العدد الأول 2007

Page 1

‫الوسسطية‬

‫ية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫اسسالمية ‪ -‬وسسطية ‪ -‬فصصل‬

‫ت�صدر عن منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬

‫الوىل ‪ -‬العدد أ‬ ‫ال�سنة أ‬ ‫الول ‪� -‬شعبان ‪1428‬هـ‪ /‬أ�يلول ‪2007‬م‬

‫هيئة التحرير‬ ‫رئي�س التحرير‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫مدير التحرير‬ ‫الدكتور حممد اخلطيب‬ ‫• ترحب املجلة مب�ساهمات وم�شاركات أالخوة الكتاب والعلماء واملفكرين‬ ‫• ما ين�شر يف هذا العدد يعرب عن �آراء الك ّتاب أ�نف�سهم وال يعك�س بال�ضرورة �آراء هيئة التحرير أ�و‬ ‫�سيا�سة املنتدى‬

‫عمان ‪� -‬شارع اجلمعية العلمية امللكية ‪ -‬مقابل مدار�س اجلامعة النموذجية‬ ‫تلفون ‪ 00962 6 5356329‬فاك�س‪� 00962 6 5356349 :‬ص‪.‬ب‪ 2149 :‬عمان ‪ 11941‬أالردن‬ ‫‪E.mail: moderation_assembly@yahoo.com‬‬ ‫‪Website: www.wastyea.com‬‬


‫حمتويات العدد‬

‫االفتتاحية‬ ‫درا�سات �إ�سالمية‬ ‫ الفتوى املبا�شرة و أ�حكامها‬‫ االفتاء عرب االنرتنت‪� :‬آفاق وعوائق‬‫ �إن�سانية النبي (�ص) يف معاملة أال�سرى‬‫ �إن�سانية النبي (�ص) مع غري امل�سلمني يف ال�سلم واحلرب‬‫من خالل �ساحة املعركة‬ ‫ توجهات ا إلعالن العاملي‬‫ندوة العدد‬ ‫ خطبة اجلمعة بني الواقع والطموح‬‫أ�ردنيات‬ ‫ ر�سالة عمان‪ :‬أالمل والطموح وا إلجناز‬‫ ر�سالة عمان‪ :‬م�ضامني وتوجهات‬‫ ملاذا ر�سالة عمان‬‫و�سطيتنا‬ ‫آ‬ ‫ ر ؤ�ية الواقع والعامل من خالل الخر‬‫ الو�سطية يف البناء االجتماعي‬‫ احلوار و أ��س�س جناحه‬‫حوار احل�ضارات‬ ‫آ‬ ‫ ا إل�سالم والعالقة مع الخر‬‫أ��سريات‬ ‫ يف جتديد اخلطاب الن�سوي املعا�صر‬‫ القوامة بني الت أ��صيل ال�شرعي والعرف االجتماعي‬‫ ملتقى الفتاة‬‫حوار العدد‬ ‫ لقاء مع املن�سق العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬‫كتب وقراءات‬ ‫ الو�سيط يف احل�ضارة ا إل�سالمية‬‫امل�سلمون اليوم‬ ‫ امل�سلمون يف الواليات املتحدة أالمريكية‪ :‬الواقع‬‫والتحديات‬ ‫ا�ستطالع �إ�سالمي‬ ‫أ‬ ‫ ال�سياحة الدينية يف الردن‬‫أ�دبيات �إ�سالمية‬ ‫ و�سطية ا إل�سالم‬‫ الر�سالة اخلالدة‬‫ن�شاطات ومتابعات‬

‫رئي�س التحرير‬

‫‪3‬‬

‫د‪� .‬سلمان بن فهد العودة‬ ‫أ�‪ .‬حممد �إبراهيم بدران‬ ‫د‪ .‬عبداهلل املعايطة‬ ‫د‪ .‬عدنان �آل �شل�ش‬

‫‪4‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪32‬‬

‫د‪ .‬يا�سني املقو�سي‬

‫‪35‬‬

‫أ��سرة التحرير‬

‫‪40‬‬

‫أ�‪.‬د‪ .‬حممد أ�حمد ح�سن الق�ضاة‬ ‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫�إبراهيم �ش ّبوح‬

‫‪47‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪51‬‬

‫د‪ .‬وائل مريزا‬ ‫أ�‪.‬د‪ .‬عبد احلليم عوي�س‬ ‫د‪ .‬يا�سر ال�شمايل‬

‫‪53‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪63‬‬

‫د‪ .‬مرمي �آيت أ�حمد‬

‫‪68‬‬

‫د‪ .‬فريال العلي‬ ‫مروان أ�بو �صالح‬ ‫أ��سرة التحرير‬

‫‪72‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪79‬‬

‫أ��سرة التحرير‬

‫‪80‬‬

‫د‪ .‬فايز الربيع‬

‫‪85‬‬

‫عبيدة فار�س‬

‫‪87‬‬

‫أ�حمد أ�بو دلو‬

‫‪90‬‬

‫�إح�سان حممود الفقيه‬ ‫�سهاد علي جرب‬ ‫أ��سرة التحرير‬

‫‪97‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪99‬‬


‫االفتتاحية‪...‬‬ ‫ي أ�تي ا�صدار العدد االول من هذه املجلة(الو�سطية) بعد �سنوات خم�س من عمر هذا املنتدى الذي التقى فيه الطموح أ‬ ‫والمل‬ ‫باالرادة والعمل‪ .‬ولقد جاء هذا املنتدى على قدر مع اوجب االعمال واج ّلها وهو توجيه وتر�شيد الفعل اال�سالمي بحيث يبلغ مداه‬ ‫وي ؤ�تي ثماره بعيد ًا عن املفرطني او املغالني الذين اختطفوا اال�سالم وارادوا ان يقدموا لالمة بل للب�شرية �صورة مزيفة ال تعرب عن‬ ‫روح هذا الدين العظيم الذي كرمه اهلل به االن�سان وكرم الب�شرية ومنّ بها على الكون كله‪.‬‬ ‫}ولقد كرمنا بني �آدم وحملناهم يف الرب والبحر ورزقناهم من الطيبات وف�ضلناهم عن كثري ممن خلقنا تف�ضيال{‬ ‫لقد جاء منتدى الو�سطية عد�سة ال ّمة تركز ال�ضوء وجتمعه بعد ان تبدد بفعل قوى الظالم على اختالفها بحيث يتعزز اخلري‬ ‫وتعظم االيجابيات‪ .‬ون�سعى يف املنتدى اىل ان ن�صنع امل�سلم ال�صايف ب�صوفيته والعميق ب�سلفيته والعامل ب� ؤش�ون بوقته‪ ،‬امل�سلم الذي‬ ‫يجمع وال يفرق‪ ،‬امل�سلم الذي يت�صف بحلم ابي بكر وحزم عمر وحياء عثمان وامانة ابي عبيدة وجود طلعة وزهد �سعد وعقل ابن‬ ‫عوف‪.‬‬ ‫اننا نتعامل مع املا�ضي وفق قوله تعاىل‪ } :‬أ�ولئك الذين نتقبل عنهم اح�سن ما عملوا وتتجاوز عن �سيئاتهم{‪.‬‬ ‫اننا نتطلع اىل حتفيز اجلهود نحو م�سرية بناء اوطاننا وجتنب ا�ستنزاف طاقات امتنا بال�صراع والكراهية واالحرتاب‬ ‫ان هذا املنتدى كبري باحالمه عظيم بطاقات �شبابه ورجاله ا�صيل جامع بعمل فتيانه وفتياته‪.‬‬ ‫ها هو ذا عرب عمره الذي مل يزد عن اخلم�س قد نظم ثالثة م ؤ�مترات دولية م ؤ�ثره‪ ،‬وعقد ما يزيد عن مئة ندوة وور�شة عمل‬ ‫امتد على رفعة هذا الوطن عرب حمافظاته كلها فافتح ثمانية فروع وات�سع مداه لي�شكل املنتدى العاملي للو�سطية ليكون بذلك اطار ًا‬ ‫عربي ًا وا�سالمي ًا يكون مركزه عمان‪.‬‬ ‫وانطالق ًا من �سيا�سة املنتدى يف التوا�صل مع املجتمع‪ ،‬من أ�جل ن�شر ر�سالته يف التعريف با إل�سالم ب�صورته ال�سمحة‪ ،‬والتعريف‬ ‫بالثقافة ا إل�سالمية امللتزمة واملنفتحة على ثقافة الع�صر واملرتبطة باال�صل‪ ،‬ارت أ�ينا �إ�صدار هذه املجلة الف�صلية‪ ،‬لتكون منرب ًا‬ ‫للتوا�صل بني املنتدى وحميطه العربي وا إل�سالمي‪.‬‬ ‫وها هو امل ؤ�متر الدويل الثالث بعنوان « نحو�إ�سهام عربي �إ�سالمي يف احل�ضارة االن�سانية املعا�صرة»‪ ،‬الذي يهدف �إىل �إبراز‬ ‫الدور احل�ضاري للم�سلمني والعرب يف احل�ضارة ا إلن�سانية على مر الع�صور‪ ،‬وتفعيل دورهم يف احل�ضارة ا إلن�سانية املعا�صرة‪،‬‬ ‫و�سي�ساهم فيه نخبة من العلماء واملفكرين من خمتلف أ�نحاء العامل‪.‬‬ ‫�إننا يف منتدى الو�سطية نتطلع �إىل أ�ن يكون هذا امل ؤ�متر �إ�سهام ًا �آخر ًا منا يف الدور الذي أ�خذناه على عاتقنا يف تقدمي �صورة‬ ‫ا إل�سالم احلقيقة احل�ضارية‪ ،‬وهي �صورة يحتاجها العامل املتعط�ش ملعرفة حقيقة هذا الدين‪.‬‬ ‫واملنتدى �إذ يقدم هذا العدد من جملته‪ ،‬ليتطلع �إىل مزيد من التوا�صل مع كل املفكرين واملثقفني والباحثني الذين ي�شاركونه‬ ‫أالهداف والقيم ذاتها‪ ،‬كما يرحب بن�شر مقاالتهم و�إ�سهاماتهم الفكرية عرب موقعه ا إللكرتوين‪.‬‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬ ‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫ ‬


‫درا�سات�إ�سالمية‬ ‫ال������ف������ت������وى‬ ‫امل������ب������ا����ش��رة‬ ‫أ‬ ‫و�ح����ك����ام����ه����ا‬ ‫�سلمان بن فهد العودة‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫مدخل‪:‬‬ ‫الفتاء‪ ،‬وجتمع على‪ :‬فتاوى‪ ،‬وفتاوي‪ ,‬والفتيا تبيني امل�شكل من أ‬ ‫الحكام‪ ،‬ومن معانيها‬ ‫الفتوى م�صدر مبعنى إ‬ ‫ون فيِ َأ� ْم ِري»‪ ،‬والفتوى يف اال�صطالح‪ :‬تبيني احلكم‬ ‫تعبري الر ؤ�ى‪ ،‬يقول اهلل �سبحانه وتعاىل‪َ « :‬يا َأ� ُّي َها املَ َ ُأل َأ� ْف ُت يِ‬ ‫ال�شرعي عن دليل ملن �س أ�ل عنه‪ ،‬أ�و هي ن�ص جواب املفتي‪ ,‬وهي تختلف عن التقرير االبتدائي الذي يقرره‬ ‫العامل‪ ,‬أ�و العلم الذي يبذله من غري �س ؤ�ال‪ ,‬وهي غالب ًا ما تطلق على أ‬ ‫الجوبة ال�شرعية‪ ،‬ف�إن كانت نف�سية أ�و‬ ‫اجتماعية أ�و غريها فتكون ا�ست�شارة أ�و ن�صح ًا‪.‬‬ ‫املق�صود بالفتوى املبا�شرة‬ ‫هي الفتوى عرب ا إلذاعة والتلفاز‪ ,‬وتكون �صادرة عمن‬ ‫يتعر�ض للفتوى خالل تلك الو�سائط‪� ,‬سواء كانت على الهواء‪،‬‬ ‫أ�و م�سجلة‪ ،‬أ�و معادة أ�و غري ذلك‪.‬‬ ‫ومن�صب ا إلفتاء ذو أ�همية �إ�سالمية واجتماعية ودور‬ ‫ح�سا�س‪ ,‬ويكفيه عظم ًا وخطورة أ�ن اهلل عز وجل قد تواله‬ ‫بنف�سه‪ ،‬يقول اهلل �سبحانه وتعاىل‪َ « :‬و َي ْ�س َت ْفتُو َن َك فيِ ال ِّن َ�سا ِء ُق ِل‬ ‫هَّ ُ‬ ‫الل ُي ْف ِتي ُك ْم»‪ ،‬وكفى مبن تواله �شرف ًا أ�ن يكون مهتم ًا بالتحري‬ ‫عن حكم اهلل يف امل�سائل‪ ،‬وهي مهمة قام بها أالنبياء عليهم‬ ‫ال�سالم‪ ،‬واخللفاء الرا�شدون‪ ،‬وال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم‪.‬‬

‫ ‬

‫و� أش�ن الفتوى كغريها من فرو�ض الكفاية‪� ,‬إذا قام بها‬ ‫من يكفي �سقط الوجوب عن ا آلخرين‪ ,‬بيد أ�نها جتب عين ًا �إذا‬ ‫اكتملت عدة الفقيه‪ ،‬ومل يوجد مفت غريه‪ ,‬ويف هذا الع�صر‬ ‫باخل�صو�ص ف�إن املخت�ص ال�شرعي الذي اكتملت �آلته‪ ,‬ون�ضجت‬ ‫معرفته باملحكوم فيه‪( ،‬وهو العالمَ ُ والواق ُع) فالقول بتعني‬ ‫ا إلفتاء عليه وجيه؛ لتوفره على فقه النف�س الذي يقل وجوده‪،‬‬ ‫وتكرث احلاجة �إليه يف هذا العامل الزاخر بكل تالد وطريف‪.‬‬ ‫والفتوى املبا�شرة هي �إحدى متغريات الع�صر ومنجزاته‬ ‫التي يجب توظيفها واالنتفاع بها‪ ،‬أ�ما التخوف والرتدد فلي�س‬ ‫معناه الورع‪ ،‬بل هو يف�ضي �إىل فتح املجال للعابثني‪ ،‬وغري‬ ‫املتخ�ص�صني‪ ،‬والذين ال ميتلكون �آلة ا إلفتاء‪ ،‬أ�و ال يتوافرون‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫على فقه النف�س واالعتدال والعقل‪ ،‬و أ�ي�ض ًا ف�إن ذلك يعني –‬ ‫نف�سي ًا ‪� -‬ضعف الثقة باملعطى ال�شرعي الذي نقدمه‪.‬‬ ‫وال ينكر أ�حد أ�ن ا إلعالم املرئي اليوم أ��صبح حمور ًا أ��سا�س ًا‬ ‫يف منظومة احلياة ملختلف ال�شرائح والطبقات املجتمعية‪،‬‬ ‫و أ��صبح م�صدر ًا من م�صادر التوجيه واخلطاب والت أ�ثري‪،‬‬ ‫بل م�صدر ًا لتوجيه الر أ�ي العام‪ ،‬وقنا ًة من قنوات االت�صال‬ ‫اجلماهريي‪.‬‬ ‫واملفتي الذي يك�شف عن ر أ�يه وتقريبه ألحكام ال�شرع هو‬ ‫وريث ن�سبي ملقام النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬وهو وريث‬ ‫علم ال�شريعة ومبلغها‪ ,‬وبقدر ما يكون عنده من علم ال�شريعة‬ ‫وارتوا ؤ�ه منها‪ ،‬وفقهه للنا�س ينال من هذه الوراثة العظيمة‪،‬‬ ‫يقول �إمام أالنبياء �صلى اهلل عليه و�سلم‪�( :‬إِنَّ ا ْل ُع َل َما َء َو َر َث ُة‬ ‫َأال ْن ِب َيا ِء َو�إِنَّ َأال ْن ِب َيا َء لمَ ْ ُي َو ِّر ُثوا ِدي َنار ًا َو َال ِد ْرهَ م ًا‪ ،‬و�إمنا َو َّر ُثوا‬ ‫ا ْل ِع ْل َم َف َمنْ َأ� َخ َذ ُه َأ� َخ َذ ِب َح ٍّظ َوا ِف ٍر)‪ ،‬ويقول عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم‪َ ( :‬أ� َال ِل ُي َب ِّل ِغ ال�شَّ ِاه ُد ِم ْن ُك ُم ا ْل َغا ِئ َب)‪.‬‬ ‫�إن احلاجة مل تعد حاجة �إىل من يحكم العبارة‪ ،‬ويجيد‬ ‫�صياغة اللفظ فح�سب‪ ،‬بل أالهم من يك�شف دواخل أال�شياء‪،‬‬ ‫وذلك هو فقيه النف�س ‪-‬كما ي�سميه اجلويني والعز بن عبد‬ ‫ال�سالم وغريهما‪ -‬الذي يفح�ص املقا�صد العميقة أ‬ ‫لل�شياء‪،‬‬ ‫واملعرفة ال�صادقة لفرز امل�سائل وتبيينها وتو�ضيحها‪ ،‬ومعرفة‬ ‫الن�صو�ص وفل�سفتها واختالفاتها‪ ،‬ونا�سخها ومن�سوخها‪ ،‬وذلك‬ ‫هو �شرط العلم الذي تفر�ضه ال�شريعة على املفتي؛ قال ا إلمام‬ ‫ال�شافعي فيما رواه عنه اخلطيب يف كتاب الفقيه واملتفقه له‪:‬‬ ‫الل‬ ‫َاب هَّ ِ‬ ‫لاَ َي ِح ُّل ِ َأل َح ٍد َأ�نْ ُي ْف ِت َي فيِ ِد ِين هَّ ِ‬ ‫الل �إلاَّ َر ُجلاً َعا ِر ًفا ِب ِكت ِ‬ ‫وخ ِه‪ ،‬وَمحُ ْ َكمِ ِه َو ُمت َ​َ�شابِهِ ِه‪َ ،‬و َت ْأ� ِوي ِل ِه َو َت ْن ِزي ِل ِه‪،‬‬ ‫ِب َن ِا�س ِخ ِه َو َم ْن ُ�س ِ‬ ‫يث‬ ‫َو َم ِّك ِّي ِه َو َمدَ ِن ِّي ِه‪َ ،‬و َما أُ�رِيدَ ِب ِه‪َ ،‬و َي ُكونُ َب ْعدَ َذ ِل َك َب ِ�ص ًريا ِب َح ِد ِ‬ ‫الل �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫َر ُ�س ِول هَّ ِ‬ ‫وقال ا إلمام أ�حمد‪َ :‬ي ْن َب ِغي ِلل َّر ُج ِل � إ َذا َح َم َل َنف َْ�س ُه َع َلى ا ْل ُف ْت َيا‬ ‫ال�س نَنِ‪َ ،‬عالمِ ًا ِب ُو ُجو ِه ا ْل ُق ْر�آ ِن‪َ ،‬عالمِ ًا ِب ْ َأال َ�سا ِن ِيد‬ ‫َأ�نْ َي ُكونَ َعالمِ ًا ِب ُّ‬ ‫يح ِة‪.‬‬ ‫ال�صَّ ِح َ‬ ‫ابن المْ ُ َبا َر ِك‪َ :‬متَى ُي ْف ِتي ال َّر ُج ُل؟‬ ‫و�سئل ِ‬ ‫َق َال‪ � :‬إ َذا َكانَ َعالمِ ًا ِب ْ َأال َث ِر‪َ ،‬ب ِ�ص ًريا ِبالر ْأَّ� ِي‪.‬‬ ‫يح َة‬ ‫ا�س ال�صَّ ِح َيح َوالمْ َ َعانيِ َ ‪َ ،‬وا ْل ِع َل َل ال�صَّ ِح َ‬ ‫ُي ِريد ِبالر ْأَّ� ِي ا ْل ِق َي َ‬ ‫ا َّل ِتي َع َّلقَ ال�شَّ ا ِر ُع ِب َها ْ َأال ْح َك َام َو َج َع َل َها ُم َ ؤ� ِّث َر ًة ِفي َها َط ْردًا‬

‫َو َع ْك ً�سا‪.‬‬ ‫ثم يلزمه أ�ن يكون ر�صني الفكر‪ ,‬جيد املالحظة‪ ،‬ثاقب‬ ‫النظرة‪ ،‬مت أ�ني ًا‪ ،‬متثبت ًا فيما يقول‪.‬‬ ‫قال النووي رحمه اهلل‪َ :‬ي ْح ُر ُم الت َ​َّ�ساهُ ُل فيِ ا ْل َف ْت َوى‪َ ،‬و َمنْ‬ ‫ا�س ِت ْفتَا ُ ؤ� ُه‪َ ،‬فمِ نْ الت َ​َّ�ساهُ ِل‪َ :‬أ�نْ لاَ َي َت َث َّب َت‪َ ،‬و ُي ْ�س ِر َع‬ ‫ُع ِر َف ِب ِه َح ُر َم ْ‬ ‫ا�س ِتي َفا ِء َح ِّق َها ِمنْ ال َّن َظ ِر َوا ْل ِف ْك ِر‪َ ،‬ف�إِنْ َت َق َّد َم ْت‬ ‫ِبا ْل َف ْت َوى َق ْب َل ْ‬ ‫َم ْع ِر َف ُت ُه ِبالمْ َ ْ�س ُئ ِول َع ْن ُه َفلاَ َب ْأ� َ�س ِبالمْ ُ َبا َد َر ِة‪َ ،‬و َع َلى هَ َذا ُي ْح َم ُل َما‬ ‫ا�ض َني ِمنْ ُم َبا َد َر ٍة‪.‬‬ ‫ُن ِق َل َعنْ المْ َ ِ‬ ‫ثم ينبغي للمفتي أ�ن يكون على معرفة ب أ�حوال النا�س‪ ,‬فطن ًا‬ ‫لطبائعهم وت�صرفاتهم‪ ,‬و أ�ن يدقق النظر يف ال�س ؤ�ال وال�سائل‪,‬‬ ‫فكثري ًا ما يكون ال�س ؤ�ال لي�س على قدر ال�سائل‪ ،‬أ�و م�ستواه‬ ‫العلمي‪ ،‬أ�و يكون من املع�ضالت‪ ،‬أ�و مت�شابه ا آليات‪ ،‬في ْقدُر‬ ‫املفتي أالمو َر بقدرها‪ ،‬وتلك النظرة قدر عملي قد يدركه املفتي‬ ‫باملمار�سة واملالحظة‪ ،‬كما يدرك احلكيم خربته بالتجربة‪،‬‬ ‫ويدرك املتفر�س فرا�سته بتملك امللكة‪( ،‬والعلم بالتعلم‪ ،‬واحللم‬ ‫بالتح ّلم)‪ ،‬كما يف أالثر الذي رواه اخلطيب البغدادي يف تاريخه‬ ‫عن أ�بي الدرداء موقوف ًا ومرفوع ًا‪ ،‬وهو باملوقوف أ��شبه‪.‬‬ ‫كما أ�ن على املفتي أ�ن يكون عارف ًا بعادات النا�س و أ�عرافهم‪،‬‬ ‫واختالف ذلك من دولة ألخرى‪ ,‬فكثري ًا ما يقع املفتي يف خط ٍأ�‬ ‫يف فتواه؛ ألن ال�سائل ي�س أ�ل عن �شيء يف بلده معروف مب�سميات‬ ‫واد‪ ،‬واملفتي يف واد �آخر‪،‬‬ ‫معينة‪ ,‬خمتلفة عن بلد املفتي‪ ,‬فهو يف ٍ‬ ‫وكانت معرفة العادات �شرط ًا مهم ًا للفقيه واملفتي؛ ألن معرفة‬ ‫العادة ت�ساعد على فهم الفتوى للحكم عليه‪ ،‬أ‬ ‫وال�صوليون‬ ‫يقولون‪ :‬احلكم على ال�شيء فرع عن ت�صوره‪ ،‬وهذا الت�صور ال‬ ‫يح�صل �إال مبعرفة العادات ال�شائعة بني النا�س‪ ،‬واملهم أ�ن يعرف‬ ‫العادة امل ؤ�ثرة يف الفتوى‪ ،‬أ�و املتعلقة بها؛ ألن بع�ض العادات‬ ‫ت�شكل �شروط ًا �ضمنية‪ ،‬غري مذكورة يف التعامالت الدنيوية ‪-‬‬ ‫والتجارية باخل�صو�ص ‪ -‬ت ؤ�ثر على حقيقة الفتوى واحلكم‪.‬‬ ‫وينبغي للمفتي أ�ن يقف على حقيقة أاللفاظ من امل�ستفتي‪,‬‬ ‫بحيث يك�شف الواقع‪ ,‬ف�إن مل ي�صل املفتي �إىل ك�شف الواقع فال‬ ‫يحل له أ�ن يفتيه‪ ،‬بل عليه أ�ن ي�س أ�ل‪ ،‬ويتثبت‪ ،‬ويت أ�نى‪.‬‬ ‫ثم �إن مراعاة احلكم ال�شرعي املتفق مع مقا�صد ال�شريعة‬ ‫من أ�هم اعتناءات املفتي‪َ ،‬ق َال ال�شَّ ِاط ِب ُّي‪ :‬المْ ُ ْف ِتي ا ْل َبا ِل ُغ ُذ ْر َو َة‬ ‫ا�س َع َلى ا ْل َو َ�س ِط المْ َ ْع ُهو ِد ِفي َما َي ِليقُ‬ ‫ال َّد َر َج ِة هُ َو ا َّل ِذي َي ْحمِ ُل ال َّن َ‬

‫ ‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ِبالجْ ُ ْم ُهورِ‪َ ،‬فال َي ْذهَ ُب بِهِ ْم َم ْذهَ َب ِّ‬ ‫ال�ش َّد ِة‪َ ،‬وال يمَ ِ ُيل بِهِ ْم �إلىَ‬ ‫ال�ص َر ُ‬ ‫اط المْ ُ ْ�س َت ِق ُيم ا َّل ِذي َجا َء ْت ِب ِه‬ ‫َط َر ِف الاِ ْن ِح ِ‬ ‫الل‪َ ،‬وهَ َذا هُ َو ِّ‬ ‫اط َوال َتف ِْر َ‬ ‫ال�شَّ ِري َع ُة‪َ ،‬فال � إ ْف َر َ‬ ‫يط‪َ ،‬و َما َخ َر َج َعنْ ا ْل َو َ�س ِط َم ْذ ُمو ٌم‬ ‫ِع ْندَ ا ْل ُع َل َما ِء ال َّر ِا�س ِخنيَ‪.‬‬ ‫وهذا املنهج الو�سط هو � أش�ن ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ -‬يف كل أ�موره وتوجيهاته‪ ,‬ف�إنه قال ملعاذ ر�ضي اهلل عنه ملا‬ ‫أ�طال بالنا�س‪َ ( :‬يا ُم َع ُاذ َأ� َفتَّا ٌن َأ� ْن َت؟! ‪َ -‬ث َالث ًا ‪�( ،)..-‬إِنَّ ِم ْن ُك ْم‬ ‫ا�س َف ْل َيت َ​َج َّو ْز‪َ ،‬ف�إِنَّ فِيهِ ُم ال�ضَّ ِع َ‬ ‫يف‬ ‫ُم َن ِّف ِرينَ ‪َ ،‬ف َأ� ُّي ُك ْم َما َ�ص َّلى ِبال َّن ِ‬ ‫(ع َل ْي ُك ْم َما‬ ‫اج ِة)‪ ،‬وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪َ :‬‬ ‫َوا ْل َك ِب َري َو َذا الحْ َ َ‬ ‫ت ُِطي ُقونَ ِمنَ َأال ْع َم ِال‪َ ،‬ف�إِنَّ هَّ َ‬ ‫الل َال يمَ َ ُّل َحتَّى تمَ َ لُّوا)‪.‬‬ ‫واملق�صود أ�ن املفتي مل يعد يخاطب جمموعة يف حلقة أ�و‬ ‫ف�صل أ�و م�سجد‪ ،‬عرفهم وعرفوه‪ ،‬بل أ��صبح يخاطب عامل ًا مليئ ًا‬ ‫باملتناق�ضات واملختلفات‪ ,‬باملوافق واملخالف‪ ,‬وامل ؤ�من والكافر‪,‬‬ ‫وال�صادق والكاذب‪ ،‬والنا�صح واملغر�ض؛ فعليه أ�ن يكون‬ ‫فقيه ًا مبقا�صد ال�شريعة‪ ,‬وم آ�الت أالحكام‪ ,‬مطلع ًا على العلوم‬ ‫احلديثة‪ ،‬عارف ًا ب أ�حوال املجتمعات‪ ،‬فمعرفة م آ�الت أال�شياء فقه‬ ‫عظيم يعني على بعد النظر‪ ،‬وهو نوع من مقا�صد ال�شريعة التي‬ ‫اعتنت بها م آ�الت الن�صو�ص والحظتها باال�ستقراء والتتبع‪.‬‬ ‫حكم م�شاركة املفتي يف و�سائل االعالم‪:‬‬ ‫الو�سائل ا إلعالمية عموم ًا تنق�سم �إىل ق�سمني‪:‬‬ ‫أالول‪ :‬و�سائل �سليمة امل�ضمون‪� ،‬سواء كانت علمية‪ ،‬أ�و‬ ‫دعوية‪ ،‬أ�و تربوية‪.‬‬ ‫وهذه الو�سائل هدفها الرئي�س هو دعوة النا�س �إىل دين‬ ‫اهلل‪ ،‬ون�شر الوعي ال�شرعي‪ ,‬وتخ�ص�ص أ�حيان ًا برامج ترفيهية‬ ‫ال تعار�ض ال�شريعة ا إل�سالمية يف أ�غلبها‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬و�سائل غري خال�صة امل�ضمون‪ ،‬يغلب عليها اللهو‬ ‫غري الربيء من عري وف�ساد وبدع و�شبهات‪� ,‬إال أ�نها قد تخ�ص�ص‬ ‫على خارطتها برامج للفتيا على خارطتها‪.‬‬ ‫التو�سط يف الفتيا يف و�سائل ا إلعالم‪.‬‬ ‫التو�سط‪ :‬م أ�خوذ من الو�سط ومادة‪ :‬الواو‪ ,‬وال�سني‪,‬‬ ‫والطاء‪ ,‬تدل على معاين العدل وال ّن�صف واخلريية والبينية‪.‬‬ ‫مقايي�س اللغة ‪.108/6‬‬ ‫والو�سط يف الفتيا هو التو�سط بني فتاوى أ�هل الت�شدد‬

‫ ‬

‫والغلو وبني أ�هل الت�ساهل والتفريط‪.‬‬ ‫ا�س هَ َذا ال َّن َم ُط ْ َأال ْو َ�س ُط َي ْل َحقُ بِهِ ْم‬ ‫َق َال َع ِل ٌّي‪َ :‬خيرْ ُ ال َّن ِ‬ ‫التَّاليِ‪َ ,‬و َي ْر ِج ُع � إ َل ْيهِ ْم ا ْل َغاليِ ‪..‬‬ ‫ودين اهلل و�سط بني الغايل فيه‪ ,‬واجلايف عنه‪.‬‬ ‫ولي�س معنى التو�سط أ�نه معنى من معاين التلفيق بني‬ ‫بع�ض احلق وبع�ض الباطل أ�و املراوحة بني العزائم والرخ�ص‬ ‫بالهوى وما ت�شتهيه النف�س‪ ,‬بل هو ال�سري مع أالدلة حيث �سارت‬ ‫واالهتداء بنورها‪ ،‬فالتو�سط يف الفتيا املعا�صرة م�شروع‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪َ « :‬و َك َذ ِل َك َج َع ْل َنا ُك ْم أُ� َّم ًة َو َ�سط ًا ِل َت ُكو ُنوا ُ�شهَدَ ا َء‬ ‫ا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِ يد ًا»‪،‬قال الطربي‪ :‬كما‬ ‫َع َلى ال َّن ِ‬ ‫هديناكم أ� ّيها امل ؤ�منون مبحمد عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬ومبا‬ ‫جاءكم به من عند اهلل‪ ،‬فخ�ص�صناكم بالتوفيق ل ِقبلة �إبراهيم‬ ‫وملته‪ ،‬وف�ضلناكم بذلك على من �سواكم من أ�هل امللل‪ ،‬كذلك‬ ‫خ�ص�صناكم فف�ضَّ لناكم على غريكم من أ�هل أالديان‪ ،‬ب أ�ن‬ ‫ً‬ ‫و�سطا‪ ..‬تف�سري الطربي‪ ،)141/3(-‬وقال‬ ‫جعلناكم أ�مة‬ ‫الل َحقَّ ِج َها ِد ِه هُ َو ْاج َت َبا ُك ْم َو َما‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪َ « :‬و َج ِاهدُوا فيِ هَّ ِ‬ ‫َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فيِ الدِّ ِين ِمنْ َح َر ٍج ِّم َّل َة َأ� ِبي ُك ْم ِ� إ ْب َر ِاه َيم هُ َو َ�س َّما ُك ُم‬ ‫المْ ُ ْ�س ِلم َني ِمن َق ْب ُل وَفيِ هَ َذا ِل َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َ�شهِ يدً ا َع َل ْي ُك ْم َو َت ُكو ُنوا‬ ‫ا�س َف َأ� ِقي ُموا ال�صَّلاَ َة َو�آتُوا ال َّز َكا َة َو ْاعت َِ�ص ُموا‬ ‫ُ�شهَدَ اء َع َلى ال َّن ِ‬ ‫الل هُ َو َم ْولاَ ُك ْم َف ِن ْع َم المْ َ ْولىَ َو ِن ْع َم ال َّن ِ�ص ُري»‪ ،‬وا آلية فيها �إخبار‬ ‫ِب هَّ ِ‬ ‫و أ�مر بالتو�سط يف الدين حتى تكون أالمة �شهيدة على النا�س‪.‬‬ ‫اط المْ ُ ْ�س َت ِق َيم * ِ�ص َر َ‬ ‫ال�ص َر َ‬ ‫اط ا َّل ِذينَ‬ ‫وقال تعاىل‪ْ :‬‬ ‫«اه ِد َنا ِّ‬ ‫وب َع َل ْيهِ ْم َولاَ ال�ضَّ ا ِّلنيَ»‪ ،‬أ‬ ‫فالمة �صراط‬ ‫َأ� ْن َع ْم َت َع َل ْيهِ ْم َغيرْ ِ المْ َغ ُْ�ض ِ‬ ‫م�ستقيم‪ ،‬و�سط بني املغ�ضوب عليهم وال�ضالني‪ ,‬والن�صو�ص‬ ‫كثرية على م�شروعية التو�سط يف كل �شيء‪.‬‬ ‫معامل التو�سط يف الفتيا املعا�صرة‬ ‫‪-1‬التوازن بني الن�صو�ص واملقا�صد‪.‬‬ ‫من املالحظ أ�ن من املفتني جتاه النوازل احلادثة من ميعن‬ ‫النظر يف الن�صو�ص والفروع‪ ،‬وي�ستهلك جهده يف حتليلها‪،‬‬ ‫والوقوف على مفرداتها‪ ،‬وحتليل أ�لفاظها؛ ليتو�صل حلكم من‬ ‫خالل ذلك فقط‪ ،‬دون النظر لفقه املقا�صد‪.‬‬ ‫ومنهم من ميعن النظر �إىل مقا�صد ال�شريعة وكلياتها‪،‬‬ ‫وجوامع أ�حكامها‪ ،‬فيعملها دون النظر �إىل الن�صو�ص ال�شرعية‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫اجلزئية‪ ،‬ثم يخرج بفتوى يعلن أ�نها مراد ال�شرع وروحه‪ ,‬ومن‬ ‫هنا ن� أش� الت�شدد والت�ساهل بني املدر�ستني‪ ،‬و أ�غريت العداوة‬ ‫والبغ�ضاء بني الفريقني‪� ,‬إذ ك ٌّل متم�سك بطرف من احلق‪,‬‬ ‫واملوازنة هي املخرج احلقيقي من هذا امل أ�زق الذي يقع فيه‬ ‫الطرفان عرب الف�ضائيات‪.‬‬ ‫ومن املحال ا�ستغناء الن�صو�ص اجلزئية عن الكليات‪ ,‬ومن‬ ‫أ�خذ بالكليات معر�ض ًا عن اجلزئيات أ�خط أ� ال حمالة‪ ,‬والعدل‬ ‫هو أالخذ بالكلي واجلزئي با�ست�صحاب ا آلخر‪.‬‬ ‫‪-2‬املوازنة بني امل�صلحة واملف�سدة‪.‬‬ ‫ واملفتي النابه هو من يعترب امل�صالح واملفا�سد يف‬ ‫فتواه‪ ,‬ويراعي مراتب ذلك واملعترب يف امل�صالح هو ما يتحقق‬ ‫به مق�صود ال�شريعة‪ ,‬فرياعي عند املزاحمة وامل�شاحة تقدمي‬ ‫الفر�ض على النفل يف الفعل‪ ,‬واملحرم على املكروه يف الرتك‪..‬‬ ‫وغري ذلك‪.‬‬ ‫ويتحرى حت�صيل امل�صالح وتكثريها‪ ،‬ودرء املفا�سد وتقليلها‬ ‫قدر ا إلمكان‪ ,‬وي أ�مر بخري اخلريين وينهى عن �شر ال�شرين‪.‬‬ ‫‪-3‬املوازنة بني العزائم والرخ�ص‪.‬‬ ‫هناك فرق بني رخ�صة ال�شرع التي قال فيها النبي ‪� -‬صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪�( :-‬إِنَّ هَّ َ‬ ‫الل ُي ِح ُب َأ�نْ ُت ْ ؤ�تَى ُر َخ ُ�صهُ)‪ ،‬وبني رخ�ص‬ ‫املذاهب الفقهية‪ ,‬وتوجد يف أ�حكام ال�شرع العزائم‪ ,‬و�إعمال‬ ‫الرخ�ص يف جمالها مق�صود �شرعي‪ ,‬والغلو يف حمل النا�س‬ ‫على العزمية ب�إطالق ال يفرق عن مذهب التحلل بتتبع الرخ�ص‬ ‫دائم ًا‪ .‬فكالهما مناق�ض ملق�صود ال�شريعة‪.‬‬ ‫قال ال�شاطبي رحمه اهلل يف املوافقات‪� :‬إن مرا�سم ال�شريعة‬ ‫�إن كانت خمالفة للهوى ف�إنها أ�ي�ضا �إمنا أ�تت مل�صالح العباد‬ ‫يف دنياهم ودينهم‪ ،‬والهوى لي�س مبذموم �إال �إذا كان خمالف ًا‬ ‫ملرا�سم ال�شريعة‪ ،‬ولي�س كالمنا فيه‪ ،‬ف�إن كان موافقا فلي�س‬ ‫مبذموم‪ ،‬وم�س أ�لتنا من هذا ف�إنه �إذا ن�صب لنا ال�شرع �سبب ًا‬ ‫لرخ�صة‪ ،‬وغلب على الظن ذلك ف أ�عملنا مقت�ضاه‪ ،‬وعملنا‬ ‫بالرخ�صة ف أ�ين اتباع الهوى يف هذا؟ وكما أ�ن اتباع الرخ�ص‬ ‫يحدث ب�سببه اخلروج عن مقت�ضى أالمر والنهي كذلك اتباع‬ ‫الت�شديدات‪ ،‬وترك أالخذ بالرخ�ص يحدث ب�سببه اخلروج عن‬ ‫مقت�ضى أالمر والنهي‪ ،‬ولي�س أ�حدهما ب أ�وىل من ا آلخر‪ ،‬واملتبع‬ ‫أ‬ ‫لل�سباب امل�شروعة يف الرخ�ص والعزائم �سواء‪ ،‬ف�إن كانت غلبة‬

‫الظن يف العزائم معتربة كذلك يف الرخ�ص‪ ،‬ولي�س أ�حدهما‬ ‫أ�حرى من ا آلخر‪ ،‬ومن فرق بينهما فقد خالف ا إلجماع «‪.‬‬ ‫‪-4‬رد املت�شابه �إىل املحكم‪.‬‬ ‫مناط اختالف الفقهاء غالب ًا راجع �إىل املت�شابه من‬ ‫الن�صو�ص‪ ،‬وعدم و�ضوح الدليل بالن�سبة للواحد منهم‪ ,‬والنا�س‬ ‫فيها �صنفان‪:‬‬ ‫أالول‪ :‬رد الثابت من ال�سنن باملت�شابه من القر�آن وال�سنة‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬جعل املحكم مت�شابه ًا لتعطيل داللته‪.‬‬ ‫والرا�سخون عاملون مبا ا�ستبان لهم‪ ،‬في ؤ�منون باملت�شابه‪،‬‬ ‫ويردونه �إىل املحكم‪ ,‬وي أ�خذون من املحكم ما يف�سرون به‬ ‫املت�شابه‪ ,‬فتتفق الدالالت‪ ،‬وتتوافق الن�صو�ص‪ ،‬وي�صدق بع�ضها‬ ‫بع�ض ًا‪.‬‬ ‫‪-5‬املوازنة بني الغرية على احلق ورحمة اخللق‪.‬‬ ‫وهنا يالحظ عدة أ�مور‪:‬‬ ‫بع�ض الغيورين من امل�شتغلني بالدين يلزم النا�س مبا يراه‬‫حق ًا فيما اجتهد فيه‪ ,‬ولي�س من م�سائل ا إلجماع والقطعيات‪،‬‬ ‫وق�صارى ما عنده هو ما عند املخالف �سواء ب�سواء‪.‬‬ ‫احلامل على ذلك هو باعث الغرية‪ ,‬وحماية جناب‬‫ال�شريعة‪ ،‬واحلر�ص على مت�سك النا�س بدينهم‪ ,‬والغ�ضب‬ ‫النتهاك ما يرونه من ملزمات ال�شريعة‪ ،‬وهذا نبل يف املق�صد‪,‬‬ ‫�إال أ�نه يجب أ�ن ي�ضبط ب أ��صول ال�شريعة وقواعدها‪ ,‬بحيث ال‬ ‫يرتد �سلب ًا يف قطع أ�وا�صر أالخوة ومتزيق وحدة ال�صف وبنيان‬ ‫أالمة‪ ,‬ون�صو�ص ال�شريعة مت�ضافرة على أالمر باالتفاق‪ ،‬ونبذ‬ ‫االختالف واالفرتاق‪.‬‬ ‫ومما ي ؤ��سف له ا�ستباحة أ�عرا�ض العلماء يف م�سائل‬‫ق�صاراها االجتهاد‪ ,‬راعى طرف فيها أال�صل‪ ,‬وراعى ا آلخر‬ ‫احلال العار�ضة‪ ,‬وكالهما ِّ‬ ‫معظم للن�صو�ص وم�سلم بها‪ ,‬لكن‬ ‫اختلف امل أ�خذ عند الطرفني‪ ,‬فيطلق كل منهما ل�سانه عتب ًا‬ ‫و�سب ًا وذم ًا و�إق�صا ًء با�سم الغرية على امللة وحماية جنابها‪.‬‬ ‫حكم م�شاركة املفتي يف و�سائل االعالم‪:‬‬ ‫الو�سائل ا إلعالمية عموم ًا تنق�سم �إىل ق�سمني‪:‬‬ ‫أالول‪ :‬و�سائل �سليمة امل�ضمون‪� ،‬سواء كانت علمية‪ ،‬أ�و‬ ‫دعوية‪ ،‬أ�و تربوية‪..‬‬

‫ ‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫وهذه الو�سائل هدفها الرئي�س هو دعوة النا�س �إىل‬ ‫دين اهلل‪ ،‬ون�شر الوعي ال�شرعي‪ ,‬وتخ�ص�ص أ�حيان ًا‬ ‫برامج ترفيهية ال تعار�ض ال�شريعة ا إل�سالمية يف أ�غلبها‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬و�سائل غري خال�صة امل�ضمون‪ ،‬يغلب عليها اللهو غري‬ ‫الربيء من عري وف�ساد وبدع و�شبهات‪� ,‬إال أ�نها قد تخ�ص�ص‬ ‫على خارطتها برامج للفتيا‪.‬‬ ‫العالم‬ ‫التو�سط يف الفتيا يف و�سائل إ‬ ‫التو�سط‪ :‬م أ�خوذ من الو�سط ومادة‪ :‬الواو‪ ,‬وال�سني‪,‬‬ ‫والطاء‪ ,‬تدل على معاين العدل وال ّن�صف واخلريية والبينية‪.‬‬ ‫مقايي�س اللغة ‪.108/6‬‬ ‫والو�سط يف الفتيا هو التو�سط بني فتاوى أ�هل الت�شدد‬ ‫والغلو وبني أ�هل الت�ساهل والتفريط‪.‬‬ ‫ا�س هَ َذا ال َّن َم ُط ْ َأال ْو َ�س ُط َي ْل َحقُ بِهِ ْم‬ ‫َق َال َع ِل ٌّي‪َ :‬خيرْ ُ ال َّن ِ‬ ‫التَّاليِ‪َ ,‬و َي ْر ِج ُع � إ َل ْيهِ ْم ا ْل َغاليِ ‪..‬‬ ‫ودين اهلل و�سط بني الغايل فيه‪ ,‬واجلايف عنه‪.‬‬ ‫ولي�س معنى التو�سط أ�نه معنى من معاين التلفيق بني‬ ‫بع�ض احلق وبع�ض الباطل أ�و املراوحة بني العزائم والرخ�ص‬ ‫بالهوى وما ت�شتهيه النف�س‪ ,‬بل هو ال�سري مع أالدلة حيث �سارت‬ ‫واالهتداء بنورها‪ ،‬فالتو�سط يف الفتيا املعا�صرة م�شروع‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪َ « :‬و َك َذ ِل َك َج َع ْل َنا ُك ْم أُ� َّم ًة َو َ�سط ًا ِل َت ُكو ُنوا ُ�شهَدَ ا َء‬ ‫ا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِ يد ًا»‪،‬قال الطربي‪ :‬كما‬ ‫َع َلى ال َّن ِ‬ ‫هديناكم أ� ّيها امل ؤ�منون مبحمد عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬ومبا‬ ‫جاءكم به من عند اهلل‪ ،‬فخ�ص�صناكم بالتوفيق ل ِقبلة �إبراهيم‬ ‫وملته‪ ،‬وف�ضلناكم بذلك على من �سواكم من أ�هل امللل‪ ،‬كذلك‬ ‫خ�ص�صناكم فف�ضَّ لناكم على غريكم من أ�هل أالديان‪ ،‬ب أ�ن‬ ‫ً‬ ‫و�سطا‪ ..‬تف�سري الطربي‪ ،)141/3(-‬وقال‬ ‫جعلناكم أ�مة‬ ‫هَّ‬ ‫الل َحقَّ ِج َها ِد ِه هُ َو ْاج َت َبا ُك ْم َو َما‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪َ « :‬و َج ِاهدُوا فيِ ِ‬ ‫َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فيِ الدِّ ِين ِمنْ َح َر ٍج ِّم َّل َة َأ� ِبي ُك ْم ِ� إ ْب َر ِاه َيم هُ َو َ�س َّما ُك ُم‬ ‫المْ ُ ْ�س ِلم َني ِمن َق ْب ُل وَفيِ هَ َذا ِل َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َ�شهِ يدً ا َع َل ْي ُك ْم َو َت ُكو ُنوا‬ ‫ا�س َف َأ� ِقي ُموا ال�صَّلاَ َة َو�آتُوا ال َّز َكا َة َو ْاعت َِ�ص ُموا‬ ‫ُ�شهَدَ اء َع َلى ال َّن ِ‬ ‫الل هُ َو َم ْولاَ ُك ْم َف ِن ْع َم المْ َ ْولىَ َو ِن ْع َم ال َّن ِ�ص ُري»‪ ،‬وا آلية فيها �إخبار‬ ‫ِب هَّ ِ‬ ‫و أ�مر بالتو�سط يف الدين حتى تكون أالمة �شهيدة على النا�س‪.‬‬ ‫اط المْ ُ ْ�س َت ِق َيم * ِ�ص َر َ‬ ‫ال�ص َر َ‬ ‫اط ا َّل ِذينَ َأ� ْن َع ْم َت‬ ‫وقال تعاىل‪ْ :‬‬ ‫«اه ِد َنا ِّ‬ ‫وب َع َل ْيهِ ْم َولاَ ال�ضَّ ا ِّلنيَ»‪ ،‬أ‬ ‫فالمة �صراط‬ ‫َع َل ْيهِ ْم َغيرْ ِ المْ َغ ُْ�ض ِ‬

‫ ‬

‫م�ستقيم‪ ،‬و�سط بني املغ�ضوب عليهم وال�ضالني‪ ,‬والن�صو�ص‬ ‫كثرية على م�شروعية التو�سط يف كل �شيء‪.‬‬ ‫معامل التو�سط يف الفتيا املعا�صرة مايلي‪:‬‬ ‫‪-1‬التوازن بني الن�صو�ص واملقا�صد‪.‬‬ ‫من املالحظ أ�ن من املفتني جتاه النوازل احلادثة من‬ ‫ميعن النظر يف الن�صو�ص والفروع‪ ،‬وي�ستهلك جهده يف‬ ‫حتليلها‪ ،‬والوقوف على مفرداتها‪ ،‬وحتليل أ�لفاظها؛ ليتو�صل‬ ‫حلكم من خالل ذلك فقط‪ ،‬دون النظر لفقه املقا�صد‪.‬‬ ‫ومنهم من ميعن النظر �إىل مقا�صد ال�شريعة وكلياتها‪ ،‬وجوامع‬ ‫أ�حكامها‪ ،‬فيعملها دون النظر �إىل الن�صو�ص ال�شرعية اجلزئية‪،‬‬ ‫ثم يخرج بفتوى يعلن أ�نها مراد ال�شرع وروحه‪ ,‬ومن هنا ن� أش�‬ ‫الت�شدد والت�ساهل بني املدر�ستني‪ ،‬و أ�غريت العداوة والبغ�ضاء بني‬ ‫الفريقني‪� ,‬إذ ك ٌّل متم�سك بطرف من احلق‪ ,‬واملوازنة هي املخرج‬ ‫احلقيقي من هذا امل أ�زق الذي يقع فيه الطرفان عرب الف�ضائيات‪.‬‬ ‫ومن املحال ا�ستغناء الن�صو�ص اجلزئية عن الكليات‪ ,‬ومن أ�خذ‬ ‫بالكليات معر�ض ًا عن اجلزئيات أ�خط أ� ال حمالة‪ ,‬والعدل هو‬ ‫أالخذ بالكلي واجلزئي با�ست�صحاب ا آلخر‪.‬‬ ‫‪-2‬املوازنة بني امل�صلحة واملف�سدة‪.‬‬ ‫واملفتي النابه هو من يعترب امل�صالح واملفا�سد يف فتواه‪,‬‬ ‫ويراعي مراتب ذلك واملعترب يف امل�صالح هو ما يتحقق به مق�صود‬ ‫ال�شريعة‪ ,‬فرياعي عند املزاحمة وامل�شاحة تقدمي الفر�ض على‬ ‫النفل يف الفعل‪ ,‬واملحرم على املكروه يف الرتك‪ ..‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫ويتحرى حت�صيل امل�صالح وتكثريها‪ ،‬ودرء املفا�سد وتقليلها‬ ‫قدر ا إلمكان‪ ,‬وي أ�مر بخري اخلريين وينهى عن �شر ال�شرين‪.‬‬ ‫‪-3‬املوازنة بني العزائم والرخ�ص‪.‬‬ ‫هناك فرق بني رخ�صة ال�شرع التي قال فيها النبي ‪� -‬صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪�( :-‬إِنَّ هَّ َ‬ ‫الل ُي ِح ُب َأ�نْ ُت ْ ؤ�تَى ُر َخ ُ�صهُ)‪ ،‬وبني رخ�ص‬ ‫املذاهب الفقهية‪ ,‬وتوجد يف أ�حكام ال�شرع العزائم‪ ,‬و�إعمال‬ ‫الرخ�ص يف جمالها مق�صود �شرعي‪ ,‬والغلو يف حمل النا�س‬ ‫على العزمية ب�إطالق ال يفرق عن مذهب التحلل بتتبع الرخ�ص‬ ‫دائم ًا‪ .‬فكالهما مناق�ض ملق�صود ال�شريعة‪.‬‬ ‫قال ال�شاطبي رحمه اهلل يف املوافقات‪� :‬إن مرا�سم ال�شريعة‬ ‫�إن كانت خمالفة للهوى ف�إنها أ�ي�ضا �إمنا أ�تت مل�صالح العباد‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫يف دنياهم ودينهم‪ ،‬والهوى لي�س مبذموم �إال �إذا كان خمالف ًا‬ ‫ملرا�سم ال�شريعة‪ ،‬ولي�س كالمنا فيه‪ ،‬ف�إن كان موافقا فلي�س‬ ‫مبذموم‪ ،‬وم�س أ�لتنا من هذا ف�إنه �إذا ن�صب لنا ال�شرع �سبب ًا‬ ‫لرخ�صة‪ ،‬وغلب على الظن ذلك ف أ�عملنا مقت�ضاه‪ ،‬وعملنا‬ ‫بالرخ�صة ف أ�ين اتباع الهوى يف هذا؟ وكما أ�ن اتباع الرخ�ص‬ ‫يحدث ب�سببه اخلروج عن مقت�ضى أالمر والنهي كذلك اتباع‬ ‫الت�شديدات‪ ،‬وترك أالخذ بالرخ�ص يحدث ب�سببه اخلروج عن‬ ‫مقت�ضى أالمر والنهي‪ ،‬ولي�س أ�حدهما ب أ�وىل من ا آلخر‪ ،‬واملتبع‬ ‫أ‬ ‫لل�سباب امل�شروعة يف الرخ�ص والعزائم �سواء‪ ،‬ف�إن كانت غلبة‬ ‫الظن يف العزائم معتربة كذلك يف الرخ�ص‪ ،‬ولي�س أ�حدهما‬ ‫أ�حرى من ا آلخر‪ ،‬ومن فرق بينهما فقد خالف ا إلجماع «‪.‬‬ ‫رد املت�شابه �إىل املحكم‪.‬‬ ‫مناط اختالف الفقهاء غالب ًا راجع �إىل املت�شابه من‬ ‫الن�صو�ص‪ ،‬وعدم و�ضوح الدليل بالن�سبة للواحد منهم‪ ,‬والنا�س‬ ‫فيها �صنفان‪:‬‬ ‫أالول‪ :‬رد الثابت من ال�سنن باملت�شابه من القر�آن وال�سنة‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬جعل املحكم مت�شابه ًا لتعطيل داللته‪.‬‬ ‫والرا�سخون عاملون مبا ا�ستبان لهم‪ ،‬في ؤ�منون باملت�شابه‪،‬‬ ‫ويردونه �إىل املحكم‪ ,‬وي أ�خذون من املحكم ما يف�سرون به املت�شابه‪,‬‬ ‫فتتفق الدالالت‪ ،‬وتتوافق الن�صو�ص‪ ،‬وي�صدق بع�ضها بع�ض ًا‪.‬‬ ‫‪-5‬املوازنة بني الغرية على احلق ورحمة اخللق‪.‬‬ ‫وهنا يالحظ عدة أ�مور‪:‬‬ ‫بع�ض الغيورين من امل�شتغلني بالدين يلزم النا�س مبا يراه‬‫حق ًا فيما اجتهد فيه‪ ,‬ولي�س من م�سائل ا إلجماع والقطعيات‪،‬‬ ‫وق�صارى ما عنده هو ما عند املخالف �سواء ب�سواء‪.‬‬ ‫احلامل على ذلك هو باعث الغرية‪ ,‬وحماية جناب ال�شريعة‪،‬‬‫واحلر�ص على مت�سك النا�س بدينهم‪ ,‬والغ�ضب النتهاك ما‬ ‫يرونه من ملزمات ال�شريعة‪ ،‬وهذا نبل يف املق�صد‪� ,‬إال أ�نه يجب‬ ‫أ�ن ي�ضبط ب أ��صول ال�شريعة وقواعدها‪ ,‬بحيث ال يرتد �سلب ًا يف‬ ‫قطع أ�وا�صر أالخوة ومتزيق وحدة ال�صف وبنيان أالمة‪ ,‬ون�صو�ص‬ ‫ال�شريعةمت�ضافرةعلى أالمرباالتفاق‪،‬ونبذاالختالفواالفرتاق‪.‬‬ ‫ومما ي ؤ��سف له ا�ستباحة أ�عرا�ض العلماء يف م�سائل ق�صاراها‬‫االجتهاد‪ ,‬راعى طرف فيها أال�صل‪ ,‬وراعى ا آلخر احلال‬ ‫العار�ضة‪ ,‬وكالهما ِّ‬ ‫معظم للن�صو�ص وم�سلم بها‪ ,‬لكن اختلف‬

‫امل أ�خذ عند الطرفني‪ ,‬فيطلق كل منهما ل�سانه عتب ًا و�سب ًا وذم ًا‬ ‫و�إق�صا ًء با�سم الغرية على امللة وحماية جنابها‪.‬‬ ‫�سلبيات الفتاوى الف�ضائية‪:‬‬ ‫‪-1‬ت�سرع بع�ض املفتني دون أ�ن ي�ستوعب ال� ؤ‬ ‫س�ال‪.‬‬ ‫ع ّد النووي رحمه اهلل الت�سرع يف الفتوى‪ ،‬وعدم التثبت‬ ‫من الت�ساهل‪ ،‬وهذا من �سلبيات الفتوى الف�ضائية‪ ,‬ولي�ست كل‬ ‫امل�سائل امل�ستفتى فيها يجاب عنها يف ب�ضع ثوان‪.‬‬ ‫بل بع�ض امل�سائل حتتاج �إىل النظر يف الدليل‪ ،‬و أ�قوال من‬ ‫�سبق من أ�هل العلم‪ ,‬ورمبا احتاج أالمر �إىل تف�صيل وحتليل‪ ،‬وال‬ ‫يح�سن فيه ا إلجمال‪ ,‬ورمبا كانت امل�س أ�لة من النوازل احلادثة‬ ‫امل�ستجدة مما حتتاج �إىل عناية وت أ�مل‪ ،‬و�إعمال فكر‪ ،‬ومراجعة من‬ ‫املفتي وبحث‪ ،‬و�س ؤ�ال املخت�صني عن حقيقتها‪ ،‬ونحو ذلك‪ ,‬وكل‬ ‫هذا وغريه قد يتعار�ض مع طبيعة برامج الف�ضائيات التي تقوم‬ ‫على �سرعة أالداء و أ�ن تكون ا إلجابة يف �سرعة ال�س ؤ�ال املطروح‪.‬‬ ‫‪ -2‬اختالف أ�حوال النا�س‪ ,‬و�صعوبة تنزيل الكالم على حال‬ ‫امل�ستفتي‪.‬‬ ‫من املقرر أ�ن احلكم ال�شرعي ال يتغري‪ ,‬أ�ما الفتوى– وهي‬ ‫تنزيل احلكم على الواقع– فتتغري بتغري الزمان واملكان‬ ‫أ‬ ‫وال�شخا�ص والقدرة وغري ذلك‪( ،‬ويف ذلك يقول العلماء‪:‬‬ ‫الن�صو�ص متناهية‪ -‬أ�ي‪ :‬ثابتة حمددة‪ -‬واحلوادث‪ -‬أ�ي‪ :‬الواقع‬ ‫وامل�ستجدات‪ -‬غري متناهية)‪ ,‬فما ينزل فيه احلكم على‬ ‫�شخ�ص يف مكان قد ال ي�صلح لغريه يف مكان �آخر‪ ,‬وما يفتى‬ ‫به يف زمن يغايره زمن بعده‪ ,‬وفتوى املري�ض تختلف عن فتوى‬ ‫ال�صحيح‪ ,‬وال�صغري عن الكبري وامل�ستهرت يختلف عن اجلاد‪.‬‬ ‫وال�سائلون يف الربامج الف�ضائية وا إلذاعية من دول‬ ‫والعراف أ‬ ‫و أ�ماكن متفرقة متباينة العادات أ‬ ‫والحوال‪،‬‬ ‫وقد ال يكونون من بلد املفتي‪ ،‬ورمبا ال يحيط ب أ�حوالهم‬ ‫ومقا�صدهم ولغاتهم املحلية‪ ،‬مما يوقعه يف اخلط أ� أ�و احلرج‪.‬‬ ‫جاء رجل �إىل ابن عبا�س فقال‪ :‬ملن قتل م ؤ�من ًا توبة ؟ قال‪ :‬ال �إال‬ ‫النار‪ ,‬فلما ذهب قال له جل�سا ؤ�ه‪ :‬ما هكذا كنت تفتينا‪ ,‬كنت تفتينا‬ ‫أ�ن ملن قتل م ؤ�من ًا توبة مقبولة‪ ,‬فما بال اليوم؟ قال‪� :‬إين أ�ح�سبه‬ ‫رج ًال مغ�ضب ًا‪ ،‬يريد أ�ن يقتل م ؤ�من ًا‪ ,‬قال‪ :‬فبعثوا يف أ�ثره فوجدوه‬ ‫ا�س‪َ :‬أ� َّن ُه ُ�س ِئ َل َع َّمنْ َقت َ​َل َأ� َل ُه َت ْو َب ٌة؟ َف َق َال َم َّر ًة‪:‬‬ ‫كذلك‪ ،‬وعن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫ال‪َ ,‬و َق َال َم َّر ًة‪َ :‬ن َع ْم‪َ ,‬ف ُ�س ِئ َل َعنْ َذ ِل َك‪َ ,‬ف َق َال‪َ :‬ر َأ� ْيت فيِ َع ْي َن ْي ْ َأال َّو ِل َأ� َّن ُه‬

‫ ‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫َيق ِْ�ص ُد ا ْل َقت َْل َف َق َم ْعته‪َ ,‬و َكانَ ال َّثانيِ َ�ص ِاح َب َوا ِق َع ٍة َي ْط ُل ُب المْ َخْ َر َج‪.‬‬ ‫‪ -3‬حت ّرج بع�ضهم من قول‪( :‬ال أ�دري)‪.‬‬ ‫أ�و أ�ن يحيل على متخ�ص�صني‪ ,‬ظان ًا منه أ�ن ذلك يعد‬ ‫منق�صة يف حقه‪.‬‬ ‫عن خالد بن أ��سلم قال‪ :‬خرجنا مع ابن عمر من�شي‪,‬‬ ‫فلحقنا أ�عرابي فقال‪ :‬أ�نت عبد اهلل بن عمر؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قال‪� :‬س أ�لت عنك فدللت عليك‪ ,‬ف أ�خربين أ�ترث العمة؟‬ ‫قال‪ :‬ال أ�دري‪ ,‬قال‪ :‬أ�نت ال تدري؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬اذهب �إىل‬ ‫العلماء باملدينة فا�س أ�لهم; فلما أ�دبر قبل يديه‪ ،‬قال‪ :‬نع َّما قال‬ ‫أ�بو عبد الرحمن; �سئل عما ال يدري فقال‪ :‬ال أ�دري‪.‬‬ ‫وقال ابن م�سعود‪ :‬من كان عنده علم فليقل به; ومن مل‬ ‫يكن عنده علم فليقل‪ « :‬اهلل أ�علم «؛ ف�إن اهلل قال لنبيه‪:‬‬ ‫«قل ما أ��س أ�لكم عليه من أ�جر وما أ�نا من املتكلفني»‪.‬‬ ‫وقال مالك‪ :‬من فقه العامل أ�ن يقول‪« :‬ال أ�علم» ف�إنه ع�سى أ�ن‬ ‫يتهي أ� له اخلري‪.‬‬ ‫وقال‪� :‬سمعت ابن هرمز يقول‪ :‬ينبغي للعامل أ�ن يورث جل�ساءه‬ ‫من بعده « ال أ�دري «؛ حتى يكون ذلك أ��ص ًال يف أ�يديهم يفزعون �إليه‪.‬‬ ‫وقال ال�شعبي‪ « :‬ال أ�دري « ن�صف العلم‪.‬‬ ‫�إن قول «ال أ�دري» يعني أ�خالقي ًا‪ :‬التوا�ضع والب�ساطة‬ ‫ونفي التكرب‪ ,‬وعلمي ًا‪ :‬احرتام التخ�ص�ص‪ ،‬واحتياج كل النا�س‬ ‫ملزيد من العلم والبحث والدرا�سة‪ ،‬وات�ساع م�ساحة اجلهل يف‬ ‫ا إلن�سان‪ ,‬وعملي ًا‪� :‬إدراك أ�ن هذا املفتي ال يتحدث عن كل �شيء‬ ‫و أ�نه يتحدث عما يعرف‪ ،‬مما يق ّوي قيمة املفتي فيما يتحدث‬ ‫عنه‪ ،‬ويبعث الثقة يف حديثه وكالمه‪.‬‬ ‫‪ -4‬اختالف لهجات ال�سائلني الختالف بلدانهم‪ ،‬وهذا‬ ‫قد يوقع املفتي يف املحذور‪.‬‬ ‫فكثري من امل�سميات تختلف من بلد آلخر حتى يف نف�س‬ ‫الدولة أ�حيان ًا‪ ,‬وكثري ًا ما نرى ال�سائل ي�س أ�ل عن �شيء‪ ،‬ويجيب‬ ‫املفتي عن �شيء �آخر‪.‬‬ ‫ففي �إحدى احللقات �س أ�لت امر أ�ة أ�حد املفتني عن َح ّل‬ ‫إلر�ضاء زوجها الغا�ضب منها!‬ ‫فقال ال�شيخ‪ :‬تلطفي له وجتملي له‪ ,‬ثم قال‪�« :‬ساحريه» فقالت‬ ‫ال�سائلة‪ ( :‬أ�عمل له �سحر يا �شيخ؟!)‪ ،‬فتفطن مقدم الربنامج‬

‫‪10‬‬

‫ونبه ال�شيخ على فهمها‪ ،‬و أ�ن مق�صود ال�شيخ أ�ن ت�سحره ب أ��سلوبها‪،‬‬ ‫وكالمه العذب‪ ،‬ال أ�ن تذهب �إىل �ساحر‪ ,‬ومثل ذلك كثري‪.‬‬ ‫‪ -5‬دخول من لي�س من أ�هل �صناعة الفتوى يف ميدانها‪.‬‬ ‫ب�سبب كون الربامج الدينية مناف�سة لغريها‪ ,‬أ�و لقلة الربامج‬ ‫الدينية وكرثة امل�شاهدين واملتابعني في�صعب معه تغطية‬ ‫االحتياجات‪ ,‬مما يكون له أ��سو أ� أالثر على امل�ستفتي‪ ،‬فمن�صب‬ ‫املفتي توقيع عن رب العاملني( أ�ي ا�ستنباط حكم اهلل يف‬ ‫الفتيا)‪ ،‬قال ابن القيم‪ :‬وملا كان التبليغ عن اهلل �سبحانه يعتمد‬ ‫العلم مبا يبلغ‪ ,‬وال�صدق فيه‪ ,‬مل ت�صلح مرتبة التبليغ بالرواية‬ ‫والفتيا‪� ،‬إال ملن ات�صف بالعلم وال�صدق; فيكون عامل ًا مبا يبلغ‪،‬‬ ‫�صادق ًا فيه‪ ,‬ويكون مع ذلك ح�سن الطريقة‪ ,‬مر�ضي ال�سرية‪,‬‬ ‫عد ًال يف أ�قواله و أ�فعاله‪ ,‬مت�شابه ال�سر والعالنية يف مدخله‬ ‫وخمرجه و أ�حواله; و�إذا كان من�صب التوقيع عن امللوك باملحل‬ ‫الذي ال ينكر ف�ضله‪ ,‬وال يجهل قدره‪ ,‬وهو من أ�على املراتب‬ ‫ال�سنيات‪ ,‬فكيف مبن�صب التوقيع عن رب أالر�ض وال�سموات؟‬ ‫‪ -6‬ق�ضية ا إليجاز يف الفتوى‪ .‬ب�سبب‪:‬‬ ‫ وقت الربنامج‪.‬‬‫ كرثة املت�صلني‪.‬‬‫ تعدد أال�سئلة من نف�س املت�صل‪ ,‬ورغبته يف �إجابة املفتي‬‫عن كل أ��سئلته‪.‬‬ ‫‪ -7‬ا�ضطرار املفتي للخو�ض يف ق�ضايا ا إلثارة‪.‬‬ ‫يحلو لبع�ض الربامج أ�ن ت�ستقطب أ�عداد ًا غفرية من‬ ‫املتابعني على ح�ساب املو�ضوع ال�شرعي املطروح‪ ,‬وقد تهمها‬ ‫«ا إلثارة» املزيفة على ح�ساب «ا إلثراء» النافع ؛ ومن ذلك‬ ‫مناق�شة الق�ضايا املثرية؛ كق�ضايا تعدد الزوجات واجلن‬ ‫وال�سحر‪ ،..‬وفتح املجال على م�صراعيه للمداخلني بالرد‬ ‫واملناق�شة وا إلثارة واجلدل‪ ،‬مع عدم التفريق بني ما هو �شرع‬ ‫ال مزايدة فيه‪ ،‬وبني من يطبقون هذا ال�شرع ب أ��ساليب خاطئة‪,‬‬ ‫مما يجعل الربنامج والفتاوى املذاعة فيه هي من قبيل ت�ضييع‬ ‫الوقت واجلهد وعدم الفائدة‪ ,‬ومن مواطن ا إلثارة وجود فتاوى‬ ‫ذات متعلقات �سيا�سية‪ ،‬أ�و لها ح�سا�سية اجتماعية‪ ،‬كق�ضايا‬ ‫التكاف ؤ� الن�سبي يف الزواج‪ ,‬أ�و ذات �إ�شكالية علمية‪ ،‬كق�ضايا‬ ‫نقل أالع�ضاء‪ ،‬والتحكم بجن�س املولود ونحو ذلك‪ ,‬وذلك كله‬ ‫يحول الفتوى من جمال تطبيق احلكم ال�شرعي فيها‪ ،‬والبحث‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫عن حكم اهلل املجرد �إىل جدل‪ ،‬وذلك يفر�ض نوع ًا من القوة‬ ‫ال�شخ�صية يف ا�ستطاعة املفتي على ا إلجابة‪ ،‬و أ�خذ طرف‬ ‫لل�شكال‪.‬‬ ‫النقا�ش‪ ،‬وعدم تعري�ض الن�ص ال�شرعي إ‬ ‫‪� -8‬سوء الق�صد من امل�ستفتي‪.‬‬ ‫نحن يف ع�صر ت�شكلت فيه الطوائف أ‬ ‫والحزاب واملذهبيات‬ ‫بحدة بالغة‪،‬‬ ‫وكل يدعي و�ص ًال بليلى وليلى ال تقر لهم بذاكا‬ ‫والف�ضائيات –اليوم‪ -‬ذوبت احلواجز واجلدر‪ ،‬أ‬ ‫وال�سوار‬ ‫الفا�صلة بني أالفكار واالعتقادات؛ ف أ��صبح من ال�سهل يف‬ ‫برنامج واحد أ�ن ي�س أ�ل أ�نا�س من مذاهب �شتى‪ ,‬وفرق متباينة‬ ‫وكل منهم يجر املفتي‪ ،‬وي�ستنطقه مبا يريد من حق ومن‬ ‫باطل‪ ,‬وكثري منهم ال ي�س أ�لون رغبة يف ال�صواب ومعرفة الدليل‬ ‫واتباعه‪ ،‬قال ابن القيم‪ »:‬يحرم عليه �إذا جاءته م�س أ�لة فيها‬ ‫حتيل على �إ�سقاط واجب أ�و حتليل حمرم أ�و مكر أ�و خداع أ�ن‬ ‫يعني امل�ستفتي فيها‪ ,‬وير�شده �إىل مطلوبه‪ ,‬أ�و يفتيه بالظاهر‬ ‫الذي يتو�صل به �إىل مق�صوده‪ ,‬بل ينبغي له أ�ن يكون ب�صري ًا‬ ‫مبكر النا�س وخداعهم و أ�حوالهم‪ ,‬وال ينبغي له أ�ن يح�سن الظن‬ ‫بهم‪ ,‬بل يكون حذر ًا فطن ًا‪ ،‬فقيه ًا ب أ�حوال النا�س و أ�مورهم‪,‬‬ ‫يوازره فقهه يف ال�شرع‪ ,‬و�إن مل يكن كذلك زاغ و أ�زاغ»‪.‬‬ ‫‪ -9‬عدم ت�صور املفتي للم� أس�لة كما ينبغي‪.‬‬ ‫فيجيب باخلط أ� أ�و بجواب بعيد عن ال�س ؤ�ال‪ ,‬وهذا ب�سبب‬ ‫كرثة أال�سئلة‪ ،‬و�ضيق وقت الربنامج‪ ،‬وا�ستعجال املقدم‪،‬‬ ‫واختالف لهجات ال�سائلني و أ�عرافهم…‪ ،‬مما يربك املفتي يف‬ ‫الت�صور احلقيقي ل�س ؤ�ال امل�ستفتي‪.‬‬ ‫�ضوابط االفتاء يف و�سائل االعالم‪:‬‬ ‫‪ .1‬مراعاة املف�صد ال�شرعي للفتيا‪.‬‬ ‫واملق�صود من الفتيا هو البيان التام حلكم اهلل يف امل�س أ�لة‬ ‫ح�سب و�سع وطاقة املفتي‪.‬‬ ‫ولتحقيق ذلك ينبغي على املفتي أ�مران‪:‬‬ ‫‪ -1‬عام‪ :‬وهو حث جمهور امل�سلمني على توحيد ال�صف‪.‬‬ ‫‪ -2‬خا�ص‪ :‬وهو وعظ الغافل وار�شاده وزجره وترغيبه‪.‬‬ ‫بيد أ�ن معايري معظم الربامج االفتائية ت�سري عى منط‬ ‫املعايري العاملية للبث منرتكيزها على املادة والوهج االعالمي‬

‫واالبهار و�سرعة العر�ض وتبادل االدوار بني امل�شاهد واملقدم‬ ‫واملفتي‪ ،‬ولئن �صلح هذا يف الربامج العامة فقد ال ي�صلح لربامج‬ ‫الفتيا التي لها منط خا�صة من الرتيث والتثبت واال�ستف�صال‬ ‫وغري ذلك‪.‬‬ ‫‪ .2‬مراعاة أ�حوال امل�ستفتني واختالفاتهم أ�عراق ًا‬ ‫وعادات‪.‬‬ ‫( احلكم على ال�شيء فرع عن ت�صوره) وقدمي ًا كان‬ ‫امل�ستفتي مع املفتي وجه ًا لوجه يف دائرة �ضيقة‪ ،‬في�ستف�صل‬ ‫املفتي ويحيط بظروف ال�سائل‪ ،‬والف�ضائيات ا آلن ق�ضت على‬ ‫هذه اخل�صو�صية تقريب ًا‪ ،‬وبالرغم من هذا فينبغي للمفتي ان‬ ‫يح�سن ت�صور امل�س أ�لة من امل�ستفتي‪ ،‬ولي�س ال� أش�ن يف كرثة علوم‬ ‫املفتي ا آلن امنا ال� أش�ن يف ترتيل علمه على الوقائع والنوازل‪،‬‬ ‫وتلك ملكة فقهية مطلوبة يف املفتي عموم ًا ويف مفتي الف�ضائيات‬ ‫خا�صة‪.‬‬ ‫فثمنت فرق بني حافظ الفقه والفروع واجلزئيات و أ�قوال‬ ‫أالئمة وال يح�سن ترتيلها على الوقائع‪ ،‬وبني من يح�سن الترتيل‬ ‫والت أ��صيل و�ضبط أالمور ب�ضوابطها‪.‬‬ ‫قال احلطاب‪� ( :‬إمنا الغرابة يف ا�ستعمال كليات علم الفقه‬ ‫وانطباقها على جزئيات الوقائع بني النا�س‪ ،‬وهو ع�سري على‬ ‫كثري من النا�س فنجد الرجل يحفظ كثري ًا من العلم ويفهم‬ ‫ويعلم غريه فاذا �سئل عن واقعه ببع�ض العوام من م�سائل‬ ‫ال�صالة أ�و من م�سائل االميان ال يح�سن اجلواب بل ال يفهم‬ ‫مراد ال�سائل عنها �إال بعد ع�سر‪ .‬ولل�شيوخ يف ذلك حكايات )‬ ‫مواهب اجلليل ( ‪.) 87/6‬‬ ‫دقة اختيار القناة للمفتي‬ ‫الف�ضائيات و�سيلة جماهريية وا�سعة‪ ،‬تربز فيها �صناعة‬ ‫النجوم وا�ستقطاب اجلماهري مبن يظهر عليها بتلميعة‬ ‫أ�حيان ًا وجذب امل�شاهدين له‪ ،‬وما قد ي�صلح من ناحية املعايري‬ ‫ا إلعالمية من املفتني قد ال ي�صلح باملعايري ال�شرعية‪.‬‬ ‫فينبغي احلر�ص على املفتي ذي القدرة على خماطبة‬ ‫ال�شرائح املختلفة‪ ،‬البارع يف تفهيم العقول املتباينة‪ ،‬امل ؤ��صل‬ ‫لفتواه علم ًا وتعليم ًا وبث ًا للخلق ومقا�صد ال�شريعة‪.‬‬ ‫فالكثري من املفتني مييلون اىل الت�سطح أ‬ ‫واللفاظ العامة‬

‫‪11‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫اخلطابية والوعظ يف وقت احلاجة للبيان بدعوى �إظهار‬ ‫الت�سامح وعدم التعقيد‪.‬‬ ‫االحتياط يف الفتيا‬ ‫النوازل احلادثة قد ت�شبه بع�ض النوازل القدمية في�صبح‬ ‫�إحلاقها لكن البع�ض ا آلخر يختلف باختالف الع�صر احلديث‬ ‫فال يتمح�ص ال�شبه بني القدمي واحلديث‪ ،‬و الواجب على املفتي‬ ‫الرتوي وعدم االقدام على الفتيا يف النازلة حتى لو ا�ستعجله‬ ‫املقدم بح�سم اجلواب فيها‪.‬‬ ‫( قال االمام أ�حمد‪ :‬اذا هاب الرجل �شيئ ًا ال ينبغي أ�ن‬ ‫يحمل على ما يقول ) االن�صاف للمرداوي ‪.185/11‬‬ ‫و املالحظ تو�سع املفتني واطالق أالحكام العامة ونادر ًا من‬ ‫يقول ال أ�دري مع أ�نها كانت ديدن ال�سلف‪.‬‬ ‫مراعاة أ�وجه التحرمي والتحلي‬ ‫فيفتي باالجماعات ومبا اتفق عليه أالئمة أ�و اجلمهور وال‬ ‫عربة ملا ي�سود يف بع�ض البلدان من أ�عراف ومعتقدات ال م�ستند‬ ‫لها من ال�شرع ولو على قول مرجوح‪ ،‬ثم �إن الفتي ال يحمل النا�س‬ ‫وي�شو�ش عليهم يف م�س أ�لة اجتهادية‪.‬‬ ‫قال ابن �سراج‪� :‬إذا جرى النا�س على �شيء له م�ستند‬ ‫للن�سان خمتار غريه ال ينبغي له أ�ن يحمل النا�س‬ ‫�صحيح وكان إ‬ ‫على خمتاره فيدخل عليهم �شغبا يف أ�نف�سهم وحرية يف دينهم‪:‬‬ ‫�إذ من �شرط التغيري أ�ن يكون متفقا عليه‪ ،‬اهـ‪ .‬التاج واالكليل‬ ‫‪.475/2‬‬ ‫التف�صيل ولي�س التعميم‬ ‫أ�غلب م�سائل الفقه مبنية على التف�صيل ال التعميم‪ ،‬وعلى‬ ‫هذا �سار أالئمة املحققون يف بحوثهم وم�سائلهم‪.‬‬ ‫وعليه فمن �سئل مث ًال عن املنتجات احل�ضارية‪ ،‬أ‬ ‫كالجهزة‬ ‫وغريها فال يح�سن �إطالق احلكم‪ ،‬بل التق�صيل وال�شرط فمن‬ ‫ا�ستعمله يف حمرم فهو حمرم‪ ،‬ومن ا�ستعمله يف مباح فهو مباح‪،‬‬ ‫فاملناط بالفعل ولي�س احلل‪.‬‬ ‫عدم التقيد مبذهب خا�ص‪:‬‬ ‫بل يراعى تنوع امل�ستمعني‪ ،‬واللجوء اىل الفقه املقارن‬ ‫و�سياق اخلالف ب أ��سلوب مب�سط‪:‬‬ ‫ف�إذا ذكر مذاهب أالئمة الفقهاء يقرب املفتي من النا�س‬

