مجلة المنتدى العدد الاول السنة السابعة

Page 1


‫املهند�س مروان الفاعوري‬

‫الوسطية في طور جديد‬ ‫بني انتصار وانكسار بني مد وانحسار عشنا مرحلة من ادق مراحل التحول يف عاملنا العريب‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫عشنا نشوة الفرح باستكامل استقالل بلداننا واستعادة كرامتنا وقرارنا الذي صودر عرب‬ ‫عقود وبقي جاثياً يف عواصم الرشق والغرب‪.‬‬ ‫وما من شك أن االخفاق يف اكامل التحول يفرض عىل دعاة الوسطية امعان النظر والرتكيز‬ ‫يف جوانب الخلل واسباب الفشل ليدرك كل طرف خطأه‪.‬‬ ‫النهج الوسطي يفرض عىل الجميع اعالء قيم الحرية واحرتام خيارات الشعوب وحامية‬ ‫األوطان من التبعية والهيمنة‪.‬‬ ‫الوسطية معنية بالحفاظ عىل حرمة الدماء والسلمية بكل أشكالها‪ ،‬الوسطية تعني أن‬ ‫يوجه السالح إىل صدور االعداء أعداء األمة‪ ،‬ال أن يتوجه إىل شباب األمة ودعاة اإلصالح‪،‬‬ ‫الوسطية تعني اعتامد الدميقراطية وصناديق االقرتاح واالستفتاءات ووسائل واليات للحكم‬ ‫الراشد الذي تنشده الشعوب‪ .‬الوسطية تعميق لنهج التوافق والرتايض ال اإلقصاء واملغالبة‪.‬‬ ‫وهنا بعد أن حصل ما حصل‪ ..‬يتوجب عىل تيار الوسطية أن ال ييأس اتباعه فيواصلوا‬ ‫مشوار البناء مرة اخرى فسنن الله غالبه‪ .‬وسيتم وعد الله ما وعد رسوله الكريم ‪ :‬أن‬ ‫يتم الله هذا االمر حتى يسري الراكب من صنعاء إىل حرضموت‪( .‬أَ َف َح ِس َب الَّ ِذي َن كَ َف ُروا أَنْ‬ ‫ُون أَ ْولِ َياء) ومع ذلك األمل ومع تلك الثقة فال بد أن نعي أن ادارة‬ ‫يَ َّت ِخ ُذوا ِع َبا ِدي ِم ْن د يِ‬ ‫الدعوة غري ادارة الدولة وان املجتمع غري الجامعة وأن هناك أناس يدافعون عن مصالحهم‬ ‫وعن وجودهم ومستقبلهم‪ ،‬فنحن بحاجة إىل كثري من املراجعات تتناول الجوانب العملية‬ ‫والنظرية والتنظيمية‪ ،‬وعقائد الشعوب ال تزال وال تقهر فتطلعات الشعوب واشواقها مرتبطة‬ ‫باإلسالم والعقيدة‪ ،‬ومن ال يعرتف ويكابر يصادم سنن الكون وحقائق التاريخ‪.‬‬ ‫علينا االعرتاف باالخطاء ألنها البداية للمعالجة ‪ ،‬وما جرى بالتأكيد جولة وللحق جوالت‬ ‫اس)( ال عمران ‪.)140 :‬‬ ‫والعافية ملن اتقى‪ ،‬وصدق الله العظيم ( َوتِلْكَ األيَّا ُم نُدَ ا ِولُ َها بَينْ َ ال َّن ِ‬

‫الإمام ال�صادق املهدي‬ ‫ال�سودان‬ ‫الدكتور وهبة الزحيلي‬ ‫�سوريا‬ ‫الدكتور حممد طالبي‬ ‫املغرب‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان ا�سماعيل‬ ‫ال�سودان‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‬ ‫لبنان‬ ‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‬ ‫م�صر‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‬ ‫املغرب‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‬ ‫الأردن‬ ‫الدكتور حممد احلاليقة‬ ‫الأردن‬ ‫الـمــهــنــد�س مــــــروان الـفــــاعــــــوري‬ ‫الأ�سـتـــــاذ الــدكـتــور مـحـمـد الـحـــاج‬ ‫الـــدكـتـور يـــــا�ســـيــن الـمــقــــو�ســـــــي‬ ‫الأ�سـتـــــاذ حــ�ســيــن الــــــروا�شــــــــــدة‬

‫مـحـمـــد عــــزام ال�ســـلـمــــان‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة‬ ‫عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫وحق الرد مكفول للجميع‬ ‫اململكة الأردنية الها�شمية ‪ -‬عمان‬ ‫تلفون ‪+962 - 6 - 5356329 :‬‬ ‫فاك�س ‪+962 - 6 - 5356349 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب ‪ 2149 :‬عمان ‪ 11941‬الأردن‬

‫‪Email : mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪Website : www.wasatyea.net‬‬


‫ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫( هيئة عاملية �إ�سالمية )‬

‫العدد الأول ‪ :‬ال�سنة ال�سابعة‬ ‫جمادى الآخر ‪ 1435‬هـ ‪ -‬ني�سان ‪ 2014‬م‬

‫‪4‬‬

‫‪34‬‬

‫اإلفتتاحية ‪:‬‬ ‫دراسات إسالمية ‪:‬‬

‫التكامل بني اجلن�سني بني املنظومة الإ�سالمية واملنظومة الغربية ‪ -‬الدكتور �سعد الدين العثماين‬

‫‪4‬‬

‫الأخالق يف االقت�صاد الإ�سالمي ‪ -‬زياد حافظ‬

‫‪12‬‬

‫ق�ضايا املر�أة املعا�صرة من خالل فقه املوازنات ‪ -‬الكورى ال�سامل ولد املختار احلاج‬

‫‪18‬‬

‫التطرف الديني والفكري و�أثره على الوحدة والتنمية يف املجتمعات امل�سلمة ‪ -‬باك�ستان �أمنوذجا ‪ -‬د‪.‬حممد طاهر من�صوري‬

‫‪24‬‬

‫الثبات والتطور يف الفكر الإ�سالمي طريق النه�ضة ‪ -‬د‪ .‬عبد ال�سالم الراغب‬

‫‪30‬‬

‫مقاالت الوسطية ‪:‬‬

‫�أي م�ستقبل للأمة يف زمن االحتكارات ‪ -‬د‪.‬عبد اهلل النفي�سي‬

‫‪34‬‬

‫خطر املخدرات و�آثارها املدمرة على املجتمع ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة‬

‫‪37‬‬

‫على طريق �صناعة �إن�سان النه�ضة ‪ -‬د‪ .‬جمدي �سعيد‬

‫‪39‬‬

‫جنـاح الأمـة ثمـرة لثقتهـا مببادئها ‪� -‬أ‪ .‬د‪ .‬اخل�شوعى اخل�شوعى حممد‬

‫‪42‬‬

‫احلالة الدينية الأردنية ‪ ..‬ر�سالة �إن�سانية و تعاي�ش ح�ضاري ‪ -‬الدكتور يا�سني املقو�سي‬

‫‪46‬‬

‫حتى يتبني لهم �أنه احلق ‪� -‬أ‪.‬د‪.‬عماد الدين خليل‬

‫‪48‬‬

‫دور الو�سطية يف اال�ستقرار والتنمية ‪ -‬دولة الإمام ال�صادق املهدي‬

‫‪52‬‬

‫�أثر التوازنات الدولية والإقليمية على م�ستقبل التغيري يف املنطقة العربية ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬اخليف الطراونة‬

‫‪60‬‬


‫‪60‬‬

‫‪80‬‬

‫‪68‬‬

‫حوارات الوسطية ‪:‬‬

‫حوار مع ف�ضيلة ال�شيخ عبد الفتاح مورو ‪ -‬حاوره يا�سر ابو ح�سني‬

‫‪68‬‬

‫نشاطات الوسطية ‪:‬‬

‫ندوة دولية بعنوان دور الو�سطية يف البناء احل�ضاري‬

‫‪70‬‬

‫جائزة الدوحة العاملية حلوار االديان للمنتدى العاملي‬

‫‪72‬‬

‫دورة تدريبية لقيادات فروع املنتدى يف عمان‬

‫‪74‬‬

‫ندوة العامل العربي اىل �أين؟‬

‫‪75‬‬

‫دور الإعتدال والو�سطية يف الإ�ستقرار والتنمية يف العامل العربي والإ�سالمي ‪ -‬ا�سطنبول‪-‬تركيا‬

‫‪77‬‬

‫الندوة الدولية الو�سطية يف مواجهة الغلو و التطرف ‪ -‬تون�س‬

‫‪79‬‬

‫دور �أئمة اجلوامع يف بث ثقافة الت�سامح والو�سطية ‪ -‬الباك�ستان‬

‫‪80‬‬

‫حما�ضرة تربية الأبناء وحتديات الع�صر ‪ -‬فرع جر�ش‬

‫‪83‬‬

‫تنظم ندوه احلج وف�ضل الع�شر االوائل من ذي احلجة ‪-‬فرع ال�سلط‬

‫‪83‬‬

‫الإفطار ال�سنوي للمنتدى العاملي للو�سطية ‪ -‬ال�سودان‬

‫‪84‬‬

‫م�أدبة �إفطار ال�صائم يف فرع املنتدى العاملي للو�سطية ‪ -‬موريتانيا‬

‫‪85‬‬

‫الو�سطية و�إيجابية امل�شاركة يف االنتخابات البلدية حما�ضرة يف فرع املنتدى يف جر�ش‬

‫‪85‬‬

‫ن�شاطات جلنة املر�أة يف متوز وحزيران ‪2013‬‬

‫‪85‬‬

‫امل�ؤمتر الدويل اال�ستقامة و االعتدال و دورهما يف نه�ضة املجتمع امل�سلم ‪ -‬الباك�ستان‬

‫‪86‬‬

‫قصيدة المنتدى العالمي للوسطية ‪:‬‬

‫د‪� .‬صالح هاي�س الدليمي ‪ -‬العراق‬

‫‪93‬‬

‫قصة العدد ‪:‬‬

‫التوبة ‪ -‬د‪� .‬سعاد النا�صر‬

‫‪94‬‬


‫‪4‬‬

‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫التكامل بين الجنسين بين المنظومة‬ ‫اإلسالمية والمنظومة الغربية‬

‫الدكتور �سعد الدين العثماين‬

‫مقدمة‪:‬‬ ‫�إذا كانت الب�شرية قد عرفت يف ظل احل�ضارة‬ ‫املعا�صرة اهتماماً �أكرب بو�ضعية املر�أة ورفعت‬ ‫عنها عملياً العديد من مظاهر التهمي�ش‬ ‫التي طالتها عرب القرون‪ ،‬و�أثرت ب�شكل كبري‬ ‫يف احلياة االجتماعية‪ ،‬ف�إ َّن الأ�سئلة املثارة‬ ‫والتحديات املطروحة يف معاجلة ق�ضية‬ ‫املر�أة تزداد مع مرور الوقت‪ .‬ومن امل�شروع‬ ‫�أن يتجدد ال�س�ؤال لدى امل�سلمني عن كيفية‬ ‫اجلمع بني اال�ستفادة من تطورات العقل‬ ‫الب�شري والتجربة الإن�سانية يف امل�س�ألة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وبني جتنب ما هو ناجت من‬ ‫ذلك عن �أهواء الب�شر �أو يناق�ض �أ�سا�سيات‬ ‫املنظومة الفكرية واالجتماعية الإ�سالمية‪.‬‬ ‫وبعبارة �أخرى كيف ميكن تطوير و�ضعية‬ ‫املر�أة وحتقيق نه�ضتها يف نف�س الوقت الذي‬ ‫تتجنب فيه الأفكار وال�سلوكات ذات الطابع‬ ‫الأيديولوجي يف النموذج الغربي؟‬ ‫�إ َّن اجلواب عن هذا ال�س�ؤال �سيبقى مفتوحاً‬ ‫با�ستمرار‪ ،‬لأ َّن العقل الب�شري والتجربة‬

‫الإن�سانية �سيبقيان دون توقف يف تطور‪.‬‬ ‫وجتديد الفكر والفقه الإ�سالميني ما هو يف‬ ‫احلقيقة �إال مراجعة اجتهاداتهما‪ ،‬و�أحياناً‬ ‫العديد من م�سلماتهما‪ ،‬وفق املعطيات‬ ‫املو�ضوعية للفكر والتجربة الب�شريتني‪.‬‬ ‫ويعد مو�ضوع امل�ساواة بني اجلن�سني �أو‬ ‫التكامل بينهما مفهومان يحتاجان �إىل‬ ‫تدقيق وتعميق‪ ،‬مع التوقف عند الأ�س�س‬ ‫ال�شرعية وثوابت النظرة ال�شاملة واملتكاملة‬ ‫للإ�سالم يف املو�ضوع‪ .‬وهو �أمر ال ميكن ف�صله‬ ‫عن ال�صراع والتجاذب احل�ضاري احلايل بني‬ ‫النموذجني احل�ضاريني الإ�سالمي والغربي‪،‬‬ ‫فاختالف املرجعية ي�ؤدي تلقائياً �إىل اختالف‬ ‫الت�شخي�ص والتقييم على �أكرث من م�ستوى‪،‬‬ ‫وبالتايل �إىل اختالف احللول املقرتحة‪.‬‬ ‫�أو ًال ‪ :‬الإ�شكاالت التي يطرحها مفهوم‬ ‫امل�ساواة بني اجلن�سني‬ ‫تك�شف التجربة العملية عن وجود العديد‬ ‫من الإ�شكاالت والتعقيدات يف التنزيل‬ ‫املجتمعي للم�ساواة مما كان وال يزال جمال‬


‫خالف ونقا�ش �صاخب حتى داخل احلركة‬ ‫الن�سائية الغربية‪ .‬وهذا ي�ستدعي الدرا�سة‬ ‫املتوا�صلة للظواهر املرتبطة بتطور املر�أة‬ ‫يف املجتمعات املعا�صرة والتعميق امل�ستمر‬ ‫للمفاهيم املرتبطة بها‪ .‬و�سنجمل هذه‬ ‫الإ�شكاالت يف نقطتني اثنتني‪:‬‬ ‫‪� -1‬أي معنى للم�ساواة بني اجلن�سني وما‬ ‫معيارها وما منوذجها‪.‬‬ ‫‪� -2‬أي موقع للأ�سرة وللأمومة يف حياة‬ ‫املر�أة‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ امل�ساواة‪ :‬معناها‪ ،‬معيارها‪ ،‬منوذجها‬ ‫�إذا كان �أع�ضاء احلركات الن�سائية يف الغرب‬ ‫متفقني على �ضرورة العمل من �أجل حتقيق‬ ‫امل�ساواة بني الن�ساء والرجال‪ ،‬ف�إ َّن مفهوم‬ ‫امل�ساواة يختلف من مدر�سة لأخرى‪ ،‬ومن‬ ‫توجه نظري معني يف الدرا�سات الن�سائية‬ ‫�أو االجتاهات الأنثوية لآخر‪ ...‬فهي تذهب‬ ‫من معنى امل�ساواة يف احلقوق والواجبات‬ ‫والفر�ص‪� ،‬إىل معنى �إزالة كل الفوارق املبنية‬ ‫على اجلن�س على �أي م�ستوى من امل�ستويات‪.‬‬ ‫وهكذا ميكن متييز ثالثة معان للم�ساواة‪.‬‬ ‫ املعنى الأول‪ :‬هو امل�ساواة التامة �أو‬‫امليكانيكة �أو املماثلة على ح�سب التعبريات‬ ‫املختلفة‪ .‬وهي امل�ساواة التي و�صلت يف �إحدى‬ ‫تعبرياتها �إىل �إقرار املنا�صفة ‪ la parité‬يف‬ ‫التجربة الفرن�سية‪ .‬وتهدف امل�ساواة بهذا‬ ‫املعنى �إىل �أن ي�شكل الن�ساء الن�صف يف خمتلف‬ ‫م�ؤ�س�سات املجتمع والدولة‪ ،‬و�أن يقوم كل من‬ ‫الرجل واملر�أة ينف�س الأدوار االجتماعية دون‬ ‫�أي ميز‪ .‬ويجد هذا االجتاه جزءاً من جذوره‬ ‫يف فكر �سيمون دوبوفوار (‪1908‬ـ‪ )1986‬التي‬ ‫�شككت يف مفهوم الذكورة والأنوثة وذهبت‬ ‫�إىل �أ َّن الإن�سان يختار جن�سه ب�إرادته‪ .‬وقد‬ ‫تكون �أول من ميز بني اجلن�س ‪ Sex‬والنوع‬ ‫االجتماعي ‪. Gender‬‬ ‫وهذا االجتاه يعمل على �إلغاء �أي �شيء‬ ‫مييز الرجال عن الن�ساء باعتباره و�سيلة‬ ‫لإخ�ضاعهن لهم واالنتقال �إىل جمتمع‬ ‫موحد اجلن�س ت�سود فيه �أدوار اجتماعية‬ ‫متماثلة للمر�أة والرجل‪.‬‬ ‫ومن توابع هذا الت�صور ا�ست�صغار دور‬ ‫الأمومة ومكانة الأ�سرة لكونها متنع املر�أة‬ ‫من احل�ضور املت�ساوي مع الرجل يف م�ؤ�س�سات‬ ‫الدولة واملجتمع‪ .‬ولذلك ف�إ َّن املطلوب وفق‬ ‫هذا الت�صور و�صول كل من الرجل واملر�أة‬

‫منا�صفة �إىل خمتلف م�ؤ�س�سات امل�س�ؤولية‬ ‫انطالقاً من اجلن�س ولي�س من الكفاءة‪.‬‬ ‫وهكذا يجعل هذا املفهوم الأول امل�ساواة يف‬ ‫تناق�ض كامل مع مفهوم التكامل بني الرجل‬ ‫واملر�أة‪ .‬ويعترب �أ�صحابه ‪-‬يف الغالب‪ -‬الرجل‬ ‫و�أدواره واهتماماته هي النموذج واملثال‬ ‫بالن�سبة للمر�أة‪ ،‬في�صبح بالتايل حلمها هو‬ ‫�أن ت�صبح �شبه رجل‪.‬‬ ‫ املعنى الثاين‪ :‬يعترب امل�ساواة عبارة‬‫عن ت�ساوي الفر�ص لولوج امل�ؤ�س�سات‬ ‫وامل�س�ؤوليات‪ ،‬وهو يت�ضمن معاين التوازن‬ ‫والتكافئ‪ .‬ويختلف عن التماثل يف �أنه‬ ‫يهدف �إىل �إزالة العوائق التي متنع املر�أة‬ ‫من امل�شاركة يف م�ؤ�س�سات املجتمع ب�سبب‬ ‫جن�سها‪ ،‬لكنها يف املقابل تربط تلك امل�شاركة‬ ‫بكفاءتها ال بجن�سها‪ .‬وقد تبنى البنك‬ ‫الدويل هذا التعريف يف تقرير حول �سيا�سات‬ ‫النمو عنونه بـ "النوع االجتماعي والتنمية‬ ‫االقت�صادية"‪ .‬ففيه �أ َّن امل�ساواة بني اجلن�سني‬ ‫تت�ضمن‪ :‬امل�ساواة �أمام القانون‪ ،‬امل�ساواة يف‬ ‫الفر�ص (وت�ستلزم امل�ساواة يف الأجور ويف‬ ‫احل�صول على و�سائل الإنتاج) وامل�ساواة يف‬ ‫الت�أثري ‪ )1(.‬وي�ضيف التقرير �أ َّن امل�ساواة‬ ‫بني اجلن�سني ال تت�ضمن امل�ساواة يف النتائج‬ ‫ل�سببني‪ :‬الأول كون الثقافات واملجتمعات‬ ‫ت�سلك طرقاً خمتلفة لتنزيل تلك امل�ساواة‪،‬‬ ‫ال�سبب الثاين هو �أ َّن الرجال والن�ساء �أحرار‬ ‫يف �أن يختاروا �أدواراً خمتلفة �أو مت�شابهة‪،‬‬ ‫و�أحرار يف �أن تكون لهم طموحات خمتلفة �أو‬ ‫مت�شابهة ح�سب �أولوياتهم و�أهدافهم‪ .‬وت�ؤكد‬ ‫وثيقة للوكالة الكندية للتطور �أ َّن امل�ساواة‬ ‫بني اجلن�سني ال تعني �أن يكون الرجال‬ ‫والن�ساء مت�شابهني‪ ،‬بل �أن يكون لهما �إمكانات‬ ‫وفر�ص مت�ساوية ‪)2(.‬‬ ‫وهذا التعريف ي�أخذ بعني االعتبار‬ ‫االختالفات املوجودة بني اجلن�سني ويبتعد‬ ‫عن مفهوم املماثلة الذي ينطلق منه التعريف‬ ‫الأول‪ .‬وقد برز منذ �أواخر الثمانينات يف‬ ‫�صفوف احلركة الن�سائية الغربية الوعي‬ ‫ب�أهمية التنوع وحق املر�أة يف االختالف عن‬ ‫الرجل ‪. droit à la différence‬‬ ‫و�أ�صبح هذا احلق حمور "ن�ضال" العديد‬ ‫من الن�شيطات يف احلركة الن�سائية‪ .‬ووجهت‬ ‫االنتقادات بقوة ملحاوالت فر�ض "النوع‬ ‫االجتماعي" الواحد‪� ،‬أي النوع املذكر‪ .‬ففي‬

‫امل�ساواة املثلية ي�صبح النموذج هو الرجل‪،‬‬ ‫فحياته هي الأف�ضل‪ ،‬وهمومه هي املثال‪،‬‬ ‫والأعمال التي يقوم بها هي التي تعطي‬ ‫القيمة للإن�سان‪ .‬ف�ألفت املنا�ضلة النقابية‬ ‫والكاتبة الفرن�سية �أونطوانيت فوك‬ ‫‪� Antoinette Fouque‬سنة ‪ 1995‬كتابها‬ ‫"هناك جن�سان"(‪ . )3‬كما كتبت يف املو�ضوع‬ ‫الفيل�سوفة الفرن�سية �سيلفيان �أكازان�سكي‬ ‫‪ Syliviane Agacinski‬كتابها "�سيا�سات‬ ‫اجلن�سني"‪ ،‬حيث هاجمت النموذج املتمثل يف‬ ‫تقلي�ص االختالف بني اجلن�سني �أو ما ي�سميه‬ ‫البع�ض‪" :‬اختفاء النوعني االجتماعيني"‬ ‫بهدف تنميط الأفراد‪ ،‬واعتربت ذلك حلماً‬ ‫كليانياً "‪."totalitaire‬‬ ‫وذهبت �إىل �أ َّن الأمومة هي نقطة ارتكاز‬ ‫َّ‬ ‫ولذلك ف�إن كل واحد‬ ‫للهوية الأنثوية‪.‬‬ ‫من اجلن�سني حمتاج للآخر‪ ،‬والب�شرية‬ ‫بطبيعتها ترتكز على اجلن�سية املغايرة‬ ‫‪.hétérosexuelle‬‬ ‫�أما اجلن�سية املثلية فهي �شذوذ يناق�ض ذلك‪.‬‬ ‫وتتهم �أكازان�سكي �سيمون دوبوفوار و�أتباعها‬ ‫بكونهنَّ مغرمات بالرغبة يف حمور "اختالف‬ ‫الن�ساء عن الرجال و�سقطن يف فخ "التمركز‬ ‫حول الذكر" ‪. )4( androcentrisme‬‬ ‫وتوالت الكتابات الن�سائية التي ت�سري يف‬ ‫االجتاه نف�سه طيلة العقدين الأخريين‪.‬‬ ‫و�آخرها كتاب ال�صحفيتني الفرن�سيتني‬ ‫مورييل روي بريتي وكابو�سني كرابي يف‬ ‫كتابهما "اجلن�س القوي" حيث حتدثتا عن‬ ‫ع�صر جديد يقطع مع "الن�سوانية"‪ ،‬ويعلي‬ ‫�ش�أن التكامل بني اجلن�سني(‪ )5‬واحلفاظ‬ ‫على الأ�سرة واالعتزاز بالأمومة‪ ،‬حيث متيل‬ ‫الن�ساء اليوم �أكرث �إىل رف�ض الت�ضحية بهما‬ ‫حل�ساب امل�سار املهني (‪.)6‬‬ ‫والفرق بني املعنى الأول للم�ساواة واملعنى‬ ‫الثاين هو �أن الأول يتعامل مع املر�أة والرجل‬ ‫باعتبارهما فردين معزولني عن حميطهما‬ ‫االجتماعي‪ ،‬بينما ي�صر املعنى الثاين على‬ ‫االنطالق من �أنهما كائنان اجتماعيان‪.‬‬ ‫فيكون الهدف حتقيق العدالة بينهما ولي�س‬ ‫املماثلة‪.‬‬ ‫ املعنى الثالث‪ :‬نحتته بع�ض الدرا�سات‬‫املهتمة باملقاربة ح�سب النوع‪ .‬وهي تعترب‬ ‫�أ َّن امل�ساواة تت�ضمن امل�ساواة يف الفر�ص مع‬ ‫تثمني خ�صو�صيات كل من الرجل واملر�أة‪،‬‬

‫‪5‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫وبالتايل تثمني الوظائف والأدوار اخلا�صة‬ ‫باملر�أة و�إتاحة الفر�صة لها لت�ؤديها على‬ ‫�أح�سن وجه‪.‬‬ ‫كما تنطلق من �أ َّن امل�ساواة بني اجلن�سني‬ ‫ال ميكن �أن تكون حقيقية �إال �إذا �أعانت املر�أة‬ ‫على �أن تعتز بكونها امر�أة‪ ،‬ال �أن تتمل�ص‬ ‫من جن�سها و�أنوثتها وجتعل هدفها الت�شبه‬ ‫بالرجل وجعله النموذج واملثال‪ .‬فاحتقار‬ ‫املر�أة جلن�سها وخ�صائ�صها ال ميكن �أن يكون‬ ‫طريقاً �إىل امل�ساواة احلقيقية‪.‬‬ ‫ومن الباحثات اللواتي تبنني هذا املفهوم‬ ‫الباحثة االجتماعية �أين البوري راكابي‬ ‫‪ Anni labouri –Racapé‬التي ت�ؤكد‬ ‫على �أنه مل يعد مقبوال االنتقا�ص من قيمة‬ ‫الأعمال والأن�شطة اخلا�صة بالن�ساء‪ ،‬واعتبار‬ ‫ما يقوم به الرجل هو املعيار والنموذج‪.‬‬ ‫و�ضمنت مقا ًال لها بعنوان‪" :‬نظرة مغايرة‬ ‫مع املقاربة ح�سب النوع"(‪ )7‬ما اعتربته‬ ‫مقدمات لتنزيل هذه املقاربة منها‪:‬‬ ‫ البعد عن املقاربة املحايدة‪ ،‬وتبني مقاربة‬‫نهتم بالبعدين الأنثوي والذكوري معاً‪.‬‬ ‫ �إعالء قيمة الأن�شطة التي تقوم بها الن�ساء‪،‬‬‫و�إعطا�ؤها قيمة م�ساوية لقيمة الأن�شطة‬ ‫التي يقوم بها الرجل‪.‬‬ ‫ اعتبار �أ َّن امل�ساواة احلقيقية هي �إعطاء‬‫الفرد القدرة على العمل وفق منظوره حول‬ ‫ما هو الأهم يف حياته بالن�سبة له‪ ،‬فمن‬ ‫حق املر�أة �أن تعترب �أ َّن الأهم يف حياتها هو‬ ‫الأمومة ولي�س عمل مهني معني‪.‬‬ ‫وهذا معناه �أ َّن املقاربة ح�سب النوع يجب‬ ‫�أن تهدف �إىل حتديد املهام التي تقوم بها‬ ‫الن�ساء �أو تود القيام بها‪ ،‬وحتديد حاجياتهن‪،‬‬ ‫يف نف�س امل�ستوى الذي يفعل ذلك بالن�سبة‬ ‫للرجل‪ .‬وي�ستلزم هذا املنظور �إ�شراك املر�أة‬ ‫يف مناق�شة ال�سيا�سات التنموية ويف و�ضع‬ ‫اال�سرتاتيجيات واخلطط‪ ،‬لأ َّن عدم �أخذ‬ ‫ر�أي الن�ساء بعني االعتبار يغيب نظرة‬ ‫خا�صة لبع�ض الأمور‪ ،‬ويغيب حاجيات‬ ‫خا�صة للن�ساء‪ .‬وهذه امل�شاركة ال تهتم‬ ‫بالعدد والن�سبة‪ ،‬ولكن تهتم �أكرث بالنوعية‬ ‫والكيفية‪ ،‬وبالقيمة امل�ضافة يف تلك اخلطط‪.‬‬ ‫واملهم هنا �أ َّن الباحثة نادت �إىل �إعادة التفكري‬ ‫يف مفهوم امل�ساواة‪ ،‬و�إعطاء الأعمال التي‬ ‫ترتبط باملر�أة قيمة تليق بها وتعلي �ش�أنها‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ �أي موقع للأ�سرة والأمومة يف حياة املر�أة‬

‫‪6‬‬ ‫�إذا كان املعنى الأول للم�ساواة ينكر الفروق‬ ‫بني الرجل واملر�أة‪ ،‬ويعمل على �إزالتها كلها‬ ‫يف الواقع‪ ،‬ف�إ َّن املدار�س التي تتبنى املعنيني‬ ‫الثاين والثالث يعرتفون باالختالفات‬ ‫البيولوجية والنف�سية واالجتماعية بني‬ ‫الرجل واملر�أة‪ .‬وهي ال تعمل على �إزالتها‬ ‫لكن تعمل على �أال ت�ؤدي �إىل ظلم �أو تفاوت‬ ‫اجتماعي‪.‬‬ ‫ومن هنا يختلف االجتاهان حول الأمومة‪،‬‬ ‫هل هي حاجة فطرية للمر�أة و�أمر مهم يف‬ ‫حياتها‪ ،‬نحتاج معها �إىل تطوير ا�سرتاتيجية‬ ‫ت�سهل �أداء املر�أة لها و�إعطائها �أولوية على‬ ‫ال�شروط املادية والتنظيمية املرتبطة‬ ‫بالعمل واالنخراط املهني وال�سيا�سي؟ �أم‬ ‫�أ َّن وجود املر�أة يف �سوق العمل ويف امل�ؤ�س�سات‬ ‫ال�سيا�سية �أولوية تف�ضل وظيفة الأمومة‪،‬‬

‫الر�ضاعة الطبيعية وكونها حقاً للطفل‪.‬‬ ‫وتبنت منظمة ال�صحة العاملية حمالت‬ ‫ل�صاحلها‪ .‬وتبع ذلك متجيد للإجناب‬ ‫ولغريزة الأمومة‪ ،‬واعتبارهما �أ�سا�س‬ ‫الأخالقية كما عند �أونطوان فوك و�سيلفيات‬ ‫�أكازان�سكي يف كتابيهما ال�سالفي الذكر‪.‬‬ ‫كما بد�أت منذ ‪1985‬م بفرن�سا �إجراءات‬ ‫ت�سهيل تفرغ الن�ساء للأمومة‪ .‬فحددت‬ ‫"التعوي�ضات الوالدية للتعليم" ت�ساوي‬ ‫ن�صف احلد الأدنى للأجور للن�ساء اللواتي‬ ‫لديهن ‪� 3‬أطفال و�أكرث‪ .‬ثم حددت �سنة ‪1994‬م‬ ‫للأم التي ولدت طف ً‬ ‫ال ثانياً‪ .‬وهذا �أدى �إىل‬ ‫توقف عدد كبري من الن�ساء عن العمل‪.‬‬ ‫ويربز حل ثانٍ هو تخفي�ض �ساعات العمل‬ ‫واال�شتغال ن�صف الوقت للتفرغ للأمومة‬ ‫وتربية الأبناء‪ .‬وهذا ما اختاره �أي�ضاً عدد‬ ‫كبري من الن�ساء‪ .‬وقد ف�ضلنه على الرغم‬

‫فن�ضع الإجراءات لتنزيل امل�ساواة فيها‪ ،‬ورمبا‬ ‫املنا�صفة دون مراعاة ت�أثريها على الأمومة؟‬ ‫�إ َّن النقا�ش يف هذا املو�ضوع �شغل م�ساحة‬ ‫كبرية يف الكتابات الن�سائية الغربية‪ ،‬كما �شهد‬ ‫االهتمام بالأمومة ح�ضوراً متزايداً يف كتابات‬ ‫عدد من الباحثات واملنا�ضالت الن�سائيات‪ ،‬يف‬ ‫الأو�ساط العلمية والطبية ويف الأو�ساط‬ ‫الفل�سفية والن�ضالية على ال�سواء‪ .‬وبرز بقوة‬ ‫االهتمام بالر�ضاعة الطبيعية‪ ،‬والرتكيز على‬ ‫�إيجابياتها الع�ضوية والنف�سية للأم والطفل‬ ‫(وكذلك االقت�صادية يف العامل الثالث)‪.‬‬ ‫وذهبت كثريات �إىل احلديث عن وجوب‬

‫من كونه يقل�ص مدخولهن ال�شهري‬ ‫وي�ضر مب�سارهن العملي‪ ،‬لأ َّنه ميكنهنَّ من‬ ‫"التوفيق بني غريزة الأمومة والإكراهات‬ ‫املهنية"(‪ .)8‬ومن الباحثات الغربيات اللواتي‬ ‫�أثرن املو�ضوع �إيدوفيج �أوتري ‪Auter‬‬ ‫‪ Eduvige‬يف كتابها "متجيد الأمهات"‬ ‫‪ ،Eloge des mères‬وحتدثت عن املوقف‬ ‫الذي تو�ضع فيه كل �أم بالت�سا�ؤل حول ما هو‬ ‫الأف�ضل‪ :‬التخلي يف حدود املمكن عن دور‬ ‫الأمومة للغري‪� ،‬أم التخفيف من جزء من‬ ‫العمل املهني ل�صاحلها؟ وقد �أجابت �إدوج‬ ‫�أنتيي ب�أ َّن املزيد من الن�ساء يتجهن نحو‬


‫احلل الثاين فيخرتن التوقف عن العمل‬ ‫جزئياً �أو كلياً للتفرغ لرتبية �أبنائهن(‪. )9‬‬ ‫لقد كان من نتائج �إخراج العالقات اجلن�سية‬ ‫من دائرة النظام العام يف الغرب‪ ،‬وجتريدها‬ ‫من حق املجتمع‪ ،‬لت�صبح حقاً �شخ�صياً خال�صاً‪،‬‬ ‫داخ ً‬ ‫ال يف احلرية الفردية‪� ،‬أن تراجعت مكانة‬ ‫الأ�سرة وات�سع نطاق اال�ستغناء عن الزواج‬ ‫والإقبال على امل�ساكنة احلرة �أو تف�ضيل حياة‬ ‫العزوبة والعي�ش وحيداً‪.‬‬ ‫وازدادت ن�سبة الأبناء غري ال�شرعيني وبرز‬ ‫االرتباط واملعا�شرة اجلن�سية بني �شخ�صني‬ ‫من جن�س واحد‪ ،‬وبد�أ تقنينه يف بع�ض‬ ‫الدول‪ .‬ونكتفي مبثال فرن�سا حيث ي�صرح‬ ‫التقرير ال�سنوي للمعهد الوطني للدرا�سات‬ ‫الدميغرافية الذي عر�ض على الربملان‬ ‫الفرن�سي يف ‪� 1999/12/06‬أ َّن عقد الزواج‬ ‫مل يعد يف فرن�سا هو امل�ؤ�س�س للأ�سرة‪ ،‬فلقد‬ ‫�أ�صبحت امل�ساكنة احلرة ظاهرة بارزة يف‬ ‫احلياة االجتماعية‪ ،‬حيث يرتبط �سنوياً‬ ‫‪ 450000‬زوجاً ارتباطاً حراً‬ ‫لي�صل املجموع �إىل ‪ 4.8‬مليون �شخ�ص �إ�ضافة‬ ‫�إىل الأزواج من نف�س اجلن�س الذين يقدر‬ ‫عددهم ب ‪ 30000‬زوج‪ .‬وقد ارتفعت الوالدات‬ ‫خارج الزواج ارتفاعاً مطرداً‪ ،‬فمن ‪ 6‬يف املائة‬ ‫من جمموع الوالدات �سنة ‪� 1967‬إىل ‪ 20‬يف‬ ‫املائة �سنة ‪� ،1985‬أ�صبحت ‪ 40‬يف املائة �سنة‬ ‫‪ .1997‬كما �أن ‪ %53‬من الن�ساء يلدن والدتهن‬ ‫الأوىل عن حمل خارج �إطار الزواج‪.‬‬ ‫و ُي�ضاف �إىل ذلك الإقرار الر�سمي بزواج‬ ‫�شخ�صني من جن�س واحد‪ ،‬ذكر مع ذكر‪ ،‬و�أنثى‬ ‫مع �أنثى‪ ،‬يف عدد من الدول ويف مقدمتها‬ ‫بريطانيا والدمنارك وال�سويد والرنويج‬ ‫وهولندا‪ .‬ثم ي�ضاف �إليها فرن�سا ب�إقرارها‬ ‫"امليثاق املدين للت�ضامن" "‪."PACS‬‬ ‫وهو قانون ي�سمح بال�شذوذ اجلن�سي وبزواج‬ ‫�شاذين‪ ،‬وين�ص على �أنهما يتمتعان بجميع‬ ‫احلقوق املكفولة للأ�سر‪ ،‬مبا فيها اال�ستفادة‬ ‫من تخفي�ض ثمن تذكرة ال�سفر عرب و�سائل‬ ‫النقل العمومية مبا فيه اخلطوط اجلوية‪.‬‬ ‫ومل تكن هذه التطورات �إال مظاهر لرتاجع‬ ‫قيمة الأ�سرة‪ ،‬وات�ساع النظرة ال�سلبية �إليها‪،‬‬ ‫وطغيان قيم �أخرى مادية‪.‬‬ ‫• فقيمة ال�سعي وراء الربح املادي �أعلى من‬ ‫قيمة الزواج وتكوين �أ�سرة‪.‬‬ ‫• وقيمة املتعة اجلن�سية وحترر ممار�ستها‬

‫�أعلى يف املجتمع الغربي من قيمة الوفاء‬ ‫للزوج (�أو الزوجة) واحلفاظ على الأ�سرة‪.‬‬ ‫• واخليانة الزوجية مل تعد �أمراً �سلبياً بل‬ ‫�أ�ضحت ممار�سة �شائعة‪ ،‬و�ألغيت الن�صو�ص‬ ‫اجلنائية التي كانت تعاقب عليها‪.‬‬ ‫• والأ�سرة بو�صفها م�ؤ�س�سة اجتماعية‬ ‫منظمة وحممية من قبل القانون‪ ،‬تتحول‬ ‫�إىل جمرد اجتماع نفعي تطغى فيه‬ ‫مفاهيم حقوق الفرد وحريته بدل احلقوق‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من وجود تيارات اجتماعية‬ ‫و�سيا�سية يف الغرب ت�سعى لإحياء دور الأ�سرة‬ ‫يف املجتمع لكنها ال متثل االجتاه العام‪،‬‬ ‫وتفتقر �إىل �أر�ضية نظرية �صلبة متمايزة عن‬ ‫املنظومة املنبثة عن الوحي والدين‪.‬‬

‫عقد الزواج لم يعد يف‬ ‫فرنسا هو المؤسس‬ ‫لألسرة‪ ،‬فلقد أصبحت‬ ‫المساكنة الحرة‬ ‫ظاهرة بارزة يف الحياة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬حيث يرتبط‬ ‫سنويًا ‪ 450000‬زوجًا‬ ‫ارتباطًا حرًا‬ ‫ثاني ًا ‪ :‬الأ�صول العامة ملقاربة حقوق‬ ‫املر�أة يف الإ�سالم‬ ‫تنبثق و�ضعية املر�أة يف الإ�سالم بو�صفها‬ ‫ع�ض ًوا يف املجتمع من ثالثة �أ�صول م�ؤ�س�سة‬ ‫تر�سم خط الت�شريع العام (‪ ،)10‬وهي‪:‬‬ ‫‪� -1‬أ�صل امل�ساواة‬ ‫فقد درج علماء ال�شريعة على اعتبار "�أ َّن الأ�صل‬ ‫يف الأحكام ال�شرعية امل�ساواة بني الرجال‬ ‫والن�ساء �إال ما خ�ص"‪ .‬فللن�ساء من احلقوق‬ ‫مثل ما عليهن‪ ،‬وهنَّ �شقائق الرجال كما ورد‬ ‫يف احلديث ال�صحيح(‪ . )11‬وقد �صاغ ذلك‬ ‫العلماء يف قاعدة عربوا عنها بعبارات متنوعة‬ ‫مثل قول الكرماين‪( :‬حكم الرجل واملر�أة‬ ‫واحد يف الأحكام ال�شرعية) (‪ ، )12‬وقول ابن‬

‫حجر الع�سقالين‪( :‬والن�ساء �شقائق الرجال‬ ‫يف الأحكام �إال ما خ�ص) (‪ . )13‬وا�ستدل‬ ‫حممد ر�شيد ر�ضا بالآية الكرمية‪َ (:‬و َل ُهنَّ‬ ‫مِ ْث ُل ا َّلذِ ي َعلَ ْيهِنَّ ِبالمْ َ ْع ُروف)(البقرة‪)228 :‬‬ ‫ليقرر �أ َّن الإ�سالم جعل القاعدة الأ�سا�سية‬ ‫هي امل�ساواة بني الزوجني(‪� .)14‬أما الأحكام‬ ‫ال�شرعية التي تختلف فيها الن�ساء عن‬ ‫الرجال فهي ا�ستثناءات من �أ�صل القاعدة‪.‬‬ ‫و�أهمية ذلك �أنها ا�ستثناءات ال تثبت �إال بن�ص‬ ‫�صريح‪ ،‬وال يقا�س عليها �أو يتو�سع فيها �إال‬ ‫بدليل‪.‬‬ ‫وهكذا ف�إ َّن هذا الأ�صل يقت�ضي امل�ساواة يف‬ ‫احلقوق والفر�ص والتعليم والأجور واملكانة‬ ‫االجتماعية دون �أي متييز‪.‬‬ ‫‪� -2‬أ�صل اال�ستقاللية‬ ‫وهو نتيجة طبيعية للأ�صل الأول‪ ،‬فاملر�أة‬ ‫لي�ست تابعة بال�ضرورة لرجل‪ ،‬ما دام الرجل‬ ‫لي�س تابعاً هو �أي�ضاً لرجل وال المر�أة‪ .‬ومن‬ ‫مظاهر ذلك اتفاق جمهور الفقهاء على �أن‬ ‫الإ�سالم اعرتف للمر�أة ب�شخ�صيتها املدنية‬ ‫الكاملة‪ ،‬وحريتها املطلقة يف الت�صرف يف‬ ‫�أموالها‪ ،‬وبحقها كالرجل يف �أن تكون لها ذمة‬ ‫مالية م�ستقلة‪.‬‬ ‫‪� -3‬أ�صل امل�شاركة‬ ‫فالقر�آن مل يفرق بني املر�أة والرجل يف‬ ‫ممار�سة حق امل�شاركة يف خمتلف مظاهر‬ ‫احلياة االجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية‪،‬‬ ‫بل تقت�ضي �أ�صول الدين توفري فر�ص‬ ‫مت�ساوية بني الرجال والن�ساء يف احل�ضور‬ ‫والفعل يف خمتلف �ساحات املجتمع‪.‬‬ ‫انطالقاً من هذه الأ�صول ميكن فهم‬ ‫الأحكام ال�شرعية اجلزئية متناغمة‬ ‫من�سجمة ال متناثرة متنافرة‪ ،‬كما ميكن‬ ‫متييز االجتهادات الفقهية املرتبطة ب�أعراف‬ ‫�أ�صحابها وظروفهم و�سياقاتهم عن تلك‬ ‫التي ميكن �أن تعترب فهما �صحيحا للن�صو�ص‬ ‫ال�شرعية‪.‬‬ ‫ثالث ًا ‪ :‬التكامل بني اجلن�سني يف‬ ‫املنظومة الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫بناء على ما �سبق من �أ�صول للنظر لق�ضية‬ ‫املر�أة بو�صفها فردا يف املجتمع من زاوية‬ ‫�إ�سالمية‪ ،‬ف�إ َّن الن�صو�ص ال�شرعية تنظر‬ ‫�أي�ضاً �إىل املر�أة بو�صفها ع�ضواً يف الأ�سرة‪،‬‬ ‫ومن هنا ف�إ َّن امل�ساواة املثلية �أو التماثلية‬ ‫منافية لفل�سفة الدين االجتماعية وملوقع‬

‫‪7‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫كل من الرجل واملر�أة يف النظام االجتماعي‪.‬‬ ‫فالرجل واملر�أة �إذا كانا مت�ساويني يف املكانة‬ ‫وفر�ص الرتقي يف خمتلف املجاالت الدينية‬ ‫والدنيوية‪ ،‬ف�إ َّن ا�ستقراء الن�صو�ص الدينية‬ ‫يدعم فكرة تكامل الأدوار االجتماعية‬ ‫بينهما‪ ،‬دون الإ�ضرار ب�أ�صل امل�ساواة‪ .‬وهذا‬ ‫التكامل ال يعني اختالف املكانة والقيمة‬ ‫بل التوازن والتكاف�ؤ يف احلقوق والواجبات‪.‬‬ ‫ويتم ذلك وفق املبادئ والقواعد التالية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الزوجية قاعدة يف الكون ويف الفطرة‬ ‫الب�شرية‪:‬‬ ‫تنثبق فكرة التكامل بني اجلن�سني كما يبدو‬ ‫يف الن�صو�ص القر�آنية من �أ�صل اخللقة‪ ،‬وهي‬ ‫جزء من الفطرة التي فطر اهلل النا�س عليها‪.‬‬ ‫وت�شمل جميع املخلوقات‪ ،‬ولذلك قال تعاىل‬ ‫يف القر�آن الكرمي‪َ ( :‬ومِ نْ ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َخلَ ْق َنا‬ ‫َز ْو َجينْ ِ َل َع َّل ُك ْم َت َذ َّك ُرو َن)(الذاريات‪،)49:‬‬ ‫الَ ْز َوا َج ُك َّلهَا ممِ َّ ا‬ ‫وقال‪�(:‬س ْب َحا َن ا َّلذِ ي َخلَ َق ْ أ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الَ ْر ُ‬ ‫�ض َومِ نْ �أ ْن ُف�سِ ِه ْم َوممِ َّ ا اَل َي ْعلَ ُمون)‬ ‫ُت ْن ِبتُ ْ أ‬ ‫(ي�س‪.)36 :‬‬ ‫كما اعترب القر�آن �أ َّن �أ�صل الرجل واملر�أة‬ ‫واحد‪ ،‬و�أ َّن �أحدهما مكمل للآخر‪ ،‬لذلك‬ ‫ا�س ا َّت ُقوا َر َّب ُك ُم ا َّلذِ ي‬ ‫�سمي زوجا‪َ (:‬يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫َخلَ َق ُك ْم مِ نْ َن ْف ٍ�س َواحِ َد ٍة َو َخلَ َق مِ ْنهَا َز ْو َجهَا‬ ‫ريا َون َِ�سا ًء َوا َّت ُقوا اللهَّ َ‬ ‫َو َب َّث مِ ْن ُه َما ر َِج اًال َك ِث ً‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫الَ ْر َحا َم �إِ َّن ا َكا َن َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫ا َّلذِ ي َت َ�سا َء ُلو َن ِب ِه َو ْ أ‬ ‫ِيب)(الن�ساء‪ .)1:‬وعبارة من نف�س واحدة‬ ‫َرق ً‬ ‫تعني من �أ�صل واحد �أو من جن�س واحد‪.‬‬ ‫ال�س َما َواتِ‬ ‫وهو نظري الآية الكرمية‪َ (:‬فاطِ ُر َّ‬ ‫اجا َومِ َن‬ ‫َو ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َج َع َل َل ُك ْم مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَ ْز َو ً‬ ‫َ‬ ‫اجا َي ْذ َر ُ�ؤ ُك ْم فِي ِه َل ْي َ�س َكمِ ْث ِل ِه َ�ش ْي ٌء‬ ‫ْأ‬ ‫الَ ْن َعا ِم �أ ْز َو ً‬ ‫ْ‬ ‫ري)(ال�شورى‪.)11 :‬‬ ‫ال�سمِ ي ُع ال َب ِ�ص ُ‬ ‫َوهُ َو َّ‬ ‫وذلك التكامل بو�صفه معطى كونياً وفطرياً‬ ‫هو �آية من �آيات اهلل يف اخللق‪َ ( :‬ومِ نْ �آ َيا ِت ِه‬ ‫اجا ِل َت ْ�س ُك ُنوا‬ ‫�أَنْ َخلَ َق َل ُك ْم مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَ ْز َو ً‬ ‫�إِ َل ْيهَا َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة �إِ َّن فيِ َذل َِك‬ ‫َ آليَاتٍ ِل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن)(الروم‪َ ( ،)21:‬واللهَّ ُ‬ ‫اجا َو َج َع َل َل ُك ْم مِ نْ‬ ‫َج َع َل َل ُك ْم مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم َ�أ ْز َو ً‬ ‫ني َو َح َف َد ًة َو َر َز َق ُك ْم مِ َن َّ‬ ‫�أَ ْز َواجِ ُك ْم َب ِن َ‬ ‫الط ِّي َباتِ‬ ‫�أَ َفبِا ْل َباطِ لِ ُي ْ�ؤمِ ُنو َن َو ِب ِن ْع َمتِ اللهَّ ِ هُ ْم َي ْك ُف ُرو َن)‬ ‫(النحل‪ ،)72:‬بل هو حاجة كل واحد من‬ ‫اجلن�سني العميقة �إىل الآخر‪ ،‬فال�سكن‬ ‫هنا �أعمق من جمرد االرتياح الوجداين‪،‬‬ ‫�إنه حاجة يف �أ�صل اخللقة �إىل التكامل مع‬ ‫اجلن�س الآخر‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫‪ 2‬ـ التكامل الع�ضوي والنف�سي بني اجلن�سني‪:‬‬ ‫وهكذا ُي�شري القر�آن �إىل �أب�سط �أنواع التكامل‬ ‫بني اجلن�سني‪ ،‬وهو التكامل الع�ضوي‬ ‫والتكامل النف�سي‪ ،‬فالتكوين الع�ضوي لهما‬ ‫واحلاجة اجلن�سية لكل واحد منهما لزوجه‬ ‫يعترب �أول مظهر من مظاهر ذلك التكامل‪،‬‬ ‫وهو حاجة �أ�سا�سية لبع�ضهما البع�ض‪ ،‬وبه‬ ‫ميكن �أن يعترب �أحدهما مكم ً‬ ‫ال للآخر‪.‬‬ ‫لكن هذا التكامل الع�ضوي ينبني عليه‬ ‫تكامل نف�سي ومعنوي‪ ،‬وهو املعرب عنه يف‬ ‫الآيات ال�سابقة بال�سكن واملودة والرحمة‪،‬‬ ‫وال�سكن هنا يحمل جملة من املعاين مثل‬ ‫الأمن والطم�أنينة والأن�س‪ ،‬وهو ما ينعك�س‬ ‫�إيجاباً على الزوجني وعلى الأبناء‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تنعك�س �أمناً وا�ستقراراً على املجتمع كافة‪.‬‬ ‫وهناك �آية �أخرى ت�صف تلك العالقة‬ ‫ا�س‬ ‫بطريقة �أخرى هي قوله تعاىل‪( :‬هُ نَّ ِل َب ٌ‬ ‫ليست األسرة بهذا مجرد‬ ‫كيان مادي وملتقى مكاين‬ ‫يتم فيه تلبية الحاجات‬ ‫الجسدية والمادية‬ ‫فحسب‪ ،‬بل هي أيضًا كيان‬ ‫معنوي‪ ،‬أساسه «ميثاق‬ ‫غليظ»‬ ‫ا�س َل ُهنَّ )(البقرة‪ ،)187 :‬قال‬ ‫َل ُك ْم َو�أَ ْن ُت ْم ِل َب ٌ‬ ‫عبد اهلل ابن عبا�س ب�أن معناه‪" :‬هن �سكن‬ ‫لكم و�أنتم �سكن لهن"(‪ . )15‬ومن معانيه �أن‬ ‫كل واحد من الزوجني يكون �سرتاً للآخر‬ ‫و�إح�صاناً له (‪. )16‬‬ ‫‪ 3‬ـ �أهمية الأ�سرة يف البناء االجتماعي‪:‬‬ ‫هذا على امل�ستوى الع�ضوي والنف�سي‪� ،‬أما‬ ‫على امل�ستوى االجتماعي ف�إ َّن �أكرب م�ؤثر‬ ‫على طبيعة العالقة بني اجلن�سني هو مكانة‬ ‫الأ�سرة يف الت�صور العام للبناء االجتماعي‪.‬‬ ‫وهكذا ف�إ َّن الأ�سرة يف الإ�سالم م�ؤ�س�سة‬ ‫اجتماعية �أ�سا�سية يح�صل بها الإح�صان‬ ‫وال�سكن‪ ،‬ويف ظلها تتم الرتبية والتن�شئة‬ ‫الأ�سا�سيني للأبناء‪ .‬ففي القر�آن الكرمي‪:‬‬

‫اجا‬ ‫( َومِ نْ �آ َيا ِت ِه َ�أنْ َخلَ َق َل ُك ْم مِ نْ َ�أ ْن ُف�سِ ُك ْم َ�أ ْز َو ً‬ ‫ِل َت ْ�س ُك ُنوا �إِ َل ْيهَا َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة �إِ َّن‬ ‫فيِ َذل َِك َ آليَاتٍ ِل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن)(الروم‪،)21 :‬‬ ‫( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا ُقوا �أَ ْن ُف َ�س ُك ْم َو�أَهْ لِي ُك ْم‬ ‫ا�س َوالحْ َِجا َر ُة َعلَ ْيهَا َملاَ ِئ َك ٌة‬ ‫َنا ًرا َو ُقو ُدهَا ال َّن ُ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫غِ لاَ ٌظ �شِ دَا ٌد اَل َي ْع ُ�صو َن ا مَا �أ َم َرهُ ْم‬ ‫َو َي ْف َع ُلو َن مَا ُي�ؤْ َم ُرو َن)(التحرمي‪ ،)6:‬وقال‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬النكاح‬ ‫�سنتي فمن مل يعمل ب�سنتي فلي�س مني) ‪،‬‬ ‫وقال‪( :‬يا مع�شر ال�شباب من ا�ستطاع منكم‬ ‫الباءة فليتزوج ف�إنه �أغ�ض للب�صر و�أح�صن‬ ‫للفرج‪ ،‬ومن مل ي�ستطع فعليه بال�صوم ف�إنه‬ ‫له وجاء)‪.‬‬ ‫لي�ست الأ�سرة بهذا جمرد كيان مادي‬ ‫وملتقى مكاين يتم فيه تلبية احلاجات‬ ‫اجل�سدية واملادية فح�سب‪ ،‬بل هي �أي�ضاً كيان‬ ‫معنوي‪� ،‬أ�سا�سه «ميثاق غليظ»‬ ‫كما قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و�أَ َخ ْذ َن مِ ْن ُك ْم مِ ي َثا ًقا‬ ‫َغل ً‬ ‫ِيظا)(الن�ساء‪ ،)21:‬وهدفه حتقيق ال�سكن‬ ‫واملودة والرحمة‪ ،‬ووظيفته رعاية الن�شئ ونقل‬ ‫قيم الإميان ومبادئ الدين وثقافة املجتمع‪،‬‬ ‫وتوفري ال�شعور بالأمان واال�ستقرار‪ .‬وقد‬ ‫�أول بع�ض املف�سرين امليثاق الغليظ يف الآية‬ ‫على �أنه احلقوق املقررة للن�ساء على الرجال‪،‬‬ ‫فقال قتادة‪" :‬هو ما �أخذ اهلل تعاىل للن�ساء‬ ‫على الرجال‪ ،‬ف�إم�ساك مبعروف �أو ت�سريح‬ ‫ب�إح�سان"‪ ،‬قال‪" :‬وقد كان ذلك ي�ؤخذ عند‬ ‫عقد النكاح‪� :‬آاهلل عليك لتم�سكن مبعروف �أو‬ ‫لت�سرحن ب�إح�سان" (‪. )17‬‬ ‫وب�سبب هذه املكانة الكبرية للأ�سرة يف‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬خ�صها القر�آن الكرمي بت�شريعات‬ ‫خا�صة مف�صلة‪ ،‬وبن�صو�ص وا�ضحة �صريحة‪،‬‬ ‫وهذا ما يعطي العديد من االختالفات بني‬ ‫النظامني الإ�سالمي والغربي يف الت�شريعات‬ ‫اخلا�صة بالأ�سرة‪ .‬لأ َّنه بالإ�ضافة �إىل‬ ‫املبادئ والقيم الكربى التي قد تختلف بني‬ ‫املنظومتني من حيث تراتبيتها باخل�صو�ص‪،‬‬ ‫فهناك �أحكام جزئية عديدة يتميز بها‬ ‫الت�شريع الإ�سالمي‪ ،‬يف عقد الزواج و�شروط‬ ‫�صحته‪ ،‬وحقوق الزوجني وواجباتهما‪ ،‬وطرق‬ ‫�إنهاء رابطة الزوجية وغريها‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ الأمومة حق للمر�أة وللمجتمع‬ ‫ومن هنا نظر القر�آن �إىل الأمومة على �أنه‬ ‫حق مزدوج للمر�أة وللمجتمع معاً‪ .‬فهي‬ ‫تعترب حقاً للمر�أة‪ ،‬لأ َّن ميل املر�أة �إليها فطري‬


‫ال حتتاج معه �إىل �إلزام‪ .‬لكن الرجل واملجتمع‬ ‫هما اللذان يحتاجان �إىل الإلزام بعدم امل�سا�س‬ ‫بحقها ذلك‪ ،‬وبت�سهيل �أدائها له‪ ،‬وو�ضع‬ ‫الإجراءات الكفيلة ب�أال تتحول ممار�سة هذا‬ ‫احلق �إىل تهمي�ش �أو ظلم اجتماعي‪ .‬ومن‬ ‫هنا ت�أكيد القر�آن على �أ َّن املر�أة لها الأولوية‬ ‫يف القرار يف �إر�ضاع ابنها‪ ،‬وعلى الزوج الإنفاق‬ ‫والرعاية حتى يتم ذلك يف �أح�سن الظروف‪.‬‬ ‫يقول تعاىل‪َ (:‬وا ْل َوا ِلد ُ‬ ‫َات ُي ْر ِ�ض ْع َن �أَ ْو اَلدَهُ نَّ‬ ‫َح ْو َلينْ ِ َكامِ لَينْ ِ لمِ َنْ �أَ َرا َد �أَنْ ُي ِت َّم ال َّر َ�ضا َع َة َو َعلَى‬ ‫وف اَل‬ ‫المْ َ ْو ُلو ِد َل ُه ِر ْز ُق ُهنَّ َوك ِْ�س َو ُت ُهنَّ ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫َ‬ ‫ُت َك َّل ُف َن ْف ٌ�س �إِ اَّل ُو ْ�س َعهَا اَل ُت َ�ضا َّر َوا ِل َد ٌة ِب َولدِ هَا‬ ‫َو اَل َم ْو ُلو ٌد َل ُه ِب َو َلدِ ِه َو َعلَى ا ْل َوارِثِ مِ ْث ُل َذل َِك‬ ‫ا�ض مِ ْن ُه َما َو َت َ�شا ُو ٍر‬ ‫ِ�ص اًال َعنْ َت َر ٍ‬ ‫َف�إِنْ �أَ َرادَا ف َ‬ ‫فَلاَ ُج َنا َح َعلَ ْي ِه َما َو�إِنْ �أَ َرد مُ ْ‬ ‫ْت �أَنْ َت ْ�سترَ ْ ِ�ض ُعوا‬ ‫�أَ ْو اَل َد ُك ْم فَلاَ ُج َنا َح َعلَ ْي ُك ْم �إِ َذا َ�س َّل ْم ُت ْم مَا �آ َت ْي ُت ْم‬ ‫وف َوا َّت ُقوا اللهَّ َ َو ْاعلَ ُموا �أَ َّن اللهَّ َ بمِ َا‬ ‫ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫ري)(البقرة‪.)233 :‬‬ ‫َت ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ‬ ‫ويعلق حممد بن �أحمد الأن�صاري القرطبي‬ ‫يف تف�سريه على هذه الآية قائ ً‬ ‫ال‪�" :‬أي هن �أحق‬ ‫بر�ضاع �أوالدهن من الأجنبيات لأنهن �أحنى‬ ‫و�أرق‪ ،‬وانتزاع الولد ال�صغري �إ�ضرار به وبها‪،‬‬ ‫وهذا يدل على �أ َّن الولد و�إنْ فطم فالأم �أحق‬ ‫بح�ضانته لف�ضل حنوها و�شفقتها" (‪.)18‬‬ ‫ورتب القر�آن على ما تتحمله الأم يف احلمل‬ ‫والوالدة من تبعات‪ ،‬الو�صاية بتقديرها‬ ‫واحرتامها‪ ،‬وعرب عن تلك التبعات ب�أنها‬ ‫"كره" و "وهن"‪ ،‬فقال تعاىل‪َ ( :‬و َو َّ�ص ْي َنا‬ ‫ال ْن َ�سا َن ِب َوا ِل َد ْي ِه ِ�إ ْح َ�سا ًنا َح َملَ ْت ُه �أُ ُّم ُه ُك ْرهًا‬ ‫ْ ِإ‬ ‫ِ�صا ُل ُه ثَلاَ ُثو َن‬ ‫َو َو َ�ض َع ْت ُه ُك ْرهًا َو َح ْم ُل ُه َوف َ‬ ‫َ‬ ‫َ�ش ْه ًرا َح َّتى �إِ َذا َبلَ َغ �أَ ُ�ش َّد ُه َو َبلَ َغ �أ ْر َب ِع َ‬ ‫ني َ�س َن ًة‬ ‫َقا َل َر ِّب �أَ ْوز ِْعنِي �أَنْ �أَ ْ�ش ُك َر ِن ْع َم َت َك ا َّلتِي �أَ ْن َع ْمتَ‬ ‫َعلَ َّي َو َعلَى َوا ِلدَيَّ َو�أَنْ �أَ ْع َم َل َ�صالحِ ً ا َت ْر َ�ضا ُه‬ ‫َو�أَ ْ�صل ِْح ليِ فيِ ُذ ِّر َّيتِي �إِنيِّ ُت ْبتُ �إِ َل ْي َك َو�إِنيِّ‬ ‫مِ َن المْ ُ ْ�سلِمِ َ‬ ‫ني)(الأحقاف‪ .)15:‬وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ْن َ�سا َن ِب َوا ِل َد ْي ِه َح َمل ْت ُه �أ ُّم ُه وَهْ ًنا‬ ‫( َو َو َّ�ص ْي َنا ْ إِ‬ ‫َعلَى وَهْ ٍن َوف َ‬ ‫ِ�صا ُل ُه فيِ عَا َمينْ ِ �أَنِ ْا�ش ُك ْر ليِ‬ ‫ري)(لقمان‪.)14 :‬‬ ‫َو ِل َوا ِل َد ْي َك �إِليَ َّ المْ َ ِ�ص ُ‬ ‫والتعبري عن احلمل والوالدة ب�أنهما كره‬ ‫ووهن‪� ،‬أي م�شقة و�ضعف‪ ،‬يعني �أ َّن احلالة‬ ‫ت�ستوجب الرعاية والإ�شراف �صحياً ونف�سياً‬ ‫وتربوياً‪ ،‬مل�صلحة الأم والطفل ومل�صلحة‬ ‫املجتمع‪ .‬والراجح �أ َّن هذا هو املق�صود مبفهوم‬ ‫القوامة يف الآية الكرمية‪( :‬ال ِّر َج ُال َق َّوامُو َن‬ ‫َعلَى ال ِّن َ�سا ِء بمِ َا َف َّ�ض َل اللهَّ ُ َب ْع َ�ض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض‬

