العدد الثاني السنة السابعة

Page 1

‫الهيئة اال�ست�شارية للمجلة‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‬ ‫الدكتور وهبة الزحيلي‬ ‫الدكتور حممد طالبي‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‬ ‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‬ ‫الدكتور حممد احلاليقة‬

‫هيئة التحرير‬

‫الـمهند�س مروان الـفاعوري‬ ‫الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات‬

‫العنوان‬

‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة‬ ‫عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫وحق الرد مكفول للجميع‬

‫الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة‬

‫اململكة الأردنية الها�شمية ‪ -‬عمان‬ ‫تلفون ‪+962 - 6 - 5356329 :‬‬ ‫فاك�س ‪+962 - 6 - 5356349 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب ‪ 2149 :‬عمان ‪ 11941‬الأردن‬

‫ت�صميم و�إخراج‬

‫‪Email : mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪Website : www.wasatyea.net‬‬

‫الأ�ستاذ الدكتور خالد اجلرب‬ ‫الـــدكـتـور علي احلجاحجة‬ ‫ا�سراء �سمري الكيايل‬


‫حم‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫عدد‬ ‫االفتاحية‬

‫‪-‬دور املثقف يف ا�ستنها�ض الأمة‬

‫م‪.‬مروان الفاعوري‬

‫‪3‬‬

‫و�سطيتنا‬

‫الو�سطية يف الإ�سالم‬‫و�سطية الإ�سالم يف العبادات‬‫ال�شمول والتوازن يف الأخالق الإ�سالمية‬‫الو�سطية ومرتكزاتها‬‫و�سائل الإت�صال احلديثة‬‫‪-‬نبذ التع�صب املذهبي من خالل �أقوال الأئمة الأربعة‬

‫د‪.‬حممد �إبراهيم املدهون‬ ‫د‪.‬حممود عبد الغفار بني حمدان‬ ‫�أ‪�.‬أحمد ال�شرعة‬ ‫د‪.‬عبد املحمود �أبو �إبراهيم‬ ‫�أ‪.‬حممد امني عبد النبي‬ ‫د‪�.‬سالمة املزاودة‬

‫‪5‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪19‬‬

‫مقاالت الو�سطية‬

‫احلج املربور لي�س له جزاء �إال اجلنة‬‫�أ‪.‬د‪.‬حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫حرائق التطرف يف العامل الإ�سالمي‬‫دولة الإمام ال�صادق املهدي‬ ‫االقت�صاد الإ�سالمي‬‫د‪.‬جمال احلم�صي‬ ‫�أداب احلور يف الإ�سالم‬‫د‪.‬عماد �صالح �إبراهيم �شيخ‬ ‫إ�سالمية‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫احل�ضارة‬ ‫يف‬ ‫أ�صيلة‬ ‫العدل وامل�ساواة قيم �‬‫�أ‪.‬حممد زاهي مقدادي‬ ‫القيادة الإ�سالمية وفق القر�آن وال�سنة‬‫�أ‪�.‬أبو زيد املقري الإدري�سي‬ ‫من جمال الوقف الإ�سالمي‬‫�أ‪.‬حممد املراكبي‬ ‫الإعالم يف الإ�سالم‬‫د‪.‬ن�سيبة حما�سنة‬ ‫الفكر الإ�سالمي يف معرتك التحديات‬‫د‪.‬ا�سماعيل ال�سعيدات‬ ‫‪-‬دور امل�ؤ�س�سات الرتبوية يف تعزيز منظومة القيم يف املجتمع د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬

‫‪22‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪53‬‬

‫درا�سات �إ�سالمية‬

‫ت�أمالت �إدارية يف �سورة يو�سف‬‫مدنية الدولة الإ�سالمية‬‫‪-‬الإرهاب بني املنظور ال�شرعي واملنظور العاملي‬

‫د‪� .‬سليمان ح�سن الرطروط‬ ‫د‪.‬زيد خ�ضر‬ ‫د‪ .‬يا�سر �أبوح�سني‬

‫‪57‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪64‬‬

‫بيانات ومواقف‬ ‫الو�سطية‬

‫بيان من املنتدى العاملي للو�سطية يحمل احلوثيني وداع�ش م�س�ؤولية احلرب يف املنطقة‪،‬‬ ‫بيان حول العدوان الإ�سرائيلي على غزه ‪ ،‬بيان حول تهجري امل�سيحني من املو�صل ‪ ،‬بيان‬ ‫حول �أحداث اليمن ‪ ،‬بيان حول �إعالن اخلالفة الإ�سالمية‬

‫ن�شاطات الو�سطية‬

‫ ن�شاطات منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ل�شهر متوز ‪2014‬‬‫ ن�شاطات منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ل�شهر �آب ‪2014‬‬‫ ن�شاطات منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ل�شهر �أيلول‪2014‬‬‫ املنتدى يطلق فعاليات ن�شاطاته يف اجلامعات‬‫ م�ؤمتردور الو�سطية يف ا�ستقرار العامل الإ�سالمي ‪ ،‬م�ؤمتر رابطة كتّاب التجديد‬‫ندوة �شهركانون الأول عام ‪ ، 2014‬ندوة �شهر كانون الثاين عام ‪2015‬‬

‫الن�شاطات القادمة‬

‫ نهج ال�صاحلني‬‫‪�-‬شرفة‪..‬و�أفق‬

‫‪2‬‬

‫ال�شاعر‪ :‬د‪ .‬ذيب عبداهلل خطاب‬ ‫د‪ .‬خالد عبد الر�ؤوف اجلرب‬

‫‪67‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪90‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫االفتتاحية‬ ‫دور المثقف في‬ ‫استنهاض األمه‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫يف �إطار التدافع الرا�شد للكلمة الذي ي�سعى اىل ايجاد �صحوة‬ ‫ثقافية ت�ضع جمتمعاتنا يف �إطار الت�أهيل مل�شروع نه�ضة �شاملة‬ ‫متكننا من املحافظة على موطئ قدم لت�آخي هذا العامل‪ ،‬ت�أتي‬ ‫م�س�ؤولية املثقفني ك�صفوة عاملة لرت�شيد حركة القيم‪ ،‬والإهتداء‬ ‫اىل �أي�سر ال�سبل لبحث طاقات الفرد او اجلماعة الذهنية‬ ‫والروحية اجل�سدية‪ ،‬وت�ؤهل للإ�ستغالل الكثيف للزمان واملكان‬ ‫لتحقيق الأثر الأق�صى والأعمق يف الفكر والعمل‪� ،‬إذ العمل �أطول‬ ‫وابلغ �آالف املرات من عمر االن�سان الق�صري يف �إطار الن�سبية‪.‬‬ ‫ان دور املثقف هو اليوم ُّ‬ ‫ف�ض اال�شتباك بني قوى الأمة احلداثية‬ ‫والإ�سالمية‪ ،‬و�إعادة االعتبار �إىل املثقف عرب التطلع املن�صف اىل‬ ‫الفكرويات العاملية‪ ،‬وو�ضعها يف حجمها ال�صحيح مقارنة بالقوة‬ ‫الثقافية الأرجح عاملي ًا وهي اال�سالم‪ ،‬هذا التطلع وهذه الر�ؤية‬ ‫يحث عليها قوله تعاىل‪( :‬ف�إن يكفر بها ه�ؤالء فقد وكلنا قوم ًا‬ ‫لي�سوا بها بكافرين)‪ ،‬وقوله – �صلى اهلل عليه و�سلم‪( : -‬يحمل‬ ‫ه��ذا العلم من كل خلف ع��دو ُل��ه‪ ،‬ينفون عنه حتريف الغالني‬ ‫وانتحال املبطلني‪ ،‬وت�أويل اجلاهلني)‬ ‫ُّ‬ ‫ف�ض اال�شتباك املق�صود هنا بني الوافد من املا�ضي املنقول‪،‬‬ ‫وال�صالح املقبول واملعقول يف �إطار اجتهادات ترتكز على العقل‬ ‫واملنفعة‪ ،‬واملق�صد وااللهام‪ ،‬والإحاطة بالواقع بوعي ومزاوجة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وا�ضحة‬ ‫�سمات‬ ‫�إن الفرق الإ�سالمية منطلقة من �أ�س�س �أ�صبحت‬ ‫ٍ‬ ‫لهذه الفرق‪ ،‬ف�أهل ال�سنة وال�سلف ينطلقون من حبهم والتزامهم‬ ‫ب�سرية النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ، -‬وال�شيعة ينطلقون من‬ ‫حبهم وع�شقهم لآل بيت حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫واملت�صوفة ينطلقون من الأ�شواق الروحية لعقيدة الإميان‪ ،‬وهذه‬ ‫الر�ؤى يجب �أن حترتم دون �أن يفر�ض �أ�صحابها الزام الآخرين‬ ‫بها‪.‬‬ ‫�إن �أدب االختالف يقوم على االتفاق على اجلوامع الكلية‪،‬‬ ‫واملجادلة باحل�سنى‬ ‫واح�ترام االختالف يف الق�ضايا اجلزئية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫فطرة يف الب�شر (ومن �آياته‬ ‫على االجتهاديات؛ لأن التنوع الثقايف‬ ‫اختالف ال�سنتكم و�ألوانكم)‪.‬‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫مبزيد من‬ ‫دور املثقفني الآن يرت ّكز على جتاوز حالة التمزُّ ق‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الرتكيز على اجلوامع وامل�شرتكات‪ ،‬والتغا�ضي عن كل ما ي�ضعف‬ ‫الأم���ة وي��ه��دّ د �صمو َدها (ان هلل ع��ب��اد ًا يحبون احل��ق بذكره‬ ‫ومييتون الباطل بعدم ذكره)‪ ،‬كما عليهم بلورة حالة من التوحد‪،‬‬ ‫واالن�سجام تكون عابرة للدول والأحزاب واملذاهب واجلماعات؛‬ ‫لأن ح�صون الأمة كلها الآن يف خطر عظيم فهي مهددة من الداخل‬ ‫واخلارج‪.‬‬ ‫لقد هُ زمت �أملانيا ولكنها حافظت على ثقافتها فنه�ضت‪ ،‬وانهارت‬ ‫�إمرباطورية اليابان فبقيت معتز ًة بثقافتها فقامت‪ ،‬و�أ�صبحت‬ ‫�أقوى من ذي قبل‪ ،‬و�أم ُتنا تعر�ضت لغزو املغول والتتار واحلروب‬ ‫ال�صليبية وموجات اال�ستعمار املتتالية وحمالت الترتيك‪� ،‬إال �أن‬ ‫روحها بقيت متوقده مل تنطفيء‪ ،‬فهزم التتار بل ان�صهروا يف‬ ‫احل�ضارة الإ�سالمية‪ ،‬واندحر ال�صليبيون‪ ،‬وغادر اال�ستعمار‪ ،‬ولكن‬ ‫املعركة الثقافية الزالت دائرة بني اقطاب ال�صراع هنا وهناك‪.‬‬ ‫البد هنا من ت�أكيد �أن �أولئك الذين يريدون فر�ض منوذجهم على‬ ‫الآخرين بالقوة والعدوان وب�إ�سم اجلهاد مثل القاعدة وداع�ش‬ ‫و�أخواتها‪ ،‬ميكن فهمهم يف �إطار املحاوالت الفا�شلة ال�سرتداد‬ ‫الكرامة وردات الفعل العاجزة املح َب َطة القاهرة التي الترقى‬ ‫�إىل منزلة االحرتام واالعتبار واالجناز‪.‬‬ ‫ينبغي �أن نراجع منظومتنا الثقافية ب�صورة جريئة غري‬ ‫م�سبوقة‪ ،‬فال علمانية تنكر الدين‪ ،‬والتدين الي�ؤدي اىل العلم‬ ‫واملدنية‪ ،‬والإجابة عن �أ�سئلة النظام الكوين يف الدميقراطية‪،‬‬ ‫وحقوق االن�سان واحلرية‪ ،‬وحقوق املر�أة وغريها‪ ،‬والبد كذلك‬ ‫من ت�شخي�ص �أ�سباب غياب النخب املثقفة يف الأزمات ومن هذه‬ ‫الأ�سباب‪:‬‬ ‫‪ .1‬االعتيا ُد على الطرائق التقليدية ‪ ،‬والتحرز من التجديد يف‬ ‫الأ�سلوب؛ لأن تخطي الأمور التقليدية �أمر �شاقٌّ على النف�س ‪،‬‬ ‫إقدام على ك�سر الطرق التقليدية يحتاج جلر�أة‪ ،‬رمبا يكون لها‬ ‫وال ُ‬ ‫بع�ض العواقب التي ال يحب املثقف �أن يدخل فيها ملا يرتتب عليها‬ ‫من تبعات ‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫االفتتاح ةي‬ ‫ُ‬ ‫واال�ستقاللية التي ي�شعر بها بع�ض الدعاة ‪ ،‬فهو ال يعمل �إال‬ ‫‪.2‬‬ ‫من خالل قناعاته اخلا�صة ‪ ،‬وهذا الأمر �سبب انف�صا ًما يف مواقف‬ ‫املثقف‪ ،‬ومن ثم عدم التن�سيق بينهم يف املواقف جتاه الأحداث‪،‬‬ ‫فتخرج اجلهود مبعرثة ب�سبب القناعة الذاتية بت�صرفات‬ ‫الداعية نف�سه ‪.‬‬ ‫‪ .3‬غياب العمل امل�ؤ�س�سي اجلامع ‪ ،‬الذي يوحد اجلهود ‪ ،‬وي�صوغها‬ ‫يف منظومة واحدة ‪ ،‬مت�سقة ومتينة‪ ،‬وهذا الغياب رمبا �أوجده‬ ‫الو�ضع املعني الذي تعي�شه بع�ض البالد ‪ ،‬وغياب املحاولة يف �إيجاد‬ ‫امل�ؤ�س�سات اجلامعة بني الدعاة واملفكرين واملثقفني‬ ‫‪ .4‬واملبالغة يف الهاج�س الأمني ‪ ،‬الذي رمبا يكبل بع�ض اجلهود ‪،‬‬ ‫ويعيق الأعمال النافعة ‪ ،‬وخا�صة يف الأحداث اجل�سام ‪� ،‬إن طريق‬ ‫الإ�صالح �أمر ال بد �أن يحمل يف طياته بع�ض املخاطر التي ينبغي‬ ‫وف‬ ‫ال�صلاَ َة َو�أْ ُم ْر ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫�أال تقعد الإن�سان عن العمل } َيا ُب َن َّي �أَ ِق ِم َّ‬ ‫ال ُمو ِر{‪.‬‬ ‫ا�صبرِ ْ َع َلى َما �أَ َ�صا َب َك �إِنَّ َذ ِل َك ِم ْن َعزْ ِم ُْ أ‬ ‫َوانْهَ َع ِن المْ ُ ْن َك ِر َو ْ‬ ‫‪ .5‬ف�ض ًال عن احلزبية واالن�شغال بال�سيا�سة اللذين ي�شكالن عام ًال‬ ‫ها ًما يف هذا الأمر ‪� ،‬إ ْذ يعي�ش املثقف يف �إطار احلزب الذي ينتمي‬ ‫�إليه ‪ ،‬ويكون كل جهده من�ص ًبا على العمل من داخل احلزب ‪ ،‬و�إن‬ ‫كان لهذا ثما ٌر كثرية يف حركة الإحياء الإ�سالمي املعا�صر ‪� ،‬إال �أنه‬ ‫ّ‬ ‫فيظل‬ ‫�أ�سهم يف ت�شتت جهود الدعاة واملثقفني يف العامل الإ�سالمي‬ ‫احلزبي يعي�ش يف فلك �أفكار احلزب وال�صراع مع الآخرين حولها‪،‬‬ ‫وال يتعداها‪ ،‬مما ُي َ�س َّبب يف الواقع قتال للأفكار والإبداع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫واملبالغة يف تو�صيفه ‪ ،‬في�ص ّور املثقف احلدث‬ ‫ت�ضخيم احلدث ‪،‬‬ ‫�أ ّما‬ ‫ُ‬ ‫ب�أنه فوق القدرة والطاقة‪ ،‬مما يربر له عدم التفاعل مع الأحداث‪،‬‬ ‫واحل�ضو ِر الفاعلِ يف مواجهتها‪� ،‬أو التقليل من �ش�أن احلدث ‪ ،‬و�أنه‬ ‫حدث �سهل ال ي�ستدعي كل هذه اجلهود ‪ ،‬ولأن احلدَ ث �سهل ‪،‬‬ ‫وعواقبه �سليمة؛ فال حاجة �إذن �إىل اخلو�ض فيه ال من حيث‬ ‫تو�صيفه ‪ ،‬وال من حيث مواجه ُته‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حماولة حتميل احلدث جلهة معينة ‪ ،‬لأنها هي التي جعلت‬ ‫وكذلك‬ ‫الأمة يف هذا امل�أزق ‪ ،‬فهي �إذن التي تتحمل تبعات احلدث ‪ ،‬ويتم‬ ‫ُ‬ ‫الرتكيز على هذا اجلانب ‪ ،‬حتى يخل�ص املثقف من هذا كله �إىل‬ ‫ؤول عن احلدث ومنا �أنَّ بع�ض املثقفني ي�صنع لنف�سه‬ ‫�أنه غري م�س� ٍ‬ ‫منوذجا حمتذى ‪ ،‬وقدو ًة عليا‪ ،‬ويظن �أن الإ�سهام يف ق�ضايا الفكر‬ ‫ً‬ ‫والدعوة ال بد �أن يكون على م�ستوى تلك القدوة ‪ ،‬فيقعده ذلك‬ ‫عن العمل ‪ ،‬ويكبل جهوده‪ ،‬دون �أن يدري �أن هذه القدوة مل ت�صل‬ ‫�إىل هذا امل�ستوى �إال بعد �أن �أ�ض َنت نف�سها يف هذا الطريق حتى‬ ‫و�صلت �إىل هذا امل�ستوى‪ ،‬وال يجوز بعد ذلك �إغفال �أن اهلل قد ق�سم‬

‫‪4‬‬

‫بني النا�س قدرا ِتهم ‪ ،‬ومواه َبهم ‪ ،‬وا�ستعدادهم الذهني كما ق�سم‬ ‫بينهم �أرزاقهم‬ ‫ُ‬ ‫ان�شغال بع�ض املثقفني بامل�شروعات اخلا�صة‬ ‫�إ�ضافة اىل ذلك‬ ‫(الدنيوية ) �أمر ال يالم عليه �إن�سان �إال �إذا تعدى �إىل ترك‬ ‫ً‬ ‫ت�ساقطا‬ ‫الإ�سهام يف معاجلة ق�ضايا الأمة والدعوة ‪ ،‬والواقع ي�شهد‬ ‫مري ًعا لكثري من الدعاة واملفكرين عند الدخول يف هذه املجاالت‬ ‫ت�صر ُف الإن�سان �إىل الدنيا ‪ ،‬وجتعله يغفل عن طريق الأنبياء‬ ‫التي ِ‬ ‫وامل�صلحني‪ ،‬ويغيب عن واقع �أمته وامل�ساهمة يف �إ�صالحه ‪ ،‬ومدافعة‬ ‫الباطل وال�شر‪.‬‬ ‫املثقف فقد بات يواجه � ً‬ ‫ُ‬ ‫أزمة جتاه ثورة املعلوماتية‬ ‫املفكر �أو‬ ‫و�أ َّما‬ ‫ُ‬ ‫واالت�صال‪ ،‬وحتديد ًا الإنرتنت والف�ضائيات‪ ،‬والأخرية جعلته‬ ‫�أ�سري ًا لأجندتها و�أولوياتها طامعا يف الظهور والكارزمية املنربية‬ ‫التي توفرها له ال�شا�شة امللونة‪ ،‬وم�ضطرا لها لغياب م�ؤ�س�سات‬ ‫العمل الفكري الأهلي امل�ستقل‪.‬‬ ‫هذه بع�ض الأ�سباب التي �أراها ت�سهم يف غياب كثري من املثقفني‬ ‫عن واقع الأمة املعا�صر ‪ ،‬وهي قابلة بعد ذلك للأخذ والرد‪ ،‬حتى‬ ‫ن�ستطيع ترميم بع�ض م�شكالتنا وم�آ�سينا ‪ ،‬ون�شارك يف النهو�ض‬ ‫بالأمة �إىل ح�ضارتها املن�شودة‪.‬‬ ‫فاملثقفون اليوم مدعوون �إىل نتاج ثقايف و�سطي يربط املا�ضي‬ ‫باحلا�ضر‪ ،‬دون ا�ستالب او تفريط لو�ضع خارطة طريق للإحياء‬ ‫الفكري واملعريف‪ ،‬لأن املطلوب تر�شيد التدافع احل�ضاري‪ ،‬وامتالك‬ ‫القوة الإقرتاحية للعالج وامل�شاركة يف فعل التنزيل والتنفيذ‪.‬‬ ‫نريد �أن نكون م�سلمني بالعقيدة‪ ،‬حداثيني بالثقافة ولي�س‬ ‫إقدام واجنا ٌز حم�سوب ودفا ٌع يطور‬ ‫العك�س‪ ،‬فم�صفوفة التدافع � ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫وترقب لبناء امل�ستقبل هذا ال‬ ‫�آليات املمانعة واملقاومة‪ ،‬و�صمود‬ ‫يكون �إال عرب حتالف امل�سلمني وامل�سيحيني يف الق�ضايا الأخالقية‬ ‫والإن�سانية والكونية‪ ،‬والرتكيز على احلقوق التي مت�س الأمن‬ ‫الوطني لبلداننا‪ ،‬وهذا جوهر منهج الو�سطية توليف وت�أليف‪،‬‬ ‫را�شدٌ ملواجهة القهر الديني‪ ،‬والقهر االقت�صادي‪ ،‬والف�ساد‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬واالنهيار االجتماعي‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وسطيت ان‬ ‫الوسطية في اإلسالم‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرجيم‬ ‫تتدافع الأح��داث يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬و�أخ�ير ًا يف فل�سطني‬ ‫باجتاه موجة من ال��ر�ؤي��ة ال�ضيقة للإ�سالم ال�شمويل‪ ،‬تلزم‬ ‫املثقفني والعلماء و�أ�صحاب الر�أي والقلم �إىل �أن ي�أخذوا بيد‬ ‫اجلماهري نحو الر�ؤية ال�شاملة للإ�سالم‪ .‬وملا تخيرَّ ت الكتابة‬ ‫حول الو�سطية يف الإ�سالم خلت الأمر ي�سري ًا‪ ،‬وللوهلة الأوىل‬ ‫�أدركت ندرة الكتابة يف هذا املو�ضوع كتابة م�ستقلة ووا�سعة‪.‬‬ ‫والو�سطية حتقيق للتوازن يف حياة الب�شر‪ ،‬وحتقيق التوازن‬ ‫يف حياتنا الفردية واالجتماعية‪ ،‬فال متيل كفة امليزان يف‬ ‫جانب من احلياة على ح�ساب اجلانب الآخ��ر‪ ,‬فهي الو�سطية‬ ‫العادلة املتوازنة دون تطرف لليمني �أو الي�سار‪ ،‬ودون �إفراط �أو‬ ‫تفريط‪ ،‬ويف الغالب �أن من االنحراف واالعوجاج والطغيان يف‬ ‫احللول املطروحة (الر�أ�سمالية – واال�شرتاكية) االبتعاد عن‬ ‫الو�سطية �إىل املغاالة �إىل �أحد اجلوانب دون الآخر‪.‬‬ ‫بينما ال�صراط امل�ستقيم ال عوج فيه وال انحراف معه‪ ،‬و�سط‬ ‫بني �سيادة الفرد امل�سيطرة يف النظام الر�أ�سمايل‪ ,‬و�سيادة‬ ‫املجموع امل�سيطرة يف النظام اال�شرتاكي‪ ،‬و�سط ًا بني اجلانب‬ ‫مهتم بزيادة الإنتاج وتنمية الرثوة‪ ,‬ولكنها لي�ست غاية امل�سلم‬ ‫وحمور حياته و�أك�بر همه ومبلغ علمه‪ ،‬واجلانب الروحي يف‬ ‫بناء الفرد روح ًا ونف�س ًا مت�ألقة‪ ،‬تتمازج يف بناء متكامل روح‬ ‫وج�سد‪ ،‬ال �إفراط وال تفريط‪.‬‬ ‫كما �أنه و�سط بني الرجاء واخلوف‪ ،‬رجاء مبا عند اهلل تعاىل‬ ‫وخوف من عذابه؛ ليحفظ على الإن�سان توا�صل العمل من �أجل‬ ‫هدفه الرئي�سي‪.‬‬ ‫فالو�سطية تتجلى يف كثري من املعاين الإ�سالمية التي �أُ�س�س عليه‬ ‫البنيان ال�شامخ‪ ،‬وعلى كافة الأ�صعدة عالقة الإن�سان بخالقه‬ ‫وعالقته ب�أخيه الإن�سان‪ ,‬وعالقته مع باقي املخلوقات‪ ،‬وقد‬ ‫كان االهتمام خا�ص ًا يف بناء الفرد واملجتمع تربوي ًا‪ ،‬وثقافي ًا‬ ‫واجتماعي ًا‪ ,‬واقت�صادي ًا‪ ،‬وع�سكري ًا و�سيا�سي ًا وروحي ًا و�أخالقي ًا‬ ‫على الو�سطية واالعتدال والتوازن‪.‬‬ ‫فالروح التي بها ُكر ّم الإن�سان‪ ،‬و�أهملها اليوم الغرب وال�شرق‪،‬‬ ‫�أمدها الإ�سالم بغذائها دون �إهمال �أو زيادة‪ ,‬وذلك ب�إحياء معاين‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫د‪ .‬حممد �إبراهيم املدهون‬ ‫رئي�س مركز �إبداع للدرا�سات اال�سرتاتيجية‬

‫الألوهية‪ ,‬والربوبية مع تربية الأمة على التقوى والإخال�ص‪،‬‬ ‫ال�شعائر‪ ،‬مع‬ ‫و تثبيت القيم الأخالقية الأ�صلية واملحافظة على‬ ‫َ‬ ‫مقاومة البدع وي�ساهم يف ذلك من خالل �إحياء ر�سالة امل�سجد‬ ‫وتكرمي العلماء‪.‬‬

‫يف جمال الرتبية الأخالقية املعتدلة الو�سطية‪.‬‬

‫حدد للغريزة اجلن�سية‬ ‫نظرة الإ�سالم للإن�سان واجلن�س‪� ,‬إذ ّ‬ ‫�أ�س�س ًا وقواعد‪ ،‬فقد اعرتف الإ�سالم بالدوافع الفطرية للإن�سان‬ ‫َّا�س ُح ُّب َّ‬ ‫ات مِنَ الن َِّ�ساء َوا ْل َب ِن َ‬ ‫ني‬ ‫ال�ش َه َو ِ‬ ‫قال تعاىل ‪ُ «:‬ز ِّي��نَ ِللن ِ‬ ‫ري المْ ُ َق َ‬ ‫نط َر ِة مِنَ َّ‬ ‫الذهَ ِب َوا ْل ِف َّ�ض ِة َوالخْ َ ْيلِ المْ ُ َ�س َّو َم ِة َوالأَ ْن َعا ِم‬ ‫َوا ْل َق َن ِ‬ ‫اط ِ‬ ‫ُ‬ ‫للهّ‬ ‫الد ْن َيا َوا ِعندَ ُه ُح ْ�سنُ المْ َ��� ِآب»(�آل‬ ‫َوالحْ َ ْر ِث َذ ِل َك َم َتا ُع الحْ َ َيا ِة ُّ‬ ‫عمران‪ )14 ,‬لكنه مل ُيبح للإن�سان االن�سياق يف �شهواته‪ ،‬لي�صبح‬ ‫مناف للطبيعة الإن�سانية‪،‬ويف ذلك‬ ‫عبد ًا ل�شهوته؛ لأن ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫هبوط لعامل احليوان و�ضياع للإن�سان وعدم حتقيقه لأهداف‬ ‫وجوده على هذه الأر�ض‪.‬‬ ‫يحرم على الإن�سان دوافعه الغريزية‪ ،‬ومل‬ ‫فاهلل تعاىل مل ّ‬ ‫ي�سمح له كذلك باالن�سياق خلف هذه ال�شهوة؛ لأن ذلك �ضياع‬ ‫للفرد واملجتمع و�إهدار للطاقة التي يجب ت�سخريها يف جماالت‬ ‫اخلري والنماء قال تعاىل ‪ُ :‬‬ ‫«قلْ َم ْن َح َّر َم ِزي َن َة اللهَّ ِ ا َّل ِتي �أَخْ َر َج‬ ‫ِل ِع َبا ِد ِه َو َّ‬ ‫الرز ِْق »(الأعراف ‪) 32‬‬ ‫الط ِّي َب ِ‬ ‫ات مِنَ ِّ‬ ‫بل تعدى الإ�سالم املثالية يف �ضبط هذه ال�شهوة‪� ،‬إذ يثاب‬ ‫الرجل على العمل اجلن�سي ال��ذي ي�أتيه مع زوجته وردة يف‬ ‫ال�سنة النبوية �أن احد ا�صحاب الر�سول ي�س�أله‪ :‬يا ر�سول اهلل‬ ‫�أي�أتي �أحدنا �شهوته ويكون له فيها �أجر‪ ،‬قال‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪�« :-‬أر�أيتم لو و�ضعها يف حرام �أك��ان عليه وزر كذلك لو‬ ‫و�ضعها يف حالل كان له �أجر» رواه م�سلم‪.‬‬ ‫فاملطلوب �إذ ًا لي�س حرب هذه ال�شهوة‪ ،‬بل �ضبطها و�إحداث‬ ‫التوازن وتر�شيدها لتكون يف جمالها(الزواج) و�إال فال�صرب من‬ ‫خالل ال�صوم قال‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪« :-‬يا مع�شر ال�شباب‬ ‫من ا�ستطاع منكم الباءة فليتزوج ف�إنه �أغ�ض للب�صر و�أحفظ‬ ‫للفرج ومن مل ي�ستطع فعليه بال�صوم ف�إنه له وجاء»‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫و‬ ‫س‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫ويبدو كذلك معنى الو�سطية جلي ًا يف البناء الأخالقي من خالل‬ ‫قوله تعاىل‪َ « :‬و ُك ُلوا َو ْ‬ ‫ا�ش َر ُبوا َو اَل ُت ْ�س ِر ُفوا» (الأعراف‪. )31‬‬ ‫فال حرمة للطعام وال�����ش��راب‪ ،‬بل �إنّ��ه ال�ضبط والإر���ش��اد‪،‬‬ ‫والو�سطية املتوازنة بعدم الإ�سراف وقد تعر�ض القر�آن الكرمي‬ ‫د�ستور الأمة‪ ,‬ومنهج ال�سماء ملعنى الو�سطية واالعتدال يف كثري‬ ‫من �آياته وتعر�ض لهذا املعنى ب�شكل مبا�شر وا�ضح يف قوله‬ ‫ّا�س‬ ‫اء َع َلى ال َن ِ‬ ‫تعاىل‪َ « :‬و َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم �أُ َّم ًة َو َ�سط ًا ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ‬ ‫الر ُ�س ُ‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِيد ًا ‪( »..‬البقرة ‪.)143‬‬ ‫َو َي ُكونَ َّ‬ ‫والو�سطية هنا كما يقول ابن كثري هي الأجو ُد واخليار فر�سول‬ ‫اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪� -‬أو���س��ط قومه وقري�ش �أو�سط‬ ‫العرب‪ .‬والأمة الإ�سالمية �أو�سط بكمال الت�شريع وقوامة املنهج‬ ‫وو�ضوح املذهب قال تعاىل ‪ُ :‬‬ ‫َّا�س»‬ ‫«ك ْن ُت ْم َخيرْ َ �أُ َّم ٍة �أُخْ ِر َجتْ ِللن ِ‬ ‫(�آل عمران ‪.)110‬‬ ‫والو�سطية هنا هي العدل؛ حيث يروي �أبو �سعيد اخلدري يف‬ ‫حديث رواه الإمام البخاري قول النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬ ‫( ُيدعى نوح يوم القيام فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم‪ ،‬فيدعي‬ ‫قومه فيقال لهم هل بلغكم؟؟ فيقولون‪ :‬ما �أتانا من نذير وما‬ ‫�أتانا من �أحد‪ ،‬فيقال لنوح من ي�شهد لك؟ فيقول حممد و�أمته‪.‬‬ ‫قال النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬فذاك قوله تعاىل‪َ « :‬و َك َذ ِل َك‬ ‫َج َع ْل َن ُاك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا»(البقرة ‪.)143‬‬ ‫فهي �أمة �شهيدة على النا�س مقام احلكم والعدل‪ ،‬ويحدثنا‬ ‫ال�شهيد �سيد قطب ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬حول ذلك يف ظالله فيقول"�إنها‬ ‫الأم��ة الو�سط التي ت�شهد على النا�س جميع ًا‪ ،‬فتقيم بينهم‬ ‫العدل والق�سط وت�ضع لهم املوازين والقيم و ُتبدي فيها ر�أي ًا‪،‬‬ ‫فيكون هو الر�أي املعتمد‪ .‬وتزن قيمهم وت�صوراتهم وتقاليدهم‪،‬‬ ‫�شعاراتهم فتف�صل يف �أمرها وتقول‪ :‬هذا حق منها وهذا باطل ال‬ ‫التي تتلقى من النا�س ت�صوراتها وقيمها وموازينها‪ ،‬وهي �شهيدة‬ ‫على النا�س يف مقام احلكم والعدل بينهم والر�سول ي�شهد فيقرر‬ ‫لها موازينها وقيمها‪ ،‬ويحكم على �أعمالها وتقاليدها‪ ،‬ويزن ما‬ ‫ي�صدر عنها ويقول الكلمة الأخرية‪ ،‬وبهذا تتحدد حقيقة هذه‬ ‫الأمة ووظيفتها لتعرفها وت�شعر ب�ضخامتها‪ ،‬ولتقدر دورها حق‬ ‫دوره وت�ستعد له ا�ستعداد ًا الئق ًا و�أنها للأمة الو�سط بكل معاين‬ ‫الو�سط و�ساطة احل�سن والف�ضل �أو و�ساطة االعتدال والق�صد �أو‬ ‫الو�سط املادي احل�سي"‪.‬‬ ‫«�أم��ة و�سط ًا» يف الت�صور واالعتقاد ال تغلو يف التجرد‬ ‫الروحي‪ ،‬وال يف االرتكا�س املادي �إمنا تتبع الفطرة املمثلة يف‬ ‫روح متلب�س بج�سد‪� ،‬أو ج�سد تتلب�س به روح وتعطي لهذا الكيان‬

‫‪6‬‬

‫املزدوج الطاقات حقه املتكامل من كل زاد‪ ،‬وتعمل لرتقية احلياة‬ ‫ورفعها يف الوقت الذي تعمل فيه على حفظ احلياة وامتدادها‬ ‫وتطلق كل ن�شاط يف عامل الأ�شواق‪ ،‬وعامل النوازع بال تفريط‬ ‫�أو �إفراط يف ق�صد وتنا�سب واعتدال‪.‬‬ ‫«�أم��ة و�سط ًا» يف التفكري وال�شعور ال جتمد على ما علمت‪،‬‬ ‫وتغلق منافذ التجربة واملعرفة‪ ..‬وال تتبع كذلك كل ناعق‬ ‫وتقلد تقليد القردة امل�ضحك ‪� ,‬إمن��ا ت�ستم�سك مبا لديها من‬ ‫ت�صورات ومناهج و�أ�صول ثم تنظر يف كل نتاج للفكر والتجريب‪،‬‬ ‫و�شعارها الدائم‪ :‬احلقيقة �ضالة امل�ؤمن �أنى وجدها �أخذها يف‬ ‫تثبت ويقني‪.‬‬ ‫«�أم��ة و�سط ًا» يف التنظيم والتن�سيق‪ ،‬ال تدع احلياة كلها‬ ‫للم�شاعر وال�ضمائر‪ ،‬وال تدعها كذلك للت�شريع والت�أديب �إمنا‬ ‫ترفع �ضمائر الب�شر بالتوجيه والتهذيب‪ ،‬وتكفل نظام املجتمع‬ ‫بالت�شريع والت�أديب وتزاوج بني هذه وتلك‪ ،‬فال تكل النا�س �إىل‬ ‫�سوط ال�سلطان وال تكلهم كذلك �إىل وحي الوجدان لكن مزيج‪.‬‬ ‫«�أمة و�سط ًا» يف االرتباطات والعالقات ‪ ،‬ال تلغي �شخ�صية‬ ‫الفرد ومقوماته وال «تال�شي �شخ�صية يف �شخ�صية اجلماعة �أو‬ ‫الدولة‪ ،‬وال تطلقه كذلك فرد ًا �أثر ًا ج�شع ًا ال هم له �إال ذاته‪،‬‬ ‫�إمنا تطلق من الدوافع والطاقات ما ي�ؤدي �إىل احلركة والنماء‬ ‫وتطلق من النوازع واخل�صائ�ص مما يحقق �شخ�صية الفرد‪ ،‬ثم‬ ‫ت�ضع من الكوابح ما يقف دون الغلو ومن املن�شطات‪ ،‬ما يثري رغبة‬ ‫الفرد يف خدمة اجلماعة‪ ،‬وتقرر من التكاليف والواجبات ما‬ ‫يجعل الفرد خادم ًا للجماعة واجلماعة كافلة للفرد يف تنا�سق‬ ‫وات�ساق‪.‬‬ ‫«�أمة و�سط ًا» يف املكان‪ ،‬و يف مركز الأر�ض ويف �أو�سط بقاعها‪،‬‬ ‫وما تزال هذه الأمة التي غمر �أر�ضها الإ�سالم �إىل هذه اللحظة‬ ‫هي الأمة التي تتو�سط �أقطار الأر�ض بني �شرق وغرب وجنوب‬ ‫و�شمال‪ ،‬وما تزال مبوقعها هذا ت�شهد للنا�س جميعا ً‪ ،‬وت�شهد على‬ ‫النا�س جميع ًا‪ ،‬وتعطى ما عندها لأهل الأر���ض قاطبة‪ ،‬وعن‬ ‫طريقها تعرب ثمار الطبيعة‪ ،‬وثمار الروح والفكر من هنا �إىل‬ ‫هناك‪ .‬وتتحكم يف هذه احلركة ماديها ومعنويها على ال�سواء‪.‬‬ ‫«�أمة و�سط ًا» يف الزمان تنهي عهد طفولة الب�شرية من قبلها‪،‬‬ ‫وحتر�س عهد الر�شد العقلي من بعدها وتقف يف الو�سط‪،‬تنف�ض‬ ‫عن الب�شرية ما علق بها من �أوهام وخرافات يف عهد طفولتها‬ ‫وت�صدها عن الفتنة بالعقل والهوى‪ ،‬وتراوح بني تراثها الروحي‬ ‫من عهود الر�ساالت ور�صيدها العقلي امل�ستمر يف النماء وت�سري‬ ‫بها على ال�صراط ال�سوي بني هذا وذاك‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وسطيتنا‬ ‫وما يعوق هذه الأمة �أن ت�أخذ مكانها الو�سط تخليها عن منهج‬ ‫اهلل الذي اختاره لها فالو�سطية لها‪ .‬تكاليفها والقوامة لها‬ ‫تبعاتها البد من الفنت واملحن واالبتالء‪.‬‬ ‫والعبودية تربز ب�شكل كامل يف العبادة حيث �أك��دت �شريعة‬ ‫ال�سماء على االعتدال والو�سطية‪ ,‬واملتنطعون املت�شددون نالوا‬ ‫توجيه ًا مركز ًا عميق ًا من النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬فقد‬ ‫روت عائ�شة ‪-‬ر�ضي اهلل عنها‪� -‬أن النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬ ‫دخل عليها وعندها امر�أة قال‪ ":‬من هذه قالت فالنة تذكر من‬ ‫�صالتها قال «مه‪ ..‬عليكم ما ُتطيقون فواهلل ال َّ‬ ‫ميل اهلل حتى‬ ‫متلوا"‪.‬‬ ‫وق�صة الثالثة التي رواها �أن�س ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬حيث �س�ألوا‬ ‫عن عبادة النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬فلما �أُخ�بروا ك�أنّهم‬ ‫تقالوها فقالوا‪� :‬أين نحن من ر�سول اهلل وقد غفر اهلل ما تقدم‬ ‫من ذنبه وما ت�أخر وقال �أحدهم �أنا �أ�صلي �أبد ًا‪ ,‬وقال الآخر �أنا‬ ‫�أ�صوم الدهر وال �أفطر‪ ,‬وقال الآخر �أنا �أعتزل الن�ساء فال �أتزوج‬ ‫�أبد ًا فجاء �إليهم ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬فقال‪�« :‬أنتم‬ ‫الذين قلتم كذا وكذا �أ ّما واهلل �إنيّ لأخ�شاكم هلل و�أتقاكم له‬ ‫ولكني �أ�صو ُم و�أُفطر و�أ�صلي و�أرقد‪ ,‬و�أتزوج الن�ساء فمن رغب‬ ‫عن �سنتي فلي�س مني»‪.‬‬ ‫ويف حديث رواه �أبو هريرة عن النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬ ‫الدين ي�سر ولن ي�شا ّد الدين �أحدٌ �إال غلبة ف�سددوا‬ ‫قال‪�« :‬إن ّ‬ ‫وق��ارب��وا و�أب�شروا وا�ستعينوا بالغدوة وال��روح��ة و�شيء من‬ ‫الدجلة»‬ ‫والفكر الإ�سالمي املطلوب هذه الأي��ام فكر ًا و�سطي ًا معتدالً‬ ‫متكامال ً‪ ,‬حيث ميثل املنهج الو�سط للأمة الو�سط بعيد ًا عن الغلو‬ ‫والتق�صري‪ ،‬فهو فكر و�سط بني دعاة املذهبية ال�ضيقة‪ ،‬ودعاة‬ ‫الالمذهبية املنفرطة ‪,‬و�سط بني دعاة االنفتاح على العامل بال‬ ‫�ضوابط‪ ،‬ودعاة االنغالق على النف�س بال مربر‪.‬‬ ‫و�سط بني املحكمني للعقل و�إن خالف ن�ص ًا‪ ،‬واملغيبني للعقل‬ ‫ولو يف فهم ن�ص‪ ،‬و�سط بني امل�ستغرقني يف ال�سيا�سة على ح�ساب‬ ‫الرتبية‪ ،‬واملهملني لل�سيا�سة كلية بدعوى الرتبية‪ ،‬و�سط بني‬ ‫امل�ستعجلني قطف الثمرة قبل �أوان��ه��ا‪ ،‬والغافلني عنها حتى‬ ‫ت�سقط يف �أيدي غريهم بعد ن�ضجها‪.‬‬ ‫و�سط بني امل�ستغرقني يف احلا�ضر غائبني عن امل�ستقبل‪،‬‬ ‫واملبالغني يف التنب�ؤ بامل�ستقبل ك�أنه كتاب يقر�ؤونه و�سط بني‬ ‫املقد�سني لأ�شكال التنظيم‪ ,‬ك�أنها �أوثان تعبد‪ ،‬واملتحللني من �أي‬ ‫عمل منظم‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫و�سط ب�ين دع��اة العاملية دون رع��اي��ة للظروف واملالب�سات‬ ‫املحلية‪ ،‬والدعاة �إىل الإقليمية ال�ضيقة دون �أدن��ى ارتباط‬ ‫باحلركة العاملية‪ ،‬و�سط بني امل�سرفني يف التفا�ؤل متجاهلني‬ ‫العوائق واملخاطر‪ ،‬وامل�سرفني يف الت�شا�ؤم فال يرون �إال الظالم‬ ‫وال يرقبون للظالم فجر ًا‪.‬‬ ‫و�سط بني املغالني يف التحرمي‪ ,‬ك�أنه ال يوجد يف الدنيا حالل‪،‬‬ ‫واملبالغني يف التحليل ‪ ,‬ك�أنه ال يوجد يف الدين �شيء ا�سمه‬ ‫حرام‪..‬‬ ‫هذه هي الو�سطية التي يتبناها الفكر الإ�سالمي دون ال�سقوط‬ ‫يف طريف الإفراط �أو التفريط‪.‬‬ ‫ويف الوقت احلا�ضر يبدو �أن الألوان انح�صرت �إىل لونني فقط‬ ‫الأبي�ض والأ�سود‪ .‬والبع�ض يراها �سوداء ولكن الو�سطية مالزمة‬ ‫للتي�سري‪ ,‬فهي و�سط بني التزمت والت�سيب بني التنطع والتحلل‪.‬‬ ‫وال�شريعة الإ�سالمية حني تتبنى فقه التي�سري ‪� ,‬إمنا تنفذ‬ ‫جزء ًا من الإ�سالم هام ًا؛ حيث �أن ال�شريعة مبناها الي�سر‪ ،‬ورفع‬ ‫احلرج والتخفيف والرحمة وال�سماحة } ُي ِريدُ اللهَّ ُ ِب ُك ُم ا ْل ُي ْ�س َر‬ ‫َوال ُي ِريدُ ِب ُك ُم ا ْل ُع ْ�س َر { (البقرة ‪َ } )185‬ما ُي ِريدُ اللهَّ ُ ِل َي ْج َع َل‬ ‫َع َل ْي ُك ْم ِم ْن َح َر ٍج { (املائدة ‪َ } .)6‬ذ ِل َك َتخْ ِف ٌ‬ ‫يف ِم ْن َر ِّب ُك ْم َو َر ْح َم ٌة{‬ ‫(البقرة ‪ .)178‬وقوله ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪« -‬ي�سروا وال‬ ‫تع�سروا»‪.‬‬ ‫والنا�س اليوم �ضعفت همتهم وغلبهم الك�سل‪ ,‬وكرثت عوائق‬ ‫اخلري ومرغبات ال�شر فهم بحاجة �إىل التي�سري و�إىل الرخ�صة‬ ‫واهلل يحب �أن ت�أتي رخ�صة كما ت�أتي عزائمه‪.‬‬ ‫وال مانع �أن ي�شدد املرء على نف�سه‪ ،‬وي�أخذ بالعزمية‪ ،‬لكن‬ ‫ال ينبغي �أن يطلب من النا�س ذلك لأن فيهم ال�ضعيف والكبري‬ ‫و�صاحب العذر‪.‬‬ ‫وهذا الفكر الو�سطي املعا�صر املطلوب ينتهي �إىل ما جاء به‬ ‫النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬من املنهج الو�سط الذي وازن بني‬ ‫الفرد واملجتمع يف احلقوق والواجبات‪ ،‬بال �إفراط وال تفريط‬ ‫و�أقام على هذا النهج الأمة الو�سط التي كانت خري �أمة �أخرجت‬ ‫للنا�س‪.‬‬ ‫املراجع‪:‬‬ ‫‪ -1‬القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫‪ -2‬ريا�ض ال�صاحلني الإمام النووي دار اجليل – لبنان‪.‬‬ ‫‪ -3‬تف�سري ابن كثري لل�صابوين دار القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫‪ -4‬يف ظالل القر�آن �سيد قطب دار �إحياء الرتاث العربي‬ ‫‪ -5‬احلل الإ�سالمي د‪ .‬يو�سف القر�ضاوي مكتبة وهبة‬ ‫‪� -6‬أولويات احلركة الإ�سالمية د‪ .‬يو�سف القر�ضاوي‬ ‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪.‬‬ ‫‪� -7‬شبهات حول الإ�سالم حممد قطب دار ال�شروق‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫وسطيت ان‬ ‫وسطية اإلسالم في‬ ‫العبادات‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على النبي املبعوث‬ ‫احلمد هلل ِّ‬ ‫رحمة للعاملني‪� ،‬سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬ ‫�إن الناظر نظرة متعن يف العبادات الإ�سالمية الواجبة‪،‬‬ ‫وامل�ستحبة على امل�سلم يجد �أن��ه��ا تت�سم بالو�سطية‬ ‫واالعتدال‪ ،‬و�أنها بعيدة كل البعد عن الغلو‪ ،‬فال �إفراط فيها‬ ‫وال تفريط‪.‬‬ ‫وقد جاء التو�سط يف العبادات الإ�سالمية من�سجم ًا مع‬ ‫نعمة اهلل تعاىل على ه��ذه الأم��ة املحمدية ب���أن جعلها‬ ‫��اك ْ��م �أُ َّم ً‬ ‫� ً‬ ‫���ذ ِل َ‬ ‫أم���ة و�سط ًا‪ ،‬ق��ال اهلل ت��ع��اىل‪َ } :‬و َك َ‬ ‫���ك َج �� َع �� ْل�� َن ُ‬ ‫���ة‬ ‫َّا�س َو َي ُك ونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم‬ ‫َو َ�س ط ًا ِّل َت ُك و ُن و ْا ُ�ش َه دَاء َع َل ى الن ِ‬ ‫َ�ش هِيد ًا{(البقرة‪ ،)143‬فبما �أنها �أمة و�سط ًا فكذلك العبادات‬ ‫املفرو�ضة عليها تت�سم بالو�سطية واالعتدال‪.‬‬ ‫و�إذا نظرنا �إىل العبادات يف الإ�سالم‪ ،‬جند �أن منها عبادات‬ ‫يومية‪ ،‬ي �ؤديها امل�سلم كل يوم تقرب ًا �إىل اهلل تعاىل كال�صالة‬ ‫املفرو�ضة‪ ،‬فعلى امل�سلم �أن يقف بني يدي اهلل تعاىل كل يوم‬ ‫خم�س مرات؛ ليبقى دائم ال�صلة بخالقه ّ‬ ‫جل وعال‪ ،‬وهذه‬ ‫ال�صلوات املفرو�ضة ال ت�أخذ من امل�سلم �إال وقت ًا ي�سري ًا‪ ،‬فال‬ ‫ت �ؤثر على �سعيه يف عمارة الأر�ض بل تبقيه على �صلة مبواله‬ ‫جل يف عاله‪ ،‬فيبارك له يف عمله و�سعيه‪ ،‬ومن ال ي�ستطع �أن‬ ‫ي �ؤديها واقف ًا فلي�ؤدها جال�س ًا �أو م�ضطجع ًا �أو ليمررها على‬ ‫قلبه ح�سب حاله وقدرته‪ ،‬قال تعاىل‪َ }:‬و َم ا َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فيِ‬ ‫ين ِم ْن َح َر ٍج{(احلج‪.)78‬‬ ‫الدِّ ِ‬ ‫ومن العبادات املفرو�ضة على امل�سلم عبادة ي�ؤديها امل�سلم‬ ‫كل �أ�سبوع مرة واحدة‪ ،‬وهي �صالة اجلمعة‪ ،‬يجتمع امل�سلمون‬ ‫فيها؛ ال�ستماع املوعظة‪ ،‬ولتحقيق الت �آخي والتواد والتقارب‬ ‫بني امل�سلمني‪ ،‬وهذه العبادة �أي�ض ًا ال ت�أخذ من وقت امل�سلم‬ ‫�إال الي�سري؛ لتحقيق دميومة العالقة بينه وبني اهلل تعاىل؛‬ ‫وليتفرغ بعدها �إىل عمارة الأر����ض وال�سعي يف مناكبها‪،‬‬

‫‪8‬‬

‫د‪ .‬حممود عبد الغفار �أحمد بني حمدان‬ ‫دكتوراه يف العقيدة والفل�سفة الإ�سالمية‬

‫ل�ص ال ِة ِمن َي ْو ِم‬ ‫قال تعاىل‪َ } :‬يا �أَ ُّي َه ا ا َّل ِذينَ �آ َم ُن وا �إِ َذا ُن و ِدي ِل َّ‬ ‫ا�س َع ْوا �إِلىَ ِذ ْك ِر اللهَّ ِ َو َذ ُروا ا ْل َب ْي َع َذ ِل ُك ْم َخ يرْ ٌ َّل ُك ْم �إِن‬ ‫الجْ ُ ُم َع ِة َف ْ‬ ‫�ض‬ ‫ال�ص ال ُة َفان َت ِ�ش ُروا فيِ الأَ ْر ِ‬ ‫ُك ن ُت ْم َت ْع َل ُم ونَ(‪َ )9‬ف�إِ َذا ُق ِ�ض َي ِت َّ‬ ‫َوا ْب َت ُغ وا ِمن َف ْ�ض ِل اللهَّ ِ َواذ ُْك ُروا اللهَّ َ َك ِث ري ًا َّل َع لَّ ُك ْم ُت ْف ِل ُح ونَ{‬ ‫(اجلمعة ‪.)10-9‬‬ ‫ومن العبادات التي فر�ضها اهلل تعاىل على عباده امل�سلمني‬ ‫عبادة ُت ���ؤ َّدى يف العام مرة واح��دة‪ ،‬وهي �صوم �شهر رم�ضان‬ ‫املبارك‪ ،‬وهذه العبادة مطلوبة من القادرين عليها فقط‪ ،‬فال‬ ‫جتب على امل�سلم املري�ض مر�ض ًا مزمن ًا‪� ،‬أو مر�ض ًا قد يزداد‬ ‫ب�سبب ال�صوم‪ ،‬وال على العاجز‪ ،‬وال على امل�سافر‪ ،‬بل َي ّ�س ر‬ ‫اهلل تعاىل على من ال ي�ستطيع ال�صوم‪ ،‬وجعل عليه الفدية‬ ‫�أو الق�ضاء ح�سب حاله‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬‬ ‫}�ش ْه ُر َر َم َ�ض انَ ا َّلذِيَ‬ ‫ات ِّمنَ ا ْل ُه دَى َوالْفُ ْر َقانِ‬ ‫نز َل ِف ِ‬ ‫َّا�س َو َب ِّي َن ٍ‬ ‫�أُ ِ‬ ‫يه ا ْل ُق ْر�آنُ هُ دً ى ِّل لن ِ‬ ‫َف َمن َ�ش هِدَ ِمن ُك ُم َّ‬ ‫ال�ش ْه َر َف ْل َي ُ�ص ْم هُ َو َمن َك انَ َم ِري�ض ًا �أَ ْو َع َل ى‬ ‫ُ‬ ‫للهّ‬ ‫دَّة ِّم ْن �أَ َّي ٍام �أُ َخ َر ُي ِريدُ ا ِب ُك ُم ا ْل ُي ْ�س َر َو َ‬ ‫َ�س َف ٍر َف ِع ٌ‬ ‫ال ُي ِريدُ ِب ُك ُم‬ ‫ا ْل ُع ْ�س َر َو ِل ُت ْك ِم ُل و ْا ا ْل ِع دَّ َة َو ِل ُت َك برِّ ُو ْا اللهّ َ َع َل ى َم ا هَ ُ‬ ‫دَاك ْم َو َل َع لَّ ُك ْم‬ ‫َت ْ�ش ُك ُرونَ{(البقرة‪.)185‬‬ ‫وق��د فر�ض اهلل تعاىل على امل�سلمني عبادة ي ���ؤدوه��ا يف‬ ‫العمر مرة واح��دة وهي احل��ج‪ ،‬ولي�س احلج واج��ب على كل‬ ‫م�سلم‪ ،‬بل هو واجب على امل�ستطيع ا�ستطاعة بدنية ومالية‬ ‫و�أَمن ّية (‪ ،)1‬وجعل اهلل تعاىل يف احلج منافع دينية ودنيوية‬ ‫َّا�س ِبالحْ َ ِّج َي�أْ ُت َ‬ ‫وك ِر َج ا ًال‬ ‫للحاج‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ }:‬و�أَ ِّذن فيِ الن ِ‬ ‫َو َع َل ى ُك ِّل َ�ض ا ِم ٍر َي�أْ ِت َ‬ ‫يق(‪ِ )27‬ل َي ْ�ش َه دُ وا َم َنا ِف َع‬ ‫ني ِمن ُك ِّل َف ٍّج َع ِم ٍ‬ ‫َل ُه ْم َو َي ُ‬ ‫ات َع َل ى َم ا َر َز َق ُه م ِّمن‬ ‫ا�س َم اللهَّ ِ فيِ �أَ َّي ٍام َّم ْع ُل و َم ٍ‬ ‫ذْك ُروا ْ‬ ‫ري (‪ُ )28‬ث َّم‬ ‫�س ا ْل َف ِق َ‬ ‫َبهِي َم ِة الأَ ْن َع ا ِم َف ُك ُل وا ِم ْن َه ا َو�أَطْ ِع ُم وا ا ْل َب ا ِئ َ‬ ‫يق{‬ ‫ْل َي ْق ُ�ض وا َت َف َث ُه ْم َو ْل ُيو ُف وا ُن ُذو َرهُ ْم َو ْل َي َّط َّو ُف وا ِبا ْل َب ْي ِت ا ْل َع ِت ِ‬ ‫( احلج ‪.)29 -27‬‬ ‫و�أوجب اهلل تعاىل على امل�سلم يف ماله‪ ،‬مبلغ ًا ي�سري ًا ي �ؤديه‬ ‫للم�ستحقني �شرع ًا للزكاة �إذا بلغ الن�صاب يف الزروع والثمار‪،‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وسطيت ان‬ ‫و�إذا بلغ الن�صاب وحال عليه احلول يف بقية الأموال‪ ،‬وهذا املبلغ الذي يجب على �صاحب املال‪ ،‬هو مبلغ قليل ال ي �ؤثر على‬ ‫بقية ماله بل ُين ِّم يه ويبارك اهلل تعاىل له فيه‪ ،‬وي�سد فيه حاجة الفقراء وامل�ساكني واملعوزين‪ ،‬فيتحقق بذلك التكافل‬ ‫االجتماعي بني �أفراد املجتمع امل�سلم يف �أبهى �صوره‪.‬‬ ‫هذه هي �أركان الإ�سالم‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل مفتاح الإ�سالم وهي ال�شهادتني‪� ،‬أركان ي �ؤديها امل�سلم بي�سر و�سهولة‪ ،‬ال تعقيد فيها‬ ‫وال مبالغة‪ ،‬بل هي مثال حي حلقيقة و�سطية الإ�سالم واعتداله‪.‬‬ ‫فالإ�سالم يرف�ض الغلو يف العبادات‪ ،‬لأنها ت �ؤدي بامل�سلم �إىل التهلكة‪ ،‬والإ�سالم جاء ليحارب كل ما ي �ؤدي �إىل �إحلاق ال�ضرر‬ ‫بامل�سلم‪ ،‬قال تعاىل‪َ }:‬و َ‬ ‫ال ُت ْل ُق و ْا ِب�أَ ْي ِدي ُك ْم �إِلىَ ال َّت ْه ُل َك ِة َو�أَ ْح ِ�س ُن َو ْا �إِنَّ اللهّ َ ُي ِح ُّب المْ ُ ْح ِ�س ِننيَ{ ( البقرة ‪.)195‬‬ ‫وقد ّ‬ ‫حذر النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬من الغلو يف العبادات‪ ،‬ويف ذلك يقول – �صلى اهلل عليه و�سلم‪ « :-‬ال‬ ‫ف�شدد اهلل عليهم فتلك بقاياهم يف ال�صوامع والديار‬ ‫ت�شددوا على �أنف�سكم في�شدد عليكم ف�إن قوم ًا �شددوا على �أنف�سهم ّ‬ ‫} َو َر ْه َب ا ِن َّي ًة ا ْب َت دَ ُع وهَ ا َم ا َك َت ْب َناهَ ا َع َل ْيه ِْم { ( احلديد ‪ ،)2( »)27‬وقال – �صلى اهلل عليه و�سلم‪� « :-‬إنّ هذا الدين ي�سر ولن‬ ‫ي�شا ّد الدين �أحدٌ �إال غلبه ف�سددوا وقاربوا و�أب�شروا وي�سروا وا�ستعينوا بالغدوة والروحة و�شيء من الدجلة»(‪.)3‬وعن عبد‬ ‫(‪)4‬‬ ‫اهلل بن م�سعود –ر�ضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم‪ « :-‬هلك املتنطعون »‪ .‬قالها ثالثا‬ ‫واملتنطعون هم املتعمقون الغالون املجاوزون احلدود يف �أقوالهم و�أفعالهم(‪ ،)5‬وعن ابن عبا�س –ر�ضي اهلل عنهما‪ ، -‬قال‪:‬‬ ‫قال ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ :-‬يا �أ ّيها النا�س �إ ّياكم والغلو يف الدين ‪ ،‬ف�إمنا �أهلك من كان قبلكم الغلو يف‬ ‫الدين»(‪ .)6‬وعن �أن�س بن مالك ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ « :‬جاء ثالثة رهط �إىل بيوت �أزواج النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬ ‫ي� س�ألون عن عبادة النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬فلما �أُخربوا ك �أنَّهم تقالُّوها‪ ،‬فقالوا‪ :‬و�أين نحن من النبي – �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ -‬وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما ت�أخر‪ ،‬قال �أحدهم‪� :‬أما �أنا ف�إين �أ�صلي الليل �أبد ًا‪ ،‬وقال �آخر‪� :‬أنا �أ�صوم‬ ‫الدهر وال �أفطر‪ ،‬وقال �آخر‪� :‬أنا �أعتزل الن�ساء فال �أتزوج �أبد ًا‪ ،‬فجاء ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬فقال‪� :‬أنتم الذين‬ ‫قلتم كذا وكذا �أ ّم ا واهلل �إين لأخ�شاكم هلل و�أتقاكم له‪ ,‬لكني �أ�صوم و�أفطر‪ ,‬و�أ�صلي و�أرقد‪ ,‬و�أتزوج الن�ساء فمن رغب عن‬ ‫�سنتي فلي�س مني »(‪.)7‬‬ ‫هذا ب�إيجاز منوذج من و�سطية الإ�سالم يف ت�شريعاته وفرائ�ضه‪ ،‬وهذا هو ُي �سر الإ�سالم وتعاليمه‪ ،‬و�صدق اهلل تعاىل �إذ‬ ‫يقول‪َ } :‬‬ ‫ال ُي َك ِّل ُف اللهّ ُ َن ْف �س ًا �إِ َّ‬ ‫ال ُو ْ�س َع َه ا { ( البقرة ‪.)286‬‬ ‫و�صل اللهم على �سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫‪� - 1‬أق�صد �أمن طريقه �إىل احلج‪ ،‬و�أمن �أهله يف بلدهم �أثناء ذهابه للحج‪.‬‬ ‫‪�-2‬أبو داود‪� ،‬سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين‪� .‬سنن �أبي داود‪ ،‬رقم‪ ،4906‬ج‪� ،4‬ص‪ ،428‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الن�سائي‪� ،‬أحمد بن �شعيب �أبو عبد الرحمن‪ .‬املجتبى من ال�سنن (حتقيق عبد الفتاح �أبو غدة)‪ ،‬ط‪1406( 2‬هـ ‪1986 -‬م)‪،‬‬ ‫رقم‪ ،5034‬ج‪� ،8‬ص‪ ،121‬مكتب املطبوعات الإ�سالمية ‪ ،‬حلب‪.‬‬ ‫‪ - 4‬م�سلم‪ ،‬بن احلجاج بن م�سلم الق�شريي‪ .‬اجلامع ال�صحيح امل�سمى �صحيح م�سلم‪ ،‬رقم‪ ،6955‬ج‪� ،8‬ص‪ ،58‬دار اجليل ودار الأفاق‬ ‫اجلديدة‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪ -5‬النووي‪� ،‬أبو زكريا يحيى بن �شرف‪ .‬املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج‪ ،‬ط‪1392( 3‬هـ)‪ ،‬ج‪� ،9‬ص ‪ ،26‬دار �إحياء الرتاث العربي‬ ‫– بريوت‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ابن ماجه‪� ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويني‪� .‬سنن ابن ماجه (حتقيق حممد ف�ؤاد عبد الباقي)‪،‬رقم ‪ ،3029‬ج‪� ،2‬ص‪،1008‬‬ ‫دار الفكر – بريوت ‪ .‬قال عنه الألباين �صحيح‪.‬‬ ‫‪ -7‬البخاري‪ ،‬حممد بن �إ�سماعيل بن �إبراهيم بن املغرية‪ .‬اجلامع ال�صحيح‪ ،‬ط‪ 1407( 1‬هـ – ‪1987‬م)‪ ،‬رقم‪ ،5063‬ج‪� ،7‬ص‪ ،2‬دار‬ ‫ال�شعب – القاهرة‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪9‬‬


‫وسطيت ان‬ ‫الشمول والتواز ن‬

‫في األخالق اإلسالمية‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫�إنّ دائرة الأخالق يف الإ�سالم وا�سعة جدا ً؛ فهي ت�شمل �أفعال‬ ‫الإن�سان اخلا�صة بنف�سه‪� ،‬أو املتعلقة بغريه فرد ًا‪� ،‬أوجماعة‪،‬‬ ‫�أو دولة‪ .‬وقد تناولت الأخالق الإ�سالمية جميع مناحي‬ ‫احلياة‪ ،‬ور�سمت املنهج العملي املتعلق ب�أفعال الإن�سان نحو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دينية‬ ‫ج�سدية‪،‬‬ ‫روحية‪� ,‬أو‬ ‫جميع جوانب احلياة الإن�سانية؛‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عاطفية‪ ،‬فردية �أو اجتماعية‪.‬‬ ‫عقلية �أو‬ ‫دنيوية‪،‬‬ ‫�أو‬ ‫يقول حبنكة‪« :‬لكل قطاع من القطاعات الإن�سانية املختلفة‬ ‫الداخلية واخلارجية �أخالق‪ .‬للفكر �أخالق‪ ،‬ولالعتقاد‬ ‫�أخالق‪ ،‬وللقلب �أخالق‪ ،‬وللنف�س �أخالق‪ ،‬ولل�سلوك الظاهر‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫�أخالق»‪.‬‬ ‫ويتجلى �شمول الأخالق يف م�صادر الأخالق الإ�سالمية‬ ‫و�أهمها القر�آن الكرمي‪ ،‬يقول دراز‪�( :‬إنَّ يف القر�آن الكرمي‬ ‫يتجلى طابع ال�شمول يف القانون الأخالقي بو�ضوح يقطع كل‬ ‫�شك‪ ،‬ال لأن جمموع �أوامره يف جملتها موجهة �إىل الإن�سانية‬ ‫قاطبة فح�سب‪ ،‬بل �إن القاعدة ذاتها – �سواء كانت قاعدة‬ ‫عدل �أم ف�ضيلة عامة‪ -‬واجبة التطبيق بال تغيري على ذات‬ ‫ال�شخ�ص كما على غريه‪ ،‬وعلى الأقارب كما على الغرباء‪،‬‬ ‫وعلى الأغنياء كما على الفقراء‪ ،‬وداخل اجلماعة الإ�سالمية‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وخارجها‪ ،‬وعلى اال�صدقاء والأعداء)‪.‬‬ ‫والدار�س للأخالق عند امل�سلمني يجد �أن مفهوم الأخالق‬ ‫�أو�سع مما جاءت به الديانات والفل�سفات كلها‪ ،‬ال �سيما يف‬ ‫احل�ضارة املادية املعا�صرة ؛ فالأخالق الإ�سالمية يدخل يف‬ ‫�إطارها جميع ال�صالت الإن�سانية‪ ,‬بل تتعدى ذلك �إىل عالقة‬ ‫الإن�سان من الكائنات احلية الأخرى‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫�أ‪� .‬أحمد ال�شرعة‬

‫�أما الأخالق يف املجتمعات الأوروبية املعا�صرة‪ ،‬فقا�صرة‬ ‫على جوانب معينة من احلياة‪ ،‬وحتكمها الأنانية وامل�صلحة‬ ‫الذاتية‪ .‬فقد ف�صلوا ال�سيا�سة عن الأخالق؛ فنتج عن هذا‬ ‫الكذب‪ ،‬والت�ضليل‪ ،‬والغدر‪ ،‬وحب الت�سلط‪ ،‬واال�ستيالء‬ ‫والتملك على ح�ساب الآخرين‪ ،‬بل �أدى ف�صل الأخالق عن‬ ‫ال�سيا�سة �إىل �أخطر من هذا كله‪� ،‬أال هو �سفك الدماء و�إزهاق‬ ‫الأرواح بحجج كاذبة‪.‬‬ ‫ومن خ�صائ�ص الأخالق الإ�سالمية‪ ،‬التوازن وهو �شمول‬ ‫قيم الإن�سان الأخالقية يف �آنٍ واحد؛ بحيث ال يكون هناك‬ ‫تعار�ض بني جانب و�آخر‪ ،‬و�أن ال يركز الإن�سان على بع�ض‬ ‫القيم‪ ،‬ويرتك بع�ضها ترك ًا كلي ًا‪ ،‬بل �أنّ ي�أخذ بكل القيم‬ ‫الأخالقية ح�سب ا�ستطاعته وقدرته‪.‬‬ ‫«وعلى هذا الأ�سا�س ف�إن امل�سلم يقوم ب�أداء واجباته اخللقية‬ ‫بغري متييز؛ لأن��ه مطالب بذلك بقدر امل�ستطاع‪ ،‬يقول اهلل‬ ‫تعاىل‪ :‬اَ‬ ‫}ل ُي َك ِّل ُف اللهَّ ُ َن ْف ً�س ا �إِ اَّل ُو ْ�س َع َه ا{(البقرة ‪.)286‬‬ ‫وبعباره �أخرى � َّإن امل�سلم لي�س له �أن يختار من �أخالق الإ�سالم‬ ‫كما يهوى‪ ،‬فال يكون �صادق ًا �أمين ًا كرمي ًا ثم يكون فظ ًا غليظ ًا‬ ‫(‪) 3‬‬ ‫ال يرحم»‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫(‪ ) 1‬حبنّكة‪ ,‬عبد الرحمن ح�سن حبنكة امليداين‪,‬‬ ‫الأخالق الإ�سالمية و�أ�س�سها‪� ,‬ص‪.55‬‬ ‫( ‪ )2‬دراز‪ ,‬حممد عبد اهلل دراز‪ ,‬د�ستور الأخالق يف‬ ‫القر�آن‪� ,‬ص‪�-53‬ص‪(55‬بت�صرف)‪.‬‬ ‫( ‪ )3‬عبد الر�ؤوف‪ ,‬عبد القادر �سيد عبد الر�ؤوف‪ ,‬الأخالق‬ ‫يف الإ�سالم يف �ضوء الكتاب وال�سنة‪ ,‬ط‪ ,1‬دار الطباعة‬ ‫املحمدية‪ ,‬القاهرة‪1413 ,‬هـ‪1992-‬م‪� ,‬ص‪.22‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وسطيت ان‬ ‫الوسطية‬

‫ومرتكزاتها‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫ين‬ ‫اال�سالم دين الفطرة‪ ،‬بن�ص الآية الكرمية‪َ }:‬ف�أَ ِق ْم َو ْج َه َك ِل ِّ‬ ‫لد ِ‬ ‫َّا�س َع َل ْي َه ا َ‬ ‫ال َت ْب ِد َ‬ ‫يل لخِ َ ل ِْق اللهَّ ِ‬ ‫َح ِن ي ًفا ِفطْ َر َة اللهَّ ِ ا َل ِت ي َف َط َر ا لن َ‬ ‫َّا�س َ‬ ‫ال َي ْع َل ُم ونَ{(الروم ‪])30‬‬ ‫َذ ِل َك ِّ‬ ‫الدينُ ال َق ِّي ُم َو َل ِكنَّ �أَ ْك ثرَ َ الن ِ‬ ‫والفطرة تعني جمموع اال�ستعدادات وامليول والغرائز‪ ،‬التي‬ ‫تولد مع الإن�سان‪ ،‬فبينما جاءت مفاهيم بع�ض العقائد م�صادمة‬ ‫للفطرة‪ ،‬و�أخ��رى من�ساقة لغرائزها‪ ،‬جاء اال�سالم من�سجم ًا مع‬ ‫مطالب الفطرة‪ ،‬ومهذبا لغرائزها ‪ ،‬و�ضابطا مليولها‪.‬‬ ‫وجاءت ت�شريعات بع�ض الأديان منحازة للجوانب املادية‪ ،‬بينما‬ ‫جند بع�ضها موغلة يف اجلانب الروحي‪ ،‬فابتدع �أتباعها رهبانية‬ ‫ماكتبت عليهم‪ ،‬لقد جاء اال�سالم موفقا بني كافة الثنائيات التي‬ ‫�شغلت الفكراالن�ساين ردحا من الزمان‪ :‬ال��روح وامل��ادة‪ ،‬والعقل‬ ‫والنقل‪ ،‬املثال والواقع‪ ،‬الدنيا والآخ��رة‪..،‬ال��خ وجند يف تعاليم‬ ‫اال�سالم ت�شريعا لكل املوا�ضيع التي ت�شكل �أهمية يف حياة الإن�سان‪،‬‬ ‫وف��ق �ضوابط حت��دد لكل مو�ضوع جماله وح��دوده ‪ ،‬كماجاءت‬ ‫ُ‬ ‫مكملة لأح��ك��ام ال��ر���س��االت ال�سابقة‬ ‫الت�شريعات اال�سالمية‬ ‫وم�صدقة لها ومعرتفة ب�شرعيتها التاريخية‪.‬‬ ‫�إن املتعمق يف الإ�سالم يدرك بو�ضوح �صلته الرحمية بالر�ساالت‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬ومراعاته للطبيعة الب�شرية املحاطة بعوامل ال�ضعف‪،‬‬ ‫ودعوته للت�أمل والتفكروالتدبر؛ ملعرفة �سنن الكون وت�سخريها‬ ‫لوظيفة اال�ستخالف‪.‬و�ستخدمت عند ثالثة حم��اور للو�سطية‬ ‫وهي‪:‬‬

‫املحور الأول‪ :‬مفهوم الو�سطية‪.‬‬

‫�إنّ م�صطلح الو�سطية لي�س م�صطلحا هالميا ‪ ،‬وال نظريا وال‬ ‫خياليا؛ حتى يذهب فيه كل �إن�سان حيث �شاء ومبا �شاء‪ ،‬فلي�س‬ ‫هو التعادلية التوفيقية؛ التي دعا �إليها بع�ض الكتاب واملفكرين‪،‬‬ ‫ولي�س هو احلياد ال�سلبي‪� ،‬أو هو املحافظة على و�ضع الو�سط‬ ‫املكاين بني طرفني؛ كثمرة للعقل الهروبي من امل�سئولية والفعل‪،‬‬ ‫و�إمنا هو م�س�ؤولية وتكليف و�أمانة‪ ،‬ذو داللة �شرعية؛ هي �إطار‬ ‫مرجعي لفعل الإن�سان ‪ ،‬يتطلب �سلما من القيم‪ ،‬يرتكز عليها يف‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫د‪ .‬عبد املحمود �أبو ابراهيم‬ ‫رئي�س منتدى الو�سطية بال�سودان‬

‫مقدمتها الإميان باهلل والتوحيد‪ ،‬وامل�ساواة التي تقت�ضي احلرية‪،‬‬ ‫وال��ع��دل ومواجهة الظلم‪ ،‬واالن��ح��راف والتحريف والتمييز‪،‬‬ ‫و�إيقاف الت�سلط‪ ،‬و�ضبط الن�سب والتوازن‪ ،‬واالعتدال‪ ،‬وا�ست�شعار‬ ‫امل�سئولية والرقابة‪ ،‬و�إعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬وال�سهر على ذلك‬ ‫وامل�س�ؤولية عنه ب�إميان واحت�ساب‪.‬‬ ‫الو�سطية هي االعتدال يف كل �أمور احلياة من ت�صورات ومناهج‬ ‫ومواقف‪ ،‬وهي حتر متوا�صل لل�صواب يف التوجهات واالختيارات‪،‬‬ ‫فالو�سطية لي�ست جمرد موقف بني الت�شدد واالنحالل؛ بل هي‬ ‫منهج فكري وموقف �أخالقي و�سلوكي‪ ،‬كما ذكر يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫اك اللهَّ ُ الدَّا َر ال ِآخ َر َة َو َ‬ ‫} َوا ْب َت ِغ ِف ي َم ا �آ َت َ‬ ‫الد ْن َيا‬ ‫ن�س َن ِ�ص ي َب َك ِمنَ ُّ‬ ‫ال َت َ‬ ‫�ض ِ �إنَّ اللهَّ َ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫َو�أَ ْح ِ�س ن َك َم ا �أَ ْح َ�س نَ ا �إِ َل ْي َك َو َ‬ ‫ال َت ْب ِغ ال َف َ�س ا َد فيِ الأ ْر ِ‬ ‫َ‬ ‫ال ُي ِح ُّب املُ ْف ِ�س ِدينَ{ حيث ت�شري تلك الآية �إىل �أهمية الو�سطية‬ ‫وحتقيق التوازن يف احلياة‪ .‬قال‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪« :-‬يحمل‬ ‫ه��ذا العلم من كل خلف ع��دول��ه‪ ،‬ينفون عنه حتريف الغالني‬ ‫وانتحال املبطلني وت�أويل اجلاهلني»‬

‫املحور الثاين‪� :‬ضوابط املنهج الو�سطي‪.‬‬

‫‪-1‬املالءمة بني ثوابت ال�شرع ومتغريات الع�صر‪.‬‬ ‫‪ -2‬فهم الن�صو�ص اجلزئية للقر�آن وال�سنة يف �ضوء مقا�صدها‬ ‫الكلية ‪.‬‬ ‫‪ -3‬التي�سري يف الفتوى والتب�شري يف الدعوة‪.‬‬ ‫‪ -4‬الت�شدد يف الأ�صول والكليات‪ ،‬والتي�سري يف الفروع واجلزئيات‪.‬‬ ‫‪ -5‬الثبات يف الأهداف واملرونة يف الو�سائل ‪.‬‬ ‫‪ -6‬اال�ستفادة من �أف�ضل ما يف ال�تراث من عقالنية املتكلمني‪،‬‬ ‫وروح��ان��ي��ة امل��ت�����ص��وف��ة‪ ،‬و�إت���ب���اع الأث���ري�ي�ن‪ ،‬و���ض��ب��ط الفقهاء‬ ‫والأ�صوليني‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫و‬ ‫س‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫‪ -7‬احلر�ص على اجلوهر قبل ال�شكل ‪ ،‬وعلى الباطن قبل الظاهر‪،‬‬ ‫وعلى �أعمال القلوب قبل �أعمال اجلوارح ‪.‬‬ ‫‪ -8‬مالحظة تغري �أثر الزمان واملكان والإن�سان يف الفتوى والدعوة‬ ‫والتعليم والق�ضاء‪.‬‬ ‫‪ -9‬التعاون بني الفئات الإ�سالمية يف املتفق عليه‪ ،‬والت�سامح يف‬ ‫املختلف فيه ‪.‬‬ ‫‪ -10‬دعوة امل�سلمني باحلكمة‪ ،‬وحوار الآخرين باحل�سنى‪.‬‬ ‫‪ -11‬اجلمع بني الوالء للم�ؤمنني‪ ،‬والت�سامح مع املخالفني ‪.‬‬ ‫‪ -12‬اجلهاد والإعداد للمعتدين‪ ،‬وامل�ساملة ملن جنحوا لل�سلم‪.‬‬ ‫‪-13‬اجلمع بني ا�ستلهام املا�ضي ومعاي�شة احلا�ضر وا�ست�شراف‬ ‫امل�ستقبل‪.‬‬ ‫لقد �أ َّكد الإ�سالم حقيقة احلياة الدنيا القائمة على التن ّْوع يف كافة‬ ‫املجاالت‪ ،‬وبينَّ �أن االختالف الذي جبل عليه االن�سان هو من �آيات‬ ‫اهلل احلاثة على التب�صر‪ ،‬و�أن االختالف الينفي اجلوامع؛ فكل‬ ‫النا�س من �أ�صل واحد مهما اختلفت ظواهرهم‪ ،‬وبينهم م�شرتكات‬ ‫كثرية ينبغي �أن يربزوها حتى ت�ستقيم حياتهم وي�سودها ال�سالم‪.‬‬ ‫�إن منهج الو�سطية ي�سعي الع�لاء امل�شرتكات االن�سانية‪ ،‬مع‬ ‫االعرتاف باخل�صو�صيات‪ ،‬ويركز على الكليات واملقا�صد مع تفهم‬ ‫االختالف يف اجلزئيات والو�سائل‪ ،‬وي�ست�صحب النافع من العطاء‬ ‫االن�ساين مبنهج يوفق بني الأ�صل والع�صر واليلفق بني املتناق�ضات‪.‬‬ ‫�إن��ه منهج يقوم علي الثوابت القطعية‪ ،‬وامل��رون��ة يف الو�سائل‪،‬‬ ‫واالجتهاد يف التعامل مع امل�ستجدات‪ ،‬مع الب�صرية والدعوة بالتي‬ ‫هي �أح�سن‪.‬‬

‫املحور الثالث‪ :‬التحديات التي تواجه منهج الو�سطية‪.‬‬

‫‪ -1‬انت�شار تيارات الغلو والتطرف‪.‬‬ ‫‪ -2‬ت�أثري الثقافة الوافدة‪.‬‬ ‫‪�-3‬شيوع املفاهيم اخلاطئة ‪.‬‬ ‫‪�-4‬إ�سقاطات املا�ضي على احلا�ضر‪.‬‬ ‫‪-5‬التع�صب املذهبي ‪.‬‬ ‫‪�-6‬ضعف الإمكانيات‪.‬‬ ‫الو�سطية يف مواجهة ق�ضايا الع�صر‪:‬‬ ‫و�صف الإ�سالم نف�سه بالو�سطية يف كل �أم��ره وهو كذلك ـ مثال ـ‬ ‫عقائد الب�شر يف الغيبيات تقوم يف حد منها على تعددية الآلهة‬ ‫ويف احلد الآخ��ر‪ ،‬تقوم على وحدة الوجود‪ .‬الإ�سالم يقوم على‬ ‫الإله الواحد والكون �أي ثنائية الوجود ‪ .‬ويقول قوم‪ :‬الالهوتية‬ ‫مطلقة‪� ،‬أي �أن الإن�سان جمرد متلق‪ ،‬ويقول �آخ��رون بنا�سوتية‬ ‫مطلقة �أي �أنه م�ؤلف كل �شيء‪ .‬الإ�سالم يقوم على توفيق لطيف‬ ‫بني الالهوت والنا�سوت‪� ،‬أي بني الوحي والعقل‪ .‬ومن النحل ما هو‬

‫‪12‬‬

‫فرداين ومنها ما هو جماعي‪ ،‬ويقوم الإ�سالم على توفيق لطيف‬ ‫بني الفردانية واجلماعية‪ ،‬ويف الأخ�لاق يقوم الإ�سالم على �أن‬ ‫خري الأم��ور �أو�سطها‪� .‬آي��ات كتاب اهلل تنطق بهذه الو�سطية يف‬ ‫الق�ضايا املختلفة وت�صف بها �أمة الإ�سالم ( َو َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم ُ�أ َّم ًة‬ ‫َو َ�س ًطا) ‪ .‬الو�سطية هي ن�سيج الإ�سالم وهي منهجه‪.‬‬ ‫لي�ست الو�سطية دعوة لقبول الواقع الوطني كما هو بل هي دعوة‬ ‫للإ�صالح والتجديد‪ ،‬ب�أ�سلوب يحقق �أعلى درج��ات الفاعلية يف‬ ‫الظروف املحيطة‪ ،‬ولي�ست دعوة لقبول الواقع الدويل القائم‪ ،‬بل‬ ‫هي دعوة لإ�صالحه ب�أ�سلوب يحقق �أعلى درجات التحرر والعدالة‬ ‫وال�سالم القائم على العدل واحلرية‪.‬‬ ‫فيما يلي �أخل�ص ما يتطلبه ميزان الو�سطية يف التعامل مع �أهم‬ ‫ت�سع ق�ضايا تواجه الأمة وهي‪.‬‬

‫�أوال‪ :‬التعامل مع الوافد من املا�ضي‪.‬‬

‫الوافد من املا�ضي ق�سمان‪ :‬وحي‪ ،‬واجتهاد ب�شري يف فهم ن�صو�صه‪.‬‬ ‫قال املقلدون �إن ال�سلف قد ان�بروا لن�صو�ص الوحي‪ ،‬وبو�سائل‬ ‫االجتهاد ال�صحيحة من قيا�س و�إجماع ا�ستنبطوا املبادئ والأحكام‬ ‫ف�صارت ملزمة للكافة‪ .‬وقال املعطلون �إن الزمن قد جتاوز ر�سالة‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬ولكي ننه�ض ف�إن علينا �أن نتم�سك باحل�ضارة احلديثة؛‬ ‫لأنها متثل م�ستقبل الإن�سانية‪ .‬املوقف الو�سطي ال�صحيح هو �أن‬ ‫القطعي‪ ،‬ورود ًا وداللة من حقائق الوحي‪ ،‬ملزم للكافة ولكن بع�ض‬ ‫مفردات الوحي ظنية الورود‪ ،‬كما يف �أغلب ال�سنة وبع�ضها ظنية‬ ‫الداللة كما يف القر�آن وال�سنة‪ .‬ون�صو�ص الوحي نف�سها توجب‬ ‫على النا�س تدبرها معتربين املقا�صد وم�ستخدمني احلكمة‪،‬‬ ‫والعقل‪ ،‬واملنفعة‪ ،‬والإلهام‪ ،‬وال�سيا�سة ال�شرعية‪ ،‬ما ميكننا من‬ ‫التوفيق بني التزامنا بقطعيات الوحي وا�ست�صحاب امل�ستجدات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التعامل مع الوافد من اخلارج ‪.‬‬

‫املنكفئون يرون �أن هدينا ي�شمل كل �شيء‪ ،‬و�أنه قائم بذاته ال‬ ‫يحتاج ل�سواه‪ .‬وامل�ستلبون يرون عك�س ذلك متاما‪ .‬ولكن املوقف‬ ‫الو�سطي ال�سليم هو‪� :‬أن كتابنا امل�سطور نف�سه و�سنة النبي‪� -‬صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ -‬ي�ؤكدان وجود �إخاء �إن�ساين و�إخاء كتابي يفتح‬ ‫باب مقارنة ومقاربة‪ ،‬وي�ؤكدان �أن الكون نف�سه كتاب من�شور �أودعه‬ ‫�ض َو َم ا َب ْي َن ُه َم ا ِ�إ َّ‬ ‫ات َوالأَ ْر َ‬ ‫ال ِبالحْ َ قِّ)‬ ‫ال�س َم ا َو ِ‬ ‫اهلل �سننا‪َ ( :‬و َم ا َخ َل ْق َنا َّ‬ ‫والإن�سانية مكلفة باكت�شاف تلك ال�سنن ملعرفتها وت�سخريها‪ .‬و�أنه‬ ‫تكليف للإن�سان كل الإن�سان مهما اختلفت ملله ونحله وينبغي‬ ‫تبادل املعرفة بها وبو�سائل ت�سخريها بني النا�س �أجمعني‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اختالفات �أهل القبلة‪.‬‬

‫واق���ع احل���ال ه��و �أن �أه���ل القبلة خمتلفون ف��رق��ا وم��ذاه��ب‬ ‫واجتهادات‪ .‬بع�ض �أهل القبلة ينطلق من عبارة الفرقة الناجية‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وسطيتنا‬ ‫ويدعيها لنف�سه‪ ،‬ومن ن�صو�ص قر�آنية معينة يخرجها من �سياقها‬ ‫وعلى �أ�سا�سها ي�صدر �أحكام التكفري للفرق واملذاهب الأخرى‪� .‬أهل‬ ‫ال�شهادة مبوجبها �أمة واحدة‪ ،‬وهنالك قطعيات ي�ؤمنون بها جميعا‬ ‫ويختلفون فيما عداها‪.‬‬ ‫اختالفات �أهل القبلة نوعان‪ :‬نوع اختالف اجتهادي له ما يربره‪،‬‬ ‫واختالف اجتهادي قائم على �سوء الفهم‪ .‬هذا النوع ينبغي �أن‬ ‫يجري فيه حوار جاد لتو�سيع دائرة الوفاق‪ .‬ونوع من اختالف‬ ‫ي�صعب جت��اوزه‪ .‬هذا النوع ينبغي �أن يعذر اجلميع بع�ضهم فيما‬ ‫اختلفوا فيه‪.‬‬ ‫الواجب على علماء الأمة ومفكريها �إجالء هذه الأمور و�إ�صدار‬ ‫نداء املهتدين امل�ؤ�س�س لإخائهم‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬املوقف من الإ�صالح ال�سيا�سي‪.‬‬

