجمة ‪ :‬محمد أسليم‬ ‫سلسلة من البحوث العلمية يقدّمها ويترجمها‬ ‫الكاتب والباحث املغربي محمد أسليم‪ ،‬على‬ ‫حلقات‪ ،‬تنقل ألول مرة إلى العربية على جريدة‬ ‫«األخ���ب���ار»‪ ،‬ح���ول ن��ظ��ري��ات م��ا ب��ع��د اإلن��س��ان‪.‬‬ ‫فاإلجنازات التكنولوجية تغزو حياتنا إلى حد‬ ‫ستخلق معه نوعا بشريا جديدا‪ .‬هذا هو أمل‬ ‫أنصار حركة اإلنسانية العابرة‪ ،‬وهي عائلة من‬ ‫الباحثني ورثة اخليال العلمي وق َّناصو اخللود‪.‬‬ ‫وقد التقت مجلة «‪ »L'illustre‬بأحد سفراء‬ ‫احلركة‪.‬‬ ‫كزافييه فيليب‪2012 - 02 – 15 ،‬‬ ‫«م��زي��دُون»‪ ،‬األط��راف االصطناعية‪،‬‬ ‫كلنا بش ٌر َ‬ ‫وأج��ه��زة ض��ب��ط ن��ب��ض��ات ال��ق��ل��ب‪ ،‬وال��ع��دس��ات‬ ‫الالصقة تصلحنا‪ ،‬وتخفف آالم��ن��ا‪ ،‬وتصحح‬ ‫وتضع قليال من النعومة على قسوة‬ ‫عيوبنا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وجودنا األرضي املفتقد إلى الكمال‪ .‬ولكن هل‬ ‫��س��نَ أنفسنا إل��ى درج��ة تغيير‬ ‫ميكننا أن ن��ح ِ ّ‬ ‫طبيعتنا‪ ،‬بحيث نصير أك��ث��ر ذك���اء وقابلني‬ ‫نجُ��م��د‪ ،‬وم��ا بعد‬ ‫لإلصالح‪ ،‬واإلن��ع��اش بعد أن‬ ‫َّ‬ ‫إنسانيني؟ ثم‪ ،‬هل هذا ضروري؟‬ ‫��ب ع��ائ��ل��ة من‬ ‫ف��ي م��ف��ت��رق ط���رق ال��ع��ل��م‪ ،‬جت��ي ُ‬ ‫يتسمونَ باإلنسانيني‬ ‫العلماء بنعم بدون عُ قدَة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫العابرين ‪ ،Transhumanistes‬وهم يتحدرون‬ ‫في أغلبهم من تربة الثقافة األمريكية املضادة‬ ‫ل��س��ن��وات ال��س��ت��ي��ن��ات‪ ،‬وي��ت��غ��ذون ف���ي معظم‬ ‫األحيان من رواي��ات اخليال العلمي‪ ،‬معلمون‬ ‫في بعض األحيان‪ ،‬و ُرؤ َي��اوي��ون شيئا ما‪ ،‬كما‬ ‫أنهم علماء متمرسون‪ ،‬بيولوجيون وفيزيائيون‬ ‫أو فالسفة‪ .‬لهم جامعاتهم اخلاصة في وادي‬ ‫السليكون (جامعة راي كورزويل اخلصوصية)‪،‬‬ ‫أو في أكسفورد (معهد نيك بوسطروم إلنسانية‬ ‫املستقبل)‪.‬‬ ‫وق���د ال��ت��ق��ت م��ج��ل��ة « ‪ »L'illustre‬بجوليو‬ ‫ُ‬ ‫حيث ُيقيم‪،‬‬ ‫بريسكو (‪ 45‬عاما) في بودابست‪،‬‬ ‫هو من أنصار اإلنسانية العابرة حتى النخاع‪،‬‬ ‫أصلع قليال‪ ،‬م��ن أج���واء ودي��ة ولطيفة‪ ،‬ورب‬ ‫عائلة‪ ،‬فيزيائي ومهندس معلوماتي‪ ،‬وعضو‬ ‫سابق في «‪ ، »CERN‬وعمل في وكالة الفضاء‬ ‫األوربية‪ ،‬وهو اليوم مستشار في مجال الواقع‬ ‫االفتراضي‪ .‬يقول‪َّ :‬‬ ‫«إن تعديل اإلنسان جذريا‬ ‫باستخدام التكنولوجيات اجلديدة‪ ،‬هو ممكن‬ ‫ومرغوب في آن واح��د»‪ .‬وق��د قمنا معه برسم‬ ‫بورتريه اإلنسانية ‪.2.0‬‬ ‫قبل ذل��ك‪ ،‬ال ب��د م��ن جرعة م��ن البراغماتية‪.‬‬ ‫م���ا ُي��ض��ف��ي ع��ل��ى ح��ل��م اخل���ل���ود ع��ن��د م���ا بعد‬ ‫اإلنسانيني‪ ،‬صبغة الواقعية هو القدرة الهائلة‬ ‫التي يكتشفها ويطورها اليوم ما ُيسمى بتقارب‬ ‫«اإلن بي إي سي‪ ،»NBIC‬أي تكنولوجيا النانو‬ ‫وال��ت��ك��ن��ول��وج��ي��ا ال��ب��ي��ول��وج��ي��ة وتكنولوجيا‬ ‫املعلومات والعلوم املعرفية‪ .‬والنمو الهائل‬ ‫ال��ذي تعرفه البحوث في مجال التكنولوجيا‬ ‫املعلوماتية دال في هذا الصدد‪ :‬فقوة احلواسيب‬ ‫تتضاعف في كل ثمانية عشر شهرا‪.‬‬ ‫وقد أعطانا اخليال العلمي ألف حملة عما ميكن‬ ‫لإلنسان أن يكونه في عام ‪ 2050‬وما بعده‪ ،‬من‬ ‫فيلم شفر ُة ع�� َدّاء إلى شريط تقرير األقلية‪ ،‬من‬ ‫رح��ل��ة إل��ى م��رك��ز ال��ذاك��رة‪ ،‬إل��ى فيلم ال��ص��ورة‬ ‫الرمزية‪ .‬كيف يرى ما بعد اإلنسانيون تطورنا؟‬ ‫أي مظهر سنأخذه وأي قدرات ستكون لنا؟ هل‬ ‫سنكون سايبورغات بدماغ بشري؟ أم سنكون‬ ‫على العكس أجسادا بيولوجية تدعمها وتشرف‬ ‫عليها أجهزة حواسيب؟ هل نحنُ فعال بصدد‬ ‫القطع مع الداروينية‪ ،‬وعلى استعداد لتغيير‬ ‫تراثنا اجليني لتغيير نوعنا البشري؟‬ ‫شاب وقوي‬ ‫جسد‬ ‫ّ‬ ‫لسنا غ��ي��ر ق��اب��ل�ين للكسر‪ ،‬ولكننا قابلون‬

‫ل��ل�إص��ل�اح‪ .‬وب��ف��ض��ل ال���ت���ق���دم احل���اص���ل في‬ ‫مجاالت طب العظام وصناعة اإلن��س��ان اآللي‬ ‫والسيبرنطيقا‪ ،‬ميكن القول إن اإلنسان البيوني‬ ‫الذي ميزج بني البيولوجيا واإللكترونيك‪ ،‬هو‬ ‫م��وج��ود بالفعل‪ .‬ففي مختبرات «أوت���و ب��وك»‬ ‫بالنمسا الرائدة على مستوى العالم في صناعة‬ ‫األطراف االصطناعية‪َّ ،‬‬ ‫مت جتهيز شاب بأطراف‬ ‫اصطناعية روبوتية‪ُ ،‬يتح َّك ُم فيها بالفكر‪ ،‬بعد أن‬ ‫فقد ذراعيه على إثر صعقة كهربائية‪.‬‬ ‫اختيار المرء لجسده‬ ‫يتيح ه���ذا ال��ن��وع م��ن ال��ت��دخ��ل ذي املنحى‬ ‫َ‬ ‫جعل امل��رء قويا مثل الروبوتات‪،‬‬ ‫اإلصالحي‪،‬‬ ‫كما ه��و احل��ال ‪ -‬وإن بطريقة أكثر تواضعا‬ ‫ مع الهياكل اخلارجية التي طورتها جامعة‬‫«بركلي» لصالح اجليش األمريكي‪ ،‬والتي تتيح‬ ‫للجندي اخلارق أن يحمل أثقاال هامة في جبال‬ ‫أفغانستان بدون تعب‪ .‬في الرياضة‪ ،‬تثي ُر حالة‬ ‫الع َدّاء اجلنوب أفريقي أوسكار بيستوريوس‪،‬‬ ‫الذي َّ‬ ‫مت جتهيزه بطرفي كربون اصطناعيني‪،‬‬ ‫مسألة احلدود بني اإلنسان املُ َر َّقى تكنولوجيا‪،‬‬ ‫ومنافسه العادي الذي لم يخضع ألية زيادة‪ .‬إذا‬ ‫كان األول يجري أسرع من الثاني‪ ،‬فهل تكونُ‬ ‫َّ‬ ‫ستتحطم األرقام القياسية‬ ‫عاهته امتيازا له؟ هل‬ ‫العاملية للعدو مستقبال‪ ،‬بفعل عمليات بتر‬ ‫الساقني الطوعية وتعويضهما بسبائك خفيفة؟‬ ‫صم َمت الباحثة الهولندية‬ ‫في مجال آخر‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫جليلة السعيدي‪ ،‬التي تعتبر نفسها من فناني‬ ‫«البيو آرت» (أي الفن البيولوجي)‪ ،‬جلدا بشريا‬ ‫من حرير العنكبوت‪ ،‬هو من القوة بحيث ال‬ ‫تخترقه رصاصة مس َّدس ُتطلق بسرعة ‪923‬‬ ‫مترا في الثانية‪ .‬ويبقى َّ‬ ‫أن جميع هذه الثورات‬ ‫التكنولوجية الصغيرة‪ ،‬التي يأمل اإلنسانيون‬ ‫العابرون في تنفيذها على اجلميع‪ ،‬ليست سوى‬ ‫ال��ش��رارة اخلفية لطرحهم املتمثل في الفكرة‬ ‫املذهلة‪ ،‬وهي أن ُيص َن َع اإلنسانُ بدل أن يو َلد‪.‬‬ ‫الرجوع إلى الشباب أو العيش ألف عام‬ ‫تعرف األدوي��ة املضادة للشيخوخة بدورها‪،‬‬ ‫ازده����ارا كبيرا ومفاجئا‪ .‬ف��ي ه��ذا امل��ج��ال‪ ،‬ال‬ ‫مجال للمقارنة بني إجن���ازات سجل التغذية‪،‬‬ ‫وأم���راض ال��غ��دد ال��ص��م��اء‪ ،‬وال��ط��ب التجميلي‬ ‫واإلمكانيات التي توظفها البحوث في بيولوجيا‬ ‫الشيخوخة‪ .‬ففي عام ‪ ،2010‬حقق معهد مكافحة‬ ‫السرطان في مدرسة الطب بجامعة هارفارد‪،‬‬ ‫إجناز تشبيب فئران‪ ،‬إذ أوقف الباحثون إنتاج‬ ‫جزيئة ال��ت��ي��ل��وم��ي��راز‪ ،‬ال��ت��ي ُت��ف��رزه��ا ال��ف��ئ��رانُ‬ ‫بشكل طبيعي‪ ،‬والتي تبطئ عملية الشيخوخة‪.‬‬ ‫وبإعادة تنشيطها‪ ،‬الحظ الباحثون َّ‬ ‫أن الدوائر‬ ‫العصبية ال��ت��ال��ف��ة ل���دى ف��ئ��ران ال��ت��ج��ارب قد‬ ‫استعادت وظائفها‪َّ ،‬‬ ‫وأن الفئرانَ قد استعادت‬ ‫خصوبتها وأعضاء الطحال والكبد واألمعاء‬ ‫لديها قد جت�� َدّدت‪ .‬وكانت تلك هي املرة األولى‬ ‫ال��ت��ي ُي�لاح��ظ فيها َّ‬ ‫أن س��ي��رورة الشيخوخة‬ ‫هي ذات طبيعة قابلة للعكس‪ .‬لقد َّ‬ ‫وضع‬ ‫مت‬ ‫ُ‬ ‫الفكرة في سيناريو فيلم قصة بنجامني باتون‬ ‫الغريبة‪ ،‬حيث يستعيد البطل (براد بيت) شبابه‬ ‫مبرور الوقت‪ .‬هي فكرة ال تزال مجرد استيهام‬ ‫بالنسبة إلى اإلنسان‪ ،‬ولكن أوبري دي غراي‪،‬‬ ‫وه��و إنساني ع��اب��ر بريطاني متخصص في‬ ‫بيولوجيا الشيخوخة عصامي‪ ،‬هو من نوع من‬ ‫العلماء أشباه املجانني‪ ،‬له هيأة هيبي‪ ،‬و ُيجري‬ ‫أب��ح��اث��ا على امل���دى ال��ط��وي��ل ف��ي علم ال��وراث��ة‬ ‫اجلزيئية وبيولوجيا اخلاليا‪ ،‬جلعلها حقيقة‬ ‫واق��ع��ي��ة‪ .‬وق��د ح��دد مشروعه«‪ »SENS‬سبعة‬ ‫أسباب للشيخوخة‪ ،‬باعتبارها مرضا‪ ،‬ويهدف‬ ‫إلى متديد متوسط عمر اإلنسان جذريا‪ ،‬عبر‬ ‫حتييد املجموعات اجلينية التي تتسبب في‬ ‫إتالفنا‪ .‬وي��رى أوب��ري دي غ��راي‪َّ ،‬‬ ‫أن اإلنسان‬ ‫ُ‬ ‫سيعيش ألف عام‪ ،‬هو موجود بيننا اليوم‬ ‫الذي‬ ‫بالفعل‪.‬‬

