الهيئة اال�ست�شارية للمجلة الإمام ال�صادق املهدي الدكتور وهبة الزحيلي الدكتور حممد طالبي الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل الدكتور عبد الإله ميقاتي الأ�ستاذ منت�صر الزيات الدكتور �سعد الدين العثماين الدكتور حممود ال�سرطاوي الدكتور حممد احلاليقة
هيئة التحرير
الـمهند�س مروان الـفاعوري الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات
العنوان
املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع
الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة
اململكة الأردنية الها�شمية -عمان تلفون +962 - 6 - 5356329 : فاك�س +962 - 6 - 5356349 : �ص.ب 2149 :عمان 11941الأردن
ت�صميم و�إخراج
Email : mod.inter@yahoo.com Website : www.wasatyea.net
الأ�ستاذ الدكتور خالد اجلرب الـــدكـتـور علي احلجاحجة ا�سراء �سمري الكيايل
حم ت و ي ا ت ا ل عدد االفتاحية
-دور املثقف يف ا�ستنها�ض الأمة
م.مروان الفاعوري
3
و�سطيتنا
الو�سطية يف الإ�سالمو�سطية الإ�سالم يف العباداتال�شمول والتوازن يف الأخالق الإ�سالميةالو�سطية ومرتكزاتهاو�سائل الإت�صال احلديثة-نبذ التع�صب املذهبي من خالل �أقوال الأئمة الأربعة
د.حممد �إبراهيم املدهون د.حممود عبد الغفار بني حمدان �أ�.أحمد ال�شرعة د.عبد املحمود �أبو �إبراهيم �أ.حممد امني عبد النبي د�.سالمة املزاودة
5 8 10 11 14 19
مقاالت الو�سطية
احلج املربور لي�س له جزاء �إال اجلنة�أ.د.حممد �أحمد الق�ضاة حرائق التطرف يف العامل الإ�سالميدولة الإمام ال�صادق املهدي االقت�صاد الإ�سالميد.جمال احلم�صي �أداب احلور يف الإ�سالمد.عماد �صالح �إبراهيم �شيخ إ�سالمية ل ا احل�ضارة يف أ�صيلة العدل وامل�ساواة قيم ��أ.حممد زاهي مقدادي القيادة الإ�سالمية وفق القر�آن وال�سنة�أ�.أبو زيد املقري الإدري�سي من جمال الوقف الإ�سالمي�أ.حممد املراكبي الإعالم يف الإ�سالمد.ن�سيبة حما�سنة الفكر الإ�سالمي يف معرتك التحدياتد.ا�سماعيل ال�سعيدات -دور امل�ؤ�س�سات الرتبوية يف تعزيز منظومة القيم يف املجتمع د .زهاء الدين عبيدات
22 23 31 34 40 42 46 48 50 53
درا�سات �إ�سالمية
ت�أمالت �إدارية يف �سورة يو�سفمدنية الدولة الإ�سالمية-الإرهاب بني املنظور ال�شرعي واملنظور العاملي
د� .سليمان ح�سن الرطروط د.زيد خ�ضر د .يا�سر �أبوح�سني
57 61 64
بيانات ومواقف الو�سطية
بيان من املنتدى العاملي للو�سطية يحمل احلوثيني وداع�ش م�س�ؤولية احلرب يف املنطقة، بيان حول العدوان الإ�سرائيلي على غزه ،بيان حول تهجري امل�سيحني من املو�صل ،بيان حول �أحداث اليمن ،بيان حول �إعالن اخلالفة الإ�سالمية
ن�شاطات الو�سطية
ن�شاطات منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ل�شهر متوز 2014 ن�شاطات منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ل�شهر �آب 2014 ن�شاطات منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ل�شهر �أيلول2014 املنتدى يطلق فعاليات ن�شاطاته يف اجلامعات م�ؤمتردور الو�سطية يف ا�ستقرار العامل الإ�سالمي ،م�ؤمتر رابطة كتّاب التجديدندوة �شهركانون الأول عام ، 2014ندوة �شهر كانون الثاين عام 2015
الن�شاطات القادمة
نهج ال�صاحلني�-شرفة..و�أفق
2
ال�شاعر :د .ذيب عبداهلل خطاب د .خالد عبد الر�ؤوف اجلرب
67 72 76 77 81 85 89 90
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
االفتتاحية دور المثقف في استنهاض األمه املهند�س مروان الفاعوري يف �إطار التدافع الرا�شد للكلمة الذي ي�سعى اىل ايجاد �صحوة ثقافية ت�ضع جمتمعاتنا يف �إطار الت�أهيل مل�شروع نه�ضة �شاملة متكننا من املحافظة على موطئ قدم لت�آخي هذا العامل ،ت�أتي م�س�ؤولية املثقفني ك�صفوة عاملة لرت�شيد حركة القيم ،والإهتداء اىل �أي�سر ال�سبل لبحث طاقات الفرد او اجلماعة الذهنية والروحية اجل�سدية ،وت�ؤهل للإ�ستغالل الكثيف للزمان واملكان لتحقيق الأثر الأق�صى والأعمق يف الفكر والعمل� ،إذ العمل �أطول وابلغ �آالف املرات من عمر االن�سان الق�صري يف �إطار الن�سبية. ان دور املثقف هو اليوم ُّ ف�ض اال�شتباك بني قوى الأمة احلداثية والإ�سالمية ،و�إعادة االعتبار �إىل املثقف عرب التطلع املن�صف اىل الفكرويات العاملية ،وو�ضعها يف حجمها ال�صحيح مقارنة بالقوة الثقافية الأرجح عاملي ًا وهي اال�سالم ،هذا التطلع وهذه الر�ؤية يحث عليها قوله تعاىل( :ف�إن يكفر بها ه�ؤالء فقد وكلنا قوم ًا لي�سوا بها بكافرين) ،وقوله – �صلى اهلل عليه و�سلم( : -يحمل ه��ذا العلم من كل خلف ع��دو ُل��ه ،ينفون عنه حتريف الغالني وانتحال املبطلني ،وت�أويل اجلاهلني) ُّ ف�ض اال�شتباك املق�صود هنا بني الوافد من املا�ضي املنقول، وال�صالح املقبول واملعقول يف �إطار اجتهادات ترتكز على العقل واملنفعة ،واملق�صد وااللهام ،والإحاطة بالواقع بوعي ومزاوجة. ً وا�ضحة �سمات �إن الفرق الإ�سالمية منطلقة من �أ�س�س �أ�صبحت ٍ لهذه الفرق ،ف�أهل ال�سنة وال�سلف ينطلقون من حبهم والتزامهم ب�سرية النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم ، -وال�شيعة ينطلقون من حبهم وع�شقهم لآل بيت حممد �صلى اهلل عليه و�سلم. واملت�صوفة ينطلقون من الأ�شواق الروحية لعقيدة الإميان ،وهذه الر�ؤى يجب �أن حترتم دون �أن يفر�ض �أ�صحابها الزام الآخرين بها. �إن �أدب االختالف يقوم على االتفاق على اجلوامع الكلية، واملجادلة باحل�سنى واح�ترام االختالف يف الق�ضايا اجلزئية، ِ ٌ فطرة يف الب�شر (ومن �آياته على االجتهاديات؛ لأن التنوع الثقايف اختالف ال�سنتكم و�ألوانكم). العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
مبزيد من دور املثقفني الآن يرت ّكز على جتاوز حالة التمزُّ ق، ٍ الرتكيز على اجلوامع وامل�شرتكات ،والتغا�ضي عن كل ما ي�ضعف الأم���ة وي��ه��دّ د �صمو َدها (ان هلل ع��ب��اد ًا يحبون احل��ق بذكره ومييتون الباطل بعدم ذكره) ،كما عليهم بلورة حالة من التوحد، واالن�سجام تكون عابرة للدول والأحزاب واملذاهب واجلماعات؛ لأن ح�صون الأمة كلها الآن يف خطر عظيم فهي مهددة من الداخل واخلارج. لقد هُ زمت �أملانيا ولكنها حافظت على ثقافتها فنه�ضت ،وانهارت �إمرباطورية اليابان فبقيت معتز ًة بثقافتها فقامت ،و�أ�صبحت �أقوى من ذي قبل ،و�أم ُتنا تعر�ضت لغزو املغول والتتار واحلروب ال�صليبية وموجات اال�ستعمار املتتالية وحمالت الترتيك� ،إال �أن روحها بقيت متوقده مل تنطفيء ،فهزم التتار بل ان�صهروا يف احل�ضارة الإ�سالمية ،واندحر ال�صليبيون ،وغادر اال�ستعمار ،ولكن املعركة الثقافية الزالت دائرة بني اقطاب ال�صراع هنا وهناك. البد هنا من ت�أكيد �أن �أولئك الذين يريدون فر�ض منوذجهم على الآخرين بالقوة والعدوان وب�إ�سم اجلهاد مثل القاعدة وداع�ش و�أخواتها ،ميكن فهمهم يف �إطار املحاوالت الفا�شلة ال�سرتداد الكرامة وردات الفعل العاجزة املح َب َطة القاهرة التي الترقى �إىل منزلة االحرتام واالعتبار واالجناز. ينبغي �أن نراجع منظومتنا الثقافية ب�صورة جريئة غري م�سبوقة ،فال علمانية تنكر الدين ،والتدين الي�ؤدي اىل العلم واملدنية ،والإجابة عن �أ�سئلة النظام الكوين يف الدميقراطية، وحقوق االن�سان واحلرية ،وحقوق املر�أة وغريها ،والبد كذلك من ت�شخي�ص �أ�سباب غياب النخب املثقفة يف الأزمات ومن هذه الأ�سباب: .1االعتيا ُد على الطرائق التقليدية ،والتحرز من التجديد يف الأ�سلوب؛ لأن تخطي الأمور التقليدية �أمر �شاقٌّ على النف�س ، إقدام على ك�سر الطرق التقليدية يحتاج جلر�أة ،رمبا يكون لها وال ُ بع�ض العواقب التي ال يحب املثقف �أن يدخل فيها ملا يرتتب عليها من تبعات .
3
االفتتاح ةي ُ واال�ستقاللية التي ي�شعر بها بع�ض الدعاة ،فهو ال يعمل �إال .2 من خالل قناعاته اخلا�صة ،وهذا الأمر �سبب انف�صا ًما يف مواقف املثقف ،ومن ثم عدم التن�سيق بينهم يف املواقف جتاه الأحداث، فتخرج اجلهود مبعرثة ب�سبب القناعة الذاتية بت�صرفات الداعية نف�سه . .3غياب العمل امل�ؤ�س�سي اجلامع ،الذي يوحد اجلهود ،وي�صوغها يف منظومة واحدة ،مت�سقة ومتينة ،وهذا الغياب رمبا �أوجده الو�ضع املعني الذي تعي�شه بع�ض البالد ،وغياب املحاولة يف �إيجاد امل�ؤ�س�سات اجلامعة بني الدعاة واملفكرين واملثقفني .4واملبالغة يف الهاج�س الأمني ،الذي رمبا يكبل بع�ض اجلهود ، ويعيق الأعمال النافعة ،وخا�صة يف الأحداث اجل�سام � ،إن طريق الإ�صالح �أمر ال بد �أن يحمل يف طياته بع�ض املخاطر التي ينبغي وف ال�صلاَ َة َو�أْ ُم ْر ِبالمْ َ ْع ُر ِ �أال تقعد الإن�سان عن العمل } َيا ُب َن َّي �أَ ِق ِم َّ ال ُمو ِر{. ا�صبرِ ْ َع َلى َما �أَ َ�صا َب َك �إِنَّ َذ ِل َك ِم ْن َعزْ ِم ُْ أ َوانْهَ َع ِن المْ ُ ْن َك ِر َو ْ .5ف�ض ًال عن احلزبية واالن�شغال بال�سيا�سة اللذين ي�شكالن عام ًال ها ًما يف هذا الأمر � ،إ ْذ يعي�ش املثقف يف �إطار احلزب الذي ينتمي �إليه ،ويكون كل جهده من�ص ًبا على العمل من داخل احلزب ،و�إن كان لهذا ثما ٌر كثرية يف حركة الإحياء الإ�سالمي املعا�صر � ،إال �أنه ّ فيظل �أ�سهم يف ت�شتت جهود الدعاة واملثقفني يف العامل الإ�سالمي احلزبي يعي�ش يف فلك �أفكار احلزب وال�صراع مع الآخرين حولها، وال يتعداها ،مما ُي َ�س َّبب يف الواقع قتال للأفكار والإبداع. ُ واملبالغة يف تو�صيفه ،في�ص ّور املثقف احلدث ت�ضخيم احلدث ، �أ ّما ُ ب�أنه فوق القدرة والطاقة ،مما يربر له عدم التفاعل مع الأحداث، واحل�ضو ِر الفاعلِ يف مواجهتها� ،أو التقليل من �ش�أن احلدث ،و�أنه حدث �سهل ال ي�ستدعي كل هذه اجلهود ،ولأن احلدَ ث �سهل ، وعواقبه �سليمة؛ فال حاجة �إذن �إىل اخلو�ض فيه ال من حيث تو�صيفه ،وال من حيث مواجه ُته. ُ حماولة حتميل احلدث جلهة معينة ،لأنها هي التي جعلت وكذلك الأمة يف هذا امل�أزق ،فهي �إذن التي تتحمل تبعات احلدث ،ويتم ُ الرتكيز على هذا اجلانب ،حتى يخل�ص املثقف من هذا كله �إىل ؤول عن احلدث ومنا �أنَّ بع�ض املثقفني ي�صنع لنف�سه �أنه غري م�س� ٍ منوذجا حمتذى ،وقدو ًة عليا ،ويظن �أن الإ�سهام يف ق�ضايا الفكر ً والدعوة ال بد �أن يكون على م�ستوى تلك القدوة ،فيقعده ذلك عن العمل ،ويكبل جهوده ،دون �أن يدري �أن هذه القدوة مل ت�صل �إىل هذا امل�ستوى �إال بعد �أن �أ�ض َنت نف�سها يف هذا الطريق حتى و�صلت �إىل هذا امل�ستوى ،وال يجوز بعد ذلك �إغفال �أن اهلل قد ق�سم
4
بني النا�س قدرا ِتهم ،ومواه َبهم ،وا�ستعدادهم الذهني كما ق�سم بينهم �أرزاقهم ُ ان�شغال بع�ض املثقفني بامل�شروعات اخلا�صة �إ�ضافة اىل ذلك (الدنيوية ) �أمر ال يالم عليه �إن�سان �إال �إذا تعدى �إىل ترك ً ت�ساقطا الإ�سهام يف معاجلة ق�ضايا الأمة والدعوة ،والواقع ي�شهد مري ًعا لكثري من الدعاة واملفكرين عند الدخول يف هذه املجاالت ت�صر ُف الإن�سان �إىل الدنيا ،وجتعله يغفل عن طريق الأنبياء التي ِ وامل�صلحني ،ويغيب عن واقع �أمته وامل�ساهمة يف �إ�صالحه ،ومدافعة الباطل وال�شر. املثقف فقد بات يواجه � ً ُ أزمة جتاه ثورة املعلوماتية املفكر �أو و�أ َّما ُ واالت�صال ،وحتديد ًا الإنرتنت والف�ضائيات ،والأخرية جعلته �أ�سري ًا لأجندتها و�أولوياتها طامعا يف الظهور والكارزمية املنربية التي توفرها له ال�شا�شة امللونة ،وم�ضطرا لها لغياب م�ؤ�س�سات العمل الفكري الأهلي امل�ستقل. هذه بع�ض الأ�سباب التي �أراها ت�سهم يف غياب كثري من املثقفني عن واقع الأمة املعا�صر ،وهي قابلة بعد ذلك للأخذ والرد ،حتى ن�ستطيع ترميم بع�ض م�شكالتنا وم�آ�سينا ،ون�شارك يف النهو�ض بالأمة �إىل ح�ضارتها املن�شودة. فاملثقفون اليوم مدعوون �إىل نتاج ثقايف و�سطي يربط املا�ضي باحلا�ضر ،دون ا�ستالب او تفريط لو�ضع خارطة طريق للإحياء الفكري واملعريف ،لأن املطلوب تر�شيد التدافع احل�ضاري ،وامتالك القوة الإقرتاحية للعالج وامل�شاركة يف فعل التنزيل والتنفيذ. نريد �أن نكون م�سلمني بالعقيدة ،حداثيني بالثقافة ولي�س إقدام واجنا ٌز حم�سوب ودفا ٌع يطور العك�س ،فم�صفوفة التدافع � ٌ ُّ وترقب لبناء امل�ستقبل هذا ال �آليات املمانعة واملقاومة ،و�صمود يكون �إال عرب حتالف امل�سلمني وامل�سيحيني يف الق�ضايا الأخالقية والإن�سانية والكونية ،والرتكيز على احلقوق التي مت�س الأمن الوطني لبلداننا ،وهذا جوهر منهج الو�سطية توليف وت�أليف، را�شدٌ ملواجهة القهر الديني ،والقهر االقت�صادي ،والف�ساد ال�سيا�سي ،واالنهيار االجتماعي.
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وسطيت ان الوسطية في اإلسالم ب�سم اهلل الرحمن الرجيم تتدافع الأح��داث يف العامل الإ�سالمي ،و�أخ�ير ًا يف فل�سطني باجتاه موجة من ال��ر�ؤي��ة ال�ضيقة للإ�سالم ال�شمويل ،تلزم املثقفني والعلماء و�أ�صحاب الر�أي والقلم �إىل �أن ي�أخذوا بيد اجلماهري نحو الر�ؤية ال�شاملة للإ�سالم .وملا تخيرَّ ت الكتابة حول الو�سطية يف الإ�سالم خلت الأمر ي�سري ًا ،وللوهلة الأوىل �أدركت ندرة الكتابة يف هذا املو�ضوع كتابة م�ستقلة ووا�سعة. والو�سطية حتقيق للتوازن يف حياة الب�شر ،وحتقيق التوازن يف حياتنا الفردية واالجتماعية ،فال متيل كفة امليزان يف جانب من احلياة على ح�ساب اجلانب الآخ��ر ,فهي الو�سطية العادلة املتوازنة دون تطرف لليمني �أو الي�سار ،ودون �إفراط �أو تفريط ،ويف الغالب �أن من االنحراف واالعوجاج والطغيان يف احللول املطروحة (الر�أ�سمالية – واال�شرتاكية) االبتعاد عن الو�سطية �إىل املغاالة �إىل �أحد اجلوانب دون الآخر. بينما ال�صراط امل�ستقيم ال عوج فيه وال انحراف معه ،و�سط بني �سيادة الفرد امل�سيطرة يف النظام الر�أ�سمايل ,و�سيادة املجموع امل�سيطرة يف النظام اال�شرتاكي ،و�سط ًا بني اجلانب مهتم بزيادة الإنتاج وتنمية الرثوة ,ولكنها لي�ست غاية امل�سلم وحمور حياته و�أك�بر همه ومبلغ علمه ،واجلانب الروحي يف بناء الفرد روح ًا ونف�س ًا مت�ألقة ،تتمازج يف بناء متكامل روح وج�سد ،ال �إفراط وال تفريط. كما �أنه و�سط بني الرجاء واخلوف ،رجاء مبا عند اهلل تعاىل وخوف من عذابه؛ ليحفظ على الإن�سان توا�صل العمل من �أجل هدفه الرئي�سي. فالو�سطية تتجلى يف كثري من املعاين الإ�سالمية التي �أُ�س�س عليه البنيان ال�شامخ ،وعلى كافة الأ�صعدة عالقة الإن�سان بخالقه وعالقته ب�أخيه الإن�سان ,وعالقته مع باقي املخلوقات ،وقد كان االهتمام خا�ص ًا يف بناء الفرد واملجتمع تربوي ًا ،وثقافي ًا واجتماعي ًا ,واقت�صادي ًا ،وع�سكري ًا و�سيا�سي ًا وروحي ًا و�أخالقي ًا على الو�سطية واالعتدال والتوازن. فالروح التي بها ُكر ّم الإن�سان ،و�أهملها اليوم الغرب وال�شرق، �أمدها الإ�سالم بغذائها دون �إهمال �أو زيادة ,وذلك ب�إحياء معاين العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
د .حممد �إبراهيم املدهون رئي�س مركز �إبداع للدرا�سات اال�سرتاتيجية
الألوهية ,والربوبية مع تربية الأمة على التقوى والإخال�ص، ال�شعائر ،مع و تثبيت القيم الأخالقية الأ�صلية واملحافظة على َ مقاومة البدع وي�ساهم يف ذلك من خالل �إحياء ر�سالة امل�سجد وتكرمي العلماء.
يف جمال الرتبية الأخالقية املعتدلة الو�سطية.
حدد للغريزة اجلن�سية نظرة الإ�سالم للإن�سان واجلن�س� ,إذ ّ �أ�س�س ًا وقواعد ،فقد اعرتف الإ�سالم بالدوافع الفطرية للإن�سان َّا�س ُح ُّب َّ ات مِنَ الن َِّ�ساء َوا ْل َب ِن َ ني ال�ش َه َو ِ قال تعاىل ُ «:ز ِّي��نَ ِللن ِ ري المْ ُ َق َ نط َر ِة مِنَ َّ الذهَ ِب َوا ْل ِف َّ�ض ِة َوالخْ َ ْيلِ المْ ُ َ�س َّو َم ِة َوالأَ ْن َعا ِم َوا ْل َق َن ِ اط ِ ُ للهّ الد ْن َيا َوا ِعندَ ُه ُح ْ�سنُ المْ َ��� ِآب»(�آل َوالحْ َ ْر ِث َذ ِل َك َم َتا ُع الحْ َ َيا ِة ُّ عمران )14 ,لكنه مل ُيبح للإن�سان االن�سياق يف �شهواته ،لي�صبح مناف للطبيعة الإن�سانية،ويف ذلك عبد ًا ل�شهوته؛ لأن ذلك ٍ هبوط لعامل احليوان و�ضياع للإن�سان وعدم حتقيقه لأهداف وجوده على هذه الأر�ض. يحرم على الإن�سان دوافعه الغريزية ،ومل فاهلل تعاىل مل ّ ي�سمح له كذلك باالن�سياق خلف هذه ال�شهوة؛ لأن ذلك �ضياع للفرد واملجتمع و�إهدار للطاقة التي يجب ت�سخريها يف جماالت اخلري والنماء قال تعاىل ُ : «قلْ َم ْن َح َّر َم ِزي َن َة اللهَّ ِ ا َّل ِتي �أَخْ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َو َّ الرز ِْق »(الأعراف ) 32 الط ِّي َب ِ ات مِنَ ِّ بل تعدى الإ�سالم املثالية يف �ضبط هذه ال�شهوة� ،إذ يثاب الرجل على العمل اجلن�سي ال��ذي ي�أتيه مع زوجته وردة يف ال�سنة النبوية �أن احد ا�صحاب الر�سول ي�س�أله :يا ر�سول اهلل �أي�أتي �أحدنا �شهوته ويكون له فيها �أجر ،قال� -صلى اهلل عليه و�سلم�« :-أر�أيتم لو و�ضعها يف حرام �أك��ان عليه وزر كذلك لو و�ضعها يف حالل كان له �أجر» رواه م�سلم. فاملطلوب �إذ ًا لي�س حرب هذه ال�شهوة ،بل �ضبطها و�إحداث التوازن وتر�شيدها لتكون يف جمالها(الزواج) و�إال فال�صرب من خالل ال�صوم قال� -صلى اهلل عليه و�سلم« :-يا مع�شر ال�شباب من ا�ستطاع منكم الباءة فليتزوج ف�إنه �أغ�ض للب�صر و�أحفظ للفرج ومن مل ي�ستطع فعليه بال�صوم ف�إنه له وجاء».
5
و س ط ي ت نا ويبدو كذلك معنى الو�سطية جلي ًا يف البناء الأخالقي من خالل قوله تعاىلَ « :و ُك ُلوا َو ْ ا�ش َر ُبوا َو اَل ُت ْ�س ِر ُفوا» (الأعراف. )31 فال حرمة للطعام وال�����ش��راب ،بل �إنّ��ه ال�ضبط والإر���ش��اد، والو�سطية املتوازنة بعدم الإ�سراف وقد تعر�ض القر�آن الكرمي د�ستور الأمة ,ومنهج ال�سماء ملعنى الو�سطية واالعتدال يف كثري من �آياته وتعر�ض لهذا املعنى ب�شكل مبا�شر وا�ضح يف قوله ّا�س اء َع َلى ال َن ِ تعاىلَ « :و َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم �أُ َّم ًة َو َ�سط ًا ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ الر ُ�س ُ ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِيد ًا ( »..البقرة .)143 َو َي ُكونَ َّ والو�سطية هنا كما يقول ابن كثري هي الأجو ُد واخليار فر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم� -أو���س��ط قومه وقري�ش �أو�سط العرب .والأمة الإ�سالمية �أو�سط بكمال الت�شريع وقوامة املنهج وو�ضوح املذهب قال تعاىل ُ : َّا�س» «ك ْن ُت ْم َخيرْ َ �أُ َّم ٍة �أُخْ ِر َجتْ ِللن ِ (�آل عمران .)110 والو�سطية هنا هي العدل؛ حيث يروي �أبو �سعيد اخلدري يف حديث رواه الإمام البخاري قول النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم- ( ُيدعى نوح يوم القيام فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم ،فيدعي قومه فيقال لهم هل بلغكم؟؟ فيقولون :ما �أتانا من نذير وما �أتانا من �أحد ،فيقال لنوح من ي�شهد لك؟ فيقول حممد و�أمته. قال النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم -فذاك قوله تعاىلَ « :و َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا»(البقرة .)143 فهي �أمة �شهيدة على النا�س مقام احلكم والعدل ،ويحدثنا ال�شهيد �سيد قطب -رحمه اهلل -حول ذلك يف ظالله فيقول"�إنها الأم��ة الو�سط التي ت�شهد على النا�س جميع ًا ،فتقيم بينهم العدل والق�سط وت�ضع لهم املوازين والقيم و ُتبدي فيها ر�أي ًا، فيكون هو الر�أي املعتمد .وتزن قيمهم وت�صوراتهم وتقاليدهم، �شعاراتهم فتف�صل يف �أمرها وتقول :هذا حق منها وهذا باطل ال التي تتلقى من النا�س ت�صوراتها وقيمها وموازينها ،وهي �شهيدة على النا�س يف مقام احلكم والعدل بينهم والر�سول ي�شهد فيقرر لها موازينها وقيمها ،ويحكم على �أعمالها وتقاليدها ،ويزن ما ي�صدر عنها ويقول الكلمة الأخرية ،وبهذا تتحدد حقيقة هذه الأمة ووظيفتها لتعرفها وت�شعر ب�ضخامتها ،ولتقدر دورها حق دوره وت�ستعد له ا�ستعداد ًا الئق ًا و�أنها للأمة الو�سط بكل معاين الو�سط و�ساطة احل�سن والف�ضل �أو و�ساطة االعتدال والق�صد �أو الو�سط املادي احل�سي". «�أم��ة و�سط ًا» يف الت�صور واالعتقاد ال تغلو يف التجرد الروحي ،وال يف االرتكا�س املادي �إمنا تتبع الفطرة املمثلة يف روح متلب�س بج�سد� ،أو ج�سد تتلب�س به روح وتعطي لهذا الكيان
6
املزدوج الطاقات حقه املتكامل من كل زاد ،وتعمل لرتقية احلياة ورفعها يف الوقت الذي تعمل فيه على حفظ احلياة وامتدادها وتطلق كل ن�شاط يف عامل الأ�شواق ،وعامل النوازع بال تفريط �أو �إفراط يف ق�صد وتنا�سب واعتدال. «�أم��ة و�سط ًا» يف التفكري وال�شعور ال جتمد على ما علمت، وتغلق منافذ التجربة واملعرفة ..وال تتبع كذلك كل ناعق وتقلد تقليد القردة امل�ضحك � ,إمن��ا ت�ستم�سك مبا لديها من ت�صورات ومناهج و�أ�صول ثم تنظر يف كل نتاج للفكر والتجريب، و�شعارها الدائم :احلقيقة �ضالة امل�ؤمن �أنى وجدها �أخذها يف تثبت ويقني. «�أم��ة و�سط ًا» يف التنظيم والتن�سيق ،ال تدع احلياة كلها للم�شاعر وال�ضمائر ،وال تدعها كذلك للت�شريع والت�أديب �إمنا ترفع �ضمائر الب�شر بالتوجيه والتهذيب ،وتكفل نظام املجتمع بالت�شريع والت�أديب وتزاوج بني هذه وتلك ،فال تكل النا�س �إىل �سوط ال�سلطان وال تكلهم كذلك �إىل وحي الوجدان لكن مزيج. «�أمة و�سط ًا» يف االرتباطات والعالقات ،ال تلغي �شخ�صية الفرد ومقوماته وال «تال�شي �شخ�صية يف �شخ�صية اجلماعة �أو الدولة ،وال تطلقه كذلك فرد ًا �أثر ًا ج�شع ًا ال هم له �إال ذاته، �إمنا تطلق من الدوافع والطاقات ما ي�ؤدي �إىل احلركة والنماء وتطلق من النوازع واخل�صائ�ص مما يحقق �شخ�صية الفرد ،ثم ت�ضع من الكوابح ما يقف دون الغلو ومن املن�شطات ،ما يثري رغبة الفرد يف خدمة اجلماعة ،وتقرر من التكاليف والواجبات ما يجعل الفرد خادم ًا للجماعة واجلماعة كافلة للفرد يف تنا�سق وات�ساق. «�أمة و�سط ًا» يف املكان ،و يف مركز الأر�ض ويف �أو�سط بقاعها، وما تزال هذه الأمة التي غمر �أر�ضها الإ�سالم �إىل هذه اللحظة هي الأمة التي تتو�سط �أقطار الأر�ض بني �شرق وغرب وجنوب و�شمال ،وما تزال مبوقعها هذا ت�شهد للنا�س جميعا ً ،وت�شهد على النا�س جميع ًا ،وتعطى ما عندها لأهل الأر���ض قاطبة ،وعن طريقها تعرب ثمار الطبيعة ،وثمار الروح والفكر من هنا �إىل هناك .وتتحكم يف هذه احلركة ماديها ومعنويها على ال�سواء. «�أمة و�سط ًا» يف الزمان تنهي عهد طفولة الب�شرية من قبلها، وحتر�س عهد الر�شد العقلي من بعدها وتقف يف الو�سط،تنف�ض عن الب�شرية ما علق بها من �أوهام وخرافات يف عهد طفولتها وت�صدها عن الفتنة بالعقل والهوى ،وتراوح بني تراثها الروحي من عهود الر�ساالت ور�صيدها العقلي امل�ستمر يف النماء وت�سري بها على ال�صراط ال�سوي بني هذا وذاك.
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وسطيتنا وما يعوق هذه الأمة �أن ت�أخذ مكانها الو�سط تخليها عن منهج اهلل الذي اختاره لها فالو�سطية لها .تكاليفها والقوامة لها تبعاتها البد من الفنت واملحن واالبتالء. والعبودية تربز ب�شكل كامل يف العبادة حيث �أك��دت �شريعة ال�سماء على االعتدال والو�سطية ,واملتنطعون املت�شددون نالوا توجيه ًا مركز ًا عميق ًا من النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم -فقد روت عائ�شة -ر�ضي اهلل عنها� -أن النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم- دخل عليها وعندها امر�أة قال ":من هذه قالت فالنة تذكر من �صالتها قال «مه ..عليكم ما ُتطيقون فواهلل ال َّ ميل اهلل حتى متلوا". وق�صة الثالثة التي رواها �أن�س -ر�ضي اهلل عنه -حيث �س�ألوا عن عبادة النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم -فلما �أُخ�بروا ك�أنّهم تقالوها فقالوا� :أين نحن من ر�سول اهلل وقد غفر اهلل ما تقدم من ذنبه وما ت�أخر وقال �أحدهم �أنا �أ�صلي �أبد ًا ,وقال الآخر �أنا �أ�صوم الدهر وال �أفطر ,وقال الآخر �أنا �أعتزل الن�ساء فال �أتزوج �أبد ًا فجاء �إليهم ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -فقال�« :أنتم الذين قلتم كذا وكذا �أ ّما واهلل �إنيّ لأخ�شاكم هلل و�أتقاكم له ولكني �أ�صو ُم و�أُفطر و�أ�صلي و�أرقد ,و�أتزوج الن�ساء فمن رغب عن �سنتي فلي�س مني». ويف حديث رواه �أبو هريرة عن النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم- الدين ي�سر ولن ي�شا ّد الدين �أحدٌ �إال غلبة ف�سددوا قال�« :إن ّ وق��ارب��وا و�أب�شروا وا�ستعينوا بالغدوة وال��روح��ة و�شيء من الدجلة» والفكر الإ�سالمي املطلوب هذه الأي��ام فكر ًا و�سطي ًا معتدالً متكامال ً ,حيث ميثل املنهج الو�سط للأمة الو�سط بعيد ًا عن الغلو والتق�صري ،فهو فكر و�سط بني دعاة املذهبية ال�ضيقة ،ودعاة الالمذهبية املنفرطة ,و�سط بني دعاة االنفتاح على العامل بال �ضوابط ،ودعاة االنغالق على النف�س بال مربر. و�سط بني املحكمني للعقل و�إن خالف ن�ص ًا ،واملغيبني للعقل ولو يف فهم ن�ص ،و�سط بني امل�ستغرقني يف ال�سيا�سة على ح�ساب الرتبية ،واملهملني لل�سيا�سة كلية بدعوى الرتبية ،و�سط بني امل�ستعجلني قطف الثمرة قبل �أوان��ه��ا ،والغافلني عنها حتى ت�سقط يف �أيدي غريهم بعد ن�ضجها. و�سط بني امل�ستغرقني يف احلا�ضر غائبني عن امل�ستقبل، واملبالغني يف التنب�ؤ بامل�ستقبل ك�أنه كتاب يقر�ؤونه و�سط بني املقد�سني لأ�شكال التنظيم ,ك�أنها �أوثان تعبد ،واملتحللني من �أي عمل منظم.
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
و�سط ب�ين دع��اة العاملية دون رع��اي��ة للظروف واملالب�سات املحلية ،والدعاة �إىل الإقليمية ال�ضيقة دون �أدن��ى ارتباط باحلركة العاملية ،و�سط بني امل�سرفني يف التفا�ؤل متجاهلني العوائق واملخاطر ،وامل�سرفني يف الت�شا�ؤم فال يرون �إال الظالم وال يرقبون للظالم فجر ًا. و�سط بني املغالني يف التحرمي ,ك�أنه ال يوجد يف الدنيا حالل، واملبالغني يف التحليل ,ك�أنه ال يوجد يف الدين �شيء ا�سمه حرام.. هذه هي الو�سطية التي يتبناها الفكر الإ�سالمي دون ال�سقوط يف طريف الإفراط �أو التفريط. ويف الوقت احلا�ضر يبدو �أن الألوان انح�صرت �إىل لونني فقط الأبي�ض والأ�سود .والبع�ض يراها �سوداء ولكن الو�سطية مالزمة للتي�سري ,فهي و�سط بني التزمت والت�سيب بني التنطع والتحلل. وال�شريعة الإ�سالمية حني تتبنى فقه التي�سري � ,إمنا تنفذ جزء ًا من الإ�سالم هام ًا؛ حيث �أن ال�شريعة مبناها الي�سر ،ورفع احلرج والتخفيف والرحمة وال�سماحة } ُي ِريدُ اللهَّ ُ ِب ُك ُم ا ْل ُي ْ�س َر َوال ُي ِريدُ ِب ُك ُم ا ْل ُع ْ�س َر { (البقرة َ } )185ما ُي ِريدُ اللهَّ ُ ِل َي ْج َع َل َع َل ْي ُك ْم ِم ْن َح َر ٍج { (املائدة َ } .)6ذ ِل َك َتخْ ِف ٌ يف ِم ْن َر ِّب ُك ْم َو َر ْح َم ٌة{ (البقرة .)178وقوله �-صلى اهلل عليه و�سلم« -ي�سروا وال تع�سروا». والنا�س اليوم �ضعفت همتهم وغلبهم الك�سل ,وكرثت عوائق اخلري ومرغبات ال�شر فهم بحاجة �إىل التي�سري و�إىل الرخ�صة واهلل يحب �أن ت�أتي رخ�صة كما ت�أتي عزائمه. وال مانع �أن ي�شدد املرء على نف�سه ،وي�أخذ بالعزمية ،لكن ال ينبغي �أن يطلب من النا�س ذلك لأن فيهم ال�ضعيف والكبري و�صاحب العذر. وهذا الفكر الو�سطي املعا�صر املطلوب ينتهي �إىل ما جاء به النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم -من املنهج الو�سط الذي وازن بني الفرد واملجتمع يف احلقوق والواجبات ،بال �إفراط وال تفريط و�أقام على هذا النهج الأمة الو�سط التي كانت خري �أمة �أخرجت للنا�س. املراجع: -1القر�آن الكرمي. -2ريا�ض ال�صاحلني الإمام النووي دار اجليل – لبنان. -3تف�سري ابن كثري لل�صابوين دار القر�آن الكرمي. -4يف ظالل القر�آن �سيد قطب دار �إحياء الرتاث العربي -5احلل الإ�سالمي د .يو�سف القر�ضاوي مكتبة وهبة � -6أولويات احلركة الإ�سالمية د .يو�سف القر�ضاوي م�ؤ�س�سة الر�سالة. � -7شبهات حول الإ�سالم حممد قطب دار ال�شروق.
7
وسطيت ان وسطية اإلسالم في العبادات ب�سم اهلل الرحمن الرحيم رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على النبي املبعوث احلمد هلل ِّ رحمة للعاملني� ،سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني. �إن الناظر نظرة متعن يف العبادات الإ�سالمية الواجبة، وامل�ستحبة على امل�سلم يجد �أن��ه��ا تت�سم بالو�سطية واالعتدال ،و�أنها بعيدة كل البعد عن الغلو ،فال �إفراط فيها وال تفريط. وقد جاء التو�سط يف العبادات الإ�سالمية من�سجم ًا مع نعمة اهلل تعاىل على ه��ذه الأم��ة املحمدية ب���أن جعلها ��اك ْ��م �أُ َّم ً � ً ���ذ ِل َ أم���ة و�سط ًا ،ق��ال اهلل ت��ع��اىلَ } :و َك َ ���ك َج �� َع �� ْل�� َن ُ ���ة َّا�س َو َي ُك ونَ ال َّر ُ�س ُ ول َع َل ْي ُك ْم َو َ�س ط ًا ِّل َت ُك و ُن و ْا ُ�ش َه دَاء َع َل ى الن ِ َ�ش هِيد ًا{(البقرة ،)143فبما �أنها �أمة و�سط ًا فكذلك العبادات املفرو�ضة عليها تت�سم بالو�سطية واالعتدال. و�إذا نظرنا �إىل العبادات يف الإ�سالم ،جند �أن منها عبادات يومية ،ي �ؤديها امل�سلم كل يوم تقرب ًا �إىل اهلل تعاىل كال�صالة املفرو�ضة ،فعلى امل�سلم �أن يقف بني يدي اهلل تعاىل كل يوم خم�س مرات؛ ليبقى دائم ال�صلة بخالقه ّ جل وعال ،وهذه ال�صلوات املفرو�ضة ال ت�أخذ من امل�سلم �إال وقت ًا ي�سري ًا ،فال ت �ؤثر على �سعيه يف عمارة الأر�ض بل تبقيه على �صلة مبواله جل يف عاله ،فيبارك له يف عمله و�سعيه ،ومن ال ي�ستطع �أن ي �ؤديها واقف ًا فلي�ؤدها جال�س ًا �أو م�ضطجع ًا �أو ليمررها على قلبه ح�سب حاله وقدرته ،قال تعاىلَ }:و َم ا َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فيِ ين ِم ْن َح َر ٍج{(احلج.)78 الدِّ ِ ومن العبادات املفرو�ضة على امل�سلم عبادة ي�ؤديها امل�سلم كل �أ�سبوع مرة واحدة ،وهي �صالة اجلمعة ،يجتمع امل�سلمون فيها؛ ال�ستماع املوعظة ،ولتحقيق الت �آخي والتواد والتقارب بني امل�سلمني ،وهذه العبادة �أي�ض ًا ال ت�أخذ من وقت امل�سلم �إال الي�سري؛ لتحقيق دميومة العالقة بينه وبني اهلل تعاىل؛ وليتفرغ بعدها �إىل عمارة الأر����ض وال�سعي يف مناكبها،
8
د .حممود عبد الغفار �أحمد بني حمدان دكتوراه يف العقيدة والفل�سفة الإ�سالمية
ل�ص ال ِة ِمن َي ْو ِم قال تعاىلَ } :يا �أَ ُّي َه ا ا َّل ِذينَ �آ َم ُن وا �إِ َذا ُن و ِدي ِل َّ ا�س َع ْوا �إِلىَ ِذ ْك ِر اللهَّ ِ َو َذ ُروا ا ْل َب ْي َع َذ ِل ُك ْم َخ يرْ ٌ َّل ُك ْم �إِن الجْ ُ ُم َع ِة َف ْ �ض ال�ص ال ُة َفان َت ِ�ش ُروا فيِ الأَ ْر ِ ُك ن ُت ْم َت ْع َل ُم ونَ(َ )9ف�إِ َذا ُق ِ�ض َي ِت َّ َوا ْب َت ُغ وا ِمن َف ْ�ض ِل اللهَّ ِ َواذ ُْك ُروا اللهَّ َ َك ِث ري ًا َّل َع لَّ ُك ْم ُت ْف ِل ُح ونَ{ (اجلمعة .)10-9 ومن العبادات التي فر�ضها اهلل تعاىل على عباده امل�سلمني عبادة ُت ���ؤ َّدى يف العام مرة واح��دة ،وهي �صوم �شهر رم�ضان املبارك ،وهذه العبادة مطلوبة من القادرين عليها فقط ،فال جتب على امل�سلم املري�ض مر�ض ًا مزمن ًا� ،أو مر�ض ًا قد يزداد ب�سبب ال�صوم ،وال على العاجز ،وال على امل�سافر ،بل َي ّ�س ر اهلل تعاىل على من ال ي�ستطيع ال�صوم ،وجعل عليه الفدية �أو الق�ضاء ح�سب حاله ،قال تعاىلَ : }�ش ْه ُر َر َم َ�ض انَ ا َّلذِيَ ات ِّمنَ ا ْل ُه دَى َوالْفُ ْر َقانِ نز َل ِف ِ َّا�س َو َب ِّي َن ٍ �أُ ِ يه ا ْل ُق ْر�آنُ هُ دً ى ِّل لن ِ َف َمن َ�ش هِدَ ِمن ُك ُم َّ ال�ش ْه َر َف ْل َي ُ�ص ْم هُ َو َمن َك انَ َم ِري�ض ًا �أَ ْو َع َل ى ُ للهّ دَّة ِّم ْن �أَ َّي ٍام �أُ َخ َر ُي ِريدُ ا ِب ُك ُم ا ْل ُي ْ�س َر َو َ َ�س َف ٍر َف ِع ٌ ال ُي ِريدُ ِب ُك ُم ا ْل ُع ْ�س َر َو ِل ُت ْك ِم ُل و ْا ا ْل ِع دَّ َة َو ِل ُت َك برِّ ُو ْا اللهّ َ َع َل ى َم ا هَ ُ دَاك ْم َو َل َع لَّ ُك ْم َت ْ�ش ُك ُرونَ{(البقرة.)185 وق��د فر�ض اهلل تعاىل على امل�سلمني عبادة ي ���ؤدوه��ا يف العمر مرة واح��دة وهي احل��ج ،ولي�س احلج واج��ب على كل م�سلم ،بل هو واجب على امل�ستطيع ا�ستطاعة بدنية ومالية و�أَمن ّية ( ،)1وجعل اهلل تعاىل يف احلج منافع دينية ودنيوية َّا�س ِبالحْ َ ِّج َي�أْ ُت َ وك ِر َج ا ًال للحاج ،قال اهلل تعاىلَ }:و�أَ ِّذن فيِ الن ِ َو َع َل ى ُك ِّل َ�ض ا ِم ٍر َي�أْ ِت َ يق(ِ )27ل َي ْ�ش َه دُ وا َم َنا ِف َع ني ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِم ٍ َل ُه ْم َو َي ُ ات َع َل ى َم ا َر َز َق ُه م ِّمن ا�س َم اللهَّ ِ فيِ �أَ َّي ٍام َّم ْع ُل و َم ٍ ذْك ُروا ْ ري (ُ )28ث َّم �س ا ْل َف ِق َ َبهِي َم ِة الأَ ْن َع ا ِم َف ُك ُل وا ِم ْن َه ا َو�أَطْ ِع ُم وا ا ْل َب ا ِئ َ يق{ ْل َي ْق ُ�ض وا َت َف َث ُه ْم َو ْل ُيو ُف وا ُن ُذو َرهُ ْم َو ْل َي َّط َّو ُف وا ِبا ْل َب ْي ِت ا ْل َع ِت ِ ( احلج .)29 -27 و�أوجب اهلل تعاىل على امل�سلم يف ماله ،مبلغ ًا ي�سري ًا ي �ؤديه للم�ستحقني �شرع ًا للزكاة �إذا بلغ الن�صاب يف الزروع والثمار، �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وسطيت ان و�إذا بلغ الن�صاب وحال عليه احلول يف بقية الأموال ،وهذا املبلغ الذي يجب على �صاحب املال ،هو مبلغ قليل ال ي �ؤثر على بقية ماله بل ُين ِّم يه ويبارك اهلل تعاىل له فيه ،وي�سد فيه حاجة الفقراء وامل�ساكني واملعوزين ،فيتحقق بذلك التكافل االجتماعي بني �أفراد املجتمع امل�سلم يف �أبهى �صوره. هذه هي �أركان الإ�سالم ،بالإ�ضافة �إىل مفتاح الإ�سالم وهي ال�شهادتني� ،أركان ي �ؤديها امل�سلم بي�سر و�سهولة ،ال تعقيد فيها وال مبالغة ،بل هي مثال حي حلقيقة و�سطية الإ�سالم واعتداله. فالإ�سالم يرف�ض الغلو يف العبادات ،لأنها ت �ؤدي بامل�سلم �إىل التهلكة ،والإ�سالم جاء ليحارب كل ما ي �ؤدي �إىل �إحلاق ال�ضرر بامل�سلم ،قال تعاىلَ }:و َ ال ُت ْل ُق و ْا ِب�أَ ْي ِدي ُك ْم �إِلىَ ال َّت ْه ُل َك ِة َو�أَ ْح ِ�س ُن َو ْا �إِنَّ اللهّ َ ُي ِح ُّب المْ ُ ْح ِ�س ِننيَ{ ( البقرة .)195 وقد ّ حذر النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم -من الغلو يف العبادات ،ويف ذلك يقول – �صلى اهلل عليه و�سلم « :-ال ف�شدد اهلل عليهم فتلك بقاياهم يف ال�صوامع والديار ت�شددوا على �أنف�سكم في�شدد عليكم ف�إن قوم ًا �شددوا على �أنف�سهم ّ } َو َر ْه َب ا ِن َّي ًة ا ْب َت دَ ُع وهَ ا َم ا َك َت ْب َناهَ ا َع َل ْيه ِْم { ( احلديد ،)2( »)27وقال – �صلى اهلل عليه و�سلم� « :-إنّ هذا الدين ي�سر ولن ي�شا ّد الدين �أحدٌ �إال غلبه ف�سددوا وقاربوا و�أب�شروا وي�سروا وا�ستعينوا بالغدوة والروحة و�شيء من الدجلة»(.)3وعن عبد ()4 اهلل بن م�سعود –ر�ضي اهلل عنه -قال :قال ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم « :-هلك املتنطعون » .قالها ثالثا واملتنطعون هم املتعمقون الغالون املجاوزون احلدود يف �أقوالهم و�أفعالهم( ،)5وعن ابن عبا�س –ر�ضي اهلل عنهما ، -قال: قال ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم :-يا �أ ّيها النا�س �إ ّياكم والغلو يف الدين ،ف�إمنا �أهلك من كان قبلكم الغلو يف الدين»( .)6وعن �أن�س بن مالك -ر�ضي اهلل عنه -قال « :جاء ثالثة رهط �إىل بيوت �أزواج النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم- ي� س�ألون عن عبادة النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم -فلما �أُخربوا ك �أنَّهم تقالُّوها ،فقالوا :و�أين نحن من النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم -وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما ت�أخر ،قال �أحدهم� :أما �أنا ف�إين �أ�صلي الليل �أبد ًا ،وقال �آخر� :أنا �أ�صوم الدهر وال �أفطر ،وقال �آخر� :أنا �أعتزل الن�ساء فال �أتزوج �أبد ًا ،فجاء ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم -فقال� :أنتم الذين قلتم كذا وكذا �أ ّم ا واهلل �إين لأخ�شاكم هلل و�أتقاكم له ,لكني �أ�صوم و�أفطر ,و�أ�صلي و�أرقد ,و�أتزوج الن�ساء فمن رغب عن �سنتي فلي�س مني »(.)7 هذا ب�إيجاز منوذج من و�سطية الإ�سالم يف ت�شريعاته وفرائ�ضه ،وهذا هو ُي �سر الإ�سالم وتعاليمه ،و�صدق اهلل تعاىل �إذ يقولَ } : ال ُي َك ِّل ُف اللهّ ُ َن ْف �س ًا �إِ َّ ال ُو ْ�س َع َه ا { ( البقرة .)286 و�صل اللهم على �سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني.
املراجع: � - 1أق�صد �أمن طريقه �إىل احلج ،و�أمن �أهله يف بلدهم �أثناء ذهابه للحج. �-2أبو داود� ،سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين� .سنن �أبي داود ،رقم ،4906ج� ،4ص ،428دار الكتاب العربي ،بريوت. - 3الن�سائي� ،أحمد بن �شعيب �أبو عبد الرحمن .املجتبى من ال�سنن (حتقيق عبد الفتاح �أبو غدة) ،ط1406( 2هـ 1986 -م)، رقم ،5034ج� ،8ص ،121مكتب املطبوعات الإ�سالمية ،حلب. - 4م�سلم ،بن احلجاج بن م�سلم الق�شريي .اجلامع ال�صحيح امل�سمى �صحيح م�سلم ،رقم ،6955ج� ،8ص ،58دار اجليل ودار الأفاق اجلديدة ،بريوت. -5النووي� ،أبو زكريا يحيى بن �شرف .املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج ،ط1392( 3هـ) ،ج� ،9ص ،26دار �إحياء الرتاث العربي – بريوت. - 6ابن ماجه� ،أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويني� .سنن ابن ماجه (حتقيق حممد ف�ؤاد عبد الباقي)،رقم ،3029ج� ،2ص،1008 دار الفكر – بريوت .قال عنه الألباين �صحيح. -7البخاري ،حممد بن �إ�سماعيل بن �إبراهيم بن املغرية .اجلامع ال�صحيح ،ط 1407( 1هـ – 1987م) ،رقم ،5063ج� ،7ص ،2دار ال�شعب – القاهرة.
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
9
وسطيت ان الشمول والتواز ن
في األخالق اإلسالمية ب�سم اهلل الرحمن الرحيم �إنّ دائرة الأخالق يف الإ�سالم وا�سعة جدا ً؛ فهي ت�شمل �أفعال الإن�سان اخلا�صة بنف�سه� ،أو املتعلقة بغريه فرد ًا� ،أوجماعة، �أو دولة .وقد تناولت الأخالق الإ�سالمية جميع مناحي احلياة ،ور�سمت املنهج العملي املتعلق ب�أفعال الإن�سان نحو ً ً ً دينية ج�سدية، روحية� ,أو جميع جوانب احلياة الإن�سانية؛ ً ً ً عاطفية ،فردية �أو اجتماعية. عقلية �أو دنيوية، �أو يقول حبنكة« :لكل قطاع من القطاعات الإن�سانية املختلفة الداخلية واخلارجية �أخالق .للفكر �أخالق ،ولالعتقاد �أخالق ،وللقلب �أخالق ،وللنف�س �أخالق ،ولل�سلوك الظاهر () 1 �أخالق». ويتجلى �شمول الأخالق يف م�صادر الأخالق الإ�سالمية و�أهمها القر�آن الكرمي ،يقول دراز�( :إنَّ يف القر�آن الكرمي يتجلى طابع ال�شمول يف القانون الأخالقي بو�ضوح يقطع كل �شك ،ال لأن جمموع �أوامره يف جملتها موجهة �إىل الإن�سانية قاطبة فح�سب ،بل �إن القاعدة ذاتها – �سواء كانت قاعدة عدل �أم ف�ضيلة عامة -واجبة التطبيق بال تغيري على ذات ال�شخ�ص كما على غريه ،وعلى الأقارب كما على الغرباء، وعلى الأغنياء كما على الفقراء ،وداخل اجلماعة الإ�سالمية ()2 وخارجها ،وعلى اال�صدقاء والأعداء). والدار�س للأخالق عند امل�سلمني يجد �أن مفهوم الأخالق �أو�سع مما جاءت به الديانات والفل�سفات كلها ،ال �سيما يف احل�ضارة املادية املعا�صرة ؛ فالأخالق الإ�سالمية يدخل يف �إطارها جميع ال�صالت الإن�سانية ,بل تتعدى ذلك �إىل عالقة الإن�سان من الكائنات احلية الأخرى.
10
�أ� .أحمد ال�شرعة
�أما الأخالق يف املجتمعات الأوروبية املعا�صرة ،فقا�صرة على جوانب معينة من احلياة ،وحتكمها الأنانية وامل�صلحة الذاتية .فقد ف�صلوا ال�سيا�سة عن الأخالق؛ فنتج عن هذا الكذب ،والت�ضليل ،والغدر ،وحب الت�سلط ،واال�ستيالء والتملك على ح�ساب الآخرين ،بل �أدى ف�صل الأخالق عن ال�سيا�سة �إىل �أخطر من هذا كله� ،أال هو �سفك الدماء و�إزهاق الأرواح بحجج كاذبة. ومن خ�صائ�ص الأخالق الإ�سالمية ،التوازن وهو �شمول قيم الإن�سان الأخالقية يف �آنٍ واحد؛ بحيث ال يكون هناك تعار�ض بني جانب و�آخر ،و�أن ال يركز الإن�سان على بع�ض القيم ،ويرتك بع�ضها ترك ًا كلي ًا ،بل �أنّ ي�أخذ بكل القيم الأخالقية ح�سب ا�ستطاعته وقدرته. «وعلى هذا الأ�سا�س ف�إن امل�سلم يقوم ب�أداء واجباته اخللقية بغري متييز؛ لأن��ه مطالب بذلك بقدر امل�ستطاع ،يقول اهلل تعاىل :اَ }ل ُي َك ِّل ُف اللهَّ ُ َن ْف ً�س ا �إِ اَّل ُو ْ�س َع َه ا{(البقرة .)286 وبعباره �أخرى � َّإن امل�سلم لي�س له �أن يختار من �أخالق الإ�سالم كما يهوى ،فال يكون �صادق ًا �أمين ًا كرمي ًا ثم يكون فظ ًا غليظ ًا () 3 ال يرحم».
املراجع: ( ) 1حبنّكة ,عبد الرحمن ح�سن حبنكة امليداين, الأخالق الإ�سالمية و�أ�س�سها� ,ص.55 ( )2دراز ,حممد عبد اهلل دراز ,د�ستور الأخالق يف القر�آن� ,ص�-53ص(55بت�صرف). ( )3عبد الر�ؤوف ,عبد القادر �سيد عبد الر�ؤوف ,الأخالق يف الإ�سالم يف �ضوء الكتاب وال�سنة ,ط ,1دار الطباعة املحمدية ,القاهرة1413 ,هـ1992-م� ,ص.22
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وسطيت ان الوسطية
ومرتكزاتها ب�سم اهلل الرحمن الرحيم ين اال�سالم دين الفطرة ،بن�ص الآية الكرميةَ }:ف�أَ ِق ْم َو ْج َه َك ِل ِّ لد ِ َّا�س َع َل ْي َه ا َ ال َت ْب ِد َ يل لخِ َ ل ِْق اللهَّ ِ َح ِن ي ًفا ِفطْ َر َة اللهَّ ِ ا َل ِت ي َف َط َر ا لن َ َّا�س َ ال َي ْع َل ُم ونَ{(الروم ])30 َذ ِل َك ِّ الدينُ ال َق ِّي ُم َو َل ِكنَّ �أَ ْك ثرَ َ الن ِ والفطرة تعني جمموع اال�ستعدادات وامليول والغرائز ،التي تولد مع الإن�سان ،فبينما جاءت مفاهيم بع�ض العقائد م�صادمة للفطرة ،و�أخ��رى من�ساقة لغرائزها ،جاء اال�سالم من�سجم ًا مع مطالب الفطرة ،ومهذبا لغرائزها ،و�ضابطا مليولها. وجاءت ت�شريعات بع�ض الأديان منحازة للجوانب املادية ،بينما جند بع�ضها موغلة يف اجلانب الروحي ،فابتدع �أتباعها رهبانية ماكتبت عليهم ،لقد جاء اال�سالم موفقا بني كافة الثنائيات التي �شغلت الفكراالن�ساين ردحا من الزمان :ال��روح وامل��ادة ،والعقل والنقل ،املثال والواقع ،الدنيا والآخ��رة..،ال��خ وجند يف تعاليم اال�سالم ت�شريعا لكل املوا�ضيع التي ت�شكل �أهمية يف حياة الإن�سان، وف��ق �ضوابط حت��دد لكل مو�ضوع جماله وح��دوده ،كماجاءت ُ مكملة لأح��ك��ام ال��ر���س��االت ال�سابقة الت�شريعات اال�سالمية وم�صدقة لها ومعرتفة ب�شرعيتها التاريخية. �إن املتعمق يف الإ�سالم يدرك بو�ضوح �صلته الرحمية بالر�ساالت ال�سابقة ،ومراعاته للطبيعة الب�شرية املحاطة بعوامل ال�ضعف، ودعوته للت�أمل والتفكروالتدبر؛ ملعرفة �سنن الكون وت�سخريها لوظيفة اال�ستخالف.و�ستخدمت عند ثالثة حم��اور للو�سطية وهي:
املحور الأول :مفهوم الو�سطية.
�إنّ م�صطلح الو�سطية لي�س م�صطلحا هالميا ،وال نظريا وال خياليا؛ حتى يذهب فيه كل �إن�سان حيث �شاء ومبا �شاء ،فلي�س هو التعادلية التوفيقية؛ التي دعا �إليها بع�ض الكتاب واملفكرين، ولي�س هو احلياد ال�سلبي� ،أو هو املحافظة على و�ضع الو�سط املكاين بني طرفني؛ كثمرة للعقل الهروبي من امل�سئولية والفعل، و�إمنا هو م�س�ؤولية وتكليف و�أمانة ،ذو داللة �شرعية؛ هي �إطار مرجعي لفعل الإن�سان ،يتطلب �سلما من القيم ،يرتكز عليها يف العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
د .عبد املحمود �أبو ابراهيم رئي�س منتدى الو�سطية بال�سودان
مقدمتها الإميان باهلل والتوحيد ،وامل�ساواة التي تقت�ضي احلرية، وال��ع��دل ومواجهة الظلم ،واالن��ح��راف والتحريف والتمييز، و�إيقاف الت�سلط ،و�ضبط الن�سب والتوازن ،واالعتدال ،وا�ست�شعار امل�سئولية والرقابة ،و�إعطاء كل ذي حق حقه ،وال�سهر على ذلك وامل�س�ؤولية عنه ب�إميان واحت�ساب. الو�سطية هي االعتدال يف كل �أمور احلياة من ت�صورات ومناهج ومواقف ،وهي حتر متوا�صل لل�صواب يف التوجهات واالختيارات، فالو�سطية لي�ست جمرد موقف بني الت�شدد واالنحالل؛ بل هي منهج فكري وموقف �أخالقي و�سلوكي ،كما ذكر يف قوله تعاىل: اك اللهَّ ُ الدَّا َر ال ِآخ َر َة َو َ } َوا ْب َت ِغ ِف ي َم ا �آ َت َ الد ْن َيا ن�س َن ِ�ص ي َب َك ِمنَ ُّ ال َت َ �ض ِ �إنَّ اللهَّ َ ُ للهَّ َ َو�أَ ْح ِ�س ن َك َم ا �أَ ْح َ�س نَ ا �إِ َل ْي َك َو َ ال َت ْب ِغ ال َف َ�س ا َد فيِ الأ ْر ِ َ ال ُي ِح ُّب املُ ْف ِ�س ِدينَ{ حيث ت�شري تلك الآية �إىل �أهمية الو�سطية وحتقيق التوازن يف احلياة .قال� -صلى اهلل عليه و�سلم« :-يحمل ه��ذا العلم من كل خلف ع��دول��ه ،ينفون عنه حتريف الغالني وانتحال املبطلني وت�أويل اجلاهلني»
املحور الثاين� :ضوابط املنهج الو�سطي.
-1املالءمة بني ثوابت ال�شرع ومتغريات الع�صر. -2فهم الن�صو�ص اجلزئية للقر�آن وال�سنة يف �ضوء مقا�صدها الكلية . -3التي�سري يف الفتوى والتب�شري يف الدعوة. -4الت�شدد يف الأ�صول والكليات ،والتي�سري يف الفروع واجلزئيات. -5الثبات يف الأهداف واملرونة يف الو�سائل . -6اال�ستفادة من �أف�ضل ما يف ال�تراث من عقالنية املتكلمني، وروح��ان��ي��ة امل��ت�����ص��وف��ة ،و�إت���ب���اع الأث���ري�ي�ن ،و���ض��ب��ط الفقهاء والأ�صوليني.
11
و س ط ي ت نا -7احلر�ص على اجلوهر قبل ال�شكل ،وعلى الباطن قبل الظاهر، وعلى �أعمال القلوب قبل �أعمال اجلوارح . -8مالحظة تغري �أثر الزمان واملكان والإن�سان يف الفتوى والدعوة والتعليم والق�ضاء. -9التعاون بني الفئات الإ�سالمية يف املتفق عليه ،والت�سامح يف املختلف فيه . -10دعوة امل�سلمني باحلكمة ،وحوار الآخرين باحل�سنى. -11اجلمع بني الوالء للم�ؤمنني ،والت�سامح مع املخالفني . -12اجلهاد والإعداد للمعتدين ،وامل�ساملة ملن جنحوا لل�سلم. -13اجلمع بني ا�ستلهام املا�ضي ومعاي�شة احلا�ضر وا�ست�شراف امل�ستقبل. لقد �أ َّكد الإ�سالم حقيقة احلياة الدنيا القائمة على التن ّْوع يف كافة املجاالت ،وبينَّ �أن االختالف الذي جبل عليه االن�سان هو من �آيات اهلل احلاثة على التب�صر ،و�أن االختالف الينفي اجلوامع؛ فكل النا�س من �أ�صل واحد مهما اختلفت ظواهرهم ،وبينهم م�شرتكات كثرية ينبغي �أن يربزوها حتى ت�ستقيم حياتهم وي�سودها ال�سالم. �إن منهج الو�سطية ي�سعي الع�لاء امل�شرتكات االن�سانية ،مع االعرتاف باخل�صو�صيات ،ويركز على الكليات واملقا�صد مع تفهم االختالف يف اجلزئيات والو�سائل ،وي�ست�صحب النافع من العطاء االن�ساين مبنهج يوفق بني الأ�صل والع�صر واليلفق بني املتناق�ضات. �إن��ه منهج يقوم علي الثوابت القطعية ،وامل��رون��ة يف الو�سائل، واالجتهاد يف التعامل مع امل�ستجدات ،مع الب�صرية والدعوة بالتي هي �أح�سن.
املحور الثالث :التحديات التي تواجه منهج الو�سطية.
-1انت�شار تيارات الغلو والتطرف. -2ت�أثري الثقافة الوافدة. �-3شيوع املفاهيم اخلاطئة . �-4إ�سقاطات املا�ضي على احلا�ضر. -5التع�صب املذهبي . �-6ضعف الإمكانيات. الو�سطية يف مواجهة ق�ضايا الع�صر: و�صف الإ�سالم نف�سه بالو�سطية يف كل �أم��ره وهو كذلك ـ مثال ـ عقائد الب�شر يف الغيبيات تقوم يف حد منها على تعددية الآلهة ويف احلد الآخ��ر ،تقوم على وحدة الوجود .الإ�سالم يقوم على الإله الواحد والكون �أي ثنائية الوجود .ويقول قوم :الالهوتية مطلقة� ،أي �أن الإن�سان جمرد متلق ،ويقول �آخ��رون بنا�سوتية مطلقة �أي �أنه م�ؤلف كل �شيء .الإ�سالم يقوم على توفيق لطيف بني الالهوت والنا�سوت� ،أي بني الوحي والعقل .ومن النحل ما هو
12
فرداين ومنها ما هو جماعي ،ويقوم الإ�سالم على توفيق لطيف بني الفردانية واجلماعية ،ويف الأخ�لاق يقوم الإ�سالم على �أن خري الأم��ور �أو�سطها� .آي��ات كتاب اهلل تنطق بهذه الو�سطية يف الق�ضايا املختلفة وت�صف بها �أمة الإ�سالم ( َو َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم ُ�أ َّم ًة َو َ�س ًطا) .الو�سطية هي ن�سيج الإ�سالم وهي منهجه. لي�ست الو�سطية دعوة لقبول الواقع الوطني كما هو بل هي دعوة للإ�صالح والتجديد ،ب�أ�سلوب يحقق �أعلى درج��ات الفاعلية يف الظروف املحيطة ،ولي�ست دعوة لقبول الواقع الدويل القائم ،بل هي دعوة لإ�صالحه ب�أ�سلوب يحقق �أعلى درجات التحرر والعدالة وال�سالم القائم على العدل واحلرية. فيما يلي �أخل�ص ما يتطلبه ميزان الو�سطية يف التعامل مع �أهم ت�سع ق�ضايا تواجه الأمة وهي.
�أوال :التعامل مع الوافد من املا�ضي.
الوافد من املا�ضي ق�سمان :وحي ،واجتهاد ب�شري يف فهم ن�صو�صه. قال املقلدون �إن ال�سلف قد ان�بروا لن�صو�ص الوحي ،وبو�سائل االجتهاد ال�صحيحة من قيا�س و�إجماع ا�ستنبطوا املبادئ والأحكام ف�صارت ملزمة للكافة .وقال املعطلون �إن الزمن قد جتاوز ر�سالة الإ�سالم ،ولكي ننه�ض ف�إن علينا �أن نتم�سك باحل�ضارة احلديثة؛ لأنها متثل م�ستقبل الإن�سانية .املوقف الو�سطي ال�صحيح هو �أن القطعي ،ورود ًا وداللة من حقائق الوحي ،ملزم للكافة ولكن بع�ض مفردات الوحي ظنية الورود ،كما يف �أغلب ال�سنة وبع�ضها ظنية الداللة كما يف القر�آن وال�سنة .ون�صو�ص الوحي نف�سها توجب على النا�س تدبرها معتربين املقا�صد وم�ستخدمني احلكمة، والعقل ،واملنفعة ،والإلهام ،وال�سيا�سة ال�شرعية ،ما ميكننا من التوفيق بني التزامنا بقطعيات الوحي وا�ست�صحاب امل�ستجدات.
ثانيا :التعامل مع الوافد من اخلارج .
املنكفئون يرون �أن هدينا ي�شمل كل �شيء ،و�أنه قائم بذاته ال يحتاج ل�سواه .وامل�ستلبون يرون عك�س ذلك متاما .ولكن املوقف الو�سطي ال�سليم هو� :أن كتابنا امل�سطور نف�سه و�سنة النبي� -صلى اهلل عليه و�سلم -ي�ؤكدان وجود �إخاء �إن�ساين و�إخاء كتابي يفتح باب مقارنة ومقاربة ،وي�ؤكدان �أن الكون نف�سه كتاب من�شور �أودعه �ض َو َم ا َب ْي َن ُه َم ا ِ�إ َّ ات َوالأَ ْر َ ال ِبالحْ َ قِّ) ال�س َم ا َو ِ اهلل �سنناَ ( :و َم ا َخ َل ْق َنا َّ والإن�سانية مكلفة باكت�شاف تلك ال�سنن ملعرفتها وت�سخريها .و�أنه تكليف للإن�سان كل الإن�سان مهما اختلفت ملله ونحله وينبغي تبادل املعرفة بها وبو�سائل ت�سخريها بني النا�س �أجمعني.
ثالثا :اختالفات �أهل القبلة.