‫‪12‬‬

‫بتفرق ميولهم املذهبية الفقهية‪ ،‬وهذا اخلالف الفقهي الوا�سع‬ ‫يتيح للمفتي الرتجيح بني هذه أالقوال‪ ،‬كما يعينه على مراعاة‬ ‫عوائد ال�شعوب واختياراتها الفقهية والتي أ�غلبها تلتزم مذهب ًا‬ ‫معين ًا يف الفقه واالفتاء ولو على ال�صعيد الر�سمي‪ ،‬وعلى أ�ية‬ ‫حال فالفقه املقارن وذكر خالف املذاهب ي�ساعد امل�ستمع‬ ‫وامل�شاهد على تقبل احلكم والوثوق به كما ي ّعوده على احرتام‬ ‫أالئمة وحبهم وعدم التع�صب للر أ�ي أ�و املذهب‪.‬‬ ‫عدم الدخول يف التف�صيالت‪:‬‬ ‫والتي تختلف من بلد اىل �آخر ك أ�نواع اللبا�س والعوائد‬ ‫ف�إن هذه التف�صيالت قليلة الفائدة كما أ�نها حتجب النا�س‬ ‫املختلفني عن االهتمام بهذا املفتي بحكم أ�قليميته واهتمامه‬ ‫اخلا�ص بهذا البلد‪.‬‬ ‫التي�سري املتوازن فيما ال ن�ص فيه‪:‬‬ ‫فان التي�سري لي�س مذهب ًا فقهي ًا أ�و ر أ�ي ًا خا�ص ًا بل هو مق�صد‬ ‫عظيم و أ��سا�س متني لل�شريعة اال�سالمية ( ي�سرا وال تع�سريا )‬ ‫رواه البخاري وم�سلم‪.‬‬ ‫فهذا الن�ص لي�س خا�ص ًا أ�و من�سوخ ًا فهو حمكم ثابت‬ ‫وا�ضح الداللة فل�سنا نحتاج العتماده دليل أ�و ر أ�ي مع هذا البيان‬ ‫النبوي العظيم‪ ،‬وهذا التي�سري الديني ال جمال فيه للعبث أ�و‬ ‫الت�ساهل ألنه م�ضبوط مبا لي�س فيه ن�ص وا�ضح‪ ،‬فالتي�سري‬ ‫مق�صد مهم من مقا�صد الت�شريع لتطبيق أالحكام ولفهم‬ ‫الن�صو�ص وترتيلها‪.‬‬ ‫لي�س كل امل�سائل يكون فيها حكم �صريح باحلالل أ�و‬ ‫احلرام‪ ،‬فيح�سن باملفتي أ�ن ي�سوق الف�ضائل ويحث عليها‪ ،‬أ�و‬ ‫املثالب ويحذر منها‪.‬‬ ‫ذكر الدليل ما أ�مكن‬ ‫ولو أ�ن يذكر دلي ًال واحد ًا‪ :‬فالدليل يعلم امل�ستمع وامل�شاهد‬ ‫ربط احلكم بالن�ص واحرتام الن�ص وااللتجاء �إليه وحتكيمه يف‬ ‫احلياة اخلا�صة والعامة كما يقول ابن القيم ( والعلم معرفة‬ ‫الهدى بدليله ) فالدليل هو احلجة الثابته التي يقدمها املفتي‬ ‫أ�مام اهلل أ�و ًال لقوله بهذا الر أ�ي و أ�مام النا�س ألن اهلل �سي�س أ�ل‬ ‫النا�س ( ماذا أ�جبتم املر�سلني )‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫وي�شيع نوع ًا من التناف�س املحمود على اخلري والقوة العلمية‬ ‫جتنب الدخول يف �صراعات مع مفتني آ�خرين‬ ‫فان املفتي ينبغي أ�ن يكون قدوة ح�سنة للنا�س يف معرفة والفكرية واملعرفية‪ ،‬ويعطي النا�س متييز ًا بني القوي أ‬ ‫والقوى‪.‬‬ ‫‪ -2‬عقد دورات إلعداد املفتني وتدريبهم‪:‬‬ ‫أ�دب اخلالف وح�سن الظن وعدم التع�صب والتعنيف على‬ ‫املخالف خ�صو�صا على �إخوانه الفقهاء والعلماء واملفتني‪.‬‬ ‫الدورات العلمية يف امل�ساجد �شكل مهم من أ��شكال طلب‬ ‫ت�سويغ بع�ض أ‬ ‫الحكام التي تبدو غريبة واال�شارة العلم ال�شرعي غري أ�نها نوع واحد‪ ،‬وهناك أ�نواع أ�خرى يف فر�ض‬ ‫دورات ر�سمية أ�و أ�هلية تعطي �شهادات معتمدة خمتومة على‬ ‫اىل حكمتها وبع�ض أ��سرارها والت أ�نق يف عر�ضها‪:‬‬ ‫فان ا�ستغراب النا�س للحكم يفرت�ض أ�ن يبعث الفقيه فهم هذه املواد العلمية املعينة أ�و على هذه العلوم املخ�صو�صة‬ ‫للمزيد من التو�ضيح لهذا احلكم ولدليله وم أ�خذه من الت�شريع وهذا ي�شجع على العلم ال�شرعي ويعطي ثقة بقوته وح�ضوره‬ ‫والئمة الذين ن�صروا وبامتالك هذا الطالب مل ؤ�هالت أ�قرب لتحقيق �شرط االفتاء‪.‬‬ ‫والداللة والقوة والر أ�ي وذكر من قال به‪ ،‬أ‬ ‫‪ -3‬قيام املجامع الفقهية بدورها يف العمل االعالمي‬ ‫هذا القول‪ ،‬ومربرات القول به‪.‬‬ ‫ف�ضائياً أ�و �إذاعياً أ�و �صحفيا‪ً:‬‬ ‫احلذر من التفريط‬ ‫املجامع الفقهية قوة حا�ضرة يف منتدياتها اخلا�صة وقليلة‬ ‫واالن�سياق وراء كل ر أ�ي‪ ،‬ونبذ الفتاوى املجافية للن�صو�ص‬ ‫الوا�ضحة واالجماع‪ ،‬مثل‪ :‬جواز زواج امل�سلمة بكتابي‪ ،‬أ�و جواز احل�ضور ا إلعالمي من ف�ضائيات و�صحف وجمالت وذلك خط أ�‬ ‫الدعوة للن�صرانية واملذاهب املنحرفة يف أ�و�ساط امل�سلمني‪ ،‬من القنوات وال�صحف ومن أ��صحاب هذه املجامع التي يجب‬ ‫فان املجتمع له ثوابت دينية ال يحق ألحد أ�ن ينازع فيها أ�و يبث أ�ن تقول �صوت ًا م�سموع ًا للنا�س يف الفتاوى املهمة والع�صرية‪.‬‬ ‫‪ -4‬قيام جهات ا إلفتاء بدورها يف ذلك‪:‬‬ ‫ر أ�يه اخلا�ص الذي يخالف هذه الن�صو�ص اجللية‪.‬‬ ‫وجهات ا إلفتاء كثرية من التجمعات اخلا�صة وامل ؤ��س�سات‬ ‫وجتنب الفتاوى ال�شاذة التي قد تقبل يف نطاق خا�ص أ�و‬ ‫ظرف خا�ص‪ ،‬ولكن ال ت�صلح وال تقبل للعامة‪ ،‬والفتوى املعلنة ا إل�سالمية �إىل الهيئات ال�شرعية يف الدول �إىل املجامع الكبرية‬ ‫كمجامع الفقه اال�سالمي‪.‬‬ ‫التي يطري النا�س بها كل مطار‪.‬‬ ‫‪ -5‬ت أ��سي�س جمعيات علمية م�ستقلة لغر�ض �ضبط‬ ‫الواقع و أ��سبابه ومقرتحات احلل‪:‬‬ ‫ثمت �ضعف ظاهر‪ ،‬وت�سرع يف الفتوى‪ ،‬وت�ضارب �شديد الفتوى‪ ،‬وحتقيق م�صالح النا�س فيها‪:‬‬ ‫وذلك مطلب ال�شعوب والنا�س وال�شركات أ‬ ‫والفراد فهذا‬ ‫وظهور ملزاج املفتي أ�كرث من علمه‪.‬‬ ‫�صوت �شرعي يراعي م�صاحلهم ويقوم على حل �إ�شكالياتهم‪،‬‬ ‫عدم تدريب ال�شرعيني على اخلطاب‪:‬‬ ‫هناك �شريحة وا�سعة من طلبة العلم ال�شرعي الذين ويناق�ش ق�ضاياهم الدينية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ت أ��سي�س قنوات متخ�ص�صة‪:‬‬ ‫يعرفون �آحاد الن�صو�ص ورمبا يحفظونها ويع�ضهم يفهم‬ ‫للفتاء وا�ستقبال أال�سئلة والفتوى‬ ‫جمملها وقليل منهم من ميتلك الفهم النا�ضج ال�سليم والعقل‬ ‫واذاعات متخ�ص�صة إ‬ ‫أ‬ ‫الراجح امل�ستوعب واللغة اجليدة التي ت ؤ�هله للخطاب العام طوال الوقت حلاجة النا�س املا�سة يف الوقات املختلفة للفتاوى‬ ‫وتعطيه املقدرة على ن�شر الر أ�ي ال�شرعي واحلديث عنه يف ال�شرعية بل و أ�حيان ًا ب�شكل �إ�ضطراري وعاجل‪.‬‬ ‫و�سائل االعالم ب�شكل يرفع قيمة هذا الر أ�ي وال يغمطه حقه‪.‬‬ ‫‪ -7‬التن�سيق بني دوائر العمل ال�شرعي‪:‬‬ ‫مقرتحات احلل‪:‬‬ ‫والتي ت�شارك يف الفتوى كمواقع االنرتنت وبني القنوات‬ ‫‪ -1‬اختيار امل ؤ�هلني للفتوى كما نختار الق�ضاة وال�صحف وا إلذاعات يف ن�شر الفتاوى و�صياغتها وهذا عمل‬ ‫املهتمني واملتابعني وميكن تعيني �إداريني لهذا ال� أش�ن ولدوام‬ ‫وغريهم‪:‬‬ ‫فاالختيار بني امل ؤ�هلني يفر�ض مزيد العناية والت أ�هيل‪ ،‬متابعة ذلك‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫االفتاء عرب االنرتنت‬ ‫�آفاق وعوائق‬ ‫أ‬ ‫ال�ستاذ حممد ابراهيم زيدان‬ ‫جمهورية م�صرالعربية‬ ‫الفتوى من�صب عظيم أ‬ ‫المام ال�شاطبي ـ قائم مقام النبي‬ ‫الثر‪ ،‬بعيد اخلطر‪ ،‬ف�إن املفتي ـ كما قال إ‬ ‫النبياء» وهو نائب عنه يف تبليغ أ‬ ‫ـ �صلى اهلل عليه و�سلم ـ فهو خليفته ووارثه «العلماء ورثة أ‬ ‫الحكام‪،‬‬ ‫وتعليم أ‬ ‫النام‪ ،‬و�إنذارهم بها لعلهم يحذرون‪ ،‬وهو �إىل جوار تبليغه يف املنقول عن �صاحب ال�شريعة‪،‬‬ ‫قائم مقامه يف �إن�شاء أ‬ ‫الحكام يف امل�ستنبط منها بح�سب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه ـ كما‬

‫قال ال�شاطبي ـ �شارع‪ ،‬واجب اتباعه‪ ،‬والعمل على وفق ما قاله‪ ،‬وهذه هي اخلالفة على التحقيق ‪.‬‬

‫واعترب ا إلمام أ�بو عبد اهلل بن القيم املفتي موقعا عن اهلل‬ ‫تعاىل فيما يفتي به‪ ،‬و أ�لف يف ذلك كتابه القيم امل�شهور‬ ‫«�إعالم املوقعني عن رب العاملني» الذي قال يف فاحتته ‪:‬‬ ‫«�إذا كان من�صب التوقيع عن امللوك باملحل الذي ال ينكر ف�ضله‪،‬‬ ‫وال يجهل قدره‪ ،‬وهو من أ�على املراتب ال�سنيات‪ ،‬فكيف مبن�صب‬ ‫التوقيع عن رب أالر�ض وال�سموات؟ !»‬ ‫وكان بع�ضهم يتوقف عن الفتوى فال يجيب ويحيل �إىل‬ ‫غريه أ�و يقول‪ :‬ال أ�دري‪ .‬قال عتبة بن م�سلم‪� :‬صحبت ابن عمر‬ ‫أ�ربعة وثالثني �شهرا‪ ،‬فكان كثريا ما ي�س أ�ل فيقول‪ :‬ال أ�دري !‬ ‫يقول االمام النووي – رحمه اهلل – يف مقدمة كتاب‬ ‫املجموع �شرح املهذب ‪:‬‬ ‫اعلم ان االفتاء عظيم اخلطر كبري املوقع كثري الف�ضل‬

‫‪14‬‬

‫الن املفتى وارث االنبياء �صلوات اهلل و�سالمه عليهم وقائم‬ ‫بفر�ض الكفاية لكنه معر�ض للخط أ� ولهذا قالوا املفتى موقع عن‬ ‫اهلل تعاىل‪ :‬وروينا عن ابن املنكدر قال العامل بني اهلل تعاىل‬ ‫وخلقه فينظر كيف يدخل بينهم‪ .‬وروينا عن ال�سلف وف�ضالء‬ ‫اخللف من التوقف عن الفتيا أ��شياء كثرية‪ :‬معروفة نذكر منها‬ ‫أ�حرفا تربكا‪ :‬وروينا عن عبد الرحمن ابن أ�بي ليلى قال ادركت‬ ‫ع�شرين ومائة من االن�صار من ا�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ي�سئل أ�حدهم عن امل�س أ�لة فريدها هذا �إىل هذا وهذا‬ ‫�إىل هذا حتى ترجع �إىل االول‪ .‬ويف رواية ما منهم من يحديث‬ ‫بحديث اال ودان اخاه كفاه اياه وال ي�ستفتى عن �شئ اال ودان‬ ‫اخاه كفاه الفتيا‪ .‬وعن ابن م�سعود وابن عبا�س ر�ضى اهلل عنهم‬ ‫من أ�فتى عن كل ما ي�سئل فهو جمنون‪ .‬وعن ال�شعبى واحل�سن‬ ‫وابى ح�صني بفتح احلاء التابعني قالوا ان احدكم ليفتى يف‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫امل�س أ�لة ولو وردت على عمر بن اخلطاب ر�ضى اهلل عنه جلمع‬ ‫لها أ�ن أ�هل بدر‪ :‬وعن عطاء بن ال�سائب التابعي أ�دركت أ�قواما‬ ‫ي�سئل احدهم عن ال�شئ فيتكلم وهو يرعد‪ :‬وعن ابن عبا�س‬ ‫وحممد بن عجالن �إذا اغفل العامل ال أ�درى أ��صيبت مقاتله‪.‬‬ ‫وعن �سفيان بن عيينة و�سحنون أ�ج�سر النا�س على الفتيا اقلهم‬ ‫علما‪ .‬وعن ال�شافعي وقد �سئل عن م�س أ�لة فلم يجب فقيل له‬ ‫فقال حتى ادري ان الف�ضل يف ال�سكوت أ�و يف اجلواب‪ .‬وعن‬ ‫االثرم �سمعت احمد بن حنبل يكرث ان يقول ال ادري وذلك فيما‬ ‫عرف االقاويل فيه‪ .‬وعن الهيثم بن جميل �شهدت مالكا �سئل‬ ‫عن ثمان و أ�ربعني م�س أ�لة فقال يف ثنتني وثالثني منها ال ادرى‪.‬‬ ‫وعن مالك اي�ضا انه رمبا كان ي�سئل عن خم�سني م�س أ�لة فال‬ ‫يجيب يف واحدة منها وكان يقول من اجاب يف م�س أ�لة فينبغي‬ ‫قبل اجلواب ان يعر�ض نف�سه على اجلنة والنار وكيف خال�صه‬ ‫ثم يجيب‪ :‬و�سئل عن م�س أ�لة فقال ال ادرى فقيل هي م�س أ�لة‬ ‫خفيفة �سهلة فغ�ضب وقال لي�س يف العلم �شئ خفيف‪ .‬وقال‬ ‫ال�شافعي ما ر أ�يت أ�حدا جمع اهلل تعاىل فيه من �آلة الفتيا ما‬ ‫جمع يف ابن عيينة ا�سكت منه عن الفتيا‪ :‬وقال أ�بو حنيفة لو ال‬ ‫الفرق من اهلل تعاىل ان ي�ضيع العلم ما افتيت يكون لهم املهن أ�‬ ‫وعلى الوزر واقوالهم يف هذا كثرية معروفة ‪.‬‬ ‫هذا عن االفتاء ب�صفه عامة أ�ما االفتاء يف ق�ضايا النوازل‬ ‫فانه أ�عظم خطر ًا ‪ ،‬و أ��شد أ�ثر ًا ‪ ،‬فاملفتي ي�سري يف طريق غري‬ ‫معبد ‪ ،‬وواقع ي�شتبك فيه ال�سيا�سي واالجتماعي واالقت�صادي‬ ‫مع الفقهي وال�شرعي وال بد من الرتيث حيث أ�ن العجلة مدمرة‬ ‫هنا بخا�صة ان كان أالمر يتعلق بفتاوى أالمة ال بفتاوى االفراد‬ ‫‪ ،‬فبهذه الفتوى حتل دماء او حترم وت�ستباح حرمات أ�و ت�صان‬ ‫‪ ،‬فعلى املفتي الت أ�ين والتدبر والت�شاور للوقوف على أالمر بكافة‬ ‫جوانبه ‪ ،‬ومعرفة م آ�الت الفتوى ‪ ،‬وكثري ًا ما نردد أ�ن ق�ضايا‬ ‫كثرية من ق�ضايا أالمة ال يجتمع عليها عدد من العلماء من‬ ‫تخ�ص�صات متعدده ين�ضجونها بالنقا�ش واحلوار ‪ ،‬ثم ي أ�تي‬ ‫فقيه أ�و جمموعة من الفقهاء بعد أ�ن يعوا الواقع ويعلموه من كل‬ ‫جوانبه لي�صدروا فتواهم يف هذه امل�س أ�لة ‪.‬‬ ‫منهج ا�سالم أ�ون الين يف تقدمي الفتوى‬ ‫ر�صد خربة الفتوى يف املوقع‬ ‫بد أ�ت خدمة الفتوى مع بداية املوقع يف أ�كتوبر ‪،1999‬‬

‫وقد متت ا إلجابة عما يقرب من ‪( 200000‬مائتي أ�لف) فتوى‬ ‫خالل أالربع �سنوات ون�صف املا�ضية‪ ،‬تتق�سم هذه الفتاوى �إىل‬ ‫ما يلي‪:‬‬ ‫أ�وال‪ :‬فتاوى البنك الدائم‪ :‬وفيه ‪ 12000‬فتوى م�صنفة‬ ‫ح�سب املو�ضوع وا�سم املفتي‪ ،‬وميكن للم�ستخدم أ�ن يبحث ب أ�ي‬ ‫كلمة يف العنوان أ�و الن�ص‪ ،‬كما ميكنه البحث من خالل ا�سم‬ ‫املفتي‪.‬‬ ‫وي�ستطيع الباحث احل�صول على مادة متكاملة من خالل‬ ‫البحث املو�ضوعي؛ فلدينا ع�شرات الفتاوى عن ال�سيا�سة‬ ‫ال�شرعية‪ ،‬وع�شرات الفتاوى عن الرتبية اجلن�سية و�آدابها‬ ‫وحدودها وعالقة الرجل باملر أ�ة؛ �سواء كانت أ�جنبية أ�و خمطوبة‬ ‫أ�و زوجة أ�و غري ذلك‪.‬‬ ‫كما ي�ستطيع الباحث احل�صول على جمموعة متكاملة عن‬ ‫فتاوى احلرب أالمريكية و أ�ثرها على أالمة ا إل�سالمية‪ ،‬وكذلك‬ ‫فتاوى فل�سطني والعراق وغريها من الق�ضايا املثارة يف الوقت‬ ‫احلايل‪ ،‬با إل�ضافة لفتاوى العبادات واملعامالت وغريها‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الفتاوى املبا�شرة‪ :‬وقد عقدت ما يقرب من ‪500‬‬ ‫حلقة للفتاوى املبا�شرة‪ ،‬متو�سط عدد الفتاوى يف هذه احللقات‬ ‫‪ 25‬فتوى؛ فيكون جمموع الفتاوى ‪ 12500‬فتوى تقريبا‪ ،‬وتتميز‬ ‫الفتاوى يف هذه اخلدمة ب�سرعة الرد على امل�ستفتي‪ ،‬لكنها رمبا‬ ‫تفتقد �إىل �شيء من الت أ��صيل والتف�صيل لكنها تفي بحاجة‬ ‫امل�ستفتي‪.‬‬ ‫وتعقد ا آلن حوايل ‪ 7‬حلقات كل أ��سبوع (‪ 4‬حلقات لفريق‬ ‫الباحثني‪ ،‬و‪ 3‬حلقات للعلماء من داخل وخارج م�صر)‪،‬‬ ‫ومتو�سط عدد الفتاوى ‪ 30‬فتوى يف احللقة الواحدة‪ ،‬وما مييز‬ ‫هذه الفتاوى هو ال�سرعة يف تلقي ا إلجابة؛ حيث يتلقى ال�سائل‬ ‫ا إلجابة خالل دقائق من �إر�سال ال�س ؤ�ال‪ ،‬وي�ستطيع أ�ن يتوا�صل‬ ‫مع املفتي باال�ستي�ضاح أ�و التعقيب أ�و غري ذلك‪.‬‬ ‫كما تتميز أ�ي�ضا بو�ضع ال�سائل على احلكم مبا�شرة دون‬ ‫الدخول يف تفا�صيل كثرية قد ت�شغله يف بع�ض أالحيان عن‬ ‫الو�صول �إىل احلكم ال�شرعي بو�ضوح‪.‬‬ ‫وتتميز أ�ي�ضا هذه الفتاوى بالتوا�صل مع عدد كبري من‬ ‫املفتني يغطون رقعة وا�سعة من العامل العربي وا إل�سالمي؛‬ ‫فلدينا أ�كرث من مائة عامل وفقيه ميثلون معظم الدول العربية‬

‫‪15‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫وا إل�سالمية‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬فتاوى البنك امل ؤ�قت‪ :‬وهذه متثل الن�سبة الكربى يف‬ ‫الفتاوى الواردة‪ ،‬وهذه �إما مكررة أ�و حتمل نوعا من اخل�صو�صية‬ ‫يريد ال�سائل أ�ن تظل حمفوظة له‪ ،‬وهي موجودة لدينا على‬ ‫قاعدة بيانات لكنها غري معلنة‪.‬‬ ‫ما تقدمه �صفحة الفتوى‪:‬‬ ‫وتعنى �صفحة الفتاوى بالرد على أ��سئلة امل�ستفتني يف كل‬ ‫ما يقابلهم من م�سائل تعر�ض لهم يف الفقه والعقيدة والتف�سري‬ ‫واحلديث‪ ،‬كما تعر�ض ملا يقابلهم من م�شاكل نف�سية أ�و فكرية‬ ‫ولها مدخل �شرعي‪ ،‬كما تتناول جانب أالخالق وا آلداب من‬ ‫وجهة نظر ال�شرع أ�ي�ضا‪.‬‬ ‫كما تقوم ال�صفحة ب�إثارة الق�ضايا اجلديدة التي‬ ‫رمبا ال يلتفت �إليها امل�ستفتون؛ فتقوم بعر�ضها على العلماء‬ ‫واملتخ�ص�صني إلبداء الر أ�ي حولها‪� ،‬سواء كانت يف جانب‬ ‫ال�سيا�سة ال�شرعية أ�و يف جانب املعامالت املالية احلديثة أ�و‬ ‫غري ذلك‪.‬‬ ‫تتنوع أال�سئلة الواردة �إىل ال�صفحة؛ فبع�ضها ي�س أ�ل عن‬ ‫امل�سائل الفقهية القدمية كالطهارة وال�صالة وال�صيام والزكاة‬ ‫واحلج أ‬ ‫والحوال ال�شخ�صية و�سائر املعامالت املالية وغريها‬ ‫واحلدود واجلنايات‪ ،‬وبع�ضها ي�س أ�ل عن أالمور امل�ستجدة التي‬ ‫تقابل امل�سلم يف البالد (غري ا إل�سالمية)‪ ،‬وبع�ضها ي�س أ�ل عن‬ ‫املعامالت املالية احلديثة ك�سوق أالوراق املالية وغريها‪.‬‬ ‫وت أ�خذ ق�ضايا ا إلنرتنت حيزا معقوال يف هذه أال�سئلة‬ ‫الواردة كاملرا�سلة بني الرجل واملر أ�ة عرب ا إلنرتنت والزواج‬ ‫والبيع وال�شراء عن طريق ا إلنرتنت‪ ،‬وغري ذلك من الق�ضايا‬ ‫للنرتنت يف البيع‬ ‫احلديثة التي أ�ثريت ب�سبب ا�ستعمال النا�س إ‬ ‫وال�شراء والزواج والطالق والتعامل املادي وغري ذلك‪.‬‬ ‫كما تثار عرب ال�صفحة م�سائل العالقة اخلا�صة بني‬ ‫الزوجني و�آداب املعا�شرة‪ ،‬وبخا�صة تلك التي عرفها امل�سلمون‬ ‫من خالل احتكاكهم بالغرب؛ �سواء كان االحتكاك مبا�شرا أ�م‬ ‫كان عن طريق و�سائل ا إلعالم امل�سموعة واملرئية ‪.‬‬ ‫و�سطية ا�سالم اون الين ‪ .‬نت يف تقدمي الفتوى ‪:‬‬ ‫تقوم و�سطية الفتوى على أ�ربعة ركائز‪:‬‬

‫‪16‬‬

‫أالوىل‪ :‬قاعدة تغري الفتوى بتغري اجلهات أالربعة ‪:‬‬ ‫وكان عمر – ر�ضي اهلل عنه – ممن له ن�صيب يف ت أ��صيل‬ ‫هذه القاعدة ‪ ،‬فمن ذلك أ�نه مل يعط امل ؤ�لفة قلوبهم مع ورود‬ ‫ذلك يف القر�آن ور أ�ى أ�ن عز ا إل�سالم موجب حلرمانهم‪.‬‬ ‫وكذلك �إلغا ؤ�ه للنفي يف حد الزاين البكر خوف ًا من فتنة املحدود‬ ‫والتحاقه بدار الكفر ألن �إميان النا�س ي�ضعف مع الزمن‪.‬‬ ‫ومن ذلك أ�مر عثمان بالتقاط �ضالة ا إلبل ‪ ،‬مع ورود‬ ‫النهي عن هذا الفعل ؛ وذلك ملا ر أ�ى من ف�ساد أالخالق وخراب‬ ‫الذمم وورث متا�ضر أال�سدية ملّا طلقها عبد الرحمن يف مر�ض‬ ‫موته‪..‬‬ ‫و أ�مري امل ؤ�منني علي ر�ضي اهلل عنه ي�ضمن ال�صناع بعد أ�ن‬ ‫كانت يد ال�صانع أ�مانة قائال ‪ :‬ال ي�صلح النا�س �إال ذاك‪.‬‬ ‫وقد وردت هذه القاعدة يف جملة أالحكام العدلية بعنوان‬ ‫‪ :‬ال ينكر تغري أالحكام بتغري الزمان»‪.‬‬ ‫غري أ�ن هذه القاعدة لي�ست على �إطالقها ‪ ،‬فامل أ�موريات‬ ‫واملنهيات املعلومة من الدين بال�ضرورة ال تخ�ضع لقاعدة التغري‬ ‫ب�سبب الزمان ‪.‬‬ ‫فالذي يتغري هو أالحكام االجتهادية و أ�ما القطعيات من‬ ‫أالحكام فال تتغري فال ميكن أ�ن تتغري املواريث بدعوى أ�ن املر أ�ة‬ ‫أ��صبح لها � أش�ن وال ميكن أ�ن يتغري حترمي ربا الن�سيئة يف بالد‬ ‫ا إل�سالم وال حترمي أ�كل امليتة واخلنزير‪.‬‬ ‫وتغري الفتوى ال يكون �إال لرتجح م�صلحة �شرعية مل تكن‬ ‫راجحة يف وقت من أالوقات أ�و لدرء مف�سدة حادثة مل تكن‬ ‫قائمة يف زمن من أالزمنة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والمثلة يف املذاهب كثرية ‪ ،‬منها ما نقله ابن عابدين‬ ‫يف حا�شيته من أ�ن املتقدمني من فقهاء املذهب يرون بطالن‬ ‫ا إلجارة على الطاعات ‪ ،‬ولكن جاء املت أ�خرون ‪ ،‬و�صححوها‬ ‫على تعليم القر�آن ‪ ،‬ثم جاء من بعدهم و�صححوها على أالذان‬ ‫وا إلمامة‪ ،‬وذلك لل�ضرورة‪ ،‬واحلفاظ على تعليم القر�آن و�إقامة‬ ‫ال�شعائر‪.‬‬ ‫ويف مذهب أالحناف أ�ي�ضا أ�ن املر أ�ة �إذا قب�ضت معجل‬ ‫املهر ‪ ،‬فعليها اتباع زوجها حيث �شاء ‪ ،‬ثم جاء املت أ�خرون و أ�فتوا‬ ‫بخالف ذلك ‪ ،‬ور أ�وا ب أ�ن املر أ�ة ال جترب على ال�سفر مع زوجها‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫�إىل مكان �إذا مل يكن وطن ًا لها وذلك لف�ساد الزمان أ‬ ‫والخالق‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬قاعدة العرف‪:‬‬ ‫وهذا أ��صل هام من أ��صول الفتوى ‪ ،‬نطق به العلماء ‪ ،‬حيث‬ ‫قال ابن عابدين‪ »:‬لي�س للمفتي وال للقا�ضي أ�ن يحكما بظاهر‬ ‫الرواية ويرتكا العرف‪ ،‬واهلل أ�علم‪.‬‬ ‫وقال ا إلمام القرايف يف حديثه عن العرف ‪ »:‬وعلى هذا‬ ‫القانون تُراعى الفتاوى على طول أاليام فمهما جتدد يف العرف‬ ‫اعتربه ومهما �سقط أ��سقطه ‪ ،‬وال جتمد على امل�سطور يف الكتب‬ ‫طول عمرك‪ ،‬بل �إذا جاءك رجل من غري أ�هل �إقليمك ي�ستفتيك‬ ‫ال جتره على عرف بلدك وا�س أ�له عن عرف بلده و أ�جره عليه‬ ‫و أ�فته به دون بلدك واملقرر يف كتبك فهذا هو احلق الوا�ضح‪،‬‬ ‫واجلمود على املنقوالت أ�بد ًا �ضالل يف الدين وجهل مبقا�صد‬ ‫علماء امل�سلمني وال�سلف املا�ضني‪ ،‬وعلى هذه القاعدة تتخرج‬ ‫�إميان الطالق والعتاق و�صيغ ال�صرائح والكنايات‪ ،‬فقد ي�صري‬ ‫ال�صريح كناية يفتقر �إىل النية‪ ،‬وقد ت�صري الكناية �صريح ًا‬ ‫م�ستغنية عن الن ّية» ‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬قاعدة النظر يف امل�آالت‪:‬‬ ‫ومما ي�صب يف جداول امل�صلحة وي�سري يف دربها قاعدة‬ ‫النظر يف امل آ�الت يف أالقوال أ‬ ‫والفعال وقد ن�ص ال�شاطبي على أ�ن‬ ‫املفتى عليه أ�ن ينظر يف م آ�ل فتواه‪ .‬وقد ف�صل ا إلمام ال�شاطبي‬ ‫يف هذا أالمر ‪ ،‬ور أ�ى أ�ن املفتي عليه أ�ن يتمهل و أ�ن ينظر ما ي ؤ�ول‬ ‫أالمر يف فتواه ‪ ،‬فقد يكون هناك �شيء م�شروع جللب منفعة ‪،‬‬ ‫أ�و لدرء مف�سدة ‪ ،‬ولكنه له م آ�ل على خالف ما ق�صد‪ ،‬وقد يكون‬ ‫غري م�شروع ملف�سدة تن� أش� عنه أ�و م�صلحة تندفع به ولكن له م آ�ل‬ ‫على خالف ذلك‪.‬‬ ‫وت أ��صيل ذلك قوله تعاىل‪ ( :‬وال ت�سبوا الذين يدعون‬ ‫من دون اهلل في�سبوا اهلل عدو ًا بغري علم)‪ ،‬وقوله �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ‪ »:‬لوال قومك حديث عهد بكفر أل�س�ست البيت‬ ‫على قواعد �إبراهيم « وقوله يف تعليل ان�صرافه عن قتل‬ ‫املنافقني‪:‬دعه ال يتحدث النا�س أ�ن حممدا يقتل أ��صحابه ‪،‬‬ ‫أ�خاف أ�ن يتحدث النا�س أ�ن حممد يقتل أ��صحابه»‪ .‬البخاري‪.‬‬ ‫وال�صحابة ر�ضوان اهلل عليهم كانوا يفهمون مق�صد ال�شارع‬ ‫‪ ،‬ويت�صرفون وفقا لهذا الفهم ‪ ،‬فهذا أ�مري امل ؤ�منني عمر‬ ‫ر�ضي اهلل عنه يرتك تغريب الزانى البكر مع وروده يف‬

‫احلديث حيث ق�ضى عليه ال�صالة وال�سالم بجلده مائة‬ ‫وتغريب �سنة وذلك ملا �شاهد من كون التغريب قد ي ؤ�دي �إىل‬ ‫مف�سدة أ�كرب وهى اللحاق ب أ�ر�ض العدو وقال ال أ�غرب م�سلم ًا‪.‬‬ ‫وقال أ�مري امل ؤ�منني علي ر�ضي اهلل عنه ‪ :‬كفى بالنفي فتنة‪.‬‬ ‫و أ�ي�ضا ف�إن عمر بن عبد العزيز ر�ضي اهلل عنه ملّا توىل امللك‬ ‫أ�جل تطبيق بع�ض أ�حكام ال�شريعة فل ّما ا�ستعجله ابنه يف ذلك‬ ‫أ�جابه بقوله ‪ :‬أ�خاف أ�ن أ�حمل النا�س على احلق جملة فيدفعونه‬ ‫جملة ويكون من ذا فتنة‪..‬‬ ‫وهذا ا إلمام ابن تيمية – رحمه اهلل – حني ر أ�ى �صاحبا له‬ ‫يكلمه عن التتار ي�شربون اخلمر ‪ ،‬و أ�نه واجب عليه أ�ن ينهاهم‬ ‫‪ ،‬فقال له ‪� :‬إمنا حرم اهلل اخلمر ألنها ت�صد عن ذكر اهلل وعن‬ ‫ال�صالة وه ؤ�الء ي�صدهم اخلمر عن قتل النفو�س و�سبي ال ّذرية‬ ‫و أ�خذ أالموال فدعهم ‪.‬‬ ‫وقد قال ال�شاطبي أ�نه ينبغي على املجتهد‪ :‬النظر فيما‬ ‫ي�صلح بكل مكلف يف نف�سه بح�سب وقت دون وقت وحال دون‬ ‫حال و�شخ�ص دون �شخ�ص �إذ النفو�س لي�ست يف قبول أالعمال‬ ‫اخلا�صة على و ّزان واحد‪ .‬فهو يحمل كل نف�س من أ�حكام‬ ‫الن�صو�ص ما يليق بها بناء على أ�ن ذلك هو املق�صود ال�شرعي‬ ‫يف تلقي التكاليف‪.‬‬ ‫و�سد ذرائع احلرج وامل�شقة وقد ي�سميه البع�ض بفتح الذرائع‬ ‫ألنه ترك لبع�ض ف�ضائل أالعمال خوف ًا من �إعنات املكلفني كما‬ ‫ترك عليه ال�صالة وال�سالم ت أ�خري �صالة الع�شاء قائال‪ :‬هذا‬ ‫وقتها لوال أ�ن أ��شق على أ�متي»‪ ، .‬وترك أالمر بال�سواك عند كل‬ ‫�صالة ‪ ،‬وترك بناء البيت على قواعد �إبراهيم‪ ،‬وترك قتل أ�هل‬ ‫النفاق ‪ ،‬خ�شية على �صورة ا إل�سالم ‪.‬‬ ‫وعلى هذا ينبني كثري من قرارات املجل�س أالوربي حيث‬ ‫مينع أ�ئمة امل�ساجد من عقد النكاح قبل أ�ن يعقد عقد ًا مدني ًا أ�مام‬ ‫ال�سلطة ألن من � أش�ن تلك العقود و�إن كانت م�ستوفية ال�شروط أ�ن‬ ‫ت ؤ�ل�إىلخ�صوماتورمباحرماناملر أ�ةمنحقوقهاوحرمان أالوالد‬ ‫من ن�سبهم لعدم توثيق العقد وهذا من باب النظر يف امل آ�الت‪.‬‬ ‫ولي�س يف هذا ت�ساهل ‪ ،‬و بهذا نقرر أ�ن الت�سهيل غري الت�ساهل‬ ‫فالت�سهيل مطلوب ومرغوب النبنائه على قاعدة التي�سري أ�ما‬ ‫الت�ساهل فمبني على الهوى‪.‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬قاعدة حتقيق املناط يف أال�شخا�ص أ‬ ‫والنواع‪:‬‬

‫‪17‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ُ‬ ‫واتفاق النا�س عليه يف اجلملة مما‬ ‫وحتقيقُ املناط يف أالنواع‬ ‫ي�شهد له كثري من أالدلة‪ ،‬من ذلك ‪ :‬ما ورد عن ابن �سريين؛‬ ‫قال‪ :‬كان أ�بو بكر ُيخا ِفت‪ ،‬وكان عم ُر َيجهر ‪-‬يعني يف ال�صالة‪-‬‬ ‫فقيل ألبي بكر‪ :‬كيف تفعل؟ قال‪ :‬أ�ناجي ر ِّبي و أ�ت�ضرع �إليه‪ ،‬وقيل‬ ‫لعمر‪ :‬كيف تفعل؟ قال‪ :‬أ�و ِق ُظ ال َو ْ�سنانَ ‪ ،‬و أُ�خث أُ� ال�شَّ يطان‪ ،‬و أُ�ر�ضي‬ ‫الرحمن‪ .‬فقيل ألبي بكر‪ :‬ارف ْع �شيئ ًا‪ ،‬وقيل لعمر‪ :‬اخْ ِف�ض �شيئ ًا‪.‬‬ ‫ويف «ال�صحيح»‪ :‬أ�ن نا�س ًا جاءوا �إىل النبي ـ �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ـ فقالوا‪� :‬إنا جن ُد يف أ�نف�سنا ما يتعاظم أ�حدُنا أ�ن يتك َّل َم به‪ .‬قال‪:‬‬ ‫�صريح ا إلميان‪.‬‬ ‫وقد وجدمتوه؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ذلك‬ ‫ُ‬ ‫علي‪ :‬حدثوا النا�س مبا يفهمون‪ ،‬أ�تريدون أ�ن َّ‬ ‫يكذ َب‬ ‫وقال ُّ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل ور�سوله؟» فجعل �إلقاء العلم مقيد ًا؛ َف ُر َّب م�س أ�ل ٍة ت�ص ُلح‬ ‫لقوم دون قوم‪ ،‬وقد قالوا يف ال َّرباين‪� :‬إنه الذي ُيع ِّل ُم ب�صغا ِر‬ ‫العلم قبل ِكباره؛ فهذا الرتتيب من ذلك‪.‬‬ ‫وقد ف َّرع العلماء على هذا أال�صل؛ كما قالوا‬ ‫يف قوله تعاىل (�إمنا جزاء الذي يحاربون اهلل‬ ‫ور�سوله وي�سعون يف أالر�ض ف�سادا أ�ن يقتلوا) ا آلية‬ ‫�إن ا آلية تقت�ضي مطلق التخيري‪ ،‬ثم ر أ�وا أ�نه مق َّي ُد باالجتهاد؛‬ ‫فالقتل يف مو�ضع‪ ،‬وال�صلب يف مو�ضع‪ ،‬والقطع يف مو�ضع‪،‬‬ ‫والنفي يف مو�ضع‪ ،‬وكذلك التخيري يف أال�ساري من ا َملنِّ والفداء‪.‬‬ ‫ال�سنن‪ ،‬ولكن‬ ‫كاح وع ُّدوه من ُّ‬ ‫وكذلك جاء يف ال�شَّ ريعة أالم ُر بال ِّن ِ‬ ‫ق�سموه �إىل أالحكام اخلم�سة‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫ون�ستطيع أ�ن نلخ�ص منهج تقدمي الفتوى يف املوقع يف‬ ‫النقاط التالية ‪:‬‬ ‫أ�وال‪ :‬التحرر من الع�صبية املذهبية‪ ،‬والتقليد أالعمى‬ ‫لزيد أ�و لعمرو من املتقدمني أ�و املت أ�خرين‪ .‬فقد قيل‪ :‬ال يقلد‬ ‫�إال ع�صبي أ�و غبي‪ .‬و أ�نا ال أ�ر�ضى لنف�سي واحدا من الو�صفني‪.‬‬ ‫هذا مع التوقري الكامل ألئمتنا وفقهائنا‪ ،‬فعدم تقليدهم لي�س‬ ‫حطا من � أش�نهم‪ ،‬بل �سريا على نهجهم‪ ،‬وتنفيذا لو�صاياهم‬ ‫ب أ�ال نقلدهم وال نقلد غريهم ون أ�خذ من حيث أ�خذوا‪.‬‬ ‫وهذا املوقف ال يتطلب من العامل امل�سلم امل�ستقل يف‬ ‫فهمه أ�ن يكون قد بلغ درجة االجتهاد املطلق أ‬ ‫كالئمة‬ ‫أالولني‪ ،‬و�إن كان هذا غري ممنوع �شرعا وال قدرا‪.‬‬ ‫ولكن ح�سب العامل امل�ستقل يف هذا املوقف أ�مور‪:‬‬ ‫( أ� ) أ�ال يلتزم ر أ�يا يف ق�ضية بدون دليل قوي‪� ،‬سامل من‬

‫‪18‬‬

‫معار�ض معترب‪ ،‬وال يكون كبع�ض النا�س الذين ين�صرون ر أ�يا‬ ‫معينا ألنه قول فالن‪ ،‬أ�و مذهب فالن‪ ،‬دون نظر �إىل دليل أ�و‬ ‫برهان‪ ،‬مع أ�ن اهلل تعاىل يقول‪( :‬قل هاتوا برهانكم �إن كنتم‬ ‫�صادقني) وال ي�سمى العلم علما �إذا كان نا�شئا من غري دليل‪.‬‬ ‫ولقد قال ا إلمام علي ‪-‬كرم اهلل وجهه‪( :-‬ال تعرف احلق‬ ‫بالرجال‪ ،‬بل اعرف احلق تعرف أ�هله)‪.‬‬ ‫(ب) أ�ن يكون قادرا على الرتجيح بني أالقوال املختلفة‪،‬‬ ‫وا آلراء املتعار�ضة باملوازنة بني أ�دلتها‪ ،‬والنظر يف م�ستنداتها‬ ‫من النقل والعقل‪ ،‬ليختار منها ما كان أ��سعد بن�صو�ص ال�شرع‪،‬‬ ‫و أ�قرب �إىل مقا�صده‪ ،‬و أ�وىل ب�إقامة م�صالح اخللق التي‬ ‫نزلت لتحقيقها �شريعة اخلالق‪.‬وهذا أ�مر لي�س بالع�سري على‬ ‫من ملك و�سائله من درا�سة العربية وعلومها‪ ،‬وفهم املقا�صد‬ ‫الكلية لل�شريعة‪ ،‬بجانب االطالع على كتب التف�سري واحلديث‬ ‫واملقارنة‪.‬‬ ‫(جـ) أ�ن يكون أ�هال لالجتهاد اجلزئي‪ :‬أ�ي االجتهاد يف‬ ‫م�س أ�لة معينة من امل�سائل و�إن مل يكن فيها حكم للمتقدمني‪،‬‬ ‫بحيث ي�ستطيع أ�ن يعطيها حكمها ب�إدخالها حتت عموم ن�ص‬ ‫ثابت‪ ،‬أ�و بقيا�سها على م�س أ�لة م�شابهة من�صو�ص على حكمها‪،‬‬ ‫أ�و ب�إدراجها حتت اال�ستح�سان أ�و امل�صالح املر�سلة‪ ،‬أ�و غري ذلك‬ ‫من االعتبارات وامل آ�خذ ال�شرعية‪.‬‬ ‫والقول بتجزئة االجتهاد هو ال�صحيح الذي اتفق عليه‬ ‫املحققون‪.‬‬ ‫ومن أ�بني العبارات يف ذلك ما قاله ابن القيم‪:‬‬ ‫«االجتهاد حالة»‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬تغليب روح التي�سري والتخفيف على الت�شديد‬ ‫والتع�سري‪ ،‬وذلك ألمرين‪:‬‬ ‫أالول‪ :‬أ�نال�شريعةمبنيةعلىالتي�سريورفعاحلرجعنالعباد‪،‬‬ ‫وهذا ما نطق به القر�آن‪ ،‬و�صرحت به ال�سنة يف منا�سبات عديدة‪.‬‬ ‫ففي ختام �آية الطهارة من �سورة املائدة‪ ،‬وما ذكر فيها من‬ ‫ت�شريع التيمم‪ ،‬يقول تعاىل‪( :‬ما يريد اهلل ليجعل عليكم‬ ‫من حرج‪ ،‬ولكن يريد ليطهركم‪ ،‬وليتم نعمته عليكم لعلكم‬ ‫ت�شكرون)‪.‬‬ ‫ويف ختام �آية ال�صيام من �سورة البقرة‪ ،‬وما ذكر‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫فيها من الرتخي�ص للمري�ض وامل�سافر با إلفطار‪ ،‬يقول‬ ‫�سبحانه‪( :‬يريد اهلل بكم الي�سر وال يريد بكم الع�سر)‪.‬‬ ‫ويف ختام �آيات املحرمات يف الزواج‪ ،‬وما رخ�ص اهلل فيه‬ ‫من نكاح ا إلماء امل ؤ�منات ملن عجز عن زواج احلرائر‪،‬‬ ‫يقول جل � أش�نه (يريد اهلل أ�ن يخفف عنكم‪ ،‬وخلق ا إلن�سان‬ ‫�ضعيف ًا) ويف ختام �سورة احلج‪ ،‬وما ذكر فيها من أ�حكام‬ ‫و أ�وامر‪ ،‬يقول عز وجل‪( :‬هو اجتباكم وما جعل عليكم يف‬ ‫الدين من حرج)‪ .‬هذا �إىل ا آليات أالخرى التي حرمت الغلو‬ ‫يف الدين‪ ،‬و أ�نكرت على من حرموا الطيبات‪ ،‬وهي كثرية‪.‬‬ ‫والنبي �صلى اهلل عليه و�سلم يقول‪:‬‬ ‫(ي�سروا وال تع�سروا‪ ،‬وب�شروا وال تنفروا)‪.‬‬ ‫ويقول‪�( :‬إمنا بعثتم مي�سرين‪ ،‬ومل تبعثوا مع�سرين)‪.‬‬ ‫ويقول‪�( :‬إمنا بعثت بحنيفية �سمحة)‪.‬‬ ‫وينكر على املتطرفني واملغالني يف العبادة أ�و يف حترمي‬ ‫الطيبات‪ ،‬ويعلن أ�ن من فعل ذلك فقد رغب عن �سنته (ومن‬ ‫رغب عن �سنتي فلي�س مني)‪.‬‬ ‫ويوجه أ��صحاب هذه النزعة �إىل التو�سط واالعتدال‪ ،‬حتى‬ ‫ال يطغى حق على حق‪ .‬ولهذا قال لبع�ضهم‪�( :‬إن لبدنك عليك‬ ‫حق ًا‪ ،‬أ‬ ‫ولهلك عليك حق ًا‪ ،‬ولزوجك عليك حق ًا‪ ،‬ف أ�عط كل ذي‬ ‫حق حقه)‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والمر الثاين‪ :‬طبيعة ع�صرنا الذي نعي�ش فيه‪ ،‬وكيف‬ ‫طغت فيه املادية على الروحية‪ ،‬أ‬ ‫والنانية على الغريية‪ ،‬والنفعية‬ ‫على أالخالق‪ ،‬وكيف كرثت فيه املغريات بال�شر‪ ،‬واملعوقات عن‬ ‫اخلري‪ ،‬و أ��صبح القاب�ض على دينه كالقاب�ض على اجلمر‪ ،‬حيث‬ ‫تواجهه التيارات الكافرة عن ميني و�شمال‪ ،‬ومن بني يديه ومن‬ ‫خلفه‪ ،‬تريد أ�ن تقتلعه من جذوره‪ ،‬وت أ�خذه �إىل حيث ال يعود‪.‬‬ ‫وهي تيارات حتركها وتغذيها قوى �ضخمة‪ ،‬متدها‬ ‫بالتمويل والتخطيط والتوجيه‪ ،‬وت�سهل ملن اتبعها طريق‬ ‫ال�شهوات‪ ،‬ورمبا طريق الو�صول �إىل املنا�صب والدرجات‪.‬‬ ‫والفرد امل�سلم يف هذه املجتمعات يعي�ش يف حمنة قا�سية‪ ،‬بل‬ ‫يف معركة دائمة‪ ،‬فقلما يجد من يعينه‪ ،‬و�إمنا يجد من يعوقه‪.‬‬ ‫ولهذا ينبغي ألهل الفتوى أ�ن يي�سروا عليه ما ا�ستطاعوا‪ ،‬و أ�ن‬ ‫يعر�ضوا عليه جانب الرخ�صة أ�كرث من جانب العزمية‪ .‬ترغيب ًا‬ ‫يف الدين‪ ،‬وتثبيت ًا ألقدامه على طريقه القومي‪ .‬وقد نقل ا إلمام‬

‫للمام الكبري ‪-‬‬ ‫النووي يف مقدمات «املجموع» كلمة حكيمة إ‬ ‫�إمام الفقه واحلديث والورع‪� -‬سفيان الثوري‪ .‬قال فيها‪�« :‬إمنا‬ ‫العلم الرخ�صة من ثقة‪ ،‬أ�ما الت�شديد فيح�سنه كل أ�حد!»‪.‬‬ ‫فالعامل حق ًا ‪-‬يف نظر الثوري رحمه اهلل‪ -‬من يراعي الرخ�ص‬ ‫والتي�سري على عباد اهلل‪� ،‬شرط أ�ن يكون ثقة يف علمه ودينه‪.‬‬ ‫وكان منهج ال�صحابة ومن تخرج على أ�يديهم هو التي�سري‬ ‫والرفق بالنا�س‪ ،‬ثم بد أ� الت�شديد يدخل على العلماء �شيئ ًا‬ ‫ف�شيئ ًا‪ ،‬وع�صر ًا بعد ع�صر‪ ،‬حتى أ��صبح هو طابع املت أ�خرين‪.‬‬ ‫روى احلافظ أ�بو الف�ضل بن طاهر يف كتاب «ال�سماع» ب�سنده‬ ‫عن عمر ابن �إ�سحاق من التابعني قال‪ :‬كان من أ�دركت من‬ ‫أ��صحاب حممد �صلى اهلل عليه و�سلم أ�كرث من مائتني‪ ،‬مل أ�ر‬ ‫قوم ًا أ�هدى �سرية‪ ،‬وال أ�قل ت�شديد ًا منهم‪.‬‬ ‫وهكذا كان علماء ال�سلف‪� :‬إذا �شددوا فعلى أ�نف�سهم‪ ،‬أ�ما‬ ‫على النا�س فيي�سرون ويخففون‪.‬‬ ‫ولقد و�صفوا ا إلمام املزين �صاحب ال�شافعي يف معر�ض‬ ‫الثناء عليه‪ .‬ب أ�نه «كان أ��شد النا�س ت�ضييق ًا على نف�سه يف الورع‪،‬‬ ‫و أ�و�سعه يف ذلك على النا�س»‪.‬‬ ‫وكذلك و�صفوا ا إلمام التابعي اجلليل حممد بن �سريين‪،‬‬ ‫قال تلميذه عون‪ :‬كان حممد أ�رجى النا�س لهذه أالمة‪ .‬و أ��شدهم‬ ‫أ�زر ًا على نف�سه‪.‬‬ ‫هذا وزمنهم زمن ا إلقبال على الدين فكيف بزماننا والنا�س‬ ‫مدبرون عنه؟‪.‬‬ ‫�إننا أ�حوج ما نكون �إىل التو�سعة على النا�س وهذا ما‬ ‫اخرتته لنف�سي أ�ن أ�ي�سر الفروع‪ ،‬حني أ��شدد يف أال�صول‬ ‫ولي�س معنى هذا أ�ن أ�لوي أ�عناق الن�صو�ص رغم ًا عنها‪،‬‬ ‫أل�ستخرج منها ‪-‬كره ًا‪ -‬معاين و أ�حكام ًا تي�سر على النا�س‪.‬‬ ‫كال‪ ،‬فالتي�سري الذي أ�عنيه‪ ،‬هو الذي ال ي�صادم ن�ص ًا ثابت ًا‬ ‫حمكم ًا‪ ،‬وال قاعدة �شرعية قاطعة‪ ،‬بل ي�سري يف �ضوء الن�صو�ص‬ ‫لل�سالم‪ .‬ولهذا مل أ�ت�ساهل قط يف‬ ‫والقواعد والروح العامة إ‬ ‫حترمي الفوائد الربوية من البنوك وغريها‪ ،‬ألين أ�جد الن�صو�ص‬ ‫يف ذلك �صريحة حمكمة‪ ،‬تتحدى أ�ي متهاون يف � أش�نها‪.‬‬ ‫ومل أ�ت�ساهل يف أ�مر التدخني ‪-‬رغم عموم البلوى‬ ‫به‪ -‬ألين أ�جد قواعد ال�شرع متنعه وت أ�باه‪.‬‬ ‫وت�ساهلت يف مو�ضوعات أ�خرى ألين مل أ�جد‬

‫‪19‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫من الن�صو�ص امللزمة ما يدل على التحرمي‪.‬‬ ‫وتبنيت ر أ�ي �شيخ ا إل�سالم ابن تيمية وتالميذه يف أ�مر‬ ‫الطالق‪ ،‬ألين وجدته يعرب عن روح ا إل�سالم‪ ،‬ومقا�صد‬ ‫ال�شريعة‪ ،‬ويتم�شى مع ن�صو�ص القر�آن وال�سنة عند التحقيق‪.‬‬ ‫وعلى العموم‪� :‬إذا كان هناك ر أ�يان متكافئان‪:‬‬ ‫أ�حدهما أ�حوط‪ ،‬والثاين أ�ي�سر ف�إين أ�وثر ا إلفتاء‬ ‫أ‬ ‫بالي�سر‪ ،‬اقتدا ًء بالنبي �صلى اهلل عليه و�سلم الذي ما‬ ‫خري بني أ�مرين �إال اختار أ�ي�سرهما ما مل يكن �إثم ًا‪.‬‬ ‫أ�ما أالحوط فيمكن أ�ن ي أ�خذ به املفتي يف خا�صة نف�سه‪ ،‬أ�و يفتي‬ ‫به أ�هل العزائم واحلري�صني على االحتياط‪ ،‬ما مل يخ�ش عليهم‬ ‫اجلنوح �إىل الغلو‪.‬‬ ‫خماطبة النا�س بلغة الع�صر‪:‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ومن القواعد التي التزمتها‪ ،‬أ�ن أ�خاطب النا�س‬ ‫بلغة ع�صرهم التي يفهمون‪ ،‬متجنب ًا وعورة امل�صطلحات‬ ‫ال�صعبة‪ ،‬وخ�شونة أاللفاظ الغريبة‪ ،‬متوخي ًا ال�سهولة والدقة‪.‬‬ ‫وقد جاء عن ا إلمام علي‪( :‬حدثوا النا�س مبا يعرفون‪،‬‬ ‫ودعوا ما ينكرون‪ .‬أ�تريدون أ�ن يكذب اهلل ور�سوله؟!)‪.‬‬ ‫وقال تعاىل‪( :‬وما أ�ر�سلنا من ر�سول �إال بل�سان قومه ليبني لهم)‬ ‫ولكل ع�صر ل�سان أ�و لغة متيزه وتعرب عن وجهته‪ .‬فالبد ملن يريد‬ ‫التحدث �إىل النا�س يف ع�صرنا أ�ن يفهم لغتهم ويحدثهم بها‪.‬‬ ‫وال أ�عني باللغة جمرد أ�لفاظ يعرب بها قوم عن‬ ‫أ�غرا�ضهم‪ ،‬بل ما هو أ�عمق من ذلك‪ ،‬مما يت�صل‬ ‫بخ�صائ�ص التفكري‪ ،‬وطرائق الفهم وا إلفهام‪.‬‬ ‫ولغة ع�صرنا تتطلب عدة أ��شياء‪ ،‬يجب على املفتي أ�ن يراعيها‪:‬‬ ‫( أ� ) أ�ن يعتمد على خماطبة العقول باملنطق‪ ،‬ال على‬ ‫�إثارة العواطف باملبالغات‪ .‬فمعجزة ا إل�سالم الكربى‬ ‫معجزة عقلية هي القر�آن‪ ،‬الذي حتدى اهلل به‪ .‬ومل يتحد‬ ‫باخلوارق مع وقوعها للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم ومل تعرف‬ ‫الب�شرية دين ًا يحرتم العقل والعلم كما يحرتمه ا إل�سالم‪.‬‬ ‫(ب) أ�ن يدع التكلف والتقعر يف ا�ستخدام العبارات أ‬ ‫وال�ساليب‪،‬‬ ‫ولهذا كنت ا�ستخدم اللغة ال�سهلة القريبة امل أ�نو�سة‪ ،‬ورمبا‬ ‫ا�ستخدمت بع�ض أاللفاظ أ�و أالمثال العامية لتو�ضيح ما أ�ريد‪.‬‬ ‫�إميان ًا مني ب أ�ن جمهور امل�شاهدين وامل�ستمعني لي�سوا يف م�ستوى‬ ‫واحد من الثقافة والفكر‪ ،‬فمنهم أال�ستاذ الكبري‪ ،‬ومنهم الطالب‬

‫‪20‬‬

‫ال�صغري‪ ،‬ومنهم التاجر‪ ،‬ومنهم العامل‪ ،‬وكلهم يجب أ�ن يفهم‬ ‫ويعي‪ ،‬و�إفهام امل�ستويات املتفاوتة أ�مر �صعب‪ ،‬ولكني حر�صت‬ ‫عليه قدر ا�ستطاعتي‪ ،‬و أ�نا م ؤ�من بالو�سطية واالعتدال يف كل‬ ‫أالمور‪ ،‬ولهذا كنت بني بني‪ ،‬ال أ�علو كل العلو �إىل م�ستوى اخلوا�ص‬ ‫ف أ�فقد العوام‪ ،‬وال أ�نزل كل النزول �إىل العوام ف أ�فقد اخلوا�ص‪.‬‬ ‫بل جعلت هديف أ�ن أ�ر�ضي اخلا�صة و أ�فهم العامة مع ًا‪ .‬وهذا‬ ‫نهجي طول حياتي‪ ،‬و أ�رجو أ�ن أ�كون قد وفقت �إليه أ�و قاربت‪.‬‬ ‫(جـ) أ�ن يذكر احلكم مقرون ًا بحكمته وعلته‪،‬‬ ‫لل�سالم‪ .‬وهذا ما التزمته‬ ‫مربوط ًا بالفل�سفة العامة إ‬ ‫يف فتاواي وكتاباتي ب�صفة عامة‪ ،‬وذلك ألمرين‪:‬‬ ‫أالول‪ :‬أ�ن هذه هي طريقة القر�آن وال�سنة‪.‬‬ ‫فالقر�آنحنييفتييفاملحي�ض‪-‬وقد�س أ�لواعنه‪-‬يقول‪(:‬وي�س أ�لونك‬ ‫عن املحي�ض قل هو أ�ذى فاعتزلوا الن�ساء يف املحي�ض وال تقربوهن‬ ‫حتى يطهرن) ف أ�مر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم أ�ن يبني لهم أ�ن‬ ‫علة احلكم ‪-‬وهو أالذى‪ -‬مقدمة للحكم نف�سه‪ ،‬وهو االعتزال‪.‬‬ ‫ويف تق�سيم الفيء بني الفئات امل�ستحقة له‪ ،‬ومنهم اليتامى‬ ‫وامل�ساكني وابن ال�سبيل‪ ،‬يذكر اهلل تعاىل احلكمة يف ذلك فيقول‪:‬‬ ‫(كيال يكون دولة بني أالغنياء منكم) أ�ي حتى ال يكون املال‬ ‫متداو ًال بني طبقة أالغنياء وحدهم‪ ،‬ويحرم منه �سائر الطبقات‪.‬‬ ‫فهذا م�صدر ال�شرور‪ ،‬وهو أ�برز خ�صائ�ص الر أ��سمالية الطاغية‪.‬‬ ‫حتى العبادات ال�شعائرية ي أ�مر بها القر�آن مقرونة بعلل‬ ‫و أ�حكام تقبلها الفطر ال�سليمة‪ ،‬والعقول الر�شيدة‪.‬‬ ‫ففي ال�صالة يقول‪�( :‬إن ال�صالة تنهى عن الفح�شاء واملنكر)‪.‬‬ ‫ويف ال�صيام يقول‪( :‬لعلكم تتقون)‪.‬‬ ‫ويف الزكاة‪( :‬تطهرهم وتزكيهم بها)‪.‬‬ ‫ويف احلج‪( :‬لي�شهدوا منافع لهم ويذكروا ا�سم اهلل يف أ�يام‬ ‫معلومات)‪.‬‬ ‫و أ�ما يف ال�سنة‪ ،‬ف�إن من ت أ�مل فتاوى النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ر�آها م�شتملة على حكمة احلكم ونظرية ووجه م�شروعيته‪.‬‬ ‫من هذا قوله لعمر حني جاءه منزعج ًا‪� ،‬إذا قبل امر أ�ته وهو‬ ‫�صائم‪ ،‬فقال له‪ :‬أ�ر أ�يت لو مت�ضم�ضت ثم جمجته‪ ،‬أ�كان‬ ‫ي�ضر �شيئ ًا؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬فنبه على أ�ن مقدمة املحظور ال يلزم‬ ‫أ�ن يكون دائم ًا حمظورة‪ .‬ف�إن غاية القبلة أ�ن تكون مقدمة‬ ‫اجلماع‪ ،‬فال يلزم من حترميه حترمي مقدمته‪ ،‬كما أ�ن‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫و�ضع املاء يف الفم مقدمة �شربه‪ ،‬ولي�ست املقدمة حمرمة‪.‬‬ ‫ومن هذا قوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬ال تنكح املر أ�ة على‬ ‫عمتها وال على خالتها‪ ،‬وال على ابنة أ�خيها‪ ،‬وال على ابنة أ�ختها‪،‬‬ ‫ف�إنكم �إن فعلتم ذلك قطعتم أ�رحامكم) فذكر لهم احلكم‪،‬‬ ‫ونبههم على حكمة التحرمي‪ ،‬وهو ما يرتتب عليه من قطع ما‬ ‫أ�مر اهلل به أ�ن يو�صل نتيجة االحتكاك ال�ضروري بني ال�ضرائر‪.‬‬ ‫ومثل ذلك قوله لب�شري بن �سعد‪ ،‬وقدخ�ص بع�ض أ�والده‬ ‫بعطية دون ا آلخرين‪ :‬أ�ي�سرك أ�ن يكونوا لك يف الرب �سواء؟‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪( :‬فاتقوا اهلل واعدلوا بني أ�والدكم)‪.‬‬ ‫وهذا يف القر�آن وال�سنة كثري جد ًا‪ ،‬مع أ�ن قول اهلل ور�سوله حجة‬ ‫بنف�سه‪ ،‬و�إن مل تعرف له علة معينة‪ ،‬وح�سبنا أ�نه ال ي أ�مر �إال بخري‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أ�ن ال�شاكني وامل�شككني يف ع�صرنا كثريون‪ ،‬ومل يعد‬ ‫أ�غلب النا�س يقبلون احلكم دون أ�ن يعرفوا م أ�خذه ومغزاه‪ ،‬ويعوا‬ ‫حكمته وهدفه‪ ،‬وخا�صة فيما مل يكن من التعبدات املح�ضة‪.‬‬ ‫والبد أ�ن نعرف طبيعة ع�صرنا‪ ،‬وطبيعة النا�س فيه‪،‬‬ ‫ونزيل احلرج من �صدورهم ببيان حكمة اهلل فيما‬ ‫�شرع‪ ،‬وبذلك يتقبلون احلكم را�ضني من�شرحني‪ .‬فمن‬ ‫كان مرتاب ًا ذهب ريبه‪ ،‬ومن كان م ؤ�من ازداد �إميان ًا‪.‬‬ ‫ومع هذا البد أ�ن ن ؤ�كد للنا�س‪ ،‬أ�ن من حق اهلل تعاىل‪ ،‬أ�ن يكلف عباده‬ ‫ما �شاء‪ ،‬بحكم ربوبيته لهم‪ ،‬وعبوديتهم له‪ ،‬فهو وحده له أالمر‪،‬‬ ‫كما له اخللق‪ .‬ولهذا البد أ�ن يطيعوه فيما أ�مر‪ ،‬وي�صدقوه فيما‬ ‫أ�خرب‪ ،‬و�إن مل يدركوا علة أ�مره‪ ،‬أ�و كنه خربه‪ ،‬وعليهم أ�ن يقولوا يف‬ ‫أالول‪�« :‬سمعنا و أ�طعنا»‪ ،‬ويف الثاين‪�( :‬آمنا به كل من عند ربنا)‪.‬‬ ‫�إن اهلل ال ي أ�مر ب�شيء‪ ،‬وال ينهى عن �شيء‪� ،‬إال حلكمة‪.‬‬ ‫هذه ق�ضية ثابتة جازمة‪ .‬ولكن ل�سنا دائما قادرين على أ�ن نتبني‬ ‫حكمة اهلل بالتف�صيل‪ .‬وهذا مقت�ضى االبتالء الذي قام عليه‬ ‫أ�مر التكليف‪ ،‬بل أ�مر ا إلن�سان (�إنا خلقنا ا إلن�سان من نطفة‬ ‫أ�م�شاج نبتليه)‪.‬‬ ‫العرا�ض عما ال ينفع النا�س‪:‬‬ ‫إ‬ ‫ومن القواعد التي التزمتها‪ :‬أ�ال أ��شغل نف�سي وال جمهوري‬ ‫�إال مبا ينفع النا�س‪ ،‬ويحتاجون �إليه يف واقع حياتهم‪.‬‬ ‫أ�ما أال�سئلة التي يريد بها أ��صحابها املراء واجلدل‪ ،‬أ�و‬ ‫التعامل والتفا�صح‪ ،‬أ�و امتحان املفتي وتعجيزه‪ ،‬أ�و اخلو�ض‬ ‫فيما ال يح�سنونه‪ ،‬أ�و �إثارة أالحقاد والفنت بني النا�س‪ ،‬أ�و‬

‫نحو ذلك‪ ،‬فكنت أ��ضرب عنها �صفحا‪ ،‬وال أ�لقي لها باال‪،‬‬ ‫ألنها ت�ضر وال تنفع‪ ،‬وتهدم وال تبني‪ ،‬وتفرق وال جتمع‪.‬‬ ‫كان بع�ض النا�س يبعثون ب أ��سئلة تت�ضمن أ�لغازا �شرعية‬ ‫يريدون حلها من مثل‪“ :‬نوى وال �صلى‪ ،‬و�صلى وال نوى” و‬ ‫“قوم كذبوا ودخلوا اجلنة‪ ،‬وقوم �صدقوا ودخلوا النار”‬ ‫و أ��شباه ذلك‪ ،‬فكان ردي عليها ا إللقاء يف �سلة املهمالت‬ ‫ألن اال�شتغال مبثل هذه امل�سائل من عمل الفارغني‪.‬‬ ‫ومثل ذلك أال�سئلة التي تتعلق أ‬ ‫بالمور الغيبية‪ ،‬مما مل يجيء‬ ‫بتحديده ن�ص مع�صوم‪ .‬ومثل ذلك غوام�ض امل�سائل الدينية‬ ‫والعقائديةالتيالحتتملهاالطاقةالعقليةاملعتادة جلمهور النا�س‪،‬‬ ‫ويخ�شىمناخلو�ضفيها‪�-‬س ؤ�االوجوابا‪-‬الت�شوي�شعلىالكثريين‪.‬‬ ‫فهذا أ�ي�ضا مما ال أ�عتني با إلجابة عنه �إال �إزالة ل�شبهة‪ ،‬أ�و ردا‬ ‫لفرية‪ ،‬أ�و تنبيها على قاعدة‪ ،‬أ�و ت�صحيحا لفهم‪ .‬أ�و نحو ذلك‪.‬‬ ‫ومما قاله يف ذلك ا إلمام �شهاب الدين القرايف‪:‬‬ ‫“ينبغي للمفتي �إذا جاءته فتيا يف � أش�ن ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬أ�و فيما يتعلق بالربوية‪ ،‬ي�س أ�ل فيها عن‬ ‫أ�مور ال ت�صلح لذلك ال�سائل لكونه من العوام اجللف‪ ،‬أ�و‬ ‫ي�س أ�ل عن املع�ضالت‪ ،‬ودقائق الديانات‪ ،‬ومت�شابه ا آليات‬ ‫أ‬ ‫والمور التي ال يخو�ض فيها �إال كبار العلماء‪ ،‬ويعلم أ�ن‬ ‫الباعث له على ذلك �إمنا هو الفراغ والف�ضول والت�صدي ملا ال‬ ‫ي�صلح له‪ ،‬فال يجيبه أ��صال‪ .‬ويظهر له ا إلنكار على مثل هذا‬ ‫ويقول له‪ :‬ا�شتغل مبا يعنيك من ال�س ؤ�ال عن �صالتك و أ�مور‬ ‫معامالتك‪ ،‬وال تخ�ض فيما ع�ساه يهلكك‪ ،‬لعدم ا�ستعدادك له‪.‬‬ ‫و�إن كان الباعث له �شبهة عر�ضت له‪ :‬فينبغي أ�ن‬ ‫يقبل عليه‪ ،‬ويتلطف به يف �إزالتها عنه مبا ي�صل‬ ‫�إليه عقله‪ .‬فهداية اخللق فر�ض على من �سئل‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أ‬ ‫والح�سن أ�ن يكون البيان له باللفظ دون الكتابة‪،‬‬ ‫ف�إن الل�سان يفهم ما ال يفهم القلم‪ ،‬ألنه حي‪ ،‬والقلم‬ ‫موات‪ .‬ف�إن اخللق عباد اهلل‪ ،‬و أ�قربهم �إليه أ�نفعهم‬ ‫لعباده‪ ،‬وال �سيما يف أ�مر الدين وما يرجع �إىل العقائد‪.‬‬ ‫وكثريا ما كنت أ�طلب من �صاحب ال�س ؤ�ال �إذا أ�ح�س�ست جديته‪،‬‬ ‫وخ�شيتعلىجمهورامل�ستمعني أ�وامل�شاهدينالت�شوي�ش‪ -‬أ�نيلقاين‬ ‫على انفراد‪ ،‬أل�ستطيع أ�ن �آخذ معه و أ�عطي‪ ،‬بال حرج وال خ�شية‪.‬‬ ‫ومن أال�سئلة التي مل أ�كن أ�عب أ� بها‪ :‬ما يتعلق باملفا�ضلة‬ ‫بني �آل البيت وال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم وما �شجر‬

‫‪21‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫بينهم من خالف‪ ،‬ونحو ذلك ‪-‬مما ال طائل حتته‪.‬‬ ‫وقد أ�ف�ضى اجلميع �إىل ربهم‪ ،‬وق�ضى اهلل ما كان‪.‬‬ ‫�سئل اخلليفة الرا�شد عمر بن عبد العزيز عن قتال أ�هل �صفني‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬تلك دماء كف اهلل عنها يدي‪ ،‬فال أ�حب أ�ن يلطخ بها ل�ساين‪.‬‬ ‫ومن أال�سئلة التي يحر�ص بع�ض النا�س على‬ ‫�إثارتها‪ ،‬وتلقيت يف � أش�نها أ�كرث من ر�سالة‪:‬‬ ‫أ�يهما أ�ف�ضل عند اهلل‪ :‬أ�بو بكر أ�م علي؟ و أ�يهما كان‬ ‫أ�حق باخلالفة بعد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم؟‬ ‫أ�يهما أ�ف�ضل‪ :‬فاطمة الزهراء بنت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم أ�م عائ�شة أ�م امل ؤ�منني زوج ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم؟‬ ‫ومثل ذلك‪ :‬املفا�ضلة بني أالنبياء‪ ،‬مثل �إ�سماعيل وا�سحق‪ ،‬أ�و‬ ‫مو�سى وعي�سى‪.‬‬ ‫أ��سئلة ال يرتتب على العلم بها‪ ،‬قوة يف دين‪ ،‬وال نه�ضة يف‬ ‫دنيا‪ ،‬ومن جهل اجلواب عنها فال �إثم عليه‪ ،‬ومن كون يف كل‬ ‫منها ر أ�يا فهيهات أ�ن يتنازل عنه‪.‬‬ ‫ولقد قلت يف بع�ض �إجاباتي عن مثلها‪� :‬إنها أ��شبه‬ ‫مبو�ضوعات ا إلن�شاء التي كان معلمونا ‪-‬ونحن تالميذ �صغار‪-‬‬ ‫يكلفوننا الكتابة فيها تدريبا للقلم‪ ،‬و�شحذا للملكات‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫املفا�ضلة بني الليل والنهار‪ ،‬وبني ال�صيف وال�شتاء‪ ،‬وبني أالر�ض‬ ‫وال�سماء‪ ،‬وبني القطار وال�سفينة‪ ،‬وغري ذلك مما ال معنى‬ ‫للمفا�ضلة بني بع�ضها وبع�ض عند أ�هل الب�صر والب�صرية‪.‬‬ ‫�إن اهلل تعاىل ور�سوله عابا على بني �إ�سرائيل كرثة أ��سئلتهم‪،‬‬ ‫واختالفهم على أ�نبيائهم‪ ،‬و�س ؤ�الهم فيما ال �ضرورة �إليه‪ ،‬وال‬ ‫فائدة منه �إال �إعنات أ�نف�سهم‪ .‬ويف هذا ذكر اهلل تعاىل لنا ق�صة‬ ‫ذبح البقرة وكرثة أ��سئلتهم فيها دون حاجة‪ ،‬ولو أ�خذوا أ�ي بقرة‬ ‫فذبحوها لكانوا ممتثلني أ‬ ‫للمر‪ ،‬ولكن �شددوا‪ ،‬ف�شدد اهلل عليهم‪.‬‬ ‫وما ذكر اهلل لنا هذه الق�صة �إال لتكون لنا عظة وعربة‪.‬‬ ‫ومن أال�سئلةالتي أ�عر�ضتعنها‪:‬مايتعلقبتف�سريالر ؤ�ى أ‬ ‫والحالم‪.‬‬ ‫وقد أ�علنت غري مرة‪ :‬أ�ن مهمتي بيان أالحكام‪ ،‬ال تف�سري‬ ‫أالحالم‪ .‬وذلك أ�ن أالحكام لها أ��صول يحتكم �إليها‪،‬‬ ‫وم�صادر يرجع �إليها‪ .‬أ�ما أالحالم فال �ضابط لها وال قاعدة‪،‬‬ ‫والحوال أ‬ ‫ويختلف ت أ�ويلها باختالف أال�شخا�ص أ‬ ‫والزمان‪.‬‬ ‫وعلى العموم هي تخمني وظن‪� ،‬إال من وهبه اهلل الفرا�سة يف‬ ‫ذلك‪ ،‬وعلمه ت أ�ويل أالحاديث (وما نحن بت أ�ويل أالحالم بعاملني)‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫وطاملا قلت لل�سائلني يف ذلك‪ :‬أ�نا ل�ست يو�سف ال�صديق‪ .‬و�إمنا‬ ‫أ�نا يو�سف القر�ضاوي‪ .‬ويو�سف ال�صديق قد خ�صه اهلل بذلك‪،‬‬ ‫وعلمه ما مل يعلمه غريه‪.‬‬ ‫واحلقيقة �إين ال أ�ح�سن ذلك‪ ،‬ول�ست حري�صا على أ�ن‬ ‫أ�ح�سنه‪ ،‬ف�إن ذلك ‪-‬لو كان‪ -‬جدير أ�ن يلتهم وقتي كله‪ ،‬ألن‬ ‫أ�حالم النا�س ال تنتهي‪ ،‬واهتمامهم بتف�سريها ال يتوقف‪.‬‬ ‫وبخا�صة الن�ساء الالتي ت�شغل أالحالم والر ؤ�ى من حياتهن‬ ‫وتفكريهن حيزا غري �ضئيل‪.‬‬ ‫النرتنت‪:‬‬ ‫مزايا الفتوى عن طريق إ‬ ‫‪ -1‬يتيح طرح ال�س ؤ�ال عن طريق ا إلنرتنت للم�ستفتي ببذل‬ ‫و�سعه يف طرح أ�بعاد الق�ضية املطلوب الفتوى فيها‪ ،‬وتداعيات‬ ‫هذه الق�ضية على ال� أش�ن اخلا�ص أ�و العام‪ ،‬وا�ستفراغ ما عنده‬ ‫يف �صياغة امل�س أ�لة‪ ،‬بحيث ال يدع جانبا من جوانبها من وجهة‬ ‫نظره �إال وعر�ضه‪ ،‬ومثل هذا قد ال يتاح له عن طريق اللقاء‬ ‫املبا�شر بني املفتي وامل�ستفتي‪ ،‬أ�و عن طريق الو�سائل أالخرى‪،‬‬ ‫ل�ضيق الوقت غالبا عن �سماع أ�و تلقي هذه التف�صيالت من قبل‬ ‫املفتي‪ ،‬أ�و الرغبة يف االخت�صار من قبل و�سائل ا إلعالم التي‬ ‫ت أ�خذ على عاتقها ا إلجابة عن أ��سئلة امل�ستفتني‪.‬‬ ‫‪� -2‬سرعة �إي�صال امل�س أ�لة التي ي�ستفتى فيها و�سرعة‬ ‫�إي�صال اجلواب عنها‪ ،‬وي�سر ذلك على امل�ستفتي واملفتي‪ ،‬و�إن‬ ‫تباعدت امل�سافات بينهما‪ ،‬ومثل هذا ال يتيحه عر�ض امل�س أ�لة‬ ‫عن طريق الر�سالة الربيدية أ�و عن طريق الفاك�س أ�و املكاملة‬ ‫التليفونية‪ ،‬أ�و عن طريق التلفاز أ�و الراديو أ�و الو�سائل أالخرى‬ ‫امل�سموعة أ�و املقروءة أ�و املرئية‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما توفره الفتوى عن طريق املواقع املختلفة من �إحاالت‬ ‫على فتاوى �سابقة فيها �إفا�ضة يف معاجلة امل�س أ�لة املطلوب‬ ‫الفتوى فيها‪ ،‬مما يتيح لل�سائل نوعا من الثقافة ال�شرعية‬ ‫يف مو�ضع م�س أ�لته‪ ،‬قد ال تتيحه الو�سائل أالخرى املقروءة أ�و‬ ‫امل�سموعة أ�و املرئية‪.‬‬ ‫‪ -4‬توفر الفتوى عن طريق ا إلنرتنت و�سيلة ال يتحرج منها‬ ‫امل�ستفتي عند طرح م�س أ�لته رجال كان أ�و امر أ�ة‪ ،‬وميكنه حفظها‬ ‫عمن ال يريد �إطالعه عليها‪ ،‬وهذا ال تتيحه الو�سائل أالخرى‪.‬‬ ‫‪ -5‬تتيح الفتوى عن طريق ا إلنرتنت ت�صنيف الفتاوى‬ ‫بنوعها‪ ،‬بحيث يكون ل�صاحب م�س أ�لة ما أ�ن يطلع على اجلواب‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫عن نظري م�س أ�لته �إن وجد لها نظريا‪ ،‬و�إال �س أ�ل عن حكم ما‬ ‫مل يجد له نظريا‪ ،‬كما يتيح له التعرف على أ�حكام كثري من‬ ‫النوازل‪ ،‬فيكون له بذلك ثقافة �شرعية مب�سطة قد ال تتيحها له‬ ‫بنف�س الي�سر امل�صادر التي ا�ستقيت منها هذه أالحكام‪.‬‬ ‫‪ -6‬تعد الفتوى عن طريق ا إلنرتنت البديل امل�شروع املتاح‬ ‫لكثري من النا�س‪ ،‬بعد أ�ن بد أ� البع�ض يتخذ الفتوى طريقا‬ ‫لالرتزاق‪ ،‬والذي مبقت�ضاه �صنف امل�ستفتون �صنفني‪� :‬صنف‬ ‫قادر على دفع نفقات الفتوى‪ ،‬فيكون له احلق يف طرح م�س أ�لته‬ ‫أ�يا كان الوقت الذي ي�ستغرقه ال�س ؤ�ال واجلواب عنه‪ ،‬و�صنف‬ ‫غري قادر على دفع هذه النفقات‪ ،‬وهذا ال�صنف �إن مل تتح‬ ‫له و�سيلة م�شروعة مي�سرة يف مقدوره لعر�ض م�س أ�لته ومعرفة‬ ‫اجلواب عنها‪ ،‬حرم من معرفة احلكم ال�شرعي فيها‪ ،‬وال تتاح‬ ‫له و�سيلة هي يف مقدوره حتقق له حاجته يف معرفة احلكم‬ ‫ال�شرعي با�ستفا�ضة مثل ا إلنرتنت‪.‬‬ ‫‪ -7‬من املعروف أ�ن أ�كرث الفتاوى التي ترد عن طريق‬ ‫و�سائل ا إلعالم املقروءة أ�و امل�سموعة أ�و املرئية غري ا إلنرتنت‬ ‫فتاوى مغر�ضة أ�راد بها أ��صحابها عر�ض احلياة الدنيا‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والمثلة الواقعية على هذا أ�كرث من أ�ن حت�صي‪ ،‬كما أ�ن مناذج‬ ‫هذه الفتاوى أ��صبحت معلومة حتى لعوام امل�سلمني‪ ،‬والفتوى‬ ‫عن طريق ا إلنرتنت لي�ست بهذه املثابة‪ ،‬ف�إن أ�كرث من يتولون‬ ‫اجلواب على أ��سئلة امل�ستفتني ال ينتهجون ذلك‪ ،‬ومن يتولون‬ ‫ا إل�شراف على هذه املواقع ال ي�سمحون بتبعيتها؛ ألن ا إلنرتنت ال‬ ‫يتبع دولة معينة‪ ،‬حتى ال يتم ت�سي�س الفتاوى به؛ رغبة يف عر�ض‬ ‫زائل‪ .‬ولذا ف�إن أال�صل يف الفتاوى التي ترد مبواقع ا إلنرتنت‬ ‫املو�ضوعية واحليدة وعدم االنحياز‪ ،‬والبعد عن الغلو والتطرف‬ ‫وا�سرت�ضاء ا آلخرين‪.‬‬ ‫عوائق على طريق االفتاء عن طريق االنرتنت ‪:‬‬ ‫ال �شك ان عملية االفتاء على االنرتنت لي�ست كلها مزايا ‪،‬‬ ‫فهناك بع�ض امل�شكالت والعوائق التي تقابله ومنها ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بع�ض أال�سئلة حتتاج �إىل ا�ستي�ضاح من امل�ستفتي يف‬ ‫بع�ض اجلوانب قبل اجلواب عنها‪ ،‬وهذا و�إن كان يتيحه االلتقاء‬ ‫املبا�شر بني املفتي وامل�ستفتي عن طريق الهاتف أ�و احل�ضور أ�و‬ ‫نحوهما‪� ،‬إال أ�نه ال يتيحه االت�صال عرب ا إلنرتنت‪ ،‬ولهذا فال‬ ‫يجد املفتي أ�مامه �إال أ�ن يجيب عدة �إجابات عن نف�س ال�س ؤ�ال‬

‫وفقا ملا يحتمله‪ ،‬وهذا يطيل من اجلواب‪ ،‬ويثقل على املفتي‬ ‫وي�ضيع الكثري من الوقت واجلهد عليه يف �س ؤ�ال واحد‪.‬‬ ‫‪ -2‬قد ي�ستغل البع�ض ا�ستتار �شخ�صه عن طريق هذه‬ ‫الو�سيلة‪ ،‬فيعمد �إىل طرح أ��سئلة ال يفتقر �إىل معرفة اجلواب‬ ‫عنها‪ ،‬و�إمنا يق�صد من طرحها أ�مرا �آخر‪ ،‬ولذا ف�إنه ترد أ�حيانا‬ ‫أ��سئلة من بع�ض امل�ستفتني ال يراد بها اجلواب عن حكم �شرعي‬ ‫يجهله ال�سائل‪ ،‬و�إمنا يراد بها اجلواب عن �س ؤ�ال يف م�سابقة‬ ‫ر�صد لها جائزة‪ ،‬أ�و ا إلجابة عن جزئية يف بحث علمي يعده‬ ‫ال�سائل‪ ،‬وال يريد أ�ن يحمل نف�سه عناء البحث يف الكتب احلاوية‬ ‫ملحتواه‪ ،‬أ�و اختبار املفتي من بع�ض املتنطعني اجلهال‪ ،‬ملعرفة‬ ‫مذهبه الفكري أ�و ميوله أ�و معتقده‪ ،‬أ�و لعقد مقارنة بني ما يفتي‬ ‫به وما يفتي به غريه‪ ،‬أ�و ملحاولة تخطئته �إن أ�فتى مبذهب غري‬ ‫الذي يقلده ال�سائل‪ ،‬أ�و نحو ذلك مما حدث ويحدث غالبا‪.‬‬ ‫‪ -3‬ا�ستغالل بع�ض امل�ستفتني �سهولة طرح امل�س أ�لة وجهالة‬ ‫أ��شخا�صهم‪ ،‬لطرح امل�س أ�لة عدة مرات على عدة مفتني‪ ،‬ع ّل‬ ‫ال�سائل يجد عند أ�حدهم ما تهوى نف�سه فيلتزم به‪ ،‬وهذا ي�ضيع‬ ‫الكثري من الوقت واجلهد على املفتني‪ ،‬وغالبا ما يكون اجلواب‬ ‫عند جميعهم واحد‪.‬‬ ‫‪ -4‬ورود أ��سئلة امل�ستفتني ناق�صة يف بع�ض أ�جزائها‪� ،‬إما‬ ‫لعدم �إجادتهم ا�ستخدام ا إلنرتنت‪ ،‬أ�و لعدم مراجعتهم ما كتبوه‬ ‫يف أ��سئلتهم‪ ،‬ومثل هذا النق�ص ي ؤ�ثر يف اجلواب عن ال�س ؤ�ال؛‬ ‫ألنه ملا كان احلكم على ال�شيء فرعا عن ت�صوره‪ ،‬ف�إن الت�صور‬ ‫اخلاطئ ال ينتج �إال حكما خاطئا كذلك‪.‬‬ ‫‪ -5‬بع�ض أال�سئلة الواردة تكون من الق�صور واالخت�صار‬ ‫أ�حيانا؛ بحيث ال تعطي ت�صورا وا�ضحا لدى من يجيب عنها‪،‬‬ ‫ولذا ف�إن ا إلنرتنت أ�حيانا ال تكون هي الو�سيلة املنا�سبة للجواب‬ ‫عن مثل هذه أال�سئلة‪.‬‬ ‫‪ -6‬من املعروف تغري الفتوى بتغري الزمان واملكان‬ ‫والحوال أ‬ ‫أ‬ ‫وال�شخا�ص‪ ،‬فما يكون �سائغا من الفتاوى يف زمان‬ ‫أ�و مكان معينني ال يكون بهذه املثابة يف غريهما‪ ،‬وما يكون‬ ‫�سائغا يف حال أ�و ل�شخ�ص معني ال يكون كذلك يف حال غريه‪،‬‬ ‫أ�و ل�شخ�ص �آخر‪ .‬و أ��سئلة امل�ستفتني عن طريق ا إلنرتنت ِترد‬ ‫جمردة‪ ،‬ال ُيعرف منها أ�حيانا �شخ�ص امل�ستفتي �إن كان مري�ضا‬ ‫أ�و م�سافرا أ�و يقيم بني م�سلمني أ�و بني كفار‪ ،‬كما ال يعرف منها‬