‫ال�صالحِ َ ُ‬ ‫ات َقا ِن َت ٌات‬ ‫وَبمِ َا َ�أ ْن َف ُقوا مِ نْ �أَ ْم َوا ِل ِه ْم َف َّ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫َحاف َِظ ٌات ِل ْل َغيْبِ بمِ َا َحف َ‬ ‫ِظ ا َواللاَّ تِي‬ ‫َت َخا ُفو َن ُن ُ�شو َزهُ نَّ َفع ُِظوهُ نَّ وَاهْ ُج ُروهُ نَّ فيِ‬ ‫المْ َ َ�ضاجِ ِع َو ْ‬ ‫ا�ض ِربُوهُ نَّ َف�إِنْ �أَ َط ْع َن ُك ْم فَلاَ َت ْب ُغوا‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫ريا)‬ ‫َعلَ ْيهِنَّ َ�س ِبيلاً ِ�إ َّن ا َكا َن َع ِل ًّيا َك ِب ً‬ ‫(الن�ساء‪ .)34 :‬فقد فهمت من قبل الكثريين‬ ‫على �أنها تعني ال�سيطرة والتحكم‪ .‬وبالنظر‬ ‫ملجموع الن�صو�ص واملفاهيم ال�شرعية‬ ‫املرتبطة بعالقة الرجل باملر�أة يف الإ�سالم‬ ‫واملبنية �إجما ًال على �أ�صلي اال�ستقاللية‬ ‫وامل�ساواة‪ ،‬و�أخذاً بعني االعتبار ل�سيل من‬ ‫القرائن ميكن فهم �أ َّن القوامة تدل على‬ ‫الرعاية من جهة‪ ،‬والإ�شراف ذي الطابع‬ ‫امل�ؤ�س�ساتي من جهة ثانية (‪ .)19‬وممن �أ�شار‬ ‫�إىل قريب من هذا املعنى الفريوز�آبادي �إذ‬ ‫جعل القيام يف الآية مبعنى‪" :‬قيام الرجال‬ ‫مب�صالح الن�ساء" (‪. )20‬‬ ‫عبر القرآن بلفظ المثل‬ ‫َّ‬ ‫عند الحديث عن الحقوق‬ ‫المتبادلة بين الزوجين‪،‬‬ ‫فقال‪(:‬و َل ُه َّن ِم ْث ُل َّ‬ ‫ال ِذي‬ ‫َ‬ ‫َع َل ْي ِه َّن ِب ْ‬ ‫ال َم ْع ُروف)‬ ‫ويف تعليل الآية لقوامة الرجل معنى ال ب َّد‬ ‫من الوقوف عنده‪ ،‬فقد �أوردت علتني �أوالهما‬ ‫قولها‪(:‬بمِ َا َف َّ�ض َل اللهَّ ُ َب ْع َ�ض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض)‬ ‫الن�ساء‪ .)34:‬وهذا التعليل ال يعني تف�ضيل‬ ‫الرجال على الن�ساء على عك�س ما ذهب �إليه‬ ‫جمهور املف�سرين‪� ،‬إذ لو كان ذلك مق�صودا‬ ‫لكان التعبري مبثل (مبا ف�ضلهم عليهن)‬ ‫�أو قال (بتف�ضيلهم عليهن)‪ .‬لكن التعبري‬ ‫امل�ستعمل يفيد �أن كل جن�س يف�ضل اجلن�س‬ ‫الآخر يف �أمور‪ ،‬فكالهما فا�ضل ومف�ضول‪.‬‬ ‫ونظريه قوله تعاىل‪َ ( :‬و اَل َت َت َم َّن ْوا مَا َف َّ�ض َل‬ ‫يب ممِ َّ ا‬ ‫اللهَّ ُ ِب ِه َب ْع َ�ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض لِل ِّر َجالِ َن ِ�ص ٌ‬ ‫يب ممِ َّ ا ا ْك َت َ�س نْ َ‬ ‫ب َو ْا�س َ�أ ُلوا‬ ‫ا ْك َت َ�س ُبوا َولِل ِّن َ�سا ِء َن ِ�ص ٌ‬ ‫اللهَّ َ مِ نْ َف ْ�ض ِل ِه �إِ َّن اللهَّ َ َكا َن ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِي ًما)‬ ‫(الن�ساء‪ .)32 :‬فقد قالت �أم �سلمة ر�ضي اهلل‬ ‫عنها‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬يغزو الرجال وال نغزو‪،‬‬ ‫و�إمنا لنا ن�صف املرياث! فنزلت‪َ ( :‬و اَل َت َت َم َّن ْوا‬

‫مَا َف َّ�ض َل اللهَّ ُ ِب ِه َب ْع َ�ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض لِل ِّر َجالِ‬ ‫يب ممِ َّ ا‬ ‫يب ممِ َّ ا ا ْك َت َ�س ُبوا َولِل ِّن َ�سا ِء َن ِ�ص ٌ‬ ‫َن ِ�ص ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫ا ْك َت َ�س نْ َ‬ ‫ب َو ْا�س�أ ُلوا ا مِ نْ َف ْ�ض ِل ِه �إِ َّن ا َكا َن‬ ‫ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِي ًما)(�سورة‪ .)32:‬وقال الطربي‬ ‫يف معنى الآية‪ :‬وال تتمنوا ‪� -‬أيها الرجال‬ ‫والن�ساء ‪ -‬الذي ف�ضل اهلل به بع�ضكم على‬ ‫بع�ض من منازل الف�ضل ودرجات اخلري‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ولري�ض �أحدكم مبا ق�سم اهلل له من ن�صيب‪،‬‬ ‫ولكن �سلوا اهلل من ف�ضله‪ .‬فالآية تفيد‬ ‫تف�ضيل الرجال على الن�ساء يف �أمور وتف�ضيل‬ ‫الن�ساء على الرجال يف �أمور‪ ،‬لذلك قال تعاىل‬ ‫بعدها‪َ ( :‬و اَل َت َت َم َّن ْوا مَا َف َّ�ض َل اللهَّ ُ ِب ِه َب ْع َ�ض ُك ْم‬ ‫يب ممِ َّ ا ا ْك َت َ�س ُبوا‬ ‫َعلَى َب ْع ٍ�ض لِل ِّر َجالِ َن ِ�ص ٌ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫يب ممِ َّ ا ا ْك َت َ�س نْ َ‬ ‫ب َو ْا�س�أ ُلوا ا مِ نْ‬ ‫َولِل ِّن َ�سا ِء َن ِ�ص ٌ‬ ‫َف ْ�ض ِل ِه �إِ َّن اللهَّ َ َكا َن ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِي ًما)‬ ‫(�سورة الن�ساء‪.)32:‬‬ ‫ويف نف�س االجتاه حتمل الن�صو�ص ال�شرعية‬ ‫املجتمع م�س�ؤولية رعاية الأمومة ف�أو�صت‬ ‫باملر�أة با�ستفا�ضة‪ ،‬فعن �أبي هريرة قال‪ :‬قال‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬ا�ستو�صوا‬ ‫بالن�ساء خرياً"(‪ .)21‬ولفظ ا�ستو�صوا قد‬ ‫يكون املق�صود به الآباء والأهل والأزواج‪ ،‬وقد‬ ‫يكون املق�صود به عموم املجتمع‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ التكامل يف الأعمال داخل الأ�سرة‬ ‫�إ َّن املقدمات ال�سابقة تقت�ضي �أن يكون هناك‬ ‫نوع من التكامل داخل الأ�سرة‪ ،‬لكنه تكامل‬ ‫يجب �أن يتم يف �إطار العدل‪ ،‬وقد ربطه‬ ‫القر�آن الكرمي بالعرف‪َ (:‬والمْ ُ َط َّل َق ُ‬ ‫ات َيترَ َ َّب ْ�ص َن‬ ‫ِب�أَ ْن ُف�سِ هِنَّ ثَلاَ َث َة ُق ُرو ٍء َو اَل يَحِ ُّل َل ُهنَّ �أَنْ َي ْك ُت ْم َن‬ ‫مَا َخلَ َق اللهَّ ُ فيِ �أَ ْر َحامِ هِنَّ �إِنْ ُكنَّ ُي�ؤْمِ نَّ بِاللهَّ ِ‬ ‫َوا ْل َي ْو ِم ْالآخِ ِر َو ُب ُعو َل ُت ُهنَّ �أَ َح ُّق ِب َردِّهِ نَّ فيِ َذل َِك‬ ‫�إِنْ �أَ َرادُوا �إِ ْ�صلاَ ًحا َو َل ُهنَّ مِ ْث ُل ا َّلذِ ي َعلَ ْيهِنَّ‬ ‫وف َولِل ِّر َجالِ َعلَ ْيهِنَّ َد َر َج ٌة َواللهَّ ُ َعزِي ٌز‬ ‫ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫َحكِي ٌم)(�سورة البقرة‪ .)228:‬فلي�س هناك‬ ‫تق�سيم حدي للمهام والأعمال‪ ،‬يرتجم �إرادة‬ ‫دينية معينة‪ ،‬بل القاعدة الواجب رعايتها‬ ‫هنا هو رعاية الأمومة وتقدمي م�صلحة‬ ‫الأ�سرة‪ ،‬ويف �إطارها يتم التعاون على حتقيق‬ ‫امل�صالح امل�شرتكة‪ .‬لذلك ملا �س�أل الأ�سود بن‬ ‫يزيد �أم امل�ؤمنني عائ�شة –ر�ضي اهلل عنهما‪-‬‬ ‫عم كان ي�صنع الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫يف بيته قالت‪" :‬كان يكون يف مهنة �أهله‪ ،‬ف�إذا‬ ‫ح�ضرت ال�صالة خرج �إىل ال�صالة"(‪ ، )22‬ويف‬ ‫رواية �أخرى �أنها قالت‪" :‬‏‏كما ي�صنع �أحدكم‪:‬‬ ‫يخ�صف نعله ويرقع ثوبه" (‪. )23‬‬

‫‪9‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫‪10‬‬

‫ولذلك عبرَّ القر�آن بلفظ املثل عند‬ ‫احلديث عن احلقوق املتبادلة بني الزوجني‪،‬‬ ‫فقال‪َ (:‬و َل ُهنَّ مِ ْث ُل ا َّلذِ ي َعلَ ْيهِنَّ ِبالمْ َ ْع ُروف)‬ ‫(البقرة‪ .)228:‬فلي�ست بال�ضرورة حقوقاً‬ ‫واحدة‪ ،‬ولكنها حقوق متكافئة‪ .‬فما من‬ ‫واجب على الرجل �إال ويقابله واجب على‬ ‫املر�أة‪� ،‬إن مل يكن من نف�س اجلن�س فله نف�س‬ ‫املكانة والقدر‪ .‬وجعلت الآية التمييز بني‬ ‫�أنواع احلقوق والواجبات التي على كل واحد‬ ‫من اجلن�سني راجعاً �إىل ما هو متعارف عليه‬ ‫يف املجتمع‪ .‬يقول حممد ر�شيد ر�ضا‪" :‬ولي�س‬ ‫املراد باملثل املثل ب�أعيان الأ�شياء و�أ�شخا�صها‪،‬‬ ‫و�إنمَّ ا املراد �أ َّن احلقوق بينهما متبادلة و�أنهما‬

‫قول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم "كلكم را ٍع‬ ‫وكلكم م�س�ؤول عن رعيته ‪ ...‬والرجل را ٍع يف‬ ‫�أهله وهو م�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬واملر�أة راعية‬ ‫يف بيت زوجها وم�س�ؤولة عن رعيتها"(‪.)25‬‬ ‫وتت�ضمن تثمني عملها بو�صفها �أُ َماً ترعى‬ ‫�أبناءها وزوجة ت�شرف على بيت الزوجية‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ التكامل يف الأدوار االجتماعية‬ ‫�أما يف �ساحات املجتمع ف�إ َّن الأ�صل ف�سح‬ ‫املجال للمر�أة وا�سعاً للم�شاركة فيها دون �أي‬ ‫عوائق‪ ،‬ف�أيّ امر�أة �آن�ست يف نف�سها الرغبة‬ ‫يف احل�ضور االقت�صادي �أو االجتماعي �أو‬ ‫ال�سيا�سي فهي حرة يف ذلك‪ ،‬لكن املو�ضوع‬ ‫ُيطرح يف تراتبية القيم واختيار الأولويات‪:‬‬

‫�أكفاء‪ ،‬فما من عمل تعمله املر�أة للرجل‪� ،‬إال‬ ‫وللرجل عمل يقابله لها‪ ،‬و�إن مل يكن مثله يف‬ ‫�شخ�صه فهو مثله يف جن�سه" (‪.)24‬‬ ‫ويف ذات الوقت تت�ضمن الن�صو�ص ال�شرعية‬ ‫�إعالء ملكانة الأمومة ولوظيفة رعاية‬ ‫الأ�سرة‪ ،‬ومن املقرر دينياً متتيع املر�أة بعدد‬ ‫من الرخ�ص والتخفيف عليها من بع�ض‬ ‫التكاليف ال�شرعية املقررة على الرجال‪،‬‬ ‫وذلك مثل �صالة اجلماعة واجلمعة وامل�شاركة‬ ‫يف قتال املعتدين‪ .‬فاملر�أة غري ملزمة بها و�إن‬ ‫كانت ال متنع من امل�شاركة فيها‪ .‬كما تت�صمن‬ ‫الن�صو�ص تثمني عمل املر�أة يف �أ�سرتها‪ ،‬مثل‬

‫فهل يعمل املجتمع على الدفع بقوة مل�شاركة‬ ‫املر�أة االقت�صادية وال�سيا�سية ولو على‬ ‫ح�ساب الأمومة والأ�سرة؟ �أم ي�ضع �إجراءات‬ ‫دعم الأمومة والأ�سرة ولو �أدى �إىل نق�ص‬ ‫العامالت من الن�ساء يف املجاالت االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية؟‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫وقد ر�أينا �أن النقا�ش ال يزال قويا داخل‬ ‫احلركات الن�سائية الغربية ولدى اجلهات‬ ‫الت�شريعية يف الغرب حول �أي االختبارين‬ ‫�أوىل و�أ�صلح للمجتمع‪� .‬أما �إ�سالمياً وبالنظر‬ ‫للمقدمات ال�سابقة‪ ،‬ف�إ َّن رعاية الأمومة‬ ‫والأ�سرة هما اخليار‪ ،‬يف �إطار عدد من‬

‫التوجهات وال�ضوابط‪.‬‬ ‫�إ َّن الأ�صل يف العالقة بني اجلن�سني يف‬ ‫املجتمع ‪-‬كما ر�أينا‪ -‬هو امل�ساواة‪ ،‬امل�ساواة يف‬ ‫الكرامة الب�شرية واحلقوق وفر�ص الرتقي‬ ‫يف احلياة وامل�شاركة يف املجتمع‪ ،‬واملجتمع‬ ‫�أو الدولة مكلفان بتذليل العقبات وو�ضع‬ ‫الإجراءات لت�سهيل تلك امل�شاركة �أمام املر�أة‪،‬‬ ‫ومن غري اجلائز �شرعاً منعها من ممار�سة‬ ‫عمل معني‪ ،‬بل من املفرو�ض ت�شجيع من‬ ‫تريد منهن مناف�سة الرجال فيها بو�ضع‬ ‫الإجراءات الكفيلة ب�أدائها مهمتها‪.‬‬ ‫لكن تلك امل�ساواة هي م�ساواة يف فر�ص‬ ‫احل�ضور ولي�س بال�ضرورة �أن تكون بنف�س‬ ‫القدر وبنف�س ال�شروط‪ .‬وهي ال تعني �أنه‬ ‫لي�س هناك �أدوار اجتماعية تدخل يف مهام‬ ‫املر�أة بطبيعتها‪ .‬فالأمومة خا�صية من‬ ‫خ�صائ�ص املر�أة‪ ،‬والرجل ال ميكنه تعوي�ضها‬ ‫فيها‪ ،‬وما يجب �أن يحر�ص عليه املجتمع هو‬ ‫�أال ي�ؤدي ذلك �إىل اختالف يف املكانة والقيمة‪.‬‬ ‫كما �أ َّن تلك امل�ساواة ال تعني التعاطي مع املر�أة‬ ‫بو�صفها "رج ً‬ ‫ال"‪ ،‬فالرجولة لي�ست من لوازم‬ ‫الأنوثة‪ ،‬والعك�س �أي�ضاً �صحيح‪ .‬وكل ر�ؤية‬ ‫ذكورية للمر�أة �إمنا يحمل احتقاراً وظلماً لها‬ ‫لأنه يقلل من �ش�أنها وطبيعتها وان�سجامها‬ ‫مع تلك الطبيعة‪ .‬ولذلك نهى الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم عن ت�شبه الرجال بالن�ساء‬ ‫وت�شبه الن�ساء بالرجال‪ ،‬وحارب الإ�سالم‬ ‫كل احتقار للأنوثة �أو ا�ست�صغار لدورها يف‬ ‫�إجراءات و�أحكام متعددة‪ ،‬بدءاً بتحرمي و�أد‬ ‫البنت والت�شا�ؤم بوالدتها‪ ،‬وانتهاء باعتبار‬ ‫�أعمالها بو�صفها �أُ َماً وربة بيت عبادات ُت�ؤجر‬ ‫عليها واعتبار املر�أة التي تتوفى ب�سبب حملها‬ ‫�أو والدتها �شهيدة‪ ،‬مروراً ب�سيل من الأحكام‬ ‫والتوجيهات التي ُتعلي دورها �أُ َماً وزوجة‬ ‫وم�شاركة يف �أعمال اخلري‪.‬‬ ‫ويف نف�س امل�ستوى ف�إ َّن من واجب املجتمع‬ ‫رعاية الأمومة والأ�سرة‪ ،‬ويف هذا الإطار‬ ‫تدخل بع�ض الإجراءات الني �أ�صبحت اليوم‬ ‫توجهاً عاملياً والتي تهدف �إىل التخفيف‬ ‫عن املر�أة من بع�ض االلتزامات حتى ترعى‬ ‫�أبناءها وتعي�ش �أمومتها يف �صحة ع�ضوية‬ ‫ونف�سية جيدة‪ .‬وذلك مثل ما نرى يف العديد‬


‫من املجتمعات املعا�صرة من �إعطائها عطلة‬ ‫للوالدة م�ؤداة الأجر‪ ،‬وعطلة للأمومة ب�أجر‬ ‫كامل �أو جزء منه‪ ،‬تطول �أو تق�صر على‬ ‫ح�سب التقديرات واالتفاقات‪ ،‬وهذا الأمر‬ ‫يدخل �ضمن م�س�ؤولية املجتمع وم�ؤ�س�سات‬ ‫الدولة‪ ،‬لأ َّن من الظلم البني �أن ُتعامل املر�أة‬ ‫يف وظيفتها مثل الرجل متاماً‪� ،‬سواء يف‬ ‫�ساعات العمل �أو يف نوعيته �أو يف �أمكنته �أو يف‬ ‫�شروطه‪ ،‬دون �أخذ �أ�سرتها وطبيعتها الب�شرية‬ ‫بعني االعتبار‪.‬‬ ‫وبالتايل فالإ�شكال غري مطروح عندما‬ ‫يتعلق الأمر بالأفراد وممار�ستهم حلرياتهم‪،‬‬ ‫لكنه مطروح بالن�سبة للفل�سفة العامة‬ ‫التي حتكم الت�صرف الت�شريعي والتدبريي‬ ‫يف املجتمع‪ .‬واالجتاه العام يف الت�شريع‬ ‫الإ�سالمي ي�سري نحو تقدمي قيمة رعاية‬ ‫الأمومة والأ�سرة على قيمة ت�ساوي احل�ضور‬ ‫االقت�صادي وال�سيا�سي للمر�أة والرجل‪ ،‬وفق‬ ‫منهج و�سط يراعي �أ�صل امل�ساواة‪ ،‬ويراعي يف‬ ‫الوقت ذاته الفوارق الطبيعية بني اجلن�سني‪.‬‬ ‫وبالتايل ف�إ َّن تق�سيم العمل على �أ�سا�س‬ ‫اجلن�س ال يحمل �أي طابع �إجباري‪ ،‬فلي�ست‬ ‫هناك �أي �أعمال متنع على الن�ساء‪ ،‬بل القرار‬ ‫يعود �إىل املر�أة بقرارها الطوعي االختياري‪،‬‬ ‫لكن التوجه الت�شريعي والتدبريي من‬ ‫قبل م�ؤ�س�سات املجتمع يجب �أن ي�سري نحو‬ ‫توفري الرعاية الكاملة للأمومة وال�ضمانات‬ ‫ال�ضرورية ال�ستقرار الأ�سرة‪.‬‬ ‫وهذا ي�ؤدي عملياً كما �أثبتت التجربة يف‬ ‫املجتمعات املعا�صرة �إىل نوع من التكامل‬ ‫يف املح�صلة العامة بني الرجال والن�ساء‪،‬‬ ‫يرتجمه تفرغ �أكرث من الن�ساء لوظيفتي‬ ‫الأمومة ورعاية الأ�سرة‪ .‬والواجب عدم‬ ‫التقليل من دور الن�ساء هذا‪ ،‬بل يجب �إعزازه‬ ‫وتثمينه اجتماعياً‪ ،‬واعتباره من �أعظم الأدوار‬ ‫و�أف�ضل املهام يف الدنيا والآخرة‪ ،‬مع احلذر‬ ‫من الت�ضحية به لت�صورات �أيديولوجية‬ ‫لي�ست يف م�صلحة املجتمع‪.‬‬ ‫وهذا الت�صور يقف و�سطاً بني طرفني‬ ‫ونقي�ضني‪ :‬فمن جهة هناك الغلو يف اعتبار‬ ‫خ�صو�صية املر�أة وت�ضخيمها‪ ،‬واختزال عملها‬

‫يف وظائف بيولوجية واجتماعية حمددة‪،‬‬ ‫حتى �أ�صبحت الوظيفة الإجنابية طاغية‬ ‫مهيمنة على حياة الن�ساء يف العديد من‬ ‫املجتمعات‪ ،‬ومن جهة �أخرى هناك الغلو‬ ‫لدى بع�ض االجتاهات ويف بع�ض املجتمعات‬ ‫يف نفي تلك اخل�صو�صية للمر�أة والعمل‬ ‫على مماثلتها بالرجل‪ .‬وكال التوجهني لن‬ ‫يحققا امل�ساواة احلقيقية‪ ،‬بل املطلوب �أن‬ ‫متتع املر�أة بحقوقها الإن�سانية بو�صفها فرداً‬ ‫يف املجتمع‪ ،‬و�أن متتع يف الوقت ذاته بحقوقها‬ ‫بو�صفها امر�أة ع�ضواً يف �أ�سرة‪ ،‬و�أن ُتبنى‬ ‫اال�سرتاتيجيات على �أ�سا�س حتقيق التوازن‬ ‫بني امل�ستويني‪.‬‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫لقد حاولنا مالم�سة مو�ضوع ال تزال املدار�س‬ ‫الفل�سفية واالجتماعية واملهتمة باملر�أة‬ ‫تناق�شه‪ ،‬و�سيبقى حوله اخلالف با�ستمرار‪:‬‬ ‫فهل التكامل يف الأدوار االجتماعية‪ ،‬مما‬ ‫ي�ستدعي نوعاً من التق�سيم العام للعمل‬ ‫والوظائف‪� ،‬أمر متليه طبيعة كل من املر�أة‬ ‫والرجل �أم ال ؟ وهل فر�ض امل�ساواة التماثلية‬ ‫م�صادمة لل�سنن االجتماعية وللفطرة‬ ‫الب�شرية‪ ،‬وبالتايل يكون م�صريها الف�شل‬ ‫وحتمل نتائجها خماطر على املجتمعات؟‬ ‫وقد ر�أينا �أ َّن املنظور الإ�سالمي و�سط بني‬ ‫اجتاهات منحازة متطرفة يف هذا االجتاه‬ ‫�أو ذلك‪ .‬و�إ َّن االختالفات اجلوهرية بني‬ ‫املنظومتني الإ�سالمية والغربية يف هذا‬ ‫املجال تقت�ضي احلذر �أثناء و�ضع الت�شريعات‬ ‫من االنزالق نحو الفل�سفة الغربية‬ ‫ومقا�صدها‪.‬‬ ‫و�إذا كانت كثري من مظاهر اخللل موجودة‬ ‫يف واقعنا االجتماعي‪ ،‬ويف قوانيننا اخلا�صة‬ ‫بالأ�سرة واملر�أة‪ ،‬ف�إن �إ�صالح ذلك اخللل‪،‬‬ ‫و�إن�صاف املر�أة الطرف الأكرث ت�ضررا منه‪،‬‬ ‫يجب �أن يتم بحلول ومقرتحات مبتكرة‪،‬‬ ‫ا�ستنادا �إىل ديننا ومقوماتنا احل�ضارية‬ ‫واالجتماعية‪� ،‬أو حلول مقتب�سة من احلكمة‬ ‫الب�شرية لكن مع تكييفها مع املبادئ العامة‬ ‫والفل�سفة العليا للمنظومة الإ�سالمية‪.‬‬

‫‪1-Banque mondiale, Genre et dével‬‬‫‪oppement économique, 2003,p35‬‬ ‫‪- 2-Agence canadienne de développe‬‬‫‪ment: Egalité entre les sexe consolida‬‬‫‪tion de la paix, 2001,‬‬ ‫‪ Il y a deux sexes”,‬ـ‬ ‫‪3-Essais de féminologie, éd. Gallima‬‬‫‪rd-Le Débat, 1995‬‬ ‫‪Politiques des sexes, 1968,p85‬ـ ‪4-‬‬ ‫‪ Muriel Roy-Pretet et‬ـ‬ ‫‪5-Capucine Graby: Le sexe fort,‬‬ ‫‪éd.Bourin éditeur, 2007, p46‬‬ ‫‪6-ibid, p65‬‬ ‫‪7-Un autre regard avec l’approche‬‬ ‫‪genre, sur: http://www.genreenaction.‬‬ ‫‪net/spip.php?article3130‬‬ ‫‪8-Fause route, P213‬‬ ‫‪9-Ibid, p 213‬‬

‫‪� -10‬سعد الدين العثماين‪ :‬ق�ضية املر�أة ونف�سية‬ ‫اال�ستبداد‪� ،‬ص ‪ 13‬ـ ‪.23‬‬ ‫‪� -11‬أخرجه �أحمد و�أبو داود (كتاب الطهارة)‬ ‫والرتمذي (كتاب الطهارة) وابن ماجة والدارمي‬ ‫عن عائ�شة �أم مل�ؤمنني ر�ضي اهلل عنها‪.‬‬ ‫‪ -12‬فتح الباري البن حجر الع�سقالين (‪.)699/1‬‬ ‫‪ -13‬فتح الباري (‪.)305/1‬‬ ‫‪ -14‬تف�سري املنار (‪.)446/5‬‬ ‫‪ -15‬تف�سري الطربي‪.223/3 ،‬‬ ‫‪ -16‬حممد ر�شيد ر�ضا‪ :‬تف�سري املنار‪.176/2 ،‬‬ ‫‪ -17‬م�صنف عبد الرزاق‪.152/1 ،‬‬ ‫‪ -18‬اجلامع لأحكام القر�آن‪.160 /3 ،‬‬ ‫‪� -19‬سعد الدين العثماين‪ :‬ق�ضية املر�أة ونف�سية‬ ‫اال�ستبداد‪ ،‬ط ‪ ،2‬الرباط املغرب‪� ،2004 ،‬ص ‪ 39‬ـ وما‬ ‫بعدها‪.‬‬ ‫‪ -20‬ب�صائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز‪،‬‬ ‫الفريوز �آبادي‪ ،309/4 ،‬مادة “قوم”‬ ‫‪� -21‬أخرجه البخاري (النكاح‪ /‬باب الو�صاة بالن�ساء)‬ ‫‪� -22‬أخرجه البخاري (�أبواب الأذان‪ /‬من كان يف‬ ‫حاجة �أهله ف�أقيمت ال�صالة فخرج)‪ ،‬ومثله يف (كتاب‬ ‫النفقات‪ /‬خدمة الرجل يف �أهله)‬ ‫‪� -23‬أخرجه �أحمد يف امل�سند‪ ،‬احلديث رقم ‪.23606‬‬ ‫‪ -24‬تف�سري املنار‪.375 /2 ،‬‬ ‫‪� -25‬أخرجه البخاري (كتاب اجلمعة‪ /‬باب اجلمعة‬ ‫يف القرى واملدن)‪ ،‬عن ابن عمر‪.‬‬ ‫ الأمني العام حلزب العدالة والتنمية �سابق ًا‬‫‪ -‬ووزير خارجية اململكة املغربية �سابق ًا‬

‫‪11‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫‪12‬‬

‫األخالق‬ ‫في االقتصاد اإلسالمي‬ ‫زياد حافظ‬

‫‪ /‬امني عام املنتدى القومي العربي ‪ -‬لبنان‬

‫يهدف هذا البحث �إىل �إعاد َة النظر يف‬ ‫�أ�س�س التحليل االقت�صاديّ بعد ما وجدناه‬ ‫من �إخفاقاتٍ يف النظر ّية االقت�صاد ّية‬ ‫الو�ضع ّية الكال�سيك ّية والنيوكال�سيك ّية‪،‬‬ ‫بل يف النظر ّية االقت�صاد ّية احلديثة � ً‬ ‫أي�ضا‪،‬‬ ‫�سوا ٌء مدر�سة كينز �أو مدر�سة فريدمان‪،‬‬ ‫لإيجاد حلولٍ للم�شاكل التي تواجهها‬ ‫ُ‬ ‫املجتمعات "املتقدّمة" �أو "النا�شئة‪ ".‬وما‬ ‫يهم ّنا هو البحث عن �أدوات حتليل جديدة‬ ‫مت ّكننا من معاجلة املع�ضالت االقت�صاد ّية‬ ‫املزمنة كالبطالة‪ ،‬والتنمي ِة غري املتوازنة‪،‬‬ ‫والفجواتِ االقت�صاد ّية واالجتماع ّية بني‬ ‫فئ ٍة قليل ٍة متركزتْ يف يدها الرثوة و�سائر‬ ‫ال�شرائح الباحثة عن لقمة عي�ش كرمية‪،‬‬ ‫ومكافح ِة الفقر‪ ،‬ناهيك ب ْ‬ ‫رتكِ العقل النقديّ‬ ‫الذهبي‬ ‫الذي م ّي َزنا من الغري‪ 1‬يف الع�صر‬ ‫ّ‬ ‫و�أنتج معرف ًة ُنقلتْ �إىل الغرب‪2.‬‬ ‫� ّإن ما لفت نظرنا هو وجود خمزون‬ ‫العربي‬ ‫معلوماتٍ هائل يف كتب الرتاث‬ ‫ّ‬ ‫إ�سالمي‪ ،‬لك ّنه مه ّم�ش ومغ ّيب عن مناهج‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫التعليم يف مدار�سنا وجامعتنا‪ ،‬ويف الغرب‬

‫الذي يدّعي املو�ضوع ّية‪ .‬نَّ‬ ‫وتبي لنا �أننا‪ ،‬و�سائ َر‬ ‫الزمالء االقت�صاديني بل املثقفني العرب‪،‬‬ ‫ما زلنا نرزح حتت هيمنة الغزو الثقا ّيف‬ ‫الغربي‪ :‬فمعظ ُم �آل ّيات تفكرينا من �صنع‬ ‫ّ‬ ‫الغرب وك�أنها �صاحب ُة املعرفة احلقيق ّية �أو‬ ‫الوحيدة‪� .‬أما نحن العرب‪ ،‬يف واقعنا احلا ّ‬ ‫يل‪،‬‬ ‫فمثقفون غرب ّيون ناطقون باللغة العرب ّية!‬ ‫ولذلك ندعو �إىل �إعادة قراءة الرتاث الذي‬ ‫جنهله‪ ،‬و�إىل التح ّرر من قراءاتٍ مغلوط ٍة‬ ‫للرتاث ارتكبها منتحلو املعرفة به وفقا‬ ‫لأجنتدهم ال�سيا�سية‪ 3.‬والأنكى هو ّ‬ ‫تنط ُح‬ ‫بع�ض "املثقفني" العرب املعا�صرين للدفاع‬ ‫الغربي كمم ّثل للحداثة التي‬ ‫عن الفكر‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫املجتمعات العرب ّية‪ ،‬واتهامُهم‬ ‫"تفتقرها"‬ ‫ٌ‬ ‫متحالف مو�ضوع ًيا مع‬ ‫نقد احلداثة ب�أنه‬ ‫"الظالم ّية والتقليد"!‬ ‫مو�ضوع بحثنا حماولة ا�ست�شراف معايري‬ ‫جديدة للتحليل االقت�صاديّ ‪ ،‬وحتديدًا‬ ‫ً‬ ‫دور الأخالق ّية (‪)ethics‬‬ ‫أ�سا�سا‬ ‫�ضابطا � ٍ ً‬ ‫للتعامل االقت�صاديّ ‪ ،‬بد ًال من النفع ّية‬ ‫(‪ )utilitarianism‬املتج ّلية يف ال�سعي‬

‫�إىل الربح �أو اال�ستهالك الفرديّ الأق�صى‬ ‫و�إنْ على ح�ساب املجتمع‪ .‬فاجل�شع املاديّ‬ ‫ح ّل مكا َن ال�سعي �إىل الربح امل�شروع‪ ،‬و�أ�صبح‬ ‫ُ‬ ‫و�سلوك‬ ‫قاعد ًة مل�شروع ّية الربح املطلق‪.‬‬ ‫امل� ّؤ�س�سات املال ّية الكبرية يف الواليات املتحدة‬ ‫ري دليل على تب ّنيها تلك القيم َة املنحرف َة‬ ‫خ ُ‬ ‫للن�شاط االقت�صاديّ وما �آلت �إليه من �أزماتٍ‬ ‫َ‬ ‫أمريكي وحده‬ ‫متا�سك املجتمع ال‬ ‫تهدّد‬ ‫ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫العاملي ً‬ ‫اي�ضا‪� .‬أما من املنظور‬ ‫بل املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫إ�سالمي‪ ،‬فـ " ُيع ّد االقت�صا ُد وال ُ‬ ‫أخالق‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫مو�ضوعًا ال ُيتنازع حوله‪ ،‬حيث ال اقت�صاد‬ ‫إ�سالمي‬ ‫بدون �أخالق‪ 4".‬االقت�صاد ال‬ ‫ّ‬ ‫تفري ٌع على قيم الإ�سالم‪ ،‬وهي قي ٌم �إن�سان ّي ٌة‬ ‫قيمي‪ ،‬يف مقابل‬ ‫بامتياز‪ ،‬ولذلك فهو اقت�صا ٌد ّ‬ ‫الو�ضعي املوجود يف الرتاث والفكر‬ ‫االقت�صاد‬ ‫ّ‬ ‫الغربيني‪.‬‬ ‫‪ - 1‬مالحظات متهيد ّية‬ ‫ك ّنا قد �أ�شرنا يف بحث �سابق‪� 5‬إىل � ّأن االقت�صاد‬ ‫أقرب �إىل ال�سيا�سة‪،‬‬ ‫لي�س عل ًما بذاته بل هو � ُ‬ ‫�إنْ مل يكن ال�سيا�سة ولكنْ بلغة الأرقام‪ .‬و�إذا‬ ‫�أردنا التع ّمق يف ذلك وجدنا � ّأن االقت�صاد‬


‫الو�ضعي‪ ،‬و�إنْ حاول �شر َح احلياة االقت�صاد ّية‬ ‫ّ‬ ‫وربط الأحداث والظواهر بالأ�سباب العا ّمة‬ ‫التي تتح ّكم فيها‪ 6،‬قد �أخفق يف التن ّب�ؤ‬ ‫ومعاجلة الأزمات االقت�صاد ّية‪ ،‬ما ي�شري �إىل‬ ‫َ‬ ‫البحث‬ ‫عدم د ّقة ذلك "العلم" ويفر�ض علينا‬ ‫ّ‬ ‫واحلق � ّأن النظر ّيات‬ ‫عن معايري خمتلفة‪.‬‬ ‫االقت�صاد ّية ال�سائدة لي�ست يف �آخر املطاف‬ ‫�إ ّال وجهات نظر �أو "طر ًقا" يف �إنتاج الرثوة‬ ‫وتوزيعها؛ لذا ميكن احلديث عن "املذهب‬ ‫االقت�صاديّ " بدال من "العلم االقت�صاديّ ‪".‬‬ ‫فـ "العلم االقت�صاديّ " يزعم �إبرا َز قواعد‬ ‫�إنتاج الرثوة‪ ،‬ولك ّنه يخفق يف حتقيق‬ ‫قاعد ٍة نظر ّي ٍة لتوزيع الرثوة م�ستقل ٍة عن‬ ‫الإنتاج لأن فر�ض ّيات الإنتاج تتح ّكم بنظر ّية‬ ‫الو�ضعي؛ ناهيك ب� ّأن‬ ‫التوزيع يف االقت�صاد‬ ‫ّ‬ ‫تلك الفر�ض ّيات غري دقيقة �أو غري واقع ّية‪.‬‬ ‫�أما املذهب فمه ّمته الأ�سا�س توزي ُع الرثوة‬ ‫ري موجود ٍة يف‬ ‫وف ًقا ملعايري �أخالق ّية غ ِ‬ ‫الو�ضعي �أو "علم االقت�صاد‪".‬‬ ‫االقت�صاد‬ ‫ّ‬ ‫احل�ضارة العرب ّية الإ�سالم ّية بلورتْ ثقاف ًة‬ ‫متقدّم ًة جدًا لتوزيع الرثوة‪ ،‬م�ستق ّل ًة عن‬ ‫ثقافة الإنتاج‪ ،‬يف حني � ّأن الثقافة الأوىل‬ ‫الغربي‪ُ .‬‬ ‫هدف هذا‬ ‫تابعة للثانية يف االقت�صاد‬ ‫ّ‬ ‫البحث �إلقا ُء ال�ضوء على �أهم ّية الأخالق يف‬ ‫مذهب �أكرث‬ ‫إ�سالمي‪ ،‬الذي هو‬ ‫االقت�صاد ال‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫وخ�صو�صا يف ما يتع ّلق بنظر ّية‬ ‫مما هو علم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫توزيع الرثوة‪ .‬وهنا بيت الق�صيد‪:‬‬ ‫ف�إنتاج الرثوة وف ًقا للمبادئ االقت�صاد ّية‬ ‫مبني على خلف ّية فل�سف ّية و�سيا�س ّية‬ ‫الو�ضع ّية ّ‬ ‫هد ُفها �إعطا ُء الفر�ص للطاقات املنتجة‬ ‫لتحقيق ما تعتقده من الرفاه ّية وال�سعادة‪،‬‬ ‫لكنّ مبد�أ الفرد ّية ي�ؤدّي �إىل متركز الرثوة‬ ‫يف يد الق ّلة‪ .‬كما � ّأن نظر ّيات التوزيع يف‬ ‫الو�ضعي ُوجدتْ لتخفيف الفجوات‬ ‫االقت�صاد‬ ‫ّ‬ ‫الناجتة من الرتكيز على �إنتاج الرثوة‪ ،‬لك ّنها‬ ‫غال ًبا ما تكون على ح�ساب املجتمع‪ .‬ولذلك‬ ‫ُ‬ ‫البحث يف قوانني الإنتاج "عل ًما‪"،‬‬ ‫ي�صبح‬ ‫ُ‬ ‫البحث يف التوزيع "مذه ًبا‪� ".‬أما‬ ‫بينما ي�صبح‬ ‫يف ما يتع ّلق بثقافة �إنتاج الرثوة يف املنطقة‬

‫القيمة األساس يف‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬إذن‪،‬‬ ‫االقتصاد‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫والضابط‬ ‫هي اإلنسان؛‬ ‫األساس لسلوكه هو‬ ‫ُ‬ ‫العدل‪.‬‬ ‫العرب ّية والإ�سالم ّية فجذو ُرها تعود �إىل‬ ‫ما قبل ظهور الإ�سالم حيث كانت الغنيمة‬ ‫�أ�سا�س الرثوة‪ 7.‬والغنيمة لي�ست �إال حم�ص ّلة‬ ‫اقتنا�ص جمهود الغري‪ ،‬عرب الغزو �أو التبادل‬ ‫التجاريّ ‪ .‬ولنا يف ذلك املو�ضوع �أبحاث‬ ‫نف�صل فيها بنية االقت�صاد الريعي وجذوره‬ ‫ّ‬ ‫املدمرة الناجتة‬ ‫يف الوطن‬ ‫العربي والثقافة ِّ‬ ‫ّ‬ ‫منه‪8.‬‬ ‫إ�سالمي‬ ‫‪ 2‬القيم والأخالق يف االقت�صاد ال‬ ‫ّ‬ ‫‪1 - 2‬ـ حمور ّية الإن�سان يف القر�آن‪ .‬هناك‬ ‫انطبا ٌع خاطئ ير ّكز على �شمول ّية الإ�سالم‬ ‫على ح�ساب الفرد‪� .‬إال � ّأن االجتهاد �أوجد‬ ‫تف�سرياتٍ عديد ًة وخمتلف ًة تتنافى مع‬ ‫النظرة �إىل الإ�سالم ككتل ٍة واحد ٍة وجامدة‪.‬‬ ‫من هنا نبدي حت ّف َظنا الأول عن ك ّل نظر ّية‬ ‫تبد�أ بالقول‪ّ �" :‬إن موقف الإ�سالم من‬ ‫الق�ض ّية الفالن ّية هو كذا �أو كذا‪9"...‬‬ ‫�أما التح ّفظ الثاين فهو عن االنطباع � ّأن‬ ‫دور الإن�سان يف الإ�سالم مه ّم ٌ�ش مقارن ًة بدور‬ ‫اجلماعة‪ .‬وهذا خاطئ � ً‬ ‫أي�ضا العتبارات عدّة‪،‬‬ ‫�أه ُّمها تركي ُز القر�آن على دور م�س�ؤول ّية‬ ‫الإن�سان يف حتقيق م�صريه‪ ،‬و�أ ّنه يتح ّمل‬ ‫ق�ص ُة‬ ‫نتائ َج عمله يف الدنيا والآخرة‪ .‬وت�أتي ّ‬ ‫�آدم الذي عل ّمه ُ‬ ‫حوا�س‬ ‫اهلل "الأ�سماء" و�أعطاه‬ ‫ّ‬ ‫الإدراك والتمييز لت�شري �إىل تع ّر�ض الإن�سان‬ ‫إغراءات حتيدُه عن ال�صراط امل�ستقيم؛ كما‬ ‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫�أنه يف حالة امتحان وبالء دائمني‪ .‬جاء يف‬ ‫ل�سان العرب‪" :‬بال يبلو بل ًوا وبالءً‪ ،‬مبعنى‬ ‫اخترب وجرب وامتحن‪ 10".‬لذلك جاء يف‬ ‫اخلوف‬ ‫القر�آن‪" :‬ونبل ّونكم ب�شي ٍء من‬ ‫ِ‬ ‫ونق�ص من الأموالِ والأنف�س"‬ ‫واجلو ِع‬ ‫ٍ‬

‫(البقرة ‪)155‬؛ "ولو �شاء ُ‬ ‫اهلل جلعلكم �أ ّم ًة‬ ‫واحد ًة ولكنْ ليبلوك ْم فيما �أتاك ْم"‬ ‫(املائدة ‪ .)48‬الإن�سان �ضعيف جدًا‪ ،‬فال ب ّد‬ ‫من �إر�شاده‪ّ �" :‬إن الإن�سان ُخلق هلوعًا* �إذا‬ ‫ري منوعًا"‬ ‫م�سه اخل ُ‬ ‫م�سه ال�ش ُّر جزوعًا* و�إذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحب املال ح ًبا ج ًما‬ ‫(املعارج ‪ .)21-19‬وهو ّ‬ ‫ويحب مظاهر الرثاء كا ّف ًة‪:‬‬ ‫(الفجر ‪،)20‬‬ ‫ّ‬ ‫حب ال�شهواتِ من الن�سا ِء والبنني‬ ‫"ز ّين ِ‬ ‫للنا�س ّ‬ ‫ّ‬ ‫والف�ض ِة‬ ‫والقناط ِ‬ ‫ري املقنطر ِة من الذهبِ‬ ‫واخليلِ امل�س ّوم ِة والأنعا ِم واحلرث ذلك‬ ‫متاع احليا ِة الدنيا" (�آل عمران ‪ .)14‬وهذه‬ ‫الالئحة من ال�شهوات الالمتناهية‪� ،‬إ�ضاف ًة‬ ‫�إىل �ضعف الإن�سان البنيويّ ‪ ،‬جتعله ي�شتهي‬ ‫ما ُيعر�ض عليه ويعمل على �إ�شباع رغباته‬ ‫ولو على ح�ساب م�س�ؤول ّياته االجتماع ّية‪.‬‬ ‫آيات عديد ٌة ّ‬ ‫لذلك نزلتْ � ٌ‬ ‫تنظم نزواتِ الإن�سان‬ ‫�أو تكبحها‪ .‬ول ّأن �أر�ض اهلل وا�سعة ونعم َته ال‬ ‫حت�صى‪ ،‬ت�صبح ق�ض ّي ُة امتالك الرثوة ق�ض ّي َة‬ ‫م�س�ؤول ّي ٍة وواجبٍ يف الإنفاق وف ًقا لأولو ّياتٍ‬ ‫حددّها القر�آن‪ .‬فامل�سلمون �أ ّم ٌة تبتعد عن‬ ‫التط ّرف يف ال�سلوك واملواقف‪ ،‬و ُتبنى على‬ ‫أ�سا�س امل ْلك؛ �إنهم �أ ّمة ٌ‬ ‫و�سط‪،‬‬ ‫العدل الذي هو � ُ‬ ‫املتو�سط‬ ‫مبعنى الق�صد يف الأمور �أو الأمر‬ ‫ّ‬ ‫بني الإفراط والتفريط‪11.‬‬ ‫إ�سالمي‪،‬‬ ‫القيمة الأ�سا�س يف االقت�صاد ال‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫أ�سا�س ل�سلوكه‬ ‫�إذن‪ ،‬هي الإن�سان؛‬ ‫وال�ضابط ال ُ‬ ‫هو العدل‪ .‬وهذا ما �سي ّتم بحثه يف الفقرات‬ ‫القادمة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ‪ 2‬العدل حمور "املذهب" االقت�صاديّ يف‬ ‫الإ�سالم‪ .‬يف هذا ال�سياق ال ب ّد من التنوية‬ ‫املف�صلي لل�س ّيد حممد باقر ال�صدر‪،‬‬ ‫بامل�ؤ َّلف‬ ‫ّ‬ ‫اقت�صادُنا‪ ،‬الذي منهج الأفكا َر املتع ّلقة‬ ‫بالعدالة يف الإ�سالم كا ّف ًة‪ .‬ون�شري � ً‬ ‫أي�ضا‬ ‫�إىل امل�ؤ َّلف الق ّيم ملاجد خدّوري‪ 12،‬مفهوم‬ ‫العدالة يف الإ�سالم‪ .‬وال نن�سى م�ؤ َّلف �س ّيد‬ ‫قطب امله ّم‪ ،‬العدالة االجتماع ّية يف الإ�سالم‪،‬‬ ‫كجز ٍء من منظومة فكرية متكاملة وفقا‬ ‫لر�ؤية قطب‪ .‬وكذلك الأمر بالن�سبة �إىل‬ ‫كتاب ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬دور القيم‬ ‫إ�سالمي‪.‬‬ ‫والأخالق يف االقت�صاد ال‬ ‫ّ‬

‫‪13‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫�أ ـ العدل والق ِْ�سط وامليزان يف القر�آن‪.‬‬ ‫قبل حتليل �أ�س�س الأخالق ّية يف التعاطي‬ ‫االقت�صاديّ كما جاء يف القر�آن‪ ،‬من املفيد �أن‬ ‫نتبينّ مفهوم العدل‪ .‬وردتْ يف الل�سان مفاهي ُم‬ ‫متعدّدة مل�صطلح "عدل‪ 13".‬فاملفهوم الأول‬ ‫هو "ما قام يف النفو�س �أنه م�ستقيم‪ ،‬وهو‬ ‫�ض ّد اجلور"؛ كما � ّأن يف �أ�سماء اهلل "العدل‪،‬‬ ‫هو الذي ال مييل به الهوى فيجور يف احلكم‪،‬‬ ‫وهو يف الأ�صل م�صد ٌر ُ�س ّمي به فو�ضع مو�ضع‬ ‫ّ‬ ‫باحلق‪ ".‬وينقل ابن‬ ‫العادل"؛ والعدل "حك ٌم‬ ‫منظور عن �سعيد بن جبيرْ � ّأن العدل على‬ ‫�أربعة �أنحاء‪ :‬العدل يف احلكم‪َ " :‬و ِ�إ َذا َح َك ْم ُت ْم‬ ‫ا�س �أَنْ تحَ ْ ُك ُموا بِا ْل َعدْلِ " (الن�ساء ‪)58‬؛‬ ‫َبينْ َ ال َّن ِ‬ ‫والعدل يف القول‪َ " :‬و�إِ َذا ُق ْل ُت ْم َف ْاعدِ ُلوا "‬ ‫(الأنعام ‪)152‬؛ والعدل مبعنى الفدية‪" :‬‬ ‫َوا َّت ُقواْ َي ْوماً َّال تجَ ْ زِي َن ْف ٌ�س عَن َّن ْف ٍ�س َ�ش ْيئاً‬ ‫َو َال ُي ْق َب ُل مِ ْنهَا َعد ٌْل َو َال َتن َف ُعهَا َ�ش َفا َع ٌة‬ ‫ن�ص ُرو َن " (البقرة ‪)48‬؛ والعدل‬ ‫َو َال هُ ْم ُي َ‬ ‫يف الإ�شراك‪" 14:‬ثم الذين كفروا بر ّبهم‬ ‫يعدلون" (الأنعام ‪.)1‬‬ ‫هذه التعريفات املتقاربة للم�صطلح جاءت‬ ‫يف القر�آن الكرمي يف ‪� 28‬آية‪ 15.‬لكنه مل ي�أتِ‬ ‫منف�ص ً‬ ‫ال عن م�صطلحاتٍ �أخرى كالق�سط‬ ‫ّ‬ ‫واحلق‪" :‬لقد �أر�سلنا ر�سلَنا بالب ّينات‬ ‫وامليزان‬ ‫الكتاب وامليزا َن ليقو َم النا�س‬ ‫و�أنز ْلنا معهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بالق�سط" (احلديد ‪)25‬؛ " َو�أقِي ُموا ا ْل َو ْز َن‬ ‫بِا ْلق ِْ�س ِط َو اَل ُتخْ �سِ ُروا المْ ِي َزا َن "‬ ‫(الرحمن ‪)9‬؛ و (�أَ ْو ُفوا المْ ِ ْك َيا َل َوالمْ ِي َزا َن‬ ‫بِا ْلق ِْ�س ِط ) (الأنعام ‪ .)152‬والق�سط لي�س‬ ‫العدل و�إنْ ت�شابهت املعاين‪ ،‬و�إ ّال ملا ُوجد‬ ‫امل�صطلحان يف �آي ٍة واحدة‪" :‬ف�إنْ ف�آءت‬ ‫ف�أ�صلحوا بينهما بالعدلِ و�أق�سطوا � ّإن اهلل‬ ‫يحب املقْ�سطني" (احلجرات ‪ .)9‬وكما �أ�شار‬ ‫ّ‬ ‫حممد �شحرور‪ ،‬م�ستندًا �إىل �أعمال جعفر ّ‬ ‫دك‬ ‫الباب‪ 16‬واجلرجاين وابن ج ّني‪ ،‬ف� ّإن القر�آن‬ ‫يخلو من الرتادف يف الألفاظ‪ .‬ويقول الرازي‬ ‫يف خمتار ال�صحاح � ّإن القِ�سط هو العدل‪ ،‬وهو‬ ‫� ً‬ ‫احل�صة والن�صيب؛ �أما القِ�سطا�س فهو‬ ‫أي�ضا ّ‬ ‫امليزان‪ .‬لذلك ميكن القول � ّأن العدل هو يف‬

‫‪14‬‬ ‫المساواة بين‬ ‫المختلفين كالتفريق‬ ‫بين المتماثلين‪،‬‬ ‫كالهما ليس من العدل‬ ‫يف شيء؛‬ ‫احلقوق املعنو ّية‪ ،‬بينما القِ�سط هو يف احلقوق‬ ‫املاد ّية‪ .‬وي�ضيف ُ‬ ‫بع�ض املع ّلقني � ّأن "ارتباط‬ ‫ري من الآيات بامليزان‬ ‫لفظ القِ�سط يف كث ٍ‬ ‫يرجح هذا املعنى‪ ،‬وكذلك تكرار لفظ � ّأن اهلل‬ ‫ّ‬ ‫يحب املقْ�سطني ربمّ ا على اعتبار � ّأن العدل يف‬ ‫ّ‬ ‫أ�صعب و� ّ‬ ‫أ�شق على النف�س من‬ ‫احلقوق املاد ّية � ُ‬ ‫العدل يف احلقوق املعنو ّية‪ 17".‬ويذهب املع ّلق‬ ‫املت�ضمنة مل�شت ّقات‬ ‫�أبعد‪" :‬والنظر يف الآيات‬ ‫ِّ‬ ‫يرجح ذلك املعنى‪،‬‬ ‫الفعل‬ ‫الرباعي ‘�أق�سط’ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫فقد وردتْ � ُ‬ ‫آيات الق�سط يف عدد من �أ�صناف‬ ‫املعامالت بني النا�س‪".‬‬ ‫�أما "امليزان" فجاء يف عدد من الآيات‬ ‫املادي للق�سط‪ ،‬وذلك عرب‬ ‫تعطي البع َد‬ ‫َّ‬ ‫امليزان‪ .‬فالذي يوازن بني ال�شيئني هو الذي‬ ‫ي�ساوي وي ْعدل بينهما‪ .‬وامليزان هو الآلة التي‬ ‫ُتوزن بها الأ�شيا ُء و ُت�ستعمل مبعنى العدل‬ ‫والق�سط والأحكام‪ .‬والالفت � ّأن هذه الآيات‬ ‫تتع ّلق بالتداول واملعامالت بني النا�س‪" :‬وال‬ ‫تنق�صوا املكيا َل وامليزان" (هود ‪)85‬؛ ( �أَ ْو ُفوا‬ ‫المْ ِ ْك َيا َل َوالمْ ِي َزا َن بِا ْلق ِْ�س ِط " (الأنعام ‪)152‬؛ )‬ ‫ا�س �أَ ْ�ش َياءهُ ْم (الأعراف ‪.)8‬‬ ‫وال َت ْب َخ ُ�سوا ال َّن َ‬ ‫إ�سالمي‪.‬‬ ‫ب ـ العدل يف الفكر االقت�صاديّ ال‬ ‫ّ‬ ‫ثمة �إجماع عند املف ّكرين العرب وامل�سلمني‬ ‫الذهبي على مركز ّية العدل‬ ‫يف الع�صر‬ ‫ّ‬ ‫يف التعامل االقت�صاديّ ‪ 19.‬فقد �أ�شار �أبو‬ ‫يو�سف للخليفة الر�شيد � ّأن ي�ساهم يف‬ ‫ت�سريع التنمية‪� 20.‬أما املواردي فر�أى � ّأن‬ ‫َ‬ ‫وحفظ‬ ‫العدل ال�شامل ي� ّؤجج الت�ضامن‪،‬‬ ‫القانون‪ ،‬وتنمية الأم�صار‪ ،‬وتزاي َد الرثوة‪،‬‬ ‫و� َ‬ ‫أمن البالد واملجتمع؛ و�أنْ ال �شيء ي�سهم‬ ‫يف تدمري املجتمعات و�ضمري النا�س والعامل‬

‫كالظلم‪ 21.‬و�أما ابن خلدون فيجزم �أن ال‬ ‫تنمية بدون عدل؛‪ 22‬فاال�ستبداد ي�ؤدّي‬ ‫�إىل �إيقاف النم ّو وتراجع الرثوة‪ 23.‬هذا‬ ‫الت�شديد على العدل يف التعامل االقت�صاديّ‬ ‫إ�سالمي‬ ‫العربي ال‬ ‫مي ّيز الفكر االقت�صاديّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الو�ضعي الذي ينفي القيم‬ ‫من االقت�صاد‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫قانون ال�سوق‬ ‫ويعتمد فقط على ما يعتربه‬ ‫من العر�ض والطلب‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫إ�ضافات �إىل‬ ‫إ�سالمي املعا�صر �‬ ‫ويف الفكر ال‬ ‫ّ‬ ‫ذلك املخزون الكبري من الأفكار االقت�صاد ّية‪،‬‬ ‫كتمييز القر�ضاوي بني العدل وامل�ساواة‪:‬‬ ‫"فلي�س معنى العدل امل�ساوا َة املطلقة‪،‬‬ ‫ف� ّإن امل�ساواة بني املختلفني كالتفريق بني‬ ‫املتماثلني‪ ،‬كالهما لي�س من العدل يف‬ ‫�شيء؛ ف�ض ً‬ ‫ال عن � ّأن امل�ساواة املطلقة �أمر‬ ‫م�ستحيل لأ ّنه �ض ّد طبيعة الإن�سان وطبيعة‬ ‫الأ�شياء‪ 24".‬وبالتايل‪ ،‬تكون امل�ساواة العادلة‬ ‫تف�سر‬ ‫م�ساوا ًة يف الفر�ص والو�سائل التي ِّ‬ ‫التفا�ض َل يف الأرزاق وتكاف�ؤ الفر�ص كقوله‬ ‫تعاىل‪َ " :‬واللهَّ ُ َف َّ�ض َل َب ْع َ�ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض فيِ‬ ‫ال ِّر ْزقِ َف َما ا َّلذِ َ‬ ‫ين ُف ِّ�ض ُلوا ِب َرادِّي ِر ْز ِق ِه ْم َعلَى‬ ‫مَا َملَ َكتْ �أَيمْ َا ُن ُه ْم َف ُه ْم فِي ِه َ�س َوا ٌء �أَ َف ِب ِن ْع َم ِة‬ ‫اللهَّ ِ َي ْج َحدُو َن " (النحل ‪ .)71‬ويف تف�سري‬ ‫مبد�إ تكاف�ؤ الفر�ص ي�سرد القر�ضاوي ق�صة‬ ‫من �سرية عمر بن عبد العزيز‪ُ :‬يروى � ّأن‬ ‫اب ًنا للخليفة الرا�شد طلب �إليه �أن يز ّوجه‬ ‫و�أن يدفع �صداقه من بيت املال ـ وكان البنه‬ ‫امر�أة ‪ -‬فغ�ضب اخلليفة وكتب �إليه‪" :‬لع ْمر‬ ‫اهلل‪ ،‬لقد �أتاين كتا ُب َك ت�س�ألني �أن �أجم َع لك‬ ‫بني ال�ضرائر من بيت مال امل�سلمني‪ ،‬و�أبنا ُء‬ ‫املهاجرين ال يجد �أحدُهم امر�أ ًة ي�ستعف بها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أعرفنك ما كتبت مبثل هذا!"‪25‬‬ ‫فال �‬ ‫غري � ّأن التفا�ضل يف الأرزاق ال يعفي املجتم َع‬ ‫من م�س�ؤول ّية تقريب الفوارق بني �أفراده‪،‬‬ ‫وذلك وف ًقا ملفهوم العدل‪ ،‬ولتحقيق التوازن‪،‬‬ ‫و�إطفا ًء لنريان احل�سد والبغ�ضاء‪ ،‬وتفاد ًيا‬ ‫للت�صادم بني الأفراد والطبقات‪ .‬وهذا هو‬ ‫فحوى الفقرات الآتية‪.‬‬ ‫ج ـ من العدل �إىل العدالة االجتماع ّية‪.‬‬


‫النتيجة املو�ضوع ّية للعدل كقيم ٍة �أخالق ّي ٍة‬ ‫جمتمع‬ ‫ت�ضبط �سلوك الإن�سان هي �إقام ُة‬ ‫ٍ‬ ‫عادل‪ .‬و�إذا كانت العالقات الب�شر ّية مبن ّية‬ ‫على �أ�س�س مغايرة للعدل والق�سط‪ ،‬نتج‬ ‫منها الظل ُم والف�ساد‪ 26.‬فما هو مفهوم ذلك‬ ‫املجتمع العادل؟ وما هي الأ�س�س التي ُتبنى‬ ‫عليه؟‬ ‫‪ 3‬ـ املنطلقات العا ّمة‬ ‫ا�ستخال�ص منطلقاتٍ خم�س ٍة لإقامة‬ ‫ميكن‬ ‫ُ‬ ‫إ�سالمي �آل ّي ًة‬ ‫جمتمع عادلٍ يكون االقت�صا ُد ال‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫لتحقيقه‪ 27.‬املنطلق الأول هو يف �آل ّية امل ْلك ّية‪.‬‬ ‫غري � ّأن امل ْلك ّية هي هلل‪� ،‬سواء كانت يف الأ�صول‬ ‫الثابتة �أو املنقولة �أو الدخل �أو الرزق �أو املال‪:‬‬ ‫الَ ْر ِ�ض‬ ‫ال�س َما َواتِ َو ْ أ‬ ‫" �أَلمَ ْ َت ْعلَ ْم �أَ َّن اللهَّ َ َل ُه ُم ْل ُك َّ‬ ‫ُي َع ِّذ ُب َمنْ َي َ�شا ُء َو َي ْغ ِف ُر لمِ َنْ َي َ�شا ُء َواللهَّ ُ َعلَى‬ ‫ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َقدِ ي ٌر " (البقرة ‪ .)107‬والإن�سان‬ ‫م�ستخلَ ٌف مب ْلك ّية مُو ّقتة بحياته‪َ " :‬و�إِ ْذ َقا َل‬ ‫َر ُّب َك ِل ْل َم َ‬ ‫ال ِئ َك ِة ِ�إنيِّ َجاعِ ٌل فيِ الأَ ْر ِ�ض َخلِي َف ًة‬ ‫" (البقرة ‪)30‬؛ " وَيمُ ْدِ ْد ُك ْم ِب�أَ ْم َوالٍ َو َب ِن َ‬ ‫ني‬ ‫َو َي ْج َع ْل َل ُك ْم َج َّناتٍ َو َي ْج َع ْل َل ُك ْم �أَ ْنهَا ًرا "‬ ‫(نوح ‪)12‬؛ " ُت�ؤْتِي المْ ُ ْل َك َمنْ َت َ�شا ُء َو َت ْن ِز ُع المْ ُ ْل َك‬ ‫ممِ َّ نْ َت َ�شا ُء " (�آل عمران ‪ .)26‬كما � ّأن ك�سب‬ ‫املال و�إنفاقه م�ضبوطان ب�أحكام ال�شريعة كي‬ ‫الغربي احلديث‬ ‫ُت�ضمن العدالة‪ .‬امل�صطلح‬ ‫ّ‬ ‫لذلك املفهوم هو الرعاية الطويلة الأجل‬ ‫�أو ‪� ،leasehold ownership‬أيْ حق‬ ‫االنتفاع وتنمية امل ْلك ّية من دون �أن تكون هذه‬ ‫وا�ضحا‪َ " :‬وفيِ �أَ ْم َوا ِل ِه ْم‬ ‫مطلقة‪ .‬والقر�آن كان‬ ‫ً‬ ‫ِل�سائِلِ َوالمْ َ ْح ُرو ِم " (الذاريات ‪)19‬؛ �أيْ‬ ‫َح ٌّق ل َّ‬ ‫� ّإن امل ْلك ّية لي�ست مطلقة للفرد بل ُّ‬ ‫حق رعاية‪،‬‬ ‫وهي مقرونة مب�س�ؤولياّت كتنمية الأموال‬ ‫و�إعادة توزيع الرثوة وف ًقا ملعايري �س ُتبحث يف‬ ‫فقرة الحقة‪.‬‬ ‫ويجتهد العلما ُء يف ذلك املو�ضوع للو�صول‬ ‫�إىل � ّأن امل ْلك ّية يف الإ�سالم متعددة الأ�شكال‪28:‬‬ ‫وعام ٌة للمجتمع‪ ،‬وعا ّم ٌة‬ ‫خا�ص ٌة للفرد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للدولة‪ 29.‬غري � ّأن التمييز بني ملك ّية‬ ‫الدولة وملك ّية املجتمع م�س�ألة فيها بحث‪،‬‬ ‫ن�ص يحكم بذلك‪ ،‬و�إنْ كانت القرائن‬ ‫لغياب ّ‬