واق���ع احل���ال ه��و �أن �أه���ل القبلة خمتلفون ف��رق��ا وم��ذاه��ب واجتهادات .بع�ض �أهل القبلة ينطلق من عبارة الفرقة الناجية �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وسطيتنا ويدعيها لنف�سه ،ومن ن�صو�ص قر�آنية معينة يخرجها من �سياقها وعلى �أ�سا�سها ي�صدر �أحكام التكفري للفرق واملذاهب الأخرى� .أهل ال�شهادة مبوجبها �أمة واحدة ،وهنالك قطعيات ي�ؤمنون بها جميعا ويختلفون فيما عداها. اختالفات �أهل القبلة نوعان :نوع اختالف اجتهادي له ما يربره، واختالف اجتهادي قائم على �سوء الفهم .هذا النوع ينبغي �أن يجري فيه حوار جاد لتو�سيع دائرة الوفاق .ونوع من اختالف ي�صعب جت��اوزه .هذا النوع ينبغي �أن يعذر اجلميع بع�ضهم فيما اختلفوا فيه. الواجب على علماء الأمة ومفكريها �إجالء هذه الأمور و�إ�صدار نداء املهتدين امل�ؤ�س�س لإخائهم.
رابعا :املوقف من الإ�صالح ال�سيا�سي.
ال�شورى هي دميقراطية مرتبطة ب�سقف �شرعي .والدميقراطية هي �شورى مرتبطة مب�ؤ�س�سات ت�ضبطها ،واالثنان يتفقان على �أربعة مبادئ :امل�شاركة ،و امل�ساءلة،و ال�شفافية،و�سيادة حكم القانون .هذه املبادئ هي املطلوبة للحكم الرا�شد .والو�سطية ت�ؤمن باحلكم الرا�شد وتعمل لتحقيقه ،بحيث ت�صري النظم امللكية ملكية د�ستورية والنظم اجلمهورية جمهورية دميقراطية.
خام�سا :الإ�صالح االقت�صادي.
التنمية الب�شرية التي حتقق منو ًا اقت�صادي ًا وتوفري ًا للخدمات االجتماعية ،وتوزيع ًا عادال للرثوة هدف �إ�سالمي ،مثلما هو هدف �إن�ساين والو�سطية تتطلع لها وتعمل على حتقيقها.
�ساد�سا :العالقة مع الآخر امللي والدويل .
الإ�سالم يعرتف بالتعددية الدينية والدولية ،والفهم الهجومي املقرتن بجهاد الطلب فهم انتقائي لأحكام الإ�سالم (ال َي ْن َه ُاك ُم ين َولمَ ْ ُيخْ ِر ُج ُ اللهَّ ُ َع ِن ا َّل ِذينَ لمَ ْ ُي َق ا ِت ُل ُ وك م ِّمن ِد َيا ِر ُك ْم وك ْم فيِ الدِّ ِ �أَن َت برَ ُّوهُ ْم َو ُت ْق ِ�س ُط وا �إِ َل ْيه ِْم �إِنَّ اللهَّ َ ُي ِح ُّب المْ ُ ْق ِ�س ِطنيَ) والإ�سالم يوجب االلتزام بالعهود مهما اختلفت العقائد .قال النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم :-ثالثة الكفر والإميان فيهن �سواء، منها من عاهدته �أويف بعهده م�ؤمنا كان �أو كافرا ،واجبنا الت�سامح والتعاي�ش مع امللل الأخرى على �أ�سا�س املعاملة باملثل ،كما �أن علينا التعاون مع ال��دول امللتزمة بالعدالة وال�سالم .ولكن املعتدين واملحتلني ف�إن الواجب الديني والقانوين هو الت�صدي لهم }�أُ ِذنَ ير{ ِل لَّ ِذينَ ُي َق ا َت ُل ونَ ِب�أَ َّن ُه ْم ُظ ِل ُم وا َو�إِنَّ اللهَّ َ َع َل ى َن ْ�ص ِر ِه ْم َل َق ِد ٌ
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
�سابعا :الإرهاب .
ع��ب��ارة �إره���اب ترجمة غ�ير �صحيحة للمعنى ،وال�صحيح هو (الإرعاب) .العنف يف الإ�سالم له �ضوابط هي �أن يوجه �ضد الظلم والعدوان ،و�أال يطول الأبرياء .الإ�سالم براء من �إرعاب خال من هذه ال�ضوابط.
ثامنا :العلمانية.
العلمانية ا�شتقاق على غري قيا�س من العامل ،وهي نحلة ترى �أن احلقيقة م�ستمدة من عامل ال�شهادة وح��ده�،أي العامل الزماين املكاين .العلمانية بهذا الفهم تناق�ض الدين .ولكن التجربة زحزحت العلمانية من هذا الفهم املتعدي .العلمانية املعتدلة تلتقي مع الو�سطية يف كفالة حرية الأدي���ان ،وكفالة حقوق املواطنة للكافة ،والتناوب ال�سلمي على ال�سلطة عرب انتخابات حرة.
تا�سعا :العوملة.
العوملة متثل حلقة جديدة من �إجن��از الإن�سان ،نتيجة لثورة املعلومات ،واالت�صاالت وال�سوق احلر .ولكن يف الظروف احلالية يف ريت العامل ف�إن القوة االقت�صادية والإ�سرتاتيجية والإعالمية ج ّ العوملة ل�صالح الواليات املتحدة ف�صريتها �أمركة .الو�سطية توجب التعامل الإيجابي مع العوملة واالحتماء من الأمركة واحلر�ص على اخل�صو�صية الثقافية.هكذا ف�إن منهج الو�سطية ي�سعفنا يف التعامل مع هذه الق�ضايا الهامة وغريها،والنتيجة دعوة للتحرير من التقليد ،ومن اال�ستالب ،ومن الهيمنة الأجنبية ،ومن احلكم اال�ستبدادي. وبحمداهلل مت ت�أ�سي�س فرع ملنتدى الو�سطية العاملي بال�سودان؛ للعمل على حتقيق الأهداف املن�صو�ص عليها يف النظام الأ�سا�سي للمنتدى ،وهو منربمفتوح لكل الذين ي�ؤمنون ب�أهداف املنتدى للم�ساهمة يف تر�سيخ ثقافة ،الو�سطية ،والت�سامح ،والتعاي�ش ال�سلمي مل��ك��ون��ات املجتمع الإث��ن��ي��ة ،وال��دي��ن��ي��ة ،وال��ف��ك��ري��ة، وال�سيا�سية.وماالتوفيق �إالمن عنداهلل.
املراجع: عمر عبيد ح�سنة ،مقدمة كتاب الأمة رقم 129بعنوان فقه التو�سط – مقاربة لتقعيد و�ضبط الو�سطية �سورة الق�ص�ص الآية 77 رواه البيهقي د يو�سف القر�ضاوي كلمات يف الو�سطية الإ�سالمية ومعاملها �سورة البقرة الآية ()143 �سورة النحل الآية ()3 �سورة املمتحنة الآية()8 �سورة احلج الآية()39 االمام ال�صادق املهدي ،اخليارات احلركية يف العامل الإ�سالمي
13
وسطيتنا وسائل االتصال الحديثة ودورها
في تعزيز ثقافة الوسطية واالعتدال �أ .حممد الأمني عبد النبي
من نافلة القول �أنّ الإت�صال اليوم ا�صبح من �أهم �ضروريات الإن�سان ،فقد فر�ض نف�سه بقوة بف�ضل التطور التكنولوجي، والتقني امل��ذه��ل ،ول��ق��رب��ه م��ن ال�شخ�ص وي�����س��ره وارت��ب��اط ��ه ب�إحتياجات االن�سان اال�سا�سية من تعليم ،وتوا�صل ،وترفيه، وت��ن��وي��ر ،ودع��اي��ة .واالن�ترن��ت �أ�صبح االن م��ن �أه���م الو�سائل والتقنيات املعا�صرة التي ت�ساهم يف تعميم املعرفة ،ون�شرها على م�ساحات وا�سعة من العامل ،و�أهم و�سيلة لتبادل اخلربات واملعارف ون�شر الثقافة ومد ج�سور التوا�صل وال�صداقة بني �أقطاب العامل املختلفة ،وتعترب الو�سيلة الأ�سرع يف ن�شر الأخبار والتقارير. كما ان الإ�سالم مل يجعل و�سائل الدعوة حمدودة وجامدة ال ميكن جتاوزها ،بل جاء بالإطار العام ملنهج الدعوة وو�سائلها يقول اهلل تعاىل( :ا ْد ُع �إِلىَ َ�س ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َج ا ِد ْل ُه ْم ِبا َّل ِت ي ِه َي �أَ ْح َ�س نُ �إِنَّ َر َّب َك هُ َو �أَ ْع َل ُم بمِ َ ْن َ�ض َّل َع ْن َ�س ِب ي ِل ِه َوهُ َو �أَ ْع َل ُم ِبالمْ ُ ْه َت ِدينَ) ،فاملطلوب يف الدعوة احلكمة ،ومن �ضمنها احلكمة يف ا�ستخدام الو�سيلة املنا�سبة ،ومن املعلوم بال�ضرورة �أنّ الزمن يتغري ،والو�سائل تتنوع .و�أ ّم ة اال�سالم �صاحبة دين عاملي، لي�س دين حملي متقوقع قال تعاىلَ ( :و َم ا �أَ ْر َ�س ْل َن َ اك �إِ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َع المَ ِنيَ) ،وقال تعاىل َ ( :و َم ا �أَ ْر َ�س ْل َن َ َّا�س َب ِ�ش ري ًا اك �إِ اَّل َك ا َّف ًة ِل لن ِ َّا�س ال َي ْع َل ُم ونَ) � .إنّ و�سائل و�أ�ساليب الدعوة َو َن ِذير ًا َو َل ِكنَّ �أَ ْك ثرَ َ الن ِ ل لإ�سالم متجددة ،وامل �ؤمن مطالب بالإبداع واالبتكار يف و�سائل الدعوة وع��دم اجلمود ،مع مالحظة �أنّ الو�سائل ت�أخذ حكم الغايات يف �شرع اهلل .ف�أ�صبح من واجب دعاة الإ�سالم وعلمائه �أن ي�ستفيدوا من جميع �أنواع الو�سائل احلديثة التي ظهرت يف ع�صر ثورة املعلومات واالت�صاالت؛ لإي�صال دعوة اهلل تعاىل �إىل كل النا�س ( احلكمة �ضالة امل �ؤمن ان وجدها اخذها) ،خا�صة و�أن التحديات املاثلة �أمام الفكر الو�سطي واملعتدل تتمثل يف العداء اخلارجي ،والتفرق الداخلي تتطلب طرق االبواب االكرث فاعلية وحيوية لرت�سيخ ون�شر الفكر الو�سطي لقيادة الأمة للنهو�ض احل�ضاري .
14
هذه الورقة تتناول جانب ًا من و�سائل االت�صال ،وهي تقنيات املعلومات واالت�صال احلديثة� ICTsأي الو�سائط الرقمية؛ لكي نقف علي دوره��ا يف رفع الوعي وحركة التنوير املعريف ب�شكل عام ،ويف ن�شر وتعزيز ثقافة الو�سطية ب�شكل خا�ص .ولأ�شك �أن و�سائل االت�صال احلديثة �أ�صبحت اكرث فاعلية وجاذبية ،وذلك بخلق ف�ضاء مفتوح لنقل املعرفة والثقافة ،وتقارب بني الب�شر يف خمتلف البلدان وزي��ادة وجتديد �إهتماماتهم يف جم��االت، �سواء كانت �سيا�سية� ،أوتربوية� ،أو�إقت�صادية، كانت بعيدة عنهم ً �أومعرفية� ،أوثقافية.
زاد من فاعليتها التعتيم االعالمي الذي متار�سه و�سائل االعالم الر�سمية والربحية – �أحيان ًا -وال�صورة املزيفة – غالب ًا -مما جعل الكثريون يلج �أون لو�سائط االت�صال الرقمية كو�سائل بديلة �أو �إع�لام بديل .مبا له من �أث��ر �إيجابي زاد من عطاء الإن�سان يف التعرف علي غريه من النا�س ،وم�شكالتهم وق�ضاياهم وم�شاركتهم يف ال�شان العام واال�ستفادة من جتارب الأخرين ،وهذا التوا�صل واحلراك الذي حدث بف�ضل هذه الو�سائل اجلديدة بال�ش; عمل علي �إحداث تغيري يف �سلوك ال�شباب ،بتبني دور �أكرب لل�شباب خالف الدور النمطي الذي كان �سائد ًا؛ وذلك لعامل ارتباطهم االك�بر بها مقارنة بالفئات العمرية االخ��ري .لقد �أ�صبح لالت�صال الرقمي �أثر بارز يف ن�شر مفاهيم وقيم احلقوق واحلريات ،واالعتدال والو�سطية من جهة ،واالره��اب والتطرف والغلو واال�ستبداد واالق�صاء من جهة �أخري ،وخلق حراك فكري �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وسطيت ان وثقايف �أهم �سماته :احلوار ،والتمحي�ص ،والتفكري ،والبحث ،وهذه �أهم مرتكزات التثاقف ،االمر الذي جعل دوره ا�سا�سي ًا الميكن جتاهله يف تن�سيق االدوار ،وقيادة الراي العام خا�صة يف الق�ضايا الفكرية؛ لذا ت�أتي �أهمية هذه الورقة التي تتناول دور الو�سائل احلديثة وذلك ايل لفت �إنتباه املعنيني واملهتمني وال�شباب ،مبا يجب ان يقوموا به ويفعلونه جتاه دينهم يف هذه الفرتة الهامة من التاريخ احلديث ،كما تريد �أن تك�شف عوامل القوة وال�ضعف املتعلقة بهذه الو�سائط من حيث الفاعلية والكفاءة وال�سلبيات؛ حتي يتم تداركها لكي تلعب دور ًا �إيجابي ًا .فهي م�ساهمة �ضمن جمموعة �أفكار ور�ؤي لبلورة تو�صيات ،وخطط تعني يف حتقيق مبادئ الإ�سالم الو�سطي �آخذين يف االعتبار �أن و�سائل الإت�صال احلديثة ،ت�سهم بدور فاعل يف ت�شكيل الراي العام وتوجيهه لتبني الو�سطية منهج ًا و�سلوك ًا .
ماهية و�سائل الإت�صال احلديثة .
قبل الدخول يف مناق�شة ماهية ه��ذه الو�سائل ،ن��ورد تعدد الت�سميات وامل�صطلحات املرادفة لو�سائل االت�صال احلديثة وتعريفها ب�إعتبار �أن هنالك �إ�ستخدامات خمتلفة لهذه الو�سائل، عطف ًا علي �أنها متثل م�صطلحات جديدة غري متداولة يف تراثنا الكالمي؛ وذل��ك من ب��اب حترير امل�صطلحات لنجعله ُم دخ ًال ملناق�شة املو�ضوع من جميع جهاته . م��ن م��رادف��ات ه��ذا امل�صطلح �صحافة ال��ت��ط��وع ،وال�صحافة ال�شعبية ،واالع�لام البديل و�صحافة الهواة ،و�إع�لام النخب، وال�صحافة الت�شاركية ،و�صحافة امل�صدر املفتوح وغري ذلك من الت�سميات ،يعني املفهوم لكل هذه امل�سميات « تلك الكيفية التي ي�صوغ بها اجلمهور م�ستقبل تداول االخبار واملعلومات» فهذه ال�صحافة البديلة تقابلها ،ال�صحافة ال�سائدة التي ميار�سها �صحفي حم�ترف ،وين�سب مل �ؤ�س�سة �إعالمية مقابل �أج��ر� .أما الإعالم البديل ميار�سه �صحفي ها ٍو �أو مواطن من دون �أجر ،ودون �إنتماء الي م �ؤ�س�سة �إعالمية ،بل عبارة عن �صحافة ت�شاركية �أي ي�شارك يف م�ضمونها متطوعون من عدة �أماكن الهداف غري ربحية وغري جتارية � .أي ميكن �أن ت�صنف �ضمن العمل الطوعي واملدين .ومن امل�آخذ علي االعالم البديل عدم �ضبطه ،ونق�صان املهنية ال�صحفية ،وعدم وجود امل�صادر والتوثيق الدقيق غالب ًا . وهنالك العديد من اخل��دم��ات التي تقدم بوا�سطة الإنرتنت العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
و�أهمها: )1ال�بري��د الإل���ك�ت�روين :E-mailيعني �إر���س��ال الر�سائل وا�ستقبالها �إلكرتونيا ،وهو من �أكرث اخلدمات �شعبية يف الإنرتنت. وي�ستخدم لتبادل املعلومات ،والتن�سيق يف �أعمال معينه كو�سيلة لال�ستف�سار عن معلومات حمددة ،ويتم الإر�سال بال�صوت وال�صورة ولي�س الن�صو�ص املكتوبة فقط. )2خدمات البحث عن املعلومات يف قواعد البيانات العاملية، و�أهم هذه اخلدمات نظام العنكبوت العاملي اجلديد (،)WWW فت�شكل ال�شبكة العنكبوتية الآن �أح���دث �أدوات البحث يف الإنرتنت على الإطالق . )3خدمه حتديد امل��واق��ع املكانية على اخل��رائ��ط م��ن خالل االنرتنت مثل برنامج جوجل اير�س . )4خدمات تبادل الأخبار واملناق�شة. )5خدمات الت�سوق والرتويج عن بعد . )6اخل��دم��ات الرتفيهية وفيه م��واد غنية ومتنوعة لإ�شباع الهوايات. )7امكانيه البث التلفزيوين وا�ستقبال القنوات الف�ضائية . بال�ضرورة مبكان معرفة �أه��م الو�سائط احلديثة� ،أو �أ�شكال التطبيقات الرقمية التي تلعب دور �إعالمي ًا و�إت�صالي ًا خا�صة يف ال�سودان وفيما ي�أتي �أهم هذه الو�سائط : .1مواقع التوا�صل االجتماعي : وهي مواقع ت�سمح للم�ستخدمني ب�إمتالك �صفحة �شخ�صية، ون�شر مايرغبون من م�ضامني ،وقد تزايد �إ�ستعمال هذه املواقع ب�شكل مذهل ،وقد عمد الكثري من االفراد وامل �ؤ�س�سات ايل �إن�شاء �صفحات عرب ه��ذه املواقع من �أج��ل التواجد واثبات الوجود، وجتنب التخلف والتهمي�ش واحلفاظ علي التوا�صل مع الآخرين، ف �أ�صبح بذلك التواجد يف هذه املواقع �ضرورة من �أ�شهر هذه املواقع (تويرت ، twitterفي�س بوك � ،face bookإ�سكايب.)Skype قامت مواقع التوا�صل االجتماعي على الإنرتنت على تنظيم النا�س والرتويج للر�سالة ،وكانت و�سيلة للمنا�صرة ،والتوثيق وتبادل املعلومات واخل�برات ،لذلك �أعتقد �أن مواقع التوا�صل االجتماعي على الإنرتنت ،ف ّع الة ب�صورة ملحوظة ولها دور م �ؤثر يف ت�شكيل الر�أي العام ،وحتريك ال�شعوب؛ فا�ستعماله تناغم مع الو�سائل احلديثة ،والتقرب من �شريحة وا�سعة من ال�شباب التي
15
وسطيتنا ت�ستخدم مواقع التوا�صل االجتماعي ،وا�ستثمار قدرات وطاقات ال�شباب ايجابي ًا النخراط �أو�سع يف الق�ضايا الوطنية امللحة . .2املدونات الإلكرتونية (.)Weblog يق�صد بها املواقع التي ميكن ل لأفراد من ن�شر �آرائهم عربها. التدوين زادت �أهميته كحقيقة �إجتماعية ،و�إعالمية من حترره من كل ا�شكال الرقابة وال�ضبط ،فهو ن�شاط فكري وثقايف تقوم باال�سا�س علي اثبات الذات عرب �إر�سال االفكار واملعلومات من طرف واحد .ومن املعروف ان املدونيني يعاجلون موا�ضيع ح�سا�سة وجرئية ،ف�أ�صبحت حتي ال�صحافة املقروءة ،ت�شري اليها ك �إحدي م�صادرها الرئي�سية كما يقال « نق ًال عن ما اورده فالن يف مدونته الإلكرتونية « وقد لعبت دور ًا كبري ًا خا�صة يف اي��ران و�أمريكا وال�صني ،ويف العامل العربي ت�صاعد عددها ودورها ب�شكل كبري. .3مواقع بث الفيديو يوتيوب (.)YouTube تعترب خزان لت�سجيالت الفيديو ،وت�شري بع�ض امل�صادر ايل �أن هنالك 100مليون فيديو تتم م�شاهدتها يوميا ً ،كما يتم �إنزال 13 �ساعة من الت�سجيالت كل دقيقة ،ويف 2010فاق عدد الت�سجيالت امل�شاهدة ملياري ت�سجيل .هذه املواقع لها تاثري كبري؛ ل�سرعتها كما �أنها ال حتتاج ملهارات وم�ستوي ثقايف للكتابة والتدوين . .4املنتديات واملواقع الكرتونية. كان لها الدور الفاعل يف نقل املعرفة واالخبار والثقافة ،و�ساهمت ب�شكل كبري يف حركة التنوير املعريف والتوا�صل ،و�شكلت قوة فكرية ،ومعرفية الميكن جتاوزها يف ت�شكيل الراي العام . .5اجلوال ( . )Mobile هو �أي�سر و�أرخ�ص و�سيلة ل لإت�صال ،و�إنه يف الكثري من البلدان النامية �أكرث انت�شا ًرا من الإنرتنت ،خا�صة مع التدين امل�ستمر لأ�سعار الأجهزة واخلدمات املرتبطة به ،و�سهولة تعلم عوام النا�س طريقة التعامل معه مقارنة بالتعامل مع الكمبيوتر، كما �أنه ي�سهل تبادله يف حالة عدم ملكية البع�ض لأجهزتهم اخلا�صة ،كما �أن��ه �صغري ي�سهل حمله خا�صة يف حالة عدم مالءمة الظروف .وله مميزات وخ�صائ�ص(�إنه و�سيلة ات�صال �شخ�صية بدرجة كبرية ،وهو ما يجعل و�صول الر�سالة املراد مبا�شرا و�سري ًع ا ،وهو ما يجعل امل�شاركة واال�ستجابة تو�صيلها ً فورية � ،إن��ه ب�إمكاناته ال�صوتية يي�سر ك�سر حواجز اللغة، �أ�صبح تكنولوجيا هجينة خا�صة مع الإنرتنت ،و�صارت الإمكانات
16
بينهما تتقارب ،خا�صة مع توافر ا�ستخدام الن�ص وال�صوت وتزايد �إمكانات «املالتي ميديا» مع وجود كامريا بداخله و�إمكانية توافر الألعاب واملو�سيقى وغريها) .
كيف ميكن اال�ستفادة من الو�سائل احلديثة يف ن�شر الوعي بالو�سطية ؟
عملية التثقيف بالفكر الو�سطي لها �أه��داف وحم��اور يجب تبنيها ع�بر ك��ل الو�سائل ه��ي « الإع��ت�راف ب��االخ��ر وقبوله والتعاي�ش معه ،احل��وار والت�سامح الديني ،جتديد اخلطاب الديني ،الإعتدال ونبذ التع�صب والتطرف ،الفهم ال�صحيح ل لإ�سالم « ميكن لهذه الو�سائط �أن ت�ساعد على حتقيقها ،وذلك يطلب من م�صممي الر�سالة الإعالمية الإجابة علي الت� س�أوالت االتية : .1من هم جمهور الو�سطية ؟ .2كيفية تفعيل م�شاركته يف ن�شر ثقافة الو�سطية؟ .3كم ن�سبة من لديهم موبايالت وانرتنت من اجلمهور ؟ .4كيفية �إ�ستخدمها ب�صورة هادفة ؟ . .5التكاليف التي يجب �أن تتوفر لن�شر ثقافة الو�سطية قليلة جد ًا مقارنة بالو�سائط االخري . .6ماهي جوانب �إ�ستخدامات التكنولوجيا ؟ بال�صوت او الن�ص �أو خالفه ايل اق�صي درجة لتو�صيل الر�سالة؟ .7م ��اه��ي املعلومات وامل��ع��ارف ال�لازم ��ة ح��ول الو�سطية ،وطرق تعزيزها التي نود بثها ون�شرها و�إ�ستقبالها؟ . .8كيفية الرتويج حلمالت �إعالمية موجه للم�ستهدفني بالفكر والنهج الو�سطي ؟ . �أن تكنولوجيا االت�صاالت ت�ستمد قيمتها من احلرية الأ�سا�سية ل لإن�سان يف التعبري ،و�أنها بدون النا�س ال تعني �شي ًئا البتة ،ومن َث م يجب �أن ت�ستخدم ك �أداة تتمركز حول النا�س؛ لتعظيم العمل ال�صالح وما ينفع النا�س وحتقيق العدالة ،و�أن �إتاحة تلك التكنولوجيا يف �أيدي النا�س بهذا الكم والكيف ،يتطلب اقرتا ًبا دميقراط ًّيا من ا�ستخدامها ،مبا يعني ذلك من م�صادر مفتوحة �سواء يف الأجهزة �أو الربجميات .و�أن تتيح الفر�صة للتعبري عن كل الأ���ص��وات ب�شكل دميقراطي يف ن�شر الفكر والثقافة ،دون حجر علي �أي �صوت �أو متييز لأي �صوت ،وللنا�س حق الإختيار والتبني والإ�ستجابة « َف َ�أ َّم ا َّ الزبَدُ َف َي ذْ هَ ُب ُج َفاء َو�أَ َّم ا َم ا َين َف ُع
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وسطيتنا �ض َك َذ ِل َك َي ْ�ض ِر ُب هَّ ُ الل الأَ ْم َث َ ال» . ّا�س َف َي ْم ُك ُث فيِ الأَ ْر ِ ال َن َ �إذا كانت الثقافة ا�صطالح ًا عبارة عن �أنظمة معارف ،ومناهج تفكري ،ومنظومات قيم و�أمناط �سلوك ،ف�إن ثقافة الو�سطية، قوامها الوعي يف م�ستوى التفكري ،والتقرير والتدبري ،ت�ستهدف �إحداث نه�ضة معرفية و�سلوكية �شاملة ،وفق مرجعية �إ�سالمية لتحقيق الك�سب احل�ضاري القائم علي ال�شهادة علي النا�س . ففي ع�صرنا هذا (ع�صر الع وملة ) جند �أن الإنرتنت مد ج�سور احلوار احل�ضاري مع الثقافات الأخرى وخدم الق�ضايا ال�سيا�سية، واالقت�صادية ،واالجتماعية ،و�آثارها الإن�سانية ،واالجتماعية، والثقافية ب�صورة هائلة . يف الوقت الراهن يعي�ش عاملنا م �أزق ًا يكمن يف عجزه عن مواكبة التحوالت العاملية املت�سارعة ،وذلك بفعل ت�صاعد تكنولوجيا االت�صاالت وثورة املعلومات ،باعتبار �أنها �أ�صبحت و�سيلة هامة و�أ�سا�سية يف نقل وتوزيع وانت�شار الثقافة وم�صادرها� .أن التعامل مع التقنيات احلديثة� ،أ�صبح ق�ضية ثقافية يف املقام الأول؛ حيث �صارت الثقافة �صناعة قائمة بذاتها .لقد �أ�صبحت الثقافة هي حمور عملية التنمية ال�شاملة بهذا املفهوم ال�شامل .ف�إن ت�شكيل الراي العام يطلب الإ�ستفادة الق�صوي من هذه الو�سائط. التحديات التي جتابه دعاة الو�سطية عرب الو�سائط احلديثة : يواجه تيار الو�سطية حزمة من التحديات ،يرتبط بع�ضها بظروف الع�صر املعقدة والتي ال تنفع معها حلول املا�ضي ،فال بد من الإبداع واخلروج عن التقليد والتفكري املختلف ،كما يرتبط البع�ض الآخ��ر من التحديات بواقع امل�سلمني الغارق ب�ألوان التطرف ،والغلو واالنحالل ،والإ�ستالب والتفرق وميكن �إجمالها يف االتي :
التحدي الأول :
بناء علي االنطباع �إتهام الو�سطية جزاف ًا والهجوم عليها؛ ً ّ ال�سط حي والنمطية ( )Stereotypesدون املعمم والفهم فهمها ب�صورة �صحيحة و�إل�صاقها بالغرب وبالإنهزام ،التحدي يكمن يف كيفية �إبراز ال�صورة احلقيقية للو�سطية ،والإعتدال و�إزال��ة الإلتبا�س يف تعريف الو�سطية ؟ وتبيان عدم مرادفته لثقافة االنهزامية ،واال�ست�سالم لالحتالل �أو للظلم « َوا َل ِّذينَ �إِ َذا �أَ َ�ص ا َب ُه ُم ا ْل َب ْغ ُي هُ ْم َين َت ِ�ص ُرونَ « ،بل الو�سطية تعني املقاومة واملطالبة بالإ�صالح والتغيري ،والإ�صرار على نيل احلقوق و�إقرار العدل ورفع الظلم.
التحدي الثاين :
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
جعل الو�سطية مذهب ًا من املذاهب� ،أو طرف ًا من �أطراف ال�صراع الفكري والفل�سفي ،وعدها تيار ًا ثالث ًا يجعل من الو�سط قاعدة له ،و�أ�صبحت بذلك هدف ًا من قبل التيارين املت�شدد وامل�ستلب، و�إن كيفية املحافظة علي و�سطية االمة ،وتر�سيخ قبول الأخر، وت�أكيد بان الو�سطية لي�ست مبتدعة؛ وامنا را�سخة منذ بدء ن�ضج العقل الب�شري ومن الثوابت املنطقية والدالئل التاريخية ل لإمة اال�سالمية .
التحدي الثالث:
ت�صحيح ال�صورة املغلوطة عن الإ�سالم ،وربطه بالإرهاب والعنف يف و�سائل الإعالم عرب حملة ت�شويه �شر�سة ،ور�سم �صورة مغايرة تقوم على العنف والإرهاب والتكفري ،و�إثارة العداوات والكراهية وخلق الفنت والدخول يف �صدام مع الغرب ومع منجزات الع�صر . من ال�ضرورة بيان �أن و�صف الدين الإ�سالمي باالرهاب والتطرف، يدل على جهل بحقيقة الإ�سالم التي البد من �أن تبني عرب هذه الو�سائط احلديثة التي تتيح التوا�صل عربها ب�أي لغة ومن �أي مكان يف العامل .
التحدي الرابع:
التجديد يف كافة مناحي احلياة ،وي�شمل التجديد يف الفكر، والعمل ،والو�سيلة ،واملنهج وترقي املعرفة ،ومواجهة ما ي�ستجد يف احلياة من ق�ضايا وو�سائل ،والإهتمام بفقه الواقع ،وفقه الأول��وي��ات ،وفقه البيئة ،وفقه الأقليات وغريها من الق�ضايا امللحة التي ال يجوز �إغفالها.
التحدي اخلام�س :
رف ��ع الوعي وتوطني التكنولوجيا يف جمتمعاتنا؛ وذل��ك عرب درا�سة احتياجات املجتمعات يف جمال التنمية خا�صة التنمية الب�شرية ،وال�سعي اىل جت��اوز حتديات الع وملة ،واالنتفاع من �إيجابياتها ،والإ�ستفادة الق�صوي من التكنولوجيا لتطوير و�سائل الدعوة والتبليغ .
التحدي ال�ساد�س:
ربط ثقافة املواطنة واحلقوق ،والدميقراطية بالإ�سالم كمدخل للت�سامح الديني ،والتعاي�ش واحل���وار؛ وذل��ك بتعريف العامل بحقوق الإن�سان يف الإ�سالم التي �صانها و�أعلى من � ش�أنها؛ لأنه الدين احل��ق ،وجت��ذر مبادي الدميقراطية واملواطنة واحلكم الرا�شد يف الإ�سالم.
التحدي ال�سابع:
17
وسطيت ان الإنت�شار الوا�سع لثقافة التطرف والت�شدد والعنف ،يف جمتمعاتنا عطف ًا علي الإمكانيات املهولة لتيارات الغلو والغزو،وتبني �إ�سرتاتيجيات املواجهة والإرهاب كمعرب عن العقل العام ل لأمة الإ�سالمية ،الأم��ر ال��ذي يطلب من دع��اة الو�سطية م�ضاعفة املجهود ،خا�صة يف ه��ذه الو�سائط لتقليل ال��ف��ارق الثقايف، واملعريف يف ت�شكيل الوعي والتن�شئة االجتماعية ،وتبليغ ر�سالة الو�سطية لكل مت�صفحي هذه الو�سائط.
م��ا ال����دور وال��وظ��ائ��ف ال��ت��ي مي��ك��ن �أن ت��ق��وم بها الو�سائط احلديثة لرت�سيخ الو�سطية؟
�إن الدور الرئي�سي واملفتاحي لهذه الو�سائط يف تعزيز االعتدال والو�سطية ،ب�إمكان دع��اة الو�سطية عرب متكنهم من و�سائل االت�صال احلديثة ،متابعة ما يدور يف العامل املعا�صر من ق�ضايا و�أح��داث وتقدمي الر�ؤية الإ�سالمية من منظور و�سطي حولها، وطرح احلل الإ�سالمي مل�شكالتنا املعا�صرة وذلك من خالل : .1مكتبات عرب الإنرتنت لتخزين ،وتوزيع م��ادة فكرية تدعو ل لإعتدال والو�سط ،ونبذ التطرف واالرهاب . .2منرب للدعاة واملفكرين ،كبدائل للمواقع الطبيعية كامل�سجد وخالفه؛ لتغذية العقول عرب املحا�ضرات والندوات واملنتديات الفكرية بال�صوت وال�صورة والكتابة ،مبا لها من جمهور ميكن �أن ي�ستمعوا ويعلقوا ويتفاعلوا مع جهور الو�سطية . .3التوا�صل واحل���وار والنقا�ش ح��ول ق�ضايا الو�سطية عرب ال��درد���ش��ة� ،أو الكتابات وت��وزي��ع ن�شرات و�أوراق تدعو للنهج الو�سطي. .4الرتويج ل لأن�شطة ،والدعوة والتفاعل معها وح�شد امل�شاركني يف برامج وان�شطة التثقيف بالو�سطية. .5الربامج التعليمية والرتبوية التي تدعو للتدين القائم علي الت�سامح والإعتدال ،وحتذر من العنف والغلو يف الدين خا�صة و�سط الطالب واالطفال . .6الربامج التوعوية عرب اليوتوب ،والربامج املدجمة لتقدمي القدوة احل�سنة ،ون�شر النماذج املتميزة من قادة العمل اال�سالمي. التو�صيات هي : �.1إن�شاء موقع للمنتدي العاملي للو�سطية يف الإنرتنت بكل فروع املنتدى ،يحتوي �أن�شطة وكتابات وحما�ضرات حول الو�سطية . ومواقع �أخري يف الفي�س بوك والتويرت وغريها . .2التغيري يف اخلطاب التقليدي ل لإ�سالم ،هناك دالالت على
18
ظهور حت��والت كبرية يف طبيعة اخل��ط��اب ال ��دي��ن��ي ،ال�سيما التجديد الديني وال�صحوة اال�سالمية .وذلك لال�ستفادة من العلم والتقنيات للو�صول جلمهورها املتواجد يف كل بقاع االر�ض . .3امل �ؤ�س�سة الدينية مل تعد تقت�صر على النطاق املحلى ال�ضيق؛ حيث �إ�صبح هنالك �ضرورة ل لإنفتاح خا�صة لغري الناطقني بالعربية ،وتقدميه دين ًا عاملي ًا يخاطب الإن�سان حيثما وجد، ويقدم حلو ًال لكافة �إ�شكالياته . .4التغريات الكبرية يف االجت��اه��ات الفكرية الدولية ،وتبدد املخاوف من الهيمنة الأمريكية و�سيادة ثقافة االرهاب ،والتطرف ً حمفزا خللق جمتمعات ثقافية بف�ضل الإنرتنت ال��ذي �أ�صبح عاملية ،غري تيارات الهيمنة والإنكفاء والإ�ستالب ،وتوفر و�سيلة غري م�سبوقة لن�شر العقائد والأيديولوجيات �إىل جمهور العامل الأو�سع. .5التب�شري بالفكر الو�سطي ،وتو�صيله �إىل �أو�سع قاعدة خا�صة مقاطع الفيديو ،وحتميل امل��ح��ا���ض��رات واخل��ط��ب الدينية، وامل�شاركة يف جل�سات اال�ستماع �إىل اخلطب واملواعظ واملنتديات، وتبني �صناعة �إفالم وبثها يف مواقع الإنرتنت وذواكر الهواتف اجلوالة . .6التدريب للمدونيني والإعالميني حول �إ�ستخدام هذه الو�سائط، وزيادة معارف ومهارات النهج الو�سطي حتي يتمكنوا من الرتويج للو�سطية عرب الو�سائط احلديثة .
خامتة :
ومهما يكن من �أمر ،ف�إن هذه الورقة متثل حماولة لت�سليط ال�ضوء علي هذه الو�سائل املهمة وامل�ستحدثة و�أهميتها ودورها املن�شود يف تر�سيخ ثقافة الو�سطية والإع ��ت��دال ،يف مناق�شة بعديها البعد الفكري والثقايف ،حول الو�سطية كطرح ومنهج ون�سق ،والبعد الإعالمي الذي يتعلق ب�إ�ستخدام هذه الو�سائط لنقل وبث البعد االول علي نطاق �أو�سع .
املراجع: � .1سورة النحل االية 125 � .2سورة الأنبياء االية 107 � .3سورة �سـب�أ االية 28 .4حديث رواه الرتمذى ( )51 / 5 .5و�سام ف�ؤاد « ما بعد التفاعلية واجتاهات تطوير العمل الإعالمي» وحدة البحوث و التطوير -احلوار املتمدن �سبتمرب 2007 � .6سورة الرعد االية 17 � .7سورة ال�شوري االية 39
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وسطيت ان نبذ التعصب المذهبي من خالل أقوال األئمة األربعة « رحمهم الله» د� .سالمة املزاودة
احلمد هلل الذي �أكمل لنا الدين ،و�أ ّ مت علينا النعمة ،وجعلنا عند �إتباع تعليماته خري �أ ّم��ة �أخرجت للنا�س ،حثنا على الت�آلف واالجتماع ،ونهانا عن التفرق واالختالف .وال�صالة وال�سالم على من �أر�سله ربه رحمة للعاملني� ،سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم. �إنّ القر�آن الكرمي حني نزل يف القرن ال�سابع امليالدي ،كان التع�صب هو �أهم ما مييز عالقة املجتمعات ببع�ضها البع�ض، فكان التع�صب القبلي �سمة ال��ع�لاق��ات ب�ين ال��ع��رب ،وك��ان التع�صب الديني واجلن�سي �سمة العالقات ال�سائدة خارج اجلزيرة العربية. ون���زل ال���ق���ر�آن ال���ك���رمي؛ ل��ي��ح��ارب ه���ذا التع�صب وي��ق��ول َّا�س �إِنَّا َخ َل ْق َن ُاك م ِّمن َذ َك ٍر َو�أُن َث ى للب�شرجميع ًا؛ } َيا �أَ ُّي َه ا الن ُ َو َج َع ْل َن ُاك ْم ُ�ش ُع وب ًا َو َق َب ا ِئ َل ِل َت َع ا َر ُف وا �إِنَّ �أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ندَ اللهَّ ِ ري {(احلجرات .)13 �أَ ْت َق ُاك ْم �إِنَّ اللهَّ َ َع ِل ٌ يم َخ ِب ٌ ف�أ�صل الب�شرية واحد من �أب واحد ،و�أم واحدة ،وقد جعلهم اهلل �شعوب ًا وقبائل ليتعارفوا ال ليت�صارعوا ،و�أكرمهم عند اهلل �أكرثهم تقوى وخ�شوع ًا ،واهلل جل يف عاله ال ي�أبه باللون� ،أو املال � ،أو املظهر واملكانة الدنيوية ،و�إمنا مبا يعمر يف القلب من تقوى و�إخال�ص و�ستخدمت عن مفهوم التع�صب و�أ�سبابه و�أقوال اال�أئمة فيه.
�أو ًال :مفهوم التع�صب.
�أخذت كلمة التع�صب من الع�صبية ،وهي �أن يدعو الرجل �إىل ً ظاملة كانت ن�صرة ع�صبيته ،والوقوف معها على من يناوئها، �أو مظلومة ومن معانيها �أي�ض ًا �أي التع�صب والع�صبية املحاماة واملدافعة والن�صرة .)1( .ويكون ذلك على م�ستوى الأفكار وامل�شاعر ،والأقوال والأفعال. العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
والتع�صب لي�س نوع ًا واح��د ًا ،و�إمن��ا هناك تع�صبات كثرية منها :التع�صب الأ�سري ،والتع�صب القبلي ،والتع�صب العرقي، والتع�صب اجلهوي ،والتع�صب احلزبي ،والتع�صب الديني، والتع�صب املذهبي ،ويحدث بني مذاهب الدين الواحد ،وهو مو�ضوعنا ،وق��د جتلت مظاهره يف خمتلف جوانب احلياة عند امل�سلمني خالل الع�صر الإ�سالمي ،على م�ستوى املذاهب والطوائف.
ثاني ًا� :أ�سباب التع�صب املذهبي.
هناك العديد من الأ�سباب الأ�سا�سية والثانوية التي �أ ّدت �إىل التع�صب املذهبي منها (:)2 .1عدم االلتزام ال�صحيح والكامل بدين الإ�سالم على م�ستوى امل�شاعر والأفكار وال�سلوكيات؛ لأن ديننا احلنيف يقوم على العدل وامل�ساواة ،والتوازن واالعتدال ،وال يقوم على التطرف والغلو والتع�صب للباطل. .2ردود �أفعال الأتباع املتمذهبني يف تفاعلهم مع مذاهبهم، فمن الطبيعي �أنها تولد فيهم الرغبة للإنت�صار لها والدفاع عنها. .3الدور ال�سلبي الذي قام به العلماء املتع�صبون ،فهم الذين دعوا �إىل التع�صب املذهبي ون�شروه ،و�شجعوا عليه و�شاركوا فيه ،فكانت �أفعالهم هذه م�شاركة �سلبية �أججت التع�صب ومل حتد فيه. .4املوقف ال�سلبي لكثري من اخللفاء وامللوك ،و�أعوانهم يف التعامل مع ظاهرة التع�صب املذهبي ،فلم ي�سعوا �إىل التخل�ص منها ،ومل يح�سنوا التعامل معها ،فاتخذوا لأنف�سهم مذاهب وتع�صبوا لها ،ون�صروها على ح�ساب املذاهب الأخرى بالأقوال والأفعال.
19
وسطيت ان ��وع��اظ املتع�صبون، .5الأع��م��ال ال�سلبية التي ق��ام بها ال ُ فا�ستغلوا وظيفتهم لن�شر التع�صب املذهبي ،والت�شجيع على الفنت وامل�صادمات. .6متذهب عوام النا�س ،فلما متذهبوا تع�صبوا ملذاهبهم عن جهل و طي�ش ،وع�صبية عمياء ،وبتحري�ض من علمائهم وحكامهم املتع�صبني مثلهم. .7رواج الأحاديث ال�ضعيفة واملو�ضوعة بني املتمذهبني املتع�صبني. .8بقاء كثري من امل�سائل -الأ�صولية والفقهية -املختلف فيها بني املذاهب ،على ما هي عليه ،من دون حتقيق علمي نزيه يرفع عنها اخلالف ،حتى و�إن كانت �أدلتهم �ضعيفة، ف�أدى ذلك �إىل تكري�س الع�صبية املذهبية والت�شجيع عليها، والدفاع عنها ،و�إبقاء م�سائل اخلالف قائمة. .9ال��دور ال�سلبي جلهاز الق�ضاء خالل الع�صر الإ�سالمي ،يف تعامله مع املذاهب الفقهية والتع�صب لها ،فعندما كان الق�ضاء �أح��ادي املذهب ،كان يحكم باملذهب الذي تتبناه ال��دول��ة ،وعلى املذاهب االخ��رى اخل�ضوع ملذهب الدولة والأخذ به �أحبت �أم كرهت ،كما �أن مذهب الدولة الر�سمي مكّن لأتباعه من �إ�ستخدام نفوذهم يف ال��دول��ة لن�شره وتقويته ،والتع�صب على خمالفيه. هذه بع�ض الأ�سباب التي كانت وراء التع�صب املذهبي بني امل�سلمني الذين �أمرهم اهلل �سبحانه وتعاىل بالإجتماع، اع َت ِ�ص ُم و ْا ِب َح ْب ِل اللهّ ِ َج ِم يع ًا وعدم التفرق قال تعاىلَ } :و ْ َو َ ال َت َف َّر ُق و ْا َواذ ُْك ُرو ْا ِن ْع َم تَ اللهّ ِ َع َل ْي ُك ْم �إِ ْذ ُك ن ُت ْم �أَ ْع دَاء َف�أَ َّل َف بَينْ َ ُق ُل و ِب ُك ْم َف�أَ ْ�ص َب ْح ُت م ِب ِن ْع َم ِت ِه ِ�إخْ َوان ًا َو ُك ن ُت ْم َع َل َى َ�ش َفا ُح ْف َر ٍة ِّمنَ النَّا ِر َف�أَن َق َذ ُك م ِّم ْن َه ا َك َذ ِل َك ُي َب ينِّ ُ اللهّ ُ َل ُك ْم آ� َيا ِت ِه َل َع لَّ ُك ْم َت ْه َت دُ ونَ { (�آل عمران)103 وق��ال ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�آل��ه و�سلم« :-ترى امل�ؤمنني يف تراحمهم وتعاطفهم كمثل اجل�سد الواحد �إذا ا�شتكى منه ع�ضو ًا تداعى له �سائر اجل�سد بال�سهر واحلمى»(. )3 وقال ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�آله و�سلم�« :-أ ّيها النا�س، عليكم باجلماعة و�إ ّي��اك��م والفرقة� ،أ ُّيها النا�س ،عليكم باجلماعة و�إ ّياكم والفرقة� ،أ ُّيها النا�س عليكم باجلماعة و�إ ّياكم والفرقة» (.)4وق��ال ر�سول اهلل� -صلى اهلل عليه و�سلم« :-اجلماعة رحمة ،والفرقة عذاب» (.)5
20
فرق بني �أبناء الأمة الإ�سالمية، �إن التع�صب املذهبي ّ وكان وراء ما �سجله التاريخ عن �أتباع املذاهب من تبادل الآراء الفا�سدة والأحكام الباطلة ،وال�صراعات الدموية امل�ؤ�سفة ،والتع�صب املذهبي �أ ّدى بامل�سلمني ب�أن يجعلوا يف امل�سجد الواحد �أكرث من حمراب ،كل حمراب لأهل مذهب، ي�صلون منفردين عن اجلماعات الأخ��رى ،ك�أنهم �أ�صحاب �أديان خمتلفة ،كما �أن التع�صب املذهبي �أبعد معظم �أهل العلم عن التعامل املبا�شر ،مع ال��ق��ر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ال�شريفة. والتع�صب املذهبي �أدى �إىل كرثة الكذب يف الأحاديث النبوية ،والروايات التاريخية ،انت�صار ًا للمذاهب ،ورد ًا على خ�صومها ،فراجت الأحاديث ال�ضعيفة واملو�ضوعة بني النا�س ،وراجت بينهم الأخبار املكذوبة ،والتي �ش ّوهت جانب ًا كبري ًا من التاريخ الإ�سالمي.
ثالث ًا� :أق��وال لالئمة الأربعة تنهى عن التع�صب املذهبي.
يقول �أبو حنيفة النعمان « :هذا ر�أيي ،وهذا �أح�سن ما ر�أيت فمن جاء بر�أي غري هذا قبلناه ،حرام على َمن مل يعرف دليلي �أن يفتي بكالمي» (. )6 �إن امل�ضامني الفكرية لقول �أب��ي حنيفة النعمان تبدو جلية �ساطعة ،حيث ي�شري �إىل �أنه يتحدث بر�أيه ح�سب ما تو�صل �إليه من �أدلة ،كما �أنه مل يد ُع النا�س �إىل �إتباع مذهبه وطريقته من غري فهم �أدلته التي تو�صل �إليها، �أ�ضف �إىل ذلك دع��واه �إىل قبول ال��ر�أي الأخ��ر يف حالة ظهور م�صداقيته ،كما �أنه مل يطلب من النا�س �أن يتع�صبوا �إىل مذهبه ،ويقاتلوا الآخرين على ذلك .و�أخري ًا �إنه مل يطلب من النا�س �أن يق�صروا فهمهم للدين الإ�سالمي على مذهبه وطريقته (.)7 ويقول الإمام مالك بن �أن�س�« :إمنا �أنا ب�شر �أخطى و�أ�صيب، فانظروا يف ر�أيي ،فكل ما وافق الكتاب وال�سنة فخذوا به، وما مل يوافق الكتاب وال�سنة فاتركوه» (.)8 فقول الإم���ام مالك بن �أن�س يحمل يف طياته املبادئ الفكرية الوا�ضحة ،حيث ي�شري بدقة �إىل �أنه ب�شر ي�صيب ويخطئ؛ لذلك طلب من النا�س �أن يعر�ضوا قوله على كتاب اهلل �سبحانه وتعاىل و�سنة نبيه الأم�ين ،لذلك فهو مل ُيلزم النا�س ب�إتباع ما جاء به دون �أن يتبينوا ان�سجامه مع �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وسطيت ان الآيات القر�آنية والأحاديث النبوية ال�شريفة ،كما �أنه مل يطلب منهم التحيز ملذهبه ،وقذف املذاهب الأخرى ب�شتى �أنواع ال�شتائم وال�سباب ،ومل يطلب منهم �أن يقاتلوا �أتباع املذاهب الأخرى (.)9 ويقول الإم��ام ال�شافعي�« :إذا وج��دمت عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم� -سنة خالف قويل ،فخذوا ال�سنةودع��وا ق��ويل ف���إين �أق��ول بها» ،ويف رواي���ة« :ك��ل م�س�ألة تكلمت فيها بخالف ال�سنة ،ف�أنا راجع عنها يف حياتي وبعد مماتي» ،ويقول« :ما من �أحد �إال وتذهب عليه �سنة لر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -وتعزب عنه ،فمهما قلت من قول �أو �أَ َّ�صلت من �أ�صل فيه عن ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -خالف ما قلت ،فالقول ما قال ر�سول اهلل� -صلى اهلل عليه و�سلم -وهو قويل» (.)10 فيبدو من �أقوال الإمام ال�شافعي �سيا�سة عدم التع�صب لر�أيه .وا�ضحة� .ساطعة ،ووجوب الأخذ باحلديث ال�صحيح املخالف لر�أيه ،كما �أن��ه مل يلزم النا�س ب�إتباع مذهبه، وطريقته دون االلتفات �إىل ما عند الأط��راف واملذاهب الأخرى من �أحاديث �صحيحة خمالفة لر�أيه و�أقواله ،بل طلب منهم �أن ي�ضربوا بقوله عر�ض احلائط ،يف حالة بيان احلديث ال�صحيح املخالف لر�أيه عند املذاهب الأخرى ،ومل يطلب من النا�س �أن يتع�صبوا �إىل �أقواله ويقاتلوا امل�سلمني عليها (.)11 ويقول الإمام �أحمد بن حنبل« :ال تكتبوا عني �شيئ ًا وال تقلدوين ،وال تقلدوا فالنا وفالنا ،وخذوا من حيث �أخذوا»، ويقول« :ال تقلدوا دينكم الرجال� ،إن �آمنوا �آمنتم و�إن كفروا كفرمت» ،كما يقول« :من قلة فقه الرجل �أن يقلد دينه الرجال» (.)12 فيبدو وا�ضح ًا من �أق��وال الإم��ام �أحمد بن حنبل ،دعوته ال�صادقة �إىل النا�س بوجوب االلتزام التام بكالم اهلل �سبحانه وتعاىل و�سنة نبيه الأمني ،كما �أنه بني حقيقية هامة وه��ي �أن الرجال لن ي�سلموا من الوقوع يف اخلط�أ والغلط ،لذلك نهى عن تقليد الرجال يف الدين ،بل �إن
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
الدين هو كالم اهلل و�سنة نبيه .وال يوجد يف كالمه ما يدعو �إىل التع�صب لأقواله؛ بل �إن كالمه يحث على �إعمال العقل ،والتم�سك بالكتاب الكرمي وال�سنة النبوية.
اخلامتة
�أن الإ���س�لام ح��ارب جميع �أ�شكال التع�صب ،وح��ث على الوحدة والألفة والإخوة ،وكان هناك العديد من الأ�سباب التي �أدت �إىل التع�صب املذهبي الذي �أدى �إىل ال�صراعات الدموية امل�ؤ�سفة ،و�إىل كرثة الكذب يف الأحاديث النبوية، يف ح�ين �أن جميع امل�ضامني الفكرية لأق����وال الأئ��م��ة الأرب��ع��ة -رحمهم اهلل-تنهى عن التع�صب ،وتدعو �إىل االلتزام بالكتاب الكرمي وال�سنة النبوية ال�شريفة.
املراجع: ( )1ابن منظور الإفريقي:ل�سان العرب ،بريوت ،دار �صادر، دت ،ج� ،1ص.607 �أنظر: ( )2خالد كبري عالل :التع�صب املذهبي يف التاريخ الإ�سالمي، د.م ،دار املحت�سب� ،2008 ،ص171-1666 ( )3البخاري :اجلامع ال�صحيح املخت�صر ،بريوت ،دار ابن �، 1987 ،ص،2238 كثري للن�شر والتوزيع ،ج5 حديث رقم .5665 (� )4أحمد بن حنبل :م�سند الإمام �أحمد بن حنبل ،بريوت، م�ؤ�س�سة الر�سالة للن�شر والتوزيع ،2008 ،ج� ،38ص -220 ،221حديث رقم .23145 ( )5حممد الألباين� :ضعيف اجلامع ال�صغري وزياداته. بريوت :املكتب الإ�سالمي ،ج� ، .1979، 3ص ،84حديث رقم .23104 (�)6أ�سد حيدر:الإمام ال�صادق واملذاهب الأربعة .بريوت ،دار املعارف للن�شر والتوزيع ،ج� ،2001 ،1ص.187 ( )11( )9( )7ح�سن احلياري :الإن�سان املعا�صر و�سبيل اخلال�ص� ،إربد ،م�ؤ�س�سة حمادة للدرا�سات اجلامعية والن�شر والتوزيع� ،2012 ،ص532-531 (�)12( )10( )8أبو �شامة:خمت�صر امل�ؤمل يف الرد �إىل الأمر الأول ،الكويت ،مكتبة ال�صحوة الإ�سالمية للن�شر والتوزيع، � ،1983ص �،62-61ص.58 -57
21
م ق ا ال ت ا ل و سطية
الحج المبرور ليس له جزاء إال الجنة فري�ضة احلج ركن من �أركان الإ�سالم ،ودعامة من دعائمه التي يقوم عليها� ،شرعه اهلل �سبحانه وت��ع��اىل مو�سم ًا يلتقي فيه امل�سلمون كل عام على �أ�صفى العالقات و�أنقاها ،في�شهدوا منافع لهم على �أك��رم بقعة �شرفها اهلل ب�إنطالق دع��وة الإ���س�لام منها �إىل العاملني .وعبادات الإ�سالم و�شعائره كلها تهدف اىل خري الدنيا و�سعادة الأخرى ،ومن هنا كان احلج عبادة بدنية مالية، يتقرب بها امل�سلمون اىل خالقهم ،فت�صفو نفو�سهم ،وت�شف قلوبهم، وترفرف �أرواحهم ،مع ن�سمات الر�ضا التي تنفح بها معاين الطهر، فيلتقون على امل��ودة ،وتربط بينهم �أوا�صر املحبة على تباعد الأقطار ،واختالف الديار. وال ريب يف �أن اجتماع ًا على هذا امل�ستوى العاملي من ا�شعاعات ال�صفاء واملودة واملحبة ،كفيل ب�أن يجمع الكلمة على وحدة الهدف يف م�ؤمتر �سنوي عام ،يتدار�س امل�سلمون فيه �ش�ؤونهم ،ويتداولون فيما يعنيهم من ���ش���ؤون احل��ي��اة ،وم�شاكل الأم��ة االقت�صادية وال�سيا�سية واالجتماعية والفكرية والع�سكرية ،فيطرح الر�أي ال يتوخى �إال ر�ضا اهلل ،وتلقى الكلمة ال يبتغي ملقيها �إال �أن تكون حيث يحب اهلل. وخ�ير للم�سلمني ان يكون م�ؤمتر احل��ج ال���دوري ،فر�صة متاحة لرجاالت الإ�سالم ،من قادة ومفكرين ،يجمعهم هذا اللقاء الطهور يف كنف اهلل و�ضيافته ،على مناق�شة ما يعرت�ض حياة امل�سلمني يف م�شرق الأر���ض ومغربها ،يدر�سون ويخططون بوحي الإميان الدافق ،والعزمية الأبية ،ي�ستمدون من اهلل العون ،ويلتم�سون الأ�سوة يف الرواد العظام ،الذين ت�ضمهم بني جناحيها تلك البقاع العزيزة ،التي يرتادها احلجيج يف منا�سكهم و�شعائر فري�ضتهم. و�إذا كان ذلك خري ًا �أي خري يف كل وقت ،فنحن يف �أيامنا الع�صيبة هذه التي نعي�شها ،ومتر بها الأمة ،ا�شد حاجة اىل ان ي�سري هذا اخلري اىل حياتنا يف كافة �أبعادها ،في�شتد فينا العزم ،ويقوى لدينا اليقني ،ويزداد الإ�صرار وال�صمود يف رحاب الوحدة اجلامعة على �أ�شرف هدف و�أعظمه. واحلاج ال بد وان يكون متجرد ًا هلل عز وجل يف النية والعمل؛ لأنه يعكف على �أداء ن�سك عظيم يتوخى مر�ضاة اهلل ،وغفران الذنب ،وعلى احل��اج �أن يتزود من العلم واملعرفة ب�أحكام هذه
22
�أ.د .حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة عميد كلية ال�شريعه الأ�سبق /اجلامعة الأردنية
الفري�ضة العظيمة ،و�أن ي�س�أل �أهل العلم ال�شرعي ،حتى تكون �أعماله على الوجه امل�شروع ،مت�أ�سيا بر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم ،-وعلى احلاج ان يت�سلح بال�صرب على ما يلقاه من م�شقة، ويحت�سب خطواته يف �سبيل اهلل ،فال يت�أفف وال ي�ضجر ،بل عليه ان يدرك ان يف كل خطوة يخطوها عبادة يتقرب بها اىل اهلل عز وجل ،-وعليه ان يكون عون ًا لإخوانه احلجاج ،وان يتغا�ضىعن هفواتهم ،فال يدفع ال�سيئة بال�سيئة و�إمنا باحل�سنة ،وعلى احلاج ان يجهد نف�سه بالقربات اىل خالقه ،لأنها فر�صة العمر يف الرحاب املقد�سة ،وان ي�ستثمر الطاقات اخلرية الكامنة يف نف�سه خدمة لدينه وللم�سلمني ،وعليه ان يعلم ان احلج املربور لي�س له جزاء �إال اجلنة. ومن �أدبيات فقه احلج ان يقف امل�سلم احلاج على �أ�سرار وحكم هذه العبادة العظيمة ،وذلك من خالل الأعمال املتوالية التي يقوم أداء رتيب ًا خالي ًا من املعرفة احلقيقية التي بادائها ،ال ان ت�ؤدى � ً تعمق االميان يف النف�س ،وتدفع �صاحبها اىل االلتزام املخل�ص بهذا الدين ،خا�صة بعد رجوعه اىل بالده ،وعلى احلاج ان يت�أمل يف �سر عظمة هذا الدين ،و�سرعة انت�شاره يف الآفاق بعد ان كان حم�صور ًا وحما�صر ًا يف اجلزيرة العربية ،وكيف ان اهلل اراد لهذا الدين ،والتباعه اخلري يف الدارين ،و�أن التزامه وتطبيقه �سبيل اىل العزة والتمكني يف الأر�ض ،ومن طلب العزة من غريه �أذله اهلل. وعلى احل��اج ان يتذكر ما يعانيه امل�سلمون يف ديارهم من قتل وت�شريد وا�ضطهاد ،يف العراق و�سوريا وفل�سطني ويف غريهما، ليعلم ان ق��وى ال�شر الكربى يف العامل ملة واح���دة ،يف كيدها ونظرتها للإ�سالم وامل�سلمني ،وان يعود احل��اج م��زود ًا بالإميان والعزم والت�صميم على خدمة دينه و�أمته بكل جهد ممكن ،وان ً داعية خري باحلكمة واملوعظة احل�سنة ،ليجنب امل�سلمني يكون عنت الدنيا و�ضيق الآخ��رة ،وعليه ان يلم�س الآثار االيجابية، والتغري احلقيقي ،بعد �أداء هذه الفري�ضة العظيمة ،التي قال عنها الر�سول �-صلى اهلل عليه و�سلم«:-من حج ومل يرفث ومل يف�سق رجع كيوم ولدته �أمه» �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية
حرائق التطرف
في العالم اإلسالمي ب�سم اهلل الرحمن الرحيم �أو ً ال :الإ�سالم هو من بني ملل الإميانيني �أكرثها تقدير ًا ملرجعية العقل الربهاين ،وهو من بني املقدرين للعقالنية �أكرثها قو ًال بالإميان مع هذا التفرد بدور العقل يف الف�ضاء الإمياين ،وبدور الإمي��ان يف الف�ضاء العقالين ،ط��ر�أت ظروف يف تاريخنا �صنعت تعطيل العقل ال�بره��اين ،و�أبطلت االجتهاد الفكري ،وقيدت االجتهاد الفقهي مبنطق القيا�س والإج��م��اع ال�صوري ،وغيبت ال�شورى �أ�سا�س ًا لوالية الأمر وبدلتها بطاعة املتغلب. هذه العوامل امل�صنوعة بال م�سوغ من هداية الوحي املحمدي� ،شلت عطاء الأم��ة بعد عطاء مرموق وهي�أت �أقطار الأم��ة لالحتالل الأجنبي الذي احتلها قطر ًا قطر ًا. احل�ضارة الغربية احلديثة التي �أيقظ �أهلها من �سبات القرون الو�سطى م�صابيح احل�ضارة الإ�سالمية �أي��ام �ضيائها ،ح�ضارة �صحبت االحتالل و�أتت معه �إلينا بفكر وثقافة �إن�سانية متقدمة. �إزاء هذا الغزو الفكري والثقايف �أتخذ العلماء واملفكرون يف عاملنا ثالثة اجتاهات :اجتاه �أفرط يف الرف�ض وحت�صن مبنقول الرتاث، واعترب ذلك هو الدين امللزم ،واجتاه فرط يف حمموالت الرتاث باعتبارها عائق ًا يف طريق اال�ستنارة احل�ضارية احلديثة ،واعترب االق��ت��داء باحل�ضارة الغربية احلديثة ه��و امل��وق��ف العقالين ال�صحيح .واملوقف الثالث قال به علماء ومفكرون �أمثال ال�شيخ جمال الدين الأفغاين وال�شيخ حممد عبده وال�شيخ ابن بادي�س وال�شيخ بن عا�شور وغريهم .ه��ذه املدر�سة �أثمرت كثريين من تابعيها �أمثال مالك بن نبي ،وعلي �شريعتي ،ولكن �أكرثهم ت�أثري ًا يف عامل امل�سلمني وال�سنة ال�شيخ حممد ر�شيد ر�ضا. اتبعت حركات كثرية هذا النهج التوفيقي بني الت�أ�صيل والتحديث. ولكن نهج ال�شيخ حممد ر�شيد ر�ضا كان �أك�ثر مي ًال للت�أ�صيل من �أ�ستاذيه. كانت احلركة التي �أ�س�سها ال�شيخ ح�سن البنا يف ع�شرينيات القرن امليالدي املا�ضي �أكرث حركات القول باملرجعية الإ�سالمية، وا�ست�صحاب التحديث فاعلية من حيث املد احلركي والتنظيم، العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
دولة الإمام ال�صادق املهدي
وخو�ض غمار العمل ال�سيا�سي .وبت�أثري من مقوالت مر�شدها الثاين ال�شيخ اله�ضيبي �صاحب كتاب (دعاة ال ق�ضاة) التزمت احلركة االعتدال ،ولكن اجتهادات الإ�سالميني يف بيئة التطرف الهندو�سي؛ �أدت �إىل اجتهاد ال�شيخ �أبو الأعلى املودودي ،وبيئة القمع النا�صري �أدت �إىل اجتهادات �سيد قطب وكتابه الأ�شهر (معامل يف الطريق). تاريخ الفكر الإ�سالمي املعا�صر يبني ال�صلة الوثيقة بني الغلو الو�ضعي يف جمال الفكر ،وال�سيا�سة ،والغلو املنطلق من مرجعية �إ�سالمية يف الفكر وال�سيا�سة. قال ابن خلدون يف املقدمة :كل ظاهرة يف الوجود الطبيعي� ،أو االجتماعي تخ�ضع لقانون ،تف�سري ًا لقوله تعاىلَ ( :ر ُّب َنا ا َّل ِذي
�أَ ْع َطى ُك َّل َ�ش ْيءٍ َخ ْل َقهُ ُث َّم هَ دَ ى)
ثاني ًا :هنالك م�صادر للغلو القائل مبرجعية �إ�سالمية يف عاملنا املعا�صر �أهمها: (�أ)الت�صدي لالفتتان باحل�ضارة الوافدة ،ورف�ض ممار�سات بع�ض الأن�شطة ال�صوفية عامالن دفعا للتم�سك باجتهاد نقلي �صارم، يعترب �أ�صحابه الفرقة الناجية ويكفر الآخرين. (ب)ان للح�ضارة الغربية �صلة مبا�شرة ب�صناعة التطرف يف عاملنا من ناحيتني: الأوىل :احل�ضارة الغربية تفرت�ض علويتها وتغلبها ،فال خيار للآخرين �إال االمتثال لها .هذا اال�ستعالء ولد ردة فعل م�ضادة . الثانية :الغزو ال�سوفيتي لأفغان�ستان �شكل حتدي ًا مبا�شر ًا للأمة الإ�سالمية ،فت�صدى له من كونوا القاعدة و�ساهموا ب�صورة قوية يف هزمية ال��غ��زاة .يف تلك املرحلة حظوا بدعم غربي هائل ملواجهة عدو م�شرتك ،وبعد جناحهم يف املهمة تناول اجتهادهم الوجود الأمريكي يف بالد امل�سلمني ،واعتربوه غزو ًا واتخذوا نهج ًا متطرف ًا يف حماربته ومقولة� :إن قتل الأمريكي جندي ًا �أو مدني ًا يف �أي مكان يف العام فر�ض عني على امل�سلم.
23
م ق ا ال ت ا ل و سطية (ج)ق���ال امل����ؤرخ الأمريكي ميخائيل �أورن يف كتابه( :القوة والعقيدة واخليال� -سيا�سة �أمريكا يف ال�شرق الأو�سط) .قال" :ال يوجد يف جمال الهند�سة االجتماعية العاملية ما هو �أكرث ت�سلط ًا من ت�أييد �أمريكا لقيام دولة يهودية يف و�سط عامل عربي �شديد العداء لذلك" .وقال" :هذا العمل من �ش�أنه �أن يخلق حالة حرب م�ستمرة". وبقدر ما يف املمار�سات ال�صهيونية من نهج تو�سعي ،وتطرف �صهيوين تبنت تيارات ذات مرجعية قومية ،و�إ�سالمية ،مقاومة حتريرية ،كما تبنت تيارات متطرفة مواقف معادية لإ�سرائيل ومن يقف وراءها. (د)�إن لنظم حاكمة يف املنطقة دور ًا يف تغذية التطرف؛ �إذ ات�سمت بـاال�ستبداد ،والف�ساد ،والظلم االجتماعي ،والتبعية ،مما �أدى حلركات رف�ض وحترير ،ومع كل زيادة يف الكبت زادت ح�صة التطرف يف املقاومة. (هـ)هنالك قاعدة اجتماعية تقول� :إذا وجد االحتقان ومل يجد عالج ًا تن�ش�أ حتم ًا قوى جديدة. لفرتة ما بدا ك�أن الربيع العربي قد �أوجد و�سائل �سلمية للق�ضاء على اال�ستبداد ،والف�ساد ،والظلم االجتماعي ،والتبعية ،ولكن نك�سات الربيع العربي دم��رت الدولة املركزية كما يف �سوريا، وليبيا ،واليمن ،ف�صنعت فو�ضى هي املناخ الأن�سب للتطرف وما ي�صحبه من عنف. (و)وافد التطرف والعنف يف �أفغان�ستان ،والعراق ،وال�صومال مرتبطة متام ًا ب�إخفاقات الهند�سة ال�سيا�سية الأمريكية: ففي �أفغان�ستان بعد طرد ال�سوفيت �أخفقت احلركات اجلهاديةالتي �شاركت يف التحرير يف �إدارة البالد ،بل ا�شتبكت فيما بينها ما �أدى لربوز حركة طالبان ،حركة طالبان جنحت فيما �أخفقت فيه احلركات الأكرث جتربة والأ�سبق تنظيم ًا ،ولكنها متثل نهج ًا يف احلكم م�شدود لأمناط ما�ضوية مغيب ًا عن الع�صر احلديث ،ولكن النهج ال�صحيح للفقيه �أن يعرف الواجب اجتهاد ًا ال تقليد ًا ويلم بالواقع ثم يزاوج بينهما ،كما قال ابن القيم :فهم طالبان فقري يف االجتهاد ،ومغيب عن الواقع املعا�صر ولكن �سيا�سات الواليات املتحدة يف �أفغان�ستان وما انطوت عليه من ا�ستالب� ،أعطى طالبان دور ًا وطني ًا بحيث التف حولها كثري من ال�شعب الأفغاين ال ت�أييد ًا لنهجها ،ولكن مقاومة لل�سيا�سة الأمريكية. ويف ال�صومال انهارت الدولة املركزية بعد نهاية نظام �سياد بري،وانفتح املجال لأجندات مت�ضاربة ومنها حركة ال�شباب املتحالفة مع القاعدة .ههنا �أي�ضا �إ�سناد حفظ الأمن يف ال�صومال لأثيوبيا العدو التاريخي لل�صوماليني جعل حركة ال�شباب تكت�سب دور ًا وطني ًا.