‫األخبار‬

‫الفنانة أمينة بنبوشتى‬ ‫بورتريهات فوتوغرافية بال وجه‬

‫ص��ور فوتوغرافية لبورتريهات ام���رأة ف��ي أمكنة متع ّددة‪،‬‬ ‫بعضها ملتقطة في صالونات مغربية أنيقة وبقفاطني مغربية‪،‬‬ ‫لكن املدهش أننا ال نرى وجهها أبدا‪ ،‬عوض ذلك نراها تخفيه‬ ‫بأباجورة أو حتفة فنية‪ .‬إنها سلسلة من األعمال الفوتوغرافية‬ ‫عرضتها الفنانة املغربية أمينة بنبوشتى بـ»ماتيس أرت غاليري»‬ ‫بالدار البيضاء‪ .‬ويبدو أن الفنانة حتاول التعامل مع فضاءات‬ ‫حتيل إلى هوية مغربية ما‪ ،‬وتستعمل األشياء األكثر حميمية‬ ‫وقربا من الذاكرة‪.‬‬ ‫أمينة بنبوشتى من مواليد ‪ 1963‬بالدار البيضاء‪ ،‬من أب مغربي‬ ‫وأ ّم فرنسية‪ ،‬حاصلة على دبلوم في األنثروبولوجيا والدراسات‬ ‫الشرق أوسطية بجامعة ماك غيل مبونريال الكندية‬ ‫سنة ‪ ،1986‬كما أنها كانت حتضر كمستمعة حرة‬ ‫إلى دروس املدرسة الوطنية للفنون اجلميلة‬ ‫بباريس‪ ،‬ما بني سنتي ‪ 1988‬و‪ ،1990‬وكانت‬ ‫تدير مجلة « ‪ »Les Alignés‬املختصة في‬ ‫الثقافة واملوضة‪.‬‬ ‫عرضت أمينة بنبوشتى أول أعمالها الفنية‬ ‫سنة ‪ ،1986‬وه��ي جت�� ّرب إل��ى جانب الفن‬ ‫التشكيلي وسائط أخرى‪ ،‬كمن قبيل الفيديو‬ ‫والفوتوغرافيا وفن التجهيز‪ .‬يعتبرها بعض‬ ‫النقاد أقرب فنيا إلى الفنان املغربي فؤاد بالمني‪.‬‬ ‫فلوحاتها التشكيلية تبدو وكأنها غير مكتملة‪ ،‬أو‬ ‫أنها فكرة أولية ملشروع لوحة‪ ،‬لكنها بدأت‪ ،‬في السنوات‬ ‫األخيرة‪ ،‬ترسم لنفسها مسارات جديدة أكثر عمقا‪ ،‬وتنفتح على‬ ‫الفضاء وتقنيات جديدة‪ .‬ففي تقدمي ملعرضها بعنوان «املساحة‬ ‫والقلب»‪ ،‬يقول عنها الكاتب والناقد الفني برنار كولي‪ ،‬املولود‬ ‫بالدار البيضاء واملقيم بفرنسا‪ ،‬والذي أشرف على العديد من‬ ‫املعارض الفنية املغربية‪« :‬إنها أبعد عن كل إغراء أو لون مغرق‬ ‫في اجلمالية‪ ،‬وتزعج عن طيب خاطر مسبقا كل ذوق‪ ..‬تدفعنا‬ ‫أمينة بنبوشتى إلى عالم ذهني‪ ،‬حيث نرى آثار الهوية والذاكرة‪،‬‬ ‫وأيضا إمياءة جسد قدمي يتح ّرر»‪.‬‬

‫نزهة المشتاق‬ ‫في اختراق اآلفاق‬

‫تأمـالت أمريكيـة‬ ‫ال أخطر من هذا األدب الذي يخضع‬ ‫جل��دل ال��دورة االقتصادية‪ ..‬إن��ه فاسد‬ ‫وم��ل��وث ال أث���ر ف��ي��ه للعمق الفلسفي‬ ‫املطلوب من األدب أن يقعره‪!..‬‬ ‫>>>>>‬

‫خالد سليكي‬

‫ال��ع��ق�لان��ي��ة ال��غ��رب��ي��ة م��ل��وث��ة بكل‬ ‫اخل���ص���ائ���ص ال���ب���دائ���ي���ة ل�ل�إن���س���ان‪:‬‬ ‫عدوان‪ ،‬مصلحة‪ ،‬خرافة‪ ،‬مركزية‪ ..‬أما‬ ‫العقالنية العربية فـ«سحرية» في أحسن‬ ‫أحوالها‪!!..‬‬ ‫>>>>>‬ ‫اليومي األمريكي رتيب في عمومه‪،‬‬ ‫ت��ك��راري بسبب ح��ال��ة ال��ف��ردن��ة‪ ...‬كل‬ ‫السلوكات تخضع للقانون‪ ..‬المجال‬ ‫للحرية إال في حدود عواملك الداخلية‪..‬‬ ‫أما اليومي العربي فمدمر وآل��ة لهدر‬ ‫ال��وق��ت‪ ،‬وال��ع��م��ر‪ ،‬واس��ت��ن��زاف الطاقة‬ ‫مجانا‪ ...‬في حني يبقى السلوك خاضعا‬ ‫ل��ل��م��زاج والم���ك���ان ل��ل��ف��ردن��ة‪..‬اجل��م��اع��ة‬ ‫وحدها صاحبة الكلمة‪!..‬‬ ‫>>>>>‬ ‫ه��ن��اك دورات تكوينية ف��ي الكتابة‬ ‫السردية والشعرية والنقدية‪ ..‬إن كانت‬ ‫حتمل ف��ي ظ��اه��ره��ا ازده����ارا للثقافة‬ ‫األدبية األمريكية وحبها‪ ،‬فإنها جتلي‬ ‫درج���ة ال��ف��س��اد ال���ذي ط��ال ك��ل مناحي‬ ‫احلياة وجعلها مجرد دورة اقتصادية‪..‬‬ ‫كل شيء فيها خاضع للبيع والشراء‪..‬‬ ‫ص��ارت ثقافة «البست سيلر» سلعة‬ ‫رائجة‪..‬‬

‫ال��ف��رد ه��و ال���ذي يهمش اجل��م��اع��ة‪..‬‬ ‫وليس أم��ام اجلماعة س��وى أن تلتزم‬ ‫باحترام القانون وحرية الفرد‪!..‬‬ ‫>>>>>‬ ‫تتحدث إل��ى أم��ري��ك��ي أو أمريكية‪..‬‬ ‫هو‪/‬هي غير معني بأخطائك اللغوية‬ ‫إذا ارت��ك��ب��ت��ه��ا‪ ،‬ل��ي��س م��ث��ل الفرنسي‬ ‫املريض بلغته التي يخشى عليها من‬ ‫االنقراض‪ ..‬يؤمن األمريكي بأنه مجرد‬ ‫سليل ملهاجر جاء إلى العالم اجلديد‬ ‫بلغة غير اإلجنيلزية‪ ...‬إنه يتكلم لغة‬ ‫هو بحاجة دائمة إلى تطويرها‪ ..‬يريدك‬ ‫أن تساهم في تطويرها بانزياحاتك كي‬ ‫يتخلص من االستعمار اللغوي‪!..‬‬

‫>>>>>‬ ‫ال أح��ب ن��ي��وي��ورك‪ ،‬ألنها جعلت من‬ ‫احلرية مجرد مزار يلتقط فيه السياح‬ ‫ص���ورا ل��ل��ذك��رى‪ .‬لكني أح���ب حريتي‬ ‫ف��ي ش���وارع مانهاتن وس��ط الصخب‬ ‫واملارين‪ ...‬حيث تقف لدقائق كي تشرب‬ ‫ك��أس قهوتك‪ ،‬فتمر أم��ام��ك ك��ل أن��واع‬ ‫املالمح البشرية‪ .‬العالم كله تختزله‬ ‫قطعة أرض وقطعة زمنية‪ ...‬إنها متحف‬ ‫لتاريخ اللحظة‪!..‬‬ ‫امل����رأة‪ ،‬ج��س��دا‪ ،‬ضحية الرأسمالية‬ ‫املتوحشة والعقل الذكوري القضيبي‬ ‫ال����ذي ي��ت��ج��س��د ب��ك��ل م��ظ��اه��ر الضبط‬ ‫والهيمنة‪ ..‬واحلركات النسائية تواجه‪،‬‬ ‫تقاوم‪ ،‬وتفضح من أجل حترير اجلسد‬ ‫األن��ث��وي م��ن «ال��ت��س��ل��ي��ع»‪ ،‬ال���ذي طاله‬ ‫من قبل االقتصادي السياسي للعقل‬ ‫الرجولي‪..‬‬ ‫لذلك‪ ،‬ليس هناك يوم عاملي للمرأة‪..‬‬