‫‪23‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ظروف البيئة التي يعي�ش فيها‪ ،‬وال حاله �إن كان به ما يقت�ضي‬ ‫الرتخ�ص أ�و ال‪ ،‬وكل هذا ي�ضع املفتي يف حرية أ�حيانا بحيث ال‬ ‫يجد أ�مامه �إال أ�ن يجيب عن ال�س ؤ�ال وفقا لهذه االحتماالت التي‬ ‫ت�ستوحى من ال�س ؤ�ال‪.‬‬ ‫‪ -7‬من املعامالت ما ي�شيع يف بلد بعينه دون غريه‪ ،‬أ�و يكون‬ ‫له م�سمى يختلف م�سماه يف بلد �آخر‪ ،‬أ�و يكون له قواعد أ�و نظم‬ ‫يطبق بها يف بلد بخالف تلك التي يطبق بها يف بلد �آخر‪ ،‬وكثريا‬ ‫ما يفتقر املفتي �إىل ا�ستي�ضاح ذلك من قبل ال�سائل‪ ،‬حتى يكون‬ ‫اجلواب واقعا على التكييف ال�شرعي للم�س أ�لة وفقا ملا ت�صوره‬ ‫املفتي‪.‬‬ ‫‪ -8‬بع�ض أال�سئلة الواردة عرب ا إلنرتنت تكون من الو�ضوح‬ ‫والبدهية املعرفية‪ ،‬بحيث ال ي�سع أ�دنى املثقفني ثقافة عامة أ�ن‬ ‫يجهلها‪ ،‬ورمبا كانت �سهولة �إي�صال ال�س ؤ�ال عن طريق ا إلنرتنت‬ ‫مدعاة ملثل هذه أال�سئلة التي ال ميكن ألحد أ�ن ي�س أ�ل عنها لو‬ ‫كلفه �إي�صالها �إىل من ي�ستفتيه بع�ض النفقات‪.‬‬ ‫‪ -9‬ترد بع�ض أال�سئلة يف �صيغة ق�صة مطولة‪ ،‬ك أ�منا أ�راد‬ ‫�صاحبها أ�ن ينفث عن نف�سه ويو�صل بثه وما يعتمل يف نف�سه‬ ‫�إىل غريه لي�سرتيح‪ ،‬ثم ال تنتهي ق�صته ب�س ؤ�ال بل بن�صح له‬ ‫أ�و لغريه‪ ،‬أ�و قد تنتهي ب�س ؤ�ال ال يفتقر �إي�صاله �إىل كل هذه‬ ‫املطولة‪ ،‬ويف هذا �إ�ضاعة للجهد يف القراءة والرتكيز وحماولة‬ ‫معرفة املطلوب من هذا العر�ض امل�سهب‪.‬‬ ‫‪ -10‬عدم االحتكاك املبا�شر بني املفتي وامل�ستفتي رمبا‬ ‫ي ؤ�دي اىل عدم فهم ال�س ؤ�ال ب�شكل كامل ‪� ،‬صحيح ي�ستطيع املفتي‬ ‫أ�ن يراجع امل�ستفتي ‪ ،‬لكنه لن ي�صل اىل درجة املبا�شرة ‪ ،‬ويظهر‬ ‫هذا ب�صورة أ�عمق يف ‪ :‬فتاوى الطالق أ‬ ‫والحوال ال�شخ�صية ‪،‬‬ ‫وفتاوى ال�شركات واملعامالت املالية امل�ستحدثة ‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬ ‫اقرتاحات لتفعيل دور الفتاوى يف العامل‬ ‫االلكرتوين‬ ‫للفتاء على ا إلنرتنت‪ ،‬وقد قامت �شبكة‬ ‫‪� -1‬إيجاد ميثاق �شرف إ‬

‫‪24‬‬

‫“�إ�سالم أ�ون الين‪.‬نت” مبحاولة مع بع�ض العلماء للخروج‬ ‫مبيثاق �شرف للمفتني على ا إلنرتنت‪ ،‬بحيث يكون مرجعا‬ ‫يلتزم به ‪ -‬قدر امل�ستطاع‪ -‬يف عملية ا إلفتاء على ا إلنرتنت؛‬ ‫فيمكن تفعيل هذا امليثاق مع بع�ض جهات ا إلفتاء املهتمة‬ ‫با إلفتاء على ا إلنرتنت‪ ،‬بحيث يكون موثقا من عدة‬ ‫جهات‪.‬‬ ‫‪ -2‬تخ�صي�ص موقع خا�ص بالفتوى على ا إلنرتنت‪ ،‬يجمع‬ ‫غالب املواقع التي تقوم با إلفتاء‪ ،‬مثل ‪� :‬إ�سالم أ�ون الين‪.‬‬ ‫نت‪ ،‬وهيئة الفتوى بالكويت‪ ،‬ودار ا إلفتاء مب�صر‪ ،‬وموقع‬ ‫ا إل�سالم اليوم‪ ،‬وال�شبكة ا إل�سالمية لوزارة أالوقاف‬ ‫القطرية‪ ،‬وغريها من الهيئات وامل ؤ��س�سات ودور ا إلفتاء يف‬ ‫العامل العربي وا إل�سالمي‪ ،‬بحيث يكون هذا املوقع بوابة‬ ‫ا إلفتاء على ا إلنرتنت؛ ون�سعى يف املركز العاملي للو�سطية‬ ‫أ�ن نقوم بهذا الدور‪.‬‬ ‫‪ -3‬تبادل اخلربات بني اجلهات املعنية بالفتوى على ا إلنرتنت‪،‬‬ ‫من خالل الزيارات وعمل ندوات وور�ش عمل وم ؤ�مترات‬ ‫خا�صة بالفتوى على ا إلنرتنت‪ ،‬وال �سيما مواقع امل ؤ��س�سات‬ ‫الر�سمية وغري الر�سمية‪.‬‬ ‫‪� -4‬إن�شاء مركز يهتم بالفتاوى عرب و�سائل االت�صال احلديثة‪،‬‬ ‫ومن أ�همها الفتوى على ا إلنرتنت‪ ،‬بحيث يهتم مب�ستوى‬ ‫الفتاوى ويخرج بقرارات وتو�صيات للجهات املعنية‬ ‫بالفتاوى ا إللكرتونية‪.‬‬ ‫‪� -5‬إن�شاء معهد عاملي للفتوى‪ ،‬يقوم برفع م�ستوى املفتني‪،‬‬ ‫وت أ�هيل الباحثني ال�شرعيني الذين يعملون يف الفتوى من‬ ‫خالل الدورات والدرا�سة امل ؤ�هلة للعمل يف جمال الفتوى‪،‬‬ ‫وتزويد املفتني وطالب العلم ال�شرعي بالدرا�سات احلديثة‬ ‫والقرارات والبحوث املجمعية اخلا�صة مبجال الفتوى‪.‬‬ ‫‪� -6‬إن�شاء �صفحات للمفتني على موقع الفتوى املقرتح‪ ،‬بحيث‬ ‫ي�ضم هذا املوقع أ�كرب عدد من املفتني يف العامل ا إل�سالمي‪،‬‬ ‫في�ضم �صفحات املفتني‪ ،‬و�صفحات مواقع ا إلفتاء‪،‬‬ ‫و�صفحات الهيئات وغريها‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫�إن�سانية النبي‬

‫�صلى اهلل عليه و�سلم ‪-‬يف معاملة أ‬‫ال�رسى‬ ‫د‪ 0‬عطااهلل املعايطة‬ ‫اجلامعة أ‬ ‫الردنية‬ ‫بعث اهلل حممد �صلى اهلل عليه و�سلم والعامل تتقا�سمه أ�ديان ووثنيات �شتى تهيمن فيها قوى الظلم على هذا ا إلن�سان الذي‬ ‫كان ب أ�م�س احلاجة �إىل بزوغ فجر جديد يريحه من تع�سف قيا�صرة الرومان و أ�كا�سرة الفر�س أ‬ ‫والديان املحرفة والوثنيات الظاملة‬ ‫يف عقائدها وت�صوراتها و�شرائعها وم�سالك حياتها ولعل جوانب العناء الب�شري كانت ت�شمل حياة ا إلن�سان كلها ‪0‬‬ ‫وكانت �صور الظلم واالعتداء على امن هذا ا إلن�سان تتم من خالل احلروب والنزاعات التي تخلو من أ�خالقيات حترتم‬ ‫وجود ا إلن�سان و أ�منه وخا�صة يف حقوق أال�سرى يف احلروب التي كانت ال�صفة الغالبة حلال الب�شرية قبل بعثة الهادي الب�شري عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم‪،‬و�سوف أ�تناول يف هذا البحث املوجز �صورة الواقع الب�شري الذي �سبق بعثته عليه ال�صالة وال�سالم يف أال�سرى‬ ‫واملنهجية احل�ضارية اجلديدة التي جاء بها عليه ال�صالة وال�سالم يف رعاية أال�سري وحمايته وفدائه وغريها من أالحكام التي مل‬ ‫تعهدها الب�شرية من قبل ‪0‬‬ ‫ال�سري‪ -:‬هو أ‬ ‫‪ -1‬تعريف أ‬ ‫الخيذ واملقيد‬ ‫وامل�سجون وجمعه أ��سراء وا�سارى وا�سارى )(‪( )1‬وهو‬ ‫امل أ�خوذ باحلرب)(‪)2‬‬ ‫‪-2‬حالة أال�سرى يف الديانات والدول قبل ا إل�سالم‪�-:‬إن‬ ‫لل�سالم‬ ‫�إلقاء نظرة موجزة على واقع أال�سري يف امللل ال�سابقة إ‬ ‫يربز احلاجة املا�سة التي كانت تنتظرها الب�شرية ببعثته عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم‪،‬فان �صورة ال�شقاء ا إلن�ساين يف احلروب‬ ‫ال ميكن ت�صورها �إذا عر�ضت مقارنه مع النقلة احل�ضارية‬ ‫ال�سامقة التي أ�نارت هذا الوجود ببزوغ فجر ا إل�سالم الذي‬ ‫هيمن على أالديان واحل�ضارات ال�سابقة‬ ‫أ‬ ‫فال�سري عند اليهود ومن خالل ن�صو�ص التوراة املحرفة‬ ‫ال وجود له بل هناك �صورة ب�شعة من �صور ا إلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫ونحن ال نرى هذه ال�صورة هي من أ�فعال و أ�خالقيات أالنبياء‬ ‫الكرام الذين بعثهم اهلل لهداية بني �إ�سرائيل بل هي �صورة‬

‫حمرفة أ�و وقائع حلكامهم الذين ابتعدوا عن الهدي الرباين‬ ‫واتخذوا هذه الن�صو�ص ذريعة جلرائمهم قدميا وحديثا‬ ‫ففي �سفر التثنية نرى هذه ال�صورة املفزعة من التعامل مع‬ ‫املخالفني حيث يقول كاتب ال�سفر‪ ( -:‬حني تقرتب من مدينة‬ ‫لكي حتاربها ا�ستدعها لل�صلح فان أ�جابتك لل�صلح وفتحت‬ ‫لك فكل ال�شعب املوجود فيها يكون لك للت�سخري وي�ستعبد‬ ‫لك‪،‬وان مل ت�س أ�لك ال�صلح بل عملت معك حربا فحا�صرها‬ ‫و�إذا دفعها الرب �إلهك �إىل يدك فا�ضرب جميع ذكورها‬ ‫بحد ال�سيف‪ -‬هكذا تفعل بجميع املدن البعيدة منك جدا أ�ما‬ ‫مدن ه ؤ�الء ال�شعوب التي يعطيك الرب �إلهك فال ت�ستبق منها‬ ‫بل حترمها حترميا ( أ�ي تبيدها �إبادة)احلثيني واالموريني‬ ‫والكنعانيني)(‪)3‬وملا غزو مدينة أ�ريحا اخذوا املدينة وحرموا‬ ‫( أ�ي أ�بادوا )كل ما يف املدينة من رجل وامر أ�ة من طفل و�شيخ‬ ‫حتى البقر والغنم واحلمري بحد ال�سيف )(‪ ،)4‬وملا دخلوا‬ ‫مدينة عاي(احرقوا املدينة بالنار و�ضربوها حتى مل يبق منهم‬

‫‪25‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫�شاردا وال منفلت‪،‬وكان ملا انتهى �إ�سرائيل من قتل جميع ال�سكان‬ ‫و�سقطوا جميعا بحد ال�سيف حتى فنوا‪.‬فكان جميع الذين‬ ‫�سقطوا يف ذلك اليوم من الرجال والن�ساء اثني ع�شرا لفا)(‪)5‬‬ ‫أ�ما الرومان الذين �سيطروا على امل�سيحية و أ�خ�ضعوها ملجامع‬ ‫متعددة ال �صلة لها بدعوة ال�سيد امل�سيح عليه ال�سالم فقد كانوا‬ ‫يف حروبهم ابعد ما يكونون عن تعاليم هذا النبي الكرمي‪ .‬فانك‬ ‫التكاد جتد يف حروبهم أ�ي حق أ‬ ‫لل�سري أ�و الن�ساء واالطفال‬ ‫فهم عر�ضة للقتل وا إلبادة واال�ستعباد كما يقول ابن العربي‬ ‫ت ‪1286‬م ((عندما افتتح طيطو�س مدينة أ�ور�شليم قتل فيها‬ ‫�ستني أ�لف نف�س و�سبى نيفا ومائة أ�لف نف�س ومات فيها من‬ ‫اجلوع خلق كثري والباقون ت�شتتوا يف البالد)) (‪ )6‬وعندما‬ ‫ظهر بالقد�س (رجل يقال له ابن الكوكب مدعيا انه يخل�ص‬ ‫اليهود من العبودية للرومان وجه له اذريان�س جيو�شا فقتلوه‬ ‫واهلكوا اليهود وخربوا أ�ور�شليم غاية اخلراب و أ�مر اذريان�س‬ ‫ب�صرم أ�ذان اليهود الذين تخلفوا )(‪(( )7‬و أ�مر تيتو�س بالقب�ض‬ ‫على خم�سني أ�لفا من احليوانات املتوح�شة ثم ترك معها عدة‬ ‫أ�الف من أال�سرى اليهود داخل �سياج واحد يف العاب ب�شعة‪.‬‬ ‫كان هناك ع�شرة أ�الف رجل يت�صارعون مع �إحد ع�شر الفا‬ ‫من الوحو�ش ال�ضارية وقال أ�غ�سط�س يف ذكرياته اجلميلة كما‬ ‫يرى هو‪-:‬انه �شاهد مباريات بني ثمانية �آالف جندي مع ‪3510‬‬ ‫من احليوانات املفرت�سة وكانت هذه املباريات تتم با�ستخدام‬ ‫أ��سرى احلروب )) (‪)8‬‬ ‫أ�ما الفر�س عباد النريان فال�صورة ا�شد ب�شاعة من‬ ‫أ�ندادهم ومعا�صريهم من الرومان فقد ذكر ابن أالثري رحمه‬ ‫اهلل‪�(-:‬إن �سابور بن هرمز ملا غزا العرب أ�مر بعدم ا إلبقاء‬ ‫على احد منهم‬ ‫فقتل منهم حتى أ�باد عبدا لقي�س وق�صد اليمامة و أ�كرث‬ ‫يف أ�هلها القتل وغور مياه العرب وق�صد بكرا وتغلب و�سار �إىل‬ ‫قرب املدينة فقتل كذلك وكان ينزع أ�كتاف ر ؤ��سائهم ويقتلهم‬ ‫وقيل انه أ�مر ب�صف أال�سرى معا وخرق أ�كتافهم وربطهم معا‬ ‫ولهذا �سمي بذي أالكتاف)(‪)9‬‬ ‫وروى املقريزي عن همجية الفر�س يف ا إلبادة والتخريب‬ ‫فقال‪ (-:‬ويف أ�يام فوقا ملك الروم بعث ك�سرى ملك‬ ‫فار�س جيو�شه �إىل بالد ال�شام وم�صر فخربوا كنائ�س القد�س‬

‫‪26‬‬

‫وفل�سطني وعامة بالد ال�شام وقتلوا الن�صارى اجمعهم واتوا‬ ‫على م�صر يف طلبهم فقتلوا منهم امة كبرية‪،‬و�سبوا منهم �سببا‬ ‫ال يدخل حتت احل�صر و�ساعدهم اليهود يف حماربة الن�صارى‬ ‫وتخريب كنائ�سهم ثم م�ضى ك�سرى بنف�سه �إىل العراق ثم‬ ‫توجه لغزو ق�سطنطينية حتت ملك الروم فحا�صرها أ�ربع‬ ‫ع�شر �سنه)(‪ )10‬أ�ما م�شركي العرب قبل ا إل�سالم فحالهم يف‬ ‫احلروب وبواعثها ونتائجها يبعث على أال�سى أ‬ ‫والمل فقد(قامت‬ ‫حرب الب�سو�س التي ا�ستمرت أ�ربعني عاما ب�سبب ناقة ا�سمها‬ ‫�سراب(‪)11‬ويف حرب االوارة التي كانت بني املنذر ابن امرئ‬ ‫القي�س وبني بكر بن وائل وكان �سببها �إن تغلب ملا أ�خرجت �سلمه‬ ‫ابن احلرث عنها التج أ� �إىل بكر بن وائل فلما �صار عند بكر‬ ‫أ�ذعنت له وح�شدت عليه وقالت الميلكنا غريك فبعث �إليهم‬ ‫املنذر يدعوهم �إىل طاعته ف أ�بو ذلك فحلف املنذر لي�سرين‬ ‫�إليهم فان ظفر بهم فليذبحنهم على قمة جبل اوارة حتى يبلغ‬ ‫الدم احل�ضي�ض و�سار �إليهم يف جموعه فاقتتلوا قتاال �شديدا‬ ‫واجنلت الواقعة عن هزمية بكر‪.‬وقتل ب�شر كثري وا�سر املنذر‬ ‫من بكر ا�سرى كثرية ف أ�مر بهم فذبحوا على جبل اوارة فجعل‬ ‫الدم يجمد‪.‬فقيل له‪ :‬أ�بيت اللعن لو ذبحت كل بكري على وجه‬ ‫أالر�ض مل تبلغ دما ؤ�هم احل�ضي�ض‪ ،‬ولكن لو �صببت عليه املاء‬ ‫ففعل ف�سال الدم �إىل احل�ضي�ض‪،‬و أ�مر بالن�ساء أ�ن يحرقن‬ ‫بالنار)(‪.)12‬‬ ‫‪� -3‬إن�سانية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف تعامله‬ ‫مع أ‬ ‫ال�سرى‪:‬‬ ‫يف خ�ضم هذا الواقع أالليم الذي عر�ضنا جزئيات ب�سيطة‬ ‫منه انبثق نور جديد هدفه أال�سمى (�إخراج العباد من عبادة‬ ‫العباد �إىل عبادة رب العباد ومن جور أالديان �إىل عدل ا إل�سالم‬ ‫ومن �ضيق الدنيا �إىل �سعة الدنيا وا آلخرة )(‪� )13‬إن غزوات‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم كان طابعها أال�سمى هو احلفاظ‬ ‫على ا إلن�سان و الرغبة النبوية يف دخول النا�س يف دين اهلل‬ ‫ومل تكن هذه الغزوات تهدف �إىل القتل والتدمري وا إلذالل‬ ‫أ�و النهب وال�سلب كما هي ال�سمة الغالبة على حروب أالولني‬ ‫وا آلخرين و�إمنا اوجد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم هذا املنهج‬ ‫احل�ضاري و والنقلة اجلديدة يف حياة الب�شر التي ال يرقى‬ ‫�إىل م�ستواها أال�سمى �إال نبي مر�سل مكلف بتطبيق �شريعة‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫اهلل على هذه الب�شرية فهوا لرحمة املهداة التي قال عنها ربه‬ ‫جل جالله يف حمكم تنزيله(وما أ�ر�سلناك �إال رحمة للعاملني )‬ ‫أالنبياء (‪)107‬وكل حياته �صلى اهلل عليه و�سلم مع أ��صحابه‬ ‫ومع خمالفيه كانت رحمة ت�سمو فوق أالحقاد وال�ضغائن وا إلحن‬ ‫حتى وهو ي�ضرب وجهه ال�شريف وي�سيل الدم منه عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم يقول كيف يفلح قوم خ�ضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم‬ ‫�إىل ربهم )(‪( )14‬وعندما رجع من الطائف وجاء ملك اجلبال‬ ‫وقال‪ -:‬أ�ن �شئت أ�طبقت عليهم االخ�شبني قال‪ -:‬أ�رجو اهلل أ�ن‬ ‫يخرج من أ��صالبهم من يوحد اهلل)(‪.)15‬بهذه الروح احلانية‬ ‫قاتل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ر ؤ�و�س ال�شرك وانت�صر‬ ‫عليهم وكان عامة أ�حواله ال�صفح والرحمة وهذا ما �سنالحظه‬ ‫يف هذه الوقائع امل ؤ�ثرة م�سريته �صلى اهلل عليه و�سلم وهديه يف‬ ‫أال�سرى الذي يفي�ض رحمة ورغبة يف هداية النا�س و�إ�سالمهم‬ ‫ولي�س �إراقة دمائهم و�إذاللهم‪.‬‬ ‫‪-1‬عدم �ضرب أ‬ ‫ال�سري و�إذالله‪ -:‬فقد نهى النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم أ��صحابه عن �ضرب أال�سري الذي قب�ض عليه قبل‬ ‫غزوة بدر الكربى( عندما ذهب عليا و الزبري و�سعدا ر�ضوان‬ ‫اهلل عليهم يلتم�سون له اخلرب ببدر ف أ��صابوا راوية لقري�ش فيهم‬ ‫ا�سلم غالم بني احلجاج و أ�بو ي�سار غالم بني العا�ص فاتوا‬ ‫بهما النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وهو قائم ي�صلي ف�س أ�لوهما‬ ‫فقالوا‪ -:‬نحن �سقاة قري�ش بعثونا ن�سقيهم من املاء فكره القوم‬ ‫خربهما و�ضربوهما ليخربوهما عن أ�بي �سفيان فقاال نحن‬ ‫ألبي �سفيان فرتكوهما وملا فرغ النبي من �صالته قال‪�-:‬إذا‬ ‫�صدقاكم �ضربتموهما و�إذا كذباكما تركتموهما �صدقا �إنهما‬ ‫لقري�ش اخرباين أ�ين قري�ش قاال‪-:‬هم وراء الكثيب)(‪)16‬‬ ‫‪�-2‬إطعام أ‬ ‫ال�سرى والو�صية بهم‪-:‬فقد أ�و�صى‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم أ‬ ‫بال�سرى خريا متبعا التوجيه‬ ‫القر�آين يف قوله تعاىل‪( -:‬ويطعمون الطعام على حبه م�سكينا‬ ‫ويتيما و أ��سريا‪�،‬إمنا نطعمكم لوجه اهلل ال نريد منكم جزاء‬ ‫وال �شكورا)(ا إلن�سان ‪.)9-8-‬وقال عليه ال�صالة وال�سالم‪:‬‬ ‫(ا�ستو�صوا باال�سارى خريا )(‪ .)17‬وقد طبق هذا أالمر واقعا‬ ‫م�شهودا فقد روى ابن �إ�سحاق عن نبيه ابن وهب قال( كان أ�بو‬ ‫عزيز بن عمري بن ها�شم اخو م�صعب بن عمري فقال أ�بو عزيز‬ ‫مر بي أ�خي م�صعب بن عمري ورجل من أالن�صار ي أ��سرين فقال‪:‬‬

‫�شد يديك به‪،‬فان أ�مه ذات متاع لعلها تفديه منك‪ ،‬قال‪ -:‬وكنت‬ ‫يف رهط من أالن�صار حني اقبلوا‬ ‫بي من بدر‪،‬فكانوا �إذا قدموا غداءهم وع�شا ؤ�هم خ�صوين‬ ‫باخلبز(‪،)18‬و أ�كلوا التمر لو�صية ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم �إياهم بنا‪ ،‬ما تقع يف يد رجل منهم ك�سرة خبز �إال نفحني‬ ‫بها‪ ،‬قال‪-:‬فا�ستحي ف أ�ردها على احدهم‪ ،‬فريدها علي ما‬ ‫مي�سها)(‪)19‬‬ ‫‪-3‬قبول ال�شفاعة يف أ‬ ‫ال�سرى‪ -:‬وهذه ال�شفاعة‬ ‫ترجع �إىل تقدير مواقف �سابقة أ‬ ‫لل�سرى ووقوفهم مع امل�سلمني‬ ‫يف مكة املكرمة‪ .‬قال‪ -:‬عبد اهلل بن م�سعود ر�ضي اهلل عنه‬ ‫(ملا كان يوم بدر وجي باال�سارى‪ ،‬قال‪ -:‬ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم (ما تقولون يف ه ؤ�الء اال�سارى‪ ،‬فذكر يف احلديث‬ ‫ق�صة‪ ،‬فقال‪ -:‬ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم (ال ينفلنت أ�حدا‬ ‫منهم �إال بفداء أ�و �ضرب عنق‪ ،‬قال عبد اهلل‪ -:‬فقلت يا ر�سول‬ ‫اهلل‪�-:‬إال �سهيل بن البي�ضاء‪ ،‬فاين �سمعته يذكر ا إل�سالم‪.‬‬ ‫قال‪-:‬ف�سكت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قال‪-:‬فما ر أ�يتني‬ ‫يف يوم أ�خوف أ�ن تقع علي حجارة من ال�سماء مني يف ذلك‬ ‫اليوم حتى قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪-:‬اال �سهيل‬ ‫بن البي�ضاء)(‪)20‬و أ�و�صى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪-:‬‬ ‫بعدم قتل أ�با البخرتي بن ه�شام ألنه كان اخف القوم على‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وهو مبكة وكان ممن اهتم‬ ‫بنق�ض ال�صحيفة)(‪)21‬‬ ‫‪� -4‬إعطاء حرية االختيار أ‬ ‫لل�سري و�إخالء �سبيله‬ ‫�إذا ا�سلم ‪ :‬فلم ي ؤ�ثر أ�ن أ��سريا اكره على تغيري معتقده بل كان‬ ‫يرتك له االختيار املطلق يف ذلك فعن علي ر�ضي اهلل عنه ان‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم (اتى بعني للم�شركني ا�سمه فرات‬ ‫بن حيان فامر به ان يقتل ف�صاح يا مع�شر أالن�صار اقتل وان أ�‬ ‫ا�شهد أ�ن الاله �إال اهلل وان حممد ر�سول اهلل‪ ،‬ف أ�مر به النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم فخلى �سبيله ثم قال �إن منكم من أ�كله‬ ‫�إىل �إميانه منهم فرات بن حيان )(‪ )22‬ولقد �صدق يقني‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فيه حيث أ��صبح من خيار ال�صحابة‬ ‫املجاهدين وكان يغزو مع النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وهو الذي‬ ‫�سريه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل ثمامة بن اثال يف قتال‬ ‫م�سيلمة الكذاب)(‪ )23‬ومن �شواهد هذا املنهج ق�صة ثمامة‬

‫‪27‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫بن اثال – �سيد بني حنيفة عندما أ��سرته خيل امل�سلمني فجاءوا‬ ‫به أ��سريا وربطوه يف �سارية من �سواري امل�سجد فخرج الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم فقال‪(-:‬ماذا عندك ياثمامه )فقال‪-:‬‬ ‫عندي ياحممد خريا �إن تقتل تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على‬ ‫�شاكر وان كنت تريد املال ف�سل تعط منه ما �شئت فرتكه ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم حتى عاد �إليه ال�س ؤ�ال وعاد عليه ثمامة‬ ‫نف�س اجلواب –ثم جاءه الثالثة فقال‪ -:‬عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫أ�طلقوا ثمامة فانطلق �إىل نخل قريب من امل�سجد فاغت�سل ثم‬ ‫دخل امل�سجد فقال‪-:‬ا�شهد ان الاله �إال اهلل وا�شهد ان حممدا‬ ‫عبده ور�سوله يا حممد واهلل ما كان على أالر�ض ابغ�ض ايل من‬ ‫وجهك فقد ا�صبح وجهك احب الوجوه كلها ايل واهلل ما كان‬ ‫من دين ابغ�ض ايل من دينك ف أ��صبح دينك أ�حب الدين كله �إيل‬ ‫واهلل ما كان من بلد ابغ�ض �إيل من بلدك ف أ��صبح بلدك أ�حب‬ ‫البالد كلها �إيل )(‪)24‬‬ ‫‪ -5‬املر أ�ة أ‬ ‫ال�سرية و�صور من تكرميها‪ -:‬لقد ابرز‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �صورة رائعة من �صور �صيانة املر أ�ة‬ ‫لل�سالم‬ ‫يف احلروب مغايرة متاما ملمار�سات أالمم ال�سابقة إ‬ ‫حيث كانت عر�ضة لالغت�صاب واالهانة واال�سرتقاق‪ ،‬وهذه‬ ‫املمار�سات عادت اىل الوجود يف حروب الع�صر احلديث فراينا‬ ‫امتهانها واغت�صابها يف حروب البو�سنة والهر�سك والعراق‬ ‫وفل�سطني و أ�فغان�ستان‪ ،‬ما ال يحتاج �إىل توثيق‪ .‬أ�ما الر�سول‬ ‫ا إلن�سان عليه ال�صالة وال�سالم‪ ,‬فقد نهى عن االعتداء على‬ ‫أ�عرا�ض خمالفيه من امل�شركني كما هي �صورة احلروب ال�سابقة‬ ‫واملعا�صرة‪ .‬فقد أ�كرم ابنة حامت الطائي وا�سمها �سفانة بنت‬ ‫حامت عندما ر�آها يف ال�سبي ومن عليها و أ�عطاها العطايا‬ ‫و أ�مرها باللحاق ب أ�خيها عدي وكان ذلك �سببا يف عودة عدي‬ ‫ابن حامت م�سلما و أ��صبح له �شان يف فتوح ا إل�سالم أالول)(‪)25‬‬ ‫و أ��سرت جويرية بنت احلارث بن �ضرار ثم تزوجها ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم و أ�طلق امل�سلون أال�سرى كرامة لهذا الزواج‬ ‫التي ارتقت ب�سببه جويربة ر�ضي اهلل عنها اىل م�ستوى امهات‬ ‫امل ؤ�منني ر�ضوان اهلل عليهم‪،‬‬ ‫عن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها قالت ( ملا ق�سم ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم �سبايا بني امل�صطلق‪ ،‬وقعت جويرية‬ ‫بنت احلارث يف �سهم لثابت بن قي�س بن �شما�س او البن عم‬

‫‪28‬‬

‫له فكاتبته على نف�سها‪ ،‬وكانت امراة حلوة مالحة اليراها‬ ‫احد اال اخذت بنف�سه‪ ،‬فاتت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ت�ستعينه يف كتابتها‪ ،‬قالت عائ�شة‪ -:‬فو اهلل ما هو اال ان رايتها‬ ‫على باب حجرتي‪ ،‬فكرهتها‪ ،‬وعرفت انه �سريى منها ما رايت‬ ‫فدخلت عليه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ -:‬انا جويرية بنت احلارث‬ ‫بن ابي �ضرار �سيد قومه‪ ،‬وقد ا�صابني من البالء ما مل يخف‬ ‫عليك فوقعت يف �سهم لثابت بن قي�س بن �شما�س او البن عمه‬ ‫فكاتبته على نف�سي فجئتك ا�ستعينك على كتابتي‪ .‬قال‪ -:‬فهل‬ ‫لك يف خري من ذلك قالت‪ -:‬وما هو يار�سول اهلل‪ ،‬اق�ضي عنك‬ ‫كتابتك و أ�تزوجك قالت‪ -:‬نعم يار�سول اهلل قال‪ -:‬قد فعلت‪،‬‬ ‫قالت‪ -:‬وخرج اخلرب للنا�س ان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫قد تزوج جويرية ابنة احلارث‪ .‬فقال النا�س‪ -:‬أ��صهار ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل علي و�سلم وار�سلو ما ب أ�يديهم‪ ،‬قالت‪ -:‬فلقد‬ ‫اعتق بتزويجه �إياها مائة أ�هل بيت من بني امل�صطلق فما اعلم‬ ‫امر أ�ة كانت أ�عظم على قومها بركة منها )(‪ )26‬وتزوج ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �صفيه بنت حيي بن اخطب حيث‬ ‫وقعت يف ال�سبي يف غزوة خيرب يف �سهم دحية الكلبي ر�ضي اهلل‬ ‫عنه‪(.‬فجاء رجل اىل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فقال‪ -:‬يا‬ ‫نبي اهلل أ�عطيت دحية �صفية بنت حيي �سيدة قريظة والن�ضري‬ ‫ال ت�صلح اال لك‪ ،‬قال‪ -:‬دعوه بها – فجاء بها فلما نظر �إليها‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قال‪-:‬خذ جارية من ال�سبي غريها‪،‬‬ ‫قال‪ -:‬فاعتقها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وتزوجها )(‪)27‬‬ ‫ورفعها اىل م�ستوى امهات امل ؤ�منني وهي مازالت قريبه العهد‬ ‫باليهودية حيث قالت‪( -:‬وكان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ابغ�ض النا�س ايل قتل زوجي و أ�خي و أ�بي فما زال يعتذر‬ ‫ويقول‪ -:‬ان أ�باك أ�لب علي العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذلك‬ ‫من نف�سي )(‪ )28‬ومما يجب العلم به ان هذه ال�سبايا ال مي�سها‬ ‫احد اذا كانت متزوجة قبل ان ت�ستربا االرحام اال اذا كانت‬ ‫بكرا فانها ت�صبح ملك ميني مامل تعتق مبكاتبة او من عليها‬ ‫ممن وقعت يف �سهمه وي�شهد لهذا مارواه م�سلم يف �صحيحه‬ ‫عن �سلمة بن االكوع ر�ضي اهلل عنه قال‪ -:‬غزونا فزارة وعلينا‬ ‫ابو بكر‪ ،‬امره ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬فلما كان بيننا‬ ‫وبني املاء �ساعة امرنا ابو بكر‪ .‬فعر�سنا ثم �شن الغارة‪ ،‬فورد‬ ‫املاء فقتل من قتل و�سبى من �سبى وانظر اىل عنق النا�س فيهم‬ ‫الذراري‪،‬فخ�شيت ان ي�سبقوين اىل اجلبل فرميت ب�سهم بينهم‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫وبني اجلبل‪ ،‬فلما راوا ال�سهم وقفوا وجئت بهم ا�سوقهم وفيهم‬ ‫امراة من بني فزارة‪ ،‬عليها ق�شع من ادم قال‪ -:‬الق�شع (‪)29‬‬ ‫النطع – معها ابنة لها من اح�سن العرب‪ ،‬فقدمنا املدينة وما‬ ‫ك�شفت لها ثوبا‪ ،‬فلقيني ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف‬ ‫ال�سوق فقال‪ -:‬يا �سلمة هب يل املراة‪ ،‬فقلت‪ -:‬يا ر�سول اهلل‬ ‫لقد اعجبتني وما ك�شفت لها ثوبا‪ ،‬ثم لقيني ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم من الغد يف ال�سوق‪ ،‬فقال‪ -:‬يا �سلمة هب يل‬ ‫املراة‪ ،‬هلل ابوك – فقلت‪ -:‬هي لك يا ر�سول اهلل‪ ،‬فواهلل ما‬ ‫ك�شفت لها ثوبا‪ ،‬فبعث بها نبي اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم اىل‬ ‫رجل من اهل مكة‪ ،‬ففدى بها نا�سا من امل�سلمني كانوا ا�سروا‬ ‫مبكة )(‪ )30‬ومل تكن حروبه �صلى اهلل عليه و�سلم مثل حروب‬ ‫هذا الع�صر ت�شهد همجية االعتداء على الن�ساء واغت�صابهن‪،‬‬ ‫بل كانت هذه املمار�سة ابعد ما تكون عن جمتمع يقوده ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم غايته الطهر والعفة والبعد عن كل ما‬ ‫مي�س دينهم وطاعتهم وتقواهم‪ ،‬فلذلك اباح لهم النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم يف مواطن متعددة زواج املتعة عند احلاجة اليه‬ ‫ثم حرمه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم حترميا قطعيا يف اخر‬ ‫غزواته وهي اوطا�س‪.‬‬ ‫‪-6‬ا�سر امللوك وطريقته عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫يف التعامل معهم‪ -:‬مل يكن من مقا�صد هذا النبي الكرمي‬ ‫اذالل ملك او رئي�س قبيلة او انتزاع ملك احد او �سلب اموالهم او‬ ‫�سبي ن�سائهم‪ .‬امنا كان الق�صد اال�سمى الذي يبدو من جمموع‬ ‫�سريته هو الرغبة الكربى يف ا�سالم النا�س ودخولهم يف دين‬ ‫اهلل طواعية ال كراهية وحبا وقناعة‪ ،‬وهذا هو �سر ا�ستقرار‬ ‫هذا الدين وامتداده يف م�شارق االر�ض ومغاربها با لرغم من‬ ‫االهوال التي �صبت على اتباعه يف كل مكان‪.‬‬ ‫وهذه �شواهد تدل على هذا املنهج‪ -:‬حيث بعث النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم خالد بن الوليد اىل اكيدر بن عبد امللك الكندي‬ ‫ملك دومة اجلندل فاخذه ا�سريا وقدم على ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم فا�سلم وكتب له والهل دومة اجلندل كتابا)(‪)31‬‬ ‫ومن �شواهد هذا املنهج وا�صالته يف دعوة النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ -:‬عودة عدي بن حامت حيث تكلم عن نف�سه فقال‪-:‬‬ ‫( كنت ملك طئ اخذ منهم املرباع (‪ )32‬وانا ن�صراين فلما‬ ‫قدمت خيل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم هربت اىل ال�شام‬

‫من ا إل�سالم وقلت‪ -:‬أ�كون عند اهل ديني فبينما أ�نا بال�شام‬ ‫اذ جاءت أ�ختي و أ�خذت تلومني على تركها وهربي ب أ�هلي‬ ‫دونها‪ ،‬ثم قالت يل‪ -:‬أ�رى أ�ن تلحق حممد �سريعا‪ ،‬فان كان‬ ‫نبيا كان لل�سابق ف�ضله‪ ،‬وان كان ملكا كنت يف عز و أ�نت أ�نت‬ ‫قال‪ -:‬فقدمت على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ف�سلمت‬ ‫عليه وعرفته بنف�سي فانطلق بي اىل بيته فلقيته امر أ�ة �ضعيفة‬ ‫فا�ستوقفته فوقف لها طويال تكلمه يف حاجتها – فقلت‪-:‬ما‬ ‫هذا مبلك‪ ،‬ثم دخلت بيته فاجل�سني على و�سادة وجل�س على‬ ‫االر�ض – فقلت يف نف�سي‪ -:‬ماهذا ملك فقال يل‪ -:‬يا عدي‬ ‫انك تاخذ املرباع وهو اليحل لك يف دينك‪ ،‬ولعلك امنا مينعك‬ ‫من اال�سالم ماترى من حاجتنا وكرثة عيوننا‪ ،‬واهلل ليفي�ض‬ ‫املال فيهم حتى ال يوجد من ياخذه‪ ،‬وواهلل لت�سمعن باملر أ�ة‬ ‫ت�سري من القاد�سية على بعريها حتى تزور هذا البيت ال تخاف‬ ‫االاهلل‪ ،‬وواهلل لت�سمعن بالق�صور البي�ض من بابل وقد فتحت‪،‬‬ ‫قال‪ -:‬فا�سلمت فقد رايت الق�صور البي�ض وقد فتحت‪ ،‬ورايت‬ ‫املراة تخرج اىل البيت ال تخاف اال اهلل‪ ،‬وواهلل لتكونن الثالثة‬ ‫ليفي�ضن املال حتى اليقبله احد )(‪)33‬‬ ‫‪-7‬العفو اجلماعي عن اال�سرى‪ -:‬وهذا هو املنهج‬ ‫امل�سيطر على غزواته �صلى اهلل عليه و�سلم – امليل جلانب‬ ‫العفو و امل�سارعة �إىل التئام جروح خمالفبه طمعا يف ا�سالمهم‬ ‫واميانهم بعيدا عن التمتع العاجل ب�سباياهم و اموالهم‬ ‫وار�ضهم‪.‬‬ ‫ومن ال�شواهد على هذا – ما حدث يف غزوة بني امل�صطلق‬ ‫ملا �سمع النا�س بزواج ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم من جويرية‬ ‫بنت احلارث قام النا�س برد اال�سرى والغنائم ال�صحابها‪ ،‬وتبع‬ ‫ذلك ا�سالم ابيها احلارث بن �ضرار وقومه وهذا هو الهدف‬ ‫اال�سمى الذي �سعى اليه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ .‬ويف‬ ‫غزوة حنني و الطائف عفا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫عن �ستة االالف ا�سري من الن�ساء واالطفال والرجال فقد روى‬ ‫البخاري عن امل�سور بن خمرمة ر�ضي اهلل عنه قال‪� -:‬إن ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قام حني جاءه وفد هوازن م�سلمني‬ ‫ف�سالوه �إن يرد اليهم اموالهم و�سبيهم فقال‪ -:‬لهم ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ( -:‬معي من ترون‪ ،‬واحب احلديث‬ ‫ايل ا�صدقه فاختاروا احدى الطائفتني‪ ،‬اما ال�سبي واما املال‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫وقد كنت ا�ستانيت بكم ) وكان انظرهم ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ب�ضع ع�شرة ليلة حني قفل من الطائف‪ ،‬فلما تبني‬ ‫لهم �إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ب�ضع ع�شرة ليلة حني‬ ‫قفل من الطائف‪ ،‬فلما تبني لهم �إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم غري ر ا د اليهم �إال احدى الطائفتني قالوا‪ -:‬فانا نختار‬ ‫�سببنا‪ ،‬فقام ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف امل�سلمني فاثنى‬ ‫على اهلل مبا هو اهله ثم قال‪ (( -:‬اما بعد‪ ،‬فان اخوانكم قد‬ ‫جا ؤ�نا تائبني‪ ،‬واين قد رايت �إن ارد اليهم �سبيهم‪ .‬فمن احب‬ ‫منكم �إن يطيب ذلك فليفعل‪ ،‬ومن احب منكم �إن يكون على‬ ‫حظه حتى نعطيه اياه من اول ما يفئ اهلل علينا فليفعل))‪.‬‬ ‫فقال النا�س‪ -:‬قد طيبنا ذلك يا ر�سول اهلل فقال ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪(( -:‬انا ال ندري من اذن يف ذلك ممن‬ ‫مل ياذن‪ ،‬فارجعوا حتى يرفع الينا عرفا ؤ�كم امركم‪ .‬ثم رجعوا‬ ‫�إىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فاخربوه انهم قد طيبوا‬ ‫واذنوا‪ .‬هذا الذي بلغني عن �سبي هوازن )) (‪ )34‬ويف رواية‬ ‫البو داود قال‪ -:‬عليه ال�صالة وال�سالم ( ردوا عليهم ن�ساءهم‬ ‫وابناءهم)ويف �صورة من �صور الرحمة واملودة ي�ستعطفون قلب‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم عليهم فيقولون‪( -:‬يا ر�سول‬ ‫اهلل انا اهل وع�شرية وقد ا�صابنا ما مل يخف عليك فامنن علينا‬ ‫من اهلل عليك وقام زهري ابو �صرد من بني �سعد بن بكر وهم‬ ‫الذين ار�ضعوا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فقال‪ -:‬يا ر�سول‬ ‫اهلل امنا يف احلظائر عماتك وخاالتك وحوا�ضنك الالتي كن‬ ‫يكفلنك )فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪( -:‬ردوا عليهم‬ ‫ن�سائهم وابنائهم فمن م�سك ب�شئ من هذاالفئ فان له علينا به‬ ‫�ست فرائ�ض من اول �شئ يفيئه اهلل علينا) وا�صبح رئي�س هذا‬ ‫ال�سبي الذي حارب ر�سول اهلل عليه و�سلم يقاتل يف �سبيل اهلل‬ ‫وينافح عنه فقد بعث النبي عليه ال�صالة وال�سالم �إىل مالك‬ ‫بن عوف رئي�س هوازن قائال ( �إن اتاين م�سلما رددت عليه‬ ‫اهله وماله واعطيته مئة بعري فاخرب مالك بذلك فخرج من‬ ‫الطائف �سرا وحلق بر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فا�سلم‬ ‫وح�سن ا�سالمه وا�ستعمله ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم على‬ ‫قومه فاعطاه اهله وماله ومئة بعري وكان يقاتل مبن ا�سلم معه‬ ‫من ثمالة وفهم و�سلمه وثقيف‬ ‫‪ -8‬فداء أ‬ ‫ال�سرى‪� -:‬إن هذا املنهج هو �سل�سلة مرتابطة‬ ‫تعرب عن تا�سي�س حالة جديدة تربز جوانب الرحمة واالن�سانية‬

‫‪30‬‬

‫فما كان الفداء لق�صد مغنم دنيوي ابدا وكان احلادي االكرب‬ ‫يف مقا�صده �صلى اهلل عليه و�سلم هو ا�ستبقاء الرجال حتى‬ ‫يكرمهم اهلل باال�سالم واالميان‪ .‬واول فداء حدث يف تاريخ‬ ‫اال�سالم كان قبل غزوة بدر الكربى يف �سرية عبد اهلل بن جح�ش‬ ‫التي قتل فيها عمرو بن احل�ضرمي و ا�سروا عثمان بن عبد اهلل‬ ‫واحلكم بن كي�سان ‪ ---‬وبعثت قري�ش يف فدائهما و قبل ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم الفداء فا�سلم احلكم بن كي�سان‪ ،‬واما‬ ‫عثمان بن عبد اهلل فمات مبكة كافرا ثم حدثت معركة بدر‬ ‫الكربى التي ا�سر فيها عدد كبري من امل�شركني وكان الفداء‬ ‫ومن �ضمن تف�صيالته جوانب ان�سانية عميقة تعرب عن �سمو هذا‬ ‫النبي الكرمي عن بواعث االنتقام والقتل كما يفعل يف احلروب‬ ‫القدمية واحلديثة‪ .‬وكان يف اال�سارى ابو العا�ص بن الربيع زوج‬ ‫زينب بنت الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم وكان من اكرث رجال‬ ‫مكة ماال وامانة وجتارة وهو ابن اخت ال�سيدة خديجة ر�ضي‬ ‫اهلل عنها زوج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فلما بعثت قري�ش يف‬ ‫فداء اال�سارى بعثت زينب يف فداء ابي العا�ص زوجها بقالدة‬ ‫لها كانت خديجة ادخلتها معها فلما راها الر�سول �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ .‬رق لها رقة �شديدة وقال‪� -:‬إن رايتم �إن تطلقوا‬ ‫لها ا�سريها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا فاطلقوا لها ا�سريها‬ ‫وردوا القالدة)‪.‬‬ ‫اخلامتة‪:‬‬ ‫هذه �صور م�شرقة من جوانب ان�سانيته عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم يف تعامله مع ااال�سرى‪ ،‬حيث كان نور الرحمة‬ ‫واملحبة هو الذي �ساد ذلك الع�صر وامتد ذلك اخلري يف‬ ‫فتوح اخللفاء الرا�شدين وفتوح دول اال�سالم كلها حتى القى‬ ‫اال�سالم بجرانه يف االر�ض وا�صبح م�شعل هداية للب�شرية ثم‬ ‫ملا �ضعف امل�سلمون وغابت عنهم معامل املنهج النبوي حيث‬ ‫وقعوا فري�سة لتناحرهم الداخلي والفنت القاتلة وت�سلط عليهم‬ ‫اعدائهم وعاد ال�شقاءللب�شرية من جديد كما نرى ون�شاهد يف‬ ‫حروب الغزاة اجلدد القادمني من وراء البحار ين�شرون القتل‬ ‫والدمار واالنحالل اخللقي بكل �صوره وا�شكاله واننا لنامل من‬ ‫خالل الك�شفعن هذه اجلوانب االن�سانية‪ ،‬اعطاء �صورة م�ضادة‬ ‫ملا يعي�شه العامل االن لعل امتنا تنه�ض من جديد واهلل املوفق‬ ‫والهادي �إىل �سواء ال�سبيل ‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫الهوام�ش‪:‬‬ ‫‪-1‬الفريوز أ�بادي –القامو�س املحيط �ص‪437‬وانظر أال�صفهاين – معجم مفردات القران �ص‪12‬‬ ‫‪ -2‬املعجم الو�سيط ج‪�2‬ص‪17‬‬ ‫‪ -3‬التوراة – �سفر التثنية –ا إل�صحاح ‪-20‬فقرة ‪17-10‬‬ ‫‪� -4‬سفر ي�شوع – ا إل�صحاح ‪ -3 21-20 -6‬ابن العربي ‪-‬تاريخ خمت�صر الدول �ص‪117‬‬ ‫‪ -5‬ي�شوع ‪-4 29-19-8‬املرجع ال�سابق �ص‪ -5 121‬املودودي –اجلهاد �ص‪164‬‬ ‫‪ -6‬ابن أالثري‪ -‬الكامل يف التاريخ ج‪�-1‬ص ‪– 229‬وابن كثري‪ -‬البداية والنهاية ج‪�-2‬ص‪181‬‬ ‫‪ -7‬املقريزي‪ -‬كتاب املواعظ واالعتبار املعروف باخلطط ج‪�4‬ص‪406‬‬ ‫‪ -8‬ابن أالثري –ج‪�-1‬ص‪313‬‬ ‫‪ -9‬ابن أالثري – ج‪�-1‬ص‪334‬‬ ‫‪ -10‬عبارات للقائد ربعي بن عامر قالها أ�مام ر�ستم – ابن كثري‪ -‬البداية والنهاية ج‪�7‬ص‪39‬‬ ‫‪ -11‬ابن ه�شام ال�سرية النبوية ج‪�-2‬ص‪30‬‬ ‫‪ -12‬م�سلم ‪1791-‬‬ ‫‪ --13‬ابن أالثري –الكامل –ج‪�– 2‬ص‪ -2 83‬الطرباين – املعجم ال�صغري رقم ‪-409‬واملعجم الكبري رقم ‪ -977‬والطربي‬ ‫–تاريخ أالمم وامللوك ج‪�2‬ص‪39‬‬ ‫‪ -14‬يبدو من الن�ص أ�ن اخلبز أ�هم من التمر لندرته وتوفر التمر ‪ -2‬ابن ه�شام – ال�سرية ج‪�-2‬ص‪189‬‬ ‫‪ -15‬الرتمذي –ك ال�سري –باب ما جاء بامل�شورة رقم ‪ -4 1714‬ابن أالثري الكامل ج‪�2‬ص‪89‬‬ ‫‪-16‬القرطبي – أ�حكام القران ج‪� – 18‬ص‪-46‬وابن كثري‪ -‬البداية والنهاية ج‪�-4‬ص‪5‬‬ ‫‪-17‬ا�سد الغابة‪ -‬ج‪� -1‬ص‪893‬‬ ‫‪-18‬البخاري وم�سلم واللفظ له ‪1764‬‬ ‫‪-19‬ابن االثري –الكامل ج‪�2‬ص‪ -194‬ا�سد الغابة ج‪�1‬ص‪ 136‬‬ ‫‪-20‬البخاري‪-‬كتاب العتق‪-‬باب من ملك من العرب رقيقا – وم�سلم يف اجلهاد(باب جواز االغارة على الكفار)‬ ‫‪-21‬البخاري –رقم ‪ – 364‬وم�سلم ‪1365‬‬ ‫‪-22‬البالذري – فتوح البلدان – �ص ‪38‬‬ ‫‪ -23‬الق�شع‪ -‬اجللد الياب�س‬ ‫‪ -24‬م�سلم‪ -‬كتاب اجلهاد‪ -‬باب التنفيل وفداء امل�سلمني اال�سارى رقم ‪1755‬‬ ‫‪ --25‬البالذري‪ -‬فتوح ‪1‬البلدان – �ص‪ – 72‬وابن ه�شام ج‪� 4‬ص‪ – 113‬واال�صابة ج‪�-1‬ص‪244‬‬ ‫‪ -26‬املرباع‪ -:‬ربع الغنيمة يكون لرئي�س القوم –ل�سان العرب ج‪� -7‬ص ‪– 413‬تاج العرو�س ج‪� -1‬ص‬ ‫‪– 5205‬ا او جزء من الغنيمة ياخذها ا مللك ا لن�صر ا ين – ل�سان ا لعرب ج‪� -5‬ص ‪95‬‬ ‫‪ -27‬ابن االثري – الكامل‪ -‬ج‪� -2‬ص‪ -195‬وانظر �سرية ابن ه�شام ج‪� -4‬ص‪ -154‬وا�سد الغابةج‪� -1‬ص‪395‬‬ ‫‪� -28‬صحيح البخاري – كتاب املغازي –باب قوله تعاىل ( ويوم حنني ‪ )---‬رقم احلديث ‪4319-4318‬‬ ‫‪�-29‬سنن ابي داود‪ -‬كتاب اجلهاد – باب فداء اال�سرى ح‪ -‬رقم ‪2694‬‬ ‫‪-30‬ابن االثري – الكامل‪ -‬ج‪� -2‬ص‪182‬‬ ‫‪-31‬ابو داود‪ -‬ا ل�سنن‪ -‬حديث رقم ‪2694‬‬ ‫‪ -32‬ابن االثري ج‪�2‬ص‪183‬‬ ‫‪-33‬ابن االثري – الكامل – ج‪� 2‬ص‪94-93‬‬ ‫‪ -34‬املرجع ال�سابق ج‪� 2‬ص‪94‬‬

‫‪31‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫�إن�سانية النبي‬ ‫‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬

‫مع غري امل�سلمني يف ال�سلم واحلرب‪-‬‬ ‫من خالل �ساحة املعركة‬ ‫د‪ .‬عدنان آ�ل �شل�ش‬ ‫اململكة أ‬ ‫الردنية الها�شمية‬ ‫ال�سالم عليه �إال م�ضطرا‪ .‬احلرب �شر ال بد منه ! ق�ضية آ�من بها النا�س‬ ‫احلرب �شر ال بد منه‪ ،‬وال يقدم إ‬ ‫جميعا‪ ،‬ويزدادون �إميانا بها كلما ات�سع العمران‪ ،‬وتناف�س النا�س يف هذه احلياة‪ .‬و أ�خرى آ�من بها النا�س كذلك‬ ‫–م�سلمهم وكافرهم‪�-‬إال أ�عمى أ�و مكابرا‪ ،‬يدمغه احلق‪ ،‬فيويل �صاغرا‪ ،‬ويدير م�ستكربا‪ ،‬وقد ختم اهلل على‬ ‫ال�سالم ال ي�شتهي احلرب وال يتمناها‪ ،‬وال يقدم عليها �إال‬ ‫�سمعه وقلبه وجعل على ب�صره غ�شاوة! تلك هي‪ :‬أ�ن إ‬ ‫م�ضطرا؛ فهو دين الهدى والرحمة وال�سالم والطم أ�نينة‪ ،‬والوقار وال�سكينة؛ ف�إذا اعتدى معتد على كرامته‪ ،‬أ�و‬ ‫بغى على حرمته‪ ،‬رد العدوان مبثله‪ ،‬ال يحيف وال يجوز‪ ،‬وال يغدر وال يخون؛ ف�إذا كف الظامل‪ ،‬وثاب آ‬ ‫الثم‪،‬ورجع‬ ‫ال�سالم وعفا عنه‪ ،‬و أ�عا�شه يف كنفه وادعا آ�منا مطمئنا على نف�سه وماله وعر�ضه ودينه‪،‬‬ ‫املعتدي‪� ،‬صافحه إ‬ ‫يدافع عنه ويقاتل دونه‪ ،‬ويرعى له من احلرمة والكرامة ما ال يرعاه أ�هل ملته‪ ،‬وال يزال كذلك يف بحبوحة‬ ‫أ‬ ‫ال�سالم حربا عوانا !‬ ‫المن والطم أ�نينة‪ ،‬حتى يغدر أ�و يفجر فيعلنها إ‬ ‫هنالك ال يجد ا إل�سالم بدا من أالخذ باحلزم والعزم يف‬ ‫معاقبة الباغني‪ ،‬وت أ�ديب الطاغني‪ ،‬و�إال كانت رحمته �ضعفا‪،‬‬ ‫وعزته ذال‪ ،‬و�شجاعته جبنا! وتلك بع�ض الرذائل التي جاء‬ ‫ملحوها والق�ضاء عليها‪.‬‬ ‫وهل ي�ستطيع من�صف أ�ن يقول أ�ن ا إل�سالم ي�شتهي احلرب‬ ‫أ�و يدعوا �إليها يف غري ال�ضرورة التي ال حمي�ص عنها‪ ،‬وهذه‬ ‫�إحدى غزوات ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬التي نهى‬ ‫فيها عن متنى لقاء العدو واال�شتباك معه؟!‪.‬‬ ‫مل تعرف على وجه التحديد هذه الغزوة‪ ،‬ولكن الذي عرف‬ ‫من �سريته �صلوات اهلل عليه‪ ،‬حتى أ��ضحى اجلدل فيه عنادا‬

‫‪32‬‬

‫ومكابرة‪ ،‬انه ما خرج ملالقاة قوم �إال بعد أ�ن �سقطت أالدلة‬ ‫على غدرهم ومكرهم‪ ،‬وعملهم �سرا أ�و جهرا على هدم دعوته‪،‬‬ ‫وو�ضع العقبات والعراقيل يف طريقها!‪.‬‬ ‫�إيثار ال�سلم على احلرب‬ ‫وكم احتمل هو و أ��صحابه �صابرين م�صابرين من أ�ذى ال‬ ‫يحتمل‪ ،‬واعنات ال يطاق‪ ،‬يف �إيثار ال�سلم على احلرب‪ ،‬والعفو‬ ‫على العقوبة‪ ،‬واللني على البط�ش والقوة‪.‬‬ ‫ويف موادعة اليهود‪ ،‬و�صلح احلديبية‪ ،‬وفتح مكة وكثري غري‬ ‫ذلك‪� ،‬شواهد �صدق ملا نقول‪.‬‬ ‫و�إذا كان ا إل�سالم يجنح لل�سلم أ�ن جنح لل�سلم أ�ن جنح‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫العدو لها‪ -‬ولو كان يف جنوحه هذا خمادعا – فمن العناد‬ ‫واملكابرة‪ ،‬بل من ال�سخف واملهاترة‪ ،‬أ�ن يرمي ا إل�سالم افاك‬ ‫أ�ثيم ‪ ،‬ب أ�نه متعط�ش للدماء‪ ،‬أ�و معتد على أالبرياء!‬ ‫يف الطريق اىل البيت احلرام ‪:‬‬ ‫ملا أ�نزل اهلل �سبحانه وتعاىل �سورة الفتح( يوم احلديبية)‬ ‫وقال‪َ }:‬ل َق ْد َ�صدَ َق هَّ ُ‬ ‫الل َر ُ�سو َل ُه ال ُّر ْ ؤ� َيا ِبالحْ َ قِّ َلت َْد ُخ ُلنَّ المْ َ ْ�س ِجدَ‬ ‫الحْ َ َر َام �إِنْ َ�شا َء هَّ ُ‬ ‫و�س ُك ْم َو ُم َق ِّ�ص ِرينَ لاَ‬ ‫الل َ�آ ِم ِن َني محُ َ ِّل ِق َني ُر ُء َ‬ ‫ُون َذ ِل َك َفت ًْحا َق ِري ًبا{‬ ‫ت َ​َخا ُفونَ َف َع ِل َم َما لمَ ْ َت ْع َل ُموا َف َج َع َل ِمنْ د ِ‬ ‫(‪)27‬‬ ‫�سل�سة من أالحداث املتالحقة واحلا�سمة‪،‬بد أ�ت يوم‬ ‫(احلديبية)‪ ،‬وانتهت بالفتح املبني‪-‬فتح مكة‪ -‬وك أ�نها متما�سكة!‬ ‫ال�شاهد أالول‪ :‬أ�خرج البخاري يف �صحيحه حديثا جميال يبني‬ ‫ما نذهب �إليه؛ فقال‪:‬‬ ‫حدثنا عبيد بن �إ�سماعيل‪ :‬حدثنا أ�بو أ��سامة‪ ،‬عن ه�شام‪،‬‬ ‫عن أ�بيه‪ ،‬قال‪ :‬ملا �سار ر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬عام‬ ‫الفتح‪ ،‬فبلغ ذلك قري�شا‪،‬خرج أ�بو �سفيان بن حرب‪،‬وحكيم بن‬ ‫حزام‪،‬وبديل بن ورقاء‪ ،‬يلتم�سون اخلرب عن ر�سول اهلل ‪�-‬صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ -‬ف أ�قبلوا ي�سريون حتى أ�توا مر الظهران‪ ،‬ف�إذا‬ ‫هم بنريان ك أ�نها نريان عرفة‪ ،‬فقال أ�بو �سفيان‪ :‬ما هذه‪ ،‬لك أ�نها‬ ‫نريان عرفة؟ فقال بديل بن ورقاء‪ :‬نريان بني عمرو‪ ،‬فقال أ�بو‬ ‫�سفيان‪ :‬عمرو اقل من ذلك‪ ،‬فر�آهم نا�س من حر�س ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬ف أ�دركوهم ف أ�خذوهم‪ ،‬فاتوا بهم ر�سول‬‫اهلل‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬فا�سلم أ�بو �سفيان ‪ ،‬فلما �سار قال‬ ‫للعبا�س‪ ( :‬احب�س أ�با �سفيان عند حطم اخليل‪ ،‬حتى ينظر �إىل‬ ‫امل�سلمني)‪ .‬فحب�سه العبا�س‪ ،‬فجعلت القبائل متر مع النبي ‪-‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬متر كتيبة كتيبة على أ�بو �سفيان‪ ،‬فمرت‬ ‫كتيبة‪ ،‬قال‪ :‬يا عبا�س من هذه؟ قال‪ :‬هذه غفار‪ ،‬قال‪ :‬ما يل‬ ‫ولغفار‪ ،‬ثم مرت جهينة‪،‬قال مثل ذلك‪،‬ثم مرت �سعد بن هذمي‪،‬‬ ‫فقال مثل ذلك‪ ،‬ومرت �سليم‪ ،‬فقال مثل ذلك حتى أ�قبلت كتيبة‬ ‫مل ير مثلها‪ ،‬قال‪ :‬من هذه؟ قال‪ :‬ه ؤ�الء أالن�صار‪ ،‬عليهم �سعد‬ ‫بن عبادة معه الراية‪ ،‬فقال �سعد بن عبادة‪ :‬يا أ�با �سفيان‪ ،‬اليوم‬ ‫يوم امللحمة‪ ،‬اليوم ت�ستحل الكعبة‪ .‬فقال أ�بو �سفيان‪ :‬يا عبا�س‬ ‫حبذا يوم الذمار‪ ،‬ثم جاءت كتيبة‪ ،‬وهي أ�قل الكتائب‪ ،‬فيهم‬ ‫ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬و أ��صحابه‪ ،‬وراية النبي ‪-‬‬

‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬مع الزبري بن العوام‪ ،‬فلما مر ر�سول‬ ‫اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬بابي �سفيان قال‪ :‬أ�مل تعلم ما قال‬ ‫�سعد بن عبادة؟ قال‪ (:‬ما قال) ؟ قال‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬فقال‪( :‬كذب‬ ‫�سعد‪ ،‬ولكن هذا يوم يعظم اهلل فيه الكعبة‪ ،‬ويوم تك�سى فيه‬ ‫الكعبة)‪ .‬قال‪ :‬و أ�مر ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬أ�ن‬ ‫تركز رايته باحلجون‪.‬‬ ‫ال�شاهد الثاين‪ :‬قال ابن كثري‪ :‬ودخل ر�سول اهلل ‪�-‬صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ -‬وهو راكب على ناقته وعلى ر أ��سه املغفر‪،‬‬ ‫ور أ��سه يكاد مي�س مقدمة الرحل من توا�ضعه لربه عزوجل‪...‬‬ ‫وكان الفتح لع�شر بقني من رم�ضان‪...‬‬ ‫ال�شاهد الثالث‪ :‬ثم �س أ�لوه أالمان لقري�ش فقال ر�سول‬ ‫اهلل ‪ ( :‬من دخل دار أ�بي �سفيان فهو �آمن ‪ ،‬ومن دخل امل�سجد‬ ‫فهو �آمن‪ ،‬ومن أ�غلق الباب على نف�سه فهو �آمن) ‪.‬و�إمنا أ�عطى‬ ‫ر�سول اهلل‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬أ�با �سفيان هذه امليزة �إر�ضاء‬ ‫لعاطفة الفخر يف نف�سه‪ ،‬وقد أ�ر�ضاه مبا ال ي�ضر أ�حدا وال يكلف‬ ‫جهد ًا ‪ ،‬وال عليه أ�ن يتحبب �إىل نف�س مبثل هذا الثمن املي�سور‪.‬‬ ‫وملا دخل ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬البيت العتيق أ�خذ‬ ‫يك�سر أال�صنام فتقع على أالر�ض مه�شمة متناثرة‪،‬يقول حممد‬ ‫الغزايل‪:‬‬ ‫«كانت هذه احلجارة – قبل �ساعة‪� -‬آلهة مقد�سة‪ -‬وهي‬ ‫ا آلن – ج�ص وتراب و أ�نقا�ض ! يهدمها نبي التوحيد وهو يقول‬ ‫‪ »:‬وقل جاء احلق وزهق الباطل �إن الباطل كان زهوقا « ا إل�سراء‬ ‫‪ .81‬ثم أ�مر بالكعبة ففتحت‪ .‬فر أ�ى ال�صور متل ؤ�ها ‪ ،‬وفيها‬ ‫�صورتان إلبراهيم و�إ�سماعيل ي�ستق�سمان أ‬ ‫بالزالم ؟ فقال‪-‬‬ ‫�ساخط ًا على امل�شركني – ( قاتلهم اهلل واهلل ما ا�ستق�سما بهذا‬ ‫قط ) وحما ذلك كله‪ .‬حتى �إذا طهر امل�سجد من أالوثان‬ ‫أ�قبل على قري�ش وهم �صفوف �صفوف ‪ ،‬يرقبون ق�ضاءه فيهم‪،‬‬ ‫ف أ�م�سك بع�ضادتي الباب ‪ -‬باب الكعبة‪ -‬وهم حتته‪ ،‬فقال‪( :‬ال‬ ‫اله �إال اهلل وحده‪� ،‬صدق وعده‪ ،‬ون�صر عبده‪،‬وهزم أالحزاب‬ ‫وحده)‪.‬‬ ‫ال�شاهد الرابع‪ :‬ثم قال ‪ ( :‬يا مع�شر قري�ش ‪ ،‬ما ترون أ�ين‬ ‫فاعل بكم) ؟ قالوا‪ :‬خري ًا ‪ ،‬أ�خ كرمي وابن أ�خ كرمي‪ .‬فقال‪( :‬ف�إين‬ ‫أ�قول لكم ما قال يو�سف إلخوته‪ :‬اذهبوا ف أ�نتم الطلقاء)»‪.‬‬ ‫وقبل أ�ن ي�سري الر�سول‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬بجي�شه‬

‫‪33‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫العرمرم �إىل مكة فاحتا وم ؤ�دبا ل�صناديد وكفار قري�ش على‬ ‫نق�ضهم عهدهم معه با إلغارة وامل�ساعدة ماديا ومعنويا على‬ ‫بني خزاعة من قبل بني بكر‪ ،‬وقع يف هذه الفرتة الدقيقة‬ ‫حادث م�ستغرب‪.‬ف�إن رج ًال من أ�هل ال�سابقة يف جهاد امل�شركني‬ ‫تطوع ب�إر�سال كتاب �إىل قري�ش يخربهم فيه أ�ن حممد ًا �سائال‬ ‫�إليهم بجي�شه‪ !!..‬وقد عرف من كتب ال�سري أ�ن امل�سلمني كانوا‬ ‫حري�صني على �إخفاء خطة الغزو؟ أ�لي�س مما يقرب جناحهم‬ ‫ويخفف خ�سائرهم ؟ ولعله يدفع قري�ش ًا �إىل الت�سليم دون أ�ن‬ ‫ت�سفك الدماء عبث ًا وما معنى الكتابة �إليهم �إال التحري�ض على‬ ‫حرب اهلل ور�سوله‪ ،‬واال�ستكثار من أ��سباب املقاومة؟‬ ‫أ�خالقيات اجلهاد‪:‬‬ ‫حني ت�شتعل نار احلرب يجب أ�ن يذكر اجلي�ش املحارب أ�نه‬ ‫يخو�ض حربا دفاعية لتحرير ال�ضعفاء وامل�ضطهدين‪،‬فلي�ضيق‬ ‫حدودها حتى ال ي�صطلي بنارها �إال من حمل ال�سيف وبد أ�‬ ‫بالعدوان فال ت ؤ�خذ أ�مة العدو كلها بجريرة جي�شها أ�و فريق‬ ‫منها اعتدوا على أ�متنا‪}:‬وقاتلوا يف �سبيل اهلل الذين يقاتلونكم‬ ‫وال تعتدوا �إن اهلل ال يحب املعتدين{ (البقرة‪)190‬‬ ‫وهنا ي�سمو ا إل�سالم اىل منتهى ذروة ا إلن�سانية حني يحرم‬ ‫قتل ال�شيخ الكبري والعاجز واملر أ�ة وال�صبي ورجل الدين املنقطع‬ ‫للعبادة والفالح وامل�سامل الذي مل ي�شرتك يف القتال‪،‬وح�سبنا أ�ن‬ ‫نذكر و�صية أ�بي بكر ال�صديق – ر�ضي اهلل عنه ‪ -‬ألول جي�ش‬ ‫خرج من اجلزيرة العربية لريد عدوان الروم املبيت على دولة‬ ‫ا إل�سالم الفتية‪،‬وهي و�صايا جتعل أ�بي بكر على قمة اخللود بني‬ ‫رجال التاريخ وقادة أالمم مدنيني وع�سكريني‪�،‬إذ يقول‪(( :‬ال‬ ‫متثلوا وال تقتلوا طفال �صغريا وال �شيخا كبريا وال امر أ�ة وال‬ ‫تعقروا نخال وال حترقوه وال تقطعوا �شجرة مثمرة وال تذبحوا‬ ‫�شاة وال بقرة وال بعريا �إال مل أ�كله‪،‬و�سوف مترون ب أ�قوام فرغوا‬ ‫أ�نف�سهم يف ال�صوامع فدعوهم وما فرغوا أ�نف�سهم له))‪،‬هذه‬ ‫هي و�صايا أالمة التي حتارب بروح م�ساملة‪،‬وت أ�بى أ�ن تنقلب �إىل‬ ‫أ�مة معتدية تنطلق وراء غرائزها وثاراتها تخرب وتنتقم‪.‬‬ ‫فاحلرب عند أ�مة حممد الو�سطية لي�ست �ضررا وال �ضرارا‬ ‫‪ ،‬وال همجية وتع�سفية ‪ ،‬ومل تكن أ�بدا للدنيا وملذاتها أ�و �شهواتها‬ ‫‪ ،‬ملاذا ؟ ألنها كانت �إن�سانية الطابع والوجهة‪ ..‬ال مل�صلحة قوم‬ ‫وال أ�مة وال جن�س بل كانت مل�صلحة أ�مم العامل كلها‪،‬فات�سع‬

‫‪34‬‬

‫�صدرها‪-‬بعد الن�صر‪ -‬جلميع �شعوب العامل‪،‬وا�ستفادت من كل‬ ‫ح�ضارات العامل‪،‬و أ�ظلت للوائها أ�مما و�شعوبا متباينة اللغات‬ ‫والعادات‪،‬خمتلفة أالعراق والديانات‪،‬ولعل احلروب ا إل�سالمية‬ ‫هي احلروب الوحيدة التي أ�قامت بعد انت�صارها ح�ضارة‬ ‫ا�شرتك يف بنائها كل �شعوب أالر�ض‪...‬وهل كانت ا إلن�سانية تنعم‬ ‫بثمار الفكر العبقري لعظماء ا إل�سالم اخلالدين‪،‬ك أ�بي حنيفة‬ ‫وابن ر�شد والطربي والبخاري وم�سلم وجل املحدثني والفقهاء‬ ‫و أ�هل الكالم والفال�سفة كالغزايل والفارابي والرازي والكندي‬ ‫ومن لف لفهم ‪ -‬وهم من أ��صل غري عربي‪ -‬لوال حروب ا إل�سالم‬ ‫وفتوحاته؟!‪..‬‬ ‫ما أ�حوجنا لهذا املنهج الو�سطي‪:‬‬ ‫هذه هي أ�هم ما تتميز به احلروب ا إل�سالمية يف واقعها‬ ‫التاريخي‪،‬وبذلك ا�ستطاع ا إل�سالم ألول مرة يف التاريخ‪ ،‬أ�ن‬ ‫ين�شىء جيال ممتازا يف حب ال�سلم والعمل له‪،‬وكره احلرب‬ ‫واالبتعاد عنها �إال أ�ن ال يكون منها مفر‪،‬وحينئذ الين�سى أ�خالقيته‬ ‫و�إن�سانيته وال روحه امل�ساملة املت�ساحمة مع ا�شد أ�عدائه لددا‬ ‫وخ�صومه‪�،‬إن جناح ا إل�سالم يف ذلك جناح منقطع النظري‪،‬و�سر‬ ‫هذا فيما اعتقد انه أ�حاط امل�سلم بجو �سلمي يف نف�سه ويف بيته‬ ‫ويف جواره ويف جمتمعه‪،‬وانتزع من نف�سه كل عوامل ال�شر‬ ‫ومطامع الغلبة واال�ستعالء‪،‬وجعل العبادة هي املدر�سة أالوىل‬ ‫التي تربيه على حب ال�سلم والتعاون مع النا�س‪،‬حتى �إذا ا�ضطر‬ ‫اىل خو�ض غمار احلرب دفاعا عن عقيدة‪ ،‬أ�و ذودا عن حرمة‪ ،‬أ�و‬ ‫حتريرا جلماعة من طغيان الظاملني وا�ستبداد املتكربين‪،‬ر أ�ى‬ ‫النا�س فيه أ��سدا ال يعب أ� باملوت وال يبايل باجلراح ‪،‬وله مع هذا‬ ‫رقة املواعدين وهدوء ال�ساملني‪،‬و�سماحة املرتفعني عن أالحقاد‬ ‫وال�ضغائن‪..‬‬ ‫وما أ�حوج ا إلن�سانية اليوم اىل مثل هذه الرتبية التي‬ ‫ربي عليها ا إل�سالم أ�بناءه‪،‬فكان لهم طهر أالنبياء‪،‬وبراءة‬ ‫املالئكة‪،‬وحمية ا إلبطال! ذلك أ�ن الذين ينادون بال�سلم من كال‬ ‫املع�سكرين املتحاربني اليوم‪،‬قد فقدوا ال�سلم يف أ�نف�سهم ويف‬ ‫بيوتهم‪،‬ويف أ�نف�سهم معركة قائمة بني أالطماع وال�شهوات‪،‬وبني‬ ‫العقل والقلب‪،‬ويف بيوتهم نار م�شتعلة ت�شب من اختالل‬ ‫التوازن بني احلقوق والواجبات‪:‬بني الرجل وبني املر أ�ة‪،‬وبني‬ ‫الوالد والولد‪،‬ويف جمتمعاتهم أ�حقاد موروثة‪،‬و�ضغائن‬ ‫موروثة‪،‬ومظامل اجتماعية تعمل عملها يف �إثارة أالع�صاب‬ ‫وا�شتجار العداوات‪..‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫العالن العاملي‬ ‫توجهات إ‬ ‫ال�سالم‬ ‫الن�سان يف ميزان إ‬ ‫حلقوق إ‬ ‫الدكتور يا�سني املقو�سي‬ ‫ع�ضو منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬ ‫الن�سان يف القرن احلادي والع�شرين باهتمام متزايد لدى الباحثني‪ ،‬وغدت الق�ضية‬ ‫حتظى ق�ضية حقوق إ‬ ‫أ‬ ‫الن�سان ق�ضية ح�ضارية‪ ،‬و أ�داة �ضغط �سيا�سي‪،‬‬ ‫الهم بني الق�ضايا الرتبوية واالجتماعية وال�سيا�سية‪ ،‬فحقوق إ‬ ‫الن�سان من املفاهيم ال�شائعة يف أ‬ ‫الدبيات ال�سيا�سية والرتبوية احلديثة‪ ،‬ومن هنا اجتهت‬ ‫و أ��ضحى مفهوم حقوق إ‬ ‫الن�سان‪.‬‬ ‫كثري من الدول �إىل زيادة االهتمام بحقوق إ‬ ‫والعامل اليوم أ��صبح قرية �إن�سانية واحدة‪ ،‬حتطمت بينها كل احلواجز اجلغرافية والثقافية واالقت�صادية‬ ‫الن�سان‬ ‫الن�سان مل ي ُعد أ�مام املفكرين امل�سلمني من خيار �سوى طرح حقوق إ‬ ‫وال�سيا�سية‪ ،‬ويف غمرة حركة حقوق إ‬ ‫ال�سالمي و أ��سا�سياته‪ ،‬معتمدين مبد أ� االجتهاد يف فهم‬ ‫والق�ضايا املتعلقة بها‪ ،‬م�ستندين �إىل أ��صول الفكر إ‬ ‫الن�صو�ص‪ ،‬وفهم الواقع املعا�ش‪.‬‬ ‫ويف ظل نظام عاملي م�ضطرب حتاول فيه دولة عظمى‬ ‫واحدة أ�ن تفر�ض قوانينها على العامل‪ ،‬كما حتاول ت�سييد‬ ‫مفاهيم عوملتها‪ ،‬وت�ستغل ق�ضية حقوق ا إلن�سان ألغرا�ض‬ ‫�سيا�سية هي أ�بعد ما تكون عن القيم احلقيقية حلقوق ا إلن�سان‪،‬‬ ‫وبالتايل يتوقع كثري من الباحثني أ�ن يفرز هذا النظام جمموعة‬ ‫من القيم واملبادئ واملفاهيم املرتبطة مبفاهيم حقوق ا إلن�سان‪،‬‬ ‫و�ستحاول �إدخالها يف الكتب واملناهج املدر�سية للدول دون‬ ‫مراعاة خل�صو�صيتها الدينية والثقافية واالجتماعية‪ .‬ويظهر‬ ‫ذلك من خالل غايات حقوق ا إلن�سان يف العامل الغربي‬ ‫القائمة على القيم واملبادئ التي انتهى �إليها الفكر أالوروبي‬

‫والر أ��سمايل‪ ،‬وهو منوذج للمفاهيم التي يحاول الغرب فر�ض‬ ‫عامليتها على ال�شعوب أالخرى من خالل النظام العاملي اجلديد‪،‬‬ ‫القائم على مبد أ� الرف�ض املطلق للتباين والتعددية يف الثقافات‬ ‫واخل�صو�صيات احل�ضارية أ‬ ‫للمم وال�شعوب‪.‬‬ ‫« و أ�مام ا�شتداد وط أ�ة الغزو الفكري يف العامل ا إل�سالمي‬ ‫مم ِّهد ًا وتالي ًا للغزو الع�سكري واالقت�صادي‪ ،‬كان ال ب ّد للفكر‬ ‫ا إل�سالمي من النهو�ض من غفوته‪ ،‬ليدافع عن ا إل�سالم‪،‬‬ ‫مت�سلح ًا ب�سالح العقل ومكت�سبات العلوم‪ ،‬حماو ًال بلورة نظرية‬ ‫�إ�سالمية �سيا�سية واجتماعية للدولة املعا�صرة «‪( .‬الغنو�شي‪،‬‬

‫‪35‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫‪� ،1993‬ص‪ )74‬وبخا�صة أ�نّ أ��سا�س حقوق ا إلن�سان يف اخلطاب‬ ‫ا إل�سالمي ي�ستند �إىل التكرمي ا إللهي‪ ،‬و أ�ن هذه احلقوق �ضرورة‬ ‫من �ضرورات �إن�سانية ا إلن�سان‪ ،‬وهي واجبات مقد�سة ال يجوز‬ ‫للن�سان أ�ن يتنازل عنها أ�و ي�سمح بانتهاكها‪ ،‬و أ�ن حقوق‬ ‫إ‬ ‫ا إلن�سان جزء ال ينف�صل عن العقيدة ا إل�سالمية وعن الت�ص ّور‬ ‫العام لعالقة ا إلن�سان بر ِّبه ونف�سه والنا�س والكون‪.‬‬ ‫�إنّ �صورة ا إل�سالم مرتبطة بواقع امل�سلمني‪ ،‬و أ�نّ ت�صحيحها‬ ‫مقرون ب�إ�صالح أ�و�ضاع ال�شعوب يف العاملني العربي وا إل�سالمي‪،‬‬ ‫فت�ضا ؤ�ل ت أ�ثري القيم الدينية‪ ،‬واملفاهيم واملبادئ أالخالقية‬ ‫ا إلن�سانية يف الق�ضايا املتعلقة بحقوق ا إلن�سان من ناحية‪ ،‬وكثري‬ ‫من ال�سلوكيات ال�سلبية واملمار�سات الفردية واجلماعية املنتهكة‬ ‫حلقوق ا إلن�سان من ناحية أ�خرى‪ ،‬أ�عطى �صورة �سلبية يف كثري‬ ‫من أالحيان عن مفاهيم حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم‪.‬‬ ‫�إنّ حقوق ا إلن�سان وحرياته يف ا إل�سالم لي�ست وليدة‬ ‫التطور االجتماعي‪ ،‬أ�و مقت�ضيات احلياة املتغرية‪ ،‬بل هي حقوق‬ ‫�إن�سانية ثابتة باعتبار �إن�سانية ا إلن�سان‪ ،‬ومن�سجمة مع فطرته‬ ‫ا إلن�سانية‪ ،‬وهي حقوق ثابتة يف الت�صور‪ ،‬مرتبطة بالغاية‬ ‫الكربى لوجود ا إلن�سان‪ ،‬ومراعية للمقا�صد ال�شرعية للوجود‬ ‫ا إلن�ساين‪ ،‬و ُم�ستمدة من �إرادة اهلل تعاىل وحكمته وت�شريعه‪.‬‬ ‫ولذلك حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم ب أ�وامر ونوا ٍه �شرعية‪ ،‬و أ�قام‬ ‫ال�ضمانات التي تكفل دميومتها‪ ،‬ومتنع تف�سريها على م�صالح‬ ‫�آنية‪ ،‬ورغبات فردية أ�و جماعية‪ ،‬فهي حقوق �إن�سانية ال ترتبط‬ ‫بجن�س أ�و عن�صر ب�شري أ�و مادي‪.‬‬ ‫احرتم ا إل�سالم ا إلن�سان‪ ،‬ورفع من قيمة النف�س الب�شرية‪،‬‬ ‫للن�سان حقوق ًا وحريات فردية واجتماعية حني مل‬ ‫و أ�وجب إ‬ ‫للن�سان حق أ�و حرية‪« ،‬وهذه احلقوق �شرعها اهلل تعاىل‬ ‫يكن إ‬ ‫للن�سان هي واجبات �شرعية‪ ،‬وفرو�ض �إجبارية مكفولة‬ ‫إ‬ ‫وم�صانة ب�ضمانات ت�شريعية وجزائية ق�ضائية‪ .‬أ‬ ‫فال�صل يف‬ ‫ا إل�سالم أ�ن الب�شر مت�ساوون من حيث كونهم ب�شر ًا‪ ،‬أ��صلهم‬ ‫واحد‪ ،‬و�إن اختلفت أ�جنا�سهم و أ�لوانهم و أ�ن�سابهم»‪( .‬البغا‪،‬‬ ‫‪� ،1990‬ص ‪)286‬‬ ‫فا إلن�سان خملوق م ّيزه اهلل تعاىل بالتكرمي‪ ،‬وهو بهذه‬ ‫ال�صفة ُت ْثبت له حقوق لي�س ألحد أ�ن ينتهكها حتى هو نف�سه‪،‬‬ ‫فال يحق له أ�ن يهدرها أ�و يتنازل عنها‪ ،‬وال حق ألحد أ�ن يهدر‬