24
�أما يف العراق ف�إن الواليات املتحدة بعد احتالل البالد مل تتعاملمعه كوطن بل كوجود م�صنف �شيعة ،و�سنة ،و�أكراد ،و�آخرون .مل ي�سبق التطبيق الدميقراطي كما ينبغي اتفاق حول الهوية وترك الأمر للآلية الدميقراطية .الآلية الدميقراطية ال ت�صلح وحدها دون توازن يف �أمر الوالءات املوروثة. ويف ال�سنوات املا�ضية �آلت رئا�سة الوزارة لل�سيد نوري املالكي ،ال�سيد نوري املالكي ت�صرف كرئي�س وزراء مبوجب الوزن االنتخابي ،ومل يراع التوازن املطلوب ،وكان ت�صرفه مع نائبه ال�سيد طارق الها�شمي بالتجرمي وتعامله مع اعت�صامات �أهل ال�سنة تعام ًال �أهوج ًا .لقد ا�ستعدى ب�صورة بليدة �أهل ال�سنة والأكراد وبع�ض ال�شيعة الذين انتقدوا نهجه �أمثال التيار ال�صدري. القاعدة انت�شرت ب�شبكة خاليا يف كثري من البلدان ،وك��ان لها وجود يف �سوريا ،ولكن منذ �سنني كان نهج �أبو م�صعب الزرقاوي خمتلف ًا مع قيادة القاعدة حول املوقف من �أولويات القتال ،هو يرى �أن الت�صدي لقتال ال�شيعة �أهم من قتال الأمريكان .من هذه املفاهيم ولدت حركة "داع�ش" التي وجدت دعم ًا كبري ًا من بع�ض دول ال�سنة ،ومن بع�ض الأثرياء ال�سنة ،وا�ستقطبت كثري ًا من العنا�صر العراقية الناقمة على حكومة املالكي من قبائل من �أهل ال�سنة وبعثيني ونق�شبندية. داع�ش ت�أ�س�ست يف ال��ع��راق كامتداد حلركة ال��زرق��اوي .ولكن �أب��ا حممد اجل��والين اختلف مع البغدادي ،وذه��ب �إىل �سوريا حيث �أ�س�س فيها جبهة الن�صرة املوالية لقيادة القاعدة (�أمين الظواهري). داع�ش املنطلقة من العراق مت��ددت كذلك يف �سوريا ،وحظيت مبيزات فريدة :ثرية مالي ًا ،ومتحالفة مع ف�صائل جتمعها معهم الهوية ال�سنية ،حا�صلة على جنود مدربني على القتال ،وحا�صلة على �أ�سلحة متطورة .هذه امليزات تدل على �أن لها �سند ًا داخل العراق ،وداخل �سوريا ومن جهات جماورة. وبعد احتالها املفاجئ ،والناجح للمو�صل �أ�سرعت داع�ش يف تطبيق خريطة الطريق املعتمدة لدى القاعدة وهي :ت�أ�سي�س خاليا يف مناطق خمتلفة ،وا�ستنزاف ال�سلطات ب�أعمال عنف لإجبارها على االن�سحاب منها والعمل على تطبيق ال�شريعة فيها وي�شمل ذلك هدم الأ�ضرحة ،وتدمري التماثيل ،وتطبيق احلدود، ورعاية املعاي�ش وب��ث �أجندة فكرية ما�ضوية و�أخ�ي�ر ًا �إقامة اخلالفة الإ�سالمية. تفكك الدولة املركزية يف �سوريا ،واالنق�سام الطائفي احلاد يف العراق ،والنجاح يف اجتياح املو�صل وال�سيطرة على �إقليم ممتد من �سهل حلب �إىل نينوي مرور ًا باالنبار جنوبا �أعطى طموح داع�ش �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية بعد ًا جديد ًا ف�أعلنت قيام اخلالفة الإٍ�سالمية وبايعوا �أبا بكر البغدادي خليفة .يالحظ: -1هذه خالفة انتقائية مبعنى حمدودية قاعدتها. -2البيعة م�ؤ�س�سة على التغلب ال �شورى امل�سلمني. -3من تعجل �شيئ ًا قبل �أوانه عوقب بحرمانه. � -4شيعة العراق ،و�أكراد العراق �سريف�ضونها كذلك كثري من �أهل ال�سنة. -5ولكن ميكن لداع�ش �أن جتد تعاطف ًا يف �أو�ساط العرب ال�سنة يف اخلليج ،ويف املغرب. يف العراق �سوف يكون دور هذا التطرف زيادة حدة املواجهة بني ال�سنة وال�شيعة يف كل مكان ،وتوفري ظروف مو�ضوعية لتق�سيم العراق ،وزيادة منافذ التدخالت الإقليمية يف ال�ش�أن العراقي. ففي الأردن الذين كانوا مع جبهة الن�صرة مالوا نحو داع�ش ،ويف ليبيا لداع�ش فرع يف درنة يت�أهب لي�صري مركز انطالق مغاربي. التطرف والغلو والعنف امل�صاحب له ين�ش�أ من عوامل ذاتية ،لكن يخدم م�صالح العدو ب�أكرث مما كان يتمناه. حت��دث وزي��ر الأم��ن الداخلي الإ�سرائيلي يف ع��ام 2008م عن م�صري العامل العربي ،وو�صف ال��دول العربية ب�أنها تقوم على كيانات م�صطنعة؛ لذلك لن ت�ستقر و�سوف ت�ؤدي التفاعالت فيها �إىل حركات تنتهي بتق�سيمها وقال :العراق �سوف ينق�سم لثالث دوي�لات ،ال�سعودية خلم�س ،وال�سودان كذلك خلم�س،واقرتح خريطة جديدة :قيام دولة كردية ت�ضم الأكراد يف خم�س دول يف كرد�ستان الكربى ،ودولة �شيعية جديدة ت�ضم البحرين و�شرق ال�سعودية وجنوب العراق وغرب �إيران. �سبب هذا التفكيك والرتكيب يف نظره �أن الو�ضع احلايل ال يراعي التباين الإثني واملذهبي ،ولذلك فهو لن ي�ستقر �إال �إذا جرت التعديالت .حركات التطرف حتقق �أماين الأعداء.الغلو العنيف يف م�صر مركز يف �سيناء وهو مرتبط بالقاعدة ،ورمب��ا حاولت جذبه داع�ش �إليها� ،أو دولة "اخلالفة".و�سوف ت�شهد املنطقة كلها تناف�س ًا يف احلركة ،وبالتايل يف العنف بني القاعدة وداع�ش ما يعني تهديد الأمن القومي يف كل املنطقة. م�سرح املواجهة الرئي�س يف م�صر اليوم فحواه �صدام علماين �أخواين .هذا ال�صدام ال ميكن ح�سمه ع�سكريا ف�إذا اجته احلكم يف م�صر �إىل اجتثاث الأخوان كجماعة �إرهابية ،وحتالف الأخوان مع ف�صائل من �شباب الثورة �سوف ت�شهد م�صر مفا�صالت نتائجها الت�ضحية بالدميقراطية ،وبالوحدة الوطنية وبالتنمية .هذا املوقف �سوف يغذي التطرف يف اجلانبني و�ستجد فيه داع�ش والقاعدة فر�صة �أكرب للتمدد. العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
�أثناء حكم الرئي�س ال�سابق حممد مر�سي اجتهدنا نحن منتدى الو�سطية العاملي �أك�ثر من مرة لن�صحه؛ لإيجاد ت�سوية حول الد�ستور و�إلغاء الإعالن الد�ستوري ،وكانت قيادة جبهة الإنقاذ على ا�ستعداد للتفاهم ،ولكن مع �أن��ه �أب��دى ا�ستعداد ًا لدرا�سة املبادرة رف�ضها املر�شد رف�ض ًا بات ًا ،والنتيجة �أن حكم الأخ��وان ظهر كحكم جماعة ال للوطن ولعله �أعجب بالتجربة ال�سودانية فحر�ص على التمكني ،وكانت النتيجة تكت ًال وا�سع ًا �ضدهم هو ال�سر يف جناح حركة مترد ويف ح�شود 30يونيو ويف �إجراءات 3يوليو، وخريطة الطريق للم�ستقبل امل�صري التي نفذ جلها .م�صلحة م�صر �أال ت�ستعدي القابلني لالندماج ال�سيا�سي من الأخوان ،و�أال ت�سعدي ف�صائل �شباب الثورة و�أال ت�صدر الأحكام على �أعمال العنف �إال بعد حتقيقه ،بل و�أن يجري حتقيق عادل يف كل الأحداث ليميز الطيب من اخلبيث ،و�أن يح�صر العقاب فيمن ارتكب جرم ًا؛ لأن جترمي تنظيم ذا وجود جمتمعي وا�سع ال يجدي. الأخوان امل�سلمون من جانبهم ينبغي �أن يجروا مراجعات ت�ؤكد: االعرتاف بارتكاب �أخطاء حمددة. الف�صل بني ج�سم دع��وي ال يعمل بال�سيا�سة ،وج�سم �سيا�سيمفتوح لكل من ي�ؤيد برناجمه من امل�صريني. االع�تراف بالواقع الراهن واكت�ساب �شرعية للعمل ال�سيا�سيحتت مظلته التعددية . ما مل يجر هذا الرتا�ضي الوطني يف م�صر ،ف�إن اال�ستقطاب احلاد �سوف يفرز تطرف ًا يفتح �أو�سع الأبواب للغلو املحلي ،والوافد ويجرب احلكومة على �إجراءات القب�ضة احلديدية ،مما يزيد التطلعات لثورة جديدة ويعرقل امل�سرية امل�صرية.
امل�س�ألة ال�سودانية و�ألغام التطرف:
النظام احلاكم يف ال�سودان نظام ذو مرجعية �أخوانية ،ولكنه اتخذ نهج ًا براجماتي ًا جعله يفرغ كثري ًا من �شعاراته للمحافظة على ال�سلطة ،ال �سيما عندما �أبرم اتفاقية 2005م مع احلركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان. ال�شعارات الإ�سالمية املفرغة عن كثري من حمتواها؛ �أدت �إىل ردود فعل متطرفة يف اليمني :حركات تكفريية بع�ضها مت�صل بالقاعدة ،وبع�ضها متطرف بربامج �سودانية؛ ويف الي�سار برزت اجتاهات علمانية لنفي الدور ال�سيا�سي للإ�سالم ،و�أفريقيانية لنفي االنتماء العربي. ال�سودان اليوم م�سرح حركات تطرف �إ�سالمية ،وعلمانية ، وعربية ،و �أفريقانية .وي�صحب هذا التطرف اليوم اقتتال على �أكرث من جبهة هي حروب هوية بالإ�ضافة لتعدد جبهات االقتتال
25
م ق ا ال ت ا ل و سطية يف ال�سودان ب�سبب ال ُهوية فال�سلطة يف ال�سودان تواجه م�شاكل عميقة: النظام �أهمل و�سائل الإنتاج املعهودة ،ومنذ 2000م اعتمد على�إيرادات البرتول ،و�أكرثه جنوبي وتو�سع يف ال�صرف ب�صورة ورمية، ومل يحتط النف�صال اجلنوب يف 2011ههنا م�أزق اقت�صادي كبري. حروب الهوية حتيطه بجبهات اقتتال ال قبل له بها. ثالثة الأثايف �أن الأ�سرة الدولية �شريكة يف ال�ش�أن ال�سوداينمبوجب ( )61قرار جمل�س �أمن �أغلبها مبوجب الف�صل ال�سابع، وبال�سودان �أكرث من � 30ألف جندي دويل و�أفريقي ،ويعتمد جزء كبري من البالد على �أغاث�إت �إن�سانية �أكرثها دولية ..هذه احلقائق جتعل النظام الدويل �شريك ًا يف ال�ش�أن ال�سوداين . قيادة النظام مالحقة جنائي ًا مبوجب القرار الدويل .1593رئي�س اجلمهورية يعتقد �أن اال�ستمرار يف ال�سلطة �أف�ضل حماية له من املالحقة ،ولكن ا�ستمراره يف ال�سلطة يحرم ال�سودان من �أية اتفاقات ممكنة بخ�صو�ص: �إعفاء الدين اخلارجي وقدره 44مليار دوالر مبوجب م�شروع�إعفاء ديون الدول املديونية. واتفاق ب�ش�أن رفع العقوبات التي تكلف ال�سودان 745مليوندوالر �سنوي ًا . اتفاق بخ�صو�ص فك جتميد 350مليون دوالر م�ستحقة لل�سودانمبوجب اتفاقية كوتنو. �أي �أن خروجه من احلكم يعر�ضه لالعتقال وا�ستمراره ي�شل البالد اقت�صادي ًا عالجنا للمو�ضوع هو �أنه �إذا اتفقت احلركة ال�سيا�سية ال�سودانية على معادلة حول امل�ساءلة ،ف�إن جمل�س الأم��ن على ا�ستعداد �أن يوافق عليها ولكن احلركة ال�سيا�سية ال ميكن �أن تتفق �إال على �أ�سا�س قيام نظام جديد و�أهل التمكني يف النظام ميتنعون. (ز) ال�سمة الغالبة اليوم على حرائق التطرف ت��دور حول الهوية؛ �أي املنطقة تعاين من حرائق الهوية وهي حرائق اكتوت بها �سابقا �أورب��ا ب�صورة دراماتيكية ،يف النزاع بني الكاثوليك والربوت�ستانت يف فرن�سا نظم املجل�س النيابي لباري�س جلنة خا�صة عام 1549م لقمع اخلروج عن الر�أي و�أر�سل من �أدينوا �إىل املحرقة وكانت مذبحة باري�س عام 1572م الأفظع يف التاريخ. ا�ست�ضاف الكاثوليك الربوت�ستانت لديهم لتقريب وجهات النظر بينهم ،ولكن قتلوهم لي ًال وهم نيام ،فلما طلع ال�صبح على باري�س كانت ال�شوارع جتري دم ًا ولقي اليهود وامل�سلمون يف �أ�سبانيا �إبادة عرقية.حكم على برونو االيطايل باحلرق حي ًا ملوقفه املخالف من الدين .قال قبل حرقه� :أيها الغباء املقد�س� ،أنتم وحدكم تفعلون الكثري للتقدم و�إ�صالح النفو�س� ،أكرث مما يفعل الإبداع
26
الب�شري والعلم .وقد �صح كالمه ،ف�أوربا بعد هذا التاريخ الظالمي ا�ستفاقت لنهج منظومة حقوق الإن�سان .واملده�ش هو �أننا امل�سلمني الذين يخلو ن�صو�ص كتابنا من الإك���راه يف ال��دي��ن ،ويخلو من ّا�س �إِ َنّا َخ َل ْق َن ُاك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َو ُ�أ ْن َثى َو َج َع ْل َن ُاك ْم العن�صرية ( َيا �أَ ُّي َها ال َن ُ الل �أَ ْت َق ُاك ْم �.إِ َّن هَّ َ يم ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �.إِ َّن َ�أك َْر َم ُك ْم ِعنْدَ هَّ ِ الل َع ِل ٌ اء َخ ِب ٌ ري) ،وتعترب ن�صو�صنا املقد�سة التنوع الب�شري حتمي ًا ( َو َل ْو َ�ش َ احدَ ًة َوال َي َزا ُلونَ مخُ ْ َت ِل ِفنيَ) ،وقال تعاىل: ّا�س �أُ َّم ًة َو ِ َر ُّب َك لجَ َ َع َل ال َن َ �ض َواخْ ِت ُ الف َ�أل ِْ�س َن ِت ُك ْم َو َ�أ ْل َوا ِن ُك ْم ال�س َم َو ِ ات َوالأَ ْر ِ ( َو ِم ْن �آ َيا ِت ِه َخل ُْق َّ َ هّ ّا�س َب ْع َ�ض ُهم ات ِّل ْل َعالمِ ِنيَ) ،وقالَ ( :و َل ْو اَل َدف ُْع ِ �إِ َّن فيِ َذ ِل َك لآ َي ٍ الل ال َن َ َ َ هّ �ض َّل َف َ�سدَ ِت ْ أَ ال ْر ُ �ض َو َل ِك َّن الل ُذو َف ْ�ض ٍل َع َلى ا ْل َعالمَ ِنيَ) .وعملي ًا ِب َب ْع ٍ نعرف �صحيفة املدينة التي �أعطت التنوع الديني ،والإثني م�شروعية .نحن مع كل هذه احلقائق الآن نواجه يف �أوطاننا حروب الهوية ،وهي حروب ال ميكن �أن ينت�صر �أحد طرفيها ،بل تفرخ الأحقاد والتطرف ،وتفتح �أبواب التدخل الأجنبي. ّ (ح) هنالك م�س�ألة ال تربز الآن �سبب ًا يف التطرف واملواجهات، ولكنها مع ثراء القلة وفقر الكرثة �سوف تغذي التطرف ب�صورة كبرية ،مثلما فعلت يف �أوربا ،ف�أدت ل�صراع الطبقات .كتب توما�س بيكتي كتاب ًا �سماه (ر�أ���س املال املختل) ذكر فيه اختالل توازن توزيع ال�ثروة داخل البلدان وفيما بينها ،وو�صل لنتيجة� :إما �أن تدرك النخب الرثية �أن الب�ؤ�س االقت�صادي ال ميكن تفادي عواقبه املدمرة �إال بتوزيع �أكرث عدالة للرثوة� .أو ف�إن �إهمال هذا اجلانب معناه اال�ستعداد لفكرويات عدالية تدفع نحو مواجهات ذات �أ�سباب اجتماعية. ثالث ًا :هذا ت�شخي�ص لأ�سباب التطرف .والتطرف هو املرحلة ال�سابقة مبا�شرة لالقتتال ،فماذا ن�ستطيع �أن نفعل؟ التطرف مطية الباطل ،قال ابن م�سعود -ر�ضي اهلل عنه -ما من �أمر �إال لل�شيطان فيه نزغتان ال يبايل ب�أيهما ظفر :التعطيل والغلو. و�أ�صحاب التعطيل �أو الغلو يحملون فكرهم يف بنية �أيديولوجية، هي بتطرفها �أعدى للحقيقة من الكذب ،فالكذب حالة مفردة، �أما الأيديولوجيا املتطرفة ف�إن �صاحبها يقول ويفعل موقن ًا ب�أن موقفه هذا هو عني احلق .وال ميكن �أن نخرج من م�آالت التطرف املدمرة �إال �إذا قمنا فكري ًا ،وثقافي ًا ،مبراجعة مذاهب ور�ؤى و�أفكار حمملة بفكر يفرخ التطرف ومنها: (�أ)الوالء والرباء .يدر�س الوالء والرباء لدى كثريين على �أنه موقف مفا�صلة بني �أهل الإميان والآخرين ،فلي�س بيننا وبينهم اب �أُ َّم ٌة �إال العداء .ولكن ديننا يقولَ ( :ل ْي ُ�سو ْا َ�س َواء ِّم ْن َ�أ ْهلِ ا ْل ِك َت ِ ات اللهّ ِ �آ َناء ال َّل ْيلِ َوهُ ْم َي ْ�س ُجدُ ونَ ) ،ويقولَ ( :و اَل َق�آ ِئ َم ٌة َي ْت ُلونَ �آ َي ِ اب �إِ اَّل ِبا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�سنُ ِ�إ اَّل ا َل ِّذينَ َظ َل ُموا ِم ْن ُه ْم. تجُ َ ا ِد ُلوا �أَ ْه َل ا ْل ِك َت ِ �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية احدٌ َو ُقو ُلوا �آ َم َنّا ِبا َل ِّذي �أُن ِْز َل ِ�إ َل ْي َنا َو�أُن ِْز َل ِ�إ َل ْي ُك ْم َو�إِ َل ُه َنا َو�إِ َل ُه ُك ْم َو ِ َو َن ْحنُ َلهُ ُم ْ�س ِل ُمونَ . ).وديننا يعرتف بكرامة الإن�سان من حيث هو �إن�سان ما ي�سمح باملعاهدة على احرتام حقوقه الإن�سان ،وهي خيارات مينعها الفهم الإق�صائي للوالء والرباء .ينبغي �أن نراجع مفهوم ال��والء وال�براء بال�صورة التي ت�سمح لنا ب�إخاء الإميان والإخاء يف الإن�سانية. (ب)ال�سلفية ع��ب��ارة تزكية ،و�أه���م ا�ستحقاقاتها ال��ق��دوة املحمدية .ال��ق��دوة املحمدية اع�ترف��ت بالتنوع وج�سدته يف �صحيفة املدينة .امتنعت عن التكفري ،وات�سمت بالت�سامح ،مث ًال، معاملة عبد اهلل بن �أب��ي �سلول .ا�ستناد ال�سلفية البن تيمية انتقائي ،لأن اب��ن تيمية ق��ال بتجاوز الن�صو�ص �إىل املقا�صد، وقال بااللتزام باملمكن م�ست�شهد ًا بنهج يو�سف -عليه ال�سالم -يف بالط فرعون ب�أنه مل يلتزم بكامل عدالة النبوة مراعاة للواقع. وقال بواجبية فعل املمكن ،وال�شاهد قوله تعاىلَ ( :فا َّتقُوا هَّ َ الل ا�س َت َط ْع ُت ْم) ،وجتاوز ًا للن�صو�ص قال يف (كتاب احل�سبة)�" :إن َما ْ اهلل يقيم الدولة العادلة و�إن كانت كافرة وال يقيم الظاملة و�إن كانت م�سلمة� ،إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر وال تدوم مع الظلم والإ�سالم" .وبينما حتر�ص �سلفية اليوم على التم�سك بربط الدين بالن�صو�ص وحدها ،هاجم ابن القيم تلميذ ابن تيمية هذا النهج م�ؤيد ًا مقولة الفقيه احلنبلي ابن عقيل" :ال�سيا�سة ما كان فعال يكون معه النا�س �أقرب �إىل ال�صالح و�أبعد من الف�ساد و�إن مل ي�ضعه الر�سول وال نزل به وحي" .و�سلفية اليوم يتو�سعون يف مفهوم البدعة ،ويعتربون كل حمدثة بدعة ،وكل بدعة �ضاللة وكل �ضاللة يف النار .البدعة ههنا يف ثوابت الدين وهي التوحيد، والنبوة ،واملعاد ،والأركان اخلم�سة� ،أما يف العادات فالإ�سالم يعتمد احلركة كما قال ابن القيم يف �أعالم املوقعني :تغري الفتوى بتغري الزمان واملكان ،واحل��ال .هنالك مراجعات مطلوبة يف مقوالت ال�سلفيني؛ لكيال تكون الدعوة جما ًال للتطرف والتكفري .ما ي�ؤخذ عليهم ويوجب املراجعة هو اعتبار �أنف�سهم الفئة الناجية وتكفري الآخرين ،والقول مبا هو خارج حدود املمكن .لقد �صاروا جماعات مهمة يف اجل�سم الإ�سالمي اليوم ،ويرجى �أن يجروا مراجعات تقفل �أبواب الغلو والتطرف. (ج)�أهل ال�سنة� :إذا كان مفهوم �أهل ال�سنة هو االلتزام ب�سنة النبي حممد �-صلى اهلل عليه و�سلم -فامل�سلمون كلهم مبوجب هذه ال�شهادة �أهل �سنة .ولكن الفهم الطائفي لعبارة �أهل ال�سنة ي�صنف ال�شيعة ت�صنيف ًا �إق�صائي ًا وي�صفهم بالرواف�ض ،ويف �أحيان يكفرهم .ه��ذا النهج ال يجوز فال�شيعية تنطلق من ت�أويالت لن�صو�ص فيها تزكية للإمام علي مثل قول النبي �-صلى اهلل عليه العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
ال و�سلم -يف غدير خم (ال َّل ُه َّم َم ْن ُكنْتُ َم ْو اَل ُه َف َع ِل ٌّي َم ْو اَل ُه ال َّل ُه َّم َو ِ َم ْن َو اَال ُه َو َعا ِد َم ْن َعا َدا ُه) كما �أو�صى النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم- بالعرتة .ونحن جميع ًا ن�صلي على حممد و�آل حممد يف حتيات ال�صالة .نعم ال�شيعة �أقاموا على هذه التزكيات مفاهيم كال�سل�سلة الإمامية ووجوب طاعة الإمام وع�صمته ،وهي ت�أويالت تلزمهم وال تلزم غريهم وال توجب تكفريهم. (د)ال�شيعة� :إذا كان مفهوم ال�شيعة هو الوالء لآل البيت النبوي وحبهم ،فكل امل�سلمني �شيعة .ولكن الفهم الطائفي لعبارة �شيعي ي�صنف �أهل ال�سنة ت�صنيف ًا �إق�صائيا بعبارة النوا�صب و�أحيان ًا يكفرهم .مقولة �إن الإمامة كالنبوة جزء ملزم يف عقيدة امل�سلم عقيدة مذهبية ،تلزم �أ�صحابها وال تلزم غريهم .قال ال�شيخ املفيد و�آخرون :من جحد الإمامة فلي�س م�ؤمن ًا .هذا التع�صب يخالفه �آخرون مثل ال�سيد علي الأمني ،وال�سيد حممد ح�سني ف�ضل اهلل وال�سيد ح�سني امل�ؤيد .ويف هذا ال�صدد ال بد من تقدير خا�ص لل�سيد حممود احل�سني البغدادي املعروف بال�صرخي الذي �أدان يف ت�صريحات داع�ش؛ لعنفها والعتبارها ال�شيعة كتلة واحدة تباد، كما رف�ض ا�ستعانة حكومة العراق بالأجنبي ،و�أدان تهمي�شها لأهل ال�سنة يف العراق مما جعل كثري ُا منهم ي�ؤيدون داع�ش .و�أدان يف ت�صريحاته تناق�ض موقف املالكي الذي يدين جهات �سنية جم��اورة على تدخلها يف العراق ،ويجيز جلهات جم��اورة �أخرى التدخل يف العراق ،ويطلب من الأمريكان ق�صف مواقع عراقية. ال�شاهد ،ينبغي �إجراء مراجعات يف هذا املجال ،وكذلك يف املوقف من بع�ض ال�صحابة ،فه�ؤالء زكتهم ن�صو�ص يف القر�آن ويف احلديث. واملطلوب الكف متام ًا عن ذكرهم ب�سوء� ،إن ذكرهم ب�سوء غلو ذميم وي�أتي مبثله يف اجتاه م�ضاد. (هـ)�أما املذاهب الفقهية فهي نتيجة حلرية االجتهاد وال مانع من تعددها :احلنفي ،واملالكي ،وال�شافعي ،واحلنبلي ،واجلعفري، والظاهري ،والزيدي ،والإبا�ضي ،املهم يف �أمرها االعرتاف املتبادل بها ،وعدم التع�صب على نهج �أئمة املذاهب الذين كانوا يف غاية الت�سامح وعدم التع�صب حتى �أن ابن بهلول جاء البن حنبل بكتاب �ألفه و�سماه االختالف فقال له ال بل �سمه كتاب ال�سعة. (و)الإ�سالم ال�سيا�سي :هذه العبارة خاطئة فالإ�سالم واحد. ولكن ال�صحيح �أن ي�شار له�ؤالء مبا ي�ؤكد �أن نهجهم هو اجتهادهم ال�سيا�سي يف الإ�سالم� ،أي ين�سب الأمر الجتهادهم الب�شري القابل لل�صواب واخلط�أ .ينبغي �أال نقول الإ�سالم ال�سيا�سي ،بل ن�شري �إليهم بعبارة الإ�سالميني ال�سيا�سيني� :أي منيز بني �إ�سالمي �سيا�سي وم�سلم و�إ�سالم .على ه�ؤالء �إجراء مراجعات يف مقولة �إن الإ�سالم دين ودول��ة .الإ�سالم دين ومقا�صد اجتماعية ،فالدين متعلق
27
م ق ا ال ت ا ل و سطية بالثوابت والدولة متعلقة مبتحركات متغرية ،املهم �أنها يف �أية �شكل من �أ�شكالها ينبغي �أن تلتزم مبباديء الإ�سالم ،وينبغي �أن تنطلق املراجعات من جتارب هذه احلركات ال �سيما ذات املرجعية الإخوانية يف م�صر ،وال�����س��ودان ،واجل��زائ��ر ،وتركيا ،وتون�س، وغريها ،مراجعات �أهمها: التمييز الوظيفي بني جماعة ال��دع��وة وجماعة ال�سيا�سةفجماعة الدعوة تخاطب امل�سلمني ،وجماعة ال�سيا�سة تخاطب املواطنني. جتنب الأحادية والتمكني اللذين �أف�شال التجربة ال�سودانية،وخوفا من تكرارها ف�شلت التجربة يف م�صر. االهتمام بدرو�س التجربة الرتكية والتجربة التون�سية� .إنالأحادية والتمكني؛ ي�ؤديان للف�ساد واال�ستبداد الذي يج�سد التطرف ،وي���ؤدي حتم ًا لتطرف م�ضاد فاال�ستبداد هو التفرد بال�شيء وعدم ال�سماح للآخرين بامل�شاركة ،فيما لهم من حقوق �شرعية �أو �إن�سانية �أو �أخالقية. ومن �أهم الدرو�س امل�ستفادة احلر�ص التام على جتنب العنفباحلجة امليكافلية �أن الغاية ت�برر الو�سيلة ف���أي �أم��ر يتحقق بالعنف يحتاج للعنف ال�ستمراره .يف عام 1989م عقدت املنظمات ذات املرجعية الإخوانية م�ؤمتر ًا نقدي ًا لتجاربهم ن�شر وقائعه ال�شيخ عبد اهلل النفي�سي بعنوان( :احلركة الإ�سالمية ،ر�ؤية م�ستقبلية� :أوراق يف النقد الذاتي) .هذه احلركات وبعد التجارب الكثرية التي خا�ضتها حتتاج ب���إحل��اح مل�ؤمتر لتقييم التجارب و�إجراء املراجعات املن�شودة. (ز)اجلهاد :احلاجة ملحة لبيان فقه اجلهاد ،ال �سيما وقد �صار كثريون ين�سبون ت�صرفاتهم ظلم ًا وعدوان ًا للجهاد.وهناك فرق بني اجلهاد والقتال و�إليكم الفرق: اجلهاد �أو�سع من القتال ،ويبد�أ بالنف�س لتزكيتها ثم بالعمل بكلالو�سائل لإعالء كلمة اهلل ،وال يوجب القتال �إال دفاع ًا عن النف�س وعن حرية العقيدة. والقتال يف الإ�سالم ال يجوز �إال تلبية لنداء قيادة �شرعية،حينئذ يلتزم ب�ضوابط �أخالقية �صارمة ،فال ي�ستهدف غري وهو ٍ املقاتلني من �صفوف العدو. مقولة �إن �آي��ة ال�سيف قد ن�سخت كل �آي��ات الت�سامح يف القر�آن مقولة باطلة ،والآية املحكمة يف �أمر القتال يف الإ�سالم هي قوله تعاىل (�أَ َ ول الر ُ�س ِ اج َّ ال ُت َقا ِت ُلونَ َق ْوم ًا َّن َك ُثو ْا �أَيمْ َ ا َن ُه ْم َوهَ ُّمو ْا ِب�إِخْ َر ِ َوهُ م َبدَ �ؤُ ُ وك ْم �أَ َّو َل َم َّر ٍة َ�أ َتخْ َ�ش ْو َن ُه ْم َفاللهّ ُ َ�أ َح ُّق َ�أن َتخْ َ�ش ْو ُه �إِن ُكن ُتم ُّم�ؤُ ِم ِننيَ) .احلاجة ما�سة ملراجعة فقه اجلهاد لأن كثريين اتخذوا من العبارة مدخ ًال للتطرف غري امل�شروع ،مث ًال ،يف ال�سودان �أعلنت
28
جماعة �إذا مل تطبق ال�شريعة يف ظرف كذا من الأيام نعلن اجلهاد، ويف هذا الباب تطرف كثري ميار�سه بع�ضنا با�سم اجلهاد. (ح)الإره���اب :بع�ض امل�سلمني يقول �إن الإره��اب واج��ب ديني اط الخْ َ ْيلِ ا�س َت َط ْع ُت ْم ِم ْن ُق َّو ٍة َو ِم ْن ِر َب ِ لقوله تعاىلَ ( :و�أَ ِع ُّدوا َل ُه ْم َما ْ الل َو َعدُ َّو ُك ْم) .هذا لي�س ت�شريع ًا للعنف ،بل ُت ْر ِه ُبونَ ِب ِه َعدُ َّو هَّ ِ ملنع العنف؛ لأن القوي بكل �أر�ض يتقى" .الإرهاب" املعني اليوم �شيء خمتلف متاما ًعن الن�ص القر�آين ،ومعناه التهديد با�ستخدام العنف �أو ا�ستخدامه بالفعل للتخويف �أو الإكراه ،لتحقيق غايات �سواء �أكان �إرهاب ًا متار�سه دولة �أو فئات �سيا�سية يف معظم الأحيانً ، غري حكومية .ال �إرهاب الدولة وال �إرهاب الفئات الأهلية م�سموح بهما يف الإ�سالم ،بل هي ممار�سات و�ضعية يتخذها �أ�صحابها دون ارتباط ب�أي ديانة ،مهما حاولوا �إعطائها �صبغة �إ�سالمية ملمار�سة اجلهاد .هذا النوع من املمار�سات ين�ش�أ دائم ًا يف مقاومة غزاة �أجانب� ،أو طغاة وطنيني ،ويتمدد يف ظروف الفو�ضى التي تعقب تفكك الدولة املركزية كما يف ال�صومال ،و�سوريا ،والعراق .هذا النوع من التحرك دائم ًا ينطلق من فكر متطرف لتجنيد م�ؤيديه. املطلوب �أن نراجع ملف الإرهاب ،و�أن ن�ؤكد براءة الإ�سالم منه، و�أن نربطه بظروف �سيا�سية معينة تفرخ التطرف وممار�سات العنف املرتبطة ب��ه .ه��ذا النهج �أف��رزت��ه ظ��روف معينة يف كل الأديان ،وكل احل�ضارات ،وكل البلدان .والدر�س امل�ستفاد هو �أن حماربة الإره��اب مبحاربة �أعرا�ضه �أمني ًا فا�شلة ،املطلوب يف الق�ضاء على الإره��اب هو الت�صدي للعوامل التي تفرز التطرف وقرينه العنف الإرهابي ،فمحاربة الإرهاب ،مث ًال ،يف �أفغان�ستان زادته .ومنذ ن�ش�أة القاعدة يف �أواخر الت�سعينات من القرن املا�ضي �أدت حماربة الإع��را���ض ،ال الأ�سباب �إىل زي��ادة وجودها و�إىل متددها يف �شبكة وا�سعة االنت�شار .بل �إىل ا�ستن�ساخ �أ�سلوبها حتى بلغت �أخواتها يف الأ�سلوب ع�شرات ،مث ًال :جبهة الن�صرة، �أن�صار ال�شريعة ،ال�شباب ال�صومايل ،جبهة بيت املقد�س� ،أجناد م�صر ،بوكو حرام ..احلقيقة املرة �أن التيارات املتطرفة زادت، وممار�سات العنف املقرتنة بها زادت ،والقاعدة ب�سطت �شبكة وفرخ �أ�سلوبها حركات مقتدية بها تطرف ًا وعنف ًا .داع�ش، وا�سعة ّ وهي وليد من ح�ضن القاعدة بلغ بالأمر طور ًا نوعي ًا ،انطلقت من ظروف م�ؤاتية �أغ�ضبت �أهل ال�سنة يف العراق .خالفة داع�ش لن �صدى يف العراق ال�شيعي والعراق الكردي �إال �صدى مقاومة جتد ً �صدى وا�سع ًا يف العراق ال�سنة ،ويف جوار لها .ولكن �سيكون لداع�ش ً العراق من بلدان ال�سنة .هذه بع�ض التكاليف التي �ستدفعها �أمتنا ثمنا ال�ستنبات التطرف والعنف امل�صاحب له.
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية (ط)تطبيق ال�شريعة :ال�شريعة يف كل ما يتعلق بالثوابت �أي التوحيد ،والنبوة ،واملعاد ،والأرك���ان اخلم�سة ،والأخ�لاق، والأح���وال ال�شخ�صية مطبقة ف�أهل القبلة م�سلمون ،وينبغي ال��ع��دول ع��ن فكرة �أن��ه��م يف جاهلية� .إن احلكم �إال هلل متعلق بالت�شريع ،وع��ب��ارة حكم يف ال��ق��ر�آن دائ��م�� ًا متعلقة بالت�شريع والق�ضاء ال بوالية الأم��ر .هذا خط�أ اخل��وارج كما قال الإم��ام علي ،نعم �إن احلكم �إال هلل ولكنكم تقولون الإمرة هلل وهذا خط�أ ج�سيم .وتطبيق �أحكام الإ�سالم ي�ستوجب مراعاة عوامل كثرية �أهمها :مراعاة الظروف احلديثة ،مراعاة الأولويات ،مراعاة حقوق املواطنني غري امل�سلمني ،فالأمر يتطلب اجتهادا يراعي هذه الظروف ويلم بالواقع ويزاوج بينهما كما قال ابن القيم. �أما احلديث عن تطبيق ال�شريعة ك�أن كل املطلوب هو فتح كتب مرجعية وتطبيق ما جاء فيها ،ف�إنه ي�أتي بنتائج عك�سية تتعار�ض مع مقا�صد ال�شريعة .ويف جتربة ال�سودان يف عهدين :عهد ال�سيد جعفر منريي -رحمه اهلل -وعهد نظام "الإنقاذ" �أبلغ دليل على ما جر �شعار تطبيق ال�شريعة املجرد من االجتهاد املطلوب ومن مراعاة الواقع للإ�سالم ولل�سودان من م�ضار .ال يوجد نظام معني للإمرة يف الإ�سالم ،فال اخلالفة التي يدعو لها بع�ض �أهل ال�سنة وال والية الفقيه التي يدعو لها ال�شيعة يف �إي��ران نظم ملزمة للكافة ،فالنظام الدميقراطي مع اختالف �أ�شكاله هو اليوم �آلية �أف�ضل لتطبيق مباديء الإ�سالم ال�سيا�سية .وينبغي البحث عن �صيغة اجتهادية حديثة لتج�سيد عالقات الإخاء بني امل�سلمني كالرابطة (كومنولث) التي اقرتحها مالك بن نبي� .أما حماولة �إقامة خالفة واحدة لكافة �أهل القبلة �أو �إلزامهم ب�إتباع والية الفقيه فهي تطلعات خارج نطاق املمكن ،ولذلك تفرخ حتم ًا �أفكار ًا متطرفة �ستواجهها ردود فعل متطرفة .اخلالفة بالفهم التقليدي لدى �أهل ال�سنة ،والإمامة بالفهم التقليدي لدى ال�شيعة ميثالن م�شروع مواجهة قتالية ال تبقي وال ت��ذر .ق��ال العز بن عبد ال�سالم :كل عمل يحقق عك�س مقا�صده باطل. (ي)العلمانية :دع��اة العلمانية يحتاجون كذلك ملراجعات وا�ضحة املعامل ،ف���إن �أك�ثر �أ�شكال التطرف حدة مور�ست حتت �شعارات علمانية كال�ستالنية ،والهتلرية ،والفا�ش�ستية .وهي ممار�سات اقتب�س منها كثري من الطغاة يف عاملنا .وهنالك اليوم يف بع�ض بلداننا ،م�صر مث ًال ،تيارات علمانية متطرفة تلح على اجتثاث الآخ��ر اجتثاث ًا .العلمانيون يحتاجون ملراجعات �أهم معاملها: الوهم �أن احل�ضارة الغربية احلديثة هي ح�ضارة علمانيةخال�صة� .إنها ح�ضارة رائعة حققت تطوير ًا ملنظومة حقوق العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
الإن�سان ،وفتوحات تكنلوجية عظيمة .ولكنها ح�ضارة مثقلة مبحمول ديني ،وثقايف �أورب��ي ويف كل �أقطارها و�صلت ملعادلة متوازنة بني العلمانية والديانة .الليربالية والعلمانية كمفاهم جمردة من عالئق ثقافية ،مفاهيم لتد�صري ال توجد جمردة من تلك العالئق يف �أوطانها. قال بيرت بريقر �أحد دعاة العلمانية :لقد �أخط�أنا �إذ ا�شرتطناالعلمانية؛ لتحقيق ال��دمي��ق��راط��ي��ة ،ف���أف��دح ال��ت��ع��دي��ات على الدميقراطية كانت من نظم علمانية ،ال�شرط للدميقراطية هو التعددية. وقال ت�شارل�س تيلور من مفكري العلمانية :نحن نخون مبادءنا�إذا منعنا الذين يقولون باجتهاد ديني من امل�شاركة يف احلياة العامة املهم �أن يلتزموا بحقوق املواطنة. الفكر العلماين التقليدي �أ�صويل عرب عن �أفكاره مراد وهبةالذي قال �إن مكونات الدميقراطية �أربعة :العلمانية ،والعقد االجتماعي ومعناه ه��دم ف��ك��رة �أن احل��اك��م �سلطته م��ن اهلل، والليربالية ومعناها �أن �سلطة ال��ف��رد ف��وق �سلطة املجتمع، والعقالنية ومعناها �أال �سلطة على العقل �إال العقل .هذه مفاهيم علمانية �أ�صولية بعيدة عن الواقع؛ فالعلمانيون امل�ستنريون �صاروا يعرتفون �أن الدين ال ميكن ح�صره يف النطاق اخلا�ص .نعم ال تقبل الثيوقراطية ،ولكن وجود اجتهاد ذو مرجعية دينية يف احلياة العامة من مقت�ضيات التعددية. العلمانية كمفهوم فل�سفي حمملة ب�إنكاره �أية قيمة للغيب ،و�أية�أ�س�س ثابتة ملكارم الأخالق ،وقد كانت فل�سفة عمانويل كانط �أبلغ ر�ؤية للتوفيق بني العلمانية يف جمالها يف عامل ال�شهادة ،والقيم الأخرى التي جمالها الوحي والإلهام وال تدركها احلوا�س. يف هذا ال�صدد ف�إن �أف�ضل ر�أي هو ما جاء على ل�سان حممد عابداجلابري ،قال �إن الواجب ا�ستبعاد �شعار العلمانية من املعجم الفكري القومي العربي ،وا�ستبداله بالدميقراطية ،والعقالنية فهما يعربان تعبري ًا �صادق ًا عن حاجات جمتمعنا. �إن للم�ساواة يف حقوق املواطنة ،وامل�ساواة �أمام القانون ،وحقوقالإن�سان ك�إن�سان ،والعقالنية� ،أ�س�سا را�سخة يف تراثنا امل�ستنري، وهي �أوىل باال�ست�صحاب.الأ�صولية العلمانية كما و�صفها مراد وهبة �صيغة تطرف تولد نقي�ضها من التطرف حتم ًا. (ك)امل�س�ألة القومية :القومية العربية حقيقة ثقافية، وجيو�سيا�سية ،وتاريخية ،وهي �أ�سا�س لوالء قومي متني .وهي رابطة جامعة بني العرب امل�سلمني وامل�سيحيني واليهود .ولكنها رابطة مفرقة بني العرب والقوميات الأخ��رى التي ت�شاركهم الوطن ،و�أي نزعة �أحادية للقومية العربية ،ت�صنع ردة فعل م�ضادة
29
م ق ا ال ت ا ل وسطية لدى القوميات غري العربية ،ويف هذا املجال تن�ش�أ حتم ًا م�ساجالت تطرف .املراجعة املطلوبة يف هذا ال�صدد تتطلب �أمرين :الأول: الرتكيز على الفهم الثقايف املكت�سب للعروبة على نحو ما جاء يف حديث النبي حممد �-صلى اهلل عليه و�سلم" :-لي�ست العربية لأحدكم من �أب �أو �أم ،من تكلم العربية فهو عربي" .والثاين: االعرتاف بحقوق القوميات والثقافات الأخرى ،ما يثمر مفهوم القومية املركبة .فماذا نقول؟ املعنى املن�شود هو الإ�شارة للعرب و�إخوانهم يف املواطنة .ال مينع تفريخ تيارات قومية متطرفة ومت�صادمة �إال التوفيق بني االنتماء العربي ،واالنتماءات القومية الأخرى .هذا التوفيق �صار مهم ًا يف ظل منظومة حقوق الإن�سان وت�شمل احلقوق الثقافية .يف بع�ض البلدان كال�سودان الهوية الثقافية املركبة� ،شرط لل�سالم االجتماعي .حقيقة ف�صلتها يف كتابي( :الهوية ال�سودانية بني الت�سبيك والتفكيك) التوفيق املن�شود �أو اال�ستعداد ال�صطفاف قومي �صدامي. (ل) امل�س�ألة االجتماعية :داخ��ل بلداننا الإ�سالمية ،وفيما بينها فوارق اجتماعية حادة .و�أغلبية �سكان بلداننا �شباب دون الثالثني يف العمر ،و�أغلب ه�ؤالء عاطلني عن العمل .هذه احلقائق �ألغام تغذي كل �أنواع الفكر املتطرف وبالتايل العنف .ال بد من العثور على �صيغة جترد فوائ�ض الرثوة من الفردية ،وتتعامل معها كقوة اجتماعية توظف قاطرة للتنمية والعدالة االجتماعية. على �أن تتم هذه ال�صحوة االجتماعية بو�سائل اختيارية جمردة من الإكراه� .أما الذي يح�صل حالي ًا ،وهو �إخ�ضاع الرثوات للرغبات القطرية �أو الفردية وا�ستثمارها يف ال��دول الغربية ،فهو نهج يتطلب مراجعة �إن �أردنا �أن نحول دون تطرف يغذيه احلرمان والعطالة. (م) الأ�سباب اخلارجية للتطرف :ت�صرفات القوى الكربى من �ش�أنها �أن تغذي تيارات التطرف �أو االعتدال ملعاجلة ذلك : ال بد من كبح جماح �إ�سرائيل ،الأ�سرة الدولية لعبت الدور الأهميف �إقامة �إ�سرائيل ،وال �سبيل ل�سالم يربمه املتغلب مع املغلوب. ال بد من مراجعة الواليات املتحدة ملواقفها وفر�ض ال�سالمالعادل على �إ�سرائيل ،و�إال ف�إنها �سوف تبقى با�ستمرار م�صدر ًا للتطرف والعنف. وال بد �أن تتبع الواليات املتحدة �سيا�سة ملمة بحقائق املنطقةوبعيدة عن غطر�سة القوة .قال �سري �إيفور روبرتز �سفري بريطانيا يف �إيطاليا عام 2004م� :إن الرئي�س جورج بو�ش هو �أكف�أ من عمل لتجنيد القاعدة.
30
عاملنا الإ�سالمي اليوم تتجاذبه تيارات التطرف وحركات العنف امل�صاحبة لها ،ف�إن تركت التباع �أجندتها املدمرة ف�إنها كفيلة ب�إحراقها .الوعي العقلي يلزمنا �أن نقوم بالت�شخي�ص الواعي ملا يدور يف �أمتنا ،والواجب الديني يلزمنا بالتحرك لإطفاء احلرائق و�إنقاذ الأمة من هذا امل�صري املظلم. قال تعاىلَ ( :ف�إِنْ َيكْفُ ْر ِب َها ه�ؤُ اَلءِ َف َق ْد َو َّك ْل َنا ِب َها َق ْو ًما َل ْي ُ�سوا ِب َها ِب َكا ِف ِرينَ ) ،وقال النبي حممد �-صلى اهلل عليه و�سلمَ " :-ي ْحم ُِل هَ َذا ا ْل ِعل َْم ِم ْن ُك ِّل َخ َل ٍف ُعدُ و ُلهُ َ ،ي ْنفُونَ َعنْهُ تحَ ْ ِر َ يف ا ْل َغا ِل َ ني ، ال المْ ُ ْب ِط ِل َ اه ِلنيَ". َوا ْن ِت َح ِ ني َ ،و َت�أْوِيلِ الجْ َ ِ علينا يف منتدى الو�سطية �أن نتبنى ت�شخي�ص ًا مو�ضوعي ًا للتطرف، و�أ�سبابه ،وتداعياته العنفية ،و�أن ننادي �أ�شباهنا يف الإميان والفكر والهمة ،لتكوين كتيبة حكماء ت�ضع �أ�س�سا مليثاق جامع ُي�سدي الن�صح ل��والة الأم��ر الر�سميني وال�شعبيني يف كل �أرج��اء الأمة .ويف هذا ال�صدد قد اقرتحت ميثاق ًا توافقي ًا يف بداية هذا العام (2014م). �إن موقف املتفرج �إزاء احلرائق التي �أ�شعلها التطرف موقف ال ير�ضاه الدين ،وال الأخالق ،وال الوطنية ،بل وال الإن�سانية. �إنني �أ�شكر زمالئي الذين نظموا هذا الإفطار الإحيائي ودعوين للتحدث يف هذا املو�ضوع احليوي ،واقرتح �أن نختار جماعة عمل لت�ضع خطة عملية منار�س بها واجبنا الذي هو �أوجب واجبات االجتهاد واجلهاد. واهلل ويل التوفيق،،
املراجع: � -1سورة طه الآية ()50 Michael B. Oren, Power, Faith and Fantasy -2 � -3سورة احلجرات الآية رقم ()13 � -4سورة هود الآية رقم ()118 � -5سورة الروم الآية رقم ()22 � -6سورة البقرة الآية رقم ()251 � -7سورة �آل عمران الآية رقم ()113 � -8سورة العنكبوت الآية رقم ()46 � -9سورة التغابن الآية رقم ()16 � -10سورة التوبة الآية رقم ()13 � -11سورة الأنفال الآية رقم ()60 � -12سورة الأنعام الآية رقم ()89 -13ال�سنن الكربى للبيهقي.
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل وسطية
اإلقتصاد اإلسالمي لماذا يجب أن نهتم؟ د .جمال احلم�صي
يف ظل ظروف انتقالية �صعبة ،تواجه االقت�صاديات العربية حالي ًا حالة من ال�ضبابية بخ�صو�ص توجهاتها الإ�سرتاتيجية يف جم��ال ال�سيا�سات االقت�صادية .وت��ع��زى ه��ذه احل��ال��ة �إىل الفراغ الكبري الذي �أحدثته الأزمات العاملية، والإقليمية يف ر�ؤية االقت�صاديني وال�سيا�سيني ل��ط��ب��ي��ع��ة وم�ل�ام���ح ال���ن���م���وذج االق��ت�����ص��ادي «الأمثل» للدول من ناحية ،و�إىل ت�أخر الأداء االجتماعي ،وه�شا�شة الو�ضع االقت�صادي يف املنطقة العربية عموم ًا باملقارنة مع �أداء بقية املناطق خ�لال العقدين املا�ضيني ،من ناحية �أخرى. فهل �ستتابع ال���دول العربية والإ���س�لام��ي��ة تطبيقها للمبادئ االقت�صادية الليربالية التي كانت م�آالتها ،ونتائجها دون التوقعات وخميبة للآمال يف حتقيق التنمية ال�شاملة والعادلة� ،أم �ستعود �إىل ممار�سات حقبة اخلم�سينيات املا�ضية يف تبني �أ�س�س اال�شرتاكية والتخطيط املركزي التي هجرها �أ�صحابها؟ �أم �أن هنالك خيارات �أخرى متميزة وفريدة تنا�سب هذه الأمة وثقافتها؟ باخت�صار هنالك حاجة ما�سة �إىل البحث عن «من��وذج تنموي جديد» بعد انهيار احللم اال�شرتاكي يف نهاية عقد الثمانينيات من القرن املا�ضي ،وتراجع الثقة بالنموذج الر�أ�سمايل بعد التداعيات ال�ضخمة للأزمة املالية واالقت�صادية العاملية اجلديدة .هذا املقال ي�ستعر�ض مزايا النموذج االقت�صادي الإ�سالمي.
�أو ًال :عجز كبري يف حتقيق هدف النمو الت�شاركي.
وفق ًا لأحدث املعايري التنموية يف املجال االقت�صادي ،تعاين معظم الدول العربية والإ�سالمية من عجز كبري يف حتقيق هدف «النمو العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
الت�شاركي ،« Inclusive Growthوي�شري النمو الت�شاركي لي�س �إىل النمو يف ال��دخ��ل القومي بغ�ض النظر عمن ينتفع بثمار هذا النمو ،و�إمن��ا �إىل :النمو الذي ي�ساهم فيه وي�شرتك يف ثماره خمتلف فئات ال�سكان ،والقادر على تخفي�ض ن�سبة الفقر وانت�شاره ،وعلى تقليل عدم امل�ساواة االقت�صادية ،وتوفري فر�ص العمل الكرمي ،وتو�سيع الطبقة الو�سطى ب�صورة فعالة وقابلة لال�ستمرار ومن خالل الرتكيز على ا�ستدامة النمو االقت�صادي و�سرعته وتوزيعه يف �آن واحد. ومن املعروف �أن �إحدى خطوات �أو مراحل املنهج العلمي يف حل امل�شكالت ،واتخاذ القرار ما يعرف مبرحلة «حتديد البدائل �أو اخليارات» ،و�إذا ما �أدركنا ب�أن الهدف الأ�سا�سي من وجود �أي نظام اقت�صادي (�أي نظام القيم الذي يحدد كيفية تخ�صي�ص املوارد ،وتوزيع الدخول لإ�شباع االحتياجات املادية للمجتمع) �إمن����ا ه��و ح��ل امل�����ش��ك��ل��ة االق��ت�����ص��ادي��ة وحتقيق التنمية االقت�صادية امل�ستدامة والنمو الت�شاركي ،تبني لنا �أهمية درا�سة النظام االقت�صادي الإ�سالمي باعتباره اح��د البدائل الرئي�سية املتاحة لدى اجلن�س الب�شري� ،إ�ضافة �إىل النظامني الر�أ�سمايل واال�شرتاكي.
ثاني ًا :حتليل عام للنظام االقت�صادي الإ�سالمي.
و�إذا ما قمنا بتحليل عام للنظام االقت�صادي الإ�سالمي ،جند انه ميكن تق�سيمه �إىل جز�أين رئي�سيني هما: -1مكون ثابت ود�ستوري غري قابل للتعديل والتغيري ،وهذا اجل��زء رب��اين امل�صدر وم�ستمد م��ن قطعيات ال��ق��ر�آن وال�سنة النبوية والإج��م��اع ،كاعتبار امل��ال و�سيلة ،ولي�س غاية يف حد ذاته ،واعتبار الإن�سان م�ستخلف يف املال وم�س�ؤول عن طرق ك�سبه و�إنفاقه ،وحرية العمل واال�ستهالك واال�ستثمار �ضمن �ضوابط ال�شرع ،ووجوب الزكاة وحترمي الربا واالحتكار والف�ساد املايل والإداري ،واحلث على �إتقان العمل وطلب العلم ،و�أهمية الأخالق و�سلطة ال�ضمري (ما ميكن ت�سميته بر�أ�س املال الأخالقي) �إىل جانب عوامل التناف�س والت�شريع ،و�سلطة الدولة يف الرقابة على الأ�سعار والأ�سواق واملرافق العامة .وكذلك �أهمية حتقيق
31
م ق ا ال ت ا ل و سطية �أهداف القوة االقت�صادية وتقلي�ص التبعية االقت�صادية و�إعطاء العدالة التوزيعية وزن ًا �أكرب. -2ج��زء متغري وق��اب��ل للتعديل والتكيف ح�سب متطلبات وم�ستجدات البيئة والظروف االقت�صادية .وهذا اجلزء «املفتوح» واملرن يرتبط وال يتناق�ض مع مقا�صد اجلزء الثابت ،وي�ستمد من االجتهاد ومعطيات العلوم ال�شرعية واالجتماعية يف �إطار امل�صالح املر�سلة .ومن الأمثلة على هذا اجلزء :حجم ومعدل ال�ضريبة على الدخل (غ�ير الزكاة على االدخ���ارات املعطلة) ،وطبيعة وحجم م�ساهمة الدولة يف الن�شاط االقت�صادي ،والتعريف املعتمد للفقر والفقراء لأغرا�ض توزيع الزكاة �ضمن بيئة مكانية وزمنية معينة .هذه املتغريات لي�س هنالك ن�ص قطعي ينظمها، بل ترتك لتحليل ال�سيا�سة ال�شرعية وللعملية ال�سيا�سية ،مع االلتزام بالثوابت (كحماية امللكية الفردية).
متيز البديل الإ�سالمي و�إ�شكاليات تقليد النموذج الغربي
من املعلوم �إن االقت�صاد الإ�سالمي هو اقت�صاد خمتلط ،مبعنى انه يجمع بني االعتماد على قوى ال�سوق احلرة يف حتقيق احلرية والكفاءة االقت�صادية ،وبني اللجوء �إىل التدخل احلكومي يف حتقيق العدالة والكرامة االقت�صادية (ع��ادة يتم ذلك خارج �إطار ال�سوق) .ودور الدولة هنا يكون من خالل تطبيق قواعد د�ستورية ثابتة يف ال�سيا�سة االقت�صادية Policy Rulesحتفز الإنفاق واال�ستثمار والنمو وتعيد توزيع الدخل والرثوة (مثال: نظامي الزكاة والوقف) من ناحية ،ومن خالل تنفيذ �سيا�سات �أخرى مرنة ومتغرية وبدرجات متفاوتة طبق ًا للظروف واجتهاد احلكومات ،من ناحية �أخرى. وقد يقول قائل ،فبماذا �إذن يتميز النظام االقت�صادي الإ�سالمي ج��وه��ري�� ًا ع��ن الأن��ظ��م��ة احلديثة القائمة ح��ال��ي�� ًا ،وحت��دي��د ًا االقت�صاديات الغربية ذات الأنظمة املختلطة؟ وما اجلديد الذي �سيقدمه االقت�صاد الإ�سالمي مقابل االقت�صاديات الغربية الغنية واملتقدمة؟ وملا ال نحاكي الأمم الغربية التي حققت جناحات م�شهودة يف جمال النمو االقت�صادي القائم على التقنية العالية واحلاكمية الر�شيدة؟ يف ال��واق��ع ،ف��ان ما مييز النظام الإ�سالمي هو ث�لاث خ�صائ�ص رئي�سية :رب��ان��ي��ة الأ���ص��ول و�أخ�لاق��ي��ة التعامل االقت�صادي والأ�سبقية التاريخية .ويف حني مت �شرح اخلا�صية الأوىل �أعاله، فان اخلا�صيتني الالحقتني ت�ستحقان بع�ض ال�شرح .ال�شك ب�أن البع�ض �سيتحفظ على اخلا�صية الأخالقية وميكن �إن يعتربها
32
حلم ًا لي�س له انعكا�س على الواقع .ويف املقابل ،البد من الت�أكيد ب�أن الأخالقية تنبع من توفر مناخ م�شجع وقواعد �أخالقية ذات قبول عام يتوقع من اجلميع االلتزام بها طواعية ،ويف حالة غياب مثل هذه التوقعات ،ويف حال وجود خمالفني ُكرث وب�صورة متزايدة ،ي�صبح ال��واق��ع امل���ؤمل معيار ًا لل�سلوك .لكن التاريخ االقت�صادي الإ�سالمي يف خمتلف مراحله ي�ؤكد �إمكانية «�إنعا�ش» ال��روح يف ج�سد «الإن�سان االقت�صادي» ،بحيث ت�صبح الأخ�لاق معيار ًا لل�سلوك يفيد الفرد يف الدنيا والآخرة ،وبدعم من خمتلف م�ؤ�س�سات التن�شئة االجتماعي للفرد .فمع �أن االهتمام بالذات هو من الدوافع الثابتة يف التاريخ الب�شري� ،إال �أن مدى هذا االهتمام وهيمنته يتغري بتغري التنظيم االجتماعي. ويق�صد بخا�صية «الأ�سبقية التاريخية» �إن النظام االقت�صادي الإ�سالمي قد �سبق النظام الر�أ�سمايل املعا�صر زمني ًا ومبراحل يف �إقامة �أ�س�س االقت�صاد املختلط .ف�أ�س�س االقت�صاد الإ�سالمي -يف جانبه الرباين الثابت -حمددة ومعلومة منذ نحو 14قرن ًا ،يف حني �أن الر�أ�سمالية احلديثة تطورت مع الزمن منذ ما يقارب من 3قرون فح�سب ،فمن له الريادة وال�سبق؟ ومن رمبا حاكى الآخر وتع ّلم منه؟ ومن ناحية �أخرى ،ال يجب �أن نن�سى ب�أن االقت�صاديات الغربية احلديثة تت�صف ب�سياق تاريخي خمتلف متام ًا يف العديد من املجاالت الرئي�سية عن نظريه يف ال��دول العربية والإ�سالمية، بدء ًا من الثورة ال�صناعية وما رافقها من ا�ستغالل للطبقة العاملة الفقرية �آنذاك ،ومرور ًا بالبناء على معارف الب�شرية املرتاكمة كما ج ّمعها و�أ�ضاف عليها العلماء امل�سلمون يف «الع�صور الو�سطى»، تلك الع�صور التي كانت مبثابة ع�صور ًا ذهبية للأمة الإ�سالمية (خ�صو�ص ًا القرنني التا�سع والعا�شر امل��ي�لادي) وع�صور ظالم وانتهاء با�ستعمار الدول الغربية للدول النامية، بالن�سبة للغرب، ً وا�ستغالل مواردها الطبيعية والب�شرية و�أ�سواقها. وهذه العوامل الرئي�سية الثالثة جتعل من م�سار التنمية للدول الغربية متمايز عن م�ساره لدى الدول العربية والإ�سالمية ،وال جمال لن�سخ التجربة بهدف «اللحاق بالغرب» ووفق ًا لنموذجهم الليربايل ،وان كان هنالك جمال ال�ستقاء الدرو�س والعرب من التجربة الغربية �إىل جانب جتربة دول �شرق �آ�سيا (�أو النمور الآ�سيوية) يف اجن��از التطور االقت�صادي طويل الأج��ل� ،سيما يف جم��االت امل�ساءلة واحلوكمة الر�شيدة من ناحية واالبتكار وتطوير املقدرات التقنية من ناحية �أخرى. �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية ي�ستعني االقت�صاد الإ�سالمي ب�أ�سمى و�أرق��ى الدوافع الإن�سانية (االهتمام بالآخرين) ،يف حني ت�ستغل الر�أ�سمالية احد �أقوى الدوافع الإن�سانية و�أكرثها �أنانية (االهتمام بامل�صحة الذاتية)، والنظام االقت�صادي الأمثل هو ذلك الذي يجمع بني �أقوى الدوافع الب�شرية و�أ�سماها لتحقيق لي�س فقط النمو الت�شاركي و�إمنا كذلك التنمية الإن�سانية ال�شاملة كهدف �أ�سمى و�أعم ،و�إ�ضافة �إىل ما �سبق ،فان الأنظمة الر�أ�سمالية الغربية احلديثة ال متثل «نهاية التاريخ» وهي ال زالت تعاين من اختالالت هيكلية ومن تراخي النمو وت�سعى جاهدة لتحقيق مزيد من العدالة التوزيعية والنمو الت�شاركي� ،إىل جانب �سد الق�صور يف جم��االت التوازن البيئي ومتا�سك الأ���س��رة ومكافحة اجلرمية والإق�����ص��اء االجتماعي، خ�صو�ص ًا بعد الأزمات املالية واالقت�صادية احلادة التي متر بها والدورات االقت�صادية املزمنة التي تعاين منها.
ثالث ًا :املحركات الت�سعة للنمو الت�شاركي يف االقت�صاد الإ�سالمي
ولكن م��ا ه��ي بالتحديد امل��زاي��ا الن�سبية للنظام االقت�صادي الإ�سالمي يف حتقيق م�ستويات �أعلى من النمو الت�شاركي؟ وما هي املحركات الفريدة لدعم هذا النمو يف االقت�صاد الإ�سالمي؟ من الوا�ضح ان هذا يتطلب مقا ًال م�ستقال لتبيانه ،لكن نعدد فيما يلي �أبرز املحاور والعوامل الفرعية الداعمة للنمو الت�شاركي يف االقت�صاد الإ�سالمي: -1بناء ر�أ�س املال الأخالقي واالجتماعي يف املجتمع .وي�شمل هذا املحور :ال�صدق يف التعامل و�أداء الأمانة ،والإيفاء بالعقود وحترمي الغ�ش ،و�إمهال املع�سر والقر�ض احل�سن ،والإنفاق على الغري والتعاون يف اخل�ير .ويتم هذا البناء من خالل م�ؤ�س�سات املجتمع املدنية واحلكومية ،مبا فيها الأ�سرة والإعالم واملدر�سة وامل�سجد يف �إطار متنا�سق وغري مت�ضارب يف الأ�سا�سيات �أو «اتفاق احلد الأدنى». -2احل�ض على العمل وعلى �إتقان العمل� ،سواء �أك��ان يدوي ًا �أم فكري ًا �أم �إداري ًا. -3حترمي اكتناز املال وتعطيله من ناحية ,والتبذير والإ�سراف يف الإنفاق من ناحية �أخرى. -4تقوية م�ؤ�س�سة الأ�سرة عموم ًا ووظيفتها التكافلية خ�صو�ص ًا (مبا يف ذلك نظامي النفقات والإرث) ،ك�آلية المركزية ملكافحة الفقر ،ومكملة لدور امل�ؤ�س�سات االجتماعية العامة. -5الرقابة على الأ�سواق .وي�شمل هذا املحور :حترمي االحتكار العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
ودع��م املناف�سة ،وت�شريع م�ؤ�س�سة احل�سبة (هيئة �أو مديرية املناف�سة بالتعبري احلديث). � -6إيجاد وتطوير عمل م�ؤ�س�سة الزكاة؛ لتعزيز توظيف الأموال وحتقيق العدالة التوزيعية. -7امل�شاركة يف املخاطر اال�ستثمارية وحترمي الربا. -8تطوير م�ؤ�س�سة الوقف الإ�سالمي يف جم��االت دعم البحث العلمي وامل�ؤ�س�سات املجتمعية. -9تعزيز احلاكمية الر�شيدة ،ويت�ضمن ه��ذا املحور :حترمي الر�شوة و�أكل املال بالباطل ،وا�ستغالل النفوذ وال�سلطة والنهي عن متركز الرثوة يف �أيدي الأقلية.
