الوسسطية
ية -مسستقلة اسسالمية -وسسطية -فصصل
ت�صدر عن منتدى الو�سطية للفكر والثقافة
الوىل -العدد أ ال�سنة أ الول � -شعبان 1428هـ /أ�يلول 2007م
هيئة التحرير رئي�س التحرير املهند�س مروان الفاعوري مدير التحرير الدكتور حممد اخلطيب • ترحب املجلة مب�ساهمات وم�شاركات أالخوة الكتاب والعلماء واملفكرين • ما ين�شر يف هذا العدد يعرب عن �آراء الك ّتاب أ�نف�سهم وال يعك�س بال�ضرورة �آراء هيئة التحرير أ�و �سيا�سة املنتدى
عمان � -شارع اجلمعية العلمية امللكية -مقابل مدار�س اجلامعة النموذجية تلفون 00962 6 5356329فاك�س� 00962 6 5356349 :ص.ب 2149 :عمان 11941أالردن E.mail: moderation_assembly@yahoo.com Website: www.wastyea.com
حمتويات العدد
االفتتاحية درا�سات �إ�سالمية الفتوى املبا�شرة و أ�حكامها االفتاء عرب االنرتنت� :آفاق وعوائق �إن�سانية النبي (�ص) يف معاملة أال�سرى �إن�سانية النبي (�ص) مع غري امل�سلمني يف ال�سلم واحلربمن خالل �ساحة املعركة توجهات ا إلعالن العامليندوة العدد خطبة اجلمعة بني الواقع والطموحأ�ردنيات ر�سالة عمان :أالمل والطموح وا إلجناز ر�سالة عمان :م�ضامني وتوجهات ملاذا ر�سالة عمانو�سطيتنا آ ر ؤ�ية الواقع والعامل من خالل الخر الو�سطية يف البناء االجتماعي احلوار و أ��س�س جناحهحوار احل�ضارات آ ا إل�سالم والعالقة مع الخرأ��سريات يف جتديد اخلطاب الن�سوي املعا�صر القوامة بني الت أ��صيل ال�شرعي والعرف االجتماعي ملتقى الفتاةحوار العدد لقاء مع املن�سق العام للمنتدى العاملي للو�سطيةكتب وقراءات الو�سيط يف احل�ضارة ا إل�سالميةامل�سلمون اليوم امل�سلمون يف الواليات املتحدة أالمريكية :الواقعوالتحديات ا�ستطالع �إ�سالمي أ ال�سياحة الدينية يف الردنأ�دبيات �إ�سالمية و�سطية ا إل�سالم الر�سالة اخلالدةن�شاطات ومتابعات
رئي�س التحرير
3
د� .سلمان بن فهد العودة أ� .حممد �إبراهيم بدران د .عبداهلل املعايطة د .عدنان �آل �شل�ش
4 14 25 32
د .يا�سني املقو�سي
35
أ��سرة التحرير
40
أ�.د .حممد أ�حمد ح�سن الق�ضاة م .مروان الفاعوري �إبراهيم �ش ّبوح
47 49 51
د .وائل مريزا أ�.د .عبد احلليم عوي�س د .يا�سر ال�شمايل
53 57 63
د .مرمي �آيت أ�حمد
68
د .فريال العلي مروان أ�بو �صالح أ��سرة التحرير
72 75 79
أ��سرة التحرير
80
د .فايز الربيع
85
عبيدة فار�س
87
أ�حمد أ�بو دلو
90
�إح�سان حممود الفقيه �سهاد علي جرب أ��سرة التحرير
97 98 99
االفتتاحية... ي أ�تي ا�صدار العدد االول من هذه املجلة(الو�سطية) بعد �سنوات خم�س من عمر هذا املنتدى الذي التقى فيه الطموح أ والمل باالرادة والعمل .ولقد جاء هذا املنتدى على قدر مع اوجب االعمال واج ّلها وهو توجيه وتر�شيد الفعل اال�سالمي بحيث يبلغ مداه وي ؤ�تي ثماره بعيد ًا عن املفرطني او املغالني الذين اختطفوا اال�سالم وارادوا ان يقدموا لالمة بل للب�شرية �صورة مزيفة ال تعرب عن روح هذا الدين العظيم الذي كرمه اهلل به االن�سان وكرم الب�شرية ومنّ بها على الكون كله. }ولقد كرمنا بني �آدم وحملناهم يف الرب والبحر ورزقناهم من الطيبات وف�ضلناهم عن كثري ممن خلقنا تف�ضيال{ لقد جاء منتدى الو�سطية عد�سة ال ّمة تركز ال�ضوء وجتمعه بعد ان تبدد بفعل قوى الظالم على اختالفها بحيث يتعزز اخلري وتعظم االيجابيات .ون�سعى يف املنتدى اىل ان ن�صنع امل�سلم ال�صايف ب�صوفيته والعميق ب�سلفيته والعامل ب� ؤش�ون بوقته ،امل�سلم الذي يجمع وال يفرق ،امل�سلم الذي يت�صف بحلم ابي بكر وحزم عمر وحياء عثمان وامانة ابي عبيدة وجود طلعة وزهد �سعد وعقل ابن عوف. اننا نتعامل مع املا�ضي وفق قوله تعاىل } :أ�ولئك الذين نتقبل عنهم اح�سن ما عملوا وتتجاوز عن �سيئاتهم{. اننا نتطلع اىل حتفيز اجلهود نحو م�سرية بناء اوطاننا وجتنب ا�ستنزاف طاقات امتنا بال�صراع والكراهية واالحرتاب ان هذا املنتدى كبري باحالمه عظيم بطاقات �شبابه ورجاله ا�صيل جامع بعمل فتيانه وفتياته. ها هو ذا عرب عمره الذي مل يزد عن اخلم�س قد نظم ثالثة م ؤ�مترات دولية م ؤ�ثره ،وعقد ما يزيد عن مئة ندوة وور�شة عمل امتد على رفعة هذا الوطن عرب حمافظاته كلها فافتح ثمانية فروع وات�سع مداه لي�شكل املنتدى العاملي للو�سطية ليكون بذلك اطار ًا عربي ًا وا�سالمي ًا يكون مركزه عمان. وانطالق ًا من �سيا�سة املنتدى يف التوا�صل مع املجتمع ،من أ�جل ن�شر ر�سالته يف التعريف با إل�سالم ب�صورته ال�سمحة ،والتعريف بالثقافة ا إل�سالمية امللتزمة واملنفتحة على ثقافة الع�صر واملرتبطة باال�صل ،ارت أ�ينا �إ�صدار هذه املجلة الف�صلية ،لتكون منرب ًا للتوا�صل بني املنتدى وحميطه العربي وا إل�سالمي. وها هو امل ؤ�متر الدويل الثالث بعنوان « نحو�إ�سهام عربي �إ�سالمي يف احل�ضارة االن�سانية املعا�صرة» ،الذي يهدف �إىل �إبراز الدور احل�ضاري للم�سلمني والعرب يف احل�ضارة ا إلن�سانية على مر الع�صور ،وتفعيل دورهم يف احل�ضارة ا إلن�سانية املعا�صرة، و�سي�ساهم فيه نخبة من العلماء واملفكرين من خمتلف أ�نحاء العامل. �إننا يف منتدى الو�سطية نتطلع �إىل أ�ن يكون هذا امل ؤ�متر �إ�سهام ًا �آخر ًا منا يف الدور الذي أ�خذناه على عاتقنا يف تقدمي �صورة ا إل�سالم احلقيقة احل�ضارية ،وهي �صورة يحتاجها العامل املتعط�ش ملعرفة حقيقة هذا الدين. واملنتدى �إذ يقدم هذا العدد من جملته ،ليتطلع �إىل مزيد من التوا�صل مع كل املفكرين واملثقفني والباحثني الذين ي�شاركونه أالهداف والقيم ذاتها ،كما يرحب بن�شر مقاالتهم و�إ�سهاماتهم الفكرية عرب موقعه ا إللكرتوين. وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته م .مروان الفاعوري رئي�س التحرير
درا�سات�إ�سالمية ال������ف������ت������وى امل������ب������ا����ش��رة أ و�ح����ك����ام����ه����ا �سلمان بن فهد العودة اململكة العربية ال�سعودية مدخل: الفتاء ،وجتمع على :فتاوى ،وفتاوي ,والفتيا تبيني امل�شكل من أ الحكام ،ومن معانيها الفتوى م�صدر مبعنى إ ون فيِ َأ� ْم ِري» ،والفتوى يف اال�صطالح :تبيني احلكم تعبري الر ؤ�ى ،يقول اهلل �سبحانه وتعاىلَ « :يا َأ� ُّي َها املَ َ ُأل َأ� ْف ُت يِ ال�شرعي عن دليل ملن �س أ�ل عنه ،أ�و هي ن�ص جواب املفتي ,وهي تختلف عن التقرير االبتدائي الذي يقرره العامل ,أ�و العلم الذي يبذله من غري �س ؤ�ال ,وهي غالب ًا ما تطلق على أ الجوبة ال�شرعية ،ف�إن كانت نف�سية أ�و اجتماعية أ�و غريها فتكون ا�ست�شارة أ�و ن�صح ًا. املق�صود بالفتوى املبا�شرة هي الفتوى عرب ا إلذاعة والتلفاز ,وتكون �صادرة عمن يتعر�ض للفتوى خالل تلك الو�سائط� ,سواء كانت على الهواء، أ�و م�سجلة ،أ�و معادة أ�و غري ذلك. ومن�صب ا إلفتاء ذو أ�همية �إ�سالمية واجتماعية ودور ح�سا�س ,ويكفيه عظم ًا وخطورة أ�ن اهلل عز وجل قد تواله بنف�سه ،يقول اهلل �سبحانه وتعاىلَ « :و َي ْ�س َت ْفتُو َن َك فيِ ال ِّن َ�سا ِء ُق ِل هَّ ُ الل ُي ْف ِتي ُك ْم» ،وكفى مبن تواله �شرف ًا أ�ن يكون مهتم ًا بالتحري عن حكم اهلل يف امل�سائل ،وهي مهمة قام بها أالنبياء عليهم ال�سالم ،واخللفاء الرا�شدون ،وال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم.
و� أش�ن الفتوى كغريها من فرو�ض الكفاية� ,إذا قام بها من يكفي �سقط الوجوب عن ا آلخرين ,بيد أ�نها جتب عين ًا �إذا اكتملت عدة الفقيه ،ومل يوجد مفت غريه ,ويف هذا الع�صر باخل�صو�ص ف�إن املخت�ص ال�شرعي الذي اكتملت �آلته ,ون�ضجت معرفته باملحكوم فيه( ،وهو العالمَ ُ والواق ُع) فالقول بتعني ا إلفتاء عليه وجيه؛ لتوفره على فقه النف�س الذي يقل وجوده، وتكرث احلاجة �إليه يف هذا العامل الزاخر بكل تالد وطريف. والفتوى املبا�شرة هي �إحدى متغريات الع�صر ومنجزاته التي يجب توظيفها واالنتفاع بها ،أ�ما التخوف والرتدد فلي�س معناه الورع ،بل هو يف�ضي �إىل فتح املجال للعابثني ،وغري املتخ�ص�صني ،والذين ال ميتلكون �آلة ا إلفتاء ،أ�و ال يتوافرون
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة على فقه النف�س واالعتدال والعقل ،و أ�ي�ض ًا ف�إن ذلك يعني – نف�سي ًا � -ضعف الثقة باملعطى ال�شرعي الذي نقدمه. وال ينكر أ�حد أ�ن ا إلعالم املرئي اليوم أ��صبح حمور ًا أ��سا�س ًا يف منظومة احلياة ملختلف ال�شرائح والطبقات املجتمعية، و أ��صبح م�صدر ًا من م�صادر التوجيه واخلطاب والت أ�ثري، بل م�صدر ًا لتوجيه الر أ�ي العام ،وقنا ًة من قنوات االت�صال اجلماهريي. واملفتي الذي يك�شف عن ر أ�يه وتقريبه ألحكام ال�شرع هو وريث ن�سبي ملقام النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم -وهو وريث علم ال�شريعة ومبلغها ,وبقدر ما يكون عنده من علم ال�شريعة وارتوا ؤ�ه منها ،وفقهه للنا�س ينال من هذه الوراثة العظيمة، يقول �إمام أالنبياء �صلى اهلل عليه و�سلم�( :إِنَّ ا ْل ُع َل َما َء َو َر َث ُة َأال ْن ِب َيا ِء َو�إِنَّ َأال ْن ِب َيا َء لمَ ْ ُي َو ِّر ُثوا ِدي َنار ًا َو َال ِد ْرهَ م ًا ،و�إمنا َو َّر ُثوا ا ْل ِع ْل َم َف َمنْ َأ� َخ َذ ُه َأ� َخ َذ ِب َح ٍّظ َوا ِف ٍر) ،ويقول عليه ال�صالة وال�سالمَ ( :أ� َال ِل ُي َب ِّل ِغ ال�شَّ ِاه ُد ِم ْن ُك ُم ا ْل َغا ِئ َب). �إن احلاجة مل تعد حاجة �إىل من يحكم العبارة ،ويجيد �صياغة اللفظ فح�سب ،بل أالهم من يك�شف دواخل أال�شياء، وذلك هو فقيه النف�س -كما ي�سميه اجلويني والعز بن عبد ال�سالم وغريهما -الذي يفح�ص املقا�صد العميقة أ لل�شياء، واملعرفة ال�صادقة لفرز امل�سائل وتبيينها وتو�ضيحها ،ومعرفة الن�صو�ص وفل�سفتها واختالفاتها ،ونا�سخها ومن�سوخها ،وذلك هو �شرط العلم الذي تفر�ضه ال�شريعة على املفتي؛ قال ا إلمام ال�شافعي فيما رواه عنه اخلطيب يف كتاب الفقيه واملتفقه له: الل َاب هَّ ِ لاَ َي ِح ُّل ِ َأل َح ٍد َأ�نْ ُي ْف ِت َي فيِ ِد ِين هَّ ِ الل �إلاَّ َر ُجلاً َعا ِر ًفا ِب ِكت ِ وخ ِه ،وَمحُ ْ َكمِ ِه َو ُمت ََ�شابِهِ ِهَ ،و َت ْأ� ِوي ِل ِه َو َت ْن ِزي ِل ِه، ِب َن ِا�س ِخ ِه َو َم ْن ُ�س ِ يث َو َم ِّك ِّي ِه َو َمدَ ِن ِّي ِهَ ،و َما أُ�رِيدَ ِب ِهَ ،و َي ُكونُ َب ْعدَ َذ ِل َك َب ِ�ص ًريا ِب َح ِد ِ الل �صلى اهلل عليه و�سلم. َر ُ�س ِول هَّ ِ وقال ا إلمام أ�حمدَ :ي ْن َب ِغي ِلل َّر ُج ِل � إ َذا َح َم َل َنف َْ�س ُه َع َلى ا ْل ُف ْت َيا ال�س نَنَِ ،عالمِ ًا ِب ُو ُجو ِه ا ْل ُق ْر�آ ِنَ ،عالمِ ًا ِب ْ َأال َ�سا ِن ِيد َأ�نْ َي ُكونَ َعالمِ ًا ِب ُّ يح ِة. ال�صَّ ِح َ ابن المْ ُ َبا َر ِكَ :متَى ُي ْف ِتي ال َّر ُج ُل؟ و�سئل ِ َق َال � :إ َذا َكانَ َعالمِ ًا ِب ْ َأال َث ِرَ ،ب ِ�ص ًريا ِبالر ْأَّ� ِي. يح َة ا�س ال�صَّ ِح َيح َوالمْ َ َعانيِ َ َ ،وا ْل ِع َل َل ال�صَّ ِح َ ُي ِريد ِبالر ْأَّ� ِي ا ْل ِق َي َ ا َّل ِتي َع َّلقَ ال�شَّ ا ِر ُع ِب َها ْ َأال ْح َك َام َو َج َع َل َها ُم َ ؤ� ِّث َر ًة ِفي َها َط ْردًا
َو َع ْك ً�سا. ثم يلزمه أ�ن يكون ر�صني الفكر ,جيد املالحظة ،ثاقب النظرة ،مت أ�ني ًا ،متثبت ًا فيما يقول. قال النووي رحمه اهللَ :ي ْح ُر ُم الت ََّ�ساهُ ُل فيِ ا ْل َف ْت َوىَ ،و َمنْ ا�س ِت ْفتَا ُ ؤ� ُهَ ،فمِ نْ الت ََّ�ساهُ ِلَ :أ�نْ لاَ َي َت َث َّب َتَ ،و ُي ْ�س ِر َع ُع ِر َف ِب ِه َح ُر َم ْ ا�س ِتي َفا ِء َح ِّق َها ِمنْ ال َّن َظ ِر َوا ْل ِف ْك ِرَ ،ف�إِنْ َت َق َّد َم ْت ِبا ْل َف ْت َوى َق ْب َل ْ َم ْع ِر َف ُت ُه ِبالمْ َ ْ�س ُئ ِول َع ْن ُه َفلاَ َب ْأ� َ�س ِبالمْ ُ َبا َد َر ِةَ ،و َع َلى هَ َذا ُي ْح َم ُل َما ا�ض َني ِمنْ ُم َبا َد َر ٍة. ُن ِق َل َعنْ المْ َ ِ ثم ينبغي للمفتي أ�ن يكون على معرفة ب أ�حوال النا�س ,فطن ًا لطبائعهم وت�صرفاتهم ,و أ�ن يدقق النظر يف ال�س ؤ�ال وال�سائل, فكثري ًا ما يكون ال�س ؤ�ال لي�س على قدر ال�سائل ،أ�و م�ستواه العلمي ،أ�و يكون من املع�ضالت ،أ�و مت�شابه ا آليات ،في ْقدُر املفتي أالمو َر بقدرها ،وتلك النظرة قدر عملي قد يدركه املفتي باملمار�سة واملالحظة ،كما يدرك احلكيم خربته بالتجربة، ويدرك املتفر�س فرا�سته بتملك امللكة( ،والعلم بالتعلم ،واحللم بالتح ّلم) ،كما يف أالثر الذي رواه اخلطيب البغدادي يف تاريخه عن أ�بي الدرداء موقوف ًا ومرفوع ًا ،وهو باملوقوف أ��شبه. كما أ�ن على املفتي أ�ن يكون عارف ًا بعادات النا�س و أ�عرافهم، واختالف ذلك من دولة ألخرى ,فكثري ًا ما يقع املفتي يف خط ٍأ� يف فتواه؛ ألن ال�سائل ي�س أ�ل عن �شيء يف بلده معروف مب�سميات واد ،واملفتي يف واد �آخر، معينة ,خمتلفة عن بلد املفتي ,فهو يف ٍ وكانت معرفة العادات �شرط ًا مهم ًا للفقيه واملفتي؛ ألن معرفة العادة ت�ساعد على فهم الفتوى للحكم عليه ،أ وال�صوليون يقولون :احلكم على ال�شيء فرع عن ت�صوره ،وهذا الت�صور ال يح�صل �إال مبعرفة العادات ال�شائعة بني النا�س ،واملهم أ�ن يعرف العادة امل ؤ�ثرة يف الفتوى ،أ�و املتعلقة بها؛ ألن بع�ض العادات ت�شكل �شروط ًا �ضمنية ،غري مذكورة يف التعامالت الدنيوية - والتجارية باخل�صو�ص -ت ؤ�ثر على حقيقة الفتوى واحلكم. وينبغي للمفتي أ�ن يقف على حقيقة أاللفاظ من امل�ستفتي, بحيث يك�شف الواقع ,ف�إن مل ي�صل املفتي �إىل ك�شف الواقع فال يحل له أ�ن يفتيه ،بل عليه أ�ن ي�س أ�ل ،ويتثبت ،ويت أ�نى. ثم �إن مراعاة احلكم ال�شرعي املتفق مع مقا�صد ال�شريعة من أ�هم اعتناءات املفتيَ ،ق َال ال�شَّ ِاط ِب ُّي :المْ ُ ْف ِتي ا ْل َبا ِل ُغ ُذ ْر َو َة ا�س َع َلى ا ْل َو َ�س ِط المْ َ ْع ُهو ِد ِفي َما َي ِليقُ ال َّد َر َج ِة هُ َو ا َّل ِذي َي ْحمِ ُل ال َّن َ
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ِبالجْ ُ ْم ُهورَِ ،فال َي ْذهَ ُب بِهِ ْم َم ْذهَ َب ِّ ال�ش َّد ِةَ ،وال يمَ ِ ُيل بِهِ ْم �إلىَ ال�ص َر ُ اط المْ ُ ْ�س َت ِق ُيم ا َّل ِذي َجا َء ْت ِب ِه َط َر ِف الاِ ْن ِح ِ اللَ ،وهَ َذا هُ َو ِّ اط َوال َتف ِْر َ ال�شَّ ِري َع ُةَ ،فال � إ ْف َر َ يطَ ،و َما َخ َر َج َعنْ ا ْل َو َ�س ِط َم ْذ ُمو ٌم ِع ْندَ ا ْل ُع َل َما ِء ال َّر ِا�س ِخنيَ. وهذا املنهج الو�سط هو � أش�ن ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -يف كل أ�موره وتوجيهاته ,ف�إنه قال ملعاذ ر�ضي اهلل عنه ملا أ�طال بالنا�سَ ( :يا ُم َع ُاذ َأ� َفتَّا ٌن َأ� ْن َت؟! َ -ث َالث ًا �( ،)..-إِنَّ ِم ْن ُك ْم ا�س َف ْل َيت ََج َّو ْزَ ،ف�إِنَّ فِيهِ ُم ال�ضَّ ِع َ يف ُم َن ِّف ِرينَ َ ،ف َأ� ُّي ُك ْم َما َ�ص َّلى ِبال َّن ِ (ع َل ْي ُك ْم َما اج ِة) ،وقال �صلى اهلل عليه و�سلمَ : َوا ْل َك ِب َري َو َذا الحْ َ َ ت ُِطي ُقونَ ِمنَ َأال ْع َم ِالَ ،ف�إِنَّ هَّ َ الل َال يمَ َ ُّل َحتَّى تمَ َ لُّوا). واملق�صود أ�ن املفتي مل يعد يخاطب جمموعة يف حلقة أ�و ف�صل أ�و م�سجد ،عرفهم وعرفوه ،بل أ��صبح يخاطب عامل ًا مليئ ًا باملتناق�ضات واملختلفات ,باملوافق واملخالف ,وامل ؤ�من والكافر, وال�صادق والكاذب ،والنا�صح واملغر�ض؛ فعليه أ�ن يكون فقيه ًا مبقا�صد ال�شريعة ,وم آ�الت أالحكام ,مطلع ًا على العلوم احلديثة ،عارف ًا ب أ�حوال املجتمعات ،فمعرفة م آ�الت أال�شياء فقه عظيم يعني على بعد النظر ،وهو نوع من مقا�صد ال�شريعة التي اعتنت بها م آ�الت الن�صو�ص والحظتها باال�ستقراء والتتبع. حكم م�شاركة املفتي يف و�سائل االعالم: الو�سائل ا إلعالمية عموم ًا تنق�سم �إىل ق�سمني: أالول :و�سائل �سليمة امل�ضمون� ،سواء كانت علمية ،أ�و دعوية ،أ�و تربوية. وهذه الو�سائل هدفها الرئي�س هو دعوة النا�س �إىل دين اهلل ،ون�شر الوعي ال�شرعي ,وتخ�ص�ص أ�حيان ًا برامج ترفيهية ال تعار�ض ال�شريعة ا إل�سالمية يف أ�غلبها. الثاين :و�سائل غري خال�صة امل�ضمون ،يغلب عليها اللهو غري الربيء من عري وف�ساد وبدع و�شبهات� ,إال أ�نها قد تخ�ص�ص على خارطتها برامج للفتيا على خارطتها. التو�سط يف الفتيا يف و�سائل ا إلعالم. التو�سط :م أ�خوذ من الو�سط ومادة :الواو ,وال�سني, والطاء ,تدل على معاين العدل وال ّن�صف واخلريية والبينية. مقايي�س اللغة .108/6 والو�سط يف الفتيا هو التو�سط بني فتاوى أ�هل الت�شدد
والغلو وبني أ�هل الت�ساهل والتفريط. ا�س هَ َذا ال َّن َم ُط ْ َأال ْو َ�س ُط َي ْل َحقُ بِهِ ْم َق َال َع ِل ٌّيَ :خيرْ ُ ال َّن ِ التَّاليَِ ,و َي ْر ِج ُع � إ َل ْيهِ ْم ا ْل َغاليِ .. ودين اهلل و�سط بني الغايل فيه ,واجلايف عنه. ولي�س معنى التو�سط أ�نه معنى من معاين التلفيق بني بع�ض احلق وبع�ض الباطل أ�و املراوحة بني العزائم والرخ�ص بالهوى وما ت�شتهيه النف�س ,بل هو ال�سري مع أالدلة حيث �سارت واالهتداء بنورها ،فالتو�سط يف الفتيا املعا�صرة م�شروع. قال تعاىلَ « :و َك َذ ِل َك َج َع ْل َنا ُك ْم أُ� َّم ًة َو َ�سط ًا ِل َت ُكو ُنوا ُ�شهَدَ ا َء ا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِ يد ًا»،قال الطربي :كما َع َلى ال َّن ِ هديناكم أ� ّيها امل ؤ�منون مبحمد عليه ال�صالة وال�سالم ،ومبا جاءكم به من عند اهلل ،فخ�ص�صناكم بالتوفيق ل ِقبلة �إبراهيم وملته ،وف�ضلناكم بذلك على من �سواكم من أ�هل امللل ،كذلك خ�ص�صناكم فف�ضَّ لناكم على غريكم من أ�هل أالديان ،ب أ�ن ً و�سطا ..تف�سري الطربي ،)141/3(-وقال جعلناكم أ�مة الل َحقَّ ِج َها ِد ِه هُ َو ْاج َت َبا ُك ْم َو َما �سبحانه وتعاىلَ « :و َج ِاهدُوا فيِ هَّ ِ َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فيِ الدِّ ِين ِمنْ َح َر ٍج ِّم َّل َة َأ� ِبي ُك ْم ِ� إ ْب َر ِاه َيم هُ َو َ�س َّما ُك ُم المْ ُ ْ�س ِلم َني ِمن َق ْب ُل وَفيِ هَ َذا ِل َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ ول َ�شهِ يدً ا َع َل ْي ُك ْم َو َت ُكو ُنوا ا�س َف َأ� ِقي ُموا ال�صَّلاَ َة َو�آتُوا ال َّز َكا َة َو ْاعت َِ�ص ُموا ُ�شهَدَ اء َع َلى ال َّن ِ الل هُ َو َم ْولاَ ُك ْم َف ِن ْع َم المْ َ ْولىَ َو ِن ْع َم ال َّن ِ�ص ُري» ،وا آلية فيها �إخبار ِب هَّ ِ و أ�مر بالتو�سط يف الدين حتى تكون أالمة �شهيدة على النا�س. اط المْ ُ ْ�س َت ِق َيم * ِ�ص َر َ ال�ص َر َ اط ا َّل ِذينَ وقال تعاىلْ : «اه ِد َنا ِّ وب َع َل ْيهِ ْم َولاَ ال�ضَّ ا ِّلنيَ» ،أ فالمة �صراط َأ� ْن َع ْم َت َع َل ْيهِ ْم َغيرْ ِ المْ َغ ُْ�ض ِ م�ستقيم ،و�سط بني املغ�ضوب عليهم وال�ضالني ,والن�صو�ص كثرية على م�شروعية التو�سط يف كل �شيء. معامل التو�سط يف الفتيا املعا�صرة -1التوازن بني الن�صو�ص واملقا�صد. من املالحظ أ�ن من املفتني جتاه النوازل احلادثة من ميعن النظر يف الن�صو�ص والفروع ،وي�ستهلك جهده يف حتليلها، والوقوف على مفرداتها ،وحتليل أ�لفاظها؛ ليتو�صل حلكم من خالل ذلك فقط ،دون النظر لفقه املقا�صد. ومنهم من ميعن النظر �إىل مقا�صد ال�شريعة وكلياتها، وجوامع أ�حكامها ،فيعملها دون النظر �إىل الن�صو�ص ال�شرعية
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة اجلزئية ،ثم يخرج بفتوى يعلن أ�نها مراد ال�شرع وروحه ,ومن هنا ن� أش� الت�شدد والت�ساهل بني املدر�ستني ،و أ�غريت العداوة والبغ�ضاء بني الفريقني� ,إذ ك ٌّل متم�سك بطرف من احلق, واملوازنة هي املخرج احلقيقي من هذا امل أ�زق الذي يقع فيه الطرفان عرب الف�ضائيات. ومن املحال ا�ستغناء الن�صو�ص اجلزئية عن الكليات ,ومن أ�خذ بالكليات معر�ض ًا عن اجلزئيات أ�خط أ� ال حمالة ,والعدل هو أالخذ بالكلي واجلزئي با�ست�صحاب ا آلخر. -2املوازنة بني امل�صلحة واملف�سدة. واملفتي النابه هو من يعترب امل�صالح واملفا�سد يف فتواه ,ويراعي مراتب ذلك واملعترب يف امل�صالح هو ما يتحقق به مق�صود ال�شريعة ,فرياعي عند املزاحمة وامل�شاحة تقدمي الفر�ض على النفل يف الفعل ,واملحرم على املكروه يف الرتك.. وغري ذلك. ويتحرى حت�صيل امل�صالح وتكثريها ،ودرء املفا�سد وتقليلها قدر ا إلمكان ,وي أ�مر بخري اخلريين وينهى عن �شر ال�شرين. -3املوازنة بني العزائم والرخ�ص. هناك فرق بني رخ�صة ال�شرع التي قال فيها النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم�( :-إِنَّ هَّ َ الل ُي ِح ُب َأ�نْ ُت ْ ؤ�تَى ُر َخ ُ�صهُ) ،وبني رخ�ص املذاهب الفقهية ,وتوجد يف أ�حكام ال�شرع العزائم ,و�إعمال الرخ�ص يف جمالها مق�صود �شرعي ,والغلو يف حمل النا�س على العزمية ب�إطالق ال يفرق عن مذهب التحلل بتتبع الرخ�ص دائم ًا .فكالهما مناق�ض ملق�صود ال�شريعة. قال ال�شاطبي رحمه اهلل يف املوافقات� :إن مرا�سم ال�شريعة �إن كانت خمالفة للهوى ف�إنها أ�ي�ضا �إمنا أ�تت مل�صالح العباد يف دنياهم ودينهم ،والهوى لي�س مبذموم �إال �إذا كان خمالف ًا ملرا�سم ال�شريعة ،ولي�س كالمنا فيه ،ف�إن كان موافقا فلي�س مبذموم ،وم�س أ�لتنا من هذا ف�إنه �إذا ن�صب لنا ال�شرع �سبب ًا لرخ�صة ،وغلب على الظن ذلك ف أ�عملنا مقت�ضاه ،وعملنا بالرخ�صة ف أ�ين اتباع الهوى يف هذا؟ وكما أ�ن اتباع الرخ�ص يحدث ب�سببه اخلروج عن مقت�ضى أالمر والنهي كذلك اتباع الت�شديدات ،وترك أالخذ بالرخ�ص يحدث ب�سببه اخلروج عن مقت�ضى أالمر والنهي ،ولي�س أ�حدهما ب أ�وىل من ا آلخر ،واملتبع أ لل�سباب امل�شروعة يف الرخ�ص والعزائم �سواء ،ف�إن كانت غلبة
الظن يف العزائم معتربة كذلك يف الرخ�ص ،ولي�س أ�حدهما أ�حرى من ا آلخر ،ومن فرق بينهما فقد خالف ا إلجماع «. -4رد املت�شابه �إىل املحكم. مناط اختالف الفقهاء غالب ًا راجع �إىل املت�شابه من الن�صو�ص ،وعدم و�ضوح الدليل بالن�سبة للواحد منهم ,والنا�س فيها �صنفان: أالول :رد الثابت من ال�سنن باملت�شابه من القر�آن وال�سنة. الثاين :جعل املحكم مت�شابه ًا لتعطيل داللته. والرا�سخون عاملون مبا ا�ستبان لهم ،في ؤ�منون باملت�شابه، ويردونه �إىل املحكم ,وي أ�خذون من املحكم ما يف�سرون به املت�شابه ,فتتفق الدالالت ،وتتوافق الن�صو�ص ،وي�صدق بع�ضها بع�ض ًا. -5املوازنة بني الغرية على احلق ورحمة اخللق. وهنا يالحظ عدة أ�مور: بع�ض الغيورين من امل�شتغلني بالدين يلزم النا�س مبا يراهحق ًا فيما اجتهد فيه ,ولي�س من م�سائل ا إلجماع والقطعيات، وق�صارى ما عنده هو ما عند املخالف �سواء ب�سواء. احلامل على ذلك هو باعث الغرية ,وحماية جنابال�شريعة ،واحلر�ص على مت�سك النا�س بدينهم ,والغ�ضب النتهاك ما يرونه من ملزمات ال�شريعة ،وهذا نبل يف املق�صد, �إال أ�نه يجب أ�ن ي�ضبط ب أ��صول ال�شريعة وقواعدها ,بحيث ال يرتد �سلب ًا يف قطع أ�وا�صر أالخوة ومتزيق وحدة ال�صف وبنيان أالمة ,ون�صو�ص ال�شريعة مت�ضافرة على أالمر باالتفاق ،ونبذ االختالف واالفرتاق. ومما ي ؤ��سف له ا�ستباحة أ�عرا�ض العلماء يف م�سائلق�صاراها االجتهاد ,راعى طرف فيها أال�صل ,وراعى ا آلخر احلال العار�ضة ,وكالهما ِّ معظم للن�صو�ص وم�سلم بها ,لكن اختلف امل أ�خذ عند الطرفني ,فيطلق كل منهما ل�سانه عتب ًا و�سب ًا وذم ًا و�إق�صا ًء با�سم الغرية على امللة وحماية جنابها. حكم م�شاركة املفتي يف و�سائل االعالم: الو�سائل ا إلعالمية عموم ًا تنق�سم �إىل ق�سمني: أالول :و�سائل �سليمة امل�ضمون� ،سواء كانت علمية ،أ�و دعوية ،أ�و تربوية..
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة وهذه الو�سائل هدفها الرئي�س هو دعوة النا�س �إىل دين اهلل ،ون�شر الوعي ال�شرعي ,وتخ�ص�ص أ�حيان ًا برامج ترفيهية ال تعار�ض ال�شريعة ا إل�سالمية يف أ�غلبها. الثاين :و�سائل غري خال�صة امل�ضمون ،يغلب عليها اللهو غري الربيء من عري وف�ساد وبدع و�شبهات� ,إال أ�نها قد تخ�ص�ص على خارطتها برامج للفتيا. العالم التو�سط يف الفتيا يف و�سائل إ التو�سط :م أ�خوذ من الو�سط ومادة :الواو ,وال�سني, والطاء ,تدل على معاين العدل وال ّن�صف واخلريية والبينية. مقايي�س اللغة .108/6 والو�سط يف الفتيا هو التو�سط بني فتاوى أ�هل الت�شدد والغلو وبني أ�هل الت�ساهل والتفريط. ا�س هَ َذا ال َّن َم ُط ْ َأال ْو َ�س ُط َي ْل َحقُ بِهِ ْم َق َال َع ِل ٌّيَ :خيرْ ُ ال َّن ِ التَّاليَِ ,و َي ْر ِج ُع � إ َل ْيهِ ْم ا ْل َغاليِ .. ودين اهلل و�سط بني الغايل فيه ,واجلايف عنه. ولي�س معنى التو�سط أ�نه معنى من معاين التلفيق بني بع�ض احلق وبع�ض الباطل أ�و املراوحة بني العزائم والرخ�ص بالهوى وما ت�شتهيه النف�س ,بل هو ال�سري مع أالدلة حيث �سارت واالهتداء بنورها ،فالتو�سط يف الفتيا املعا�صرة م�شروع. قال تعاىلَ « :و َك َذ ِل َك َج َع ْل َنا ُك ْم أُ� َّم ًة َو َ�سط ًا ِل َت ُكو ُنوا ُ�شهَدَ ا َء ا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ ول َع َل ْي ُك ْم َ�شهِ يد ًا»،قال الطربي :كما َع َلى ال َّن ِ هديناكم أ� ّيها امل ؤ�منون مبحمد عليه ال�صالة وال�سالم ،ومبا جاءكم به من عند اهلل ،فخ�ص�صناكم بالتوفيق ل ِقبلة �إبراهيم وملته ،وف�ضلناكم بذلك على من �سواكم من أ�هل امللل ،كذلك خ�ص�صناكم فف�ضَّ لناكم على غريكم من أ�هل أالديان ،ب أ�ن ً و�سطا ..تف�سري الطربي ،)141/3(-وقال جعلناكم أ�مة هَّ الل َحقَّ ِج َها ِد ِه هُ َو ْاج َت َبا ُك ْم َو َما �سبحانه وتعاىلَ « :و َج ِاهدُوا فيِ ِ َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فيِ الدِّ ِين ِمنْ َح َر ٍج ِّم َّل َة َأ� ِبي ُك ْم ِ� إ ْب َر ِاه َيم هُ َو َ�س َّما ُك ُم المْ ُ ْ�س ِلم َني ِمن َق ْب ُل وَفيِ هَ َذا ِل َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ ول َ�شهِ يدً ا َع َل ْي ُك ْم َو َت ُكو ُنوا ا�س َف َأ� ِقي ُموا ال�صَّلاَ َة َو�آتُوا ال َّز َكا َة َو ْاعت َِ�ص ُموا ُ�شهَدَ اء َع َلى ال َّن ِ الل هُ َو َم ْولاَ ُك ْم َف ِن ْع َم المْ َ ْولىَ َو ِن ْع َم ال َّن ِ�ص ُري» ،وا آلية فيها �إخبار ِب هَّ ِ و أ�مر بالتو�سط يف الدين حتى تكون أالمة �شهيدة على النا�س. اط المْ ُ ْ�س َت ِق َيم * ِ�ص َر َ ال�ص َر َ اط ا َّل ِذينَ َأ� ْن َع ْم َت وقال تعاىلْ : «اه ِد َنا ِّ وب َع َل ْيهِ ْم َولاَ ال�ضَّ ا ِّلنيَ» ،أ فالمة �صراط َع َل ْيهِ ْم َغيرْ ِ المْ َغ ُْ�ض ِ
م�ستقيم ،و�سط بني املغ�ضوب عليهم وال�ضالني ,والن�صو�ص كثرية على م�شروعية التو�سط يف كل �شيء. معامل التو�سط يف الفتيا املعا�صرة مايلي: -1التوازن بني الن�صو�ص واملقا�صد. من املالحظ أ�ن من املفتني جتاه النوازل احلادثة من ميعن النظر يف الن�صو�ص والفروع ،وي�ستهلك جهده يف حتليلها ،والوقوف على مفرداتها ،وحتليل أ�لفاظها؛ ليتو�صل حلكم من خالل ذلك فقط ،دون النظر لفقه املقا�صد. ومنهم من ميعن النظر �إىل مقا�صد ال�شريعة وكلياتها ،وجوامع أ�حكامها ،فيعملها دون النظر �إىل الن�صو�ص ال�شرعية اجلزئية، ثم يخرج بفتوى يعلن أ�نها مراد ال�شرع وروحه ,ومن هنا ن� أش� الت�شدد والت�ساهل بني املدر�ستني ،و أ�غريت العداوة والبغ�ضاء بني الفريقني� ,إذ ك ٌّل متم�سك بطرف من احلق ,واملوازنة هي املخرج احلقيقي من هذا امل أ�زق الذي يقع فيه الطرفان عرب الف�ضائيات. ومن املحال ا�ستغناء الن�صو�ص اجلزئية عن الكليات ,ومن أ�خذ بالكليات معر�ض ًا عن اجلزئيات أ�خط أ� ال حمالة ,والعدل هو أالخذ بالكلي واجلزئي با�ست�صحاب ا آلخر. -2املوازنة بني امل�صلحة واملف�سدة. واملفتي النابه هو من يعترب امل�صالح واملفا�سد يف فتواه, ويراعي مراتب ذلك واملعترب يف امل�صالح هو ما يتحقق به مق�صود ال�شريعة ,فرياعي عند املزاحمة وامل�شاحة تقدمي الفر�ض على النفل يف الفعل ,واملحرم على املكروه يف الرتك ..وغري ذلك. ويتحرى حت�صيل امل�صالح وتكثريها ،ودرء املفا�سد وتقليلها قدر ا إلمكان ,وي أ�مر بخري اخلريين وينهى عن �شر ال�شرين. -3املوازنة بني العزائم والرخ�ص. هناك فرق بني رخ�صة ال�شرع التي قال فيها النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم�( :-إِنَّ هَّ َ الل ُي ِح ُب َأ�نْ ُت ْ ؤ�تَى ُر َخ ُ�صهُ) ،وبني رخ�ص املذاهب الفقهية ,وتوجد يف أ�حكام ال�شرع العزائم ,و�إعمال الرخ�ص يف جمالها مق�صود �شرعي ,والغلو يف حمل النا�س على العزمية ب�إطالق ال يفرق عن مذهب التحلل بتتبع الرخ�ص دائم ًا .فكالهما مناق�ض ملق�صود ال�شريعة. قال ال�شاطبي رحمه اهلل يف املوافقات� :إن مرا�سم ال�شريعة �إن كانت خمالفة للهوى ف�إنها أ�ي�ضا �إمنا أ�تت مل�صالح العباد
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة يف دنياهم ودينهم ،والهوى لي�س مبذموم �إال �إذا كان خمالف ًا ملرا�سم ال�شريعة ،ولي�س كالمنا فيه ،ف�إن كان موافقا فلي�س مبذموم ،وم�س أ�لتنا من هذا ف�إنه �إذا ن�صب لنا ال�شرع �سبب ًا لرخ�صة ،وغلب على الظن ذلك ف أ�عملنا مقت�ضاه ،وعملنا بالرخ�صة ف أ�ين اتباع الهوى يف هذا؟ وكما أ�ن اتباع الرخ�ص يحدث ب�سببه اخلروج عن مقت�ضى أالمر والنهي كذلك اتباع الت�شديدات ،وترك أالخذ بالرخ�ص يحدث ب�سببه اخلروج عن مقت�ضى أالمر والنهي ،ولي�س أ�حدهما ب أ�وىل من ا آلخر ،واملتبع أ لل�سباب امل�شروعة يف الرخ�ص والعزائم �سواء ،ف�إن كانت غلبة الظن يف العزائم معتربة كذلك يف الرخ�ص ،ولي�س أ�حدهما أ�حرى من ا آلخر ،ومن فرق بينهما فقد خالف ا إلجماع «. رد املت�شابه �إىل املحكم. مناط اختالف الفقهاء غالب ًا راجع �إىل املت�شابه من الن�صو�ص ،وعدم و�ضوح الدليل بالن�سبة للواحد منهم ,والنا�س فيها �صنفان: أالول :رد الثابت من ال�سنن باملت�شابه من القر�آن وال�سنة. الثاين :جعل املحكم مت�شابه ًا لتعطيل داللته. والرا�سخون عاملون مبا ا�ستبان لهم ،في ؤ�منون باملت�شابه، ويردونه �إىل املحكم ,وي أ�خذون من املحكم ما يف�سرون به املت�شابه, فتتفق الدالالت ،وتتوافق الن�صو�ص ،وي�صدق بع�ضها بع�ض ًا. -5املوازنة بني الغرية على احلق ورحمة اخللق. وهنا يالحظ عدة أ�مور: بع�ض الغيورين من امل�شتغلني بالدين يلزم النا�س مبا يراهحق ًا فيما اجتهد فيه ,ولي�س من م�سائل ا إلجماع والقطعيات، وق�صارى ما عنده هو ما عند املخالف �سواء ب�سواء. احلامل على ذلك هو باعث الغرية ,وحماية جناب ال�شريعة،واحلر�ص على مت�سك النا�س بدينهم ,والغ�ضب النتهاك ما يرونه من ملزمات ال�شريعة ،وهذا نبل يف املق�صد� ,إال أ�نه يجب أ�ن ي�ضبط ب أ��صول ال�شريعة وقواعدها ,بحيث ال يرتد �سلب ًا يف قطع أ�وا�صر أالخوة ومتزيق وحدة ال�صف وبنيان أالمة ,ون�صو�ص ال�شريعةمت�ضافرةعلى أالمرباالتفاق،ونبذاالختالفواالفرتاق. ومما ي ؤ��سف له ا�ستباحة أ�عرا�ض العلماء يف م�سائل ق�صاراهااالجتهاد ,راعى طرف فيها أال�صل ,وراعى ا آلخر احلال العار�ضة ,وكالهما ِّ معظم للن�صو�ص وم�سلم بها ,لكن اختلف
امل أ�خذ عند الطرفني ,فيطلق كل منهما ل�سانه عتب ًا و�سب ًا وذم ًا و�إق�صا ًء با�سم الغرية على امللة وحماية جنابها. �سلبيات الفتاوى الف�ضائية: -1ت�سرع بع�ض املفتني دون أ�ن ي�ستوعب ال� ؤ س�ال. ع ّد النووي رحمه اهلل الت�سرع يف الفتوى ،وعدم التثبت من الت�ساهل ،وهذا من �سلبيات الفتوى الف�ضائية ,ولي�ست كل امل�سائل امل�ستفتى فيها يجاب عنها يف ب�ضع ثوان. بل بع�ض امل�سائل حتتاج �إىل النظر يف الدليل ،و أ�قوال من �سبق من أ�هل العلم ,ورمبا احتاج أالمر �إىل تف�صيل وحتليل ،وال يح�سن فيه ا إلجمال ,ورمبا كانت امل�س أ�لة من النوازل احلادثة امل�ستجدة مما حتتاج �إىل عناية وت أ�مل ،و�إعمال فكر ،ومراجعة من املفتي وبحث ،و�س ؤ�ال املخت�صني عن حقيقتها ،ونحو ذلك ,وكل هذا وغريه قد يتعار�ض مع طبيعة برامج الف�ضائيات التي تقوم على �سرعة أالداء و أ�ن تكون ا إلجابة يف �سرعة ال�س ؤ�ال املطروح. -2اختالف أ�حوال النا�س ,و�صعوبة تنزيل الكالم على حال امل�ستفتي. من املقرر أ�ن احلكم ال�شرعي ال يتغري ,أ�ما الفتوى– وهي تنزيل احلكم على الواقع– فتتغري بتغري الزمان واملكان أ وال�شخا�ص والقدرة وغري ذلك( ،ويف ذلك يقول العلماء: الن�صو�ص متناهية -أ�ي :ثابتة حمددة -واحلوادث -أ�ي :الواقع وامل�ستجدات -غري متناهية) ,فما ينزل فيه احلكم على �شخ�ص يف مكان قد ال ي�صلح لغريه يف مكان �آخر ,وما يفتى به يف زمن يغايره زمن بعده ,وفتوى املري�ض تختلف عن فتوى ال�صحيح ,وال�صغري عن الكبري وامل�ستهرت يختلف عن اجلاد. وال�سائلون يف الربامج الف�ضائية وا إلذاعية من دول والعراف أ و أ�ماكن متفرقة متباينة العادات أ والحوال، وقد ال يكونون من بلد املفتي ،ورمبا ال يحيط ب أ�حوالهم ومقا�صدهم ولغاتهم املحلية ،مما يوقعه يف اخلط أ� أ�و احلرج. جاء رجل �إىل ابن عبا�س فقال :ملن قتل م ؤ�من ًا توبة ؟ قال :ال �إال النار ,فلما ذهب قال له جل�سا ؤ�ه :ما هكذا كنت تفتينا ,كنت تفتينا أ�ن ملن قتل م ؤ�من ًا توبة مقبولة ,فما بال اليوم؟ قال� :إين أ�ح�سبه رج ًال مغ�ضب ًا ،يريد أ�ن يقتل م ؤ�من ًا ,قال :فبعثوا يف أ�ثره فوجدوه ا�سَ :أ� َّن ُه ُ�س ِئ َل َع َّمنْ َقت ََل َأ� َل ُه َت ْو َب ٌة؟ َف َق َال َم َّر ًة: كذلك ،وعن ا ْب ِن َع َّب ٍ الَ ,و َق َال َم َّر ًةَ :ن َع ْمَ ,ف ُ�س ِئ َل َعنْ َذ ِل َكَ ,ف َق َالَ :ر َأ� ْيت فيِ َع ْي َن ْي ْ َأال َّو ِل َأ� َّن ُه
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة َيق ِْ�ص ُد ا ْل َقت َْل َف َق َم ْعتهَ ,و َكانَ ال َّثانيِ َ�ص ِاح َب َوا ِق َع ٍة َي ْط ُل ُب المْ َخْ َر َج. -3حت ّرج بع�ضهم من قول( :ال أ�دري). أ�و أ�ن يحيل على متخ�ص�صني ,ظان ًا منه أ�ن ذلك يعد منق�صة يف حقه. عن خالد بن أ��سلم قال :خرجنا مع ابن عمر من�شي, فلحقنا أ�عرابي فقال :أ�نت عبد اهلل بن عمر؟ قال :نعم. قال� :س أ�لت عنك فدللت عليك ,ف أ�خربين أ�ترث العمة؟ قال :ال أ�دري ,قال :أ�نت ال تدري؟ قال :نعم .اذهب �إىل العلماء باملدينة فا�س أ�لهم; فلما أ�دبر قبل يديه ،قال :نع َّما قال أ�بو عبد الرحمن; �سئل عما ال يدري فقال :ال أ�دري. وقال ابن م�سعود :من كان عنده علم فليقل به; ومن مل يكن عنده علم فليقل « :اهلل أ�علم «؛ ف�إن اهلل قال لنبيه: «قل ما أ��س أ�لكم عليه من أ�جر وما أ�نا من املتكلفني». وقال مالك :من فقه العامل أ�ن يقول« :ال أ�علم» ف�إنه ع�سى أ�ن يتهي أ� له اخلري. وقال� :سمعت ابن هرمز يقول :ينبغي للعامل أ�ن يورث جل�ساءه من بعده « ال أ�دري «؛ حتى يكون ذلك أ��ص ًال يف أ�يديهم يفزعون �إليه. وقال ال�شعبي « :ال أ�دري « ن�صف العلم. �إن قول «ال أ�دري» يعني أ�خالقي ًا :التوا�ضع والب�ساطة ونفي التكرب ,وعلمي ًا :احرتام التخ�ص�ص ،واحتياج كل النا�س ملزيد من العلم والبحث والدرا�سة ،وات�ساع م�ساحة اجلهل يف ا إلن�سان ,وعملي ًا� :إدراك أ�ن هذا املفتي ال يتحدث عن كل �شيء و أ�نه يتحدث عما يعرف ،مما يق ّوي قيمة املفتي فيما يتحدث عنه ،ويبعث الثقة يف حديثه وكالمه. -4اختالف لهجات ال�سائلني الختالف بلدانهم ،وهذا قد يوقع املفتي يف املحذور. فكثري من امل�سميات تختلف من بلد آلخر حتى يف نف�س الدولة أ�حيان ًا ,وكثري ًا ما نرى ال�سائل ي�س أ�ل عن �شيء ،ويجيب املفتي عن �شيء �آخر. ففي �إحدى احللقات �س أ�لت امر أ�ة أ�حد املفتني عن َح ّل إلر�ضاء زوجها الغا�ضب منها! فقال ال�شيخ :تلطفي له وجتملي له ,ثم قال�« :ساحريه» فقالت ال�سائلة ( :أ�عمل له �سحر يا �شيخ؟!) ،فتفطن مقدم الربنامج
10
ونبه ال�شيخ على فهمها ،و أ�ن مق�صود ال�شيخ أ�ن ت�سحره ب أ��سلوبها، وكالمه العذب ،ال أ�ن تذهب �إىل �ساحر ,ومثل ذلك كثري. -5دخول من لي�س من أ�هل �صناعة الفتوى يف ميدانها. ب�سبب كون الربامج الدينية مناف�سة لغريها ,أ�و لقلة الربامج الدينية وكرثة امل�شاهدين واملتابعني في�صعب معه تغطية االحتياجات ,مما يكون له أ��سو أ� أالثر على امل�ستفتي ،فمن�صب املفتي توقيع عن رب العاملني( أ�ي ا�ستنباط حكم اهلل يف الفتيا) ،قال ابن القيم :وملا كان التبليغ عن اهلل �سبحانه يعتمد العلم مبا يبلغ ,وال�صدق فيه ,مل ت�صلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا� ،إال ملن ات�صف بالعلم وال�صدق; فيكون عامل ًا مبا يبلغ، �صادق ًا فيه ,ويكون مع ذلك ح�سن الطريقة ,مر�ضي ال�سرية, عد ًال يف أ�قواله و أ�فعاله ,مت�شابه ال�سر والعالنية يف مدخله وخمرجه و أ�حواله; و�إذا كان من�صب التوقيع عن امللوك باملحل الذي ال ينكر ف�ضله ,وال يجهل قدره ,وهو من أ�على املراتب ال�سنيات ,فكيف مبن�صب التوقيع عن رب أالر�ض وال�سموات؟ -6ق�ضية ا إليجاز يف الفتوى .ب�سبب: وقت الربنامج. كرثة املت�صلني. تعدد أال�سئلة من نف�س املت�صل ,ورغبته يف �إجابة املفتيعن كل أ��سئلته. -7ا�ضطرار املفتي للخو�ض يف ق�ضايا ا إلثارة. يحلو لبع�ض الربامج أ�ن ت�ستقطب أ�عداد ًا غفرية من املتابعني على ح�ساب املو�ضوع ال�شرعي املطروح ,وقد تهمها «ا إلثارة» املزيفة على ح�ساب «ا إلثراء» النافع ؛ ومن ذلك مناق�شة الق�ضايا املثرية؛ كق�ضايا تعدد الزوجات واجلن وال�سحر ،..وفتح املجال على م�صراعيه للمداخلني بالرد واملناق�شة وا إلثارة واجلدل ،مع عدم التفريق بني ما هو �شرع ال مزايدة فيه ،وبني من يطبقون هذا ال�شرع ب أ��ساليب خاطئة, مما يجعل الربنامج والفتاوى املذاعة فيه هي من قبيل ت�ضييع الوقت واجلهد وعدم الفائدة ,ومن مواطن ا إلثارة وجود فتاوى ذات متعلقات �سيا�سية ،أ�و لها ح�سا�سية اجتماعية ،كق�ضايا التكاف ؤ� الن�سبي يف الزواج ,أ�و ذات �إ�شكالية علمية ،كق�ضايا نقل أالع�ضاء ،والتحكم بجن�س املولود ونحو ذلك ,وذلك كله يحول الفتوى من جمال تطبيق احلكم ال�شرعي فيها ،والبحث
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة عن حكم اهلل املجرد �إىل جدل ،وذلك يفر�ض نوع ًا من القوة ال�شخ�صية يف ا�ستطاعة املفتي على ا إلجابة ،و أ�خذ طرف لل�شكال. النقا�ش ،وعدم تعري�ض الن�ص ال�شرعي إ � -8سوء الق�صد من امل�ستفتي. نحن يف ع�صر ت�شكلت فيه الطوائف أ والحزاب واملذهبيات بحدة بالغة، وكل يدعي و�ص ًال بليلى وليلى ال تقر لهم بذاكا والف�ضائيات –اليوم -ذوبت احلواجز واجلدر ،أ وال�سوار الفا�صلة بني أالفكار واالعتقادات؛ ف أ��صبح من ال�سهل يف برنامج واحد أ�ن ي�س أ�ل أ�نا�س من مذاهب �شتى ,وفرق متباينة وكل منهم يجر املفتي ،وي�ستنطقه مبا يريد من حق ومن باطل ,وكثري منهم ال ي�س أ�لون رغبة يف ال�صواب ومعرفة الدليل واتباعه ،قال ابن القيم »:يحرم عليه �إذا جاءته م�س أ�لة فيها حتيل على �إ�سقاط واجب أ�و حتليل حمرم أ�و مكر أ�و خداع أ�ن يعني امل�ستفتي فيها ,وير�شده �إىل مطلوبه ,أ�و يفتيه بالظاهر الذي يتو�صل به �إىل مق�صوده ,بل ينبغي له أ�ن يكون ب�صري ًا مبكر النا�س وخداعهم و أ�حوالهم ,وال ينبغي له أ�ن يح�سن الظن بهم ,بل يكون حذر ًا فطن ًا ،فقيه ًا ب أ�حوال النا�س و أ�مورهم, يوازره فقهه يف ال�شرع ,و�إن مل يكن كذلك زاغ و أ�زاغ». -9عدم ت�صور املفتي للم� أس�لة كما ينبغي. فيجيب باخلط أ� أ�و بجواب بعيد عن ال�س ؤ�ال ,وهذا ب�سبب كرثة أال�سئلة ،و�ضيق وقت الربنامج ،وا�ستعجال املقدم، واختالف لهجات ال�سائلني و أ�عرافهم… ،مما يربك املفتي يف الت�صور احلقيقي ل�س ؤ�ال امل�ستفتي. �ضوابط االفتاء يف و�سائل االعالم: .1مراعاة املف�صد ال�شرعي للفتيا. واملق�صود من الفتيا هو البيان التام حلكم اهلل يف امل�س أ�لة ح�سب و�سع وطاقة املفتي. ولتحقيق ذلك ينبغي على املفتي أ�مران: -1عام :وهو حث جمهور امل�سلمني على توحيد ال�صف. -2خا�ص :وهو وعظ الغافل وار�شاده وزجره وترغيبه. بيد أ�ن معايري معظم الربامج االفتائية ت�سري عى منط املعايري العاملية للبث منرتكيزها على املادة والوهج االعالمي
واالبهار و�سرعة العر�ض وتبادل االدوار بني امل�شاهد واملقدم واملفتي ،ولئن �صلح هذا يف الربامج العامة فقد ال ي�صلح لربامج الفتيا التي لها منط خا�صة من الرتيث والتثبت واال�ستف�صال وغري ذلك. .2مراعاة أ�حوال امل�ستفتني واختالفاتهم أ�عراق ًا وعادات. ( احلكم على ال�شيء فرع عن ت�صوره) وقدمي ًا كان امل�ستفتي مع املفتي وجه ًا لوجه يف دائرة �ضيقة ،في�ستف�صل املفتي ويحيط بظروف ال�سائل ،والف�ضائيات ا آلن ق�ضت على هذه اخل�صو�صية تقريب ًا ،وبالرغم من هذا فينبغي للمفتي ان يح�سن ت�صور امل�س أ�لة من امل�ستفتي ،ولي�س ال� أش�ن يف كرثة علوم املفتي ا آلن امنا ال� أش�ن يف ترتيل علمه على الوقائع والنوازل، وتلك ملكة فقهية مطلوبة يف املفتي عموم ًا ويف مفتي الف�ضائيات خا�صة. فثمنت فرق بني حافظ الفقه والفروع واجلزئيات و أ�قوال أالئمة وال يح�سن ترتيلها على الوقائع ،وبني من يح�سن الترتيل والت أ��صيل و�ضبط أالمور ب�ضوابطها. قال احلطاب� ( :إمنا الغرابة يف ا�ستعمال كليات علم الفقه وانطباقها على جزئيات الوقائع بني النا�س ،وهو ع�سري على كثري من النا�س فنجد الرجل يحفظ كثري ًا من العلم ويفهم ويعلم غريه فاذا �سئل عن واقعه ببع�ض العوام من م�سائل ال�صالة أ�و من م�سائل االميان ال يح�سن اجلواب بل ال يفهم مراد ال�سائل عنها �إال بعد ع�سر .ولل�شيوخ يف ذلك حكايات ) مواهب اجلليل ( .) 87/6 دقة اختيار القناة للمفتي الف�ضائيات و�سيلة جماهريية وا�سعة ،تربز فيها �صناعة النجوم وا�ستقطاب اجلماهري مبن يظهر عليها بتلميعة أ�حيان ًا وجذب امل�شاهدين له ،وما قد ي�صلح من ناحية املعايري ا إلعالمية من املفتني قد ال ي�صلح باملعايري ال�شرعية. فينبغي احلر�ص على املفتي ذي القدرة على خماطبة ال�شرائح املختلفة ،البارع يف تفهيم العقول املتباينة ،امل ؤ��صل لفتواه علم ًا وتعليم ًا وبث ًا للخلق ومقا�صد ال�شريعة. فالكثري من املفتني مييلون اىل الت�سطح أ واللفاظ العامة
11
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة اخلطابية والوعظ يف وقت احلاجة للبيان بدعوى �إظهار الت�سامح وعدم التعقيد. االحتياط يف الفتيا النوازل احلادثة قد ت�شبه بع�ض النوازل القدمية في�صبح �إحلاقها لكن البع�ض ا آلخر يختلف باختالف الع�صر احلديث فال يتمح�ص ال�شبه بني القدمي واحلديث ،و الواجب على املفتي الرتوي وعدم االقدام على الفتيا يف النازلة حتى لو ا�ستعجله املقدم بح�سم اجلواب فيها. ( قال االمام أ�حمد :اذا هاب الرجل �شيئ ًا ال ينبغي أ�ن يحمل على ما يقول ) االن�صاف للمرداوي .185/11 و املالحظ تو�سع املفتني واطالق أالحكام العامة ونادر ًا من يقول ال أ�دري مع أ�نها كانت ديدن ال�سلف. مراعاة أ�وجه التحرمي والتحلي فيفتي باالجماعات ومبا اتفق عليه أالئمة أ�و اجلمهور وال عربة ملا ي�سود يف بع�ض البلدان من أ�عراف ومعتقدات ال م�ستند لها من ال�شرع ولو على قول مرجوح ،ثم �إن الفتي ال يحمل النا�س وي�شو�ش عليهم يف م�س أ�لة اجتهادية. قال ابن �سراج� :إذا جرى النا�س على �شيء له م�ستند للن�سان خمتار غريه ال ينبغي له أ�ن يحمل النا�س �صحيح وكان إ على خمتاره فيدخل عليهم �شغبا يف أ�نف�سهم وحرية يف دينهم: �إذ من �شرط التغيري أ�ن يكون متفقا عليه ،اهـ .التاج واالكليل .475/2 التف�صيل ولي�س التعميم أ�غلب م�سائل الفقه مبنية على التف�صيل ال التعميم ،وعلى هذا �سار أالئمة املحققون يف بحوثهم وم�سائلهم. وعليه فمن �سئل مث ًال عن املنتجات احل�ضارية ،أ كالجهزة وغريها فال يح�سن �إطالق احلكم ،بل التق�صيل وال�شرط فمن ا�ستعمله يف حمرم فهو حمرم ،ومن ا�ستعمله يف مباح فهو مباح، فاملناط بالفعل ولي�س احلل. عدم التقيد مبذهب خا�ص: بل يراعى تنوع امل�ستمعني ،واللجوء اىل الفقه املقارن و�سياق اخلالف ب أ��سلوب مب�سط: ف�إذا ذكر مذاهب أالئمة الفقهاء يقرب املفتي من النا�س
12
بتفرق ميولهم املذهبية الفقهية ،وهذا اخلالف الفقهي الوا�سع يتيح للمفتي الرتجيح بني هذه أالقوال ،كما يعينه على مراعاة عوائد ال�شعوب واختياراتها الفقهية والتي أ�غلبها تلتزم مذهب ًا معين ًا يف الفقه واالفتاء ولو على ال�صعيد الر�سمي ،وعلى أ�ية حال فالفقه املقارن وذكر خالف املذاهب ي�ساعد امل�ستمع وامل�شاهد على تقبل احلكم والوثوق به كما ي ّعوده على احرتام أالئمة وحبهم وعدم التع�صب للر أ�ي أ�و املذهب. عدم الدخول يف التف�صيالت: والتي تختلف من بلد اىل �آخر ك أ�نواع اللبا�س والعوائد ف�إن هذه التف�صيالت قليلة الفائدة كما أ�نها حتجب النا�س املختلفني عن االهتمام بهذا املفتي بحكم أ�قليميته واهتمامه اخلا�ص بهذا البلد. التي�سري املتوازن فيما ال ن�ص فيه: فان التي�سري لي�س مذهب ًا فقهي ًا أ�و ر أ�ي ًا خا�ص ًا بل هو مق�صد عظيم و أ��سا�س متني لل�شريعة اال�سالمية ( ي�سرا وال تع�سريا ) رواه البخاري وم�سلم. فهذا الن�ص لي�س خا�ص ًا أ�و من�سوخ ًا فهو حمكم ثابت وا�ضح الداللة فل�سنا نحتاج العتماده دليل أ�و ر أ�ي مع هذا البيان النبوي العظيم ،وهذا التي�سري الديني ال جمال فيه للعبث أ�و الت�ساهل ألنه م�ضبوط مبا لي�س فيه ن�ص وا�ضح ،فالتي�سري مق�صد مهم من مقا�صد الت�شريع لتطبيق أالحكام ولفهم الن�صو�ص وترتيلها. لي�س كل امل�سائل يكون فيها حكم �صريح باحلالل أ�و احلرام ،فيح�سن باملفتي أ�ن ي�سوق الف�ضائل ويحث عليها ،أ�و املثالب ويحذر منها. ذكر الدليل ما أ�مكن ولو أ�ن يذكر دلي ًال واحد ًا :فالدليل يعلم امل�ستمع وامل�شاهد ربط احلكم بالن�ص واحرتام الن�ص وااللتجاء �إليه وحتكيمه يف احلياة اخلا�صة والعامة كما يقول ابن القيم ( والعلم معرفة الهدى بدليله ) فالدليل هو احلجة الثابته التي يقدمها املفتي أ�مام اهلل أ�و ًال لقوله بهذا الر أ�ي و أ�مام النا�س ألن اهلل �سي�س أ�ل النا�س ( ماذا أ�جبتم املر�سلني ).