‫‪36‬‬

‫حريته وحقوقه‪ ،‬فالنا�س أ�مام احلق �سواء وحقوقهم مت�ساوية‪،‬‬ ‫فا إل�سالم ال ُيق ّر مطلق ًا أ�ي متييز بني النا�س �إال بالتقوى‪،‬‬ ‫فاختالف الدين ال ُي�س ِّبب انتقا�ص ًا للحقوق أ�و التفاوت فيها‪،‬‬ ‫فللم�سلم وغري امل�سلم نف�س احلقوق ا إلن�سانية‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ا�س ِ� إ َّنا َخ َل ْق َنا ُك ْم ِمنْ َذ َك ٍر َو أُ� ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوب ًا‬ ‫} َيا َأ� ُّي َها ال َّن ُ‬ ‫الل َأ� ْت َقا ُك ْم �إِنَّ هَّ َ‬ ‫الل َع ِلي ٌم‬ ‫َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِنَّ َأ� ْك َر َم ُك ْم ِع ْندَ هَّ ِ‬ ‫ري{(�سورة احلجرات‪ ،‬ا آلية ‪)13‬‬ ‫َخ ِب ٌ‬ ‫�إنّ حق املواطنة يف الدولة ا إل�سالمية م�ضمون لكل من‬ ‫رغب فيه‪ ،‬والتزم مبقت�ضياته بعيد ًا عن كل �ضروب الظلم‬ ‫والت�سلط‪ .‬فعقد املواطنة ُيثبت لكل مواطني الدولة حقوق ًا‬ ‫�إن�سانية ومدنية ح�ضارية‪ ،‬ال متييز فيها بني م�سلم وغري م�سلم‪.‬‬ ‫ولذا فقد أ�وجبت ال�شريعة ا إل�سالمية وعاملت غري امل�سلمني‬ ‫معاملة خا�صة‪ ،‬ومنحتهم حقوق ًا ذات م�ستوى أ�خالقي و�إن�ساين‬ ‫رفيع‪ ،‬فقد أ�ر�سى ا إل�سالم قاعدة �إن�سانية يف تعامله مع غري‬ ‫امل�سلمني قوامها العدل وال�سالم‪ ،‬واملودة أ‬ ‫والمان‪ « ،‬ألنّ ا إلن�سان‬ ‫يتم‬ ‫هو مدين بالطبع ألنه ال تمَ ْ َكن حياة املنفرد من الب�شر‪ ،‬وال ّ‬ ‫وجوده �إال باالجتماع مع أ�بناء جن�سه « (ابن خلدون‪،2004 ،‬‬ ‫�ص ‪.)563‬‬ ‫�إنَّ احلقوق املدنية الثابتة للم�سلمني ثابتة لغري امل�سلمني‪،‬‬ ‫ما داموا يحملون جن�سية الدولة ا إل�سالمية‪ ،‬ويلتزمون باحرتام‬ ‫ت�شريعات ا إل�سالم العامة‪ ،‬فقد منحهم ا إل�سالم حقوق املواطنة‬ ‫كاملة‪ ،‬ألنّ حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم �إن�سانية االنتماء‪ ،‬فا إلن�سان‬ ‫هو ا إلن�سان م�سلم ًا كان أ�م غري م�سلم‪ ،‬فال ف�ضل جلن�س على‬ ‫جن�س‪ ،‬وال للون على لون‪ ،‬وال لعن�صر على عن�صر‪ ،‬فاهلل تعاىل‬ ‫يخاطب ا إلن�سان دون أ�ن يربطه ب�صفاته الطارئة كالو�ضعية أ�و‬ ‫رب للنا�س‬ ‫القومية ونحو ذلك‪ ،‬فالنا�س كلهم عباد هلل واهلل تعاىل ُّ‬ ‫ا�س ِ� إ َّنا َخ َل ْق َنا ُك ْم ِمنْ َذ َك ٍر َو أُ� ْن َثى‬ ‫جميع ًا‪ .‬قال تعاىل‪َ } :‬يا َأ� ُّي َها ال َّن ُ‬ ‫الل َأ� ْت َقا ُك ْم‬ ‫َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوب ًا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِنَّ َأ� ْك َر َم ُك ْم ِع ْندَ هَّ ِ‬ ‫�إِنَّ هَّ َ‬ ‫ري { (�سورة احلجرات‪ ،‬ا آلية ‪)13‬‬ ‫الل َع ِلي ٌم َخ ِب ٌ‬ ‫�إنَّ احلقوق الثابتة للم�سلم هي حقوق ثابتة لكل من يقيم يف‬ ‫الدولة ا إل�سالمية‪ ،‬ويحمل جن�سيتها‪ ،‬وينتمي لها‪ ،‬ويحافظ على‬ ‫حرماتها‪ ،‬ويحمي أ�منها الداخلي واخلارجي‪ ،‬فحق ا إلن�سان يف‬ ‫احلياة‪ ،‬وحقه يف احلرية الدينية‪ ،‬وحرية التفكري وحرية الر أ�ي‬ ‫والتعبري‪ ،‬وحقه يف احلريات ال�سيا�سية والعدالة‪ ،‬وكذلك حقه‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫وحرمة امل�سكن وحريته فيه‪ ،‬وحق العمل‬ ‫يف احلرية ال�شخ�صية‪ُ ،‬‬ ‫والكفالة االجتماعية‪ ،‬وحرية االنتماء واجلن�سية‪ ،‬وحرية التنقل‬ ‫والهجرة‪ ،‬وحقه الثابت يف امللكية الفردية‪ ،‬وحق التعليم وغريها‬ ‫من احلقوق هي حقوق �إن�سانية واجبة لكل من يقيم يف الدولة‬ ‫ا إل�سالمية من غري امل�سلمني‪ ،‬مع مراعاة القواعد واملبادئ‬ ‫ا إل�سالمية العامة واخلا�صة يف ذلك‪.‬‬ ‫وقد أ�ر�سى ا إل�سالم قاعدة من التوجيهات أالخالقية التي‬ ‫ت�ضبط معاملة امل�سلمني بغريهم داخل املجتمع ا إل�سالمي‪ ،‬فهو‬ ‫ُيح ّرم على امل�سلمني أ�ن يتعاملوا مع غريهم ب أ�خالق غري الئقة‪،‬‬ ‫فقد �ساوى ا إل�سالم بني امل�سلمني وغريهم يف التعامل أالخالقي‬ ‫والكرامة ا إلن�سانية‪ « .‬فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة �سوء أ�و‬ ‫غيبة يف عر�ض أ�حدهم‪ ،‬أ�و أ�ي نوع من أ�نواع أالذية‪ ،‬أ�و أ�عان‬ ‫على ذلك فقد �ض ّيع ذمة اهلل تعاىل‪ ،‬وذمة ر�سوله �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم وذمة دين ا إل�سالم «‪( .‬القرايف‪)14 /3 ،‬‬ ‫وقد حظي ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان باهتمام العديد‬ ‫من دول العامل منذ �إعالنه‪ ،‬فقد ظهرت فكرة �إ�صدار �إعالن‬ ‫عاملي حلقوق ا إلن�سان بعد انتهاء احلرب العاملية الثانية‪ ،‬و أ�ثناء‬ ‫توقيع ميثاق �إن�شاء أالمم املتحدة يف م ؤ�متر �سان فران�سي�سكو‬ ‫بالواليات املتحدة أالمريكية يف عام ‪1945‬م‪ ،‬فقد تق ّدم أ�حد‬ ‫أالع�ضاء باقرتاح بو�ضع �إعالن يت�ض ّمن احلقوق واحلريات‬ ‫أال�سا�سية للنا�س جميع ًا‪ ،‬بال متييز ب�سب العن�صر أ�و اجلن�س أ�و‬ ‫اللغة أ�و الدين‪.‬‬ ‫و�صدر ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان عن اجلمعية‬ ‫العامة أ‬ ‫للمم املتحدة عام ‪1948‬م‪ ،‬وهذا ا إلعالن ميثل التط ّور‬ ‫أالبرز يف �صياغة حقوق ا إلن�سان يف عاملنا املعا�صر‪ ،‬وقد بينّ‬ ‫ا إلعالن أ�ن حقوق ا إلن�سان حقوق عاملية متتلكها كل الكائنات‬ ‫ق�سمت‬ ‫الب�شرية‪ ،‬ووفق تعريف ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان ّ‬ ‫�إىل ق�سمني رئي�سني ‪ :‬احلقوق ال�سيا�سية واملدنية‪ ،‬واحلقوق‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية‪.‬‬ ‫لقد ت�ض ّمن ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان حقوق ًا‬ ‫للن�سان‪ ،‬واعرتفت به دول العامل‪ ،‬ومن املفيد معرفة مدى‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫اتفاق �و اختالف ما جاء يف ا إلعالن العاملي مع مفاهيم حقوق‬ ‫ا إلن�سان يف ا إل�سالم‪ ،‬وهل ثمة م�شرتكات بني حقوق ا إلن�سان‬ ‫يف ا إل�سالم وحقوق ا إلن�سان يف ا إلعالن العاملي‪ ،‬وهل هناك‬

‫م�ساحة للتمايز أ�و التقارب بينهما‪.‬‬ ‫ومنذ �صدور ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان واجلدل‬ ‫دائر يف العامل ا إل�سالمي حول مدى تقاطع أ�و تطابق مبادئ‬ ‫ا إلعالن مع املبادئ أال�سا�سية للدين ا إل�سالمي‪ ،‬وو�صل أالمر‬ ‫أ�حيان ًا �إىل احلد الذي يرى فيه البع�ض أ�ن حركة حقوق ا إلن�سان‬ ‫وجميع �إعالناتها مرفو�ضة‪ ،‬ألنها حركة كافرة‪ ،‬ت�ستهدف‬ ‫ا إل�سالم وامل�سلمني معتقدين أ�نها حركة تتوالها وتقوم بها دول‬ ‫ت�ستغلها للعمل ال�سيا�سي أ�كرث من اهتمامها بحقوق ا إلن�سان‪،‬‬ ‫و أ�ن املمار�سة اخلاطئة ملو�ضوع حقوق ا إلن�سان من قبل القوى‬ ‫املهيمنة دليل على ف�ساد الفكرة‪( .‬املتوكل‪� ،1998 ،‬ص ‪-88‬‬ ‫‪)89‬‬ ‫جاء ا إلعالن العاملي مببادئ عامة حلقوق ا إلن�سان‪ ،‬متيزت‬ ‫يف كثري منها بتجاهل هموم ال�شعوب أالخرى‪ ,‬بل أ��صبحت هذه‬ ‫املبادئ يف كثري من أالحيان �سالح ًا ي�ستخدمه امل�ستعمرون‬ ‫اجلدد و�سيلة لل�ضغط على ال�شعوب امل�ست�ضعفة‪ ،‬ويف أ�حيان‬ ‫كثرية نظر �إىل معاناة ال�شعوب ك أ�مر داخلي يجب عدم التدخل‬ ‫فيه‪ ،‬وترك أ‬ ‫للنظمة احلاكمة م�س ؤ�ولية تعريف مفاهيم حقوق‬ ‫ا إلن�سان‪ ،‬ومن هنا تظهر احلاجة إلظهار مدى االختالف‬ ‫والتمييز بني مفاهيم حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم وا إلعالن‬ ‫العاملي حلقوق ا إلن�سان‪.‬‬ ‫أ�و ًال‪ :‬ينطلق الت�صور ا إل�سالمي حلقوق ا إلن�سان من نظرته‬ ‫�إىل ا إلن�سان‪ ،‬حيث جعله اهلل تعاىل خليفته يف أالر�ض ليقوم‬ ‫بعمارتها‪ ،‬و�إقامة العدل فيها‪ ،‬وكرم ا إلن�سان على �سائر‬ ‫املخلوقات‪ ،‬ويت�ساوى يف هذا التكرمي جميع الب�شر ب�صفتهم‬ ‫ا إلن�سانية‪ .‬ومن هنا يربز الفرق وا�ضح ًا بني ا إل�سالم وبني‬ ‫الفكر الغربي املنظر حلقوق ا إلن�سان من حيث امل�صدر‪،‬‬ ‫فم�صدر حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم أالوامر والنواهي التي‬ ‫جاء بها الوحي من اهلل تعاىل‪ ،‬والثابتة يف أالدلة ال�شرعية من‬ ‫القر�آن وال�سنة‪ ،‬ويلتزم بها امل�سلمون بدافع ا إلميان إلقامة تلك‬ ‫احلقوق يف واقع احلياة‪.‬‬ ‫�إنّ ا إل�سالم ينظر �إىل حقوق ا إلن�سان كحقوق م�ستمدة‬ ‫من �إرادة اهلل تعاىل وحكمته‪ ،‬فاملنطلق الرئي�س لتلك احلقوق‬ ‫أ��سا�س عقدي‪ ،‬يلتزم به امل�سلم ألنها جزء ال يتجز أ� من عقيدته‪،‬‬ ‫فا إل�سالم ُيق ّدم ت�صور ًا ثابت ًا حلقوق ا إلن�سان يف ت�شريعاته‪,‬‬

‫‪37‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫حيث ح ّدد احلقوق ب أ�وامره ونواهيه ال�شرعية‪ ،‬وح ّدد الكيفية‬ ‫يتم بها ت أ�كيد تلك احلقوق‪.‬‬ ‫وال�ضمانات التي ّ‬ ‫أ�ما الفكر الغربي فقد ربط م�صدر احلقوق وت�شريعاتها‬ ‫مببد أ� احلرية‪ ،‬وترك أالمر للنا�س لنيل حقوقهم بناء على‬ ‫م�صلحتهم‪ ،‬ثم قيدها بقيود خيالية عند اال�ضطرار لذلك‪،‬‬ ‫كالت أ�كيد على أ�نّ احلقوق واحلرية الفردية تنتهي حيث تبد أ�‬ ‫حقوق ا آلخرين‪ ،‬أ�و الت أ�كيد على عدم تدخل الدولة �إال عند‬ ‫انتهاك احلريات‪ ،‬وذلك ألنها ال ت�ستند �إىل عقيدة أ�و مبد أ�‪،‬‬ ‫وبالتايل يتخلون عنها �إذا تعار�ضت مع م�صاحلهم‪ ،‬مما‬ ‫يجعل احلقوق يف الغالب أ�مر ًا نظري ًا ال أ�ثر له يف الواقع‪ ،‬لعدم‬ ‫�إمكانية االتفاق بني امل�صلحة الفردية واجلماعية‪ ،‬مما ي ؤ�دي‬ ‫يف النهاية �إىل �سيطرة القوي على ال�ضعيف‪ ،‬وو�ضع الت�شريعات‬ ‫اخلا�صة خلدمة م�صالح طبقة دون مراعاة حلقوق املجتمع‪.‬‬ ‫ففي الت�شريعات الغربية اخلا�صة باحلقوق يرى بع�ضها حماية‬ ‫القاتل من عقوبة الق�صا�ص با إلعدام دفاع ًا عن حقوق ا إلن�سان‬ ‫دون اعتبار حلقوق �إفراد املجتمع‪ ،‬كما ظهرت ت�شريعات أ�باحت‬ ‫أ‬ ‫للفراد مزاولة كل ما ُيحقق م�صاحلهم دون اعتبار أ�خالقي‬ ‫فظهرت ا إلباحية اجلن�سية دون اعتبار لنتائجها املروعة على‬ ‫حا�ضر ا إلن�سانية وم�ستقبلها‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ويظهر االختالف يف تف�صيالت حقوق ا إلن�سان‪،‬‬ ‫فقد جاءت الن�صو�ص ال�شرعية واجتهادات العلماء وف�صلت‬ ‫تلك احلقوق تف�صي ًال دقيق ًا‪ ،‬من خالل أ�حكام �شرعية ملزمة‬ ‫ملنع جتاوزها أ�و انتهاكها‪ ،‬ف�إنّ احلقوق يف ا إل�سالم ف�صلت‬ ‫بغاية الو�ضوح‪ ،‬ومل ترتك مفاهيم عامة‪ ،‬فقد جاءت ن�صو�ص‬ ‫القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية فحددت احلقوق والواجبات‪،‬‬ ‫ومنعت جتاوزها أ�و انتهاكها‪ ،‬ورتبت ال�شريعة ا إل�سالمية على‬ ‫املخالفات التي يرتتب عنها �ضياع حق من حقوق ا إلن�سان‬ ‫عقوبات زاجرة‪.‬‬ ‫ولذلك ف�إنّ حق ا إلن�سان يف احلياة حق �إن�ساين اتفقت عليه‬ ‫ف�صل �صور احلفاظ على هذا احلق‪،‬‬ ‫الب�شرية‪ ،‬ولكن ا إل�سالم ّ‬ ‫فقد ح ّرمت ال�شريعة ا إل�سالمية االعتداء على النف�س بكل‬ ‫�صوره‪ ،‬فحرمت االعتداء على النف�س من قبل ا إلن�سان نف�سه‪،‬‬ ‫كاالنتحار وتعري�ض النف�س للتهلكة أ�و تكليفها فوق طاقتها‬ ‫أ�و عدم �إ�شباعها حلاجاتها أال�سا�سية‪ ،‬وكذلك حترمي �صور‬

‫‪38‬‬

‫االعتداء عليها من قبل ا آلخرين �سواء أ�بالقتل أ�م اال�ستعباد‪ ،‬بل‬ ‫و�شرعت أ�حكام الق�صا�ص والعقوبات حماية حلق حياة النف�س‬ ‫الب�شرية‪ .‬وكذلك حرمت الزنا والقذف و�شرعت احلدود حماية‬ ‫حلق ا إلن�سان يف عر�ضه وكرامته‪ ،‬وغري ذلك من أالحكام‪.‬‬ ‫أ�ما الفكر الغربي فقد تعامل مع حقوق ا إلن�سان كمبادئ‬ ‫عامة جمردة ‪ ،‬ت�ستند �إىل مفهوم احلرية والعدل وامل�ساواة‬ ‫والكرامة دون تف�صيل‪ ،‬ف أ�طلقت احلقوق دون تقييد‪ ،‬وتو�سعت‬ ‫احلريات املطلقة فكانت ا إلباحية واحلرية اجلن�سية وحقوق‬ ‫املثليني (ال�شذوذ اجلن�سي) وا إلحلاد حقوق ًا �إن�سانية‪ ،‬وهذا‬ ‫االت�ساع يف املفهوم ال تقبله القيم أالخالقية ا إلن�سانية‪ ،‬ويتعار�ض‬ ‫مع املفاهيم الدينية ال�سماوية وخا�صة ا إل�سالمية‪ .‬ولهذا يظهر‬ ‫التناق�ض يف القوانني والت�شريعات يف الدول الغربية‪ ،‬فبع�ض‬ ‫الدول ترى حماية القاتل من عقوبة الق�صا�ص با إلعدام‪ ،‬دفاع ًا‬ ‫عن حقه يف احلياة‪ .‬ومن هنا يظهر �سمو ا إل�سالم حينما أ�ق ّر‬ ‫للن�سان حقوق �إن�سانيته وق ّد�سها من أ�ربعة ع�شر قرن ًا‪ ،‬وجعل‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫منها دينا ودنيا‪ ،‬و�قامها على ��س�س �خالقية وروحية وت�شريعية‬ ‫�إن�سانية رفيعة‪ ،‬و�ضبطها بقيود �شرعية حتفظها من �شرور‬ ‫الالمبالة والتحرر من كل �ضابط‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬غاية الت�شريع ا إل�سالمي من حقوق ا إلن�سان ترتبط‬ ‫بالغاية أال�سا�سية لوجود ا إلن�سان‪ ،‬وهي حتقيق العبودية املطلقة‬ ‫هلل تعاىل‪ ،‬وحفظ مقا�صد ال�شريعة يف الوجود ا إلن�ساين من‬ ‫حفظ الدين والنف�س والعقل والعر�ض (الن�سل) واملال‪ ،‬ف�ض ًال‬ ‫عن حفظ حاجيات هذا الوجود‪ ،‬وحفظ حت�سينات الوجود‬ ‫ا إلن�ساين من مكارم أالخالق ورفاهية احلياة املادية الكرمية‪.‬‬ ‫أ�ما مق�صد الفكر الغربي ملفاهيم حقوق ا إلن�سان فهو‬ ‫تقرير القيم الغربية للحياة‪ ،‬و�صناعة احل�ضارة ا إلن�سانية وفق ًا‬ ‫لفل�سفة احل�ضارة الغربية وقيمها االجتماعية واالقت�صادية‬ ‫وال�سيا�سية والتعليمية‪ .‬فهذه القيم واملبادئ التي و�صل �إليها‬ ‫الفكر أالوروبي الر أ��سمايل عرب التطورات التاريخية والتجربة‬ ‫أالوروبية مع الكني�سة ورجال الدين بل والدين نف�سه لي�ست وليدة‬ ‫مبادئ قانونية أ�و ت�شريعية ثابتة‪ ،‬تتعامل مع الواقع ا إلن�ساين يف‬ ‫عامل مت�ساو‪ ،‬بل تعمل على حتقيق أالهداف ا إلن�سانية للب�شرية‬ ‫انطالق ًا من مبد أ� فرز ال�شعوب وت�صنيف أالمم وعن�صرية اللغة‬ ‫والدين‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫للن�سان حقوق ًا‬ ‫رابع ًا‪ :‬ويرى الباحث أ�نّ ا إل�سالم أ�ثبت إ‬ ‫�شرعية‪ ،‬ودعا �إىل احرتامها و�صانها ب أ�حكام و�ضوابط �شرعية‪،‬‬ ‫و�سبق ا إلعالن العاملي يف ذلك‪ ،‬أ‬ ‫ولنّ ا إل�سالم دين يت�صف‬ ‫بالواقعية وتخليق احلياة ا إلن�سانية‪ ،‬دين يجمع بني فقه أال�صل‬ ‫وفقه الع�صر �ضمن مرجعية فكرية �إ�سالمية متجددة‪ ،‬ف�إنّ‬ ‫الباحث يرى أ�نّ ا إل�سالم ال ُينكر كل ما ت�ضمنه ا إلعالن العاملي‬ ‫للن�سان‪ ،‬ومبادئ �إن�سانية فا�ضلة‪ ،‬فال ميكن حرمان‬ ‫من حقوق إ‬ ‫ا إلن�سان من حقه يف احلياة أ�و الكرامة ا إلن�سانية‪ ،‬وال حرمانه من‬ ‫احلق يف احلرية‪ ،‬واحلق يف امل�ساواة‪ ،‬وامل�شاركة االجتماعية يف‬ ‫املجتمع الذي يعي�ش فيه‪ ،‬وحماية حياته اخلا�صة من أ�ي انتهاك‬ ‫أ�و َت َعدٍّ ‪ ،‬وحق ا إلن�سان يف العمل وال�ضمان االجتماعي والتعليم‬ ‫ونحو ذلك‪ ،‬فهي حقوق �إن�سانية مت ّثل مبادئ عامة و�شعارات‬ ‫ال ميكن رف�ضها‪ ،‬ولكن اخلالف يف أال�سا�س الذي تقوم عليه‬ ‫تلك احلقوق‪ ،‬واملدى الذي ت�صل �إليه‪ ،‬واملفاهيم والقيم التي‬ ‫تت�ضمنها‪ ،‬أ‬ ‫والهداف والغايات التي ت�سعى للو�صول �إليها‪.‬‬ ‫ولذلك يجب أالخذ بعني االعتبار أ��صول الفكر ا إل�سالمي‬ ‫ومنطلقاته‪ ،‬والقيم واملبادئ الدينية والثقافية أ‬ ‫للمة‪ ،‬عند‬ ‫تناول هذه مبادئ ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان‪ ،‬ومن هذه‬ ‫املنطلقات‪:‬‬ ‫‪ -‬اعتماد الفكر ا إل�سالمي أ��سا�س ًا وحكم ًا و�ضابط ًا حلقوق‬

‫ا إلن�سان‪.‬‬ ‫ حقوق ا إلن�سان وكرامته ثابتة باعتباره ادمي ًا ي�ستحق الكرامة‬‫واحلقوق ا إلن�سانية‪.‬‬ ‫ الكرامة ا إلن�سانية ت�شمل كل متعلقات ا إلن�سان ج�سم ًا وعق ًال‬‫وروح ًا‪ ،‬يف حياته ويف مماته‪.‬‬ ‫ عدم التفريق بني ال�شعوب يف احلقوق‪ ،‬بالق�ضاء على الطبقية‬‫االجتماعية وجعل النا�س مت�ساوين يف الكرامة ا إلن�سانية‪.‬‬ ‫ النظر لعقوبات اجلرائم اخلطرة على أ�من النا�س على أ�نها‬‫�سيا�سية جنائية‪ ،‬ال تتنافى مع حقوق ا إلن�سان‪.‬‬ ‫ كفالة حقوق ا إلن�سان بقوانني �ضابطة للعدالة ا إلن�سانية‪.‬‬‫خام�س ًا‪ :‬ومن ناحية أ�خرى فقد ت�ض ّمن ا إلعالن العاملي‬ ‫مبادئ تعار�ضت مع أال�س�س الدينية عند امل�سلمني‪ ،‬يرف�ضها‬ ‫ا إل�سالم وال يعرتف بها انطالق ًا من وجوب مراعاة اخل�صو�صية‬ ‫الدينية والثقافية أ‬ ‫للمم وال�شعوب ا إل�سالمية‪ ،‬مثل الفقرة‬ ‫أالوىل من املادة (‪ )16‬والتي أ�عطت للرجل واملر أ�ة حق الزواج‬ ‫دون أ�ي قيد ب�سبب العرق أ�و اجلن�سية أ�و الدين‪ .‬وكذلك ما ورد‬ ‫يف املادة (‪ )18‬والتي أ�عطت لكـل �إن�سان احلق يف حرية الفكر‬ ‫والوجدان والدين‪ ،‬وي�شمل هذا احلق حريته يف تغيري دينه أ�و‬ ‫معتقده‪..‬‬

‫‪39‬‬


‫ن��دوة العدد‬ ‫«خطبة اجلمعة‬ ‫بني الواقع والطموح»‬ ‫امل�شاركون‪:‬‬ ‫‪ -1‬الدكتور عبد الرحمن �إبداح‪ ،‬م�ساعد أالمني العام يف وزارة أالوقاف وال�ش ؤ�ون واملقد�سات ا إل�سالمية ل�ش ؤ�ون الدعوة‬ ‫والتوجيه ا إل�سالمي‪.‬‬ ‫‪ -2‬الدكتور أ�حمد العواي�شة مدير املركز الثقايف ا إل�سالمي ‪ /‬اجلامعة أالردنية‪.‬‬ ‫‪ -3‬الدكتور م أ�مون جرار أال�ستاذ يف جامعة العلوم التطبيقية‪.‬‬ ‫‪ -4‬أ‬ ‫ �دار الندوة الدكتور هايل عبد احلفيظ رئي�س ق�سم الفقه و أ��صوله يف كلية ال�شريعة ‪ /‬اجلامعة أالردنية‪.‬‬ ‫املقدمة‪:‬‬ ‫خطبة اجلمعة أ�داة �إعالمية تربوية مهمة‪ ،‬ال ب ّد من ا إلفادة منها يف التوجيه والرتبية‪� ،‬إال أ�ننا يف أ�حيان كثرية ال ن�ستغلها‬ ‫بطريق �صحيح‪ ،‬بل يف بع�ض أالحيان قد ت ؤ�دي من خاللها ر�سالة �سلبية‪.‬‬ ‫ومن أ�جل االرتقاء بخطبة اجلمعة و أ�داء اخلطباء‪ ،‬وو�ضع اليد على بع�ض امل�شكالت‪ ،‬وو�ضع احللول واملقرتحات‪ ،‬والوقوف‬ ‫على و�سائل النهو�ض بها كانت هذه الندوة‪ ،‬والتي قدمها و�شارك فيها نخبة من العلماء واملخت�صني الذين قدموا خال�صة فكرهم‬ ‫وجتربتهم‪ ،‬كما ح�ضرها جمع غفري من أالئمة والوعاظ والعلماء الذين أ�ثروا الندوة مبداخالتهم وتعقيباتهم‪.‬‬

‫ورقة الدكتور عبد الرحمن �إبداح‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬واحلمد هلل وال�صالة‬ ‫وال�سالم على ر�سول اهلل‪ ،‬وبعد ف�إن تطوير اخلطبة من تطوير‬ ‫اخلطيب‪ ،‬فعلى اخلطيب أ�ن يطور �سلوكه نحو أالف�ضل‪ ،‬ويرى‬ ‫نف�سه قدوة آ‬ ‫للخرين يف �سلوكه ويف عالقاته ويف حمبته ويف‬ ‫كرمه وح�سن تعامله‪ ،‬كل هذه ال�صفات جتعله قريب ًا �إىل قلوب‬ ‫النا�س‪ ،‬وا إلن�سان مفطور على حمبة من يرى فيه اخلري والتودد‬ ‫والقرب‪.‬‬ ‫على اخلطباء أ�ن يراجعوا دائم ًا �سلوكهم ال�شخ�صي‪،‬‬

‫‪40‬‬

‫أ‬ ‫فالعني مفتوحة عليهم‪ ،‬فال ب َّد أ�ن يزن ا إلن�سان عمله يف كل‬ ‫حركة مبيزان ال�شريعة‪.‬‬ ‫َّثم ال نقلل من أ�همية ال�سمت واملظهر وح�سن الهيئة قال‬ ‫اهلل تعاىل }خذوا زينتكم عند كل م�سجد{ على أ�نني أ� ؤ�كد ب أ�ن‬ ‫املظهر أ�حيان ًا يغرينا فكم من �إن�سان يعجبنا مظهره وي�سو ؤ�نا‬ ‫خمربه‪ ،‬لكني أ�طمح أ�ن ننجح يف ح�سن املظهر وح�سن املخرب‪.‬‬ ‫ال�سامع للخطبة يهمنا أ�ن جنعله يف جو مريح‪ ،‬ب أ�ن نعتني‬ ‫عناية خا�صة يف مو�ضوع تكييف قاعة امل�سجد �صيف ًا و�شتاء‪،‬‬ ‫فكيف ي�سمع منك �إن�سان ي�شعر باحلر أ�و ب�شدة الربد؟! هذا‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫عامل مهم وم�ساعد‪.‬‬ ‫ثم نظافة امل�سجد‪ ،‬وكل هذا له أ�ثر على نف�سية ال�سامع‪،‬‬ ‫املكان النظيف ي�صفي النف�س‪ ،‬ويح ّل ال�سكينة‪.‬‬ ‫ثم االت�صال الروحي بني اخلطيب و ال�سامعني‪ ،‬كان‬ ‫منرب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ال يزيد عن ثالثة درجات‪،‬‬ ‫أ�نا �س أ�لت يف نف�سي ما الفائدة من ثالث درجات؟ ملاذا ال‬ ‫يكون ثالثة ع�شرة درجة كما نفعل نحن؟ أ�نا �شعرت �صدق ًا أ�ن‬ ‫اخلطيب يح�س فيها؟ و أ�ن ثالث درجات على �سبيل املثال يح�س‬ ‫يح�س ب�صلة روحية بني املتكلم‬ ‫املتكلم أ�ن اخلطيب قريب منه‪ّ ،‬‬ ‫وال�سامع‪ ،‬أ�حيان ًا أ�رى نف�سي قريب ًا من ال�سقف فال أ��شعر ب أ�ن‬ ‫بيني وبني ال�سامع �صلة روحية‪.‬‬ ‫ي أ�تي اخلطيب أ�حيان ًا وهو مت�ضايق وم�ستاء ومهموم فينعك�س‬ ‫همه وغمه على اجلمهور‪ ،‬أ�و على أالداء لهذا ُيح�سن باخلطيب‬ ‫أ�ن يكون قدوة‪ ،‬يقر أ� �سورة الكهف‪ ،‬ي أ�تي متعطر ًا نظيف ًا ألهمية‬ ‫�صفاء النف�س وطم أ�نينة البال يف التفاعل مع امل�ستمعني‪ ،‬أ�ما �إذا‬ ‫جاء مهموم ًا مغموم ًا؛ فال يتفاعل مع النا�س‪.‬‬ ‫يجب أ�ن يكون اخلطيب واعي ًا ملا يريد أ�ن يقوله‪ ،‬حمدد ًا‬ ‫ملو�ضوعه‪ ،‬و أ�ن يكون املو�ضوع م�شوق ًا وا�ضح ًا يف نف�سه؛ حتى‬ ‫يلملم أ�طرافه فال يزيد وال ينق�ص منها ويعرف من يخاطب؟‬ ‫هذا اجلمهور ما هي خلفيته وما هو م�ستواه الثقايف‪ ،‬وما هي‬ ‫همومه وما هي ظروفه؟‬ ‫يختار اخلطيب مو�ضوعه ح�سب اجلمهور‪ ،‬فالكالم يف‬ ‫و�سط جمهور من كبار العلماء غري جمهور من كبار التجار‪ ،‬أ�و‬ ‫الطالب وهكذا نعطي لكل و�سط ما ينا�سبه‪.‬‬ ‫قد يكون لديك الكثري من العلم لكن أ�نت ماذا تختار لهم‬ ‫من هذا العلم؟ �إقطف من هذا الرو�ض باقة زهور وقدمها‬ ‫جلمهورك على ح�سب معرفتك فيهم‪ ،‬هذا فن ال ب ّد من‬ ‫اتقانه‪.‬‬ ‫ثم �إذا بد أ�نا يف اخلطبة فال ب َّد أ�ن نراعي براعة اال�ستهالل‪،‬‬ ‫منذ البداية يحكم ال�سامع على خطبتك ب أ�نها ناجحة أ�م غري‬ ‫ذلك‪ ،‬فن�ستفيد من كالم اهلل يف القر�آن‪ ،‬يف ا إلثارة والت�شويق‪،‬‬ ‫انظر �إىل قوله تبارك تعاىل‪} :‬هل أ�تاك حديث الغا�شية{‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل‪ } :‬أ�ر أ�يت الذي يكذب بالدين{‪ .‬وقوله تعاىل‪:‬‬ ‫}اقرتب للنا�س ح�سابهم وهم يف غفلة معر�ضون{‪ .‬وقوله‬

‫تعاىل‪ } :‬أ�تى أ�مر اهلل فال ت�ستعجلوه{‪.‬‬ ‫كل هذه بدايات مثرية للغاية يجب أ�ن نتعلم كيف نثري‬ ‫اهتمام ال�سامع منذ البداية‪ ،‬لكن قد ي�شاغب على هذه البداية‬ ‫أ�ن بع�ض اخلطباء قد يبد أ� باملقدمة الروتينية للخطبة حتى‬ ‫ي�صل امتدادها �إىل نهاية اخلطبة وهو روتني كل أ��سبوع‪ ،‬ال�سامع‬ ‫يكمل اجلملة من عنده فال يغري وال يبدل‪ ،‬ت أ�خذ �سبع دقائق‪،‬‬ ‫ومي ّل امل�ستمع قبل أ�ن يفهم ماذا يريد اخلطيب؟‬ ‫ما أ�ح�سن أ�ن يبد أ� اخلطيب بتحديد املو�ضوع ر أ��س ًا‪ ،‬من‬ ‫خالل مقدمة اخلطبة‪ ،‬ك أ�ن يبد أ� ب ـ «احلمد هلل الذي جعل‬ ‫احلج ركن ًا من أ�ركان ا إل�سالم» أ�و «احلمد هلل الذي فر�ض علينا‬ ‫ال�صيام و أ�نعم علينا بنعمة ا إل�سالم»‪ ،‬لكن أ�حيان ًا جتد اخلطيب‬ ‫يطيل يف املقدمة كثري ًا بحجة أ�نه يريد أ�ن ي أ�تي باملقدمة على‬ ‫أ��سلوب الر�سول عليه ال�سالم‪ ،‬لكننا جند أ�ن النبي عليه ال�سالم‬ ‫كان ُين ّوع يف أال�ساليب‪ ،‬وكل مرة ي أ�تينا بلون جديد‪ ،‬فال نطيل‬ ‫املقدمة‪ ،‬طم أ�ن ال�سامع وقل له حديثنا اليوم عن ا إل�سراء‬ ‫واملعراج على �سبيل املثال‪.‬‬ ‫كثري من اخلطباء يثريون اخلالفات‪� ،‬إن مو�ضوع اخلطبة‬ ‫يجب أ�ن يكون مو�ضوع �إجماع ولي�س مو�ضوع خالف؛ حتى ال‬ ‫نختلف وننق�سم يف امل�سجد هذا م ؤ�يد وهذا معار�ض‪ ،‬نتكلم يف‬ ‫املوا�ضيع اجلامعة ونرتك أالمور اخلالفية �إىل املجال�س العلمية‬ ‫املتخ�ص�صة‪ ،‬ألنها جمال�س تت�سع للخالف والرد وتق ّبل الر أ�ي‬ ‫ا آلخر‪ ،‬ومن هذه املوا�ضيع مث ًال‪ :‬هل يوجد للجمعة �سنة قبلية؟‬ ‫أ�و هل ينزل امل�صلي على ركبتيه أ�م على يديه؟ أ�و ك أ�ن يقول‬ ‫اخلطيب‪ :‬أ�حدثكم أ�يها أالخوة عن مو�ضوع بات ُي�شكل تهديد ًا‬ ‫وخطر ًا عظيم ًا وهو اخلطر ال�شيعي‪ ،.....‬هذا املو�ضوع تختلف‬ ‫فيه ا آلراء لذلك نرتكه �إىل اجلل�سات العلمية املتخ�ص�صة‪ ،‬أ�ما‬ ‫املو�ضوعات االجتماعية فنتحدث بها ألن الكل ُيجمع عليها‪.‬‬ ‫ثم �إنّ بع�ض اخلطباء يزيد الطني بله‪ ،‬فيتحدث عن أ�مرا�ض‬ ‫أالمة فيزيدها �سوء وهو يريد أ�ن ي�صلح‪ ،‬فمث ًال يقول‪ :‬أ�ر أ�يتم‬ ‫ماذا يفعل أ�بناء امل�سلمني يف منطقة كذا وكذا؟ اذهبوا وانظروا‬ ‫ماذا يفعلون يف منطقة كذا وكذا‪ ،‬حيث هناك االختالط‬ ‫وال�شرب وال�سمر واللهو‪ ،‬مثل هذه أالمور ال ت�صح « أ�ميتوا‬ ‫الباطل بعدم ذكره»‪ ،‬ال نذكر مثل هذه أالمور ولكن نحر�ص على‬ ‫تربية أ�والدنا وعلى تن� أش�تهم الن� أش�ة ال�صحيحة‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫أ�ي�ضا هناك بع�ض اخلطباء يعر�ض الق�ضايا ال�صغرية‬ ‫ويهتم بها‪ ،‬ويثري حولها ملحمة بطولية للجدل‪ ،‬ورفع ال�صوت‬ ‫وال�صخب وهي كلها زوبعة كمو�ضوع حلق اللحى أ�و ترك‬ ‫الدخان‪.‬‬ ‫من املهم أ�ن ال نعيب على �صاحب فكرة فكرته‪ ،‬أ�و جنرح‬ ‫جماعة معينة‪ ،‬أ�و أ�نا�س �سواء جماعة أ�و ع�شرية أ�و قبيلة أ�و غري‬ ‫ذلك‪ ،‬فهذا كله نوع من تفريق ال�صف وت�شتيت كلمة امل�سلمني‬ ‫و�إيجاد ال�ضغائن بينهم‪ ،‬بل يجب أ�ن نذ ّكر امل�سلمني بكل بخري‪،‬‬ ‫حتى لو أ�ن أ�حدهم عنده نقطة من اخلري نقول ما �شاء اهلل‪،‬‬ ‫فمث ًال �إذا تويف أ�حدهم فلم يجد ا إلمام ما يذكره فيه من‬ ‫اخلري �إال أ�ن �شاهده مرة يف �صالة العيد فيقول‪« :‬رحمه اهلل‬ ‫رحمة وا�سعة‪ ،‬لقد ر أ�يته يف بع�ض مواقفه ي�سابق النا�س يف‬ ‫م�صلى العيد ويحمل �سجادته ويحر�ص على أ�ن يكون يف ال�صف‬ ‫أالول‪ ،‬أ��س أ�ل اهلل أ�ن يكتب له أ�جر هذه ال�صالة»‪ ،‬وهكذا ن�شجع‬ ‫اخلري‪.‬‬ ‫ثم يجب أ�ن نت أ�كد من �صحة املقوالت التي نقولها‪ ،‬فبع�ض‬ ‫اخلطباء يقول‪�« :‬إن الوزارات تنفق على الراق�صني والراق�صات‬ ‫واملطربني واملطربات مئات أاللوف من الدنانري»‪ .‬فلو جاء‬ ‫م�ستمع لهذا احلطيب وقال له‪� :‬إذا �سمحت ممكن تعطيني ا�سم‬ ‫وزارة واحدة أ�نفقت ذلك على الراق�صني‪ ،‬وعليه ال ب َّد أ�ن تكون‬ ‫الكلمة موثقة فالكلمة م�س ؤ�ولية }وال تقف ما لي�س لك به علم �إن‬ ‫ال�سمع والب�صر والف ؤ�اد كل أ�ولئك كان عنه م�سئو ًال{‪.‬‬ ‫ثم يجب أ�ن نحافظ على اللغة بحيث نتجنب اللحن‪،‬‬ ‫كثري ًا من اجلمهور أ�علم من بع�ض اخلطباء‪ ،‬و أ�قرب �إىل اهلل‬ ‫و أ�علم‪ ،‬والذي يجل�س أ�مامك قد يكون أ�علم منك بكثري؛ لذلك‬ ‫يجب االنتباه للمعلومة‪ ،‬و أ�ن يكون كل �شيء حا�ضر ًا يف ذهنك‪،‬‬ ‫فبمقدار ما ّ‬ ‫حت�ضر خلطبتك مبقدار ما ت ؤ�ثر يف جمهورك‪.‬‬ ‫أ�همية نربة ال�صوت‪ ،‬ففي بع�ض أالحيان تكون اخلطبة‬ ‫جيدة‪ ،‬ولكن نربة اخلطيب يف كل اخلطبة نربة واحدة ال تتغري‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والوىل للخطيب أ�ن ينوع نرباته ح�سب املواقف‪ ،‬وح�سب ما‬ ‫تقت�ضيه طبيعة اخلطبة‪ ،‬ومن ال�شواهد يف هذا املقام ال�شيخ‬ ‫ك�شك رحمه اهلل فقد كان يتفاعل مع املوقف فمث ًال كان يتحدث‬ ‫مرة حول حديث ( دخلت امر أ�ة النار يف هرة ) فعندما يقول‪:‬‬ ‫«حب�ستها» يقوم بتقطيع نف�سه ليو�ضح للم�ستمع أ�ن احلب�س فيه‬

‫‪42‬‬

‫انقطاع عن الدنيا‪ ،‬وعندما يقول‪« :‬حتى ماتت» يهبط برنة‬ ‫وحري‬ ‫�صوته‪ ،‬هذا التنوع وهذا التذوق للخطابة مهم جيد ًا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫باخلطيب أ�ن يراعيها‪ ،‬ويكون يف اخلطبة نوع من ال�س ؤ�ال؛ ألن‬ ‫ال�س ؤ�ال ُيثري عوامل ا إلثارة كقوله تعاىل‪} :‬هل أ�تاك حديث‬ ‫الغا�شية{‪.‬‬ ‫أ�ي�ضا فن التوقف‪ ،‬أ�حيان ًا أ�نت يف اخلطبة تنفعل ويكون‬ ‫املوقف فع ُال مثري لالنفعال وتريد من النا�س أ�ن ينظروا‬ ‫للم�شهد‪ ،‬قف قلي ًال يف خطبتك ليت أ�مل امل�ستمع ذلك امل�شهد‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬ف�إن تكرار بع�ض الكلمات يف اخلطبة‬ ‫ي�شعر امل�ستمع بامللل‪ ،‬فمث ًال بع�ض اخلطباء ال يعرف من �صفات‬ ‫اهلل �إال عز وجل‪ ،‬فيقول‪« :‬ي أ�مر اهلل عز وجل‪ ،‬وينهى اهلل عز‬ ‫وجل‪ ،‬وتبارك اهلل عز وجل»‪ ،‬مع أ�ن اهلل �سبحانه وتعاىل له‬ ‫أ��سماء و�صفات كثرية‪ ،‬فمث ًال مرة يقول « �سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومرة‬ ‫تبارك اهلل تعاىل ال �إله غريه تقد�ست أ��سما ؤ�ه وتعددت �آالءه»‪.‬‬ ‫وجند كذلك أ�مر التكرار يف ال�صالة على النبي امل�صطفى‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فبع�ض اخلطباء ال يعرف �إال وجه ًا واحد ًا‬ ‫لل�صالة على النبي عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬فيقول‪ « :‬قال ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وجاء عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم «‪ ،‬أ‬ ‫والجدر باخلطيب هنا حتى ال مي ّل ال�سامع أ�ن ين ّوع يف‬ ‫ال�صالة على النبي ك أ�ن يقول مرة «�صلوات ربي و �سالمه عليه»‪،‬‬ ‫أ�و أ�ن يقول «�صلى اهلل عليه ما ات�صلت عني بنظر‪ ،‬وما �سمعت‬ ‫أ�ذن بخرب»‪ ،‬أ�و «�صلى اهلل عليك يا �سيدي يا ر�سول اهلل ما هبت‬ ‫الن�سائم‪ ،‬والحت الغمائم»‪.‬‬ ‫وهكذا نختار أ�ي�ض ًا العبارات الب�سيطة واملفهومة من‬ ‫قبل امل�ستمعني‪ ،‬ونتجنب أاللفاظ ال�صعبة‪ ،‬ألنّ البالغة لي�ست‬ ‫بتعقيد أاللفاظ بل يف تب�سيطها‪.‬‬ ‫و أ�لفت النظر يف هذا املقام �إىل نقطة هامة‪ ،‬وهي‪ :‬منا�سبة‬ ‫احلركة وا إل�شارة ملو�ضوع اخلطبة‪ ،‬فعلى اخلطيب أ�ن ّ‬ ‫يوظف‬ ‫حركاته لتتنا�سب مع املو�ضوع‪ ،‬فمث ًال يتقدم �إىل أالمام أ�و يرجع‬ ‫�إىل اخللف‪ ،‬أ�و مييل مينة وي�سرة ب�شكل مدرو�س يتنا�سب مع‬ ‫املقام‪ ،‬وجند أ�ن بع�ض اخلطباء يقف وك أ�ن اهلل خلقه من‬ ‫جلمود �صخر‪ ،‬فعلى اخلطيب أ�ن يتحرك احلركة املنا�سبة يف‬ ‫الوقت املنا�سب‪ ،‬وهذا من أ�كرث عوامل الت�شويق يف اخلطبة‪.‬‬ ‫ثم جتنب جلد الذات‪ ،‬فبع�ض اخلطباء وهو يرى الواقع‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫أالليم واحلالة املريرة التي تعي�شها أالمة‪ ،‬يقول يف خطبته‪� « :‬إن ‪ .1‬‬ ‫أالمة اليوم يف أ�ذل حال‪ ،‬يف أ��سفل ال�سافلني‪ ،‬أ�مة متفرقة‪ ،‬أ�مة‬ ‫نائمة‪ ،‬أ�مة…‪ »..‬وكان أالوىل بهذا اخلطيب أ�ن ي�شيع أالمل ك أ�ن‬ ‫يقول‪�« :‬إنّ بيارق اخلري موجودة رغم ك آ�بة الي أ��س وا إلحباط»‪.‬‬ ‫ألن الي أ��س ال ي�ستقيم مع ا إلميان‪ ،‬فالر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم كان حما�صر ًا وكان اجلي�ش حوله لكنه كان يقول‪ُ « :‬فتحت‬ ‫يل اليوم من كذا وكذا» «ما كان اهلل ليذر امل ؤ�منني على ما أ�نتم‬ ‫عليه»‪ .‬أ‬ ‫فالمة تعر�ضت ألكرث من ذلك حيث هاجمها ال�صليبيون‬ ‫وهاجمها املغول التتار‪ ،‬أ‬ ‫والمة �ستبقى واقفة و�ستبقى قائمة‪ .2 ،‬‬ ‫«وال يزال طائفة من أ�متي ظاهرين على احلق» كل هذه ي�شيع‬ ‫أالمل‪.‬‬ ‫نتجنب جلد الذات وبنف�س الوقت‪ ،‬ن�شيع أالمل ونتجنب‬ ‫التيئي�س‪ ،‬ونقدم للنا�س مناذج من املا�ضي فال ميكن أ�ن ي�ستمر ‪ .3‬‬ ‫الظالم ال ب َّد للفجر أ�ن يطلع قال اهلل تعاىل‪�} :‬إذا جاء ن�صر‬ ‫اهلل والفتح{‪ ،‬و�إذا الواردة يف ا آلية تعني أ�ن الذي بعدها أ�كيد‬ ‫احل�صول‪ ،‬أ�ما متى ن�صر اهلل؟؟ فهو بعد أ�ن نقدم الثمن‪ ،‬فنحن‬ ‫نردد حي على ال�صالة وبعدها حي على الفالح‪ ،‬والعربة دائم ًا‬ ‫ي�سبقها احل�صان‪.‬‬ ‫وهكذا دائم ًا نظن باهلل خري ًا ونرتقب الفجر الطالع‬ ‫وهو طالع �إن �شاء اهلل‪ ،‬هذه بع�ض الو�صايا أ�و�صي بها نف�سي ‪ .4‬‬ ‫و أ�و�صيكم بها‪.‬‬ ‫ورقة الدكتور أ�حمد العواي�شة‬ ‫�إن خطبة اجلمعة من �شعائر ا إل�سالم الكربى‪ ،‬ومعانيها‬ ‫تن�ساب �إىل النفو�س يف حلظات انعطاف �إىل اهلل تعاىل وتقبل‬ ‫لو�صاياه‪ ،‬ومن ثم كان مو�ضوعها َ‬ ‫جليل أالثر كب َري اخلطر‪.‬‬ ‫واخلطيب الذي يدر�س مو�ضوعه‪ ،‬ويجيد عر�ضه‪ ،‬يقوم‬ ‫بن�صيب �ضخم يف تثقيف أالمة وتر�شيد نه�ضتها‪ ،‬ودعم كيانها‬ ‫املادي أ‬ ‫والدبي‪ ،‬وو�صل غدها امل أ�مول مبا�ضيها املجيد‪.‬‬ ‫وملا كان هدف هذا اللقاء الو�صول مب�ستوى اخلطابة‬ ‫يف امل�سجد �إىل مكانته الالئقة به‪ ،‬وجعل املنرب أ�داة للمعرفه‬ ‫ال�صاحلة‪ ،‬والرتبية الواعية أ��ضع هذه املالحظات املوجزة ملا‬ ‫ينبغي أ�ن يتوافر يف خطبة اجلمعة من زاد روحي وثقايف‪:‬‬

‫‪ .5‬‬

‫ال يجوز أ�ن تتعر�ض اخلطبة أ‬ ‫للمور اخلالفية‪ ،‬وال أ�ن تكون‬ ‫تع�صب ًا لوجهة نظر حمدودة‪ ،‬ف�إن امل�سجد يجمع وال يفرق‪،‬‬ ‫ويلم �شمل أالمة ب�شعب ا إلميان التي يلتقي عندها الكل دون‬ ‫خو�ض يف امل�سائل التي يتفاوت تقديرها‪ ،‬وما أ�كرث العزائم‬ ‫والف�ضائل التي ت�صلح مو�ضوع ًا لن�صائح جديدة وخطب‬ ‫موفقة وقد �شقي امل�سلمون بالفرقة أ�يام ًا طويلة‪ ،‬وجدير‬ ‫بهم أ�ن يجدوا يف امل�ساجد ما يوحد ال�صفوف ويطفىء‬ ‫اخل�صومات‪.‬‬ ‫بني اخلطبة أ‬ ‫والحداث العابرة واملالب�سات املحيطة‬ ‫وامل�سلمني امل�ستمعني‪ ،‬عالقة ال ميكن جتاهلها ومما يزري‬ ‫باخلطيب وي�ضيع موعظته أ�ن يكون اخلطيب يف واد والنا�س‬ ‫والزمان واملكان يف واد �آخر‪.‬‬ ‫على اخلطيب أ�ن ُي ّ‬ ‫�شخ�ص الداء الذي يواجهه و أ�ن يتعرف‬ ‫على حقيقته بدقة‪ ،‬ف�إذا عرفه وا�ستبانت أ�عرا�ضه و أ�خطاره‬ ‫رجع �إىل الكتاب وال�سنة فنقل الدواء �إىل مو�ضع املر�ض‪،‬‬ ‫وذلك يحتاج �إىل ب�صرية ألن اخلطيب القا�صر قد يجيء‬ ‫بدواء غري منا�سب فال يوفق يف عالج‪ ،‬ورمبا أ�خط أ� ابتداء‬ ‫يف حتديد العلة فجاءت خطبته لغو ًا و�إن كانت تت�ضمن‬ ‫خمتلف الن�صو�ص ال�صحيحة‪.‬‬ ‫من املعلوم أ�ن خطبة اجلمعة ن�سيج من املعاين ا إل�سالمية‬ ‫امل�ستمدة من الكتاب وال�سنة و�آثار ال�سلف ال�صالح امل�شهود‬ ‫لهم باخلريية‪ ،‬ففي حديث ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪« :‬خري القرون قرين ثم الذين يلونهم ثم الذين‬ ‫يلونهم»‪ ،‬ف�إن لحُ مة اخلطبة و�سدادها يجب أ�ن يكونا من‬ ‫احلقائق املقبولة‪ ،‬ويف الكتاب وال�سنة مت�سع يغني يف الوعظ‬ ‫وا إلر�شاد‪ ،‬ولذلك ال يليق البتة أ�ن تت�ضمن اخلطبة أالخبار‬ ‫الواهية واملو�ضوعة‪ ،‬و�إذا كان بع�ض العلماء قد جتاوزوا‬ ‫يف اال�ست�شهاد أ‬ ‫بالحاديث ال�ضعيفة يف ف�ضائل أالعمال‪،‬‬ ‫فقد ا�شرتطوا لذلك أ�ال تخالف قواعد ا إل�سالم الكلية وال‬ ‫أ��صوله العامة‪ ،‬ويف أالحاديث ال�صحيحة واحل�سنة جمال‬ ‫رحب للخطيب الناجح ويف �سرية ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم واخللفاء الرا�شدين أ‬ ‫والئمة املتبوعني ما ُيغني‬ ‫عن أال�ساطري أ‬ ‫والوهام‪.‬‬ ‫جتنب ا إلطالة يف اخلطبة‪ :‬ألن ا إلطالة حتدث مل ًال يف‬

‫‪43‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫نفو�س النا�س‪ ،‬فال يجوز أ�ن يكون اخلطيب منفر ًا؛ ألن يف‬ ‫النا�س املري�ض وال�ضعيف وذا احلاجة‪ ،‬وقد تن� أش� ا إلطالة‬ ‫عن �سوء التقدير للوقت واملواقف‪ ،‬فيظن اخلطيب أ�ن‬ ‫عليه أ�ن يقول كل ما عنده وعلى النا�س أ�ن ين�صتوا طوع ًا‬ ‫أ�و كره ًا وهذا خط أ� بينّ ‪ ،‬ومما يحكى يف قيمة ا إليجاز أ�ن‬ ‫أ�حد الر ؤ��ساء طلب منه �إلقاء خطبة يف ب�ضع دقائق فقال‪:‬‬ ‫أ�مهلوين أ��سبوع ًا‪ ،‬فقيل له‪ :‬نريدها يف ربع �ساعة قال‪:‬‬ ‫أ��ستطيع بعد يومني‪ ،‬قيل له‪ :‬ف�إذا طلبناها يف �ساعة قال‪:‬‬ ‫ف أ�نا م�ستعد ا آلن‪.‬‬ ‫‪� .6‬إن الكالم الكثري ين�سي بع�ضه بع�ض ًا‪ ،‬وقد ت�ضيع أ�هم‬ ‫أ�هداف اخلطبة يف زحام ا إلطناب وا إل�ضافة‪ ،‬أ‬ ‫فالر�ض‬ ‫حتتاج �إىل قدر حمدد من البذور كي تنبت‪ ،‬ف�إذا كرث‬ ‫النبات بها؛ تخللها الفالح ب�إجتثاث الزائد حتى يعطي‬ ‫البقية فر�صة النماء وا إلثمار ب�إذن اهلل تعاىل‪ .‬وكذلك‬ ‫النف�س الب�شرية ال تزكوا فيها املعاين �إال �إذا متكن من‬ ‫حتديدها وتقدميها‪ ،‬أ�ما مع كرثة الكالم وبعرثة احلقائق‬ ‫ف�إن ال�سامع يتحول �إىل �إناء مغلق ت�سيل من حوله الكلمات‬ ‫وللطناب اململ أ��سباب معروفة منها‪:‬‬ ‫مهما بلغت نفا�ستها‪ ،‬إ‬ ‫�سوء التح�ضري ف�إن اخلطيب الذي يلقي النا�س باجلزاف‬ ‫من أالحكام والتوجهات ال يدري بال�ضبط أ�ين بلغ قوله‪،‬‬ ‫وهل و�صل �إىل حد ا إلقناع أ�م ال فيحمله ذلك على التكرار‬ ‫وا إلطالة وما يزداد من النا�س �إال بعد ًا‪.‬‬ ‫‪� .7‬إن مدار اخلطبة الناجحة يدور على التثبت من أالدلة‬ ‫وال�شواهد ي�سوقها اخلطيب يف خطبته‪ ،‬ف�إن كان قر�آن ًا‬ ‫حفظه جيد ًا‪ ،‬و�إن كان أ�ثر ًا أ�دبي ًا أ�و خرب ًا تاريخي ًا ف�إن‬ ‫توقيته يكون بح�سب مطابقته أ�و اقرتابه من أال�صل املنقول‬ ‫عنه‪ ،‬و�إن التح�ضري اجليد داللة احرتام اخلطيب لنف�سه‬ ‫ول�سامعيه‪ .‬والواقع أ�ن القدرة على االرجتال جتيء بعد‬ ‫أ�وقات طويلة من التدريب على التح�ضري اجليد‪ ،‬وعلى‬ ‫تكوين ح�صيلة علمية جيدة مواتية لكل موقف‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫ف�إن املهارة يف االرجتال ال تغني عن ح�سن التح�ضري للعالمِ‬ ‫الذي يريد أ�داء واجبة ب أ�مانة و�صدق‪ ،‬فالذي يقدر �إن�صات‬ ‫النا�س له واحتفاءهم مبا يقول ال ب ّد أ�ن يكون قوله عن‬ ‫دراية وعلم‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫‪ .8‬يح�سن أ�ن يكون خلطبة اجلمعة مو�ضوع واحد غري مت�شعب‬ ‫أالطراف وال متعدد الق�ضايا‪ ،‬ف�إن اخلطيب الذي يخو�ض‬ ‫يف أ�حاديث كثرية ي�شتت أالذهان‪ ،‬وينتقل بال�سامعني يف‬ ‫أ�ودية تتخللها فجوات نف�سية وفكرية بعيدة‪ ،‬ومهما كانت‬ ‫عباراته بليغة ومهما كان م�سرت�س ًال متدفق ًا ف�إنه لن ينجح‬ ‫يف تكوين �صورة عقلية وا�ضحة املالمح لتعاليم ا إل�سالم‪،‬‬ ‫والو�ضوح أ��سا�س ال ب ّد منه يف الرتبية والتعميم‪ ،‬والغمو�ض‬ ‫ال ينتهيان ب�شيء طائل‪ ،‬وخطبة اجلمعة لي�ست در�س ًا نظري ًا‬ ‫بقدر ما هي حقيقة لن�شرح ونغر�س‪.‬‬ ‫‪ .9‬عنا�صر اخلطبة يجب أ�ن ُي َ�س َلم أ�حدها �إىل ا آلخر يف ت�سل�سل‬ ‫منطقي مقبول دون عناء بحيث �إذا انتهى اخلطيب من‬ ‫�إلقاء خطبته كان ال�سامعون قد و�صلوا معه �إىل النتيجة‬ ‫التي يريد ُبلوغها‪ ،‬وعليه أ�ن ينتقي من الن�صو�ص و ا آلثار‬ ‫ما ميهد طريقه �إىل هذه الغاية‪.‬‬ ‫‪ .10‬تتميز املنابر الدينية عن جميع و�سائل أالعالم أالخرى‬ ‫�سواء ذات االنت�شار اجلماهريي أ�و ذات االنت�شار املحدود‪،‬‬ ‫ففي حني يتلقى املر�سل له الر�سالة التي تنقلها له و�سائل‬ ‫ا إلعالم أالخرى دون أ�ن تكون له خلفية مت أ�ثرة بهذه‬ ‫الر�سالة‪ ،‬ف�إن املر�سل له من رواد املنابر الدينية يتلقى‬ ‫الر�سالة وهو ميلك خلفية م�سبقة م�ستعدة لالقتناع ب أ�ية‬ ‫ر�سالة ينقلها له منربه الديني‪.‬‬ ‫‪ .11‬لو حاولنا و�ضع رقم تقديري لعدد امل�ساجد يف العامل‬ ‫ا إل�سالمي التي تقام فيها �صالة اجلمعة لبلغت ع�شرات‬ ‫أاللوف‪ ،‬وبعدد تقديري يبلغ روادها ع�شرات املاليني‪،‬‬ ‫وهذا عدد ال ميكن أ�ن يجتمع يف وقت واحد على أ�ية و�سيلة‬ ‫�إعالم أ�خرى مهما بلغت جماهرييتها ومهما بلغت أ�همية‬ ‫احلدث الذي تنقله‪.‬‬ ‫‪ .12‬التلقي من و�سائل ا إلعالم اختياري ال يجرب عليه املتلقي‪،‬‬ ‫فال ت�ستطيع أ�ية �سلطة أ�ن جترب النا�س على قراءة �صحيفة‬ ‫معينة أ�و على ارتياد دار �سينما‪ ،‬أ�و على م�شاهدة برنامج‬ ‫تلفزيوين ولو أ�نها أ��صدرت أ�مر ًا بذلك ف أ�نى لها أ�ن تراقب‬ ‫مدى ان�صياع النا�س لهذه أالوامر‪ ،‬بينما يذهب امل�سلمون‬ ‫�إىل �صالة اجلمعة ب أ�مر رباين ال يجر ؤ� م�سلم ي ؤ�من باهلل‬ ‫عز وجل ويخ�شاه أ�ن يتخلف عن أ�دائه‪ ،‬فهي أ�داة �إعالمية‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫يقبل عليها النا�س أ�داء لفري�ضة دينية‪ ،‬أالمر الذي ي�سبغ‬ ‫عليها �صبغة القدا�سة بخالف أ�ية عملية �إعالمية أ�خرى‪.‬‬ ‫‪ .13‬خلطبة اجلمعة ميزة �إعالمية أ�خرى ال تتوفر ألية عملية‬ ‫أ�و و�سيلة �إعالمية أ�خرى‪ ،‬فعلى خطبة اجلمعة تلتقي كل‬ ‫قطاعات املجتمع الرجل واملر أ�ة والطفل مثلما تلتقي كل‬ ‫�شرائح املجتمع النخبة املثقفة من علماء و أ�طباء و أ�دباء‬ ‫ومهند�سني وحمامني وغريهم من ذوي التخ�ص�صات‬ ‫العلمية املهنية مثلما يلتقي عليها التجار وال�صناع والز ّراع‬ ‫واالقت�صاديون والريا�ضيون وا إلعالميون والعمال على‬ ‫اختالف مهنهم‪ ،‬أالغنياء‪ ،‬ومتو�سطو الدخل والفقراء‪،‬‬ ‫مثلما يلتقي عليها امل�سئولون يف الدولة على حد �سواء‪.‬‬ ‫ورقة الدكتور م أ�مون جرار‬ ‫أ��شكر ا إلخوة القائمني على منتدى الو�سطية على دعوتي‬ ‫لهذا اللقاء‪.‬‬ ‫ما �س أ�حتدث عنه هنا من وحي الهدي النبوي يف اخلطابة‪،‬‬ ‫وقد يوافق ما أ�قوله هنا ما حت ّدث عنه أالخوين الكرميني‪.‬‬ ‫قبل احلديث عن اخلطبة أ�قول‪ :‬خطيب اجلمعة يف حمنة‪،‬‬ ‫و أ�عان اهلل خطباء اجلمعة؛ ألن اخلطيب يريد أ�ن يقدم ب�ضاعة‪،‬‬ ‫وهذه الب�ضاعة كثري ًا ما تلقى ا إلعرا�ض من ال�شارين أ�و‬ ‫امل�ستمعني؛ ألنه ال ُير�ضي كل النا�س‪ ،‬وهو بني خوف وحماذير؛‬ ‫ألنه قد ال ي�ستمع �إليه النا�س مرة أ�خرى و�إذا جتاوز اخلطوط‬ ‫احلمراء أ�ي�ض ًا �سيقع يف م�شاكل‪.‬‬ ‫و أ�ي�ضا أ�قول خطبة اجلمعة فر�صة ي�ضيعها كثري من‬ ‫اخلطباء‪� ،‬إذ ال يجتمع هذا احل�شد من النا�س �إال أ��سبوعي ًا و هو‬ ‫أ�مر يتكرر على مدار العام‪ ،‬ال�س ؤ�ال هو‪ :‬هل ي أ�خذ النا�س من‬ ‫هذه االجتماعات الفائدة املرجوة ؟‬ ‫�إنه كما ُي ّ‬ ‫ح�ضر أال�ستاذ يف اجلامعة أ�و يف املدر�سة يجب‬ ‫أ�ن ُي ّ‬ ‫ح�ضر اخلطيب‪ ،‬في�ضع خطة ومو�ضوعات و أ�هداف‪ ،‬عليه‬ ‫أ�ن يتقي اهلل يف نف�سه ويف النا�س الذين ي�ستمعون �إليه‪ ،‬وي�س أ�ل‬ ‫نف�سه ماذا يريد أ�ن يقول؟ وما الفائدة التي �سيخرج بها النا�س‬ ‫بعد �صالة اجلمعة؟ وهل ح�صل كل منهم على معلومة جديدة‬ ‫أ�و فكرة جديدة؟‪.‬‬

‫أ�و ًال‪ :‬ال ب َّد للنظر �إىل خطبة اجلمعة من �سياق منظومات‬ ‫العبادات‪ ،‬ومعلوم أ�ن النبي عليه ال�صالة وال�سالم كان يد ّر�س‬ ‫أ��صحابه‪ ،‬وكان النا�س على مدار أال�سبوع يجل�سون بني يدي‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ولكن جلو�سهم أ�مامه يوم‬ ‫اجلمعة كان له �شكل أ�خر ومعنى أ�خر‪.‬‬ ‫ومن أال�سئلة ال�شائعة‪ :‬ما الفرق بني الدر�س واخلطبة ؟‬ ‫الدر�س فيه تعليم واخلطبة فيها تعليم‪ ،‬لكن �إذا أ�خذنا حال‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم عندما كان يخطب؛ ُندرك الفرق‬ ‫بني الدر�س واخلطبة‪ ،‬يقول ابن القيم رحمه اهلل يف و�صف‬ ‫احلال‪�« :‬إذا خطب احم ّرت عيناه‪ ،‬وعال �صوته‪ ،‬وا�شتد غ�ضبه‬ ‫حتى ك أ�نه منذر جي�ش يقول‪� :‬صبحكم وم�ساكم»‪ ،‬هنا ك أ�منا‬ ‫يريد بخطبة اجلمعة أ�ن تكون نوع ًا من ال�شحن‪ ،‬أ�ما الدر�س‬ ‫ففيه تعليم و�إعطاء معلومات‪ .‬لكن يف اخلطبة مع املعلومة‬ ‫هناك �شحنة وهذا يدل على أ�ن ا إلنفعال وال�صوت العايل ي ؤ�دي‬ ‫�إىل حتريك أ�مور �ساكنة يف ا إلن�سان؛ ألن ا إلن�سان ي�سمع ولكن‬ ‫ال�سمع ال يكفي‪ ،‬ال ب َّد أ�ن تحُ ّرك و تز ّود‪.‬‬ ‫�إنّ خطبة اجلمعة مو�سم لتحريك همم امل�سلمني نحو‬ ‫�شحن عاطفي ايجابي بح�سب احلال‪ ،‬ومما ُيلفت النظر أ�ي�ض ًا‬ ‫أ�ن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كان يخطب بالقر�آن أ�حيان ًا‬ ‫وهذا قلما يفعله اخلطباء‪ ،‬تروي أ�م ها�شم بنت حارثة قالت‪:‬‬ ‫ما أ�خذت {{ ق والقر�آن املجيد}} �إال عن ل�سان ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فقد كان يقر أ�ها كل جمعة على املنرب �إذا‬ ‫خطب‪ .‬ويكون مدار خطبته على ما ي�شتق منها من حمد اهلل‪ ،‬و‬ ‫الثناء عليه بنعمه و أ�و�صاف كماله وحمامده و�صفاته‪ ،‬وجتليات‬ ‫أ��سمائه احل�سنى يف هذا الوجود‪ ،‬ا إلميان هو املحرك أ‬ ‫وال�سا�س‬ ‫للنا�س وتعليم قواعد ا إل�سالم تعليم مع حيوية؛ ألنه يراد‪.‬‬ ‫التحريك بذكر اجلنة والنار ومواقع ر�ضاه وغ�ضبه وعلى هذا‬ ‫كان مدار خطبهم ب�شكل عام وخطب اجلمعة ب�شكل خا�ص‪.‬‬ ‫ق�ضية موقع اخلطيب التي ذكرها الدكتور عبد الرحمن‬ ‫ف�إن من هدي النبي �صلى اهلل عليه و�سلم أ�نه خطب على أالر�ض‬ ‫واملنرب والناقة‪ ،‬وهناك تو�صيف جميل يقول كان يخطب يف كل‬ ‫وقت مبا تقت�ضيه حاجة املُخاطبني وم�صلحتهم‪.‬‬ ‫ال يجوز أ�ن يخرج امل�سلمون من امل�سجد ول�سانهم يغتاب‬ ‫اخلطيب‪ ،‬لذا يجب على اخلطيب أ�ن ي ؤ�دي الر�سالة دون أ�ن يقع‬

‫‪45‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫يف املطبات �إذا كان هناك مطبات‪ ،‬وبع�ض اخلطباء أ‬ ‫لل�سف ال�صالة‪ ،‬ويطيل الذكر‪ ،‬ويق�صد الكلمات اجلوامع‪ ،‬و يكون‬ ‫يغيبون عن واقع حال امل�سلمني‪ ،‬وال ب َّد للخطيب أ�ن ُيراعي حالة لها أالثر يف حياة النا�س ومنهجهم ب�شكل عام‪ ،‬وكان ي أ�مرهم‬ ‫مبقت�ضى احلال يف خطبته وهذا بع�ض هدي النبي يف خطبته‬ ‫النا�س؛ ألن ذلك ُيو ِّلد حمبة اخلطيب لدى النا�س‪.‬‬ ‫كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يق�صر اخلطبة‪ ،‬ويطيل لعلنا ن�ستفيد منها‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫الوسسط أية‬

‫���������ي����������ات‬ ‫ردن�‬ ‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪� -‬مسست‬ ‫قلة‬

‫ر�سالة عمان‬

‫أ‬ ‫المل والطموح واالجناز‬ ‫أ�‪.‬د‪ .‬حممد أ�حمد ح�سن الق�ضاة‬ ‫اجلامعة االردنية‪ /‬كلية ال�شريعة‬

‫ال�سالمي املعتدل حيث حذرت العامل من‬ ‫تتجلى أ�همية ر�سالة عمان انها عنيت باال�صالح وفق املنهج إ‬ ‫املخاطر املحيطة بها داخليا وخارجيا ومن أ�برزها الفهم اخلاطئ لال�سالم فكرا وممار�سة وحماولة ت�شويه‬ ‫الن�سانية الراقية‬ ‫�صورته النقية وابعاده أ�ن يكون مرجعا حلياة امللتزمني به النه ي�شكل يف النهاية احل�ضارة إ‬ ‫والن�سانية دون غلو أ�و تطرف‪.‬‬ ‫والتي تدعو �إىل العدالة وامل�ساواة إ‬ ‫لقد دعت ر�سالة عمان القوة اخلرية يف العامل �إىل حتمل امل�س ؤ�وليات و أ�كدت على ابراز ال�صورة احلقيقية‬ ‫لل�سالم والت�صدي للهجمات احلاقدة‪ ،‬ودح�ض التجني عليه وعلى اتباعه ال�شرفاء يف العامل‪ ،‬وهذا‬ ‫امل�شرقة إ‬ ‫يتطلب من امل�سلمني أ�نريكزوا جهدهم على الفهم ال�صحيح النابع من جوهر الدين احلنيف لكي يت�صدوا للذين‬ ‫ال�سالم من الداخل أل�سباب من أ�برزها اجلهل بحقائق الدين ومبادئه‪ ،‬ولعلها ألغرا�ض وقتية‬ ‫ينخرون يف بنية إ‬ ‫تفتقر �إىل احلكمة وبعد النظر‪.‬‬ ‫لقد ابرزت ر�سالة عمان رحمة ا إل�سالم بالعامل‪� ،‬سواء‬ ‫با�سلوب دعوته أ‬ ‫للخرين أ�و باملحافظة على معتقداتهم‪ ،‬فهو‬ ‫عندما يدعو �إىل مبادئه‪ ،‬ف�إن دعوته مملوءة باحلب واالحرتام‬ ‫وال�شفقة على ا آلخر‪ ،‬واحلر�ص على م�صلحته �سوا ًء اختار‬ ‫ا إل�سالم أ�م �آثر البقاء على دينه‪ ،‬وقد قرر اهلل هذه الرحمة‬ ‫يف قوله عز وجل }وما أ�ر�سلناك �إىل رحمة للعاملني{ ويف قول‬ ‫الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم «الراحمون يرحمهم الرحمن‬ ‫ارحموا من يف االر�ض يرحمكم من يف ال�سماء»(�سنن الرتمذي‬

‫رقم ‪ ،)1924‬ودعت ر�سالة عمان �إىل ا�شاعة ثقافة املحبة‬ ‫واملودة بني افراد املجتمع العربي وا إل�سالمي‪ ،‬وين جميع العامل‪،‬‬ ‫وهذ اليتحقق ب�صورة وا�ضحة م ؤ�ثرة �إال �إذا رافقه خلق عظيم‬ ‫دعا �إليه ا إل�سالم‪ ،‬أ�ال وهو ال�صفح والت�سامح وحب اخلري‪ ،‬مع‬ ‫تر�سيخ قيم العدل يف النفو�س حتى يكون االن�سان متوزنا مع‬ ‫نف�سه واالخرين‪.‬‬ ‫ر�سالة عمان نزعتها �إن�سانية عاملية التعرف احلدود‬ ‫امل�صطنعة وال البعد الزماين واملكاين‪ ،‬و أ�منا هي دعوة أ‬ ‫متل‬

‫‪47‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫الف�ضاء الرحب‪ ،‬وحتاكي الفكر اال�صيل الناقد‪ ،‬دعوة التعرف‬ ‫اللون أ�و العرق أ�و اجلن�س‪ ،‬هدفهاخماطبة االن�سان املعا�صر‬ ‫خطابا دينيا عقالنيا علمي ًا يجمع بني اال�صالة واملعا�صرة‪،‬‬ ‫ويرف�ض التطرف الديني والعنف والغلو‪ ،‬وتدعو �إىل تكرمي‬ ‫أالن�سان واحرتام �آدميته وتقدمي امل�صالح العامة على امل�صالح‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬وتبعد االن�سان عن ا إلف�ساد يف أالر�ض‪ ،‬وت ؤ�كد على‬ ‫عمارتها املادية واملعنوية بكافة الو�سائل املمكنة ألن االن�سان‬ ‫يقطف ثمرة العمل ال�صالح يف الدنيا وا آلخرة‪� ،‬إن اح�سن التوفيق‬ ‫واملوازنة بني متطلبات اجل�سد والروح فنجد ذلك يف قوله عز‬ ‫وجل‪} :‬وابتغ فيما أ�تاك اهلل الدار ا آلخرة والتن�س ن�صيبك من‬ ‫الدنيا واح�سن كما أ�ح�سن اهلل �إليك والتبغ الف�ساد يف أالر�ض �إن‬ ‫اهلل اليحب املف�سدين يف أالر�ض{( الق�ص�ص ‪.)77‬‬ ‫للرهاب‪،‬‬ ‫لقد ا�ستنكرت ر�سالة عمان املفهوم املعا�صر إ‬ ‫والذي يراد به املمار�سات اخلاطئة أ�ي ًا كان م�صدرها و�شكلها‪،‬‬ ‫واملتمثلة يف التعدي على احلياة ا إلن�سانية التي كرمها اهلل‬ ‫ب�صورة باغية متجاوزة ألحكام ا إل�سالم العظيمة‪ ،‬تروع‬ ‫ا آلمنني وت�ستخدم الو�سائل الغري أ�خالقية من �سفك الدماء‪،‬‬ ‫وهدم للعمران‪ ،‬وا�ستباحة للمحرمات‪ ،‬وقد قال اهلل عز‬ ‫وجل }والتقتلوا النف�س التي حرم اهلل � إ ّال باحلق{(�سورة‬ ‫االنعام‪.)151:‬‬ ‫وت ؤ�كد ر�سالة عمان أ�ن و�سائل مقاومة الظلم‪ ،‬واقرار العدل‬ ‫م�شروعة بو�سائل م�شروعة‪ ،‬وتدعوا أالمة �إىل أالخذ ب أ��سباب‬ ‫القوة لبناء الذات واملحافظة على احلقوق‪ ،‬وتبني للنا�س جميعا‬ ‫ً أ�ن التطرف بكل �صورة املقيتة‪ ،‬غريب عن ا إل�سالم الذي يقوم‬ ‫على ا إلعتدال والت�سامح وال ميكن إلن�سان أ�نار اهلل ب�صريته بنور‬

‫‪48‬‬

‫العلم واملعرفة واحلكمة أ�ن يكون فعالي ًا يف نظرته أ�و�سلوكه أ�و‬ ‫أ‬ ‫تعامله‪,‬لنه تعلم من دينه النبل واليماحة واالعتدال‪ ,‬يفرز ذلك‬ ‫حديث النبي الكرمي «ان هذا الدين متني ف أ�وغل فيه برفق»‪.‬‬ ‫ومن منظومة ر�سالة عمان أ�ن تعاليم ا إل�سالم العظيم‬ ‫الذي نت�شرف يف االنت�ساب اليه تدعونا �إىل االنخراط وامل�شاركة‬ ‫الفاعلة االيجابية يف املجتمع االن�ساين املعا�صر‪ ،‬وا إل�سهام يف‬ ‫رقيه وتقدمه و�صدق توجهنا‪ ،‬كما تدعونا �إبى أ�ن نعمل على‬ ‫جتديد و�صياغة م�شروعنا احل�ضاري القائم على هدي الدين‬ ‫القومي‪ .‬وفق خطط علمية عملية مدرو�سة حمكمة حتى نتمكن أ�‪،‬‬ ‫نتجاوز املرحاة ال�شاقة التي متر بها أ�متنا العربية وا إل�سالمية‬ ‫مدركني متام ًا روح ا إل�سالم ومنهجه يف بناء احلياة ا إلن�سانية‪،‬‬ ‫با إل�ضافة �إىل اطالعنا على الثقافات املعا�صرة ليكون التالقي‬ ‫الفكري واملعريف على أ��س�س منظمة‪ ،‬لرد ال�شبهات التي يثريها‬ ‫أ�عداء ا إل�سالم بطريقة علمية �سليمة دون �ضعف أ�و انفعال‪،‬‬ ‫وب أ��سلوب يجذب القارئ وامل�ستمع وامل�شاهد‪ ،‬وهذا كله ي ؤ�دي‬ ‫�إىل تر�سيخ البناء الرتبوي للفرد امل�سلم القائم على الثوابت‬ ‫امل ؤ��س�سة للثقة يف الذات‪ ،‬والعاملة على ت�شكيل ال�شخ�صية‬ ‫املتكاملة املح�صنة �ضد املفا�سد مع االهتمام بالبحث العلمي‪،‬‬ ‫والتعامل مع العلوم املعا�صرة على أ��سا�س نظرة ا إل�سالم املتميزة‬ ‫للكون واحلياة وا إلن�سان‪ ،‬واال�ستفادة من اجنازات الع�صر يف‬ ‫جماالت العلوم والتكنولوجيا وتبني املنهج ا إل�سالمي يف حتقيق‬ ‫التنمية ال�شاملة الذي يقوم على العناية املتوازنة باجلوانب‬ ‫الروحية واالقت�صادية واالجتماعية وال�سيا�سية والفكرية‪ ،‬مع‬ ‫االهتمام بحقوق ا إلن�سان وحرياته أال�سا�سية‪ ،‬وت أ�كيد حقه يف‬ ‫احلياة‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫ر�سالـة عمان‬

‫«م�ضامني وتوجهات»‬ ‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫رئي�س منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬

‫�إن التم�سك مبنهج الو�سطية والعدل أ�كرب م�ساعد على معرفة �سنن اهلل الثابتة يف الكون‪ ،‬ملا لهذه املعرفة من‬ ‫وال�صالح‪ ،‬بعيد ًا عن التخبط والفو�ضى واال�ضطراب وال�ضالل‪.‬‬ ‫أ�ثر يف �سلوك الطريق القومي للتغيري والت�صحيح إ‬ ‫ولذلك ف�إن بناء الفكر الو�سطي ينطلق بداية من مناق�شة الق�ضايا الفكرية‪ ،‬و أ�حداث ال�ساعة امللحة‪ ،‬ال أ�ن‬ ‫يواريها أ�و يناق�شها بحياء ألننا يف ع�صر االنفتاح‪ ،‬وثورة املعلوماتية‪ ،‬فما ال نو�صله للعامة ونقنعهم به ي�ستقونه‬ ‫من م�صادر أ�خرى قد ال يكون فيه الفهم ال�صحيح‪ ،‬والن�ص ال�صريح بل الت�شو�ش أ‬ ‫والفكار املغلوطة‪.‬‬

‫أ‬ ‫ولنّ أ�مل أالمة يف علمائها‪ ،‬فهم أالقدر على التفكري يف‬ ‫معاجلة م�شاكل أ�متهم وو�ضع احللول للتحديات املعا�صرة‪،‬‬ ‫ومن أ�همها ما أُ�لب�س به ا إل�سالم املعا�صر من أ�نه منبع للعنف‬ ‫والتطرف‪ .‬ولذلك عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة حتت‬ ‫الرعاية امللكية ال�سامية م ؤ�متر الو�سطية بني الفكر واملمار�سة‬ ‫لل�سالم‪ ،‬ولن�شر‬ ‫يف عمان‪ ،‬بهدف ت�صحيح ال�صورة امل�شوهة إ‬ ‫املنهجية ال�سليمة التي ت�ضمنتها و�سطية اال�سالم لتح�صني‬ ‫الداخل و�صو ًال �إىل نه�ضة أالمة املبنية على احرتام ا إلن�سان‪،‬‬ ‫ب�إ�سلوب ح�ضاري �إن�ساين‪.‬‬ ‫ومهدت هذه اخلطوة �إطالق «ر�سالة عمان» ال�سامية‬ ‫توجه جاللة امللك عبداهلل الثاين بعد لقائه جمموعة من‬ ‫�ضمن ّ‬

‫العلماء أالردنيني وو�ضعوا �صيغة ر�سالة عمان التي ُقر أ�ت ليلة‬ ‫القدر يف �شهر رم�ضان ‪1425‬هـ (يف التا�سع من ت�شرين الثاين‬ ‫‪ )2004‬واملتمثلة يف م�صارحة أالمة «يف هذا املنعطف ال�صعب‬ ‫من م�سريتها‪ ،‬مبا يحيق بها من أ�خطار‪ ،‬مدركني ما تتعر�ض له‬ ‫من حتديات تهدد هويتها وتفرق كلمتها وتعمل على ت�شويه‬ ‫دينها والنيل من مقد�ساتها‪ ،‬ذلك أ�ن ر�سالة ا إل�سالم ال�سمحة‬ ‫تتعر�ض اليوم لهجمة �شر�سة ممن يحاولون أ�ن ي�صوروها عدو ًا‬ ‫لهم‪ ،‬بالت�شويه واالفرتاء‪ ،‬ومن بع�ض الذين يدعون االنت�ساب‬ ‫لل�سالم ويقومون ب أ�فعال غري م�س ؤ�ولة با�سمه»‪ ،‬وهي التحديات‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫التي تزداد عمقا وخطورة يوما بعد يوم‪ ،‬بالنظر �إىل كل ذلك‬ ‫ف�إنّ ر�سالة عمان دعوة �إىل التعريف با إل�سالم‪ ،‬و�إبراز الو�سطية‬