خامتة
ي�ستعني االقت�صاد الإ�سالمي ب�أ�سمى و�أرقى الدوافع الإن�سانية (االهتمام بالآخرين) ،يف حني ت�ستغل الر�أ�سمالية احد �أقوى الدوافع الإن�سانية و�أكرثها �أنانية ووفرة (االهتمام بامل�صلحة الذاتية) ،والنظام االقت�صادي الأم��ث��ل هو ذل��ك ال��ذي يجمع بني �أقوى الدوافع الب�شرية و�أ�سماها لتحقيق لي�س فقط النمو الت�شاركي و�إمنا كذلك التنمية ال�شاملة كهدف �أ�سمى و�أعم. فاالقت�صاد الإ�سالمي ي�ستعني بقواعد ال�سيا�سة (كنظام الزكاة) كجزء من الد�ستور االقت�صادي ،وكذلك بال�سلوك الأخالقي الفردي ،والنهج الالمركزي يف الرقابة و�إعادة التوزيع ،ويدمج بني الأخالق وامل�ؤ�س�سات غري الر�سمية ،واحلاكمية الر�شيدة وبني الت�شريعات واحلوافز املالية يف �آن واحد ،وهذه الت�شكيلة الفريدة نابعة من كون االقت�صاد الإ�سالمي اقت�صاد �أخالقي ،ي�ستمد قيمه الت�ضامنية الثابتة من خالق الإن�سان ومدبر �ش�ؤونه (قال تعاىل: �أَ اَل َي ْع َل ُم َم ْن َخ َل َق َوهُ َو اللَّ ِط ُ ري )�( .سورة امللك . )64 يف الخْ َ ِب ُ
33
م ق ا ال ت ا ل وسطية
أدب الحوار في اإلسالم
�إن احلمد هلل نحمده ون�ستعينه ون�ستغفره ونعوذ باهلل من �شرور �أنف�سنا و�سيئات �أعمالنا ،من يهده اهلل فهو املهتد ،ومن ي�ضلل فلن جتد له وليا مر�شدا ،و�أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له، و�أ�شهد �أن حممدا عبده ور�سوله ،بلغ الر�سالة ،و�أدى الأمانة ، ون�صح الأمة وجاهد يف اهلل حق جهاده ،حتى �أتاه اليقني ،ف�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�صحبه و�سلم . وبعد .... يف ع�صر العوملة وبعد �أن �أ�صبح العامل قرية �صغرية بف�ضل التقنيات احلديثة التي و�صل �إليها الإن�سان من القنوات الف�ضائية، و�شبكة االنرتنت ،والهواتف النقالة واخللوية ،يتابع املرء عرب ال�شا�شة ال�صغرية املوجودة يف كل البيوت تقريبا ،بل ويف امل�ؤ�س�سات العامة ،الكثري من الربامج والأح���داث ،في�شاهد املحا�ضرات والندوات واملناظرات ،العلمية والأدبية والثقافية وال�سيا�سية ....الخ والتي يغلب عليها يف العادة الأ�سلوب احلواري ال�شيق الذي يدفع امل�شاهد �إىل متابعة هذه الربامج وي�شده �إليها والتفاعل معها ،بل ويحمله – �أحيانا -على االت�صال بهذه الربامج؛ لي�شارك فيها للتعبري عما يجول يف خاطره من �أفكار و�آراء حول مو�ضوع احلوار املطروح . ولكن وللأ�سف ف���إن بع�ض ه��ذه ال�برام��ج يخرج عن الهدف، املو�ضوع الذي مت التخطيط له ،و يتحول يف كثري من الأحيان �إىل مهاترات واتهامات دون دليل ،بل و�إىل �أكاذيب �أحيانا �أخرى، فتنقلب الأم��ور ر�أ�سا على عقب ،وبدال من �أن تكون هادفة ذات معنى تتحول �إىل �أمور يف غاية الإ�سفاف واالنحطاط والتع�صب للر�أي وجتاهل الر�أي الآخر . وال�شك �أن اتباع املنهج ال�سليم يف احلوار واالختالف املنبثق من مبادئ الدين احلنيف ، ،مينع �أط��راف احل��وار من الوقوع يف املزالق اخلطرة ،ويبعدهم عن ال�شقاق والبغ�ضاء .ويجعل احلوار وبناء . مثمرا وهادفا ً �إن الإ�سالم دين احل��وار ،دين الدعوة ،ويحدد الدعوة �إىل اهلل باحلكمة واملوعظة احل�سنة ،لقد حاور القر�آن الكرمي الكفار الوثنيني ،وحاور �أهل الكتاب من اليهود والن�صارى ،قال تعاىل: ُ اب َت َعا َل ْوا �إِلىَ َك ِل َم ٍة َ�س َواء َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم َ�أ َّ ال َن ْع ُبدَ }قلْ َيا �أَ ْه َل ا ْل ِك َت ِ ال ُن ْ�ش ِر َك ِب ِه َ�ش ْي ًئا َو َ ال اللهَّ َ َو َ �إِ َّ ال َيت َِّخ َذ َب ْع ُ�ض َنا َب ْع ً�ضا �أَ ْر َبا ًبا ِّمن دُونِ للهَّ ()1 ا ِ َف ِ�إن َت َو َّل ْوا َفقُو ُلو ْا ْ ا�ش َهدُ و ْا ِب�أَنَّا ُم ْ�س ِل ُمون{ .يف هذه الآية
34
د .عماد �صالــــــــح �إبراهيم �شيخ
دعوة �صريحة للحوار،وفيها دليل على �أن الإ�سالم يدعو �إىل حوار احل�ضارات والديانات ،وال يدعو �إىل �صراع احل�ضارات كما يدعي مفكرو الغرب وعلمائهم.
مفــهـوم احلـوار
بد�أ احلوار قبل وجود الب�شرية ،ففي اللحظة التي �أخرب اهلل عز وجل -املالئكة �أنه �سيخلق ب�شرا يجعله خليفة يف الأر�ض ،بد�أ املالئكة باال�ستف�سار ،ودار حوار بني املالئكة وبني �صاحب العزة -جل �ش�أنه ، -قال تعاىل َ }:و ِ�إ ْذ َق َ اع ٌل ال َر ُّب َك ِل ْل َمال ِئ َك ِة �إِنيِّ َج ِ �ض َخ ِلي َف ًة َقا ُلو ْا �أَتجَ ْ َع ُل ِفي َها َمن ُيف ِْ�سدُ ِفي َها َو َي ْ�س ِف ُك الدِّ َماء فيِ الأَ ْر ِ ()2 ال �إِنيِّ �أَ ْع َل ُم َما َ َو َن ْحنُ ُن َ�س ِّب ُح ِب َح ْم ِد َك َو ُن َقدِّ ُ�س َل َك َق َ ال َت ْع َل ُمونَ {. ثم �أمر اهلل عز وجل املالئكة بال�سجود لآدم ف�سجدوا �إال �إبلي�س �أبى وا�ستكرب وكان من الكافرين ،وبعد ذلك دار حوار بني اهلل عز وجل -وبني �إبلي�س اللعني انتهى بطلب من �إبلي�س ب�إمهاله �إىليوم القيامة فمنحه اهلل -عز وجل -هذه الفر�صة .
الـحوار يف اللغة :
احلوار هو املحاورة واملجاوبة .والتحاور هو التجاوب ،وقولنا: هم يتحاورون � :أي تراجعون يف الكالم ،وحتاور القوم�:أي تراجعوا ()3 الكالم فيما بينهم ،ق��ال تعاىل }:واهلل ي�سمع حتاوركما{ وحاوره حماورة وحوارا �أي جاوبه وجادله ،قال تعاىل: }قال له �صاحبه وهو يحاوره{ )4(.وقد �سمي احلوار حوارا لأنه يدخل يف عمق الأ�شياء وقعرها و�أ�صلها ,وذلك لأن احل��ور هو القعر والعمق ،ومن ذلك قولهم هو بعيد احلور بعيد القعر � -أي عاقل -متعمق .واحلوار حديث يجري بني �شخ�صني �أو �أكرث �سواء ()5 يف الق�صة �أو يف امل�سرحية �أو يف النقا�ش �أو اجلدل .
الـحوار يف اال�صطالح :
�أن يتناول احلديث طرفان �أو �أكرث عن طريق ال�س�ؤال واجلواب ب�شرط وحدة املو�ضوع �أو الهدف ،فيتبادالن النقا�ش حول �أمر معني ،وقد ي�صالن �إىل نتيجة وقد ال يقنع �أحدهما الآخـر ولكن ال�سامع ي�أخذ العربة ويكون لنف�سه موقفا(.)6 احلوار هو االلتقاء بني طرفني لهما وجهات نظر خمتلفة وقنا عات متباينة .وقد يحمل كل طرف عقدة جتاه الآخ��ر ب�سبب �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل وسطية الأج���واء امل�شحونة بالتع�صب وال��ع��داء .ف��احل��وار يجعل ك ًّال منهما يلتقي الآخر ،يحاوره ،يطرح �أفكاره عليه ،ببذل جهوده لإقناعه .هذه العملية ت�ساهم يف تقلي�ص حدة التوتر والتع�صب جتاه �أحدهما للآخر حني يلتقون على مفاهيم م�شرتكة تبعث م�شاعر الود والطم�أنينة (.)7 وطريقة احل��وار �شيقة ُت�شوق النا�س �إىل اال�ستماع والتعلم واال�ستيعاب وم��ن ثم الت�أثر واالل��ت��زام مب��ادة احل��وار �أ�سئلة و�إجابات �صحيحة ،وهذه الطريقة تعتمد على �إيقاظ التفكري و�إثارة االنتباه �إىل احلقائق التي يراد الو�صول �إليها ،وهي ناجحة يف التعليم والتوجيه ون�شر الفكر والدعوة �إىل الإ�سالم (.)8 والقر�آن الكرمي كتاب حوار ،ينفتح على امل�شركني ،وامللحدين، واملنافقني و�أهل الكتاب ،وكل (الآخ��ر) املغاير لنا يف الدين � ،أو املذهب� ،أو االجتهاد؛ لذلك يجب �أن نعمل على �إيجاد جمتمع احلوار الذي ينفتح فيه الإ�سالم على كل الأفكار امل�ضادة ،وينفتح املجتمع امل�سلم على املجتمعات الأخرى .وال بد من حت�صني احلوار بال�ضوابط التي متنع ا�ستغالله لأغرا�ض �أخ��رى ، ،ف���إن وجود امل�شاكل فيه ال يعني �إلغا�ؤه ،بل يعني العمل على دار�سة هذه امل�شاكل ،ليجتمع لنا احلوار وامل�س�ؤولية واحلرية املن�ضبطة يف نطاق النظام العام للأ ّمة . وقد ا�ستخدم القر�آن الكرمي �أ�ساليب متعددة للحوار من �أجل تو�صيل �أهدافه الرتبوية للنا�س ،فا�ستخدم احل��وار الو�صفي، واحلوار الق�ص�صي ،والرتبوي التعليمي ،والتعبدي ،...وكان لهذه الأ�ساليب البديعة الأثر البالغ يف نفو�س النا�س فما ا�ستمع �أحد لهذا القر�آن �إال وبادر بالنطق يف ال�شهادة معلن ًا دخوله يف هذا الدين ،وملتزما بكل ما فيه من �أوامر ونواهي .
�أنواع احلوار
احلوار مهما اختلفت �أ�شكاله ،و�ألوانه ومهما تعددت �سبله وطرقه، وم�سالكه ميكن تق�سيمه �إىل نوعني اثنني هما: -1احلوار الإيجابي الهادف البناء . -2احلوار ال�سلبي املذموم . و�سنتحدث فيما يلي عن هذين النوعني:
-1احلوار الإيجابي الهادف البناء
وهو احل��وار ال��ذي يق�صد به الو�صول �إىل احلقيقة من خالل املناق�شة واملناظرة البناءة وتبادل الآراء واخل�برات بالدليل واحلجة والربهــــان ،وحتى يكون احلوار هادف ًا وبناء ال بد له من عدة �شروط منها : � -1أن يكون الهدف من احلوار الو�صول �إىل احلقيقة مهما كانت، و�أن يتوفر الإخال�ص يف ذلك لدى طريف احلوار . � -2أن تكون الق�ضية املطروحة للحوار ت�ستحق ذلك . العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
-3االلتزام باملو�ضوعية وال�صدق والبعد عن املراء واجلدل . -4حوار ت�سوده املحبة وامل�سئولية والرعاية و�إنكار الذات . -5ح��وار متكافئ يعطي كال الطرفني فر�صة التعبري والإب��داع احلقيقي ،ويحرتم الر�أي الآخر . -6حوار واقعي يت�صل �إيجابيا باحلياة اليومية الواقعية . ومن �أمثلة احل��وار الإيجابي يف التاريخ الإ�سالمي ما حدث يف غ��زوة بدر حني جتمع امل�سلمون للقاء الكفار وكانت �آب��ار املياه �أمامهم ،وهنا نه�ض احلباب بن املنذر -ر�ضي اهلل عنه -و�س�أل ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم� :-أهو منزل �أنزلكه اهلل �أم هو الر�أي واحلرب واملكيدة ؟ ف�أجاب ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم " -بل هو الر�أي واحلرب واملكيدة". فقال احلباب :يا ر�سول اهلل ما هذا مبنزل و�أ�شار على ر�سول اهلل بالوقوف بحيث تكون �آبار املياه خلف امل�سلمني فال ي�ستطيع امل�شركون الو�صول �إليها ،وفع ًال �أخذ الر�سول بهذا الر�أي ال�صائب ()9 وكان ذلك �أحد عوامل الن�صر يف تلك املعركة . و�إذا حاولنا حتليل هذا املوقف جند �أن احلباب بن املنذر كان م�سلما �إيجابيا على الرغم من �أنه من عامة امل�سلمني ،وكان �أمامه من الأع��ذار لكي ي�سكت �أو يعطل تفكريه فهو جندي حتت لواء ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -الذي يتلقى الوحي من ال�سماء وهناك كبار ال�صحابة � ،أ�صحاب الر�أي وامل�شورة ،ولكن كل هذه الأ�سباب مل متنعه من �إعمال فكرة ،ومل متنعه من اجلهر بر�أيه ال�صائب ،ولكنه مع ذلك التزم الأدب الرفيع يف اجلهر بهذا الر�أي فت�ساءل �أوال �إن كان هذا املوقف وحي من عند اهلل �أم �أنه اجتهاد ب�شرى ،فلما عرف انه اجتهاد ب�شرى وجد ذلك جماال لطرح ر�ؤيته ال�صائبة ومل يجد الر�سول �-صلى اهلل عليه و�سلم-غ�ضا�ضة يف الأخ��ذ ب��ر�أي واح��د من عامة امل�سلمني وه��ذا املوقف يعطينا انطباعا هاما عن اجلو العام ال�سائد يف اجلماعة امل�سلمة �آنذاك، ذلك اجلو املليء بالثقة واملحبة والإيجابية ،و�إبداء الن�صيحة وتقبل الن�صيحة. و�إذا كانت النظم الدميقراطية احلديثة ت�سمح للمواطن �أن يقول ر�أيه �إذا �أراد ذلك ،ف�إن الإ�سالم يرتقى فوق ذلك حيث �أنه يوجب على الإن�سان �أن يقول ر�أيه حتى ولو كان جنديا من عامة النا�س حتت لواء ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -وهذا امل�ستوى من حرية ال��ر�أي ال جنده الآن يف �أكرث الدول مناداة باحلرية فال يجر�ؤ جندي �أن ي�شري على القائد الأعلى للقوات امل�سلحة يف �أية دول��ة ع�صرية بتغيري اخلطة الع�سكرية حيث ال ي��زال احلوار الفوقي ال�سلطوي هو ال�سائد يف املجاالت الع�سكرية على وجه اخل�صو�ص حتى يف �أكرث الدول تقدم ًا] .
35
م ق ا ال ت ا ل وسطية -2احلوار ال�سلبي املذموم.
هو احل��وار ال��ذي يق�صد به جم��رد اجل��دل ودون و�ضع ه��دف �أو غاية حمددة له � ،أو �إ�ضمار �أحد طريف احلوار لنية خبيثة يق�صد الو�صول �إليها من خالل احلوار . وال�س�ؤال الذي يطرح هنا :متى يكون احلوار �سلبيا �أو مذموما ؟ يكون احلوار مذموما و�سلبيا �إذا ات�صف بال�صفات الآتية : -1احلوار يف ق�ضايا ال يجوز احلوار فيها . � -2أن يكون هدف احل��وار �إثبات ال��ذات و�إب��راز القوة العلمية والثقافية والعقلية �أو الع�ضلية �أحيانا -3وجود قناعات �سابقة لدى �أحد الطرفني �أو كليهما ال ينوي التخلي عنها مهما كان الأمر ،حتى لو ثبت خط�ؤها -4دخ��ول الهوى يف احل��وار ،وحتوله �إىل املنازعة واخل�صومة واجلدال.
ومن �أمثلة احلوار ال�سلبي املذموم :
-1احلوار املزدوج :وهنا يعطى ظاهر الكالم معنى غري ما يعطيه باطنة ،لكرثة ما يحتويه من التورية والألفاظ املبهمة ،وهو يهدف �إىل �إرباك الطرف الآخر ودالالته �أنه نوع من العدوان اخلبيث. وهذا ما �أ�شار �إليه القر�آن عندما حتث عن املنافقني قال تعاىل : اطي ِنه ِْم َقا ُلو ْا " َو�إِ َذا َلقُو ْا ا َّل ِذينَ �آ َمنُو ْا َقا ُلو ْا �آ َمنَّا َو ِ�إ َذا َخ َل ْوا �إِلىَ َ�ش َي ِ ِ�إنَّا َم َع ُك ْم ِ�إنمَّ َ ا َن ْحنُ ُم ْ�س َت ْه ِز�ؤُون" ( )10فهو حوار املنافقني �إذن . -2احل��وار ال�سلطوي (ا�سمع وا�ستجب) :جند ه��ذا النوع من احلوار �سائدا على كثري من امل�ستويات ،فهناك الأب املت�سلط ،والأم املت�سلطة ،واملدر�س املت�سلط ،وامل�سئول املت�سلط ..ال��خ وهو نوع �شديد من العدوان حيث يلغي �أحد الأطراف كيان الطرف الآخر، ويعتربه �أدنى من �أن يحاور ،بل عليه فقط ال�سماع للأوامر الفوقية واال�ستجابة دون مناق�شة �أو ت�ضجر .وهذا النوع من احلوار ف�ضال عن �أنه �إلغاء لكيان (وحرية) طرف حل�ساب الطرف الآخر ،فهو يلغى ويحبط القدرات الإبداعية للطرف املقهور في�ؤثر �سلبيا على الطرفني وعلى الأمة ب�أكملها . -3احلوار �ألإلغائي �أو الت�سفيهي (كل ما عداي خط�أ ) ي�صر �أحد طريف احلوار على �أال يرى �شيئا غري ر�أيه ،وهو ال يكتفي بهذا بل يتنكر لأي ر�ؤية �أخرى وي�سفهها ويلغيها ،وهذا النوع يجمع كل �سيئات احل��وار ال�سلطوي وح��وار الطريق امل�سدود.وهذا م�سلك �ض فرعون ،قال تعاىلَ ":يا َق ْو ِم َل ُك ُم المْ ُل ُْك ا ْل َي ْو َم َظ ِ اه ِرينَ فيِ الأَ ْر ِ اء َنا َق َ ال ِف ْر َع ْونُ َما �أُ ِري ُك ْم ِ�إ َّ ال َما ن�ص ُر َنا ِمن َب ْ�أ ِ�س اللهَّ ِ �إِنْ َج َ َف َمن َي ُ ()11 ال َ�س ِب َ �أَ َرى َو َما �أَ ْه ِدي ُك ْم ِ�إ َّ ف�أحد املتحاورين ي�صمم يل ال َّر َ�شاد" على �إلغاء الطرف الثاين نهائيا ،وال يعرتف بوجوده بل ويطالبه بالت�سليم له بكل ما يقول ويدعي .
36
-4احلوار املعاك�س (عك�سك دائما) :حني يتجه �أحد طريف احلوار ميينا ويحاول الطرف الآخ��ر االجت��اه ي�سارا والعك�س بالعك�س، وهو رغبة يف �إثبات ال��ذات بالتميز واالختالف ،ولو كان ذلك على ح�ساب جوهر احلقيقة .و�أخطر ما يف هذا الأمر �أن تكون املعاك�سة هدفا يف حد ذاتها ،و�أن يتمادى املتحاوران يف معاك�ساتهما حتى ي�صل الأمر �إىل حد القذف ،وال�سب ،وال�شتم ،واتهام النوايا.
�أهمية احلوار و�ضرورته
للحوار �أهمية بالغة يف حياة النا�س وتعود هذه الأهمية للأمور الآتية :
�أوال :احلوار �ضرورة ب�شرية �إن�سانية
َّا�س �إِ َّن��ا َخ َل ْق َن ُاكم ِّمن َذ َك ٍ��ر َو�أُن َثى قال اهلل تعاىل " َيا �أَ ُّي َها الن ُ َو َج َع ْل َن ُاك ْم ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِنَّ �أَك َْر َم ُك ْم ِعندَ اللهَّ ِ �أَ ْت َق ُاك ْم �إِنَّ يم َخ ِبري"" ( )12اهلل عز وجل هو الذي خلق النا�س وهو اللهَّ َ َع ِل ٌ الأعلم ب�أحوالهم ،وقد جعلهم �شعوبا وقبائل وجماعات؛ ليتعارفوا و�أوجد بينهم من ال�صالت ما ت�ؤهلهم للت�آلف والت�آخي،اهلل -عز وج��ل -ينادي النا�س ليطلعهم على الغاية من خلقهم �شعوبا وقبائل� ،إن الغاية لي�ست التنافر واخل�صام � ،إمنا التعارف والوئام، و�أم��ا اختالف الأل�سنة والأل��وان ،واختالف الطبائع والأخ�لاق، واملواهب واال�ستعدادات ،فال يقت�ضي النزاع وال�شقاق؛ بل يقت�ضي التعاون للنهو�ض بجميع التكاليف ( )13قال ر�سول اهلل�-صلى اهلل عليه و�سلم ": -كلكم بنو �آدم ،و�آدم خلق من تراب ،ولينتهني قوم يفخرون ب�آبائهم� ،أو ليكونن �أهون على اهلل تعاىل من اجلعالن(")14 �إذن فاهلل -عز وجلُ -خلق النا�س للتعارف والت�آلف ،وهذا ال يتم �إال من خالل التخاطب واحلوار والنقا�ش بني النا�س ،لذلك نقول �إن احلوار �ضرورة ب�شرية �إن�سانية .
ثانيا :احلوار �ضرورة دعوية
الدعوة �إىل الإ�سالم فري�ضة �شرعية على كل م�سلم ،قال تعاىل: وف َو َي ْن َه ْونَ " َو ْل َت ُكن ِّمن ُك ْم �أُ َّم ٌة َي ْد ُعونَ �إِلىَ الخْ َ يرْ ِ َو َي�أْ ُم ُرونَ ِبالمْ َ ْع ُر ِ َع ِن المْ ُن َك ِر َو�أُو َل ِئ َك هُ ُم المْ ُ ْف ِل ُحون"( )15وقال ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم ":-من ر�أى منكم منكرا فليغريه بيده ،ف�إن مل ي�ستطع فبل�سانه ،ف�إن مل ي�ستطع فبقلبه وذلك �أ�ضعف الإميان "( .)16وقال ر�سول اهلل�-صلى اهلل عليه و�سلم":-لت�أمرن باملعروف ولتنهون عن املنكر �أو ليو�شكن اهلل �أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فال اب َت َعا َل ْوا �إِلىَ ي�ستجاب لكم "(.)17وقال تعاىل ُ ":قلْ َيا �أَ ْه َل ا ْل ِك َت ِ ال ُن ْ�ش ِر َك ِب ِه َ�ش ْي ًئا َو َ ال اللهَّ َ َو َ ال َن ْع ُبدَ �إِ َّ َك ِل َم ٍة َ�س َواء َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم �أَ َّ ال َيت َِّخ َذ َب ْع ُ�ض َنا َب ْع ً�ضا �أَ ْر َبا ًبا ِّمن دُونِ اللهَّ ِ َف�إِن َت َو َّل ْوا َفقُو ُلو ْا ْ ا�ش َهدُ و ْا ِب�أَنَّا ُم ْ�س ِل ُمون"(.)18هذه الآية دعوة �صريحة للحوار .
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل وسطية ثالث ًا:احلوار �ضرورة اجتماعية
ال ي�ستطيع الإن�سان �أن يعي�ش منفردا ،فهو كما يقول احلكماء مدين بالطبع ،وهو كائن اجتماعي ال بد له من االختالط والتعاي�ش مع الآخرين ،كما �أنه ال ي�ستطيع ت�أمني حاجاته الفطرية التي فطره اهلل تعاىل عليها كالطعام وال�شراب والك�ساء وال�سكن والزواج .... الخ مبفرده ،قال تعاىل ":ليتخذ بع�ضكم بع�ضا �سخريا ".فاهلل عز وجل -خلق النا�س وجعلهم م�ستويات متفاوتة حتى ي�ستفيدبع�ضهم من بع�ض ،وليخدم بع�ضهم بع�ضا .وهذا ال يتم �إال من خالل احلوار البنّاء والتفاهم والتخاطب .
رابعا :احلوار �ضرورة علمية
قال تعاىل " :فا�س�ألوا �أهل الذكر �إن كنتم ال تعلمون � " .أمر اهلل عز وجل عباده الراغبني يف العلم �أن ي�س�ألوا �أ�صحاب العلم والذكر ويحاوروهم . من هنا ف�إن من �أراد العلم البد له �أن يجل�س �إىل العلماء والفقهاء وي�سمع منهم ويناق�شهم ،وقال بع�ض العلماء ب�ضرورة تلقي العلم من العلماء ،واملعلمني ،وال�شيوخ ومل يحبذوا �أن ي�أخذ الطالب علومه من الكتب وحدها دون العلماء .وقد ورد يف ر�سائل �إخوان ال�صفا ( �إنه لي�س يف و�سع �إن�سان معرفة العلم يف �أول مرتباته ،ومن �أجل هذا يحتاج كل �إن�سان �إىل معلم �أو م�ؤدب �أو �أ�ستاذ يف تعلمه وتخلقه و�أقاويله واعتقاده و�أعماله وخ�صائ�صه(. ) )20 ولقد ا�ستخدم الر�سول �-صلى اهلل عليه و�سلم -احلوار يف تعليم �أ�صحابه يف �أكرث من مو�ضع . ()19
خام�س ًا :احلوار �ضرورة تربوية
وطريقة احل��وار �شيقة ُت�ش ّوقُ النا�س �إىل اال�ستماع ،والتعلم، واال�ستيعاب ومن ثم الت�أثر وااللتزام مبادة احلوار �أ�سئلة و�إجابات �صحيحة ،وه��ذه الطريقة تعتمد على �إيقاظ التفكري و�إث��ارة االنتباه �إىل احلقائق التي يراد الو�صول �إليها ،وهي ناجحة يف التعليم والتوجيه ون�شر الفكر والدعوة �إىل الإ�سالم (.)21 وقد ا�ستخدم القر�آن الكرمي �أ�ساليب متعددة للحوار من �أجل تو�صيل �أهدافه الرتبوية للنا�س ،فا�ستخدم احل��وار الو�صفي، واحل��وار الق�ص�صي ،واجل��ديل ،والتعبدي ،وك��ان لهذه الأ�سباب البديعة الأثر البالغ يف نفو�س النا�س فما ا�ستمع �أحد لهذا القر�آن �إال وبادر بالنطق يف ال�شهادة معلنا دخوله يف هذا الدين وملتزما بكل ما فيه من �أوامر ونواهي . من هنا فعلى من يت�صدون للعمل يف الرتبية ،ويتحملون �أعبائها خا�صة من املعلمني واملربني �أن ال ين�سون هذه الو�سيلة الفعالة يف الرتبية ،وعليهم �أن يكرثوا من طرح الأ�سئلة لي�ستفزوا بها املتعلمني ويحملوهم على احل��وار والنقا�ش ،فاحلوار يبدد امللل وال�س�آمة عن املتعلم ويجعله متوقد الذهن حا�ضر البديهة؛ العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
من �أجل �أن تكون م�شاركته يف احلوار بنّاءة َو ُ تدخ َلهُ فيه مفيد، وكذلك ف�إن على املربي �أن يركز احلوار حول النقاط الهامة يف املو�ضوع الذي يطرحه على املتعلمني ،و �أن يح�سن �إعداد الأ�سئلة احلوارية التي �سيطرحها يف موقفه التعليمي ويتدرج بها ح�سب الأ�ساليب الرتبوية ال�سليمة .
فوائد الــــحوار:
-1جتديد الفكر الإ�سالمي والنهو�ض مب�شروعه احل�ضاري يف �إطار ممار�سة الفكر بطرقه ال�سليمة عرب مقارعة الدليل بالدليل، واحلجة باحلجة ،والعقل بالعقل يف ح��وار ينفتح فيه اجلميع وتتبادل فيه الآراء والطروحات مبو�ضوعية وعلمية بعيد ًا عن ( )22 التع�صب -2احلوار هو املنهج ال�سليم يف حل امل�شكالت ،وهو الطريق �إىل االع�ت�راف ب��الآخ��ر والتعاي�ش معه ..ويف ال��دع��وة �إىل احل��وار دعوة �إىل التعارف والت�آ ُلف واقرتاب الإن�سان من �أخيه الإن�سان -3احلوار �أ�سلوب لت�صحيح العقائد الفا�سدة والأفكار املنحرفة ، والدعوة �إىل الإ�سالم ،فاحلوار الهادئ البناء والدعوة باحلكمة واملوعظة احل�سنة ي�شجع الآخرين على الدخول يف دين اهلل عز وجل ،وتقبل الأفكار ال�سليمة والتخلي عن الأفكار املنحرفة الهابطة . -4احلوار و�سيلة للتعامل مع �أهل الديانات ال�سابقة� ،أو ما ي�سمي ُ تعاىل}:قلْ َيا �أَ ْه َل بحوار الأديان الذي دعا �إليه الإ�سالم ،قال َ ال اللهَّ َو َ ال َن ْع ُبدَ �إِ َّ اب َت َعا َل ْوا �إِلىَ َك ِل َم ٍة َ�س َواء َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم �أَ َّ ال ا ْل ِك َت ِ للهَّ َ ُن ْ�ش ِر َك ِب ِه َ�ش ْي ًئا َو َ ال َيت َِّخ َذ َب ْع ُ�ض َنا َب ْع ً�ضا �أ ْر َبا ًبا ِّمن دُونِ ا ِ َف�إِن ()23 َت َو َّل ْوا َفقُو ُلو ْا ْ ا�ش َهدُ و ْا ِب�أَنَّا ُم ْ�س ِل ُمون{ �إن هذه الآية متثل دعوة �إىل حوار هدفه التو�صل �إىل �أ�صل الدين الذي اتفقت عليه جميع دعوات الأنبياء . -5احلوار هو �سبيل تفاهم احل�ضارات ولقاء ال�شعوب ،ومن خالله ميكن �أن تتالقى احل�ضارات وت�ستفيد من بع�ضها البع�ض ،وتتكامل الثقافة ،وباحلوار نبتعد عن �صراع احل�ضارات التي يدعو �إليه بع�ض الغربيني املتع�صبني ،الذين ينطلقون من منطلق التفوق املطلق ملدنيتهم الغربية املعا�صرة ،نا�سني �أن �أ�صول احل�ضارة التي هم فيها لي�س لهم فيها ن�صيب . -6االبتعاد عن الأحكام التجريدية يف ق�ضايا الواقع ،والو�صول �إىل و�ضوح الر�ؤية حول ق�ضية ما و ا�ستق�صاء جوانب اخلالف ما �أمكن ،وجتلية ما بني املتحاورين من ق�ضايا خالفية مما قد يوفر حالة من الود ،ولذلك قيل " �إن اختالف الر�أي ال يف�سد يف الود ق�ضية " .كما �أن اال�ستق�صاء فيها يجنب النظرات االنفعالية �أو القناعات امل�سبقة . -7للحوار فوائد عديدة على امل�ستوى التعليمي ،تفوق يف �آثارها كثريا من الأن�شطة التعليمية .
37
م ق ا ال ت ا ل و سطية ونورد هنا بع�ض الأ�صول ال�ضرورية للحوار: � .1سلوك الطرق العلمية والتزامها ،من تقدمي الأوىل املثبتة �أو املرجحة للدعوى ،ومن �صحة الثقل يف الأم��ور املنقولة قال تعاىل( :قل هاتوا برهانكم �إن كنتم �صادقني) .وهكذا يث ِّبت ال��ق��ر�آن منهج ًا للحوار على �أ�سا�س ال�بره��ان والعقل ،والتد ُّبر والتفكُّر ،وامل�س ّلمات الثابتة لدى الطرفـني ،بعيد ًا عن الع�صـب ّية والتحجر االنتمائي الذي ال ميلك دلي ًال ،وال يقوم على �أ�سا�س ّ الوعي ؛ ولذا قال العلماء � :إن كنت ناق ًال فال�صحة ،و�إن كنت مدعي ًا فالدليل(. :)24 �سواء �أكانت .2االت��ف��اق على منطلقات ثابتة وق�ضايا م�سلَّمة ً عقلية �أم نقلية ك�أوامر ال�شرع ال�صريحة كالأمر باحلجاب ونحوه، ومن اخلط�أ غري املق�صود عند بع�ض الكاتبني �إثارة ق�ضية ح�سمها ال�شرع كاحلجاب بق�صد �إثباتها و�صالحيتها. .3التجرد وق�صد احلق ،والبعد عن التع�صب ،وااللتـزام ب�أدب احلوار :قال ال�شافعي -رحمه اهلل " : -ما كلمت �أحد ًا قط �إال �أحببت �أن يوفق وي�سدد ويعان ،وتكون عليه رعاية اهلل وحفظه، وما ناظرين فباليت ! �أظهرت احلجة على ل�سانه �أو ل�ساين "(.)25 � .4أهلية املحاور ،فمن اخلط�أ �أن يت�صدى للدفاع عن احلق من كان على الباطل � ،أو من ال يعرف احلق � ،أو من ال يجيد الدفاع عن احلق� ،أو من ال يدرك م�سالك الباطل . .5الر�ضا والقبول بالنتائج التي يتو�صل �إليها املتحاورون ، وااللتـزام اجلاد بها ،ومبا يرتتب عليها ،قال ال�شافعي -رحمه اهلل " : -ما ناظرت �أحد ًا فقبل مني احلجة �إال عظم يف عيني وال ردها �إال �سقط من عيني (.")26 6ـ الأ�سلوب ال�سلمي والهادئ يف العر�ض والنقد ،بعيد ًا عن العنف واحلدة. 7ـ الأدب يف الكالم ،وحتا�شي الكلمات التي جترح اخل�صم وت�سيء �إىل كرامته� ،أو �شرفه� ،أو ت�سفّه عقيدته � ،أو ت���ؤدي �إىل �س ّبه و�شتمه. 8ـ عدم التقول على الطرف الآخر ،وطرح مفاهيم و�آراء من�سوبة �إليه وهو يرف�ضها �أو ا�ستخدام ن�صو�ص و�أحاديث ي�شك �أنها �ضعيفة وغري معتربة يف عقيدته �أو مذهبه . 9ـ عدم ا�ستخدام م�صادر خ�صوم الطرف الآخر؛ لأنها تت�ضمن �آراء غري حيادية بل عدائية يف الغالب ،بل يجب ا�ستخدام م�صادر الطرف الآخر مما يعتقد �أنها �صحيحة وموثوقة لديه . 10ـ عدم �إحراج اخل�صم ب�شكل ي�ضطر معها للعناد حفاظ ًا على كرامته وموقعه ،بل حماولة �إقناعه بي�سر و�سهولة ،ومنحه وقت ًا كافي ًا للتفكري والت�أمل ،فل�سنا معه يف حلبة �صراع بل مناق�شة �أفكار.
38
11ـ ال يعني وجود طرفني يف مناظرة �أو حوار �أن �أحدهما يحمل كل احلقيقة والآخر ال يحمل �شيئ ًا من احلق ،بل هناك حقائق يجب على الطرف الآخر �أن ي�س ّلم بها؛ لتكون قا�سم ًا م�شرتك ًا يف املرحلة الأوىل من احلوار ،ثم يناق�شان ما اختلفا عليه بهدوء و�صرب ولني .
�آداب احلــــــوار:
ال بد من �آداب يت�أدب بها امل�سلم �أثناء حواره ومناق�شته للنا�س حتى يكون عمله مقبوال عند اهلل عز وجل ،فامل�سلم م�ؤدب مع اهلل عز وجل ، -ال يعرت�ض على حكم اهلل بل يتقبل حكم اهلل را�ضيامطمئنا ،وامل�سلم م�ؤدب مع ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -فال يعرت�ض على �أحكامه . وامل�سلم م����ؤدب م��ع النا�س ك��ل النا�س على اخ��ت�لاف هيئاتهم و�صفاتهم ،و�أ�شكالهم و�ألوانهم وجن�سياتهم ،ومن هنا �أرى �أن هناك �آدابا ال بد منها يف احلوار ومن هذه الآداب : .1الإخال�ص : البد لكل عمل من نية ،ونية الإن�سان خري من عمله ،ور�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم -يقول � " :إمنا الأعمال بالنيات ،و�إمنا لكلامرئ ما نوى "( ،)27فالأ�صل يف امل�سلم �أنّ ن ّيته يف احلوار مر�ضاة اهلل عز وجل . .2ال�صـــدق : �أن يكون املحاور �صادقا يف حواره • �صدق احلديث قال" �إن ال�صدق يهدي �إىل ال�بر و�إن الرب يهدي �إىل اجلنة ،و�إن الرجل لي�صدق حتى يكتب عند اهلل �صديقا"(. )28 • ال�صدق يف نقل الروايات التي يريد املحاور تقدميها والتحدث بها فال يجوز �أن ين�سج الق�ص�ص من خياله �أو يحول الق�ص�ص ويبدلها كما ي�شاء لتنا�سب مو�ضوع حواره . • الأمانة العلمية يف ن�سب الأمور �إىل �أ�صحابها و�أن ال ي�سمح لنف�سه بادعاء ما لي�س له . • ال�صدق يف الوعد � ،إذا حدد من �أجل احلوار وعدم االختالف . .3مراعاة �آداب جمل�س احلوار: • الدخول �إىل جمل�س احلوار ب�إذن �أ�صحابه. • م�صافحة من يجل�س يف جمل�س احلوار . • اجللو�س يف املكان املخ�ص�ص له وعدم �إيذاء النا�س بتخطي ال���رق���اب واجل��ل��و���س بينهم دون �إذن م��ن��ه��م ،ي��ق��ول الإم����ام ال�شافعي(:)29 �إذا رمت الدخول على �أنا�س فكن منهم مبنزلة الأقل ف�إن رفعوك ف�إن الف�ضل منهم و�إن �أخروك فقل هذا حملي • احرتام من كان يف املجل�س ال�سيما �إذا كان عاملا �أو م�سئوال . �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية ق��ال ال�شافعي " كنت �أت�صفح ال��ورق بني ي��دي مالك برفق لئال ي�سمع وقعها ".وقال الربيع تلميذ ال�شافعي " واهلل ما اجرت�أت ()30 �أن �أ�شرب املاء وال�شافعي ينظر ". .4مراعاة �آداب احلديث وت�شمل: -1التمهل يف الكالم �أثناء احلديث ،فعلى املتحدث �أن يت�أنّى حتى يفهم النا�س ما يريد عن عائ�شة -ر�ضي اهلل عنها -قالت :كان ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -ال ي�سرد الكالم ك�سردكم �إذا ()31 تكلم تكلم بكالم ف�صل يحفظه من �سمعه " -2خماطبة النا�س على قدر عقولهم ،وعدم االرتفاع مب�ستوى احلديث عن م�ستوى النا�س الذين يتحدث معهم �أو يناق�شهم اقتداء يف ذلك ب�سيد الب�شر �-صلى اهلل عليه و�سلم -حيث قال ": نحن معا�شر الأنبيــــــاء �أمرنا �أن ننزل النا�س منازلهم ونكلمهم على ( )32 قدر عقولهم " -3الإ�صغاء �إىل املتحدث ب�شكل جيد؛ حتى ت�شعره باهتمامك وحتى تفهم منه ما يريد قوله . -4عدم مقاطعة املتحدث �أثناء حديثه ،هذا �أدب ال يغيب عن بال امل�سلم �أبدا فهو ي�ستمع ،وال يقاطع حتى ينتهي املتحدث من حديثه وبعد ذلك يبد�أ بالرد والنقا�ش ،ولن�أخذ العربة من والقدرة يف ذلك من ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم. - -5الإقبال على اجلل�ساء جميع ًا ،و�أن ي�شعر املتحدث كل من يجل�س يف جمل�سه �أن الكالم موجه له ب�شكل خا�ص ،حتى يتابع كل واحد منهم احلديث باهتمام دون ملل . � -6أن يقت�صر الكالم على ما يفيد فقط وخري الكالم ما قل ودل، فال يزيد يف الكالم بحيث ميل ال�سامع ،وال يخت�صر اخت�صارا ُيذهب املعنى .الأ�صل يف املتحدث �أن ال يرفع �صوته �أك�ثر مما يحتاج �إليه ال�سامع فال يرفعه بحيث ي�ؤذي ال�سامعني وال يخف�ضه حتى ال ي�سمعه �أحد. .5االلتزام ب�أهداف احلوار ومو�ضوعيته . �إذا جرى احل��وار بني طرفني فال بد من حتقيق الهدف والغاية التي من �أجلها بد�أ احل��وار،وال يجوز اخلروج عن مو�ضوع احلوار واخلو�ض يف �أمور جانبية بعيدة عن الهدف الأ�صلي للحوار . ومن �سوء الأدب �أن ي�ستدرج �أحد الطرفني الطرف الآخر لإي�صاله �إىل طريق م�سدود بعيدا عن املو�ضوع الأ�صلي � ،أو فتح مو�ضوع جديد ال مي��ت للمو�ضوع ال�سابق ب�صلة ،وه��ك��ذا ي�ضيع اجلهد والوقت . .6االحرتام املتبادل بني طريف احلوار . حتى ينجح احل��وار ال بد م��ن �أن ي�سود االح�ترام املتبادل بني املتحاورين ،فال يجوز ا�ستعمال الألفاظ اجلارحة �أو اللجوء �إىل نب�ش احلياة اخلا�صة لكل منهما ولإدراجها يف مو�ضوع احلوار �أو العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
اللجوء �إىل ال�سخرية واال�ستهزاء ،فال يجوز �أن ي�سخر طرف من طرف وال يجوز التنابز بالألقاب ،ومما يحز يف النف�س يف هذا املجال �أن كثريا من النا�س ال يتحمل النقد ،وال جمرد املعاتبة التي يق�صد فيها الن�صح والإر���ش��اد ،فيثور ويغ�ضب فيكون رده بال�سخرية واال�ستهزاء . .7مراعاة �شعور الذين يتابعون احلوار . يتابع احلوار يف الغالب عدد ال ب�أ�س به من النا�س ،وهنا يجب على طر ّ يف احلوار مراعاة �شعورهم ،ب�أن ال يتعر�ضوا لأ�شخا�صهم �أو هيئاتهم �أو �أفكارهم بالنقد والتجريح ،وعدم �إيذائهم بالألفاظ القبيحة� ،أو اجلارحة� ،أو اخلارجة عن الأدب ،حتى و�إن كان االختالف بني املتحاوران اختالفا كبريا . .8البعد عن الغيبة والنميمة والتج�س�س �أن يحذر املتحاورون اخلو�ض يف �أعرا�ض النا�س �أو �صفاتهم بال مربر �شرعي حتى ال يقعا يف املحذور ال�شرعي ويقعا يف الإثم ،قال ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم� " -أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا اهلل ور�سوله �أعلم ،قال :الغيبة ذكرك �أخاك مبا يكره ،قيل �أر�أي��ت �إن كان يف �أخي ما �أق��ول ؟ قال �إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ،و�إن مل يكن فيه ما تقول فقد بهته . )33(". .9عدم �إف�شــــاء الأ�ســــرار يف كثري من الأحيان يطول احل��وار ،وه��ذا يعني �أن يكرث الكالم وكرثة الكالم توقع يف املهالك ،في�سرب بع�ض طريف احلوار �أ�سرار؛ ينبغي �أن ال تقال و�أن تبقى حمفوظة وك�شفها فيه خطر ج�سيم فليحذر املتحاورون من ذلك . املراجع: � -1سورة �آل عمران الآية ()64 � -19سورة النحل ()43 � -2سورة البقرة ،الآية ()30 -20عز الدين التميمي وزميله ،نظرات يف � -3سورة املجادلة ،الآية ()1 الرتبية الإ�سالمية� ،ص()104 � -4سورة الكهف ،الآية ()37 -21حممد �أبو فار�س � ،أ�س�س الدعوة وو�سائل -5ابن منظور ،ل�سان العرب ،جملد ، 4 ن�شرها � .ص ()128 �ص ()218 -22ح�سن علي الغ�سرة ،احلوار ،جملة -6عبد ارحمن النحالوي � ،أ�صول الرتبية النب�أ /www.annabaa.org/nba59 الإ�سالمية �ص()206 - huar.htm -7جعفر عبد الرزاق ،منهجية احلوار يف �( -23آل عمران )064 الإ�سالم ،موقع على الإنرتنت � -24صالح بن عبد اهلل بن حميد ،مقالة على -8حممد �أبو فار�س � ،أ�س�س الدعوة الإنرتنت وو�سائل ن�شرها � .ص ()128 -25م�صطفى ال�شكعة ،الأئمة الأربعة � ،ص -9حممد اخل�ضري بك ،نور اليقني يف ()579 �سرية �سيد املر�سلني � ،ص ()106 -26م�صطفى ال�شكعة ،الأئمة الأربعة � ،ص � -10سورة البقرة الآية ()14 ()579 � -11سورة غافر الآية ()29 -27متفق عليه � -12سورة احلجرات ،الآية ()13 -28رواه البخاري و م�سلم � -13سيد قطب ،يف ظالل القر�آن ،جملد -29 6ديوان الإمام ال�شافعي ،تقدمي �إح�سان � ،ص()3348 عبا�س ،دار �صادر بريوت ،لبنان ،الطبعة حديث من ، م�سنده يف البزار -14رواه الأوىل �،1996 ،ص ()29 حذيفة -30حا�شية ر�سالة امل�سرت�شدين ،حتقيق �أبو ()104 آية ل ا عمران آل � �سورة -15 غدة �.ص ()141 -16رواه م�سلم يف كتاب الإميان -31رواه البخاري -17رواه �أبو داود يف كتاب املالحم -32روي عن �أبي داود من حديث عائ�شة : � -18سورة �آل عمران الآية ()64 انزلوا النا�س منازلهم
39
م ق ا ال ت ا ل وسطية
العدل والمساواة قيم أصيلة في
الحضارة اإلسالمية �أ .حممد زاهي مقدادي
�إن قيم العدل وامل�ساواة مل تكن يوم ًا من الأيام قيم ًا نظرية فقط؛ بل طبقت على مدار التاريخ الإ�سالمي يف �صور عملية، ومت االلتزام بها من احلكام واملحكومني على حد �سواء؛ فت�أتي قري�ش �إىل �أ�سامة بن زيد وقد �أهمهم �ش�أن املر�أة املخزومية التي �سرقت ،كيف ُتقطع يدها ؟ وهي من بني خمزوم من �سادات قري�ش ،فرييدون لها ا�ستثناء من العقوبة نظرا ً ملكانتها ،ومكانة قومها .فيكلم �أ�سامة بن زيد ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم ،-فماذا كان جواب ر�سول اهلل؟ �أت�شفع يف حد من حدود اهلل يا �أ�سامة ؟ ثم يقرر قاعدة لهالك الأمم ،وزوالها ،واندثار ح�ضارتها ( �إمنا �أهلك من كان قبلكم كانوا �إذا �سرق فيهم ال�شريف تركوه ،و�إذا �سرق فيهم ال�ضعيف �أقاموا عليه احلد ) ثم يقرر �أن ال ا�ستثناءات ،وال مميزات يف القانون حتى لو كان للحاكم نف�سه �أو لأقرب املقربني �إليه ( واهلل لو فاطمة بنت حممد �سرقت لقطعت ()1 يدها ) يقول الدكتور الزحيلي يف تف�سريه الو�سيط ( ال يعرف الإ�سالم يف �أحكامه وق�ضاته وحماكمه ،التفرقة بني م�سلم وغري م�سلم ،فالكل �أم��ام احلق والعدل �سواء ،وال حماباة مل�سلم على غري امل�سلم يف �أي مظهر �أو و�ضع من مظاهر الق�ضاء و�أو�ضاعه) ( .)2كما وي�ؤكد على هذا املعنى الدكتور راغب ال�سرجاين يف كتابه (الأخ�لاق والقيم يف احل�ضارة الإ�سالمية) �إذ يقول ( :فالعدل يف الإ�سالم ال يت�أثر بحب
40
�أو بغ�ض ،فال يفرق بني ح�سب ون�سب ،وال بني جاه ومال، كما ال يفرق بني م�سلم وغري م�سلم؛ بل يتمتع بالعدل جميع املقيمني على �أر�ضه من امل�سلمني وغري امل�سلمني ،مهما كان بني ()3 ه�ؤالء و�أولئك من مودة �أو �شقاق و�إذا ما ذهبنا ن�ستعر�ض تاريخنا وح�ضارتنا الإ�سالمية جند ال�صور التطبيقية؛ لذلك �إذ ُروي �أن قبطي ًا ُين�شد العدالة يف املدينة املنورة من قبل احلاكم الأعلى للدولة الإ�سالمية،وقد ُظلم يف م�صر من قبل ابن حاكمها .تروى كتب ال�سري والتاريخ ( �أن ابن ًا لعمرو بن العا�ص ت�سابق هو وقبطي ف�سبق القبطي ابن عمرو ،ف�ضرب ابن عمرو القبطي، ف�شكا ذلك لعمرو بن العا�ص ،فحاول ا�سرت�ضائه �إال �أنه �أبى، فذهب للمدينة �شاكي ًا عمرو بن العا�ص وابنه لأمري امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب ،ف�أر�سل عمر بن اخلطاب يف طلب عمرو بن العا�ص وابنه ،فلما و�صال �أمر القبطي �أن ي�ضرب ابن عمرو بن العا�ص و�أبيه ،ثم قال قولته اخلالدة امل�شهورة ( :متى ()4 ا�ستعبدمت النا�س وقد ولدتهم �أمهاتهم �أحرارا ً ) كما يحدثنا التاريخ �أن �شريح ًا القا�ضي حكم ليهودي على �أمري امل�ؤمنني علي بن �أبي طالب يف ق�ضية درعه( .)5وكذلك حكم القا�ضي �أبا يو�سف لن�صراين �ضد اخلليفة العبا�سي ()6 هارون الر�شيد
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل وسطية �إن هذه ال�صور التطبيقية التي �أ�سلفنا هي غي�ض من في�ض تعرب ع��ن م��دى االل��ت��زام بالن�صو�ص القر�آنية ،وال�سنة النبوية �،إذ يقول تعاىل ( :يا �أيها الذين امنوا كونوا قوامني بالق�سط �شهداء هلل ولو على �أنف�سكم �أو الوالدين والأقربني ) "الن�ساء "135/ويقول تعاىل ( :و�إذا قلتم فاعدلوا ) "الأنعام "152/ويقول عليه ال�صالة وال�سالم: (النا�س من �آدم و�آدم من تراب ،ال ف�ضل لعربي على �أعجمي �إال بالتقوى )(.)7 وبعد �أن ّبينا بع�ضا ً من ال�صور التطبيقية التي تبني مدى االلتزام بتطبيق الن�صو�ص القر�آنية والأحاديث النبوية، ال بد لنا �أن نبني �أهمية العدل وامل�ساواة ،وذلك يف النقاط الآتية -: � . 1أنها تعبري حقيقي عن كرامة الإن�سان بغ�ض النظر عن دينه ولونه ،فحينما تخا�صم �أبو ذر وبالل ،قال �أبو ذر لبالل ( :يا ابن ال�سوداء ،ف�شكى بالل للنبي ،فقال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم -لأبي ذر � :أعريته ب�أمه �إنك امر�ؤ()9 فيك جاهلية) فال اللون وال اجلن�س هما �أ�سا�س املقاي�سة واملفا�ضلة، ب��ل جن��د الن�ص ال��ق��ر�آين ي��ق��رر (�إن �أك��رم��ك��م عند اهلل �أتقاكم)"احلجرات( "13/ولقد كرمنا بني �آدم وحملناهم يف الرب والبحر) "الإ�سراء"70/ يقول الدكتور علي ح�سن الطوالبة يف كتابه -حق امل�ساواة يف ال�شريعة الإ�سالمية واملواثيق الدولية(:-ال�شريعة الإ�سالمية وظفت مبادئ احلرية والعدل وامل�ساواة يف خط واحد ،يكمل �أحدهما الآخر؛ لأن هذه املبادىء هي التي تعرب حقيقة عن كرامة الإن�سان التي تن�شدها حقوق الإن�سان يف الد�ساتري وال�صكوك الدولية؛ فال�شريعة الإ�سالمية �سباقة يف حفظ الكرامة الإن�سانية منذ �1400سنة) . � . 2أنها ميزان اهلل على الأر����ض ي�ؤخذ لل�ضعيف حقه، وين�صف امل��ظ��ل��وم مم��ن ظلمه ،ومتّ��ك��ن �صاحب احل��ق من الو�صول �إىل حقه يف �أقرب الطرق و�أي�سرها .ويف خطاب �أبي بكر ال�صديق -ر�ضي اهلل عنه -يقرر هذه القاعدة ؛ حيث ا�ستفتح به خالفته� ،إذ يقول ( :ال�ضعيف فيكم قوي عندي حتى �آخ��ذ احلق له ،والقوي فيكم �ضعيف عندي حتى �آخذ احلق منه �إن �شاء اهلل)(.)10
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
� . 3أنها حتقق اال�ستقرار والطم�أنينة يف املجتمع امل�سلم, فاملطالع الب�صري ملا يجري يف الوقت احلا�ضر من خراب ودمار يف بالد امل�سلمني ،يعرف �أن ال�سبب الأول والرئي�س هو:غياب العدالة وامل�ساواة .و�إذا ما �أردن��ا ا�ستقرار ًا وطم�أنينة فعلينا �أن نطبق هذه القيم تطبيق ًا عملي ًا ال نظري ًا؛ حتى يطمئن كل فرد يف املجتمع �أن كرامته م�صانة، وحقه حمفوظ ،و�أنه ال متايز ،وال طبقية ،وال ا�ستثناءات. فهذه القيم تعمل على ا�ستقرار املجتمع ،وحتقيق الأمن، كما يقول الدكتور الطوالبة ( :لو مت تطبيق هذه املبادئ من قبل احلكومات والأنظمة ال�سيا�سية يف البلدان التي تدين بالإ�سالم ،وحتكم مببادئه ملا �شهدنا فرق ًا يف حقوق الإن�سان ،وانتهاكا ً لكرامة الإن�سانية ،ولكانت هذه البلدان �أمنوذج ًا يحتذي يف احرتام حقوق الإن�سان ،ولكن االبتعاد عن ال�شريعة الإ�سالمية ،واال�ستهانة باملبادئ النبيلة التي و�ضعتها من �أجل الإن�سان هو الذي جعل البلدان الإ�سالمية يف م�ؤخرة الدول املعنية بحقوق الإن�سان"."10
املراجع: -1متفق عليه. -2التف�سري الو�سيط /الزحيلي ج� / 1ص 375 -3الأخالق والقيم يف احل�ضارة الإ�سالمية /د .راغب ال�سرجاين � /ص 71 -4فتوح م�صر و�أخبارها /ابن عبد اجلكم �ص29 � -5أخرجها �أبو نعيم يف احللية139/4 -6معامل احل�ضارة يف الإ�سالم � /ص72 � -7أخرجه �أبو داود/كتاب الأدب/باب يف الإح�سان -8متفق عليه. -9ال�سرية النبوية/ابن ه�شام240/4 -10حق امل�ساواة يف ال�شريعة الإ�سالمية واملواثيق الدولية �ص11
41
م ق ا ال ت ا ل وسطية القيادة اإلسالمية
وفق القرآن والسنة �أ� .أبو زيد املقري الإدري�سي -املغرب
-1متهيد� :إ�شكال منهجي:
يعرت�ضنا �إ�شكال منهجي بالغ احلرج يف ما يتعلق بت�أ�صيل نظرية القيادة من القر�آن وال�سنة ،وهو �إ�شكال ميتد �إىل كثري من الق�ضايا واملوا�ضيع التي ي�سعى الباحثون املعا�صرون �إىل ت�أ�صيلها من القر�آن على اخل�صو�ص .ويتعلق الأمر ب�شح الن�صو�ص املبا�شرة يف املو�ضوع، مما ي�ضطر الباحث بنوع من التجوز �إىل البحث يف الن�صو�ص غري املبا�شرة ،وهي دائما وافرة وغزيرة وهنا ينت�صب ا�ستفهام منهجي بل و�أخالقي ،هل اللجوء �إىل الن�صو�ص غري املبا�شرة هو نوع من انقالب منهجي على احلقيقة؟ مبعنى و�ضع العربة �أمام احل�صان، وحتكيم العقل يف النقل ،وتقدمي الفقه على التف�سري ،مبا قد يفهم منه تقدمي الرتاث على الوحي! لتو�ضيح ذلك يف احلالة التي نحن ب�صددها� ،أ�شري �إىل �أن �أغلب الباحثني يف مو�ضوع ت�أ�صيل القيادة من القر�آن وال�سنة ،يلج�ؤون �إىل �شبكة وا�سعة من الن�صو�ص ،موجهة �أ�صال �إىل املكلفني عموما، وال تخت�ص بالقيادة ،وقد يكون لها وجه من �أوجه االرتباط ببناء نظرية القيادة يف الإ�سالم فيما يت�صل باملفاهيم� ،أو امليادين� ،أو امل�ستويات� ،أو ال�شروط� ،أو الق�ضايا التي ت�ؤ�س�س مفهوم القيادة، ولكنه ارتباط بعدي ،يت�أتى من تو�سيع النظر يف هذا املجال ،وقد يت�أتى من قراءة التجربة الإ�سالمية� ،أو حتى الإن�سانية ،املمتدة على طول التاريخ ال�سيا�سي للأمم. رمبا يت�أتى ذلك من النظر يف ما �أجنزه الفكر ال�سيا�سي ،والفكر الرتبوي ،والفكر الإداري ،يف املو�ضوع .ثم ال�سعي ب�أثر رجعي �إىل �إعادة ا�ستك�شافه يف ثنايا ن�صو�ص الوحي .وهذا يطرح علينا �س�ؤال النزاهة ،ويثري �إ�شكالية الإ�سقاط البعدي ملفاهيم خارج ن�صو�ص الوحي على هذه الن�صو�ص ،التي ت�صبح قابلة ال�ستيعاب �أي نوع من املفاهيم ،والتعاي�ش مع كل �أ�شكال النظريات يف املو�ضوع(.)1 قد يتجه الباحث يف هذا االجتاه ،حتت �ضغط الرغبة يف البحث عن مناطات للمو�ضوع يف القر�آن وال�سنة ،ولكن ينبغي توخي احلذر ال�شديد من الوقوع يف منزلق االف�تراء على الن�ص با�سم "الت�أ�صيل"� .صحيح �أنه لي�س كل �إ�سقاط ُمت َمحال ،ولكن يثور �س�ؤال منهجي �آخ��ر يت�صل بال�ضوابط العلمية ،واملنهجية للممار�سة الإ�سقاط ال�سليم ،بعيد ًا عن التكلف بل واالختالق �أحيانا ،كلما كان هناك رابط معقول بني الفكرة البعدية والن�ص القبلي.