‫ُ‬ ‫بيت المال الذي أنشئ‬ ‫عند بداية الفتوحات‬ ‫العربية هو ُ‬ ‫إشارة‬ ‫أول‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ولكن‬ ‫ملكية الدولة؛‬ ‫إىل‬ ‫ّ‬ ‫هذا البيت للمسلمين‬ ‫حدود‬ ‫أجمع‪ ،‬فأين‬ ‫ُ‬ ‫حدود‬ ‫الدولة وأين‬ ‫ُ‬ ‫المجتمع؟‬ ‫التاريخ ّية قد ت�ؤ ّيد ذلك التمييز‪ .‬بيتُ املال‬ ‫الذي �أن�شئ عند بداية الفتوحات العرب ّية‬ ‫هو � ُ‬ ‫أول �إ�شار ٍة �إىل ملك ّية الدولة؛ ولكنّ هذا‬ ‫البيت للم�سلمني �أجمع‪ ،‬ف�أين حدو ُد الدولة‬ ‫ين�ص عليه‬ ‫و�أين حدو ُد املجتمع؟ هذا ما مل ّ‬ ‫القر�آن وبات مدخ ً‬ ‫ال الجتهادات ال ميكن �أن‬ ‫تكون مقدّ�سة لأنها من �صنع الب�شر‪ ،‬و�إنْ‬ ‫كانت م�شروعة ومقبولة عرب الزمان‪.‬‬ ‫و�إذا ا�ستطردنا بع�ض ال�شيء ر�أينا � ّأن مفهوم‬ ‫الدولة يف تراثنا قد يختلف عنه يف الرتاث‬ ‫والفكر الغرب ّيني‪ .‬فالقر�آن ال يتحدّث عن‬ ‫الدولة �أو �أحكامها‪ ،‬بل عالج ق�ضايا املجتمع‬ ‫و�سلوكه؛ لذلك فاملجتمع �أقوى من الدولة‬ ‫يف الرتاث والتقاليد العرب ّية الإ�سالم ّية؛‬ ‫�أما ال�سيا�سة وال�سلطة فهناك �أحكا ٌم اجتهد‬ ‫فيها عد ٌد من العلماء كاملواردي يف الأحكام‬ ‫ال�سلطان ّية‪ .‬ويبدو لنا � ّأن مفهوم الدولة‬ ‫الغربي لي�س �ضرور ًيا يف تراثنا‪ ،‬وال‬ ‫باملنطق‬ ‫ّ‬ ‫نتبنى ذلك املنطق دون متحي�ص‬ ‫ندري ملاذا‬ ‫ّ‬ ‫وك�أنه علم اليقني! ومن جه ٍة �أخرى‪ ،‬ف� ّإن‬ ‫الغربي له‬ ‫م�صطلح "الدولة" يف الل�سان‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مدلول الثبوت‪ ،‬بينما مدلو ُله يف الل�سان‬ ‫ُ‬ ‫تداول ال�سلطة بني‬ ‫ري �أو‬ ‫العربي هو التغي ُ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سالالت القبل ّية �أو الع�شائر ّية يف تلك‬ ‫الأزمان (وبني الأفراد �أو القوى والأحزاب‬ ‫اليوم)‪.‬‬

‫�أما املنطلق الثاين لإقامة جمتمع العدل‬ ‫فهو حر ّية الإن�سان الفرد ّية‪ ،‬لكنْ ُتفر�ض‬ ‫عليها قيو ٌد ل�ضمان عدم التعدّي على‬ ‫حقوق املجتمع‪ .‬هنا نرى � ً‬ ‫أي�ضا التمايز بني‬ ‫االقت�صادين الر�أ�سما ّ‬ ‫واال�شرتاكي من‬ ‫يل‬ ‫ّ‬ ‫إ�سالمي من جهة �أخرى‪ .‬فاحلر ّية‬ ‫جهة‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫الو�ضعي م�صادرة ب�شكل‬ ‫منوذجي االقت�صاد‬ ‫يف‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫�أو ب�آخر؛ الفرق بينهما هو طوع ّية ت�سليم‬ ‫احلر ّية يف االقت�صاد الأول لر�أ�س املال ب�سبب‬ ‫القوة الدعائ ّية الرتويج ّية لبع�ض القيم‬ ‫(كحر ّية االختيار و�ضرورة تر�شيد القرار) يف‬ ‫حني � ّأن امل�صادرة يف الثاين ق�سر ّية ب�سبب ما‬ ‫تعتربه النخب احلاكمة "م�صلحة املجتمع‪".‬‬ ‫�أما القيود التي تفر�ضها ال�شريعة الإ�سالم ّية‬ ‫على حر ّية الفرد فهي احلدود الناجمة عن‬ ‫القيم التي ُتق ّلم احلر ّية و ُت�صقلها لدرء‬ ‫الظلم عن الأفراد واملجتمع‪ّ � .‬إن العدل هو‬ ‫الذي يق ِّو�ض احلر ّية املطلقة‪ .‬وهنا نرى �أحد‬ ‫معامل الو�سط ّية يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫�سن�ستطرد قلي ً‬ ‫ال يف ما يتع ّلق بالو�سط ّية‪.‬‬ ‫الو�ضعي �أن ي�أتي بنظر ّية‬ ‫لقد حاول االقت�صا ُد‬ ‫ّ‬ ‫متكاملة عن التوازن �أو �سلوك املجتمع‪ .‬لذلك‬ ‫كانت حماولة مارك�س (ت ‪ )1883‬وتنظريه‬ ‫ال�شيوعي عرب حتليل الر�أ�سمال ّية‬ ‫للمجتمع‬ ‫ّ‬ ‫وتفكيكها‪ .‬املحاولة الثانية لنظرية متكاملة‬ ‫تت�ض ّمن التوازن هي نظرية كينز (ت ‪)1946‬‬ ‫عن اال�ستخدام والنقد والفائدة‪ ،‬وكانت‬ ‫أ�سا�سا ل�سيا�سات �أنقذت املجتم َع الر�أ�سما ّ‬ ‫يل‬ ‫� ً‬ ‫الغربي من االندثار �إ ّبان ك�ساد ثالثين ّيات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القرن املا�ضي‪� .‬أما يف ما يتعلق بنظر ّيات‬ ‫الفرن�سي‬ ‫التوازن ال�صرف فكانت حماوالت‬ ‫ّ‬ ‫والرا�س (ت ‪ )1910‬يف القرن التا�سع ع�شر‪،‬‬ ‫الروحي لنظر ّيات التوازن‬ ‫وهو ُيعترب الأب‬ ‫ّ‬ ‫أمريكي جون نا�ش‬ ‫االقت�صادية احلديثة‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫بعد احلرب العامل ّية الثانية‪ .‬لكن ا�صطدمت‬ ‫ُ‬ ‫املحاوالت النظر ّي ُة لبلورة مفهوم متكامل‬ ‫للتوازن بالواقع‪ ،‬و�أ�صبح ُ‬ ‫هدف التوازن يف‬ ‫ي�صعب حتقي ُقه‪،‬‬ ‫الفكر‬ ‫الغربي هد ًفا مثال ًيا ْ‬ ‫ّ‬ ‫وخا�ص ًة يف ما يتع ّلق بتحقيق اال�ستخدام‬

‫‪15‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫‪16‬‬ ‫وف�صل ْتها ال ُ‬ ‫آيات الثالث‬ ‫وجودَها يف الإن�سان ّ‬ ‫‪ 153 ،152 ،151‬من �سورة الأنعام؛ والثاين‬ ‫ف�ضائ ُل �إ�ضاف ّية �أخرى انب ّثتْ يف �سور التنزيل‬ ‫و�آياته‪36".‬‬ ‫املنطلق الثالث هو قوامة املجتمع على‬ ‫الفرد‪ .‬ف�إذا جتاوز الفرد حدّه‪ ،‬قام املجتم ُع‬ ‫مبا َيلزم حلمله على االلتزام بحدوده‪ .‬من‬ ‫هنا نفهم � ّأن امل ْلكيات الفرد ّية واالجتماع ّية‬ ‫والعامة َّ‬ ‫توظف لتحقيق توازن بني م�صلحة‬ ‫ّ‬ ‫الفرد واملجتمع‪ ،‬و�أحكا ُم هذا التوازن تتغيرّ‬ ‫بح�سب املكان والزمان والظروف‪.‬‬ ‫املنطلق الرابع هو التكامل بني الفرد‬ ‫ريا‪،‬‬ ‫واملجتمع‪ .‬ف�إذا كانت احلر ّية ر�أ ًيا وتعب ً‬ ‫ف� ّإن �آل ّية حتقيق ذلك تكون عرب ال�شورى‪،‬‬ ‫النبي‬ ‫التي هي ممار�سة تاريخ ّية ُفر�ضت على ّ‬ ‫لي�شاور النا�س يف �أمور ال تتع ّلق بالوحي‪37.‬‬ ‫من هنا نفهم الآية‪َ " :‬وا َّلذِ َ‬ ‫ين ْا�س َت َجا ُبوا‬ ‫ال�صلاَ َة َو�أَ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم‬ ‫ِل َر ِّب ِه ْم َو�أَ َقامُوا َّ‬ ‫َوممِ َّ ا َر َز ْق َناهُ ْم ُي ْن ِف ُقو َن " (ال�شورى ‪.)38‬‬ ‫الفرد يحتاج �إىل املجتمع ليحميه‪ ،‬واملجتمع‬ ‫يحتاج �إىل الفرد يف حتقيق وحدته و�صيانة‬ ‫متا�سكه‪.‬‬

‫الكامل‪ 30.‬وكيف يكون غري ذلك؟‬ ‫فالفر�ض ّيات التي ُتبنى عليها تلك النظر ّي ُ‬ ‫ات‬ ‫نتائجها من‬ ‫ري واقعية‪ ،‬و�ستكون ُ‬ ‫خاطئة �أو غ ُ‬ ‫ري �صحيحة ب�شكل عا ّم‪ .‬كما � ّأن حماوالت‬ ‫ث ّم غ ُ‬ ‫و�ضع �سلوك الإن�سان يف معادالتٍ ريا�ض ّي ٍة‬ ‫حمكوم ٌة بالف�شل م�س ّب ًقا‪� .‬أما يف الرتاث‬ ‫إ�سالمي فكان الت�سليم ب� ّأن �سلوك‬ ‫العربي ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مبني على نزوات يجب تقلي ُمها‬ ‫الإن�سان‬ ‫ّ‬ ‫وف ًقا ملبادئ �أخالقية يق ّرها املجتم ُع طوعُا‬ ‫ال ق�س ًرا‪ .‬الو�سط ّية يف ال�سلوك هي �ضمان‬ ‫التوازن‪ ،‬والعدل هو �آل ّية هذا التوازن‪ .‬ويف‬ ‫حني � ّأن النظر ّيات الغرب ّية ال تعطي �أيّ دور‬ ‫للعدل يف حتقيق التوازن (الذي حتدّده �آل ّي ُ‬ ‫ات‬ ‫ال�سوق)‪ ،‬ف� ّإن الو�سط ّية يف القر�آن جت�سي ٌد‬ ‫للتوازن يف �سلوك الإن�سان‪ ،‬وهي من مك ّونات‬ ‫العدل والعدالة االجتماع ّية‪.‬‬ ‫لكنّ م�صطلح احلر ّية يف القر�آن مل يرد‬ ‫ب�شكل وا�ضح‪ .‬واحلر ّية يف تراثنا هي �ض ّد‬ ‫العبودية‪ 31.‬غري � ّأن م�ضمون احلر ّية جاء‬ ‫يف م�س�ؤولية الإن�سان يف االختيار بني الإميان‬ ‫والكفر‪ ،‬وبني ال�صراط امل�ستقيم واالنحراف‪:‬‬ ‫" َو ُك َّل �إِ ْن َ�سانٍ �أَ ْل َز ْم َنا ُه َطا ِئ َر ُه فيِ ُع ُن ِق ِه َونُخْ ِر ُج‬ ‫َل ُه َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة ِك َتا ًبا َي ْل َقا ُه َم ْن ُ�شو ًرا " (الإ�سراء‬ ‫ان القاعدة الذهبية‬ ‫‪ .)14 -13‬فال ميكن �أن يكون الإن�سان م�س�ؤو ًال‬ ‫التي يتمسك بها‬ ‫�إنْ مل يكن ح ًرا‪ .‬ول ّأن الإن�سان ُخلق �ضعي ًفا‬ ‫�أمام ال�شهوات فقد �أُوجدت القيو ُد التي تكبح‬ ‫االقتصاد اإلسالمي‬ ‫جموحه الناجت من �سوء ا�ستعمال احلر ّية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ولذلك ال ميكن �أن متا َر�س احلر ّية �إ ّال �ضمن والتي تجعله متميزًا‬ ‫مرجع ّيات �أربع‪ 32:‬معرف ّية ّ‬ ‫تبث يف وعيه‬ ‫عن غيره هي ان‬ ‫معرف َة خماط ِر خياراته؛‪ 33‬وعرف ّية ت�ؤ ّثر يف‬ ‫�صياغة ت�شريعاتٍ حت ّد من حر ّية الإن�سان؛‪ 34‬الموارد االقتصادية يجب‬ ‫ً‬ ‫وجمال ّية (فاختيار اللبا�س مثال ال يكون ان توجه وتتركز يف إنتاج‬ ‫من باب ال�شرع ل�سرت العورة فح�سب بل من‬ ‫أي�ضا)؛‪ 35‬و�أخالق ّية‪ ،‬السلع والخدمات التي‬ ‫باب اللياقة والأناقة � ً‬ ‫وهي الأه ّم‪ .‬والأخالق يف القر�آن ق�سمان‪:‬‬ ‫تشبع الحاجات السوية‬ ‫"الأول هو الفرقان �أو احل ّد الأدنى امللزِم من‬ ‫القوانني الأخالق ّية التي افرت�ض التنزي ُل‬ ‫لإلنسان؟‬

‫االجتماعي‪.‬‬ ‫املنطلق اخلام�س هو التكافل‬ ‫ّ‬ ‫الفرد �أو ًال‪ ،‬واملجتمع عرب الدولة ثان ًيا‪،‬‬ ‫م�س�ؤوالن عن حتقيق ذلك التكافل عرب‬ ‫ثالث م� ّؤ�س�سات‪ :‬الزكاة‪ ،‬والوقف‪ ،‬والإنفاق‬ ‫التطوعي‪ .‬والقر�آن ا�ستفا�ض يف بلورة ثقافة‬ ‫ّ‬ ‫القبلي ما‬ ‫التكافل التي ورثها من املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫قبل الإ�سالم‪ ،‬وط ّورها لت�شمل الأ ّمة‪ .‬ومن‬ ‫�أهداف ذلك التكافل احل ُّد من طغيان املال‪،‬‬ ‫و�إعاد ُة توزيع الرثوة‪.‬‬ ‫ري‬ ‫�أ ـ احل ّد من طغيان املال‪ .‬جاء يف القر�آن كث ٌ‬ ‫من الآيات حول املال‪ .‬فمن جهة‪ُ ،‬‬ ‫املال زينة‪:‬‬ ‫"ا المْ َ ُال َوا ْل َب ُنو َن زِي َن ُة الحْ َ َيا ِة الدُّ ْن َيا َوا ْل َبا ِق َي ُ‬ ‫ات‬ ‫ال�صالحِ َ ُ‬ ‫ات َخيرْ ٌ عِ ْن َد َر ِّب َك َث َوا ًبا َو َخيرْ ٌ �أَ َملاً "‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫حق‪َ " :‬وا َّلذِ َ‬ ‫(الكهف ‪ .)46‬وهو ّ‬ ‫ين فيِ �أ ْم َوا ِل ِه ْم‬ ‫ِل�سائِلِ َوالمْ َ ْح ُرو ِم " (املعارج‬ ‫َح ٌّق َم ْع ُلومٌ‪ .‬ل َّ‬ ‫‪ 24‬و‪ .)25‬ولكنّ هناك �آياتٍ �أخرى حت ُّد من‬ ‫طغيان املال‪�َ " :‬س َي ُق ُ‬ ‫ول َل َك المْ ُ َخ َّل ُفو َن مِ َن‬ ‫ا�س َت ْغ ِف ْر‬ ‫ْأ‬ ‫الَ ْع َرابِ َ�ش َغلَ ْت َنا �أَ ْم َوا ُل َنا َو�أَهْ ُلو َنا َف ْ‬ ‫َل َنا َي ُقو ُلو َن ِب�أَ ْل�سِ َن ِت ِه ْم مَا َل ْي َ�س فيِ ُق ُلو ِب ِه ْم‬ ‫ُق ْل َف َمنْ يمَ ْ ل ُِك َل ُك ْم مِ َن اللهَّ ِ َ�ش ْي ًئا ِ�إنْ �أَ َرا َد‬ ‫ِب ُك ْم َ�ض ًّرا �أَ ْو �أَ َرا َد ِب ُك ْم َن ْف ًعا َب ْل َكا َن اللهَّ ُ بمِ َا‬ ‫ريا " (الفتح ‪)11‬؛ " َي ْح�سب � ّأن‬ ‫َت ْع َم ُلو َن َخ ِب ً‬ ‫ما َله � ْأخلده" (الهمزة ‪)3‬؛ " َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫�آ َم ُنوا اَل ُت ْل ِه ُك ْم �أَ ْم َوا ُل ُك ْم َو اَل �أَ ْو اَل ُد ُك ْم َعنْ ِذ ْك ِر‬ ‫اللهَّ ِ َو َمنْ َي ْف َع ْل َذل َِك َف�أُو َلئ َِك هُ ُم الخْ َ ا�سِ ُرو َن "‬ ‫(املنافقون ‪ .)9‬وتو�ضح ق�ص ُة قارون كيف كان‬ ‫يت�ص ّرف يف ماله ا�ستهال ًكا و�إنفا ًقا وادّخا ًرا‪،‬‬ ‫�سجل عليه عدة انحرافاتٍ ‪،‬‬ ‫غري � ّأن القر�آن ّ‬ ‫منها‪ :‬التعايل عن النا�س‪ ،‬وعد ُم م�ساعدة‬ ‫املحتاجني‪ ،‬وا�ستخدا ُم املال من �أجل قهر‬ ‫النا�س وال�سيطرة على البالد‪ .‬لذلك جاء يف‬ ‫إ�سالمي الذي‬ ‫أ�س�س ال�شرع ال‬ ‫القر�آن ما ك ّون � َ‬ ‫ّ‬ ‫�ضبط ُطرق جني املال واحلفاظ عليه‪ .‬املال‪،‬‬ ‫�إذنْ ‪ ،‬ال ُيذ ّم لذاته بل ُيذ ّم حني ي�ؤدّي �إىل‬ ‫غرور مالكه وطغيانه على الآخرين‪.‬‬ ‫هنا تربز ق�ضية مه ّمة تثري اجلد َل بني‬ ‫امل�سلمني‪� ،‬أال وهي ق�ض ّية الفائدة التي‬


‫ُ‬ ‫امل�صارف وامل� ّؤ�س ُ‬ ‫�سات املال ّية لل ُمودِعني‬ ‫تعطيها‬ ‫وت ْفر�ضها على املقرت�ضني‪� ،‬أو هي الربا كما‬ ‫ي�صفها الفقها ُء الإ�سالم ّيون‪ .‬امل�شكلة تقع‬ ‫يف تعريف الفائدة‪ :‬ف�إذا ّ‬ ‫متت املرادف ُة بني‬ ‫الفائدة والربا ف� ّإن الفائدة من املح ّرمات‪،‬‬ ‫و�إال فهي مقبولة‪ .‬ل�سنا هنا يف وارد االجتهاد‬ ‫يف املو�ضوع‪ ،‬ولكنْ من الوا�ضح � ّأن يف مفهوم‬ ‫الربا مفهو َم الزيادة من دون مقابل ـ وهذا‬ ‫يتنافى مع جمموعة القيم التي �سردناها‪،‬‬ ‫وبخا�ص ٍة العدل‪ .‬والربا قريب من مفهوم‬ ‫ّ‬ ‫ف�صلناه يف درا�س ٍة �سابقة؛ فهو‬ ‫الريع الذي ّ‬ ‫مردو ٌد يجنيه املر ُء من دون بذل �أيّ جمهود‬ ‫يتنا�سب‬ ‫يف املقابل‪� ،‬أو ببذل جمهو ٍد �صغري ال‬ ‫ُ‬ ‫وحج َم املردود‪ .‬غري �أن الريع مل ُيح ّرم يف‬ ‫ا�ستالب جمهود‬ ‫القر�آن‪� .‬أما الغنيمة فهي‬ ‫ُ‬ ‫الغري بالقوة؛ فهي مقبولة وال�س ّيما �إذا‬ ‫كان ذلك املجهو ُد يف �سبيل اهلل‪ .‬والتجارة‬ ‫ٌ‬ ‫قب�ض على جمهود الآخر هي � ً‬ ‫أي�ضا‪ ،‬ولكنْ‬ ‫بالرتا�ضي‪ ،‬فهي مقبولة‪ ،‬ب�ضوابط‪َ (" :‬و ْي ٌل‬ ‫ني * ا َّلذِ َ‬ ‫ِّل ْل ُم َط ِّف ِف َ‬ ‫ا�س‬ ‫ين ِ�إ َذا ا ْك َتا ُلواْ َعلَى ال َّن ِ‬ ‫َي ْ�س َت ْو ُفو َن * َو ِ�إ َذا َكا ُلوهُ ْم َ�أ ْو َّو َز ُنوهُ ْم ُيخْ �سِ ُرو َن‬ ‫* �أَال َي ُظنُّ �أُ ْو َلـئ َِك �أَ َّن ُه ْم َّم ْب ُعو ُثو َن * ِل َي ْو ٍم‬ ‫ا�س ِل َر ِّب ا ْل َعـلَمِ َ‬ ‫ني( "‬ ‫يم * َي ْو َم َي ُقو ُم ال َّن ُ‬ ‫عَظِ ٍ‬ ‫(‪� .)3-1‬أما االحتكار فغري مقبول وف ًقا ملا‬ ‫ن�ص‬ ‫جاء يف االجتهادات الفقه ّية يف غياب ّ‬ ‫وا�ضح يف القر�آن؛ وهنا ي�ست�شهد القر�ضاوي‬ ‫بالأحاديث التي تتناول االحتكار ونبذه‪ 38:‬فـ‬ ‫"االحتكار مبعثه الأنان ّية والق�سوة على خلق‬ ‫اهلل به‪ ،‬ل ّأن املحتكر يريد �أن يو�سع ثروته‬ ‫بالت�ضييق على خلق اهلل‪39".‬‬ ‫م�س�ألة الربا غاية يف الأهم ّية‪ .‬فبالإ�ضافة‬ ‫أخالقي‪ ،‬هناك بعد �آخر ال‬ ‫�إىل بعدها ال‬ ‫ّ‬ ‫ب ّد من التوقف عنده‪ .‬حجر الزاوية يف‬ ‫الو�ضعي هو االئتمان (‪،)credit‬‬ ‫االقت�صاد‬ ‫ّ‬ ‫وثمن االئتمان هو الفائدة‪ .‬ف�إذا �أخرجنا‬ ‫الفائد َة من املعادلة‪ ،‬فهل االئتمان ممكن؟‬ ‫و�إذا �أخرجنا االئتما َن من املعادلة‪ ،‬فهل من ّو‬

‫ن�شاط العمالء االقت�صاديني ممكن؟ �إذا كانت‬ ‫منوذجا �إر�شاد ًيا خمتل ًفا‬ ‫الإجابة نعم‪ ،‬ف� ّإن‬ ‫ً‬ ‫ي�صبح قائ ًما‪ .‬هل ب�إمكاننا �أن نت�ص ّور دو ًرا‬ ‫خمتل ًفا ك ّل ًيا للم�صارف وامل� ّؤ�س�سات املال ّية‬ ‫القائمة؟ هل ب�إمكاننا ا�ستعاد ُة ّ‬ ‫حق �إن�شاء‬ ‫الكتلة النقد ّية من النظام امل�صر ّيف‪ ،‬وح�ص ُره‬ ‫يف الدولة؟ من املعلوم � ّأن الكتلة النقد ّية يف‬ ‫التداول هي من ّ‬ ‫حق وامتياز الدولة التي‬ ‫ّ‬ ‫ت�صك العملة‪ ،‬ولكنها جز ٌء ب�سيط من الكتلة‬ ‫ُ‬ ‫امل�صارف وامل� ّؤ�س ُ‬ ‫�سات‬ ‫الإجمال ّية التي تن�شئها‬ ‫املال ّية القائمة على نظام االئتمان والفائدة‪.‬‬ ‫وبالتايل ف� ّإن الدولة تنازلتْ رمبا عن �أه ّم‬ ‫مزايا ال�سيادة مل�صلحة فئ ٍة من املجتمع تعمل‬ ‫على زيادة �أرباحها ال على منفعة املجتمع‬ ‫بال�ضرورة‪ .‬لذلك قد تكون �إعاد ُة النظر يف‬ ‫دور النظام امل�صر ّيف وامل� ّؤ�س�سات املال ّية يف‬ ‫�إن�شاء الكتلة النقد ّية وح�صرها بيد الدولة‬ ‫من الأمور التي يجب بحثها‪.‬‬ ‫ب ـ توزيع الرثوة‪ .‬ملّا كان املُلك هلل‪ ،‬والرثو ُة‬ ‫�ألتي �أوكلتْ خلليفته (الإن�سان) ت�ضع‬ ‫م�س�ؤول ّياتٍ عدة على �صاحبها‪ ،‬فقد كان مبد�أ‬ ‫مرت�س ًخا يف تراثنا‪ .‬بهذا‬ ‫�إعادة توزيع الرثوة‬ ‫ّ‬ ‫املعنى �سبقت احل�ضارة العرب ّية الإ�سالم ّية‬

‫ان اإلسالم ال ينظر إىل‬ ‫اإلنتاج النافع كمسألة‬ ‫ثانوية يف حياة الفرد‬ ‫والمجتمع بل يعتبره‬ ‫واجبًا ال يكمل الواجب‬ ‫الديني بدونه‪ ،‬بل انه‬ ‫يضفي على العمل‬ ‫المنتج قيمة أخرى‬

‫احل�ضارة الغرب ّية يف مبد�إ توزيع الرثوة‬ ‫بحواىل ثالثة ع�شر قر ًنا! غري � ّأن مبد�أ‬ ‫التوزيع يف هذا الرتاث منبتق من منظومة‬ ‫قيم يقوم بها املجتم ُع طوعًا و�إنْ كان له‬ ‫إلزامي‪ ،‬بينما يهدف يف الغرب �إىل درء‬ ‫طاب ٌع � ّ‬ ‫م�ساوئ متركز الرثوة يف يد الق ّلة‪ .‬ويف حني‬ ‫يقوم املجتم ُع يف البيئة العرب ّية الإ�سالم ّية‬ ‫مبها ّم �إعادة توزيع الرثوة‪ ،‬تقوم الدول ُة يف‬ ‫الغرب بذلك‪ ،‬وهو ما يعطيها طاب َع الق�سر ّية‬ ‫التي يرف�ضها ال ُ‬ ‫إن�سان من باب الفطرة‪.‬‬ ‫لكنْ ال ب ّد من الإقرار ب� ّأن يف املجتمعات‬ ‫ربعات �إىل‬ ‫الغرب ّية م� ّؤ�س�ساتٍ خا�ص ًة تو ّزع الت ّ‬ ‫جهات عديدة من باب احلر�ص على التوازن‬ ‫الداخلي (واملنفعة اخلا�صة لكون‬ ‫واال�ستقرار‬ ‫ّ‬ ‫ربعات تحُ �سم من �ضريبة الدخل!)‪.‬‬ ‫الت ّ‬ ‫هنا ال ب ّد من وقف ٍة �إي�ضاح ّية‪ ،‬وهي � ّأن‬ ‫التط ّورات العلم ّية والتكنولوج ّية تنعك�س على‬ ‫كفاءة و�سائل الإنتاج‪ ،‬وت�ؤدّي �إىل تغيريات يف‬ ‫العالقات االجتماع ّية وف ًقا ملفاهيم االقت�صاد‬ ‫الغربي ب�ش ّق ْيه الليربا ّ‬ ‫واملارك�سي‪ .‬غري � ّأن‬ ‫يل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إ�سالمي عمل ّية‬ ‫العربي ال‬ ‫التوزيع يف الرتاث‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منف�صلة عن الإنتاج‪ ،‬وبالتايل ال يتغيرّ‬ ‫مع التغيري الدائم الذي يرافق التط ّور‬ ‫التكنولوجي يف عالقات الإنتاج واملجتمع‪:‬‬ ‫"لي�ست احلياة االجتماع ّية نابعة من �أ�شكال‬ ‫الإنتاج املتن ّوعة‪ ،‬و�إمنا هي نابعة من حاجات‬ ‫الإن�سان نف�سه‪ ،‬ل ّأن الإن�سان هو القوة املح ّركة‬ ‫للتاريخ ال و�سائل الإنتاج‪ ،‬وفيه جند ينابي َع‬ ‫احلياة االجتماع ّية‪ 40".‬و�إذا ُترك ال ُ‬ ‫إن�سان‬ ‫يحب ذاته‪،‬‬ ‫لنف�سه فلن يقوم ب�أيّ توزيع لأنه ّ‬ ‫وطبيعته هي البخل‪ُ " :‬ق ْل َل ْو �أَ ْن ُت ْم تمَ ْ ِل ُكو َن‬ ‫ال ْن َفاقِ‬ ‫َخ َزائ َِن َر ْح َم ِة َر ِّبي �إِ ًذا َ ألَ ْم َ�س ْك ُت ْم َخ ْ�ش َي َة ْ إِ‬ ‫ال ْن َ�س ُان َق ُتو ًرا " (الإ�سراء ‪.)100‬‬ ‫َو َكا َن ْ إِ‬ ‫يتبع يف العدد القادم ‪.......‬‬

‫تتعدى العائد المادي‬

‫‪17‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫‪18‬‬

‫تقديم‬ ‫يمثل فقه الموازنات مرتكزا شرعيا هاما في هذا العصر الذي تتعدد فيه التحديات ‪،‬وتتكاثر‬ ‫فيه اإلكراهات الضاغطة بمستوياتها المختلفة ‪،‬وقد واجهت المرأة المسلمة جانبا هاما من‬ ‫هذه التحديات حيث عانت كثيرا من مظاهر التحيز الذي يستهدف حريتها الشخصية في زيها‬ ‫وملبسها ‪ ،‬وحريتها الدينية في قناعاتها واختياراتها ‪ ،‬وبما أن واقع الدول اإلسالمية الضعيف‬ ‫أمام جبروت القوة الغربية وغثائية المسلمين في هذه األعصر يضيف إلى تلك اإلكراهات تحديات‬ ‫إضافية ‪،‬كان لزاما على العقل المسلم أن يفكر بجدية وبعقل مفتوح يسترشد بالنص الشرعي‬ ‫في مقاصده وأولوياته ‪ ،‬ويتعامل مع الضرورات بتقديرها حق قدرها ‪ ،‬انطالقا مما يقتضيه فقه‬ ‫الموازنات ويتطلبه فقه األولويات‪.‬‬

‫قضايا المرأة المعاصرة من‬ ‫خالل فقه الموازنات‬

‫الكورى ال�سامل بن املختار احلاج‬

‫ولإثارة ف�ضول الدار�سني ‪،‬ولفت انتباه‬ ‫املتخ�ص�صني �آثرت تناول مو�ضوع "املر�أة‬ ‫املعا�صرة من خالل فقه املوازنات" وقد قررت‬ ‫تق�سيمه للمحاور التالية ‪:‬‬ ‫• فقه املوازنات تعريفا و�ضبطا‪.‬‬ ‫• الإ�شكاليات الكربى للمر�أة امل�سلمة‪.‬‬ ‫• دور فقه املوازنات يف جمابهة ما تعانيه املر�أة‬ ‫امل�سلمة من �إ�شكاليات ‪.‬‬ ‫�أو ًال ‪ :‬فقه املوازنات‬ ‫ترتكز الر�ؤية ال�شرعية على النظر املقا�صدي‬ ‫والتف�سري امل�صلحي للوقائع وامل�ستجدات‬ ‫انطالقا من فقه املوازنات الذي يعني(جمموعة‬ ‫الأ�س�س واملعايري التي ت�ضبط عملية املوازنة‬ ‫بني امل�صالح املتعار�ضة �أو املفا�سد املتعار�ضة مع‬ ‫امل�صالح ‪ ،‬ليتبني بذلك �أي امل�صلحتني �أرجح‬ ‫فتقدم على غريها ‪ ،‬و�أي املف�سدتني �أعظم خطراً‬ ‫فيقدم درءها ‪،‬كما يعرف بالغلبة لأي من امل�صلحة‬ ‫�أو املف�سدة – عند تعار�ضهما ليحكم – بناء على‬ ‫تلك الغلبة ب�صالح الأمر �أو ف�ساده(‪،)1‬وفقه‬

‫منتدى الفكر اال�سالمي وحوار الثقافات ‪ -‬موريتانيا‬

‫املوازنات هو(املنهج الأمثل لإزالة التعار�ض‬ ‫‪،‬واحلاجة �إليه ما�سة على م�ستوى ما يحيط‬ ‫بالفرد من ق�ضايا ‪� ،‬أو ما يتعلق باملجتمع من‬ ‫م�صالح ومفا�سد ‪� ،‬أو ما ت�سري عليه الدولة يف‬ ‫�سيا�ستها العامة ‪،‬وبراجمها التنفيذية وخططها‬ ‫امل�ستقبلية (‪ ، )2‬ويقوم هذا الفقه على ‪:‬‬ ‫�أو ًال ‪ :‬املوازنة بني امل�صالح بع�ضها مع بع�ض‬ ‫‪ ،‬من حيث حجمها و�سعتها ‪ ،‬ومن حيث‬ ‫عمقها وت�أثريها‪ ،‬ومن حيث بقا�ؤها ودوامها‪..‬‬ ‫و�أيها ينبغي �أن يقدم ويعترب‪ ,‬و�أيها ينبغي �أن‬ ‫ي�سقط ويلغى ‪ ،‬ومن الأدلة التي ا�ستنبط منها‬ ‫العلماء قاعدة املوازنة بني امل�صالح ‪ :‬قوله‬ ‫تعاىل‪َ (:‬وي َْ�س�أَ ُلو َن َك مَا َذا يُن ِف ُقو َن ُقلِ ا ْل َع ْفوَ)‪.‬‬ ‫(البقرة‪ .)219:‬فقدم القر�آن الكرمي م�صلحة‬ ‫الإنفاق على العيال يف حال عدم وفرة املال ‪ ،‬على‬ ‫م�صلحة الإنفاق على الفقري‪.‬‬ ‫ثاني ًا ‪ :‬املوازنة بني امل�صالح واملفا�سد �إذا‬ ‫تعار�ضتا‪ ،‬بحيث نعرف متى نقدم درء املف�سدة‬ ‫على جلب امل�صلحة ‪ ،‬و متى تغتفر املف�سدة من‬

‫�أجل امل�صلحة (‪ .)3‬ومن الآيات الدالة على‬ ‫املوازنة بني امل�صالح واملفا�سد ‪:‬قوله تعاىل‪:‬‬ ‫(ي َْ�س َ�أ ُلو َن َك ع َِن الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ ِر ُق ْل فِي ِه َما ِ�إ ْث ٌم‬ ‫ا�س َو�إِ ْث ُم ُه َم�آ �أَ ْكبرَ ُ مِ ن َّن ْف ِع ِه َما‬ ‫ري َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ‬ ‫َك ِب ٌ‬ ‫)‪(.‬البقرة‪، )219:‬ففي قوله تعاىل ‪َ :‬و�إِ ْث ُم ُه َم�آ‬ ‫�أَ ْكبرَ ُ مِ ن َّن ْف ِع ِه َما‪،‬داللة وا�ضحة على املوازنة بني‬ ‫امل�صالح واملفا�سد ‪.‬‬ ‫ثالث ًا ‪ :‬املوازنة بني املفا�سد بع�ضها مع بع�ض‪،‬‬ ‫وقد ذكر القر�آن الكرمي ق�صة اخل�ضر عليه‬ ‫ال�سالم حني خرق ال�سفينة وهي �صاحلة‪ .‬فقد‬ ‫�أحدث فيها مف�سدة ‪ ،‬ليدفع بها مف�سدة �أعظم‬ ‫‪� ،‬أال وهي غ�صب ال�سفينة من قبل امللك‪ .‬فلوال‬ ‫هذا اخلرق �أو املف�سدة لأخذها امللك ‪ ،‬و�ضاع �أهلها‬ ‫الذين يقتاتون مبا رزقهم اهلل من دخلها ‪،‬قال‬ ‫تعاىل ‪:‬‬ ‫ال�سفِي َن ُة َف َكا َنتْ لمِ َ َ�سا ِك َ‬ ‫ني َي ْع َم ُلو َن فيِ ا ْل َب ْح ِر‬ ‫(�أَمَّا َّ‬ ‫َف�أَ َردتُّ �أَن ْ َ�أعِ ي َبهَا َو َكا َن َورَاءهُ م َّمل ٌِك َي ْ�أ ُخ ُذ ُكل‬ ‫َ​َّ�سفِي َن ٍة َغ ْ�ص ًبا)‪(.‬الكهف‪ ،)79:‬ويف هذه الق�صة‬ ‫دليل على جواز ق�صد �إحداث مف�سدة ّما ‪ ،‬لدفع‬


‫�أخرى راجحة ‪.‬‬ ‫ قوله تعاىل ‪ (:‬ي�س�ألونك عن ال�شهر احلرام‬‫قتالٍ فيه قل ٌ‬ ‫قتال فيه كبري و�ص ٌد عن �سبيل اهلل‬ ‫وكف ٌر به وامل�سجدِ احلرام و�إخراج �أهله منه �أكرب‬ ‫عند اهلل والفتنة �أكرب من القتل ) (البقرة‪،)217:‬‬ ‫فقد �أق ّر ب�أن القتال يف ال�شهر احلرام كبري‬ ‫‪ ،‬ولكنه قد يكون ملقاومة ما هو �أكرب منه ‪،‬‬ ‫يقول الزخم�شري �إن ما قام به(كبائر قري�ش‬ ‫من �صدهم عن �سبيل اهلل وعن امل�سجد احلرام‬ ‫وكفرهم باهلل و�إخراج اهل امل�سجد احلرام وهم‬ ‫ر�سول اهلل وامل�ؤمنون �أكرب عند اهلل مما فعلته‬ ‫ال�سرية من القتال يف ال�شهر احلرام على �سبيل‬ ‫اخلط�أ والبناء على الظن(‪ )4‬وهذه الن�صو�ص‬ ‫من �أبلغ ما جاء يف املوازنات ‪.‬‬ ‫ومن الأدلة القر�آنية على فقه املوازنات‬ ‫والرتجيح قوله تعاىل على ل�سان هارون لأخيه‬ ‫مو�سى عليهما ال�سالم‪ :‬يا ابن �أ ّم ال ت�أخذ بلحيتي‬ ‫وال بر�أ�سي‪� ,‬إين خ�شيت �أن تقول فرقت بني‬ ‫بني �إ�سرائيل ومل ترقب قويل ‪� .‬سورة طه ‪94 :‬‬ ‫فمو�سى �صلى اهلل عليه و�سلم �أراد من هارون ملا‬ ‫عبد قومه العجل �أن يلتحق به مع وجود ال�سبب‬ ‫وانتفاء املانع ‪) ،‬واعتذر هارون عن بقائه بني‬ ‫القوم بقوله ) �إين خ�شيت �أن تقول فرقتَ بني‬ ‫بني �إ�سرائيل ومل ترقب قويل ‪� ،‬أي �أن تظن‬ ‫ذلك بي فتقوله ل ْوماً وحتمي ً‬ ‫ال لتبعة الفرقة‬ ‫التي ظن �أنها واقعة الحمالة �إذا �أظهر هارون‬ ‫غ�ضبه عليهم لأنه ي�ستتبعه طائفة من الثابتني‬ ‫على الإميان ‪ ،‬ويخالفهم اجلمهور فيقع ان�شقاق‬ ‫بني القوم ورمبا اقتتلوا فر�أى من امل�صلحة‬ ‫�أن يظهر الر�ضى عن فعلهم ليهد�أ اجلمهور‬ ‫وي�صرب امل�ؤمنون اقتداء بهارون ‪ ،‬ور�أى يف �سلوك‬ ‫هذه ال�سيا�سة حتقيقا ً لقول مو�سى له "و�أ�صلح‬ ‫والتتبع �سبيل املف�سدين"‬ ‫(الأعراف‪. )5( )142.‬والدار�س لفقه املوازنات‬ ‫يحتاج �إىل م�ستويني من الفهم بينهما بن القيم‬ ‫بقوله‪( :‬اليتمكن املفتي والاحلاكم من الفتوى‬ ‫واحلكم باحلق �إالبنوعني من الفهم‪:‬‬ ‫�أحدهما ‪ :‬فهم الواقع والفقه فيه وا�ستنباط‬ ‫علم حقيقة ماوقع بالقرائن والأمارات‬ ‫والعالمات حتى يحيط به علما‪.‬‬ ‫النوع الثاين ‪ :‬فهم الواجب يف الواقع وهو‬ ‫فهم حكم اهلل الذي حكم به يف كتابه �أوعلى‬ ‫ل�سان ر�سوله يف هذا الواقع ثم يطبق �أحدهما‬ ‫على الآخر ‪ ،‬فمن بذل جهده وا�ستفرغ و�سعه يف‬ ‫ذلك مل يعدم �أجرين �أو�أجرا فالعامل من يتو�صل‬

‫مبعرفة الواقع والتفقه فيه �إىل معرفة حكم اهلل‬ ‫و ر�سوله كما تو�صل �شاهد يو�سف ب�شق القمي�ص‬ ‫من دبر �إىل معرفة براءته و�صدقه ‪،‬وكما تو�صل‬ ‫�سليمان �صلى اهلل عليه و�سلم بقوله ائتوين‬ ‫بال�سكني حتى �أ�شق الولد بينكما �إىل معرفة عني‬ ‫الأم‪ ...‬ومن ت�أمل ال�شريعة وق�ضايا ال�صحابة‬ ‫وجدها طافحة بهذا ‪،‬ومن �سلك غري هذا �أ�ضاع‬ ‫على النا�س حقوقهم (‪)6‬‬ ‫و فقه املوازنات يف حقيقته و�صميمه يعرب‬ ‫عن ر�ؤية �إ�سالمية متب�صرة وفهم ح�صيف‬ ‫ي�ستوعب الواقع والن�ص ‪ ،‬و ينزل الأحكام‬ ‫ال�شرعية على الوقائع امل�ستجدة ‪ ،‬مبا ين�سجم‬ ‫مع القواعد ال�شرعية وال�ضوابط الأ�صولية ‪،‬و‬ ‫املقا�صد الكلية ‪ ،‬يقول �شيخ الإ�سالم بن تيمية‬ ‫مقررا ذلك ومبينا له �إن(�سائر ما يتزاحم من‬ ‫الواجبات وامل�ستحبات ف�إنها جميعها حمبوبة هلل‬ ‫وعند التزاحم يقدم �أحبها �إىل اهلل ‪ ،‬والتقرب‬

‫استقرت الشريعة‬ ‫بترجيح خير الخيرين‬ ‫ودفع شر الشرين‬ ‫وترجيح الراجح‬ ‫من الخير والشر‬ ‫المجتمعين‬ ‫�إليه بالفرائ�ض �أحب من التقرب �إليه بالنوافل‬ ‫‪ ،‬وبع�ض الواجبات وامل�ستحبات �أحب �إليه من‬ ‫بع�ض ‪ ،‬وكذلك �إذا تعار�ض امل�أمور واملحظور فقد‬ ‫تعار�ض حبيبه وبغي�ضه فيقدم �أعظمهما يف ذلك‬ ‫ف�إن كان حمبته لهذا �أعظم من بغ�ضه لهذا قدم‬ ‫‪ ،‬و�إن كان بغ�ضه لهذا �أعظم من حبه لهذا قدم‬ ‫كماقال تعاىل " ي َْ�س�أَ ُلو َن َك ع َِن الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ ِر ُق ْل‬ ‫ا�س َو ِ�إ ْث ُم ُه َم�آ �أَ ْكبرَ ُ مِ ن‬ ‫ري َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ‬ ‫فِي ِه َما ِ�إ ْث ٌم َك ِب ٌ‬ ‫َّن ْف ِع ِه َما "‬ ‫(�سورة البقرة ‪ ، )219‬وعلى هذا ا�ستقرت‬ ‫ال�شريعة برتجيح خري اخلريين ودفع �شر‬ ‫ال�شرين وترجيح الراجح من اخلري وال�شر‬ ‫املجتمعني (‪،)7‬وهذا املنهج ين�سجم مع طبيعة‬ ‫النف�س الب�شرية يقول العز بن عبد ال�سالم (‬ ‫واعلم �أن تقدمي الأ�صلح فالأ�صلح ودرء الأف�سد‬ ‫فالأف�سد مركوز يف طبائع العباد نظرا لهم من‬

‫رب الأرباب(‪ )8‬وي�ضيف (وال�شريعة كلها م�صالح‬ ‫�إما تدر�أ مفا�سد �أو جتلب م�صالح‪ ،‬ف�إذا �سمعت‬ ‫اهلل يقول‪( :‬يَا�أَ ُّيهَاا َّلذِ ينَ �آ َم ُنوا) ؛ فت�أمل و�صيته‬ ‫بعد ندائه ‪ ،‬فال جتد �إالخريا يحثك عليه �أو�شرا‬ ‫يزجرك عنه ‪� ،‬أوجمعا بني احلث والزجر(‪)9‬‬ ‫(فال يجوزدفع الف�ساد القليل بالف�ساد الكثري‬ ‫والدفع �أخف ال�ضررين بتح�صيل �أعظم‬ ‫ال�ضررين ف�إن ال�شريعة جاءت بتح�صيل امل�صالح‬ ‫وتكميلها وتعطيل املفا�سد وتقليلها بح�سب‬ ‫الإمكان‪ ،‬ومطلوبها ترجيح خرياخلريين �إذامل‬ ‫ميكن �أن يجتمعا جميعا ودفع �شر ال�شرين �إذا مل‬ ‫يندفعا جميعا‪ ،)10(.‬ويرتكز فقه املوازنات علي‬ ‫عدة �ضوابط ‪:‬‬ ‫• قاعدة التي�سري و رفع احلرج انطالقا من‬ ‫قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫للهّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪( .1‬مَا ُيرِي ُد ا ِل َي ْج َعل َعل ْيكم مِّن ْ َح َر ٍج)‬ ‫(املائدة ‪) 6‬‬ ‫ِّين مِ ن ْ َح َر ٍج )(احلج‬ ‫‪َ ( .2‬ومَا َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫‪)78‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫‪(.3‬الذِ ينَ َي َّت ِب ُعو َن ال َّر ُ�سول ال َّنب َِّي الأم َِّّي الذِ ي‬ ‫يَجِ دُو َن ُه َم ْك ُتوباً عِ ندَهُ ْم فيِ ال َّت ْو َرا ِة َوا ِلإنجْ ِ يل) ِ‬ ‫وف َو َي ْنهَاهُ ْم ع َِن المْ ُن َكر ِ َويُحِ ُّل‬ ‫‪�(.4‬أْ ُم ُرهُ م ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫َل ُه ُم َّ‬ ‫الط ِّي َبات ِ َوي َُح ِّر ُم َعلَ ْي ِه ُم الخْ َ َب�آئ َِث )‬ ‫‪(.5‬ي�ض ُع َع ْن ُه ْم �إِ ْ�ص َرهُ ْم َوا َلأ ْغ َ‬ ‫ال َل ا َّلتِي َكانتَ‬ ‫َ‬ ‫ْ َعلَ ْي ِه ْم) (الأعراف ‪.)157‬‬ ‫ال�س ْم َح ُة(‪)11‬‬ ‫(حب ُالد ِ‬ ‫‪ّ .6‬‬ ‫ِّين �إِلىَ اللهَّ ِ الحْ َ نِي ِف َّي ُة َّ‬ ‫َ‬ ‫‪�( .7‬إن ال ِّديَن ي ُْ�س ٌر ‪َ ،‬و َلنْ ي َُ�شا َّد ال ِّدينَ �أ َح ٌد �إِ َّال‬ ‫َغلَ َب ُه ‪َ ،‬ف َ�س ِّددُوا َو َقا ِربُوا َو�أَ ْب�شِ ُروا ‪َ ،‬و ْا�س َتعِي ُنوا‬ ‫بِا ْل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة َو َ�ش ْى ٍء مِ ن الدُّ لجْ َ ِة ) (‪)12‬‬ ‫و�أ�سباب رفع احلرج متعددة عرب عنها العلماء‬ ‫ب�صيغ عديدة منها ‪:‬‬ ‫• عموم البلوى ‪ :‬وهواحلالة �أو احلادثة التي‬ ‫ت�شمل كثريا من النا�س ويتعذر االحرتاز منها ‪.‬‬ ‫• الغلبة ‪ :‬تنزل منزلة ال�ضرورة يف �إفادة‬ ‫الإباحة ‪.‬‬ ‫• �سراالحرتاز‪ :‬ومعناه �صعوبة التحفظ عن‬ ‫�أمر وهي يف العبادات وغريها‪ ،‬وعربعنه القرايف‬ ‫بالتعذر حيث قال‪ ":‬املتعذر ي�سقط اعتباره‬ ‫واملمكن ي�ست�صحب فيه التكليف"‪ ، .‬و�أماخليل‬ ‫فقد قال‪ " :‬ال�إن ع�سراالحرتاز منه"(‪ .)13‬وقال‬ ‫"وعفى عما يع�سركحدث م�ستنكح‪)14( " .‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬تغري الفتوي بتغري الزمان ‪ ،‬وقد اعتربه‬ ‫عمر بن اخلطاب حينما منع �سهم امل�ؤلفة قلوبهم‬ ‫مع وروده يف القر�آن ‪ ،‬لأنه ر�أى �أن عز الإ�سالم‬ ‫موجب حلرمانهم ‪ ،‬و�إلغا�ؤه للنفي يف حد الزاين‬

‫‪19‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫البكر خوفا من الفتنة ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬تنزيل احلاجة منزلة ال�ضرورة ‪،‬‬ ‫وال�ضرورة هي حفظ النفو�س من الهالك �أو‬ ‫�شدة ال�ضرر(‪ )15‬و(احلاجة دون ال�ضرورة؛ لأن‬ ‫ال�ضرورة هي التي �إذا مل يقم بها الإن�سان �أ�صابه‬ ‫ال�ضرر‪ ،‬واحلاجة هي التي تكون من مكمالت‬ ‫مراده ‪ ،‬ولي�س يف �ضرورة �إليها‪)17( .‬‬ ‫و(ال خالف بني �أهل العلم‪ ،‬يف �أن ال�ضرورة‬ ‫لها �أحوال خا�صة ت�ستوجب �أحكاما غري�أحكام‬ ‫االختيار‪ ,‬فكل م�سلم �أجل�أته ال�ضرورة �إىل �شيء‬ ‫�إجلا ًء �صحيحاً حقيقياً‪،‬فهو يف �سعة من �أمره‬ ‫فيه‪ ،‬وقد ا�ستثنى اهلل جل وعال ‪،‬حالة اال�ضطرار‬ ‫يف خم�س �آيات من كتابه ‪ ،‬ذكر فيهااملحرمات‬ ‫الأربع التي هي من �أغلظ املحرمات‪،‬حترميا‬ ‫وهي امليتة والدم وحلم اخلنزير وما �أهل‬ ‫لغري اهلل به‪ ,‬ف�إن اهلل تعاىل كلما ذكرحترميها‬ ‫ا�ستثنى منها حالة ال�ضرورة ‪ ،‬ف�أخرجهامن حكم‬ ‫التحرمي‪)17( .‬‬ ‫رابعا ‪ :‬اعتبار العرف(هو ما يتعارف عليه‬ ‫النا�س‪...‬وحجية العرف م�ستفادة من الكتاب‬ ‫وف‬ ‫وال�سنة قال تعاىل‪َ ( ":‬و ِل ْل ُم َط َّل َقاتِ َم َتا ٌع ِالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫َح ّقاً َعلَى المْ ُ َّت ِق َ‬ ‫ني (البقرة‪( " 241‬و َم ِّتعُوهُ نَّ َعلَى‬ ‫وف‬ ‫المْ ُو�سِ ِع َق َد ُر ُه َو َعلَى المْ ُ ْقترِ ِ َق ْد ُر ُه َم َتاعاً ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫َح ّقاً َعلَى المْ ُ ْح�سِ ِن َ‬ ‫ني (البقرة‪236‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫(مِ نْ �أَ ْو َ�س ِط مَا ُت ْط ِع ُمو َن َ�أهْ لِي ُك ْم �أَ ْوك ِْ�س َو ُت ُه ْم )‬ ‫(املائدة ‪ ،)89‬ويف احلديث‪":‬خذي مايكفيك‬ ‫وولدك باملعروف" ‪ ،‬ومما ي�ستدل به حلجية‬ ‫العرف ال�سنة التقريرية كتقرير النبي –‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬للنا�س على �صنائعهم‬ ‫وجتاراتهم ‪ ،‬وقد �أقر – �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫– الق�سامة على ماكانت عليه يف اجلاهلية‪ .‬رواه‬ ‫م�سلم‪)18( .‬‬ ‫خام�سا ‪ :‬النظر يف امل�آالت‪ :‬التكاليف م�شروعة‬ ‫مل�صالح العباد الدنيوية و الأخروية‪ ،‬راجعة �إىل‬ ‫م�آل املكلف يف الآخرة ليكون من �أهل النعيم‬ ‫‪� ،‬أما الدنيوية ‪،‬ف�إن الأعمال �أ�سباب مل�سببات‬ ‫مق�صودة لل�شارع ‪ ،‬وامل�سببات هي م�آالت الأ�سباب‬ ‫‪ ،‬فاعتبارها يف جريان الأ�سباب مطلوب ‪ ،‬وهو‬ ‫معنى النظر يف امل�آالت‪ ،)19(.‬وي�ضيف ال�شاطبي‬ ‫�إن املو�ضوع (جمال للمجتهد �صعب املورد ‪� ،‬إال�أنه‬ ‫عذب املذاق حممود الغب ‪ ،‬جارعلى مقا�صد‬ ‫ال�شريعة‪ ، )20( .‬والأدلة ال�شرعية واال�ستقراء‬ ‫على �أن امل�آالت معتربة ومن ذلك قوله تعاىل‪:‬‬ ‫( َوال َت�أْ ُك ُلوا �أَ ْموَا َل ُك ْم َب ْي َن ُك ْم بِا ْل َباطِ لِ َو ُت ْد ُلوا ِبهَا‬ ‫ِ�إلىَ الحْ ُ َّكا ِم(الآية البقرة‪.188 :‬‬

‫‪20‬‬ ‫( َو َال َت ُ�س ُّبواْ ا َّلذِ ينَ َي ْدعُو َن مِ ن دُونِ اللهّ ِ َف َي ُ�س ُّبواْ‬ ‫اللهّ َ َعدْواً ِب َغيرْ ِ عِ ْل ٍم(الأنعام‪ ،)108 :‬يقول‬ ‫الطربي(والت�س ُّبوا الذي يدعو امل�شركون من‬ ‫في�سب امل�شركون‬ ‫دون اهلل من الآلهة والأنداد ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫اهلل جهال منهم بربهم ‪ ،‬واعتداء بغريعلم (‪)21‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ف(�سب �آلهة امل�شركني ‪ ،‬و�إن كان فيه م�صلحة ‪،‬‬ ‫�إال �أنه يرتتب عليه مف�سدة �أعظم منها ‪ ،‬وهي‬ ‫مقابلة امل�شركني ب�سب �إله امل�ؤمنني ‪ ،‬وهو اهلل ال‬ ‫�إله �إالهو ‪)22(.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬الإ�شكاليات الكربى للمر�أة امل�سلمة‬ ‫جتابه املر�أة امل�سلمة يف الوقت الراهن حتديات‬ ‫ج�سيمة تتعلق بحريتها ال�شخ�صية املبا�شرة من‬ ‫جهة ‪ ،‬وحريتها الدينية من جهة �أخرى ومن‬ ‫�أهم هذه التحديات ‪:‬‬ ‫�أوال ‪ :‬ما يتعلق بحريتها ال�شخ�صية ويف هذا‬ ‫النطاق تدخل القوانني والت�شريعات التي‬ ‫�سنتها بع�ض الدول ‪ ،‬والتي متنع املر�أة امل�سلمة‬

‫تجابه المرأة‬

‫المسلمة يف الوقت‬ ‫الراهن تحديات جسيمة‬ ‫تتعلق بحريتها‬ ‫الشخصية المباشرة‬ ‫من جهة ‪ ،‬وحريتها‬ ‫الدينية من جهة أخرى‬ ‫من ارتداء برقعها واحل�شمة بحجابها ‪ ،‬وهي‬ ‫القوانني التي �سنتها فرن�سا وبلجيكا(‪)23‬‬

‫وان�ضمت هولندا لذلك النادي معتربة �أن ذلك‬ ‫�ضروري ومربر حلماية طبيعة احلياة العامة‬ ‫والعادات اجليدة يف هولندا(‪ ،)24‬ويدخل يف‬ ‫ذلك النطاق ما �أعلنه رئي�س االحتاد الدويل‬ ‫للجيدو �أن قوانني الهيئة الدولية متنع ارتداء‬ ‫احلجاب خالل املناف�سات ‪ ،‬وهذا كله فيه �إق�صاء‬ ‫للم�سلمات الراغبات يف التم�سك بزيهن ال�شرعي‬ ‫احرتاما لتقاليد جمتمعاتهن‪ ،‬وانطالقا من‬ ‫معطى ديني متجذر ‪ ،‬وب�سبب هذه الإكراهات‬ ‫تعر�ضت طالبات مدر�سة يف جنوب رو�سيا ل�ضياع‬ ‫ع�شرات احل�ص�ص املدر�سية عليهن بعد منعهن‬ ‫من ح�ضور الدرو�س باحلجاب(‪، )25‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬ما يتعلق بحريتها الدينية ويف هذا‬

‫لإطار متثل اتفاقية "�سيداو " (‪�)26‬أعظم‬ ‫هذه الإكراهات ملا فيها من انتهاك �صارخ‬ ‫للقيم والأخالق الدينية ‪،‬وما متثله من‬ ‫�إ�شاعة للفاح�شة وترويج للجنوح واالنحراف ‪،‬‬ ‫الرتكازها على مبد�أ امل�ساواة املطلقة والتماثل‬ ‫التام بني املر�أة والرجل يف الت�شريع ويف املجاالت‬ ‫ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية‬ ‫ويف التعليم والعمل واحلقوق القانونية ‪ ،‬وكافة‬ ‫الأن�شطة وهو ما يعني الق�ضاء على الفروق‬ ‫الفي�سيولوجية ‪،‬ويخل مببد�أ القوامة ‪،‬وحينما‬ ‫اعرت�ضت �أمريكا و�سوي�سرا على هذه االتفاقية‬ ‫لأنها ت�صادم بع�ض ن�صو�صها الت�شريعية مل‬ ‫جتد دول �إ�سالمية كثرية غ�ضا�ضة يف التوقيع‬ ‫والت�صديق عليها رغم ما تت�ضمنه من م�سائل‬ ‫خملة بالقيم الدينية واخللقية ‪،‬وتتناول بع�ض‬ ‫ما ن�صت عليه هذه االتفاقية ‪ ،‬وقد ت�ضمنت‬ ‫ب�صياغتها املرنة ودالالتها الإيحائية نواح‬ ‫متعددة منها نقاط ذات �أثر خطري ومن جملة‬ ‫ما ت�ضمنته ‪:‬‬ ‫منح املر�أة الأهلية القانونية امل�ساوية للرجل‬ ‫يف �شتى املجاالت وهو ما قد ينايف قدراتها‬ ‫وا�ستعداداتها الفطرية من جهة ‪ ،‬وي�صادم بع�ض‬ ‫املذاهب الفقهية يف ر�ؤيتها لقوامة للرجل من‬ ‫جهة �أخرى ‪ ،‬حيث ترى �أن الوالية العظمى‬ ‫واالنت�صاب للق�ضاء ‪ ،‬والوالية املتعلقة بالنكاح‬ ‫�أمور تقت�ضيها قوامة الرجل املقررة يف القر�آن‪،‬‬ ‫واالنتظام يف �سلك اجلندية والأعمال الع�سكرية‬ ‫من الأمور امل�سندة يف الفقه الإ�سالمي للرجل ملا‬ ‫تتطلبه من قوة ج�سمية ونف�سية قد ال تتوفر‬ ‫للمر�أة ‪ ،‬و مع �أن هذه النقاط ال ت�شكل انتهاكا‬ ‫�صريحا ملا ي�ؤ�س�س لها من ن�صو�ص ‪ ،‬وما فيها من‬ ‫مذاهب فقهية متنوعة فالن�ساء ( ُكنَّ ي َْح ُ�ض ْر َن‬ ‫الحْ َ ْر َب َم َع َر ُ�سولِ اللهَّ ِ �صلى اهلل عليه و�سلم‪(...‬‬ ‫َو َق ْد َكا َن ُي ْر َ�ض ُخ َل ُهنَّ ‪)27( .‬وقد ق�سم ل�ستة ن�ساء‬ ‫خرجن معه يف غزوة خيرب وقلن له َ‬ ‫(خ َر ْج َنا‬ ‫َن ْغز ُِل َّ‬ ‫ال�ش َع َر َو ُن ِع ُ‬ ‫ني ِب ِه فِى َ�سبِيلِ اللهَّ ِ َو َم َع َنا َد َوا ُء‬ ‫ال�سوِيق َ) (‪)28‬‬ ‫الجْ َ ْر َحى َو ُن َناو ُِل ِّ‬ ‫ال�سهَا َم َو َن ْ�سقِى َّ‬ ‫(وقد كانت �أم �سليم يف غزوة حنني حتمل خنجرا‬ ‫وتقول (�إن دنا مني بع�ض امل�شركني �أن �أبعج به‬ ‫بطنه) (‪)29‬‬ ‫وامل�سلمون يتعاملون مع م�س�ألة امل�ساواة انطالقا‬ ‫من قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َال َت َت َم َّن ْواْ مَا َف َّ�ض َل اللهّ ُ ِب ِه‬ ‫ما ا ْك َت َ�س ُبواْ‬ ‫يب ِمّ َّ‬ ‫َب ْع َ�ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض ِّلل ِّر َجالِ َن ِ�ص ٌ‬ ‫َ‬ ‫للهّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ما ا ْك َت َ�س نْ َ‬ ‫ب َو ْا�س�ألوا ا مِ ن‬ ‫يب ِمّ َّ‬ ‫َولِل ِّن َ�ساء َن ِ�ص ٌ‬ ‫َف ْ�ض ِل ِه ِ�إ َّن اللهّ َ َكا َن ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِيماً) (الن�ساء ‪.)32‬‬


‫وعلى �أ�سا�س حقائق ثابتة هي ‪:‬‬ ‫• �أن �شريعة اهلل �س ّوت بني الرجال‬ ‫والن�ساء فيما ي�ستوي فيه الرجال‬ ‫والن�ساء كالإميان وحق التعلم‬ ‫والتملك واختيار الزوج �ضمن‬ ‫ال�ضوابط املرعية وغري ذلك مما‬ ‫هو مب�سوط يف كتب الفقه‪.‬‬ ‫• �أن ما تفوقت به املر�أة قدمها‬ ‫فيه على الرجل‪ ،‬مثل حق‬ ‫احل�ضانة �إذا ح�صلت الفرقة بني‬ ‫الزوجني ؛ لأنها �أقدر بفطرتها‬ ‫على تربية الأطفال‪.‬‬ ‫• �أن ما تفوق به الرجل قدم على املر�أة فيه‬ ‫مثل القدرة على الك�سب ‪ ،‬ولذا كانت نفقة‬ ‫الأ�سرة واجبة عليه ‪ ،‬والقدرة على القتال ‪،‬‬ ‫ولذا كان الدفاع عن الوطن بال�سالح واجباً‬ ‫عليه �إذا دعت احلاجة ‪،‬و بهذا الت�شريع الذي‬ ‫يراعي اخل�صائ�ص والقدرات واال�ستعدادات متيز‬ ‫الفقه الإ�سالمي ‪.‬‬ ‫وانطالقا من تلك احلقيقة قرر القرءان مبد�أ‬ ‫القوامة للرجال قال تعاىل( ال ِّر َج ُال َق َّوامُون‬ ‫َ َعلَى ال ِّن َ�ساء بمِ َا َف َّ�ض َل اللهّ ُ َب ْع َ�ضهُم ْ َعلَى َب ْع ٍ�ض‬ ‫ال�صالحِ َ ُ‬ ‫ات َقا ِن َت ٌات‬ ‫وَبمِ َا �أَن َف ُقوا ْ مِ نْ �أَ ْموَا ِل ِه ْم َف َّ‬ ‫َحاف َِظ ٌات ِّل ْل َغ ْيب ِ بمِ َا َحف َ‬ ‫ِظ اللهّ ُ‪( ).‬الن�ساء‪)34:‬‬ ‫(وهي القوامة ال�صاحلة املرجحة للم�صالح‬ ‫التي تنمي التعاي�ش والتعاون والتعا�ضد لبناء‬ ‫البيت ال�سعيد بعيدا عن لغة ال�صراع ومفرداته‬ ‫املرتكزة على املطالبة بحقوق مل يتقرر ثباتها‬ ‫�أ�صال ‪ ،‬والقوامة مقررة للرجل بن�ص القر�آن ‪،‬‬ ‫ومقا�صده تتلخ�ص يف جلب امل�صالح ودرء املفا�سد‬ ‫‪ ،‬وتقت�ضي عند جماهري غفرية من العلماء‬ ‫منح الرجل حق الوالية العظمى دون املر�أة ‪،‬‬ ‫انطالقا من حديث �أبي بكرة ر�ضي اهلل عنه عن‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قال‪" :‬لن يفلح قوم‬ ‫ولوا �أمرهم امر�أة"(‪،)30‬وفيه دليل على عدم‬ ‫جواز تولية املر�أة �شيئا من الأحكام العامة بني‬ ‫امل�سلمني و�إن كان ال�شارع قد �أثبت لها �أنها راعية‬ ‫يف بيت زوجها‪ ،‬وذهب احلنفية �إىل جواز توليتها‬ ‫الأحكام �إال احلدود‪ ،‬وذهب ابن جرير �إىل جواز‬ ‫توليتها مطلقا‪ ،‬واحلديث �إخبار عن عدم فالح‬ ‫من ويل �أمرهم امر�أة‪ ،‬وهم منهيون عن جلب‬ ‫عدم الفالح لأنف�سهم م�أمورون باكت�ساب مايكون‬ ‫�سببا للفالح "(‪)31‬و قال اخلطابي يف احلديث‬ ‫�أن املر�أة التلي الإمارة وال الق�ضاء(‪ )32‬وحديث‬ ‫لن يفلح قوم ولوا �أمرهم امر�أة احتج به من‬