‫‪2‬‬

‫السنة كلها نضال من أجل التحرر من‬ ‫الوعي القضيبي البطرياركي!‬ ‫>>>>>‬ ‫الثقة منعدمة في أمريكا‪ ،‬كما في باقي‬ ‫املجتمعات‪ .‬وكل معاملة‪ ،‬أو سلوك‪ ،‬أو‬ ‫تصرف‪ ،‬ينبغي أن يكون حتت طائلة‬ ‫القانون‪..‬‬ ‫لكن القاعدة العامة واملبدئية مؤسسة‬ ‫على الثقة!‬ ‫مي���ك���ن���ك أن حت�����ل ك�����ل م���ش���اك���ل���ك‬ ‫ع���ب���ر ال����ه����ات����ف‪ ،‬واحل�����ص�����ول ع��ل��ى‬ ‫ق�����روض أو ت��س��ه��ي�لات ب��ن��ك��ي��ة عبر‬ ‫الهاتف‪..‬‬ ‫لم يطلب مني‪ ،‬أب��دا‪ ،‬عقد ازدي��اد أو‬ ‫شهادة سكنى‪!..‬‬ ‫ك��م تصبح احل��ري��ة وال��ث��ق��ة سالحا‬ ‫خطرا على الفرد إن لم يتعامل معه بكل‬ ‫أنواع القيود‪..‬‬ ‫ت��ص��ب��ح احل���ري���ة ه���ي ال��س��ال��ب��ة لكل‬ ‫احلريات!‬ ‫>>>>>‬ ‫كثير م��ن األص���دق���اء ال��ع��رب‪ ،‬س��واء‬ ‫ال��ذي��ن يقيمون أو ال��ذي��ن ج���اؤوا في‬ ‫رحلة سياحية‪ ،‬مثقفون وغير مثقفني‪..‬‬ ‫يصابون بنوع من اإلحباط‪ ..‬فأمريكا‬ ‫التي في تصورهم غير الواقع‪..‬‬ ‫ثمة مثل مغربي بليغ يقول‪« :‬السوق‬ ‫أنت وما تسوقت»‪ ..‬لكنني أعتقد‪ ..‬بناء‬ ‫على معطيات ودراسات‪ ،‬أن «الصعقة»‪،‬‬ ‫والصدمة‪ ،‬والدهشة‪ ،‬وخيبة االنتظار‬ ‫مطلوبة!‬ ‫لن أشرح ولن أخوض في التفاصيل‪،‬‬ ‫إمنا يروق لي أن أشير إلى مثال السيد‬ ‫قطب؟! والتحول ال��ذي ط��رأ عليه بعد‬ ‫عودته من أمريكا‪ ،‬وبعد اإلقامة فيها‬ ‫ملدة‪..‬‬ ‫كاتب وباحث مغربي مقيم بأمريكا‬


‫الملحق الثقافي‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪ l 47‬الخميس ‪ 10‬يناير ‪2013‬‬

‫رحيل الشاعر المغربي حفيظ بودى‪ :‬أشعاره ورسائله الصادمة تنشر ألول مرة‬

‫دريئة العدد‬

‫عاش في مغارة وأكل من مزبلة وأمّه اضطرت وعمرها ‪72‬‬ ‫سنة إلى العيش في مقبرة وممارسة الدعارة‬

‫إعداد ‪ :‬هشام فهمي‬ ‫أقرأ هذه األيام على حائط «الفايسبوك»‪،‬‬ ‫أن الشاعر املغربي حفيظ بودى قد رحل‪.‬‬ ‫اخلبر تناقله بعض الشعراء‪ ،‬لكنه بقي خبرا‬ ‫غصة في احللق‪.‬‬ ‫مع ّلقا وغير مؤكد‪ ،‬يشبه ّ‬ ‫بعدها كتبت للصديق الذي أعلن عن اخلبر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فأكد لي أن حفيظ بودى ترك فعال احلياة‪،‬‬ ‫وانصرف إلى شؤونه اخلاصة‪.‬‬ ‫اليوم تخصص «األخبار» ملفا عن الشاعر‬ ‫املغربي الراحل‪ ،‬سنقرأ له مختارات شعرية‬ ‫من ديوانه األول «هكذا تك ّلم جوبا»‪ ،‬وسنقرأ‬ ‫أيضا بعض أشعاره من مخطوطة «أشعار‬ ‫احلكومة البيضاء»‪ ،‬التي لم يسبق نشرها‪،‬‬ ‫مع الكشف عن أفكاره ورؤيته الشعرية‪ ،‬من‬ ‫خالل بعض مراسالته التي تنشر ألول مرة‪.‬‬

‫به املجموعة‪ .‬على أية ح��ال‪ ،‬ما يأسر في‬ ‫املجموعة‪ ،‬هو بساطة تصميمها املنسجمة‬ ‫مع بساطة لغوية ال تدّعي أي شيء‪ ،‬حتى‬ ‫الشاعر ال يعلن عن نفسه بأنا متضخمة‪ ،‬بل‬ ‫هو شاعر حسب دورة الطبيعة واملزاج‪ ،‬كما‬ ‫نقرأ في بداية املجموعة‪« :‬عند كل خريف‬ ‫أحتول إلى شاعر‪/‬يكتب لنفسه فقط»‪ .‬إنها‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫جمل صلبة ومقتضبة تعمل بعمق على‬ ‫احلفر في الذات وخبطها بجدار العالم‪ ،‬فهو‬ ‫يقول في هذا املقطع‪« :‬عصر شاحب زائف‬ ‫جندي‪/‬غالبا ما تتصل إرادتي بعبث قاتل»‪.‬‬ ‫سنالحظ منذ البداية أن عنوان املجموعة‬ ‫الذي يحيل على الكتاب النيتشوي‪« ،‬هكذا‬ ‫تك ّلم زرادشت»‪ ،‬يضعنا مباشرة في العالم‬ ‫الفلسفي للشاعر حفيظ بودى‪.‬‬

‫وليس من الشرق والغرب‪ ،‬هذه مجرد عالقة‬ ‫وتاريخ دولي ومكسب يخصنا‪ ،‬أي شعب‬ ‫ينطلق ويبدأ من زمنه األول في جغرافيته‪،‬‬ ‫في حني تستمر شمال إفريقيا الوحيدة‬ ‫عامليا‪ ،‬التي تفكر مبعطيات تاريخها العام‬ ‫وفضائه اخلصب‪ ،‬الضامن لعلمانية وطنية‬ ‫غير متناقضة مع أي نص من نصوصها‬ ‫امل��ك ّ��ون��ة للعقل امل��غ��رب��ي‪ ،‬ب��اع��ت��ب��اره عقال‬ ‫فلسفيا تنظيميا ومرجعيا‪ .‬عندما جلست‬ ‫في مغارة ألكتب هذا الديوان‪ ،‬كان شعوري‬ ‫أنني مقبل على إجناز صوت أركيولوجي‬ ‫ون����ص ج���ن���وب���ي‪ ،‬ل��ط��ب��ي��ع��ة اه��ت��م��ام��ات��ي‬ ‫واح��ت��رام��ي لقضيتي‪ ،‬وح��دي كالثلج‪ ،‬إن‬ ‫جتربة الهامش أخي بتكاليفها الرهيبة‪..‬‬ ‫عندما تكون القضية بوضوحها الفلسفي‪.‬‬

‫ال أعاني سلطة األدب ال‬ ‫حزب ال نقابة ال تصويت‬

‫الرسالة الثانية‪ :‬أنا لست‬ ‫عربيا‪ ..‬المغربي إفريقي‬ ‫أمازيغي متوسطي‬

‫رسالة إلى «الغارة الشعرية»‬ ‫توصلت «الغارة الشعرية» سنة ‪،1999‬‬ ‫ّ‬ ‫برسالة من شاعر مغربي ال يعرفه أحد‪،‬‬ ‫اسمه حفيظ بودى‪ .‬ثمة لعنة تالحق الكثير‬ ‫من الشعراء املغاربة احلقيقيني‪ ،‬فقد يقضي‬ ‫الشاعر دهرا دون أن يسمع عنه أحد‪« ،‬يكتب‬ ‫لنفسه فقط»‪ ،‬كناسك في دير مهجور‪ ،‬وحتى‬ ‫عندما يصدر كتابه األول‪ ،‬تظنّ أنه أطلق‬ ‫بيانا شعريا ضد نفسه وضد العالم‪.‬‬ ‫أده��ش��ن��ي ن��ص حفيظ ب���ودى ال��ش��ع��ري‪.‬‬ ‫لم يكن يعنيني أن أتعرف على الشخص‪.‬‬ ‫وأع��ل��ن��ت ص��داق��ت��ي م��ع ن��ص��وص شعرية‬ ‫ملفتة‪ ،‬ومختلفة متاما عما ُيكتب من شعر‬ ‫مغربي‪ .‬قرأت ديوانه الشعري األول «هكذا‬ ‫تك ّلم جوبا»‪ ،‬وبعدها وجدت نفسي مدفوعا‬ ‫نحو الكتابة إليه والكتابة عنه‪ .‬أحسست‬ ‫كتفي‪ .‬فكتبت‬ ‫بثقل أش��ع��اره يسقط على‬ ‫ّ‬ ‫عنه بعض السطور وأرسلتها إلى جريدة‬ ‫«ال��ق��دس ال��ع��رب��ي»‪ُ ،‬ن��ش��رت ف��ي ع��دد نهاية‬ ‫األسبوع ليومي ‪ 25 - 24‬أبريل من سنة‬ ‫‪ ،1999‬بعنوان «زمني خارج املساحة»‪.‬‬

‫هكذا تكلّ م حفيظ بودى‬ ‫حفيظ ب���ودى‪ ،‬شاعر م��ن مواليد ‪1960‬‬ ‫مبدينة األسف الكبير‪ ،‬آسفي‪ .‬اشتغل معلما‬ ‫وكان مصابا بداء السكري‪ ،‬حسب ما ورد‬ ‫في رسائله وقصيدة له بعنوان «ي��وم مع‬ ‫األنسولني»‪ ،‬والتي أهداها لطبيبه‪ .‬صدرت‬ ‫مجموعته الشعرية األول���ى سنة ‪،1997‬‬ ‫ب��رق��م إي����داع ق��ان��ون��ي ‪ ،1998/ 724‬عن‬ ‫مطبعة الكتاب بآسفي‪ ،‬على غالفها جند‬ ‫العنوان التالي «الديوان اجلنوبي‪ ،‬هكذا‬ ‫تك ّلم جوبا»‪ ،‬مذ ّيل بتاريخ كتابة النصوص‬ ‫ما بني سنوات ‪ 1990‬و‪ .1997‬عدد صفحات‬ ‫امل��ج��م��وع��ة خ��م��س وس���ت���ون ص��ف��ح��ة‪ ،‬في‬ ‫الصفحة األول��ى عنوان يفتتح املجموعة‬ ‫«أكتب من حيث أنني ميت»‪ ،‬ويتوزع الباقي‬ ‫على خمسة عناوين رئيسية أو خمسة كتب‪،‬‬ ‫من «الكتاب األول» إلى «الكتاب اخلامس»‪،‬‬ ‫تليها عناوين فرعية‪ ،‬لكن ثمة ارتباك في‬ ‫وضع العناوين‪ ،‬غير أن جماليتها تشفع‬ ‫لها‪ ،‬مثلما نعثر في صفحة ‪ 41‬على صفحة‬ ‫بيضاء بعنوان «الديناصور»‪ ،‬فال نعرف إن‬ ‫تخلى عن التقسيم اخلماسي للكتب‪ ،‬أم أنه‬ ‫يستأنف بعنوان جديد مثل األول الذي بدأ‬