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة وي�شيع نوع ًا من التناف�س املحمود على اخلري والقوة العلمية جتنب الدخول يف �صراعات مع مفتني آ�خرين فان املفتي ينبغي أ�ن يكون قدوة ح�سنة للنا�س يف معرفة والفكرية واملعرفية ،ويعطي النا�س متييز ًا بني القوي أ والقوى. -2عقد دورات إلعداد املفتني وتدريبهم: أ�دب اخلالف وح�سن الظن وعدم التع�صب والتعنيف على املخالف خ�صو�صا على �إخوانه الفقهاء والعلماء واملفتني. الدورات العلمية يف امل�ساجد �شكل مهم من أ��شكال طلب ت�سويغ بع�ض أ الحكام التي تبدو غريبة واال�شارة العلم ال�شرعي غري أ�نها نوع واحد ،وهناك أ�نواع أ�خرى يف فر�ض دورات ر�سمية أ�و أ�هلية تعطي �شهادات معتمدة خمتومة على اىل حكمتها وبع�ض أ��سرارها والت أ�نق يف عر�ضها: فان ا�ستغراب النا�س للحكم يفرت�ض أ�ن يبعث الفقيه فهم هذه املواد العلمية املعينة أ�و على هذه العلوم املخ�صو�صة للمزيد من التو�ضيح لهذا احلكم ولدليله وم أ�خذه من الت�شريع وهذا ي�شجع على العلم ال�شرعي ويعطي ثقة بقوته وح�ضوره والئمة الذين ن�صروا وبامتالك هذا الطالب مل ؤ�هالت أ�قرب لتحقيق �شرط االفتاء. والداللة والقوة والر أ�ي وذكر من قال به ،أ -3قيام املجامع الفقهية بدورها يف العمل االعالمي هذا القول ،ومربرات القول به. ف�ضائياً أ�و �إذاعياً أ�و �صحفياً: احلذر من التفريط املجامع الفقهية قوة حا�ضرة يف منتدياتها اخلا�صة وقليلة واالن�سياق وراء كل ر أ�ي ،ونبذ الفتاوى املجافية للن�صو�ص الوا�ضحة واالجماع ،مثل :جواز زواج امل�سلمة بكتابي ،أ�و جواز احل�ضور ا إلعالمي من ف�ضائيات و�صحف وجمالت وذلك خط أ� الدعوة للن�صرانية واملذاهب املنحرفة يف أ�و�ساط امل�سلمني ،من القنوات وال�صحف ومن أ��صحاب هذه املجامع التي يجب فان املجتمع له ثوابت دينية ال يحق ألحد أ�ن ينازع فيها أ�و يبث أ�ن تقول �صوت ًا م�سموع ًا للنا�س يف الفتاوى املهمة والع�صرية. -4قيام جهات ا إلفتاء بدورها يف ذلك: ر أ�يه اخلا�ص الذي يخالف هذه الن�صو�ص اجللية. وجهات ا إلفتاء كثرية من التجمعات اخلا�صة وامل ؤ��س�سات وجتنب الفتاوى ال�شاذة التي قد تقبل يف نطاق خا�ص أ�و ظرف خا�ص ،ولكن ال ت�صلح وال تقبل للعامة ،والفتوى املعلنة ا إل�سالمية �إىل الهيئات ال�شرعية يف الدول �إىل املجامع الكبرية كمجامع الفقه اال�سالمي. التي يطري النا�س بها كل مطار. -5ت أ��سي�س جمعيات علمية م�ستقلة لغر�ض �ضبط الواقع و أ��سبابه ومقرتحات احلل: ثمت �ضعف ظاهر ،وت�سرع يف الفتوى ،وت�ضارب �شديد الفتوى ،وحتقيق م�صالح النا�س فيها: وذلك مطلب ال�شعوب والنا�س وال�شركات أ والفراد فهذا وظهور ملزاج املفتي أ�كرث من علمه. �صوت �شرعي يراعي م�صاحلهم ويقوم على حل �إ�شكالياتهم، عدم تدريب ال�شرعيني على اخلطاب: هناك �شريحة وا�سعة من طلبة العلم ال�شرعي الذين ويناق�ش ق�ضاياهم الدينية. -6ت أ��سي�س قنوات متخ�ص�صة: يعرفون �آحاد الن�صو�ص ورمبا يحفظونها ويع�ضهم يفهم للفتاء وا�ستقبال أال�سئلة والفتوى جمملها وقليل منهم من ميتلك الفهم النا�ضج ال�سليم والعقل واذاعات متخ�ص�صة إ أ الراجح امل�ستوعب واللغة اجليدة التي ت ؤ�هله للخطاب العام طوال الوقت حلاجة النا�س املا�سة يف الوقات املختلفة للفتاوى وتعطيه املقدرة على ن�شر الر أ�ي ال�شرعي واحلديث عنه يف ال�شرعية بل و أ�حيان ًا ب�شكل �إ�ضطراري وعاجل. و�سائل االعالم ب�شكل يرفع قيمة هذا الر أ�ي وال يغمطه حقه. -7التن�سيق بني دوائر العمل ال�شرعي: مقرتحات احلل: والتي ت�شارك يف الفتوى كمواقع االنرتنت وبني القنوات -1اختيار امل ؤ�هلني للفتوى كما نختار الق�ضاة وال�صحف وا إلذاعات يف ن�شر الفتاوى و�صياغتها وهذا عمل املهتمني واملتابعني وميكن تعيني �إداريني لهذا ال� أش�ن ولدوام وغريهم: فاالختيار بني امل ؤ�هلني يفر�ض مزيد العناية والت أ�هيل ،متابعة ذلك.
13
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
االفتاء عرب االنرتنت �آفاق وعوائق أ ال�ستاذ حممد ابراهيم زيدان جمهورية م�صرالعربية الفتوى من�صب عظيم أ المام ال�شاطبي ـ قائم مقام النبي الثر ،بعيد اخلطر ،ف�إن املفتي ـ كما قال إ النبياء» وهو نائب عنه يف تبليغ أ ـ �صلى اهلل عليه و�سلم ـ فهو خليفته ووارثه «العلماء ورثة أ الحكام، وتعليم أ النام ،و�إنذارهم بها لعلهم يحذرون ،وهو �إىل جوار تبليغه يف املنقول عن �صاحب ال�شريعة، قائم مقامه يف �إن�شاء أ الحكام يف امل�ستنبط منها بح�سب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه ـ كما
قال ال�شاطبي ـ �شارع ،واجب اتباعه ،والعمل على وفق ما قاله ،وهذه هي اخلالفة على التحقيق .
واعترب ا إلمام أ�بو عبد اهلل بن القيم املفتي موقعا عن اهلل تعاىل فيما يفتي به ،و أ�لف يف ذلك كتابه القيم امل�شهور «�إعالم املوقعني عن رب العاملني» الذي قال يف فاحتته : «�إذا كان من�صب التوقيع عن امللوك باملحل الذي ال ينكر ف�ضله، وال يجهل قدره ،وهو من أ�على املراتب ال�سنيات ،فكيف مبن�صب التوقيع عن رب أالر�ض وال�سموات؟ !» وكان بع�ضهم يتوقف عن الفتوى فال يجيب ويحيل �إىل غريه أ�و يقول :ال أ�دري .قال عتبة بن م�سلم� :صحبت ابن عمر أ�ربعة وثالثني �شهرا ،فكان كثريا ما ي�س أ�ل فيقول :ال أ�دري ! يقول االمام النووي – رحمه اهلل – يف مقدمة كتاب املجموع �شرح املهذب : اعلم ان االفتاء عظيم اخلطر كبري املوقع كثري الف�ضل
14
الن املفتى وارث االنبياء �صلوات اهلل و�سالمه عليهم وقائم بفر�ض الكفاية لكنه معر�ض للخط أ� ولهذا قالوا املفتى موقع عن اهلل تعاىل :وروينا عن ابن املنكدر قال العامل بني اهلل تعاىل وخلقه فينظر كيف يدخل بينهم .وروينا عن ال�سلف وف�ضالء اخللف من التوقف عن الفتيا أ��شياء كثرية :معروفة نذكر منها أ�حرفا تربكا :وروينا عن عبد الرحمن ابن أ�بي ليلى قال ادركت ع�شرين ومائة من االن�صار من ا�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ي�سئل أ�حدهم عن امل�س أ�لة فريدها هذا �إىل هذا وهذا �إىل هذا حتى ترجع �إىل االول .ويف رواية ما منهم من يحديث بحديث اال ودان اخاه كفاه اياه وال ي�ستفتى عن �شئ اال ودان اخاه كفاه الفتيا .وعن ابن م�سعود وابن عبا�س ر�ضى اهلل عنهم من أ�فتى عن كل ما ي�سئل فهو جمنون .وعن ال�شعبى واحل�سن وابى ح�صني بفتح احلاء التابعني قالوا ان احدكم ليفتى يف
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة امل�س أ�لة ولو وردت على عمر بن اخلطاب ر�ضى اهلل عنه جلمع لها أ�ن أ�هل بدر :وعن عطاء بن ال�سائب التابعي أ�دركت أ�قواما ي�سئل احدهم عن ال�شئ فيتكلم وهو يرعد :وعن ابن عبا�س وحممد بن عجالن �إذا اغفل العامل ال أ�درى أ��صيبت مقاتله. وعن �سفيان بن عيينة و�سحنون أ�ج�سر النا�س على الفتيا اقلهم علما .وعن ال�شافعي وقد �سئل عن م�س أ�لة فلم يجب فقيل له فقال حتى ادري ان الف�ضل يف ال�سكوت أ�و يف اجلواب .وعن االثرم �سمعت احمد بن حنبل يكرث ان يقول ال ادري وذلك فيما عرف االقاويل فيه .وعن الهيثم بن جميل �شهدت مالكا �سئل عن ثمان و أ�ربعني م�س أ�لة فقال يف ثنتني وثالثني منها ال ادرى. وعن مالك اي�ضا انه رمبا كان ي�سئل عن خم�سني م�س أ�لة فال يجيب يف واحدة منها وكان يقول من اجاب يف م�س أ�لة فينبغي قبل اجلواب ان يعر�ض نف�سه على اجلنة والنار وكيف خال�صه ثم يجيب :و�سئل عن م�س أ�لة فقال ال ادرى فقيل هي م�س أ�لة خفيفة �سهلة فغ�ضب وقال لي�س يف العلم �شئ خفيف .وقال ال�شافعي ما ر أ�يت أ�حدا جمع اهلل تعاىل فيه من �آلة الفتيا ما جمع يف ابن عيينة ا�سكت منه عن الفتيا :وقال أ�بو حنيفة لو ال الفرق من اهلل تعاىل ان ي�ضيع العلم ما افتيت يكون لهم املهن أ� وعلى الوزر واقوالهم يف هذا كثرية معروفة . هذا عن االفتاء ب�صفه عامة أ�ما االفتاء يف ق�ضايا النوازل فانه أ�عظم خطر ًا ،و أ��شد أ�ثر ًا ،فاملفتي ي�سري يف طريق غري معبد ،وواقع ي�شتبك فيه ال�سيا�سي واالجتماعي واالقت�صادي مع الفقهي وال�شرعي وال بد من الرتيث حيث أ�ن العجلة مدمرة هنا بخا�صة ان كان أالمر يتعلق بفتاوى أالمة ال بفتاوى االفراد ،فبهذه الفتوى حتل دماء او حترم وت�ستباح حرمات أ�و ت�صان ،فعلى املفتي الت أ�ين والتدبر والت�شاور للوقوف على أالمر بكافة جوانبه ،ومعرفة م آ�الت الفتوى ،وكثري ًا ما نردد أ�ن ق�ضايا كثرية من ق�ضايا أالمة ال يجتمع عليها عدد من العلماء من تخ�ص�صات متعدده ين�ضجونها بالنقا�ش واحلوار ،ثم ي أ�تي فقيه أ�و جمموعة من الفقهاء بعد أ�ن يعوا الواقع ويعلموه من كل جوانبه لي�صدروا فتواهم يف هذه امل�س أ�لة . منهج ا�سالم أ�ون الين يف تقدمي الفتوى ر�صد خربة الفتوى يف املوقع بد أ�ت خدمة الفتوى مع بداية املوقع يف أ�كتوبر ،1999
وقد متت ا إلجابة عما يقرب من ( 200000مائتي أ�لف) فتوى خالل أالربع �سنوات ون�صف املا�ضية ،تتق�سم هذه الفتاوى �إىل ما يلي: أ�وال :فتاوى البنك الدائم :وفيه 12000فتوى م�صنفة ح�سب املو�ضوع وا�سم املفتي ،وميكن للم�ستخدم أ�ن يبحث ب أ�ي كلمة يف العنوان أ�و الن�ص ،كما ميكنه البحث من خالل ا�سم املفتي. وي�ستطيع الباحث احل�صول على مادة متكاملة من خالل البحث املو�ضوعي؛ فلدينا ع�شرات الفتاوى عن ال�سيا�سة ال�شرعية ،وع�شرات الفتاوى عن الرتبية اجلن�سية و�آدابها وحدودها وعالقة الرجل باملر أ�ة؛ �سواء كانت أ�جنبية أ�و خمطوبة أ�و زوجة أ�و غري ذلك. كما ي�ستطيع الباحث احل�صول على جمموعة متكاملة عن فتاوى احلرب أالمريكية و أ�ثرها على أالمة ا إل�سالمية ،وكذلك فتاوى فل�سطني والعراق وغريها من الق�ضايا املثارة يف الوقت احلايل ،با إل�ضافة لفتاوى العبادات واملعامالت وغريها. ثانيا :الفتاوى املبا�شرة :وقد عقدت ما يقرب من 500 حلقة للفتاوى املبا�شرة ،متو�سط عدد الفتاوى يف هذه احللقات 25فتوى؛ فيكون جمموع الفتاوى 12500فتوى تقريبا ،وتتميز الفتاوى يف هذه اخلدمة ب�سرعة الرد على امل�ستفتي ،لكنها رمبا تفتقد �إىل �شيء من الت أ��صيل والتف�صيل لكنها تفي بحاجة امل�ستفتي. وتعقد ا آلن حوايل 7حلقات كل أ��سبوع ( 4حلقات لفريق الباحثني ،و 3حلقات للعلماء من داخل وخارج م�صر)، ومتو�سط عدد الفتاوى 30فتوى يف احللقة الواحدة ،وما مييز هذه الفتاوى هو ال�سرعة يف تلقي ا إلجابة؛ حيث يتلقى ال�سائل ا إلجابة خالل دقائق من �إر�سال ال�س ؤ�ال ،وي�ستطيع أ�ن يتوا�صل مع املفتي باال�ستي�ضاح أ�و التعقيب أ�و غري ذلك. كما تتميز أ�ي�ضا بو�ضع ال�سائل على احلكم مبا�شرة دون الدخول يف تفا�صيل كثرية قد ت�شغله يف بع�ض أالحيان عن الو�صول �إىل احلكم ال�شرعي بو�ضوح. وتتميز أ�ي�ضا هذه الفتاوى بالتوا�صل مع عدد كبري من املفتني يغطون رقعة وا�سعة من العامل العربي وا إل�سالمي؛ فلدينا أ�كرث من مائة عامل وفقيه ميثلون معظم الدول العربية
15
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة وا إل�سالمية. ثالثا :فتاوى البنك امل ؤ�قت :وهذه متثل الن�سبة الكربى يف الفتاوى الواردة ،وهذه �إما مكررة أ�و حتمل نوعا من اخل�صو�صية يريد ال�سائل أ�ن تظل حمفوظة له ،وهي موجودة لدينا على قاعدة بيانات لكنها غري معلنة. ما تقدمه �صفحة الفتوى: وتعنى �صفحة الفتاوى بالرد على أ��سئلة امل�ستفتني يف كل ما يقابلهم من م�سائل تعر�ض لهم يف الفقه والعقيدة والتف�سري واحلديث ،كما تعر�ض ملا يقابلهم من م�شاكل نف�سية أ�و فكرية ولها مدخل �شرعي ،كما تتناول جانب أالخالق وا آلداب من وجهة نظر ال�شرع أ�ي�ضا. كما تقوم ال�صفحة ب�إثارة الق�ضايا اجلديدة التي رمبا ال يلتفت �إليها امل�ستفتون؛ فتقوم بعر�ضها على العلماء واملتخ�ص�صني إلبداء الر أ�ي حولها� ،سواء كانت يف جانب ال�سيا�سة ال�شرعية أ�و يف جانب املعامالت املالية احلديثة أ�و غري ذلك. تتنوع أال�سئلة الواردة �إىل ال�صفحة؛ فبع�ضها ي�س أ�ل عن امل�سائل الفقهية القدمية كالطهارة وال�صالة وال�صيام والزكاة واحلج أ والحوال ال�شخ�صية و�سائر املعامالت املالية وغريها واحلدود واجلنايات ،وبع�ضها ي�س أ�ل عن أالمور امل�ستجدة التي تقابل امل�سلم يف البالد (غري ا إل�سالمية) ،وبع�ضها ي�س أ�ل عن املعامالت املالية احلديثة ك�سوق أالوراق املالية وغريها. وت أ�خذ ق�ضايا ا إلنرتنت حيزا معقوال يف هذه أال�سئلة الواردة كاملرا�سلة بني الرجل واملر أ�ة عرب ا إلنرتنت والزواج والبيع وال�شراء عن طريق ا إلنرتنت ،وغري ذلك من الق�ضايا للنرتنت يف البيع احلديثة التي أ�ثريت ب�سبب ا�ستعمال النا�س إ وال�شراء والزواج والطالق والتعامل املادي وغري ذلك. كما تثار عرب ال�صفحة م�سائل العالقة اخلا�صة بني الزوجني و�آداب املعا�شرة ،وبخا�صة تلك التي عرفها امل�سلمون من خالل احتكاكهم بالغرب؛ �سواء كان االحتكاك مبا�شرا أ�م كان عن طريق و�سائل ا إلعالم امل�سموعة واملرئية . و�سطية ا�سالم اون الين .نت يف تقدمي الفتوى : تقوم و�سطية الفتوى على أ�ربعة ركائز:
16
أالوىل :قاعدة تغري الفتوى بتغري اجلهات أالربعة : وكان عمر – ر�ضي اهلل عنه – ممن له ن�صيب يف ت أ��صيل هذه القاعدة ،فمن ذلك أ�نه مل يعط امل ؤ�لفة قلوبهم مع ورود ذلك يف القر�آن ور أ�ى أ�ن عز ا إل�سالم موجب حلرمانهم. وكذلك �إلغا ؤ�ه للنفي يف حد الزاين البكر خوف ًا من فتنة املحدود والتحاقه بدار الكفر ألن �إميان النا�س ي�ضعف مع الزمن. ومن ذلك أ�مر عثمان بالتقاط �ضالة ا إلبل ،مع ورود النهي عن هذا الفعل ؛ وذلك ملا ر أ�ى من ف�ساد أالخالق وخراب الذمم وورث متا�ضر أال�سدية ملّا طلقها عبد الرحمن يف مر�ض موته.. و أ�مري امل ؤ�منني علي ر�ضي اهلل عنه ي�ضمن ال�صناع بعد أ�ن كانت يد ال�صانع أ�مانة قائال :ال ي�صلح النا�س �إال ذاك. وقد وردت هذه القاعدة يف جملة أالحكام العدلية بعنوان :ال ينكر تغري أالحكام بتغري الزمان». غري أ�ن هذه القاعدة لي�ست على �إطالقها ،فامل أ�موريات واملنهيات املعلومة من الدين بال�ضرورة ال تخ�ضع لقاعدة التغري ب�سبب الزمان . فالذي يتغري هو أالحكام االجتهادية و أ�ما القطعيات من أالحكام فال تتغري فال ميكن أ�ن تتغري املواريث بدعوى أ�ن املر أ�ة أ��صبح لها � أش�ن وال ميكن أ�ن يتغري حترمي ربا الن�سيئة يف بالد ا إل�سالم وال حترمي أ�كل امليتة واخلنزير. وتغري الفتوى ال يكون �إال لرتجح م�صلحة �شرعية مل تكن راجحة يف وقت من أالوقات أ�و لدرء مف�سدة حادثة مل تكن قائمة يف زمن من أالزمنة. أ والمثلة يف املذاهب كثرية ،منها ما نقله ابن عابدين يف حا�شيته من أ�ن املتقدمني من فقهاء املذهب يرون بطالن ا إلجارة على الطاعات ،ولكن جاء املت أ�خرون ،و�صححوها على تعليم القر�آن ،ثم جاء من بعدهم و�صححوها على أالذان وا إلمامة ،وذلك لل�ضرورة ،واحلفاظ على تعليم القر�آن و�إقامة ال�شعائر. ويف مذهب أالحناف أ�ي�ضا أ�ن املر أ�ة �إذا قب�ضت معجل املهر ،فعليها اتباع زوجها حيث �شاء ،ثم جاء املت أ�خرون و أ�فتوا بخالف ذلك ،ور أ�وا ب أ�ن املر أ�ة ال جترب على ال�سفر مع زوجها
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة �إىل مكان �إذا مل يكن وطن ًا لها وذلك لف�ساد الزمان أ والخالق. ثاني ًا :قاعدة العرف: وهذا أ��صل هام من أ��صول الفتوى ،نطق به العلماء ،حيث قال ابن عابدين »:لي�س للمفتي وال للقا�ضي أ�ن يحكما بظاهر الرواية ويرتكا العرف ،واهلل أ�علم. وقال ا إلمام القرايف يف حديثه عن العرف »:وعلى هذا القانون تُراعى الفتاوى على طول أاليام فمهما جتدد يف العرف اعتربه ومهما �سقط أ��سقطه ،وال جتمد على امل�سطور يف الكتب طول عمرك ،بل �إذا جاءك رجل من غري أ�هل �إقليمك ي�ستفتيك ال جتره على عرف بلدك وا�س أ�له عن عرف بلده و أ�جره عليه و أ�فته به دون بلدك واملقرر يف كتبك فهذا هو احلق الوا�ضح، واجلمود على املنقوالت أ�بد ًا �ضالل يف الدين وجهل مبقا�صد علماء امل�سلمني وال�سلف املا�ضني ،وعلى هذه القاعدة تتخرج �إميان الطالق والعتاق و�صيغ ال�صرائح والكنايات ،فقد ي�صري ال�صريح كناية يفتقر �إىل النية ،وقد ت�صري الكناية �صريح ًا م�ستغنية عن الن ّية» . ثالث ًا :قاعدة النظر يف امل�آالت: ومما ي�صب يف جداول امل�صلحة وي�سري يف دربها قاعدة النظر يف امل آ�الت يف أالقوال أ والفعال وقد ن�ص ال�شاطبي على أ�ن املفتى عليه أ�ن ينظر يف م آ�ل فتواه .وقد ف�صل ا إلمام ال�شاطبي يف هذا أالمر ،ور أ�ى أ�ن املفتي عليه أ�ن يتمهل و أ�ن ينظر ما ي ؤ�ول أالمر يف فتواه ،فقد يكون هناك �شيء م�شروع جللب منفعة ، أ�و لدرء مف�سدة ،ولكنه له م آ�ل على خالف ما ق�صد ،وقد يكون غري م�شروع ملف�سدة تن� أش� عنه أ�و م�صلحة تندفع به ولكن له م آ�ل على خالف ذلك. وت أ��صيل ذلك قوله تعاىل ( :وال ت�سبوا الذين يدعون من دون اهلل في�سبوا اهلل عدو ًا بغري علم) ،وقوله �صلى اهلل عليه و�سلم »:لوال قومك حديث عهد بكفر أل�س�ست البيت على قواعد �إبراهيم « وقوله يف تعليل ان�صرافه عن قتل املنافقني:دعه ال يتحدث النا�س أ�ن حممدا يقتل أ��صحابه ، أ�خاف أ�ن يتحدث النا�س أ�ن حممد يقتل أ��صحابه» .البخاري. وال�صحابة ر�ضوان اهلل عليهم كانوا يفهمون مق�صد ال�شارع ،ويت�صرفون وفقا لهذا الفهم ،فهذا أ�مري امل ؤ�منني عمر ر�ضي اهلل عنه يرتك تغريب الزانى البكر مع وروده يف
احلديث حيث ق�ضى عليه ال�صالة وال�سالم بجلده مائة وتغريب �سنة وذلك ملا �شاهد من كون التغريب قد ي ؤ�دي �إىل مف�سدة أ�كرب وهى اللحاق ب أ�ر�ض العدو وقال ال أ�غرب م�سلم ًا. وقال أ�مري امل ؤ�منني علي ر�ضي اهلل عنه :كفى بالنفي فتنة. و أ�ي�ضا ف�إن عمر بن عبد العزيز ر�ضي اهلل عنه ملّا توىل امللك أ�جل تطبيق بع�ض أ�حكام ال�شريعة فل ّما ا�ستعجله ابنه يف ذلك أ�جابه بقوله :أ�خاف أ�ن أ�حمل النا�س على احلق جملة فيدفعونه جملة ويكون من ذا فتنة.. وهذا ا إلمام ابن تيمية – رحمه اهلل – حني ر أ�ى �صاحبا له يكلمه عن التتار ي�شربون اخلمر ،و أ�نه واجب عليه أ�ن ينهاهم ،فقال له � :إمنا حرم اهلل اخلمر ألنها ت�صد عن ذكر اهلل وعن ال�صالة وه ؤ�الء ي�صدهم اخلمر عن قتل النفو�س و�سبي ال ّذرية و أ�خذ أالموال فدعهم . وقد قال ال�شاطبي أ�نه ينبغي على املجتهد :النظر فيما ي�صلح بكل مكلف يف نف�سه بح�سب وقت دون وقت وحال دون حال و�شخ�ص دون �شخ�ص �إذ النفو�س لي�ست يف قبول أالعمال اخلا�صة على و ّزان واحد .فهو يحمل كل نف�س من أ�حكام الن�صو�ص ما يليق بها بناء على أ�ن ذلك هو املق�صود ال�شرعي يف تلقي التكاليف. و�سد ذرائع احلرج وامل�شقة وقد ي�سميه البع�ض بفتح الذرائع ألنه ترك لبع�ض ف�ضائل أالعمال خوف ًا من �إعنات املكلفني كما ترك عليه ال�صالة وال�سالم ت أ�خري �صالة الع�شاء قائال :هذا وقتها لوال أ�ن أ��شق على أ�متي» ، .وترك أالمر بال�سواك عند كل �صالة ،وترك بناء البيت على قواعد �إبراهيم ،وترك قتل أ�هل النفاق ،خ�شية على �صورة ا إل�سالم . وعلى هذا ينبني كثري من قرارات املجل�س أالوربي حيث مينع أ�ئمة امل�ساجد من عقد النكاح قبل أ�ن يعقد عقد ًا مدني ًا أ�مام ال�سلطة ألن من � أش�ن تلك العقود و�إن كانت م�ستوفية ال�شروط أ�ن ت ؤ�ل�إىلخ�صوماتورمباحرماناملر أ�ةمنحقوقهاوحرمان أالوالد من ن�سبهم لعدم توثيق العقد وهذا من باب النظر يف امل آ�الت. ولي�س يف هذا ت�ساهل ،و بهذا نقرر أ�ن الت�سهيل غري الت�ساهل فالت�سهيل مطلوب ومرغوب النبنائه على قاعدة التي�سري أ�ما الت�ساهل فمبني على الهوى. رابع ًا :قاعدة حتقيق املناط يف أال�شخا�ص أ والنواع:
17
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ُ واتفاق النا�س عليه يف اجلملة مما وحتقيقُ املناط يف أالنواع ي�شهد له كثري من أالدلة ،من ذلك :ما ورد عن ابن �سريين؛ قال :كان أ�بو بكر ُيخا ِفت ،وكان عم ُر َيجهر -يعني يف ال�صالة- فقيل ألبي بكر :كيف تفعل؟ قال :أ�ناجي ر ِّبي و أ�ت�ضرع �إليه ،وقيل لعمر :كيف تفعل؟ قال :أ�و ِق ُظ ال َو ْ�سنانَ ،و أُ�خث أُ� ال�شَّ يطان ،و أُ�ر�ضي الرحمن .فقيل ألبي بكر :ارف ْع �شيئ ًا ،وقيل لعمر :اخْ ِف�ض �شيئ ًا. ويف «ال�صحيح» :أ�ن نا�س ًا جاءوا �إىل النبي ـ �صلى اهلل عليه و�سلم ـ فقالوا� :إنا جن ُد يف أ�نف�سنا ما يتعاظم أ�حدُنا أ�ن يتك َّل َم به .قال: �صريح ا إلميان. وقد وجدمتوه؟ قالوا :نعم .قال :ذلك ُ علي :حدثوا النا�س مبا يفهمون ،أ�تريدون أ�ن َّ يكذ َب وقال ُّ ُ اهلل ور�سوله؟» فجعل �إلقاء العلم مقيد ًا؛ َف ُر َّب م�س أ�ل ٍة ت�ص ُلح لقوم دون قوم ،وقد قالوا يف ال َّرباين� :إنه الذي ُيع ِّل ُم ب�صغا ِر العلم قبل ِكباره؛ فهذا الرتتيب من ذلك. وقد ف َّرع العلماء على هذا أال�صل؛ كما قالوا يف قوله تعاىل (�إمنا جزاء الذي يحاربون اهلل ور�سوله وي�سعون يف أالر�ض ف�سادا أ�ن يقتلوا) ا آلية �إن ا آلية تقت�ضي مطلق التخيري ،ثم ر أ�وا أ�نه مق َّي ُد باالجتهاد؛ فالقتل يف مو�ضع ،وال�صلب يف مو�ضع ،والقطع يف مو�ضع، والنفي يف مو�ضع ،وكذلك التخيري يف أال�ساري من ا َملنِّ والفداء. ال�سنن ،ولكن كاح وع ُّدوه من ُّ وكذلك جاء يف ال�شَّ ريعة أالم ُر بال ِّن ِ ق�سموه �إىل أالحكام اخلم�سة.. َّ ون�ستطيع أ�ن نلخ�ص منهج تقدمي الفتوى يف املوقع يف النقاط التالية : أ�وال :التحرر من الع�صبية املذهبية ،والتقليد أالعمى لزيد أ�و لعمرو من املتقدمني أ�و املت أ�خرين .فقد قيل :ال يقلد �إال ع�صبي أ�و غبي .و أ�نا ال أ�ر�ضى لنف�سي واحدا من الو�صفني. هذا مع التوقري الكامل ألئمتنا وفقهائنا ،فعدم تقليدهم لي�س حطا من � أش�نهم ،بل �سريا على نهجهم ،وتنفيذا لو�صاياهم ب أ�ال نقلدهم وال نقلد غريهم ون أ�خذ من حيث أ�خذوا. وهذا املوقف ال يتطلب من العامل امل�سلم امل�ستقل يف فهمه أ�ن يكون قد بلغ درجة االجتهاد املطلق أ كالئمة أالولني ،و�إن كان هذا غري ممنوع �شرعا وال قدرا. ولكن ح�سب العامل امل�ستقل يف هذا املوقف أ�مور: ( أ� ) أ�ال يلتزم ر أ�يا يف ق�ضية بدون دليل قوي� ،سامل من
18
معار�ض معترب ،وال يكون كبع�ض النا�س الذين ين�صرون ر أ�يا معينا ألنه قول فالن ،أ�و مذهب فالن ،دون نظر �إىل دليل أ�و برهان ،مع أ�ن اهلل تعاىل يقول( :قل هاتوا برهانكم �إن كنتم �صادقني) وال ي�سمى العلم علما �إذا كان نا�شئا من غري دليل. ولقد قال ا إلمام علي -كرم اهلل وجهه( :-ال تعرف احلق بالرجال ،بل اعرف احلق تعرف أ�هله). (ب) أ�ن يكون قادرا على الرتجيح بني أالقوال املختلفة، وا آلراء املتعار�ضة باملوازنة بني أ�دلتها ،والنظر يف م�ستنداتها من النقل والعقل ،ليختار منها ما كان أ��سعد بن�صو�ص ال�شرع، و أ�قرب �إىل مقا�صده ،و أ�وىل ب�إقامة م�صالح اخللق التي نزلت لتحقيقها �شريعة اخلالق.وهذا أ�مر لي�س بالع�سري على من ملك و�سائله من درا�سة العربية وعلومها ،وفهم املقا�صد الكلية لل�شريعة ،بجانب االطالع على كتب التف�سري واحلديث واملقارنة. (جـ) أ�ن يكون أ�هال لالجتهاد اجلزئي :أ�ي االجتهاد يف م�س أ�لة معينة من امل�سائل و�إن مل يكن فيها حكم للمتقدمني، بحيث ي�ستطيع أ�ن يعطيها حكمها ب�إدخالها حتت عموم ن�ص ثابت ،أ�و بقيا�سها على م�س أ�لة م�شابهة من�صو�ص على حكمها، أ�و ب�إدراجها حتت اال�ستح�سان أ�و امل�صالح املر�سلة ،أ�و غري ذلك من االعتبارات وامل آ�خذ ال�شرعية. والقول بتجزئة االجتهاد هو ال�صحيح الذي اتفق عليه املحققون. ومن أ�بني العبارات يف ذلك ما قاله ابن القيم: «االجتهاد حالة». ثاني ًا :تغليب روح التي�سري والتخفيف على الت�شديد والتع�سري ،وذلك ألمرين: أالول :أ�نال�شريعةمبنيةعلىالتي�سريورفعاحلرجعنالعباد، وهذا ما نطق به القر�آن ،و�صرحت به ال�سنة يف منا�سبات عديدة. ففي ختام �آية الطهارة من �سورة املائدة ،وما ذكر فيها من ت�شريع التيمم ،يقول تعاىل( :ما يريد اهلل ليجعل عليكم من حرج ،ولكن يريد ليطهركم ،وليتم نعمته عليكم لعلكم ت�شكرون). ويف ختام �آية ال�صيام من �سورة البقرة ،وما ذكر
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة فيها من الرتخي�ص للمري�ض وامل�سافر با إلفطار ،يقول �سبحانه( :يريد اهلل بكم الي�سر وال يريد بكم الع�سر). ويف ختام �آيات املحرمات يف الزواج ،وما رخ�ص اهلل فيه من نكاح ا إلماء امل ؤ�منات ملن عجز عن زواج احلرائر، يقول جل � أش�نه (يريد اهلل أ�ن يخفف عنكم ،وخلق ا إلن�سان �ضعيف ًا) ويف ختام �سورة احلج ،وما ذكر فيها من أ�حكام و أ�وامر ،يقول عز وجل( :هو اجتباكم وما جعل عليكم يف الدين من حرج) .هذا �إىل ا آليات أالخرى التي حرمت الغلو يف الدين ،و أ�نكرت على من حرموا الطيبات ،وهي كثرية. والنبي �صلى اهلل عليه و�سلم يقول: (ي�سروا وال تع�سروا ،وب�شروا وال تنفروا). ويقول�( :إمنا بعثتم مي�سرين ،ومل تبعثوا مع�سرين). ويقول�( :إمنا بعثت بحنيفية �سمحة). وينكر على املتطرفني واملغالني يف العبادة أ�و يف حترمي الطيبات ،ويعلن أ�ن من فعل ذلك فقد رغب عن �سنته (ومن رغب عن �سنتي فلي�س مني). ويوجه أ��صحاب هذه النزعة �إىل التو�سط واالعتدال ،حتى ال يطغى حق على حق .ولهذا قال لبع�ضهم�( :إن لبدنك عليك حق ًا ،أ ولهلك عليك حق ًا ،ولزوجك عليك حق ًا ،ف أ�عط كل ذي حق حقه). أ والمر الثاين :طبيعة ع�صرنا الذي نعي�ش فيه ،وكيف طغت فيه املادية على الروحية ،أ والنانية على الغريية ،والنفعية على أالخالق ،وكيف كرثت فيه املغريات بال�شر ،واملعوقات عن اخلري ،و أ��صبح القاب�ض على دينه كالقاب�ض على اجلمر ،حيث تواجهه التيارات الكافرة عن ميني و�شمال ،ومن بني يديه ومن خلفه ،تريد أ�ن تقتلعه من جذوره ،وت أ�خذه �إىل حيث ال يعود. وهي تيارات حتركها وتغذيها قوى �ضخمة ،متدها بالتمويل والتخطيط والتوجيه ،وت�سهل ملن اتبعها طريق ال�شهوات ،ورمبا طريق الو�صول �إىل املنا�صب والدرجات. والفرد امل�سلم يف هذه املجتمعات يعي�ش يف حمنة قا�سية ،بل يف معركة دائمة ،فقلما يجد من يعينه ،و�إمنا يجد من يعوقه. ولهذا ينبغي ألهل الفتوى أ�ن يي�سروا عليه ما ا�ستطاعوا ،و أ�ن يعر�ضوا عليه جانب الرخ�صة أ�كرث من جانب العزمية .ترغيب ًا يف الدين ،وتثبيت ًا ألقدامه على طريقه القومي .وقد نقل ا إلمام
للمام الكبري - النووي يف مقدمات «املجموع» كلمة حكيمة إ �إمام الفقه واحلديث والورع� -سفيان الثوري .قال فيها�« :إمنا العلم الرخ�صة من ثقة ،أ�ما الت�شديد فيح�سنه كل أ�حد!». فالعامل حق ًا -يف نظر الثوري رحمه اهلل -من يراعي الرخ�ص والتي�سري على عباد اهلل� ،شرط أ�ن يكون ثقة يف علمه ودينه. وكان منهج ال�صحابة ومن تخرج على أ�يديهم هو التي�سري والرفق بالنا�س ،ثم بد أ� الت�شديد يدخل على العلماء �شيئ ًا ف�شيئ ًا ،وع�صر ًا بعد ع�صر ،حتى أ��صبح هو طابع املت أ�خرين. روى احلافظ أ�بو الف�ضل بن طاهر يف كتاب «ال�سماع» ب�سنده عن عمر ابن �إ�سحاق من التابعني قال :كان من أ�دركت من أ��صحاب حممد �صلى اهلل عليه و�سلم أ�كرث من مائتني ،مل أ�ر قوم ًا أ�هدى �سرية ،وال أ�قل ت�شديد ًا منهم. وهكذا كان علماء ال�سلف� :إذا �شددوا فعلى أ�نف�سهم ،أ�ما على النا�س فيي�سرون ويخففون. ولقد و�صفوا ا إلمام املزين �صاحب ال�شافعي يف معر�ض الثناء عليه .ب أ�نه «كان أ��شد النا�س ت�ضييق ًا على نف�سه يف الورع، و أ�و�سعه يف ذلك على النا�س». وكذلك و�صفوا ا إلمام التابعي اجلليل حممد بن �سريين، قال تلميذه عون :كان حممد أ�رجى النا�س لهذه أالمة .و أ��شدهم أ�زر ًا على نف�سه. هذا وزمنهم زمن ا إلقبال على الدين فكيف بزماننا والنا�س مدبرون عنه؟. �إننا أ�حوج ما نكون �إىل التو�سعة على النا�س وهذا ما اخرتته لنف�سي أ�ن أ�ي�سر الفروع ،حني أ��شدد يف أال�صول ولي�س معنى هذا أ�ن أ�لوي أ�عناق الن�صو�ص رغم ًا عنها، أل�ستخرج منها -كره ًا -معاين و أ�حكام ًا تي�سر على النا�س. كال ،فالتي�سري الذي أ�عنيه ،هو الذي ال ي�صادم ن�ص ًا ثابت ًا حمكم ًا ،وال قاعدة �شرعية قاطعة ،بل ي�سري يف �ضوء الن�صو�ص لل�سالم .ولهذا مل أ�ت�ساهل قط يف والقواعد والروح العامة إ حترمي الفوائد الربوية من البنوك وغريها ،ألين أ�جد الن�صو�ص يف ذلك �صريحة حمكمة ،تتحدى أ�ي متهاون يف � أش�نها. ومل أ�ت�ساهل يف أ�مر التدخني -رغم عموم البلوى به -ألين أ�جد قواعد ال�شرع متنعه وت أ�باه. وت�ساهلت يف مو�ضوعات أ�خرى ألين مل أ�جد
19
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة من الن�صو�ص امللزمة ما يدل على التحرمي. وتبنيت ر أ�ي �شيخ ا إل�سالم ابن تيمية وتالميذه يف أ�مر الطالق ،ألين وجدته يعرب عن روح ا إل�سالم ،ومقا�صد ال�شريعة ،ويتم�شى مع ن�صو�ص القر�آن وال�سنة عند التحقيق. وعلى العموم� :إذا كان هناك ر أ�يان متكافئان: أ�حدهما أ�حوط ،والثاين أ�ي�سر ف�إين أ�وثر ا إلفتاء أ بالي�سر ،اقتدا ًء بالنبي �صلى اهلل عليه و�سلم الذي ما خري بني أ�مرين �إال اختار أ�ي�سرهما ما مل يكن �إثم ًا. أ�ما أالحوط فيمكن أ�ن ي أ�خذ به املفتي يف خا�صة نف�سه ،أ�و يفتي به أ�هل العزائم واحلري�صني على االحتياط ،ما مل يخ�ش عليهم اجلنوح �إىل الغلو. خماطبة النا�س بلغة الع�صر: ثالث ًا :ومن القواعد التي التزمتها ،أ�ن أ�خاطب النا�س بلغة ع�صرهم التي يفهمون ،متجنب ًا وعورة امل�صطلحات ال�صعبة ،وخ�شونة أاللفاظ الغريبة ،متوخي ًا ال�سهولة والدقة. وقد جاء عن ا إلمام علي( :حدثوا النا�س مبا يعرفون، ودعوا ما ينكرون .أ�تريدون أ�ن يكذب اهلل ور�سوله؟!). وقال تعاىل( :وما أ�ر�سلنا من ر�سول �إال بل�سان قومه ليبني لهم) ولكل ع�صر ل�سان أ�و لغة متيزه وتعرب عن وجهته .فالبد ملن يريد التحدث �إىل النا�س يف ع�صرنا أ�ن يفهم لغتهم ويحدثهم بها. وال أ�عني باللغة جمرد أ�لفاظ يعرب بها قوم عن أ�غرا�ضهم ،بل ما هو أ�عمق من ذلك ،مما يت�صل بخ�صائ�ص التفكري ،وطرائق الفهم وا إلفهام. ولغة ع�صرنا تتطلب عدة أ��شياء ،يجب على املفتي أ�ن يراعيها: ( أ� ) أ�ن يعتمد على خماطبة العقول باملنطق ،ال على �إثارة العواطف باملبالغات .فمعجزة ا إل�سالم الكربى معجزة عقلية هي القر�آن ،الذي حتدى اهلل به .ومل يتحد باخلوارق مع وقوعها للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم ومل تعرف الب�شرية دين ًا يحرتم العقل والعلم كما يحرتمه ا إل�سالم. (ب) أ�ن يدع التكلف والتقعر يف ا�ستخدام العبارات أ وال�ساليب، ولهذا كنت ا�ستخدم اللغة ال�سهلة القريبة امل أ�نو�سة ،ورمبا ا�ستخدمت بع�ض أاللفاظ أ�و أالمثال العامية لتو�ضيح ما أ�ريد. �إميان ًا مني ب أ�ن جمهور امل�شاهدين وامل�ستمعني لي�سوا يف م�ستوى واحد من الثقافة والفكر ،فمنهم أال�ستاذ الكبري ،ومنهم الطالب
20
ال�صغري ،ومنهم التاجر ،ومنهم العامل ،وكلهم يجب أ�ن يفهم ويعي ،و�إفهام امل�ستويات املتفاوتة أ�مر �صعب ،ولكني حر�صت عليه قدر ا�ستطاعتي ،و أ�نا م ؤ�من بالو�سطية واالعتدال يف كل أالمور ،ولهذا كنت بني بني ،ال أ�علو كل العلو �إىل م�ستوى اخلوا�ص ف أ�فقد العوام ،وال أ�نزل كل النزول �إىل العوام ف أ�فقد اخلوا�ص. بل جعلت هديف أ�ن أ�ر�ضي اخلا�صة و أ�فهم العامة مع ًا .وهذا نهجي طول حياتي ،و أ�رجو أ�ن أ�كون قد وفقت �إليه أ�و قاربت. (جـ) أ�ن يذكر احلكم مقرون ًا بحكمته وعلته، لل�سالم .وهذا ما التزمته مربوط ًا بالفل�سفة العامة إ يف فتاواي وكتاباتي ب�صفة عامة ،وذلك ألمرين: أالول :أ�ن هذه هي طريقة القر�آن وال�سنة. فالقر�آنحنييفتييفاملحي�ض-وقد�س أ�لواعنه-يقول(:وي�س أ�لونك عن املحي�ض قل هو أ�ذى فاعتزلوا الن�ساء يف املحي�ض وال تقربوهن حتى يطهرن) ف أ�مر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم أ�ن يبني لهم أ�ن علة احلكم -وهو أالذى -مقدمة للحكم نف�سه ،وهو االعتزال. ويف تق�سيم الفيء بني الفئات امل�ستحقة له ،ومنهم اليتامى وامل�ساكني وابن ال�سبيل ،يذكر اهلل تعاىل احلكمة يف ذلك فيقول: (كيال يكون دولة بني أالغنياء منكم) أ�ي حتى ال يكون املال متداو ًال بني طبقة أالغنياء وحدهم ،ويحرم منه �سائر الطبقات. فهذا م�صدر ال�شرور ،وهو أ�برز خ�صائ�ص الر أ��سمالية الطاغية. حتى العبادات ال�شعائرية ي أ�مر بها القر�آن مقرونة بعلل و أ�حكام تقبلها الفطر ال�سليمة ،والعقول الر�شيدة. ففي ال�صالة يقول�( :إن ال�صالة تنهى عن الفح�شاء واملنكر). ويف ال�صيام يقول( :لعلكم تتقون). ويف الزكاة( :تطهرهم وتزكيهم بها). ويف احلج( :لي�شهدوا منافع لهم ويذكروا ا�سم اهلل يف أ�يام معلومات). و أ�ما يف ال�سنة ،ف�إن من ت أ�مل فتاوى النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ر�آها م�شتملة على حكمة احلكم ونظرية ووجه م�شروعيته. من هذا قوله لعمر حني جاءه منزعج ًا� ،إذا قبل امر أ�ته وهو �صائم ،فقال له :أ�ر أ�يت لو مت�ضم�ضت ثم جمجته ،أ�كان ي�ضر �شيئ ًا؟ قال :ال ،فنبه على أ�ن مقدمة املحظور ال يلزم أ�ن يكون دائم ًا حمظورة .ف�إن غاية القبلة أ�ن تكون مقدمة اجلماع ،فال يلزم من حترميه حترمي مقدمته ،كما أ�ن
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة و�ضع املاء يف الفم مقدمة �شربه ،ولي�ست املقدمة حمرمة. ومن هذا قوله �صلى اهلل عليه و�سلم( :ال تنكح املر أ�ة على عمتها وال على خالتها ،وال على ابنة أ�خيها ،وال على ابنة أ�ختها، ف�إنكم �إن فعلتم ذلك قطعتم أ�رحامكم) فذكر لهم احلكم، ونبههم على حكمة التحرمي ،وهو ما يرتتب عليه من قطع ما أ�مر اهلل به أ�ن يو�صل نتيجة االحتكاك ال�ضروري بني ال�ضرائر. ومثل ذلك قوله لب�شري بن �سعد ،وقدخ�ص بع�ض أ�والده بعطية دون ا آلخرين :أ�ي�سرك أ�ن يكونوا لك يف الرب �سواء؟ قال :نعم .قال( :فاتقوا اهلل واعدلوا بني أ�والدكم). وهذا يف القر�آن وال�سنة كثري جد ًا ،مع أ�ن قول اهلل ور�سوله حجة بنف�سه ،و�إن مل تعرف له علة معينة ،وح�سبنا أ�نه ال ي أ�مر �إال بخري. الثاين :أ�ن ال�شاكني وامل�شككني يف ع�صرنا كثريون ،ومل يعد أ�غلب النا�س يقبلون احلكم دون أ�ن يعرفوا م أ�خذه ومغزاه ،ويعوا حكمته وهدفه ،وخا�صة فيما مل يكن من التعبدات املح�ضة. والبد أ�ن نعرف طبيعة ع�صرنا ،وطبيعة النا�س فيه، ونزيل احلرج من �صدورهم ببيان حكمة اهلل فيما �شرع ،وبذلك يتقبلون احلكم را�ضني من�شرحني .فمن كان مرتاب ًا ذهب ريبه ،ومن كان م ؤ�من ازداد �إميان ًا. ومع هذا البد أ�ن ن ؤ�كد للنا�س ،أ�ن من حق اهلل تعاىل ،أ�ن يكلف عباده ما �شاء ،بحكم ربوبيته لهم ،وعبوديتهم له ،فهو وحده له أالمر، كما له اخللق .ولهذا البد أ�ن يطيعوه فيما أ�مر ،وي�صدقوه فيما أ�خرب ،و�إن مل يدركوا علة أ�مره ،أ�و كنه خربه ،وعليهم أ�ن يقولوا يف أالول�« :سمعنا و أ�طعنا» ،ويف الثاين�( :آمنا به كل من عند ربنا). �إن اهلل ال ي أ�مر ب�شيء ،وال ينهى عن �شيء� ،إال حلكمة. هذه ق�ضية ثابتة جازمة .ولكن ل�سنا دائما قادرين على أ�ن نتبني حكمة اهلل بالتف�صيل .وهذا مقت�ضى االبتالء الذي قام عليه أ�مر التكليف ،بل أ�مر ا إلن�سان (�إنا خلقنا ا إلن�سان من نطفة أ�م�شاج نبتليه). العرا�ض عما ال ينفع النا�س: إ ومن القواعد التي التزمتها :أ�ال أ��شغل نف�سي وال جمهوري �إال مبا ينفع النا�س ،ويحتاجون �إليه يف واقع حياتهم. أ�ما أال�سئلة التي يريد بها أ��صحابها املراء واجلدل ،أ�و التعامل والتفا�صح ،أ�و امتحان املفتي وتعجيزه ،أ�و اخلو�ض فيما ال يح�سنونه ،أ�و �إثارة أالحقاد والفنت بني النا�س ،أ�و
نحو ذلك ،فكنت أ��ضرب عنها �صفحا ،وال أ�لقي لها باال، ألنها ت�ضر وال تنفع ،وتهدم وال تبني ،وتفرق وال جتمع. كان بع�ض النا�س يبعثون ب أ��سئلة تت�ضمن أ�لغازا �شرعية يريدون حلها من مثل“ :نوى وال �صلى ،و�صلى وال نوى” و “قوم كذبوا ودخلوا اجلنة ،وقوم �صدقوا ودخلوا النار” و أ��شباه ذلك ،فكان ردي عليها ا إللقاء يف �سلة املهمالت ألن اال�شتغال مبثل هذه امل�سائل من عمل الفارغني. ومثل ذلك أال�سئلة التي تتعلق أ بالمور الغيبية ،مما مل يجيء بتحديده ن�ص مع�صوم .ومثل ذلك غوام�ض امل�سائل الدينية والعقائديةالتيالحتتملهاالطاقةالعقليةاملعتادة جلمهور النا�س، ويخ�شىمناخلو�ضفيها�-س ؤ�االوجوابا-الت�شوي�شعلىالكثريين. فهذا أ�ي�ضا مما ال أ�عتني با إلجابة عنه �إال �إزالة ل�شبهة ،أ�و ردا لفرية ،أ�و تنبيها على قاعدة ،أ�و ت�صحيحا لفهم .أ�و نحو ذلك. ومما قاله يف ذلك ا إلمام �شهاب الدين القرايف: “ينبغي للمفتي �إذا جاءته فتيا يف � أش�ن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،أ�و فيما يتعلق بالربوية ،ي�س أ�ل فيها عن أ�مور ال ت�صلح لذلك ال�سائل لكونه من العوام اجللف ،أ�و ي�س أ�ل عن املع�ضالت ،ودقائق الديانات ،ومت�شابه ا آليات أ والمور التي ال يخو�ض فيها �إال كبار العلماء ،ويعلم أ�ن الباعث له على ذلك �إمنا هو الفراغ والف�ضول والت�صدي ملا ال ي�صلح له ،فال يجيبه أ��صال .ويظهر له ا إلنكار على مثل هذا ويقول له :ا�شتغل مبا يعنيك من ال�س ؤ�ال عن �صالتك و أ�مور معامالتك ،وال تخ�ض فيما ع�ساه يهلكك ،لعدم ا�ستعدادك له. و�إن كان الباعث له �شبهة عر�ضت له :فينبغي أ�ن يقبل عليه ،ويتلطف به يف �إزالتها عنه مبا ي�صل �إليه عقله .فهداية اخللق فر�ض على من �سئل. قال :أ والح�سن أ�ن يكون البيان له باللفظ دون الكتابة، ف�إن الل�سان يفهم ما ال يفهم القلم ،ألنه حي ،والقلم موات .ف�إن اخللق عباد اهلل ،و أ�قربهم �إليه أ�نفعهم لعباده ،وال �سيما يف أ�مر الدين وما يرجع �إىل العقائد. وكثريا ما كنت أ�طلب من �صاحب ال�س ؤ�ال �إذا أ�ح�س�ست جديته، وخ�شيتعلىجمهورامل�ستمعني أ�وامل�شاهدينالت�شوي�ش -أ�نيلقاين على انفراد ،أل�ستطيع أ�ن �آخذ معه و أ�عطي ،بال حرج وال خ�شية. ومن أال�سئلة التي مل أ�كن أ�عب أ� بها :ما يتعلق باملفا�ضلة بني �آل البيت وال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم وما �شجر
21
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة بينهم من خالف ،ونحو ذلك -مما ال طائل حتته. وقد أ�ف�ضى اجلميع �إىل ربهم ،وق�ضى اهلل ما كان. �سئل اخلليفة الرا�شد عمر بن عبد العزيز عن قتال أ�هل �صفني، فقال :تلك دماء كف اهلل عنها يدي ،فال أ�حب أ�ن يلطخ بها ل�ساين. ومن أال�سئلة التي يحر�ص بع�ض النا�س على �إثارتها ،وتلقيت يف � أش�نها أ�كرث من ر�سالة: أ�يهما أ�ف�ضل عند اهلل :أ�بو بكر أ�م علي؟ و أ�يهما كان أ�حق باخلالفة بعد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم؟ أ�يهما أ�ف�ضل :فاطمة الزهراء بنت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم أ�م عائ�شة أ�م امل ؤ�منني زوج ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم؟ ومثل ذلك :املفا�ضلة بني أالنبياء ،مثل �إ�سماعيل وا�سحق ،أ�و مو�سى وعي�سى. أ��سئلة ال يرتتب على العلم بها ،قوة يف دين ،وال نه�ضة يف دنيا ،ومن جهل اجلواب عنها فال �إثم عليه ،ومن كون يف كل منها ر أ�يا فهيهات أ�ن يتنازل عنه. ولقد قلت يف بع�ض �إجاباتي عن مثلها� :إنها أ��شبه مبو�ضوعات ا إلن�شاء التي كان معلمونا -ونحن تالميذ �صغار- يكلفوننا الكتابة فيها تدريبا للقلم ،و�شحذا للملكات ،مثل: املفا�ضلة بني الليل والنهار ،وبني ال�صيف وال�شتاء ،وبني أالر�ض وال�سماء ،وبني القطار وال�سفينة ،وغري ذلك مما ال معنى للمفا�ضلة بني بع�ضها وبع�ض عند أ�هل الب�صر والب�صرية. �إن اهلل تعاىل ور�سوله عابا على بني �إ�سرائيل كرثة أ��سئلتهم، واختالفهم على أ�نبيائهم ،و�س ؤ�الهم فيما ال �ضرورة �إليه ،وال فائدة منه �إال �إعنات أ�نف�سهم .ويف هذا ذكر اهلل تعاىل لنا ق�صة ذبح البقرة وكرثة أ��سئلتهم فيها دون حاجة ،ولو أ�خذوا أ�ي بقرة فذبحوها لكانوا ممتثلني أ للمر ،ولكن �شددوا ،ف�شدد اهلل عليهم. وما ذكر اهلل لنا هذه الق�صة �إال لتكون لنا عظة وعربة. ومن أال�سئلةالتي أ�عر�ضتعنها:مايتعلقبتف�سريالر ؤ�ى أ والحالم. وقد أ�علنت غري مرة :أ�ن مهمتي بيان أالحكام ،ال تف�سري أالحالم .وذلك أ�ن أالحكام لها أ��صول يحتكم �إليها، وم�صادر يرجع �إليها .أ�ما أالحالم فال �ضابط لها وال قاعدة، والحوال أ ويختلف ت أ�ويلها باختالف أال�شخا�ص أ والزمان. وعلى العموم هي تخمني وظن� ،إال من وهبه اهلل الفرا�سة يف ذلك ،وعلمه ت أ�ويل أالحاديث (وما نحن بت أ�ويل أالحالم بعاملني).
22
وطاملا قلت لل�سائلني يف ذلك :أ�نا ل�ست يو�سف ال�صديق .و�إمنا أ�نا يو�سف القر�ضاوي .ويو�سف ال�صديق قد خ�صه اهلل بذلك، وعلمه ما مل يعلمه غريه. واحلقيقة �إين ال أ�ح�سن ذلك ،ول�ست حري�صا على أ�ن أ�ح�سنه ،ف�إن ذلك -لو كان -جدير أ�ن يلتهم وقتي كله ،ألن أ�حالم النا�س ال تنتهي ،واهتمامهم بتف�سريها ال يتوقف. وبخا�صة الن�ساء الالتي ت�شغل أالحالم والر ؤ�ى من حياتهن وتفكريهن حيزا غري �ضئيل. النرتنت: مزايا الفتوى عن طريق إ -1يتيح طرح ال�س ؤ�ال عن طريق ا إلنرتنت للم�ستفتي ببذل و�سعه يف طرح أ�بعاد الق�ضية املطلوب الفتوى فيها ،وتداعيات هذه الق�ضية على ال� أش�ن اخلا�ص أ�و العام ،وا�ستفراغ ما عنده يف �صياغة امل�س أ�لة ،بحيث ال يدع جانبا من جوانبها من وجهة نظره �إال وعر�ضه ،ومثل هذا قد ال يتاح له عن طريق اللقاء املبا�شر بني املفتي وامل�ستفتي ،أ�و عن طريق الو�سائل أالخرى، ل�ضيق الوقت غالبا عن �سماع أ�و تلقي هذه التف�صيالت من قبل املفتي ،أ�و الرغبة يف االخت�صار من قبل و�سائل ا إلعالم التي ت أ�خذ على عاتقها ا إلجابة عن أ��سئلة امل�ستفتني. � -2سرعة �إي�صال امل�س أ�لة التي ي�ستفتى فيها و�سرعة �إي�صال اجلواب عنها ،وي�سر ذلك على امل�ستفتي واملفتي ،و�إن تباعدت امل�سافات بينهما ،ومثل هذا ال يتيحه عر�ض امل�س أ�لة عن طريق الر�سالة الربيدية أ�و عن طريق الفاك�س أ�و املكاملة التليفونية ،أ�و عن طريق التلفاز أ�و الراديو أ�و الو�سائل أالخرى امل�سموعة أ�و املقروءة أ�و املرئية. -3ما توفره الفتوى عن طريق املواقع املختلفة من �إحاالت على فتاوى �سابقة فيها �إفا�ضة يف معاجلة امل�س أ�لة املطلوب الفتوى فيها ،مما يتيح لل�سائل نوعا من الثقافة ال�شرعية يف مو�ضع م�س أ�لته ،قد ال تتيحه الو�سائل أالخرى املقروءة أ�و امل�سموعة أ�و املرئية. -4توفر الفتوى عن طريق ا إلنرتنت و�سيلة ال يتحرج منها امل�ستفتي عند طرح م�س أ�لته رجال كان أ�و امر أ�ة ،وميكنه حفظها عمن ال يريد �إطالعه عليها ،وهذا ال تتيحه الو�سائل أالخرى. -5تتيح الفتوى عن طريق ا إلنرتنت ت�صنيف الفتاوى بنوعها ،بحيث يكون ل�صاحب م�س أ�لة ما أ�ن يطلع على اجلواب
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة عن نظري م�س أ�لته �إن وجد لها نظريا ،و�إال �س أ�ل عن حكم ما مل يجد له نظريا ،كما يتيح له التعرف على أ�حكام كثري من النوازل ،فيكون له بذلك ثقافة �شرعية مب�سطة قد ال تتيحها له بنف�س الي�سر امل�صادر التي ا�ستقيت منها هذه أالحكام. -6تعد الفتوى عن طريق ا إلنرتنت البديل امل�شروع املتاح لكثري من النا�س ،بعد أ�ن بد أ� البع�ض يتخذ الفتوى طريقا لالرتزاق ،والذي مبقت�ضاه �صنف امل�ستفتون �صنفني� :صنف قادر على دفع نفقات الفتوى ،فيكون له احلق يف طرح م�س أ�لته أ�يا كان الوقت الذي ي�ستغرقه ال�س ؤ�ال واجلواب عنه ،و�صنف غري قادر على دفع هذه النفقات ،وهذا ال�صنف �إن مل تتح له و�سيلة م�شروعة مي�سرة يف مقدوره لعر�ض م�س أ�لته ومعرفة اجلواب عنها ،حرم من معرفة احلكم ال�شرعي فيها ،وال تتاح له و�سيلة هي يف مقدوره حتقق له حاجته يف معرفة احلكم ال�شرعي با�ستفا�ضة مثل ا إلنرتنت. -7من املعروف أ�ن أ�كرث الفتاوى التي ترد عن طريق و�سائل ا إلعالم املقروءة أ�و امل�سموعة أ�و املرئية غري ا إلنرتنت فتاوى مغر�ضة أ�راد بها أ��صحابها عر�ض احلياة الدنيا، أ والمثلة الواقعية على هذا أ�كرث من أ�ن حت�صي ،كما أ�ن مناذج هذه الفتاوى أ��صبحت معلومة حتى لعوام امل�سلمني ،والفتوى عن طريق ا إلنرتنت لي�ست بهذه املثابة ،ف�إن أ�كرث من يتولون اجلواب على أ��سئلة امل�ستفتني ال ينتهجون ذلك ،ومن يتولون ا إل�شراف على هذه املواقع ال ي�سمحون بتبعيتها؛ ألن ا إلنرتنت ال يتبع دولة معينة ،حتى ال يتم ت�سي�س الفتاوى به؛ رغبة يف عر�ض زائل .ولذا ف�إن أال�صل يف الفتاوى التي ترد مبواقع ا إلنرتنت املو�ضوعية واحليدة وعدم االنحياز ،والبعد عن الغلو والتطرف وا�سرت�ضاء ا آلخرين. عوائق على طريق االفتاء عن طريق االنرتنت : ال �شك ان عملية االفتاء على االنرتنت لي�ست كلها مزايا ، فهناك بع�ض امل�شكالت والعوائق التي تقابله ومنها : -1بع�ض أال�سئلة حتتاج �إىل ا�ستي�ضاح من امل�ستفتي يف بع�ض اجلوانب قبل اجلواب عنها ،وهذا و�إن كان يتيحه االلتقاء املبا�شر بني املفتي وامل�ستفتي عن طريق الهاتف أ�و احل�ضور أ�و نحوهما� ،إال أ�نه ال يتيحه االت�صال عرب ا إلنرتنت ،ولهذا فال يجد املفتي أ�مامه �إال أ�ن يجيب عدة �إجابات عن نف�س ال�س ؤ�ال
وفقا ملا يحتمله ،وهذا يطيل من اجلواب ،ويثقل على املفتي وي�ضيع الكثري من الوقت واجلهد عليه يف �س ؤ�ال واحد. -2قد ي�ستغل البع�ض ا�ستتار �شخ�صه عن طريق هذه الو�سيلة ،فيعمد �إىل طرح أ��سئلة ال يفتقر �إىل معرفة اجلواب عنها ،و�إمنا يق�صد من طرحها أ�مرا �آخر ،ولذا ف�إنه ترد أ�حيانا أ��سئلة من بع�ض امل�ستفتني ال يراد بها اجلواب عن حكم �شرعي يجهله ال�سائل ،و�إمنا يراد بها اجلواب عن �س ؤ�ال يف م�سابقة ر�صد لها جائزة ،أ�و ا إلجابة عن جزئية يف بحث علمي يعده ال�سائل ،وال يريد أ�ن يحمل نف�سه عناء البحث يف الكتب احلاوية ملحتواه ،أ�و اختبار املفتي من بع�ض املتنطعني اجلهال ،ملعرفة مذهبه الفكري أ�و ميوله أ�و معتقده ،أ�و لعقد مقارنة بني ما يفتي به وما يفتي به غريه ،أ�و ملحاولة تخطئته �إن أ�فتى مبذهب غري الذي يقلده ال�سائل ،أ�و نحو ذلك مما حدث ويحدث غالبا. -3ا�ستغالل بع�ض امل�ستفتني �سهولة طرح امل�س أ�لة وجهالة أ��شخا�صهم ،لطرح امل�س أ�لة عدة مرات على عدة مفتني ،ع ّل ال�سائل يجد عند أ�حدهم ما تهوى نف�سه فيلتزم به ،وهذا ي�ضيع الكثري من الوقت واجلهد على املفتني ،وغالبا ما يكون اجلواب عند جميعهم واحد. -4ورود أ��سئلة امل�ستفتني ناق�صة يف بع�ض أ�جزائها� ،إما لعدم �إجادتهم ا�ستخدام ا إلنرتنت ،أ�و لعدم مراجعتهم ما كتبوه يف أ��سئلتهم ،ومثل هذا النق�ص ي ؤ�ثر يف اجلواب عن ال�س ؤ�ال؛ ألنه ملا كان احلكم على ال�شيء فرعا عن ت�صوره ،ف�إن الت�صور اخلاطئ ال ينتج �إال حكما خاطئا كذلك. -5بع�ض أال�سئلة الواردة تكون من الق�صور واالخت�صار أ�حيانا؛ بحيث ال تعطي ت�صورا وا�ضحا لدى من يجيب عنها، ولذا ف�إن ا إلنرتنت أ�حيانا ال تكون هي الو�سيلة املنا�سبة للجواب عن مثل هذه أال�سئلة. -6من املعروف تغري الفتوى بتغري الزمان واملكان والحوال أ أ وال�شخا�ص ،فما يكون �سائغا من الفتاوى يف زمان أ�و مكان معينني ال يكون بهذه املثابة يف غريهما ،وما يكون �سائغا يف حال أ�و ل�شخ�ص معني ال يكون كذلك يف حال غريه، أ�و ل�شخ�ص �آخر .و أ��سئلة امل�ستفتني عن طريق ا إلنرتنت ِترد جمردة ،ال ُيعرف منها أ�حيانا �شخ�ص امل�ستفتي �إن كان مري�ضا أ�و م�سافرا أ�و يقيم بني م�سلمني أ�و بني كفار ،كما ال يعرف منها
23
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ظروف البيئة التي يعي�ش فيها ،وال حاله �إن كان به ما يقت�ضي الرتخ�ص أ�و ال ،وكل هذا ي�ضع املفتي يف حرية أ�حيانا بحيث ال يجد أ�مامه �إال أ�ن يجيب عن ال�س ؤ�ال وفقا لهذه االحتماالت التي ت�ستوحى من ال�س ؤ�ال. -7من املعامالت ما ي�شيع يف بلد بعينه دون غريه ،أ�و يكون له م�سمى يختلف م�سماه يف بلد �آخر ،أ�و يكون له قواعد أ�و نظم يطبق بها يف بلد بخالف تلك التي يطبق بها يف بلد �آخر ،وكثريا ما يفتقر املفتي �إىل ا�ستي�ضاح ذلك من قبل ال�سائل ،حتى يكون اجلواب واقعا على التكييف ال�شرعي للم�س أ�لة وفقا ملا ت�صوره املفتي. -8بع�ض أال�سئلة الواردة عرب ا إلنرتنت تكون من الو�ضوح والبدهية املعرفية ،بحيث ال ي�سع أ�دنى املثقفني ثقافة عامة أ�ن يجهلها ،ورمبا كانت �سهولة �إي�صال ال�س ؤ�ال عن طريق ا إلنرتنت مدعاة ملثل هذه أال�سئلة التي ال ميكن ألحد أ�ن ي�س أ�ل عنها لو كلفه �إي�صالها �إىل من ي�ستفتيه بع�ض النفقات. -9ترد بع�ض أال�سئلة يف �صيغة ق�صة مطولة ،ك أ�منا أ�راد �صاحبها أ�ن ينفث عن نف�سه ويو�صل بثه وما يعتمل يف نف�سه �إىل غريه لي�سرتيح ،ثم ال تنتهي ق�صته ب�س ؤ�ال بل بن�صح له أ�و لغريه ،أ�و قد تنتهي ب�س ؤ�ال ال يفتقر �إي�صاله �إىل كل هذه املطولة ،ويف هذا �إ�ضاعة للجهد يف القراءة والرتكيز وحماولة معرفة املطلوب من هذا العر�ض امل�سهب. -10عدم االحتكاك املبا�شر بني املفتي وامل�ستفتي رمبا ي ؤ�دي اىل عدم فهم ال�س ؤ�ال ب�شكل كامل � ،صحيح ي�ستطيع املفتي أ�ن يراجع امل�ستفتي ،لكنه لن ي�صل اىل درجة املبا�شرة ،ويظهر هذا ب�صورة أ�عمق يف :فتاوى الطالق أ والحوال ال�شخ�صية ، وفتاوى ال�شركات واملعامالت املالية امل�ستحدثة ،وغري ذلك . اقرتاحات لتفعيل دور الفتاوى يف العامل االلكرتوين للفتاء على ا إلنرتنت ،وقد قامت �شبكة � -1إيجاد ميثاق �شرف إ
24
“�إ�سالم أ�ون الين.نت” مبحاولة مع بع�ض العلماء للخروج مبيثاق �شرف للمفتني على ا إلنرتنت ،بحيث يكون مرجعا يلتزم به -قدر امل�ستطاع -يف عملية ا إلفتاء على ا إلنرتنت؛ فيمكن تفعيل هذا امليثاق مع بع�ض جهات ا إلفتاء املهتمة با إلفتاء على ا إلنرتنت ،بحيث يكون موثقا من عدة جهات. -2تخ�صي�ص موقع خا�ص بالفتوى على ا إلنرتنت ،يجمع غالب املواقع التي تقوم با إلفتاء ،مثل � :إ�سالم أ�ون الين. نت ،وهيئة الفتوى بالكويت ،ودار ا إلفتاء مب�صر ،وموقع ا إل�سالم اليوم ،وال�شبكة ا إل�سالمية لوزارة أالوقاف القطرية ،وغريها من الهيئات وامل ؤ��س�سات ودور ا إلفتاء يف العامل العربي وا إل�سالمي ،بحيث يكون هذا املوقع بوابة ا إلفتاء على ا إلنرتنت؛ ون�سعى يف املركز العاملي للو�سطية أ�ن نقوم بهذا الدور. -3تبادل اخلربات بني اجلهات املعنية بالفتوى على ا إلنرتنت، من خالل الزيارات وعمل ندوات وور�ش عمل وم ؤ�مترات خا�صة بالفتوى على ا إلنرتنت ،وال �سيما مواقع امل ؤ��س�سات الر�سمية وغري الر�سمية. � -4إن�شاء مركز يهتم بالفتاوى عرب و�سائل االت�صال احلديثة، ومن أ�همها الفتوى على ا إلنرتنت ،بحيث يهتم مب�ستوى الفتاوى ويخرج بقرارات وتو�صيات للجهات املعنية بالفتاوى ا إللكرتونية. � -5إن�شاء معهد عاملي للفتوى ،يقوم برفع م�ستوى املفتني، وت أ�هيل الباحثني ال�شرعيني الذين يعملون يف الفتوى من خالل الدورات والدرا�سة امل ؤ�هلة للعمل يف جمال الفتوى، وتزويد املفتني وطالب العلم ال�شرعي بالدرا�سات احلديثة والقرارات والبحوث املجمعية اخلا�صة مبجال الفتوى. � -6إن�شاء �صفحات للمفتني على موقع الفتوى املقرتح ،بحيث ي�ضم هذا املوقع أ�كرب عدد من املفتني يف العامل ا إل�سالمي، في�ضم �صفحات املفتني ،و�صفحات مواقع ا إلفتاء، و�صفحات الهيئات وغريها.