‫منع ق�ضاء املر�أة وهو قول اجلمهور‪ ،‬وخالف‬ ‫الطربي فقال يجوز �أن تق�ضي فيما تقبل‬ ‫�شهادتها فيه و�أطلق بع�ض املالكية اجلواز(‪،)33‬‬ ‫وامل�س�ألة جمال لل�سجال بني الفقهاء ‪،‬ولكل حالة‬ ‫خ�صو�صيتها ومالب�ساتها التي تنزل الأحكام‬ ‫فيها تبعا لتحقيق مناطها مبا ين�سجم مع الن�ص‬ ‫ويحقق املقا�صد ال�شرعية ‪ ،‬تبعا ملتطلبات فقه‬ ‫املوازنات‪.‬‬ ‫وكما جتعل الوالية العظمى من ن�صيب الرجل‬ ‫جتعل كذلك من االنت�صاب للق�ضاء حقا ثابتا له‬ ‫يقول ال�شوكاين معلقا على حديث ("بريدة عن‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم قال " الق�ضاة‬ ‫ثالثة واحد يف اجلنة و�إثنان يف النار ف�أما الذي‬ ‫يف اجلنة فرجل عرف احلق فق�ضي به ورجل‬ ‫عرف احلق وجار يف احلكم فهو يف النار و رجل‬ ‫ق�ضي للنا�س على جهل فهو يف النار " رواه ابن‬ ‫ماجه و�أبوداود ‪ ،‬وهو دليل على ا�شرتاط كون‬ ‫القا�ضي رجال(‪ ، )34‬يقول الت�سويل يف �شروط‬ ‫القا�ضي (و�أن يكون ذكراً ) فال تنعقد والية املر�أة‬ ‫لقوله عليه ال�سالم ‪ ( :‬لن يفلح قوم ولوا �أمرهم‬ ‫امر�أة ) ولأن بع�ض الن�ساء رمباكانت �صورتها‬ ‫فتنة(‪.)35‬ويف احلطاب ( قال يف التو�ضيح‪:‬‬ ‫وروى ابن �أبي مرمي عن ابن القا�سم جواز والية‬ ‫املر�أة‪ ،‬قال ابن عرفة‪ ،‬قال ابن زرقون‪� :‬أظنه‬ ‫فيما جتوز فيه �شهادتها‪ ،‬قال ابن عبد ال�سالم‪:‬‬ ‫الحاجة لهذا الت�أويل الحتمال �أن يكون ابن‬ ‫القا�سم قال كقول احل�سن والطربي ب�إجازة‬ ‫واليتها الق�ضاء مطلقا‪ ،‬قلت‪ :‬الأظهر قول ابن‬ ‫زرقون‪.)36( .‬‬ ‫وما ينطبق على الوالية العظمى والق�ضاء‬ ‫ينطبق علي والية النكاح ‪ ،‬يقول بن ر�شد �إن املر�أة‬ ‫ال تنكح(�إالب�إذن وليها �أوذي الر�أي من �أهلها‬ ‫�أوال�سلطان (‪)37‬على ان امل�س�ألة ال تندرج يف‬

‫املجمع عليه فقد اختلف الفقهاء يف‬ ‫والية املر�أة احلرة البالغة العاقلة‬ ‫العاملة يف تزويج نف�سها على ثالثة‬ ‫�أقوال ‪:‬‬ ‫الأول ‪:‬ذهب ال�شافعية واملالكية‬ ‫واحلنابلة �إىل �أنه الي�صح النكاح �إال‬ ‫بويل‪ ،‬والمتلك املر�أة تزويج نف�سها‬ ‫والغريها‪ ،‬وال توكيل غري وليها‬ ‫يف تزويجها‪ ،‬ف�إن فعلت مل ي�صح‬ ‫النكاح‪.‬‬ ‫الثاين ‪ :‬ذهب �أبوحنيفة �إىل �أن‬ ‫الويل لي�س �شرطا ل�صحة نكاح‬ ‫احلرة البالغة العاقلة ‪ ،‬فيجوز لها �أن تتوىل عقد‬ ‫نكاحها بنف�سها‪ ،‬و�أن توكل به من ت�شاء �إذا كان‬ ‫حرا عاقال بالغا ‪ ،‬وهو �صحيح نافذ بال ويل ‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬روي عن ابن �سريين والقا�سم بن‬ ‫حممد بن �صالح و�أبي يو�سف ‪� :‬أنه ال يجوز لها‬ ‫ذلك بغري �إذن الويل ‪،‬ف�إن فعلت كان موقوفا‬ ‫على �إجازته ‪ ،)38(.‬ويقرر ال�سيد �سابق ذهاب‬ ‫الكثري)من العلماء �إىل �أن املر�أة ال تزوج نف�سها‬ ‫وال غريها‪ ،‬و�إىل �أن الزواج ال ينعقد بعبارتها ‪� ،‬إذ‬ ‫�أن الوالية �شرط يف �صحة العقد ‪ ،‬و�أن العاقد هو‬ ‫الويل ‪ ،‬واحتجوا لهذا ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬قول اهلل تعاىل‪َ " :‬و�أَنك ُِحوا الأَيَامَى مِ ْنك ْمُ‬ ‫ال�صالحِ ِ َ‬ ‫ني مِ نْ عِ َبا ِد ُك ْم َو ِ�إمَا ِئ ُك ْم "‬ ‫َو َّ‬ ‫‪ - 2‬وبقوله �سبحانه‪َ " :‬و اَل َتنك ُِحوا المْ ُ ْ�ش ِر َكاتِ َح َّتى‬ ‫ُي�ؤْمِ نَّ ‪ ،‬ووجه االحتجاج بالآيتني ‪� :‬أن اهلل تعاىل‬ ‫خاطب بالنكاح الرجال ‪ ،‬ومل يخاطب به الن�ساء‪،‬‬ ‫فك�أنه قال‪ " :‬التنكحوا �أيها االولياء مولياتكم‬ ‫للم�شركني‪.‬‬ ‫‪ -3‬عن �أبي مو�سى �أن ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم قال‪ " :‬النكاح �إالبويل"‪،‬‬ ‫ر و ا ه أ� حمد ‪ ،‬و أ� بو د ا و د ‪ ،‬و ا لرت مذ ي ‪ ،‬و ا بن‬ ‫حبان‪،‬واحلاكم و�صححاه ‪ ،‬والنفي يف احلديث‬ ‫يتجه �إىل ال�صحة التي هي �أقرب املجازين �إىل‬ ‫الذات ‪ ،‬فيكون الزواج بغريويل باطال ‪،‬كما‬ ‫�سي�أتي يف حديث عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪.‬‬ ‫‪ – 4‬وروى البخاري عن احل�سن قال‪ " :‬فال‬ ‫تع�ضلوهن " قال‪ " :‬حدثني معقل بن ي�سار �أنها‬ ‫نزلت فيه حيث قال ‪ :‬زوجت �أختا يل من رجل‬ ‫فطلقها حتى �إذا انق�ضت عدتها جاء يخطبها‪،‬‬ ‫فقلت له‪ :‬زوجتك‪،‬وفر�شتك ‪ ،‬و�أكرمتك ‪،‬‬ ‫فطلقتها ‪ ،‬ثم جئت تخطبها!!‪.‬الواهلل ال تعود‬ ‫�إليها �أبدا‪ ،‬وكان رجال ال ب�أ�س به ‪ ،‬وكانت املر�أة‬ ‫تريد �أن ترجع �إليه ‪،‬ف�أنزل اهلل هذه الآية " فال‬

‫‪21‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫تع�ضلوهن " فقلت ‪ :‬الآن �أفعل يار�سوالهلل‪ .‬قال‪:‬‬ ‫فزوجتها �إياه "‪.‬‬ ‫قال احلافظ يف الفتح‪ :‬ومن �أقوى احلجج هذا‬ ‫ال�سبب املذكور يف نزول هذه الآية املذكورة‪،‬وهي‬ ‫�أ�صرح دليل على اعتبار الويل ‪،‬و�إال ملا كان لع�ضله‬ ‫معنى ‪ ،‬ولأنها لوكان لها �أن تزوج نف�سها مل حتتج‬ ‫�إىل �أخيها‪ ،‬ومن كان �أمره �إليه اليقال �إن غريه‬ ‫منعه منه‪.‬‬ ‫‪ – 5‬وعن عائ�شة �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم قال‪� " :‬أميا امر�أة نكحت بغري �إذن وليها‬ ‫فنكاحها باطل‪ ،‬فنكاحها باطل‪ ،‬فنكاحها باطل‪،‬‬ ‫ف�إن دخل بها فلها املهر مبا ا�ستحل من فرجها‪،‬ف�إن‬ ‫ا�شتجروا فال�سلطان ويل من ال ويل له "‪.‬رواه‬ ‫�أحمد‪ ،‬و�أبوداود‪،‬وابن ماجه‪،‬والرتمذي‪،‬وقال‪:‬‬ ‫حديث ح�سن (‪(، .)39‬والن الزواج له مقا�صد‬ ‫متعددة‪،‬واملر�أة كثريا ماتخ�ضع حلكم العاطفة‬ ‫‪ ،‬فال حت�سن االختيار‪ ،‬فيفوتها ح�صول هذه‬ ‫املقا�صد‪ ،‬منعت من مبا�شرة العقد وجعل‬ ‫�إىل وليها‪ ،‬لتح�صل على مقا�صد الزواج على‬ ‫الوجه االكمل‪ ،)40(.‬ومبا �أن ال�شريعة حكمة‬ ‫كلها ‪ ،‬ورحمة كلها ‪ ،‬وم�صلحة كلها ‪ ،‬فال داعي‬ ‫للتحريج والت�ضييق على �أ�صحاب ال�ضرورات‬ ‫‪ ،‬فحينما تقيم املر�أة يف منطقة نائية ال يتوفر‬ ‫فيها وكيل ال جمال لع�ضلها بقول غري جممع‬ ‫عليه ‪ ،‬والأحناف جعلوها تزوج نف�سها اعتمادا‬ ‫على قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫(ح َّتى َ َتن ِك َح َز ْوجاً)(البقرة‪،)230‬حيث �أ�سند‬ ‫‪َ .1‬‬ ‫القر�آن عقد الزواج �إىل املر�أة ‪.‬‬ ‫‪ .2‬وقوله تعاىل ( َف َ‬ ‫ال ُج َنا َح َعلَ ْي ُك ْم فِي َما َف َع ْلنَ‬ ‫وف)(البقرة‪ )234‬وردوا حديث‬ ‫فيِ �أَن ُف�سِ هِنّ َ ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫عائ�شة لأنه يخالف ظاهر الآية‪ .‬وما ترمي‬ ‫االتفاقية �إيل حتقيقه يف ما يتعلق بالوالية‬ ‫العظمى والق�ضاء ووالية النكاح ال ين�سجم مع‬ ‫�أقوال اجلمهور من العلماء‪،‬مع �أنه ال يندرج يف‬ ‫نطاق املجمع عليه ‪ ،‬مما يجعله جماال للنقا�ش‬ ‫بني الفقهاء والباحثني‪ ،‬تبعا ملا يحقق املقا�صد‬ ‫ويرفع احلرج والإ�صر ‪.‬‬ ‫ولكن بع�ض النقاط الواردة يف االتفاقية‬ ‫(اتفاقية الق�ضاء على جميع �أ�شكال التمييز �ضد‬ ‫املر�أة(«�سيداو» ووثيقة "منع العنف �ضد الن�ساء‬ ‫والفتيات" التي �صادقت عليها اجلمعية العامة‬ ‫للأمم املتحدة م�ؤخرا ‪ ،‬متثل �إخالال باملثل‬ ‫والقيم الدينية ومن ذلك‪:‬‬ ‫‪ .1‬ما تتحدث عنه من حرية املر�أة يف ال�سكن‬ ‫والتنقل وتقرير عدد الأبناء وهي م�سائل تخ�ضع‬

‫‪22‬‬ ‫للم�صلحة ‪ ،‬وقوامة الرجل وتعامله مع �شريكه‬ ‫باملعروف ‪،‬ورعايته ال�شرعية لبيته ‪ ،‬و�إ�سناد هذه‬ ‫امل�سائل الختيار املر�أة مناف للقوامة وم�ؤذن‬ ‫بهدم البيت ‪ ،‬والر�سول �صلي اهلل عليه و�سلم‬ ‫يقول(كلكم راع وكلكم م�سئول عن رعيته الإمام‬ ‫راع وم�سئول عن رعيته والرجل راع يف �أهله‬ ‫وهو م�سئول عن رعيته واملر�أة راعية يف بيت‬ ‫زوجهاوم�سئولة عن رعيتها متفق عليه) (‪)41‬‬ ‫‪� .2‬إختيار املر�أة للإ�سم العائلي لأبنائها �أمر‬ ‫م�صادم للن�ص ال�صحيح ال�صريح الثابت داللة‬ ‫وورودا ‪ ،‬فقد قال تعاىل(ا ْدعُوهُ ْم ِ آلبَا ِئ ِه ْم هُ َو‬ ‫�أَ ْق َ�س ُط عِ ن َد اللهَّ ِ َف�إِن لمَّ ْ َت ْعلَ ُموا �آبَاءهُ ْم َف�إِخْ وَا ُن ُك ْم‬ ‫ِّين َو َموَالِي ُك ْم)(الأحزاب‪ ،)5:‬والتطرق‬ ‫فيِ الد ِ‬ ‫لهذه املوا�ضيع ينبني على عقلية ال�صراع بني‬

‫فسخ النكاح بيد المرأة‬ ‫‪ ،‬وجعله حقا لها أمر‬ ‫مصادم للنص الشرعي‬ ‫فقد جعل اهلل عقدة‬ ‫النكاح بيد الزوج ‪،‬‬ ‫والدارس يدرك أن يف‬ ‫ذلك استقرارا للحياة‬ ‫الزوجية واستمرارا‬ ‫لوئام األسرة‬ ‫الرجل واملر�أة وبالتايل بني الزوج وزوجته ‪ ،‬وهو‬ ‫�أمر ينايف ما جعله اهلل بينهما من مودة ورحمة‬ ‫( َومِ نْ �آيَا ِت ِه �أَنْ َخلَ َق َل ُكم ِّمنْ �أَن ُف�سِ ُك ْم �أَ ْز َواجاً‬ ‫ِّل َت ْ�س ُك ُنوا �إِ َل ْيهَا َو َج َع َل َب ْي َن ُكم َّم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة �إِنّ َ فيِ‬ ‫َذل َِك َ آليَاتٍ ِّل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن )(الروم‪.)21‬‬ ‫‪ .1‬جعل ف�سخ النكاح بيد املر�أة ‪ ،‬وجعله حقا‬ ‫لها �أمر م�صادم للن�ص ال�شرعي فقد جعل اهلل‬ ‫عقدة النكاح بيد الزوج ‪ ،‬والدار�س يدرك �أن يف‬ ‫ذلك ا�ستقرارا للحياة الزوجية وا�ستمرارا لوئام‬ ‫الأ�سرة ‪ ،‬وحيثما ح�صل للمر�أة �ضرر �أو عنت من‬ ‫زوجها جند �أن الن�ص ال�شرعي ي�ؤمن لها احلقوق‬ ‫الكاملة انطالقا من �أنه "ال �ضرر وال �ضرار"‪.‬‬ ‫‪ .2‬تغيريالأدوار داخل الأ�سرة �أو "تعديل‬ ‫الأمناط االجتماعية والثقافية ل�سلوك‬

‫الرجل" ‪،‬وحماربة "الأدوار النمطية" والتي‬ ‫تعني تق�سيم املجتمع الب�شري �إىل �أنثي وذكر‬ ‫مع وجود دور الأمومة والأبوة ‪ ،‬وهذا يعنى‬ ‫الق�ضاء علي التق�سيم اجلندري(‪ )42‬باعتباره‬ ‫منتوجا اجتماعيا ‪ ،‬وم�صطلح "جندر"�أو‬ ‫"النوع االجتماعي" ا�ستخدم لو�صف خ�صائ�ص‬ ‫الرجال والن�ساء املحددة اجتماعياً يف مقابل تلك‬ ‫اخل�صائ�ص املحددة بيولوجيا(‪ )43‬وا�ستخدم‬ ‫البع�ض عبارة "اجلنو�سة" وهي كلمة ابتكرها‬ ‫كمال �أبوديب ‪� ،‬أ�ستاذ كر�سي العربية يف جامعة‬ ‫لندن‪ ،‬لتعريب الكلمة الإنكليزية ‪gender‬‬ ‫عام ‪ 1997‬يف ترجمته لكتاب �إدوارد�سعيد‬ ‫(الثقافة واالمربيالية) (‪ .)44‬وما ت�سميه‬ ‫االتفاقية يف مادتها الرابعة " تعديل الأمناط‬ ‫االجتماعية والثقافية ل�سلوك الرجل واملر�أة" ‪،‬‬ ‫من امل�صطلحات غري املحددة الداللة وهو ما‬ ‫يفتح الباب على م�صراعية للت�أويالت املختلفة‬ ‫والتف�سريات املتباينة ‪.‬وقد َّ‬ ‫مت الرتكيز على‬ ‫(اجلندر)‪� ،‬أو النوع االجتماعي؛ لأ َّنه ِّ‬ ‫يو�ضح‬ ‫الفروق بني الرجل واملر�أة على �صعيد الدور‬ ‫االجتماعي‪ ،‬واملنظور الثقايف والوظيفة‪ ،‬تلك‬ ‫الفروق النابعة كنِتاج لعوامل دِين َّية وثقاف َّية‪،‬‬ ‫و�سيا�سية واجتماعية؛ �أي‪� :‬إنها فروق َ�ص َنعها‬ ‫رب تاريخهم الطويل‪ ،‬ح�سب مفهوم(‪)45‬‬ ‫الب�شر ع َ‬ ‫‪ ،‬واجلندر) ح�سب تعريف منظمة ال�صحة‬ ‫العاملية‪:‬‬ ‫َ‬ ‫و�صف‬ ‫هو امل�صطلح الذي يُفيد ا�ستعماله‬ ‫ك�صفات‬ ‫اخل�صائ�ص التي يحملها الرجل واملر�أة ِ‬ ‫مركبة اجتماعية‪ ،‬ال عالقة لها باالختالفات‬ ‫ال ُع�ضوية (‪)46‬‬ ‫امل�ساواة يف املرياث وهو حكم قر�آين فقد قال‬ ‫اهلل تعاىل يف حمكم كتابه "للذكر مثل حظ‬ ‫االنثيني" ‪ ،‬و لكن ما يغرب عن بال الكثريين‬ ‫هو حقيقة �أن الإ�سالم �أناط التكاليف املالية من‬ ‫نفقة وك�سوة بالرجل ف�صار هو املعيل للأ�سرة‬ ‫انطالقا من واجبه ال�شرعي ‪،‬ورغم ذلك فحالة‬ ‫مرياث " للذكر مثل حظ الأنثيني "لي�ست �شاملة‬ ‫لكل �صور املرياث ف�أحيانا يرثون بالت�ساوي‬ ‫و�أحيانا يكون حظ املر�أة �أوفر ‪ ،‬واجتزاء �صورة‬ ‫واحدة من �ضمن �صور كثرية عمل خمل وافتيات‬ ‫على الن�ص ‪.‬‬ ‫الفقرة الرابعة من املادة ‪ 16‬ب�صياغتها تت�ضمن‬ ‫الدعوة للإباحية التي متثل دعوة �صريحة‬ ‫لإ�شاعة الفاح�شة من خالل اعتبارها �أن‬ ‫ممار�سة اجلن�س ال يعترب �أمرا خمالفا �أوخمال‬


‫مادام بالرتا�ضي بني الطرفني ‪ ،‬ويف �إطار‬ ‫احلرية ال�شخ�صية متكن ممار�سة اجلن�س بني‬ ‫"املثليني"‪�-‬أكرمكم اهلل ‪ -‬رجل ورجل‪،‬وامر�أة‬ ‫وامر�أة‪ ،‬ممايعني ت�شريع ال�شذوذ اجلن�سي الذي‬ ‫�أقره م�ؤمتر بكني ‪،‬وهذه الدعوات التي ت�سهر‬ ‫املنظمات العاملية علي متريرها وتطبيقها هي‬ ‫�إ�شاعة للفاح�شة ‪ ،‬وت�شجيع لل�شذوذ واالنحراف‬ ‫‪ ،‬وبالتايل تدمري للمجتمعات قال اهلل تعاىل ‪:‬‬ ‫( ِ�إ َّن ا َّلذِ ين َ يُحِ ُّبو َن �أَن َت�شِ ي َع ا ْل َفاحِ َ�ش ُة فيِ ا َّلذِ ينَ‬ ‫�آ َم ُنوا َل ُه ْم َع َذابٌ �أَلِي ٌم فيِ الدُّ ْن َيا َو ْالآخِ َر ِة َواللهَّ‬ ‫ُ َي ْعلَ ُم َو�أَن ُت ْم اَل َت ْعلَ ُمو َن )(النور ‪)19‬‬

‫( َو َال َت ْق َربُواْ ال ِّز َنى ِ�إ َّن ُه َكا َن َفاحِ َ�ش ًة و َ َ�ساء َ�سبِي ً‬ ‫ال )‬ ‫(الإ�سراء ‪)32‬‬ ‫ويدخل ما ت�سميه االتفاقية تقدمي خدمات‬ ‫ال�صحة الإجنابية للمراهقني يف هذا ال�سياق‪،‬‬ ‫ويعني التدريب على و�سائل منع احلمل‬ ‫وتوفريها للمراهقني ‪ ،‬وتت�ضمن هذه العبارة‬ ‫عندما ي�شرحها املتخ�ص�صون �أن ممار�سة اجلن�س‬ ‫حق يدخل �ضمن حق احلرية املقد�س الذي تدعو‬ ‫له االتفاقية وتكر�سه �أهداف الألفية ‪ ،‬وتوفري‬ ‫هذا احلق وما ي�ساعد عليه واجب وحتم ‪.‬‬ ‫و هذه النقاط من االتفاقية متثل ارتكا�سا‬

‫خلقيا وانحرافا عن �سبيل الفطرة القومية ‪ ،‬ويف‬ ‫احلقيقة ف�إن الثنائية �سنة كونية منذ �أن جعل‬ ‫اهلل يف �سفينة نوح من كل زوجني اثنني حفاظا‬ ‫على النوع ‪ ،‬وجعل يف هذه الأر�ض روا�سي وانهارا‬ ‫ومن كل الثمرات جعل فيها زوجني اثنني ‪،‬‬ ‫وا�ستحداث جن�س ثالث خروج على مقت�ضى‬ ‫الفطرة ‪،‬ومن الطريف �أن اجلن�س الثالث الذي‬ ‫ينادي به دعاة التحرر وامل�ساواة يطرح �إ�شكاالت‬ ‫لغوية فلم تعرف اللغات �إال املذكر وامل�ؤنث وال‬ ‫وجود ل�ضمري "التخنيث "وهذا يطرح �إ�شكاال‬ ‫كبريا للمناديات "بالجن�سنة ال ّلغة "‬ ‫وهو الهادي �إيل �سواء ال�سبيل‬

‫‪-1‬فقه املوازنات يف ال�شريعة الإ�سالمية الدكتور عبد املجيد‬ ‫حممد ال�سو�سوة �ص ‪154‬‬ ‫‪ -2‬فقه املوازنات ال�سو�سوة �ص ‪154‬‬

‫املحقق‪� :‬أبوعبيدة م�شهور بن ح�سن �آل �سلمان ‪ ،‬دار ابن عفان‬ ‫‪-20‬املوافقات ‪178 / 5 -‬‬ ‫‪-21‬تف�سري الطربي – حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن‬ ‫غالب الآملي ‪� ،‬أبوجعفر الطربي (املتوفى ‪310 :‬هـ)‪33 / 12‬‬ ‫املحقق ‪� :‬أحمد حممد �شاكر ‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‬ ‫‪-22‬تف�سري القر�آن العظيم ‪� ،‬أبو الفداء �إ�سماعيل بن عمربن‬ ‫كثري القر�شي الدم�شقي املتوفى ‪774 :‬هـ ‪ ، 314 / 3،‬املحقق ‪:‬‬ ‫�سامي بن حممد �سالمة النا�شر دار طيبة للن�شر و التوزيع‬ ‫‪http://www.emaratalyoum.com/life/ -23‬‬

‫�أبوعبداهلل حممد بن حممد بن عبد الرحمن الطرابل�سي‬ ‫املغربي‪،‬املعروف باحلطاب ال ُّرعيني (املتوفى ‪954 :‬هـ)(‪)65 / 8‬‬ ‫املحقق ‪ :‬زكريا عمريات دار عامل الكتب‬ ‫‪ -37‬البيان والتح�صيل ‪� -‬أبو الوليد حممد بن �أحمد بن ر�شد‬ ‫القرطبي (املتوفى ‪450 :‬هـ)(‪ )311 / 4‬حققه ‪ :‬د حممدحجي‬ ‫و�آخرون دار الغرب الإ�سالمي‪،‬بريوت – لبنان الطبعة ‪ :‬الثانية‪،‬‬ ‫‪ 1408‬هـ ‪ 1988 -‬م‬ ‫‪ -38‬املو�سوعة الفقهية الكويتية وزارة الأوقاف وال�شئون‬ ‫الإ�سالمية‪)174 / 45(،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬دار ال�سال�سل ‪ -‬الكويت‬ ‫‪ -39‬فقه ال�سنة �سيد �سابق (‪)126/125 / 2‬‬ ‫‪ -40‬فقه ال�سنة ‪)127 / 2( -‬‬ ‫‪� -41‬صحيح البخاري ‪ -‬البغا ‪)297 / 1( -‬كتاب اجلمعة باب‬ ‫اجلمعة يف القرى واملدن رقم احلديث ‪853‬‬ ‫‪ -42‬م�صطلح جندر "النوع االجتماعي" وبالفرن�سية ‪،genre‬‬ ‫وامل�صطلح ي�شري �إىل التفرقة بني الذكر والأنثى على �أ�سا�س‬ ‫الدور االجتماعي لكل منهما ت�أثراً بالقيم ال�سائدة‪ .‬ويف هذا‬ ‫ال�سياق‪ ،‬تتطلب عملية ا�ستجالء مفهوم اجلندر �أو "النوع‬ ‫االجتماعي" التمييز بينه وبني مفهوم اجلن�س �أو "النوع‬ ‫البيولوجي"‪ ،‬فبينما يقت�صر م�صطلح اجلن�س ‪ Sex‬على‬ ‫االختالفات البيولوجية بني الرجل واملر�أة ويت�سم بالتايل‬ ‫باجلربية واال�ستاتيكية لكون الفروق اجل�سدية بني الرجل‬ ‫واملر�أة فروق ثابتة و�أبدية‪ ،‬جند �أن م�صطلح اجلندر مفهوم‬ ‫دينامي حيث تتفاوت الأدوار التي يلعبها الرجال والن�ساء‬ ‫تفاوتاً كبرياً بني ثقافة و�أخرى ومن جماعة اجتماعية �إىل‬ ‫�أخرى يف �إطار الثقافة نف�سها‪ ،‬فالعرق‪ ،‬والطبقة االجتماعية‪،‬‬ ‫والظروف االقت�صادية‪ ،‬والعمر‪ ،‬عوامل ت�ؤثر على ما يعترب‬ ‫منا�سباً للن�ساء من �أعمال‪ .‬ولذا ف�إن طرح مفهوم اجلندر كبديل‬ ‫ملفهوم اجلن�س يهدف �إىل الت�أكيد على �أن جميع ما يفعله‬ ‫الرجـال والن�سـاء وكل ما هو متوقع منـهم‪ ،‬فيمـا عدا وظائفهم‬ ‫اجل�سدية املتمايـزة جن�سيـاً‪ ،‬ميكن �أن يتغري مبرور الزمن‬ ‫وتبعاً للعوامل االجتماعية والثقافية املتنوعة‪ ،‬وتبعا لذلك‬ ‫ظهرت م�صطلحات جديدة من قبيل ‪ :‬امل�ساواة اجلندرية‪،‬‬ ‫العدالة اجلندرية‪ ،‬جندرة االجتاهات ال�سائدة ‪ ،‬التحليل‬ ‫اجلندري انظر الرابط ‪http://www.annabaa.org/‬‬

‫‪h t t p : / / w w w . q a r a d a w i . n e t / -3‬‬ ‫‪library/66/3269.html‬‬

‫‪ -4‬الك�شاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل يف وجوه‬ ‫الت�أويل �أبو القا�سم حممود بن عمر الزخم�شري اخلوارزمي(‪1‬‬ ‫‪ )286 /‬دار �إحياء الرتاث العربي – بريوت حتقيق ‪ :‬عبد‬ ‫الرزاق املهدي‬ ‫‪-5‬التحرير والتنوير الطاهر بن عا�شور ‪293 / 16‬التحرير و‬ ‫التنوير دار �سحنون للن�شر و التوزيع تون�س ‪ 1997‬م‬ ‫‪�-6‬إعالم املوقعني حممد بن �أبي بكر �أيوب الزرعي �أبوعبداهلل‬ ‫(‪)88 /87/ 1‬النا�شر ‪ :‬داراجليل ‪ -‬بريوت‪ 1973 ،‬حتقيق ‪ :‬طه‬ ‫عبدالرءوف �سعد‬ ‫‪-7‬اال�ستقامة �أحمدبن عبد احلليم بن تيمية احلراين‬ ‫�أبوالعبا�س (‪ )439 / 1‬النا�شر ‪ :‬جامعة الإمام حممدبن �سعود‬ ‫– املدينة املنورة ‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1403 ،‬‬ ‫‪-8‬قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ‪ ، 5 / 1‬بوحممد عز الدين‬ ‫عبد العزيز بن عبدال�سالم بن �أبي القا�سم بن احل�سن ال�سلمي‬ ‫الدم�شقي ‪ ،‬امللقب ب�سلطان العلماء (املتوفى ‪660 :‬هـ) املحقق‪:‬‬ ‫حممودبن التالميد ال�شنقيطي دار املعارف بريوت ‪ -‬لبنان‬ ‫‪-9‬قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ‪9 / 1( -‬‬ ‫‪-10‬جمموع الفتاوى ‪ )343 / 23( -‬تقي الدين �أبوالعبا�س‬ ‫�أحمدبن عبداحلليم بن تيمية حتقيق �أنور الباز ‪ -‬عامر اجلزار‬ ‫دار الوفاء الطبعة ‪ :‬الثالثة ‪ 1426 ،‬هـ ‪ 2005 /‬م‬ ‫‪�-11‬صحيح البخاري كتاب الإميان ‪ ،‬باب الدِّينُ ي ُْ�س ٌر ‪،77 / 1 .‬‬ ‫رقم احلديث ‪29‬‬ ‫‪�-12‬صحيح البخاري كتاب الإميان ‪ ،‬باب الدِّينُ ي ُْ�س ٌر ‪78 / 1 .‬‬ ‫‪ ،‬رقم احلديث ‪39‬‬ ‫‪-13‬ال�شرح الكبريللدردير �أبو الربكات �أحمد بن حممد‬ ‫العدوي ‪ ،‬ال�شهري بالدردير (املتوفى ‪1201 :‬هـ) (‪ )44 / 1‬طبع‬ ‫احياء الكتب العربية عي�سى البابى احللبي و�شركاء‬ ‫‪�-14‬صناعة الفتوى وفقه الأقليات عبد اهلل بن بية �صفحة ‪30‬‬ ‫‪�-15‬صناعة الفتوى �ص ‪37‬‬ ‫‪-16‬ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع – حممد بن �صالح بن‬ ‫حممدالعثيمني (املتوفى ‪1421 :‬هـ) ‪ 305 / 4‬دارالن�شر ‪ :‬دارابن‬ ‫اجلوزي الطبعة ‪ :‬الأوىل ‪ 1428 - 1422‬هـ‬ ‫‪�-17‬أ�ضواء البيان يف �إي�ضاح القر�آن بالقر�آن حممد الأمني بن‬ ‫حممد املختار بن عبد القادراجلكني ال�شنقيطي (املتوفى ‪:‬‬ ‫‪1393‬هـ) (‪ ، 256/355 / 7‬دارا لفكر للطباعة و الن�شر و التوزيع‬ ‫بريوت – لبنان الطبعة ‪ 1415 :‬هـ‪ 1995 -‬مـ‬ ‫‪�-18‬صناعة الفتوى �ص ‪63‬‬ ‫‪-19‬املوافقات – �إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي‬ ‫الغرناطي ال�شهريبال�شاطبي (املتوفى ‪790 :‬هـ) ‪،178 / 5‬‬

‫‪four-sides/2012-12-03-1.530924‬‬ ‫‪http://www.muslm.net/vb/showthread.-24‬‬ ‫‪php?302125‬‬‫‪http://www.emaratalyoum.com/life/-25‬‬ ‫‪four-sides/2012-12-03-1.530924‬‬

‫‪-26‬تعني اتفاقية الق�ضاء على جميع �أ�شكال التمييز �ضد املر�أة‬ ‫وهي ‪ :‬معاهدة دولية مت اعتمادها يف ‪ 18‬دي�سمرب‪1979‬من قبل‬ ‫اجلمعية العامة للأمم املتحدةومت عر�ضها للتوقيع والت�صديق‬ ‫واالن�ضمام بالقرار ‪ 180/34‬يف ‪ 18‬دي�سمرب ‪ .1979‬وتو�صف ب�أنها‬ ‫وثيقة حقوقدولية للن�ساء‪ .‬ودخلت حيز التنفيذ يف ‪� 3‬سبتمرب‬ ‫‪ .1981‬وتعترب الواليات املتحدةالدولة املتقدمة الوحيدة التي‬ ‫مل ت�صادق على اتفاقية ال�سيداو �إ�ضافة لثماين دول �أخرى‬ ‫مل تن�ضم �إليها بالأ�سا�س بينها �إيران‪ ،‬دولة الكر�سي الر�سويل‪،‬‬ ‫ال�سودان‪ ،‬ال�صومالوتونغا‪ .‬انظر املو�سوعة احلرة ويبيكيديا‬ ‫‪http://ar.wikipedia.org/wiki‬‬ ‫على الرابط‬ ‫‪� -27‬سنن �أبى داود (‪� )26 / 3‬أبو داود �سليمان بن الأ�شعث‬ ‫ال�سج�ستاين ‪ ،‬دار الكتاب العربي بريوت‬ ‫‪�-28‬سنن �أبى داود (‪)26 / 3‬‬ ‫‪� -29‬صحيح ابن حبان (‪� )169 / 11‬أحمد بن حنبل �أبو عبداهلل‬ ‫ال�شيباين النا�شر ‪ :‬م�ؤ�س�سة قرطبة – القاهرة ‪ ،‬مذيلة ب�أحكام‬ ‫�شعيب الأرن�ؤوط‬ ‫‪� -30‬صحيح البخاري (‪ )2600 / 6‬كتاب الفنت باب الفتنة التي‬ ‫متوج كموج البحر رقم احلديث ‪6686‬‬ ‫‪� -31‬سبل ال�سالم حممدبن �إ�سماعيل الأمريالكحالين‬ ‫ال�صنعاين (املتوفى ‪1182 :‬هـ)(‪ )123 / 4‬النا�شرمكتبة‬ ‫م�صطفى البابي احللبي الطبعة ‪ :‬الرابعة ‪1379‬هـ‪1960 /‬م‬ ‫‪ -32‬عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري ‪)341 / 26( -‬‬ ‫‪ -33‬عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري ‪)165 / 35( -‬‬ ‫‪ -34‬نيل الأوطار من �أحاديث �سيد الأخيار �شرح منتقى الأخبار‬ ‫حممد بن علي بن حممد ال�شوكاين(‪� )135 / 9‬إدارة الطباعة‬ ‫املنريية‬ ‫‪ -35‬البهجة يف �شرح التحفة – �أبواحل�سن علي بن عبدال�سالم‬ ‫الت�سويل(‪ )36 / 1‬دارالكتبالعلمية ‪ -‬لبنان ‪ /‬بريوت ‪ 1418 -‬هـ‬ ‫ ‪1998‬م الطبعة ‪ :‬الأوىل‬‫‪ -36‬مواهب اجلليل ل�شرح خمت�صر اخلليل – �شم�س الدين‬

‫‪. nbanews/62/279.htm‬‬ ‫‪-43‬انظرالرابط‪http://sociologie forumperso.‬‬ ‫‪. com/t410-topic‬‬ ‫‪http://syriancommunist.arabblogs.-44‬‬ ‫‪com/archive/2010/5/1053930.html‬‬ ‫‪http://www.saaid.net/female/0165.htm -45‬‬ ‫‪http://www.saaid.net/female/0165.htm -46‬‬

‫‪23‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫‪24‬‬

‫روى عن عائشة رضي اهلل عنها‪« :‬إن اهلل رفيق يحب الرفق‬ ‫ويعطي على الرفق ما ال يعطي على العنف وما ال‬ ‫يعطي على ما سواء» (رواه مسلم)‬

‫التطرف الديني والفكري وأثره على الوحدة‬ ‫والتنمية في المجتمعات المسلمة ‪ -‬باكستان أنموذجا‬ ‫مفهوم التطرف والغلو موقف ال�شريعة منه �آثاره و�أبعاده‬

‫د‪.‬حممد طاهر من�صوري‬ ‫احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم‬ ‫على �أ�شرف الأنبياء واملر�سلني حممد وعلى‬ ‫�آله و�صحبه �أجمعني وبعد؛‬ ‫الإخوة الكرام‬ ‫يف البداية �أود �أن �أتقدم ب�أ�سمى �آيات ال�شكر‬ ‫واالمتنان ملنظمي امل�ؤمتر لإتاحة الفر�صة‬ ‫يل �أن �أحتدث حول ظاهرة التطرف والعنف‬ ‫والإرهاب يف املجتمعات امل�سلمة وكيف‬ ‫�أثرت هذه الظاهرة امل�ؤملة على وحدة الأمة‬ ‫وكيانها والتنمية االقت�صادية فيها‪ .‬ي�سعدين‬ ‫وي�شرفني �أن �أ�ساهم مع �إخواين وزمالئي‬ ‫امل�شاركني يف هذا امل�ؤمتر العلمي واللقاء‬ ‫التميز يف مناق�شة جوانب هذا املو�ضوع‪� .‬أ�س�أل‬

‫اجلامعة اال�سالمية ‪ -‬الباك�ستان‬

‫اهلل العظيم �أن يجعل �أعمالنا خال�صة لوجهه‬ ‫الكرمي و�أن يوفقنا ملا يحبه وير�ضاه‪ .‬وي�سدّد‬ ‫خطى اجلميع على طريق اخلري‪.‬‬ ‫�إن الإ�سالم دين الرحمة والت�سامح‬ ‫والو�سطية‪ .‬وقد متيزت هذه الأمة عن‬ ‫غريها من الأمم بكونها �أمة الو�سطية‪ ،‬كما‬ ‫قال عز وجل‪:‬‬ ‫«وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا �شهدا‬ ‫على النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا»‬ ‫�أي خيارا عدوال قد بلغتم الذرى يف ال�سمو‬ ‫وال�شرف‪ .‬والداللة اال�صطالحية ملدلول‬ ‫الو�سطية تعني التوازن واالعتدال وال�سمو‬ ‫والرفعة بني طريف الغلو والتق�صري‪.‬‬

‫فالو�سطية منزلة بني طرفني كالهما‬ ‫مذموم‪ .‬وقد �أو�صى الإ�سالم بالتزام منهج‬ ‫الو�سطية واالعتدال والتي�سري ال التع�سري‪.‬‬ ‫ومتي ّز ديننا بال�سماحة وال�سري ورفع احلرج‬ ‫عن �أتباعه ومع هذا الو�صف لهذه الأمة‬ ‫والدين‪� ،‬إال �أن �أقواما خالفوا مق�صد ال�شارع‬ ‫احلكيم وخرجوا عن �سمة �أمة الو�سط‬ ‫واالعتدال وتنكبوا الطريق ال�سوي وانحرفوا‬ ‫عن املنهج ال�صحيح ونزعوا �إىل الغلو‬ ‫والت�شدد‪.‬‬ ‫هذه الظاهرة امل�ؤملة قد �أعطت فر�صة لأعداء‬ ‫الإ�سالم ل�شن حملة ظاملة من االفرتاءات‬ ‫واملزاعم التي �أرادت �أن تل�صق بالإ�سالم تهم‬


‫التع�صب والإرهاب وعدم الت�سامح وغري ذلك من أهم أسباب التطرف‬

‫من الدعاوى التي ال �أ�صل لها يف الإ�سالم وال‬ ‫�سند لها يف العلم وال من الواقع التاريخي‪.‬‬ ‫فكان ه�ؤالء بق�صد منهم �أو بغري ق�صد عونا‬ ‫لأعداء هذه الأمة على حتقيق مرادهم يف‬ ‫النيل من الإ�سالم و�أهله‪.‬‬ ‫وقد حاولت يف هذا البحث التعريف بظاهرة‬ ‫التطرف الديني والفكري مبينا مظاهرها‬ ‫و�أ�سبابها وموقف ال�شريعة منها‪ .‬كما حتدثت‬ ‫فيه عن �آثاره ال�سلبية على الوحدة والتنمية‬ ‫يف املجتمعات امل�سلمة وخا�صة علي املجتمع‬ ‫الباك�ستاين‪.‬‬ ‫تعريف التطرف الديني‪:‬‬ ‫التطرف هو جماوزة احلد واالعتدال يف‬ ‫الدين‪ ،‬وهو الت�صلب فيه والت�شدد واخلروج‬ ‫من حد االعتدال يف اي امر‪.‬‬ ‫و�أطلق العلماء قدميا كلمة التطرف الديني‬ ‫على القول املخالف لل�شرع وعلى الفعل‬ ‫املخالف لل�شرع‪ .‬فهو فهم الن�صو�ص ال�شرعية‬ ‫فهما بعيدا عن مق�صود ال�شارع وروح الإ�سالم‬ ‫فالتطرف يف الدين هو الفهم الذي ي�ؤدي �إىل‬ ‫�إحدى النتيجتني املكروهتني‪ ،‬وهما الإفراط‬ ‫�أو التفريط‪ .‬واملتطرف يف الدين هو املتجاوز‬ ‫حدوده واجلايف عن �أحكامه وهديه‪ ،‬فكل‬ ‫مغال يف دينه متطرف فيه جماف لو�سطيته‬ ‫وي�سره‪( .‬التطرف يف الدين‪ ،‬درا�سة �شرعية ـ‬ ‫�إعداد‪ :‬د‪ .‬حممد بن عبد الرزاق‪ ،‬بحث مقدم‬ ‫للم�ؤمتر العاملي عن موقف الإ�سالم من‬ ‫الإرهاب ‪2004‬م �ص‪.)6 ،5‬‬ ‫تعريف الغلو‪:‬‬ ‫والكلمة �ألآخرى ذات ال�صلة بالتطرف هي‬ ‫الغلو‪ .‬لقد بينّ العلماء الغلو يف الدين‪ .‬ومن‬ ‫ذلك ما قاله النووي‪« :‬الغلو هو الزيادة على‬ ‫ما يطلب �شرعا» وقال ابن حجر‪ :‬هو املبالغة‬ ‫يف ال�شيء والت�شديد فيه بتجاوز احلد» لذا‬ ‫ليكن القول‪� :‬إن الغلو جتاوز ملا �أمر اهلل تعاىل‬ ‫من جهة الت�شديد‪( .‬فتح الباري ‪.)13/256‬‬ ‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪ :‬الغلو‪ :‬هو‬ ‫جماوزة احلد ب�أن يزاد يف ال�شيء يف حده �أو‬ ‫ذمه على ما ي�ستحقه ونحو ذلك (اقت�ضاء‬ ‫ال�صراط امل�ستقيم ملخالفة �أ�صحاب اجلحيم‬ ‫‪.)289/1‬‬

‫الديني هو الجهل‬ ‫بالدين وسوء الفهم‬ ‫ألحكامه والتعصب للرأي‬ ‫وعدم االعتراف بالرأي‬ ‫اآلخر‬ ‫�أنواع الغلو‪:‬‬ ‫يتعلق الغ ّلو ب�أمور عديدة منها‪:‬‬ ‫‪-1‬تف�سري الن�صو�ص تف�سريا ت�شددا يتعار�ض‬ ‫مع ال�سمة العامة لل�شريعة ومقا�صدها‬ ‫الأ�سا�سية في�شدّد على نف�سه وعلى الآخرين‪.‬‬ ‫‪�-2‬أن يكون الغلو متعلقا بالأحكام وذلك ب�أحد‬ ‫�أمرين‪:‬‬ ‫�أ ـ �إلزام النف�س والآخرين مبا مل يوجب اهلل‬ ‫عز وجل عبادة وترهبا‪ ،‬وهذا معياره الذي‬ ‫يحدّد الطاقة الذاتية‪.‬‬ ‫ب ـ حترمي الطيبات التي �أباحها اهلل عز وجل‬ ‫على وجه التعبد‪.‬‬ ‫‪�-3‬أن يكون الغلو متعلقا باملوقف من الآخرين‬ ‫حيث يقف الإن�سان من البع�ض موقف املادح‬ ‫الغايل الذي يو�صل ممدوحه �إىل درجة‬ ‫الع�صمة ويقف من البع�ض الآخر موقف‬ ‫الذم الغايل الذي ي�صف خمالفه بالكفر‬ ‫واخلروج من الدين مع �أنه من �أهل الإ�سالم‪.‬‬ ‫(بحث الغلو مظاهره و�أ�سبابه للدكتور �صالح‬ ‫بن غامن ال�سدالن �ص ‪ )202‬ندوة �أثر القر�آن‬ ‫يف حتقيق الو�سطية ودفع الغلو‪.‬‬ ‫حكم التطرف والغلو يف الإ�سالم‪:‬‬ ‫لقد ذمت ال�شريعة التطرف والغلو يف‬ ‫الدين‪ .‬فقال اهلل تعاىل‪ُ ( :‬ق ْل َيا �أَهْ ل ا ْل ِك َتاب اَل‬ ‫َت ْغ ُلوا فيِ دِين ُك ْم َغيرْ الحْ َ ّق) (املائدة‪ )77:‬يقول‬ ‫ابن كثري رحمه اهلل «ينهي تعاىل �أهل الكتاب‬ ‫عن الغلو والإطراء‪ ،‬وهذا كثري يف الن�صارى‪،‬‬ ‫ف�إنهم جتاوزوا احلد يف عي�سى حتى رفعوه‬ ‫فوق املنزلة التي �أعطاه اهلل �إياها»‬ ‫(تف�سري ابن كثري ‪.589/1‬‬ ‫وقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬

‫« هلك املتنطعون» قالها ثالثا (�شرح النووي‬ ‫على �صحيح م�سلم ‪ )220/16‬قال النووي‪� :‬أي‬ ‫املتعمقون الغالون املتجاوزون احلدود يف‬ ‫�أقوالهم و�أفعالهم (اعالم املوقعني‪)150/4 ،‬‬ ‫قال ابن م�سعود‪�« :‬إياكم والبدع و�إياكم‬ ‫والتنطع و�إياكم والتعمق وعليكم بالدين‬ ‫العتيق» (اعانة الطالبني ‪.)131/1‬‬ ‫قال ابن حجر‪ :‬وفيه التحذير من الغلو يف‬ ‫الديانة والتنطع يف العبادة باحلمل على‬ ‫النف�س فيما مل ي�أذن فيه ال�شرع‪ ،‬وقد و�صف‬ ‫ال�شارع ال�شريعة ب�أنها �سهلة �سمحة‪( .‬فتح‬ ‫الباري ‪.)301/12‬‬ ‫وقال عليه ال�صالة وال�سالم �أي�ضا‪�« :‬إياكم‬ ‫والغلو ف�إمنا �أهلك من كان قبلكم الغلو يف‬ ‫الدين» (رواه الإمام �أحمد ‪.)247 ،215/1‬‬ ‫قال ابن القيم رحمه اهلل‪« :‬ما �أمره اهلل‬ ‫ب�أمر �إال ولل�شيطان فيه نزعتان �إما �إىل‬ ‫تفريط و�إ�ضاعة و�إما �إىل �إفراط وغلو ودين‬ ‫اهلل و�سط بني اجلايف عنه والغايل فيه‪ .‬فكما‬ ‫�أن اجلايف عن الأمر م�ضيع له‪ ،‬فالغايل فيه‬ ‫م�ضيع له‪ ،‬هذا بتق�صريه عن احلد وهذا‬ ‫بتجاوز احلد (مدارج ال�سالكني ‪)496/2‬‬ ‫ففي هذه الن�صو�ص من النهي ال�صريح عن‬ ‫الغلو واتباع �سبيل �أهله ما يكفي امل�سلم يف‬ ‫االبتعاد عنه والتحذير من �أهله‪.‬‬ ‫�أ�سباب ومظاهر التطرف الديني‬ ‫والفكري‪:‬‬ ‫من �أهم �أ�سباب التطرف الديني هو اجلهل‬ ‫بالدين و�سوء الفهم عن �أحكامه والتع�صب‬ ‫للر�أي وعدم االعرتاف بالر�أي الآخر وكان‬ ‫هذا اجلهل و�سوء الفهم �سبب التطرف‬ ‫والت�شدد لدى اخلوارج‪.‬‬ ‫ويف احلديث �أن النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم قال عن اخلوارج‪« :‬يقرءون الآن ال‬ ‫يجاوز حناجرهم» �أي �أنهم ي�أخذون �أنف�سهم‬ ‫بقراءة القر�آن و�إقرائه وهم ال يتفقهون فيه‬ ‫وال يعرفون معانيه ومقا�صده (ال�شاطبي‪،‬‬ ‫االعت�صام ‪.)226/2‬‬ ‫ومن �أكرب دالالت جهلهم بالقر�آن �أنهم‬ ‫�أخذوا �آيات نزلت يف الكفار فحملوها على‬ ‫امل�سلمني وكلك ا�ست�شهادهم على �إبطال‬

‫‪25‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫‪26‬‬

‫التحكيم لقوله تعاىل‪�« :‬إن احلكم �إال هلل»‪.‬‬ ‫يقول الدكتور يو�سف القر�ضاوي‪�« :‬إن �أوىل‬ ‫دالئل التطرف هي التع�صب للر�أي تع�صبا‬ ‫ال يعرتف معه للآخرين بوجود‪ ،‬وجمود‬ ‫ال�شخ�ص على فهمه جمودا ال ي�سمح له‬ ‫بر�ؤية وا�ضحة مل�صالح اخللق‪ ...‬والعجيب‬ ‫�أن من ه�ؤالء من يجيز لنف�سه �أن ئيجتهد يف‬ ‫�أعو�ص امل�سائل و�أغم�ض الق�ضايا ويفتي فيها‬ ‫مبا يلوح له من ر�أي‪ .‬ولكنه ال يجيز لعلماء‬ ‫الع�صر املتخ�ص�صني‪ ،‬منفردين �أو جمتمعني‬ ‫�أن يجتهدوا يف ر�أي يخالف ما ذهب �إليه»‪.‬‬

‫هنا �أهم هذه املظاهر يف املجتمعات امل�سلمة‬ ‫وخا�صة يف املجتمع الباك�ستاين‪.‬‬ ‫�أوال‪ :‬الفكر التكفريي‬ ‫من �أخطر �آثار الغلو والتطرف انت�شار‬ ‫الفكر التكفريي يف املجتمعات امل�سلمة �أن‬ ‫�أ�صحاب هذا الفكر ي�سرفون يف ت�ضليل النا�س‬ ‫وتكفريهم ويعتربون كل من يخالفهم يف‬ ‫الر�أي ب�أنه لي�س من �أهل القبلة‪.‬‬ ‫ومن ه�ؤالء من يكفر احلكومات والأنظمة‬ ‫التي حتكم بالقوانني الو�ضعية ويحكمون‬ ‫بارتداد اجلميع العاملني يف قطاعات الق�ضاء‬

‫ما كان خمالفا لل�شريعة فال ميكن و�صف‬ ‫مراجعة املواطنني الباك�ستانيني للمحاكم‬ ‫الباك�ستانية بانه التحاكم �إىل الطاغوت حتي‬ ‫يكفر امل�سلم بالرجوع �إىل هذه املحاكم‪.‬‬ ‫ومن نتائج التكفري اجلماعي ا�ستحالل‬ ‫القتل اجلماعي للم�سلمني وا�ستباحة دماء‬ ‫الأبرياء دون فرق بني ال�صغري والكبري وال‬ ‫بني الذكر والأنثى وال بني ال�شيخ والر�ضيع‬ ‫بينما من املعلوم �أن النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم كان ينهى املجاهدين من قتل �صغار‬ ‫الكفار ون�سائهم ورهبانهم‪ ،‬فكيف ي�ستحل‬

‫(القر�ضاوي‪ ،‬ال�صحوة الإ�سالمية بني‬ ‫اجلهود والتطرف الف�صل الأول‪ ،‬مظاهر‬ ‫التطرف)‪.‬‬ ‫�إن التع�صب مر�ض خطري نهى عنه الإ�سالم‬ ‫نهيا �شديدا �سواء �أكان هذا التع�صب يف جمال‬ ‫االعتقاد �أو يف جمال التحيز لفئة على ح�ساب‬ ‫�أخرى‬ ‫هذا التع�صب للر�أي و�سوء الفهم عن‬ ‫الدين يظهر يف ا�شكال و�صور عديدة‪ .‬ونذكر‬

‫والربملان والإدارات احلكومية واجلي�ش‬ ‫ربر �سفك دمائهم ويعترب‬ ‫وال�شرطة الذي ي ّ‬ ‫ه�ؤالء الرجوع �إىل املحاكم حتاكما �إىل‬ ‫الطاغوت‪.‬‬ ‫وغني عن البيان �أن دولة باك�ستان بنيت على‬ ‫ا�سم الإ�سالم التي اتخذت الإ�سالم منهجا‬ ‫ود�ستورا لها‪ ،‬وقد مت �أ�سلمة القوانني يف‬ ‫عهود خمتلفة يف الباك�ستان ومتت مراجعة‬ ‫عدة قوانني و�ضعية وحذف من معظمها‬

‫ه�ؤالء من امل�سلمني ما ال يحل فعله مع‬ ‫الكفار املحاربني‪.‬‬ ‫ومن الوا�ضح �أن هذا ال�سلوك ميثل تطرفا‬ ‫وا�ضحا يف الفكر واملنهج تناق�ضه ن�صو�ص‬ ‫ال�شرع ال�صريحة ومنهج �أهل ال�سنة‬ ‫واجلماعة‪.‬‬ ‫ومما يجدر التنويه به �أن التكفري مبد�أ‬ ‫يرف�ضه الدين ويحذر منه‪ ،‬ويكفي �أن لدينا‬ ‫عددا من الن�صو�ص ال�صحيحة ال�صريحة‬


‫املتواترة يف التحذير عن التكفري ومنها على‬ ‫�سبيل املثال‪:‬‬ ‫عن �أبى هريرة ر�ضي اهلل تعاىل عنه �أن‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قال‪�« :‬إذا قال‬ ‫الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به �أحدهما»‬ ‫وعن �أبى ذر �أنه �سمع ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم يقول‪ :‬من دعا رجال بالكفر‬ ‫�أو قال له يا َع ُد َّوا اهلل ولي�س كذلك �إال حا َر‬ ‫عليه»‪.‬‬ ‫وعن ثابت بن ال�ضحاك عن النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم قال لعن امل�ؤمن كقتله‪ ،‬ومن رمى‬ ‫م�ؤمنا بكفر فهو كقتله»‪.‬‬ ‫هذه الن�صو�ص �صريحة يف التحذير من‬ ‫تكفري امل�سلمني‪ .‬ومن الأ�صول العقدية التي‬ ‫دلت عليها ن�صو�ص كثرية من الكتاب وال�سنة‬ ‫و�أجمعت عليها الأمة عدم تكفري مرتكب‬ ‫املع�صية دون ال�شرك باهلل ما مل ي�ستحلها‪،‬‬ ‫�أو يدل دليل قاطع على كفر مرتكبها‪ ،‬و�أن‬ ‫لي�س كل من فعل الكفر �أو قاله يكون كافرا‪،‬‬ ‫لأنه قد يكون جاهال �أو مت�أوال �أو مكرها �أو‬ ‫خمط�أ‪.‬‬ ‫ومما يالحظ �أن اخلوارج هم �أول من �أظهر‬ ‫التكفري يف الأمة‪ ،‬فكفروا امل�سلم بالذنوب‬ ‫وا�ستحلوا دمه وماله‪ .‬قال �شيخ الإ�سالم ابن‬ ‫تيمية رحمه اهلل‪« :‬ولهذا يجب االحرتاز‬ ‫من تكفري امل�سلمني بالذنوب واخلطايا‪،‬‬ ‫ف�إنه اول بدعة ظهرت يف الإ�سالم فكفروا‬ ‫اهلها امل�سلمني وا�ستحلوا دمائهم و�أموالهم»‬ ‫(انظر‪ :‬جمموع الفتاوى ‪.)91/13‬‬ ‫وقال الإمام �أبو جعفر الطحاوي‪ :‬وال نكفر‬ ‫�أحدا من �أهل القبلة بذنب ما مل ي�ستحله‪،‬‬ ‫وال نقول ال ي�ضر مع الإميان ذنب ملن عمله‬ ‫(�شرح العقيدة الطحاوية‪� ،‬ص‪.)55‬‬ ‫ثانيا‪ :‬اتهام جهود الإ�صالح بال�سيا�سة‬ ‫واعتبارها كفرا‪:‬‬ ‫�إن اتهام جهود الإ�صالح عن طريق‬ ‫الإ�سهام يف الفعاليات ال�سيا�سية املختلفة‬ ‫بالكفر والزندقة فهم جمانب للو�سطية‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وحقيقة هذا الدين‪ ،‬ومن هذا‬ ‫القبيل قولهم �إن الدميقراطية وامل�شاركة‬

‫يف فعاليات النظام الدميقراطي كفر‪ ،‬وهذا‬ ‫االمر قد تكلم فيه ال�شيخ القر�ضاوي حيث‬ ‫بني �أن الدميقراطية لي�س مناق�ضا و�ضدا‬ ‫للإ�سالم بل الدميقراطية ت�صنف �ضد‬ ‫اال�ستبداد و�أن �أهم مبادئ الدميقراطية هي‬ ‫حق ال�شعب يف انتخاب القيادة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫و حما�سبة امل�س�ؤولني وعزلهم‪ ،‬و�إعادة دور‬ ‫امل�ؤ�س�سات املدنية يف ال�ضغط على ال�سلطة‬ ‫ال�سيا�سية لتكون متوافقة مع تطلعات‬ ‫ال�شعب وتوجهاته‪ ،‬والذي ال يجوز يف ذلك هو‬ ‫االتفاق علي اقرار الأحكام املخالفة ل�شرع‬ ‫اهلل عز وجل‪ ،‬وهذا ما ال يقول به م�سلم‪،‬‬ ‫ولكن ما وراء ذلك ف�إن ال�شعوب الإ�سالمية‬ ‫بحاجة �إىل اخلروج من حلقات اال�ستبداد‬ ‫ال�سيا�سي الذي هو من اهم �أ�سباب تخلف‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن‬ ‫تيمية‪ :‬الغلو‪ :‬هو‬ ‫مجاوزة الحد بأن يزاد يف‬ ‫الشيء يف حده أو ذمه‬ ‫على ما يستحقه ونحو‬ ‫ذلك‬ ‫املجتمعات الإ�سالمية‪.‬‬ ‫�إن امل�شاركة ال�سيا�سية لأجل التغيري نحو‬ ‫الأح�سن يف جماالت احلياة املختلفة قد تغيب‬ ‫عن العقلية املتدينة املت�شددة التي ابتعدت‬ ‫عن الفهم الو�سطى للدين الإ�سالمي‪،‬‬ ‫فاتخذت العنف و�سيلة لكل تغيري يف املجتمع‪،‬‬ ‫بينما �آليات امل�شاركة ال�سيا�سية �سواء �أكان‬ ‫يف جمال املجال�س الت�شريعية والنيابية �أو‬ ‫م�ؤ�س�سات املجتمع املدين يكون اكرث ت�أثريا‬ ‫يف واقع ال�ش�أن الباك�ستاين من القيام باعمال‬ ‫العنف‪ ،‬حيث �إن العمل من خالل امل�ؤ�س�سات‬ ‫ال�سيا�سية والت�شريعية القائمة الجل التغيري‬ ‫والقيام بالإ�صالحات يكون �أكرث عمليا وال‬ ‫ي�سبب �أ�ضرارا على م�ستقبل البلد وال يهدد‬ ‫�أمنه وا�ستقراره‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التعامل مع غري امل�سلمني‪:‬‬ ‫�إن الإ�سالم ال يكره �أحدا على اعتناق‬ ‫الدين لقوله تعاىل‪( :‬ال �إكراه يف الدين)‬ ‫كما �أن الر�أي الغالب يف الفقه الإ�سالمي‬ ‫كما بينه الدكتور وهبة الزحيلي �أن القتال‬ ‫يف الإ�سالم له ثالثة ا�سباب (دفع االعتداءو‬ ‫ن�صرة املظلوم‪ ،‬وت�أمني حرية العقيدة)‬ ‫والإ�سالم قد ركز على التعاي�ش ال�سلمي بني‬ ‫الأديان‪ ،‬وميثاق املدينة املنورة (بني امل�سلمني‬ ‫واليهود) هو خري دليل على ذلك بينما بع�ض‬ ‫اجلهلة بحقيقة الدين الإ�سالمي ي�شيع يف‬ ‫الأو�ساط املتدينني �أن جمرد الكفر هو �سبب‬ ‫كاف ال�ستباحة الدماء وهذا جهل بالدين‬ ‫يناق�ضه �صريح الآيات من القر�آن الكرمي‬ ‫وال�سنة النبوية وتعامل امل�سلمني عرب التاريخ‬ ‫الإ�سالمي فقال عليه ال�صالة وال�سالم‪« :‬من‬ ‫قتل معاهدا مل َي َرح رائحة اجلنة و�إن ريحها‬ ‫توجد من م�سرية �أربعني عاما» (�صحيح‬ ‫البخاري‪ ،‬حديث رقم ‪.)2166‬‬ ‫ومما يجب التنويه به �أن الإ�سالم ال ميانع‬ ‫من بر غري امل�سلمني ما داموا م�ساملني‬ ‫ين لمَ ْ‬ ‫قال تعاىل‪ (:‬اَل َي ْنهَا ُك ُم اللهَّ ُ ع َِن ا َّلذِ َ‬ ‫ِّين َولمَ ْ ُيخْ ر ُِجو ُك ْم مِ نْ‬ ‫ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫ِد َيا ِر ُك ْم �أَنْ َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم �إِ َّن اللهَّ َ‬ ‫يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ‬ ‫ني)‬ ‫رابعا‪� :‬سوء الفهم ل�شعرية الأمر‬ ‫باملعروف والنهي عن املنكر‪:‬‬ ‫�إن عدم فهم حقيقة الأمر باملعروف والنهي‬ ‫عن املنكر �أدى �إىل �إ�شكاالت كبرية يف �ساحة‬ ‫العمل الإ�سالمي يف باك�ستان‪ ،‬حيث �إن فئة‬ ‫من الذين ي�سعون �إىل تغيري املنكرات يف‬ ‫املجتمع عمدوا �إىل ا�ستخدام القوة يف تغيري‬ ‫املنكر‪ ،‬فقاموا با�ستخدام العنف من التدمري‬ ‫والإحراق للمباين وقتل الأفراد واختطافهم‪،‬‬ ‫وظنت هذه الفئة ان اجلماعات الإ�سالمية‬ ‫لها احلق يف �إقامة احلدود واكراه النا�س‬ ‫بالقوة على الأحكام ال�شرعية‪ ،‬ويوجد لها‬ ‫من ال�صالحيات ال�شرعية التي توجد للدولة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬فلها �أن تعاقب املجرمني‪ ،‬ولها‬ ‫�أن تقوم ب�إقفال �أو حرق الأماكن التجارية‬