‫طرد الفيلسوف أفالطون الشعر والشعراء‬ ‫م��ن جمهوريته‪ .‬ك��ان ي��رى أن��ه��م مز ّيفون‬ ‫للحقيقة‪ ،‬ويحاكون عاملا موجودا فقط في‬ ‫خيالهم‪ .‬رغم التقاطب بني عاملي الفلسفة‬ ‫وال��ش��ع��ر‪ ،‬إذ ينهل األول م��ن ال��ل��وغ��وس‬ ‫والثاني من امليتوس‪ ،‬فإنهما يلتقيان في‬ ‫تأمل ال��ع��ال��م‪ ،‬وه��و م��ا حت��دث عنه رامبو‬ ‫بالفصل بني شعر الرؤية والرؤيا‪ .‬فحفيظ‬ ‫ب����ودى ي���ب���دو‪ ،‬ف���ي ال��ك��ث��ي��ر م���ن ق��ص��ائ��ده‪،‬‬ ‫شاعرا رائيا يستشرف العالم ويحضنه‬ ‫في املستقبل‪ ،‬يقول في قصيدة «املغارة»‪:‬‬ ‫«هنا ال شيء يحيط بي‪/‬غير أفكاري‪/‬الذات‬ ‫وعاء مطلق لتواجد‪ /‬الوجود‪ /‬للنطق باسم‬ ‫العالم‪ /‬باسم اخلوف األخير»‪ .‬مثلما هي‬ ‫قصائد حفيظ ب��ودى تعكس قلق الشاعر‬ ‫الفلسفي في عالقته بالذات واآلخر والعالم‪،‬‬ ‫فمقاالته ورسائله‪ ،‬أيضا‪ ،‬تكشف بوضوح‬ ‫��وح��د‪ ،‬يحمل أف��ك��ارا‬ ‫أن ه��ذا ال��ش��اع��ر امل��ت ّ‬ ‫مختلفة وأحيانا غريبة وض ّد التيار‪ .‬يقول‬ ‫في رسالته‪« :‬لم أكن أبدا شاعرا ينتهي في‬ ‫األدب‪ ،‬ال على مستوى التكوين وال االهتمام‪،‬‬ ‫واملرجعيات‪ ،‬وهذا مهم جدا توضيحه»‪ ،‬ثم‬ ‫يضيف قائال‪« :‬إنني مواطن مبدع يراقب‬ ‫ويختلط ثم يح ّلل ذلك بالكائن البعدي الذي‬ ‫يطبعني‪ ،‬داخل فضاء فلسفي وشخصي‪».‬‬ ‫الشاعر حفيظ ب��ودى يعلن عن نفسه في‬ ‫القصيدة كما ف��ي ال��رس��ائ��ل‪ ،‬ب��أن��ه شاعر‬ ‫مختلف يقطع مع السائد‪ ،‬ونفهم كيف أن‬ ‫بحثه عن حرية الفكر والذات جعاله خارج‬ ‫كل السلطات الثقافية واالجتماعية‪ .‬يقول‬ ‫علي‪،‬‬ ‫في رسالته‪« :‬ال أعاني من سلطة األدب ّ‬ ‫ال حزب‪ ،‬ال نقابة‪ ،‬ال تصويت‪ ،‬ال جمعيات‪،‬‬ ‫مواطن ي��رى ما يستطيع وانتهى األم��ر»‪.‬‬ ‫ه��ذا درس شعري كبير‪ ،‬يبدأ باستقاللية‬ ‫الذات‪ ،‬لينتهي إلى حت ّرر النص‪ ،‬فال مت ّيز‬ ‫وال انفراد إبداعيني‪ ،‬دون حتصني الذات‬ ‫وبحثها الدائم عن حريتها واستقالليتها‪.‬‬

‫شاعر يسكن مغارة ويأكل من‬ ‫تضطر و عمرها ‪ 72‬سنة‬ ‫وأمه‬ ‫مزبلة ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلى ممارسة الدعارة في مقبرة‬ ‫يحكي حفيظ ب��ودى في إح��دى رسائله‪،‬‬

‫أن��ه ك��ان يشتغل مع ّلما‪ ،‬إذ إن��ه عُ �ّي�نّ بكل‬ ‫م��ن ت���اف���راوت وم��ي��ر ال�� ّل��ف��ت‪ ،‬ب�ين س��ن��وات‬ ‫‪ 1982‬و‪ ،1986‬وانتقل إل��ى مدينة آسفي‬ ‫واستق ّر بها بني سنوات ‪ 1987‬و‪،1999‬‬ ‫بعدها سيتع ّر ض لتوقيفات ع��ن العمل‬ ‫بدون أجرة‪ ،‬ال يذكر أسبابها بني سنوات‬ ‫‪ 1991‬و‪ .1997‬امل��ؤل��م أن��ه سيتش ّرد‪ ،‬مما‬ ‫بأمه العجوز‬ ‫سيجعله ال يستطيع التك ّفل ّ‬ ‫التي انفصل عنها أبوه‪ ،‬الذي كان جنديا‪،‬‬ ‫سنة ‪ ،1975‬ليضطر إلى السكن في مغارة‪،‬‬ ‫واألكل من األزبال مباشرة (انظر الرسالة‬ ‫أمه‪ ،‬مضط ّرة‪ ،‬إلى العيش‬ ‫املرفقة)‪ ،‬وستلجأ ّ‬ ‫وممارسة ال�� ّدع��ارة في مقبرة وه��ي ام��رأة‬ ‫عجوز‪ .‬املفجع أن هذه املرأة كانت مقاومة‪،‬‬ ‫لكن ال أحد اعترف لها بذلك‪ ،‬رغم أنها كانت‬ ‫تنتمي إل��ى ح��زب االستقالل‪ ،‬ثم اشتغلت‬ ‫خ��ادم��ة ف��ي ب��ي��وت ال��ي��ه��ود والفرنسيني‬ ‫والبرتغاليني واإلس��ب��ان‪ ،‬بعدها أصبحت‬ ‫عاملة مبصانع ال��س��ردي��ن‪ .‬يقول الشاعر‬ ‫حفيظ بودى في رسالة له‪« :‬أبي انفصل عن‬ ‫والدتي منذ سنة ‪ .1875‬عشت معها‪ ،‬ثم‬ ‫تك ّفلت بها‪ ،‬وعند سنة ‪ 1990‬سوف نتش ّرد‪،‬‬ ‫وقد توفيت أثناء التوقيفات بعد إصابتها‬ ‫بالسكري‪ ،‬وقد تشردت هي كذلك وأصبحت‬ ‫وحتولت إل��ى عاهرة رغما‬ ‫تسكن املقبرة‬ ‫ّ‬ ‫عنها وعمرها ‪ 72‬سنة‪ .‬أن��ت تعرف أخي‬ ‫عالم املقبرة‪ ..‬مقابل عيش!! وعاشت حقوق‬ ‫سويت وضعيتي بكل‬ ‫اإلنسان !! بعد ‪ّ 1998‬‬ ‫برودة‪ ..‬بعد أن جرحت في كرامتي كمواطن‬ ‫وإنسان»‪.‬‬ ‫ك��ل ه���ذه ال��ف��ظ��اع��ة ال��ص��ادم��ة وال��ت��ي ال‬ ‫���ص���دّق‪ ،‬ع��اش��ه��ا ح��ف��ي��ظ ب����ودى ل��وح��ده‪،‬‬ ‫ُت َ‬ ‫مواجها مصيره املغربي األس��ود‪ ،‬وكأنها‬ ‫لعنة ال تقاوم نلمسها في نصوصه الشعرية‬ ‫املكتوبة بصدق كبير‪ .‬ونحن نقرأ حلفيظ‬

‫ب��ودى‪ ،‬نلمس تلك امل��رارة وهي تنغرز في‬ ‫اللحم‪ ،‬كأنها مشي بقدمني حافيتني على‬ ‫زج��اج مكسور‪ .‬إن��ه إحساس باالضطهاد‬ ‫سيتحول إل��ى سخط سياسي‪ ،‬سنكتشفه‬ ‫ّ‬ ‫واض��ح��ا ف��ي مخطوطته «أش��ع��ار حكومة‬ ‫بيضاء»‪ ،‬التي ننشر منها بعض القصائد‬ ‫ألول م���رة‪ ،‬ع��ن��وان امل��ج��م��وع��ة يحيل إل��ى‬ ‫صعود حكومة التناوب نهاية التسعينات‪،‬‬ ‫لذلك سيفتح بودى النار في قصائده‪ ،‬على‬ ‫بعض الوزراء والسياسيني بسخرية الذعة‪.‬‬ ‫الشاعر املغربي حفيظ بودى اسم متف ّرد في‬ ‫الشعر املغربي‪ ،‬لغته ال تشبه إال نفسها‪،‬‬ ‫وهو أحد رموز الهامش الثقافي املغربي‬ ‫بدون منازع‪.‬‬

‫الرسالة األولى‪ :‬لم يسبق لي‬ ‫أن قرأت ديوانا مغربيا واحدا‬ ‫أخي الكرمي هشام فهمي‬ ‫ف��رح��ت أخ��ي ب��رس��ال��ت��ك‪ ،‬وه��و تقدير لن‬ ‫أنساه أب��دا‪ ،‬وكما اكتشفت شاعرا‪ ،‬أشعر‬ ‫كذلك بأنني وجدت ناقدا بعديا قادرا على‬ ‫إنتاج مت ّيزه النقدي‪ ،‬ناقدا ق��ادرا نفسيا‬ ‫وفلسفيا ع��ل��ى اخل����روج ب��وع��ي الكتابة‬ ‫األدبية باملغرب‪ ،‬من متخيل نقدي تاريخي‬ ‫إل��ى متخيل نقدي بعدي بثقافة التاريخ‬ ‫العام للمغرب‪ ،‬ليس فقط مبضمون الدورة‬ ‫اآلس��ي��وي��ة العامة التي ميارسها املغرب‬ ‫منذ ‪ 15‬قرنا‪ ،‬كمرحلة لعقل مغربي شرقي‬ ‫وطني مفتوح‪ ،‬يعلن اآلن نهاية دورته في‬ ‫التاريخ الوطني‪ ،‬متاما كاملراحل السابقة‬ ‫التركيبية‪ ،‬وأن املستقبل واحلداثة واملناعة‬ ‫الفلسفية رهينة مبضمون وحدة التاريخ‬ ‫العام للمغرب‪ ،‬منذ أركيولو جيته األولى‬