‫ال�شورى هي دميقراطية مرتبطة ب�سقف �شرعي‪ .‬والدميقراطية‬ ‫هي �شورى مرتبطة مب�ؤ�س�سات ت�ضبطها‪ ،‬واالثنان يتفقان على‬ ‫�أربعة مبادئ‪ :‬امل�شاركة ‪،‬و امل�ساءلة‪،‬و ال�شفافية‪،‬و�سيادة حكم‬ ‫القانون‪ .‬هذه املبادئ هي املطلوبة للحكم الرا�شد‪ .‬والو�سطية‬ ‫ت�ؤمن باحلكم الرا�شد وتعمل لتحقيقه‪ ،‬بحيث ت�صري النظم امللكية‬ ‫ملكية د�ستورية والنظم اجلمهورية جمهورية دميقراطية‪.‬‬

‫خام�سا‪ :‬الإ�صالح االقت�صادي‪.‬‬

‫التنمية الب�شرية التي حتقق منو ًا اقت�صادي ًا وتوفري ًا للخدمات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وتوزيع ًا عادال للرثوة هدف �إ�سالمي‪ ،‬مثلما هو هدف‬ ‫�إن�ساين والو�سطية تتطلع لها وتعمل على حتقيقها‪.‬‬

‫�ساد�سا‪ :‬العالقة مع الآخر امللي والدويل ‪.‬‬

‫الإ�سالم يعرتف بالتعددية الدينية والدولية‪ ،‬والفهم الهجومي‬ ‫املقرتن بجهاد الطلب فهم انتقائي لأحكام الإ�سالم (ال َي ْن َه ُاك ُم‬ ‫ين َولمَ ْ ُيخْ ِر ُج ُ‬ ‫اللهَّ ُ َع ِن ا َّل ِذينَ لمَ ْ ُي َق ا ِت ُل ُ‬ ‫وك م ِّمن ِد َيا ِر ُك ْم‬ ‫وك ْم فيِ الدِّ ِ‬ ‫�أَن َت برَ ُّوهُ ْم َو ُت ْق ِ�س ُط وا �إِ َل ْيه ِْم �إِنَّ اللهَّ َ ُي ِح ُّب المْ ُ ْق ِ�س ِطنيَ)‬ ‫والإ�سالم يوجب االلتزام بالعهود مهما اختلفت العقائد‪ .‬قال‬ ‫النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ :-‬ثالثة الكفر والإميان فيهن �سواء‪،‬‬ ‫منها من عاهدته �أويف بعهده م�ؤمنا كان �أو كافرا‪ ،‬واجبنا الت�سامح‬ ‫والتعاي�ش مع امللل الأخرى على �أ�سا�س املعاملة باملثل‪ ،‬كما �أن علينا‬ ‫التعاون مع ال��دول امللتزمة بالعدالة وال�سالم‪ .‬ولكن املعتدين‬ ‫واملحتلني ف�إن الواجب الديني والقانوين هو الت�صدي لهم }�أُ ِذنَ‬ ‫ير{‬ ‫ِل لَّ ِذينَ ُي َق ا َت ُل ونَ ِب�أَ َّن ُه ْم ُظ ِل ُم وا َو�إِنَّ اللهَّ َ َع َل ى َن ْ�ص ِر ِه ْم َل َق ِد ٌ‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫�سابعا‪ :‬الإرهاب ‪.‬‬

‫ع��ب��ارة �إره���اب ترجمة غ�ير �صحيحة للمعنى‪ ،‬وال�صحيح هو‬ ‫(الإرعاب)‪ .‬العنف يف الإ�سالم له �ضوابط هي �أن يوجه �ضد الظلم‬ ‫والعدوان‪ ،‬و�أال يطول الأبرياء‪ .‬الإ�سالم براء من �إرعاب خال من‬ ‫هذه ال�ضوابط‪.‬‬

‫ثامنا‪ :‬العلمانية‪.‬‬

‫العلمانية ا�شتقاق على غري قيا�س من العامل‪ ،‬وهي نحلة ترى �أن‬ ‫احلقيقة م�ستمدة من عامل ال�شهادة وح��ده‪�،‬أي العامل الزماين‬ ‫املكاين‪ .‬العلمانية بهذا الفهم تناق�ض الدين‪ .‬ولكن التجربة‬ ‫زحزحت العلمانية من هذا الفهم املتعدي‪ .‬العلمانية املعتدلة‬ ‫تلتقي مع الو�سطية يف كفالة حرية الأدي���ان‪ ،‬وكفالة حقوق‬ ‫املواطنة للكافة‪ ،‬والتناوب ال�سلمي على ال�سلطة عرب انتخابات‬ ‫حرة‪.‬‬

‫تا�سعا‪ :‬العوملة‪.‬‬

‫العوملة متثل حلقة جديدة من �إجن��از الإن�سان‪ ،‬نتيجة لثورة‬ ‫املعلومات‪ ،‬واالت�صاالت وال�سوق احلر‪ .‬ولكن يف الظروف احلالية يف‬ ‫ريت‬ ‫العامل ف�إن القوة االقت�صادية والإ�سرتاتيجية والإعالمية ج ّ‬ ‫العوملة ل�صالح الواليات املتحدة ف�صريتها �أمركة‪ .‬الو�سطية توجب‬ ‫التعامل الإيجابي مع العوملة واالحتماء من الأمركة واحلر�ص‬ ‫على اخل�صو�صية الثقافية‪.‬هكذا ف�إن منهج الو�سطية ي�سعفنا يف‬ ‫التعامل مع هذه الق�ضايا الهامة وغريها‪،‬والنتيجة دعوة للتحرير‬ ‫من التقليد‪ ،‬ومن اال�ستالب‪ ،‬ومن الهيمنة الأجنبية‪ ،‬ومن احلكم‬ ‫اال�ستبدادي‪.‬‬ ‫وبحمداهلل مت ت�أ�سي�س فرع ملنتدى الو�سطية العاملي بال�سودان؛‬ ‫للعمل على حتقيق الأهداف املن�صو�ص عليها يف النظام الأ�سا�سي‬ ‫للمنتدى‪ ،‬وهو منربمفتوح لكل الذين ي�ؤمنون ب�أهداف املنتدى‬ ‫للم�ساهمة يف تر�سيخ ثقافة‪ ،‬الو�سطية‪ ،‬والت�سامح‪ ،‬والتعاي�ش‬ ‫ال�سلمي مل��ك��ون��ات املجتمع الإث��ن��ي��ة‪ ،‬وال��دي��ن��ي��ة‪ ،‬وال��ف��ك��ري��ة‪،‬‬ ‫وال�سيا�سية‪.‬وماالتوفيق �إالمن عنداهلل‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫عمر عبيد ح�سنة‪ ،‬مقدمة كتاب الأمة رقم ‪ 129‬بعنوان فقه‬ ‫التو�سط – مقاربة لتقعيد و�ضبط الو�سطية‬ ‫�سورة الق�ص�ص الآية ‪77‬‬ ‫رواه البيهقي‬ ‫د يو�سف القر�ضاوي كلمات يف الو�سطية الإ�سالمية ومعاملها‬ ‫�سورة البقرة الآية (‪)143‬‬ ‫�سورة النحل الآية (‪)3‬‬ ‫�سورة املمتحنة الآية(‪)8‬‬ ‫�سورة احلج الآية(‪)39‬‬ ‫االمام ال�صادق املهدي‪ ،‬اخليارات احلركية يف العامل الإ�سالمي‬

‫‪13‬‬


‫وسطيتنا‬ ‫وسائل االتصال الحديثة ودورها‬

‫في تعزيز ثقافة الوسطية واالعتدال‬ ‫�أ‪ .‬حممد الأمني عبد النبي‬

‫من نافلة القول �أنّ الإت�صال اليوم ا�صبح من �أهم �ضروريات‬ ‫الإن�سان‪ ،‬فقد فر�ض نف�سه بقوة بف�ضل التطور التكنولوجي‪،‬‬ ‫والتقني امل��ذه��ل‪ ،‬ول��ق��رب��ه م��ن ال�شخ�ص وي�����س��ره وارت��ب��اط ��ه‬ ‫ب�إحتياجات االن�سان اال�سا�سية من تعليم‪ ،‬وتوا�صل‪ ،‬وترفيه‪،‬‬ ‫وت��ن��وي��ر‪ ،‬ودع��اي��ة‪ .‬واالن�ترن��ت �أ�صبح االن م��ن �أه���م الو�سائل‬ ‫والتقنيات املعا�صرة التي ت�ساهم يف تعميم املعرفة‪ ،‬ون�شرها‬ ‫على م�ساحات وا�سعة من العامل‪ ،‬و�أهم و�سيلة لتبادل اخلربات‬ ‫واملعارف ون�شر الثقافة ومد ج�سور التوا�صل وال�صداقة بني‬ ‫�أقطاب العامل املختلفة‪ ،‬وتعترب الو�سيلة الأ�سرع يف ن�شر الأخبار‬ ‫والتقارير‪.‬‬ ‫كما ان الإ�سالم مل يجعل و�سائل الدعوة حمدودة وجامدة ال‬ ‫ميكن جتاوزها ‪ ،‬بل جاء بالإطار العام ملنهج الدعوة وو�سائلها يقول‬ ‫اهلل تعاىل‪( :‬ا ْد ُع �إِلىَ َ�س ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة‬ ‫َو َج ا ِد ْل ُه ْم ِبا َّل ِت ي ِه َي �أَ ْح َ�س نُ �إِنَّ َر َّب َك هُ َو �أَ ْع َل ُم بمِ َ ْن َ�ض َّل َع ْن َ�س ِب ي ِل ِه‬ ‫َوهُ َو �أَ ْع َل ُم ِبالمْ ُ ْه َت ِدينَ) ‪ ،‬فاملطلوب يف الدعوة احلكمة‪ ،‬ومن �ضمنها‬ ‫احلكمة يف ا�ستخدام الو�سيلة املنا�سبة‪ ،‬ومن املعلوم بال�ضرورة �أنّ‬ ‫الزمن يتغري‪ ،‬والو�سائل تتنوع‪ .‬و�أ ّم ة اال�سالم �صاحبة دين عاملي‪،‬‬ ‫لي�س دين حملي متقوقع قال تعاىل‪َ ( :‬و َم ا �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫اك �إِ اَّل َر ْح َم ًة‬ ‫ِل ْل َع المَ ِنيَ)‪ ،‬وقال تعاىل ‪َ ( :‬و َم ا �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫َّا�س َب ِ�ش ري ًا‬ ‫اك �إِ اَّل َك ا َّف ًة ِل لن ِ‬ ‫َّا�س ال َي ْع َل ُم ونَ) ‪� .‬إنّ و�سائل و�أ�ساليب الدعوة‬ ‫َو َن ِذير ًا َو َل ِكنَّ �أَ ْك ثرَ َ الن ِ‬ ‫ل لإ�سالم متجددة‪ ،‬وامل �ؤمن مطالب بالإبداع واالبتكار يف و�سائل‬ ‫الدعوة وع��دم اجلمود‪ ،‬مع مالحظة �أنّ الو�سائل ت�أخذ حكم‬ ‫الغايات يف �شرع اهلل ‪ .‬ف�أ�صبح من واجب دعاة الإ�سالم وعلمائه‬ ‫�أن ي�ستفيدوا من جميع �أنواع الو�سائل احلديثة التي ظهرت يف‬ ‫ع�صر ثورة املعلومات واالت�صاالت؛ لإي�صال دعوة اهلل تعاىل �إىل‬ ‫كل النا�س ( احلكمة �ضالة امل �ؤمن ان وجدها اخذها) ‪ ،‬خا�صة‬ ‫و�أن التحديات املاثلة �أمام الفكر الو�سطي واملعتدل تتمثل يف‬ ‫العداء اخلارجي‪ ،‬والتفرق الداخلي تتطلب طرق االبواب االكرث‬ ‫فاعلية وحيوية لرت�سيخ ون�شر الفكر الو�سطي لقيادة الأمة‬ ‫للنهو�ض احل�ضاري ‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫هذه الورقة تتناول جانب ًا من و�سائل االت�صال‪ ،‬وهي تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صال احلديثة‪� ICTs‬أي الو�سائط الرقمية؛ لكي‬ ‫نقف علي دوره��ا يف رفع الوعي وحركة التنوير املعريف ب�شكل‬ ‫عام‪ ،‬ويف ن�شر وتعزيز ثقافة الو�سطية ب�شكل خا�ص ‪ .‬ولأ�شك �أن‬ ‫و�سائل االت�صال احلديثة �أ�صبحت اكرث فاعلية وجاذبية‪ ،‬وذلك‬ ‫بخلق ف�ضاء مفتوح لنقل املعرفة والثقافة‪ ،‬وتقارب بني الب�شر‬ ‫يف خمتلف البلدان وزي��ادة وجتديد �إهتماماتهم يف جم��االت‪،‬‬ ‫�سواء كانت �سيا�سية‪� ،‬أوتربوية‪� ،‬أو�إقت�صادية‪،‬‬ ‫كانت بعيدة عنهم‬ ‫ً‬ ‫�أومعرفية‪� ،‬أوثقافية‪.‬‬

‫زاد من فاعليتها التعتيم االعالمي الذي متار�سه و�سائل االعالم‬ ‫الر�سمية والربحية – �أحيان ًا‪ -‬وال�صورة املزيفة – غالب ًا‪ -‬مما‬ ‫جعل الكثريون يلج �أون لو�سائط االت�صال الرقمية كو�سائل‬ ‫بديلة �أو �إع�لام بديل ‪ .‬مبا له من �أث��ر �إيجابي زاد من عطاء‬ ‫الإن�سان يف التعرف علي غريه من النا�س‪ ،‬وم�شكالتهم وق�ضاياهم‬ ‫وم�شاركتهم يف ال�شان العام واال�ستفادة من جتارب الأخرين ‪ ،‬وهذا‬ ‫التوا�صل واحلراك الذي حدث بف�ضل هذه الو�سائل اجلديدة‬ ‫بال�ش; عمل علي �إحداث تغيري يف �سلوك ال�شباب‪ ،‬بتبني دور‬ ‫�أكرب لل�شباب خالف الدور النمطي الذي كان �سائد ًا؛ وذلك لعامل‬ ‫ارتباطهم االك�بر بها مقارنة بالفئات العمرية االخ��ري ‪ .‬لقد‬ ‫�أ�صبح لالت�صال الرقمي �أثر بارز يف ن�شر مفاهيم وقيم احلقوق‬ ‫واحلريات‪ ،‬واالعتدال والو�سطية من جهة‪ ،‬واالره��اب والتطرف‬ ‫والغلو واال�ستبداد واالق�صاء من جهة �أخري ‪ ،‬وخلق حراك فكري‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وسطيت ان‬ ‫وثقايف �أهم �سماته‪ :‬احلوار‪ ،‬والتمحي�ص‪ ،‬والتفكري‪ ،‬والبحث‪ ،‬وهذه‬ ‫�أهم مرتكزات التثاقف ‪ ،‬االمر الذي جعل دوره ا�سا�سي ًا الميكن‬ ‫جتاهله يف تن�سيق االدوار‪ ،‬وقيادة الراي العام خا�صة يف الق�ضايا‬ ‫الفكرية؛ لذا ت�أتي �أهمية هذه الورقة التي تتناول دور الو�سائل‬ ‫احلديثة وذلك ايل لفت �إنتباه املعنيني واملهتمني وال�شباب‪ ،‬مبا‬ ‫يجب ان يقوموا به ويفعلونه جتاه دينهم يف هذه الفرتة الهامة‬ ‫من التاريخ احلديث‪ ،‬كما تريد �أن تك�شف عوامل القوة وال�ضعف‬ ‫املتعلقة بهذه الو�سائط من حيث الفاعلية والكفاءة وال�سلبيات؛‬ ‫حتي يتم تداركها لكي تلعب دور ًا �إيجابي ًا ‪ .‬فهي م�ساهمة �ضمن‬ ‫جمموعة �أفكار ور�ؤي لبلورة تو�صيات‪ ،‬وخطط تعني يف حتقيق‬ ‫مبادئ الإ�سالم الو�سطي �آخذين يف االعتبار �أن و�سائل الإت�صال‬ ‫احلديثة‪ ،‬ت�سهم بدور فاعل يف ت�شكيل الراي العام وتوجيهه‬ ‫لتبني الو�سطية منهج ًا و�سلوك ًا ‪.‬‬

‫ماهية و�سائل الإت�صال احلديثة ‪.‬‬

‫قبل الدخول يف مناق�شة ماهية ه��ذه الو�سائل‪ ،‬ن��ورد تعدد‬ ‫الت�سميات وامل�صطلحات املرادفة لو�سائل االت�صال احلديثة‬ ‫وتعريفها ب�إعتبار �أن هنالك �إ�ستخدامات خمتلفة لهذه الو�سائل‪،‬‬ ‫عطف ًا علي �أنها متثل م�صطلحات جديدة غري متداولة يف تراثنا‬ ‫الكالمي؛ وذل��ك من ب��اب حترير امل�صطلحات لنجعله ُم دخ ًال‬ ‫ملناق�شة املو�ضوع من جميع جهاته ‪.‬‬ ‫م��ن م��رادف��ات ه��ذا امل�صطلح �صحافة ال��ت��ط��وع‪ ،‬وال�صحافة‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬واالع�لام البديل و�صحافة الهواة‪ ،‬و�إع�لام النخب‪،‬‬ ‫وال�صحافة الت�شاركية‪ ،‬و�صحافة امل�صدر املفتوح وغري ذلك من‬ ‫الت�سميات‪ ،‬يعني املفهوم لكل هذه امل�سميات « تلك الكيفية التي‬ ‫ي�صوغ بها اجلمهور م�ستقبل تداول االخبار واملعلومات» فهذه‬ ‫ال�صحافة البديلة تقابلها‪ ،‬ال�صحافة ال�سائدة التي ميار�سها‬ ‫�صحفي حم�ترف‪ ،‬وين�سب مل �ؤ�س�سة �إعالمية مقابل �أج��ر‪� .‬أما‬ ‫الإعالم البديل ميار�سه �صحفي ها ٍو �أو مواطن من دون �أجر‪ ،‬ودون‬ ‫�إنتماء الي م �ؤ�س�سة �إعالمية‪ ،‬بل عبارة عن �صحافة ت�شاركية‬ ‫�أي ي�شارك يف م�ضمونها متطوعون من عدة �أماكن الهداف غري‬ ‫ربحية وغري جتارية ‪� .‬أي ميكن �أن ت�صنف �ضمن العمل الطوعي‬ ‫واملدين ‪ .‬ومن امل�آخذ علي االعالم البديل عدم �ضبطه‪ ،‬ونق�صان‬ ‫املهنية ال�صحفية‪ ،‬وعدم وجود امل�صادر والتوثيق الدقيق غالب ًا ‪.‬‬ ‫وهنالك العديد من اخل��دم��ات التي تقدم بوا�سطة الإنرتنت‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫و�أهمها‪:‬‬ ‫‪ )1‬ال�بري��د الإل���ك�ت�روين ‪ :E-mail‬يعني �إر���س��ال الر�سائل‬ ‫وا�ستقبالها �إلكرتونيا‪ ،‬وهو من �أكرث اخلدمات �شعبية يف الإنرتنت‪.‬‬ ‫وي�ستخدم لتبادل املعلومات‪ ،‬والتن�سيق يف �أعمال معينه كو�سيلة‬ ‫لال�ستف�سار عن معلومات حمددة‪ ،‬ويتم الإر�سال بال�صوت وال�صورة‬ ‫ولي�س الن�صو�ص املكتوبة فقط‪.‬‬ ‫‪ )2‬خدمات البحث عن املعلومات يف قواعد البيانات العاملية‪،‬‬ ‫و�أهم هذه اخلدمات نظام العنكبوت العاملي اجلديد (‪،)WWW‬‬ ‫فت�شكل ال�شبكة العنكبوتية الآن �أح���دث �أدوات البحث يف‬ ‫الإنرتنت على الإطالق ‪.‬‬ ‫‪ )3‬خدمه حتديد امل��واق��ع املكانية على اخل��رائ��ط م��ن خالل‬ ‫االنرتنت مثل برنامج جوجل اير�س ‪.‬‬ ‫‪ )4‬خدمات تبادل الأخبار واملناق�شة‪.‬‬ ‫‪ )5‬خدمات الت�سوق والرتويج عن بعد ‪.‬‬ ‫‪ )6‬اخل��دم��ات الرتفيهية وفيه م��واد غنية ومتنوعة لإ�شباع‬ ‫الهوايات‪.‬‬ ‫‪ )7‬امكانيه البث التلفزيوين وا�ستقبال القنوات الف�ضائية ‪.‬‬ ‫بال�ضرورة مبكان معرفة �أه��م الو�سائط احلديثة‪� ،‬أو �أ�شكال‬ ‫التطبيقات الرقمية التي تلعب دور �إعالمي ًا و�إت�صالي ًا خا�صة يف‬ ‫ال�سودان وفيما ي�أتي �أهم هذه الو�سائط ‪:‬‬ ‫‪ .1‬مواقع التوا�صل االجتماعي ‪:‬‬ ‫وهي مواقع ت�سمح للم�ستخدمني ب�إمتالك �صفحة �شخ�صية‪،‬‬ ‫ون�شر مايرغبون من م�ضامني‪ ،‬وقد تزايد �إ�ستعمال هذه املواقع‬ ‫ب�شكل مذهل‪ ،‬وقد عمد الكثري من االفراد وامل �ؤ�س�سات ايل �إن�شاء‬ ‫�صفحات عرب ه��ذه املواقع من �أج��ل التواجد واثبات الوجود‪،‬‬ ‫وجتنب التخلف والتهمي�ش واحلفاظ علي التوا�صل مع الآخرين‪،‬‬ ‫ف �أ�صبح بذلك التواجد يف هذه املواقع �ضرورة من �أ�شهر هذه املواقع‬ ‫(تويرت‪ ، twitter‬في�س بوك ‪� ،face book‬إ�سكايب‪.)Skype‬‬ ‫قامت مواقع التوا�صل االجتماعي على الإنرتنت على تنظيم‬ ‫النا�س والرتويج للر�سالة‪ ،‬وكانت و�سيلة للمنا�صرة‪ ،‬والتوثيق‬ ‫وتبادل املعلومات واخل�برات ‪ ،‬لذلك �أعتقد �أن مواقع التوا�صل‬ ‫االجتماعي على الإنرتنت‪ ،‬ف ّع الة ب�صورة ملحوظة ولها دور م �ؤثر‬ ‫يف ت�شكيل الر�أي العام ‪،‬وحتريك ال�شعوب؛ فا�ستعماله تناغم مع‬ ‫الو�سائل احلديثة‪ ،‬والتقرب من �شريحة وا�سعة من ال�شباب التي‬

‫‪15‬‬


‫وسطيتنا‬ ‫ت�ستخدم مواقع التوا�صل االجتماعي‪ ،‬وا�ستثمار قدرات وطاقات‬ ‫ال�شباب ايجابي ًا النخراط �أو�سع يف الق�ضايا الوطنية امللحة ‪.‬‬ ‫‪ .2‬املدونات الإلكرتونية (‪.)Weblog‬‬ ‫يق�صد بها املواقع التي ميكن ل لأفراد من ن�شر �آرائهم عربها‪.‬‬ ‫التدوين زادت �أهميته كحقيقة �إجتماعية‪ ،‬و�إعالمية من حترره‬ ‫من كل ا�شكال الرقابة وال�ضبط‪ ،‬فهو ن�شاط فكري وثقايف تقوم‬ ‫باال�سا�س علي اثبات الذات عرب �إر�سال االفكار واملعلومات من‬ ‫طرف واحد ‪ .‬ومن املعروف ان املدونيني يعاجلون موا�ضيع ح�سا�سة‬ ‫وجرئية‪ ،‬ف�أ�صبحت حتي ال�صحافة املقروءة‪ ،‬ت�شري اليها ك �إحدي‬ ‫م�صادرها الرئي�سية كما يقال « نق ًال عن ما اورده فالن يف مدونته‬ ‫الإلكرتونية « وقد لعبت دور ًا كبري ًا خا�صة يف اي��ران و�أمريكا‬ ‫وال�صني ‪ ،‬ويف العامل العربي ت�صاعد عددها ودورها ب�شكل كبري‪.‬‬ ‫‪ .3‬مواقع بث الفيديو يوتيوب (‪.)YouTube‬‬ ‫تعترب خزان لت�سجيالت الفيديو‪ ،‬وت�شري بع�ض امل�صادر ايل �أن‬ ‫هنالك ‪100‬مليون فيديو تتم م�شاهدتها يوميا ً‪ ،‬كما يتم �إنزال ‪13‬‬ ‫�ساعة من الت�سجيالت كل دقيقة‪ ،‬ويف ‪ 2010‬فاق عدد الت�سجيالت‬ ‫امل�شاهدة ملياري ت�سجيل ‪ .‬هذه املواقع لها تاثري كبري؛ ل�سرعتها‬ ‫كما �أنها ال حتتاج ملهارات وم�ستوي ثقايف للكتابة والتدوين ‪.‬‬ ‫‪ .4‬املنتديات واملواقع الكرتونية‪.‬‬ ‫كان لها الدور الفاعل يف نقل املعرفة واالخبار والثقافة‪ ،‬و�ساهمت‬ ‫ب�شكل كبري يف حركة التنوير املعريف والتوا�صل‪ ،‬و�شكلت قوة‬ ‫فكرية‪ ،‬ومعرفية الميكن جتاوزها يف ت�شكيل الراي العام ‪.‬‬ ‫‪ .5‬اجلوال ( ‪. )Mobile‬‬ ‫هو �أي�سر و�أرخ�ص و�سيلة ل لإت�صال‪ ،‬و�إنه يف الكثري من البلدان‬ ‫النامية �أكرث انت�شا ًرا من الإنرتنت‪ ،‬خا�صة مع التدين امل�ستمر‬ ‫لأ�سعار الأجهزة واخلدمات املرتبطة به ‪ ،‬و�سهولة تعلم عوام‬ ‫النا�س طريقة التعامل معه مقارنة بالتعامل مع الكمبيوتر‪،‬‬ ‫كما �أنه ي�سهل تبادله يف حالة عدم ملكية البع�ض لأجهزتهم‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬كما �أن��ه �صغري ي�سهل حمله خا�صة يف حالة عدم‬ ‫مالءمة الظروف‪ .‬وله مميزات وخ�صائ�ص(�إنه و�سيلة ات�صال‬ ‫�شخ�صية بدرجة كبرية‪ ،‬وهو ما يجعل و�صول الر�سالة املراد‬ ‫مبا�شرا و�سري ًع ا‪ ،‬وهو ما يجعل امل�شاركة واال�ستجابة‬ ‫تو�صيلها‬ ‫ً‬ ‫فورية ‪� ،‬إن��ه ب�إمكاناته ال�صوتية يي�سر ك�سر حواجز اللغة‪،‬‬ ‫�أ�صبح تكنولوجيا هجينة خا�صة مع الإنرتنت‪ ،‬و�صارت الإمكانات‬

‫‪16‬‬

‫بينهما تتقارب‪ ،‬خا�صة مع توافر ا�ستخدام الن�ص وال�صوت‬ ‫وتزايد �إمكانات «املالتي ميديا» مع وجود كامريا بداخله و�إمكانية‬ ‫توافر الألعاب واملو�سيقى وغريها) ‪.‬‬

‫كيف ميكن اال�ستفادة من الو�سائل احلديثة يف ن�شر‬ ‫الوعي بالو�سطية ؟‬

‫عملية التثقيف بالفكر الو�سطي لها �أه��داف وحم��اور يجب‬ ‫تبنيها ع�بر ك��ل الو�سائل ه��ي « الإع��ت�راف ب��االخ��ر وقبوله‬ ‫والتعاي�ش معه‪ ،‬احل��وار والت�سامح الديني ‪ ،‬جتديد اخلطاب‬ ‫الديني ‪ ،‬الإعتدال ونبذ التع�صب والتطرف ‪ ،‬الفهم ال�صحيح‬ ‫ل لإ�سالم « ميكن لهذه الو�سائط �أن ت�ساعد على حتقيقها‪ ،‬وذلك‬ ‫يطلب من م�صممي الر�سالة الإعالمية الإجابة علي الت� س�أوالت‬ ‫االتية ‪:‬‬ ‫‪ .1‬من هم جمهور الو�سطية ؟‬ ‫‪ .2‬كيفية تفعيل م�شاركته يف ن�شر ثقافة الو�سطية؟‬ ‫‪ .3‬كم ن�سبة من لديهم موبايالت وانرتنت من اجلمهور ؟‬ ‫‪ .4‬كيفية �إ�ستخدمها ب�صورة هادفة ؟ ‪.‬‬ ‫‪.5‬التكاليف التي يجب �أن تتوفر لن�شر ثقافة الو�سطية قليلة‬ ‫جد ًا مقارنة بالو�سائط االخري ‪.‬‬ ‫‪ .6‬ماهي جوانب �إ�ستخدامات التكنولوجيا ؟ بال�صوت او الن�ص‬ ‫�أو خالفه ايل اق�صي درجة لتو�صيل الر�سالة؟‬ ‫‪.7‬م ��اه��ي املعلومات وامل��ع��ارف ال�لازم ��ة ح��ول الو�سطية‪ ،‬وطرق‬ ‫تعزيزها التي نود بثها ون�شرها و�إ�ستقبالها؟ ‪.‬‬ ‫‪.8‬كيفية الرتويج حلمالت �إعالمية موجه للم�ستهدفني بالفكر‬ ‫والنهج الو�سطي ؟ ‪.‬‬ ‫�أن تكنولوجيا االت�صاالت ت�ستمد قيمتها من احلرية الأ�سا�سية‬ ‫ل لإن�سان يف التعبري‪ ،‬و�أنها بدون النا�س ال تعني �شي ًئا البتة‪ ،‬ومن‬ ‫َث م يجب �أن ت�ستخدم ك �أداة تتمركز حول النا�س؛ لتعظيم العمل‬ ‫ال�صالح وما ينفع النا�س وحتقيق العدالة ‪ ،‬و�أن �إتاحة تلك‬ ‫التكنولوجيا يف �أيدي النا�س بهذا الكم والكيف‪ ،‬يتطلب اقرتا ًبا‬ ‫دميقراط ًّيا من ا�ستخدامها‪ ،‬مبا يعني ذلك من م�صادر مفتوحة‬ ‫�سواء يف الأجهزة �أو الربجميات‪ .‬و�أن تتيح الفر�صة للتعبري عن‬ ‫كل الأ���ص��وات ب�شكل دميقراطي يف ن�شر الفكر والثقافة‪ ،‬دون‬ ‫حجر علي �أي �صوت �أو متييز لأي �صوت ‪ ،‬وللنا�س حق الإختيار‬ ‫والتبني والإ�ستجابة « َف َ�أ َّم ا َّ‬ ‫الزبَدُ َف َي ذْ هَ ُب ُج َفاء َو�أَ َّم ا َم ا َين َف ُع‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وسطيتنا‬ ‫�ض َك َذ ِل َك َي ْ�ض ِر ُب هَّ ُ‬ ‫الل الأَ ْم َث َ‬ ‫ال» ‪.‬‬ ‫ّا�س َف َي ْم ُك ُث فيِ الأَ ْر ِ‬ ‫ال َن َ‬ ‫�إذا كانت الثقافة ا�صطالح ًا عبارة عن �أنظمة معارف‪ ،‬ومناهج‬ ‫تفكري‪ ،‬ومنظومات قيم و�أمناط �سلوك ‪ ،‬ف�إن ثقافة الو�سطية‪،‬‬ ‫قوامها الوعي يف م�ستوى التفكري‪ ،‬والتقرير والتدبري‪ ،‬ت�ستهدف‬ ‫�إحداث نه�ضة معرفية و�سلوكية �شاملة‪ ،‬وفق مرجعية �إ�سالمية‬ ‫لتحقيق الك�سب احل�ضاري القائم علي ال�شهادة علي النا�س ‪.‬‬ ‫ففي ع�صرنا هذا (ع�صر الع وملة ) جند �أن الإنرتنت مد ج�سور‬ ‫احلوار احل�ضاري مع الثقافات الأخرى وخدم الق�ضايا ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫واالقت�صادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬و�آثارها الإن�سانية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬ ‫والثقافية ب�صورة هائلة ‪.‬‬ ‫يف الوقت الراهن يعي�ش عاملنا م �أزق ًا يكمن يف عجزه عن مواكبة‬ ‫التحوالت العاملية املت�سارعة‪ ،‬وذلك بفعل ت�صاعد تكنولوجيا‬ ‫االت�صاالت وثورة املعلومات ‪ ،‬باعتبار �أنها �أ�صبحت و�سيلة هامة‬ ‫و�أ�سا�سية يف نقل وتوزيع وانت�شار الثقافة وم�صادرها‪� .‬أن التعامل‬ ‫مع التقنيات احلديثة‪� ،‬أ�صبح ق�ضية ثقافية يف املقام الأول؛ حيث‬ ‫�صارت الثقافة �صناعة قائمة بذاتها‪ .‬لقد �أ�صبحت الثقافة هي‬ ‫حمور عملية التنمية ال�شاملة بهذا املفهوم ال�شامل‪ .‬ف�إن ت�شكيل‬ ‫الراي العام يطلب الإ�ستفادة الق�صوي من هذه الو�سائط‪.‬‬ ‫التحديات التي جتابه دعاة الو�سطية عرب الو�سائط احلديثة ‪:‬‬ ‫يواجه تيار الو�سطية حزمة من التحديات‪ ،‬يرتبط بع�ضها‬ ‫بظروف الع�صر املعقدة والتي ال تنفع معها حلول املا�ضي‪ ،‬فال بد‬ ‫من الإبداع واخلروج عن التقليد والتفكري املختلف ‪ ،‬كما يرتبط‬ ‫البع�ض الآخ��ر من التحديات بواقع امل�سلمني الغارق ب�ألوان‬ ‫التطرف‪ ،‬والغلو واالنحالل‪ ،‬والإ�ستالب والتفرق وميكن �إجمالها‬ ‫يف االتي ‪:‬‬

‫التحدي الأول ‪:‬‬

‫بناء علي االنطباع‬ ‫�إتهام الو�سطية جزاف ًا والهجوم عليها؛‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ال�سط حي والنمطية (‪ )Stereotypes‬دون‬ ‫املعمم والفهم‬ ‫فهمها ب�صورة �صحيحة و�إل�صاقها بالغرب وبالإنهزام ‪ ،‬التحدي‬ ‫يكمن يف كيفية �إبراز ال�صورة احلقيقية للو�سطية‪ ،‬والإعتدال‬ ‫و�إزال��ة الإلتبا�س يف تعريف الو�سطية ؟ وتبيان عدم مرادفته‬ ‫لثقافة االنهزامية‪ ،‬واال�ست�سالم لالحتالل �أو للظلم « َوا َل ِّذينَ‬ ‫�إِ َذا �أَ َ�ص ا َب ُه ُم ا ْل َب ْغ ُي هُ ْم َين َت ِ�ص ُرونَ « ‪ ،‬بل الو�سطية تعني املقاومة‬ ‫واملطالبة بالإ�صالح والتغيري‪ ،‬والإ�صرار على نيل احلقوق و�إقرار‬ ‫العدل ورفع الظلم‪.‬‬

‫التحدي الثاين ‪:‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫جعل الو�سطية مذهب ًا من املذاهب‪� ،‬أو طرف ًا من �أطراف ال�صراع‬ ‫الفكري والفل�سفي ‪ ،‬وعدها تيار ًا ثالث ًا يجعل من الو�سط قاعدة‬ ‫له ‪ ،‬و�أ�صبحت بذلك هدف ًا من قبل التيارين املت�شدد وامل�ستلب‪،‬‬ ‫و�إن كيفية املحافظة علي و�سطية االمة‪ ،‬وتر�سيخ قبول الأخر‪،‬‬ ‫وت�أكيد بان الو�سطية لي�ست مبتدعة؛ وامنا را�سخة منذ بدء‬ ‫ن�ضج العقل الب�شري ومن الثوابت املنطقية والدالئل التاريخية‬ ‫ل لإمة اال�سالمية ‪.‬‬

‫التحدي الثالث‪:‬‬

‫ت�صحيح ال�صورة املغلوطة عن الإ�سالم‪ ،‬وربطه بالإرهاب والعنف‬ ‫يف و�سائل الإعالم عرب حملة ت�شويه �شر�سة‪ ،‬ور�سم �صورة مغايرة‬ ‫تقوم على العنف والإرهاب والتكفري‪ ،‬و�إثارة العداوات والكراهية‬ ‫وخلق الفنت والدخول يف �صدام مع الغرب ومع منجزات الع�صر ‪.‬‬ ‫من ال�ضرورة بيان �أن و�صف الدين الإ�سالمي باالرهاب والتطرف‪،‬‬ ‫يدل على جهل بحقيقة الإ�سالم التي البد من �أن تبني عرب هذه‬ ‫الو�سائط احلديثة التي تتيح التوا�صل عربها ب�أي لغة ومن �أي‬ ‫مكان يف العامل ‪.‬‬

‫التحدي الرابع‪:‬‬

‫التجديد يف كافة مناحي احلياة‪ ،‬وي�شمل التجديد يف الفكر‪،‬‬ ‫والعمل‪ ،‬والو�سيلة‪ ،‬واملنهج وترقي املعرفة‪ ،‬ومواجهة ما ي�ستجد‬ ‫يف احلياة من ق�ضايا وو�سائل ‪ ،‬والإهتمام بفقه الواقع‪ ،‬وفقه‬ ‫الأول��وي��ات‪ ،‬وفقه البيئة‪ ،‬وفقه الأقليات وغريها من الق�ضايا‬ ‫امللحة التي ال يجوز �إغفالها‪.‬‬

‫التحدي اخلام�س ‪:‬‬

‫رف ��ع الوعي وتوطني التكنولوجيا يف جمتمعاتنا؛ وذل��ك عرب‬ ‫درا�سة احتياجات املجتمعات يف جمال التنمية خا�صة التنمية‬ ‫الب�شرية‪ ،‬وال�سعي اىل جت��اوز حتديات الع وملة‪ ،‬واالنتفاع من‬ ‫�إيجابياتها‪ ،‬والإ�ستفادة الق�صوي من التكنولوجيا لتطوير‬ ‫و�سائل الدعوة والتبليغ ‪.‬‬

‫التحدي ال�ساد�س‪:‬‬

‫ربط ثقافة املواطنة واحلقوق‪ ،‬والدميقراطية بالإ�سالم كمدخل‬ ‫للت�سامح الديني‪ ،‬والتعاي�ش واحل���وار؛ وذل��ك بتعريف العامل‬ ‫بحقوق الإن�سان يف الإ�سالم التي �صانها و�أعلى من � ش�أنها؛ لأنه‬ ‫الدين احل��ق‪ ،‬وجت��ذر مبادي الدميقراطية واملواطنة واحلكم‬ ‫الرا�شد يف الإ�سالم‪.‬‬

‫التحدي ال�سابع‪:‬‬

‫‪17‬‬


‫وسطيت ان‬ ‫الإنت�شار الوا�سع لثقافة التطرف والت�شدد والعنف‪ ،‬يف جمتمعاتنا‬ ‫عطف ًا علي الإمكانيات املهولة لتيارات الغلو والغزو‪،‬وتبني‬ ‫�إ�سرتاتيجيات املواجهة والإرهاب كمعرب عن العقل العام ل لأمة‬ ‫الإ�سالمية ‪ ،‬الأم��ر ال��ذي يطلب من دع��اة الو�سطية م�ضاعفة‬ ‫املجهود‪ ،‬خا�صة يف ه��ذه الو�سائط لتقليل ال��ف��ارق الثقايف‪،‬‬ ‫واملعريف يف ت�شكيل الوعي والتن�شئة االجتماعية‪ ،‬وتبليغ ر�سالة‬ ‫الو�سطية لكل مت�صفحي هذه الو�سائط‪.‬‬

‫م��ا ال����دور وال��وظ��ائ��ف ال��ت��ي مي��ك��ن �أن ت��ق��وم بها‬ ‫الو�سائط احلديثة لرت�سيخ الو�سطية؟‬

‫�إن الدور الرئي�سي واملفتاحي لهذه الو�سائط يف تعزيز االعتدال‬ ‫والو�سطية ‪ ،‬ب�إمكان دع��اة الو�سطية عرب متكنهم من و�سائل‬ ‫االت�صال احلديثة‪ ،‬متابعة ما يدور يف العامل املعا�صر من ق�ضايا‬ ‫و�أح��داث وتقدمي الر�ؤية الإ�سالمية من منظور و�سطي حولها‪،‬‬ ‫وطرح احلل الإ�سالمي مل�شكالتنا املعا�صرة وذلك من خالل ‪:‬‬ ‫‪.1‬مكتبات عرب الإنرتنت لتخزين‪ ،‬وتوزيع م��ادة فكرية تدعو‬ ‫ل لإعتدال والو�سط‪ ،‬ونبذ التطرف واالرهاب ‪.‬‬ ‫‪.2‬منرب للدعاة واملفكرين‪ ،‬كبدائل للمواقع الطبيعية كامل�سجد‬ ‫وخالفه؛ لتغذية العقول عرب املحا�ضرات والندوات واملنتديات‬ ‫الفكرية بال�صوت وال�صورة والكتابة‪ ،‬مبا لها من جمهور ميكن �أن‬ ‫ي�ستمعوا ويعلقوا ويتفاعلوا مع جهور الو�سطية ‪.‬‬ ‫‪.3‬التوا�صل واحل���وار والنقا�ش ح��ول ق�ضايا الو�سطية عرب‬ ‫ال��درد���ش��ة‪� ،‬أو الكتابات وت��وزي��ع ن�شرات و�أوراق تدعو للنهج‬ ‫الو�سطي‪.‬‬ ‫‪.4‬الرتويج ل لأن�شطة‪ ،‬والدعوة والتفاعل معها وح�شد امل�شاركني يف‬ ‫برامج وان�شطة التثقيف بالو�سطية‪.‬‬ ‫‪.5‬الربامج التعليمية والرتبوية التي تدعو للتدين القائم علي‬ ‫الت�سامح والإعتدال‪ ،‬وحتذر من العنف والغلو يف الدين خا�صة‬ ‫و�سط الطالب واالطفال ‪.‬‬ ‫‪.6‬الربامج التوعوية عرب اليوتوب‪ ،‬والربامج املدجمة لتقدمي‬ ‫القدوة احل�سنة‪ ،‬ون�شر النماذج املتميزة من قادة العمل اال�سالمي‪.‬‬ ‫التو�صيات هي ‪:‬‬ ‫‪�.1‬إن�شاء موقع للمنتدي العاملي للو�سطية يف الإنرتنت بكل فروع‬ ‫املنتدى‪ ،‬يحتوي �أن�شطة وكتابات وحما�ضرات حول الو�سطية ‪.‬‬ ‫ومواقع �أخري يف الفي�س بوك والتويرت وغريها ‪.‬‬ ‫‪.2‬التغيري يف اخلطاب التقليدي ل لإ�سالم‪ ،‬هناك دالالت على‬

‫‪18‬‬

‫ظهور حت��والت كبرية يف طبيعة اخل��ط��اب ال ��دي��ن��ي‪ ،‬ال�سيما‬ ‫التجديد الديني وال�صحوة اال�سالمية‪ .‬وذلك لال�ستفادة من‬ ‫العلم والتقنيات للو�صول جلمهورها املتواجد يف كل بقاع االر�ض ‪.‬‬ ‫‪.3‬امل �ؤ�س�سة الدينية مل تعد تقت�صر على النطاق املحلى ال�ضيق؛‬ ‫حيث �إ�صبح هنالك �ضرورة ل لإنفتاح خا�صة لغري الناطقني‬ ‫بالعربية‪ ،‬وتقدميه دين ًا عاملي ًا يخاطب الإن�سان حيثما وجد‪،‬‬ ‫ويقدم حلو ًال لكافة �إ�شكالياته ‪.‬‬ ‫‪.4‬التغريات الكبرية يف االجت��اه��ات الفكرية الدولية‪ ،‬وتبدد‬ ‫املخاوف من الهيمنة الأمريكية و�سيادة ثقافة االرهاب‪ ،‬والتطرف‬ ‫ً‬ ‫حمفزا خللق جمتمعات ثقافية‬ ‫بف�ضل الإنرتنت ال��ذي �أ�صبح‬ ‫عاملية‪ ،‬غري تيارات الهيمنة والإنكفاء والإ�ستالب ‪ ،‬وتوفر و�سيلة‬ ‫غري م�سبوقة لن�شر العقائد والأيديولوجيات �إىل جمهور العامل‬ ‫الأو�سع‪.‬‬ ‫‪.5‬التب�شري بالفكر الو�سطي‪ ،‬وتو�صيله �إىل �أو�سع قاعدة خا�صة‬ ‫مقاطع الفيديو ‪ ،‬وحتميل امل��ح��ا���ض��رات واخل��ط��ب الدينية‪،‬‬ ‫وامل�شاركة يف جل�سات اال�ستماع �إىل اخلطب واملواعظ واملنتديات‪،‬‬ ‫وتبني �صناعة �إفالم وبثها يف مواقع الإنرتنت وذواكر الهواتف‬ ‫اجلوالة ‪.‬‬ ‫‪.6‬التدريب للمدونيني والإعالميني حول �إ�ستخدام هذه الو�سائط‪،‬‬ ‫وزيادة معارف ومهارات النهج الو�سطي حتي يتمكنوا من الرتويج‬ ‫للو�سطية عرب الو�سائط احلديثة ‪.‬‬

‫خامتة ‪:‬‬

‫ومهما يكن من �أمر ‪ ،‬ف�إن هذه الورقة متثل حماولة لت�سليط‬ ‫ال�ضوء علي هذه الو�سائل املهمة وامل�ستحدثة و�أهميتها ودورها‬ ‫املن�شود يف تر�سيخ ثقافة الو�سطية والإع ��ت��دال ‪ ،‬يف مناق�شة‬ ‫بعديها البعد الفكري والثقايف‪ ،‬حول الو�سطية كطرح ومنهج‬ ‫ون�سق ‪ ،‬والبعد الإعالمي الذي يتعلق ب�إ�ستخدام هذه الو�سائط‬ ‫لنقل وبث البعد االول علي نطاق �أو�سع ‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫‪� .1‬سورة النحل االية ‪125‬‬ ‫‪� .2‬سورة الأنبياء االية ‪107‬‬ ‫‪� .3‬سورة �سـب�أ االية ‪28‬‬ ‫‪ .4‬حديث رواه الرتمذى ( ‪)51 / 5‬‬ ‫‪ .5‬و�سام ف�ؤاد « ما بعد التفاعلية واجتاهات تطوير العمل الإعالمي»‬ ‫وحدة البحوث و التطوير‪ -‬احلوار املتمدن �سبتمرب ‪2007‬‬ ‫‪� .6‬سورة الرعد االية ‪17‬‬ ‫‪� .7‬سورة ال�شوري االية ‪39‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وسطيت ان‬ ‫نبذ التعصب المذهبي من‬ ‫خالل أقوال األئمة األربعة‬ ‫« رحمهم الله»‬ ‫د‪� .‬سالمة املزاودة‬

‫احلمد هلل الذي �أكمل لنا الدين‪ ،‬و�أ ّ‬ ‫مت علينا النعمة‪ ،‬وجعلنا‬ ‫عند �إتباع تعليماته خري �أ ّم��ة �أخرجت للنا�س‪ ،‬حثنا على‬ ‫الت�آلف واالجتماع‪ ،‬ونهانا عن التفرق واالختالف‪ .‬وال�صالة‬ ‫وال�سالم على من �أر�سله ربه رحمة للعاملني‪� ،‬سيدنا حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�آله و�سلم‪.‬‬ ‫�إنّ القر�آن الكرمي حني نزل يف القرن ال�سابع امليالدي‪ ،‬كان‬ ‫التع�صب هو �أهم ما مييز عالقة املجتمعات ببع�ضها البع�ض‪،‬‬ ‫فكان التع�صب القبلي �سمة ال��ع�لاق��ات ب�ين ال��ع��رب‪ ،‬وك��ان‬ ‫التع�صب الديني واجلن�سي �سمة العالقات ال�سائدة خارج‬ ‫اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫ون���زل ال���ق���ر�آن ال���ك���رمي؛ ل��ي��ح��ارب ه���ذا التع�صب وي��ق��ول‬ ‫َّا�س �إِنَّا َخ َل ْق َن ُاك م ِّمن َذ َك ٍر َو�أُن َث ى‬ ‫للب�شرجميع ًا؛ } َيا �أَ ُّي َه ا الن ُ‬ ‫َو َج َع ْل َن ُاك ْم ُ�ش ُع وب ًا َو َق َب ا ِئ َل ِل َت َع ا َر ُف وا �إِنَّ �أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ندَ اللهَّ ِ‬ ‫ري {(احلجرات ‪.)13‬‬ ‫�أَ ْت َق ُاك ْم �إِنَّ اللهَّ َ َع ِل ٌ‬ ‫يم َخ ِب ٌ‬ ‫ف�أ�صل الب�شرية واحد من �أب واحد‪ ،‬و�أم واحدة‪ ،‬وقد جعلهم‬ ‫اهلل �شعوب ًا وقبائل ليتعارفوا ال ليت�صارعوا‪ ،‬و�أكرمهم عند اهلل‬ ‫�أكرثهم تقوى وخ�شوع ًا‪ ،‬واهلل جل يف عاله ال ي�أبه باللون‪� ،‬أو‬ ‫املال ‪� ،‬أو املظهر واملكانة الدنيوية‪ ،‬و�إمنا مبا يعمر يف القلب‬ ‫من تقوى و�إخال�ص و�ستخدمت عن مفهوم التع�صب و�أ�سبابه‬ ‫و�أقوال اال�أئمة فيه‪.‬‬

‫�أو ًال ‪:‬مفهوم التع�صب‪.‬‬

‫�أخذت كلمة التع�صب من الع�صبية‪ ،‬وهي �أن يدعو الرجل �إىل‬ ‫ً‬ ‫ظاملة كانت‬ ‫ن�صرة ع�صبيته‪ ،‬والوقوف معها على من يناوئها‪،‬‬ ‫�أو مظلومة ومن معانيها �أي�ض ًا �أي التع�صب والع�صبية املحاماة‬ ‫واملدافعة والن�صرة‪ .)1( .‬ويكون ذلك على م�ستوى الأفكار‬ ‫وامل�شاعر‪ ،‬والأقوال والأفعال‪.‬‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫والتع�صب لي�س نوع ًا واح��د ًا‪ ،‬و�إمن��ا هناك تع�صبات كثرية‬ ‫منها‪ :‬التع�صب الأ�سري‪ ،‬والتع�صب القبلي‪ ،‬والتع�صب العرقي‪،‬‬ ‫والتع�صب اجلهوي‪ ،‬والتع�صب احلزبي‪ ،‬والتع�صب الديني‪،‬‬ ‫والتع�صب املذهبي‪ ،‬ويحدث بني مذاهب الدين الواحد‪ ،‬وهو‬ ‫مو�ضوعنا‪ ،‬وق��د جتلت مظاهره يف خمتلف جوانب احلياة‬ ‫عند امل�سلمني خالل الع�صر الإ�سالمي‪ ،‬على م�ستوى املذاهب‬ ‫والطوائف‪.‬‬

‫ثاني ًا‪� :‬أ�سباب التع�صب املذهبي‪.‬‬

‫هناك العديد من الأ�سباب الأ�سا�سية والثانوية التي �أ ّدت �إىل‬ ‫التع�صب املذهبي منها (‪:)2‬‬ ‫‪.1‬عدم االلتزام ال�صحيح والكامل بدين الإ�سالم على م�ستوى‬ ‫امل�شاعر والأفكار وال�سلوكيات؛ لأن ديننا احلنيف يقوم على‬ ‫العدل وامل�ساواة‪ ،‬والتوازن واالعتدال‪ ،‬وال يقوم على التطرف‬ ‫والغلو والتع�صب للباطل‪.‬‬ ‫‪.2‬ردود �أفعال الأتباع املتمذهبني يف تفاعلهم مع مذاهبهم‪،‬‬ ‫فمن الطبيعي �أنها تولد فيهم الرغبة للإنت�صار لها والدفاع‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫‪.3‬الدور ال�سلبي الذي قام به العلماء املتع�صبون‪ ،‬فهم الذين‬ ‫دعوا �إىل التع�صب املذهبي ون�شروه‪ ،‬و�شجعوا عليه و�شاركوا‬ ‫فيه‪ ،‬فكانت �أفعالهم هذه م�شاركة �سلبية �أججت التع�صب ومل‬ ‫حتد فيه‪.‬‬ ‫‪.4‬املوقف ال�سلبي لكثري من اخللفاء وامللوك‪ ،‬و�أعوانهم يف‬ ‫التعامل مع ظاهرة التع�صب املذهبي‪ ،‬فلم ي�سعوا �إىل التخل�ص‬ ‫منها‪ ،‬ومل يح�سنوا التعامل معها‪ ،‬فاتخذوا لأنف�سهم مذاهب‬ ‫وتع�صبوا لها‪ ،‬ون�صروها على ح�ساب املذاهب الأخرى بالأقوال‬ ‫والأفعال‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫وسطيت ان‬ ‫��وع��اظ املتع�صبون‪،‬‬ ‫‪.5‬الأع��م��ال ال�سلبية التي ق��ام بها ال ُ‬ ‫فا�ستغلوا وظيفتهم لن�شر التع�صب املذهبي ‪ ،‬والت�شجيع على‬ ‫الفنت وامل�صادمات‪.‬‬ ‫‪.6‬متذهب عوام النا�س‪ ،‬فلما متذهبوا تع�صبوا ملذاهبهم عن‬ ‫جهل و طي�ش‪ ،‬وع�صبية عمياء‪ ،‬وبتحري�ض من علمائهم‬ ‫وحكامهم املتع�صبني مثلهم‪.‬‬ ‫‪.7‬رواج الأحاديث ال�ضعيفة واملو�ضوعة بني املتمذهبني‬ ‫املتع�صبني‪.‬‬ ‫‪.8‬بقاء كثري من امل�سائل‪ -‬الأ�صولية والفقهية‪ -‬املختلف‬ ‫فيها بني املذاهب‪ ،‬على ما هي عليه‪ ،‬من دون حتقيق علمي‬ ‫نزيه يرفع عنها اخلالف‪ ،‬حتى و�إن كانت �أدلتهم �ضعيفة‪،‬‬ ‫ف�أدى ذلك �إىل تكري�س الع�صبية املذهبية والت�شجيع عليها‪،‬‬ ‫والدفاع عنها‪ ،‬و�إبقاء م�سائل اخلالف قائمة‪.‬‬ ‫‪.9‬ال��دور ال�سلبي جلهاز الق�ضاء خالل الع�صر الإ�سالمي‬ ‫‪،‬يف تعامله مع املذاهب الفقهية والتع�صب لها‪ ،‬فعندما كان‬ ‫الق�ضاء �أح��ادي املذهب‪ ،‬كان يحكم باملذهب الذي تتبناه‬ ‫ال��دول��ة‪ ،‬وعلى املذاهب االخ��رى اخل�ضوع ملذهب الدولة‬ ‫والأخذ به �أحبت �أم كرهت‪ ،‬كما �أن مذهب الدولة الر�سمي‬ ‫مكّن لأتباعه من �إ�ستخدام نفوذهم يف ال��دول��ة لن�شره‬ ‫وتقويته‪ ،‬والتع�صب على خمالفيه‪.‬‬ ‫هذه بع�ض الأ�سباب التي كانت وراء التع�صب املذهبي‬ ‫بني امل�سلمني الذين �أمرهم اهلل �سبحانه وتعاىل بالإجتماع‪،‬‬ ‫اع َت ِ�ص ُم و ْا ِب َح ْب ِل اللهّ ِ َج ِم يع ًا‬ ‫وعدم التفرق قال تعاىل‪َ } :‬و ْ‬ ‫َو َ‬ ‫ال َت َف َّر ُق و ْا َواذ ُْك ُرو ْا ِن ْع َم تَ اللهّ ِ َع َل ْي ُك ْم �إِ ْذ ُك ن ُت ْم �أَ ْع دَاء َف�أَ َّل َف‬ ‫بَينْ َ ُق ُل و ِب ُك ْم َف�أَ ْ�ص َب ْح ُت م ِب ِن ْع َم ِت ِه ِ�إخْ َوان ًا َو ُك ن ُت ْم َع َل َى َ�ش َفا‬ ‫ُح ْف َر ٍة ِّمنَ النَّا ِر َف�أَن َق َذ ُك م ِّم ْن َه ا َك َذ ِل َك ُي َب ينِّ ُ اللهّ ُ َل ُك ْم آ� َيا ِت ِه‬ ‫َل َع لَّ ُك ْم َت ْه َت دُ ونَ { (�آل عمران‪)103‬‬ ‫وق��ال ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�آل��ه و�سلم‪« :-‬ترى‬ ‫امل�ؤمنني يف تراحمهم وتعاطفهم كمثل اجل�سد الواحد‬ ‫�إذا ا�شتكى منه ع�ضو ًا تداعى له �سائر اجل�سد بال�سهر‬ ‫واحلمى»(‪. )3‬‬ ‫وقال ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�آله و�سلم‪�« :-‬أ ّيها النا�س‪،‬‬ ‫عليكم باجلماعة و�إ ّي��اك��م والفرقة‪� ،‬أ ُّيها النا�س‪ ،‬عليكم‬ ‫باجلماعة و�إ ّياكم والفرقة‪� ،‬أ ُّيها النا�س عليكم باجلماعة‬ ‫و�إ ّياكم والفرقة» (‪.)4‬وق��ال ر�سول اهلل‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪« :-‬اجلماعة رحمة‪ ،‬والفرقة عذاب» (‪.)5‬‬

‫‪20‬‬

‫فرق بني �أبناء الأمة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫�إن التع�صب املذهبي ّ‬ ‫وكان وراء ما �سجله التاريخ عن �أتباع املذاهب من تبادل‬ ‫الآراء الفا�سدة والأحكام الباطلة‪ ،‬وال�صراعات الدموية‬ ‫امل�ؤ�سفة‪ ،‬والتع�صب املذهبي �أ ّدى بامل�سلمني ب�أن يجعلوا يف‬ ‫امل�سجد الواحد �أكرث من حمراب‪ ،‬كل حمراب لأهل مذهب‪،‬‬ ‫ي�صلون منفردين عن اجلماعات الأخ��رى‪ ،‬ك�أنهم �أ�صحاب‬ ‫�أديان خمتلفة‪ ،‬كما �أن التع�صب املذهبي �أبعد معظم �أهل‬ ‫العلم عن التعامل املبا�شر‪ ،‬مع ال��ق��ر�آن الكرمي وال�سنة‬ ‫النبوية ال�شريفة‪.‬‬ ‫والتع�صب املذهبي �أدى �إىل كرثة الكذب يف الأحاديث‬ ‫النبوية‪ ،‬والروايات التاريخية‪ ،‬انت�صار ًا للمذاهب‪ ،‬ورد ًا‬ ‫على خ�صومها‪ ،‬فراجت الأحاديث ال�ضعيفة واملو�ضوعة‬ ‫بني النا�س‪ ،‬وراجت بينهم الأخبار املكذوبة‪ ،‬والتي �ش ّوهت‬ ‫جانب ًا كبري ًا من التاريخ الإ�سالمي‪.‬‬

‫ثالث ًا‪� :‬أق��وال لالئمة الأربعة تنهى عن التع�صب‬ ‫املذهبي‪.‬‬

‫يقول �أبو حنيفة النعمان ‪« :‬هذا ر�أيي‪ ،‬وهذا �أح�سن ما ر�أيت‬ ‫فمن جاء بر�أي غري هذا قبلناه‪ ،‬حرام على َمن مل يعرف‬ ‫دليلي �أن يفتي بكالمي» (‪. )6‬‬ ‫�إن امل�ضامني الفكرية لقول �أب��ي حنيفة النعمان تبدو‬ ‫جلية �ساطعة‪ ،‬حيث ي�شري �إىل �أنه يتحدث بر�أيه ح�سب‬ ‫ما تو�صل �إليه من �أدلة‪ ،‬كما �أنه مل يد ُع النا�س �إىل �إتباع‬ ‫مذهبه وطريقته من غري فهم �أدلته التي تو�صل �إليها‪،‬‬ ‫�أ�ضف �إىل ذلك دع��واه �إىل قبول ال��ر�أي الأخ��ر يف حالة‬ ‫ظهور م�صداقيته‪ ،‬كما �أنه مل يطلب من النا�س �أن يتع�صبوا‬ ‫�إىل مذهبه‪ ،‬ويقاتلوا الآخرين على ذلك‪ .‬و�أخري ًا �إنه مل‬ ‫يطلب من النا�س �أن يق�صروا فهمهم للدين الإ�سالمي على‬ ‫مذهبه وطريقته (‪.)7‬‬ ‫ويقول الإمام مالك بن �أن�س‪�« :‬إمنا �أنا ب�شر �أخطى و�أ�صيب‪،‬‬ ‫فانظروا يف ر�أيي‪ ،‬فكل ما وافق الكتاب وال�سنة فخذوا به‪،‬‬ ‫وما مل يوافق الكتاب وال�سنة فاتركوه» (‪.)8‬‬ ‫فقول الإم���ام مالك بن �أن�س يحمل يف طياته املبادئ‬ ‫الفكرية الوا�ضحة‪ ،‬حيث ي�شري بدقة �إىل �أنه ب�شر ي�صيب‬ ‫ويخطئ؛ لذلك طلب من النا�س �أن يعر�ضوا قوله على كتاب‬ ‫اهلل �سبحانه وتعاىل و�سنة نبيه الأم�ين‪ ،‬لذلك فهو مل‬ ‫ُيلزم النا�س ب�إتباع ما جاء به دون �أن يتبينوا ان�سجامه مع‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وسطيت ان‬ ‫الآيات القر�آنية والأحاديث النبوية ال�شريفة‪ ،‬كما �أنه مل‬ ‫يطلب منهم التحيز ملذهبه‪ ،‬وقذف املذاهب الأخرى ب�شتى‬ ‫�أنواع ال�شتائم وال�سباب‪ ،‬ومل يطلب منهم �أن يقاتلوا �أتباع‬ ‫املذاهب الأخرى (‪.)9‬‬ ‫ويقول الإم��ام ال�شافعي‪�« :‬إذا وج��دمت عن ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪� -‬سنة خالف قويل‪ ،‬فخذوا ال�سنة‬‫ودع��وا ق��ويل ف���إين �أق��ول بها»‪ ،‬ويف رواي���ة‪« :‬ك��ل م�س�ألة‬ ‫تكلمت فيها بخالف ال�سنة‪ ،‬ف�أنا راجع عنها يف حياتي وبعد‬ ‫مماتي»‪ ،‬ويقول‪« :‬ما من �أحد �إال وتذهب عليه �سنة لر�سول‬ ‫اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪-‬وتعزب عنه‪ ،‬فمهما قلت من‬ ‫قول �أو �أَ َّ�صلت من �أ�صل فيه عن ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ -‬خالف ما قلت‪ ،‬فالقول ما قال ر�سول اهلل‪� -‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ -‬وهو قويل» (‪.)10‬‬ ‫فيبدو من �أقوال الإمام ال�شافعي �سيا�سة عدم التع�صب‬ ‫لر�أيه‪ .‬وا�ضحة‪� .‬ساطعة‪ ،‬ووجوب الأخذ باحلديث ال�صحيح‬ ‫املخالف لر�أيه‪ ،‬كما �أن��ه مل يلزم النا�س ب�إتباع مذهبه‪،‬‬ ‫وطريقته دون االلتفات �إىل ما عند الأط��راف واملذاهب‬ ‫الأخرى من �أحاديث �صحيحة خمالفة لر�أيه و�أقواله‪ ،‬بل‬ ‫طلب منهم �أن ي�ضربوا بقوله عر�ض احلائط ‪،‬يف حالة بيان‬ ‫احلديث ال�صحيح املخالف لر�أيه عند املذاهب الأخرى‪ ،‬ومل‬ ‫يطلب من النا�س �أن يتع�صبوا �إىل �أقواله ويقاتلوا امل�سلمني‬ ‫عليها (‪.)11‬‬ ‫ويقول الإمام �أحمد بن حنبل‪« :‬ال تكتبوا عني �شيئ ًا وال‬ ‫تقلدوين‪ ،‬وال تقلدوا فالنا وفالنا‪ ،‬وخذوا من حيث �أخذوا»‪،‬‬ ‫ويقول‪« :‬ال تقلدوا دينكم الرجال‪� ،‬إن �آمنوا �آمنتم و�إن‬ ‫كفروا كفرمت»‪ ،‬كما يقول‪« :‬من قلة فقه الرجل �أن يقلد‬ ‫دينه الرجال» (‪.)12‬‬ ‫فيبدو وا�ضح ًا من �أق��وال الإم��ام �أحمد بن حنبل‪ ،‬دعوته‬ ‫ال�صادقة �إىل النا�س بوجوب االلتزام التام بكالم اهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل و�سنة نبيه الأمني‪ ،‬كما �أنه بني حقيقية‬ ‫هامة وه��ي �أن الرجال لن ي�سلموا من الوقوع يف اخلط�أ‬ ‫والغلط‪ ،‬لذلك نهى عن تقليد الرجال يف الدين‪ ،‬بل �إن‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫الدين هو كالم اهلل و�سنة نبيه ‪ .‬وال يوجد يف كالمه ما‬ ‫يدعو �إىل التع�صب لأقواله؛ بل �إن كالمه يحث على �إعمال‬ ‫العقل‪ ،‬والتم�سك بالكتاب الكرمي وال�سنة النبوية‪.‬‬

‫اخلامتة‬

‫�أن الإ���س�لام ح��ارب جميع �أ�شكال التع�صب‪ ،‬وح��ث على‬ ‫الوحدة والألفة والإخوة‪ ،‬وكان هناك العديد من الأ�سباب‬ ‫التي �أدت �إىل التع�صب املذهبي الذي �أدى �إىل ال�صراعات‬ ‫الدموية امل�ؤ�سفة‪ ،‬و�إىل كرثة الكذب يف الأحاديث النبوية‪،‬‬ ‫يف ح�ين �أن جميع امل�ضامني الفكرية لأق����وال الأئ��م��ة‬ ‫الأرب��ع��ة‪ -‬رحمهم اهلل‪-‬تنهى عن التع�صب‪ ،‬وتدعو �إىل‬ ‫االلتزام بالكتاب الكرمي وال�سنة النبوية ال�شريفة‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫(‪ )1‬ابن منظور الإفريقي‪:‬ل�سان العرب‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار �صادر‪،‬‬ ‫دت‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪.607‬‬ ‫�أنظر‪:‬‬ ‫(‪ )2‬خالد كبري عالل‪ :‬التع�صب املذهبي يف التاريخ الإ�سالمي‪،‬‬ ‫د‪.‬م‪ ،‬دار املحت�سب‪� ،2008 ،‬ص‪171-1666‬‬ ‫(‪ )3‬البخاري‪ :‬اجلامع ال�صحيح املخت�صر‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار ابن‬ ‫‪�، 1987 ،‬ص‪،2238‬‬ ‫كثري للن�شر والتوزيع‪ ،‬ج‪5‬‬ ‫حديث رقم ‪.5665‬‬ ‫(‪� )4‬أحمد بن حنبل ‪:‬م�سند الإمام �أحمد بن حنبل‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫م�ؤ�س�سة الر�سالة للن�شر والتوزيع ‪ ،2008 ،‬ج‪� ،38‬ص ‪-220‬‬ ‫‪ ،221‬حديث رقم ‪.23145‬‬ ‫(‪ )5‬حممد الألباين‪� :‬ضعيف اجلامع ال�صغري وزياداته‪.‬‬ ‫بريوت‪ :‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬ج‪� ، .1979، 3‬ص‪ ،84‬حديث رقم‬ ‫‪.23104‬‬ ‫(‪�)6‬أ�سد حيدر‪:‬الإمام ال�صادق واملذاهب الأربعة‪ .‬بريوت‪ ،‬دار‬ ‫املعارف للن�شر والتوزيع‪ ،‬ج‪� ،2001 ،1‬ص‪.187‬‬ ‫(‪ )11( )9( )7‬ح�سن احلياري‪ :‬الإن�سان املعا�صر و�سبيل‬ ‫اخلال�ص‪� ،‬إربد‪ ،‬م�ؤ�س�سة حمادة للدرا�سات اجلامعية والن�شر‬ ‫والتوزيع‪� ،2012 ،‬ص‪532-531‬‬ ‫(‪�)12( )10( )8‬أبو �شامة‪:‬خمت�صر امل�ؤمل يف الرد �إىل الأمر‬ ‫الأول‪ ،‬الكويت‪ ،‬مكتبة ال�صحوة الإ�سالمية للن�شر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪� ،1983‬ص ‪�،62-61‬ص‪.58 -57‬‬

‫‪21‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫الحج المبرور‬ ‫ليس له جزاء إال‬ ‫الجنة‬ ‫فري�ضة احلج ركن من �أركان الإ�سالم‪ ،‬ودعامة من دعائمه التي‬ ‫يقوم عليها‪� ،‬شرعه اهلل �سبحانه وت��ع��اىل مو�سم ًا يلتقي فيه‬ ‫امل�سلمون كل عام على �أ�صفى العالقات و�أنقاها‪ ،‬في�شهدوا منافع‬ ‫لهم على �أك��رم بقعة �شرفها اهلل ب�إنطالق دع��وة الإ���س�لام منها‬ ‫�إىل العاملني‪ .‬وعبادات الإ�سالم و�شعائره كلها تهدف اىل خري‬ ‫الدنيا و�سعادة الأخرى‪ ،‬ومن هنا كان احلج عبادة بدنية مالية‪،‬‬ ‫يتقرب بها امل�سلمون اىل خالقهم‪ ،‬فت�صفو نفو�سهم‪ ،‬وت�شف قلوبهم‪،‬‬ ‫وترفرف �أرواحهم‪ ،‬مع ن�سمات الر�ضا التي تنفح بها معاين الطهر‪،‬‬ ‫فيلتقون على امل��ودة‪ ،‬وتربط بينهم �أوا�صر املحبة على تباعد‬ ‫الأقطار‪ ،‬واختالف الديار‪.‬‬ ‫وال ريب يف �أن اجتماع ًا على هذا امل�ستوى العاملي من ا�شعاعات‬ ‫ال�صفاء واملودة واملحبة‪ ،‬كفيل ب�أن يجمع الكلمة على وحدة الهدف‬ ‫يف م�ؤمتر �سنوي عام‪ ،‬يتدار�س امل�سلمون فيه �ش�ؤونهم‪ ،‬ويتداولون‬ ‫فيما يعنيهم من ���ش���ؤون احل��ي��اة‪ ،‬وم�شاكل الأم��ة االقت�صادية‬ ‫وال�سيا�سية واالجتماعية والفكرية والع�سكرية‪ ،‬فيطرح الر�أي ال‬ ‫يتوخى �إال ر�ضا اهلل‪ ،‬وتلقى الكلمة ال يبتغي ملقيها �إال �أن تكون‬ ‫حيث يحب اهلل‪.‬‬ ‫وخ�ير للم�سلمني ان يكون م�ؤمتر احل��ج ال���دوري‪ ،‬فر�صة متاحة‬ ‫لرجاالت الإ�سالم‪ ،‬من قادة ومفكرين‪ ،‬يجمعهم هذا اللقاء الطهور‬ ‫يف كنف اهلل و�ضيافته‪ ،‬على مناق�شة ما يعرت�ض حياة امل�سلمني‬ ‫يف م�شرق الأر���ض ومغربها‪ ،‬يدر�سون ويخططون بوحي الإميان‬ ‫الدافق‪ ،‬والعزمية الأبية‪ ،‬ي�ستمدون من اهلل العون‪ ،‬ويلتم�سون‬ ‫الأ�سوة يف الرواد العظام‪ ،‬الذين ت�ضمهم بني جناحيها تلك البقاع‬ ‫العزيزة‪ ،‬التي يرتادها احلجيج يف منا�سكهم و�شعائر فري�ضتهم‪.‬‬ ‫و�إذا كان ذلك خري ًا �أي خري يف كل وقت‪ ،‬فنحن يف �أيامنا الع�صيبة‬ ‫هذه التي نعي�شها‪ ،‬ومتر بها الأمة‪ ،‬ا�شد حاجة اىل ان ي�سري هذا‬ ‫اخلري اىل حياتنا يف كافة �أبعادها‪ ،‬في�شتد فينا العزم‪ ،‬ويقوى لدينا‬ ‫اليقني‪ ،‬ويزداد الإ�صرار وال�صمود يف رحاب الوحدة اجلامعة على‬ ‫�أ�شرف هدف و�أعظمه‪.‬‬ ‫واحلاج ال بد وان يكون متجرد ًا هلل عز وجل يف النية والعمل؛‬ ‫لأنه يعكف على �أداء ن�سك عظيم يتوخى مر�ضاة اهلل‪ ،‬وغفران‬ ‫الذنب‪ ،‬وعلى احل��اج �أن يتزود من العلم واملعرفة ب�أحكام هذه‬

‫‪22‬‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة‬ ‫عميد كلية ال�شريعه الأ�سبق ‪ /‬اجلامعة الأردنية‬

‫الفري�ضة العظيمة‪ ،‬و�أن ي�س�أل �أهل العلم ال�شرعي‪ ،‬حتى تكون‬ ‫�أعماله على الوجه امل�شروع‪ ،‬مت�أ�سيا بر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ ،-‬وعلى احلاج ان يت�سلح بال�صرب على ما يلقاه من م�شقة‪،‬‬ ‫ويحت�سب خطواته يف �سبيل اهلل‪ ،‬فال يت�أفف وال ي�ضجر‪ ،‬بل عليه‬ ‫ان يدرك ان يف كل خطوة يخطوها عبادة يتقرب بها اىل اهلل‬ ‫عز وجل‪ ،-‬وعليه ان يكون عون ًا لإخوانه احلجاج‪ ،‬وان يتغا�ضى‬‫عن هفواتهم‪ ،‬فال يدفع ال�سيئة بال�سيئة و�إمنا باحل�سنة‪ ،‬وعلى‬ ‫احلاج ان يجهد نف�سه بالقربات اىل خالقه‪ ،‬لأنها فر�صة العمر يف‬ ‫الرحاب املقد�سة‪ ،‬وان ي�ستثمر الطاقات اخلرية الكامنة يف نف�سه‬ ‫خدمة لدينه وللم�سلمني‪ ،‬وعليه ان يعلم ان احلج املربور لي�س له‬ ‫جزاء �إال اجلنة‪.‬‬ ‫ومن �أدبيات فقه احلج ان يقف امل�سلم احلاج على �أ�سرار وحكم هذه‬ ‫العبادة العظيمة‪ ،‬وذلك من خالل الأعمال املتوالية التي يقوم‬ ‫أداء رتيب ًا خالي ًا من املعرفة احلقيقية التي‬ ‫بادائها‪ ،‬ال ان ت�ؤدى � ً‬ ‫تعمق االميان يف النف�س‪ ،‬وتدفع �صاحبها اىل االلتزام املخل�ص‬ ‫بهذا الدين‪ ،‬خا�صة بعد رجوعه اىل بالده‪ ،‬وعلى احلاج ان يت�أمل‬ ‫يف �سر عظمة هذا الدين‪ ،‬و�سرعة انت�شاره يف الآفاق بعد ان كان‬ ‫حم�صور ًا وحما�صر ًا يف اجلزيرة العربية‪ ،‬وكيف ان اهلل اراد لهذا‬ ‫الدين‪ ،‬والتباعه اخلري يف الدارين‪ ،‬و�أن التزامه وتطبيقه �سبيل‬ ‫اىل العزة والتمكني يف الأر�ض‪ ،‬ومن طلب العزة من غريه �أذله اهلل‪.‬‬ ‫وعلى احل��اج ان يتذكر ما يعانيه امل�سلمون يف ديارهم من قتل‬ ‫وت�شريد وا�ضطهاد‪ ،‬يف العراق و�سوريا وفل�سطني ويف غريهما‪،‬‬ ‫ليعلم ان ق��وى ال�شر الكربى يف العامل ملة واح���دة‪ ،‬يف كيدها‬ ‫ونظرتها للإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬وان يعود احل��اج م��زود ًا بالإميان‬ ‫والعزم والت�صميم على خدمة دينه و�أمته بكل جهد ممكن‪ ،‬وان‬ ‫ً‬ ‫داعية خري باحلكمة واملوعظة احل�سنة‪ ،‬ليجنب امل�سلمني‬ ‫يكون‬ ‫عنت الدنيا و�ضيق الآخ��رة‪ ،‬وعليه ان يلم�س الآثار االيجابية‪،‬‬ ‫والتغري احلقيقي‪ ،‬بعد �أداء هذه الفري�ضة العظيمة‪ ،‬التي قال‬ ‫عنها الر�سول ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪«:-‬من حج ومل يرفث ومل‬ ‫يف�سق رجع كيوم ولدته �أمه»‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫حرائق التطرف‬

‫في العالم اإلسالمي‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫�أو ً‬ ‫ال‪ :‬الإ�سالم هو من بني ملل الإميانيني �أكرثها تقدير ًا ملرجعية‬ ‫العقل الربهاين‪ ،‬وهو من بني املقدرين للعقالنية �أكرثها قو ًال‬ ‫بالإميان مع هذا التفرد بدور العقل يف الف�ضاء الإمياين‪ ،‬وبدور‬ ‫الإمي��ان يف الف�ضاء العقالين‪ ،‬ط��ر�أت ظروف يف تاريخنا �صنعت‬ ‫تعطيل العقل ال�بره��اين‪ ،‬و�أبطلت االجتهاد الفكري‪ ،‬وقيدت‬ ‫االجتهاد الفقهي مبنطق القيا�س والإج��م��اع ال�صوري‪ ،‬وغيبت‬ ‫ال�شورى �أ�سا�س ًا لوالية الأمر وبدلتها بطاعة املتغلب‪.‬‬ ‫هذه العوامل امل�صنوعة بال م�سوغ من هداية الوحي املحمدي‪� ،‬شلت‬ ‫عطاء الأم��ة بعد عطاء مرموق وهي�أت �أقطار الأم��ة لالحتالل‬ ‫الأجنبي الذي احتلها قطر ًا قطر ًا‪.‬‬ ‫احل�ضارة الغربية احلديثة التي �أيقظ �أهلها من �سبات القرون‬ ‫الو�سطى م�صابيح احل�ضارة الإ�سالمية �أي��ام �ضيائها‪ ،‬ح�ضارة‬ ‫�صحبت االحتالل و�أتت معه �إلينا بفكر وثقافة �إن�سانية متقدمة‪.‬‬ ‫�إزاء هذا الغزو الفكري والثقايف �أتخذ العلماء واملفكرون يف عاملنا‬ ‫ثالثة اجتاهات‪ :‬اجتاه �أفرط يف الرف�ض وحت�صن مبنقول الرتاث‪،‬‬ ‫واعترب ذلك هو الدين امللزم‪ ،‬واجتاه فرط يف حمموالت الرتاث‬ ‫باعتبارها عائق ًا يف طريق اال�ستنارة احل�ضارية احلديثة‪ ،‬واعترب‬ ‫االق��ت��داء باحل�ضارة الغربية احلديثة ه��و امل��وق��ف العقالين‬ ‫ال�صحيح‪ .‬واملوقف الثالث قال به علماء ومفكرون �أمثال ال�شيخ‬ ‫جمال الدين الأفغاين وال�شيخ حممد عبده وال�شيخ ابن بادي�س‬ ‫وال�شيخ بن عا�شور وغريهم‪ .‬ه��ذه املدر�سة �أثمرت كثريين من‬ ‫تابعيها �أمثال مالك بن نبي‪ ،‬وعلي �شريعتي‪ ،‬ولكن �أكرثهم ت�أثري ًا‬ ‫يف عامل امل�سلمني وال�سنة ال�شيخ حممد ر�شيد ر�ضا‪.‬‬ ‫اتبعت حركات كثرية هذا النهج التوفيقي بني الت�أ�صيل والتحديث‪.‬‬ ‫ولكن نهج ال�شيخ حممد ر�شيد ر�ضا كان �أك�ثر مي ًال للت�أ�صيل من‬ ‫�أ�ستاذيه‪.‬‬ ‫كانت احلركة التي �أ�س�سها ال�شيخ ح�سن البنا يف ع�شرينيات‬ ‫القرن امليالدي املا�ضي �أكرث حركات القول باملرجعية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وا�ست�صحاب التحديث فاعلية من حيث املد احلركي والتنظيم‪،‬‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫دولة الإمام ال�صادق املهدي‬

‫وخو�ض غمار العمل ال�سيا�سي‪ .‬وبت�أثري من مقوالت مر�شدها‬ ‫الثاين ال�شيخ اله�ضيبي �صاحب كتاب (دعاة ال ق�ضاة) التزمت‬ ‫احلركة االعتدال‪ ،‬ولكن اجتهادات الإ�سالميني يف بيئة التطرف‬ ‫الهندو�سي؛ �أدت �إىل اجتهاد ال�شيخ �أبو الأعلى املودودي‪ ،‬وبيئة‬ ‫القمع النا�صري �أدت �إىل اجتهادات �سيد قطب وكتابه الأ�شهر‬ ‫(معامل يف الطريق)‪.‬‬ ‫تاريخ الفكر الإ�سالمي املعا�صر يبني ال�صلة الوثيقة بني الغلو‬ ‫الو�ضعي يف جمال الفكر‪ ،‬وال�سيا�سة‪ ،‬والغلو املنطلق من مرجعية‬ ‫�إ�سالمية يف الفكر وال�سيا�سة‪.‬‬ ‫قال ابن خلدون يف املقدمة‪ :‬كل ظاهرة يف الوجود الطبيعي‪� ،‬أو‬ ‫االجتماعي تخ�ضع لقانون‪ ،‬تف�سري ًا لقوله تعاىل‪َ ( :‬ر ُّب َنا ا َّل ِذي‬