‫‪27‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫التي يتم اال�ستفادة منها يف ن�شاط م�شبوه‬ ‫�أو غري �شرعي‪ ،‬ومن هذا القبيل ك�سر �أماكن‬ ‫بيع ا�شرطة الكا�سيت التي بها اغاين وافالم‪،‬‬ ‫�أو ك�سر امل�سجالت يف ال�سوق �أو يف ال�سيارات‬ ‫التي تقوم بت�شغيل الأغاين يف �سياراتهم �أو‬ ‫ي�شاهدون االفالم يف تلك ال�سيارات‪ .‬وهذا‬ ‫الفهم للأمر باملعروف والنهي عن املنكر‬ ‫كان من �أهم �أ�سباب احلادثة امل�ؤملة التي‬ ‫حدثت يف الل م�سجد يف مدينة �إ�سالم �آباد يف‬ ‫عام ‪2007‬م‪.‬‬ ‫خام�سا‪ :‬املوقف جتاه م�شاركة املر�أة يف‬ ‫احلياة االجتماعية وال�سيا�سية‪:‬‬ ‫�إن بع�ض املتدينني يقفون حجر عرثة يف‬ ‫وجه م�شاركة املر�أة يف بناء املجتمع‪ ،‬مع �أن‬ ‫اهلل عز وجل خلق الإن�سان ذكرا و�أنثى يف هذه‬ ‫احلياة الدنيا لعبادته وهي حركة الإن�سان‬ ‫وفق �شرع اهلل يف تذكية النف�س‪ ،‬وتنظيم‬ ‫املجتمع‪ ،‬وعمارة الأر�ضني‪ ،‬و�إن تعطيل‬ ‫القدرات والطاقات عن حتقيق ذلك املقا�صد‬ ‫عمل خمالف ل�شرع اهلل عز وجل‪ ،‬كما �أن املر�أة‬ ‫هي ن�صف املجتمع و�إن فاعليتها وقيامها‬ ‫بوظائفها املجتمعية جتعل املجتمع �أكرث‬ ‫قدرة على ال�شهود احل�ضاري والعي�ش على‬ ‫م�ستوى التحدي والتفوق يف العطاء والت�أثري‬ ‫يف املجتمعات الأخرى‪ ،‬كما �أن قعودها عن‬ ‫وظائفها املجتمعية وبذل قدراتها وطاقاتها‬ ‫لتحقيق اهداف جمتمعية يكون �سببا يف ركود‬ ‫املجتمع وتخلفها عن ركب احل�ضارة والعطاء‬ ‫الإن�ساين‪ ،‬والأمة الإ�سالمية قد خ�سرت‬ ‫كثريا يف الع�صور املت�أخرة عندما مل تفلح‬ ‫يف اال�ستفادة من قدراتها الب�شرية ب�صورة‬ ‫مثلى المنها القومي و�شهودها احل�ضاري‪،‬‬ ‫وبالأخ�ص �إقعادها املر�أة عن م�س�ؤولياتها‬ ‫املجتمعية با�سم الدين‪ ،‬نا�سية يف ذلك‬ ‫الوظائف املجتمعية التي ال ميكن القيام‬ ‫بها بوجه �أمثل �إال بعد امل�شاركة الفاعلة من‬ ‫الرجال والن�ساء على ال�سواء‪ .‬و�إن النظرة‬ ‫الدينية ال�ضيقة حول املر�أة واملطالبة‬

‫‪28‬‬ ‫بحب�سها يف البيت قد �أ�ضرت ال�صحوة‬ ‫الإ�سالمية املعا�صرة و�أ�ضرت مب�شروع الأمن‬ ‫القومي واال�ستفادة من الطاقات والقدرات‪.‬‬ ‫�إن غياب املر�أة يف العامل الإ�سالم عن حتمل‬ ‫م�س�ؤولياتها املجتمعية ب�صورة مقبولة قد‬ ‫�أعطى لأعداء الدين فر�صة التهام الإ�سالم‬ ‫به�ضم حقوق املر�أة ومنعها من العمل‪ ،‬وحتى‬ ‫بع�ض ال�سذج من �أبناء امل�سلمني وقعوا �ضحية‬ ‫لهذه الفرية على الدين ون�سبوا غياب املر�أة‬ ‫عن ميادين العمل الكثرية �إىل الدين حيث‬ ‫قد حرمت با�سم التدين �أو التقاليد عن كثري‬ ‫من احلقوق التي قد �أعطاها اهلل عز وجل‪،‬‬ ‫وهذا قد جعل كثري من امل�سلمات تدبر �إىل‬

‫وإن النظرة الدينية‬ ‫الضيقة حول المرأة‬ ‫والمطالبة بحبسها يف‬ ‫البيت قد أضرت الصحوة‬ ‫اإلسالمية المعاصرة‬ ‫وأضرت بمشروع األمن‬ ‫القومي واالستفادة‬ ‫من الطاقات والقدرات‪.‬‬ ‫الدين وتنخرط يف احلركات املناه�ضة للدين‬ ‫ظنا منهن �أن الدين مل يعط لهن حقوقهن‬ ‫و�أن الدين مينعهن من العمل والعطاء‬ ‫للمجتمع وظنا منهن �أن الدين يخالف‬ ‫تنمية قدراتهن وطاقاتهن‪ ،‬ولكن احلقيقة‬ ‫عك�س ذلك �إذا رجعنا للع�صور الإ�سالمية‬ ‫الزاهرة يف عهد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬ ‫وقد ذكرنا م�شاركة املر�أة الفاعلة يف ق�ضايا‬ ‫املجتمع ووعي املراة وكفاءتها يف التعامل‬ ‫مع ق�ضايا الإ�صالح والبناء‪ ،‬وحرمان املر�أة‬ ‫عن التفاعل مع ق�ضايا املجتمع و�إبعادها‬ ‫و�إقعادها عن امل�شاركة العملية يف ق�ضايا‬

‫البناء والإ�صالح للمجتمع �إن هي �إال روا�سب‬ ‫ع�صور التخلف واجلمود والتقليد‪ ،‬وال بد من‬ ‫جتاوزها‪.‬‬ ‫ولذلك ف�إن تفعيل دور املر�أة يف العمل‬ ‫املجتمعي بجوار عدم غيابها عن عملها‬ ‫ووظيفتها الرتبوية يف البيت يعترب من‬ ‫ال�ضرورات اال�سرتاتيجية للدعوة الإ�سالمية‬ ‫يف الع�صر احلا�ضر حتى تقدم ردا عمليا‬ ‫على تلك ال�شبه واملزاعم الكاذبة التي ن�سبت‬ ‫للدين‪.‬‬ ‫�إن تكليف املر�أة بالعمل تدخل يف عموم‬ ‫التكاليف ال�شرعية التي ت�شمل جماالت‬ ‫احلياة املتعددة‪� ،‬إال �إذا ُن�ص على تخ�صي�صها‪،‬‬ ‫و�إن االمتثال لهذه التكاليف ب�سعتها‬ ‫و�شمولها يقت�ضى التفاعل مع كل ق�ضايا‬ ‫املجتمع وامل�شاركة يف معاجلتها رجاال ون�ساء‪،‬‬ ‫وهو الأمر الذي ال بد و�أن ت�سبقه تهيئة‬ ‫البيئة التاهيلية لتكوين الوعي والقدرة على‬ ‫حتليل الواقع وفهم �أبعاده‪.‬‬ ‫و�إن العمل املطلوب للنهو�ض والرقى‬ ‫م�س�ؤولية الرجال والن�ساء على ال�سواء مع‬ ‫مراعاة الفوارق بني الرجال والن�ساء يف‬ ‫طبيعة الأعمال التي ميكن �أن يقوموا بها‬ ‫ومع مراعاة الأهلية الوظيفية لكل من‬ ‫الرجل واملر�أة‪ ،‬فقد تكون املر�أة �أكرث �أهلية‬ ‫لوظيفة معينة من الرجل يف ذلك املجال‪.‬‬ ‫�إن مربرات الت�أكيد على عمل املر�أة‬ ‫واال�ستفادة من قدراتها تتجاوز حدود‬ ‫ال�ضرورات الأ�سرية لتح�سني الو�ضع املعي�شي‬ ‫بل وال بد �أن يكون الأ�سا�س واملعيار هو حاجة‬ ‫الأمة و�سد ثغراتها باال�ستفادة من الطاقات‬ ‫والقدرات املوجودة يف �شرائح املجتمع رجاال‬ ‫ون�ساء‪ ،‬بغ�ض النظر عن حاجة الأ�سرة‬ ‫للمك�سب املايل‪.‬‬ ‫التطرف الفكري و�أثره على على‬ ‫التنمية‪:‬‬ ‫�إن تفاقم �أعمال العنف يف املجتمع امل�سلم‬ ‫وخا�صة يف باك�ستان قد ترك الب�صمات‬


‫ال�سالبة على وحدة املجتمع وتنميته ونبني‬ ‫ذلك يف النقاط التالية‪:‬‬ ‫الإزدياد يف الإنفاق الع�سكري والأمني‪ :‬حيث‬ ‫�إن الإنفاق احلكومي على الق�ضايا الأمنية‬ ‫والع�سكرية قد ارتفع �إىل �أ�ضعاف ما كان عليه‬ ‫قبل تردي الأو�ضاع االمنية‪ ،‬وهذا الأمر قد‬ ‫�أ ّثر يف االهتمام برعاية القطاعات الأخرى يف‬ ‫املجتمع‪ ،‬حيث �أن جل امليزانية وجل التفكري‬ ‫يف النخبة ال�سيا�سية والتخطيطية قد‬ ‫انح�صر يف البحث عن الو�سائل والأ�ساليب‬ ‫للت�صدي للأو�ضاع الأمنية وكيفية احتوائها‪.‬‬ ‫ارتفاع الت�ضخم‪� :‬إن واقع الأو�ضاع الأمنية‬ ‫املتمردية يف باك�ستان قد �أثر على ميزان‬ ‫االقت�صادي وت�شري الإح�صائيات �أن معدل‬ ‫الت�ضخم يف فرباير من عام ‪2010‬م قد ارتفع‬ ‫يف باك�ستان �إىل ‪ %16.8‬مقارنة بالفرتة نف�سها‬ ‫من العام املا�ضي‪ .‬وهذه تعترب �إ�شكالية بينها‬ ‫وبني �صندوق النقد الدويل الذي يطالب‬ ‫احلكومة الباك�ستانية باتخاذ �إجراءات‬ ‫خلف�ض الت�ضخم للح�صول على م�ساعدات‬ ‫مالية‪ ،‬ت�ساهم يف تنمية الوطن‪.‬‬ ‫تعر�ض امل�صالح العامة للهجمات وت�أثرها‬ ‫�سلبا على تنمية البلد‪ :‬حيث �إن امل�صالح‬ ‫احلكومية والعامة التي �أقيمت يف الواليات‬ ‫الباك�ستانية املختلفة خلدمة املواطنني قد‬ ‫تعر�ضت للهجمات من قبل امل�سلحني ومت‬ ‫تدمري املباين وامل�صانع واملدار�س‪ ...‬وهذا‬ ‫ما ترك �آثاره على التنمية‪ ،‬حيث �إن ميزانية‬ ‫الدولة �سوف يتم امت�صا�صها يف �إعادة‬ ‫الإعمار‪ ،‬بدل التفكري يف �إمداد اخلدمات‬ ‫ملجاالت احلياة املختلفة‪ ،‬الأمر الذي يقعد‬ ‫باك�ستان عن متثل دور تنموي موازي للحركة‬ ‫التنمية واالقت�صادية يف املنطقة‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ف�إن باك�ستان �سوف يعجز عن ا�ستيعاب وحل‬ ‫امل�شكالت التي تتفاقم يوما بعد يوم ب�سبب‬ ‫زيادة ال�سكان‪ ،‬وقلة الدخل‪ ،‬وكرثة الأمرا�ض‪،‬‬ ‫و�ضعف التعليمن وكرثة الوفيات يف العنا�صر‬

‫ال�شابة واملهمة تنمويا‪.‬‬ ‫ت�أثريه على التبادل التجاري وحركة املال‪:‬‬ ‫�إن احلالة الأمنية املرتدية ترك �أثره على‬ ‫التبادل التجاري حيث كثري من �أ�صحاب املال‬ ‫قد نقلوا ا�ستثماراتهم للدول اكرث �أمنا‪ ،‬وهذا‬ ‫الأمر كان وراء الت�ضخم املايل الذي ارتفع‬ ‫خالل عام واحد حلوايل �سبعة ع�شر يف املائة‪،‬‬ ‫ونتج عنه الغالء يف املعي�شة وال�سكن واملواد‬ ‫اال�ستهالكية‪.‬‬ ‫تعطل م�شارع التنمية‪ :‬وهذا وا�ضح‪ ،‬حيث‬ ‫�أن معظم املال الآن يذهب �إىل اجلهود‬

‫من أخطر آثار الغلو‬ ‫والتطرف انتشار‬ ‫الفكر التكفيري يف‬ ‫المجتمعات المسلمة‬ ‫أن أصحاب هذا الفكر‬ ‫يسرفون يف تضليل‬ ‫الناس وتكفيرهم‬ ‫ويعتبرون كل من‬ ‫يخالفهم يف الرأي بأنه‬ ‫ليس من أهل القبلة‪.‬‬ ‫احلربي وقتال اخلارجني على نظام الدولية‪،‬‬ ‫وهذا قد �أدّى �إىل ا�ستنزاف الرثوات‪ ،‬وتعطل‬ ‫االنتاح‪ ،‬وت�أخر التنمية‪.‬‬ ‫هجرة ر�ؤو�س الأموال‪ :‬حيث انه من املعلوم ان‬ ‫ر�أ�س املال جبان فحيث وجد الأمن‪ ،‬اجنذبت‬ ‫�إليه ر�ؤو�س الأموال‪ ،‬وحيث فقد الأمن‪،‬‬ ‫فقدت ر�ؤو�س الأموال‪ ،‬وهذا ما نال باك�ستان‬ ‫بنتيجة لهذه الأحداث‪ ،‬حيث هاجرت الكثري‬ ‫من ر�ؤو�س الأموال ال�ضرورية لال�ستثمار‬ ‫والقيام بامل�شاريع الكربى التي توفر فر�ص‬

‫العمل وتقوي اقت�صاد البلد‪ ،‬نعم هاجرت �إىل‬ ‫خارج باك�ستان �إىل �أماكن الأمن واال�ستقرار‪.‬‬ ‫دب يف �أمة‬ ‫�إن الغلو والتطرف داء خطري �إذا ّ‬ ‫ودمر �أركانها خلطر عظيم على كيان‬ ‫�أهلكها ّ‬ ‫الأمة الإ�سالمية‪ .‬فقد و�صف ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم �آثارها بكلمة جامعة‬ ‫بليغة بقوله‪“ :‬ف�إمنا �أهلك من كان قبلكم‬ ‫الغلو يف الدين” فهو هالك يف كل �شيء على‬ ‫م�ستوى الأفراد وعلى م�ستوى املجتمعات �إنه‬ ‫هالك للأنف�س واملمتلكات والبالد والعباد‪.‬‬ ‫لذا يجب معاجلة التطرف والغلو بكافة‬ ‫�أ�ساليبه ممكنة ومن �أهم هذه الأ�ساليب �أن‬ ‫نحارب اجلهل ونن�شر العلم ال�صحيح بني‬ ‫�أفراد املجتمع خا�صة فيما يتعلق بق�ضايا‬ ‫الوالء والرباء وتكفري امل�سلم‪ ،‬وحقوق ويل‬ ‫الأمر امل�سلم ومعادلة غري امل�سلمني ودور‬ ‫املر�أة يف احلياة االجتماعية العامة وغريها‬ ‫من الق�ضايا املعا�صرة ويجب �أن تت�صدى‬ ‫مناهج التعليم يف العامل الإ�سالمي مل�شكلة‬ ‫التطرف ب�شكل علمي فيجب �أن تتناول‬ ‫ق�ضايا وم�سائل مثل �سماحة الإ�سالم وي�سره‬ ‫وو�سطيته وحقوق الوالة‪ ،‬وحقوق الوطن‬ ‫وحقوق امل�سلمني وحرمة دماء امل�سلمني‬ ‫و�أعرا�ضهم و�أحوالهم‪.‬‬ ‫ويجب �أن يلعب العلماء والأ�ساتذة دورهم‬ ‫الفعال يف ت�صحيح املفاهيم اخلاطئة حول‬ ‫هذه الق�ضايا وامل�سائل كما ينبغي �إبراز‬ ‫و�سطية الإ�سالم و�سماحته وعدالته وبث‬ ‫ثقافة التي�سري ورفع احلرج عن النا�س من‬ ‫قبل الوعاظ وخطباء امل�ساجد‪.‬‬ ‫ن�س�أل اهلل تعاىل �أن يحفظ بالدنا و�أوطان‬ ‫امل�سلمني من كل �سوء و�شر وفتنة‪ ،‬ويدمي‬ ‫عليها الأمن واال�ستقرار والرخاء والهناء �إنه‬ ‫�سميع جميب‪.‬‬ ‫و�أكرر �شكري لإتاحة الفر�صة ب�أن �أ�سهم‬ ‫يف هذا امل�ؤمتر‪ ،‬و�أقدم كل النجاح للمجال�س‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫‪30‬‬

‫تاريخ اإلسالم حافل بحركة دائبة من التدين تحقق دينها من مادة الحياة‪ .‬فإذا توقفت‬ ‫بعيدا عن‬ ‫حركة المسلمين المتجددة واستكانت إلى صورة ثابتة‪ ،‬تشكل تاريخهم‬ ‫ً‬ ‫دينهم‪ .‬وهذا يعني أن التجديد صفة مالزمة للحركة‪ ،‬والحركة أساس اإلسالم وجوهره‪،‬‬ ‫وهي حركة التوجه نحو اهلل في شتى صور الحياة‬

‫الثبات والتطور في الفكر اإلسالمي‬ ‫طريق النهضة‬ ‫د‪ .‬عبد ال�سالم الراغب‬

‫جامعة حلب ‪ -‬كلية الآداب وال�شريعة ‪� -‬سوريا‬

‫يختلف النا�س يف الن�شاط العقلي �أو الفكري‬ ‫قو ًة و�ضع ًفا وفه ًما ووع ًيا وقدر ًة وا�ستيعا ًبا‪،‬‬ ‫ويتجلى هذا التفاوت بني النا�س يف طريقة‬ ‫تعاملهم مع الثقافة �أو الواقع‪ ،‬وهي ال تخرج‬ ‫عن ثالثة م�ستويات حتدد �آلية الن�شاط‬ ‫الفكري وم�ساره وثماره‪.‬‬ ‫امل�ستوى الأول‪ :‬و�أعني به "التلقي املبا�شر"‬ ‫عن الآخر وا�ستعارة "قالبه" احل�ضاري يف‬ ‫الفكر وال�سلوك واحل�ضارة‪� ،‬سواء �أكان هذا‬ ‫الآخر ما�ض ًيا مورو ًثا �أو حا�ض ًرا م�ستوردًا �أو‬ ‫ن�صا مقروءًا �أو م�سموعًا �أو‬ ‫واق ًعا‬ ‫ملمو�سا �أو ًّ‬ ‫ً‬ ‫مرئ ًّيا‪ ...‬وينح�صر دور العقل يف هذا امل�ستوى‬ ‫ال�شائع والعام‪ ،‬يف "التلقي" من الآخر والتقيد‬ ‫مبا يقوله من ثقافة ومعرفة �أو عادات‬ ‫وتقاليد‪ .‬ويحر�ص العقل �أو الفكر هنا‪ ،‬يف‬

‫التقليد واخل�ضوع لهذا الآخر‪ ،‬وتب ّني ثقافته‬ ‫وم�شروعه احل�ضاري مرب ًزا �إيجابياته و�صوره‬ ‫امل�شرقة‪ ،‬وتقدمي نف�سه على �أنه �صورة طبق‬ ‫الأ�صل متا ًما عما يطرحه هذا الآخر يف ثقافته‬ ‫وفكره وح�ضارته‪ ،‬واحلر�ص على حماكاته يف‬ ‫�أقواله و�أفعاله وم�شاريعه النه�ضوية‪ .‬وتتعدى‬ ‫املحاكاة واال�ستن�ساخ حدود املعقول يف الثقافة‬ ‫والأدب والفن‪ ،‬وطرائق احلياة يف امل�سكن‬ ‫وامللب�س واملطعم وامل�شرب‪.‬‬ ‫فالعقل هنا‪ ،‬يتحرك �ضمن �إطار الثقافة‬ ‫املقروءة واملرئية وامل�سموعة لتبنيها والتقيد‬ ‫مبا فيها‪ ،‬ليكون "العقل املتلقي" �أو الفكر‬ ‫املتلقي‪� ،‬صورة من�سوخة عن العقل املنتج‬ ‫لهذه الثقافة بنوعيها العاملة وغري العاملة‪،‬‬ ‫الر�سمية واالجتماعية على حد �سواء‪ ،‬و�سواء‬

‫�أكانت هذه الثقافة قدمية �أو جديدة‪ ،‬موروثة‬ ‫�أو م�ستوردة‪ .‬ويلتقي يف ذلك دعاة "التغريب"‬ ‫يف ا�ستن�ساخ ثقافة الآخر امل�ستوردة‪ ،‬ودعاة‬ ‫امل�شروع الإ�سالمي يف م�ستوى التلقي من‬ ‫الثقافة الإ�سالمية وا�ستن�ساخ ما فيها‪ ،‬دون‬ ‫وعي للثوابت واملتغريات فيها‪ .‬هذا التعامل‬ ‫العقلي يف التلقي والن�سخ‪ ،‬يف�ضي �إىل التكرار‬ ‫املمجوج والتقليد الأعمى‪ ،‬وتبني الأفكار‬ ‫والآراء دون وعي �أو فهم لها‪� ،‬أو دون �إدراك‬ ‫للظروف التي �أنتجت هذه الأفكار والآراء‬ ‫وامل�شاريع النه�ضوية‪ .‬وبالتايل يغيب العقل‬ ‫وراء املوروث �أو امل�ستورد ويحل "االنفعال"‬ ‫حمل "العقل"‪ ،‬فت�أخذ العاطفة مكان العقل‬ ‫يف الرتويج لهذا املوروث �أو هذا امل�ستورد‪ ،‬ويتم‬ ‫االنفعال والتفاعل مع هذا وذاك يف حلظة‬


‫غياب العقل الب�صري‪ ،‬فال ينظر هذا الإن�سان‬ ‫املق ّلد �إىل الثقافة ب�إطارها الزمني‪ ،‬و�أطرها‬ ‫الثابتة واملتحولة‪ ،‬وقربها �أو بعدها عن‬ ‫املقا�صد احل�ضارية للأمة‪ ،‬و�إمنا ينظر �إليها‬ ‫من خالل عاطفته امل�شبوبة ورغبته يف حماكاة‬ ‫منوذجه املوروث �أو امل�ستورد‪ ،‬فيندفع للدفاع‬ ‫عن �أخطائه و�سلبياته وك�أنه يف دفاعه عن‬ ‫تراثه يخو�ض معركة جهادية ب�أمل ثوابها عند‬ ‫اهلل‪ ،‬وغاب عن باله �أن هذا الرتاث الإ�سالمي‬ ‫ن�صا �شرع ًّيا ال يجوز‬ ‫هو �إنتاج ب�شري‪ ،‬و�أنه لي�س ًّ‬ ‫�أن تخالفه‪ ،‬وكذلك غاب عنه �أن الفقه نتاج‬ ‫ب�شري يف قراءة الن�صو�ص ال�شرعية ال�ستخراج‬ ‫الأحكام منها‪ .‬فال�شريعة ثابتة ربانية‪� ،‬أما‬ ‫الفقه فهو نتاج ب�شري متغري بتغري الظروف‬ ‫والأزمان واحلاالت‪.‬‬ ‫امل�ستوى الثاين‪ :‬هو �أعلى من الأول و�أرقى‪،‬‬ ‫لأن العقل فيه يتجاوز مرحلة التلقي املبا�شر‬ ‫والفهم التداويل العادي للأمور الثقافية‬ ‫واحل�ضارية‪� ،‬إىل الفهم الت�أويلي املف�سر‬ ‫للدالالت والرموز يف احل�ضارة والثقافة‬ ‫والواقع‪ .‬وهذا يعني �أن العقل يقوم بدو ٍر فعالٍ‬ ‫يف �إنتاج الثقافة �أو فهم الواقع من خالل �إبداء‬ ‫الر�أي‪ ،‬وتقدمي ر�أي مف�سر �أو داعم لدالالت‬ ‫الثقافة �أو رموز الواقع‪ .‬فهو يعمل بن�شاط‬ ‫لال�ستنطاق واال�ستك�شاف يف الثقافة والواقع‬ ‫ولي�س للتقليد واال�ستن�ساخ‪.‬‬ ‫وتتجه حركة العقل هنا �إىل مبدع الثقافة‪،‬‬ ‫للتعرف على ظروفه اخلا�صة والعامة املحيطة‬ ‫يف �إبداعه و�إنتاجه الثقايف واحل�ضاري‪،‬‬ ‫والطواف يف �أجوائها ومناخها وم�ؤثراتها‬ ‫ال�ستيعابها وفهمها ومعرفتها‪ ،‬من غري رغبة‬ ‫منه يف ك�شف عيوبها وتناق�ضاتها‪ .‬و�إذا الح‬ ‫له �شيء من العيوب �أو الق�صور حاول �سرته‬ ‫و�إذابة تناق�ضاته باالعتماد على "الت�أويل"‬ ‫و"التربير"‪.‬‬ ‫وعانى العقل املعا�صر من م�شكالت الت�أويل‬ ‫والتربير‪ ،‬وحماوالت التوفيق والتلفيق يف‬ ‫م�شاريعه النه�ضوية املطروحة وامل�ستوردة‪،‬‬ ‫التي �أحدثت فجوة كبرية بني الثقافة الر�سمية‬ ‫امل�ستوردة‪ ،‬والثقافة املختزنة يف عقول ال�شعوب‬ ‫امل�سلمة ووجدانها‪ .‬وارتاح العقل املعا�صر‬ ‫ّ‬ ‫م�شاق البحث والتفكري‪،‬‬ ‫�أو �أراح نف�سه من‬ ‫فا�سرتخى وا�ستقال مكتف ًيا بالقالب امل�ستعار يف‬ ‫م�شروعاته النه�ضوية‪� ،‬إما قالب م�ستورد بعيد‬ ‫عن ثقافته ودينه وح�ضارته‪� ،‬أو قالب موروث‬

‫بعيد عن واقعه وظروفه وحاجاته ورغباته‪.‬‬ ‫وهذه هي الطامة الكربى التي �أ�صابت العقل‬ ‫�أو الفكر املعا�صر‪.‬‬ ‫امل�ستوى الثالث‪ :‬هو الفكر التقوميي‪ ،‬وفيه‬ ‫يرتقي العقل من مرحلة التلقي املبا�شر‬ ‫ومرحلة الت�أويل الداليل �إىل مرحلة �أعلى‬ ‫هي "التقومي"‪ .‬وبذلك يكون العقل قد �أكمل‬ ‫دورته يف التلقي والت�أويل والتقومي �إن كانت‬ ‫حركته متدرجة مت�سل�سلة ال تتوقف عند‬ ‫مرحلة وجتمد عليها‪.‬‬ ‫فهذه املراحل �أو امل�ستويات الثالثة متداخلة‬ ‫ومتكاملة‪ ،‬حتى تتكون الر�ؤية ال�صائبة للثقافة‬ ‫املقروءة �أو الن�ص املدرو�س �أو الواقع املر�صود‪،‬‬ ‫فالبد للعقل �أو الفكر �أن يكمل عمله ال�سابق‬ ‫يف امل�ستوى الثالث يف تقوميه وت�شخي�صه‬

‫ال شك يف أن "أدلجة‬ ‫المعرفة" أو ُأحادية‬ ‫"الفكر"‪ ،‬دفعت بالعقل‬ ‫المعاصر إىل أن يحصر‬ ‫نشاطه يف مستوى‬ ‫التلقي المباشر‬ ‫من اآلخر‪ ،‬رغبة يف‬ ‫إخفاء العيوب وتبرير‬ ‫التناقضات‬ ‫وك�شف عيوبه وتناق�ضاته‪ ،‬بعد عملية تف�سريه‬ ‫ومعرفة ما فيه من �أفكار وظروف‪.‬‬ ‫هذه امل�ستويات الثالثة لآلية الن�شاط‬ ‫الفكري �أو العقلي‪ ،‬ت�صلح معيا ًرا نقد ًّيا نحتكم‬ ‫�إليه يف فهم العقل املعا�صر �أو الفكر الإ�سالمي‬ ‫املعا�صر‪ ،‬ملعرفة حدود ن�شاطه‪ ،‬وامل�ستوى الذي‬ ‫يتحرك فيه‪ ،‬وكيفية عمله يف كل م�ستوى من‬ ‫هذه امل�ستويات الثالثة‪ .‬وهذا بداية الطريق‬ ‫يف ت�شكيل العقل امل�سلم على �أ�س�س معرفية‬ ‫�صحيحة ووا�ضحة‪ ،‬وتخلي�ص الفكر الإ�سالمي‬ ‫من جموده وحتجره‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وال �شك يف �أن "�أدجلة املعرفة" �أو �أحادية‬ ‫"الفكر"‪ ،‬دفعت بالعقل املعا�صر �إىل �أن يح�صر‬

‫ن�شاطه يف م�ستوى التلقي املبا�شر من الآخر‪،‬‬ ‫رغبة يف �إخفاء العيوب وتربير التناق�ضات‪،‬‬ ‫ف�أدى ذلك �إىل �ضياعه ومتزقه وف�شل امل�شاريع‬ ‫النه�ضوية احلديثة‪ .‬ولو �أن الن�شاط الفكري‬ ‫�أو العقلي كان يتحرك ب�آلياته و�أدواته يف‬ ‫مناخ �سيا�سي متعدد‪ ،‬لكان عمله ال ينح�صر يف‬ ‫امل�ستوى الأول يف التلقي املبا�شر‪ ،‬و�إمنا جتاوز‬ ‫ذلك �إىل �شمولية التقومي وجديته يف و�ضع‬ ‫م�شروع نه�ضوي �إ�سالمي‪.‬‬ ‫الثبات والتطور يف الفكر الإ�سالمي‬ ‫�أقام اهلل �سبحانه وتعاىل نظام الكون واحلياة‬ ‫على نظام "الزوجية" املعروف لتبقى احلياة‬ ‫م�ستمرة متجددة‪ .‬وال يخرج �أمر الدين � ً‬ ‫أي�ضا‬ ‫عن هذه الثنائية يف البناء الكوين والإن�ساين‬ ‫لت�أمني بقائه وا�ستمراره؛ �إذ نالحظ فيه‬ ‫تالزم ثنائي ِة "الثبات والتجديد فيه"‪ .‬فالثبات‬ ‫يف الدين يرجع �إىل م�صدره الإلهي الأزيل‪،‬‬ ‫ويالزم هذا الثبات‪ ،‬التطو ُر والتجدي ُد املرتبط‬ ‫باملاديات الك�سبية املتفاعلة مع الواقع املتغري‪.‬‬ ‫وهذه هي التي يطر�أ عليها التطور والتجديد‪،‬‬ ‫�أو تبقى يف جمود وخمود بخالف الدين الذي‬ ‫يت�ضمن معنى الثبات واال�ستقرار‪ .‬ويغفل‬ ‫الكثريون عن معنى الثبات يف طبيعة الدين‪،‬‬ ‫وقد يو�صف باجلمود‪ ،‬بينما ظواهر اجلمود‬ ‫ال تنطبق على الدين‪ ،‬و�إمنا على �صور التدين‬ ‫ومواقف النا�س من الدين‪.‬‬ ‫وقد �شاءت �إرادة اهلل �سبحانه وتعاىل �أن‬ ‫تكون ثنائية بناء الكون واحلياة على نظام‬ ‫الزوجية‪� ،‬أدا ًة من �أدوات التغيري والتجديد‬ ‫يف الكون واحلياة‪ ،‬ال�ستمرارهما وبقائهما‪.‬‬ ‫وثنائية الثبات والتطور يف الدين � ً‬ ‫أي�ضا من‬ ‫�أجل الغاية نف�سها‪ ،‬يف بقائه ح ًّيا متجددًا يل ّبي‬ ‫حاجات الإن�سان يف كل الع�صور وفق املتغريات‬ ‫ال�سيا�سية واالجتماعية واحل�ضارية‪.‬‬ ‫و�صورة التدين تعني التفاعل مع الواقع‬ ‫املتجدد‪ ،‬لإثبات املعنى الديني الأزيل فيه‬ ‫وحتقيق العبودية هلل يف حركة الإن�سان‬ ‫وتوجهاته‪ ،‬فتغدو حركته املتفاعلة مع‬ ‫جمتمعه وع�صره على �صراط اهلل امل�ستقيم‪،‬‬ ‫�أما �إذا ظل تد ّينه على �صورة واحدة ال يرتقي‬ ‫ويتجدد بارتقاء احلياة وجتددها‪ ،‬ف�إنه �سريى‬ ‫نف�سه يف النهاية معزوال عن واقعه وع�صره‪،‬‬ ‫ريا ل�صورة التدين املخالفة لع�صره وواقعه‪.‬‬ ‫�أ�س ً‬ ‫ف�صورة التدين متغرية‪ ،‬لأنها تتعامل مع‬ ‫متغريات احلياة �ضمن مفهوم الثبات يف طبيعة‬

‫‪31‬‬


‫دراسا‬

‫ت‬ ‫إسالمية‬

‫الدين؛ �إذ �إن اهلل �سبحانه وتعاىل قد ابتلى‬ ‫الإن�سان بالتفاعل مع ظروف احلياة املتغرية‪،‬‬ ‫ليمتحن ثباته يف توجهه واجتاهه نحو ربه‪ ،‬كما‬ ‫ابتاله بالتفاعل مع الكون لي�ستخل�ص قوانينه‬ ‫ويفهم �أ�سراره‪ ،‬ولوال هذا التفاعل معه‪ ،‬ما‬ ‫كانت هذه العلوم املتطورة وهذا الت�سخري‬ ‫الكوين للإن�سان‪ .‬كما امتحن الإن�سان بالرخاء‬ ‫وال�شدة على ال�صعيد االجتماعي واالقت�صادي‬ ‫واحل�ضاري‪ ،‬لريى حركته و�سلوكه وت�ص ّرفه‬ ‫مع هذه املتغريات عليه‪ ،‬ومقدار ثباته على‬ ‫طريقه امل�ستقيم‪.‬‬ ‫والفكر الإ�سالمي فكر متجدد فيه ثوابت‬ ‫الدين‪ ،‬ومتغريات "التدين"‪ ،‬فتدور �صورة‬ ‫التدين حول حمور الدين الثابت يف �شتى‬ ‫ميادين احلياة‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬نالحظ �أن جتدد احلياة وتطورها‬ ‫يكمن يف هذه الثنائية الأ�سا�سية يف الكون‬ ‫واحلياة والإن�سان‪ .‬والفكر الإ�سالمي يخ�ضع‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا لهذه الثنائية يف الدين الثابت والتدين‬ ‫املتغري‪ ،‬وفق الظروف والأو�ضاع الك�سبية‬ ‫املتغرية‪.‬‬ ‫لذا نالحظ �أن "الإميان" يزيد وينق�ص‪ ،‬و�أن‬ ‫امل�ؤمن مطالب �أن يحقق الإميان حي ًنا بعد‬ ‫حني‪ ،‬فيظل يف مناء وتطور وازدياد يف حركة‬ ‫تفاعل مع الظروف والأو�ضاع‪ .‬حتى التقوى‬ ‫التي هي ذروة الإميان‪ ،‬متر مبراحل متجددة‬ ‫�ضمن حركة التفاعل االجتماعي وال�شعوري‪� ،‬إذ‬ ‫نالحظ هذا يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫( َل ْي َ�س َعلَى ا َّلذِ َ‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫َمِ‬ ‫ال�صالحِ َ اتِ‬ ‫َّ‬ ‫ين �آ َم ُنوا َ‬ ‫ُج َنا ٌح فِي َما َط ِع ُموا �إِ َذا مَا ا َّت َق ْوا َو�آ َم ُنوا َوعَمِ ُلوا‬ ‫ال�صالحِ َ اتِ ُث َّم ا َّت َق ْوا َو�آ َم ُنوا ُث َّم ا َّت َق ْوا َو�أَ ْح َ�س ُنوا‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لمْ‬ ‫َواهلل يُحِ ُّب ا ْح�سِ ِننيَ)(املائدة‪.)93:‬‬ ‫وقد يقال �إن هذه مراتب التقوى ومقاماتها‬ ‫وهذا �صحيح‪ ،‬ولكن �ألي�ست هذه املراتب متثل‬ ‫حركة تفاعل الفرد مع حميطه االجتماعي‬ ‫حتى يبلغ هذا املقام يف ح�سه و�شعوره وفكره‪.‬‬ ‫و�إذا ت�أملنا حركة "الدين" يف ق�ص�ص الأنبياء‪،‬‬ ‫نالحظ �أن اهلل �سبحانه وتعاىل يختار ر�سوله‬ ‫من بيئته ليحقق هذا املعنى يف تفاعل الدين‬ ‫مع املجتمع‪.‬‬ ‫وهذا يعني �أن املبادئ الثابتة ‪-‬يف دعوة‬ ‫الأنبياء‪ -‬واحدة و�إن تغريت ال�شرائع �أو جتددت‬ ‫وفق الأو�ضاع املتجددة‪ .‬وك�أن ال�شرائع متثل‬ ‫�صور اال�ستجابة للأو�ضاع املتجددة املعتمدة‬ ‫على دين التوحيد الثابت‪.‬‬

‫‪32‬‬ ‫و�إذا رجعنا �إىل بع�ض الن�صو�ص النبوية‪ ،‬ف�إنها‬ ‫ت�ؤكد حقيقة االبتالء يف احلياة من خالل‬ ‫�إدراك النا�س للعبادة يف حالة الرخاء‪ ،‬و�إدراكهم‬ ‫لها يف حالة ال�شدة‪ ،‬فتتجدد �صورة التدين من‬ ‫"�شكر" يف حالة الرخاء �إىل "�صرب" يف حالة‬ ‫ال�شدة‪.‬‬ ‫والر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يخرب يف‬ ‫ري الإ�سالم �سيع ّم‪ ،‬ثم يو�ضح‬ ‫حديث له؛ �أن خ َ‬ ‫�أنه ال يدوم �إذ يعقبه �شر‪ ،‬ثم ي�ؤول �إىل خري‬ ‫�آخر �أدنى من اخلري الأول �إذ فيه دخن‪.‬‬ ‫فهو ي�ؤكد على �أطوار احلياة وتق ّلباتها وما‬

‫البد من إحياء‬ ‫المفاهيم األصلية‬ ‫وبعث الحياة يف معاين‬ ‫التدين‪ ،‬حتى يكون‬ ‫الدين حركة تفاعل‬ ‫اجتماعي وحضاري‬ ‫للرقي باإلنسان نحو‬ ‫الخير والتقدم‪ ،‬وربطه‬ ‫بالحياة والسلوك‪،‬‬ ‫وإحياء حقائقه‬ ‫ومضامينه ال صوره‬ ‫وأشكاله‪.‬‬ ‫ت�ستلزمه من موقف يف كل طور؛ موقف جتاه‬ ‫اخلري‪ ،‬وموقف جتاه ال�شر‪ .‬وهو االمتحان‬ ‫الإلهي لعباده يف جتدد �صورة التدين املالزمة‬ ‫لتق ّلبات احلياة‪.‬‬ ‫بل �إن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يخرب‬ ‫مب�ش ًرا �أن اهلل �سبحانه وتعاىل يقي�ض للأمة‬ ‫جمددًا لأمر دينها‪ ،‬كلما ر�آها قد ا�ستكانت �إىل‬ ‫�صورة جامدة من �صور التدين يف الوجدان‬ ‫وال�سلوك‪ ،‬كلما داهمتها حتديات جديدة وظلت‬ ‫على �سكونها وجمودها‪ ،‬فيهيئ لها املجد َد لأمر‬

‫دينها‪ ،‬فيحيي وجدانها وين�شط فكرها وعقلها‬ ‫يف االجتهاد املتجدد‪ ،‬ويثري فيها روح النهو�ض‬ ‫بحركة متجددة من �صور التدين املواجهة‬ ‫للتحديات‪.‬‬ ‫وتاريخ الإ�سالم حافل بحركة دائبة من‬ ‫التدين حتقق دينها من مادة احلياة‪ .‬ف�إذا‬ ‫توقفت حركة امل�سلمني املتجددة وا�ستكانت �إىل‬ ‫�صورة ثابتة‪ ،‬ت�شكل تاريخهم بعيدًا عن دينهم‪.‬‬ ‫وهذا يعني �أن التجديد �صفة مالزمة للحركة‪،‬‬ ‫واحلركة �أ�سا�س الإ�سالم وجوهره‪ ،‬وهي حركة‬ ‫التوجه نحو اهلل �سبحانه وتعاىل يف �شتى �صور‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫طريق النه�ضة‬ ‫‪�-1‬إحياء املفاهيم الإ�سالمية‪ :‬البد من �إحياء‬ ‫املفاهيم الأ�صلية وبعث احلياة يف معاين‬ ‫التدين‪ ،‬حتى يكون الدين حركة تفاعل‬ ‫اجتماعي وح�ضاري للرقي بالإن�سان نحو‬ ‫اخلري والتقدم‪ ،‬وربطه باحلياة وال�سلوك‪،‬‬ ‫و�إحياء حقائقه وم�ضامينه ال �صوره و�أ�شكاله‪.‬‬ ‫و�سوف تقف �صور"التقليد" �أمام حركات‬ ‫التجديد والتطوير‪ ،‬ولكن الدين بعيد‬ ‫عن مظاهر اجلمود والتقليد‪� ،‬إذ �إن كلمة‬ ‫"الإ�سالم" امل�صدرية توحي بالتجدد امل�ستمر‪،‬‬ ‫لأن املرء حني �أ�سلم وي�سلم فهو يف حركة‬ ‫متفاعلة متجددة مع �أو�ضاع احلياة‪ .‬فهو‬ ‫�إذن‪ ،‬يف حالة جتدد وحيوية وعطاء‪ ،‬ولي�س يف‬ ‫حالة �سكونية جامدة طاملا �أن حركته �ضمن‬ ‫ثوابت الدين و�أحكامه‪ .‬من هنا نالحظ‬ ‫الآيات تركز على الفعل‪َ (:‬بلَى َمنْ �أَ ْ�سلَ َم َو ْج َه ُه‬ ‫للِهَّ ِ وَهُ َو محُ ْ �سِ ٌن َفلَ ُه �أَ ْج ُر ُه عِ ْن َد َر ِّب ِه َو اَل َخ ْو ٌف‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم َو اَل هُ ْم ي َْح َز ُنو َن)(البقرة‪( ،)112:‬‬ ‫َو َمنْ ي ُْ�س ِل ْم َو ْج َه ُه �إِلىَ اللهَّ ِ وَهُ َو محُ ْ �سِ ٌن َف َقدِ‬ ‫ْا�س َت ْم َ�س َك بِا ْل ُع ْر َو ِة ا ْل ُو ْثقى َو ِ�إلىَ اللهَّ ِ عَا ِق َب ُة‬ ‫الُمُو ِر )(لقمان‪ .)22:‬لأن حركة التفاعل هي‬ ‫ْأ‬ ‫الأ�صل حتى يبلغ الإن�سان ذروة الدين‪ ،‬وهذا‬ ‫ما نالحظه يف ن�صو�ص الدين كلها‪ ،‬و�أحكامه‬ ‫التي تنقله من طور الإ�سالم �إىل الإميان �إىل‬ ‫الإح�سان‪ .‬ومرتبة الإح�سان متجددة بتجدد‬ ‫ال�شعور وال�سلوك والأداء‪ ،‬بل �إن القر�آن الكرمي‬ ‫يجعل التجدد ً‬ ‫�شرطا للنه�ضة والنجاح بقوله‪:‬‬ ‫اب َمنْ د ََّ�ساهَا )‬ ‫( َق ْد �أَ ْفلَ َح َمنْ َز َّكاهَا * َو َق ْد َخ َ‬ ‫(ال�شم�س‪.)10-9:‬‬ ‫‪ -2‬اعتماد املعرفة الإ�سالمية‪ :‬يف م�صادر‬ ‫املعرفة ال يفرتق الوحي عن العقل وال يت�صادم‬ ‫معه‪ ،‬لأنهما يرجعان �إىل م�صدر واحد‪ ،‬وحمال‬


‫�أن نت�صور التعار�ض بينهما وهما ي�صدران من‬ ‫م�شكاة واحدة‪� .‬إذ الوحي يف ر�سالته الأوىل‪ ،‬كان‬ ‫دعوة �إىل التفكري والثقافة والعلم وتفجري‬ ‫الطاقات الإن�سانية الكامنة يف ت�سخري الكون‬ ‫للإن�سان‪ ،‬فهو دعوة ح�ضارية لالرتقاء‬ ‫والنهو�ض من خالل كلمته الأوىل‪( :‬ا ْق َر�أْ)‪،‬‬ ‫ومالزمة العبادة لكل الأ�شياء املقروءة و�صوال‬ ‫�إىل غايتها يف العبودية هلل �سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫وبذلك تتحدد حركة الإن�سان بحركة الكون‬ ‫واحلياة‪ ،‬فتكون قراءته الكونية واحلياتية‬ ‫متجهة يف �صورة العبودية هلل الواحد‪ .‬وقد‬ ‫جاء الوحي من �أجل تقدّم الإن�سان وح�ضارته‬ ‫وتعليمه ما مل يعلم‪ ،‬كما ورد يف الآيات اخلم�س‬ ‫ِا�س ِم َر ِّب َك‬ ‫الأوىل النازلة من ال�سماء‪( :‬ا ْق َر�أْ ب ْ‬ ‫ا َّلذِ ي َخلَ َق * َخلَ َق الإِ ْن َ�سا َن مِ نْ َعلَقٍ * ا ْق َر�أْ‬ ‫َو َر ُّب َك الأَ ْك َر ُم * ا َّلذِ ي َع َّل َم بِا ْل َقلَ ِم * َع َّل َم الإِ ْن َ�سا َن‬ ‫مَا لمَ ْ َي ْعلَ ْم)(العلق‪.)5-1:‬‬ ‫فك�أن هذه الر�سالة احل�ضارية للوحي‪،‬‬ ‫تن�سجم مع دور الإن�سان ووظيفته حني اختاره‬ ‫اهلل خليفة له وم�ستخل ًفا على كونه‪ ،‬لت�سخريه‬ ‫وتعمريه‪ ،‬ومن خالل حركة التفاعل معه‬ ‫لك�سب مادته وا�ستخال�ص قوانينه‪ ،‬وو�ضع‬ ‫مادته امل�سخرة �أداة �أو و�سيلة لعبادة اهلل �سبحانه‬ ‫وتعاىل‪ ،‬وحتقيق تدين الإن�سان من خالل‬ ‫موقفه من الكون وحادثات احلياة املتجددة‪،‬‬ ‫التي تتطلب جتديدًا �أو تطوي ًرا يالزم حركة‬ ‫الدين املتفاعلة مع احلياة‪.‬‬ ‫والعقبة الأ�سا�سية �أمام هذه احلركة اجلديدة‬ ‫للوحي هي "ظاهرة اجلمود الفكري"‪ .‬من هنا‬ ‫كان هذا الرتكيز القر�آين على �إذابة اجلمود‬ ‫الفكري والتحجر العقلي له �أولوية يف اخلطاب‬ ‫القر�آين‪ ،‬وهذه من مدلوالت كلمة (ا ْق َر�أْ)‬ ‫الأوىل التي تهدف �إىل �إذابة اجلمود بفعل‬ ‫القراءة امل�ستمرة يف الكون واحلياة والإن�سان‪،‬‬ ‫وهي قراءة �شاملة متكاملة ومتفاعلة‪ ،‬لت�ؤتي‬ ‫ثمارها وفوائدها يف فتح الآفاق الكونية‪،‬‬ ‫والآفاق العقلية‪ ،‬والآفاق الفكرية والروحية‪.‬‬ ‫ومن متطلبات هذه القراءة الواعية ال�شاملة‪،‬‬ ‫تف ُّتح احلوا�س وفاعليتها لت�ؤدي وظيفتها‬ ‫احلقّة‪ ،‬و�إال ف�إن تعطيلها يف�ضي بانتقال‬ ‫الإن�سان من �آدميته �إىل �صورة �أخرى م�شينة‬ ‫يفقد فيها خ�صو�صيته ومتيزه‪ .‬ومن �أين‬ ‫للخطاب الديني �أن يحقق غايته يف البالغ‬ ‫والنهو�ض بالفرد والأمة‪ ،‬يف جمتمع مو�سوم‬ ‫باجلمود الفكري كما ورد ذلك يف قوله تعاىل‪:‬‬

‫ريا مِ َن الجْ ِ ِّن َوا ِلإ ْن ِ�س‬ ‫( َو َل َق ْد َذ َر ْ�أ َنا لجِ َ َه َّن َم َك ِث ً‬ ‫َ‬ ‫َل ُه ْم ُق ُلوبٌ َال َي ْف َقهُو َن ِبهَا َو َل ُه ْم �أ ْعينُ ٌ َال‬ ‫ُي ْب ِ�ص ُرو َن ِبهَا َو َل ُه ْم �آ َذ ٌان َال ي َْ�س َم ُعو َن ِبهَا �أُو َلئ َِك‬ ‫َكالأَ ْن َعا ِم ب َْل هُ ْم �أَ َ�ض ُّل �أُو َلئ َِك هُ ُم ا ْل َغا ِف ُلو َن)‬ ‫(الأعراف‪.)179:‬‬ ‫فالآيات ت�ؤكد �أن تعطيل "احلوا�س" يعني‬ ‫تعطيل "م�صادر املعرفة" التي هي و�سيلة‬ ‫النهو�ض والوثوب والتجدد امل�ستمر مع �أو�ضاع‬ ‫احلياة والظروف‪ ،‬بل �إن الآية تعترب ه�ؤالء‬ ‫املعطلني حلوا�سهم املدركة قد اعرتتهم الغفلة‬ ‫عن احلقيقة‪ ،‬فال ميكن للمرء �أن ي�صل �إليها‬ ‫�إال من خالل �إعمالها من خالل حركة التفاعل‬ ‫مع الكون املحيط‪ ،‬ال�ستخال�ص حقائقه‬ ‫وقوانينه‪.‬‬ ‫هذه "احلركة الن�صية" يف ا�ستقبال احلوا�س‬ ‫للم�ؤثرات‪ ،‬و�إدراكها وحتليلها وا�ستيعابها‬ ‫واتخاذ املواقف املنا�سبة من الكون واحلياة‪،‬‬ ‫ال تتم �إال بحركية مقابلة يف �سلوك الإن�سان‬ ‫وتفاعله مع حميطه‪ ،‬حتى ال يكون من‬ ‫الغافلني عن كونه �أو خلقه �أو عبادته‪ ،‬وهذه‬ ‫نقطة البداية يف معاجلة "اجلمود الفكري"‪.‬‬ ‫ف�إن القر�آن الكرمي يف دعوته �إىل التفكري‬ ‫َ‬ ‫املخاطب على االت�صال‬ ‫والعقل‪ ،‬حث الإن�سان‬ ‫بالكون املحيط به‪ ،‬وك�أنه يدعوه �إىل الأخذ‬ ‫مب�صدري املعرفة احل�سي والعقلي بالإ�ضافة‬ ‫�إىل الوحي الذي يتكامل معهما وال يتناق�ض‪.‬‬ ‫وهذه الدعوة �إىل االت�صال بالكون ال�ستك�شاف‬ ‫حقائقه التي هي حقائق العلم وقوانينه‪ ،‬هي‬ ‫دعوة م�ستمرة ومتجددة‪ ،‬لينتقل الإن�سان‬ ‫من طور علمي �إىل طور عملي وفق حركة‬ ‫تفاعله وقدراته الك�سبية‪ ،‬التي مت ّكنه من‬ ‫امتالك املعرفة التي هي حركة متجددة‬ ‫ولي�ست �سكونية ثابتة‪ .‬وملتقى الوحي‬ ‫واحل�س هو "العقل"‪� ،‬إذ ال ميكن �أن يد َرك‬ ‫الوحي �إال بالعقل‪� ( :‬إِ َّنا َج َع ْل َنا ُه ُق ْر�آ ًنا َع َر ِب ًّيا‬ ‫َل َع َّل ُك ْم َت ْع ِق ُلو َن)(الزخرف‪ .)3:‬واحل�س � ً‬ ‫أي�ضا‬ ‫ال�س َما َواتِ‬ ‫ال يد َرك �إال بالعقل‪�ِ ( :‬إ َّن فيِ َخ ْلقِ َّ‬ ‫َوالأَ ْر ِ�ض َواخْ ِت َ‬ ‫ال ِف ال َّل ْيلِ َوال َّنهَا ِر َوا ْل ُف ْل ِك ا َّلتِي‬ ‫ا�س َومَا �أَ ْن َز َل‬ ‫تجَ ْ رِي فيِ ا ْل َب ْح ِر بمِ َا َي ْن َف ُع ال َّن َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال�س َما ِء مِ نْ مَا ٍء َف�أَ ْح َيا ِب ِه الأ ْر�ض َب ْع َد‬ ‫اهلل مِ َن َّ‬ ‫َم ْو ِتهَا َوب ََّث فِيهَا مِ نْ ُك ِّل دَا َّب ٍة َو َت ْ�صرِيفِ ال ِّريَا ِح‬ ‫ال�س َما ِء َوالأَ ْر ِ�ض َلآيَاتٍ‬ ‫ال�س َحابِ المْ ُ َ�س َّخ ِر َبينْ َ َّ‬ ‫َو َّ‬ ‫ِل َق ْو ٍم َي ْع ِق ُلو َن)(البقرة‪.)164:‬‬ ‫وبذلك تتكامل م�صادر املعرفة يف الثقافة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬و�أعني بذلك الوحي واحلوا�س‬

‫والعقل‪ .‬فيكون الوحي مك ّمال مل�صدري املعرفة‬ ‫احل�سي والعقلي‪ ،‬وبذلك ي�ضع القر�آن الأمة‬ ‫على طريق النه�ضة العلمية‪ ،‬لت�أخذ حظها من‬ ‫التقدّم واحل�ضارة والرفاهية و�سعادة الإن�سان‪،‬‬ ‫متطلعة �إىل �إحياء فكري نه�ضوي‪ ،‬ي�ستفيد‬ ‫من توجيهات الوحي نحو العلم والعقالنية‬ ‫والتفكري‪ ،‬كما ي�ستفيد من الكون املحيط يف‬ ‫حركته‪ ،‬لأنه جمال الت�سخري والتمكني‪.‬‬ ‫والبد �أن �أ�شري �إىل �أن هذه النه�ضة املطلوبة‬ ‫لي�ست تر ًفا‪ ،‬و�إمنا هي �ضرورة الزمة لتحقيق‬ ‫عبادة اهلل يف �صور احلياة كلها‪ ،‬فال تقت�صر‬ ‫�صورة التدين على جانب منها‪ ،‬و�إمنا ت�شملها‬ ‫كلها‪ .‬وهذه ال�شمولية التعبدية ال تتحقق �إال‬ ‫من خالل التفاعل مع الواقع للنهو�ض به‪.‬‬ ‫ولكن النه�ضة املن�شودة‪ ،‬لها قوانينها و�أ�صولها‪،‬‬ ‫وهي ال حتابي �أحدًا لعقيدته �أو لدينه‪ ،‬فكل من‬ ‫قام ب�أ�صولها �أو قوانينها ف�إنه ي�صل �إىل ثمارها‬ ‫ونتائجها ولو كان غري م�سلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بناء جمتمع �صناعي‪ :‬علينا �أن منيز يف‬ ‫م�شروع النه�ضة بني نه�ضة فكرية ونه�ضة‬ ‫�صناعية‪ .‬فالفكر له قوانينه اخلا�صة به يف‬ ‫التطور والتجديد عرب الع�صور والأجيال وفق‬ ‫قانون املدافعة التاريخي‪َ ( :‬ف�أَ َّما ال َّز َب ُد َف َي ْذه َُب‬ ‫ا�س َف َي ْم ُك ُث فيِ الأَ ْر ِ�ض‬ ‫ُج َفا ًء َو�أَ َّما مَا َي ْن َف ُع ال َّن َ‬ ‫َك َذل َِك ي َْ�ضر ُِب ُ‬ ‫اهلل الأَ ْم َثا َل)(الرعد‪� .)17:‬أما‬ ‫النه�ضة ال�صناعية فهي حمكومة ب�أطرها‬ ‫املادية �ضمن القدرات والإمكانيات واخلطط‪.‬‬ ‫فم�شكلتنا يف امل�شروع النه�ضوي الإ�سالمي‪� ،‬أننا‬ ‫نخلط بني ما هو فكري وما هو �صناعي مادي‪.‬‬ ‫�إن �إقامة جمتمع �صناعي‪ ،‬يحتاج �إىل �إرادة‬ ‫�سيا�سية قوية وعقل خمطط متفتح ر�شيد‪،‬‬ ‫و�إمكانات مادية وب�شرية‪ ،‬وقيم وطنية عالية‬ ‫ت�ضع الوطن والأمة والتاريخ يف مقدمة‬ ‫حركتها الواعية وفق مراحل البناء ال�صناعي‬ ‫من ا�ستعداد ح�ضاري‪ ،‬ثم ا�ستيعاب لكل‬ ‫املنجزات احل�ضارية القائمة‪ ،‬ثم مرحلة‬ ‫�صيانتها ثم حماكاتها وتقليدها‪ ،‬ثم الإبداع‬ ‫والتجديد فيها‪.‬‬ ‫ونخل�ص �إىل مق ّومات امل�شروع النه�ضوي‬ ‫الإ�سالمي و�أعمدته الأ�سا�سية يف الأ�صالة‬ ‫واملعا�صرة والدميوقراطية والتكنولوجيا‪.‬‬ ‫وهذه العنا�صر تقوم على فكر متنوع‪ ،‬متفتح‬ ‫وحياة متجددة متطورة �ضمن الثوابت‬ ‫واملتغريات‬

‫‪33‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪34‬‬ ‫النظام الدولي كما أتصوره يتكون من حلقتين‪ ،‬حلقة‬ ‫ُأسميها دول المركز وهي الواليات المتحدة وأوروبا الغربية‪،‬‬ ‫وحلقة أوسع هي دول األطراف التي تشمل كل العالم ما‬ ‫عدا دول المركز‪ .‬فدول المركز تسيطر على دول األطراف‬ ‫عبر أربع وسائل‪:‬‬

‫أي مستقبل لألمة في زمن‬ ‫االحتكارات‬

‫د‪.‬عبد اهلل النفي�سي‬

‫النظام الدويل كما �أت�صوره يتكون من‬ ‫حلقتني‪ ،‬حلقة �أُ�سميها دول املركز وهي‬ ‫الواليات املتحدة و�أوروبا الغربية‪ ،‬وحلقة‬ ‫�أو�سع هي دول الأطراف التي ت�شمل كل العامل‬ ‫ما عدا دول املركز‪ .‬فدول املركز ت�سيطر على‬ ‫دول الأطراف عرب �أربع و�سائل‪:‬‬ ‫الو�سيلة الأوىل‪ :‬احتكار التقنية الع�سكرية‬ ‫احتكار �صناعة ال�سالح بكل �أنواعه التقليدي‬ ‫وغري التقليدي‪ ،‬فدول املركز تلح على حقها‬ ‫يف احتكار التقنية الع�سكرية‪ ،‬وامل�شكلة التي‬ ‫بينهم وبني �إيران —حاليا‪ -‬تف�صح عن هذه‬ ‫امل�شكلة‪ ،‬فممنوع على دول الأطراف �أن تبا�شر‬ ‫يف الولوج �إىل ميدان التقنية الع�سكرية‪.‬‬ ‫لقد ثارت ثائرة الأمريكان على جنم الدين‬ ‫�أربكان يف تركيا عندما كان وزيراً لل�صناعة‬ ‫يف تركيا‪ ،‬وطرح على جمل�س الوزراء �أن‬ ‫يبا�شر يف �صناعة الذخرية ‪-‬فقط‪ -‬لتزويد‬ ‫اجلي�ش الرتكي‪ ،‬وثارت ثائرة الأوروبيني‪،‬‬ ‫و�ساهموا يف االنقالب الع�سكري لإق�صاء جنم‬

‫الدين �أربكان من دواليب ال�سلطة و�إلقائه يف‬ ‫غياهب ال�سجن‪ ،‬و�إحداث هذا التغيري عرب‬ ‫الع�سكر الرتك الذين يتميزون بعمالة فائقة‬ ‫للأمريكان وللغرب الأوروبي‪ .‬لقد انزعجوا‬ ‫من مبادرة �أربكان ور�أوا �أن هذا م�ؤ�شر خطر‪.‬‬ ‫ال�سالح ت�صنيعاً وت�سويقاً وترويجاً ومنحاً‬ ‫ومنعاً يجب �أن يكون ح�سب ت�صور دول املركز‬ ‫بيد �أمريكا والغرب الأوروبي‪ ،‬وعلينا نحن يف‬ ‫دول الأطراف �أن ن�ستهلك هذا ال�سالح‪.‬‬ ‫ومعلوم ب�أن الذي يتحكم بال�سالح يتحكم‬ ‫باحلرب وبنتيجة احلرب وبتوقيت احلرب‪،‬‬ ‫ومن هنا كان من حق الكيان ال�صهيوين �أن‬ ‫يتفوق علينا ح�سب نظرية دول املركز‪ ،‬من‬ ‫حق الكيان ال�صهيوين �أن يتفوق على العرب‬ ‫ع�سكرياً‪ ،‬و�أن تكون لديه تر�سانة نووية‬ ‫ح�سب التقديرات تفوق ‪ 250‬ر�أ�سا نوويا‪ -‬يف‬‫مفاعل دميونا ب�صحراء النقب‪ ،‬لكن لي�س‬ ‫من حق العرب وامل�سلمني �أن يفكروا جمرد‬ ‫تفكري‪ ،‬ف�ضال عن �أن يبادروا بغ�شيان جمال‬


‫الت�صنيع الع�سكري‪.‬‬ ‫لقد بد�أ العراق منذ فرتة بدخول هذا املجال‬ ‫وجنح يف بناء قاعدة من العلماء ولكن �أوعزت‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬وال �أقول بادر الكيان‬ ‫ال�صهيوين‪ ،‬لل�صهاينة ب�ضرب املفاعل النووي‬ ‫العراقي �سنة ‪ ،1981‬وتخريب كل اخلطوات‬ ‫البناءة التي قام بها العراق لبناء جتربة‬ ‫علمية يف العامل العربي يف هذا املجال‪.‬‬ ‫وعندنا ت�صور م�ؤ�سف للغاية �أن هذا الكيان‬ ‫ال�صهيوين هو الذي يهيمن على �أمريكا‬ ‫والغرب‪ ،‬وهذا ت�صور خاطئ‪ ،‬لأنه يخدم‬ ‫الكيان ال�صهيوين‪ ،‬فالكيان ال�صهيوين ال‬ ‫ي�سيطر على الغرب‪� ،‬إنه هراوة بيد الغرب‪،‬‬ ‫�إنه هراوة �صنعها الأمريكان والأوروبيني‬ ‫ل�ضربنا و�ضرب الأمة متى �شاءوا وكيف‬ ‫�شاءوا و�أين �شاءوا‪ .‬فالكيان ال�صهيوين �أحقر‬ ‫من �أن ي�سيطر على الغرب‪ ،‬بل الغرب الذي‬ ‫ي�ستعمل الكيان ال�صهيوين ل�ضربنا‪ ،‬ولقد‬ ‫�ضرب الكيان ال�صهيوين عدة جتارب عربية‬ ‫حتى يف الوحدة‪.‬‬ ‫�إن احتكار التقنية الع�سكرية و�سيلة من‬ ‫و�سائل ال�سيطرة‪ ،‬لذلك نحن دول مك�شوفة‬ ‫ع�سكرياً‪ ،‬ي�ستطيع عدونا �أن ي�ضربنا يف �أي‬ ‫فرتة‪ ،‬ففي �سنة ‪1975‬م عندما �أقدمت اململكة‬ ‫العربية ال�سعودية ودولة الإمارات العربية‬ ‫املتحدة على حظر النفط عن الواليات‬ ‫املتحدة �أيام املرحوم في�صل بن عبد العزيز‪،‬‬ ‫بادر الأمريكان بتهديد دول اخلليج يف �شتاء‬ ‫‪1975‬م‪ ،‬بحيث ميكن احتالل �شريط النفط‬ ‫من الكويت �إىل �سلطنة عمان‪ ،‬وقدمت ورقة‬ ‫�إىل الكوجنر�س الأمريكي ‪-‬وهي موجودة يف‬ ‫مكتبة الكوجنر�س ت�ستطيع �شراءها ب�أقل من‬ ‫دوالر واحد‪ ،‬ون�شرت يف بع�ض الكتب‪ -‬تك�شف‬ ‫عن اخلطة التي عر�ضت على جلنة الدفاع‬ ‫والأمن يف الكوجنر�س حول �ضرورة احتالل‬ ‫�شريط النفط من الكويت �إىل ال�سلطنة‪،‬‬ ‫وقد علق عليها كثري من امل�ؤرخني واملحللني‬ ‫اال�سرتاتيجيني يف الواليات املتحدة‪.‬‬