‫‪49‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫كروح للدين ا إل�سالمي‪ ،‬وال�سعي �إىل �إبراز هذه الروح املغيبة‬ ‫ق�صد ًا من قبل أ�عدائها‪� ،‬سواء أ�كانوا من الداخل أ�م اخلارج‪ ،‬أ�و‬ ‫بغري ق�صد نابع من اجلهالة بقيم الدين ا إل�سالمي‪ ،‬أ�و من باب‬ ‫لل�سالم ب�صلة‪.‬‬ ‫التع�صب أالعمى الذي ال ّ‬ ‫ميت إ‬ ‫�إنّ جهود امل�سلمني ومنهجهم يف حماوالت التعريف بديننا‬ ‫احلنيف‪ ،‬والك�شف عن م�ضامينه ال�سمحة وا إلن�سانية يف مواجهة‬ ‫حمالت اجلهل والتجهيل التي قام ويقوم بها أ�عدا ؤ�نا‪ ،‬مع ذلك‬ ‫ف�إن هذه املحاوالت كانت تنطلق من حالة ال�شعور امل�ستبد‬ ‫باخلوف واال�ضطهاد بل وحتى الدونية‪ ،‬ومن ثم فقد كنا يف‬ ‫تعريفنا بديننا أ�قرب �إىل ا�ستجداء عطف ا آلخرين ورحمتهم‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬و�آل هذا املوقف الدفاعي ال�ضعيف �إىل خ�سارة املعركة‬ ‫تلو أالخرى‪ .‬فكان عماد «ر�سالة عمان» يتمثل يف حقيقة « ر ّد‬ ‫لل�سالم يف املجتمع امل�سلم كما يف العامل أ�جمع»‬ ‫االعتبار إ‬ ‫ولهذا فان «ر�سالة عمان» ت�ستحق من وجهة نظرنا‪،‬‬ ‫باعتبارها ت�شكل حتو ًال جذري ًا‪ ،‬ال على �صعيد عالقتنا با آلخر‬ ‫ومواجهة التحديات التي تفر�ضها علينا هذه العالقة وح�سب‪،‬‬ ‫و�إمنا أ�ي�ض ًا على �صعيد نظرتنا كم�سلمني وعرب‪� ،‬إىل ذواتنا كما‬ ‫�إىل عالقتنا ببع�ضنا يف �إطار الوطن الواحد أ�و ملجموع أالمة‬ ‫ا إل�سالمية‪ .‬ذلك أ�نّ حمور «ر�سالة عمان» يتمثل يف االنطالق من‬ ‫مفاهيم القوة والندية والقدرة يف التعاطي والتفاعل مع ا آلخر‪،‬‬ ‫النابعة من الثقة بالنف�س القائمة على أ��سا�س امل�ساهمة يف‬ ‫البناء احل�ضاري ا إلن�ساين‪ ،‬املنطلقة من حقيقة وحدة اخلالق‬ ‫و أ��صل اخلليقة الواحد املف�ضي �إىل امل�ساواة‪ .‬وكذلك الت أ�كيد‬ ‫على أال�س�س الرا�سخة للح�ضارة ا إل�سالمية و» التي كانت حلقة‬ ‫مهمة انتقل بها الغرب �إىل أ�بواب العلم احلديث»‪ ،‬ف�إن «ر�سالة‬ ‫عمان» ال تتخذ من هذا املا�ضي نقطة للركون واال�ستكانة‪ ،‬بل هو‬ ‫نقطة مركزية لالنطالق نحو ا�ست�شراق امل�ستقبل‪ ،‬إلعادة بعث‬ ‫امل�شروع ا إل�سالمي احل�ضاري‪ ،‬القائم على «االهتمام بالبحث‬ ‫العلمي والتعامل مع العلوم املعا�صرة واال�ستفادة من �إجنازات‬ ‫الع�صر يف جماالت العلوم والتكنولوجيا»‪.‬‬ ‫�إنّ ا إل�سالم الواثق من نف�سه منفتح على ا آلخر‪ ،‬وال ي ّدعي‬ ‫احتكار الدين املبني على التطرف واالنغالق‪ ،‬أ�و اخلوف‬ ‫وانعدام الثقة بالنف�س‪ ,‬ولذلك جاءت «ر�سالة عمان» لت ؤ��س�س‬ ‫�سبي ًال لنه�ضة أالمة من خالل ر ّد االعتبار للدين ا إل�سالمي‬

‫‪50‬‬

‫على أ�ر�ض الواقع واملمار�سة‪ ،‬ب�إبراز و�سطية اال�سالم ومبادئه‬ ‫وم�ضامينه ال�سمحة‪.‬‬ ‫ور ّد االعتبار هذا ال يرتبط مبمار�سة العبادات فقط‪ ،‬وهو‬ ‫أالمر الذي ما زال أالكرث ح�ضور ًا يف جمتمعاتنا‪ ،‬بل يظهر من‬ ‫خالل الت أ�كيد على حقيقة أ�نّ «هدي هذا ا إل�سالم العظيم الذي‬ ‫نت�شرف باالنت�ساب �إليه يدعونا �إىل االنخراط وامل�شاركة يف‬ ‫املجتمع ا إلن�ساين املعا�صر‪ ،‬وا إل�سهام يف ُرقيه وتقدمه‪ ،‬متعاونني‬ ‫مع كل قوى اخلري والتعقل‪ ،‬وحمبي العدل عند ال�شعوب كافة»‪،‬‬ ‫وكذلك �ضرورة «تبني املنهج ا إل�سالمي يف حتقيق التنمية‬ ‫ال�شاملة الذي يقوم على العناية املتوازنة باجلوانب الروحية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬واالهتمام بحقوق ا إلن�سان وحرياته‬ ‫أال�سا�سية»‪ .‬‬ ‫«ر�سالة عمان» لي�ست خطاب ًا موجه ًا �إىل اخلارج من‬ ‫العامل الغربي فقط‪ ،‬بل �إىل داخل أالمة ا إل�سالمية ولذلك تبنى‬ ‫منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ر�سالة عمان لتعميق معانيها‬ ‫يف أالردن‪ ،‬بهدف الدفاع عن ا إل�سالم وحت�صني الداخل‬ ‫للتغلب على التحديات التي تواجه أالمة‪ ،‬من خالل تبني منهج‬ ‫الو�سطية ذي املرجعية ا إل�سالمية لتقدمي الر ؤ�ية ال�شاملة‬ ‫واحل�ضارية حلقيقة ا إل�سالم املعا�صر‪ ،‬وعناوين امل�شروع‬ ‫احل�ضاري ا إل�سالمي القادم‪.‬‬ ‫ولذلك ينطلق منتدى الو�سطية للفكر والثقافة من أ�هداف‬ ‫رئي�سة منها املحافظة على �صورة اال�سالم امل�شرقة‪ .‬ور ّد‬ ‫ال�شبهات التي حتاول ا إل�ساءة لهذه ال�صورة امل�شرقة‪ ،‬والك�شف‬ ‫عن املمار�سات اخلاطئة التي ترتكب با�سم ا إل�سالم التي‬ ‫ي�ستخدمها البع�ض لت�شويه �صورة اال�سالم ا إلن�سانية‪.‬‬ ‫للتوجهات امللكية ال�سامية وانطالق ًا من‬ ‫وا�ستجابة‬ ‫ّ‬ ‫م�سوليتنا كم ؤ��س�سة ثقافيه أ�ردنية نحر�ص يف أ�دبياتنا و أ�هدافنا‬ ‫ون�شاطاتنا على نقل معاين ر�سالة عمان �إىل أ�و�سع القطاعات‬ ‫وب�شتى الو�سائل‪ ,‬ألنّ واجب العلماء تو�ضيح �صورة ا إل�سالم‬ ‫احلقة‪ ،‬و�إنارة الطريق أ�مام أالمة �شيبها و�شبابها مب�شاعل‬ ‫احلقيقة‪ ،‬ونور ا إل�سالم‪ ،‬ورفع ال�صوت عالي ًا وعدم ال�سكوت‬ ‫خوف ًا من �صوت جاهل أ�و فكر منحرف‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫ملاذا ر�سالة ّ‬ ‫عمان‬ ‫�إبراهيم �ش ّبوح‬ ‫ال�سالمي‬ ‫مدير عام م ؤ��س�سة آ�ل البيت للفكر إ‬ ‫ٌ‬ ‫ربى َع ّر�ضت الوجو َد الكو َّ‬ ‫ين للم�سلمني �إىل عوا�صف �إثارة وت�شكيك‬ ‫َو َّط أ�تْ لر�سالة َع ّمان أ�‬ ‫ ‬ ‫حداث ك َ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وتدمري و َتطا ُو ٍل على ��صول ال ّمة يف عقائدها ومق ّومات ذا ِتها‪.‬‬ ‫ينا�سب منزل َتهُ وح�ضار َته‪ ،‬و أ�ُخ�ض َع‬ ‫امل�سلم ِ�ض ْمنَ َح ّي ٍز ُ�صن َِّف فيه مبا ال‬ ‫ و ُو ِ�ض َع‬ ‫حلمالت خارج َّي ٍة ُ�ض ِب َطتْ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫م�صطنعة‪ ،‬وك�نــّه كائنٌ اكت ِ�شف حديثا على الر�ض وال َع ْهد له بال ُوجود والتّعامل مع‬ ‫مثالب‬ ‫ُب َ ؤ� ُر ُر ْ ؤ�يتها على‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ال ْجنا�س أ‬ ‫أ‬ ‫وجمر ٌد من كل نوازع اخلري‪.‬‬ ‫الخرى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بع�ضها بع�ض ًا بال ِف ْعل ور ّد ال ِف ْعل‪ ،‬و أ�خذت ّ‬ ‫جر ُ‬ ‫ال�شواهدُ تـ َتـ َبلْو ُر يف أ�ذهان بع�ض‬ ‫ وتتداعى امل�شاهدُ َي ُّ‬ ‫ّ‬ ‫املنظرينَ ليُبرَ هنوا على أ�نظا ٍر خمت ّل ٍة‪ّ ،‬‬ ‫ا�صطلحوا عليها بنظريـَّة «�صراع احل�ضارات»‪،‬‬ ‫لعل من أ� ّ‬ ‫�شدها ً‬ ‫بالء علينا ما ْ‬ ‫متر النّوائب �إ ّال على َ�س ْم ِت ِه‪.‬‬ ‫التي أ��ص َب ْحنا بعدَ ها َم ْر ً‬ ‫مى م�س َت ْهدَ ف ًا ال ُّ‬ ‫ وهذه ا إلثارات وما �سا َو َقها من وقائع ُح ِ�سبت على‬ ‫امل�سلمني وعلى تربية دينهم‪ ،‬ع ّمت بها ال َب ْلوى‪ ،‬وح ّددت واق َع‬ ‫امل�سلم املعا�صر بني قطبينْ ظاملني‪:‬‬ ‫ أ� – أال ّول‪ :‬أ�نّ ّ‬ ‫خطة التع ّدي اخلارجي عليه وعلى‬ ‫مق ّوماته �صي َغ ْت يف حرك ٍة منتظم ٍة ّ‬ ‫ومنظمة تقوم على قواعد‬ ‫واملت�س ّلل �إىل العقول والقلوب‬ ‫ف ّنية من ا إلعالم النافذ احلا ِقد َ‬ ‫ب ِف ْعل التّكرا ِر وا إلثارة‪ ،‬لي�ص ّورونا من ِخالله كما ُيراد بنا يف‬ ‫الب�شاعة َ‬ ‫و�ضحالة ال ّروح والتل ّب�س بكراهية أالجنا�س‪،‬‬ ‫مظنّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫وك أ�نهم يك�شفون كوائنَ جديدة ً جمهولة لديهم ولدى العامل‪،‬‬ ‫وهم أال ُ‬ ‫دارت‬ ‫يوم ْ‬ ‫عرف بنا عندما متكنوا من م�صائرنا َ‬ ‫امل�ستعمر‪ ،‬فدر�سوا ك ّل‬ ‫علينا ال ّدوائ ُر‬ ‫ْ‬ ‫ووقعت �شعو ُبنا يف ِر ْبقة ْ‬ ‫بت�صنيف‬ ‫مقوما ِتنا ومك ّونا ِتنا و َت ّوجوا َم ْعرفتَهم العميق َة بنا ْ‬ ‫«دائرة املعارف ا إل�سالم ّية» ا ّلتي ا�شتم َلت على ثوابتنا و َثقافتنا‬ ‫و أ�خال ِقنا و َد ْورِنا احل�ضاريِّ الكبري يف تاريخ ا إلن�سان ّية‪ .‬لقد‬ ‫ُنو�سي ك ّل ذلك و أ��صبحنا لدَ يـْهم من ُغثاء التاريخ‪ ،‬ولكل هذا‬ ‫ت َ‬ ‫أ‬ ‫�سباب مدرو�س ٌة ومعروفة‪.‬‬ ‫ال�سافر والكامن � ٌ‬ ‫العداء ّ‬ ‫ ‪ -2‬وال ّثاين أ�نّ هذه الفتن َة امل�س ّلطة علينا وال ّدائرة‬ ‫رحاها بيننا أ�حدَ َث ْت خل ًال يف بع�ض ال ُعقول التي انطلقت بوهم‬

‫ال ُق ْدرة على الت�ص ّدي ور ّد التح ّدي وا إل�صالح وتغيري واقع أال ّمة‪،‬‬ ‫من غري أ�ن يكونَ لها من مق ّومات ال َف ْهم والتّحليل و�شروط‬ ‫القيادة ما يه ّي ؤ�ها أل ّي م�س ؤ�ول ّية‪ ،‬فان َغـ َلقت على ذاتها و أ��ساءت‬ ‫نف�سها م�س ؤ�ول ًة عن أال ّمة‪ ،‬ف أ�خذت ت�ص ّنفها‬ ‫فهم دينها‪ّ ،‬‬ ‫ون�صبت َ‬ ‫مبقايي�سها املرتبكة‪ ،‬وتق ّدمت يف هذا ال َـخ َطل بجر أ� ٍة لتك ّفر‬ ‫– على هواها ‪ -‬من ترى تكف َريه‪ّ .‬ثم تعاطت ال ُفتْيا يف م�صري‬ ‫ال َـخـ ْلق‪ ،‬حتاكم أالبريا َء وجتر أُ� ظامل ًة على �إيقاف احلياة‪ ،‬و َقتْل‬ ‫ال ّنف�س التي َح ّرم اهلل بغري حقّ ‪ ،‬و أ��ص َبحت الفتا َوى العميا ُء‬ ‫رهاب ال ّنا�س‪ ،‬وانعدَ م ّ‬ ‫ال�شعو ُر‬ ‫من ِ�س ِ‬ ‫مات هذه ال ِـحقْبة‪ ،‬و�شا َع � إ ُ‬ ‫بال ْمن أ‬ ‫َأ‬ ‫والمان‪َ ،‬‬ ‫جمهول يطرق يف ك ّل حني ويف كل‬ ‫حذ َر ًا من‬ ‫ٍ‬ ‫مكان على غيرْ معياد‪.‬‬ ‫مت هذه أال ُ‬ ‫حداث الظالم ّي ُة �صور ًة م�ش ّوهة عن‬ ‫ وق ّد ْ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫جج‬ ‫ديننا احلنيف‪ ،‬و� ِخ َذ ْت علينا حيث �م ّد ِت املناوئ َني ب ُـح ٍ‬ ‫املفاهيم‪،‬‬ ‫طت‬ ‫و�شواهدَ على ما َي ْفرتونَ و ُير ّوجونَ له‪ .‬واخت َل ِ‬ ‫ُ‬ ‫وات املدرك ِة املخْ ل�ص ِة يف رياح هذه امل ْـح َنة‬ ‫و�ضاعت أ��صدا ُء أال ْ�ص ِ‬ ‫امل�سلم بني قوىً مناوئ ٍة‪ ،‬ت�ص ّوره ودي َنه‬ ‫�صبح‬ ‫ُ‬ ‫العا ِتية‪ .‬وهكذا أ� َ‬ ‫ال�صور من جانب‪ ،‬وبني ُقوىً ف ْو�ضو ّية من‬ ‫و ِق َي َم ُه على أ�قبح ّ‬ ‫داخل عالمَ ـه ا إل�سالمي‪ ،‬اخت ّلت موازي ُنها‪ ،‬ونز َغ بها ّ‬ ‫ال�شيطان‬

‫‪51‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫�إىل الـ ُمغاالة والتّط ّرف‪ ،‬فا�صطن َع ْت ل َنفْ�سها قواني َنها‪ ،‬و أ�خذت‬ ‫َ‬ ‫�ضوابط َع�شوائ ّية للتكفري وال َقتْل‪.‬‬ ‫حتاكم وحت ُكم‪ ،‬وت�ض ُع ل َنفْ�سها‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫مداخل له‬ ‫ودخل يف ح�ضرية املرجع ّية الدين ّية عندهم من ال ِ‬ ‫ت َ ؤ�هّ ُله أ�ن يكون من أ�هل ال ّذكر‪ .‬ف�ض ّيقوا دائر َة ا إل�سالم الوا�سعةَ‬ ‫برحمة اهلل‪� ،‬إىل حدو ِد ُر ْ ؤ�يتهم ال�ض ّيق ِة‪ ،‬وا�ستَـ ْبعدوا عنه أ�تباع‬ ‫أ�كرث املذاهب ممن ُ‬ ‫يقول ّ‬ ‫بال�شهادتني وال ي ْـجحد معلوم ًا من‬ ‫�صبح ْت حمنتنا م ّنا وفينا‪.‬‬ ‫ال ّدين بال�ضرورة‪ ،‬و أ� َ‬ ‫فـ ـ ـ�إذا َر َم ْي ـ ـ ــتُ أ��صاب ـ ـ ــني �سهمي‬ ‫قومـ ــي ه ـ ــم قتـ ـ ــلوا أ�ُمي ـ ـ ـ َم أ�خـ ـ ــي‬ ‫„وبحكم امل�س ؤ�ول ّية الروح ّية والتاريخ ّية املوروثة التي‬ ‫حتملها القيادة الها�شم ّية ب�شرع ّي ٍة مو�صول ٍة بامل�صطفى �ص ّلى‬ ‫اهلل عليه و�س ّلم �صاحب ال ّر�سالة“ انربت أالرد ُّن بقيادتها‬ ‫احلكيمة ل�صاحب اجلاللة الها�شم ّية امللك عبد اهلل الثاين ابن‬ ‫احل�سني الـّذي ورث تقاليد �آبائه يف ال ّدفاع عن ا إل�سالم و ِق َيمه‪،‬‬ ‫فلم ي ّدخر و�سع ًا يف االتـ�صال بالقيادات الدول ّية وامل ؤ� َّ�س�سات‬ ‫اجلامع ّية فيها‪ ،‬متح ّدث ًا وحما�ضر ًا ومناق�ش ًا و ُمع ّرف ًا بحقيقة‬ ‫ا إل�سالم ومبادئه ودعوته ا إلن�سان ّية‪ ،‬مبا كان له أالثر الكبري‪.‬‬ ‫ال�سامية ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬أُ�نـْجزت „ر�سالة ع ّمان“‬ ‫وبرعايته ّ‬ ‫يف رم�ضان املبارك ل�سنة ‪1425‬هـ‪ /‬ت�شرين الثاين ‪2004‬م‬ ‫بن�صها املوجز املحكم‪ ،‬م�ستند ًا �إىل ال ّن�صو�ص ال ّثابتة الوا�ضحة‬ ‫ّ‬ ‫من القر�آن الكرمي وال�س ّنة ّ‬ ‫ال�شريفة‪ ،‬لتق ّدم حقيقة ا إل�سالم كما‬ ‫هو عليه يف جوهره‪ ،‬فع ّر َف ْت بالقواعد اخل ْم�س التي يقوم عليها‬ ‫ال ّدين‪ ،‬وارتباط ا إلن�سان ال ّدائم باخلالق‪ ،‬وبرتبية ال ّنف�س‪،‬‬ ‫وبالتكافل‪ ،‬وبتحقيق وحدة أال ّمة‪ .‬ث ّـم ع ّرفت مبا يح ّقق خ َري‬ ‫ا إلن�سان ّية من ال ّنظر لوحدة اجل ْن�س الب�شري‪ ،‬وت�ساوي ال ّنا�س يف‬ ‫وال�سالم والعدل‪ ،‬ومراعاة اجلوار‪ ،‬وحفظ‬ ‫احلقوق والواجبات ّ‬ ‫أالموال‪ ،‬والوفاء بالعهود‪ .‬وهي مبادىء تك ّون قوا�سم م�شرتكة‬ ‫بني أ�تباع ال ّديانات‪ ،‬وامل�سلم ال يف ّرق بني ال ُّر�سل‪ ،‬ويلتقي مع‬ ‫ال�ص ُعد امل�شرتكة التي‬ ‫امل ؤ�منني بال ّديانات أالخرى يف كثري من ّ‬ ‫تتالقى على خدمة املجتمع ا إلن�ساين‪.‬‬ ‫للن�سان الـّذي‬ ‫ويف ر�سالة ع ّمان‪ ،‬تذكري بنظرة ا إل�سالم إ‬ ‫ك ّرمه اهلل‪ ،‬ومبنهج ال ّدعوة الـّتي ينبغي أ�ن تقوم على ال ّرفق‬ ‫وال ّلني‪ ،‬والعمل على حتقيق ال ّرحمة واخلري لل ّنا�س‪ ،‬واحلثّ على‬ ‫التّ�سامح والعفو‪ ،‬واعتبار مبد� إ العدالة يف معاملة ا آلخرين‪ ،‬والت أ�‬ ‫كيد على احرتام املواثيق واحلقوق‪ .‬واحرتام احلياة‪ ،‬ومقاومة‬ ‫نزعات الغل ّو والتط ّرف والتّ�ش ّدد‪ ،‬فا إل�سالم دين أ�خالقي‬ ‫الغايات والو�سائل ي�سعى‪ ،‬خلري ال ّنا�س و�سعادتهم يف الدارين‪،‬‬ ‫وال ّدفاع عن ال ّدين ال يكون � إ ّال بالو�سائل أالخالق ّية‪ ،‬ألنّ العالقة‬

‫‪52‬‬

‫ال�سلم والعدل‪.‬‬ ‫بني امل�سلمني وغريهم ال تقوم � إ ّال على ّ‬ ‫للرهاب الـّذي‬ ‫وت�ستنكر ال ّر�سالة بحزم‬ ‫َ‬ ‫املفهوم املعا�صر إ‬ ‫يراد به املمار�سات اخلاطئة‪ ،‬والتع ّدي على احلياة ا إلن�سان ّية‬ ‫بغي ًا وجتاوز ًا ألحكام اهلل‪ ،‬وهذا التط ّرف غريب املنزع عن‬ ‫ا إل�سالم الـّذي يقوم على االعتدال والتّ�سامح‪.‬‬ ‫وت�ستنكر يف ا آلن نف�سه حملة التّ�شويه التي ت�ص ّور ا إل�سالم‬ ‫للرهاب‪.‬‬ ‫ب أ�ن ـّه ّ‬ ‫ي�شجع العنف وي ؤ� ّ�س�س إ‬ ‫وتدعو ال ّر�سالة املجتمع ال ّدويل لتطبيق القانون ال ّدويل‬ ‫ال�صادرة عن أالمم املتحدة‬ ‫بج ّد‪ ،‬واحرتام املواثيق والقرارات ّ‬ ‫وتنفيذها من غري ازدواج ّية يف املعايري‪ ،‬ليعود احلقّ �إىل‬ ‫أ��صحابه وينتفي ّ‬ ‫الظلم‪ ،‬فهذا مـ ّما ي�ساعد يف الق�ضاء على‬ ‫أ��سباب الغل ّو والعنف والتط ّرف‪.‬‬ ‫وتدعو ال ّر�سالة ب أ�نّ هَ ْدي ا إل�سالم يدعونا للم�شاركة يف‬ ‫املجتمع ا إلن�ساين املعا�صر وا إل�سهام يف رق ّيه وتق ّدمه‪ ،‬متعاونني‬ ‫مع كل ُقوى اخلري والتع ّقل وحم ّبي العدل‪� ،‬إبراز ًا حلقيقتنا‬ ‫وتعبري ًا عن �سالمة �إمياننا‪.‬‬ ‫للفادة من ثورة االت ـّ�صاالت لر ّد ّ‬ ‫ال�شبهات التي‬ ‫وتدعو إ‬ ‫تُثار‪ ،‬وذلك بطرق علم ّية دون �ضعف أ�و انفعال‪ ،‬وتر�سيخ البناء‬ ‫الترّ بوي للفرد امل�سلم القائم على ال ّثوابت امل ؤ� ّ�س�سة للثقة‬ ‫يف ال ّذات‪ ،‬واالهتمام بالبحث العلمي‪ ،‬والتّعامل مع العلوم‬ ‫املعا�صرة‪ .‬أ‬ ‫والمل معقود على علمائنا ليق ّدموا حقيقة ا إل�سالم‬ ‫العظيمة وقِيمِ ه‪ ،‬ملدارك أ�جيالنا ّ‬ ‫ال�شا ّبة‪ ،‬الجتناب خماطر‬ ‫االنزالق يف ُ�سبل اجلهل والف�ساد‪ ،‬واالنغالق والتبع ّية‪ ،‬وحتى‬ ‫ّ‬ ‫ال�سماحة واالعتدال والو�سط ّية واخلري‪.‬‬ ‫ال�س َري يف درب ّ‬ ‫يتوخوا ّ‬ ‫وبهذا املنت املدرو�س ل ّـخ�صت ر�سالة ع ّمان قواعد وقيم‬ ‫ديننا وثقافتنا و أ�نارت ما يتّ�صل بذلك من �إ�شكاالت مرتبطة‬ ‫به‪ .‬وال تزال حماور هذه ال ّر�سالة التّاريخ ّية من �شواغل الفكر‬ ‫ر�سخت ما ورد يف‬ ‫يف أالردن‪ ،‬فقد عقدت م ؤ�مترات وندوات ّ‬ ‫ر�سالة ع ّمان‪ ،‬وناق�شت الق�ضايا التي أ�ثارتها‪ ،‬نذكر منها امل ؤ�متر‬ ‫ا إل�سالمي ال ّدويل ال ـّذي أ�قامته م ؤ� ّ�س�سة �آل البيت امللكية للفكر‬ ‫ا إل�سالمي و�شارك فيها نخبة علماء امل�سلمني‪ ،‬ث ّـم امل�ص ّنف‬ ‫املهم الـّذي أ��صدره �صاحب ال�سم ّو امللكي‬ ‫الوثائقي التّاريخي ّ‬ ‫أالمري غازي بن حم ّمد‪ ،‬با�سم �إجماع امل�سلمني على احرتام‬ ‫املذاهب‪ ،‬وفيه فتاوى كبار علماء املذاهب للتدليل على وجهة‬ ‫الكتاب‪ ،‬و�شروط من له حقّ الفتيا‪ ،‬وهي من ال ُع َقد الـّتي أ� ّ�س�ست‬ ‫للفكر املتط ّرف واملغالني‪.‬‬ ‫وتب�صر‪،‬‬ ‫وامل�سرية م�ستم ّرة ب�إذن اهلل بك ّل تع ّقل ويقظة ّ‬ ‫حتّى تدر أ� عوامل ال�ش ّر املحدقة أ‬ ‫بال ّمة من خارجها وداخلها‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫و����س���ط���ي���ت���ن���ا‬ ‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ر�ؤية الواقع والعامل‬ ‫من خالل آ‬ ‫الخر‬ ‫د‪ .‬وائل مريزا‬ ‫ال�شارقة‪-‬المارات العربية املتحدة‬ ‫جامعة‬ ‫إ‬

‫ر ؤ�ية الواقع والعامل من خالل آ‬ ‫الخر‬ ‫ح�ضارة متلك قدر ًة على التحكّم ب� ؤ‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬يف داخل‬ ‫ش�ونها‬ ‫�إن من احلقائق امل�س ّلم بها منطقي ًا أ�ن كل‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ش�ون آ‬ ‫دائرتها الذاتية أ�كرث من قدرتها على التحكّم يف � ؤ‬ ‫الخرين والت أ�ثري فيها‪ .‬فقبل البحث يف مواقف الطرف‬ ‫آ‬ ‫النظار أ‬ ‫الخر ويف مدى خطئها أ�و �صوابها‪ ،‬ويف درجة ان�سجامها مع مبادئه‪ ،‬وقبل توجيه أ‬ ‫وال�صابع �إىل الطرف‬ ‫آ‬ ‫الخر‪ ،‬التّهامه وال�شكوى منه‪ .‬يجب أ�ن تكون أ‬ ‫الولوية للنظر �إىل النف�س ومراجعتها‪ ،‬وللتفكري يف جماالت‬ ‫والهمال فيها‪ ،‬وحماولة العمل على معاجلتها‪ ،‬ال�ستعادة الوزن احل�ضاري املطلوب الذي يجعلها‬ ‫اخلط أ� والتق�صري إ‬ ‫تتمكّن من التعامل مع ذلك الطرف آ‬ ‫ومو�ضوعية وتوازن‪.‬‬ ‫بثقة وقوة‬ ‫ٍ‬ ‫الخر بعد ذلك ٍ‬

‫�ضروري ألن ل�سان حال العرب‬ ‫�إن طرح هذه احلقيقة‬ ‫ٌ‬ ‫وامل�سلمني كان يعبرّ عن غيابها �إىل درجة كبرية يف أالزمات‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬ولكن هذا الغياب بلغ َأ�وج ُه مع أ�حداث �سبتمرب وما‬ ‫تالها‪ .‬فاملمار�سات التي نراها على امل�ستويني الر�سمي وال�شعبي‬ ‫تكاد تنح�صر ب�شكل عجيب يف مالحقة كل ما يتعلق بـ (الطرف‬ ‫ا آلخر) من أالحداث‪� ،‬إىل درج ٍة ميكن القول معها أ�ن كثري ًا‬ ‫من العرب وامل�سلمني يفهمون العامل وي�شكلون �صور ًة للواقع‬ ‫يف أ�ذهانهم من خالل طبيعة مواقف و أ�فعال ذلك (ا آلخر)‪،‬‬

‫وب�شكل أ��صبح فع ًال ظاهر ًة ت�ستحق االهتمام والدرا�سة على‬ ‫ٍ‬ ‫أ�كرث من �صعيد‪.‬‬ ‫و�إن نظر ًة حتليلي ًة �إىل أالدبيات التي ُن�شرت أ�و أُ�ذيعت‬ ‫يف العامل العربي‪ ،‬من املقاالت والدرا�سات والتحليالت �إىل‬ ‫املقابالت والت�صريحات والبيانات‪ ،‬تُظه ُر أ�ن هناك �شبه‬ ‫�إجماع على و�ضع كامل أ�وراق أالحداث يف يد الغرب والواليات‬ ‫املتحدة على وجه اخل�صو�ص‪ .‬فهناك من (يتهم) الواليات‬ ‫املتحدة بالت�س ّلط والطغيان‪ ،‬و(ي�شتمها) ب أ��شنع النعوت‬

‫‪53‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫أ‬ ‫والو�صاف‪ ،‬و( ُيع ّدد) خطاياها ال�سابقة والالحقة‪ ،‬و(ي�شكو)‬ ‫من ممار�ساتها ال�سيا�سية والع�سكرية‪ ،‬و(ي�ستنكر) مواقفها‪.‬‬ ‫وهناك من (ي�ستغرب) مقايي�س أ�مريكا املزدوجة‪ ،‬التي‬ ‫تتناق�ض مع مبادئها املعلنة‪ ،‬و( ُيعبرّ عن أال�سف) ألخطائها أ�و‬ ‫�سوء ح�ساباتها‪ ،‬و(ي أ�مل) يف تغيري تلك املقايي�س‪ .‬وهناك من‬ ‫(يوافق) على �سيا�سات أ�مريكا‪ ،‬و(يدعو) �إىل االن�سجام معها‬ ‫والقبول بها ب�شكل كامل‪ .‬وجميع ه ؤ�الء يقولون أ�نهم يبحثون‬ ‫عن م�صالح العرب وامل�سلمني‪ ،‬ولكن املفارقة تتمثل يف أ�ن‬ ‫ل�سان حالهم يوحي ب أ�ن تلك امل�صالح معلق ٌة أ�وال و أ�خريا مبوقف‬ ‫أ�مريكا‪.‬‬ ‫و�إن امل�شكلة َلتظهر يف أ�جلى �صورها عند ذلك الطرف‬ ‫الذي يتهم دوم ًا الغرب و أ�مريكا على وجه اخل�صو�ص ب أ�نها‬ ‫ا�ستعماري ٌة وظامل ٌة ومتجربة‪ ،‬وي�ستخدم يف و�صفها با�ستمرار‬ ‫أ�ب�شع النعوت وال�صفات التي تجُ ّردها من أ�ي أ�خالقيات و أ�ي‬ ‫ب�شكل أ�و ب آ�خر يغرق يف‬ ‫مبادئ‪ ،‬ثم �إنه عندما ي�صطدم معها ٍ‬ ‫ال�شكوى والتذمر واال�ستنكار من ظلمها وجتبرّ ها‪ ،‬ومن أ�نها ال‬ ‫تتح ّلى بتلك أالخالقيات واملبادئ وهي تتعامل معه!‪.‬‬ ‫�إنني أ�رف�ض رف�ض ًا قاطع ًا النظر �إىل الغرب أ�و �إىل أ�مريكا‬ ‫على أ�نهما (ال َعد ّو)‪ ،‬فهذا يتناق�ض جمل ًة وتف�صي ًال مع ر ؤ�يتي‬ ‫وطريقة تفكريي‪ ،‬ولكنني ال أ�ملك غري اال�ستغراب ممن يرى‬ ‫الغرب أ�و أ�مريكا أ�و غريها على أ�نهم (العدو) ثم ال يتوقع منهم‬ ‫غري العداوة بكل مقت�ضياتها ال�سلبية املعروفة‪� .‬إن البحث عن‬ ‫التف�سري الوحيد املمكن لهذا التناق�ض يعود �إىل العجز الذي‬ ‫أ��صاب وي�صيب الكثريين من أ�بناء احل�ضارة العربية ا إل�سالمية‪،‬‬ ‫وهو عج ٌز ي ؤ�دي أ�و ًال �إىل اخلط أ� يف ر ؤ�ية العامل وفهمه‪ ،‬ويف‬ ‫ب�شكل متوازن ومو�ضوعي‪ ،‬ثم ي ؤ�دي ثاني ًا‬ ‫ر ؤ�ية ا آلخر وفهمه ٍ‬ ‫�إىل افتقاد أ�ي قدر ٍة على التعامل معه‪ ،‬حتى بعد فهمه ب�شكل‬ ‫خاطئ‪� ،‬إال من خالل االتهام وال�شكوى واال�ستنكار‪.‬‬ ‫�إن ر ؤ�ية الواقع العاملي على أ�نه نتا ٌج حلركة جمموعات‬ ‫خمتلفة من املجموعات الب�شرية ُيعترب أ��سا�س ًا من أ��س�س النظرة‬ ‫الو�سطية �إىل الواقع‪ ،‬أ�ما هذا ا إلفراط بل�سان احلال يف ر ؤ�ية‬ ‫العامل من خالل ا آلخر‪ ،‬ولو َمت نفيه بل�سان املقال‪ ،‬ف�إنه ُيعترب‬ ‫خمالف ًة أ��سا�سية للمنهج الو�سطي يف قراءة الواقع والتعامل‬ ‫معه‪َ ،‬ظهر ويظهر جلي ًا أ�نها �سائدة يف أ�و�ساط العرب وامل�سلمني‬

‫‪54‬‬

‫حد كبري‪.‬‬ ‫�إىل ٍ‬ ‫ال�سالم وامل�سلمني من خالل فرد‬ ‫‪ .8‬عقلية متثيل إ‬ ‫أ�و جماعة‬ ‫لل�سالم ُيعترب‬ ‫�إن ال�شعور بتمثيل فرد ما أ�و جماعة ما إ‬ ‫عن�صر ًا هام ًا من عنا�صر منهج فقه الواقع والتعامل معه‪ ،‬ألن‬ ‫درجة وطبيعة مثل ذلك ال�شعور ت ؤ�ثر �إىل درجة كبرية يف ت�صور‬ ‫أ��صحابه للواقع ويف طريقة تعاطيهم معه‪ .‬فالفرد الذي يت�صور‬ ‫أ�نه ميثل ا إل�سالم يرى أ�ن كل ما ي�صيب ُه ك�شخ�ص ي ؤ�ثر على‬ ‫ا إل�سالم نف�سه‪ ،‬واجلماعة التي ترى أ�نها متثل ا إل�سالم تعتقد‬ ‫أ�ن ا إل�سالم وم�صريه �سلب ًا أ�و �إيجاب ًا منوطا ب أ�فعالها وقراراتها‬ ‫وت�صرفاتها‪.‬‬ ‫واحلقيقة أ�ن ا ّدعاء فئ ٍة معي ّنة أ�ي ًا كانت ب أ�ن فهمها‬ ‫لل�سالم هو الفهم أالمثل له‪ ،‬على م�ستوى ال ُك ّليات وعلى‬ ‫إ‬ ‫م�ستوى التفا�صيل واجلزئيات‪ ،‬أ�م ٌر يف غاية اخلطورة عملي ًا يف‬ ‫الواقع الراهن‪ .‬ألن من املمكن لذلك اال ّدعاء يف أ�حيان كثرية‬ ‫أ�ن يقود �إىل ادّعاءٍ �آخر ب أ�ح ّقية تلك الفئة يف متثيل ا إل�سالم‪،‬‬ ‫لل�سالم وامل�سلمني‬ ‫وبالتايل امل�سلمني‪ ،‬ك ّلما ح�صلت واقع ٌة إ‬ ‫عالقة بها من قريب أ�و بعيد‪ ،‬كما هو حا�ص ٌل كثري ًا يف تاريخ‬ ‫العرب وامل�سلمني املعا�صر‪ ،‬وكما ح�صل على وجه التحديد مع‬ ‫وقائع �سبتمرب وما تالها من أ�حداث‪.‬‬ ‫�صحي ٌح أ�ن االنتماء لهذا الدين‪ ،‬والغرية عليه وعلى أ�بنائه‪،‬‬ ‫ب�شكل‬ ‫واالن�شغال بحا�ضره وم�ستقبله‪ ،‬ح ٌق لكل من ينتمي �إليه ٍ‬ ‫واجب‬ ‫من أال�شكال‪ ،‬بل رمبا ميكن القول أ�ن ذلك أالمر هو‬ ‫ٌ‬ ‫عليه‪ .‬ولكن ا إلن�سان العربي وامل�سلم يجب أ�ن يتعامل مع هذه‬ ‫امل�س أ�لة بنوع من احل�سا�سية واحلذر واالنتباه‪ ،‬خا�ص ًة عندما‬ ‫ت أ�خذ حركته ون�شاطاته أ�بعاد ًا جماعي ًة تخرج عن �إطار دائرته‬ ‫الفردية‪ ،‬وخا�ص ًة عندما ي�صبح لتلك احلركة وذلك الن�شاط‬ ‫َت ِبعاتٌ جماع ّية‪ ،‬ويرتت ُّب عليها نتائج ت ؤ�ثر يف م�صائر جمموعات‬ ‫أ�خرى من الب�شر �صغري ًة كانت أ�و كبرية‪ ،‬من امل�سلمني أ�و من‬ ‫غري امل�سلمني‪.‬‬ ‫و�إن من أ�غرب أالمور و أ�كرثها مدعا ًة للت�سا ؤ�ل واملراجعة‪،‬‬ ‫تلك ال�سهولة البالغة التي يجدها بع�ض أ�بناء العرب وامل�سلمني‬ ‫يف ا ّدعاء متثيل ا إل�سالم‪ ،‬وبالتايل االجتهاد حول ق�ضايا كربى‬ ‫مت�س بت أ�ثرياتها املت�ش ّعبة كثري ًا من الدول وال�شعوب‪ ،‬بل ورمبا‬ ‫ُّ‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫أالمة ب أ��سرها‪ ،‬مثلما هو احلال مع ذلك االجتهاد الذي قاد‬ ‫�إىل �سبتمرب أ�و قاد �إىل ما تالها من الكوارث‪ .‬كل هذا بدعوى‬ ‫ا إلخال�ص والتفاين والغرية على م�صلحة البالد والعباد‪،‬‬ ‫و�إن امل�شكلة أالخرى املوازية تتمثل يف قبول بع�ض من ُي�س ّمون‬ ‫أ�نف�سهم علماء وم�شايخ ومثقفني و أ�كادمييني بتلك الدعاوى‬ ‫و�إقرارهم لها‪ ،‬بل ويف التما�س املزيد من أالعذار والتربيرات‬ ‫ملن يقوم بتلك أالعمال‪ ،‬ثم التغا�ضي عن النتائج الكارثية التي‬ ‫تنتج عنها‪ ،‬والقول بب�ساطة أ�ن هذه النتائج الكارثية �إمنا تدخل‬ ‫يف باب الفتنة والتمحي�ص واالبتالء وال َقدَ ر املقدور‪ ،‬بد ًال من‬ ‫قاطع وحازم وحا�سم‪ ،‬وبكل الو�سائل‬ ‫الت�صدي مبكر ًا‬ ‫ٍ‬ ‫وب�شكل ٍ‬ ‫أ‬ ‫وال�ساليب‪ ،‬لك ّل من ُيدخ ُل أالمة والعامل ب أ��سره يف هذه أالنفاق‬ ‫اخلطرية واملجهولة‪.‬‬ ‫ولهذا فقد بات مطلوب ًا ب�إحلاح حترير م�س أ�لة فهم ا إل�سالم‬ ‫وح�صر متثيله يف جماع ٍة معينة تنطلق من ظروفها اخلا�صة‬ ‫و أ�حوالها املُع ّينة ومن قراءتها اجلزئية للواقع‪ ،‬وتتحرك بنا ًء‬ ‫على حدود علمها التي كثري ًا ما تكون يف غاية الق�صور‪ ،‬لتقوم‬ ‫ب أ�فعال وت�صرفات‪ ،‬ولتت�صدى لقرارات وخمططات‪ ،‬تتجاوز‬ ‫بكثري قدرتها على ا إلحاطة وينتج عنها م�ستتبعات ت ؤ�ثر على‬ ‫ا آلخرين‪ .‬ألن هذا التحرير هو الكفيل ب�إعادة الت�صور الو�سطي‬ ‫ليكون ال�ضابط واملوجه ملثل هذه الق�ضايا احل�سا�سة اخلطرية‪.‬‬ ‫‪ .9‬درجة احرتام معطيات العلم والتخ�ص�ص!‬ ‫يعرف كل من يفقه �شيئ ًا عن هذا الع�صر دور العلوم‬ ‫والتخ�ص�صات املختلفة يف عملية فقه الواقع الب�شري والتعامل‬ ‫معه‪ ،‬ففي هذه العلوم والتخ�ص�صات من أ�دوات البحث‬ ‫والتحليل ما مل يعد ممكنا اال�ستغناء عنه للقيام بتلك العملية‪،‬‬ ‫كما أ�ن الرتاكم املعريف الذي �شهدته وت�شهده الب�شرية يف حقول‬ ‫املعرفة املتنوعة ي�ساعد على �إعطاء �صور ٍة أ�كرث �شمو ًال ودقة عن‬ ‫الواقع العاملي الراهن‪ .‬من هنا‪ ،‬تعترب درجة احرتام تلك العلوم‬ ‫والتخ�ص�صات ودرجة ا�ستخدامها عن�صر ًا رئي�س ًا من عنا�صر‬ ‫فقه الواقع والتعامل معه يف هذا الزمان‪.‬‬ ‫ولقد كانت �إحدى امل�شكالت الكربى يف طريقة فقه‬ ‫العرب وامل�سلمني للواقع وتعاملهم معه تتمثل يف زهدهم‬ ‫الظاهر يف قراءة أالحداث‪ ،‬بنا ًء على معطيات العقل واملنطق‬ ‫والتخ�ص�صات أالكادميية املختلفة‪ ،‬وعلى وجه التحديد يف‬

‫غياب الر ؤ�ية التخ�ص�صية املنهجية للق�ضايا وامل�سائل التي‬ ‫ترتبت على تلك أالحداث‪.‬‬ ‫�إن أ�حداث ًا بهذا التعقيد وال�شمول ال ميكن أ�ن تُفهم من‬ ‫خالل النظرة التاريخية فقط أ�و النظرة ال�شرعية فقط أ�و حتى‬ ‫النظرة ال�سيا�سية البحتة فقط‪ ،‬ألن أ�بعاد تلك أالحداث تتعلق‬ ‫بالتاريخ وال�شريعة وال�سيا�سة جمتمع ًة وتتعلق أ�ي�ض ًا بغريها من‬ ‫العلوم والتخ�ص�صات‪ .‬وقد أ��شرنا �سابق ًا كيف كان الرتكيز على‬ ‫عامل واحد من العوامل ي ؤ�ثر كثري ًا يف مواقف �شرائح خمتلفة‬ ‫ٍ‬ ‫من العرب وامل�سلمني‪ ،‬بينما النظرة ال�شمولية تقت�ضي أ�ن‬ ‫تُ�ست�صحب على أالقل العوامل التالية‪ :‬الن�ص ودالالته ومقا�صده‬ ‫الكربى‪ .‬معطيات الواقع والر ؤ�ية التخ�ص�صية‪ ..‬ظروف كل‬ ‫حم ّلة وخ�صو�صياتها‪ .‬الظروف العاملية وتوازناتها‪ .‬احلا�ضر‬ ‫بكل معطياته‪ .‬التاريخ واملا�ضي ودالالتهما‪ .‬و أ��شرنا كذلك �إىل‬ ‫ظاهرة البحث عن �إجابات وحلول كربى من خالل (فتوى‬ ‫نا�س ال ميلكون‬ ‫�شرعية) ميكن أ�ن يت�صدى لها على الدوام ٌ‬ ‫ذلك الن�صاب املحرتم من العلم ال�شرعي‪ ،‬و�إذا امتلكوا ذلك‬ ‫ال ِّن�صاب ف�إنهم رمبا ال ميتلكون الر ؤ�ية التخ�ص�صية املطلوبة‬ ‫للحاطة أ‬ ‫بالحداث من خالل علوم ال�سيا�سة واالقت�صاد‬ ‫إ‬ ‫واالجتماع‪.‬‬ ‫�إن أ�حد ًا ال ي�ستطيع أ�ن ينكر حقّ أالفراد من العلماء‬ ‫واملثقفني وا إلعالميني يف القيام مبا يعتقدون أ�نه دورهم‪،‬‬ ‫ويف �إعالن مواقفهم وحتليالتهم املع ّينة أ‬ ‫للحداث‪ ،‬خا�ص ًة مع‬ ‫حرارة املوقف يف الفرتة أالوىل‪ .‬ولي�س املُراد من الكالم ال�سابق‬ ‫احلجر على مواقف الب�شر‪ ،‬أ�و م�صادرة ا آلراء والتحليالت التي‬ ‫ال ت�ست�صحب كل العوامل التي دخلت يف �صناعة أالحداث‪.‬‬ ‫فهذا املنع َ‬ ‫حد القيام به أ��ص ًال‪ ،‬وهو لي�س‬ ‫واحل ْجر مما ال ميكن أل ٍ‬ ‫من طبائع أال�شياء‪ ،‬ولكن املق�صود هنا هو دعوة أ�ولئك العلماء‬ ‫واملثقفني وا إلعالميني �إىل التح ّلي باحل ّد أالدنى املطلوب من‬ ‫املو�ضوعية والهدوء والتوازن عند القيام بتلك املمار�سات‪،‬‬ ‫خا�ص ًة و أ�نها ت�صدر ع ّمن يت�ص ّدون للعمل العام‪ ،‬وه ؤ�الء هم‬ ‫أ�وىل النا�س بال�شعور بامل�س ؤ�ولية امللقاة على عاتقهم‪ ،‬وهم أ�وىل‬ ‫النا�س ّ‬ ‫بتوخي احلذر عند كتابة حتليالتهم و�إ�صدار بياناتهم‬ ‫و�إطالق ت�صريحاتهم‪.‬‬ ‫ومن هنا ت أ�تي �ضرورة احرتام م�س أ�لة التخ�ص�ص يف واقعنا‬

‫‪55‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫املعا�صر‪ ،‬خا�ص ًة يف مثل هذه املنعطفات امل�صريية يف تاريخنا‬ ‫كعرب وكم�سلمني‪ .‬فلقد �شاعت يف حياتنا الفكرية والثقافية‬ ‫وا إلعالمية فو�ضى التحليالت وا آلراء‪ ،‬وبات كل �إن�سان ي�ست�سهل‬ ‫�إىل درج ٍة كبرية �إطالق أالحكام و�إ�صدار الت�صنيفات يف أ�ي‬ ‫وتخ�ص�صه وجمال‬ ‫ق�ضي ٍة من الق�ضايا بغ�ض النظر عن أ�هل ّيته‬ ‫ّ‬ ‫معرفته وعلمه‪.‬‬ ‫وقد كانت أ�حداث �سبتمرب وما تالها منا�سب ًة كربى‬ ‫لر ؤ�ية هذه امل�شكلة املتج ّذرة يف حياتنا املعا�صرة‪ ،‬التي أ‬ ‫ملت‬ ‫أ�رجا َءها حتليالت ونظرات و�آراء وا�ستنتاجات يف غاية‬ ‫ب�شكل يتناق�ض متام ًا مع‬ ‫ال�سطحية والب�ساطة واالختزال‪ ،‬و ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أ�دنى مقت�ضيات العلم والتخ�ص�ص‪ ،‬أالمر الذي جعل كثري ًا من‬ ‫النا�س يبتعدون عن الواقعية املطلوبة ويعي�شون يف عوامل خيال ّية‬ ‫من الظنون أ‬ ‫والوهام‪ .‬والغريب أ�ن ا�ست�سهال هذه الق�ضية‬ ‫مل يقت�صر على من ُيطلق تلك التحليالت‪ ،‬و�إمنا كان ينطبق‬ ‫على �شرائح كبرية من ال�شعوب العربية وا إل�سالمية التي كانت‬ ‫تتل ّقى مثل تلك ا آلراء والنظرات بالقبول دون متحي�ص وتدقيق‪،‬‬ ‫وت�سمح أل�صحابها باال�ستطراد يف تلك املمار�سات‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬ف�إن احل ّل الوحيد للم�شكلة يكمن يف انتباه ّ‬ ‫الطرف‬ ‫الذي يمُ ار�س تلك املمار�سات‪ ،‬وانتباه الطرف الذي يتق ّبلها‪،‬‬ ‫�شيوع كب ٍري للفو�ضى الفكرية‬ ‫�إىل خطورة ما يرتتب عليها من ٍ‬ ‫والثقافية‪ ،‬وبالتايل يف وجود مواقف عملية م�ش ّوهة ت�ضيف �إىل‬ ‫ّ‬ ‫املت�ضخم يف واقعنا املعا�صر‪ .‬لذلك‪،‬‬ ‫ر�صيد اخل�سائر والهزائم‬ ‫تعم يف هذا الواقع‪ ،‬وبني ال�شعوب العربية‬ ‫�صار من الواجب أ�ن ّ‬ ‫وا إل�سالمية مواقف النقد والتمحي�ص والتدقيق ملا ُيطلق من‬ ‫�آراء‪ ،‬وبات مطلوب ًا أ�ن يتع ّود النا�س على �س ؤ�ال من يت�ص ّد ُر‬ ‫تيت بهذه املعلومات؟ وما هي خلفيات هذا‬ ‫للتحليل‪ :‬من أ�ين َأ� َ‬ ‫نيت هذا التحليل؟ وكيف ُتثبتُ ب أ�ن هذا‬ ‫الر أ�ي؟ وعلى ماذا َب َ‬

‫‪56‬‬

‫املوقف �صحيح؟ وملاذا يجب أ�ن أ��ص ّدق ما تقول؟ وما هي‬ ‫وجهة النظر امل�ضا ّدة لهذا املوقف؟ وغري ذلك من أال�سئلة‬ ‫التي جترب ا آلخرين على احرتام عقول الب�شر‪ ،‬وترغمهم على‬ ‫الت أ�نيّ وال�صرب والتفكري قبل �إطالق ا آلراء والتحليالت ب�سهول ٍة‬ ‫�شديدة وبدون أ�ي �شعور مب�س ؤ�ولية الكلمة‪.‬‬ ‫�إن هذا ال ميثل دعو ًة للح ّد من حرية التعبري كما قد يعتقد‬ ‫بع�ض الب�سطاء‪ ،‬و�إمنا هو دعو ٌة �إىل تنظيم حياتنا الثقافية‬ ‫والفكرية واحرتام عقولنا و أ�وقاتنا وجهودنا‪ ،‬التي كثري ًا ما‬ ‫ت�ضيع عبث ًا يف مواقف و�آراء يتبني يف النهاية أ�نها ال ت�ستحق‬ ‫االعتبار‪ .‬و�إذا ما ّمت تنظيم حياتنا الفكرية والثقافية �شيئ ًا‬ ‫ف�شيئ ًا بذلك ال�شكل الذي يحرتم التخ�ص�ص ويحرتم معطيات‬ ‫العلم والعقل‪ ،‬ف�سيبقى املجال مفتوح ًا دوم ًا ملن �شاء أ�ن يتحدث‬ ‫و ُيطلق ر أ�يه‪ ،‬ولكن حجم ت أ�ثري ا آلراء ال�سطحية املختزلة يف‬ ‫حياتنا �سي�صبح عندها حمدود ًا وحما�صر ًا �ضمن دوائر �ضيقة‬ ‫ال يخلو جمتم ٌع من وجودها مهما كان‪.‬‬ ‫وبهذا ي�صبح العقل اجلمعي أ‬ ‫للمة قادر ًا يف مرحلة من‬ ‫املراحل على ر ؤ�ية ال�صورة ب�شموليتها وتوازنها من خالل‬ ‫تكامل ا آلراء والتحليالت التي متتلك ذلك احلد أالدنى من‬ ‫املو�ضوعية والتوازن‪ ،‬وت�ستند �إىل ما هو مطلوب من العلم‬ ‫املهم‪ ،‬ت�صبح القرارات‬ ‫والتخ�ص�ص واملنهجية‪ .‬وبهذا‪ ،‬وهذا هو ّ‬ ‫العملية �سواء على م�ستوى أالفراد أ�و اجلماعات أ�و احلكومات‬ ‫منبثق ًة من ذلك العقل اجلمعي املتوازن الواعي‪ .‬ألن مثل تلك‬ ‫ري �صاد ٌق‬ ‫القرارات هي دوم ًا ِنتا ٌج للعقل اجلمعي يف أالمة‪ ،‬وتعب ٌ‬ ‫عن خ�صائ�صها وم َل َكا ِتها العقلية والفكرية والثقافية‪ .‬ومن‬ ‫خالل ذلك كله تعود الو�سطية يف منهج ر ؤ�ية الواقع والتعامل‬ ‫معه لت�صبح الطريق أالمثل الذي ي�ضمن حفظ طاقات العرب‬ ‫وامل�سلمني و أ�وقاتهم وعقولهم من الهدر وال�ضياع‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫الو�سطية‬ ‫يف البناء االجتماعي‬ ‫أ�‪ .‬د ‪ /‬عبد احلليم عويـ�س‬ ‫ال�سالمية‪ /‬م�صر‬ ‫أ��ستاذ التاريخ واحل�ضارة إ‬

‫الفراط‬ ‫لي�ست الو�سطية يف البناء االجتماعي أ�مر ًا قانوني ًا‪ ،‬بل ن�ستطيع أ�ن نقول‪� :‬إنه خط فا�صل وا�ضح بني إ‬ ‫والتفريط‪� .‬إن هذا اخلط الفا�صل ي�ستطيع الدار�سون لل�شريعة أ�ن يجدوه‪ ،‬لكنه ال ميثل الو�سطية مبعناها‬ ‫العمق أ‬ ‫أ‬ ‫وال�شمل؛ فالو�سطية عملية نف�سية‪ ،‬وروحية‪ ،‬وفكرية‪ ،‬ت�شبه ال�ضمري الذي ال ميكن مل�سه باليد‪ ،‬وال‬ ‫الفراط أ�و‬ ‫التعامل معه بامليزان القانوين الت�شريعي البحت‪ ،‬فهو ملكة داخلية يفرق بها املرء بني املبالغة يف إ‬ ‫املبالغة يف التفريط!!‪.‬‬ ‫ومن البديهي أ�ن هذا امليزان ال يعني االن�سياب يف كل‬ ‫أالعمال‪ ،‬و�إمنا يعني �ضبط �إيقاعات ا إلن�سان بحيث ال يطغى‬ ‫جانب على جانب‪ ،‬وبحيث ي أ�خذ كل ذي حق حقه‪ ،‬فنحن يف‬ ‫أ�يام العيدين (الفطر أ‬ ‫وال�ضحى) نلتزم ديني ًا بالتكثيف يف‬ ‫الفرح االجتماعي‪ ،‬وبالتغليب يف اجلانب الرتويحي‪ ،‬لكننا قبل‬ ‫عيد الفطر بعدة أ�يام‪ ،‬وخالل الع�شر أالواخر من رم�ضان نلتزم‬ ‫أ�ي�ض ًا بتكثيف العبادة حتى نفوز بليلة القدر ومبغفرة اهلل !!‪.‬‬ ‫وقد كان ال�صحابة ر�ضوان اهلل عليهم يزعجهم أ�ن يكونوا‬ ‫بني يدي ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف امل�سجد أ��شباه‬ ‫مالئكة‪ ،‬قد ان�سلخوا من الدنيا‪ ،‬و�صعدوا �إىل أ�كرب درجة‬ ‫ممكنة من ال�سمو الب�شري‪ ،‬لكنهم عندما يخرجون من امل�سجد‬

‫ينزعجون ألنهم يجدون أ�نف�سهم قد حتولوا �إىل ب�شر ميازحون‬ ‫أالطفال والن�ساء‪ ،‬وي أ�كلون كما ي أ�كل النا�س‪ ،‬فلما �س أ�لوا‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم عن هذا التباين الذي يقوم‬ ‫يف أ�ذهانهم‪ ،‬ويجعلهم يبدون متناق�ضني بني كفتي ا إلفراط‬ ‫والتفريط‪ ،‬طم أ�نهم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل أ�ن هذا‬ ‫و�ضع طبيعي‪ ،‬و أ�نهم لو مل يكونوا كذلك النخلعوا من ب�شريتهم‬ ‫ول�صافحتهم املالئكة‪.‬‬ ‫فالو�سطية يف البناء االجتماعي ا إل�سالمي ال تعني �إلغاء‬ ‫التعددية يف الن�شاط االجتماعي‪ ،‬وال تعني االلتزام بحد معني‬ ‫يف كل حالة على حدة‪ ،‬و�إن كان هذا وارد ًا بدرجة ما‪ ،‬لكنّ املهم‬ ‫هو الو�سطية يف جمموع احلاالت‪ ،‬ويف وزن أال�شياء بامليزان‬

‫‪57‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ال�صحيح يف جمموعها‪.‬‬ ‫ال�سالمي‪:‬‬ ‫مفهوم البناء االجتماعي إ‬ ‫البناء االجتماعي هو العمران الذي يحيا فيه النا�س أ�فراد ًا‬ ‫و أ��سر ًا‪ ،‬خا�ضعني لعقد اجتماعي موروث ومكتوب يلزمهم‬ ‫بالقواعد االجتماعية املعتربة التي حتقق التما�سك والتقدم‬ ‫والتكامل؛ �سواء أ�كانت هذه القواعد عرفية أ�م ت�شريعية‪ ،‬ويف بع�ض‬ ‫أالحوال قد توجب بع�ض احلاالت االرتفاع فوق هذه القواعد؛‬ ‫وذلك مثلما فعل أالن�صار مع املهاجرين عندما �شاركوهم‬ ‫يف دورهم و أ�موالـهم‪ ،‬بل وقد عر�ض أالن�صار على �إخوانهم‬ ‫املهاجرين أ�ن يقت�سموا معهم هذه أالموال والعقارات منا�صفة‪.‬‬ ‫فهذا نوع من ا إليثار (والتكافل) مل يجعلـه ال�شرع فر�ض ًا‪ ،‬وتَر َك ُه‬ ‫للم�ستوى أالخالقي للم�سلمني يف ظل معاين الرحمة أ‬ ‫والخوة‬ ‫ا إل�سالمية‪ ،‬ولرمبا بدون هذا االرتفاع (ا إليثاري) مل يكن‬ ‫املجتمع ا إل�سالمي أالول ليتكون‪ ،‬أ�و ليتكون على هذا النحو!!‬ ‫ومن هذا ال�سياق ال�سابق نعلم أ�ن التعامل مع اجلوانب‬ ‫االجتماعية يف ا إل�سالمي يقف فوق أ�ر�ضية عقدية وفكرية‬ ‫ونف�سية و أ�خالقية معينة‪ ،‬و أ�ن امل�سلم يعالج هذه الق�ضايا يف‬ ‫�إطار مفاهيمه ا إلميانية الكلية‪ ،‬فهو ال يقوم بها ألنها أ�وامر‬ ‫قانونية‪ ،‬وال ق�ضايا م�صلحية عامة‪ ،‬يتبادل فيها الفرد واملجتمع‬ ‫اخلدمات بطريقة جدلية تبادلية‪ .‬وقد تنتهي هذه العالقة‬ ‫مبجرد ال�شعور بانق�ضاء امل�صلحة‪ ،‬أ�و بالتحايل على القانون‪،‬‬ ‫أ‬ ‫فال�صل العقدي والتعبدي للق�ضايا االجتماعية يف ا إل�سالم‪،‬‬ ‫واملنهج الذي يجعلـه جزء ًا من كل ال تنف�صل عنه‪ .‬هذا أال�صل‬ ‫وهذا املنهج يجعالن للتكافل االجتماعي يف املجتمع امل�سلم‬ ‫ق�سمات خا�صة ينفرد بها عن كل النظريات االجتماعية التي‬ ‫ظهرت يف القدمي ويف احلديث!!‬ ‫وي ؤ�كد لنا هذا‪ ،‬أ�ن أالمة مل تكن تنظر �إىل التكافل‬ ‫االجتماعي على أ�نه جمرد تنظيم للعالقة التي تربط الفرد‬ ‫باملجتمع‪ ،‬ومتنع طغيان أ�حدهما على ا آلخر‪ ،‬وت�ضع أال�س�س‬ ‫التي ت�ضمن ت�سا ُند املجتمع أ�فراد ًا وطبقات‪ ،‬وتتيح للجميع‬ ‫قدر ًا متكافئ ًا من الفر�ص واحلقوق‪ ،‬وتلزم اجلميع بقدر عادل‬ ‫من الواجبات‪ ،‬بل نظرت �إليه على أ�نه ‪�-‬إىل جانب ما �سبق‪-‬‬ ‫معنى روحي و أ�خالقي ووجداين يرتفع �إىل درجة (امل ؤ�اخاة)‬ ‫التي تعلو فوق أالخوة ا إلميانية العامة‪ ،‬وجتعل أالن�صار يقدمون‬

‫‪58‬‬

‫للمهاجرين ما مل يطالبهم به دينٌ وال قانون } َو ُي ْ ؤ� ِث ُرونَ َع َلى‬ ‫ا�ص ٌة{‪.‬‬ ‫َأ�ن ُف ِ�سهِ ْم َو َل ْو َكانَ بِهِ ْم َخ َ�ص َ‬ ‫ويف هذا ال�صدد ن�شري �إىل أ�ننا قد جند الدول ا إل�سالمية‬ ‫(عرب التاريخ ا إل�سالمي) قد تعر�ضت لنك�سات عجزت معها‬ ‫م ؤ��س�سات الدول يف كثري من الظروف عن توفري احلاجات‬ ‫أال�سا�سية للمجتمع من غذاء وك�ساء ودواء وتعليم‪ ،‬فقامت أالمة‬ ‫امل�سلمة بدوافع ا إلميان والعقيدة ب�س ّد االحتياجات التي عجزت‬ ‫عنها م ؤ��س�سة الدولة‪ ،‬حفاظ ًا على بناء املجتمع !!‬ ‫ومن هذا املنطلق ن�شري �إىل الربط الع�ضوي القائم بني‬ ‫م�صطلحات أ‬ ‫«المة» و«املجتمع» و«التكافل االجتماعي»‪ .‬و أ�خري ًا‬ ‫ي أ�تي م�صطلح «الدولة» الذي يقوم بدور خطري‪ ،‬لكن أالمة مع‬ ‫ذلك ال يجوز لـها أ�ن تيئ�س وال أ�ن ترتك التكافل االجتماعي‬ ‫يف احلاالت التي تعجز فيها الدول عن القيام بهذا التكافل‪،‬‬ ‫أ�و احلاالت أالخرى التي تتنكر فيها الدولة لر�ساالتها‪،‬‬ ‫وتخدم �شرائح معينة‪ ،‬وتهمل ال�شرائح االجتماعية الو�سطى‬ ‫وال�ضعيفة!!‪.‬‬ ‫ون�شري يف هذا ال�سبيل �إىل حقيقة قيام البناء االجتماعي‬ ‫يف ا إل�سالم على اجلوانب املادية والروحية مع ًا؛ ألنه يف النهاية‬ ‫يعني �شعور اجلميع مب�س ؤ�ولية بع�ضهم عن بع�ض‪ ،‬و أ�ن كل واحد‬ ‫منهم حامل لتبعات أ�خيه وحممول على أ�خيه‪ُ ،‬ي�س أ�ل عن نف�سه‬ ‫وي�س أ�ل عن غريه‪ .‬ولـهذا كان للتكافل االجتماعي الذي يحفظ‬ ‫البناء االجتماعي �شعبتان‪:‬‬ ‫�شعبة مادية‪ :‬و�سبيلـها م ّد يد املعونة يف حاجة املحتاج‬ ‫و�إغاثة امللـهوف‪ ،‬وتفريج كربة املكروب‪ ،‬وت أ�مني اخلائف‪ ،‬و�إ�شباع‬ ‫اجلائع‪ ،‬وا إل�سهام العملي يف �إقامة امل�صالح العامة‪ .‬وقد أ�طلق‬ ‫ا إل�سالم على هذا النوع من التعاون املادي عناوين خمتلفة‬ ‫ت�شمل أ�نواع ًا خمتلفة من العالج والتكافل مثل (ا إلح�سان ‪-‬‬ ‫الزكاة ‪ -‬ال�صدقة ‪ -‬احلق املعلوم ‪ -‬ا إلنفاق يف �سبيل اللـه ‪-‬‬ ‫كفالة اليتيم ‪� -‬صلة أالرحام‪ ..‬الخ)‪ ،‬لكن هذه العناوين الدالة‬ ‫على أ�نواع من التكافل تتكامل كلـه لتقدم ن�سيج ًا من التكافل‬ ‫املادي يف احلياة االجتماعية‪.‬‬ ‫أ�ما ال�شعبة الثانية فهي ال�شعبة أالدبية‪ :‬ونعني بها تكافل‬ ‫امل�سلمني جميع ًا وتعاونهم املعنوي بالتعليم والن�صح وا إلر�شاد‬ ‫والتوجيه‪ .‬أ�و ب�إيجاز‪ :‬التعاون على أالمر باملعروف والنهي عن‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫املنكر قو ًال وفع ًال‪ .‬وا إل�سالم يجعل هذا التكافل أالدبي فري�ضة‬ ‫الزمة على كل م�سلم‪ ،‬بل جاء على ل�سان الر�سول �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم أ�نه الدين كلـه بالن�سبة جلميع الطبقات‪( .‬الدين‬ ‫الن�صيحة‪ ،‬قالوا‪ :‬ملن يا ر�سول اللـه؟ قال‪ :‬هلل ولر�سوله أ‬ ‫ولئمة‬ ‫امل�سلمني وعامتهم)‪.‬‬ ‫وهكذا يت�ضح لنا ‪-‬بجالء وتركيز �شديدين‪ -‬أ�ن التكافل‬ ‫االجتماعي يف ا إل�سالم ال يعني جمرد امل�ساعدات املالية أ�ي ًا‬ ‫كانت �صورتها‪ ،‬كما تعني كلمات مثل ال�ضمان االجتماعي أ�و‬ ‫الت أ�مني االجتماعي‪ ...‬بل ميت ّد امل�ضمون ا إل�سالمي للتكافل‬ ‫لي�صبح نظام ًا لرتبية روح الفرد و�ضمريه و�شخ�صيته و�سلوكه‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ونظام ًا لتكوين أال�سرة و أ��ساليب تكافلـها‪ ،‬ونظام ًا‬ ‫للعالقات االجتماعية مبا يف ذلك العالقات التي تربط الفرد‬ ‫بالدولة‪ ،‬و أ�ن يكون يف النهاية نظام ًا للمعامالت املالية‪،‬‬ ‫والعالقات االقت�صادية التي ت�سود املجتمع ا إل�سالمي‪.‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر هنا أ�ن البناء االجتماعي ا إل�سالمي‬ ‫والدبي أ‬ ‫يجعل التكافل املعنوي أ‬ ‫والخالقي والروحي يف أالهمية‬ ‫نف�سها بالن�سبة للتكافل املايل واالقت�صادي‪.‬‬ ‫بل �إننا نرى يف املنظور االجتماعي ا إل�سالمي أ�ن التكافل‬ ‫املادي ال تتحقق أ�هدافه �إال بالوقوف فوق أالر�ضية املعنوية‬ ‫أ‬ ‫والدبية‪ .‬ونرى أ�ي�ض ًا أ�ن التكافل املعنوي هو الذي ي�ضمن فعالية‬ ‫التكافل املادي‪ .‬فما معنى أ�ن يتكافل امل�سلمون مادي ًا يف بالد‬ ‫االغرتاب مثل أ�مريكا و أ�وروبا مث ًال‪ ،‬والتي قد ُتقدِّ م فيها الدولة‬ ‫أ�لوان ًا من ال�ضمان االجتماعي املادي‪ ،‬بينما يرتك بع�ضهم‬ ‫بع�ض ًا ينحدر يف عقيدته وعبادته و أ�خالقه‪ ،‬بحيث يكاد يذوب‬ ‫يف القيم االنحاللية واملادية والال أ�خالقية التي تطرحها ‪-‬يف‬ ‫ال�شارع وا إلعالم‪ -‬املنظومة القيمية الال دينية؟ !!‬ ‫وهكذا ف�إنه على الرغم من أ�ن ا إل�سالم قد قدم �إطار ًا‬ ‫قانوني ًا متكام ًال لقيام البناء االجتماعي على أ��سا�س الو�سطية‬ ‫والعدالة االجتماعية املادية‪� ،‬إال أ�ن أال�سا�س املعنوي يقوم على‬ ‫خماطبة ا إلن�سان من داخلـه‪ ،‬ولي�س جمرد قيادته من ظاهره‪،‬‬ ‫وعلى حتريك �ضمريه بدل �سوقه بالقوة القاهرة‪ ،‬وا�ستجا�شة‬ ‫م�شاعر الفطرة النبيلة بدل حتويل احلياة �إىل �صراع كئيب‪.‬‬ ‫واحلق أ�ن ا إل�سالم يف ت�شريعه االجتماعي قد اعتمد هذا‬ ‫أال�سا�س املعنوي على نحو مل ت�صل �إليه أ�رقى النظم التي‬

‫ظهرت يف التاريخ‪ ،‬وقد أ�طلق على هذا أال�سا�س ا�سم «التكافل‬ ‫االجتماعي» �شام ًال املعنويات واملاديات‪ .‬قال تعاىل‪َ } :‬و َت َعا َو ُنوا‬ ‫ا�ص ْوا‬ ‫ا�ص ْوا ِبالحْ َ قِّ َو َت َو َ‬ ‫َع َلى البرِ ِّ َوال َّت ْق َوى{‪ .‬وقال‪َ } :‬و َت َو َ‬ ‫ِبال�صَّبرْ ِ {‪.‬‬ ‫ولئن كانت بع�ض البلدان غري ا إل�سالمية قد بد أ�ت تلج أ�‬ ‫�إىل أ��سلوب التكافل االجتماعي عن طريق ما ي�سمى باجلمعيات‬ ‫اخلريية وم ؤ��س�سات الرب وامل�ستو�صفات وامل�ست�شفيات املجانية‬ ‫وال�ضمان االجتماعي وحماية ال�ضعفاء وما �إىل ذلك‪� ...‬إذا‬ ‫كان أالمر كذلك فلي�س ما تفعله هذه الدول �إال تقليد ًا مت أ�خر ًا‬ ‫منها ملا جاء به ا إل�سالم منذ أ�ربعة ع�شر قرن ًا‪ ،‬بعد أ�ن طحنتها‬ ‫القوانني اجلافة و أ��ساليب ال�صراع االجتماعي !!‬ ‫ال�سالمي يف ن� أش�ته وتطوره‪:‬‬ ‫البناء االجتماعي إ‬ ‫ال توجد يف الت�صور ا إل�سالمي حواجز حقيقية بني الفرد‬ ‫واملجتمع‪ ،‬ف�إن الفرد يح�س ب أ�نه م�سئول م�سئولية مبا�شرة عن‬ ‫املجتمع؛ واملجتمع أ�ي�ض ًا يح�س ب أ�ن عمده أال�سا�سية و أ�ركانه‬ ‫الطبيعية هم ه ؤ�الء أالفراد امل�سلمون‪.‬‬ ‫لقد انتمى الفرد امل�سلم �إىل هذا املجتمع ب�إرادته‪ ،‬ولقد‬ ‫انت�سب �إليه روح ًا وفكر ًا وم�شاعر قبل أ�ن ينتمي �إليه ج�سد ًا أ�و‬ ‫ع�ضو ًا عام ًال‪ .‬والرابطة أالوىل بالتايل يف املجتمع ا إل�سالمي‬ ‫هي العقيدة امل�شرتكة‪ ،‬وما ينبثق عن هذه العقيدة من ت�صورات‬ ‫ونظم وقوانني اجتماعية واقت�صادية و�سيا�سية‪.‬‬ ‫وهذه الرابطة أالوىل ‪-‬التي ارت�ضاها امل�سلم طواعية‪-‬‬ ‫تذيب الفوا�صل بينه وبني املجتمع‪ ،‬وت�شعره بوالء وم�س ؤ�ولية‬ ‫حقيقية جتاهه‪ ،‬وجتاه ما يتعر�ض لـه املجتمع ا إل�سالمي كلـه‬ ‫من م�شكالت وحتديات؛ بل وجتعلـه ي�شعر ويتعامل بنوع من‬ ‫التوازنية واالنتماء مع املجتمع‪.‬‬ ‫وال�سبب أالكرب الذي نكب املجتمعات الب�شرية‪ ،‬وكثف‬ ‫م�شكالتها يف اجلوانب املختلفة هو أ�نها ن� أش�ت كمجتمعات‬ ‫«ا�صطناعية» أ�و «تلقائية»‪ ،‬ولي�ست جمتمعات طبيعية قائمة على‬ ‫االختيار الفردي والتوافق الفكري والعقدي‪ .‬ومن هنا تظهر يف‬ ‫أ�ح�شائها بني احلني واحلني أ�مرا�ض متنوعة؛ مرة اجتماعية‪،‬‬ ‫ومرة اقت�صادية‪ ،‬ومرة �سيا�سية‪ ،‬ومرة ح�ضارية �شاملة تهدد‬ ‫بناءها كله‪ ،‬وتعر�ضها للتحلل وال�ضياع‪.‬‬ ‫وعند درا�ستنا لطبيعة املنهج ا إللهي يف عالج امل�س أ�لة‬

‫‪59‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬يجب أ�ن ن�ستح�ضر يف أ�ذهاننا أ�ن املنهج ا إللـهي‬ ‫كل ال يتجز أ�‪ ،‬و أ�ن عالج أ�ي ع�ضو يف اجل�سم ال يعني أ�ن بقية‬ ‫أالع�ضاء مبن أ�ى عن الت أ�ثر بق�ضية هذا الع�ضو والت أ�ثري فيها‪،‬‬ ‫و أ�ن هذا الع�ضو الذي ن�سميه اجلانب االجتماعي هو بدوره‬ ‫جزء من أالجزاء؛ يتعامل مع بقية أالجزاء بتوازنية وو�سطية‬ ‫وترابط‪.‬‬ ‫ويف ظل الوعي بهذه احلقيقة ن�ستطيع أ�ن ن�ستنتج أ�ن طبيعة‬ ‫املنهج ا إللـه ي يف عالج البناء االجتماعي ترتكز على احلقائق‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫أ�و ًال‪� :‬إن اخل�صائ�ص التي تتميز بها ال�شريعة ا إل�سالمية؛‬ ‫بل الت�صور ا إل�سالمي كلـه‪ ،‬ت�صدق على نظرة ا إل�سالم للبناء‬ ‫االجتماعي‪:‬‬ ‫ ف�إذا كان ا إل�سالم دين �سهولة وتدرج وو�سطية وتوازن‬‫بني أ�ن�شطة احلياة املتعددة وجوانبها‪ ،‬ف�إن هذه ال�سمات تتجلى‬ ‫أ�ي�ض ًا يف تناول ا إل�سالم للبناء االجتماعي أ��سلوب ًا وغاية‪.‬‬ ‫ و�إذا كان ا إل�سالم دين ًا رباني ًا �صادر ًا عن قوة منزهة عن‬‫كل �شرك‪ ،‬ولي�س نظرية �إن�سانية جزئية أ�و ترقيعية؛ ف�إن هذه‬ ‫اخل�صي�صة الدينية �ستتجلى أ�ي�ض ًا يف عالج ا إل�سالم للبناء‬ ‫االجتماعي؛ حني ال يقت�صر العالج ا إل�سالمي على القوانني‬ ‫اجلافة أ�و ال�سلوك الظاهري‪ ،‬و�إمنا يتعدى ذلك �إىل حتريك‬ ‫عواطف الرحمة واحلب أ‬ ‫والخوة وا إلن�سانية‪ ،‬وخ�شية اللـه تعاىل‬ ‫ور�ضاه؛ و�صو ًال �إىل حتقيق جمتمع العدالة االجتماعية الواقعية‪،‬‬ ‫ولي�ست العدالة النظرية املزيفة‪ .‬وكل ذلك وفاق ًا للو�سطية‬ ‫والعدل والتوازنية والتكاملية‪.‬‬ ‫ و�إذا كان ا إل�سالم يجمع بني الثبات والتطور‪ ،‬وير�سم‬‫لكل منهما �إطاره‪ ،‬ويجمع بني املثالية التي ينبغي أ�ن ترنو �إليها‬ ‫الب�شرية دائم ًا‪ ،‬والواقعية التي ي�سري عليها النا�س غالب ًا‪ .‬ويجمع‬ ‫أ�ي�ض ًا بني الدنيا ‪ -‬أ�ي الوجود املحدود‪ -‬وا آلخرة ‪ -‬أ�ي الوجود‬ ‫املمتد‪ ،-‬ويخاطب ا إلن�سان بالعبادات من داخله‪ ،‬وينظم‬ ‫وجوده باملعامالت من خارجه‪.‬‬ ‫�إذا كان ا إل�سالم يف أ��سلوبه وت�شريعاته كلـها يجمع هذه‬ ‫اخل�صائ�ص بنوع من الو�سطية والتوازنية والتكاملية التي يعجز‬ ‫أ�ي مذهب ب�شري عن �إحداث التوفيق واالن�سجام والتعاون‬ ‫بينها؛ ف�إن هذه اخل�صائ�ص تتجلى أ�ي�ض ًا وبال�ضرورة يف عالجه‬

‫‪60‬‬

‫للبناء االجتماعي‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪� :‬إن ا إل�سالم ال ينظر �إىل هذا البناء االجتماعي‬ ‫كق�ضية ذات طابع مادي فقط؛ فا إلن�سان يف نظر ا إل�سالم ال‬ ‫ينح�صر يف دائرة الوجود املادي أ�و االقت�صادي ‪-‬كما يقول‬ ‫املاديون اجلدليون‬ ‫ و�إمنا هو كائن �إن�ساين روحي؛ �إىل جانب ما فيه من‬‫جوانب مادية‪.‬‬ ‫ فاحلرية ا إلن�سانية مث ًال يف نظر ا إل�سالم ال تقل أ�همية‬‫عن اجلانب االقت�صادي‪.‬‬ ‫ وقتل حرية ا إلن�سان يف مقابل توفري اخلبز وامللب�س لـه‬‫انتكا�سة حيوانية وردة �إن�سانية‪ ،‬وهبوط بامل�ستوى الذي و�ضع‬ ‫اهلل ا إلن�سان فيه (وهو ما فعله ال�شيوعيون واملاديون بعامة)!!‬ ‫وعلى أ��سا�س حتقيق الكفاية لكل جوانب ا إلن�سان من مادية‬ ‫وع�ضوية ترتكز املبادئ ا إل�سالمية يف عالج البناء االجتماعي‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬وا إل�سالم كدين �إلـهي ال يعرتف بالنزعات العن�صرية‬ ‫أ�و القومية أ�و الطبقية أ�و ما �سوى ذلك من نزعات ال�صراع‬ ‫والتناق�ص؛ بل يقيم ت�شريعاته على أ��سا�س الركنني الفطريني‬ ‫التاليني‪:‬‬ ‫‪ -1‬وحدة أال�صل‪ :‬فالب�شر جميعا ينت�سبون �إىل أ�ب واحد‪،‬‬ ‫و أ�م واحدة و�إن اختلفوا جن�س ًا ولون ًا ووطن ًا‪ ،‬وال ينبغي أ�ن‬ ‫يكون اختالفهم هذا حائ ًال دون أ�خذهم حقوقهم ا إلن�سانية‬ ‫ا�س ِ� إ َّنا َخ َل ْق َنا ُكم ِّمن َذ َك ٍر‬ ‫امل�شروعة‪ .‬قال تعاىل‪َ } :‬يا َأ� ُّي َها ال َّن ُ‬ ‫َو أُ�ن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوب ًا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا{‪.‬‬ ‫‪ -2‬وحدة العقيدة‪ :‬وهي التوحيد اخلال�ص الذي جاء به‬ ‫الم{‪َ } .‬و َمن َي ْب َت ِغ‬ ‫النبيون جميع ًا }�إِنَّ الدِّ ينَ ِعندَ اللـه ا ِ إل ْ�س ُ‬ ‫الم ِدين ًا َف َلن ُي ْق َب َل ِم ْنهُ{‪ .‬فهذا هو أ��سا�س العقيدة‬ ‫َغيرْ َ ا ِ إل ْ�س ِ‬ ‫الذي ال يتبدل‪ ،‬أ�ما الت�شريع الذي ينظم حياة اجلماعة فهو‬ ‫الذي يتطور يف الر�ساالت ا إللـهية‪ .‬حتى �إذا جاء ا إل�سالم يف‬ ‫�صورته النهائية كان قد احت�ضن الفكرة أال�سا�سية يف دين اللـه‬ ‫الواحد‪ ،‬وا�ستقى ال�صالح من املبادئ والت�شريعات والنظم يف‬ ‫الر�ساالت ال�سابقة‪ ،‬و أ�كمل الناق�ص منها و أ�مته‪.‬‬ ‫لكن و�سطية ا إل�سالم ‪-‬مع ذلك‪ -‬جتعل ت�شريعاته كلها‪..‬‬ ‫اجتماعية أ�و اقت�صادية أ�و روحية‪ .‬تتوازن وتتكامل وفاق ًا‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫لو�سطية جامعة حتقق ا إل�شباع لكل جانب على حدة ولكل‬ ‫اجلوانب جمتمعة‪ .‬وهي ‪-‬من هذا املنطلق الو�سطي التوازين‬ ‫التكاملي‪ -‬ال تلغي الوطنية أ�و القومية‪ ،‬فهما من احلقائق‬ ‫املو�ضوعية املعا�شة‪ ،‬لكنها متزجهما يف الوالء أالكرب واجلن�سية‬ ‫أالعظم‪ ،‬وهي ا إل�سالم‪.‬‬ ‫الن�سانية للمجتمع‪:‬‬ ‫ال�صياغة إ‬ ‫الو�سطية والتوازنية تعنيان �ضمن ًا االعرتاف باجلوانب‬ ‫ا إلن�سانية كلـها يف ت آ�خ وتكامل‪ ،‬ولهذا كان من أ�برز خ�صائ�ص‬ ‫املنهج ا إللهي يف عالج الق�ضايا االجتماعية واالقت�صادية أ�نه‬ ‫ال يقيم البناء االجتماعي‪ ،‬أ�و ال�سيا�سة االقت�صادية على أ��سا�س‬ ‫«ال�صراع» أ�و التناق�ض بني أالفراد أ�و الطبقات‪.‬‬ ‫�إنه قبل أ�ن ي�ضع القوانني‪ ،‬وبعد أ�ن ير�سي أ��سا�س الربوبية‬ ‫ُيقيم دعامات أ�خرى �إن�سانية ت�شيع بني النا�س أ�وا�صر الرحمة‬ ‫من احلب والت�سامح والف�ضل والتعاون ومراقبة ال�ضمري وخ�شية‬ ‫اللـه؛ �إىل غري ذلك من املعاين الكرمية‪.‬‬ ‫وا آليات القر�آنية أ‬ ‫والحاديث النبوية التي ت ؤ�كد هذه املعاين‬ ‫أ�كرث من أ�ن حت�صر‪ ...‬و أ�برز معامل ال�صياغة ا إلن�سانية للمجتمع‬ ‫يف املنهج ا إللـهي تتلخ�ص يف‪:‬‬ ‫‪� -1‬إميان ا إل�سالم بنظافة الفطرة ا إلن�سانية‪ ،‬وب أ�نها مل‬ ‫تولد �آثمة أ�و خاطئة؛ و�إمنا ولدت كرمية طيبة تنزع �إىل املثالية‪.‬‬ ‫وما يلحقها من عيوب �إمنا هو ح�صاد ت أ�ثرها ب أ�و�ضاع غري كرمية‬ ‫يف املجتمع‪ .‬وا إل�سالم يعتمد يف ت�شريعاته على هذا الر�صيد‬ ‫الكرمي للفطرة‪ ،‬ويحاول حتريك ا إلن�سان با إلرادة الذاتية من‬ ‫داخله قبل أ�ن يقوده ب�سال�سل القانون من خارجه‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫}�إِنَّ اللـه َال ُي َغيرِّ ُ َما ِب َق ْو ٍم َحتَّى ُي َغيرِّ ُ وا َما ِب َأ�ن ُف ِ�سهِ ْم{‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫} َوا َّل ِذينَ َجاهَ دُوا ِفي َنا َل َن ْه ِد َي َّن ُه ْم ُ�س ُب َل َنا{‪.‬‬ ‫‪� -2‬إ�شباع ا إل�سالم لكل جوانب ا إلن�سان بالطرق احلالل‪،‬‬ ‫وت�صعيد كل غرائزه ولي�س كبتها أ�و حرمانها بالرهبانية‬ ‫املبتدعة أ�و الزهد الكاذب‪ « .‬فا إل�سالم لي�س عقيدة �صوفية‪ ،‬وال‬ ‫هو فل�سفة‪ ،‬ولكنه منهج من احلياة ح�سب قوانني الطبيعة التي‬ ‫�سنها اللـه خللقه‪ ،‬وما عمله أال�سمى �سوى التوفيق التام بني‬ ‫الوجهتني الروحية واملادية يف احلياة ا إلن�سانية»‪.‬‬ ‫‪� -3‬إعطاء ا إل�سالم كل ذي حق حقه؛ يف توازن‪ ،‬وبال �إفراط‬ ‫أ�و تفريط‪ ،‬فللرجل حقه ك�إن�سان‪ ،‬وللمر أ�ة حقها‪ ،‬ولالبن حقه‪،‬‬