‫�أَ ْع َطى ُك َّل َ�ش ْيءٍ َخ ْل َقهُ ُث َّم هَ دَ ى)‬

‫ثاني ًا ‪ :‬هنالك م�صادر للغلو القائل مبرجعية �إ�سالمية يف عاملنا‬ ‫املعا�صر �أهمها‪:‬‬ ‫(‌�أ)الت�صدي لالفتتان باحل�ضارة الوافدة‪ ،‬ورف�ض ممار�سات بع�ض‬ ‫الأن�شطة ال�صوفية عامالن دفعا للتم�سك باجتهاد نقلي �صارم‪،‬‬ ‫يعترب �أ�صحابه الفرقة الناجية ويكفر الآخرين‪.‬‬ ‫(‌ب)ان للح�ضارة الغربية �صلة مبا�شرة ب�صناعة التطرف يف‬ ‫عاملنا من ناحيتني‪:‬‬ ‫الأوىل‪ :‬احل�ضارة الغربية تفرت�ض علويتها وتغلبها‪ ،‬فال خيار‬ ‫للآخرين �إال االمتثال لها‪ .‬هذا اال�ستعالء ولد ردة فعل م�ضادة ‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬الغزو ال�سوفيتي لأفغان�ستان �شكل حتدي ًا مبا�شر ًا للأمة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬فت�صدى له من كونوا القاعدة و�ساهموا ب�صورة قوية‬ ‫يف هزمية ال��غ��زاة‪ .‬يف تلك املرحلة حظوا بدعم غربي هائل‬ ‫ملواجهة عدو م�شرتك‪ ،‬وبعد جناحهم يف املهمة تناول اجتهادهم‬ ‫الوجود الأمريكي يف بالد امل�سلمني‪ ،‬واعتربوه غزو ًا واتخذوا نهج ًا‬ ‫متطرف ًا يف حماربته ومقولة‪� :‬إن قتل الأمريكي جندي ًا �أو مدني ًا يف‬ ‫�أي مكان يف العام فر�ض عني على امل�سلم‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫(‌ج)ق���ال امل����ؤرخ الأمريكي ميخائيل �أورن يف كتابه‪( :‬القوة‬ ‫والعقيدة واخليال‪� -‬سيا�سة �أمريكا يف ال�شرق الأو�سط) ‪ .‬قال‪" :‬ال‬ ‫يوجد يف جمال الهند�سة االجتماعية العاملية ما هو �أكرث ت�سلط ًا‬ ‫من ت�أييد �أمريكا لقيام دولة يهودية يف و�سط عامل عربي �شديد‬ ‫العداء لذلك" ‪ .‬وقال‪" :‬هذا العمل من �ش�أنه �أن يخلق حالة حرب‬ ‫م�ستمرة"‪.‬‬ ‫وبقدر ما يف املمار�سات ال�صهيونية من نهج تو�سعي‪ ،‬وتطرف‬ ‫�صهيوين تبنت تيارات ذات مرجعية قومية‪ ،‬و�إ�سالمية‪ ،‬مقاومة‬ ‫حتريرية‪ ،‬كما تبنت تيارات متطرفة مواقف معادية لإ�سرائيل‬ ‫ومن يقف وراءها‪.‬‬ ‫(‌د)�إن لنظم حاكمة يف املنطقة دور ًا يف تغذية التطرف؛ �إذ‬ ‫ات�سمت بـاال�ستبداد‪ ،‬والف�ساد‪ ،‬والظلم االجتماعي‪ ،‬والتبعية‪ ،‬مما‬ ‫�أدى حلركات رف�ض وحترير‪ ،‬ومع كل زيادة يف الكبت زادت ح�صة‬ ‫التطرف يف املقاومة‪.‬‬ ‫(‌هـ)هنالك قاعدة اجتماعية تقول‪� :‬إذا وجد االحتقان ومل‬ ‫يجد عالج ًا تن�ش�أ حتم ًا قوى جديدة‪.‬‬ ‫لفرتة ما بدا ك�أن الربيع العربي قد �أوجد و�سائل �سلمية للق�ضاء‬ ‫على اال�ستبداد‪ ،‬والف�ساد‪ ،‬والظلم االجتماعي‪ ،‬والتبعية‪ ،‬ولكن‬ ‫نك�سات الربيع العربي دم��رت الدولة املركزية كما يف �سوريا‪،‬‬ ‫وليبيا‪ ،‬واليمن‪ ،‬ف�صنعت فو�ضى هي املناخ الأن�سب للتطرف وما‬ ‫ي�صحبه من عنف‪.‬‬ ‫(‌و)وافد التطرف والعنف يف �أفغان�ستان‪ ،‬والعراق‪ ،‬وال�صومال‬ ‫مرتبطة متام ًا ب�إخفاقات الهند�سة ال�سيا�سية الأمريكية‪:‬‬ ‫ ففي �أفغان�ستان بعد طرد ال�سوفيت �أخفقت احلركات اجلهادية‬‫التي �شاركت يف التحرير يف �إدارة البالد‪ ،‬بل ا�شتبكت فيما بينها ما‬ ‫�أدى لربوز حركة طالبان‪ ،‬حركة طالبان جنحت فيما �أخفقت فيه‬ ‫احلركات الأكرث جتربة والأ�سبق تنظيم ًا‪ ،‬ولكنها متثل نهج ًا يف‬ ‫احلكم م�شدود لأمناط ما�ضوية مغيب ًا عن الع�صر احلديث‪ ،‬ولكن‬ ‫النهج ال�صحيح للفقيه �أن يعرف الواجب اجتهاد ًا ال تقليد ًا ويلم‬ ‫بالواقع ثم يزاوج بينهما‪ ،‬كما قال ابن القيم‪ :‬فهم طالبان فقري‬ ‫يف االجتهاد‪ ،‬ومغيب عن الواقع املعا�صر ولكن �سيا�سات الواليات‬ ‫املتحدة يف �أفغان�ستان وما انطوت عليه من ا�ستالب‪� ،‬أعطى طالبان‬ ‫دور ًا وطني ًا بحيث التف حولها كثري من ال�شعب الأفغاين ال ت�أييد ًا‬ ‫لنهجها‪ ،‬ولكن مقاومة لل�سيا�سة الأمريكية‪.‬‬ ‫ويف ال�صومال انهارت الدولة املركزية بعد نهاية نظام �سياد بري‪،‬‬‫وانفتح املجال لأجندات مت�ضاربة ومنها حركة ال�شباب املتحالفة مع‬ ‫القاعدة‪ .‬ههنا �أي�ضا �إ�سناد حفظ الأمن يف ال�صومال لأثيوبيا العدو‬ ‫التاريخي لل�صوماليني جعل حركة ال�شباب تكت�سب دور ًا وطني ًا‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫�أما يف العراق ف�إن الواليات املتحدة بعد احتالل البالد مل تتعامل‬‫معه كوطن بل كوجود م�صنف �شيعة‪ ،‬و�سنة‪ ،‬و�أكراد‪ ،‬و�آخرون‪ .‬مل‬ ‫ي�سبق التطبيق الدميقراطي كما ينبغي اتفاق حول الهوية وترك‬ ‫الأمر للآلية الدميقراطية‪ .‬الآلية الدميقراطية ال ت�صلح وحدها‬ ‫دون توازن يف �أمر الوالءات املوروثة‪.‬‬ ‫ويف ال�سنوات املا�ضية �آلت رئا�سة الوزارة لل�سيد نوري املالكي‪ ،‬ال�سيد‬ ‫نوري املالكي ت�صرف كرئي�س وزراء مبوجب الوزن االنتخابي‪ ،‬ومل‬ ‫يراع التوازن املطلوب‪ ،‬وكان ت�صرفه مع نائبه ال�سيد طارق الها�شمي‬ ‫بالتجرمي وتعامله مع اعت�صامات �أهل ال�سنة تعام ًال �أهوج ًا‪ .‬لقد‬ ‫ا�ستعدى ب�صورة بليدة �أهل ال�سنة والأكراد وبع�ض ال�شيعة الذين‬ ‫انتقدوا نهجه �أمثال التيار ال�صدري‪.‬‬ ‫القاعدة انت�شرت ب�شبكة خاليا يف كثري من البلدان‪ ،‬وك��ان لها‬ ‫وجود يف �سوريا‪ ،‬ولكن منذ �سنني كان نهج �أبو م�صعب الزرقاوي‬ ‫خمتلف ًا مع قيادة القاعدة حول املوقف من �أولويات القتال‪ ،‬هو‬ ‫يرى �أن الت�صدي لقتال ال�شيعة �أهم من قتال الأمريكان‪ .‬من هذه‬ ‫املفاهيم ولدت حركة "داع�ش" التي وجدت دعم ًا كبري ًا من بع�ض‬ ‫دول ال�سنة‪ ،‬ومن بع�ض الأثرياء ال�سنة‪ ،‬وا�ستقطبت كثري ًا من‬ ‫العنا�صر العراقية الناقمة على حكومة املالكي من قبائل من �أهل‬ ‫ال�سنة وبعثيني ونق�شبندية‪.‬‬ ‫داع�ش ت�أ�س�ست يف ال��ع��راق كامتداد حلركة ال��زرق��اوي‪ .‬ولكن‬ ‫�أب��ا حممد اجل��والين اختلف مع البغدادي‪ ،‬وذه��ب �إىل �سوريا‬ ‫حيث �أ�س�س فيها جبهة الن�صرة املوالية لقيادة القاعدة (�أمين‬ ‫الظواهري)‪.‬‬ ‫داع�ش املنطلقة من العراق مت��ددت كذلك يف �سوريا‪ ،‬وحظيت‬ ‫مبيزات فريدة‪ :‬ثرية مالي ًا‪ ،‬ومتحالفة مع ف�صائل جتمعها معهم‬ ‫الهوية ال�سنية‪ ،‬حا�صلة على جنود مدربني على القتال‪ ،‬وحا�صلة‬ ‫على �أ�سلحة متطورة‪ .‬هذه امليزات تدل على �أن لها �سند ًا داخل‬ ‫العراق‪ ،‬وداخل �سوريا ومن جهات جماورة‪.‬‬ ‫وبعد احتالها املفاجئ‪ ،‬والناجح للمو�صل �أ�سرعت داع�ش يف‬ ‫تطبيق خريطة الطريق املعتمدة لدى القاعدة وهي‪ :‬ت�أ�سي�س‬ ‫خاليا يف مناطق خمتلفة‪ ،‬وا�ستنزاف ال�سلطات ب�أعمال عنف‬ ‫لإجبارها على االن�سحاب منها والعمل على تطبيق ال�شريعة فيها‬ ‫وي�شمل ذلك هدم الأ�ضرحة‪ ،‬وتدمري التماثيل‪ ،‬وتطبيق احلدود‪،‬‬ ‫ورعاية املعاي�ش وب��ث �أجندة فكرية ما�ضوية و�أخ�ي�ر ًا �إقامة‬ ‫اخلالفة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫تفكك الدولة املركزية يف �سوريا‪ ،‬واالنق�سام الطائفي احلاد يف‬ ‫العراق‪ ،‬والنجاح يف اجتياح املو�صل وال�سيطرة على �إقليم ممتد من‬ ‫�سهل حلب �إىل نينوي مرور ًا باالنبار جنوبا �أعطى طموح داع�ش‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫بعد ًا جديد ًا ف�أعلنت قيام اخلالفة الإٍ�سالمية وبايعوا �أبا بكر‬ ‫البغدادي خليفة‪ .‬يالحظ‪:‬‬ ‫‪ -1‬هذه خالفة انتقائية مبعنى حمدودية قاعدتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬البيعة م�ؤ�س�سة على التغلب ال �شورى امل�سلمني‪.‬‬ ‫‪ -3‬من تعجل �شيئ ًا قبل �أوانه عوقب بحرمانه‪.‬‬ ‫‪� -4‬شيعة العراق‪ ،‬و�أكراد العراق �سريف�ضونها كذلك كثري من �أهل‬ ‫ال�سنة‪.‬‬ ‫‪ -5‬ولكن ميكن لداع�ش �أن جتد تعاطف ًا يف �أو�ساط العرب ال�سنة يف‬ ‫اخلليج‪ ،‬ويف املغرب‪.‬‬ ‫يف العراق �سوف يكون دور هذا التطرف زيادة حدة املواجهة بني‬ ‫ال�سنة وال�شيعة يف كل مكان‪ ،‬وتوفري ظروف مو�ضوعية لتق�سيم‬ ‫العراق‪ ،‬وزيادة منافذ التدخالت الإقليمية يف ال�ش�أن العراقي‪.‬‬ ‫ففي الأردن الذين كانوا مع جبهة الن�صرة مالوا نحو داع�ش‪ ،‬ويف‬ ‫ليبيا لداع�ش فرع يف درنة يت�أهب لي�صري مركز انطالق مغاربي‪.‬‬ ‫التطرف والغلو والعنف امل�صاحب له ين�ش�أ من عوامل ذاتية‪ ،‬لكن‬ ‫يخدم م�صالح العدو ب�أكرث مما كان يتمناه‪.‬‬ ‫حت��دث وزي��ر الأم��ن الداخلي الإ�سرائيلي يف ع��ام ‪2008‬م عن‬ ‫م�صري العامل العربي‪ ،‬وو�صف ال��دول العربية ب�أنها تقوم على‬ ‫كيانات م�صطنعة؛ لذلك لن ت�ستقر و�سوف ت�ؤدي التفاعالت فيها‬ ‫�إىل حركات تنتهي بتق�سيمها وقال‪ :‬العراق �سوف ينق�سم لثالث‬ ‫دوي�لات‪ ،‬ال�سعودية خلم�س‪ ،‬وال�سودان كذلك خلم�س‪،‬واقرتح‬ ‫خريطة جديدة‪ :‬قيام دولة كردية ت�ضم الأكراد يف خم�س دول‬ ‫يف كرد�ستان الكربى‪ ،‬ودولة �شيعية جديدة ت�ضم البحرين و�شرق‬ ‫ال�سعودية وجنوب العراق وغرب �إيران‪.‬‬ ‫�سبب هذا التفكيك والرتكيب يف نظره �أن الو�ضع احلايل ال يراعي‬ ‫التباين الإثني واملذهبي‪ ،‬ولذلك فهو لن ي�ستقر �إال �إذا جرت‬ ‫التعديالت‪ .‬حركات التطرف حتقق �أماين الأعداء‪.‬الغلو العنيف‬ ‫يف م�صر مركز يف �سيناء وهو مرتبط بالقاعدة‪ ،‬ورمب��ا حاولت‬ ‫جذبه داع�ش �إليها‪� ،‬أو دولة "اخلالفة"‪.‬و�سوف ت�شهد املنطقة كلها‬ ‫تناف�س ًا يف احلركة‪ ،‬وبالتايل يف العنف بني القاعدة وداع�ش ما‬ ‫يعني تهديد الأمن القومي يف كل املنطقة‪.‬‬ ‫م�سرح املواجهة الرئي�س يف م�صر اليوم فحواه �صدام علماين‬ ‫�أخواين‪ .‬هذا ال�صدام ال ميكن ح�سمه ع�سكريا ف�إذا اجته احلكم يف‬ ‫م�صر �إىل اجتثاث الأخوان كجماعة �إرهابية‪ ،‬وحتالف الأخوان‬ ‫مع ف�صائل من �شباب الثورة �سوف ت�شهد م�صر مفا�صالت نتائجها‬ ‫الت�ضحية بالدميقراطية‪ ،‬وبالوحدة الوطنية وبالتنمية‪ .‬هذا‬ ‫املوقف �سوف يغذي التطرف يف اجلانبني و�ستجد فيه داع�ش‬ ‫والقاعدة فر�صة �أكرب للتمدد‪.‬‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫�أثناء حكم الرئي�س ال�سابق حممد مر�سي اجتهدنا نحن منتدى‬ ‫الو�سطية العاملي �أك�ثر من مرة لن�صحه؛ لإيجاد ت�سوية حول‬ ‫الد�ستور و�إلغاء الإعالن الد�ستوري‪ ،‬وكانت قيادة جبهة الإنقاذ‬ ‫على ا�ستعداد للتفاهم‪ ،‬ولكن مع �أن��ه �أب��دى ا�ستعداد ًا لدرا�سة‬ ‫املبادرة رف�ضها املر�شد رف�ض ًا بات ًا‪ ،‬والنتيجة �أن حكم الأخ��وان‬ ‫ظهر كحكم جماعة ال للوطن ولعله �أعجب بالتجربة ال�سودانية‬ ‫فحر�ص على التمكني‪ ،‬وكانت النتيجة تكت ًال وا�سع ًا �ضدهم هو ال�سر‬ ‫يف جناح حركة مترد ويف ح�شود ‪ 30‬يونيو ويف �إجراءات ‪ 3‬يوليو‪،‬‬ ‫وخريطة الطريق للم�ستقبل امل�صري التي نفذ جلها‪ .‬م�صلحة م�صر‬ ‫�أال ت�ستعدي القابلني لالندماج ال�سيا�سي من الأخوان‪ ،‬و�أال ت�سعدي‬ ‫ف�صائل �شباب الثورة و�أال ت�صدر الأحكام على �أعمال العنف �إال‬ ‫بعد حتقيقه‪ ،‬بل و�أن يجري حتقيق عادل يف كل الأحداث ليميز‬ ‫الطيب من اخلبيث‪ ،‬و�أن يح�صر العقاب فيمن ارتكب جرم ًا؛ لأن‬ ‫جترمي تنظيم ذا وجود جمتمعي وا�سع ال يجدي‪.‬‬ ‫الأخوان امل�سلمون من جانبهم ينبغي �أن يجروا مراجعات ت�ؤكد‪:‬‬ ‫ االعرتاف بارتكاب �أخطاء حمددة‪.‬‬‫ الف�صل بني ج�سم دع��وي ال يعمل بال�سيا�سة‪ ،‬وج�سم �سيا�سي‬‫مفتوح لكل من ي�ؤيد برناجمه من امل�صريني‪.‬‬ ‫االع�تراف بالواقع الراهن واكت�ساب �شرعية للعمل ال�سيا�سي‬‫حتت مظلته التعددية ‪.‬‬ ‫ما مل يجر هذا الرتا�ضي الوطني يف م�صر‪ ،‬ف�إن اال�ستقطاب احلاد‬ ‫�سوف يفرز تطرف ًا يفتح �أو�سع الأبواب للغلو املحلي‪ ،‬والوافد ويجرب‬ ‫احلكومة على �إجراءات القب�ضة احلديدية‪ ،‬مما يزيد التطلعات‬ ‫لثورة جديدة ويعرقل امل�سرية امل�صرية‪.‬‬

‫امل�س�ألة ال�سودانية و�ألغام التطرف‪:‬‬

‫النظام احلاكم يف ال�سودان نظام ذو مرجعية �أخوانية‪ ،‬ولكنه‬ ‫اتخذ نهج ًا براجماتي ًا جعله يفرغ كثري ًا من �شعاراته للمحافظة‬ ‫على ال�سلطة‪ ،‬ال �سيما عندما �أبرم اتفاقية ‪2005‬م مع احلركة‬ ‫ال�شعبية لتحرير ال�سودان‪.‬‬ ‫ال�شعارات الإ�سالمية املفرغة عن كثري من حمتواها؛ �أدت �إىل‬ ‫ردود فعل متطرفة يف اليمني‪ :‬حركات تكفريية بع�ضها مت�صل‬ ‫بالقاعدة‪ ،‬وبع�ضها متطرف بربامج �سودانية؛ ويف الي�سار برزت‬ ‫اجتاهات علمانية لنفي الدور ال�سيا�سي للإ�سالم‪ ،‬و�أفريقيانية‬ ‫لنفي االنتماء العربي‪.‬‬ ‫ال�سودان اليوم م�سرح حركات تطرف �إ�سالمية ‪ ،‬وعلمانية ‪،‬‬ ‫وعربية ‪،‬و �أفريقانية‪ .‬وي�صحب هذا التطرف اليوم اقتتال على‬ ‫�أكرث من جبهة هي حروب هوية بالإ�ضافة لتعدد جبهات االقتتال‬

‫‪25‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫يف ال�سودان ب�سبب ال ُهوية فال�سلطة يف ال�سودان تواجه م�شاكل‬ ‫عميقة‪:‬‬ ‫ النظام �أهمل و�سائل الإنتاج املعهودة‪ ،‬ومنذ ‪2000‬م اعتمد على‬‫�إيرادات البرتول‪ ،‬و�أكرثه جنوبي وتو�سع يف ال�صرف ب�صورة ورمية‪،‬‬ ‫ومل يحتط النف�صال اجلنوب يف ‪ 2011‬ههنا م�أزق اقت�صادي كبري‪.‬‬ ‫ حروب الهوية حتيطه بجبهات اقتتال ال قبل له بها‪.‬‬‫ ثالثة الأثايف �أن الأ�سرة الدولية �شريكة يف ال�ش�أن ال�سوداين‬‫مبوجب (‪ )61‬قرار جمل�س �أمن �أغلبها مبوجب الف�صل ال�سابع‪،‬‬ ‫وبال�سودان �أكرث من ‪� 30‬ألف جندي دويل و�أفريقي‪ ،‬ويعتمد جزء‬ ‫كبري من البالد على �أغاث�إت �إن�سانية �أكرثها دولية‪ ..‬هذه احلقائق‬ ‫جتعل النظام الدويل �شريك ًا يف ال�ش�أن ال�سوداين ‪.‬‬ ‫ قيادة النظام مالحقة جنائي ًا مبوجب القرار الدويل ‪.1593‬‬‫رئي�س اجلمهورية يعتقد �أن اال�ستمرار يف ال�سلطة �أف�ضل حماية‬ ‫له من املالحقة‪ ،‬ولكن ا�ستمراره يف ال�سلطة يحرم ال�سودان من �أية‬ ‫اتفاقات ممكنة بخ�صو�ص‪:‬‬ ‫ �إعفاء الدين اخلارجي وقدره ‪ 44‬مليار دوالر مبوجب م�شروع‬‫�إعفاء ديون الدول املديونية‪.‬‬ ‫ واتفاق ب�ش�أن رفع العقوبات التي تكلف ال�سودان ‪ 745‬مليون‬‫دوالر �سنوي ًا ‪.‬‬ ‫ اتفاق بخ�صو�ص فك جتميد ‪ 350‬مليون دوالر م�ستحقة لل�سودان‬‫مبوجب اتفاقية كوتنو‪.‬‬ ‫�أي �أن خروجه من احلكم يعر�ضه لالعتقال وا�ستمراره ي�شل البالد‬ ‫اقت�صادي ًا عالجنا للمو�ضوع هو �أنه �إذا اتفقت احلركة ال�سيا�سية‬ ‫ال�سودانية على معادلة حول امل�ساءلة‪ ،‬ف�إن جمل�س الأم��ن على‬ ‫ا�ستعداد �أن يوافق عليها ولكن احلركة ال�سيا�سية ال ميكن �أن تتفق‬ ‫�إال على �أ�سا�س قيام نظام جديد و�أهل التمكني يف النظام ميتنعون‪.‬‬ ‫(ز) ال�سمة الغالبة اليوم على حرائق التطرف ت��دور حول‬ ‫الهوية؛ �أي املنطقة تعاين من حرائق الهوية وهي حرائق اكتوت‬ ‫بها �سابقا �أورب��ا ب�صورة دراماتيكية‪ ،‬يف النزاع بني الكاثوليك‬ ‫والربوت�ستانت يف فرن�سا نظم املجل�س النيابي لباري�س جلنة‬ ‫خا�صة عام ‪1549‬م لقمع اخلروج عن الر�أي و�أر�سل من �أدينوا �إىل‬ ‫املحرقة وكانت مذبحة باري�س عام ‪1572‬م الأفظع يف التاريخ‪.‬‬ ‫ا�ست�ضاف الكاثوليك الربوت�ستانت لديهم لتقريب وجهات النظر‬ ‫بينهم‪ ،‬ولكن قتلوهم لي ًال وهم نيام‪ ،‬فلما طلع ال�صبح على باري�س‬ ‫كانت ال�شوارع جتري دم ًا ولقي اليهود وامل�سلمون يف �أ�سبانيا �إبادة‬ ‫عرقية‪.‬حكم على برونو االيطايل باحلرق حي ًا ملوقفه املخالف‬ ‫من الدين‪ .‬قال قبل حرقه‪� :‬أيها الغباء املقد�س‪� ،‬أنتم وحدكم‬ ‫تفعلون الكثري للتقدم و�إ�صالح النفو�س‪� ،‬أكرث مما يفعل الإبداع‬

‫‪26‬‬

‫الب�شري والعلم‪ .‬وقد �صح كالمه‪ ،‬ف�أوربا بعد هذا التاريخ الظالمي‬ ‫ا�ستفاقت لنهج منظومة حقوق الإن�سان‪ .‬واملده�ش هو �أننا امل�سلمني‬ ‫الذين يخلو ن�صو�ص كتابنا من الإك���راه يف ال��دي��ن‪ ،‬ويخلو من‬ ‫ّا�س �إِ َنّا َخ َل ْق َن ُاك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َو ُ�أ ْن َثى َو َج َع ْل َن ُاك ْم‬ ‫العن�صرية ( َيا �أَ ُّي َها ال َن ُ‬ ‫الل �أَ ْت َق ُاك ْم ‪�.‬إِ َّن هَّ َ‬ ‫يم‬ ‫ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا ‪�.‬إِ َّن َ�أك َْر َم ُك ْم ِعنْدَ هَّ ِ‬ ‫الل َع ِل ٌ‬ ‫اء‬ ‫َخ ِب ٌ‬ ‫ري) ‪ ،‬وتعترب ن�صو�صنا املقد�سة التنوع الب�شري حتمي ًا ( َو َل ْو َ�ش َ‬ ‫احدَ ًة َوال َي َزا ُلونَ مخُ ْ َت ِل ِفنيَ)‪ ،‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ّا�س �أُ َّم ًة َو ِ‬ ‫َر ُّب َك لجَ َ َع َل ال َن َ‬ ‫�ض َواخْ ِت ُ‬ ‫الف َ�أل ِْ�س َن ِت ُك ْم َو َ�أ ْل َوا ِن ُك ْم‬ ‫ال�س َم َو ِ‬ ‫ات َوالأَ ْر ِ‬ ‫( َو ِم ْن �آ َيا ِت ِه َخل ُْق َّ‬ ‫َ‬ ‫هّ‬ ‫ّا�س َب ْع َ�ض ُهم‬ ‫ات ِّل ْل َعالمِ ِنيَ) ‪،‬وقال‪َ ( :‬و َل ْو اَل َدف ُْع ِ‬ ‫�إِ َّن فيِ َذ ِل َك لآ َي ٍ‬ ‫الل ال َن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هّ‬ ‫�ض َّل َف َ�سدَ ِت ْ أَ‬ ‫ال ْر ُ‬ ‫�ض َو َل ِك َّن الل ُذو َف ْ�ض ٍل َع َلى ا ْل َعالمَ ِنيَ) ‪ .‬وعملي ًا‬ ‫ِب َب ْع ٍ‬ ‫نعرف �صحيفة املدينة التي �أعطت التنوع الديني‪ ،‬والإثني‬ ‫م�شروعية‪ .‬نحن مع كل هذه احلقائق الآن نواجه يف �أوطاننا‬ ‫حروب الهوية‪ ،‬وهي حروب ال ميكن �أن ينت�صر �أحد طرفيها‪ ،‬بل‬ ‫تفرخ الأحقاد والتطرف‪ ،‬وتفتح �أبواب التدخل الأجنبي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫(ح) هنالك م�س�ألة ال تربز الآن �سبب ًا يف التطرف واملواجهات‪،‬‬ ‫ولكنها مع ثراء القلة وفقر الكرثة �سوف تغذي التطرف ب�صورة‬ ‫كبرية‪ ،‬مثلما فعلت يف �أوربا‪ ،‬ف�أدت ل�صراع الطبقات‪ .‬كتب توما�س‬ ‫بيكتي كتاب ًا �سماه (ر�أ���س املال املختل) ذكر فيه اختالل توازن‬ ‫توزيع ال�ثروة داخل البلدان وفيما بينها‪ ،‬وو�صل لنتيجة‪� :‬إما‬ ‫�أن تدرك النخب الرثية �أن الب�ؤ�س االقت�صادي ال ميكن تفادي‬ ‫عواقبه املدمرة �إال بتوزيع �أكرث عدالة للرثوة‪� .‬أو ف�إن �إهمال هذا‬ ‫اجلانب معناه اال�ستعداد لفكرويات عدالية تدفع نحو مواجهات‬ ‫ذات �أ�سباب اجتماعية‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬هذا ت�شخي�ص لأ�سباب التطرف‪ .‬والتطرف هو املرحلة‬ ‫ال�سابقة مبا�شرة لالقتتال‪ ،‬فماذا ن�ستطيع �أن نفعل؟ التطرف‬ ‫مطية الباطل‪ ،‬قال ابن م�سعود ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬ما من �أمر �إال‬ ‫لل�شيطان فيه نزغتان ال يبايل ب�أيهما ظفر‪ :‬التعطيل والغلو‪.‬‬ ‫و�أ�صحاب التعطيل �أو الغلو يحملون فكرهم يف بنية �أيديولوجية‪،‬‬ ‫هي بتطرفها �أعدى للحقيقة من الكذب‪ ،‬فالكذب حالة مفردة‪،‬‬ ‫�أما الأيديولوجيا املتطرفة ف�إن �صاحبها يقول ويفعل موقن ًا ب�أن‬ ‫موقفه هذا هو عني احلق‪ .‬وال ميكن �أن نخرج من م�آالت التطرف‬ ‫املدمرة �إال �إذا قمنا فكري ًا‪ ،‬وثقافي ًا‪ ،‬مبراجعة مذاهب ور�ؤى و�أفكار‬ ‫حمملة بفكر يفرخ التطرف ومنها‪:‬‬ ‫(‌�أ)الوالء والرباء‪ .‬يدر�س الوالء والرباء لدى كثريين على �أنه‬ ‫موقف مفا�صلة بني �أهل الإميان والآخرين‪ ،‬فلي�س بيننا وبينهم‬ ‫اب �أُ َّم ٌة‬ ‫�إال العداء‪ .‬ولكن ديننا يقول‪َ ( :‬ل ْي ُ�سو ْا َ�س َواء ِّم ْن َ�أ ْهلِ ا ْل ِك َت ِ‬ ‫ات اللهّ ِ �آ َناء ال َّل ْيلِ َوهُ ْم َي ْ�س ُجدُ ونَ ) ‪ ،‬ويقول‪َ ( :‬و اَل‬ ‫َق�آ ِئ َم ٌة َي ْت ُلونَ �آ َي ِ‬ ‫اب �إِ اَّل ِبا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�سنُ ِ�إ اَّل ا َل ِّذينَ َظ َل ُموا ِم ْن ُه ْم‪.‬‬ ‫تجُ َ ا ِد ُلوا �أَ ْه َل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫احدٌ‬ ‫َو ُقو ُلوا �آ َم َنّا ِبا َل ِّذي �أُن ِْز َل ِ�إ َل ْي َنا َو�أُن ِْز َل ِ�إ َل ْي ُك ْم َو�إِ َل ُه َنا َو�إِ َل ُه ُك ْم َو ِ‬ ‫َو َن ْحنُ َلهُ ُم ْ�س ِل ُمونَ ‪ . ).‬وديننا يعرتف بكرامة الإن�سان من حيث‬ ‫هو �إن�سان ما ي�سمح باملعاهدة على احرتام حقوقه الإن�سان‪ ،‬وهي‬ ‫خيارات مينعها الفهم الإق�صائي للوالء والرباء‪ .‬ينبغي �أن نراجع‬ ‫مفهوم ال��والء وال�براء بال�صورة التي ت�سمح لنا ب�إخاء الإميان‬ ‫والإخاء يف الإن�سانية‪.‬‬ ‫(‌ب)ال�سلفية ع��ب��ارة تزكية‪ ،‬و�أه���م ا�ستحقاقاتها ال��ق��دوة‬ ‫املحمدية‪ .‬ال��ق��دوة املحمدية اع�ترف��ت بالتنوع وج�سدته يف‬ ‫�صحيفة املدينة‪ .‬امتنعت عن التكفري‪ ،‬وات�سمت بالت�سامح‪ ،‬مث ًال‪،‬‬ ‫معاملة عبد اهلل بن �أب��ي �سلول‪ .‬ا�ستناد ال�سلفية البن تيمية‬ ‫انتقائي‪ ،‬لأن اب��ن تيمية ق��ال بتجاوز الن�صو�ص �إىل املقا�صد‪،‬‬ ‫وقال بااللتزام باملمكن م�ست�شهد ًا بنهج يو�سف ‪-‬عليه ال�سالم‪ -‬يف‬ ‫بالط فرعون ب�أنه مل يلتزم بكامل عدالة النبوة مراعاة للواقع‪.‬‬ ‫وقال بواجبية فعل املمكن‪ ،‬وال�شاهد قوله تعاىل‪َ ( :‬فا َّتقُوا هَّ َ‬ ‫الل‬ ‫ا�س َت َط ْع ُت ْم) ‪ ،‬وجتاوز ًا للن�صو�ص قال يف (كتاب احل�سبة)‪�" :‬إن‬ ‫َما ْ‬ ‫اهلل يقيم الدولة العادلة و�إن كانت كافرة وال يقيم الظاملة و�إن‬ ‫كانت م�سلمة‪� ،‬إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر وال تدوم مع الظلم‬ ‫والإ�سالم"‪ .‬وبينما حتر�ص �سلفية اليوم على التم�سك بربط‬ ‫الدين بالن�صو�ص وحدها‪ ،‬هاجم ابن القيم تلميذ ابن تيمية هذا‬ ‫النهج م�ؤيد ًا مقولة الفقيه احلنبلي ابن عقيل‪" :‬ال�سيا�سة ما كان‬ ‫فعال يكون معه النا�س �أقرب �إىل ال�صالح و�أبعد من الف�ساد و�إن‬ ‫مل ي�ضعه الر�سول وال نزل به وحي"‪ .‬و�سلفية اليوم يتو�سعون يف‬ ‫مفهوم البدعة‪ ،‬ويعتربون كل حمدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة �ضاللة‬ ‫وكل �ضاللة يف النار‪ .‬البدعة ههنا يف ثوابت الدين وهي التوحيد‪،‬‬ ‫والنبوة‪ ،‬واملعاد‪ ،‬والأركان اخلم�سة‪� ،‬أما يف العادات فالإ�سالم يعتمد‬ ‫احلركة كما قال ابن القيم يف �أعالم املوقعني‪ :‬تغري الفتوى بتغري‬ ‫الزمان واملكان‪ ،‬واحل��ال‪ .‬هنالك مراجعات مطلوبة يف مقوالت‬ ‫ال�سلفيني؛ لكيال تكون الدعوة جما ًال للتطرف والتكفري‪ .‬ما ي�ؤخذ‬ ‫عليهم ويوجب املراجعة هو اعتبار �أنف�سهم الفئة الناجية وتكفري‬ ‫الآخرين‪ ،‬والقول مبا هو خارج حدود املمكن‪ .‬لقد �صاروا جماعات‬ ‫مهمة يف اجل�سم الإ�سالمي اليوم‪ ،‬ويرجى �أن يجروا مراجعات‬ ‫تقفل �أبواب الغلو والتطرف‪.‬‬ ‫(‌ج)�أهل ال�سنة‪� :‬إذا كان مفهوم �أهل ال�سنة هو االلتزام ب�سنة‬ ‫النبي حممد ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬فامل�سلمون كلهم مبوجب‬ ‫هذه ال�شهادة �أهل �سنة‪ .‬ولكن الفهم الطائفي لعبارة �أهل ال�سنة‬ ‫ي�صنف ال�شيعة ت�صنيف ًا �إق�صائي ًا وي�صفهم بالرواف�ض‪ ،‬ويف �أحيان‬ ‫يكفرهم‪ .‬ه��ذا النهج ال يجوز فال�شيعية تنطلق من ت�أويالت‬ ‫لن�صو�ص فيها تزكية للإمام علي مثل قول النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫ال‬ ‫و�سلم‪ -‬يف غدير خم (ال َّل ُه َّم َم ْن ُكنْتُ َم ْو اَل ُه َف َع ِل ٌّي َم ْو اَل ُه ال َّل ُه َّم َو ِ‬ ‫َم ْن َو اَال ُه َو َعا ِد َم ْن َعا َدا ُه) كما �أو�صى النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬ ‫بالعرتة‪ .‬ونحن جميع ًا ن�صلي على حممد و�آل حممد يف حتيات‬ ‫ال�صالة‪ .‬نعم ال�شيعة �أقاموا على هذه التزكيات مفاهيم كال�سل�سلة‬ ‫الإمامية ووجوب طاعة الإمام وع�صمته‪ ،‬وهي ت�أويالت تلزمهم‬ ‫وال تلزم غريهم وال توجب تكفريهم‪.‬‬ ‫(‌د)ال�شيعة‪� :‬إذا كان مفهوم ال�شيعة هو الوالء لآل البيت النبوي‬ ‫وحبهم‪ ،‬فكل امل�سلمني �شيعة‪ .‬ولكن الفهم الطائفي لعبارة �شيعي‬ ‫ي�صنف �أهل ال�سنة ت�صنيف ًا �إق�صائيا بعبارة النوا�صب و�أحيان ًا‬ ‫يكفرهم‪ .‬مقولة �إن الإمامة كالنبوة جزء ملزم يف عقيدة امل�سلم‬ ‫عقيدة مذهبية‪ ،‬تلزم �أ�صحابها وال تلزم غريهم‪ .‬قال ال�شيخ املفيد‬ ‫و�آخرون‪ :‬من جحد الإمامة فلي�س م�ؤمن ًا‪ .‬هذا التع�صب يخالفه‬ ‫�آخرون مثل ال�سيد علي الأمني‪ ،‬وال�سيد حممد ح�سني ف�ضل اهلل‬ ‫وال�سيد ح�سني امل�ؤيد‪ .‬ويف هذا ال�صدد ال بد من تقدير خا�ص‬ ‫لل�سيد حممود احل�سني البغدادي املعروف بال�صرخي الذي �أدان يف‬ ‫ت�صريحات داع�ش؛ لعنفها والعتبارها ال�شيعة كتلة واحدة تباد‪،‬‬ ‫كما رف�ض ا�ستعانة حكومة العراق بالأجنبي‪ ،‬و�أدان تهمي�شها‬ ‫لأهل ال�سنة يف العراق مما جعل كثري ُا منهم ي�ؤيدون داع�ش‪ .‬و�أدان‬ ‫يف ت�صريحاته تناق�ض موقف املالكي الذي يدين جهات �سنية‬ ‫جم��اورة على تدخلها يف العراق‪ ،‬ويجيز جلهات جم��اورة �أخرى‬ ‫التدخل يف العراق‪ ،‬ويطلب من الأمريكان ق�صف مواقع عراقية‪.‬‬ ‫ال�شاهد‪ ،‬ينبغي �إجراء مراجعات يف هذا املجال‪ ،‬وكذلك يف املوقف‬ ‫من بع�ض ال�صحابة‪ ،‬فه�ؤالء زكتهم ن�صو�ص يف القر�آن ويف احلديث‪.‬‬ ‫واملطلوب الكف متام ًا عن ذكرهم ب�سوء‪� ،‬إن ذكرهم ب�سوء غلو ذميم‬ ‫وي�أتي مبثله يف اجتاه م�ضاد‪.‬‬ ‫(‌هـ)�أما املذاهب الفقهية فهي نتيجة حلرية االجتهاد وال مانع‬ ‫من تعددها‪ :‬احلنفي‪ ،‬واملالكي‪ ،‬وال�شافعي‪ ،‬واحلنبلي‪ ،‬واجلعفري‪،‬‬ ‫والظاهري‪ ،‬والزيدي‪ ،‬والإبا�ضي‪ ،‬املهم يف �أمرها االعرتاف املتبادل‬ ‫بها‪ ،‬وعدم التع�صب على نهج �أئمة املذاهب الذين كانوا يف غاية‬ ‫الت�سامح وعدم التع�صب حتى �أن ابن بهلول جاء البن حنبل بكتاب‬ ‫�ألفه و�سماه االختالف فقال له ال بل �سمه كتاب ال�سعة‪.‬‬ ‫(‌و)الإ�سالم ال�سيا�سي‪ :‬هذه العبارة خاطئة فالإ�سالم واحد‪.‬‬ ‫ولكن ال�صحيح �أن ي�شار له�ؤالء مبا ي�ؤكد �أن نهجهم هو اجتهادهم‬ ‫ال�سيا�سي يف الإ�سالم‪� ،‬أي ين�سب الأمر الجتهادهم الب�شري القابل‬ ‫لل�صواب واخلط�أ‪ .‬ينبغي �أال نقول الإ�سالم ال�سيا�سي‪ ،‬بل ن�شري‬ ‫�إليهم بعبارة الإ�سالميني ال�سيا�سيني‪� :‬أي منيز بني �إ�سالمي �سيا�سي‬ ‫وم�سلم و�إ�سالم‪ .‬على ه�ؤالء �إجراء مراجعات يف مقولة �إن الإ�سالم‬ ‫دين ودول��ة‪ .‬الإ�سالم دين ومقا�صد اجتماعية‪ ،‬فالدين متعلق‬

‫‪27‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫بالثوابت والدولة متعلقة مبتحركات متغرية‪ ،‬املهم �أنها يف �أية‬ ‫�شكل من �أ�شكالها ينبغي �أن تلتزم مبباديء الإ�سالم‪ ،‬وينبغي �أن‬ ‫تنطلق املراجعات من جتارب هذه احلركات ال �سيما ذات املرجعية‬ ‫الإخوانية يف م�صر‪ ،‬وال�����س��ودان‪ ،‬واجل��زائ��ر‪ ،‬وتركيا‪ ،‬وتون�س‪،‬‬ ‫وغريها‪ ،‬مراجعات �أهمها‪:‬‬ ‫ التمييز الوظيفي بني جماعة ال��دع��وة وجماعة ال�سيا�سة‬‫فجماعة الدعوة تخاطب امل�سلمني‪ ،‬وجماعة ال�سيا�سة تخاطب‬ ‫املواطنني‪.‬‬ ‫ جتنب الأحادية والتمكني اللذين �أف�شال التجربة ال�سودانية‪،‬‬‫وخوفا من تكرارها ف�شلت التجربة يف م�صر‪.‬‬ ‫ االهتمام بدرو�س التجربة الرتكية والتجربة التون�سية‪� .‬إن‬‫الأحادية والتمكني؛ ي�ؤديان للف�ساد واال�ستبداد الذي يج�سد‬ ‫التطرف‪ ،‬وي���ؤدي حتم ًا لتطرف م�ضاد فاال�ستبداد هو التفرد‬ ‫بال�شيء وعدم ال�سماح للآخرين بامل�شاركة‪ ،‬فيما لهم من حقوق‬ ‫�شرعية �أو �إن�سانية �أو �أخالقية‪.‬‬ ‫ ومن �أهم الدرو�س امل�ستفادة احلر�ص التام على جتنب العنف‬‫باحلجة امليكافلية �أن الغاية ت�برر الو�سيلة ف���أي �أم��ر يتحقق‬ ‫بالعنف يحتاج للعنف ال�ستمراره‪ .‬يف عام ‪1989‬م عقدت املنظمات‬ ‫ذات املرجعية الإخوانية م�ؤمتر ًا نقدي ًا لتجاربهم ن�شر وقائعه‬ ‫ال�شيخ عبد اهلل النفي�سي بعنوان‪( :‬احلركة الإ�سالمية‪ ،‬ر�ؤية‬ ‫م�ستقبلية‪� :‬أوراق يف النقد الذاتي)‪ .‬هذه احلركات وبعد التجارب‬ ‫الكثرية التي خا�ضتها حتتاج ب���إحل��اح مل�ؤمتر لتقييم التجارب‬ ‫و�إجراء املراجعات املن�شودة‪.‬‬ ‫(‌ز)اجلهاد‪ :‬احلاجة ملحة لبيان فقه اجلهاد‪ ،‬ال �سيما وقد �صار‬ ‫كثريون ين�سبون ت�صرفاتهم ظلم ًا وعدوان ًا للجهاد‪.‬وهناك فرق‬ ‫بني اجلهاد والقتال و�إليكم الفرق‪:‬‬ ‫ اجلهاد �أو�سع من القتال‪ ،‬ويبد�أ بالنف�س لتزكيتها ثم بالعمل بكل‬‫الو�سائل لإعالء كلمة اهلل‪ ،‬وال يوجب القتال �إال دفاع ًا عن النف�س‬ ‫وعن حرية العقيدة‪.‬‬ ‫ والقتال يف الإ�سالم ال يجوز �إال تلبية لنداء قيادة �شرعية‪،‬‬‫حينئذ يلتزم ب�ضوابط �أخالقية �صارمة‪ ،‬فال ي�ستهدف غري‬ ‫وهو‬ ‫ٍ‬ ‫املقاتلني من �صفوف العدو‪.‬‬ ‫مقولة �إن �آي��ة ال�سيف قد ن�سخت كل �آي��ات الت�سامح يف القر�آن‬ ‫مقولة باطلة‪ ،‬والآية املحكمة يف �أمر القتال يف الإ�سالم هي قوله‬ ‫تعاىل (�أَ َ‬ ‫ول‬ ‫الر ُ�س ِ‬ ‫اج َّ‬ ‫ال ُت َقا ِت ُلونَ َق ْوم ًا َّن َك ُثو ْا �أَيمْ َ ا َن ُه ْم َوهَ ُّمو ْا ِب�إِخْ َر ِ‬ ‫َوهُ م َبدَ �ؤُ ُ‬ ‫وك ْم �أَ َّو َل َم َّر ٍة َ�أ َتخْ َ�ش ْو َن ُه ْم َفاللهّ ُ َ�أ َح ُّق َ�أن َتخْ َ�ش ْو ُه �إِن ُكن ُتم‬ ‫ُّم�ؤُ ِم ِننيَ) ‪ .‬احلاجة ما�سة ملراجعة فقه اجلهاد لأن كثريين اتخذوا‬ ‫من العبارة مدخ ًال للتطرف غري امل�شروع‪ ،‬مث ًال‪ ،‬يف ال�سودان �أعلنت‬

‫‪28‬‬

‫جماعة �إذا مل تطبق ال�شريعة يف ظرف كذا من الأيام نعلن اجلهاد‪،‬‬ ‫ويف هذا الباب تطرف كثري ميار�سه بع�ضنا با�سم اجلهاد‪.‬‬ ‫(‌ح)الإره���اب‪ :‬بع�ض امل�سلمني يقول �إن الإره��اب واج��ب ديني‬ ‫اط الخْ َ ْيلِ‬ ‫ا�س َت َط ْع ُت ْم ِم ْن ُق َّو ٍة َو ِم ْن ِر َب ِ‬ ‫لقوله تعاىل‪َ ( :‬و�أَ ِع ُّدوا َل ُه ْم َما ْ‬ ‫الل َو َعدُ َّو ُك ْم) ‪ .‬هذا لي�س ت�شريع ًا للعنف‪ ،‬بل‬ ‫ُت ْر ِه ُبونَ ِب ِه َعدُ َّو هَّ ِ‬ ‫ملنع العنف؛ لأن القوي بكل �أر�ض يتقى‪" .‬الإرهاب" املعني اليوم‬ ‫�شيء خمتلف متاما ًعن الن�ص القر�آين‪ ،‬ومعناه التهديد با�ستخدام‬ ‫العنف �أو ا�ستخدامه بالفعل للتخويف �أو الإكراه‪ ،‬لتحقيق غايات‬ ‫�سواء �أكان �إرهاب ًا متار�سه دولة �أو فئات‬ ‫�سيا�سية يف معظم الأحيان‪ً ،‬‬ ‫غري حكومية‪ .‬ال �إرهاب الدولة وال �إرهاب الفئات الأهلية م�سموح‬ ‫بهما يف الإ�سالم‪ ،‬بل هي ممار�سات و�ضعية يتخذها �أ�صحابها دون‬ ‫ارتباط ب�أي ديانة‪ ،‬مهما حاولوا �إعطائها �صبغة �إ�سالمية ملمار�سة‬ ‫اجلهاد‪ .‬هذا النوع من املمار�سات ين�ش�أ دائم ًا يف مقاومة غزاة‬ ‫�أجانب‪� ،‬أو طغاة وطنيني‪ ،‬ويتمدد يف ظروف الفو�ضى التي تعقب‬ ‫تفكك الدولة املركزية كما يف ال�صومال‪ ،‬و�سوريا‪ ،‬والعراق‪ .‬هذا‬ ‫النوع من التحرك دائم ًا ينطلق من فكر متطرف لتجنيد م�ؤيديه‪.‬‬ ‫املطلوب �أن نراجع ملف الإرهاب‪ ،‬و�أن ن�ؤكد براءة الإ�سالم منه‪،‬‬ ‫و�أن نربطه بظروف �سيا�سية معينة تفرخ التطرف وممار�سات‬ ‫العنف املرتبطة ب��ه‪ .‬ه��ذا النهج �أف��رزت��ه ظ��روف معينة يف كل‬ ‫الأديان‪ ،‬وكل احل�ضارات‪ ،‬وكل البلدان‪ .‬والدر�س امل�ستفاد هو �أن‬ ‫حماربة الإره��اب مبحاربة �أعرا�ضه �أمني ًا فا�شلة‪ ،‬املطلوب يف‬ ‫الق�ضاء على الإره��اب هو الت�صدي للعوامل التي تفرز التطرف‬ ‫وقرينه العنف الإرهابي‪ ،‬فمحاربة الإرهاب‪ ،‬مث ًال‪ ،‬يف �أفغان�ستان‬ ‫زادته‪ .‬ومنذ ن�ش�أة القاعدة يف �أواخر الت�سعينات من القرن املا�ضي‬ ‫�أدت حماربة الإع��را���ض‪ ،‬ال الأ�سباب �إىل زي��ادة وجودها و�إىل‬ ‫متددها يف �شبكة وا�سعة االنت�شار‪ .‬بل �إىل ا�ستن�ساخ �أ�سلوبها‬ ‫حتى بلغت �أخواتها يف الأ�سلوب ع�شرات‪ ،‬مث ًال‪ :‬جبهة الن�صرة‪،‬‬ ‫�أن�صار ال�شريعة‪ ،‬ال�شباب ال�صومايل‪ ،‬جبهة بيت املقد�س‪� ،‬أجناد‬ ‫م�صر‪ ،‬بوكو حرام‪ ..‬احلقيقة املرة �أن التيارات املتطرفة زادت‪،‬‬ ‫وممار�سات العنف املقرتنة بها زادت‪ ،‬والقاعدة ب�سطت �شبكة‬ ‫وفرخ �أ�سلوبها حركات مقتدية بها تطرف ًا وعنف ًا‪ .‬داع�ش‪،‬‬ ‫وا�سعة ّ‬ ‫وهي وليد من ح�ضن القاعدة بلغ بالأمر طور ًا نوعي ًا‪ ،‬انطلقت من‬ ‫ظروف م�ؤاتية �أغ�ضبت �أهل ال�سنة يف العراق‪ .‬خالفة داع�ش لن‬ ‫�صدى يف العراق ال�شيعي والعراق الكردي �إال �صدى مقاومة‬ ‫جتد‬ ‫ً‬ ‫�صدى وا�سع ًا يف العراق ال�سنة‪ ،‬ويف جوار‬ ‫لها‪ .‬ولكن �سيكون لداع�ش‬ ‫ً‬ ‫العراق من بلدان ال�سنة‪ .‬هذه بع�ض التكاليف التي �ستدفعها �أمتنا‬ ‫ثمنا ال�ستنبات التطرف والعنف امل�صاحب له‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫(‌ط)تطبيق ال�شريعة‪ :‬ال�شريعة يف كل ما يتعلق بالثوابت‬ ‫�أي التوحيد‪ ،‬والنبوة‪ ،‬واملعاد‪ ،‬والأرك���ان اخلم�سة‪ ،‬والأخ�لاق‪،‬‬ ‫والأح���وال ال�شخ�صية مطبقة ف�أهل القبلة م�سلمون‪ ،‬وينبغي‬ ‫ال��ع��دول ع��ن فكرة �أن��ه��م يف جاهلية‪� .‬إن احلكم �إال هلل متعلق‬ ‫بالت�شريع‪ ،‬وع��ب��ارة حكم يف ال��ق��ر�آن دائ��م�� ًا متعلقة بالت�شريع‬ ‫والق�ضاء ال بوالية الأم��ر‪ .‬هذا خط�أ اخل��وارج كما قال الإم��ام‬ ‫علي‪ ،‬نعم �إن احلكم �إال هلل ولكنكم تقولون الإمرة هلل وهذا خط�أ‬ ‫ج�سيم‪ .‬وتطبيق �أحكام الإ�سالم ي�ستوجب مراعاة عوامل كثرية‬ ‫�أهمها‪ :‬مراعاة الظروف احلديثة‪ ،‬مراعاة الأولويات‪ ،‬مراعاة‬ ‫حقوق املواطنني غري امل�سلمني‪ ،‬فالأمر يتطلب اجتهادا يراعي‬ ‫هذه الظروف ويلم بالواقع ويزاوج بينهما كما قال ابن القيم‪.‬‬ ‫�أما احلديث عن تطبيق ال�شريعة ك�أن كل املطلوب هو فتح كتب‬ ‫مرجعية وتطبيق ما جاء فيها‪ ،‬ف�إنه ي�أتي بنتائج عك�سية تتعار�ض‬ ‫مع مقا�صد ال�شريعة‪ .‬ويف جتربة ال�سودان يف عهدين‪ :‬عهد ال�سيد‬ ‫جعفر منريي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬وعهد نظام "الإنقاذ" �أبلغ دليل على‬ ‫ما جر �شعار تطبيق ال�شريعة املجرد من االجتهاد املطلوب ومن‬ ‫مراعاة الواقع للإ�سالم ولل�سودان من م�ضار‪ .‬ال يوجد نظام معني‬ ‫للإمرة يف الإ�سالم‪ ،‬فال اخلالفة التي يدعو لها بع�ض �أهل ال�سنة‬ ‫وال والية الفقيه التي يدعو لها ال�شيعة يف �إي��ران نظم ملزمة‬ ‫للكافة‪ ،‬فالنظام الدميقراطي مع اختالف �أ�شكاله هو اليوم �آلية‬ ‫�أف�ضل لتطبيق مباديء الإ�سالم ال�سيا�سية‪ .‬وينبغي البحث عن‬ ‫�صيغة اجتهادية حديثة لتج�سيد عالقات الإخاء بني امل�سلمني‬ ‫كالرابطة (كومنولث) التي اقرتحها مالك بن نبي‪� .‬أما حماولة‬ ‫�إقامة خالفة واحدة لكافة �أهل القبلة �أو �إلزامهم ب�إتباع والية‬ ‫الفقيه فهي تطلعات خارج نطاق املمكن‪ ،‬ولذلك تفرخ حتم ًا �أفكار ًا‬ ‫متطرفة �ستواجهها ردود فعل متطرفة‪ .‬اخلالفة بالفهم التقليدي‬ ‫لدى �أهل ال�سنة‪ ،‬والإمامة بالفهم التقليدي لدى ال�شيعة ميثالن‬ ‫م�شروع مواجهة قتالية ال تبقي وال ت��ذر‪ .‬ق��ال العز بن عبد‬ ‫ال�سالم‪ :‬كل عمل يحقق عك�س مقا�صده باطل‪.‬‬ ‫(‌ي)العلمانية‪ :‬دع��اة العلمانية يحتاجون كذلك ملراجعات‬ ‫وا�ضحة املعامل‪ ،‬ف���إن �أك�ثر �أ�شكال التطرف حدة مور�ست حتت‬ ‫�شعارات علمانية كال�ستالنية‪ ،‬والهتلرية‪ ،‬والفا�ش�ستية‪ .‬وهي‬ ‫ممار�سات اقتب�س منها كثري من الطغاة يف عاملنا‪ .‬وهنالك اليوم‬ ‫يف بع�ض بلداننا‪ ،‬م�صر مث ًال‪ ،‬تيارات علمانية متطرفة تلح على‬ ‫اجتثاث الآخ��ر اجتثاث ًا‪ .‬العلمانيون يحتاجون ملراجعات �أهم‬ ‫معاملها‪:‬‬ ‫ الوهم �أن احل�ضارة الغربية احلديثة هي ح�ضارة علمانية‬‫خال�صة‪� .‬إنها ح�ضارة رائعة حققت تطوير ًا ملنظومة حقوق‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫الإن�سان‪ ،‬وفتوحات تكنلوجية عظيمة‪ .‬ولكنها ح�ضارة مثقلة‬ ‫مبحمول ديني‪ ،‬وثقايف �أورب��ي ويف كل �أقطارها و�صلت ملعادلة‬ ‫متوازنة بني العلمانية والديانة‪ .‬الليربالية والعلمانية كمفاهم‬ ‫جمردة من عالئق ثقافية‪ ،‬مفاهيم لتد�صري ال توجد جمردة من‬ ‫تلك العالئق يف �أوطانها‪.‬‬ ‫ قال بيرت بريقر �أحد دعاة العلمانية‪ :‬لقد �أخط�أنا �إذ ا�شرتطنا‬‫العلمانية؛ لتحقيق ال��دمي��ق��راط��ي��ة‪ ،‬ف���أف��دح ال��ت��ع��دي��ات على‬ ‫الدميقراطية كانت من نظم علمانية‪ ،‬ال�شرط للدميقراطية هو‬ ‫التعددية‪.‬‬ ‫ وقال ت�شارل�س تيلور من مفكري العلمانية‪ :‬نحن نخون مبادءنا‬‫�إذا منعنا الذين يقولون باجتهاد ديني من امل�شاركة يف احلياة‬ ‫العامة املهم �أن يلتزموا بحقوق املواطنة‪.‬‬ ‫ الفكر العلماين التقليدي �أ�صويل عرب عن �أفكاره مراد وهبة‬‫الذي قال �إن مكونات الدميقراطية �أربعة‪ :‬العلمانية‪ ،‬والعقد‬ ‫االجتماعي ومعناه ه��دم ف��ك��رة �أن احل��اك��م �سلطته م��ن اهلل‪،‬‬ ‫والليربالية ومعناها �أن �سلطة ال��ف��رد ف��وق �سلطة املجتمع‪،‬‬ ‫والعقالنية ومعناها �أال �سلطة على العقل �إال العقل‪ .‬هذه مفاهيم‬ ‫علمانية �أ�صولية بعيدة عن الواقع؛ فالعلمانيون امل�ستنريون �صاروا‬ ‫يعرتفون �أن الدين ال ميكن ح�صره يف النطاق اخلا�ص‪ .‬نعم ال تقبل‬ ‫الثيوقراطية‪ ،‬ولكن وجود اجتهاد ذو مرجعية دينية يف احلياة‬ ‫العامة من مقت�ضيات التعددية‪.‬‬ ‫ العلمانية كمفهوم فل�سفي حمملة ب�إنكاره �أية قيمة للغيب‪ ،‬و�أية‬‫�أ�س�س ثابتة ملكارم الأخالق‪ ،‬وقد كانت فل�سفة عمانويل كانط �أبلغ‬ ‫ر�ؤية للتوفيق بني العلمانية يف جمالها يف عامل ال�شهادة‪ ،‬والقيم‬ ‫الأخرى التي جمالها الوحي والإلهام وال تدركها احلوا�س‪.‬‬ ‫ يف هذا ال�صدد ف�إن �أف�ضل ر�أي هو ما جاء على ل�سان حممد عابد‬‫اجلابري‪ ،‬قال �إن الواجب ا�ستبعاد �شعار العلمانية من املعجم‬ ‫الفكري القومي العربي‪ ،‬وا�ستبداله بالدميقراطية‪ ،‬والعقالنية‬ ‫فهما يعربان تعبري ًا �صادق ًا عن حاجات جمتمعنا‪.‬‬ ‫ �إن للم�ساواة يف حقوق املواطنة‪ ،‬وامل�ساواة �أمام القانون‪ ،‬وحقوق‬‫الإن�سان ك�إن�سان‪ ،‬والعقالنية‪� ،‬أ�س�سا را�سخة يف تراثنا امل�ستنري‪،‬‬ ‫وهي �أوىل باال�ست�صحاب‪.‬الأ�صولية العلمانية كما و�صفها مراد‬ ‫وهبة �صيغة تطرف تولد نقي�ضها من التطرف حتم ًا‪.‬‬ ‫(‌ك)امل�س�ألة القومية‪ :‬القومية العربية حقيقة ثقافية‪،‬‬ ‫وجيو�سيا�سية‪ ،‬وتاريخية‪ ،‬وهي �أ�سا�س لوالء قومي متني‪ .‬وهي‬ ‫رابطة جامعة بني العرب امل�سلمني وامل�سيحيني واليهود‪ .‬ولكنها‬ ‫رابطة مفرقة بني العرب والقوميات الأخ��رى التي ت�شاركهم‬ ‫الوطن‪ ،‬و�أي نزعة �أحادية للقومية العربية‪ ،‬ت�صنع ردة فعل م�ضادة‬

‫‪29‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫لدى القوميات غري العربية‪ ،‬ويف هذا املجال تن�ش�أ حتم ًا م�ساجالت‬ ‫تطرف‪ .‬املراجعة املطلوبة يف هذا ال�صدد تتطلب �أمرين‪ :‬الأول‪:‬‬ ‫الرتكيز على الفهم الثقايف املكت�سب للعروبة على نحو ما جاء يف‬ ‫حديث النبي حممد ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪" :-‬لي�ست العربية‬ ‫لأحدكم من �أب �أو �أم‪ ،‬من تكلم العربية فهو عربي"‪ .‬والثاين‪:‬‬ ‫االعرتاف بحقوق القوميات والثقافات الأخرى‪ ،‬ما يثمر مفهوم‬ ‫القومية املركبة‪ .‬فماذا نقول؟ املعنى املن�شود هو الإ�شارة للعرب‬ ‫و�إخوانهم يف املواطنة‪ .‬ال مينع تفريخ تيارات قومية متطرفة‬ ‫ومت�صادمة �إال التوفيق بني االنتماء العربي‪ ،‬واالنتماءات القومية‬ ‫الأخرى‪ .‬هذا التوفيق �صار مهم ًا يف ظل منظومة حقوق الإن�سان‬ ‫وت�شمل احلقوق الثقافية‪ .‬يف بع�ض البلدان كال�سودان الهوية‬ ‫الثقافية املركبة‪� ،‬شرط لل�سالم االجتماعي‪ .‬حقيقة ف�صلتها يف‬ ‫كتابي‪( :‬الهوية ال�سودانية بني الت�سبيك والتفكيك) التوفيق‬ ‫املن�شود �أو اال�ستعداد ال�صطفاف قومي �صدامي‪.‬‬ ‫(‌ل) امل�س�ألة االجتماعية‪ :‬داخ��ل بلداننا الإ�سالمية‪ ،‬وفيما‬ ‫بينها فوارق اجتماعية حادة‪ .‬و�أغلبية �سكان بلداننا �شباب دون‬ ‫الثالثني يف العمر‪ ،‬و�أغلب ه�ؤالء عاطلني عن العمل‪ .‬هذه احلقائق‬ ‫�ألغام تغذي كل �أنواع الفكر املتطرف وبالتايل العنف‪ .‬ال بد من‬ ‫العثور على �صيغة جترد فوائ�ض الرثوة من الفردية‪ ،‬وتتعامل معها‬ ‫كقوة اجتماعية توظف قاطرة للتنمية والعدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫على �أن تتم هذه ال�صحوة االجتماعية بو�سائل اختيارية جمردة‬ ‫من الإكراه‪� .‬أما الذي يح�صل حالي ًا‪ ،‬وهو �إخ�ضاع الرثوات للرغبات‬ ‫القطرية �أو الفردية وا�ستثمارها يف ال��دول الغربية‪ ،‬فهو نهج‬ ‫يتطلب مراجعة �إن �أردنا �أن نحول دون تطرف يغذيه احلرمان‬ ‫والعطالة‪.‬‬ ‫(‌م) الأ�سباب اخلارجية للتطرف‪ :‬ت�صرفات القوى الكربى من‬ ‫�ش�أنها �أن تغذي تيارات التطرف �أو االعتدال ملعاجلة ذلك ‪:‬‬ ‫ ال بد من كبح جماح �إ�سرائيل‪ ،‬الأ�سرة الدولية لعبت الدور الأهم‬‫يف �إقامة �إ�سرائيل‪ ،‬وال �سبيل ل�سالم يربمه املتغلب مع املغلوب‪.‬‬ ‫ ال بد من مراجعة الواليات املتحدة ملواقفها وفر�ض ال�سالم‬‫العادل على �إ�سرائيل‪ ،‬و�إال ف�إنها �سوف تبقى با�ستمرار م�صدر ًا‬ ‫للتطرف والعنف‪.‬‬ ‫ وال بد �أن تتبع الواليات املتحدة �سيا�سة ملمة بحقائق املنطقة‬‫وبعيدة عن غطر�سة القوة‪ .‬قال �سري �إيفور روبرتز �سفري بريطانيا‬ ‫يف �إيطاليا عام ‪2004‬م‪� :‬إن الرئي�س جورج بو�ش هو �أكف�أ من عمل‬ ‫لتجنيد القاعدة‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫عاملنا الإ�سالمي اليوم تتجاذبه تيارات التطرف وحركات العنف‬ ‫امل�صاحبة لها‪ ،‬ف�إن تركت التباع �أجندتها املدمرة ف�إنها كفيلة‬ ‫ب�إحراقها‪ .‬الوعي العقلي يلزمنا �أن نقوم بالت�شخي�ص الواعي ملا‬ ‫يدور يف �أمتنا‪ ،‬والواجب الديني يلزمنا بالتحرك لإطفاء احلرائق‬ ‫و�إنقاذ الأمة من هذا امل�صري املظلم‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪َ ( :‬ف�إِنْ َيكْفُ ْر ِب َها ه�ؤُ اَلءِ َف َق ْد َو َّك ْل َنا ِب َها َق ْو ًما َل ْي ُ�سوا ِب َها‬ ‫ِب َكا ِف ِرينَ ) ‪ ،‬وقال النبي حممد ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪َ " :-‬ي ْحم ُِل‬ ‫هَ َذا ا ْل ِعل َْم ِم ْن ُك ِّل َخ َل ٍف ُعدُ و ُلهُ ‪َ ،‬ي ْنفُونَ َعنْهُ تحَ ْ ِر َ‬ ‫يف ا ْل َغا ِل َ‬ ‫ني ‪،‬‬ ‫ال المْ ُ ْب ِط ِل َ‬ ‫اه ِلنيَ"‪.‬‬ ‫َوا ْن ِت َح ِ‬ ‫ني ‪َ ،‬و َت�أْوِيلِ الجْ َ ِ‬ ‫علينا يف منتدى الو�سطية �أن نتبنى ت�شخي�ص ًا مو�ضوعي ًا للتطرف‪،‬‬ ‫و�أ�سبابه‪ ،‬وتداعياته العنفية‪ ،‬و�أن ننادي �أ�شباهنا يف الإميان‬ ‫والفكر والهمة‪ ،‬لتكوين كتيبة حكماء ت�ضع �أ�س�سا مليثاق جامع‬ ‫ُي�سدي الن�صح ل��والة الأم��ر الر�سميني وال�شعبيني يف كل �أرج��اء‬ ‫الأمة‪ .‬ويف هذا ال�صدد قد اقرتحت ميثاق ًا توافقي ًا يف بداية هذا‬ ‫العام (‪2014‬م)‪.‬‬ ‫�إن موقف املتفرج �إزاء احلرائق التي �أ�شعلها التطرف موقف ال‬ ‫ير�ضاه الدين‪ ،‬وال الأخالق‪ ،‬وال الوطنية‪ ،‬بل وال الإن�سانية‪.‬‬ ‫�إنني �أ�شكر زمالئي الذين نظموا هذا الإفطار الإحيائي ودعوين‬ ‫للتحدث يف هذا املو�ضوع احليوي‪ ،‬واقرتح �أن نختار جماعة عمل‬ ‫لت�ضع خطة عملية منار�س بها واجبنا الذي هو �أوجب واجبات‬ ‫االجتهاد واجلهاد‪.‬‬ ‫واهلل ويل التوفيق‪،،‬‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫‪� -1‬سورة طه الآية (‪)50‬‬ ‫‪Michael B. Oren, Power, Faith and Fantasy -2‬‬ ‫‪� -3‬سورة احلجرات الآية رقم (‪)13‬‬ ‫‪� -4‬سورة هود الآية رقم (‪)118‬‬ ‫‪� -5‬سورة الروم الآية رقم (‪)22‬‬ ‫‪� -6‬سورة البقرة الآية رقم (‪)251‬‬ ‫‪� -7‬سورة �آل عمران الآية رقم (‪)113‬‬ ‫‪� -8‬سورة العنكبوت الآية رقم (‪)46‬‬ ‫‪� -9‬سورة التغابن الآية رقم (‪)16‬‬ ‫‪� -10‬سورة التوبة الآية رقم (‪)13‬‬ ‫‪� -11‬سورة الأنفال الآية رقم (‪)60‬‬ ‫‪� -12‬سورة الأنعام الآية رقم (‪)89‬‬ ‫‪ -13‬ال�سنن الكربى للبيهقي‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬

‫اإلقتصاد اإلسالمي‬ ‫لماذا يجب أن نهتم؟‬ ‫د‪ .‬جمال احلم�صي‬

‫يف ظل ظروف انتقالية �صعبة‪ ،‬تواجه االقت�صاديات العربية‬ ‫حالي ًا حالة من ال�ضبابية بخ�صو�ص توجهاتها الإ�سرتاتيجية‬ ‫يف جم��ال ال�سيا�سات االقت�صادية‪ .‬وت��ع��زى ه��ذه احل��ال��ة �إىل‬ ‫الفراغ الكبري الذي �أحدثته الأزمات العاملية‪،‬‬ ‫والإقليمية يف ر�ؤية االقت�صاديني وال�سيا�سيني‬ ‫ل��ط��ب��ي��ع��ة وم�ل�ام���ح ال���ن���م���وذج االق��ت�����ص��ادي‬ ‫«الأمثل» للدول من ناحية‪ ،‬و�إىل ت�أخر الأداء‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وه�شا�شة الو�ضع االقت�صادي يف‬ ‫املنطقة العربية عموم ًا باملقارنة مع �أداء بقية‬ ‫املناطق خ�لال العقدين املا�ضيني‪ ،‬من ناحية‬ ‫�أخرى‪.‬‬ ‫فهل �ستتابع ال���دول العربية والإ���س�لام��ي��ة‬ ‫تطبيقها للمبادئ االقت�صادية الليربالية‬ ‫التي كانت م�آالتها‪ ،‬ونتائجها دون التوقعات وخميبة للآمال يف‬ ‫حتقيق التنمية ال�شاملة والعادلة‪� ،‬أم �ستعود �إىل ممار�سات حقبة‬ ‫اخلم�سينيات املا�ضية يف تبني �أ�س�س اال�شرتاكية والتخطيط‬ ‫املركزي التي هجرها �أ�صحابها؟ �أم �أن هنالك خيارات �أخرى‬ ‫متميزة وفريدة تنا�سب هذه الأمة وثقافتها؟‬ ‫باخت�صار هنالك حاجة ما�سة �إىل البحث عن «من��وذج تنموي‬ ‫جديد» بعد انهيار احللم اال�شرتاكي يف نهاية عقد الثمانينيات من‬ ‫القرن املا�ضي‪ ،‬وتراجع الثقة بالنموذج الر�أ�سمايل بعد التداعيات‬ ‫ال�ضخمة للأزمة املالية واالقت�صادية العاملية اجلديدة‪ .‬هذا‬ ‫املقال ي�ستعر�ض مزايا النموذج االقت�صادي الإ�سالمي‪.‬‬

‫�أو ًال‪ :‬عجز كبري يف حتقيق هدف النمو الت�شاركي‪.‬‬

‫وفق ًا لأحدث املعايري التنموية يف املجال االقت�صادي‪ ،‬تعاين معظم‬ ‫الدول العربية والإ�سالمية من عجز كبري يف حتقيق هدف «النمو‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫الت�شاركي ‪ ،« Inclusive Growth‬وي�شري النمو الت�شاركي‬ ‫لي�س �إىل النمو يف ال��دخ��ل القومي بغ�ض النظر عمن ينتفع‬ ‫بثمار هذا النمو‪ ،‬و�إمن��ا �إىل‪ :‬النمو الذي ي�ساهم فيه وي�شرتك‬ ‫يف ثماره خمتلف فئات ال�سكان‪ ،‬والقادر على تخفي�ض ن�سبة الفقر‬ ‫وانت�شاره‪ ،‬وعلى تقليل عدم امل�ساواة االقت�صادية‪ ،‬وتوفري فر�ص‬ ‫العمل الكرمي‪ ،‬وتو�سيع الطبقة الو�سطى ب�صورة فعالة وقابلة‬ ‫لال�ستمرار ومن خالل الرتكيز على ا�ستدامة النمو االقت�صادي‬ ‫و�سرعته وتوزيعه يف �آن واحد‪.‬‬ ‫ومن املعروف �أن �إحدى خطوات �أو مراحل املنهج العلمي يف حل‬ ‫امل�شكالت‪ ،‬واتخاذ القرار ما يعرف مبرحلة «حتديد البدائل �أو‬ ‫اخليارات»‪ ،‬و�إذا ما �أدركنا ب�أن الهدف الأ�سا�سي من وجود �أي نظام‬ ‫اقت�صادي (�أي نظام القيم الذي يحدد‬ ‫كيفية تخ�صي�ص املوارد‪ ،‬وتوزيع الدخول‬ ‫لإ�شباع االحتياجات املادية للمجتمع)‬ ‫�إمن����ا ه��و ح��ل امل�����ش��ك��ل��ة االق��ت�����ص��ادي��ة‬ ‫وحتقيق التنمية االقت�صادية امل�ستدامة‬ ‫والنمو الت�شاركي‪ ،‬تبني لنا �أهمية درا�سة‬ ‫النظام االقت�صادي الإ�سالمي باعتباره‬ ‫اح��د البدائل الرئي�سية املتاحة لدى‬ ‫اجلن�س الب�شري‪� ،‬إ�ضافة �إىل النظامني‬ ‫الر�أ�سمايل واال�شرتاكي‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬حتليل عام للنظام االقت�صادي الإ�سالمي‪.‬‬

‫و�إذا ما قمنا بتحليل عام للنظام االقت�صادي الإ�سالمي‪ ،‬جند انه‬ ‫ميكن تق�سيمه �إىل جز�أين رئي�سيني هما‪:‬‬ ‫‪ -1‬مكون ثابت ود�ستوري غري قابل للتعديل والتغيري‪ ،‬وهذا‬ ‫اجل��زء رب��اين امل�صدر وم�ستمد م��ن قطعيات ال��ق��ر�آن وال�سنة‬ ‫النبوية والإج��م��اع‪ ،‬كاعتبار امل��ال و�سيلة‪ ،‬ولي�س غاية يف حد‬ ‫ذاته‪ ،‬واعتبار الإن�سان م�ستخلف يف املال وم�س�ؤول عن طرق ك�سبه‬ ‫و�إنفاقه‪ ،‬وحرية العمل واال�ستهالك واال�ستثمار �ضمن �ضوابط‬ ‫ال�شرع‪ ،‬ووجوب الزكاة وحترمي الربا واالحتكار والف�ساد املايل‬ ‫والإداري‪ ،‬واحلث على �إتقان العمل وطلب العلم‪ ،‬و�أهمية الأخالق‬ ‫و�سلطة ال�ضمري (ما ميكن ت�سميته بر�أ�س املال الأخالقي) �إىل‬ ‫جانب عوامل التناف�س والت�شريع‪ ،‬و�سلطة الدولة يف الرقابة‬ ‫على الأ�سعار والأ�سواق واملرافق العامة‪ .‬وكذلك �أهمية حتقيق‬

‫‪31‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫�أهداف القوة االقت�صادية وتقلي�ص التبعية االقت�صادية و�إعطاء‬ ‫العدالة التوزيعية وزن ًا �أكرب‪.‬‬ ‫‪ -2‬ج��زء متغري وق��اب��ل للتعديل والتكيف ح�سب متطلبات‬ ‫وم�ستجدات البيئة والظروف االقت�صادية‪ .‬وهذا اجلزء «املفتوح»‬ ‫واملرن يرتبط وال يتناق�ض مع مقا�صد اجلزء الثابت‪ ،‬وي�ستمد من‬ ‫االجتهاد ومعطيات العلوم ال�شرعية واالجتماعية يف �إطار امل�صالح‬ ‫املر�سلة‪ .‬ومن الأمثلة على هذا اجلزء‪ :‬حجم ومعدل ال�ضريبة‬ ‫على الدخل (غ�ير الزكاة على االدخ���ارات املعطلة)‪ ،‬وطبيعة‬ ‫وحجم م�ساهمة الدولة يف الن�شاط االقت�صادي‪ ،‬والتعريف‬ ‫املعتمد للفقر والفقراء لأغرا�ض توزيع الزكاة �ضمن بيئة مكانية‬ ‫وزمنية معينة‪ .‬هذه املتغريات لي�س هنالك ن�ص قطعي ينظمها‪،‬‬ ‫بل ترتك لتحليل ال�سيا�سة ال�شرعية وللعملية ال�سيا�سية‪ ،‬مع‬ ‫االلتزام بالثوابت (كحماية امللكية الفردية)‪.‬‬

‫متيز البديل الإ�سالمي و�إ�شكاليات تقليد النموذج الغربي‬

‫من املعلوم �إن االقت�صاد الإ�سالمي هو اقت�صاد خمتلط‪ ،‬مبعنى انه‬ ‫يجمع بني االعتماد على قوى ال�سوق احلرة يف حتقيق احلرية‬ ‫والكفاءة االقت�صادية‪ ،‬وبني اللجوء �إىل التدخل احلكومي يف‬ ‫حتقيق العدالة والكرامة االقت�صادية (ع��ادة يتم ذلك خارج‬ ‫�إطار ال�سوق)‪ .‬ودور الدولة هنا يكون من خالل تطبيق قواعد‬ ‫د�ستورية ثابتة يف ال�سيا�سة االقت�صادية ‪ Policy Rules‬حتفز‬ ‫الإنفاق واال�ستثمار والنمو وتعيد توزيع الدخل والرثوة (مثال‪:‬‬ ‫نظامي الزكاة والوقف) من ناحية‪ ،‬ومن خالل تنفيذ �سيا�سات‬ ‫�أخرى مرنة ومتغرية وبدرجات متفاوتة طبق ًا للظروف واجتهاد‬ ‫احلكومات‪ ،‬من ناحية �أخرى‪.‬‬ ‫وقد يقول قائل‪ ،‬فبماذا �إذن يتميز النظام االقت�صادي الإ�سالمي‬ ‫ج��وه��ري�� ًا ع��ن الأن��ظ��م��ة احلديثة القائمة ح��ال��ي�� ًا‪ ،‬وحت��دي��د ًا‬ ‫االقت�صاديات الغربية ذات الأنظمة املختلطة؟ وما اجلديد الذي‬ ‫�سيقدمه االقت�صاد الإ�سالمي مقابل االقت�صاديات الغربية الغنية‬ ‫واملتقدمة؟ وملا ال نحاكي الأمم الغربية التي حققت جناحات‬ ‫م�شهودة يف جمال النمو االقت�صادي القائم على التقنية العالية‬ ‫واحلاكمية الر�شيدة؟‬ ‫يف ال��واق��ع‪ ،‬ف��ان ما مييز النظام الإ�سالمي هو ث�لاث خ�صائ�ص‬ ‫رئي�سية‪ :‬رب��ان��ي��ة الأ���ص��ول و�أخ�لاق��ي��ة التعامل االقت�صادي‬ ‫والأ�سبقية التاريخية‪ .‬ويف حني مت �شرح اخلا�صية الأوىل �أعاله‪،‬‬ ‫فان اخلا�صيتني الالحقتني ت�ستحقان بع�ض ال�شرح‪ .‬ال�شك ب�أن‬ ‫البع�ض �سيتحفظ على اخلا�صية الأخالقية وميكن �إن يعتربها‬

‫‪32‬‬

‫حلم ًا لي�س له انعكا�س على الواقع‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬البد من الت�أكيد‬ ‫ب�أن الأخالقية تنبع من توفر مناخ م�شجع وقواعد �أخالقية ذات‬ ‫قبول عام يتوقع من اجلميع االلتزام بها طواعية‪ ،‬ويف حالة‬ ‫غياب مثل هذه التوقعات‪ ،‬ويف حال وجود خمالفني ُكرث وب�صورة‬ ‫متزايدة‪ ،‬ي�صبح ال��واق��ع امل���ؤمل معيار ًا لل�سلوك‪ .‬لكن التاريخ‬ ‫االقت�صادي الإ�سالمي يف خمتلف مراحله ي�ؤكد �إمكانية «�إنعا�ش»‬ ‫ال��روح يف ج�سد «الإن�سان االقت�صادي»‪ ،‬بحيث ت�صبح الأخ�لاق‬ ‫معيار ًا لل�سلوك يفيد الفرد يف الدنيا والآخرة‪ ،‬وبدعم من خمتلف‬ ‫م�ؤ�س�سات التن�شئة االجتماعي للفرد‪ .‬فمع �أن االهتمام بالذات هو‬ ‫من الدوافع الثابتة يف التاريخ الب�شري‪� ،‬إال �أن مدى هذا االهتمام‬ ‫وهيمنته يتغري بتغري التنظيم االجتماعي‪.‬‬ ‫ويق�صد بخا�صية «الأ�سبقية التاريخية» �إن النظام االقت�صادي‬ ‫الإ�سالمي قد �سبق النظام الر�أ�سمايل املعا�صر زمني ًا ومبراحل يف‬ ‫�إقامة �أ�س�س االقت�صاد املختلط‪ .‬ف�أ�س�س االقت�صاد الإ�سالمي ‪ -‬يف‬ ‫جانبه الرباين الثابت ‪ -‬حمددة ومعلومة منذ نحو ‪ 14‬قرن ًا‪ ،‬يف‬ ‫حني �أن الر�أ�سمالية احلديثة تطورت مع الزمن منذ ما يقارب من‬ ‫‪ 3‬قرون فح�سب‪ ،‬فمن له الريادة وال�سبق؟ ومن رمبا حاكى الآخر‬ ‫وتع ّلم منه؟‬ ‫ومن ناحية �أخرى‪ ،‬ال يجب �أن نن�سى ب�أن االقت�صاديات الغربية‬ ‫احلديثة تت�صف ب�سياق تاريخي خمتلف متام ًا يف العديد من‬ ‫املجاالت الرئي�سية عن نظريه يف ال��دول العربية والإ�سالمية‪،‬‬ ‫بدء ًا من الثورة ال�صناعية وما رافقها من ا�ستغالل للطبقة العاملة‬ ‫الفقرية �آنذاك‪ ،‬ومرور ًا بالبناء على معارف الب�شرية املرتاكمة‬ ‫كما ج ّمعها و�أ�ضاف عليها العلماء امل�سلمون يف «الع�صور الو�سطى»‪،‬‬ ‫تلك الع�صور التي كانت مبثابة ع�صور ًا ذهبية للأمة الإ�سالمية‬ ‫(خ�صو�ص ًا القرنني التا�سع والعا�شر امل��ي�لادي) وع�صور ظالم‬ ‫وانتهاء با�ستعمار الدول الغربية للدول النامية‪،‬‬ ‫بالن�سبة للغرب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وا�ستغالل مواردها الطبيعية والب�شرية و�أ�سواقها‪.‬‬ ‫وهذه العوامل الرئي�سية الثالثة جتعل من م�سار التنمية للدول‬ ‫الغربية متمايز عن م�ساره لدى الدول العربية والإ�سالمية‪ ،‬وال‬ ‫جمال لن�سخ التجربة بهدف «اللحاق بالغرب» ووفق ًا لنموذجهم‬ ‫الليربايل‪ ،‬وان كان هنالك جمال ال�ستقاء الدرو�س والعرب من‬ ‫التجربة الغربية �إىل جانب جتربة دول �شرق �آ�سيا (�أو النمور‬ ‫الآ�سيوية) يف اجن��از التطور االقت�صادي طويل الأج��ل‪� ،‬سيما‬ ‫يف جم��االت امل�ساءلة واحلوكمة الر�شيدة من ناحية واالبتكار‬ ‫وتطوير املقدرات التقنية من ناحية �أخرى‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫ي�ستعني االقت�صاد الإ�سالمي ب�أ�سمى و�أرق��ى الدوافع الإن�سانية‬ ‫(االهتمام بالآخرين)‪ ،‬يف حني ت�ستغل الر�أ�سمالية احد �أقوى‬ ‫الدوافع الإن�سانية و�أكرثها �أنانية (االهتمام بامل�صحة الذاتية)‪،‬‬ ‫والنظام االقت�صادي الأمثل هو ذلك الذي يجمع بني �أقوى الدوافع‬ ‫الب�شرية و�أ�سماها لتحقيق لي�س فقط النمو الت�شاركي و�إمنا كذلك‬ ‫التنمية الإن�سانية ال�شاملة كهدف �أ�سمى و�أعم ‪،‬و�إ�ضافة �إىل ما‬ ‫�سبق‪ ،‬فان الأنظمة الر�أ�سمالية الغربية احلديثة ال متثل «نهاية‬ ‫التاريخ» وهي ال زالت تعاين من اختالالت هيكلية ومن تراخي‬ ‫النمو وت�سعى جاهدة لتحقيق مزيد من العدالة التوزيعية والنمو‬ ‫الت�شاركي‪� ،‬إىل جانب �سد الق�صور يف جم��االت التوازن البيئي‬ ‫ومتا�سك الأ���س��رة ومكافحة اجلرمية والإق�����ص��اء االجتماعي‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا بعد الأزمات املالية واالقت�صادية احلادة التي متر بها‬ ‫والدورات االقت�صادية املزمنة التي تعاين منها‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املحركات الت�سعة للنمو الت�شاركي يف االقت�صاد‬ ‫الإ�سالمي‬

‫ولكن م��ا ه��ي بالتحديد امل��زاي��ا الن�سبية للنظام االقت�صادي‬ ‫الإ�سالمي يف حتقيق م�ستويات �أعلى من النمو الت�شاركي؟ وما‬ ‫هي املحركات الفريدة لدعم هذا النمو يف االقت�صاد الإ�سالمي؟‬ ‫من الوا�ضح ان هذا يتطلب مقا ًال م�ستقال لتبيانه‪ ،‬لكن نعدد فيما‬ ‫يلي �أبرز املحاور والعوامل الفرعية الداعمة للنمو الت�شاركي يف‬ ‫االقت�صاد الإ�سالمي‪:‬‬ ‫‪ -1‬بناء ر�أ�س املال الأخالقي واالجتماعي يف املجتمع‪ .‬وي�شمل‬ ‫هذا املحور‪ :‬ال�صدق يف التعامل و�أداء الأمانة‪ ،‬والإيفاء بالعقود‬ ‫وحترمي الغ�ش‪ ،‬و�إمهال املع�سر والقر�ض احل�سن‪ ،‬والإنفاق على‬ ‫الغري والتعاون يف اخل�ير‪ .‬ويتم هذا البناء من خالل م�ؤ�س�سات‬ ‫املجتمع املدنية واحلكومية‪ ،‬مبا فيها الأ�سرة والإعالم واملدر�سة‬ ‫وامل�سجد يف �إطار متنا�سق وغري مت�ضارب يف الأ�سا�سيات �أو «اتفاق‬ ‫احلد الأدنى»‪.‬‬ ‫‪ -2‬احل�ض على العمل وعلى �إتقان العمل‪� ،‬سواء �أك��ان يدوي ًا �أم‬ ‫فكري ًا �أم �إداري ًا‪.‬‬ ‫‪ -3‬حترمي اكتناز املال وتعطيله من ناحية‪ ,‬والتبذير والإ�سراف‬ ‫يف الإنفاق من ناحية �أخرى‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقوية م�ؤ�س�سة الأ�سرة عموم ًا ووظيفتها التكافلية خ�صو�ص ًا‬ ‫(مبا يف ذلك نظامي النفقات والإرث)‪ ،‬ك�آلية المركزية ملكافحة‬ ‫الفقر‪ ،‬ومكملة لدور امل�ؤ�س�سات االجتماعية العامة‪.‬‬ ‫‪ -5‬الرقابة على الأ�سواق‪ .‬وي�شمل هذا املحور‪ :‬حترمي االحتكار‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫ودع��م املناف�سة‪ ،‬وت�شريع م�ؤ�س�سة احل�سبة (هيئة �أو مديرية‬ ‫املناف�سة بالتعبري احلديث)‪.‬‬ ‫‪� -6‬إيجاد وتطوير عمل م�ؤ�س�سة الزكاة؛ لتعزيز توظيف الأموال‬ ‫وحتقيق العدالة التوزيعية‪.‬‬ ‫‪ -7‬امل�شاركة يف املخاطر اال�ستثمارية وحترمي الربا‪.‬‬ ‫‪ -8‬تطوير م�ؤ�س�سة الوقف الإ�سالمي يف جم��االت دعم البحث‬ ‫العلمي وامل�ؤ�س�سات املجتمعية‪.‬‬ ‫‪ -9‬تعزيز احلاكمية الر�شيدة‪ ،‬ويت�ضمن ه��ذا املحور‪ :‬حترمي‬ ‫الر�شوة و�أكل املال بالباطل‪ ،‬وا�ستغالل النفوذ وال�سلطة والنهي‬ ‫عن متركز الرثوة يف �أيدي الأقلية‪.‬‬

‫خامتة‬

‫ي�ستعني االقت�صاد الإ�سالمي ب�أ�سمى و�أرقى الدوافع الإن�سانية‬ ‫(االهتمام بالآخرين)‪ ،‬يف حني ت�ستغل الر�أ�سمالية احد �أقوى‬ ‫الدوافع الإن�سانية و�أكرثها �أنانية ووفرة (االهتمام بامل�صلحة‬ ‫الذاتية)‪ ،‬والنظام االقت�صادي الأم��ث��ل هو ذل��ك ال��ذي يجمع‬ ‫بني �أقوى الدوافع الب�شرية و�أ�سماها لتحقيق لي�س فقط النمو‬ ‫الت�شاركي و�إمنا كذلك التنمية ال�شاملة كهدف �أ�سمى و�أعم‪.‬‬ ‫فاالقت�صاد الإ�سالمي ي�ستعني بقواعد ال�سيا�سة (كنظام الزكاة)‬ ‫كجزء من الد�ستور االقت�صادي‪ ،‬وكذلك بال�سلوك الأخالقي‬ ‫الفردي‪ ،‬والنهج الالمركزي يف الرقابة و�إعادة التوزيع‪ ،‬ويدمج‬ ‫بني الأخالق وامل�ؤ�س�سات غري الر�سمية‪ ،‬واحلاكمية الر�شيدة وبني‬ ‫الت�شريعات واحلوافز املالية يف �آن واحد‪ ،‬وهذه الت�شكيلة الفريدة‬ ‫نابعة من كون االقت�صاد الإ�سالمي اقت�صاد �أخالقي‪ ،‬ي�ستمد قيمه‬ ‫الت�ضامنية الثابتة من خالق الإن�سان ومدبر �ش�ؤونه (قال تعاىل‪:‬‬ ‫�أَ اَل َي ْع َل ُم َم ْن َخ َل َق َوهُ َو اللَّ ِط ُ‬ ‫ري )‪�( .‬سورة امللك ‪. )64‬‬ ‫يف الخْ َ ِب ُ‬