‫وبعد مداوالت خل�ص الكوجنر�س �إىل �أنه ال‬ ‫حتتاج الواليات املتحدة للدخول يف جمال‬ ‫االحتالل الع�سكري لدول اخلليج‪ ،‬حيث‬ ‫�إن هذه الدول تقدم النفط بالأ�سعار التي‬ ‫يقبل بها ال�سوق يف الواليات املتحدة و�أوروبا‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫�إذاً �أول �ضلع للتحكم هو التقنية الع�سكرية‪،‬‬ ‫ممنوع علينا �أن ننتج ال�سالح‪ ،‬ممنوع علينا‬ ‫�أن نفكر ب�إنتاج ال�سالح �أو الذخرية‪ ،‬ممنوع‬ ‫علينا �أن ندخل يف جمال التقنية الع�سكرية‪،‬‬ ‫وعلينا �أن نبقى م�ستهلكني‪ ،‬ن�ستورد ال�سالح‬ ‫بالطريقة وبال�شروط التي تفر�ضها الواليات‬ ‫املتحدة وتفر�ضها �أوروبا الغربية‪ ،‬واحللف‬ ‫الأطل�سي يراقب هذه العملية‪ ،‬وله جلانه وله‬ ‫خربا�ؤه الذين يراقبون هذه العملية‪.‬‬ ‫الو�سيلة الثانية‪ :‬احتكار اخلامات‪ :‬ال�ضلع‬ ‫الثاين للتحكم يف مقدراتنا‪ ،‬احتكار اخلامات‪،‬‬ ‫و�أق�صد باخلامات النفط والقمح‪.‬‬ ‫‪1‬ـ ال�سيطرة على النفط‪:‬‬ ‫دول املركز ترى �أن حقول النفط كلها ال بد‬ ‫�أن تكون حتت يد دول املركز‪ ،‬والعراق من‬ ‫�أهم اال�ستهدافات‪ ،‬فلم يكن �إق�صاء �صدام‬ ‫هو الهدف من احلرب الأخرية‪ ،‬ف�صدام ال‬ ‫يحتاج كل هذه اجليو�ش اجلرارة للتخل�ص‬ ‫منه �أبداً‪ ،‬ولكن و�ضع اليد على حقول النفط‬ ‫يف العراق‪� .‬إذا من �أهم الأ�سباب التي دفعت‬ ‫الواليات املتحدة لغزو العراق احتكار النفط‪:‬‬ ‫تنقيبا‪ ،‬نقال‪ ،‬ت�سويقا وت�سعريا‪..‬‬ ‫نحن دول منتجة للنفط‪ ،‬وحتى الآن لي�س‬ ‫لدينا �أ�ساطيل لناقالت النفط‪ ،‬حتى نقل‬ ‫نفطنا واال�ستفادة من هذا النقل ال يحق لنا‬ ‫�أبداً‪ ،‬من التنقيب �إىل النقل �إىل الت�سويق �إىل‬ ‫الت�سعري كله بيد ال�شقيقات ال�سبع‪ ،‬ال�شركات‬ ‫ال�سبع الغربية التي حتتكر نفط املنطقة يف‬ ‫ال�شمال الإفريقي‪ ،‬يف الهالل اخل�صيب‪ ،‬يف‬ ‫اجلزيرة العربية‪ ،‬كل هذه الأرجاء خا�ضعة‬ ‫لهذه امليكانيكية يف التعامل!‬ ‫نفطنا �إذاً ال زال ي�ستعمل ل�صالح االقت�صاد‬

‫يف دول املركز‪ ،‬ولي�س ل�صالح التنمية يف دول‬ ‫الأطراف‪ .‬فالنفط الآن لي�س م�صدرا للطاقة‬ ‫فقط‪ ،‬بل هو م�صدر للنفوذ الدويل‪� ،‬إذ‬ ‫ب�سيطرة دول املركز على حقول النفط تك�سب‬ ‫دول املركز التي هي الواليات املتحدة و�أوروبا‬ ‫الغربية نفوذها الدويل‪.‬‬ ‫ال�صني ال�صناعية كابو�س للواليات املتحدة‪،‬‬ ‫لكنها بحاجة �إىل مزيد من النفط‪ ،‬من نفط‬ ‫العراق واخلليج واملنطقة العربية عموما‪،‬‬ ‫وحاجتها للنفط مت�صاعدة‪ .‬ولأن الواليات‬ ‫املتحدة جتتاح لل�سيطرة على حقول النفط‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬معناه �أنها ت�ستطيع �أن تتحكم‬ ‫يف العالقة بني ال�صني واملنطقة‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ت�ستطيع �أن حتا�صر ال�صني تنموياً‪ ،‬ولذلك‬ ‫تالحظون �أن معاجلة الأمريكان ملو�ضوع‬ ‫كوريا ال�شمالية‪ ،‬معاجلة حذرة ومرتددة‪،‬‬ ‫لي�س ب�سبب خوفها من كوريا ال�شمالية؛‬ ‫بل لأن ال�ضامن الإ�سرتاتيجي لكوريا‬ ‫ال�شمالية هو ال�صني‪ .‬فالأمريكان خائفني‬ ‫من �أن تتطور النزاعات مع كوريا ال�شمالية‬ ‫فتدخل ال�صني على اخلط‪ ،‬فتكون الواقعة‪.‬‬ ‫الأمريكان يريدون ال�صني م�شغولة يف‬ ‫ال�سوق‪ ،‬يف االقت�صاد‪ ،‬يف التنمية‪ ،‬يف الرتويج‬ ‫لأفكارهم داخل ال�صني‪.‬‬ ‫اليابان كذلك بحاجة ما�سة �إىل النفط‪،‬‬ ‫ولي�س لديها خامات ت�ستطيع �أن تناف�س بها‬ ‫الدول الأخرى‪ ،‬هي متتلك املوارد الب�شرية‬ ‫والتقنية‪ ،‬لكنها بحاجة �إىل نفط‪ ،‬فكون‬ ‫الأمريكان ي�ضعون �أيديهم على حقول‬ ‫النفط يف منطقتنا‪ ،‬فهذا يحول دون العالقة‬ ‫االن�سيابية بني اليابان واملنطقة العربية‪.‬‬ ‫�أوروبا الغربية بحاجة �إىل نفطنا‪ ،‬بل بحاجة‬ ‫ما�سة �إىل نفطنا �أكرث من حاجة الأمريكان‬ ‫�إليه‪ ،‬فكون الأمريكان ي�ضعون �أيديهم على‬ ‫حقول النفط يف العراق واجلزيرة العربية‬ ‫وغريها من �أرجاء العامل العربي والإ�سالمي‪،‬‬ ‫ف�إنهم بهذا يحولون دون التنمية الأوروبية‬ ‫�إال بالقدر الذي يحقق لهم الفوائد يف امليزان‬

‫‪35‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫الإ�سرتاتيجي بينهم وبني الأوروبيني‪ ،‬وهناك‬ ‫خالف كبري بني الأمريكيني والأوروبيني‪.‬‬ ‫وكي�سنجر ‪-‬مهند�س ال�سيا�سة اخلارجية‬ ‫الأمريكية‪ -‬كتب كثرياً يف هذا املجال‬ ‫—جمال اخلالف‪ -‬داخل الأطل�سي بني‬ ‫الأوروبيني والأمريكان‪ ،‬وكتب كتابه ال�ضخم‬ ‫(ال�شراكة امل�ضطربة‪The trouble‬‬ ‫‪.)participation‬‬ ‫�إن �أوروبا ال ت�ستطيع توفري رجال الأمن‬ ‫حلماية مدنها الرئي�سية‪ ،‬وهناك �أو�ضاع‬ ‫م�ضطربة كثرياً يف �أوروبا‪ ،‬لذلك ال زالوا‬ ‫يعي�شون يف ظل الأمريكان‪ ،‬ويتخوفون من‬ ‫اال�صطدام معهم‪ ،‬وهناك خ�ضوع �إىل حد ما‬ ‫للإرادة الأمريكية داخل احللف الأطل�سي‪.‬‬ ‫‪2‬ـ ال�سيطرة على القمح‪:‬‬ ‫�أذكر �أن كي�سنجر زارنا يف اجلزيرة العربية‬ ‫�سنة ‪1975‬م‪ ،‬وكان من �ضمن الأجندة التي‬ ‫حتدث عنها مع امل�سئولني يف اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية زراعة القمح‪ ،‬وت�ساءل منزعجا ملاذا‬ ‫تزرعون القمح؟ نحن ن�ستطيع �أن نورد لكم‬ ‫القمح �إىل ميناء جدة ب�سعر �أرخ�ص بكثري‬ ‫من تكلفة �إنتاج الكيلو الواحد يف ال�سعودية‪،‬‬ ‫فلماذا تزرعون القمح؟‬ ‫وقيل له حينها‪� :‬إن هناك توجها لدى امللك‬ ‫في�صل بن عبد العزيز وحكومته لتحقيق‬ ‫�شيء من االكتفاء الذاتي الغذائي يف‬ ‫اجلزيرة العربية‪ ،‬و�أن هناك قابلية للزراعة‪،‬‬ ‫و�أن اململكة تريد ا�ستثمار هذه القابلية �سوا ًء‬ ‫يف �أرا�ضيها �أو يف غريها من �أرجاء اجلزيرة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫انزعج الأمريكان من هذا الكالم‪ ،‬وعقد‬ ‫كي�سنجر م�ؤمتره ال�صحفي ال�شهري يف‬ ‫مطار الريا�ض‪ ،‬وقال فيه كالماً �ساخنا‬ ‫مفاده‪" :‬افعلوا ما �شئتم يف اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫و�ستكت�شفون يف امل�ستقبل �أنكم لن ت�ستطيعوا‬ ‫�شرب النفط"‪ ،‬ك�أمنا يهدد ب�أنه �إذا مل تقبلوا‬ ‫ب�سيطرتنا على النفط والقمح ف�سوف‬ ‫تندمون‪.‬‬ ‫هذا هو ال�ضلع الثاين؛ �سيطرة على النفط‬ ‫و�سيطرة على القمح‪ ،‬فمن ي�سيطر على‬

‫‪36‬‬ ‫النفط ي�سيطر على التنمية‪ ،‬ومن ي�سيطر‬ ‫على القمح ي�سيطر على املعدة‪ ،‬وعملية‬ ‫اجلوع لدى دول الأطراف‪.‬‬ ‫الو�سيلة الثالثة‪ :‬ال�شرعية الدولية‪:‬‬ ‫�أما ال�ضلع الثالث‪ ،‬فهو ما ي�سمى اليوم زوراً‬ ‫وبهتاناً (ال�شرعية الدولية)‪ .‬فال�شرعية‬ ‫الدولية تتمثل اليوم بالأمم املتحدة‪،‬‬ ‫والأمم املتحدة يف نظر دول املركز هي‬ ‫الآلة �أو الرت�سانة القانونية الدولية التي‬ ‫تتحكم يف اجتاهات العامل‪ ،‬فهم م�سيطرون‬ ‫على جمل�س الأمن‪ ،‬ولهم فيه حق الفيتو‪،‬‬ ‫ليقرروا‪ :‬هذه دولة مارقة‪ ،‬وهذه زعامة‬ ‫مارقة‪ ،‬وهذه دولة م�سموح لها �أن تبقى‪،‬‬ ‫وهذه دولة ينبغي �أن ت�شطب من الوجود‪،‬‬ ‫ف�أ�صبحوا متحكمني بنا عرب (ال�شرعية‬ ‫الدولية)‪ .‬ف�أ�صبحت الأمم املتحدة �سالحاً‬ ‫بيد الأمريكان وبيد الأوروبيني الغربيني‪،‬‬ ‫رغم �أن الواليات املتحدة تهدد الأمم املتحدة‬ ‫ب�أنها �سوف تتوقف عن دفع التزاماتها املالية‬ ‫للأمم املتحدة‪ ..‬يعني �أنها تهدد كيان الأمم‬ ‫املتحدة كله‪.‬‬ ‫لقد كانت معركة جتديد تن�صيب بطر�س‬ ‫غايل �سنة ‪1996‬م �أمرا كا�شفا وفا�ضحا‪،‬‬ ‫فكل الدول مبا فيها الأوروبية الغربية‪،‬‬ ‫مبا فيها فرن�سا‪ ،‬كانت ت�ؤيد التجديد‬ ‫للم�صري بطر�س غايل الذي جنح يف �إدارة‬ ‫الأمم املتحدة‪ ،‬ف�أغلبية اجلمعية العامة‬ ‫يف الأمم املتحدة كانت متحم�سة للتجديد‬ ‫له‪ ،‬وعدد من الأع�ضاء الدائمني يف جمل�س‬ ‫الأمن كانوا متحم�سني للتجديد وبالأخ�ص‬ ‫فرن�سا‪ ..‬لأن بطر�س غايل يعترب من �أقطاب‬ ‫الفرانكفونية‪ ،‬و�سعى يف �إقامة م�ؤمترات‬ ‫للفرانكفونية داخل �إفريقيا مما �أعاد لفرن�سا‬ ‫�شيئاً من الهيبة فيها‪ ،‬فكانت فرن�سا جتد‬ ‫م�صلحة كبرية يف وجوده‪ ،‬ولكن الأمريكان‬ ‫حتفظوا من االجتاه الالتيني داخل الإدارة‬ ‫العليا يف الأمم املتحدة‪ ،‬فقالوا ال بد �أن نقمع‬ ‫بطر�س غايل و�أفريقيا‪ ،‬ف�أتوا بهذا الرجل‬

‫الباهت‪ ،‬كويف عنان‪ ،‬وهو رجل �أثبتت الأيام‬ ‫�ضعفه‪ ،‬و�أنه ال يرقى �إىل م�ستوى امل�سئولية‬ ‫ال�ضخمة التي حتملها‪ .‬و�سارت الأمور يف‬ ‫الأمم املتحدة مل�صلحة الواليات املتحدة منذ‬ ‫�أن توىل كويف عنان من�صب الأمني العام‬ ‫للأمم املتحدة‪.‬‬ ‫وامللف النووي الإيراين �أ�صبح بيد الواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية‪ ،‬ت�ستعني عليه مبجل�س‬ ‫الأمن ملحا�صرة �إيران‪ ،‬وفر�ض العقوبات‬ ‫عليها‪ ،‬و�إدخال املنطقة يف توتر جديد‪ .‬هذه‬ ‫هي �سيا�سة وا�شنطن دائما‪.‬‬ ‫فالعقيدة الع�سكرية للواليات املتحدة —‬ ‫والتي يتبعهم فيها الأوروبيون الغربيون‪-‬‬ ‫تقول ب�ضرورة ت�صعيد النزاعات والتوترات‬ ‫املحدودة واملحكومة ا�سرتاتيجيا‪ .‬فالأمريكان‬ ‫يتدخلون يف مو�ضوع فل�سطني منذ‬ ‫اخلم�سينات‪ ،‬وهم حري�صون على ما ي�سمونه‬ ‫بـ(عملية ال�سالم بني العرب وال�صهاينة)‪.‬‬ ‫هم حري�صون على العملية‪ ،‬ولكن لي�س على‬ ‫ال�سالم‪ ،‬حري�صون على الـ(‪)process‬‬ ‫ولي�س على الـ(‪ ،)peace‬هم حري�صون على‬ ‫�أن ت�ستمر العملية‪ ،‬ولي�سوا حري�صني على‬ ‫ال�سالم‪ ،‬لأنه يف النهاية ال يخدم م�صاحلهم‪،‬‬ ‫بل الذي يخدم م�صاحلهم �أن تظل املنطقة‬ ‫يف حالة توتر‪ ،‬ولكن توتر حمدود وحمكوم‬ ‫ا�سرتاتيجيا‪ ،‬حتى ال يتحول �إىل حرب‬ ‫كارثية تهدد امل�صالح الفعلية للأمريكان‬ ‫والأوروبيني يف املنطقة‪.‬‬ ‫�إذا فال بد من التفكري بكيفية معاجلة هذا‬ ‫ال�ضلع (ال�شرعية الدولية)‪ ،‬ومعاجلة هذا‬ ‫الو�ضع‪ ،‬وهل يجب �أن نخ�ضع ملجل�س الأمن‬ ‫والأمم املتحدة املفل�سني‪ ،‬و�إىل متى يظل‬ ‫العامل هكذا منذ �سنة ‪1945‬م حتى الآن‪..‬‬ ‫�إجنليز‪ ،‬فرن�سيون‪� ،‬أمريكان‪ ..‬لديهم حق‬ ‫الفيتو ليتحكموا بالعامل‪ ،‬يقررون احلروب‪،‬‬ ‫ويقررون العقوبات االقت�صادية‪ ،‬ويحملوننا‬ ‫ما ال نطيق يف هذه املنطقة‬ ‫باحث ومفكر �سيا�سي ‪ -‬الكويت‬


‫خطر المخدرات وآثارها المدمرة على‬ ‫المجتمع‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة‬

‫اذا انت�شرت كارثة املخدرات يف اي جمتمع‪،‬‬ ‫فانها نذير �ش�ؤم و�شر للأمة برمتها‪ ،‬وذلك‬ ‫ال�ضرارها الفتاكة‪ ،‬وعواقبها الوخيمة �صحيا‬ ‫واجتماعيا ونف�سيا واقت�صاديا و�سيا�سيا‪،‬‬ ‫واالمة تقوى باملحافظة على �صحة افرادها‬ ‫العقلية واجل�سمية وت�ضعف بانت�شار هذا‬ ‫الوباء اخلطري‪ ،‬الذي يقو�ض كيانها‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫وجتمع القوانني ال�سماوية الو�ضعية على‬ ‫حرمة تعاطي املخدرات‪ ،‬وانها �آفة مدمرة‬ ‫تذل الفرد وحتطمه‪ ،‬وتدفعه اىل ارتكاب‬ ‫الفواح�ش واجلرائم‪ ،‬وتقود اىل التبلد‬ ‫وفقدان ال�شعور بامل�س�ؤولية على امل�ستويني‬ ‫الفردي واجلماعي‪ ،‬وتبعده عن واقع امته‪،‬‬ ‫وعن قيمه ومثله العليا‪ ،‬الن جل اهتمامه‬ ‫ينح�صر يف كيفية احل�صول على املخدرات‬ ‫ب�أية و�سيلة‪ ،‬ولو ادى االمر اىل تعطيل عمله‬

‫وقدراته وامكاناته‪ ،‬مع التنازل عن �شرفه‬ ‫وكرامته‪ ،‬لي�صبح بعدها عبئا على ا�سرته‬ ‫وجمتمعه‪.‬‬ ‫والذي يتعاطى املخدرات وال�سموم القاتلة‬ ‫من اجلن�سني يهلك نف�سه بيده‪ ،‬وي�ستهرت‬ ‫بنعمة ال�صحة والعافية‪ ،‬ويهدم بنيان اهلل‬ ‫يف ار�ضه وهو االن�سان‪ ،‬ومن ت�سبب يف اتالف‬ ‫ج�سده او ج�سد غريه بوجه من الوجوه‪ ،‬فهو‬ ‫من املعتدين‪ ،‬وقد ارتكب مع�صية ربانية‬ ‫واجتماعية‪ ،‬الن الر�سول الكرمي يقول‪«:‬ال‬ ‫�ضرر وال �ضرار» واجل�سد والعقل امانة‪،‬‬ ‫واالن�سان م�س�ؤول عنها‪ ،‬فلي�س له ان يت�صرف‬ ‫باالمانة على مزاجه وهواه‪ ،‬النه يلقي بنف�سه‬ ‫يف التهلكة‪ ،‬التي امر اهلل باالبتعاد عنها‪ ،‬قال‬ ‫اهلل عز وجل‪ :‬وال تلقوا ب�أيديكم اىل التهلكة‬ ‫علما بان املدمن على تعاطي املخدرات ي�سعى‬ ‫اىل قتل نف�سه يف نهاية املطاف‪ ،‬وما دام انه‬

‫‪37‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪38‬‬

‫ان عصابات الترويج لتجارة المخدرات‪ ،‬والذين يعملون على تهريبها‪ ،‬هم‬ ‫أعداء الدين والوطن واألمة‪ ،‬وال يقلون اثما وجرما عن الذين يتعاطونها‪.‬‬ ‫ان الواجب الشرعي واالدبي االخالقي‪ ،‬يفرض علينا ان نوسع ونكثف حمالت‬ ‫التوعية الدينية والصحية والنفسية‪ ،‬للتحذير من خطر المخدرات القريبة‬ ‫والبعيدة‪.‬‬ ‫ال يرحم نف�سه‪ ،‬فلن يرحمه احد‪ ،‬ان حماربة‬ ‫انت�شار املخدرات يف املدار�س واجلامعات‬ ‫واملجتمع‪ ،‬تبعة ال ميكن ان تنه�ض بها جهة‬ ‫مبفردها‪ ،‬بل ال بد من ت�ضافر جهود اجلميع‪،‬‬ ‫فهي وظيفة االباء واالولياء‪ ،‬بحيث يجب‬ ‫عليهم العناية ب�أبنائهم يف البيوت وخارجها‪،‬‬ ‫من حيث التوجيه والتحذير من خطورة‬ ‫هذه الآفة القاتلة‪ ،‬والأ�سرة ت�شكل خط‬ ‫الدفاع الأول يف الت�صدي خلطر املخدرات‪،‬‬ ‫كما �أن الأ�سرة ال�صاحلة تقدم للمجتمع‬ ‫افرادا ا�صحاء‪ ،‬يدركون خطر املخدرات‬ ‫وت�أثريها ال�ضار ماديا ومعنويا‪ ،‬يف واقعهم‬ ‫وم�ستقبلهم فيحاربونها‪.‬‬ ‫وهي وظيفة املعلمني واملعلمات واال�ساتذة‬ ‫يف املدار�س واجلامعات‪ ،‬وهي م�س�ؤولية االئمة‬ ‫والوعاظ يف امل�ساجد‪ ،‬وهي م�س�ؤولية اجهزة‬ ‫مكافحة املخدرات يف الدولة‪ ،‬وم�س�ؤولية‬ ‫رجال اجلمارك‪ ،‬وحرا�س احلدود‪ ،‬الذين‬ ‫يتعني عليهم ت�ضييق اخلناق على حدودنا‬ ‫الوطنية‪ ،‬للحد من ن�شاط التهريب‪ ،‬الذي‬ ‫�أتى على اقت�صادنا و�شبابنا‪ ،‬من �أجل حماية‬ ‫الأ�سرة من ال�ضياع والت�شرد‪.‬‬ ‫ان ع�صابات الرتويج لتجارة املخدرات‪،‬‬

‫والذين يعملون على تهريبها‪ ،‬هم �أعداء‬ ‫الدين والوطن والأمة‪ ،‬وال يقلون اثما‬ ‫وجرما عن الذين يتعاطونها‪ ،‬فهم �شركاء‬ ‫يف اجلرمية‪ ،‬انهم ي�سعون للك�سب احلرام‬ ‫والربح الوا�سع ال�سريع‪ ،‬فه�ؤالء وامثالهم‬ ‫يبيعون دينهم بدنياهم‪ ،‬اما امل�ستهلك فقد‬ ‫غلبه الغباء وغلفته البالدة‪ ،‬فهو يبيع دينه‬ ‫ودنياه والعجب من ان�سان يعلم ويعمل لهدم‬ ‫وتلويث ان�سانيته‪ ،‬وحتطيم بدنه واتالف‬ ‫�صحته‪ ،‬وانفاق ماله يف ال�شر‪ ،‬وت�شويه‬ ‫مركزه االجتماعي‪ ،‬وتعري�ض نف�سه ملطاردة‬ ‫ال�شرطة‪ ،‬وعقاب القانون‪ ،‬ا�ضافة اىل �سخط‬ ‫اهلل وبغ�ض النا�س‪ ،‬وازدراء املجتمع‪ ،‬يف �سبيل‬ ‫قن�ص متعة �آنية‪ ،‬وهو ال يكرتث مب�صري‬ ‫ا�سرته و�أوالده‪ ،‬وان �سبب لهم االذى املادي‬ ‫والنف�سي‪.‬‬ ‫وال يخفى على عاقل ما ت�سببه املخدرات‬ ‫القاتلة‪ ،‬من امرا�ض كال�سرطان‪ ،‬واجناب‬ ‫اطفال م�شوهني‪ ،‬وا�ضعاف للدورة الدموية‪،‬‬ ‫وت�صلب وان�سداد ال�شرايني‪ ،‬وهما من‬ ‫اهم ا�سباب اال�صابة بجلطة القلب‪ ،‬ومن‬ ‫ال�ضروري ان ننبه على ان واقع ال�شباب‬ ‫ال�صعب‪ ،‬وما يعانونه من م�شكلتي الفقر‬

‫والبطالة‪ ،‬ال ي�صح ان يقود هذه ال�شريحة‬ ‫اخلرية التي يعول عليها الوطن ويعقد‬ ‫االمال‪ ،‬اىل اخلروج على قيم االمة الدينية‬ ‫واالخالقية وقوانينها‪ ،‬او ابتكار الو�سائل‬ ‫واال�ساليب لالنحراف‪ ،‬بهدف التكيف املزعوم‬ ‫مع الواقع ال�صعب الذي يعي�شونه‪ ،‬وليعلم‬ ‫ال�شباب ان انهيار القيم‪ ،‬و�ضياع االميان‬ ‫يقودان اىل االنحراف والدمار واالجرام‪.‬‬ ‫ان الواجب ال�شرعي واالدبي االخالقي‪،‬‬ ‫يفر�ض علينا ان نو�سع ونكثف حمالت‬ ‫التوعية الدينية وال�صحية والنف�سية‪،‬‬ ‫للتحذير من خطر املخدرات القريبة‬ ‫والبعيدة‪ ،‬وان ي�شرتك البيت واملدر�سة‬ ‫واجلامعة ودور العبادة ووزارة ال�صحة‪،‬‬ ‫واجلمعيات اخلريية‪ ،‬بالتعاون مع اجهزة‬ ‫الدولة امل�س�ؤولة يف احداث التغيري املجتمعي‬ ‫االيجابي عند �شبابنا‪ ،‬واعتقد جازما ان دائرة‬ ‫مكافحة املخدرات تقوم بجهود جبارة ت�شكر‬ ‫عليها يف هذا املجال‪ ،‬فكل واحد منا على‬ ‫ثغرة‪ ،‬ال بد ان نحافظ على �سالمة املواطن‪،‬‬ ‫حماية لوطننا‪ ،‬وجت�سيدا لتوجيهات قائد‬ ‫الوطن حفظه اهلل ورعاه‪.‬‬ ‫كلية ال�شريعة ‪ -‬اجلامعة الأردنية‬


‫د‪ .‬جمدي �سعيد‬

‫كاتب وباحث ‪ -‬م�صر‬

‫حينما يبدأ اإلنسان حياته على األرض‪ ،‬ال يبدأ تلك الحياة «صفحة بيضاء» كما يقول البعض‪،‬‬ ‫وإنما يبدأ صفحة زودت ببرنامج تشغيل تمتزج فيه استعدادات «الفطرة» التي فطر اهلل الناس‬ ‫عليها‪ ،‬واستعدادات الوراثة القادمة مع الجينات‬

‫على طريق صناعة إنسان النهضة‬ ‫تتعدد على ال�ساحة العربية امل�ؤ�س�سات‬ ‫التي ت�ساهم يف �صياغة الإن�سان‪� ،‬أو �إعادة‬ ‫�صياغته يف املراحل املختلفة من حياته‪،‬‬ ‫من حلظة ميالده �إىل حلظة خفوت‬ ‫ن�شاطه االجتماعي �أو انتهائه‪ ،‬لكن تظل‬ ‫تلك امل�ؤ�س�سات تعمل كجزر منعزلة‪� ،‬أو‬ ‫ك�أنها تعيد اخرتاع العجلة ما مل تتكامل‬ ‫اخلربات‪ ،‬وترتاكم املعارف‪ ،‬وتتحدد‬ ‫امل�سارات‪ ،‬وحتى نعرف جمي ًعا الإجابة على‬ ‫ال�س�ؤال الأكرب‪� :‬أي �إن�سان نريد؟ ويف هذا‬ ‫املقال نحاول �أن ن�ضع خارطة طريق حلياة‬ ‫الإن�سان وجهود �صياغته على الطاولة‬ ‫حتى نعيد النظر والت�أمل فيها‪.‬‬ ‫الب�صمة ال�شخ�صية‬ ‫حينما يبد�أ الإن�سان حياته على الأر�ض‪،‬‬ ‫ال يبد�أ تلك احلياة "�صفحة بي�ضاء" كما‬

‫يقول البع�ض‪ ،‬و�إمنا يبد�أ �صفحة زودت‬ ‫بربنامج ت�شغيل متتزج فيه ا�ستعدادات‬ ‫"الفطرة" التي فطر اهلل النا�س عليها‪،‬‬ ‫وا�ستعدادات الوراثة القادمة مع اجلينات‪.‬‬ ‫وبينما متر ال�ساعات والأيام‪ ،‬يحدث‬ ‫التفاعل رويدًا رويدًا بني مركب الفطرة‬ ‫�أي الوراثة لدى الطفل من جهة‪ ،‬ومركب‬ ‫ثقافة �أي �سلوكيات الأهل من جهة ثانية‬ ‫(البيئة االجتماعية �أي الثقافية للطفل)‬ ‫والتي يختلط فيها بدوره ُ‬ ‫املكون ال�شخ�صي‬ ‫للآباء والأمهات‪ ،‬وهو مكون �أ�شبه بب�صمة‬ ‫الإ�صبع لدى كل �إن�سان‪ ،‬والتي تتفق‬ ‫عنا�صرها ويختلف منتجها النهائي‪،‬‬ ‫وهو مكون يحمل ما يحمل من �إيجابيات‬ ‫و�سلبيات‪ ،‬كما يختلط فيها املكون الثقايف‬ ‫�أي االجتماعي الرتاكمي للمحيط من‬

‫�أعراف وعادات وتقاليد للمجتمع خارجة‬ ‫عن عنا�صر منظومة؛ الطفل والأب والأم‪،‬‬ ‫تتبادل معها الت�أثري والت�أثر‪.‬‬ ‫ورويدًا رويدًا ينمو الطفل في�صري �صب ًّيا‬ ‫فمراه ًقا ف�شا ًّبا ي�أخذ من حميطه ويدع‪،‬‬ ‫يت�أثر ورمبا ي�ؤثر‪ ،‬فتتكون فيه �شي ًئا ف�شي ًئا‬ ‫مالمح ب�صمة �شخ�صية خا�صة ب�أفكارها‬ ‫وت�صوراتها و�أخالقها و�سلوكها ونف�سيتها‪.‬‬ ‫وال يلبث ذلك ال�شباب �أن يدخل معرتك‬ ‫وزواجا وتفاعال‬ ‫احلياة درا�سة وعمال‬ ‫ً‬ ‫ثقاف ًّيا واجتماع ًّيا مع حميطه‪ ،‬وحينما‬ ‫يرتبط ب�إن�سانة �أخرى جاءت بب�صمة‬ ‫�أخرى‪ ،‬يبدءان م ًعا يف �إعادة �إنتاج العملية‬ ‫البيولوجية واالجتماعية والثقافية‪.‬‬ ‫هذا هو امل�سار الذي ي�سري فيه الإن�سان‬ ‫ح ًّيا متفاعال وديناميك ًّيا‪ ،‬ولي�س م�سا ًرا‬

‫‪39‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫�إ�ستاتيك ًّيا يقطعه كحجر �ألقي يف الفراغ‪،‬‬ ‫وخالل هذا امل�سار يختار �أو ال يختار يف‬ ‫بدايات حياته‪ ،‬و�إمنا ين�ش�أ على �أن يدور‬ ‫يف مدار �أو مدارات من اهتماماته �أو من‬ ‫حميطه الأ�سري �أو االجتماعي الأو�سع‪،‬‬ ‫فيدور يف فلك نف�سه �أو �أ�سرته �أو �أ�صدقائه‬ ‫�أو جمتمعه‪ ،‬ويف النهاية خط م�ساره‬ ‫وخطوط مداراته �إىل منتهى يف احلياة‬ ‫الدنيا بلحظة الوفاة‪ ،‬وقد يكون الناجت‬ ‫النهائي لذلك امل�سار وتلك املدارات طي ًبا‬ ‫وناف ًعا و�صا ً‬ ‫وم�صلحا �أو غري ذلك‪.‬‬ ‫حلا‬ ‫ً‬ ‫الدائرة الأو�سع‬ ‫وخالل م�سار الإن�سان والذي يبد�ؤه‬ ‫كقطعة من ال�صل�صال ذات تركيب‬ ‫وخ�صائ�ص وا�ستعدادات كما قلنا‪ ،‬ويبد�أ‬ ‫�أول ما يبد�أ الأهل يف ت�شكيل تلك القطعة‬ ‫و�إمنائها‪ ،‬وذلك من وحي ما لديهم من‬ ‫�أفكار وت�صورات و�أخالق و�سلوكيات‪ ،‬وما‬ ‫لديهم من مهارات اكت�سبوها بالتعلم‬ ‫من البيئة والتعلم‪� ،‬أو خالل الدرا�سة �أو‬ ‫غريها‪ ،‬وهو ما ن�سميه بالرتبية‪ ،‬وقد‬ ‫تقت�صر تلك العملية على الأب والأم يف‬ ‫الأ�سرة النووية‪ ،‬وقد ي�شرتك فيها الأهل‬ ‫من الأ�سرة املمتدة و�أحيا ًنا اجلريان‪.‬‬ ‫ويف مرحلة تالية عندما يكرب الطفل‬ ‫مبا ي�سمح له باالختالط مع املحيط‬ ‫االجتماعي‪ ،‬يت�صاعد تدخل الأ�صدقاء‬ ‫ورفقاء احلي واملعلمني والقادة الدينيني‬ ‫�أو االجتماعيني‪ ،‬مع تداخل م�ؤثرات‬ ‫خارجية من ثقافة و�إعالم‪ ،‬كل ذلك‬ ‫ي�ساهم يف ت�شكيل عقل ووجدان ذلك‬ ‫الإن�سان‪.‬‬ ‫كما ت�ساهم يف تلك املراحل التالية كل‬ ‫من العملية التعليمية والتدريب املنظم‬ ‫وغري املنظم (�إن وجد)‪� ،‬إ�ضافة للظروف‬ ‫الطبيعية واالقت�صادية وال�سيا�سية‪� ،‬أو ما‬ ‫يكون جممل عنا�صر البيئة مبا فيه من‬

‫‪40‬‬ ‫خري و�شر �أو ظروف مناوئة �أو م�ساعدة يف‬ ‫ت�شكيل الإن�سان‪.‬‬ ‫ويف حياتنا العربية‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫كليات الرتبية‪ ،‬و�أق�سام علم النف�س‪ ،‬وعلوم‬ ‫االجتماع واخلدمة االجتماعية‪ ،‬وعلوم‬ ‫الإدارة وغريها‪ ،‬والتي ُتخرج الآالف من‬ ‫اخلريجني واملئات من الدرا�سات والبحوث‬ ‫التي ت�شرح الواقع النف�سي واالجتماعي‬ ‫والرتبوي للإن�سان العربي‪ ،‬ف�إنه ال زال‬ ‫"الإن�سان" حمور تلك الدرا�سات‪� ،‬أو ما‬ ‫ميكن �أن ن�سميه باملنتج النهائي لعمليات‬ ‫�صناعة و�صياغة الإن�سان‪ .‬ال زال ذلك‬ ‫املنتج ال يتمتع بال�سمات املطلوبة التي‬ ‫نرجوها ونرجو منها �أن ت�ساهم يف حتقيق‬ ‫الإ�صالح والنه�ضة‪.‬‬ ‫�سمات الإن�سان املن�شود‬ ‫ولعل �سبب تلك احلالة التي نحن فيها‪،‬‬ ‫هو تفكك �أو�صال �أجزاء عمليات ال�صياغة‬ ‫والتن�شئة‪ ،‬وعدم وجود �إ�سرتاتيجية‬ ‫عامة متفق عليها لتلك ال�صياغة تبنى‬ ‫من النهاية للبداية‪ ،‬وتنفذ من البداية‬ ‫للنهاية‪ ،‬ونحن نحاول هنا‪� ،‬أن ن�ضع �سمات‬ ‫عامة للإن�سان املن�شود (نهاية العملية)‬ ‫حتى ن�ستطيع �أن نحدد �شكل التدخالت‬ ‫الرتبوية والتعليمية والتدريبية‬ ‫وتوجهاتها‪ ،‬ون�صوغ الربامج واملناهج التي‬ ‫تنا�سبها‪ .‬وميكننا �أن نق�سم تلك ال�سمات‬ ‫�إىل جمموعات‪..‬‬ ‫جمموعة ال�سمات الفطرية‪ :‬وهي التي‬ ‫تتجاوب مع فطرة الإن�سان‪ ،‬وت�شمل‪..‬‬ ‫• الوجدان احلر‪ :‬حيث �إن �أ�صل خلقة‬ ‫الإن�سان باعتباره كائ ًنا مكل ًفا وم�س�ؤوال‪،‬‬ ‫�أن يكون حر الإرادة‪ ،‬حر االختيار وهو‬ ‫نقي�ض وجدان العبد �أو امل�ستعبد للخوف‬ ‫الداخلي‪� ،‬أو امل�ستعبد للرغبات والأهواء‬ ‫وال�شهوات‪� ،‬أو امل�ستعبد لغريه من بني‬ ‫الإن�سان‪ ،‬حتى ولو كان ذلك الغري هو الأب‬

‫�أو الأم‪ .‬فالإن�سان احلر‪ ،‬هو الإن�سان القادر‬ ‫على حمل �أمانة التكليف‪� ،‬سواء �أكان ذلك‬ ‫التكليف دين ًّيا �أم اجتماع ًّيا‪ .‬والوجدان‬ ‫احلر‪ ،‬هو الوجدان امل�ؤمن باهلل‪ ،‬لأن‬ ‫الإميان باهلل يعني العبودية له ‪-‬كقوة‬ ‫غيبية غري قاهرة للإن�سان قه ًرا ماد ًّيا يف‬ ‫اختياراته‪ -‬يف مقابل التحرر من العبودية‬ ‫ملا �سواه‪ ،‬وهو مقت�ضى قول القائل‪" :‬ال �إله‬ ‫�إال اهلل"‪.‬‬ ‫• العقل املميز‪ :‬وهي ال�سمة الثانية‬ ‫للإن�سان من حيث كونه �إن�سا ًنا ميتلك‬ ‫القدرة على التفكري املنطقي ال�سليم‪،‬‬ ‫ومن ثم قاد ًرا على القراءة ال�صحيحة‬ ‫للكون واحلياة والإن�سان‪ ،‬وقاد ًرا من ثم‬ ‫على التفكري والتفكر والتدبر امل�ؤدي �إىل‬ ‫النتائج املنطقية‪ .‬واحلفاظ على ذلك‬ ‫العقل املميز يرتبط بالرتبية من حيث‬ ‫كونها تربية ال تت�ضمن بث الأ�ساطري‬ ‫واخلرافات املذهبة للعقل وامل�ضيعة من‬ ‫ثم حلرية الوجدان‪ ،‬كما يرتبط ب�سلوك‬ ‫الإن�سان الذي يربى على احلفاظ دائ ًما‬ ‫على عقله من �أن تغ�شاه غا�شيات الغيبة �أو‬ ‫التغييب مبخدر �أو م�سكر‪� ،‬سواء �أكان ذلك‬ ‫املخدر �أي امل�سكر املذهب للعقل ماد ًّيا �أو‬ ‫معنو ًّيا‪ ،‬وينتهي العقل املميز بالإن�سان �إىل‬ ‫اكت�ساب احلكمة‪.‬‬ ‫جمموعة ال�سمات النف�سية‬ ‫واالجتماعية‬ ‫• النف�س ال�سوية‪ :‬وهي النف�س اخلالية‬ ‫من الت�شوهات الناجتة عن عوامل‬ ‫طبيعية �أو اجتماعية تربوية‪ ،‬وهي من‬ ‫ثم النف�س القادرة على قيادة الإن�سان‬ ‫بقوة �إىل �أداء وظائفه االجتماعية يف‬ ‫جميع �أدوار حياته بكفاءة وفاعلية‪.‬‬ ‫• الأخالق املتينة‪ :‬وتنق�سم بدورها �إىل‬ ‫ق�سمني كبريين‪ :‬الأخالق الإن�سانية‬ ‫العامة‪ :‬من �أمانة و�صدق و�شجاعة‬


‫وعدل‪� ...‬إلخ‪ .‬و�أخالق النه�ضة‪ :‬كالنظام والنظافة واحرتام قيمة‬ ‫الوقت والعمل والتحلي بخلق ال�شورى واال�ست�شارة‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫• ال�سلوكيات واملهارات االجتماعية املثمرة‪ :‬وت�شمل قدرة الإن�سان‬ ‫على التوا�صل االجتماعي املتزن والتحلي ب�سمات الإن�سان املعمر‪:‬‬ ‫(هُ َو �أَ ْن َ�ش�أَ ُك ْم مِ َن الأَ ْر ِ�ض َو ْا�س َت ْع َم َر ُك ْم فِيهَا)(هود‪ ،)61:‬وما يقت�ضيه‬ ‫ذلك من علوم ومعارف تك�سب الإن�سان القدرة على التفاعل الإيجابي‬ ‫مع حميطه الطبيعي واالجتماعي‪ ،‬والتحلي ب�سمات الإن�سان امل�صلح‪:‬‬ ‫( َومَا َكا َن َر ُّب َك ِل ُي ْهل َِك ا ْل ُق َرى ب ُِظ ْل ٍم َو�أَهْ ُلهَا م ُْ�صل ُِحو َن)(هود‪...)117:‬‬ ‫الإن�سان الذي يغر�س الف�سيلة‪ ،‬ومينع خرق ال�سفينة‪ ،‬الإن�سان الذي‬ ‫ي�سعى للحفاظ على التما�سك االجتماعي وتفعيله وا�ستثماره يف‬ ‫النه�ضة والعمران والإ�صالح‪.‬‬ ‫ما بني الواقع واملن�شود‬ ‫�إذا كان كل ما �سبق هو خطوط عري�ضة لل�سمات الإن�سانية املن�شودة‬ ‫متثل الأمل املن�شود‪� ،‬أو الر�ؤية التي ن�ضعها لعمليات �صياغة الإن�سان‪،‬‬ ‫ف�إن ما بينها وما بني واقع الإن�سان عامة والإن�سان العربي خا�صة‪،‬‬ ‫بون يت�سع وي�ضيق هنا �أو هناك‪ ،‬فكيف نقرب الفجوة ما بني دائرة‬ ‫الواقع ودائرة املن�شود؟‬ ‫• تكثيف درا�سات وبحوث الواقع احلي الديناميكي الذي نعي�شه‪،‬‬ ‫بتكثيف الدرا�سات النف�سية واالجتماعية والرتبوية‪.‬‬ ‫• �ضرورة �أن تنعك�س نتائج تلك الدرا�سات على الواقع ذاته يف �شكل‬ ‫برامج وقائية لإعداد وت�أهيل الآباء والأمهات واملربني‪ ،‬واملعلمني‬ ‫والأخ�صائيني االجتماعيني‪ ،‬وت�أهيل �أزواج امل�ستقبل وغريهم‪،‬‬ ‫وتدريب املدربني يف تلك املجاالت حتى ينت�شروا يف الأر�ض ليقوموا‬ ‫بتغطية جغرافيا الوطن‪ ،‬وبرامج للعالج والتدريب واال�ست�شارات‬ ‫النف�سية واالجتماعية تت�سع لتغطي جغرافيا املو�ضوعات ‪-‬م�شكالت‬ ‫�أو احتياجات‪ -‬واملراحل ال�سنية املختلفة للإن�سان من الأطفال �إىل‬ ‫امل�سنني مرو ًرا باملراهقني‪.‬‬ ‫• �ضرورة �أن تكون قبلة كل تلك اجلهود هي �سمات الإن�سان‬ ‫املن�شود‪ ،‬جذ ًبا للإن�سان من واقعه املرتدي املليء بامل�شكالت‬ ‫واالحتياجات النف�سية واالجتماعية والرتبوية‪.‬‬ ‫كما �أن احلياة هي دائرة ال تنتهي من الإنتاج و�إعادة الإنتاج‪،‬‬ ‫فكذلك ينبغي �أن تكون عمليات املقاربة تلك بني واقع الإن�سان‬ ‫والإن�سان املن�شود‪ ،‬عملية دائمة ودائبة وديناميكية بالقدر الذي‬ ‫يتنا�سب مع التغري الدائم للزمان واملكان والأحوال والظروف‬ ‫واملالب�سات‪ ،‬دواليك ما بني درا�سة وعمل وتقييم وا�ستجالء لردود‬ ‫الأفعال ف�إعادة للدرا�سة و�إعادة لت�صميم لربامج العمل وهكذا‬

‫رويدا ينمو الطفل فيصير صب ًّيا‬ ‫رويدا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فمراهقا فشا ًّبا يأخذ من محيطه‬ ‫ويدع‪ ،‬يتأثر وربما يؤثر‪ ،‬فتتكون فيه‬ ‫شي ًئا فشي ًئا مالمح بصمة شخصية‬ ‫خاصة بأفكارها وتصوراتها وأخالقها‬ ‫وسلوكها ونفسيتها‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪42‬‬ ‫�أ‪ .‬د‪ .‬اخل�شوعى اخل�شوعى حممد‬ ‫وكيل كلية �أ�صول الدين بجامعة الأزهر �سابق ًا‬

‫نجـاح األمـة‬ ‫ثمـرة لثقتهـا بمبادئها‬ ‫ات ر�ضي اهلل عنه َقا َل‪َ :‬ب ْي َنا‬ ‫َعنْ عَدِ ىِّ ْب ِن َح مِ ٍ‬ ‫�أَ َنا عِ ْن َد ال َّنب ِِّى �صلى اهلل عليه و�سلم �إِ ْذ �أَ َتا ُه‬ ‫َر ُج ٌل َف َ�ش َكا �إِ َل ْي ِه ا ْل َفا َق َة ُث َّم �أَ َتا ُه � َآخ ُر َف َ�ش َكا �إِ َل ْي ِه‬ ‫ري َة‬ ‫ال�سبِيلِ َف َقا َل َيا عَدِ ىُّ ه َْل َر�أَ ْيتَ الحْ ِ َ‬ ‫َق ْط َع َّ‬ ‫ُق ْلتُ لمَ ْ �أَ َرهَا َو َق ْد �أُ ْن ِب ْئتُ َع ْنهَا َقا َل َف ِ�إنْ َطا َلتْ‬ ‫ب َِك َح َيا ٌة َلترَ َ َينَّ َّ‬ ‫ري ِة‬ ‫الظعِي َن َة َت ْرتحَ ِ ُل مِ نْ الحْ ِ َ‬

‫وف بِا ْل َك ْع َب ِة ال َت َخ ُ‬ ‫َح َّتى َت ُط َ‬ ‫اف �أَ َحدًا �إِال اللهَّ َ َذهَبٍ �أَ ْو ف َّ‬ ‫ِ�ض ٍة َي ْط ُل ُب َمنْ َي ْق َب ُل ُه مِ ْن ُه َفال يَجِ ُد‬ ‫ُق ْلتُ فِي َما َب ْينِى َو َبينْ َ َن ْف�سِ ى َف�أَ ْي َن ُدعَّا ُر َط ِّيئٍ �أَ َحدًا َي ْق َب ُل ُه مِ ْن ُه َو َل َي ْلقَينَ َّ اللهَّ َ �أَ َح ُد ُك ْم َي ْو َم‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين َق ْد َ�س َّع ُروا ا ْلبِال َد َو َلئِنْ َطا َلتْ ب َِك َي ْل َقا ُه َو َل ْي َ�س َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ُه َت ْر ُج َم ٌان ُيترَ ْ جِ ُم َل ُه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َح َيا ٌة َل ُت ْف َت َحنَّ ُك ُنو ُز ك ِْ�س َرى ُق ْلتُ ك ِْ�س َرى ْب ِن َفلَ َي ُقو َلنَّ َل ُه �ألمَ ْ �أ ْب َعثْ �إِ َل ْي َك َر ُ�سوال َف ُي َب ِّل َغ َك‬ ‫ول َبلَى َف َي ُق ُ‬ ‫هُ ْر ُم َز َقا َل ك ِْ�س َرى ْب ِن هُ ْر ُم َز َو َلئِنْ َطا َلتْ َف َي ُق ُ‬ ‫ول �أَلمَ ْ �أُ ْعطِ َك مَاال َو�أُ ْف ِ�ض ْل‬ ‫ب َِك َح َيا ٌة َلترَ َ َينَّ ال َّر ُج َل ُيخْ ِر ُج مِ ْل َء َك ِّف ِه مِ نْ َعلَ ْي َك َف َي ُق ُ‬ ‫ول َبلَى َف َي ْن ُظ ُر َعنْ يمَ ِي ِن ِه َفال‬


‫َي َرى �إِال َج َه َّن َم َو َي ْن ُظ ُر َعنْ َي َ�سا ِر ِه َفال َي َرى ِ�إال‬ ‫َج َه َّن َم َقا َل عَدِ ىٌّ َ�سمِ ْعتُ ال َّنب َِّى �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم َي ُق ُ‬ ‫ول ا َّت ُقوا ال َّنا َر َو َل ْو بِ�شِ َّق ِة تمَ ْ َر ٍة َف َمنْ‬ ‫لمَ ْ يَجِ ْد �شِ َّق َة تمَ ْ َر ٍة َف ِب َك ِل َم ٍة َطي َب ٍة َقا َل عَدِ ىٌّ‬ ‫َف َر�أَ ْيتُ َّ‬ ‫ري ِة َح َّتى‬ ‫الظعِي َن َة َت ْرتحَ ِ ُل مِ نْ الحْ ِ َ‬ ‫وف بِا ْل َك ْع َب ِة ال َت َخ ُ‬ ‫َت ُط َ‬ ‫اف �إِال اللهَّ َ َو ُكنْتُ فِي َمنْ‬ ‫ا ْف َت َت َح ُك ُنو َز ك ِْ�س َرى ْب ِن هُ ْر ُم َز َو َلئِنْ َطا َلتْ ِب ُك ْم‬ ‫َح َيا ٌة َلترَ َ ُو َّن مَا َقا َل ال َّنب ُِّى �أَ ُبو ا ْل َقا�سِ ِم �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ُيخْ ِر ُج مِ ْل َء َك ِّفهِ‪�( .‬أخرجه‬ ‫البخارى)‪.‬‬ ‫على قدر �إميان امل�سلم بربه وثقته بوعد‬ ‫اهلل تعاىل لعباده ال�صاحلني الباذلني‬ ‫�أنف�سهم امل�ضحني ب�أموالهم وراحتهم فى‬ ‫�سبيل اهلل تعاىل فى الدنيا والآخرة يكون‬ ‫بذله وت�ضحيته حتى �إنه لريكب ال�صعاب‬ ‫وي�ستعذب العذاب �إن كان فى ذلك ر�ضا اهلل‬ ‫تعاىل‪ ..‬لقد بذل ال�صحابة النف�س والنفي�س‪،‬‬ ‫و�ضحوا بالولد والوطن‪ ،‬يرجون بذلك ر�ضا‬ ‫اهلل تعاىل واجلنة‪.‬‬ ‫�إن القوم بذلوا ما هم بحاجة ما�سة �إليه‬ ‫وقد �شهد اهلل تعاىل لهم بذلك وهو خري‬ ‫ال�شاهدين‪.‬‬ ‫للهَّ‬ ‫قال تعاىل‪�( :‬إِنمَّ َ ا ُن ْط ِع ُم ُك ْم ِل َو ْج ِه ا ِ اَل‬ ‫ُنرِي ُد مِ ْن ُك ْم َج َزا ًء َو اَل ُ�ش ُكو ًرا) (الإن�سان‪)9-8:‬‬ ‫قد يبذل الإن�سان من الفائ�ض عن حاجته‬ ‫ال�ضرورية‪ ،‬وهذا �أمر ُيحمد لفاعله‪ ،‬ويثاب‬ ‫عليه �إن �شاء اهلل تعاىل‪ ،‬ولكن ملاذا بذل‬ ‫ال�صحابة ما هم بحاجة ما�سة �إليه؟‬ ‫�أوال‪ :‬حب ال�صحابة ال�صادق هلل تعاىل‬ ‫ولر�سوله‬ ‫لقد �أحب ال�صحابة ربهم تبارك وتعاىل‬ ‫ونبيهم حممد �صلى اهلل عليه و�سلم حباً‬ ‫�صادقاً فاق حبهم لأنف�سهم و�أبنائهم‬ ‫و�آبائهم وقد �شهد اهلل لهم بذلك وهو خري‬ ‫ال�شاهدين‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ال تجَ ِ ُد َق ْوماً‬ ‫ُي�ؤْمِ ُنو َن بِاللهَّ ِ َوا ْل َي ْو ِم الآخِ ِر ُي َوادُّو َن َمنْ َحا َّد‬ ‫اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َو َل ْو َكا ُنوا �آ َباءَهُ ْم �أَ ْو �أَ ْب َناءَهُ ْم �أَ ْو‬ ‫ري َت ُه ْم ُ�أو َلئ َِك َك َت َب فِى ُق ُلو ِب ِه ُم‬ ‫ِ�إ ْخ َوا َن ُه ْم �أَ ْو عَ�شِ َ‬ ‫الأِميَا َن َو�أَيدَهُ ْم ِب ُرو ٍح مِ ْن ُه َو ُيدْخِ ُل ُه ْم َج َّناتٍ‬

‫تجَ ْ رِى مِ نْ تحَ ْ ِتهَا الأَ ْنهَا ُر َخالِدِ َ‬ ‫ين فِيهَا َر ِ�ض َى‬ ‫اللهَّ ُ َع ْن ُه ْم َو َر ُ�ضوا َع ْن ُه �أُو َلئ َِك حِ ْز ُب اللهَّ ِ �أَال‬ ‫�إِ َّن حِ ْز َب اللهَّ ِ هُ ُم المْ ُ ْفل ُِحو َن) (املجادلة‪..)22 :‬‬ ‫وهذا احلب ثمرة ملعرفة اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ثقة ال�صحابة املطلقة بوعد اهلل تعاىل‬ ‫كان ال�صحابة على ثقة بوعد اهلل تعاىل‬ ‫لهم �أكرث من ثقتهم مبا فى �أيديهم فكانوا‬ ‫على يقني بوعد اهلل تعاىل لهم باجلنة و�أنه‬ ‫�سيمكن لهم فى الدنيا ويجعلهم �سادة �أعزة‬ ‫مع قلة عددهم و�ضعف �إمكاناتهم املادية التى‬ ‫ال تكاد تذكر لأنهم كانوا على يقني من �أنهم‬ ‫فى معية اهلل تعاىل‪ ،‬ومن كان فى معية اهلل‬ ‫تعاىل فلن يقوى عليه �أحد مهما كان عدده‬ ‫وعدته‪ ،‬فهم ال يواجهون عدوهم بقدرتهم‬ ‫املحدودة وعددهم القليل و�إمكاناتهم التى ال‬ ‫تكاد تذكر بل يواجهون ذلك كله باعتمادهم‬ ‫على اهلل تعاىل الغالب على �أمره‪.‬‬ ‫كان ال�صحابة على يقني من قوله تعاىل‪:‬‬ ‫ا�س ال‬ ‫( َواللهَّ ُ َغال ٌِب َعلَى �أَ ْم ِر ِه َو َلكِنَّ �أَكْثرَ َ ال َّن ِ‬ ‫َي ْعلَ ُمو َن) (يو�سف‪ )21:‬وبقوله تعاىل‪�( :‬إِ َّن‬ ‫َر َّب َك َف َّع ٌال لمِ َا ُيرِيدُ) (هود‪ )107 :‬وبقوله‬ ‫تعاىل‪�( :‬إِ َّن اللهَّ َ ُيدَا ِف ُع عَن ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا)‬ ‫(احلج‪.)38:‬‬ ‫فهذه الآيات وغريها فى بابها لي�ست فوا�صل‬ ‫قر�آنية ولكنها قوانني حاكمة مطردة‪ ،‬فمتى‬ ‫حقق امل�سلمون �شرط اهلل تعاىل فالتزموا‬ ‫منهجه وبذلوا ما فى و�سعهم لن�صرة دينه‬ ‫ن�صرهم اهلل تعاىل‪ ،‬ومكن لهم فى الأر�ض‪،‬‬ ‫بغ�ض النظر عن عددهم وعدتهم‪.‬‬ ‫ولقد �أمن اهلل تعاىل امل�سلمني ت�أمينا ال حد‬ ‫له و�ضمن لهم الن�صر والتمكني لأن الذى‬ ‫�سيتوىل ن�صرهم �إمنا هو اهلل تعاىل‪� ،‬صاحب‬ ‫القدرة املطلقة‪ ،‬والإرادة املطلقة‪ ،‬فاهلل وليهم‬ ‫ونا�صرهم‪ ،‬ومن كان اهلل وليه فلن يقوى‬ ‫عليه �أحد على الإطالق‪.‬‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َقا ِت ُلوهُ م َح َّتى ال َت ُكو َن‬ ‫ِّين ُك ُّل ُه للِهَّ ِ َف�إِن ان َت َه ْوا َف�إِ َّن اللهَّ َ‬ ‫ِف ْت َن ٌة َو َي ُكو َن الد ُ‬ ‫ري َو ِ�إن َت َو َّل ْوا َف ْاعلَ ُموا �أَ َّن اللهَّ َ‬ ‫بمِ َا َي ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ‬ ‫ري)‬ ‫َم ْوال ُكم ِن ْع َم المْ َ ْولىَ َو ِن ْع َم ال َّن ِ�ص ُ‬

‫(الأنفال‪.)40-39 :‬‬ ‫وهذا وعد اهلل الذى ال يتخلف �أبدا بحال‬ ‫من الأحوال ما وفى امل�سلمون هلل ببيعته‬ ‫فوالوا اهلل تعاىل‪ ،‬و�أقاموا منهجه‪ ،‬ون�صروا‬ ‫دينه‪ ،‬واعت�صموا به تعاىل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َع َد اللهَّ ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا مِ ْن ُكم‬ ‫ال�صالحِ َ اتِ َل َي ْ�ستَخْ ِل َف َّنهُم فِى الأَ ْر ِ�ض‬ ‫َوعَمِ ُلوا َّ‬ ‫َك َما ْا�ستَخْ لَ َف ا َّلذِ َ‬ ‫ين مِ ن َق ْب ِلهِم َو َل ُي َمكِّننَ َّ َلهُم‬ ‫دِي َنهُم ا َّلذِ ى ا ْر َت َ�ضى َلهُم َو َل ُي َب ِّد َل َّنهُم مِ ن َب ْعدِ‬ ‫َخ ْو ِفهِم �أَ ْمناً َي ْع ُبدُو َننِى ال ُي ْ�ش ِر ُكو َن بِى َ�ش ْيئاً‬ ‫َومَن َك َف َر َب ْع َد َذل َِك َف�أُ ْو َلئ َِك هُ م ا ْل َفا�سِ ُقو َن)‬ ‫(النور‪.)55 :‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬ثقة ال�صحابة املطلقة بنبيهم‬ ‫لقد كان ال�صحابة ر�ضى اهلل عنهم يثقون‬ ‫بنبيهم ومبا وعدهم به وذلك للآتى‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬اجتماع الكماالت الب�شرية فى �شخ�ص‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم لقد اجتمع‬ ‫فى �شخ�ص الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم كل‬ ‫الكماالت الب�شرية فى �أعلى و�أرقى �صورها‬ ‫حتى عرف وا�شتهر بني كل من يعرفه وعلى‬ ‫ر�أ�س ذلك �أنه عرف بال�صدق حتى لقب‬ ‫بال�صادق الأمني قبل �أن يبعث ف�إذا �أخرب من‬ ‫يعرفونه بخرب �صدقوه‪.‬‬ ‫ب‪ -‬القدوة العملية كان النبى �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم قدوة عملية لأ�صحابه ف�ألزم نف�سه‬ ‫باملنهج الذى دعا �إليه فلم يخالف عمله‬ ‫قوله بل �صدق عمله قوله‪ ،‬فكان �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم �إذا �أمر �أ�صحابه ب�أمر كان �أول‬ ‫امل�ؤمترين به و�إذا نهاهم عن �أمر كان �أول‬ ‫املنتهني عنه و�إذا كلفهم ب�أمر حتمل �أ�شق ما‬ ‫فيه و�إذا نزلت بامل�سلمني نازلة �أوحلت بهم‬ ‫�أزمة فجاعوا وربط الرجل على بطنه حجراً‬ ‫رئي النبى �صلى اهلل عليه‬ ‫من �شدة اجلوع َ‬ ‫و�سلم وقد ربط على بطنه ثالثة �أحجار؛‬ ‫لأنه �أكرثهم جوعاً فلم ي�ست�أثر لنف�سه ب�شىء‬ ‫دون �أ�صحابه‪ ..‬لقد حول النبى �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم الإ�سالم من منهج نظرى �إىل‬ ‫منهج عملى‪ ،‬وهذا من �أدلة �صدقه �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم لأن الإن�سان �إن كذب على النا�س‬

‫‪43‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫وغرر بهم فلن يكذب على نف�سه‪ ..‬فلما �صدَّق‬ ‫فعله �صلى اهلل عليه و�سلم قوله فبادر �إىل‬ ‫�إلزام نف�سه مبا يقول مل يجد املن�صف املتجرد‬ ‫من الهوى واملوروثات العقدية �إال �أن ي�صدقه‬ ‫وي�ؤمن به ويتابعه‪.‬‬ ‫لقد ا�ستمد النبى �صلى اهلل عليه و�سلم ثقة‬ ‫�أ�صحابه املطلقة الذين �آمنوا به من واقعه‬ ‫العملى قبل الر�سالة وت�أييد اهلل له باملعجزات‬ ‫احل�سية والعقلية وحبه لأ�صحابه وحر�صه‬ ‫عليهم حتى �إن كل واحد منهم كان يظن �أنه‬ ‫�أقرب النا�س �إىل قلبه �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫وقد ا�ستدل نبى اهلل �صالح‪ -‬عليه ال�سالم‪-‬‬ ‫على �صدقه بالتزامه باملنهج الذى يدعو‬ ‫النا�س �إليه‪ ،‬قال تعاىل حاكيا ما قاله نبى‬ ‫اهلل �صالح‪َ ( :‬ومَا �أُرِي ُد �أَن �أُ َخا ِل َف ُكم �إِلىَ مَا‬ ‫�أَ ْنهَا ُكم َع ْن ُه �إِن �أُرِي ُد �إِ َّال الإِ ْ�صال َح مَا ْا�س َت َط ْعتُ‬ ‫ِيب)‬ ‫َومَا َت ْوفِيقِى �إِ َّال بِاللهَّ ِ َعلَ ْي ِه َت َو َّك ْلتُ َو�إِ َل ْي ِه �أُن ُ‬ ‫(هود‪ ..)88 :‬فاقتدى به �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫�أ�صحابه لأن الإن�سان يخ�شى عاقبة تطبيق‬ ‫املناهج النظرية وما ت�سفر عنه من نتائج‬ ‫قد ي�شقى بها وتعنته‪ ،‬ف�إذا ما طبق املنهج‬ ‫النظرى ور�أى النا�س ثماره الطيبة �سهل‬ ‫عليهم االلتزام به‪.‬‬ ‫هذه الثقة املطلقة هى التى جعلت ال�صحابة‬ ‫ت�صدقه �صلى اهلل عليه و�سلم فى كل ما يقول‬ ‫ويبلغهم حتى ولو كان الأمر م�ستبعدا عقال‪،‬‬ ‫لأنهم تعاملوا معه على �أنه ر�سول مر�سل من‬ ‫رب العاملني ال يتكلم وال يعمل بقدرته الذاتية‬ ‫بل بقدرة من �أر�سله‪.‬‬ ‫عن عائ�شة‪ -‬ر�ضى اهلل عنها‪ -‬قالت ملا �أ�سرى‬ ‫بالنبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل امل�سجد‬ ‫الأق�صى �أ�صبح يتحدث النا�س بذلك فارتد‬ ‫نا�س ممن كانوا �آمنوا به و�صدقوه و�سعوا‬ ‫بذلك �إىل �أبى بكر ر�ضى اهلل عنه فقالوا هل‬ ‫لك �إىل �صاحبك يزعم �أنه �أ�سرى به الليلة‬ ‫�إىل بيت املقد�س؟ قال‪� :‬أوقال ذلك؟ قالوا‪:‬‬ ‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬لئن كان قال ذلك لقد �صدق‪،‬‬ ‫قالوا‪� :‬أوت�صدقه �أنه ذهب الليلة �إىل بيت‬