‫أ‬ ‫وللب حقه‪ ،‬ولل�ضعيف حقه‪ ،‬وللمري�ض حقه‪ ،‬وللعاجز حقه‪،‬‬ ‫وللفقراء وامل�ساكني واليتامى واملعوقني و أ��شباههم من املعوزين‬ ‫حقوق‪ .‬قال تعاىل‪َ } :‬و َما َأ� ْد َر َ‬ ‫اك َما ال َع َق َب ُة‪َ ،‬ف ُّك َر َق َب ٍة‪َ ،‬أ� ْو ِ� إ ْط َعا ٌم‬ ‫فيِ َي ْو ٍم ِذي َم ْ�س َغ َب ٍة‪َ ،‬ي ِتيم ًا َذا َم ْق َر َب ٍة‪َ ،‬أ� ْو ِم ْ�س ِكين ًا َذا َمترْ َ َب ٍة‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ا�ص ْوا ِبالمْ َ ْر َح َم ِة{‪.‬‬ ‫ا�ص ْوا ِبال�صَّبرْ ِ َو َت َو َ‬ ‫َكانَ ِمنَ ا َّل ِذينَ �آ َم ُنوا َو َت َو َ‬ ‫‪� -4‬إن الفرد يف املجتمع ا إل�سالمي يتمتع بحقوق عامة؛‬ ‫انطالق ًا من واقع كينونته ا إلن�سانية‪ ،‬ولي�ست جمرد حقوق‬ ‫مرتبطة بظروف موقوتة‪ ،‬تزول بزوالها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ومن البديهي أ�ن �إعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬بال تفريط‬ ‫أ�و �إفراط‪ ،‬و أ�ن توازنية العالقة بني أالفراد جميع ًا ذكور ًا و�إناث ًا‪،‬‬ ‫حكام ًا وحمكومني‪� ،‬إمنا تعني يف النهاية �إقامة (و�سطية) تقوم‬ ‫على توزيع الن�سب‪ ،‬ومراعاة التكاملية ال�شاملة‪ ،‬وتلتزم بالعدل‬ ‫املطلق!!‬ ‫‪ -6‬فلي�س من حق املجتمع ا إل�سالمي أ�ن ي�ستحل ثروات‬ ‫أالفراد أ�و ي�ستبد بها‪ .‬فالظلم ظلم‪ ،‬والت�سلط الظامل مرفو�ض‬ ‫يف منطق العدالة االجتماعية ا إل�سالمية‪ .‬كما أ�نه ‪-‬على‬ ‫امل�ستوى ا إلن�ساين‪ -‬لي�س من حق أالمة ا إل�سالمية أ�ن ت�ستحل‬ ‫ثروات أالمم أالخرى !!‪ ،‬بل �إن العك�س هو املفرو�ض على أالمة‬ ‫ا إل�سالمية‪ .‬فهذه أالمة الو�سط ال�شهيدة على النا�س مكلفة‬ ‫ب�إقرار العدل واحلق يف أالر�ض كلها‪ ،‬وما الـهدف أال�سمى من‬ ‫اجلهاد �إال �إقرار العدل واحلق‪ ،‬و�إعالن احلرب الدائمة على‬ ‫الطغاة واملت أ�لـهني؛ الذين ي�ستذلون ال�شعوب ويقيمون ال�سدود‬ ‫ا�س‬ ‫يف وجه احلق وا إلميان‪ .‬والقر�آن يقول‪َ }:‬و َل ْوال َد ْف ُع اللـه ال َّن َ‬ ‫َب ْع َ�ض ُهم ِب َب ْع ٍ�ض َّل َف َ�سدَ ِت َأال ْر ُ�ض{‪ .‬ويقول‪َ } :‬و َك َذ ِل َك َج َع ْل َنا ُك ْم‬ ‫ا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم‬ ‫أُ� َّم ًة َو َ�سط ًا ِّل َت ُكو ُنوا ُ�شهَدَ ا َء َع َلى ال َّن ِ‬ ‫َ�شهِ يد ًا{‪ ،‬ويقول‪َ }:‬و ْل َت ُكن ِّمن ُك ْم أُ� َّم ٌة َي ْد ُعونَ �إىل ا َ‬ ‫خليرْ ِ َو َي ْأ� ُم ُرونَ‬ ‫وف َو َي ْن َه ْونَ َع ِن املُن َك ِر َو أُ� ْو َل ِئ َك هُ ُم املُ ْف ِل ُحونَ {‪.‬‬ ‫ِبا َمل ْع ُر ِ‬ ‫والعدل يف منطق ا إل�سالم ‪-‬كما أ��شرنا‪ -‬عدل مطلق‪.‬‬ ‫ين�ساب يف كل أ�ركان املجتمع والكيان ا إلن�ساين‪ ،‬يف داخل‬ ‫النف�س‪ ،‬ويف أال�سرة‪ ،‬وبني أ�فراد املجتمع‪ ،‬وبني الرجل واملر أ�ة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والب واالبن‪ ،‬ومع ال�صديق والعدو‪ .‬وبني املجتمع ا إل�سالمي‬ ‫وغريه من املجتمعات‪ .‬وهو عدل يف احلكم‪ ،‬ويف االقت�صاد‪،‬‬ ‫ويف النظم االجتماعية‪ ،‬ويف احلروب‪ ،‬ويف �سائر العالقات‬ ‫االجتماعية و� ؤش�ون احلياة‪ .‬وكل ذلك ت�شع فيه روح الو�سطية‬

‫‪61‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫التي هي ميزان العدل التي تبتعد بالفرد أ�و املجتمع عن ا إلفراط‬ ‫والتفريط‪.‬‬ ‫واحلق أ�ن أ�كرب ‪-‬بل و أ�عمق‪ -‬اخل�صائ�ص أال�سا�سية يف‬ ‫املنهج ا إل�سالمي االجتماعي بعد بعديه أال�سا�سيني وهما‪:‬‬ ‫الربانية وا إلن�سانية‪ ،‬أ�نه منهج و�سطي توازين �شامل‪ .‬وهذا‬ ‫يعني أ��صالته وتفرده؛ على أ��سا�س أ�نه لي�س رد فعل‪ ،‬أ�و عالج ًا‬ ‫ملرحلة تاريخية ذات خلل طارئ يف عالقة الفرد باملجتمع‪.‬‬ ‫ فهو أ��صيل يف و�سطيته وخ�صائ�صه؛ ألنه مل يكن جمرد‬‫عالج أ�و رد فعل خللل طارئ‪ ،‬و�إمنا هو توجيه �شمويل لعالج‬ ‫الكيان االجتماعي كله‪ ،‬كما أ�ملعنا‪.‬‬ ‫ وهو أ��صيل يف و�سطيته ألنه مل يكن جمرد ترقيع جزئي‬‫انفعايل (كال�شيوعية واال�شرتاكية) أ�و تلفيق مذهبي م�ستورد‬ ‫(كدعاوى اجلمع بني اال�شرتاكية والدميقراطية)‪ ،‬أ�و نظرة‬ ‫م�سطحة لكيان ا إلن�سان وحلركة التاريخ الب�شري وقوانني‬ ‫م�سريته‪.‬‬ ‫ وهو أ��صيل كذلك يف و�سطيته وتوازنيه؛ ألنه يقدم حلو ًال‬‫م�ستقلة مل�شكالت ا إلن�سانية؛ ي�ستمدها من ت�صوره اخلا�ص‪ ،‬ومن‬

‫‪62‬‬

‫منهجه الذاتي‪ ،‬ومن أ��س�سه أال�صيلة‪ ،‬ومن و�سائله املتميزة‪.‬‬ ‫ وهو أ��صيل كذلك يف و�سطيته وتوازنه من جهة أ�خرى‬‫ألنه يرتكز على دعائم أ��صيلة يف أ�عماق ا إلن�سان‪ ،‬ويهدف �إىل‬ ‫غايات �إن�سانية نبيلة‪ ،‬ال تخدم م�صلحة طبقة أ�و فرد؛ �إمنا‬ ‫تخدم املجتمع كله وا إلن�سانية كلها‪.‬‬ ‫ومن أ�كرب دالئل أ��صالة املنهج ا إل�سالمي يف ت�شكيلـه للبناء‬ ‫االجتماعي أ�نه منهاج رباين �إن�ساين �شامل‪ .‬ألن كل جزئياته‬ ‫تنطلق من منبع واحد‪ ،‬وهو الوحي الكرمي‪ ،‬وتتجه كلـها �إىل‬ ‫غاية واحدة هي العبادة‪ ،‬أ�ي ر�ضا اهلل تعاىل‪« ،‬فلي�س يف الت�صور‬ ‫ا إل�سالمي ن�شاط �إن�ساين ال ينطبق عليه معنى العبادة‪ ،‬أ�و ال‬ ‫يطلب فيه حتقيق هذا الو�صف»‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولنه منهج م�ستوف لكل نواحي احلياة‪ ،‬وم ؤ�هل لعالج كل‬ ‫أ�مرا�ض النف�س واملجتمع‪ ،‬أ‬ ‫ولن و�سائله كذلك فطرية؛ فهو ‪-‬‬ ‫كذلك‪ -‬ال يهدم الفطرة أ�و ي�صطدم بها‪ ،‬وال يلج أ� للو�سيلة ال�سيئة‬ ‫من أ�جل غاية يزعم أ�نها �شريفة‪ .‬وال ي�ضحي مباليني النا�س‪،‬‬ ‫زاعم ًا أ�نه يريد �إقرار العدالة االجتماعية على أ��شالئهم‪ ،‬وال‬ ‫يهدر حقوق ا آلدميني حتت �شعار كاذب يرفعه؛ مهما كانت قيمة‬ ‫هذا ال�شعار‪!!...‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫احلوار‪...‬‬

‫و�أ�س�س جناحه‬ ‫د‪ .‬يا�سر ال�شمايل‬ ‫كلية ال�شريعة‪/‬اجلامعة أ‬ ‫الردنية‬

‫هذااملقال يف احلوار لرت�سيخ مبد أ�التوا�صل والتعارف‪ ،‬وار�ساء لبنة نحو ثقافة حوارية ت�سود حياتنا بدال‬ ‫عن اجلدال واملهاترات‪ ،‬واحلوار امنا هدفه الو�صول للحق واحلقيقة‪ ،‬لذلك البد من معرفة ا�س�سه و�ضوابطه‬ ‫و آ�دابه‪ .‬و�إن معرفة هذه اال�س�س �ضروري يف هذا الع�صر الذي نحن ب أ�م�س احلاجة فيه لالهتداء بهدي اال�سالم‪،‬‬ ‫وحكمه احلكماء‪ ،‬وخربة العقالء‪ ،‬لتكون �ضوابط ومنارات لكل عامل وكاتب وداعية وطالب علم يف توا�صله‬ ‫وعالقاته آ‬ ‫بالخر‪.‬‬ ‫ن�سمع بكلمة اجلدال وانه مذموم ون�سمع باحلوار‪ ،‬فهل هنا‬ ‫فرق بينهما‪ ،‬وما هو الدليل؟‬ ‫احلوار يف اللغة‪ :‬املراجعة واملجاوبة يف الكالم‪ ،‬واحلوار‪:‬‬ ‫الرجوع عن ال�شيء و�إىل ال�شيء‪.‬‬ ‫قال اهلل تعاىل‪�}:‬إنه ظن أ�ن لن يحور{‪ -‬االن�شقاق‪،14/‬‬ ‫أ�ي لن يرجع �إىل ربه‪.‬‬ ‫ويف احلديث (‪ ..‬ومن دعا رجال بالكفر‪ ،‬أ�و قال‪ :‬عد ًو‬ ‫اهلل‪ ،‬ولي�س كذلك اال حار عليه) أ�ي رجع اليه ما ن�سب اليه‪،‬‬ ‫ويف احلديث الذي رواه البخاري يف �صحيحه عن أ�بي الدرداء‪:‬‬ ‫«كانت بني أ�بي بكر وعمر محُ اوره ‪ »..‬أ�ي مراجعة وجماوبة يف‬

‫الكالم‪.‬‬ ‫وجاء يف ل�سان العرب‪ ،‬أ�حار عليه جوابه‪ :‬أ�ي ر ّده‪ ،‬واملحاوره‪:‬‬ ‫املجاوبة ومراجعة املنطق والكالم يف املخاطبة‪.‬‬ ‫والتحاور‪ :‬التجاوب‪ ،‬ويتحاورون‪ ،‬أ�ي يرتاجعون الكالم‪،‬‬ ‫فاحلوار ال�صحيح ما أ�مكن لكل طرف أ�ن يجاوب االخر ويعرب‬ ‫عن رايه‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والحور‪ :‬العقل‪ ،‬يقال‪ :‬ما يعي�ش فالن ب أ�حور‪ ،‬أ�ي ما يعي�ش‬ ‫بعقل يرجع اليه‪ .‬وهذا ير�شدنا اىل ان احلوار ال بد ان يكون‬ ‫منطلقة عقالنيا بعيدا عن العاطفة او التع�صب‪.‬‬ ‫واحلواريون‪ :‬هم �صفوة أالنبياء الذين قد خل�صوا لهم‪،‬‬

‫‪63‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ألنهم روجعوا يف اختبارهم مرة بعد مرة فوجدوا نقيني من‬ ‫كل عيب‪.‬‬ ‫ويت�ضح مما تقدم أ�ن احلوار مرده اىل املراجعة‬ ‫التي فيها تعبري حر عن الر أ�ي يف �إطار عقالين‪ ،‬حيث‬ ‫�إن املتحاورين يراجع كل منهم كالم ا آلخر ويجاوبه‬ ‫أ�ثناء املخاطبة‪ ،‬ومما يف كتاب اله }واهلل ي�سمع حتاوركما{‪-‬‬ ‫املجادلة‪ -1/‬حيث كانت خولة بنت ثعلبة تراجع النبي (�ص)‬ ‫«ما أُ�مرت يف � أش�نك ب�شيء»‪ ،‬ثم راجعت ر�سول اهلل(�ص) مرار ًا‬ ‫ت�شكو فاقتها و�شدة حالها وتعرب عن حاجتها‪ ،‬حتى نزلت ا آليات‬ ‫الكرميات من أ�ول املجادلة }قد �سمع اهلل قول التي جتادلك يف‬ ‫زوجها وت�شتكي �إىل اهلل واهلل ي�سمع حتاوركما{‪.‬‬ ‫وجاء يف القر�آن الكرمي كلمات عديدة يظن البع�ض أ�نها‬ ‫مرادفة للحوار أ�و قريبة يف معناها منه‪ ،‬مثل كلمة اجلدال‪،‬‬ ‫وكلم اخل�صومة‪ ،‬من املفيد معرفة العالقة بني هذهالكلمات‬ ‫يف ا�ستعمال القر�آن الكرمي ولغة العرب‪،‬وكذا كلمة النقا�ش التي‬ ‫ي�ستعملها عامة النا�س مبعنى احلوار‪.‬‬ ‫اجلدل عند اهل اللغة هو اللدَ د يف اخل�صومة والقدرة‬ ‫عليها‪ ،‬واملفاو�ضة على �سبيل املنازعة واملغالبة‪ ،‬و أ��صله من‬ ‫جدلت احلبل أ�ي أ�حكمت فتله‪ ،‬ومنه اجلديل‪ ،‬وجدلت البناء‪،‬‬ ‫أ�ي أ�حكمته‪ ،‬أ‬ ‫والجدل هو ال�صقر املحكم البينة‪ ،‬واملِجدَ ل‪:‬‬ ‫الق�صر املحكم البناء‪ ،‬ومنه اجلدال‪ ،‬قال الراغب أال�صفهاين‪:‬‬ ‫فك أ�ن املتجادلني يفتل ُ‬ ‫كل واحد ا آلخر عن ر أ�يه‪.‬‬ ‫وجاء يف ل�سان العرب‪ :‬جادلت الرجل فجدلته َج ْد ًال‪ :‬أ�ي‬ ‫غلبته‪ ،‬ورجل َج ِدل‪� :‬إذا كان أ�قوى يف اخل�صام واال�سم‪َ :‬‬ ‫اجلدَ ل‪،‬‬ ‫وهو �شدذ اخل�صام‪.‬‬ ‫اجلدل �إمنا ُيدم ملا‬ ‫وقد جاء يف احلديث ما ُيهم منه أ�ن ِ‬ ‫فيه من التنازع واخل�صام الذي غايته املنافرة و�إظهارالغلبة‪،‬‬ ‫وقد جاء‪ :‬أ�ن ر�سول اهلل(�ص) وهم يتنازعون يف القر�آن‪،‬‬ ‫فغ�ضب غ�ضب ًا �شديد ًا حتى ك أ�منا ُ�ص َّب على وجهة اخلل‪ ،‬ثم‬ ‫قال‪( :‬ال ت�ضربوا كتاب اهلل بع�ضه ببع�ض ف�إنه ما �ضل قوم قط‬ ‫�إال أ�وتوا اجلدل)‪ ،‬ثم تال }ما �ضربوه لك �إال حد ًال بل هم قوم‬ ‫خ�صيمون{‪ -‬الزخرف‪.58/‬‬ ‫و أ�خرج البخاري يف االعت�صام‪ ،‬باب}وكان ا إلن�سان أ�كرث‬ ‫�شيء جدال{‪،‬عن احل�سن بن علي أ�ن علي ًا بن أ�بي طالب قال‪:‬‬

‫‪64‬‬

‫�إن ر�سول اله (�ص)‪ -‬طرقه وفاطمة عليها ال�سالم‪ -‬فقال لهم‪:‬‬ ‫أ�ال ت�صلون؟ فقال علي‪ :‬فقلت‪ :‬يا ر�سول اله أ�منا أ�نف�سنا بيد اهلل‬ ‫ف�إذا �شاء أ�ن يبعثنا بعثنا‪ ،‬فان�صرف ر�سول اهلل (�ص) حني قال‬ ‫له ذلك ومل يرجع �إليه �شيئ ًا‪ ،‬ثم �سمعه وهو مدبر ي�ضرب فخذه‬ ‫وهو يقول‪ } :‬وكان ا إلن�سان أ�كرث �شيء جدال{‪.‬‬ ‫قال العلماء‪ :‬ي ؤ�خذ منه أ�ن علي ًا ر�ضي اهلل عنه ترك فعل‬ ‫أالوىل و�إن كان ما احتج بها متجه ًُا‪ ،‬ومن ثم تال النبي (�ص)‬ ‫ا آلية ومل يلزمه مع ذلك بالقيام بال�صالة‪ ،‬ولو كان امتثل وقام‬ ‫لكان أ�وىل‪ ،‬وي ؤ�خذ منه ا إل�شارة �إىل مراتب اجلدال‪ ،‬ف�إذا مان‬ ‫فيما ال بد منه تعني ن�صر احلق باحلق‪ ،‬وفيه االن�سان ُطبع على‬ ‫الدفاع عن نف�سه بالقول والفعل‪ ،‬و أ�نه ينبغي أ�ن يجاهد نف�سه أ�ن‬ ‫يتقبل الن�صيحة ولة كانت يف غري واجب‪.‬‬ ‫وقد ع َّرف اجلرجاين اجلدل بقوله‪« :‬مل ُيقتدر له على‬ ‫حفظ أ�ي و�ضع ُيراد ولو باط ًال‪ ،‬وهدم أ�ي و�ضع ُيراد ولو حق ًا»‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬من تعريف أ�هل اللغة وا�ستقراء الن�صو�ص يت�ضح أ�ن‬ ‫اجلدل يالزم اخل�صومة والتم�سك بالراي والتع�صب له‪ ،‬وهذا‬ ‫بخالف املجاورة‪ ،‬فهي كما ي�ستفاد من معناها الغوي مراجعة‬ ‫القول بني املتحاوريني دون أ�ن يكون هناك بال�ضرورة خ�صومة‬ ‫أ�و تع�صب لر أ�ي‪,‬‬ ‫فيفهم مما تقدم أ�ن املحاورة أ�عم من املجادلة‪ ،‬ألن فيها‬ ‫عر�ض لوجهتي النظر‪ ،‬واجلدال يق�صد به املحاجة والغلبة‬ ‫ب�إقحام اخل�صم و أ�بطال حجت‪ ،‬وتعتمد املجادلة على قوة‬ ‫احلجة بينما احلوار مبفهومة الوا�سع يعتمد على �سعة اخليال‬ ‫وح�ضور البديهة وا إلحاطة‪ ،‬قدر ا إلمكان‪ ،‬بخ�صائ�ص يوافقه‬ ‫ما يدور احلوار حوله‪.‬‬ ‫وقد وردت كلمة اجلدال وم�ستقاتها يف القر�آن الكرمي‬ ‫ثالثني مرة يف ت�سعة وع�شرين مو�ضع ًا‪ ،‬وعند ا�ستقراء الن�صو�ص‬ ‫التي جاءت فيها هذه الكلمة‪ ،‬جند أ�ن القر�آن الكرمي ا�ستعملها‪-‬‬ ‫عموما‪ -‬يف �سياق اخل�صومة و�إرادة الغلبة آ‬ ‫للخر والتع�صب‬ ‫للر أ�ي ولو كان بالباطل‪ ،‬وهذا يوافقه ما ذكره اللغويون‪:‬‬ ‫فمن ذلك قوله تعاىل‪ -‬وا�صفا طبيعة النف�س االن�سانية‬ ‫}وكان ا إلن�سان أ�كرث �شيء جدال{‪ -‬الكهف‪.54/‬‬ ‫وقال وا�صف ًا منهج أ�هل الكفر وال�ضالل‪} :‬وجادلوا‬ ‫بالباطل ليدح�ضوا به احلق{‪ -‬غافر‪.5/‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫وقال معرب ًا عن حقيقة أ�ن اجلدال يغلب عليه اجلهد‬ ‫والطي�ش‪.‬‬ ‫}ومن النا�س من يجادل يف اهلل بغري علم وال هدىً وال‬ ‫كتاب منري{احلج‪.8/‬‬ ‫وقال موجه ًا للحاج �إىل بيته الكرمي أ�ن يلزم الوقار و أ�ن‬ ‫يبتعد عن اخل�صومة واللد‪:‬‬ ‫}فمن فر�ض فيهن احلج فال رفث وال ف�سوف وال جدال‬ ‫يف احلج{‪.‬‬ ‫وقال مبين ًا أ�ن اجلدال مما يحبه ال�شيطان ويو�سو�س به‬ ‫إلبعاد النا�س عن احلق‪.‬‬ ‫}و�إن ال�شياطني ليوحون �إىل أ�وليائهم ليجادلوكم{‪-‬‬ ‫أالنعام‪ 121/‬وغريها من ا آليات يف هذا املعنى‪.‬‬ ‫هل ورد اجلدال يف القر آ�ن الكرمي يف معر�ض‬ ‫املدح؟‬ ‫نعم وردت �آيتان تذكران اجلدال ُيفهم أ�نهما يف �سياق املدح‬ ‫له‪ ،‬وهما‪ :‬قولهتعاىل‪}:‬ادع �إىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة‬ ‫احل�سنة وجادلهم بالتي هي أ�ح�سن{النحل‪.125/‬‬ ‫وقوله}وال جتادلوا أ�هل الكتاب ا إل بالتي هي أ�ح�سن{‬ ‫العنكبوت‪.46/‬‬ ‫فنلحظ أ�ن اجلدال هنا مفيد بكلمة «احل�سنى» وعند‬ ‫الت أ�مل يف م�ضمون ا آليتيني الكرميتني ودرا�سة �سياقهما يت�ضح‬ ‫أ�ن املعنى ال يخرج عما �سبق أ�ي�ضاحه‪،‬ذلك أ�ن اجلدال ملا كان‬ ‫عادة يف جمال املغالبة والتع�صب للر أ�ي ولكن املجادل قد‬ ‫ي�ستعمل يف ذلك كالم ًا قا�سي ًا منفر ًا أ�و كالم ًا لطيف ًا لين ًا‪ ،‬أُ�مر‬ ‫النبي الكرمي(�ص) ومن اتبعه من الدعاة أ�ن ي�ستعملوا اللني‬ ‫واملالطفة عند جدال أ�هل الكتاب واال�ستماع �إىل �شبههم والرفق‬ ‫بهم يف حلهاودح�ضها‪ ،‬و�سمي جدا ًال ألن امل�سلم يعتقد يف قرارة‬ ‫نف�سه أ�نه على احلق املبني‪ ،‬لكن هذا ال ي�ستدعي �إظهار ما يف‬ ‫النف�س من أ�نه على احلق و آلخر مبطل من أ�جل ك�سب مودة‬ ‫لل�صغاء للحوار عم ًال بقوله تعاىل‪}:‬و�إنا أ�و‬ ‫ا آلخر وا�ستمالته إ‬ ‫�إياكم لعلى هدى أ�ويف ظالل مبني{�سبا‪ .24/‬والتي ُيفهم منها‬ ‫أ�همية �إظهار التجرد عند احلوار والت�سليم ب�إمكان أ�ن يكون‬ ‫احلق مع الطرف ا آلخر‪.‬‬

‫هل يكون اجلدال قبل ظهور احلق أ�م بعد ظهوره؟‬ ‫بني أ�بو حممد ابن حزم‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬أ�ن اجلدال املذموم‬ ‫هو فيمن يجادل بعد ظهور احلق‪ ،‬وهذه �صفة املعاند ا آلبي من‬ ‫قبول احلجة بعد ظهورها‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪:‬‬ ‫}وقالوا �آلهتنا خري من أ�م هو ما �ضربوه لك �إال جدال‪ ،‬بل‬ ‫هم قوم يخ�صمون{ الزخرف‪.58/‬‬ ‫ثم قال‪ :‬فوجدناه تعاىل أ�ثنى على اجلدال باحلق و أ�مر‬ ‫به‪ ،‬فعلمنا يقين ًا أ�ن الذي أ�مر به غري الذي نهى عنه بال �شك‪،‬‬ ‫فنظرنا يف ذلك لنعلن وجهة اجلدال املنهي عنه املذموم‪ ،‬ووجه‬ ‫اجلدال امل أ�مور به املحمود‪ ،‬ألنا وجدناهتعاىل قد قال‪} :‬ادع‬ ‫�إىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم بالتي‬ ‫هي أ�ح�سن‪ {..‬النحل‪ ,125/‬فكان تعاىل قد أ�وجب اجلدال‬ ‫يف هذه االية‪ ،‬وع َّلم فيها تعاىل جميع �آداب اجلدال كلها‪ ،‬من‬ ‫الرفق والبيان‪ ،‬والتزام احلق‪ ،‬والرجوع �إىل ما أ�وجبته احلجة‬ ‫القاطعة‪.‬‬ ‫ثم قال‪:‬وقال اهلل تعاىل‪}:‬وال جتادلوا أ�هل املتاب ا إل‬ ‫بالتي هي أ�ح�سن ا إل الذين ظلموا منهم{العنكبوت‪ ،46/‬ف أ�مر‬ ‫عزوجل كما ترى ب�إيجاب املناظرة يف رفق‪ ،‬وبا إلن�صاف يف‬ ‫اجلدال وترك التع�سف والبذاءة واال�ستطالة‪ ،‬ا إل على من بد أ�‬ ‫بئيء من ذلك ف ُيعار�ض حينئذ مبا ينبغي‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬اجلدال الذي يق�صده ابن حزم يق�صد بهعموم‬ ‫املحاجة واملناظرة و�إقامة البينات على اخل�صم‪ ،‬وهو أ�مر‬ ‫مطلوب حممود بن�ص الكتاب وال�سنة‪ ،‬فهو يتحدث عن اجلدال‬ ‫باملعنى أالعم رد ًا على من منع املناظرة واملحاجة ممن كان يف‬ ‫زمانه كما يفهم من �سياق كالمه‪.‬‬ ‫وقد ذكر املف�سر الرازي‪ -‬رحمه اهلل‪ -‬أ�ن اجلدل هو‬ ‫ا�ستعمال الدالئل التي يكون املق�صود من ذكرها �إلزام‬ ‫اخل�صوم و�إفحامهم‪ ،‬ثم يبني أ�ن اجلدل املذموم يكون بذكر‬ ‫الدليل الباطل والطرق الفا�سدة‪ ،‬وهذا املنحى ال يليق ب أ�هل‬ ‫الف�ضل‪� ،‬إمنا الالئق بهم هو اجلدال باحل�سنى‪ ،‬وذلك املراد‬ ‫بقوله تعاىل‪}:‬وجادلهم بالتي هي أ�ح�سن{‪.‬وعلى كل حال‬ ‫ينبغي أ�ن نفهم أ�ن اجلدل املذموم ما كان غي ؤ�ر حمله و�ص َّد عن‬ ‫العمل‪ ،‬فعن أالوزاعي‪ ،‬رحمه اهلل‪ -‬أ�نه قال‪ »:‬بلغني أ�ن اهلل �إذا‬ ‫أ�راد بقوم �شر ًا أ�لزمهم اجلدل ومنعهم العمل»‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫وهذ أ��س�س احلوار و�ضوابطه‪:‬‬ ‫‪ -1‬خماطبة العقل‬ ‫حيث أ�ن هدف احلوار هو ا إلقناع والو�صول للحق وتفهم‬ ‫وجهة نظر ا آلخر‪ ،‬وذلك ال يكون �إال باالعتماد على احلجة‬ ‫واملنطق‪ ،‬والطلب من ا آلخرين أ��ستعمال عقولهم والتدبر‬ ‫والتفكر فيما ُيدعون �إليه بعيد ًا عن العواطف ونزعات النف�س‪،‬‬ ‫وهذا هو ال�شرط أالم يف أ�ي حوار بني العقالء‪ ،‬والن�صو�ص‬ ‫حتاور العقل ألنه القادر وحده – �إ�ضافة ألن عقل االن�سان‪-‬‬ ‫�إىل التو�صل �إىل احلق‪ ،‬ألن عقل ا إلن�سان هو مفتاح مكوناته‬ ‫من نف�س وج�سد ونوازع خري و�شر‪ ،‬أ‬ ‫ولن العقل االن�ساين طريق‬ ‫الوعي املطلوب والبعد عن اخلرافة أ‬ ‫وال�ساطري واتباع أالعراف‬ ‫دون تفكري‪.‬‬ ‫ومع أ�ن ا إلن�سان مفطور على معرفة اللع تعاىل وحب معرفة‬ ‫احلق واتباعه‪� ،‬إال ان البيئة الفا�سدة و�شهوات الدنيا و�سلطانها‬ ‫قد حتجب عنه نور الفطرة وجتعله يجدال وال ي�سلم ب�سهولة‪،‬‬ ‫لهذا كان احلوار العقلي من أ�جل أ�ن ي�سلك ا إلن�سان باقتناع‬ ‫�إرادة كاملة‪ ،‬وليمون ا إلميان واالنقياد حالة دائمة‪ ،‬واملتدبر يف‬ ‫ن�صون ال�سنة يجد أ�ن ال�صبغة العامة فيها هي خماطبة العقل‬ ‫الذي هو مناط التكليف‪ ،‬وتدل على حر�ص ال أ�جل أ�ن ي�سلك‬ ‫ا إلن�سان باقتناع �إرادة كاملة‪ ،‬وليمون ا إلميان واالنقياد حالة‬ ‫دائمة‪ ،‬واملتدبر يف ن�صون ال�سنة يجد أ�ن ال�صبغة العامة فيها‬ ‫هي خماطبة العقل الذي هو مناط التكليف‪ ،‬وتدل على حر�ص‬ ‫ا إل�سالم على أ�همية ا إلقناع باملنطق ال�سليم‪.‬‬ ‫وقد دعا القر�آن يف حواره للم�شركني أ�ن يبتعدوا عن‬ ‫أالجواء االنفعالية التي تبتعد باالن�سان عن الوقوف مع نف�سه‬ ‫وقفة ت أ�مل وتفكري‪ ،‬ف�إنه قد يخ�ضع للجو االجتماعي‪ ،‬وي�ست�سلم‬ ‫ال �شعوري ًا مما يفقده ا�ستقالله الفكري‪ ،‬قال تعاىل‪ُ } :‬قل �إمنا‬ ‫أ�عظكم بواحدة أ�ن تقوموا اهلل َمثنى و ُفرادى ُثم تتفكروا ما‬ ‫ب�صاحبكم من ِج َّن ِة �إن أ�ال نذير لكم َبني يدي عذاب �شديد{‪.‬‬ ‫�سبا‪.46/‬‬ ‫« فقد جعل القر�آن الكرمي اتهام النبي (�ص) باجلنون‬ ‫خا�ضع ًا للجو االنفعايل العدائي خل�صومة‪ ،‬لذلك دعاهم �إىل‬ ‫االنف�صال عنةهذا اجلو والتفكري بانفراد وهدوء»‪.‬‬ ‫وهذه مناذج من ن�صو�ص الكتاب وال�سنة فيها �إر�شاد‬

‫‪66‬‬

‫ال�ستعمال اخلطاب العقالين يف حماورة ا آلخر‪ ،‬تدل على‬ ‫أ�ن طريق االقناع واخلطاب العقالين أ��سا�س مهم من أ��س�س‬ ‫احلوار‪ :‬فمن ذلك ‪ :‬االيات التي حتاور امل�شرتكني وتطلب منهم‬ ‫ا�ستعمال عقولهم للنظر يف ملكوت اهلل واال�ستدالل به على‬ ‫مبدعه تعاىل‪:‬‬ ‫مثل قوله‪ }:‬أ�م ُخلقوا من غري �شيء أ�م هم‬ ‫اخلالقون‪{...‬الطور‪.35/‬‬ ‫فهذه ا آلية تخاطب العقالء وتر�شدهم للتدبر والنظر يف‬ ‫م�س أ�لة اخللق‪ ،‬وهو أ�ن هناك ثالثة احتماالت فقط‪ ،‬ف�إما أ�ن‬ ‫يكونوا قد ُخلقوا من ال �شيء‪ ،‬أ�و أ�نهم خلقوا أ�نف�سهم‪ ،‬أ�و أ�ن‬ ‫لهم خالق ًا وهو اهلل تعاىل‪ ،‬واالحتماالن أالوالن باطالن فثبت‬ ‫االحتمال وهو احلق الذي تدل عليه الفطرة وي�شهد له الوجود‬ ‫املبدع‪.‬‬ ‫ومنها ا آليات التي تُر�شد �إىل البعد عن التبعية املطلقة‬ ‫والتقليد أالعمى الذي يعني الغاء العقل‪.‬‬ ‫فقد أ�و�ضح القر�آن الكرمي أ�ن الكفار يف أ�نحرافهم عن‬ ‫منهج اهلل تعاىل‪ ،‬ورف�ضهم لدعوات امل�صلحني ال متم�سك لهم‬ ‫من كتاب أ�و منطق �إمنا هو التقليد االعمى‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬و�إذا‬ ‫قيل لهم ابعوا ما أ�نزل اهلل قالوا بل نتبع أ�لقينا �آباءنا‪ .‬أ� َول َو كان‬ ‫أ�با ؤ�هم ال يعقلون �شيئ ًا وال يهتدون }‪ .‬البقرة ‪.170 /‬‬ ‫وقال تعاىل ‪ } :‬بل قالوا �إنا وجدنا �آباءنا على أُ�مة و�إنا على‬ ‫�آثارهم مهتدون ‪ ،‬وكذلك ما أ�ر�سلنا من قبلك يف قرية من نذير‬ ‫اال قال مرتفوها انا وجدنا �آباءنا على أُ�مة و�إنا على �آثارهم‬ ‫مقتدون ‪ ،‬قل َأ�ولو جئتكم ب أ�هدى مما وجدمت عليه �آباءكم ‪،‬‬ ‫قالوا �إنا مبا أ�ر�سلتم به كافرون {‪.‬الزخرف‪.24-22/‬‬ ‫فهنا جند أ�ن القر�آن الكرمي يخاطب عقولهم ويدعوهم‬ ‫�إىل التفكر يف منهجهم القائم على التقليد ولي�س االقتناع‪ ،‬و أ�ن‬ ‫و أ�جبهم احرتام عقولهم واحرتام املنطق واحلجة وما ينفعهم‬ ‫يف الدنيا واالخرة ولي�س الع�صبية والتقليد االعمى‪ « .‬وهذا يدل‬ ‫على العقل واملنطق‪ ،‬ولذا كان من أ�هم �شروط �صحة االميان‬ ‫باهلل تعاىل وما يتبعه من أ�مور اعتقادية أ�ن يقوم على أ��سا�س‬ ‫من اليقني والفكر احلر دون أ�دنى ت أ�ثر ب أ�ي عرف أ�و تقليد»‪.‬‬ ‫وهذه مناذج من ن�صو�ص ال�سنة فيها �إر�شاد ال�ستعمال‬ ‫اخلطاب العقالين أ��سا�س مهم من أ��س�س احلوار‪:‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ما أ�خرجه ا إلمام أ�حمديف م�سنده‪ ،‬عن أ�بي أ�مامه‪ -‬ر�ضي‬ ‫اهلل عنه‪ « -‬أ�ن غالم ًا �شاب ًا أ�تى النبي (�ص) فقال‪ :‬يا ر�سول اله‬ ‫أ�تاذن يل يف الزنا؟ ف�صاح النا�س‪ ،‬فقال (�ص) ق ّربوه‪ ،‬أ�ذنُ ‪،‬‬ ‫فدنا حتى جل�س بني يديه‬ ‫فقال(�ص‪ :‬أ�حت ُّبه ألمك ؟‬ ‫فقال‪ :‬ال‪ ،‬جعلني اهلل فداك‪.‬‬ ‫فقال(�ص)‪« :‬كذلك النا�س ال حتبه ألمهاتهم» أ�حتبه‬ ‫ألختك؟‬ ‫قال‪:‬ال‪.‬‬ ‫قال‪ :‬كذلك النا�س ال يحبونه ألخواتهم‪ ،‬وذكر العمة‬ ‫واخلالة‪ ،‬وهو يقول ‪:‬ال‪ ،‬جعلني اهلل فداك‪ ،‬وهو يقول‪ »:‬زكذلك‬ ‫النا�س ال يحبونه»‪ ،‬ثم و�ضع ر�سول الهه (�ص) يده على �صدره‬ ‫وقال‪ »:‬اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وح�صن فرجه»‪ ،‬فلم يكن‬ ‫�شيء أ�بغ�ض �إليه منه‪ -‬يعني الزنا‪.‬‬ ‫هذا احلوار النبوي يف توجيه ال�شاب املذكور يع ُّد معلم ًا‬ ‫تربوي ًا دعوي ًا و أ��سلوب ًا حكيم ًا يف توجيه ال�شباب �إيثار ا�إقناع‬ ‫العقلي يف معرفة ال�صحيح من اخلط أ� يف الت�صرفات‪ ،‬مع‬ ‫ربط ذلك ب�سنن املجتمع و أ�عراف النا�س‪ ،‬و�إيقاظ يف النف�س‬ ‫بعث ال�شهامة والغرية يف النف�س‪ ،‬ثم أ�يقاظ حب العدالة يف‬ ‫الت�صرفات بطريقة �إقناعية‪:‬‬ ‫( أ�حتبه ألمك؟) ( أ�حتبه ألختك؟)‪.‬‬ ‫فقد عزف النبي هنا عن ا�سلوب الوعظ املبا�شر أ�و النهي‬ ‫اجلازم �إىل احلوار الهادىء الذي خاطب فيه عقله‪ ،‬وقلبه‬ ‫حتى أ�يقن رجوعة �إىل ر�شده مع التلطف بال�سائل ومداراته‪،‬‬ ‫وهكذا ينبغي على كل داعية أ�ن يتوقعمثل هذه اال�سئلة �سواء‬ ‫ممن يجهل اال�سالم أ�م ممن ال يقيم وزن ًا ألحكام اهلل‪ ،‬فالكل‬

‫بحاجة حلوار واالقناع العقلي‪ ،‬والتذكري ب أ��س�س اخلري والعدالة‬ ‫وال�شهامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ومن ذلك ما أ�خرجه الرتمذي يف جامعة عن‪ :‬عمران‬ ‫بن ُح�صني‪ -‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال النبي (�ص) ألبي‪ :‬يا‬ ‫ُح�صني كم تعبد اليوم �إله ًا؟‬ ‫قال أ�بي‪� :‬سبعة‪� ،‬ست ًا يف االر�ض وواحد ًا يف ال�سماء‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ف أ�يهم تُع ّد لرغبتك ورهبتك ؟‬ ‫قال‪ :‬الذي يف ال�سماء‪.‬‬ ‫قال‪ :‬يا ُح�صني‪ ،‬أ�ما �إنك لو أ��سلمت علمتك كلمتني‬ ‫تنفعاك‪.‬‬ ‫وهنا جند النبي الكرمي (�ص) قد خاطب عقل هذا‬ ‫املخاطب الذي مل ي�سلم بعد وما زال على وثنية‪ ،‬و أ�ر�شده �إىل‬ ‫أ�ن أال�صل يف العبادة أ�ن تكون ملن ينفع أ�و ي�ضر هو على كل �شيء‬ ‫قدير‪ ،‬دون تلك ا آلله االر�ضية امل�صنوعة من احلجارة أ�و التمر‬ ‫وما �شابه ذلك‪ ،‬فهي ال جتدي نفع ًا عندما حتزبهاالمور‪ ،‬وهو‬ ‫تذكري له ب�إن توحيد الربوبية ي�ستلزم توحيد أاللوهية‪ ،‬فما دام‬ ‫أ�ن الذي يف ال�سماء هو الذي تعبده لرهبتك ورغبتك فهو حقيق‬ ‫ب أ�ن توجه له العبادة اخلال�صة ‪.‬‬ ‫فانظر �إىل عقالنية اخلطاب‪ ،‬دون أ�ن يكون هناك ت�سفيه‬ ‫او حتقري‪ ،‬فاملهم هو أ�ن ت�صل �إىل عقل املخاطب وقلبه لينقاد‬ ‫للحق بكامل �إرادته‪ ،‬ولينطلق بعد ذلك يف فهم دينه والتحم�س له‬ ‫عن رغبة وحما�س داخلي‪ ،‬فلله احلمد على نعمة ا إلميان ونعمة‬ ‫الر�سالة التي ك ّرمت العقل االن�ساين‪ ،‬وكرمت النف�س االن�سانية‪،‬‬ ‫و�صدق اهلل �إذ يقول‪} :‬ولقد كرمنا بني �آدم وحملناهم يف الرب‬ ‫والبحر ورزقناهم من الطيبات ‪ ،‬وف�ضلناهم على كثري ممن‬ ‫خلقنا تف�ضيال{ا إل�سراء‪.7/‬‬

‫‪67‬‬


‫حوار احل�ضارات‬ ‫إال�سالم والعالقة مع آالخر‬ ‫قراءة يف أ‬ ‫البعاد وا�ست�رشاف امل�ستقبل‬

‫الدكتورة مرمي آ�يت أ�حمد‬ ‫أ��ستاذة العقائد أ‬ ‫والديان املقارنة ورئي�سة وحدة حوار‬ ‫احل�ضارات يف كلية ا آلداب والعلوم ا إلن�سانية ‪-‬جامعة ابن‬ ‫طفيل ـ القنيطرة ‪ /‬املغرب‬

‫وال�سالمية‬ ‫�إن ال�س ؤ�ال الذي يطرح نف�سه ب�إحلاح �شديد‪ ،‬يف ظل التحديات التي تواجهها أ�متنا العربية إ‬ ‫ال�سالمي‪ ،‬من عامل‬ ‫ال�سالم وامل�سلمني يف الوعي الغربي‪ ،‬فما الذي غري �صورة العامل إ‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬يتمحور حول �صورة إ‬ ‫كان مالذ ًا حقيقي ًا للخائفني‪ ،‬الهاربني من بط�ش وجربوت‪ ،‬وتنكيل و�إرهاب الغزاة‪ ،‬وق�ضاة حماكم التف�سيق‪� ،‬إىل‬ ‫الرهابية ؟‬ ‫للرهاب‪ ،‬ومفرخة للعنا�صر إ‬ ‫أ�ن أ��صبح اليوم وكر ًا وخمب أ� وح�ضن ًا إ‬ ‫من امل ؤ�كد أ�ن هناك التبا�س يف املفاهيم واملعايري املزدوجة‬ ‫اجلديدة‪ ،‬التي غيبت حقيقة التاريخ‪ ،‬وموهت معطياته التي ال‬ ‫زالت �شاهدة بديناميكية ا إل�سالم الفاعلة يف أ�كرب توفري حماية‬ ‫و أ�من آ‬ ‫للخر ( أ�هل الكتاب)‪ ،‬و�شاهدة على أ�ن حماية االنف�س‬ ‫والعرا�ض أ‬ ‫أ‬ ‫والموال والعقائد‪ ،‬ودور العبادة من كنائ�س و أ�ديرة‪،‬‬ ‫وبقع كانت جزء ًا من نظام الت�شريع الدولة ا إل�سالمية‪.‬‬ ‫�إن احلقائق اليوم تتغري بالن�سبة آ‬ ‫للخر‪ ،‬وللتذكري‬ ‫ب أ�ن عرب �إ�سبانيا كانوا مت�ساحمني مع امل�سيحيني و�إليهود‪،‬‬ ‫بحمونهم حتت �سقف دولتهم يف متوهات اختاروها ألنف�سهم‬ ‫عندما ن ّكل بهم من فبل أ�بناء ملتهم‪ .‬أ�و ب أ�ن �صالح الدين‬

‫‪68‬‬

‫عندما فتح القد�س كان أ�كرث رحمة بامل�سيحيني منهم بامل�سلمني‬ ‫عند ما فتحوها‪ ،‬وال عن املعاهدة العمرية يف حق أ�هل القد�س‪،‬‬ ‫أ�و معاهدات وفد جنران‪ ،‬أ�و د�ستور ال�صحيفة الذي أ��س�س ألول‬ ‫ميثاق تعاقدي ي�ضم جميع مكونات املجتمع مبختلف انتماءاته‬ ‫العقدية وت�شكيالته املذهبية والعرقية‪ ،‬فكل هذه أالمور حقيقة‬ ‫ج�سدت على أالر�ض الواقع عملي ًا‪ ،‬لكن يف العامل ا إل�سالمي‬ ‫اليوم توجد أ�نظمة أ��صولية ودينية ال يت�سامح معها الغرب‪.‬‬ ‫فهم �إرهابيون لكن ال أ�حد ي�ستطيع �إزعاج ق�ضاة احلكم‬ ‫على ا إل�سالم وامل�سلمني‪ ،‬وتذكريهم با إلرهاب واملذابح التي قام‬ ‫بها الفرن�سيون يف �سان بارطليميو‪ ،‬وال ا إلبادات للهنود احلمر‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫التي متت على أ�يدي أالمريكيني‪ ،‬وامل�ستعمرات ا إل�سبانية يف‬ ‫الكاريبي التي أ�حرقتها �سفن بريطانيا‪ .‬فالتاريخ اليوم يرف�ض‬ ‫القول عن ه ؤ�الء ب أ�نهم متوح�شون برابرة‪� ،‬إرهابيون‪.‬‬ ‫أ�عتقد أ�ن املعركة �ضد ا إل�سالم يف الغرب قائمة ولها‬ ‫أ�ن�صارها من املتطرفني‪ ،‬الذين جعلوا من ا إل�سالم حالة‬ ‫مر�ضية فوبيائية (�إ�سالموفوبيا ) غري أ�نها معركة ال يتبناها‬ ‫الغرب كله‪ ،‬فكما يوجد لنا أ�عداء يوجد أ�ي�ض ًا دعاة حوار‪،‬‬ ‫معتدلون متعاطفون مع ق�ضايانا ا إلن�سانية‪.‬‬ ‫وعلى هذا أال�سا�س ال ميكن حتديد مفهوم عالقتنا با آلخر‬ ‫(الغرب مبكوناته الفكرية والثقافية ومنظومته ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫واالقت�صادية‪ ،‬والدينية) يف ظل تغيب املفاهيم التي تعك�س‬ ‫ال�صورة أال�سا�سية لثقافة عالقة الغرب‪ /‬با آلخر‪.‬‬ ‫وعلى �سبيل املثال ال احل�صر نذكر جملة من هذه‬ ‫املفاهيم‪ :‬العقل ا آلري يف مقابل العقل ال�سامي‪ ،‬والعامل أالول‬ ‫يف مقابل العامل الثالث‪ ،‬الرجل أالبي�ض يف مقابل الرببري‬ ‫الهمجي‪ ،‬النظام العاملي اجلديد يف مقابل النظام العاملي‬ ‫القدمي‪ ،‬حمور اخلري يف مقابل حمور ال�شر‪ ،‬و أ�خريا نظام‬ ‫العوملة كواقع اقت�صادي واجتماعي وثقايف‪ ،‬يغري عن طموحات‬ ‫وم�صالح وتوجهات الغرب باعتباره مركز الذات الب�شرية يف‬ ‫مقابل ال�شعوب أالخرى غري الغربية‪ ،‬والعامل ا إل�سالمي جزء‬ ‫منها‪ ،‬باعتبارهم مراكز للتبعية والر�ضوخ واال�ست�سالم أ‬ ‫للمر‬ ‫الواقع‪.‬‬ ‫ويف هذا ا إلطار ميكن القول أ�ن أ�طروحة نهاية التاريخ‬ ‫تف�سر أ�ن واقع‬ ‫املعربة عن قمة متركز الغرب حول الذات‪ّ ،‬‬ ‫الغرب الثقايف والتاريخي واحل�ضاري مل يت�شكل يف ( �إثبات‬ ‫ذاته ) �إال من خالل ت�شويه �صورة ا آلخر و�إق�صائه ونفيه‪.‬‬ ‫�إن أ�طروحة العوملة ونهاية التاريخ وغريها من املفاهيم‬ ‫الغربية‪ ،‬تعترب من وجهة نظر ذاتية أ��سطورة الكمال املزعوم‪،‬‬ ‫التي ابتدعها الغرب لتحقيق م�صاحله من أ�جل نفي ا آلخر‬ ‫وتعميق تبعيته و أ�حكام احتوائه‪.‬‬ ‫�إن هذا املنطلق الذي فر�ضته الثقافة الغربية‪ ،‬ينبغي أ�ن‬ ‫نتجاوزه يف وعينا وممار�ستنا ا إل�سالمية يف التعامل مع ا آلخر‪،‬‬ ‫ألن ا إلن�سانية واحدة ال تتجز أ�‪ ،‬أ‬ ‫ولن القر�آن يخاطب ا إلن�سان يف‬ ‫كل زمان ومكان‪ .‬لقد و�ضع ا إل�سالم ا آلخر يف م أ�زق لي�س بر�سم‬

‫احلداثة التاريخية‪ ،‬بل بو�صفه دين ًا يتميز باملمانعة والع�صيان‬ ‫على الرتوي�ض‪ ،‬ثم �إن موقعه من الناحية اجليو�سرتاتيجية ميثل‬ ‫أ�هم ثروة للطاقة‪ ،‬ال ميكن للحداثة وتقنياتها أ�ن تقوم بدونها‪،‬‬ ‫وبالتايل فهو مطالب أ�ن يبقى يعي�ش على هام�شها من غري‬ ‫أ�دنى م�ستويات ال�شراكة يف معطياتها‪ .‬ومن هنا يجب أ�ن ن ؤ�كد‬ ‫( أ�ننا يف العامل العربي وا إل�سالمي اليوم بحاجة �إىل فكر نقدي‬ ‫ت أ��صيلي يثبت للعامل أ�ن الرتاث الغربي أالمريكي لي�س بالرتاث‬ ‫ا إلن�ساين العام‪ ،‬و�إمنا هو حم�ض فكر لعنف موجه أ�ملته بيئته‬ ‫وفق ًا ل�شروط تاريخية غر�سته)‪.‬‬ ‫فكل ثقافة مهما كانت عظمتها تبقى رهينة لنتاج الواقع‬ ‫الذي �ساهم يف ت�شكيلها‪ ،‬ال�شيء الذي يجعل الثقافة العربية‬ ‫امل�سيحية يف ع�صرنا الراهن تفتخرب�إرثها احل�ضاري الروماين‬ ‫واليوناين واليهودي‪.‬‬ ‫لقد بات من ال�ضروري اليوم و أ�كرث من أ�ي وقت م�ضى‬ ‫أ�ن نتخذ موقف ًا نقدي ًا مزدوج ًا (مراجعة العالقة مع الذات‪،‬‬ ‫ومراجعة العالقة مع ا آلخر)‪ ،‬مبا ي�سمح لنا �إعادة �صياغة ر ؤ�ية‬ ‫جديدة لذاتنا يف حدود ما ت�سمح به قوانني التاريخ‪ ،‬وما تدعو‬ ‫�إليه قيم العقل ويف حدود أ�مة العدالة والو�سطية التي �شرفنا‬ ‫اهلل تعاىل بها‪.‬‬ ‫�إننا اليوم و�إزاء التحديات املطروحة أ�حوج ما نكون على‬ ‫م�ستوى الداخل العربي ا إل�سالمي‪ ،‬أ�و م�ستوى العالقة مع أالمم‬ ‫وال�شعوب أالخرى �إىل �إبراز مبادىء العدالة والو�سطية يف‬ ‫ا إل�سالم‪ ،‬لي�س من الناحية النظرية بعر�ض ف�ضائل ا إل�سالم‪،‬‬ ‫و�إمنا من خالل تقدمي مناذج تطبيقية عملية ملمو�سة على أ�ر�ض‬ ‫الواقع‪ .‬فهناك بون �شا�سع بني ما ن�سوقه من أ�بعاد �إن�سانية‬ ‫حقوقية رفيعة امل�ستوى نظري ًا وتاريخي ًا‪ ،‬وبني ما هو قائم من‬ ‫تخلف عن تلك القيم‪ ،‬وتغييب لتلك املثل العليا يف واقعنا املعا�ش‪،‬‬ ‫مما ي�ساهم حتم ًا يف ت�شويه �صورتنا من الداخل واخلارج‪.‬‬ ‫فال�ضرورة الدينية واحل�ضارية تفر�ض علينا عدم االكتفاء‬ ‫باحلديث عن أ�خالق ا إل�سالم عدالة‪ ،‬وو�سطية‪ ،‬وت�ساحم ًا‪،‬‬ ‫ورحمة‪ ،‬وحقوق ًا‪ ،....‬و�إمنا تلزمنا ب�ضرورة ربط الواقع‬ ‫عملي ًا بهذه القيم ا إلن�سانية الكربى التي ن�ستعر�ضها‪ ،‬ولكي‬ ‫منار�س هذه امل�س ؤ�ولية ف�إننا بحاجة أ�و ًال �إىل �ضرورة تثبيت‬ ‫ال�سلم املجتمعي و�إر�ساء دعائم حقيقية للحوار مع الذات‪ ،‬قبل‬

‫‪69‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫احلديث عن العالقة مع ا آلخر يف �إطار ال�سلم الدويل‪.‬‬ ‫وذلك يعني أ�ن أ�ي خلل ي�صيب العالقة مع الذات �سينعك�س‬ ‫�سلب ًا على عموم احلياة املجتمعية الداخلية‪ ،‬مما �سي ؤ�دي حتم ًا‬ ‫�إىل تدهور م�صداقيتنا مع ا آلخر‪� .‬إن درو�س التاريخ ا إلن�ساين‬ ‫علمتنا أ�ن �إلغاء ا آلخر ونبذه‪ ،‬ال يحافظ على م�صالح الذات‬ ‫ومكت�سباتها‪ ،‬و�إمنا يزج باجلميع يف دائرة ال متناهية من العنف‬ ‫وا إلق�صاء‪ ،‬ال تتوقف �إال بحروب تدمريية تبيد وت�سحق الذات‬ ‫وا آلخر‪.‬‬ ‫لهذا ينبغي أ�ن ن�ستفيد من درو�س التاريخ‪ ،‬ون�ست�شعر‬ ‫القيمة احل�ضارية التي بلورها القر�آن الكرمي‪ ،‬من خالل‬ ‫ت أ��سي�سه لنمط العالقة احل�ضارية مع ا آلخر يف قوله تعاىل‪} :‬يا‬ ‫أ�يها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر و أ�نثى وجعلناكم �شعوب ًا وقبائل‬ ‫لتعارفوا �إن أ�كرمكم عند اهلل أ�تقاكم{‪.‬‬ ‫ثوابت العالقة مع آ‬ ‫الخر‪:‬‬ ‫�إن ال�سياج القوي الذي يحافظ على متانة العالقة مع‬ ‫ا آلخر‪ ،‬ويجعله ثابت ًا من ثوابت الواقع املعا�ش‪ ،‬هو وجود‬ ‫منظومة أ�خالقية ت�سد باب كل النوازع النف�سية ال�شادة‪،‬‬ ‫لذلك حثّ ر�سولنا الكرمي �صلوات اهلل و�سالمه عليه على‬ ‫تطوير م�ستوى العالقة الروحية مع ا آلخر‪ ،‬و�إنزالها من أ�براج‬ ‫ال�صوامع والبيع أ‬ ‫والديرة �إىل �ساحة الواقع املجتمعي‪ ،‬معتمد ًا‬ ‫يف ذلك على خطاب الباري تعاىل املوجه للنا�س يف العديد من‬ ‫�آيات القر�آن (يا أ�يها النا�س) وهو خطاب �شامل لكل حيثيات‬ ‫احلركة ا إلن�سانية على امتداد التاريخ واملجتمع‪ ،‬حيث أ�وجدت‬ ‫�آداب دينية‪ ،‬وغري دينية‪ ،‬و�إميان وفل�سفة‪ ،‬وفنون و�صناعة‪،‬‬ ‫و أ��سطورة‪ ،‬وعدل‪...‬‬ ‫وبطبيعة احلال ال ميكننا �إعادة بناء العالقة مع ا آلخر كما‬ ‫اعتمدتها الر ؤ�ية ا إل�سالمية الو�سطية على م�ستوى املمار�سة‬ ‫والتطبيق العملي‪� ،‬إال من خالل �إن�شاء م�شاريع لربامج عمل‬ ‫تطور من واقعنا الذي يعتمد على الت أ��صيل النظري والتاريخي‬ ‫لقيم الت�سامح واحلوار واحلقوق‪ ،‬والعمل على ت أ�هيل البنيان‬ ‫النف�سي والفكري ملجتمعاتنا للتكيف ا إليجابي مع هذه امل�شاريع‪،‬‬ ‫وميكن حتديد بع�ض املقرتحات كا آلتي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ �ضرورة الك�شف عن ال ُبعد احل�ضاري للفكر ا إل�سالمي‪ ،‬ألن‬ ‫هذا الك�شف ُيج�سد امل�ضمون احل�ضاري أ‬ ‫للمة مع ه�ضم‬

‫‪70‬‬

‫معطيات ا آلخر احل�ضاري‪ ،‬وتفادي ال�سقوط يف النزعة‬ ‫االنبهارية‪ ،‬أ�و النزعة التهوينية‪ ،‬ألن التعامل االنبهاري‬ ‫مع الغرب‪/‬ا آلخر‪ ،‬قد أ��ساء �إىل الذات العربية ا إل�سالمية‬ ‫كذات مبدعة وفعالة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ بلورة ا�سرتاتيجية عربية و�إ�سالمية متكاملة لال�ستفادة من‬ ‫منجزات ثقافة الع�صر‪ ،‬والعمل على توفري م�ستلزمات‬ ‫احل�ضور العربي الفعال املنتج يف م�سرية هذه املنجزات‬ ‫العاملية‪ ،‬أ�و على أالقل �ضرورة ا�ستيعاب ومتثل اجلوانب‬ ‫العلمية والتقنية أال�سا�سية الكفيلة بربط االت�صال مع‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫‪3‬ـ�صياغة خطط واعية لتمتني وحدتنا االجتماعية والوطنية‬ ‫يف مواجهة حتديات الفرتة الراهنة‪ ،‬وذلك ببناء نظام‬ ‫عالقات داخلية بني مكونات الذات على أ��س�س أ�خالقية‬ ‫ودينية ووطنية‪ ،‬متكننا من �إزاحة كل العنا�صر امل�سيئة‬ ‫للعالقة ا إليجابية بني مكونات املجتمع والوطن الواحد‪.‬‬ ‫‪4‬ـ االنخراط يف م�شاريع ا إل�صالح الثقايف والفكري‪ ،‬والتوا�صل‬ ‫بني الذات‪ ،‬ب�إزالة احلواجز النف�سية أ‬ ‫والحقاد ا إليديولوجية‬ ‫التي حتول دون التالقي‪ ،‬والتفاهم واالحرتام املتبادل‪.‬‬ ‫‪5‬ـ �إحياء م�شروع �إ�صالحي ثقايف‪ ،‬يرتكز على أ��س�س أ�كرث عد ًال‬ ‫وو�سطية وم�ساواة وت�ساحم ًا واعرتاف ًا با آلخر‪ ،‬واحرتام ًا‬ ‫لكل أ��شكال التنوع داخل حميطنا االجتماعي‪.‬‬ ‫‪6‬ـ �صياغة املفهوم الو�سطي يف التاريخ العلمي العربي وا إل�سالمي‪،‬‬ ‫ب�شكل يعيد قراءة الذات وفق القاعدة ا إل�سالمية العامة‬ ‫يف العالقات االجتماعية ( عامل النا�س مبثل ما حتب أ�ن‬ ‫يعاملوك به )‬ ‫‪7‬ـ �ضرورة توحيد االجتاه بني النظرية والتطبيق‪ ،‬و�إن�شاء‬ ‫مراكز أ�بحاث ودرا�سات ا�سرتاتيجية‪� ،‬سواء عرب املبادرات‬ ‫الفردية أ‬ ‫والعمال اجلماعية‪ ،‬تعني ب�إغناء الف�ضاء الفكري‬ ‫ا إل�سالمي ببحوث وم ؤ�لفات حتدد امل�سافة املو�ضوعية بني‬ ‫ا آلراء واملعتقدات‪.‬‬ ‫‪8‬ـ �ضرورة االحتفاظ بتوازن الر ؤ�ية ا إل�سالمية الو�سطية يف‬ ‫التعامل مع ا آلخر‪ ،‬وتطوير مناهجنا بناء على قاعدة أ�ن‬ ‫جلب املنفعة هو �سبيل �ضروري لدفع ال�ضرر‪ .‬فمناهجنا‬ ‫اليوم تقوم �إىل حد كبري على دفع ال�ضرر‪ ،‬وهذا ُيك ّر�س‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ا إلح�سا�س بالرتقب وال�ضعف والتخوف واالرتباك والدونية‪،‬‬ ‫لذا يجب أ�ن تركز مناهجنا املعا�صرة على �ضرورة ربط‬ ‫دفع ال�ضرر بجلب امل�صلحة ( فال �ضرر وال �ضرار يف‬ ‫ا إل�سالم ) كما ركزت دائم ًا قواعد الفقه ا إل�سالمي‪.‬‬ ‫‪9‬ـ�ضرورة ا�ستيعاب خمتلف التجارب التاريخية للعالقة مع‬ ‫ا آلخر‪/‬الغري‪ ،‬وا�ستنطاقها وحتليل م�ضامينها لتح�صيل‬ ‫فهم أ�عمق ملعانيها‪ ،‬وا�ست�شراف �آفاق م�ستقبلية أ�و�سع‬ ‫تنظم عالقاتنا مع ا إلن�سانية ب أ�كملها‪� ،‬شعوب ًا و أ�مم ًا‪،‬‬ ‫و أ�جنا�س ًا و أ�لوان ًا‪ ،‬وديانات وثقافات وح�ضارات‪.‬‬

‫‪10‬ـ �ضرورة االلتزام مببد أ� الو�سطية وال�شهادة على النا�س من‬ ‫موقع احرتام املبادئ ا إل�سالمية الثابتة‪ ،‬التي تف�سح املجال‬ ‫خليارات متعددة ا آلراء‪ ،‬وعلى كافة امل�ستويات ليتميز من‬ ‫خاللها الفارق اجلوهري بني املبدئية الو�سطية يف �صناعة‬ ‫احلا�ضر والتحلي بالواقعية ال�ست�شراف امل�ستقبل‪ ،‬وبني‬ ‫ثقافة التربير الو�سطي خليارات ال�ضعف املحكومة بقيم‬ ‫ومعايري تتداول يف ف�ضاءات موا�سم تلميع مفاهيم ا إلرث‬ ‫الثقايف واحل�ضاري ألمتنا ا إل�سالمية‪.‬‬

‫قائمة امل�صادر واملراجع‪:‬‬ ‫‪1‬ـ القر�آن الكرمي‬ ‫‪2‬ـ الكتاب املقد�س‬ ‫‪3‬ـ ابن ر�شد‪ ،‬ف�صل املقال وتقرير ما بني ال�شريعة واحلكماء من االت�صال‪ .‬حتقيق أ�لبري ن�صري نادر‪ ،‬بريوت‪ :‬دار ال�شروق‪ ،‬ط ‪،3‬‬ ‫‪.1973‬‬ ‫‪4‬ـ ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬املقدمة‪ .‬دار القلم‪ ،‬بريوت‪ :‬الطبعة أالوىل‪.1978 ،‬‬ ‫‪5‬ـ أ�بو احل�سن العامري‪ ،‬ا إلعالم مبناقب ا إل�سالم‪ .‬حتقيق أ�حمد غراب‪ ،‬الريا�ض‪ :‬دار أال�صالة للثقافة ط‪.1988 ،1/‬‬ ‫‪6‬ـ أ�بو حامد الغز�إىل‪� ،‬إحياء علوم الدين‪ .‬تقدمي بدوي طبانة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار �إحياء الكتب العربية‬ ‫‪7‬ـ ابن عا�شور‪ ،‬أ��صول النظام االجتماعي يف ا إل�سالم‪ .‬ط‪ /‬تون�س‪.1964 ،‬‬ ‫‪8‬ـ �شهاب الدين القرايف‪ ،‬الفروق‪.‬‬ ‫‪9‬ـ أ�دب ا إلختالف يف ا إل�سالم‪ ،‬أ�بحاث الندوة التي عقدتها املنظمة ا إل�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة بالتعاون مع جامعة الزيتونة‪،‬‬ ‫‪2001‬م‪.‬‬ ‫‪10‬ـ عبد ال�سالم حممد الطويل‪ ،‬توظيف غري علمي مل�صطلح علمي (التاريخ)‪ .‬جملة الفي�صل اململكة العربية ال�سعودية ع ‪/ 277‬‬ ‫‪.1999‬‬ ‫للن�سان‪ .‬ترجمة دميرنة كروان‪ ،‬املجل�س أالعلى للثقافة‪/‬م�صر‪،‬‬ ‫املثايل‬ ‫والنموذج‬ ‫القدمي‬ ‫العبودية‬ ‫نظام‬ ‫فوجت‪،‬‬ ‫جوزيف‬ ‫‪11‬ـ‬ ‫إ‬ ‫‪.1999‬‬ ‫‪12‬ـ ذاكرا �آل جيل‪ ،‬ا آلخر بو�صفه مفهوم ًا حول طبقة ت�شكل مفهوم ا آلخر يف الوعي ا إلن�ساين‪� ،‬ص‪ ،123‬جملة الكلمة‪ ،‬العدد ‪،40‬‬ ‫�س ‪.2003 ،10‬‬ ‫‪13‬ـ روجيه جارودي‪ ،‬أال�ساطري امل ؤ��س�سة لل�سيا�سة ا إل�سرائيلية‪.‬‬ ‫‪14‬ـ عدنان بن ذريل‪ ،‬الفكر الوجودي عرب م�صطلحه‪ .‬من�شورات احتاد كتاب العرب‪ ،‬دم�شق‪1985 ،‬م‪.‬‬ ‫‪15‬ـ املاوردي‪ ،‬أ�دب الدين والدنيا‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفي ال�سقا‪ ،‬مكة دار الباز للن�شر‪ ،‬ط‪2،1978/‬‬ ‫‪16‬ـ حممد حمفوظ‪ ،‬ثقوب يف الوعي االجتماعي ‪ -‬حتديات يف عامل معا�صر ‪ ،-‬جملة الكلمة‪ ،‬ع ‪.2003 ،40‬‬ ‫‪17‬ـ م�صطفي حلمي‪ ،‬مناهج البحث يف العلوم ا إلن�سانية‪ ،‬دار الدعوة‪ ،‬م�صر‪ ،‬ط‪.1981 ،2/‬‬ ‫‪18‬ـ املعجم الفل�سفي‪ ،‬جممع اللغة العربية‪ ،‬م�صر‪ :‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪.1979،‬‬ ‫‪19‬ـ حممد عمارة‪ ،‬مرتكزات التعاي�ش بني أالديان‪ .‬جملة ق�ضايا �إ�سالمية معا�صرة‪� ،‬س‪ ،7‬عدد ‪.2003 ،22‬‬

‫‪20- 20 claude delarmas, histoire de la civilisation europenne puf p 5 france 1964‬‬

‫‪71‬‬


‫أ‬ ‫�����س��ري������ات‬ ‫يف جتديد خطابنا‬ ‫الن�سوي املعا�رص‬ ‫د‪ .‬فريال العلي‬ ‫ع�ضو منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬ ‫بعد أ�حداث احلادي ع�شر من أ�يلول عام ‪ 2001‬دخل العامل يف دوامة عنيفة من ال�صراعات أ�دت �إىل‬ ‫تداعيات خطرية ا�ستهدفت العرب وامل�سلمني – ب�صورة أ��سا�سية‪ -‬مما أ�وقع حكوماتنا يف أ�زمات داخلية‬ ‫وخارجية غري م�سبوقة نتيجة �ضغط املجتمع الدويل عليها من اخلارج؛ ممثال بالواليات املتحدة أ‬ ‫المريكية‬ ‫وال�سالمية ‪ -‬بال‬ ‫ومن خلفها قوى ال�ضغط االقت�صادية من جانب‪ ،‬والتوترات الداخلية يف كل الدول العربية إ‬ ‫ا�ستثناء – من جانب آ�خر‪ ،‬و�إن تفاوتت حدتها بني دولة و أ�خرى‪ ،‬و�صار لزاما على تلك الدول أ�ن تعيد النظر يف‬ ‫بنيتها الثقافية جوهريا بعد أ�ن ف�شلت امل�شاريع ال�سيا�سية واالقت�صادية يف حتقيق أ�هدافها‪ ،‬ومل تعد امل ؤ��س�سة‬ ‫الدينية الراديكالية مقنعة يف الكثري من طروحاتها الفكرية‪ .‬وهكذا يجد العرب وامل�سلمون أ�نف�سهم اليوم ال‬ ‫على مفرتق طرق بل على حافة الهاوية‪ ،‬و�سيغدو ال�سقوط حتميا ما مل نقف على نقطة توازن حقيقية ت�ستند‬ ‫�إىل ثوابت حمددة قادرة على ا�ستيعاب وترية التحوالت ال�سريعة التي ي�شهدها العامل‪ ،‬والتي ما عدنا قادرين‬ ‫– لو أ�ردنا – على االنف�صال عنها ب أ�ي �صورة من ال�صور‪.‬‬ ‫ وملا كانت املر أ�ة من أ�هم لبنات البنية الثقافية يف أ�ي‬ ‫جمتمع �إن�ساين‪ ،‬ف�إن مراجعة اخلطاب الثقايف ال�صادر عنها‬ ‫أ�و املوجه �إليها من اخلطوات املهمة التي ينبغي االلتفات �إليها‬ ‫عند �صياغة أ�ي م�شروع فكري‪ ،‬وال �سيما و�سط هذا ال�صخب‬ ‫ا إلعالمي اال�ستعرا�ضي وما يفرزه من تنميط مبالغ فيه ل�صورة‬ ‫املر أ�ة العربية امل�سلمة اليوم �سل ًبا و�إيجا ًبا‪.‬‬ ‫اخلطاب الن�سوي‪� /‬إ�شكالية امل�صطلح‬ ‫ يدور م�صطلح اخلطاب الن�سوي على أ�ل�سنة املفكرين‬ ‫والباحثني واملبدعني والكتّاب – يف عاملنا العربي امل�سلم‬ ‫ دون اتفاق بينهم على ماهية هذا اخلطاب؛ �إذ ي�ستخدمه‬‫بع�ض املعنيني بهذا ال� أش�ن يف الداللة على اخلطاب الذي تنتجه‬

‫‪72‬‬

‫املر أ�ة وي�صب يف �صميم ق�ضاياها اخلا�صة‪ ،‬وقد يو�سعه بع�ضهم‬ ‫لي�شمل كل �إنتاج املر أ�ة اخلطابي ب�صرف النظر عن م�ضامينه‪،‬‬ ‫ويذهب �آخرون �إىل التعامل مع هذا امل�صطلح بتو�سيع دائرة‬ ‫املن ِتج لي�شمل الرجال والن�ساء م ًعا وت�ضييق دائرة املنتَج ليوجه‬ ‫نحو ق�ضايا املر أ�ة فقط‪ ،‬و�إن كان الرتكيز عند ه ؤ�الء جميعا –‬ ‫يف الغالب ‪ -‬على اخلطاب املكتوب دون كبري اعتناء باخلطاب‬ ‫ال�شفهي رغم خطورته و أ�هميته‪ .‬وهكذا ف�إن �ضبابية امل�صطلح‬ ‫– ابتداء‪ -‬ي�س ّبب ت�ضار ًبا يف الدالالت واملقا�صد أ‬ ‫والهداف؛ مما‬ ‫ي ؤ�دي �إىل الدوران يف حلقة مفرغة‪ ،‬ويقلل من قدرة اخلطاب‬ ‫على �إحداث التغيري املن�شود والتقدم باملر أ�ة خطوة جديدة �إىل‬ ‫أالمام‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ومع عدم وجود تعريف جامع مانع لهذا امل�صطلح‪ ،‬ف�إن‬ ‫اخلطاب الذي تراجعه هذه املقالة هو اخلطاب املنتَج حول‬ ‫منتجه‬ ‫ق�ضايا املر أ�ة العربية امل�سلمة ب�صرف النظر عن جن�س ِ‬ ‫وهويته وعقيدته وانتماءاته؛ ب�شقيه املكتوب وال�شفهي‪.‬‬ ‫اخلطاب الن�سوي قبل مئة عام‬ ‫يعد كتابا قا�سم أ�مني « حترر املر أ�ة « و « املر أ�ة اجلديدة‬ ‫« أ�ول خطاب فكري مكتوب يتناول ق�ضايا املر أ�ة يف الع�صر‬ ‫احلديث‪ ،‬ورغم تناق�ض وجهات النظر حولهما ‪ -‬أ�حيا ًنا ‪-‬‬ ‫بني م ؤ�يد �شديد ا إلعجاب ومعار�ض �شديد االمتعا�ض‪� ،‬إال أ�نه‬ ‫من املالحظ أ�ن أ�كرث املت�صدين للحديث عن فكر قا�سم أ�مني‬ ‫قر ؤ�وه من خالل ر ؤ�يتهم اخلا�صة وواقعنا اليوم‪ ،‬ومل يحاولوا‬ ‫و�ضع خطابه يف بوتقته أال�صيلة التي انبثقت عنه‪ ،‬بل بالغ البع�ض‬ ‫باتهامه ب أ�نه ال�سبب فيما �آلت �إليه حال املر أ�ة‪ ،‬وت�س ّقطت �إىل‬ ‫أ�ذهانهم الكثري من أالوهام‪ ،‬ون�سبت �إليه �آراء لي�ست له‪.‬‬ ‫ومع كل ما أ�ثاره م�شروعه من ردود فعل متباينة يف زمنه‬ ‫�إيل يومنا هذا‪� ،‬إال أ�ن هذا امل�شروع كان من امل�شاريع املهمة التي‬ ‫�شكلت انعطافة حقيقية يف حياة املر أ�ة‪ ،‬وم ّكنها من نيل ح ّقها‬ ‫يف التعليم والعمل‪ ،‬وهذان أ�مران كفيالن باحلكم على جناحه‪،‬‬ ‫وم ّهد لظهور م�شاريع أ�كرث جر أ�ة على امتداد القرن الع�شرين‪.‬‬ ‫اخلطاب الن�سوي بعد مئة عام‬ ‫مما ال �شك فيه أ�ن اخلطاب الن�سوي يف أاللفية اجلديدة‬ ‫هو خطاب مرتاكم منذ القرن املا�ضي‪ ،‬ومع أ�نه ح ّقق للمر أ�ة‬ ‫الكثري من املكت�سبات �إال أ�نه يعاين من �إ�شكاليات عدة تعيق‬ ‫تق ّدمه وحت ّد من ت أ�ثريه وت�شعر بق ّلة جدواه‪ ،‬وقد ينتهي �صداه‬ ‫حلظة انتهاء م ؤ�متر أ�و حما�ضرة أ�و ور�شة عمل أ�و كتاب أ�و‬ ‫برنامج �إعالمي‪.‬‬ ‫ويدور اخلطاب الن�سوي املعا�صر حول ثالثة حماور‬ ‫أ��سا�سية‪ ،‬هي‪ :‬امل�ساواة بني الرجل واملر أ�ة‪ ،‬ومنح املر أ�ة احلرية‬ ‫الكاملة يف �إدارة خمتلف � ؤش�ون حياتها‪ ،‬وم�شاركة املر أ�ة يف‬ ‫احلياة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫وهم امل�ساواة‬ ‫لعل فكرة امل�ساواة بني الرجل واملر أ�ة ا�ستنزفت من الوقت‬ ‫واجلهد ما ي�شعر باحلزن‪ ،‬ال ألن امل�ساواة وهم حم�ض‪ ،‬بل ألننا‬ ‫أ��ضعنا مئة عام يف ت أ�كيد ما هو بدهي يف امل�ساواة بينهما يف‬

‫االعتبار ا إلن�ساين الذي أ�قره اهلل – عز وجل – منذ بدء اخلليقة‪،‬‬ ‫واعرتفت به ال�شرائع ال�سماوية‪ ،‬و�إن كان مثل هذا الطرح مقبوال‬ ‫يف بدايات القرن املا�ضي و أ�متنا تفيق من نومة أ�هل الكهف التي‬ ‫أ�ق�صتها عن ا إل�سهام يف احل�ضارة ا إلن�سانية قبل أ�ن نتحدث‬ ‫عن أ�ي �إق�صاء متعمد أ�و عفوي للمر أ�ة‪� ،‬إال أ�ن الوعي املت�شكل‬ ‫اليوم ينبغي أ�ن ال يلتفت �إىل هذه مثل هذه أالفكار العقيمة التي‬ ‫جنن منها �سوى التخندق – رجاال ون�ساء – أ�مام بع�ضنا‬ ‫مل ِ‬ ‫بع�ضا‪ ،‬نتبادل ترا�شق االتهامات‪ ،‬ونعطل طاقاتنا التي نحتاج‬ ‫�إىل كل ذرة منها للخروج من أ�زمتنا احل�ضارية‪ ،‬ونظل ندور‬ ‫يف حلقة مفرغة دون أ�ن يغلب طرف ا آلخر أ�و يجني ثمار هذه‬ ‫املعركة اخلا�سرة قبل أ�ن تبد أ�‪ ،‬ومن أالجدى لنا جميعا �إيقاف‬ ‫هذه اللعبة‪ ،‬وااللتفات �إىل احتياجات املر أ�ة ومطالبها مبعزل‬ ‫عن هذه الثنائية ال�ضدية املعيقة للح�صول على أ�ي مكت�سبات‬ ‫جديدة‪.‬‬ ‫أ�عطني حريتي‬ ‫ال يقل �س ؤ�ال احلرية جدال عن �س ؤ�ال امل�ساواة‪ ،‬ومع‬ ‫مرونة هذا امل�صطلح وات�ساع مدلوالته‪� ،‬إال أ�نه – مهما كانت‬ ‫ماهيته – ف�إنه ع�صي على التحقق على أ�ر�ض الواقع مع انهيار‬ ‫املنظومة املجتمعية مبختلف أ�بعادها‪ ،‬وال ميكن أ�ن يحظى‬ ‫طرف باحلرية دون �سائر أالطراف‪ ،‬ثم �إن املر أ�ة لي�ست كال‬ ‫متكامال تنطبق عليه أ�حكام عامة؛ �إذ تبدو م�س أ�لة حرية املر أ�ة‬ ‫ن�سبية بني الدول‪ ،‬بل بني أ�قاليم الدولة الواحدة‪ ،‬و�إطالق‬ ‫أالحكام جزافا لي�س من احلكمة يف �شيء‪ ،‬وعلى املر أ�ة – قبل‬ ‫غريها – أ�ن تق ّدر قيمة املكت�سبات التي حققتها يف هذا املجال‬ ‫وحتافظ عليها‪ ،‬وت�سعى إل�ضافة مكت�سبات حقيقية واقعية‬ ‫�إليها‪ ،‬وتتخل�ص من أالوهام واخلرافات التي علقت بذهنها‬ ‫جراء نظرتها االنطباعية املغلوطة �إىل و�ضع املر أ�ة يف الغرب‪،‬‬ ‫فلكل م�شكالتها ومعوقاتها‪ ،‬كما أ�ن مطالبها امللحة بامل�ساواة‬ ‫دفعها �إىل البحث عن منط م�شابه للحرية الظاهرة التي يتمتع‬ ‫بها الرجل‪ ،‬نا�سية أ�و متنا�سية حجم القيود التي يرزح حتتها هو‬ ‫ا آلخر‪ ،‬ومن أ�خطر ما غ ّلف فكرة حرية املر أ�ة يف وقتنا احلايل‬ ‫بع�ض الدعوات الليربالية التي تنادي بحرية املر أ�ة اجلن�سية‬ ‫يف دين وجمتمع يح ّرمان ذلك بدعوى أ�ن الكثري من الرجال‬ ‫يتمتعون بهذه احلرية‪ ،‬وك أ�ن على املر أ�ة أ�ن جت ّر أ�و تن�ساق وراء‬ ‫كل �سلوك للرجل قوميا كان أ�م �سقيما !‬

‫‪73‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ال�سيا�سة عرب الكوتا‬ ‫ حتاول بع�ض الدول العربية وا إل�سالمية اليوم �إ�شراك‬ ‫املر أ�ة يف احلياة ال�سيا�سية من خالل تخ�صي�ص مقاعد لها يف‬ ‫الربملانات أ�و املجال�س البلدية‪ ،‬وقد يبدو أالمر مقبوال لكثري من‬ ‫املنظرين الواقعيني الذين يرون ا�ستحالة و�صول الن�ساء من‬ ‫خالل التناف�س املبا�شر‪ ،‬ولي�ست هذه هي امل�شكلة – من وجهة‬ ‫نظري‪� -‬إذ لي�س املهم أ�ن ت�صل املر أ�ة ب أ�ي و�سيلة‪ ،‬أالهم ماذا‬ ‫قبل ذلك وبعده ؟‬ ‫ما يالحظ يف منط انخراط املر أ�ة يف احلياة ال�سيا�سية يف‬ ‫الكثري من الدول – با�ستثناء تلك التي تتمتع بخربة طويلة يف‬ ‫العمل الن�سائي ال�سيا�سي – جاء بدوافع خارجية على أالغلب‪،‬‬ ‫مل تخ�ضع املر أ�ة قبله �إىل املران ال�سيا�سي املطلوب واخلربة‬ ‫الالزمة‪ ،‬بل رمبا ت�صل املر أ�ة �إىل جمل�س الت�شريع وهي ال تعرف‬ ‫املادة أالوىل من د�ستور بلدها‪ ،‬وترتك بعد ذلك �إىل جهودها‬ ‫الفردية أ�و جهود بع�ض املنا�صرين لها لتتعلم كيف تقف على‬ ‫قدميها‪ ،‬لكنها لو امتلكت اخلربة ال�سيا�سية الالزمة‪ ،‬و أ�عطيت‬ ‫وقتا كافيا للتدرب واكت�ساب اخلربة خلف الكوالي�س حتى‬ ‫ي�صلب عودها‪� ،‬ستقدم نف�سها منوذجا مقنعا يدفع ا آلخرين‬ ‫�إىل انتخابها دون مظلة الكوتا التي ال تتذكر املر أ�ة �إال قبل‬ ‫االنتخابات مبدة ي�سرية ال تكفي للقيام ب�شيء حقيقي‪ ،‬هذا مع‬ ‫أالخذ بعني االعتبار أ�ن عزوف املر أ�ة عن امل�شاركة يف احلياة‬ ‫ال�سيا�سية لي�س ‪ -‬بال�ضرورة ‪ -‬م ؤ��شرا على التخ ّلف‪ ،‬فقد يكون‬ ‫هذا العزوف نتيجة تفهمها ل�شروط اللعبة ال�سيا�سية التي ال‬ ‫ترغب أ�و ال ت�ستطيع االلتزام بها‪ ،‬أ�و عدم ميل للحياة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وهذا ال ي�ضري الكثري من الرجال الذين ال يلتفتون �إىل ال� أش�ن‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬فلماذا تعلو أال�صوات حمتجة على غياب املر أ�ة عن‬ ‫تلك ال�ساحة ؟‬ ‫خطابات متجاذبة‬ ‫يعاين اخلطاب الن�سوي املعا�صر – ابتداء‪ -‬من جتاذب‬ ‫متناق�ض بني أ�طراف خمتلفة تدعى أ�نها أالقدر على االعتناء‬ ‫باحتياجات املر أ�ة‪ ،‬لكن ماذا ميكن أ�ن يقدم ه ؤ�الء للمر أ�ة ؟‬ ‫ومن منهم ميكن أ�ن يتقدم بها خطوة جديدة �إىل أالمام ؟‬ ‫قد تبدو ا إلجابة عن هذه أال�سئلة �سهلة ما دمنا منتلك‬ ‫عقال تربيريا ت�سويغيا تلفيقيا قادرا على أ�ن يجعل أ�ي طرف من‬ ‫أالطراف (�صوابا) وغريه ( خط أ� )‪ ،‬لكن أالمر أ�عقد من ذلك‬