‫‪33‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬

‫أدب الحوار في‬ ‫اإلسالم‬

‫�إن احلمد هلل نحمده ون�ستعينه ون�ستغفره ونعوذ باهلل من �شرور‬ ‫�أنف�سنا و�سيئات �أعمالنا ‪ ،‬من يهده اهلل فهو املهتد ‪ ،‬ومن ي�ضلل فلن‬ ‫جتد له وليا مر�شدا ‪ ،‬و�أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له‪،‬‬ ‫و�أ�شهد �أن حممدا عبده ور�سوله ‪ ،‬بلغ الر�سالة ‪ ،‬و�أدى الأمانة ‪،‬‬ ‫ون�صح الأمة وجاهد يف اهلل حق جهاده ‪ ،‬حتى �أتاه اليقني ‪ ،‬ف�صلى‬ ‫اهلل عليه وعلى �آله و�صحبه و�سلم ‪.‬‬ ‫وبعد ‪....‬‬ ‫يف ع�صر العوملة وبعد �أن �أ�صبح العامل قرية �صغرية بف�ضل‬ ‫التقنيات احلديثة التي و�صل �إليها الإن�سان من القنوات الف�ضائية‪،‬‬ ‫و�شبكة االنرتنت ‪ ،‬والهواتف النقالة واخللوية ‪ ،‬يتابع املرء عرب‬ ‫ال�شا�شة ال�صغرية املوجودة يف كل البيوت تقريبا‪ ،‬بل ويف امل�ؤ�س�سات‬ ‫العامة ‪ ،‬الكثري من الربامج والأح���داث ‪ ،‬في�شاهد املحا�ضرات‬ ‫والندوات واملناظرات ‪ ،‬العلمية والأدبية والثقافية وال�سيا�سية‬ ‫‪....‬الخ والتي يغلب عليها يف العادة الأ�سلوب احلواري ال�شيق الذي‬ ‫يدفع امل�شاهد �إىل متابعة هذه الربامج وي�شده �إليها والتفاعل‬ ‫معها‪ ،‬بل ويحمله – �أحيانا ‪ -‬على االت�صال بهذه الربامج؛ لي�شارك‬ ‫فيها للتعبري عما يجول يف خاطره من �أفكار و�آراء حول مو�ضوع‬ ‫احلوار املطروح ‪.‬‬ ‫ولكن وللأ�سف ف���إن بع�ض ه��ذه ال�برام��ج يخرج عن الهدف‪،‬‬ ‫املو�ضوع الذي مت التخطيط له‪ ،‬و يتحول يف كثري من الأحيان‬ ‫�إىل مهاترات واتهامات دون دليل‪ ،‬بل و�إىل �أكاذيب �أحيانا �أخرى‪،‬‬ ‫فتنقلب الأم��ور ر�أ�سا على عقب ‪ ،‬وبدال من �أن تكون هادفة ذات‬ ‫معنى تتحول �إىل �أمور يف غاية الإ�سفاف واالنحطاط والتع�صب‬ ‫للر�أي وجتاهل الر�أي الآخر ‪.‬‬ ‫وال�شك �أن اتباع املنهج ال�سليم يف احلوار واالختالف املنبثق‬ ‫من مبادئ الدين احلنيف‪ ، ،‬مينع �أط��راف احل��وار من الوقوع يف‬ ‫املزالق اخلطرة ‪ ،‬ويبعدهم عن ال�شقاق والبغ�ضاء ‪.‬ويجعل احلوار‬ ‫وبناء ‪.‬‬ ‫مثمرا وهادفا‬ ‫ً‬ ‫�إن الإ�سالم دين احل��وار ‪ ،‬دين الدعوة‪ ،‬ويحدد الدعوة �إىل‬ ‫اهلل باحلكمة واملوعظة احل�سنة ‪ ،‬لقد حاور القر�آن الكرمي الكفار‬ ‫الوثنيني ‪ ،‬وحاور �أهل الكتاب من اليهود والن�صارى ‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫اب َت َعا َل ْوا �إِلىَ َك ِل َم ٍة َ�س َواء َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم َ�أ َّ‬ ‫ال َن ْع ُبدَ‬ ‫}قلْ َيا �أَ ْه َل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫ال ُن ْ�ش ِر َك ِب ِه َ�ش ْي ًئا َو َ‬ ‫ال اللهَّ َ َو َ‬ ‫�إِ َّ‬ ‫ال َيت َِّخ َذ َب ْع ُ�ض َنا َب ْع ً�ضا �أَ ْر َبا ًبا ِّمن دُونِ‬ ‫للهَّ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ا ِ َف ِ�إن َت َو َّل ْوا َفقُو ُلو ْا ْ‬ ‫ا�ش َهدُ و ْا ِب�أَنَّا ُم ْ�س ِل ُمون{ ‪ .‬يف هذه الآية‬

‫‪34‬‬

‫د‪ .‬عماد �صالــــــــح �إبراهيم �شيخ‬

‫دعوة �صريحة للحوار‪،‬وفيها دليل على �أن الإ�سالم يدعو �إىل حوار‬ ‫احل�ضارات والديانات ‪ ،‬وال يدعو �إىل �صراع احل�ضارات كما يدعي‬ ‫مفكرو الغرب وعلمائهم‪.‬‬

‫مفــهـوم احلـوار‬

‫بد�أ احلوار قبل وجود الب�شرية ‪ ،‬ففي اللحظة التي �أخرب اهلل‬ ‫عز وجل‪ -‬املالئكة �أنه �سيخلق ب�شرا يجعله خليفة يف الأر�ض ‪،‬‬‫بد�أ املالئكة باال�ستف�سار ‪ ،‬ودار حوار بني املالئكة وبني �صاحب‬ ‫العزة ‪-‬جل �ش�أنه‪ ، -‬قال تعاىل ‪َ }:‬و ِ�إ ْذ َق َ‬ ‫اع ٌل‬ ‫ال َر ُّب َك ِل ْل َمال ِئ َك ِة �إِنيِّ َج ِ‬ ‫�ض َخ ِلي َف ًة َقا ُلو ْا �أَتجَ ْ َع ُل ِفي َها َمن ُيف ِْ�سدُ ِفي َها َو َي ْ�س ِف ُك الدِّ َماء‬ ‫فيِ الأَ ْر ِ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ال �إِنيِّ �أَ ْع َل ُم َما َ‬ ‫َو َن ْحنُ ُن َ�س ِّب ُح ِب َح ْم ِد َك َو ُن َقدِّ ُ�س َل َك َق َ‬ ‫ال َت ْع َل ُمونَ {‪.‬‬ ‫ثم �أمر اهلل عز وجل املالئكة بال�سجود لآدم ف�سجدوا �إال �إبلي�س‬ ‫�أبى وا�ستكرب وكان من الكافرين ‪ ،‬وبعد ذلك دار حوار بني اهلل‬ ‫عز وجل‪ -‬وبني �إبلي�س اللعني انتهى بطلب من �إبلي�س ب�إمهاله �إىل‬‫يوم القيامة فمنحه اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬هذه الفر�صة ‪.‬‬

‫الـحوار يف اللغة ‪:‬‬

‫احلوار هو املحاورة واملجاوبة ‪ .‬والتحاور هو التجاوب ‪ ،‬وقولنا‪:‬‬ ‫هم يتحاورون ‪� :‬أي تراجعون يف الكالم ‪ ،‬وحتاور القوم‪�:‬أي تراجعوا‬ ‫(‪)3‬‬ ‫الكالم فيما بينهم ‪ ،‬ق��ال تعاىل ‪}:‬واهلل ي�سمع حتاوركما{‬ ‫وحاوره حماورة وحوارا �أي جاوبه وجادله ‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫}قال له �صاحبه وهو يحاوره{‪ )4(.‬وقد �سمي احلوار حوارا لأنه‬ ‫يدخل يف عمق الأ�شياء وقعرها و�أ�صلها ‪ ,‬وذلك لأن احل��ور هو‬ ‫القعر والعمق ‪ ،‬ومن ذلك قولهم هو بعيد احلور بعيد القعر ‪� -‬أي‬ ‫عاقل‪ -‬متعمق ‪ .‬واحلوار حديث يجري بني �شخ�صني �أو �أكرث �سواء‬ ‫(‪)5‬‬ ‫يف الق�صة �أو يف امل�سرحية �أو يف النقا�ش �أو اجلدل ‪.‬‬

‫الـحوار يف اال�صطالح ‪:‬‬

‫�أن يتناول احلديث طرفان �أو �أكرث عن طريق ال�س�ؤال واجلواب‬ ‫ب�شرط وحدة املو�ضوع �أو الهدف ‪ ،‬فيتبادالن النقا�ش حول �أمر‬ ‫معني ‪ ،‬وقد ي�صالن �إىل نتيجة وقد ال يقنع �أحدهما الآخـر ولكن‬ ‫ال�سامع ي�أخذ العربة ويكون لنف�سه موقفا(‪.)6‬‬ ‫احلوار هو االلتقاء بني طرفني لهما وجهات نظر خمتلفة وقنا‬ ‫عات متباينة ‪ .‬وقد يحمل كل طرف عقدة جتاه الآخ��ر ب�سبب‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫الأج���واء امل�شحونة بالتع�صب وال��ع��داء ‪ .‬ف��احل��وار يجعل ك ًّال‬ ‫منهما يلتقي الآخر ‪ ،‬يحاوره ‪ ،‬يطرح �أفكاره عليه ‪ ،‬ببذل جهوده‬ ‫لإقناعه‪ .‬هذه العملية ت�ساهم يف تقلي�ص حدة التوتر والتع�صب‬ ‫جتاه �أحدهما للآخر حني يلتقون على مفاهيم م�شرتكة تبعث‬ ‫م�شاعر الود والطم�أنينة (‪.)7‬‬ ‫وطريقة احل��وار �شيقة ُت�شوق النا�س �إىل اال�ستماع والتعلم‬ ‫واال�ستيعاب وم��ن ثم الت�أثر واالل��ت��زام مب��ادة احل��وار �أ�سئلة‬ ‫و�إجابات �صحيحة ‪ ،‬وهذه الطريقة تعتمد على �إيقاظ التفكري‬ ‫و�إثارة االنتباه �إىل احلقائق التي يراد الو�صول �إليها ‪ ،‬وهي ناجحة‬ ‫يف التعليم والتوجيه ون�شر الفكر والدعوة �إىل الإ�سالم (‪.)8‬‬ ‫والقر�آن الكرمي كتاب حوار ‪ ،‬ينفتح على امل�شركني‪ ،‬وامللحدين‪،‬‬ ‫واملنافقني و�أهل الكتاب‪ ،‬وكل (الآخ��ر) املغاير لنا يف الدين ‪� ،‬أو‬ ‫املذهب‪� ،‬أو االجتهاد؛ لذلك يجب �أن نعمل على �إيجاد جمتمع‬ ‫احلوار الذي ينفتح فيه الإ�سالم على كل الأفكار امل�ضادة ‪ ،‬وينفتح‬ ‫املجتمع امل�سلم على املجتمعات الأخرى ‪ .‬وال بد من حت�صني احلوار‬ ‫بال�ضوابط التي متنع ا�ستغالله لأغرا�ض �أخ��رى‪ ، ،‬ف���إن وجود‬ ‫امل�شاكل فيه ال يعني �إلغا�ؤه ‪ ،‬بل يعني العمل على دار�سة هذه‬ ‫امل�شاكل ‪ ،‬ليجتمع لنا احلوار وامل�س�ؤولية واحلرية املن�ضبطة يف‬ ‫نطاق النظام العام للأ ّمة ‪.‬‬ ‫وقد ا�ستخدم القر�آن الكرمي �أ�ساليب متعددة للحوار من �أجل‬ ‫تو�صيل �أهدافه الرتبوية للنا�س‪ ،‬فا�ستخدم احل��وار الو�صفي‪،‬‬ ‫واحلوار الق�ص�صي‪ ،‬والرتبوي التعليمي‪ ،‬والتعبدي ‪ ،...‬وكان لهذه‬ ‫الأ�ساليب البديعة الأثر البالغ يف نفو�س النا�س فما ا�ستمع �أحد‬ ‫لهذا القر�آن �إال وبادر بالنطق يف ال�شهادة معلن ًا دخوله يف هذا‬ ‫الدين‪ ،‬وملتزما بكل ما فيه من �أوامر ونواهي ‪.‬‬

‫�أنواع احلوار‬

‫احلوار مهما اختلفت �أ�شكاله‪ ،‬و�ألوانه ومهما تعددت �سبله وطرقه‪،‬‬ ‫وم�سالكه ميكن تق�سيمه �إىل نوعني اثنني هما‪:‬‬ ‫‪ -1‬احلوار الإيجابي الهادف البناء ‪.‬‬ ‫‪ -2‬احلوار ال�سلبي املذموم ‪.‬‬ ‫و�سنتحدث فيما يلي عن هذين النوعني‪:‬‬

‫‪ -1‬احلوار الإيجابي الهادف البناء‬

‫وهو احل��وار ال��ذي يق�صد به الو�صول �إىل احلقيقة من خالل‬ ‫املناق�شة واملناظرة البناءة وتبادل‬ ‫الآراء واخل�برات بالدليل واحلجة والربهــــان ‪ ،‬وحتى يكون‬ ‫احلوار هادف ًا وبناء ال بد له من عدة �شروط منها ‪:‬‬ ‫‪� -1‬أن يكون الهدف من احلوار الو�صول �إىل احلقيقة مهما كانت‪،‬‬ ‫و�أن يتوفر الإخال�ص يف ذلك لدى طريف احلوار ‪.‬‬ ‫‪� -2‬أن تكون الق�ضية املطروحة للحوار ت�ستحق ذلك ‪.‬‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪ -3‬االلتزام باملو�ضوعية وال�صدق والبعد عن املراء واجلدل ‪.‬‬ ‫‪ -4‬حوار ت�سوده املحبة وامل�سئولية والرعاية و�إنكار الذات ‪.‬‬ ‫‪ -5‬ح��وار متكافئ يعطي كال الطرفني فر�صة التعبري والإب��داع‬ ‫احلقيقي‪ ،‬ويحرتم الر�أي الآخر ‪.‬‬ ‫‪ -6‬حوار واقعي يت�صل �إيجابيا باحلياة اليومية الواقعية ‪.‬‬ ‫ومن �أمثلة احل��وار الإيجابي يف التاريخ الإ�سالمي ما حدث يف‬ ‫غ��زوة بدر حني جتمع امل�سلمون للقاء الكفار وكانت �آب��ار املياه‬ ‫�أمامهم ‪ ،‬وهنا نه�ض احلباب بن املنذر ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬و�س�أل ر�سول‬ ‫اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪� :-‬أهو منزل �أنزلكه اهلل �أم هو الر�أي‬ ‫واحلرب واملكيدة ؟ ف�أجاب ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ " -‬بل‬ ‫هو الر�أي واحلرب واملكيدة"‪.‬‬ ‫فقال احلباب ‪ :‬يا ر�سول اهلل ما هذا مبنزل و�أ�شار على ر�سول‬ ‫اهلل بالوقوف بحيث تكون �آبار املياه خلف امل�سلمني فال ي�ستطيع‬ ‫امل�شركون الو�صول �إليها‪ ،‬وفع ًال �أخذ الر�سول بهذا الر�أي ال�صائب‬ ‫(‪)9‬‬ ‫وكان ذلك �أحد عوامل الن�صر يف تلك املعركة ‪.‬‬ ‫و�إذا حاولنا حتليل هذا املوقف جند �أن احلباب بن املنذر كان‬ ‫م�سلما �إيجابيا على الرغم من �أنه من عامة امل�سلمني‪ ،‬وكان �أمامه‬ ‫من الأع��ذار لكي ي�سكت �أو يعطل تفكريه فهو جندي حتت لواء‬ ‫ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬الذي يتلقى الوحي من ال�سماء‬ ‫وهناك كبار ال�صحابة ‪� ،‬أ�صحاب الر�أي وامل�شورة‪ ،‬ولكن كل هذه‬ ‫الأ�سباب مل متنعه من �إعمال فكرة ‪ ،‬ومل متنعه من اجلهر بر�أيه‬ ‫ال�صائب‪ ،‬ولكنه مع ذلك التزم الأدب الرفيع يف اجلهر بهذا الر�أي‬ ‫فت�ساءل �أوال �إن كان هذا املوقف وحي من عند اهلل �أم �أنه اجتهاد‬ ‫ب�شرى‪ ،‬فلما عرف انه اجتهاد ب�شرى وجد ذلك جماال لطرح ر�ؤيته‬ ‫ال�صائبة ومل يجد الر�سول ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬غ�ضا�ضة‬ ‫يف الأخ��ذ ب��ر�أي واح��د من عامة امل�سلمني وه��ذا املوقف يعطينا‬ ‫انطباعا هاما عن اجلو العام ال�سائد يف اجلماعة امل�سلمة �آنذاك‪،‬‬ ‫ذلك اجلو املليء بالثقة واملحبة والإيجابية‪ ،‬و�إبداء الن�صيحة‬ ‫وتقبل الن�صيحة‪.‬‬ ‫و�إذا كانت النظم الدميقراطية احلديثة ت�سمح للمواطن �أن يقول‬ ‫ر�أيه �إذا �أراد ذلك‪ ،‬ف�إن الإ�سالم يرتقى فوق ذلك حيث �أنه يوجب‬ ‫على الإن�سان �أن يقول ر�أيه حتى ولو كان جنديا من عامة النا�س‬ ‫حتت لواء ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬وهذا امل�ستوى من‬ ‫حرية ال��ر�أي ال جنده الآن يف �أكرث الدول مناداة باحلرية فال‬ ‫يجر�ؤ جندي �أن ي�شري على القائد الأعلى للقوات امل�سلحة يف �أية‬ ‫دول��ة ع�صرية بتغيري اخلطة الع�سكرية حيث ال ي��زال احلوار‬ ‫الفوقي ال�سلطوي هو ال�سائد يف املجاالت الع�سكرية على وجه‬ ‫اخل�صو�ص حتى يف �أكرث الدول تقدم ًا‪] .‬‬

‫‪35‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫‪ -2‬احلوار ال�سلبي املذموم‪.‬‬

‫هو احل��وار ال��ذي يق�صد به جم��رد اجل��دل ودون و�ضع ه��دف �أو‬ ‫غاية حمددة له ‪� ،‬أو �إ�ضمار �أحد طريف احلوار لنية خبيثة يق�صد‬ ‫الو�صول �إليها من خالل احلوار ‪.‬‬ ‫وال�س�ؤال الذي يطرح هنا‪ :‬متى يكون احلوار �سلبيا �أو مذموما ؟‬ ‫يكون احلوار مذموما و�سلبيا �إذا ات�صف بال�صفات الآتية ‪:‬‬ ‫‪ -1‬احلوار يف ق�ضايا ال يجوز احلوار فيها ‪.‬‬ ‫‪� -2‬أن يكون هدف احل��وار �إثبات ال��ذات و�إب��راز القوة العلمية‬ ‫والثقافية والعقلية �أو الع�ضلية �أحيانا‬ ‫‪ -3‬وجود قناعات �سابقة لدى �أحد الطرفني �أو كليهما ال ينوي‬ ‫التخلي عنها مهما كان الأمر ‪،‬حتى لو ثبت خط�ؤها‬ ‫‪ -4‬دخ��ول الهوى يف احل��وار‪ ،‬وحتوله �إىل املنازعة واخل�صومة‬ ‫واجلدال‪.‬‬

‫ومن �أمثلة احلوار ال�سلبي املذموم ‪:‬‬

‫‪ -1‬احلوار املزدوج‪ :‬وهنا يعطى ظاهر الكالم معنى غري ما يعطيه‬ ‫باطنة‪ ،‬لكرثة ما يحتويه من التورية والألفاظ املبهمة‪ ،‬وهو يهدف‬ ‫�إىل �إرباك الطرف الآخر ودالالته �أنه نوع من العدوان اخلبيث‪.‬‬ ‫وهذا ما �أ�شار �إليه القر�آن عندما حتث عن املنافقني قال تعاىل ‪:‬‬ ‫اطي ِنه ِْم َقا ُلو ْا‬ ‫" َو�إِ َذا َلقُو ْا ا َّل ِذينَ �آ َمنُو ْا َقا ُلو ْا �آ َمنَّا َو ِ�إ َذا َخ َل ْوا �إِلىَ َ�ش َي ِ‬ ‫ِ�إنَّا َم َع ُك ْم ِ�إنمَّ َ ا َن ْحنُ ُم ْ�س َت ْه ِز�ؤُون" (‪ )10‬فهو حوار املنافقني �إذن ‪.‬‬ ‫‪ -2‬احل��وار ال�سلطوي (ا�سمع وا�ستجب) ‪ :‬جند ه��ذا النوع من‬ ‫احلوار �سائدا على كثري من امل�ستويات ‪ ،‬فهناك الأب املت�سلط ‪،‬والأم‬ ‫املت�سلطة‪ ،‬واملدر�س املت�سلط‪ ،‬وامل�سئول املت�سلط ‪..‬ال��خ وهو نوع‬ ‫�شديد من العدوان حيث يلغي �أحد الأطراف كيان الطرف الآخر‪،‬‬ ‫ويعتربه �أدنى من �أن يحاور ‪ ،‬بل عليه فقط ال�سماع للأوامر الفوقية‬ ‫واال�ستجابة دون مناق�شة �أو ت�ضجر‪ .‬وهذا النوع من احلوار ف�ضال‬ ‫عن �أنه �إلغاء لكيان (وحرية) طرف حل�ساب الطرف الآخر‪ ،‬فهو‬ ‫يلغى ويحبط القدرات الإبداعية للطرف املقهور في�ؤثر �سلبيا على‬ ‫الطرفني وعلى الأمة ب�أكملها ‪.‬‬ ‫‪ -3‬احلوار �ألإلغائي �أو الت�سفيهي (كل ما عداي خط�أ ) ي�صر �أحد‬ ‫طريف احلوار على �أال يرى �شيئا غري ر�أيه ‪،‬وهو ال يكتفي بهذا بل‬ ‫يتنكر لأي ر�ؤية �أخرى وي�سفهها ويلغيها‪ ،‬وهذا النوع يجمع كل‬ ‫�سيئات احل��وار ال�سلطوي وح��وار الطريق امل�سدود‪.‬وهذا م�سلك‬ ‫�ض‬ ‫فرعون ‪ ،‬قال تعاىل‪َ ":‬يا َق ْو ِم َل ُك ُم المْ ُل ُْك ا ْل َي ْو َم َظ ِ‬ ‫اه ِرينَ فيِ الأَ ْر ِ‬ ‫اء َنا َق َ‬ ‫ال ِف ْر َع ْونُ َما �أُ ِري ُك ْم ِ�إ َّ‬ ‫ال َما‬ ‫ن�ص ُر َنا ِمن َب ْ�أ ِ�س اللهَّ ِ �إِنْ َج َ‬ ‫َف َمن َي ُ‬ ‫(‪)11‬‬ ‫ال َ�س ِب َ‬ ‫�أَ َرى َو َما �أَ ْه ِدي ُك ْم ِ�إ َّ‬ ‫ف�أحد املتحاورين ي�صمم‬ ‫يل ال َّر َ�شاد"‬ ‫على �إلغاء الطرف الثاين نهائيا ‪ ،‬وال يعرتف بوجوده بل ويطالبه‬ ‫بالت�سليم له بكل ما يقول ويدعي ‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫‪ -4‬احلوار املعاك�س (عك�سك دائما)‪ :‬حني يتجه �أحد طريف احلوار‬ ‫ميينا ويحاول الطرف الآخ��ر االجت��اه ي�سارا والعك�س بالعك�س‪،‬‬ ‫وهو رغبة يف �إثبات ال��ذات بالتميز واالختالف‪ ،‬ولو كان ذلك‬ ‫على ح�ساب جوهر احلقيقة ‪ .‬و�أخطر ما يف هذا الأمر �أن تكون‬ ‫املعاك�سة هدفا يف حد ذاتها ‪ ،‬و�أن يتمادى املتحاوران يف معاك�ساتهما‬ ‫حتى ي�صل الأمر �إىل حد القذف‪ ،‬وال�سب‪ ،‬وال�شتم‪ ،‬واتهام النوايا‪.‬‬

‫�أهمية احلوار و�ضرورته‬

‫للحوار �أهمية بالغة يف حياة النا�س وتعود هذه الأهمية للأمور‬ ‫الآتية ‪:‬‬

‫�أوال ‪ :‬احلوار �ضرورة ب�شرية �إن�سانية‬

‫َّا�س �إِ َّن��ا َخ َل ْق َن ُاكم ِّمن َذ َك ٍ��ر َو�أُن َثى‬ ‫قال اهلل تعاىل " َيا �أَ ُّي َها الن ُ‬ ‫َو َج َع ْل َن ُاك ْم ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِنَّ �أَك َْر َم ُك ْم ِعندَ اللهَّ ِ �أَ ْت َق ُاك ْم �إِنَّ‬ ‫يم َخ ِبري"" (‪ )12‬اهلل عز وجل هو الذي خلق النا�س وهو‬ ‫اللهَّ َ َع ِل ٌ‬ ‫الأعلم ب�أحوالهم ‪ ،‬وقد جعلهم �شعوبا وقبائل وجماعات؛ ليتعارفوا‬ ‫و�أوجد بينهم من ال�صالت ما ت�ؤهلهم للت�آلف والت�آخي‪،‬اهلل ‪-‬عز‬ ‫وج��ل‪ -‬ينادي النا�س ليطلعهم على الغاية من خلقهم �شعوبا‬ ‫وقبائل‪� ،‬إن الغاية لي�ست التنافر واخل�صام ‪� ،‬إمنا التعارف والوئام‪،‬‬ ‫و�أم��ا اختالف الأل�سنة والأل��وان‪ ،‬واختالف الطبائع والأخ�لاق‪،‬‬ ‫واملواهب واال�ستعدادات‪ ،‬فال يقت�ضي النزاع وال�شقاق؛ بل يقت�ضي‬ ‫التعاون للنهو�ض بجميع التكاليف (‪ )13‬قال ر�سول اهلل‪�-‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ": -‬كلكم بنو �آدم ‪ ،‬و�آدم خلق من تراب‪ ،‬ولينتهني قوم‬ ‫يفخرون ب�آبائهم‪� ،‬أو ليكونن �أهون على اهلل تعاىل من اجلعالن(‪")14‬‬ ‫�إذن فاهلل ‪-‬عز وجل‪ُ -‬خلق النا�س للتعارف والت�آلف‪ ،‬وهذا ال يتم‬ ‫�إال من خالل التخاطب واحلوار والنقا�ش بني النا�س ‪ ،‬لذلك نقول‬ ‫�إن احلوار �ضرورة ب�شرية �إن�سانية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬احلوار �ضرورة دعوية‬

‫الدعوة �إىل الإ�سالم فري�ضة �شرعية على كل م�سلم ‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫وف َو َي ْن َه ْونَ‬ ‫" َو ْل َت ُكن ِّمن ُك ْم �أُ َّم ٌة َي ْد ُعونَ �إِلىَ الخْ َ يرْ ِ َو َي�أْ ُم ُرونَ ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫َع ِن المْ ُن َك ِر َو�أُو َل ِئ َك هُ ُم المْ ُ ْف ِل ُحون"(‪ )15‬وقال ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ":-‬من ر�أى منكم منكرا فليغريه بيده ‪ ،‬ف�إن مل ي�ستطع‬ ‫فبل�سانه ‪ ،‬ف�إن مل ي�ستطع فبقلبه وذلك �أ�ضعف الإميان "(‪ .)16‬وقال‬ ‫ر�سول اهلل‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪":-‬لت�أمرن باملعروف ولتنهون عن‬ ‫املنكر �أو ليو�شكن اهلل �أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فال‬ ‫اب َت َعا َل ْوا �إِلىَ‬ ‫ي�ستجاب لكم "(‪.)17‬وقال تعاىل ‪ُ ":‬قلْ َيا �أَ ْه َل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫ال ُن ْ�ش ِر َك ِب ِه َ�ش ْي ًئا َو َ‬ ‫ال اللهَّ َ َو َ‬ ‫ال َن ْع ُبدَ �إِ َّ‬ ‫َك ِل َم ٍة َ�س َواء َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم �أَ َّ‬ ‫ال‬ ‫َيت َِّخ َذ َب ْع ُ�ض َنا َب ْع ً�ضا �أَ ْر َبا ًبا ِّمن دُونِ اللهَّ ِ َف�إِن َت َو َّل ْوا َفقُو ُلو ْا ْ‬ ‫ا�ش َهدُ و ْا‬ ‫ِب�أَنَّا ُم ْ�س ِل ُمون"(‪.)18‬هذه الآية دعوة �صريحة للحوار ‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫ثالث ًا‪:‬احلوار �ضرورة اجتماعية‬

‫ال ي�ستطيع الإن�سان �أن يعي�ش منفردا ‪ ،‬فهو كما يقول احلكماء مدين‬ ‫بالطبع ‪ ،‬وهو كائن اجتماعي ال بد له من االختالط والتعاي�ش مع‬ ‫الآخرين ‪ ،‬كما �أنه ال ي�ستطيع ت�أمني حاجاته الفطرية التي فطره‬ ‫اهلل تعاىل عليها كالطعام وال�شراب والك�ساء وال�سكن والزواج ‪....‬‬ ‫الخ مبفرده ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ":‬ليتخذ بع�ضكم بع�ضا �سخريا ‪".‬فاهلل‬ ‫عز وجل‪ -‬خلق النا�س وجعلهم م�ستويات متفاوتة حتى ي�ستفيد‬‫بع�ضهم من بع�ض ‪ ،‬وليخدم بع�ضهم بع�ضا ‪.‬وهذا ال يتم �إال من خالل‬ ‫احلوار البنّاء والتفاهم والتخاطب ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬احلوار �ضرورة علمية‬

‫قال تعاىل ‪ " :‬فا�س�ألوا �أهل الذكر �إن كنتم ال تعلمون ‪� " .‬أمر‬ ‫اهلل عز وجل عباده الراغبني يف العلم �أن ي�س�ألوا �أ�صحاب العلم‬ ‫والذكر ويحاوروهم ‪.‬‬ ‫من هنا ف�إن من �أراد العلم البد له �أن يجل�س �إىل العلماء والفقهاء‬ ‫وي�سمع منهم ويناق�شهم ‪ ،‬وقال بع�ض العلماء ب�ضرورة تلقي العلم‬ ‫من العلماء‪ ،‬واملعلمني‪ ،‬وال�شيوخ ومل يحبذوا �أن ي�أخذ الطالب‬ ‫علومه من الكتب وحدها دون العلماء ‪ .‬وقد ورد يف ر�سائل �إخوان‬ ‫ال�صفا ( �إنه لي�س يف و�سع �إن�سان معرفة العلم يف �أول مرتباته ‪،‬ومن‬ ‫�أجل هذا يحتاج كل �إن�سان �إىل معلم �أو م�ؤدب �أو �أ�ستاذ يف تعلمه‬ ‫وتخلقه و�أقاويله واعتقاده و�أعماله وخ�صائ�صه(‪. ) )20‬‬ ‫ولقد ا�ستخدم الر�سول ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬احلوار يف تعليم‬ ‫�أ�صحابه يف �أكرث من مو�ضع ‪.‬‬ ‫(‪)19‬‬

‫خام�س ًا ‪ :‬احلوار �ضرورة تربوية‬

‫وطريقة احل��وار �شيقة ُت�ش ّوقُ النا�س �إىل اال�ستماع‪ ،‬والتعلم‪،‬‬ ‫واال�ستيعاب ومن ثم الت�أثر وااللتزام مبادة احلوار �أ�سئلة و�إجابات‬ ‫�صحيحة ‪ ،‬وه��ذه الطريقة تعتمد على �إيقاظ التفكري و�إث��ارة‬ ‫االنتباه �إىل احلقائق التي يراد الو�صول �إليها ‪ ،‬وهي ناجحة يف‬ ‫التعليم والتوجيه ون�شر الفكر والدعوة �إىل الإ�سالم (‪.)21‬‬ ‫وقد ا�ستخدم القر�آن الكرمي �أ�ساليب متعددة للحوار من �أجل‬ ‫تو�صيل �أهدافه الرتبوية للنا�س‪ ،‬فا�ستخدم احل��وار الو�صفي‪،‬‬ ‫واحل��وار الق�ص�صي‪ ،‬واجل��ديل‪ ،‬والتعبدي ‪ ،‬وك��ان لهذه الأ�سباب‬ ‫البديعة الأثر البالغ يف نفو�س النا�س فما ا�ستمع �أحد لهذا القر�آن‬ ‫�إال وبادر بالنطق يف ال�شهادة معلنا دخوله يف هذا الدين وملتزما‬ ‫بكل ما فيه من �أوامر ونواهي ‪.‬‬ ‫من هنا فعلى من يت�صدون للعمل يف الرتبية‪ ،‬ويتحملون �أعبائها‬ ‫خا�صة من املعلمني واملربني �أن ال ين�سون هذه الو�سيلة الفعالة‬ ‫يف الرتبية ‪ ،‬وعليهم �أن يكرثوا من طرح الأ�سئلة لي�ستفزوا بها‬ ‫املتعلمني ويحملوهم على احل��وار والنقا�ش ‪ ،‬فاحلوار يبدد امللل‬ ‫وال�س�آمة عن املتعلم ويجعله متوقد الذهن حا�ضر البديهة؛‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫من �أجل �أن تكون م�شاركته يف احلوار بنّاءة َو ُ‬ ‫تدخ َلهُ فيه مفيد‪،‬‬ ‫وكذلك ف�إن على املربي �أن يركز احلوار حول النقاط الهامة يف‬ ‫املو�ضوع الذي يطرحه على املتعلمني‪ ،‬و �أن يح�سن �إعداد الأ�سئلة‬ ‫احلوارية التي �سيطرحها يف موقفه التعليمي ويتدرج بها ح�سب‬ ‫الأ�ساليب الرتبوية ال�سليمة ‪.‬‬

‫فوائد الــــحوار‪:‬‬

‫‪ -1‬جتديد الفكر الإ�سالمي والنهو�ض مب�شروعه احل�ضاري يف �إطار‬ ‫ممار�سة الفكر بطرقه ال�سليمة عرب مقارعة الدليل بالدليل‪،‬‬ ‫واحلجة باحلجة‪ ،‬والعقل بالعقل يف ح��وار ينفتح فيه اجلميع‬ ‫وتتبادل فيه الآراء والطروحات مبو�ضوعية وعلمية بعيد ًا عن‬ ‫( ‪)22‬‬ ‫التع�صب‬ ‫‪ -2‬احلوار هو املنهج ال�سليم يف حل امل�شكالت‪ ،‬وهو الطريق �إىل‬ ‫االع�ت�راف ب��الآخ��ر والتعاي�ش معه‪ ..‬ويف ال��دع��وة �إىل احل��وار‬ ‫دعوة �إىل التعارف والت�آ ُلف واقرتاب الإن�سان من �أخيه الإن�سان‬ ‫‪ -3‬احلوار �أ�سلوب لت�صحيح العقائد الفا�سدة والأفكار املنحرفة ‪،‬‬ ‫والدعوة �إىل الإ�سالم ‪ ،‬فاحلوار الهادئ البناء والدعوة باحلكمة‬ ‫واملوعظة احل�سنة ي�شجع الآخرين على الدخول يف دين اهلل‬ ‫عز وجل ‪،‬وتقبل الأفكار ال�سليمة والتخلي عن الأفكار املنحرفة‬ ‫الهابطة ‪.‬‬ ‫‪ -4‬احلوار و�سيلة للتعامل مع �أهل الديانات ال�سابقة‪� ،‬أو ما ي�سمي‬ ‫ُ‬ ‫تعاىل‪}:‬قلْ َيا �أَ ْه َل‬ ‫بحوار الأديان الذي دعا �إليه الإ�سالم ‪ ،‬قال‬ ‫َ‬ ‫ال اللهَّ َو َ‬ ‫ال َن ْع ُبدَ �إِ َّ‬ ‫اب َت َعا َل ْوا �إِلىَ َك ِل َم ٍة َ�س َواء َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم �أَ َّ‬ ‫ال‬ ‫ا ْل ِك َت ِ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫ُن ْ�ش ِر َك ِب ِه َ�ش ْي ًئا َو َ‬ ‫ال َيت َِّخ َذ َب ْع ُ�ض َنا َب ْع ً�ضا �أ ْر َبا ًبا ِّمن دُونِ ا ِ َف�إِن‬ ‫(‪)23‬‬ ‫َت َو َّل ْوا َفقُو ُلو ْا ْ‬ ‫ا�ش َهدُ و ْا ِب�أَنَّا ُم ْ�س ِل ُمون{‬ ‫�إن هذه الآية متثل دعوة �إىل حوار هدفه التو�صل �إىل �أ�صل الدين‬ ‫الذي اتفقت عليه جميع دعوات الأنبياء ‪.‬‬ ‫‪ -5‬احلوار هو �سبيل تفاهم احل�ضارات ولقاء ال�شعوب ‪ ،‬ومن خالله‬ ‫ميكن �أن تتالقى احل�ضارات وت�ستفيد من بع�ضها البع�ض ‪ ،‬وتتكامل‬ ‫الثقافة ‪ ،‬وباحلوار نبتعد عن �صراع احل�ضارات التي يدعو �إليه‬ ‫بع�ض الغربيني املتع�صبني‪ ،‬الذين ينطلقون من منطلق التفوق‬ ‫املطلق ملدنيتهم الغربية املعا�صرة ‪ ،‬نا�سني �أن �أ�صول احل�ضارة التي‬ ‫هم فيها لي�س لهم فيها ن�صيب ‪.‬‬ ‫‪ -6‬االبتعاد عن الأحكام التجريدية يف ق�ضايا الواقع ‪ ،‬والو�صول‬ ‫�إىل و�ضوح الر�ؤية حول ق�ضية ما و ا�ستق�صاء جوانب اخلالف ما‬ ‫�أمكن ‪ ،‬وجتلية ما بني املتحاورين من ق�ضايا خالفية مما قد يوفر‬ ‫حالة من الود ‪،‬ولذلك قيل " �إن اختالف الر�أي ال يف�سد يف الود‬ ‫ق�ضية " ‪ .‬كما �أن اال�ستق�صاء فيها يجنب النظرات االنفعالية �أو‬ ‫القناعات امل�سبقة ‪.‬‬ ‫‪ -7‬للحوار فوائد عديدة على امل�ستوى التعليمي‪ ،‬تفوق يف �آثارها‬ ‫كثريا من الأن�شطة التعليمية ‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫ونورد هنا بع�ض الأ�صول ال�ضرورية للحوار‪:‬‬ ‫‪� .1‬سلوك الطرق العلمية والتزامها ‪ ،‬من تقدمي الأوىل املثبتة‬ ‫�أو املرجحة للدعوى ‪ ،‬ومن �صحة الثقل يف الأم��ور املنقولة قال‬ ‫تعاىل‪( :‬قل هاتوا برهانكم �إن كنتم �صادقني)‪ .‬وهكذا يث ِّبت‬ ‫ال��ق��ر�آن منهج ًا للحوار على �أ�سا�س ال�بره��ان والعقل‪ ،‬والتد ُّبر‬ ‫والتفكُّر ‪ ،‬وامل�س ّلمات الثابتة لدى الطرفـني ‪ ،‬بعيد ًا عن الع�صـب ّية‬ ‫والتحجر االنتمائي الذي ال ميلك دلي ًال ‪ ،‬وال يقوم على �أ�سا�س‬ ‫ّ‬ ‫الوعي ؛ ولذا قال العلماء ‪� :‬إن كنت ناق ًال فال�صحة ‪ ،‬و�إن كنت‬ ‫مدعي ًا فالدليل(‪. :)24‬‬ ‫�سواء �أكانت‬ ‫‪.2‬االت��ف��اق على منطلقات ثابتة وق�ضايا م�سلَّمة‬ ‫ً‬ ‫عقلية �أم نقلية ك�أوامر ال�شرع ال�صريحة كالأمر باحلجاب ونحوه‪،‬‬ ‫ومن اخلط�أ غري املق�صود عند بع�ض الكاتبني �إثارة ق�ضية ح�سمها‬ ‫ال�شرع كاحلجاب بق�صد �إثباتها و�صالحيتها‪.‬‬ ‫‪ .3‬التجرد وق�صد احلق ‪ ،‬والبعد عن التع�صب ‪ ،‬وااللتـزام ب�أدب‬ ‫احلوار ‪ :‬قال ال�شافعي ‪-‬رحمه اهلل‪ " : -‬ما كلمت �أحد ًا قط �إال‬ ‫�أحببت �أن يوفق وي�سدد ويعان ‪ ،‬وتكون عليه رعاية اهلل وحفظه‪،‬‬ ‫وما ناظرين فباليت ! �أظهرت احلجة على ل�سانه �أو ل�ساين "(‪.)25‬‬ ‫‪� .4‬أهلية املحاور ‪ ،‬فمن اخلط�أ �أن يت�صدى للدفاع عن احلق من كان‬ ‫على الباطل ‪� ،‬أو من ال يعرف احلق ‪� ،‬أو من ال يجيد الدفاع عن‬ ‫احلق‪� ،‬أو من ال يدرك م�سالك الباطل ‪.‬‬ ‫‪ .5‬الر�ضا والقبول بالنتائج التي يتو�صل �إليها املتحاورون ‪،‬‬ ‫وااللتـزام اجلاد بها ‪ ،‬ومبا يرتتب عليها ‪ ،‬قال ال�شافعي‪ -‬رحمه‬ ‫اهلل‪ " : -‬ما ناظرت �أحد ًا فقبل مني احلجة �إال عظم يف عيني وال‬ ‫ردها �إال �سقط من عيني (‪.")26‬‬ ‫‪ 6‬ـ الأ�سلوب ال�سلمي والهادئ يف العر�ض والنقد‪ ،‬بعيد ًا عن العنف‬ ‫واحلدة‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ الأدب يف الكالم‪ ،‬وحتا�شي الكلمات التي جترح اخل�صم وت�سيء‬ ‫�إىل كرامته‪� ،‬أو �شرفه‪� ،‬أو ت�سفّه عقيدته ‪� ،‬أو ت���ؤدي �إىل �س ّبه‬ ‫و�شتمه‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ عدم التقول على الطرف الآخر‪ ،‬وطرح مفاهيم و�آراء من�سوبة‬ ‫�إليه وهو يرف�ضها �أو ا�ستخدام ن�صو�ص و�أحاديث ي�شك �أنها �ضعيفة‬ ‫وغري معتربة يف عقيدته �أو مذهبه ‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ عدم ا�ستخدام م�صادر خ�صوم الطرف الآخر؛ لأنها تت�ضمن �آراء‬ ‫غري حيادية بل عدائية يف الغالب ‪ ،‬بل يجب ا�ستخدام م�صادر‬ ‫الطرف الآخر مما يعتقد �أنها �صحيحة وموثوقة لديه ‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ عدم �إحراج اخل�صم ب�شكل ي�ضطر معها للعناد حفاظ ًا على‬ ‫كرامته وموقعه ‪ ،‬بل حماولة �إقناعه بي�سر و�سهولة ‪ ،‬ومنحه وقت ًا‬ ‫كافي ًا للتفكري والت�أمل ‪ ،‬فل�سنا معه يف حلبة �صراع بل مناق�شة‬ ‫�أفكار‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫‪ 11‬ـ ال يعني وجود طرفني يف مناظرة �أو حوار �أن �أحدهما يحمل‬ ‫كل احلقيقة والآخر ال يحمل �شيئ ًا من احلق ‪ ،‬بل هناك حقائق‬ ‫يجب على الطرف الآخر �أن ي�س ّلم بها؛ لتكون قا�سم ًا م�شرتك ًا يف‬ ‫املرحلة الأوىل من احلوار ‪ ،‬ثم يناق�شان ما اختلفا عليه بهدوء‬ ‫و�صرب ولني ‪.‬‬

‫�آداب احلــــــوار‪:‬‬

‫ال بد من �آداب يت�أدب بها امل�سلم �أثناء حواره ومناق�شته للنا�س‬ ‫حتى يكون عمله مقبوال عند اهلل عز وجل ‪ ،‬فامل�سلم م�ؤدب مع اهلل‬ ‫عز وجل‪ ، -‬ال يعرت�ض على حكم اهلل بل يتقبل حكم اهلل را�ضيا‬‫مطمئنا ‪ ،‬وامل�سلم م�ؤدب مع ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬فال‬ ‫يعرت�ض على �أحكامه ‪.‬‬ ‫وامل�سلم م����ؤدب م��ع النا�س ك��ل النا�س على اخ��ت�لاف هيئاتهم‬ ‫و�صفاتهم‪ ،‬و�أ�شكالهم و�ألوانهم وجن�سياتهم ‪ ،‬ومن هنا �أرى �أن هناك‬ ‫�آدابا ال بد منها يف احلوار ومن هذه الآداب ‪:‬‬ ‫‪ .1‬الإخال�ص ‪:‬‬ ‫البد لكل عمل من نية ‪ ،‬ونية الإن�سان خري من عمله ‪ ،‬ور�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬يقول ‪� " :‬إمنا الأعمال بالنيات ‪ ،‬و�إمنا لكل‬‫امرئ ما نوى "( ‪ ،)27‬فالأ�صل يف امل�سلم �أنّ ن ّيته يف احلوار مر�ضاة‬ ‫اهلل عز وجل ‪.‬‬ ‫‪ .2‬ال�صـــدق ‪:‬‬ ‫�أن يكون املحاور �صادقا يف حواره‬ ‫• �صدق احلديث قال" �إن ال�صدق يهدي �إىل ال�بر و�إن الرب‬ ‫يهدي �إىل اجلنة ‪ ،‬و�إن الرجل لي�صدق حتى يكتب عند اهلل‬ ‫�صديقا"(‪. )28‬‬ ‫• ال�صدق يف نقل الروايات التي يريد املحاور تقدميها والتحدث‬ ‫بها فال يجوز �أن ين�سج الق�ص�ص من خياله �أو يحول الق�ص�ص‬ ‫ويبدلها كما ي�شاء لتنا�سب مو�ضوع حواره ‪.‬‬ ‫• الأمانة العلمية يف ن�سب الأمور �إىل �أ�صحابها و�أن ال ي�سمح‬ ‫لنف�سه بادعاء ما لي�س له ‪.‬‬ ‫• ال�صدق يف الوعد ‪� ،‬إذا حدد من �أجل احلوار وعدم االختالف ‪.‬‬ ‫‪ .3‬مراعاة �آداب جمل�س احلوار‪:‬‬ ‫• الدخول �إىل جمل�س احلوار ب�إذن �أ�صحابه‪.‬‬ ‫• م�صافحة من يجل�س يف جمل�س احلوار ‪.‬‬ ‫• اجللو�س يف املكان املخ�ص�ص له وعدم �إيذاء النا�س بتخطي‬ ‫ال���رق���اب واجل��ل��و���س بينهم دون �إذن م��ن��ه��م ‪ ،‬ي��ق��ول الإم����ام‬ ‫ال�شافعي(‪:)29‬‬ ‫�إذا رمت الدخول على �أنا�س فكن منهم مبنزلة الأقل‬ ‫ف�إن رفعوك ف�إن الف�ضل منهم و�إن �أخروك فقل هذا حملي‬ ‫• احرتام من كان يف املجل�س ال�سيما �إذا كان عاملا �أو م�سئوال ‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫ق��ال ال�شافعي " كنت �أت�صفح ال��ورق بني ي��دي مالك برفق لئال‬ ‫ي�سمع وقعها ‪ ".‬وقال الربيع تلميذ ال�شافعي " واهلل ما اجرت�أت‬ ‫(‪)30‬‬ ‫�أن �أ�شرب املاء وال�شافعي ينظر ‪".‬‬ ‫‪ .4‬مراعاة �آداب احلديث وت�شمل‪:‬‬ ‫‪ -1‬التمهل يف الكالم �أثناء احلديث ‪ ،‬فعلى املتحدث �أن يت�أنّى حتى‬ ‫يفهم النا�س ما يريد عن عائ�شة ‪-‬ر�ضي اهلل عنها‪ -‬قالت ‪ :‬كان‬ ‫ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬ال ي�سرد الكالم ك�سردكم �إذا‬ ‫(‪)31‬‬ ‫تكلم تكلم بكالم ف�صل يحفظه من �سمعه "‬ ‫‪ -2‬خماطبة النا�س على قدر عقولهم ‪ ،‬وعدم االرتفاع مب�ستوى‬ ‫احلديث عن م�ستوى النا�س الذين يتحدث معهم �أو يناق�شهم‬ ‫اقتداء يف ذلك ب�سيد الب�شر ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬حيث قال ‪":‬‬ ‫نحن معا�شر الأنبيــــــاء �أمرنا �أن ننزل النا�س منازلهم ونكلمهم على‬ ‫( ‪)32‬‬ ‫قدر عقولهم "‬ ‫‪ -3‬الإ�صغاء �إىل املتحدث ب�شكل جيد؛ حتى ت�شعره باهتمامك‬ ‫وحتى تفهم منه ما يريد قوله ‪.‬‬ ‫‪ -4‬عدم مقاطعة املتحدث �أثناء حديثه ‪ ،‬هذا �أدب ال يغيب عن بال‬ ‫امل�سلم �أبدا فهو ي�ستمع‪ ،‬وال يقاطع حتى ينتهي املتحدث من حديثه‬ ‫وبعد ذلك يبد�أ بالرد والنقا�ش ‪ ،‬ولن�أخذ العربة من والقدرة يف‬ ‫ذلك من ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪. -‬‬ ‫‪ -5‬الإقبال على اجلل�ساء جميع ًا ‪ ،‬و�أن ي�شعر املتحدث كل من يجل�س‬ ‫يف جمل�سه �أن الكالم موجه له ب�شكل خا�ص ‪ ،‬حتى يتابع كل واحد‬ ‫منهم احلديث باهتمام دون ملل ‪.‬‬ ‫‪� -6‬أن يقت�صر الكالم على ما يفيد فقط وخري الكالم ما قل ودل‪،‬‬ ‫فال يزيد يف الكالم بحيث ميل ال�سامع ‪ ،‬وال يخت�صر اخت�صارا‬ ‫ُيذهب املعنى ‪.‬الأ�صل يف املتحدث �أن ال يرفع �صوته �أك�ثر مما‬ ‫يحتاج �إليه ال�سامع فال يرفعه بحيث ي�ؤذي ال�سامعني وال يخف�ضه‬ ‫حتى ال ي�سمعه �أحد‪.‬‬ ‫‪.5‬االلتزام ب�أهداف احلوار ومو�ضوعيته ‪.‬‬ ‫�إذا جرى احل��وار بني طرفني فال بد من حتقيق الهدف والغاية‬ ‫التي من �أجلها بد�أ احل��وار‪،‬وال يجوز اخلروج عن مو�ضوع احلوار‬ ‫واخلو�ض يف �أمور جانبية بعيدة عن الهدف الأ�صلي للحوار ‪.‬‬ ‫ومن �سوء الأدب �أن ي�ستدرج �أحد الطرفني الطرف الآخر لإي�صاله‬ ‫�إىل طريق م�سدود بعيدا عن املو�ضوع الأ�صلي ‪� ،‬أو فتح مو�ضوع‬ ‫جديد ال مي��ت للمو�ضوع ال�سابق ب�صلة‪ ،‬وه��ك��ذا ي�ضيع اجلهد‬ ‫والوقت ‪.‬‬ ‫‪ .6‬االحرتام املتبادل بني طريف احلوار ‪.‬‬ ‫حتى ينجح احل��وار ال بد م��ن �أن ي�سود االح�ترام املتبادل بني‬ ‫املتحاورين ‪ ،‬فال يجوز ا�ستعمال الألفاظ اجلارحة �أو اللجوء �إىل‬ ‫نب�ش احلياة اخلا�صة لكل منهما ولإدراجها يف مو�ضوع احلوار �أو‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫اللجوء �إىل ال�سخرية واال�ستهزاء ‪ ،‬فال يجوز �أن ي�سخر طرف من‬ ‫طرف وال يجوز التنابز بالألقاب ‪ ،‬ومما يحز يف النف�س يف هذا‬ ‫املجال �أن كثريا من النا�س ال يتحمل النقد‪ ،‬وال جمرد املعاتبة‬ ‫التي يق�صد فيها الن�صح والإر���ش��اد ‪ ،‬فيثور ويغ�ضب فيكون رده‬ ‫بال�سخرية واال�ستهزاء ‪.‬‬ ‫‪ .7‬مراعاة �شعور الذين يتابعون احلوار ‪.‬‬ ‫يتابع احلوار يف الغالب عدد ال ب�أ�س به من النا�س ‪ ،‬وهنا يجب على‬ ‫طر ّ‬ ‫يف احلوار مراعاة �شعورهم ‪ ،‬ب�أن ال يتعر�ضوا لأ�شخا�صهم �أو‬ ‫هيئاتهم �أو �أفكارهم بالنقد والتجريح ‪ ،‬وعدم �إيذائهم بالألفاظ‬ ‫القبيحة‪� ،‬أو اجلارحة‪� ،‬أو اخلارجة عن الأدب ‪ ،‬حتى و�إن كان‬ ‫االختالف بني املتحاوران اختالفا كبريا ‪.‬‬ ‫‪ .8‬البعد عن الغيبة والنميمة والتج�س�س‬ ‫�أن يحذر املتحاورون اخلو�ض يف �أعرا�ض النا�س �أو �صفاتهم بال‬ ‫مربر �شرعي حتى ال يقعا يف املحذور ال�شرعي ويقعا يف الإثم ‪ ،‬قال‬ ‫ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪� " -‬أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا‬ ‫اهلل ور�سوله �أعلم ‪ ،‬قال ‪ :‬الغيبة ذكرك �أخاك مبا يكره ‪ ،‬قيل‬ ‫�أر�أي��ت �إن كان يف �أخي ما �أق��ول ؟ قال �إن كان فيه ما تقول فقد‬ ‫اغتبته ‪ ،‬و�إن مل يكن فيه ما تقول فقد بهته ‪. )33(".‬‬ ‫‪ .9‬عدم �إف�شــــاء الأ�ســــرار‬ ‫يف كثري من الأحيان يطول احل��وار ‪،‬وه��ذا يعني �أن يكرث الكالم‬ ‫وكرثة الكالم توقع يف املهالك ‪ ،‬في�سرب بع�ض طريف احلوار �أ�سرار؛‬ ‫ينبغي �أن ال تقال و�أن تبقى حمفوظة وك�شفها فيه خطر ج�سيم‬ ‫فليحذر املتحاورون من ذلك ‪.‬‬ ‫املراجع‪:‬‬ ‫‪� -1‬سورة �آل عمران الآية (‪)64‬‬ ‫‪� -19‬سورة النحل (‪)43‬‬ ‫‪� -2‬سورة البقرة ‪ ،‬الآية (‪)30‬‬ ‫‪ -20‬عز الدين التميمي وزميله ‪ ،‬نظرات يف‬ ‫‪� -3‬سورة املجادلة ‪ ،‬الآية (‪)1‬‬ ‫الرتبية الإ�سالمية‪� ،‬ص(‪)104‬‬ ‫‪� -4‬سورة الكهف ‪ ،‬الآية (‪)37‬‬ ‫‪ -21‬حممد �أبو فار�س ‪� ،‬أ�س�س الدعوة وو�سائل‬ ‫‪ -5‬ابن منظور ‪ ،‬ل�سان العرب ‪ ،‬جملد ‪، 4‬‬ ‫ن�شرها ‪� .‬ص (‪)128‬‬ ‫�ص (‪)218‬‬ ‫‪ -22‬ح�سن علي الغ�سرة ‪ ،‬احلوار‪ ،‬جملة‬ ‫‪ -6‬عبد ارحمن النحالوي ‪� ،‬أ�صول الرتبية النب�أ ‪/www.annabaa.org/nba59‬‬ ‫الإ�سالمية �ص(‪)206‬‬ ‫‪- huar.htm‬‬ ‫‪ -7‬جعفر عبد الرزاق ‪ ،‬منهجية احلوار يف ‪�( -23‬آل عمران ‪)064‬‬ ‫الإ�سالم ‪ ،‬موقع على الإنرتنت‬ ‫‪� -24‬صالح بن عبد اهلل بن حميد ‪ ،‬مقالة على‬ ‫‪ -8‬حممد �أبو فار�س ‪� ،‬أ�س�س الدعوة‬ ‫الإنرتنت‬ ‫وو�سائل ن�شرها ‪� .‬ص (‪)128‬‬ ‫‪ -25‬م�صطفى ال�شكعة ‪ ،‬الأئمة الأربعة ‪� ،‬ص‬ ‫‪ -9‬حممد اخل�ضري بك ‪ ،‬نور اليقني يف‬ ‫(‪)579‬‬ ‫�سرية �سيد املر�سلني ‪� ،‬ص (‪)106‬‬ ‫‪ -26‬م�صطفى ال�شكعة ‪ ،‬الأئمة الأربعة ‪� ،‬ص‬ ‫‪� -10‬سورة البقرة الآية (‪)14‬‬ ‫(‪)579‬‬ ‫‪� -11‬سورة غافر الآية (‪)29‬‬ ‫‪ -27‬متفق عليه‬ ‫‪� -12‬سورة احلجرات ‪ ،‬الآية (‪)13‬‬ ‫‪ -28‬رواه البخاري و م�سلم‬ ‫‪� -13‬سيد قطب ‪ ،‬يف ظالل القر�آن ‪ ،‬جملد ‪ -29 6‬ديوان الإمام ال�شافعي ‪ ،‬تقدمي �إح�سان‬ ‫‪� ،‬ص(‪)3348‬‬ ‫عبا�س ‪ ،‬دار �صادر بريوت ‪،‬لبنان ‪ ،‬الطبعة‬ ‫حديث‬ ‫من‬ ‫‪،‬‬ ‫م�سنده‬ ‫يف‬ ‫البزار‬ ‫‪ -14‬رواه‬ ‫الأوىل ‪�،1996 ،‬ص (‪)29‬‬ ‫حذيفة‬ ‫‪ -30‬حا�شية ر�سالة امل�سرت�شدين ‪ ،‬حتقيق �أبو‬ ‫(‪)104‬‬ ‫آية‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫عمران‬ ‫آل‬ ‫�‬ ‫�سورة‬ ‫‪-15‬‬ ‫غدة ‪�.‬ص (‪)141‬‬ ‫‪ -16‬رواه م�سلم يف كتاب الإميان‬ ‫‪ -31‬رواه البخاري‬ ‫‪ -17‬رواه �أبو داود يف كتاب املالحم‬ ‫‪ -32‬روي عن �أبي داود من حديث عائ�شة ‪:‬‬ ‫‪� -18‬سورة �آل عمران الآية (‪)64‬‬ ‫انزلوا النا�س منازلهم‬

‫‪39‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬

‫العدل والمساواة‬ ‫قيم أصيلة في‬

‫الحضارة اإلسالمية‬ ‫�أ‌‪ .‬حممد زاهي مقدادي‬

‫�إن قيم العدل وامل�ساواة مل تكن يوم ًا من الأيام قيم ًا نظرية‬ ‫فقط؛ بل طبقت على مدار التاريخ الإ�سالمي يف �صور عملية‪،‬‬ ‫ومت االلتزام بها من احلكام واملحكومني على حد �سواء؛‬ ‫فت�أتي قري�ش �إىل �أ�سامة بن زيد وقد �أهمهم �ش�أن املر�أة‬ ‫املخزومية التي �سرقت‪ ،‬كيف ُتقطع يدها ؟ وهي من بني‬ ‫خمزوم من �سادات قري�ش‪ ،‬فرييدون لها ا�ستثناء من العقوبة‬ ‫نظرا ً ملكانتها‪ ،‬ومكانة قومها‪ .‬فيكلم �أ�سامة بن زيد ر�سول‬ ‫اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،-‬فماذا كان جواب ر�سول اهلل؟‬ ‫�أت�شفع يف حد من حدود اهلل يا �أ�سامة ؟ ثم يقرر قاعدة‬ ‫لهالك الأمم‪ ،‬وزوالها‪ ،‬واندثار ح�ضارتها ( �إمنا �أهلك من كان‬ ‫قبلكم كانوا �إذا �سرق فيهم ال�شريف تركوه‪ ،‬و�إذا �سرق فيهم‬ ‫ال�ضعيف �أقاموا عليه احلد ) ثم يقرر �أن ال ا�ستثناءات‪ ،‬وال‬ ‫مميزات يف القانون حتى لو كان للحاكم نف�سه �أو لأقرب‬ ‫املقربني �إليه ( واهلل لو فاطمة بنت حممد �سرقت لقطعت‬ ‫(‪)1‬‬ ‫يدها )‬ ‫يقول الدكتور الزحيلي يف تف�سريه الو�سيط ( ال يعرف‬ ‫الإ�سالم يف �أحكامه وق�ضاته وحماكمه‪ ،‬التفرقة بني م�سلم‬ ‫وغري م�سلم‪ ،‬فالكل �أم��ام احلق والعدل �سواء‪ ،‬وال حماباة‬ ‫مل�سلم على غري امل�سلم يف �أي مظهر �أو و�ضع من مظاهر‬ ‫الق�ضاء و�أو�ضاعه) (‪ .)2‬كما وي�ؤكد على هذا املعنى الدكتور‬ ‫راغب ال�سرجاين يف كتابه (الأخ�لاق والقيم يف احل�ضارة‬ ‫الإ�سالمية) �إذ يقول ‪( :‬فالعدل يف الإ�سالم ال يت�أثر بحب‬

‫‪40‬‬

‫�أو بغ�ض‪ ،‬فال يفرق بني ح�سب ون�سب‪ ،‬وال بني جاه ومال‪،‬‬ ‫كما ال يفرق بني م�سلم وغري م�سلم؛ بل يتمتع بالعدل جميع‬ ‫املقيمني على �أر�ضه من امل�سلمني وغري امل�سلمني‪ ،‬مهما كان بني‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ه�ؤالء و�أولئك من مودة �أو �شقاق‬ ‫و�إذا ما ذهبنا ن�ستعر�ض تاريخنا وح�ضارتنا الإ�سالمية‬ ‫جند ال�صور التطبيقية؛ لذلك �إذ ُروي �أن قبطي ًا ُين�شد‬ ‫العدالة يف املدينة املنورة من قبل احلاكم الأعلى للدولة‬ ‫الإ�سالمية‪،‬وقد ُظلم يف م�صر من قبل ابن حاكمها ‪ .‬تروى‬ ‫كتب ال�سري والتاريخ ( �أن ابن ًا لعمرو بن العا�ص ت�سابق هو‬ ‫وقبطي ف�سبق القبطي ابن عمرو‪ ،‬ف�ضرب ابن عمرو القبطي‪،‬‬ ‫ف�شكا ذلك لعمرو بن العا�ص‪ ،‬فحاول ا�سرت�ضائه �إال �أنه �أبى‪،‬‬ ‫فذهب للمدينة �شاكي ًا عمرو بن العا�ص وابنه لأمري امل�ؤمنني‬ ‫عمر بن اخلطاب‪ ،‬ف�أر�سل عمر بن اخلطاب يف طلب عمرو بن‬ ‫العا�ص وابنه‪ ،‬فلما و�صال �أمر القبطي �أن ي�ضرب ابن عمرو‬ ‫بن العا�ص و�أبيه‪ ،‬ثم قال قولته اخلالدة امل�شهورة‪ ( :‬متى‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ا�ستعبدمت النا�س وقد ولدتهم �أمهاتهم �أحرارا ً )‬ ‫كما يحدثنا التاريخ �أن �شريح ًا القا�ضي حكم ليهودي على‬ ‫�أمري امل�ؤمنني علي بن �أبي طالب يف ق�ضية درعه(‪ .)5‬وكذلك‬ ‫حكم القا�ضي �أبا يو�سف لن�صراين �ضد اخلليفة العبا�سي‬ ‫(‪)6‬‬ ‫هارون الر�شيد‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫�إن هذه ال�صور التطبيقية التي �أ�سلفنا هي غي�ض من في�ض‬ ‫تعرب ع��ن م��دى االل��ت��زام بالن�صو�ص القر�آنية‪ ،‬وال�سنة‬ ‫النبوية ‪�،‬إذ يقول تعاىل‪ ( :‬يا �أيها الذين امنوا كونوا‬ ‫قوامني بالق�سط �شهداء هلل ولو على �أنف�سكم �أو الوالدين‬ ‫والأقربني ) "الن�ساء‪ "135/‬ويقول تعاىل‪ ( :‬و�إذا قلتم‬ ‫فاعدلوا ) "الأنعام‪ "152/‬ويقول عليه ال�صالة وال�سالم‪:‬‬ ‫(النا�س من �آدم و�آدم من تراب‪ ،‬ال ف�ضل لعربي على �أعجمي‬ ‫�إال بالتقوى )(‪.)7‬‬ ‫وبعد �أن ّبينا بع�ضا ً من ال�صور التطبيقية التي تبني مدى‬ ‫االلتزام بتطبيق الن�صو�ص القر�آنية والأحاديث النبوية‪،‬‬ ‫ال بد لنا �أن نبني �أهمية العدل وامل�ساواة‪ ،‬وذلك يف النقاط‬ ‫الآتية ‪-:‬‬ ‫‪� . 1‬أنها تعبري حقيقي عن كرامة الإن�سان بغ�ض النظر‬ ‫عن دينه ولونه ‪ ،‬فحينما تخا�صم �أبو ذر وبالل‪ ،‬قال �أبو ذر‬ ‫لبالل ‪ ( :‬يا ابن ال�سوداء‪ ،‬ف�شكى بالل للنبي‪ ،‬فقال النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬لأبي ذر ‪� :‬أعريته ب�أمه �إنك امر�ؤ‬‫(‪)9‬‬ ‫فيك جاهلية)‬ ‫فال اللون وال اجلن�س هما �أ�سا�س املقاي�سة واملفا�ضلة‪،‬‬ ‫ب��ل جن��د الن�ص ال��ق��ر�آين ي��ق��رر (�إن �أك��رم��ك��م عند اهلل‬ ‫�أتقاكم)"احلجرات‪( "13/‬ولقد كرمنا بني �آدم وحملناهم‬ ‫يف الرب والبحر) "الإ�سراء‪"70/‬‬ ‫يقول الدكتور علي ح�سن الطوالبة يف كتابه‪ -‬حق امل�ساواة‬ ‫يف ال�شريعة الإ�سالمية واملواثيق الدولية‪(:-‬ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية وظفت مبادئ احلرية والعدل وامل�ساواة يف خط‬ ‫واحد‪ ،‬يكمل �أحدهما الآخر؛ لأن هذه املبادىء هي التي تعرب‬ ‫حقيقة عن كرامة الإن�سان التي تن�شدها حقوق الإن�سان يف‬ ‫الد�ساتري وال�صكوك الدولية؛ فال�شريعة الإ�سالمية �سباقة‬ ‫يف حفظ الكرامة الإن�سانية منذ ‪�1400‬سنة) ‪.‬‬ ‫‪� . 2‬أنها ميزان اهلل على الأر����ض ي�ؤخذ لل�ضعيف حقه‪،‬‬ ‫وين�صف امل��ظ��ل��وم مم��ن ظلمه‪ ،‬ومتّ��ك��ن �صاحب احل��ق من‬ ‫الو�صول �إىل حقه يف �أقرب الطرق و�أي�سرها‪ .‬ويف خطاب‬ ‫�أبي بكر ال�صديق ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬يقرر هذه القاعدة ؛‬ ‫حيث ا�ستفتح به خالفته‪� ،‬إذ يقول‪ ( :‬ال�ضعيف فيكم قوي‬ ‫عندي حتى �آخ��ذ احلق له‪ ،‬والقوي فيكم �ضعيف عندي‬ ‫حتى �آخذ احلق منه �إن �شاء اهلل)(‪.)10‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪� . 3‬أنها حتقق اال�ستقرار والطم�أنينة يف املجتمع امل�سلم‪,‬‬ ‫فاملطالع الب�صري ملا يجري يف الوقت احلا�ضر من خراب‬ ‫ودمار يف بالد امل�سلمني‪ ،‬يعرف �أن ال�سبب الأول والرئي�س‬ ‫هو‪:‬غياب العدالة وامل�ساواة‪ .‬و�إذا ما �أردن��ا ا�ستقرار ًا‬ ‫وطم�أنينة فعلينا �أن نطبق هذه القيم تطبيق ًا عملي ًا ال‬ ‫نظري ًا؛ حتى يطمئن كل فرد يف املجتمع �أن كرامته م�صانة‪،‬‬ ‫وحقه حمفوظ‪ ،‬و�أنه ال متايز‪ ،‬وال طبقية‪ ،‬وال ا�ستثناءات‪.‬‬ ‫فهذه القيم تعمل على ا�ستقرار املجتمع‪ ،‬وحتقيق الأمن‪،‬‬ ‫كما يقول الدكتور الطوالبة‪ ( :‬لو مت تطبيق هذه املبادئ‬ ‫من قبل احلكومات والأنظمة ال�سيا�سية يف البلدان التي‬ ‫تدين بالإ�سالم‪ ،‬وحتكم مببادئه ملا �شهدنا فرق ًا يف حقوق‬ ‫الإن�سان‪ ،‬وانتهاكا ً لكرامة الإن�سانية‪ ،‬ولكانت هذه البلدان‬ ‫�أمنوذج ًا يحتذي يف احرتام حقوق الإن�سان‪ ،‬ولكن االبتعاد‬ ‫عن ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬واال�ستهانة باملبادئ النبيلة التي‬ ‫و�ضعتها من �أجل الإن�سان هو الذي جعل البلدان الإ�سالمية‬ ‫يف م�ؤخرة الدول املعنية بحقوق الإن�سان"‪."10‬‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫‪ -1‬متفق عليه‪.‬‬ ‫‪ -2‬التف�سري الو�سيط ‪ /‬الزحيلي ج‪� / 1‬ص ‪375‬‬ ‫‪ -3‬الأخالق والقيم يف احل�ضارة الإ�سالمية ‪ /‬د ‪ .‬راغب ال�سرجاين ‪� /‬ص ‪71‬‬ ‫‪ -4‬فتوح م�صر و�أخبارها ‪/‬ابن عبد اجلكم �ص‪29‬‬ ‫‪� -5‬أخرجها �أبو نعيم يف احللية‪139/4‬‬ ‫‪ -6‬معامل احل�ضارة يف الإ�سالم ‪� /‬ص‪72‬‬ ‫‪� -7‬أخرجه �أبو داود‪/‬كتاب الأدب‪/‬باب يف الإح�سان‬ ‫‪ -8‬متفق عليه‪.‬‬ ‫‪ -9‬ال�سرية النبوية‪/‬ابن ه�شام‪240/4‬‬ ‫‪ -10‬حق امل�ساواة يف ال�شريعة الإ�سالمية واملواثيق الدولية �ص‪11‬‬

‫‪41‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫القيادة اإلسالمية‬

‫وفق القرآن والسنة‬ ‫�أ‪� .‬أبو زيد املقري الإدري�سي ‪-‬املغرب‬

‫‪ -1‬متهيد‪� :‬إ�شكال منهجي‪:‬‬

‫يعرت�ضنا �إ�شكال منهجي بالغ احلرج يف ما يتعلق بت�أ�صيل نظرية‬ ‫القيادة من القر�آن وال�سنة‪ ،‬وهو �إ�شكال ميتد �إىل كثري من الق�ضايا‬ ‫واملوا�ضيع التي ي�سعى الباحثون املعا�صرون �إىل ت�أ�صيلها من القر�آن‬ ‫على اخل�صو�ص‪ .‬ويتعلق الأمر ب�شح الن�صو�ص املبا�شرة يف املو�ضوع‪،‬‬ ‫مما ي�ضطر الباحث بنوع من التجوز �إىل البحث يف الن�صو�ص غري‬ ‫املبا�شرة‪ ،‬وهي دائما وافرة وغزيرة وهنا ينت�صب ا�ستفهام منهجي‬ ‫بل و�أخالقي‪ ،‬هل اللجوء �إىل الن�صو�ص غري املبا�شرة هو نوع من‬ ‫انقالب منهجي على احلقيقة؟ مبعنى و�ضع العربة �أمام احل�صان‪،‬‬ ‫وحتكيم العقل يف النقل‪ ،‬وتقدمي الفقه على التف�سري‪ ،‬مبا قد يفهم‬ ‫منه تقدمي الرتاث على الوحي!‬ ‫لتو�ضيح ذلك يف احلالة التي نحن ب�صددها‪� ،‬أ�شري �إىل �أن �أغلب‬ ‫الباحثني يف مو�ضوع ت�أ�صيل القيادة من القر�آن وال�سنة‪ ،‬يلج�ؤون‬ ‫�إىل �شبكة وا�سعة من الن�صو�ص‪ ،‬موجهة �أ�صال �إىل املكلفني عموما‪،‬‬ ‫وال تخت�ص بالقيادة‪ ،‬وقد يكون لها وجه من �أوجه االرتباط ببناء‬ ‫نظرية القيادة يف الإ�سالم فيما يت�صل باملفاهيم‪� ،‬أو امليادين‪� ،‬أو‬ ‫امل�ستويات‪� ،‬أو ال�شروط‪� ،‬أو الق�ضايا التي ت�ؤ�س�س مفهوم القيادة‪،‬‬ ‫ولكنه ارتباط بعدي‪ ،‬يت�أتى من تو�سيع النظر يف هذا املجال‪ ،‬وقد‬ ‫يت�أتى من قراءة التجربة الإ�سالمية‪� ،‬أو حتى الإن�سانية‪ ،‬املمتدة‬ ‫على طول التاريخ ال�سيا�سي للأمم‪.‬‬ ‫رمبا يت�أتى ذلك من النظر يف ما �أجنزه الفكر ال�سيا�سي‪ ،‬والفكر‬ ‫الرتبوي‪ ،‬والفكر الإداري‪ ،‬يف املو�ضوع‪ .‬ثم ال�سعي ب�أثر رجعي �إىل‬ ‫�إعادة ا�ستك�شافه يف ثنايا ن�صو�ص الوحي‪ .‬وهذا يطرح علينا �س�ؤال‬ ‫النزاهة‪ ،‬ويثري �إ�شكالية الإ�سقاط البعدي ملفاهيم خارج ن�صو�ص‬ ‫الوحي على هذه الن�صو�ص‪ ،‬التي ت�صبح قابلة ال�ستيعاب �أي نوع‬ ‫من املفاهيم‪ ،‬والتعاي�ش مع كل �أ�شكال النظريات يف املو�ضوع(‪.)1‬‬ ‫قد يتجه الباحث يف هذا االجتاه‪ ،‬حتت �ضغط الرغبة يف البحث‬ ‫عن مناطات للمو�ضوع يف القر�آن وال�سنة‪ ،‬ولكن ينبغي توخي‬ ‫احلذر ال�شديد من الوقوع يف منزلق االف�تراء على الن�ص با�سم‬ ‫"الت�أ�صيل"‪� .‬صحيح �أنه لي�س كل �إ�سقاط ُمت َمحال‪ ،‬ولكن يثور �س�ؤال‬ ‫منهجي �آخ��ر يت�صل بال�ضوابط العلمية‪ ،‬واملنهجية للممار�سة‬ ‫الإ�سقاط ال�سليم‪ ،‬بعيد ًا عن التكلف بل واالختالق �أحيانا‪ ،‬كلما‬ ‫كان هناك رابط معقول بني الفكرة البعدية والن�ص القبلي‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫و�سوف نلتزم بكل نزاهة يف هذا العر�ض‪ ،‬باملزاوجة بني الت�ضييق‬ ‫املنهجي للمو�ضوع بالوقوف على الن�صو�ص املبا�شرة‪ ،‬مع التو�سع‬ ‫املحدود يف املفاهيم القريبة يف �إطار ما ي�سمح به الإ�سقاط ال�سليم‬ ‫حتى لو كان مبفاهيم بعدية على ن�صو�ص قبلية‪� ،‬إال �أن الرابط‬ ‫ينبغي �أن يكون قريب ًا ومعقو ًال وطبيعي ًا‪ ،‬وذل��ك �سعيا منا �إىل‬ ‫جتنب حمذوري �إفقار املو�ضوع �أو متييعه(‪.)2‬‬

‫‪ -2‬معجم القيادة يف القر�آن وال�سنة‪:‬‬

‫مل ي�ستخدم ال��ق��ر�آن الكرمي م�صطلح القيادة بلفظه‪ ،‬كما مل‬ ‫ي�ستخدم م�شتقاته على م�ستوى جذر الكلمة(ق و د)‪� ،‬أما م�شتقات‬ ‫جذر(ق د و) فقد ا�ستخدمت مرتني فقط‪� ":‬أُو َل ِئ َك ا َّل ِذينَ هَ دَ ى‬ ‫اللهَّ ُ َف ِب ُهدَ اهُ ُم ْ‬ ‫اق َت ِد ْه "(الأنعام ‪َ ") 90‬و َك َذ ِل َك َما �أَ ْر َ�س ْل َنا ِم ْن‬ ‫ير �إِ اَّل َق َ‬ ‫اء َنا َع َلى‬ ‫َق ْب ِل َك فيِ َق ْر َي ٍة ِم ْن َن ِذ ٍ‬ ‫ال ُمترْ َ ُفوهَ ا �إِنَّا َو َج ْد َنا �آ َب َ‬ ‫�أُ َّم ٍة َو�إِنَّا َع َلى �آ َثا ِر ِه ْم ُم ْق َتدُ ونَ "(الزخرف ‪ .)23‬و�أما على م�ستوى‬ ‫املعنى فنجد ا�ستخدامات قر�آنية ع��دة مثل‪ :‬كلمة الإم��ام��ة‬ ‫وم�شتقاتها‪":‬واجعلنا للمتقني �إماما"(الفرقان ‪ .)74‬وكلمة‬ ‫احلكم وم�شتقاتها‪ ،‬من مثل قوله تعاىل‪َ ":‬و َل َق ْد �آ َت ْي َنا َب ِني �إِ ْ�س َرا ِئ َ‬ ‫يل‬ ‫اب َوالحْ ُ ك َْم َوال ُّن ُب َّو َة"(اجلاثية ‪ .)16‬وكلمة اخلالفة‪ ،‬من مثل‬ ‫ا ْل ِك َت َ‬ ‫اك َخ ِلي َف ًة فيِ ْ أَ‬ ‫قوله تعاىل‪َ ":‬يا َدا ُوو ُد ِ�إنَّا َج َع ْل َن َ‬ ‫اح ُك ْم بَينْ َ‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫�ض َف ْ‬ ‫َّا�س ِبالحْ َ قِّ " (�ص ‪.)26‬‬ ‫الن ِ‬ ‫وكذلك يف احلديث النبوي‪ ،‬مل ترد كلمة قيادة بلفظها يف الكتب‬ ‫الت�سعة‪ ،‬ولكن م�شتقاتها وردت �أكرث من ‪ 330‬مرة‪ ،‬منها حديث‬ ‫جابر بن عبد اهلل �أن النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬قال‪� ":‬أنا‬ ‫قائد املر�سلني وال فخر"(�سنن الدارمي)(‪.)3‬‬ ‫وقد ا�ستعمل القر�آن الكرمي �أي�ضا م�صطلح �أمة مرة واحدة مبعنى‬ ‫يم َكانَ �أُ َّم ًة َقا ِن ًتا للِهَّ ِ َح ِني ًفا"(النحل‪)120‬‬ ‫القيادة‪�":‬إِنَّ ِ�إ ْب َر ِ‬ ‫اه َ‬ ‫(‪.)4‬وكذلك من امل�صطلحات الدالة على القيادة م�صطلح الأ�سوة‪،‬‬ ‫فقد ورد يف القر�آن يف ثالثة موا�ضع من�سوبا يف �أوالها �إىل الر�سول‬ ‫ول اللهَّ ِ �أُ ْ�س َو ٌة‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪َ ":-‬ل َق ْد َك��انَ َل ُك ْم فيِ َر ُ�س ِ‬‫َح َ�س َن ٌة"(الأحزاب ‪ ،)21‬وورد يف ثانيها منوطا ب�سيدنا �إبراهيم‬ ‫يم‬ ‫عليه ال�سالم‪ -‬و�أتباعه‪َ ":‬ق ْد َكا َنتْ َل ُك ْم �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة فيِ �إِ ْب َر ِ‬‫اه َ‬ ‫َوا َّل ِ��ذي��نَ َم َعهُ "املمتحنة‪ ، 4-‬ومت الت�أكيد يف ثالثها على الأ�سوة‬ ‫ب�شكل مفتوح‪َ ":‬ل َق ْد َكانَ َل ُك ْم ِفيه ِْم �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة"(املمتحنة ‪. )6‬‬ ‫ولي�س مب�ستغرب �أن يكون م�صطلح الأ�سوة من م�صطلحات القيادة‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫لأن الت�أ�سي ال يكون �إال بالقادة ذوي الكاريزما الباهرة‪ ،‬ومن‬ ‫هنا وجه الإ�شارة فيما �سلف �إىل م�صطلح الإقتداء الذي يقا�سم‬ ‫م�صطلح الأ�سوة املعنى‪ ،‬كما يقا�سم م�صطلح القدوة اللفظ‪.‬‬ ‫‪ -3‬ال�شروط العامة للقيادة يف القر�آن وال�سنة‪:‬‬ ‫ونق�صد بال�شروط العامة �أنها ال تتعلق بنوع واح��د من �أن��واع‬ ‫القيادة‪ ،‬كالقيادة ال�سيا�سية‪� ،‬أو الرتبوية �أو الإدارية‪� ،‬أو غريها‪،‬‬ ‫فهذه لكل واح��دة منها على ح��دة‪� ،‬شروط خم�صو�صة تكميلية‬ ‫�أو حت�سينية‪ ،‬ورمبا �أ�سا�سية‪� .‬أما ال�شروط العامة‪ ،‬فاملق�صود بها‬ ‫ال�شروط التي ال تكون القيادة قيادة بدونها‪ ،‬وال ي�صلح القائد �أن‬ ‫يكون قائدا �إال �إذا حتلى بال�صفات الآتية‪:‬‬

‫‪ -1‬الق�صدية‪:‬‬

‫وذلك مبوجب الوعي بوجود غاية من خلق الإن�سان و�سعيه يف‬ ‫الأر�ض‪ ،‬ت�ستوجب هذه الغاية �أن يكون ذا ر�سالة حمددة املعامل‪،‬‬ ‫منوطة به‪ ،‬و�أن يعي ب�أنها �أ�سا�س حما�سبته بني يدي احلق واخللق‬ ‫�سواء ب�سواء‪ .‬وذل��ك مبوجب قوله تعاىل‪� ":‬أَ َف َح ِ�س ْب ُت ْم َ�أنمَّ َ ��ا‬ ‫َخ َل ْق َن ُاك ْم َع َب ًثا َو�أَ َّن ُك ْم �إِ َل ْي َنا اَل ُت ْر َج ُعونَ "(امل�ؤمنون‪. )115-‬‬ ‫فالقائد الفاعل ال يلغو‪ ،‬ال قوال وال فعال‪ ،‬وهو دائم ال�ضجر من‬ ‫الأ�شياء التي ال جتدي نفعا‪ .‬ذلك �أن الق�صدية حمرك لل�سعي‪،‬‬ ‫لن َْ�سانِ ِ�إ اَّل َما َ�س َعى َو�أَنَّ َ�س ْع َيهُ َ�س ْو َف ُي َرى‪،‬‬ ‫ومنتج للعمل‪َ ":‬و�أَنْ َل ْي َ�س ِل ْ ِإ‬ ‫اء ْ أَ‬ ‫ال ْو َفى"النجم‪ ،41/39-‬ولعل هذا يت�صادى مع‬ ‫ُث َّم ُي ْج َزا ُه الجْ َ َز َ‬ ‫قول الفيل�سوف ديفيد تورت "ال يكفي �أن تكون كادحا‪ ،‬فالنمل‬ ‫�أ�شد كدحا‪ ،‬ولكن املهم ما الذي تكدح من �أجله"(‪.)5‬‬

‫‪ -2‬الإبداع‪:‬‬

‫لعل �أهم عنا�صر الإبداع‪ ،‬يف �أغلب النظريات املف�سرة له هي معاداة‬ ‫التقليد‪ ،‬وح�سن الب�صرية‪ ،‬وترك الأحكام اجلاهزة‪ ،‬والقدرة على‬ ‫املبادرة‪ ،‬والنف�سية الإيجابية‪ .‬وهذه العنا�صر التي تتجمع فت�شكل‬ ‫الإبداع‪ ،‬كلها ندب �إليها الوحي ب�إحلاح وتكرار‪ .‬فقد حارب الإ�سالم‬ ‫الآبائية‪َ ":‬ق َ‬ ‫اء َنا َع َلى�أُ َّم ٍة َو�إِ َّن��ا َع َلى‬ ‫ال ُمترْ َ ُفوهَ ا �إِنَّا َو َج ْد َنا �آ َب َ‬ ‫�آ َثا ِر ِه ْم ُم ْق َتدُ ونَ "الزخرف‪ ،23-‬كما حذر النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫اَ‬ ‫و�سلم‪ -‬من املقلد الإمعة‪ ،‬يف‬ ‫قوله‪":‬ل َت ُكو ُنوا �إِ َّم َع ًة ‪َ ،‬تقُو ُلونَ ‪� :‬إِنْ‬ ‫َّا�س َ �أ ْح َ�سنَّا َو�إِنْ َظ َل ُموا َظ َل ْم َنا‪َ ،‬و َل ِك ْن َو ِّطنُوا �أَ ْنف َُ�س ُك ْم‪،‬‬ ‫�أَ ْح َ�سنَ الن ُ‬ ‫اءوا فَلاَ َتظْ ِل ُموا"(جامع‬ ‫�إِنْ �أَ ْح َ�سنَ الن ُ‬ ‫َّا�س �أَنْ تحُ ْ ِ�سنُوا َو�إِنْ �أَ َ�س ُ‬ ‫ري ٍة‬ ‫الرتمذي)‪ .‬وب�ش�أن الب�صرية‪ ،‬فقد �أمر بها ال‬ ‫َ‬ ‫أنبياء‪":‬ع َلى َب ِ�ص َ‬ ‫�أَ َنا َو َم ِن ا َّت َب َع ِني" (يو�سف ‪ )108‬وذلك حتى يقتحموا العقبات‬ ‫دون تردد �أو خوف‪.‬‬ ‫كما نهى الإ�سالم عن الأحكام امل�سبقة والآراء اجلاهزة‪ ،‬ودعا‬ ‫اء ُك ْم‬ ‫للتبني وعدم الت�سرع يف احلكم‪َ ":‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ �آ َمنُوا �إِنْ َج َ‬ ‫ا�س ٌق ِب َن َب ٍ�إ َف َت َب َّينُوا �أَنْ ُت ِ�صي ُبوا َق ْو ًما ِب َج َها َل ٍة َف ُت ْ�ص ِب ُحوا َع َلى َما‬ ‫َف ِ‬ ‫َف َع ْل ُت ْم َن��ا ِد ِم َ‬ ‫�ين "(احلجرات ‪ ،)6‬كما نهى الإ�سالم عن االنبهار‬ ‫بالأقوياء‪ ،‬ودعا �إىل مفا�صلتهم �سبيال وحيدا للنجاة من النار‪:‬‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫ال�س ِبيل"الأحزاب‪،67-‬‬ ‫" �إِنَّا �أَ َط ْع َنا َ�سا َد َت َنا َو ُكبرَ َ َ‬ ‫اء َنا َف َ�أ َ�ضلُّو َنا َّ‬ ‫وب�ش�أن العقلية الإيجابية‪ ،‬والتفا�ؤل حث النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫"ع ِج ْبتُ ِم ْن َق َ�ضاءِ اللهَّ ِ ِلل ُْم�ؤْ ِم ِن‪� ،‬إِنَّ �أَ ْم َر المْ ُ�ؤْ ِم ِن ُكلَّهُ َخيرْ ٌ ‪،‬‬ ‫و�سلم‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫اء َف َ�ش َك َر‪َ ،‬كانَ َخيرْ ً ا َلهُ ‪َ ،‬و�إِنْ‬ ‫َو َل ْي َ�س َذ ِل َك �إِ اَّل ِلل ُْم�ؤْ ِم ِن‪� ،‬إِنْ �أ َ�صا َبتْهُ َ�س َّر ُ‬ ‫اء َف َ�صبرَ َ ‪َ ،‬كانَ َخيرْ ً ا َلهُ "(م�سند الإمام بن حنبل)‪.‬‬ ‫�أَ َ�صا َبتْهُ َ�ض َّر ُ‬ ‫كما �أن من مقت�ضيات التفا�ؤل النظر �إىل ما وراء الع�سر من رجاء‬ ‫الي�سر‪ ،‬حتى ال يكون هناك م�ستحيل مع الإرادة والإ�صرار‪�":‬إِنَّ َم َع‬ ‫ا ْل ُع ْ�س ِر ُي ْ�س ًرا"(ال�شرح ‪. )6‬‬