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
�إن�سانية النبي
�صلى اهلل عليه و�سلم -يف معاملة أال�رسى د 0عطااهلل املعايطة اجلامعة أ الردنية بعث اهلل حممد �صلى اهلل عليه و�سلم والعامل تتقا�سمه أ�ديان ووثنيات �شتى تهيمن فيها قوى الظلم على هذا ا إلن�سان الذي كان ب أ�م�س احلاجة �إىل بزوغ فجر جديد يريحه من تع�سف قيا�صرة الرومان و أ�كا�سرة الفر�س أ والديان املحرفة والوثنيات الظاملة يف عقائدها وت�صوراتها و�شرائعها وم�سالك حياتها ولعل جوانب العناء الب�شري كانت ت�شمل حياة ا إلن�سان كلها 0 وكانت �صور الظلم واالعتداء على امن هذا ا إلن�سان تتم من خالل احلروب والنزاعات التي تخلو من أ�خالقيات حترتم وجود ا إلن�سان و أ�منه وخا�صة يف حقوق أال�سرى يف احلروب التي كانت ال�صفة الغالبة حلال الب�شرية قبل بعثة الهادي الب�شري عليه ال�صالة وال�سالم،و�سوف أ�تناول يف هذا البحث املوجز �صورة الواقع الب�شري الذي �سبق بعثته عليه ال�صالة وال�سالم يف أال�سرى واملنهجية احل�ضارية اجلديدة التي جاء بها عليه ال�صالة وال�سالم يف رعاية أال�سري وحمايته وفدائه وغريها من أالحكام التي مل تعهدها الب�شرية من قبل 0 ال�سري -:هو أ -1تعريف أ الخيذ واملقيد وامل�سجون وجمعه أ��سراء وا�سارى وا�سارى )(( )1وهو امل أ�خوذ باحلرب)()2 -2حالة أال�سرى يف الديانات والدول قبل ا إل�سالم�-:إن لل�سالم �إلقاء نظرة موجزة على واقع أال�سري يف امللل ال�سابقة إ يربز احلاجة املا�سة التي كانت تنتظرها الب�شرية ببعثته عليه ال�صالة وال�سالم،فان �صورة ال�شقاء ا إلن�ساين يف احلروب ال ميكن ت�صورها �إذا عر�ضت مقارنه مع النقلة احل�ضارية ال�سامقة التي أ�نارت هذا الوجود ببزوغ فجر ا إل�سالم الذي هيمن على أالديان واحل�ضارات ال�سابقة أ فال�سري عند اليهود ومن خالل ن�صو�ص التوراة املحرفة ال وجود له بل هناك �صورة ب�شعة من �صور ا إلبادة اجلماعية، ونحن ال نرى هذه ال�صورة هي من أ�فعال و أ�خالقيات أالنبياء الكرام الذين بعثهم اهلل لهداية بني �إ�سرائيل بل هي �صورة
حمرفة أ�و وقائع حلكامهم الذين ابتعدوا عن الهدي الرباين واتخذوا هذه الن�صو�ص ذريعة جلرائمهم قدميا وحديثا ففي �سفر التثنية نرى هذه ال�صورة املفزعة من التعامل مع املخالفني حيث يقول كاتب ال�سفر ( -:حني تقرتب من مدينة لكي حتاربها ا�ستدعها لل�صلح فان أ�جابتك لل�صلح وفتحت لك فكل ال�شعب املوجود فيها يكون لك للت�سخري وي�ستعبد لك،وان مل ت�س أ�لك ال�صلح بل عملت معك حربا فحا�صرها و�إذا دفعها الرب �إلهك �إىل يدك فا�ضرب جميع ذكورها بحد ال�سيف -هكذا تفعل بجميع املدن البعيدة منك جدا أ�ما مدن ه ؤ�الء ال�شعوب التي يعطيك الرب �إلهك فال ت�ستبق منها بل حترمها حترميا ( أ�ي تبيدها �إبادة)احلثيني واالموريني والكنعانيني)()3وملا غزو مدينة أ�ريحا اخذوا املدينة وحرموا ( أ�ي أ�بادوا )كل ما يف املدينة من رجل وامر أ�ة من طفل و�شيخ حتى البقر والغنم واحلمري بحد ال�سيف )( ،)4وملا دخلوا مدينة عاي(احرقوا املدينة بالنار و�ضربوها حتى مل يبق منهم
25
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة �شاردا وال منفلت،وكان ملا انتهى �إ�سرائيل من قتل جميع ال�سكان و�سقطوا جميعا بحد ال�سيف حتى فنوا.فكان جميع الذين �سقطوا يف ذلك اليوم من الرجال والن�ساء اثني ع�شرا لفا)()5 أ�ما الرومان الذين �سيطروا على امل�سيحية و أ�خ�ضعوها ملجامع متعددة ال �صلة لها بدعوة ال�سيد امل�سيح عليه ال�سالم فقد كانوا يف حروبهم ابعد ما يكونون عن تعاليم هذا النبي الكرمي .فانك التكاد جتد يف حروبهم أ�ي حق أ لل�سري أ�و الن�ساء واالطفال فهم عر�ضة للقتل وا إلبادة واال�ستعباد كما يقول ابن العربي ت 1286م ((عندما افتتح طيطو�س مدينة أ�ور�شليم قتل فيها �ستني أ�لف نف�س و�سبى نيفا ومائة أ�لف نف�س ومات فيها من اجلوع خلق كثري والباقون ت�شتتوا يف البالد)) ( )6وعندما ظهر بالقد�س (رجل يقال له ابن الكوكب مدعيا انه يخل�ص اليهود من العبودية للرومان وجه له اذريان�س جيو�شا فقتلوه واهلكوا اليهود وخربوا أ�ور�شليم غاية اخلراب و أ�مر اذريان�س ب�صرم أ�ذان اليهود الذين تخلفوا )((( )7و أ�مر تيتو�س بالقب�ض على خم�سني أ�لفا من احليوانات املتوح�شة ثم ترك معها عدة أ�الف من أال�سرى اليهود داخل �سياج واحد يف العاب ب�شعة. كان هناك ع�شرة أ�الف رجل يت�صارعون مع �إحد ع�شر الفا من الوحو�ش ال�ضارية وقال أ�غ�سط�س يف ذكرياته اجلميلة كما يرى هو-:انه �شاهد مباريات بني ثمانية �آالف جندي مع 3510 من احليوانات املفرت�سة وكانت هذه املباريات تتم با�ستخدام أ��سرى احلروب )) ()8 أ�ما الفر�س عباد النريان فال�صورة ا�شد ب�شاعة من أ�ندادهم ومعا�صريهم من الرومان فقد ذكر ابن أالثري رحمه اهلل�(-:إن �سابور بن هرمز ملا غزا العرب أ�مر بعدم ا إلبقاء على احد منهم فقتل منهم حتى أ�باد عبدا لقي�س وق�صد اليمامة و أ�كرث يف أ�هلها القتل وغور مياه العرب وق�صد بكرا وتغلب و�سار �إىل قرب املدينة فقتل كذلك وكان ينزع أ�كتاف ر ؤ��سائهم ويقتلهم وقيل انه أ�مر ب�صف أال�سرى معا وخرق أ�كتافهم وربطهم معا ولهذا �سمي بذي أالكتاف)()9 وروى املقريزي عن همجية الفر�س يف ا إلبادة والتخريب فقال (-:ويف أ�يام فوقا ملك الروم بعث ك�سرى ملك فار�س جيو�شه �إىل بالد ال�شام وم�صر فخربوا كنائ�س القد�س
26
وفل�سطني وعامة بالد ال�شام وقتلوا الن�صارى اجمعهم واتوا على م�صر يف طلبهم فقتلوا منهم امة كبرية،و�سبوا منهم �سببا ال يدخل حتت احل�صر و�ساعدهم اليهود يف حماربة الن�صارى وتخريب كنائ�سهم ثم م�ضى ك�سرى بنف�سه �إىل العراق ثم توجه لغزو ق�سطنطينية حتت ملك الروم فحا�صرها أ�ربع ع�شر �سنه)( )10أ�ما م�شركي العرب قبل ا إل�سالم فحالهم يف احلروب وبواعثها ونتائجها يبعث على أال�سى أ والمل فقد(قامت حرب الب�سو�س التي ا�ستمرت أ�ربعني عاما ب�سبب ناقة ا�سمها �سراب()11ويف حرب االوارة التي كانت بني املنذر ابن امرئ القي�س وبني بكر بن وائل وكان �سببها �إن تغلب ملا أ�خرجت �سلمه ابن احلرث عنها التج أ� �إىل بكر بن وائل فلما �صار عند بكر أ�ذعنت له وح�شدت عليه وقالت الميلكنا غريك فبعث �إليهم املنذر يدعوهم �إىل طاعته ف أ�بو ذلك فحلف املنذر لي�سرين �إليهم فان ظفر بهم فليذبحنهم على قمة جبل اوارة حتى يبلغ الدم احل�ضي�ض و�سار �إليهم يف جموعه فاقتتلوا قتاال �شديدا واجنلت الواقعة عن هزمية بكر.وقتل ب�شر كثري وا�سر املنذر من بكر ا�سرى كثرية ف أ�مر بهم فذبحوا على جبل اوارة فجعل الدم يجمد.فقيل له :أ�بيت اللعن لو ذبحت كل بكري على وجه أالر�ض مل تبلغ دما ؤ�هم احل�ضي�ض ،ولكن لو �صببت عليه املاء ففعل ف�سال الدم �إىل احل�ضي�ض،و أ�مر بالن�ساء أ�ن يحرقن بالنار)(.)12 � -3إن�سانية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف تعامله مع أ ال�سرى: يف خ�ضم هذا الواقع أالليم الذي عر�ضنا جزئيات ب�سيطة منه انبثق نور جديد هدفه أال�سمى (�إخراج العباد من عبادة العباد �إىل عبادة رب العباد ومن جور أالديان �إىل عدل ا إل�سالم ومن �ضيق الدنيا �إىل �سعة الدنيا وا آلخرة )(� )13إن غزوات الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم كان طابعها أال�سمى هو احلفاظ على ا إلن�سان و الرغبة النبوية يف دخول النا�س يف دين اهلل ومل تكن هذه الغزوات تهدف �إىل القتل والتدمري وا إلذالل أ�و النهب وال�سلب كما هي ال�سمة الغالبة على حروب أالولني وا آلخرين و�إمنا اوجد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم هذا املنهج احل�ضاري و والنقلة اجلديدة يف حياة الب�شر التي ال يرقى �إىل م�ستواها أال�سمى �إال نبي مر�سل مكلف بتطبيق �شريعة
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة اهلل على هذه الب�شرية فهوا لرحمة املهداة التي قال عنها ربه جل جالله يف حمكم تنزيله(وما أ�ر�سلناك �إال رحمة للعاملني ) أالنبياء ()107وكل حياته �صلى اهلل عليه و�سلم مع أ��صحابه ومع خمالفيه كانت رحمة ت�سمو فوق أالحقاد وال�ضغائن وا إلحن حتى وهو ي�ضرب وجهه ال�شريف وي�سيل الدم منه عليه ال�صالة وال�سالم يقول كيف يفلح قوم خ�ضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم �إىل ربهم )(( )14وعندما رجع من الطائف وجاء ملك اجلبال وقال -:أ�ن �شئت أ�طبقت عليهم االخ�شبني قال -:أ�رجو اهلل أ�ن يخرج من أ��صالبهم من يوحد اهلل)(.)15بهذه الروح احلانية قاتل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ر ؤ�و�س ال�شرك وانت�صر عليهم وكان عامة أ�حواله ال�صفح والرحمة وهذا ما �سنالحظه يف هذه الوقائع امل ؤ�ثرة م�سريته �صلى اهلل عليه و�سلم وهديه يف أال�سرى الذي يفي�ض رحمة ورغبة يف هداية النا�س و�إ�سالمهم ولي�س �إراقة دمائهم و�إذاللهم. -1عدم �ضرب أ ال�سري و�إذالله -:فقد نهى النبي �صلى اهلل عليه و�سلم أ��صحابه عن �ضرب أال�سري الذي قب�ض عليه قبل غزوة بدر الكربى( عندما ذهب عليا و الزبري و�سعدا ر�ضوان اهلل عليهم يلتم�سون له اخلرب ببدر ف أ��صابوا راوية لقري�ش فيهم ا�سلم غالم بني احلجاج و أ�بو ي�سار غالم بني العا�ص فاتوا بهما النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وهو قائم ي�صلي ف�س أ�لوهما فقالوا -:نحن �سقاة قري�ش بعثونا ن�سقيهم من املاء فكره القوم خربهما و�ضربوهما ليخربوهما عن أ�بي �سفيان فقاال نحن ألبي �سفيان فرتكوهما وملا فرغ النبي من �صالته قال�-:إذا �صدقاكم �ضربتموهما و�إذا كذباكما تركتموهما �صدقا �إنهما لقري�ش اخرباين أ�ين قري�ش قاال-:هم وراء الكثيب)()16 �-2إطعام أ ال�سرى والو�صية بهم-:فقد أ�و�صى النبي �صلى اهلل عليه و�سلم أ بال�سرى خريا متبعا التوجيه القر�آين يف قوله تعاىل( -:ويطعمون الطعام على حبه م�سكينا ويتيما و أ��سريا�،إمنا نطعمكم لوجه اهلل ال نريد منكم جزاء وال �شكورا)(ا إلن�سان .)9-8-وقال عليه ال�صالة وال�سالم: (ا�ستو�صوا باال�سارى خريا )( .)17وقد طبق هذا أالمر واقعا م�شهودا فقد روى ابن �إ�سحاق عن نبيه ابن وهب قال( كان أ�بو عزيز بن عمري بن ها�شم اخو م�صعب بن عمري فقال أ�بو عزيز مر بي أ�خي م�صعب بن عمري ورجل من أالن�صار ي أ��سرين فقال:
�شد يديك به،فان أ�مه ذات متاع لعلها تفديه منك ،قال -:وكنت يف رهط من أالن�صار حني اقبلوا بي من بدر،فكانوا �إذا قدموا غداءهم وع�شا ؤ�هم خ�صوين باخلبز(،)18و أ�كلوا التمر لو�صية ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �إياهم بنا ،ما تقع يف يد رجل منهم ك�سرة خبز �إال نفحني بها ،قال-:فا�ستحي ف أ�ردها على احدهم ،فريدها علي ما مي�سها)()19 -3قبول ال�شفاعة يف أ ال�سرى -:وهذه ال�شفاعة ترجع �إىل تقدير مواقف �سابقة أ لل�سرى ووقوفهم مع امل�سلمني يف مكة املكرمة .قال -:عبد اهلل بن م�سعود ر�ضي اهلل عنه (ملا كان يوم بدر وجي باال�سارى ،قال -:ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم (ما تقولون يف ه ؤ�الء اال�سارى ،فذكر يف احلديث ق�صة ،فقال -:ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم (ال ينفلنت أ�حدا منهم �إال بفداء أ�و �ضرب عنق ،قال عبد اهلل -:فقلت يا ر�سول اهلل�-:إال �سهيل بن البي�ضاء ،فاين �سمعته يذكر ا إل�سالم. قال-:ف�سكت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قال-:فما ر أ�يتني يف يوم أ�خوف أ�ن تقع علي حجارة من ال�سماء مني يف ذلك اليوم حتى قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم-:اال �سهيل بن البي�ضاء)()20و أ�و�صى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم-: بعدم قتل أ�با البخرتي بن ه�شام ألنه كان اخف القوم على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وهو مبكة وكان ممن اهتم بنق�ض ال�صحيفة)()21 � -4إعطاء حرية االختيار أ لل�سري و�إخالء �سبيله �إذا ا�سلم :فلم ي ؤ�ثر أ�ن أ��سريا اكره على تغيري معتقده بل كان يرتك له االختيار املطلق يف ذلك فعن علي ر�ضي اهلل عنه ان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم (اتى بعني للم�شركني ا�سمه فرات بن حيان فامر به ان يقتل ف�صاح يا مع�شر أالن�صار اقتل وان أ� ا�شهد أ�ن الاله �إال اهلل وان حممد ر�سول اهلل ،ف أ�مر به النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فخلى �سبيله ثم قال �إن منكم من أ�كله �إىل �إميانه منهم فرات بن حيان )( )22ولقد �صدق يقني النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فيه حيث أ��صبح من خيار ال�صحابة املجاهدين وكان يغزو مع النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وهو الذي �سريه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل ثمامة بن اثال يف قتال م�سيلمة الكذاب)( )23ومن �شواهد هذا املنهج ق�صة ثمامة
27
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة بن اثال – �سيد بني حنيفة عندما أ��سرته خيل امل�سلمني فجاءوا به أ��سريا وربطوه يف �سارية من �سواري امل�سجد فخرج الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم فقال(-:ماذا عندك ياثمامه )فقال-: عندي ياحممد خريا �إن تقتل تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على �شاكر وان كنت تريد املال ف�سل تعط منه ما �شئت فرتكه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم حتى عاد �إليه ال�س ؤ�ال وعاد عليه ثمامة نف�س اجلواب –ثم جاءه الثالثة فقال -:عليه ال�صالة وال�سالم أ�طلقوا ثمامة فانطلق �إىل نخل قريب من امل�سجد فاغت�سل ثم دخل امل�سجد فقال-:ا�شهد ان الاله �إال اهلل وا�شهد ان حممدا عبده ور�سوله يا حممد واهلل ما كان على أالر�ض ابغ�ض ايل من وجهك فقد ا�صبح وجهك احب الوجوه كلها ايل واهلل ما كان من دين ابغ�ض ايل من دينك ف أ��صبح دينك أ�حب الدين كله �إيل واهلل ما كان من بلد ابغ�ض �إيل من بلدك ف أ��صبح بلدك أ�حب البالد كلها �إيل )()24 -5املر أ�ة أ ال�سرية و�صور من تكرميها -:لقد ابرز النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �صورة رائعة من �صور �صيانة املر أ�ة لل�سالم يف احلروب مغايرة متاما ملمار�سات أالمم ال�سابقة إ حيث كانت عر�ضة لالغت�صاب واالهانة واال�سرتقاق ،وهذه املمار�سات عادت اىل الوجود يف حروب الع�صر احلديث فراينا امتهانها واغت�صابها يف حروب البو�سنة والهر�سك والعراق وفل�سطني و أ�فغان�ستان ،ما ال يحتاج �إىل توثيق .أ�ما الر�سول ا إلن�سان عليه ال�صالة وال�سالم ,فقد نهى عن االعتداء على أ�عرا�ض خمالفيه من امل�شركني كما هي �صورة احلروب ال�سابقة واملعا�صرة .فقد أ�كرم ابنة حامت الطائي وا�سمها �سفانة بنت حامت عندما ر�آها يف ال�سبي ومن عليها و أ�عطاها العطايا و أ�مرها باللحاق ب أ�خيها عدي وكان ذلك �سببا يف عودة عدي ابن حامت م�سلما و أ��صبح له �شان يف فتوح ا إل�سالم أالول)()25 و أ��سرت جويرية بنت احلارث بن �ضرار ثم تزوجها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم و أ�طلق امل�سلون أال�سرى كرامة لهذا الزواج التي ارتقت ب�سببه جويربة ر�ضي اهلل عنها اىل م�ستوى امهات امل ؤ�منني ر�ضوان اهلل عليهم، عن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها قالت ( ملا ق�سم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �سبايا بني امل�صطلق ،وقعت جويرية بنت احلارث يف �سهم لثابت بن قي�س بن �شما�س او البن عم
28
له فكاتبته على نف�سها ،وكانت امراة حلوة مالحة اليراها احد اال اخذت بنف�سه ،فاتت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ت�ستعينه يف كتابتها ،قالت عائ�شة -:فو اهلل ما هو اال ان رايتها على باب حجرتي ،فكرهتها ،وعرفت انه �سريى منها ما رايت فدخلت عليه ،فقالت :يا ر�سول اهلل -:انا جويرية بنت احلارث بن ابي �ضرار �سيد قومه ،وقد ا�صابني من البالء ما مل يخف عليك فوقعت يف �سهم لثابت بن قي�س بن �شما�س او البن عمه فكاتبته على نف�سي فجئتك ا�ستعينك على كتابتي .قال -:فهل لك يف خري من ذلك قالت -:وما هو يار�سول اهلل ،اق�ضي عنك كتابتك و أ�تزوجك قالت -:نعم يار�سول اهلل قال -:قد فعلت، قالت -:وخرج اخلرب للنا�س ان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قد تزوج جويرية ابنة احلارث .فقال النا�س -:أ��صهار ر�سول اهلل �صلى اهلل علي و�سلم وار�سلو ما ب أ�يديهم ،قالت -:فلقد اعتق بتزويجه �إياها مائة أ�هل بيت من بني امل�صطلق فما اعلم امر أ�ة كانت أ�عظم على قومها بركة منها )( )26وتزوج ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �صفيه بنت حيي بن اخطب حيث وقعت يف ال�سبي يف غزوة خيرب يف �سهم دحية الكلبي ر�ضي اهلل عنه(.فجاء رجل اىل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فقال -:يا نبي اهلل أ�عطيت دحية �صفية بنت حيي �سيدة قريظة والن�ضري ال ت�صلح اال لك ،قال -:دعوه بها – فجاء بها فلما نظر �إليها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قال-:خذ جارية من ال�سبي غريها، قال -:فاعتقها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وتزوجها )()27 ورفعها اىل م�ستوى امهات امل ؤ�منني وهي مازالت قريبه العهد باليهودية حيث قالت( -:وكان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ابغ�ض النا�س ايل قتل زوجي و أ�خي و أ�بي فما زال يعتذر ويقول -:ان أ�باك أ�لب علي العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذلك من نف�سي )( )28ومما يجب العلم به ان هذه ال�سبايا ال مي�سها احد اذا كانت متزوجة قبل ان ت�ستربا االرحام اال اذا كانت بكرا فانها ت�صبح ملك ميني مامل تعتق مبكاتبة او من عليها ممن وقعت يف �سهمه وي�شهد لهذا مارواه م�سلم يف �صحيحه عن �سلمة بن االكوع ر�ضي اهلل عنه قال -:غزونا فزارة وعلينا ابو بكر ،امره ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم،فلما كان بيننا وبني املاء �ساعة امرنا ابو بكر .فعر�سنا ثم �شن الغارة ،فورد املاء فقتل من قتل و�سبى من �سبى وانظر اىل عنق النا�س فيهم الذراري،فخ�شيت ان ي�سبقوين اىل اجلبل فرميت ب�سهم بينهم
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة وبني اجلبل ،فلما راوا ال�سهم وقفوا وجئت بهم ا�سوقهم وفيهم امراة من بني فزارة ،عليها ق�شع من ادم قال -:الق�شع ()29 النطع – معها ابنة لها من اح�سن العرب ،فقدمنا املدينة وما ك�شفت لها ثوبا ،فلقيني ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف ال�سوق فقال -:يا �سلمة هب يل املراة ،فقلت -:يا ر�سول اهلل لقد اعجبتني وما ك�شفت لها ثوبا ،ثم لقيني ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم من الغد يف ال�سوق ،فقال -:يا �سلمة هب يل املراة ،هلل ابوك – فقلت -:هي لك يا ر�سول اهلل ،فواهلل ما ك�شفت لها ثوبا ،فبعث بها نبي اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم اىل رجل من اهل مكة ،ففدى بها نا�سا من امل�سلمني كانوا ا�سروا مبكة )( )30ومل تكن حروبه �صلى اهلل عليه و�سلم مثل حروب هذا الع�صر ت�شهد همجية االعتداء على الن�ساء واغت�صابهن، بل كانت هذه املمار�سة ابعد ما تكون عن جمتمع يقوده ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم غايته الطهر والعفة والبعد عن كل ما مي�س دينهم وطاعتهم وتقواهم ،فلذلك اباح لهم النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف مواطن متعددة زواج املتعة عند احلاجة اليه ثم حرمه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم حترميا قطعيا يف اخر غزواته وهي اوطا�س. -6ا�سر امللوك وطريقته عليه ال�صالة وال�سالم يف التعامل معهم -:مل يكن من مقا�صد هذا النبي الكرمي اذالل ملك او رئي�س قبيلة او انتزاع ملك احد او �سلب اموالهم او �سبي ن�سائهم .امنا كان الق�صد اال�سمى الذي يبدو من جمموع �سريته هو الرغبة الكربى يف ا�سالم النا�س ودخولهم يف دين اهلل طواعية ال كراهية وحبا وقناعة ،وهذا هو �سر ا�ستقرار هذا الدين وامتداده يف م�شارق االر�ض ومغاربها با لرغم من االهوال التي �صبت على اتباعه يف كل مكان. وهذه �شواهد تدل على هذا املنهج -:حيث بعث النبي �صلى اهلل عليه و�سلم خالد بن الوليد اىل اكيدر بن عبد امللك الكندي ملك دومة اجلندل فاخذه ا�سريا وقدم على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فا�سلم وكتب له والهل دومة اجلندل كتابا)()31 ومن �شواهد هذا املنهج وا�صالته يف دعوة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم -:عودة عدي بن حامت حيث تكلم عن نف�سه فقال-: ( كنت ملك طئ اخذ منهم املرباع ( )32وانا ن�صراين فلما قدمت خيل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم هربت اىل ال�شام
من ا إل�سالم وقلت -:أ�كون عند اهل ديني فبينما أ�نا بال�شام اذ جاءت أ�ختي و أ�خذت تلومني على تركها وهربي ب أ�هلي دونها ،ثم قالت يل -:أ�رى أ�ن تلحق حممد �سريعا ،فان كان نبيا كان لل�سابق ف�ضله ،وان كان ملكا كنت يف عز و أ�نت أ�نت قال -:فقدمت على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ف�سلمت عليه وعرفته بنف�سي فانطلق بي اىل بيته فلقيته امر أ�ة �ضعيفة فا�ستوقفته فوقف لها طويال تكلمه يف حاجتها – فقلت-:ما هذا مبلك ،ثم دخلت بيته فاجل�سني على و�سادة وجل�س على االر�ض – فقلت يف نف�سي -:ماهذا ملك فقال يل -:يا عدي انك تاخذ املرباع وهو اليحل لك يف دينك ،ولعلك امنا مينعك من اال�سالم ماترى من حاجتنا وكرثة عيوننا ،واهلل ليفي�ض املال فيهم حتى ال يوجد من ياخذه ،وواهلل لت�سمعن باملر أ�ة ت�سري من القاد�سية على بعريها حتى تزور هذا البيت ال تخاف االاهلل ،وواهلل لت�سمعن بالق�صور البي�ض من بابل وقد فتحت، قال -:فا�سلمت فقد رايت الق�صور البي�ض وقد فتحت ،ورايت املراة تخرج اىل البيت ال تخاف اال اهلل ،وواهلل لتكونن الثالثة ليفي�ضن املال حتى اليقبله احد )()33 -7العفو اجلماعي عن اال�سرى -:وهذا هو املنهج امل�سيطر على غزواته �صلى اهلل عليه و�سلم – امليل جلانب العفو و امل�سارعة �إىل التئام جروح خمالفبه طمعا يف ا�سالمهم واميانهم بعيدا عن التمتع العاجل ب�سباياهم و اموالهم وار�ضهم. ومن ال�شواهد على هذا – ما حدث يف غزوة بني امل�صطلق ملا �سمع النا�س بزواج ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم من جويرية بنت احلارث قام النا�س برد اال�سرى والغنائم ال�صحابها ،وتبع ذلك ا�سالم ابيها احلارث بن �ضرار وقومه وهذا هو الهدف اال�سمى الذي �سعى اليه ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم .ويف غزوة حنني و الطائف عفا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم عن �ستة االالف ا�سري من الن�ساء واالطفال والرجال فقد روى البخاري عن امل�سور بن خمرمة ر�ضي اهلل عنه قال� -:إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قام حني جاءه وفد هوازن م�سلمني ف�سالوه �إن يرد اليهم اموالهم و�سبيهم فقال -:لهم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ( -:معي من ترون ،واحب احلديث ايل ا�صدقه فاختاروا احدى الطائفتني ،اما ال�سبي واما املال.
29
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة وقد كنت ا�ستانيت بكم ) وكان انظرهم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ب�ضع ع�شرة ليلة حني قفل من الطائف ،فلما تبني لهم �إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ب�ضع ع�شرة ليلة حني قفل من الطائف ،فلما تبني لهم �إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم غري ر ا د اليهم �إال احدى الطائفتني قالوا -:فانا نختار �سببنا ،فقام ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف امل�سلمني فاثنى على اهلل مبا هو اهله ثم قال (( -:اما بعد ،فان اخوانكم قد جا ؤ�نا تائبني ،واين قد رايت �إن ارد اليهم �سبيهم .فمن احب منكم �إن يطيب ذلك فليفعل ،ومن احب منكم �إن يكون على حظه حتى نعطيه اياه من اول ما يفئ اهلل علينا فليفعل)). فقال النا�س -:قد طيبنا ذلك يا ر�سول اهلل فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم(( -:انا ال ندري من اذن يف ذلك ممن مل ياذن ،فارجعوا حتى يرفع الينا عرفا ؤ�كم امركم .ثم رجعوا �إىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فاخربوه انهم قد طيبوا واذنوا .هذا الذي بلغني عن �سبي هوازن )) ( )34ويف رواية البو داود قال -:عليه ال�صالة وال�سالم ( ردوا عليهم ن�ساءهم وابناءهم)ويف �صورة من �صور الرحمة واملودة ي�ستعطفون قلب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم عليهم فيقولون( -:يا ر�سول اهلل انا اهل وع�شرية وقد ا�صابنا ما مل يخف عليك فامنن علينا من اهلل عليك وقام زهري ابو �صرد من بني �سعد بن بكر وهم الذين ار�ضعوا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فقال -:يا ر�سول اهلل امنا يف احلظائر عماتك وخاالتك وحوا�ضنك الالتي كن يكفلنك )فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم( -:ردوا عليهم ن�سائهم وابنائهم فمن م�سك ب�شئ من هذاالفئ فان له علينا به �ست فرائ�ض من اول �شئ يفيئه اهلل علينا) وا�صبح رئي�س هذا ال�سبي الذي حارب ر�سول اهلل عليه و�سلم يقاتل يف �سبيل اهلل وينافح عنه فقد بعث النبي عليه ال�صالة وال�سالم �إىل مالك بن عوف رئي�س هوازن قائال ( �إن اتاين م�سلما رددت عليه اهله وماله واعطيته مئة بعري فاخرب مالك بذلك فخرج من الطائف �سرا وحلق بر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فا�سلم وح�سن ا�سالمه وا�ستعمله ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم على قومه فاعطاه اهله وماله ومئة بعري وكان يقاتل مبن ا�سلم معه من ثمالة وفهم و�سلمه وثقيف -8فداء أ ال�سرى� -:إن هذا املنهج هو �سل�سلة مرتابطة تعرب عن تا�سي�س حالة جديدة تربز جوانب الرحمة واالن�سانية
30
فما كان الفداء لق�صد مغنم دنيوي ابدا وكان احلادي االكرب يف مقا�صده �صلى اهلل عليه و�سلم هو ا�ستبقاء الرجال حتى يكرمهم اهلل باال�سالم واالميان .واول فداء حدث يف تاريخ اال�سالم كان قبل غزوة بدر الكربى يف �سرية عبد اهلل بن جح�ش التي قتل فيها عمرو بن احل�ضرمي و ا�سروا عثمان بن عبد اهلل واحلكم بن كي�سان ---وبعثت قري�ش يف فدائهما و قبل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم الفداء فا�سلم احلكم بن كي�سان ،واما عثمان بن عبد اهلل فمات مبكة كافرا ثم حدثت معركة بدر الكربى التي ا�سر فيها عدد كبري من امل�شركني وكان الفداء ومن �ضمن تف�صيالته جوانب ان�سانية عميقة تعرب عن �سمو هذا النبي الكرمي عن بواعث االنتقام والقتل كما يفعل يف احلروب القدمية واحلديثة .وكان يف اال�سارى ابو العا�ص بن الربيع زوج زينب بنت الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم وكان من اكرث رجال مكة ماال وامانة وجتارة وهو ابن اخت ال�سيدة خديجة ر�ضي اهلل عنها زوج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،فلما بعثت قري�ش يف فداء اال�سارى بعثت زينب يف فداء ابي العا�ص زوجها بقالدة لها كانت خديجة ادخلتها معها فلما راها الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم .رق لها رقة �شديدة وقال� -:إن رايتم �إن تطلقوا لها ا�سريها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا فاطلقوا لها ا�سريها وردوا القالدة). اخلامتة: هذه �صور م�شرقة من جوانب ان�سانيته عليه ال�صالة وال�سالم يف تعامله مع ااال�سرى ،حيث كان نور الرحمة واملحبة هو الذي �ساد ذلك الع�صر وامتد ذلك اخلري يف فتوح اخللفاء الرا�شدين وفتوح دول اال�سالم كلها حتى القى اال�سالم بجرانه يف االر�ض وا�صبح م�شعل هداية للب�شرية ثم ملا �ضعف امل�سلمون وغابت عنهم معامل املنهج النبوي حيث وقعوا فري�سة لتناحرهم الداخلي والفنت القاتلة وت�سلط عليهم اعدائهم وعاد ال�شقاءللب�شرية من جديد كما نرى ون�شاهد يف حروب الغزاة اجلدد القادمني من وراء البحار ين�شرون القتل والدمار واالنحالل اخللقي بكل �صوره وا�شكاله واننا لنامل من خالل الك�شفعن هذه اجلوانب االن�سانية ،اعطاء �صورة م�ضادة ملا يعي�شه العامل االن لعل امتنا تنه�ض من جديد واهلل املوفق والهادي �إىل �سواء ال�سبيل .
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
الهوام�ش: -1الفريوز أ�بادي –القامو�س املحيط �ص437وانظر أال�صفهاين – معجم مفردات القران �ص12 -2املعجم الو�سيط ج�2ص17 -3التوراة – �سفر التثنية –ا إل�صحاح -20فقرة 17-10 � -4سفر ي�شوع – ا إل�صحاح -3 21-20 -6ابن العربي -تاريخ خمت�صر الدول �ص117 -5ي�شوع -4 29-19-8املرجع ال�سابق �ص -5 121املودودي –اجلهاد �ص164 -6ابن أالثري -الكامل يف التاريخ ج�-1ص – 229وابن كثري -البداية والنهاية ج�-2ص181 -7املقريزي -كتاب املواعظ واالعتبار املعروف باخلطط ج�4ص406 -8ابن أالثري –ج�-1ص313 -9ابن أالثري – ج�-1ص334 -10عبارات للقائد ربعي بن عامر قالها أ�مام ر�ستم – ابن كثري -البداية والنهاية ج�7ص39 -11ابن ه�شام ال�سرية النبوية ج�-2ص30 -12م�سلم 1791- --13ابن أالثري –الكامل –ج�– 2ص -2 83الطرباين – املعجم ال�صغري رقم -409واملعجم الكبري رقم -977والطربي –تاريخ أالمم وامللوك ج�2ص39 -14يبدو من الن�ص أ�ن اخلبز أ�هم من التمر لندرته وتوفر التمر -2ابن ه�شام – ال�سرية ج�-2ص189 -15الرتمذي –ك ال�سري –باب ما جاء بامل�شورة رقم -4 1714ابن أالثري الكامل ج�2ص89 -16القرطبي – أ�حكام القران ج� – 18ص-46وابن كثري -البداية والنهاية ج�-4ص5 -17ا�سد الغابة -ج� -1ص893 -18البخاري وم�سلم واللفظ له 1764 -19ابن االثري –الكامل ج�2ص -194ا�سد الغابة ج�1ص 136 -20البخاري-كتاب العتق-باب من ملك من العرب رقيقا – وم�سلم يف اجلهاد(باب جواز االغارة على الكفار) -21البخاري –رقم – 364وم�سلم 1365 -22البالذري – فتوح البلدان – �ص 38 -23الق�شع -اجللد الياب�س -24م�سلم -كتاب اجلهاد -باب التنفيل وفداء امل�سلمني اال�سارى رقم 1755 --25البالذري -فتوح 1البلدان – �ص – 72وابن ه�شام ج� 4ص – 113واال�صابة ج�-1ص244 -26املرباع -:ربع الغنيمة يكون لرئي�س القوم –ل�سان العرب ج� -7ص – 413تاج العرو�س ج� -1ص – 5205ا او جزء من الغنيمة ياخذها ا مللك ا لن�صر ا ين – ل�سان ا لعرب ج� -5ص 95 -27ابن االثري – الكامل -ج� -2ص -195وانظر �سرية ابن ه�شام ج� -4ص -154وا�سد الغابةج� -1ص395 � -28صحيح البخاري – كتاب املغازي –باب قوله تعاىل ( ويوم حنني )---رقم احلديث 4319-4318 �-29سنن ابي داود -كتاب اجلهاد – باب فداء اال�سرى ح -رقم 2694 -30ابن االثري – الكامل -ج� -2ص182 -31ابو داود -ا ل�سنن -حديث رقم 2694 -32ابن االثري ج�2ص183 -33ابن االثري – الكامل – ج� 2ص94-93 -34املرجع ال�سابق ج� 2ص94
31
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
�إن�سانية النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم-
مع غري امل�سلمني يف ال�سلم واحلرب- من خالل �ساحة املعركة د .عدنان آ�ل �شل�ش اململكة أ الردنية الها�شمية ال�سالم عليه �إال م�ضطرا .احلرب �شر ال بد منه ! ق�ضية آ�من بها النا�س احلرب �شر ال بد منه ،وال يقدم إ جميعا ،ويزدادون �إميانا بها كلما ات�سع العمران ،وتناف�س النا�س يف هذه احلياة .و أ�خرى آ�من بها النا�س كذلك –م�سلمهم وكافرهم�-إال أ�عمى أ�و مكابرا ،يدمغه احلق ،فيويل �صاغرا ،ويدير م�ستكربا ،وقد ختم اهلل على ال�سالم ال ي�شتهي احلرب وال يتمناها ،وال يقدم عليها �إال �سمعه وقلبه وجعل على ب�صره غ�شاوة! تلك هي :أ�ن إ م�ضطرا؛ فهو دين الهدى والرحمة وال�سالم والطم أ�نينة ،والوقار وال�سكينة؛ ف�إذا اعتدى معتد على كرامته ،أ�و بغى على حرمته ،رد العدوان مبثله ،ال يحيف وال يجوز ،وال يغدر وال يخون؛ ف�إذا كف الظامل ،وثاب آ الثم،ورجع ال�سالم وعفا عنه ،و أ�عا�شه يف كنفه وادعا آ�منا مطمئنا على نف�سه وماله وعر�ضه ودينه، املعتدي� ،صافحه إ يدافع عنه ويقاتل دونه ،ويرعى له من احلرمة والكرامة ما ال يرعاه أ�هل ملته ،وال يزال كذلك يف بحبوحة أ ال�سالم حربا عوانا ! المن والطم أ�نينة ،حتى يغدر أ�و يفجر فيعلنها إ هنالك ال يجد ا إل�سالم بدا من أالخذ باحلزم والعزم يف معاقبة الباغني ،وت أ�ديب الطاغني ،و�إال كانت رحمته �ضعفا، وعزته ذال ،و�شجاعته جبنا! وتلك بع�ض الرذائل التي جاء ملحوها والق�ضاء عليها. وهل ي�ستطيع من�صف أ�ن يقول أ�ن ا إل�سالم ي�شتهي احلرب أ�و يدعوا �إليها يف غري ال�ضرورة التي ال حمي�ص عنها ،وهذه �إحدى غزوات ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -التي نهى فيها عن متنى لقاء العدو واال�شتباك معه؟!. مل تعرف على وجه التحديد هذه الغزوة ،ولكن الذي عرف من �سريته �صلوات اهلل عليه ،حتى أ��ضحى اجلدل فيه عنادا
32
ومكابرة ،انه ما خرج ملالقاة قوم �إال بعد أ�ن �سقطت أالدلة على غدرهم ومكرهم ،وعملهم �سرا أ�و جهرا على هدم دعوته، وو�ضع العقبات والعراقيل يف طريقها!. �إيثار ال�سلم على احلرب وكم احتمل هو و أ��صحابه �صابرين م�صابرين من أ�ذى ال يحتمل ،واعنات ال يطاق ،يف �إيثار ال�سلم على احلرب ،والعفو على العقوبة ،واللني على البط�ش والقوة. ويف موادعة اليهود ،و�صلح احلديبية ،وفتح مكة وكثري غري ذلك� ،شواهد �صدق ملا نقول. و�إذا كان ا إل�سالم يجنح لل�سلم أ�ن جنح لل�سلم أ�ن جنح
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة العدو لها -ولو كان يف جنوحه هذا خمادعا – فمن العناد واملكابرة ،بل من ال�سخف واملهاترة ،أ�ن يرمي ا إل�سالم افاك أ�ثيم ،ب أ�نه متعط�ش للدماء ،أ�و معتد على أالبرياء! يف الطريق اىل البيت احلرام : ملا أ�نزل اهلل �سبحانه وتعاىل �سورة الفتح( يوم احلديبية) وقالَ }:ل َق ْد َ�صدَ َق هَّ ُ الل َر ُ�سو َل ُه ال ُّر ْ ؤ� َيا ِبالحْ َ قِّ َلت َْد ُخ ُلنَّ المْ َ ْ�س ِجدَ الحْ َ َر َام �إِنْ َ�شا َء هَّ ُ و�س ُك ْم َو ُم َق ِّ�ص ِرينَ لاَ الل َ�آ ِم ِن َني محُ َ ِّل ِق َني ُر ُء َ ُون َذ ِل َك َفت ًْحا َق ِري ًبا{ ت ََخا ُفونَ َف َع ِل َم َما لمَ ْ َت ْع َل ُموا َف َج َع َل ِمنْ د ِ ()27 �سل�سة من أالحداث املتالحقة واحلا�سمة،بد أ�ت يوم (احلديبية) ،وانتهت بالفتح املبني-فتح مكة -وك أ�نها متما�سكة! ال�شاهد أالول :أ�خرج البخاري يف �صحيحه حديثا جميال يبني ما نذهب �إليه؛ فقال: حدثنا عبيد بن �إ�سماعيل :حدثنا أ�بو أ��سامة ،عن ه�شام، عن أ�بيه ،قال :ملا �سار ر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم -عام الفتح ،فبلغ ذلك قري�شا،خرج أ�بو �سفيان بن حرب،وحكيم بن حزام،وبديل بن ورقاء ،يلتم�سون اخلرب عن ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -ف أ�قبلوا ي�سريون حتى أ�توا مر الظهران ،ف�إذا هم بنريان ك أ�نها نريان عرفة ،فقال أ�بو �سفيان :ما هذه ،لك أ�نها نريان عرفة؟ فقال بديل بن ورقاء :نريان بني عمرو ،فقال أ�بو �سفيان :عمرو اقل من ذلك ،فر�آهم نا�س من حر�س ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم -ف أ�دركوهم ف أ�خذوهم ،فاتوا بهم ر�سولاهلل�-صلى اهلل عليه و�سلم -فا�سلم أ�بو �سفيان ،فلما �سار قال للعبا�س ( :احب�س أ�با �سفيان عند حطم اخليل ،حتى ينظر �إىل امل�سلمني) .فحب�سه العبا�س ،فجعلت القبائل متر مع النبي - �صلى اهلل عليه و�سلم -متر كتيبة كتيبة على أ�بو �سفيان ،فمرت كتيبة ،قال :يا عبا�س من هذه؟ قال :هذه غفار ،قال :ما يل ولغفار ،ثم مرت جهينة،قال مثل ذلك،ثم مرت �سعد بن هذمي، فقال مثل ذلك ،ومرت �سليم ،فقال مثل ذلك حتى أ�قبلت كتيبة مل ير مثلها ،قال :من هذه؟ قال :ه ؤ�الء أالن�صار ،عليهم �سعد بن عبادة معه الراية ،فقال �سعد بن عبادة :يا أ�با �سفيان ،اليوم يوم امللحمة ،اليوم ت�ستحل الكعبة .فقال أ�بو �سفيان :يا عبا�س حبذا يوم الذمار ،ثم جاءت كتيبة ،وهي أ�قل الكتائب ،فيهم ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -و أ��صحابه ،وراية النبي -
�صلى اهلل عليه و�سلم -مع الزبري بن العوام ،فلما مر ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -بابي �سفيان قال :أ�مل تعلم ما قال �سعد بن عبادة؟ قال (:ما قال) ؟ قال :كذا وكذا ،فقال( :كذب �سعد ،ولكن هذا يوم يعظم اهلل فيه الكعبة ،ويوم تك�سى فيه الكعبة) .قال :و أ�مر ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -أ�ن تركز رايته باحلجون. ال�شاهد الثاين :قال ابن كثري :ودخل ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -وهو راكب على ناقته وعلى ر أ��سه املغفر، ور أ��سه يكاد مي�س مقدمة الرحل من توا�ضعه لربه عزوجل... وكان الفتح لع�شر بقني من رم�ضان... ال�شاهد الثالث :ثم �س أ�لوه أالمان لقري�ش فقال ر�سول اهلل ( :من دخل دار أ�بي �سفيان فهو �آمن ،ومن دخل امل�سجد فهو �آمن ،ومن أ�غلق الباب على نف�سه فهو �آمن) .و�إمنا أ�عطى ر�سول اهلل� -صلى اهلل عليه و�سلم -أ�با �سفيان هذه امليزة �إر�ضاء لعاطفة الفخر يف نف�سه ،وقد أ�ر�ضاه مبا ال ي�ضر أ�حدا وال يكلف جهد ًا ،وال عليه أ�ن يتحبب �إىل نف�س مبثل هذا الثمن املي�سور. وملا دخل ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم-البيت العتيق أ�خذ يك�سر أال�صنام فتقع على أالر�ض مه�شمة متناثرة،يقول حممد الغزايل: «كانت هذه احلجارة – قبل �ساعة� -آلهة مقد�سة -وهي ا آلن – ج�ص وتراب و أ�نقا�ض ! يهدمها نبي التوحيد وهو يقول »:وقل جاء احلق وزهق الباطل �إن الباطل كان زهوقا « ا إل�سراء .81ثم أ�مر بالكعبة ففتحت .فر أ�ى ال�صور متل ؤ�ها ،وفيها �صورتان إلبراهيم و�إ�سماعيل ي�ستق�سمان أ بالزالم ؟ فقال- �ساخط ًا على امل�شركني – ( قاتلهم اهلل واهلل ما ا�ستق�سما بهذا قط ) وحما ذلك كله .حتى �إذا طهر امل�سجد من أالوثان أ�قبل على قري�ش وهم �صفوف �صفوف ،يرقبون ق�ضاءه فيهم، ف أ�م�سك بع�ضادتي الباب -باب الكعبة -وهم حتته ،فقال( :ال اله �إال اهلل وحده� ،صدق وعده ،ون�صر عبده،وهزم أالحزاب وحده). ال�شاهد الرابع :ثم قال ( :يا مع�شر قري�ش ،ما ترون أ�ين فاعل بكم) ؟ قالوا :خري ًا ،أ�خ كرمي وابن أ�خ كرمي .فقال( :ف�إين أ�قول لكم ما قال يو�سف إلخوته :اذهبوا ف أ�نتم الطلقاء)». وقبل أ�ن ي�سري الر�سول�-صلى اهلل عليه و�سلم -بجي�شه
33
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة العرمرم �إىل مكة فاحتا وم ؤ�دبا ل�صناديد وكفار قري�ش على نق�ضهم عهدهم معه با إلغارة وامل�ساعدة ماديا ومعنويا على بني خزاعة من قبل بني بكر ،وقع يف هذه الفرتة الدقيقة حادث م�ستغرب.ف�إن رج ًال من أ�هل ال�سابقة يف جهاد امل�شركني تطوع ب�إر�سال كتاب �إىل قري�ش يخربهم فيه أ�ن حممد ًا �سائال �إليهم بجي�شه !!..وقد عرف من كتب ال�سري أ�ن امل�سلمني كانوا حري�صني على �إخفاء خطة الغزو؟ أ�لي�س مما يقرب جناحهم ويخفف خ�سائرهم ؟ ولعله يدفع قري�ش ًا �إىل الت�سليم دون أ�ن ت�سفك الدماء عبث ًا وما معنى الكتابة �إليهم �إال التحري�ض على حرب اهلل ور�سوله ،واال�ستكثار من أ��سباب املقاومة؟ أ�خالقيات اجلهاد: حني ت�شتعل نار احلرب يجب أ�ن يذكر اجلي�ش املحارب أ�نه يخو�ض حربا دفاعية لتحرير ال�ضعفاء وامل�ضطهدين،فلي�ضيق حدودها حتى ال ي�صطلي بنارها �إال من حمل ال�سيف وبد أ� بالعدوان فال ت ؤ�خذ أ�مة العدو كلها بجريرة جي�شها أ�و فريق منها اعتدوا على أ�متنا}:وقاتلوا يف �سبيل اهلل الذين يقاتلونكم وال تعتدوا �إن اهلل ال يحب املعتدين{ (البقرة)190 وهنا ي�سمو ا إل�سالم اىل منتهى ذروة ا إلن�سانية حني يحرم قتل ال�شيخ الكبري والعاجز واملر أ�ة وال�صبي ورجل الدين املنقطع للعبادة والفالح وامل�سامل الذي مل ي�شرتك يف القتال،وح�سبنا أ�ن نذكر و�صية أ�بي بكر ال�صديق – ر�ضي اهلل عنه -ألول جي�ش خرج من اجلزيرة العربية لريد عدوان الروم املبيت على دولة ا إل�سالم الفتية،وهي و�صايا جتعل أ�بي بكر على قمة اخللود بني رجال التاريخ وقادة أالمم مدنيني وع�سكريني�،إذ يقول(( :ال متثلوا وال تقتلوا طفال �صغريا وال �شيخا كبريا وال امر أ�ة وال تعقروا نخال وال حترقوه وال تقطعوا �شجرة مثمرة وال تذبحوا �شاة وال بقرة وال بعريا �إال مل أ�كله،و�سوف مترون ب أ�قوام فرغوا أ�نف�سهم يف ال�صوامع فدعوهم وما فرغوا أ�نف�سهم له))،هذه هي و�صايا أالمة التي حتارب بروح م�ساملة،وت أ�بى أ�ن تنقلب �إىل أ�مة معتدية تنطلق وراء غرائزها وثاراتها تخرب وتنتقم. فاحلرب عند أ�مة حممد الو�سطية لي�ست �ضررا وال �ضرارا ،وال همجية وتع�سفية ،ومل تكن أ�بدا للدنيا وملذاتها أ�و �شهواتها ،ملاذا ؟ ألنها كانت �إن�سانية الطابع والوجهة ..ال مل�صلحة قوم وال أ�مة وال جن�س بل كانت مل�صلحة أ�مم العامل كلها،فات�سع
34
�صدرها-بعد الن�صر -جلميع �شعوب العامل،وا�ستفادت من كل ح�ضارات العامل،و أ�ظلت للوائها أ�مما و�شعوبا متباينة اللغات والعادات،خمتلفة أالعراق والديانات،ولعل احلروب ا إل�سالمية هي احلروب الوحيدة التي أ�قامت بعد انت�صارها ح�ضارة ا�شرتك يف بنائها كل �شعوب أالر�ض...وهل كانت ا إلن�سانية تنعم بثمار الفكر العبقري لعظماء ا إل�سالم اخلالدين،ك أ�بي حنيفة وابن ر�شد والطربي والبخاري وم�سلم وجل املحدثني والفقهاء و أ�هل الكالم والفال�سفة كالغزايل والفارابي والرازي والكندي ومن لف لفهم -وهم من أ��صل غري عربي -لوال حروب ا إل�سالم وفتوحاته؟!.. ما أ�حوجنا لهذا املنهج الو�سطي: هذه هي أ�هم ما تتميز به احلروب ا إل�سالمية يف واقعها التاريخي،وبذلك ا�ستطاع ا إل�سالم ألول مرة يف التاريخ ،أ�ن ين�شىء جيال ممتازا يف حب ال�سلم والعمل له،وكره احلرب واالبتعاد عنها �إال أ�ن ال يكون منها مفر،وحينئذ الين�سى أ�خالقيته و�إن�سانيته وال روحه امل�ساملة املت�ساحمة مع ا�شد أ�عدائه لددا وخ�صومه�،إن جناح ا إل�سالم يف ذلك جناح منقطع النظري،و�سر هذا فيما اعتقد انه أ�حاط امل�سلم بجو �سلمي يف نف�سه ويف بيته ويف جواره ويف جمتمعه،وانتزع من نف�سه كل عوامل ال�شر ومطامع الغلبة واال�ستعالء،وجعل العبادة هي املدر�سة أالوىل التي تربيه على حب ال�سلم والتعاون مع النا�س،حتى �إذا ا�ضطر اىل خو�ض غمار احلرب دفاعا عن عقيدة ،أ�و ذودا عن حرمة ،أ�و حتريرا جلماعة من طغيان الظاملني وا�ستبداد املتكربين،ر أ�ى النا�س فيه أ��سدا ال يعب أ� باملوت وال يبايل باجلراح ،وله مع هذا رقة املواعدين وهدوء ال�ساملني،و�سماحة املرتفعني عن أالحقاد وال�ضغائن.. وما أ�حوج ا إلن�سانية اليوم اىل مثل هذه الرتبية التي ربي عليها ا إل�سالم أ�بناءه،فكان لهم طهر أالنبياء،وبراءة املالئكة،وحمية ا إلبطال! ذلك أ�ن الذين ينادون بال�سلم من كال املع�سكرين املتحاربني اليوم،قد فقدوا ال�سلم يف أ�نف�سهم ويف بيوتهم،ويف أ�نف�سهم معركة قائمة بني أالطماع وال�شهوات،وبني العقل والقلب،ويف بيوتهم نار م�شتعلة ت�شب من اختالل التوازن بني احلقوق والواجبات:بني الرجل وبني املر أ�ة،وبني الوالد والولد،ويف جمتمعاتهم أ�حقاد موروثة،و�ضغائن موروثة،ومظامل اجتماعية تعمل عملها يف �إثارة أالع�صاب وا�شتجار العداوات..