‫‪44‬‬ ‫املقد�س وجاء قبل �أن ي�صبح‪ ،‬قال‪ :‬نعم �إنى‬ ‫لأ�صدقه فيما هو �أبعد من ذلك �أ�صدقه بخرب‬ ‫ال�سماء فى غدوة �أو روحة‪ .‬فلذلك �سمى �أبو‬ ‫بكر بال�صديق‪( .‬رواه احلاكم و�صححه)‪.‬‬ ‫هذه الثقة جعلت ال�صحابة ي�ستقبلون‬ ‫كالمه ا�ستقبال من يعلم علم اليقني �أن‬ ‫�صالحهم فى الدنيا وفالحهم فى الآخرة‬ ‫مرتبط بطاعته �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫وحتويل كالمه �صلى اهلل عليه و�سلم من‬ ‫كالم نظرى �إىل عمل و�سلوك و�إن كلفهم ذلك‬ ‫النف�س والولد واملال‪.‬‬ ‫لذلك ا�ستقبل ال�صحابة القر�آن الكرمي‬ ‫وال�سنة املطهرة ا�ستقبال الواثق من �صدق‬ ‫القر�آن الكرمي وال�سنة‪ ،‬و�أن وعد اهلل ووعيده‬ ‫�آت ال ريب فى ذلك‪ ،‬فكانوا يعلمون �صدق‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم كما يعلمون �أن‬ ‫دون الغد الليلة‪.‬‬ ‫لقد حتولت الق�ضايا العقدية النظرية فى‬ ‫حياة ال�صحابة �إىل واقع م�شاهد �شاهدوه‬ ‫بب�صائرهم و�إن مل ي�شهدوه ب�أب�صارهم‬ ‫لثقتهم املطلقة بالر�سول حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ومبا يقول ويفعل ويعد‪ ..‬ففى‬ ‫حديث �أَ َن ِ�س ْب ِن مَال ٍِك‪ -‬ر�ضى اهلل عنه‪ -‬عن‬ ‫غزوة بدر‪� -‬أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم َقا َل لأ�صحابه‪ :‬ال ُي َق ِّد َمنَّ �أَ َح ٌد مِ ْن ُك ْم‬ ‫ِ�إلىَ َ�ش ْى ٍء َح َّتى �أَ ُكو َن �أَ َنا دُو َن ُه َف َد َنا المْ ُ ْ�ش ِر ُكو َن‬ ‫َف َقا َل َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم ُقومُوا‬ ‫ال�س َم َو ُات َوالأ ْر ُ‬ ‫�ض َقا َل‬ ‫�إِلىَ َج َّن ٍة َع ْر ُ�ضهَا َّ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول ُعمَيرْ ُ ْب ُن الحْ ُ َما ِم الأ ْن َ�صارِىُّ َيا َر ُ�سو َل‬ ‫ال�س َم َو ُات َوالأَ ْر ُ‬ ‫�ض َقا َل َن َع ْم‬ ‫اللهَّ ِ َج َّن ٌة َع ْر ُ�ضهَا َّ‬ ‫َقا َل َب ٍخ َب ٍخ َف َقا َل َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫َو َ�س َّل َم مَا َي ْحمِ ُل َك َعلَى َق ْول َِك َب ٍخ َب ٍخ َقا َل ال‬ ‫َواللهَّ ِ َيا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ �إِال َر َجا َء َة �أَنْ �أَ ُكو َن مِ نْ‬ ‫�أَهْ ِلهَا َقا َل َف ِ�إ َّن َك مِ نْ �أَهْ ِلهَا َف�أَ ْخ َر َج تمَ َ َراتٍ مِ نْ‬ ‫َق َر ِن ِه َف َج َع َل َي�أْ ُك ُل مِ ْن ُهنَّ ُث َّم َقا َل َلئِنْ �أَ َنا َحيِيتُ‬ ‫َح َّتى �آ ُك َل تمَ َ َراتِى هَذِ ِه ِ�إ َّنهَا لحَ َ َيا ٌة َطوِيلَ ٌة َقا َل‬ ‫َف َرمَى بمِ َا َكا َن َم َع ُه مِ نْ ال َّت ْم ِر ُث َّم َقا َتلَ ُه ْم َح َّتى‬ ‫ُق ِت َل‪�( .‬أخرجه م�سلم)‪.‬‬

‫والذى نخل�ص �إليه مما �سبق‪:‬‬ ‫‪ -1‬يجب على امل�سلمني �أن يجددوا ثقتهم‬ ‫بوعد اهلل تعاىل‪ ،‬و�أن يعلموا �أن قدرة اهلل‬ ‫تعاىل مطلقة‪ ،‬و�أن اهلل تعاىل ال يعجزه‬ ‫�شىء فى الأر�ض وال فى ال�سماء‪ ،‬و�أن الكون‬ ‫مبا فيه فى قب�ضته تعاىل‪ ،‬مقهور هلل تعاىل‪،‬‬ ‫يفعل بخلقه ما ي�شاء‪ ،‬ال معقب حلكمه‪ ،‬وال‬ ‫راد لق�ضائه‪.‬‬ ‫‪ .1‬قال تعاىل‪( :‬اللهَّ ُ ا َّلذِ ى َخلَ َق َ�س ْب َع َ�س َما َواتٍ‬ ‫َومِ ن الأَ ْر ِ�ض مِ ْثلَ ُهنَّ َي َت َن َّز ُل الأَ ْم ُر َب ْي َن ُهنَّ‬ ‫ِل َت ْعلَ ُموا �أَ َّن اللهَّ َ َعلَى ُك ِّل َ�ش ْى ٍء َقدِ ي ٌر َو�أَ َّن اللهَّ َ‬ ‫َقد �أَ َح َ‬ ‫اط ِب ُك ِّل َ�ش ْى ٍء عِ ْلماً) (الطالق‪)12 :‬‬ ‫‪ -2‬يجب على امل�سلمني �أن يوقنوا ب�أن الن�صر‬ ‫ف�ضل من اهلل تعاىل‪ ،‬مينت به على عباده‬ ‫الذين �أطاعوه و�أقاموا منهجه‪ ،‬فا�ستحقوا �أن‬ ‫ميكن لهم فى الأر�ض‪ ،‬و�أن ي�ؤمتنوا على �أهل‬ ‫الأر�ض‪ ..‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و ُنرِي ُد �أَن نمَ ُنَّ َعلَى‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين ْا�س ُت ْ�ض ِع ُفوا فِى الأَ ْر ِ�ض َونجَ ْ َعلَهُم �أَ ِئ َّم ًة‬ ‫َونجَ ْ َعلَهُم ا ْل َوا ِر ِث َ‬ ‫ني َونمُ َ ِّك َن َلهُم فِى الأَ ْر ِ�ض‬ ‫َو ُنرِى ِف ْر َع ْو َن َوهَامَا َن َو ُج ُنودَهُ َما مِ ْنهُم مَا‬ ‫َكا ُنوا َي ْح َذ ُرو َن) (الق�ص�ص‪)6-5 :‬‬ ‫‪ -3‬يجب على امل�سلمني �أن ي�شغلوا �أنف�سهم‬ ‫بتح�صيل �أ�سباب الن�صر التى �أمرهم اهلل بها‬ ‫ليكونوا �أه ً‬ ‫ال لتنزل ن�صر اهلل عليهم‪.‬‬ ‫ن�ص َر َّن اللهَّ ُ مَن‬ ‫‪ .2‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َل َي ُ‬ ‫ن�ص ُر ُه ِ�إ َّن اللهَّ َ َل َقوِىٌّ َعزِي ٌز ا َّلذِ َ‬ ‫ين ِ�إن َم َّك َّناهُ م‬ ‫َي ُ‬ ‫ال�صال َة َو�آ َت ْوا ال َّز َكا َة‬ ‫فِى الأَ ْر ِ�ض �أَ َقامُوا َّ‬ ‫وف َو َن َه ْوا عَن المْ ُ ْن َك ِر َوللِهَّ ِ عَا ِق َب ُة‬ ‫َو�أَ َم ُروا ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫الأُمُورِ) (احلج‪ ..)41-40 :‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا �إِ َذا َلقِي ُتم ِف َئ ًة َفا ْث ُب ُتوا‬ ‫َوا ْذ ُك ُروا اللهَّ َ َكثِرياً َل َع َّل ُكم ُت ْفل ُِحو َن َو�أَطِ ي ُعوا‬ ‫اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َوال َت َنا َزعُوا َف َت ْف َ�ش ُلوا َو َت ْذه َ​َب‬ ‫ال�صا ِبر َ‬ ‫ِين)‬ ‫ا�صبرِ ُ وا �إِ َّن اللهَّ َ َم َع َّ‬ ‫ر ُ‬ ‫ِيح ُكم َو ْ‬ ‫(الأنفال‪)46-45 :‬‬ ‫‪ .3‬فهذا خطاب للم�ؤمنني فى �أى زمان متى‬ ‫حققوا �شرط اهلل تعاىل ا�ستحقوا الن�صر‬ ‫والتمكني‪ ،‬ويالحظ �أن ال�صحابة قر�أوا‬ ‫قوله تعاىل‪« :‬وعد اهلل الذين �آمنوا منكم»‬


‫وقر�أها من بعد ال�صحابة ونقر�ؤها ويقر�ؤها‬ ‫امل�سلمون (منكم) �إىل �أن تقوم ال�ساعة‪.‬‬ ‫‪ -4‬يجب على امل�سلمني �أن ال ي�شغلوا �أنف�سهم‬ ‫بقوة عدوهم حتى ال ي�صابوا بالإحباط‬ ‫والي�أ�س واحلرية التى ت�ؤدى بهم �إىل مواالة‬ ‫�أ�صحاب العدد والعتاد‪ ،‬يطلبون منهم العزة‬ ‫وال�سيادة‪ ،‬متنا�سني اهلل عز وجل‪ ،‬ف�إن ذلك‬ ‫لن يزيدهم �إال ذال وخ�سرانا‪ ،‬ولن حتل‬ ‫م�شاكلهم بل تزداد تعقيدا‪ ..‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ني ِب�أَ َّن َلهُم َع َذاباً �أَلِيماً ا َّلذِ َ‬ ‫( َب ِّ�شر المْ ُ َنا ِف ِق َ‬ ‫ين‬ ‫َي َّتخِ ُذو َن ا ْل َكا ِفر َ‬ ‫ِين �أَ ْو ِل َيا َء مِ ن دُونِ المْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني‬ ‫للِهَّ‬ ‫�أَ َي ْب َت ُغو َن عِ ْندَهُ م ا ْل ِع َّز َة َف ِ�إ َّن ا ْل ِع َّز َة ِ َجمِ يعاً)‬ ‫(الن�ساء‪.)139-138 :‬‬ ‫‪ -5‬يجب على امل�سلمني �أن يخرجوا من‬ ‫دائرة التواكل والتكا�سل فيعملوا جاهدين‬ ‫لتح�صيل �أ�سباب الن�صر و�أن يتعرفوا على‬ ‫�سنن اهلل تعاىل مع خلقه فاهلل ال ين�صر‬ ‫املتواكلني املتكا�سلني الذين �ضنوا مبا فى‬ ‫�أيديهم من �أ�سباب الن�صر فعلى امل�سلمني �أن‬ ‫يبذلوا كل ما فى �أيديهم من �أ�سباب الن�صر‬ ‫ف�إن ا�ستفرغوا جهدهم وبذلوا كل ما فى‬ ‫و�سعهم ف�إن اهلل �سيجرب ك�سرهم ويتوىل‬ ‫�أمرهم وي�سدد عجزهم وين�صرهم‪.‬‬ ‫‪ .4‬قال تعاىل‪َ ( :‬و�أَعِ دُّ وا َلهُم مَا ْا�س َت َط ْع ُتم مِ ن‬ ‫اط الخْ َ ْيلِ ُت ْرهِ ُبو َن ِب ِه َع ُد َّو اللهَّ ِ‬ ‫ُق َّو ٍة َومِ ن ِر َب ِ‬ ‫ِين مِ ن دُو ِنهِم ال َت ْعلَ ُمو َنهُم اللهَّ ُ‬ ‫َو َع ُد َّو ُكم َو� َآخر َ‬ ‫َي ْعلَ ُمهُم َومَا ُتن ِف ُقوا مِ ن َ�ش ْى ٍء فِى َ�سبِيلِ اللهَّ ِ‬ ‫ُي َو َّف �إِ َل ْي ُكم َو�أَ ْن ُتم ال ُت ْظلَ ُمو َن) (الأنفال‪)60 :‬‬ ‫‪ .5‬ف�أمر اهلل تعاىل امل�سلمني �أن يبذلوا ما‬ ‫بو�سعهم و�أال يدخروا جهدا ومل ي�أمرهم �أن‬ ‫يعدوا للكافرين مثل عدتهم‪ ،‬فقد ر�أينا �أن‬ ‫الن�صر مل ي�أت للم�سلمني فى غزوة الأحزاب‬ ‫�إال بعد �أن حفروا اخلندق الذى ا�ستغرق‬ ‫منهم وقتا وجهدا كبريين و�أتاهم الن�صر بعد‬ ‫خم�سة ع�شر يوما �أو �أكرث من حفر اخلندق‪،‬‬ ‫بعد �أن �أرهق امل�سلمون وكان من املمكن �أن‬ ‫ي�أتى الن�صر قبل ذلك ولكنها �سنة اهلل مع‬ ‫خلقه التى ال ت�ضطرب على مر الزمان‪ ،‬ال‬

‫ين�صر اهلل �إال من دفع ثمن الن�صر‪ ،‬ويالحظ‬ ‫�أن امل�سلمني لو تركهم اهلل لقدرتهم املادية ما‬ ‫انت�صروا فى �أى موقعة من املواقع‪.‬‬ ‫‪ -6‬يجب على امل�سلمني �أن يعملوا جاهدين‬ ‫على ا�ستقاللهم عن غريهم فى �أمورهم‬ ‫ال�ضرورية‪ ،‬فعليهم �أن يعتمدوا على اهلل‬ ‫تعاىل ثم على �أنف�سهم فى حتقيق �أمورهم‬ ‫ال�ضرورية من مطعم وملب�س ودواء و�سالح‬ ‫وغري ذلك‪ ،‬فعدوهم لن ميد لهم يد العون‬ ‫�أبدا بحال من الأحوال‪ ،‬ولن يعطيهم ال�سالح‬ ‫الذى يحاربون به وينت�صرون به على عدوهم‬ ‫الذى هو حليفه �إن مل يكن يدين بدينه‪،‬‬ ‫فالكفر كله ملة واحدة‪.‬‬ ‫عجبت لأمة تطلب �أ�سباب ن�صرها من‬

‫عجبت ألمة تطلب‬ ‫أسباب نصرها من‬ ‫عدوها الذى يخطط‬ ‫إلبادتها‪ ،‬وتعتمد عليه‬ ‫فى أمورها الضرورية‪،‬‬ ‫فأين العقول؟‬ ‫عدوها الذى يخطط لإبادتها‪ ،‬وتعتمد عليه‬ ‫فى �أمورها ال�ضرورية‪ ،‬ف�أين العقول؟ وماذا‬ ‫ينتظر ممن تلك حاله �إال الإبادة �أو يرتد عن‬ ‫دينه ليكون على ملة عدوه ويكون م�صريه‬ ‫�إىل جهنم وبئ�س القرار؟ وهذا هدف ي�سعى‬ ‫�إليه الكافرون‪ -‬ال مكنهم اهلل من ذلك‪.‬‬ ‫والناظر �إىل امل�سلمني مبكة قبل الهجرة هل‬ ‫كان يظن �أن فرجا �سوف يتحقق وامل�سلمون‬ ‫يعذبون حتى مات منهم من مات حتت وط�أة‬ ‫التعذيب؟ فهذا يا�سر يعذب حتى لفظ‬ ‫�أنفا�سه �شهيدا‪ ،‬وهذه �سمية تقتل‪ ،‬وهذا بالل‬ ‫ُيج ُّر فى �صحراء مكة فى وقت الظهرية وما‬ ‫�أدراك ما �صحراء مكة‪ ،‬ويحا�صر امل�سلمون‬

‫فى �شعب �أبى طالب ثالث �سنوات حتى �أكلوا‬ ‫ورق ال�شجر �إن وجدوه‪� ..،‬إىل غري ذلك من‬ ‫و�سائل اال�ضطهاد‪ ،‬وقد ا�ستمر ذلك ثالث‬ ‫ع�شرة �سنة والأمور تنتقل من �سيئ �إىل‬ ‫�أ�سو�أ‪ ،‬وما كان ُيرى فى الأفق القريب �أو‬ ‫البعيد ب�صي�ص �أمل فى ن�صر �أو متكني‪ ،‬هل‬ ‫كان يحلم �أحد بخال�ص له�ؤالء املعذبني‬ ‫امل�ضطهدين‪ ،‬ف�ضال عن �أن ينتظر ن�صرا‬ ‫�أو متكينا؟ �إن هذه الفرتة الزمنية لطويلة‬ ‫جدا‪ ،‬خا�صة �إذا كان الإن�سان يعانى الظلم‬ ‫واال�ضطهاد والتجويع �إىل غري ذلك‪ ،‬وال‬ ‫يجد له ن�صريا وال معينا‪ ،‬و�أى ظلم هذا و�أى‬ ‫عذاب هذا الذى كان يعانيه النبى �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم و�أ�صحابه؟‬ ‫ولقد حتقق ما وعد به ال�صادق امل�صدوق‬ ‫الذى ال ينطق عن الهوى‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪� -‬أ�صحابه وهم فى غاية اال�ست�ضعاف‬ ‫حتى �إنهم ال ي�ستطيعون الدفاع عن �أنف�سهم‪،‬‬ ‫فبانت�شار الإ�سالم عم الأمن والأمان‪.‬‬ ‫فلما هاجر امل�سلمون من مكة املكرمة �إىل‬ ‫املدينة املنورة تكالبت عليهم الدنيا كلها‪-‬‬ ‫�أهل الكتاب من اليهود والن�صارى وامل�شركون‬ ‫واملنافقون‪ -‬و�صار من الواجب على امل�سلمني‬ ‫�أن يردوا املعتدين عليهم مع �ضعف �إمكانات‬ ‫امل�سلمني التى ال تكاد تذكر‪� ،‬إال �أن ثقة‬ ‫امل�سلمني باهلل تعاىل مل تهتز ومل ت�ضعف‪،‬‬ ‫بل ظلوا ثابتني على احلق الذى يدينون به‪.‬‬ ‫فامل�سلم احلق ال تهزم له �إرادة لأنه فى معية‬ ‫اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫فهل كان �أحد ينتظر �أن ي�صمد امل�سلمون‬ ‫�ضد ه�ؤالء جميعا‪ ،‬ف�ضال عن �أن ينت�صروا‪،‬‬ ‫و�أن تهب ن�سمات التوحيد ونور الإميان وعدل‬ ‫الإ�سالم على الدنيا كلها‪ ،‬وت�سمع الدنيا كلها‬ ‫القر�آن الذى جاء به نبينا حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬وال يتوقف الأذان حلظة واحدة‬ ‫بال�شهادة هلل تعاىل بالوحدانية ولنبيه حممد‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم بالر�سالة؟‬

‫‪45‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪46‬‬ ‫َّ‬ ‫إن التعارف أساس دعا إليه القرآن‪ ،‬وضرورة أملتها ظروف‬ ‫المشاركة في الدار أو الوطن بالتعبير العصري‪ ،‬وإعمال لروح‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فالروابط االجتماعية بين البشر كثيرة ‪ -‬الرابطة‬ ‫العائلية‪ ،‬الرابطة القومية‪ ،‬رابطة اإلقامة (الوطن)‪ ،‬رابطة‬ ‫َّ‬ ‫فإن‬ ‫المصلحة‪ ،‬الرابطة اإلسالمية‪ ،‬الرابطة اإلنسانية‪ -‬ولذلن‬ ‫حياة الناس ال تقوم بغير تعايش وتسامح وتعاون‬

‫الحالة الدينية األردنية ‪ ..‬رسالة إنسانية‬ ‫و تعايش حضاري‬

‫الدكتور يا�سني املقو�سي‬ ‫كلية العلوم والرتبية‬ ‫جامعة العلوم الإ�سالمية العاملية‬

‫�إ َّن الإ�سالم ر�سالة لإ�صالح املجتمعات‪،‬‬ ‫و�سيا�سة الدول‪ ،‬وبناء الأمم‪ ،‬ونه�ضة ال�شعوب‪،‬‬ ‫وجتديد احلياة‪ ،‬كما �أنه عقيدة و�شريعة‪،‬‬ ‫ودعوة ودولة‪ ،‬فغاية الدعوة الإ�سالمية هي‬ ‫الو�صول �إىل املُثل العليا والوجه الأ�سمى‬ ‫لتطبيق الدين يف واقع النا�س‪ ،‬ولأ َّن احلياة‬ ‫يعرتيها تغري م�ستمر‪ ،‬وتقلبات دائمة‪،‬‬ ‫لذلك ي�أبى الإ�سالم االنف�صال عن الع�صر‪،‬‬ ‫فهو الدين امللت�صق بالواقع �إ�صالحاً دعوياً‬ ‫باحلكمة واملوعظة احل�سنة ال تعزل امل�سلمني‬ ‫عن الآخرين‪ ،‬فالإ�سالم دين تبدت قدرته‬ ‫على التعاي�ش مع كل اجلماعات الب�شرية على‬ ‫م ّر الدهور والأماكن‪.‬‬

‫�إ َّن وحدة الأ�صل الإن�ساين والكرامة‬ ‫الآدمية �أ�صل من �أ�صول ديننا {{ َيا �أَ ُّيهَا‬ ‫ا�س �إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ َذ َكرٍ َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم‬ ‫ال َّن ُ‬ ‫اللَ‬ ‫ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا ِ�إ َّن َ�أ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد ِهّ‬ ‫�أَ ْت َقا ُك ْم }} (�سورة احلجرات‪ ،)13 :‬وقوله‬ ‫تعاىل‪َ {{ :‬و َل َق ْد َك َّر ْم َنا َبنِي �آ َد َم َو َح َم ْل َناهُ ْم‬ ‫فيِ ا ْلبرَ ِّ َوا ْل َب ْح ِر َو َر َز ْق َناهُ ْم مِ َن َّ‬ ‫الط ِّي َباتِ }}‬ ‫(�سورة الإ�سراء‪ )70 :‬فالنا�س �أكرمهم عند‬ ‫اهلل �أتقاهم‪� ،‬أبوهم واحد و�أ�صلهم من تراب‬ ‫‪ ،‬والرابطة الإن�سانية بينهم قائمة �شاءوا‬ ‫�أم �أبو‪ ،‬هذه الرابطة ترتتب عليها واجبات‬ ‫�شرعية‪ ،‬ن�سميها اليوم حقوق وواجبات‬ ‫املواطنة‪.‬‬


‫�إ َّن التعارف �أ�سا�س دعا �إليه القر�آن‪ ،‬و�ضرورة‬ ‫�أملتها ظروف امل�شاركة يف الدار �أو الوطن‬ ‫بالتعبري الع�صري‪ ،‬و�إعمال لروح الإ�سالم‪،‬‬ ‫فالروابط االجتماعية بني الب�شر كثرية ‪-‬‬ ‫الرابطة العائلية‪ ،‬الرابطة القومية‪ ،‬رابطة‬ ‫الإقامة (الوطن)‪ ،‬رابطة امل�صلحة‪ ،‬الرابطة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬الرابطة الإن�سانية‪ -‬ولذلن ف�إ َّن‬ ‫حياة النا�س ال تقوم بغري تعاي�ش وت�سامح‬ ‫وتعاون‪ ،‬وقد حد ّد اهلل تعاىل �أ�سا�س هذا‬ ‫التعاي�ش بقوله‪{{ :‬ال َي ْنهَا ُك ُم هَّ ُ‬ ‫الل ع َِن‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ّين َولمَ ْ ُي ْخر ُِجو ُك ْم‬ ‫ين لمَ ْ ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫مِ نْ ِد َيا ِر ُك ْم �أَنْ َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم ِ�إ َّن‬ ‫هَّ َ‬ ‫الل يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ‬ ‫ني}}(�سورة املمتحنة‪.)8 :‬‬ ‫�إ َّن املنظومة القيمية الإ�سالمية �أقامت‬ ‫عالقة امل�سلم مع غريه على وحدة الأ�صل‬ ‫الإن�ساين‪ ،‬ومنطلق التكرمي الإلهي‬ ‫للإن�سان‪ ،‬و�إحياء مبد�أ التعارف‪ ،‬وتعميق‬ ‫الأخوة الإن�سانية‪ ،‬والتعامل بالرب والعدل‬ ‫مع الآخر‪ ،‬واملجادلة بالتي هي �أح�سن‪،‬‬ ‫والعمل على �إيجاد القوا�سم امل�شرتكة بني‬ ‫املكونات احل�ضارية‪ ،‬وت�أكيد االلتزام الوا�ضح‬ ‫باحلرية وحقوق الإن�سان‪ ،‬وم�شروعية‬ ‫اخلالف الفكري والتعددية الثقافية‪،‬‬ ‫والدفاع عن ذلك كله بو�صفه �أ�سا�ساً من‬ ‫مبادئ الإ�سالم‪.‬‬ ‫�إ َّن ال�صورة الأردنية يف العي�ش امل�شرتك‬ ‫هي �إنعكا�س لل�صورة الإ�سالمية‪ ،‬وثمرة من‬ ‫ثمرات النهج الها�شمي يف احلكم والقيادة‪،‬‬ ‫القائم على تر�سيخ امل�ساواة بني مواطني‬ ‫الدولة‪ ،‬ب�صرف النظر عن دينهم �أو جن�سهم‪،‬‬ ‫�أو �أ�صلهم‪ ،‬وفق منظومة ح�ضارية ر�سخت‬ ‫قيم املواطنة والعدالة ومباديء الو�سطية‬ ‫واالعتدال‪ ،‬والعدل والت�سامح مع مواطنيها‬ ‫جميعاً على اختالف �أ�صولهم و�أديانهم‪،‬‬ ‫ف�آمنت ب�أ َّن امل�سيحيني هم مكون �أ�صيل‬ ‫من مكونات الدولة والأمة ولي�س ك�أقلية‪،‬‬ ‫و�أدركت الدور املهم للعرب امل�سيحيني على‬

‫�صعيد التحديث ومواكبة الع�صر وبناء‬ ‫الدولة الأردنية عرب تاريخ الن�شوء والتطور‪.‬‬ ‫�إ َّن ر�سالة الأردن ر�سالة حمبة وت�سامح‪،‬‬ ‫وجهود جاللة امللك حفظه اهلل و�سعيه‬ ‫املو�صول ر�سالة لكل الأردنيني لتج�سيد‬ ‫معاين الوئام والت�آخي والت�سامح واحلوار‬ ‫بني �أتباع الديانات‪ ،‬ورعاية املقد�سات‬ ‫الإ�سالمية وامل�سيحية والأماكن الدينية‬ ‫يف القد�س‪ ،‬وتعبري �إن�ساين عن �إرث �أردين‬ ‫يفخر به الأردنيون‪ ،‬و ُي�شكل �أمنوذجاً رائعاً‬ ‫يعك�س ال�صورة الإن�سانية الأردنية القائمة‬ ‫على احرتام الإن�سان ومعتقداته كثوابت‬ ‫دينية ووطنية‪.‬‬ ‫�سجلت احلالة الأردنية يف التعاي�ش‬ ‫وقد َّ‬ ‫والت�آخي �إمتداداً للإرث احل�ضاري‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬التي ا�ستوعبت احل�ضارات‬ ‫الإن�سانية لبناء م�شروع ح�ضاري م�ؤمن‬ ‫بالتكامل بعيداً عن �صور ال�صراع احل�ضاري‪..‬‬ ‫فمنذ قيام الدولة الأردنية‪� ،‬شكلت مفاهيم‬ ‫االعتدال والو�سطية والوحدة الوطنية‪ ،‬ركناً‬ ‫�أ�سا�سياً من ر�سالتها‪ ،‬كما �أكد د�ستور الدولة‪،‬‬ ‫"�أ َّن الأردنيني مت�ساوون �أمام القانون بغ�ض‬ ‫النظر عن الأ�صل �أو العِرق �أو اللون �أو‬ ‫الدين"‪ .‬فالإ�سالم –وهو دين الدولة‪ -‬هو‬ ‫دين الو�سطية واالعتدال والت�سامح‪ ،‬وهو‬ ‫�أبعد ما يكون عن التطرف والتع�صب �ضد‬ ‫الآخر كائناً من كان‪.‬‬ ‫�إ َّن ر�سالة ع َّمان هي امتداد لر�سالة الإ�سالم‬ ‫ال�سمحة‪ ،‬وعهد النبوة اخلالدة التي ترجمت‬ ‫"ال ّر�سالة ال�سمحة التي �أوحى بها الباري‬ ‫ج ّلت قدرته للنبي الأمني حممد �صلوات‬ ‫اهلل و�سالمه عليه‪ ،‬وحملها خلفا�ؤه و�آل‬ ‫بيته من بعده عنوان �أخ ّوة �إن�سان ّية وديناً‬ ‫ي�ستوعب الن�شاط الإن�ساين كله‪ ،‬وي�صدع‬ ‫باحلق وي�أمر باملعروف وينهى عن املنكر‪،‬‬ ‫ويك ّرم الإن�سان‪ ،‬ويقبل الآخر‪ ،‬لبناء جمتمع‬

‫�إن�ساين ت�ستظ ّل الب�شرية يف �صفاء مبادئها‬ ‫ونقاء قيمها وف�ضائل م�ضامينها"‪( .‬ر�سالة‬ ‫ع ّمان)‬ ‫"وقد تبنت اململكة الأردن ّية الها�شم ّية‬ ‫نهجاً يحر�ص على �إبراز ال�صورة احلقيق ّية‬ ‫امل�شرقة للإ�سالم ووقف التجني عليه ورد‬ ‫الهجمات عنه‪ ،‬بحكم امل�س�ؤول ّية الروح ّية‬ ‫والتاريخ ّية املوروثة التي حتملها قيادتها‬ ‫الها�شم ّية ب�شرع ّية مو�صولة بامل�صطفى‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬صاحب ال ّر�سالة‪،‬‬ ‫ويتم ّثل هذا النهج يف اجلهود احلثيثة التي‬ ‫بذلها جاللة املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل‬ ‫امللك احل�سني بن طالل ط ّيب اهلل ثراه على‬ ‫مدى خم�سة عقود‪ ،‬ووا�صلها‪ ،‬من بعده‪،‬‬ ‫بعزم وت�صميم جاللة امللك عبد اهلل الثاين‬ ‫ابن احل�سني‪ ،‬منذ �أن ت�س ّلم الراية‪ ،‬خدمة‬ ‫للإ�سالم‪ ،‬وتعزيزاً لت�ضامن مليار ومائتي‬ ‫مليون م�سلم ي�ش ّكلون ُخم�س املجتمع‬ ‫الب�شري‪ ،‬ودرءاً لتهمي�شهم �أو عزلهم عن‬ ‫حركة املجتمع الإن�ساين‪ ،‬وت�أكيداً لدورهم‬ ‫يف بناء احل�ضارة الإن�سان ّية‪ ،‬وامل�شاركة يف‬ ‫تقدمها يف ع�صرنا احلا�ضر"‪( .‬ر�سالة ع ّمان)‬ ‫وقد بينّ الإ�سالم � ّأن هدف ر�سالته هو‬ ‫حتقيق ال ّرحمة واخلري للنا�س �أجمعني‪{{ ،‬‬ ‫َومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫اك ِ�إ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫ني }} (�سورة‬ ‫الأنبياء‪ّ ...)107 :‬‬ ‫وحث على الت�سامح والعفو‬ ‫اللذين يعبرّ ان عن �سمو النف�س‪ ..‬وق ّرر‬ ‫مبد�أ العدالة يف معاملة الآخرين و�صيانة‬ ‫حقوقهم‪ ،‬وعدم بخ�س النا�س �أ�شياءهم {{‬ ‫َو َال َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن� ُآن َق ْو ٍم َعلَى �أَ َّال َت ْعدِ ُلواْ‬ ‫ْاعدِ ُلواْ هُ َو �أَ ْق َر ُب لِل َّت ْق َوى (�سورة املائدة‪.)8:‬‬ ‫وعلينا �أن نفاخر الدنيا يف ر�سالة الأردن‬ ‫املعززة لقيم الت�سامح واملحبة والتعاي�ش‬ ‫والت�آخي‪ ،‬واملعظمة للقوا�سم امل�شرتكة بني‬ ‫اتباع الديانات ال�سماوية ملا فيه م�صلحة‬ ‫وخري املجتمع الأردين‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪48‬‬

‫حتى يتبين لهم أنه‬ ‫الحق‬

‫على مدى أشهر معدودات يشهد‬ ‫العالم وقائع ومعطيات تفصح‬ ‫بلسان الحال والمقال معا عن إعجاز‬ ‫كتاب اهلل الذي ال يأتيه الباطل من‬ ‫بين يديه وال من خلفه‪ ،‬والمصداقية‬ ‫المطلقة لتعاليمه وتحذيراته‪.‬‬

‫ع�شرات الكتب ومئات البحوث‬ ‫قبل ذلك وعلى مدى القرنني الأخريين حتديداً‪ ،‬جاءت الك�شوف‬ ‫العلمية وبخا�صة يف جماالت التاريخ واخلليقة والفيزياء واجليولوجي‬ ‫والكوزمولوجي والبيولوجي واجلغرافيا والت�شريح وعلم الأج ّنة‪ ،‬لكي‬ ‫تتطابق ب�شكل يثري الده�شة مع �آيات اهلل الب ّينات‪.‬‬ ‫وكلنا نذكر ع�شرات الكتب‪ ،‬ومئات البحوث التي حتدّثت عن ذلك‪ ،‬ونذكر‬ ‫متح�ضت ملتابعة ق�ضية العلم والإميان �أو‬ ‫معها امل�ؤ�س�سات والدوائر التي ّ‬ ‫القر�آن والعلم احلديث‪ ،‬والتي قدّمت منظومة من الك�شوف العلمية واملعرفية‬ ‫املتوافقة مع ما �سبق و�أن �أ�شار �إليه كتاب اهلل �سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫وكلنا نذكر ‪-‬مع هذا وذاك‪ -‬اجلهد الكبري الذي بذله العامل الفرن�سي‬ ‫امل�شهور "موري�س بوكاي" يف كتابه الق ّيم "القر�آن الكرمي والتوراة والإجنيل‪:‬‬ ‫درا�سة الكتب املقد�سة يف �ضوء املعارف احلديثة"‪ ،‬والذي خل�ص فيه ‪-‬بعد‬ ‫ع�شرين عاما من البحث املكافح‪� -‬إىل �أن ت�سعة �أع�شار ما ورد من معطيات‬ ‫معرفية يف التوراة والإجنيل‪ ،‬ت�سقط �إذا �أحلناها على الك�شوف املعرفية‬ ‫احلديثة‪ ،‬وال مي ّر �سوى الع�شر‪ .‬ويف املقابل ف�إن ع�شرة �أع�شار ما ورد يف القر�آن‬ ‫الكرمي يتوافق مع هذه الك�شوف‪ .‬ويقول الرجل مع ّقبا‪" :‬ال ميكن لـ"حممد"‬ ‫على افرتا�ض ت�أليفه للقر�آن �أن يتعامل مع معطيات التوراة والإجنيل يف‬ ‫�ضوء معرفة لن تت�شكل �إال بعد �أربعة ع�شر قرنا‪ ،‬في�سقط منهما ما ال يتوافق‬ ‫واحلقائق العلمية‪ ،‬وال ي�ستبقي �سوى الع�شر‪� ،‬أي�ضا يف �ضوء معرفة �ستت�شكل‬ ‫بعده بزمن بعيد‪ ..‬ال ميكن لرجل كهذا �إال �أن يكون نب ًّيا يتلقى عن م�صدر‬ ‫علوي مطلق هو اهلل �سبحانه"‪.‬‬ ‫التطابق املده�ش‬ ‫الآن‪ ،‬وعلى مدى �أ�شهر معدودات‪ ،‬وعرب ما تتناقله الف�ضائيات �صباح م�ساء‪،‬‬ ‫ي�شهد العامل جملة من الوقائع واملعطيات‪ ،‬تقدم �إ�ضافات ذات قيمة بالغة‬ ‫لظاهرة ال�صدق املطلق لآيات اهلل الب ّينات‪ ،‬وتطابقها املده�ش مع الك�شوف‬


‫واخلربات املتجددة يف واقع احلياة الب�شرية‬ ‫على امتدادها يف العامل ك ّله‪:‬‬ ‫�أوال‪ :‬انهيار النظام الربوي‪ ،‬ومعاناة‬ ‫الر�أ�سمالية من االختناقات‪ ،‬وو�صولها �إىل‬ ‫طرق م�سدودة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الغزو ال�شامل لأنفلونزا اخلنازير‪،‬‬ ‫والإعالن عنها وبا ًء عاملياً‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬احلملة ال�شاملة التي �أعلنتها رئا�سة‬ ‫اجلمهورية الفرن�سية‪ ،‬لت�ضييق اخلناق على‬ ‫ظاهرة �شرب اخلمر باعتبارها واحدة من‬ ‫�أكرث العوامل امل�ؤدية �إىل ال�سرطان‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬حتليل طبـي يجريه عدد من كبار‬ ‫الأطباء‪ ،‬ي�ؤكد �أن اخلتان ميثل واحدة من‬ ‫�أكرث و�سائل املناعة فاعلية �ضد �سرطان‬ ‫الربو�ستات‪.‬‬ ‫ال �أحد يجادل يف هذا الذي ي�شهده العامل‬ ‫الآن‪ ،‬بعد �إذ �أ�صبح‪ ،‬مبعطياته وذيوله‬ ‫املتجددة واقعاً ثقي ً‬ ‫ال يفر�ض نف�سه على‬ ‫الإعالم‪ ،‬وي�شهده مئات املاليني من النا�س‬ ‫على مدى العامل ك ّله‪.‬‬ ‫ما الذي �سبق و�أن قاله كتاب اهلل يف الظواهر‬ ‫الأربع؟!‬ ‫�أوال‪ :‬يكفي �أن نتذكر الآيات الب ّينات التي‬ ‫�أعلنت احلرب على الربا‪ ،‬وح ّذرت من‬ ‫تعاطيه‪ ،‬وقدمت البدائل االقت�صادية املنا�سبة‬ ‫لتجاوزه وا�ستئ�صاله من حياة النا�س‪:‬‬ ‫(ا َّلذِ َ‬ ‫ين َي�أْ ُك ُلو َن ال ِّر َبا َال َي ُقومُو َن �إِ َّال َك َما‬ ‫َي ُقو ُم ا َّلذِ ي َي َت َخ َّب ُط ُه َّ‬ ‫ال�ش ْي َط ُان مِ َن المْ َ ِّ�س َذل َِك‬ ‫ِب�أَ َّن ُه ْم َقا ُلوا ِ�إنمَّ َ ا ا ْل َب ْي ُع مِ ْث ُل ال ِّر َبا َو�أَ َح َّل اهللُ‬ ‫ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ال ِّر َبا * يمَ ْ َح ُق ُ‬ ‫اهلل ا ْل ِّر َبا َو ُي ْربِي‬ ‫ال�ص َد َقاتِ )(البقرة‪( ،)276-275:‬ا َّت ُقواْ َ‬ ‫اهلل‬ ‫َّ‬ ‫َو َذ ُرواْ مَا َبق َِي مِ َن ال ِّر َبا �إِن ُكن ُتم ُّم�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني)‬ ‫ين �آ َم ُنواْ َال َت�أْ ُك ُلواْ‬ ‫(البقرة‪َ ( ،)278:‬يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ال ِّر َبا �أَ ْ�ض َعافاً ُّم َ�ضا َع َف ًة)(�آل عمران‪،)130:‬‬ ‫( َو�أَ ْخذِ هِ ُم ال ِّر َبا َو َق ْد ُنهُواْ َع ْن ُه َو�أَ ْك ِل ِه ْم �أَ ْم َوا َل‬ ‫ا�س بِا ْل َباطِ لِ )(الن�ساء‪َ ( ،)161:‬ومَا �آ َت ْي ُتم‬ ‫ال َّن ِ‬ ‫ا�س فَلاَ َي ْر ُبو عِ ن َد‬ ‫مِّن ِّرباً ِّليرَ ْ ُب َو فيِ �أَ ْموَالِ ال َّن ِ‬ ‫اهللِ)(الروم‪.)39:‬‬ ‫املف�سرون يف‬ ‫و�أن نتذكر معها ما قاله ّ‬ ‫املو�ضوع ‪-‬وهو كثري غزير‪ -‬نكتفي منه ب�إ�شارة‬

‫واحدة قد تغني عن التفا�صيل‪" :‬مل يبلغ من‬ ‫تفظيع �أمر �أراد الإ�سالم �إبطاله من �أمور‬ ‫اجلاهلية ما بلغ من تفظيع الربا‪ .‬وال بلغ من‬ ‫التهديد يف اللفظ واملعنى ما بلغ التهديد يف‬ ‫�أمر الربا‪ ..‬وهلل احلكمة البالغة‪ .‬فلقد كانت‬ ‫للربا يف اجلاهلية مفا�سده و�شروره‪ .‬ولكن‬ ‫اجلوانب ال�شائعة القبيحة من وجهه الكالح‬ ‫ما كانت كلها بادية يف جمتمع اجلاهلية كما‬ ‫بدت اليوم‪ ،‬وتك�شفت يف عاملنا احلا�ضر‪ ،‬وال‬ ‫كانت البثور والدمامل يف ذلك الوجه الدميم‬ ‫مك�شوفة كلها كما ك�شفت اليوم يف جمتمعنا‬ ‫احلديث‪ .‬فهذه احلملة املفزعة البادية يف‬ ‫هذه الآيات على ذلك النظام املقيت‪ ،‬تتك�شف‬ ‫اليوم حكمتها على �ضوء الواقع الفاجع يف‬ ‫حياة الب�شرية‪� ،‬أ�شد مما كانت متك�شفة يف‬ ‫اجلاهلية الأوىل‪ .‬ويدرك ‪-‬من يريد �أن يتدبر‬ ‫حكمة اهلل وعظمة هذا الدين وكمال هذا‬ ‫املنهج ودقة هذا النظام‪ -‬اليوم من هذا كله ما‬ ‫مل يكن يدركه الذين واجهوا هذه الن�صو�ص‬ ‫�أول مرة‪ .‬و�أمامه اليوم من واقع العامل ما‬

‫ي�صدّق كل كلمة ت�صديقا حيا مبا�شرا واقعا‪.‬‬ ‫والب�شرية ال�ضالة التي ت�أكل الربا وتوكله‬ ‫تن�صب عليها الباليا املاحقة ال�ساحقة من‬ ‫جراء هذا النظام الربوي‪ ،‬يف �أخالقها ودينها‬ ‫و�صحتها واقت�صادها‪ .‬وتتلقى ‪-‬حقا‪ -‬حربا‬ ‫ت�صب عليها النقمة والعذاب‪� ،‬أفرادا‬ ‫من اهلل ّ‬ ‫وجماعات‪ ،‬و�أمما و�شعوبات وهي ال تعترب وال‬ ‫تفيق!"‪)1(.‬‬ ‫وماذا عن اخلنـزير؟!‬ ‫ثانيا‪ :‬يكفي �أن نتذكر حتذيرات القر�آن‬ ‫الكرمي من اخلنـزير و�أكل حلمه‪:‬‬ ‫(�إِنمَّ َ ا َح َّر َم َعلَ ْي ُك ُم المْ َ ْي َت َة َوال َّد َم َولحَ ْ َم الخْ ِ نـزِي ِر‬ ‫(ح ِّرمَتْ‬ ‫َومَا �أُهِ َّل ِب ِه ِل َغيرْ ِ اهللِ)(البقرة‪ُ ،)173:‬‬ ‫َعلَ ْي ُك ُم المْ َ ْي َت ُة َوا ْل َّد ُم َولحَ ْ ُم الخْ ِ ْنزِي ِر َومَا �أُهِ َّل‬ ‫هلل ِبهِ)(املائدة‪�( ،)3:‬إِ َّال �أَن َي ُكو َن َم ْي َت ًة‬ ‫ِل َغيرْ ِ ا ِ‬ ‫َ‬ ‫�أَ ْو دَماً َّم ْ�س ُفوحاً �أ ْو لحَ ْ َم خِ نزِيرٍ َف ِ�إ َّن ُه ر ِْج ٌ�س)‬ ‫(الأنعام‪.)145:‬‬ ‫"وامليتة ت�أباها النف�س ال�سليمة وكذلك‬ ‫الدم‪ .‬ف�ض ً‬ ‫ال على ما �أثبته الطب ‪-‬بعد‬ ‫فرتة طويلة من حترمي القر�آن والتوراة‬

‫‪49‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫قبله ب�إذن اهلل‪ -‬من جتمع امليكروبات واملواد‬ ‫ال�ضارة يف امليتة ويف الدم‪ ..‬ف�أما اخلنـزير‬ ‫فيجادل فيه الآن قوم‪ .‬واخلنـزير بذاته منفر‬ ‫للطبع النظيف القومي‪ .‬ومع هذا فقد حرمه‬ ‫اهلل منذ ذلك الأمد الطويل ليك�شف علم‬ ‫النا�س منذ قليل �أن يف حلمه ودمه و�أمعائه‬ ‫دودة �شديدة اخلطورة (الدودة ال�شريطية‬ ‫وبوي�ضاتها املتك ّي�سة)‪ .‬ويقول الآن قوم‪� :‬إن‬ ‫و�سائل الطهو احلديثة قد تقدمت‪ ،‬فلم‬ ‫تعد هذه الديدان وبوي�ضاتها م�صدر خطر‪،‬‬ ‫لأن �إبادتها م�ضمونة باحلرارة العالية التي‬ ‫توفرها و�سائل الطهو احلديثة‪ .‬وين�سى‬ ‫ه�ؤالء النا�س �أن علمهم قد احتاج �إىل قرون‬ ‫طويلة ليك�شف �آفة واحدة‪ .‬فمن الذي يجزم‬ ‫ب�أن لي�س هناك �آفات �أخرى يف حلم اخلنـزير‬ ‫مل يك�شف بعد عنها؟ �أفال ت�ستحق ال�شريعة‬ ‫التي �سبقت هذا العلم الب�شري بع�شرات‬ ‫القرون �أن نثق بها وندع كلمة الف�صل لها‪،‬‬ ‫ونح ّرم ما حرمت ونحلل ما حللت‪ ،‬وهي من‬ ‫لدن حكيم خبري؟"‪)2(.‬‬

‫‪50‬‬

‫وها هو العامل ي�شهد اليوم �إعدام مئات‬ ‫الآالف من اخلنازير جتنبا للأنفلونزا التي‬ ‫يحملونها‪ ،‬والتي �أعلن عنها وبا ًء عامليا!‪..‬‬ ‫ثالثا‪ :‬ويكفي �أن نتذكر ‪-‬كذلك‪ -‬حتجيم‬ ‫القر�آن لظاهرة �شرب اخلمر ثم حترميها‬ ‫ب�شكل قاطع‪:‬‬ ‫( َي ْ�س َ�أ ُلو َن َك ع َِن الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ ِر ُق ْل فِي ِه َما‬ ‫ري َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ‬ ‫�إِ ْث ٌم َك ِب ٌ‬ ‫ا�س َو�إِ ْث ُم ُه َما �أَ ْكبرَ ُ‬ ‫َ‬ ‫مِ ن َّن ْف ِع ِه َما)(البقرة‪َ (،)219:‬يا �أ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫ال�ص َ‬ ‫ال َة َو�أَن ُت ْم ُ�س َكا َرى‬ ‫�آ َم ُنواْ َال َت ْق َر ُبواْ َّ‬ ‫َح َّت َى َت ْعلَ ُمواْ مَا َت ُقو ُلو َن)(الن�ساء‪،)43:‬‬ ‫اب َوالأَ ْز َال ُم‬ ‫(�إِنمَّ َ ا الخْ َ ْم ُر َوالمْ َ ْي�سِ ُر َوالأَ َ‬ ‫ن�ص ُ‬ ‫ر ِْج ٌ�س ِّمنْ َع َملِ َّ‬ ‫اج َت ِن ُبو ُه َل َع َّل ُك ْم‬ ‫ال�ش ْي َطانِ َف ْ‬ ‫ُت ْفل ُِحو َن * ِ�إنمَّ َ ا ُيرِي ُد َّ‬ ‫ال�ش ْي َط ُان �أَن ُيو ِق َع‬ ‫َب ْي َن ُك ُم ا ْل َعدَا َو َة َوا ْل َب ْغ َ�ضاء فيِ الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ رِ)‬ ‫(املائدة‪.)91-90:‬‬ ‫�إن مفا�سدها ‪�-‬إذن‪ -‬كثرية مت�شعبة ال يت�سع‬ ‫مقال كهذا للخو�ض يف تفا�صيلها‪ ،‬ويكفي‬ ‫�أنها رج�س من عمل ال�شيطان‪ ،‬لكي يتجنبها‬ ‫الإن�سان بفطرته ال�سليمة‪ ..‬ثم ها هي‬

‫�إحدى الك�شوف احلديثة ت�شري �إىل �أنها �أحد‬ ‫الأ�سباب امل�ؤكدة لواحد من �أكرث الأمرا�ض‬ ‫خطورة وفتكا‪ :‬ال�سرطان‪.‬‬ ‫رابعا‪� :‬أما اخلتان الذي يقي هو الآخر من‬ ‫�أحد �أمناط ال�سرطان‪ ،‬ف�أمره م�ؤكد يف �سنة‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وتقاليد‬ ‫امل�سلمني على مدار الأماكن والأزمان‪.‬‬ ‫وهي لي�ست خامتة املطاف‬ ‫هذه الوقائع الأربع التي �أملح �إليها هذا املقال‬ ‫لي�ست خامتة املطاف وال نهاية التاريخ‪..‬‬ ‫فعرب القرون الأربعة ع�شر تك�شفت بقوة‬ ‫الفكر الب�شري والبحث العلمي ومعطيات‬ ‫الواقع‪ ،‬ع�شرات احلقائق ومئاتها يف �شتى‬ ‫مفا�صل الكون والعامل والطبيعة والنف�س‬ ‫الإن�سانية واجل�سد الب�شري‪ ..‬وقرون �أخرى‬ ‫�ستم�ضي لكي تتك�شف حقائق �أخرى‪ ..‬وهي‬ ‫يف احلالتني جتيء مطابقة ملا �سبق و�أن �أ�شار‬ ‫القر�آن �إليه و�أكد عليه‪.‬‬ ‫فقبالة الآية املده�شة‪َ (:‬ب ْل َك َّذ ُبواْ بمِ َا لمَ ْ‬ ‫يُحِ ُ‬ ‫يطواْ ِب ِع ْلمِ ِه َولمَ َّا َي�أْ ِت ِه ْم َت�أْوِي ُلهُ)(يون�س‪.)39:‬‬ ‫(�سنرُ ِي ِه ْم �آ َيا ِت َنا فيِ ْالآ َفاقِ َوفيِ‬ ‫والآية املعجزة َ‬ ‫�أَن ُف�سِ ِه ْم َح َّتى َي َت َبينَّ َ َل ُه ْم �أَ َّن ُه الحْ َ ُّق �أَ َولمَ ْ َي ْك ِف‬ ‫ِب َر ِّب َك �أَ َّن ُه َعلَى ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َ�شهِيدٌ)(ف�صلت‪،)53:‬‬ ‫يقف املرء خا�شعا �أمام اجلالل الإلهي الذي‬ ‫يهيمن على الكون واحلياة‪ ،‬ويحكي عن‬ ‫تكوينهما و�صريورتهما وم�صائرهما‪ ،‬ف�إذا‬ ‫بهذا الذي يقوله كتاب اهلل يتوافق ب�شكل‬ ‫مده�ش مع معطيات العقل الب�شري وك�شوف‬ ‫العلم احلديث وخربات الواقع امل�شهود‪.‬‬ ‫حماوالت خائبة و�أخرى م�ضادة‬ ‫ومن عجب �أن حماوالت مو�صولة بذلت‬ ‫يف االجتاه املعاك�س الذي ي�ستهدف �إلغاء‬ ‫احل�ضور الإلهي يف الكون واحلياة ونفيه‪..‬‬ ‫فماذا كانت النتيجة؟‬ ‫خم�سون عاما من اجلهد الالفح يف املعاهد‬ ‫واملختربات العلمية ال�سوفياتية لتمكني‬ ‫الإن�سان من بعث احلياة يف املادة الع�ضوية‬ ‫(الطني الالزب)‪ ،‬خرج علماء احلياة بعدها‬ ‫وهم ينف�ضون �أيديهم ويعلنون عن ف�شلهم‬ ‫احلا�سم‪.‬‬


‫ومن قبلهم كان "مارك�س" و"انغلز" قد‬ ‫�صاغا يف "املادية الديالكتيكية" نظرية‬ ‫املتغريات الكمية التي تتحول �إىل متغريات‬ ‫نوعية بعيدا عن تدخل قوة �أو �إرادة فوقية‪،‬‬ ‫والتي جاءت املعطيات العلمية الأكرث حداثة‬ ‫لكي تبينّ تهافتها وعجزها‪ ،‬و"�سخفها‬ ‫الطائ�ش" �إذا ا�ستعملنا عبارة �سوليفان يف‬ ‫"حدود العامل"‪.‬‬ ‫ويف املقابل يقوم الربوفي�سور الربيطاين‬ ‫"هويل" مب�شاركة بروف�سور هندي يف جامعة‬ ‫كارديف يف �إنكلرتا‪ ،‬مبحاولة ا�ستغرقت‬ ‫ع�شرين عاما لفح�ص �إمكان تخ ّلق احلياة‬ ‫يف موات الوحل (‪)Primeval Soup‬‬ ‫فيما �أ�سمياه حماولة التخ ّلق يف الفراغ‬ ‫(‪ ،)Evolution from Space‬وقاال‬ ‫ب�أنهما بد�آ املحاولة بعقلية احلادية �صرفة‪،‬‬

‫و�أن الفكرة ال�سائدة يومها هي �أن حتقيق‬ ‫التخ ّلق املذكور هو بن�سبة واحد �إىل ع�شرة يف‬ ‫�أف�ضل االحتماالت‪ .‬ولكنهما وجدا يف نهاية‬ ‫املطاف �أن الن�سبة ت�ضاعفت وفق �أرقام فلكية‪،‬‬ ‫و�أ�صبحت واحدا �أمامه ع�شرة �أمامها �أربعني‬ ‫�ألف �صفر‪� ..‬أي �إن التخ ّلق بدون �إرادة فوقية‬ ‫م�ستحيل‪ ..‬م�ستحيل‪ ..‬فما كان منهما �إال‬ ‫�أن يختما بحثهما بف�صل يحمل عنوان اهلل‬ ‫(‪.)God‬‬

‫وا�سعة‪..‬‬ ‫بع�ضها الآخر ي�ؤكد وحدة ال�صنع فوحدانية‬ ‫ال�صانع‪ ،‬فيما �أ�شار �إليه القر�آن يف ع�شرات‬ ‫املقاطع والآيات‪..‬‬ ‫فئة ثالثة حتكي عن ذلك التطابق املده�ش‬ ‫ن�ص عليه القر�آن‪ ،‬وبني‬ ‫بني ما �سبق و�أن ّ‬ ‫الك�شوف العلمية يف �أكرث معطياتها حداثة‪.‬‬ ‫�إن حتذير القر�آن الكرمي من الربا واخلمر‬ ‫و�أكل حلم اخلنـزير‪ ،‬وت�أكيد ال�سنة النبوية‬ ‫على اخلتان‪� ..‬إن هي �إال جمرد �شواهد‬ ‫وعالمات على الطريق‪ ..‬وهناك غريها‬ ‫الع�شرات واملئات‬

‫وما هي �إال عالمات على الطريق‬ ‫واحلديث يطول‪ ،‬ومكتبة العلم والإميان‬ ‫تتلقى يوما بعد يوم �سيال من البحوث‬ ‫م�ؤرخ ومفكر ا�سالمي ‪ -‬العراق‬ ‫والدرا�سات وامل�ؤلفات‪ ،‬بع�ضها ي�ؤكد بع�شرات‬ ‫ال�شواهد العلمية �إبداعية اهلل �سبحانه يف ‪ -‬الهوام�ش ‪:‬‬ ‫‪ -1‬يف ظالل القر�آن‪ ،‬ل�سيد قطب‪ ،‬الطبعة ال�سابعة والثالثون‪،‬‬ ‫حم�ض له القر�آن م�ساحات دار ال�شروق‪ ،‬القاهرة ‪ 1973 -‬م‪ ،‬جزء ‪� ،3‬ص‪. 318 :‬‬ ‫اخللق‪ ،‬فيما ّ‬ ‫‪ -2‬امل�صدر نف�سه‪ ،‬جزء ‪� ،3‬ص‪. 156 :‬‬

‫‪51‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪52‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(ق َ‬ ‫س ُ‬ ‫أوسط األمور أفضلها‪َ ،‬‬ ‫م) ‪ ،‬كما جاء في‬ ‫ط ُه ْ‬ ‫ال أَ ْو َ‬ ‫التنزيل أي أفضلهم أو أقربهم إلى الخير‪ ،‬الوسطية هي‬ ‫اختيار أفضل المسالك‪.‬‬ ‫االستقرار هو التوازن المنشود في نفس الفرد وأمن‬ ‫المجتمع من الخوف واشباع ضروراته الحياتية‪ ،‬وكفالة‬ ‫الحرية والعدالة والمساواة في إدارة شؤونه ما يحقق‬ ‫السالم االجتماعي‪ ،‬حالة امتن بها سبحانه وتعالى على‬ ‫الناس‪َ :‬‬ ‫وع‬ ‫(ف ْل َي ْع ُب ُدوا َر َّب َه َذا ا ْل َب ْي ِ‬ ‫ت* ا َّل ِذي أَ ْط َع َم ُهم ِّمن ُج ٍ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ف) ‪.‬‬ ‫آم َن ُهم ِّم ْن َخ ْو ٍ‬ ‫َو َ‬

‫دور الوسطية في االستقرار‬ ‫والتنمية‬

‫دولة االمام ال�صادق املهدي‬ ‫رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫التنمية ال تقف عند حد زيادة الدخل‬ ‫القومي‪ ،‬بل تتجاوزها لتحقق التنمية الب�شرية‬ ‫ومفرداتها‪ :‬تنمية املوارد‪ ،‬وعدالة توزيعها‪،‬‬ ‫واحلكم الرا�شد يف �إدارة ال�ش�أن العام وهي‬ ‫بذلك من مقا�صد العمارة التي �أرادها اهلل‪:‬‬ ‫ن�ش�أَ ُكم م َِّن الأَ ْر ِ�ض َو ْا�س َت ْع َم َر ُك ْم فِيهَا)(‪)3‬‬ ‫(هُ َو �أَ َ‬ ‫�أي جعلكم عمارها‪.‬‬ ‫بهذا الفهم املحيط لال�ستقرار والتنمية تظهر‬ ‫جلياً �صلة الأمرين بالو�سطية وما بني املفاهيم‬ ‫الثالثة من تداخل �أقول‪:‬‬ ‫‪ .1‬يف ع�صرنا هذا ال يتحقق اال�ستقرار املجتمعي‬ ‫�إال �إذا توافرت ال�شروط ال�ستة الآتية‪:‬‬ ‫• �إطار فكري يوازن بني احلرية وهوية‬ ‫املجتمع‪.‬‬ ‫• نظام حكم يقوم على �شرعية تنظم العالقة‬ ‫بني احلكام واملواطنني‪.‬‬ ‫• نظام اقت�صادي يحقق الكفاية والعدل‪.‬‬ ‫• �صيانة �أمن املجتمع بو�سائل حترتم حقوق‬ ‫الإن�سان‪.‬‬ ‫• اال�ستعداد للدفاع عن الوطن‪.‬‬ ‫• القبول الدويل‪.‬‬ ‫هذا معناه �أن �أي ا�ستقرار يقوم على القهر‪،‬‬

‫ا�ستقرار زائف لأن اال�ستبداد �صنو الظلم‬ ‫والظلم هدام‪ ،‬فالعدل بني النا�س يف �صف‬ ‫التوحيد هلل‪�( :‬إِ َّن اللهَّ َ َي�أْ ُم ُر بِا ْل َعدْلِ َوالإِ ْح َ�سانِ )‬ ‫(‪ ، )4‬واال�ستبداد ينفي احلرية‪ ،‬واحلرية من‬ ‫مقا�صد التنزيل‪َ ( :‬و ُقلِ الحْ َ ُّق مِ ن َّر ِّب ُك ْم َف َمن‬ ‫َ�شاء َف ْل ُي ْ�ؤمِ ن َومَن َ�شاء َف ْل َي ْك ُف ْر)(‪)5‬‬ ‫�إن لنهج الو�سطية دوراً مف�صلياً يف حتقيق‬ ‫مطالب اال�ستقرار املن�شودة‪:‬‬ ‫(‌�أ) من الناحية الفكرية ف�إن الفكر ال�سيا�سي يف‬ ‫البلدان الإ�سالمية من�شطر بني القائلني ب�أن‬ ‫الإ�سالم دين ودولة‪ ،‬والقائلني ب�أن الدين هلل‬ ‫والوطن للجميع �أي ف�صل الدين من الدولة‪.‬‬ ‫عبارة الإ�سالم دين ودولة ترفع الدولة �إىل‬ ‫م�صاف عقائد الدين‪ ،‬عقائد الدين و�شعائره‬ ‫ثابتة بينما �أمر الدولة يدخل يف ق�سم العادات‬ ‫ال العبادات‪ ،‬يف جمال العادات هنالك مقا�صد‬ ‫لل�شريعة �سيا�سية‪ ،‬واقت�صادية‪ ،‬واجتماعية‪،‬‬ ‫ولكن نظمها وو�سائل حتقيقها من املتحركات‪.‬‬ ‫النهج الو�سطي ي�شد الفكر الإ�سالمي �إىل‬ ‫مبد�أ �أن الإ�سالم دين ومقا�صد اجتماعية‬ ‫ما ي�سمح با�ست�صحاب امل�ستجدات ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬ويخاطب الفكر‬


‫العلماين للتخلي عن انكار الغيب والرتكيز‬ ‫على مقا�صد العلمانية يف العقالنية‪ ،‬وامل�ساواة‬ ‫يف املواطنة بني النا�س‪ ،‬وحرية العقيدة للكافة‬ ‫وهي مطالب تتماهى مع املقا�صد الإ�سالمية‪.‬‬ ‫نهج الو�سطية وحده هو الذي ي�ستطيع‬ ‫التوفيق بني مطالب القائلني ب�أن الإ�سالم‬ ‫دين ودولة‪ ،‬والقائلني ب�أن الدين هلل والوطن‬ ‫للجميع يف معادلة توفيقية‪.‬‬ ‫(‌ب) ونهج الو�سطية يرف�ض ما يقول به بع�ض‬ ‫الإ�سالميني املنكفئني ب�أن الدميقراطية‬ ‫مفهوم وافد كافر‪ ،‬كما يرف�ض مقولة �أن‬ ‫الدميقراطية معناها حرية مطلقة‪.‬‬ ‫�إن معاين الدميقراطية من م�شاركة‪،‬‬ ‫وم�ساءلة‪ ،‬و�شفافية‪ ،‬و�سيادة حكم القانون‬ ‫ثابتة يف دفاتر الوحي الإ�سالمي‪ ،‬فال غرابة‬ ‫يف ا�ست�صحاب �آليات انتجتها احل�ضارة الغربية‬ ‫لتحقيق تلك املقا�صد‪.‬‬ ‫�أما مقولة احلرية املطلقة فال وجود لها يف‬ ‫العامل لأن الدميقراطية حتى يف �أعرق �أوطانها‬ ‫متار�س �ضمن �سقوف من التزام بحقوق‬ ‫الإن�سان مبا يف ذلك حقوقه الثقافية والدينية‪،‬‬ ‫واحلرية ال تكون مطلقة بل ت�صحبها حقوق‬ ‫الآخرين وت�صحبها امل�س�ؤولية ف�إن خلت من‬ ‫هذه ال�ضوابط �صارت فو�ضى‪.‬‬ ‫احلرية هي االختيار الأف�ضل بني القهر‬ ‫والفو�ضى‪.‬‬ ‫(‌ج) الفكر االقت�صادي املعا�صر منق�سم‬ ‫بني الذين يرون احلرية املطلقة للن�شاط‬ ‫االقت�صادي‪ .‬هذه مع ما ت�ستطيع حتقيقه من‬ ‫وفرة االنتاج عن طريق احلر�ص على املكا�سب‪،‬‬ ‫والتناف�س يف حتقيقها‪ ،‬تهدر عدالة توزيع‬ ‫الإيرادات وت�ؤجج ال�صراع الطبقي‪ .‬النهج‬ ‫الو�سطي يوفق بني حرية ال�سوق ومقا�صد‬ ‫العدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫�إنه يحافظ على ف�ضائل الر�أ�سمالية‪ ،‬وعلى‬ ‫ف�ضائل اال�شرتاكية ويقيم لتلك الف�ضائل‬ ‫مرابط اخالقية من دفاتر الوحي وينبذ‬ ‫رذائلهما‪.‬‬ ‫(‌د) بع�ض الإ�سالميني يرون �أن الوطنية �صنم‬ ‫�أجنبي وافد ينبغي هدمه‪ ،‬كما يرى �آخرون‬ ‫عدم م�شروعية القومية‪.‬‬ ‫ه�ؤالء ال يرون مكاناً لوالء �إال للأمة‬ ‫الإ�سالمية رافعني �شعار ال والء لغري اهلل‪.‬‬ ‫هذه مفاهيم غلو ف�إن للوطنية حرمة‪ ،‬قال‬