42
و�سوف نلتزم بكل نزاهة يف هذا العر�ض ،باملزاوجة بني الت�ضييق املنهجي للمو�ضوع بالوقوف على الن�صو�ص املبا�شرة ،مع التو�سع املحدود يف املفاهيم القريبة يف �إطار ما ي�سمح به الإ�سقاط ال�سليم حتى لو كان مبفاهيم بعدية على ن�صو�ص قبلية� ،إال �أن الرابط ينبغي �أن يكون قريب ًا ومعقو ًال وطبيعي ًا ،وذل��ك �سعيا منا �إىل جتنب حمذوري �إفقار املو�ضوع �أو متييعه(.)2
-2معجم القيادة يف القر�آن وال�سنة:
مل ي�ستخدم ال��ق��ر�آن الكرمي م�صطلح القيادة بلفظه ،كما مل ي�ستخدم م�شتقاته على م�ستوى جذر الكلمة(ق و د)� ،أما م�شتقات جذر(ق د و) فقد ا�ستخدمت مرتني فقط� ":أُو َل ِئ َك ا َّل ِذينَ هَ دَ ى اللهَّ ُ َف ِب ُهدَ اهُ ُم ْ اق َت ِد ْه "(الأنعام َ ") 90و َك َذ ِل َك َما �أَ ْر َ�س ْل َنا ِم ْن ير �إِ اَّل َق َ اء َنا َع َلى َق ْب ِل َك فيِ َق ْر َي ٍة ِم ْن َن ِذ ٍ ال ُمترْ َ ُفوهَ ا �إِنَّا َو َج ْد َنا �آ َب َ �أُ َّم ٍة َو�إِنَّا َع َلى �آ َثا ِر ِه ْم ُم ْق َتدُ ونَ "(الزخرف .)23و�أما على م�ستوى املعنى فنجد ا�ستخدامات قر�آنية ع��دة مثل :كلمة الإم��ام��ة وم�شتقاتها":واجعلنا للمتقني �إماما"(الفرقان .)74وكلمة احلكم وم�شتقاتها ،من مثل قوله تعاىلَ ":و َل َق ْد �آ َت ْي َنا َب ِني �إِ ْ�س َرا ِئ َ يل اب َوالحْ ُ ك َْم َوال ُّن ُب َّو َة"(اجلاثية .)16وكلمة اخلالفة ،من مثل ا ْل ِك َت َ اك َخ ِلي َف ًة فيِ ْ أَ قوله تعاىلَ ":يا َدا ُوو ُد ِ�إنَّا َج َع ْل َن َ اح ُك ْم بَينْ َ ال ْر ِ �ض َف ْ َّا�س ِبالحْ َ قِّ " (�ص .)26 الن ِ وكذلك يف احلديث النبوي ،مل ترد كلمة قيادة بلفظها يف الكتب الت�سعة ،ولكن م�شتقاتها وردت �أكرث من 330مرة ،منها حديث جابر بن عبد اهلل �أن النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم -قال� ":أنا قائد املر�سلني وال فخر"(�سنن الدارمي)(.)3 وقد ا�ستعمل القر�آن الكرمي �أي�ضا م�صطلح �أمة مرة واحدة مبعنى يم َكانَ �أُ َّم ًة َقا ِن ًتا للِهَّ ِ َح ِني ًفا"(النحل)120 القيادة�":إِنَّ ِ�إ ْب َر ِ اه َ (.)4وكذلك من امل�صطلحات الدالة على القيادة م�صطلح الأ�سوة، فقد ورد يف القر�آن يف ثالثة موا�ضع من�سوبا يف �أوالها �إىل الر�سول ول اللهَّ ِ �أُ ْ�س َو ٌة �صلى اهلل عليه و�سلمَ ":-ل َق ْد َك��انَ َل ُك ْم فيِ َر ُ�س َِح َ�س َن ٌة"(الأحزاب ،)21وورد يف ثانيها منوطا ب�سيدنا �إبراهيم يم عليه ال�سالم -و�أتباعهَ ":ق ْد َكا َنتْ َل ُك ْم �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة فيِ �إِ ْب َر ِاه َ َوا َّل ِ��ذي��نَ َم َعهُ "املمتحنة ، 4-ومت الت�أكيد يف ثالثها على الأ�سوة ب�شكل مفتوحَ ":ل َق ْد َكانَ َل ُك ْم ِفيه ِْم �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة"(املمتحنة . )6 ولي�س مب�ستغرب �أن يكون م�صطلح الأ�سوة من م�صطلحات القيادة �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل وسطية لأن الت�أ�سي ال يكون �إال بالقادة ذوي الكاريزما الباهرة ،ومن هنا وجه الإ�شارة فيما �سلف �إىل م�صطلح الإقتداء الذي يقا�سم م�صطلح الأ�سوة املعنى ،كما يقا�سم م�صطلح القدوة اللفظ. -3ال�شروط العامة للقيادة يف القر�آن وال�سنة: ونق�صد بال�شروط العامة �أنها ال تتعلق بنوع واح��د من �أن��واع القيادة ،كالقيادة ال�سيا�سية� ،أو الرتبوية �أو الإدارية� ،أو غريها، فهذه لكل واح��دة منها على ح��دة� ،شروط خم�صو�صة تكميلية �أو حت�سينية ،ورمبا �أ�سا�سية� .أما ال�شروط العامة ،فاملق�صود بها ال�شروط التي ال تكون القيادة قيادة بدونها ،وال ي�صلح القائد �أن يكون قائدا �إال �إذا حتلى بال�صفات الآتية:
-1الق�صدية:
وذلك مبوجب الوعي بوجود غاية من خلق الإن�سان و�سعيه يف الأر�ض ،ت�ستوجب هذه الغاية �أن يكون ذا ر�سالة حمددة املعامل، منوطة به ،و�أن يعي ب�أنها �أ�سا�س حما�سبته بني يدي احلق واخللق �سواء ب�سواء .وذل��ك مبوجب قوله تعاىل� ":أَ َف َح ِ�س ْب ُت ْم َ�أنمَّ َ ��ا َخ َل ْق َن ُاك ْم َع َب ًثا َو�أَ َّن ُك ْم �إِ َل ْي َنا اَل ُت ْر َج ُعونَ "(امل�ؤمنون. )115- فالقائد الفاعل ال يلغو ،ال قوال وال فعال ،وهو دائم ال�ضجر من الأ�شياء التي ال جتدي نفعا .ذلك �أن الق�صدية حمرك لل�سعي، لن َْ�سانِ ِ�إ اَّل َما َ�س َعى َو�أَنَّ َ�س ْع َيهُ َ�س ْو َف ُي َرى، ومنتج للعملَ ":و�أَنْ َل ْي َ�س ِل ْ ِإ اء ْ أَ ال ْو َفى"النجم ،41/39-ولعل هذا يت�صادى مع ُث َّم ُي ْج َزا ُه الجْ َ َز َ قول الفيل�سوف ديفيد تورت "ال يكفي �أن تكون كادحا ،فالنمل �أ�شد كدحا ،ولكن املهم ما الذي تكدح من �أجله"(.)5
-2الإبداع:
لعل �أهم عنا�صر الإبداع ،يف �أغلب النظريات املف�سرة له هي معاداة التقليد ،وح�سن الب�صرية ،وترك الأحكام اجلاهزة ،والقدرة على املبادرة ،والنف�سية الإيجابية .وهذه العنا�صر التي تتجمع فت�شكل الإبداع ،كلها ندب �إليها الوحي ب�إحلاح وتكرار .فقد حارب الإ�سالم الآبائيةَ ":ق َ اء َنا َع َلى�أُ َّم ٍة َو�إِ َّن��ا َع َلى ال ُمترْ َ ُفوهَ ا �إِنَّا َو َج ْد َنا �آ َب َ �آ َثا ِر ِه ْم ُم ْق َتدُ ونَ "الزخرف ،23-كما حذر النبي �-صلى اهلل عليه اَ و�سلم -من املقلد الإمعة ،يف قوله":ل َت ُكو ُنوا �إِ َّم َع ًة َ ،تقُو ُلونَ � :إِنْ َّا�س َ �أ ْح َ�سنَّا َو�إِنْ َظ َل ُموا َظ َل ْم َناَ ،و َل ِك ْن َو ِّطنُوا �أَ ْنف َُ�س ُك ْم، �أَ ْح َ�سنَ الن ُ اءوا فَلاَ َتظْ ِل ُموا"(جامع �إِنْ �أَ ْح َ�سنَ الن ُ َّا�س �أَنْ تحُ ْ ِ�سنُوا َو�إِنْ �أَ َ�س ُ ري ٍة الرتمذي) .وب�ش�أن الب�صرية ،فقد �أمر بها ال َ أنبياء":ع َلى َب ِ�ص َ �أَ َنا َو َم ِن ا َّت َب َع ِني" (يو�سف )108وذلك حتى يقتحموا العقبات دون تردد �أو خوف. كما نهى الإ�سالم عن الأحكام امل�سبقة والآراء اجلاهزة ،ودعا اء ُك ْم للتبني وعدم الت�سرع يف احلكمَ ":يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا �إِنْ َج َ ا�س ٌق ِب َن َب ٍ�إ َف َت َب َّينُوا �أَنْ ُت ِ�صي ُبوا َق ْو ًما ِب َج َها َل ٍة َف ُت ْ�ص ِب ُحوا َع َلى َما َف ِ َف َع ْل ُت ْم َن��ا ِد ِم َ �ين "(احلجرات ،)6كما نهى الإ�سالم عن االنبهار بالأقوياء ،ودعا �إىل مفا�صلتهم �سبيال وحيدا للنجاة من النار: العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
ال�س ِبيل"الأحزاب،67- " �إِنَّا �أَ َط ْع َنا َ�سا َد َت َنا َو ُكبرَ َ َ اء َنا َف َ�أ َ�ضلُّو َنا َّ وب�ش�أن العقلية الإيجابية ،والتفا�ؤل حث النبي �-صلى اهلل عليه "ع ِج ْبتُ ِم ْن َق َ�ضاءِ اللهَّ ِ ِلل ُْم�ؤْ ِم ِن� ،إِنَّ �أَ ْم َر المْ ُ�ؤْ ِم ِن ُكلَّهُ َخيرْ ٌ ، و�سلمَ : َ اء َف َ�ش َك َرَ ،كانَ َخيرْ ً ا َلهُ َ ،و�إِنْ َو َل ْي َ�س َذ ِل َك �إِ اَّل ِلل ُْم�ؤْ ِم ِن� ،إِنْ �أ َ�صا َبتْهُ َ�س َّر ُ اء َف َ�صبرَ َ َ ،كانَ َخيرْ ً ا َلهُ "(م�سند الإمام بن حنبل). �أَ َ�صا َبتْهُ َ�ض َّر ُ كما �أن من مقت�ضيات التفا�ؤل النظر �إىل ما وراء الع�سر من رجاء الي�سر ،حتى ال يكون هناك م�ستحيل مع الإرادة والإ�صرار�":إِنَّ َم َع ا ْل ُع ْ�س ِر ُي ْ�س ًرا"(ال�شرح . )6
-3ال�شورى:
ي�ستحيل على قائد �أن يقود جمموعته كربت �أو �صغرت يف �أي اختبار �أو مهمة �أو حتد كرب �أو �صغر ،دون �أن ي�ستعني بال�شورى الوا�سعة وامللزمة .ويف هذا ال�صدد مدح القر�آن الكرمي املجموعة امل�سلمة ب�أنها " َو َ�أ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم"(ال�شورى ، )38كما وجه الأمر ال�صارم للقيادة العليا الإ�سالمية ،النبي الكرميَ ":و َ�شا ِو ْرهُ ْم فيِ ْ أ الَ ْم ِر"(�آل عمران . )159وقد �أح�سن القائد تلقي الأمر ومار�سه على �أو�سع نطاق ،رغم �أنه النبي املع�صوم ،وكانت ال�شورى مناط جناته وفالحه ،حتى يف املجاالت التي يتبادر �إىل الذهن �أن ال�شورى فيها غري �ضرورية� ،أو قد تكون م�ضرة ،مثل املجال الع�سكري .فقد مار�س النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم -ال�شورى يف كل معاركه ،و�أولها معركة بدر التي مار�س فيها ال�شورى يف �أولها يف موقفه مع الأن�صار ،ومار�سها يف الو�سط يف موقفه مع احلباب بن املنذر ،ومار�سها يف الأخري يف ق�ضية الأ�سرى .ومل يكتف بتنفيذ ا�س َت َخا َرَ ،وال َن ِد َم ال�شورى و�إمنا حث عليها غريه �أي�ضاَ ":ما َخ َ اب َم ِن ْ ا�س َت َ�شا َر"(املعجم الأو�سط للطرباين). َم ِن ْ
-4الت�أمل اخلالق:
ال ينجح القائد �أبدا يف تدبري مهام قيادته �إذا كان �أ�سري النظرة ال�سطحية �أو العجلى ،ولهذا تن�صح كل نظريات القيادة" ،بالنظر �إىل الأ���ش��ي��اء امل���أل��وف��ة نظرة غ�ير م���أل��وف��ة ،ومب��ج��اوزة الواقع وحتى املتوقع ،وال�سباحة يف عامل املتخيل ،بل وحتكيم اخليال �أحيانا"( .)6وقد نبه القر�آن �إىل ذلك با�ستعمال عبارات �شهرية من مثل"�أومل ينظروا""،فاعتربوا يا �أويل الأب�صار" وغريها كثري من ات َو ْ أَ ���ض ال�س َما َو ِ مثل قوله تعاىل�":أَ َولمَ ْ َين ُْظ ُروا فيِ َم َل ُك ِ ال ْر ِ وت َّ َو َما َخ َل َق اللهَّ ُ ِم ْن َ�ش ْيءٍ َو�أَنْ َع َ�سى�أَنْ َي ُكونَ َق ِد ْ اقترَ َ َب �أَ َج ُل ُه ْم َف ِب َ�أ ِّي يث َب ْعدَ ُه ُي�ؤْ ِمنُونَ "(الأعراف . )185 َح ِد ٍ
-5امل�صداقية:
�أ�شرنا �سابقا �إىل عالقة القيادة بالقدوة والأ�سوة .وجتد هذه العالقة �صداها يف كون القائد م�ضطرا �إىل التوجيه ،بل و�إىل الأمر والنهي ،بل و�إىل املعاقبة على املخالفة .ولكي يي�سر على نف�سه املهمة وجب �أن يبد�أ بنف�سه ،ويعطي القدوة منها ،وينت�صف منها �أمام �أتباعه قبل خ�صومه .كذلك فعل رب العزة وهو ال ُي�س�أل
43
م ق ا ال ت ا ل و سطية عما يفعل":يا عبادي �إين حرمت الظلم على نف�سي وجعلته بينكم حمرما فال تظاملوا"(حديث قد�سي ،م�سند �أحمد بن حنبل) ،من �أجل هذا مل ي�ستعمل القر�آن لفظة �شديدة الوط�أة ،هي لفظة "املقت" �إال مرتني� ،إحداها يف قوله تعاىلَ ":كبرُ َ َم ْق ًتا ِعنْدَ اللهَّ ِ �أَنْ َتقُو ُلوا َما اَل َت ْف َع ُلونَ "ال�صف ،3-وكذلك كان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم� ،صارما مع نف�سه �إىل درجة احلزم املطلقَ ":ل ْو اط َم َة ِبنْتَ محُ َ َّم ٍد َ�س َر َقتْ َل َق َط ْعتُ َيدَ هَ ا"(م�سند بن حنبل). �أَنَّ َف ِ فال عجب �أن جند الدرا�سات التطبيقية يف القيادة توجه للقائد التحذيرات الآتية: ال تقرتف ما تنهى عنه. كن عدال يف �أفعالك و�أقوالك. كن عادال بني �شركائك. كن معتدال يف �أفكارك وقراراتك. فكر مليا قبل اتخاذ القرارات. �أنت بني �شركائك كما تبدو لأول وهلة. ال تكن حازما فقط ،وكن الأحزم(.)7ولعل ه��ذا هو ال�سر يف ك��ون ال��ق��ر�آن الكرمي خلد تلك املحاورة النادرة بني اهلل -عز وجل -وعبده �إبراهيم ،حني ب�شره بالقيادة، ف���أراده��ا �إب��راه��ي��م خ��ال��دة م��ت��وات��رة يف عقبه م��ن ب��ع��ده ،فكان االعرتا�ض على هذه الرغبة ،على �شكل ا�ستثناء ملن يظلمَ ":ق َ ال ال َو ِم ْن ُذ ِّر َّي ِتي ۖ َق َ َّا�س �إِ َما ًما ۖ َق َ ال اَل َي َن ُ ال َع ْه ِدي �إِنيِّ َج ِ اع ُل َك ِللن ِ َّ الظالمِ ِنيَ"(البقرة. )124-
-6اال�ستيعاب:
توقف القر�آن الكرمي مرات متعددة عند خا�صية ح�سن اخللق عند ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم":-و�إنك لعلى خلق عظيم"، �إال �أن وجه ال�صلة بينه وبني �شخ�صية القائد هو �أن اخللق احل�سن ي�ساعد على ح�سن ا�ستيعاب الأتباع واخل�صوم على ال�سواء .ولهذا كان من ال�سمات القيادية البارزة عند ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم� -صفة اللني واحللم وال�صرب على الأذى وم�سايرة املحاور بالنزول عنده �إىل م�ستواه و�إىل الق�ضية التي ت�شغله ،حتى لو كانت هذه الق�ضية تافهة يف موازين الر�سالة .يبني القر�آن الكرمي بو�ضوح هذا الرابط يف قوله تعاىلَ ":ف ِب َما َر ْح َم ٍة مِنَ اللهَّ ِ ِلنْتَ َل ُه ْم َو َل ْو ُكنْتَ َف ًّظا َغ ِل َ اع ُف َع ْن ُه ْم يظ ا ْل َقل ِْب اَل ْن َف ُّ�ضوا ِم ْن َح ْو ِل َك ۖ َف ْ ال ْم ِر" (�آل عمران� ،)159-إال �أن هذا ا�س َت ْغ ِف ْر َل ُه ْم َو َ�شا ِو ْرهُ ْم فيِ َْ أ َو ْ الدين ال يتنافى مع احلزم و�إال لتحول �إىل نقطة �ضعف وعن�صر نق�ص تعوق القيادة عن �أداء مهمتها الرئي�سية التي هي":فن �سوق النا�س �إىل الهدف"( .)8ولهذا كانت تتمة الآية �ضرورية يف هذا ال�سياقَ ":ف ِ�إ َذا َع َز ْمتَ َف َت َوكَّلْ َع َلى اللهَّ ِ "(�آل عمران.)159- ولعل من �أه��م املقت�ضيات اخلارجية خللق اال�ستيعاب هو فن االبت�سامة الدائمة ،وال��ذي ك��ان ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه
44
بالب�سام .بل و�سلم -ميار�سه ويتقنه دوما حتى ُو�صف من �أ�صحابه ّ "كان �أحيانا ي�ضحك حتى تبدو نواجده" ،وكانت "تتهلل �أ�سارير وجهه" فك�أن "ال�شم�س جتري يف حمياه". ولعل من �أهم املقت�ضيات االجتماعية ح�سن خمالطة الأ�صحاب، حتى ال يكاد مييز القائد عنهم �شيء يف لبا�سه �أو طعامه �أو ركوبه �أو �شارته .ولقد كان الر�سول الأكرم املثال النادر لهذه اخل�صي�صة، �إذ كان يدخل عليه الأعرابي وهو يف جمع من �أ�صحابه فيقول: "�أيكم حممد" .كان "يجل�س كما يجل�س العبد ،وي�أكل كما ي�أكل العبد" .وكان �إذا �صافح �أحدهم ال ي�سحب يده حتى يكون ال�شخ�ص امل�صافح له من يفعل ذلك �أو ًال .وكان يف جمل�سه مع العدد الكثري من اجلل�ساء ُيح�سن الإقبال عليهم" ،حتى يظن كل واحد منهم �أنه الأثري لديه". كما �أنه لعل �أهم مقت�ضى داخلي ،يتعلق بال�شعور والإح�سا�س ،هو �سالمة ال�صدر جتاه حميط القائد ،ومن يتعامل معهم ،وعموم املرتبطني ب��ه .و�إمن���ا يكون امل��دخ��ل يف الغالب �إىل امل���ؤام��رات والد�سائ�س� ،أو �إىل املكر واخلديعة ،وقد ي�صل الأمر �إىل النكب واالبتالء ،مت�صال بغياب هذا ال�شرط املعنوي .ولقد حقق النبي �صلى اهلل عليه و�سلم -ذلك ،على �صعوبة توافره لدى القائد.والأع��ج��ب منه �أن���ه وف���ره بطريقة مناق�ضة لتوجه ال��ق��ادة ال�سيا�سيني عادة .فبد ًال �أن ي�شجع على تبليغه ب�أخبار و�سلوكات من حوله ،حتى ي�أمن غائلتهم على الأقل ،ف�إنه كان ينهى عن ذلك":ال حتدثوين عن �أ�صحابي ،ف���إين �أح��ب �أن �أخ��رج �إليهم و�أن��ا �سليم ال�صدر"!(�أخرجه �أحمد يف"امل�سند" ،و�أبو داود يف"ال�سنن") .ولعل من �أهم ثمار هذا املوقف املت�سامي� ،أال يكون له �-صلى اهلل عليه و�سلم "-خائنة الأعني" :فحني ا�ضطر �إىل العفو عمن ال ي�ستحق، وع ّلق بعد ان�صرافه على �أ�صحابه بقوله ":لو �أن �أحدكم عاجله. و�أجابوه :لوال �أ�شرت �إلينا يا ر�سول اهلل .كان جوابه احلازم" اَل الَ ْعينُ ِ "!(�سنن �أبي داود). َي ْن َب ِغي ِل َن ِب ٍّي �أَنْ َت ُكونَ َلهُ َخا ِئ َن ُة ْ أ فال عجب �إذن �أن ي�أمنه حتى املنافقون على �أنف�سهم ،و�أن يعي�شوا يف ظل دولته �آمنني على �أنف�سهم ،وهم ميكرون به بالليل والنهار، رغم �أنه كان قد �أوحي �إليه ب�أ�سمائهم واحد ًا واحد ًا ،وكان ُيطلع على �أفعالهم وخطواتهم واحدة بواحدة.
-7القوة املادية والفكرية:
لقد بني القر�آن الكرمي بو�ضوح ،يف حالة طالوت ملك بني �إ�سرائيل �أن القوة معيار �أ�سا�س يف التفا�ضل بني املتناف�سني على القيادة ال�سيا�سية ،ورمبا على غريها من �أنواع القيادات الأخرى .و�إذ اكتفى القر�آن بذكر �أن بني �إ�سرائيل قد وجه �إليهم الأمر لطاعة طالوت والتجهز باجلهاد حتت قيادته ،مبربر وحيد وبدهي وهو اال�صطفاء الإلهي"�إِنَّ اللهَّ َ َق ْد َب َع َث َل ُك ْم َطا ُل َ وت َم ِل ًكا"(البقرة ،)247-و�إذ اعرت�ض بنو �إ�سرائيل ،و�أف�صحوا عن رغبة جلية يف مناف�سة �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية املر�شح الإلهيَ ":و َن ْحنُ �أَ َحقُّ ِبالمْ ُل ِْك ِمنْهُ " (البقرة ، )247-ف�إن الوحي قد �أف�صح �سعيا �إىل احلزم عن املعيار الفي�صل لالختيار، َ ا�ص َط َفا ُه َع َل ْي ُك ْم َو َزا َد ُه ف�إذا به القوة وال �شيء غري القوة�":إِنَّ اللهَّ ْ َب ْ�س َط ًة فيِ ا ْل ِعل ِْم َوالجْ ِ ْ�س ِم" (البقرة� ،) 247-إنها القوة يف جتلياتها املادية(اجل�سم) وجتلياتها الفكرية(العلم). �أما العلم ،فال �شك �أن من �أبده البدهيات �أن يكون القائد على علم، وخ�صو�صا ما يت�صل باملجاالت املعرفية املبا�شرة الت�أثري يف جمال قيادته(.الإمام :فقه العبادات -مدير ال�شركة :علم الإدارة، القائد ال�سيا�سي :علوم ال�سيا�سة والديبلوما�سية والإ�سرتاتيجيا). ولعل هذا ما دفع فقهاء ال�سيا�سة ال�شرعية� ،إىل ا�شرتاط �أن يكون الإمام بالغا درجة االجتهاد ،وحتى من اعرت�ض منهم على هذا ال�شرط ،ف�إن اعرتا�ضه مل يكن من قبيل ت�صور عدم احلاجة �إىل هذا ال�شرط ،و�إمن��ا كان اعرتا�ضه من قبيل �صعوبة توفره يف املر�شح للخالفة دائما .وحتى ال ينق�ص القائد من معرفة ال �سبيل �إىل ح�سن الأداء بدونها ،فليزم �أن ي�ستدركه باختيار العلماء واخلرباء واملخت�صني ،ومداومة م�شاورتهم والإ�صغاء �إليهم ،كل ح�سب تخ�ص�صه يف املجال الذي يكون فيه معرفة القائد ناق�صة �أو متجاوزة. ولعل هذا ال�شرط ،من زمن طالوت �إىل زمننا هذا ،ي��زداد حدة و�إحلاحا .فلي�س هناك �أخطر من القائد اجلاهل ،وما َي ْ�ستجره اجلهل من غ��رور ورعونة وت�سرع ،ي���ؤدي �إىل اتخاذ القرارات الكارثية ،ولن ا�ستدل هنا ب�أمثلة من حكام اال�ستبداد ،فه�ؤالء دليل على البداهة ،و�إمن��ا �س�أ�ستدل بنموذج لأك�ثر دول العامل دميقراطية ،وهو الرئي�س الأمريكي جورج بو�ش الثاين ،الذي جمع بني اجلهل والغباء ف���أورد العامل املهالك� ،إذ �سهل بجهله ا�ستغالل اليمني املتطرف الأمريكي ملكانه يف البيت الأبي�ض،
ليفر�ض خمططاته ال�شريرة على العامل وخ�صو�صا امل�سلمني فكانت �أفغان�ستان والعراق وفل�سطني من �أبرز �ضحايا فرتة حكمه .ولقد �صدقت رئي�سة الدميقراطيني يف الكونغر�س الأمريكي "نان�سي بيلو�سي" ،على عهده حني خاطبته يف الكونغر�س ردا على دفاعه عن قراره بغزو العراق ،بقولها�":سيدي الرئي�س �أنت غبي وكذاب". و�إذا كان �شرط العلم ما زال على �أهميته بل ويزداد ،ف�إن �شرط القوة البدنية قد يبدو اليوم غري �ضروري بالنظر �إىل �أن احلاكم مل يعد يحتاج �إىل �أن يكون م�صارع ًا وال حتى ف��ار���س�� ًا ،ولكن احلقيقة �أن ال�سالمة البدنية على الأقل ما زالت �شرط ًا �ضروري ًا يف �سالمة القيادة والت�سيري .ولهذا حتر�ص القوى احلية من الدول الدميقراطية على تتبع الأحوال ال�صحية للحاكم رئي�سا كان �أو ملك ًا ،وال تت�سامح مع �أي حماولة لإخفاء تطور �سلبي يتعلق بها، وتعترب ذلك من اخليانة ،ومن قبيل خداع ال�شعب .وكلنا نذكر كيف غ�ضب الفرن�سيون حني ن�شر الطبيب اخلا�ص للرئي�س ميرتان مذكراته وذك��ر فيها الأح��وال ال�صحية املرتدية مليرتان خالل واليته الثانية ،والتي �أخفيت عن الر�أي العام حني تر�شحه لتلك الوالية .وكان املوقف نف�سه من ال�شعب الأمريكي حني ظهرت مذكرات طبيب روزفلت ،ومن ال�شعب ال�صيني حني ن�شرت مذكرات طبيب ماوت�سي تونغ.
خامتة:
هذه بع�ض معامل الر�ؤية القر�آنية والنبوية يف جمال القيادة، حاولنا �أن نبقى فيها ل�صيقني بن�صو�ص الوحي املبا�شرة يف املو�ضوع، ولو �شئنا �أن نتو�سع -بعيدا عنها -يف كتب الرتاث خ�صو�صا كتب ال�سيا�سة ال�شرعية حني حديثها عن �شروط الإمامة الكربى ،ملا و�سعتنا املجلدات.
املراجع: * �أبو احل�سن املاوردي ،الأحكام ال�سلطانية والواليات .1لإعطاء املثال على الإ�سقاطات امل�ضحكة نذكر بال�شيخ الدينية. الطنطاوي اجلوهري رحمه اهلل ،املف�سر امل�صري امل�شهور * بريان �أونيل ،اخترب مهاراتك القيادية. حني �سعى لت�أ�صيل نظرية داروين يف القر�آن من خالل قوله * جمال ما�ضي ،القيادة امل�ؤثرة. تعاىل":وقد خلقكم �أطوارا"! نوح.]14- * داين هوفر ،القيادة يف الأزمات. .2للداللة على خطورة املنزلق امل�شار �إليه ،فقد ذهب بع�ض * رم�ضان الزيان ،خ�صائ�ص القيادة الإ�سالمية يف �ضوء الباحثني مثال �إىل ا�ستخال�ص خم�سني �صفة قيادية عند الكتاب وال�سنة. متحي�صها ال ت�صمد منها ع�شر �صفات ي�ستطيع الباحث * زياد علي ،الفكر ال�سيا�سي والقانوين عند حممد بن املدقق االقتناع ب�سهولة �أنها موجهة �إىل خ�صو�ص القيادة، علي ال�شوكاين. �أما الباقي فجلي �أنه موجه �إىل عموم املكلفني� .أنظر على * �سعيد حوى ،ف�صول يف الإمرة والأمري. �سبيل املثال رم�ضان الزيان :خ�صائ�ص القيادة الإ�سالمية يف * �سنن الدارمي. �ضوء الكتاب وال�سنة ،بحث من�شور على الرابط االلكرتوين: * �صحيح البخاري. www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment. * �صحيح م�سلم. php?attachmentid .3نقال عن رم�ضان الزيان خ�صائ�ص القيادة الإ�سالمية يف �ضوء عبد العايل امليتي ،القيادة املبادئ والوظائف. * عماد الدين خليل ،حول القيادة وال�سلطة يف التاريخ القيادة وال�سنة� ،ص 1017بت�صرف ،مرجع �سابق. الإ�سالمي.
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
* حممد �شاكر ال�شريف ،الطريق �إىل اخلالفة �إمام احلرمني اجلويني. * حممد عبد النبي ،يف ظل ال�سرية. * حممد علي غامن الطويل ،كيف تكون قائدا مبدعا. * حممد حممد �أمزيان ،يف الفقه ال�سيا�سي :مقاربة تاريخية. * م�سند الإمام �أحمد بن حنبل. * امل�صحف ال�شريف. * املعجم الأو�سط للطرباين. * املعجم املفهر�س لألفاظ احلديث. * املعجم املفهر�س لألفاظ القر�آن. الدرا�سات واملقاالت: * عبد اهلل بن حممد العمرو ،املنهج يف رعاية القادة يف العهد النبوي وعهد اخلالفة الرا�شدة ،جملة جامعة الإمام ،عدد،52 1426هـ. * عبد الوهاب ال�شرعبي ،من داللة الكتاب وال�سنة يف �أمر القيادة.
45
م ق ا ال ت ا ل و سطية
من جمال الوقف اإلسالمي يعد الوقف واحدً ا من فرائد الأمة الإ�سالمية التي تفخر بها على غريها من الأمم ،وقد كان للوقف دور عظيم يف النه�ضة الإ�سالمية ،فعلى مدار التاريخ الإ�سالمي مل ينح�صر الوقف يف م�ساعدة املحتاجني و�سد عوز امل�ساكني ،بل كانت له اليد الطوىل يف �إثراء احلياة العلمية والثقافية واالجتماعية. ً حالة درا�سية ثرية للتعبري عن طبيعة احلياة والوقف ُيعد االج����ت����م����اع����ي����ة واالقت�صادية التي كان يعي�شها امل�سلمون يف ظ�����ل اخل�ل�اف���ة الإ����س�ل�ام���ي���ة ،وه��و كذلك يعك�س تعاليم ال�شريعة الإ�سالمية وج��م��ال��ه��ا يف الأم���ر ب��ال��ب��ذل وال��ع��ط��اء، ون�����ح�����ن يف ه����ذا املقال �سنعدد بع�ض اجل��وان��ب اجلمالية يف الوقف الإ�سالمي التي ّ قل ما ينتبه لها �أحدٌ يف ح�ضارة من احل�ضارات الأخرى ومن هذه اجلوانب اجلمالية ما ي�أتي: -1البعد النف�سي للفقراء :حتى يومنا هذا ما زالت النظرة للفقري على م�ستوى العامل تقوم على �إعطاءه ما يكفيه من الغذاء وامللب�س وال�سكن ،دون �أن يتطرق ذهنهم �إىل اجلانب النف�سي ،ودون �أن يت�صوروا �أن ه��ذا الفقري هو �إن�سان ،ذو م�شاعر و�أحا�سي�س مثله مثلنا ،و�أنه على الرغم مما هو فيه من �شظف عي�ش ،ف�إنه قد يتوق �إىل ما يتوق �إليه الغني .وعظماء امل�سلمني كان يدركون ذلك جيدً ا ،فتجد �أحدهم – على �سبيل املثال -يوقف وقف ًا على �صرف حلوى للأطفال الفقراء الذين يذهبون للكتاتيب؛ ليتعلموا القر�آن ويرون زمالءهم ي�شرتون احللوى من الباعة ،وهم ال يجدون ما ي�شرتون به ،فت�صرف لهم
46
�أ.حممد املراكبي
احللوى من مال الوقف حتى ال يحزنوا لذلك! ومن البديهي غذاء �أ�سا�سيا ميوت الأطفال لو مل ي�أكلوه، �أن احللوى لي�ست ً لكنها مراعاة لنف�سية الأطفال ال�صغار ومل�شارعهم ،ونحن نذكر يوم كنا �صغار ًا نذهب للكتّاب كيف كان فقراء الطلبة ي�أتون يلتم�سون منا بع�ض احللوى؛ لأنهم ال يجدون من املال ما ي�شرتون به احللوى مثلنا ،وكيف كان هذا يك�سر قلوبهم. ومما يذكر من هذا الباب �أن �أح��ده��م وق��ف وقف ًا على �أن ُيكرتى –ي�ؤجر- رج��ل��ان مي�����ران ب��ج��وار امل��ار���س��ت��ان -امل�ست�شفى ف��ي��ت��ح��ادث��ان بحيثُي�سمعون امل��ري�����ض ،وهو يظن �أنهم ال يعلمون �أنه ي�سمعهم ،وي����أخ���ذون يف احلديث كيف �أن وجهه قد �أ�شرق ،و�أن �صحته قد �أخ��ذت يف التح�سن ،و�أن الطبيب ذكر �أنه �سرعان ما �سيخرج من امل�ست�شفى معافى ،في�ستب�شر بذلك املري�ض وتتح�سن معنوياته مما ي�ساعد يف �سرعة �شفائه .ويذكر الدكتور القر�ضاوي من ذلك �أي�ضا �أن �أحدهم وقف وقف ًا ينفق منه على عدد من امل�ؤذنني رخيمي ال�صوت؛ لريتلوا الق�صائد الدينية طول الليل ،بحيث ُي َرتل كل منهم �ساعة ،حتى مطلع الفجر� ،سع ًيا وراء التخفيف عن املري�ض الذي لي�س له من ُيخفف عنه ،و�إينا�س الغريب الذي لي�س له من ي�ؤن�سه .وهذا بالإ�ضافة �إىل ما فيه من جمال ،يك�شف حنكة امل�سلمني يف املعرفة بالطب وعلومه ،وكيف �أنهم �أدركوا االرتباط القوي بني اجلانب النف�سي واجلانب الع�ضوي يف ج�سم الإن�سان. ومن نوادر الوقف �أي�ض ًا ما ينقله الدكتور ال�صالبي عن ابن بطوطة �أنه قال :مررت يو ًما ببع�ض �أزقة دم�شق ،فر�أيت به �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية ريا قد �سقطت من يده �صحفة من الفخار ال�صيني مملو ًكا �صغ ً وه��م ي�سمونها ال�صحن -فتك�سرت واجتمع عليه النا�س.فقال له بع�ضهم :اجمع �شقفها واحملها معك ل�صاحب �أوقاف الأواين .فجمعها وذهب الرجل معه �إليه ،ف�أراه �إياها فدفع له ما ا�شرتى به مثل ذلك ال�صحن .وهذا من �أح�سن الأعمال؛ ف�إن �سيد الغالم البد �أن ي�ضربه على ك�سر ال�صحن �أو ينهره ،وهو � ً ربا أي�ضا يك�سر قلبه ويتغري لأجل ذلك ،فكان هذا الوقف ج ً ريا من ت�سامت همته يف اخلري �إىل مثل للقلوب .جزى اهلل خ ً هذا .فانظر -رحمك اهلل� -إىل قوله �إنه يك�سر قلبه ويتغري لأجل ذلك ،وكيف �أن هذا الوقف لينجرب خاطر الغالم فال يفزع مما حدث. � -2أوق��اف الرفاهية :وهي �أوق��اف مل تكن تعنى ب�سد عوز الفقراء و�إطعامهم الكفاف ،بل كانت ترمي �إىل �أن جتعلهم يتذوقون حالوة الرفاهية والغنى .قال تعاىلَ " :ل ْن َت َنا ُلوا
ا ْلبرِ َّ َحتَّى ُت ْن ِفقُوا ممِ َّ ا تحُ ِ ُّبونَ َو َما ُت ْن ِفقُوا ِم ْن َ�ش ْيءٍ َف�إِنَّ اللهَّ َ ِب ِه يم "( �آل عمران الآي��ة )92ومن ذلك ما ينقله الدكتور َع ِل ٌ
يو�سف القر�ضاوي عن وقف وقفه �أحدهم لإع��ارة احللي والزينة يف الأع��را���س والأف���راح ،ي�ستعري الفقراء منه ما يلزمهم يف �أفراحهم و�أعرا�سهم ،ثم يعيدون ما ا�ستعاروه �إىل مكانه ،وبهذا يتي�سر للفقري �أن يربز يوم عر�سه بحلة الئقة، ولعرو�سه �أن تتجلى يف ُحلة رائقة ،حتى يكتمل ال�شعور بالفرح ،وتنجرب اخلواطر املك�سورة". ومن ذلك الوقف الذي �أقامه ال�سلطان نور الدين ال�شهيد قرب ربوة دم�شق لتنزه الفقراء و�أ�سرهم ،حيث جعل مكان ًا ف�سيح ًا جمي ًال ليتنزه فيه الفقراء ب�أوالدهم مثل ما للأغنياء؛ حتى ال ي�شعروا باحلرمان وامل�سكنة. ويقول الدكتور �أحمد �أبوزيد يف بحث له عن موائد الرحمن "�إن اخلليفة الفاطمي العزيز باهلل بنى دار ًا �سميت "دار الفطرة" خارج ق�صر اخلالفة بالقاهرة ،وقرر فيها �صناعة ما يحمل �إىل النا�س يف العيد من حلوى وكعك ومتر وبندق ،وكان يبد�أ العمل بدار الفطرة من �أول رجب �إىل �آخر رم�ضان ،وي�ستفيد منها الأمراء والفقراء ،حيث توزع عليهم �أ�صنافها ،وكان يعمل يف هذه الدار مئة �صانع للحلوى وغريها من امل�أكوالت ،عالوة على ما هو مرتب خلدمتها من الفرا�شني الذين يحفظون ر�سومها ومواعينها ،وجرت العادة يف هذا الع�صر �أن يح�ضر اخلليفة الفاطمي العزيز باهلل �إىل دار الفطرة ومعه الوزير
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
فيجل�س اخلليفة على �سريره ،ويجل�س الوزير على كر�سي ، وذلك يف الن�صف الثاين من �شهر رم�ضان ،ويدخل معهما قوم من اخل��وا���ص ،فيبا�شر توزيع الطعام على النا�س بنف�سه. وكذلك ما جاء يف وثيقة وقف الأم�ير �صرغم�ش من �أمراء املماليك� :أنه ي�صرف يف عيد الفطر من كل �سنة مائتا درهم نقرة ي�شرتي بها كعكا ومترا وبندقا وج�شكنانا ،ويفرق ذلك على الأيتام وم�ؤدبيهم ،وعلى ما يراه الناظر يف ذلك" .فت�أمل هداك اهلل -كيف كانوا يوقفون �أطايب الطعام و�أنف�سها منبندق وحلوى وكعك حتى توزع على الفقراء ،فيدخلهم من الفرحة مثل ما يدخل على الأغنياء ،وانظر ما يف هذا من نكت جميلة لطيفة. -3حقوق احليوان :ومن يقر�أ يف هذا الباب يدرك �أن امل�سلمني قد و�صلوا يف الع�صور الو�سطى �إىل ما مل ي�صل �إليه اليوم من �صدعوا ر�ؤو�سنا بق�سوة الإ�سالم على احليوان! فهناك �أوقاف كانت توقف لتطبيب احليوانات املري�ضة! و�أخرى تنفق على احليوانات التي كرب بها العمر وا�ستغنى �أ�صحابها عن خدمتها وتركوها دون طعام لتموت ،في�صرف لها طعام من مال الوقف حتى ينتهي �أجلها ،ويذكر الدكتور م�صطفى ال�سباعي �أن الأرا�ضي التي عليها ملعب دم�شق اليوم كانت موقوفة لهذا، وي�ضيف الدكتور "ومن �أوقاف دم�شق وقف للقطط ت�أكل منه وترعى وتنام ،حتى لقد كان يجتمع يف دارها املخ�ص�صة لها مئات من القطط الفارهة ال�سمينة التي يقدم لها الطعام كل يوم وهي مقيمة ال تتحرك �إال للريا�ضة والنزهة" وانظر �إىل قوله ال تتحرك �إال للريا�ضة والنزهة تظنه يتحدث عن �أمري من الأمراء ال عن قطط تده�س يف ع�صرنا كل يوم حتت عجل ال�سيارات. ويذكر امل���ؤرخ��ون �أن��ه يف العهد العثماين خ�ص�ص ن��وع من الوقف؛ ليوفر الذرة ونرثها على الثلوج؛ لكي ال متوت الطيور من اجلوع يف ف�صل ال�شتاء عندما يك�سو الثلج الأر�ض ،وتنقطع بالطيور �سبل التقاط الطعام ،وك��ان ميوت بع�ض منها من اجلوع .فت�أمل �-أكرمك اهلل -يف هذا ويف امل�شاهد التي نراها فيما ي�سمونه �صراع الثريان ،لتدرك �أين نحن و�أي��ن هم من حقوق احليوان� .أعاد اهلل علينا تلك الأيام عاجال غري �آجل ..يا رب!
47
م ق ا ال ت ا ل و سطية
اإلعالم في اإلسالم
�أم��ا الإع�لام يف الإ�سالم فيعرف ب�أنَّه" :ا�ستخدام منهج �إ�سالمي ب�أ�سلوب فني �إعالمي ،يقوم به م�سلمون عاملون عاملون بدينهم ،متفقهون لطبيعة الإع�ل�ام وو�سائله احلديثة وجماهريه املتباينة ،م�ستخدمني تلك الو�سائل املتطورة؛ لن�شر الأفكار املتح�ضرة ،والأخبار احلديثة، والقيم وامل��ب��ادئ واملُ�� ُث��ل للم�سلمني ولغري امل�سلمني يف كل زمان ومكان يف �إطار املو�ضوعية الكاملة؛ بهدف التوجيه والتوعية ،والإر�شاد لإحداث الت�أثري املطلوب".
�أو ًال � :أ���ص��ول الإع�ل�ام يف الإ���س�لام و�سنتحدث كماي�أتي: الإع�لام موجود منذ ا�ستخلف اهلل الإن�سان على هذه الأر���ض ،و منذ بد أ� الب�شر يتعرفون على بع�ضهم البع�ض
د .ن�سيبة حما�سنة
ب�سم اهلل الرحمن الرحيم
احلمد هلل الذي ارت�ضى لعباده هذا الدين القومي ،و�صلَّى قواعدَ ري املر�سلني ،الذي علَّم �أ َّمته ِ اهلل و�سلَّم وبا َرك على خ ِ احلالل واحلرام ،و َر ِ�ضي اهلل عن � ْأ�صحابه ال ُهداة الأعالم، وعلى �آ ِله و�أتْباعه ال ِكرام �أ َّما بعدُ : ٌ إعالم َ وداللة على رعه، ب�ش ِ ف�إنَّ الدعوة �إىل اهلل -تعاىل ٌ � - والتداعي ِدي ِنه وهَ د ِيه ،و�أ َّمة الإ�سالم �أ َّمة الدعوة �إىل احلق، ِ �إىل اخلري ،والإعالم يف الإ�سالم ال َين َف ُّك عن الدعوة ؛ لأنَّه يف حقيقته َبال ٌغ ُمب ٌ ني حلقائق هذا الدِّ ين ،و�إي�ضاح بحقائق الدين الإ�سالمي امل�ستمدة من كتاب اهلل و�سنة ر�سول�-صلى ٌ عبادة �سامية َ تن�ض ِبط اهلل عليه و�سلم , -والإعالم بالإ�سالم إخال�صا وتوحيدً ا ،م�صداقا لقول اهلل بالتوجه �إىل اهلل � ً ُّ للِهَّ ُ َ لمَ تعاىل ( :قلْ �إِنَّ َ�صال ِتي َو ُن ُ�س ِكي وَمحَ ْ َيايَ وَممَ َ ا ِتي ِ َر ِّب ا ْل َعا ِ َ ني َ ال َ�ش ِر َ يك َلهُ َو ِب َذ ِل َك �أُ ِم ْر ُت َو َ�أ َنا �أَ َّو ُل المْ ُ ْ�س ِل ِم َ ني ) (الأنعام162 : . )163والإع�لام يف اللُّغة م�شتق من �أَ ْع َل َم ،يقال� :أَ ْع َل َمهُ ِ�إ ْعال َم ًا، مبعنى �أخربه �إخبار ًا.
48
ّا�س ِ �إ َنّا َخ َل ْق َن ُاك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َن ُاك ْم ُ�ش ُعو ًبا ( َيا �أَ ُّي َها ال َن ُ َ َ َ هّ هّ يم َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِ َّن �أَك َْر َم ُك ْم ِعنْدَ ِ الل �أَ ْت َق ُاك ْم �إِ َّن الل َع ِل ٌ َخ ِب ٌري ) .والإع�لام ب��د�أ مع �سيد اخللق عندما نزل عليه جربيل -عليه ال�سالم -بقول اهلل تعاىلْ : ا�س ِم َر ِّب َك (اق َر�أْ ِب ْ ا َّل ِذي َخ َل َق).
وغريها من الآيات الكثرية التي ت�صلح � ْأن تكون �أ�ص ًال من �أ�صول الإعالم يف الإ�سالم ،ولعل من نعمة اهلل علينا �أن ت�شهد ال�ساحة الإ�سالمية يف الآون���ة الأخ�ي�رة �صحوة �إ�سالمية مباركة ،تنطلق من الإح�سا�س باحلاجة �إىل تطوير مناهج الإ�صالح يف حياة امل�سلمني ،مبا يتوافق مع �أ�صالة املنهج الإ�سالمي؛ باعتباره �صاحل ًا لكل زمان ومكان، ومب��ا ي�ستوعب متغريات املرحلة الراهنة التي يعي�شها امل�سلمون .
ثاني ًا :ملاذا نحتاج �إىل الإعالم الإ�سالمي؟؟
ت�ستند املطالبة واحلاجة �إىل وجود �إعالم ا�سالمي �إىل عدة مربرات منها: �-1أن الإ���س�لام هو منهج �شامل للحياة بكافة جماالتها وجوانبها .وقد ر�سم الإ�سالم حياة الإن�سان لتتوافق مع الغاية الرئي�سة من وجوده �أال وهي ا�ستخالفه يف الأر�ض؛ لعمارة الكون وفق �شرعه ،وتتجلى �أهمية �صياغة النظام الإع�لام��ي :فل�سفة وغاية ومنهج ًا وممار�سة� ،صياغة �إ�سالمية يف ���ض��وء �إدراك��ن��ا لأهمية الإع�ل�ام يف حياة املجتمعات ،وخطورة ما يقوم به يف الت�أثري على الأفراد واجلماعات. �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية -2ملا يواجه امل�سلمون اليوم يف خمتلف �أقطارهم ومواطنهم غزو ًا فكري ًا وثقافي ًا وح�ضاري ًا ،ومل َي ُعد هذا الغزو احل�ضاري ال�شامل مق�صور ًا على الو�سائل التقليدية للغزو من كتب ا�ست�شراقية� ،أو مذاهب ه ّ��دام��ة ،بل انتهى ع�صر الغزو اال�ستعماري اال�ست�شراقي املبا�شر ،و�أن الغزو احل�ضاري الذي تواجهه الأمة الإ�سالمية ي�ستخدم و�سائل جديدة، تعرب طريقها �إىل الأجيال ال�صاعدة ،و العقول املثقفة ،عن طريق اخلرب الذي تبثه وكالة الأنباء ،والتحليل ال�سيا�سي، ال��ذي تكتبه ال�صحيفة وال�صورة التي تر�سلها الوكاالت امل�صورة واالنرتنت ،حيث �أن هذا الغزو احل�ضاري الرهيب يعمل على زعزعة مبادئ الإ�سالم وقيمه ،وهدم �أخالقياته ربة عن دينهم ومثله يف نفو�س �أبناء امل�سلمني؛ لين�شئوا يف ُغ ٍ وح�ضارتهم وتراثهم ، ،لذلك البد من مواجهته املواجهة ال�صحيحة التي ال تكتفي بالتنديد وال�صراخ ،بل بتطوير �إ�سرتاتيجية فعاله تقوم على �أمرين هامني هما: �أو ً ال :توجيه الإعالم يف الدول الإ�سالمية نحو الأ�صالة النابعة من قيم الإ�سالم ومبادئه ،وتوفري الدعم املنا�سب ل�صنع البدائل الإ�سالمية التي تقف يف مواجهة ما يقدمه الغرب. ثانيا :تنقية الإعالم � -إىل جانب التعليم -من امل�ؤثرات الغربية العلمانية والإحلادية ،وتفنيد ما تقدمه و�سائل الإع�لام الغربية من مفا�سد وانحرافات وبيان �أ�ضرارها مبنطق مقنع و�أدلة داح�ضة. وهذه املواجهة الواقعية للغزو الفكري والثقايف يف �صورتها ال�شاملة املتكاملة لن ميكن حتقيقها �إ َّ ال عندما ترت�سخ يف �أذهان امل�سلمني ال�صورة احلقيقية للإعالم الإ�سالمي.
ثالث ًا :م��ا ه��و الإع�ل�ام الإ���س�لام��ي ال��ذي نريده ونطمح �إليه؟؟
تختلف نظرات النا�س ح��ول الإع�ل�ام الإ�سالمي ما بني ال��ن��ظ��رة اجل��غ��راف��ي��ة ،وال��ن��ظ��رة ال��ت��اري��خ��ي��ة ،والنظرة الواقعية التجزيئية .فالنظرة اجلغرافية تفهم الإعالم الإ�سالمي على اعتبار �أنه الإعالم ال�صادر من دول العامل الإ�سالمي ،وتكاد هذه النظرة �أن تكون النظرة ال�سائدة يف الدرا�سات الأجنبية عن الإعالم الإ�سالمي. وال��ن��ظ��رة التاريخية ل�ل�إع�لام الإ���س�لام��ي تكاد حت�صر الإعالم الإ�سالمي يف �إطار زمني �ضيق ،فتوحي ب�أن الإعالم العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
الإ�سالمي ممار�سة حمدودة يف فرتة زمنية معينة ،مثل تلك الدرا�سات التي تتناول الإع�لام وو�سائله يف عهد النبوة �أو اخللفاء الرا�شدين �.إن النظرة التاريخية للإعالم حتجم هذا الإعالم وت�ص ّوره الإ�سالمي ،نظرة قا�صرة� ،إذ ّ على �أنه �إع�لام ينف�صل عن الواقع ،ويبتعد عن معاجلة ق�ضايا الع�صر واال�ستفادة من معطياته ومنجزاته .واحلقُّ �أن الإعالم الإ�سالمي لي�س مرتبط ًا بفرتة زمنية ،ولي�س حمدود ًا مبكان ،بل هو منهج يتجاوز حدود الزمان واملكان. �أما النظرة الواقعية التجزيئية للإعالم الإ�سالمي ،فهي نظره غري منطقية ،حتجم ه��ذا الإع�ل�ام ،وتف�صله عن الواقع .وهذه النظرة ذات �أثر خطري يف حياة امل�سلمني؛ لأنها تف�صل الإع�ل�ام بن�شاطاته الوا�سعة ،عن الهدى الإ�سالمي ،وتكتفي بتحكيم الإ�سالم يف جزءٍ من الن�شاط الإعالمي. �إنَّ املفهوم احلقّ للإعالم الإ�سالمي هو املفهوم املنهجي، الذي ال يجعل مقايي�س الإعالم مبنية على �أ�سا�س احلدود اجلغرافية واملكانية� ،أو الو�ضعية التاريخية املحدودة، �أو املمار�سة الواقعية اخلاطئة للإعالم ،بل يبنى تلك املقايي�س واملعايري على �أ�سا�س املنطلقات الرئي�سة ،والأطر الفكرية واالجتماعية والإن�سانية املنبثقة م��ن روح الإ�سالم ومبادئه. �إن الإعالم الإ�سالمي -بهذا املفهوم املنهجي -روح ت�سري يف الن�شاط الإعالمي كله ،ت�صوغه ،وحتركه وتوجهه منذ �أن يكون فكر ًة �إىل �أن يغدو عم ًال منتج ًا متكام ًال ،وبذلك ي�صبح الإعالم الإ�سالمي منهج ًا قومي ًا ت�سري وفقه جميع الن�شاطات الإعالمية يف كافة الو�سائل ،والقنوات دون �أن يحيد ن�شاط واح��د منها عن الطريق ،وفهم الإع�لام الإ�سالمي بهذه ال�صورة ال�شاملة ،ين�سجم مع احلقيقة الأ�صلية لهذا ال��دي��ن ،وه��ي �أن��ه منهج �شامل للحياة، ، وه��ذا املفهوم للإعالم الإ�سالمي ،يحقق يف حياة الأمة الإ�سالمية على الدوام اال�ستقرار والتوازن ،ويخل�صها من �آث��ار االزدواج��ي��ة والتناق�ض وال�صراع التي تعاين منها الأمة ،كلما ابتعدت عن منهج اهلل.
49
م ق ا ال ت ا ل و سطية
الفكر اإلسالمي
في معترك التحديات د� .إ�سماعيل ال�سعيدات
احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف خلق اهلل واملر�سلني �سيدنا حممد وعلى �آله و�أ�صحابه �أجمعني ,وبعد:
تعريف الفكر
قبل احلديث عن مفهوم الفكر الإ�سالمي،والتحديات التي تعرت�ض معرتكه احل�ضاري�,أرى �ضرورة حتديد مفهوم الفكر يف اللغة واملعاجم القدمية واحلديثة ،وم��ا ا�شتمل عليه ال��ق��ر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ال�شريفة من �ألفاظ عن الفكر،حتى يتجلى لنا بو�ضوح �أهم التحديات التي تواجه الفكر الإ�سالمي ،وكيفية جتاوزها والتغلب عليها،وال�سعي نحو التقدم القيادة والريادة والتميز يف كل زمان ومكان وحال ، ولهذا ف�إن امل�سلمني يطلب منهم اليوم الوقوف �صف ًا واحد ًا يف وجه التحديات التي تعرت�ض طريق تقدم الفكر الإ�سالمي, فيجب على امل�سلمني �أن يحملوا هذه امل�س�ؤولية ب�أمانة ,و�أن ي�سعوا بكل ما �أتوا من قوة و ِنعم ربانية لن�شر الإ�سالم والنور املبني �إىل الب�شرية و�إىل العامل �أجمع.
الفكر يف اللغة
عرف ابن منظور يف ل�سان العرب الفكر بقوله :الفكر، والفكر � :أعمال اخلاطر يف ال�شيء ،والتفكر ا�سم التفكري، ()1 ومنهم من قال فكري .وقال اجلوهري :التفكر :الت�أمل وعرفه الفريوز �آبادي بقوله :الفكر ،بالك�سر ويفتح� ،أعمال ()2 النظر يف ال�شيء كالفكرة
الفكر يف املعاجم احلديثة واملعا�صرة
يقول جميل �صليبا " :وجملة القول �أن الفكر يطلق على الفعل الذي تقوم به النف�س عند حركتها يف املعقوالت� ،أو يطلق على املعقوالت نف�سها ،ف�إذا �أطلق على فعل النف�س دل على حركتها الذاتية ،وهي النظر والت�أمل ،و�إذا �أطلق على املعقوالت دل على املفهوم الذي تفكر فيه النف�س "( ,)3وعرفه
50
�صاحب (املعجم الو�سيط) بقوله " :الفكر �إعمال العقل يف املعلوم للو�صول �إىل معرفة املجهول ,والفكرة :ال�صورة ()4 الذهنية لأمر ما" و�أما �صاحب املو�سوعة الفل�سفية فقد ذكر عدة تعريفات منها :الفكر هو " :النتاج الأعلى للدماغ كمادة ذات تنظيم ع�ضوي خ��ا���ص ،وه��و العملية االيجابية التي بوا�سطتها ينعك�س العامل املو�ضوعي يف مفاهيم و�أحكام ونظريات ,وهو ال�شرط اجلوهري لأي ن�شاط �آخر ،طاملا �أن هذا الن�شاط هو ()5 نتيجته املجملة واملتمثلة ،والكالم هو �صورة الفكر" الفكر يف القر�آن الكرمي ()6 لقد وردت م�شتقات الفكر يف القر�آن الكرمي يف عدة موا�ضع ، ب�صيغة الفعل ،ولكرثتها نذكر منها قوله تعاىل : ات َو َما فيِ ْ أ ال�س َما َو ِ �ض َجمِيع ًا ِّمنْهُ �إِنَّ فيِ الَ ْر ِ �أَ (-و َ�سخَّ َر َل ُكم َّما فيِ َّ ات َّل َق ْو ٍم َي َت َفك َُّرونَ ) ( اجلاثية )13 َذ ِل َك َلآ َي ٍ ب�( -إِنَّهُ َفك ََّر َو َقدَّ َر ) ( املدثر .)18 جَ ( -ل ْو �أَ َ ا�ش ًعا ُّم َت َ�صدِّ ًعا نز ْل َنا هَ َذا ا ْلق ُْر�آنَ َع َلى َج َب ٍل َّل َر َ�أ ْي َتهُ َخ ِ
ِّم ْن َخ ْ�ش َي ِة اللهَّ ِ َو ِتل َْك الأَ ْم َث ُ َّا�س َل َعلَّ ُه ْم َي َت َفك َُّرونَ ) ال َن ْ�ض ِر ُب َها ِللن ِ
(احل�شر )21
الفكر يف احلديث النبوي ال�شريف
وردت كلمة الفكر يف عدة موا�ضع ،وفيما ي�أتي بع�ض الأمثلة: �أ -وردت كلمة الفكر يف �صحيح البخاري يف �أرب��ع موا�ضع، واحدة بلفظ البخاري ،والباقي بلفظ القر�آن الكرمي ،منها الباب الذي افرده البخاري ملا حتت كتاب ال�صالة " :باب يفكر الرجل ال�شيء يف ال�صالة". ب -وردت كلمة الفكر يف �صحيح م�سلم يف مو�ضعني ،واحد منهما بلفظ م�سلم يف باب ف�ضل دوام الذكر والفكر يف �أمور الآخرة واملراقبة ،والثاين يف كتاب الزهد والرقائق. �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية الفكر عند بع�ض العلماء واملفكرين قدمي ًا وحديث ًا
نظر ًا لطبيعة املعرفة العلمية يف الإ�سالم يف الع�صور الأوىل, ووجود العلماء واملفكرين يف خمتلف العلوم ،وظهور تباين بينهم يف حتديد املعاين العامة للفكر ،و�إمنا جاء يف كثري من امل��رات ب�صيغة العقل والت�أمل والتدبر والنظر ،وفما ي�أتي بع�ض التعريفات املعطاة لهذا املفهوم: �أ -قول �أبي حامد الغزايل " :اعلم �أن معنى الفكر هو �إح�ضار معرفتني يف القلب لي�ستثمر منهما معرفة ثالثة"( )7وقد جعل الفكر مرادف ًا للت�أمل والتدبر. ب -وبالن�سبة لإم���ام احل��رم�ين اجلويني،يدل الفكر على النظر،يقول":والنظر يف ا�صطالح املوحدين هو الفكر الذي يطلب به من قام به علم ًا �أو غلبة ظن؛ ثم ينق�سم النظر �إىل ()8 ق�سمني� :إىل ال�صحيح و�إىل الفا�سد" ج -ويعرفه التهانوي بقوله " :وال �شك �أن النف�س تالحظ املعقوالت يف �ضمن تلك احل��رك��ة ،فقيل :الفكر ه��و تلك احلركة والنظر هو املالحظة التي يف �ضمنها ،وقيل لتالزمهما ()9 �أن الفكر والنظر مرتادفان" د -وعرفه عبد الرحمن الزنيدي " :والفكر يف امل�صطلح الفكري –والفل�سفي خا�صة -ه��و الفعل ال��ذي تقوم به النف�س عند حركتها يف املعقوالت� ،أي النظر والت�أمل والتدبر واال�ستنباط واحلكم ،ونحو ذلك .وهو كذلك املعقوالت نف�سها، ()10 �أي املو�ضوعات التي انتجها العقل الب�شري" هـ -وعرفه طه جابر العلواين بقوله " :الفكر ا�سم لعملية ت��ردد القوى العاقلة املفكرة يف الإن�سان� ،سواء �أك��ان قلبا �أو روح��ا �أو ذهنا بالنظر والتدبر ،لطلب املعاين املجهولة من الأمور املعلومة� ،أو الو�صول �إىل الأحكام �أو الن�سب بني ()11 الأ�شياء"
تعريف الفكر الإ�سالمي
يعترب كلمة الإ�سالمي من املحددات وال�ضوابط التي ي�ضبط بها مفهوم الفكر هنا ؛ �إذ الإ�سالمية هي الإطار العام واملحور الرئي�سي الذي يدور حوله هذا املفهوم ,و�إ�سهام ًَا يف تقريب مفهوم الفكر الإ�سالمي وت�صحيح ال��ر�ؤي��ة املغلوطة التي �شاعت حوله ،نقول مع جمموعة من الباحثني على �أن الفكر الإ�سالمي هو : �أ -كل ما �أنتجه امل�سلمون من �أفكار منذ البعثة النبوية �إىل يومنا احلا�ضر ،يف كل ميادين املعرفة الكونية املت�صلة باهلل �سبحانه وتعاىل وال��ع��امل والإن�����س��ان ،وه��و كذلك ما �أف��رزه امل�سلمون يف ظل الإ�سالم من �أفكار ،و�أطروحات اجتهادية العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
ب�شرية يف �شتى �سائر العلوم املختلفة من فل�سفة ،وفقه، و�أ�صول ،وت�صوف ،وعلوم �إن�سانية �أخرى.وبهذا ف�إن كل فكر ب�شري متخ�ض عنه فكر م�ستقل ،ومل ينطلق من مفاهيم الإ�سالم وقواعد الإ�سالم الثابتة والقطعية كما جاءت يف القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ال�صحيحة ،ال ميكن و�صفه ب�أنه فكر �إ�سالمي ؛ لأن قولنا "فكر �إ�سالمي" يعني و�صفنا �إياه ب�صفة الإ�سالمي ،ولي�س من املنطق ال�سليم �أن يح�سب فكر ما على الإ�سالم ،وهو لي�س ب�إ�سالمي ،بل ن�صفه ب�أنه فكر عام مل ينطلق من نظرة �إ�سالمية ثاقبة،و�إمنا انطلق من �أديان وعقائد ومناهج �أخرى ،تقرتب من الإ�سالم حين ًا ،وتبتعد عنه �أحيانا �أخرى(.)12 وال �شك �أن الفكر الإ�سالمي قد واجه منذ بدء الدعوة الإ�سالمية �أخ��ط��ار ًا وحتديات ا�ستهدفت ت�شويه الإ�سالم, واحل��د من انت�شاره ,والكيد للإ�سالم وامل�سلمني ,وحماولة ا�ستئ�صاله ،وباءت هذه املحاوالت بالف�شل قدمي ًا وحديث ًا؛ لأن اهلل تعاىل تكفل بحفظ دينه ،و�أهله املتم�سكني به ،وقد هم الدفاع عن هذا الدين ،وعن ر�سالة الإ�سالم حمل امل�سلمون ّ اخلالدة التي جاءت رحمة للعاملني ،فلقد كان لزام ًا عليهم �أن يبلغوا الدعوة الإ�سالمية �إىل م�شارق الأر�ض ومغاربها, وي�برزوا ال�صورة احلقيقية امل�شرقة للإ�سالم،ويقوم بالرد على االفرتاءات واالتهامات التي يتهم بها هذا الدين ،والتي �شكلت حتديات واجهت امل�سلمون ،والتحديات التي تواجه امل�سلمني ت�شكل خطر ًا على �ضروراتهم اخلم�س،حتتاج منهم �إىل وقفة ملراجعة �أنف�سهم ,و�إع��ادة بناء هممهم ،و�إدراك متطلبات ع�صرهم ،والتغلب على ه��ذه التحديات،وعدم التقاع�س،وال�ضعف،والوهن ،حتى ُيكتب لهم البقاء والنجاح، واال�ستمرار،فهل ا�ستعد امل�سلمون ملواجه تلك التحديات ،وبذل اجلهد للتغلب عليها ؟ومن التحديات املهمة التي اعرت�ضت طريق الفكر الإ�سالمي هي ال�ضعف ال��ذي �أمل بامل�سلمني ؛ ب�سبب ع��دم متا�سكهم مببادئ الإ���س�لام ال�سمحة القائمة على الو�سطية واالعتدال والتوازن يف كل جماالت احلياة املادية والروحية ,ف ُيعد هذا التحدي من التحديات اخلطرية التي واجهت الفكر الإ�سالمي ؛ فامل�سلمون اليوم �ضعفاء ال ي�ستطيعون �أن يحموا �أنف�سهم,فقد دب فيهم داء ال�ضعف, ف�صدق فيهم قوله �-صلى اهلل عليه و�سلم(( :-يو�شك الأمم �أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على ق�صعتها ،فقال قائل :وم��ن قلة نحن يومئذ ؟ ق��ال :ب��ل �أنتم يومئذ كثري, ولكنكم غثاء كغثاء ال�سيل ،ولينزعن اهلل من �صدور عدوكم
51
م ق ا ال ت ا ل و سطية املهابة منكم وليقذفن اهلل يف قلوبكم الوهن،فقال قائل :يا ر�سول اهلل وما الوهن ؟ قال:حب الدنيا وكراهية املوت)(,)13 ومن خالل هذا احلديث يربط ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بني ال�ضعف ال��ذي �أ���ص��اب امل�سلمني يف ه��ذه الدنيا، واالفتقار �إىل الوحدة،والرتابط الذي �أدى �إىل ت�سلط العدو عليهم ،وتفكيك �أخوتهم ،و�إذا ك��ان ه��ذا التحدي اخلطري الذي يواجه الفكر الإ�سالمي،ف�إن قوة الإميان،ووحدة الأمة الإ�سالمية وتقواها ،هي العالج لذلك التحدي ،فاحلقيقة التي يجب تر�سيخها يف نفو�س امل�سلمني هي الرتكيز على �ضرورة الوحدة الإ�سالمية ،والرتابط الإمي��اين بني �أفراد املجتمع الإ�سالمي،والوقوف يف وجه تلك التحديات التي تواجهها ،و�إزال��ة كل �أ�سباب ال�ضعف التي حلت بامل�سلمني، بال�سعي نحو الإ�صالح بني النا�س ،وبالكلمة الطيبة التي ت�ؤدي �إىل �إحالل ال�سالم بدل النزاعات واخلالفات ،وامل�شاكل بني النا�س ,و�إحالل الود حمل اخل�صام واجلفاء . ومن التحديات الأخرى املهمة التي واجهت الفكر الإ�سالمي يف معرتكه احل�ضاري العوملة والتي هدفت �إىل احلد من انت�شار الإ�سالم،والق�ضاء عليه ،والتوجه نحو الأنظمة التي ميكن لها حتقيق ُمثل ومبادئ وقيم عليا حتقق ال�سعادة لهم ،بعيد ًا عن الفكر الإ�سالمي ،ولكن �أنى لهم ذلك يف ظل نه�ضة احل�ضارة
الإ�سالمية وتفوقها على غريها من احل�ضارات ،وللعوملة تعريفات كثرية وخمتلفة ومتفاوتة ح�سب �أفكار ،واجتاهات ال ُكتاب ومن ال�صعب تعريفها تعريف ًا واحد ًا ،وميكن �أن نذكر عدد ًا من هذه التعريفات على �سبيل املثال ال احل�صر ،فيعرفها �صادق العظم على �أنها ":اجتاه الإن�سانية نحو الر�أ�سمال ّية وحتت �سيطرة دول املركز وقيادتها ،ويف ظل �سيادة نظام ويعرفها عبد الباري د ّرة " : عاملي للتبادل غري املتكافئ(ّ ،)14 ب�أنّها ظاهرة �أو حركة معقّدة لها �أبعاد اقت�صاد ّية ،و�سيا�س ّية، ري واجتماعية ،وح�ضارية،وثقاف ّية ،وتكنولوج ّية لها ت�أث ٌ ٌ عميق يف حياة الأف��راد ،واملجتمعات ،والدول"( ،)15وميكن القول ب�أن كلمة العوملة ":تلخ�ص يف كلمتني :كثافة انتقال املعلومات و�سرعتها �إىل درجة �أ�صبحنا ن�شعر �أننا يف عامل واحد موحد " (.)16 والإ�سالم يرف�ض العوملة ب�سبب عدم خ�ضوعها للت�شريعات الإ�سالمية ال�سمحة التي جاء بها ,والتي تهدف �إىل حتقيق اخلري للنا�س جميع ًا ،من خالل :الدعوة على التعارف الذي يو�صل �إىل العمل ال�صالح،والتقوى ،امتثا ً ال لقوله تعاىلَ (:يا
َّا�س �إِنَّا َخ َل ْق َن ُاكم ِّمن َذ َك ٍر َو�أُن َثى َو َج َع ْل َن ُاك ْم ُ�ش ُعوب ًا َو َق َبا ِئ َل �أَ ُّي َها الن ُ ري ) ِل َت َعا َر ُفوا �إِنَّ �أَك َْر َم ُك ْم ِعندَ اللهَّ ِ �أَ ْت َق ُاك ْم �إِنَّ اللهَّ َ َع ِل ٌ يم َخ ِب ٌ
(احلجرات ,)13واحلمد هلل رب العاملني.
املراجع: ( )1ابن منظور ,ل�سان العرب ,مادة فكر ,ج�/38ص.3451 ( )2الفريوز �آبادي ,القامو�س املحيط ,مادة فكر ,ج�/1ص.588 ( )3جميل �صليبا ,املعجم الفل�سفي ,دار الكتاب اللبناين,بريوت1982,م ,ج � /2ص .156 (� )4إبراهيم �أني�س و�آخرون ,املعجم الفل�سفي,معجم اللغة العربية ,م�صر,ط ,2ج� /1ص ( )5نخبة من الباحثني ال�سوفيات –املو�سوعة الفل�سفية-ترجمة �سمري كرم دار الطليعة,بريوت1987 ,م ,ط� ,6ص.333 ( )6ح�سب املعجم املفهر�س لألفاظ القر�آن الكرمي ملحمد ف�ؤاد عبد الباقي وردت الكلمة يف ثمانية ع�شر مو�ضعا ب�صيغة الفعل وهذه ال�صيغ هي :فكر/تتفكروا/تتفكرون/يتفكروا/يتفكرون. (� )7أبو حامد الغزايل � :إحياء علوم الدين ,دار الندوة اجلديدة ,بريوت ,ج �/ 4ص.425 (� )8أبو املعايل عبد امللك اجلويني :كتاب الإر�شاد �إىل قواطع الأدلة يف �أ�صول ,حتقيق �أ�سعد متيم,م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية ,بريوت1985 ,م ,ط� ,1ص.25 ( )9حممد لعلى بن علي التهانوي :ك�شاف ا�صطالحات الفنون ,دار �صادر ,بريوت ,ج� ,3ص.1121 (� )10أبو زيد عبد الرحمان :حقيقة الفكر الإ�سالمي ,دار امل�سلم ,الريا�ض1415 ,هـ,ط� ,1ص.10 (� )7أبو حامد الغزايل � :إحياء علوم الدين ,دار الندوة اجلديدة ,بريوت ,ج �/ 4ص.425 (� )8أبو املعايل عبد امللك اجلويني :كتاب الإر�شاد �إىل قواطع الأدلة يف �أ�صول ,حتقيق �أ�سعد متيم,م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية ,بريوت1985 ,م ,ط� ,1ص.25 ( )9حممد لعلى بن علي التهانوي :ك�شاف ا�صطالحات الفنون ,دار �صادر ,بريوت ,ج� ,3ص.1121 (� )10أبو زيد عبد الرحمان :حقيقة الفكر الإ�سالمي ,دار امل�سلم ,الريا�ض1415 ,هـ,ط� ,1ص.10 (� )13أبو داود� ,سنن �أبي داود ,كتاب الفنت,باب يف تداعي الأمم,ج� ,4ص,93حديث رقم ,4297قال عنه الذهبي يف ميزان االعتدال ,ج�,2ص ,295حديث فيه �صالح بن ر�ستم جمهول وروى عنه ثقتان ،فخفت اجلهالة ,وقال عنه الهيثمي يف جممع الزوائد ,ج�,7ص ,287حديث �إ�سناده ح�سن يف رواية �أحمد ( )14يا�سني ،ال�سيد وزمال�ؤه ،العرب والعوملة،مركز درا�سات الوحدة العربية ،بريوت ،لبنان1998،م� ,ص .28 ( )15د ّرة ،عبد الباري" ،العوملة و�إدارة التعدّ د احل�ضاري والثقايف يف العامل وحماية الهو ّية العرب ّية والإ�سالمية" ،موجود يف كتاب العوملة والهوية� ,أوراق امل�ؤمتر العلمي الرابع لكلية الآداب يف جامعة فيالدلفيا1998,م ,الثقافة العربية بني العوملة واخل�صو�صية ,من�شورات جامعة فيالدلفيا ،عمان ،الأردن1999( ,م)�,ص.53 ( )16غليون ,برهان (2002م) ,ثقافة العوملة وعوملة الثقافة ,دار الفكر ,ط� ,2سوريا � ,ص.21
52
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل و سطية دور المؤسسات التربوية في تعزيز منظومة القيم في المجتمع �إن لكل جمتمع من املجتمعات الإن�سانية منط ًا من �أمناط الرتبية التي تالئم �أو�ضاعه االقت�صادية ،واالجتماعية ،وال�سيا�سية. وبالتايل ف�إن الرتبية ال ت�ستطيع حتقيق �أهدافها ما مل تكن نابعة من واقع املجتمع ،واملجتمع الإ�سالمي يتميز عن غريه من املجتمعات ب�أنه جمتمع يقوم على عقيدة منظمة ل�سلوك الإن�سان ،مع خالقه و�سلوكه مع نف�سه ،وغريه من �أبناء جن�سه .وال غرو يف ذلك فهي تربية نابعة من قيم القر�آن الكرمي ، واحلديث النبوي ال�شريف . فالر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم -يف دعوته �إىل اهلل �إمنا �أن� ش�أ – ب�أخالقه ومعاملته – �أ�سلوب ًا لرتبية النا�س على ف�ضائل الإ�سالم وبالتايل ف�إن احلديث عن الرتبية الإ�سالمية منطلق بال�ضرورة من �سرية الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم -يف تربية �أ�صحابه الذين حملوا الر�سالة �إىل �أمته من بعده . وال �شك �أن الرتبية احلقة هي التي ت�سعى �إىل تن�شئة الإن�سان ال�صالح الكامل املتكامل من جميع جوانبه ،ج�سمية ،عقلية ،وروحية ،و�إعداده للمواطنة ال�صاحلة .و�إك�سابه القيم التي يرت�ضيها الدين ،ويرت�ضيها املجتمع الذي يعي�ش فيه .وللرتبية م �ؤ�س�سات متعددة ،ت�سعى من خاللها ايل تو�صيل ر�سالتها الرتبوية. وان هذه الدرا�سة �ستجيب عن اال�سئلة االتية : او ًال :ما مفهوم القيم ؟ ثانيا ً :ما مربارات احلديث عن القيم وتعزيزها يف املجتمع ؟ ثالث ًا :ما دور امل �ؤ�س�سات الرتبوية الآتية يف تر�سيخ القيم وتعزيزها ( الأ���س��رة ،املدر�سة ،اجلامعة ،امل�سجد ،االندية ،املكتبات ،و�سائل االعالم ،جماعة الرفاق ). رابع ًا :ما هي التو�صيات.
او ًال :ما مفهوم القيم .
القيم جمموعة من املعتقدات واملبادئ واملعايري والأحكام ،التي تتكون لدي الفرد مـن خـالل تفاعله مع املواقف واخل�برات، بحيث متكنه من اختيار �أه��داف ��ه التي حت ��دد م�سار حياته ، وتتج�سد خالل االهتمامات � ،أو االجتاهات �أو ال�سلوك العملي �أو اللفظي بطريقة مبا�شرة وغري مبا�شرة .
ثاني ًا:ما م�برارات احلديث عن القيم وتعزيزها يف املجتمع ؟
-1الن الرتبية احلديثة تواجه ق�ضية هامة وخطرية ،وهي ق�ضية تعليم القيم ،فهناك العديـد مـن الآراء والندوات التي تتطلب االهتمام مبنظومة القيم باعتبارها �أ�سا�س ًا وجوهر ًا للوجود الإن�ساين . العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
د .زهاء الدين عبيدات
-2الن امل��ادي��ات وال��رف��اه��ي��ة �سيطرت ،على ح��ي��اة الأف���راد ف�أ�صبحت توجه ممار�سـتهم اليومية؛ مما �أدى �إيل تف�شي العديد من الظواهر ال�سلبية يف املجتمع ،فنحن اليوم بحاجـة �إلـي االهتمام بتعديل ال�سلوك الأخالقي ،وتر�سيخ معايريقيم االحرتام والف�ضيلة ،والرقابة الذاتية لدى الإن�سان . - 3الن امل �ؤ�س�سات الرتبوية من ( �أ�سرة ،ومدر�سة ،وم�سجد، وجامعة ،و�أندية ،ومكتبة ،و�إعالم وغري ذلك ) هي القادرة على تعليم القيم االيجابية ،وتر�سيخها وتعزيزها يف �أذهان النا�شئة وتطبيقها على ار�ض الواقع من خالل القدوة . -4الن تعليم ال ِق َيم فري�ضة ينبغي االهتمام بها ،وم� س�ؤولية واج هه يتح َّم لها رب تحَ دٍّ ُن ِ اجلميع دون ا�ستثناء ،فهي ُت عت برَ �أك َ ُ ملدى ُق ْدرتنا على تربية �أطفالنا ،ليكونوا �أف��را ًدا �صاحلني يف حلفاظ على النَّ�شء من ذواتهم و�أفكارهم وم�شاعرهم ،ووجوب ا ِ َّ الذوبان يف ما ُي �س َّم ى بالع وملة ،واالن�سالخ من االنتماء �إىل ِك يانهم وجمتمعهم.