‫‪74‬‬

‫بكثري‪ ،‬ويحتاج �إىل تكاتف جهود امل ؤ��س�سات أ‬ ‫والفراد لت أ��سي�س‬ ‫خطاب ي�ستند �إىل منهج علمي و�سطي هادئ م�ستنري بعيدا عن‬ ‫اخلطابة الفجة أ�و الطروحات احلاملة‪.‬‬ ‫كيف جندد خطابنا ؟‬ ‫ابتداء ينبغي أ�ن ينطلق اخلطاب من حقيقة أ�ن املر أ�ة‬ ‫املنتجة أ�و امل�ستقبلة له هي امر أ�ة م�سلمة ميتاز دينها ب أ�نه ال‬ ‫ينف�صل عن حياتها‪ ،‬وبذلك نخفف من حدة التناق�ض امللمو�س‬ ‫يف اخلطاب احلايل ‪ ،‬و أ�وىل خطوات التجديد أ�ن يقوم أ�هل الفقه‬ ‫مبراجعة �شرعية لق�ضايا املر أ�ة يف �ضوء ال�شريعة ا إل�سالمية‪،‬‬ ‫ويربزوا ثوابت أالحكام الفقهية التي ال حتتمل الت أ�ويل أ�و‬ ‫اختالف وجهات النظر ويق ّرها‪ ،‬ويخل�صوها من بع�ض أالوهام‬ ‫التي تطرح على أ�نها من الثوابت ويعيدوا �صياغتها لتنا�سب‬ ‫م�ستجدات الع�صر الذي نعي�شه كي ال نبدو ك أ�ننا قادمني من‬ ‫كوكب �آخر‪ ،‬وهذا �سي�ساعد يف احلد من عبث العابثني وتطفل‬ ‫املتطفلني الذين يخرجون ب�صرعات فقهية ما أ�نزل اهلل بها‬ ‫من �سلطان‪.‬‬ ‫وي أ�تي بعد ذلك دور امل ؤ��س�سة القانونية املدنية لرتاجع‬ ‫قوانينها التي ميكن أ�ن ت ؤ�دي �إىل �إحلاق ال�ضرر ب�إن�سانية املر أ�ة‬ ‫وكرامتها وحقوقها‪ ،‬ولنعرتف أ�ن ثمة قوانني غري مرنة تعيق‬ ‫�إ�سهام املر أ�ة يف بناء نف�سها واالرتقاء مبجتمعها‪.‬‬ ‫وعندما ت�شعر املر أ�ة أ�نها ت�ستظل بظل م ؤ��س�سة �شرعية‬ ‫قادرة على ا�ستيعاب احتياجاتها‪ ،‬وقانونية ت�سعى حلمايتها‪،‬‬ ‫�ستوفر طاقاتها امل�ستنزفة لت أ��صيل خطاب جمعي حتدد فيه‬ ‫حقوقها وواجباتها بعيدا عن �صراع امل�ساواة واحلرية الذي‬ ‫يجد نفعا‪ ،‬وعليها أ�ن ال تتمحور حول ذاتها واحتياجاتها‬ ‫مل ِ‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬بل مت ّد يدا لرتاجع مع الرجل خطابه؛ �إذ �إنه هو‬ ‫ا آلخر يعاين مثل ما تعاين من التهمي�ش وا إلق�صاء والتناق�ض‬ ‫يف كثري من أالدوار التي يقوم بها‪ ،‬وكذلك على الرجل أ�ن يكون‬ ‫�شريكا حقيقيا غري جمامل للمر أ�ة يف �إن�ضاج خطابها‪ ،‬وعليهما‬ ‫معا أ�ن ي�ضعا خطابا م�شرتكا خاليا من ال�صراع اجلندري‬ ‫لالرتقاء أ‬ ‫بالمة بت ؤ�دة ووعي؛ �إذ ل�ست مع الزاعمني أ�ن علينا أ�ن‬ ‫نعي أ�ن وترية احلياة مت�سارعة وعلينا أ�ن نلحق بها‪ ،‬ألن التغيري‬ ‫ال يتحقق ما مل تن�ضج امل�شاريع ن�ضوجا تاما من الداخل قبل‬ ‫أ�ن مند أ�يدينا لنتفرع يف �سماء ا إلن�سانية‪ ،‬وندفع جمتمعنا نحو‬ ‫أالف�ضل‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫القوامة‬

‫بني الت أ��صيل ال�رشعي والعرف االجتماعي‬ ‫مروان أ�بو �صالح‬ ‫اململكة أ‬ ‫الردنية الها�شمية‬ ‫يتعامل أ�غلب املنظرين يف ق�ضية قوامة الرجل على املر أ�ة ب�صورة تلتب�س فيها الر ؤ�ية بني املعايري االجتماعية‬ ‫ال�سالمية‪� ،‬ضمن ر ؤ�ية‬ ‫والثقافية الذاتية‪ ،‬ويظهرونها بهيئة تبدو أ�طرها العامة حماطة بلبو�س ال�شريعة إ‬ ‫املبني على الت�صور الثقايف االجتماعي الذي يعي�ش‬ ‫يختلط فيها التف�سري الديني مع الت أ�ويل االجتهادي ال�شخ�صي‬ ‫ّ‬ ‫املجتهد من خالله‪ ،‬بعيدً ا عن الت أ��صيل العلمي املتكامل‪.‬‬ ‫بني الن�ص والت أ�ويل‪:‬‬ ‫وال يخفى على أ�حد أ�ن مفهوم القوامة قائم على أ��سا�س‬ ‫�شرعي ي�ستند �إىل ا آلية الكرمية « الرجال قوامون على الن�ساء‬ ‫مبا ف�ضل اهلل بع�ضهم على بع�ض ومبا أ�نفقوا من أ�موالهم‬ ‫فال�صاحلات قانتات حافظات للغيب مبا حفظ اهلل والالتي‬ ‫ّ‬ ‫تخافون ن�شوزهن فعظوهن واهجروهن يف امل�ضاجع وا�ضربوهن‬ ‫ف�إن أ�طعنكم فال تبغوا عليهن �سبيال �إن اهلل كان عل ًّيا كب ًريا «‬ ‫�سا�سا عند احلديث عن‬ ‫(الن�ساء‪ ، )34‬ولذلك علينا االنطالق أ� ً‬ ‫القوامة من ا آلية الكرمية بعد ا إلعمال فيها فه ًما و�إدرا ًكا‪.‬‬ ‫القوامة يف �سياقها القر آ�ين‬ ‫لكي نح�سن �إدراك ا آلية الكرمية يتوجب علينا بداية أ�ن‬ ‫نح�سن قراءتها �ضمن ال�سياق القر�آين الذي وردت فيه‪ ،‬اعتمادًا‬ ‫يف�سر ُ‬ ‫بع�ضه ً‬ ‫بع�ضا‪ ،‬ثم نتبينّ الدالالت اللغوية‬ ‫على أ�ن القر�آن ّ‬ ‫فيها‪ ،‬ال�س ّيما الدالالت اخلا�صة باملفردات ونوع ال�صيغ الواردة‬

‫فيها‪ ،‬وذلك لكون اللغة �إحدى الدعائم أال�سا�سية للتف�سري‪.‬‬ ‫�سورة الن�ساء هي من ال�سور املدن ّية التي تنظم العالقة بني‬ ‫أ�فراد املجتمع‪ ،‬ابتد أ�ت أ‬ ‫بالمر املبا�شر بالتزام تقوى اهلل وتوحيد‬ ‫أ��صل الن� أش�ة الب�شرية‪ ،‬لتنتقل يف ا آلية الثانية �إىل تنظيم العالقة‬ ‫االقت�صادية بني النا�س ذكو ًرا و�إنا ًثا‪ ،‬من مثل حترمي أ�كل أ�موال‬ ‫اليتامى(و�آتوا اليتامى أ�موالهم وال تتبدلوا اخلبيث بالطيب وال‬ ‫ت أ�كلوا أ�موالهم �إىل أ�موالكم �إنه كان حو ًبا) (الن�ساء‪ ،)2/‬مرو ًرا‬ ‫ب�إعطاء الن�ساء حقوقهن املالية‪ ،‬وحجب ال�سفهاء عن أ�موالهم‬ ‫حتى ير�شدوا ويح�سنوا الت�صرف بها ك�س ًبا و�إنفا ًقا‪ ،‬ومن ثم‬ ‫توزيع املرياث وتبيان احل�ص�ص التي ي�ستحقها كل فرد انطال ًقا‬ ‫من نوع العالقة باملتوفى وعلى اجلن�س الذي ينتمي �إليه‪ ،‬وهذا‬ ‫التق�سيم يعتمد على �إقرار نظام عادل تب ًعا حلاجات كل فرد‬ ‫وطبيعة دوره �ضمن الن�سيج االجتماعي القائم يف ذلك الع�صر‬ ‫والذي أ�ق ّر ال�شرع بوجوده‪ ،‬ف أ�عطى ال ّذكر مثل ن�صيب أالنثيني‪،‬‬

‫‪75‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫نظ ًرا للتكاليف املطلوبة منه جتاه أ�فراد أال�سرة ذاتها‪.‬‬ ‫وير�شدنا اهلل عز وجل �إىل �ضرورة االلتزام بهذا التوزيع‬ ‫التكاملي والتفاوتي والتفا�ضلي ويوجهنا �إىل �ضرورة القناعة‬ ‫بن�صيب كل فرد وح�صته‪ ،‬وعدم متني اال�ستئثار بن�صيب أ�ي‬ ‫طرف على ا آلخر‪ ،‬أ�و بح�صة أ�كرب مما قد حت�صل‪ ،‬وذلك‬ ‫يف قوله تعاىل‪ (:‬وال تتمنوا ما ّ‬ ‫ف�ضل اهلل بع�ضكم على بع�ض‬ ‫للرجال ن�صيب مما اكت�سبوا وللن�ساء ن�صيب مما اكت�سنب‬ ‫وا�س أ�لوا اهلل من ف�ضله‪( )...‬الن�ساء‪ ،)32/‬وحتويل اجلهد بد ًال‬ ‫حت�صل‬ ‫من البكاء على الفرق املفقود �إىل تنمية احل�صة التي ّ‬ ‫عليها‪ ،‬فاهلل عز وجل يعلمنا ب أ�نه قد ّ‬ ‫ف�ضل البع�ض على ا آلخر‬ ‫يف التوزيع وعلى كل فرد أ�ن ي�سعى �إىل تنمية هذا الرزق �ضمن‬ ‫قدراته و�إمكانياته‪ ،‬و�ضمن هذا ال�سياق القر�آين ذي أال�سا�س‬ ‫االقت�صادي ن�صل �إىل ا آلية الكرمية (الرجال قوامون على‬ ‫الن�ساء مبا ف�ضل‪ )...‬ليو�ضح ب أ�ن ما اكت�سبه الرجال من ح�ص�ص‬ ‫�إ�ضافية مل يت أ�تَ من ر ؤ�ية منحازة لنوع على ح�ساب نوع �آخر‪ ،‬بل‬ ‫هو تخ�صي�ص مع ّلل بالقيام على أ�مور الن�ساء ورعايتها‪ ،‬و�سياق‬ ‫ا آلية ينادي‪ :‬أ�يها الرجال ال تفرحوا مبا قد اكت�سبتم‪ ،‬فما هو �إال‬ ‫دخل �إ�ضايف يعينكم على أالعباء املرتتبة عليكم‪ ،‬وذلك التكليف‬ ‫مرتبط من خالل الباء (مبا) التي تفيد معنى ال�سببية والتعليل‬ ‫مبا ف�ضل اهلل بع�ضكم على بع�ض ومبا أ�نفقوا من أ�موالهم‪،‬‬ ‫والن�ص القر�آين يفيد بو�ضوح �إىل أ�ن التف�ضيل كائن يف احل�صة‬ ‫ا إل�ضافية خالل توزيع املرياث‪ ،‬وال جمال للت أ�ويل الف�ضفا�ض‬ ‫عند احلديث عن معنى التف�ضيل ألنه وارد �صراحة يف ا آلية‬ ‫قبل ال�سابقة من �آية القوامة « وال تتمنوا ما ّ‬ ‫ف�ضل اهلل بع�ضكم‬ ‫على بع�ض للرجال ن�صيب مما اكت�سبوا وللن�ساء ن�صيب مما‬ ‫اكت�سنب» (الن�ساء‪ ،)32/‬وي�ستمر الن�ص القر�آين يف تبيان ع ّلة‬ ‫الت�شريع ال�سابق خا�صة بلزوم �إنفاق الرجال على الن�ساء كون‬ ‫الن�ساء �صاحلات قانتات حافظات للغيب‪ ،‬وهنا نرى القر�آن‬ ‫يف�سر ُ‬ ‫بع�ضه ً‬ ‫بع�ضا‪.‬‬ ‫وهكذا نرى أ�ن ال�سياق العام والتف�صيالت اخلا�صة هي‬ ‫تنظيم اقت�صادي للعالقة بني الذكور وا إلناث �ضمن امل ؤ��س�سة‬ ‫تك�س ًبا من املرياث وترتي ًبا للحقوق والواجبات‪.‬‬ ‫أال�سرية ّ‬ ‫وهم اختالف التكوين‪:‬‬ ‫�إذا ما أ�دركنا داللة الن�ص القر�آين �ضمن �سياقه االقت�صادي‬

‫‪76‬‬

‫نعجب كل العجب من ذهاب البع�ض �إىل احلديث عن اختالفات‬ ‫تكوينية بنائية نف�سية �سيكولوجية (عدا ما هو متفق عليه من‬ ‫تكوين بيولوجي خا�ص) حتى ت�صل بهم خياالتهم لي�صوروها‬ ‫كائ ًنا �ضبابي التفكري‪ ،‬عاجزة عن تدبر أ�مورها‪ ،‬وعلى التوازي‬ ‫يكون الرجل خملو ًقا مكتمل القدرات والكفايات‪ ،‬اعتمادًا على‬ ‫ا آلية الكرمية‪ ،‬وذلك بتحميل لفظة (القوامة) ما ال حتتمل من‬ ‫دالالت لغوية! والتي هي مبعانيها املتعددة من العدل والتدبري‬ ‫والرعاية وعماد أالمر الخ‪ ...‬ال تغادر داللة التنظيم ا إلداري‪،‬‬ ‫ومع أ�ن هذه الداللة اللغوية ت�ستلزم كفايات ومهارات ا إلدارة‬ ‫الناجحة من فهم وتقبل وتخطيط ومثابرة‪� ،‬إال أ�نها لي�ست حك ًرا‬ ‫على الرجال دون الن�ساء و�إن كانت غالبة عليهم أل�سباب تعود‬ ‫– غال ًبا ‪� -‬إىل التن�شئة االجتماعية و أ�دوار التنميط اجلن�سي‬ ‫الذي يبد أ� من مرحلة الطفولة حني تق�سم أالدوار بني البنت‬ ‫القيمي االجتماعي‬ ‫والولد‪ ،‬لي�صل �إىل االكتمال �ضمن البناء‬ ‫ّ‬ ‫العام‪.‬‬ ‫يعن ب أ�ي حال تفوق جن�س‬ ‫والدليل على أ�ن الن�ص القر�آين مل ِ‬ ‫نوعا (جند ًرا) على جن�س ا إلناث هو ال�صياغة‬ ‫الذكور بو�صفه ً‬ ‫اللغوية ال�صرفية للفظ الوارد (قوامون) فهي �صيغة مبالغة من‬ ‫اجلذر قوم‪ ،‬و�صيغة املبالغة (كتوظيف لفظي) تفيد االت�صاف‬ ‫على �سبيل الكرثة ال ال ّدميومة‪ ،‬ودليلنا يف ذلك ات�صاف اهلل‬ ‫(عز وجل) بفعل الرحمة ال يتعار�ض مع كونه �شديد العقاب‪،‬‬ ‫ومل ت�ستخدم ا آلية �صيغة ال�صفة امل�شبهة كونها �صيغة تعطي‬ ‫لذات حمددة مبا يوحي بدميومة تلك ال�صفة‬ ‫داللة و�صفية ٍ‬ ‫ومبا يفيد ثباتها‪ ،‬وعليه فالرجال ق ّوامون على الن�ساء يعني أ�ن‬ ‫أ�غلب الرجال يقومون بفعل تدبري � ؤش�ون ن�سائهم‪ ،‬وهذا أ�مر‬ ‫عام نلم�سه يف العامل أ�جمع على �سبيل غلبة فعل أالكرثية ال‬ ‫ح�صر ذلك ب�صفة ملت�صقة بنوع‪ ،‬مبعنى أ�ن جمموع الرجال‬ ‫(كنوع ب�شري) مدبر ملجموع الن�ساء( كنوع أ� ً‬ ‫ي�ضا)‪ ،‬واللفظ‬ ‫�سا�سا على العموم ال على خ�صو�ص كل فرد‬ ‫(الرجال) مطلق أ� ً‬ ‫من الرجال‪ ،‬وبالتايل فا آلية ال تنفي كون بع�ض الن�ساء قد تقوم‬ ‫على أ�مر الرجال‪ ،‬وهو أ�مر ال يعار�ضه بحال �سياق ا آلية‪ ،‬وال‬ ‫طبيعة التجارب الب�شرية عرب التاريخ‪ ،‬وال دليل أ�جلى على ذلك‬ ‫من خولة بنت ثعلبة تلك ال�صحابية التي قدمت على ر�سول اهلل‬ ‫ �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬جتادله يف أ�مر زوجها الذي ظاهَ َرها‬‫(يف ق�صة املجادلة املعروفة)‪�( :‬إنّ لنا �صبية �صغا ًرا‪� ،‬إن‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫�ضممتهم �إليه �ضاعوا‪ ،‬و�إن �ضممتُهم � إ ّ‬ ‫يل جاعوا)‪ ،‬فهي أ�عمق‬ ‫حر�صا من رجلها على‬ ‫�إدرا ًكا لدورها يف م ؤ��س�سة أال�سرة و أ��ش ّد ً‬ ‫بقائها متما�سكة‪.‬‬ ‫رب ًرا الختالف‬ ‫وفعل القوامة الذي ذكره اهلل عز وجل م ّ‬ ‫أ�ن�صبة املواريث ممكن يف مرحلة حمددة من عمر النوع‬ ‫الب�شري‪ ،‬وهي مرحلة الرجولة‪ ،‬والتي ال تطلق ك�صفة الزمة‬ ‫على الذكر �إال بعد مرور �سنوات على خلقه ذك ًرا‪ ،‬وبعد و�صوله‬ ‫�إىل �سن البلوغ‪ ،‬ومن ثم الن�ضج اجلن�سي والذهني والثقايف‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬وهذا الن�ضج غري ممكن �إال بعد عمليات ت أ�هيل‬ ‫متار�سها أالطر االجتماعية‪ ،‬فيكون اكت�ساب �صفة الرجولة‬ ‫كو�صف ثابت دائم اعرتا ًفا من قبل أالطر االجتماعية ب أ�هليته‬ ‫يف �إدارة أ�مور من حوله‪.‬‬ ‫فا�ستهالل ا آلية بو�صف مكت�سب(الرجال) يعني أ�ن الذكر‬ ‫لي�س ق ِّي ًما على أالنثى �ضمن احلال املطلقة املخت�صة بالفروق‬ ‫الع�ضوية لكل نوع‪ ،‬وهو ما ميتاز عن توزيع املرياث حني أ�و�ضح‬ ‫اهلل (عز وجل) ب أ�ن للذكر مثل حظ أالنثيني‪ ،‬وهو ما ي�شري �إىل‬ ‫انتقال الداللة من الذكورة حال اكت�ساب املرياث �إىل �ضرورة‬ ‫�إمتام الن�ضج والو�صول �إىل معيار الرجولة لتحمل ا إلدارة‬ ‫وحت�صل القوامة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نظرية التفوق‪..‬ت أ�ويل تع�سفي‬ ‫يحلو للبع�ض(قد ًميا وحدي ًثا) أ�ن ّ‬ ‫ينظر لتفوق القدرات‬ ‫العقلية جلن�س الذكور على جن�س ا إلناث‪ ،‬انطال ًقا من ا آلية‬ ‫الكرمية‪ ،‬فيكون ا�ستدالله عملية ّ‬ ‫يل عنق للن�ص القر�آين‪،‬‬ ‫وحتميله ما ال ميكن أ�ن يحتمل ال لغة وال منط ًقا‪ ،‬أ‬ ‫ولن نظرية‬ ‫التفوق هذه ذات أ�بعاد عن�صرية وال ت�صمد أ�مام البحث‬ ‫والنقا�ش العقلي العلمي يحاول مروجوها �إلبا�سها لبو�س الدين‬ ‫لتكت�سب �شرعية نقل ّية رافعة‪ ،‬تدعم موقفهم املتهالك‪ ،‬فيلوذون‬ ‫ب�شرعية وقد�سية الن�ص ا إللهي ليكت�سبوا من قد�سيته �صح ًة‬ ‫لنظريتهم()‪ ،‬وهم بذلك يرهنون الن�ص القر�آين لفهمهم‬ ‫اخلا�ص‪ ،‬وهو ما ي ؤ�دي �إىل ت�شويه قد�س ّية الن�ص حني ي�ساق ملن‬ ‫�سا�سا أ�و ملن ينطقون بها دون أ�ن يعوا أالبعاد‬ ‫ال ينطق بالعربية أ� ً‬ ‫اللغوية املف�صلة للن�ص املعجز‪ ،‬فينتقل الفهم املغلوط اخلا�ص‬ ‫ب أ�ولئك املروجني �إىل مناق�شيهم‪ ،‬فيكون رد الفعل منهم برف�ض‬ ‫الن�ص القر�آين واتهام القر�آن مبخالفة املنطق‪ ،‬ليكونوا حينها‬

‫قد ارتكبوا خط أ� مرك ًبا أ��سا�سه خط أ� االجتهاد ثم ال�ص ّد عن‬ ‫دين اهلل عن طريق ت�شويه بع�ض ِق َيمه‪.‬‬ ‫وقد يكون توظيف ا آلية الكرمية �شخ�ص ًّيا من الزوج حال‬ ‫اجلدال بني أالزواج‪ ،‬وذلك بدافع تربير أ�فعاله وت�صرفاته‬ ‫الذاتية‪ ،‬فيتعلل الزوج بالقوامة إلثبات �صحة قراراته املتخذة‪،‬‬ ‫دون أ�ن يقبل حماكمة قراراته بتجرد عن م�صدرها! وهو �سلوك‬ ‫أ�قرب ما يكون آلل ّية دفاع هروبية‪ ،‬لينوء بنف�سه عن حماكمة‬ ‫قراراته مبنطق الفاعلية وال�صواب امل�ستقل عن م�صدر هذه‬ ‫القرارات‪ ،‬أ�ي مبعزل عن كونها �صادرة عن الرجل الق ّوام!‬ ‫بدليل الن�ص القر�آين‪.‬‬ ‫وهذا الفهم لداللة القوامة والن أ�ي به عن الت أ�ويل التع�سفي‬ ‫ال يعني ب أ�ي حال القبول بفكرة تن�صل املر أ�ة من قوامة َر ُجلها‬ ‫عليها‪ ،‬فهو فعل مربر �ضمن منطق ال�سبب والنتيجة‪ ،‬فالرجل ال‬ ‫زوجا �إال �إن كان م ؤ�ه ًال لهذا الدور‪ ،‬ومرجعية هذا احلكم‬ ‫يكون ً‬ ‫أ‬ ‫منوط مبدى ت�هل الرجل له ومواءمته مع �سماته‪ ،‬واحلكم على‬ ‫مدى توفره هو يف أال�سا�س بيد امر أ�ته و أ�هلها‪ ،‬حني يقبلون به‬ ‫خالل اخلطبة‪ ،‬فاملر أ�ة حني تتزوج تقبل �ضم ًنا و�صراحة مبن‬ ‫تنظر �إليه نظرة تقدير واعتزاز واعرتاف أ‬ ‫بالهلية والكفاية‪،‬‬ ‫وتعا�شره على هذا أال�سا�س‪ ،‬وبهذا فالقوامة على أال�سرة هي‬ ‫نتيجة مكت�سبة ل�سبب قد قدمه الرجل ولقي القبول عليه‪،‬‬ ‫وحتمل يف �سبيله البذل وا إلنفاق واجلهد‪ ،‬واكت�سب على أ��سا�سه‬ ‫دو ًرا �إدار ّيا‪ ،‬ي�ضمن واليته على � ؤش�ون بيته‪ ،‬وعليه فال يجوز ملن‬ ‫قبل القوامة أ��ص ًال أ�ن يرف�ضها يف مراحل الحقة‪ ،‬فالقوامة من‬ ‫أ��س�س بناء أال�سرة ال�سليمة والنيل منها يكون ني ًال من ال�صفو‬ ‫وال�سكينة يف هذه أال�سرة و�إذكا ًء لروح الت�صارع والتفكك فيها‪،‬‬ ‫أ‬ ‫فال�صل باملر أ�ة أ�ن تتقبل القوامة عليها طاملا قبلت ببقائها‬ ‫�ضمن م ؤ��س�ستها أال�سرية‪ ،‬على أ�ن يبقى �ضمن حقوقها حق‬ ‫االن�سحاب من هذه امل ؤ��س�سة ب�صورة كاملة �إن �شاءت‪� ،‬ضمن‬ ‫النظام ال�شرعي للخلع‪.‬‬ ‫القوامة ‪ ..‬ر ؤ�ية ا�سرتاتيجية‬ ‫قوامة الرجل على � ؤش�ون بيته مفهوم ا�سرتاتيجي عام‬ ‫يخ�ضع ملجموعة االرتباطات القيم ّية املختلفة‪ ،‬والتي ت�ضيق‬ ‫وتت�سع تب ًعا مل�صادر القيم التي يحتكم �إليها أ�فراد أال�سرة‪،‬‬ ‫فم�صادر القيم متعددة‪ ،‬من أ�همها أال�سرة أ‬ ‫والقران وا إلطار‬

‫‪77‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫الثقايف املحكوم بالو�ضع االقت�صادي واالجتماعي العام‪،‬‬ ‫فالرجل واملر أ�ة يتذكران طبيعة أالدوار التي وجدا أ�بويهما‬ ‫عليها خالل طفولتهم‪ ،‬ويراقبان أ�قرانهما من أ�خوة و أ��صدقاء‬ ‫ومعارف‪ ،‬ويتحاكمان ملنظومة من التقاليد املتوافقة مع الو�ضع‬ ‫االقت�صادي اخلا�ص بهم‪ ،‬وهم مع كل ما �سبق ميتلكان ُحك ًما‬ ‫على تلك أالدوار �إما قبو ًال أ�و نفو ًرا لتلك القيم‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فاحلدود ال�ضابطة للقوامة ف�ضفا�ضة‪ ،‬ومل ُي ْعنَ الت�شريع‬ ‫ا إل�سالمي بتحجيمها على مقا�س حمدد‪ ،‬عدا ما هو م�ضبوط‬ ‫بت�شريع م�ستقل‪ ،‬فالتمازج بني ما هو حكم �شرعي وما هو توافق‬ ‫اجتماعي قد جعل البع�ض يتوقفون عند ما أ�قره ا إل�سالم �ضمن‬ ‫حكم املباح فيعدوا ما �سواه واقعا حتت حكم غري اجلائز‪،‬‬ ‫وذلك ألنه يخالف ما أ�قره ا إل�سالم حال نزوله‪ ،‬متنا�سني أ�ن ما‬ ‫أ�قره ا إل�سالم من أ�عراف وتقاليد كونها مباحة ال مينع من كون‬

‫‪78‬‬

‫أ�عراف وتقاليد أ�خرى ألقوام يف أ�ماكن أ�و أ�زمنة أ�خرى مباحة‬ ‫أ� ً‬ ‫ي�ضا‪ ،‬وبالطبع ما مل تكن ممنوعة بت�شريع م�ستقل‪.‬‬ ‫وهذا ما نف�سر به اختالف ر ؤ�ية علمائنا أالجالء خالل‬ ‫القرون والعقود املا�ضية ل�شكل عالقة الرجل باملر أ�ة‪ ،‬وهو‬ ‫اختالف نقبل با�ستيعابه وتفهمه �إال حني يبادر البع�ض إللبا�س‬ ‫العادات أ‬ ‫والعراف والقيم االجتماعية عباءة الت�شريع‬ ‫ا إل�سالمي‪ ،‬عندها نقف ونقول‪ :‬مه ًال‪ ،‬ما هو من اهلل (عز وجل)‬ ‫فهو من اهلل خالقنا وبارئنا‪ ،‬وما هو من عند أ�نف�سنا وعاداتنا‬ ‫وما توارثناه فهو من عندنا‪ ،‬نفتخر به �إن ا�ستحق االفتخار غري‬ ‫أ�ننا ال نلزم به أ�حدً ا‪.‬‬ ‫وهذه ال�سعة يف تقبل االختالفات االجتماعية والن أ�ي‬ ‫بها عن قد�سية الت�شريع هي �سر املبد أ� الذي ي�ضمن �صالحية‬ ‫ا إل�سالم لكل زمان ومكان‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫ملتقى الفتاة‬ ‫ال�سالمية أ‬ ‫برعاية وزير أ‬ ‫الوقاف وال� ؤ‬ ‫ال�ستاذ عبد الفتاح �صالح أ�قام منتدى الو�سطية‬ ‫ش�ون واملقد�سات إ‬ ‫للفكر والثقافة حفل �إ�شهار ملتقى فتاة الو�سطية قاعة م�سجد ال�شهيد امللك عبداهلل للم ؤ�مترات يف العبديل‪،‬‬ ‫بح�ضور أ�كرث من أ�ربعمئة �ضيف من حمافظات العا�صمة وال�سلط و�إربد والرمثا وال�شونة اجلنوبية ومادبا‬ ‫والكرك‪.‬‬ ‫و أ�لقى عطوفة املهند�س مروان الفاعوري رئي�س املنتدى‬ ‫كلمة ترحيــبة أ�كد فيها أ�ن» منهج الو�سطية لي�س ب�ضاعة أ�جنبية‬ ‫– وال �سلعة للمتاجرة – بل هو املنهج الذي تلتقي عليه أالمة‬ ‫مبفكريها وعلمائها وتياراتها الفكرية رجا ًال ون�سا ًء لتجدد‬ ‫الوالء لدينها ونبيها – كما أ�راد اهلل وكما بلغ ر�سوله �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم «‪ .‬و أ��ضاف ‪ « :‬لقد جاء انطالق ملتقى الفتاة لي ؤ�كد‬ ‫م�س ؤ�ولية املر أ�ة يف مواجهة التطرف والغلو وت�صحيح ال�صورة‬ ‫النطية ال�سلبية عن املر أ�ة امل�سلمة‪ ،‬واحلد من مظاهر الت�سيب‬ ‫والت�ساهل التي باتت تغزو جمتمعنا «‪.‬‬ ‫ّثم قدمت الدكتورة فريال العلي – رئي�سة امللتقى ومن�سقة‬ ‫� ؤش�ون املر أ�ة يف املنتدى – ً‬ ‫عر�ضا تقدمييا تناول فكرة ت أ��سي�س‬ ‫منتدى الو�سطية و أ�برز ن�شاطاته املنجزة والقادمة‪ ،‬و أ�علنت عن‬ ‫فكرة ت أ��سي�س املنتدى العاملي للو�سطية‪ .‬ثم عر�ضت لفكرة ت أ��سي�س‬ ‫ملتقى فتاة الو�سطية ور�سالته ور ؤ�يته و أ�هدافه ومنطلقات عمله‬ ‫وا آلليات والو�سائل التي �ستتبع لتنفيذ هذه أالهداف‪ ،‬وحثت‬ ‫الفتيات على امل�شاركة والتفاعل مع هذا امللتقى الذي يحمل‬ ‫الفكر ا إل�سالمي الو�سطي املعتدل‪ ،‬ويقمن ب أ�دوارهن املتوقعة يف‬ ‫خدمة دينهن ووطنهن وجمتمعهن‪.‬‬ ‫و�شاركت يف �إلقاء الكلمات ال�سيدة اعتدال العبادي مديرة‬ ‫مديرية ال� ؤش�ون الن�سائية بوزارة أالوقاف‪ ،‬كما أ�لقت الدكتورة‬ ‫أ�روى ال�شو�شي ق�صيدة املنتدى‪ ،‬واختتم االحتفال ب أ�نا�شيد‬ ‫�إ�سالمية لفرقة مودة للفنون‪.‬‬

‫و�شارك ملتقى فتاة الو�سطية بور�شة تدريبة عنوانها ‪:‬‬ ‫« تدريب املدربني ال�شباب « لل�شباب وال�شابات النا�شطني يف‬ ‫املجاالت ال�سيا�سية واالجتماعية‪ ،‬وعنيت لدورة بتدريب ال�شباب‬ ‫وال�شابات على ا�ستقطاب نظرائهم والتوا�صل معهم للعمل يف‬ ‫احلمالت االنتخابية‪ ،‬وقد عقدت الدورة بتاريخ ‪2007/8/11‬‬ ‫يف فندق ‪ Century Park‬بعمان‪.‬‬ ‫بالتعاون بني منتدى الو�سطية للفكر والثقافة وجمعية‬ ‫امل�صورين العرب عقد ملتقى فتاة الو�سطية دورة تدريبية يف‬ ‫الت�صوير الفوتغرايف مب�شاركة عدد من فتيات امللتقى‪ ،‬و أ��شرف‬ ‫عليها امل�صور �سقراط قاحو�ش‪ ،‬ويف نهاية الدورة منحت‬ ‫امل�شاركات �شهادات من جمعية امل�صورين العرب‪.‬‬ ‫بدعوة من ملتقى فتاة الو�سطية قدمت ال�سيدة « أ�مل بدر‬ ‫« حما�ضرة بعنوان ‪ « :‬تطوير مهارات التفكري « ‪ ،‬وذلك م�ساء‬ ‫يوم اخلمي�س ‪ 2007/8/23‬يف مقر املنتدى بح�ضور جمع من‬ ‫�سيدات املجتمع املدين و أ�ع�ضاء امللتقى‪ ،‬وقدمت الندوة و أ�دارت‬ ‫احلوار الدكتورة فريال العلي رئي�سة امللتقي ومن�سقة � ؤش�ون‬ ‫املر أ�ة يف املنتدى‪.‬‬ ‫مب�شاركة عدد من فتيات امللتقى عقدت دورة تدريبة يف «‬ ‫�إدارة االجتماعات « يومي أالحد واالثنني ‪2007 /8/ 27-26‬‬ ‫يف مقر املنتدى يف اجلبيهة‪.‬‬ ‫وعقدت دورة تدريبة يف « مهارات االت�صال االجتماعي»‬ ‫من ‪ 2007 /8/30-29‬يف مقر املنتدى‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫ح�����������وار ال�����ع�����دد‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫ي�سعى �إىل �إحداث تغيري يف العقل‬ ‫ومنطلقات تفكريامل�سلم‬

‫قال املن�سق العام ملنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري أ�ن املنتدى العاملي للو�سطية‪ :‬منتدى‬ ‫عاملي ومقره اململكة االردنية الها�شمية ت أ��سي�س وانطلق كم ؤ��س�سة دولية لعلماء ومفكري أ‬ ‫المة ت�سمى بـ‬ ‫(املنتدى العاملي للو�سطية) وذلك من أ�جل ح�شد الطاقات الفكرية والعلمية للعلماء واملفكرين وال�سيا�سيني‬ ‫ال�سالمية فكر ًا وممار�سة‪ ،‬وذلك بهدف �إ�شاعة منهج التوازن واالعتدال يف منهج‬ ‫الذين يتبنون الو�سطية إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال�سالم والدعوة �إليه والدفاع عنه‪ ،‬بو�صفه منهج ًا ميثل التيار ال�صيل يف ثقافة المة‪ ،‬وعرب ع�صور التاريخ‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ال�سالمية اليوم‪ ،‬و�إن من‬ ‫ولي�س طارئا فر�ضته الظروف �و �ملته احلوادث التي متر بها وتتعر�ض لها المة إ‬ ‫ال�سالم من اخلارج‪� ،‬إىل جانب ت�صحيح جميع‬ ‫مهمات هذا املنتدى الوقوف يف وجه الهجمة التي يتعر�ض لها إ‬ ‫�صور االنحراف يف فهمه يف الداخل‪.‬‬ ‫وقد جاء ت أ��سي�سه بناء ًا على ما ّمت من تو�صيات يف امل ؤ�متر‬ ‫الدويل أالول الذي عقده منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يف‬ ‫عمان يف عام ‪2004‬م بعنوان (و�سطية ا إل�سالم بني الفكر‬ ‫واملمار�سة)‪ ،‬وامل ؤ�متر الدويل الثاين الذي عقده منتدى‬ ‫الو�سطية للفكر والثقافة بعنوان (الدور العملي لتيار الو�سطية‬ ‫يف ا إل�صالح ونه�ضة أالمة) يف عمان يف عام ‪2006‬م‪.‬‬ ‫وا�شار الفاعوري بان املنتدى ت أ��س�س بعد للوقوف بوجهه‬ ‫التطرف و الغلو بعد ان أ�خذ أ�بعاد ًا خمتلفة يف الع�صر احلديث‪.‬‬ ‫فقد أ�دت حالة ال�ضعف و الهوان التي يعي�شها العامل ا إل�سالمي‬ ‫�إىل التفكري و االجتهاد يف فقه جديد و هو فقه يدور حول كيفية‬ ‫اخلروج بالعامل ا إل�سالمي من أ�زمته الراهنة‪ ،‬وال�صعود به �إىل‬

‫‪80‬‬

‫املكانة الالئقة‪ ،‬و �إنقاذ امل�سلمني من حالة التخلف و الرتدي‬ ‫التي تكبلهم و حتول دون تقدمهم‪.‬‬ ‫و أ��ضاف‪ :‬بدال من العمل على حتريك عجلة التنمية يف‬ ‫العامل ا إل�سالمي ليتمكن من اللحاق بالعامل‪ ،‬و يتمكن من أ�ن‬ ‫يت�سلح ب أ��سلحة الع�صر من علوم و �صناعة و ح�ضارة تقود به‬ ‫�إىل القوة و املنعة‪ ،‬ف�إن فريقا بدد اجلهود يف حماولة للتن�صل‬ ‫من الهوية ا إل�سالمية للمجتمع معتقدا أ�ن اال�ستعا�ضة عنها‬ ‫بالهوية الغريبة هو أ�ق�صر طريق للتقدم و الرقي‪ ،‬و قدم هذا‬ ‫الفريق مناذج للتطرف ال�سلوكي و الفكري الذي ي�صطدم‬ ‫مع دين املجتمع و هويته‪ ،‬واجته فريق أ�خر ينقب يف املا�ضي‬ ‫و يلتقط منه ا�ستخال�صات من أ�قوال �سابقة كانت تتالءم و‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ظروف ع�صرها و بيئتها‪ ،‬لكنها �إن كان يجوز درا�ستها كروائع‬ ‫يف التاريخ ا إل�سالمي‪ ،‬ف�إنه ال يجوز التعويل عليها يف �صناعة‬ ‫وقود ك�صحوة دينية تنت�شل العامل ا إل�سالمي من حالته الراهنة‬ ‫باعتبار أ�ن لكل ع�صر ظروفه ولكل زمن أ�حواله التي تتغري‬ ‫باعتبارها االجتهادات املعا�صرة‪.‬‬ ‫و أ�كد الفاعوري على أ�ن العوامل ال�سابقة أ�دت �إىل نقل‬ ‫�صورة خاطئة عن ا إل�سالم �إىل غري امل�سلمني‪ ،‬فمع ت�سليمنا بان‬ ‫بع�ض ما ين�شر عن ا إل�سالم يف اخلارج مغر�ض و ينطلق من‬ ‫أ�هداف غري م�شروعة‪� ،‬إال أ�ن ما يقدمه امل�سلمون أ�نف�سهم‪ ،‬حتت‬ ‫عباءة ا إل�سالم‪ ،‬وبا�سم امل�سلمني ال يقل خطورة كيد اخل�صوم‬ ‫ومكر االعداء‪ .‬لذلك باتت احلاجة املا�سة �إىل �إبراز الوجه‬ ‫لل�سالم‪ ،‬الذي يت�سم بال�سماحة و االعتدال جناحا‬ ‫احلقيقي إ‬ ‫الو�سطية‪.‬‬ ‫وحول أ�هداف املنتدى أ�و�ضح « الفاعوري « أ�ن املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية يهدف �إىل‪:‬‬ ‫‪ .1‬تر�سيخ مفاهيم الو�سطية ا إل�سالمية بني أ�بناء أالمة‬ ‫وم ؤ��س�ساتها‪ ،‬وتعزيز قدرة أالمة على القيام بدورها‬ ‫احل�ضاري من خالل و�سطيتها‪.‬‬ ‫‪ .2‬ن�شر ر�سالة ا إل�سالم ا إلن�سانية والتعريف بها بني أالمم‬ ‫وال�شعوب‪.‬‬ ‫‪ .3‬الت�صدي مل�شكالت أالمة وتقدمي الت�صورات والربامج‬ ‫واحللول لتجاوزها من خالل الر ؤ�ية الو�سطية ا إل�سالمية‪.‬‬ ‫‪ .4‬تعزيز قيم احلرية والعدالة وكافة حقوق ا إلن�سان‪ ،‬والدفاع‬ ‫عنها وذلك باعتبارها من أ��س�س الو�سطية ا إل�سالمية‪.‬‬ ‫‪ .5‬الدعوة �إىل الت�سامح واحلوار ونبذ العنف بني أالمم‬ ‫وال�شعوب‪ ،‬وذلك عن طريق تو�سيع دائرة التوا�صل‬ ‫واحلوار‪.‬‬ ‫‪ .6‬معاجلة ظواهر الغلو والتطرف من خالل التعريف ب�سماحة‬ ‫ا إل�سالم واحلوار وا إلقناع‪.‬‬ ‫‪ .7‬تعزيز دور املر أ�ة امل�سلمة يف بناء املجتمع من خالل‬ ‫م�ساهمتها يف أ�وجه الن�شاطات املختلفة‪.‬‬ ‫‪� .8‬إقامة �آ�صرة تعاون و�إلتقاء وت�شاور وتكامل بني كافة القوى‬ ‫وال�شخ�صيات ا إل�سالمية‪.‬‬

‫‪.9‬لعمل على �إن�شاء م ؤ��س�سة متخ�ص�صة تن�ضج أالفكار والربامج‬ ‫الو�سطية‪ ،‬وتتكامل مع امل�شاريع ا إل�سالمية املطروحة‪،‬‬ ‫وحتقق أ‬ ‫للمة مادة علمية و�إعالمية ذات م�صداقية‬ ‫موثوقة‬ ‫‪.10‬العمل على احلفاظ على الهوية ا إل�سالمية أ‬ ‫للمة لتبقى‬ ‫دائم ًا أ�مة و�سط ًا‪� ،‬شاهدة على النا�س‪� ،‬آمرة باملعروف‬ ‫ناهية عن املنكر‪ ،‬بعيدة عن ا إلفراط والتفريط‪.‬‬ ‫‪.11‬العمل بجميع الو�سائل امل�شروعة ملواجهة التيارات الهدامة‬ ‫لل�سالم‪ ،‬أ‬ ‫والخطار الثقافية داخلية‬ ‫والدعوات املعادية إ‬ ‫كانت أ�م خارجية‪ ،‬بن�شر الفكر ا إل�سالمي املعتدل‪.‬‬ ‫‪ .12‬العمل على توحيد قوى أالمة مبختلف مذاهبها واجتـاهاتها‪،‬‬ ‫وتوحيد جهود العلماء ومواقفهم الفكرية والعلمية يف‬ ‫ق�ضايا أالمة الكربى‪ ،‬لتواجه التحديات �صف ًا واحد ًا‪،‬‬ ‫وحترمي تكفري امل�سلم ألخيه امل�سلم من اتباع املذاهب‬ ‫أالخرى‪.‬‬ ‫‪ .13‬العمل على �إن�شاء مر�صد جلمع ون�شر الفتاوى اجلامعة‬ ‫أ‬ ‫للمة من منظور الو�سطية واالعتدال‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية املنتدى‪:‬‬ ‫وحول ا�سرتاتيجية املنتدى ور ؤ�يته أ�كد « الفاعوري « أ�ن‬ ‫املنتدى ي�سعى من خالل الر ؤ�ية اال�سرتاتيجية التي يعمل يف‬ ‫�ضوئها ألن تكون الو�سطية م�صنع ا إلنتاج الفكري الر�شيد‪،‬‬ ‫وقاعدة ال�سلوك العملي القومي‪ ،‬الو�سطية اجلامعة لفقه الن�ص‬ ‫وفقه الواقع و�صو ًال للتدافع احل�ضاري املدين للمجتمعات‬ ‫اال�سالمية خا�صة واالن�سانية والب�شرية عامة‪.‬‬ ‫و�إىل �إحداث تغيري يف العقل امل�سلم املعا�صر‪،‬‬ ‫ومنطلقات تفكريه يف كل الق�ضايا والت�صورات وال�سلوك العام‬ ‫والفردي‪،‬والتدبري امل�ستقبلي واليومي وكل ما يتعلق ب�شئونه يف‬ ‫دينه ودنياه ونظرته �إىل ا آلخر و�سبل التعاي�ش معه من خالل‬ ‫منظور �إ�سالمي ينطلق من و�سطية ا إل�سالم واعتداله دون‬ ‫�إفراط او تفريط ولكي تتحقق هذه النقلة النوعية فال ميكن‬ ‫االكتفاء بالفعل االنفعايل اخلطابي الذي يقف عند حد الت أ�ثر‬ ‫العاطفي دون االعتماد على تخطيط مدرو�س أ�و ر ؤ�ية عميقة‬ ‫لواقع أ�متنا ا إل�سالمية ولذلك يتعني أ�ن يتجاوز العالج الو�سطي‬ ‫لعلل فكرنا املعا�صر أ�عرا�ض املر�ض وتاثرياته‪ ،‬و أ�ن ميتد هذا‬

‫‪81‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫العالج مل�سبباته والبيئة املواتية لوجوده وا�ستفحاله ومن ثم‬ ‫حر�ص املنتدى العاملي للو�سطية على حتقيق ر ؤ�ية ا�سرتاتيجية‬ ‫حمددة يعمل على حتقيقها من خالل براجمه وم�شروعاته‪.‬‬ ‫و أ�جاب عن �س ؤ�ال ر ؤ�ية املنتدى العاملي‬ ‫امل�ستقبلية‪:‬‬ ‫ايجاد عمل �إ�سالمي مجُ َ ِدد ومتجدد يف خدمة الدين‬ ‫ا إل�سالمي‪ ،‬وا إل�سهام يف �إقامة ح�ضارة عاملية عادلة متوازنة‬ ‫غايتها املثلى االعدالة االن�سانية‪.‬‬ ‫و�إيجاد م�سلم معا�صر‪ ،‬مرتبط أ‬ ‫بال�صل‪،‬ومت�صل بالع�صر‬ ‫يتم�سك بدينه بال غلو‪ ،‬ويعمل لدنياه بال �إ�سراف‪ ،‬يتحلى‬ ‫بالو�سطية يف كافة �شئونه الدينية والدنيوية‪ ،‬وم�ستجدات واقعه‬ ‫املعا�صر وينطلق من الو�سطية يف بناء جمتمعه‪ ،‬وحتديد أ�مناط‬ ‫�سلوكه‪ ،‬و�ضبط عالقاته‪ ،‬و�إدارة �شئون حياته»‪.‬‬ ‫منطلقات املنتدى العاملي للو�سطية‪:‬‬ ‫لعل أ�هم منطلقات املنتدى العاملي للو�سطية هو تكاملها‬ ‫وتنا�سق ملواجهة ظاهرة التطرف لرتباط الوثيق بني‬ ‫جمايل عمل كل من ا�سرتاتيجيات مواجهة ظاهرة التطرف‬ ‫وا�سرتاتيجية املنتدى العاملي الو�سطية‪.‬‬ ‫وتنطلق هذه الر ؤ�ية أ�ي�ضا من رغبة أ�كيدة يف أ�حداث‬ ‫تغيريات ت ؤ�دي �إىل ن�شر الو�سطية‪ ،‬وذلك بعمق ميتد �إىل الت�شكيل‬ ‫الوجداين والفكري والنف�سي للم�سلمني ومنطلق ًا ملعايري �سلوكهم‬ ‫والحداث‪ ،‬أ‬ ‫وحكمهم على أال�شخا�ص أ‬ ‫وال�شياء‪ ،‬وب�شمولية تت�سع‬ ‫مداها لت�شمل أالمناط الفردية‪ ،‬والتفكري اجلمعي‪.‬‬ ‫وتنطلق هذه الر ؤ�ية من حقيقة علمية تتمثل يف أ�ن �إحداث‬ ‫أ�ي تغيري عميق يف ال�شخ�صية ا إل�سالمية‪ ،‬ميتد �إىل منهج‬ ‫التفكري‪ ،‬وامتداد هذا التغيري �إىل املمار�سات احلياتية‪ ،‬ال ميكن‬ ‫أ�ن يكتب له النجاح � إ إل من خالل ن�شاط متكاتف ومتعاون‪ ،‬تقتنع‬ ‫به كافة القوى الفاعلة يف املجتمع امل�سلم‪ ،‬وتتفهم دورها يف‬ ‫أ�دائه‪ ،‬وتتحم�س يف أ�داء هذا الدور‪ ،‬ويعمل اجلميع يف ظل دعم‬ ‫�سيا�سي قوي‪ ،‬يوجه وي�شجع‪ ،‬ويكاف أ� ويعاقب‪.‬‬ ‫وعمق النظرة �إىل التغيري الذي يتطلبه الو�صول للر ؤ�ية‪،‬‬ ‫ف�إن كافة منظمات العامل ا إل�سالمي مطالبة بامل�شاركة فيه‪ ،‬بل‬ ‫�إن التغري للو�صول �إىل هذه الر ؤ�ية يتناول ثقافة هذه املنظمات‬

‫‪82‬‬

‫ف�ض ًال عن أ�هدافها ونظمها القانونية والالئحية‪� ،‬إذ يجب أ�ن‬ ‫تخلو –متام ًا‪ -‬مما يتناق�ض مع املنهج الو�سطي‪ ،‬يف ت�شكيالتها‬ ‫و أ�هدافها ونظم العمل فيها‪ ،‬وال�سلوكيات املح�سوبة عليها‪.‬‬ ‫ويف �س ؤ�ال آ�خر عن الو�سائل التي �سيقوم بها‬ ‫املنتدى للو�صول �إىل هدفه‪:‬‬ ‫أ��شار « الفاعوري « اىل ان املنتدى العاملي ي�سلك لتحقيق‬ ‫أ�هدافه جميع الو�سائل امل�شـروعة‪ ،‬وذلك من خالل الو�سائل‬ ‫ا آلتية‪:‬‬ ‫‪ .1‬اخلطاب التثقيفي املبا�شر للم�سلمني ت�صحيح ًا للمفاهيم‬ ‫واملواقف وفق ًا لتعاليم ا إل�سالم احلنيف‪ ،‬وذلك بالن�شر‬ ‫يف و�سائل ا إلعالم كافة‪ ،‬واحلديث من خـالل ا إلذاعات‬ ‫امل�سموعة واملرئية‪ ،‬والبث عرب �شبكة املعلومات واالت�صاالت‬ ‫الدولية‪.‬‬ ‫‪ .2‬التوا�صل مع القادة امل�سلمني‪ ،‬و أ��صحاب القرار ال�سيا�سي‬ ‫وذوي الت أ�ثري‪ ،‬والقادرين على توجيه الر أ�ي العام باحلكمة‬ ‫والكلمة الطيبة‪ ،‬مبا يدفعهم �إىل الوقـوف يف ال�صف‬ ‫ا إل�سالمي العام‪ ،‬ويبني لهم مواطن اخلطر على أالمة‬ ‫وعلى هويتها وم�صاحلها املتنوعة‪ ،‬والدور ا إليجابي امل أ�مول‬ ‫منهم‪.‬‬ ‫‪ .3‬التوعية امل�ستمرة بالق�ضايا أ‬ ‫والحداث املهمة ذات العالقة‬ ‫با إل�سالم وامل�سلمني‪ ،‬واتخاذ املوقف املنا�سب من كل‬ ‫منها‪.‬‬ ‫‪ .4‬احلوار مع التيارات الثقافية‪ ،‬واملذاهب الفكرية‪،‬‬ ‫والتجمعات ال�سيا�سية املوجودة يف ال�ساحة ا إل�سالمية‪،‬‬ ‫أ�ي ًا كان توجهها‪ ،‬حوار ًا يرمي �إىل جتلية موقف ا إل�سالم‪،‬‬ ‫والفكر ا إل�سالمي‪ ،‬من جمال اهتمام كل منها ونطاق‬ ‫عملها‪.‬‬ ‫‪ .5‬التعاون مع املنظمات الدولية واملنظمات غري احلكومية‬ ‫العاملة يف خمتلف املجاالت التوعية بق�ضايا ا إل�سالم‬ ‫وامل�سلمني يف كل مكان‪.‬‬ ‫‪ .6‬عقد امل ؤ�مترات والندوات العلمية ملناق�شة الق�ضايا ذات‬ ‫العالقة با إل�سالم وامل�سلمني‪ ،‬وبلورة ر أ�ي عام �إ�سالمي‬ ‫حولها‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫‪ .7‬ترجمة أالدبيات املعززة للو�سطية من العربية للغات‬ ‫أالخرى‪ ،‬ومن اللغات أالخرى للعربية‪.‬‬ ‫أ�ما عن التوجهات أ‬ ‫والهداف اال�سرتاتيجية‬ ‫لتحقيق أ�هداف املنتدى فقد أ�جاب املهند�س‬ ‫الفاعوري‪:‬‬ ‫أ��شار « الفاعوري « �إىل أ�نه نظر ًا لت�شعب متطلبات تنفيذ‬ ‫الهدف اال�سرتاتيجي للمنتدى‪ ،‬وات�ساع م�ساحة التخ�ص�صات‬ ‫التي يتطلبه هذا التنفيذ‪ ،‬وارتباطها مبجاالت عمل كثرية‪،‬‬ ‫ف�إن املحاور الذي �ستعتمد عليها ا�سرتاتيجية املنتدى لتغيري‬ ‫ثقافة املجتمع امل�سلم لتعزيز الو�سطية‪ ،‬وتغيري ثقافة أالفراد‬ ‫واملنظمات لتكون الو�سطية منهج ًا‪ ،‬دائم ًا وم�ستقر ًا‪ ،‬لتفكريهم‬ ‫و�سلوكهم‪ ،‬يحتاج �إىل عمل د ؤ�وب يف عدة حماورة هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬يف جمال تعميق مفهوم الو�سطية‪:‬‬ ‫( أ�) ا�ستخال�ص مفهوم الو�سطية يف ا إل�سالم‪ ،‬ومعايريه‬ ‫و�ضوابطه ال�شرعية‪ ،‬وانعكا�سات هذا املفهوم على �سلوك‬ ‫أالفراد واجلماعة‪.‬‬ ‫(ب) �إعادة �صياغة اخلطاب ا إل�سالمي ليكون انعكا�س ًا‬ ‫للو�سطية ا إل�سالمية وفق ًا للمفهوم ال�سابق مع الرتكيز على‬ ‫انعكا�سات هذه الو�سطية‪ ،‬على فكر الفرد واجلماعة و�سلوكهما‬ ‫وذلك يف جميع مناحي احلياة بد أ� من العالقة مع اهلل �سبحانه‬ ‫وتعاىل والعالقة مع النف�س أ‬ ‫وال�سرة‪...‬الخ‪� ،‬إىل العالقة مع‬ ‫الغري جن�سا أ�و ديانة أ�و مذهب ًا أ�و عرق ًا أ�و قببيلة أ�و ر أ�يا‪.‬‬ ‫(ج) ن�شر هذا اخلطاب ا إل�سالمي على أ�و�سع نطاق‬ ‫و�إعداد �صياغات خمتلفة امل�ستوى له مع وحدة امل�ضمون‪ ،‬وذلك‬ ‫ملراعاة خ�صائ�ص كل فئة من فئات املجتمع‪.‬‬ ‫(د) الرتكيز يف أالن�شطة واملنا�سبات ا إل�سالمية على‬ ‫ن�شر الو�سطية‪ ،‬و�إعداد برامج جذابة لرتجمة هذه الو�سطية‬ ‫من جمرد جتريد نظري‪� ،‬إىل �سلوك عملي‪.‬‬ ‫‪ -2‬يف جمال الدعوة‪:‬‬ ‫تعزيز االنفتاح الدعوى على الرتاث العقالين والرتاث‬ ‫ا إلن�ساين الغربي‪ ،‬والعرف غري املت�صادم مع ا إل�سالم عند‬ ‫�شعوبنا وتعزيز تواجدنا يف م ؤ��س�سات املجتمع املدين و تعميق‬ ‫الت�صالح مع الرتاث الدميقراطي فكرة وتنظيم ًا‪.‬‬

‫‪ -3‬يف املجال الرتبوي‪:‬‬ ‫بث مفهوم الو�سطية يف املناهج أ‬ ‫والن�شطة املدر�سية‪� ،‬سواء‬ ‫من خالل احلديث املبا�شر عنها للتعرف بها وتطبيقاتها يف‬ ‫مناحي احلياة ملختلفة‪ ،‬أ�و بطريق غري مبا�شر بتقدمي ال�سلوكيات‬ ‫واالختيارات التي تكون تعبري ًا عن الو�سطية‪ ،‬والرتغيب فيها‪،‬‬ ‫واحلث على ال�سري على هداها‪ ،‬وتقدمي مناذج من �شخ�صيات‬ ‫تاريخية‪ ،‬أ�و قيادات عاملية ورموز اجتماعية‪ ،‬ممن ينالون‬ ‫احرتام وتقدير الن� أش�‪ ،‬وبيان أ�وجه متيزهم‪� ،‬سواء يف التفكري‬ ‫أ�و ال�سلوك الذي يكون نابع ًا من الو�سطية‪.‬‬ ‫والنتاج الفكري‬ ‫‪ -4‬يف جمال البحث العلمي إ‬ ‫والفني‪:‬‬ ‫للثقافة أ�دواتها الهامة يف العامل ا إل�سالمي ويتعني أ�ن‬ ‫تكون هذه أالدوات الثقافية‪ ،‬و�سيلة للتعريف بثقافة الو�سطية‪،‬‬ ‫وانعكا�ساتها‪ ،‬وذلك مبا يتوافق وطبيعة كل أ�داة ثقافية‪ ،‬وم�ستوى‬ ‫جمهورها‪ ،‬وال يجب التقليل من أ�همية بع�ض أالدوات الثقافية‬ ‫ما دام لها من يتفاعل معها ويت أ�ثر بها‪ ،‬ويتعني الرتكيز‪ ،‬يف‬ ‫هذا املجال‪ ،‬على أالدوات الثقافية اخلا�صة بفئتي أالطفال‬ ‫وال�شباب‪ ،‬أ�و التي تكون حمور اهتمامهم باعتبارهم أ�كرث‬ ‫الفئات امل�ستهدفة أ�همية‪ ،‬يف هذا املجال‪.‬‬ ‫دعم م�ساحة االئتالف بني ثقافة ا إل�سالم وثقافة الغرب‬ ‫أ�وال ً و �إعداد ودعم الروائيني والفنانني وال�سينمائيني الدعاة‬ ‫والرعاية العلمية لتخريج املتفوقني من �شبابنا امل�سلم ك�صفوة‬ ‫عاملية وقائدة للتغيري و �إن�شاء معهد لل�سنيما ا إل�سالمية‬ ‫املتوازنة‪.‬‬ ‫وتنقية كتب الرتاث‪ ،‬التي يتم تداولها‪ ،‬من الت أ�ثري املبا�شر‬ ‫على مفهوم الو�سطية ا إل�سالمية وذلك �إما با إل�شارة �إىل ما‬ ‫يف هذه الكتب من أ�وجه الغلو فيها‪ ،‬أ�و حتجيم تداولها على‬ ‫املتخ�ص�صني‪.‬‬ ‫العالم والتوا�صل والعالقات‬ ‫‪ -5‬يف جمال إ‬ ‫العامة‪:‬‬ ‫تقوية توا�صلنا امل ؤ�ثر مع املحيط املحلي والعربي وا إل�سالمي‬ ‫والدويل وتدريب كوادرنا ا إلعالمية بالف�ضائيات وا إلذاعات‬ ‫وال�صحف وا إلنرتنت و �إنتاج الربامج ا إلعالمية وت�سويقها‬ ‫للف�ضائيات و تقوية العالقات مع مكونات احلقل الديني ال�شعبي‬

‫‪83‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫والر�سمي ومع أالقليات امل�سلمة يف الغرب وال�شرق‪.‬‬ ‫و�إعادة �صياغة أ��س�س العمل ا إلعالمي وذلك بالدعوة‬ ‫للو�سطية منهج ًا و�سلوك ًا‪ ،‬وبثها يف خمتلف املواد ا إلعالمية‪،‬‬ ‫مع ا�ستخدام كافة الو�سائل املتاحة لتوجيه الفكر‪ ،‬الفردي‬ ‫واجلماعي‪� ،‬إىل التحلي بالو�سطية والن أ�ي عن أ�ي فكر أ�و �سلوك‬ ‫أ�و عمل ي�ستند �إىل الغلو والتطرف والت�شدد وا إلفراط‪ ،‬أ�و يكون‬ ‫م�ستند �إىل الت�ساهل والت�سيب والت�شبه با آلخرين والتفريط‪،‬‬ ‫مع احلر�ص على تقدمي مناذج تكون �صور ًا ذهنية‪ ،‬مرغوبا‬ ‫فيها‪ ،‬ملن يت�سمون بال�سماحة يف حياتهم‪ ،‬ال�سيما من الرموز‬ ‫ا إل�سالمية التاريخية واملعا�صرة‪ ،‬وتقدمي برامج �إعالمية‬ ‫متنوعة عن انعكا�سات الو�سطية على ال�سلوك العام وال�سلوك‬ ‫اخلا�ص‪ ،‬وت أ�ثرياتها ا إليجابية لتح�سني ظروف احلياة‪ ،‬وتوفري‬ ‫املناخ املالئم لتعاي�ش اجتماعي �سلمي بني كافة فئات املجتمع‪.‬‬ ‫‪ -6‬يف املجال االجتماعي‪:‬‬ ‫�إعداد وتهيئة أال�سرة امل�سلمة‪ ،‬وتدريبها على كيفية توفري‬ ‫البيئة أال�سرية ال�صاحلة لتن� أش�ة أالبناء على فكر و�سلوك‬ ‫الو�سطية ا إل�سالمية‪ ،‬على اعتبار أ�ن أال�سرة هي املدر�سة‬ ‫أالوىل‪ ،‬أ‬ ‫والكرث أ�همية‪ ،‬التي ي�ستقي منها الن� أش� �سماتهم و أ�مناط‬ ‫تفكريهم ال�سيما و أ�ن املتخ�ص�صني يف ال�شئون الرتبوية ي ؤ�كدون‬

‫‪84‬‬

‫على أالهمية الق�صوى لل�سبع �سنني أالوىل يف حياة الطفل من‬ ‫حيث تكوينه الوجداين‪.‬‬ ‫ويتطلب ذلك بالطبع أ�ن تعي�ش أال�سرة‪ ،‬فكر ًا و�سلوك ًا‪،‬‬ ‫يف �إطار الو�سطية‪ ،‬عارفة بها‪ ،‬ومدربة عليها‪ ،‬ومقتنعة بها‪،‬‬ ‫ون�شطة يف �إطارها‪ ،‬مما يلقي على أالجهزة العاملة يف جماالت‬ ‫الفكر والثقافة وا إلعالم والرتبية ا إل�سالمية مببد أ� امل�شاركة مع‬ ‫اجلهات املعنية يف العامل ا إل�سالمي ب�شئون أال�سرة‪ ،‬يف جتنيد‬ ‫كل طاقاتها‪ ،‬لتقدمي الدعم والعون أ‬ ‫لل�سرة امل�سلمة لتعيمق‬ ‫هذا الفكر وال�سلوك لديها‪ ،‬ومد يد العون لها يف معاجلة أ�ي‬ ‫م�شكالت أ�و تذليل أ�ي عقابات قد تواجهها‪.‬‬ ‫‪ -7‬يف جمال املعلومات‪:‬‬ ‫لهذا املحور دور رئي�سي‪ ،‬وهام‪ ،‬لنجاح املنتدى وحتقيق‬ ‫أ�هدافه‪ ،‬ألنه يوفر لكافة أالجهزة العاملة يف جمال تنفيذها‬ ‫معلومات موثقة عن كل ما يرتبط باال�سرتاتيجية‪ ،‬وحتليلها‪،‬‬ ‫وا�ستخال�ص م ؤ��شراتها وتزويد أالجهزة بها‪ ،‬كما ير�صد حركة‬ ‫التغيري‪ ،‬يف فكر و�سلوك أالفراد واجلماعات يف �ضوء تنفيذ‬ ‫اال�سرتاتيجية‪ ،‬وير�صد كذلك التيارات الثقافية والفكرية‬ ‫الوافدة‪ ،‬أ�و التي من املحتمل أ�ن تفد‪ ،‬وت أ�ثرياتها املتوقعة على‬ ‫اجلهود التي بذلت‪ ،‬أ�و تبذل‪ ،‬يف تنفيذ اال�سرتاتيجية‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪-‬‬ ‫�بة وق�����راءات‬ ‫كم�س‬ ‫�تس�تقل‬

‫الو�سيط‬ ‫يف احل�ضارة اال�سالمية‬ ‫د‪ .‬فايز الربيع أ‬ ‫‪/‬الردن‬ ‫د‪ .‬عماد الدين خليل‪/‬العراق‬ ‫احل�ضارة اال�سالمية لي�ست من احل�ضارات التي �سادت ثم بادت‪ ،‬ومل يبق منها ا ّال ر�سمها‪ ،‬انها احل�ضارة‪ ،‬التي‬ ‫توجتّ الدنيا بلغتها‪ ،‬ونق�شت على الزمان أ��سمها‪� ،‬إنها احل�ضارة التي ارتبطت مبرجعية �سد ّدت خطاها و أ�عادت‬ ‫وجل‪.‬‬ ‫توازن عنا�صر الوجود من خالل هذه املرجعية‪ ،‬االن�سان – الكون – احلياة‪ ،‬وارتباطهما باخلالق عز ّ‬

‫و إلن معظم الكتب التي تتحدث عن احل�ضارة اال�سالمية‬ ‫حتدثت عنها من خالل نتاجها‪ ،‬أالمر الذي يطرح �س ؤ�اليني‬ ‫كبريين لدى من ينظر اىل ظواهر أالمور‪ ،‬ما قيمة هذا النتاج‬ ‫بالقيا�س اىل ما و�صلت اليه الب�شرية أالن من تّقدم ما ّدي‪،‬‬ ‫وهل احل�ضارة فقط هي نتاج ما ّدي‪ .‬وما هو الفرق بني نتاج‬ ‫احل�ضارة الذي هو ثمار تكرب وت�صغر على مدى أاليام‪ ،‬وبني‬ ‫ا�صولها وارتباطها بهذا النتاج‪.‬‬ ‫لهذا ال�سبب وللحديث عن احل�ضارة من زاوية أ�خرى كان‬ ‫هذا الكتاب الذي تناول او ًال ا إلطار الفكري واملرجعي للح�ضارة‬ ‫اال�سالمية من خالل احليث عن املنطلقات والت�صورات‬ ‫الت�صورية‬ ‫واملرتكزات ويركز على النقلة اجلديدة‪ ،‬النقلة ّ‬ ‫االعتقادية‪ ،‬والنقلة املنهجية والنقلة املعرفية‪ ،‬وير�سم �صورة‬ ‫للجواب على �س ؤ�ال كبري ملاذا ت أ�خر النتاج املادي للح�ضارة‬ ‫اال�سالمية‪ ،‬مبا ا�سميناه التعليق امل ؤ�قت يف أ�عادة ترتيب‬

‫أالولويات‪ ،‬اذ أ�ن أالولوية كانت للنقلة الت�صويرية االعتقادية‬ ‫ومن ثم كانت النقلة املنهجية مما هو وا�ضح ألثر املنهاج دائم ًا‬ ‫يف �ضبط االيقاع احل�ضاري ثم كانت النقلة املعرفية تباع ًا‬ ‫للنقلة الت�صويرية والنقلة املنهجية‪.‬‬ ‫ثم جاء الف�صل الذي يليه ليتحدث عن ق�ضية يف غاية‬ ‫أالهمية وهي ق�ضية املفاهيم وامل�صطلحات‪� .‬إذ يجب أ�ن نتذكر‬ ‫أ�ن ميدان ال�صراع املفاهيمي هو من أ�خطر ميادين ال�صراع‬ ‫على مر التاريخ‪ ،‬والقر�آن الكرمي �ضبط لنا ق�ضية املفاهيم‬ ‫الكربى حتى ال يتيه مع ركام الفل�سفات القدمية ومفاهيمها عن‬ ‫االن�سان والدين واخلالق والكون واحلياة‪ .‬وبناء عليه ا�ستطعنا‬ ‫يف هذا الف�صل أ�ن ن ؤ��س�س ملنهج كيف نتبع املفهوم �سرية وواقع ًا‪.‬‬ ‫�إذ أ�نّ املفهوم عبارة عن �شجرة لها بذرة‪ ،‬و أ�ر�ض‪ ،‬ولها ثمار‪،‬‬ ‫وميكننا القول أ�ن له تاريخ ميالد وم�سرية ينتقل من خاللها‪،‬‬ ‫وعليه عاجلنا مفاهيم احل�ضارة واملدينة والثقافة أ‬ ‫وال�صالة‬

‫‪85‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫واملعا�صرة واجلاهلية والتق ّدم‪ ،‬والعبود ّية‪ ،‬والبداوة‪ ،‬وفرقنا‬ ‫يف أالطار احل�ضاري من املفهوم املادي واملعنوي يف احل�ضارة‬ ‫م�سجلة ألمة من أالمم بها‬ ‫وبين ّا أ�ن الثقافة غالب ًا ما تكون ماركة ّ‬ ‫تتمايز عن أالمم االخرى‪ ،‬وقلنا باجتهاد أ�ن املدينة هي تطبيق‬ ‫نتاج احل�ضارة يف احلياة‪ ،‬ول ّعل هذا الف�صل هو من أ�خطر ما‬ ‫ميكن احلديث منه يف تاريخ اال�سالم وتاريخ امل�سلمني‪ ،‬وقلنا �إن‬ ‫تاريخ اال�سالمهو التطابق بني الفكرة والتطبيق العملي وتاريخ‬ ‫امل�سلمني هو حركة امل�سلم عرب التاريخ خط ّا و�صواب ًا‪.‬‬ ‫ثم انتقلنا اىل ف�صل يتعلق بنظريات ن�شوء احل�ضارات‬ ‫وقلنا أ�ن ال توجد نظرية واحدة ممكن أ�ن ت�ستوعب ذلك‬ ‫وحتى نكون مو�ضوعيني يف البحث عر�ضنا لنظريات خمتلفة‬ ‫ر أ��سمالية غربية‪ ،‬ومارك�سية وا�شرتاكية و�إ�س ّالمية مركزية على‬ ‫قانونية التاريخ وهي أ�ن حركة التاريخ ال ت�سري اعتباط ًا وامنا‬ ‫وفق قوانيني كما التقطها ابن خلدون من خالل قراءته للقر�آن‬ ‫الكرمي‪ ،‬ول ّعل هذا الف�صل اي�ض ًا من الف�صول التي ركزت على‬ ‫جلانب الفكري احل�ضاري وو�ضحنا أ�ن النظرية اال�سالمية‬ ‫قد ركزت على جانب ت�صحيح مفهوم العالقة مع الكون وانها‬ ‫لي�ست عالقة �صراع كما �صورتها احل�ضارة اليونانية‪ ،‬والتي‬ ‫انتقلت فيما بعد اىل احل�ضارة أالوربية املعا�صرة‪� .‬إن عالقة‬ ‫اكت�شاف وم ؤ�ان�سة و أ�ن مهمة االن�سان اال�سا�سية هي عمارة هذا‬ ‫الكون‪� ،‬ضمن هذا الت�صور ا آللهي‪ ،‬و�إذا مل يقم بهذه امله ّمة فقد‬ ‫ق�صر يف مفهوم أال�ستخالف الذي ا ؤ�متن عليه عندما أ��شهد‬ ‫ّ‬ ‫اهلل املالئكة ( واذ قال ربك للمالئكة � إ ّ‬ ‫ين جاعل يف أالر�ض‬ ‫خليفة‪ .) ...‬فالكون واالن�سان خملوقات لرب واحد وي�سجدان‬ ‫لهذا اخلالق ( و أ�ي من �شئ ا ّال ي�سبح ربك ولكن ال تفقهون‬ ‫ت�سبيحهم‪.) ...‬‬ ‫ثم جاء الرتتيب املنطقي للف�صل الذي يليه والذي و�ضعناه‬ ‫حتت عنوان ملحات من أالجناز احل�ضاري اذ ال ميكن لكتاب‬ ‫واحد وال جملدات أ�ن ت�ستوعب هذا النتاج الذي أ‬ ‫مل رفوف‬ ‫املكتبات عرب التاريخ وقلنا أ�ن ( يجب أ�ن ُينظر اىل االنتاج‬ ‫املادي عرب التاريخ �ضمن البعدين املكاين والزماين ) �إذ ال‬ ‫ميكن أ�ن جنري مقارنة بني االنتاج احل�ضاري للم�سلمني قبل‬ ‫�سبعة قرون او أ�كرث وبني النتاج املادي احلال‪� ،‬ستكون اله ّوة‬ ‫يف املقارنة كبرية‪ ،‬و�ضربنا مثا ًال على ذلك عند احلديث عن‬

‫‪86‬‬

‫اكت�شاف الورق‪ ،‬او الطباعة‪ ،‬او البارود‪ ،‬ومن ما و�صل اليه‬ ‫العلم احلديث يف هذا املجال‪ ،‬فاملقارنة مكانية وزمانية‪ ،‬وكوب‬ ‫ماء يف ال�صحراء‪ ،‬ال �شك أ�ن قيمتة اكرب بكثري‪ ،‬عندما ت�صل‬ ‫نهر ماء‪ ،‬ويتوافر املاء‪.‬‬ ‫ومعذلك فامل�سلمون ا�س�س ّوا الكثري من العلوم النظرية‬ ‫واملادية مبنتهى الرقي العلمي‪ ،‬وم�ستويات البحث‪ ،‬وكان نتاجهم‬ ‫هو اجل�سر الذي عربت عليه اوروبا ح�ضارتها املادية عرب‬ ‫االندل�س و�صقلية وغريها من مراكز االحتكاك احل�ضاري‪.‬‬ ‫وقلنا أ�ن احل�ضارات تتكامل عندما تعرتف بوجود بع�ضها‬ ‫وتتعاون‪ ،‬وهكذا فعل امل�سلمون‪ ،‬وتت�صارع عندما يراد حل�ضارة‬ ‫أ�ن تفر�ض حا ّويتها على الكون‪ ،‬وتكون هي م�صدر الفكرة واملادة‬ ‫ق�سر ًا أ�و طوع ًا‪.‬‬ ‫اما الف�صول التالية فقد حتدتثت عن اال�سباب التي‬ ‫أ�دت اىل تدهور احل�ضارة اال�سالمية‪ ،‬وهي ا�سباب مو�ضوعية‬ ‫مرتبطة بحياة امل�سلمني وفكرهم وعطائهم وورثهم التاريخي‪.‬‬ ‫ثم حتدثنا عن م�ستقبل احل�ضارة اال�سالمية وبي ّنا أ�ن‬ ‫لهذه احل�ضارة م�ستقبل مرتبط باعادة أالعتبار للعقل امل�سلم‬ ‫وتكوينه‪ ،‬كما هو مرتبط أ‬ ‫بال�سباب الفكرية ل�ضبط ايقاع هذه‬ ‫احل�ضارة‪ ،‬فامل�سلمون أالن لديهم �إ�سهامات وابداعات يف كل‬ ‫املجاالت‪ ،‬ولكنها �إ�سهامات فر ْدية‪ ،‬مل ترقى اىل م�ستوى تكوين‬ ‫واجهة ح�ضارية �إ�سالمية وحتى تكون ال ّبد أ�ن يتم تبين ّها على‬ ‫م�ستوى دولة أ�و م ؤ��س�سة �ضخمة‪ ،‬لديها أالمكانات أ‬ ‫وال�سهام هنا‬ ‫لي�س فقط هو اال�سهام املادي وامنا اي�ض ًا هو اال�سهام الفكري‪،‬‬ ‫مركزي على ق�ضية تراكم املعرفة الب�شرية و أ�ن احل�ضارة ال‬ ‫تبد أ� من نقطة و�إمنا هي عملية تراكمية مت�ص ّلة عرب التاريخ‬ ‫وحياة االن�سان‪.‬‬ ‫لقد حاولنا يف هذا الكتاب أ�ن ن�شيع أالمل بامكانية ا�ستئناف‬ ‫ح�ضارة �إ�سالمية على م�ستوى ما يف العامل ورغم عدائية او‬ ‫�صراع أالخرين �إذ يف الوقت الذي نعرتف فيه بخ�صو�صية‬ ‫أالخرين وباالختالف يف كل مناحي احلياة وعرب امل�سرية‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬ون ؤ�كد أ�ن هذا احلق الذي نعرتف فيه آ‬ ‫للخرين‪،‬‬ ‫يجب أ�ن يعرتفوا لنا فيه‪ .‬ويبقى هذا الكتاب م�ساهمة متوا�ضعة‬ ‫يف ا إلطار العلمي‪.‬‬


‫الوسسطية‬

‫امل�سلمون اليوم‬ ‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫امل�سلمون يف الواليات املتحدة‬

‫الواقع والتحديات‬

‫عبيدة فار�س‬ ‫ع�ضو منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬ ‫رغم أ�ن ن�سبة امل�سلمني من �إجمايل عدد ال�سكان يف الواليات املتحدة ال تزيد عن ‪� ،%2.5‬إ ّال أ�ن ح�ضور‬ ‫امل�سلمني يزداد يوم ًا بعد يوم يف جممل احلياة أ‬ ‫ال�سالم كمو�ضوع يحتل موقع ًا متقدم ًا يف‬ ‫المريكية‪ ،‬كما أ�ن إ‬ ‫العالم أ‬ ‫قائمة املو�ضوعات التي تثري اهتمام أ‬ ‫المريكية‪.‬‬ ‫المريكيني‪ ،‬وت�ستغرق م�ساحات وا�سعة يف و�سائل إ‬ ‫ورغم ارتباط هذا االهتمام يف جزء كبري منه ب أ�حداث احلادي ع�شر من �سبتمرب‪� ،‬إ ّال أ�ن هذا االهتمام مل‬ ‫ينح�صر يف جوانب �سلبية فقط‪ ،‬حيث �شهدت الواليات املتحدة خالل ال�سنوات التي تلت هذه أ‬ ‫الحداث حمالت‬ ‫�إعالمية و�سيا�سية‪ ،‬وبرامج متنوعة لزيادة وعي املواطنني أ‬ ‫بال�سالم من جهة‪ ،‬وحمالت مقابلة‬ ‫المريكيني إ‬ ‫لالنفتاح على امل�سلمني يف خارج الواليات املتحدة‪ ،‬ويف فتح قنوات للحوار والتوا�صل مع امل�سلمني يف داخلها‪.‬‬ ‫وميكن أ�ن نلحظ ذلك يف الربامج التي تنظمها وزارة‬ ‫اخلارجية أالمريكية‪ ،‬والبيت أالبي�ض‪ ،‬من قبيل اللقاءات‬ ‫الدورية التي يعقدها الرئي�س أالمريكي مع اجلالية امل�سلمة‬ ‫هناك‪ .‬وقد انتهى أالمر بالبيت أالبي�ض �إىل ا إلعالن عن تعيني‬ ‫مبعوث خا�ص �إىل منظمة امل ؤ�متر ا إل�سالمي‪ ،‬حيث و�صف الرئي�س‬ ‫أالمريكي جورج بو�ش هذا التعيني ب أ�نه «يظهر للمجتمعات‬ ‫ا إل�سالمية اهتمامنا باحلوار القائم على االحرتام وال�صداقة‬ ‫امل�ستمرة»‪ ،‬وجاء ا إلعالن تعيني هذا املبعوث يف اخلطاب الذي‬

‫أ�لقاه الرئي�س بو�ش يف املركز ا إل�سالمي بوا�شنطن ملنا�سبة‬ ‫الذكرى اخلم�سني لت أ��سي�س املركز يف ‪ 27‬حزيران ‪.)(2007‬‬ ‫امل�سلمون يف أ�مريكا‪ :‬قراءة �إح�صائية‬ ‫يبلغ عدد امل�سلمني يف الواليات املتحدة ما بني خم�سة �إىل‬ ‫�سبعة ماليني م�سلم‪ %33 ،‬منهم من أ��صول جنوب �آ�سيوية‪،‬‬ ‫و‪ %30‬من أالمريكيني أالفارقة‪ ،‬و‪ %25‬من أ��صول عربية‪ ،‬بينما‬ ‫تتوزع بقيتهم على أ��صول خمتلفة‪.‬‬ ‫وتعترب ن�سبة اعتناق ا إل�سالم من الن�سب العالية يف‬

‫‪87‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬حيث ت�شري درا�سة أ��شرفت عليها جامعة‬ ‫هارتفورد لدرا�سات أالديان �إىل أ�ن ما معدله ‪ 16‬فرد ًا ين�ضمون‬ ‫�إىل ا إل�سالم يف كل م�سجد يف الواليات املتحدة‪ ،‬وهي ن�سبة‬ ‫م�ستقرة تقريب ًا منذ عام ‪ .)(1994‬ويبلغ عدد امل�ساجد يف‬ ‫الواليات املتحدة حوايل ‪ 1200‬م�سجد()‪.‬‬ ‫وقد أ��شارت الدرا�سة ذاتها �إىل أ�ن ما معدله مليونا م�سلم‬ ‫يرتادون امل�ساجد على نحو منتظم‪ ،‬وهي ن�سبة عالية باملقارنة‬ ‫مع عدد امل�سلمني‪ ،‬حيث ميثل هذا الرقم ما معدله ثلث عدد‬ ‫امل�سلمني يف أ�مريكا‪ ،‬مبن فيهم أالطفال وكبار ال�سن‪ ،‬وهي ن�سبة‬ ‫قد تزيد عن ن�سبة ارتياد امل�سلمني للم�ساجد يف بع�ض الدول‬ ‫ا إل�سالمية‪.‬‬ ‫والرهاب‬ ‫أ�زمة اخلوف إ‬ ‫أ��ستطاع تنظيم القاعدة مبا فعله يف احلادي ع�شر من‬ ‫�سبتمرب‪ ،‬ومبا فعله يف لندن ومدريد وغريها‪ ،‬أ�ن ي�ش ّوه �صورة‬ ‫امل�سلمني يف العامل أ�جمع‪ ،‬لكن امل�سلمني يف الغرب كانوا أالكرث‬ ‫ت�ضرر ًا‪ ،‬نتيجة للجهود التي قامت بها املجموعات العن�صرية‬ ‫لل�سالم‪ ،‬حيث أ��سفر هذا احللف غري‬ ‫وا إليديولوجية املناه�ضة إ‬ ‫املعلن بني املتطرفني من اجلهتني �إىل حتويل امل�سلم �إىل متهم‬ ‫حتى لو ثبتت براءته‪ ،‬وحت ّول ال�سفر عرب املطارات �إىل رحلة من‬ ‫ا إلهانات العن�صرية املعلنة وغري املعلنة‪.‬‬ ‫ورغم أ�ن ا إلرهاب قد ا�ستهدف م ؤ��س�سات غري �إ�سالمية‬ ‫كما قال تنظيم القاعدة‪ � ،‬إ ّال أ�ن امل�سلمني دفعوا ثمنها مرتني‪،‬‬ ‫أالوىل عندما �سقط م�سلمون �ضحاي ًا لهذا ا إلرهاب يف كل‬ ‫العمليات التي جرت يف نيويورك ولندن وغريها‪ ..‬وعانوا من‬ ‫اخلوف مثلهم مثل بقية املواطنني هناك‪ ،‬ودفعوا الثمن ثانية‬ ‫عندما ا�ستُخدم دينهم يف تربير قتل أالبرياء‪ ،‬ف أ��صبحوا أ�مام‬ ‫العا ّمة �شركاء يف اجلرمية‪ ،‬ومتهمني حمتملني إلرهاب قد‬ ‫يح�صل‪.‬‬ ‫ال�سالمية‬ ‫دور امل ؤ��س�سات إ‬ ‫وبالتوازي مع احلمالت ا إلعالمية امل�ستمرة‪ ،‬منذ احلادي‬ ‫ع�شر من �سبتمرب‪ ،‬لت�شويه �صورة امل�سلمني ب�شكل عام‪ ،‬ف�إن‬ ‫املراكز وامل ؤ��س�سات ا إل�سالمية هناك قامت بتنظيم حمالت‬