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
العالن العاملي توجهات إ ال�سالم الن�سان يف ميزان إ حلقوق إ الدكتور يا�سني املقو�سي ع�ضو منتدى الو�سطية للفكر والثقافة الن�سان يف القرن احلادي والع�شرين باهتمام متزايد لدى الباحثني ،وغدت الق�ضية حتظى ق�ضية حقوق إ أ الن�سان ق�ضية ح�ضارية ،و أ�داة �ضغط �سيا�سي، الهم بني الق�ضايا الرتبوية واالجتماعية وال�سيا�سية ،فحقوق إ الن�سان من املفاهيم ال�شائعة يف أ الدبيات ال�سيا�سية والرتبوية احلديثة ،ومن هنا اجتهت و أ��ضحى مفهوم حقوق إ الن�سان. كثري من الدول �إىل زيادة االهتمام بحقوق إ والعامل اليوم أ��صبح قرية �إن�سانية واحدة ،حتطمت بينها كل احلواجز اجلغرافية والثقافية واالقت�صادية الن�سان الن�سان مل ي ُعد أ�مام املفكرين امل�سلمني من خيار �سوى طرح حقوق إ وال�سيا�سية ،ويف غمرة حركة حقوق إ ال�سالمي و أ��سا�سياته ،معتمدين مبد أ� االجتهاد يف فهم والق�ضايا املتعلقة بها ،م�ستندين �إىل أ��صول الفكر إ الن�صو�ص ،وفهم الواقع املعا�ش. ويف ظل نظام عاملي م�ضطرب حتاول فيه دولة عظمى واحدة أ�ن تفر�ض قوانينها على العامل ،كما حتاول ت�سييد مفاهيم عوملتها ،وت�ستغل ق�ضية حقوق ا إلن�سان ألغرا�ض �سيا�سية هي أ�بعد ما تكون عن القيم احلقيقية حلقوق ا إلن�سان، وبالتايل يتوقع كثري من الباحثني أ�ن يفرز هذا النظام جمموعة من القيم واملبادئ واملفاهيم املرتبطة مبفاهيم حقوق ا إلن�سان، و�ستحاول �إدخالها يف الكتب واملناهج املدر�سية للدول دون مراعاة خل�صو�صيتها الدينية والثقافية واالجتماعية .ويظهر ذلك من خالل غايات حقوق ا إلن�سان يف العامل الغربي القائمة على القيم واملبادئ التي انتهى �إليها الفكر أالوروبي
والر أ��سمايل ،وهو منوذج للمفاهيم التي يحاول الغرب فر�ض عامليتها على ال�شعوب أالخرى من خالل النظام العاملي اجلديد، القائم على مبد أ� الرف�ض املطلق للتباين والتعددية يف الثقافات واخل�صو�صيات احل�ضارية أ للمم وال�شعوب. « و أ�مام ا�شتداد وط أ�ة الغزو الفكري يف العامل ا إل�سالمي مم ِّهد ًا وتالي ًا للغزو الع�سكري واالقت�صادي ،كان ال ب ّد للفكر ا إل�سالمي من النهو�ض من غفوته ،ليدافع عن ا إل�سالم، مت�سلح ًا ب�سالح العقل ومكت�سبات العلوم ،حماو ًال بلورة نظرية �إ�سالمية �سيا�سية واجتماعية للدولة املعا�صرة «( .الغنو�شي،
35
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة � ،1993ص )74وبخا�صة أ�نّ أ��سا�س حقوق ا إلن�سان يف اخلطاب ا إل�سالمي ي�ستند �إىل التكرمي ا إللهي ،و أ�ن هذه احلقوق �ضرورة من �ضرورات �إن�سانية ا إلن�سان ،وهي واجبات مقد�سة ال يجوز للن�سان أ�ن يتنازل عنها أ�و ي�سمح بانتهاكها ،و أ�ن حقوق إ ا إلن�سان جزء ال ينف�صل عن العقيدة ا إل�سالمية وعن الت�ص ّور العام لعالقة ا إلن�سان بر ِّبه ونف�سه والنا�س والكون. �إنّ �صورة ا إل�سالم مرتبطة بواقع امل�سلمني ،و أ�نّ ت�صحيحها مقرون ب�إ�صالح أ�و�ضاع ال�شعوب يف العاملني العربي وا إل�سالمي، فت�ضا ؤ�ل ت أ�ثري القيم الدينية ،واملفاهيم واملبادئ أالخالقية ا إلن�سانية يف الق�ضايا املتعلقة بحقوق ا إلن�سان من ناحية ،وكثري من ال�سلوكيات ال�سلبية واملمار�سات الفردية واجلماعية املنتهكة حلقوق ا إلن�سان من ناحية أ�خرى ،أ�عطى �صورة �سلبية يف كثري من أالحيان عن مفاهيم حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم. �إنّ حقوق ا إلن�سان وحرياته يف ا إل�سالم لي�ست وليدة التطور االجتماعي ،أ�و مقت�ضيات احلياة املتغرية ،بل هي حقوق �إن�سانية ثابتة باعتبار �إن�سانية ا إلن�سان ،ومن�سجمة مع فطرته ا إلن�سانية ،وهي حقوق ثابتة يف الت�صور ،مرتبطة بالغاية الكربى لوجود ا إلن�سان ،ومراعية للمقا�صد ال�شرعية للوجود ا إلن�ساين ،و ُم�ستمدة من �إرادة اهلل تعاىل وحكمته وت�شريعه. ولذلك حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم ب أ�وامر ونوا ٍه �شرعية ،و أ�قام ال�ضمانات التي تكفل دميومتها ،ومتنع تف�سريها على م�صالح �آنية ،ورغبات فردية أ�و جماعية ،فهي حقوق �إن�سانية ال ترتبط بجن�س أ�و عن�صر ب�شري أ�و مادي. احرتم ا إل�سالم ا إلن�سان ،ورفع من قيمة النف�س الب�شرية، للن�سان حقوق ًا وحريات فردية واجتماعية حني مل و أ�وجب إ للن�سان حق أ�و حرية« ،وهذه احلقوق �شرعها اهلل تعاىل يكن إ للن�سان هي واجبات �شرعية ،وفرو�ض �إجبارية مكفولة إ وم�صانة ب�ضمانات ت�شريعية وجزائية ق�ضائية .أ فال�صل يف ا إل�سالم أ�ن الب�شر مت�ساوون من حيث كونهم ب�شر ًا ،أ��صلهم واحد ،و�إن اختلفت أ�جنا�سهم و أ�لوانهم و أ�ن�سابهم»( .البغا، � ،1990ص )286 فا إلن�سان خملوق م ّيزه اهلل تعاىل بالتكرمي ،وهو بهذه ال�صفة ُت ْثبت له حقوق لي�س ألحد أ�ن ينتهكها حتى هو نف�سه، فال يحق له أ�ن يهدرها أ�و يتنازل عنها ،وال حق ألحد أ�ن يهدر
36
حريته وحقوقه ،فالنا�س أ�مام احلق �سواء وحقوقهم مت�ساوية، فا إل�سالم ال ُيق ّر مطلق ًا أ�ي متييز بني النا�س �إال بالتقوى، فاختالف الدين ال ُي�س ِّبب انتقا�ص ًا للحقوق أ�و التفاوت فيها، فللم�سلم وغري امل�سلم نف�س احلقوق ا إلن�سانية ،قال تعاىل: ا�س ِ� إ َّنا َخ َل ْق َنا ُك ْم ِمنْ َذ َك ٍر َو أُ� ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوب ًا } َيا َأ� ُّي َها ال َّن ُ الل َأ� ْت َقا ُك ْم �إِنَّ هَّ َ الل َع ِلي ٌم َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِنَّ َأ� ْك َر َم ُك ْم ِع ْندَ هَّ ِ ري{(�سورة احلجرات ،ا آلية )13 َخ ِب ٌ �إنّ حق املواطنة يف الدولة ا إل�سالمية م�ضمون لكل من رغب فيه ،والتزم مبقت�ضياته بعيد ًا عن كل �ضروب الظلم والت�سلط .فعقد املواطنة ُيثبت لكل مواطني الدولة حقوق ًا �إن�سانية ومدنية ح�ضارية ،ال متييز فيها بني م�سلم وغري م�سلم. ولذا فقد أ�وجبت ال�شريعة ا إل�سالمية وعاملت غري امل�سلمني معاملة خا�صة ،ومنحتهم حقوق ًا ذات م�ستوى أ�خالقي و�إن�ساين رفيع ،فقد أ�ر�سى ا إل�سالم قاعدة �إن�سانية يف تعامله مع غري امل�سلمني قوامها العدل وال�سالم ،واملودة أ والمان « ،ألنّ ا إلن�سان يتم هو مدين بالطبع ألنه ال تمَ ْ َكن حياة املنفرد من الب�شر ،وال ّ وجوده �إال باالجتماع مع أ�بناء جن�سه « (ابن خلدون،2004 ، �ص .)563 �إنَّ احلقوق املدنية الثابتة للم�سلمني ثابتة لغري امل�سلمني، ما داموا يحملون جن�سية الدولة ا إل�سالمية ،ويلتزمون باحرتام ت�شريعات ا إل�سالم العامة ،فقد منحهم ا إل�سالم حقوق املواطنة كاملة ،ألنّ حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم �إن�سانية االنتماء ،فا إلن�سان هو ا إلن�سان م�سلم ًا كان أ�م غري م�سلم ،فال ف�ضل جلن�س على جن�س ،وال للون على لون ،وال لعن�صر على عن�صر ،فاهلل تعاىل يخاطب ا إلن�سان دون أ�ن يربطه ب�صفاته الطارئة كالو�ضعية أ�و رب للنا�س القومية ونحو ذلك ،فالنا�س كلهم عباد هلل واهلل تعاىل ُّ ا�س ِ� إ َّنا َخ َل ْق َنا ُك ْم ِمنْ َذ َك ٍر َو أُ� ْن َثى جميع ًا .قال تعاىلَ } :يا َأ� ُّي َها ال َّن ُ الل َأ� ْت َقا ُك ْم َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوب ًا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِنَّ َأ� ْك َر َم ُك ْم ِع ْندَ هَّ ِ �إِنَّ هَّ َ ري { (�سورة احلجرات ،ا آلية )13 الل َع ِلي ٌم َخ ِب ٌ �إنَّ احلقوق الثابتة للم�سلم هي حقوق ثابتة لكل من يقيم يف الدولة ا إل�سالمية ،ويحمل جن�سيتها ،وينتمي لها ،ويحافظ على حرماتها ،ويحمي أ�منها الداخلي واخلارجي ،فحق ا إلن�سان يف احلياة ،وحقه يف احلرية الدينية ،وحرية التفكري وحرية الر أ�ي والتعبري ،وحقه يف احلريات ال�سيا�سية والعدالة ،وكذلك حقه
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة وحرمة امل�سكن وحريته فيه ،وحق العمل يف احلرية ال�شخ�صيةُ ، والكفالة االجتماعية ،وحرية االنتماء واجلن�سية ،وحرية التنقل والهجرة ،وحقه الثابت يف امللكية الفردية ،وحق التعليم وغريها من احلقوق هي حقوق �إن�سانية واجبة لكل من يقيم يف الدولة ا إل�سالمية من غري امل�سلمني ،مع مراعاة القواعد واملبادئ ا إل�سالمية العامة واخلا�صة يف ذلك. وقد أ�ر�سى ا إل�سالم قاعدة من التوجيهات أالخالقية التي ت�ضبط معاملة امل�سلمني بغريهم داخل املجتمع ا إل�سالمي ،فهو ُيح ّرم على امل�سلمني أ�ن يتعاملوا مع غريهم ب أ�خالق غري الئقة، فقد �ساوى ا إل�سالم بني امل�سلمني وغريهم يف التعامل أالخالقي والكرامة ا إلن�سانية « .فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة �سوء أ�و غيبة يف عر�ض أ�حدهم ،أ�و أ�ي نوع من أ�نواع أالذية ،أ�و أ�عان على ذلك فقد �ض ّيع ذمة اهلل تعاىل ،وذمة ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم وذمة دين ا إل�سالم «( .القرايف)14 /3 ، وقد حظي ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان باهتمام العديد من دول العامل منذ �إعالنه ،فقد ظهرت فكرة �إ�صدار �إعالن عاملي حلقوق ا إلن�سان بعد انتهاء احلرب العاملية الثانية ،و أ�ثناء توقيع ميثاق �إن�شاء أالمم املتحدة يف م ؤ�متر �سان فران�سي�سكو بالواليات املتحدة أالمريكية يف عام 1945م ،فقد تق ّدم أ�حد أالع�ضاء باقرتاح بو�ضع �إعالن يت�ض ّمن احلقوق واحلريات أال�سا�سية للنا�س جميع ًا ،بال متييز ب�سب العن�صر أ�و اجلن�س أ�و اللغة أ�و الدين. و�صدر ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان عن اجلمعية العامة أ للمم املتحدة عام 1948م ،وهذا ا إلعالن ميثل التط ّور أالبرز يف �صياغة حقوق ا إلن�سان يف عاملنا املعا�صر ،وقد بينّ ا إلعالن أ�ن حقوق ا إلن�سان حقوق عاملية متتلكها كل الكائنات ق�سمت الب�شرية ،ووفق تعريف ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان ّ �إىل ق�سمني رئي�سني :احلقوق ال�سيا�سية واملدنية ،واحلقوق االقت�صادية واالجتماعية. لقد ت�ض ّمن ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان حقوق ًا للن�سان ،واعرتفت به دول العامل ،ومن املفيد معرفة مدى إ أ اتفاق �و اختالف ما جاء يف ا إلعالن العاملي مع مفاهيم حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم ،وهل ثمة م�شرتكات بني حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم وحقوق ا إلن�سان يف ا إلعالن العاملي ،وهل هناك
م�ساحة للتمايز أ�و التقارب بينهما. ومنذ �صدور ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان واجلدل دائر يف العامل ا إل�سالمي حول مدى تقاطع أ�و تطابق مبادئ ا إلعالن مع املبادئ أال�سا�سية للدين ا إل�سالمي ،وو�صل أالمر أ�حيان ًا �إىل احلد الذي يرى فيه البع�ض أ�ن حركة حقوق ا إلن�سان وجميع �إعالناتها مرفو�ضة ،ألنها حركة كافرة ،ت�ستهدف ا إل�سالم وامل�سلمني معتقدين أ�نها حركة تتوالها وتقوم بها دول ت�ستغلها للعمل ال�سيا�سي أ�كرث من اهتمامها بحقوق ا إلن�سان، و أ�ن املمار�سة اخلاطئة ملو�ضوع حقوق ا إلن�سان من قبل القوى املهيمنة دليل على ف�ساد الفكرة( .املتوكل� ،1998 ،ص -88 )89 جاء ا إلعالن العاملي مببادئ عامة حلقوق ا إلن�سان ،متيزت يف كثري منها بتجاهل هموم ال�شعوب أالخرى ,بل أ��صبحت هذه املبادئ يف كثري من أالحيان �سالح ًا ي�ستخدمه امل�ستعمرون اجلدد و�سيلة لل�ضغط على ال�شعوب امل�ست�ضعفة ،ويف أ�حيان كثرية نظر �إىل معاناة ال�شعوب ك أ�مر داخلي يجب عدم التدخل فيه ،وترك أ للنظمة احلاكمة م�س ؤ�ولية تعريف مفاهيم حقوق ا إلن�سان ،ومن هنا تظهر احلاجة إلظهار مدى االختالف والتمييز بني مفاهيم حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم وا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان. أ�و ًال :ينطلق الت�صور ا إل�سالمي حلقوق ا إلن�سان من نظرته �إىل ا إلن�سان ،حيث جعله اهلل تعاىل خليفته يف أالر�ض ليقوم بعمارتها ،و�إقامة العدل فيها ،وكرم ا إلن�سان على �سائر املخلوقات ،ويت�ساوى يف هذا التكرمي جميع الب�شر ب�صفتهم ا إلن�سانية .ومن هنا يربز الفرق وا�ضح ًا بني ا إل�سالم وبني الفكر الغربي املنظر حلقوق ا إلن�سان من حيث امل�صدر، فم�صدر حقوق ا إلن�سان يف ا إل�سالم أالوامر والنواهي التي جاء بها الوحي من اهلل تعاىل ،والثابتة يف أالدلة ال�شرعية من القر�آن وال�سنة ،ويلتزم بها امل�سلمون بدافع ا إلميان إلقامة تلك احلقوق يف واقع احلياة. �إنّ ا إل�سالم ينظر �إىل حقوق ا إلن�سان كحقوق م�ستمدة من �إرادة اهلل تعاىل وحكمته ،فاملنطلق الرئي�س لتلك احلقوق أ��سا�س عقدي ،يلتزم به امل�سلم ألنها جزء ال يتجز أ� من عقيدته، فا إل�سالم ُيق ّدم ت�صور ًا ثابت ًا حلقوق ا إلن�سان يف ت�شريعاته,
37
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة حيث ح ّدد احلقوق ب أ�وامره ونواهيه ال�شرعية ،وح ّدد الكيفية يتم بها ت أ�كيد تلك احلقوق. وال�ضمانات التي ّ أ�ما الفكر الغربي فقد ربط م�صدر احلقوق وت�شريعاتها مببد أ� احلرية ،وترك أالمر للنا�س لنيل حقوقهم بناء على م�صلحتهم ،ثم قيدها بقيود خيالية عند اال�ضطرار لذلك، كالت أ�كيد على أ�نّ احلقوق واحلرية الفردية تنتهي حيث تبد أ� حقوق ا آلخرين ،أ�و الت أ�كيد على عدم تدخل الدولة �إال عند انتهاك احلريات ،وذلك ألنها ال ت�ستند �إىل عقيدة أ�و مبد أ�، وبالتايل يتخلون عنها �إذا تعار�ضت مع م�صاحلهم ،مما يجعل احلقوق يف الغالب أ�مر ًا نظري ًا ال أ�ثر له يف الواقع ،لعدم �إمكانية االتفاق بني امل�صلحة الفردية واجلماعية ،مما ي ؤ�دي يف النهاية �إىل �سيطرة القوي على ال�ضعيف ،وو�ضع الت�شريعات اخلا�صة خلدمة م�صالح طبقة دون مراعاة حلقوق املجتمع. ففي الت�شريعات الغربية اخلا�صة باحلقوق يرى بع�ضها حماية القاتل من عقوبة الق�صا�ص با إلعدام دفاع ًا عن حقوق ا إلن�سان دون اعتبار حلقوق �إفراد املجتمع ،كما ظهرت ت�شريعات أ�باحت أ للفراد مزاولة كل ما ُيحقق م�صاحلهم دون اعتبار أ�خالقي فظهرت ا إلباحية اجلن�سية دون اعتبار لنتائجها املروعة على حا�ضر ا إلن�سانية وم�ستقبلها. ثاني ًا :ويظهر االختالف يف تف�صيالت حقوق ا إلن�سان، فقد جاءت الن�صو�ص ال�شرعية واجتهادات العلماء وف�صلت تلك احلقوق تف�صي ًال دقيق ًا ،من خالل أ�حكام �شرعية ملزمة ملنع جتاوزها أ�و انتهاكها ،ف�إنّ احلقوق يف ا إل�سالم ف�صلت بغاية الو�ضوح ،ومل ترتك مفاهيم عامة ،فقد جاءت ن�صو�ص القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية فحددت احلقوق والواجبات، ومنعت جتاوزها أ�و انتهاكها ،ورتبت ال�شريعة ا إل�سالمية على املخالفات التي يرتتب عنها �ضياع حق من حقوق ا إلن�سان عقوبات زاجرة. ولذلك ف�إنّ حق ا إلن�سان يف احلياة حق �إن�ساين اتفقت عليه ف�صل �صور احلفاظ على هذا احلق، الب�شرية ،ولكن ا إل�سالم ّ فقد ح ّرمت ال�شريعة ا إل�سالمية االعتداء على النف�س بكل �صوره ،فحرمت االعتداء على النف�س من قبل ا إلن�سان نف�سه، كاالنتحار وتعري�ض النف�س للتهلكة أ�و تكليفها فوق طاقتها أ�و عدم �إ�شباعها حلاجاتها أال�سا�سية ،وكذلك حترمي �صور
38
االعتداء عليها من قبل ا آلخرين �سواء أ�بالقتل أ�م اال�ستعباد ،بل و�شرعت أ�حكام الق�صا�ص والعقوبات حماية حلق حياة النف�س الب�شرية .وكذلك حرمت الزنا والقذف و�شرعت احلدود حماية حلق ا إلن�سان يف عر�ضه وكرامته ،وغري ذلك من أالحكام. أ�ما الفكر الغربي فقد تعامل مع حقوق ا إلن�سان كمبادئ عامة جمردة ،ت�ستند �إىل مفهوم احلرية والعدل وامل�ساواة والكرامة دون تف�صيل ،ف أ�طلقت احلقوق دون تقييد ،وتو�سعت احلريات املطلقة فكانت ا إلباحية واحلرية اجلن�سية وحقوق املثليني (ال�شذوذ اجلن�سي) وا إلحلاد حقوق ًا �إن�سانية ،وهذا االت�ساع يف املفهوم ال تقبله القيم أالخالقية ا إلن�سانية ،ويتعار�ض مع املفاهيم الدينية ال�سماوية وخا�صة ا إل�سالمية .ولهذا يظهر التناق�ض يف القوانني والت�شريعات يف الدول الغربية ،فبع�ض الدول ترى حماية القاتل من عقوبة الق�صا�ص با إلعدام ،دفاع ًا عن حقه يف احلياة .ومن هنا يظهر �سمو ا إل�سالم حينما أ�ق ّر للن�سان حقوق �إن�سانيته وق ّد�سها من أ�ربعة ع�شر قرن ًا ،وجعل إ ً أ أ أ منها دينا ودنيا ،و�قامها على ��س�س �خالقية وروحية وت�شريعية �إن�سانية رفيعة ،و�ضبطها بقيود �شرعية حتفظها من �شرور الالمبالة والتحرر من كل �ضابط. ثالث ًا :غاية الت�شريع ا إل�سالمي من حقوق ا إلن�سان ترتبط بالغاية أال�سا�سية لوجود ا إلن�سان ،وهي حتقيق العبودية املطلقة هلل تعاىل ،وحفظ مقا�صد ال�شريعة يف الوجود ا إلن�ساين من حفظ الدين والنف�س والعقل والعر�ض (الن�سل) واملال ،ف�ض ًال عن حفظ حاجيات هذا الوجود ،وحفظ حت�سينات الوجود ا إلن�ساين من مكارم أالخالق ورفاهية احلياة املادية الكرمية. أ�ما مق�صد الفكر الغربي ملفاهيم حقوق ا إلن�سان فهو تقرير القيم الغربية للحياة ،و�صناعة احل�ضارة ا إلن�سانية وفق ًا لفل�سفة احل�ضارة الغربية وقيمها االجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية والتعليمية .فهذه القيم واملبادئ التي و�صل �إليها الفكر أالوروبي الر أ��سمايل عرب التطورات التاريخية والتجربة أالوروبية مع الكني�سة ورجال الدين بل والدين نف�سه لي�ست وليدة مبادئ قانونية أ�و ت�شريعية ثابتة ،تتعامل مع الواقع ا إلن�ساين يف عامل مت�ساو ،بل تعمل على حتقيق أالهداف ا إلن�سانية للب�شرية انطالق ًا من مبد أ� فرز ال�شعوب وت�صنيف أالمم وعن�صرية اللغة والدين.
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة للن�سان حقوق ًا رابع ًا :ويرى الباحث أ�نّ ا إل�سالم أ�ثبت إ �شرعية ،ودعا �إىل احرتامها و�صانها ب أ�حكام و�ضوابط �شرعية، و�سبق ا إلعالن العاملي يف ذلك ،أ ولنّ ا إل�سالم دين يت�صف بالواقعية وتخليق احلياة ا إلن�سانية ،دين يجمع بني فقه أال�صل وفقه الع�صر �ضمن مرجعية فكرية �إ�سالمية متجددة ،ف�إنّ الباحث يرى أ�نّ ا إل�سالم ال ُينكر كل ما ت�ضمنه ا إلعالن العاملي للن�سان ،ومبادئ �إن�سانية فا�ضلة ،فال ميكن حرمان من حقوق إ ا إلن�سان من حقه يف احلياة أ�و الكرامة ا إلن�سانية ،وال حرمانه من احلق يف احلرية ،واحلق يف امل�ساواة ،وامل�شاركة االجتماعية يف املجتمع الذي يعي�ش فيه ،وحماية حياته اخلا�صة من أ�ي انتهاك أ�و َت َعدٍّ ،وحق ا إلن�سان يف العمل وال�ضمان االجتماعي والتعليم ونحو ذلك ،فهي حقوق �إن�سانية مت ّثل مبادئ عامة و�شعارات ال ميكن رف�ضها ،ولكن اخلالف يف أال�سا�س الذي تقوم عليه تلك احلقوق ،واملدى الذي ت�صل �إليه ،واملفاهيم والقيم التي تت�ضمنها ،أ والهداف والغايات التي ت�سعى للو�صول �إليها. ولذلك يجب أالخذ بعني االعتبار أ��صول الفكر ا إل�سالمي ومنطلقاته ،والقيم واملبادئ الدينية والثقافية أ للمة ،عند تناول هذه مبادئ ا إلعالن العاملي حلقوق ا إلن�سان ،ومن هذه املنطلقات: -اعتماد الفكر ا إل�سالمي أ��سا�س ًا وحكم ًا و�ضابط ًا حلقوق
ا إلن�سان. حقوق ا إلن�سان وكرامته ثابتة باعتباره ادمي ًا ي�ستحق الكرامةواحلقوق ا إلن�سانية. الكرامة ا إلن�سانية ت�شمل كل متعلقات ا إلن�سان ج�سم ًا وعق ًالوروح ًا ،يف حياته ويف مماته. عدم التفريق بني ال�شعوب يف احلقوق ،بالق�ضاء على الطبقيةاالجتماعية وجعل النا�س مت�ساوين يف الكرامة ا إلن�سانية. النظر لعقوبات اجلرائم اخلطرة على أ�من النا�س على أ�نها�سيا�سية جنائية ،ال تتنافى مع حقوق ا إلن�سان. كفالة حقوق ا إلن�سان بقوانني �ضابطة للعدالة ا إلن�سانية.خام�س ًا :ومن ناحية أ�خرى فقد ت�ض ّمن ا إلعالن العاملي مبادئ تعار�ضت مع أال�س�س الدينية عند امل�سلمني ،يرف�ضها ا إل�سالم وال يعرتف بها انطالق ًا من وجوب مراعاة اخل�صو�صية الدينية والثقافية أ للمم وال�شعوب ا إل�سالمية ،مثل الفقرة أالوىل من املادة ( )16والتي أ�عطت للرجل واملر أ�ة حق الزواج دون أ�ي قيد ب�سبب العرق أ�و اجلن�سية أ�و الدين .وكذلك ما ورد يف املادة ( )18والتي أ�عطت لكـل �إن�سان احلق يف حرية الفكر والوجدان والدين ،وي�شمل هذا احلق حريته يف تغيري دينه أ�و معتقده..
39
ن��دوة العدد «خطبة اجلمعة بني الواقع والطموح» امل�شاركون: -1الدكتور عبد الرحمن �إبداح ،م�ساعد أالمني العام يف وزارة أالوقاف وال�ش ؤ�ون واملقد�سات ا إل�سالمية ل�ش ؤ�ون الدعوة والتوجيه ا إل�سالمي. -2الدكتور أ�حمد العواي�شة مدير املركز الثقايف ا إل�سالمي /اجلامعة أالردنية. -3الدكتور م أ�مون جرار أال�ستاذ يف جامعة العلوم التطبيقية. -4أ �دار الندوة الدكتور هايل عبد احلفيظ رئي�س ق�سم الفقه و أ��صوله يف كلية ال�شريعة /اجلامعة أالردنية. املقدمة: خطبة اجلمعة أ�داة �إعالمية تربوية مهمة ،ال ب ّد من ا إلفادة منها يف التوجيه والرتبية� ،إال أ�ننا يف أ�حيان كثرية ال ن�ستغلها بطريق �صحيح ،بل يف بع�ض أالحيان قد ت ؤ�دي من خاللها ر�سالة �سلبية. ومن أ�جل االرتقاء بخطبة اجلمعة و أ�داء اخلطباء ،وو�ضع اليد على بع�ض امل�شكالت ،وو�ضع احللول واملقرتحات ،والوقوف على و�سائل النهو�ض بها كانت هذه الندوة ،والتي قدمها و�شارك فيها نخبة من العلماء واملخت�صني الذين قدموا خال�صة فكرهم وجتربتهم ،كما ح�ضرها جمع غفري من أالئمة والوعاظ والعلماء الذين أ�ثروا الندوة مبداخالتهم وتعقيباتهم.
ورقة الدكتور عبد الرحمن �إبداح ب�سم اهلل الرحمن الرحيم ،واحلمد هلل وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل ،وبعد ف�إن تطوير اخلطبة من تطوير اخلطيب ،فعلى اخلطيب أ�ن يطور �سلوكه نحو أالف�ضل ،ويرى نف�سه قدوة آ للخرين يف �سلوكه ويف عالقاته ويف حمبته ويف كرمه وح�سن تعامله ،كل هذه ال�صفات جتعله قريب ًا �إىل قلوب النا�س ،وا إلن�سان مفطور على حمبة من يرى فيه اخلري والتودد والقرب. على اخلطباء أ�ن يراجعوا دائم ًا �سلوكهم ال�شخ�صي،
40
أ فالعني مفتوحة عليهم ،فال ب َّد أ�ن يزن ا إلن�سان عمله يف كل حركة مبيزان ال�شريعة. َّثم ال نقلل من أ�همية ال�سمت واملظهر وح�سن الهيئة قال اهلل تعاىل }خذوا زينتكم عند كل م�سجد{ على أ�نني أ� ؤ�كد ب أ�ن املظهر أ�حيان ًا يغرينا فكم من �إن�سان يعجبنا مظهره وي�سو ؤ�نا خمربه ،لكني أ�طمح أ�ن ننجح يف ح�سن املظهر وح�سن املخرب. ال�سامع للخطبة يهمنا أ�ن جنعله يف جو مريح ،ب أ�ن نعتني عناية خا�صة يف مو�ضوع تكييف قاعة امل�سجد �صيف ًا و�شتاء، فكيف ي�سمع منك �إن�سان ي�شعر باحلر أ�و ب�شدة الربد؟! هذا
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة عامل مهم وم�ساعد. ثم نظافة امل�سجد ،وكل هذا له أ�ثر على نف�سية ال�سامع، املكان النظيف ي�صفي النف�س ،ويح ّل ال�سكينة. ثم االت�صال الروحي بني اخلطيب و ال�سامعني ،كان منرب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ال يزيد عن ثالثة درجات، أ�نا �س أ�لت يف نف�سي ما الفائدة من ثالث درجات؟ ملاذا ال يكون ثالثة ع�شرة درجة كما نفعل نحن؟ أ�نا �شعرت �صدق ًا أ�ن اخلطيب يح�س فيها؟ و أ�ن ثالث درجات على �سبيل املثال يح�س يح�س ب�صلة روحية بني املتكلم املتكلم أ�ن اخلطيب قريب منهّ ، وال�سامع ،أ�حيان ًا أ�رى نف�سي قريب ًا من ال�سقف فال أ��شعر ب أ�ن بيني وبني ال�سامع �صلة روحية. ي أ�تي اخلطيب أ�حيان ًا وهو مت�ضايق وم�ستاء ومهموم فينعك�س همه وغمه على اجلمهور ،أ�و على أالداء لهذا ُيح�سن باخلطيب أ�ن يكون قدوة ،يقر أ� �سورة الكهف ،ي أ�تي متعطر ًا نظيف ًا ألهمية �صفاء النف�س وطم أ�نينة البال يف التفاعل مع امل�ستمعني ،أ�ما �إذا جاء مهموم ًا مغموم ًا؛ فال يتفاعل مع النا�س. يجب أ�ن يكون اخلطيب واعي ًا ملا يريد أ�ن يقوله ،حمدد ًا ملو�ضوعه ،و أ�ن يكون املو�ضوع م�شوق ًا وا�ضح ًا يف نف�سه؛ حتى يلملم أ�طرافه فال يزيد وال ينق�ص منها ويعرف من يخاطب؟ هذا اجلمهور ما هي خلفيته وما هو م�ستواه الثقايف ،وما هي همومه وما هي ظروفه؟ يختار اخلطيب مو�ضوعه ح�سب اجلمهور ،فالكالم يف و�سط جمهور من كبار العلماء غري جمهور من كبار التجار ،أ�و الطالب وهكذا نعطي لكل و�سط ما ينا�سبه. قد يكون لديك الكثري من العلم لكن أ�نت ماذا تختار لهم من هذا العلم؟ �إقطف من هذا الرو�ض باقة زهور وقدمها جلمهورك على ح�سب معرفتك فيهم ،هذا فن ال ب ّد من اتقانه. ثم �إذا بد أ�نا يف اخلطبة فال ب َّد أ�ن نراعي براعة اال�ستهالل، منذ البداية يحكم ال�سامع على خطبتك ب أ�نها ناجحة أ�م غري ذلك ،فن�ستفيد من كالم اهلل يف القر�آن ،يف ا إلثارة والت�شويق، انظر �إىل قوله تبارك تعاىل} :هل أ�تاك حديث الغا�شية{. وقوله تعاىل } :أ�ر أ�يت الذي يكذب بالدين{ .وقوله تعاىل: }اقرتب للنا�س ح�سابهم وهم يف غفلة معر�ضون{ .وقوله
تعاىل } :أ�تى أ�مر اهلل فال ت�ستعجلوه{. كل هذه بدايات مثرية للغاية يجب أ�ن نتعلم كيف نثري اهتمام ال�سامع منذ البداية ،لكن قد ي�شاغب على هذه البداية أ�ن بع�ض اخلطباء قد يبد أ� باملقدمة الروتينية للخطبة حتى ي�صل امتدادها �إىل نهاية اخلطبة وهو روتني كل أ��سبوع ،ال�سامع يكمل اجلملة من عنده فال يغري وال يبدل ،ت أ�خذ �سبع دقائق، ومي ّل امل�ستمع قبل أ�ن يفهم ماذا يريد اخلطيب؟ ما أ�ح�سن أ�ن يبد أ� اخلطيب بتحديد املو�ضوع ر أ��س ًا ،من خالل مقدمة اخلطبة ،ك أ�ن يبد أ� ب ـ «احلمد هلل الذي جعل احلج ركن ًا من أ�ركان ا إل�سالم» أ�و «احلمد هلل الذي فر�ض علينا ال�صيام و أ�نعم علينا بنعمة ا إل�سالم» ،لكن أ�حيان ًا جتد اخلطيب يطيل يف املقدمة كثري ًا بحجة أ�نه يريد أ�ن ي أ�تي باملقدمة على أ��سلوب الر�سول عليه ال�سالم ،لكننا جند أ�ن النبي عليه ال�سالم كان ُين ّوع يف أال�ساليب ،وكل مرة ي أ�تينا بلون جديد ،فال نطيل املقدمة ،طم أ�ن ال�سامع وقل له حديثنا اليوم عن ا إل�سراء واملعراج على �سبيل املثال. كثري من اخلطباء يثريون اخلالفات� ،إن مو�ضوع اخلطبة يجب أ�ن يكون مو�ضوع �إجماع ولي�س مو�ضوع خالف؛ حتى ال نختلف وننق�سم يف امل�سجد هذا م ؤ�يد وهذا معار�ض ،نتكلم يف املوا�ضيع اجلامعة ونرتك أالمور اخلالفية �إىل املجال�س العلمية املتخ�ص�صة ،ألنها جمال�س تت�سع للخالف والرد وتق ّبل الر أ�ي ا آلخر ،ومن هذه املوا�ضيع مث ًال :هل يوجد للجمعة �سنة قبلية؟ أ�و هل ينزل امل�صلي على ركبتيه أ�م على يديه؟ أ�و ك أ�ن يقول اخلطيب :أ�حدثكم أ�يها أالخوة عن مو�ضوع بات ُي�شكل تهديد ًا وخطر ًا عظيم ًا وهو اخلطر ال�شيعي ،.....هذا املو�ضوع تختلف فيه ا آلراء لذلك نرتكه �إىل اجلل�سات العلمية املتخ�ص�صة ،أ�ما املو�ضوعات االجتماعية فنتحدث بها ألن الكل ُيجمع عليها. ثم �إنّ بع�ض اخلطباء يزيد الطني بله ،فيتحدث عن أ�مرا�ض أالمة فيزيدها �سوء وهو يريد أ�ن ي�صلح ،فمث ًال يقول :أ�ر أ�يتم ماذا يفعل أ�بناء امل�سلمني يف منطقة كذا وكذا؟ اذهبوا وانظروا ماذا يفعلون يف منطقة كذا وكذا ،حيث هناك االختالط وال�شرب وال�سمر واللهو ،مثل هذه أالمور ال ت�صح « أ�ميتوا الباطل بعدم ذكره» ،ال نذكر مثل هذه أالمور ولكن نحر�ص على تربية أ�والدنا وعلى تن� أش�تهم الن� أش�ة ال�صحيحة.
41
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة أ�ي�ضا هناك بع�ض اخلطباء يعر�ض الق�ضايا ال�صغرية ويهتم بها ،ويثري حولها ملحمة بطولية للجدل ،ورفع ال�صوت وال�صخب وهي كلها زوبعة كمو�ضوع حلق اللحى أ�و ترك الدخان. من املهم أ�ن ال نعيب على �صاحب فكرة فكرته ،أ�و جنرح جماعة معينة ،أ�و أ�نا�س �سواء جماعة أ�و ع�شرية أ�و قبيلة أ�و غري ذلك ،فهذا كله نوع من تفريق ال�صف وت�شتيت كلمة امل�سلمني و�إيجاد ال�ضغائن بينهم ،بل يجب أ�ن نذ ّكر امل�سلمني بكل بخري، حتى لو أ�ن أ�حدهم عنده نقطة من اخلري نقول ما �شاء اهلل، فمث ًال �إذا تويف أ�حدهم فلم يجد ا إلمام ما يذكره فيه من اخلري �إال أ�ن �شاهده مرة يف �صالة العيد فيقول« :رحمه اهلل رحمة وا�سعة ،لقد ر أ�يته يف بع�ض مواقفه ي�سابق النا�س يف م�صلى العيد ويحمل �سجادته ويحر�ص على أ�ن يكون يف ال�صف أالول ،أ��س أ�ل اهلل أ�ن يكتب له أ�جر هذه ال�صالة» ،وهكذا ن�شجع اخلري. ثم يجب أ�ن نت أ�كد من �صحة املقوالت التي نقولها ،فبع�ض اخلطباء يقول�« :إن الوزارات تنفق على الراق�صني والراق�صات واملطربني واملطربات مئات أاللوف من الدنانري» .فلو جاء م�ستمع لهذا احلطيب وقال له� :إذا �سمحت ممكن تعطيني ا�سم وزارة واحدة أ�نفقت ذلك على الراق�صني ،وعليه ال ب َّد أ�ن تكون الكلمة موثقة فالكلمة م�س ؤ�ولية }وال تقف ما لي�س لك به علم �إن ال�سمع والب�صر والف ؤ�اد كل أ�ولئك كان عنه م�سئو ًال{. ثم يجب أ�ن نحافظ على اللغة بحيث نتجنب اللحن، كثري ًا من اجلمهور أ�علم من بع�ض اخلطباء ،و أ�قرب �إىل اهلل و أ�علم ،والذي يجل�س أ�مامك قد يكون أ�علم منك بكثري؛ لذلك يجب االنتباه للمعلومة ،و أ�ن يكون كل �شيء حا�ضر ًا يف ذهنك، فبمقدار ما ّ حت�ضر خلطبتك مبقدار ما ت ؤ�ثر يف جمهورك. أ�همية نربة ال�صوت ،ففي بع�ض أالحيان تكون اخلطبة جيدة ،ولكن نربة اخلطيب يف كل اخلطبة نربة واحدة ال تتغري، أ والوىل للخطيب أ�ن ينوع نرباته ح�سب املواقف ،وح�سب ما تقت�ضيه طبيعة اخلطبة ،ومن ال�شواهد يف هذا املقام ال�شيخ ك�شك رحمه اهلل فقد كان يتفاعل مع املوقف فمث ًال كان يتحدث مرة حول حديث ( دخلت امر أ�ة النار يف هرة ) فعندما يقول: «حب�ستها» يقوم بتقطيع نف�سه ليو�ضح للم�ستمع أ�ن احلب�س فيه
42
انقطاع عن الدنيا ،وعندما يقول« :حتى ماتت» يهبط برنة وحري �صوته ،هذا التنوع وهذا التذوق للخطابة مهم جيد ًا، ّ باخلطيب أ�ن يراعيها ،ويكون يف اخلطبة نوع من ال�س ؤ�ال؛ ألن ال�س ؤ�ال ُيثري عوامل ا إلثارة كقوله تعاىل} :هل أ�تاك حديث الغا�شية{. أ�ي�ضا فن التوقف ،أ�حيان ًا أ�نت يف اخلطبة تنفعل ويكون املوقف فع ُال مثري لالنفعال وتريد من النا�س أ�ن ينظروا للم�شهد ،قف قلي ًال يف خطبتك ليت أ�مل امل�ستمع ذلك امل�شهد. �إ�ضافة �إىل ذلك ،ف�إن تكرار بع�ض الكلمات يف اخلطبة ي�شعر امل�ستمع بامللل ،فمث ًال بع�ض اخلطباء ال يعرف من �صفات اهلل �إال عز وجل ،فيقول« :ي أ�مر اهلل عز وجل ،وينهى اهلل عز وجل ،وتبارك اهلل عز وجل» ،مع أ�ن اهلل �سبحانه وتعاىل له أ��سماء و�صفات كثرية ،فمث ًال مرة يقول « �سبحانه وتعاىل ،ومرة تبارك اهلل تعاىل ال �إله غريه تقد�ست أ��سما ؤ�ه وتعددت �آالءه». وجند كذلك أ�مر التكرار يف ال�صالة على النبي امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم ،فبع�ض اخلطباء ال يعرف �إال وجه ًا واحد ًا لل�صالة على النبي عليه ال�صالة وال�سالم ،فيقول « :قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،وجاء عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم « ،أ والجدر باخلطيب هنا حتى ال مي ّل ال�سامع أ�ن ين ّوع يف ال�صالة على النبي ك أ�ن يقول مرة «�صلوات ربي و �سالمه عليه»، أ�و أ�ن يقول «�صلى اهلل عليه ما ات�صلت عني بنظر ،وما �سمعت أ�ذن بخرب» ،أ�و «�صلى اهلل عليك يا �سيدي يا ر�سول اهلل ما هبت الن�سائم ،والحت الغمائم». وهكذا نختار أ�ي�ض ًا العبارات الب�سيطة واملفهومة من قبل امل�ستمعني ،ونتجنب أاللفاظ ال�صعبة ،ألنّ البالغة لي�ست بتعقيد أاللفاظ بل يف تب�سيطها. و أ�لفت النظر يف هذا املقام �إىل نقطة هامة ،وهي :منا�سبة احلركة وا إل�شارة ملو�ضوع اخلطبة ،فعلى اخلطيب أ�ن ّ يوظف حركاته لتتنا�سب مع املو�ضوع ،فمث ًال يتقدم �إىل أالمام أ�و يرجع �إىل اخللف ،أ�و مييل مينة وي�سرة ب�شكل مدرو�س يتنا�سب مع املقام ،وجند أ�ن بع�ض اخلطباء يقف وك أ�ن اهلل خلقه من جلمود �صخر ،فعلى اخلطيب أ�ن يتحرك احلركة املنا�سبة يف الوقت املنا�سب ،وهذا من أ�كرث عوامل الت�شويق يف اخلطبة. ثم جتنب جلد الذات ،فبع�ض اخلطباء وهو يرى الواقع
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة أالليم واحلالة املريرة التي تعي�شها أالمة ،يقول يف خطبته� « :إن .1 أالمة اليوم يف أ�ذل حال ،يف أ��سفل ال�سافلني ،أ�مة متفرقة ،أ�مة نائمة ،أ�مة… »..وكان أالوىل بهذا اخلطيب أ�ن ي�شيع أالمل ك أ�ن يقول�« :إنّ بيارق اخلري موجودة رغم ك آ�بة الي أ��س وا إلحباط». ألن الي أ��س ال ي�ستقيم مع ا إلميان ،فالر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم كان حما�صر ًا وكان اجلي�ش حوله لكنه كان يقولُ « :فتحت يل اليوم من كذا وكذا» «ما كان اهلل ليذر امل ؤ�منني على ما أ�نتم عليه» .أ فالمة تعر�ضت ألكرث من ذلك حيث هاجمها ال�صليبيون وهاجمها املغول التتار ،أ والمة �ستبقى واقفة و�ستبقى قائمة .2 ، «وال يزال طائفة من أ�متي ظاهرين على احلق» كل هذه ي�شيع أالمل. نتجنب جلد الذات وبنف�س الوقت ،ن�شيع أالمل ونتجنب التيئي�س ،ونقدم للنا�س مناذج من املا�ضي فال ميكن أ�ن ي�ستمر .3 الظالم ال ب َّد للفجر أ�ن يطلع قال اهلل تعاىل�} :إذا جاء ن�صر اهلل والفتح{ ،و�إذا الواردة يف ا آلية تعني أ�ن الذي بعدها أ�كيد احل�صول ،أ�ما متى ن�صر اهلل؟؟ فهو بعد أ�ن نقدم الثمن ،فنحن نردد حي على ال�صالة وبعدها حي على الفالح ،والعربة دائم ًا ي�سبقها احل�صان. وهكذا دائم ًا نظن باهلل خري ًا ونرتقب الفجر الطالع وهو طالع �إن �شاء اهلل ،هذه بع�ض الو�صايا أ�و�صي بها نف�سي .4 و أ�و�صيكم بها. ورقة الدكتور أ�حمد العواي�شة �إن خطبة اجلمعة من �شعائر ا إل�سالم الكربى ،ومعانيها تن�ساب �إىل النفو�س يف حلظات انعطاف �إىل اهلل تعاىل وتقبل لو�صاياه ،ومن ثم كان مو�ضوعها َ جليل أالثر كب َري اخلطر. واخلطيب الذي يدر�س مو�ضوعه ،ويجيد عر�ضه ،يقوم بن�صيب �ضخم يف تثقيف أالمة وتر�شيد نه�ضتها ،ودعم كيانها املادي أ والدبي ،وو�صل غدها امل أ�مول مبا�ضيها املجيد. وملا كان هدف هذا اللقاء الو�صول مب�ستوى اخلطابة يف امل�سجد �إىل مكانته الالئقة به ،وجعل املنرب أ�داة للمعرفه ال�صاحلة ،والرتبية الواعية أ��ضع هذه املالحظات املوجزة ملا ينبغي أ�ن يتوافر يف خطبة اجلمعة من زاد روحي وثقايف:
.5
ال يجوز أ�ن تتعر�ض اخلطبة أ للمور اخلالفية ،وال أ�ن تكون تع�صب ًا لوجهة نظر حمدودة ،ف�إن امل�سجد يجمع وال يفرق، ويلم �شمل أالمة ب�شعب ا إلميان التي يلتقي عندها الكل دون خو�ض يف امل�سائل التي يتفاوت تقديرها ،وما أ�كرث العزائم والف�ضائل التي ت�صلح مو�ضوع ًا لن�صائح جديدة وخطب موفقة وقد �شقي امل�سلمون بالفرقة أ�يام ًا طويلة ،وجدير بهم أ�ن يجدوا يف امل�ساجد ما يوحد ال�صفوف ويطفىء اخل�صومات. بني اخلطبة أ والحداث العابرة واملالب�سات املحيطة وامل�سلمني امل�ستمعني ،عالقة ال ميكن جتاهلها ومما يزري باخلطيب وي�ضيع موعظته أ�ن يكون اخلطيب يف واد والنا�س والزمان واملكان يف واد �آخر. على اخلطيب أ�ن ُي ّ �شخ�ص الداء الذي يواجهه و أ�ن يتعرف على حقيقته بدقة ،ف�إذا عرفه وا�ستبانت أ�عرا�ضه و أ�خطاره رجع �إىل الكتاب وال�سنة فنقل الدواء �إىل مو�ضع املر�ض، وذلك يحتاج �إىل ب�صرية ألن اخلطيب القا�صر قد يجيء بدواء غري منا�سب فال يوفق يف عالج ،ورمبا أ�خط أ� ابتداء يف حتديد العلة فجاءت خطبته لغو ًا و�إن كانت تت�ضمن خمتلف الن�صو�ص ال�صحيحة. من املعلوم أ�ن خطبة اجلمعة ن�سيج من املعاين ا إل�سالمية امل�ستمدة من الكتاب وال�سنة و�آثار ال�سلف ال�صالح امل�شهود لهم باخلريية ،ففي حديث ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم« :خري القرون قرين ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» ،ف�إن لحُ مة اخلطبة و�سدادها يجب أ�ن يكونا من احلقائق املقبولة ،ويف الكتاب وال�سنة مت�سع يغني يف الوعظ وا إلر�شاد ،ولذلك ال يليق البتة أ�ن تت�ضمن اخلطبة أالخبار الواهية واملو�ضوعة ،و�إذا كان بع�ض العلماء قد جتاوزوا يف اال�ست�شهاد أ بالحاديث ال�ضعيفة يف ف�ضائل أالعمال، فقد ا�شرتطوا لذلك أ�ال تخالف قواعد ا إل�سالم الكلية وال أ��صوله العامة ،ويف أالحاديث ال�صحيحة واحل�سنة جمال رحب للخطيب الناجح ويف �سرية ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم واخللفاء الرا�شدين أ والئمة املتبوعني ما ُيغني عن أال�ساطري أ والوهام. جتنب ا إلطالة يف اخلطبة :ألن ا إلطالة حتدث مل ًال يف
43
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة نفو�س النا�س ،فال يجوز أ�ن يكون اخلطيب منفر ًا؛ ألن يف النا�س املري�ض وال�ضعيف وذا احلاجة ،وقد تن� أش� ا إلطالة عن �سوء التقدير للوقت واملواقف ،فيظن اخلطيب أ�ن عليه أ�ن يقول كل ما عنده وعلى النا�س أ�ن ين�صتوا طوع ًا أ�و كره ًا وهذا خط أ� بينّ ،ومما يحكى يف قيمة ا إليجاز أ�ن أ�حد الر ؤ��ساء طلب منه �إلقاء خطبة يف ب�ضع دقائق فقال: أ�مهلوين أ��سبوع ًا ،فقيل له :نريدها يف ربع �ساعة قال: أ��ستطيع بعد يومني ،قيل له :ف�إذا طلبناها يف �ساعة قال: ف أ�نا م�ستعد ا آلن. � .6إن الكالم الكثري ين�سي بع�ضه بع�ض ًا ،وقد ت�ضيع أ�هم أ�هداف اخلطبة يف زحام ا إلطناب وا إل�ضافة ،أ فالر�ض حتتاج �إىل قدر حمدد من البذور كي تنبت ،ف�إذا كرث النبات بها؛ تخللها الفالح ب�إجتثاث الزائد حتى يعطي البقية فر�صة النماء وا إلثمار ب�إذن اهلل تعاىل .وكذلك النف�س الب�شرية ال تزكوا فيها املعاين �إال �إذا متكن من حتديدها وتقدميها ،أ�ما مع كرثة الكالم وبعرثة احلقائق ف�إن ال�سامع يتحول �إىل �إناء مغلق ت�سيل من حوله الكلمات وللطناب اململ أ��سباب معروفة منها: مهما بلغت نفا�ستها ،إ �سوء التح�ضري ف�إن اخلطيب الذي يلقي النا�س باجلزاف من أالحكام والتوجهات ال يدري بال�ضبط أ�ين بلغ قوله، وهل و�صل �إىل حد ا إلقناع أ�م ال فيحمله ذلك على التكرار وا إلطالة وما يزداد من النا�س �إال بعد ًا. � .7إن مدار اخلطبة الناجحة يدور على التثبت من أالدلة وال�شواهد ي�سوقها اخلطيب يف خطبته ،ف�إن كان قر�آن ًا حفظه جيد ًا ،و�إن كان أ�ثر ًا أ�دبي ًا أ�و خرب ًا تاريخي ًا ف�إن توقيته يكون بح�سب مطابقته أ�و اقرتابه من أال�صل املنقول عنه ،و�إن التح�ضري اجليد داللة احرتام اخلطيب لنف�سه ول�سامعيه .والواقع أ�ن القدرة على االرجتال جتيء بعد أ�وقات طويلة من التدريب على التح�ضري اجليد ،وعلى تكوين ح�صيلة علمية جيدة مواتية لكل موقف ،ومع ذلك ف�إن املهارة يف االرجتال ال تغني عن ح�سن التح�ضري للعالمِ الذي يريد أ�داء واجبة ب أ�مانة و�صدق ،فالذي يقدر �إن�صات النا�س له واحتفاءهم مبا يقول ال ب ّد أ�ن يكون قوله عن دراية وعلم.
44
.8يح�سن أ�ن يكون خلطبة اجلمعة مو�ضوع واحد غري مت�شعب أالطراف وال متعدد الق�ضايا ،ف�إن اخلطيب الذي يخو�ض يف أ�حاديث كثرية ي�شتت أالذهان ،وينتقل بال�سامعني يف أ�ودية تتخللها فجوات نف�سية وفكرية بعيدة ،ومهما كانت عباراته بليغة ومهما كان م�سرت�س ًال متدفق ًا ف�إنه لن ينجح يف تكوين �صورة عقلية وا�ضحة املالمح لتعاليم ا إل�سالم، والو�ضوح أ��سا�س ال ب ّد منه يف الرتبية والتعميم ،والغمو�ض ال ينتهيان ب�شيء طائل ،وخطبة اجلمعة لي�ست در�س ًا نظري ًا بقدر ما هي حقيقة لن�شرح ونغر�س. .9عنا�صر اخلطبة يجب أ�ن ُي َ�س َلم أ�حدها �إىل ا آلخر يف ت�سل�سل منطقي مقبول دون عناء بحيث �إذا انتهى اخلطيب من �إلقاء خطبته كان ال�سامعون قد و�صلوا معه �إىل النتيجة التي يريد ُبلوغها ،وعليه أ�ن ينتقي من الن�صو�ص و ا آلثار ما ميهد طريقه �إىل هذه الغاية. .10تتميز املنابر الدينية عن جميع و�سائل أالعالم أالخرى �سواء ذات االنت�شار اجلماهريي أ�و ذات االنت�شار املحدود، ففي حني يتلقى املر�سل له الر�سالة التي تنقلها له و�سائل ا إلعالم أالخرى دون أ�ن تكون له خلفية مت أ�ثرة بهذه الر�سالة ،ف�إن املر�سل له من رواد املنابر الدينية يتلقى الر�سالة وهو ميلك خلفية م�سبقة م�ستعدة لالقتناع ب أ�ية ر�سالة ينقلها له منربه الديني. .11لو حاولنا و�ضع رقم تقديري لعدد امل�ساجد يف العامل ا إل�سالمي التي تقام فيها �صالة اجلمعة لبلغت ع�شرات أاللوف ،وبعدد تقديري يبلغ روادها ع�شرات املاليني، وهذا عدد ال ميكن أ�ن يجتمع يف وقت واحد على أ�ية و�سيلة �إعالم أ�خرى مهما بلغت جماهرييتها ومهما بلغت أ�همية احلدث الذي تنقله. .12التلقي من و�سائل ا إلعالم اختياري ال يجرب عليه املتلقي، فال ت�ستطيع أ�ية �سلطة أ�ن جترب النا�س على قراءة �صحيفة معينة أ�و على ارتياد دار �سينما ،أ�و على م�شاهدة برنامج تلفزيوين ولو أ�نها أ��صدرت أ�مر ًا بذلك ف أ�نى لها أ�ن تراقب مدى ان�صياع النا�س لهذه أالوامر ،بينما يذهب امل�سلمون �إىل �صالة اجلمعة ب أ�مر رباين ال يجر ؤ� م�سلم ي ؤ�من باهلل عز وجل ويخ�شاه أ�ن يتخلف عن أ�دائه ،فهي أ�داة �إعالمية
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة يقبل عليها النا�س أ�داء لفري�ضة دينية ،أالمر الذي ي�سبغ عليها �صبغة القدا�سة بخالف أ�ية عملية �إعالمية أ�خرى. .13خلطبة اجلمعة ميزة �إعالمية أ�خرى ال تتوفر ألية عملية أ�و و�سيلة �إعالمية أ�خرى ،فعلى خطبة اجلمعة تلتقي كل قطاعات املجتمع الرجل واملر أ�ة والطفل مثلما تلتقي كل �شرائح املجتمع النخبة املثقفة من علماء و أ�طباء و أ�دباء ومهند�سني وحمامني وغريهم من ذوي التخ�ص�صات العلمية املهنية مثلما يلتقي عليها التجار وال�صناع والز ّراع واالقت�صاديون والريا�ضيون وا إلعالميون والعمال على اختالف مهنهم ،أالغنياء ،ومتو�سطو الدخل والفقراء، مثلما يلتقي عليها امل�سئولون يف الدولة على حد �سواء. ورقة الدكتور م أ�مون جرار أ��شكر ا إلخوة القائمني على منتدى الو�سطية على دعوتي لهذا اللقاء. ما �س أ�حتدث عنه هنا من وحي الهدي النبوي يف اخلطابة، وقد يوافق ما أ�قوله هنا ما حت ّدث عنه أالخوين الكرميني. قبل احلديث عن اخلطبة أ�قول :خطيب اجلمعة يف حمنة، و أ�عان اهلل خطباء اجلمعة؛ ألن اخلطيب يريد أ�ن يقدم ب�ضاعة، وهذه الب�ضاعة كثري ًا ما تلقى ا إلعرا�ض من ال�شارين أ�و امل�ستمعني؛ ألنه ال ُير�ضي كل النا�س ،وهو بني خوف وحماذير؛ ألنه قد ال ي�ستمع �إليه النا�س مرة أ�خرى و�إذا جتاوز اخلطوط احلمراء أ�ي�ض ًا �سيقع يف م�شاكل. و أ�ي�ضا أ�قول خطبة اجلمعة فر�صة ي�ضيعها كثري من اخلطباء� ،إذ ال يجتمع هذا احل�شد من النا�س �إال أ��سبوعي ًا و هو أ�مر يتكرر على مدار العام ،ال�س ؤ�ال هو :هل ي أ�خذ النا�س من هذه االجتماعات الفائدة املرجوة ؟ �إنه كما ُي ّ ح�ضر أال�ستاذ يف اجلامعة أ�و يف املدر�سة يجب أ�ن ُي ّ ح�ضر اخلطيب ،في�ضع خطة ومو�ضوعات و أ�هداف ،عليه أ�ن يتقي اهلل يف نف�سه ويف النا�س الذين ي�ستمعون �إليه ،وي�س أ�ل نف�سه ماذا يريد أ�ن يقول؟ وما الفائدة التي �سيخرج بها النا�س بعد �صالة اجلمعة؟ وهل ح�صل كل منهم على معلومة جديدة أ�و فكرة جديدة؟.
أ�و ًال :ال ب َّد للنظر �إىل خطبة اجلمعة من �سياق منظومات العبادات ،ومعلوم أ�ن النبي عليه ال�صالة وال�سالم كان يد ّر�س أ��صحابه ،وكان النا�س على مدار أال�سبوع يجل�سون بني يدي ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،ولكن جلو�سهم أ�مامه يوم اجلمعة كان له �شكل أ�خر ومعنى أ�خر. ومن أال�سئلة ال�شائعة :ما الفرق بني الدر�س واخلطبة ؟ الدر�س فيه تعليم واخلطبة فيها تعليم ،لكن �إذا أ�خذنا حال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم عندما كان يخطب؛ ُندرك الفرق بني الدر�س واخلطبة ،يقول ابن القيم رحمه اهلل يف و�صف احلال�« :إذا خطب احم ّرت عيناه ،وعال �صوته ،وا�شتد غ�ضبه حتى ك أ�نه منذر جي�ش يقول� :صبحكم وم�ساكم» ،هنا ك أ�منا يريد بخطبة اجلمعة أ�ن تكون نوع ًا من ال�شحن ،أ�ما الدر�س ففيه تعليم و�إعطاء معلومات .لكن يف اخلطبة مع املعلومة هناك �شحنة وهذا يدل على أ�ن ا إلنفعال وال�صوت العايل ي ؤ�دي �إىل حتريك أ�مور �ساكنة يف ا إلن�سان؛ ألن ا إلن�سان ي�سمع ولكن ال�سمع ال يكفي ،ال ب َّد أ�ن تحُ ّرك و تز ّود. �إنّ خطبة اجلمعة مو�سم لتحريك همم امل�سلمني نحو �شحن عاطفي ايجابي بح�سب احلال ،ومما ُيلفت النظر أ�ي�ض ًا أ�ن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كان يخطب بالقر�آن أ�حيان ًا وهذا قلما يفعله اخلطباء ،تروي أ�م ها�شم بنت حارثة قالت: ما أ�خذت {{ ق والقر�آن املجيد}} �إال عن ل�سان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،فقد كان يقر أ�ها كل جمعة على املنرب �إذا خطب .ويكون مدار خطبته على ما ي�شتق منها من حمد اهلل ،و الثناء عليه بنعمه و أ�و�صاف كماله وحمامده و�صفاته ،وجتليات أ��سمائه احل�سنى يف هذا الوجود ،ا إلميان هو املحرك أ وال�سا�س للنا�س وتعليم قواعد ا إل�سالم تعليم مع حيوية؛ ألنه يراد. التحريك بذكر اجلنة والنار ومواقع ر�ضاه وغ�ضبه وعلى هذا كان مدار خطبهم ب�شكل عام وخطب اجلمعة ب�شكل خا�ص. ق�ضية موقع اخلطيب التي ذكرها الدكتور عبد الرحمن ف�إن من هدي النبي �صلى اهلل عليه و�سلم أ�نه خطب على أالر�ض واملنرب والناقة ،وهناك تو�صيف جميل يقول كان يخطب يف كل وقت مبا تقت�ضيه حاجة املُخاطبني وم�صلحتهم. ال يجوز أ�ن يخرج امل�سلمون من امل�سجد ول�سانهم يغتاب اخلطيب ،لذا يجب على اخلطيب أ�ن ي ؤ�دي الر�سالة دون أ�ن يقع
45
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة يف املطبات �إذا كان هناك مطبات ،وبع�ض اخلطباء أ لل�سف ال�صالة ،ويطيل الذكر ،ويق�صد الكلمات اجلوامع ،و يكون يغيبون عن واقع حال امل�سلمني ،وال ب َّد للخطيب أ�ن ُيراعي حالة لها أالثر يف حياة النا�س ومنهجهم ب�شكل عام ،وكان ي أ�مرهم مبقت�ضى احلال يف خطبته وهذا بع�ض هدي النبي يف خطبته النا�س؛ ألن ذلك ُيو ِّلد حمبة اخلطيب لدى النا�س. كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يق�صر اخلطبة ،ويطيل لعلنا ن�ستفيد منها.
46
الوسسط أية
���������ي����������ات ردن� فصصلية -إإسسالمية � -مسست قلة
ر�سالة عمان
أ المل والطموح واالجناز أ�.د .حممد أ�حمد ح�سن الق�ضاة اجلامعة االردنية /كلية ال�شريعة
ال�سالمي املعتدل حيث حذرت العامل من تتجلى أ�همية ر�سالة عمان انها عنيت باال�صالح وفق املنهج إ املخاطر املحيطة بها داخليا وخارجيا ومن أ�برزها الفهم اخلاطئ لال�سالم فكرا وممار�سة وحماولة ت�شويه الن�سانية الراقية �صورته النقية وابعاده أ�ن يكون مرجعا حلياة امللتزمني به النه ي�شكل يف النهاية احل�ضارة إ والن�سانية دون غلو أ�و تطرف. والتي تدعو �إىل العدالة وامل�ساواة إ لقد دعت ر�سالة عمان القوة اخلرية يف العامل �إىل حتمل امل�س ؤ�وليات و أ�كدت على ابراز ال�صورة احلقيقية لل�سالم والت�صدي للهجمات احلاقدة ،ودح�ض التجني عليه وعلى اتباعه ال�شرفاء يف العامل ،وهذا امل�شرقة إ يتطلب من امل�سلمني أ�نريكزوا جهدهم على الفهم ال�صحيح النابع من جوهر الدين احلنيف لكي يت�صدوا للذين ال�سالم من الداخل أل�سباب من أ�برزها اجلهل بحقائق الدين ومبادئه ،ولعلها ألغرا�ض وقتية ينخرون يف بنية إ تفتقر �إىل احلكمة وبعد النظر. لقد ابرزت ر�سالة عمان رحمة ا إل�سالم بالعامل� ،سواء با�سلوب دعوته أ للخرين أ�و باملحافظة على معتقداتهم ،فهو عندما يدعو �إىل مبادئه ،ف�إن دعوته مملوءة باحلب واالحرتام وال�شفقة على ا آلخر ،واحلر�ص على م�صلحته �سوا ًء اختار ا إل�سالم أ�م �آثر البقاء على دينه ،وقد قرر اهلل هذه الرحمة يف قوله عز وجل }وما أ�ر�سلناك �إىل رحمة للعاملني{ ويف قول الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من يف االر�ض يرحمكم من يف ال�سماء»(�سنن الرتمذي
رقم ،)1924ودعت ر�سالة عمان �إىل ا�شاعة ثقافة املحبة واملودة بني افراد املجتمع العربي وا إل�سالمي ،وين جميع العامل، وهذ اليتحقق ب�صورة وا�ضحة م ؤ�ثرة �إال �إذا رافقه خلق عظيم دعا �إليه ا إل�سالم ،أ�ال وهو ال�صفح والت�سامح وحب اخلري ،مع تر�سيخ قيم العدل يف النفو�س حتى يكون االن�سان متوزنا مع نف�سه واالخرين. ر�سالة عمان نزعتها �إن�سانية عاملية التعرف احلدود امل�صطنعة وال البعد الزماين واملكاين ،و أ�منا هي دعوة أ متل
47
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة الف�ضاء الرحب ،وحتاكي الفكر اال�صيل الناقد ،دعوة التعرف اللون أ�و العرق أ�و اجلن�س ،هدفهاخماطبة االن�سان املعا�صر خطابا دينيا عقالنيا علمي ًا يجمع بني اال�صالة واملعا�صرة، ويرف�ض التطرف الديني والعنف والغلو ،وتدعو �إىل تكرمي أالن�سان واحرتام �آدميته وتقدمي امل�صالح العامة على امل�صالح اخلا�صة ،وتبعد االن�سان عن ا إلف�ساد يف أالر�ض ،وت ؤ�كد على عمارتها املادية واملعنوية بكافة الو�سائل املمكنة ألن االن�سان يقطف ثمرة العمل ال�صالح يف الدنيا وا آلخرة� ،إن اح�سن التوفيق واملوازنة بني متطلبات اجل�سد والروح فنجد ذلك يف قوله عز وجل} :وابتغ فيما أ�تاك اهلل الدار ا آلخرة والتن�س ن�صيبك من الدنيا واح�سن كما أ�ح�سن اهلل �إليك والتبغ الف�ساد يف أالر�ض �إن اهلل اليحب املف�سدين يف أالر�ض{( الق�ص�ص .)77 للرهاب، لقد ا�ستنكرت ر�سالة عمان املفهوم املعا�صر إ والذي يراد به املمار�سات اخلاطئة أ�ي ًا كان م�صدرها و�شكلها، واملتمثلة يف التعدي على احلياة ا إلن�سانية التي كرمها اهلل ب�صورة باغية متجاوزة ألحكام ا إل�سالم العظيمة ،تروع ا آلمنني وت�ستخدم الو�سائل الغري أ�خالقية من �سفك الدماء، وهدم للعمران ،وا�ستباحة للمحرمات ،وقد قال اهلل عز وجل }والتقتلوا النف�س التي حرم اهلل � إ ّال باحلق{(�سورة االنعام.)151: وت ؤ�كد ر�سالة عمان أ�ن و�سائل مقاومة الظلم ،واقرار العدل م�شروعة بو�سائل م�شروعة ،وتدعوا أالمة �إىل أالخذ ب أ��سباب القوة لبناء الذات واملحافظة على احلقوق ،وتبني للنا�س جميعا ً أ�ن التطرف بكل �صورة املقيتة ،غريب عن ا إل�سالم الذي يقوم على ا إلعتدال والت�سامح وال ميكن إلن�سان أ�نار اهلل ب�صريته بنور
48
العلم واملعرفة واحلكمة أ�ن يكون فعالي ًا يف نظرته أ�و�سلوكه أ�و أ تعامله,لنه تعلم من دينه النبل واليماحة واالعتدال ,يفرز ذلك حديث النبي الكرمي «ان هذا الدين متني ف أ�وغل فيه برفق». ومن منظومة ر�سالة عمان أ�ن تعاليم ا إل�سالم العظيم الذي نت�شرف يف االنت�ساب اليه تدعونا �إىل االنخراط وامل�شاركة الفاعلة االيجابية يف املجتمع االن�ساين املعا�صر ،وا إل�سهام يف رقيه وتقدمه و�صدق توجهنا ،كما تدعونا �إبى أ�ن نعمل على جتديد و�صياغة م�شروعنا احل�ضاري القائم على هدي الدين القومي .وفق خطط علمية عملية مدرو�سة حمكمة حتى نتمكن أ�، نتجاوز املرحاة ال�شاقة التي متر بها أ�متنا العربية وا إل�سالمية مدركني متام ًا روح ا إل�سالم ومنهجه يف بناء احلياة ا إلن�سانية، با إل�ضافة �إىل اطالعنا على الثقافات املعا�صرة ليكون التالقي الفكري واملعريف على أ��س�س منظمة ،لرد ال�شبهات التي يثريها أ�عداء ا إل�سالم بطريقة علمية �سليمة دون �ضعف أ�و انفعال، وب أ��سلوب يجذب القارئ وامل�ستمع وامل�شاهد ،وهذا كله ي ؤ�دي �إىل تر�سيخ البناء الرتبوي للفرد امل�سلم القائم على الثوابت امل ؤ��س�سة للثقة يف الذات ،والعاملة على ت�شكيل ال�شخ�صية املتكاملة املح�صنة �ضد املفا�سد مع االهتمام بالبحث العلمي، والتعامل مع العلوم املعا�صرة على أ��سا�س نظرة ا إل�سالم املتميزة للكون واحلياة وا إلن�سان ،واال�ستفادة من اجنازات الع�صر يف جماالت العلوم والتكنولوجيا وتبني املنهج ا إل�سالمي يف حتقيق التنمية ال�شاملة الذي يقوم على العناية املتوازنة باجلوانب الروحية واالقت�صادية واالجتماعية وال�سيا�سية والفكرية ،مع االهتمام بحقوق ا إلن�سان وحرياته أال�سا�سية ،وت أ�كيد حقه يف احلياة.
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
ر�سالـة عمان
«م�ضامني وتوجهات» م .مروان الفاعوري رئي�س منتدى الو�سطية للفكر والثقافة
�إن التم�سك مبنهج الو�سطية والعدل أ�كرب م�ساعد على معرفة �سنن اهلل الثابتة يف الكون ،ملا لهذه املعرفة من وال�صالح ،بعيد ًا عن التخبط والفو�ضى واال�ضطراب وال�ضالل. أ�ثر يف �سلوك الطريق القومي للتغيري والت�صحيح إ ولذلك ف�إن بناء الفكر الو�سطي ينطلق بداية من مناق�شة الق�ضايا الفكرية ،و أ�حداث ال�ساعة امللحة ،ال أ�ن يواريها أ�و يناق�شها بحياء ألننا يف ع�صر االنفتاح ،وثورة املعلوماتية ،فما ال نو�صله للعامة ونقنعهم به ي�ستقونه من م�صادر أ�خرى قد ال يكون فيه الفهم ال�صحيح ،والن�ص ال�صريح بل الت�شو�ش أ والفكار املغلوطة.
أ ولنّ أ�مل أالمة يف علمائها ،فهم أالقدر على التفكري يف معاجلة م�شاكل أ�متهم وو�ضع احللول للتحديات املعا�صرة، ومن أ�همها ما أُ�لب�س به ا إل�سالم املعا�صر من أ�نه منبع للعنف والتطرف .ولذلك عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة حتت الرعاية امللكية ال�سامية م ؤ�متر الو�سطية بني الفكر واملمار�سة لل�سالم ،ولن�شر يف عمان ،بهدف ت�صحيح ال�صورة امل�شوهة إ املنهجية ال�سليمة التي ت�ضمنتها و�سطية اال�سالم لتح�صني الداخل و�صو ًال �إىل نه�ضة أالمة املبنية على احرتام ا إلن�سان، ب�إ�سلوب ح�ضاري �إن�ساين. ومهدت هذه اخلطوة �إطالق «ر�سالة عمان» ال�سامية توجه جاللة امللك عبداهلل الثاين بعد لقائه جمموعة من �ضمن ّ
العلماء أالردنيني وو�ضعوا �صيغة ر�سالة عمان التي ُقر أ�ت ليلة القدر يف �شهر رم�ضان 1425هـ (يف التا�سع من ت�شرين الثاين )2004واملتمثلة يف م�صارحة أالمة «يف هذا املنعطف ال�صعب من م�سريتها ،مبا يحيق بها من أ�خطار ،مدركني ما تتعر�ض له من حتديات تهدد هويتها وتفرق كلمتها وتعمل على ت�شويه دينها والنيل من مقد�ساتها ،ذلك أ�ن ر�سالة ا إل�سالم ال�سمحة تتعر�ض اليوم لهجمة �شر�سة ممن يحاولون أ�ن ي�صوروها عدو ًا لهم ،بالت�شويه واالفرتاء ،ومن بع�ض الذين يدعون االنت�ساب لل�سالم ويقومون ب أ�فعال غري م�س ؤ�ولة با�سمه» ،وهي التحديات إ ً ً التي تزداد عمقا وخطورة يوما بعد يوم ،بالنظر �إىل كل ذلك ف�إنّ ر�سالة عمان دعوة �إىل التعريف با إل�سالم ،و�إبراز الو�سطية
49
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة كروح للدين ا إل�سالمي ،وال�سعي �إىل �إبراز هذه الروح املغيبة ق�صد ًا من قبل أ�عدائها� ،سواء أ�كانوا من الداخل أ�م اخلارج ،أ�و بغري ق�صد نابع من اجلهالة بقيم الدين ا إل�سالمي ،أ�و من باب لل�سالم ب�صلة. التع�صب أالعمى الذي ال ّ ميت إ �إنّ جهود امل�سلمني ومنهجهم يف حماوالت التعريف بديننا احلنيف ،والك�شف عن م�ضامينه ال�سمحة وا إلن�سانية يف مواجهة حمالت اجلهل والتجهيل التي قام ويقوم بها أ�عدا ؤ�نا ،مع ذلك ف�إن هذه املحاوالت كانت تنطلق من حالة ال�شعور امل�ستبد باخلوف واال�ضطهاد بل وحتى الدونية ،ومن ثم فقد كنا يف تعريفنا بديننا أ�قرب �إىل ا�ستجداء عطف ا آلخرين ورحمتهم. هكذا ،و�آل هذا املوقف الدفاعي ال�ضعيف �إىل خ�سارة املعركة تلو أالخرى .فكان عماد «ر�سالة عمان» يتمثل يف حقيقة « ر ّد لل�سالم يف املجتمع امل�سلم كما يف العامل أ�جمع» االعتبار إ ولهذا فان «ر�سالة عمان» ت�ستحق من وجهة نظرنا، باعتبارها ت�شكل حتو ًال جذري ًا ،ال على �صعيد عالقتنا با آلخر ومواجهة التحديات التي تفر�ضها علينا هذه العالقة وح�سب، و�إمنا أ�ي�ض ًا على �صعيد نظرتنا كم�سلمني وعرب� ،إىل ذواتنا كما �إىل عالقتنا ببع�ضنا يف �إطار الوطن الواحد أ�و ملجموع أالمة ا إل�سالمية .ذلك أ�نّ حمور «ر�سالة عمان» يتمثل يف االنطالق من مفاهيم القوة والندية والقدرة يف التعاطي والتفاعل مع ا آلخر، النابعة من الثقة بالنف�س القائمة على أ��سا�س امل�ساهمة يف البناء احل�ضاري ا إلن�ساين ،املنطلقة من حقيقة وحدة اخلالق و أ��صل اخلليقة الواحد املف�ضي �إىل امل�ساواة .وكذلك الت أ�كيد على أال�س�س الرا�سخة للح�ضارة ا إل�سالمية و» التي كانت حلقة مهمة انتقل بها الغرب �إىل أ�بواب العلم احلديث» ،ف�إن «ر�سالة عمان» ال تتخذ من هذا املا�ضي نقطة للركون واال�ستكانة ،بل هو نقطة مركزية لالنطالق نحو ا�ست�شراق امل�ستقبل ،إلعادة بعث امل�شروع ا إل�سالمي احل�ضاري ،القائم على «االهتمام بالبحث العلمي والتعامل مع العلوم املعا�صرة واال�ستفادة من �إجنازات الع�صر يف جماالت العلوم والتكنولوجيا». �إنّ ا إل�سالم الواثق من نف�سه منفتح على ا آلخر ،وال ي ّدعي احتكار الدين املبني على التطرف واالنغالق ،أ�و اخلوف وانعدام الثقة بالنف�س ,ولذلك جاءت «ر�سالة عمان» لت ؤ��س�س �سبي ًال لنه�ضة أالمة من خالل ر ّد االعتبار للدين ا إل�سالمي
50
على أ�ر�ض الواقع واملمار�سة ،ب�إبراز و�سطية اال�سالم ومبادئه وم�ضامينه ال�سمحة. ور ّد االعتبار هذا ال يرتبط مبمار�سة العبادات فقط ،وهو أالمر الذي ما زال أالكرث ح�ضور ًا يف جمتمعاتنا ،بل يظهر من خالل الت أ�كيد على حقيقة أ�نّ «هدي هذا ا إل�سالم العظيم الذي نت�شرف باالنت�ساب �إليه يدعونا �إىل االنخراط وامل�شاركة يف املجتمع ا إلن�ساين املعا�صر ،وا إل�سهام يف ُرقيه وتقدمه ،متعاونني مع كل قوى اخلري والتعقل ،وحمبي العدل عند ال�شعوب كافة»، وكذلك �ضرورة «تبني املنهج ا إل�سالمي يف حتقيق التنمية ال�شاملة الذي يقوم على العناية املتوازنة باجلوانب الروحية واالقت�صادية واالجتماعية ،واالهتمام بحقوق ا إلن�سان وحرياته أال�سا�سية» . «ر�سالة عمان» لي�ست خطاب ًا موجه ًا �إىل اخلارج من العامل الغربي فقط ،بل �إىل داخل أالمة ا إل�سالمية ولذلك تبنى منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ر�سالة عمان لتعميق معانيها يف أالردن ،بهدف الدفاع عن ا إل�سالم وحت�صني الداخل للتغلب على التحديات التي تواجه أالمة ،من خالل تبني منهج الو�سطية ذي املرجعية ا إل�سالمية لتقدمي الر ؤ�ية ال�شاملة واحل�ضارية حلقيقة ا إل�سالم املعا�صر ،وعناوين امل�شروع احل�ضاري ا إل�سالمي القادم. ولذلك ينطلق منتدى الو�سطية للفكر والثقافة من أ�هداف رئي�سة منها املحافظة على �صورة اال�سالم امل�شرقة .ور ّد ال�شبهات التي حتاول ا إل�ساءة لهذه ال�صورة امل�شرقة ،والك�شف عن املمار�سات اخلاطئة التي ترتكب با�سم ا إل�سالم التي ي�ستخدمها البع�ض لت�شويه �صورة اال�سالم ا إلن�سانية. للتوجهات امللكية ال�سامية وانطالق ًا من وا�ستجابة ّ م�سوليتنا كم ؤ��س�سة ثقافيه أ�ردنية نحر�ص يف أ�دبياتنا و أ�هدافنا ون�شاطاتنا على نقل معاين ر�سالة عمان �إىل أ�و�سع القطاعات وب�شتى الو�سائل ,ألنّ واجب العلماء تو�ضيح �صورة ا إل�سالم احلقة ،و�إنارة الطريق أ�مام أالمة �شيبها و�شبابها مب�شاعل احلقيقة ،ونور ا إل�سالم ،ورفع ال�صوت عالي ًا وعدم ال�سكوت خوف ًا من �صوت جاهل أ�و فكر منحرف.