ثالث ًا :ما دور امل �ؤ�س�سات الرتبوية يف تعزيز القيم يف املجتمع؟ �أو ًال :الأ�سرة.
فالأ�سرة هي الوحدة االجتماعية الأوىل التي يتفاعل معها الطفل ،ويكت�سب من خاللها العديد من االجت��اه��ات وامليول ، والقيم الدينية ،و�سائر العادات والتقاليد و�أمن��اط ال�سلوك االجتماعي .فالأ�سرة لي�ست و�سيلة اكت�ساب القيم الروحية والأخالقية فح�سب ،ولكنها امل�صدر الذي يكت�سب الطفل من خالله الكثري من العادات وامليول ،واالجتاهات ،ومعايري ال�سلوك ذلك �أن الأبوين (هما دعامة الأ�سرة وهي �أوىل لبنات املجتمع الذي يتكون من جمموع الأ�سر ،لذلك فقد حر�ص الإ�سالم على �أن ت�شمل املحبة والرحمة �أ�سا�س الأ�سرة) (.) 1 ف�إذا �شب الفرد يف �أ�سرة م�سلمة �سليمة يف اعتقادها ،وعبادتها ومعاملتها ت�شرب الأوالد ما هو موجود يف الأ�سرة من قيم الدين؛ لهذا يتعني على الأ�سرة �إك�ساب الأوالد القيم الفا�ضلة .ومهما عظم دور املدر�سة والو�سائط الرتبوية الأخرى يف تنمية القيم الإ�سالمية للطفل �إال �أن الأ�سرة (ت �ؤدي دور ًا �أ�سا�سي ًا يف �إك�ساب الفرد قيم ًا معينة ،ثم تقوم اجلماعات الأخ��رى ب��دور مكمل ومدعم) (. ) 2
53
م ق ا ال ت ا ل وسطية ثاني ًا :امل�سجد.
يقوم امل�سجد بدور بارز يف تنمية القيم الإ�سالمية ( فامل�سجد يعمل على ت�أكيد القيم املركزية امل�ستمدة من الدين الإ�سالمي احلنيف ،والتي تعترب �أ�سا�سية ال�ستقرار املجتمع ومتا�سكه وتقدمه ،و�أئمة امل�ساجد وخطبا�ؤها من خالل خطبة اجلمعة ،واملنا�سبات الدينية ،والندوات واحللقات النقا�شية ،التي تعقد بامل�سجد يدعون النا�س �إىل �إقامة الفرائ�ض والتم�سك بالقيم الدينية والعمل ال�صالح؛ خلدمة املجتمع والتقرب من اهلل ()3 �سبحانه وتعاىل) ً وامل�سجد يف الإ���س�لام لي�س مكانا للعبادة وممار�سة الطقو�س الدينية فح�سب (فلي�س ه��ن��اك يف ال��دي��ن الإ���س�لام��ي تلك االزدواجية بني ما هو ديني وما هو دنيوي ،فتظهر قيم الدين يف معامالت الدنيا ،ويظهر الدين يف كل �أمور الدنيا االقت�صادية، وال�سيا�سية ،واالجتماعية .وتاريخ الرتبية الإ�سالمية يرتبط ارتباط ًا كبريا بامل�سجد)(. ) 1 ولكي ي �ؤدي امل�سجد ر�سالته يف غر�س القيم الإ�سالمية وتعزيزها، ينبغي العناية به وتزويده بالإمكانات الب�شرية املادية التي ت�ساعد يف �إجناز وظائفه الكثرية .
ثالث ًا :املدر�سة.
املدر�سة هي امل �ؤ�س�سة االجتماعية التي �أوكل املجتمع �إليها مهمة ت�شكيل الأجيال من خالل و�سائطها املتعددة من معلم ،وكتاب مدر�سي ،وجو اجتماعي داخلها (.فاملدر�سة تعد �أهم امل �ؤ�س�سات الرتبوية عناية بالقيم ،حيث تهتم املناهج مبا فيها من درو�س و�أن�شطة متعددة ب�إي�صال القيم وتو�صيلها �إىل التالميذ .ويكون الت �أثري �أق��وى كلما كانت الأ�ساليب ناجحة ،وط��رق التدري�س قائمة على �أ�س�س �سليمة وحديثة ،يقوم بها معلمون حكماء ومربون ناجحون يعرفون كيف ينمون القيم ويعززونها يف نفو�س ()2 النا�شئة فاملدر�سة باعتبارها وحدة متكاملة مبا ي�سودها من نظم ولوائح، و�إدارة مدر�سية ،ومكتبة ،ومعلمني .كل �أولئك يعتربوا و�سيلة هامة الكت�ساب القيم الإ�سالمية وتعزيزها ( .ف�سيادة روح التفاهم التي تربط املعلمني مع املتعلمني ،و�إ�شاعة روح الألفة وامل ��ح��ب ��ة ،وال��ت��ع��اون ب�ين اجلميع ي�ساعد على تثبيت القيم وتعزبزها عند التالميذ يف املدر�سة ،وال نن�سى دور املكتبة املدر�سية والإذاعة فيها ،والإدارة الرتبوية احلكيمة والأقران من ()3 �إك�ساب الطالب قيم ًا جديدة وخربة بناءة) ولكي تنجح املدر�سة يف غر�س القيم اجليدة وتر�سخها ( ،يجب �أن تتكامل مع الأ�سرة ف�إذا �أرادت املدر�سة �أن تنجح يف غر�س القيم عليها �أن تتعاون مع الأ�سرة ،فتلتقي مع الآباء يف جمال�س ولقاءات
54
متكررة تبحث توحيد ال�سبل الكفيلة لبناء ه��رم من القيم يف نفو�س اجليل .فالتعاون بينهما �ضروري حتى ال يعمل كل منهما يف ورد( ))1ومن الأ�ساليب التي تلج �أ �إليها املدر�سة يف بناء هرم قيمي لدى املتعلمني ،الت �أكيد على القيم �صراحة من مواد الدرا�سة و�شرحها ،وت�أكيد �ضرورة التم�سك بها وميكن ا�ستخدام الق�ص�ص ومناق�شة ما جاء بها و�أخذ العرب منها ،ومعرفة ال�سلوك احل�سن الذي جاء فيها وال�سلوك ال�سيئ نتيجة ذلك فاملحتوى ال��درا���س��ي لي�س جمموعة م��ن امل��ع��ارف واملفاهيم ، واحلقائق ولكنه و�سيلة ميكن ا�ستغاللها يف اكت�ساب القيم الإ�سالمية . و�إن املعلم هو حجر الزاوية يف العملية التعليمية ،وهو حامل القيم ومو�صلها �إىل الأجيال .فاملعلمون يحتلون مكان ال�صدارة بني القوى امل �ؤثرة على النا�شئني ويف بناء القيم والأفكار .وال �شك �أن املعلم ال يكون حام ًال للقيم ومن�شئ ًا تالميذه عليها ما مل يكن قدوة للمتعلمني يف �سلوكه. وهنا تربز �أهمية القدوة يف الرتبية ،وللمعلم دور كبري يف غر�س القيم والأفكار ،وتعزيزها بني الطالب �إنه ت�أثري �إن�سان يف �إن�سان، مبا ميلكه من �سلطة ت�سمح ب�إحداث التغيري يف �سلوك الطالب . (فالقدوة هي من �أرقى الأ�ساليب الرتبوية ،ومن �أجنح الو�سائل امل �ؤثرة يف �إع ��داد النا�شئني خلقي ًا ،ونف�سي ًا ،واجتماعي ًا .ذلك �أن القدوة هي الواقع احلي امللمو�س الذي يدعو �إىل االمتثال بالعمل قبل القول وبالتايل ف �إن الرتبية بالقدوة العملية �أبلغ ()2 و�أكرث ت�أثري ًا من الرتبية النظرية) فالطفل و�إن كان ال يدرك ( ما ندركـــه نحن الكبار من معنى القيم واملبادئ ،ولكنه بطريقة ما ين�شئ يف نفــ�سه قاعدة تنبني عليها تلك املبادئ يف امل�ستقبل ف�إذا كانت القاعدة م�ضطربة () 1 ومعوجة ،فلي�س لنا �أن ن�أمل �أن تكون القيم واملبادئ �سليمة)
رابع ًا :اجلامعـــات.
تعد اجلامعة من امل �ؤ�س�سات الرتبوية التي ت�سهم يف تعزيز منظومة القيم؛ �إذ �أن الهدف الأ�سا�سي من اجلامعات هو تن�شئة مواطنني م �ؤمنني باهلل منتمني لوطنهم ولعروبتهم ،متحلني بروح امل� س�ؤولية مطلعني على تراث �أمتهم وح�ضارتهم ،معتزين بها، متابعني لق�ضاياه الإن�سانية وقيمها وتطورها ( وزارة التعليم )2012وهذه الوظائف التي تقوم بها اجلامعة تعمل على �إ�شباع رغبات الطلبة الفكرية ،والعلمية ،واالجتماعية ،والثقافية، وتعمل على م�ساعدتهم وتكيفهم مع التطورات احلا�صلة من جمتمعهم ،وت�سهم يف تعاملهم مع الآخ��ري��ن يف بناء عالقات اجتماعية متطورة تخ�ضع للتفكري العقالين ل لإن�سان ،كما �أن للجامعات الدور الكبري يف توجيه عقول ال�شباب لاللتزام بالقيم �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م ق ا ال ت ا ل وسطية الإ�سالمية ،وتقوية م�شاعر االنتماء والفخر بالوطن والأم ��ة ومورثوها الثقايف واحل�ضاري .وعلى اجلامعة تنمية مهارات طلبتها بكافة م�ستوياتهم وجعلهم �أع�ضاء فاعلني يف املجتمع. �إن تدري�س الطلبة يف اجلامعات الأردنية والعربية ي�ستلزم غر�س قيم املحبة ،وال�صدق ،والت�سامح ،واحرتام الر�أي ،والر�أي الآخر ،والعدل والتعاون ،وااللتزام بالأنظمة والقوانني ،واالعتماد على النف�س والثقة بها واالبتعاد عن االتكالية واال�ستقاللية يف الر�أي وحب البحث العلمي.
خام�س ًا :النـوادي �أو الأندية .
ً ثقافية، وهي م �ؤ�س�سات اجتماعية تربوية تكون يف الغالب ( ً ريا�ضية � ،أو اجتماعية ) .وقد ك ثرُ انت�شارها يف املجتمعات �أو فئـة من النا�س املعا�صرة .و ُت عد �أماكن يلتقي فيها الإن�سان مع ٍ ٌ ٌ الذين يجمعهم ه ٌ م�شرتكة ؛ حيث م�صلحة ��دف م�شرتك � ،أو ً اجتماعية ُيقبل عليها الأفراد حلياة هائلة إمكانات �إنها ُت قدم � ٍ ٍ ٍ باختيارهم وطواعيتهم ،ليتمتعوا يف رفقة زمالئهم و�أقرانهم ٌ متعددة ملمار�سة فر�ص بج ٍو من امل��رح والعمل .ويف الأن��دي��ة ٌ العالقات االجتماعية مع الآخرين . الريا�ضات املف�ضلة ،وتكوين ٍ وتزداد �أهمية الأندية يف التن�شئة االجتماعية – كما ُي�شري �إىل ذلك بع�ض الباحثني -مع زيادة عجز الأُ�سرة عن توفيـر الفر�ص الكافية واملنا�سبة ملمار�سة الن�شاطات الريا�ضية ،واالجتماعية، والثقافية املختلفة ٌ ٌ ومتنوعة تبع ًا مل�ستوى خمتلفة وللنوادي ( الأن ��دي��ة ) �صو ٌر وع��ي وثقافة املجتمع وظ��روف��ه املختلفة ؛ فمن ال��ن��وادي ما يكون خم�ص�ص ًا للريا�ضة البدنية وممار�سة �ألعابها ون�شاطاتها املختلفة ،ومنها ما يكون خم�ص�ص ًا للعناية باجلوانب الثقافية اجتماعي والأن�شطة الأدبية والفعاليات الفكرية ،ومنها ما هو ٌ يهتم بخدمة املجتمع وتلبية احتياجات �أفراده � .إال �أنها ت�شرتك ً هامة يف بناء �شخ�صية الإن�سان ،وحتديد جميع ًا يف �أن لها �آثار ًا اجتاهاته ،وتكوين ثقافته وفكره ،ال �سيما يف فرتة ال�شباب من العمر التي ُيكرث الإن�سان خاللها من توا�صله مع هذه امل �ؤ�س�سات ب�صورة �أو ب�أُخرى .كما �أن من �آثارها الإيجابية �شغلها لأوقات ٍ الفراغ عند الإن�سان مبا يعود عليه بالنفع والفائدة .
ولي�س هناك من �شك يف �أن الرتبية الإ�سالمية ُت عنى بالنوادي على تربوية لها �أثر بار ٌز ودو ٌر اجتماعية ؤ�س�سات اختالف �أنواعها؛ لكونها م � ٍ ٍ ٍ ٌ فاعل يف تربية الإن�سان امل�سلم وحتديد معامل �شخ�صيته؛ وحتر�ص فعاليات متنوعة أن�شطة و على �أن ُتخ�ضع هذه النوادي وما فيها من � ٍ ٍ ل لإ�شراف املُ �ستمر الواعي ،والتوجيه ال�صحيح املن�ضبط الذي يتالءم حال مع ويتوافق مع مبادئ الدين الإ�سالمي احلنيف ،وال يتعار�ض ب�أي ٍ تعاليمه وتوجيهاته يف خمتلف املجاالت وامليادين احلياتية . العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
�ساد�س ًا :املكتبات العامة.
وه��ي �أم��اك��ن خا�صة تتوافر فيها ال ُك تب ،وامل��راج��ع ،وامل��واد املطبوعة �أو غ�ير املطبوعة التي ُت ��ق��دِّم ع���دد ًا م��ن اخلدمات التعليمية ،والتثقيفية ،والإعالمية ،والتوعوية الالزمة لأفراد املجتمع .وعاد ًة ما تكون هذه املكتبات حتت �إ�شراف بع�ض ً لحقة ببع�ض امل �ؤ�س�سات اجلهات الر�سمية .كما �أنها قد تكون ُم االجتماعية كامل �ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية ،واجل��وام��ع ، والنوادي ،وبع�ض املرافق االجتماعية الأُخرى .وقد تكون بع�ض ً خا�صة ببع�ض الأفراد . املكتبات وي�أتي من �أبرز مهام املكتبات ت�سهيل مهمة الإطالع والقراءة على القراء وط�لاب العلم ،ومتكني الباحثني والدار�سني من القيام مبهمة البحث والدرا�سة ب�أنف�سهم من خالل املكتبات بالعودة �إىل امل�صادر واملراجع العلمية والأدبية ونحوها ؛ حيث تقوم املكتبات بتوفري �أه��م امل �ؤلفات واملُ �صنفات فيها لتكون بني يدي القراء والباحثني عند الرغبة يف العودة �إليها . كما �أن من �أبرز مهام املكتبات تي�سري �سبل الإطالع على حمتوياتها من خالل نظام الإعارة اخلارجية ،للراغبني يف ذلك من روادها �أو غريهم من �أفراد املجتمع .وللمكتبات العديد من املنا�شط التي ُت �سهم من خاللها يف ن�شر الثقافة واملعرفة ،وخدمة الق�ضايا الرتبوية ،والتعليمية ،واالجتماعية ونحوها .ولعل من �أبرز هذه املنا�شط والإ�سهامات تنظيم امل�سابقات الثقافية ،وعقد الدورات التدريبية ،و�إقامة املحا�ضرات ،والندوات املتنوعة ،وتنظيم معار�ض الكتاب ،ونحو ذلك من الن�شاطات املختلفة .
�سابع ًا :و�سائل الإعالم.
من العوامل امل �ؤثرة يف تنمية القيم الإ�سالمية و�سائل الإعالم املرئية وامل��ق��روءة وامل�سموعة فما يقدمه التلفاز من برامج متعددة ،وم��ا تقدمه ال�صحف واملجالت والكتب ،وم��ا تقدمه الإذاعة امل�سموعة من برامج ومو�ضوعات ،كل ذلك ميكن �أن يكون و�سيلة لغر�س القيم الإ�سالمية؛ �إذا ا�ستغل اال�ستغالل الأمثل وخطط له التخطيط ال�سليم ( ،ذلك �أن خطورة و�أهمية و�سائل الإع�لام يف تنمية القيم الإ�سالمية املعربة عن حركة املجتمع الإ�سالمي وا�ضحة ،فهي تقوم بدور رائد وفعال يف هذا املجال) ( )2فو�سائل الإع�لام �صارت فاعليتها �أكرث بعد دخول التلفاز والفيديو معظم البيوت� .إذ �أنها ت�شرك �أكرث احلوا�س يف عر�ضها امل�شوق فيتفاعل امل�شاهد معها �صعود ًا وهبوط ًا ،وتبني القيم يف داخلها على �أ�سا�سها. �إذن فو�سائل الإعالم من راديو ،وفيديو ،وتلفاز كلها حمايدة فهي لي�ست �شريرة �أو خرية يف حد ذاتها ،ولكن طريقة ا�ستعمالها بل املحتوى الذي تقدمه هو الذي يجعلها بناءة �أو هدامة للقيم. ومن ثم يجب على خمططي حمتوى و�سائل الإعالم امل�سموعة
55
م ق ا ال ت ا ل وسطية واملقروءة واملرئية انتقاء القيم الإ�سالمية دون �سواها من القيم النافية ل لإ�سالم . فليقف امل�شرفون على �إعداد الربامج كثري ًا عند كل ما تبثه هذه الو�سائل ،وليتفكروا يف نتائجها .ف�إن ما يعر�ضونه م�سئولية كبرية وخا�صة بعد �أن �أ�صبحنا نتلقى ال�سيل اجلارف من البث التلفازي العاملي ليل نهار . و�إذا كان التلفاز يقوم بدور فعال يف بناء القيم الإ�سالمية �إذا ما ا�ستغل ا�ستغال ًال هادف ًا ،ف�إن املطبوعات والكتب تلعب دور ًا كبري ًا يف غر�س القيم الإ�سالمية؛ ذلك �أن الكلمة املقروءة ال تزال حتى اليوم لها دورها يف بذرة القيم وتر�سيخها يف الإن�سان. ولل�صحافة املدر�سية دور كبري يف تر�سيخ القيم الإ�سالمية؛ ذلك �أن من �أهم واجبات ال�صحافة املدر�سية ومن �أبرز م�سئولياتها االجتماعية هي :عملية تر�سيخ القيم لدى التالميذ يف املدار�س، منذ حداثة �سنهم �( .إذ �إن التلميذ يف هذه املرحلة العمرية التي تبد�أ باملرحلة االبتدائية ،وتنتهي باملرحلة الثانوية غالب ًا ما يكون �أكرث ا�ستعداد ًا للتقبل وتلقي املعلومات والت �أثر بها ،وهذا يربز �أهمية الدور الذي ميكن �أن تقوم به ال�صحافة املدر�سية يف حياة التالميذ ،وخا�صة يف جمال تر�سيخ القيم الدينية، واالجتماعية باعتبارها من �أهم الأ�شياء التي يجب تر�سيخها ()1 وتثبيتها لدى التالميذ) وخال�صة ال��ق��ول �إن لو�سائل الإع�ل�ام دور ًا يف تر�سيخ القيم الإ�سالمية ل��دى النا�شئة ،وال��ع�برة بت�سخري ه��ذه الو�سائل االت�صالية احلديثة من �أج��ل تر�سيخ القيم الإ�سالمية لدى املتعلمني ،وعند اختيار حمتوى من حمتويات و�سائل االت�صال املتعددة؛ ينبغي الرتكيز على �أن ما يقدم �أن يطابق ثقافة املجتمع الإ�سالمي .
ثامن ًا :جماعة الرفاق.
الإن�سان بطبعه ميال �إىل االختالط بغريه من بني جن�سه ،وال �شك �أن��ه عندما يختلط بغريه يتفاعل تفاع ًال اجتماعي ًا مع من يعا�شر ،وجماعة الأق��ران هي :جماعة اجتماعية ي�شبع فها الطفل دوافعه االجتماعية الأوىل فبمرور الأي��ام (وتقدم عمر الطفل تتحول ميوله من الأ�سرة �إىل االلتحاق بجماعة ال��رف��اق على �أ�سا�س من تقارب ال�سن .فجماعة الأق���ران �أو الرفاق جماعة طبيعية تن� ش�أ من اختالط الأطفال ببع�ضهم يف �إطار العائالت �أو احلي �أو ال�شارع الذي ي�سكنون فيه .والنا�شئ بنزعته اال�ستقاللية ليندمج يف هذه اجلماعة ،وي �ؤدي به الأمر �إىل جماراة ما ي�سود بينهم من قيم ومعايري)(. ) 1 جماعة الأق��ران هي جماعة م �ؤثرة يف �سلوك الطفل ،وقيمه ومعايريه فه �ؤالء الأقران ي�ألفهم املرء ،فيحادثهم ويعي�ش معهم،
56
ويبثهم �أحالمه و�آماله ،وي�أخذ منهم ويعطيهم ويبادلهم الود، ويتعاون معهم يف ال�سراء وال�ضراء ،وه ���ؤالء الأ�صدقاء يثبتون قيم ًا ويغريون �أخرى يف نفو�س من ي�صحبهم . واعتبار الأقران عام ًال م �ؤثر ًا يف تنمية القيم الإ�سالمية يوجب على الأ�سرة امل�سلمة تخري الأق��ران الذين يلعب معهم الطفل ويق�ضي معهم بع�ض وقته . اخلامتة والتو�صيات �.إن املفهوم احلديث للمنهج املدر�سي ، يعني اخلربات الرتبوية التي تتيحها املدر�سة لتالميذها ،داخل حدودها �أو خارجها ،بغية م�ساعدتهم على منو �شخ�صياتهم منو ًا يت�سق مع الأهداف الرتبوية اال�سرتاتيجية . والهدف الأ�سا�سي لأي تربية �إ�سالمية هو تر�سيخ العقيدة الإ�سالمية يف نفو�س مواطنيها،وتنمية القيم الإ�سالمية لديهم . ولكي حتقق املدر�سة هذا الهدف و�أهدافها الأخرى،ال بد �أن متد حبل ال�صلة بينها وبني الو�سائط الرتبوية الأخرى املذكورة يف البحث .واخلطورة تكمن يف �أن القيم الإ�سالمية التي يكت�سبها املتعلم يف املدر�سة �أو يف اجلامعة ميكنه ب�سهولة �أن يفقدها بعد ات�صاله ب�إحدى هذه الو�سائط ،وذلك �إذا مل تكن ر�سالة املدر�سة �أو اجلامعة متناغمة مع بقية الو�سائط الأخرى. وعليه يو�صي الباحث فيما يتعلق ببحثه بالتو�صيات االتية : � -1إع���داد ا�ساتذة للجامعات وامل��دار���س �أكفياء ق��ادري��ن على حمل ر�سالة الرتبية الإ�سالمية ،وغر�س القيم الإ�سالمية يف �سلوك املتعلمني وتب�صري �أولياء الأمور بدور القيم الإ�سالمية يف حماية �أبنائهم �ضد كثري من الأمرا�ض ،واالنحرافات ال�سلوكية واالجتماعية. -2تقوية العالقة بني املدر�سة وامل�سجد ليعمال يف تناغم م�ستمر. -3ال�سيطرة على و�سائل االع�لام و�أال تقدم �إال ما يتوافق مع ثقافة املجتمع الإ�سالمي. -4على الآباء والأمهات �أن يتخريوا الأقران الذين يلعب معهم �أطفالهم. املراجع: � - 1أحمد اخلمي�سي :نظرات يف غر�س القيم ،جملة الفي�صل ،العدد ،323مار�س 1996م. -2بريكان بركي القر�شي :القدوة ودوره��ا يف تربية الن�شء ،املكتبة الفي�صلية ،مكة املكرمة ،ط1984 ،2م. � -3سمرية �أحمد ال�سيد :علم اجتماع الرتبية ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،ط1،1993م. � -4سيف الإ�سالم علي مطر :التغيري االجتماعي ،درا�سة حتليلية من منظور الرتبية الإ�سالمية ،دار الوفاء ،للطباعة والن�شر ،ط1986، 1م. � -5صالح علي ابو عراد :مقدمة يف الرتبية اال�سالمية ،دار ال�صولتية ،الريا�ض 1424 ،هـ -6عبد الرزاق نوفل :حممد ر�سو ًال نبي ًا :م�ؤ�س�سة املطبوعات احلديثة ،ط1961 ،1م. - 7عبد الوهاب كحيل :امل�سئولية االجتماعية لل�صحافة املدر�سية ،دار الفكر العربي ، القاهرة ،ط1992 ،1م. - 8علي خليل م�صطفى �أبو العينني :منهجية البحث يف الرتبية الإ�سالمية ،جملة ر�سالة اخلليج العربي ،العدد ،24ال�سنة الثامنة .1988 ، - 9حممد قطب :منهج الرتبية الإ�سالمية ،ج ،2دار ال�شروق ،بريوت ،ط1981 ،2م.
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
د ر ا س ا ت إ سالمية
تأمالت إدارية
في سورة يوسف ب�سم اهلل الرحمن الرحيم اجلزء الأول وال�صالة وال�سالم على حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم ت�سليماً كثري ًا؛ �أما بعد:ـ يتبادر للبع�ض عند قراءتهم ل�سورة يو�سف -عليه ال�سالم� -أنها فقط عر�ضت لق�صة يو�سف مع �إخوته،من باب الت�سلية واملوا�ساة للر�سول -عليه ال�سالم -وتثبيت قلبه ،وملوافقة الكتب ال�سابقة؛ و�إن نظرت يف كتب التف�سري وجدت الكثري منها يلج�أ �إىل التوراة وكتب بني �إ�سرائيل الأخرى لزيادة معلوماتهم و�شرحهم للآيات . ولو ا�ستمعت لعامة النا�س و�س�ألتهم عن �سورة يو�سف ،لوجدت �أغلب تركيز العامة على تناول افتتان ام��ر�أة العزيز بيو�سف، وحفظهم لبع�ض �أجزاء من الآيات دون غريها،حتى �أ�صبحت تلك املقاطع �أمثال �سائرة كقوله ( :وهمت به وهم بها) ( و�شهد �شاهد من �أهلها). وقد جتد البع�ض مفتون ًا بتعبري الر�ؤيا والأحالم ،فيتخذ ال�سورة �شاهد ًا على �صحة ما يقوله املعربون ،ويظنون ذلك الأم��ر من �أعظم �أهداف ال�سورة ،و�أ�سباب نزولها ؛ فتعبري ر�ؤيا يو�سف ،ثم ر�ؤيا �ساقي وخباز امللك ،ثم تعبري ر�ؤيا امللك ،كلها دليل على �صحة ما ذهبوا �إليه. وعلى كل فما ذهبوا �إليه �صحيح ،فال�سورة من القر�آن لها �أهداف عدة ،فهي خري لكل من �أراد �أن ي�ستنبط منها �أمر ًا �أ�شارت �إليه، فمثلها كالزيتونة ظلها خري وزيتها خري ،وله منافع عدة ،وخ�شبها كله خري وله فوائد كثرية ...الخ. وعند قراءتي ل�سورة يو�سف ،وتدري�سها على بع�ض طالبي يف مادة للتف�سري التحليلي ،وحماولتي حتليل �آياتها،وا�ستنباط كيفية وقوع تلك الأحداث ،وعند النظر والبحث والتحليل للن�ص القر�آين من زوايا عدة�،سيا�سية ،و�أمنية ،واقت�صادية ،واجتماعية ...الخ ، وجدت �أنها حتمل يف ثناياها الكثري من املبادئ العامة يف ال�سيا�سة والإدارة ،وكيفية �إدارة املجتمعات الب�شرية ،فحاولت جهدي العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
د� .سليمان ح�سن الرطروط
ا�ستجالء بع�ضها ،وكلما انتهيت من ا�ستنباط مبد�أ �أو قاعدة، علي الفوائد ،وقد ا�ستح�ضرت لقلبي فائدة �أخرى ؛حيث تواردت ّ ولكن �ضعفت عزمت على كتابة تف�سري حتليلي لل�سورة املباركة، ّ الهمة ،و�شغل الف�ؤاد ،وتزاحمت الأعمال ،و�سوفت الأمر ،حتى مر زمن طويل على ذلك،فكلما بادرت تكا�سلت و�أ�صابني العجز. ثم بعد فرتة من الزمن تاقت نف�سي للكتابة حول ال�سورة ،فوجدت �أن ال�سورة قد مت تف�سريها يف كل كتب التف�سري،وبع�ضهم �أفردها بالتف�سري ،وبع�ضهم قارن مابني ق�صة يو�سف يف القر�آن وق�صته يف كتب الديانات الأخرى . وحتى ال يكون ما �أعر�ضه من التف�سري مكرر ًا ،فتقل فائدته ،وال ي�أتي بجديد� ،أحببت حماولة �إبراز ق�ضايا م�ستنبطة من ال�سورة مل تناق�ش ب�شكل مو�سع من قبل ـ على حد علمي القا�صر مع �أن البع�ض قد �أ�شار لبع�ض تلك اللفتات ـ ،حماو ًال طرح �أفكار وا�ستنباطات جديدة،تتعلق باملبادئ والقواعد الإدارية وال�سيا�سية التي تلفت ال�سورة النظر �إليها ،وهي حماولة مني لفهم وعر�ض بع�ض �أهداف ال�سورة الكرمية. ففي قناعتي �أن م��ن �أه���داف ���س��ورة يو�سف الرئي�سية تربية اجلماعة امل�ؤمنة امل�ست�ضعفة على القيادة واحلكم ،وتعليمها مبادئ ال�سيا�سة والإدارة وذلك من خالل الق�صة التي تعر�ضها حلياة نبي من الأنبياء ولكن ب�صورة م�شوقة ،و�سرد حمكم ،و�إبراز مواقف خمتلفة للحكم وما يعرت�ضه من م�شاكل ،ابتداء من قيادة املجموعة ال�صغرية على م�ستوى املجتمع وهي الأ�سرة� ،إىل قيادة جمتمع كبري يت�شكل من مدن وقرى عدة لي�ؤلف منها دولة ذات �سيادة ،ول��ذا فال�سورة تتعر�ض ل�صور ع��دة ،و�أمن��اط متباينة ، �سواء �أكانت �إدارية �أم �سيا�سية ،وتبينّ كيفية ومواقف خمتلفة، ً ت�صرف القائد معها ،وما النتيجة التي حدثت ملثل ذلك الت�صرف. وتعر�ض كذلك ل�صور من الدهاء والتخطيط ،منه املحرم وغري
57
د ر ا س ا ت إ سالمية ال�شرعي كتخطيط �إخوة يو�سف وزوجة العزيز ،واملت�آمرون على امللك ،وت�شري لنوع �آخر م�شروع وهدفه نبيل كتخطيط يو�سف يف كيفية �إح�ضاره لأخيه وا�ستبقائه عنده. كما تعر�ض ال�سورة لأمور وق�ضايا وم�شاكل لي�ست من طبيعة حياة العرب ،ولي�ست مما تعي�شه جمتمعاتهم،م�ست�شرفة بذلك امل�ستقبل الذي ينتظر تلك الثلة امل�ؤمنة ،ولذا تبد�أ يف تعليمها وتدريبها النظري على ق�ضايا احلكم يف املجتمعات املدنية ،وتعر�ض عليها بع�ض م�شكالت تلك املجتمعات املدنية ،الكبرية التي تعتمد على قوانني مدنية وعالقات خمتلفة ،وتنظيم جمتمعي ال يعتمد على القبيلة والع�شرية. ً وهذه الق�ضايا املدن ّية مل تكن معروفة لديهم كعرب ؛ فمثال ال�سجن وقوانينه و�أحواله و�أنظمته ...الخ ،تلك بحاجة �إىل تخ�ص�ص، فالعرب كانوا �إذا ا�سروا �شخ�ص ًا ما ،حب�سوه يف دار �أحدهم ،وهو م�سئول عنه من حيث احلرا�سة النوم والطعام وال�شراب ...الخ ومل يعرفوا ال�سجون �إال يف عهد عمر -ر�ضي اهلل عنه -ومل يكن لديهم تنظيم �سيا�سي متمثل يف دولة واحدة يحكمها ملك ولديه رئي�س وزراء ووزراء وقادة للأمن وال�شرط ،و�أنظمة �إدارية واقت�صادية وطبقة حاكمة...الخ. وك�أن ال�سورة تهي�ؤهم للمرحلة املقبلة لإدارة دولة امتدت خالل خم�س وع�شرين �سنة من �أق�صى فار�س �شرق ًا ملا بعد م�صر غرب ًا، ومن حدود بالد الروم �شما ًال حلدود البحر احلمر وخليج عدن جنوب ًا� ،إنها بال �أدنى �شك م�ساحة �شا�سعة من الأر�ض ،متناهية احلجم ،حتتاج لإدارة عالية الكفاءة واخلربة يف وقتنا احلا�ضر، رغ��م �سهولة املوا�صالت ،وي�سر االت�صاالت ،فما بالك بها قبل 1400ع���ام!!! وبالإ�ضافة للم�ساحة ال�شا�سعة والت�ضاري�س املختلفة،هنالك �أي�ض ًا تباين يف �ألوان الطق�س واملناخ ،وتنوع يف اللغات واللهجات،وقد يكون هنالك ت�ضارب وتنافر يف العادات والتقاليد� ،إال �أن تلك الدولة الوليدة قد ه�صرت وجمعت يف رحمها �أنظمة وقوانني كل تلك الأقاليم ،فمن دولة فار�س والروم ودولة القبط،على الرغم من تنوع لغاتهم وم�شاربهم و�أجنا�س وثقافتهم و�أنظمتهم� ،إال �أنهم قد �أ�صبحوا من خرية �أفراد الدولة اجلديدة ،ولذا فقد وجدنا لهذه الدولة الربانية �إدارة و�سيا�سة عالية الكفاءة واملهارة ،ا�ستطاعت بكل مهارة واقتدار �صياغة كل ذلك يف �أمة ودولة جديدة �أ�ستمر وجودها حتى الوقت احلا�ضر. ولذا ن�ستطيع �أن نفهم هدف نزول ال�سورة قبل الهجرة ،ويف العهد املكي بكامل �آياتها _ وال عربة للقول �إن بع�ض �آياتها مدنية يف قول جمهور املف�سرين _ ( انظر تف�سري الألو�سي ج � 12ص ،17يف ظالل القر�آن ج � 4ص ،) 659لرتبية وتهيئة تلك اجلماعة امل�ؤمنة للدور امل�ستقبلي الذي يراد لها ،فم�صر وفل�سطني اللتان �أ�شارت لهما
58
ال�سورة �ستكونان وحدتني و�إقليمني من �أقاليم تلك الدولة. والناظر لتلك الإ�شارات التي تعترب قواعد يف ال�سيا�سة و�إدارة احل��ك��م ،ي��رى �أن��ه��ا ق��واع��د �إداري����ة ع��ام��ة ت�ستخدم للجماعة الإن�سانية� ،أي ًا كان لونها �أو دينها �أو زمان تواجدها �أو مكانه. وملا كان الق�ص�ص القر�آين له �أه��داف عدة ؛ ومن بينها تربية وتعليم اجلماعة امل�ؤمنة امل�ست�ضعفة يف تلك الفرتة ملا �ست�ؤول �إليه من ا�ستالم مقاليد احلكم وال�سيا�سة ،و�إدارة النا�س ،كان تعليمهم تلك الأ�صول �أمر ًا حمتم ًا. و�سوف ابذل جهدي ال�ستنباط الإ�شارات ال�سيا�سية والإدارية يف �سورة يو�سف ـ عليه ال�سالم ـ ثم �شرحها ،حيث �أ�شار اهلل تبارك وتعاىل لتلك املبادئ والقواعد والأنظمة ال�سيا�سية والإدارية، لي�س على �أنها الكمال ،بل على �أن حياة النا�س ال تقوم �إال بها، وعلى �أن احلاكم والقائد على اختالف موقعه ،واختالف زمانه البد �أن ي�أخذها ،ثم يطورها على ح�سب الزمان واملكان. ويذكر �سيد قطب �أن �سورة يو�سف نزلت بعد �سورة هود ويون�س ، و�أن تلك ال�سور نزلت بني عام احلزن وهو يف ال�سنة العا�شرة وبني بيعة العقبة الأوىل والثانية( انظر يف ظالل القر�آن /جملد � 4ص 659ط ال�سابعة1391،هـ _1971م دار �إحياء الرتاث ،بريوت_ لبنان) وحتى ال يت�شتت ذهن ال�سامع واملتعلم لأ�صول ومبادئ احلكم وال�سيا�سة ،وهي بال �شك مبادئ �صعبة وقواعد و�أنظمة معقدة،جاء عر�ض تلك املبادئ والأ�س�س من خالل ق�صة ،ولذا جاءت ق�صة يو�سف كاملة يف �سورة واحدة ،ومل تذكر مقاطع متعددة يف �سور خمتلفة،كما هو احلال يف ق�ص�ص الأنبياء الآخرين ،ويف هذا ما يدل على �أن الهدف من الق�صة هو :تعليم اجلماعة امل�ؤمنة على �أحوال ومبادئ و�أ�س�س احلكم والإدارة جمتمعة يف �سورة واحدة، ويف ق�صة واح���دة ،لنبي واح��د .وم��ع �أنها عر�ضت ل�شخ�صيات متعددة ،و�إال �أن اب��رز �شخ�صية كانت ليو�سف -عليه ال�سالم- ليتعلم ال�سامع من املواقف التي مر بها قواعد ال�سيا�سة والإدارة. ولي�س مب�ستغرب ذلك يف القر�آن ،فلقد جاء معجز ًا ومغاير ًا لكتب النا�س ،و�أ�سلوبه فريد ًا يف عر�ضه للمبادئ وب�سطه للحقائق .لذا كان تناول تلك القواعد وال�سنن الإدارية وال�سيا�سية من خالل عر�ض ق�صة مف�صلة لنبي من �أنبياء اهلل ،تدرج يف مراحل عدة من �صبي مدلل لوالديه ،لطفل مت الت�آمر عليه ،حيث يباع كالعبيد، ل�شاب يف بيت رئي�س وزراء �أعظم دولة يف الإقليم يف تلك احلقبة، حيث يتعر�ض للرتبية والتعليم الالئق ب�أبناء تلك الطبقة ،ثم تعر�ضه ملفا�سد ومغريات تلك الثلة ،ثم تعر�ض للعنف وال�شدة و�أنواع من الت�آمر لتلك الفئة ـ فلكل فئة وطبقة من النا�س �أ�ساليبهاـ ثم عر�ضت الق�صة لد�سائ�س احلكم وانقالب بع�ض املقربني للملك �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
د ر ا س ا ت إ سالمية عليه ،ثم عر�ضت همة امللوك و�سعيهم مل�صلحة الرعية...،الخ وتعر�ض ال�سورة كذلك لنموذج املجتمع البدوي( البدائي) حياة يو�سف و�إخوته ،ثم تعر�ض حلياة املدينة وقوانينها و�أنظمتها، ولكنهما تتفقان على مبادئ متطابقة يف خطوطها العري�ضة، فال�سرقة حمرمة ،والزنا جرمية ،والنف�س الب�شرية مع�صومة ال��دم؛ ول��ذا فالقتل بغري حق غري م�سموح به ،والعلم والأمانة �أ�سا�س قوة الدولة وارتفاع �ش�أنها. ومن املبادئ الأ�سا�سية ال�ستمرار حياة النا�س وقيام دنياهم، وج��ود ق��ان��ون يحفظ حياتهم و�أع��را���ض��ه��م وممتلكاتهم ،ثم اتفاقهم على نظام يحكم جماعتهم ،يرت�ضونه ويوافقون عليه، �أ�سا�سه العدل ،والنا�س �أمام القانون �سوا�سية ؛ لأن ذلك �أ�سا�س حكمها ،وعلة دوام املجتمعات الب�شرية ،ولبنة ا�ستمرار حكمها، وال�سبيل لر�ضا �شعبها. وم��ن لفتات ال�سورة �أنها ك��ررت مرتني قاعدة هامة يف بداية ال�سورة ونهايتها ،ويف موقفني خمتلفني ،ومن �شخ�صيتني بارزتني يف الق�صة يو�سف وهو الأكرث بروز ًا ويعقوب ،فقد قال يو�سف قبل بيانه لتعبري ر�ؤيا الغالمني ( �إِنِ الحْ ُ ك ُْم �إِ اَّل للِهَّ ِ �أَ َم َر �أَ اَّل َت ْع ُبدُ وا �إِ اَّل �إِ َّيا ُه(يو�سف )40واملراد باحلكم هنا الناحية الدنيوية والطاعة الإداري��ة ،وي�أتي كذلك على ل�سان يعقوب( َو َما �أُغْ ِني َعن ُكم ِّمنَ اللهَّ ِ ِمن َ�ش ْيءٍ ) (يو�سف )67مبعنى �أن احلكم يف الآخرة هلل وحده دون غريه .وهنا تتكامل ال�صورة للحكم فيجب �أن يكون يف الدنيا هلل وح�سب �شرعه ومنهاجه ،كما �سيكون يف الآخرة له وحده دون غريه( .انظر �سيد قطب /يف ظالل القر�آن ج � 4ص )690 و�سوف �أح��اول م�ستعين ًا باهلل �سبحانه �أن �أب�ّي نّ تلك الإ�شارات بالتف�صيل قدر ا�ستطاعتي ،حيث �أثبت الآي��ة ،ثم �أعر�ض ما �أ�شارت �إليه من قواعد ومبادئ يف الإدارة وال�سيا�سة. .1قوله تعاىلَ ( ْ :يا �أَ َب ِت �إِنيِّ َر�أَ ْيتُ �أَ َحدَ َع َ�ش َر َك ْو َكب ًا َو َّ ال�ش ْم َ�س اج ِدينَ ) يو�سف 4:وال�سجود هنا ت�أويله َوا ْل َق َم َر َر�أَ ْي ُت ُه ْم ليِ َ�س ِ بالطاعة وال�سمع ،وهي الأ�سا�س الأول والقاعدة الرئي�سية يف ن�ش�أة ال��دول وامل�ؤ�س�سات �سواء كانت �صغرية �أو كبرية ،والعماد ال�ستمرار ودميومة و�س�ؤدد الدول واملجتمعات واجلماعات ،على اختالف مكانها وزمانها .ولذا بد�أت ال�سورة بالإ�شارة �إليه؛ فال جماعة وال رفعة دون ال�سمع والطاعة للقائد� ،أي ًا كان موقعه �أو م�سماه ،ثم تنفيذ �أمره على ال�شكل الذي طلبه ،ويف الوقت الذي حدده. وال ميكن لدولة ما مهما �صغر حجمها من االنتظام واال�ستمرار� ،إال بوجود قيادة لتلك الدولة ،تقوم على �إدارة ورعاية �ش�ؤونها ،ومثل ذلك �أي�ض ًا اجلماعة �سواء كانت �صغرية كالأ�سرة والتي هي اللبنة الأوىل واملهمة يف بناء املجتمع� ،أم على امل�ستوى الأكرب كوجود العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
عدد من الأ�سر قد ت�شكل حي ًا �أو قرية �أو مدينة� ،أو جمموعة من الأف��راد تتكون منهم م�ؤ�س�سة خا�صة �أو عامة؛ كال�شركات وامل�ؤ�س�سات التجارية � ،أو كالدوائر احلكومية ...الخ. فيجب على جميع الأفراد يف الدولة ( �أي ال�شعب) كل على حدة ، �أن يكون مطيع ًا لتلك القيادة ،يعمل على تنفيذ �أمرها ،واحرتامه، ومبادلة قيادته احلب والتقدير وال�سمع والطاعة ،حتى تتحقق غاية الدولة من وجودها ،وت�ستطيع درء الأخطار عنها. ف�إذا انهار مبد�أ ال�سمع والطاعة يف جماعة ما �صغرية كانت �أم كبرية؛ ب�أن ت�أمر القيادة فال ي�سمع لقولها ،وال ينفذ �أمرها؛�أو ي�شكك يف �صحة قرارها�،أو ال ينفذ يف الوقت املحدد�،أو ينق�ص منه �شيء ،عندئذ تنهار اجلماعة مهما كانت قوة �أفرادها كل على حدة. ومن �أبجديات احلروب تدمري مراكز القيادة وال�سيطرة للعدو، حتى ال يحدث توا�صل مابني القيادة والأف��راد ،ف�إن حدث ذلك ق�سرا ،تنهار تلك املجموعة،ويكتب عليها الف�شل والهزمية. فكيف �إذا كان فقدان الثقة وعدم ال�سمع للقيادة من الأفراد طواعية ،مع علمهم بالأمر وو�ضوحه لهم؟ عندئذ تكون الطامة الكربى حيث تنهار تلك اجلماعة وتهزم ،وي��دب اخل�لاف بني �أفرادها ،وكل �شخ�ص ي�صبح �صاحب ر�أي ،فيبد�أ اخلالف وتن�ش�أ الفرقة.ولذا يكون الف�شل م�صريهم ،و�شتات الأمر م�آلهم ،واهلل يقولَ }:و َ يح ُك ْم{ولذا كان من �شروط ال َت َنا َز ُعو ْا َف َتف َْ�ش ُلو ْا َو َتذْ هَ َب ِر ُ بيعة الر�سول -عليه ال�سالم -لل�صحابة �أن عليهم ال�سمع والطاعة يف املن�شط وامل��ك��ره� ،أي عليهم طاعة قيادتهم يف الأم���ور التي يحبونها �أو املحببة للنف�س �أو املوافقة لالجتهاد ،كما �أن عليهم طاعتها يف الأمور املكروه للنف�س �أو التي ال توافق اجتهادهم .كما حدث يف �صلح احلديبية . و�إذا كان مبد�أ ال�سمع والطاعة من املبادئ الأ�سا�سية لل�شعب �أو اجلماعة ،بل هو املبد�أ الأ�سا�سي الأهم والأبرز ،ف�إن هناك مبد�أ �آخر من املبادئ الهامة للفرد �أو اجلماعة عر�ضت له الآية وهو ا�ست�شارة الثقة العامل ،فانظر �إىل يو�سف حيث يعر�ض ر�ؤياه على والده ،وهل هنالك من هو �أ�شفق و�أحن من والد املرء ،ولكن قد يكون والد املرء لي�س ب�صاحب خربة وال جتربة ،فلي�س كل والد يعطيك ر�أي ًُا �سديد ًا ،ولكن يف هذه احلالة الوالد يعقوب ـ عليه ال�سالم ـ نبي اهلل ،فهو يف حينه خري م�ست�شار م�ؤمتن .و�سوف نتحدث عن اال�ست�شارة ونقف عندها يف موا�ضع �أخ��رى من ال�سورة ،ولكنني رغبت هنا �أن �أ�شري �إىل وجوب ا�ست�شارة من هو �أهل لل�شورى. .2قوله تعاىل َ } : �ص ُر�ؤْ َي َ ��اك َع َلى ِ�إخْ َو ِت َك{ وتدل على ال َتق ُْ�ص ْ مبد�أ الكتمان وال�سرية لل�سيا�سي والإداري فلي�س كل ما يعلم يقال، و�أ�سا�س اخلطط الع�سكرية وال�سيا�سية املفاجئة واملباغتة والتي
59
د ر ا س ا ت إ سالمية �أ�سا�سها واعتمادها على الكتمان ،فال مفاجئة للعدو دون حر�ص على ال�سرية وعدم اطالع الأعداء على اخلطط والأ�سرار ،ولي�س كتمان الأمر عن الأعداء فقط ،بل عن املتوقع منهم العداء ،ويف احلديث (ا�ستعينوا على ق�ضاء حوائجكم بالكتمان) وكثري ًا من النا�س �ضاعت م�صاحلهم ورجع عليهم الكثري من ال�شر ب�سب ن�شر واكت�شاف خططهم. ومبد�أ �أخر تدل عليه الآية وهو احل�سد من القرين ب�سبب النعمة �سواء كانت نعمة العلم �أو امل��ال �أو اجل�سم والقوة .ف�أحيان ًا يف امل�ؤ�س�سات والدوائر جتد من ي�شكك يف املدير وقراراته � ،أو من يثري الريبة يف ال�سيا�سي ل�سبب واحد ال غري وهو احل�سد؛ ولذا على الإداري وال�سيا�سي فهم الباعث على ذلك الت�شكيك وال�سخط عليهم من قبل البع�ض� ،أو عدم طاعة الأمر� ،أو اختالق امل�شاكل والفنت ،من قبل احلا�سدين ،و�أن يتخذ لذلك الأ�سلوب الأمثل. يك َر ُّب َ ��ك َي ْج َت ِب َ .3قوله ت��ع��اىلَ }:و َك َ��ذ ِل َ ��ك َو ُي َع ِّل ُم َك ِم ْ��ن َت���أْ ِوي��لِ يث َو ُي ِت ُّم ِن ْع َم َتهُ {�سورة يو�سف الآية ( . )6مبد�أ �آخر من ْأ الَ َحا ِد ِ مبادئ احلياة وال�سيا�سة ت�شري �إليه الآية وهو� :أن كمال النعمة للفرد �أو للأمة يتحقق ب�أمرين � :أوالهما ر�ضا اهلل �سواء عن الفرد �أو اجلماعة .والآخر العلم. يقرب �إليه ويجتبيه من �أحبه ،ولكن لي�س بال�ضرورة �أم فاهلل ّ كل من يحبهم اهلل يكونون �سادة وقادة ،ي�صلحون لرعاية �ش�ؤون النا�س و�سيا�سة �أمرهم ،فال�سيا�سة والإدارة تتطلب العلم �أي�ض ًا. ويف احلديث عن يدلل على قولنا ،حيث ملا طلب الإمارة �أبو ذر- ر�ضي اهلل عنه -قال له الر�سول � -صلى اهلل عليه و�سلم� ( : -إنك �إمر�ؤ �ضعيف و�إنها �أمانة) ويف الآية على ل�سان ابنة �شعيب ( �إن خري من ا�ست�أجرت القوي الأمني) وال يفهم من هذا �أن القادة هم دائما �أحباء اهلل كذلك ،ولكن يف اجلماعة امل�ؤمنة على وجه اخل�صو�ص غالب ًا ما يتحقق ذلك� ،إن مت اختيار القادة وانتخابهم ب�صورة �صحيحة ،وب�شكل �سليم ،وح�سب كفاءتهم ،ولذا �سيكونوا من �أعظم �أفراد املجموعة تقوى وخ�شية وعبادة هلل ،ويف الأغلب من الذين يحبهم اهلل،وه��ذا ما مت فعال مع يو�سف -عليه ال�سالم.-فهو يف وقته �أخ�شى النا�س هلل .وقد اجتباه واختاره اهلل .ويف الوقت ذاته من �أف�ضل �أفراد املجموعة تعليم ًا وثقافة وحنكة �سيا�سية و�إدارية. كما ويخطئ من يظن �أن ال�سيا�سة والإدارة تكون فطرية دون تعلم وخ�برة ،ولكن مما ال�شك فيه �أن هنالك لدى بع�ض النا�س ا�ستعداد ًا فطري ًا للإدارة والعمل بال�سيا�سة ،ف�إذا اقرتنت بالتعلم واكت�ساب اخلربة كان ال�سيا�سي �أو املدير ناجح ًا ومبهر ًا يف �أداء عمله وحتقيق �أهدافه� ،أال ترى �أن الأنبياء جميعا كما يف احلديث رع��وا الغنم ،مل���اذا؟ حتى يتم التدريب على �إدارة املجموعات
60
ورعايتها و�سيا�ستها؛ فالراعي لتلك الأغنام م�سئول عنها م�س�ؤولية كاملة ؛ عن طعامها و�أماكن تواجدها ،عن �شرابها ،عن تكاثرها وتنا�سلها ووالدتها ،عن مبيتها وقيامها ،عن حرا�ستها ودفع ال�ضرر واخلطر عنها ،عن �أمرا�ضها ،عن تقاتلها مع بع�ضها ...الخ �أال ترى معي �أن ذلك تدريب عملي على �إدارة اجلماعة الب�شرية فيما بعد. ولذا فحب اهلل وطاعته ثم العلم واملعرفة �سبب لرفعة قائد الدولة ورئي�سها ،و�صواب ق��راره ،وجناحه ،و�إف��ادة النا�س منه، وكذلك ينطبق هذا املبد�أ على قيادة املجموعات وامل�ؤ�س�سات �أي ًا كان م�سماها �أو حجمها .وقد ورد يف احلديث يوم فتح خيرب �أن ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -قال( :غ��د ًا �أَعطي الراية لرجل يحبه اهلل ور�سوله فيفتح عليه) فا�شر�أبت نفو�س ال�صحابة كلهم لذلك املن�صب ،حتى �إن عمر ليقول �إنه مل يحب الإمارة �إال ذلك اليوم ،فكلهم يحبهم اهلل ور�سوله ،ولكن الفرق بينهم يف ذلك املو�ضع �أن قيادة النا�س للفتح وقتال العدو بحاجة للعلم بفنون احلرب وخططها والذي ال يت�أتى �إال بالعلم.
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
د ر ا س ا ت إ سالمية
مدنية الدولة اإلسالمية
ج��رى لغط كبري يف ه��ذه الأي����ام ع��ن مفهوم ال��دول��ة الإ�سالمية ،فبع�ض الفئات ر�أت �أن الدولة الإ�سالمية هي دولة دينية كهنوتية تتحكم يف �أهل الأر�ض با�سم ال�سماء ، وتتحكم يف دنيا النا�س با�سم اهلل ،ويدعون �أن هذه الدولة الدينية �ستكون كدولة الكني�سة الأوروب��ي��ة يف الع�صور الو�سطى ،وهذه الدولة يف ر�أيهم يحكمها رجال الدين ، ويف�سرون الدين وفق هواهم ،ويديرون الدولة مبا يحقق م�صاحلهم . ويدافع الإ�سالميون عن دولتهم بقولهم �:إنها دولة مدنية، ال حكم فيها لرجال الدين؛ و�إمن��ا احلكم للأ�صلح الذي يختاره ال�شعب ،وهي دولة م�ؤ�س�سات وقانون تراعي حقوق الإن�سان. وقبل اخلو�ض يف هذا املو�ضوع ال بد لنا من تو�ضيح هذين املفهومني: �أو ً ال :ال ��دول��ة :هي جمموعة من الأف���راد ميار�سون ن�شاطهم على �إقليم جغرايف حمدد ،ويخ�ضعون لتنظيم معني ،على �أن الدولة كيان يجب �أن يتوافر فيه عدة �أركان: -1الأر�ض :مبعنى نطاق جغرايف �أو �إقليم بحدود ثابتة معروفة. -2ال�شعب :وهو املجموعة الب�شرية القاطنة على هذه الأر�ض. -3ال�سلطة :وه���ي جم��م��وع��ة الأف�����راد والهيكليات والإجراءات التي تدير املوارد وعالقات ال�شعب الداخلية ()1 مبا يحقق هيمنتها عليهم. ثاني ًا :املدنية :م�صطلح منفرد له دالالت خمتلفة ، فقد ا�ستخدمه الباحثون باملعنى املقابل للبداوة� ،أو املقابل للع�سكرة ،و�أحيان ًا باملعنى املقابل للحالة الدينية � ،أما باملتداول ال�شعبي فيعرب هذا املفهوم عن حالة من الت�سامح ()2 وقابلية التفاعل املهذب بني الأفراد. العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
د .زيد خ�ضر
�أنواع الدول
-1ال��دول��ة امل��دن��ي��ة :دول���ة يحكمها امل��دن��ي��ون ولي�س الع�سكريون �أو رجال الدين ،وال تف�صل الدين عن الدولة يف احلياة املجتمعية � ..أو يف هوية احلاكم؛ كو�ضع �شرط �أن يكون م�سلم ًا� ،أو م�سيحي ًا؛ لأن هذا دين الأغلبية . -2ال��دول��ة الدينية :هي الدولة التي يحكمها رجال الدين ،وتتحكم امل�ؤ�س�سة الدينية يف جميع نواحي احلياة، وتعترب املعار�ضني كفار ًا . -3الدولة العلمانية :دولة تف�صل الدين عن الدولة يف هوية احلاكم ،ويف احلياة املجتمعية ويف كل �شيء ،ويكون التعامل فيها على �أ�سا�س القوانني الإن�سانية يف املحاكم وغريها .
�أو ًال :الدولة الدينية
الدولة الدينية �أو الثيوقراطية هي الدولة على املفهوم الذي �ساد يف " �أوروبا " لقرون طويلة يف الع�صور الو�سطى �أثناء هيمنة الكني�سة ،و�سيطرة رجال الدين "الإكلريو�س" على مقاليد الأمور. فقد كانت ال��دول��ة متار�س احلكم الإل��ه��ي؛ ففيها يحكم احلاكم با�سم اهلل ،ويكون نائب ًا عنه يف حكم املجتمع ، حيث يكت�سب احلاكم وقوانينه وممار�ساته قدا�سة مطلقة م�ستمدة من قدا�سة اهلل نف�سه ،وهنا جتتمع �سلطة احلاكم و�سلطة الت�شريع بيد الكني�سة ،ممثلة يف البابا والق�ساو�سة وم��ن ير�ضون عنه وي��ق��رون��ه م��ن احل��ك��ام م��ن الأب��اط��رة () 3 والقيا�صرة وامللوك والإقطاعيني.
61
د ر ا س ا ت إ سالمية ثاني ًا :الدولة املدنية
منذ الن�صف الثاين من القرن الع�شرين ب��د�أ م�صطلح " ال��دول��ة املدنية " يطرح للتداول على م�ستوى النخب الفكرية وال�سيا�سية ،وتناولته بع�ض الدرا�سات والأبحاث كمحاولة لإيجاد منظومة قيم ومفاهيم تعرب عنه ويعرب عنها ،وال يزال ت�أ�صيل هذا امل�صطلح م�ستمر ًا . وميكن �أن نعرف الدولة املدنية :ب�أنها الدولة التي تعرب متام ًا عن �إرادة املجتمع ،وت�ستند لقيمه ،وتكون وكيلة له� ،أو هي دولة القانون؛ فهي لي�ست دولة رئي�س الوزراء، وال دولة احلاكم .وتقوم هذه الدولة على قاعدة الف�صل بني ال�سلطات الثالث وهي :ال�سلطة الت�شريعية،وال�سلطة التنفيذية ،وال�سلطة الق�ضائية .فالف�صل ه��و املكون الرئي�س لطبيعتها املادية ،وثقافتها املجتمعية .
�أركان الدولة املدنية
.1ب�شرية احلاكم وعدم قدا�سته. .2ال�شعب م�صدر ال�سلطات. .3ح��ري��ة �إب����داء ال����ر�أي (ال�����ش��ورى �أو الدميقراطية بدرجاتها). .4الف�صل بني ال�سلطات. .5التمثيل النيابي لل�شعب. () 4 .6حق املواطنة للجميع.
هل �أن� أش� الإ�سالم دولة ؟
تاريخي ًا � :إن هجرة ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم - �إىل املدينة املنورة �أن�ش�أت كيان ًا �سيا�سي ًا فيها ،ولكن هل حقق هذا الكيان ال�سيا�سي �أركان الدولة التي �أ�شرنا لها �سابق ًا ،والتي هي الأر���ض وال�شعب وال�سلطة ؟ فالأر�ض وال�شعب هي املدينة املنورة و�ساكنيها �،أما ال�سلطة فقد مت الت�أ�سي�س لها منذ بيعتي العقبة الأوىل والثانية و�صو ًال �إىل ما ُعرف بد�ستور املدينة؛لذلك ميكن �أن نطلق على هذا الكيان ال�سيا�سي �صفة دولة ،وهذه الدولة مل تن�ش�أ كمطلب ديني �إمن��ا �أُن�ش�أت كحاجة مو�ضوعية فر�ضتها الظروف املرافقة للدعوة الإ�سالمية .
هل الدولة الإ�سالمية دولة مدنية ؟
الدولة الإ�سالمية كما جاء بها الإ�سالم ،وعرفها تاريخ امل�سلمني دول��ة مدنية ،تقوم ال�سلطة فيها على البيعة وال�����ش��ورى ،حيث يختار احل��اك��م �أه��ل احل��ل العقد على
62
�أ�سا�س القوة والأمانة ،واحلاكم فيها وكيل عن الأمة �أو �أجري عندها ،ومن حق الأمة ممثلة يف �أهل احلل والعقد �أن حتا�سبه وتراقبه؛ بل وتعزله �إذا اقت�ضى الأمر ذلك، ولي�س يف الإ�سالم من يحكم باحلق الإلهي املقد�س .ثم تقوم الدولة بعد ذلك على وجوب ال�شورى ،ونزول احلاكم على ر�أي الأمة �أو جمل�س �شوراها،كما تقوم كذلك على م�س�ؤولية احلاكم �أمام الأمة ،وحق كل فرد يف الرعية �أن ين�صح له وي�شري عليه ،بل �إن الإ�سالم يعترب ذلك فر�ض كفاية على الأم��ة ،وقد ي�صبح فر�ض عني على امل�سلم �إذا قدر عليه وتقاع�س عنه غريه . �إن الإمام �أو احلاكم يف الإ�سالم جمرد فرد عادي من النا�س، لي�س له ع�صمة وال قدا�سة ،وكما قال اخلليفة الأول �أبو بكر ال�صديق -ر�ضي اهلل عنه� ": -إين وليت عليكم ،ول�ست بخريكم ".وكما قال اخلليفة عمر بن عبد العزيز �" :إمنا �أنا واحد منكم ،غري �أن اهلل تعاىل جعلني �أثقلكم حم ًال " . واحل��اك��م يف الإ���س�لام مقيد غ�ير مطلق؛ فهناك �شريعة حتكمه؛ وهي �أحكام مل ي�ضعها هو ،وال حزبه �أو حا�شيته؛ بل و�ضعها له ولغريه رب النا�س ،وال ي�ستطيع هو وال غريه من النا�س �أن يلغي هذه الأحكام �أو �أن يجمدها . وهناك �أمة حتا�سبه وتقومه �إذا اعوج ،وتعزله �إذا �أ�صر على عوجه ،ومن حق �أي فرد فيها �أن يرف�ض طاعته �إذا �أمر ب�أمر فيه مع�صية بينة هلل تعاىل .ويف احلديث ال�صحيح " ال�سمع والطاعة حق على املرء امل�سلم فيما �أحب وكره ما مل ي�ؤمر مبع�صية ف�إذا �أمر مبع�صية فال �سمع وال طاعة " ومل نر �أحد ًا من اخللفاء يف تاريخ الإ�سالم �أ�ضفى على نف�سه، �أو �أ�ضفى عليه امل�سلمون نوع ًا من القدا�سة ،بحيث ال ُينتقد وال يقوم ،وال ي�ؤمر �أو ُينهى . بل نرى �أن اخللفاء �شجعوا النا�س على ن�صحهم وتقوميهم، كما قال اخلليفة �أبو بكر ال�صديق يف �أول خطبة �" :إن �أح�سنت ف�أعينوين و�إن �أ�س�أت فقوموين� ،أطيعوين ما �أطعت اهلل فيكم؛ ف�إن ع�صيته فال طاعة يل عليكم " وكان اخلليفة عمر بن اخلطاب يقول " :مرحب ًا بالنا�صح غدو ًا وع�شي ًا"، وقد قال قولته امل�شهورة ":من ر�أى منكم ّ يف اعوجاج ًا () 5 فليقومني " .
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
د ر ا س ا ت إ سالمية ما هي �أ�س�س الدولة الإ�سالمية املدنية ؟
وعندما ن�سقط مفهوم الدولة املدنية احلديثة ب�أ�س�سها ال�ستة على الر�ؤية الإ�سالمية للدولة ن�ستطيع �أن نثبت �أن الدولة يف الفكر الإ�سالمي دولة مدنية متام ًا وفق املعايري الآتية: -1ال قدا�سة للحاكم ،فهو ال ميثل خليفة هلل تعاىل على �شعبه ،وهو العن�صر الأبرز والأخطر يف تعريف دولة "الإكلريو�س " يف ع�صور �أوروبا الو�سطى � ،إن �أعظم حكام امل�سلمني قدا�سة وتعظيم ًا هو النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم ،-وقد �أثبت اهلل ب�شريته يف �أكرث من مو�ضع ،وقد �صدح بذلك الر�سول نف�سه يف �أكرث من موقف . -2ال�شعب م�صدر ال�سلطات ،فهو الذي يختار احلاكم ،وهو الذي يعزله ،وهذا وا�ضح يف ق�صة اختيار اخلليفة �أبي بكر ال�صديق بعد وفاة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم . -3حرية �إبداء الر�أي :وثبت عن النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم -يف �أكرث من منا�سبة �أنه دعا النا�س �إىل ال�شورى فقال �":أ�شريوا علي �أيها النا�س . " .. -4الف�صل بني ال�سلطات �أو ا�ستقالل ال�سلطات ،و�أبرزه يف الإ�سالم ا�ستقالل الق�ضاء -5التمثيل النيابي لل�شعب :لقد و�ضع النبي �-صلى اهلل عليه� -سلم نظام ًا للتمثيل النيابي؛ فلما �أتته هوازن ف�س�ألوه �أن يرد عليهم ال�سبي والغنائم ،فقال " :ما كان يل ولبني ها�شم فهو لكم ،وما كان للنا�س فدعوين حتى �أ�س�ألهم ،فكرث عليه اللغط، فقال �أخرجوا �إ ّ يل عرفاءكم ويف بيعة العقبة عندما طلب من الأن�صار �إخراج اثني ع�شر نقيب ًا . -6حق املواطنة :ولقد �ضمن القر�آن الكرمي لغري امل�سلمني حرية العقيدة ،كما كفل لهم حرية العبادة ،وحماية دور عبادتهم ،وو�ضع لهم قاعدة املواطنة ،لهم ما لنا وعليهم ما علينا ،وقد ثبت ذلك يف �صحيفة املدينة بني الر�سول �-صلى اهلل عليه و�سلم -واليهود " :من �آذى ذمي ًا فقد �آذاين ،ومن �آذاين كنت خ�صمه يوم القيامة " . ومنها ما يف البخاري �أنه �-صلى اهلل عليه و�سلم -قال " :من قتل معاهد ًا مل يرح رائحة اجلنة ،و�إن ريحها توجد من م�سرية () 6 �أربعني عاما " .