‫‪ -3‬ال�شورى‪:‬‬

‫ي�ستحيل على قائد �أن يقود جمموعته كربت �أو �صغرت يف �أي‬ ‫اختبار �أو مهمة �أو حتد كرب �أو �صغر‪ ،‬دون �أن ي�ستعني بال�شورى‬ ‫الوا�سعة وامللزمة‪ .‬ويف هذا ال�صدد مدح القر�آن الكرمي املجموعة‬ ‫امل�سلمة ب�أنها " َو َ�أ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم"(ال�شورى ‪ ، )38‬كما وجه‬ ‫الأمر ال�صارم للقيادة العليا الإ�سالمية‪ ،‬النبي الكرمي‪َ ":‬و َ�شا ِو ْرهُ ْم‬ ‫فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْم ِر"(�آل عمران ‪ . )159‬وقد �أح�سن القائد تلقي الأمر‬ ‫ومار�سه على �أو�سع نطاق‪ ،‬رغم �أنه النبي املع�صوم‪ ،‬وكانت ال�شورى‬ ‫مناط جناته وفالحه‪ ،‬حتى يف املجاالت التي يتبادر �إىل الذهن‬ ‫�أن ال�شورى فيها غري �ضرورية‪� ،‬أو قد تكون م�ضرة‪ ،‬مثل املجال‬ ‫الع�سكري‪ .‬فقد مار�س النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬ال�شورى يف‬ ‫كل معاركه‪ ،‬و�أولها معركة بدر التي مار�س فيها ال�شورى يف �أولها يف‬ ‫موقفه مع الأن�صار‪ ،‬ومار�سها يف الو�سط يف موقفه مع احلباب بن‬ ‫املنذر‪ ،‬ومار�سها يف الأخري يف ق�ضية الأ�سرى‪ .‬ومل يكتف بتنفيذ‬ ‫ا�س َت َخا َر‪َ ،‬وال َن ِد َم‬ ‫ال�شورى و�إمنا حث عليها غريه �أي�ضا‪َ ":‬ما َخ َ‬ ‫اب َم ِن ْ‬ ‫ا�س َت َ�شا َر"(املعجم الأو�سط للطرباين)‪.‬‬ ‫َم ِن ْ‬

‫‪ -4‬الت�أمل اخلالق‪:‬‬

‫ال ينجح القائد �أبدا يف تدبري مهام قيادته �إذا كان �أ�سري النظرة‬ ‫ال�سطحية �أو العجلى‪ ،‬ولهذا تن�صح كل نظريات القيادة‪" ،‬بالنظر‬ ‫�إىل الأ���ش��ي��اء امل���أل��وف��ة نظرة غ�ير م���أل��وف��ة‪ ،‬ومب��ج��اوزة الواقع‬ ‫وحتى املتوقع‪ ،‬وال�سباحة يف عامل املتخيل‪ ،‬بل وحتكيم اخليال‬ ‫�أحيانا"(‪ .)6‬وقد نبه القر�آن �إىل ذلك با�ستعمال عبارات �شهرية من‬ ‫مثل"�أومل ينظروا"‪"،‬فاعتربوا يا �أويل الأب�صار" وغريها كثري من‬ ‫ات َو ْ أَ‬ ‫���ض‬ ‫ال�س َما َو ِ‬ ‫مثل قوله تعاىل‪�":‬أَ َولمَ ْ َين ُْظ ُروا فيِ َم َل ُك ِ‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫وت َّ‬ ‫َو َما َخ َل َق اللهَّ ُ ِم ْن َ�ش ْيءٍ َو�أَنْ َع َ�سى�أَنْ َي ُكونَ َق ِد ْ‬ ‫اقترَ َ َب �أَ َج ُل ُه ْم َف ِب َ�أ ِّي‬ ‫يث َب ْعدَ ُه ُي�ؤْ ِمنُونَ "(الأعراف ‪. )185‬‬ ‫َح ِد ٍ‬

‫‪ -5‬امل�صداقية‪:‬‬

‫�أ�شرنا �سابقا �إىل عالقة القيادة بالقدوة والأ�سوة‪ .‬وجتد هذه‬ ‫العالقة �صداها يف كون القائد م�ضطرا �إىل التوجيه‪ ،‬بل و�إىل‬ ‫الأمر والنهي‪ ،‬بل و�إىل املعاقبة على املخالفة‪ .‬ولكي يي�سر على‬ ‫نف�سه املهمة وجب �أن يبد�أ بنف�سه‪ ،‬ويعطي القدوة منها‪ ،‬وينت�صف‬ ‫منها �أمام �أتباعه قبل خ�صومه‪ .‬كذلك فعل رب العزة وهو ال ُي�س�أل‬

‫‪43‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫عما يفعل‪":‬يا عبادي �إين حرمت الظلم على نف�سي وجعلته بينكم‬ ‫حمرما فال تظاملوا"(حديث قد�سي‪ ،‬م�سند �أحمد بن حنبل)‪ ،‬من‬ ‫�أجل هذا مل ي�ستعمل القر�آن لفظة �شديدة الوط�أة‪ ،‬هي لفظة‬ ‫"املقت" �إال مرتني‪� ،‬إحداها يف قوله تعاىل‪َ ":‬كبرُ َ َم ْق ًتا ِعنْدَ اللهَّ ِ‬ ‫�أَنْ َتقُو ُلوا َما اَل َت ْف َع ُلونَ "ال�صف‪ ،3-‬وكذلك كان ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪� ،‬صارما مع نف�سه �إىل درجة احلزم املطلق‪َ ":‬ل ْو‬ ‫اط َم َة ِبنْتَ محُ َ َّم ٍد َ�س َر َقتْ َل َق َط ْعتُ َيدَ هَ ا"(م�سند بن حنبل)‪.‬‬ ‫�أَنَّ َف ِ‬ ‫فال عجب �أن جند الدرا�سات التطبيقية يف القيادة توجه للقائد‬ ‫التحذيرات الآتية‪:‬‬ ‫ ال تقرتف ما تنهى عنه‪.‬‬‫ كن عدال يف �أفعالك و�أقوالك‪.‬‬‫ كن عادال بني �شركائك‪.‬‬‫ كن معتدال يف �أفكارك وقراراتك‪.‬‬‫ فكر مليا قبل اتخاذ القرارات‪.‬‬‫ �أنت بني �شركائك كما تبدو لأول وهلة‪.‬‬‫ ال تكن حازما فقط‪ ،‬وكن الأحزم(‪.)7‬‬‫ولعل ه��ذا هو ال�سر يف ك��ون ال��ق��ر�آن الكرمي خلد تلك املحاورة‬ ‫النادرة بني اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وعبده �إبراهيم‪ ،‬حني ب�شره بالقيادة‪،‬‬ ‫ف���أراده��ا �إب��راه��ي��م خ��ال��دة م��ت��وات��رة يف عقبه م��ن ب��ع��ده‪ ،‬فكان‬ ‫االعرتا�ض على هذه الرغبة‪ ،‬على �شكل ا�ستثناء ملن يظلم‪َ ":‬ق َ‬ ‫ال‬ ‫ال َو ِم ْن ُذ ِّر َّي ِتي ۖ َق َ‬ ‫َّا�س �إِ َما ًما ۖ َق َ‬ ‫ال اَل َي َن ُ‬ ‫ال َع ْه ِدي‬ ‫�إِنيِّ َج ِ‬ ‫اع ُل َك ِللن ِ‬ ‫َّ‬ ‫الظالمِ ِنيَ"(البقرة‪. )124-‬‬

‫‪ -6‬اال�ستيعاب‪:‬‬

‫توقف القر�آن الكرمي مرات متعددة عند خا�صية ح�سن اخللق‬ ‫عند ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪":-‬و�إنك لعلى خلق عظيم"‪،‬‬ ‫�إال �أن وجه ال�صلة بينه وبني �شخ�صية القائد هو �أن اخللق احل�سن‬ ‫ي�ساعد على ح�سن ا�ستيعاب الأتباع واخل�صوم على ال�سواء‪ .‬ولهذا‬ ‫كان من ال�سمات القيادية البارزة عند ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪� -‬صفة اللني واحللم وال�صرب على الأذى وم�سايرة املحاور‬ ‫بالنزول عنده �إىل م�ستواه و�إىل الق�ضية التي ت�شغله‪ ،‬حتى لو‬ ‫كانت هذه الق�ضية تافهة يف موازين الر�سالة‪ .‬يبني القر�آن الكرمي‬ ‫بو�ضوح هذا الرابط يف قوله تعاىل‪َ ":‬ف ِب َما َر ْح َم ٍة مِنَ اللهَّ ِ ِلنْتَ‬ ‫َل ُه ْم َو َل ْو ُكنْتَ َف ًّظا َغ ِل َ‬ ‫اع ُف َع ْن ُه ْم‬ ‫يظ ا ْل َقل ِْب اَل ْن َف ُّ�ضوا ِم ْن َح ْو ِل َك ۖ َف ْ‬ ‫ال ْم ِر" (�آل عمران‪� ،)159-‬إال �أن هذا‬ ‫ا�س َت ْغ ِف ْر َل ُه ْم َو َ�شا ِو ْرهُ ْم فيِ َْ أ‬ ‫َو ْ‬ ‫الدين ال يتنافى مع احلزم و�إال لتحول �إىل نقطة �ضعف وعن�صر‬ ‫نق�ص تعوق القيادة عن �أداء مهمتها الرئي�سية التي هي‪":‬فن �سوق‬ ‫النا�س �إىل الهدف"(‪ .)8‬ولهذا كانت تتمة الآية �ضرورية يف هذا‬ ‫ال�سياق‪َ ":‬ف ِ�إ َذا َع َز ْمتَ َف َت َوكَّلْ َع َلى اللهَّ ِ "(�آل عمران‪.)159-‬‬ ‫ولعل من �أه��م املقت�ضيات اخلارجية خللق اال�ستيعاب هو فن‬ ‫االبت�سامة الدائمة‪ ،‬وال��ذي ك��ان ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه‬

‫‪44‬‬

‫بالب�سام‪ .‬بل‬ ‫و�سلم‪ -‬ميار�سه ويتقنه دوما حتى ُو�صف من �أ�صحابه‬ ‫ّ‬ ‫"كان �أحيانا ي�ضحك حتى تبدو نواجده"‪ ،‬وكانت "تتهلل �أ�سارير‬ ‫وجهه" فك�أن "ال�شم�س جتري يف حمياه"‪.‬‬ ‫ولعل من �أهم املقت�ضيات االجتماعية ح�سن خمالطة الأ�صحاب‪،‬‬ ‫حتى ال يكاد مييز القائد عنهم �شيء يف لبا�سه �أو طعامه �أو ركوبه‬ ‫�أو �شارته‪ .‬ولقد كان الر�سول الأكرم املثال النادر لهذه اخل�صي�صة‪،‬‬ ‫�إذ كان يدخل عليه الأعرابي وهو يف جمع من �أ�صحابه فيقول‪:‬‬ ‫"�أيكم حممد"‪ .‬كان "يجل�س كما يجل�س العبد‪ ،‬وي�أكل كما ي�أكل‬ ‫العبد"‪ .‬وكان �إذا �صافح �أحدهم ال ي�سحب يده حتى يكون ال�شخ�ص‬ ‫امل�صافح له من يفعل ذلك �أو ًال‪ .‬وكان يف جمل�سه مع العدد الكثري من‬ ‫اجلل�ساء ُيح�سن الإقبال عليهم‪" ،‬حتى يظن كل واحد منهم �أنه‬ ‫الأثري لديه"‪.‬‬ ‫كما �أنه لعل �أهم مقت�ضى داخلي‪ ،‬يتعلق بال�شعور والإح�سا�س‪ ،‬هو‬ ‫�سالمة ال�صدر جتاه حميط القائد‪ ،‬ومن يتعامل معهم‪ ،‬وعموم‬ ‫املرتبطني ب��ه‪ .‬و�إمن���ا يكون امل��دخ��ل يف الغالب �إىل امل���ؤام��رات‬ ‫والد�سائ�س‪� ،‬أو �إىل املكر واخلديعة‪ ،‬وقد ي�صل الأمر �إىل النكب‬ ‫واالبتالء‪ ،‬مت�صال بغياب هذا ال�شرط املعنوي‪ .‬ولقد حقق النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬ذلك‪ ،‬على �صعوبة توافره لدى القائد‪.‬‬‫والأع��ج��ب منه �أن���ه وف���ره بطريقة مناق�ضة لتوجه ال��ق��ادة‬ ‫ال�سيا�سيني عادة‪ .‬فبد ًال �أن ي�شجع على تبليغه ب�أخبار و�سلوكات من‬ ‫حوله‪ ،‬حتى ي�أمن غائلتهم على الأقل‪ ،‬ف�إنه كان ينهى عن ذلك‪":‬ال‬ ‫حتدثوين عن �أ�صحابي‪ ،‬ف���إين �أح��ب �أن �أخ��رج �إليهم و�أن��ا �سليم‬ ‫ال�صدر"!(�أخرجه �أحمد يف"امل�سند"‪ ،‬و�أبو داود يف"ال�سنن")‪ .‬ولعل‬ ‫من �أهم ثمار هذا املوقف املت�سامي‪� ،‬أال يكون له ‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ‪"-‬خائنة الأعني"‪ :‬فحني ا�ضطر �إىل العفو عمن ال ي�ستحق‪،‬‬ ‫وع ّلق بعد ان�صرافه على �أ�صحابه بقوله‪ ":‬لو �أن �أحدكم عاجله‪.‬‬ ‫و�أجابوه‪ :‬لوال �أ�شرت �إلينا يا ر�سول اهلل‪ .‬كان جوابه احلازم" اَل‬ ‫الَ ْعينُ ِ "!(�سنن �أبي داود)‪.‬‬ ‫َي ْن َب ِغي ِل َن ِب ٍّي �أَنْ َت ُكونَ َلهُ َخا ِئ َن ُة ْ أ‬ ‫فال عجب �إذن �أن ي�أمنه حتى املنافقون على �أنف�سهم‪ ،‬و�أن يعي�شوا‬ ‫يف ظل دولته �آمنني على �أنف�سهم‪ ،‬وهم ميكرون به بالليل والنهار‪،‬‬ ‫رغم �أنه كان قد �أوحي �إليه ب�أ�سمائهم واحد ًا واحد ًا‪ ،‬وكان ُيطلع‬ ‫على �أفعالهم وخطواتهم واحدة بواحدة‪.‬‬

‫‪ -7‬القوة املادية والفكرية‪:‬‬

‫لقد بني القر�آن الكرمي بو�ضوح‪ ،‬يف حالة طالوت ملك بني �إ�سرائيل‬ ‫�أن القوة معيار �أ�سا�س يف التفا�ضل بني املتناف�سني على القيادة‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬ورمبا على غريها من �أنواع القيادات الأخرى‪ .‬و�إذ اكتفى‬ ‫القر�آن بذكر �أن بني �إ�سرائيل قد وجه �إليهم الأمر لطاعة طالوت‬ ‫والتجهز باجلهاد حتت قيادته‪ ،‬مبربر وحيد وبدهي وهو اال�صطفاء‬ ‫الإلهي"�إِنَّ اللهَّ َ َق ْد َب َع َث َل ُك ْم َطا ُل َ‬ ‫وت َم ِل ًكا"(البقرة‪ ،)247-‬و�إذ‬ ‫اعرت�ض بنو �إ�سرائيل‪ ،‬و�أف�صحوا عن رغبة جلية يف مناف�سة‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫املر�شح الإلهي‪َ ":‬و َن ْحنُ �أَ َحقُّ ِبالمْ ُل ِْك ِمنْهُ " (البقرة‪ ، )247-‬ف�إن‬ ‫الوحي قد �أف�صح �سعيا �إىل احلزم عن املعيار الفي�صل لالختيار‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ا�ص َط َفا ُه َع َل ْي ُك ْم َو َزا َد ُه‬ ‫ف�إذا به القوة وال �شيء غري القوة‪�":‬إِنَّ اللهَّ ْ‬ ‫َب ْ�س َط ًة فيِ ا ْل ِعل ِْم َوالجْ ِ ْ�س ِم" (البقرة‪� ،) 247-‬إنها القوة يف جتلياتها‬ ‫املادية(اجل�سم) وجتلياتها الفكرية(العلم)‪.‬‬ ‫�أما العلم‪ ،‬فال �شك �أن من �أبده البدهيات �أن يكون القائد على علم‪،‬‬ ‫وخ�صو�صا ما يت�صل باملجاالت املعرفية املبا�شرة الت�أثري يف جمال‬ ‫قيادته‪(.‬الإمام‪ :‬فقه العبادات‪ -‬مدير ال�شركة‪ :‬علم الإدارة‪،‬‬ ‫القائد ال�سيا�سي‪ :‬علوم ال�سيا�سة والديبلوما�سية والإ�سرتاتيجيا)‪.‬‬ ‫ولعل هذا ما دفع فقهاء ال�سيا�سة ال�شرعية‪� ،‬إىل ا�شرتاط �أن يكون‬ ‫الإمام بالغا درجة االجتهاد‪ ،‬وحتى من اعرت�ض منهم على هذا‬ ‫ال�شرط‪ ،‬ف�إن اعرتا�ضه مل يكن من قبيل ت�صور عدم احلاجة �إىل‬ ‫هذا ال�شرط‪ ،‬و�إمن��ا كان اعرتا�ضه من قبيل �صعوبة توفره يف‬ ‫املر�شح للخالفة دائما‪ .‬وحتى ال ينق�ص القائد من معرفة ال �سبيل‬ ‫�إىل ح�سن الأداء بدونها‪ ،‬فليزم �أن ي�ستدركه باختيار العلماء‬ ‫واخلرباء واملخت�صني‪ ،‬ومداومة م�شاورتهم والإ�صغاء �إليهم‪ ،‬كل‬ ‫ح�سب تخ�ص�صه يف املجال الذي يكون فيه معرفة القائد ناق�صة‬ ‫�أو متجاوزة‪.‬‬ ‫ولعل هذا ال�شرط‪ ،‬من زمن طالوت �إىل زمننا هذا‪ ،‬ي��زداد حدة‬ ‫و�إحلاحا‪ .‬فلي�س هناك �أخطر من القائد اجلاهل‪ ،‬وما َي ْ�ستجره‬ ‫اجلهل من غ��رور ورعونة وت�سرع‪ ،‬ي���ؤدي �إىل اتخاذ القرارات‬ ‫الكارثية‪ ،‬ولن ا�ستدل هنا ب�أمثلة من حكام اال�ستبداد‪ ،‬فه�ؤالء‬ ‫دليل على البداهة‪ ،‬و�إمن��ا �س�أ�ستدل بنموذج لأك�ثر دول العامل‬ ‫دميقراطية‪ ،‬وهو الرئي�س الأمريكي جورج بو�ش الثاين‪ ،‬الذي‬ ‫جمع بني اجلهل والغباء ف���أورد العامل املهالك‪� ،‬إذ �سهل بجهله‬ ‫ا�ستغالل اليمني املتطرف الأمريكي ملكانه يف البيت الأبي�ض‪،‬‬

‫ليفر�ض خمططاته ال�شريرة على العامل وخ�صو�صا امل�سلمني فكانت‬ ‫�أفغان�ستان والعراق وفل�سطني من �أبرز �ضحايا فرتة حكمه‪ .‬ولقد‬ ‫�صدقت رئي�سة الدميقراطيني يف الكونغر�س الأمريكي "نان�سي‬ ‫بيلو�سي"‪ ،‬على عهده حني خاطبته يف الكونغر�س ردا على دفاعه‬ ‫عن قراره بغزو العراق‪ ،‬بقولها‪�":‬سيدي الرئي�س �أنت غبي وكذاب"‪.‬‬ ‫و�إذا كان �شرط العلم ما زال على �أهميته بل ويزداد‪ ،‬ف�إن �شرط‬ ‫القوة البدنية قد يبدو اليوم غري �ضروري بالنظر �إىل �أن احلاكم‬ ‫مل يعد يحتاج �إىل �أن يكون م�صارع ًا وال حتى ف��ار���س�� ًا‪ ،‬ولكن‬ ‫احلقيقة �أن ال�سالمة البدنية على الأقل ما زالت �شرط ًا �ضروري ًا‬ ‫يف �سالمة القيادة والت�سيري‪ .‬ولهذا حتر�ص القوى احلية من الدول‬ ‫الدميقراطية على تتبع الأحوال ال�صحية للحاكم رئي�سا كان �أو‬ ‫ملك ًا‪ ،‬وال تت�سامح مع �أي حماولة لإخفاء تطور �سلبي يتعلق بها‪،‬‬ ‫وتعترب ذلك من اخليانة‪ ،‬ومن قبيل خداع ال�شعب‪ .‬وكلنا نذكر‬ ‫كيف غ�ضب الفرن�سيون حني ن�شر الطبيب اخلا�ص للرئي�س ميرتان‬ ‫مذكراته وذك��ر فيها الأح��وال ال�صحية املرتدية مليرتان خالل‬ ‫واليته الثانية‪ ،‬والتي �أخفيت عن الر�أي العام حني تر�شحه لتلك‬ ‫الوالية‪ .‬وكان املوقف نف�سه من ال�شعب الأمريكي حني ظهرت‬ ‫مذكرات طبيب روزفلت‪ ،‬ومن ال�شعب ال�صيني حني ن�شرت مذكرات‬ ‫طبيب ماوت�سي تونغ‪.‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫هذه بع�ض معامل الر�ؤية القر�آنية والنبوية يف جمال القيادة‪،‬‬ ‫حاولنا �أن نبقى فيها ل�صيقني بن�صو�ص الوحي املبا�شرة يف املو�ضوع‪،‬‬ ‫ولو �شئنا �أن نتو�سع ‪ -‬بعيدا عنها‪ -‬يف كتب الرتاث خ�صو�صا كتب‬ ‫ال�سيا�سة ال�شرعية حني حديثها عن �شروط الإمامة الكربى‪ ،‬ملا‬ ‫و�سعتنا املجلدات‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫* �أبو احل�سن املاوردي‪ ،‬الأحكام ال�سلطانية والواليات‬ ‫‪ .1‬لإعطاء املثال على الإ�سقاطات امل�ضحكة نذكر بال�شيخ‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫الطنطاوي اجلوهري رحمه اهلل‪ ،‬املف�سر امل�صري امل�شهور‬ ‫* بريان �أونيل‪ ،‬اخترب مهاراتك القيادية‪.‬‬ ‫حني �سعى لت�أ�صيل نظرية داروين يف القر�آن من خالل قوله‬ ‫* جمال ما�ضي‪ ،‬القيادة امل�ؤثرة‪.‬‬ ‫تعاىل‪":‬وقد خلقكم �أطوارا"! نوح‪.]14-‬‬ ‫* داين هوفر‪ ،‬القيادة يف الأزمات‪.‬‬ ‫‪ .2‬للداللة على خطورة املنزلق امل�شار �إليه‪ ،‬فقد ذهب بع�ض‬ ‫* رم�ضان الزيان‪ ،‬خ�صائ�ص القيادة الإ�سالمية يف �ضوء‬ ‫الباحثني مثال �إىل ا�ستخال�ص خم�سني �صفة قيادية عند‬ ‫الكتاب وال�سنة‪.‬‬ ‫متحي�صها ال ت�صمد منها ع�شر �صفات ي�ستطيع الباحث‬ ‫* زياد علي‪ ،‬الفكر ال�سيا�سي والقانوين عند حممد بن‬ ‫املدقق االقتناع ب�سهولة �أنها موجهة �إىل خ�صو�ص القيادة‪،‬‬ ‫علي ال�شوكاين‪.‬‬ ‫�أما الباقي فجلي �أنه موجه �إىل عموم املكلفني‪� .‬أنظر على‬ ‫* �سعيد حوى‪ ،‬ف�صول يف الإمرة والأمري‪.‬‬ ‫�سبيل املثال رم�ضان الزيان‪ :‬خ�صائ�ص القيادة الإ�سالمية يف‬ ‫* �سنن الدارمي‪.‬‬ ‫�ضوء الكتاب وال�سنة‪ ،‬بحث من�شور على الرابط االلكرتوين‪:‬‬ ‫* �صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.‬‬ ‫* �صحيح م�سلم‪.‬‬ ‫‪php?attachmentid‬‬ ‫‪ .3‬نقال عن رم�ضان الزيان خ�صائ�ص القيادة الإ�سالمية يف �ضوء عبد العايل امليتي‪ ،‬القيادة املبادئ والوظائف‪.‬‬ ‫* عماد الدين خليل‪ ،‬حول القيادة وال�سلطة يف التاريخ‬ ‫القيادة وال�سنة‪� ،‬ص‪ 1017‬بت�صرف‪ ،‬مرجع �سابق‪.‬‬ ‫الإ�سالمي‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫* حممد �شاكر ال�شريف‪ ،‬الطريق �إىل اخلالفة �إمام احلرمني‬ ‫اجلويني‪.‬‬ ‫* حممد عبد النبي‪ ،‬يف ظل ال�سرية‪.‬‬ ‫* حممد علي غامن الطويل‪ ،‬كيف تكون قائدا مبدعا‪.‬‬ ‫* حممد حممد �أمزيان‪ ،‬يف الفقه ال�سيا�سي‪ :‬مقاربة تاريخية‪.‬‬ ‫* م�سند الإمام �أحمد بن حنبل‪.‬‬ ‫* امل�صحف ال�شريف‪.‬‬ ‫* املعجم الأو�سط للطرباين‪.‬‬ ‫* املعجم املفهر�س لألفاظ احلديث‪.‬‬ ‫* املعجم املفهر�س لألفاظ القر�آن‪.‬‬ ‫الدرا�سات واملقاالت‪:‬‬ ‫* عبد اهلل بن حممد العمرو‪ ،‬املنهج يف رعاية القادة يف العهد‬ ‫النبوي وعهد اخلالفة الرا�شدة‪ ،‬جملة جامعة الإمام‪ ،‬عدد‪،52‬‬ ‫‪1426‬هـ‪.‬‬ ‫* عبد الوهاب ال�شرعبي‪ ،‬من داللة الكتاب وال�سنة يف �أمر‬ ‫القيادة‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫من جمال‬ ‫الوقف اإلسالمي‬ ‫يعد الوقف واحدً ا من فرائد الأمة الإ�سالمية التي تفخر بها‬ ‫على غريها من الأمم‪ ،‬وقد كان للوقف دور عظيم يف النه�ضة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬فعلى مدار التاريخ الإ�سالمي مل ينح�صر الوقف‬ ‫يف م�ساعدة املحتاجني و�سد عوز امل�ساكني‪ ،‬بل كانت له اليد‬ ‫الطوىل يف �إثراء احلياة العلمية والثقافية واالجتماعية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حالة درا�سية ثرية للتعبري عن طبيعة احلياة‬ ‫والوقف ُيعد‬ ‫االج����ت����م����اع����ي����ة‬ ‫واالقت�صادية التي‬ ‫كان يعي�شها امل�سلمون‬ ‫يف ظ�����ل اخل�ل�اف���ة‬ ‫الإ����س�ل�ام���ي���ة‪ ،‬وه��و‬ ‫كذلك يعك�س تعاليم‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫وج��م��ال��ه��ا يف الأم���ر‬ ‫ب��ال��ب��ذل وال��ع��ط��اء‪،‬‬ ‫ون�����ح�����ن يف ه����ذا‬ ‫املقال �سنعدد بع�ض‬ ‫اجل��وان��ب اجلمالية‬ ‫يف الوقف الإ�سالمي‬ ‫التي ّ‬ ‫قل ما ينتبه لها �أحدٌ يف ح�ضارة من احل�ضارات الأخرى‬ ‫ومن هذه اجلوانب اجلمالية ما ي�أتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬البعد النف�سي للفقراء‪ :‬حتى يومنا هذا ما زالت النظرة‬ ‫للفقري على م�ستوى العامل تقوم على �إعطاءه ما يكفيه من‬ ‫الغذاء وامللب�س وال�سكن‪ ،‬دون �أن يتطرق ذهنهم �إىل اجلانب‬ ‫النف�سي‪ ،‬ودون �أن يت�صوروا �أن ه��ذا الفقري هو �إن�سان‪ ،‬ذو‬ ‫م�شاعر و�أحا�سي�س مثله مثلنا‪ ،‬و�أنه على الرغم مما هو فيه من‬ ‫�شظف عي�ش‪ ،‬ف�إنه قد يتوق �إىل ما يتوق �إليه الغني‪ .‬وعظماء‬ ‫امل�سلمني كان يدركون ذلك جيدً ا‪ ،‬فتجد �أحدهم – على �سبيل‬ ‫املثال ‪ -‬يوقف وقف ًا على �صرف حلوى للأطفال الفقراء الذين‬ ‫يذهبون للكتاتيب؛ ليتعلموا القر�آن ويرون زمالءهم ي�شرتون‬ ‫احللوى من الباعة‪ ،‬وهم ال يجدون ما ي�شرتون به‪ ،‬فت�صرف لهم‬

‫‪46‬‬

‫�أ‪.‬حممد املراكبي‬

‫احللوى من مال الوقف حتى ال يحزنوا لذلك! ومن البديهي‬ ‫غذاء �أ�سا�سيا ميوت الأطفال لو مل ي�أكلوه‪،‬‬ ‫�أن احللوى لي�ست‬ ‫ً‬ ‫لكنها مراعاة لنف�سية الأطفال ال�صغار ومل�شارعهم‪ ،‬ونحن‬ ‫نذكر يوم كنا �صغار ًا نذهب للكتّاب كيف كان فقراء الطلبة‬ ‫ي�أتون يلتم�سون منا بع�ض احللوى؛ لأنهم ال يجدون من املال‬ ‫ما ي�شرتون به احللوى مثلنا‪ ،‬وكيف كان هذا يك�سر قلوبهم‪.‬‬ ‫ومما يذكر من هذا الباب‬ ‫�أن �أح��ده��م وق��ف وقف ًا‬ ‫على �أن ُيكرتى –ي�ؤجر‪-‬‬ ‫رج��ل��ان مي�����ران ب��ج��وار‬ ‫امل��ار���س��ت��ان ‪ -‬امل�ست�شفى‬ ‫ ف��ي��ت��ح��ادث��ان بحيث‬‫ُي�سمعون امل��ري�����ض‪ ،‬وهو‬ ‫يظن �أنهم ال يعلمون �أنه‬ ‫ي�سمعهم‪ ،‬وي����أخ���ذون يف‬ ‫احلديث كيف �أن وجهه‬ ‫قد �أ�شرق‪ ،‬و�أن �صحته قد‬ ‫�أخ��ذت يف التح�سن‪ ،‬و�أن‬ ‫الطبيب ذكر �أنه �سرعان‬ ‫ما �سيخرج من امل�ست�شفى معافى‪ ،‬في�ستب�شر بذلك املري�ض‬ ‫وتتح�سن معنوياته مما ي�ساعد يف �سرعة �شفائه‪ .‬ويذكر‬ ‫الدكتور القر�ضاوي من ذلك �أي�ضا �أن �أحدهم وقف وقف ًا ينفق‬ ‫منه على عدد من امل�ؤذنني رخيمي ال�صوت؛ لريتلوا الق�صائد‬ ‫الدينية طول الليل‪ ،‬بحيث ُي َرتل كل منهم �ساعة‪ ،‬حتى مطلع‬ ‫الفجر‪� ،‬سع ًيا وراء التخفيف عن املري�ض الذي لي�س له من‬ ‫ُيخفف عنه‪ ،‬و�إينا�س الغريب الذي لي�س له من ي�ؤن�سه‪ .‬وهذا‬ ‫بالإ�ضافة �إىل ما فيه من جمال‪ ،‬يك�شف حنكة امل�سلمني يف‬ ‫املعرفة بالطب وعلومه‪ ،‬وكيف �أنهم �أدركوا االرتباط القوي‬ ‫بني اجلانب النف�سي واجلانب الع�ضوي يف ج�سم الإن�سان‪.‬‬ ‫ومن نوادر الوقف �أي�ض ًا ما ينقله الدكتور ال�صالبي عن ابن‬ ‫بطوطة �أنه قال‪ :‬مررت يو ًما ببع�ض �أزقة دم�شق‪ ،‬فر�أيت به‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫ريا قد �سقطت من يده �صحفة من الفخار ال�صيني‬ ‫مملو ًكا �صغ ً‬ ‫وه��م ي�سمونها ال�صحن‪ -‬فتك�سرت واجتمع عليه النا�س‪.‬‬‫فقال له بع�ضهم‪ :‬اجمع �شقفها واحملها معك ل�صاحب �أوقاف‬ ‫الأواين‪ .‬فجمعها وذهب الرجل معه �إليه‪ ،‬ف�أراه �إياها فدفع له‬ ‫ما ا�شرتى به مثل ذلك ال�صحن‪ .‬وهذا من �أح�سن الأعمال؛ ف�إن‬ ‫�سيد الغالم البد �أن ي�ضربه على ك�سر ال�صحن �أو ينهره‪ ،‬وهو‬ ‫� ً‬ ‫ربا‬ ‫أي�ضا يك�سر قلبه ويتغري لأجل ذلك‪ ،‬فكان هذا الوقف ج ً‬ ‫ريا من ت�سامت همته يف اخلري �إىل مثل‬ ‫للقلوب‪ .‬جزى اهلل خ ً‬ ‫هذا‪ .‬فانظر ‪-‬رحمك اهلل‪� -‬إىل قوله �إنه يك�سر قلبه ويتغري‬ ‫لأجل ذلك‪ ،‬وكيف �أن هذا الوقف لينجرب خاطر الغالم فال‬ ‫يفزع مما حدث‪.‬‬ ‫‪� -2‬أوق��اف الرفاهية‪ :‬وهي �أوق��اف مل تكن تعنى ب�سد عوز‬ ‫الفقراء و�إطعامهم الكفاف‪ ،‬بل كانت ترمي �إىل �أن جتعلهم‬ ‫يتذوقون حالوة الرفاهية والغنى‪ .‬قال تعاىل‪َ " :‬ل ْن َت َنا ُلوا‬

‫ا ْلبرِ َّ َحتَّى ُت ْن ِفقُوا ممِ َّ ا تحُ ِ ُّبونَ َو َما ُت ْن ِفقُوا ِم ْن َ�ش ْيءٍ َف�إِنَّ اللهَّ َ ِب ِه‬ ‫يم "( �آل عمران الآي��ة ‪ )92‬ومن ذلك ما ينقله الدكتور‬ ‫َع ِل ٌ‬

‫يو�سف القر�ضاوي عن وقف وقفه �أحدهم لإع��ارة احللي‬ ‫والزينة يف الأع��را���س والأف���راح‪ ،‬ي�ستعري الفقراء منه ما‬ ‫يلزمهم يف �أفراحهم و�أعرا�سهم‪ ،‬ثم يعيدون ما ا�ستعاروه �إىل‬ ‫مكانه‪ ،‬وبهذا يتي�سر للفقري �أن يربز يوم عر�سه بحلة الئقة‪،‬‬ ‫ولعرو�سه �أن تتجلى يف ُحلة رائقة‪ ،‬حتى يكتمل ال�شعور‬ ‫بالفرح‪ ،‬وتنجرب اخلواطر املك�سورة"‪.‬‬ ‫ومن ذلك الوقف الذي �أقامه ال�سلطان نور الدين ال�شهيد قرب‬ ‫ربوة دم�شق لتنزه الفقراء و�أ�سرهم‪ ،‬حيث جعل مكان ًا ف�سيح ًا‬ ‫جمي ًال ليتنزه فيه الفقراء ب�أوالدهم مثل ما للأغنياء؛ حتى‬ ‫ال ي�شعروا باحلرمان وامل�سكنة‪.‬‬ ‫ويقول الدكتور �أحمد �أبوزيد يف بحث له عن موائد الرحمن "�إن‬ ‫اخلليفة الفاطمي العزيز باهلل بنى دار ًا �سميت "دار الفطرة"‬ ‫خارج ق�صر اخلالفة بالقاهرة‪ ،‬وقرر فيها �صناعة ما يحمل‬ ‫�إىل النا�س يف العيد من حلوى وكعك ومتر وبندق‪ ،‬وكان يبد�أ‬ ‫العمل بدار الفطرة من �أول رجب �إىل �آخر رم�ضان‪ ،‬وي�ستفيد‬ ‫منها الأمراء والفقراء‪ ،‬حيث توزع عليهم �أ�صنافها‪ ،‬وكان يعمل‬ ‫يف هذه الدار مئة �صانع للحلوى وغريها من امل�أكوالت ‪ ،‬عالوة‬ ‫على ما هو مرتب خلدمتها من الفرا�شني الذين يحفظون‬ ‫ر�سومها ومواعينها‪ ،‬وجرت العادة يف هذا الع�صر �أن يح�ضر‬ ‫اخلليفة الفاطمي العزيز باهلل �إىل دار الفطرة ومعه الوزير‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫فيجل�س اخلليفة على �سريره ‪ ،‬ويجل�س الوزير على كر�سي ‪،‬‬ ‫وذلك يف الن�صف الثاين من �شهر رم�ضان‪ ،‬ويدخل معهما قوم‬ ‫من اخل��وا���ص‪ ،‬فيبا�شر توزيع الطعام على النا�س بنف�سه‪.‬‬ ‫وكذلك ما جاء يف وثيقة وقف الأم�ير �صرغم�ش من �أمراء‬ ‫املماليك‪� :‬أنه ي�صرف يف عيد الفطر من كل �سنة مائتا درهم‬ ‫نقرة ي�شرتي بها كعكا ومترا وبندقا وج�شكنانا‪ ،‬ويفرق ذلك‬ ‫على الأيتام وم�ؤدبيهم ‪ ،‬وعلى ما يراه الناظر يف ذلك"‪ .‬فت�أمل‬ ‫هداك اهلل‪ -‬كيف كانوا يوقفون �أطايب الطعام و�أنف�سها من‬‫بندق وحلوى وكعك حتى توزع على الفقراء‪ ،‬فيدخلهم من‬ ‫الفرحة مثل ما يدخل على الأغنياء‪ ،‬وانظر ما يف هذا من‬ ‫نكت جميلة لطيفة‪.‬‬ ‫‪ -3‬حقوق احليوان‪ :‬ومن يقر�أ يف هذا الباب يدرك �أن امل�سلمني‬ ‫قد و�صلوا يف الع�صور الو�سطى �إىل ما مل ي�صل �إليه اليوم من‬ ‫�صدعوا ر�ؤو�سنا بق�سوة الإ�سالم على احليوان! فهناك �أوقاف‬ ‫كانت توقف لتطبيب احليوانات املري�ضة! و�أخرى تنفق على‬ ‫احليوانات التي كرب بها العمر وا�ستغنى �أ�صحابها عن خدمتها‬ ‫وتركوها دون طعام لتموت‪ ،‬في�صرف لها طعام من مال الوقف‬ ‫حتى ينتهي �أجلها‪ ،‬ويذكر الدكتور م�صطفى ال�سباعي �أن‬ ‫الأرا�ضي التي عليها ملعب دم�شق اليوم كانت موقوفة لهذا‪،‬‬ ‫وي�ضيف الدكتور "ومن �أوقاف دم�شق وقف للقطط ت�أكل منه‬ ‫وترعى وتنام‪ ،‬حتى لقد كان يجتمع يف دارها املخ�ص�صة لها‬ ‫مئات من القطط الفارهة ال�سمينة التي يقدم لها الطعام كل‬ ‫يوم وهي مقيمة ال تتحرك �إال للريا�ضة والنزهة" وانظر �إىل‬ ‫قوله ال تتحرك �إال للريا�ضة والنزهة تظنه يتحدث عن �أمري‬ ‫من الأمراء ال عن قطط تده�س يف ع�صرنا كل يوم حتت عجل‬ ‫ال�سيارات‪.‬‬ ‫ويذكر امل���ؤرخ��ون �أن��ه يف العهد العثماين خ�ص�ص ن��وع من‬ ‫الوقف؛ ليوفر الذرة ونرثها على الثلوج؛ لكي ال متوت الطيور‬ ‫من اجلوع يف ف�صل ال�شتاء عندما يك�سو الثلج الأر�ض‪ ،‬وتنقطع‬ ‫بالطيور �سبل التقاط الطعام ‪ ،‬وك��ان ميوت بع�ض منها من‬ ‫اجلوع‪ .‬فت�أمل ‪�-‬أكرمك اهلل‪ -‬يف هذا ويف امل�شاهد التي نراها‬ ‫فيما ي�سمونه �صراع الثريان‪ ،‬لتدرك �أين نحن و�أي��ن هم من‬ ‫حقوق احليوان‪� .‬أعاد اهلل علينا تلك الأيام عاجال غري �آجل‬ ‫‪ ..‬يا رب!‬

‫‪47‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫اإلعالم في اإلسالم‬

‫�أم��ا الإع�لام يف الإ�سالم فيعرف ب�أنَّه‪" :‬ا�ستخدام منهج‬ ‫�إ�سالمي ب�أ�سلوب فني �إعالمي‪ ،‬يقوم به م�سلمون عاملون‬ ‫عاملون بدينهم‪ ،‬متفقهون لطبيعة الإع�ل�ام وو�سائله‬ ‫احلديثة وجماهريه املتباينة‪ ،‬م�ستخدمني تلك الو�سائل‬ ‫املتطورة؛ لن�شر الأفكار املتح�ضرة‪ ،‬والأخبار احلديثة‪،‬‬ ‫والقيم وامل��ب��ادئ واملُ�� ُث��ل للم�سلمني ولغري امل�سلمني يف كل‬ ‫زمان ومكان يف �إطار املو�ضوعية الكاملة؛ بهدف التوجيه‬ ‫والتوعية‪ ،‬والإر�شاد لإحداث الت�أثري املطلوب"‪.‬‬

‫�أو ًال ‪� :‬أ���ص��ول الإع�ل�ام يف الإ���س�لام و�سنتحدث‬ ‫كماي�أتي‪:‬‬ ‫الإع�لام موجود منذ ا�ستخلف اهلل الإن�سان على هذه‬ ‫الأر���ض‪ ،‬و منذ بد أ� الب�شر يتعرفون على بع�ضهم البع�ض‬

‫د‪ .‬ن�سيبة حما�سنة‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫احلمد هلل الذي ارت�ضى لعباده هذا الدين القومي‪ ،‬و�صلَّى‬ ‫قواعدَ‬ ‫ري املر�سلني‪ ،‬الذي علَّم �أ َّمته ِ‬ ‫اهلل و�سلَّم وبا َرك على خ ِ‬ ‫احلالل واحلرام‪ ،‬و َر ِ�ضي اهلل عن � ْأ�صحابه ال ُهداة الأعالم‪،‬‬ ‫وعلى �آ ِله و�أتْباعه ال ِكرام �أ َّما بعدُ ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫إعالم َ‬ ‫وداللة على‬ ‫رعه‪،‬‬ ‫ب�ش ِ‬ ‫ف�إنَّ الدعوة �إىل اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ٌ � -‬‬ ‫والتداعي‬ ‫ِدي ِنه وهَ د ِيه‪ ،‬و�أ َّمة الإ�سالم �أ َّمة الدعوة �إىل احلق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫�إىل اخلري‪ ،‬والإعالم يف الإ�سالم ال َين َف ُّك عن الدعوة ؛ لأنَّه‬ ‫يف حقيقته َبال ٌغ ُمب ٌ‬ ‫ني حلقائق هذا الدِّ ين‪ ،‬و�إي�ضاح بحقائق‬ ‫الدين الإ�سالمي امل�ستمدة من كتاب اهلل و�سنة ر�سول‪�-‬صلى‬ ‫ٌ‬ ‫عبادة �سامية َ‬ ‫تن�ض ِبط‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ , -‬والإعالم بالإ�سالم‬ ‫إخال�صا وتوحيدً ا‪ ،‬م�صداقا لقول اهلل‬ ‫بالتوجه �إىل اهلل �‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫للِهَّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لمَ‬ ‫تعاىل‪ ( :‬قلْ �إِنَّ َ�صال ِتي َو ُن ُ�س ِكي وَمحَ ْ َيايَ وَممَ َ ا ِتي ِ َر ِّب ا ْل َعا ِ َ‬ ‫ني‬ ‫َ‬ ‫ال َ�ش ِر َ‬ ‫يك َلهُ َو ِب َذ ِل َك �أُ ِم ْر ُت َو َ�أ َنا �أَ َّو ُل المْ ُ ْ�س ِل ِم َ‬ ‫ني ) (الأنعام‪162 :‬‬ ‫ ‪. )163‬‬‫والإع�لام يف اللُّغة م�شتق من �أَ ْع َل َم‪ ،‬يقال‪� :‬أَ ْع َل َمهُ ِ�إ ْعال َم ًا‪،‬‬ ‫مبعنى �أخربه �إخبار ًا‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫ّا�س ِ �إ َنّا َخ َل ْق َن ُاك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َن ُاك ْم ُ�ش ُعو ًبا‬ ‫( َيا �أَ ُّي َها ال َن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هّ‬ ‫هّ‬ ‫يم‬ ‫َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِ َّن �أَك َْر َم ُك ْم ِعنْدَ ِ‬ ‫الل �أَ ْت َق ُاك ْم �إِ َّن الل َع ِل ٌ‬ ‫َخ ِب ٌري )‪ .‬والإع�لام ب��د�أ مع �سيد اخللق عندما نزل عليه‬ ‫جربيل ‪-‬عليه ال�سالم‪ -‬بقول اهلل تعاىل‪ْ :‬‬ ‫ا�س ِم َر ِّب َك‬ ‫(اق َر�أْ ِب ْ‬ ‫ا َّل ِذي َخ َل َق)‪.‬‬

‫وغريها من الآيات الكثرية التي ت�صلح � ْأن تكون �أ�ص ًال من‬ ‫�أ�صول الإعالم يف الإ�سالم ‪ ،‬ولعل من نعمة اهلل علينا �أن‬ ‫ت�شهد ال�ساحة الإ�سالمية يف الآون���ة الأخ�ي�رة �صحوة‬ ‫�إ�سالمية مباركة‪ ،‬تنطلق من الإح�سا�س باحلاجة �إىل‬ ‫تطوير مناهج الإ�صالح يف حياة امل�سلمني‪ ،‬مبا يتوافق مع‬ ‫�أ�صالة املنهج الإ�سالمي؛ باعتباره �صاحل ًا لكل زمان ومكان‪،‬‬ ‫ومب��ا ي�ستوعب متغريات املرحلة الراهنة التي يعي�شها‬ ‫امل�سلمون ‪.‬‬

‫ثاني ًا ‪ :‬ملاذا نحتاج �إىل الإعالم الإ�سالمي؟؟‬

‫ت�ستند املطالبة واحلاجة �إىل وجود �إعالم ا�سالمي �إىل‬ ‫عدة مربرات منها‪:‬‬ ‫‪�-1‬أن الإ���س�لام هو منهج �شامل للحياة بكافة جماالتها‬ ‫وجوانبها‪ .‬وقد ر�سم الإ�سالم حياة الإن�سان لتتوافق مع‬ ‫الغاية الرئي�سة من وجوده �أال وهي ا�ستخالفه يف الأر�ض؛‬ ‫لعمارة الكون وفق �شرعه ‪ ،‬وتتجلى �أهمية �صياغة النظام‬ ‫الإع�لام��ي‪ :‬فل�سفة وغاية ومنهج ًا وممار�سة‪� ،‬صياغة‬ ‫�إ�سالمية يف ���ض��وء �إدراك��ن��ا لأهمية الإع�ل�ام يف حياة‬ ‫املجتمعات‪ ،‬وخطورة ما يقوم به يف الت�أثري على الأفراد‬ ‫واجلماعات‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫‪ -2‬ملا يواجه امل�سلمون اليوم يف خمتلف �أقطارهم ومواطنهم‬ ‫غزو ًا فكري ًا وثقافي ًا وح�ضاري ًا‪ ،‬ومل َي ُعد هذا الغزو احل�ضاري‬ ‫ال�شامل مق�صور ًا على الو�سائل التقليدية للغزو من كتب‬ ‫ا�ست�شراقية‪� ،‬أو مذاهب ه ّ��دام��ة‪ ،‬بل انتهى ع�صر الغزو‬ ‫اال�ستعماري اال�ست�شراقي املبا�شر‪ ،‬و�أن الغزو احل�ضاري‬ ‫الذي تواجهه الأمة الإ�سالمية ي�ستخدم و�سائل جديدة‪،‬‬ ‫تعرب طريقها �إىل الأجيال ال�صاعدة‪ ،‬و العقول املثقفة‪ ،‬عن‬ ‫طريق اخلرب الذي تبثه وكالة الأنباء‪ ،‬والتحليل ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫ال��ذي تكتبه ال�صحيفة وال�صورة التي تر�سلها الوكاالت‬ ‫امل�صورة واالنرتنت‪ ،‬حيث �أن هذا الغزو احل�ضاري الرهيب‬ ‫يعمل على زعزعة مبادئ الإ�سالم وقيمه‪ ،‬وهدم �أخالقياته‬ ‫ربة عن دينهم‬ ‫ومثله يف نفو�س �أبناء امل�سلمني؛ لين�شئوا يف ُغ ٍ‬ ‫وح�ضارتهم وتراثهم‪ ، ،‬لذلك البد من مواجهته املواجهة‬ ‫ال�صحيحة التي ال تكتفي بالتنديد وال�صراخ ‪ ،‬بل بتطوير‬ ‫�إ�سرتاتيجية فعاله تقوم على �أمرين هامني هما‪:‬‬ ‫�أو ً‬ ‫ال‪ :‬توجيه الإعالم يف الدول الإ�سالمية نحو الأ�صالة‬ ‫النابعة من قيم الإ�سالم ومبادئه‪ ،‬وتوفري الدعم املنا�سب‬ ‫ل�صنع البدائل الإ�سالمية التي تقف يف مواجهة ما يقدمه‬ ‫الغرب‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تنقية الإعالم ‪� -‬إىل جانب التعليم ‪ -‬من امل�ؤثرات‬ ‫الغربية العلمانية والإحلادية‪ ،‬وتفنيد ما تقدمه و�سائل‬ ‫الإع�لام الغربية من مفا�سد وانحرافات وبيان �أ�ضرارها‬ ‫مبنطق مقنع و�أدلة داح�ضة‪.‬‬ ‫وهذه املواجهة الواقعية للغزو الفكري والثقايف يف �صورتها‬ ‫ال�شاملة املتكاملة لن ميكن حتقيقها �إ َّ‬ ‫ال عندما ترت�سخ يف‬ ‫�أذهان امل�سلمني ال�صورة احلقيقية للإعالم الإ�سالمي‪.‬‬

‫ثالث ًا ‪:‬م��ا ه��و الإع�ل�ام الإ���س�لام��ي ال��ذي نريده‬ ‫ونطمح �إليه؟؟‬

‫تختلف نظرات النا�س ح��ول الإع�ل�ام الإ�سالمي ما بني‬ ‫ال��ن��ظ��رة اجل��غ��راف��ي��ة‪ ،‬وال��ن��ظ��رة ال��ت��اري��خ��ي��ة‪ ،‬والنظرة‬ ‫الواقعية التجزيئية‪ .‬فالنظرة اجلغرافية تفهم الإعالم‬ ‫الإ�سالمي على اعتبار �أنه الإعالم ال�صادر من دول العامل‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬وتكاد هذه النظرة �أن تكون النظرة ال�سائدة يف‬ ‫الدرا�سات الأجنبية عن الإعالم الإ�سالمي‪.‬‬ ‫وال��ن��ظ��رة التاريخية ل�ل�إع�لام الإ���س�لام��ي تكاد حت�صر‬ ‫الإعالم الإ�سالمي يف �إطار زمني �ضيق‪ ،‬فتوحي ب�أن الإعالم‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫الإ�سالمي ممار�سة حمدودة يف فرتة زمنية معينة‪ ،‬مثل تلك‬ ‫الدرا�سات التي تتناول الإع�لام وو�سائله يف عهد النبوة‬ ‫�أو اخللفاء الرا�شدين ‪�.‬إن النظرة التاريخية للإعالم‬ ‫حتجم هذا الإعالم وت�ص ّوره‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬نظرة قا�صرة‪� ،‬إذ ّ‬ ‫على �أنه �إع�لام ينف�صل عن الواقع‪ ،‬ويبتعد عن معاجلة‬ ‫ق�ضايا الع�صر واال�ستفادة من معطياته ومنجزاته‪ .‬واحلقُّ‬ ‫�أن الإعالم الإ�سالمي لي�س مرتبط ًا بفرتة زمنية‪ ،‬ولي�س‬ ‫حمدود ًا مبكان‪ ،‬بل هو منهج يتجاوز حدود الزمان واملكان‪.‬‬ ‫�أما النظرة الواقعية التجزيئية للإعالم الإ�سالمي‪ ،‬فهي‬ ‫نظره غري منطقية‪ ،‬حتجم ه��ذا الإع�ل�ام‪ ،‬وتف�صله عن‬ ‫الواقع‪ .‬وهذه النظرة ذات �أثر خطري يف حياة امل�سلمني؛‬ ‫لأنها تف�صل الإع�ل�ام بن�شاطاته الوا�سعة ‪ ،‬عن الهدى‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬وتكتفي بتحكيم الإ�سالم يف جزءٍ من الن�شاط‬ ‫الإعالمي‪.‬‬ ‫�إنَّ املفهوم احلقّ للإعالم الإ�سالمي هو املفهوم املنهجي‪،‬‬ ‫الذي ال يجعل مقايي�س الإعالم مبنية على �أ�سا�س احلدود‬ ‫اجلغرافية واملكانية‪� ،‬أو الو�ضعية التاريخية املحدودة‪،‬‬ ‫�أو املمار�سة الواقعية اخلاطئة للإعالم ‪ ،‬بل يبنى تلك‬ ‫املقايي�س واملعايري على �أ�سا�س املنطلقات الرئي�سة‪ ،‬والأطر‬ ‫الفكرية واالجتماعية والإن�سانية املنبثقة م��ن روح‬ ‫الإ�سالم ومبادئه‪.‬‬ ‫�إن الإعالم الإ�سالمي ‪ -‬بهذا املفهوم املنهجي ‪ -‬روح ت�سري‬ ‫يف الن�شاط الإعالمي كله‪ ،‬ت�صوغه‪ ،‬وحتركه وتوجهه منذ‬ ‫�أن يكون فكر ًة �إىل �أن يغدو عم ًال منتج ًا متكام ًال‪ ،‬وبذلك‬ ‫ي�صبح الإعالم الإ�سالمي منهج ًا قومي ًا ت�سري وفقه جميع‬ ‫الن�شاطات الإعالمية يف كافة الو�سائل‪ ،‬والقنوات دون‬ ‫�أن يحيد ن�شاط واح��د منها عن الطريق‪ ،‬وفهم الإع�لام‬ ‫الإ�سالمي بهذه ال�صورة ال�شاملة‪ ،‬ين�سجم مع احلقيقة‬ ‫الأ�صلية لهذا ال��دي��ن‪ ،‬وه��ي �أن��ه منهج �شامل للحياة‪، ،‬‬ ‫وه��ذا املفهوم للإعالم الإ�سالمي‪ ،‬يحقق يف حياة الأمة‬ ‫الإ�سالمية على الدوام اال�ستقرار والتوازن‪ ،‬ويخل�صها من‬ ‫�آث��ار االزدواج��ي��ة والتناق�ض وال�صراع التي تعاين منها‬ ‫الأمة‪ ،‬كلما ابتعدت عن منهج اهلل‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫الفكر اإلسالمي‬

‫في معترك التحديات‬ ‫د‪� .‬إ�سماعيل ال�سعيدات‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف خلق اهلل‬ ‫واملر�سلني �سيدنا حممد وعلى �آله و�أ�صحابه �أجمعني‪ ,‬وبعد‪:‬‬

‫تعريف الفكر‬

‫قبل احلديث عن مفهوم الفكر الإ�سالمي‪،‬والتحديات التي‬ ‫تعرت�ض معرتكه احل�ضاري‪�,‬أرى �ضرورة حتديد مفهوم الفكر‬ ‫يف اللغة واملعاجم القدمية واحلديثة‪ ،‬وم��ا ا�شتمل عليه‬ ‫ال��ق��ر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ال�شريفة من �ألفاظ عن‬ ‫الفكر‪،‬حتى يتجلى لنا بو�ضوح �أهم التحديات التي تواجه‬ ‫الفكر الإ�سالمي‪ ،‬وكيفية جتاوزها والتغلب عليها‪،‬وال�سعي نحو‬ ‫التقدم القيادة والريادة والتميز يف كل زمان ومكان وحال ‪،‬‬ ‫ولهذا ف�إن امل�سلمني يطلب منهم اليوم الوقوف �صف ًا واحد ًا يف‬ ‫وجه التحديات التي تعرت�ض طريق تقدم الفكر الإ�سالمي‪,‬‬ ‫فيجب على امل�سلمني �أن يحملوا هذه امل�س�ؤولية ب�أمانة ‪ ,‬و�أن‬ ‫ي�سعوا بكل ما �أتوا من قوة و ِنعم ربانية لن�شر الإ�سالم والنور‬ ‫املبني �إىل الب�شرية و�إىل العامل �أجمع‪.‬‬

‫الفكر يف اللغة‬

‫عرف ابن منظور يف ل�سان العرب الفكر بقوله ‪ :‬الفكر‪،‬‬ ‫والفكر ‪� :‬أعمال اخلاطر يف ال�شيء ‪ ،‬والتفكر ا�سم التفكري‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ومنهم من قال فكري‪ .‬وقال اجلوهري ‪ :‬التفكر‪ :‬الت�أمل‬ ‫وعرفه الفريوز �آبادي بقوله ‪ :‬الفكر‪ ،‬بالك�سر ويفتح‪� ،‬أعمال‬ ‫(‪)2‬‬ ‫النظر يف ال�شيء كالفكرة‬

‫الفكر يف املعاجم احلديثة واملعا�صرة‬

‫يقول جميل �صليبا ‪" :‬وجملة القول �أن الفكر يطلق على‬ ‫الفعل الذي تقوم به النف�س عند حركتها يف املعقوالت‪� ،‬أو‬ ‫يطلق على املعقوالت نف�سها‪ ،‬ف�إذا �أطلق على فعل النف�س دل‬ ‫على حركتها الذاتية‪ ،‬وهي النظر والت�أمل‪ ،‬و�إذا �أطلق على‬ ‫املعقوالت دل على املفهوم الذي تفكر فيه النف�س "(‪ ,)3‬وعرفه‬

‫‪50‬‬

‫�صاحب (املعجم الو�سيط) بقوله ‪" :‬الفكر �إعمال العقل‬ ‫يف املعلوم للو�صول �إىل معرفة املجهول ‪ ,‬والفكرة ‪ :‬ال�صورة‬ ‫(‪)4‬‬ ‫الذهنية لأمر ما"‬ ‫و�أما �صاحب املو�سوعة الفل�سفية فقد ذكر عدة تعريفات‬ ‫منها ‪ :‬الفكر هو‪ " :‬النتاج الأعلى للدماغ كمادة ذات تنظيم‬ ‫ع�ضوي خ��ا���ص‪ ،‬وه��و العملية االيجابية التي بوا�سطتها‬ ‫ينعك�س العامل املو�ضوعي يف مفاهيم و�أحكام ونظريات ‪ ,‬وهو‬ ‫ال�شرط اجلوهري لأي ن�شاط �آخر‪ ،‬طاملا �أن هذا الن�شاط هو‬ ‫(‪)5‬‬ ‫نتيجته املجملة واملتمثلة‪ ،‬والكالم هو �صورة الفكر"‬ ‫الفكر يف القر�آن الكرمي‬ ‫(‪)6‬‬ ‫لقد وردت م�شتقات الفكر يف القر�آن الكرمي يف عدة موا�ضع ‪،‬‬ ‫ب�صيغة الفعل‪ ،‬ولكرثتها نذكر منها قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ات َو َما فيِ ْ أ‬ ‫ال�س َما َو ِ‬ ‫�ض َجمِيع ًا ِّمنْهُ �إِنَّ فيِ‬ ‫الَ ْر ِ‬ ‫�أ‪َ (-‬و َ�سخَّ َر َل ُكم َّما فيِ َّ‬ ‫ات َّل َق ْو ٍم َي َت َفك َُّرونَ ) ( اجلاثية ‪)13‬‬ ‫َذ ِل َك َلآ َي ٍ‬ ‫ب‪�( -‬إِنَّهُ َفك َ​َّر َو َقدَّ َر ) ( املدثر ‪.)18‬‬ ‫ج‪َ ( -‬ل ْو �أَ َ‬ ‫ا�ش ًعا ُّم َت َ�صدِّ ًعا‬ ‫نز ْل َنا هَ َذا ا ْلق ُْر�آنَ َع َلى َج َب ٍل َّل َر َ�أ ْي َتهُ َخ ِ‬

‫ِّم ْن َخ ْ�ش َي ِة اللهَّ ِ َو ِتل َْك الأَ ْم َث ُ‬ ‫َّا�س َل َعلَّ ُه ْم َي َت َفك َُّرونَ )‬ ‫ال َن ْ�ض ِر ُب َها ِللن ِ‬

‫(احل�شر ‪)21‬‬

‫الفكر يف احلديث النبوي ال�شريف‬

‫وردت كلمة الفكر يف عدة موا�ضع‪ ،‬وفيما ي�أتي بع�ض الأمثلة‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬وردت كلمة الفكر يف �صحيح البخاري يف �أرب��ع موا�ضع‪،‬‬ ‫واحدة بلفظ البخاري‪ ،‬والباقي بلفظ القر�آن الكرمي‪ ،‬منها‬ ‫الباب الذي افرده البخاري ملا حتت كتاب ال�صالة ‪" :‬باب يفكر‬ ‫الرجل ال�شيء يف ال�صالة"‪.‬‬ ‫ب‪ -‬وردت كلمة الفكر يف �صحيح م�سلم يف مو�ضعني‪ ،‬واحد‬ ‫منهما بلفظ م�سلم يف باب ف�ضل دوام الذكر والفكر يف �أمور‬ ‫الآخرة واملراقبة‪ ،‬والثاين يف كتاب الزهد والرقائق‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫الفكر عند بع�ض العلماء واملفكرين قدمي ًا وحديث ًا‬

‫نظر ًا لطبيعة املعرفة العلمية يف الإ�سالم يف الع�صور الأوىل‪,‬‬ ‫ووجود العلماء واملفكرين يف خمتلف العلوم ‪،‬وظهور تباين‬ ‫بينهم يف حتديد املعاين العامة للفكر ‪،‬و�إمنا جاء يف كثري من‬ ‫امل��رات ب�صيغة العقل والت�أمل والتدبر والنظر‪ ،‬وفما ي�أتي‬ ‫بع�ض التعريفات املعطاة لهذا املفهوم‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬قول �أبي حامد الغزايل ‪" :‬اعلم �أن معنى الفكر هو �إح�ضار‬ ‫معرفتني يف القلب لي�ستثمر منهما معرفة ثالثة"(‪ )7‬وقد جعل‬ ‫الفكر مرادف ًا للت�أمل والتدبر‪.‬‬ ‫ب‪ -‬وبالن�سبة لإم���ام احل��رم�ين اجلويني‪،‬يدل الفكر على‬ ‫النظر‪،‬يقول‪":‬والنظر يف ا�صطالح املوحدين هو الفكر الذي‬ ‫يطلب به من قام به علم ًا �أو غلبة ظن؛ ثم ينق�سم النظر �إىل‬ ‫(‪)8‬‬ ‫ق�سمني‪� :‬إىل ال�صحيح و�إىل الفا�سد"‬ ‫ج‪ -‬ويعرفه التهانوي بقوله ‪" :‬وال �شك �أن النف�س تالحظ‬ ‫املعقوالت يف �ضمن تلك احل��رك��ة‪ ،‬فقيل ‪ :‬الفكر ه��و تلك‬ ‫احلركة والنظر هو املالحظة التي يف �ضمنها‪ ،‬وقيل لتالزمهما‬ ‫(‪)9‬‬ ‫�أن الفكر والنظر مرتادفان"‬ ‫د‪ -‬وعرفه عبد الرحمن الزنيدي ‪" :‬والفكر يف امل�صطلح‬ ‫الفكري –والفل�سفي خا�صة‪ -‬ه��و الفعل ال��ذي تقوم به‬ ‫النف�س عند حركتها يف املعقوالت‪� ،‬أي النظر والت�أمل والتدبر‬ ‫واال�ستنباط واحلكم‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وهو كذلك املعقوالت نف�سها‪،‬‬ ‫(‪)10‬‬ ‫�أي املو�ضوعات التي انتجها العقل الب�شري"‬ ‫هـ‪ -‬وعرفه طه جابر العلواين بقوله ‪" :‬الفكر ا�سم لعملية‬ ‫ت��ردد القوى العاقلة املفكرة يف الإن�سان‪� ،‬سواء �أك��ان قلبا‬ ‫�أو روح��ا �أو ذهنا بالنظر والتدبر‪ ،‬لطلب املعاين املجهولة‬ ‫من الأمور املعلومة‪� ،‬أو الو�صول �إىل الأحكام �أو الن�سب بني‬ ‫(‪)11‬‬ ‫الأ�شياء"‬

‫تعريف الفكر الإ�سالمي‬

‫يعترب كلمة الإ�سالمي من املحددات وال�ضوابط التي ي�ضبط‬ ‫بها مفهوم الفكر هنا ؛ �إذ الإ�سالمية هي الإطار العام واملحور‬ ‫الرئي�سي الذي يدور حوله هذا املفهوم ‪ ,‬و�إ�سهام ًَا يف تقريب‬ ‫مفهوم الفكر الإ�سالمي وت�صحيح ال��ر�ؤي��ة املغلوطة التي‬ ‫�شاعت حوله‪ ،‬نقول مع جمموعة من الباحثني على �أن الفكر‬ ‫الإ�سالمي هو ‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬كل ما �أنتجه امل�سلمون من �أفكار منذ البعثة النبوية �إىل‬ ‫يومنا احلا�ضر‪ ،‬يف كل ميادين املعرفة الكونية املت�صلة باهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل وال��ع��امل والإن�����س��ان‪ ،‬وه��و كذلك ما �أف��رزه‬ ‫امل�سلمون يف ظل الإ�سالم من �أفكار‪ ،‬و�أطروحات اجتهادية‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫ب�شرية يف �شتى �سائر العلوم املختلفة من فل�سفة‪ ،‬وفقه‪،‬‬ ‫و�أ�صول‪ ،‬وت�صوف‪ ،‬وعلوم �إن�سانية �أخرى‪.‬وبهذا ف�إن كل فكر‬ ‫ب�شري متخ�ض عنه فكر م�ستقل‪ ،‬ومل ينطلق من مفاهيم‬ ‫الإ�سالم وقواعد الإ�سالم الثابتة والقطعية كما جاءت يف‬ ‫القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ال�صحيحة‪ ،‬ال ميكن و�صفه‬ ‫ب�أنه فكر �إ�سالمي ؛ لأن قولنا "فكر �إ�سالمي" يعني و�صفنا �إياه‬ ‫ب�صفة الإ�سالمي‪ ،‬ولي�س من املنطق ال�سليم �أن يح�سب فكر ما‬ ‫على الإ�سالم‪ ،‬وهو لي�س ب�إ�سالمي‪ ،‬بل ن�صفه ب�أنه فكر عام‬ ‫مل ينطلق من نظرة �إ�سالمية ثاقبة‪،‬و�إمنا انطلق من �أديان‬ ‫وعقائد ومناهج �أخرى‪ ،‬تقرتب من الإ�سالم حين ًا‪ ،‬وتبتعد عنه‬ ‫�أحيانا �أخرى(‪.)12‬‬ ‫وال �شك �أن الفكر الإ�سالمي قد واجه منذ بدء الدعوة‬ ‫الإ�سالمية �أخ��ط��ار ًا وحتديات ا�ستهدفت ت�شويه الإ�سالم‪,‬‬ ‫واحل��د من انت�شاره ‪ ,‬والكيد للإ�سالم وامل�سلمني ‪ ,‬وحماولة‬ ‫ا�ستئ�صاله‪ ،‬وباءت هذه املحاوالت بالف�شل قدمي ًا وحديث ًا؛‬ ‫لأن اهلل تعاىل تكفل بحفظ دينه‪ ،‬و�أهله املتم�سكني به ‪،‬وقد‬ ‫هم الدفاع عن هذا الدين ‪ ،‬وعن ر�سالة الإ�سالم‬ ‫حمل امل�سلمون ّ‬ ‫اخلالدة التي جاءت رحمة للعاملني ‪ ،‬فلقد كان لزام ًا عليهم‬ ‫�أن يبلغوا الدعوة الإ�سالمية �إىل م�شارق الأر�ض ومغاربها‪,‬‬ ‫وي�برزوا ال�صورة احلقيقية امل�شرقة للإ�سالم‪،‬ويقوم بالرد‬ ‫على االفرتاءات واالتهامات التي يتهم بها هذا الدين‪ ،‬والتي‬ ‫�شكلت حتديات واجهت امل�سلمون‪ ،‬والتحديات التي تواجه‬ ‫امل�سلمني ت�شكل خطر ًا على �ضروراتهم اخلم�س‪،‬حتتاج منهم‬ ‫�إىل وقفة ملراجعة �أنف�سهم‪ ,‬و�إع��ادة بناء هممهم ‪،‬و�إدراك‬ ‫متطلبات ع�صرهم ‪ ،‬والتغلب على ه��ذه التحديات‪،‬وعدم‬ ‫التقاع�س‪،‬وال�ضعف‪،‬والوهن‪ ،‬حتى ُيكتب لهم البقاء والنجاح‪،‬‬ ‫واال�ستمرار‪،‬فهل ا�ستعد امل�سلمون ملواجه تلك التحديات‪ ،‬وبذل‬ ‫اجلهد للتغلب عليها ؟ومن التحديات املهمة التي اعرت�ضت‬ ‫طريق الفكر الإ�سالمي هي ال�ضعف ال��ذي �أمل بامل�سلمني ؛‬ ‫ب�سبب ع��دم متا�سكهم مببادئ الإ���س�لام ال�سمحة القائمة‬ ‫على الو�سطية واالعتدال والتوازن يف كل جماالت احلياة‬ ‫املادية والروحية ‪,‬ف ُيعد هذا التحدي من التحديات اخلطرية‬ ‫التي واجهت الفكر الإ�سالمي ؛ فامل�سلمون اليوم �ضعفاء ال‬ ‫ي�ستطيعون �أن يحموا �أنف�سهم‪,‬فقد دب فيهم داء ال�ضعف‪,‬‬ ‫ف�صدق فيهم قوله ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪(( :-‬يو�شك الأمم‬ ‫�أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على ق�صعتها ‪،‬فقال‬ ‫قائل‪ :‬وم��ن قلة نحن يومئذ ؟ ق��ال ‪:‬ب��ل �أنتم يومئذ كثري‪,‬‬ ‫ولكنكم غثاء كغثاء ال�سيل ‪ ،‬ولينزعن اهلل من �صدور عدوكم‬

‫‪51‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫املهابة منكم وليقذفن اهلل يف قلوبكم الوهن‪،‬فقال قائل ‪ :‬يا‬ ‫ر�سول اهلل وما الوهن ؟ قال‪:‬حب الدنيا وكراهية املوت)(‪,)13‬‬ ‫ومن خالل هذا احلديث يربط ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم بني ال�ضعف ال��ذي �أ���ص��اب امل�سلمني يف ه��ذه الدنيا‪،‬‬ ‫واالفتقار �إىل الوحدة‪،‬والرتابط الذي �أدى �إىل ت�سلط العدو‬ ‫عليهم ‪،‬وتفكيك �أخوتهم ‪،‬و�إذا ك��ان ه��ذا التحدي اخلطري‬ ‫الذي يواجه الفكر الإ�سالمي‪،‬ف�إن قوة الإميان‪،‬ووحدة الأمة‬ ‫الإ�سالمية وتقواها‪ ،‬هي العالج لذلك التحدي‪ ،‬فاحلقيقة‬ ‫التي يجب تر�سيخها يف نفو�س امل�سلمني هي الرتكيز على‬ ‫�ضرورة الوحدة الإ�سالمية‪ ،‬والرتابط الإمي��اين بني �أفراد‬ ‫املجتمع الإ�سالمي‪،‬والوقوف يف وجه تلك التحديات التي‬ ‫تواجهها‪ ،‬و�إزال��ة كل �أ�سباب ال�ضعف التي حلت بامل�سلمني‪،‬‬ ‫بال�سعي نحو الإ�صالح بني النا�س‪ ،‬وبالكلمة الطيبة التي‬ ‫ت�ؤدي �إىل �إحالل ال�سالم بدل النزاعات واخلالفات ‪،‬وامل�شاكل‬ ‫بني النا�س ‪ ,‬و�إحالل الود حمل اخل�صام واجلفاء ‪.‬‬ ‫ومن التحديات الأخرى املهمة التي واجهت الفكر الإ�سالمي‬ ‫يف معرتكه احل�ضاري العوملة والتي هدفت �إىل احلد من انت�شار‬ ‫الإ�سالم‪،‬والق�ضاء عليه ‪ ،‬والتوجه نحو الأنظمة التي ميكن لها‬ ‫حتقيق ُمثل ومبادئ وقيم عليا حتقق ال�سعادة لهم ‪ ،‬بعيد ًا عن‬ ‫الفكر الإ�سالمي ‪ ،‬ولكن �أنى لهم ذلك يف ظل نه�ضة احل�ضارة‬

‫الإ�سالمية وتفوقها على غريها من احل�ضارات ‪ ،‬وللعوملة‬ ‫تعريفات كثرية وخمتلفة ومتفاوتة ح�سب �أفكار‪ ،‬واجتاهات‬ ‫ال ُكتاب ومن ال�صعب تعريفها تعريف ًا واحد ًا‪ ،‬وميكن �أن نذكر‬ ‫عدد ًا من هذه التعريفات على �سبيل املثال ال احل�صر ‪،‬فيعرفها‬ ‫�صادق العظم على �أنها ‪ ":‬اجتاه الإن�سانية نحو الر�أ�سمال ّية‬ ‫وحتت �سيطرة دول املركز وقيادتها‪ ،‬ويف ظل �سيادة نظام‬ ‫ويعرفها عبد الباري د ّرة ‪" :‬‬ ‫عاملي للتبادل غري املتكافئ(‪ّ ،)14‬‬ ‫ب�أنّها ظاهرة �أو حركة معقّدة لها �أبعاد اقت�صاد ّية ‪،‬و�سيا�س ّية‪،‬‬ ‫ري‬ ‫واجتماعية ‪ ،‬وح�ضارية‪،‬وثقاف ّية ‪ ،‬وتكنولوج ّية لها ت�أث ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫عميق يف حياة الأف��راد‪ ،‬واملجتمعات‪ ،‬والدول"(‪ ،)15‬وميكن‬ ‫القول ب�أن كلمة العوملة ‪ ":‬تلخ�ص يف كلمتني ‪ :‬كثافة انتقال‬ ‫املعلومات و�سرعتها �إىل درجة �أ�صبحنا ن�شعر �أننا يف عامل‬ ‫واحد موحد " (‪.)16‬‬ ‫والإ�سالم يرف�ض العوملة ب�سبب عدم خ�ضوعها للت�شريعات‬ ‫الإ�سالمية ال�سمحة التي جاء بها‪ ,‬والتي تهدف �إىل حتقيق‬ ‫اخلري للنا�س جميع ًا‪ ،‬من خالل ‪ :‬الدعوة على التعارف الذي‬ ‫يو�صل �إىل العمل ال�صالح‪،‬والتقوى‪ ،‬امتثا ً‬ ‫ال لقوله تعاىل‪َ (:‬يا‬

‫َّا�س �إِنَّا َخ َل ْق َن ُاكم ِّمن َذ َك ٍر َو�أُن َثى َو َج َع ْل َن ُاك ْم ُ�ش ُعوب ًا َو َق َبا ِئ َل‬ ‫�أَ ُّي َها الن ُ‬ ‫ري )‬ ‫ِل َت َعا َر ُفوا �إِنَّ �أَك َْر َم ُك ْم ِعندَ اللهَّ ِ �أَ ْت َق ُاك ْم �إِنَّ اللهَّ َ َع ِل ٌ‬ ‫يم َخ ِب ٌ‬

‫(احلجرات ‪ ,)13‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫(‪ )1‬ابن منظور ‪ ,‬ل�سان العرب ‪ ,‬مادة فكر ‪ ,‬ج‪�/38‬ص‪.3451‬‬ ‫(‪ )2‬الفريوز �آبادي ‪ ,‬القامو�س املحيط ‪ ,‬مادة فكر‪ ,‬ج‪�/1‬ص‪.588‬‬ ‫(‪ )3‬جميل �صليبا ‪ ,‬املعجم الفل�سفي‪ ,‬دار الكتاب اللبناين‪,‬بريوت‪1982,‬م‪ ,‬ج ‪� /2‬ص ‪.156‬‬ ‫(‪� )4‬إبراهيم �أني�س و�آخرون ‪ ,‬املعجم الفل�سفي‪,‬معجم اللغة العربية‪ ,‬م�صر‪,‬ط‪ ,2‬ج‪� /1‬ص‬ ‫(‪ )5‬نخبة من الباحثني ال�سوفيات –املو�سوعة الفل�سفية‪-‬ترجمة �سمري كرم دار الطليعة‪,‬بريوت‪1987 ,‬م‪ ,‬ط‪� ,6‬ص‪.333‬‬ ‫(‪ )6‬ح�سب املعجم املفهر�س لألفاظ القر�آن الكرمي ملحمد ف�ؤاد عبد الباقي وردت الكلمة يف ثمانية ع�شر مو�ضعا ب�صيغة الفعل وهذه ال�صيغ هي ‪ :‬فكر‪/‬تتفكروا‪/‬تتفكرون‪/‬يتفكروا‪/‬يتفكرون‪.‬‬ ‫(‪� )7‬أبو حامد الغزايل ‪� :‬إحياء علوم الدين‪ ,‬دار الندوة اجلديدة‪ ,‬بريوت‪ ,‬ج ‪�/ 4‬ص‪.425‬‬ ‫(‪� )8‬أبو املعايل عبد امللك اجلويني ‪ :‬كتاب الإر�شاد �إىل قواطع الأدلة يف �أ�صول ‪,‬حتقيق �أ�سعد متيم‪,‬م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية ‪,‬بريوت‪1985 ,‬م‪ ,‬ط‪� ,1‬ص‪.25‬‬ ‫(‪ )9‬حممد لعلى بن علي التهانوي ‪ :‬ك�شاف ا�صطالحات الفنون‪ ,‬دار �صادر ‪ ,‬بريوت‪ ,‬ج‪� ,3‬ص‪.1121‬‬ ‫(‪� )10‬أبو زيد عبد الرحمان ‪ :‬حقيقة الفكر الإ�سالمي ‪ ,‬دار امل�سلم‪ ,‬الريا�ض‪1415 ,‬هـ‪,‬ط‪� ,1‬ص‪.10‬‬ ‫(‪� )7‬أبو حامد الغزايل ‪� :‬إحياء علوم الدين‪ ,‬دار الندوة اجلديدة‪ ,‬بريوت‪ ,‬ج ‪�/ 4‬ص‪.425‬‬ ‫(‪� )8‬أبو املعايل عبد امللك اجلويني ‪ :‬كتاب الإر�شاد �إىل قواطع الأدلة يف �أ�صول ‪,‬حتقيق �أ�سعد متيم‪,‬م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية ‪,‬بريوت‪1985 ,‬م‪ ,‬ط‪� ,1‬ص‪.25‬‬ ‫(‪ )9‬حممد لعلى بن علي التهانوي ‪ :‬ك�شاف ا�صطالحات الفنون‪ ,‬دار �صادر ‪ ,‬بريوت‪ ,‬ج‪� ,3‬ص‪.1121‬‬ ‫(‪� )10‬أبو زيد عبد الرحمان ‪ :‬حقيقة الفكر الإ�سالمي ‪ ,‬دار امل�سلم‪ ,‬الريا�ض‪1415 ,‬هـ‪,‬ط‪� ,1‬ص‪.10‬‬ ‫(‪� )13‬أبو داود‪� ,‬سنن �أبي داود‪ ,‬كتاب الفنت‪,‬باب يف تداعي الأمم‪,‬ج‪� ,4‬ص‪,93‬حديث رقم ‪ ,4297‬قال عنه الذهبي يف ميزان االعتدال ‪ ,‬ج‪�,2‬ص‪ ,295‬حديث فيه �صالح بن ر�ستم جمهول وروى‬ ‫عنه ثقتان‪ ،‬فخفت اجلهالة‪ ,‬وقال عنه الهيثمي يف جممع الزوائد‪ ,‬ج‪�,7‬ص‪ ,287‬حديث �إ�سناده ح�سن يف رواية �أحمد‬ ‫(‪ )14‬يا�سني‪ ،‬ال�سيد وزمال�ؤه‪ ،‬العرب والعوملة‪،‬مركز درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1998،‬م‪� ,‬ص ‪.28‬‬ ‫(‪ )15‬د ّرة‪ ،‬عبد الباري‪" ،‬العوملة و�إدارة التعدّ د احل�ضاري والثقايف يف العامل وحماية الهو ّية العرب ّية والإ�سالمية"‪ ،‬موجود يف كتاب العوملة والهوية‪� ,‬أوراق امل�ؤمتر العلمي الرابع لكلية الآداب‬ ‫يف جامعة فيالدلفيا‪1998,‬م ‪,‬الثقافة العربية بني العوملة واخل�صو�صية‪ ,‬من�شورات جامعة فيالدلفيا‪ ،‬عمان‪ ،‬الأردن‪1999( ,‬م)‪�,‬ص‪.53‬‬ ‫(‪ )16‬غليون ‪ ,‬برهان (‪2002‬م)‪ ,‬ثقافة العوملة وعوملة الثقافة ‪ ,‬دار الفكر ‪,‬ط‪� ,2‬سوريا ‪� ,‬ص‪.21‬‬

‫‪52‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫دور المؤسسات التربوية‬ ‫في تعزيز منظومة القيم في المجتمع‬ ‫�إن لكل جمتمع من املجتمعات الإن�سانية منط ًا من �أمناط الرتبية‬ ‫التي تالئم �أو�ضاعه االقت�صادية ‪ ،‬واالجتماعية ‪ ،‬وال�سيا�سية‪.‬‬ ‫وبالتايل ف�إن الرتبية ال ت�ستطيع حتقيق �أهدافها ما مل تكن‬ ‫نابعة من واقع املجتمع ‪ ،‬واملجتمع الإ�سالمي يتميز عن غريه‬ ‫من املجتمعات ب�أنه جمتمع يقوم على عقيدة منظمة ل�سلوك‬ ‫الإن�سان‪ ،‬مع خالقه و�سلوكه مع نف�سه ‪ ،‬وغريه من �أبناء جن�سه‬ ‫‪ .‬وال غرو يف ذلك فهي تربية نابعة من قيم القر�آن الكرمي ‪،‬‬ ‫واحلديث النبوي ال�شريف ‪.‬‬ ‫فالر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬يف دعوته �إىل اهلل �إمنا‬ ‫�أن� ش�أ – ب�أخالقه ومعاملته – �أ�سلوب ًا لرتبية النا�س على ف�ضائل‬ ‫الإ�سالم وبالتايل ف�إن احلديث عن الرتبية الإ�سالمية منطلق‬ ‫بال�ضرورة من �سرية الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬يف تربية‬ ‫�أ�صحابه الذين حملوا الر�سالة �إىل �أمته من بعده ‪.‬‬ ‫وال �شك �أن الرتبية احلقة هي التي ت�سعى �إىل تن�شئة الإن�سان‬ ‫ال�صالح الكامل املتكامل من جميع جوانبه ‪ ،‬ج�سمية ‪ ،‬عقلية‬ ‫‪ ،‬وروحية‪ ،‬و�إعداده للمواطنة ال�صاحلة ‪ .‬و�إك�سابه القيم التي‬ ‫يرت�ضيها الدين‪ ،‬ويرت�ضيها املجتمع الذي يعي�ش فيه ‪ .‬وللرتبية‬ ‫م �ؤ�س�سات متعددة ‪ ،‬ت�سعى من خاللها ايل تو�صيل ر�سالتها‬ ‫الرتبوية‪.‬‬ ‫وان هذه الدرا�سة �ستجيب عن اال�سئلة االتية ‪:‬‬ ‫او ًال ‪ :‬ما مفهوم القيم ؟‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬ما مربارات احلديث عن القيم وتعزيزها يف املجتمع ؟‬ ‫ثالث ًا ‪ :‬ما دور امل �ؤ�س�سات الرتبوية الآتية يف تر�سيخ القيم‬ ‫وتعزيزها ( الأ���س��رة ‪ ،‬املدر�سة‪ ،‬اجلامعة ‪ ،‬امل�سجد ‪ ،‬االندية‬ ‫‪،‬املكتبات ‪ ،‬و�سائل االعالم ‪ ،‬جماعة الرفاق )‪.‬‬ ‫رابع ًا ‪ :‬ما هي التو�صيات‪.‬‬

‫او ًال ‪ :‬ما مفهوم القيم ‪.‬‬

‫القيم جمموعة من املعتقدات واملبادئ واملعايري والأحكام‪ ،‬التي‬ ‫تتكون لدي الفرد مـن خـالل تفاعله مع املواقف واخل�برات‪،‬‬ ‫بحيث متكنه من اختيار �أه��داف ��ه التي حت ��دد م�سار حياته ‪،‬‬ ‫وتتج�سد خالل االهتمامات ‪� ،‬أو االجتاهات �أو ال�سلوك العملي �أو‬ ‫اللفظي بطريقة مبا�شرة وغري مبا�شرة ‪.‬‬

‫ثاني ًا‪:‬ما م�برارات احلديث عن القيم وتعزيزها يف‬ ‫املجتمع ؟‬

‫‪ -1‬الن الرتبية احلديثة تواجه ق�ضية هامة وخطرية ‪،‬وهي‬ ‫ق�ضية تعليم القيم ‪ ،‬فهناك العديـد مـن الآراء والندوات التي‬ ‫تتطلب االهتمام مبنظومة القيم باعتبارها �أ�سا�س ًا وجوهر ًا‬ ‫للوجود الإن�ساين ‪.‬‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬