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
ملاذا ر�سالة ّ عمان �إبراهيم �ش ّبوح ال�سالمي مدير عام م ؤ��س�سة آ�ل البيت للفكر إ ٌ ربى َع ّر�ضت الوجو َد الكو َّ ين للم�سلمني �إىل عوا�صف �إثارة وت�شكيك َو َّط أ�تْ لر�سالة َع ّمان أ� حداث ك َ أ أ وتدمري و َتطا ُو ٍل على ��صول ال ّمة يف عقائدها ومق ّومات ذا ِتها. ينا�سب منزل َتهُ وح�ضار َته ،و أ�ُخ�ض َع امل�سلم ِ�ض ْمنَ َح ّي ٍز ُ�صن َِّف فيه مبا ال و ُو ِ�ض َع حلمالت خارج َّي ٍة ُ�ض ِب َطتْ ٍ ُ ُ أ أ ً ُ م�صطنعة ،وك�نــّه كائنٌ اكت ِ�شف حديثا على الر�ض وال َع ْهد له بال ُوجود والتّعامل مع مثالب ُب َ ؤ� ُر ُر ْ ؤ�يتها على ٍ َ ال ْجنا�س أ أ وجمر ٌد من كل نوازع اخلري. الخرى، ّ بع�ضها بع�ض ًا بال ِف ْعل ور ّد ال ِف ْعل ،و أ�خذت ّ جر ُ ال�شواهدُ تـ َتـ َبلْو ُر يف أ�ذهان بع�ض وتتداعى امل�شاهدُ َي ُّ ّ املنظرينَ ليُبرَ هنوا على أ�نظا ٍر خمت ّل ٍةّ ، ا�صطلحوا عليها بنظريـَّة «�صراع احل�ضارات»، لعل من أ� ّ �شدها ً بالء علينا ما ْ متر النّوائب �إ ّال على َ�س ْم ِت ِه. التي أ��ص َب ْحنا بعدَ ها َم ْر ً مى م�س َت ْهدَ ف ًا ال ُّ وهذه ا إلثارات وما �سا َو َقها من وقائع ُح ِ�سبت على امل�سلمني وعلى تربية دينهم ،ع ّمت بها ال َب ْلوى ،وح ّددت واق َع امل�سلم املعا�صر بني قطبينْ ظاملني: أ� – أال ّول :أ�نّ ّ خطة التع ّدي اخلارجي عليه وعلى مق ّوماته �صي َغ ْت يف حرك ٍة منتظم ٍة ّ ومنظمة تقوم على قواعد واملت�س ّلل �إىل العقول والقلوب ف ّنية من ا إلعالم النافذ احلا ِقد َ ب ِف ْعل التّكرا ِر وا إلثارة ،لي�ص ّورونا من ِخالله كما ُيراد بنا يف الب�شاعة َ و�ضحالة ال ّروح والتل ّب�س بكراهية أالجنا�س، مظنّ َ ً وك أ�نهم يك�شفون كوائنَ جديدة ً جمهولة لديهم ولدى العامل، وهم أال ُ دارت يوم ْ عرف بنا عندما متكنوا من م�صائرنا َ امل�ستعمر ،فدر�سوا ك ّل علينا ال ّدوائ ُر ْ ووقعت �شعو ُبنا يف ِر ْبقة ْ بت�صنيف مقوما ِتنا ومك ّونا ِتنا و َت ّوجوا َم ْعرفتَهم العميق َة بنا ْ «دائرة املعارف ا إل�سالم ّية» ا ّلتي ا�شتم َلت على ثوابتنا و َثقافتنا و أ�خال ِقنا و َد ْورِنا احل�ضاريِّ الكبري يف تاريخ ا إلن�سان ّية .لقد ُنو�سي ك ّل ذلك و أ��صبحنا لدَ يـْهم من ُغثاء التاريخ ،ولكل هذا ت َ أ �سباب مدرو�س ٌة ومعروفة. ال�سافر والكامن � ٌ العداء ّ -2وال ّثاين أ�نّ هذه الفتن َة امل�س ّلطة علينا وال ّدائرة رحاها بيننا أ�حدَ َث ْت خل ًال يف بع�ض ال ُعقول التي انطلقت بوهم
ال ُق ْدرة على الت�ص ّدي ور ّد التح ّدي وا إل�صالح وتغيري واقع أال ّمة، من غري أ�ن يكونَ لها من مق ّومات ال َف ْهم والتّحليل و�شروط القيادة ما يه ّي ؤ�ها أل ّي م�س ؤ�ول ّية ،فان َغـ َلقت على ذاتها و أ��ساءت نف�سها م�س ؤ�ول ًة عن أال ّمة ،ف أ�خذت ت�ص ّنفها فهم دينهاّ ، ون�صبت َ مبقايي�سها املرتبكة ،وتق ّدمت يف هذا ال َـخ َطل بجر أ� ٍة لتك ّفر – على هواها -من ترى تكف َريهّ .ثم تعاطت ال ُفتْيا يف م�صري ال َـخـ ْلق ،حتاكم أالبريا َء وجتر أُ� ظامل ًة على �إيقاف احلياة ،و َقتْل ال ّنف�س التي َح ّرم اهلل بغري حقّ ،و أ��ص َبحت الفتا َوى العميا ُء رهاب ال ّنا�س ،وانعدَ م ّ ال�شعو ُر من ِ�س ِ مات هذه ال ِـحقْبة ،و�شا َع � إ ُ بال ْمن أ َأ والمانَ ، جمهول يطرق يف ك ّل حني ويف كل حذ َر ًا من ٍ مكان على غيرْ معياد. مت هذه أال ُ حداث الظالم ّي ُة �صور ًة م�ش ّوهة عن وق ّد ْ أ أ ُ جج ديننا احلنيف ،و� ِخ َذ ْت علينا حيث �م ّد ِت املناوئ َني ب ُـح ٍ املفاهيم، طت و�شواهدَ على ما َي ْفرتونَ و ُير ّوجونَ له .واخت َل ِ ُ وات املدرك ِة املخْ ل�ص ِة يف رياح هذه امل ْـح َنة و�ضاعت أ��صدا ُء أال ْ�ص ِ امل�سلم بني قوىً مناوئ ٍة ،ت�ص ّوره ودي َنه �صبح ُ العا ِتية .وهكذا أ� َ ال�صور من جانب ،وبني ُقوىً ف ْو�ضو ّية من و ِق َي َم ُه على أ�قبح ّ داخل عالمَ ـه ا إل�سالمي ،اخت ّلت موازي ُنها ،ونز َغ بها ّ ال�شيطان
51
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة �إىل الـ ُمغاالة والتّط ّرف ،فا�صطن َع ْت ل َنفْ�سها قواني َنها ،و أ�خذت َ �ضوابط َع�شوائ ّية للتكفري وال َقتْل. حتاكم وحت ُكم ،وت�ض ُع ل َنفْ�سها ِ ْ مداخل له ودخل يف ح�ضرية املرجع ّية الدين ّية عندهم من ال ِ ت َ ؤ�هّ ُله أ�ن يكون من أ�هل ال ّذكر .ف�ض ّيقوا دائر َة ا إل�سالم الوا�سعةَ برحمة اهلل� ،إىل حدو ِد ُر ْ ؤ�يتهم ال�ض ّيق ِة ،وا�ستَـ ْبعدوا عنه أ�تباع أ�كرث املذاهب ممن ُ يقول ّ بال�شهادتني وال ي ْـجحد معلوم ًا من �صبح ْت حمنتنا م ّنا وفينا. ال ّدين بال�ضرورة ،و أ� َ فـ ـ ـ�إذا َر َم ْي ـ ـ ــتُ أ��صاب ـ ـ ــني �سهمي قومـ ــي ه ـ ــم قتـ ـ ــلوا أ�ُمي ـ ـ ـ َم أ�خـ ـ ــي „وبحكم امل�س ؤ�ول ّية الروح ّية والتاريخ ّية املوروثة التي حتملها القيادة الها�شم ّية ب�شرع ّي ٍة مو�صول ٍة بامل�صطفى �ص ّلى اهلل عليه و�س ّلم �صاحب ال ّر�سالة“ انربت أالرد ُّن بقيادتها احلكيمة ل�صاحب اجلاللة الها�شم ّية امللك عبد اهلل الثاين ابن احل�سني الـّذي ورث تقاليد �آبائه يف ال ّدفاع عن ا إل�سالم و ِق َيمه، فلم ي ّدخر و�سع ًا يف االتـ�صال بالقيادات الدول ّية وامل ؤ� َّ�س�سات اجلامع ّية فيها ،متح ّدث ًا وحما�ضر ًا ومناق�ش ًا و ُمع ّرف ًا بحقيقة ا إل�سالم ومبادئه ودعوته ا إلن�سان ّية ،مبا كان له أالثر الكبري. ال�سامية -حفظه اهلل -أُ�نـْجزت „ر�سالة ع ّمان“ وبرعايته ّ يف رم�ضان املبارك ل�سنة 1425هـ /ت�شرين الثاين 2004م بن�صها املوجز املحكم ،م�ستند ًا �إىل ال ّن�صو�ص ال ّثابتة الوا�ضحة ّ من القر�آن الكرمي وال�س ّنة ّ ال�شريفة ،لتق ّدم حقيقة ا إل�سالم كما هو عليه يف جوهره ،فع ّر َف ْت بالقواعد اخل ْم�س التي يقوم عليها ال ّدين ،وارتباط ا إلن�سان ال ّدائم باخلالق ،وبرتبية ال ّنف�س، وبالتكافل ،وبتحقيق وحدة أال ّمة .ث ّـم ع ّرفت مبا يح ّقق خ َري ا إلن�سان ّية من ال ّنظر لوحدة اجل ْن�س الب�شري ،وت�ساوي ال ّنا�س يف وال�سالم والعدل ،ومراعاة اجلوار ،وحفظ احلقوق والواجبات ّ أالموال ،والوفاء بالعهود .وهي مبادىء تك ّون قوا�سم م�شرتكة بني أ�تباع ال ّديانات ،وامل�سلم ال يف ّرق بني ال ُّر�سل ،ويلتقي مع ال�ص ُعد امل�شرتكة التي امل ؤ�منني بال ّديانات أالخرى يف كثري من ّ تتالقى على خدمة املجتمع ا إلن�ساين. للن�سان الـّذي ويف ر�سالة ع ّمان ،تذكري بنظرة ا إل�سالم إ ك ّرمه اهلل ،ومبنهج ال ّدعوة الـّتي ينبغي أ�ن تقوم على ال ّرفق وال ّلني ،والعمل على حتقيق ال ّرحمة واخلري لل ّنا�س ،واحلثّ على التّ�سامح والعفو ،واعتبار مبد� إ العدالة يف معاملة ا آلخرين ،والت أ� كيد على احرتام املواثيق واحلقوق .واحرتام احلياة ،ومقاومة نزعات الغل ّو والتط ّرف والتّ�ش ّدد ،فا إل�سالم دين أ�خالقي الغايات والو�سائل ي�سعى ،خلري ال ّنا�س و�سعادتهم يف الدارين، وال ّدفاع عن ال ّدين ال يكون � إ ّال بالو�سائل أالخالق ّية ،ألنّ العالقة
52
ال�سلم والعدل. بني امل�سلمني وغريهم ال تقوم � إ ّال على ّ للرهاب الـّذي وت�ستنكر ال ّر�سالة بحزم َ املفهوم املعا�صر إ يراد به املمار�سات اخلاطئة ،والتع ّدي على احلياة ا إلن�سان ّية بغي ًا وجتاوز ًا ألحكام اهلل ،وهذا التط ّرف غريب املنزع عن ا إل�سالم الـّذي يقوم على االعتدال والتّ�سامح. وت�ستنكر يف ا آلن نف�سه حملة التّ�شويه التي ت�ص ّور ا إل�سالم للرهاب. ب أ�ن ـّه ّ ي�شجع العنف وي ؤ� ّ�س�س إ وتدعو ال ّر�سالة املجتمع ال ّدويل لتطبيق القانون ال ّدويل ال�صادرة عن أالمم املتحدة بج ّد ،واحرتام املواثيق والقرارات ّ وتنفيذها من غري ازدواج ّية يف املعايري ،ليعود احلقّ �إىل أ��صحابه وينتفي ّ الظلم ،فهذا مـ ّما ي�ساعد يف الق�ضاء على أ��سباب الغل ّو والعنف والتط ّرف. وتدعو ال ّر�سالة ب أ�نّ هَ ْدي ا إل�سالم يدعونا للم�شاركة يف املجتمع ا إلن�ساين املعا�صر وا إل�سهام يف رق ّيه وتق ّدمه ،متعاونني مع كل ُقوى اخلري والتع ّقل وحم ّبي العدل� ،إبراز ًا حلقيقتنا وتعبري ًا عن �سالمة �إمياننا. للفادة من ثورة االت ـّ�صاالت لر ّد ّ ال�شبهات التي وتدعو إ تُثار ،وذلك بطرق علم ّية دون �ضعف أ�و انفعال ،وتر�سيخ البناء الترّ بوي للفرد امل�سلم القائم على ال ّثوابت امل ؤ� ّ�س�سة للثقة يف ال ّذات ،واالهتمام بالبحث العلمي ،والتّعامل مع العلوم املعا�صرة .أ والمل معقود على علمائنا ليق ّدموا حقيقة ا إل�سالم العظيمة وقِيمِ ه ،ملدارك أ�جيالنا ّ ال�شا ّبة ،الجتناب خماطر االنزالق يف ُ�سبل اجلهل والف�ساد ،واالنغالق والتبع ّية ،وحتى ّ ال�سماحة واالعتدال والو�سط ّية واخلري. ال�س َري يف درب ّ يتوخوا ّ وبهذا املنت املدرو�س ل ّـخ�صت ر�سالة ع ّمان قواعد وقيم ديننا وثقافتنا و أ�نارت ما يتّ�صل بذلك من �إ�شكاالت مرتبطة به .وال تزال حماور هذه ال ّر�سالة التّاريخ ّية من �شواغل الفكر ر�سخت ما ورد يف يف أالردن ،فقد عقدت م ؤ�مترات وندوات ّ ر�سالة ع ّمان ،وناق�شت الق�ضايا التي أ�ثارتها ،نذكر منها امل ؤ�متر ا إل�سالمي ال ّدويل ال ـّذي أ�قامته م ؤ� ّ�س�سة �آل البيت امللكية للفكر ا إل�سالمي و�شارك فيها نخبة علماء امل�سلمني ،ث ّـم امل�ص ّنف املهم الـّذي أ��صدره �صاحب ال�سم ّو امللكي الوثائقي التّاريخي ّ أالمري غازي بن حم ّمد ،با�سم �إجماع امل�سلمني على احرتام املذاهب ،وفيه فتاوى كبار علماء املذاهب للتدليل على وجهة الكتاب ،و�شروط من له حقّ الفتيا ،وهي من ال ُع َقد الـّتي أ� ّ�س�ست للفكر املتط ّرف واملغالني. وتب�صر، وامل�سرية م�ستم ّرة ب�إذن اهلل بك ّل تع ّقل ويقظة ّ حتّى تدر أ� عوامل ال�ش ّر املحدقة أ بال ّمة من خارجها وداخلها.
الوسسطية
و����س���ط���ي���ت���ن���ا فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ر�ؤية الواقع والعامل من خالل آ الخر د .وائل مريزا ال�شارقة-المارات العربية املتحدة جامعة إ
ر ؤ�ية الواقع والعامل من خالل آ الخر ح�ضارة متلك قدر ًة على التحكّم ب� ؤ اخلا�صة ،يف داخل ش�ونها �إن من احلقائق امل�س ّلم بها منطقي ًا أ�ن كل ٍ ّ ش�ون آ دائرتها الذاتية أ�كرث من قدرتها على التحكّم يف � ؤ الخرين والت أ�ثري فيها .فقبل البحث يف مواقف الطرف آ النظار أ الخر ويف مدى خطئها أ�و �صوابها ،ويف درجة ان�سجامها مع مبادئه ،وقبل توجيه أ وال�صابع �إىل الطرف آ الخر ،التّهامه وال�شكوى منه .يجب أ�ن تكون أ الولوية للنظر �إىل النف�س ومراجعتها ،وللتفكري يف جماالت والهمال فيها ،وحماولة العمل على معاجلتها ،ال�ستعادة الوزن احل�ضاري املطلوب الذي يجعلها اخلط أ� والتق�صري إ تتمكّن من التعامل مع ذلك الطرف آ ومو�ضوعية وتوازن. بثقة وقوة ٍ الخر بعد ذلك ٍ
�ضروري ألن ل�سان حال العرب �إن طرح هذه احلقيقة ٌ وامل�سلمني كان يعبرّ عن غيابها �إىل درجة كبرية يف أالزمات ال�سابقة ،ولكن هذا الغياب بلغ َأ�وج ُه مع أ�حداث �سبتمرب وما تالها .فاملمار�سات التي نراها على امل�ستويني الر�سمي وال�شعبي تكاد تنح�صر ب�شكل عجيب يف مالحقة كل ما يتعلق بـ (الطرف ا آلخر) من أالحداث� ،إىل درج ٍة ميكن القول معها أ�ن كثري ًا من العرب وامل�سلمني يفهمون العامل وي�شكلون �صور ًة للواقع يف أ�ذهانهم من خالل طبيعة مواقف و أ�فعال ذلك (ا آلخر)،
وب�شكل أ��صبح فع ًال ظاهر ًة ت�ستحق االهتمام والدرا�سة على ٍ أ�كرث من �صعيد. و�إن نظر ًة حتليلي ًة �إىل أالدبيات التي ُن�شرت أ�و أُ�ذيعت يف العامل العربي ،من املقاالت والدرا�سات والتحليالت �إىل املقابالت والت�صريحات والبيانات ،تُظه ُر أ�ن هناك �شبه �إجماع على و�ضع كامل أ�وراق أالحداث يف يد الغرب والواليات املتحدة على وجه اخل�صو�ص .فهناك من (يتهم) الواليات املتحدة بالت�س ّلط والطغيان ،و(ي�شتمها) ب أ��شنع النعوت
53
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة أ والو�صاف ،و( ُيع ّدد) خطاياها ال�سابقة والالحقة ،و(ي�شكو) من ممار�ساتها ال�سيا�سية والع�سكرية ،و(ي�ستنكر) مواقفها. وهناك من (ي�ستغرب) مقايي�س أ�مريكا املزدوجة ،التي تتناق�ض مع مبادئها املعلنة ،و( ُيعبرّ عن أال�سف) ألخطائها أ�و �سوء ح�ساباتها ،و(ي أ�مل) يف تغيري تلك املقايي�س .وهناك من (يوافق) على �سيا�سات أ�مريكا ،و(يدعو) �إىل االن�سجام معها والقبول بها ب�شكل كامل .وجميع ه ؤ�الء يقولون أ�نهم يبحثون عن م�صالح العرب وامل�سلمني ،ولكن املفارقة تتمثل يف أ�ن ل�سان حالهم يوحي ب أ�ن تلك امل�صالح معلق ٌة أ�وال و أ�خريا مبوقف أ�مريكا. و�إن امل�شكلة َلتظهر يف أ�جلى �صورها عند ذلك الطرف الذي يتهم دوم ًا الغرب و أ�مريكا على وجه اخل�صو�ص ب أ�نها ا�ستعماري ٌة وظامل ٌة ومتجربة ،وي�ستخدم يف و�صفها با�ستمرار أ�ب�شع النعوت وال�صفات التي تجُ ّردها من أ�ي أ�خالقيات و أ�ي ب�شكل أ�و ب آ�خر يغرق يف مبادئ ،ثم �إنه عندما ي�صطدم معها ٍ ال�شكوى والتذمر واال�ستنكار من ظلمها وجتبرّ ها ،ومن أ�نها ال تتح ّلى بتلك أالخالقيات واملبادئ وهي تتعامل معه!. �إنني أ�رف�ض رف�ض ًا قاطع ًا النظر �إىل الغرب أ�و �إىل أ�مريكا على أ�نهما (ال َعد ّو) ،فهذا يتناق�ض جمل ًة وتف�صي ًال مع ر ؤ�يتي وطريقة تفكريي ،ولكنني ال أ�ملك غري اال�ستغراب ممن يرى الغرب أ�و أ�مريكا أ�و غريها على أ�نهم (العدو) ثم ال يتوقع منهم غري العداوة بكل مقت�ضياتها ال�سلبية املعروفة� .إن البحث عن التف�سري الوحيد املمكن لهذا التناق�ض يعود �إىل العجز الذي أ��صاب وي�صيب الكثريين من أ�بناء احل�ضارة العربية ا إل�سالمية، وهو عج ٌز ي ؤ�دي أ�و ًال �إىل اخلط أ� يف ر ؤ�ية العامل وفهمه ،ويف ب�شكل متوازن ومو�ضوعي ،ثم ي ؤ�دي ثاني ًا ر ؤ�ية ا آلخر وفهمه ٍ �إىل افتقاد أ�ي قدر ٍة على التعامل معه ،حتى بعد فهمه ب�شكل خاطئ� ،إال من خالل االتهام وال�شكوى واال�ستنكار. �إن ر ؤ�ية الواقع العاملي على أ�نه نتا ٌج حلركة جمموعات خمتلفة من املجموعات الب�شرية ُيعترب أ��سا�س ًا من أ��س�س النظرة الو�سطية �إىل الواقع ،أ�ما هذا ا إلفراط بل�سان احلال يف ر ؤ�ية العامل من خالل ا آلخر ،ولو َمت نفيه بل�سان املقال ،ف�إنه ُيعترب خمالف ًة أ��سا�سية للمنهج الو�سطي يف قراءة الواقع والتعامل معهَ ،ظهر ويظهر جلي ًا أ�نها �سائدة يف أ�و�ساط العرب وامل�سلمني
54
حد كبري. �إىل ٍ ال�سالم وامل�سلمني من خالل فرد .8عقلية متثيل إ أ�و جماعة لل�سالم ُيعترب �إن ال�شعور بتمثيل فرد ما أ�و جماعة ما إ عن�صر ًا هام ًا من عنا�صر منهج فقه الواقع والتعامل معه ،ألن درجة وطبيعة مثل ذلك ال�شعور ت ؤ�ثر �إىل درجة كبرية يف ت�صور أ��صحابه للواقع ويف طريقة تعاطيهم معه .فالفرد الذي يت�صور أ�نه ميثل ا إل�سالم يرى أ�ن كل ما ي�صيب ُه ك�شخ�ص ي ؤ�ثر على ا إل�سالم نف�سه ،واجلماعة التي ترى أ�نها متثل ا إل�سالم تعتقد أ�ن ا إل�سالم وم�صريه �سلب ًا أ�و �إيجاب ًا منوطا ب أ�فعالها وقراراتها وت�صرفاتها. واحلقيقة أ�ن ا ّدعاء فئ ٍة معي ّنة أ�ي ًا كانت ب أ�ن فهمها لل�سالم هو الفهم أالمثل له ،على م�ستوى ال ُك ّليات وعلى إ م�ستوى التفا�صيل واجلزئيات ،أ�م ٌر يف غاية اخلطورة عملي ًا يف الواقع الراهن .ألن من املمكن لذلك اال ّدعاء يف أ�حيان كثرية أ�ن يقود �إىل ادّعاءٍ �آخر ب أ�ح ّقية تلك الفئة يف متثيل ا إل�سالم، لل�سالم وامل�سلمني وبالتايل امل�سلمني ،ك ّلما ح�صلت واقع ٌة إ عالقة بها من قريب أ�و بعيد ،كما هو حا�ص ٌل كثري ًا يف تاريخ العرب وامل�سلمني املعا�صر ،وكما ح�صل على وجه التحديد مع وقائع �سبتمرب وما تالها من أ�حداث. �صحي ٌح أ�ن االنتماء لهذا الدين ،والغرية عليه وعلى أ�بنائه، ب�شكل واالن�شغال بحا�ضره وم�ستقبله ،ح ٌق لكل من ينتمي �إليه ٍ واجب من أال�شكال ،بل رمبا ميكن القول أ�ن ذلك أالمر هو ٌ عليه .ولكن ا إلن�سان العربي وامل�سلم يجب أ�ن يتعامل مع هذه امل�س أ�لة بنوع من احل�سا�سية واحلذر واالنتباه ،خا�ص ًة عندما ت أ�خذ حركته ون�شاطاته أ�بعاد ًا جماعي ًة تخرج عن �إطار دائرته الفردية ،وخا�ص ًة عندما ي�صبح لتلك احلركة وذلك الن�شاط َت ِبعاتٌ جماع ّية ،ويرتت ُّب عليها نتائج ت ؤ�ثر يف م�صائر جمموعات أ�خرى من الب�شر �صغري ًة كانت أ�و كبرية ،من امل�سلمني أ�و من غري امل�سلمني. و�إن من أ�غرب أالمور و أ�كرثها مدعا ًة للت�سا ؤ�ل واملراجعة، تلك ال�سهولة البالغة التي يجدها بع�ض أ�بناء العرب وامل�سلمني يف ا ّدعاء متثيل ا إل�سالم ،وبالتايل االجتهاد حول ق�ضايا كربى مت�س بت أ�ثرياتها املت�ش ّعبة كثري ًا من الدول وال�شعوب ،بل ورمبا ُّ
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة أالمة ب أ��سرها ،مثلما هو احلال مع ذلك االجتهاد الذي قاد �إىل �سبتمرب أ�و قاد �إىل ما تالها من الكوارث .كل هذا بدعوى ا إلخال�ص والتفاين والغرية على م�صلحة البالد والعباد، و�إن امل�شكلة أالخرى املوازية تتمثل يف قبول بع�ض من ُي�س ّمون أ�نف�سهم علماء وم�شايخ ومثقفني و أ�كادمييني بتلك الدعاوى و�إقرارهم لها ،بل ويف التما�س املزيد من أالعذار والتربيرات ملن يقوم بتلك أالعمال ،ثم التغا�ضي عن النتائج الكارثية التي تنتج عنها ،والقول بب�ساطة أ�ن هذه النتائج الكارثية �إمنا تدخل يف باب الفتنة والتمحي�ص واالبتالء وال َقدَ ر املقدور ،بد ًال من قاطع وحازم وحا�سم ،وبكل الو�سائل الت�صدي مبكر ًا ٍ وب�شكل ٍ أ وال�ساليب ،لك ّل من ُيدخ ُل أالمة والعامل ب أ��سره يف هذه أالنفاق اخلطرية واملجهولة. ولهذا فقد بات مطلوب ًا ب�إحلاح حترير م�س أ�لة فهم ا إل�سالم وح�صر متثيله يف جماع ٍة معينة تنطلق من ظروفها اخلا�صة و أ�حوالها املُع ّينة ومن قراءتها اجلزئية للواقع ،وتتحرك بنا ًء على حدود علمها التي كثري ًا ما تكون يف غاية الق�صور ،لتقوم ب أ�فعال وت�صرفات ،ولتت�صدى لقرارات وخمططات ،تتجاوز بكثري قدرتها على ا إلحاطة وينتج عنها م�ستتبعات ت ؤ�ثر على ا آلخرين .ألن هذا التحرير هو الكفيل ب�إعادة الت�صور الو�سطي ليكون ال�ضابط واملوجه ملثل هذه الق�ضايا احل�سا�سة اخلطرية. .9درجة احرتام معطيات العلم والتخ�ص�ص! يعرف كل من يفقه �شيئ ًا عن هذا الع�صر دور العلوم والتخ�ص�صات املختلفة يف عملية فقه الواقع الب�شري والتعامل معه ،ففي هذه العلوم والتخ�ص�صات من أ�دوات البحث والتحليل ما مل يعد ممكنا اال�ستغناء عنه للقيام بتلك العملية، كما أ�ن الرتاكم املعريف الذي �شهدته وت�شهده الب�شرية يف حقول املعرفة املتنوعة ي�ساعد على �إعطاء �صور ٍة أ�كرث �شمو ًال ودقة عن الواقع العاملي الراهن .من هنا ،تعترب درجة احرتام تلك العلوم والتخ�ص�صات ودرجة ا�ستخدامها عن�صر ًا رئي�س ًا من عنا�صر فقه الواقع والتعامل معه يف هذا الزمان. ولقد كانت �إحدى امل�شكالت الكربى يف طريقة فقه العرب وامل�سلمني للواقع وتعاملهم معه تتمثل يف زهدهم الظاهر يف قراءة أالحداث ،بنا ًء على معطيات العقل واملنطق والتخ�ص�صات أالكادميية املختلفة ،وعلى وجه التحديد يف
غياب الر ؤ�ية التخ�ص�صية املنهجية للق�ضايا وامل�سائل التي ترتبت على تلك أالحداث. �إن أ�حداث ًا بهذا التعقيد وال�شمول ال ميكن أ�ن تُفهم من خالل النظرة التاريخية فقط أ�و النظرة ال�شرعية فقط أ�و حتى النظرة ال�سيا�سية البحتة فقط ،ألن أ�بعاد تلك أالحداث تتعلق بالتاريخ وال�شريعة وال�سيا�سة جمتمع ًة وتتعلق أ�ي�ض ًا بغريها من العلوم والتخ�ص�صات .وقد أ��شرنا �سابق ًا كيف كان الرتكيز على عامل واحد من العوامل ي ؤ�ثر كثري ًا يف مواقف �شرائح خمتلفة ٍ من العرب وامل�سلمني ،بينما النظرة ال�شمولية تقت�ضي أ�ن تُ�ست�صحب على أالقل العوامل التالية :الن�ص ودالالته ومقا�صده الكربى .معطيات الواقع والر ؤ�ية التخ�ص�صية ..ظروف كل حم ّلة وخ�صو�صياتها .الظروف العاملية وتوازناتها .احلا�ضر بكل معطياته .التاريخ واملا�ضي ودالالتهما .و أ��شرنا كذلك �إىل ظاهرة البحث عن �إجابات وحلول كربى من خالل (فتوى نا�س ال ميلكون �شرعية) ميكن أ�ن يت�صدى لها على الدوام ٌ ذلك الن�صاب املحرتم من العلم ال�شرعي ،و�إذا امتلكوا ذلك ال ِّن�صاب ف�إنهم رمبا ال ميتلكون الر ؤ�ية التخ�ص�صية املطلوبة للحاطة أ بالحداث من خالل علوم ال�سيا�سة واالقت�صاد إ واالجتماع. �إن أ�حد ًا ال ي�ستطيع أ�ن ينكر حقّ أالفراد من العلماء واملثقفني وا إلعالميني يف القيام مبا يعتقدون أ�نه دورهم، ويف �إعالن مواقفهم وحتليالتهم املع ّينة أ للحداث ،خا�ص ًة مع حرارة املوقف يف الفرتة أالوىل .ولي�س املُراد من الكالم ال�سابق احلجر على مواقف الب�شر ،أ�و م�صادرة ا آلراء والتحليالت التي ال ت�ست�صحب كل العوامل التي دخلت يف �صناعة أالحداث. فهذا املنع َ حد القيام به أ��ص ًال ،وهو لي�س واحل ْجر مما ال ميكن أل ٍ من طبائع أال�شياء ،ولكن املق�صود هنا هو دعوة أ�ولئك العلماء واملثقفني وا إلعالميني �إىل التح ّلي باحل ّد أالدنى املطلوب من املو�ضوعية والهدوء والتوازن عند القيام بتلك املمار�سات، خا�ص ًة و أ�نها ت�صدر ع ّمن يت�ص ّدون للعمل العام ،وه ؤ�الء هم أ�وىل النا�س بال�شعور بامل�س ؤ�ولية امللقاة على عاتقهم ،وهم أ�وىل النا�س ّ بتوخي احلذر عند كتابة حتليالتهم و�إ�صدار بياناتهم و�إطالق ت�صريحاتهم. ومن هنا ت أ�تي �ضرورة احرتام م�س أ�لة التخ�ص�ص يف واقعنا
55
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة املعا�صر ،خا�ص ًة يف مثل هذه املنعطفات امل�صريية يف تاريخنا كعرب وكم�سلمني .فلقد �شاعت يف حياتنا الفكرية والثقافية وا إلعالمية فو�ضى التحليالت وا آلراء ،وبات كل �إن�سان ي�ست�سهل �إىل درج ٍة كبرية �إطالق أالحكام و�إ�صدار الت�صنيفات يف أ�ي وتخ�ص�صه وجمال ق�ضي ٍة من الق�ضايا بغ�ض النظر عن أ�هل ّيته ّ معرفته وعلمه. وقد كانت أ�حداث �سبتمرب وما تالها منا�سب ًة كربى لر ؤ�ية هذه امل�شكلة املتج ّذرة يف حياتنا املعا�صرة ،التي أ ملت أ�رجا َءها حتليالت ونظرات و�آراء وا�ستنتاجات يف غاية ب�شكل يتناق�ض متام ًا مع ال�سطحية والب�ساطة واالختزال ،و ٍ ّ أ�دنى مقت�ضيات العلم والتخ�ص�ص ،أالمر الذي جعل كثري ًا من النا�س يبتعدون عن الواقعية املطلوبة ويعي�شون يف عوامل خيال ّية من الظنون أ والوهام .والغريب أ�ن ا�ست�سهال هذه الق�ضية مل يقت�صر على من ُيطلق تلك التحليالت ،و�إمنا كان ينطبق على �شرائح كبرية من ال�شعوب العربية وا إل�سالمية التي كانت تتل ّقى مثل تلك ا آلراء والنظرات بالقبول دون متحي�ص وتدقيق، وت�سمح أل�صحابها باال�ستطراد يف تلك املمار�سات. ولهذا ،ف�إن احل ّل الوحيد للم�شكلة يكمن يف انتباه ّ الطرف الذي يمُ ار�س تلك املمار�سات ،وانتباه الطرف الذي يتق ّبلها، �شيوع كب ٍري للفو�ضى الفكرية �إىل خطورة ما يرتتب عليها من ٍ والثقافية ،وبالتايل يف وجود مواقف عملية م�ش ّوهة ت�ضيف �إىل ّ املت�ضخم يف واقعنا املعا�صر .لذلك، ر�صيد اخل�سائر والهزائم تعم يف هذا الواقع ،وبني ال�شعوب العربية �صار من الواجب أ�ن ّ وا إل�سالمية مواقف النقد والتمحي�ص والتدقيق ملا ُيطلق من �آراء ،وبات مطلوب ًا أ�ن يتع ّود النا�س على �س ؤ�ال من يت�ص ّد ُر تيت بهذه املعلومات؟ وما هي خلفيات هذا للتحليل :من أ�ين َأ� َ نيت هذا التحليل؟ وكيف ُتثبتُ ب أ�ن هذا الر أ�ي؟ وعلى ماذا َب َ
56
املوقف �صحيح؟ وملاذا يجب أ�ن أ��ص ّدق ما تقول؟ وما هي وجهة النظر امل�ضا ّدة لهذا املوقف؟ وغري ذلك من أال�سئلة التي جترب ا آلخرين على احرتام عقول الب�شر ،وترغمهم على الت أ�نيّ وال�صرب والتفكري قبل �إطالق ا آلراء والتحليالت ب�سهول ٍة �شديدة وبدون أ�ي �شعور مب�س ؤ�ولية الكلمة. �إن هذا ال ميثل دعو ًة للح ّد من حرية التعبري كما قد يعتقد بع�ض الب�سطاء ،و�إمنا هو دعو ٌة �إىل تنظيم حياتنا الثقافية والفكرية واحرتام عقولنا و أ�وقاتنا وجهودنا ،التي كثري ًا ما ت�ضيع عبث ًا يف مواقف و�آراء يتبني يف النهاية أ�نها ال ت�ستحق االعتبار .و�إذا ما ّمت تنظيم حياتنا الفكرية والثقافية �شيئ ًا ف�شيئ ًا بذلك ال�شكل الذي يحرتم التخ�ص�ص ويحرتم معطيات العلم والعقل ،ف�سيبقى املجال مفتوح ًا دوم ًا ملن �شاء أ�ن يتحدث و ُيطلق ر أ�يه ،ولكن حجم ت أ�ثري ا آلراء ال�سطحية املختزلة يف حياتنا �سي�صبح عندها حمدود ًا وحما�صر ًا �ضمن دوائر �ضيقة ال يخلو جمتم ٌع من وجودها مهما كان. وبهذا ي�صبح العقل اجلمعي أ للمة قادر ًا يف مرحلة من املراحل على ر ؤ�ية ال�صورة ب�شموليتها وتوازنها من خالل تكامل ا آلراء والتحليالت التي متتلك ذلك احلد أالدنى من املو�ضوعية والتوازن ،وت�ستند �إىل ما هو مطلوب من العلم املهم ،ت�صبح القرارات والتخ�ص�ص واملنهجية .وبهذا ،وهذا هو ّ العملية �سواء على م�ستوى أالفراد أ�و اجلماعات أ�و احلكومات منبثق ًة من ذلك العقل اجلمعي املتوازن الواعي .ألن مثل تلك ري �صاد ٌق القرارات هي دوم ًا ِنتا ٌج للعقل اجلمعي يف أالمة ،وتعب ٌ عن خ�صائ�صها وم َل َكا ِتها العقلية والفكرية والثقافية .ومن خالل ذلك كله تعود الو�سطية يف منهج ر ؤ�ية الواقع والتعامل معه لت�صبح الطريق أالمثل الذي ي�ضمن حفظ طاقات العرب وامل�سلمني و أ�وقاتهم وعقولهم من الهدر وال�ضياع.
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
الو�سطية يف البناء االجتماعي أ� .د /عبد احلليم عويـ�س ال�سالمية /م�صر أ��ستاذ التاريخ واحل�ضارة إ
الفراط لي�ست الو�سطية يف البناء االجتماعي أ�مر ًا قانوني ًا ،بل ن�ستطيع أ�ن نقول� :إنه خط فا�صل وا�ضح بني إ والتفريط� .إن هذا اخلط الفا�صل ي�ستطيع الدار�سون لل�شريعة أ�ن يجدوه ،لكنه ال ميثل الو�سطية مبعناها العمق أ أ وال�شمل؛ فالو�سطية عملية نف�سية ،وروحية ،وفكرية ،ت�شبه ال�ضمري الذي ال ميكن مل�سه باليد ،وال الفراط أ�و التعامل معه بامليزان القانوين الت�شريعي البحت ،فهو ملكة داخلية يفرق بها املرء بني املبالغة يف إ املبالغة يف التفريط!!. ومن البديهي أ�ن هذا امليزان ال يعني االن�سياب يف كل أالعمال ،و�إمنا يعني �ضبط �إيقاعات ا إلن�سان بحيث ال يطغى جانب على جانب ،وبحيث ي أ�خذ كل ذي حق حقه ،فنحن يف أ�يام العيدين (الفطر أ وال�ضحى) نلتزم ديني ًا بالتكثيف يف الفرح االجتماعي ،وبالتغليب يف اجلانب الرتويحي ،لكننا قبل عيد الفطر بعدة أ�يام ،وخالل الع�شر أالواخر من رم�ضان نلتزم أ�ي�ض ًا بتكثيف العبادة حتى نفوز بليلة القدر ومبغفرة اهلل !!. وقد كان ال�صحابة ر�ضوان اهلل عليهم يزعجهم أ�ن يكونوا بني يدي ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف امل�سجد أ��شباه مالئكة ،قد ان�سلخوا من الدنيا ،و�صعدوا �إىل أ�كرب درجة ممكنة من ال�سمو الب�شري ،لكنهم عندما يخرجون من امل�سجد
ينزعجون ألنهم يجدون أ�نف�سهم قد حتولوا �إىل ب�شر ميازحون أالطفال والن�ساء ،وي أ�كلون كما ي أ�كل النا�س ،فلما �س أ�لوا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم عن هذا التباين الذي يقوم يف أ�ذهانهم ،ويجعلهم يبدون متناق�ضني بني كفتي ا إلفراط والتفريط ،طم أ�نهم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل أ�ن هذا و�ضع طبيعي ،و أ�نهم لو مل يكونوا كذلك النخلعوا من ب�شريتهم ول�صافحتهم املالئكة. فالو�سطية يف البناء االجتماعي ا إل�سالمي ال تعني �إلغاء التعددية يف الن�شاط االجتماعي ،وال تعني االلتزام بحد معني يف كل حالة على حدة ،و�إن كان هذا وارد ًا بدرجة ما ،لكنّ املهم هو الو�سطية يف جمموع احلاالت ،ويف وزن أال�شياء بامليزان
57
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ال�صحيح يف جمموعها. ال�سالمي: مفهوم البناء االجتماعي إ البناء االجتماعي هو العمران الذي يحيا فيه النا�س أ�فراد ًا و أ��سر ًا ،خا�ضعني لعقد اجتماعي موروث ومكتوب يلزمهم بالقواعد االجتماعية املعتربة التي حتقق التما�سك والتقدم والتكامل؛ �سواء أ�كانت هذه القواعد عرفية أ�م ت�شريعية ،ويف بع�ض أالحوال قد توجب بع�ض احلاالت االرتفاع فوق هذه القواعد؛ وذلك مثلما فعل أالن�صار مع املهاجرين عندما �شاركوهم يف دورهم و أ�موالـهم ،بل وقد عر�ض أالن�صار على �إخوانهم املهاجرين أ�ن يقت�سموا معهم هذه أالموال والعقارات منا�صفة. فهذا نوع من ا إليثار (والتكافل) مل يجعلـه ال�شرع فر�ض ًا ،وتَر َك ُه للم�ستوى أالخالقي للم�سلمني يف ظل معاين الرحمة أ والخوة ا إل�سالمية ،ولرمبا بدون هذا االرتفاع (ا إليثاري) مل يكن املجتمع ا إل�سالمي أالول ليتكون ،أ�و ليتكون على هذا النحو!! ومن هذا ال�سياق ال�سابق نعلم أ�ن التعامل مع اجلوانب االجتماعية يف ا إل�سالمي يقف فوق أ�ر�ضية عقدية وفكرية ونف�سية و أ�خالقية معينة ،و أ�ن امل�سلم يعالج هذه الق�ضايا يف �إطار مفاهيمه ا إلميانية الكلية ،فهو ال يقوم بها ألنها أ�وامر قانونية ،وال ق�ضايا م�صلحية عامة ،يتبادل فيها الفرد واملجتمع اخلدمات بطريقة جدلية تبادلية .وقد تنتهي هذه العالقة مبجرد ال�شعور بانق�ضاء امل�صلحة ،أ�و بالتحايل على القانون، أ فال�صل العقدي والتعبدي للق�ضايا االجتماعية يف ا إل�سالم، واملنهج الذي يجعلـه جزء ًا من كل ال تنف�صل عنه .هذا أال�صل وهذا املنهج يجعالن للتكافل االجتماعي يف املجتمع امل�سلم ق�سمات خا�صة ينفرد بها عن كل النظريات االجتماعية التي ظهرت يف القدمي ويف احلديث!! وي ؤ�كد لنا هذا ،أ�ن أالمة مل تكن تنظر �إىل التكافل االجتماعي على أ�نه جمرد تنظيم للعالقة التي تربط الفرد باملجتمع ،ومتنع طغيان أ�حدهما على ا آلخر ،وت�ضع أال�س�س التي ت�ضمن ت�سا ُند املجتمع أ�فراد ًا وطبقات ،وتتيح للجميع قدر ًا متكافئ ًا من الفر�ص واحلقوق ،وتلزم اجلميع بقدر عادل من الواجبات ،بل نظرت �إليه على أ�نه �-إىل جانب ما �سبق- معنى روحي و أ�خالقي ووجداين يرتفع �إىل درجة (امل ؤ�اخاة) التي تعلو فوق أالخوة ا إلميانية العامة ،وجتعل أالن�صار يقدمون
58
للمهاجرين ما مل يطالبهم به دينٌ وال قانون } َو ُي ْ ؤ� ِث ُرونَ َع َلى ا�ص ٌة{. َأ�ن ُف ِ�سهِ ْم َو َل ْو َكانَ بِهِ ْم َخ َ�ص َ ويف هذا ال�صدد ن�شري �إىل أ�ننا قد جند الدول ا إل�سالمية (عرب التاريخ ا إل�سالمي) قد تعر�ضت لنك�سات عجزت معها م ؤ��س�سات الدول يف كثري من الظروف عن توفري احلاجات أال�سا�سية للمجتمع من غذاء وك�ساء ودواء وتعليم ،فقامت أالمة امل�سلمة بدوافع ا إلميان والعقيدة ب�س ّد االحتياجات التي عجزت عنها م ؤ��س�سة الدولة ،حفاظ ًا على بناء املجتمع !! ومن هذا املنطلق ن�شري �إىل الربط الع�ضوي القائم بني م�صطلحات أ «المة» و«املجتمع» و«التكافل االجتماعي» .و أ�خري ًا ي أ�تي م�صطلح «الدولة» الذي يقوم بدور خطري ،لكن أالمة مع ذلك ال يجوز لـها أ�ن تيئ�س وال أ�ن ترتك التكافل االجتماعي يف احلاالت التي تعجز فيها الدول عن القيام بهذا التكافل، أ�و احلاالت أالخرى التي تتنكر فيها الدولة لر�ساالتها، وتخدم �شرائح معينة ،وتهمل ال�شرائح االجتماعية الو�سطى وال�ضعيفة!!. ون�شري يف هذا ال�سبيل �إىل حقيقة قيام البناء االجتماعي يف ا إل�سالم على اجلوانب املادية والروحية مع ًا؛ ألنه يف النهاية يعني �شعور اجلميع مب�س ؤ�ولية بع�ضهم عن بع�ض ،و أ�ن كل واحد منهم حامل لتبعات أ�خيه وحممول على أ�خيهُ ،ي�س أ�ل عن نف�سه وي�س أ�ل عن غريه .ولـهذا كان للتكافل االجتماعي الذي يحفظ البناء االجتماعي �شعبتان: �شعبة مادية :و�سبيلـها م ّد يد املعونة يف حاجة املحتاج و�إغاثة امللـهوف ،وتفريج كربة املكروب ،وت أ�مني اخلائف ،و�إ�شباع اجلائع ،وا إل�سهام العملي يف �إقامة امل�صالح العامة .وقد أ�طلق ا إل�سالم على هذا النوع من التعاون املادي عناوين خمتلفة ت�شمل أ�نواع ًا خمتلفة من العالج والتكافل مثل (ا إلح�سان - الزكاة -ال�صدقة -احلق املعلوم -ا إلنفاق يف �سبيل اللـه - كفالة اليتيم � -صلة أالرحام ..الخ) ،لكن هذه العناوين الدالة على أ�نواع من التكافل تتكامل كلـه لتقدم ن�سيج ًا من التكافل املادي يف احلياة االجتماعية. أ�ما ال�شعبة الثانية فهي ال�شعبة أالدبية :ونعني بها تكافل امل�سلمني جميع ًا وتعاونهم املعنوي بالتعليم والن�صح وا إلر�شاد والتوجيه .أ�و ب�إيجاز :التعاون على أالمر باملعروف والنهي عن
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة املنكر قو ًال وفع ًال .وا إل�سالم يجعل هذا التكافل أالدبي فري�ضة الزمة على كل م�سلم ،بل جاء على ل�سان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم أ�نه الدين كلـه بالن�سبة جلميع الطبقات( .الدين الن�صيحة ،قالوا :ملن يا ر�سول اللـه؟ قال :هلل ولر�سوله أ ولئمة امل�سلمني وعامتهم). وهكذا يت�ضح لنا -بجالء وتركيز �شديدين -أ�ن التكافل االجتماعي يف ا إل�سالم ال يعني جمرد امل�ساعدات املالية أ�ي ًا كانت �صورتها ،كما تعني كلمات مثل ال�ضمان االجتماعي أ�و الت أ�مني االجتماعي ...بل ميت ّد امل�ضمون ا إل�سالمي للتكافل لي�صبح نظام ًا لرتبية روح الفرد و�ضمريه و�شخ�صيته و�سلوكه االجتماعي ،ونظام ًا لتكوين أال�سرة و أ��ساليب تكافلـها ،ونظام ًا للعالقات االجتماعية مبا يف ذلك العالقات التي تربط الفرد بالدولة ،و أ�ن يكون يف النهاية نظام ًا للمعامالت املالية، والعالقات االقت�صادية التي ت�سود املجتمع ا إل�سالمي. ومن اجلدير بالذكر هنا أ�ن البناء االجتماعي ا إل�سالمي والدبي أ يجعل التكافل املعنوي أ والخالقي والروحي يف أالهمية نف�سها بالن�سبة للتكافل املايل واالقت�صادي. بل �إننا نرى يف املنظور االجتماعي ا إل�سالمي أ�ن التكافل املادي ال تتحقق أ�هدافه �إال بالوقوف فوق أالر�ضية املعنوية أ والدبية .ونرى أ�ي�ض ًا أ�ن التكافل املعنوي هو الذي ي�ضمن فعالية التكافل املادي .فما معنى أ�ن يتكافل امل�سلمون مادي ًا يف بالد االغرتاب مثل أ�مريكا و أ�وروبا مث ًال ،والتي قد ُتقدِّ م فيها الدولة أ�لوان ًا من ال�ضمان االجتماعي املادي ،بينما يرتك بع�ضهم بع�ض ًا ينحدر يف عقيدته وعبادته و أ�خالقه ،بحيث يكاد يذوب يف القيم االنحاللية واملادية والال أ�خالقية التي تطرحها -يف ال�شارع وا إلعالم -املنظومة القيمية الال دينية؟ !! وهكذا ف�إنه على الرغم من أ�ن ا إل�سالم قد قدم �إطار ًا قانوني ًا متكام ًال لقيام البناء االجتماعي على أ��سا�س الو�سطية والعدالة االجتماعية املادية� ،إال أ�ن أال�سا�س املعنوي يقوم على خماطبة ا إلن�سان من داخلـه ،ولي�س جمرد قيادته من ظاهره، وعلى حتريك �ضمريه بدل �سوقه بالقوة القاهرة ،وا�ستجا�شة م�شاعر الفطرة النبيلة بدل حتويل احلياة �إىل �صراع كئيب. واحلق أ�ن ا إل�سالم يف ت�شريعه االجتماعي قد اعتمد هذا أال�سا�س املعنوي على نحو مل ت�صل �إليه أ�رقى النظم التي
ظهرت يف التاريخ ،وقد أ�طلق على هذا أال�سا�س ا�سم «التكافل االجتماعي» �شام ًال املعنويات واملاديات .قال تعاىلَ } :و َت َعا َو ُنوا ا�ص ْوا ا�ص ْوا ِبالحْ َ قِّ َو َت َو َ َع َلى البرِ ِّ َوال َّت ْق َوى{ .وقالَ } :و َت َو َ ِبال�صَّبرْ ِ {. ولئن كانت بع�ض البلدان غري ا إل�سالمية قد بد أ�ت تلج أ� �إىل أ��سلوب التكافل االجتماعي عن طريق ما ي�سمى باجلمعيات اخلريية وم ؤ��س�سات الرب وامل�ستو�صفات وامل�ست�شفيات املجانية وال�ضمان االجتماعي وحماية ال�ضعفاء وما �إىل ذلك� ...إذا كان أالمر كذلك فلي�س ما تفعله هذه الدول �إال تقليد ًا مت أ�خر ًا منها ملا جاء به ا إل�سالم منذ أ�ربعة ع�شر قرن ًا ،بعد أ�ن طحنتها القوانني اجلافة و أ��ساليب ال�صراع االجتماعي !! ال�سالمي يف ن� أش�ته وتطوره: البناء االجتماعي إ ال توجد يف الت�صور ا إل�سالمي حواجز حقيقية بني الفرد واملجتمع ،ف�إن الفرد يح�س ب أ�نه م�سئول م�سئولية مبا�شرة عن املجتمع؛ واملجتمع أ�ي�ض ًا يح�س ب أ�ن عمده أال�سا�سية و أ�ركانه الطبيعية هم ه ؤ�الء أالفراد امل�سلمون. لقد انتمى الفرد امل�سلم �إىل هذا املجتمع ب�إرادته ،ولقد انت�سب �إليه روح ًا وفكر ًا وم�شاعر قبل أ�ن ينتمي �إليه ج�سد ًا أ�و ع�ضو ًا عام ًال .والرابطة أالوىل بالتايل يف املجتمع ا إل�سالمي هي العقيدة امل�شرتكة ،وما ينبثق عن هذه العقيدة من ت�صورات ونظم وقوانني اجتماعية واقت�صادية و�سيا�سية. وهذه الرابطة أالوىل -التي ارت�ضاها امل�سلم طواعية- تذيب الفوا�صل بينه وبني املجتمع ،وت�شعره بوالء وم�س ؤ�ولية حقيقية جتاهه ،وجتاه ما يتعر�ض لـه املجتمع ا إل�سالمي كلـه من م�شكالت وحتديات؛ بل وجتعلـه ي�شعر ويتعامل بنوع من التوازنية واالنتماء مع املجتمع. وال�سبب أالكرب الذي نكب املجتمعات الب�شرية ،وكثف م�شكالتها يف اجلوانب املختلفة هو أ�نها ن� أش�ت كمجتمعات «ا�صطناعية» أ�و «تلقائية» ،ولي�ست جمتمعات طبيعية قائمة على االختيار الفردي والتوافق الفكري والعقدي .ومن هنا تظهر يف أ�ح�شائها بني احلني واحلني أ�مرا�ض متنوعة؛ مرة اجتماعية، ومرة اقت�صادية ،ومرة �سيا�سية ،ومرة ح�ضارية �شاملة تهدد بناءها كله ،وتعر�ضها للتحلل وال�ضياع. وعند درا�ستنا لطبيعة املنهج ا إللهي يف عالج امل�س أ�لة
59
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة االجتماعية ،يجب أ�ن ن�ستح�ضر يف أ�ذهاننا أ�ن املنهج ا إللـهي كل ال يتجز أ� ،و أ�ن عالج أ�ي ع�ضو يف اجل�سم ال يعني أ�ن بقية أالع�ضاء مبن أ�ى عن الت أ�ثر بق�ضية هذا الع�ضو والت أ�ثري فيها، و أ�ن هذا الع�ضو الذي ن�سميه اجلانب االجتماعي هو بدوره جزء من أالجزاء؛ يتعامل مع بقية أالجزاء بتوازنية وو�سطية وترابط. ويف ظل الوعي بهذه احلقيقة ن�ستطيع أ�ن ن�ستنتج أ�ن طبيعة املنهج ا إللـه ي يف عالج البناء االجتماعي ترتكز على احلقائق التالية: أ�و ًال� :إن اخل�صائ�ص التي تتميز بها ال�شريعة ا إل�سالمية؛ بل الت�صور ا إل�سالمي كلـه ،ت�صدق على نظرة ا إل�سالم للبناء االجتماعي: ف�إذا كان ا إل�سالم دين �سهولة وتدرج وو�سطية وتوازنبني أ�ن�شطة احلياة املتعددة وجوانبها ،ف�إن هذه ال�سمات تتجلى أ�ي�ض ًا يف تناول ا إل�سالم للبناء االجتماعي أ��سلوب ًا وغاية. و�إذا كان ا إل�سالم دين ًا رباني ًا �صادر ًا عن قوة منزهة عنكل �شرك ،ولي�س نظرية �إن�سانية جزئية أ�و ترقيعية؛ ف�إن هذه اخل�صي�صة الدينية �ستتجلى أ�ي�ض ًا يف عالج ا إل�سالم للبناء االجتماعي؛ حني ال يقت�صر العالج ا إل�سالمي على القوانني اجلافة أ�و ال�سلوك الظاهري ،و�إمنا يتعدى ذلك �إىل حتريك عواطف الرحمة واحلب أ والخوة وا إلن�سانية ،وخ�شية اللـه تعاىل ور�ضاه؛ و�صو ًال �إىل حتقيق جمتمع العدالة االجتماعية الواقعية، ولي�ست العدالة النظرية املزيفة .وكل ذلك وفاق ًا للو�سطية والعدل والتوازنية والتكاملية. و�إذا كان ا إل�سالم يجمع بني الثبات والتطور ،وير�سملكل منهما �إطاره ،ويجمع بني املثالية التي ينبغي أ�ن ترنو �إليها الب�شرية دائم ًا ،والواقعية التي ي�سري عليها النا�س غالب ًا .ويجمع أ�ي�ض ًا بني الدنيا -أ�ي الوجود املحدود -وا آلخرة -أ�ي الوجود املمتد ،-ويخاطب ا إلن�سان بالعبادات من داخله ،وينظم وجوده باملعامالت من خارجه. �إذا كان ا إل�سالم يف أ��سلوبه وت�شريعاته كلـها يجمع هذه اخل�صائ�ص بنوع من الو�سطية والتوازنية والتكاملية التي يعجز أ�ي مذهب ب�شري عن �إحداث التوفيق واالن�سجام والتعاون بينها؛ ف�إن هذه اخل�صائ�ص تتجلى أ�ي�ض ًا وبال�ضرورة يف عالجه
60
للبناء االجتماعي. ثاني ًا� :إن ا إل�سالم ال ينظر �إىل هذا البناء االجتماعي كق�ضية ذات طابع مادي فقط؛ فا إلن�سان يف نظر ا إل�سالم ال ينح�صر يف دائرة الوجود املادي أ�و االقت�صادي -كما يقول املاديون اجلدليون و�إمنا هو كائن �إن�ساين روحي؛ �إىل جانب ما فيه منجوانب مادية. فاحلرية ا إلن�سانية مث ًال يف نظر ا إل�سالم ال تقل أ�هميةعن اجلانب االقت�صادي. وقتل حرية ا إلن�سان يف مقابل توفري اخلبز وامللب�س لـهانتكا�سة حيوانية وردة �إن�سانية ،وهبوط بامل�ستوى الذي و�ضع اهلل ا إلن�سان فيه (وهو ما فعله ال�شيوعيون واملاديون بعامة)!! وعلى أ��سا�س حتقيق الكفاية لكل جوانب ا إلن�سان من مادية وع�ضوية ترتكز املبادئ ا إل�سالمية يف عالج البناء االجتماعي. ثالث ًا :وا إل�سالم كدين �إلـهي ال يعرتف بالنزعات العن�صرية أ�و القومية أ�و الطبقية أ�و ما �سوى ذلك من نزعات ال�صراع والتناق�ص؛ بل يقيم ت�شريعاته على أ��سا�س الركنني الفطريني التاليني: -1وحدة أال�صل :فالب�شر جميعا ينت�سبون �إىل أ�ب واحد، و أ�م واحدة و�إن اختلفوا جن�س ًا ولون ًا ووطن ًا ،وال ينبغي أ�ن يكون اختالفهم هذا حائ ًال دون أ�خذهم حقوقهم ا إلن�سانية ا�س ِ� إ َّنا َخ َل ْق َنا ُكم ِّمن َذ َك ٍر امل�شروعة .قال تعاىلَ } :يا َأ� ُّي َها ال َّن ُ َو أُ�ن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوب ًا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا{. -2وحدة العقيدة :وهي التوحيد اخلال�ص الذي جاء به الم{َ } .و َمن َي ْب َت ِغ النبيون جميع ًا }�إِنَّ الدِّ ينَ ِعندَ اللـه ا ِ إل ْ�س ُ الم ِدين ًا َف َلن ُي ْق َب َل ِم ْنهُ{ .فهذا هو أ��سا�س العقيدة َغيرْ َ ا ِ إل ْ�س ِ الذي ال يتبدل ،أ�ما الت�شريع الذي ينظم حياة اجلماعة فهو الذي يتطور يف الر�ساالت ا إللـهية .حتى �إذا جاء ا إل�سالم يف �صورته النهائية كان قد احت�ضن الفكرة أال�سا�سية يف دين اللـه الواحد ،وا�ستقى ال�صالح من املبادئ والت�شريعات والنظم يف الر�ساالت ال�سابقة ،و أ�كمل الناق�ص منها و أ�مته. لكن و�سطية ا إل�سالم -مع ذلك -جتعل ت�شريعاته كلها.. اجتماعية أ�و اقت�صادية أ�و روحية .تتوازن وتتكامل وفاق ًا
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة لو�سطية جامعة حتقق ا إل�شباع لكل جانب على حدة ولكل اجلوانب جمتمعة .وهي -من هذا املنطلق الو�سطي التوازين التكاملي -ال تلغي الوطنية أ�و القومية ،فهما من احلقائق املو�ضوعية املعا�شة ،لكنها متزجهما يف الوالء أالكرب واجلن�سية أالعظم ،وهي ا إل�سالم. الن�سانية للمجتمع: ال�صياغة إ الو�سطية والتوازنية تعنيان �ضمن ًا االعرتاف باجلوانب ا إلن�سانية كلـها يف ت آ�خ وتكامل ،ولهذا كان من أ�برز خ�صائ�ص املنهج ا إللهي يف عالج الق�ضايا االجتماعية واالقت�صادية أ�نه ال يقيم البناء االجتماعي ،أ�و ال�سيا�سة االقت�صادية على أ��سا�س «ال�صراع» أ�و التناق�ض بني أالفراد أ�و الطبقات. �إنه قبل أ�ن ي�ضع القوانني ،وبعد أ�ن ير�سي أ��سا�س الربوبية ُيقيم دعامات أ�خرى �إن�سانية ت�شيع بني النا�س أ�وا�صر الرحمة من احلب والت�سامح والف�ضل والتعاون ومراقبة ال�ضمري وخ�شية اللـه؛ �إىل غري ذلك من املعاين الكرمية. وا آليات القر�آنية أ والحاديث النبوية التي ت ؤ�كد هذه املعاين أ�كرث من أ�ن حت�صر ...و أ�برز معامل ال�صياغة ا إلن�سانية للمجتمع يف املنهج ا إللـهي تتلخ�ص يف: � -1إميان ا إل�سالم بنظافة الفطرة ا إلن�سانية ،وب أ�نها مل تولد �آثمة أ�و خاطئة؛ و�إمنا ولدت كرمية طيبة تنزع �إىل املثالية. وما يلحقها من عيوب �إمنا هو ح�صاد ت أ�ثرها ب أ�و�ضاع غري كرمية يف املجتمع .وا إل�سالم يعتمد يف ت�شريعاته على هذا الر�صيد الكرمي للفطرة ،ويحاول حتريك ا إلن�سان با إلرادة الذاتية من داخله قبل أ�ن يقوده ب�سال�سل القانون من خارجه .قال تعاىل: }�إِنَّ اللـه َال ُي َغيرِّ ُ َما ِب َق ْو ٍم َحتَّى ُي َغيرِّ ُ وا َما ِب َأ�ن ُف ِ�سهِ ْم{ ،وقال: } َوا َّل ِذينَ َجاهَ دُوا ِفي َنا َل َن ْه ِد َي َّن ُه ْم ُ�س ُب َل َنا{. � -2إ�شباع ا إل�سالم لكل جوانب ا إلن�سان بالطرق احلالل، وت�صعيد كل غرائزه ولي�س كبتها أ�و حرمانها بالرهبانية املبتدعة أ�و الزهد الكاذب « .فا إل�سالم لي�س عقيدة �صوفية ،وال هو فل�سفة ،ولكنه منهج من احلياة ح�سب قوانني الطبيعة التي �سنها اللـه خللقه ،وما عمله أال�سمى �سوى التوفيق التام بني الوجهتني الروحية واملادية يف احلياة ا إلن�سانية». � -3إعطاء ا إل�سالم كل ذي حق حقه؛ يف توازن ،وبال �إفراط أ�و تفريط ،فللرجل حقه ك�إن�سان ،وللمر أ�ة حقها ،ولالبن حقه،
أ وللب حقه ،ولل�ضعيف حقه ،وللمري�ض حقه ،وللعاجز حقه، وللفقراء وامل�ساكني واليتامى واملعوقني و أ��شباههم من املعوزين حقوق .قال تعاىلَ } :و َما َأ� ْد َر َ اك َما ال َع َق َب ُةَ ،ف ُّك َر َق َب ٍةَ ،أ� ْو ِ� إ ْط َعا ٌم فيِ َي ْو ٍم ِذي َم ْ�س َغ َب ٍةَ ،ي ِتيم ًا َذا َم ْق َر َب ٍةَ ،أ� ْو ِم ْ�س ِكين ًا َذا َمترْ َ َب ٍةُ ،ث َّم ا�ص ْوا ِبالمْ َ ْر َح َم ِة{. ا�ص ْوا ِبال�صَّبرْ ِ َو َت َو َ َكانَ ِمنَ ا َّل ِذينَ �آ َم ُنوا َو َت َو َ � -4إن الفرد يف املجتمع ا إل�سالمي يتمتع بحقوق عامة؛ انطالق ًا من واقع كينونته ا إلن�سانية ،ولي�ست جمرد حقوق مرتبطة بظروف موقوتة ،تزول بزوالها. -5ومن البديهي أ�ن �إعطاء كل ذي حق حقه ،بال تفريط أ�و �إفراط ،و أ�ن توازنية العالقة بني أالفراد جميع ًا ذكور ًا و�إناث ًا، حكام ًا وحمكومني� ،إمنا تعني يف النهاية �إقامة (و�سطية) تقوم على توزيع الن�سب ،ومراعاة التكاملية ال�شاملة ،وتلتزم بالعدل املطلق!! -6فلي�س من حق املجتمع ا إل�سالمي أ�ن ي�ستحل ثروات أالفراد أ�و ي�ستبد بها .فالظلم ظلم ،والت�سلط الظامل مرفو�ض يف منطق العدالة االجتماعية ا إل�سالمية .كما أ�نه -على امل�ستوى ا إلن�ساين -لي�س من حق أالمة ا إل�سالمية أ�ن ت�ستحل ثروات أالمم أالخرى !! ،بل �إن العك�س هو املفرو�ض على أالمة ا إل�سالمية .فهذه أالمة الو�سط ال�شهيدة على النا�س مكلفة ب�إقرار العدل واحلق يف أالر�ض كلها ،وما الـهدف أال�سمى من اجلهاد �إال �إقرار العدل واحلق ،و�إعالن احلرب الدائمة على الطغاة واملت أ�لـهني؛ الذين ي�ستذلون ال�شعوب ويقيمون ال�سدود ا�س يف وجه احلق وا إلميان .والقر�آن يقولَ }:و َل ْوال َد ْف ُع اللـه ال َّن َ َب ْع َ�ض ُهم ِب َب ْع ٍ�ض َّل َف َ�سدَ ِت َأال ْر ُ�ض{ .ويقولَ } :و َك َذ ِل َك َج َع ْل َنا ُك ْم ا�س َو َي ُكونَ ال َّر ُ�س ُ ول َع َل ْي ُك ْم أُ� َّم ًة َو َ�سط ًا ِّل َت ُكو ُنوا ُ�شهَدَ ا َء َع َلى ال َّن ِ َ�شهِ يد ًا{ ،ويقولَ }:و ْل َت ُكن ِّمن ُك ْم أُ� َّم ٌة َي ْد ُعونَ �إىل ا َ خليرْ ِ َو َي ْأ� ُم ُرونَ وف َو َي ْن َه ْونَ َع ِن املُن َك ِر َو أُ� ْو َل ِئ َك هُ ُم املُ ْف ِل ُحونَ {. ِبا َمل ْع ُر ِ والعدل يف منطق ا إل�سالم -كما أ��شرنا -عدل مطلق. ين�ساب يف كل أ�ركان املجتمع والكيان ا إلن�ساين ،يف داخل النف�س ،ويف أال�سرة ،وبني أ�فراد املجتمع ،وبني الرجل واملر أ�ة، أ والب واالبن ،ومع ال�صديق والعدو .وبني املجتمع ا إل�سالمي وغريه من املجتمعات .وهو عدل يف احلكم ،ويف االقت�صاد، ويف النظم االجتماعية ،ويف احلروب ،ويف �سائر العالقات االجتماعية و� ؤش�ون احلياة .وكل ذلك ت�شع فيه روح الو�سطية
61
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة التي هي ميزان العدل التي تبتعد بالفرد أ�و املجتمع عن ا إلفراط والتفريط. واحلق أ�ن أ�كرب -بل و أ�عمق -اخل�صائ�ص أال�سا�سية يف املنهج ا إل�سالمي االجتماعي بعد بعديه أال�سا�سيني وهما: الربانية وا إلن�سانية ،أ�نه منهج و�سطي توازين �شامل .وهذا يعني أ��صالته وتفرده؛ على أ��سا�س أ�نه لي�س رد فعل ،أ�و عالج ًا ملرحلة تاريخية ذات خلل طارئ يف عالقة الفرد باملجتمع. فهو أ��صيل يف و�سطيته وخ�صائ�صه؛ ألنه مل يكن جمردعالج أ�و رد فعل خللل طارئ ،و�إمنا هو توجيه �شمويل لعالج الكيان االجتماعي كله ،كما أ�ملعنا. وهو أ��صيل يف و�سطيته ألنه مل يكن جمرد ترقيع جزئيانفعايل (كال�شيوعية واال�شرتاكية) أ�و تلفيق مذهبي م�ستورد (كدعاوى اجلمع بني اال�شرتاكية والدميقراطية) ،أ�و نظرة م�سطحة لكيان ا إلن�سان وحلركة التاريخ الب�شري وقوانني م�سريته. وهو أ��صيل كذلك يف و�سطيته وتوازنيه؛ ألنه يقدم حلو ًالم�ستقلة مل�شكالت ا إلن�سانية؛ ي�ستمدها من ت�صوره اخلا�ص ،ومن
62
منهجه الذاتي ،ومن أ��س�سه أال�صيلة ،ومن و�سائله املتميزة. وهو أ��صيل كذلك يف و�سطيته وتوازنه من جهة أ�خرىألنه يرتكز على دعائم أ��صيلة يف أ�عماق ا إلن�سان ،ويهدف �إىل غايات �إن�سانية نبيلة ،ال تخدم م�صلحة طبقة أ�و فرد؛ �إمنا تخدم املجتمع كله وا إلن�سانية كلها. ومن أ�كرب دالئل أ��صالة املنهج ا إل�سالمي يف ت�شكيلـه للبناء االجتماعي أ�نه منهاج رباين �إن�ساين �شامل .ألن كل جزئياته تنطلق من منبع واحد ،وهو الوحي الكرمي ،وتتجه كلـها �إىل غاية واحدة هي العبادة ،أ�ي ر�ضا اهلل تعاىل« ،فلي�س يف الت�صور ا إل�سالمي ن�شاط �إن�ساين ال ينطبق عليه معنى العبادة ،أ�و ال يطلب فيه حتقيق هذا الو�صف». أ ولنه منهج م�ستوف لكل نواحي احلياة ،وم ؤ�هل لعالج كل أ�مرا�ض النف�س واملجتمع ،أ ولن و�سائله كذلك فطرية؛ فهو - كذلك -ال يهدم الفطرة أ�و ي�صطدم بها ،وال يلج أ� للو�سيلة ال�سيئة من أ�جل غاية يزعم أ�نها �شريفة .وال ي�ضحي مباليني النا�س، زاعم ًا أ�نه يريد �إقرار العدالة االجتماعية على أ��شالئهم ،وال يهدر حقوق ا آلدميني حتت �شعار كاذب يرفعه؛ مهما كانت قيمة هذا ال�شعار!!...