املراجع � -1أبو فار�س ،حممد عبد القادر ،النظام ال�سيا�سي يف الإ�سالم � ،صويلح � ، 1980 ،ص .277-257 -2حجاج �،أدهم ،مبادئ املعرفة ال�سيا�سية � ،شبكة ر�صد 2014/5/6 ،م . -3خليل � ،صربي حممد ،املدنية ،موقع �سودانايل 2011/2/28، -4زايد � ،أحمد ،ماذا تعني الدولة املدنية ،جريدة ال�شروق اجلديد .2011/2/26، -5عليان � ،إبراهيم خليل ،الدولة الدينية والدولة املدنية ،القاهرة � ، 1995 ،ص 14 -6عليوة ،حممد عبد الفتاح ،الدولة الإ�سالمية دولة مدنية ،جملة احلوار املتمدن 2009/7/9، � -7أدهم حجاج ،مبادئ املعرفة ال�سيا�سية � ،شبكة ر�صد 2014/5/6 ،م . � -8أحمد زايد ،ماذا تعني الدولة املدنية ،جريدة ال�شروق اجلديد .2011/2/26، � -9إبراهيم خليل عليان ،الدولة الدينية والدولة املدنية � ،ص 14 � -10أدهم حجاج ،مبادئ املعرفة ال�سيا�سية � ،شبكة ر�صد 2014/5/6 ،م . -11حممد عبد القادر �أبو فار�س ،النظام ال�سيا�سي يف الإ�سالم � ،ص 277-257 -12حممد عبد الفتاح عليوة ،الدولة الإ�سالمية دولة مدنية ،جملة احلوار املتمدن � , 2009/7/9،صربي حممد خليل ،املدنية ،موقع �سودانايل /2/28،
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
63
د ر ا س ا ت إ س المية اإلرهاب بين المنظور الشرعي والمنظور العالمي �شاع يف وقتنا احلا�ضر مفهوم الإرهاب ،والتب�س على النا�س معناه ،فمنهم من �أل َب �س هذا املفهوم لبا�س القتل والتخويف وحاول �إل�صاق هذا املعنى بالإ�سالم لت�شويه �صورته ،و�إظهاره وقطع للر�ؤو�س ،وذلك عائد �إىل عدم �ضبط قتل �أنّ��ه دين ٍ ٍ ب�شكل دقيق لدى النا�س ،وعدم �إيجاد قاعدة هذا املفهوم ٍ م�شرتكة بينهم يبنوا عليها نظرة موحدة له ،لذا ر�أيت �أن �أبحث ب�شكل موجز يف هذا املفهوم مبين ًا �أثر عدم �ضبطه وحتديد معناه ال�صحيح على �صورة الإ�سالم وامل�سلمني. الإرهاب: "الراء والهاء والباء �أ�صالن� ،أحدهما يدل على خوف، دقة وخفة ،فالأول :الرهبة ،تقول َ :رهَ ْبتُ والآخر يدل على ٍ ()1 ال�شيء ُر ْه با و َرهَ با و َرهبة� ،أي خفته . ���ب َر ْه �� َب ��ا و َرهَ ��ب��ا، ���رهَ ُ ي��ق��ول اب��ن دري���د َ " :رهَ َب ال��رج��ل َي ْ والرهَ ُب:الفزع"(. )2 َ وردت ا�شتقاقات (رهب) مبعنى اخلوف والفزع يف القر�آن مرات يف قوله تعاىل: �سبع ٍ اط الخْ َ ْي ِل ُت ْر ِه ُبونَ ا�س َت َط ْع ُتم ِّمن ُق َّو ٍة َو ِمن ِّر َب ِ } َو�أَ ِع ُّدو ْا َل ُهم َّما ْال َت ْع َل ُمو َن ُه ُم اللهّ ُ ِب ِه َع ْد َّو اللهّ ِ َو َعدُ َّو ُك ْم َو� َآخ ِرينَ ِمن ُدو ِنه ِْم َ َي ْع َل ُم ُه ْم{(الأنفال ) 60 ال اللهّ ُ َ } َو َق َاحدٌ َف�إ َّيايَ ال َتت َِّخ ُذو ْا �إِلـهَينْ ِ ا ْث َنينْ ِ �إِنمَّ َ ا هُ َو �إِلهٌ َو ِ َفا ْرهَ ُبونِ {(النحل .) 51 للهَّ }لَن ُت ْم �أَ َ�ش ُّد َر ْه َب ًة فيِ ُ�صدُ و ِر ِهم ِّمنَ ا ِ َذ ِل َك ِب�أَ َّن ُه ْم َق ْو ٌم اَّل َأَي ْف َق ُهونَ {احل�شر.}13 } َيا َب ِني ِ�إ ْ�س َرا ِئ َيل ُ اذك ُرو ْا ِن ْع َم ِت َي ا َّل ِتي �أَ ْن َع ْمتُ َع َل ْي ُك ْم َو�أَ ْو ُفو ْا وف ِب َع ْه ِد ُك ْم َو ِ�إ َّيايَ َفا ْرهَ ُبونِ {(البقرة .)40 ِب َع ْه ِدي �أُ ِ اح وَفيِ ُن ْ�س َخ ِت َها هُ دً ى و�سى ا ْل َغ َ�ض ُب �أَ َخ َذ الأَ ْل َو َ َ } :ولمَ َّا َ�س َكتَ َعن ُّم ََو َر ْح َم ٌة ِّللَّ ِذينَ هُ ْم ِل َر ِّبه ِْم َي ْرهَ ُبونَ {(الأعراف .)154 َ}ق َ ا�سترَ ْهَ ُبوهُ ْم ال �أَ ْل ُق ْو ْا َف َل َّما �أَ ْل َق ْو ْا َ�س َح ُرو ْا َ�أ ْعينُ َ الن ِ َّا�س َو ْ يم {( الأعراف .)116 َو َجاءوا ِب ِ�س ْح ٍر َع ِظ ٍ َ ا�س َت َج ْب َنا َلهُ َو َوهَ ْب َنا َلهُ َي ْح َيى َو�أ ْ�ص َل ْح َنا َلهُ َز ْو َج��هُ �إِ َّن ُه ْم َ }-ف ْ
64
د.يا�سر �أبو ح�سني.
ات َو َي ْد ُعو َن َنا َر َغب ًا َو َرهَ ب ًا َو َكا ُنوا َل َنا َكا ُنوا ُي َ�سا ِر ُعونَ فيِ الخْ َ يرْ َ ِ ا�ش ِعنيَ{(الأنبياء . )90 َخ ِ ويف ال�سنة النبوية جاء عن الرباء بن عازب – ر�ضي اهلل عنه – قال :قال ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم ": - �إذا �أخذت م�ضجعك ،ثم ا�ضطجعت على �شقك الأمين ،فقل اللهم �أ�سلمت نف�سي �إليك ،ووجهت وجهي �إليك ،وفو�ضت �أمري �إليك ،و�أجل���أت ظهري �إليك رغبة ورهبة ،ال ملج �أ وال منجا منك �إال �إليك� ،آمنت بكتابك الذي �أنزلت ،وبر�سولك الذي �أر�سلت " ( .)3 لو تتبعنا معنى لفظة رهب وا�شتقاقاتها يف القر�آن الكرمي، ً جولة لوجدناها مل تخرج عن معناها اللغوي اخلوف ،ولن�أخذ ً �سريعة يف بع�ض كتب التف�سري حول معنى الآيات ال�سابقة والتي ذكرت ا�شتقاقات رهب ،لنجد �أنّها كلها ت�أتي مبعنى �سواء �إخافة العدو لكي ال يتجر�أ على االعتداء على اخلوف، َ امل�سلمني � ،أو اخلوف من اهلل تعاىل. ف�س ر �سيد قطب – رحمه اهلل ُ } -ت ْر ِه ُبون يف قوله ترهبون ُي ّ به عدو اهلل وعدوكم { فيقول" �إنّ��ه يجب على املع�سكر الإ�سالمي �إع���داد العدة دائ��م�� ًا وا�ستكمال القوة ب�أق�صى احلدود املمكنة لتكون القوة املهتدية هي القوة العليا يف الأر�ض التي ترهبها جميع القوى املبطلة يف �أرجاء الأر�ض، فتهاب �أوال �أن تهاجم دار الإ�سالم وت�ست�سلم كذلك ل�سلطان ً داعية �إىل الإ�سالم يف �أر�ضها من الدعوة ،وال اللهّ فال متنع تدعي حق ت�صد �أح��د ًا من �أهلها عن اال�ستجابة له ،وال ّ ّ ()4 احلاكمية وتعبيد النا�س ،حتى يكون الدين ك ّله لل" ، فالإرهاب يف هذه الآية هدفه جعل غري امل�سلمني يخ�شون من مهاجمة �أر�ض الإ�سالم ،وهدفه �أي�ضا حماية امل�ست�ضعفني يف الأر�ض ،وهما هدفان نبيالن ،ال جتد مثي ًال لهما يف �أي قانون �أو �شريعة �أخرى. و ُي ّث ني الدكتور ح�سن بن �إدري�س عزوزي على كالم �سيد عدون من القوة ما يجعل قطب – رحمه اهلل -فيقول� " :أي ُت ّ �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
د ر ا س ا ت إ س المية العدو يخاف من احلرب ،فريتد َع عن ممار�سة العنف الذي قد يدفعك �إىل العنف امل�ضاد"(.)5 ف�س ر الطربي – رحمه اهلل – قوله تعاىل } َف���إِ َّي��ايَ و ُي ّ َفا ْرهَ ُبونِ {(النحل )51فيقولَ ":ف�إِ َّيايَ فاتقون ،وخافوا عقابي مبع�صيتكم �إ ّي��اي �إن ع�صيتموين� ،أو �أ�شركتم يف عبادتكم يل" (.)6 ��م �أَ َ���ش ُّ��د َر ْه�� َب ً ف�س ر الزحيلي قوله تعاىل َ أ ��ة فيِ }لَن�� ُت ْ و ُي ّ َ َ ُ�صدُ و ِر ِهم{(احل�شر )13فيقول }:أ لنْ�� ُت ْ��م �أ َ���ش ُّ��د َر ْه �� َب ً��ة فيِ ُ�ص دُ و ِر ِه ْم ِمنَ اللهَّ ِ �أي �إنّ املنافقني يخافونكم خوف ّا �أ�شد من خوفهم اللهّ {(.)7 �أ ّم ��ا قوله تعاىل}و�إ ّياي فارهبون{(البقرة )40فجاء مبعنى�":إ ّياي فاخ�شون"(.)8 ف�س ر اجلزري – رحمه اهلل – الرهبة} الواردة يف احلديث{ و ّ ()9 ً ُ اخلوف والفزع" . رهبة �إليك ب�أنّها " ُ فخال�صة معنى الإرهاب الوارد يف القر�آن الكرمي هو �إخافة �أعداء الإ�سالم لكي ال يتجر�ؤوا على الإعتداء على امل�سلمني، ً رحمة للم�سلمني �أو ا�ضطهاد غري امل�سلمني لأنّ الإ�سالم ُب عث ولغريهم ،وقد دخل الر�سول يف حلف الف�ضول قبل الإ�سالم وقال " :لو �أدعى به يف الإ�سالم لأجبت"( )10فالإ�سالم يحمي امل�سلمني وغري امل�سلمني. وقد حاول الغرب �أن ي�ش ّوه مفهوم الإره��اب الذي ورد يف القر�آن الكرمي ،وي�صوره �أنّ��ه مبعنى العنف والقتل وقطع جديدة ل لإرهاب ال��ر�ؤو���س ،لذا عمدوا �إىل و�ضع تعريفات ٍ وحاولوا ربطها بالإ�سالم ،لل ْب �س هذا املفهوم على النا�س، ومن هذه التعريفات -:يف قامو�س �أك�سفورد (Terrorist : (Oxford Dictionary "الإرهابي"هو ال�شخ�ص ال��ذي ي�ستعمل العنف املنظم ل�ضمان نهاية �سيا�سية ،واال���س��م Terrorismمبعنى الإرهاب و ُيق�صد به ا�ستخدام العنف والتخويف وبخا�صة يف �أغرا�ض �سيا�سية"(.)11 وع ّرف الإرهاب ب�أنّه " :االعتداء ّ جماعة فرد �أو ٍ املنظ م من ٍ ُدولة على النفو�س الب�شرية� ،أو الأموال العامة �أو اخلا�صة �أو ٍ ()12 بالرتويع والإيذاء والإف�ساد من غري وجه حق" . �أ�صبح ل لإرهاب معنيان الأول مرتبط بالتخويف من �أجل حماية البالد والعباد ،والثاين مرتبط بالتخويف واالعتداء على البالد والعباد ،و�ش تّان ما بني هذين املعنيني ،فالأول العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
أقره الإ�سالم ودعا �إليه لأنّ من �أهم مقا�صده حماية النف�س � ّ –"ع ْن والعر�ض والأر�ض والدين واملال ،قال -عليه ال�سالم َ يد ْب ِن َز ْي ٍد َع ِن ال َّن ِب ِّى �-صلى اهلل عليه و�سلمَ -ق َ ال َ :م ْن َ�س ِع ِ ُق ِت َل ُدونَ َم ا ِل ِه َف ُه َو َ�ش ِه يدٌ َو َم ْن ُق ِت َل ُدونَ �أَ ْه ِل ِه َ�أ ْو ُدونَ َد ِم ِه �أَ ْو ُدونَ ِدي ِن ِه َف ُه َو َ�ش ِه يدٌ "(� ،)13أما املعنى الثاين والذي حاول �شرع ا ،لأنّه عدوان على الغرب �إل�صاقه بالإ�سالم فهو حمرم ً النا�س ،وهو �إف�ساد يف الأر�ض �أوجب الإ�سالم على �صاحبه حد احلرابة. ّ املحرمة له: ومن الآيات القر�آنية ّ َ للهَّ اء ا َّل ِذينَ ُي َحا ِر ُبونَ ا َو َر ُ�سو َلهُ قوله تعاىل� } :إِنمَّ َ ��ا َج َ��ز ُ َ َ َ ���ض َف َ�سا ًدا �أ ْن ُي َق َّت ُلوا �أ ْو ُي َ�صلَّ ُبوا �أ ْو ُت َق َّط َع َو َي ْ�س َع ْونَ فيِ ْ أ الَ ْر ِ �أَ ْي ِديه ِْم َو َ�أ ْر ُج ُل ُه ْم ِم ْن ِخلاَ ٍف �أَ ْو ُي ْن َف ْوا مِنَ ْ أ �ض َذ ِل َك َل ُه ْم ِخزْ يٌ الَ ْر ِ يم{ (املائدة .)339 فيِ ُّ الد ْن َيا َو َل ُه ْم فيِ ْال ِآخ َر ِة َع َذ ٌ اب َع ِظ ٌ وق��ال تعاىلَ } :و اَل ُتف ِْ�سدُ وا فيِ ْ أَ �����ض َب�� ْع��دَ ِ�إ ْ�صلاَ ِح َها{ ال ْر ِ (الأع���راف ،)56قال القرطبي " :نهى اهلل تعاىل عن كل ف�ساد ّ قل �أو كرث " (.)14 ��ك َك َت ْب َنا َع َلى َب ِني �إِ ْ�س َرا ِئ َ وقال تعاىلِ } :م ْن �أَ ْج ِ��ل َذ ِل َ يل �أَنَّهُ ���ض َف َك�أَنمَّ َ ا َق َت َل ْ�س �أَ ْو َف َ�س ٍاد فيِ الأَ ْر ِ َمن َق َت َل َنفْ�س ًا ِب َغيرْ ِ َنف ٍ َّا�س َجمِيع ًا َو َل َق ْد َّا�س َجمِيع ًا َو َم ْن �أَ ْح َياهَ ا َف َك َ�أنمَّ َ ا �أَ ْح َيا الن َ الن َ َ �ض َجاء ْت ُه ْم ُر ُ�س ُل َنا ِبال َب ِّي َن ِ ات ُث َّم �إِنَّ َك ِثري ًا ِّم ْن ُهم َب ْعدَ َذ ِل َك فيِ الأ ْر ِ لمَ ُ ْ�س ِر ُفونَ { (املائدة .)329 املحرمة ل لإرهاب باملفهوم الذي جاء به وقد تعددت الفتاوى ِّ الغرب ،فقد �صدر عن هيئة كبار العلماء يف اململكة العربية ال�سعودية عام 1409ه��ـ قرار رقم 148يف بيان عقوبة من �شرع ا �أنّه قام قام ب� ٍ أعمال تخريبية جاء فيه " :من ثبت ً بعمل من �أعمال التخريب واالف�ساد يف الأر�ض التي تزعزع الأمن باالعتداء على الأنف�س واملمتلكات اخلا�صة �أو العامة كن�سف امل�ساكن �أو امل�ساجد �أو املدار�س �أو امل�ست�شفيات �أو امل�صانع �أو اجل�سور �أو خمازن الأ�سلحة واملياه �أو املوارد العامة لبيت امل��ال ك �أنابيب البرتول ون�سف الطائرات �أو خطفها ونحو ذلك ،ف�إنّ عقوبته القتل لداللة الآيات على �أنّ مثل هذا الإف�ساد يف الأر�ض يقت�ضي �إهدار دم املف�سد ؛ ولأنّ خطر أ�شد ه �ؤالء الذين يقومون بالأعمال التخريبية و�ضررهم � ُّ من خطر و�ضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي على �شخ�ص فيقتله �أو ي�أخذ ماله ،وقد حكم اهلل عليه مبا ذكر يف �آية احلرابة " (.)15
65
د ر ا س ا ت إ سالمية ا�ستغل الغرب �أخطاء املغالني يف الدين والذين عمدوا �إىل قتل و�إخافة النا�س حتت م�سمى اجلهاد؛ ب�سبب جهلهم مبقا�صد ن�ص بوا �أنف�سهم الدين احلنيف وفهمهم اخلاطئ ل لآيات القر�آنية الداعية �إىل اجلهاد� ،أو ب�سبب تقليدهم لغريهم ممن ّ مرجعيات يف العلم ال�شرعي بغري وجه حق ا�ستغل الغرب هذا الت�شدد وهذه املغاالة يف �إل�صاق مفهوم الإرهاب القائم على ٍ قطع الر�ؤو�س واالعتداء على النفو�س بالإ�سالم ،فقدم ه �ؤالء املغالون خدمة جليلة للغرب الكافر يف ت�شويه �صورة الإ�سالم احلقيقية. �إنّ ال�سبب الرئي�س لإل�صاق مفهوم الإرهاب اخلاطئ بالإ�سالم ،هو عدم حتديد و�ضبط معنى هذا املفهومٌ ، فكل ينظر �إليه يوح دوا جهودهم ل�ضبط هذا املفهوم �ضبط ًا �صحيح ًا ،مي ّيزون من زاويته اخلا�صة ،لذا وجب على علماء الإ�سالم ومفكريه �أن ّ من خالله بني الإرهاب املراد به حماية الدين املال والنف�س والعر�ض ،والإرهاب املراد به �إخافة النا�س والتعدي على �أموالهم و�أعرا�ضهم وبيوتهم. ويحد ّد الدكتور �سعيد الزهراين م� س�ؤولية املثقف امل�سلم جتاه �ضبط مفهوم الإرهاب ،فيقول":م� س�ؤولية املثقف الإ�سالمي يف ك�شف الزيف والتمويهات يف امل�صطلح الوافد من خالل الت �أريخ لن� ش�أته والظروف التي ارتبطت مبولده وظهوره واملمار�سات التي ارتكبت با�سمه يف التاريخ الغربي احلديث واملعا�صر ،كما تحُ ّم له دور ًا ر�سالي ًا مت�سق ًا مع �أدوار الفقيه واملفكر يف تفكيك دالالت مفهوم الإرهاب التي ّ مت التو�صل �إليه وتب�سيطه و�شرح معانيه وبثه يف الو�سط االجتماعي وبيان املمار�سات املنبثقة عنه بلغة تتالءم وطبيعة املواقف اليومية ومفردات احلياة م�ستخدم ًا جميع �أ�ساليب الن�شر والتوعية املتاحة ،وكذلك متابعة ما ُين�شر حول املفهوم من قبل مثقفي احلداثة لتحليله ونقده وتكوين القناعات الفكرية امل�ضادة لدالالته " (.)16 يقول الدكتور قطب م�صطفى �سانو يف كتابه ( يف م�صطلح الإره��اب وحكمه قراءة نقدية يف املفهوم واحلكم من منظور ً ال�شرعي ويف املنظور القانوينِّ ،وال ميكن �ضبطا حمك ًم ا من � ش�أنه �ضبط حكمه يف املنظور �شرعي)�":إنَّ �ضبط �أهداف الإرهاب ِّ يتم حتديد موقع ب� ِّأي ٍ حال من الأحوال �ضبط حكمه حتليلاً وحتر ً يتم �ضبط الأهداف والغايات من ورائها ،وما مل َّ ميا ما مل َّ ()17 ال�شرعي ويف املنظور القانو ِّ بد من معرفة دوافع الإرهاب ل�ضبط معناه ره ب يف منظومة الأمان يف املنظور ين " � ،إذن ال ّ املُ ِ ِّ وبالتايل احلكم عليه . ويف نهاية هذا املبحث نرى �أنّ العقل الب�شري بحاجة ما�سة �إىل مفاهيم من�ضبطة املعاين ،م �ؤ�صلة ت�أ�صيال دقيق ًا ،لينطلق �إىل ف�ضاء التفكري ال�سليم ،وهذا الأمر يقع على عاتق املثقفني واملفكرين ،لأنهم قادة املجتمع ور ّواده ،ولنا يف منهج القر�آن الكرمي منارة يف حتديد وت�أ�صيل املفاهيم كما ر�أينا يف املفاهيم التي مت بحثها �سابقا.
املراجع -1معجم مقايي�س اللغة ،م�صدر �سابق� ،ص. 405 -2ابن دريد� :أبو بكر حممد بن احل�سن ،اال�شتقاق ،دار الن�شر :مكتبة اخلاجني -القاهرة ط ، 3حتقيق :عبد ال�سالم حممد هارون� ،ص . 431 � -3صحيح البخاري ، :كتاب الدعوات ،باب :ما يقول �إذا نام ،حديث رقم . 6311 -4يف ظالل القر�آن. 1535/3 ، : -5عزوزي :ح�سن بن �إدري�س ،ق�ضايا الإرهاب والعنف يف ميزان الكتاب وال�سنة ،طبعة الدار البي�ضاء� ،أ�ستاذ بكلية ال�شريعة – جامعة القرويني – فا�س – املغرب� ،ص. 4 -6جامع البيان.220/ 17 ، -7الزحيلي :وهبة بن م�صطفى ،التف�سري املنري يف العقيدة وال�شريعة واملنهج،دار الفكر املعا�صر ،ط.94/28 ،2 -8ابن يا�سني :حكمت ،مو�سوعة ال�صحيح امل�سبور من التف�سري بامل�أثور ،دار امل�آثر للن�شر ط146/ 1،1 -9اجلزري � :أبو ال�سعادات املبارك ،النهاية يف غريب احلديث والأثر ،املكتبة العلمية ،حتقيق :طاهر �أحمد .669 / 2، -10ال�سرية النبوية البن ه�شام.91/1، ، .}736 . p ,1981 ,See: Oxford Universal Dictionary, Compiled by Joyce M . Hawkins, Oxford University Press, Oxford -11 -12العمرو :عبد اهلل بن حممد� ،أ�سباب ظاهرة الإرهاب� -ص ،5م�صدر الكتاب : موقع الإ�سالم .http://www.al-islam.com �-13سنن �أبي داود ،باب يف قتال الل�صو�ص ،حديث رقم . 391/4 ،4772 -14اجلامع لأحكام القر�آن للقرطبي.226 / 7 ، -15جملة البحوث العلمية :العدد الرابع والع�شرون 1409هـ� ،صفحة .386 -16الزهراين � :سعيد بن عائ�ض -م�س�ؤولية املثقف الإ�سالمي جتاه ق�ضايا الإرهاب -م�صدر الكتاب موقع الإ�سالم � ،http://www.al-islam.comص .21 � -17سانو :قطب م�صطفى ،يف م�صطلح الإرهاب وحكمه قراءة نقدية يف املفهوم واحلكم من منظور �شرعي � -ص14
66
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ب ي ا ن ا ت ا ل و سطية
بيان من المنتدى العالمي للوسطية يحمل الحوثيين وداعش مسؤولية ّ الحرب في المنطقة
2014/09/29م ت�شهد املنطقة تطورات مت�سارعة بالغة اخلطورة على كل امل�ستويات ،حيث تعاظم مد التطرف يف كل من اليمن والعراق وال�شام ،وقام املتطرفون بارتكاب �سل�سلة جمازر بحق الأبرياء ،ت�سببت يف تهجري مئات الآالف من ال�سكان، وتدمري معامل احل�ضارة يف بالد الرافدين ،و�أ�شعلوا �أر�ض ال�شام ال�شريف والعراق ال�صابر ب�سل�سلة حروب ال تنتهي. �إن املنتدى العاملي للو�سطية ،يعترب �سلوك احلوثني وداع�ش ،وما قاموا به من جرائم بحق الأبرياء ،حتت �شعار �إعالن اخلالفة ،خروج ًا كام ًال على �أحكام الإ�سالم ور�سالته يف الرحمة وال�سالم ،ويحمل هذه التنظيمات امل�س�ؤولية الكاملة عن �إ�شعال هذه احلروب ،وما تت�سبب به من �ضحايا وكوارث على امل�ست�ضعفني يف الأر�ض ،وت�شريد املاليني؛ مما �أدى �إىل اجنرار كثري من ال�شباب �إىل العنف؛ الذي كان خيار ًا �أ�سود ًا �أجرب عليه للخال�ص من القهر والظلم والعدوان. و�إذ يـرفع ه�ؤالء املتطرفون �شعارهم" :خالفة على منهاج النبوة"� ،أو �إثارة الفتنة الطائفية ،ف�إن املنتدى يذكر ب�أن منهاج النبوة يف بناء " دولة املدينة " مل يكن عرب �إراقة الدماء ،وت�شريد النا�س؛ اذ قامت دولة الإ�سالم على قاعدة املحبة ،ومل يتم ت�شريد �شخ�ص واحد ،وكذلك ُفتحت مكة باملحبة،والعفو،والغفران ،ولي�س بالدماء والرعب والإبادة(،اذهبوا ف�أنتم الطلقاء). �إننا نطالب املجتمع الدويل ،والنظام العربي ،والإ�سالمي ،القيام مب�س�ؤوليته يف مواجهة الإرهاب ،ورفع الظلم بكافة �أ�شكاله و�ألوانه وبكل م�س�ؤوليته ،وندعو �إىل تقوى اهلل واجتناب املدنيني ،وعدم الوقوع يف �شرك اجلماعات املتطرفة لنقل احلرب �إىل املدن ،وتنفيذ املخططات الهادفة �إىل تق�سيم البالد وزرع الفرقة ،يف كل من العراق و�سوريا واليمن وليبيا ،وغريها من الدول العربية والإ�سالمية امل�ستهدفة. كما ندعو �سائر العاملني يف احلقل الإ�سالمي؛ ال�ستنفار اجلهد والوقت يف ت�صحيح املفاهيم التي مت ت�شويهها عن الإ�سالم ور�سالته الإن�سانية ،وبالتايل العمل على �إعداد جيل متح�صن بالعلم واملعرفة ،خا�صة يف مواجهة حركات العنف املذهبي التي تقدم تف�سريا ،خاطئ ًا خمتلف ًا حمرف ًا للقر�آن الكرمي ،والقيم الإ�سالمية ،يتناق�ض مع روح املحبة وال�سالم والإخاء الإن�ساين ،وهو ما �سهلت الإقدام عليه كرد فعل مقابل ،ممار�سات وخمططات مذهبيه ،ت�ستهدف املنطقة يف �إطار �إ�سرتاتيجية معلنة غري جمهولة.
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
67
ب ي ا ن ا ت ا ل و سطية بيان حول العدوان
اإلسرائيلي على غزة
يناير2014/م املنتدى العاملي ي�ستنكر اجلرائم الإ�سرائيلية الظاملة بحق �أهلنا يف غزة ،الذي يتوا�صل ب�شكل ال يراعي �أدنى ون�ساء؛ �إذ خلف االحرتام للمواثيق الدولية وقوانني احلرب،وي�ستهدف ال�شعب الفل�سطيني الأعزل اطفا ًال ً مئات ال�ضحايا الأبرياء،و�آالف اجلرحى ودمار للمن�ش�آت وامل�ؤ�س�سات والبنية التحتية. �إن هذا العدوان هو عمل �إرهابي جبان ،ي�ستهدف زعزعة اال�ستقرار والطم�أنينة ،وزرع الفو�ضى،والعنف،ويدمر جهود البناء يف املنطقة،وهو �شكل من �أ�شكال البلطجة والعربدة الدولية ،وي�شكل جرمية �إن�سانية يف هذا ال�شهر املبارك بحق ال�شعب الفل�سطيني الأعزل ويكر�س االحتالل غري امل�شروع للأرا�ضي الفل�سطينية. كما نطالب م�صر ال�شقيقة بفتح املعرب،وكذلك نطالب املجتمع ال��دويل التفرقة بني الدفاع عن النف�س، ومقاومة االحتالل وبني الإرهاب. من هذا املنرب ف�إن املنتدى العاملي للو�سطية ،يطالب املجتمع ال��دويل بوقف هذا العدوان بالقوة،ووقف �إط�لاق النار الفوري ،وكذلك رفع احل�صار ،وتكاتف اجلهود لإع��ادة اعمار غ��زة؛لأن هذا العدوان ي�صنع الكراهية،والتطرف والعنف،ويقو�ض فر�ص البناء والإعمار ولن يتحقق هذا الهدف �إال بتعاون القوى العربية والإ�سالمية والدولية ،و�إجبار �إ�سرائيل على احرتام حق ال�شعب الفل�سطيني يف احلياة الكرمية و�إعادة احلق لأهله؛ ليعي�ش اجلميع ب�سالم و�أمان يف جو ت�سوده العدالة واال�ستقرار ،فال�شعب الفل�سطيني عا�ش مبا فيه الكفاية من م�آ�س وويالت وحروب،وعانى من الظلم والقهر والعدوان ماال يعي�شه �شعب على وجه الأر�ض.
68
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ب ي ا ن ا ت ا ل وسطية بيان حول تهجير
المسيحيين من الموصل 2014/07/27م �صدم العامل الإ�سالمي باملمار�سة التي يقوم بها تنظيم (دول���ة ال��ع��راق وال�����ش��ام الإ���س�لام��ي��ة) جلهة ا�ضطهاد امل�سيحيني،وتهجريهم من مدينة املو�صل ،واعتبار ذلك ت�صرف ًا �شرعي ًا تقوم به خالفة �إ�سالمية يف حق �أهل الكتاب. و�إن املنتدى العاملي للو�سطية� ،إذ يبني �أن هذه املمار�سات تعترب تزييف ًا لل�شريعة ال�سمحاء،وتبدي ًال لدين اهلل تعاىل الذي جاء رحمة للعاملني ،و�أعلن ب�صريح الن�ص القر�آين �أنه ال �إك��راه يف الدين ،و�أن الذين يخريون بني اجلزية وال�سيف،هم �أولئك املحاربون من املقاتلة الذين كادوا للإ�سالم و�أهله ،وحاربوا الأمة و�أمكن اهلل منهم ،ولي�س �أولئك امل�ساملني الذين �شملتهم و�صايا الر�سول الكرمي -عليه ال�صالة وال�سالم-باملعاملة باحل�سنى واملعروف واالحرتام،حتت يل َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم ِبا َّل ِتي ِه َي قاعدة �أمرنا برتكهم وما يدينون ،والعمل بقوله تعاىل(:ا ْد ُع �إِلىَ َ�س ِب ِ �أَ ْح َ�سنُ ). اب �إِ اَّل ِبا َّل ِتي ِه َي وقد �أو�صى ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -ب�أهل الكتاب ونزل يف ذلك قر�آن كرمي( َو اَل تجُ َ ا ِد ُلوا �أَ ْه َل ا ْل ِك َت ِ احدٌ َو َن ْحنُ َلهُ ُم ْ�س ِل ُمونَ ) (العنكبوت نز َل ِ�إ َل ْي ُك ْم َو�إِ َل ُه َنا َو�إِ َل ُه ُك ْم َو ِ نز َل �إِ َل ْي َنا َو ُ�أ ِ �أَ ْح َ�سنُ ِ�إ اَّل ا َّل ِذينَ َظ َل ُموا ِم ْن ُه ْم َو ُقو ُلوا �آ َمنَّا ِبا َّل ِذي �أُ ِ .)46 كما جاء القر�آن الكرمي بالثناء على طائفة من �أهل الكتاب من الق�سي�سني والرهبان الذي �أظهروا احرتام ًا وود ًا للإ�سالم َّا�س َعدَ ا َو ًة ِللَّ ِذينَ �آ َمنُوا ا ْل َي ُهو َد َوا َّل ِذينَ �أَ ْ�ش َر ُكوا َو َل َت ِجدَ نَّ �أَ ْق َر َب ُه ْم َم َو َّد ًة ِللَّ ِذينَ �آ َمنُوا ا َّل ِذينَ و�أهله ،فقال تعاىلَ ( :ل َت ِجدَ نَّ �أَ َ�شدَّ الن ِ ي�س َ ني َو ُر ْه َبا ًنا َو َ�أ َّن ُه ْم اَل َي ْ�س َت ْكبرِ ُ ونَ ). َقا ُلوا �إِنَّا َن َ�صا َرى َذ ِل َك ِب َ�أنَّ ِم ْن ُه ْم ِق ِّ�س ِ وفاء مع الفتى الن�صراين من ونذكر الأمة باملكانة اخلا�صة التي �أ�شار �إليها ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -لإقليم نينوى ً نينوى عدا�س،الذي خدم ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -يوم الطائف ،وقال لعدا�س�:أعرف نينوى �إنها بلد �أخي يون�س ،هو نبي و�أنا نبي. �إننا ندعو الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام�،أن يراجعوا مواقفهم بناء على كتاب اهلل و�سنة ر�سوله ،لوقف الظلم و�إحقاق احلق ،ف�إن الرتاجع عن اخلط�أ خري من التمادي يف الباطل. كما ندعو �سائر الدول الإ�سالمية والهيئات واملراجع الدينية�،أن يقوموا بتبيني موقف الإ�سالم احلق من هذه املمار�سات، وا�ستنكارها بكل الو�سائل ن�صرة لدين اهلل القائم على الرحمة والت�سامح واحلوار.
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
69
ب ي ا ن ا ت ا لوسطية بيان حول أحداث اليمن 2014/09/24م
قال تعاىل�( :إِنمَّ َ ا المْ ُ�ؤْ ِمنُونَ �إِخْ َو ٌة َف�أَ ْ�ص ِل ُحوا بَينْ َ �أَ َخ َو ْي ُك ْم َوا َّتقُوا اللهَّ َ َل َعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمونَ )
(�سورة احلجرات) 10: �إن املنتدى العاملي للو�سطية تابع ما حدث يوم الأحد املا�ضي املوافق 2014/09/21م من اقتتال واعت�صامات على �أر�ض اليمن احلبيب لذا ف�إنه: .1ينا�شد جميع الأطراف املت�صارعة على �أر�ض اليمن �ضبط النف�س وتغليب لغة احلوار والعقالنية واحلكمة على لغة ال�سالح. .2وقف الإعالم التحري�ضي وكافة �أ�شكال الإثارة الطائفية واحلزبية وغريها ،واحلفاظ على وحدة اليمن وا�ستقراره. .3الت�أكيد على حق اجلميع يف التعبري عن �آرائهم �سلمي ًا وفق ًا للقانون وبعيد ًا عن جماالت العنف. .4يعرب املنتدى عن احلزن ال�شديد للأرواح التي �أزهقت والدماء التي �سالت يف العا�صمة �صنعاء وغريها من مدن �صنعاء. .5يطالب جميع الأطراف بالتوقف مبو�ضوعية وم�س�ؤولية �أمام كافة املتغريات ال�سيا�سية واالقت�صادية والأمنية والعمل على تطويق كافة التداعيات باملزيد من العمل ال�سيا�سي والتوا�صل بني كافة الأطراف ومناق�شة ق�ضايا اخلالف مبا يحقق م�صلحة اليمن احلبيب. .6كما ويدعو قادة الدول العربية والإ�سالمية يتحمل م�س�ؤوليتهم نحو اليمن وغريه من البلدان العربية والإ�سالمية.
بيان حول إعالن الخالفة اإلسالمية
�أيلول2014/ تابع املنتدى العاملي للو�سطية الأح��داث اجلارية يف املنطقة العربية وخا�صة �إعالن تنظيم دولة العراق وال�شام( داع�ش) للخالفة ،ومبايعة �أمري التنظيم خليفة للم�سلمني ،و�إن املنتدى العاملي للو�سطية ي�ؤكد على النقاط االتية : � .1إن اخلالفة الإ�سالمية جامعة لكل فرق الأمة ومذاهبها ،ولكل املواطنني من �أ�صحاب الديانات الأخرى؛ كدولة النبوة واخلالفة الرا�شدة والتي جمعت كل �أطياف الأمة ،وال ميكن لها �أن تقت�صر على مذهب معني� ،أو دين منفرد. � .2إن اخلالفة الإ�سالمية يجب �أن تنبثق عن ر�أي علماء وفقهاء الأمة املعتربين ،و�أن ت�ست�شار يف ذلك ال�شعوب؛ خا�صة ،وو�سائل اال�ستفتاء �أ�صبحت مي�سورة ومتاحة ( َو�أَ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم)( َو َ�شا ِو ْرهُ ْم فيِ الأ ْم ِر). .3هنا نت�ساءل مل�صلحة من جاء �إعالن اخلالفة الإ�سالمية يف هذا الوقت بالذات ،والتي ُيعتقد �أن �إعالنها يخدم الأجندات اخلارجية واملعادية للأمة ،و�سيوظف �إعالنها املت�سرع لت�شويه مفاهيم الإ�سالم ال�صحيحة ،كما �أنه �سيحد وي�ؤخر من تطلعات ال�شعوب للحرية ،والعدالة ،وامل�ساواة ،ويزيد من فر�ص العداء ،وعدم الثقة بني مذاهب الأمة ،ويدفع باملزيد من التطرف والغلو ،ويرفع من احتمالية التناحر والتقاتل ما بني امل�سلمني وغريهم من �أتباع الديانات الأخرى. �إن املنتدى العاملي للو�سطية �إذ ي�ؤكد �أن الإ�سالم جاء لتحقيق العدل وامل�ساواة بني جميع القاطنني بديار الإ�سالم ،حمافظ ًا على حقوقهم الإن�سانية وحرية معتقداتهم . ويطالب املنتدى علماء الأمة ومفكريها ،وقادة الر�أي فيها ،املبادرة اىل تو�ضيح موقف الإ�سالم من هذه الق�ضايا اخلالفية.
70
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ن ش ا ط ا ت ا ل و سطية نشاطات المنتدى لشهر تموز 2014 الور�شة الإقليمية يف رو�سيا االحتادية لقد �شارك املنتدى العاملي للو�سطية يف الأردن يف الور�شة التي عقدت يف مدينة ( بياتغور�سك) التابعة لدولة رو�سيا االحتادية ملدة ثالثة �أيام بد�أت من يوم 2014/6/17وانتهت يف يوم ، 2014 /6/19وكانت بعنوان ( تفعيل م�ضامني الدليل اال�سرت�شادي يف احلوار مع الآخر ،ودور الت�سامح الإ�سالمي يف معاجلة ال�صور ال�سلبية عن امل�سلمني ) ،وقد �شارك يف هذه الور�شة عن املنتدى العاملي للو�سطية من الأردن :الدكتور حممد الق�ضاة ،والدكتور زهاء الدين عبيدات ،والدكتور حممد احلاج ،وممثل االي�سيكو الدكتور عزالدين معمي�ش ،والدكتور احمد �شكري ،ومفتى الإدارة الدينية يف �إقليم ا�ستافروبول ال�شيخ حممد حجي رحيموف، ونائبه ال�شيخ وليد ح�سني ،وعدد من العلماء من الدول العربية والإ�سالمية ،وعدد من مفتي الإدارات الدينية الإ�سالمية يف رو�سيا االحتادية .وح�ضر الور�شة عمدة مدينة بياتغور�سك ،وبع�ض الق�ساو�سة .وكان للور�شة �أثر �إيجابي يف تغيري ال�صور ال�سلبية امل�أخوذة عن امل�سلمني .وقد زار امل�شاركون كلية ال�صيدلة يف مدينة بياتغور�سك، والتقوا برئي�س اجلامعة ونائبة؛ اذ مت �شرح موجز عن الور�شة ،ومت الطلب من رئي�س اجلامعة التعاون مع االي�سيكو و املنتدى العاملي للو�سطية يف عقد ندوات ،وور�شات عمل لتعريف الطلبة ب�سماحة الإ�سالم وعدله، ورحب الرئي�س بذلك على �أن يتم االتفاق مع االي�سي�سكو على تواريخ هذه الندوات ،واختتمت الور�شة �أعمالها مبجموعة من التو�صيات.
حفل االفطار ال�سنوي برعاية من دولة رئي�س ال��وزراء الدكتور عبد اهلل الن�سور� ،أقام املنتدى العاملي للو�سطية حفل �إفطار يف مدينة احل�سني لل�شباب يف قاعة عمان يوم الثالثاء 2014/7/7م ؛ �إذ ح�ضر احلفل ع��دد من ال���وزراء وال�سفراء ،ورج��ال الدين وال�شخ�صيات العامة ،وقد بد�أ احلفل بتالوة عطرة من القر�آن الكرمي ،ومن ثم �ألقى الأمني العام للمنتدى ،عطوفة املهند�س مروان الفاعوري كلمة ترحيبية �شكر فيها وخ�ص بال�شكر دولة ال�صادق املهدي زعيم ال�ضيوف الكرام على تلبية هذه الدعوة، ّ حزب الأمة ال�سوداين ،الذي ح�ضر من ال�سودان ملبي ًا هذه الدعوة،من جانبه �شكر ال�صادق املهدي زعيم حزب الأمة ال�سوداين املنتدى العاملي للو�سطية على هذه الدعوة الكرمية ،التي �أ�صبحت �سنة ح�سنة ا�ستنها املنتدى يف كل عام ،و�أكد املهدي على �أهمية فتح باب االجتهاد الفكري ،و�إعطاء العقل دوره يف البناء احل�ضاري للأمة ،مو�ضح ًا �أن من �أهم �أ�سباب الغلو والتطرف الذي �أدى �إىل ا�شتعال احلرائق يف بالد امل�سلمني هي :اال�ستبداد ،والف�ساد ،والظلم االجتماعي ، والتبعية ،بالإ�ضافة �إىل تداعيات التدخالت اخلارجية ،ومن ثم �ألقى ف�ضيلة الدكتور حممد راتب النابل�سي كلمة حول مفهوم اال�ستخالف يف الأر���ض ،والتمكني للمتقني يف الأر���ض ،كذلك �ألقى الطبيب الدكتور ذيب عبداهلل خطاب ق�صيدة بعنوان ( نهج ال�صاحلني ) ومن ثم مت تناول الإفطار ،و�صل احلا�ضرون �صالة املغرب جماعة .
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
71
ن ش ا ط ا ت ا ل وسطية ور�شة اقليمية حول "منهج الو�سط يف التعامل مع اخلالفات الفقهية"
عقد املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع اجلامعة الإ�سالمية العاملية ب�إ�سالم �آباد ،يوم الأربعاء املوافق 2014/7/18م وبرعاية كرمية من رئي�س اجلامعة ،وراعي مكتب املنتدى العاملي للو�سطية بباك�ستان ،الأ�ستاذ الدكتور �أحمد يو�سف الدريو�شي؛ اذ �شارك يف هذا اللقاء العلمي ثلة من رواد الفكر ،ونخبة من العلماء وزعماء التيارات الدينية الباك�ستانية من خمتلف �أنحاء البالد العربية واال�سالمية ،وبلغ عددهم حوايل خم�سين ًا مفتي ًا و مثقف ًا وخمت�ص ًا بالعلوم الدينية وامل�شكالت املعا�صرة . وقد بد�أت الدورة بكلمات افتتاحية ،قدمها رئي�س الور�شة وامل�شرف العام على ن�شاطات املنتدى بباك�ستان ،الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري هن�أ فيها امل�شاركني و�شكرهم على حتمل م�شقة ال�سفر لهذا الق�صد املبارك ،ثم عر�ض �أهداف الور�شة كما بني �أهمية �إنعقاد هذه الدورة يف ظل الظروف ،والتحديات التي تعاين منها الأمة الإ�سالمية �،أتبعه بعد ذلك كلمات معايل رئي�س اجلامعة الأ�ستاذ الدكتور �أحمد يو�سف الدريوي�ش ،التي بد�أ فيها ب�شكر اللجنة املن�سقة بالإهتمام يف هذا املو�ضوع و�أكد على �أهمية دور املفتيني يف هذا املجتمع ،الذي يبني عقيدته وحياته متم�سك ًا ب�أ�س�س وقواعد ال�شريعة .ثم ركز معايل رئي�س اجلامعة يف كلمته على �أدب االختالف يف الإ�سالم مبين ًا منهج ال�سلف ال�صالح يف التعامل مع اخلالفات الفقهية .ثم قام معايل رئي�س اجلامعة بتقدمي كتب ذات ال�صلة مبو�ضوع الور�شة والتي تربع ب�إهدائها املنتدى العاملي للو�سطية .تلى ذلك كلمة الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري ،والتي بني فيها قاعدة التو�سع يف الأخذ من املذاهب املختلفة باحتاد الأ�س�س والقواعد عند الإفتاء. ثم عر�ض ال�شيخ الدكتور طاهر حكيم من تاريخ ال�سلف ال�صالح ،مواقف يتجلي لنا موقف االختالف يف الآراء مع احرتام �آراء الآخرين .وبعد ذلك عر�ض الدكتور ع�صمت اهلل قواعد �شرعية للتكفري ،والتي نبه فيها امل�شاركني بخطورة التكفري ،وبني فيها م�سببات التكفري وموانعه .كما �أ�سند مقاله ب�أحداث يف عهد اخللفاء الرا�شدين .بالإ�ضافة �إىل ذلك فقد قدمت جمموعة من يت�سم بالو�سطية واالعتدال ،والت�سامح بعيد ًا عن الغلو والإفراط. الأوراق التي ركزت على �إبراز الوجه احلقيقي للإ�سالم الذي ّ ويف احلفل اخلتامي �ألقى معايل رئي�س جمل�س الفكر الإ�سالمي ،ال�شيخ حممد خان �شرياين كلمته التي بني فيها �أن الفتوى ،واحلكم يلزمه التخل�ص من التع�صب .ويف اخلتام انتهت ن�شاطات الدورة بعد �أن تعاهد امل�شاركون بالتم�سك مبنهج الت�سامح واالعتدال ،وعدم التع�صب وا�ستلموا �شهادات امل�شاركة.
حفل �إفطار جلمعية �أيتام البقعة
�أقام املنتدى العاملي للو�سطية ،يوم الثالثاء املوافق 2014/7/15حفل �إفطار جلمعية �أيتام البقعة ،وح�ضر احلفل ما يقارب ( )100يتيم ،وكانت الفرحة متلأ وجوههم ،واختتم احلفل بالأنا�شيد الدينية .
ن�شاطات الفروع :
-1احتفا ًال بقرب قدوم �شهر رم�ضان املبارك� ،أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة /جر�ش ندوة حوارية حتدث فيها كل من اال�ستاذ الدكتور حممد نايف زريقات ،والأ�ستاذة املحامية �سهام بني م�صطفى .وقد �أ�ستهل رئي�س املنتدى اللقاء بالرتحيب بال�ضيوف واحل�ضور الكرام ،وهن�أهم بقرب حلول �شهر رم�ضان املبارك ،و�أدارت ال�سيده فاطمة العراعره رئي�سة جلنة املر�أة يف جر�ش اللقاء؛ حيث حتدثت عن �أهمية الو�سطية واالعتدال يف �شهر الرحمة �شهر رم�ضان املبارك،وتناول الدكتور حممد زريقات اهمية االعتدال والو�سطية يف املنهج الإ�سالمي ،و�أعطى مناذج حية يف هذا املو�ضوع يف �ضوء خربته االكادميية واالجتماعية. وحتدث عن فوائد املنهج الإ�سالمي يف الو�سطية ،واثر ذلك على الأفراد واملجتمعات.ثم حتدثت الأ�ستاذة املحامية �سهام بني م�صطفى عن قانون الأحوال ال�شخ�صية الأردين ،وتناولت �أمثلة حول اهمية االعتدال والو�سطية يف التعامل مع امل�شكالت
72
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ن ش ا ط ا ت ا ل و سطية الزوجية من واقع عملها كمحامية �شرعية .و�أكدت على �أهمية التكاف�ؤ يف الزواج ،واالبتعاد عن تدخالت االهل ال�سلبية .وقد قام احل�ضور بالثناء على املنتدى وعلى مثل هذه الن�شاطات ،وطالبوا املنتدى بتعزيز مثل هذه الفعاليات والأن�شطة م�ستقب ًال. -2اقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافه -فرع ال�سلط -حما�ضرة يف امل�سجد ال�صغري يوم اجلمعه بعنوان "الطاعات يف اال�سالم مفهوما وممار�سة وا�ستثمارا يف �صنع اخلري" القاها الدكتور هاين العابد مفتي املحافظة ،و�سط جمع من احل�ضور؛ حيث تناول �أهمية العبادات يف الإ�سالم و�أثرها يف تهذيب النفو�س، والإ�صالح املجتمعي والتوا�صل الإن�ساين ،كما ا�شتمل اللقاء على �أ�سئلة من احل�ضور الفقهية يف مو�ضوعات متنوعة :مثل م�سائل ال�صالة ،والزكاة وال�صيام ،و�إحكام العبادات .و�أجاب املحا�ضر على هذه الأ�سئلة ،وقال �أحيا عربيات رئي�س املنتدى بان هذه اللقاءات واملحا�ضرات التي ينظمها املنتدى تاتي من باب اعمار بيوت اهلل يف رم�ضان بالعبادة والعلم .وقال ان املنتدى �سين�شط يف رم�ضان لتقدمي الن�شاطات املحببه عند النا�س خا�صة يف هذا ال�شهر الف�ضيل .
ن�شاطات جلنة املر�أة :
-1ب��د�أت ي��وم الأح��د املوافق 2014-7-6امتحانات امل�سابقة القر�آنية الرم�ضانية ال�سنوية الثالثة ،والتي د�أب املركز القر�آين على �إطالقها؛ حر�ص ًا منه على رعاية ال�شباب وتعزيز هويتهم احل�ضارية ،و�إك�سابهم قيم احلق والعدل ،وتوجيههم �إىل منهج الو�سطية فكر ًا ،واعتقاد ًا ،و�سلوك ًا ،وامل�ستمد من الدين احلنيف ،وخ�ص�ص هذا اليوم المتحان امل�ستوى االول واملقرر فيه حفظ خم�سة �أج��زاء من القر�آن الكرمي ،للفئة العمرية من � 18سنة – � 25سنة للجن�سني. -2حفل تكرمي الفائزين بامل�سابقة القر�آنية الرم�ضانية ال�سنوية الثالثة �أقام املركز القر�آين يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة� ،صباح اليوم الأربعاء 2014/7/23م املوافق /25رم�ضان1435/هـ. حف ًال تكرميي ًا للفائزين بامل�سابقة القر�آنية الرم�ضانية ال�سنوية الثالثة ؛ حيث ت�ضمن برنامج احلفل بعد تالوة عطرة من القر�آن الكرمي قدمها الفائز بامل�ستوى الثاين ال�شاب طارق املومني ،وقد مت عر�ض تقدميي عن املركز القر�آين يف �سطور، بعدها حتدث الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية م .مروان الفاعوري حول التحديات التي يواجهها العامل الإ�سالمي يف هذه احلقبة من الزمن؛ �إذ تكالبت الأمم على ال�شعوب امل�سلمة �إبادة و�إق�صاء ،ونوه �إىل �أهمية ت�سليح اجليل بالعلم واملعرفة، والتم�سك بكتاب اهلل ملواجهة هذه التحديات ،ال�ستعادة الأمة جمدها وعزها و�صدارتها بني الأمم. و�أو�ضحت د .فايزة ال�سكر ع�ضو جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية ،وامل�شرفة يف املركز القر�آين يف كلمتها �إىل �أهمية دور الأ�سرة يف �إعداد اجليل ال�صالح احلافظ لكتاب اهلل ،كما �شكرت �أمهات الفائزين على دورهن الرتبوي االيجابي مع �أبنائهن وحر�صهن على �إعدادهم للحياة؛ مزودين ب�سالح الإميان والعلم.ثم ا�ستمع احل�ضور �إىل قراءات قر�آنية عطرة للفائزين عن امل�ستويات الثالثة ؛ بعدها تف�ضل املهند�س مروان الفاعوري بت�سليم الفائزين جوائزهم حيث مت تقدمي ( )100دينار لثالثة فائزين عن امل�ستوى الأول احلافظني خلم�سة �أجزاء ،و ( )75دينار لثالثة فائزين عن امل�ستوى الثاين احلافظني لثالثة �أجزاء ،و ( )50دينار لأربعة فائزين عن امل�ستوى الثالث احلافظني جلزء عم ،بالإ�ضافة �إىل تقدمي جوائز تر�ضية للم�شاركني املتميزين الذين ح�صلوا على 90فما فوق عن امل�ستوى الثالث ت�شجيع ًا لهم لال�ستمرار يف طريق القر�آن .
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
73
ن ش ا ط ا ت ا ل وسطية وقبل اخلتام قام الأمني العام بتقدمي درع املنتدى لع�ضو جلنة املر�أة ال�سيدة �إميان غزاوي؛ تكرمي ًا لها حل�صولها على �شهادة الدكتوراه يف التف�سري وعلوم القر�آن بعنوان ( :التوظيف احلداثي لتف�سري �آيات القر�آن الكرمي وا�شكالياته درا�سة حتليلية نقدية) ..وتبحث الر�سالة يف الفكر املنحرف وتدعو �إىل املنهج الو�سطي يف احلياة ،والذي هو جوهر ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية ،وقامت بدورها د� .إميان غزاوي ب�إهداء �أطروحتها للمنتدى العاملي للو�سطية؛تقدير ًا جلهوده يف دعم وتعزيز الفكر الو�سطي والتي قبلها الأمني العام �شاكر ًا لها هذا الإه��داء؛ حيث �ستحفظ يف مكتبة املنتدى ك�إحدى مرجعيات الفكر الو�سطي .وقد ح�ضر احلفل عدد كبري من املهتمني بهذا املجال بالإ�ضافة �إىل �أولياء �أمور الفائزين الذين �أ�شادوا بدور املنتدى يف رعاية اجليل ،وتوجيهه �إىل امل�سار امل�ستقيم يف منهج حياته . باال�ضافة �إىل الن�شاطات امل�ستمرة االتية :
الن�شاط
اطالق دورة تف�سري وحتفيظ القر�آن اطالق دورة القاعدة النورانية ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى االول ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى الثاين ا�ستمرار دورة حتفيظ القر�آن للنا�شئة ا�ستمرارالدر�س الديني اال�سبوعي
74
الزمان
كل �ســــبت كل �أحــــــد كل اثنني و �أربعاء كل ثالثاء وخمي�س كل �ســــبت كل �أربعاء
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ن ش ا ط ا ت ا ل و سطية نشاطات المنتدى شهر آب 2014 "-1دور العلماء يف النهو�ض بالأمة (حتديات الهوية)" �شارك الأم�ين العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري يف م�ؤمتر الذي عقد يف ا�سطنبول يف الفرتة من 2014/8/21-19م، وت�ضمن االفتتاح عر�ض تقرير ال��دورة الثالثة ،من قبل الأمني العام للجمعية العمومية لالحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني ،د.علي القره داغي ،وكلمة رئي�س االحتاد العالمة يو�سف القر�ضاوي �إىل الأم��ة الإ�سالمية وعلمائها ،كما ت�ضمن �أي�ض ًا ،عر�ض اقرتاحات ،تتعلق بتعديل بع�ض مواد القانون الأ�سا�سي لالحتاد ،و�سيتم انتخاب جمل�س �أمناء جديد للدورة الرابعة لالحتاد .من جانب �آخر ناق�ش امل�ؤمتر( دور العلماء يف النهو�ض بالأمة حتديات الهوية) ،عد ًدا من املحاور ،منها دور العلماء يف الق�ضايا الفكرية وتر�سيخ منهج الو�سطية والتجديد العلمي ،ودور العلماء يف احلفاظ على الهوية ،كما ناق�ش �أي�ض ًا دور العلماء يف ق�ضية فل�سطني والقد�س ،ودورهم يف ا�ستثمار الإعالم خلدمة ق�ضايا الأمة ،وكذلك دورهم يف �ضبط الفتوى ،وتر�شيد اخلطاب الإ�سالمي� ،إ�ضافة �إىل التعليم ال�شرعي يف العامل الإ�سالمي ،واقعه وتطلعاته� .إ�ضافة �إىل مناق�شة املحور القانوين الدويل يف واقع الأمة الإ�سالمية ،ودور العلماء يف الو�ساطة وحل النزاعات ،و�شارك يف االجتماعات وفو ًدا من ال�صومال، وجيبوتي ،واليمن ،ودو ًال �أخرى ،ف�ض ًال عن عدد من العلماء ،مثل ال�شيخ اليمني ،وعبد الوهاب الديلمي ،ومفتي ال�شي�شان ،ال�شيخ �صالح مدجاييف ،الذي �شارك �ضمن الوفد الرو�سي . -2م�سرية كبرية يوم ال�سبت املوافق 2014-8-23بالتعاون بني املنتدى العاملي للو�سطية ومركز التعاي�ش الديني ،وبح�ضور العالمة املغربي الأ�ستاذ حممد طالبي ،والدكتور زيد املحي�سن رئي�س نادي خريجي اجلامعات واملعاهد الباك�ستانية ،والقي الأمني العام للمنتدى مروان الفاعوري كلمة بني فيها �سماحة الإ�سالم مع غري امل�سلمني وو�ضح كيف عا�ش امل�سيحيون يف ظل الدولة الإ�سالمية بخري واخذوا كامل حقوقهم دون منة �أوتع�سف ،وقد �سارت امل�سرية من �أمام م�سجد امللك امل�ؤ�س�س باجتاه اللويبده؛ �إذ وجه احل�ضور ر�سالة وا�ضحه اىل اننا م�سلمون وم�سيحيون �ضد القتل يف غزه ،و�ضد القتل بالعراق ،و�ضد توظيف الدين لأهداف �سيا�سية و�ضد ت�سيي�س الفتاوى ،واننا معا �ضد كل الدواع�ش داع�ش ال�شيعية ،وداع�ش ال�سنية وداع�ش ال�صهيونية ،وداع�ش ال�صليبية ،وداع�ش العلمانية ،وان الإرهاب الدين وال وطن له. ن�شاطات الفروع : عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة /فرع جر�ش يوم ال�سبت 2014/8/16حما�ضره بعنوان(:الو�سطية يف الإ�سالم و�أهميتها يف الوقت الراهن) قدمها �سماحة الدكتور �صفوان ع�ضيبات رئي�س ق�سم الدرا�سات ،ومفتي يف دائرة االفتاء،وقد �أ�ستهل رئي�س املنتدى الأ�ستاذ حممد عوده بني م�صطفى اللقاء بالرتحيب بال�ضيف الكرمي واحل�ضور الكرام ،وابتد�أ ال�شيخ عمر بني م�صطفى الذي �أدار احلوار بالتقدمي للمحا�ضر ،وحتدث ب�إيجاز عن �أهمية املنهج الو�سطي ،و�ضرورة فهم الإ�سالم فهما �سليما �شامال ،وتناول الدكتور �صفوان ع�ضيبات مفهوم الو�سطية والتعريف به من خالل الواقع والتطبيق ،و�أعطى عدة مقارنات بني امل�سلمني وغري امل�سلمني من حيث التعامل مع الآخر ،وجرى نقا�ش مثمر وم�شوق يف ختام املحا�ضرة مع احل�ضور ،ويف نهاية املحا�ضرة �شكر رئي�س املنتدى املحا�ضرين الكرميني واحل�ضور ،وقد قدم احل�ضور ال�شكر للمنتدى على �إتاحة مثل هذه الفر�ص وهذا اللقاء املميز .وطالبوا املنتدى بتعزيز مثل هذه الفعاليات والأن�شطة م�ستقبال. ن�شاطات جلنة املر�أة :
الن�شاط
اطالق دورة تف�سري وحتفيظ القر�آن ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى االول ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى الثاين ا�ستمرار دورة حتفيظ القر�آن للنا�شئة ا�ستمرارالدر�س الديني اال�سبوعي العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
الزمان
كل �أربعا ء كل اثنني و �أربعاء كل ثالثاء وخمي�س كل �سـبت كل �أربعاء
75
ن ش ا ط ا ت ا لوسطية نشاطات المنتدى شهر أيلول 2014 -1ور�شة عمل بعنوان "تعزيز منظومة القيم يف املجتمع"
عقد املنتدى العاملي للو�سطية ور�شة عمل بعنوان "تعزيز منظومة القيم يف املجتمع" وذلك يوم ال�سبت املوافق ،2014/9/6اذ رحب �أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري بال�ضيوف حما�ضرين و م�شاركني �شاكر ًا لهم تلبيتهم لهذه الدعوة ثم حتدث الفاعوري حول القيم يف الإ�سالم مبين ًا �أن هذا الدين هو دين قيم �سامية ،ت�سببت يف دخول كثري من ال�شعوب �إىل الإ�سالم ، و�أ�ضاف ان قيم الإ�سالم ال تقت�صر على مرحلة ال�سلم بل تتعداها �إىل احلرب ،فقيم الإ�سالم موجودة يف تعامل امل�سلمني مع الأ�سرى ومن غري امل�سلمني ،وتطرق �إىل امل�ؤثرات ال�سلبية على منظومة القيم يف املجتمع و�أهمها التوظيف ال�سلبي للتكنولوجيا املعا�صرة . من جانبه حتدث اخلبري الرتبوي الدكتور زهاء الدين عبيدات حول " دور امل�ؤ�س�سات الرتبوية يف تعزيز منظومة القيم " وقال :انه يجب االهتمام بامل�ؤ�س�سات الرتبوية، وتعزيز دورها لزرع القيم يف نفو�س اجليل النا�شئ ،وتربيتهم على كتاب اهلل تعاىل ، وو�ضح �أن لكل م�ؤ�س�سة تربوية دور يف بناء هذه املنظومة ،وال ميكن اال�ستغناء عن �أي �سواء امل�سجد �أو املدر�سة� ،أو و�سائل الإعالم �أو اجلامعات او النوادي من هذه امل�ؤ�س�سات ً �أو �أي م�ؤ�س�سة تربوية �أخ��رى ،و �أو�صى عبيدات بزيادة االهتمام وبتطوير هذه امل�ؤ�س�سات ،والعمل على زيادة التوا�صل بينها وبني �أفراد املجتمع؛ لتحقق الأهداف املرجوة منها والتي تتمثل يف تر�سيخ منظومة القيم يف املجتمعات . اما الدكتور خالد جرب فقد �شكر يف بداية كالمه املنتدى العاملي ،وخ�ص ب�شكره الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري على اهتمامهم يف بناء منظومة القيم الأخالقية ،م�ؤكد ًا على �أن القيم ناجتة عن العقيدة الإ�سالمية ،و �أن الأخالق هي ثمار هذه القيم و�أنه ميكن اال�ستدالل على هذه القيم من خالل املواقف و ال�سلوك القويل �أو الفعلي ،وعن دور الإعالم يف تعزيز القيم فقد بني جرب �أن خطورة الإعالم ،تكمن ب�إبرازه جمموعة من ال�سلوكيات والأخالقيات ،التي يبد�أ �أثرها بالت�سرب يف نفو�س النا�س لتغيري منظومة القيم . واما الدكتور عبدالرحمن ابداح قدم ورقة عمل حول " دور امل�ؤ�س�سات الدينية يف تعزيز منظومة القيم" وقال� :إن قوة هذه امل�ؤ�س�سات الدينية يعزز تر�سيخ القيم و�أي �ضعف ي�صيب هذه امل�ؤ�س�سات. ينتج عنه خطر حمدق بالأمة الإ�سالمية يف �أخالقها و�سلوكها ،و�أ�شار �إىل �أن عوامل كثرية ت�ؤثر يف منظومة القيم� ،أهمها العقيدة الإ�سالمية ،و الأ�سرة ،والأ�صدقاء ،وامل�ستوى التعليمي. وارجع �أ�سباب �أهمية القيم يف املجتمع �إىل حاجة النا�س املا�سة �إليها وت�أثريها الوا�ضح على حياتهم ومن خاللها يتمايز النا�س فيما بينهم � ،أما دور وزارة الأوقاف التي عمل فيها ابداح مدة طويلة فقال �إن دورها رئي�سي وهام يف تر�سيخ الف�ضائل االجتماعية بني املواطنني من خالل اخلطب ،ودور القر�آن ،واالهتمام بقطاع الن�ساء اللواتي ترى الوزارة �أنهن من يزرعن القيم يف �أبناء امل�سلمني . ً ثم حتدثت الدكتورة نوال �شرار عن دور الأ�سرة يف تعزيز منظومة القيم ،م�ؤكدة على �أهمية هذا الدور؛ الن اال�سرة هي امل�ؤ�س�سة الرتبوية التي تزرع بالفرد احرتام القيم ،و الأنظمة االجتماعية مو�ضحة على �أن دور الأ�سرة ال يقت�صر بالإجناب �أو الوظيفة االقت�صادية� ،أو الوظيفة العاطفية فكلها وظائف مهمة ،لكن �أهمها على الإطالق الوظيفة الرتبوية التي ت�ساعد على تربية الفرد، ويف نهاية كلمتها �أ�شارت �إىل نهج الإ�سالم القومي يف تربية الأبناء على القيم املثلى من خالل القدوة ال�صاحلة و الرعاية ،و احلب وتوفري املناخ املالئم للنمو الأخالقي . من جانبه و�ضح عميد كلية ال�شريعة اال�سبق يف اجلامعة الأردنية الدكتور حممد الق�ضاة خ�صائ�ص القيم الإ�سالمية ،ودورها يف تربية اجليل النا�شئ كقيم حمبة اخلري وكاره لل�شر ،مبين ًا �أن القيم الإ�سالمية هي خال�صة �شريعة نزلت ح�سب الوقائع ،وا�ستجابة ً ً منا�سبة لظروف عاملية يف خطابها، مل�شاكل النا�س وق�ضاياهم ،ولي�ست فكر ًا يبتغي املدينة الفا�ضلة .فهذه القيم واقعية يف �أهدافها ، ً متكيفة مع واقعهم املتغري . النا�س، عقب خاللها بع�ض احل�ضور على كالم امل�شاركني وطرحت �أ�سئلة �أثرت النقا�ش. ويف نهاية الور�شة دار حوار بني امل�شاركني واملحا�ضرينّ ،
76
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ن ش ا ط ا ت ا ل وسطية -2الندوة الدولية "من �أجل ر�ؤية �إ�سالمية موحدة لق�ضايا املر�أة وال�سكان"
افتتح يوم الثالثاء 2014/9/16م يف العا�صمة الأردنية عمان ،فعاليات هذه الندوة والتي عقدت بالتعاون ما بني املنتدى العاملي للو�سطية ،ومنظمة االي�سي�سكو ،وم�ؤ�س�سة الفرقان للرتاث؛�إذ بد�أ امل�ؤمتر ب�آيات عطرة من القر�آن الكرمي ،ثم رحب عريف احلفل الدكتور زهاءالدين عبيدات بامل�شاركني ،و بعد ذلك حتدث االمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري مبين ًا �أثر احلروب على ق�ضايا املر�أة ،وعلى التوازن ال�سكاين وعلى م�ستوى معي�شة الفرد ،مبين ًا ان الت�شريعات اال�سالمية؛ جاءت لتحارب �أي متييز بني الرجل واملراة وترف�ض العنف املوجه للمر�أة بكافة �صوره ،ولنحافظ على عراقة املر�أة وامل�ساواة بينها وبني الرجل يف احلقوق والواجبات،و�أكد �أنه ال ميكن ت�صور �أمة ناه�ضة قوية دون االهتمام باملر�أة واعطائها مكانتها الدينية واملدنية ،وا�ضاف الفاعوري:ان ادراك املنتدى العاملي للو�سطية ،ومنظمة االي�سي�سكو ،وم�ؤ�س�سة الفرقان للرتاث لهذا املنهج فقد جاء عقد هذا امل�ؤمتر؛ بهدف �إعادة قراءة اخلطاب الن�سوي مبا ينبغي وتخلي�صه مما علق به من �شوائب ال متت لال�سالم ب�صلة ،من جانبه قال الدكتور عزالدين معمي�ش� :إن اال�سالم لديه من احللول مل�شاكل الق�ضايا ال�سكانية واملر�أة ،ما يكفل عالج ًا ناجح ًا لها وان املرجو من هذه الندوة ايجاد بدائل عملية ،جتعل من االمة اال�سالمية مت�سك زمام املبادرة يف املحافظة على الكرامة االن�سانية واعطاء املر�أة حقوقها ،وقدم معمي�ش وثيقة مبادرة عن االي�سي�سكو تو�ضح الر�ؤية اال�سالمية حلقوق املر�أة � ،أما رئي�س م�ؤ�س�سة الفرقان الدكتور وكرمها، اعطى للمر�أة حقوقها �صالح �شه�سواري فقد قال�:إن اال�سالم ّ تكرمي االن�سان ب�شكل عام واملر�أة وكفل لها امل�ساواة مع الرجل وان مبد�أ االمم ،لكن اال�سالم كان له ال�سبق ب�شكل خا�ص مبد�أ م�شرتك بني جميع الدكتور علي قره داغي �أكد فيها يف ذل��ك�.أ ّم��ا كلمة امل�شاركني القاها باالهتمام ب��امل��ر�أة واق���رار منهج على �أن �أمن املجتمع وازده��اره ،يكون امل�شرتكة يف البيت يجب �أن حتل القر�آن ،فلكل دوره املحوري والق�ضايا ا�ستعداد االحت��اد العاملي لعلماء بالتوافق واحل��وار ،و�أب��دى علي قره امل�سلمني التعاون مع املنتدى العاملي للو�سطية ،للخروج ب�صورة وا�ضحه حول ر�ؤية اال�سالم للمر�أة وال�سكان. وقد ا�شتملت الندوة على املحاور الآتية :امل�شكلة ال�سكانية يف �أروقة الأمم املتحدة واملواثيق الدولية ،و دور املر�أة يف معاجلة امل�شكلة ال�سكانية ،و امل�شكلة ال�سكانية بني الت�شريع الإ�سالمي وامل�ؤ�س�سات الثقافية ،وقراءات يف املر�أة والأمومة والطفولة.