‫‪ -2‬الن امل��ادي��ات وال��رف��اه��ي��ة �سيطرت ‪ ،‬على ح��ي��اة الأف���راد‬ ‫ف�أ�صبحت توجه ممار�سـتهم اليومية؛ مما �أدى �إيل تف�شي‬ ‫العديد من الظواهر ال�سلبية يف املجتمع ‪ ،‬فنحن اليوم بحاجـة‬ ‫�إلـي االهتمام بتعديل ال�سلوك الأخالقي‪ ،‬وتر�سيخ معايريقيم‬ ‫االحرتام والف�ضيلة‪ ،‬والرقابة الذاتية لدى الإن�سان ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الن امل �ؤ�س�سات الرتبوية من ( �أ�سرة ‪،‬ومدر�سة‪ ،‬وم�سجد‪،‬‬ ‫وجامعة‪ ،‬و�أندية‪ ،‬ومكتبة‪ ،‬و�إعالم وغري ذلك ) هي القادرة على‬ ‫تعليم القيم االيجابية‪ ،‬وتر�سيخها وتعزيزها يف �أذهان النا�شئة‬ ‫وتطبيقها على ار�ض الواقع من خالل القدوة ‪.‬‬ ‫‪ -4‬الن تعليم ال ِق َيم فري�ضة ينبغي االهتمام بها‪ ،‬وم� س�ؤولية‬ ‫واج هه‬ ‫يتح َّم لها‬ ‫رب تحَ دٍّ ُن ِ‬ ‫اجلميع دون ا�ستثناء‪ ،‬فهي ُت عت برَ �أك َ‬ ‫ُ‬ ‫ملدى ُق ْدرتنا على تربية �أطفالنا‪ ،‬ليكونوا �أف��را ًدا �صاحلني يف‬ ‫حلفاظ على النَّ�شء من‬ ‫ذواتهم و�أفكارهم وم�شاعرهم‪ ،‬ووجوب ا ِ‬ ‫َّ‬ ‫الذوبان يف ما ُي �س َّم ى بالع وملة‪ ،‬واالن�سالخ من االنتماء �إىل ِك يانهم‬ ‫وجمتمعهم‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬ما دور امل �ؤ�س�سات الرتبوية يف تعزيز القيم يف‬ ‫املجتمع؟‬ ‫�أو ًال ‪ :‬الأ�سرة‪.‬‬

‫فالأ�سرة هي الوحدة االجتماعية الأوىل التي يتفاعل معها‬ ‫الطفل‪ ،‬ويكت�سب من خاللها العديد من االجت��اه��ات وامليول ‪،‬‬ ‫والقيم الدينية ‪ ،‬و�سائر العادات والتقاليد و�أمن��اط ال�سلوك‬ ‫االجتماعي‪ .‬فالأ�سرة لي�ست و�سيلة اكت�ساب القيم الروحية‬ ‫والأخالقية فح�سب‪ ،‬ولكنها امل�صدر الذي يكت�سب الطفل من‬ ‫خالله الكثري من العادات وامليول ‪ ،‬واالجتاهات ‪ ،‬ومعايري ال�سلوك‬ ‫ذلك �أن الأبوين (هما دعامة الأ�سرة وهي �أوىل لبنات املجتمع‬ ‫الذي يتكون من جمموع الأ�سر ‪ ،‬لذلك فقد حر�ص الإ�سالم على‬ ‫�أن ت�شمل املحبة والرحمة �أ�سا�س الأ�سرة) (‪.) 1‬‬ ‫ف�إذا �شب الفرد يف �أ�سرة م�سلمة �سليمة يف اعتقادها‪ ،‬وعبادتها‬ ‫ومعاملتها ت�شرب الأوالد ما هو موجود يف الأ�سرة من قيم الدين؛‬ ‫لهذا يتعني على الأ�سرة �إك�ساب الأوالد القيم الفا�ضلة‪ .‬ومهما‬ ‫عظم دور املدر�سة والو�سائط الرتبوية الأخرى يف تنمية القيم‬ ‫الإ�سالمية للطفل �إال �أن الأ�سرة (ت �ؤدي دور ًا �أ�سا�سي ًا يف �إك�ساب‬ ‫الفرد قيم ًا معينة ‪ ،‬ثم تقوم اجلماعات الأخ��رى ب��دور مكمل‬ ‫ومدعم) (‪. ) 2‬‬

‫‪53‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫ثاني ًا ‪ :‬امل�سجد‪.‬‬

‫يقوم امل�سجد بدور بارز يف تنمية القيم الإ�سالمية ( فامل�سجد‬ ‫يعمل على ت�أكيد القيم املركزية امل�ستمدة من الدين الإ�سالمي‬ ‫احلنيف‪ ،‬والتي تعترب �أ�سا�سية ال�ستقرار املجتمع ومتا�سكه‬ ‫وتقدمه ‪ ،‬و�أئمة امل�ساجد وخطبا�ؤها من خالل خطبة اجلمعة‬ ‫‪ ،‬واملنا�سبات الدينية‪ ،‬والندوات واحللقات النقا�شية ‪ ،‬التي تعقد‬ ‫بامل�سجد يدعون النا�س �إىل �إقامة الفرائ�ض والتم�سك بالقيم‬ ‫الدينية والعمل ال�صالح؛ خلدمة املجتمع والتقرب من اهلل‬ ‫(‪)3‬‬ ‫�سبحانه وتعاىل)‬ ‫ً‬ ‫وامل�سجد يف الإ���س�لام لي�س مكانا للعبادة وممار�سة الطقو�س‬ ‫الدينية فح�سب (فلي�س ه��ن��اك يف ال��دي��ن الإ���س�لام��ي تلك‬ ‫االزدواجية بني ما هو ديني وما هو دنيوي‪ ،‬فتظهر قيم الدين‬ ‫يف معامالت الدنيا‪ ،‬ويظهر الدين يف كل �أمور الدنيا االقت�صادية‪،‬‬ ‫وال�سيا�سية ‪ ،‬واالجتماعية‪ .‬وتاريخ الرتبية الإ�سالمية يرتبط‬ ‫ارتباط ًا كبريا بامل�سجد)(‪. ) 1‬‬ ‫ولكي ي �ؤدي امل�سجد ر�سالته يف غر�س القيم الإ�سالمية وتعزيزها‪،‬‬ ‫ينبغي العناية به وتزويده بالإمكانات الب�شرية املادية التي‬ ‫ت�ساعد يف �إجناز وظائفه الكثرية ‪.‬‬

‫ثالث ًا ‪ :‬املدر�سة‪.‬‬

‫املدر�سة هي امل �ؤ�س�سة االجتماعية التي �أوكل املجتمع �إليها مهمة‬ ‫ت�شكيل الأجيال من خالل و�سائطها املتعددة من معلم ‪ ،‬وكتاب‬ ‫مدر�سي ‪،‬وجو اجتماعي داخلها ‪(.‬فاملدر�سة تعد �أهم امل �ؤ�س�سات‬ ‫الرتبوية عناية بالقيم ‪ ،‬حيث تهتم املناهج مبا فيها من درو�س‬ ‫و�أن�شطة متعددة ب�إي�صال القيم وتو�صيلها �إىل التالميذ‪ .‬ويكون‬ ‫الت �أثري �أق��وى كلما كانت الأ�ساليب ناجحة‪ ،‬وط��رق التدري�س‬ ‫قائمة على �أ�س�س �سليمة وحديثة‪ ،‬يقوم بها معلمون حكماء‬ ‫ومربون ناجحون يعرفون كيف ينمون القيم ويعززونها يف نفو�س‬ ‫(‪)2‬‬ ‫النا�شئة‬ ‫فاملدر�سة باعتبارها وحدة متكاملة مبا ي�سودها من نظم ولوائح‪،‬‬ ‫و�إدارة مدر�سية‪ ،‬ومكتبة‪ ،‬ومعلمني ‪ .‬كل �أولئك يعتربوا و�سيلة‬ ‫هامة الكت�ساب القيم الإ�سالمية وتعزيزها ‪ ( .‬ف�سيادة روح‬ ‫التفاهم التي تربط املعلمني مع املتعلمني ‪ ،‬و�إ�شاعة روح الألفة‬ ‫وامل ��ح��ب ��ة‪ ،‬وال��ت��ع��اون ب�ين اجلميع ي�ساعد على تثبيت القيم‬ ‫وتعزبزها عند التالميذ يف املدر�سة ‪ ،‬وال نن�سى دور املكتبة‬ ‫املدر�سية والإذاعة فيها ‪ ،‬والإدارة الرتبوية احلكيمة والأقران من‬ ‫(‪)3‬‬ ‫�إك�ساب الطالب قيم ًا جديدة وخربة بناءة)‬ ‫ولكي تنجح املدر�سة يف غر�س القيم اجليدة وتر�سخها ‪( ،‬يجب‬ ‫�أن تتكامل مع الأ�سرة ف�إذا �أرادت املدر�سة �أن تنجح يف غر�س القيم‬ ‫عليها �أن تتعاون مع الأ�سرة‪ ،‬فتلتقي مع الآباء يف جمال�س ولقاءات‬

‫‪54‬‬

‫متكررة تبحث توحيد ال�سبل الكفيلة لبناء ه��رم من القيم‬ ‫يف نفو�س اجليل‪ .‬فالتعاون بينهما �ضروري حتى ال يعمل كل‬ ‫منهما يف ورد(‪ ))1‬ومن الأ�ساليب التي تلج �أ �إليها املدر�سة يف بناء‬ ‫هرم قيمي لدى املتعلمني‪ ،‬الت �أكيد على القيم �صراحة من مواد‬ ‫الدرا�سة و�شرحها‪ ،‬وت�أكيد �ضرورة التم�سك بها وميكن ا�ستخدام‬ ‫الق�ص�ص ومناق�شة ما جاء بها و�أخذ العرب منها‪ ،‬ومعرفة ال�سلوك‬ ‫احل�سن الذي جاء فيها وال�سلوك ال�سيئ نتيجة ذلك‬ ‫فاملحتوى ال��درا���س��ي لي�س جمموعة م��ن امل��ع��ارف واملفاهيم ‪،‬‬ ‫واحلقائق ولكنه و�سيلة ميكن ا�ستغاللها يف اكت�ساب القيم‬ ‫الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫و�إن املعلم هو حجر الزاوية يف العملية التعليمية‪ ،‬وهو حامل‬ ‫القيم ومو�صلها �إىل الأجيال ‪ .‬فاملعلمون يحتلون مكان ال�صدارة‬ ‫بني القوى امل �ؤثرة على النا�شئني ويف بناء القيم والأفكار ‪ .‬وال‬ ‫�شك �أن املعلم ال يكون حام ًال للقيم ومن�شئ ًا تالميذه عليها ما مل‬ ‫يكن قدوة للمتعلمني يف �سلوكه‪.‬‬ ‫وهنا تربز �أهمية القدوة يف الرتبية ‪ ،‬وللمعلم دور كبري يف غر�س‬ ‫القيم والأفكار ‪ ،‬وتعزيزها بني الطالب �إنه ت�أثري �إن�سان يف �إن�سان‪،‬‬ ‫مبا ميلكه من �سلطة ت�سمح ب�إحداث التغيري يف �سلوك الطالب ‪.‬‬ ‫(فالقدوة هي من �أرقى الأ�ساليب الرتبوية ‪ ،‬ومن �أجنح الو�سائل‬ ‫امل �ؤثرة يف �إع ��داد النا�شئني خلقي ًا‪ ،‬ونف�سي ًا ‪،‬واجتماعي ًا ‪ .‬ذلك‬ ‫�أن القدوة هي الواقع احلي امللمو�س الذي يدعو �إىل االمتثال‬ ‫بالعمل قبل القول وبالتايل ف �إن الرتبية بالقدوة العملية �أبلغ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫و�أكرث ت�أثري ًا من الرتبية النظرية)‬ ‫فالطفل و�إن كان ال يدرك ( ما ندركـــه نحن الكبار من معنى‬ ‫القيم واملبادئ‪ ،‬ولكنه بطريقة ما ين�شئ يف نفــ�سه قاعدة تنبني‬ ‫عليها تلك املبادئ يف امل�ستقبل ف�إذا كانت القاعدة م�ضطربة‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫ومعوجة‪ ،‬فلي�س لنا �أن ن�أمل �أن تكون القيم واملبادئ �سليمة)‬

‫رابع ًا ‪:‬اجلامعـــات‪.‬‬

‫تعد اجلامعة من امل �ؤ�س�سات الرتبوية التي ت�سهم يف تعزيز‬ ‫منظومة القيم؛ �إذ �أن الهدف الأ�سا�سي من اجلامعات هو تن�شئة‬ ‫مواطنني م �ؤمنني باهلل منتمني لوطنهم ولعروبتهم‪ ،‬متحلني بروح‬ ‫امل� س�ؤولية مطلعني على تراث �أمتهم وح�ضارتهم‪ ،‬معتزين بها‪،‬‬ ‫متابعني لق�ضاياه الإن�سانية وقيمها وتطورها ( وزارة التعليم‬ ‫‪ )2012‬وهذه الوظائف التي تقوم بها اجلامعة تعمل على �إ�شباع‬ ‫رغبات الطلبة الفكرية‪ ،‬والعلمية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‪،‬‬ ‫وتعمل على م�ساعدتهم وتكيفهم مع التطورات احلا�صلة من‬ ‫جمتمعهم‪ ،‬وت�سهم يف تعاملهم مع الآخ��ري��ن يف بناء عالقات‬ ‫اجتماعية متطورة تخ�ضع للتفكري العقالين ل لإن�سان‪ ،‬كما �أن‬ ‫للجامعات الدور الكبري يف توجيه عقول ال�شباب لاللتزام بالقيم‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وتقوية م�شاعر االنتماء والفخر بالوطن والأم ��ة‬ ‫ومورثوها الثقايف واحل�ضاري‪ .‬وعلى اجلامعة تنمية مهارات‬ ‫طلبتها بكافة م�ستوياتهم وجعلهم �أع�ضاء فاعلني يف املجتمع‪.‬‬ ‫�إن تدري�س الطلبة يف اجلامعات الأردنية والعربية ي�ستلزم‬ ‫غر�س قيم املحبة‪ ،‬وال�صدق‪ ،‬والت�سامح‪ ،‬واحرتام الر�أي‪ ،‬والر�أي‬ ‫الآخر‪ ،‬والعدل والتعاون‪ ،‬وااللتزام بالأنظمة والقوانني‪ ،‬واالعتماد‬ ‫على النف�س والثقة بها واالبتعاد عن االتكالية واال�ستقاللية يف‬ ‫الر�أي وحب البحث العلمي‪.‬‬

‫خام�س ًا ‪ :‬النـوادي �أو الأندية ‪.‬‬

‫ً‬ ‫ثقافية‪،‬‬ ‫وهي م �ؤ�س�سات اجتماعية تربوية تكون يف الغالب (‬ ‫ً‬ ‫ريا�ضية ‪� ،‬أو اجتماعية ) ‪ .‬وقد ك ثرُ انت�شارها يف املجتمعات‬ ‫�أو‬ ‫فئـة من النا�س‬ ‫املعا�صرة‪ .‬و ُت عد �أماكن يلتقي فيها الإن�سان مع ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الذين يجمعهم ه ٌ‬ ‫م�شرتكة ؛ حيث‬ ‫م�صلحة‬ ‫��دف م�شرتك ‪� ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫اجتماعية ُيقبل عليها الأفراد‬ ‫حلياة‬ ‫هائلة‬ ‫إمكانات‬ ‫�إنها ُت قدم �‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫باختيارهم وطواعيتهم ‪ ،‬ليتمتعوا يف رفقة زمالئهم و�أقرانهم‬ ‫ٌ‬ ‫متعددة ملمار�سة‬ ‫فر�ص‬ ‫بج ٍو من امل��رح والعمل ‪ .‬ويف الأن��دي��ة‬ ‫ٌ‬ ‫العالقات االجتماعية مع الآخرين ‪.‬‬ ‫الريا�ضات املف�ضلة ‪ ،‬وتكوين‬ ‫ٍ‬ ‫وتزداد �أهمية الأندية يف التن�شئة االجتماعية – كما ُي�شري �إىل‬ ‫ذلك بع�ض الباحثني ‪ -‬مع زيادة عجز الأُ�سرة عن توفيـر الفر�ص‬ ‫الكافية واملنا�سبة ملمار�سة الن�شاطات الريا�ضية ‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬ ‫والثقافية املختلفة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ومتنوعة تبع ًا مل�ستوى‬ ‫خمتلفة‬ ‫وللنوادي ( الأن ��دي��ة ) �صو ٌر‬ ‫وع��ي وثقافة املجتمع وظ��روف��ه املختلفة ؛ فمن ال��ن��وادي ما‬ ‫يكون خم�ص�ص ًا للريا�ضة البدنية وممار�سة �ألعابها ون�شاطاتها‬ ‫املختلفة‪ ،‬ومنها ما يكون خم�ص�ص ًا للعناية باجلوانب الثقافية‬ ‫اجتماعي‬ ‫والأن�شطة الأدبية والفعاليات الفكرية ‪ ،‬ومنها ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫يهتم بخدمة املجتمع وتلبية احتياجات �أفراده ‪� .‬إال �أنها ت�شرتك‬ ‫ً‬ ‫هامة يف بناء �شخ�صية الإن�سان ‪ ،‬وحتديد‬ ‫جميع ًا يف �أن لها �آثار ًا‬ ‫اجتاهاته ‪ ،‬وتكوين ثقافته وفكره ‪ ،‬ال �سيما يف فرتة ال�شباب من‬ ‫العمر التي ُيكرث الإن�سان خاللها من توا�صله مع هذه امل �ؤ�س�سات‬ ‫ب�صورة �أو ب�أُخرى ‪ .‬كما �أن من �آثارها الإيجابية �شغلها لأوقات‬ ‫ٍ‬ ‫الفراغ عند الإن�سان مبا يعود عليه بالنفع والفائدة ‪.‬‬

‫ولي�س هناك من �شك يف �أن الرتبية الإ�سالمية ُت عنى بالنوادي على‬ ‫تربوية لها �أثر بار ٌز ودو ٌر‬ ‫اجتماعية‬ ‫ؤ�س�سات‬ ‫اختالف �أنواعها؛ لكونها م �‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫فاعل يف تربية الإن�سان امل�سلم وحتديد معامل �شخ�صيته؛ وحتر�ص‬ ‫فعاليات متنوعة‬ ‫أن�شطة و‬ ‫على �أن ُتخ�ضع هذه النوادي وما فيها من �‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ل لإ�شراف املُ �ستمر الواعي ‪ ،‬والتوجيه ال�صحيح املن�ضبط الذي يتالءم‬ ‫حال مع‬ ‫ويتوافق مع مبادئ الدين الإ�سالمي احلنيف‪ ،‬وال يتعار�ض ب�أي ٍ‬ ‫تعاليمه وتوجيهاته يف خمتلف املجاالت وامليادين احلياتية ‪.‬‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫�ساد�س ًا ‪ :‬املكتبات العامة‪.‬‬

‫وه��ي �أم��اك��ن خا�صة تتوافر فيها ال ُك تب ‪ ،‬وامل��راج��ع ‪ ،‬وامل��واد‬ ‫املطبوعة �أو غ�ير املطبوعة التي ُت ��ق��دِّم ع���دد ًا م��ن اخلدمات‬ ‫التعليمية ‪ ،‬والتثقيفية ‪ ،‬والإعالمية ‪ ،‬والتوعوية الالزمة‬ ‫لأفراد املجتمع ‪ .‬وعاد ًة ما تكون هذه املكتبات حتت �إ�شراف بع�ض‬ ‫ً‬ ‫لحقة ببع�ض امل �ؤ�س�سات‬ ‫اجلهات الر�سمية ‪ .‬كما �أنها قد تكون ُم‬ ‫االجتماعية كامل �ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية ‪ ،‬واجل��وام��ع ‪،‬‬ ‫والنوادي ‪ ،‬وبع�ض املرافق االجتماعية الأُخرى ‪ .‬وقد تكون بع�ض‬ ‫ً‬ ‫خا�صة ببع�ض الأفراد ‪.‬‬ ‫املكتبات‬ ‫وي�أتي من �أبرز مهام املكتبات ت�سهيل مهمة الإطالع والقراءة على‬ ‫القراء وط�لاب العلم ‪ ،‬ومتكني الباحثني والدار�سني من القيام‬ ‫مبهمة البحث والدرا�سة ب�أنف�سهم من خالل املكتبات بالعودة �إىل‬ ‫امل�صادر واملراجع العلمية والأدبية ونحوها ؛ حيث تقوم املكتبات‬ ‫بتوفري �أه��م امل �ؤلفات واملُ �صنفات فيها لتكون بني يدي القراء‬ ‫والباحثني عند الرغبة يف العودة �إليها ‪.‬‬ ‫كما �أن من �أبرز مهام املكتبات تي�سري �سبل الإطالع على حمتوياتها‬ ‫من خالل نظام الإعارة اخلارجية‪ ،‬للراغبني يف ذلك من روادها �أو‬ ‫غريهم من �أفراد املجتمع ‪ .‬وللمكتبات العديد من املنا�شط التي‬ ‫ُت �سهم من خاللها يف ن�شر الثقافة واملعرفة ‪ ،‬وخدمة الق�ضايا‬ ‫الرتبوية‪ ،‬والتعليمية‪ ،‬واالجتماعية ونحوها ‪ .‬ولعل من �أبرز هذه‬ ‫املنا�شط والإ�سهامات تنظيم امل�سابقات الثقافية ‪ ،‬وعقد الدورات‬ ‫التدريبية ‪،‬و�إقامة املحا�ضرات‪ ،‬والندوات املتنوعة ‪،‬وتنظيم‬ ‫معار�ض الكتاب ‪ ،‬ونحو ذلك من الن�شاطات املختلفة ‪.‬‬

‫�سابع ًا ‪ :‬و�سائل الإعالم‪.‬‬

‫من العوامل امل �ؤثرة يف تنمية القيم الإ�سالمية و�سائل الإعالم‬ ‫املرئية وامل��ق��روءة وامل�سموعة فما يقدمه التلفاز من برامج‬ ‫متعددة‪ ،‬وم��ا تقدمه ال�صحف واملجالت والكتب‪ ،‬وم��ا تقدمه‬ ‫الإذاعة امل�سموعة من برامج ومو�ضوعات ‪ ،‬كل ذلك ميكن �أن يكون‬ ‫و�سيلة لغر�س القيم الإ�سالمية؛ �إذا ا�ستغل اال�ستغالل الأمثل‬ ‫وخطط له التخطيط ال�سليم ‪( ،‬ذلك �أن خطورة و�أهمية و�سائل‬ ‫الإع�لام يف تنمية القيم الإ�سالمية املعربة عن حركة املجتمع‬ ‫الإ�سالمي وا�ضحة‪ ،‬فهي تقوم بدور رائد وفعال يف هذا املجال)‬ ‫(‪ )2‬فو�سائل الإع�لام �صارت فاعليتها �أكرث بعد دخول التلفاز‬ ‫والفيديو معظم البيوت‪� .‬إذ �أنها ت�شرك �أكرث احلوا�س يف عر�ضها‬ ‫امل�شوق فيتفاعل امل�شاهد معها �صعود ًا وهبوط ًا‪ ،‬وتبني القيم يف‬ ‫داخلها على �أ�سا�سها‪.‬‬ ‫�إذن فو�سائل الإعالم من راديو ‪ ،‬وفيديو‪ ،‬وتلفاز كلها حمايدة فهي‬ ‫لي�ست �شريرة �أو خرية يف حد ذاتها ‪ ،‬ولكن طريقة ا�ستعمالها بل‬ ‫املحتوى الذي تقدمه هو الذي يجعلها بناءة �أو هدامة للقيم‪.‬‬ ‫ومن ثم يجب على خمططي حمتوى و�سائل الإعالم امل�سموعة‬

‫‪55‬‬


‫م‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫واملقروءة واملرئية انتقاء القيم الإ�سالمية دون �سواها من القيم‬ ‫النافية ل لإ�سالم ‪.‬‬ ‫فليقف امل�شرفون على �إعداد الربامج كثري ًا عند كل ما تبثه هذه‬ ‫الو�سائل ‪ ،‬وليتفكروا يف نتائجها ‪ .‬ف�إن ما يعر�ضونه م�سئولية‬ ‫كبرية وخا�صة بعد �أن �أ�صبحنا نتلقى ال�سيل اجلارف من البث‬ ‫التلفازي العاملي ليل نهار ‪.‬‬ ‫و�إذا كان التلفاز يقوم بدور فعال يف بناء القيم الإ�سالمية �إذا ما‬ ‫ا�ستغل ا�ستغال ًال هادف ًا ‪ ،‬ف�إن املطبوعات والكتب تلعب دور ًا كبري ًا‬ ‫يف غر�س القيم الإ�سالمية؛ ذلك �أن الكلمة املقروءة ال تزال حتى‬ ‫اليوم لها دورها يف بذرة القيم وتر�سيخها يف الإن�سان‪.‬‬ ‫ولل�صحافة املدر�سية دور كبري يف تر�سيخ القيم الإ�سالمية؛ ذلك‬ ‫�أن من �أهم واجبات ال�صحافة املدر�سية ومن �أبرز م�سئولياتها‬ ‫االجتماعية هي ‪ :‬عملية تر�سيخ القيم لدى التالميذ يف املدار�س‪،‬‬ ‫منذ حداثة �سنهم ‪�( .‬إذ �إن التلميذ يف هذه املرحلة العمرية التي‬ ‫تبد�أ باملرحلة االبتدائية‪ ،‬وتنتهي باملرحلة الثانوية غالب ًا ما‬ ‫يكون �أكرث ا�ستعداد ًا للتقبل وتلقي املعلومات والت �أثر بها ‪ ،‬وهذا‬ ‫يربز �أهمية الدور الذي ميكن �أن تقوم به ال�صحافة املدر�سية‬ ‫يف حياة التالميذ‪ ،‬وخا�صة يف جمال تر�سيخ القيم الدينية‪،‬‬ ‫واالجتماعية باعتبارها من �أهم الأ�شياء التي يجب تر�سيخها‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وتثبيتها لدى التالميذ)‬ ‫وخال�صة ال��ق��ول �إن لو�سائل الإع�ل�ام دور ًا يف تر�سيخ القيم‬ ‫الإ�سالمية ل��دى النا�شئة ‪ ،‬وال��ع�برة بت�سخري ه��ذه الو�سائل‬ ‫االت�صالية احلديثة من �أج��ل تر�سيخ القيم الإ�سالمية لدى‬ ‫املتعلمني‪ ،‬وعند اختيار حمتوى من حمتويات و�سائل االت�صال‬ ‫املتعددة؛ ينبغي الرتكيز على �أن ما يقدم �أن يطابق ثقافة‬ ‫املجتمع الإ�سالمي ‪.‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬جماعة الرفاق‪.‬‬

‫الإن�سان بطبعه ميال �إىل االختالط بغريه من بني جن�سه ‪ ،‬وال‬ ‫�شك �أن��ه عندما يختلط بغريه يتفاعل تفاع ًال اجتماعي ًا مع‬ ‫من يعا�شر ‪ ،‬وجماعة الأق��ران هي ‪ :‬جماعة اجتماعية ي�شبع‬ ‫فها الطفل دوافعه االجتماعية الأوىل فبمرور الأي��ام (وتقدم‬ ‫عمر الطفل تتحول ميوله من الأ�سرة �إىل االلتحاق بجماعة‬ ‫ال��رف��اق على �أ�سا�س من تقارب ال�سن ‪ .‬فجماعة الأق���ران �أو‬ ‫الرفاق جماعة طبيعية تن� ش�أ من اختالط الأطفال ببع�ضهم يف‬ ‫�إطار العائالت �أو احلي �أو ال�شارع الذي ي�سكنون فيه ‪ .‬والنا�شئ‬ ‫بنزعته اال�ستقاللية ليندمج يف هذه اجلماعة ‪ ،‬وي �ؤدي به الأمر‬ ‫�إىل جماراة ما ي�سود بينهم من قيم ومعايري)(‪. ) 1‬‬ ‫جماعة الأق��ران هي جماعة م �ؤثرة يف �سلوك الطفل ‪،‬وقيمه‬ ‫ومعايريه فه �ؤالء الأقران ي�ألفهم املرء ‪ ،‬فيحادثهم ويعي�ش معهم‪،‬‬

‫‪56‬‬

‫ويبثهم �أحالمه و�آماله ‪ ،‬وي�أخذ منهم ويعطيهم ويبادلهم الود‪،‬‬ ‫ويتعاون معهم يف ال�سراء وال�ضراء‪ ،‬وه ���ؤالء الأ�صدقاء يثبتون‬ ‫قيم ًا ويغريون �أخرى يف نفو�س من ي�صحبهم ‪.‬‬ ‫واعتبار الأقران عام ًال م �ؤثر ًا يف تنمية القيم الإ�سالمية يوجب‬ ‫على الأ�سرة امل�سلمة تخري الأق��ران الذين يلعب معهم الطفل‬ ‫ويق�ضي معهم بع�ض وقته ‪.‬‬ ‫اخلامتة والتو�صيات ‪�.‬إن املفهوم احلديث للمنهج املدر�سي ‪،‬‬ ‫يعني اخلربات الرتبوية التي تتيحها املدر�سة لتالميذها‪ ،‬داخل‬ ‫حدودها �أو خارجها ‪ ،‬بغية م�ساعدتهم على منو �شخ�صياتهم‬ ‫منو ًا يت�سق مع الأهداف الرتبوية اال�سرتاتيجية ‪.‬‬ ‫والهدف الأ�سا�سي لأي تربية �إ�سالمية هو تر�سيخ العقيدة‬ ‫الإ�سالمية يف نفو�س مواطنيها‪،‬وتنمية القيم الإ�سالمية لديهم ‪.‬‬ ‫ولكي حتقق املدر�سة هذا الهدف و�أهدافها الأخرى‪،‬ال بد �أن متد‬ ‫حبل ال�صلة بينها وبني الو�سائط الرتبوية الأخرى املذكورة يف‬ ‫البحث ‪.‬واخلطورة تكمن يف �أن القيم الإ�سالمية التي يكت�سبها‬ ‫املتعلم يف املدر�سة �أو يف اجلامعة ميكنه ب�سهولة �أن يفقدها بعد‬ ‫ات�صاله ب�إحدى هذه الو�سائط‪ ،‬وذلك �إذا مل تكن ر�سالة املدر�سة‬ ‫�أو اجلامعة متناغمة مع بقية الو�سائط الأخرى‪.‬‬ ‫وعليه يو�صي الباحث فيما يتعلق ببحثه بالتو�صيات االتية ‪:‬‬ ‫‪� -1‬إع���داد ا�ساتذة للجامعات وامل��دار���س �أكفياء ق��ادري��ن على‬ ‫حمل ر�سالة الرتبية الإ�سالمية ‪ ،‬وغر�س القيم الإ�سالمية يف‬ ‫�سلوك املتعلمني وتب�صري �أولياء الأمور بدور القيم الإ�سالمية يف‬ ‫حماية �أبنائهم �ضد كثري من الأمرا�ض ‪ ،‬واالنحرافات ال�سلوكية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقوية العالقة بني املدر�سة وامل�سجد ليعمال يف تناغم‬ ‫م�ستمر‪.‬‬ ‫‪ -3‬ال�سيطرة على و�سائل االع�لام و�أال تقدم �إال ما يتوافق مع‬ ‫ثقافة املجتمع الإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪ -4‬على الآباء والأمهات �أن يتخريوا الأقران الذين يلعب معهم‬ ‫�أطفالهم‪.‬‬ ‫املراجع‪:‬‬ ‫‪� - 1‬أحمد اخلمي�سي ‪:‬نظرات يف غر�س القيم ‪ ،‬جملة الفي�صل ‪ ،‬العدد ‪ ،323‬مار�س ‪1996‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬بريكان بركي القر�شي ‪ :‬القدوة ودوره��ا يف تربية الن�شء ‪ ،‬املكتبة الفي�صلية ‪ ،‬مكة‬ ‫املكرمة ‪ ،‬ط‪1984 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪� -3‬سمرية �أحمد ال�سيد‪ :‬علم اجتماع الرتبية ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪1،1993‬م‪.‬‬ ‫‪� -4‬سيف الإ�سالم علي مطر ‪ :‬التغيري االجتماعي ‪ ،‬درا�سة حتليلية من منظور الرتبية‬ ‫الإ�سالمية ‪ ،‬دار الوفاء ‪ ،‬للطباعة والن�شر ‪ ،‬ط‪1986، 1‬م‪.‬‬ ‫‪� -5‬صالح علي ابو عراد ‪ :‬مقدمة يف الرتبية اال�سالمية ‪ ،‬دار ال�صولتية ‪ ،‬الريا�ض ‪1424 ،‬هـ‬ ‫‪ -6‬عبد الرزاق نوفل ‪ :‬حممد ر�سو ًال نبي ًا ‪ :‬م�ؤ�س�سة املطبوعات احلديثة ‪ ،‬ط‪1961 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ - 7‬عبد الوهاب كحيل ‪ :‬امل�سئولية االجتماعية لل�صحافة املدر�سية ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪،‬‬ ‫القاهرة ‪ ،‬ط‪1992 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ - 8‬علي خليل م�صطفى �أبو العينني ‪ :‬منهجية البحث يف الرتبية الإ�سالمية ‪ ،‬جملة ر�سالة‬ ‫اخلليج العربي ‪ ،‬العدد ‪ ،24‬ال�سنة الثامنة ‪.1988 ،‬‬ ‫‪ - 9‬حممد قطب‪ :‬منهج الرتبية الإ�سالمية ‪ ،‬ج‪ ،2‬دار ال�شروق ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ط‪1981 ،2‬م‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫د‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫إ‬ ‫سالمية‬

‫تأمالت إدارية‬

‫في سورة يوسف‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫اجلزء الأول‬ ‫وال�صالة وال�سالم على حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم ت�سليماً‬ ‫كثري ًا؛ �أما بعد‪:‬ـ‬ ‫يتبادر للبع�ض عند قراءتهم ل�سورة يو�سف‪ -‬عليه ال�سالم‪� -‬أنها‬ ‫فقط عر�ضت لق�صة يو�سف مع �إخوته‪،‬من باب الت�سلية واملوا�ساة‬ ‫للر�سول ‪-‬عليه ال�سالم‪ -‬وتثبيت قلبه‪ ،‬وملوافقة الكتب ال�سابقة؛‬ ‫و�إن نظرت يف كتب التف�سري وجدت الكثري منها يلج�أ �إىل التوراة‬ ‫وكتب بني �إ�سرائيل الأخرى لزيادة معلوماتهم و�شرحهم للآيات ‪.‬‬ ‫ولو ا�ستمعت لعامة النا�س و�س�ألتهم عن �سورة يو�سف‪ ،‬لوجدت‬ ‫�أغلب تركيز العامة على تناول افتتان ام��ر�أة العزيز بيو�سف‪،‬‬ ‫وحفظهم لبع�ض �أجزاء من الآيات دون غريها‪،‬حتى �أ�صبحت تلك‬ ‫املقاطع �أمثال �سائرة كقوله‪ ( :‬وهمت به وهم بها) ( و�شهد �شاهد‬ ‫من �أهلها)‪.‬‬ ‫وقد جتد البع�ض مفتون ًا بتعبري الر�ؤيا والأحالم‪ ،‬فيتخذ ال�سورة‬ ‫�شاهد ًا على �صحة ما يقوله املعربون‪ ،‬ويظنون ذلك الأم��ر من‬ ‫�أعظم �أهداف ال�سورة‪ ،‬و�أ�سباب نزولها ؛ فتعبري ر�ؤيا يو�سف ‪ ،‬ثم‬ ‫ر�ؤيا �ساقي وخباز امللك ‪ ،‬ثم تعبري ر�ؤيا امللك ‪ ،‬كلها دليل على �صحة‬ ‫ما ذهبوا �إليه‪.‬‬ ‫وعلى كل فما ذهبوا �إليه �صحيح ‪ ،‬فال�سورة من القر�آن لها �أهداف‬ ‫عدة‪ ،‬فهي خري لكل من �أراد �أن ي�ستنبط منها �أمر ًا �أ�شارت �إليه‪،‬‬ ‫فمثلها كالزيتونة ظلها خري وزيتها خري ‪،‬وله منافع عدة ‪ ،‬وخ�شبها‬ ‫كله خري وله فوائد كثرية ‪...‬الخ‪.‬‬ ‫وعند قراءتي ل�سورة يو�سف ‪ ،‬وتدري�سها على بع�ض طالبي يف مادة‬ ‫للتف�سري التحليلي‪ ،‬وحماولتي حتليل �آياتها‪،‬وا�ستنباط كيفية وقوع‬ ‫تلك الأحداث‪ ،‬وعند النظر والبحث والتحليل للن�ص القر�آين من‬ ‫زوايا عدة‪�،‬سيا�سية‪ ،‬و�أمنية‪ ،‬واقت�صادية‪ ،‬واجتماعية ‪...‬الخ ‪،‬‬ ‫وجدت �أنها حتمل يف ثناياها الكثري من املبادئ العامة يف ال�سيا�سة‬ ‫والإدارة ‪ ،‬وكيفية �إدارة املجتمعات الب�شرية‪ ،‬فحاولت جهدي‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫د‪� .‬سليمان ح�سن الرطروط‬

‫ا�ستجالء بع�ضها ‪ ،‬وكلما انتهيت من ا�ستنباط مبد�أ �أو قاعدة‪،‬‬ ‫علي الفوائد‪ ،‬وقد‬ ‫ا�ستح�ضرت لقلبي فائدة �أخرى ؛حيث تواردت ّ‬ ‫ولكن �ضعفت‬ ‫عزمت على كتابة تف�سري حتليلي لل�سورة املباركة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الهمة‪ ،‬و�شغل الف�ؤاد‪ ،‬وتزاحمت الأعمال‪ ،‬و�سوفت الأمر ‪ ،‬حتى مر‬ ‫زمن طويل على ذلك‪،‬فكلما بادرت تكا�سلت و�أ�صابني العجز‪.‬‬ ‫ثم بعد فرتة من الزمن تاقت نف�سي للكتابة حول ال�سورة ‪ ،‬فوجدت‬ ‫�أن ال�سورة قد مت تف�سريها يف كل كتب التف�سري‪،‬وبع�ضهم �أفردها‬ ‫بالتف�سري‪ ،‬وبع�ضهم قارن مابني ق�صة يو�سف يف القر�آن وق�صته يف‬ ‫كتب الديانات الأخرى ‪.‬‬ ‫وحتى ال يكون ما �أعر�ضه من التف�سري مكرر ًا ‪،‬فتقل فائدته‪ ،‬وال‬ ‫ي�أتي بجديد‪� ،‬أحببت حماولة �إبراز ق�ضايا م�ستنبطة من ال�سورة مل‬ ‫تناق�ش ب�شكل مو�سع من قبل ـ على حد علمي القا�صر مع �أن البع�ض‬ ‫قد �أ�شار لبع�ض تلك اللفتات ـ ‪ ،‬حماو ًال طرح �أفكار وا�ستنباطات‬ ‫جديدة‪،‬تتعلق باملبادئ والقواعد الإدارية وال�سيا�سية التي تلفت‬ ‫ال�سورة النظر �إليها‪ ،‬وهي حماولة مني لفهم وعر�ض بع�ض �أهداف‬ ‫ال�سورة الكرمية‪.‬‬ ‫ففي قناعتي �أن م��ن �أه���داف ���س��ورة يو�سف الرئي�سية تربية‬ ‫اجلماعة امل�ؤمنة امل�ست�ضعفة على القيادة واحلكم ‪ ،‬وتعليمها‬ ‫مبادئ ال�سيا�سة والإدارة وذلك من خالل الق�صة التي تعر�ضها‬ ‫حلياة نبي من الأنبياء ولكن ب�صورة م�شوقة‪ ،‬و�سرد حمكم‪ ،‬و�إبراز‬ ‫مواقف خمتلفة للحكم وما يعرت�ضه من م�شاكل‪ ،‬ابتداء من قيادة‬ ‫املجموعة ال�صغرية على م�ستوى املجتمع وهي الأ�سرة‪� ،‬إىل قيادة‬ ‫جمتمع كبري يت�شكل من مدن وقرى عدة لي�ؤلف منها دولة ذات‬ ‫�سيادة‪ ،‬ول��ذا فال�سورة تتعر�ض ل�صور ع��دة‪ ،‬و�أمن��اط متباينة ‪،‬‬ ‫�سواء �أكانت �إدارية �أم �سيا�سية‪ ،‬وتبينّ كيفية‬ ‫ومواقف خمتلفة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ت�صرف القائد معها‪ ،‬وما النتيجة التي حدثت ملثل ذلك الت�صرف‪.‬‬ ‫وتعر�ض كذلك ل�صور من الدهاء والتخطيط ‪ ،‬منه املحرم وغري‬

‫‪57‬‬


‫د‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫إ‬ ‫سالمية‬ ‫ال�شرعي كتخطيط �إخوة يو�سف وزوجة العزيز‪ ،‬واملت�آمرون على‬ ‫امللك‪ ،‬وت�شري لنوع �آخر م�شروع وهدفه نبيل كتخطيط يو�سف يف‬ ‫كيفية �إح�ضاره لأخيه وا�ستبقائه عنده‪.‬‬ ‫كما تعر�ض ال�سورة لأمور وق�ضايا وم�شاكل لي�ست من طبيعة حياة‬ ‫العرب‪ ،‬ولي�ست مما تعي�شه جمتمعاتهم‪،‬م�ست�شرفة بذلك امل�ستقبل‬ ‫الذي ينتظر تلك الثلة امل�ؤمنة‪ ،‬ولذا تبد�أ يف تعليمها وتدريبها‬ ‫النظري على ق�ضايا احلكم يف املجتمعات املدنية‪ ،‬وتعر�ض عليها‬ ‫بع�ض م�شكالت تلك املجتمعات املدنية‪ ،‬الكبرية التي تعتمد على‬ ‫قوانني مدنية وعالقات خمتلفة‪ ،‬وتنظيم جمتمعي ال يعتمد على‬ ‫القبيلة والع�شرية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهذه الق�ضايا املدن ّية مل تكن معروفة لديهم كعرب ؛ فمثال ال�سجن‬ ‫وقوانينه و�أحواله و�أنظمته ‪...‬الخ‪ ،‬تلك بحاجة �إىل تخ�ص�ص‪،‬‬ ‫فالعرب كانوا �إذا ا�سروا �شخ�ص ًا ما ‪ ،‬حب�سوه يف دار �أحدهم ‪ ،‬وهو‬ ‫م�سئول عنه من حيث احلرا�سة النوم والطعام وال�شراب ‪...‬الخ ومل‬ ‫يعرفوا ال�سجون �إال يف عهد عمر ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬ومل يكن لديهم‬ ‫تنظيم �سيا�سي متمثل يف دولة واحدة يحكمها ملك ولديه رئي�س‬ ‫وزراء ووزراء وقادة للأمن وال�شرط‪ ،‬و�أنظمة �إدارية واقت�صادية‬ ‫وطبقة حاكمة‪...‬الخ‪.‬‬ ‫وك�أن ال�سورة تهي�ؤهم للمرحلة املقبلة لإدارة دولة امتدت خالل‬ ‫خم�س وع�شرين �سنة من �أق�صى فار�س �شرق ًا ملا بعد م�صر غرب ًا‪،‬‬ ‫ومن حدود بالد الروم �شما ًال حلدود البحر احلمر وخليج عدن‬ ‫جنوب ًا‪� ،‬إنها بال �أدنى �شك م�ساحة �شا�سعة من الأر�ض ‪،‬متناهية‬ ‫احلجم ‪ ،‬حتتاج لإدارة عالية الكفاءة واخلربة يف وقتنا احلا�ضر‪،‬‬ ‫رغ��م �سهولة املوا�صالت‪ ،‬وي�سر االت�صاالت‪ ،‬فما بالك بها قبل‬ ‫‪ 1400‬ع���ام!!! وبالإ�ضافة للم�ساحة ال�شا�سعة والت�ضاري�س‬ ‫املختلفة‪،‬هنالك �أي�ض ًا تباين يف �ألوان الطق�س واملناخ‪ ،‬وتنوع يف‬ ‫اللغات واللهجات‪،‬وقد يكون هنالك ت�ضارب وتنافر يف العادات‬ ‫والتقاليد‪� ،‬إال �أن تلك الدولة الوليدة قد ه�صرت وجمعت يف‬ ‫رحمها �أنظمة وقوانني كل تلك الأقاليم‪ ،‬فمن دولة فار�س والروم‬ ‫ودولة القبط‪،‬على الرغم من تنوع لغاتهم وم�شاربهم و�أجنا�س‬ ‫وثقافتهم و�أنظمتهم‪� ،‬إال �أنهم قد �أ�صبحوا من خرية �أفراد الدولة‬ ‫اجلديدة‪ ،‬ولذا فقد وجدنا لهذه الدولة الربانية �إدارة و�سيا�سة‬ ‫عالية الكفاءة واملهارة‪ ،‬ا�ستطاعت بكل مهارة واقتدار �صياغة كل‬ ‫ذلك يف �أمة ودولة جديدة �أ�ستمر وجودها حتى الوقت احلا�ضر‪.‬‬ ‫ولذا ن�ستطيع �أن نفهم هدف نزول ال�سورة قبل الهجرة ‪ ،‬ويف العهد‬ ‫املكي بكامل �آياتها _ وال عربة للقول �إن بع�ض �آياتها مدنية يف‬ ‫قول جمهور املف�سرين _ ( انظر تف�سري الألو�سي ج ‪� 12‬ص ‪ ،17‬يف‬ ‫ظالل القر�آن ج ‪� 4‬ص ‪ ،) 659‬لرتبية وتهيئة تلك اجلماعة امل�ؤمنة‬ ‫للدور امل�ستقبلي الذي يراد لها‪ ،‬فم�صر وفل�سطني اللتان �أ�شارت لهما‬

‫‪58‬‬

‫ال�سورة �ستكونان وحدتني و�إقليمني من �أقاليم تلك الدولة‪.‬‬ ‫والناظر لتلك الإ�شارات التي تعترب قواعد يف ال�سيا�سة و�إدارة‬ ‫احل��ك��م‪ ،‬ي��رى �أن��ه��ا ق��واع��د �إداري����ة ع��ام��ة ت�ستخدم للجماعة‬ ‫الإن�سانية‪� ،‬أي ًا كان لونها �أو دينها �أو زمان تواجدها �أو مكانه‪.‬‬ ‫وملا كان الق�ص�ص القر�آين له �أه��داف عدة ؛ ومن بينها تربية‬ ‫وتعليم اجلماعة امل�ؤمنة امل�ست�ضعفة يف تلك الفرتة ملا �ست�ؤول �إليه‬ ‫من ا�ستالم مقاليد احلكم وال�سيا�سة ‪ ،‬و�إدارة النا�س ‪ ،‬كان تعليمهم‬ ‫تلك الأ�صول �أمر ًا حمتم ًا‪.‬‬ ‫و�سوف ابذل جهدي ال�ستنباط الإ�شارات ال�سيا�سية والإدارية يف‬ ‫�سورة يو�سف ـ عليه ال�سالم ـ ثم �شرحها‪ ،‬حيث �أ�شار اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل لتلك املبادئ والقواعد والأنظمة ال�سيا�سية والإدارية‪،‬‬ ‫لي�س على �أنها الكمال ‪ ،‬بل على �أن حياة النا�س ال تقوم �إال بها‪،‬‬ ‫وعلى �أن احلاكم والقائد على اختالف موقعه‪ ،‬واختالف زمانه‬ ‫البد �أن ي�أخذها ‪ ،‬ثم يطورها على ح�سب الزمان واملكان‪.‬‬ ‫ويذكر �سيد قطب �أن �سورة يو�سف نزلت بعد �سورة هود ويون�س ‪،‬‬ ‫و�أن تلك ال�سور نزلت بني عام احلزن وهو يف ال�سنة العا�شرة وبني‬ ‫بيعة العقبة الأوىل والثانية( انظر يف ظالل القر�آن ‪ /‬جملد‬ ‫‪� 4‬ص ‪ 659‬ط ال�سابعة‪1391،‬هـ _‪1971‬م دار �إحياء الرتاث‬ ‫‪،‬بريوت_ لبنان)‬ ‫وحتى ال يت�شتت ذهن ال�سامع واملتعلم لأ�صول ومبادئ احلكم‬ ‫وال�سيا�سة‪ ،‬وهي بال �شك مبادئ �صعبة وقواعد و�أنظمة معقدة‪،‬جاء‬ ‫عر�ض تلك املبادئ والأ�س�س من خالل ق�صة‪ ،‬ولذا جاءت ق�صة‬ ‫يو�سف كاملة يف �سورة واحدة ‪ ،‬ومل تذكر مقاطع متعددة يف �سور‬ ‫خمتلفة‪،‬كما هو احلال يف ق�ص�ص الأنبياء الآخرين‪ ،‬ويف هذا ما‬ ‫يدل على �أن الهدف من الق�صة هو‪ :‬تعليم اجلماعة امل�ؤمنة على‬ ‫�أحوال ومبادئ و�أ�س�س احلكم والإدارة جمتمعة يف �سورة واحدة‪،‬‬ ‫ويف ق�صة واح���دة‪ ،‬لنبي واح��د‪ .‬وم��ع �أنها عر�ضت ل�شخ�صيات‬ ‫متعددة‪ ،‬و�إال �أن اب��رز �شخ�صية كانت ليو�سف ‪-‬عليه ال�سالم‪-‬‬ ‫ليتعلم ال�سامع من املواقف التي مر بها قواعد ال�سيا�سة والإدارة‪.‬‬ ‫ولي�س مب�ستغرب ذلك يف القر�آن‪ ،‬فلقد جاء معجز ًا ومغاير ًا لكتب‬ ‫النا�س ‪ ،‬و�أ�سلوبه فريد ًا يف عر�ضه للمبادئ وب�سطه للحقائق‪ .‬لذا‬ ‫كان تناول تلك القواعد وال�سنن الإدارية وال�سيا�سية من خالل‬ ‫عر�ض ق�صة مف�صلة لنبي من �أنبياء اهلل ‪،‬تدرج يف مراحل عدة من‬ ‫�صبي مدلل لوالديه‪ ،‬لطفل مت الت�آمر عليه‪ ،‬حيث يباع كالعبيد‪،‬‬ ‫ل�شاب يف بيت رئي�س وزراء �أعظم دولة يف الإقليم يف تلك احلقبة‪،‬‬ ‫حيث يتعر�ض للرتبية والتعليم الالئق ب�أبناء تلك الطبقة‪ ،‬ثم‬ ‫تعر�ضه ملفا�سد ومغريات تلك الثلة‪ ،‬ثم تعر�ض للعنف وال�شدة‬ ‫و�أنواع من الت�آمر لتلك الفئة ـ فلكل فئة وطبقة من النا�س �أ�ساليبهاـ‬ ‫ثم عر�ضت الق�صة لد�سائ�س احلكم وانقالب بع�ض املقربني للملك‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫د‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫إ‬ ‫سالمية‬ ‫عليه‪ ،‬ثم عر�ضت همة امللوك و�سعيهم مل�صلحة الرعية‪...،‬الخ‬ ‫وتعر�ض ال�سورة كذلك لنموذج املجتمع البدوي( البدائي) حياة‬ ‫يو�سف و�إخوته‪ ،‬ثم تعر�ض حلياة املدينة وقوانينها و�أنظمتها‪،‬‬ ‫ولكنهما تتفقان على مبادئ متطابقة يف خطوطها العري�ضة‪،‬‬ ‫فال�سرقة حمرمة ‪ ،‬والزنا جرمية‪ ،‬والنف�س الب�شرية مع�صومة‬ ‫ال��دم؛ ول��ذا فالقتل بغري حق غري م�سموح به‪ ،‬والعلم والأمانة‬ ‫�أ�سا�س قوة الدولة وارتفاع �ش�أنها‪.‬‬ ‫ومن املبادئ الأ�سا�سية ال�ستمرار حياة النا�س وقيام دنياهم‪،‬‬ ‫وج��ود ق��ان��ون يحفظ حياتهم و�أع��را���ض��ه��م وممتلكاتهم ‪ ،‬ثم‬ ‫اتفاقهم على نظام يحكم جماعتهم‪ ،‬يرت�ضونه ويوافقون عليه‪،‬‬ ‫�أ�سا�سه العدل ‪ ،‬والنا�س �أمام القانون �سوا�سية ؛ لأن ذلك �أ�سا�س‬ ‫حكمها ‪ ،‬وعلة دوام املجتمعات الب�شرية ‪ ،‬ولبنة ا�ستمرار حكمها‪،‬‬ ‫وال�سبيل لر�ضا �شعبها‪.‬‬ ‫وم��ن لفتات ال�سورة �أنها ك��ررت مرتني قاعدة هامة يف بداية‬ ‫ال�سورة ونهايتها‪ ،‬ويف موقفني خمتلفني‪ ،‬ومن �شخ�صيتني بارزتني يف‬ ‫الق�صة يو�سف وهو الأكرث بروز ًا ويعقوب ‪ ،‬فقد قال يو�سف قبل‬ ‫بيانه لتعبري ر�ؤيا الغالمني ( �إِنِ الحْ ُ ك ُْم �إِ اَّل للِهَّ ِ �أَ َم َر �أَ اَّل َت ْع ُبدُ وا �إِ اَّل‬ ‫�إِ َّيا ُه(يو�سف ‪ )40‬واملراد باحلكم هنا الناحية الدنيوية والطاعة‬ ‫الإداري��ة ‪ ،‬وي�أتي كذلك على ل�سان يعقوب( َو َما �أُغْ ِني َعن ُكم ِّمنَ‬ ‫اللهَّ ِ ِمن َ�ش ْيءٍ ) (يو�سف ‪ )67‬مبعنى �أن احلكم يف الآخرة هلل وحده‬ ‫دون غريه‪ .‬وهنا تتكامل ال�صورة للحكم فيجب �أن يكون يف الدنيا‬ ‫هلل وح�سب �شرعه ومنهاجه‪ ،‬كما �سيكون يف الآخرة له وحده دون‬ ‫غريه‪( .‬انظر �سيد قطب ‪ /‬يف ظالل القر�آن ج ‪� 4‬ص ‪)690‬‬ ‫و�سوف �أح��اول م�ستعين ًا باهلل �سبحانه �أن �أب�ّي نّ تلك الإ�شارات‬ ‫بالتف�صيل قدر ا�ستطاعتي ‪ ،‬حيث �أثبت الآي��ة‪ ،‬ثم �أعر�ض ما‬ ‫�أ�شارت �إليه من قواعد ومبادئ يف الإدارة وال�سيا�سة‪.‬‬ ‫‪ .1‬قوله تعاىل‪َ ( ْ :‬يا �أَ َب ِت �إِنيِّ َر�أَ ْيتُ �أَ َحدَ َع َ�ش َر َك ْو َكب ًا َو َّ‬ ‫ال�ش ْم َ�س‬ ‫اج ِدينَ ) ‏يو�سف‏‪ 4:‬وال�سجود هنا ت�أويله‬ ‫َوا ْل َق َم َر َر�أَ ْي ُت ُه ْم ليِ َ�س ِ‬ ‫بالطاعة وال�سمع‪ ،‬وهي الأ�سا�س الأول والقاعدة الرئي�سية يف‬ ‫ن�ش�أة ال��دول وامل�ؤ�س�سات �سواء كانت �صغرية �أو كبرية‪ ،‬والعماد‬ ‫ال�ستمرار ودميومة و�س�ؤدد الدول واملجتمعات واجلماعات‪ ،‬على‬ ‫اختالف مكانها وزمانها‪ .‬ولذا بد�أت ال�سورة بالإ�شارة �إليه؛ فال‬ ‫جماعة وال رفعة دون ال�سمع والطاعة للقائد‪� ،‬أي ًا كان موقعه �أو‬ ‫م�سماه‪ ،‬ثم تنفيذ �أمره على ال�شكل الذي طلبه‪ ،‬ويف الوقت الذي‬ ‫حدده‪.‬‬ ‫وال ميكن لدولة ما مهما �صغر حجمها من االنتظام واال�ستمرار‪� ،‬إال‬ ‫بوجود قيادة لتلك الدولة ‪ ،‬تقوم على �إدارة ورعاية �ش�ؤونها‪ ،‬ومثل‬ ‫ذلك �أي�ض ًا اجلماعة �سواء كانت �صغرية كالأ�سرة والتي هي اللبنة‬ ‫الأوىل واملهمة يف بناء املجتمع‪� ،‬أم على امل�ستوى الأكرب كوجود‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫عدد من الأ�سر قد ت�شكل حي ًا �أو قرية �أو مدينة‪� ،‬أو جمموعة‬ ‫من الأف��راد تتكون منهم م�ؤ�س�سة خا�صة �أو عامة؛ كال�شركات‬ ‫وامل�ؤ�س�سات التجارية ‪� ،‬أو كالدوائر احلكومية ‪...‬الخ‪.‬‬ ‫فيجب على جميع الأفراد يف الدولة ( �أي ال�شعب) كل على حدة ‪،‬‬ ‫�أن يكون مطيع ًا لتلك القيادة‪ ،‬يعمل على تنفيذ �أمرها ‪،‬واحرتامه‪،‬‬ ‫ومبادلة قيادته احلب والتقدير وال�سمع والطاعة ‪ ،‬حتى تتحقق‬ ‫غاية الدولة من وجودها‪ ،‬وت�ستطيع درء الأخطار عنها‪.‬‬ ‫ف�إذا انهار مبد�أ ال�سمع والطاعة يف جماعة ما �صغرية كانت‬ ‫�أم كبرية؛ ب�أن ت�أمر القيادة فال ي�سمع لقولها‪ ،‬وال ينفذ �أمرها؛�أو‬ ‫ي�شكك يف �صحة قرارها‪�،‬أو ال ينفذ يف الوقت املحدد‪�،‬أو ينق�ص‬ ‫منه �شيء‪ ،‬عندئذ تنهار اجلماعة مهما كانت قوة �أفرادها كل على‬ ‫حدة‪.‬‬ ‫ومن �أبجديات احلروب تدمري مراكز القيادة وال�سيطرة للعدو‪،‬‬ ‫حتى ال يحدث توا�صل مابني القيادة والأف��راد‪ ،‬ف�إن حدث ذلك‬ ‫ق�سرا‪ ،‬تنهار تلك املجموعة‪،‬ويكتب عليها الف�شل والهزمية‪.‬‬ ‫فكيف �إذا كان فقدان الثقة وعدم ال�سمع للقيادة من الأفراد‬ ‫طواعية‪ ،‬مع علمهم بالأمر وو�ضوحه لهم؟ عندئذ تكون الطامة‬ ‫الكربى حيث تنهار تلك اجلماعة وتهزم ‪ ،‬وي��دب اخل�لاف بني‬ ‫�أفرادها ‪ ،‬وكل �شخ�ص ي�صبح �صاحب ر�أي ‪ ،‬فيبد�أ اخلالف وتن�ش�أ‬ ‫الفرقة‪.‬ولذا يكون الف�شل م�صريهم‪ ،‬و�شتات الأمر م�آلهم‪ ،‬واهلل‬ ‫يقول‪َ }:‬و َ‬ ‫يح ُك ْم{ولذا كان من �شروط‬ ‫ال َت َنا َز ُعو ْا َف َتف َْ�ش ُلو ْا َو َتذْ هَ َب ِر ُ‬ ‫بيعة الر�سول ‪-‬عليه ال�سالم‪ -‬لل�صحابة �أن عليهم ال�سمع والطاعة‬ ‫يف املن�شط وامل��ك��ره‪� ،‬أي عليهم طاعة قيادتهم يف الأم���ور التي‬ ‫يحبونها �أو املحببة للنف�س �أو املوافقة لالجتهاد ‪ ،‬كما �أن عليهم‬ ‫طاعتها يف الأمور املكروه للنف�س �أو التي ال توافق اجتهادهم ‪ .‬كما‬ ‫حدث يف �صلح احلديبية ‪.‬‬ ‫و�إذا كان مبد�أ ال�سمع والطاعة من املبادئ الأ�سا�سية لل�شعب �أو‬ ‫اجلماعة‪ ،‬بل هو املبد�أ الأ�سا�سي الأهم والأبرز‪ ،‬ف�إن هناك مبد�أ‬ ‫�آخر من املبادئ الهامة للفرد �أو اجلماعة عر�ضت له الآية وهو‬ ‫ا�ست�شارة الثقة العامل ‪ ،‬فانظر �إىل يو�سف حيث يعر�ض ر�ؤياه على‬ ‫والده‪ ،‬وهل هنالك من هو �أ�شفق و�أحن من والد املرء‪ ،‬ولكن قد يكون‬ ‫والد املرء لي�س ب�صاحب خربة وال جتربة ‪ ،‬فلي�س كل والد يعطيك‬ ‫ر�أي ًُا �سديد ًا ‪ ،‬ولكن يف هذه احلالة الوالد يعقوب ـ عليه ال�سالم ـ‬ ‫نبي اهلل ‪ ،‬فهو يف حينه خري م�ست�شار م�ؤمتن‪ .‬و�سوف نتحدث عن‬ ‫اال�ست�شارة ونقف عندها يف موا�ضع �أخ��رى من ال�سورة‪ ،‬ولكنني‬ ‫رغبت هنا �أن �أ�شري �إىل وجوب ا�ست�شارة من هو �أهل لل�شورى‪.‬‬ ‫‪ .2‬قوله تعاىل ‪َ } :‬‬ ‫�ص ُر�ؤْ َي َ‬ ‫��اك َع َلى ِ�إخْ َو ِت َك{ وتدل على‬ ‫ال َتق ُْ�ص ْ‬ ‫مبد�أ الكتمان وال�سرية لل�سيا�سي والإداري فلي�س كل ما يعلم يقال‪،‬‬ ‫و�أ�سا�س اخلطط الع�سكرية وال�سيا�سية املفاجئة واملباغتة والتي‬

‫‪59‬‬


‫د‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫إ‬ ‫سالمية‬ ‫�أ�سا�سها واعتمادها على الكتمان ‪ ،‬فال مفاجئة للعدو دون حر�ص‬ ‫على ال�سرية وعدم اطالع الأعداء على اخلطط والأ�سرار ‪ ،‬ولي�س‬ ‫كتمان الأمر عن الأعداء فقط‪ ،‬بل عن املتوقع منهم العداء ‪ ،‬ويف‬ ‫احلديث (ا�ستعينوا على ق�ضاء حوائجكم بالكتمان) وكثري ًا من‬ ‫النا�س �ضاعت م�صاحلهم ورجع عليهم الكثري من ال�شر ب�سب ن�شر‬ ‫واكت�شاف خططهم‪.‬‬ ‫ومبد�أ �أخر تدل عليه الآية وهو احل�سد من القرين ب�سبب النعمة‬ ‫�سواء كانت نعمة العلم �أو امل��ال �أو اجل�سم والقوة‪ .‬ف�أحيان ًا يف‬ ‫امل�ؤ�س�سات والدوائر جتد من ي�شكك يف املدير وقراراته ‪� ،‬أو من‬ ‫يثري الريبة يف ال�سيا�سي ل�سبب واحد ال غري وهو احل�سد؛ ولذا‬ ‫على الإداري وال�سيا�سي فهم الباعث على ذلك الت�شكيك وال�سخط‬ ‫عليهم من قبل البع�ض‪� ،‬أو عدم طاعة الأمر‪� ،‬أو اختالق امل�شاكل‬ ‫والفنت‪ ،‬من قبل احلا�سدين ‪ ،‬و�أن يتخذ لذلك الأ�سلوب الأمثل‪.‬‬ ‫يك َر ُّب َ‬ ‫��ك َي ْج َت ِب َ‬ ‫‪ .3‬قوله ت��ع��اىل‪َ }:‬و َك َ��ذ ِل َ‬ ‫��ك َو ُي َع ِّل ُم َك ِم ْ��ن َت���أْ ِوي��لِ‬ ‫يث َو ُي ِت ُّم ِن ْع َم َتهُ {�سورة يو�سف الآية (‪ . )6‬مبد�أ �آخر من‬ ‫ْأ‬ ‫الَ َحا ِد ِ‬ ‫مبادئ احلياة وال�سيا�سة ت�شري �إليه الآية وهو‪� :‬أن كمال النعمة‬ ‫للفرد �أو للأمة يتحقق ب�أمرين ‪� :‬أوالهما ر�ضا اهلل �سواء عن الفرد‬ ‫�أو اجلماعة ‪ .‬والآخر العلم‪.‬‬ ‫يقرب �إليه ويجتبيه من �أحبه ‪ ،‬ولكن لي�س بال�ضرورة �أم‬ ‫فاهلل ّ‬ ‫كل من يحبهم اهلل يكونون �سادة وقادة‪ ،‬ي�صلحون لرعاية �ش�ؤون‬ ‫النا�س و�سيا�سة �أمرهم‪ ،‬فال�سيا�سة والإدارة تتطلب العلم �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫ويف احلديث عن يدلل على قولنا ‪ ،‬حيث ملا طلب الإمارة �أبو ذر‪-‬‬ ‫ر�ضي اهلل عنه‪ -‬قال له الر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪� ( : -‬إنك‬ ‫�إمر�ؤ �ضعيف و�إنها �أمانة) ويف الآية على ل�سان ابنة �شعيب ( �إن‬ ‫خري من ا�ست�أجرت القوي الأمني)‬ ‫وال يفهم من هذا �أن القادة هم دائما �أحباء اهلل كذلك‪ ،‬ولكن يف‬ ‫اجلماعة امل�ؤمنة على وجه اخل�صو�ص غالب ًا ما يتحقق ذلك‪� ،‬إن مت‬ ‫اختيار القادة وانتخابهم ب�صورة �صحيحة ‪ ،‬وب�شكل �سليم‪ ،‬وح�سب‬ ‫كفاءتهم‪ ،‬ولذا �سيكونوا من �أعظم �أفراد املجموعة تقوى وخ�شية‬ ‫وعبادة هلل‪ ،‬ويف الأغلب من الذين يحبهم اهلل‪،‬وه��ذا ما مت فعال‬ ‫مع يو�سف ‪-‬عليه ال�سالم‪.-‬فهو يف وقته �أخ�شى النا�س هلل‪ .‬وقد‬ ‫اجتباه واختاره اهلل‪ .‬ويف الوقت ذاته من �أف�ضل �أفراد املجموعة‬ ‫تعليم ًا وثقافة وحنكة �سيا�سية و�إدارية‪.‬‬ ‫كما ويخطئ من يظن �أن ال�سيا�سة والإدارة تكون فطرية دون‬ ‫تعلم وخ�برة‪ ،‬ولكن مما ال�شك فيه �أن هنالك لدى بع�ض النا�س‬ ‫ا�ستعداد ًا فطري ًا للإدارة والعمل بال�سيا�سة ‪ ،‬ف�إذا اقرتنت بالتعلم‬ ‫واكت�ساب اخلربة كان ال�سيا�سي �أو املدير ناجح ًا ومبهر ًا يف �أداء‬ ‫عمله وحتقيق �أهدافه‪� ،‬أال ترى �أن الأنبياء جميعا كما يف احلديث‬ ‫رع��وا الغنم ‪،‬مل���اذا؟ حتى يتم التدريب على �إدارة املجموعات‬

‫‪60‬‬

‫ورعايتها و�سيا�ستها؛ فالراعي لتلك الأغنام م�سئول عنها م�س�ؤولية‬ ‫كاملة ؛ عن طعامها و�أماكن تواجدها ‪ ،‬عن �شرابها‪ ،‬عن تكاثرها‬ ‫وتنا�سلها ووالدتها‪ ،‬عن مبيتها وقيامها‪ ،‬عن حرا�ستها ودفع ال�ضرر‬ ‫واخلطر عنها ‪ ،‬عن �أمرا�ضها ‪ ،‬عن تقاتلها مع بع�ضها ‪...‬الخ �أال ترى‬ ‫معي �أن ذلك تدريب عملي على �إدارة اجلماعة الب�شرية فيما بعد‪.‬‬ ‫ولذا فحب اهلل وطاعته ثم العلم واملعرفة �سبب لرفعة قائد‬ ‫الدولة ورئي�سها‪ ،‬و�صواب ق��راره‪ ،‬وجناحه‪ ،‬و�إف��ادة النا�س منه‪،‬‬ ‫وكذلك ينطبق هذا املبد�أ على قيادة املجموعات وامل�ؤ�س�سات �أي ًا‬ ‫كان م�سماها �أو حجمها‪ .‬وقد ورد يف احلديث يوم فتح خيرب �أن‬ ‫ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬قال‪( :‬غ��د ًا �أَعطي الراية‬ ‫لرجل يحبه اهلل ور�سوله فيفتح عليه) فا�شر�أبت نفو�س ال�صحابة‬ ‫كلهم لذلك املن�صب‪ ،‬حتى �إن عمر ليقول �إنه مل يحب الإمارة �إال‬ ‫ذلك اليوم‪ ،‬فكلهم يحبهم اهلل ور�سوله‪ ،‬ولكن الفرق بينهم يف ذلك‬ ‫املو�ضع �أن قيادة النا�س للفتح وقتال العدو بحاجة للعلم بفنون‬ ‫احلرب وخططها والذي ال يت�أتى �إال بالعلم‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫د‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫إ‬ ‫سالمية‬

‫مدنية الدولة‬ ‫اإلسالمية‬

‫ج��رى لغط كبري يف ه��ذه الأي����ام ع��ن مفهوم ال��دول��ة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬فبع�ض الفئات ر�أت �أن الدولة الإ�سالمية هي‬ ‫دولة دينية كهنوتية تتحكم يف �أهل الأر�ض با�سم ال�سماء ‪،‬‬ ‫وتتحكم يف دنيا النا�س با�سم اهلل ‪ ،‬ويدعون �أن هذه الدولة‬ ‫الدينية �ستكون كدولة الكني�سة الأوروب��ي��ة يف الع�صور‬ ‫الو�سطى ‪ ،‬وهذه الدولة يف ر�أيهم يحكمها رجال الدين ‪،‬‬ ‫ويف�سرون الدين وفق هواهم‪ ،‬ويديرون الدولة مبا يحقق‬ ‫م�صاحلهم ‪.‬‬ ‫ويدافع الإ�سالميون عن دولتهم بقولهم ‪�:‬إنها دولة مدنية‪،‬‬ ‫ال حكم فيها لرجال الدين؛ و�إمن��ا احلكم للأ�صلح الذي‬ ‫يختاره ال�شعب ‪ ،‬وهي دولة م�ؤ�س�سات وقانون تراعي حقوق‬ ‫الإن�سان‪.‬‬ ‫وقبل اخلو�ض يف هذا املو�ضوع ال بد لنا من تو�ضيح هذين‬ ‫املفهومني‪:‬‬ ‫�أو ً‬ ‫ال ‪ :‬ال ��دول��ة ‪ :‬هي جمموعة من الأف���راد ميار�سون‬ ‫ن�شاطهم على �إقليم جغرايف حمدد‪ ،‬ويخ�ضعون لتنظيم‬ ‫معني‪ ،‬على �أن الدولة كيان يجب �أن يتوافر فيه عدة �أركان‪:‬‬ ‫‪ -1‬الأر�ض ‪ :‬مبعنى نطاق جغرايف �أو �إقليم بحدود ثابتة‬ ‫معروفة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال�شعب ‪ :‬وهو املجموعة الب�شرية القاطنة على هذه‬ ‫الأر�ض‪.‬‬ ‫‪ -3‬ال�سلطة ‪ :‬وه���ي جم��م��وع��ة الأف�����راد والهيكليات‬ ‫والإجراءات التي تدير املوارد وعالقات ال�شعب الداخلية‬ ‫(‪)1‬‬ ‫مبا يحقق هيمنتها عليهم‪.‬‬ ‫ثاني ًا ‪ :‬املدنية ‪ :‬م�صطلح منفرد له دالالت خمتلفة ‪،‬‬ ‫فقد ا�ستخدمه الباحثون باملعنى املقابل للبداوة‪� ،‬أو املقابل‬ ‫للع�سكرة‪ ،‬و�أحيان ًا باملعنى املقابل للحالة الدينية ‪� ،‬أما‬ ‫باملتداول ال�شعبي فيعرب هذا املفهوم عن حالة من الت�سامح‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وقابلية التفاعل املهذب بني الأفراد‪.‬‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫د‪ .‬زيد خ�ضر‬

‫�أنواع الدول‬

‫‪-1‬ال��دول��ة امل��دن��ي��ة ‪ :‬دول���ة يحكمها امل��دن��ي��ون ولي�س‬ ‫الع�سكريون �أو رجال الدين‪ ،‬وال تف�صل الدين عن الدولة‬ ‫يف احلياة املجتمعية ‪� ..‬أو يف هوية احلاكم؛ كو�ضع �شرط‬ ‫�أن يكون م�سلم ًا‪� ،‬أو م�سيحي ًا؛ لأن هذا دين الأغلبية ‪.‬‬ ‫‪-2‬ال��دول��ة الدينية ‪ :‬هي الدولة التي يحكمها رجال‬ ‫الدين‪ ،‬وتتحكم امل�ؤ�س�سة الدينية يف جميع نواحي احلياة‪،‬‬ ‫وتعترب املعار�ضني كفار ًا ‪.‬‬ ‫‪-3‬الدولة العلمانية ‪ :‬دولة تف�صل الدين عن الدولة يف‬ ‫هوية احلاكم‪ ،‬ويف احلياة املجتمعية ويف كل �شيء‪ ،‬ويكون‬ ‫التعامل فيها على �أ�سا�س القوانني الإن�سانية يف املحاكم‬ ‫وغريها ‪.‬‬

‫�أو ًال‪ :‬الدولة الدينية‬

‫الدولة الدينية �أو الثيوقراطية هي الدولة على املفهوم‬ ‫الذي �ساد يف " �أوروبا " لقرون طويلة يف الع�صور الو�سطى‬ ‫�أثناء هيمنة الكني�سة‪ ،‬و�سيطرة رجال الدين "الإكلريو�س"‬ ‫على مقاليد الأمور‪.‬‬ ‫فقد كانت ال��دول��ة متار�س احلكم الإل��ه��ي؛ ففيها يحكم‬ ‫احلاكم با�سم اهلل‪ ،‬ويكون نائب ًا عنه يف حكم املجتمع ‪،‬‬ ‫حيث يكت�سب احلاكم وقوانينه وممار�ساته قدا�سة مطلقة‬ ‫م�ستمدة من قدا�سة اهلل نف�سه‪ ،‬وهنا جتتمع �سلطة احلاكم‬ ‫و�سلطة الت�شريع بيد الكني�سة‪ ،‬ممثلة يف البابا والق�ساو�سة‬ ‫وم��ن ير�ضون عنه وي��ق��رون��ه م��ن احل��ك��ام م��ن الأب��اط��رة‬ ‫(‪) 3‬‬ ‫والقيا�صرة وامللوك والإقطاعيني‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫د‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫إ‬ ‫سالمية‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الدولة املدنية‬

‫منذ الن�صف الثاين من القرن الع�شرين ب��د�أ م�صطلح "‬ ‫ال��دول��ة املدنية " يطرح للتداول على م�ستوى النخب‬ ‫الفكرية وال�سيا�سية‪ ،‬وتناولته بع�ض الدرا�سات والأبحاث‬ ‫كمحاولة لإيجاد منظومة قيم ومفاهيم تعرب عنه ويعرب‬ ‫عنها‪ ،‬وال يزال ت�أ�صيل هذا امل�صطلح م�ستمر ًا ‪.‬‬ ‫وميكن �أن نعرف الدولة املدنية‪ :‬ب�أنها الدولة التي تعرب‬ ‫متام ًا عن �إرادة املجتمع‪ ،‬وت�ستند لقيمه‪ ،‬وتكون وكيلة‬ ‫له‪� ،‬أو هي دولة القانون؛ فهي لي�ست دولة رئي�س الوزراء‪،‬‬ ‫وال دولة احلاكم‪ .‬وتقوم هذه الدولة على قاعدة الف�صل‬ ‫بني ال�سلطات الثالث وهي ‪:‬ال�سلطة الت�شريعية‪،‬وال�سلطة‬ ‫التنفيذية ‪،‬وال�سلطة الق�ضائية‪ .‬فالف�صل ه��و املكون‬ ‫الرئي�س لطبيعتها املادية‪ ،‬وثقافتها املجتمعية ‪.‬‬

‫�أركان الدولة املدنية‬

‫‪ .1‬ب�شرية احلاكم وعدم قدا�سته‪.‬‬ ‫‪ .2‬ال�شعب م�صدر ال�سلطات‪.‬‬ ‫‪ .3‬ح��ري��ة �إب����داء ال����ر�أي (ال�����ش��ورى �أو الدميقراطية‬ ‫بدرجاتها)‪.‬‬ ‫‪ .4‬الف�صل بني ال�سلطات‪.‬‬ ‫‪ .5‬التمثيل النيابي لل�شعب‪.‬‬ ‫(‪) 4‬‬ ‫‪ .6‬حق املواطنة للجميع‪.‬‬

‫هل �أن� أش� الإ�سالم دولة ؟‬

‫تاريخي ًا ‪� :‬إن هجرة ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪-‬‬ ‫�إىل املدينة املنورة �أن�ش�أت كيان ًا �سيا�سي ًا فيها‪ ،‬ولكن هل‬ ‫حقق هذا الكيان ال�سيا�سي �أركان الدولة التي �أ�شرنا لها‬ ‫�سابق ًا‪ ،‬والتي هي الأر���ض وال�شعب وال�سلطة ؟ فالأر�ض‬ ‫وال�شعب هي املدينة املنورة و�ساكنيها ‪�،‬أما ال�سلطة فقد مت‬ ‫الت�أ�سي�س لها منذ بيعتي العقبة الأوىل والثانية و�صو ًال‬ ‫�إىل ما ُعرف بد�ستور املدينة؛لذلك ميكن �أن نطلق على هذا‬ ‫الكيان ال�سيا�سي �صفة دولة‪ ،‬وهذه الدولة مل تن�ش�أ كمطلب‬ ‫ديني �إمن��ا �أُن�ش�أت كحاجة مو�ضوعية فر�ضتها الظروف‬ ‫املرافقة للدعوة الإ�سالمية ‪.‬‬

‫هل الدولة الإ�سالمية دولة مدنية ؟‬

‫الدولة الإ�سالمية كما جاء بها الإ�سالم‪ ،‬وعرفها تاريخ‬ ‫امل�سلمني دول��ة مدنية‪ ،‬تقوم ال�سلطة فيها على البيعة‬ ‫وال�����ش��ورى‪ ،‬حيث يختار احل��اك��م �أه��ل احل��ل العقد على‬

‫‪62‬‬

‫�أ�سا�س القوة والأمانة‪ ،‬واحلاكم فيها وكيل عن الأمة �أو‬ ‫�أجري عندها‪ ،‬ومن حق الأمة ممثلة يف �أهل احلل والعقد‬ ‫�أن حتا�سبه وتراقبه؛ بل وتعزله �إذا اقت�ضى الأمر ذلك‪،‬‬ ‫ولي�س يف الإ�سالم من يحكم باحلق الإلهي املقد�س‪ .‬ثم تقوم‬ ‫الدولة بعد ذلك على وجوب ال�شورى‪ ،‬ونزول احلاكم على‬ ‫ر�أي الأمة �أو جمل�س �شوراها‪،‬كما تقوم كذلك على م�س�ؤولية‬ ‫احلاكم �أمام الأمة‪ ،‬وحق كل فرد يف الرعية �أن ين�صح له‬ ‫وي�شري عليه‪ ،‬بل �إن الإ�سالم يعترب ذلك فر�ض كفاية على‬ ‫الأم��ة‪ ،‬وقد ي�صبح فر�ض عني على امل�سلم �إذا قدر عليه‬ ‫وتقاع�س عنه غريه ‪.‬‬ ‫�إن الإمام �أو احلاكم يف الإ�سالم جمرد فرد عادي من النا�س‪،‬‬ ‫لي�س له ع�صمة وال قدا�سة ‪ ،‬وكما قال اخلليفة الأول �أبو‬ ‫بكر ال�صديق ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪� ": -‬إين وليت عليكم‪ ،‬ول�ست‬ ‫بخريكم "‪.‬وكما قال اخلليفة عمر بن عبد العزيز ‪�" :‬إمنا‬ ‫�أنا واحد منكم‪ ،‬غري �أن اهلل تعاىل جعلني �أثقلكم حم ًال " ‪.‬‬ ‫واحل��اك��م يف الإ���س�لام مقيد غ�ير مطلق؛ فهناك �شريعة‬ ‫حتكمه؛ وهي �أحكام مل ي�ضعها هو‪ ،‬وال حزبه �أو حا�شيته؛‬ ‫بل و�ضعها له ولغريه رب النا�س‪ ،‬وال ي�ستطيع هو وال غريه‬ ‫من النا�س �أن يلغي هذه الأحكام �أو �أن يجمدها ‪.‬‬ ‫وهناك �أمة حتا�سبه وتقومه �إذا اعوج‪ ،‬وتعزله �إذا �أ�صر‬ ‫على عوجه‪ ،‬ومن حق �أي فرد فيها �أن يرف�ض طاعته �إذا �أمر‬ ‫ب�أمر فيه مع�صية بينة هلل تعاىل‪ .‬ويف احلديث ال�صحيح "‬ ‫ال�سمع والطاعة حق على املرء امل�سلم فيما �أحب وكره ما مل‬ ‫ي�ؤمر مبع�صية ف�إذا �أمر مبع�صية فال �سمع وال طاعة " ومل‬ ‫نر �أحد ًا من اخللفاء يف تاريخ الإ�سالم �أ�ضفى على نف�سه‪،‬‬ ‫�أو �أ�ضفى عليه امل�سلمون نوع ًا من القدا�سة‪ ،‬بحيث ال ُينتقد‬ ‫وال يقوم‪ ،‬وال ي�ؤمر �أو ُينهى ‪.‬‬ ‫بل نرى �أن اخللفاء �شجعوا النا�س على ن�صحهم وتقوميهم‪،‬‬ ‫كما قال اخلليفة �أبو بكر ال�صديق يف �أول خطبة ‪�" :‬إن‬ ‫�أح�سنت ف�أعينوين و�إن �أ�س�أت فقوموين‪� ،‬أطيعوين ما �أطعت‬ ‫اهلل فيكم؛ ف�إن ع�صيته فال طاعة يل عليكم " وكان اخلليفة‬ ‫عمر بن اخلطاب يقول ‪" :‬مرحب ًا بالنا�صح غدو ًا وع�شي ًا"‪،‬‬ ‫وقد قال قولته امل�شهورة ‪":‬من ر�أى منكم ّ‬ ‫يف اعوجاج ًا‬ ‫(‪) 5‬‬ ‫فليقومني " ‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫د‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫إ‬ ‫سالمية‬ ‫ما هي �أ�س�س الدولة الإ�سالمية املدنية ؟‬

‫وعندما ن�سقط مفهوم الدولة املدنية احلديثة ب�أ�س�سها ال�ستة على الر�ؤية الإ�سالمية للدولة ن�ستطيع �أن نثبت �أن الدولة يف‬ ‫الفكر الإ�سالمي دولة مدنية متام ًا وفق املعايري الآتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬ال قدا�سة للحاكم‪ ،‬فهو ال ميثل خليفة هلل تعاىل على �شعبه‪ ،‬وهو العن�صر الأبرز والأخطر يف تعريف دولة "الإكلريو�س‬ ‫" يف ع�صور �أوروبا الو�سطى ‪� ،‬إن �أعظم حكام امل�سلمني قدا�سة وتعظيم ًا هو النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،-‬وقد �أثبت اهلل‬ ‫ب�شريته يف �أكرث من مو�ضع‪ ،‬وقد �صدح بذلك الر�سول نف�سه يف �أكرث من موقف ‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال�شعب م�صدر ال�سلطات‪ ،‬فهو الذي يختار احلاكم‪ ،‬وهو الذي يعزله‪ ،‬وهذا وا�ضح يف ق�صة اختيار اخلليفة �أبي بكر‬ ‫ال�صديق بعد وفاة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرية �إبداء الر�أي ‪ :‬وثبت عن النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬يف �أكرث من منا�سبة �أنه دعا النا�س �إىل ال�شورى فقال‬ ‫‪�":‬أ�شريوا علي �أيها النا�س ‪. " ..‬‬ ‫‪ -4‬الف�صل بني ال�سلطات �أو ا�ستقالل ال�سلطات ‪ ،‬و�أبرزه يف الإ�سالم ا�ستقالل الق�ضاء‬ ‫‪ -5‬التمثيل النيابي لل�شعب ‪:‬لقد و�ضع النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه‪� -‬سلم نظام ًا للتمثيل النيابي؛ فلما �أتته هوازن ف�س�ألوه �أن يرد‬ ‫عليهم ال�سبي والغنائم‪ ،‬فقال ‪" :‬ما كان يل ولبني ها�شم فهو لكم‪ ،‬وما كان للنا�س فدعوين حتى �أ�س�ألهم‪ ،‬فكرث عليه اللغط‪،‬‬ ‫فقال �أخرجوا �إ ّ‬ ‫يل عرفاءكم ويف بيعة العقبة عندما طلب من الأن�صار �إخراج اثني ع�شر نقيب ًا ‪.‬‬ ‫‪ -6‬حق املواطنة ‪:‬ولقد �ضمن القر�آن الكرمي لغري امل�سلمني حرية العقيدة‪ ،‬كما كفل لهم حرية العبادة‪ ،‬وحماية دور‬ ‫عبادتهم‪ ،‬وو�ضع لهم قاعدة املواطنة‪ ،‬لهم ما لنا وعليهم ما علينا‪ ،‬وقد ثبت ذلك يف �صحيفة املدينة بني الر�سول ‪�-‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ -‬واليهود ‪ " :‬من �آذى ذمي ًا فقد �آذاين‪ ،‬ومن �آذاين كنت خ�صمه يوم القيامة " ‪.‬‬ ‫ومنها ما يف البخاري �أنه ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬قال ‪" :‬من قتل معاهد ًا مل يرح رائحة اجلنة‪ ،‬و�إن ريحها توجد من م�سرية‬ ‫(‪) 6‬‬ ‫�أربعني عاما " ‪.‬‬

‫املراجع‬ ‫‪� -1‬أبو فار�س ‪،‬حممد عبد القادر ‪،‬النظام ال�سيا�سي يف الإ�سالم ‪� ،‬صويلح ‪� ، 1980 ،‬ص ‪.277-257‬‬ ‫‪ -2‬حجاج ‪�،‬أدهم ‪ ،‬مبادئ املعرفة ال�سيا�سية ‪� ،‬شبكة ر�صد ‪2014/5/6 ،‬م ‪.‬‬ ‫‪ -3‬خليل ‪� ،‬صربي حممد ‪ ،‬املدنية ‪ ،‬موقع �سودانايل ‪2011/2/28،‬‬ ‫‪ -4‬زايد ‪� ،‬أحمد ‪ ،‬ماذا تعني الدولة املدنية ‪،‬جريدة ال�شروق اجلديد ‪.2011/2/26،‬‬ ‫‪ -5‬عليان ‪� ،‬إبراهيم خليل ‪،‬الدولة الدينية والدولة املدنية ‪ ،‬القاهرة ‪� ، 1995 ،‬ص ‪14‬‬ ‫‪ -6‬عليوة ‪ ،‬حممد عبد الفتاح ‪ ،‬الدولة الإ�سالمية دولة مدنية ‪ ،‬جملة احلوار املتمدن ‪2009/7/9،‬‬ ‫‪� -7‬أدهم حجاج ‪ ،‬مبادئ املعرفة ال�سيا�سية ‪� ،‬شبكة ر�صد ‪2014/5/6 ،‬م ‪.‬‬ ‫‪� -8‬أحمد زايد ‪ ،‬ماذا تعني الدولة املدنية ‪،‬جريدة ال�شروق اجلديد ‪.2011/2/26،‬‬ ‫‪� -9‬إبراهيم خليل عليان ‪،‬الدولة الدينية والدولة املدنية ‪� ،‬ص ‪14‬‬ ‫‪� -10‬أدهم حجاج ‪ ،‬مبادئ املعرفة ال�سيا�سية ‪� ،‬شبكة ر�صد ‪2014/5/6 ،‬م ‪.‬‬ ‫‪ -11‬حممد عبد القادر �أبو فار�س ‪،‬النظام ال�سيا�سي يف الإ�سالم ‪� ،‬ص ‪277-257‬‬ ‫‪ -12‬حممد عبد الفتاح عليوة ‪ ،‬الدولة الإ�سالمية دولة مدنية ‪ ،‬جملة احلوار املتمدن ‪� , 2009/7/9،‬صربي‬ ‫حممد خليل ‪ ،‬املدنية ‪ ،‬موقع �سودانايل ‪/2/28،‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪63‬‬