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
احلوار...
و�أ�س�س جناحه د .يا�سر ال�شمايل كلية ال�شريعة/اجلامعة أ الردنية
هذااملقال يف احلوار لرت�سيخ مبد أ�التوا�صل والتعارف ،وار�ساء لبنة نحو ثقافة حوارية ت�سود حياتنا بدال عن اجلدال واملهاترات ،واحلوار امنا هدفه الو�صول للحق واحلقيقة ،لذلك البد من معرفة ا�س�سه و�ضوابطه و آ�دابه .و�إن معرفة هذه اال�س�س �ضروري يف هذا الع�صر الذي نحن ب أ�م�س احلاجة فيه لالهتداء بهدي اال�سالم، وحكمه احلكماء ،وخربة العقالء ،لتكون �ضوابط ومنارات لكل عامل وكاتب وداعية وطالب علم يف توا�صله وعالقاته آ بالخر. ن�سمع بكلمة اجلدال وانه مذموم ون�سمع باحلوار ،فهل هنا فرق بينهما ،وما هو الدليل؟ احلوار يف اللغة :املراجعة واملجاوبة يف الكالم ،واحلوار: الرجوع عن ال�شيء و�إىل ال�شيء. قال اهلل تعاىل�}:إنه ظن أ�ن لن يحور{ -االن�شقاق،14/ أ�ي لن يرجع �إىل ربه. ويف احلديث ( ..ومن دعا رجال بالكفر ،أ�و قال :عد ًو اهلل ،ولي�س كذلك اال حار عليه) أ�ي رجع اليه ما ن�سب اليه، ويف احلديث الذي رواه البخاري يف �صحيحه عن أ�بي الدرداء: «كانت بني أ�بي بكر وعمر محُ اوره »..أ�ي مراجعة وجماوبة يف
الكالم. وجاء يف ل�سان العرب ،أ�حار عليه جوابه :أ�ي ر ّده ،واملحاوره: املجاوبة ومراجعة املنطق والكالم يف املخاطبة. والتحاور :التجاوب ،ويتحاورون ،أ�ي يرتاجعون الكالم، فاحلوار ال�صحيح ما أ�مكن لكل طرف أ�ن يجاوب االخر ويعرب عن رايه. أ والحور :العقل ،يقال :ما يعي�ش فالن ب أ�حور ،أ�ي ما يعي�ش بعقل يرجع اليه .وهذا ير�شدنا اىل ان احلوار ال بد ان يكون منطلقة عقالنيا بعيدا عن العاطفة او التع�صب. واحلواريون :هم �صفوة أالنبياء الذين قد خل�صوا لهم،
63
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ألنهم روجعوا يف اختبارهم مرة بعد مرة فوجدوا نقيني من كل عيب. ويت�ضح مما تقدم أ�ن احلوار مرده اىل املراجعة التي فيها تعبري حر عن الر أ�ي يف �إطار عقالين ،حيث �إن املتحاورين يراجع كل منهم كالم ا آلخر ويجاوبه أ�ثناء املخاطبة ،ومما يف كتاب اله }واهلل ي�سمع حتاوركما{- املجادلة -1/حيث كانت خولة بنت ثعلبة تراجع النبي (�ص) «ما أُ�مرت يف � أش�نك ب�شيء» ،ثم راجعت ر�سول اهلل(�ص) مرار ًا ت�شكو فاقتها و�شدة حالها وتعرب عن حاجتها ،حتى نزلت ا آليات الكرميات من أ�ول املجادلة }قد �سمع اهلل قول التي جتادلك يف زوجها وت�شتكي �إىل اهلل واهلل ي�سمع حتاوركما{. وجاء يف القر�آن الكرمي كلمات عديدة يظن البع�ض أ�نها مرادفة للحوار أ�و قريبة يف معناها منه ،مثل كلمة اجلدال، وكلم اخل�صومة ،من املفيد معرفة العالقة بني هذهالكلمات يف ا�ستعمال القر�آن الكرمي ولغة العرب،وكذا كلمة النقا�ش التي ي�ستعملها عامة النا�س مبعنى احلوار. اجلدل عند اهل اللغة هو اللدَ د يف اخل�صومة والقدرة عليها ،واملفاو�ضة على �سبيل املنازعة واملغالبة ،و أ��صله من جدلت احلبل أ�ي أ�حكمت فتله ،ومنه اجلديل ،وجدلت البناء، أ�ي أ�حكمته ،أ والجدل هو ال�صقر املحكم البينة ،واملِجدَ ل: الق�صر املحكم البناء ،ومنه اجلدال ،قال الراغب أال�صفهاين: فك أ�ن املتجادلني يفتل ُ كل واحد ا آلخر عن ر أ�يه. وجاء يف ل�سان العرب :جادلت الرجل فجدلته َج ْد ًال :أ�ي غلبته ،ورجل َج ِدل� :إذا كان أ�قوى يف اخل�صام واال�سمَ : اجلدَ ل، وهو �شدذ اخل�صام. اجلدل �إمنا ُيدم ملا وقد جاء يف احلديث ما ُيهم منه أ�ن ِ فيه من التنازع واخل�صام الذي غايته املنافرة و�إظهارالغلبة، وقد جاء :أ�ن ر�سول اهلل(�ص) وهم يتنازعون يف القر�آن، فغ�ضب غ�ضب ًا �شديد ًا حتى ك أ�منا ُ�ص َّب على وجهة اخلل ،ثم قال( :ال ت�ضربوا كتاب اهلل بع�ضه ببع�ض ف�إنه ما �ضل قوم قط �إال أ�وتوا اجلدل) ،ثم تال }ما �ضربوه لك �إال حد ًال بل هم قوم خ�صيمون{ -الزخرف.58/ و أ�خرج البخاري يف االعت�صام ،باب}وكان ا إلن�سان أ�كرث �شيء جدال{،عن احل�سن بن علي أ�ن علي ًا بن أ�بي طالب قال:
64
�إن ر�سول اله (�ص) -طرقه وفاطمة عليها ال�سالم -فقال لهم: أ�ال ت�صلون؟ فقال علي :فقلت :يا ر�سول اله أ�منا أ�نف�سنا بيد اهلل ف�إذا �شاء أ�ن يبعثنا بعثنا ،فان�صرف ر�سول اهلل (�ص) حني قال له ذلك ومل يرجع �إليه �شيئ ًا ،ثم �سمعه وهو مدبر ي�ضرب فخذه وهو يقول } :وكان ا إلن�سان أ�كرث �شيء جدال{. قال العلماء :ي ؤ�خذ منه أ�ن علي ًا ر�ضي اهلل عنه ترك فعل أالوىل و�إن كان ما احتج بها متجه ًُا ،ومن ثم تال النبي (�ص) ا آلية ومل يلزمه مع ذلك بالقيام بال�صالة ،ولو كان امتثل وقام لكان أ�وىل ،وي ؤ�خذ منه ا إل�شارة �إىل مراتب اجلدال ،ف�إذا مان فيما ال بد منه تعني ن�صر احلق باحلق ،وفيه االن�سان ُطبع على الدفاع عن نف�سه بالقول والفعل ،و أ�نه ينبغي أ�ن يجاهد نف�سه أ�ن يتقبل الن�صيحة ولة كانت يف غري واجب. وقد ع َّرف اجلرجاين اجلدل بقوله« :مل ُيقتدر له على حفظ أ�ي و�ضع ُيراد ولو باط ًال ،وهدم أ�ي و�ضع ُيراد ولو حق ًا». قلت :من تعريف أ�هل اللغة وا�ستقراء الن�صو�ص يت�ضح أ�ن اجلدل يالزم اخل�صومة والتم�سك بالراي والتع�صب له ،وهذا بخالف املجاورة ،فهي كما ي�ستفاد من معناها الغوي مراجعة القول بني املتحاوريني دون أ�ن يكون هناك بال�ضرورة خ�صومة أ�و تع�صب لر أ�ي, فيفهم مما تقدم أ�ن املحاورة أ�عم من املجادلة ،ألن فيها عر�ض لوجهتي النظر ،واجلدال يق�صد به املحاجة والغلبة ب�إقحام اخل�صم و أ�بطال حجت ،وتعتمد املجادلة على قوة احلجة بينما احلوار مبفهومة الوا�سع يعتمد على �سعة اخليال وح�ضور البديهة وا إلحاطة ،قدر ا إلمكان ،بخ�صائ�ص يوافقه ما يدور احلوار حوله. وقد وردت كلمة اجلدال وم�ستقاتها يف القر�آن الكرمي ثالثني مرة يف ت�سعة وع�شرين مو�ضع ًا ،وعند ا�ستقراء الن�صو�ص التي جاءت فيها هذه الكلمة ،جند أ�ن القر�آن الكرمي ا�ستعملها- عموما -يف �سياق اخل�صومة و�إرادة الغلبة آ للخر والتع�صب للر أ�ي ولو كان بالباطل ،وهذا يوافقه ما ذكره اللغويون: فمن ذلك قوله تعاىل -وا�صفا طبيعة النف�س االن�سانية }وكان ا إلن�سان أ�كرث �شيء جدال{ -الكهف.54/ وقال وا�صف ًا منهج أ�هل الكفر وال�ضالل} :وجادلوا بالباطل ليدح�ضوا به احلق{ -غافر.5/
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة وقال معرب ًا عن حقيقة أ�ن اجلدال يغلب عليه اجلهد والطي�ش. }ومن النا�س من يجادل يف اهلل بغري علم وال هدىً وال كتاب منري{احلج.8/ وقال موجه ًا للحاج �إىل بيته الكرمي أ�ن يلزم الوقار و أ�ن يبتعد عن اخل�صومة واللد: }فمن فر�ض فيهن احلج فال رفث وال ف�سوف وال جدال يف احلج{. وقال مبين ًا أ�ن اجلدال مما يحبه ال�شيطان ويو�سو�س به إلبعاد النا�س عن احلق. }و�إن ال�شياطني ليوحون �إىل أ�وليائهم ليجادلوكم{- أالنعام 121/وغريها من ا آليات يف هذا املعنى. هل ورد اجلدال يف القر آ�ن الكرمي يف معر�ض املدح؟ نعم وردت �آيتان تذكران اجلدال ُيفهم أ�نهما يف �سياق املدح له ،وهما :قولهتعاىل}:ادع �إىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم بالتي هي أ�ح�سن{النحل.125/ وقوله}وال جتادلوا أ�هل الكتاب ا إل بالتي هي أ�ح�سن{ العنكبوت.46/ فنلحظ أ�ن اجلدال هنا مفيد بكلمة «احل�سنى» وعند الت أ�مل يف م�ضمون ا آليتيني الكرميتني ودرا�سة �سياقهما يت�ضح أ�ن املعنى ال يخرج عما �سبق أ�ي�ضاحه،ذلك أ�ن اجلدال ملا كان عادة يف جمال املغالبة والتع�صب للر أ�ي ولكن املجادل قد ي�ستعمل يف ذلك كالم ًا قا�سي ًا منفر ًا أ�و كالم ًا لطيف ًا لين ًا ،أُ�مر النبي الكرمي(�ص) ومن اتبعه من الدعاة أ�ن ي�ستعملوا اللني واملالطفة عند جدال أ�هل الكتاب واال�ستماع �إىل �شبههم والرفق بهم يف حلهاودح�ضها ،و�سمي جدا ًال ألن امل�سلم يعتقد يف قرارة نف�سه أ�نه على احلق املبني ،لكن هذا ال ي�ستدعي �إظهار ما يف النف�س من أ�نه على احلق و آلخر مبطل من أ�جل ك�سب مودة لل�صغاء للحوار عم ًال بقوله تعاىل}:و�إنا أ�و ا آلخر وا�ستمالته إ �إياكم لعلى هدى أ�ويف ظالل مبني{�سبا .24/والتي ُيفهم منها أ�همية �إظهار التجرد عند احلوار والت�سليم ب�إمكان أ�ن يكون احلق مع الطرف ا آلخر.
هل يكون اجلدال قبل ظهور احلق أ�م بعد ظهوره؟ بني أ�بو حممد ابن حزم ،رحمه اهلل ،أ�ن اجلدال املذموم هو فيمن يجادل بعد ظهور احلق ،وهذه �صفة املعاند ا آلبي من قبول احلجة بعد ظهورها ،ومنه قوله تعاىل: }وقالوا �آلهتنا خري من أ�م هو ما �ضربوه لك �إال جدال ،بل هم قوم يخ�صمون{ الزخرف.58/ ثم قال :فوجدناه تعاىل أ�ثنى على اجلدال باحلق و أ�مر به ،فعلمنا يقين ًا أ�ن الذي أ�مر به غري الذي نهى عنه بال �شك، فنظرنا يف ذلك لنعلن وجهة اجلدال املنهي عنه املذموم ،ووجه اجلدال امل أ�مور به املحمود ،ألنا وجدناهتعاىل قد قال} :ادع �إىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم بالتي هي أ�ح�سن {..النحل ,125/فكان تعاىل قد أ�وجب اجلدال يف هذه االية ،وع َّلم فيها تعاىل جميع �آداب اجلدال كلها ،من الرفق والبيان ،والتزام احلق ،والرجوع �إىل ما أ�وجبته احلجة القاطعة. ثم قال:وقال اهلل تعاىل}:وال جتادلوا أ�هل املتاب ا إل بالتي هي أ�ح�سن ا إل الذين ظلموا منهم{العنكبوت ،46/ف أ�مر عزوجل كما ترى ب�إيجاب املناظرة يف رفق ،وبا إلن�صاف يف اجلدال وترك التع�سف والبذاءة واال�ستطالة ،ا إل على من بد أ� بئيء من ذلك ف ُيعار�ض حينئذ مبا ينبغي. قلت :اجلدال الذي يق�صده ابن حزم يق�صد بهعموم املحاجة واملناظرة و�إقامة البينات على اخل�صم ،وهو أ�مر مطلوب حممود بن�ص الكتاب وال�سنة ،فهو يتحدث عن اجلدال باملعنى أالعم رد ًا على من منع املناظرة واملحاجة ممن كان يف زمانه كما يفهم من �سياق كالمه. وقد ذكر املف�سر الرازي -رحمه اهلل -أ�ن اجلدل هو ا�ستعمال الدالئل التي يكون املق�صود من ذكرها �إلزام اخل�صوم و�إفحامهم ،ثم يبني أ�ن اجلدل املذموم يكون بذكر الدليل الباطل والطرق الفا�سدة ،وهذا املنحى ال يليق ب أ�هل الف�ضل� ،إمنا الالئق بهم هو اجلدال باحل�سنى ،وذلك املراد بقوله تعاىل}:وجادلهم بالتي هي أ�ح�سن{.وعلى كل حال ينبغي أ�ن نفهم أ�ن اجلدل املذموم ما كان غي ؤ�ر حمله و�ص َّد عن العمل ،فعن أالوزاعي ،رحمه اهلل -أ�نه قال »:بلغني أ�ن اهلل �إذا أ�راد بقوم �شر ًا أ�لزمهم اجلدل ومنعهم العمل».
65
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة وهذ أ��س�س احلوار و�ضوابطه: -1خماطبة العقل حيث أ�ن هدف احلوار هو ا إلقناع والو�صول للحق وتفهم وجهة نظر ا آلخر ،وذلك ال يكون �إال باالعتماد على احلجة واملنطق ،والطلب من ا آلخرين أ��ستعمال عقولهم والتدبر والتفكر فيما ُيدعون �إليه بعيد ًا عن العواطف ونزعات النف�س، وهذا هو ال�شرط أالم يف أ�ي حوار بني العقالء ،والن�صو�ص حتاور العقل ألنه القادر وحده – �إ�ضافة ألن عقل االن�سان- �إىل التو�صل �إىل احلق ،ألن عقل ا إلن�سان هو مفتاح مكوناته من نف�س وج�سد ونوازع خري و�شر ،أ ولن العقل االن�ساين طريق الوعي املطلوب والبعد عن اخلرافة أ وال�ساطري واتباع أالعراف دون تفكري. ومع أ�ن ا إلن�سان مفطور على معرفة اللع تعاىل وحب معرفة احلق واتباعه� ،إال ان البيئة الفا�سدة و�شهوات الدنيا و�سلطانها قد حتجب عنه نور الفطرة وجتعله يجدال وال ي�سلم ب�سهولة، لهذا كان احلوار العقلي من أ�جل أ�ن ي�سلك ا إلن�سان باقتناع �إرادة كاملة ،وليمون ا إلميان واالنقياد حالة دائمة ،واملتدبر يف ن�صون ال�سنة يجد أ�ن ال�صبغة العامة فيها هي خماطبة العقل الذي هو مناط التكليف ،وتدل على حر�ص ال أ�جل أ�ن ي�سلك ا إلن�سان باقتناع �إرادة كاملة ،وليمون ا إلميان واالنقياد حالة دائمة ،واملتدبر يف ن�صون ال�سنة يجد أ�ن ال�صبغة العامة فيها هي خماطبة العقل الذي هو مناط التكليف ،وتدل على حر�ص ا إل�سالم على أ�همية ا إلقناع باملنطق ال�سليم. وقد دعا القر�آن يف حواره للم�شركني أ�ن يبتعدوا عن أالجواء االنفعالية التي تبتعد باالن�سان عن الوقوف مع نف�سه وقفة ت أ�مل وتفكري ،ف�إنه قد يخ�ضع للجو االجتماعي ،وي�ست�سلم ال �شعوري ًا مما يفقده ا�ستقالله الفكري ،قال تعاىلُ } :قل �إمنا أ�عظكم بواحدة أ�ن تقوموا اهلل َمثنى و ُفرادى ُثم تتفكروا ما ب�صاحبكم من ِج َّن ِة �إن أ�ال نذير لكم َبني يدي عذاب �شديد{. �سبا.46/ « فقد جعل القر�آن الكرمي اتهام النبي (�ص) باجلنون خا�ضع ًا للجو االنفعايل العدائي خل�صومة ،لذلك دعاهم �إىل االنف�صال عنةهذا اجلو والتفكري بانفراد وهدوء». وهذه مناذج من ن�صو�ص الكتاب وال�سنة فيها �إر�شاد
66
ال�ستعمال اخلطاب العقالين يف حماورة ا آلخر ،تدل على أ�ن طريق االقناع واخلطاب العقالين أ��سا�س مهم من أ��س�س احلوار :فمن ذلك :االيات التي حتاور امل�شرتكني وتطلب منهم ا�ستعمال عقولهم للنظر يف ملكوت اهلل واال�ستدالل به على مبدعه تعاىل: مثل قوله }:أ�م ُخلقوا من غري �شيء أ�م هم اخلالقون{...الطور.35/ فهذه ا آلية تخاطب العقالء وتر�شدهم للتدبر والنظر يف م�س أ�لة اخللق ،وهو أ�ن هناك ثالثة احتماالت فقط ،ف�إما أ�ن يكونوا قد ُخلقوا من ال �شيء ،أ�و أ�نهم خلقوا أ�نف�سهم ،أ�و أ�ن لهم خالق ًا وهو اهلل تعاىل ،واالحتماالن أالوالن باطالن فثبت االحتمال وهو احلق الذي تدل عليه الفطرة وي�شهد له الوجود املبدع. ومنها ا آليات التي تُر�شد �إىل البعد عن التبعية املطلقة والتقليد أالعمى الذي يعني الغاء العقل. فقد أ�و�ضح القر�آن الكرمي أ�ن الكفار يف أ�نحرافهم عن منهج اهلل تعاىل ،ورف�ضهم لدعوات امل�صلحني ال متم�سك لهم من كتاب أ�و منطق �إمنا هو التقليد االعمى ،قال تعاىل { :و�إذا قيل لهم ابعوا ما أ�نزل اهلل قالوا بل نتبع أ�لقينا �آباءنا .أ� َول َو كان أ�با ؤ�هم ال يعقلون �شيئ ًا وال يهتدون } .البقرة .170 / وقال تعاىل } :بل قالوا �إنا وجدنا �آباءنا على أُ�مة و�إنا على �آثارهم مهتدون ،وكذلك ما أ�ر�سلنا من قبلك يف قرية من نذير اال قال مرتفوها انا وجدنا �آباءنا على أُ�مة و�إنا على �آثارهم مقتدون ،قل َأ�ولو جئتكم ب أ�هدى مما وجدمت عليه �آباءكم ، قالوا �إنا مبا أ�ر�سلتم به كافرون {.الزخرف.24-22/ فهنا جند أ�ن القر�آن الكرمي يخاطب عقولهم ويدعوهم �إىل التفكر يف منهجهم القائم على التقليد ولي�س االقتناع ،و أ�ن و أ�جبهم احرتام عقولهم واحرتام املنطق واحلجة وما ينفعهم يف الدنيا واالخرة ولي�س الع�صبية والتقليد االعمى « .وهذا يدل على العقل واملنطق ،ولذا كان من أ�هم �شروط �صحة االميان باهلل تعاىل وما يتبعه من أ�مور اعتقادية أ�ن يقوم على أ��سا�س من اليقني والفكر احلر دون أ�دنى ت أ�ثر ب أ�ي عرف أ�و تقليد». وهذه مناذج من ن�صو�ص ال�سنة فيها �إر�شاد ال�ستعمال اخلطاب العقالين أ��سا�س مهم من أ��س�س احلوار:
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ما أ�خرجه ا إلمام أ�حمديف م�سنده ،عن أ�بي أ�مامه -ر�ضي اهلل عنه « -أ�ن غالم ًا �شاب ًا أ�تى النبي (�ص) فقال :يا ر�سول اله أ�تاذن يل يف الزنا؟ ف�صاح النا�س ،فقال (�ص) ق ّربوه ،أ�ذنُ ، فدنا حتى جل�س بني يديه فقال(�ص :أ�حت ُّبه ألمك ؟ فقال :ال ،جعلني اهلل فداك. فقال(�ص)« :كذلك النا�س ال حتبه ألمهاتهم» أ�حتبه ألختك؟ قال:ال. قال :كذلك النا�س ال يحبونه ألخواتهم ،وذكر العمة واخلالة ،وهو يقول :ال ،جعلني اهلل فداك ،وهو يقول »:زكذلك النا�س ال يحبونه» ،ثم و�ضع ر�سول الهه (�ص) يده على �صدره وقال »:اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وح�صن فرجه» ،فلم يكن �شيء أ�بغ�ض �إليه منه -يعني الزنا. هذا احلوار النبوي يف توجيه ال�شاب املذكور يع ُّد معلم ًا تربوي ًا دعوي ًا و أ��سلوب ًا حكيم ًا يف توجيه ال�شباب �إيثار ا�إقناع العقلي يف معرفة ال�صحيح من اخلط أ� يف الت�صرفات ،مع ربط ذلك ب�سنن املجتمع و أ�عراف النا�س ،و�إيقاظ يف النف�س بعث ال�شهامة والغرية يف النف�س ،ثم أ�يقاظ حب العدالة يف الت�صرفات بطريقة �إقناعية: ( أ�حتبه ألمك؟) ( أ�حتبه ألختك؟). فقد عزف النبي هنا عن ا�سلوب الوعظ املبا�شر أ�و النهي اجلازم �إىل احلوار الهادىء الذي خاطب فيه عقله ،وقلبه حتى أ�يقن رجوعة �إىل ر�شده مع التلطف بال�سائل ومداراته، وهكذا ينبغي على كل داعية أ�ن يتوقعمثل هذه اال�سئلة �سواء ممن يجهل اال�سالم أ�م ممن ال يقيم وزن ًا ألحكام اهلل ،فالكل
بحاجة حلوار واالقناع العقلي ،والتذكري ب أ��س�س اخلري والعدالة وال�شهامة. -2ومن ذلك ما أ�خرجه الرتمذي يف جامعة عن :عمران بن ُح�صني -ر�ضي اهلل عنه -قال :قال النبي (�ص) ألبي :يا ُح�صني كم تعبد اليوم �إله ًا؟ قال أ�بي� :سبعة� ،ست ًا يف االر�ض وواحد ًا يف ال�سماء. قال :ف أ�يهم تُع ّد لرغبتك ورهبتك ؟ قال :الذي يف ال�سماء. قال :يا ُح�صني ،أ�ما �إنك لو أ��سلمت علمتك كلمتني تنفعاك. وهنا جند النبي الكرمي (�ص) قد خاطب عقل هذا املخاطب الذي مل ي�سلم بعد وما زال على وثنية ،و أ�ر�شده �إىل أ�ن أال�صل يف العبادة أ�ن تكون ملن ينفع أ�و ي�ضر هو على كل �شيء قدير ،دون تلك ا آلله االر�ضية امل�صنوعة من احلجارة أ�و التمر وما �شابه ذلك ،فهي ال جتدي نفع ًا عندما حتزبهاالمور ،وهو تذكري له ب�إن توحيد الربوبية ي�ستلزم توحيد أاللوهية ،فما دام أ�ن الذي يف ال�سماء هو الذي تعبده لرهبتك ورغبتك فهو حقيق ب أ�ن توجه له العبادة اخلال�صة . فانظر �إىل عقالنية اخلطاب ،دون أ�ن يكون هناك ت�سفيه او حتقري ،فاملهم هو أ�ن ت�صل �إىل عقل املخاطب وقلبه لينقاد للحق بكامل �إرادته ،ولينطلق بعد ذلك يف فهم دينه والتحم�س له عن رغبة وحما�س داخلي ،فلله احلمد على نعمة ا إلميان ونعمة الر�سالة التي ك ّرمت العقل االن�ساين ،وكرمت النف�س االن�سانية، و�صدق اهلل �إذ يقول} :ولقد كرمنا بني �آدم وحملناهم يف الرب والبحر ورزقناهم من الطيبات ،وف�ضلناهم على كثري ممن خلقنا تف�ضيال{ا إل�سراء.7/
67
حوار احل�ضارات إال�سالم والعالقة مع آالخر قراءة يف أ البعاد وا�ست�رشاف امل�ستقبل
الدكتورة مرمي آ�يت أ�حمد أ��ستاذة العقائد أ والديان املقارنة ورئي�سة وحدة حوار احل�ضارات يف كلية ا آلداب والعلوم ا إلن�سانية -جامعة ابن طفيل ـ القنيطرة /املغرب
وال�سالمية �إن ال�س ؤ�ال الذي يطرح نف�سه ب�إحلاح �شديد ،يف ظل التحديات التي تواجهها أ�متنا العربية إ ال�سالمي ،من عامل ال�سالم وامل�سلمني يف الوعي الغربي ،فما الذي غري �صورة العامل إ عاملي ًا ،يتمحور حول �صورة إ كان مالذ ًا حقيقي ًا للخائفني ،الهاربني من بط�ش وجربوت ،وتنكيل و�إرهاب الغزاة ،وق�ضاة حماكم التف�سيق� ،إىل الرهابية ؟ للرهاب ،ومفرخة للعنا�صر إ أ�ن أ��صبح اليوم وكر ًا وخمب أ� وح�ضن ًا إ من امل ؤ�كد أ�ن هناك التبا�س يف املفاهيم واملعايري املزدوجة اجلديدة ،التي غيبت حقيقة التاريخ ،وموهت معطياته التي ال زالت �شاهدة بديناميكية ا إل�سالم الفاعلة يف أ�كرب توفري حماية و أ�من آ للخر ( أ�هل الكتاب) ،و�شاهدة على أ�ن حماية االنف�س والعرا�ض أ أ والموال والعقائد ،ودور العبادة من كنائ�س و أ�ديرة، وبقع كانت جزء ًا من نظام الت�شريع الدولة ا إل�سالمية. �إن احلقائق اليوم تتغري بالن�سبة آ للخر ،وللتذكري ب أ�ن عرب �إ�سبانيا كانوا مت�ساحمني مع امل�سيحيني و�إليهود، بحمونهم حتت �سقف دولتهم يف متوهات اختاروها ألنف�سهم عندما ن ّكل بهم من فبل أ�بناء ملتهم .أ�و ب أ�ن �صالح الدين
68
عندما فتح القد�س كان أ�كرث رحمة بامل�سيحيني منهم بامل�سلمني عند ما فتحوها ،وال عن املعاهدة العمرية يف حق أ�هل القد�س، أ�و معاهدات وفد جنران ،أ�و د�ستور ال�صحيفة الذي أ��س�س ألول ميثاق تعاقدي ي�ضم جميع مكونات املجتمع مبختلف انتماءاته العقدية وت�شكيالته املذهبية والعرقية ،فكل هذه أالمور حقيقة ج�سدت على أالر�ض الواقع عملي ًا ،لكن يف العامل ا إل�سالمي اليوم توجد أ�نظمة أ��صولية ودينية ال يت�سامح معها الغرب. فهم �إرهابيون لكن ال أ�حد ي�ستطيع �إزعاج ق�ضاة احلكم على ا إل�سالم وامل�سلمني ،وتذكريهم با إلرهاب واملذابح التي قام بها الفرن�سيون يف �سان بارطليميو ،وال ا إلبادات للهنود احلمر
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة التي متت على أ�يدي أالمريكيني ،وامل�ستعمرات ا إل�سبانية يف الكاريبي التي أ�حرقتها �سفن بريطانيا .فالتاريخ اليوم يرف�ض القول عن ه ؤ�الء ب أ�نهم متوح�شون برابرة� ،إرهابيون. أ�عتقد أ�ن املعركة �ضد ا إل�سالم يف الغرب قائمة ولها أ�ن�صارها من املتطرفني ،الذين جعلوا من ا إل�سالم حالة مر�ضية فوبيائية (�إ�سالموفوبيا ) غري أ�نها معركة ال يتبناها الغرب كله ،فكما يوجد لنا أ�عداء يوجد أ�ي�ض ًا دعاة حوار، معتدلون متعاطفون مع ق�ضايانا ا إلن�سانية. وعلى هذا أال�سا�س ال ميكن حتديد مفهوم عالقتنا با آلخر (الغرب مبكوناته الفكرية والثقافية ومنظومته ال�سيا�سية، واالقت�صادية ،والدينية) يف ظل تغيب املفاهيم التي تعك�س ال�صورة أال�سا�سية لثقافة عالقة الغرب /با آلخر. وعلى �سبيل املثال ال احل�صر نذكر جملة من هذه املفاهيم :العقل ا آلري يف مقابل العقل ال�سامي ،والعامل أالول يف مقابل العامل الثالث ،الرجل أالبي�ض يف مقابل الرببري الهمجي ،النظام العاملي اجلديد يف مقابل النظام العاملي القدمي ،حمور اخلري يف مقابل حمور ال�شر ،و أ�خريا نظام العوملة كواقع اقت�صادي واجتماعي وثقايف ،يغري عن طموحات وم�صالح وتوجهات الغرب باعتباره مركز الذات الب�شرية يف مقابل ال�شعوب أالخرى غري الغربية ،والعامل ا إل�سالمي جزء منها ،باعتبارهم مراكز للتبعية والر�ضوخ واال�ست�سالم أ للمر الواقع. ويف هذا ا إلطار ميكن القول أ�ن أ�طروحة نهاية التاريخ تف�سر أ�ن واقع املعربة عن قمة متركز الغرب حول الذاتّ ، الغرب الثقايف والتاريخي واحل�ضاري مل يت�شكل يف ( �إثبات ذاته ) �إال من خالل ت�شويه �صورة ا آلخر و�إق�صائه ونفيه. �إن أ�طروحة العوملة ونهاية التاريخ وغريها من املفاهيم الغربية ،تعترب من وجهة نظر ذاتية أ��سطورة الكمال املزعوم، التي ابتدعها الغرب لتحقيق م�صاحله من أ�جل نفي ا آلخر وتعميق تبعيته و أ�حكام احتوائه. �إن هذا املنطلق الذي فر�ضته الثقافة الغربية ،ينبغي أ�ن نتجاوزه يف وعينا وممار�ستنا ا إل�سالمية يف التعامل مع ا آلخر، ألن ا إلن�سانية واحدة ال تتجز أ� ،أ ولن القر�آن يخاطب ا إلن�سان يف كل زمان ومكان .لقد و�ضع ا إل�سالم ا آلخر يف م أ�زق لي�س بر�سم
احلداثة التاريخية ،بل بو�صفه دين ًا يتميز باملمانعة والع�صيان على الرتوي�ض ،ثم �إن موقعه من الناحية اجليو�سرتاتيجية ميثل أ�هم ثروة للطاقة ،ال ميكن للحداثة وتقنياتها أ�ن تقوم بدونها، وبالتايل فهو مطالب أ�ن يبقى يعي�ش على هام�شها من غري أ�دنى م�ستويات ال�شراكة يف معطياتها .ومن هنا يجب أ�ن ن ؤ�كد ( أ�ننا يف العامل العربي وا إل�سالمي اليوم بحاجة �إىل فكر نقدي ت أ��صيلي يثبت للعامل أ�ن الرتاث الغربي أالمريكي لي�س بالرتاث ا إلن�ساين العام ،و�إمنا هو حم�ض فكر لعنف موجه أ�ملته بيئته وفق ًا ل�شروط تاريخية غر�سته). فكل ثقافة مهما كانت عظمتها تبقى رهينة لنتاج الواقع الذي �ساهم يف ت�شكيلها ،ال�شيء الذي يجعل الثقافة العربية امل�سيحية يف ع�صرنا الراهن تفتخرب�إرثها احل�ضاري الروماين واليوناين واليهودي. لقد بات من ال�ضروري اليوم و أ�كرث من أ�ي وقت م�ضى أ�ن نتخذ موقف ًا نقدي ًا مزدوج ًا (مراجعة العالقة مع الذات، ومراجعة العالقة مع ا آلخر) ،مبا ي�سمح لنا �إعادة �صياغة ر ؤ�ية جديدة لذاتنا يف حدود ما ت�سمح به قوانني التاريخ ،وما تدعو �إليه قيم العقل ويف حدود أ�مة العدالة والو�سطية التي �شرفنا اهلل تعاىل بها. �إننا اليوم و�إزاء التحديات املطروحة أ�حوج ما نكون على م�ستوى الداخل العربي ا إل�سالمي ،أ�و م�ستوى العالقة مع أالمم وال�شعوب أالخرى �إىل �إبراز مبادىء العدالة والو�سطية يف ا إل�سالم ،لي�س من الناحية النظرية بعر�ض ف�ضائل ا إل�سالم، و�إمنا من خالل تقدمي مناذج تطبيقية عملية ملمو�سة على أ�ر�ض الواقع .فهناك بون �شا�سع بني ما ن�سوقه من أ�بعاد �إن�سانية حقوقية رفيعة امل�ستوى نظري ًا وتاريخي ًا ،وبني ما هو قائم من تخلف عن تلك القيم ،وتغييب لتلك املثل العليا يف واقعنا املعا�ش، مما ي�ساهم حتم ًا يف ت�شويه �صورتنا من الداخل واخلارج. فال�ضرورة الدينية واحل�ضارية تفر�ض علينا عدم االكتفاء باحلديث عن أ�خالق ا إل�سالم عدالة ،وو�سطية ،وت�ساحم ًا، ورحمة ،وحقوق ًا ،....و�إمنا تلزمنا ب�ضرورة ربط الواقع عملي ًا بهذه القيم ا إلن�سانية الكربى التي ن�ستعر�ضها ،ولكي منار�س هذه امل�س ؤ�ولية ف�إننا بحاجة أ�و ًال �إىل �ضرورة تثبيت ال�سلم املجتمعي و�إر�ساء دعائم حقيقية للحوار مع الذات ،قبل
69
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة احلديث عن العالقة مع ا آلخر يف �إطار ال�سلم الدويل. وذلك يعني أ�ن أ�ي خلل ي�صيب العالقة مع الذات �سينعك�س �سلب ًا على عموم احلياة املجتمعية الداخلية ،مما �سي ؤ�دي حتم ًا �إىل تدهور م�صداقيتنا مع ا آلخر� .إن درو�س التاريخ ا إلن�ساين علمتنا أ�ن �إلغاء ا آلخر ونبذه ،ال يحافظ على م�صالح الذات ومكت�سباتها ،و�إمنا يزج باجلميع يف دائرة ال متناهية من العنف وا إلق�صاء ،ال تتوقف �إال بحروب تدمريية تبيد وت�سحق الذات وا آلخر. لهذا ينبغي أ�ن ن�ستفيد من درو�س التاريخ ،ون�ست�شعر القيمة احل�ضارية التي بلورها القر�آن الكرمي ،من خالل ت أ��سي�سه لنمط العالقة احل�ضارية مع ا آلخر يف قوله تعاىل} :يا أ�يها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر و أ�نثى وجعلناكم �شعوب ًا وقبائل لتعارفوا �إن أ�كرمكم عند اهلل أ�تقاكم{. ثوابت العالقة مع آ الخر: �إن ال�سياج القوي الذي يحافظ على متانة العالقة مع ا آلخر ،ويجعله ثابت ًا من ثوابت الواقع املعا�ش ،هو وجود منظومة أ�خالقية ت�سد باب كل النوازع النف�سية ال�شادة، لذلك حثّ ر�سولنا الكرمي �صلوات اهلل و�سالمه عليه على تطوير م�ستوى العالقة الروحية مع ا آلخر ،و�إنزالها من أ�براج ال�صوامع والبيع أ والديرة �إىل �ساحة الواقع املجتمعي ،معتمد ًا يف ذلك على خطاب الباري تعاىل املوجه للنا�س يف العديد من �آيات القر�آن (يا أ�يها النا�س) وهو خطاب �شامل لكل حيثيات احلركة ا إلن�سانية على امتداد التاريخ واملجتمع ،حيث أ�وجدت �آداب دينية ،وغري دينية ،و�إميان وفل�سفة ،وفنون و�صناعة، و أ��سطورة ،وعدل... وبطبيعة احلال ال ميكننا �إعادة بناء العالقة مع ا آلخر كما اعتمدتها الر ؤ�ية ا إل�سالمية الو�سطية على م�ستوى املمار�سة والتطبيق العملي� ،إال من خالل �إن�شاء م�شاريع لربامج عمل تطور من واقعنا الذي يعتمد على الت أ��صيل النظري والتاريخي لقيم الت�سامح واحلوار واحلقوق ،والعمل على ت أ�هيل البنيان النف�سي والفكري ملجتمعاتنا للتكيف ا إليجابي مع هذه امل�شاريع، وميكن حتديد بع�ض املقرتحات كا آلتي: 1ـ �ضرورة الك�شف عن ال ُبعد احل�ضاري للفكر ا إل�سالمي ،ألن هذا الك�شف ُيج�سد امل�ضمون احل�ضاري أ للمة مع ه�ضم
70
معطيات ا آلخر احل�ضاري ،وتفادي ال�سقوط يف النزعة االنبهارية ،أ�و النزعة التهوينية ،ألن التعامل االنبهاري مع الغرب/ا آلخر ،قد أ��ساء �إىل الذات العربية ا إل�سالمية كذات مبدعة وفعالة. 2ـ بلورة ا�سرتاتيجية عربية و�إ�سالمية متكاملة لال�ستفادة من منجزات ثقافة الع�صر ،والعمل على توفري م�ستلزمات احل�ضور العربي الفعال املنتج يف م�سرية هذه املنجزات العاملية ،أ�و على أالقل �ضرورة ا�ستيعاب ومتثل اجلوانب العلمية والتقنية أال�سا�سية الكفيلة بربط االت�صال مع العامل. 3ـ�صياغة خطط واعية لتمتني وحدتنا االجتماعية والوطنية يف مواجهة حتديات الفرتة الراهنة ،وذلك ببناء نظام عالقات داخلية بني مكونات الذات على أ��س�س أ�خالقية ودينية ووطنية ،متكننا من �إزاحة كل العنا�صر امل�سيئة للعالقة ا إليجابية بني مكونات املجتمع والوطن الواحد. 4ـ االنخراط يف م�شاريع ا إل�صالح الثقايف والفكري ،والتوا�صل بني الذات ،ب�إزالة احلواجز النف�سية أ والحقاد ا إليديولوجية التي حتول دون التالقي ،والتفاهم واالحرتام املتبادل. 5ـ �إحياء م�شروع �إ�صالحي ثقايف ،يرتكز على أ��س�س أ�كرث عد ًال وو�سطية وم�ساواة وت�ساحم ًا واعرتاف ًا با آلخر ،واحرتام ًا لكل أ��شكال التنوع داخل حميطنا االجتماعي. 6ـ �صياغة املفهوم الو�سطي يف التاريخ العلمي العربي وا إل�سالمي، ب�شكل يعيد قراءة الذات وفق القاعدة ا إل�سالمية العامة يف العالقات االجتماعية ( عامل النا�س مبثل ما حتب أ�ن يعاملوك به ) 7ـ �ضرورة توحيد االجتاه بني النظرية والتطبيق ،و�إن�شاء مراكز أ�بحاث ودرا�سات ا�سرتاتيجية� ،سواء عرب املبادرات الفردية أ والعمال اجلماعية ،تعني ب�إغناء الف�ضاء الفكري ا إل�سالمي ببحوث وم ؤ�لفات حتدد امل�سافة املو�ضوعية بني ا آلراء واملعتقدات. 8ـ �ضرورة االحتفاظ بتوازن الر ؤ�ية ا إل�سالمية الو�سطية يف التعامل مع ا آلخر ،وتطوير مناهجنا بناء على قاعدة أ�ن جلب املنفعة هو �سبيل �ضروري لدفع ال�ضرر .فمناهجنا اليوم تقوم �إىل حد كبري على دفع ال�ضرر ،وهذا ُيك ّر�س
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ا إلح�سا�س بالرتقب وال�ضعف والتخوف واالرتباك والدونية، لذا يجب أ�ن تركز مناهجنا املعا�صرة على �ضرورة ربط دفع ال�ضرر بجلب امل�صلحة ( فال �ضرر وال �ضرار يف ا إل�سالم ) كما ركزت دائم ًا قواعد الفقه ا إل�سالمي. 9ـ�ضرورة ا�ستيعاب خمتلف التجارب التاريخية للعالقة مع ا آلخر/الغري ،وا�ستنطاقها وحتليل م�ضامينها لتح�صيل فهم أ�عمق ملعانيها ،وا�ست�شراف �آفاق م�ستقبلية أ�و�سع تنظم عالقاتنا مع ا إلن�سانية ب أ�كملها� ،شعوب ًا و أ�مم ًا، و أ�جنا�س ًا و أ�لوان ًا ،وديانات وثقافات وح�ضارات.
10ـ �ضرورة االلتزام مببد أ� الو�سطية وال�شهادة على النا�س من موقع احرتام املبادئ ا إل�سالمية الثابتة ،التي تف�سح املجال خليارات متعددة ا آلراء ،وعلى كافة امل�ستويات ليتميز من خاللها الفارق اجلوهري بني املبدئية الو�سطية يف �صناعة احلا�ضر والتحلي بالواقعية ال�ست�شراف امل�ستقبل ،وبني ثقافة التربير الو�سطي خليارات ال�ضعف املحكومة بقيم ومعايري تتداول يف ف�ضاءات موا�سم تلميع مفاهيم ا إلرث الثقايف واحل�ضاري ألمتنا ا إل�سالمية.
قائمة امل�صادر واملراجع: 1ـ القر�آن الكرمي 2ـ الكتاب املقد�س 3ـ ابن ر�شد ،ف�صل املقال وتقرير ما بني ال�شريعة واحلكماء من االت�صال .حتقيق أ�لبري ن�صري نادر ،بريوت :دار ال�شروق ،ط ،3 .1973 4ـ ابن خلدون ،عبد الرحمن ،املقدمة .دار القلم ،بريوت :الطبعة أالوىل.1978 ، 5ـ أ�بو احل�سن العامري ،ا إلعالم مبناقب ا إل�سالم .حتقيق أ�حمد غراب ،الريا�ض :دار أال�صالة للثقافة ط.1988 ،1/ 6ـ أ�بو حامد الغز�إىل� ،إحياء علوم الدين .تقدمي بدوي طبانة ،القاهرة :دار �إحياء الكتب العربية 7ـ ابن عا�شور ،أ��صول النظام االجتماعي يف ا إل�سالم .ط /تون�س.1964 ، 8ـ �شهاب الدين القرايف ،الفروق. 9ـ أ�دب ا إلختالف يف ا إل�سالم ،أ�بحاث الندوة التي عقدتها املنظمة ا إل�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة بالتعاون مع جامعة الزيتونة، 2001م. 10ـ عبد ال�سالم حممد الطويل ،توظيف غري علمي مل�صطلح علمي (التاريخ) .جملة الفي�صل اململكة العربية ال�سعودية ع / 277 .1999 للن�سان .ترجمة دميرنة كروان ،املجل�س أالعلى للثقافة/م�صر، املثايل والنموذج القدمي العبودية نظام فوجت، جوزيف 11ـ إ .1999 12ـ ذاكرا �آل جيل ،ا آلخر بو�صفه مفهوم ًا حول طبقة ت�شكل مفهوم ا آلخر يف الوعي ا إلن�ساين� ،ص ،123جملة الكلمة ،العدد ،40 �س .2003 ،10 13ـ روجيه جارودي ،أال�ساطري امل ؤ��س�سة لل�سيا�سة ا إل�سرائيلية. 14ـ عدنان بن ذريل ،الفكر الوجودي عرب م�صطلحه .من�شورات احتاد كتاب العرب ،دم�شق1985 ،م. 15ـ املاوردي ،أ�دب الدين والدنيا ،حتقيق :م�صطفي ال�سقا ،مكة دار الباز للن�شر ،ط2،1978/ 16ـ حممد حمفوظ ،ثقوب يف الوعي االجتماعي -حتديات يف عامل معا�صر ،-جملة الكلمة ،ع .2003 ،40 17ـ م�صطفي حلمي ،مناهج البحث يف العلوم ا إلن�سانية ،دار الدعوة ،م�صر ،ط.1981 ،2/ 18ـ املعجم الفل�سفي ،جممع اللغة العربية ،م�صر :عامل الكتب ،بريوت.1979، 19ـ حممد عمارة ،مرتكزات التعاي�ش بني أالديان .جملة ق�ضايا �إ�سالمية معا�صرة� ،س ،7عدد .2003 ،22
20- 20 claude delarmas, histoire de la civilisation europenne puf p 5 france 1964
71
أ �����س��ري������ات يف جتديد خطابنا الن�سوي املعا�رص د .فريال العلي ع�ضو منتدى الو�سطية للفكر والثقافة بعد أ�حداث احلادي ع�شر من أ�يلول عام 2001دخل العامل يف دوامة عنيفة من ال�صراعات أ�دت �إىل تداعيات خطرية ا�ستهدفت العرب وامل�سلمني – ب�صورة أ��سا�سية -مما أ�وقع حكوماتنا يف أ�زمات داخلية وخارجية غري م�سبوقة نتيجة �ضغط املجتمع الدويل عليها من اخلارج؛ ممثال بالواليات املتحدة أ المريكية وال�سالمية -بال ومن خلفها قوى ال�ضغط االقت�صادية من جانب ،والتوترات الداخلية يف كل الدول العربية إ ا�ستثناء – من جانب آ�خر ،و�إن تفاوتت حدتها بني دولة و أ�خرى ،و�صار لزاما على تلك الدول أ�ن تعيد النظر يف بنيتها الثقافية جوهريا بعد أ�ن ف�شلت امل�شاريع ال�سيا�سية واالقت�صادية يف حتقيق أ�هدافها ،ومل تعد امل ؤ��س�سة الدينية الراديكالية مقنعة يف الكثري من طروحاتها الفكرية .وهكذا يجد العرب وامل�سلمون أ�نف�سهم اليوم ال على مفرتق طرق بل على حافة الهاوية ،و�سيغدو ال�سقوط حتميا ما مل نقف على نقطة توازن حقيقية ت�ستند �إىل ثوابت حمددة قادرة على ا�ستيعاب وترية التحوالت ال�سريعة التي ي�شهدها العامل ،والتي ما عدنا قادرين – لو أ�ردنا – على االنف�صال عنها ب أ�ي �صورة من ال�صور. وملا كانت املر أ�ة من أ�هم لبنات البنية الثقافية يف أ�ي جمتمع �إن�ساين ،ف�إن مراجعة اخلطاب الثقايف ال�صادر عنها أ�و املوجه �إليها من اخلطوات املهمة التي ينبغي االلتفات �إليها عند �صياغة أ�ي م�شروع فكري ،وال �سيما و�سط هذا ال�صخب ا إلعالمي اال�ستعرا�ضي وما يفرزه من تنميط مبالغ فيه ل�صورة املر أ�ة العربية امل�سلمة اليوم �سل ًبا و�إيجا ًبا. اخلطاب الن�سوي� /إ�شكالية امل�صطلح يدور م�صطلح اخلطاب الن�سوي على أ�ل�سنة املفكرين والباحثني واملبدعني والكتّاب – يف عاملنا العربي امل�سلم دون اتفاق بينهم على ماهية هذا اخلطاب؛ �إذ ي�ستخدمهبع�ض املعنيني بهذا ال� أش�ن يف الداللة على اخلطاب الذي تنتجه
72
املر أ�ة وي�صب يف �صميم ق�ضاياها اخلا�صة ،وقد يو�سعه بع�ضهم لي�شمل كل �إنتاج املر أ�ة اخلطابي ب�صرف النظر عن م�ضامينه، ويذهب �آخرون �إىل التعامل مع هذا امل�صطلح بتو�سيع دائرة املن ِتج لي�شمل الرجال والن�ساء م ًعا وت�ضييق دائرة املنتَج ليوجه نحو ق�ضايا املر أ�ة فقط ،و�إن كان الرتكيز عند ه ؤ�الء جميعا – يف الغالب -على اخلطاب املكتوب دون كبري اعتناء باخلطاب ال�شفهي رغم خطورته و أ�هميته .وهكذا ف�إن �ضبابية امل�صطلح – ابتداء -ي�س ّبب ت�ضار ًبا يف الدالالت واملقا�صد أ والهداف؛ مما ي ؤ�دي �إىل الدوران يف حلقة مفرغة ،ويقلل من قدرة اخلطاب على �إحداث التغيري املن�شود والتقدم باملر أ�ة خطوة جديدة �إىل أالمام.
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ومع عدم وجود تعريف جامع مانع لهذا امل�صطلح ،ف�إن اخلطاب الذي تراجعه هذه املقالة هو اخلطاب املنتَج حول منتجه ق�ضايا املر أ�ة العربية امل�سلمة ب�صرف النظر عن جن�س ِ وهويته وعقيدته وانتماءاته؛ ب�شقيه املكتوب وال�شفهي. اخلطاب الن�سوي قبل مئة عام يعد كتابا قا�سم أ�مني « حترر املر أ�ة « و « املر أ�ة اجلديدة « أ�ول خطاب فكري مكتوب يتناول ق�ضايا املر أ�ة يف الع�صر احلديث ،ورغم تناق�ض وجهات النظر حولهما -أ�حيا ًنا - بني م ؤ�يد �شديد ا إلعجاب ومعار�ض �شديد االمتعا�ض� ،إال أ�نه من املالحظ أ�ن أ�كرث املت�صدين للحديث عن فكر قا�سم أ�مني قر ؤ�وه من خالل ر ؤ�يتهم اخلا�صة وواقعنا اليوم ،ومل يحاولوا و�ضع خطابه يف بوتقته أال�صيلة التي انبثقت عنه ،بل بالغ البع�ض باتهامه ب أ�نه ال�سبب فيما �آلت �إليه حال املر أ�ة ،وت�س ّقطت �إىل أ�ذهانهم الكثري من أالوهام ،ون�سبت �إليه �آراء لي�ست له. ومع كل ما أ�ثاره م�شروعه من ردود فعل متباينة يف زمنه �إيل يومنا هذا� ،إال أ�ن هذا امل�شروع كان من امل�شاريع املهمة التي �شكلت انعطافة حقيقية يف حياة املر أ�ة ،وم ّكنها من نيل ح ّقها يف التعليم والعمل ،وهذان أ�مران كفيالن باحلكم على جناحه، وم ّهد لظهور م�شاريع أ�كرث جر أ�ة على امتداد القرن الع�شرين. اخلطاب الن�سوي بعد مئة عام مما ال �شك فيه أ�ن اخلطاب الن�سوي يف أاللفية اجلديدة هو خطاب مرتاكم منذ القرن املا�ضي ،ومع أ�نه ح ّقق للمر أ�ة الكثري من املكت�سبات �إال أ�نه يعاين من �إ�شكاليات عدة تعيق تق ّدمه وحت ّد من ت أ�ثريه وت�شعر بق ّلة جدواه ،وقد ينتهي �صداه حلظة انتهاء م ؤ�متر أ�و حما�ضرة أ�و ور�شة عمل أ�و كتاب أ�و برنامج �إعالمي. ويدور اخلطاب الن�سوي املعا�صر حول ثالثة حماور أ��سا�سية ،هي :امل�ساواة بني الرجل واملر أ�ة ،ومنح املر أ�ة احلرية الكاملة يف �إدارة خمتلف � ؤش�ون حياتها ،وم�شاركة املر أ�ة يف احلياة ال�سيا�سية. وهم امل�ساواة لعل فكرة امل�ساواة بني الرجل واملر أ�ة ا�ستنزفت من الوقت واجلهد ما ي�شعر باحلزن ،ال ألن امل�ساواة وهم حم�ض ،بل ألننا أ��ضعنا مئة عام يف ت أ�كيد ما هو بدهي يف امل�ساواة بينهما يف
االعتبار ا إلن�ساين الذي أ�قره اهلل – عز وجل – منذ بدء اخلليقة، واعرتفت به ال�شرائع ال�سماوية ،و�إن كان مثل هذا الطرح مقبوال يف بدايات القرن املا�ضي و أ�متنا تفيق من نومة أ�هل الكهف التي أ�ق�صتها عن ا إل�سهام يف احل�ضارة ا إلن�سانية قبل أ�ن نتحدث عن أ�ي �إق�صاء متعمد أ�و عفوي للمر أ�ة� ،إال أ�ن الوعي املت�شكل اليوم ينبغي أ�ن ال يلتفت �إىل هذه مثل هذه أالفكار العقيمة التي جنن منها �سوى التخندق – رجاال ون�ساء – أ�مام بع�ضنا مل ِ بع�ضا ،نتبادل ترا�شق االتهامات ،ونعطل طاقاتنا التي نحتاج �إىل كل ذرة منها للخروج من أ�زمتنا احل�ضارية ،ونظل ندور يف حلقة مفرغة دون أ�ن يغلب طرف ا آلخر أ�و يجني ثمار هذه املعركة اخلا�سرة قبل أ�ن تبد أ� ،ومن أالجدى لنا جميعا �إيقاف هذه اللعبة ،وااللتفات �إىل احتياجات املر أ�ة ومطالبها مبعزل عن هذه الثنائية ال�ضدية املعيقة للح�صول على أ�ي مكت�سبات جديدة. أ�عطني حريتي ال يقل �س ؤ�ال احلرية جدال عن �س ؤ�ال امل�ساواة ،ومع مرونة هذا امل�صطلح وات�ساع مدلوالته� ،إال أ�نه – مهما كانت ماهيته – ف�إنه ع�صي على التحقق على أ�ر�ض الواقع مع انهيار املنظومة املجتمعية مبختلف أ�بعادها ،وال ميكن أ�ن يحظى طرف باحلرية دون �سائر أالطراف ،ثم �إن املر أ�ة لي�ست كال متكامال تنطبق عليه أ�حكام عامة؛ �إذ تبدو م�س أ�لة حرية املر أ�ة ن�سبية بني الدول ،بل بني أ�قاليم الدولة الواحدة ،و�إطالق أالحكام جزافا لي�س من احلكمة يف �شيء ،وعلى املر أ�ة – قبل غريها – أ�ن تق ّدر قيمة املكت�سبات التي حققتها يف هذا املجال وحتافظ عليها ،وت�سعى إل�ضافة مكت�سبات حقيقية واقعية �إليها ،وتتخل�ص من أالوهام واخلرافات التي علقت بذهنها جراء نظرتها االنطباعية املغلوطة �إىل و�ضع املر أ�ة يف الغرب، فلكل م�شكالتها ومعوقاتها ،كما أ�ن مطالبها امللحة بامل�ساواة دفعها �إىل البحث عن منط م�شابه للحرية الظاهرة التي يتمتع بها الرجل ،نا�سية أ�و متنا�سية حجم القيود التي يرزح حتتها هو ا آلخر ،ومن أ�خطر ما غ ّلف فكرة حرية املر أ�ة يف وقتنا احلايل بع�ض الدعوات الليربالية التي تنادي بحرية املر أ�ة اجلن�سية يف دين وجمتمع يح ّرمان ذلك بدعوى أ�ن الكثري من الرجال يتمتعون بهذه احلرية ،وك أ�ن على املر أ�ة أ�ن جت ّر أ�و تن�ساق وراء كل �سلوك للرجل قوميا كان أ�م �سقيما !