‫املمكنة‪ ،‬وباستمرار وجودنا في التاريخ‬ ‫واجلغرافيا وطبيعة النصوص املستعملة‪.‬‬ ‫لم أكن أبدا شاعرا ينتهي في األدب‪ ،‬ال على‬ ‫مستوى التكوين وال على مستوى االهتمام‪،‬‬ ‫وامل��رج��ع��ي��ات‪ ،‬وه��ذا مهم ج��دا توضيحه‪،‬‬ ‫وأستطيع أن أقول لك‪ ،‬أخي هشام‪ ،‬إنه لم‬ ‫يسبق لي أن قرأت ديوانا مغربيا واحدا‪،‬‬ ‫كما أنني ال أنتمي إلى الثقافة التعليمية‬ ‫ومواضيعها التي أش��رف��ت طيلة م��ا بعد‬ ‫االس��ت��ق�لال‪ ،‬على معظم ت��وج��ه��ات العقل‬ ‫الثقافي املغربي‪ .‬إنني مواطن مبدع يراقب‬ ‫ويختلط ثم يح ّلل ذلك بالكائن البعدي الذي‬ ‫يطبعني‪ ،‬داخل فضاء فلسفي شخصي‪.‬‬ ‫م��ن أي��ن أس��ت��م�� ّد غنائيتي؟ م��ن جهازي‬ ‫النفسي باعتباره تاريخا شخصيا وتاريخا‬ ‫عاما‪ ،‬إن الكتابة بشخص املواطن‪ ،‬الواضح‬ ‫طبقيا وفلسفيا وجماليا تعلو بداخلي على‬ ‫مصطلح مثقف ش��ع��ري مم��ك��ن‪ .‬ال أعاني‬ ‫علي‪ ،‬ال ح��زب‪ ،‬ال نقابة‪،‬‬ ‫من سلطة األدب‬ ‫ّ‬ ‫ال تصويت‪ ،‬ال جمعيات‪ ..‬مواطن ي��رى ما‬ ‫يستطيع وانتهى األمر‪ ،‬إن شعوري مييل إلى‬ ‫االستقالل‪ ،‬ما دمت قد حققت لنفسي حريتي‬ ‫الفكرية‪ ،‬بفضل «املواطن» النظري الذي قاد‬ ‫أسئلتي ومزاجي وعالقتي بالثقافة املغربية‬ ‫املعاصرة التعليمية اإلنشائية والشرقية‬ ‫والفرنسية واالشتراكية وال ّليبرالية‪ ،‬مثل‬ ‫جميع املواطنني الفاعلني‪ ،‬ألنهم متع ّلمون‬ ‫ومبواقف وعقليات وأقدار‪.‬‬ ‫أخي‬ ‫يستحيل أن ينتج امل��غ��ارب��ة نصوصهم‬ ‫التأسيسية للوعي والفكر والعالقة‪ ،‬إذا‬ ‫لم ينتقلوا نفسيا وحضاريا إلى التفكير‬ ‫اخلاص والعام‪ ،‬من خالل فضاء تاريخهم‬ ‫العام‪ ،‬كما اكتشفته بداخلي ألغترب داخلي‪.‬‬ ‫أص��ول��ن��ا اإلب��داع��ي��ة م��ن األرك��ي��ول��وج��ي��ا‬

‫ع��ن��دم��ا ت ّ‬ ‫��ط��ل��ع ع��ل��ى الصفحتني م��ن ‪24‬‬ ‫إل��ى ‪ 34‬ستق ّرر ف��ي ش��أن ه��ذه الصداقة‪،‬‬ ‫���س‪ .‬التاريخ ال��ع��ام يعرفنا على‬ ‫هكذا أح ّ‬ ‫الكائن اليهودي الذي يوجد داخل مكونات‬ ‫الشخصية املغربية‪ ،‬ووحده النص الشرقي‬ ‫حوله فلسفيا‪ ،‬إلى «آخر» خارجي‪ .‬إنني‬ ‫فينا ّ‬ ‫أتعقل الشرق مبعطيات الشخصية الوطنية‪،‬‬ ‫وليس من خالل الوعي الشرقي جتاه نفسه‪،‬‬ ‫وهذا هو املهيمن بفضل سياسيني ومثقفني‬ ‫قادوا هذا القرن الفكري املغربي‪ ،‬في غياب‬ ‫وعي ذاتي مستقل نظريا وفلسفيا‪.‬‬ ‫أنا لست عربيا‪ ،‬املغربي إريقي أمازيغي‬ ‫متوسطي‪ ،‬ومستعمل تاريخي لنصوص‬ ‫القوى االمبراطورية الزراعية البحرية‪ ،‬ثم‬ ‫تلميذ فقير أم��ام ظاهرة العلم واالقتصاد‬ ‫واحلداثة والتنظيم‪ ،‬وال يعرف ماذا يريد‪.‬‬ ‫إن قيامي بإحالل األركيولوجيا الوطنية‬ ‫م��ح��ل األس����ط����ورة وال��ل�اه����وت ال��ش��رق��ي‪،‬‬ ‫ضمن بنية لغتي العربية‪ ،‬سوف جتعلني‬ ‫خ���ارج سلطة اإلب��داع��ي��ة الشرقية‪ ،‬م��ادام‬ ‫مضمون تاريخنا العام هو نفسه سلطة‬ ‫اإلب��داع��ي��ة امل��غ��رب��ي��ة‪ ،‬م��ن ح��ق النصوص‬ ‫الشرقية أن تصطدم ببعضها البعض في‬ ‫مكانها الطبيعي‪ ،‬ال في األماكن الطبيعية‬ ‫لآلخرين‪ .‬إن االستقالل الفلسفي عن فلسفة‬ ‫التاريخ الشرقي متكنني من اتخاذ موقع‬ ‫موضوعي‪ ،‬فاليهودي ليس عدوي الفلسفي‬ ‫ألنه واضح فلسفيا‪ ،‬كذلك الشأن بالنسبة‬ ‫إلى الفلسطيني‪ ،‬أو أي جماعة بشرية‪.‬‬ ‫صديقي الكرمي‬ ‫طريقي ليست سهلة‪ ،‬لكن إرادتي واضحة‪،‬‬ ‫إننا في حاجة إل��ى مدرسة فكرية بعدية‬ ‫ميارس بها الواقع املعرفي فائض خبرته‬ ‫احل��ض��اري��ة‪ ،‬ب��ال��ت��اري��خ واألن����ا وال��ت��ط��ور‪،‬‬ ‫بأجياله اجلديدة والقادمة‬ ‫مع احترامي وتقديري الكبير‪ ،‬إن تعارفا‬ ‫مباشرا مفيد لنا‪.‬‬ ‫يشير ال��ش��اع��ر ه��ن��ا إل���ى ق��ص��ي��دة ضمن‬ ‫مجموعته الشعرية «هكذا تك ّلم بودى» لم‬ ‫تكن معنونة‪ ،‬لكنه يضيف إليها العنوان‬ ‫التالي ب��خ ّ‬ ‫��ط ي���ده‪« :‬ال��ي��ه��ودي��ة اجلميلة»‪،‬‬ ‫ويعتقد أن ذلك سيؤثر على صداقتنا‬ ‫( هشام فهمي)‬

‫أكتب من حيث أنني ميت‬

‫عصب الكتابة‬

‫حفيظ بودى‬

‫الخريف رقم ‪I‬‬ ‫أحتول إلى شاعر‬ ‫عند كل خريف‬ ‫ّ‬ ‫يكتب لنفسه فقط‬ ‫تتنوع املذكرات اليومية إذن‬ ‫ت���ض���ط���رب أم�����ام رائ����ح����ة امل����وت‬ ‫واجلوع واإلهانة‬ ‫عصر شاحب زائف جندي‬ ‫غالبا ما تتصل إرادتي بعبث قاتل‬ ‫فالطيور تقل‬ ‫والغابات تتسمم‬ ‫وفرحتي تتسخ‬ ‫اخل��ري��ف ي��رب��ط ب��ص��ري ب��األرض‬ ‫والطريق‬ ‫يجعل م��ن ال��زم��ن ال��ع��ام سؤالي‬ ‫الفلسفي‬ ‫عن العظام والنحاس والورق وأنا‬ ‫وخلية منل كدست استعدادها‬ ‫بانتظار تصور جديد للسفر‬ ‫بعت كل عاملي اخلاص‬ ‫أنا بدون ذاكرة أو نص‬ ‫ال��زم��ن ت��وق��ف عند أسئلة دائمة‬ ‫احلضور‬ ‫ي��ف��ك��ر ب����امل����اء وال���ل���ع���ب واحل����ب‬ ‫واملساحة‬ ‫هذه الطرقات واألجساد الداخلية‬ ‫تشتتت‬ ‫خرج الطفل من الطفل‬ ‫إن ح��اج��ت��ي الس��ت��ع��م��ال اخلشب‬ ‫ستزداد جنونا‬ ‫بعد أن طردتني مدونة األح��وال‬ ‫الشخصية‬ ‫من حديث املقاهي‬ ‫من جدية البقال وخبزه الصباحي‬ ‫ومن احترام الناس لي كشخص‬ ‫في مالبسه‬ ‫إنه حصار الصمت الذي اختصر‬ ‫األحالم‬ ‫ورم��ى بها داخ��ل معطف شتوي‬ ‫تهابه الرؤوس الدافئة‬

‫يفكر بثالث قارات زائد ملح‬ ‫ل���ق���د أص���ب���ح خ���وف���ي اآلس���ي���وي‬ ‫مشكلتي هذه املرة كذلك‬ ‫أنا الذي اشتهي العنب وصحنا‬ ‫لكل راس‬ ‫ف���ي م��ت��ح��ف ب��ط��ن��ج��ة واج��ه��ت��ن��ي‬ ‫ثالثية‬ ‫زمن منفي‬ ‫جوبا‬ ‫كرسي‬ ‫دليل‬ ‫في‬ ‫كيف أكتب بهؤالء ّ‬ ‫وأفتح لذاكرتي زمني؟‬

‫غير أفكاري‬ ‫الذات وعاء مطلق لتواجد الوجود‬ ‫للنطق باسم العالم‬ ‫باسم اخلوف األخير‬ ‫هذا التراب الذي يحتويني‬ ‫تلك الفتحة التي أمامي‬ ‫مجال سؤالي بعد نهايتي‬ ‫ل���م أع���د أت���وه���م ال��س��ي��ر ب��اجت��اه‬ ‫املستقبل‬ ‫أنا املستقبل‬ ‫سأقول كلمتي هذا القرن‬ ‫س����أع����رف ظ���ل���ي حت����ت م���ط���ر م��ن‬ ‫صنعي‬ ‫وأبدأ سفري إلى ذلك الكوكب‬ ‫حيث تكفي الرغبة لزرع سنبلة‬ ‫ولسان بقرة‬

‫لقطة‬ ‫ساعدني صديق‬ ‫أجلس مبقهى الباهية‬ ‫ش��رط��ي ي��ح��رس ال��ب��ن��ك امل��رك��زي‬ ‫ببدلته فقط‬ ‫ن��ادى على الطفل بائع السجائر‬ ‫وأخذ واحدة ألنه شرطي‬ ‫أض���اف ال��س��ي��ج��ارة إل���ى سجائر‬ ‫أخرى في الصندوق اخلشبي‬ ‫ال��ذي يحميه من الشمس واملطر‬ ‫وعيون املارة‬ ‫ا م���رأة ضخمة تتسول بأناشيد‬ ‫وطنية وطفلها‬ ‫ذو األرب���ع س��ن��وات ف��ي كيس من‬ ‫البالستيك مشدود‬ ‫ب��ح��ب��ل ي�ل�اع���ب ورود احل��دي��ق��ة‬ ‫بصوته‬ ‫أحمق أسود ينظف الشارع‬ ‫شرطي سري يتحدث مع الشرطي‬ ‫الشرطي يشير إلى جيبه‬ ‫يفترقان‬ ‫يأخذ سيجارة‬ ‫أشعل واحدة‬ ‫حزين بشكل مقدس‬ ‫جائع إفريقي خارج تاريخ اخلردة‬