‫د‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫المية‬ ‫اإلرهاب بين المنظور الشرعي‬ ‫والمنظور العالمي‬ ‫�شاع يف وقتنا احلا�ضر مفهوم الإرهاب‪ ،‬والتب�س على النا�س‬ ‫معناه‪ ،‬فمنهم من �أل َب �س هذا املفهوم لبا�س القتل والتخويف‬ ‫وحاول �إل�صاق هذا املعنى بالإ�سالم لت�شويه �صورته‪ ،‬و�إظهاره‬ ‫وقطع للر�ؤو�س‪ ،‬وذلك عائد �إىل عدم �ضبط‬ ‫قتل‬ ‫�أنّ��ه دين ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ب�شكل دقيق لدى النا�س‪ ،‬وعدم �إيجاد قاعدة‬ ‫هذا املفهوم‬ ‫ٍ‬ ‫م�شرتكة بينهم يبنوا عليها نظرة موحدة له‪ ،‬لذا ر�أيت �أن‬ ‫�أبحث ب�شكل موجز يف هذا املفهوم مبين ًا �أثر عدم �ضبطه‬ ‫وحتديد معناه ال�صحيح على �صورة الإ�سالم وامل�سلمني‪.‬‬ ‫الإرهاب‪:‬‬ ‫"الراء والهاء والباء �أ�صالن‪� ،‬أحدهما يدل على خوف‪،‬‬ ‫دقة وخفة‪ ،‬فالأول ‪ :‬الرهبة‪ ،‬تقول ‪َ :‬رهَ ْبتُ‬ ‫والآخر يدل على ٍ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ال�شيء ُر ْه با و َرهَ با و َرهبة‪� ،‬أي خفته ‪.‬‬ ‫���ب َر ْه �� َب ��ا و َرهَ ��ب��ا‪،‬‬ ‫���رهَ ُ‬ ‫ي��ق��ول اب��ن دري���د ‪َ " :‬رهَ َب ال��رج��ل َي ْ‬ ‫والرهَ ُب‪:‬الفزع"(‪. )2‬‬ ‫َ‬ ‫وردت ا�شتقاقات (رهب) مبعنى اخلوف والفزع يف القر�آن‬ ‫مرات يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫�سبع ٍ‬ ‫اط الخْ َ ْي ِل ُت ْر ِه ُبونَ‬ ‫ا�س َت َط ْع ُتم ِّمن ُق َّو ٍة َو ِمن ِّر َب ِ‬ ‫ } َو�أَ ِع ُّدو ْا َل ُهم َّما ْ‬‫ال َت ْع َل ُمو َن ُه ُم اللهّ ُ‬ ‫ِب ِه َع ْد َّو اللهّ ِ َو َعدُ َّو ُك ْم َو� َآخ ِرينَ ِمن ُدو ِنه ِْم َ‬ ‫َي ْع َل ُم ُه ْم{(الأنفال ‪) 60‬‬ ‫ال اللهّ ُ َ‬ ‫ } َو َق َ‬‫احدٌ َف�إ َّيايَ‬ ‫ال َتت َِّخ ُذو ْا �إِلـهَينْ ِ ا ْث َنينْ ِ �إِنمَّ َ ا هُ َو �إِلهٌ َو ِ‬ ‫َفا ْرهَ ُبونِ {(النحل ‪.) 51‬‬ ‫للهَّ‬ ‫}لَن ُت ْم �أَ َ�ش ُّد َر ْه َب ًة فيِ ُ�صدُ و ِر ِهم ِّمنَ ا ِ َذ ِل َك ِب�أَ َّن ُه ْم َق ْو ٌم اَّل‬ ‫ َأ‬‫َي ْف َق ُهونَ {احل�شر‪.}13‬‬ ‫ } َيا َب ِني ِ�إ ْ�س َرا ِئ َ‬‫يل ُ‬ ‫اذك ُرو ْا ِن ْع َم ِت َي ا َّل ِتي �أَ ْن َع ْمتُ َع َل ْي ُك ْم َو�أَ ْو ُفو ْا‬ ‫وف ِب َع ْه ِد ُك ْم َو ِ�إ َّيايَ َفا ْرهَ ُبونِ {(البقرة ‪.)40‬‬ ‫ِب َع ْه ِدي �أُ ِ‬ ‫اح وَفيِ ُن ْ�س َخ ِت َها هُ دً ى‬ ‫و�سى ا ْل َغ َ�ض ُب �أَ َخ َذ الأَ ْل َو َ‬ ‫‪َ } :‬ولمَ َّا َ�س َكتَ َعن ُّم َ‬‫َو َر ْح َم ٌة ِّللَّ ِذينَ هُ ْم ِل َر ِّبه ِْم َي ْرهَ ُبونَ {(الأعراف ‪.)154‬‬ ‫ َ‬‫}ق َ‬ ‫ا�سترَ ْهَ ُبوهُ ْم‬ ‫ال �أَ ْل ُق ْو ْا َف َل َّما �أَ ْل َق ْو ْا َ�س َح ُرو ْا َ�أ ْعينُ َ الن ِ‬ ‫َّا�س َو ْ‬ ‫يم {( الأعراف ‪.)116‬‬ ‫َو َجاءوا ِب ِ�س ْح ٍر َع ِظ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ا�س َت َج ْب َنا َلهُ َو َوهَ ْب َنا َلهُ َي ْح َيى َو�أ ْ�ص َل ْح َنا َلهُ َز ْو َج��هُ �إِ َّن ُه ْم‬ ‫‪َ }-‬ف ْ‬

‫‪64‬‬

‫د‪.‬يا�سر �أبو ح�سني‪.‬‬

‫ات َو َي ْد ُعو َن َنا َر َغب ًا َو َرهَ ب ًا َو َكا ُنوا َل َنا‬ ‫َكا ُنوا ُي َ�سا ِر ُعونَ فيِ الخْ َ يرْ َ ِ‬ ‫ا�ش ِعنيَ{(الأنبياء ‪. )90‬‬ ‫َخ ِ‬ ‫ويف ال�سنة النبوية جاء عن الرباء بن عازب – ر�ضي اهلل‬ ‫عنه – قال ‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪": -‬‬ ‫�إذا �أخذت م�ضجعك‪ ،‬ثم ا�ضطجعت على �شقك الأمين‪ ،‬فقل‬ ‫اللهم �أ�سلمت نف�سي �إليك‪ ،‬ووجهت وجهي �إليك‪ ،‬وفو�ضت‬ ‫�أمري �إليك‪ ،‬و�أجل���أت ظهري �إليك رغبة ورهبة‪ ،‬ال ملج �أ وال‬ ‫منجا منك �إال �إليك‪� ،‬آمنت بكتابك الذي �أنزلت‪ ،‬وبر�سولك‬ ‫الذي �أر�سلت " (‪ .)3‬‬ ‫لو تتبعنا معنى لفظة رهب وا�شتقاقاتها يف القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جولة‬ ‫لوجدناها مل تخرج عن معناها اللغوي اخلوف‪ ،‬ولن�أخذ‬ ‫ً‬ ‫�سريعة يف بع�ض كتب التف�سري حول معنى الآيات ال�سابقة‬ ‫والتي ذكرت ا�شتقاقات رهب‪ ،‬لنجد �أنّها كلها ت�أتي مبعنى‬ ‫�سواء �إخافة العدو لكي ال يتجر�أ على االعتداء على‬ ‫اخلوف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫امل�سلمني ‪� ،‬أو اخلوف من اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ف�س ر �سيد قطب – رحمه اهلل ‪ُ } -‬ت ْر ِه ُبون يف قوله ترهبون‬ ‫ُي ّ‬ ‫به عدو اهلل وعدوكم { فيقول" �إنّ��ه يجب على املع�سكر‬ ‫الإ�سالمي �إع���داد العدة دائ��م�� ًا وا�ستكمال القوة ب�أق�صى‬ ‫احلدود املمكنة لتكون القوة املهتدية هي القوة العليا يف‬ ‫الأر�ض التي ترهبها جميع القوى املبطلة يف �أرجاء الأر�ض‪،‬‬ ‫فتهاب �أوال �أن تهاجم دار الإ�سالم وت�ست�سلم كذلك ل�سلطان‬ ‫ً‬ ‫داعية �إىل الإ�سالم يف �أر�ضها من الدعوة‪ ،‬وال‬ ‫اللهّ فال متنع‬ ‫تدعي حق‬ ‫ت�صد �أح��د ًا من �أهلها عن اال�ستجابة له‪ ،‬وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)4‬‬ ‫احلاكمية وتعبيد النا�س‪ ،‬حتى يكون الدين ك ّله لل" ‪،‬‬ ‫فالإرهاب يف هذه الآية هدفه جعل غري امل�سلمني يخ�شون من‬ ‫مهاجمة �أر�ض الإ�سالم‪ ،‬وهدفه �أي�ضا حماية امل�ست�ضعفني يف‬ ‫الأر�ض‪ ،‬وهما هدفان نبيالن ‪ ،‬ال جتد مثي ًال لهما يف �أي قانون‬ ‫�أو �شريعة �أخرى‪.‬‬ ‫و ُي ّث ني الدكتور ح�سن بن �إدري�س عزوزي على كالم �سيد‬ ‫عدون من القوة ما يجعل‬ ‫قطب – رحمه اهلل ‪ -‬فيقول‪� " :‬أي ُت ّ‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫د‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫المية‬ ‫العدو يخاف من احلرب‪ ،‬فريتد َع عن ممار�سة العنف الذي قد‬ ‫يدفعك �إىل العنف امل�ضاد"(‪.)5‬‬ ‫ف�س ر الطربي – رحمه اهلل – قوله تعاىل } َف���إِ َّي��ايَ‬ ‫و ُي ّ‬ ‫َفا ْرهَ ُبونِ {(النحل ‪ )51‬فيقول‪َ ":‬ف�إِ َّيايَ فاتقون‪ ،‬وخافوا‬ ‫عقابي مبع�صيتكم �إ ّي��اي �إن ع�صيتموين‪� ،‬أو �أ�شركتم يف‬ ‫عبادتكم يل" (‪.)6‬‬ ‫��م �أَ َ���ش ُّ��د َر ْه�� َب ً‬ ‫ف�س ر الزحيلي قوله تعاىل َ أ‬ ‫��ة فيِ‬ ‫}لَن�� ُت ْ‬ ‫و ُي ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ�صدُ و ِر ِهم{(احل�شر ‪ )13‬فيقول‪ }:‬أ‬ ‫لنْ�� ُت ْ��م �أ َ���ش ُّ��د َر ْه �� َب ً��ة فيِ‬ ‫ُ�ص دُ و ِر ِه ْم ِمنَ اللهَّ ِ �أي �إنّ املنافقني يخافونكم خوف ّا �أ�شد من‬ ‫خوفهم اللهّ {(‪.)7‬‬ ‫�أ ّم ��ا قوله تعاىل}و�إ ّياي فارهبون{(البقرة ‪ )40‬فجاء‬ ‫مبعنى‪�":‬إ ّياي فاخ�شون"(‪.)8‬‬ ‫ف�س ر اجلزري – رحمه اهلل – الرهبة} الواردة يف احلديث{‬ ‫و ّ‬ ‫(‪)9‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫اخلوف والفزع" ‪.‬‬ ‫رهبة �إليك ب�أنّها "‬ ‫ُ‬ ‫فخال�صة معنى الإرهاب الوارد يف القر�آن الكرمي هو �إخافة‬ ‫�أعداء الإ�سالم لكي ال يتجر�ؤوا على الإعتداء على امل�سلمني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫رحمة للم�سلمني‬ ‫�أو ا�ضطهاد غري امل�سلمني لأنّ الإ�سالم ُب عث‬ ‫ولغريهم‪ ،‬وقد دخل الر�سول يف حلف الف�ضول قبل الإ�سالم‬ ‫وقال‪ " :‬لو �أدعى به يف الإ�سالم لأجبت"(‪ )10‬فالإ�سالم يحمي‬ ‫امل�سلمني وغري امل�سلمني‪.‬‬ ‫وقد حاول الغرب �أن ي�ش ّوه مفهوم الإره��اب الذي ورد يف‬ ‫القر�آن الكرمي‪ ،‬وي�صوره �أنّ��ه مبعنى العنف والقتل وقطع‬ ‫جديدة ل لإرهاب‬ ‫ال��ر�ؤو���س‪ ،‬لذا عمدوا �إىل و�ضع تعريفات‬ ‫ٍ‬ ‫وحاولوا ربطها بالإ�سالم‪ ،‬لل ْب �س هذا املفهوم على النا�س‪،‬‬ ‫ومن هذه التعريفات‪ -:‬يف قامو�س �أك�سفورد (‪Terrorist‬‬ ‫‪: (Oxford Dictionary‬‬ ‫"الإرهابي"هو ال�شخ�ص ال��ذي ي�ستعمل العنف املنظم‬ ‫ل�ضمان نهاية �سيا�سية‪ ،‬واال���س��م ‪ Terrorism‬مبعنى‬ ‫الإرهاب و ُيق�صد به ا�ستخدام العنف والتخويف وبخا�صة‬ ‫يف �أغرا�ض �سيا�سية"(‪.)11‬‬ ‫وع ّرف الإرهاب ب�أنّه ‪ " :‬االعتداء ّ‬ ‫جماعة‬ ‫فرد �أو‬ ‫ٍ‬ ‫املنظ م من ٍ‬ ‫ ُ‬‫دولة على النفو�س الب�شرية‪� ،‬أو الأموال العامة �أو اخلا�صة‬ ‫�أو ٍ‬ ‫(‪)12‬‬ ‫بالرتويع والإيذاء والإف�ساد من غري وجه حق" ‪.‬‬ ‫�أ�صبح ل لإرهاب معنيان الأول مرتبط بالتخويف من �أجل‬ ‫حماية البالد والعباد‪ ،‬والثاين مرتبط بالتخويف واالعتداء‬ ‫على البالد والعباد‪ ،‬و�ش تّان ما بني هذين املعنيني‪ ،‬فالأول‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫أقره الإ�سالم ودعا �إليه لأنّ من �أهم مقا�صده حماية النف�س‬ ‫� ّ‬ ‫–"ع ْن‬ ‫والعر�ض والأر�ض والدين واملال‪ ،‬قال ‪ -‬عليه ال�سالم َ‬ ‫يد ْب ِن َز ْي ٍد َع ِن ال َّن ِب ِّى ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪َ -‬ق َ‬ ‫ال ‪َ :‬م ْن‬ ‫َ�س ِع ِ‬ ‫ُق ِت َل ُدونَ َم ا ِل ِه َف ُه َو َ�ش ِه يدٌ َو َم ْن ُق ِت َل ُدونَ �أَ ْه ِل ِه َ�أ ْو ُدونَ َد ِم ِه �أَ ْو‬ ‫ُدونَ ِدي ِن ِه َف ُه َو َ�ش ِه يدٌ "(‪� ،)13‬أما املعنى الثاين والذي حاول‬ ‫�شرع ا‪ ،‬لأنّه عدوان على‬ ‫الغرب �إل�صاقه بالإ�سالم فهو حمرم ً‬ ‫النا�س‪ ،‬وهو �إف�ساد يف الأر�ض �أوجب الإ�سالم على �صاحبه‬ ‫حد احلرابة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املحرمة له‪:‬‬ ‫ومن الآيات القر�آنية‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫اء ا َّل ِذينَ ُي َحا ِر ُبونَ ا َو َر ُ�سو َلهُ‬ ‫قوله تعاىل‪� } :‬إِنمَّ َ ��ا َج َ��ز ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫���ض َف َ�سا ًدا �أ ْن ُي َق َّت ُلوا �أ ْو ُي َ�صلَّ ُبوا �أ ْو ُت َق َّط َع‬ ‫َو َي ْ�س َع ْونَ فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ‬ ‫�أَ ْي ِديه ِْم َو َ�أ ْر ُج ُل ُه ْم ِم ْن ِخلاَ ٍف �أَ ْو ُي ْن َف ْوا مِنَ ْ أ‬ ‫�ض َذ ِل َك َل ُه ْم ِخزْ يٌ‬ ‫الَ ْر ِ‬ ‫يم{ (املائدة ‪.)339‬‬ ‫فيِ ُّ‬ ‫الد ْن َيا َو َل ُه ْم فيِ ْال ِآخ َر ِة َع َذ ٌ‬ ‫اب َع ِظ ٌ‬ ‫وق��ال تعاىل‪َ } :‬و اَل ُتف ِْ�سدُ وا فيِ ْ أَ‬ ‫�����ض َب�� ْع��دَ ِ�إ ْ�صلاَ ِح َها{‬ ‫ال ْر ِ‬ ‫(الأع���راف ‪ ،)56‬قال القرطبي ‪" :‬نهى اهلل تعاىل عن كل‬ ‫ف�ساد ّ‬ ‫قل �أو كرث " (‪.)14‬‬ ‫��ك َك َت ْب َنا َع َلى َب ِني �إِ ْ�س َرا ِئ َ‬ ‫وقال تعاىل‪ِ } :‬م ْن �أَ ْج ِ��ل َذ ِل َ‬ ‫يل �أَنَّهُ‬ ‫���ض َف َك�أَنمَّ َ ا َق َت َل‬ ‫ْ�س �أَ ْو َف َ�س ٍاد فيِ الأَ ْر ِ‬ ‫َمن َق َت َل َنفْ�س ًا ِب َغيرْ ِ َنف ٍ‬ ‫َّا�س َجمِيع ًا َو َل َق ْد‬ ‫َّا�س َجمِيع ًا َو َم ْن �أَ ْح َياهَ ا َف َك َ�أنمَّ َ ا �أَ ْح َيا الن َ‬ ‫الن َ‬ ‫َ‬ ‫�ض‬ ‫َجاء ْت ُه ْم ُر ُ�س ُل َنا ِبال َب ِّي َن ِ‬ ‫ات ُث َّم �إِنَّ َك ِثري ًا ِّم ْن ُهم َب ْعدَ َذ ِل َك فيِ الأ ْر ِ‬ ‫لمَ ُ ْ�س ِر ُفونَ { (املائدة ‪.)329‬‬ ‫املحرمة ل لإرهاب باملفهوم الذي جاء به‬ ‫وقد تعددت الفتاوى ِّ‬ ‫الغرب‪ ،‬فقد �صدر عن هيئة كبار العلماء يف اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية عام ‪1409‬ه��ـ قرار رقم ‪ 148‬يف بيان عقوبة من‬ ‫�شرع ا �أنّه قام‬ ‫قام ب� ٍ‬ ‫أعمال تخريبية جاء فيه‪ " :‬من ثبت ً‬ ‫بعمل من �أعمال التخريب واالف�ساد يف الأر�ض التي تزعزع‬ ‫الأمن باالعتداء على الأنف�س واملمتلكات اخلا�صة �أو العامة‬ ‫كن�سف امل�ساكن �أو امل�ساجد �أو املدار�س �أو امل�ست�شفيات �أو‬ ‫امل�صانع �أو اجل�سور �أو خمازن الأ�سلحة واملياه �أو املوارد العامة‬ ‫لبيت امل��ال ك �أنابيب البرتول ون�سف الطائرات �أو خطفها‬ ‫ونحو ذلك‪ ،‬ف�إنّ عقوبته القتل لداللة الآيات على �أنّ مثل‬ ‫هذا الإف�ساد يف الأر�ض يقت�ضي �إهدار دم املف�سد ؛ ولأنّ خطر‬ ‫أ�شد‬ ‫ه �ؤالء الذين يقومون بالأعمال التخريبية و�ضررهم � ُّ‬ ‫من خطر و�ضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي على �شخ�ص‬ ‫فيقتله �أو ي�أخذ ماله‪ ،‬وقد حكم اهلل عليه مبا ذكر يف �آية‬ ‫احلرابة " (‪.)15‬‬

‫‪65‬‬


‫د‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫إ‬ ‫سالمية‬ ‫ا�ستغل الغرب �أخطاء املغالني يف الدين والذين عمدوا �إىل قتل و�إخافة النا�س حتت م�سمى اجلهاد؛ ب�سبب جهلهم مبقا�صد‬ ‫ن�ص بوا �أنف�سهم‬ ‫الدين احلنيف وفهمهم اخلاطئ ل لآيات القر�آنية الداعية �إىل اجلهاد‪� ،‬أو ب�سبب تقليدهم لغريهم ممن ّ‬ ‫مرجعيات يف العلم ال�شرعي بغري وجه حق ا�ستغل الغرب هذا الت�شدد وهذه املغاالة يف �إل�صاق مفهوم الإرهاب القائم على‬ ‫ٍ‬ ‫قطع الر�ؤو�س واالعتداء على النفو�س بالإ�سالم‪ ،‬فقدم ه �ؤالء املغالون خدمة جليلة للغرب الكافر يف ت�شويه �صورة الإ�سالم‬ ‫احلقيقية‪.‬‬ ‫�إنّ ال�سبب الرئي�س لإل�صاق مفهوم الإرهاب اخلاطئ بالإ�سالم‪ ،‬هو عدم حتديد و�ضبط معنى هذا املفهوم‪ٌ ،‬‬ ‫فكل ينظر �إليه‬ ‫يوح دوا جهودهم ل�ضبط هذا املفهوم �ضبط ًا �صحيح ًا‪ ،‬مي ّيزون‬ ‫من زاويته اخلا�صة‪ ،‬لذا وجب على علماء الإ�سالم ومفكريه �أن ّ‬ ‫من خالله بني الإرهاب املراد به حماية الدين املال والنف�س والعر�ض‪ ،‬والإرهاب املراد به �إخافة النا�س والتعدي على �أموالهم‬ ‫و�أعرا�ضهم وبيوتهم‪.‬‬ ‫ويحد ّد الدكتور �سعيد الزهراين م� س�ؤولية املثقف امل�سلم جتاه �ضبط مفهوم الإرهاب‪ ،‬فيقول‪":‬م� س�ؤولية املثقف الإ�سالمي يف‬ ‫ك�شف الزيف والتمويهات يف امل�صطلح الوافد من خالل الت �أريخ لن� ش�أته والظروف التي ارتبطت مبولده وظهوره واملمار�سات التي‬ ‫ارتكبت با�سمه يف التاريخ الغربي احلديث واملعا�صر‪ ،‬كما تحُ ّم له دور ًا ر�سالي ًا مت�سق ًا مع �أدوار الفقيه واملفكر يف تفكيك دالالت‬ ‫مفهوم الإرهاب التي ّ‬ ‫مت التو�صل �إليه وتب�سيطه و�شرح معانيه وبثه يف الو�سط االجتماعي وبيان املمار�سات املنبثقة عنه‬ ‫بلغة تتالءم وطبيعة املواقف اليومية ومفردات احلياة م�ستخدم ًا جميع �أ�ساليب الن�شر والتوعية املتاحة‪ ،‬وكذلك متابعة ما‬ ‫ُين�شر حول املفهوم من قبل مثقفي احلداثة لتحليله ونقده وتكوين القناعات الفكرية امل�ضادة لدالالته " (‪.)16‬‬ ‫يقول الدكتور قطب م�صطفى �سانو يف كتابه ( يف م�صطلح الإره��اب وحكمه قراءة نقدية يف املفهوم واحلكم من منظور‬ ‫ً‬ ‫ال�شرعي ويف املنظور القانوينِّ‪ ،‬وال ميكن‬ ‫�ضبطا حمك ًم ا من � ش�أنه �ضبط حكمه يف املنظور‬ ‫�شرعي)‪�":‬إنَّ �ضبط �أهداف الإرهاب‬ ‫ِّ‬ ‫يتم حتديد موقع‬ ‫ب� ِّأي ٍ‬ ‫حال من الأحوال �ضبط حكمه حتليلاً وحتر ً‬ ‫يتم �ضبط الأهداف والغايات من ورائها‪ ،‬وما مل َّ‬ ‫ميا ما مل َّ‬ ‫(‪)17‬‬ ‫ال�شرعي ويف املنظور القانو ِّ‬ ‫بد من معرفة دوافع الإرهاب ل�ضبط معناه‬ ‫ره ب يف منظومة الأمان يف املنظور‬ ‫ين " ‪� ،‬إذن ال ّ‬ ‫املُ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫وبالتايل احلكم عليه ‪.‬‬ ‫ويف نهاية هذا املبحث نرى �أنّ العقل الب�شري بحاجة ما�سة �إىل مفاهيم من�ضبطة املعاين‪ ،‬م �ؤ�صلة ت�أ�صيال دقيق ًا‪ ،‬لينطلق �إىل‬ ‫ف�ضاء التفكري ال�سليم‪ ،‬وهذا الأمر يقع على عاتق املثقفني واملفكرين‪ ،‬لأنهم قادة املجتمع ور ّواده‪ ،‬ولنا يف منهج القر�آن الكرمي‬ ‫منارة يف حتديد وت�أ�صيل املفاهيم كما ر�أينا يف املفاهيم التي مت بحثها �سابقا‪.‬‬

‫املراجع‬ ‫‪ -1‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬م�صدر �سابق‪� ،‬ص‪. 405‬‬ ‫‪ -2‬ابن دريد‪� :‬أبو بكر حممد بن احل�سن‪ ،‬اال�شتقاق‪ ،‬دار الن�شر ‪ :‬مكتبة اخلاجني ‪ -‬القاهرة ط‪ ، 3‬حتقيق ‪ :‬عبد ال�سالم حممد هارون‪� ،‬ص ‪. 431‬‬ ‫‪� -3‬صحيح البخاري ‪ ، :‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب‪ :‬ما يقول �إذا نام‪ ،‬حديث رقم ‪. 6311‬‬ ‫‪ -4‬يف ظالل القر�آن‪. 1535/3 ، :‬‬ ‫‪ -5‬عزوزي ‪ :‬ح�سن بن �إدري�س ‪ ،‬ق�ضايا الإرهاب والعنف يف ميزان الكتاب وال�سنة‪ ،‬طبعة الدار البي�ضاء‪� ،‬أ�ستاذ بكلية ال�شريعة – جامعة القرويني – فا�س – املغرب‪� ،‬ص‪. 4‬‬ ‫‪ -6‬جامع البيان‪.220/ 17 ،‬‬ ‫‪ -7‬الزحيلي ‪ :‬وهبة بن م�صطفى‪ ،‬التف�سري املنري يف العقيدة وال�شريعة واملنهج‪،‬دار الفكر املعا�صر ‪،‬ط‪.94/28 ،2‬‬ ‫‪ -8‬ابن يا�سني‪ :‬حكمت ‪ ،‬مو�سوعة ال�صحيح امل�سبور من التف�سري بامل�أثور‪ ،‬دار امل�آثر للن�شر ط‪146/ 1،1‬‬ ‫‪ -9‬اجلزري ‪� :‬أبو ال�سعادات املبارك‪ ،‬النهاية يف غريب احلديث والأثر‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬حتقيق ‪:‬طاهر �أحمد ‪.669 / 2،‬‬ ‫‪ -10‬ال�سرية النبوية البن ه�شام‪.91/1، ،‬‬ ‫‪.}736 . p ,1981 ,See: Oxford Universal Dictionary, Compiled by Joyce M . Hawkins, Oxford University Press, Oxford -11‬‬ ‫‪ -12‬العمرو‪ :‬عبد اهلل بن حممد‪� ،‬أ�سباب ظاهرة الإرهاب‪� -‬ص‪ ،5‬م�صدر الكتاب ‪:‬‬ ‫موقع الإ�سالم ‪.http://www.al-islam.com‬‬ ‫‪�-13‬سنن �أبي داود‪ ،‬باب يف قتال الل�صو�ص‪ ،‬حديث رقم ‪. 391/4 ،4772‬‬ ‫‪ -14‬اجلامع لأحكام القر�آن للقرطبي‪.226 / 7 ،‬‬ ‫‪ -15‬جملة البحوث العلمية ‪ :‬العدد الرابع والع�شرون ‪1409‬هـ‪� ،‬صفحة ‪.386‬‬ ‫‪ -16‬الزهراين ‪� :‬سعيد بن عائ�ض ‪ -‬م�س�ؤولية املثقف الإ�سالمي جتاه ق�ضايا الإرهاب‪ -‬م�صدر الكتاب موقع الإ�سالم ‪� ،http://www.al-islam.com‬ص ‪.21‬‬ ‫‪� -17‬سانو‪ :‬قطب م�صطفى‪ ،‬يف م�صطلح الإرهاب وحكمه قراءة نقدية يف املفهوم واحلكم من منظور �شرعي ‪� -‬ص‪14‬‬

‫‪66‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ب‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫بيان من المنتدى العالمي للوسطية‬ ‫يحمل الحوثيين وداعش مسؤولية‬ ‫ّ‬ ‫الحرب في المنطقة‬

‫‪2014/09/29‬م‬ ‫ت�شهد املنطقة تطورات مت�سارعة بالغة اخلطورة على كل امل�ستويات‪ ،‬حيث تعاظم مد التطرف يف كل من اليمن‬ ‫والعراق وال�شام‪ ،‬وقام املتطرفون بارتكاب �سل�سلة جمازر بحق الأبرياء‪ ،‬ت�سببت يف تهجري مئات الآالف من ال�سكان‪،‬‬ ‫وتدمري معامل احل�ضارة يف بالد الرافدين‪ ،‬و�أ�شعلوا �أر�ض ال�شام ال�شريف والعراق ال�صابر ب�سل�سلة حروب ال تنتهي‪.‬‬ ‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬يعترب �سلوك احلوثني وداع�ش‪ ،‬وما قاموا به من جرائم بحق الأبرياء‪ ،‬حتت �شعار �إعالن‬ ‫اخلالفة‪ ،‬خروج ًا كام ًال على �أحكام الإ�سالم ور�سالته يف الرحمة وال�سالم‪ ،‬ويحمل هذه التنظيمات امل�س�ؤولية الكاملة‬ ‫عن �إ�شعال هذه احلروب‪ ،‬وما تت�سبب به من �ضحايا وكوارث على امل�ست�ضعفني يف الأر�ض‪ ،‬وت�شريد املاليني؛ مما �أدى �إىل‬ ‫اجنرار كثري من ال�شباب �إىل العنف؛ الذي كان خيار ًا �أ�سود ًا �أجرب عليه للخال�ص من القهر والظلم والعدوان‪.‬‬ ‫و�إذ يـرفع ه�ؤالء املتطرفون �شعارهم‪" :‬خالفة على منهاج النبوة"‪� ،‬أو �إثارة الفتنة الطائفية‪ ،‬ف�إن املنتدى يذكر‬ ‫ب�أن منهاج النبوة يف بناء " دولة املدينة " مل يكن عرب �إراقة الدماء‪ ،‬وت�شريد النا�س؛ اذ قامت دولة الإ�سالم على‬ ‫قاعدة املحبة‪ ،‬ومل يتم ت�شريد �شخ�ص واحد‪ ،‬وكذلك ُفتحت مكة باملحبة‪،‬والعفو‪،‬والغفران‪ ،‬ولي�س بالدماء والرعب‬ ‫والإبادة‪(،‬اذهبوا ف�أنتم الطلقاء)‪.‬‬ ‫�إننا نطالب املجتمع الدويل‪ ،‬والنظام العربي‪ ،‬والإ�سالمي‪ ،‬القيام مب�س�ؤوليته يف مواجهة الإرهاب‪ ،‬ورفع الظلم بكافة‬ ‫�أ�شكاله و�ألوانه وبكل م�س�ؤوليته‪ ،‬وندعو �إىل تقوى اهلل واجتناب املدنيني‪ ،‬وعدم الوقوع يف �شرك اجلماعات املتطرفة‬ ‫لنقل احلرب �إىل املدن‪ ،‬وتنفيذ املخططات الهادفة �إىل تق�سيم البالد وزرع الفرقة‪ ،‬يف كل من العراق و�سوريا واليمن‬ ‫وليبيا‪ ،‬وغريها من الدول العربية والإ�سالمية امل�ستهدفة‪.‬‬ ‫كما ندعو �سائر العاملني يف احلقل الإ�سالمي؛ ال�ستنفار اجلهد والوقت يف ت�صحيح املفاهيم التي مت ت�شويهها عن‬ ‫الإ�سالم ور�سالته الإن�سانية‪ ،‬وبالتايل العمل على �إعداد جيل متح�صن بالعلم واملعرفة‪ ،‬خا�صة يف مواجهة حركات‬ ‫العنف املذهبي التي تقدم تف�سريا‪ ،‬خاطئ ًا خمتلف ًا حمرف ًا للقر�آن الكرمي‪ ،‬والقيم الإ�سالمية‪ ،‬يتناق�ض مع روح املحبة‬ ‫وال�سالم والإخاء الإن�ساين‪ ،‬وهو ما �سهلت الإقدام عليه كرد فعل مقابل‪ ،‬ممار�سات وخمططات مذهبيه‪ ،‬ت�ستهدف‬ ‫املنطقة يف �إطار �إ�سرتاتيجية معلنة غري جمهولة‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪67‬‬


‫ب‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫بيان حول العدوان‬

‫اإلسرائيلي على غزة‬

‫يناير‪2014/‬م‬ ‫املنتدى العاملي ي�ستنكر اجلرائم الإ�سرائيلية الظاملة بحق �أهلنا يف غزة‪ ،‬الذي يتوا�صل ب�شكل ال يراعي �أدنى‬ ‫ون�ساء؛ �إذ خلف‬ ‫االحرتام للمواثيق الدولية وقوانني احلرب‪،‬وي�ستهدف ال�شعب الفل�سطيني الأعزل اطفا ًال‬ ‫ً‬ ‫مئات ال�ضحايا الأبرياء‪،‬و�آالف اجلرحى ودمار للمن�ش�آت وامل�ؤ�س�سات والبنية التحتية‪.‬‬ ‫�إن هذا العدوان هو عمل �إرهابي جبان‪ ،‬ي�ستهدف زعزعة اال�ستقرار والطم�أنينة‪ ،‬وزرع الفو�ضى‪،‬والعنف‪،‬ويدمر‬ ‫جهود البناء يف املنطقة‪،‬وهو �شكل من �أ�شكال البلطجة والعربدة الدولية‪ ،‬وي�شكل جرمية �إن�سانية يف هذا‬ ‫ال�شهر املبارك بحق ال�شعب الفل�سطيني الأعزل ويكر�س االحتالل غري امل�شروع للأرا�ضي الفل�سطينية‪.‬‬ ‫كما نطالب م�صر ال�شقيقة بفتح املعرب‪،‬وكذلك نطالب املجتمع ال��دويل التفرقة بني الدفاع عن النف�س‪،‬‬ ‫ومقاومة االحتالل وبني الإرهاب‪.‬‬ ‫من هذا املنرب ف�إن املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬يطالب املجتمع ال��دويل بوقف هذا العدوان بالقوة‪،‬ووقف‬ ‫�إط�لاق النار الفوري‪ ،‬وكذلك رفع احل�صار‪ ،‬وتكاتف اجلهود لإع��ادة اعمار غ��زة؛لأن هذا العدوان ي�صنع‬ ‫الكراهية‪،‬والتطرف والعنف‪،‬ويقو�ض فر�ص البناء والإعمار ولن يتحقق هذا الهدف �إال بتعاون القوى العربية‬ ‫والإ�سالمية والدولية‪ ،‬و�إجبار �إ�سرائيل على احرتام حق ال�شعب الفل�سطيني يف احلياة الكرمية و�إعادة احلق‬ ‫لأهله؛ ليعي�ش اجلميع ب�سالم و�أمان يف جو ت�سوده العدالة واال�ستقرار‪ ،‬فال�شعب الفل�سطيني عا�ش مبا فيه‬ ‫الكفاية من م�آ�س وويالت وحروب‪،‬وعانى من الظلم والقهر والعدوان ماال يعي�شه �شعب على وجه الأر�ض‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ب‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫بيان حول تهجير‬

‫المسيحيين من الموصل‬ ‫‪2014/07/27‬م‬ ‫�صدم العامل الإ�سالمي باملمار�سة التي يقوم بها تنظيم‬ ‫(دول���ة ال��ع��راق وال�����ش��ام الإ���س�لام��ي��ة) جلهة ا�ضطهاد‬ ‫امل�سيحيني‪،‬وتهجريهم من مدينة املو�صل‪ ،‬واعتبار ذلك‬ ‫ت�صرف ًا �شرعي ًا تقوم به خالفة �إ�سالمية يف حق �أهل‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫و�إن املنتدى العاملي للو�سطية‪� ،‬إذ يبني �أن هذه املمار�سات‬ ‫تعترب تزييف ًا لل�شريعة ال�سمحاء‪،‬وتبدي ًال لدين اهلل تعاىل‬ ‫الذي جاء رحمة للعاملني‪ ،‬و�أعلن ب�صريح الن�ص القر�آين‬ ‫�أنه ال �إك��راه يف الدين‪ ،‬و�أن الذين يخريون بني اجلزية‬ ‫وال�سيف‪،‬هم �أولئك املحاربون من املقاتلة الذين كادوا‬ ‫للإ�سالم و�أهله‪ ،‬وحاربوا الأمة و�أمكن اهلل منهم‪ ،‬ولي�س‬ ‫�أولئك امل�ساملني الذين �شملتهم و�صايا الر�سول الكرمي ‪-‬عليه ال�صالة وال�سالم‪-‬باملعاملة باحل�سنى واملعروف واالحرتام‪،‬حتت‬ ‫يل َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم ِبا َّل ِتي ِه َي‬ ‫قاعدة �أمرنا برتكهم وما يدينون‪ ،‬والعمل بقوله تعاىل‪(:‬ا ْد ُع �إِلىَ َ�س ِب ِ‬ ‫�أَ ْح َ�سنُ )‪.‬‬ ‫اب �إِ اَّل ِبا َّل ِتي ِه َي‬ ‫وقد �أو�صى ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬ب�أهل الكتاب ونزل يف ذلك قر�آن كرمي( َو اَل تجُ َ ا ِد ُلوا �أَ ْه َل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫احدٌ َو َن ْحنُ َلهُ ُم ْ�س ِل ُمونَ ) (العنكبوت‬ ‫نز َل ِ�إ َل ْي ُك ْم َو�إِ َل ُه َنا َو�إِ َل ُه ُك ْم َو ِ‬ ‫نز َل �إِ َل ْي َنا َو ُ�أ ِ‬ ‫�أَ ْح َ�سنُ ِ�إ اَّل ا َّل ِذينَ َظ َل ُموا ِم ْن ُه ْم َو ُقو ُلوا �آ َمنَّا ِبا َّل ِذي �أُ ِ‬ ‫‪.)46‬‬ ‫كما جاء القر�آن الكرمي بالثناء على طائفة من �أهل الكتاب من الق�سي�سني والرهبان الذي �أظهروا احرتام ًا وود ًا للإ�سالم‬ ‫َّا�س َعدَ ا َو ًة ِللَّ ِذينَ �آ َمنُوا ا ْل َي ُهو َد َوا َّل ِذينَ �أَ ْ�ش َر ُكوا َو َل َت ِجدَ نَّ �أَ ْق َر َب ُه ْم َم َو َّد ًة ِللَّ ِذينَ �آ َمنُوا ا َّل ِذينَ‬ ‫و�أهله‪ ،‬فقال تعاىل‪َ ( :‬ل َت ِجدَ نَّ �أَ َ�شدَّ الن ِ‬ ‫ي�س َ‬ ‫ني َو ُر ْه َبا ًنا َو َ�أ َّن ُه ْم اَل َي ْ�س َت ْكبرِ ُ ونَ ‪).‬‬ ‫َقا ُلوا �إِنَّا َن َ�صا َرى َذ ِل َك ِب َ�أنَّ ِم ْن ُه ْم ِق ِّ�س ِ‬ ‫وفاء مع الفتى الن�صراين من‬ ‫ونذكر الأمة باملكانة اخلا�صة التي �أ�شار �إليها ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬لإقليم نينوى ً‬ ‫نينوى عدا�س‪،‬الذي خدم ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬يوم الطائف‪ ،‬وقال لعدا�س‪�:‬أعرف نينوى �إنها بلد �أخي يون�س‪ ،‬هو‬ ‫نبي و�أنا نبي‪.‬‬ ‫�إننا ندعو الدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام‪�،‬أن يراجعوا مواقفهم بناء على كتاب اهلل و�سنة ر�سوله‪ ،‬لوقف الظلم و�إحقاق‬ ‫احلق‪ ،‬ف�إن الرتاجع عن اخلط�أ خري من التمادي يف الباطل‪.‬‬ ‫كما ندعو �سائر الدول الإ�سالمية والهيئات واملراجع الدينية‪�،‬أن يقوموا بتبيني موقف الإ�سالم احلق من هذه املمار�سات‪،‬‬ ‫وا�ستنكارها بكل الو�سائل ن�صرة لدين اهلل القائم على الرحمة والت�سامح واحلوار‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪69‬‬


‫ب‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫لوسطية‬ ‫بيان حول أحداث اليمن‬ ‫‪2014/09/24‬م‬

‫قال تعاىل‪�( :‬إِنمَّ َ ا المْ ُ�ؤْ ِمنُونَ �إِخْ َو ٌة َف�أَ ْ�ص ِل ُحوا بَينْ َ �أَ َخ َو ْي ُك ْم َوا َّتقُوا اللهَّ َ َل َعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمونَ )‬

‫(�سورة احلجرات‪) 10:‬‬ ‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية تابع ما حدث يوم الأحد املا�ضي املوافق ‪2014/09/21‬م من‬ ‫اقتتال واعت�صامات على �أر�ض اليمن احلبيب‬ ‫لذا ف�إنه‪:‬‬ ‫‪ .1‬ينا�شد جميع الأطراف املت�صارعة على �أر�ض اليمن �ضبط النف�س وتغليب لغة احلوار والعقالنية واحلكمة على لغة ال�سالح‪.‬‬ ‫‪ .2‬وقف الإعالم التحري�ضي وكافة �أ�شكال الإثارة الطائفية واحلزبية وغريها‪ ،‬واحلفاظ على وحدة اليمن وا�ستقراره‪.‬‬ ‫‪ .3‬الت�أكيد على حق اجلميع يف التعبري عن �آرائهم �سلمي ًا وفق ًا للقانون وبعيد ًا عن جماالت العنف‪.‬‬ ‫‪ .4‬يعرب املنتدى عن احلزن ال�شديد للأرواح التي �أزهقت والدماء التي �سالت يف العا�صمة �صنعاء وغريها من مدن �صنعاء‪.‬‬ ‫‪ .5‬يطالب جميع الأطراف بالتوقف مبو�ضوعية وم�س�ؤولية �أمام كافة املتغريات ال�سيا�سية واالقت�صادية والأمنية والعمل على‬ ‫تطويق‬ ‫كافة التداعيات باملزيد من العمل ال�سيا�سي والتوا�صل بني كافة الأطراف ومناق�شة ق�ضايا اخلالف مبا يحقق م�صلحة اليمن‬ ‫احلبيب‪.‬‬ ‫‪ .6‬كما ويدعو قادة الدول العربية والإ�سالمية يتحمل م�س�ؤوليتهم نحو اليمن وغريه من البلدان العربية والإ�سالمية‪.‬‬

‫بيان حول إعالن الخالفة‬ ‫اإلسالمية‬

‫�أيلول‪2014/‬‬ ‫تابع املنتدى العاملي للو�سطية الأح��داث اجلارية يف املنطقة العربية وخا�صة �إعالن تنظيم دولة العراق وال�شام( داع�ش)‬ ‫للخالفة‪ ،‬ومبايعة �أمري التنظيم خليفة للم�سلمني‪ ،‬و�إن املنتدى العاملي للو�سطية ي�ؤكد على النقاط االتية ‪:‬‬ ‫‪� .1‬إن اخلالفة الإ�سالمية جامعة لكل فرق الأمة ومذاهبها‪ ،‬ولكل املواطنني من �أ�صحاب الديانات الأخرى؛ كدولة النبوة واخلالفة‬ ‫الرا�شدة والتي جمعت كل �أطياف الأمة‪ ،‬وال ميكن لها �أن تقت�صر على مذهب معني‪� ،‬أو دين منفرد‪.‬‬ ‫‪� .2‬إن اخلالفة الإ�سالمية يجب �أن تنبثق عن ر�أي علماء وفقهاء الأمة املعتربين‪ ،‬و�أن ت�ست�شار يف ذلك ال�شعوب؛ خا�صة‪ ،‬وو�سائل‬ ‫اال�ستفتاء �أ�صبحت مي�سورة ومتاحة ( َو�أَ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم)( َو َ�شا ِو ْرهُ ْم فيِ الأ ْم ِر)‪.‬‬ ‫‪ .3‬هنا نت�ساءل مل�صلحة من جاء �إعالن اخلالفة الإ�سالمية يف هذا الوقت بالذات‪ ،‬والتي ُيعتقد �أن �إعالنها يخدم الأجندات‬ ‫اخلارجية واملعادية للأمة‪ ،‬و�سيوظف �إعالنها املت�سرع لت�شويه مفاهيم الإ�سالم ال�صحيحة‪ ،‬كما �أنه �سيحد وي�ؤخر من تطلعات‬ ‫ال�شعوب للحرية‪ ،‬والعدالة‪ ،‬وامل�ساواة‪ ،‬ويزيد من فر�ص العداء‪ ،‬وعدم الثقة بني مذاهب الأمة ‪ ،‬ويدفع باملزيد من التطرف والغلو‬ ‫‪ ،‬ويرفع من احتمالية التناحر والتقاتل ما بني امل�سلمني وغريهم من �أتباع الديانات الأخرى‪.‬‬ ‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية �إذ ي�ؤكد �أن الإ�سالم جاء لتحقيق العدل وامل�ساواة بني جميع القاطنني بديار الإ�سالم‪ ،‬حمافظ ًا على‬ ‫حقوقهم الإن�سانية وحرية معتقداتهم ‪.‬‬ ‫ويطالب املنتدى علماء الأمة ومفكريها‪ ،‬وقادة الر�أي فيها‪ ،‬املبادرة اىل تو�ضيح موقف الإ�سالم من هذه الق�ضايا اخلالفية‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫نشاطات المنتدى لشهر تموز ‪2014‬‬ ‫الور�شة الإقليمية يف رو�سيا االحتادية‬ ‫لقد �شارك املنتدى العاملي للو�سطية يف الأردن يف الور�شة التي عقدت يف مدينة ( بياتغور�سك) التابعة لدولة رو�سيا االحتادية‬ ‫ملدة ثالثة �أيام بد�أت من يوم ‪ 2014/6/17‬وانتهت يف يوم ‪ ، 2014 /6/19‬وكانت بعنوان ( تفعيل م�ضامني الدليل اال�سرت�شادي‬ ‫يف احلوار مع الآخر‪ ،‬ودور الت�سامح الإ�سالمي يف معاجلة ال�صور ال�سلبية عن امل�سلمني ) ‪،‬وقد �شارك يف هذه الور�شة عن املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية من الأردن ‪ :‬الدكتور حممد الق�ضاة‪ ،‬والدكتور زهاء الدين عبيدات‪ ،‬والدكتور حممد احلاج‪ ،‬وممثل االي�سيكو‬ ‫الدكتور عزالدين معمي�ش‪ ،‬والدكتور احمد �شكري‪ ،‬ومفتى الإدارة الدينية يف �إقليم ا�ستافروبول ال�شيخ حممد حجي رحيموف‪،‬‬ ‫ونائبه ال�شيخ وليد ح�سني‪ ،‬وعدد من العلماء من الدول العربية والإ�سالمية‪ ،‬وعدد من مفتي الإدارات الدينية الإ�سالمية‬ ‫يف رو�سيا االحتادية‪ .‬وح�ضر الور�شة عمدة مدينة بياتغور�سك‪ ،‬وبع�ض‬ ‫الق�ساو�سة‪ .‬وكان للور�شة �أثر �إيجابي يف تغيري ال�صور ال�سلبية امل�أخوذة‬ ‫عن امل�سلمني‪ .‬وقد زار امل�شاركون كلية ال�صيدلة يف مدينة بياتغور�سك‪،‬‬ ‫والتقوا برئي�س اجلامعة ونائبة؛ اذ مت �شرح موجز عن الور�شة‪ ،‬ومت‬ ‫الطلب من رئي�س اجلامعة التعاون مع االي�سيكو و املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫يف عقد ندوات‪ ،‬وور�شات عمل لتعريف الطلبة ب�سماحة الإ�سالم وعدله‪،‬‬ ‫ورحب الرئي�س بذلك على �أن يتم االتفاق مع االي�سي�سكو على تواريخ‬ ‫هذه الندوات ‪ ،‬واختتمت الور�شة �أعمالها مبجموعة من التو�صيات‪.‬‬

‫حفل االفطار ال�سنوي‬ ‫برعاية من دولة رئي�س ال��وزراء الدكتور عبد اهلل الن�سور‪� ،‬أقام املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية حفل �إفطار يف مدينة احل�سني لل�شباب يف قاعة عمان يوم الثالثاء‬ ‫‪ 2014/7/7‬م ؛ �إذ ح�ضر احلفل ع��دد من ال���وزراء وال�سفراء‪ ،‬ورج��ال الدين‬ ‫وال�شخ�صيات العامة‪ ،‬وقد بد�أ احلفل بتالوة عطرة من القر�آن الكرمي ‪،‬ومن ثم �ألقى‬ ‫الأمني العام للمنتدى‪ ،‬عطوفة املهند�س مروان الفاعوري كلمة ترحيبية �شكر فيها‬ ‫وخ�ص بال�شكر دولة ال�صادق املهدي زعيم‬ ‫ال�ضيوف الكرام على تلبية هذه الدعوة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حزب الأمة ال�سوداين‪ ،‬الذي ح�ضر من ال�سودان ملبي ًا هذه الدعوة‪،‬من جانبه �شكر ال�صادق املهدي زعيم حزب الأمة ال�سوداين‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية على هذه الدعوة الكرمية‪ ،‬التي �أ�صبحت �سنة ح�سنة ا�ستنها‬ ‫املنتدى يف كل عام ‪ ،‬و�أكد املهدي على �أهمية فتح باب االجتهاد الفكري‪ ،‬و�إعطاء العقل‬ ‫دوره يف البناء احل�ضاري للأمة ‪ ،‬مو�ضح ًا �أن من �أهم �أ�سباب الغلو والتطرف الذي �أدى‬ ‫�إىل ا�شتعال احلرائق يف بالد امل�سلمني هي ‪ :‬اال�ستبداد ‪ ،‬والف�ساد ‪ ،‬والظلم االجتماعي ‪،‬‬ ‫والتبعية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل تداعيات التدخالت اخلارجية ‪ ،‬ومن ثم �ألقى ف�ضيلة الدكتور‬ ‫حممد راتب النابل�سي كلمة حول مفهوم اال�ستخالف يف الأر���ض‪ ،‬والتمكني للمتقني‬ ‫يف الأر���ض‪ ،‬كذلك �ألقى الطبيب الدكتور ذيب عبداهلل خطاب ق�صيدة بعنوان ( نهج‬ ‫ال�صاحلني ) ومن ثم مت تناول الإفطار ‪ ،‬و�صل احلا�ضرون �صالة املغرب جماعة ‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪71‬‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫ور�شة اقليمية حول "منهج الو�سط يف التعامل مع اخلالفات الفقهية"‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع اجلامعة الإ�سالمية العاملية ب�إ�سالم �آباد‪ ،‬يوم الأربعاء املوافق ‪ 2014/7/18‬م‬ ‫وبرعاية كرمية من رئي�س اجلامعة‪ ،‬وراعي مكتب املنتدى العاملي للو�سطية بباك�ستان‪ ،‬الأ�ستاذ الدكتور �أحمد يو�سف الدريو�شي؛‬ ‫اذ �شارك يف هذا اللقاء العلمي ثلة من رواد الفكر‪ ،‬ونخبة من العلماء وزعماء التيارات‬ ‫الدينية الباك�ستانية من خمتلف �أنحاء البالد العربية واال�سالمية ‪ ،‬وبلغ عددهم‬ ‫حوايل خم�سين ًا مفتي ًا و مثقف ًا وخمت�ص ًا بالعلوم الدينية وامل�شكالت املعا�صرة ‪.‬‬ ‫وقد بد�أت الدورة بكلمات افتتاحية‪ ،‬قدمها رئي�س الور�شة وامل�شرف العام على ن�شاطات‬ ‫املنتدى بباك�ستان‪ ،‬الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري هن�أ فيها امل�شاركني و�شكرهم‬ ‫على حتمل م�شقة ال�سفر لهذا الق�صد املبارك‪ ،‬ثم عر�ض �أهداف الور�شة كما بني �أهمية‬ ‫�إنعقاد هذه الدورة يف ظل الظروف‪ ،‬والتحديات التي تعاين منها الأمة الإ�سالمية ‪�،‬أتبعه بعد ذلك كلمات معايل رئي�س اجلامعة‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور �أحمد يو�سف الدريوي�ش‪ ،‬التي بد�أ فيها ب�شكر اللجنة املن�سقة بالإهتمام يف هذا املو�ضوع و�أكد على �أهمية دور‬ ‫املفتيني يف هذا املجتمع‪ ،‬الذي يبني عقيدته وحياته متم�سك ًا ب�أ�س�س وقواعد ال�شريعة‪ .‬ثم ركز معايل رئي�س اجلامعة يف كلمته‬ ‫على �أدب االختالف يف الإ�سالم مبين ًا منهج ال�سلف ال�صالح يف التعامل مع اخلالفات الفقهية‪ .‬ثم قام معايل رئي�س اجلامعة‬ ‫بتقدمي كتب ذات ال�صلة مبو�ضوع الور�شة والتي تربع ب�إهدائها املنتدى العاملي للو�سطية‪ .‬تلى ذلك كلمة الأ�ستاذ الدكتور حممد‬ ‫طاهر من�صوري‪ ،‬والتي بني فيها قاعدة التو�سع يف الأخذ من املذاهب املختلفة باحتاد الأ�س�س والقواعد عند الإفتاء‪.‬‬ ‫ثم عر�ض ال�شيخ الدكتور طاهر حكيم من تاريخ ال�سلف ال�صالح‪ ،‬مواقف يتجلي لنا موقف االختالف يف الآراء مع احرتام �آراء‬ ‫الآخرين‪ .‬وبعد ذلك عر�ض الدكتور ع�صمت اهلل قواعد �شرعية للتكفري‪ ،‬والتي نبه فيها امل�شاركني بخطورة التكفري‪ ،‬وبني فيها‬ ‫م�سببات التكفري وموانعه‪ .‬كما �أ�سند مقاله ب�أحداث يف عهد اخللفاء الرا�شدين‪ .‬بالإ�ضافة �إىل ذلك فقد قدمت جمموعة من‬ ‫يت�سم بالو�سطية واالعتدال‪ ،‬والت�سامح بعيد ًا عن الغلو والإفراط‪.‬‬ ‫الأوراق التي ركزت على �إبراز الوجه احلقيقي للإ�سالم الذي ّ‬ ‫ويف احلفل اخلتامي �ألقى معايل رئي�س جمل�س الفكر الإ�سالمي‪ ،‬ال�شيخ حممد خان‬ ‫�شرياين كلمته التي بني فيها �أن الفتوى‪ ،‬واحلكم يلزمه التخل�ص من التع�صب‪ .‬ويف‬ ‫اخلتام انتهت ن�شاطات الدورة بعد �أن تعاهد امل�شاركون بالتم�سك مبنهج الت�سامح‬ ‫واالعتدال‪ ،‬وعدم التع�صب وا�ستلموا �شهادات امل�شاركة‪.‬‬

‫حفل �إفطار جلمعية �أيتام البقعة‬

‫�أقام املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬يوم الثالثاء املوافق ‪ 2014/7/15‬حفل �إفطار جلمعية �أيتام البقعة ‪،‬وح�ضر احلفل ما يقارب‬ ‫(‪ )100‬يتيم‪ ،‬وكانت الفرحة متلأ وجوههم ‪ ،‬واختتم احلفل بالأنا�شيد الدينية ‪.‬‬

‫ن�شاطات الفروع ‪:‬‬

‫‪ -1‬احتفا ًال بقرب قدوم �شهر رم�ضان املبارك‪� ،‬أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ‪/‬جر�ش ندوة حوارية حتدث فيها كل‬ ‫من اال�ستاذ الدكتور حممد نايف زريقات‪ ،‬والأ�ستاذة املحامية �سهام بني م�صطفى ‪.‬وقد �أ�ستهل رئي�س املنتدى اللقاء بالرتحيب‬ ‫بال�ضيوف واحل�ضور الكرام‪ ،‬وهن�أهم بقرب حلول �شهر رم�ضان املبارك ‪،‬و�أدارت ال�سيده فاطمة العراعره رئي�سة جلنة املر�أة يف‬ ‫جر�ش اللقاء؛ حيث حتدثت عن �أهمية الو�سطية واالعتدال يف �شهر الرحمة �شهر رم�ضان املبارك‪،‬وتناول الدكتور حممد زريقات‬ ‫اهمية االعتدال والو�سطية يف املنهج الإ�سالمي‪ ،‬و�أعطى مناذج حية يف هذا املو�ضوع يف �ضوء خربته االكادميية واالجتماعية‪.‬‬ ‫وحتدث عن فوائد املنهج الإ�سالمي يف الو�سطية‪ ،‬واثر ذلك على الأفراد واملجتمعات‪.‬ثم حتدثت الأ�ستاذة املحامية �سهام بني‬ ‫م�صطفى عن قانون الأحوال ال�شخ�صية الأردين‪ ،‬وتناولت �أمثلة حول اهمية االعتدال والو�سطية يف التعامل مع امل�شكالت‬

‫‪72‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫الزوجية من واقع عملها كمحامية �شرعية‪ .‬و�أكدت على �أهمية التكاف�ؤ يف‬ ‫الزواج‪ ،‬واالبتعاد عن تدخالت االهل ال�سلبية ‪.‬وقد قام احل�ضور بالثناء على‬ ‫املنتدى وعلى مثل هذه الن�شاطات‪ ،‬وطالبوا املنتدى بتعزيز مثل هذه الفعاليات‬ ‫والأن�شطة م�ستقب ًال‪.‬‬ ‫‪ -2‬اقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافه ‪ -‬فرع ال�سلط ‪ -‬حما�ضرة يف امل�سجد‬ ‫ال�صغري يوم اجلمعه بعنوان "الطاعات يف اال�سالم مفهوما وممار�سة وا�ستثمارا‬ ‫يف �صنع اخلري" القاها الدكتور هاين العابد مفتي املحافظة‪ ،‬و�سط جمع من‬ ‫احل�ضور؛ حيث تناول �أهمية العبادات يف الإ�سالم و�أثرها يف تهذيب النفو�س‪،‬‬ ‫والإ�صالح املجتمعي والتوا�صل الإن�ساين‪ ،‬كما ا�شتمل اللقاء على �أ�سئلة من احل�ضور الفقهية يف مو�ضوعات متنوعة‪ :‬مثل‬ ‫م�سائل ال�صالة‪ ،‬والزكاة وال�صيام‪ ،‬و�إحكام العبادات‪ .‬و�أجاب املحا�ضر على هذه الأ�سئلة ‪،‬وقال �أحيا عربيات رئي�س املنتدى‬ ‫بان هذه اللقاءات واملحا�ضرات التي ينظمها املنتدى تاتي من باب اعمار بيوت اهلل يف رم�ضان بالعبادة والعلم‪ .‬وقال ان‬ ‫املنتدى �سين�شط يف رم�ضان لتقدمي الن�شاطات املحببه عند النا�س خا�صة يف هذا ال�شهر الف�ضيل ‪.‬‬

‫ن�شاطات جلنة املر�أة ‪:‬‬

‫‪ -1‬ب��د�أت ي��وم الأح��د املوافق ‪ 2014-7-6‬امتحانات امل�سابقة القر�آنية‬ ‫الرم�ضانية ال�سنوية الثالثة‪ ،‬والتي د�أب املركز القر�آين على �إطالقها؛ حر�ص ًا‬ ‫منه على رعاية ال�شباب وتعزيز هويتهم احل�ضارية ‪ ،‬و�إك�سابهم قيم احلق‬ ‫والعدل‪ ،‬وتوجيههم �إىل منهج الو�سطية فكر ًا‪ ،‬واعتقاد ًا‪ ،‬و�سلوك ًا‪ ،‬وامل�ستمد من‬ ‫الدين احلنيف‪ ،‬وخ�ص�ص هذا اليوم المتحان امل�ستوى االول واملقرر فيه حفظ‬ ‫خم�سة �أج��زاء من القر�آن الكرمي ‪ ،‬للفئة العمرية من ‪� 18‬سنة – ‪� 25‬سنة‬ ‫للجن�سني‪.‬‬ ‫‪ -2‬حفل تكرمي الفائزين بامل�سابقة القر�آنية الرم�ضانية ال�سنوية الثالثة‬ ‫�أقام املركز القر�آين يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‪� ،‬صباح اليوم الأربعاء ‪ 2014/7/23‬م املوافق ‪/25‬رم�ضان‪1435/‬هـ‪.‬‬ ‫حف ًال تكرميي ًا للفائزين بامل�سابقة القر�آنية الرم�ضانية ال�سنوية الثالثة ؛ حيث ت�ضمن برنامج احلفل بعد تالوة عطرة من‬ ‫القر�آن الكرمي قدمها الفائز بامل�ستوى الثاين ال�شاب طارق املومني‪ ،‬وقد مت عر�ض تقدميي عن املركز القر�آين يف �سطور‪،‬‬ ‫بعدها حتدث الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية م‪ .‬مروان الفاعوري حول التحديات التي يواجهها العامل الإ�سالمي يف‬ ‫هذه احلقبة من الزمن؛ �إذ تكالبت الأمم على ال�شعوب امل�سلمة �إبادة و�إق�صاء‪ ،‬ونوه �إىل �أهمية ت�سليح اجليل بالعلم واملعرفة‪،‬‬ ‫والتم�سك بكتاب اهلل ملواجهة هذه التحديات‪ ،‬ال�ستعادة الأمة جمدها وعزها و�صدارتها بني الأمم‪.‬‬ ‫و�أو�ضحت د‪ .‬فايزة ال�سكر ع�ضو جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية‪ ،‬وامل�شرفة يف املركز القر�آين يف كلمتها �إىل �أهمية دور‬ ‫الأ�سرة يف �إعداد اجليل ال�صالح احلافظ لكتاب اهلل‪ ،‬كما �شكرت �أمهات الفائزين على دورهن الرتبوي االيجابي مع �أبنائهن‬ ‫وحر�صهن على �إعدادهم للحياة؛ مزودين ب�سالح الإميان والعلم‪.‬ثم ا�ستمع احل�ضور �إىل قراءات قر�آنية عطرة للفائزين‬ ‫عن امل�ستويات الثالثة ؛ بعدها تف�ضل املهند�س مروان الفاعوري بت�سليم الفائزين جوائزهم حيث مت تقدمي (‪ )100‬دينار‬ ‫لثالثة فائزين عن امل�ستوى الأول احلافظني خلم�سة �أجزاء ‪،‬و (‪ )75‬دينار لثالثة فائزين عن امل�ستوى الثاين احلافظني‬ ‫لثالثة �أجزاء ‪ ،‬و (‪ )50‬دينار لأربعة فائزين عن امل�ستوى الثالث احلافظني جلزء عم ‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل تقدمي جوائز تر�ضية‬ ‫للم�شاركني املتميزين الذين ح�صلوا على ‪ 90‬فما فوق عن امل�ستوى الثالث ت�شجيع ًا لهم لال�ستمرار يف طريق القر�آن ‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪73‬‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫وقبل اخلتام قام الأمني العام بتقدمي درع املنتدى لع�ضو جلنة املر�أة ال�سيدة �إميان غزاوي؛ تكرمي ًا لها حل�صولها على‬ ‫�شهادة الدكتوراه يف التف�سري وعلوم القر�آن بعنوان ‪( :‬التوظيف احلداثي لتف�سري �آيات القر�آن الكرمي وا�شكالياته‬ ‫درا�سة حتليلية نقدية)‪ ..‬وتبحث الر�سالة يف الفكر املنحرف وتدعو �إىل املنهج الو�سطي يف احلياة‪ ،‬والذي هو جوهر‬ ‫ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية ‪ ،‬وقامت بدورها د‪� .‬إميان غزاوي ب�إهداء �أطروحتها للمنتدى العاملي للو�سطية؛تقدير ًا‬ ‫جلهوده يف دعم وتعزيز الفكر الو�سطي والتي قبلها الأمني العام �شاكر ًا لها هذا الإه��داء؛ حيث �ستحفظ يف مكتبة‬ ‫املنتدى ك�إحدى مرجعيات الفكر الو�سطي‪ .‬وقد ح�ضر احلفل عدد كبري من املهتمني بهذا املجال بالإ�ضافة �إىل �أولياء‬ ‫�أمور الفائزين الذين �أ�شادوا بدور املنتدى يف رعاية اجليل‪ ،‬وتوجيهه �إىل امل�سار امل�ستقيم يف منهج حياته ‪.‬‬ ‫باال�ضافة �إىل الن�شاطات امل�ستمرة االتية ‪:‬‬

‫الن�شاط‬

‫اطالق دورة تف�سري وحتفيظ القر�آن‬ ‫اطالق دورة القاعدة النورانية‬ ‫ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى االول‬ ‫ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى الثاين‬ ‫ا�ستمرار دورة حتفيظ القر�آن للنا�شئة‬ ‫ا�ستمرارالدر�س الديني اال�سبوعي‬

‫‪74‬‬

‫الزمان‬

‫كل �ســــبت ‬ ‫كل �أحــــــد‬ ‫كل اثنني و �أربعاء ‬ ‫كل ثالثاء وخمي�س‬ ‫كل �ســــبت‬ ‫كل �أربعاء‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫نشاطات المنتدى شهر آب ‪2014‬‬ ‫‪"-1‬دور العلماء يف النهو�ض بالأمة (حتديات الهوية)" �شارك الأم�ين العام للمنتدى‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري يف م�ؤمتر الذي عقد يف ا�سطنبول يف الفرتة من ‪2014/8/21-19‬م‪،‬‬ ‫وت�ضمن االفتتاح عر�ض تقرير ال��دورة الثالثة‪ ،‬من قبل الأمني العام للجمعية العمومية‬ ‫لالحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني‪ ،‬د‪.‬علي القره داغي‪ ،‬وكلمة رئي�س االحتاد العالمة يو�سف‬ ‫القر�ضاوي �إىل الأم��ة الإ�سالمية وعلمائها ‪ ،‬كما ت�ضمن �أي�ض ًا‪ ،‬عر�ض اقرتاحات‪ ،‬تتعلق‬ ‫بتعديل بع�ض مواد القانون الأ�سا�سي لالحتاد‪ ،‬و�سيتم انتخاب جمل�س �أمناء جديد للدورة‬ ‫الرابعة لالحتاد‪ .‬من جانب �آخر ناق�ش امل�ؤمتر( دور العلماء يف النهو�ض بالأمة حتديات‬ ‫الهوية)‪ ،‬عد ًدا من املحاور‪ ،‬منها دور العلماء يف الق�ضايا الفكرية وتر�سيخ منهج الو�سطية والتجديد العلمي‪ ،‬ودور العلماء يف احلفاظ‬ ‫على الهوية ‪ ،‬كما ناق�ش �أي�ض ًا دور العلماء يف ق�ضية فل�سطني والقد�س‪ ،‬ودورهم يف ا�ستثمار الإعالم خلدمة ق�ضايا الأمة‪ ،‬وكذلك دورهم‬ ‫يف �ضبط الفتوى‪ ،‬وتر�شيد اخلطاب الإ�سالمي‪� ،‬إ�ضافة �إىل التعليم ال�شرعي يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬واقعه وتطلعاته‪� .‬إ�ضافة �إىل مناق�شة‬ ‫املحور القانوين الدويل يف واقع الأمة الإ�سالمية‪ ،‬ودور العلماء يف الو�ساطة وحل النزاعات ‪،‬و�شارك يف االجتماعات وفو ًدا من ال�صومال‪،‬‬ ‫وجيبوتي‪ ،‬واليمن‪ ،‬ودو ًال �أخرى‪ ،‬ف�ض ًال عن عدد من العلماء‪ ،‬مثل ال�شيخ اليمني‪ ،‬وعبد الوهاب الديلمي‪ ،‬ومفتي ال�شي�شان‪ ،‬ال�شيخ �صالح‬ ‫مدجاييف‪ ،‬الذي �شارك �ضمن الوفد الرو�سي ‪.‬‬ ‫‪ -2‬م�سرية كبرية يوم ال�سبت املوافق ‪ 2014-8-23‬بالتعاون بني املنتدى العاملي للو�سطية ومركز التعاي�ش الديني‪ ،‬وبح�ضور‬ ‫العالمة املغربي الأ�ستاذ حممد طالبي‪ ،‬والدكتور زيد املحي�سن رئي�س نادي خريجي اجلامعات‬ ‫واملعاهد الباك�ستانية ‪ ،‬والقي الأمني العام للمنتدى مروان الفاعوري كلمة بني فيها �سماحة‬ ‫الإ�سالم مع غري امل�سلمني وو�ضح كيف عا�ش امل�سيحيون يف ظل الدولة الإ�سالمية بخري واخذوا‬ ‫كامل حقوقهم دون منة �أوتع�سف‪ ،‬وقد �سارت امل�سرية من �أمام م�سجد امللك امل�ؤ�س�س باجتاه‬ ‫اللويبده؛ �إذ وجه احل�ضور ر�سالة وا�ضحه اىل اننا م�سلمون وم�سيحيون �ضد القتل يف غزه‪ ،‬و�ضد‬ ‫القتل بالعراق‪ ،‬و�ضد توظيف الدين لأهداف �سيا�سية و�ضد ت�سيي�س الفتاوى‪ ،‬واننا معا �ضد كل‬ ‫الدواع�ش داع�ش ال�شيعية‪ ،‬وداع�ش ال�سنية وداع�ش ال�صهيونية‪ ،‬وداع�ش ال�صليبية‪ ،‬وداع�ش‬ ‫العلمانية‪ ،‬وان الإرهاب الدين وال وطن له‪.‬‬ ‫ن�شاطات الفروع ‪:‬‬ ‫عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ‪/‬فرع جر�ش يوم ال�سبت ‪ 2014/8/16‬حما�ضره بعنوان‪(:‬الو�سطية يف الإ�سالم و�أهميتها يف الوقت‬ ‫الراهن) قدمها �سماحة الدكتور �صفوان ع�ضيبات رئي�س ق�سم الدرا�سات ‪ ،‬ومفتي يف دائرة االفتاء‪،‬وقد �أ�ستهل رئي�س املنتدى الأ�ستاذ‬ ‫حممد عوده بني م�صطفى اللقاء بالرتحيب بال�ضيف الكرمي واحل�ضور الكرام ‪،‬وابتد�أ ال�شيخ عمر بني م�صطفى الذي �أدار احلوار بالتقدمي‬ ‫للمحا�ضر ‪ ،‬وحتدث ب�إيجاز عن �أهمية املنهج الو�سطي ‪ ،‬و�ضرورة فهم الإ�سالم فهما �سليما �شامال ‪،‬وتناول الدكتور �صفوان ع�ضيبات مفهوم‬ ‫الو�سطية والتعريف به من خالل الواقع والتطبيق ‪ ،‬و�أعطى عدة مقارنات بني امل�سلمني وغري امل�سلمني من حيث التعامل مع الآخر ‪،‬وجرى‬ ‫نقا�ش مثمر وم�شوق يف ختام املحا�ضرة مع احل�ضور ‪ ،‬ويف نهاية املحا�ضرة �شكر رئي�س املنتدى املحا�ضرين الكرميني واحل�ضور‪ ،‬وقد قدم‬ ‫احل�ضور ال�شكر للمنتدى على �إتاحة مثل هذه الفر�ص وهذا اللقاء املميز ‪.‬وطالبوا املنتدى بتعزيز مثل هذه الفعاليات والأن�شطة م�ستقبال‪.‬‬ ‫ن�شاطات جلنة املر�أة ‪:‬‬

‫الن�شاط‬

‫اطالق دورة تف�سري وحتفيظ القر�آن‬ ‫ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى االول‬ ‫ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى الثاين‬ ‫ا�ستمرار دورة حتفيظ القر�آن للنا�شئة‬ ‫ا�ستمرارالدر�س الديني اال�سبوعي‬ ‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫الزمان‬

‫كل �أربعا ء‬ ‫كل اثنني و �أربعاء‬ ‫كل ثالثاء وخمي�س ‬ ‫كل �سـبت‬ ‫كل �أربعاء‬

‫‪75‬‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫لوسطية‬ ‫نشاطات المنتدى شهر أيلول ‪2014‬‬ ‫‪ -1‬ور�شة عمل بعنوان "تعزيز منظومة القيم يف املجتمع"‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية ور�شة عمل بعنوان "تعزيز منظومة القيم يف املجتمع" وذلك يوم ال�سبت املوافق ‪ ،2014/9/6‬اذ رحب‬ ‫�أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري بال�ضيوف حما�ضرين و م�شاركني �شاكر ًا لهم تلبيتهم لهذه الدعوة ثم‬ ‫حتدث الفاعوري حول القيم يف الإ�سالم مبين ًا �أن هذا الدين هو دين قيم �سامية‪ ،‬ت�سببت يف دخول كثري من ال�شعوب �إىل الإ�سالم ‪،‬‬ ‫و�أ�ضاف ان قيم الإ�سالم ال تقت�صر على مرحلة ال�سلم بل تتعداها �إىل احلرب‪ ،‬فقيم الإ�سالم موجودة يف تعامل امل�سلمني مع الأ�سرى‬ ‫ومن غري امل�سلمني ‪ ،‬وتطرق �إىل امل�ؤثرات ال�سلبية على منظومة القيم يف املجتمع و�أهمها التوظيف ال�سلبي للتكنولوجيا املعا�صرة ‪.‬‬ ‫من جانبه حتدث اخلبري الرتبوي الدكتور زهاء الدين عبيدات حول " دور امل�ؤ�س�سات‬ ‫الرتبوية يف تعزيز منظومة القيم " وقال‪ :‬انه يجب االهتمام بامل�ؤ�س�سات الرتبوية‪،‬‬ ‫وتعزيز دورها لزرع القيم يف نفو�س اجليل النا�شئ‪ ،‬وتربيتهم على كتاب اهلل تعاىل ‪،‬‬ ‫وو�ضح �أن لكل م�ؤ�س�سة تربوية دور يف بناء هذه املنظومة‪ ،‬وال ميكن اال�ستغناء عن �أي‬ ‫�سواء امل�سجد �أو املدر�سة‪� ،‬أو و�سائل الإعالم �أو اجلامعات او النوادي‬ ‫من هذه امل�ؤ�س�سات‬ ‫ً‬ ‫�أو �أي م�ؤ�س�سة تربوية �أخ��رى ‪ ،‬و �أو�صى عبيدات بزيادة االهتمام وبتطوير هذه‬ ‫امل�ؤ�س�سات ‪ ،‬والعمل على زيادة التوا�صل بينها وبني �أفراد املجتمع؛ لتحقق الأهداف‬ ‫املرجوة منها والتي تتمثل يف تر�سيخ منظومة القيم يف املجتمعات ‪.‬‬ ‫اما الدكتور خالد جرب فقد �شكر يف بداية كالمه املنتدى العاملي‪ ،‬وخ�ص ب�شكره الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري على اهتمامهم‬ ‫يف بناء منظومة القيم الأخالقية‪ ،‬م�ؤكد ًا على �أن القيم ناجتة عن العقيدة الإ�سالمية‪ ،‬و �أن الأخالق هي ثمار هذه القيم و�أنه ميكن‬ ‫اال�ستدالل على هذه القيم من خالل املواقف و ال�سلوك القويل �أو الفعلي‪ ،‬وعن دور الإعالم يف تعزيز القيم فقد بني جرب �أن خطورة‬ ‫الإعالم‪ ،‬تكمن ب�إبرازه جمموعة من ال�سلوكيات والأخالقيات‪ ،‬التي يبد�أ �أثرها بالت�سرب يف نفو�س النا�س لتغيري منظومة القيم ‪.‬‬ ‫واما الدكتور عبدالرحمن ابداح قدم ورقة عمل حول " دور امل�ؤ�س�سات الدينية يف تعزيز منظومة القيم" وقال‪� :‬إن قوة هذه امل�ؤ�س�سات‬ ‫الدينية يعزز تر�سيخ القيم و�أي �ضعف ي�صيب هذه امل�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫ينتج عنه خطر حمدق بالأمة الإ�سالمية يف �أخالقها و�سلوكها ‪ ،‬و�أ�شار �إىل �أن عوامل كثرية‬ ‫ت�ؤثر يف منظومة القيم‪� ،‬أهمها العقيدة الإ�سالمية‪ ،‬و الأ�سرة‪ ،‬والأ�صدقاء‪ ،‬وامل�ستوى التعليمي‪.‬‬ ‫وارجع �أ�سباب �أهمية القيم يف املجتمع �إىل حاجة النا�س املا�سة �إليها وت�أثريها الوا�ضح على‬ ‫حياتهم ومن خاللها يتمايز النا�س فيما بينهم ‪� ،‬أما دور وزارة الأوقاف التي عمل فيها ابداح‬ ‫مدة طويلة فقال �إن دورها رئي�سي وهام يف تر�سيخ الف�ضائل االجتماعية بني املواطنني من‬ ‫خالل اخلطب‪ ،‬ودور القر�آن‪ ،‬واالهتمام بقطاع الن�ساء اللواتي ترى الوزارة �أنهن من يزرعن‬ ‫القيم يف �أبناء امل�سلمني ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثم حتدثت الدكتورة نوال �شرار عن دور الأ�سرة يف تعزيز منظومة القيم ‪،‬م�ؤكدة على �أهمية هذا الدور؛ الن اال�سرة هي امل�ؤ�س�سة‬ ‫الرتبوية التي تزرع بالفرد احرتام القيم‪ ،‬و الأنظمة االجتماعية مو�ضحة على �أن دور الأ�سرة ال يقت�صر بالإجناب �أو الوظيفة‬ ‫االقت�صادية‪� ،‬أو الوظيفة العاطفية فكلها وظائف مهمة‪ ،‬لكن �أهمها على الإطالق الوظيفة الرتبوية التي ت�ساعد على تربية الفرد‪،‬‬ ‫ويف نهاية كلمتها �أ�شارت �إىل نهج الإ�سالم القومي يف تربية الأبناء على القيم املثلى من خالل القدوة ال�صاحلة و الرعاية ‪،‬و احلب‬ ‫وتوفري املناخ املالئم للنمو الأخالقي ‪.‬‬ ‫من جانبه و�ضح عميد كلية ال�شريعة اال�سبق يف اجلامعة الأردنية الدكتور حممد الق�ضاة خ�صائ�ص القيم الإ�سالمية‪ ،‬ودورها يف‬ ‫تربية اجليل النا�شئ كقيم حمبة اخلري وكاره لل�شر‪ ،‬مبين ًا �أن القيم الإ�سالمية هي خال�صة �شريعة نزلت ح�سب الوقائع‪ ،‬وا�ستجابة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫منا�سبة لظروف‬ ‫عاملية يف خطابها‪،‬‬ ‫مل�شاكل النا�س وق�ضاياهم‪ ،‬ولي�ست فكر ًا يبتغي املدينة الفا�ضلة‪ .‬فهذه القيم واقعية يف �أهدافها ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متكيفة مع واقعهم املتغري ‪.‬‬ ‫النا�س‪،‬‬ ‫عقب خاللها بع�ض احل�ضور على كالم امل�شاركني وطرحت �أ�سئلة �أثرت النقا�ش‪.‬‬ ‫ويف نهاية الور�شة دار حوار بني امل�شاركني واملحا�ضرين‪ّ ،‬‬

‫‪76‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫‪-2‬الندوة الدولية "من �أجل ر�ؤية �إ�سالمية موحدة لق�ضايا املر�أة وال�سكان"‬

‫افتتح يوم الثالثاء ‪ 2014/9/16‬م يف العا�صمة الأردنية عمان‪ ،‬فعاليات هذه الندوة والتي‬ ‫عقدت بالتعاون ما بني املنتدى العاملي للو�سطية ‪،‬ومنظمة االي�سي�سكو‪ ،‬وم�ؤ�س�سة الفرقان‬ ‫للرتاث؛�إذ بد�أ امل�ؤمتر ب�آيات عطرة من القر�آن الكرمي ‪،‬ثم رحب عريف احلفل الدكتور زهاءالدين‬ ‫عبيدات بامل�شاركني ‪،‬و بعد ذلك حتدث االمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري مبين ًا �أثر‬ ‫احلروب على ق�ضايا املر�أة‪ ،‬وعلى التوازن ال�سكاين وعلى م�ستوى معي�شة الفرد‪ ،‬مبين ًا ان الت�شريعات اال�سالمية؛ جاءت لتحارب �أي‬ ‫متييز بني الرجل واملراة وترف�ض العنف املوجه للمر�أة بكافة �صوره ‪ ،‬ولنحافظ على عراقة املر�أة وامل�ساواة بينها وبني الرجل يف‬ ‫احلقوق والواجبات‪،‬و�أكد �أنه ال ميكن ت�صور �أمة ناه�ضة قوية دون االهتمام باملر�أة واعطائها مكانتها الدينية واملدنية‪ ،‬وا�ضاف‬ ‫الفاعوري‪:‬ان ادراك املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬ومنظمة االي�سي�سكو‪ ،‬وم�ؤ�س�سة الفرقان للرتاث لهذا املنهج فقد جاء عقد هذا امل�ؤمتر؛‬ ‫بهدف �إعادة قراءة اخلطاب الن�سوي مبا ينبغي وتخلي�صه مما علق به من �شوائب ال متت لال�سالم ب�صلة ‪،‬من جانبه قال الدكتور‬ ‫عزالدين معمي�ش‪� :‬إن اال�سالم لديه من احللول مل�شاكل الق�ضايا ال�سكانية واملر�أة‪ ،‬ما يكفل عالج ًا ناجح ًا لها وان املرجو من هذه‬ ‫الندوة ايجاد بدائل عملية‪ ،‬جتعل من االمة اال�سالمية مت�سك زمام املبادرة يف املحافظة على الكرامة االن�سانية واعطاء املر�أة‬ ‫حقوقها ‪،‬وقدم معمي�ش وثيقة مبادرة عن االي�سي�سكو تو�ضح الر�ؤية اال�سالمية حلقوق املر�أة ‪� ،‬أما رئي�س م�ؤ�س�سة الفرقان الدكتور‬ ‫وكرمها‪،‬‬ ‫اعطى للمر�أة حقوقها‬ ‫�صالح �شه�سواري فقد قال‪�:‬إن اال�سالم‬ ‫ّ‬ ‫تكرمي االن�سان ب�شكل عام واملر�أة‬ ‫وكفل لها امل�ساواة مع الرجل وان مبد�أ‬ ‫االمم‪ ،‬لكن اال�سالم كان له ال�سبق‬ ‫ب�شكل خا�ص مبد�أ م�شرتك بني جميع‬ ‫الدكتور علي قره داغي �أكد فيها‬ ‫يف ذل��ك‪�.‬أ ّم��ا كلمة امل�شاركني القاها‬ ‫باالهتمام ب��امل��ر�أة واق���رار منهج‬ ‫على �أن �أمن املجتمع وازده��اره‪ ،‬يكون‬ ‫امل�شرتكة يف البيت يجب �أن حتل‬ ‫القر�آن‪ ،‬فلكل دوره املحوري والق�ضايا‬ ‫ا�ستعداد االحت��اد العاملي لعلماء‬ ‫بالتوافق واحل��وار ‪،‬و�أب��دى علي قره‬ ‫امل�سلمني التعاون مع املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬للخروج ب�صورة وا�ضحه حول ر�ؤية اال�سالم للمر�أة وال�سكان‪.‬‬ ‫وقد ا�شتملت الندوة على املحاور الآتية ‪:‬امل�شكلة ال�سكانية يف �أروقة الأمم املتحدة واملواثيق الدولية‪ ،‬و دور املر�أة يف معاجلة امل�شكلة‬ ‫ال�سكانية ‪،‬و امل�شكلة ال�سكانية بني الت�شريع الإ�سالمي وامل�ؤ�س�سات الثقافية ‪ ،‬وقراءات يف املر�أة والأمومة والطفولة‪.‬‬