‫‪88‬‬

‫موازية للتعريف با إل�سالم‪ ،‬ولتو�ضيح ال�صورة احلقيقية له‪،‬‬ ‫والدفاع عن حقوق امل�سلمني‪ ،‬ور�صد أ�ي متييز يتعر�ضون له‪.‬‬ ‫وميكن هنا أ�ن نعر�ض �إىل جتربة جمل�س العالقات‬ ‫كنموذج لعمل امل ؤ��س�سات‬ ‫ا إل�سالمية أالمريكية (كري)‬ ‫ٍ‬ ‫ا إل�سالمية يف أ�مريكا‪ ،‬حيث عمل املجل�س كحلقة و�صل بني‬ ‫امل�سلمني يف الواليات املتحدة‪ ،‬وبني دوائر �صنع القرار يف‬ ‫وا�شنطن‪ ،‬فمن خالل مكتبها الذي يقع خلف الكوجنر�س تقوم‬ ‫املنظمة باالت�صال اليومي ب أ�ع�ضاء جمل�س النواب إلطالعهم‬ ‫على �شكاوى امل�سلمني واقرتاحاتهم وتو�صياتهم‪ ،‬وهو أ�مر يالقي‬ ‫جتاوب ًا من كثري من أ�ع�ضاء الكوجنر�س‪ ،‬وقد أ��سفرت جهود‬ ‫املنظمة مع �آخرين �إىل افتتاح أ�ول م�سجد داخل الكوجنر�س‪،‬‬ ‫حيث تقام �صالة اجلمعة داخل املبنى‪ ،‬وميكن ألي �شخ�ص‬ ‫الدخول �إىل هذا امل�سجد حل�ضور ال�صالة فيه‪ .‬كما قامت‬ ‫املنظمة بتنظيم حملة لتوزيع القر�آن الكرمي باللغة ا إلجنليزية‬ ‫جمان ًا على املواطنني أالمريكيني‪ ،‬للتعرف على تعاليم ا إل�سالم‬ ‫ب�شكل مبا�شر‪.‬‬ ‫وبالتوازي مع جهود املجل�س‪ ،‬تقوم الكثري من امل ؤ��س�سات‬ ‫أالخرى ب أ�دوار خمتلفة يف هذا املجل�س‪ ،‬فقد قام االحتاد‬ ‫ا إل�سالمي يف أ�مريكا ال�شمالية وامل ؤ��س�سة الوطنية لل�سالم‬ ‫بتنظيم برنامج للتعريف با إل�سالم يف أ�مريكا‪ ،‬وا�ستهدف هذا‬ ‫الربنامج أ�ئمة ودعاة من أ�ربعة بلدان من ال�شرق أالو�سط‪،‬‬ ‫ليقوموا بالتعرف مبا�شرة على أ�و�ضاع امل�سلمني يف الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬واحلوار مع غري امل�سلمني هناك‪ ،‬ويف نف�س الوقت‬ ‫يت�ضمن الربنامج زيارة ل�شخ�صيات أ�مريكية �إىل ال�شرق‬ ‫أالو�سط للتعرف على امل ؤ��س�سات ا إل�سالمية هناك‪ ،‬واحلوار مع‬ ‫امل�سلمني يف بلدانهم‪.‬‬ ‫عقبات وعرثات‬ ‫ورغم اجلهود الكبرية التي تبذلها امل ؤ��س�سات ا إل�سالمية‬ ‫املختلفة‪ � ،‬إ ّال أ�ن املراقب ميكن أ�ن يكت�شف عدد ًا من امل�شكالت‬ ‫التي تواجه العمل امل ؤ��س�سي ا إل�سالمي‪ ،‬وحت ّد من قدرته على‬ ‫عك�س واقع اجلالية وحجمها‪.‬‬ ‫فمن ذلك أ�ن كثري ًا من امل�سلمني هناك مل يظهروا قناعة‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫كافية يف دعم برامج الرتبية على الدميوقراطية واملواطنة‬ ‫وحقوق ا إلن�سان‪ ،‬وهي الربامج التي تخدم ق�ضيتهم أ�كرث من‬ ‫غريهم‪ ،‬وميكن أ�ن يظهر ذلك من خالل درا�سة جتربة مركز‬ ‫درا�سة ا إل�سالم والدميوقراطية‪ ،‬وهو مركز ت أ��س�س عام ‪1999‬‬ ‫يف وا�شنطن‪ ،‬وقام خالل ال�سنوات املا�ضية بتنفيذ برامج مهمة‬ ‫ووا�سعة يف جميع أ�نحاء العامل ا إل�سالمي‪ ،‬وا�ستطاع ا�ستقطاب‬ ‫ال�سا�سة أالمريكيني على خمتلف فائتهم �إىل أ�ن�شطته وم ؤ�متراته‪،‬‬ ‫� إ ّال أ�ن املركز يواجه أ�زمة مالية حادة منذ فرتة طويلة‪ ،‬رغم أ�ن‬ ‫املبلغ الذي يحتاجه املركز ميكن ت أ�مينه من عدد حمدود من‬ ‫امل�سلمني هناك‪.‬‬ ‫ومن جهة أ�خرى يعاين جزء من امل�سلمني هناك من عوامل‬ ‫الفرقة التي يعاين منها امل�سلمون يف العامل ا إل�سالمي‪ ،‬حيث‬ ‫ت�ستند الكثري من امل ؤ��س�سات أ‬ ‫والن�شطة ا إل�سالمية �إىل تق�سيمات‬ ‫طائفية أ�و جهوية ت�ضعف من الت أ�ثري ال�سيا�سي للم�سلمني‪.‬‬

‫قراءة ا�ست�شرافية‬ ‫يظهر الواقع احلايل للم�سلمني يف الواليات املتحدة‪ ،‬أ�نه‬ ‫ورغم العقبات التي يواجهها العمل ا إل�سالمي هناك‪� ،‬إال أ�ن‬ ‫العمل ا إل�سالمي ي�شهد تطور ًا ملحوظ ًا وملفت ًا‪ ،‬حيث ا�ستطاع‬ ‫كيث أ�لي�سون أ�ن يكون أ�ول نائب م�سلم يف الكوجنر�س أالمريكي‪،‬‬ ‫بعد أ�ن ّ‬ ‫ر�شحه احلزب الدميوقراطي عن والية ديرتويت يف‬ ‫انتخابات عام ‪ ،2006‬حيث �شهد الكوجنر�س أ�ول ق�سم على‬ ‫القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫كما تظهر ا إلدارة أالمريكية‪ ،‬ومراكز الدرا�سات أالمريكية‪،‬‬ ‫مزيد ًا من االنفتاح على املجتمع امل�سلم‪ ،‬مع زيادة يف أالن�شطة‬ ‫البحثية والفكرية واالجتماعية التي تهدف �إىل التعريف‬ ‫با إل�سالم والتعرف عليه‪ ،‬وزيادة وعي املواطن أالمريكي‬ ‫به‪ ،‬وهو ما ي�ساعد على ردم الفجوة بني امل�سلمني يف أ�مريكا‬ ‫وامل ؤ��س�سات أالمريكية الر�سمية وال�شعبية من جهة‪ ،‬وبني هذه‬ ‫امل ؤ��س�سات وامل�سلمني يف العامل ا إل�سالمي‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫ا�ستطالع �إ�سالمي‬ ‫ال�سياحة الدينية‬ ‫يف االردن‬ ‫احمد ابودلو‬ ‫اململكة أ‬ ‫الردنية الها�شمية‬ ‫ال�ضرحة أ‬ ‫الردن‪ ،‬أ�ر�ض أ�دوم‪ ،‬وم ؤ�اب وعمون‪ ،‬وجلعاد‪ ،‬وبرييا‪ ،‬الكثري من أ‬ ‫هنا يف أ‬ ‫والماكن املقد�سة للديانات‬ ‫ال�سماوية‪ ،‬و�إىل هذه االر�ض يفد امل ؤ�منون الباحثون عن مواقع و آ�ثار أ‬ ‫للنبياء ولل�صحابة‪.‬‬ ‫الر�ض أ‬ ‫الردن باب الفتوحات اال�سالمية‪ ،‬وعلى أ‬ ‫أ‬ ‫الردنية دارت املعارك التاريخية الكربى‪ ،‬ومن أ�همها‬ ‫معركة م ؤ�تة‪ ،‬ومعركة فحل‪ ،‬ومعركة الريموك‪.‬‬

‫ولتخليد ذكرى ال�شهداء وال�صحابة‪ ،‬أ�قيمت امل�ساجد‬ ‫أ‬ ‫وال�ضرحة واملقامات‪ ،‬التي تبقى ا إلنت�صارات ا إل�سالمية‬ ‫حية يف الذهن املعا�صر‪ ،‬ففي م ؤ�تة واملزار قرب مدينة الكرك‬ ‫اجلنوبية يوجد �ضريح جعفر بن أ�بي طالب‪ ،‬ومقام زيد بن‬ ‫حارثة‪ ،‬وعبد اهلل بن رواحة‪.‬‬ ‫ويوجد �صرح تذكاري لفروة بن عمرو اجلذامي‪ ،‬بالقرب‬ ‫من حمامات عفرا �شمال مدينة الطفيلة‪ ،‬وقام احلارث بن‬ ‫عمري أالزدي‪ ،‬يف جنوب الطفيلة بالقرب من مدينة ب�صريا‪.‬‬ ‫ويف وادي أالردن يحت�ضن عدد ًا من مقامات ال�صحابة‬ ‫أالجالء ومنها‪ :‬مقام �ضرر بن أالزور بالقرب من بلدة دير‬ ‫عال‪ ،‬وقام ال�صحابي اجلليل أ�بو عبيدة عامر بن اجلراح‪ ،‬الذي‬ ‫يقع يف الغور املعروف با�سمه‪ ،‬ومقام �شرحبيل بن ح�سنة يف‬ ‫بلدة امل�شارع‪ ،‬ومقام معاذ بن جبل‪ ،‬ومقام عامر بن أ�بي وقا�ص‬

‫‪90‬‬

‫يف أالغوار ال�شمالية‪.‬‬ ‫قرب مدينة ال�سلط يقع مقام النبي أ�يوب يف قرية (بطنا)‪.‬‬ ‫كما يوجد مقام النبي �شعيب يف منطقة وادي �شعيب القريبة‬ ‫من ال�سلط‪.‬‬ ‫ولعل كهف أ�هل الكهف الواقع �إىل اجلنوب ال�شرقي من‬ ‫عمان‪ ،‬يعترب من أ�هم املواقع اجلاذبة للزائرين‪ ،‬حيث ذكرت‬ ‫وقائع ق�صة أ�هل الكهف يف القران الكرمي‪� ،‬إ�ضافة �إىل أ�نها‬ ‫معروفة يف التاريخ امل�سيحي‪.‬‬ ‫ويف عمان عا�صمة أالردن حديثا التي عرفت يف عهد‬ ‫العمونني با�سم ربة عمون‪ ،‬ويف العهد اليوناين‪ -‬الروماين‬ ‫با�سم فيالدلفيا‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬ف�إن عمان واحدة من أ�قدم املدن‬ ‫يف العامل التي ظلت م أ�هولة با�ستمرار‪ .‬ويف أال�صل‪ ،‬كانت عمان‬ ‫تقوم على �سبعة تالل‪ ،‬أ�ما ا آلن فهي تنت�شر فوق مااليقل عن‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ت�سعة ع�شر ت ًال‪.‬‬ ‫عـــــمـــــــان‪ :‬مدينة امل�آذن‬ ‫ومن املدرج الروماين‪ ،‬ميكنك أ�ن ت�سري يف �شوارع مركز‬ ‫املدينة العا�صمة عمان‪ ،‬لت�صل �إىل امل�سجد احل�سيني‪ .‬وهذا‬ ‫امل�سجد ذو الطراز العثماين‪ ،‬أ�عيد بنا ؤ�ه عام ‪1924‬م ب أ�مر من‬ ‫املغفور له جاللة امللك عبد اهلل بن احل�سني م ؤ��س�س دولة أالردن‬ ‫احلديثة‪ ،‬فوق ا آلثار الباقية مل�سجد بناه عام ‪640‬م اخلليفة‬ ‫الثاين عمر بن اخلطاب‪ -‬ر�ضي اهلل عنه‪� -‬إ�ضافة �إىل ذلك‪،‬‬ ‫عليك أ�ن ال تفوت الفر�صة لزيارة م�سجد ال�شهيد امللك عبد اهلل‬ ‫طيب اهلل ثراه‪ .‬الذي أ�جنز عام ‪1990‬م إلحياء ذكرى املغفور له‬ ‫امللك امل ؤ��س�س عبد اهلل‪ ،‬والذي ي�شار �إليه يف أ�حيان بامل�سجد ذي‬ ‫القبة الزرقاء ألن لون القبة من اخلارج هو أالزرق ال�سماوي‪.‬‬ ‫ويف اجلبيهة �إحدى �ضواحي عمان‪ ،‬ميكنك زيارة �ضريح‬ ‫ال�صحابي اجلليل عبد اهلل بن عوف الزهري ‪ -‬ر�ضي اهلل‬ ‫عنه‪ -‬وتدلك احلجارة امل�صفوفة على املكان الذي دفن فيه‬ ‫أ�حد الع�شرة الذين ب�شرهم النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫باجلنة‪ .‬وقد �شارك عبد الرحمن بن عوف‪-‬ر�ضي اهلل عن‬ ‫لل�سالم‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫– يف جميع املعارك والغزوات الرئي�سية إ‬ ‫أُ�حد( يف املدينة املنورة)‪ ،‬واخلندق‪ ،‬فتح مكة‪ ،‬وحنني‪ ،‬وبدر‪،‬‬ ‫التي جرح فيها‪ ،‬وكان هو الذي وقع �صلح احلديبية نيابة عن‬ ‫امل�سلمني (�إىل الغرب من مكة)‪ ،‬وهو �صلح توافقي ّمت التو�صل‬ ‫�إليه بني النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم وقادة مكة‪ ،‬قدمت فيه‬ ‫مكة اعرتافها ال�سيا�سي والديني باملجتمع ا إل�سالمي املتنامي‪.‬‬ ‫و�إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬كان عبد الرحمن بن عوف ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه‬ ‫ رجل أ�عمال ناجح �شارك ا آلخرين يف ثروته مبا عرف عنه‬‫من بذل وعطاء‪ .‬ففي يوم واحد‪ ،‬متكن من حترير ‪31‬عبد ًا‪ ،‬ويف‬ ‫مرة أ�خرى تربع بقافلة من �سبعمائة بعري حمملة بالطعام لعمل‬ ‫اخلري‪ ،‬و أ�و�صى عند وفاته ب أ�ن يخ�ص�ص لعمل اخلري أ�لف جواد‬ ‫وخم�سون أ�لف دينار‪.‬‬ ‫ويظل مبنى حديث �ضريح ال�صحابي اجلليل بالل رباح‬ ‫– ر�ضي اهلل عنه – عند قرية بالل‪ ،‬يف وادي ال�سري‪ ،‬وهي‬ ‫�ضاحية أ�خرى من �ضواحي عمان‪ ،‬وقد اعتنق بالل ‪ -‬ر�ضي‬ ‫اهلل عنه – ا إل�سالم عندما كان عبد ًا‪ ،‬مما جلب عليه غ�ضب‬ ‫�سيده أ�مية بن خلف الذي حاول �إرغامه على نبذ دينه بو�ضع‬

‫�صخرة كبرية على �صدره خالل ف�صل ال�صيف الذي ت�صل فيه‬ ‫درجات احلرارة يف مكة �إىل ذروة ارتفاعها‪ .‬وقد حارب بالل‬ ‫– ر�ضي اهلل عنه ب�شجاعة يف غزوتي أُ�حد وبدر حيث متكن من‬ ‫أالنتقام لنف�سه من �سيده ال�سابق‪ .‬وقد وهب اهلل بال ًال –ر�ضي‬ ‫اهلل عنه‪� -‬صوتا رخيما‪ ،‬و أ��صبح م ؤ�ذن النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪.‬‬ ‫ومن املعامل التي يتقاطر �إليها الزوار خارج عمان كهف‬ ‫الرقيم أ�و كهف أ�هل الكهف وقد ورد ذكره يف القران الكرمي‬ ‫يف �سورة الكهف‪ ،‬ويقع خارج قرية الرقيم‪ ،‬على م�سافة ع�شرة‬ ‫كيلومرتات �شرقي عمان‪ .‬وكانت جمموعة من الرجال أالتقياء‪،‬‬ ‫الذين عانوا من ا�ضطهاد حكم تراجان اليوناين الت�سلطي‬ ‫إلميانهم بوحدانية اهلل‪ ،‬قد التج أ�ت �إىل هذا الكهف‪ .‬وحفاظا‬ ‫عليهم‪ ،‬جعلهم الباري يخلدون �إىل النوم‪ ،‬وعندما ا�ستفاقوا بعد‬ ‫‪� 309‬سنوات �شم�سية‪ ،‬ظنوا أ�نهم كانوا نياما ليوم أ�وبع�ض يوم‬ ‫فقط‪ .‬وكانت امل�سيحية قد انت�شرت عندئذ‪ ،‬وعندما اكت�شف‬ ‫امرهم‪ ،‬كتب اهلل عليهم الراحة أالبدية‪ .‬وعند الكهف مازالت‬ ‫هناك �آثار بيزنطية ورومانية‪ ،‬با إل�ضافة �إىل م�سجد‪ ،‬مما يتفق‬ ‫متاما مع الو�صف الوارد يف القران الكرمي‪.‬‬ ‫مــــــــــــادبا‪ :‬ف�سيف�ساء املا�ضي‬ ‫و�إىل اجلنوب من عمان تقع مادبا ال�شهرية ب أ�نها مدينة‬ ‫الف�سيف�ساء وايل ت�ضم واحدة من أ�كرب جمموعات الف�سيف�ساء‬ ‫يف العامل‪ ،‬يعود تاريخ معظمها اىل قبل ‪� 1400‬سنة على أالقل‪.‬‬ ‫و أ��شهر لوحات مادبا الف�سيف�سائية وهي خريطة أالرا�ضي‬ ‫املقد�سة‪ ،‬ت�شتمل على مايزيد على مليوين قطعة من أالحجار‬ ‫امللونة ت�صور أالرا�ضي املقد�سة واملناطق املحيطة بها‪.‬‬ ‫وعلى م�سافة ع�شر دقائق بال�سيارة من مادبا يقع جبل‬ ‫نبو أ�حد املواقع أالكرث أ�همية يف أالردن لدى اتباع الديانات‬ ‫ال�سماوية‪.‬‬ ‫فمن هنا ت�سرح نظرك لرتى م�شهد البحر امليت الرائع‪،‬‬ ‫وبانوراما اجلبال‪ ،‬ومرتفعات القد�س املتعالية التي ترتائى‬ ‫للناظر عن بعد‪ .‬وعلى قمة جبل نبو‪ ،‬تقف حيث وقف النبي‬ ‫مو�سى عليه ال�سالم ناظر ًا عرب نهر أالردن نحو فل�سطني‪ .‬وقد‬ ‫غدا جبل نبو املكان الذي دفن فيه بعد أ�ن قاد �شعبه من م�صر‬ ‫عرب �صحراء �سيناء متجه ًا �إىل أالر�ض املقد�سة‪ .‬وقد كلم اهلل‬

‫‪91‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫تعاىل مو�سى عليه ال�سالم ب�صورة مبا�شرة‪ .‬ومن ثم أ�عطى‬ ‫مو�سى �شعبه القوانني التي أ�وحى بها من ال�سماء‪ .‬وهناك �إقرار‬ ‫ب�صورة عامة ب أ�ن مو�سى عليه ال�سالم دفن يف جبل نبو‪ .‬بالرغم‬ ‫من عدم وجود �ضريح فعلي يكون عالمة على املوقع‪ .‬وي�صف‬ ‫القران الكرمي بالتف�صيل حياة مو�سى عليه ال�سالم ور�سالته‪.‬‬ ‫ويف الواقع‪ ،‬ف�إن مو�سى عليه ال�سالم هو النبي الذي حظي‬ ‫مرات تفوق كثري ًا التي ذكر فيها‬ ‫ب أ�ن يذكر يف القران الكرمي ٍ‬ ‫أالنبياء االخرون‪.‬‬ ‫وعندما كان مو�سى عليه ال�سالم بحاجة �إىل املاء‪� ،‬ضرب‬ ‫�صخرة بع�صاه فظهر اثنا ع�شر نبعا‪ .‬وهذه العيون التي ت�سمى‬ ‫عيون مو�سى تقع قرب مادبا‪ .‬وبالقرب من مادبا أ�ي�ضا قرية‬ ‫ال�شقيق التي تطل على الوادي املوجب‪ ،‬وفيها �ضريح ال�صحابي‬ ‫اجلليل أ�بي ذر الغفاري – ر�ضي اهلل عنه – الذي حتدد موقعه‬ ‫حجارة م�صفوفة‪ .‬وقد عرف أ�بي ذر – ر�ضي اهلل عنه – بكرمه‬ ‫و�صدقه‪ ،‬وكان من أ�وائل ال�صحابة الذين اعتنقوا ا إل�سالم‪،‬‬ ‫وداعية مدافع ًا عن مبد أ� توزيع الرثوات‪.‬‬ ‫كان النبي يحيى (يوحنا املعمدان) عليه ال�سالم ابن النبي‬ ‫زكريا عليه ال�سالم‪ ،‬قد وا�صل عمل والده يف الدعوة �إىل كلمة‬ ‫اهلل‪ .‬وعا�ش يحيى التقي الورع عليه ال�سالم‪ ،‬ووعظ‪ ،‬وعمد‬ ‫يف بيثاين(بيت عربة) يف وادي أالردن‪ .‬وقد عمد يحيى عليه‬ ‫ال�سالم أ�ي�ض ًا النبي عي�سى (ال�سيد امل�سيح) عليه ال�سالم يف‬ ‫بيثاين‪ ،‬وكثري ًا مارافق ال�سيد امل�سح عليه ال�سالم عندما كان‬ ‫يقوم بالوعظ‪ ،‬وقد أ��صبح نبي ًا ور�سو ًال عندما خاطبه اهلل‬ ‫تعاىل قائ ًال»(وكان هريوديا‪ ،‬التي تزوجت امللك هريودو�س يف‬ ‫مكاور‪ .‬وقد أ�ر�سل ر أ��س يحيى عليه ال�سالم �إىل دم�شق‪ ،‬بينما‬ ‫بقي ج�سده يف مكاور‪ .‬وميكنك زيارة هذا املوقع الذي يقع على‬ ‫قمة جبل يف قرية مكاور قرب بيثاين التي تقع على م�سافة ‪32‬‬ ‫كيلومرت ًا جنوب غرب مادبا‪..‬‬ ‫الــكــــــــــــــــرك‪ :‬أ�ر�ض ال�شهداء‬ ‫ويف الكرك كانت معركة م ؤ�تة (‪629‬م) هي أ�هم املعارك‬ ‫التي جرت يف حياة النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم و أ��شدها‬ ‫�ضراوة‪ .‬كما انه ت�سببت يف مقتل أ�قرب �صحابة النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم �إليه‪ ،‬الذين ا�ست�شهدوا وهم يحاربون اجلي�ش‬ ‫البيزنطي الغ�ساين امل�شرتك‪ ،‬وميكنك زيارة أ��ضرحة ال�صحابة‬

‫‪92‬‬

‫أالجالء زيد بن حارثة ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه – وجعفر بن أ�بي‬ ‫طالب ‪-‬ر�ضي اهلل عنه – وعبد اهلل بن رواحة –ر�ضي اهلل عنه‬ ‫– يف مدينة املزار اجلنوبي قرب الكرك‪.‬‬ ‫وقد قاد زيد بن حارثة ال�صحابي اجلليل – ر�ضي اهلل‬ ‫عنه الذي تبناه النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬جي�ش‬ ‫امل�سلمني يف معركة م ؤ�تة‪ ،‬وخا�ض زيد – ر�ضي اهلل عنه غمار‬ ‫املعركة ب�شجاعة نادرة حتى �سقط م�صاب ًا �إ�صابة قاتلة‪ .‬وهو‬ ‫ال�صحابي الوحيد الذي ذكر ا�سمه يف القران الكرمي‪ ،‬يف قوله‬ ‫تعاىل‪}:‬فلما ق�ضى زيد منها وطر ًا زوجناكها لكي اليكون على‬ ‫امل ؤ�منني حرج يف أ�زواج أ�دعيائهم �إذ ق�ضوا منهن وطر ًاوكان‬ ‫أ�مر اهلل مفعو ًال{‪(.‬االحزاب‪.)37:‬‬ ‫وملا �سقط زيد ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬ت�سلم الراية نائب قائد‬ ‫اجلي�ش ال�صحابي اجلليل جعفر بن أ�بي طالب – ر�ضي اهلل‬ ‫عنه‪ ،‬ابن عم النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ .‬و�سمي جعفر الطيار‬ ‫ألنه وهو يواجه املوت قاتل بب�سالة‪ ،‬وقبل أ�ن ي�ست�شهد يف معركة‬ ‫م ؤ�تة حمل الراية بيمنه فقطعت‪ ،‬فحملها بي�ساره فقطعت‪،‬‬ ‫فاحت�ضن الراية بع�ضديه‪ ،‬وبعد ذلك بفرتة ق�صرية ر أ�ى‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم جعفر ًا يف ر ؤ�يا وهو يف اجلنة يجل�س‬ ‫مع ال�شهداء ا آلخرين يف املعركة وله جناحان بدل الذراعني‪،‬‬ ‫ف�سمي لدى عقبه بجعفر الطيار وكان جعفر يعرف ب أ�نه أ��شبه‬ ‫النا�س خلق ًا ُ‬ ‫وخلق ًا بالر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم وكان جواد ًا‬ ‫كرميا ي�ساعد املحتاجني حتى دعي أ�با امل�ساكني‪ ،‬وروي احلديث‬ ‫عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫وقد بعث جعفر – ر�ضي اهلل عنه وار�ضاه – على ر أ��س‬ ‫املهاجرين من امل�سلمني �إىل احلب�شة‪ .‬وبعث امل�شركون وفد ًا‬ ‫برئا�سة عمرو بن العا�ص إلعادة امل�سلمني �إىل مكة‪ .‬وجرت‬ ‫مناظرة بني اخل�صمني بح�ضور النجا�شي (ملك احلب�شة )‬ ‫فكان جعفر – ر�ضي اهلل عنه جريئ ًا �شجاع ًا اليخ�شى يف احلق‬ ‫لومة الئم‪ ،‬وظهر ذلك عندما �س أ�له النجا�شي عما يقول النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يف عي�سى بن مرمي عليه ال�سالم؛ ورغم‬ ‫مايف هذا املوقف من حرج‪� ،‬إذ �إن اجلواب عن هذا ال�س ؤ�ال قد‬ ‫تكون له نتائج خطرية جد ًا فجعفر وجماعته من امل�سلمني جا ؤ�وا‬ ‫مهاجرين بدينهم وعليه حمايتهم كي الي�سلمهم النجا�شي‬ ‫لر�سل قري�ش‪� ،‬إال أ�ن جعفر ًا – ر�ضي اهلل عنه – رد بحكمة‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫وثقة قائ ًال‪ « :‬نقول الذي جاءنا به نبينا �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫هو(عي�سى) عبد اهلل ور�سوله وروحه وكلمته أ�لقاها �إىل مرمي‬ ‫العذراء البتول»‪ .‬وقد نالت ا إلجابة ر�ضا النجا�شي‪ ،‬مما أ�دى به‬ ‫�إىل ال�سماح للم�سلمني بالبقاء يف احلب�شة‪.‬‬ ‫وال�صحابي اجلليل عبد اهلل بن رواحة – ر�ضي اهلل عنه‬ ‫– كان القائد الثالث الذي ت�سلم قيادة اجلي�ش بعد زيد – ر�ضي‬ ‫اهلل عنه – وجعفر –ر�ضي اهلل عنه‪-‬وقد عرف عبد اهلل‬ ‫بن رواحة –ر�ضي اهلل عنه‪ -‬بني ال�صحابة بتقواه وطاعته‬ ‫و�صربه و�إ�ضافة �إىل ذلك كان جماهد�آ حمت�سب آ� وجندي آ� وفي آ�‬ ‫للر�سالة التي �آمن بها و�شاعر�آ يف قومه يدافع عن ع�شريته ثم‬ ‫أ��صبح �شاعر�آ للر�سول‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬بعد �إ�سالمه‪.‬‬ ‫وقبل �إ�ست�شهاده يف معركة م ؤ�تة‪ .‬وملا علم أ�ن الروم‬ ‫و أ�عوانهم من الغ�سا�سنة يزيدون أ��ضعاف آ� م�ضاعفة عن جي�ش‬ ‫امل�سلمني‪ .‬نه�ض و�سط امل�سلمني وقال‪:‬‬ ‫يا نف�س �إال تقتلي متوتي‬ ‫هذا حمام املوت قد �صليت‬ ‫ ‬ ‫وما متنيت فقد أ�عطيت‬ ‫ �إن تفعلي فعلهما هديت‬ ‫ويف الكرك واملناطق املحيطة بها تقوم مواقع هامة لدى‬ ‫امل�سلمني‪ .‬فا�ستجالء ل�شهرة �سفينة نوح‪ ،‬ميكنك زيارة مقام‬ ‫النبي نوح –عليه ال�سالم‪ -‬يف مدينة الكرك‪ .‬وقد أ�ر�سل اهلل‬ ‫نوح آ�‪-‬عليه ال�سالم‪� -‬إىل قومه لينذرهم من قبل أ�ن ي أ�تيهم‬ ‫عذاب أ�ليم من اهلل تعاىل �إذا ما ا�ستمروا يف عبادة أال�صنام‪،‬‬ ‫كما ورد يف القر�آن الكرمي‪:‬‬ ‫}�إنا أ�ر�سلنا نوح آ� �إىل قومه أ�ن أ�نذر قومك من قبل أ�ن‬ ‫ي أ�تيهم عذاب أ�ليم قال يا قوم �إين لكم نذير مبني أ�ن �إعبدوا‬ ‫اهلل واتقوه و أ�طيعون{ (�سورة نوح ‪)3-1‬‬ ‫وعرف النبي وملك �إ�سرائيل �سليمان –عليه ال�سالم‪-‬‬ ‫ب�سداد احلكم والتقوى‪ ،‬ويقوم مقامه يف �صرفا قرب الكرك‪.‬‬ ‫وكان النبي �سليمان –عليه ال�سالم‪ -‬يتمتع ب�سلطات عظيمة من‬ ‫بينها ت�سخري الريح له‪ ،‬وت�سخري اجلن له‪ ،‬وتعليمه منطق الطري‬ ‫واحليوانات أالخرى‪ .‬ويعترب �سليمان –عليه ال�سالم‪ -‬مع�صوم آ�‬ ‫يف ا إل�سالم‪ ،‬مثله مثل أ�بيه النبي وامللك داوود‪-‬عليه ال�سالم‪.-‬‬

‫وقد ذكر النبي �سليمان –عليه ال�سالم‪ -‬يف �ست ع�شرة �آية يف‬ ‫القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫ويف الكرك أ�ي� آض� مقام زيد بن علي بن احل�سني‪-‬ر�ضي اهلل‬ ‫عنه‪ -‬وقد كان النبي حممد‪-‬عليه ال�سالم‪ -‬و�إمام آ� ديني آ� عرف‬ ‫ب�صالحه وتقواه ووفرة علمه‪ .‬وقد و�صفه ا إلمام جعفر ال�صادق‬ ‫ب أ�نه أ�ف�ضل من قر أ� القر�آن الكرمي بني أ�قرانه‪ ،‬أ‬ ‫والكرث معرفة‬ ‫وعلم آ� بالدين‪ ،‬أ‬ ‫والكرث بر�آ ب أ�هله و أ�قاربه‪.‬‬ ‫وادي أ‬ ‫الردن‪ :‬أ��ضرحة ال�صحابة‬ ‫ميكنك ا إلن�ضمام �إىل الزوارا آلخرين يف وادي أالردن‬ ‫وزيارة أ��ضرحة �صحابة النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫وقادته الع�سكريني‪ .‬ر�ضي اهلل عنهم جميعا‪ ،‬الذين ا�ست�شهدوا‬ ‫عم أ�ر�ض‬ ‫يف املعارك أ�و وقعوا فري�سة لطاعون عموا�س الذي ّ‬ ‫ال�شام يف ال�سنة الثامنة ع�شرة للهجرة‪.‬‬ ‫كان ال�صحابي اجلليل أ�بو عبيدة عامر بن اجلراح – ر�ضي‬ ‫اهلل عنه – من أ�قارب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ .‬ومن أ�وائل‬ ‫ال�سابقني �إىل الدخول يف ا إل�سالم‪ .‬كما كان أ�بو عبيدة – ر�ضي‬ ‫اهلل عنه أ�حد امل�سلمني أالوائل املهاجرين �إىل احلب�شة‪ ،‬و�شارك‬ ‫من بعد يف جميع أالحداث الرئي�سية‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬فهو أ�حد الع�شرة املب�شرين باجلنة الذين‬ ‫ذكرهم النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ .‬وباعتباره القائد أالعلى‬ ‫جلي�ش امل�سلمني ال�شمايل‪ ،‬جنح أ�بو عبيدة – ر�ضي اهلل عنه‬ ‫يف فتح بالد ال�شام ولقبه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم « أ�مني‬ ‫أالمة « ملا كان يتمتع به من معرفة‪ .‬وعندما تويف النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬كان أ�بو عبيدة – ر�ضي اهلل عنه بني املر�شحني‬ ‫للخالفة‪ ،‬ولكنه اتفق مع الر أ�ي القائل ب أ�ن أ�با بكر ال�صديق –‬ ‫ر�ضي اهلل عنه – هو امل ؤ�هل لقيادة امل�سلمني وتويل اخلالفة ألن‬ ‫النبي حممد ًا �صلى اهلل عليه و�سلم طلب منه أ�ن ي ؤ�م امل�صلني‬ ‫بعد وفاته‪ .‬وهكذا جنح أ�بو عبيد – ر�ضي اهلل عنه – يف‬ ‫جتنب التمرد والفرقة بني امل�سلمني‪ .‬ويف الثامنة واخلم�سني‬ ‫عم أ�ر�ض ال�شام‪ .‬ويف‬ ‫من عمره‪ .‬أ��صيب بطاعون عموا�س الذي ّ‬ ‫الغور أالو�سط‪ ،‬يف وادي أالردن‪ ،‬يقوم �ضريحه – ر�ضي اهلل‬ ‫عنه يف جممع ي�ضم مركز ًا ا�سالمي ًا رئي�سي ًا يف م�سجد‪ ،‬ومكتبة‪،‬‬ ‫ومركز ثقايف‪.‬‬ ‫وال�صحابي اجلليل معاذ بن جبل – ر�ضي اهلل عنه – الذي‬

‫‪93‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫عرف بالو�سامة والكرم‪ ،‬أ��سلم وهو يف الثامنة ع�شرة من عمره‪.‬‬ ‫وكان واحد ًا من ال�ستة الذين كلفوا بجمع القران الكرمي يف عهد‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم الذي قال عن معاذ – ر�ضي اهلل‬ ‫عنه ‪« :-‬و أ�علمهم باحلالل واحلرام ( يف اال�سالم ) معاذ بن‬ ‫جبل»‪ .‬و أ�ن معاذ ًا �سيكون يف مقدمة العلماء جميع ًا يوم القيامة‪.‬‬ ‫وقبل أ�ن يرافق معاذ ًا أ�با عبيدة عامر بن اجلراح – ر�ضي اهلل‬ ‫عنهما – يف فتوحاته‪ ،‬ويخلفه من بعده‪ ،‬أ�ر�سله النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم قا�ضي ًا ومر�شد ًا ألهل اليمن‪ .‬و�شهد معاذ أ�ي�ضا بيعة‬ ‫العقبة بني النبي حممد و أ�ن�صاره من املدينة‪ .‬وقد تويف معاذ‬ ‫– ر�ضي اهلل عنه – وهو يف الثامنة والثالثني من عمره يف‬ ‫وادي أالردن‪ ،‬بعد أ�ن انق�ضت حياته الق�صرية يف تدري�س الدين‬ ‫والقران الكرمي‪ ،‬ويف أ�يامنا هذه‪ ،‬يقوم �ضريحه يف مبنى حديث‬ ‫تعلوه خم�س قباب‪ .‬وكان ال�صحابي اجلليل �شرحبيل بن ح�سنة‬ ‫– ر�ضي اهلل عنه – من بني أ�وائل امل�سلمني الذين هاجروا‬ ‫�إىل احلب�شة‪ .‬وقد عرف بتقواه‪ ،‬وذكائه‪ ،‬و�شجاعته‪ ،‬و�إرادته‬ ‫احلكيمة الناجحة‪ .‬وقد �شارك �شرحبيل بن ح�سنة بهمة عالية‬ ‫يف معركة الريموك وفتح بيت املقد�س‪ .‬وعندما أ�ر�سل اخلليفة‬ ‫أ�بو بكر ال�صديق – ر�ضي اهلل عنه – اجليو�ش ا إل�سالمية لفتح‬ ‫بالد ال�شام‪ ،‬كان �شرحبيل بن ح�سنة – ر�ضي اهلل عنه قائد ًا‬ ‫للجي�ش املكلف بفتح أالردن‪ .‬وفيما بعد‪ ،‬واله اخلليفة عمر بن‬ ‫اخلطاب – ر�ضي اهلل عنه – منطقة وا�سعة من بالد ال�شام‬ ‫حيث متيز بعدله يف الرعية‪ .‬وقد أ��صيب بطاعون عموا�س يف‬ ‫اليوم الذي أ��صيب فيه بالطاعون ال�صحابي اجلليل أ�بو عبيدة‬ ‫عامر بن اجلراح ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫وال�صحابي اجلليل عامر بن أ�بي وقا�ص – ر�ضي اهلل عنه‬ ‫– هو �إبن خالة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬والرجل احلادي‬ ‫ع�شر يف ترتيب الذين اعتنقوا ا إل�سالم‪ .‬وكان مت�شبث ًا بدينه‪،‬‬ ‫�صابر ًا مثابر ًا‪ ،‬بالرغم من أ�ن أ�مه حمنة بنت أ�بي �سفبان بن‬ ‫حرب بن أ�مية أ�ق�سمت أ�ن تظل جال�سة حتت ال�شم�س احلارقة‬ ‫حتى يقوم عامر بانكار دينه اجلديد‪ .‬وهاجر �إىل احلب�شة‬ ‫وقاتل يف غزوة أُ�حد‪ .‬وك ِّلف من بعد بنقل ر�سائل من قادة اجلي�ش‬ ‫ا إل�سالمي �إىل اخلليفة يف املدينة‪ .‬و�إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬كان نائب ًا‬ ‫لل�صحابي اجلليل أ�بي عبيدة – ر�ضي اهلل عنه‪ -‬يف واليته على‬ ‫منطقة �سوريا الع�سكرية‪ .‬وميكنك زيارة �ضريحه – ر�ضي اهلل‬ ‫عنه – يف املبنى اجلديد الذي أ�قيم فوق أالقبية يف قرية وقا�ص‬

‫‪94‬‬

‫يف �شمال أالردن‪.‬‬ ‫أ�ما ال�صحابي اجلليل �ضرار بن أالزور – ر�ضي اهلل عنه‬ ‫– فقد كان �شاعر ًا وفار�س ًا و�شجاع ًا يع�شق القتال‪ ،‬وقد �شارك‬ ‫يف حروب الردة‪ ،‬ويف فتح بالد ال�شام مع �شقيقته املتميزة خولة‬ ‫بنت أالزور‪ .‬ويف مدينة دير عال يقوم م�سجد تعلوه قبة وي�ضم‬ ‫�ضرار بن أالزور – ر�ضي اهلل عنه – و أ��سكنه ف�سيح جنانه‪،‬‬ ‫الذي تويف أ�ي�ض ًا بطاعون عموا�س يف ال�سنة الثامنة ع�شرة‬ ‫للهجرة‪.‬‬ ‫ال�سلط‪ :‬أ�ر�ض حمن أ‬ ‫النبياء‬ ‫ويف ال�سلط وحولها العديد من أ��ضرحة البارزين من‬ ‫امل�سلمني ومن ا آلخرين الذين ورد ذكرهم يف القران الكرمي‪.‬‬ ‫ففي داخل م�سجد حديث يف وادي �شعيب يقوم مقام النبي‬ ‫�شعيب –عليه ال�سالم‪ -‬وهو من قبيلة مدين ووالد زوجة النبي‬ ‫مو�سى عليه ال�سالم‪ ،‬و�إليه التج أ� مو�سى عليه ال�سالم بعد أ�ن‬ ‫قتل م�صري ًا خطئ ًا‪ .‬وقد وعظ قومه تكرار ًا حول وحدانية اهلل‬ ‫ودعاهم �إىل التخلي عن ممار�ساتهم مثل قيامهم ببخ�س النا�س‬ ‫أ��شياءهم التي يبيعونها لهم بالغ�ش واخلداع‪ .‬ويف م�سجد �إىل‬ ‫الغرب من ال�سلط‪ ،‬وعلى تلة حتمل ا�سمه‪ ،‬يقوم مقام النبي‬ ‫يو�شع عليه ال�سالم وقد كان فتى النبي مو�سى عليه ال�سالم‪،‬‬ ‫وخليفته من بعده‪ .‬وقاد النبي يو�شع عليه ال�سالم جي�ش ا�سباط‬ ‫�إ�سرائيل يف غزوة إلر�ض فل�سطني‪ .‬و�إىل اجلنوب الغربي من‬ ‫ال�سلط ويف منطقة ت�سمى خربة أ�يوب ت�شري ا�سا�سات مبنى قدمي‬ ‫�إىل املكان الذي دفن فيه النبي أ�يوب عليه ال�سالم‪ ،‬الذي ورد‬ ‫ذكره يف القران الكرمي أ�ربع مرات‪ .‬وقد منحه �صربه و�إميانه‬ ‫أال�سطوريان القوة والعزم لتحمل امل�صاعب اجل ّمة‪ .‬وقد �صرب‬ ‫النبي أ�يوب عليه ال�سالم �صرب ًا جمي ًال ف آ�تاه اهلل تعاىل رحمة‬ ‫من عنده‪ ،‬كما ورد يف القران الكرميو أ�يوب �إذ نادى ربه أ�ين‬ ‫م�سني ال�ضر و أ�نت أ�رحم الراحمني‪}.‬فا�ستجبنا له فك�شفنا‬ ‫مابه من �ضر و أ�تيناه و أ�هله ومثلهم معهم رحمة من عندنا‬ ‫وذكرى للعابدين{‪ ( .‬االنبياء‪)84-83:‬‬ ‫وت�شري جمموعة من احلجارة �إىل �ضريح ال�صحابي‬ ‫اجلليل مي�سرة بن م�سروق العب�سي – ر�ضي اهلل عنه املدفون‬ ‫غرب ال�سلط يف بلدة العار�ضة‪ .‬وقد �شهد حجة الوداع للنبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬و�شارك يف معركة الريموك وفتح بالد‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫ال�شام‪ .‬وكلف يف العام الع�شرين للهجرة قيادة جي�ش متكن‬ ‫بنجاح من مهاجمة الروم‪ ،‬وبذلك كان أ�ول جي�ش للم�سلمني‬ ‫يدخل أ�ر�ض الروم‪.‬‬ ‫�إربــــــــــــــد‪ :‬أ�ر�ض االنت�صارات‬ ‫ويف �إربد التي فتحها �شرحبيل بن ح�سنة عام ‪636‬هـ التقى‬ ‫اجلي�ش البيزنطي مع اجلي�ش ا إل�سالمي يف معركة الريموك يف‬ ‫�آب ( أ�غ�سط�س) عام‪639‬م‪ .‬ويقوم هذا املوقع الذي جرت فيه‬ ‫املعركة على �ضفاف نهر الريموك يف الطرف ال�شمايل أ‬ ‫للردن‪.‬‬ ‫وكان عدد أ�فراد اجلي�ش البيزنطي يفوق كثري ًا عدد أ�فراد‬ ‫اجلي�ش ا إل�سالمي‪ ،‬ولكن القائد خالد بن الوليد ر�ضي اهلل عنه‬ ‫قاد امل�سلمني �إىل الن�صر‪ .‬ومكنت هذه املعركة امل�سلمني من‬ ‫ال�سيطرة على بالد ال�شام‪.‬‬ ‫ويف املزار ال�شمايل‪ ،‬قرب �إربد مقام للنبي داود عليه‬ ‫ال�سالم‪ .‬وعندما كان طف ًال‪ ،‬ق�ضى على جالوت‪ ،‬وخلف �شا ؤ�ول‬ ‫وا�صبح بعده امللك الثاين إل�سرائيل‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬ف�إن داود‬ ‫عليه ال�سالم كان أ�حد الر�سل الذين أ�وحي �إليهم‪ .‬وقد ق�ضى‬ ‫داود بع�ض الوقت يف أالردن عندما كان على خالف مع �شا ؤ�ول‪،‬‬ ‫ومن بعد عندما كان يقود احلمالت‪.‬‬ ‫يقع �ضريح ال�صحابي اجلليل أ�بي الدرداء – ر�ضي اهلل‬ ‫عنه – داخل مبنى حديث يف قرية �سوم ال�شناق قرب �إربد‪.‬‬ ‫كان بني أالكرث تقوى و�إخال�ص ًا يف ال�صحابة‪ ،‬وا�شتهر بقربه‬ ‫با�ستمرار من النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ .‬وعرف أ�بو الدرداء‬ ‫– ر�ضي اهلل عنه ب أ�نه قد تفوق على جميع من حوله يف حفظ‬ ‫أ�حاديث النبي ونقلها‪ .‬وا�شرتك يف احلمالت الع�سكرية و ُّعني‬ ‫من بعد والي ًا ملقاطعة البحرين‪.‬‬ ‫و أ�م قي�س تعادل يف أ�هميتها بيال بني مدن الديكابول�س‪،‬‬ ‫وكانت تعرف قدميا با�سم جدارا‪.‬‬ ‫وقد ا�شتهرت يف أ�يام جمدها كمركز ثقايف‪ ،‬وكانت أ�م قي�س‬ ‫موطنا للعديد من ال�شعراء والفال�سفة مثل ثيودورو�س الذي‬ ‫و�صفها ب أ�نها أ�ثينا اجلديدة‪ .‬وتقوم أ�م قي�س على تلة رائعة‪،‬‬ ‫وفيها �شرفة على �صف مبهرمن أالعمدة آلثار م�سرحني‪،‬‬ ‫تطل على وادي أالردن‪،‬وعلى بحر اجلليل ( بحرية طربيا )‬ ‫ومرتفعات اجلوالن‪ .‬وقد اجرتح عي�سى امل�سيح عليه ال�سالم‬ ‫معجزة اخلنزير اجلداري ال�شهرية هنا‪.‬‬

‫وعلى ر أ��س تلة‪ ،‬على مقربة من جر�ش‪ ،‬ميكنك زيارة مقام‬ ‫النبي هود عليه ال�سالم‪ .‬وهنا ن�شاهد م�سجداحديثا ي�ضم كهف ًا‬ ‫يظنّ أ�ن النبي هود عليه ال�سالم دفن فيه‪ .‬وقد بعث به اهلل‬ ‫تعاىل �إىل قبيلة عاد ليحذرهم ويدعوهم �إىل عبادة اهلل الواحد‬ ‫أالحد بدل أ��صنامهم‪ .‬وال�سورة احلادية ع�شرة يف القران‬ ‫الكرمي �سميت با�سم النبي هود عليه ال�سالم‪.‬‬ ‫الق�صور أ‬ ‫الموية‪ :‬جمد تليد‬ ‫نقل معاوية بن أ�بي �سفيان اخلليفة أالموي (‪-667‬‬ ‫‪750‬م)عا�صمة االمرباطورية اال�سالمية من املدينة املنورة‬ ‫�شما ًال �إىل دم�شق‪ .‬ومن دم�شق‪ ،‬تو�سعت االمرباطورية اال�سالمية‬ ‫ب�صورة هائلة‪ .‬و أ�عطى أالمويون للعامل عدد ًا من املوروثات‬ ‫املعمارية مبا يف ذلك قبة ال�صخرة امل�شرفة يف القد�س‪ .‬وم�سجد‬ ‫بني أ�مية الكبري يف دم�شق‪ .‬وقد بنوا يف ال�صحراء أالردنية‬ ‫مق�صورات‪ ،‬وهي مليئة أ‬ ‫بالر�ضيات الف�سيف�سائية‪ ،‬واللوحات‬ ‫اجل�صية‪ ،‬واجل�ص املنحوت الذي ي�صور النا�س‪ ،‬واحليوانات‪،‬‬ ‫واالحداث‪ ،‬والنماذج‪ ،‬وتتعاىل الق�صور ال�صحراوية �شاهد ًا‬ ‫على الفن اال�سالمي املبكر أالخاذ واال�صيل‪.‬‬ ‫وقد كانت الق�صور ال�صحراوية منتجعات للخلفاء‬ ‫أالمويني يلوذون بها بعيدا عن �صخب حياة املدينة‪ ،‬وللحفاظ‬ ‫على عالقة وثيقة مع القبائل التي كان اخللفاء بحاجة لدعمها‪.‬‬ ‫و أ�قيمت املباين أ�ي�ضا على أ�را�ض زراعية ممتدة مروية بكثافة‪،‬‬ ‫�صاحبتها يف أ�حيان كثرية بنى مائية متنوعة‪ ،‬ومن هنا كانت‬ ‫مراكز إل�ستعماالت زراعية‪ .‬وقد غدت بع�ض البنى مبثابة‬ ‫ا�سرتحات للزوار العابرين يف طريقهم �إىل احلجاز‪.‬‬ ‫وميكن زيارة الق�صور ال�صحراوية‪:‬اخلرانة‪ ،‬وامل�شتى‪،‬‬ ‫والق�سطل‪ ،‬والطوبة‪ ،‬واحلالبات‪ ،‬واملوقر‪ ،‬وحمام ال�سراة‪،‬‬ ‫وعمرة (الذي �صنفته اليون�سكو اثرا عامليا ) يف رحلة بال�سيارة‬ ‫من عمان ت�ستغرق يوما واحد ًا على طرق حديثة ممهدة‪.‬‬ ‫البرتاء‪ :‬أ�عجوبة الدنيا الثانية‬ ‫�إن أ�عظم كنوز أالردن هي مدينة البرتاء النبطية الفريدة‪.‬‬ ‫وهي من املواقع التي �صنفتها اليون�سكو ك أ�ثر عاملي‪ ،‬والتي‬ ‫ت�ستقطب الزوار من جميع أ�رجاء العامل‪ .‬ولتدخل البرتاء عليك‬ ‫أ�ن متر من خالل ال�سيق‪ ،‬ذلك ال�شق ال�صحراوي ال�ضيق الذي‬ ‫ميتد طوله حوايل الكيلومرت‪ ،‬ت�سري فيه حماطا بجدار �صخري‬

‫‪95‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫منيف ي�صل ارتفاعه �إىل �سبعني مرت ًا‪ ،‬مما يجعل البرتاء واحدة‬ ‫من أ�ف�ضل املدن حماي ًة على مر الع�صور‪ .‬ور ؤ�ية اخلزنة الرائعة‬ ‫يف نهاية ال�سيق جتربة فريدة من نوعها‪ .‬وقد حفر االنباط‬ ‫هذا ال�ضريح امللكي الهائل بال�صخر أال�صم يف واجهة اجلبل‪.‬‬ ‫وعندما ت�ستك�شف بقية انحاء البرتاء املحفورة يف ال�صخور‬ ‫الوردية‪ ،‬تبدى لك ال�سبب يف ت�سميتها(املدينة الوردية)‪.‬‬ ‫وعلى قمة جبل النبي هارون عليه ال�سالم يقوم مقامه‬ ‫عليه ال�سالم وهو أ�خ النبي مو�سى عليه ال�سالم وقد ا�ستجاب‬ ‫اهلل تعاىل لرجاء مو�سى عليه ال�سالم ب أ�ن يجعل هارون عليه‬ ‫ال�سالم وزيره‪ .‬وترك مو�سى عليه ال�سالم هارون عليه ال�سالم‬ ‫لينوب عنه عندما توجه ليكلم الباري جلت قدرته قرب جبل‬ ‫�سيناء‪ ،‬بعد ان وعد قومه ب أ�ن يقدم لهم التوراة د�ستور ًا‬ ‫وم�ستند ًا قانونيا لهم‪ .‬وقد تويف هارون عليه ال�سالم قبل مو�سى‬ ‫عليه ال�سالم وهو االخ أالكرب‪ ،‬وطبوغرافية �ضريح هارون عليه‬ ‫ال�سالم تطابق متام ًا الروايات التقليدية التي وردت يف الرتاث‬ ‫اال�سالمي والتوراة عن دفنه عليه ال�سالم‪.‬‬ ‫الطفيلة‪ :‬أ�ر�ض الكرامة‬ ‫لل�صحابي اجلليل جابر بن عبد اهلل أالن�صاري – ر�ضي‬ ‫اهلل عنه – الذي أ�حبه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كثري ًا‪ ،‬مقام‬ ‫يف الطفيلة‪ .‬وقد �شارك يف ت�سعة ع�شرة حملة ع�سكرية وكان‬ ‫اىل جانب النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم أ�ثناء فتح مكة‪.‬‬ ‫وروى الكثري من االحاديث عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬ ‫و�شهد العديد من االحداث واملعجزات اىل جانب النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫وق�ضى أ�يامه االخرية يحا�ضر يف حلقة من طالبه يف‬ ‫امل�سجد النبوي يف املدينة املنورة‪.‬‬ ‫وبالقرب من الطفيلة اي�ضا مقام النبي �شيت عليه ال�سالم‬ ‫أالبن الثالث للنبي أ�دم عليه ال�سالم‪ ،‬الذي ين�سب �إليه ابتكار‬ ‫الفنون واحلرف‪.‬‬ ‫كما يوجد على مقربة من الطفيلة‪ ،‬قرب حمامات عفرا‪،‬‬

‫‪96‬‬

‫مقام فروة بن عمرو اجلذامي ر�ضي اهلل عنه‪ .‬وكان حاكم‬ ‫منطقة معان يف العهد الروماين – البيزنطي حتى �صلبه‬ ‫البيزنطيون (الروم) العتناقه ا إل�سالم‪.‬‬ ‫وبعث النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ال�صحابي اجلليل‬ ‫احلارث بن عمري أال�سدي –ر�ضي اهلل عنه‪ -‬حام ًال ر�سالة‪،‬‬ ‫�إىل حاكم ب�صرى ال�شام (يف �سوريا) يدعوه فيها اىل اال�سالم‪.‬‬ ‫وعندما و�صل احلارث – ر�ضي اهلل عنه – �إىل الطفيلة‪ ،‬قب�ض‬ ‫عليه �شرحبيل بن عمرو الغ�ساين حاكم منطقة م ؤ�تة وقطع‬ ‫ر أ��سه‪ ،‬وكانت هذه احلادثة أ�حد أال�سباب التي أ�دت اىل جتهيز‬ ‫احلملة الع�سكرية اال�سالمية ومعركة م ؤ�تة ال�شهرية‪ .‬ويف مبنى‬ ‫حديث على م�سافة ع�شرين كيلو مرت ًا جنوب الطفيلة‪ ،‬ميكنك‬ ‫زيارة �ضريح املبعوث الوحيد لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫الذي ا�ست�شهد أ�ثناء قيامه مبهمته‪.‬‬ ‫جنوب االردن‬ ‫يف اجلزء اجلنوبي من أالردن‪ ،‬وقرب ر أ��س النقب‪ ،‬تقع‬ ‫احلميمة موقع قاعدة أال�سرة العبا�سية‪ ،‬واملوقع الذي خطط‬ ‫لعملية ا�ستيالئهم على اخلالفة ا إل�سالمية من أالمويني‪.‬‬ ‫وبعث النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ال�صحابي اجلليل كعب‬ ‫بن عمري الغفاري – ر�ضي اهلل عنه – �إىل قبيلة ق�ضاعة يف‬ ‫جنوب أالردن ليدعوهم �إىل ا إل�سالم‪ ،‬ولكنهم قتلوه ومن معه‪،‬‬ ‫ويقوم مقامه يف ال�سلمانية‪ ،‬يف مقاطعة الطفيلة‪.‬‬ ‫ويف منت�صف الطريق بني احلجاز و�سوريا‪ ،‬على تلة تقع يف‬ ‫أ�ذرح‪ ،‬بني معان وال�شوبك‪ ،‬يقع جبل التحكيم‪ .‬وهنا‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫اجلبل بعد معركة �صفني‪ ،‬اجتمع أ�بو مو�سى أال�شعري – ر�ضي‬ ‫اهلل عنه ممثال اخلليفة علي بن أ�بي طالب – ر�ضي اهلل عنه‬ ‫– بعمرو بن العا�ص‪ -‬ر�ضي اهلل عنه – ممثال معاوية بن‬ ‫أ�بي �سفيان‪ ،‬يف جمل�س حتكيم‪ .‬وكان اجلانبان قد وافقا على‬ ‫التحكيم حل�سم نزاعهما‪ .‬و�إىل ال�شمال من مدينة معان جبل‬ ‫ي�سمى جبل اال�شعري‪ ،‬وعليه مقام ألبي مو�سى أال�شعري ر�ضي‬ ‫اهلل عنه‪.‬‬


‫ة‬ ‫الوسسطي أ‬

‫دبيات �إ�سالمية‬ ‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسس �تقلة‬ ‫و�سطية اال�سالم‬ ‫�شعر‪� :‬إح�سان حممود الفقيه‬ ‫و�������س������ط������ي������ ُة ا إل�������������س������ل�����ام �������س������ـ������ ُّر ب�����ه�����ائ�����ـ�����ـِ����� ِه‬ ‫�����ل‬ ‫�������ج م�����ت�����ك�����ام�����ـ�����ـ ٍ‬ ‫و���������س��������ط��������ي�������� ُة يف م�������ن�������ه�������ـ ٍ‬ ‫ف������ال������ع������ق������ ُل ي�����������س�����ع�����ى ل�����ل�����ح�����ق�����ي�����ق����� ِة دا ِئ������م������ـ������ـ������ ًا‬ ‫��������ب ي������ع������ط������ي ل�������ل�������ه�������وى م�����ي�����ث�����ا َق�����ـ����� ُه‬ ‫ال ال��������ق��������ل ُ‬ ‫دي���������������نٌ ح������ن������ي ٌ‬ ‫������ف م�����������������ش��������ر ٌق‪ِ ،‬م���������������نْ ف������و ِق������ـ������ ِه‬ ‫ن���������ب َ‬ ‫���������ذ ال���������ت���������ط���������ـ��������� ُّر َف وال��������غ��������ل��������ـ�������� َّو ألنَّ����������ـ���������� ُه‬ ‫روح امل��������ح��������ب�������� ِة وا ُّل������ت������ق������ـ������ى‬ ‫ودع����������ـ����������ا اىل ِ‬ ‫�����������ي ن�����ع�����ي َ‬ ‫�����������ش أ� ِع������������������� َّز ًة‬ ‫ف�������االم�������ـ������� ُر ���������ش��������ورى ك ْ‬ ‫ـ����ل���ام َأ�نْ َن���������س����ع����ـ����ى �إىل‬ ‫و������س�����ط�����ي����� ُة اال���������س��������‬ ‫ِ‬ ‫ن�����ع�����ط�����ي احل��������ي��������ـ��������ا َة ح�����ق�����وق�����ه�����ا ون�����������ص�����و َن�����ـ�����ه�����ا‬ ‫������ر ال��������ذي‬ ‫������ب ب������ال������ذك������ـ ِ‬ ‫ون���������������ض�������ي ُء ه����������ذا ال������ق������ل َ‬ ‫���������������ب دي�������د ُت�������ـ�������ن�������ا ن�����ن�����������ش�����ـ����� ُر ع����ق����ـ����ي����ـ����ـ����د ٍة‬ ‫احل‬ ‫ُّ‬ ‫������������������روب ور َّوج���������ـ���������وا‬ ‫م����������نْ ا������ش�����ع�����ل�����وا ه����������ذي احل‬ ‫َ‬ ‫درب ال�������ر��������ش�������ا ِد و�����ش���� َّو�����ش����ـ����وا‬ ‫م���������نْ ������ض�����يَّ�����ع�����وا َ‬ ‫ـ����ل���ام انْ ن�������دع�������ـ�������وا اىل‬ ‫و������س�����ط�����ي�����ـ����� ُة اال���������س��������‬ ‫ِ‬ ‫واذا ال���������ث���������را ُء ا�������ص������اب������ـ������ َن������ا ب����ن����ع����ي����م����ـ����ـ����ـ����ـِ���� ِه‬ ‫������اح������ـ������ـ������ ٌد‬ ‫واذا تَ������� َن�������ـ�������كَّ�������ر َل����ل���اخ��������ـ��������ـ�������� ِو ِة ج ِ‬ ‫ـ��ل��ام ل����ق����ت����ـ���� ِل����ـ���� ِه‬ ‫واذا ت�������������ص������ـ������دى ل�����ل�����������س�����ـ����� ِ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل خ������ال������ ُق������ـ������ـ������ن������ا وم���������ال���������ـ ُ‬ ‫�����رن�����ـ�����ـ�����ـ�����ا‬ ‫���������ك ام ِ‬ ‫ي�������دع�������ـ�������و اىل و�������س������ط������ـ������ي������ـ������ ٍة ب������ن������ـ������ـ������ـ������ـ������ا َء ٍة‬

‫ُ‬ ‫��������������دل رم���������������������� ُز وج��������������������ـ��������������������و ِد ِه وب�����������ق�����������ا ِئ����������� ِه‬ ‫وال��������������ع��������������ـ‬ ‫��������������ق حت������������������تَ ل���������وائ���������ـ���������ـِ��������� ِه‬ ‫ل��������ت���������‬ ‫��������ض��������م ك������������������ َّل اخل��������������ل ِ‬ ‫َّ‬ ‫��������������������������روح رج������������ا ِئ������������ـ������������ ٍِه‬ ‫������������ب م�������������������ش���������غ���������و ٌل ب‬ ‫وال������������ق������������ل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال ال����������ع����������ق���������� ُل ي���������������ش�������ق�������ى يف َل�����������ظ�����������ى غ���������ل���������وا ِئ���������ـ��������� ِه‬ ‫ُ‬ ‫���������������وط ��������ض�������ي�������ا ِئ�������ـ�������ـ�������ـ������� ِه‬ ‫������������ت خ���������������ي‬ ‫اوحت���������������ت���������������ه مل������������ع ْ‬ ‫ي�����������ن�����������ح�����������ا ُز ل�����ل����ان���������������������س����������ـ����������انِ يف �آرائ������������ـ������������ـ������������ـِ������������ ِه‬ ‫احل���������������������������قِّ يف �آال ِئ������������ـ������������ـ������������ ِه‬ ‫َّ����������ـ�����ل����ام‬ ‫واىل ال���������������������س‬ ‫ِ‬ ‫وي����������ت����������ي���������� َه ه�����������������ذا ال���������������ك���������������ونُ يف َن�������� ْع��������م��������ائ��������ـِ��������ـ�������� ِه‬ ‫����������ل يف ُر ؤ�ى اي��������ح��������ا ِئ��������ـ��������ـ�������� ِه‬ ‫ه�����������������ذا ال����������ت����������ك����������ام ِ‬ ‫ِّ‬ ‫�����������ق ب��������ب����ل���ا ِئ��������ـ��������ـ�������� ِه‬ ‫ِم������������������������نْ ك‬ ‫�������������������ل �������������ش������������ ٍّر م�����������اح�����������ـ ٍ‬ ‫ؤ‬ ‫�������������������ا ُد ل������������ن������������ـ������������و ِر ِه و��������ص�������ف�������ا ِئ�������ـ�������ـ������� ِه‬ ‫ي�������ه�������ف�������و ال������������������ف‬ ‫���������س��������م��������ح�������� َاء حت��������م��������ي ال�������������ك�������������ونَ ِم�������������������نْ ُح��������م��������ق��������ا ِئ�������� ِه‬ ‫�������م ن������ق������ا ِئ������ـ������ـ������ـ������ ِه‬ ‫مل����������������ب����������������اديءٍ َم�����������������������س ْ‬ ‫َّ�����������ت ��������ص�������م�������ي َ‬ ‫������������م ع���������ل���������ى ح�������ك�������م�������ائ�������ـ�������ـِ������� ِه‬ ‫ب���������������رم���������������ا ِد ب‬ ‫ِ‬ ‫������������اط������������لِ������������هِ ْ‬ ‫�����������������ل ب���������رخ���������ا ِئ���������ـ���������ـ��������� ِه‬ ‫���������ل راف�����������������ـ‬ ‫ٍ‬ ‫ك������������������������ونٍ ج���������م���������ي���������ـ ٍ‬ ‫ُج����������������دْ ن����������������ا مب������������ـ������������دِّ ي������������ـ������������دٍ اىل ف���������ق���������رائ���������ـ���������ـِ��������� ِه‬ ‫ُق����������م���������� ْن����������ـ����������ا ل����������ن����������دع����������ـ����������وا ك���������ل��������� ُّن���������االخ���������ا ِئ���������ـ���������ـ��������� ِه‬ ‫����������ص����������ارع����������ـ���������� ُه ع���������ل���������ى اح��������ي��������ا ِئ��������ـ��������ـ�������� ِه‬ ‫ُق���������� ْم����������ن����������ا ن�����������‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫���������������اك يف ع��������ل��������ي��������ا ِئ��������ـ��������ـ�������� ِه‬ ‫ج������������������� َّل االل�����������������ـ����������������� ُه ه���������������ن‬ ‫و أُ�خ������������������������ـ������������������������ َّو ٍة ت���������رن���������ـ���������و اىل �إر�����������ض����������ا ِئ����������ـ����������ـ���������� ِه‬

‫‪97‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬

‫الر�سالة اخلالدة‬ ‫�سهاد علي جرب‬

‫�إن هذا الدين الذي ارت�ضاه اهلل عز وجل ليكون خامتة الر�سالت ال�سماوية ماوجد �إال ليبقى رغم كيد‬ ‫ال�سالم‬ ‫الكافرين وعبث العابثني‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬اليوم أ�كملت لكم دينكم و أ�متمت عليكم نعمتي ور�ضيت لكم إ‬ ‫دينا}‪ .‬أ�ن هذا الدين العظيم يحمل يف طياته أ��سباب اخللود والبقاء‪ ،‬فهو رباين امل�صدر �شامل كامل متوازن‬ ‫ال به‪ ،‬هو باخت�صار منهج حياة‪.‬‬ ‫واقعي و�سطي �صالح لكل زمان ومكان‪ ،‬بل قل ال ي�صلح الزمان وال املكان إ‬

‫�إن هذا الدين العظيم الرباين أ��ستطاع أ�ن يعيد �إىل‬ ‫وللن�سان �إن�سانيتة التي أ�و�شكت أ�ن تندثر‪،‬‬ ‫الب�شرية توازنها إ‬ ‫فكان رحمة للنا�س كافة م ؤ�منهم وكافرهم‪ ،‬فواهلل ما �شقيت‬ ‫الب�شرية وال انحرفت فطرتها �إال عندما تخلى امل�سلمون عن‬ ‫دينهم‪ ،‬حينما ح�صروا هذا املنهج الكامل يف حلية و�سواك ونقا�ش‬ ‫مقيت يف فرعيات ال ت�سمن وال تغني من جوع‪ ،‬متجاهلني بذلك‬ ‫أ�نهم حملة الر�سالة اخلالدة وورثة أالنبياء يف التبليغ‪ ،‬ف�ضيعوا‬ ‫وا�ضاعوا‪ ،‬هبطوا من القمة �إىل القاع‪ ،‬ور�ضوا باملنزلة الدنيا‬ ‫بعدما كانوا �سادة العامل باحلق‪ ،‬تغافلوا عن أ�ن هلل �سنن ًا ثابتة‬ ‫ال تتغري يف كونه‪ ،‬و أ�نهم ما جعلوا خري أ�مة �إال إلنهم ي أ�مرون‬ ‫باملعروف وينهون عن املنكر‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬كنتم خري أ�مة‬ ‫أ�خرجت للنا�س ت أ�مرون باملعروف وتنهون عن املنكر }‪ .‬ف أ�م�ست‬

‫‪98‬‬

‫الب�شرية بت�ضييع امل�سلمني لدينهم مري�ضة عليلة قتل وحروب‪،‬‬ ‫ووقار القوي ميت�ص دم ال�ضعيف دولة و أ�فراد ًا‪ ،‬و أ��صبح اال�سالم‬ ‫غريب ًا بني أ�هله‪ ،‬حتاول الب�شرية املعذبة أ�ن توجد من أالنظمة‬ ‫واملناهج ما ي�صلح حالها‪ ،‬ف أ�خذت ت�شرع وتقنن‪ ،‬فتاه النا�س بني‬ ‫�شيوعية ور أ��س مالية ومادية مقيتة و�إحلاد‪ ،‬وازداد أالمر �سوء ًا‬ ‫وا�شتد املر�ض حتى باتت الب�شرية حتت�ضر‪.‬‬ ‫الدواء بني أ�يديكم « أ�يها امل�سلمون « ال عذر لكم أ�مام‬ ‫اهلل على تقاع�سكم‪ ،‬هذا دين عظيم أ�تباعه يجب أ�ن يكونوا‬ ‫عظماء‪ ..‬و�شرف االن�سان من �شرف ر�سالته يف احلياة‪ ،‬فهال‬ ‫اتقيتم اهلل وقدرمت نعمته التي وهبكم �إياها بني ا ُيديكم جوهرة‬ ‫مغطاة بالرتاب؟! وه ّال �شمرمت عن �سواعدكم ونف�ضتم عنها‬ ‫الرتاب؟!‬


‫الوسسطية‬

‫ن�شاطات ومتابعات‬ ‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫• عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة وبالتعاون مع جمعية‬ ‫احلديث ال�شريف ندوة علمية بعنوان « البعد ا إلن�ساين يف‬ ‫�شخ�صية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم « وذلك يوم ال�سبت‬ ‫‪ 2007/7/21‬يف مقر املنتدى‪.‬‬ ‫ويف بداية اجلل�سة أ�لقى الدكتور حممد اخلطيب ع�ضو الهيئة‬ ‫االدارية يف املنتدى كلمة رحب فيها باحل�ضور‪،‬و أ�كد أ�همية‬ ‫انعقاد مثل هذه الندوات لتو�ضيح �سرية النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪،‬و أ�ن هذه الندوة ت أ�تي �ضمن �سل�سلة ن�شاطات‬ ‫املنتدى الثقافية وقال اخلطيب‪�:‬إن هذه الندوة جاءت‬ ‫يف زمن كرث فيه الظلم وا إل�ستبداد عن النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم قدوة الب�شريه يف �إن�سانيته التي تتعلم‬ ‫منها الب�شرية اىل يوم الدين‪،‬و أ��شار اىل أ�نها ا إلن�سانية‬ ‫العظيمة النابعة من الرحمة والتوا�ضع‪،‬تلك التي ال‬ ‫تنطلق من امل�صالح ال�سيا�سية وال�شخ�صية و�إمنا تنطلق‬ ‫من قيمة ا إلن�سان مهما كان لونه أ�و دينه أ�و جن�سه‪.‬‬ ‫ومن ثم حتدث رئي�س جمعية احلديث ال�شريف‬ ‫الدكتور �سلطان العكايلة عن أ�همية الندوة و أ�همية‬ ‫البحث يف �سرية الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫وعقدت الندوة على جل�ستني نوق�شت يف اجلل�سة االوىل ثالثة‬ ‫أ�بحاث أالول بعنوان» حماية البيئة من منظور �إ�سالمي»‬ ‫وقدمه الدكتور حممد الق�ضاة والدكتور هايل داوود‪ ،‬وجاءت‬ ‫هذه أالبحاث لت ؤ�كد على �إن�سانية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫يف تعامله مع البيئة بجميع عنا�صرها املتمثلة يف أالر�ض‬ ‫وطريقة رفقه وحر�صه على احليوانات واملاء والنباتات‪.‬‬ ‫أ�ما البحث الثاين فهو بعنوان «�إن�سانية النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يف تعامله مع اال�سرى‬ ‫«�إعداد الدكتور عطااهلل املعايطة‪،‬والبحث الثالث‬ ‫بعنوان»العالقات الدولية من �آثار الرحمة النبوية‬ ‫يف ال�سفارة والر�سل»�إعداد الدكتور �شاكر العاروري‪.‬‬ ‫وحتدثت هذه أالبحاث عن �إن�سانية النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم يف عالقاته االجتماعية �سواء مع بيته أ�و كيفية‬ ‫معاملته لل�شيوخ وكبار ال�سن‪،‬وعالقته باجلريان و أ�خالقه‬ ‫يف التعامل معهم‪،‬وماذا تعني له املر أ�ة وكيف كان النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يتعامل مع أ��صحابه‪،‬وماذا كان‬ ‫يعني له املر�ضى وذوي االحتياجات اخلا�صة أ‬ ‫والطفال‬ ‫واخلدم والعمال واحرتام النف�س ا إلن�سانية بعد املوت‪.‬‬

‫كما ت�ضمنت اجلل�سة الثانية مناق�شة ثالث أ�وراق عمل‬ ‫أالوىل بعنوان»الهدي النبوي يف رعاية احلوار والقيام‬ ‫بحقوقه» من �إعداد الدكتور حممد عيد ال�صاحب‪،‬والثانية‬ ‫بعنوان»عناية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بالطفولة املبكرة‬ ‫على �ضوء حديث (يا أ�با عمري ما فعل النغري)» �إعداد‬ ‫الدكتور علي ابراهيم عجني‪،‬والثالثة بعنوان «ان�سانية النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم مع غري امل�سلمني يف ال�سلم واحلرب‬ ‫من خالل �ساحة املعركة» �إعداد الدكتور عدنان �شل�ش‪.‬‬ ‫وركزت هذه أالبحاث على �إن�سانية النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم مع غري امل�سلمني يف ال�سلم واحلرب‪،‬وكيف‬ ‫كان يعامل أالعداء يف �ساحة املعركة وكيف ي�ستفيد‬ ‫من أال�سرى وطريقة �سلوكه يف أ�خذ املواثيق والعهود‪.‬‬ ‫هذا وقد ح�ضر الندوة جمهور غفري من املهتمني ودار نقا�ش‬ ‫علمي معمق حول أ�وراق العمل‪.‬‬ ‫• �شارك املهند�س مروان الفاعوري رئي�س املنتدى وبدعوة‬ ‫من املعهد الدبلوما�سي االردين يف املحا�ضرة التي‬ ‫أ�لقاها الدكتور حيدر ابراهيم علي مدير مركز الدرا�سات‬ ‫ال�سودانية والتي كانت بعنوان « أ�زمة دارفور و أ�بعادها‬ ‫الدولية وموقف العرب منها « وذلك يوم االربعاء‬ ‫‪.2007/7/11‬‬ ‫• حتت رعاية معايل اال�ستاذ الدكتور عادل الطوي�سي وزير‬ ‫الثقافة وبالتعاون مع ال�سفارة املغربية �شارك املنتدى‬ ‫وبدعوة من رابطة االدب اال�سالمي العاملية يف ح�ضور‬ ‫افتتاح ا�سبوع االدب املغربي اال�سالمي يف االردن وذلك يف‬ ‫املركز الثقايف امللكي يوم الثالثاء ‪.2007/7/10‬‬ ‫• عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ور�شة عمل حول «‬ ‫مهارات العر�ض وااللقاء» وذلك يوم االحد ‪2007/7/1‬‬ ‫ح�ضرها عدد من أ�ع�ضاء جلنة �شباب املنتدى‪.‬‬ ‫• حتت رعاية عطوفة حمافظة اربد ومبنا�سبة فوز اربد‬ ‫مدينة للثقافة لعام ‪ 2007‬أ�قام منتدى الو�سطية للفكر‬ ‫والثقافة ‪ /‬فرع اربد حفل �إ�شهار املنتدى وذلك يوم ال�سبت‬ ‫‪ 2007/7/7‬يف القاعة الها�شمية بلدية اربد‪.‬‬ ‫• قامت جمموعة من �شباب كلنا االردن يف حمافظة البلقاء‬ ‫بزيارة لفرع املنتدى يف البقعة‪،‬حيث جرى حديث حول‬ ‫دور ال�شباب يف العمل التطوعي واخلريي ومت طرح أ�هداف‬ ‫املنتدى والتطلعات امل�ستقبلية للمنتدى و أ�هم ن�شاطاته‪،‬ومت‬

‫‪99‬‬


‫الوسسطية‬

‫فصصلية ‪ -‬إإسسالمية ‪ -‬مسستقلة‬ ‫توزيع الربو�شورات اخلا�صة باملنتدى عليهم‪.‬‬ ‫• ا�ست�ضاف منتدى الو�سطية ‪ /‬فرع البقعة عدد من‬ ‫املر�شحني لالنتخابات النيابية القادمة حيث دار احلديث‬ ‫حول الربامج اخلا�صة بهم وبع�ض الق�ضايا املهمه ومناق�شة‬ ‫احللول التي تهم املنطقة‪،‬ومت خالل اللقاء تعريف ب أ�هداف‬ ‫املنتدى ون�شاطاته‪،‬وقد ح�ضر اللقاء عدد كبري من اهايل‬ ‫املخيم والقرى املجاورة‪.‬‬ ‫• أ�قام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع ال�سلط مناظرة‬ ‫ملر�شحات انتخابات بلدية ال�سلط الكربى يف مقرالفرع‬ ‫حيث دار حوار بني املر�شحات وجمهور املدعوين حول الكوتا‬ ‫الن�سائية و�ضرورة دعم املر أ�ة للو�صول للمجل�س البلدي‪.‬‬ ‫• توا�صل اال�ستعدادت يف املنتدى لعقد امل ؤ�متر الدويل‬ ‫الثالث‪،‬حيث أ�كد عدد كبري من العلماء رغبتهم باحل�ضور‬ ‫وامل�شاركة يف هذا امل ؤ�متر‪ ،‬وتعقد اللجنة التح�ضريية‬ ‫للم ؤ�متر جل�سات متوا�صلة‪،‬حيث قامت اللجنة بتوزيع املهام‬ ‫الرئي�سية على االع�ضاء كل ح�سب اخت�صا�صه‪،‬وبا�شرت‬ ‫اللجنة بطباعة االبحاث وجتهيزها لتكون يف متناول‬ ‫ال�ضيوف القادمني للم ؤ�متر‪.‬‬ ‫• املوقع االلكرتوين‪:‬‬ ‫مت �إ�ضافة موا�ضيع جديدة و أ�بحاث تتعلق بالو�سطية و أ�وراق‬ ‫العمل املقدمة من قبل املنتدى مب�شاركاته بالندوات‬ ‫وور�شات العمل خالل هذا ال�شهر وكذلك تقارير عن‬ ‫ن�شاطاته يف مقره الرئي�سي والفروع‪.‬‬ ‫• بتنظيم من م ؤ��س�سة فريدري�ش ناومان واملركز العربي‬ ‫لتطوير حكم القانون والنزاهة وبرعاية معايل ال�سيد‬ ‫عمرو مو�سى االمني العام جلامعة الدول العربية �شارك‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري يف م ؤ�متر « ا�صالح القوانني‬ ‫بني الواقع والطموح « والذي عقد يف القاهرة بتاريخ ‪-27‬‬ ‫‪.2007/6/28‬‬ ‫�شارك املنتدى وبدعوة من املعهد امللكي للدرا�سات‬ ‫•‬ ‫الدينية ومركز الكواكبي للتحوالت الدميقراطية يف حفل‬ ‫افتتاح امل ؤ�متر التح�ضريي للم�سار غري احلكومي العربي‬ ‫لتجمع الدميقراطيات وذلك حتت رعاية �صاحب ال�سمو‬ ‫امللكي االمري احل�سن بن طالل‪،‬يوم االثنني ‪2007/6/18‬‬ ‫يف اجلمعية العلمية امللكية‪.‬‬ ‫• حتت رعاية �صاحب ال�سمو امللكي االمري احل�سن بن‬ ‫طالل رئي�س املجل�س االعلى للعلوم والتكنولوجيا‪�،‬شارك‬

‫‪100‬‬

‫•‬

‫•‬

‫•‬

‫•‬

‫•‬

‫•‬

‫املنتدى يف حفل تكرمي الفائزين بجائزة االمري ح�سن‬ ‫للتميز العلمي‪.‬‬ ‫عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ور�شة عمل بعنوان‬ ‫« القيم اال�سالمية املدنية يف املجتمع املعا�صر « وذلك‬ ‫لتدريب عدد من اع�ضاء املنتدى وتنمية مهاراتهم القيادية‬ ‫واالبداعية‪،‬وتناولت الور�شة مفاهيم يف خ�صو�صية‬ ‫القر�آن الكرمي والوعي والتطور الذاتي من مدخل علم‬ ‫النف�س‪،‬وا�سباب وا�ساليب النجاح‪،‬والوعي النقدي للذات‬ ‫ومهارات القيادة‪،‬وذلك يف فندق عمان ال�شام يف الفرتة‬ ‫من ‪.2007/6/30-29‬‬ ‫بدعوة من مركز االردن اجلديد للدرا�سات �شارك املنتدى‬ ‫يف مناق�شة م�سودة نظام العمل اخلا�ص بالتحالف املدين‬ ‫االردين من اجل دميوقراطية االنتخابات وذلك يوم ال�سبت‬ ‫‪.2007/6/23‬‬ ‫اقام منتدى الو�سطية ‪ /‬فرع البقعة ن�شاط ًا يوم‬ ‫‪ 2007/6/11‬مبنا�سبة عيد اال�ستقالل واجللو�س امللكي‬ ‫تخلله كلمة رئي�س الفرع وكلمة القطاع الن�سائي و أ�لقى‬ ‫عدد من ال�شعراء ق�صائد بهذه املنا�سبة الغالية‪،‬ويف نهاية‬ ‫احلفل مت توزيع اجلوائز للفائزين يف م�سابقة القر�آن‬ ‫الكرمي وم�سابقة اف�ضل مقال وق�صة وق�صيدة ور�سم التي‬ ‫اعلن عنها املنتدى بداية ال�شهر‪.‬‬ ‫�ضمن فعاليات اربد مدينة الثقافة االردنية لعام ‪2007‬‬ ‫اقام منتدى الو�سطية ‪ /‬فرع اربد حما�ضرة بعنوان «‬ ‫قانون االنتخابات البلدية « أ�لقاها املحامي زهاء املجايل‬ ‫من مركز عمان لدرا�سات حقوق االن�سان وذلك يوم االثنني‬ ‫‪ 2007/6/4‬يف مقر املنتدى وقد ح�ضرها عدد كبري من‬ ‫املهتمني واملتابعني‪.‬‬ ‫توا�صلت اال�ستعدادت يف املنتدى لعقد امل ؤ�متر الدويل‬ ‫الثالث حيث أ�كد عدد كبري من العلماء رغبتهم باحل�ضور‬ ‫وامل�شاركة يف هذا امل ؤ�متر‪،‬وقد عقد اللجنة التح�ضريية‬ ‫للم ؤ�متر عدة جل�سات‪.‬‬ ‫بتنظيم من م ؤ��س�سة فريدري�ش ناومان واملركز العربي‬ ‫لتطوير حكم القانون والنزاهة وبرعاية معايل ال�سيد‬ ‫عمرو مو�سى االمني العام جلامعة الدول العربية �شارك‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري يف م ؤ�متر « ا�صالح القوانني‬ ‫بني الواقع والطموح « والذي عقد يف القاهرة بتاريخ ‪-27‬‬ ‫‪.2007/6/28‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.