‫أفريقي‬

‫واليانصيب‬ ‫هاهي أجساد مثلي تناقش يومها‬ ‫اإلسبرطي‬ ‫أحسوا اليوم بجرحي متدفقا على‬ ‫ّ‬ ‫حصيرنا املشترك‬ ‫هذا يؤلف جملة للفرح احملايد‬ ‫���ي ق��ط��ع��ة خبز‬ ‫ه����ذا ي���ع���رض ع���ل ّ‬ ‫وسيجارة‬ ‫أما ذاك الغريب فكوم نفسه مثل‬ ‫ورق��ة خريف ف��ي انتظار أن يقول‬ ‫شيئا‪..‬ثم نام‬

‫أي��ه��ا ال��ف��ق��ر ال��ع��ظ��ي��م ف��ي ال��زم��ن‬ ‫الرهيب‬ ‫أيها اجلرح النهائي‬ ‫يا سيد الصقيع وغياب املرايا‬ ‫إنني أث��ن��اء عبور امل�لاي�ين مثلي‬ ‫آلخر رصيف‬ ‫إنني في ظالم الليل وغبار األسئلة‬ ‫يتطاير أملي بحائط شبه أصفر‬ ‫فتدرك العني أنها اللوحة املطلوبة‬ ‫لرصيف وتالل من ورق بغمولة‬ ‫ال فرق بني صندوق أو قبر يعتبر‬

‫جسدي لذته القصوى‬ ‫ك��ل��م��ا وط���ئ���ت ق����دم����اه أش��ي��ائ��ي‬ ‫اخلاصة‬ ‫ال���ت���ي ت��رك��ت��ه��ا خ������ارج ق��ب��ع��ت��ي‬ ‫الشتوية الزرقاء‬ ‫هل تساوي الكتابة قضيتي؟‬ ‫هل لي شجرة؟‬

‫المغارة‬ ‫هنا ال شيء يحيط بي‬

‫أنا احلياة‬ ‫املوت ال يخيفني‬ ‫أهاجر خارج التاريخ واجلغرافيا‬ ‫والضمير‬ ‫ووطني دفن جماعي‬ ‫أصبح للذباب علم ونشيد‬ ‫وطوابع بريد‬ ‫وألنني مررت من هنا‬ ‫بسؤال ونصف قلب‬ ‫أصبح نصيبي من الكرنفال‬ ‫جرمية‬ ‫أشعار احلكومة البيضاء‬ ‫ح��ك��وم��ة ع��ل��م ن��ف��س س��ن��ة أول���ى‬ ‫داخلي‬ ‫متخزنوا تسلموا‬ ‫ال حتاكموا كثيرا‬ ‫كونوا‪ ،‬نحن‪ ،‬كذلك‬ ‫م ّر صيف وخريف‬ ‫انطلق قطار بطاقمه فقط‬ ‫دخل محطة بالتيلكس‬

‫استقبله جلباب مت ّزق عن آخره‬ ‫بداخله مقاوم على الرصيف‬ ‫أيتها احلكومة البيضاء‬ ‫حر في سجنه من يتلثم بوطنه!!‬ ‫السيد نوبير املائدة‬ ‫ّ‬ ‫لم يعد في حاجة إلى قراءة املوطأ‬ ‫فاملقاول الهوت اللحظة‬ ‫لذتها ساحرة‬ ‫وكالمه نص حي‬ ‫ساخن كهذه الظهيرة‬ ‫نقابتك طبقة تشققت‬ ‫كراسي قدمية في إسمنت شبه عار‬ ‫يحرسها مناضل‬ ‫بدون أجرة‬ ‫املطران عبد السالم ياسني‬ ‫يخرجون من جلبابك‬ ‫ألنك ال ّ‬ ‫تفكر بهم‬ ‫ويغلب عليك األديب‬ ‫هل أنت رجل دولة معاصر؟‬ ‫هل تتعقل العالم بالفيزياء‬ ‫بالعقل الشرقي الذي فيك؟‬ ‫املطران في ديره‬ ‫يتخيل بلذة طفولة توقفت‬ ‫ال شمس‬ ‫ال قصبة‬ ‫أيها الشاعر املمكن‬ ‫غ ّير محل إقامتك؟‬ ‫لكي تكون رجل دولة‬ ‫فكر بتاريخك العام وامنحك‬ ‫عطلة رومانية كذلك‬ ‫تخيل نفسك في سفينة‬ ‫من خشب غابتك القادمة‬ ‫وقناعك الليلي‬ ‫ال تكن صغيرا أمام عقلك‬ ‫وضميرك وشرفك‬ ‫أيها الرجل اجلديد‬ ‫املاء جاهز‬


‫الملحق الثقافي‬ ‫العدد ‪ l 47‬الخميس ‪ 10‬يناير ‪2013‬‬

‫لكل أجل كتاب‬

‫حسن ملهبي‬

‫‪15‬‬

‫نقلها إلى العربية الشاعر المغربي مبارك وساط‬

‫نص أندريه بروتون األخطبوطي‬ ‫«نادجا» ّ‬

‫ت��ع��س��ف��ي»‪ .‬وي���واص���ل ب���روت���ون ف���ي آخ��ر‬ ‫الكتاب إدان��ة االحتجاز‪..« :‬ف��ع��دم وجود‬ ‫ح����دود واض���ح���ة‪ ،‬ك��م��ا ه���و م��ع��ل��وم‪ ،‬بني‬ ‫الالجنون واجلنون‪ ،‬يجعلني غير مهيئ‬ ‫إلضفاء قيمتني مختلفتني على ما يدفع إليه‬ ‫كل منهما من إدراك��ات وأفكار»‪ .‬ص‪.361‬‬ ‫ويقر مبا يدين لهذه املرأة بكونه استطاع‬ ‫معها أن يتوجه إلى نفسه‪« ،‬إلى ذلك القادم‬ ‫من أبعد البعيد في اجتاه ذاتي‪ ،‬رافعا من‬ ‫عقيرتي (‪ )...‬أهي أنت‪ ،‬نادجا؟ أصحيح أن‬ ‫العالم اآلخر‪ ،‬كل العالم اآلخر‪ ،‬هو في هذه‬ ‫الدنيا؟» ص‪.361‬‬ ‫نص «نادجا» نص أخطبوطي‪ ،‬تالمس‬ ‫أذرع��ه الكثيرة عدة عوالم في نفس اآلن‪،‬‬ ‫وم��ن خ�لال��ه تتأكد ل��ل��ق��ارئ ق��وة وم��ه��ارة‬ ‫بروتون اللغوية واخليالية‪ .‬فرغم الصرح‬ ‫ال��ن��ظ��ري الكبير ال���ذي ت��ن��ادي م��ن خالله‬ ‫السريالية بالكتابة اآللية‪ ،‬فإننا نتعرف‬ ‫في هذا النص‪ ،‬كما في كتابات أخرى‪ ،‬إلى‬ ‫بروتون «املؤلف» والقارئ الكبير‪.‬‬ ‫هذه القوة واملهارة اللغوية‪ ،‬وهذا أمر‬ ‫البد من التنويه به‪ ،‬قابلها في الترجمة‬ ‫العربية متاسك قوي لبنية النص‪ ،‬من خالل‬ ‫ترجمة متينة أجنزها الشاعر واملترجم‬ ‫املغربي مبارك وس��اط‪ ،‬تتميز برصانتها‬ ‫وبإبداعيتها‪ ،‬وهذا ليس أمرا غريبا على‬ ‫الذين يتابعون جتربة مبارك وس��اط‪ ،‬من‬ ‫خ�لال ما راكمه في حقل الترجمة‪ ،‬ومن‬ ‫خ�لال اخ��ت��ي��ارات��ه للعديد م��ن النصوص‬ ‫الفرنسية العصية على التعريب‪ ،‬إذ وسم‬ ‫املترجم الكتاب بالكثير من اخلصائص‬ ‫العربية لغوية كانت أو شعرية‪ ،‬دون إهمال‬ ‫ما أغنى به النص األصلي من هوامش أتت‬ ‫كإضاءات ملا يزخر به الكتاب من إشارات‬ ‫وإحاالت ضمنية‪.‬‬ ‫(*) أندري بروتون‪ :‬نادجا – ترجمة مبارك‬ ‫وساط‪ -‬منشورات اجلمل ‪2102‬‬

‫«نادجا»‪ ،‬هل هو نص روائي؟‬ ‫ق��د ال يبدو للوهلة األول��ى أن «ن��ادج��ا»‬ ‫ألندريه بروتون‪ ،‬الذي نقله إلى العربية‪،‬‬ ‫الشاعر املتميز مبارك وس��اط (*)‪ ،‬نصا‬ ‫استثنائيا من منظور ق��راءة راهنة لفن‬ ‫الرواية‪ ،‬إذ عرف هذا األخير في النصف‬ ‫الثاني من القرن العشرين‪ ،‬حتوالت كبيرة‬ ‫ف��ت��ح��ت أم����ام ال��ك��ت��اب��ة أراض جتريبية‬ ‫ش��اس��ع��ة‪ ...‬لكن االستثنائي ف��ي «ن��ص»‬ ‫ب��روت��ون ي��ب��دأ أوال م��ن احل��ق��ب��ة وامل��ن��اخ‬ ‫ال��ل��ذي��ن ص��در فيهما‪ .‬ف��ف��ي س��ن��ة ‪،8291‬‬ ‫تاريخ صدور الطبعة األولى من «نادجا»‪،‬‬ ‫ك���ان ال��س��ري��ال��ي��ون ف��ي أوج���ه���م‪ ،‬وك��ان��وا‬ ‫في الواجهة الثقافية ألورب��ا التي كانت‬ ‫عاصمتها ب���ار ي���س‪ ،‬ب��ط��رو ح��ا ت��ه��م التي‬ ‫اتسمت بالكثير من التجاوز والتحطيم‪،‬‬ ‫إضافة إلى أنها كانت خالقة‪.‬‬ ‫فكتاب «نادجا» للشاعر الفرنسي أندريه‬ ‫بروتون (‪ ،)6691 - 6981‬منظر احلركة‬ ‫ال��س��ري��ال��ي��ة األك��ب��ر‪ ،‬ه��و ج��زء م��ن موقف‬ ‫أكثر شموال يتمثل في إدان��ة السرياليني‬ ‫للرواية كنوع أدب��ي (بيان ‪ .)4291‬وفي‬ ‫هذا السياق‪ ،‬ميكن اعتبار نص «نادجا»‬ ‫إذن ن��وع��ا م��ن ال��رواي��ة امل��ض��ادة‪ ،‬رواي��ة‬ ‫ت��دي��ن ال��رواي��ة‪ .‬وه��و‪ ،‬إل��ى ج��ان��ب أعمال‬ ‫نثرية أخرى لبروتون‪ ،‬رهان أمام الكتابة‬ ‫السردية وحول ممكناتها‪ .‬فبروتون أراد‬ ‫احلسم مع البناء الكالسيكي للشخصيات‪،‬‬ ‫ب��خ��وض��ه ل��ت��ج��رب��ة م���ا أس���م���اه «أس��ل��وب‬ ‫املالحظة الطبية»‪ ،‬حيث الكثير من التقشف‬ ‫األسلوبي مع االبتعاد‪ ،‬ما أمكن‪ ،‬عن أية‬ ‫زخرفة لغوية‪ .‬وسيالحظ قارئ «الرواية»‬ ‫أن الكثير م��ن مقاطعها تتسم بأسلوب‬ ‫ت��ق��ري��ري‪ ،‬وت��ن��زاح أح��ي��ان��ا إل��ى التجريد‬ ‫الذهني والتحليل النظري‪ ،‬إذ يبرز فكر‬ ‫بروتون ومعه مواقفه النقدية من العديد‬ ‫من القضايا‪ ،‬فيما جاءت املقاطع األخيرة‬ ‫من النص بدفق لغوي شعري ونبرة غنائية‬ ‫عالية‪ .‬هذا إضافة إلى أن الكاتب اعتمد‬ ‫تقنية التصوير الفوتوغرافي‪ ،‬إذ يضم‬ ‫الكتاب ح��وال��ي خمسني ص��ورة توثيقية‬ ‫لباريس خ�لال عشرينات القرن املاضي‪،‬‬ ‫بحاناتها ومقاهيها ومعاملها‪ ،‬وللعديد من‬ ‫الشخصيات واألحداث (أرادها املؤلف أن‬ ‫تكون ملتقطة بحسب زواي��ا الرؤية التي‬ ‫كان قد شاهدها شخصيا أثناء لقاءاته مع‬ ‫نادجا)‪« ،‬تلك املخلوقة امللهَ مة وامللهمة على‬ ‫الدوام‪ ،‬والتي لم تكن حتب سوى أن تكون‬ ‫في الشارع‪ ،‬باعتباره حقل التجربة الوحيد‬ ‫املالئم بالنسبة إليها‪( »...‬ص ‪.)821‬‬