- 3االحتفال ال�سنوي لرابطة كتاب التجديد
�أقام املنتدى العاملي للو�سطية االحتفال ال�سنوي لرابطة كتاب التجديد لهذا العام يوم الثالثاء 2014/9/16يف عمان ،ومت فيه توزيع جوائز الرابطة والدروع على الفائزين وهم: • معايل الدكتور العالمة عبداهلل بن بيه ،رئي�س املركز العاملي للتجديد والرت�شيد/موريتانيا. • �سعادة الدكتور علي حمي الدين القرة داغي ،الأمني العام لالحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني/العراق. • معايل الدكتور عبدال�سالم العبادي ،وزير االوقاف االردين ال�سابق. هذا وقد تربع الدكتور علي حمي الدين القرة داغي ،ومعايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي بقيمة اجلائزة(البالغة خم�سة �آالف دوالر لكل واحد منهما) �إىل فقراء الأردن ،وفل�سطني ،و�سوريا� .أما الدكتور عبداهلل بن بيه فلم يح�ضر لأ�سباب �صحية. وجاء هذا احلفل تقدير ًا جلهودهم يف ن�شرالفكر التنويري الو�سطي من خالل م�ؤلفاتهم املن�شورة ،علم ًا ب�أن هذا احلفل الثالث للرابطة ،و�سبق �أن مت تكرمي عدد من ال�شخ�صيات يف احتفاالت �سابقة وهم :الدكتور �سعدالدين العثماين ،والدكتور عبداحلميد النجار من تون�س،و الدكتور احمد نوفل واال�ستاذ ابراهيم العجلوين من االردن ،واال�ستاذ را�شد الغنو�شي من تون�س ،و ومدير عام منظمة االي�سي�سكو اال�ستاذ الدكتورعبدالعزيز التويجري من ال�سعودية، وا�ستاذة الدرا�سات اال�سالمية الدكتورة رقية العلواين من العراق.
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
77
ن ش ا ط ا ت ا ل وسطية -4توقيع املنتدى العاملي للو�سطية ،وم�ؤ�س�سة الفرقان للرتاث الإ�سالمي اتفاقية تعاون وتفاهم يوم اخلمي�س املوافق 2014/09/18؛وذلك �إميان ًا من امل�ؤ�س�ستني ب�أهمية توثيق الروابط فيما بينها ،وتبادل اخلربات العلمية؛ بغية حتقيق �أهدافها امل�شرتكة املتمثلة يف تعزيز القيم الإ�سالمية امل�ستمدة من البعد احل�ضاري للأمة، و�إحياء فقه املقا�صد،ومت توقيع االتفاقية يف املقر الرئي�سي للمنتدى العاملي للو�سطية يف عمان والتي ت�شمل تنظيم امل�ؤمترات ،والندوات ،وور�ش العمل وتبادل املطبوعات العلمية املختلفة ،ودعوة كل طرف الآخر بح�ضور امل�ؤمترات ،والندوات التي ينظمها، بعد ذلك قدم الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية درع املنتدى لل�سيدين �صالح �شه�سواري مدير م�ؤ�س�سة الفرقان للرتاث الإ�سالمي، وال�سيد حممد دريو�ش رئي�س ق�سم امل�شاريع يف م�ؤ�س�سة الفرقان ،وم�ؤ�س�سة الفرقان .هي م�ؤ�س�سة �أ�س�سها معايل الدكتور �أحمد زكي مياين يف لندن ،ولها فرع يف العا�صمة امل�صرية و ُتعنى باحلفاظ على الرتاث الإ�سالمي ،و�أن�شطة التوثيق وعمل الدرا�سات الإ�سالمية الهادئ. -5ندوة دولية بعنوان" :دور امل �ؤ�س�سات الرتبوية والثقافية يف تعزيز منظومة القيم". انطلقت م�ساء يوم ال�سبت 2014 /9/20مبدرج ال�شريف الإدري�سي بكلية الآداب والعلوم الإن�سانية ،بالرباط( اململكة املغربية )وناق�شت الندوة، التي نظمها فريق البحث "الفكر الإ�سالمي وفن اخلطابة وق�ضايا البيئة واملجتمع" بكلية الآداب والعلوم الإن�سانية بالرباط وذل��ك ب�شراكة مع املنتدى العاملي للو�سطية (ع��م��ان) ،ومركز "املهدي بنعبود للبحوث والدرا�سات والإعالم" ،و"املعهد العاملي للفكر الإ�سالمي" (وا�شنطن-فرع املغرب ،على مدى يومني، •وت�ضمنت خم�سة حماور هي :الرتبية على القيم :مفاهيم ت�أ�سي�سية،وور�شات عمل تربوية لتعزيز منظومة القيم بامل�ؤ�س�سات التعليمية والثقافية والإعالمية ،ودور امل�ؤ�س�سات الرتبوية يف تعزيز منظومة القيم ،وم�ؤ�س�سة التعليم العايل و�آثارها يف منظومة القيم ،وامل�ؤ�س�سات الثقافية و�آثارها يف تعزيز منظومة القيم ،.حيث �شارك االمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري بفعاليات هذه الندوة بكلمته التي القاها خالل فعاليات الندوة؛�إذ اعترب �أن زحف العوملة وتراجع دور الأ�سرة يهددان بانهيار منظومة القيم الإ�سالمية الو�سطية.
-6م �ؤمتر احلج للعام 1435هـ ,عقد يف مكة املكرمة م �ؤمتر ًا للحج بتاريخ 2014 – 9 -29/28م وقد حتدث املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يف امل �ؤمتر بورقة بعنوان (:الو�سطية والتي�سري بالعبادات احلج ومنا�سكه) وقال يف كلمته �:إذا كانت الو�سطية مت ّثل االعتدال والتوازن؛ ف�إنها
كذلك ت�شريع رباين جاء به الإ�سالم حماية للفرد واملجتمع وللإن�سانية جمعاء .فالعدل الإ�سالمي �سلطان اهلل على الأر�ض؛ وهو ال�شدّ ة بغري عنف ،ولني بغري �ضعف .ولذلك �أكد الإ�سالم على امل�سلمني �أن ال يعتدوا على �أحد ،ودعا �إىل احلرية والعدل ،واخلري وال�صالح ،والتعاون ،وال�شورى ،وامل�ساواة ،و�إىل احرتام الروح الإن�سانية يف الفرد واجلماعة والأمة ،والإ�سالم ينظر �إىل النا�س �أنهم �أمة واحدة ،ال يفرقها لون �أو جن�س �أو �أ�صل �أو وطن ،ومل يكره �أحد ًا على اعتناق الإ�سالم جرب ًا ،بل ترك لهم حرية االختيار بني الإ�سالم والبقاء ٌ كل على دينه .لقد جاء التو�سط يف العبادات الإ�سالمية من�سجم ًا مع نعمة اهلل تعاىل على هذه الأمة املحمدية ب�أن َّا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِيد) (البقرة اء َع َلى الن ِ جعلها �أمة و�سط ًا ،قال اهلل تعاىلَ ( :و َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ ،)143:فبما �أنها �أمة و�سط ًا ،فكذلك العبادات املفرو�ضة عليها تت�سم بالو�سطية واالعتدال. فالإ�سالم يرف�ض الغلو يف العبادات؛ لأنها ت�ؤدي بامل�سلم �إىل التهلكة ،والإ�سالم جاء ليحارب كل ما ي�ؤدي �إىل �إحلاق ال�ضرر بامل�سلم ،قال تعاىلَ ( :و َ ال ُت ْلقُو ْا ِب�أَ ْي ِدي ُك ْم �إِلىَ ال َّت ْه ُل َك ِة َو�أَ ْح ِ�س ُن َو ْا �إِنَّ اللهّ َ ُي ِح ُّب المْ ُ ْح ِ�س ِننيَ)( البقرة .)195
78
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ن ش ا ط ا ت ا ل وسطية
وقد ّ حذر النبي من الغلو يف العبادات ،ويف ذلك يقول �-صلى اهلل عليه و�سلم " :-ال ت�شددوا على �أنف�سكم في�شدد عليكم ف�إن قوما �شددوا على �أنف�سهم ف�شدد اهلل عليهم فتلك بقاياهم يف ال�صوامع والديار" وقال تعاىلَ (:و َر ْه َبا ِن َّي ًة ا ْب َتدَ ُعوهَ ا َما َك َت ْب َناهَ ا َع َل ْيه ِْم) احلديد ")27وقال �-صلى اهلل عليه و�سلم� " :-إن هذا الدين ي�سر ولن ي�شاد الدين �أحد �إال غلبه ف�سددوا وقاربوا و�أب�شروا وي�سروا وا�ستعينوا بالغدوة والروحة و�شيء من الدجلة" وقد حتدث عن مظاهر الو�سطية يف احلج ،ويف نهاية الكلمة قدم �شكره وتقديره خلادم احلرمني ال�شريفني وحكومة اململكة العربية ال�سعودية على خدمتها للم�سلمني ،وتي�سري �أداء املنا�سك ورعايتهم ب�إعمار احلرمني ال�شريفني ،يف مكة املكرمة واملدينة املنورة ،وقدم �شكر ًا خا�ص ًا لوزير احلج ال�سعودي على دعوته له للم�شاركة يف ندوة احلج و�أداء منا�سكها. ويف نهاية كلمته دعا اهلل �أن يحفظ بالد امل�سلمني ،و�أن يجعل بلد احلرمني يف �أمن وطم�أنينة و�سائر بالد امل�سلمني.
ن�شاطات الفروع
نظم منتدى الو�سطيه للفكر والثقافه فرع ال�سلط ندوه يف م�سجد ال�سلط ال�صغري �شارع احلمام و�سط املدينه عن “احلج رحلة اﻻميان “كيف نفهمها ون�ؤديها وحتدث خالل الندوه التي ح�ضرها جمع من احلجاج واملهتمني الدكتور احيا عربيات اخ�صائي ال�سكري وال�ضغط حيث �أكد على �ضرورة اخذ املطعوم الطبي الالزم ملثل رحلة احلج وكيفية التعامل ال�صحي الآمن و ال�ضروري ل�سالمة احلجاج خالل ال�سفر ،وحتدث الدكتور هاين العابد مفتي املحافظه عن �أهمية احلج يف اﻻ�سالم لقوله -عليه ال�صالة وال�سالم( -من حج ومل يرفث ومل يف�سق رجع كيوم ولدته امه ) واىل �ضرورة �أن ياخذ احلجاج بالفتاوي املي�سره املعتمده بال�شرع ال�شريف ،والبعد عن التزاحم واﻻ�ضرار بالآخرين ،والتعاون على طاعة اهلل -عز وجل -من �أجل �أن ينال احلاج بركات الرحله اﻻميانيه ،وكان ال�سيد �إحيا عربيات رئي�س املنتدى قد رحب باحل�ضور وقال: �إن املنتدى يهمه �أن يقدم النافع للمجتمع املحلي ،ويف نهاية الندوه اجاب املنتدون على ا�سئلة احل�ضور.
ن�شاطات جلنة املر�أة :
الن�شاط
اطالق دورة تف�سري وحتفيظ القر�آن ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى االول ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى الثاين ا�ستمرار دورة حتفيظ القر�آن للنا�شئة ا�ستمرارالدر�س الديني اال�سبوعي
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
الزمان
كل �أربعا ء كل اثنني و �أربعاء كل ثالثاء وخمي�س كل �سـبت كل �أربعاء
79
ن ش ا ط ا ت ا ل وسطية المنتدى العالمي يطلق فعاليات نشاطاته في الجامعات ضمن الرؤية الملكية في التصدي لإلرهاب
منهج المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم -في ترسيخ الوسطية واالعتدال -جامعة الشرق األوسط �ضمن اخلطة اال�سرتاتيجية للمنتدى العاملي للو�سطية لن�شر االعتدال والو�سطية وحماربة التطرف والغلو بني طالب وطالبات اجلامعات و�ضمن الر�ؤية امللكية يف الت�صدي لالرهاب بد�أت �سل�سلة ندوات جامعية للمنتدى وكان �أولها اليوم الثالثاء املوافق 2014/11/4يف جامعة ال�شرق االو�سط �إذ قام الدكتور زهاءالدين عبيدات بالقاء حما�ضرة عن منهج امل�صطفى حممد- �صلى اهلل عليه و�سلم-يف تر�سيخ الو�سطية واالعتدال ،بد�أها بالتعريف باملنتدى العاملي للو�سطية من حيث ر�ؤيته ور�سالته و�أهدافه ،وبعد ذلك حتدث عن �أثر ال�سمات ال�شخ�صية للر�سول الكرمي يف منهجه الفريد الو�سط املعتدل،وكذلك عن ركائز هذا املنهج الو�سطي الذي جعل �أمته االمة الو�سط التي تت�سم بالتي�سري ومراعاة الو�سع والطاقة واالبتعاد عن الغلو والتطرف وعن �إبراز مناذج الو�سطية يف حياة الر�سول اخلا�صة والعامة،والن�صو�ص الواردة يف ذم الغلو يف الدين والتطرف يف ال�سلوك والنهي الوارد عنه � -صلى اهلل عليه و�سلم-يف منع تكفري امل�سلمني �أو قتالهم دون الرجوع للق�ضاء �أو احلكم ال�سلطاين وح�ضر املحا�ضرة عدد من طالب اجلامعة و�أع�ضاء الهيئة االدارية والتدري�سية يف اجلامعة. وبعد ذلك دار حوار بني املحا�ضر والطالب �أكد فيه الدكتور زهاءالدين باالبتعاد عن التطرف والغلو يف كل �ش�ؤونهم واالقتداء بالر�سول � -صلى اهلل عليه و�سلم-وا�صحابه بالي�سر واللني وعدم التكلف ومراعاة الواقع والنهي عن اجلدال غري النافع،ومت توزيع بر�شورات تعرف باملنتدى العاملي للو�سطية وكتب تتحدث عن اخطار التطرف على ال�شباب ودورهم يف الت�صدي لهذه الآفة وقد قامت الدكتورة مي�سر ال�شوره بتقدمي الدكتور زهاءالدين عبيدات و�شكر املنتدى على هذا الن�شاط الفعال الذي جاء من�سجم ًا مع الواقع الذي تعي�شه الأمة هذا وت�ستمر فاعليات املنتدى وتتواىل هذه الن�شاطات يف اكرث من 18جامعة حكومية وخا�صة. أهمية الحوار في التصور اإلسالمي -جامعة الزرقاء الخاصة و جامعة الشرق األوسط
�أقام املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع جامعة الزرقاء اخلا�صة وجامعة ال�شرق االو�سط حما�ضرتني بعنوان (�أهمية احلوار يف الت�صور الإ�سالمي)حيث تكرم الدكتور �سليمان ح�سن الرطروط ب�إلقاء هاتني املحا�ضرتني. وقد تناول من خاللها احلديث عن املخاطر املحدقة بالأمة الإ�سالمية عامة ،ومنها الأردن على وجه اخل�صو�ص ،حيث خل�ص �إىل �أن احلوار وتبادل وجهات النظر ،يعترب الطريق الأ�سلم للنهو�ض بالأمة ،وجتنيبها ال�صراع املادي ،والنزاعات الداخلية. وذكر �أن من �أمرا�ض و�أعرا�ض الأمة غياب العمل اجلماعي الت�شاركي _ على الرغم من �أهمية العبادة اجلماعية يف حياتنا؛ فال�صالة ،وال�صيام ،واحلج جماعية وت�شاركية _ ،وعندما يكون العمل اجلماعي ثقافة املجتمع على اختالف مكوناته ،ويف جميع م�ؤ�س�ساته ،وعلى خمتلف امل�ستويات ،عندئذ ميكن للحوار �أن يكون ي�ؤتي ثماره ،لي�صبح هوال�سمة الغالبة للمجتمع . و�أكد �أن احلوار ال�صحيح ال ين�ش�أ ،وال ي�ؤتي ثماره و�آثاره املرجوة �إال يف ظل احلرية ،لأن فقدان احلرية ينتج عنه ثقافة اللون الواحد ،والنتيجة الواحدة ،وال�صوت الواحد؛ مما ي�ؤدي �إىل �سيادة الطغيان واال�ستبداد ،واالنتهاك الوا�سع للقانون ،وغياب العدالة ،وكل ذلك �سي�ؤدي �إىل تدين م�ستوى التعليم ،وتدهور وف�ساد االقت�صاد ،مما يولد عنه البطالة والفقر.
80
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ن ش ا ط ا ت ا ل و سطية
وبينّ �أن احلوار وتعزيز مكانته ،وتوفري �أجواء حرية الفكر ،وحق االختالف، واح�ترام وجهات النظر الأخ��رى يف املجتمع �سي�ؤدي �إىل نبذ العنف ،لأنه باحلوار ون�شر ثقافته؛ �سيتم الق�ضاء على العنف .ومن املعلوم �أن من دواعي وم�بررات العنف �شعور بع�ض فئات املجتمع بالتهمي�ش والتغييب ،والإق�صاء واال�ستئ�صال ،مما ي���ؤدي ل��رد فعل من الطرف الآخ��ر معتمد ًا على العنف والإرهاب ،بد ًال من احلوار بالكلمة. ويف الت�صور الإ�سالمي للحوار و�أدبياته ف�إن كافة الق�ضايا مطروحة للحوار والنقا�ش ،لأن الإ�سالم ي�ؤمن �أن و�سيلة الكلمة هي �أكرث ت�أثري ًا وا�ستدامة للتغيري من �أي و�سيلة �أخرى ،ولذا فهو دين البيان ،ومعجزته الدائمة بالبيان. ومنذ بداية االدعوة كانت دعوة حوارية بالكلمة وما ا�ستخدم ال�سيف �إال ملحاربة الذين مينعون ويحجبون الدعوة بالكلمة .ولذا فال منع وال حجر على طرح �أي ق�ضية للحوار؛ ومثال ذلك ال�شاب الذي طلب الإذن من الر�سول � -صلى اهلل عليه و�سلم -بالزنا ،فلم يعنفه �أو يوبخه� ،أو ينزل به عقوبة -على الرغم من معرفته حلرمة الزنا وقباحته -بل حاوره الر�سول� -صلى اهلل عليه و�سلم- بالكلمة. �إن ال�شورى كركن من �أركان احلياة واملجتمع الإ�سالمي ؛ والتي هي حق النا�س يف اختيار قادتهم ،والأنظمة التي حتكمهم� ،أو ما يعرف بالدميوقراطية الآن� ،إمنا تكون بوا�سطة احلوار وتبادل وجهات النظر ،يف جو من احلرية ،ومع القبول والقول ب�أن االختالف حق م�شروع ،وبهذا يتو�صل �إىل قناعة غالبة ،ور�أي �أكرثية ،مع احرتام ر�أي الأقلية ،ودون التقليل من �ش�أنه ،والقر�آن الكرمي قرر تلك القاعدة بقوله (( :و�أمرهم �شورى بينهم)) (( و�شاورهم بالأمر)) فال �شورى دون حوار. كما �أن الإ�سالم يعترب �أن امل�سلم هو :الإن�سان العاقل املكلف املختار ،وعند غياب احلوار وفر�ض الر�أي الواحد ،نكون بذلك �أ�سقطنا �صفة العقل واالختيار ،ونزعنا ركن الر�ضا عن �أي عقد اجتماعي عام ،ولذا فمن املهم توافر احلرية واالختيار للمرء ليكون م�سلم ًا، فمث ًال من �أكره على الكفر وقلبه مطئن بالإميان ال يعترب كافر ًا ،لإن حريته و�إرادته كانت م�سلوبة. �إن الفهم ال�صحيح للحوار وحرية االختالف ما عرب عنه الإمام مالك -رحمه اهلل -عندما عر�ض عليه فر�ض كتابه املوط�أ وفقهه على النا�س ؛ فرف�ض ذلك ،ورغب يف ترك النا�س على ماهم عليه ،وهو تقديرواحرتام للر�أي الآخر ،وقبول به. ولذا فمن يدعو لإرغام امل�سلمني وغريهم على اتباع مذهب واحد ،ور�أي منفرد ؛ �إمنا هو يعمل �ضد الإ�سالم ومنهجه؛ �سواء علم ذلك �أم جهله ،وما احلركات واجلماعات التي ترغم النا�س بالقوة على العمل باجتهاد واحد ،ور�أي منفرد � ،إال ت�شويه ل�صورة الإ�سالم ونهجه. وختم بقوله� :إن احلوار هو الطريقة املثلى خلروج الأمة من �أزماتها الكثرية ،وهو دليلها للولوج من عنق الزجاجة، احلامي لها من العوا�صف الهوجاء ،والرباكني الثائرة، �شريطة االلتزام بقواعده ومقوماته،وبعيد ًا عن معوقاته ومثبطاته ،مع �ضرورة االلتزام بنتائجه.
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
81
ن ش ا ط ا ت ا ل و سطية منهج المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم -في ترسيخ الوسطية واالعتدال -جامعة الشرق األوسط �ضمن اخلطة الإ�سرتاتيجية للمنتدى العاملي للو�سطية لن�شر االعتدال والو�سطية وحماربة التطرف والغلو بني طالب وطالبات اجلامعات و�ضمن الر�ؤية امللكية يف الت�صدي للإرهاب و�ضمن �سل�سلة ندوات جامعية للمنتدى فقد عقدت الندوة الرابعة يف جامعة الزرقاء الأهلية اخلا�صة يوم اخلمي�س املوافق 2014/11/13 �إذ قام الدكتور زهاء الدين عبيدات ب�إلقاء حما�ضرة عن منهج امل�صطفى حممد- �صلى اهلل عليه و�سلم-يف تر�سيخ الو�سطية واالعتدال ،بد�أها بالتعريف باملنتدى العاملي للو�سطية ،من حيث ر�ؤيته ور�سالته و�أهدافه ،وبعد ذلك حتدث عن �أثر ال�سمات ال�شخ�صية للر�سول الكرمي يف منهجه الفريد الو�سط املعتدل،وكذلك عن ركائز هذا املنهج الو�سطي الذي جعل �أمته الأمة الو�سط التي تت�سم بالتي�سري ،ومراعاة الو�سع والطاقة واالبتعاد عن الغلو والتطرف وعن �إبراز مناذج الو�سطية يف حياة الر�سول اخلا�صة والعامة،والن�صو�ص الواردة يف ذم الغلو يف الدين والتطرف يف ال�سلوك والنهي الوارد عنه � -صلى اهلل عليه و�سلم -يف منع تكفري امل�سلمني� ،أو قتالهم دون الرجوع للق�ضاء �أو احلكم ال�سلطاين وح�ضر املحا�ضرة عدد من طالب اجلامعة و�أع�ضاء الهيئة الإدارية والتدري�سية يف اجلامعة. وبعد ذلك دار حوار بني املحا�ضر والطالب �أكد فيه الدكتور زهاء الدين باالبتعاد عن التطرف والغلو يف كل �ش�ؤونهم واالقتداء بالر�سول � -صلى اهلل عليه و�سلم -و�أ�صحابه بالي�سر واللني وعدم التكلف ومراعاة الواقع والنهي عن اجلدال غري النافع،ومت توزيع بر�شورات تعرف باملنتدى العاملي للو�سطية وكتب تتحدث عن �إخطار التطرف على ال�شباب ودورهم يف الت�صدي لهذه الآفة وقد قام الدكتور ان�س اخلاليلة نائب عميد كلية ال�شريعة بتقدمي الدكتور زهاء الدين عبيدات و�شكر املنتدى على هذا الن�شاط الفعال الذي جاء من�سجم ًا مع الواقع الذي تعي�شه الأمة هذا وقد التقى الدكتور زهاء الدين عبيدات مع رئي�س جامعة الزرقاء الأهلية الأ�ستاذ الدكتور حممود الوادي وقدم درع املنتدى لرئي�س اجلامعة و�أي�ضا قام رئي�س اجلامعة بتقدمي درع اجلامعة للمنتدى .هذا وقد مت االتفاق على تبادل �أخبار الن�شاطات بني الطرفني علم ًا بان حما�ضرات املنتدى ون�شاطاته �ست�ستمر يف �أكرث من 18جامعة حكومية وخا�صة. الوسطية واالعتدال في اإلسالم ومحاربة التطرف والغلو -جامعة الزرقاء الخاصة
�ضمن ن�شاط هيئة �شباب الو�سطية لن�شر الوعي عن خماطر الغلو والتطرف على املجتمع االردين والرتكيز على دور ال�شباب يف حماية املجتمع من الغلو والتطرف عقدت هيئة �شباب الو�سطية حما�ضرة يف جامعة الزرقاء اخلا�صة يوم اخلمي�س 2014/11/20القاها الدكتور حممد الق�ضاة حيث ركز باملحا�ضرة على �سماحة اال�سالم وكيف ان و�سطيته كانت �سبب ًا يف انت�شاره حول العامل واو�ضح الدكتور ان التطرف با�سم اال�سالم خطر على الدعوة اال�سالمية وعامل منفر من اال�سالم وكيف �أن واجب امل�سلم �أبراز و�سطية اال�سالم كل ح�سب طاقته وعلمه وعلى ال�شباب ا�ستغالل املواقع االجتماعية يف ن�شر ال�صورة ال�صحيحية عن اال�سالم.
82
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ن ش ا ط ا ت ا ل و سطية
الوسطية واالعتدال في اإلسالم ومحاربة التطرف والغلو -جامعة الشرق األوسط
نظم املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع عمادة �ش�ؤون الطلبة يف جامعة ال�شرق االو�سط حما�ضرة للأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة الأ�ستاذ يف كلية ال�شريعة /اجلامعة االردنية و ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية عنوانها "الو�سطية واالعتدال يف اال�سالم وحماربة التطرف والغلو" ح�ضر املحا�ضرة عدد من عمداء الكليات و�أ�ساتذة الكليات باجلامعة وجمع غفري من الطالب والطالبات واملوظفني ويقدر عدد احلا�ضرين للمحا�ضرة ب�أكرث من �100شخ�ص وبني ما يتعر�ض اليه العاملني العربي واال�سالمي من هجمة �شر�سة �ضد اال�سالم وامل�سلمني ودعا املحا�ضر اىل املزيد من مللمة ال�صفوف واملحافظة على الوحدة الوطنية يف الأردن مع تر�سيخ معامل الو�سطية واالعتدال يف كافة مناحي احلياة وه��ذا ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية والتي تدعوا اىل مكافحة االرهاب والتطرف والغلو . �أج��اب املحا�ضر يف نهاية املحا�ضرة عن �أ�سئلة ومداخالت احل�ضور والتي كانت ت�صب يف �إطار املحا�ضرات و مت توزيع عدة مطبوعات تعريفية باملنتدى ومطبوعات تناق�ش العديد من الق�ضايا املعا�صرة الهامة والتي تخ�ص عاملنا اال�سالمي والعربي والتي تدعو اىل تبني منهج الو�سطية واالعتدال يف العامل اال�سالمي وتدعو اىل تعميق مفاهيم احلوار والت�سامح .
إشكالية المصطلحات «الوسطية -الغلو -األصولية» وازدواجية المعايير - جامعة آل البيت
نظم املنتدى العاملي للو�سطية حما�ضرة يف قاعة االمام م�سلم يف جامعة �آل البيت للدكتور حممد املطني ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية ف�صل من خاللها فهم الو�سطية يف مواجهة الغلو والتطرف . قدم اال�ستاذ الدكتور ان�س ابو عطا املحا�ضر و�شكر املنتدى على اقامة املحا�ضرات لطلبة اجلامعات وقد تناولت املحا�ضرة م�شكالت العامل يف مواجهة االرهاب والتطرف. حيث �شهدت ال�ساحات االعالمية والثقافية ظهور م�صطلحات كثرية ذات �صلة بالغلو ومن ا�شهرها(اال�صولية،االرهاب). كما تناول املحا�ضر مفاهيم الو�سطية يف اال�سالم وتعريفها من خالل مقدمة وا�شكالية الفهم اخلاطئ مل�صطلح الو�سطية ،فالبع�ض يفهم من الو�سطية التحلل من تكاليف ال�شرع ومن احكامها ،والتمرد على قيمها بينما الو�سطية هي اخلريية واالف�ضلية وااللتزام بال�شرع و�سنة النبي حممد عليه ال�صالة وال�سالم بعيدا عن الغلو والتطرف . والقت املحا�ضرة اقبا ًال كبري ًا من اجلمهور من ا�ساتذة وطلبة اجلامعة ويف النهاية �شكر ال�سيد عميد كلية ال�شريعة املنتدى على تنظيمه هذه املحا�ضرة.
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
83
ا ل ن ش ا ط ا ت القادمة مؤتمر الوسطية في مواجهة اإلرهاب وتحقيق االستقرار والسلم العالمي مقدمة:
يف �إطار ر�سالة املنتدى ،وحتقيق ًا لأهدافه ،ي�أتي تنظيم هذا امل�ؤمتر ال��دويل يف الفرتة من 2015/03/15-14م يف عمان- اململكة الأردن��ي��ة الها�شمية� ،سعي ًا �إىل بيان دور الو�سطية يف ا�ستقرار بلدان العامل الإ�سالمي ،و�إبراز خطر التطرف والعنف الذي ي�ستنزف طاقات العامل الإ�سالمي و�إمكاناته ،وبيان حقيقة �سماحة الإ�سالم وعدله يف التعامل مع مكونات الأمة كافة على اختالف �أديانها ومذاهبها احرتام ًا لكرامة الإن�سان وذاته. موجة من ويف الوقت ال��ذي ت�شهدُ الب�شر َّي ُة يف راه ِنها �أ�سو�أ ٍ فاالحرتاب ّطرف والإره��اب ،على �صعيدَ ي الفكر واملمار�سة، ُ الت ّ ُ اخلي ،وال ُع ُ العالقات الدّ ول ّية ،كلُّها واختالل املجتمعي، نف ِ ّ الدّ ُّ ً ُ ُ مظاهر لهاتني ّ الظاهرتني ،تعي�ش منطق ُتنا �أزم���ة ك�برى على ُ ب�سبب �ضعف تيار االعتدال والو�سطية ،وعلو ج��ودي �صعيد ُو ٍ ّ ِ �صوت التطرف والعنف� ،ضمن طيف وا�سع من الأ�سباب واملظاهر ّ والطوائف واملذاهب� ،إىل الدّ واف ِع من كبع�ض الأفكا ِر يف الأديانِ ِ االجتماعي، لم واالغرتاب ا�ستغالل االقت�صاد ّية وال ِ إح�سا�س بالظُّ ِ ّ واالنق�سامات ات العرق ّية ِ �إىل اال�ستعما ِر واال�ستعبا ِد �إىل الإثن ّي ِ ّ احل��وادث التّاريخ َّي ِة املثري ِة الطائف ّية واملذهب َّية ،وا�ستح�ضا ِر ِ ّ�شريعات احلقد واالنتقام ،حتّى اجلوانب القانون ّية والت لغرائز ِ ِ والعالقات الدّ ول َّية. والن ُُّظ ِم ِ ُ لعقد هذا امل�ؤمتر حتتَ عنوان وينطلق املنتدى العاملي للو�سط ّية ِ ّ "دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم ُ –احللول" ،واث ًقا ب�إمكان ّي ِة الإ�سها ِم يف ّتائج العاملي :اجلذو ُر -الن ُ مير بها العامل اال�سالمي ،و�ضرورة الت ِ ّخفيف من �آثا ِر املعاناة التي ُّ وناجعة ملعا َ جلة مبتكرة مي ُر� ًؤى ٍ اجرتاح احللول ال ِ ٍ إبداعية يف تقد ِ ُ تعي�شها الأ ّم ُة ،و ُيعانيها املجتمع الإن�ساينّ، املرحلة التي ُخطور ِة ِ واالعتدال لت�سود املحبة ن�شر منهج الو�سط َّي ِة ِ ِ وحتقيق دو ِره يف ِ ويعم ال�سالم ربوع بلداننا و�أوطاننا. �إن خيار الو�سطية هذا يف ظل الظروف ال�صعبة التي نواجهها هو خيارنا للحفاظ على التنمية واال�ستقرار ،فهو وحده امل�ؤهل لإعادة الثقة بني �أبناء الأمة الواحدة ،وبينهم وبني حميطهم احل�ضاري ،وهو وحده امل�ؤهل لإعادة منظومة التوازن من خالل امل�شاركة يف العمل والبناء ،واعتماد " الإ�صالح" كمنهج �إ�سالمي را�شد ،وحل اخلالفات والنزاعات باحلوار ،ورف�ض ال�صدام والعنف مهما كانت �أ�سبابه ومربراته.
84
أهداف المؤتمر :ي�سعى امل�ؤمتر لتحقيق الأهداف الآتية: � .1إبراز ال�صورة امل�شرقة للإ�سالم واعتداله وو�سط ّيته وحدود الت�سامح فيه. .2بيان الدور املنوط بالعلماء واملثقفني لت�أ�صيل وتعزيز منهج االعتدال والو�سطية ،و�أثر الفتاوى يف ذلك. .3دور امل�ؤ�س�سات الفكرية والثقافية يف تبني منهجية الإعتدال وحماربة التطرف والإرهاب. .4مناق�شة �إ�شكال ّية جدل ّية الدّ ولة الدّ ين ّية واملدن ّية. � .5ضرورة بناء ا�سرتاتيجية عاملية لبناء تيار اعتدايل عاملي، وت�أكيد حقيقة �أن جميع الأديان ترف�ض التطرف والغلو. .6تقدمي حلول عملية وفكرية ملعاجلة ظاهرة التطرف والغلو. .7تقدمي برنامج عملي وجت���ارب ناجحة لرت�سيخ االع��ت��دال والت�صدي للظواهر الفكرية التي تتعار�ض مع جوهر الإ�سالم، وبيان كيفية قيام م�ؤ�س�سات الإعالم بالدور امل�أمول للتعاطي مع ّطرف والإرهاب. الت ّ ُ ؤ�س�سات ���س��را وم� ٍ .8حتديد م�س�ؤوليات املجتمع كله �أف���را ًدا و�أ ً حكومية و� ً ً أهلية مع الرتكيز على دور املر�أة. حماور امل�ؤمتر :يت�ض ّمن امل�ؤمتر املحاور الآتية: المحور األول :اإلطار المفاهيمي
.1حتديد مفهوم الو�سطية :املعايري والأ�س�س واملعوقات.
ّطرف والإرهاب واملفاهيم ذات ال�صلة .2حتديد مفهوم الت ّ �أ .العنف والغلو. ب .احلرابة واجلزية. ج .اجلهاد ،ال�سبي ،ملك اليمني ،جهاد الكفاح . المحور الثاني :جذور التطرف واإلرهاب
.1منابع فكر التطرف والإرهاب (املذهبية والطائفية والعامل التاريخي). ّ .2الأ�سباب املن�شئة واملغذية للتطرف والإرهاب. .3خماطر التطرف والإرهاب و�آثاره. .4معاجلة ظاهرتي التطرف والإره���اب من منظور الأدي��ان/ القوانني. �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ا ل ن ش ا ط ا ت القادمة المحور الثالث :أسباب عدم االستقرار وغياب المنهج الوسطي وآثاره
� .1أ�سباب انح�سار املنهج الو�سطي. .2الآثار النف�سية واالجتماعية. .3الآثار االقت�صادية واملعي�شية. .4الآثار ال�سيا�سية وت�أثر احلقوق املدنية. .5ت�شويه �صورة الإ���س�لام واحل��د من انت�شاره و�إع��اق��ة احل��وار احل�ضاري.
املحور ال ّ��راب��ع :دور امل� ّؤ�س�سات واملجتمع يف تدعيم اال�ستقرار وتر�سيخ منهج االعتدال. .1دور م�ؤ�س�سات الدولة والأجهزة الأمنية ( الإ�سرتاتيجية الوطنية لن�شر االعتدال ومكافحة التطرف). .2دور املجامع العلمية والعلماء يف ن�شر منهج الو�سطية. .3دور امل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية واالجتماعية وم�ؤ�س�سات املجتمع املدين. .4دور امل�ؤ�س�سات الإعالمية وو�سائل االت�صال احلديثة. .5دور املنتدى العاملي للو�سطية :ر�ؤية للمعاجلة. � .6ضرورة مراجعة احلركات والتيارات الدّ ين ّية خلطابها. .7جت��ارب ناجحة ملعاجلة التطرف والإره���اب يف بع�ض الدول الإ�سالمية. .8دور املنظمات الإقليمية والإ�سالمية والدولية. .9دور امل�سيحني يف ا�ستقرار العامل العربي واال�سالمي. المحور الخامس :دور الوسطية في استقرار العالم اإلسالمي.
.1ر�ؤية و�سطية م�ستنبطة من القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ال�شريفة. .2دور الو�سطية يف التعامل مع الآخر. .3دور الو�سطية يف ا�ستقرار العامل الإ�سالمي. .4حقوق غري امل�سلم وواجباته يف املجتمع الإ�سالمي. .5حقوق امل�سلم وواجباته يف املجتمعات غري الإ�سالمية. .6نداء ا�ستنها�ض الأمة.
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
اللجنة التحضيرية:
.1دولة الإمام ال�صادق املهدي. .2معايل الأ�ستاذ الدكتور عبد ال�سالم العبادي /وزير الأوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات الإ�سالمية الأ�سبق. .2معايل ال�شيخ عبد الرحيم العكور /وزير الأوق��اف وال�ش�ؤون واملقد�سات الإ�سالمية الأ�سبق. .4املهند�س م��روان الفاعوري /الأم�ين العام للمنتدى العاملي للو�سطية. .5الدكتور زيد املحي�سن /املنتدى العاملي للو�سطية.
اللجنة العلمية:
.1الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة /عميد كلية ال�شريعة/ اجلامعة الأردنية �سابق ًا. .2الأ�ستاذ الدكتور خالد اجلرب /عميد كلية الآداب والعلوم/ جامعة العلوم الإ�سالمية العاملية -الأردن. .3الأ�ستاذ الدكتور حممد الروا�شدة� /أ�ستاذ الدرا�سات الفقهية والقانونية -جامعة م�ؤتة. .4الأ�ستاذ الدكتور وليد عوجان /نائب �سابق -عميد كلية الآداب والعلوم والقانون �سابق ًا /جامعة ال�شرق الأو�سط. .5الدكتور زهاءالدين عبيدات /رئي�س مركز الدرا�سات /املنتدى العاملي للو�سطية. .6ال��دك��ت��ور حممد خ�ير العي�سى/حما�ضر يف جامعة العلوم الإ�سالمية العاملية-ع�ضو جمل�س االفتاء.
اللجنة الدعم الفني والعالقات العامة:
.1ال�سيد مازن الفاعوري. .2الدكتور علي حجاحجه .3ال�سيد �أحمد اجلغبري. .4ال�سيد عمار املومني
اللجنة االعالمية.
85
ا ل ن ش ا ط ا ت القادمة مؤتمر رابطة كتاب التجديد
«الدولة بين الدينية والمدنية» ديباجة امل �ؤمتر:
َ ما َ ُ موح ت� ّأ�س َ�س فكر ًّيا أهمها زال ُطموح الت ّيارات الإ�سالم ّية دولة "�إ�سالم ّية" مب�س ّم ٍ ت�شكيل ٍ "دولة اخلِالفة" ،وهو ُط ٌ يات متن ّوعة � ُّ َ الفرق ّ الفات ب َ والطوائف واملذاهب ،حتّى �إنّه �أ ّدى �إىل ني روايات و� وفقه ًّيا ووجدان ًّيا على ات يف التّاريخ ،و�شهِدَ ِخ ٍ أحاديث وتطبي َق ٍ ٍ ِ الع�صر احلديث ترا َوحت ب َ ني إرث ُر� ًؤى وم�سا ٍع يف باب روب ،وهو يف حقيقي لل ِفتنَ .وانبنت على هذا ال ِ ٍ ِ ِ ع�صر َنا هذا ٌ �صراعات ُ وح ٍ ٌّ َ َ ُ أ�سباب ال ّت� ُّأخ ِر عرب ًّيا يا�سي ،والنّزا ِع امل�سلَّح. ِراك عي ري من اجل ِ الفكري ،واحل ِ ّ ونقف اليو َم �أما َم كث ٍ دل حول � ِ االجتماعي ّ ّ ال�س ِ وال�س ّ ّ ال�س ُ ُ لتحقيق ال َت ُّ ولة كما فعلت �أورو ّبا ح�ض ِر ،وال بدَّ من بيل الأقو ُم و�إ�سالم ًّيا ،وفيها ِ الدين ّ الف�صل بني ّ والد ِ ِ القول :العلمان ّي ُة هي ّ ُ ين يف �ش�ؤونِ احليا ِة العا ّمة التي يجب �أن يقت�ضي عدَ َم مما �أ ّدى لنه�ض ِتها ،وفيها ول الآنَ حتكيم ّ الد ِ القول� :إنّ تن ُّو َع مواطني ُّ ِ الد ِ ّ ِ َ ُ ّ ُّ نمّ ت�سيطر ا � إ ة ي ين بالد م و�س ت التي ول الد � وفيها: املواطنني، من فئات / فئة على لم الظ ع وق ال � إ و والقوانني، ري �سات الد إىل � ت�ستندَ إنّ ّ ّ ٍ ٍ ِ َ ُ َ ُ ّ َّ ُ ٌ ال�شرائ َع َ الدين" ت�سيرِّ ُ الأمو َر فيها ل�صاحلِها ،وال تط ّب ُق ّ ري ذلك. عليها جماعات من طبقة "رجال ّ ِ إلهي ...وكث ٌ ري غ ُ وفق املرا ِد ال ّ
حماور امل �ؤمتر:
ؤمتر هذه امل�س� َ هي: ألة من � ِ ُ يقارب امل� ُ أربعة حماو َر �أ�سا�س ّي ٍة َ إ�سالمي� ،أو الأفكا ِر الو�ضع َّية؟ ل ا الفكر يف �سواء ة، ي واملدن ة، ي ين الد ولة بالد د املق�صو ما واملفاهيم: امل�صطلحات حترير حمور .1 ِ ِ ِ ٌ َّ ُ ّ ِ ّ َّ ّ يقوم بين ُهما ُ ُ يجمع ب َ العالقة تناق�ض؟ وما ني و�أركا ِنهما ني ولة ،و�أركانُ مدن َّي ِتها؟ وهل وما �أركانُ ِدين َّي ِة ّ الد ِ ٌ هذين املفهو َم ِ ِ تقارب� ،أو ُ ُ ب َ لك" و"الإمامة" و"والية الفقيه" و"املدينة الفا�ضلة" و"اجلمهور ّية"؟ ني ُد ِ ول" :اخلالفة" و"املُ ِ ً املدينة ً الد ُ ُ قائمة على دولة دين َّي ًة ر�سول اهلل �ص ّلى اهلل عليه و�س ّل َم يف ولة التي � ّأ�س�سها أ�صيل الت .2حمو ُر ال ّت� ِ ّاريخي :هل كانت ّ ِ ّ ً الدين� ،أو ً ُ الد ُ إ�سالمي ّاريخ ال ول عقد دولة مدن َّي ًة اجتماعي م�ست َمدٍّ من ّ كم ّ الدين؟ وهل كانت ُّ قائمة على ٍ ُح ِ املتعاقبة على مدا ِر الت ِ ِّ ّ دولة َ أ�صيل َ "ب�شر َّية"؟ إ�سالمي؟ وهل الفقه ال ذلك يف دين َّي ًة� ،أو مدن َّي ًة؟ وما مدى ت� ِ ِ ولة "�إله َّية" �أو ٍ أ�سي�س َد ٍ ُ املطلوب �إ�سالم ًّيا ت� ُ ّ .3حمور املقارنة :هل ث َّم َة ُف ٌ اجلوانب تكمنُ هذه الفروقُ �إن ُو ِجدَ ت؟ والدولة املدن َّية؟ ويف � ّأي الدين ّي ِة ّ الدولة ّ روق حقيق َّي ٌة بني ّ ِ مفاهيمُ : احل ّر ّية ،والعدالة ،وامل�ساواة ،واحلقوق والواجبات ،و"دولة جلميع مواطنيها" ،و"دولة حتقيق هي جوهر َّي ٌة يف ِ ِ وهل َ رعيُ ، و"الد�ستور والقوانني" من اجلانب الآخرُ ، كم ّ ني ّ القانون"؟ وما الفرقُ ب َ كم "ال�شريعة و�أحكا ِمها" من جانب ّ واحل ِ واحل ِ ال�ش ّ ٌ ُ ّ ّ عالقة ب َ العالقة ب َ احلل ني "�أهل و"الدميقراط ّية"؟ وهل ث ّم َة و"ال�شورى" ني "االنتخاب" و"البيعة"، طبيعة القانوينّ؟ وما ّ ِ َ ُ ُ وكذلك :هل ُ �شكل ُ كم امل�شكلة� ،أو كم هو والعقد" و"املجال�س النّياب ّية"؟ ِ والرع َّية؟ وما م�شروع ّي ُةُ :ح ِ احل ِ العالقة بني احلا ِك ِم ّ كم ّ "ال�شعب"؟ ِزب"ُ ، "الفر ِد"ُ ، كم "احل ِ وح ِ وح ِ ُ ّجارب التي َ ول ّ�شخي�ص ويتناول بالت .4حمو ُر التّجارب النّاجحة: دول دين َّي ٍة ،و ُد ٍ أ�سي�س ٍ جنحت تاريخ ًّيا يف ت� ِ ِ َ مناذج من الت ِ أ�س�س َ َ ال�سيا�س ّي ِة واالجتماع ّية واالقت�صاد َّي ِة والقيم ّي ِة ّجارب ،وتطبيقا ِتها على مف�ص ًال ِ القول يف � ِ تلك الت ِ َمدن َّيةِّ ، امل�ستويات ّ ُ ولة وم� ّؤ�س�سا ِتها ،وبي َنها وب َ العالقات ب َ ُّظم القيم ّي ِة والأخالق ّية ومنظومات والعلم َّي ِة، ني ّ ني �أفرا ِد ّ الد ِ ِ ِ الدول الأخرى ،ف�ض ًال عن الن ِ وحقوق املواطن َ االجتماعي للمواطنني. الرفا ِه والإن�سان َّية، ِ ني فيها ،وواجبا ِتهم ،وحتقيق ّ ّ
مكانُ انعقا ِد امل �ؤمتر:
ع ّمان – الأردنّ – فندق ريجن�سي باال�س.
موعدُ عقد امل �ؤمتر:
الأربعاء واخلمي�س املوافقانِ .2015/5/21-20
86
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ا ل ن ش ا ط ا ت القادمة ندوة شهر كانون األول عام 2014 �سيعقد املنتدى العاملي للو�سطية ندوة يف /27كانون الأول 2014 /يوم ال�سبت ،بعنوان "ا�صالح املنظومة الرتبويه" وتت�ضمن املحاور الآتية:
املحور الأول :واقع املنظومة الرتبوية .
ي�سعى هذا املحور اىل ت�شخي�ص مواطن النجاح والوهن يف امل�ؤ�س�سة الرتبوية يف جميع مراحلها ويت�ضمن: -1التعليم العام :الواقع والتطلعات. -2الأ�ساليب التعليمية والرتبوية واملناهج املدر�سية. -3الإ�شراف الرتبوي والتعليم اخلا�ص والتعليم العام.
املحور الثاين :الرتبية كرهان ا�سرتاتيجي للتغيري ،ويت�ضمن هذا املحور :
� -1أهمية تعزيز القيم الرتبوية وو�سائل اك�سابها للطلبة يف مراحل التعليم املختلفة. -2كيفية �صناعة املعلم�:صاحب الر�سالة. -3جتربة تربوية ،تعليمية دولية متميزة.
ندوة شهر كانون الثاني عام 2015 و�سيعقد املنتدى العاملي للو�سطية ندوة يف �شهر كانون الثاين بعنوان "الدولة املدنية من منظور �إ�سالمي" ،يتناول مو�ضوع الدولة وعالقاتها بالدين ،ويت�ضمن املحاور الآتية : مامفهوم الدولة؟ ماهي الدولة املدنية؟ماهي الدولة الدينية؟ -هل الدولة اال�سالمية دولة مدنية �أم دولة دينية؟
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
87
ق ص ي د ة ا ل ع دد
نهج الصالحين ف��ي رك��ب��ه��ا ت��م��ض��ي ب��ن��ا األي����ا ُم ورأي��ت صحبي في القبور فهالني ً وصية فأخذت من رح ْـل الزمان ونهجت نهج الصالحين أحبهم وصحبتهم ع��لّ��ي أف���وز ب��دع��و ٍة ومشيت درب ْ الحزن صنت كرامتي أن��ا ْ ُ نشأت على المحبة والوفا إذ ون���أي� ُ ��ت ع��ن دار ال��ف��ن��اء فإنها ُ تكـرًما وأشحت عن وصل اللئيم ّ �ت ع��ن زاد البخيل ّ ورغ��ب� ُ ترفًعا وأب���ي� ُ مسامحا ��ت إال أن أب��ي��ت ً ُ ورت��ع��ت ف��ي آي ال��ك��ري��م ت��دبّ��ًرا ُ وأدم��ت في روض الحبيب تأمّاًل ٌ خ��ل��ق ت��ج��لّ��ى ف��ي ال��ك��ت��اب ب��آي � ٍة كيف التقى في صدره أس ٌد الوغى فإذا انحنى فمن الوداعة والحجى �ي ف��ك��ان نهضة أم�� ٍة بُ��ع��ث ال��ن��ب� ّ رب ِّ يا ّ صل على الحبيب المصطفى ب��ارك الهي المخلصين ومن بـهم
88
�شعر:الطبيب الدكتور ذيب عبداهلل خطاب
��اس ع��ن ذك���ر اإلل���ه ن��ي��ا ُم وال���ن� ُ كيف انطوت في لحدها األع�لا ُم ّ إن ال����زم����ان م��ع��ل��م وإم�����ا ُم ف��ه � ُم الخليل ول���ي ب��ه��م أرح���ام ويُ��ظ��لّ��ن��ي م���ن ه��دي��ه��م إل��ه��ام ّ ُ العز حيث أقاموا ولزمت رك��ن ف��ه� ُم المربي ف��ي الطباع ك��را ُم ّ ت��ل��ظ��ى ص��ح��ب��ه��ا ظ�ّل�اّ م ن����ار ٌ ��ي اآلث����ا ُم ك���ي ال ت���دنّ���س ث���وب� َ وج�����ذا ُم زاد ال��ب��خ��ي��ل م���ع� ّ ��رة ُ ب��ص��دري األس��ق��ا ُم ك��ي ال تبيت َ ���ور ّ تغشى القلب وه��و س�لا ُم نُ ٌ ��ع ب��ط��لّ��ه األح���ك���ا ُم َن �����ور َت���ش� ّ ٌ ش��ه � ٌد ي��ظ��ل ع��ل��ى ال����دوام يُ���را ُم ون���س���ائ��� ٌم م���ن رق����ة و َي���م���ا ُم ��ي على ال��ع��دا ضرغام فهو األب� ّ غ��ي��ث ت���ن� ّ ��زل وال���ع���ب���اد أُوام ب� ْ ���ارك إل��ه��ي م��ن ب��ه ق��د ه��ام��وا تحيا ال��ق��ل��وب وت��ق��ت��دى األن���ا ُم
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ُش ْر َف ٌة ...وأُ ُفق
لماذا التّجديد؟ د .خالد عبد الر�ؤوف اجلرب
حلركة الإن�سانِ يف احلياة ،وهو �صاحب الفكر ُم ِ ٌ ُ يتنا�سب م َع َ احلركة طرد ًّيا ّ تلك بال�ض رورة؛ �إذا َخ َبتْ ِ ُ َ ُ ُ َ الفكر ال�س كونَ واجل مو َد خ َب ا ُ تلك احلركة وقار َب ِت ُّ ُ للج مود ،و�إذا َتنا َم ت حركة الإن�سانِ أ�صبح � َ و� َ أقرب ُ الفكر وناهَ َز ال َ آفاق ال َّرح َب َة �ساع ًيا ب�صاح ِب ِه تفت ََّح ُ أرحب. ومبجتم ِع ه �إىل ُا ُف ٍق � َ و�إذا ك��انَ ال��تّ��اري ُ��خ جت�سيدًا حل��رك ِ��ة الإن�����س��انِ يف ا َ الفكر جت�سيدٌ حلركة الإن�سانِ يف جلغرافيا ،ف� ّإن ِ َ �ستوى � َ أرق ��ى و�أعلى من اجلغراف َيا؛ �إنّ��ه ُم يج�س دُ ً ِّ َ �يره ،يف حركة الإن�سانِ ال ّت �أ ّم ل َّي َة يف ذا ِت��ه ،ويف غ ِ ٌ �سبيل حا�ضر ِه واملا�ضي و ُم �ستق َب ِله .ومبا � ّأن ال تّف ُّك َر ِ َ العقل يف ّ حركة الفكر ،مبا مي ّث ُل إنتاج كل �شيءٍ ِ ِ ل ِ ً أخالق التي هي م�صد ُر م�ضبوطة بالق َي ِم واملُ ُث ِل وال ِ َ كل �سعا َدة ،ومن َب ُع ِّ ِّ احلركة �إ ّم ا كل َخ ري ،ف��� ّإن هذه ً ني يقودَانِ �إىل ن�شاطا �أن ت�ش َه دَ وتفاع ًال حقيق َّي ِ ُ مراتب الوجو ِد ّف�س الإن�سان َّي ِة الفرد َّي ِة يف ارتقاءِ الن ِ ِ الإن�سا ِّ �صعيد �صفا ِئ ها ونقاء �سرير ِت ها ،وعلى ين على ِ االجتماعي مبا مت ِّث ُل "الكلمة م�س َت وى حت ُّق ِق ها ِّ الط ّي َ عي والعباد ِة والعمرانَ . ّ وذلك يعتمدُ بة" يف َّ ال�س ِ َ َ ي�ضبط َ ُ احلركة� :إذا تلك طبيعة ما حمالة على ال ِ ال�ض ُ ا�شتدَّت ّ ال�س ُب َل �إىل وابط و�أغل َقت على الإن�سانِ ُّ وتكا�س َل وا ّث َ احلركة َت َ أر�ض، خاذل ِ اقل و�أخلدَ �إىل ال ِ َ أم���ره ،و�إذا ور���ض��ي مبا هُ ��و قائم �سائدٌ مهما ي ُك ْن � ُ َ انفتح تْ َ ال�ض ُ َ تلك ّ انطلق الإن�سانُ يف حرك ِت ِه وابط َ َ ون�شاط ه الإن�ساينِّ، نف�س ه وعق ِله ويف جمتم ِع ه ِ داخل ِ
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
نتج ّا�ضج الذي يقو ُد الإن�سانَ الفكر الن َ وهذا هو ما ُي ُ َ �أما ًم اَ ، يدفع اجلامد ال َف ِّج الذي الفكر منبع ِ ِ ُ وذاك هو ُ ً ً وراءَ . ناه�ضة، تقدم َّي ًة يحد ُث حركة ُّ ذاك ِ الإن�سانَ ً وحتج ًرا. نتج ُج مو ًدا وتخ ُّل ًفا وهذا ُي ُ ُّ أر�ض قاعد ًة ذهب َّي ًة مفا ُدها و�إذا ك�شفت لنا علو ُم ال ِ ف�س دُ ،و�أنَّ َّ � ّأن َّ الفكر كل حر َك ٍة ُتن ِّق ي ،ف� ّإن كل ُ�س ٍ كون ُي ِ َ املاء �إذا َ�س َكنَ � ُأج نَ و� ُأ�س نَ ، لي�س َ َ خارج هذه القاعدةُ . والهواء �إذا َر َك دَ َف َ�س دَ ،والإن�سانُ �إذا َ�س َكنَ َ أ�صبح مات ف� َ ُ لمَ َ املال �إذا ُج ِّم دَ و ْ ُي �س ت ع َم ل يف ال تّجار ِة ِج ي َف ًة ،ور� ُأ�س ِ َت َ املقاومة �إذا ُغ ِز َيت ّا�س �إذا تخا َذ ُل وا عن ِ ناق َ �ص ،والن ُ ِديا ُرهُ م َذ ُّل واُّ ... كل �شيءٍ ح ّت ى الفكر �إذا َ�س َكنَ فال ُبدَّ ِ ف�س ا ِده .من هنا ،من هذه القاعد ِة ّ الط بيع َّي ِة ال من َ َ ري من نفهم هذا بدَّ من ال تّجديد .ونحنُ كذلك من كث ٍ ُ العزيز ،فمن قو ِل ه تعاىل" :ف�إذا كتاب اهلل ن�صو�ص ِ ِ ِ ال�ص ال ُة أر�ض" ،ومن قو ِل ه: ِ فانت�ش ُروا يف ال ِ ُق ِ�ض َيت ّ قائل�" :أف َل ْم "فا�س َع ْوا يف َم نا ِك ِبها" ،ومن قو ِل ه عزّ من ٍ ْ ُ أر�ض فينظ روا" ،ومن قو ِل ه تعاىل�" :أفال ريوا يف ال ِ ي�س ُ لوب �أقفا ُل ها" ،وقو ِل ه" :ويف يتد ّب رون القر�آنَ �أم على ُق ٍ ب�ص ُرون"... �أن ُف ِ�س ُك م �أفال ُت ِ ُ كحركة املاءِ يف الفكر يف احليا ِة الب�شر َّي ِة وحركة ِ ِ أر���ض ،حي َن ما الأنها ِر التي ت�ستوي م�سارا ُت ها يف ال ِ َ ّهر يف ا َ ُ –تباط �ؤ احلركة- جل َ��ري��انِ ��اء الن ِ يتباط �أ م ُ ي�ترا َك ��م َّ الط ْم ُي وال ّ ّهر، ��ط ُ �ين واحل��ج��ار ُة يف ق��ا ِع الن ِ �صبح جمرا ُه َ�ض ْح ًال َع ً ري�ض ا ،ويرتا َك ُم على �ض ّف َت ِي و ُي ُ ُ �صحيح � ّأن ُّفايات... أخ�شاب والن ّهر القذى وال الن ِ ٌ ُ 89
َّ يظل جار ًيا باملاء ،لك نَّه يبد أ� بال َه َر ِم ّ ُع َ ّهر ُّ ويت�سط ُح فاقدًا يخوخة �شي ًئا ف�شي ًئا ،ويفقدُ ُع م َقه، وال�ش ِ ر�ض الن ِ أمره ني� ،أو ال بدَّ ملن وع ِت ه و�شبا ِبه ...وقد ُي ِ ري مجَ را ُه بعدَ ح ٍ �صفا ِت ِه الأوىل يف ُيفُ َ َّهر �إىل تغي ِ يعنيه � ُ �ضطر الن ُ ُّ جريا َنه ،ومن َّ تيه من ّ مي ّ العالقة التي ُت ُ ني واحلجار ِة وائب ري مجَ را ُه ِ بتخلي�ص �ض ّف ِ ِ والط ِ من تي�س ِ ال�ش ِ عيق َ الط ِ قاع ِه لي ُع و َد عمي ًق ا ك َع ْه ِده. يف ِ جتم ٌ عات ّ َّ الفكر كذلك قد يفقدُ ُع م َق هُ وائب، ويت�سط ُح بعدَ مرو ِر َد ٍ لل�ش ِ ُ هر عليه ،وقد يتك َّونُ على �أطرا ِف ه ُّ والفكر أطراف ،ليعو َد عمي ًق ا ويعو َد ت ّي ا ُر ُه �إىل �أ َل ِق ِه. حالة كهذه من وال بدَّ يف تنظيف جمرا ُه يف القا ِع وال ِ ِ ٍ ُ ّهر ...ف�إذا � َ وائب التي َت ِ�ش ينُهُ وتحَ ر ُفه عن م�سا ِر ِه هي ّ كاملاءِّ ، ُ أعدت وائب التي تعرت�ض جمرى الن ِ كال�ش ِ وال�ش ُ َ َ الفكر من ّ وائب تخلي�ص أمر يف و�سال ت ّيا ُر ُه فت ًّيا قو ًّيا م ؤ� ِّث ًرا ناف ًع ا، املاء �إىل طبيع ِت ه َ�ص َفا، ِ ِ ال�ش ِ َ وكذلك ال ُ ريه متا ًم ا ،ويكونُ �ضر ُر ُه يف مي ،وقد ت �ؤ ّدي �إىل تغي ِ التي تع َل ُق به ،وتغ يرِّ ُ لو َنه وطع َم ه ،وحتر ُفه عن م�سا ِره القو ِ َ ات الإن�سان ّي ِة الفرد َّي ِة التي قد تحَ ُ ُ �صعيد ّ ول نتائج ه املد ِّم ر ُة على وت�صبح له احلال �أ�شدَّ من نف ِع ه، تلك ِ الذ ِ ِ ُ ُ هوات ،وقد تتح َّو ُل َو ً وال�ش ُ ُ الغرائز ّ ُم ن َْح لَّ ًة ال � َ ُ يعرف كا�سرا ال ح�ش ا قيم ُت �س نِدُ حرك َت ها ،حت ُك ُم ها أخالق لها وال َ ً ً يرتد ُع لقانون. رحمة وال يتن ّب هُ من َغف َل ٍة وال ِ حركة الإن�سانِ يف الوجو ِد؛ َ ال�س ُ بيل مظاهر آخر من جتديد � ِّأي أهم من جتديدُ ِ ِ ِ ِ ٍ مظهر � َ الفكر � ُّ ذلك لأنّهُ ّ ال�س ُ بيل ّهو�ض قالت نوع َّي ٍة يف ال�س ِ ِ �إىل حتقيق ُن ٍ ِ اعية �إىل الن ِ وحتقيق �أُ ُف ٍق لها يف احلياة� .إنّه ّ املجتمعات ّ خارج ه يف حيا ِته االجتماع ّي ِة وجتديده من أخالقه، لتجديد الإن�سانِ من داخ ِله، ِ وجتديد عقل َّي ِت ِه وق َي ِم ه و� ِ ِ ِ ِ ّ وجتديد وجو ِده واق ًع ا على إبداعي والف ّن ّي والثقايف، إنتاج ه ال وجتديد والوظيف َّية، ِ ِ ِ منظومة عالقا ِته و� ِ ّ م�شروع ا... مل� :أ َّم ًة� ،أو �شع ًب ا� ،أو أر�ض �ضمنَ ِ ال ِ ً خارطة العا ِ ٌ حمة للعامل َ ني حم َّم ٍد �ص ّل ى الفكر وال ّت جديدُ يف و�س ندُ ها ما جندُ ه يف ِ الر ِ ِ �ضرورة �إ�سالم َّي ٌة حيو َّي ٌةَ ، نبي ّ قول ِّ َ ( )1 ُ يبعث لهذ ِه الأ ّم ِة على ر�أ�س ِّ اهلل عليه و�س لَّ م�" :إنَّ اهلل �سنة َمن يجدِّ ُد لها دي َن ها" ؛ ف�إذا كانَ كل ِ مائة ٍ ُ �صو�ص ويف احليا ِة واق ًع ا العقل يف ال ّن إعمال الفكر، يحتمل ال تّجديدَ يف ين" ال ِ ال ّت جديدُ يف ّ نتاج � ِ ِ ِ "الد ِ والفكر ُ ُ وجتريدًا ،فما الذي يحتم ُلهُ �إذن؟
املراجع: و�صح حه احلاكم .وقال الزين جاء يف �أ�سنى املطالب :رواه �أبو داود وغ�يره، َّ َ -1 العراقي� :سنده �صحيح .وق��ال ال�سيوطي رحمه اهلل يف مرقاة ال�صعود :اتفق احلفاظ على ت�صحيحه؛ منهم :احلاكم يف امل�ستدرك ،والبيهقي يف املدخل ،وممن ن�ص على �صحته من املت �أخرين احلافظ ابن حجر.
90
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
آ خ ر إ ص د ا ر ا ت الوسطية
كتاب بعنوان (دور �صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية ٌ امل�ؤ�س�سات يف تعزيز منظومة القيم يف املجتمع) ت�ضمنت �أوراق اعمال الندوة املنعقدة يف املنتدى التي عقدة بتاريخ /11ذي القعدة ، 1435/وجاءت هذه االوراق على النحو الأتي :الإفتتاحية لأمني عام املنتدى العاملي للو�سطية بعنوان كنتم خري � ٌ أمة �أخرجت للنا�س ّ و�ضح فيها �أن خريية هذه الأمة منبثقة من الر�صيد القيمي ال�شامل لال�سالم ، ال��ورق��ة الأوىل ج��اءت حت��ت ع��ن��وان (دور امل�ؤ�س�سات الرتبوية يف تعزيز مظومة القيم) للدكتور زهاء الدين عبيدات �شرح فيها الدكتور زهاء الدين �أهمية امل�ؤ�س�سات الرتبوية يف زرع القيم يف اجليل النا�شئ ،ام��ا الورقة الثانية فجاءت بعنوان (�أثر االعالم يف تعزيز منظومة القيم) للدكتور خالد جرب بينّ فيها ت�أثري االعالم يف القيم، والورقة الثالثة حتدث فيها الدكتور عبد الرحمن ابداح حول �أثر امل�ؤ�س�سات الدينية يف تعزيز منظومة القيم ، ثم جاءت الورقة الرابعة حول دور اال�سرة الرتبوي يف تعزيز القيم يف االبناء و �أعدها اال�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة ،ويف الورقة اخلام�سة حتدثت الدكتورة نوال �شرار اذ ب ّينت و�سائل و �آليات اال�سرة يف تعزيز منظومة القيم .
العدد الثاين -ال�سنة ال�سابعة -حمرم 1436هـ /ت�شرين الثاين 2014م
كتاب �آخر بعنوان و�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية ٌ (قواعد �شرعية يف التكفري قراءة يف �أفكار �شيخ اال�سالم ابن تيمية) ،وهو عباره عن بحث قدمه الدكتور ع�صمت اهلل للم�ؤمتر الدويل الذي عقد يف اجلامعة اال�سالمية ا�سالم اب��اد -باال�شرتاك مع املنتدى العاملي للو�سطيةب��ع��ن��وان( :اال�ستقامه واالع��ت��دال ودوره��م��ا يف نه�ضة املجتمع امل�سلم) اذ يبحث هذا الكتاب يف الر�ؤية الفكرية البن تيمية حول مو�ضوع التكفري ،فقد � ّأ�صل ابن تيمية قواعد التكفري يف ثالث ع�شرة قاعدة يجب االلتزام بها وعدم التطرق اىل التكفري ،وبينّ ابن تيمية موانع التكفري املتمثلة بعدم التكليف واجلهل واخلط�أ والت�أويل اخلاطئ ب�سبب الق�صور يف فهم الدالالت ال�شرعية. وخل�ص اب��ن تيمية �إىل ع��دم ج��واز �إط�لاق التكفري بل الت�أين والرتيث قبل ا�صدار هذا احلكم ملا يبنى عليه من �أحكام ونتائج خطري ًة.
91
ق�سيمة ا�شرتاك �سنوية البلد
الإ�سم /امل�ؤ�س�سة
الهاتف
املدينة
Email: كيفية الدفع نقدا
�شيك
حوالة بنكية
قيمة الإ�شرتاك ال�سنوي ( 60دينار ) اردين الأردن -عمان -اجلبيهه -تلفون - 5356329فاك�س + 962 - 6 - 5356349 - �ص ب 2149رمز بريدي 11941 - 5356329 06 JPRDAN THL - 11914 - AMMAN 2149: P . O . BOX 5356349 -6- 962+ FAX Email: mod.inter@yahoo.com moderation_assembly@yahoo.com Website: www.wasatyea.net
قواعد و�شروط الن�شر يف املجلة الو�سطية ي�سر �أ�سرة حترير جملة الو�سطية والتي ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية �أن ت�ستقبل م�ساهمات �أ�صحاب القلم من الكتاب واملثقفني والباحثني يف �أق�سام الفكر الإ�سالمي والعلوم الإن�سانية واالجتماعية وال�سيا�سية والفكرية والرتبوية، واملو�ضوعات ذات ال�صلة بامل�شروع احل�ضاري الإ�سالمي الراهن ،وكل ماله �صلة بق�ضايا و�ش�ؤون ال�ساحة الثقافية الإ�سالمية املعا�صرة على وجة العموم.. وترى �أ�سرة التحرير �أن تكون املواد املر�سلة وفق ال�شروط التالية: �أن تراعى يف املادة املر�سلة القواعد املتعارفة يف البحث العلمي من نواحي توثيق امل�صادر واملراجع والن�صو�ص ،واملو�ضوعاتة واملنهجية يف الكتابة ،واالبتعاد عن الأ�سلوب اخلطابي. ت�ؤكد املجلة على االلتزام بالبحث املو�ضوعي احلر والهادئ ،البعيد عن كل �أ�شكال التهجم �أو امل�سا�س بال�شخ�صيات. �ضرورة و�ضوح لغة البحث وجتنب اتباع الأ�سلوب املعقد وامل�صطلحات الغام�ضة وااللتزام بعمق املعنى ،مع مراعاة اجلوانب الأدبية واجلمالية يف الكتابة. تقرتح املجلة �أن تدور الكتابات والبحوثات حول املحور التالية: درا�سات �إ�سالمية ،الو�سطية واالعتدال ،التطرف والإرهاب ،العنف والالعنف ،احرتام الر�أي الآخر ،حقوق الإن�سان، العوملة ،الفكر والفكر الإ�سالمي ،الإعالم يف الإ�سالم ،علوم فر�آنية ،الإ�سالم وال�سيا�سة.... �سيتم منح مكاف�أة رمزية لكل كاتب مقال �أو درا�سة قدرها( )50دوالر للكاتب من داخل الأردن و( )80دوالر للكاتب من خارج الأردن. الآراء الواردة يف املجلة متثل وجهة نظر �أ�صحابها ،وال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي هيئة التحرير. تر�سل الأعمال �إىل امل�شرف العام على املجلة.