‫‪ - 3‬االحتفال ال�سنوي لرابطة كتاب التجديد‬

‫�أقام املنتدى العاملي للو�سطية االحتفال ال�سنوي لرابطة كتاب التجديد لهذا العام يوم الثالثاء ‪ 2014/9/16‬يف عمان‪ ،‬ومت فيه‬ ‫توزيع جوائز الرابطة والدروع على الفائزين وهم‪:‬‬ ‫• معايل الدكتور العالمة عبداهلل بن بيه‪ ،‬رئي�س املركز العاملي للتجديد والرت�شيد‪/‬موريتانيا‪.‬‬ ‫• �سعادة الدكتور علي حمي الدين القرة داغي‪ ،‬الأمني العام لالحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني‪/‬العراق‪.‬‬ ‫• معايل الدكتور عبدال�سالم العبادي‪ ،‬وزير االوقاف االردين ال�سابق‪.‬‬ ‫هذا وقد تربع الدكتور علي حمي الدين القرة داغي‪ ،‬ومعايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي بقيمة اجلائزة(البالغة خم�سة �آالف‬ ‫دوالر لكل واحد منهما) �إىل فقراء الأردن‪ ،‬وفل�سطني‪ ،‬و�سوريا‪� .‬أما الدكتور عبداهلل بن بيه فلم يح�ضر لأ�سباب �صحية‪.‬‬ ‫وجاء هذا احلفل تقدير ًا جلهودهم يف ن�شرالفكر التنويري الو�سطي من خالل م�ؤلفاتهم‬ ‫املن�شورة‪ ،‬علم ًا ب�أن هذا احلفل الثالث للرابطة ‪،‬و�سبق �أن مت تكرمي عدد من ال�شخ�صيات يف‬ ‫احتفاالت �سابقة وهم‪ :‬الدكتور �سعدالدين العثماين‪ ،‬والدكتور عبداحلميد النجار من تون�س‪،‬و‬ ‫الدكتور احمد نوفل واال�ستاذ ابراهيم العجلوين من االردن ‪ ،‬واال�ستاذ را�شد الغنو�شي من‬ ‫تون�س ‪،‬و ومدير عام منظمة االي�سي�سكو اال�ستاذ الدكتورعبدالعزيز التويجري من ال�سعودية‪،‬‬ ‫وا�ستاذة الدرا�سات اال�سالمية الدكتورة رقية العلواين من العراق‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪77‬‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫‪-4‬توقيع املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬وم�ؤ�س�سة الفرقان للرتاث الإ�سالمي‬ ‫اتفاقية تعاون وتفاهم يوم اخلمي�س املوافق‪ 2014/09/18‬؛وذلك �إميان ًا من امل�ؤ�س�ستني‬ ‫ب�أهمية توثيق الروابط فيما بينها‪ ،‬وتبادل اخلربات العلمية؛ بغية حتقيق �أهدافها‬ ‫امل�شرتكة املتمثلة يف تعزيز القيم الإ�سالمية امل�ستمدة من البعد احل�ضاري للأمة‪،‬‬ ‫و�إحياء فقه املقا�صد‪،‬ومت توقيع االتفاقية يف املقر الرئي�سي للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫يف عمان والتي ت�شمل تنظيم امل�ؤمترات‪ ،‬والندوات‪ ،‬وور�ش العمل وتبادل املطبوعات‬ ‫العلمية املختلفة‪ ،‬ودعوة كل طرف الآخر بح�ضور امل�ؤمترات‪ ،‬والندوات التي ينظمها‪،‬‬ ‫بعد ذلك قدم الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية درع املنتدى لل�سيدين �صالح �شه�سواري مدير م�ؤ�س�سة الفرقان للرتاث الإ�سالمي‪،‬‬ ‫وال�سيد حممد دريو�ش رئي�س ق�سم امل�شاريع يف م�ؤ�س�سة الفرقان ‪،‬وم�ؤ�س�سة الفرقان‪ .‬هي م�ؤ�س�سة �أ�س�سها معايل الدكتور �أحمد زكي‬ ‫مياين يف لندن‪ ،‬ولها فرع يف العا�صمة امل�صرية و ُتعنى باحلفاظ على الرتاث الإ�سالمي‪ ،‬و�أن�شطة التوثيق وعمل الدرا�سات الإ�سالمية‬ ‫الهادئ‪.‬‬ ‫‪ -5‬ندوة دولية بعنوان‪" :‬دور امل �ؤ�س�سات الرتبوية والثقافية يف تعزيز منظومة القيم"‪.‬‬ ‫انطلقت م�ساء يوم ال�سبت ‪ 2014 /9/20‬مبدرج ال�شريف الإدري�سي بكلية‬ ‫الآداب والعلوم الإن�سانية‪ ،‬بالرباط( اململكة املغربية )وناق�شت الندوة‪،‬‬ ‫التي نظمها فريق البحث "الفكر الإ�سالمي وفن اخلطابة وق�ضايا البيئة‬ ‫واملجتمع" بكلية الآداب والعلوم الإن�سانية بالرباط وذل��ك ب�شراكة‬ ‫مع املنتدى العاملي للو�سطية (ع��م��ان)‪ ،‬ومركز "املهدي بنعبود للبحوث‬ ‫والدرا�سات والإعالم"‪ ،‬و"املعهد العاملي للفكر الإ�سالمي" (وا�شنطن‪-‬فرع‬ ‫املغرب‪ ،‬على مدى يومني‪،‬‬ ‫•وت�ضمنت خم�سة حماور هي ‪ :‬الرتبية على القيم‪ :‬مفاهيم ت�أ�سي�سية‪،‬وور�شات عمل تربوية لتعزيز منظومة القيم بامل�ؤ�س�سات‬ ‫التعليمية والثقافية والإعالمية‪ ،‬ودور امل�ؤ�س�سات الرتبوية يف تعزيز منظومة القيم ‪ ،‬وم�ؤ�س�سة التعليم العايل و�آثارها يف منظومة‬ ‫القيم ‪ ،‬وامل�ؤ�س�سات الثقافية و�آثارها يف تعزيز منظومة القيم‪ ،.‬حيث �شارك االمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري بفعاليات‬ ‫هذه الندوة بكلمته التي القاها خالل فعاليات الندوة؛�إذ اعترب �أن زحف العوملة وتراجع دور الأ�سرة يهددان بانهيار منظومة القيم‬ ‫الإ�سالمية الو�سطية‪.‬‬

‫‪ -6‬م �ؤمتر احلج للعام ‪1435‬هـ ‪ ,‬عقد يف مكة املكرمة م �ؤمتر ًا للحج بتاريخ ‪2014 – 9 -29/28‬م وقد‬ ‫حتدث املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يف امل �ؤمتر بورقة بعنوان‬ ‫‪(:‬الو�سطية والتي�سري بالعبادات احلج ومنا�سكه) وقال يف كلمته ‪�:‬إذا كانت الو�سطية مت ّثل االعتدال والتوازن؛ ف�إنها‬

‫كذلك ت�شريع رباين جاء به الإ�سالم حماية للفرد واملجتمع وللإن�سانية جمعاء‪ .‬فالعدل الإ�سالمي �سلطان اهلل على الأر�ض؛ وهو‬ ‫ال�شدّ ة بغري عنف‪ ،‬ولني بغري �ضعف‪ .‬ولذلك �أكد الإ�سالم على امل�سلمني �أن ال يعتدوا على �أحد‪ ،‬ودعا �إىل احلرية والعدل‪ ،‬واخلري‬ ‫وال�صالح ‪،‬والتعاون‪ ،‬وال�شورى‪ ،‬وامل�ساواة‪ ،‬و�إىل احرتام الروح الإن�سانية يف الفرد واجلماعة والأمة‪ ،‬والإ�سالم ينظر �إىل النا�س �أنهم‬ ‫�أمة واحدة‪ ،‬ال يفرقها لون �أو جن�س �أو �أ�صل �أو وطن‪ ،‬ومل يكره �أحد ًا على اعتناق الإ�سالم جرب ًا‪ ،‬بل ترك لهم حرية االختيار بني‬ ‫الإ�سالم والبقاء ٌ‬ ‫كل على دينه‪ .‬لقد جاء التو�سط يف العبادات الإ�سالمية من�سجم ًا مع نعمة اهلل تعاىل على هذه الأمة املحمدية ب�أن‬ ‫َّا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِيد) (البقرة‬ ‫اء َع َلى الن ِ‬ ‫جعلها �أمة و�سط ًا‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َك َذ ِل َك َج َع ْل َن ُاك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَ َ‬ ‫‪ ،)143:‬فبما �أنها �أمة و�سط ًا‪ ،‬فكذلك العبادات املفرو�ضة عليها تت�سم بالو�سطية واالعتدال‪.‬‬ ‫فالإ�سالم يرف�ض الغلو يف العبادات؛ لأنها ت�ؤدي بامل�سلم �إىل التهلكة‪ ،‬والإ�سالم جاء ليحارب كل ما ي�ؤدي �إىل �إحلاق ال�ضرر بامل�سلم‪ ،‬قال‬ ‫تعاىل‪َ ( :‬و َ‬ ‫ال ُت ْلقُو ْا ِب�أَ ْي ِدي ُك ْم �إِلىَ ال َّت ْه ُل َك ِة َو�أَ ْح ِ�س ُن َو ْا �إِنَّ اللهّ َ ُي ِح ُّب المْ ُ ْح ِ�س ِننيَ)( البقرة ‪.)195‬‬

‫‪78‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬

‫وقد ّ‬ ‫حذر النبي من الغلو يف العبادات‪ ،‬ويف ذلك يقول ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ " :-‬ال ت�شددوا على �أنف�سكم في�شدد عليكم ف�إن قوما‬ ‫�شددوا على �أنف�سهم ف�شدد اهلل عليهم فتلك بقاياهم يف ال�صوامع والديار" وقال تعاىل‪َ (:‬و َر ْه َبا ِن َّي ًة ا ْب َتدَ ُعوهَ ا َما َك َت ْب َناهَ ا َع َل ْيه ِْم)‬ ‫احلديد ‪ ")27‬وقال ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪� " :-‬إن هذا الدين ي�سر ولن ي�شاد الدين �أحد �إال غلبه ف�سددوا وقاربوا و�أب�شروا وي�سروا‬ ‫وا�ستعينوا بالغدوة والروحة و�شيء من الدجلة" وقد حتدث عن مظاهر الو�سطية يف احلج‪ ،‬ويف نهاية الكلمة قدم �شكره وتقديره‬ ‫خلادم احلرمني ال�شريفني وحكومة اململكة العربية ال�سعودية على خدمتها للم�سلمني‪ ،‬وتي�سري �أداء املنا�سك ورعايتهم ب�إعمار‬ ‫احلرمني ال�شريفني‪ ،‬يف مكة املكرمة واملدينة املنورة‪ ،‬وقدم �شكر ًا خا�ص ًا لوزير احلج ال�سعودي على دعوته له للم�شاركة يف ندوة‬ ‫احلج و�أداء منا�سكها‪.‬‬ ‫ويف نهاية كلمته دعا اهلل �أن يحفظ بالد امل�سلمني‪ ،‬و�أن يجعل بلد احلرمني يف �أمن وطم�أنينة و�سائر بالد امل�سلمني‪.‬‬

‫ن�شاطات الفروع‬

‫نظم منتدى الو�سطيه للفكر والثقافه فرع ال�سلط ندوه يف م�سجد ال�سلط ال�صغري �شارع احلمام و�سط املدينه عن “احلج رحلة‬ ‫اﻻميان “كيف نفهمها ون�ؤديها وحتدث خالل الندوه التي ح�ضرها جمع من احلجاج واملهتمني الدكتور احيا عربيات اخ�صائي‬ ‫ال�سكري وال�ضغط حيث �أكد على �ضرورة اخذ املطعوم الطبي الالزم ملثل رحلة احلج وكيفية التعامل ال�صحي الآمن و ال�ضروري‬ ‫ل�سالمة احلجاج خالل ال�سفر‪ ،‬وحتدث الدكتور هاين العابد مفتي املحافظه عن �أهمية احلج‬ ‫يف اﻻ�سالم لقوله ‪-‬عليه ال�صالة وال�سالم‪( -‬من حج ومل يرفث ومل يف�سق رجع كيوم ولدته‬ ‫امه ) واىل �ضرورة �أن ياخذ احلجاج بالفتاوي املي�سره املعتمده بال�شرع ال�شريف‪ ،‬والبعد عن‬ ‫التزاحم واﻻ�ضرار بالآخرين‪ ،‬والتعاون على طاعة اهلل ‪-‬عز وجل ‪ -‬من �أجل �أن ينال احلاج‬ ‫بركات الرحله اﻻميانيه‪ ،‬وكان ال�سيد �إحيا عربيات رئي�س املنتدى قد رحب باحل�ضور وقال‪:‬‬ ‫�إن املنتدى يهمه �أن يقدم النافع للمجتمع املحلي‪ ،‬ويف نهاية الندوه اجاب املنتدون على ا�سئلة‬ ‫احل�ضور‪.‬‬

‫ن�شاطات جلنة املر�أة ‪:‬‬

‫الن�شاط‬

‫اطالق دورة تف�سري وحتفيظ القر�آن‬ ‫ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى االول‬ ‫ا�ستمرار دورة التالوة والتجويد الأ�سبوعية للم�ستوى الثاين‬ ‫ا�ستمرار دورة حتفيظ القر�آن للنا�شئة‬ ‫ا�ستمرارالدر�س الديني اال�سبوعي‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫الزمان‬

‫كل �أربعا ء‬ ‫كل اثنني و �أربعاء‬ ‫كل ثالثاء وخمي�س ‬ ‫كل �سـبت‬ ‫كل �أربعاء‬

‫‪79‬‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫وسطية‬ ‫المنتدى العالمي يطلق فعاليات نشاطاته في الجامعات ضمن‬ ‫الرؤية الملكية في التصدي لإلرهاب‬

‫منهج المصطفى محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في ترسيخ الوسطية واالعتدال ‪ -‬جامعة‬ ‫الشرق األوسط‬ ‫�ضمن اخلطة اال�سرتاتيجية للمنتدى العاملي للو�سطية لن�شر االعتدال‬ ‫والو�سطية وحماربة التطرف والغلو بني طالب وطالبات اجلامعات و�ضمن‬ ‫الر�ؤية امللكية يف الت�صدي لالرهاب بد�أت �سل�سلة ندوات جامعية للمنتدى‬ ‫وكان �أولها اليوم الثالثاء املوافق ‪ 2014/11/4‬يف جامعة ال�شرق االو�سط �إذ‬ ‫قام الدكتور زهاءالدين عبيدات بالقاء حما�ضرة عن منهج امل�صطفى حممد‪-‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬يف تر�سيخ الو�سطية واالعتدال ‪،‬بد�أها بالتعريف‬ ‫باملنتدى العاملي للو�سطية من حيث ر�ؤيته ور�سالته و�أهدافه ‪،‬وبعد ذلك‬ ‫حتدث عن �أثر ال�سمات ال�شخ�صية للر�سول الكرمي يف منهجه الفريد الو�سط‬ ‫املعتدل‪،‬وكذلك عن ركائز هذا املنهج الو�سطي الذي جعل �أمته االمة الو�سط‬ ‫التي تت�سم بالتي�سري ومراعاة الو�سع والطاقة واالبتعاد عن الغلو والتطرف وعن �إبراز مناذج الو�سطية يف حياة الر�سول اخلا�صة‬ ‫والعامة‪،‬والن�صو�ص الواردة يف ذم الغلو يف الدين والتطرف يف ال�سلوك والنهي الوارد عنه ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬يف منع تكفري‬ ‫امل�سلمني �أو قتالهم دون الرجوع للق�ضاء �أو احلكم ال�سلطاين وح�ضر املحا�ضرة عدد من طالب اجلامعة و�أع�ضاء الهيئة االدارية‬ ‫والتدري�سية يف اجلامعة‪.‬‬ ‫وبعد ذلك دار حوار بني املحا�ضر والطالب �أكد فيه الدكتور زهاءالدين باالبتعاد عن التطرف والغلو يف كل �ش�ؤونهم واالقتداء‬ ‫بالر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬وا�صحابه بالي�سر واللني وعدم التكلف ومراعاة الواقع والنهي عن اجلدال غري النافع‪،‬ومت توزيع‬ ‫بر�شورات تعرف باملنتدى العاملي للو�سطية وكتب تتحدث عن اخطار التطرف على ال�شباب ودورهم يف الت�صدي لهذه الآفة وقد‬ ‫قامت الدكتورة مي�سر ال�شوره بتقدمي الدكتور زهاءالدين عبيدات و�شكر املنتدى على هذا الن�شاط الفعال الذي جاء من�سجم ًا مع‬ ‫الواقع الذي تعي�شه الأمة هذا وت�ستمر فاعليات املنتدى وتتواىل هذه الن�شاطات يف اكرث من ‪ 18‬جامعة حكومية وخا�صة‪.‬‬ ‫أهمية الحوار في التصور اإلسالمي ‪ -‬جامعة الزرقاء الخاصة و جامعة الشرق األوسط‬

‫�أقام املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع جامعة الزرقاء اخلا�صة وجامعة ال�شرق االو�سط حما�ضرتني بعنوان (�أهمية احلوار يف‬ ‫الت�صور الإ�سالمي)حيث تكرم الدكتور �سليمان ح�سن الرطروط ب�إلقاء هاتني املحا�ضرتني‪.‬‬ ‫وقد تناول من خاللها احلديث عن املخاطر املحدقة بالأمة الإ�سالمية عامة‪ ،‬ومنها الأردن على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬حيث خل�ص �إىل‬ ‫�أن احلوار وتبادل وجهات النظر‪ ،‬يعترب الطريق الأ�سلم للنهو�ض بالأمة ‪ ،‬وجتنيبها ال�صراع املادي ‪ ،‬والنزاعات الداخلية‪.‬‬ ‫وذكر �أن من �أمرا�ض و�أعرا�ض الأمة غياب العمل اجلماعي الت�شاركي _ على الرغم من �أهمية العبادة اجلماعية يف حياتنا؛‬ ‫فال�صالة ‪ ،‬وال�صيام‪ ،‬واحلج جماعية وت�شاركية _‪ ،‬وعندما يكون العمل اجلماعي ثقافة املجتمع على اختالف مكوناته‪ ،‬ويف جميع‬ ‫م�ؤ�س�ساته ‪ ،‬وعلى خمتلف امل�ستويات‪ ،‬عندئذ ميكن للحوار �أن يكون ي�ؤتي ثماره ‪،‬لي�صبح هوال�سمة الغالبة للمجتمع ‪.‬‬ ‫و�أكد �أن احلوار ال�صحيح ال ين�ش�أ ‪ ،‬وال ي�ؤتي ثماره و�آثاره املرجوة �إال يف ظل احلرية‪ ،‬لأن فقدان احلرية ينتج عنه ثقافة اللون‬ ‫الواحد‪ ،‬والنتيجة الواحدة‪ ،‬وال�صوت الواحد؛ مما ي�ؤدي �إىل �سيادة الطغيان واال�ستبداد‪ ،‬واالنتهاك الوا�سع للقانون‪ ،‬وغياب‬ ‫العدالة‪ ،‬وكل ذلك �سي�ؤدي �إىل تدين م�ستوى التعليم‪ ،‬وتدهور وف�ساد االقت�صاد‪ ،‬مما يولد عنه البطالة والفقر‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫وبينّ �أن احلوار وتعزيز مكانته‪ ،‬وتوفري �أجواء حرية الفكر ‪ ،‬وحق االختالف‪،‬‬ ‫واح�ترام وجهات النظر الأخ��رى يف املجتمع �سي�ؤدي �إىل نبذ العنف ‪ ،‬لأنه‬ ‫باحلوار ون�شر ثقافته؛ �سيتم الق�ضاء على العنف‪ .‬ومن املعلوم �أن من دواعي‬ ‫وم�بررات العنف �شعور بع�ض فئات املجتمع بالتهمي�ش والتغييب‪ ،‬والإق�صاء‬ ‫واال�ستئ�صال‪ ،‬مما ي���ؤدي ل��رد فعل من الطرف الآخ��ر معتمد ًا على العنف‬ ‫والإرهاب‪ ،‬بد ًال من احلوار بالكلمة‪.‬‬ ‫ويف الت�صور الإ�سالمي للحوار و�أدبياته ف�إن كافة الق�ضايا مطروحة للحوار‬ ‫والنقا�ش‪ ،‬لأن الإ�سالم ي�ؤمن �أن و�سيلة الكلمة هي �أكرث ت�أثري ًا وا�ستدامة‬ ‫للتغيري من �أي و�سيلة �أخرى‪ ،‬ولذا فهو دين البيان‪ ،‬ومعجزته الدائمة بالبيان‪.‬‬ ‫ومنذ بداية االدعوة كانت دعوة حوارية بالكلمة وما ا�ستخدم ال�سيف �إال ملحاربة الذين مينعون ويحجبون الدعوة بالكلمة‪ .‬ولذا‬ ‫فال منع وال حجر على طرح �أي ق�ضية للحوار؛ ومثال ذلك ال�شاب الذي طلب الإذن من الر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪-‬بالزنا‪ ،‬فلم‬ ‫يعنفه �أو يوبخه‪� ،‬أو ينزل به عقوبة‪ -‬على الرغم من معرفته حلرمة الزنا وقباحته ‪-‬بل حاوره الر�سول‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬ ‫بالكلمة‪.‬‬ ‫�إن ال�شورى كركن من �أركان احلياة واملجتمع الإ�سالمي ؛ والتي هي حق النا�س يف اختيار قادتهم‪ ،‬والأنظمة التي حتكمهم‪� ،‬أو ما يعرف‬ ‫بالدميوقراطية الآن‪� ،‬إمنا تكون بوا�سطة احلوار وتبادل وجهات النظر‪ ،‬يف جو من احلرية ‪ ،‬ومع القبول والقول ب�أن االختالف حق‬ ‫م�شروع‪ ،‬وبهذا يتو�صل �إىل قناعة غالبة ‪ ،‬ور�أي �أكرثية‪ ،‬مع احرتام ر�أي الأقلية‪ ،‬ودون التقليل من �ش�أنه‪ ،‬والقر�آن الكرمي قرر تلك‬ ‫القاعدة بقوله‪ (( :‬و�أمرهم �شورى بينهم)) (( و�شاورهم بالأمر)) فال �شورى دون حوار‪.‬‬ ‫كما �أن الإ�سالم يعترب �أن امل�سلم هو ‪ :‬الإن�سان العاقل املكلف املختار‪ ،‬وعند غياب احلوار وفر�ض الر�أي الواحد‪ ،‬نكون بذلك �أ�سقطنا‬ ‫�صفة العقل واالختيار‪ ،‬ونزعنا ركن الر�ضا عن �أي عقد اجتماعي عام‪ ،‬ولذا فمن املهم توافر احلرية واالختيار للمرء ليكون م�سلم ًا‪،‬‬ ‫فمث ًال من �أكره على الكفر وقلبه مطئن بالإميان ال يعترب كافر ًا‪ ،‬لإن حريته و�إرادته كانت م�سلوبة‪.‬‬ ‫�إن الفهم ال�صحيح للحوار وحرية االختالف ما عرب عنه الإمام مالك ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬عندما عر�ض عليه فر�ض كتابه املوط�أ وفقهه‬ ‫على النا�س ؛ فرف�ض ذلك‪ ،‬ورغب يف ترك النا�س على ماهم عليه‪ ،‬وهو تقديرواحرتام للر�أي الآخر‪ ،‬وقبول به‪.‬‬ ‫ولذا فمن يدعو لإرغام امل�سلمني وغريهم على اتباع مذهب واحد‪ ،‬ور�أي منفرد ؛ �إمنا هو يعمل �ضد الإ�سالم ومنهجه؛ �سواء علم‬ ‫ذلك �أم جهله‪ ،‬وما احلركات واجلماعات التي ترغم النا�س‬ ‫بالقوة على العمل باجتهاد واحد‪ ،‬ور�أي منفرد ‪� ،‬إال ت�شويه‬ ‫ل�صورة الإ�سالم ونهجه‪.‬‬ ‫وختم بقوله‪� :‬إن احلوار هو الطريقة املثلى خلروج الأمة‬ ‫من �أزماتها الكثرية‪ ،‬وهو دليلها للولوج من عنق الزجاجة‪،‬‬ ‫احلامي لها من العوا�صف الهوجاء‪ ،‬والرباكني الثائرة‪،‬‬ ‫�شريطة االلتزام بقواعده ومقوماته‪،‬وبعيد ًا عن معوقاته‬ ‫ومثبطاته‪ ،‬مع �ضرورة االلتزام بنتائجه‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪81‬‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫منهج المصطفى محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في ترسيخ الوسطية واالعتدال ‪ -‬جامعة‬ ‫الشرق األوسط‬ ‫�ضمن اخلطة الإ�سرتاتيجية للمنتدى العاملي للو�سطية لن�شر االعتدال والو�سطية‬ ‫وحماربة التطرف والغلو بني طالب وطالبات اجلامعات و�ضمن الر�ؤية امللكية‬ ‫يف الت�صدي للإرهاب و�ضمن �سل�سلة ندوات جامعية للمنتدى فقد عقدت الندوة‬ ‫الرابعة يف جامعة الزرقاء الأهلية اخلا�صة يوم اخلمي�س املوافق ‪2014/11/13‬‬ ‫�إذ قام الدكتور زهاء الدين عبيدات ب�إلقاء حما�ضرة عن منهج امل�صطفى حممد‪-‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬يف تر�سيخ الو�سطية واالعتدال‪ ،‬بد�أها بالتعريف باملنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية‪ ،‬من حيث ر�ؤيته ور�سالته و�أهدافه ‪ ،‬وبعد ذلك حتدث عن �أثر‬ ‫ال�سمات ال�شخ�صية للر�سول الكرمي يف منهجه الفريد الو�سط املعتدل‪،‬وكذلك عن‬ ‫ركائز هذا املنهج الو�سطي الذي جعل �أمته الأمة الو�سط التي تت�سم بالتي�سري‪ ،‬ومراعاة الو�سع والطاقة واالبتعاد عن الغلو والتطرف‬ ‫وعن �إبراز مناذج الو�سطية يف حياة الر�سول اخلا�صة والعامة‪،‬والن�صو�ص الواردة يف ذم الغلو يف الدين والتطرف يف ال�سلوك والنهي‬ ‫الوارد عنه ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬يف منع تكفري امل�سلمني‪� ،‬أو قتالهم دون الرجوع للق�ضاء �أو احلكم ال�سلطاين وح�ضر املحا�ضرة عدد‬ ‫من طالب اجلامعة و�أع�ضاء الهيئة الإدارية والتدري�سية يف اجلامعة‪.‬‬ ‫وبعد ذلك دار حوار بني املحا�ضر والطالب �أكد فيه الدكتور زهاء الدين باالبتعاد عن التطرف والغلو يف كل �ش�ؤونهم واالقتداء‬ ‫بالر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬و�أ�صحابه بالي�سر واللني وعدم التكلف ومراعاة الواقع والنهي عن اجلدال غري النافع‪،‬ومت توزيع‬ ‫بر�شورات تعرف باملنتدى العاملي للو�سطية وكتب تتحدث عن �إخطار التطرف على ال�شباب ودورهم يف الت�صدي لهذه الآفة وقد قام‬ ‫الدكتور ان�س اخلاليلة نائب عميد كلية ال�شريعة بتقدمي الدكتور زهاء الدين عبيدات و�شكر املنتدى على هذا الن�شاط الفعال الذي‬ ‫جاء من�سجم ًا مع الواقع الذي تعي�شه الأمة هذا وقد التقى الدكتور زهاء الدين عبيدات مع رئي�س جامعة الزرقاء الأهلية الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور حممود الوادي وقدم درع املنتدى لرئي�س اجلامعة و�أي�ضا قام رئي�س اجلامعة بتقدمي درع اجلامعة للمنتدى‪ .‬هذا وقد مت‬ ‫االتفاق على تبادل �أخبار الن�شاطات بني الطرفني علم ًا بان حما�ضرات املنتدى ون�شاطاته �ست�ستمر يف �أكرث من ‪ 18‬جامعة حكومية‬ ‫وخا�صة‪.‬‬ ‫الوسطية واالعتدال في اإلسالم ومحاربة التطرف والغلو ‪ -‬جامعة الزرقاء الخاصة‬

‫�ضمن ن�شاط هيئة �شباب الو�سطية لن�شر الوعي عن خماطر الغلو والتطرف على‬ ‫املجتمع االردين والرتكيز على دور ال�شباب يف حماية املجتمع من الغلو والتطرف‬ ‫عقدت هيئة �شباب الو�سطية حما�ضرة يف جامعة الزرقاء اخلا�صة يوم اخلمي�س‬ ‫‪ 2014/11/20‬القاها الدكتور حممد الق�ضاة حيث ركز باملحا�ضرة على �سماحة‬ ‫اال�سالم وكيف ان و�سطيته كانت �سبب ًا يف انت�شاره حول العامل واو�ضح الدكتور ان‬ ‫التطرف با�سم اال�سالم خطر على الدعوة اال�سالمية وعامل منفر من اال�سالم‬ ‫وكيف �أن واجب امل�سلم �أبراز و�سطية اال�سالم كل ح�سب طاقته وعلمه وعلى‬ ‫ال�شباب ا�ستغالل املواقع االجتماعية يف ن�شر ال�صورة ال�صحيحية عن اال�سالم‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫الوسطية واالعتدال في اإلسالم ومحاربة التطرف والغلو ‪ -‬جامعة الشرق األوسط‬

‫نظم املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع عمادة �ش�ؤون الطلبة يف جامعة ال�شرق االو�سط حما�ضرة للأ�ستاذ الدكتور حممد‬ ‫الق�ضاة الأ�ستاذ يف كلية ال�شريعة ‪/‬اجلامعة االردنية و ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية عنوانها "الو�سطية واالعتدال يف اال�سالم‬ ‫وحماربة التطرف والغلو" ح�ضر املحا�ضرة عدد من عمداء الكليات و�أ�ساتذة الكليات باجلامعة وجمع غفري من الطالب والطالبات‬ ‫واملوظفني ويقدر عدد احلا�ضرين للمحا�ضرة ب�أكرث من ‪�100‬شخ�ص وبني ما يتعر�ض اليه العاملني العربي واال�سالمي من هجمة‬ ‫�شر�سة �ضد اال�سالم وامل�سلمني ودعا املحا�ضر اىل املزيد من مللمة ال�صفوف واملحافظة على الوحدة الوطنية يف الأردن مع تر�سيخ‬ ‫معامل الو�سطية واالعتدال يف كافة مناحي احلياة وه��ذا ر�سالة املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية والتي تدعوا اىل مكافحة االرهاب والتطرف والغلو ‪.‬‬ ‫�أج��اب املحا�ضر يف نهاية املحا�ضرة عن �أ�سئلة ومداخالت احل�ضور والتي‬ ‫كانت ت�صب يف �إطار املحا�ضرات و مت توزيع عدة مطبوعات تعريفية باملنتدى‬ ‫ومطبوعات تناق�ش العديد من الق�ضايا املعا�صرة الهامة والتي تخ�ص عاملنا‬ ‫اال�سالمي والعربي والتي تدعو اىل تبني منهج الو�سطية واالعتدال يف‬ ‫العامل اال�سالمي وتدعو اىل تعميق مفاهيم احلوار والت�سامح ‪.‬‬

‫إشكالية المصطلحات «الوسطية ‪ -‬الغلو ‪ -‬األصولية» وازدواجية المعايير ‪-‬‬ ‫جامعة آل البيت‬

‫نظم املنتدى العاملي للو�سطية حما�ضرة يف قاعة االمام م�سلم يف جامعة �آل البيت للدكتور حممد املطني ع�ضو املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية ف�صل من خاللها فهم الو�سطية يف مواجهة الغلو والتطرف ‪.‬‬ ‫قدم اال�ستاذ الدكتور ان�س ابو عطا املحا�ضر و�شكر املنتدى على اقامة املحا�ضرات لطلبة اجلامعات وقد تناولت املحا�ضرة م�شكالت‬ ‫العامل يف مواجهة االرهاب والتطرف‪.‬‬ ‫حيث �شهدت ال�ساحات االعالمية والثقافية ظهور م�صطلحات كثرية ذات‬ ‫�صلة بالغلو ومن ا�شهرها(اال�صولية‪،‬االرهاب)‪.‬‬ ‫كما تناول املحا�ضر مفاهيم الو�سطية يف اال�سالم وتعريفها من خالل مقدمة‬ ‫وا�شكالية الفهم اخلاطئ مل�صطلح الو�سطية‪ ،‬فالبع�ض يفهم من الو�سطية‬ ‫التحلل من تكاليف ال�شرع ومن احكامها‪ ،‬والتمرد على قيمها بينما الو�سطية‬ ‫هي اخلريية واالف�ضلية وااللتزام بال�شرع و�سنة النبي حممد عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم بعيدا عن الغلو والتطرف ‪.‬‬ ‫والقت املحا�ضرة اقبا ًال كبري ًا من اجلمهور من ا�ساتذة وطلبة اجلامعة ويف‬ ‫النهاية �شكر ال�سيد عميد كلية ال�شريعة املنتدى على تنظيمه هذه املحا�ضرة‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪83‬‬


‫ا‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت القادمة‬ ‫مؤتمر الوسطية في مواجهة اإلرهاب‬ ‫وتحقيق االستقرار والسلم العالمي‬ ‫مقدمة‪:‬‬

‫يف �إطار ر�سالة املنتدى‪ ،‬وحتقيق ًا لأهدافه‪ ،‬ي�أتي تنظيم هذا‬ ‫امل�ؤمتر ال��دويل يف الفرتة من ‪2015/03/15-14‬م يف عمان‪-‬‬ ‫اململكة الأردن��ي��ة الها�شمية‪� ،‬سعي ًا �إىل بيان دور الو�سطية يف‬ ‫ا�ستقرار بلدان العامل الإ�سالمي‪ ،‬و�إبراز خطر التطرف والعنف‬ ‫الذي ي�ستنزف طاقات العامل الإ�سالمي و�إمكاناته‪ ،‬وبيان حقيقة‬ ‫�سماحة الإ�سالم وعدله يف التعامل مع مكونات الأمة كافة على‬ ‫اختالف �أديانها ومذاهبها احرتام ًا لكرامة الإن�سان وذاته‪.‬‬ ‫موجة من‬ ‫ويف الوقت ال��ذي ت�شهدُ الب�شر َّي ُة يف راه ِنها �أ�سو�أ‬ ‫ٍ‬ ‫فاالحرتاب‬ ‫ّطرف والإره��اب‪ ،‬على �صعيدَ ي الفكر واملمار�سة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الت ّ‬ ‫ُ‬ ‫اخلي‪ ،‬وال ُع ُ‬ ‫العالقات الدّ ول ّية‪ ،‬كلُّها‬ ‫واختالل‬ ‫املجتمعي‪،‬‬ ‫نف‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫الدّ ُّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫مظاهر لهاتني ّ‬ ‫الظاهرتني‪ ،‬تعي�ش منطق ُتنا �أزم���ة ك�برى على‬ ‫ُ‬ ‫ب�سبب �ضعف تيار االعتدال والو�سطية‪ ،‬وعلو‬ ‫ج��ودي‬ ‫�صعيد ُو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫�صوت التطرف والعنف‪� ،‬ضمن طيف وا�سع من الأ�سباب واملظاهر‬ ‫ّ‬ ‫والطوائف واملذاهب‪� ،‬إىل الدّ واف ِع من‬ ‫كبع�ض الأفكا ِر يف الأديانِ‬ ‫ِ‬ ‫االجتماعي‪،‬‬ ‫لم واالغرتاب‬ ‫ا�ستغالل االقت�صاد ّية وال‬ ‫ِ‬ ‫إح�سا�س بالظُّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫واالنق�سامات‬ ‫ات العرق ّية‬ ‫ِ‬ ‫�إىل اال�ستعما ِر واال�ستعبا ِد �إىل الإثن ّي ِ‬ ‫ّ‬ ‫احل��وادث التّاريخ َّي ِة املثري ِة‬ ‫الطائف ّية واملذهب َّية‪ ،‬وا�ستح�ضا ِر‬ ‫ِ‬ ‫ّ�شريعات‬ ‫احلقد واالنتقام‪ ،‬حتّى اجلوانب القانون ّية والت‬ ‫لغرائز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والعالقات الدّ ول َّية‪.‬‬ ‫والن ُ​ُّظ ِم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫لعقد هذا امل�ؤمتر حتتَ عنوان‬ ‫وينطلق املنتدى‬ ‫العاملي للو�سط ّية ِ‬ ‫ّ‬ ‫"دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم‬ ‫ُ‬ ‫–احللول"‪ ،‬واث ًقا ب�إمكان ّي ِة الإ�سها ِم يف‬ ‫ّتائج‬ ‫العاملي‪ :‬اجلذو ُر ‪-‬الن ُ‬ ‫مير بها العامل اال�سالمي‪ ،‬و�ضرورة‬ ‫الت‬ ‫ِ‬ ‫ّخفيف من �آثا ِر املعاناة التي ُّ‬ ‫وناجعة ملعا َ‬ ‫جلة‬ ‫مبتكرة‬ ‫مي ُر� ًؤى‬ ‫ٍ‬ ‫اجرتاح احللول ال ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إبداعية يف تقد ِ‬ ‫ُ‬ ‫تعي�شها الأ ّم ُة‪ ،‬و ُيعانيها املجتمع الإن�ساينّ‪،‬‬ ‫املرحلة التي‬ ‫ُخطور ِة‬ ‫ِ‬ ‫واالعتدال لت�سود املحبة‬ ‫ن�شر منهج الو�سط َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحتقيق دو ِره يف ِ‬ ‫ويعم ال�سالم ربوع بلداننا و�أوطاننا‪.‬‬ ‫�إن خيار الو�سطية هذا يف ظل الظروف ال�صعبة التي نواجهها‬ ‫هو خيارنا للحفاظ على التنمية واال�ستقرار‪ ،‬فهو وحده امل�ؤهل‬ ‫لإعادة الثقة بني �أبناء الأمة الواحدة‪ ،‬وبينهم وبني حميطهم‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬وهو وحده امل�ؤهل لإعادة منظومة التوازن من خالل‬ ‫امل�شاركة يف العمل والبناء‪ ،‬واعتماد " الإ�صالح" كمنهج �إ�سالمي‬ ‫را�شد‪ ،‬وحل اخلالفات والنزاعات باحلوار‪ ،‬ورف�ض ال�صدام والعنف‬ ‫مهما كانت �أ�سبابه ومربراته‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫أهداف المؤتمر‪ :‬ي�سعى امل�ؤمتر لتحقيق الأهداف الآتية‪:‬‬ ‫‪� .1‬إبراز ال�صورة امل�شرقة للإ�سالم واعتداله وو�سط ّيته وحدود‬ ‫الت�سامح فيه‪.‬‬ ‫‪ .2‬بيان الدور املنوط بالعلماء واملثقفني لت�أ�صيل وتعزيز منهج‬ ‫االعتدال والو�سطية‪ ،‬و�أثر الفتاوى يف ذلك‪.‬‬ ‫‪ .3‬دور امل�ؤ�س�سات الفكرية والثقافية يف تبني منهجية الإعتدال‬ ‫وحماربة التطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫‪ .4‬مناق�شة �إ�شكال ّية جدل ّية الدّ ولة الدّ ين ّية واملدن ّية‪.‬‬ ‫‪� .5‬ضرورة بناء ا�سرتاتيجية عاملية لبناء تيار اعتدايل عاملي‪،‬‬ ‫وت�أكيد حقيقة �أن جميع الأديان ترف�ض التطرف والغلو‪.‬‬ ‫‪ .6‬تقدمي حلول عملية وفكرية ملعاجلة ظاهرة التطرف والغلو‪.‬‬ ‫‪ .7‬تقدمي برنامج عملي وجت���ارب ناجحة لرت�سيخ االع��ت��دال‬ ‫والت�صدي للظواهر الفكرية التي تتعار�ض مع جوهر الإ�سالم‪،‬‬ ‫وبيان كيفية قيام م�ؤ�س�سات الإعالم بالدور امل�أمول للتعاطي مع‬ ‫ّطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫الت ّ‬ ‫ُ‬ ‫ؤ�س�سات‬ ‫���س��را وم�‬ ‫ٍ‬ ‫‪ .8‬حتديد م�س�ؤوليات املجتمع كله �أف���را ًدا و�أ ً‬ ‫حكومية و� ً‬ ‫ً‬ ‫أهلية مع الرتكيز على دور املر�أة‪.‬‬ ‫حماور امل�ؤمتر‪ :‬يت�ض ّمن امل�ؤمتر املحاور الآتية‪:‬‬ ‫المحور األول‪ :‬اإلطار المفاهيمي‬

‫‪ .1‬حتديد مفهوم الو�سطية‪ :‬املعايري والأ�س�س واملعوقات‪.‬‬

‫ّطرف والإرهاب واملفاهيم ذات ال�صلة‬ ‫‪ .2‬حتديد مفهوم الت ّ‬ ‫�أ‌‪ .‬العنف والغلو‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬احلرابة واجلزية‪.‬‬ ‫ج‪ .‬اجلهاد‪ ،‬ال�سبي‪ ،‬ملك اليمني ‪ ،‬جهاد الكفاح ‪.‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬جذور التطرف واإلرهاب‬

‫‪ .1‬منابع فكر التطرف والإرهاب (املذهبية والطائفية والعامل‬ ‫التاريخي)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .2‬الأ�سباب املن�شئة واملغذية للتطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫‪ .3‬خماطر التطرف والإرهاب و�آثاره‪.‬‬ ‫‪ .4‬معاجلة ظاهرتي التطرف والإره���اب من منظور الأدي��ان‪/‬‬ ‫القوانني‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ا‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت القادمة‬ ‫المحور الثالث‪ :‬أسباب عدم االستقرار وغياب المنهج‬ ‫الوسطي وآثاره‬

‫‪� .1‬أ�سباب انح�سار املنهج الو�سطي‪.‬‬ ‫‪ .2‬الآثار النف�سية واالجتماعية‪.‬‬ ‫‪ .3‬الآثار االقت�صادية واملعي�شية‪.‬‬ ‫‪ .4‬الآثار ال�سيا�سية وت�أثر احلقوق املدنية‪.‬‬ ‫‪ .5‬ت�شويه �صورة الإ���س�لام واحل��د من انت�شاره و�إع��اق��ة احل��وار‬ ‫احل�ضاري‪.‬‬

‫املحور ال ّ��راب��ع‪ :‬دور امل� ّؤ�س�سات واملجتمع يف تدعيم‬ ‫اال�ستقرار وتر�سيخ منهج االعتدال‪.‬‬ ‫‪ .1‬دور م�ؤ�س�سات الدولة والأجهزة الأمنية ( الإ�سرتاتيجية‬ ‫الوطنية لن�شر االعتدال ومكافحة التطرف)‪.‬‬ ‫‪ .2‬دور املجامع العلمية والعلماء يف ن�شر منهج الو�سطية‪.‬‬ ‫‪ .3‬دور امل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية واالجتماعية وم�ؤ�س�سات‬ ‫املجتمع املدين‪.‬‬ ‫‪ .4‬دور امل�ؤ�س�سات الإعالمية وو�سائل االت�صال احلديثة‪.‬‬ ‫‪ .5‬دور املنتدى العاملي للو�سطية‪ :‬ر�ؤية للمعاجلة‪.‬‬ ‫‪� .6‬ضرورة مراجعة احلركات والتيارات الدّ ين ّية خلطابها‪.‬‬ ‫‪ .7‬جت��ارب ناجحة ملعاجلة التطرف والإره���اب يف بع�ض الدول‬ ‫الإ�سالمية‪.‬‬ ‫‪ .8‬دور املنظمات الإقليمية والإ�سالمية والدولية‪.‬‬ ‫‪ .9‬دور امل�سيحني يف ا�ستقرار العامل العربي واال�سالمي‪.‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬دور الوسطية في استقرار العالم‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ .1‬ر�ؤية و�سطية م�ستنبطة من القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‬ ‫ال�شريفة‪.‬‬ ‫‪ .2‬دور الو�سطية يف التعامل مع الآخر‪.‬‬ ‫‪ .3‬دور الو�سطية يف ا�ستقرار العامل الإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪ .4‬حقوق غري امل�سلم وواجباته يف املجتمع الإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪ .5‬حقوق امل�سلم وواجباته يف املجتمعات غري الإ�سالمية‪.‬‬ ‫‪ .6‬نداء ا�ستنها�ض الأمة‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫اللجنة التحضيرية‪:‬‬

‫‪ .1‬دولة الإمام ال�صادق املهدي‪.‬‬ ‫‪ .2‬معايل الأ�ستاذ الدكتور عبد ال�سالم العبادي‪ /‬وزير الأوقاف‬ ‫وال�ش�ؤون واملقد�سات الإ�سالمية الأ�سبق‪.‬‬ ‫‪ .2‬معايل ال�شيخ عبد الرحيم العكور‪ /‬وزير الأوق��اف وال�ش�ؤون‬ ‫واملقد�سات الإ�سالمية الأ�سبق‪.‬‬ ‫‪ .4‬املهند�س م��روان الفاعوري‪ /‬الأم�ين العام للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية‪.‬‬ ‫‪ .5‬الدكتور زيد املحي�سن‪ /‬املنتدى العاملي للو�سطية‪.‬‬

‫اللجنة العلمية‪:‬‬

‫‪ .1‬الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‪ /‬عميد كلية ال�شريعة‪/‬‬ ‫اجلامعة الأردنية �سابق ًا‪.‬‬ ‫‪ .2‬الأ�ستاذ الدكتور خالد اجلرب‪ /‬عميد كلية الآداب والعلوم‪/‬‬ ‫جامعة العلوم الإ�سالمية العاملية‪ -‬الأردن‪.‬‬ ‫‪ .3‬الأ�ستاذ الدكتور حممد الروا�شدة‪� /‬أ�ستاذ الدرا�سات الفقهية‬ ‫والقانونية‪ -‬جامعة م�ؤتة‪.‬‬ ‫‪ .4‬الأ�ستاذ الدكتور وليد عوجان‪ /‬نائب �سابق‪ -‬عميد كلية الآداب‬ ‫والعلوم والقانون �سابق ًا‪ /‬جامعة ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫‪ .5‬الدكتور زهاءالدين عبيدات‪ /‬رئي�س مركز الدرا�سات‪ /‬املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫‪ .6‬ال��دك��ت��ور حممد خ�ير العي�سى‪/‬حما�ضر يف جامعة العلوم‬ ‫الإ�سالمية العاملية‪-‬ع�ضو جمل�س االفتاء‪.‬‬

‫اللجنة الدعم الفني والعالقات العامة‪:‬‬

‫‪ .1‬ال�سيد مازن الفاعوري‪.‬‬ ‫‪.2‬الدكتور علي حجاحجه‬ ‫‪.3‬ال�سيد �أحمد اجلغبري‪.‬‬ ‫‪.4‬ال�سيد عمار املومني‬

‫اللجنة االعالمية‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫ا‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫القادمة‬ ‫مؤتمر رابطة كتاب التجديد‬

‫«الدولة بين الدينية والمدنية»‬ ‫ديباجة امل �ؤمتر‪:‬‬

‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ُ‬ ‫موح ت� ّأ�س َ�س فكر ًّيا‬ ‫أهمها‬ ‫زال ُطموح الت ّيارات الإ�سالم ّية‬ ‫دولة "�إ�سالم ّية" مب�س ّم ٍ‬ ‫ت�شكيل ٍ‬ ‫"دولة اخلِالفة"‪ ،‬وهو ُط ٌ‬ ‫يات متن ّوعة � ُّ‬ ‫َ‬ ‫الفرق ّ‬ ‫الفات ب َ‬ ‫والطوائف واملذاهب‪ ،‬حتّى �إنّه �أ ّدى �إىل‬ ‫ني‬ ‫روايات و�‬ ‫وفقه ًّيا ووجدان ًّيا على‬ ‫ات يف التّاريخ‪ ،‬و�شهِدَ ِخ ٍ‬ ‫أحاديث وتطبي َق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الع�صر احلديث ترا َوحت ب َ‬ ‫ني‬ ‫إرث ُر� ًؤى وم�سا ٍع يف‬ ‫باب‬ ‫روب‪ ،‬وهو يف‬ ‫حقيقي لل ِفتنَ ‪ .‬وانبنت على هذا ال ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع�صر َنا هذا ٌ‬ ‫�صراعات ُ‬ ‫وح ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أ�سباب ال ّت� ُّأخ ِر عرب ًّيا‬ ‫يا�سي‪ ،‬والنّزا ِع امل�سلَّح‪.‬‬ ‫ِراك‬ ‫عي‬ ‫ري من اجل ِ‬ ‫الفكري‪ ،‬واحل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ونقف اليو َم �أما َم كث ٍ‬ ‫دل حول � ِ‬ ‫االجتماعي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�س ِ‬ ‫وال�س ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫ُ‬ ‫لتحقيق ال َت ُّ‬ ‫ولة كما فعلت �أورو ّبا‬ ‫ح�ض ِر‪ ،‬وال بدَّ من‬ ‫بيل الأقو ُم‬ ‫و�إ�سالم ًّيا‪ ،‬وفيها‬ ‫ِ‬ ‫الدين ّ‬ ‫الف�صل بني ّ‬ ‫والد ِ‬ ‫ِ‬ ‫القول‪ :‬العلمان ّي ُة هي ّ‬ ‫ُ‬ ‫ين يف �ش�ؤونِ احليا ِة العا ّمة التي يجب �أن‬ ‫يقت�ضي عدَ َم‬ ‫مما �أ ّدى لنه�ض ِتها‪ ،‬وفيها‬ ‫ول الآنَ‬ ‫حتكيم ّ‬ ‫الد ِ‬ ‫القول‪� :‬إنّ تن ُّو َع مواطني ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫نمّ‬ ‫ت�سيطر‬ ‫ا‬ ‫�‬ ‫إ‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫بالد‬ ‫م‬ ‫و�س‬ ‫ت‬ ‫التي‬ ‫ول‬ ‫الد‬ ‫�‬ ‫وفيها‪:‬‬ ‫املواطنني‪،‬‬ ‫من‬ ‫فئات‬ ‫‪/‬‬ ‫فئة‬ ‫على‬ ‫لم‬ ‫الظ‬ ‫ع‬ ‫وق‬ ‫ال‬ ‫�‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫والقوانني‪،‬‬ ‫ري‬ ‫�سات‬ ‫الد‬ ‫إىل‬ ‫�‬ ‫ت�ستندَ‬ ‫إنّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ال�شرائ َع َ‬ ‫الدين" ت�سيرِّ ُ الأمو َر فيها ل�صاحلِها‪ ،‬وال تط ّب ُق ّ‬ ‫ري ذلك‪.‬‬ ‫عليها جماعات من‬ ‫طبقة "رجال ّ‬ ‫ِ‬ ‫إلهي‪ ...‬وكث ٌ‬ ‫ري غ ُ‬ ‫وفق املرا ِد ال ّ‬

‫حماور امل �ؤمتر‪:‬‬

‫ؤمتر هذه امل�س� َ‬ ‫هي‪:‬‬ ‫ألة من � ِ‬ ‫ُ‬ ‫يقارب امل� ُ‬ ‫أربعة حماو َر �أ�سا�س ّي ٍة َ‬ ‫إ�سالمي‪� ،‬أو الأفكا ِر الو�ضع َّية؟‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫الفكر‬ ‫يف‬ ‫�سواء‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫واملدن‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الد‬ ‫ولة‬ ‫بالد‬ ‫د‬ ‫املق�صو‬ ‫ما‬ ‫واملفاهيم‪:‬‬ ‫امل�صطلحات‬ ‫حترير‬ ‫حمور‬ ‫‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ّ ِ ّ َّ‬ ‫ّ‬ ‫يقوم بين ُهما ُ‬ ‫ُ‬ ‫يجمع ب َ‬ ‫العالقة‬ ‫تناق�ض؟ وما‬ ‫ني و�أركا ِنهما‬ ‫ني‬ ‫ولة‪ ،‬و�أركانُ مدن َّي ِتها؟ وهل‬ ‫وما �أركانُ ِدين َّي ِة ّ‬ ‫الد ِ‬ ‫ٌ‬ ‫هذين املفهو َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫تقارب‪� ،‬أو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب َ‬ ‫لك" و"الإمامة" و"والية الفقيه" و"املدينة الفا�ضلة" و"اجلمهور ّية"؟‬ ‫ني ُد ِ‬ ‫ول‪" :‬اخلالفة" و"املُ ِ‬ ‫ً‬ ‫املدينة ً‬ ‫الد ُ‬ ‫ُ‬ ‫قائمة على‬ ‫دولة دين َّي ًة‬ ‫ر�سول اهلل �ص ّلى اهلل عليه و�س ّل َم يف‬ ‫ولة التي � ّأ�س�سها‬ ‫أ�صيل الت‬ ‫‪ .2‬حمو ُر ال ّت� ِ‬ ‫ّاريخي‪ :‬هل كانت ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الدين‪� ،‬أو ً‬ ‫ُ‬ ‫الد ُ‬ ‫إ�سالمي‬ ‫ّاريخ ال‬ ‫ول‬ ‫عقد‬ ‫دولة مدن َّي ًة‬ ‫اجتماعي م�ست َمدٍّ من ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫الدين؟ وهل كانت ُّ‬ ‫قائمة على ٍ‬ ‫ُح ِ‬ ‫املتعاقبة على مدا ِر الت ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫دولة َ‬ ‫أ�صيل َ‬ ‫"ب�شر َّية"؟‬ ‫إ�سالمي؟ وهل‬ ‫الفقه ال‬ ‫ذلك يف‬ ‫دين َّي ًة‪� ،‬أو مدن َّي ًة؟ وما مدى ت� ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولة "�إله َّية" �أو ٍ‬ ‫أ�سي�س َد ٍ‬ ‫ُ‬ ‫املطلوب �إ�سالم ًّيا ت� ُ‬ ‫ّ‬ ‫‪ .3‬حمور املقارنة‪ :‬هل ث َّم َة ُف ٌ‬ ‫اجلوانب تكمنُ هذه الفروقُ �إن ُو ِجدَ ت؟‬ ‫والدولة املدن َّية؟ ويف � ّأي‬ ‫الدين ّي ِة ّ‬ ‫الدولة ّ‬ ‫روق حقيق َّي ٌة بني ّ‬ ‫ِ‬ ‫مفاهيم‪ُ :‬‬ ‫احل ّر ّية‪ ،‬والعدالة‪ ،‬وامل�ساواة‪ ،‬واحلقوق والواجبات‪ ،‬و"دولة جلميع مواطنيها"‪ ،‬و"دولة‬ ‫حتقيق‬ ‫هي جوهر َّي ٌة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهل َ‬ ‫رعي‪ُ ،‬‬ ‫و"الد�ستور والقوانني" من اجلانب الآخر‪ُ ،‬‬ ‫كم ّ‬ ‫ني ّ‬ ‫القانون"؟ وما الفرقُ ب َ‬ ‫كم‬ ‫"ال�شريعة و�أحكا ِمها" من جانب‬ ‫ّ‬ ‫واحل ِ‬ ‫واحل ِ‬ ‫ال�ش ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عالقة ب َ‬ ‫العالقة ب َ‬ ‫احلل‬ ‫ني "�أهل‬ ‫و"الدميقراط ّية"؟ وهل ث ّم َة‬ ‫و"ال�شورى"‬ ‫ني "االنتخاب" و"البيعة"‪،‬‬ ‫طبيعة‬ ‫القانوينّ؟ وما‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وكذلك‪ :‬هل ُ‬ ‫�شكل ُ‬ ‫كم‬ ‫امل�شكلة‪� ،‬أو‬ ‫كم هو‬ ‫والعقد" و"املجال�س النّياب ّية"؟‬ ‫ِ‬ ‫والرع َّية؟ وما م�شروع ّي ُة‪ُ :‬ح ِ‬ ‫احل ِ‬ ‫العالقة بني احلا ِك ِم ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫"ال�شعب"؟‬ ‫ِزب"‪ُ ،‬‬ ‫"الفر ِد"‪ُ ،‬‬ ‫كم "احل ِ‬ ‫وح ِ‬ ‫وح ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّجارب التي َ‬ ‫ول‬ ‫ّ�شخي�ص‬ ‫ويتناول بالت‬ ‫‪ .4‬حمو ُر التّجارب النّاجحة‪:‬‬ ‫دول دين َّي ٍة‪ ،‬و ُد ٍ‬ ‫أ�سي�س ٍ‬ ‫جنحت تاريخ ًّيا يف ت� ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫مناذج من الت ِ‬ ‫أ�س�س َ‬ ‫َ‬ ‫ال�سيا�س ّي ِة واالجتماع ّية واالقت�صاد َّي ِة والقيم ّي ِة‬ ‫ّجارب‪ ،‬وتطبيقا ِتها على‬ ‫مف�ص ًال‬ ‫ِ‬ ‫القول يف � ِ‬ ‫تلك الت ِ‬ ‫َمدن َّية‪ِّ ،‬‬ ‫امل�ستويات ّ‬ ‫ُ‬ ‫ولة وم� ّؤ�س�سا ِتها‪ ،‬وبي َنها وب َ‬ ‫العالقات ب َ‬ ‫ُّظم القيم ّي ِة والأخالق ّية‬ ‫ومنظومات‬ ‫والعلم َّي ِة‪،‬‬ ‫ني ّ‬ ‫ني �أفرا ِد ّ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدول الأخرى‪ ،‬ف�ض ًال عن الن ِ‬ ‫وحقوق املواطن َ‬ ‫االجتماعي للمواطنني‪.‬‬ ‫الرفا ِه‬ ‫والإن�سان َّية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ني فيها‪ ،‬وواجبا ِتهم‪ ،‬وحتقيق ّ‬ ‫ّ‬

‫مكانُ انعقا ِد امل �ؤمتر‪:‬‬

‫ع ّمان – الأردنّ – فندق ريجن�سي باال�س‪.‬‬

‫موعدُ عقد امل �ؤمتر‪:‬‬

‫الأربعاء واخلمي�س املوافقانِ ‪.2015/5/21-20‬‬

‫‪86‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ا‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫ت القادمة‬ ‫ندوة شهر كانون األول عام ‪2014‬‬ ‫�سيعقد املنتدى العاملي للو�سطية ندوة يف ‪/27‬كانون الأول‪ 2014 /‬يوم ال�سبت ‪ ،‬بعنوان "ا�صالح املنظومة الرتبويه"‬ ‫وتت�ضمن املحاور الآتية‪:‬‬

‫املحور الأول ‪ :‬واقع املنظومة الرتبوية ‪.‬‬

‫ي�سعى هذا املحور اىل ت�شخي�ص مواطن النجاح والوهن يف امل�ؤ�س�سة الرتبوية يف جميع مراحلها ويت�ضمن‪:‬‬ ‫‪-1‬التعليم العام ‪ :‬الواقع والتطلعات‪.‬‬ ‫‪ -2‬الأ�ساليب التعليمية والرتبوية واملناهج املدر�سية‪.‬‬ ‫‪ -3‬الإ�شراف الرتبوي والتعليم اخلا�ص والتعليم العام‪.‬‬

‫املحور الثاين ‪ :‬الرتبية كرهان ا�سرتاتيجي للتغيري ‪ ،‬ويت�ضمن هذا املحور ‪:‬‬

‫‪� -1‬أهمية تعزيز القيم الرتبوية وو�سائل اك�سابها للطلبة يف مراحل التعليم املختلفة‪.‬‬ ‫‪ -2‬كيفية �صناعة املعلم‪�:‬صاحب الر�سالة‪.‬‬ ‫‪ -3‬جتربة تربوية ‪ ،‬تعليمية دولية متميزة‪.‬‬

‫ندوة شهر كانون الثاني عام ‪2015‬‬ ‫و�سيعقد املنتدى العاملي للو�سطية ندوة يف �شهر كانون الثاين بعنوان "الدولة املدنية من منظور �إ�سالمي" ‪ ،‬يتناول‬ ‫مو�ضوع الدولة وعالقاتها بالدين‪ ،‬ويت�ضمن املحاور الآتية ‪:‬‬ ‫ مامفهوم الدولة؟‬‫ ماهي الدولة املدنية؟‬‫ماهي الدولة الدينية؟‬‫‪ -‬هل الدولة اال�سالمية دولة مدنية �أم دولة دينية؟‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫‪87‬‬


‫ق‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ة‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫دد‬

‫نهج الصالحين‬ ‫ف��ي رك��ب��ه��ا ت��م��ض��ي ب��ن��ا األي����ا ُم‬ ‫ورأي��ت صحبي في القبور فهالني‬ ‫ً‬ ‫وصية‬ ‫فأخذت من رح ْـل الزمان‬ ‫ونهجت نهج الصالحين أحبهم‬ ‫وصحبتهم ع��لّ��ي أف���وز ب��دع��و ٍة‬ ‫ومشيت درب ْ‬ ‫الحزن صنت كرامتي‬ ‫أن��ا ْ‬ ‫ُ‬ ‫نشأت على المحبة والوفا‬ ‫إذ‬ ‫ون���أي� ُ‬ ‫��ت ع��ن دار ال��ف��ن��اء فإنها‬ ‫ُ‬ ‫تكـرًما‬ ‫وأشحت عن وصل اللئيم‬ ‫ّ‬ ‫�ت ع��ن زاد البخيل ّ‬ ‫ورغ��ب� ُ‬ ‫ترفًعا‬ ‫وأب���ي� ُ‬ ‫مسامحا‬ ‫��ت إال أن أب��ي��ت‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ورت��ع��ت ف��ي آي ال��ك��ري��م ت��دبّ��ًرا‬ ‫ُ‬ ‫وأدم��ت في روض الحبيب تأمّاًل‬ ‫ٌ‬ ‫خ��ل��ق ت��ج��لّ��ى ف��ي ال��ك��ت��اب ب��آي � ٍة‬ ‫كيف التقى في صدره أس ٌد الوغى‬ ‫فإذا انحنى فمن الوداعة والحجى‬ ‫�ي ف��ك��ان نهضة أم�� ٍة‬ ‫بُ��ع��ث ال��ن��ب� ّ‬ ‫رب ِّ‬ ‫يا ّ‬ ‫صل على الحبيب المصطفى‬ ‫ب��ارك الهي المخلصين ومن بـهم‬

‫‪88‬‬

‫�شعر‪:‬الطبيب الدكتور ذيب عبداهلل خطاب‬

‫��اس ع��ن ذك���ر اإلل���ه ن��ي��ا ُم‬ ‫وال���ن� ُ‬ ‫كيف انطوت في لحدها األع�لا ُم‬ ‫ّ‬ ‫إن ال����زم����ان م��ع��ل��م وإم�����ا ُم‬ ‫ف��ه � ُم الخليل ول���ي ب��ه��م أرح���ام‬ ‫ويُ��ظ��لّ��ن��ي م���ن ه��دي��ه��م إل��ه��ام‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫العز حيث أقاموا‬ ‫ولزمت رك��ن‬ ‫ف��ه� ُم المربي ف��ي الطباع ك��را ُم‬ ‫ّ‬ ‫ت��ل��ظ��ى ص��ح��ب��ه��ا ظ�ّل�اّ م‬ ‫ن����ار‬ ‫ٌ‬ ‫��ي اآلث����ا ُم‬ ‫ك���ي ال ت���دنّ���س ث���وب� َ‬ ‫وج�����ذا ُم‬ ‫زاد ال��ب��خ��ي��ل م���ع� ّ‬ ‫��رة ُ‬ ‫ب��ص��دري األس��ق��ا ُم‬ ‫ك��ي ال تبيت‬ ‫َ‬ ‫���ور ّ‬ ‫تغشى القلب وه��و س�لا ُم‬ ‫نُ ٌ‬ ‫��ع ب��ط��لّ��ه األح���ك���ا ُم‬ ‫َن‬ ‫�����ور َت���ش� ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ش��ه � ٌد ي��ظ��ل ع��ل��ى ال����دوام يُ���را ُم‬ ‫ون���س���ائ��� ٌم م���ن رق����ة و َي���م���ا ُم‬ ‫��ي على ال��ع��دا ضرغام‬ ‫فهو األب� ّ‬ ‫غ��ي��ث ت���ن� ّ‬ ‫��زل وال���ع���ب���اد أُوام‬ ‫ب� ْ‬ ‫���ارك إل��ه��ي م��ن ب��ه ق��د ه��ام��وا‬ ‫تحيا ال��ق��ل��وب وت��ق��ت��دى األن���ا ُم‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ُش ْر َف ٌة‪ ...‬وأُ ُفق‬

‫لماذا التّجديد؟‬ ‫د‪ .‬خالد عبد الر�ؤوف اجلرب‬

‫حلركة الإن�سانِ يف احلياة‪ ،‬وهو‬ ‫�صاحب‬ ‫الفكر ُم‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫يتنا�سب م َع َ‬ ‫احلركة طرد ًّيا ّ‬ ‫تلك‬ ‫بال�ض رورة؛ �إذا َخ َبتْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الفكر‬ ‫ال�س كونَ واجل مو َد خ َب ا‬ ‫ُ‬ ‫تلك احلركة وقار َب ِت ُّ‬ ‫ُ‬ ‫للج مود‪ ،‬و�إذا َتنا َم ت‬ ‫حركة الإن�سانِ‬ ‫أ�صبح � َ‬ ‫و� َ‬ ‫أقرب ُ‬ ‫الفكر وناهَ َز ال َ‬ ‫آفاق ال َّرح َب َة �ساع ًيا ب�صاح ِب ِه‬ ‫تفت َ​َّح‬ ‫ُ‬ ‫أرحب‪.‬‬ ‫ومبجتم ِع ه �إىل ُا ُف ٍق � َ‬ ‫و�إذا ك��انَ ال��تّ��اري ُ��خ جت�سيدًا حل��رك ِ��ة الإن�����س��انِ يف‬ ‫ا َ‬ ‫الفكر جت�سيدٌ‬ ‫حلركة الإن�سانِ يف‬ ‫جلغرافيا‪ ،‬ف� ّإن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫�ستوى � َ‬ ‫أرق ��ى و�أعلى من اجلغراف َيا؛ �إنّ��ه‬ ‫ُم‬ ‫يج�س دُ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫�يره‪ ،‬يف‬ ‫حركة الإن�سانِ ال ّت �أ ّم ل َّي َة يف ذا ِت��ه‪ ،‬ويف غ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫�سبيل‬ ‫حا�ضر ِه واملا�ضي و ُم �ستق َب ِله‪ .‬ومبا � ّأن ال تّف ُّك َر‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫العقل يف ّ‬ ‫حركة‬ ‫الفكر‪ ،‬مبا مي ّث ُل‬ ‫إنتاج‬ ‫كل �شيءٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ً‬ ‫أخالق التي هي م�صد ُر‬ ‫م�ضبوطة بالق َي ِم واملُ ُث ِل وال ِ‬ ‫َ‬ ‫كل �سعا َدة‪ ،‬ومن َب ُع ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫احلركة �إ ّم ا‬ ‫كل َخ ري‪ ،‬ف��� ّإن هذه‬ ‫ً‬ ‫ني يقودَانِ �إىل‬ ‫ن�شاطا‬ ‫�أن ت�ش َه دَ‬ ‫وتفاع ًال حقيق َّي ِ‬ ‫ُ‬ ‫مراتب الوجو ِد‬ ‫ّف�س الإن�سان َّي ِة الفرد َّي ِة يف‬ ‫ارتقاءِ الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الإن�سا ِّ‬ ‫�صعيد �صفا ِئ ها ونقاء �سرير ِت ها‪ ،‬وعلى‬ ‫ين على‬ ‫ِ‬ ‫االجتماعي مبا مت ِّث ُل "الكلمة‬ ‫م�س َت وى حت ُّق ِق ها‬ ‫ِّ‬ ‫الط ّي َ‬ ‫عي والعباد ِة والعمران‪َ .‬‬ ‫ّ‬ ‫وذلك يعتمدُ‬ ‫بة" يف َّ‬ ‫ال�س ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي�ضبط َ‬ ‫ُ‬ ‫احلركة‪� :‬إذا‬ ‫تلك‬ ‫طبيعة ما‬ ‫حمالة على‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ال�ض ُ‬ ‫ا�شتدَّت ّ‬ ‫ال�س ُب َل �إىل‬ ‫وابط و�أغل َقت على الإن�سانِ ُّ‬ ‫وتكا�س َل وا ّث َ‬ ‫احلركة َت َ‬ ‫أر�ض‪،‬‬ ‫خاذل‬ ‫ِ‬ ‫اقل و�أخلدَ �إىل ال ِ‬ ‫َ‬ ‫أم���ره‪ ،‬و�إذا‬ ‫ور���ض��ي مبا هُ ��و قائم �سائدٌ مهما ي ُك ْن � ُ‬ ‫َ‬ ‫انفتح تْ َ‬ ‫ال�ض ُ‬ ‫َ‬ ‫تلك ّ‬ ‫انطلق الإن�سانُ يف حرك ِت ِه‬ ‫وابط‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ون�شاط ه الإن�ساينِّ‪،‬‬ ‫نف�س ه وعق ِله ويف جمتم ِع ه‬ ‫ِ‬ ‫داخل ِ‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫نتج‬ ‫ّا�ضج الذي يقو ُد الإن�سانَ‬ ‫الفكر الن َ‬ ‫وهذا هو ما ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫�أما ًم ا‪َ ،‬‬ ‫يدفع‬ ‫اجلامد ال َف ِّج الذي‬ ‫الفكر‬ ‫منبع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫وذاك هو ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وراء‪َ .‬‬ ‫ناه�ضة‪،‬‬ ‫تقدم َّي ًة‬ ‫يحد ُث‬ ‫حركة ُّ‬ ‫ذاك ِ‬ ‫الإن�سانَ ً‬ ‫وحتج ًرا‪.‬‬ ‫نتج ُج مو ًدا وتخ ُّل ًفا‬ ‫وهذا ُي ُ‬ ‫ُّ‬ ‫أر�ض قاعد ًة ذهب َّي ًة مفا ُدها‬ ‫و�إذا ك�شفت لنا علو ُم ال ِ‬ ‫ف�س دُ ‪ ،‬و�أنَّ َّ‬ ‫� ّأن َّ‬ ‫الفكر‬ ‫كل حر َك ٍة ُتن ِّق ي‪ ،‬ف� ّإن‬ ‫كل ُ�س ٍ‬ ‫كون ُي ِ‬ ‫َ‬ ‫املاء �إذا َ�س َكنَ � ُأج نَ و� ُأ�س نَ ‪،‬‬ ‫لي�س‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خارج هذه القاعدة‪ُ .‬‬ ‫والهواء �إذا َر َك دَ َف َ�س دَ ‪ ،‬والإن�سانُ �إذا َ�س َكنَ َ‬ ‫أ�صبح‬ ‫مات ف� َ‬ ‫ُ‬ ‫لمَ‬ ‫َ‬ ‫املال �إذا ُج ِّم دَ و ْ ُي �س ت ع َم ل يف ال تّجار ِة‬ ‫ِج ي َف ًة‪ ،‬ور� ُأ�س ِ‬ ‫َت َ‬ ‫املقاومة �إذا ُغ ِز َيت‬ ‫ّا�س �إذا تخا َذ ُل وا عن‬ ‫ِ‬ ‫ناق َ‬ ‫�ص‪ ،‬والن ُ‬ ‫ِديا ُرهُ م َذ ُّل وا‪ُّ ...‬‬ ‫كل �شيءٍ ح ّت ى‬ ‫الفكر �إذا َ�س َكنَ فال ُبدَّ‬ ‫ِ‬ ‫ف�س ا ِده‪ .‬من هنا‪ ،‬من هذه القاعد ِة ّ‬ ‫الط بيع َّي ِة ال‬ ‫من َ‬ ‫َ‬ ‫ري من‬ ‫نفهم هذا‬ ‫بدَّ من ال تّجديد‪ .‬ونحنُ‬ ‫كذلك من كث ٍ‬ ‫ُ‬ ‫العزيز‪ ،‬فمن قو ِل ه تعاىل‪" :‬ف�إذا‬ ‫كتاب اهلل‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال�ص ال ُة‬ ‫أر�ض"‪ ،‬ومن قو ِل ه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫فانت�ش ُروا يف ال ِ‬ ‫ُق ِ�ض َيت ّ‬ ‫قائل‪�" :‬أف َل ْم‬ ‫"فا�س َع ْوا يف َم نا ِك ِبها"‪ ،‬ومن قو ِل ه عزّ من ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫أر�ض فينظ روا"‪ ،‬ومن قو ِل ه تعاىل‪�" :‬أفال‬ ‫ريوا يف ال ِ‬ ‫ي�س ُ‬ ‫لوب �أقفا ُل ها"‪ ،‬وقو ِل ه‪" :‬ويف‬ ‫يتد ّب رون القر�آنَ �أم على ُق ٍ‬ ‫ب�ص ُرون"‪...‬‬ ‫�أن ُف ِ�س ُك م �أفال ُت ِ‬ ‫ُ‬ ‫كحركة املاءِ يف‬ ‫الفكر يف احليا ِة الب�شر َّي ِة‬ ‫وحركة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أر���ض‪ ،‬حي َن ما‬ ‫الأنها ِر التي ت�ستوي م�سارا ُت ها يف ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ّهر يف ا َ‬ ‫ُ‬ ‫–تباط �ؤ احلركة‪-‬‬ ‫جل َ��ري��انِ‬ ‫��اء الن ِ‬ ‫يتباط �أ م ُ‬ ‫ي�ترا َك ��م َّ‬ ‫الط ْم ُي وال ّ‬ ‫ّهر‪،‬‬ ‫��ط ُ‬ ‫�ين واحل��ج��ار ُة يف ق��ا ِع الن ِ‬ ‫�صبح جمرا ُه َ�ض ْح ًال َع ً‬ ‫ري�ض ا‪ ،‬ويرتا َك ُم على �ض ّف َت ِي‬ ‫و ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫�صحيح � ّأن‬ ‫ُّفايات‪...‬‬ ‫أخ�شاب والن‬ ‫ّهر القذى وال‬ ‫الن ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫‪89‬‬


‫َّ‬ ‫يظل جار ًيا باملاء‪ ،‬لك نَّه يبد أ� بال َه َر ِم ّ‬ ‫ُع َ‬ ‫ّهر ُّ‬ ‫ويت�سط ُح فاقدًا‬ ‫يخوخة �شي ًئا ف�شي ًئا‪ ،‬ويفقدُ ُع م َقه‪،‬‬ ‫وال�ش‬ ‫ِ‬ ‫ر�ض الن ِ‬ ‫أمره‬ ‫ني‪� ،‬أو ال بدَّ ملن‬ ‫وع ِت ه و�شبا ِبه‪ ...‬وقد ُي‬ ‫ِ‬ ‫ري مجَ را ُه بعدَ ح ٍ‬ ‫�صفا ِت ِه الأوىل يف ُيفُ َ‬ ‫َّهر �إىل تغي ِ‬ ‫يعنيه � ُ‬ ‫�ضطر الن ُ‬ ‫ُّ‬ ‫جريا َنه‪ ،‬ومن َّ‬ ‫تيه من ّ‬ ‫مي ّ‬ ‫العالقة التي ُت ُ‬ ‫ني واحلجار ِة‬ ‫وائب‬ ‫ري مجَ را ُه‬ ‫ِ‬ ‫بتخلي�ص �ض ّف ِ‬ ‫ِ‬ ‫والط ِ‬ ‫من تي�س ِ‬ ‫ال�ش ِ‬ ‫عيق َ‬ ‫الط ِ‬ ‫قاع ِه لي ُع و َد عمي ًق ا ك َع ْه ِده‪.‬‬ ‫يف ِ‬ ‫جتم ٌ‬ ‫عات ّ‬ ‫َّ‬ ‫الفكر كذلك قد يفقدُ ُع م َق هُ‬ ‫وائب‪،‬‬ ‫ويت�سط ُح بعدَ مرو ِر َد ٍ‬ ‫لل�ش ِ‬ ‫ُ‬ ‫هر عليه‪ ،‬وقد يتك َّونُ على �أطرا ِف ه ُّ‬ ‫والفكر‬ ‫أطراف‪ ،‬ليعو َد عمي ًق ا ويعو َد ت ّي ا ُر ُه �إىل �أ َل ِق ِه‪.‬‬ ‫حالة كهذه من‬ ‫وال بدَّ يف‬ ‫تنظيف جمرا ُه يف القا ِع وال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّهر‪ ...‬ف�إذا � َ‬ ‫وائب التي َت ِ�ش ينُهُ وتحَ ر ُفه عن م�سا ِر ِه هي ّ‬ ‫كاملاءِ‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫أعدت‬ ‫وائب التي‬ ‫تعرت�ض جمرى الن ِ‬ ‫كال�ش ِ‬ ‫وال�ش ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الفكر من ّ‬ ‫وائب‬ ‫تخلي�ص‬ ‫أمر يف‬ ‫و�سال ت ّيا ُر ُه فت ًّيا قو ًّيا م ؤ� ِّث ًرا ناف ًع ا‪،‬‬ ‫املاء �إىل طبيع ِت ه َ�ص َفا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال�ش ِ‬ ‫َ‬ ‫وكذلك ال ُ‬ ‫ريه متا ًم ا‪ ،‬ويكونُ �ضر ُر ُه يف‬ ‫مي‪ ،‬وقد ت �ؤ ّدي �إىل تغي ِ‬ ‫التي تع َل ُق به‪ ،‬وتغ يرِّ ُ لو َنه وطع َم ه‪ ،‬وحتر ُفه عن م�سا ِره القو ِ‬ ‫َ‬ ‫ات الإن�سان ّي ِة الفرد َّي ِة التي قد تحَ ُ ُ‬ ‫�صعيد ّ‬ ‫ول‬ ‫نتائج ه املد ِّم ر ُة على‬ ‫وت�صبح له‬ ‫احلال �أ�شدَّ من نف ِع ه‪،‬‬ ‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫الذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هوات‪ ،‬وقد تتح َّو ُل َو ً‬ ‫وال�ش ُ‬ ‫ُ‬ ‫الغرائز ّ‬ ‫ُم ن َْح لَّ ًة ال � َ‬ ‫ُ‬ ‫يعرف‬ ‫كا�سرا ال‬ ‫ح�ش ا‬ ‫قيم ُت �س نِدُ حرك َت ها‪ ،‬حت ُك ُم ها‬ ‫أخالق لها وال َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يرتد ُع لقانون‪.‬‬ ‫رحمة وال يتن ّب هُ من َغف َل ٍة وال ِ‬ ‫حركة الإن�سانِ يف الوجو ِد؛ َ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫بيل‬ ‫مظاهر‬ ‫آخر من‬ ‫جتديد � ِّأي‬ ‫أهم من‬ ‫جتديدُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مظهر � َ‬ ‫الفكر � ُّ‬ ‫ذلك لأنّهُ ّ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫بيل‬ ‫ّهو�ض‬ ‫قالت نوع َّي ٍة يف‬ ‫ال�س ِ‬ ‫ِ‬ ‫�إىل حتقيق ُن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اعية �إىل الن ِ‬ ‫وحتقيق �أُ ُف ٍق لها يف احلياة‪� .‬إنّه ّ‬ ‫املجتمعات ّ‬ ‫خارج ه يف حيا ِته االجتماع ّي ِة‬ ‫وجتديده من‬ ‫أخالقه‪،‬‬ ‫لتجديد الإن�سانِ من داخ ِله‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وجتديد عقل َّي ِت ِه وق َي ِم ه و� ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫وجتديد وجو ِده واق ًع ا على‬ ‫إبداعي والف ّن ّي والثقايف‪،‬‬ ‫إنتاج ه ال‬ ‫وجتديد‬ ‫والوظيف َّية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫منظومة عالقا ِته و� ِ‬ ‫ّ‬ ‫م�شروع ا‪...‬‬ ‫مل‪� :‬أ َّم ًة‪� ،‬أو �شع ًب ا‪� ،‬أو‬ ‫أر�ض �ضمنَ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِ‬ ‫ً‬ ‫خارطة العا ِ‬ ‫ٌ‬ ‫حمة للعامل َ‬ ‫ني حم َّم ٍد �ص ّل ى‬ ‫الفكر‬ ‫وال ّت جديدُ يف‬ ‫و�س ندُ ها ما جندُ ه يف ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫�ضرورة �إ�سالم َّي ٌة حيو َّي ٌة‪َ ،‬‬ ‫نبي ّ‬ ‫قول ِّ‬ ‫َ‬ ‫( ‪)1‬‬ ‫ُ‬ ‫يبعث لهذ ِه الأ ّم ِة على ر�أ�س ِّ‬ ‫اهلل عليه و�س لَّ م‪�" :‬إنَّ اهلل‬ ‫�سنة َمن يجدِّ ُد لها دي َن ها" ؛ ف�إذا كانَ‬ ‫كل ِ‬ ‫مائة ٍ‬ ‫ُ‬ ‫�صو�ص ويف احليا ِة واق ًع ا‬ ‫العقل يف ال ّن‬ ‫إعمال‬ ‫الفكر‪،‬‬ ‫يحتمل ال تّجديدَ يف‬ ‫ين" ال‬ ‫ِ‬ ‫ال ّت جديدُ يف ّ‬ ‫نتاج � ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫"الد ِ‬ ‫والفكر ُ‬ ‫ُ‬ ‫وجتريدًا‪ ،‬فما الذي يحتم ُلهُ �إذن؟‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫و�صح حه احلاكم‪ .‬وقال الزين‬ ‫جاء يف �أ�سنى املطالب‪ :‬رواه �أبو داود وغ�يره‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫‪َ -1‬‬ ‫العراقي‪� :‬سنده �صحيح‪ .‬وق��ال ال�سيوطي رحمه اهلل يف مرقاة ال�صعود‪ :‬اتفق‬ ‫احلفاظ على ت�صحيحه؛ منهم‪ :‬احلاكم يف امل�ستدرك‪ ،‬والبيهقي يف املدخل‪ ،‬وممن‬ ‫ن�ص على �صحته من املت �أخرين احلافظ ابن حجر‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫آ‬ ‫خ‬ ‫ر‬ ‫إ‬ ‫ص‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ت الوسطية‬

‫كتاب بعنوان (دور‬ ‫�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫ٌ‬ ‫امل�ؤ�س�سات يف تعزيز منظومة القيم يف املجتمع) ت�ضمنت‬ ‫�أوراق اعمال الندوة املنعقدة يف املنتدى التي عقدة بتاريخ‬ ‫‪/11‬ذي القعدة ‪ ، 1435/‬وجاءت هذه االوراق على النحو‬ ‫الأتي‪ :‬الإفتتاحية لأمني عام املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫بعنوان كنتم خري � ٌ‬ ‫أمة �أخرجت للنا�س ّ‬ ‫و�ضح فيها �أن خريية‬ ‫هذه الأمة منبثقة من الر�صيد القيمي ال�شامل لال�سالم ‪،‬‬ ‫ال��ورق��ة الأوىل ج��اءت حت��ت ع��ن��وان (دور امل�ؤ�س�سات‬ ‫الرتبوية يف تعزيز مظومة القيم) للدكتور زهاء الدين‬ ‫عبيدات �شرح فيها الدكتور زهاء الدين �أهمية امل�ؤ�س�سات‬ ‫الرتبوية يف زرع القيم يف اجليل النا�شئ ‪ ،‬ام��ا الورقة‬ ‫الثانية فجاءت بعنوان (�أثر االعالم يف تعزيز منظومة‬ ‫القيم) للدكتور خالد جرب بينّ فيها ت�أثري االعالم يف القيم‪،‬‬ ‫والورقة الثالثة حتدث فيها الدكتور عبد الرحمن ابداح‬ ‫حول �أثر امل�ؤ�س�سات الدينية يف تعزيز منظومة القيم ‪،‬‬ ‫ثم جاءت الورقة الرابعة حول دور اال�سرة الرتبوي يف‬ ‫تعزيز القيم يف االبناء و �أعدها اال�ستاذ الدكتور حممد‬ ‫الق�ضاة ‪ ،‬ويف الورقة اخلام�سة حتدثت الدكتورة نوال‬ ‫�شرار اذ ب ّينت و�سائل و �آليات اال�سرة يف تعزيز منظومة‬ ‫القيم ‪.‬‬

‫العدد الثاين ‪ -‬ال�سنة ال�سابعة ‪ -‬حمرم ‪ 1436‬هـ ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2014‬م‬

‫كتاب �آخر بعنوان‬ ‫و�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫ٌ‬ ‫(قواعد �شرعية يف التكفري قراءة يف �أفكار �شيخ اال�سالم‬ ‫ابن تيمية) ‪ ،‬وهو عباره عن بحث قدمه الدكتور ع�صمت‬ ‫اهلل للم�ؤمتر الدويل الذي عقد يف اجلامعة اال�سالمية‬ ‫ا�سالم اب��اد‪ -‬باال�شرتاك مع املنتدى العاملي للو�سطية‬‫ب��ع��ن��وان‪( :‬اال�ستقامه واالع��ت��دال ودوره��م��ا يف نه�ضة‬ ‫املجتمع امل�سلم) اذ يبحث هذا الكتاب يف الر�ؤية الفكرية‬ ‫البن تيمية حول مو�ضوع التكفري ‪ ،‬فقد � ّأ�صل ابن تيمية‬ ‫قواعد التكفري يف ثالث ع�شرة قاعدة يجب االلتزام بها‬ ‫وعدم التطرق اىل التكفري ‪ ،‬وبينّ ابن تيمية موانع التكفري‬ ‫املتمثلة بعدم التكليف واجلهل واخلط�أ والت�أويل اخلاطئ‬ ‫ب�سبب الق�صور يف فهم الدالالت ال�شرعية‪.‬‬ ‫وخل�ص اب��ن تيمية �إىل ع��دم ج��واز �إط�لاق التكفري بل‬ ‫الت�أين والرتيث قبل ا�صدار هذا احلكم ملا يبنى عليه من‬ ‫�أحكام ونتائج خطري ًة‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫ق�سيمة ا�شرتاك �سنوية‬ ‫البلد‬

‫الإ�سم ‪ /‬امل�ؤ�س�سة‬

‫الهاتف‬

‫املدينة‬

‫‪Email:‬‬ ‫كيفية الدفع‬ ‫نقدا‬

‫�شيك‬

‫حوالة بنكية‬

‫قيمة الإ�شرتاك ال�سنوي ( ‪ 60‬دينار ) اردين‬ ‫الأردن ‪ -‬عمان ‪ -‬اجلبيهه ‪ -‬تلفون ‪ - 5356329‬فاك�س ‪+ 962 - 6 - 5356349 -‬‬ ‫�ص ب ‪ 2149‬رمز بريدي ‪11941‬‬ ‫‪- 5356329 06 JPRDAN THL - 11914 - AMMAN 2149: P . O . BOX‬‬ ‫‪5356349 -6- 962+ FAX‬‬ ‫‪Email: mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪moderation_assembly@yahoo.com‬‬ ‫‪Website: www.wasatyea.net‬‬

‫قواعد و�شروط الن�شر يف املجلة الو�سطية‬ ‫ي�سر �أ�سرة حترير جملة الو�سطية والتي ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية �أن ت�ستقبل م�ساهمات �أ�صحاب القلم من‬ ‫الكتاب واملثقفني والباحثني يف �أق�سام الفكر الإ�سالمي والعلوم الإن�سانية واالجتماعية وال�سيا�سية والفكرية والرتبوية‪،‬‬ ‫واملو�ضوعات ذات ال�صلة بامل�شروع احل�ضاري الإ�سالمي الراهن‪ ،‬وكل ماله �صلة بق�ضايا و�ش�ؤون ال�ساحة الثقافية الإ�سالمية‬ ‫املعا�صرة على وجة العموم‪..‬‬ ‫وترى �أ�سرة التحرير �أن تكون املواد املر�سلة وفق ال�شروط التالية‪:‬‬ ‫�أن تراعى يف املادة املر�سلة القواعد املتعارفة يف البحث العلمي من نواحي توثيق امل�صادر واملراجع والن�صو�ص‪ ،‬واملو�ضوعاتة‬ ‫واملنهجية يف الكتابة‪ ،‬واالبتعاد عن الأ�سلوب اخلطابي‪.‬‬ ‫ت�ؤكد املجلة على االلتزام بالبحث املو�ضوعي احلر والهادئ ‪ ،‬البعيد عن كل �أ�شكال التهجم �أو امل�سا�س بال�شخ�صيات‪.‬‬ ‫�ضرورة و�ضوح لغة البحث وجتنب اتباع الأ�سلوب املعقد وامل�صطلحات الغام�ضة وااللتزام بعمق املعنى‪ ،‬مع مراعاة اجلوانب‬ ‫الأدبية واجلمالية يف الكتابة‪.‬‬ ‫تقرتح املجلة �أن تدور الكتابات والبحوثات حول املحور التالية‪:‬‬ ‫درا�سات �إ�سالمية ‪ ،‬الو�سطية واالعتدال‪ ،‬التطرف والإرهاب‪ ،‬العنف والالعنف‪ ،‬احرتام الر�أي الآخر‪ ،‬حقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫العوملة‪ ،‬الفكر والفكر الإ�سالمي ‪ ،‬الإعالم يف الإ�سالم‪ ،‬علوم فر�آنية‪ ،‬الإ�سالم وال�سيا�سة‪....‬‬ ‫�سيتم منح مكاف�أة رمزية لكل كاتب مقال �أو درا�سة قدرها(‪ )50‬دوالر للكاتب من داخل الأردن‬ ‫و(‪ )80‬دوالر للكاتب من خارج الأردن‪.‬‬ ‫الآراء الواردة يف املجلة متثل وجهة نظر �أ�صحابها‪ ،‬وال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي هيئة التحرير‪.‬‬ ‫تر�سل الأعمال �إىل امل�شرف العام على املجلة‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.