‫النـزول إلى األعماق السفلى‬ ‫للذهن‬ ‫ك���ت���اب «ن�����ادج�����ا» ل���ي���س أي���ض���ا ك��ت��اب��ا‬ ‫أوتوبيوغرافيا باملعنى املتعارف عليه‪،‬‬ ‫فنادجا‪ ،‬ه��ذه امل��رأة الغامضة (أو ال��روح‬ ‫الهائمة كما تسمي نفسها)‪ ،‬التي يقدمها‬ ‫بروتون هي ملهمة الكتاب‪« ،‬ستكتب رواية‬ ‫عني‪ .‬أؤك��د لك ذل��ك»‪ .‬بهذه العبارة تورط‬ ‫الكاتب‪ ،‬وهكذا تكون هي ذريعته ليكتب‬ ‫«الرواية»‪ ،‬وتكون الرواية ذريعة للكتابة‬ ‫ع��ن ن���ادج���ا‪ ...‬ف��ب��ع��د م��ق��ط��ع أول مسهب‬ ‫من الكتاب‪ ،‬ينتقل فيه بروتون بني عدة‬ ‫عوالم شعرية وواقعية ونفسية‪ ،‬شبيهة‬ ‫بهبوط إل��ى جحيم رام��ب��و‪« ،‬لكن النـزول‬

‫إلى القيعان السفلى للذهن‪ ،‬إلى حيث ال‬ ‫مجال ألن يهبط الليل ويعود لينجلي‪»...‬‬ ‫ص‪ .54‬يلتقي ال��ك��ات��ب ب��ن��ادج��ا‪ ،‬ام���رأة‬ ‫غريبة األطوار صادفها في شوارع باريس‪،‬‬ ‫اسمها احلقيقي ليونا ديلكور‪ ،‬وتوطدت‬ ‫العالقة بينهما لشهور‪ ،‬قبل أن تنتهي هي‬ ‫في مصحة عقلية‪ .‬ه��ذه امل��رأة رأى فيها‬ ‫ب��روت��ون انعكاسات كثيرة ألف��ك��اره‪ ،‬فهي‬ ‫سريالية دون أن تدعي ذلك‪ ،‬وتقول ما في‬ ‫الكتب دون أن تكون قد قرأتها‪ .‬امرأة قادت‬ ‫بروتون إلى عالقة شبيهة بغموضها‪« :‬من‬ ‫كنا نحن‪ ،‬أم��ام الواقع؟ هذا الواقع الذي‬ ‫أع��رف اآلن أن��ه متمدد ق��رب قدمي نادجا‬ ‫ككلب م���راء» ص‪ .321‬ونحن ال ن��رى في‬ ‫ال��ن��ص –باستثناءات قليلة‪ -‬أي��ة حياة‬

‫أخرى للكاتب سوى حياته في عالم نادجا‪،‬‬ ‫وهو يتسكع معها في الشوارع واحلانات‬ ‫واملقاهي واألفكار‪ .‬ومع انتهاء عالقته بها‪،‬‬ ‫تبدأ مالمح نهاية النص عند عاملها‪« :‬ما‬ ‫كان لعالقتنا أن تؤول إال إلى ما آلت إليه‪،‬‬ ‫بالنظر إلى العالم الذي كان عالم نادجا‪،‬‬ ‫ح��ي��ث ك��ل ش���يء ك���ان يعلو وس���رع���ان ما‬ ‫يهوي‪ »...‬ص‪.151‬‬ ‫باشر ب��روت��ون كتابة ه��ذا النص بعد‬ ‫انتهاء العالقة بينه وب�ين ن��ادج��ا‪ ،‬وبعد‬ ‫انتهائها ف��ي مصحة عقلية‪ ،‬وعند هذه‬ ‫ال��ن��ق��ط��ة ي��ظ��ه��ر ج��ل��ي��ا م���وق���ف ب���روت���ون‬ ‫(وال��س��ري��ال��ي�ين) م��ن امل��ص��ح��ات العقلية‪،‬‬ ‫وازدراؤه����م للطب العقلي‪ ،‬إذ أدان���وا كل‬ ‫أش��ك��ال ال��ع��زل واالح��ت��ج��از‪« :‬ك��ل احتجاز‬

‫يف المكتبات‬

‫كتـاب وشعـراء يـروون قصـة حبـهم األولـى‬

‫للباحثة املغربية فاطمة صديقي‬

‫بصماتها»‪.‬‬ ‫وجاء في ورقة تقدميية لهذا الكتاب‪ ،‬أن عالقة‬ ‫املرأة باملعرفة في منطقة البحر األبيض املتوسط‪،‬‬ ‫يعود تاريخها إلى العصر الفرعوني‪ ،‬حيث كانت‬ ‫املعرفة الشفوية دائما جزءا ال يتجزأ من حياة‬ ‫النساء اليومية والتقاليد والطقوس والفنون التي‬ ‫تعتبر تراثا عامليا للبشرية‪ .‬ومع ظهور حقوق‬ ‫اإلن��س��ان والتكنولوجيا‪ ،‬أض��اف��ت نساء البحر‬ ‫األب��ي��ض املتوسط املعرفة القانونية والدينية‬ ‫واالقتصادية واإلعالمية‪ ،‬مشيرة إلى أنه «وفي‬ ‫جميع ه��ذه األن���واع م��ن امل��ع��رف��ة‪ ،‬تنتج النساء‬ ‫معارف ليس فقط كنساء ينتمني إلى بيئات معينة‪،‬‬ ‫ولكن أيضا كنساء ميررن رسائل إنسانية كونية»‪.‬‬

‫«سوسيولوجيا األعيان»‬ ‫لعبد الرحيم العطري‬

‫يفتتح الباحث عبد الرحيم العطري كتابه اجلديد‪،‬‬ ‫الذي اختار له عنوان «سوسيولوجيا األعيان‪ :‬آليات‬ ‫إنتاج الوجاهة السياسية»‪ ،‬باألسئلة التالية‪« :‬ملاذا‬ ‫يرتفع الطلب السياسي على األعيان عشية كل موعد‬ ‫انتخابي؟ وما الذي يجعلهم فاعلني مؤثرين داخل‬ ‫مجاالت نفوذهم؟ وم��ا األدوار التي يضطلع بها‬ ‫األعيان؟ وما مصادر عينيتهم؟ وكيف يشتغلون؟‬ ‫وك��ي��ف ي��ع��م��ل��ون ع��ل��ى ب��ن��اء وجت���ذي���ر ال��وج��اه��ة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وإع���ادة تدويرها من جديد؟»‪ .‬وهي‬ ‫األسئلة‪ ،‬التي حاول اإلجابة عنها في هذا البحث‬ ‫السوسيولوجي‪ ،‬والكشف ع��ن نظامها الرمزي‬

‫واملادي‪ ،‬وحتليل آليات إنتاجها وإعادة إنتاجها‪،‬‬ ‫والبحث في الوسائل التي متكنها من «التكيف‬ ‫والتفاوض مع الواقع»‪.‬‬ ‫ي��ت��وزع ه���ذا ال��ك��ت��اب‪ ،‬ال��واق��ع ف��ي ‪ 166‬صفحة‬ ‫م��ن احل��ج��م امل��ت��وس��ط‪ ،‬ع��ل��ى س��ب��ع��ة ف��ص��ول تهم‬ ‫سوسيولوجيا النخبة‪ ،‬أنثروبولوجيا الوجاهة‪،‬‬ ‫النخبة احمللية‪ ،‬قراءة الوجاهة السياسية‪ ،‬العينية‬ ‫والنبالة‪ ،‬القائدية والعينية والعينية والزبونية‪،‬‬ ‫فضال عن العني و»السياسي»‪.‬‬

‫«استخدام اخلرائب» مشروع موسوعي‬ ‫عن حروب العالم جلان إيف جوانيه‬ ‫«استخدام اخلرائب» عن املنشورات العمودية‬ ‫‪ ،2012‬مؤلف جديد للكاتب والناقد الفني جان‬ ‫إيف جوانيه‪ ،‬رئيس حترير مجلة «‪،»Art press‬‬ ‫وأحد مؤسسي املجلة «التعامدية»‪ ،‬التي كان‬ ‫أحد املساهمني فيها‪ ،‬الشاعر املغربي املقيم في‬ ‫باريس عبد اإلله الصاحلي‪.‬‬

‫‪ .1‬طلعة املؤلف (الهيئأة أو طريقة اللباس)‬ ‫‪ .2‬الدّعابة (نقطة واحدة لكل ضحكة عالية)‬ ‫‪ .3‬احلياة الشخصية للمؤلف (على سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬نقطة حسنة إن كان قد انتحر وهو‬ ‫شاب)‬ ‫‪ .4‬العاطفة (نقطة لكل دمعة مراقة)‬ ‫‪ .5‬االفتتان‪ ،‬و ال ّلطف‪ ،‬والغرابة (عندما‬ ‫تقول «آه كم هو جميل»‪ ،‬من دون القدرة على‬ ‫شرح ملاذا)‬ ‫‪ .6‬حضور أف��وري��زم��ات قاتلة‪ ،‬والفقرات‬ ‫التي أرغب في تدوينها‪ ،‬وحفظها عن ظهر‬ ‫قلب (نقطة واح���دة لقولة لها تأثير على‬ ‫النساء)‬