73
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ال�سيا�سة عرب الكوتا حتاول بع�ض الدول العربية وا إل�سالمية اليوم �إ�شراك املر أ�ة يف احلياة ال�سيا�سية من خالل تخ�صي�ص مقاعد لها يف الربملانات أ�و املجال�س البلدية ،وقد يبدو أالمر مقبوال لكثري من املنظرين الواقعيني الذين يرون ا�ستحالة و�صول الن�ساء من خالل التناف�س املبا�شر ،ولي�ست هذه هي امل�شكلة – من وجهة نظري� -إذ لي�س املهم أ�ن ت�صل املر أ�ة ب أ�ي و�سيلة ،أالهم ماذا قبل ذلك وبعده ؟ ما يالحظ يف منط انخراط املر أ�ة يف احلياة ال�سيا�سية يف الكثري من الدول – با�ستثناء تلك التي تتمتع بخربة طويلة يف العمل الن�سائي ال�سيا�سي – جاء بدوافع خارجية على أالغلب، مل تخ�ضع املر أ�ة قبله �إىل املران ال�سيا�سي املطلوب واخلربة الالزمة ،بل رمبا ت�صل املر أ�ة �إىل جمل�س الت�شريع وهي ال تعرف املادة أالوىل من د�ستور بلدها ،وترتك بعد ذلك �إىل جهودها الفردية أ�و جهود بع�ض املنا�صرين لها لتتعلم كيف تقف على قدميها ،لكنها لو امتلكت اخلربة ال�سيا�سية الالزمة ،و أ�عطيت وقتا كافيا للتدرب واكت�ساب اخلربة خلف الكوالي�س حتى ي�صلب عودها� ،ستقدم نف�سها منوذجا مقنعا يدفع ا آلخرين �إىل انتخابها دون مظلة الكوتا التي ال تتذكر املر أ�ة �إال قبل االنتخابات مبدة ي�سرية ال تكفي للقيام ب�شيء حقيقي ،هذا مع أالخذ بعني االعتبار أ�ن عزوف املر أ�ة عن امل�شاركة يف احلياة ال�سيا�سية لي�س -بال�ضرورة -م ؤ��شرا على التخ ّلف ،فقد يكون هذا العزوف نتيجة تفهمها ل�شروط اللعبة ال�سيا�سية التي ال ترغب أ�و ال ت�ستطيع االلتزام بها ،أ�و عدم ميل للحياة ال�سيا�سية، وهذا ال ي�ضري الكثري من الرجال الذين ال يلتفتون �إىل ال� أش�ن ال�سيا�سي ،فلماذا تعلو أال�صوات حمتجة على غياب املر أ�ة عن تلك ال�ساحة ؟ خطابات متجاذبة يعاين اخلطاب الن�سوي املعا�صر – ابتداء -من جتاذب متناق�ض بني أ�طراف خمتلفة تدعى أ�نها أالقدر على االعتناء باحتياجات املر أ�ة ،لكن ماذا ميكن أ�ن يقدم ه ؤ�الء للمر أ�ة ؟ ومن منهم ميكن أ�ن يتقدم بها خطوة جديدة �إىل أالمام ؟ قد تبدو ا إلجابة عن هذه أال�سئلة �سهلة ما دمنا منتلك عقال تربيريا ت�سويغيا تلفيقيا قادرا على أ�ن يجعل أ�ي طرف من أالطراف (�صوابا) وغريه ( خط أ� ) ،لكن أالمر أ�عقد من ذلك
74
بكثري ،ويحتاج �إىل تكاتف جهود امل ؤ��س�سات أ والفراد لت أ��سي�س خطاب ي�ستند �إىل منهج علمي و�سطي هادئ م�ستنري بعيدا عن اخلطابة الفجة أ�و الطروحات احلاملة. كيف جندد خطابنا ؟ ابتداء ينبغي أ�ن ينطلق اخلطاب من حقيقة أ�ن املر أ�ة املنتجة أ�و امل�ستقبلة له هي امر أ�ة م�سلمة ميتاز دينها ب أ�نه ال ينف�صل عن حياتها ،وبذلك نخفف من حدة التناق�ض امللمو�س يف اخلطاب احلايل ،و أ�وىل خطوات التجديد أ�ن يقوم أ�هل الفقه مبراجعة �شرعية لق�ضايا املر أ�ة يف �ضوء ال�شريعة ا إل�سالمية، ويربزوا ثوابت أالحكام الفقهية التي ال حتتمل الت أ�ويل أ�و اختالف وجهات النظر ويق ّرها ،ويخل�صوها من بع�ض أالوهام التي تطرح على أ�نها من الثوابت ويعيدوا �صياغتها لتنا�سب م�ستجدات الع�صر الذي نعي�شه كي ال نبدو ك أ�ننا قادمني من كوكب �آخر ،وهذا �سي�ساعد يف احلد من عبث العابثني وتطفل املتطفلني الذين يخرجون ب�صرعات فقهية ما أ�نزل اهلل بها من �سلطان. وي أ�تي بعد ذلك دور امل ؤ��س�سة القانونية املدنية لرتاجع قوانينها التي ميكن أ�ن ت ؤ�دي �إىل �إحلاق ال�ضرر ب�إن�سانية املر أ�ة وكرامتها وحقوقها ،ولنعرتف أ�ن ثمة قوانني غري مرنة تعيق �إ�سهام املر أ�ة يف بناء نف�سها واالرتقاء مبجتمعها. وعندما ت�شعر املر أ�ة أ�نها ت�ستظل بظل م ؤ��س�سة �شرعية قادرة على ا�ستيعاب احتياجاتها ،وقانونية ت�سعى حلمايتها، �ستوفر طاقاتها امل�ستنزفة لت أ��صيل خطاب جمعي حتدد فيه حقوقها وواجباتها بعيدا عن �صراع امل�ساواة واحلرية الذي يجد نفعا ،وعليها أ�ن ال تتمحور حول ذاتها واحتياجاتها مل ِ اخلا�صة ،بل مت ّد يدا لرتاجع مع الرجل خطابه؛ �إذ �إنه هو ا آلخر يعاين مثل ما تعاين من التهمي�ش وا إلق�صاء والتناق�ض يف كثري من أالدوار التي يقوم بها ،وكذلك على الرجل أ�ن يكون �شريكا حقيقيا غري جمامل للمر أ�ة يف �إن�ضاج خطابها ،وعليهما معا أ�ن ي�ضعا خطابا م�شرتكا خاليا من ال�صراع اجلندري لالرتقاء أ بالمة بت ؤ�دة ووعي؛ �إذ ل�ست مع الزاعمني أ�ن علينا أ�ن نعي أ�ن وترية احلياة مت�سارعة وعلينا أ�ن نلحق بها ،ألن التغيري ال يتحقق ما مل تن�ضج امل�شاريع ن�ضوجا تاما من الداخل قبل أ�ن مند أ�يدينا لنتفرع يف �سماء ا إلن�سانية ،وندفع جمتمعنا نحو أالف�ضل.
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
القوامة
بني الت أ��صيل ال�رشعي والعرف االجتماعي مروان أ�بو �صالح اململكة أ الردنية الها�شمية يتعامل أ�غلب املنظرين يف ق�ضية قوامة الرجل على املر أ�ة ب�صورة تلتب�س فيها الر ؤ�ية بني املعايري االجتماعية ال�سالمية� ،ضمن ر ؤ�ية والثقافية الذاتية ،ويظهرونها بهيئة تبدو أ�طرها العامة حماطة بلبو�س ال�شريعة إ املبني على الت�صور الثقايف االجتماعي الذي يعي�ش يختلط فيها التف�سري الديني مع الت أ�ويل االجتهادي ال�شخ�صي ّ املجتهد من خالله ،بعيدً ا عن الت أ��صيل العلمي املتكامل. بني الن�ص والت أ�ويل: وال يخفى على أ�حد أ�ن مفهوم القوامة قائم على أ��سا�س �شرعي ي�ستند �إىل ا آلية الكرمية « الرجال قوامون على الن�ساء مبا ف�ضل اهلل بع�ضهم على بع�ض ومبا أ�نفقوا من أ�موالهم فال�صاحلات قانتات حافظات للغيب مبا حفظ اهلل والالتي ّ تخافون ن�شوزهن فعظوهن واهجروهن يف امل�ضاجع وا�ضربوهن ف�إن أ�طعنكم فال تبغوا عليهن �سبيال �إن اهلل كان عل ًّيا كب ًريا « �سا�سا عند احلديث عن (الن�ساء ، )34ولذلك علينا االنطالق أ� ً القوامة من ا آلية الكرمية بعد ا إلعمال فيها فه ًما و�إدرا ًكا. القوامة يف �سياقها القر آ�ين لكي نح�سن �إدراك ا آلية الكرمية يتوجب علينا بداية أ�ن نح�سن قراءتها �ضمن ال�سياق القر�آين الذي وردت فيه ،اعتمادًا يف�سر ُ بع�ضه ً بع�ضا ،ثم نتبينّ الدالالت اللغوية على أ�ن القر�آن ّ فيها ،ال�س ّيما الدالالت اخلا�صة باملفردات ونوع ال�صيغ الواردة
فيها ،وذلك لكون اللغة �إحدى الدعائم أال�سا�سية للتف�سري. �سورة الن�ساء هي من ال�سور املدن ّية التي تنظم العالقة بني أ�فراد املجتمع ،ابتد أ�ت أ بالمر املبا�شر بالتزام تقوى اهلل وتوحيد أ��صل الن� أش�ة الب�شرية ،لتنتقل يف ا آلية الثانية �إىل تنظيم العالقة االقت�صادية بني النا�س ذكو ًرا و�إنا ًثا ،من مثل حترمي أ�كل أ�موال اليتامى(و�آتوا اليتامى أ�موالهم وال تتبدلوا اخلبيث بالطيب وال ت أ�كلوا أ�موالهم �إىل أ�موالكم �إنه كان حو ًبا) (الن�ساء ،)2/مرو ًرا ب�إعطاء الن�ساء حقوقهن املالية ،وحجب ال�سفهاء عن أ�موالهم حتى ير�شدوا ويح�سنوا الت�صرف بها ك�س ًبا و�إنفا ًقا ،ومن ثم توزيع املرياث وتبيان احل�ص�ص التي ي�ستحقها كل فرد انطال ًقا من نوع العالقة باملتوفى وعلى اجلن�س الذي ينتمي �إليه ،وهذا التق�سيم يعتمد على �إقرار نظام عادل تب ًعا حلاجات كل فرد وطبيعة دوره �ضمن الن�سيج االجتماعي القائم يف ذلك الع�صر والذي أ�ق ّر ال�شرع بوجوده ،ف أ�عطى ال ّذكر مثل ن�صيب أالنثيني،
75
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة نظ ًرا للتكاليف املطلوبة منه جتاه أ�فراد أال�سرة ذاتها. وير�شدنا اهلل عز وجل �إىل �ضرورة االلتزام بهذا التوزيع التكاملي والتفاوتي والتفا�ضلي ويوجهنا �إىل �ضرورة القناعة بن�صيب كل فرد وح�صته ،وعدم متني اال�ستئثار بن�صيب أ�ي طرف على ا آلخر ،أ�و بح�صة أ�كرب مما قد حت�صل ،وذلك يف قوله تعاىل (:وال تتمنوا ما ّ ف�ضل اهلل بع�ضكم على بع�ض للرجال ن�صيب مما اكت�سبوا وللن�ساء ن�صيب مما اكت�سنب وا�س أ�لوا اهلل من ف�ضله( )...الن�ساء ،)32/وحتويل اجلهد بد ًال حت�صل من البكاء على الفرق املفقود �إىل تنمية احل�صة التي ّ عليها ،فاهلل عز وجل يعلمنا ب أ�نه قد ّ ف�ضل البع�ض على ا آلخر يف التوزيع وعلى كل فرد أ�ن ي�سعى �إىل تنمية هذا الرزق �ضمن قدراته و�إمكانياته ،و�ضمن هذا ال�سياق القر�آين ذي أال�سا�س االقت�صادي ن�صل �إىل ا آلية الكرمية (الرجال قوامون على الن�ساء مبا ف�ضل )...ليو�ضح ب أ�ن ما اكت�سبه الرجال من ح�ص�ص �إ�ضافية مل يت أ�تَ من ر ؤ�ية منحازة لنوع على ح�ساب نوع �آخر ،بل هو تخ�صي�ص مع ّلل بالقيام على أ�مور الن�ساء ورعايتها ،و�سياق ا آلية ينادي :أ�يها الرجال ال تفرحوا مبا قد اكت�سبتم ،فما هو �إال دخل �إ�ضايف يعينكم على أالعباء املرتتبة عليكم ،وذلك التكليف مرتبط من خالل الباء (مبا) التي تفيد معنى ال�سببية والتعليل مبا ف�ضل اهلل بع�ضكم على بع�ض ومبا أ�نفقوا من أ�موالهم، والن�ص القر�آين يفيد بو�ضوح �إىل أ�ن التف�ضيل كائن يف احل�صة ا إل�ضافية خالل توزيع املرياث ،وال جمال للت أ�ويل الف�ضفا�ض عند احلديث عن معنى التف�ضيل ألنه وارد �صراحة يف ا آلية قبل ال�سابقة من �آية القوامة « وال تتمنوا ما ّ ف�ضل اهلل بع�ضكم على بع�ض للرجال ن�صيب مما اكت�سبوا وللن�ساء ن�صيب مما اكت�سنب» (الن�ساء ،)32/وي�ستمر الن�ص القر�آين يف تبيان ع ّلة الت�شريع ال�سابق خا�صة بلزوم �إنفاق الرجال على الن�ساء كون الن�ساء �صاحلات قانتات حافظات للغيب ،وهنا نرى القر�آن يف�سر ُ بع�ضه ً بع�ضا. وهكذا نرى أ�ن ال�سياق العام والتف�صيالت اخلا�صة هي تنظيم اقت�صادي للعالقة بني الذكور وا إلناث �ضمن امل ؤ��س�سة تك�س ًبا من املرياث وترتي ًبا للحقوق والواجبات. أال�سرية ّ وهم اختالف التكوين: �إذا ما أ�دركنا داللة الن�ص القر�آين �ضمن �سياقه االقت�صادي
76
نعجب كل العجب من ذهاب البع�ض �إىل احلديث عن اختالفات تكوينية بنائية نف�سية �سيكولوجية (عدا ما هو متفق عليه من تكوين بيولوجي خا�ص) حتى ت�صل بهم خياالتهم لي�صوروها كائ ًنا �ضبابي التفكري ،عاجزة عن تدبر أ�مورها ،وعلى التوازي يكون الرجل خملو ًقا مكتمل القدرات والكفايات ،اعتمادًا على ا آلية الكرمية ،وذلك بتحميل لفظة (القوامة) ما ال حتتمل من دالالت لغوية! والتي هي مبعانيها املتعددة من العدل والتدبري والرعاية وعماد أالمر الخ ...ال تغادر داللة التنظيم ا إلداري، ومع أ�ن هذه الداللة اللغوية ت�ستلزم كفايات ومهارات ا إلدارة الناجحة من فهم وتقبل وتخطيط ومثابرة� ،إال أ�نها لي�ست حك ًرا على الرجال دون الن�ساء و�إن كانت غالبة عليهم أل�سباب تعود – غال ًبا � -إىل التن�شئة االجتماعية و أ�دوار التنميط اجلن�سي الذي يبد أ� من مرحلة الطفولة حني تق�سم أالدوار بني البنت القيمي االجتماعي والولد ،لي�صل �إىل االكتمال �ضمن البناء ّ العام. يعن ب أ�ي حال تفوق جن�س والدليل على أ�ن الن�ص القر�آين مل ِ نوعا (جند ًرا) على جن�س ا إلناث هو ال�صياغة الذكور بو�صفه ً اللغوية ال�صرفية للفظ الوارد (قوامون) فهي �صيغة مبالغة من اجلذر قوم ،و�صيغة املبالغة (كتوظيف لفظي) تفيد االت�صاف على �سبيل الكرثة ال ال ّدميومة ،ودليلنا يف ذلك ات�صاف اهلل (عز وجل) بفعل الرحمة ال يتعار�ض مع كونه �شديد العقاب، ومل ت�ستخدم ا آلية �صيغة ال�صفة امل�شبهة كونها �صيغة تعطي لذات حمددة مبا يوحي بدميومة تلك ال�صفة داللة و�صفية ٍ ومبا يفيد ثباتها ،وعليه فالرجال ق ّوامون على الن�ساء يعني أ�ن أ�غلب الرجال يقومون بفعل تدبري � ؤش�ون ن�سائهم ،وهذا أ�مر عام نلم�سه يف العامل أ�جمع على �سبيل غلبة فعل أالكرثية ال ح�صر ذلك ب�صفة ملت�صقة بنوع ،مبعنى أ�ن جمموع الرجال (كنوع ب�شري) مدبر ملجموع الن�ساء( كنوع أ� ً ي�ضا) ،واللفظ �سا�سا على العموم ال على خ�صو�ص كل فرد (الرجال) مطلق أ� ً من الرجال ،وبالتايل فا آلية ال تنفي كون بع�ض الن�ساء قد تقوم على أ�مر الرجال ،وهو أ�مر ال يعار�ضه بحال �سياق ا آلية ،وال طبيعة التجارب الب�شرية عرب التاريخ ،وال دليل أ�جلى على ذلك من خولة بنت ثعلبة تلك ال�صحابية التي قدمت على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم -جتادله يف أ�مر زوجها الذي ظاهَ َرها(يف ق�صة املجادلة املعروفة)�( :إنّ لنا �صبية �صغا ًرا� ،إن
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة �ضممتهم �إليه �ضاعوا ،و�إن �ضممتُهم � إ ّ يل جاعوا) ،فهي أ�عمق حر�صا من رجلها على �إدرا ًكا لدورها يف م ؤ��س�سة أال�سرة و أ��ش ّد ً بقائها متما�سكة. رب ًرا الختالف وفعل القوامة الذي ذكره اهلل عز وجل م ّ أ�ن�صبة املواريث ممكن يف مرحلة حمددة من عمر النوع الب�شري ،وهي مرحلة الرجولة ،والتي ال تطلق ك�صفة الزمة على الذكر �إال بعد مرور �سنوات على خلقه ذك ًرا ،وبعد و�صوله �إىل �سن البلوغ ،ومن ثم الن�ضج اجلن�سي والذهني والثقايف واالجتماعي ،وهذا الن�ضج غري ممكن �إال بعد عمليات ت أ�هيل متار�سها أالطر االجتماعية ،فيكون اكت�ساب �صفة الرجولة كو�صف ثابت دائم اعرتا ًفا من قبل أالطر االجتماعية ب أ�هليته يف �إدارة أ�مور من حوله. فا�ستهالل ا آلية بو�صف مكت�سب(الرجال) يعني أ�ن الذكر لي�س ق ِّي ًما على أالنثى �ضمن احلال املطلقة املخت�صة بالفروق الع�ضوية لكل نوع ،وهو ما ميتاز عن توزيع املرياث حني أ�و�ضح اهلل (عز وجل) ب أ�ن للذكر مثل حظ أالنثيني ،وهو ما ي�شري �إىل انتقال الداللة من الذكورة حال اكت�ساب املرياث �إىل �ضرورة �إمتام الن�ضج والو�صول �إىل معيار الرجولة لتحمل ا إلدارة وحت�صل القوامة. ّ نظرية التفوق..ت أ�ويل تع�سفي يحلو للبع�ض(قد ًميا وحدي ًثا) أ�ن ّ ينظر لتفوق القدرات العقلية جلن�س الذكور على جن�س ا إلناث ،انطال ًقا من ا آلية الكرمية ،فيكون ا�ستدالله عملية ّ يل عنق للن�ص القر�آين، وحتميله ما ال ميكن أ�ن يحتمل ال لغة وال منط ًقا ،أ ولن نظرية التفوق هذه ذات أ�بعاد عن�صرية وال ت�صمد أ�مام البحث والنقا�ش العقلي العلمي يحاول مروجوها �إلبا�سها لبو�س الدين لتكت�سب �شرعية نقل ّية رافعة ،تدعم موقفهم املتهالك ،فيلوذون ب�شرعية وقد�سية الن�ص ا إللهي ليكت�سبوا من قد�سيته �صح ًة لنظريتهم() ،وهم بذلك يرهنون الن�ص القر�آين لفهمهم اخلا�ص ،وهو ما ي ؤ�دي �إىل ت�شويه قد�س ّية الن�ص حني ي�ساق ملن �سا�سا أ�و ملن ينطقون بها دون أ�ن يعوا أالبعاد ال ينطق بالعربية أ� ً اللغوية املف�صلة للن�ص املعجز ،فينتقل الفهم املغلوط اخلا�ص ب أ�ولئك املروجني �إىل مناق�شيهم ،فيكون رد الفعل منهم برف�ض الن�ص القر�آين واتهام القر�آن مبخالفة املنطق ،ليكونوا حينها
قد ارتكبوا خط أ� مرك ًبا أ��سا�سه خط أ� االجتهاد ثم ال�ص ّد عن دين اهلل عن طريق ت�شويه بع�ض ِق َيمه. وقد يكون توظيف ا آلية الكرمية �شخ�ص ًّيا من الزوج حال اجلدال بني أالزواج ،وذلك بدافع تربير أ�فعاله وت�صرفاته الذاتية ،فيتعلل الزوج بالقوامة إلثبات �صحة قراراته املتخذة، دون أ�ن يقبل حماكمة قراراته بتجرد عن م�صدرها! وهو �سلوك أ�قرب ما يكون آلل ّية دفاع هروبية ،لينوء بنف�سه عن حماكمة قراراته مبنطق الفاعلية وال�صواب امل�ستقل عن م�صدر هذه القرارات ،أ�ي مبعزل عن كونها �صادرة عن الرجل الق ّوام! بدليل الن�ص القر�آين. وهذا الفهم لداللة القوامة والن أ�ي به عن الت أ�ويل التع�سفي ال يعني ب أ�ي حال القبول بفكرة تن�صل املر أ�ة من قوامة َر ُجلها عليها ،فهو فعل مربر �ضمن منطق ال�سبب والنتيجة ،فالرجل ال زوجا �إال �إن كان م ؤ�ه ًال لهذا الدور ،ومرجعية هذا احلكم يكون ً أ منوط مبدى ت�هل الرجل له ومواءمته مع �سماته ،واحلكم على مدى توفره هو يف أال�سا�س بيد امر أ�ته و أ�هلها ،حني يقبلون به خالل اخلطبة ،فاملر أ�ة حني تتزوج تقبل �ضم ًنا و�صراحة مبن تنظر �إليه نظرة تقدير واعتزاز واعرتاف أ بالهلية والكفاية، وتعا�شره على هذا أال�سا�س ،وبهذا فالقوامة على أال�سرة هي نتيجة مكت�سبة ل�سبب قد قدمه الرجل ولقي القبول عليه، وحتمل يف �سبيله البذل وا إلنفاق واجلهد ،واكت�سب على أ��سا�سه دو ًرا �إدار ّيا ،ي�ضمن واليته على � ؤش�ون بيته ،وعليه فال يجوز ملن قبل القوامة أ��ص ًال أ�ن يرف�ضها يف مراحل الحقة ،فالقوامة من أ��س�س بناء أال�سرة ال�سليمة والنيل منها يكون ني ًال من ال�صفو وال�سكينة يف هذه أال�سرة و�إذكا ًء لروح الت�صارع والتفكك فيها، أ فال�صل باملر أ�ة أ�ن تتقبل القوامة عليها طاملا قبلت ببقائها �ضمن م ؤ��س�ستها أال�سرية ،على أ�ن يبقى �ضمن حقوقها حق االن�سحاب من هذه امل ؤ��س�سة ب�صورة كاملة �إن �شاءت� ،ضمن النظام ال�شرعي للخلع. القوامة ..ر ؤ�ية ا�سرتاتيجية قوامة الرجل على � ؤش�ون بيته مفهوم ا�سرتاتيجي عام يخ�ضع ملجموعة االرتباطات القيم ّية املختلفة ،والتي ت�ضيق وتت�سع تب ًعا مل�صادر القيم التي يحتكم �إليها أ�فراد أال�سرة، فم�صادر القيم متعددة ،من أ�همها أال�سرة أ والقران وا إلطار
77
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة الثقايف املحكوم بالو�ضع االقت�صادي واالجتماعي العام، فالرجل واملر أ�ة يتذكران طبيعة أالدوار التي وجدا أ�بويهما عليها خالل طفولتهم ،ويراقبان أ�قرانهما من أ�خوة و أ��صدقاء ومعارف ،ويتحاكمان ملنظومة من التقاليد املتوافقة مع الو�ضع االقت�صادي اخلا�ص بهم ،وهم مع كل ما �سبق ميتلكان ُحك ًما على تلك أالدوار �إما قبو ًال أ�و نفو ًرا لتلك القيم ،وبالتايل فاحلدود ال�ضابطة للقوامة ف�ضفا�ضة ،ومل ُي ْعنَ الت�شريع ا إل�سالمي بتحجيمها على مقا�س حمدد ،عدا ما هو م�ضبوط بت�شريع م�ستقل ،فالتمازج بني ما هو حكم �شرعي وما هو توافق اجتماعي قد جعل البع�ض يتوقفون عند ما أ�قره ا إل�سالم �ضمن حكم املباح فيعدوا ما �سواه واقعا حتت حكم غري اجلائز، وذلك ألنه يخالف ما أ�قره ا إل�سالم حال نزوله ،متنا�سني أ�ن ما أ�قره ا إل�سالم من أ�عراف وتقاليد كونها مباحة ال مينع من كون
78
أ�عراف وتقاليد أ�خرى ألقوام يف أ�ماكن أ�و أ�زمنة أ�خرى مباحة أ� ً ي�ضا ،وبالطبع ما مل تكن ممنوعة بت�شريع م�ستقل. وهذا ما نف�سر به اختالف ر ؤ�ية علمائنا أالجالء خالل القرون والعقود املا�ضية ل�شكل عالقة الرجل باملر أ�ة ،وهو اختالف نقبل با�ستيعابه وتفهمه �إال حني يبادر البع�ض إللبا�س العادات أ والعراف والقيم االجتماعية عباءة الت�شريع ا إل�سالمي ،عندها نقف ونقول :مه ًال ،ما هو من اهلل (عز وجل) فهو من اهلل خالقنا وبارئنا ،وما هو من عند أ�نف�سنا وعاداتنا وما توارثناه فهو من عندنا ،نفتخر به �إن ا�ستحق االفتخار غري أ�ننا ال نلزم به أ�حدً ا. وهذه ال�سعة يف تقبل االختالفات االجتماعية والن أ�ي بها عن قد�سية الت�شريع هي �سر املبد أ� الذي ي�ضمن �صالحية ا إل�سالم لكل زمان ومكان.
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
ملتقى الفتاة ال�سالمية أ برعاية وزير أ الوقاف وال� ؤ ال�ستاذ عبد الفتاح �صالح أ�قام منتدى الو�سطية ش�ون واملقد�سات إ للفكر والثقافة حفل �إ�شهار ملتقى فتاة الو�سطية قاعة م�سجد ال�شهيد امللك عبداهلل للم ؤ�مترات يف العبديل، بح�ضور أ�كرث من أ�ربعمئة �ضيف من حمافظات العا�صمة وال�سلط و�إربد والرمثا وال�شونة اجلنوبية ومادبا والكرك. و أ�لقى عطوفة املهند�س مروان الفاعوري رئي�س املنتدى كلمة ترحيــبة أ�كد فيها أ�ن» منهج الو�سطية لي�س ب�ضاعة أ�جنبية – وال �سلعة للمتاجرة – بل هو املنهج الذي تلتقي عليه أالمة مبفكريها وعلمائها وتياراتها الفكرية رجا ًال ون�سا ًء لتجدد الوالء لدينها ونبيها – كما أ�راد اهلل وكما بلغ ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم « .و أ��ضاف « :لقد جاء انطالق ملتقى الفتاة لي ؤ�كد م�س ؤ�ولية املر أ�ة يف مواجهة التطرف والغلو وت�صحيح ال�صورة النطية ال�سلبية عن املر أ�ة امل�سلمة ،واحلد من مظاهر الت�سيب والت�ساهل التي باتت تغزو جمتمعنا «. ّثم قدمت الدكتورة فريال العلي – رئي�سة امللتقى ومن�سقة � ؤش�ون املر أ�ة يف املنتدى – ً عر�ضا تقدمييا تناول فكرة ت أ��سي�س منتدى الو�سطية و أ�برز ن�شاطاته املنجزة والقادمة ،و أ�علنت عن فكرة ت أ��سي�س املنتدى العاملي للو�سطية .ثم عر�ضت لفكرة ت أ��سي�س ملتقى فتاة الو�سطية ور�سالته ور ؤ�يته و أ�هدافه ومنطلقات عمله وا آلليات والو�سائل التي �ستتبع لتنفيذ هذه أالهداف ،وحثت الفتيات على امل�شاركة والتفاعل مع هذا امللتقى الذي يحمل الفكر ا إل�سالمي الو�سطي املعتدل ،ويقمن ب أ�دوارهن املتوقعة يف خدمة دينهن ووطنهن وجمتمعهن. و�شاركت يف �إلقاء الكلمات ال�سيدة اعتدال العبادي مديرة مديرية ال� ؤش�ون الن�سائية بوزارة أالوقاف ،كما أ�لقت الدكتورة أ�روى ال�شو�شي ق�صيدة املنتدى ،واختتم االحتفال ب أ�نا�شيد �إ�سالمية لفرقة مودة للفنون.
و�شارك ملتقى فتاة الو�سطية بور�شة تدريبة عنوانها : « تدريب املدربني ال�شباب « لل�شباب وال�شابات النا�شطني يف املجاالت ال�سيا�سية واالجتماعية ،وعنيت لدورة بتدريب ال�شباب وال�شابات على ا�ستقطاب نظرائهم والتوا�صل معهم للعمل يف احلمالت االنتخابية ،وقد عقدت الدورة بتاريخ 2007/8/11 يف فندق Century Parkبعمان. بالتعاون بني منتدى الو�سطية للفكر والثقافة وجمعية امل�صورين العرب عقد ملتقى فتاة الو�سطية دورة تدريبية يف الت�صوير الفوتغرايف مب�شاركة عدد من فتيات امللتقى ،و أ��شرف عليها امل�صور �سقراط قاحو�ش ،ويف نهاية الدورة منحت امل�شاركات �شهادات من جمعية امل�صورين العرب. بدعوة من ملتقى فتاة الو�سطية قدمت ال�سيدة « أ�مل بدر « حما�ضرة بعنوان « :تطوير مهارات التفكري « ،وذلك م�ساء يوم اخلمي�س 2007/8/23يف مقر املنتدى بح�ضور جمع من �سيدات املجتمع املدين و أ�ع�ضاء امللتقى ،وقدمت الندوة و أ�دارت احلوار الدكتورة فريال العلي رئي�سة امللتقي ومن�سقة � ؤش�ون املر أ�ة يف املنتدى. مب�شاركة عدد من فتيات امللتقى عقدت دورة تدريبة يف « �إدارة االجتماعات « يومي أالحد واالثنني 2007 /8/ 27-26 يف مقر املنتدى يف اجلبيهة. وعقدت دورة تدريبة يف « مهارات االت�صال االجتماعي» من 2007 /8/30-29يف مقر املنتدى.
79
ح�����������وار ال�����ع�����دد املنتدى العاملي للو�سطية ي�سعى �إىل �إحداث تغيري يف العقل ومنطلقات تفكريامل�سلم
قال املن�سق العام ملنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري أ�ن املنتدى العاملي للو�سطية :منتدى عاملي ومقره اململكة االردنية الها�شمية ت أ��سي�س وانطلق كم ؤ��س�سة دولية لعلماء ومفكري أ المة ت�سمى بـ (املنتدى العاملي للو�سطية) وذلك من أ�جل ح�شد الطاقات الفكرية والعلمية للعلماء واملفكرين وال�سيا�سيني ال�سالمية فكر ًا وممار�سة ،وذلك بهدف �إ�شاعة منهج التوازن واالعتدال يف منهج الذين يتبنون الو�سطية إ أ أ ال�سالم والدعوة �إليه والدفاع عنه ،بو�صفه منهج ًا ميثل التيار ال�صيل يف ثقافة المة ،وعرب ع�صور التاريخ إ أ أ أ ً ال�سالمية اليوم ،و�إن من ولي�س طارئا فر�ضته الظروف �و �ملته احلوادث التي متر بها وتتعر�ض لها المة إ ال�سالم من اخلارج� ،إىل جانب ت�صحيح جميع مهمات هذا املنتدى الوقوف يف وجه الهجمة التي يتعر�ض لها إ �صور االنحراف يف فهمه يف الداخل. وقد جاء ت أ��سي�سه بناء ًا على ما ّمت من تو�صيات يف امل ؤ�متر الدويل أالول الذي عقده منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يف عمان يف عام 2004م بعنوان (و�سطية ا إل�سالم بني الفكر واملمار�سة) ،وامل ؤ�متر الدويل الثاين الذي عقده منتدى الو�سطية للفكر والثقافة بعنوان (الدور العملي لتيار الو�سطية يف ا إل�صالح ونه�ضة أالمة) يف عمان يف عام 2006م. وا�شار الفاعوري بان املنتدى ت أ��س�س بعد للوقوف بوجهه التطرف و الغلو بعد ان أ�خذ أ�بعاد ًا خمتلفة يف الع�صر احلديث. فقد أ�دت حالة ال�ضعف و الهوان التي يعي�شها العامل ا إل�سالمي �إىل التفكري و االجتهاد يف فقه جديد و هو فقه يدور حول كيفية اخلروج بالعامل ا إل�سالمي من أ�زمته الراهنة ،وال�صعود به �إىل
80
املكانة الالئقة ،و �إنقاذ امل�سلمني من حالة التخلف و الرتدي التي تكبلهم و حتول دون تقدمهم. و أ��ضاف :بدال من العمل على حتريك عجلة التنمية يف العامل ا إل�سالمي ليتمكن من اللحاق بالعامل ،و يتمكن من أ�ن يت�سلح ب أ��سلحة الع�صر من علوم و �صناعة و ح�ضارة تقود به �إىل القوة و املنعة ،ف�إن فريقا بدد اجلهود يف حماولة للتن�صل من الهوية ا إل�سالمية للمجتمع معتقدا أ�ن اال�ستعا�ضة عنها بالهوية الغريبة هو أ�ق�صر طريق للتقدم و الرقي ،و قدم هذا الفريق مناذج للتطرف ال�سلوكي و الفكري الذي ي�صطدم مع دين املجتمع و هويته ،واجته فريق أ�خر ينقب يف املا�ضي و يلتقط منه ا�ستخال�صات من أ�قوال �سابقة كانت تتالءم و
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ظروف ع�صرها و بيئتها ،لكنها �إن كان يجوز درا�ستها كروائع يف التاريخ ا إل�سالمي ،ف�إنه ال يجوز التعويل عليها يف �صناعة وقود ك�صحوة دينية تنت�شل العامل ا إل�سالمي من حالته الراهنة باعتبار أ�ن لكل ع�صر ظروفه ولكل زمن أ�حواله التي تتغري باعتبارها االجتهادات املعا�صرة. و أ�كد الفاعوري على أ�ن العوامل ال�سابقة أ�دت �إىل نقل �صورة خاطئة عن ا إل�سالم �إىل غري امل�سلمني ،فمع ت�سليمنا بان بع�ض ما ين�شر عن ا إل�سالم يف اخلارج مغر�ض و ينطلق من أ�هداف غري م�شروعة� ،إال أ�ن ما يقدمه امل�سلمون أ�نف�سهم ،حتت عباءة ا إل�سالم ،وبا�سم امل�سلمني ال يقل خطورة كيد اخل�صوم ومكر االعداء .لذلك باتت احلاجة املا�سة �إىل �إبراز الوجه لل�سالم ،الذي يت�سم بال�سماحة و االعتدال جناحا احلقيقي إ الو�سطية. وحول أ�هداف املنتدى أ�و�ضح « الفاعوري « أ�ن املنتدى العاملي للو�سطية يهدف �إىل: .1تر�سيخ مفاهيم الو�سطية ا إل�سالمية بني أ�بناء أالمة وم ؤ��س�ساتها ،وتعزيز قدرة أالمة على القيام بدورها احل�ضاري من خالل و�سطيتها. .2ن�شر ر�سالة ا إل�سالم ا إلن�سانية والتعريف بها بني أالمم وال�شعوب. .3الت�صدي مل�شكالت أالمة وتقدمي الت�صورات والربامج واحللول لتجاوزها من خالل الر ؤ�ية الو�سطية ا إل�سالمية. .4تعزيز قيم احلرية والعدالة وكافة حقوق ا إلن�سان ،والدفاع عنها وذلك باعتبارها من أ��س�س الو�سطية ا إل�سالمية. .5الدعوة �إىل الت�سامح واحلوار ونبذ العنف بني أالمم وال�شعوب ،وذلك عن طريق تو�سيع دائرة التوا�صل واحلوار. .6معاجلة ظواهر الغلو والتطرف من خالل التعريف ب�سماحة ا إل�سالم واحلوار وا إلقناع. .7تعزيز دور املر أ�ة امل�سلمة يف بناء املجتمع من خالل م�ساهمتها يف أ�وجه الن�شاطات املختلفة. � .8إقامة �آ�صرة تعاون و�إلتقاء وت�شاور وتكامل بني كافة القوى وال�شخ�صيات ا إل�سالمية.
.9لعمل على �إن�شاء م ؤ��س�سة متخ�ص�صة تن�ضج أالفكار والربامج الو�سطية ،وتتكامل مع امل�شاريع ا إل�سالمية املطروحة، وحتقق أ للمة مادة علمية و�إعالمية ذات م�صداقية موثوقة .10العمل على احلفاظ على الهوية ا إل�سالمية أ للمة لتبقى دائم ًا أ�مة و�سط ًا� ،شاهدة على النا�س� ،آمرة باملعروف ناهية عن املنكر ،بعيدة عن ا إلفراط والتفريط. .11العمل بجميع الو�سائل امل�شروعة ملواجهة التيارات الهدامة لل�سالم ،أ والخطار الثقافية داخلية والدعوات املعادية إ كانت أ�م خارجية ،بن�شر الفكر ا إل�سالمي املعتدل. .12العمل على توحيد قوى أالمة مبختلف مذاهبها واجتـاهاتها، وتوحيد جهود العلماء ومواقفهم الفكرية والعلمية يف ق�ضايا أالمة الكربى ،لتواجه التحديات �صف ًا واحد ًا، وحترمي تكفري امل�سلم ألخيه امل�سلم من اتباع املذاهب أالخرى. .13العمل على �إن�شاء مر�صد جلمع ون�شر الفتاوى اجلامعة أ للمة من منظور الو�سطية واالعتدال. ا�سرتاتيجية املنتدى: وحول ا�سرتاتيجية املنتدى ور ؤ�يته أ�كد « الفاعوري « أ�ن املنتدى ي�سعى من خالل الر ؤ�ية اال�سرتاتيجية التي يعمل يف �ضوئها ألن تكون الو�سطية م�صنع ا إلنتاج الفكري الر�شيد، وقاعدة ال�سلوك العملي القومي ،الو�سطية اجلامعة لفقه الن�ص وفقه الواقع و�صو ًال للتدافع احل�ضاري املدين للمجتمعات اال�سالمية خا�صة واالن�سانية والب�شرية عامة. و�إىل �إحداث تغيري يف العقل امل�سلم املعا�صر، ومنطلقات تفكريه يف كل الق�ضايا والت�صورات وال�سلوك العام والفردي،والتدبري امل�ستقبلي واليومي وكل ما يتعلق ب�شئونه يف دينه ودنياه ونظرته �إىل ا آلخر و�سبل التعاي�ش معه من خالل منظور �إ�سالمي ينطلق من و�سطية ا إل�سالم واعتداله دون �إفراط او تفريط ولكي تتحقق هذه النقلة النوعية فال ميكن االكتفاء بالفعل االنفعايل اخلطابي الذي يقف عند حد الت أ�ثر العاطفي دون االعتماد على تخطيط مدرو�س أ�و ر ؤ�ية عميقة لواقع أ�متنا ا إل�سالمية ولذلك يتعني أ�ن يتجاوز العالج الو�سطي لعلل فكرنا املعا�صر أ�عرا�ض املر�ض وتاثرياته ،و أ�ن ميتد هذا
81
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة العالج مل�سبباته والبيئة املواتية لوجوده وا�ستفحاله ومن ثم حر�ص املنتدى العاملي للو�سطية على حتقيق ر ؤ�ية ا�سرتاتيجية حمددة يعمل على حتقيقها من خالل براجمه وم�شروعاته. و أ�جاب عن �س ؤ�ال ر ؤ�ية املنتدى العاملي امل�ستقبلية: ايجاد عمل �إ�سالمي مجُ َ ِدد ومتجدد يف خدمة الدين ا إل�سالمي ،وا إل�سهام يف �إقامة ح�ضارة عاملية عادلة متوازنة غايتها املثلى االعدالة االن�سانية. و�إيجاد م�سلم معا�صر ،مرتبط أ بال�صل،ومت�صل بالع�صر يتم�سك بدينه بال غلو ،ويعمل لدنياه بال �إ�سراف ،يتحلى بالو�سطية يف كافة �شئونه الدينية والدنيوية ،وم�ستجدات واقعه املعا�صر وينطلق من الو�سطية يف بناء جمتمعه ،وحتديد أ�مناط �سلوكه ،و�ضبط عالقاته ،و�إدارة �شئون حياته». منطلقات املنتدى العاملي للو�سطية: لعل أ�هم منطلقات املنتدى العاملي للو�سطية هو تكاملها وتنا�سق ملواجهة ظاهرة التطرف لرتباط الوثيق بني جمايل عمل كل من ا�سرتاتيجيات مواجهة ظاهرة التطرف وا�سرتاتيجية املنتدى العاملي الو�سطية. وتنطلق هذه الر ؤ�ية أ�ي�ضا من رغبة أ�كيدة يف أ�حداث تغيريات ت ؤ�دي �إىل ن�شر الو�سطية ،وذلك بعمق ميتد �إىل الت�شكيل الوجداين والفكري والنف�سي للم�سلمني ومنطلق ًا ملعايري �سلوكهم والحداث ،أ وحكمهم على أال�شخا�ص أ وال�شياء ،وب�شمولية تت�سع مداها لت�شمل أالمناط الفردية ،والتفكري اجلمعي. وتنطلق هذه الر ؤ�ية من حقيقة علمية تتمثل يف أ�ن �إحداث أ�ي تغيري عميق يف ال�شخ�صية ا إل�سالمية ،ميتد �إىل منهج التفكري ،وامتداد هذا التغيري �إىل املمار�سات احلياتية ،ال ميكن أ�ن يكتب له النجاح � إ إل من خالل ن�شاط متكاتف ومتعاون ،تقتنع به كافة القوى الفاعلة يف املجتمع امل�سلم ،وتتفهم دورها يف أ�دائه ،وتتحم�س يف أ�داء هذا الدور ،ويعمل اجلميع يف ظل دعم �سيا�سي قوي ،يوجه وي�شجع ،ويكاف أ� ويعاقب. وعمق النظرة �إىل التغيري الذي يتطلبه الو�صول للر ؤ�ية، ف�إن كافة منظمات العامل ا إل�سالمي مطالبة بامل�شاركة فيه ،بل �إن التغري للو�صول �إىل هذه الر ؤ�ية يتناول ثقافة هذه املنظمات
82
ف�ض ًال عن أ�هدافها ونظمها القانونية والالئحية� ،إذ يجب أ�ن تخلو –متام ًا -مما يتناق�ض مع املنهج الو�سطي ،يف ت�شكيالتها و أ�هدافها ونظم العمل فيها ،وال�سلوكيات املح�سوبة عليها. ويف �س ؤ�ال آ�خر عن الو�سائل التي �سيقوم بها املنتدى للو�صول �إىل هدفه: أ��شار « الفاعوري « اىل ان املنتدى العاملي ي�سلك لتحقيق أ�هدافه جميع الو�سائل امل�شـروعة ،وذلك من خالل الو�سائل ا آلتية: .1اخلطاب التثقيفي املبا�شر للم�سلمني ت�صحيح ًا للمفاهيم واملواقف وفق ًا لتعاليم ا إل�سالم احلنيف ،وذلك بالن�شر يف و�سائل ا إلعالم كافة ،واحلديث من خـالل ا إلذاعات امل�سموعة واملرئية ،والبث عرب �شبكة املعلومات واالت�صاالت الدولية. .2التوا�صل مع القادة امل�سلمني ،و أ��صحاب القرار ال�سيا�سي وذوي الت أ�ثري ،والقادرين على توجيه الر أ�ي العام باحلكمة والكلمة الطيبة ،مبا يدفعهم �إىل الوقـوف يف ال�صف ا إل�سالمي العام ،ويبني لهم مواطن اخلطر على أالمة وعلى هويتها وم�صاحلها املتنوعة ،والدور ا إليجابي امل أ�مول منهم. .3التوعية امل�ستمرة بالق�ضايا أ والحداث املهمة ذات العالقة با إل�سالم وامل�سلمني ،واتخاذ املوقف املنا�سب من كل منها. .4احلوار مع التيارات الثقافية ،واملذاهب الفكرية، والتجمعات ال�سيا�سية املوجودة يف ال�ساحة ا إل�سالمية، أ�ي ًا كان توجهها ،حوار ًا يرمي �إىل جتلية موقف ا إل�سالم، والفكر ا إل�سالمي ،من جمال اهتمام كل منها ونطاق عملها. .5التعاون مع املنظمات الدولية واملنظمات غري احلكومية العاملة يف خمتلف املجاالت التوعية بق�ضايا ا إل�سالم وامل�سلمني يف كل مكان. .6عقد امل ؤ�مترات والندوات العلمية ملناق�شة الق�ضايا ذات العالقة با إل�سالم وامل�سلمني ،وبلورة ر أ�ي عام �إ�سالمي حولها.
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة .7ترجمة أالدبيات املعززة للو�سطية من العربية للغات أالخرى ،ومن اللغات أالخرى للعربية. أ�ما عن التوجهات أ والهداف اال�سرتاتيجية لتحقيق أ�هداف املنتدى فقد أ�جاب املهند�س الفاعوري: أ��شار « الفاعوري « �إىل أ�نه نظر ًا لت�شعب متطلبات تنفيذ الهدف اال�سرتاتيجي للمنتدى ،وات�ساع م�ساحة التخ�ص�صات التي يتطلبه هذا التنفيذ ،وارتباطها مبجاالت عمل كثرية، ف�إن املحاور الذي �ستعتمد عليها ا�سرتاتيجية املنتدى لتغيري ثقافة املجتمع امل�سلم لتعزيز الو�سطية ،وتغيري ثقافة أالفراد واملنظمات لتكون الو�سطية منهج ًا ،دائم ًا وم�ستقر ًا ،لتفكريهم و�سلوكهم ،يحتاج �إىل عمل د ؤ�وب يف عدة حماورة هي: -1يف جمال تعميق مفهوم الو�سطية: ( أ�) ا�ستخال�ص مفهوم الو�سطية يف ا إل�سالم ،ومعايريه و�ضوابطه ال�شرعية ،وانعكا�سات هذا املفهوم على �سلوك أالفراد واجلماعة. (ب) �إعادة �صياغة اخلطاب ا إل�سالمي ليكون انعكا�س ًا للو�سطية ا إل�سالمية وفق ًا للمفهوم ال�سابق مع الرتكيز على انعكا�سات هذه الو�سطية ،على فكر الفرد واجلماعة و�سلوكهما وذلك يف جميع مناحي احلياة بد أ� من العالقة مع اهلل �سبحانه وتعاىل والعالقة مع النف�س أ وال�سرة...الخ� ،إىل العالقة مع الغري جن�سا أ�و ديانة أ�و مذهب ًا أ�و عرق ًا أ�و قببيلة أ�و ر أ�يا. (ج) ن�شر هذا اخلطاب ا إل�سالمي على أ�و�سع نطاق و�إعداد �صياغات خمتلفة امل�ستوى له مع وحدة امل�ضمون ،وذلك ملراعاة خ�صائ�ص كل فئة من فئات املجتمع. (د) الرتكيز يف أالن�شطة واملنا�سبات ا إل�سالمية على ن�شر الو�سطية ،و�إعداد برامج جذابة لرتجمة هذه الو�سطية من جمرد جتريد نظري� ،إىل �سلوك عملي. -2يف جمال الدعوة: تعزيز االنفتاح الدعوى على الرتاث العقالين والرتاث ا إلن�ساين الغربي ،والعرف غري املت�صادم مع ا إل�سالم عند �شعوبنا وتعزيز تواجدنا يف م ؤ��س�سات املجتمع املدين و تعميق الت�صالح مع الرتاث الدميقراطي فكرة وتنظيم ًا.
-3يف املجال الرتبوي: بث مفهوم الو�سطية يف املناهج أ والن�شطة املدر�سية� ،سواء من خالل احلديث املبا�شر عنها للتعرف بها وتطبيقاتها يف مناحي احلياة ملختلفة ،أ�و بطريق غري مبا�شر بتقدمي ال�سلوكيات واالختيارات التي تكون تعبري ًا عن الو�سطية ،والرتغيب فيها، واحلث على ال�سري على هداها ،وتقدمي مناذج من �شخ�صيات تاريخية ،أ�و قيادات عاملية ورموز اجتماعية ،ممن ينالون احرتام وتقدير الن� أش� ،وبيان أ�وجه متيزهم� ،سواء يف التفكري أ�و ال�سلوك الذي يكون نابع ًا من الو�سطية. والنتاج الفكري -4يف جمال البحث العلمي إ والفني: للثقافة أ�دواتها الهامة يف العامل ا إل�سالمي ويتعني أ�ن تكون هذه أالدوات الثقافية ،و�سيلة للتعريف بثقافة الو�سطية، وانعكا�ساتها ،وذلك مبا يتوافق وطبيعة كل أ�داة ثقافية ،وم�ستوى جمهورها ،وال يجب التقليل من أ�همية بع�ض أالدوات الثقافية ما دام لها من يتفاعل معها ويت أ�ثر بها ،ويتعني الرتكيز ،يف هذا املجال ،على أالدوات الثقافية اخلا�صة بفئتي أالطفال وال�شباب ،أ�و التي تكون حمور اهتمامهم باعتبارهم أ�كرث الفئات امل�ستهدفة أ�همية ،يف هذا املجال. دعم م�ساحة االئتالف بني ثقافة ا إل�سالم وثقافة الغرب أ�وال ً و �إعداد ودعم الروائيني والفنانني وال�سينمائيني الدعاة والرعاية العلمية لتخريج املتفوقني من �شبابنا امل�سلم ك�صفوة عاملية وقائدة للتغيري و �إن�شاء معهد لل�سنيما ا إل�سالمية املتوازنة. وتنقية كتب الرتاث ،التي يتم تداولها ،من الت أ�ثري املبا�شر على مفهوم الو�سطية ا إل�سالمية وذلك �إما با إل�شارة �إىل ما يف هذه الكتب من أ�وجه الغلو فيها ،أ�و حتجيم تداولها على املتخ�ص�صني. العالم والتوا�صل والعالقات -5يف جمال إ العامة: تقوية توا�صلنا امل ؤ�ثر مع املحيط املحلي والعربي وا إل�سالمي والدويل وتدريب كوادرنا ا إلعالمية بالف�ضائيات وا إلذاعات وال�صحف وا إلنرتنت و �إنتاج الربامج ا إلعالمية وت�سويقها للف�ضائيات و تقوية العالقات مع مكونات احلقل الديني ال�شعبي
83
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة والر�سمي ومع أالقليات امل�سلمة يف الغرب وال�شرق. و�إعادة �صياغة أ��س�س العمل ا إلعالمي وذلك بالدعوة للو�سطية منهج ًا و�سلوك ًا ،وبثها يف خمتلف املواد ا إلعالمية، مع ا�ستخدام كافة الو�سائل املتاحة لتوجيه الفكر ،الفردي واجلماعي� ،إىل التحلي بالو�سطية والن أ�ي عن أ�ي فكر أ�و �سلوك أ�و عمل ي�ستند �إىل الغلو والتطرف والت�شدد وا إلفراط ،أ�و يكون م�ستند �إىل الت�ساهل والت�سيب والت�شبه با آلخرين والتفريط، مع احلر�ص على تقدمي مناذج تكون �صور ًا ذهنية ،مرغوبا فيها ،ملن يت�سمون بال�سماحة يف حياتهم ،ال�سيما من الرموز ا إل�سالمية التاريخية واملعا�صرة ،وتقدمي برامج �إعالمية متنوعة عن انعكا�سات الو�سطية على ال�سلوك العام وال�سلوك اخلا�ص ،وت أ�ثرياتها ا إليجابية لتح�سني ظروف احلياة ،وتوفري املناخ املالئم لتعاي�ش اجتماعي �سلمي بني كافة فئات املجتمع. -6يف املجال االجتماعي: �إعداد وتهيئة أال�سرة امل�سلمة ،وتدريبها على كيفية توفري البيئة أال�سرية ال�صاحلة لتن� أش�ة أالبناء على فكر و�سلوك الو�سطية ا إل�سالمية ،على اعتبار أ�ن أال�سرة هي املدر�سة أالوىل ،أ والكرث أ�همية ،التي ي�ستقي منها الن� أش� �سماتهم و أ�مناط تفكريهم ال�سيما و أ�ن املتخ�ص�صني يف ال�شئون الرتبوية ي ؤ�كدون
84
على أالهمية الق�صوى لل�سبع �سنني أالوىل يف حياة الطفل من حيث تكوينه الوجداين. ويتطلب ذلك بالطبع أ�ن تعي�ش أال�سرة ،فكر ًا و�سلوك ًا، يف �إطار الو�سطية ،عارفة بها ،ومدربة عليها ،ومقتنعة بها، ون�شطة يف �إطارها ،مما يلقي على أالجهزة العاملة يف جماالت الفكر والثقافة وا إلعالم والرتبية ا إل�سالمية مببد أ� امل�شاركة مع اجلهات املعنية يف العامل ا إل�سالمي ب�شئون أال�سرة ،يف جتنيد كل طاقاتها ،لتقدمي الدعم والعون أ لل�سرة امل�سلمة لتعيمق هذا الفكر وال�سلوك لديها ،ومد يد العون لها يف معاجلة أ�ي م�شكالت أ�و تذليل أ�ي عقابات قد تواجهها. -7يف جمال املعلومات: لهذا املحور دور رئي�سي ،وهام ،لنجاح املنتدى وحتقيق أ�هدافه ،ألنه يوفر لكافة أالجهزة العاملة يف جمال تنفيذها معلومات موثقة عن كل ما يرتبط باال�سرتاتيجية ،وحتليلها، وا�ستخال�ص م ؤ��شراتها وتزويد أالجهزة بها ،كما ير�صد حركة التغيري ،يف فكر و�سلوك أالفراد واجلماعات يف �ضوء تنفيذ اال�سرتاتيجية ،وير�صد كذلك التيارات الثقافية والفكرية الوافدة ،أ�و التي من املحتمل أ�ن تفد ،وت أ�ثرياتها املتوقعة على اجلهود التي بذلت ،أ�و تبذل ،يف تنفيذ اال�سرتاتيجية.
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية - �بة وق�����راءات كم�س �تس�تقل
الو�سيط يف احل�ضارة اال�سالمية د .فايز الربيع أ /الردن د .عماد الدين خليل/العراق احل�ضارة اال�سالمية لي�ست من احل�ضارات التي �سادت ثم بادت ،ومل يبق منها ا ّال ر�سمها ،انها احل�ضارة ،التي توجتّ الدنيا بلغتها ،ونق�شت على الزمان أ��سمها� ،إنها احل�ضارة التي ارتبطت مبرجعية �سد ّدت خطاها و أ�عادت وجل. توازن عنا�صر الوجود من خالل هذه املرجعية ،االن�سان – الكون – احلياة ،وارتباطهما باخلالق عز ّ
و إلن معظم الكتب التي تتحدث عن احل�ضارة اال�سالمية حتدثت عنها من خالل نتاجها ،أالمر الذي يطرح �س ؤ�اليني كبريين لدى من ينظر اىل ظواهر أالمور ،ما قيمة هذا النتاج بالقيا�س اىل ما و�صلت اليه الب�شرية أالن من تّقدم ما ّدي، وهل احل�ضارة فقط هي نتاج ما ّدي .وما هو الفرق بني نتاج احل�ضارة الذي هو ثمار تكرب وت�صغر على مدى أاليام ،وبني ا�صولها وارتباطها بهذا النتاج. لهذا ال�سبب وللحديث عن احل�ضارة من زاوية أ�خرى كان هذا الكتاب الذي تناول او ًال ا إلطار الفكري واملرجعي للح�ضارة اال�سالمية من خالل احليث عن املنطلقات والت�صورات الت�صورية واملرتكزات ويركز على النقلة اجلديدة ،النقلة ّ االعتقادية ،والنقلة املنهجية والنقلة املعرفية ،وير�سم �صورة للجواب على �س ؤ�ال كبري ملاذا ت أ�خر النتاج املادي للح�ضارة اال�سالمية ،مبا ا�سميناه التعليق امل ؤ�قت يف أ�عادة ترتيب
أالولويات ،اذ أ�ن أالولوية كانت للنقلة الت�صويرية االعتقادية ومن ثم كانت النقلة املنهجية مما هو وا�ضح ألثر املنهاج دائم ًا يف �ضبط االيقاع احل�ضاري ثم كانت النقلة املعرفية تباع ًا للنقلة الت�صويرية والنقلة املنهجية. ثم جاء الف�صل الذي يليه ليتحدث عن ق�ضية يف غاية أالهمية وهي ق�ضية املفاهيم وامل�صطلحات� .إذ يجب أ�ن نتذكر أ�ن ميدان ال�صراع املفاهيمي هو من أ�خطر ميادين ال�صراع على مر التاريخ ،والقر�آن الكرمي �ضبط لنا ق�ضية املفاهيم الكربى حتى ال يتيه مع ركام الفل�سفات القدمية ومفاهيمها عن االن�سان والدين واخلالق والكون واحلياة .وبناء عليه ا�ستطعنا يف هذا الف�صل أ�ن ن ؤ��س�س ملنهج كيف نتبع املفهوم �سرية وواقع ًا. �إذ أ�نّ املفهوم عبارة عن �شجرة لها بذرة ،و أ�ر�ض ،ولها ثمار، وميكننا القول أ�ن له تاريخ ميالد وم�سرية ينتقل من خاللها، وعليه عاجلنا مفاهيم احل�ضارة واملدينة والثقافة أ وال�صالة
85
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة واملعا�صرة واجلاهلية والتق ّدم ،والعبود ّية ،والبداوة ،وفرقنا يف أالطار احل�ضاري من املفهوم املادي واملعنوي يف احل�ضارة م�سجلة ألمة من أالمم بها وبين ّا أ�ن الثقافة غالب ًا ما تكون ماركة ّ تتمايز عن أالمم االخرى ،وقلنا باجتهاد أ�ن املدينة هي تطبيق نتاج احل�ضارة يف احلياة ،ول ّعل هذا الف�صل هو من أ�خطر ما ميكن احلديث منه يف تاريخ اال�سالم وتاريخ امل�سلمني ،وقلنا �إن تاريخ اال�سالمهو التطابق بني الفكرة والتطبيق العملي وتاريخ امل�سلمني هو حركة امل�سلم عرب التاريخ خط ّا و�صواب ًا. ثم انتقلنا اىل ف�صل يتعلق بنظريات ن�شوء احل�ضارات وقلنا أ�ن ال توجد نظرية واحدة ممكن أ�ن ت�ستوعب ذلك وحتى نكون مو�ضوعيني يف البحث عر�ضنا لنظريات خمتلفة ر أ��سمالية غربية ،ومارك�سية وا�شرتاكية و�إ�س ّالمية مركزية على قانونية التاريخ وهي أ�ن حركة التاريخ ال ت�سري اعتباط ًا وامنا وفق قوانيني كما التقطها ابن خلدون من خالل قراءته للقر�آن الكرمي ،ول ّعل هذا الف�صل اي�ض ًا من الف�صول التي ركزت على جلانب الفكري احل�ضاري وو�ضحنا أ�ن النظرية اال�سالمية قد ركزت على جانب ت�صحيح مفهوم العالقة مع الكون وانها لي�ست عالقة �صراع كما �صورتها احل�ضارة اليونانية ،والتي انتقلت فيما بعد اىل احل�ضارة أالوربية املعا�صرة� .إن عالقة اكت�شاف وم ؤ�ان�سة و أ�ن مهمة االن�سان اال�سا�سية هي عمارة هذا الكون� ،ضمن هذا الت�صور ا آللهي ،و�إذا مل يقم بهذه امله ّمة فقد ق�صر يف مفهوم أال�ستخالف الذي ا ؤ�متن عليه عندما أ��شهد ّ اهلل املالئكة ( واذ قال ربك للمالئكة � إ ّ ين جاعل يف أالر�ض خليفة .) ...فالكون واالن�سان خملوقات لرب واحد وي�سجدان لهذا اخلالق ( و أ�ي من �شئ ا ّال ي�سبح ربك ولكن ال تفقهون ت�سبيحهم.) ... ثم جاء الرتتيب املنطقي للف�صل الذي يليه والذي و�ضعناه حتت عنوان ملحات من أالجناز احل�ضاري اذ ال ميكن لكتاب واحد وال جملدات أ�ن ت�ستوعب هذا النتاج الذي أ مل رفوف املكتبات عرب التاريخ وقلنا أ�ن ( يجب أ�ن ُينظر اىل االنتاج املادي عرب التاريخ �ضمن البعدين املكاين والزماين ) �إذ ال ميكن أ�ن جنري مقارنة بني االنتاج احل�ضاري للم�سلمني قبل �سبعة قرون او أ�كرث وبني النتاج املادي احلال� ،ستكون اله ّوة يف املقارنة كبرية ،و�ضربنا مثا ًال على ذلك عند احلديث عن
86
اكت�شاف الورق ،او الطباعة ،او البارود ،ومن ما و�صل اليه العلم احلديث يف هذا املجال ،فاملقارنة مكانية وزمانية ،وكوب ماء يف ال�صحراء ،ال �شك أ�ن قيمتة اكرب بكثري ،عندما ت�صل نهر ماء ،ويتوافر املاء. ومعذلك فامل�سلمون ا�س�س ّوا الكثري من العلوم النظرية واملادية مبنتهى الرقي العلمي ،وم�ستويات البحث ،وكان نتاجهم هو اجل�سر الذي عربت عليه اوروبا ح�ضارتها املادية عرب االندل�س و�صقلية وغريها من مراكز االحتكاك احل�ضاري. وقلنا أ�ن احل�ضارات تتكامل عندما تعرتف بوجود بع�ضها وتتعاون ،وهكذا فعل امل�سلمون ،وتت�صارع عندما يراد حل�ضارة أ�ن تفر�ض حا ّويتها على الكون ،وتكون هي م�صدر الفكرة واملادة ق�سر ًا أ�و طوع ًا. اما الف�صول التالية فقد حتدتثت عن اال�سباب التي أ�دت اىل تدهور احل�ضارة اال�سالمية ،وهي ا�سباب مو�ضوعية مرتبطة بحياة امل�سلمني وفكرهم وعطائهم وورثهم التاريخي. ثم حتدثنا عن م�ستقبل احل�ضارة اال�سالمية وبي ّنا أ�ن لهذه احل�ضارة م�ستقبل مرتبط باعادة أالعتبار للعقل امل�سلم وتكوينه ،كما هو مرتبط أ بال�سباب الفكرية ل�ضبط ايقاع هذه احل�ضارة ،فامل�سلمون أالن لديهم �إ�سهامات وابداعات يف كل املجاالت ،ولكنها �إ�سهامات فر ْدية ،مل ترقى اىل م�ستوى تكوين واجهة ح�ضارية �إ�سالمية وحتى تكون ال ّبد أ�ن يتم تبين ّها على م�ستوى دولة أ�و م ؤ��س�سة �ضخمة ،لديها أالمكانات أ وال�سهام هنا لي�س فقط هو اال�سهام املادي وامنا اي�ض ًا هو اال�سهام الفكري، مركزي على ق�ضية تراكم املعرفة الب�شرية و أ�ن احل�ضارة ال تبد أ� من نقطة و�إمنا هي عملية تراكمية مت�ص ّلة عرب التاريخ وحياة االن�سان. لقد حاولنا يف هذا الكتاب أ�ن ن�شيع أالمل بامكانية ا�ستئناف ح�ضارة �إ�سالمية على م�ستوى ما يف العامل ورغم عدائية او �صراع أالخرين �إذ يف الوقت الذي نعرتف فيه بخ�صو�صية أالخرين وباالختالف يف كل مناحي احلياة وعرب امل�سرية احل�ضاري ،ون ؤ�كد أ�ن هذا احلق الذي نعرتف فيه آ للخرين، يجب أ�ن يعرتفوا لنا فيه .ويبقى هذا الكتاب م�ساهمة متوا�ضعة يف ا إلطار العلمي.
الوسسطية
امل�سلمون اليوم فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة امل�سلمون يف الواليات املتحدة
الواقع والتحديات
عبيدة فار�س ع�ضو منتدى الو�سطية للفكر والثقافة رغم أ�ن ن�سبة امل�سلمني من �إجمايل عدد ال�سكان يف الواليات املتحدة ال تزيد عن � ،%2.5إ ّال أ�ن ح�ضور امل�سلمني يزداد يوم ًا بعد يوم يف جممل احلياة أ ال�سالم كمو�ضوع يحتل موقع ًا متقدم ًا يف المريكية ،كما أ�ن إ العالم أ قائمة املو�ضوعات التي تثري اهتمام أ المريكية. المريكيني ،وت�ستغرق م�ساحات وا�سعة يف و�سائل إ ورغم ارتباط هذا االهتمام يف جزء كبري منه ب أ�حداث احلادي ع�شر من �سبتمرب� ،إ ّال أ�ن هذا االهتمام مل ينح�صر يف جوانب �سلبية فقط ،حيث �شهدت الواليات املتحدة خالل ال�سنوات التي تلت هذه أ الحداث حمالت �إعالمية و�سيا�سية ،وبرامج متنوعة لزيادة وعي املواطنني أ بال�سالم من جهة ،وحمالت مقابلة المريكيني إ لالنفتاح على امل�سلمني يف خارج الواليات املتحدة ،ويف فتح قنوات للحوار والتوا�صل مع امل�سلمني يف داخلها. وميكن أ�ن نلحظ ذلك يف الربامج التي تنظمها وزارة اخلارجية أالمريكية ،والبيت أالبي�ض ،من قبيل اللقاءات الدورية التي يعقدها الرئي�س أالمريكي مع اجلالية امل�سلمة هناك .وقد انتهى أالمر بالبيت أالبي�ض �إىل ا إلعالن عن تعيني مبعوث خا�ص �إىل منظمة امل ؤ�متر ا إل�سالمي ،حيث و�صف الرئي�س أالمريكي جورج بو�ش هذا التعيني ب أ�نه «يظهر للمجتمعات ا إل�سالمية اهتمامنا باحلوار القائم على االحرتام وال�صداقة امل�ستمرة» ،وجاء ا إلعالن تعيني هذا املبعوث يف اخلطاب الذي
أ�لقاه الرئي�س بو�ش يف املركز ا إل�سالمي بوا�شنطن ملنا�سبة الذكرى اخلم�سني لت أ��سي�س املركز يف 27حزيران .)(2007 امل�سلمون يف أ�مريكا :قراءة �إح�صائية يبلغ عدد امل�سلمني يف الواليات املتحدة ما بني خم�سة �إىل �سبعة ماليني م�سلم %33 ،منهم من أ��صول جنوب �آ�سيوية، و %30من أالمريكيني أالفارقة ،و %25من أ��صول عربية ،بينما تتوزع بقيتهم على أ��صول خمتلفة. وتعترب ن�سبة اعتناق ا إل�سالم من الن�سب العالية يف
87
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة الواليات املتحدة ،حيث ت�شري درا�سة أ��شرفت عليها جامعة هارتفورد لدرا�سات أالديان �إىل أ�ن ما معدله 16فرد ًا ين�ضمون �إىل ا إل�سالم يف كل م�سجد يف الواليات املتحدة ،وهي ن�سبة م�ستقرة تقريب ًا منذ عام .)(1994ويبلغ عدد امل�ساجد يف الواليات املتحدة حوايل 1200م�سجد(). وقد أ��شارت الدرا�سة ذاتها �إىل أ�ن ما معدله مليونا م�سلم يرتادون امل�ساجد على نحو منتظم ،وهي ن�سبة عالية باملقارنة مع عدد امل�سلمني ،حيث ميثل هذا الرقم ما معدله ثلث عدد امل�سلمني يف أ�مريكا ،مبن فيهم أالطفال وكبار ال�سن ،وهي ن�سبة قد تزيد عن ن�سبة ارتياد امل�سلمني للم�ساجد يف بع�ض الدول ا إل�سالمية. والرهاب أ�زمة اخلوف إ أ��ستطاع تنظيم القاعدة مبا فعله يف احلادي ع�شر من �سبتمرب ،ومبا فعله يف لندن ومدريد وغريها ،أ�ن ي�ش ّوه �صورة امل�سلمني يف العامل أ�جمع ،لكن امل�سلمني يف الغرب كانوا أالكرث ت�ضرر ًا ،نتيجة للجهود التي قامت بها املجموعات العن�صرية لل�سالم ،حيث أ��سفر هذا احللف غري وا إليديولوجية املناه�ضة إ املعلن بني املتطرفني من اجلهتني �إىل حتويل امل�سلم �إىل متهم حتى لو ثبتت براءته ،وحت ّول ال�سفر عرب املطارات �إىل رحلة من ا إلهانات العن�صرية املعلنة وغري املعلنة. ورغم أ�ن ا إلرهاب قد ا�ستهدف م ؤ��س�سات غري �إ�سالمية كما قال تنظيم القاعدة � ،إ ّال أ�ن امل�سلمني دفعوا ثمنها مرتني، أالوىل عندما �سقط م�سلمون �ضحاي ًا لهذا ا إلرهاب يف كل العمليات التي جرت يف نيويورك ولندن وغريها ..وعانوا من اخلوف مثلهم مثل بقية املواطنني هناك ،ودفعوا الثمن ثانية عندما ا�ستُخدم دينهم يف تربير قتل أالبرياء ،ف أ��صبحوا أ�مام العا ّمة �شركاء يف اجلرمية ،ومتهمني حمتملني إلرهاب قد يح�صل. ال�سالمية دور امل ؤ��س�سات إ وبالتوازي مع احلمالت ا إلعالمية امل�ستمرة ،منذ احلادي ع�شر من �سبتمرب ،لت�شويه �صورة امل�سلمني ب�شكل عام ،ف�إن املراكز وامل ؤ��س�سات ا إل�سالمية هناك قامت بتنظيم حمالت
88
موازية للتعريف با إل�سالم ،ولتو�ضيح ال�صورة احلقيقية له، والدفاع عن حقوق امل�سلمني ،ور�صد أ�ي متييز يتعر�ضون له. وميكن هنا أ�ن نعر�ض �إىل جتربة جمل�س العالقات كنموذج لعمل امل ؤ��س�سات ا إل�سالمية أالمريكية (كري) ٍ ا إل�سالمية يف أ�مريكا ،حيث عمل املجل�س كحلقة و�صل بني امل�سلمني يف الواليات املتحدة ،وبني دوائر �صنع القرار يف وا�شنطن ،فمن خالل مكتبها الذي يقع خلف الكوجنر�س تقوم املنظمة باالت�صال اليومي ب أ�ع�ضاء جمل�س النواب إلطالعهم على �شكاوى امل�سلمني واقرتاحاتهم وتو�صياتهم ،وهو أ�مر يالقي جتاوب ًا من كثري من أ�ع�ضاء الكوجنر�س ،وقد أ��سفرت جهود املنظمة مع �آخرين �إىل افتتاح أ�ول م�سجد داخل الكوجنر�س، حيث تقام �صالة اجلمعة داخل املبنى ،وميكن ألي �شخ�ص الدخول �إىل هذا امل�سجد حل�ضور ال�صالة فيه .كما قامت املنظمة بتنظيم حملة لتوزيع القر�آن الكرمي باللغة ا إلجنليزية جمان ًا على املواطنني أالمريكيني ،للتعرف على تعاليم ا إل�سالم ب�شكل مبا�شر. وبالتوازي مع جهود املجل�س ،تقوم الكثري من امل ؤ��س�سات أالخرى ب أ�دوار خمتلفة يف هذا املجل�س ،فقد قام االحتاد ا إل�سالمي يف أ�مريكا ال�شمالية وامل ؤ��س�سة الوطنية لل�سالم بتنظيم برنامج للتعريف با إل�سالم يف أ�مريكا ،وا�ستهدف هذا الربنامج أ�ئمة ودعاة من أ�ربعة بلدان من ال�شرق أالو�سط، ليقوموا بالتعرف مبا�شرة على أ�و�ضاع امل�سلمني يف الواليات املتحدة ،واحلوار مع غري امل�سلمني هناك ،ويف نف�س الوقت يت�ضمن الربنامج زيارة ل�شخ�صيات أ�مريكية �إىل ال�شرق أالو�سط للتعرف على امل ؤ��س�سات ا إل�سالمية هناك ،واحلوار مع امل�سلمني يف بلدانهم. عقبات وعرثات ورغم اجلهود الكبرية التي تبذلها امل ؤ��س�سات ا إل�سالمية املختلفة � ،إ ّال أ�ن املراقب ميكن أ�ن يكت�شف عدد ًا من امل�شكالت التي تواجه العمل امل ؤ��س�سي ا إل�سالمي ،وحت ّد من قدرته على عك�س واقع اجلالية وحجمها. فمن ذلك أ�ن كثري ًا من امل�سلمني هناك مل يظهروا قناعة
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة كافية يف دعم برامج الرتبية على الدميوقراطية واملواطنة وحقوق ا إلن�سان ،وهي الربامج التي تخدم ق�ضيتهم أ�كرث من غريهم ،وميكن أ�ن يظهر ذلك من خالل درا�سة جتربة مركز درا�سة ا إل�سالم والدميوقراطية ،وهو مركز ت أ��س�س عام 1999 يف وا�شنطن ،وقام خالل ال�سنوات املا�ضية بتنفيذ برامج مهمة ووا�سعة يف جميع أ�نحاء العامل ا إل�سالمي ،وا�ستطاع ا�ستقطاب ال�سا�سة أالمريكيني على خمتلف فائتهم �إىل أ�ن�شطته وم ؤ�متراته، � إ ّال أ�ن املركز يواجه أ�زمة مالية حادة منذ فرتة طويلة ،رغم أ�ن املبلغ الذي يحتاجه املركز ميكن ت أ�مينه من عدد حمدود من امل�سلمني هناك. ومن جهة أ�خرى يعاين جزء من امل�سلمني هناك من عوامل الفرقة التي يعاين منها امل�سلمون يف العامل ا إل�سالمي ،حيث ت�ستند الكثري من امل ؤ��س�سات أ والن�شطة ا إل�سالمية �إىل تق�سيمات طائفية أ�و جهوية ت�ضعف من الت أ�ثري ال�سيا�سي للم�سلمني.