‫‪ .7‬اإليجاز (نقطة واحدة إضافية إذا كان‬ ‫الكتاب أقل من ‪ 051‬صفحة)‬ ‫‪ .8‬السنوبيزم (اخليالء) والوقاحة (نقطة‬ ‫حسنة إذا ك��ان امل��ؤل��ف أس��ط��ورة غامضة‪،‬‬ ‫ونقطتان إذا كان يتحدث عن شخص أجهله‪،‬‬ ‫وثالث نقاط إذا كان العمل يجري في أماكن‬ ‫من املستحيل ولوجها)‬ ‫‪ .9‬الش ّر‪ ،‬و اإلزع���اج‪ ،‬والغضب‪ ،‬والطفح‬ ‫ُ‬ ‫شعرت باحلاجة‬ ‫اجللدي (نقطة واحدة إذا‬ ‫إلى رمي الكتاب من النافذة)‬ ‫‪ .01‬اإلغراء‪ ،‬والنثر املثير للشهوة (نقطة‬ ‫واح��دة في حالة االنتصاب‪ ،‬واثنتان عند‬ ‫االنتعاظ دون استعمال اليدين)‪.‬‬

‫الحب إال للحبيب األول‬ ‫ما‬ ‫ّ‬

‫«النساء واملعرفة في املتوسط»‬ ‫صدر حديثا للكاتبة والباحثة املغربية فاطمة‬ ‫صديقي‪ ،‬كتاب باللغة اإلجنليزية عن دار النشر‬ ‫البريطانية «روتليدج»‪ ،‬بعنوان «النساء واملعرفة‬ ‫في منطقة البحر األبيض املتوسط»‪.‬‬ ‫يتناول هذا الكتاب‪ ،‬الذي يقع في ‪ 272‬صفحة‬ ‫م��ن احلجم الكبير‪ ،‬العالقة املعقدة ب�ين امل��رأة‬ ‫واملعرفة في منطقة البحر األبيض املتوسط‪ ،‬كما‬ ‫يثير مسألة املعرفة النسوية غير املعترف بها في‬ ‫سجالت التاريخ الرسمي للمنطقة‪.‬‬ ‫ويكشف الكتاب‪ ،‬ال��ذي يتضمن أربعة أج��زاء‪،‬‬ ‫أن املرأة في منطقة البحر األبيض املتوسط‪« ،‬لم‬ ‫تسهم فقط في إنتاج املعارف الكالسيكية‪ ،‬بل‬ ‫أبدعت في شتى املجاالت وأنتجت معارف حتمل‬

‫حب كتاب حسب فريديرك بيغبيدي‬ ‫عشرة معايير للسقوط في ّ‬

‫ف��ك��رة ال��ك��ت��اب ب���دأه���ا إي���ف ج��وان��ي��ي��ه منذ‬ ‫س��ن��ة ‪ ،2008‬ع��ب��ر سلسلة م��ن احمل��اض��رات‬ ‫س��م��اه��ا «م���وس���وع���ة احل�������روب»‪ ،‬يستكشف‬ ‫ّ‬ ‫بأسلوب أدب��ي ساخر كل احل��روب العسكرية‬ ‫ال���ع���امل���ي���ة‪ ،‬ب�����دءا م���ن اإلل����ي����اذة ح��ت��ى ح��رب‬ ‫هيروشيما‪.‬‬

‫احلبيبة‬ ‫اخلامسة‬ ‫جمال المعتصم بالله‬ ‫ما احملبة إ َّال للحبيبة اخلامسة‪ .‬ما احمل ّبة إ َّال‬ ‫للقصة اخلامسة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫قصتها التي امت َدّتْ لأِ كثر من ربع قرن‪ .‬كلهن عبرن هذه القصة‬ ‫لفترات تطول أو تقصر ومضني‪ ،‬وبقيت هي‪ ،‬هي والقصة‪ ،‬بعد‬ ‫كتب‪.‬‬ ‫ذلك انصرفت هي وها هي القصةباقية حية ُت ُ‬ ‫«فتاة املوبيليت ‪ 103‬واجللباب البنفسجي» لم تكن ال جميلة‬ ‫وال ذميمة‪ ،‬كانت مليحة وم��احل��ة‪ ،‬مبالمح بلدية متيل إلى‬ ‫اجلنوب‪ ،‬وبهيئة وكأنها خرجتْ من إحدى لوحات دوالكروا‪.‬‬ ‫احلومة‪ ،‬ولكن في بدايات الثمانينات‪،‬‬ ‫كنا ننتمي إلى نفس‬ ‫ْ‬ ‫لم يكن من الالئق التالقي داخل أسوار احلومة‪ ،‬ف ُك ّنا نلتقي‪،‬‬ ‫لإِ جن��از بعض األس��رار أو لإِ ح��داث بضع ذكريات للمستقبل‬ ‫وعو ْلنا على أن نذهب بها‬ ‫البعيد‪ ،‬ذلك أننا ص َّدقنا قصتنا‬ ‫ّ‬ ‫بعيد ًا‪ ،‬ف ُكنا إذن نلتقي في غرفتني‪ ،‬واحدة منها‪ ،‬معتمة وض ّيقة‬ ‫ُ‬ ‫أمي بأنه من األفضل استقبال‬ ‫مثل مغارة‪ ،‬كانت غرفتي‪:‬‬ ‫أقنعت ّ‬ ‫ْ‬ ‫الفتيات أيض ًا بغرفتي وذلك ِ ّ‬ ‫الراف (سيارة‬ ‫شر أنْ جتمعنا‬ ‫اتقاء ِ ّ‬ ‫شرطة األخالق )‪.‬‬ ‫كان محمود درويش يحكي عن أحمد الزعتر‪ ،‬وكان الشيخ‬ ‫إمام يفتح شهيتنا إلى البيصارة‪ِ ،‬‬ ‫وضمن ًا إلى الثورة الشعبية‪،‬‬ ‫فيما كان مارسيل خليفة يع ِ ّلمنا كيف ُن ِ ّ‬ ‫نحب ريتا‪.‬‬ ‫غني وكيف‬ ‫ُّ‬ ‫نحب ماركس ولينني وغيفارا وك ّنا نريد أن نعيش كل شيء‬ ‫ك َّنا‬ ‫ّ‬ ‫على أساس هذا احلب‪.‬‬ ‫«فتاة املوبيليت ‪ 103‬واجللباب البنفسجي»‪ ،‬كانت فتاة‬ ‫جديدة في جلباب قدمي مفروض من طرف األب كلباس للخروج‬ ‫‪ /‬عسى أن أكون قد قلت َّ‬ ‫كل شيء عن األب عندما َذ َك ْر ُت ُه باالسم !‬ ‫في غرفتي‪ ،‬كانت «فتاة املوبيليت ‪ 103‬واجللباب البنفسجي»‪،‬‬ ‫أحيانا‪ ،‬تغمض عينيها وتقول‪« :‬إنني أراه معنا‪ ،‬أبي !»‬ ‫في املرة األولى ُكنا أحمرين من شدة الصهد واخلجل‪ُ ،‬‬ ‫قلت‬ ‫لها‪« :‬أضع جنمة على جبهتِ ِك» فق ّب ُ‬ ‫لت جبهتها‪ ،‬ثم «وأضع جنمة‬ ‫ِ‬ ‫شفتيك» وق ّبلتها لأِ ول مرة‪.‬‬ ‫أخرى على‬ ‫كنا نحن‪ ،‬بنت وولد باب دكالة‪ ،‬احلومة العريقة العتيقة‪،‬‬ ‫اجلدّة وقلي ً‬ ‫«الصحبة» بيننا قلي ً‬ ‫ُ‬ ‫نحاول أن نضفي على‬ ‫ال‬ ‫ُّ‬ ‫ال من ِ‬ ‫من الرومانسية املسؤولة‪ ،‬حتى القبلة في ذلك الوقت‪ ،‬كانت‬ ‫تخضع للنقاش «املسؤول» فما بالك باجلسد !‬ ‫اجلسدُ‪ ..‬كنا نعرفه كما نريد ومنارسه كما يريدون‪ :‬مبتور ًا‬

‫ومحاصر ًا باملخافات‪ُ .‬كنا نتج ّنب اخلوض في املواضيع‬ ‫وقلِق ًا ُ‬ ‫العميقة مخافة السخط!‬ ‫بعد ذلك بسنوات‪ ،‬ذ َّكرتني «فتاة املوبيليت ‪ 103‬واجللباب‬ ‫البنفسجي» بالقبلتني‪ :‬قبلة ال��رأس قبل قبلة الشفتني‪ ،‬قبلة‬ ‫الفكر قبل قبلة اجلسد‪.‬‬ ‫أكان ح ّبا ثقافيا؟‬ ‫أكان ح ّبا دائريا؟‬ ‫أم ُتراه كان حبا كِ تابيا؟‬ ‫ُ‬ ‫كتبت عن «فتاة املوبيليت ‪ 103‬واجللباب البنفسجي» كثيرا‪.‬‬ ‫عنها وإليها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫علمت‬ ‫كتبت‪ .‬عندما‬ ‫كنا نلتقي ون��ف��ت��رق‪ ،‬وكلما افترقنا‬ ‫ُ‬ ‫كتبت‪ ،‬وعندما جاءت إلى املغرب ذات عطلة‬ ‫بهجرتها إلى كندا‪،‬‬ ‫التقينا من جديد‪ ،‬جديدين‪.‬‬ ‫كانت العودة قوية‪ ،‬سميناها «العودة القوية»‪ ،‬وعلى أساسها‬ ‫بجدية الكبار في ما ك��ان حلم ًا‪ :‬العيش‬ ‫عُ دنا إل��ى التفكير‬ ‫ِّ‬ ‫املشترك‪.‬‬ ‫من أجل أن نعيش مع ًا كان لِزاما علينا أن ندخل حتت العباءة‬ ‫الشرعية‪ ،‬فتزوجنا‪ ،‬وعشنا لِسنوات ممزقني بني مونتريال‬ ‫ومراكش في انتظار الفيزا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت ف��ي «وضعية امل��واط��ن العربي امل��ت��أ ّزم ال��ذي يحاول‬ ‫َّ‬ ‫ح��ل التناقض دفعة واح����دة»‪ ،‬حينما هاتفتني «ف��ت��اة ‪301‬‬ ‫واجللباب البنفسجي» لِتخبرني بحصولي على الفيزا‪ .‬بعد‬ ‫شهور اجتمعنا اجتماع السقف املشترك‪ ،‬واألشياء املشتركة‪،‬‬ ‫واحلساب املشترك‪ .‬وبدأنا‪.‬‬ ‫خالل األسابيع األولى‪ ،‬كتبت عن السعادة وصدقتها‪ ،‬كتبت‬ ‫عن احللم حتى ُ‬ ‫كدت أراه‪ ،‬وطبع ًا كتبت عن احلب وعن مس ّرات‬ ‫اجلسد‪ ،‬وأيضا عن مسافات البحر واللغات‪ ،‬كما وأنني عدت‬ ‫إلى الغناء وإلى نزار قباني‪.‬‬ ‫بعد شهور‪ ،‬بلغت ال��ع��ودة القوية أقصاها وسقطت على‬ ‫رؤوسنا مسافات أخرى وأقفال أخرى‪ .‬حينما لم نكن مع ًا كنا‬ ‫نكبر‪ ،‬كل بطريقته‪ّ ،‬‬ ‫كل في يأسه اخلاص‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عليك الوجد ومس ّراتِ ه‪ ،‬ذ ّكر َتني بالذي مضى!‬ ‫َو َّك ْل ُت‬ ‫شاعر مغربي يقيم في كندا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.