قراءة ا�ست�شرافية يظهر الواقع احلايل للم�سلمني يف الواليات املتحدة ،أ�نه ورغم العقبات التي يواجهها العمل ا إل�سالمي هناك� ،إال أ�ن العمل ا إل�سالمي ي�شهد تطور ًا ملحوظ ًا وملفت ًا ،حيث ا�ستطاع كيث أ�لي�سون أ�ن يكون أ�ول نائب م�سلم يف الكوجنر�س أالمريكي، بعد أ�ن ّ ر�شحه احلزب الدميوقراطي عن والية ديرتويت يف انتخابات عام ،2006حيث �شهد الكوجنر�س أ�ول ق�سم على القر�آن الكرمي. كما تظهر ا إلدارة أالمريكية ،ومراكز الدرا�سات أالمريكية، مزيد ًا من االنفتاح على املجتمع امل�سلم ،مع زيادة يف أالن�شطة البحثية والفكرية واالجتماعية التي تهدف �إىل التعريف با إل�سالم والتعرف عليه ،وزيادة وعي املواطن أالمريكي به ،وهو ما ي�ساعد على ردم الفجوة بني امل�سلمني يف أ�مريكا وامل ؤ��س�سات أالمريكية الر�سمية وال�شعبية من جهة ،وبني هذه امل ؤ��س�سات وامل�سلمني يف العامل ا إل�سالمي.
89
ا�ستطالع �إ�سالمي ال�سياحة الدينية يف االردن احمد ابودلو اململكة أ الردنية الها�شمية ال�ضرحة أ الردن ،أ�ر�ض أ�دوم ،وم ؤ�اب وعمون ،وجلعاد ،وبرييا ،الكثري من أ هنا يف أ والماكن املقد�سة للديانات ال�سماوية ،و�إىل هذه االر�ض يفد امل ؤ�منون الباحثون عن مواقع و آ�ثار أ للنبياء ولل�صحابة. الر�ض أ الردن باب الفتوحات اال�سالمية ،وعلى أ أ الردنية دارت املعارك التاريخية الكربى ،ومن أ�همها معركة م ؤ�تة ،ومعركة فحل ،ومعركة الريموك.
ولتخليد ذكرى ال�شهداء وال�صحابة ،أ�قيمت امل�ساجد أ وال�ضرحة واملقامات ،التي تبقى ا إلنت�صارات ا إل�سالمية حية يف الذهن املعا�صر ،ففي م ؤ�تة واملزار قرب مدينة الكرك اجلنوبية يوجد �ضريح جعفر بن أ�بي طالب ،ومقام زيد بن حارثة ،وعبد اهلل بن رواحة. ويوجد �صرح تذكاري لفروة بن عمرو اجلذامي ،بالقرب من حمامات عفرا �شمال مدينة الطفيلة ،وقام احلارث بن عمري أالزدي ،يف جنوب الطفيلة بالقرب من مدينة ب�صريا. ويف وادي أالردن يحت�ضن عدد ًا من مقامات ال�صحابة أالجالء ومنها :مقام �ضرر بن أالزور بالقرب من بلدة دير عال ،وقام ال�صحابي اجلليل أ�بو عبيدة عامر بن اجلراح ،الذي يقع يف الغور املعروف با�سمه ،ومقام �شرحبيل بن ح�سنة يف بلدة امل�شارع ،ومقام معاذ بن جبل ،ومقام عامر بن أ�بي وقا�ص
90
يف أالغوار ال�شمالية. قرب مدينة ال�سلط يقع مقام النبي أ�يوب يف قرية (بطنا). كما يوجد مقام النبي �شعيب يف منطقة وادي �شعيب القريبة من ال�سلط. ولعل كهف أ�هل الكهف الواقع �إىل اجلنوب ال�شرقي من عمان ،يعترب من أ�هم املواقع اجلاذبة للزائرين ،حيث ذكرت وقائع ق�صة أ�هل الكهف يف القران الكرمي� ،إ�ضافة �إىل أ�نها معروفة يف التاريخ امل�سيحي. ويف عمان عا�صمة أالردن حديثا التي عرفت يف عهد العمونني با�سم ربة عمون ،ويف العهد اليوناين -الروماين با�سم فيالدلفيا .ويف الواقع ،ف�إن عمان واحدة من أ�قدم املدن يف العامل التي ظلت م أ�هولة با�ستمرار .ويف أال�صل ،كانت عمان تقوم على �سبعة تالل ،أ�ما ا آلن فهي تنت�شر فوق مااليقل عن
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ت�سعة ع�شر ت ًال. عـــــمـــــــان :مدينة امل�آذن ومن املدرج الروماين ،ميكنك أ�ن ت�سري يف �شوارع مركز املدينة العا�صمة عمان ،لت�صل �إىل امل�سجد احل�سيني .وهذا امل�سجد ذو الطراز العثماين ،أ�عيد بنا ؤ�ه عام 1924م ب أ�مر من املغفور له جاللة امللك عبد اهلل بن احل�سني م ؤ��س�س دولة أالردن احلديثة ،فوق ا آلثار الباقية مل�سجد بناه عام 640م اخلليفة الثاين عمر بن اخلطاب -ر�ضي اهلل عنه� -إ�ضافة �إىل ذلك، عليك أ�ن ال تفوت الفر�صة لزيارة م�سجد ال�شهيد امللك عبد اهلل طيب اهلل ثراه .الذي أ�جنز عام 1990م إلحياء ذكرى املغفور له امللك امل ؤ��س�س عبد اهلل ،والذي ي�شار �إليه يف أ�حيان بامل�سجد ذي القبة الزرقاء ألن لون القبة من اخلارج هو أالزرق ال�سماوي. ويف اجلبيهة �إحدى �ضواحي عمان ،ميكنك زيارة �ضريح ال�صحابي اجلليل عبد اهلل بن عوف الزهري -ر�ضي اهلل عنه -وتدلك احلجارة امل�صفوفة على املكان الذي دفن فيه أ�حد الع�شرة الذين ب�شرهم النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم باجلنة .وقد �شارك عبد الرحمن بن عوف-ر�ضي اهلل عن لل�سالم ،مبا يف ذلك – يف جميع املعارك والغزوات الرئي�سية إ أُ�حد( يف املدينة املنورة) ،واخلندق ،فتح مكة ،وحنني ،وبدر، التي جرح فيها ،وكان هو الذي وقع �صلح احلديبية نيابة عن امل�سلمني (�إىل الغرب من مكة) ،وهو �صلح توافقي ّمت التو�صل �إليه بني النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم وقادة مكة ،قدمت فيه مكة اعرتافها ال�سيا�سي والديني باملجتمع ا إل�سالمي املتنامي. و�إ�ضافة �إىل ذلك ،كان عبد الرحمن بن عوف -ر�ضي اهلل عنه رجل أ�عمال ناجح �شارك ا آلخرين يف ثروته مبا عرف عنهمن بذل وعطاء .ففي يوم واحد ،متكن من حترير 31عبد ًا ،ويف مرة أ�خرى تربع بقافلة من �سبعمائة بعري حمملة بالطعام لعمل اخلري ،و أ�و�صى عند وفاته ب أ�ن يخ�ص�ص لعمل اخلري أ�لف جواد وخم�سون أ�لف دينار. ويظل مبنى حديث �ضريح ال�صحابي اجلليل بالل رباح – ر�ضي اهلل عنه – عند قرية بالل ،يف وادي ال�سري ،وهي �ضاحية أ�خرى من �ضواحي عمان ،وقد اعتنق بالل -ر�ضي اهلل عنه – ا إل�سالم عندما كان عبد ًا ،مما جلب عليه غ�ضب �سيده أ�مية بن خلف الذي حاول �إرغامه على نبذ دينه بو�ضع
�صخرة كبرية على �صدره خالل ف�صل ال�صيف الذي ت�صل فيه درجات احلرارة يف مكة �إىل ذروة ارتفاعها .وقد حارب بالل – ر�ضي اهلل عنه ب�شجاعة يف غزوتي أُ�حد وبدر حيث متكن من أالنتقام لنف�سه من �سيده ال�سابق .وقد وهب اهلل بال ًال –ر�ضي اهلل عنه� -صوتا رخيما ،و أ��صبح م ؤ�ذن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم. ومن املعامل التي يتقاطر �إليها الزوار خارج عمان كهف الرقيم أ�و كهف أ�هل الكهف وقد ورد ذكره يف القران الكرمي يف �سورة الكهف ،ويقع خارج قرية الرقيم ،على م�سافة ع�شرة كيلومرتات �شرقي عمان .وكانت جمموعة من الرجال أالتقياء، الذين عانوا من ا�ضطهاد حكم تراجان اليوناين الت�سلطي إلميانهم بوحدانية اهلل ،قد التج أ�ت �إىل هذا الكهف .وحفاظا عليهم ،جعلهم الباري يخلدون �إىل النوم ،وعندما ا�ستفاقوا بعد � 309سنوات �شم�سية ،ظنوا أ�نهم كانوا نياما ليوم أ�وبع�ض يوم فقط .وكانت امل�سيحية قد انت�شرت عندئذ ،وعندما اكت�شف امرهم ،كتب اهلل عليهم الراحة أالبدية .وعند الكهف مازالت هناك �آثار بيزنطية ورومانية ،با إل�ضافة �إىل م�سجد ،مما يتفق متاما مع الو�صف الوارد يف القران الكرمي. مــــــــــــادبا :ف�سيف�ساء املا�ضي و�إىل اجلنوب من عمان تقع مادبا ال�شهرية ب أ�نها مدينة الف�سيف�ساء وايل ت�ضم واحدة من أ�كرب جمموعات الف�سيف�ساء يف العامل ،يعود تاريخ معظمها اىل قبل � 1400سنة على أالقل. و أ��شهر لوحات مادبا الف�سيف�سائية وهي خريطة أالرا�ضي املقد�سة ،ت�شتمل على مايزيد على مليوين قطعة من أالحجار امللونة ت�صور أالرا�ضي املقد�سة واملناطق املحيطة بها. وعلى م�سافة ع�شر دقائق بال�سيارة من مادبا يقع جبل نبو أ�حد املواقع أالكرث أ�همية يف أالردن لدى اتباع الديانات ال�سماوية. فمن هنا ت�سرح نظرك لرتى م�شهد البحر امليت الرائع، وبانوراما اجلبال ،ومرتفعات القد�س املتعالية التي ترتائى للناظر عن بعد .وعلى قمة جبل نبو ،تقف حيث وقف النبي مو�سى عليه ال�سالم ناظر ًا عرب نهر أالردن نحو فل�سطني .وقد غدا جبل نبو املكان الذي دفن فيه بعد أ�ن قاد �شعبه من م�صر عرب �صحراء �سيناء متجه ًا �إىل أالر�ض املقد�سة .وقد كلم اهلل
91
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة تعاىل مو�سى عليه ال�سالم ب�صورة مبا�شرة .ومن ثم أ�عطى مو�سى �شعبه القوانني التي أ�وحى بها من ال�سماء .وهناك �إقرار ب�صورة عامة ب أ�ن مو�سى عليه ال�سالم دفن يف جبل نبو .بالرغم من عدم وجود �ضريح فعلي يكون عالمة على املوقع .وي�صف القران الكرمي بالتف�صيل حياة مو�سى عليه ال�سالم ور�سالته. ويف الواقع ،ف�إن مو�سى عليه ال�سالم هو النبي الذي حظي مرات تفوق كثري ًا التي ذكر فيها ب أ�ن يذكر يف القران الكرمي ٍ أالنبياء االخرون. وعندما كان مو�سى عليه ال�سالم بحاجة �إىل املاء� ،ضرب �صخرة بع�صاه فظهر اثنا ع�شر نبعا .وهذه العيون التي ت�سمى عيون مو�سى تقع قرب مادبا .وبالقرب من مادبا أ�ي�ضا قرية ال�شقيق التي تطل على الوادي املوجب ،وفيها �ضريح ال�صحابي اجلليل أ�بي ذر الغفاري – ر�ضي اهلل عنه – الذي حتدد موقعه حجارة م�صفوفة .وقد عرف أ�بي ذر – ر�ضي اهلل عنه – بكرمه و�صدقه ،وكان من أ�وائل ال�صحابة الذين اعتنقوا ا إل�سالم، وداعية مدافع ًا عن مبد أ� توزيع الرثوات. كان النبي يحيى (يوحنا املعمدان) عليه ال�سالم ابن النبي زكريا عليه ال�سالم ،قد وا�صل عمل والده يف الدعوة �إىل كلمة اهلل .وعا�ش يحيى التقي الورع عليه ال�سالم ،ووعظ ،وعمد يف بيثاين(بيت عربة) يف وادي أالردن .وقد عمد يحيى عليه ال�سالم أ�ي�ض ًا النبي عي�سى (ال�سيد امل�سيح) عليه ال�سالم يف بيثاين ،وكثري ًا مارافق ال�سيد امل�سح عليه ال�سالم عندما كان يقوم بالوعظ ،وقد أ��صبح نبي ًا ور�سو ًال عندما خاطبه اهلل تعاىل قائ ًال»(وكان هريوديا ،التي تزوجت امللك هريودو�س يف مكاور .وقد أ�ر�سل ر أ��س يحيى عليه ال�سالم �إىل دم�شق ،بينما بقي ج�سده يف مكاور .وميكنك زيارة هذا املوقع الذي يقع على قمة جبل يف قرية مكاور قرب بيثاين التي تقع على م�سافة 32 كيلومرت ًا جنوب غرب مادبا.. الــكــــــــــــــــرك :أ�ر�ض ال�شهداء ويف الكرك كانت معركة م ؤ�تة (629م) هي أ�هم املعارك التي جرت يف حياة النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم و أ��شدها �ضراوة .كما انه ت�سببت يف مقتل أ�قرب �صحابة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إليه ،الذين ا�ست�شهدوا وهم يحاربون اجلي�ش البيزنطي الغ�ساين امل�شرتك ،وميكنك زيارة أ��ضرحة ال�صحابة
92
أالجالء زيد بن حارثة -ر�ضي اهلل عنه – وجعفر بن أ�بي طالب -ر�ضي اهلل عنه – وعبد اهلل بن رواحة –ر�ضي اهلل عنه – يف مدينة املزار اجلنوبي قرب الكرك. وقد قاد زيد بن حارثة ال�صحابي اجلليل – ر�ضي اهلل عنه الذي تبناه النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ،جي�ش امل�سلمني يف معركة م ؤ�تة ،وخا�ض زيد – ر�ضي اهلل عنه غمار املعركة ب�شجاعة نادرة حتى �سقط م�صاب ًا �إ�صابة قاتلة .وهو ال�صحابي الوحيد الذي ذكر ا�سمه يف القران الكرمي ،يف قوله تعاىل}:فلما ق�ضى زيد منها وطر ًا زوجناكها لكي اليكون على امل ؤ�منني حرج يف أ�زواج أ�دعيائهم �إذ ق�ضوا منهن وطر ًاوكان أ�مر اهلل مفعو ًال{(.االحزاب.)37: وملا �سقط زيد ر�ضي اهلل عنه ،ت�سلم الراية نائب قائد اجلي�ش ال�صحابي اجلليل جعفر بن أ�بي طالب – ر�ضي اهلل عنه ،ابن عم النبي �صلى اهلل عليه و�سلم .و�سمي جعفر الطيار ألنه وهو يواجه املوت قاتل بب�سالة ،وقبل أ�ن ي�ست�شهد يف معركة م ؤ�تة حمل الراية بيمنه فقطعت ،فحملها بي�ساره فقطعت، فاحت�ضن الراية بع�ضديه ،وبعد ذلك بفرتة ق�صرية ر أ�ى الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم جعفر ًا يف ر ؤ�يا وهو يف اجلنة يجل�س مع ال�شهداء ا آلخرين يف املعركة وله جناحان بدل الذراعني، ف�سمي لدى عقبه بجعفر الطيار وكان جعفر يعرف ب أ�نه أ��شبه النا�س خلق ًا ُ وخلق ًا بالر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم وكان جواد ًا كرميا ي�ساعد املحتاجني حتى دعي أ�با امل�ساكني ،وروي احلديث عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم. وقد بعث جعفر – ر�ضي اهلل عنه وار�ضاه – على ر أ��س املهاجرين من امل�سلمني �إىل احلب�شة .وبعث امل�شركون وفد ًا برئا�سة عمرو بن العا�ص إلعادة امل�سلمني �إىل مكة .وجرت مناظرة بني اخل�صمني بح�ضور النجا�شي (ملك احلب�شة ) فكان جعفر – ر�ضي اهلل عنه جريئ ًا �شجاع ًا اليخ�شى يف احلق لومة الئم ،وظهر ذلك عندما �س أ�له النجا�شي عما يقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف عي�سى بن مرمي عليه ال�سالم؛ ورغم مايف هذا املوقف من حرج� ،إذ �إن اجلواب عن هذا ال�س ؤ�ال قد تكون له نتائج خطرية جد ًا فجعفر وجماعته من امل�سلمني جا ؤ�وا مهاجرين بدينهم وعليه حمايتهم كي الي�سلمهم النجا�شي لر�سل قري�ش� ،إال أ�ن جعفر ًا – ر�ضي اهلل عنه – رد بحكمة
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة وثقة قائ ًال « :نقول الذي جاءنا به نبينا �صلى اهلل عليه و�سلم: هو(عي�سى) عبد اهلل ور�سوله وروحه وكلمته أ�لقاها �إىل مرمي العذراء البتول» .وقد نالت ا إلجابة ر�ضا النجا�شي ،مما أ�دى به �إىل ال�سماح للم�سلمني بالبقاء يف احلب�شة. وال�صحابي اجلليل عبد اهلل بن رواحة – ر�ضي اهلل عنه – كان القائد الثالث الذي ت�سلم قيادة اجلي�ش بعد زيد – ر�ضي اهلل عنه – وجعفر –ر�ضي اهلل عنه-وقد عرف عبد اهلل بن رواحة –ر�ضي اهلل عنه -بني ال�صحابة بتقواه وطاعته و�صربه و�إ�ضافة �إىل ذلك كان جماهد�آ حمت�سب آ� وجندي آ� وفي آ� للر�سالة التي �آمن بها و�شاعر�آ يف قومه يدافع عن ع�شريته ثم أ��صبح �شاعر�آ للر�سول�-صلى اهلل عليه و�سلم -بعد �إ�سالمه. وقبل �إ�ست�شهاده يف معركة م ؤ�تة .وملا علم أ�ن الروم و أ�عوانهم من الغ�سا�سنة يزيدون أ��ضعاف آ� م�ضاعفة عن جي�ش امل�سلمني .نه�ض و�سط امل�سلمني وقال: يا نف�س �إال تقتلي متوتي هذا حمام املوت قد �صليت وما متنيت فقد أ�عطيت �إن تفعلي فعلهما هديت ويف الكرك واملناطق املحيطة بها تقوم مواقع هامة لدى امل�سلمني .فا�ستجالء ل�شهرة �سفينة نوح ،ميكنك زيارة مقام النبي نوح –عليه ال�سالم -يف مدينة الكرك .وقد أ�ر�سل اهلل نوح آ�-عليه ال�سالم� -إىل قومه لينذرهم من قبل أ�ن ي أ�تيهم عذاب أ�ليم من اهلل تعاىل �إذا ما ا�ستمروا يف عبادة أال�صنام، كما ورد يف القر�آن الكرمي: }�إنا أ�ر�سلنا نوح آ� �إىل قومه أ�ن أ�نذر قومك من قبل أ�ن ي أ�تيهم عذاب أ�ليم قال يا قوم �إين لكم نذير مبني أ�ن �إعبدوا اهلل واتقوه و أ�طيعون{ (�سورة نوح )3-1 وعرف النبي وملك �إ�سرائيل �سليمان –عليه ال�سالم- ب�سداد احلكم والتقوى ،ويقوم مقامه يف �صرفا قرب الكرك. وكان النبي �سليمان –عليه ال�سالم -يتمتع ب�سلطات عظيمة من بينها ت�سخري الريح له ،وت�سخري اجلن له ،وتعليمه منطق الطري واحليوانات أالخرى .ويعترب �سليمان –عليه ال�سالم -مع�صوم آ� يف ا إل�سالم ،مثله مثل أ�بيه النبي وامللك داوود-عليه ال�سالم.-
وقد ذكر النبي �سليمان –عليه ال�سالم -يف �ست ع�شرة �آية يف القر�آن الكرمي. ويف الكرك أ�ي� آض� مقام زيد بن علي بن احل�سني-ر�ضي اهلل عنه -وقد كان النبي حممد-عليه ال�سالم -و�إمام آ� ديني آ� عرف ب�صالحه وتقواه ووفرة علمه .وقد و�صفه ا إلمام جعفر ال�صادق ب أ�نه أ�ف�ضل من قر أ� القر�آن الكرمي بني أ�قرانه ،أ والكرث معرفة وعلم آ� بالدين ،أ والكرث بر�آ ب أ�هله و أ�قاربه. وادي أ الردن :أ��ضرحة ال�صحابة ميكنك ا إلن�ضمام �إىل الزوارا آلخرين يف وادي أالردن وزيارة أ��ضرحة �صحابة النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم وقادته الع�سكريني .ر�ضي اهلل عنهم جميعا ،الذين ا�ست�شهدوا عم أ�ر�ض يف املعارك أ�و وقعوا فري�سة لطاعون عموا�س الذي ّ ال�شام يف ال�سنة الثامنة ع�شرة للهجرة. كان ال�صحابي اجلليل أ�بو عبيدة عامر بن اجلراح – ر�ضي اهلل عنه – من أ�قارب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم .ومن أ�وائل ال�سابقني �إىل الدخول يف ا إل�سالم .كما كان أ�بو عبيدة – ر�ضي اهلل عنه أ�حد امل�سلمني أالوائل املهاجرين �إىل احلب�شة ،و�شارك من بعد يف جميع أالحداث الرئي�سية. �إ�ضافة �إىل ذلك ،فهو أ�حد الع�شرة املب�شرين باجلنة الذين ذكرهم النبي �صلى اهلل عليه و�سلم .وباعتباره القائد أالعلى جلي�ش امل�سلمني ال�شمايل ،جنح أ�بو عبيدة – ر�ضي اهلل عنه يف فتح بالد ال�شام ولقبه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم « أ�مني أالمة « ملا كان يتمتع به من معرفة .وعندما تويف النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،كان أ�بو عبيدة – ر�ضي اهلل عنه بني املر�شحني للخالفة ،ولكنه اتفق مع الر أ�ي القائل ب أ�ن أ�با بكر ال�صديق – ر�ضي اهلل عنه – هو امل ؤ�هل لقيادة امل�سلمني وتويل اخلالفة ألن النبي حممد ًا �صلى اهلل عليه و�سلم طلب منه أ�ن ي ؤ�م امل�صلني بعد وفاته .وهكذا جنح أ�بو عبيد – ر�ضي اهلل عنه – يف جتنب التمرد والفرقة بني امل�سلمني .ويف الثامنة واخلم�سني عم أ�ر�ض ال�شام .ويف من عمره .أ��صيب بطاعون عموا�س الذي ّ الغور أالو�سط ،يف وادي أالردن ،يقوم �ضريحه – ر�ضي اهلل عنه يف جممع ي�ضم مركز ًا ا�سالمي ًا رئي�سي ًا يف م�سجد ،ومكتبة، ومركز ثقايف. وال�صحابي اجلليل معاذ بن جبل – ر�ضي اهلل عنه – الذي
93
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة عرف بالو�سامة والكرم ،أ��سلم وهو يف الثامنة ع�شرة من عمره. وكان واحد ًا من ال�ستة الذين كلفوا بجمع القران الكرمي يف عهد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم الذي قال عن معاذ – ر�ضي اهلل عنه « :-و أ�علمهم باحلالل واحلرام ( يف اال�سالم ) معاذ بن جبل» .و أ�ن معاذ ًا �سيكون يف مقدمة العلماء جميع ًا يوم القيامة. وقبل أ�ن يرافق معاذ ًا أ�با عبيدة عامر بن اجلراح – ر�ضي اهلل عنهما – يف فتوحاته ،ويخلفه من بعده ،أ�ر�سله النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قا�ضي ًا ومر�شد ًا ألهل اليمن .و�شهد معاذ أ�ي�ضا بيعة العقبة بني النبي حممد و أ�ن�صاره من املدينة .وقد تويف معاذ – ر�ضي اهلل عنه – وهو يف الثامنة والثالثني من عمره يف وادي أالردن ،بعد أ�ن انق�ضت حياته الق�صرية يف تدري�س الدين والقران الكرمي ،ويف أ�يامنا هذه ،يقوم �ضريحه يف مبنى حديث تعلوه خم�س قباب .وكان ال�صحابي اجلليل �شرحبيل بن ح�سنة – ر�ضي اهلل عنه – من بني أ�وائل امل�سلمني الذين هاجروا �إىل احلب�شة .وقد عرف بتقواه ،وذكائه ،و�شجاعته ،و�إرادته احلكيمة الناجحة .وقد �شارك �شرحبيل بن ح�سنة بهمة عالية يف معركة الريموك وفتح بيت املقد�س .وعندما أ�ر�سل اخلليفة أ�بو بكر ال�صديق – ر�ضي اهلل عنه – اجليو�ش ا إل�سالمية لفتح بالد ال�شام ،كان �شرحبيل بن ح�سنة – ر�ضي اهلل عنه قائد ًا للجي�ش املكلف بفتح أالردن .وفيما بعد ،واله اخلليفة عمر بن اخلطاب – ر�ضي اهلل عنه – منطقة وا�سعة من بالد ال�شام حيث متيز بعدله يف الرعية .وقد أ��صيب بطاعون عموا�س يف اليوم الذي أ��صيب فيه بالطاعون ال�صحابي اجلليل أ�بو عبيدة عامر بن اجلراح ر�ضي اهلل عنه. وال�صحابي اجلليل عامر بن أ�بي وقا�ص – ر�ضي اهلل عنه – هو �إبن خالة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،والرجل احلادي ع�شر يف ترتيب الذين اعتنقوا ا إل�سالم .وكان مت�شبث ًا بدينه، �صابر ًا مثابر ًا ،بالرغم من أ�ن أ�مه حمنة بنت أ�بي �سفبان بن حرب بن أ�مية أ�ق�سمت أ�ن تظل جال�سة حتت ال�شم�س احلارقة حتى يقوم عامر بانكار دينه اجلديد .وهاجر �إىل احلب�شة وقاتل يف غزوة أُ�حد .وك ِّلف من بعد بنقل ر�سائل من قادة اجلي�ش ا إل�سالمي �إىل اخلليفة يف املدينة .و�إ�ضافة �إىل ذلك ،كان نائب ًا لل�صحابي اجلليل أ�بي عبيدة – ر�ضي اهلل عنه -يف واليته على منطقة �سوريا الع�سكرية .وميكنك زيارة �ضريحه – ر�ضي اهلل عنه – يف املبنى اجلديد الذي أ�قيم فوق أالقبية يف قرية وقا�ص
94
يف �شمال أالردن. أ�ما ال�صحابي اجلليل �ضرار بن أالزور – ر�ضي اهلل عنه – فقد كان �شاعر ًا وفار�س ًا و�شجاع ًا يع�شق القتال ،وقد �شارك يف حروب الردة ،ويف فتح بالد ال�شام مع �شقيقته املتميزة خولة بنت أالزور .ويف مدينة دير عال يقوم م�سجد تعلوه قبة وي�ضم �ضرار بن أالزور – ر�ضي اهلل عنه – و أ��سكنه ف�سيح جنانه، الذي تويف أ�ي�ض ًا بطاعون عموا�س يف ال�سنة الثامنة ع�شرة للهجرة. ال�سلط :أ�ر�ض حمن أ النبياء ويف ال�سلط وحولها العديد من أ��ضرحة البارزين من امل�سلمني ومن ا آلخرين الذين ورد ذكرهم يف القران الكرمي. ففي داخل م�سجد حديث يف وادي �شعيب يقوم مقام النبي �شعيب –عليه ال�سالم -وهو من قبيلة مدين ووالد زوجة النبي مو�سى عليه ال�سالم ،و�إليه التج أ� مو�سى عليه ال�سالم بعد أ�ن قتل م�صري ًا خطئ ًا .وقد وعظ قومه تكرار ًا حول وحدانية اهلل ودعاهم �إىل التخلي عن ممار�ساتهم مثل قيامهم ببخ�س النا�س أ��شياءهم التي يبيعونها لهم بالغ�ش واخلداع .ويف م�سجد �إىل الغرب من ال�سلط ،وعلى تلة حتمل ا�سمه ،يقوم مقام النبي يو�شع عليه ال�سالم وقد كان فتى النبي مو�سى عليه ال�سالم، وخليفته من بعده .وقاد النبي يو�شع عليه ال�سالم جي�ش ا�سباط �إ�سرائيل يف غزوة إلر�ض فل�سطني .و�إىل اجلنوب الغربي من ال�سلط ويف منطقة ت�سمى خربة أ�يوب ت�شري ا�سا�سات مبنى قدمي �إىل املكان الذي دفن فيه النبي أ�يوب عليه ال�سالم ،الذي ورد ذكره يف القران الكرمي أ�ربع مرات .وقد منحه �صربه و�إميانه أال�سطوريان القوة والعزم لتحمل امل�صاعب اجل ّمة .وقد �صرب النبي أ�يوب عليه ال�سالم �صرب ًا جمي ًال ف آ�تاه اهلل تعاىل رحمة من عنده ،كما ورد يف القران الكرميو أ�يوب �إذ نادى ربه أ�ين م�سني ال�ضر و أ�نت أ�رحم الراحمني}.فا�ستجبنا له فك�شفنا مابه من �ضر و أ�تيناه و أ�هله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين{ ( .االنبياء)84-83: وت�شري جمموعة من احلجارة �إىل �ضريح ال�صحابي اجلليل مي�سرة بن م�سروق العب�سي – ر�ضي اهلل عنه املدفون غرب ال�سلط يف بلدة العار�ضة .وقد �شهد حجة الوداع للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،و�شارك يف معركة الريموك وفتح بالد
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة ال�شام .وكلف يف العام الع�شرين للهجرة قيادة جي�ش متكن بنجاح من مهاجمة الروم ،وبذلك كان أ�ول جي�ش للم�سلمني يدخل أ�ر�ض الروم. �إربــــــــــــــد :أ�ر�ض االنت�صارات ويف �إربد التي فتحها �شرحبيل بن ح�سنة عام 636هـ التقى اجلي�ش البيزنطي مع اجلي�ش ا إل�سالمي يف معركة الريموك يف �آب ( أ�غ�سط�س) عام639م .ويقوم هذا املوقع الذي جرت فيه املعركة على �ضفاف نهر الريموك يف الطرف ال�شمايل أ للردن. وكان عدد أ�فراد اجلي�ش البيزنطي يفوق كثري ًا عدد أ�فراد اجلي�ش ا إل�سالمي ،ولكن القائد خالد بن الوليد ر�ضي اهلل عنه قاد امل�سلمني �إىل الن�صر .ومكنت هذه املعركة امل�سلمني من ال�سيطرة على بالد ال�شام. ويف املزار ال�شمايل ،قرب �إربد مقام للنبي داود عليه ال�سالم .وعندما كان طف ًال ،ق�ضى على جالوت ،وخلف �شا ؤ�ول وا�صبح بعده امللك الثاين إل�سرائيل� .إ�ضافة �إىل ذلك ،ف�إن داود عليه ال�سالم كان أ�حد الر�سل الذين أ�وحي �إليهم .وقد ق�ضى داود بع�ض الوقت يف أالردن عندما كان على خالف مع �شا ؤ�ول، ومن بعد عندما كان يقود احلمالت. يقع �ضريح ال�صحابي اجلليل أ�بي الدرداء – ر�ضي اهلل عنه – داخل مبنى حديث يف قرية �سوم ال�شناق قرب �إربد. كان بني أالكرث تقوى و�إخال�ص ًا يف ال�صحابة ،وا�شتهر بقربه با�ستمرار من النبي �صلى اهلل عليه و�سلم .وعرف أ�بو الدرداء – ر�ضي اهلل عنه ب أ�نه قد تفوق على جميع من حوله يف حفظ أ�حاديث النبي ونقلها .وا�شرتك يف احلمالت الع�سكرية و ُّعني من بعد والي ًا ملقاطعة البحرين. و أ�م قي�س تعادل يف أ�هميتها بيال بني مدن الديكابول�س، وكانت تعرف قدميا با�سم جدارا. وقد ا�شتهرت يف أ�يام جمدها كمركز ثقايف ،وكانت أ�م قي�س موطنا للعديد من ال�شعراء والفال�سفة مثل ثيودورو�س الذي و�صفها ب أ�نها أ�ثينا اجلديدة .وتقوم أ�م قي�س على تلة رائعة، وفيها �شرفة على �صف مبهرمن أالعمدة آلثار م�سرحني، تطل على وادي أالردن،وعلى بحر اجلليل ( بحرية طربيا ) ومرتفعات اجلوالن .وقد اجرتح عي�سى امل�سيح عليه ال�سالم معجزة اخلنزير اجلداري ال�شهرية هنا.
وعلى ر أ��س تلة ،على مقربة من جر�ش ،ميكنك زيارة مقام النبي هود عليه ال�سالم .وهنا ن�شاهد م�سجداحديثا ي�ضم كهف ًا يظنّ أ�ن النبي هود عليه ال�سالم دفن فيه .وقد بعث به اهلل تعاىل �إىل قبيلة عاد ليحذرهم ويدعوهم �إىل عبادة اهلل الواحد أالحد بدل أ��صنامهم .وال�سورة احلادية ع�شرة يف القران الكرمي �سميت با�سم النبي هود عليه ال�سالم. الق�صور أ الموية :جمد تليد نقل معاوية بن أ�بي �سفيان اخلليفة أالموي (-667 750م)عا�صمة االمرباطورية اال�سالمية من املدينة املنورة �شما ًال �إىل دم�شق .ومن دم�شق ،تو�سعت االمرباطورية اال�سالمية ب�صورة هائلة .و أ�عطى أالمويون للعامل عدد ًا من املوروثات املعمارية مبا يف ذلك قبة ال�صخرة امل�شرفة يف القد�س .وم�سجد بني أ�مية الكبري يف دم�شق .وقد بنوا يف ال�صحراء أالردنية مق�صورات ،وهي مليئة أ بالر�ضيات الف�سيف�سائية ،واللوحات اجل�صية ،واجل�ص املنحوت الذي ي�صور النا�س ،واحليوانات، واالحداث ،والنماذج ،وتتعاىل الق�صور ال�صحراوية �شاهد ًا على الفن اال�سالمي املبكر أالخاذ واال�صيل. وقد كانت الق�صور ال�صحراوية منتجعات للخلفاء أالمويني يلوذون بها بعيدا عن �صخب حياة املدينة ،وللحفاظ على عالقة وثيقة مع القبائل التي كان اخللفاء بحاجة لدعمها. و أ�قيمت املباين أ�ي�ضا على أ�را�ض زراعية ممتدة مروية بكثافة، �صاحبتها يف أ�حيان كثرية بنى مائية متنوعة ،ومن هنا كانت مراكز إل�ستعماالت زراعية .وقد غدت بع�ض البنى مبثابة ا�سرتحات للزوار العابرين يف طريقهم �إىل احلجاز. وميكن زيارة الق�صور ال�صحراوية:اخلرانة ،وامل�شتى، والق�سطل ،والطوبة ،واحلالبات ،واملوقر ،وحمام ال�سراة، وعمرة (الذي �صنفته اليون�سكو اثرا عامليا ) يف رحلة بال�سيارة من عمان ت�ستغرق يوما واحد ًا على طرق حديثة ممهدة. البرتاء :أ�عجوبة الدنيا الثانية �إن أ�عظم كنوز أالردن هي مدينة البرتاء النبطية الفريدة. وهي من املواقع التي �صنفتها اليون�سكو ك أ�ثر عاملي ،والتي ت�ستقطب الزوار من جميع أ�رجاء العامل .ولتدخل البرتاء عليك أ�ن متر من خالل ال�سيق ،ذلك ال�شق ال�صحراوي ال�ضيق الذي ميتد طوله حوايل الكيلومرت ،ت�سري فيه حماطا بجدار �صخري
95
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة منيف ي�صل ارتفاعه �إىل �سبعني مرت ًا ،مما يجعل البرتاء واحدة من أ�ف�ضل املدن حماي ًة على مر الع�صور .ور ؤ�ية اخلزنة الرائعة يف نهاية ال�سيق جتربة فريدة من نوعها .وقد حفر االنباط هذا ال�ضريح امللكي الهائل بال�صخر أال�صم يف واجهة اجلبل. وعندما ت�ستك�شف بقية انحاء البرتاء املحفورة يف ال�صخور الوردية ،تبدى لك ال�سبب يف ت�سميتها(املدينة الوردية). وعلى قمة جبل النبي هارون عليه ال�سالم يقوم مقامه عليه ال�سالم وهو أ�خ النبي مو�سى عليه ال�سالم وقد ا�ستجاب اهلل تعاىل لرجاء مو�سى عليه ال�سالم ب أ�ن يجعل هارون عليه ال�سالم وزيره .وترك مو�سى عليه ال�سالم هارون عليه ال�سالم لينوب عنه عندما توجه ليكلم الباري جلت قدرته قرب جبل �سيناء ،بعد ان وعد قومه ب أ�ن يقدم لهم التوراة د�ستور ًا وم�ستند ًا قانونيا لهم .وقد تويف هارون عليه ال�سالم قبل مو�سى عليه ال�سالم وهو االخ أالكرب ،وطبوغرافية �ضريح هارون عليه ال�سالم تطابق متام ًا الروايات التقليدية التي وردت يف الرتاث اال�سالمي والتوراة عن دفنه عليه ال�سالم. الطفيلة :أ�ر�ض الكرامة لل�صحابي اجلليل جابر بن عبد اهلل أالن�صاري – ر�ضي اهلل عنه – الذي أ�حبه النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كثري ًا ،مقام يف الطفيلة .وقد �شارك يف ت�سعة ع�شرة حملة ع�سكرية وكان اىل جانب النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم أ�ثناء فتح مكة. وروى الكثري من االحاديث عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم، و�شهد العديد من االحداث واملعجزات اىل جانب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم. وق�ضى أ�يامه االخرية يحا�ضر يف حلقة من طالبه يف امل�سجد النبوي يف املدينة املنورة. وبالقرب من الطفيلة اي�ضا مقام النبي �شيت عليه ال�سالم أالبن الثالث للنبي أ�دم عليه ال�سالم ،الذي ين�سب �إليه ابتكار الفنون واحلرف. كما يوجد على مقربة من الطفيلة ،قرب حمامات عفرا،
96
مقام فروة بن عمرو اجلذامي ر�ضي اهلل عنه .وكان حاكم منطقة معان يف العهد الروماين – البيزنطي حتى �صلبه البيزنطيون (الروم) العتناقه ا إل�سالم. وبعث النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ال�صحابي اجلليل احلارث بن عمري أال�سدي –ر�ضي اهلل عنه -حام ًال ر�سالة، �إىل حاكم ب�صرى ال�شام (يف �سوريا) يدعوه فيها اىل اال�سالم. وعندما و�صل احلارث – ر�ضي اهلل عنه – �إىل الطفيلة ،قب�ض عليه �شرحبيل بن عمرو الغ�ساين حاكم منطقة م ؤ�تة وقطع ر أ��سه ،وكانت هذه احلادثة أ�حد أال�سباب التي أ�دت اىل جتهيز احلملة الع�سكرية اال�سالمية ومعركة م ؤ�تة ال�شهرية .ويف مبنى حديث على م�سافة ع�شرين كيلو مرت ًا جنوب الطفيلة ،ميكنك زيارة �ضريح املبعوث الوحيد لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم الذي ا�ست�شهد أ�ثناء قيامه مبهمته. جنوب االردن يف اجلزء اجلنوبي من أالردن ،وقرب ر أ��س النقب ،تقع احلميمة موقع قاعدة أال�سرة العبا�سية ،واملوقع الذي خطط لعملية ا�ستيالئهم على اخلالفة ا إل�سالمية من أالمويني. وبعث النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ال�صحابي اجلليل كعب بن عمري الغفاري – ر�ضي اهلل عنه – �إىل قبيلة ق�ضاعة يف جنوب أالردن ليدعوهم �إىل ا إل�سالم ،ولكنهم قتلوه ومن معه، ويقوم مقامه يف ال�سلمانية ،يف مقاطعة الطفيلة. ويف منت�صف الطريق بني احلجاز و�سوريا ،على تلة تقع يف أ�ذرح ،بني معان وال�شوبك ،يقع جبل التحكيم .وهنا ،وعلى هذا اجلبل بعد معركة �صفني ،اجتمع أ�بو مو�سى أال�شعري – ر�ضي اهلل عنه ممثال اخلليفة علي بن أ�بي طالب – ر�ضي اهلل عنه – بعمرو بن العا�ص -ر�ضي اهلل عنه – ممثال معاوية بن أ�بي �سفيان ،يف جمل�س حتكيم .وكان اجلانبان قد وافقا على التحكيم حل�سم نزاعهما .و�إىل ال�شمال من مدينة معان جبل ي�سمى جبل اال�شعري ،وعليه مقام ألبي مو�سى أال�شعري ر�ضي اهلل عنه.
ة الوسسطي أ
دبيات �إ�سالمية فصصلية -إإسسالمية -مسس �تقلة و�سطية اال�سالم �شعر� :إح�سان حممود الفقيه و�������س������ط������ي������ ُة ا إل�������������س������ل�����ام �������س������ـ������ ُّر ب�����ه�����ائ�����ـ�����ـِ����� ِه �����ل �������ج م�����ت�����ك�����ام�����ـ�����ـ ٍ و���������س��������ط��������ي�������� ُة يف م�������ن�������ه�������ـ ٍ ف������ال������ع������ق������ ُل ي�����������س�����ع�����ى ل�����ل�����ح�����ق�����ي�����ق����� ِة دا ِئ������م������ـ������ـ������ ًا ��������ب ي������ع������ط������ي ل�������ل�������ه�������وى م�����ي�����ث�����ا َق�����ـ����� ُه ال ال��������ق��������ل ُ دي���������������نٌ ح������ن������ي ٌ ������ف م�����������������ش��������ر ٌقِ ،م���������������نْ ف������و ِق������ـ������ ِه ن���������ب َ ���������ذ ال���������ت���������ط���������ـ��������� ُّر َف وال��������غ��������ل��������ـ�������� َّو ألنَّ����������ـ���������� ُه روح امل��������ح��������ب�������� ِة وا ُّل������ت������ق������ـ������ى ودع����������ـ����������ا اىل ِ �����������ي ن�����ع�����ي َ �����������ش أ� ِع������������������� َّز ًة ف�������االم�������ـ������� ُر ���������ش��������ورى ك ْ ـ����ل���ام َأ�نْ َن���������س����ع����ـ����ى �إىل و������س�����ط�����ي����� ُة اال���������س�������� ِ ن�����ع�����ط�����ي احل��������ي��������ـ��������ا َة ح�����ق�����وق�����ه�����ا ون�����������ص�����و َن�����ـ�����ه�����ا ������ر ال��������ذي ������ب ب������ال������ذك������ـ ِ ون���������������ض�������ي ُء ه����������ذا ال������ق������ل َ ���������������ب دي�������د ُت�������ـ�������ن�������ا ن�����ن�����������ش�����ـ����� ُر ع����ق����ـ����ي����ـ����ـ����د ٍة احل ُّ ������������������روب ور َّوج���������ـ���������وا م����������نْ ا������ش�����ع�����ل�����وا ه����������ذي احل َ درب ال�������ر��������ش�������ا ِد و�����ش���� َّو�����ش����ـ����وا م���������نْ ������ض�����يَّ�����ع�����وا َ ـ����ل���ام انْ ن�������دع�������ـ�������وا اىل و������س�����ط�����ي�����ـ����� ُة اال���������س�������� ِ واذا ال���������ث���������را ُء ا�������ص������اب������ـ������ َن������ا ب����ن����ع����ي����م����ـ����ـ����ـ����ـِ���� ِه ������اح������ـ������ـ������ ٌد واذا تَ������� َن�������ـ�������كَّ�������ر َل����ل���اخ��������ـ��������ـ�������� ِو ِة ج ِ ـ��ل��ام ل����ق����ت����ـ���� ِل����ـ���� ِه واذا ت�������������ص������ـ������دى ل�����ل�����������س�����ـ����� ِ ُ اهلل خ������ال������ ُق������ـ������ـ������ن������ا وم���������ال���������ـ ُ �����رن�����ـ�����ـ�����ـ�����ا ���������ك ام ِ ي�������دع�������ـ�������و اىل و�������س������ط������ـ������ي������ـ������ ٍة ب������ن������ـ������ـ������ـ������ـ������ا َء ٍة
ُ ��������������دل رم���������������������� ُز وج��������������������ـ��������������������و ِد ِه وب�����������ق�����������ا ِئ����������� ِه وال��������������ع��������������ـ ��������������ق حت������������������تَ ل���������وائ���������ـ���������ـِ��������� ِه ل��������ت��������� ��������ض��������م ك������������������ َّل اخل��������������ل ِ َّ ��������������������������روح رج������������ا ِئ������������ـ������������ ٍِه ������������ب م�������������������ش���������غ���������و ٌل ب وال������������ق������������ل ُ ِ ال ال����������ع����������ق���������� ُل ي���������������ش�������ق�������ى يف َل�����������ظ�����������ى غ���������ل���������وا ِئ���������ـ��������� ِه ُ ���������������وط ��������ض�������ي�������ا ِئ�������ـ�������ـ�������ـ������� ِه ������������ت خ���������������ي اوحت���������������ت���������������ه مل������������ع ْ ي�����������ن�����������ح�����������ا ُز ل�����ل����ان���������������������س����������ـ����������انِ يف �آرائ������������ـ������������ـ������������ـِ������������ ِه احل���������������������������قِّ يف �آال ِئ������������ـ������������ـ������������ ِه َّ����������ـ�����ل����ام واىل ال���������������������س ِ وي����������ت����������ي���������� َه ه�����������������ذا ال���������������ك���������������ونُ يف َن�������� ْع��������م��������ائ��������ـِ��������ـ�������� ِه ����������ل يف ُر ؤ�ى اي��������ح��������ا ِئ��������ـ��������ـ�������� ِه ه�����������������ذا ال����������ت����������ك����������ام ِ ِّ �����������ق ب��������ب����ل���ا ِئ��������ـ��������ـ�������� ِه ِم������������������������نْ ك �������������������ل �������������ش������������ ٍّر م�����������اح�����������ـ ٍ ؤ �������������������ا ُد ل������������ن������������ـ������������و ِر ِه و��������ص�������ف�������ا ِئ�������ـ�������ـ������� ِه ي�������ه�������ف�������و ال������������������ف ���������س��������م��������ح�������� َاء حت��������م��������ي ال�������������ك�������������ونَ ِم�������������������نْ ُح��������م��������ق��������ا ِئ�������� ِه �������م ن������ق������ا ِئ������ـ������ـ������ـ������ ِه مل����������������ب����������������اديءٍ َم�����������������������س ْ َّ�����������ت ��������ص�������م�������ي َ ������������م ع���������ل���������ى ح�������ك�������م�������ائ�������ـ�������ـِ������� ِه ب���������������رم���������������ا ِد ب ِ ������������اط������������لِ������������هِ ْ �����������������ل ب���������رخ���������ا ِئ���������ـ���������ـ��������� ِه ���������ل راف�����������������ـ ٍ ك������������������������ونٍ ج���������م���������ي���������ـ ٍ ُج����������������دْ ن����������������ا مب������������ـ������������دِّ ي������������ـ������������دٍ اىل ف���������ق���������رائ���������ـ���������ـِ��������� ِه ُق����������م���������� ْن����������ـ����������ا ل����������ن����������دع����������ـ����������وا ك���������ل��������� ُّن���������االخ���������ا ِئ���������ـ���������ـ��������� ِه ����������ص����������ارع����������ـ���������� ُه ع���������ل���������ى اح��������ي��������ا ِئ��������ـ��������ـ�������� ِه ُق���������� ْم����������ن����������ا ن����������� ُ َ ���������������اك يف ع��������ل��������ي��������ا ِئ��������ـ��������ـ�������� ِه ج������������������� َّل االل�����������������ـ����������������� ُه ه���������������ن و أُ�خ������������������������ـ������������������������ َّو ٍة ت���������رن���������ـ���������و اىل �إر�����������ض����������ا ِئ����������ـ����������ـ���������� ِه
97
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة
الر�سالة اخلالدة �سهاد علي جرب
�إن هذا الدين الذي ارت�ضاه اهلل عز وجل ليكون خامتة الر�سالت ال�سماوية ماوجد �إال ليبقى رغم كيد ال�سالم الكافرين وعبث العابثني ،قال تعاىل { :اليوم أ�كملت لكم دينكم و أ�متمت عليكم نعمتي ور�ضيت لكم إ دينا} .أ�ن هذا الدين العظيم يحمل يف طياته أ��سباب اخللود والبقاء ،فهو رباين امل�صدر �شامل كامل متوازن ال به ،هو باخت�صار منهج حياة. واقعي و�سطي �صالح لكل زمان ومكان ،بل قل ال ي�صلح الزمان وال املكان إ
�إن هذا الدين العظيم الرباين أ��ستطاع أ�ن يعيد �إىل وللن�سان �إن�سانيتة التي أ�و�شكت أ�ن تندثر، الب�شرية توازنها إ فكان رحمة للنا�س كافة م ؤ�منهم وكافرهم ،فواهلل ما �شقيت الب�شرية وال انحرفت فطرتها �إال عندما تخلى امل�سلمون عن دينهم ،حينما ح�صروا هذا املنهج الكامل يف حلية و�سواك ونقا�ش مقيت يف فرعيات ال ت�سمن وال تغني من جوع ،متجاهلني بذلك أ�نهم حملة الر�سالة اخلالدة وورثة أالنبياء يف التبليغ ،ف�ضيعوا وا�ضاعوا ،هبطوا من القمة �إىل القاع ،ور�ضوا باملنزلة الدنيا بعدما كانوا �سادة العامل باحلق ،تغافلوا عن أ�ن هلل �سنن ًا ثابتة ال تتغري يف كونه ،و أ�نهم ما جعلوا خري أ�مة �إال إلنهم ي أ�مرون باملعروف وينهون عن املنكر ،قال تعاىل { :كنتم خري أ�مة أ�خرجت للنا�س ت أ�مرون باملعروف وتنهون عن املنكر } .ف أ�م�ست
98
الب�شرية بت�ضييع امل�سلمني لدينهم مري�ضة عليلة قتل وحروب، ووقار القوي ميت�ص دم ال�ضعيف دولة و أ�فراد ًا ،و أ��صبح اال�سالم غريب ًا بني أ�هله ،حتاول الب�شرية املعذبة أ�ن توجد من أالنظمة واملناهج ما ي�صلح حالها ،ف أ�خذت ت�شرع وتقنن ،فتاه النا�س بني �شيوعية ور أ��س مالية ومادية مقيتة و�إحلاد ،وازداد أالمر �سوء ًا وا�شتد املر�ض حتى باتت الب�شرية حتت�ضر. الدواء بني أ�يديكم « أ�يها امل�سلمون « ال عذر لكم أ�مام اهلل على تقاع�سكم ،هذا دين عظيم أ�تباعه يجب أ�ن يكونوا عظماء ..و�شرف االن�سان من �شرف ر�سالته يف احلياة ،فهال اتقيتم اهلل وقدرمت نعمته التي وهبكم �إياها بني ا ُيديكم جوهرة مغطاة بالرتاب؟! وه ّال �شمرمت عن �سواعدكم ونف�ضتم عنها الرتاب؟!
الوسسطية
ن�شاطات ومتابعات فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة • عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة وبالتعاون مع جمعية احلديث ال�شريف ندوة علمية بعنوان « البعد ا إلن�ساين يف �شخ�صية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم « وذلك يوم ال�سبت 2007/7/21يف مقر املنتدى. ويف بداية اجلل�سة أ�لقى الدكتور حممد اخلطيب ع�ضو الهيئة االدارية يف املنتدى كلمة رحب فيها باحل�ضور،و أ�كد أ�همية انعقاد مثل هذه الندوات لتو�ضيح �سرية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم،و أ�ن هذه الندوة ت أ�تي �ضمن �سل�سلة ن�شاطات املنتدى الثقافية وقال اخلطيب�:إن هذه الندوة جاءت يف زمن كرث فيه الظلم وا إل�ستبداد عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قدوة الب�شريه يف �إن�سانيته التي تتعلم منها الب�شرية اىل يوم الدين،و أ��شار اىل أ�نها ا إلن�سانية العظيمة النابعة من الرحمة والتوا�ضع،تلك التي ال تنطلق من امل�صالح ال�سيا�سية وال�شخ�صية و�إمنا تنطلق من قيمة ا إلن�سان مهما كان لونه أ�و دينه أ�و جن�سه. ومن ثم حتدث رئي�س جمعية احلديث ال�شريف الدكتور �سلطان العكايلة عن أ�همية الندوة و أ�همية البحث يف �سرية الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم. وعقدت الندوة على جل�ستني نوق�شت يف اجلل�سة االوىل ثالثة أ�بحاث أالول بعنوان» حماية البيئة من منظور �إ�سالمي» وقدمه الدكتور حممد الق�ضاة والدكتور هايل داوود ،وجاءت هذه أالبحاث لت ؤ�كد على �إن�سانية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف تعامله مع البيئة بجميع عنا�صرها املتمثلة يف أالر�ض وطريقة رفقه وحر�صه على احليوانات واملاء والنباتات. أ�ما البحث الثاين فهو بعنوان «�إن�سانية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف تعامله مع اال�سرى «�إعداد الدكتور عطااهلل املعايطة،والبحث الثالث بعنوان»العالقات الدولية من �آثار الرحمة النبوية يف ال�سفارة والر�سل»�إعداد الدكتور �شاكر العاروري. وحتدثت هذه أالبحاث عن �إن�سانية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف عالقاته االجتماعية �سواء مع بيته أ�و كيفية معاملته لل�شيوخ وكبار ال�سن،وعالقته باجلريان و أ�خالقه يف التعامل معهم،وماذا تعني له املر أ�ة وكيف كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يتعامل مع أ��صحابه،وماذا كان يعني له املر�ضى وذوي االحتياجات اخلا�صة أ والطفال واخلدم والعمال واحرتام النف�س ا إلن�سانية بعد املوت.
كما ت�ضمنت اجلل�سة الثانية مناق�شة ثالث أ�وراق عمل أالوىل بعنوان»الهدي النبوي يف رعاية احلوار والقيام بحقوقه» من �إعداد الدكتور حممد عيد ال�صاحب،والثانية بعنوان»عناية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بالطفولة املبكرة على �ضوء حديث (يا أ�با عمري ما فعل النغري)» �إعداد الدكتور علي ابراهيم عجني،والثالثة بعنوان «ان�سانية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مع غري امل�سلمني يف ال�سلم واحلرب من خالل �ساحة املعركة» �إعداد الدكتور عدنان �شل�ش. وركزت هذه أالبحاث على �إن�سانية النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مع غري امل�سلمني يف ال�سلم واحلرب،وكيف كان يعامل أالعداء يف �ساحة املعركة وكيف ي�ستفيد من أال�سرى وطريقة �سلوكه يف أ�خذ املواثيق والعهود. هذا وقد ح�ضر الندوة جمهور غفري من املهتمني ودار نقا�ش علمي معمق حول أ�وراق العمل. • �شارك املهند�س مروان الفاعوري رئي�س املنتدى وبدعوة من املعهد الدبلوما�سي االردين يف املحا�ضرة التي أ�لقاها الدكتور حيدر ابراهيم علي مدير مركز الدرا�سات ال�سودانية والتي كانت بعنوان « أ�زمة دارفور و أ�بعادها الدولية وموقف العرب منها « وذلك يوم االربعاء .2007/7/11 • حتت رعاية معايل اال�ستاذ الدكتور عادل الطوي�سي وزير الثقافة وبالتعاون مع ال�سفارة املغربية �شارك املنتدى وبدعوة من رابطة االدب اال�سالمي العاملية يف ح�ضور افتتاح ا�سبوع االدب املغربي اال�سالمي يف االردن وذلك يف املركز الثقايف امللكي يوم الثالثاء .2007/7/10 • عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ور�شة عمل حول « مهارات العر�ض وااللقاء» وذلك يوم االحد 2007/7/1 ح�ضرها عدد من أ�ع�ضاء جلنة �شباب املنتدى. • حتت رعاية عطوفة حمافظة اربد ومبنا�سبة فوز اربد مدينة للثقافة لعام 2007أ�قام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة /فرع اربد حفل �إ�شهار املنتدى وذلك يوم ال�سبت 2007/7/7يف القاعة الها�شمية بلدية اربد. • قامت جمموعة من �شباب كلنا االردن يف حمافظة البلقاء بزيارة لفرع املنتدى يف البقعة،حيث جرى حديث حول دور ال�شباب يف العمل التطوعي واخلريي ومت طرح أ�هداف املنتدى والتطلعات امل�ستقبلية للمنتدى و أ�هم ن�شاطاته،ومت
99
الوسسطية
فصصلية -إإسسالمية -مسستقلة توزيع الربو�شورات اخلا�صة باملنتدى عليهم. • ا�ست�ضاف منتدى الو�سطية /فرع البقعة عدد من املر�شحني لالنتخابات النيابية القادمة حيث دار احلديث حول الربامج اخلا�صة بهم وبع�ض الق�ضايا املهمه ومناق�شة احللول التي تهم املنطقة،ومت خالل اللقاء تعريف ب أ�هداف املنتدى ون�شاطاته،وقد ح�ضر اللقاء عدد كبري من اهايل املخيم والقرى املجاورة. • أ�قام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع ال�سلط مناظرة ملر�شحات انتخابات بلدية ال�سلط الكربى يف مقرالفرع حيث دار حوار بني املر�شحات وجمهور املدعوين حول الكوتا الن�سائية و�ضرورة دعم املر أ�ة للو�صول للمجل�س البلدي. • توا�صل اال�ستعدادت يف املنتدى لعقد امل ؤ�متر الدويل الثالث،حيث أ�كد عدد كبري من العلماء رغبتهم باحل�ضور وامل�شاركة يف هذا امل ؤ�متر ،وتعقد اللجنة التح�ضريية للم ؤ�متر جل�سات متوا�صلة،حيث قامت اللجنة بتوزيع املهام الرئي�سية على االع�ضاء كل ح�سب اخت�صا�صه،وبا�شرت اللجنة بطباعة االبحاث وجتهيزها لتكون يف متناول ال�ضيوف القادمني للم ؤ�متر. • املوقع االلكرتوين: مت �إ�ضافة موا�ضيع جديدة و أ�بحاث تتعلق بالو�سطية و أ�وراق العمل املقدمة من قبل املنتدى مب�شاركاته بالندوات وور�شات العمل خالل هذا ال�شهر وكذلك تقارير عن ن�شاطاته يف مقره الرئي�سي والفروع. • بتنظيم من م ؤ��س�سة فريدري�ش ناومان واملركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة وبرعاية معايل ال�سيد عمرو مو�سى االمني العام جلامعة الدول العربية �شارك املهند�س مروان الفاعوري يف م ؤ�متر « ا�صالح القوانني بني الواقع والطموح « والذي عقد يف القاهرة بتاريخ -27 .2007/6/28 �شارك املنتدى وبدعوة من املعهد امللكي للدرا�سات • الدينية ومركز الكواكبي للتحوالت الدميقراطية يف حفل افتتاح امل ؤ�متر التح�ضريي للم�سار غري احلكومي العربي لتجمع الدميقراطيات وذلك حتت رعاية �صاحب ال�سمو امللكي االمري احل�سن بن طالل،يوم االثنني 2007/6/18 يف اجلمعية العلمية امللكية. • حتت رعاية �صاحب ال�سمو امللكي االمري احل�سن بن طالل رئي�س املجل�س االعلى للعلوم والتكنولوجيا�،شارك
100
•
•
•
•
•
•
املنتدى يف حفل تكرمي الفائزين بجائزة االمري ح�سن للتميز العلمي. عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ور�شة عمل بعنوان « القيم اال�سالمية املدنية يف املجتمع املعا�صر « وذلك لتدريب عدد من اع�ضاء املنتدى وتنمية مهاراتهم القيادية واالبداعية،وتناولت الور�شة مفاهيم يف خ�صو�صية القر�آن الكرمي والوعي والتطور الذاتي من مدخل علم النف�س،وا�سباب وا�ساليب النجاح،والوعي النقدي للذات ومهارات القيادة،وذلك يف فندق عمان ال�شام يف الفرتة من .2007/6/30-29 بدعوة من مركز االردن اجلديد للدرا�سات �شارك املنتدى يف مناق�شة م�سودة نظام العمل اخلا�ص بالتحالف املدين االردين من اجل دميوقراطية االنتخابات وذلك يوم ال�سبت .2007/6/23 اقام منتدى الو�سطية /فرع البقعة ن�شاط ًا يوم 2007/6/11مبنا�سبة عيد اال�ستقالل واجللو�س امللكي تخلله كلمة رئي�س الفرع وكلمة القطاع الن�سائي و أ�لقى عدد من ال�شعراء ق�صائد بهذه املنا�سبة الغالية،ويف نهاية احلفل مت توزيع اجلوائز للفائزين يف م�سابقة القر�آن الكرمي وم�سابقة اف�ضل مقال وق�صة وق�صيدة ور�سم التي اعلن عنها املنتدى بداية ال�شهر. �ضمن فعاليات اربد مدينة الثقافة االردنية لعام 2007 اقام منتدى الو�سطية /فرع اربد حما�ضرة بعنوان « قانون االنتخابات البلدية « أ�لقاها املحامي زهاء املجايل من مركز عمان لدرا�سات حقوق االن�سان وذلك يوم االثنني 2007/6/4يف مقر املنتدى وقد ح�ضرها عدد كبري من املهتمني واملتابعني. توا�صلت اال�ستعدادت يف املنتدى لعقد امل ؤ�متر الدويل الثالث حيث أ�كد عدد كبري من العلماء رغبتهم باحل�ضور وامل�شاركة يف هذا امل ؤ�متر،وقد عقد اللجنة التح�ضريية للم ؤ�متر عدة جل�سات. بتنظيم من م ؤ��س�سة فريدري�ش ناومان واملركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة وبرعاية معايل ال�سيد عمرو مو�سى االمني العام جلامعة الدول العربية �شارك املهند�س مروان الفاعوري يف م ؤ�متر « ا�صالح القوانني بني الواقع والطموح « والذي عقد يف القاهرة بتاريخ -27 .2007/6/28