‫بعض اإلسالميين يرون‬ ‫أن الوطنية صنم أجنبي‬ ‫وافد ينبغي هدمه‪،‬‬ ‫كما يرى آخرون عدم‬ ‫مشروعية القومية‪.‬‬ ‫هؤالء ال يرون مكانًا‬ ‫لوالء إال لألمة اإلسالمية‬ ‫رافعين شعار ال والء‬ ‫لغير اهلل‪.‬‬

‫تعاىل م�شرياً لهذا املعنى‪( :‬ال َي ْنهَا ُك ُم اللهَّ ُ ع َِن‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ِّين َولمَ ْ ُيخْ ر ُِجو ُكم‬ ‫ين لمَ ْ ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مِّن ِديَا ِرك ْم �أن َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ طوا �إِل ْي ِه ْم �إِ َّن‬ ‫اللهَّ َ يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ‬ ‫ني(‪ ،)6‬الديار هي الأوطان‪،‬‬ ‫وعندما هاجر النبي حممد �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم من مكة عرب عن حبه لوطنه‪ ،‬وللجرية‬ ‫يف الإ�سالم حقوقها‪ ،‬وحتى يف م�صارف الزكاة‬ ‫ف�أهل اجلهة �أوىل باملعروف‪� ،‬صحيح �أن‬ ‫املواطنة باملفهوم احلديث انتماء جديد ولكنه‬ ‫انتماء يحقق للجماعة منافع �أمنية‪ ،‬ومعي�شية‪،‬‬ ‫و�إدارية ما مل يقم على الع�صبية ومينع االنتماء‬ ‫لوالء �أو�سع‪ .‬كذلك للقومية دورها‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫(�إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُكم مِّن َذ َكرٍ َو�أُن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعو ًبا‬ ‫َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا(‪ )7‬و�أ�شار الذكر احلكيم‬ ‫لالنتماء العربي‪َ ( :‬ل َق ْد �أَن َز ْل َنا �إِ َل ْي ُك ْم ِك َتا ًبا‬ ‫فِي ِه ِذ ْك ُر ُك ْم �أَ َفال َت ْع ِق ُلو َن(‪)8‬؟ كذلك ينبغي �أن‬ ‫يخلو االنتماء القومي من الع�صبية‪.‬‬ ‫النهج الو�سطي يعرتف بالوالء للوطن‪،‬‬ ‫وللقومية‪ ،‬كحلقات انتماء م�شروعة مرب�أة‬ ‫من الع�صبية وم�ستعدة لالنتماء لوالء �أو�سع‬ ‫للأمة ولوالء للإن�سانية فنحن اخوة يف‬ ‫الإميان واخوة للآخرين يف الإن�سانية‪ .‬هذا هو‬ ‫عطاء النهج الو�سطي‪� ،‬إن عبارة ال والء لغري‬ ‫اهلل عبارة ينبغي ت�صويبها مبقولة ال والء‬ ‫يناق�ض الوالء هلل‪.‬‬ ‫فنحن مطالبون �شرعاً بالوالء للوالدين‪،‬‬ ‫( َوبِا ْلوَا ِل َد ْي ِن �إِ ْح َ�سا ًنا)(‪ ، )9‬ومطالبون بالوالء‬

‫ملن يح�سن �إلينا‪( ،‬ه َْل َج َزاء الإِ ْح َ�سانِ ِ�إ َّال‬ ‫ا ِلإ ْح َ�س ُان)(‪ ، )10‬ومطالبون بالوفاء بعهودنا‪:‬‬ ‫( َو�أَ ْو ُفواْ بِا ْل َعهْدِ �إِ َّن ا ْل َع ْه َد َكا َن م َْ�س�ؤُو ًال) (‪. )11‬‬ ‫(‌ه) بع�ض مقوالت الإ�سالميني‪� :‬إن علة‬ ‫القتال يف الإ�سالم (اجلهاد) هي االختالف‬ ‫يف االعتقاد ما يلزمنا بجهاد طلب حرباً على‬ ‫خمالفينا يف الدين‪ ،‬مقولة تق�سم العامل �إىل‬ ‫دارين‪ ،‬دار �سالم ودار حرب‪ ،‬هذه املقوالت‬ ‫معناها ال ا�ستقرار يف العامل‪ ،‬بل وال ا�ستقرار‬ ‫يف الدول ففي الدول الإ�سالمية �أقليات على‬ ‫غري الإ�سالم‪ ،‬وثلث امل�سلمني يعي�شون يف بلدان‬ ‫�أغلبيتها على غري ملة الإ�سالم‪.‬‬ ‫النهج الو�سطي ال يقر هذه املقوالت بل‬ ‫يقول ب�أن علة اجلهاد هي العدوان‪( :‬ال َي ْنهَا ُك ُم‬ ‫ِّين َولمَ ْ‬ ‫اللهَّ ُ ع َِن ا َّلذِ َ‬ ‫ين لمَ ْ ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫ُيخْ ر ُِجو ُكم مِّن ِديَا ِر ُك ْم �أَن َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا)‬ ‫(‪ )12‬هذا النهج يعطي �شرعية لعالقات دولية‬ ‫تقوم على العدالة‪ ،‬واملعاملة باملثل‪ ،‬والتعاون يف‬ ‫�سبيل م�صالح م�شرتكة‪.‬‬ ‫(‌و) النهج الو�سطي يلتزم بحقائق الوحي‪،‬‬ ‫ولكن حقائق الوحي نف�سها ت�أذن بدور �إن�ساين‬ ‫يف تدبر معاين ن�صو�ص الوحي‪�( :‬أَ َفال َي َت َد َّب ُرو َن‬ ‫ا ْل ُق ْر�آ َن �أَ ْم َعلَى ُق ُلوبٍ َ�أ ْق َفا ُلهَا(‪، )13‬وت�أذن‬ ‫باحلكمة وهي توفيق مطلوب بني الواجب‬ ‫والواقع‪ُ ( :‬ي�ؤْتِي الحْ ِ ْك َم َة مَن ي َ​َ�شاء َومَن ُي ْ�ؤ َت‬ ‫ريا)(‪ ، )14‬وتكرر‬ ‫الحْ ِ ْك َم َة َف َق ْد �أُوت َِي َخيرْ ً ا َك ِث ً‬ ‫�آيات الذكر احلكيم معنى‪�( :‬إِ َّن فيِ َذل َِك َ آليَاتٍ‬ ‫ِّل َق ْو ٍم َي ْع ِق ُلو َن)(‪ ، )15‬قال الإمام ال�شاطبي‪:‬‬ ‫كلما �أمر به ال�شرع �أمر به العقل‪ ،‬وقال اجلوزي‬ ‫م�شرياً للعقل‪" :‬يف التقليد �إبطال ملنفعة العقل‬ ‫لأنه �إمنا خلق للتدبر‪ ،‬وقبيح مبن اعطى �شمعة‬ ‫ي�ست�ضيئ بها �أن يطفئها ومي�شي يف الظالم"‪.‬‬ ‫وكافة الأئمة املقلدون قالوا بالتحرر من‬ ‫التقليد‪ ،‬قال الإمام �أبو حنيفة‪" :‬كالمنا هذا‬ ‫ر�أي فمن عنده �أح�سن منه فلي�أت به"‪ ،‬وقال‬ ‫الإمام ابن حنبل‪" :‬ال تقلدين وال مالكا وال‬ ‫ال�شافعي وال الثوري‪ ،‬وخذ مما �أخذنا منه"‪.‬‬ ‫خال�صة القول �أن النهج الو�سطي الزم‬ ‫لال�ستقرار امل�ستدام لأنه ميكن احلياة املعا�صرة‬ ‫من التوفيق بني الواجب وم�ستجدات الواقع‪.‬‬ ‫روى ال�شيخ حممد الغزايل وهو و�سطي التوجه‬ ‫يف احدى حما�ضراته �أنه قال‪ :‬حبذا لو �أن‬ ‫�أمري امل�ؤمنني على بن �أبي طالب‪ ،‬وال�صحابي‬ ‫معاوية بن �أبي �سفيان احتكما لل�صندوق بدل‬

‫‪53‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫ال�سيف‪ .‬فت�صدى له احد احلا�ضرين قائال‪:‬‬ ‫"لي�س هذا من ال�سنة! فرد عليه‪ :‬وهل اقتتال‬ ‫امل�سلمني من ال�سنة؟ مع �أن الرتجيح بكرثة‬ ‫الأ�صوات ا�ستخدمه �أمري امل�ؤمنني عمر يف‬ ‫الكلية االنتخابية التي عينها النتخاب اخلليفة‬ ‫بعده ف�إن تعادلت �أ�صوات ال�ستة �أن يكون لعبد‬ ‫اهلل بن عمر �صوت الرتجيح‪.‬‬ ‫نهج الو�سطية هو ال�سلفية احلقيقية لأنه �إحياء‬ ‫للدين بالو�سائل التي كانت ال�سر يف جناحه يف‬ ‫ع�صره الأول ت�صديقاً لقول النبي حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪" :‬ب َد�أَ الإِ ْ�سال ُم َغرِيباً‪َ ،‬و َ�س َي ُعو ُد‬ ‫َك َما َب َد�أَ َغرِي ًبا"(‪� ،)16‬أي مده�شاً‪ .‬ويف هذا‬ ‫املعنى قال احلكيم ال�شاعر‪:‬‬ ‫�إذا �أَنتَ لمَ تحَ ِم ال َقدمي بِحا ِدث مِ َن املَجدِ لمَ‬ ‫ينفعك ما كا َن مِ ن َقبل‬ ‫نهج الو�سطية والتنمية‬ ‫التنمية والثقافة‪:‬‬ ‫كانت �أوربا يف ع�صورها الو�سطى تعاين‬ ‫من و�صاية الكني�سة على كافة نواحي احلياة‪،‬‬ ‫وتعاين من جربوت امللوك الذين ر�سخوا‬ ‫�سلطانهم باحلق الإلهي‪.‬‬ ‫�أو�ضح الأ�ستاذ منتجمري واط يف كتابه‪:‬‬ ‫ت�أثري احل�ضارة الإ�سالمية يف �أوربا القرون‬ ‫الو�سطى فا�ست�ضاءت �أوربا بذلك ودخلت يف‬ ‫ع�صر التنوير‪ .‬ع�صر التنوير عزز العقالنية‬ ‫وحرر الإرادة الإن�سانية و�صار مقدمة للثورة‬ ‫الفرن�سية التي حررت ال�شعب من الو�صاية‬ ‫وانت�صرت حلقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫هذه التوجهات اثمرت حرية البحث العلمي‬ ‫الذي احدث تقدماً كبرياً يف العلوم الطبيعية‬ ‫والتكنولوجيا ومهد للثورة ال�صناعية التي‬ ‫�ضاعفت قدرات الإن�سان املادية ا�ضعافاً‬ ‫م�ضاعفة با�ستخدام طاقات الطبيعة و�إمكانات‬ ‫الآلة‪.‬‬ ‫هكذا تكونت احل�ضارة احلديثة التي مكنت‬ ‫�أروبا من تكوين جمتمعات قوية ذات قدرات‬ ‫ع�سكرية هائلة ب�سطت بها �سلطانها على‬ ‫املعمورة‪.‬‬ ‫احل�ضارة احلديثة ا�ستطاعت �أن ت�ستغل‬ ‫قوانني الطبيعة وقوانني احلركة االجتماعية‬ ‫يف بناء �أوطانها‪ ،‬هذه العوامل التنموية يحول‬ ‫دون ا�ست�صحابها يف جمتمعاتنا كوابح ثقافية‬ ‫كثرية �أهمها‪:‬‬ ‫• الذهنية االتكالية التي تقول بتفوي�ض‬

‫‪54‬‬ ‫الأمر للق�ضاء والقدر ب�شاهد (وما ت�شاءون‬ ‫�إال �أن ي�شاء اهلل) ومقولة‪:‬‬ ‫ُج ُن ٌ‬ ‫ ‬ ‫ون مِ ْن َك �أَنْ َت ْ�س َعى ِل ِر ْزقٍ‬ ‫َو ُي ْر َز ُق فيِ غِ َ�شا َو ِت ِه الجْ َ ِن ُ‬ ‫ني‬ ‫هذا مع �أن اهلل يقول‪َ ( :‬منْ عَمِ َل َ�صالحِ ً ا‬ ‫َف ِل َن ْف�سِ ِه َو َمنْ �أَ َ�ساء َف َعلَ ْيهَا)(‪ ، )17‬ويقول (�إِ َّنا‬ ‫ال�سبِي َل �إِ َّما َ�شا ِك ًرا َو ِ�إ َّما َك ُفو ًرا) (‪،)18‬‬ ‫َه َد ْي َنا ُه َّ‬ ‫و�سئل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬يَا َر ُ�سو َل‬ ‫اللهَّ ِ! �أَ َر�أَ ْيتَ ُر ًقى َن ْ�سترَ ْ قِيهَا‪َ ،‬و َد َوا ًء َن َتدَا َوى ِبهِ‪،‬‬ ‫َو ُت َقا ًة َن َّتقِيهَا‪ ،‬ه َْل َت ُر ُّد مِ نْ َق َد ِر اللهَّ ِ َ�ش ْي ًئا؟ َقا َل‪:‬‬ ‫هِ َي مِ نْ َق َد ِر اللهَّ ِ"(‪ ، )19‬فا�ستخدام معارفنا‬ ‫وعقولنا هو من قدر اهلل‪.‬‬ ‫وحجة الذين يقولون �إن اهلل قد قال يف‬ ‫كتابه‪َّ ( :‬ما َف َّر ْط َنا فيِ ا ْل ِك َتابِ مِ ن َ�ش ْي ٍء(‪،)20‬‬

‫صحيح إن القرآن وإن‬ ‫لم يحص كل شيء‬ ‫كأنه موسوعة فقد ذكر‬ ‫كل وسائل المعرفة‬ ‫المتاحة لنا وهي‪:‬‬ ‫الوحي‪ ،‬وااللهام‪،‬‬ ‫والعقل‪ ،‬والتجربة‪،‬‬ ‫وحثنا على استخدامها‬ ‫لزيادة معارفنا‪،‬‬ ‫فاحل�ضارة احلديثة �إما مطابقة ملا يف القر�آن‬ ‫فهي �إذن ف�ضول‪ ،‬و�إما مناق�ضة ملا يف القر�آن‬ ‫فهي �إذن باطلة‪.‬‬ ‫املوقف االق�صائي من احل�ضارة احلديثة‬ ‫بحجة �أن ما عندنا يكفينا موقف خاطئ‪،‬‬ ‫فامل�سلمون منذ ال�صدر الأول ا�ست�صحبوا‬ ‫النافع من جتارب الإن�سانية حتى قال اال�ستاذ‬ ‫واط‪� :‬أحاط امل�سلمون مبعارف احل�ضارات‬ ‫ال�سابقة ب�صورة معجزة‪ ،‬واملوىل �سبحانه‬ ‫وتعاىل قال عن الكتابيني‪َ ( :‬ومَا َي ْف َع ُلواْ مِ نْ‬ ‫َخيرْ ٍ َفلَن ُي ْك َف ُروهُ)(‪ ، )21‬ويف الأثر‪ :‬احلكمة‬ ‫�ضالة امل�ؤمن �أنا وجدها فهو �أحق النا�س بها"‪.‬‬

‫واليوم ف�إن ا�ست�صحابنا للنافع يف العلوم‬ ‫الطبيعية‪ ،‬والعلوم االجتماعية‪ ،‬والعلوم‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬والتكنولوجيا من منجزات‬ ‫احل�ضارة احلديثة هو ال�سبيل الوحيد‬ ‫لتوفري الغذاء‪ ،‬والدواء‪ ،‬والك�ساء‪ ،‬وال�سكن‪،‬‬ ‫و�آليات حفظ الأمن‪ ،‬والدفاع واالت�صاالت‪،‬‬ ‫واملوا�صالت‪ ،‬ومقا�صد ال�شريعة �أن ما ال يتم‬ ‫الواجب �إال به فهو واجب‪.‬‬ ‫�إن الكتاب الذي اح�صى كل �شيء هو اللوح‬ ‫املحفوظ‪� ،‬أما القر�آن فقد جاءت فيه ا�شارات‬ ‫وا�ضحة عن �أ�شياء مل يذكرها �إذ قال تعاىل‪:‬‬ ‫ال َق ْد َق َ�ص ْ�ص َناهُ ْم َعلَ ْي َك مِ ن َق ْب ُل َو ُر ُ�س ً‬ ‫( َو ُر ُ�س ً‬ ‫ال‬ ‫(‪)22‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لمَّ ْ َنق ُْ�ص ْ�ص ُه ْم َعل ْيك) ‪ ،‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫( َو َيخْ ُل ُق مَا َال َت ْعلَ ُمو َن)(‪ )23‬وقال‪( :‬يَا �أَ ُّيهَا‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنواْ َال َت ْ�س�أَ ُلواْ َعنْ �أَ ْ�ش َياء ِ�إن ُت ْب َد َل ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫َت ُ�س ْ�ؤ ُك ْم َو�إِن َت ْ�س�أ ُلواْ َع ْنهَا حِ َ‬ ‫ني ُي َن َّز ُل ا ْل ُق ْر� ُآن ُت ْب َد‬ ‫(‪)24‬‬ ‫َل ُك ْم َع َفا اللهَّ ُ َع ْنهَا َواللهَّ ُ َغ ُفو ٌر َحلِي ٌم) ‪.‬‬ ‫�صحيح �إن القر�آن و�إن مل يح�ص كل �شيء ك�أنه‬ ‫مو�سوعة فقد ذكر كل و�سائل املعرفة املتاحة‬ ‫لنا وهي‪ :‬الوحي‪ ،‬وااللهام‪ ،‬والعقل‪ ،‬والتجربة‪،‬‬ ‫وحثنا على ا�ستخدامها لزيادة معارفنا‪ ،‬والكون‬ ‫نف�سه كتاب اهلل املنظور الذي �سخره اهلل‬ ‫ال�س َما َواتِ َومَا‬ ‫للإن�سان‪َ ( :‬و َ�س َّخ َر َل ُكم َّما فيِ َّ‬ ‫فيِ الأَ ْر ِ�ض َجمِ ي ًعا)(‪ ،)25‬وقوانني الطبيعة هي‬ ‫�أدوات هذا الت�سخري وي�ستغلها كل من اكت�شفها‬ ‫م�ؤمناً كان �أو غري م�ؤمن‪.‬‬ ‫• وقال قوم من املنكفئني �أن اهلل قال‪َ ( :‬ومَا‬ ‫ن�س ِ�إ َّال ِل َي ْع ُبدُونِ (‪ ،)26‬فهموا‬ ‫َخلَقْتُ الجْ ِ نَّ َوا ِلإ َ‬ ‫من هذ ا �أن العبادة هي �أداء ال�شعائر و�إدراك‬ ‫املنقول لأدائها ال غري‪:‬‬ ‫ا ْل ِع ْل ُم مَا َكا َن فِي ِه َقا َل َح َّد َث َنا َومَا‬ ‫�سِ وَى َذ َ‬ ‫َا�س َّ‬ ‫ني‬ ‫ال�ش َياطِ ِ‬ ‫اك َو ْ�سو ُ‬ ‫عبادة اهلل ال تقف عند �أداء ال�شعائر واملعرفة‬ ‫ال تقف عند املنقول‪� ،‬إن اكت�شاف �سنن الطبيعة‬ ‫وحركة املجتمع من �إرادة اهلل‪ ،‬وعمارة الأر�ض‬ ‫كذلك من �إرادة اهلل‪� ،‬إن عمارة الأر�ض وتطوير‬ ‫مدركات العقول �إىل اق�صى ما ي�ستطيع العقل‬ ‫من �إرادة اهلل للإن�سان و�أدا�ؤها من طاعته‪.‬‬ ‫�إن يف ا�ستخدام عقولنا واحلكمة يف الإحاطة‬ ‫باملنقول‪ ،‬ويف ا�ست�صحاب النافع من كل‬ ‫ح�ضارات الإن�سان �صحوة ثقافية ال ي�ستطيعها‬ ‫املنكف�ؤون لأنهم حكموا بتعطيل عقولهم‬ ‫وحب�سوا انف�سهم يف قوالب ما�ضوية جامدة‪،‬‬ ‫وال ي�ستطيعها املنكرون حلقائق الوحي لأنهم‬


‫ب�إلغائهم حلقائق الوحي �إمنا يعزلون �أنف�سهم‬ ‫من وجدان الأمة ف�ضال عن �أنهم ينكرون‬ ‫حقائق ال �سبيل لإنكارها‪.‬‬ ‫نهج الو�سطية هو الذي ي�ستطيع حتقيق‬ ‫�صحوة ثقافية توفق بني حقائق الوحي‬ ‫وحقائق ال�شهادة �صحوة ثقافية حتيط بالواقع‬ ‫املعا�صر دون �أن تعزل نف�سها من حقائق الوحي‬ ‫ووجدان الأمة‪.‬‬ ‫�إنها �صحوة ثقافية �ضرورية للتنمية بغريها‬ ‫تقف الكوابح املذكورة عقبة يف طريق التنمية‪.‬‬ ‫نهج الو�سطية والتنمية‪:‬‬ ‫بع�ض امل�سلمني يتحدثون عن اقت�صاد �إ�سالمي‪.‬‬ ‫احلقيقة �أن ما مور�س من اقت�صاد تاريخياً‬ ‫يف العامل الإ�سالمي هو اقت�صاد ما قبل الثورة‬ ‫ال�صناعية ال �سبيل ملمار�سته الآن‪� ،‬إن يف‬ ‫الإ�سالم مبادئ اقت�صادية مثل التعمري‪ ،‬وحق‬ ‫امللكية‪ ،‬والتكامل االجتماعي‪ ،‬ومنع الإ�سراف‪،‬‬ ‫والعدالة االجتماعية‪ ،‬و�إحكام مثل الزكاة‪،‬‬ ‫وحترمي الربا‪ ،‬وهي مبادئ باقية و�أحكام‬ ‫م�ستمرة مع اجتهاد واجب يف فقهها لتحقيق‬ ‫مقا�صدها‪.‬‬ ‫االقت�صاد احلديث علم خا�ضع يف جوانبه‬ ‫العلمية ل�سنن ثابتة – مثال‪ :‬زيادة العر�ض‬ ‫تخف�ض الأ�سعار‪ ،‬وزيادة الطلب تزيدها‪،‬‬ ‫والدخل ينق�سم ماله لق�سمني ادخار �أو‬ ‫ا�ستهالك‪ ،‬وهلم جرا‪ .‬هذا اجلانب العلمي يف‬ ‫االقت�صاد خا�ضع ملقولة ابن خلدون يف املقدمة‪:‬‬ ‫ما من ظاهرة يف الوجود طبيعية �أو اجتماعية‬ ‫�إال تخ�ضع لقوانني‪ ،‬علم االقت�صاد يكت�شف‬ ‫تلك القوانني يف عامل االقت�صاد‪ ،‬ولكن هنالك‬ ‫عوامل اخالقية ومقا�صد عدالية ا�سالمية‬ ‫وهي ملزمة بحيث ينبغي �أن نقول اقت�صاد‬ ‫ذو مقا�صد اجتماعية �إ�سالمية‪ ،‬هذا املوقف‬ ‫خمتلف عن القائلني باقت�صاد �إ�سالمي‪.‬‬ ‫وعن موقف الذين يقولون �أال �ش�أن للإ�سالم‬ ‫باالقت�صاد ويتعاملون مع االقت�صاد ك�أنه علم‬ ‫مثل العلوم الطبيعية بال مقا�صد اخالقية‬ ‫واجتماعية‪ ،‬هذه هي �أو�سط املناهج يف االقت�صاد‬ ‫املوقف االو�سط �أي االف�ضل بني املقولتني‪.‬‬ ‫فيما يتعلق بالتنمية‪ ،‬وعالقات االنتاج الالزمة‬ ‫لها هنالك االجندة الر�أ�سمالية التي تقوم على‬ ‫ال�سوق احلر‪ ،‬والت�صرف الفردي‪ ،‬املطلق التي‬ ‫نظر لها عامل االقت�صاد الربيطاين اجلن�سية‬ ‫�آدم �سميث‪.‬‬

‫هذا التوجه كان وراء النه�ضة الر�أ�سمالية‬ ‫ال�صناعية التي انطلقت من بريطانيا وعمت‬ ‫كثرياً من �أجزاء العامل‪.‬‬ ‫االقت�صادالر�أ�سمايلحققنه�ضةاقت�صاديةهائلة‪،‬‬ ‫ولكنهات�سمبعيوب�أهمها‪:‬‬ ‫• تقدمي م�صلحة الفرد على اجلماعية‪ ،‬وكفالة‬ ‫احلريةعلىح�سابالعدالةاالجتماعية‪.‬‬ ‫• عالقات االنتاج �أفرزت التمايز الطبقي‬ ‫واججت ال�صراع الطبقي‪.‬‬ ‫• الرتكيز على مقيا�س الربح وحده بو�صلة‬ ‫لال�ستثمار اغفل االهتمام مبطالب �سالمة‬ ‫البيئة الطبيعية‪.‬‬ ‫عيوب النظام الر�أ�سمايل خا�صة فيما يتعلق‬ ‫بالعدالة �أدت النتقادات حادة انطلقت منها‬

‫عبادة اهلل ال تقف‬ ‫عند أداء الشعائر‬

‫والمعرفة ال تقف عند‬ ‫المنقول‪ ،‬إن اكتشاف‬ ‫سنن الطبيعة وحركة‬ ‫المجتمع من إرادة‬ ‫اهلل‪ ،‬وعمارة األرض‬ ‫كذلك من إرادة اهلل‪ ،‬إن‬ ‫عمارة األرض وتطوير‬ ‫مدركات العقول إىل‬ ‫اقصى ما يستطيع‬ ‫العقل من إرادة اهلل‬ ‫املدار�س اال�شرتاكية كردة فعل مبا�شرة لعيوب‬ ‫النظام الر�أ�سمايل‪ ،‬النظم اال�شرتاكية كان‬ ‫بع�ضها معتد ًال وفق بني احلرية والعدالة‬ ‫وو�صف باال�شرتاكية الدميقراطية‪ ،‬ولكن‬ ‫عيوب املدر�سة اال�شرتاكية الأكرث �أ�صولية هي‪:‬‬ ‫• الت�ضحية باحلرية ل�صالح العدالة‪.‬‬ ‫• اهمال حقوق الإن�سان ل�صالح احلقوق‬ ‫الطبقية‪.‬‬

‫• التعامل االيديولوجي مع الدين ا�ستناداً‬ ‫ملواقف الكني�سة التقليدية من العدالة‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫• يف الن�سخة اال�ستالينية من اال�شرتاكية‬ ‫�صارت اال�شرتاكية فا�ش�ستية ي�سارية باط�شة‪.‬‬ ‫النهج الو�سطي يعرتف مبا يف الر�أ�سمالية‬ ‫من حما�سن ومبا يف اال�شرتاكية من حما�سن‬ ‫ويدرك ما فيهما من م�ساوئ ويتخذ نهجاً‬ ‫يوفق بني ال�سوق احلر واملقا�صد العدالية‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫ومن مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية رعاية‬ ‫�صحة البيئة الطبيعية‪ :‬فاجلمادات لي�ست‬ ‫جمرد موجودات �صماء بل‪َ ( :‬و�إِن مِّن َ�ش ْي ٍء‬ ‫ِيح ُه ْم)‬ ‫ِ�إ َّال ي َُ�س ِّب ُح ب َِح ْمدِ ِه َو َلكِن َّال َت ْف َقهُو َن َت ْ�سب َ‬ ‫(‪ . )27‬وعامل احليوان لي�س وجوداً بهيماً بل‬ ‫هي‪�( :‬أُممَ ٌ �أَ ْم َثا ُل ُكم)(‪ ، )28‬والعالقة بها تقوم‬ ‫على �أ�سا�س اخالقي �إذ جنا رجل لأنه �سقى‬ ‫كلباً‪ ،‬وهلكت امر�أة لأنها حب�ست هرة حتى‬ ‫ماتت‪ .‬وقال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬فيِ‬ ‫ُك ِّل ذِي َكبِدٍ َر ْط َب ٍة �أَ ْج ٌر"(‪ ، )29‬وقال‪" :‬مَا مِ نْ‬ ‫�إِ ْن َ�سانٍ َق َت َل ع ُْ�ص ُفو ًرا َف َما َف ْو َقهَا ِب َغيرْ ِ َح ِّقهَا‪� ،‬إِ اَّل‬ ‫َ�س َ�أ َل ُه اللهَّ ُ َع َّز َو َج َّل َع ْنهَا بغري حقها �إال �س�أله‬ ‫اهلل"(‪ )30‬وللنباتات كذلك حقها‪ ،‬قال النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪َ " :‬منْ َق َط َع �سِ ْد َر ًة َ�ص َّو َب‬ ‫اللهَّ ُ َر�أْ َ�س ُه فيِ ال َّنا ِر " (‪.)31‬‬ ‫وحتى يف القتال التوجيه جتنب خطة االر�ض‬ ‫املحروقة وعدم �إبادة احليوانات والنباتات‪.‬‬ ‫ر�ؤى النهج الو�سطي هذه �صارت تقرتب‬ ‫منها الر�ؤية الإن�سانية الواعية و�صار كثري من‬ ‫االقت�صاديني يتحدثون عن اقت�صاد ما بعد‬ ‫مقيا�س الدخل القومي يف التنمية �أي يدخل يف‬ ‫ح�سبانه التنمية الب�شرية من عدل اجتماعي‬ ‫واهتمام ب�سالمة البيئة‪.‬‬ ‫ومع �أن �أهداف االلفية اجلديدة الثمانية‬ ‫متوا�ضعة‪ ،‬ف�إنها تدل على اهتمام عاملي‬ ‫بالعوامل االجتماعية يف التنمية‪ .‬خال�صة تلك‬ ‫الأهداف هي‪:‬‬ ‫(‌�أ) خف�ض ن�سبة الفقر يف العامل �إىل الن�صف‬ ‫بحلول عام ‪2015‬م‪.‬‬ ‫(‌ب) تعميم التعليم االبتدائي‪.‬‬ ‫(‌ج) امل�ساواة بني اجلن�سني‪.‬‬ ‫(‌د) احلد من وفيات الأطفال‪.‬‬ ‫(‌ه) حماية �صحة الأمهات احلامالت‪.‬‬ ‫(‌و) خف�ض ن�سبة الذين يعانون من اجلوع �إىل‬ ‫الن�صف‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪56‬‬

‫(‌ز) رعاية �صحة البيئة‪.‬‬ ‫النهج الأو�سط والعوملة‪.‬‬ ‫بع�ض النا�س يرف�ضون العوملة رف�ضاً مطلقاً‬ ‫وال يرون فيها �إال �سلبيات‪� ،‬آخرون ي�شيدون‬ ‫بالعوملة وال يرون فيها �إال االيجابيات‪.‬‬ ‫النهج الأو�سط هو الذي ي�شخ�ص العوملة‬ ‫ت�شخي�صاً مو�ضوعياً ويحدد ايجابياتها‬ ‫و�سلبياتها‪ ،‬هنالك عوامل فر�ضها �إدراك الب�شر‬ ‫مل�صلحة م�شرتكة يف كوكب الأر�ض‪ ،‬هنالك‬ ‫�أ�صول م�شرتكة بني �أهل الأر�ض ك�أعماق‬ ‫البحار‪ ،‬والف�ضاء‪ ،‬والغالف اجلوي‪ ،‬والقطب‬ ‫ال�شمايل والقطب اجلنوبي‬ ‫وهنالك عوملة فر�ضها الوعي بامل�صري امل�شرتك‬ ‫للإن�سانية‪ ،‬وقد توالت امل�ؤمترات لو�ضع‬

‫الأكرث‪.‬‬ ‫هذه الوجوه الثالثة للعوملة عوملة حميدة‪.‬‬ ‫ولكن �صحبت العوملة ظاهرة الر�أ�سمالية‬ ‫النفاثة‪ ،‬وهي حما�سة للتناف�س والربحية‬ ‫تندفع غري مبالية ب�آثار �سلبية �إن�سانية‬ ‫واجتماعية ال �سيما يف جمالني‪ :‬االول‪ :‬يتوقع‬ ‫�أن ت�ؤدي العوملة املرتبطة بالر�أ�سمالية النفاثة‬ ‫�إىل تراجع عن دولة الرعاية االجتماعية‪،‬‬ ‫كذلك عدم االهتمام بالآثار ال�سلبية التي‬ ‫حتدثها و�سائل االنتاج احلديثة على الأيدي‬ ‫العاملة‪ .‬لقد كانت الإ�صالحات التي جل�أ‬ ‫�إليها النظام الر�أ�سمايل فاهتم مب�صالح القوة‬ ‫العاملة‪ ،‬واتبع نظام رعاية اجتماعية‪ ،‬من �أهم‬ ‫و�سائل �صنع ال�سالم االجتماعي يف البلدان‬ ‫الر�أ�سمالية مما �أبطل نبوءات كارل مارك�س‬

‫ا�سرتاتيجية م�شرتكة للق�ضايا االجتماعية‬ ‫كال�سكان‪ ،‬ولق�ضايا البيئة الطبيعية‪.‬‬ ‫وهنالك العوملة التي ارتبطت بها العبارة‬ ‫�أكرث من غريها‪ ،‬العوملة التي �صنعتها ثورة‬ ‫املعلومات‪ ،‬واالت�صاالت التي حولت املعامالت‬ ‫التجارية‪ ،‬واملالية‪ ،‬واال�ستثمارية �إىل �سوق‬ ‫عاملي واحد‪.‬‬ ‫هذه العوملة مكنت ا�صحاب ال�سندات‪،‬‬ ‫والأ�سهم‪ ،‬وطالب ال�صفقات التجارية من‬ ‫عقد ال�صفقات وحتويل الأموال عرب الآليات‬ ‫االلكرتونية ب�سرعة الربق وعلى نطاق عاملي‪،‬‬ ‫كما مكنت ال�شركات املتعددة اجلن�سية من‬ ‫توزيع عملياتها على نطاق عاملي‪ ،‬ومن نقل‬ ‫خياراتها اال�ستثمارية حيث التكلفة �أقل والربح‬

‫ال�صدامية‪.‬‬ ‫�إن تيارات العوملة تو�شك �أن تقو�ض الربامج‬ ‫الواعية التي �أدت يف البلدان الر�أ�سمالية‬ ‫املتطورة �إىل ال�سالم االجتماعي واال�ستقرار‬ ‫ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫املجال الثاين‪ :‬تراجع عامل ال�شمال املتقدم‬ ‫من املفاهيم العدالية التي اقرتنت بحوار‬ ‫ال�شمال واجلنوب الذي انتهى �إىل تو�صيات‬ ‫باهتمام ال�شمال بالتنمية يف اجلنوب كو�سيلة‬ ‫من و�سائل حتقيق اال�ستقرار العاملي‪ .‬مثلما‬ ‫حققت الر�أ�سمالية �سالماً اجتماعياً يف �أوطانها‬ ‫ب�سيا�سات نقابية م�ستنرية وبرامج رعاية‬ ‫اجتماعية متقدمة ف�إن الدول الغنية مطالبة‬

‫باالهتمام بتنمية اجلنوب الفقري لبناء ال�سالم‬ ‫واال�ستقرار يف العامل‪ .‬ولكن التيار الراجح يف‬ ‫ظل العوملة حالياً هو ترك هذه الأمور كلها‬ ‫لعوامل ال�سوق احلر‪.‬‬ ‫توزيع الرثوة‪ ،‬والقوة االقت�صادية يف العامل‬ ‫توزيع غري متوازن‪ ،‬لقد اتاحت العوملة‬ ‫ب�إمكانات االت�صاالت واملعلومات للقوة الأعظم‬ ‫يف العامل فر�صة هيمنة �إعالمية بحيث‬ ‫ت�ستطيع غ�سل �أدمغة الآخرين‪ ،‬واتاحت فر�صة‬ ‫هيمنة اقت�صادية وا�سرتاتيجية مل يعهد‬ ‫التاريخ مثلها من قبل‪.‬‬ ‫العوملة يف هذه املجاالت �صارت هيمنة القوي‬ ‫على ال�ضعيف‪.‬‬ ‫كذلك اتاحت العوملة بال�سوق العاملي الواحد‬ ‫وو�سائل االت�صاالت واملعلومات فر�صة لقوى‬ ‫اجلرمية املنظمة لتجعل اجلرمية معوملة من‬ ‫حيث التخطيط‪ ،‬والتدريب‪ ،‬والتنفيذ‪ ،‬وحماية‬ ‫عملياتها‪ ،‬وغ�سل �أموالها واقتحام ال�سوق‬ ‫التجاري‪ ،‬واملايل‪ ،‬واال�ستثماري‪.‬‬ ‫ثورة املعلومات‪ ،‬وطفرة و�سائل الإعالم‪،‬‬ ‫واالت�صاالت �أتاحت فر�صة وا�سعة لثقافة‬ ‫الت�سلية الأمريكية‪ ،‬وهي ثقافة رائجة بالغناء‬ ‫ال�صاخب‪ ،‬والرق�ص املاجن‪ ،‬وامل�شروبات‬ ‫الفوارة‪ ،‬وامل�أكوالت املحمولة‪ ،‬واملالب�س العارية‬ ‫ومقرتنة ب�سلوك اال�ستالب والالمباالة‪،‬‬ ‫انت�شار هذه الثقافة يعرب عن فراغ روحي‬ ‫وعاطفي ويغذيه‪ ،‬ويدفع �ضحاياه يف كل اجتاه‬ ‫يحاولون ملء الفراغ الروحي والعاطفي‬ ‫بتكوينات راف�ضة غريبة‪ ،‬وباالنغما�س يف‬ ‫الكحوليات‪ ،‬واملخدرات‪� ،‬إن املجتمعات املتقدمة‬ ‫اليوم ومن اقتدوا بها يعانون من اب�شع �صور‬ ‫املجاعة الروحية والعاطفية‪.‬‬ ‫هذه الوجوه الأربعة من العوملة‪ :‬الر�أ�سمالية‬ ‫النفاثة‪ ،‬ونتائج اختالل ميزان الرثوة والقوة‬ ‫يف العامل‪ ،‬واجلرمية املنظمة‪ ،‬وثقافة الت�سلية‬ ‫متثل وجوهاً لعوملة خبيثة‪.‬‬ ‫نهج الو�سطية ي�شخ�ص العوملة وينادي ويعمل‬ ‫على دعم ايجابياتها واحتواء �سلبياتها‪.‬‬ ‫نهج الو�سطية والواقع املعا�صر‬ ‫النهج الو�سطي لي�س حزباً �سيا�سياً وال هو‬ ‫منظمة طوعية ولكنه ا�سلوب تناول للق�ضايا‬ ‫يقوم على الت�شخي�ص املو�ضوعي لها وحتديد‬ ‫االختيارات املتاحة واختيار اجداها واف�ضلها‬ ‫ولال�ستدالل على جدوى هذا النهج �أتناول‬


‫امل�شهد ال�سوداين وامل�شهد امل�صري و�أبني كيف‬ ‫�أن امل�شهدين يتجهان �إىل الهاوية ما مل يتطبق‬ ‫فيهما رو�شته النهج الأو�سط‪.‬‬ ‫النهج الو�سطي واحلالة ال�سودانية‪:‬‬ ‫يف يونيو من عام ‪1989‬م ا�ستولت قيادة ذات‬ ‫مرجعية اخوانية على ال�سلطة يف ال�سودان عن‬ ‫طريق االنقالب الع�سكري ومع �أن عنا�صرها‬ ‫كانت م�شرتكة يف نظام دميقراطي يجري‬ ‫انتخابات حرة ونزيهة ف�إنهم طعنوا التجربة‬ ‫من اخللف وا�ستخدموا ال�سلطة لتنفيذ برنامج‬ ‫اق�صاء للآخرين ومتكني كوادرهم من ال�سيطرة‬ ‫على م�ؤ�س�سات الدولة الع�سكرية‪ ،‬ال�شرطية‪،‬‬ ‫والأمنية‪, ،‬املدنية‪ ،‬والق�ضائية‪ ،‬والإعالمية‬ ‫واخرتاق االقت�صاد الوطني بالطرق التي‬ ‫اعتادها نظام اال�ستبداد ال�شرق �أو�سطي واعلنوا‬ ‫نهجاً مغالياً يف ع�شق ال�سلطة ج�سدته �شعارات‬ ‫تلك املرحلة‪� ،‬شعارات ت�سلط داخلي �أذكر منها‪:‬‬ ‫نحن للدين فداء‬ ‫فليعد للدين جمده‬ ‫�أو ترق منا الدماء‬ ‫�أو ترق منهم دماء‬ ‫�أو ترق كل الدماء!‬ ‫الدين املق�صود هو برناجمهم االق�صائي‬ ‫للآخرين‪.‬‬ ‫وخارجياً‪:‬‬ ‫على �أن القيتها‬ ‫�أمريكا‪ ،‬رو�سيا‪ ،‬قد دنى عزابها َ‬ ‫�ضرابها!‬ ‫هذا النهج الت�سلطي االق�صائي ا�ستطاع‬ ‫حماية ال�سلطة االنقالبية بكفاءة ولكنه نزل‬ ‫برداً و�سالماً على احلركة ال�شعبية لتحرير‬ ‫ال�سودان (حركة املقاومة اجلنوبية) لأنه اتاح‬ ‫لها حتالفات مع القوى الداخلية املق�صاة‪،‬‬ ‫وتعاطفاً قوياً خارجياً حتى قال يل د‪ .‬جون‬ ‫قرنق‪ :‬لوال ي�ساء الفهم ملا قد نفعل ف�إنني‬ ‫�أرى �أن نقيم متاثيل لقادة االنقالب ال�سوداين‬ ‫لأننا بف�ضل �سيا�ساتهم واجتاهاتهم واخطائهم‬ ‫حققنا ك�سباً �سيا�سياً ودبلوما�سياً ال يقدر بثمن‪.‬‬ ‫نف�س ال�سيا�سيات مزقت الن�سيج االجتماعي يف‬ ‫دارفور فعمقت م�شاكل الإقليم التقليدية‬ ‫ونقلتها �إىل مرحلة جديدة فمنذ عام ‪2002‬م‬ ‫انطلقت حركات م�سلحة م�سي�سة ترفع ال�سالح‬ ‫�ضد احلكومة املركزية لأول مرة يف تاريخ‬ ‫دارفور‪.‬‬ ‫التمكني الذي اتبعه النظام �ساهم يف املحافظة‬

‫على ال�سلطة ولكنه �إذ جعل العنف �أداته‬ ‫واالق�صاء �أ�سلوبه حفظ ال�سلطة و�أ�ضاع‬ ‫الوطن‪ ،‬م�أ�ساة عرب عنها ال�شاعر ال�سوداين‪:‬‬ ‫هل تعممت �أرجلنا؟‬ ‫�أم ر�ؤو�سنا اتخذت �أحذية؟‬ ‫القمي�ص ما نلب�س �أم كفن؟‬ ‫وطن‪ ،‬وطن‪ ،‬كان لنا وطن!‬ ‫�سيا�سات النظام كانت العامل الأهم يف‬ ‫انف�صال اجلنوب‪ ،‬وحولت دارفور �إىل م�سرح‬ ‫حرب دائمة (ا�ستمرت منذ ‪2002‬م �إىل يومنا‬ ‫هذا) وانطلقت حرب جديدة يف جنوب كردفان‬ ‫وجنوب النيل الأزرق‪.‬‬ ‫ويف عام ‪2012‬م حتالفت ف�صائل املقاومة‬ ‫امل�سلحة وكونت اجلبهة ال�سودانية الثورية‬

‫النهج الوسطي‬ ‫ليس حزبًا سياسيًا وال‬ ‫هو منظمة طوعية‬ ‫ولكنه اسلوب تناول‬ ‫للقضايا يقوم على‬ ‫التشخيص الموضوعي‬ ‫لها وتحديد االختيارات‬ ‫المتاحة واختيار اجداها‬ ‫وافضلها‬ ‫بهدف االطاحة بالنظام بالقوة و�إقامة نظام‬ ‫علماين افريقاين على نقي�ض ايديولوجية‬ ‫نظام اخلرطوم‪.‬‬ ‫ويف املقابل �أدى توقيع النظام التفاقية ال�سالم‬ ‫يف ‪2005‬م �إىل ن�صو�ص د�ستورية اعتربها بع�ض‬ ‫الإ�سالميني تراجعاً عن النهج الإ�سالمي‬ ‫فتكونت تيارات م�ضادة بع�ضها يعود بامل�شهد‬ ‫ال�سيا�سي �إىل عهد ال�ستينيات وبع�ضها ينادي‬ ‫بتطبيق ما�ضوي لل�شريعة و�إال �أعلنوا اجلهاد‪.‬‬ ‫�سيا�سات النظام �أفرزت حروباً متعددة اجلبهات‬ ‫يف البالد و�إدارة االقت�صاد �صنعت تدهوراً‬ ‫اقت�صادياً عمقه انف�صال اجلنوب وف�شل‬ ‫ال�سيا�سات االقت�صادية‪ ،‬والنتيجة �أن اخطاء‬

‫النظام عزلته متاماً وعب�أت �ضده اغلبية‬ ‫ال�شعب ال�سوداين وعزلته خارجياً‪� ،‬سوف‬ ‫حتاول جهات خمتلفة االطاحة بالنظام بالقوة‬ ‫ولكن مع كرثة الف�صائل امل�سلحة يف البالد هذه‬ ‫املحاوالت حتى �إذا جنحت �سوف تعر�ض البالد‬ ‫للت�شظي‪.‬‬ ‫النهج الو�سطي يوجب جمع كلمة القوى‬ ‫ال�سيا�سية على ميثاق للنظام اجلديد يقبل‬ ‫�شروط ال�سالم العادل ال�شامل‪ ،‬ويحقق‬ ‫التحول الدميقراطي الكامل‪ ،‬ويكفل امل�ساواة‬ ‫يف املواطنة ويعتمد مرجعية �إ�سالمية‬ ‫ت�ست�صحب امل�ساواة يف املواطنة وتكفل حرية‬ ‫العقيدة للكافة‪ ،‬نظام ال يعزل �أية قوى �سيا�سية‬ ‫ذات وزن‪.‬‬ ‫هذا النظام اجلديد يرجى �أن حتققه حتركات‬ ‫ت�شمل كل و�سائل القوة ال�سلمية‪ ،‬و�إذا ا�ستمر‬ ‫النظام احلايل �أو �إذا اطيح به بالقوة ف�إن‬ ‫ال�سودان �سوف يتعر�ض لل�صوملة ت�شظياً‬ ‫وتدخ ً‬ ‫ال اجنبياً‪.‬‬ ‫النهج الو�سطي هو رجاء اخلال�ص يف ال�سودان‪.‬‬ ‫هذا �أو الطوفان‪.‬‬ ‫النهج الو�سطي وامل�س�ألة امل�صرية‪:‬‬ ‫الثورة امل�صرية يف يناير ‪2011‬م قادها �شباب‬ ‫غري م�ؤدلج‪ ،‬وغري مرتبط بتنظيمات �سيا�سية‬ ‫ا�ستخدم و�سائل مبتكرة من و�سائط التوا�صل‬ ‫االجتماعي فاحدث خرقاً يف جدار الأمن‬ ‫اندلعت فيه اجلماهري امل�صرية والقوى‬ ‫ال�سيا�سية والنقابية امل�صرية يف مليونية رفعت‬ ‫�شعارات الكرامة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬واحلرية املعي�شية‪.‬‬ ‫موقف انحازت له القوات امل�سلحة فتنحى ر�أ�س‬ ‫الدولة ف�آلت ال�سلطة لقيادة القوات امل�سلحة‪.‬‬ ‫قيادة القوات امل�سلحة �أدارت �ش�ؤون احلكم‬ ‫بو�سائل تقليدية ا�ستناداً للد�ستور القائم مع‬ ‫تعديالت حمدودة و�أجرت يف ظله انتخابات‬ ‫عامة ت�شريعية ورئا�سية‪.‬‬ ‫القوى الإ�سالمية خا�صة االخوانية كانت‬ ‫الأكرث تنظيماً ومتوي ً‬ ‫ال ففازت بالوالية‬ ‫االنتخابية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كان للحركة الأخوانية دوراً مهما يف ت�ضميد‬ ‫جراح الأمة بعد �سقوط اخلالفة العثمانية‪،‬‬ ‫ويف االنت�صار للإ�سالم خا�صة يف االو�ساط‬ ‫احلديثة‪ ،‬يف وقت انحازت فيه قطاعات مهمة‬ ‫من مثقفي الأمة انبهاراً باحل�ضارة الغربية‪،‬‬ ‫ومن اجنازات احلركة الأخوانية جتاوز النهج‬

‫‪57‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫الفوقي الذي ا�ستمت به الأ�ساليب احلزبية �إىل‬ ‫تكوين تنظيم ذا قواعد �شعبية مكن احلركة‬ ‫من ال�صمود البتالءات ج�سيمة مار�ستها‬ ‫�ضدهم نظم احلكم قبل وبعد عام ‪1952‬م‪.‬‬ ‫يف ممار�سة ال�سلطة ارتكبت احلركة الأخوانية‬ ‫طائفة من الأخطاء‪� ،‬أهمها‪:‬‬ ‫• الكفاءة يف م�ستوى التنظيم والتمويل مل‬ ‫مياثلها اجتهاد فكري منا�سب للمرحلة وال‬ ‫برامج جمدية لعالج م�شاكل احلكم‪.‬‬ ‫• تورطوا يف تعامل ا�ستفزازي مع م�ؤ�س�سات‬ ‫الدولة "املتجذرة" مثال‪ :‬ح�صار املحكمة‬ ‫الد�ستورية‪ ،‬ومدينة االنتاج الإعالمي ثم‬ ‫اخلط�أ الأكرب‪ :‬الإعالن الد�ستوري التح�صيني‬ ‫يف نوفمرب ‪2011‬م‪.‬‬ ‫• مل يقدروا قوة وحجم املجتمع العميق‬ ‫بروافده الفكرية‪ ،‬والأدبية‪ ،‬والفنية‪.‬‬ ‫• بدا رئي�س اجلمهورية ك�أنه مر�ؤو�س وبدا‬ ‫حزب العدالة واحلرية ك�أنه زخريف و�أن قيادة‬ ‫الدولة احلقيقية يف يد اجلماعة‪ ،‬واجلماعة‬ ‫وهي غري م�ساءلة لغري قواعدها ت�صرفت‬ ‫ب�صورة انتقائية‪.‬‬ ‫• وبدا لكثريين �أن ال�سلطة الأخوانية تعطي‬ ‫�أولوية لرابطتها الأممية وعلى ح�ساب‬ ‫ال�سيادة الوطنية امل�صرية وعلى ح�ساب‬ ‫االنتماء القومي العربي‪.‬‬ ‫• و�ساهمت عومل كثرية يف االخفاق يف �إدارة‬ ‫ال�ش�ؤون الدنيوية‪.‬‬ ‫هذه العوامل جمتمعة هي التي �صنعت م�شهد‬ ‫‪ 30‬يونيو ‪2013‬م وهو حترك �شعبي عري�ض‬ ‫تدعمه قوى اجتماعية حقيقية‪.‬‬ ‫وكان الأجدى باحلركة االخوانية �أن تدرك دور‬ ‫اخطائها يف تكوين هذا االحتجاج العري�ض و�أن‬ ‫تعترب ما حدث ابتالءاً من حما�سنه تخلي�صهم‬ ‫من ورطة م�س�ؤولية مل يكونوا م�ستعدين‬ ‫متاماً للممار�ساتها و�أن يقتدوا باملرحوم جنم‬ ‫الدين �أربكان الذي كان عندما يواجه واقعاً‬ ‫مغايراً يلعق جراحه ويعترب �أنه خ�سر معركة‬ ‫ومل يخ�سر احلرب وي�ستعد جلولة �أخرى‪.‬‬ ‫احلركة االخوانية كذلك بحاجة لكثري من‬ ‫املراجعات �أهمها‪:‬‬

‫‪58‬‬ ‫الدين من الثوابت‬ ‫والدولة من المتحركات‬ ‫ويقع خطأ كبير عندما‬ ‫نساوي بين الثوابت‬ ‫والمتحركات أي العقائد‬ ‫والعادات ألن مثل هذه‬ ‫المساواة تمنع حركة‬ ‫المجتمع وهي من‬ ‫سنن الحياة‬

‫• اجتهاد جديد حول �شعار الإ�سالم دين‬ ‫ودولة فالدين من الثوابت والدولة من‬ ‫املتحركات ويقع خط�أ كبري عندما ن�ساوي بني‬ ‫الثوابت واملتحركات �أي العقائد والعادات لأن‬ ‫مثل هذه امل�ساواة متنع حركة املجتمع وهي من‬ ‫�سنن احلياة‪ ،‬ومع �أن �شعار الإ�سالم دين ودولة‬ ‫مفهوم يف ظروف املا�ضي التي �أفرزته فاملوقف‬ ‫الآن يوجب نظرة �أعمق تبني �أن الإ�سالم دين‬ ‫ومقا�صد اجتماعية ما يفتح الباب وا�سعاً ملراعاة‬ ‫حركة املجتمع‪.‬‬ ‫• وعلى ال�صعيد العملي ف�إن الأخوانية اهتمت‬ ‫كثرياً بالتنظيم والتمويل على ح�ساب العمل‬ ‫الدعوي والفكري‪� ،‬صار التنظيم مقد�ساً‬ ‫لدرجة �أن من معه هو امل�سلم ال غري و�أن من‬ ‫يرتكه يعد من اخلوارج‪.‬‬ ‫• اعطوا املناورة دوراً كبرياً �أودى بالثقة‬ ‫ف�إعالن موقف من االنتخابات ثم خمالفته‬ ‫والدخول يف اتفاق مع الآخرين قبل‬ ‫االنتخابات ثم خمالفته عوامل �أفقدت الثقة‪.‬‬ ‫• وبعد �إجراءات يوليو ‪2013‬م جل�أت قيادات‬ ‫اخوانية لإنذارات خاطئة‪ :‬نر�ش بالدم‪ -‬نولع‬ ‫فيها – نفجر البالد – من معنا هم �أهل‬ ‫الإميان والآخرون كفار‪.‬‬ ‫�إذن احلركة الأخوانية حمتاجة ملراجعات‬ ‫كثرية مهما واجهت الآن من حتديات فثمة‬

‫ر�ؤية فكرية تتعلق بدور الإ�سالم يف ال�سيا�سة‬ ‫ويف الدولة وثمة قوى اجتماعية منا�صرة‬ ‫حتتاج لبلورة فكرية ومراجعة تنظيمية تنا�سب‬ ‫املرحلة‪.‬‬ ‫ر�ؤية �شعار الدين هلل والوطن للجميع‬ ‫حمتاجة هي الأخرى لتبيني �أخطاء ارتكبتها‬ ‫و�إجراء مراجعات �أهمها‪:‬‬ ‫• �شعار الدين هلل والوطن للجميع بعيد من‬ ‫الوجدان ال�شعبي وال بد من معادلة ت�شبع‬ ‫تطلعات الدين يف ظل امل�ساواة يف املواطنة‪،‬‬ ‫هذا ممكن بل �ضروري‪.‬‬ ‫• امل�ساواة بني الأخوان والتيارات اجلهادية‬ ‫غري �صحيحة فالأخوان على ا�ستعداد لقبول‬ ‫الآلية الدميقراطية وبينما الآخرون يكفرون‬ ‫جمرد القول بها‪.‬‬ ‫• املبادئ التي ينهل منها الأخوان لن تزال‬ ‫بالقوى الأمنية ال �سيما �أن وراءها قوى‬ ‫اجتماعية حقيقية لذلك ف�إن �شعار اجتثاث‬ ‫الأخوان ال ميكن حتقيقه لأنه �سوف يق�صي‬ ‫الأخوان للعمل ال�سري والعمل اخلارجي ورمبا‬ ‫التحالف مع نهج القاعدة ما يعني مقاومة‬ ‫م�ستمرة ت�ؤدي يف املقابل ل�سلطة قاب�ضة‬ ‫ملواجهة هذه املقاومة‪.‬‬ ‫• قوى الدين هلل والوطن للجميع مع‬ ‫ا�ستنادها لقوى اجتماعية كبرية فهي م�شتتة‬ ‫و�إذا تولت ال�سلطة ف�إن القوى ذات املرجعية‬ ‫الإ�سالمية �أقدر على زعزعة �سلطتها‪.‬‬ ‫امل�شهد الفكري وال�سيا�سي امل�صري ي�ستقطب‬ ‫ب�صورة حادة ويدخل فيه بالإ�ضافة‬ ‫لال�ستقطاب حول �شعار الإ�سالم دين ودولة‪،‬‬ ‫والدين هلل والوطن للجميع ا�ستقطاب طبقي‬ ‫وا�ضح غذى ال�صراع تقوده يف احلالني قيادات‬ ‫من الطبقة الو�سطى ولكن بغلب على قواعد‬ ‫الأخوان وحلفائهم �سكان الريف وفقراء املدن‪،‬‬ ‫ويغلب على قواعد اجلبهة الأخرى �سكان‬ ‫املدن وقادة م�ؤ�س�سات الدولة املتجذرة وكذلك‬ ‫غالبية االقباط‪.‬‬ ‫نهج الو�سطية �إذ يطلع على امل�شهد امل�صري‬ ‫يجد �ضرورة �أن ي�سلم باحلقائق الآتية‪:‬‬ ‫�أو ًال‪� :‬إن الغاء �أحداث ‪ 30‬يونيو و‪ 3‬يوليو وعودة‬


‫الدكتور حممد مر�سي للرئا�سة م�ستحيلة‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪� :‬إن اجتثاث الأخوان وحلفائهم‬ ‫م�ستحيل‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ان انت�صار �أحد الطرفني على الآخر‬ ‫ب�ضربة قا�ضية ال ميكن ‪.‬‬ ‫رابع ًا‪� :‬أهمية ما يحدث يف م�صر �سيجعل‬ ‫قوى دولية‪ ،‬وعربية ‪ ،‬و�إ�سالمية متدخلة يف‬ ‫ال�ش�أن امل�صري تدخ ً‬ ‫ال يزيد �أثره كلما ات�سعت‬ ‫الفجوة بني طريف النزاع ويقل �أثره �إذا احتوى‬ ‫الطرفان اال�ستقطاب احلاد‪.‬‬ ‫انطالقاً من هذه احلقائق ف�إن املعادلة املمكنة‬ ‫يف م�صر لتحقيق اال�ستقرار يف نطاق نهج‬ ‫الو�سطية هي‪:‬‬

‫الوفاق الفكري املذكور ‪ -‬والوحدة الوطنية‪-‬‬ ‫والتنمية‪ -‬والعدالة االجتماعية‪ -‬ويحمي‬ ‫م�صر من تيارات �إقليمية ودولية �سوف حتر�ص‬ ‫حتماً – لأهمية م�صر‪ -‬على ت�صفية ح�ساباتها‬ ‫يف ال�ساحة امل�صرية على ح�ساب م�صالح البالد‬ ‫العليا‪.‬‬ ‫الواليات املتحدة تدرك �أهمية م�صر فيما‬ ‫يجري يف املنطقة وهي مهتمة بثالثة ملفات‪:‬‬ ‫�أمن �إ�سرائيل‪ -‬وتدفق البرتول‪ -‬وجلم العنف‬ ‫املوجه �ضدها‪� .‬إن موقفها املبدئي هو مع‬ ‫ر�ؤية �أن الدين هلل والوطن للجميع ولكنها‬ ‫ترى �أن احلركة الأخوانية يف هذه املرحلة‬ ‫هي الأقدر على �ضبط ال�شارع ال�سيا�سي وعلى‬

‫املطلوب الآن وب�إحلاح هو �أن يدخل التياران‬ ‫املذكوران يف مراجعات فكرية ليدرك الأخوان‬ ‫وحلفا�ؤهم �أن الإ�سالم دين ومقا�صد و�أن‬ ‫للآخر الفكري واملجتمعي دوراً مقدراً يف بناء‬ ‫الدولة و�أن التوجه الإ�سالمي ال ينفي الوطنية‬ ‫وال القومية‪ ،‬كما تدرك التيارات املدنية �أن‬ ‫للتطلع الإ�سالمي جذوراً يف الوجدان والفكر‬ ‫واملجتمع باقية تتطلب ا�شباعها يف ظل امل�ساواة‬ ‫يف املواطنة وحرية الأديان وحقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫عليهم تطبيق قاعدة ابن القيم‪� :‬إن الفقيه من‬ ‫يدرك الواجب اجتهاداً والواقع �إحاط ًة ويزاوج‬ ‫بينهما‪.‬‬ ‫هذه املراجعات ينبغي �أن ت�ؤدي مليثاق جامع‬ ‫لبناء الوطن يج�سد نتائج تلك املراجعات‪.‬‬ ‫ميثاق هدفه حتقيق ترا�ضي وطني يحقق‬

‫حفظ ال�سالم مع �إ�سرائيل وعلى التحالف �ضد‬ ‫القاعدة‪.‬‬ ‫البلدان الأخرى ال �سيما العربية وخا�صة‬ ‫اخلليجية تعتقد �أن ما يحدث يف م�صر �سوف‬ ‫تكون له �أثاره الكبرية عليهم لذلك �سوف‬ ‫يحاولون الت�أثري مبا لديهم من �أمول و�إعالم‬ ‫و�صالت على ما يجري يف م�صر‪.‬‬ ‫لل�سماح للمراجعات املطلوبة �أن جتري يف مناخ‬ ‫منا�سب ف�إن البالد بحاجة ملرحلة انتقالية‬ ‫تقوم على �أ�سا�س �إعالن مبادئ قواعده‪:‬‬ ‫(‌�أ) االعرتاف بالواقع ال�سيا�سي الراهن وقبول‬ ‫�شرعيته وقبول ا�ستحقاقات هذه ال�شرعية‪.‬‬ ‫(‌ب) االعرتاف باالخوان وقبول ا�ستحقاقات‬ ‫هذا االعرتاف‪.‬‬ ‫(‌ج) م�شاركة يف ال�سلطة االنتقالية جتعلها‬

‫ممثلة للكافة‪.‬‬ ‫(‌د) تو�سيع �آلية الد�ستور لت�صري ممثلة للكافة‪.‬‬ ‫(‌ه) �إ�صدار ت�شريع ملزم بحقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫(‌و) اجراء حتقيق عادل فيما حدث وتكوين‬ ‫هيئة للعدالة االنتقالية لبيان احلقائق‪،‬‬ ‫وامل�صاحلة‪ ،‬واالن�صاف‪.‬‬ ‫(‌ز)االلتزام بالوحدة الوطنية‪ ،‬وبالدميقراطية‬ ‫وبحرية الأديان وحق منت�سبيها يف حتقيق‬ ‫تطلعاتهم بالو�سائل الدميقراطية وبالتزام‬ ‫بحقوق املواطنة للكافة‪.‬‬ ‫ختام‪ :‬النهج الو�سطي هو اختيار اف�ضل‬ ‫ال�سبيل لتحقيق اال�ستقرار والتنمية ويف‬ ‫العدول عنه الهالك‪.‬‬ ‫الُمُو ِر ا ْلو َ​َ�س ُط‪.‬‬ ‫ُح ُّب ال َّت َناهِ ى َغلَ ُط ‪َ .‬خيرْ ُ ْ أ‬

‫املراجع‬ ‫‪� -1‬سورة القلم الآية (‪)28‬‬ ‫‪� -2‬سورة قري�ش الآيتان (‪)3،4‬‬ ‫‪� -3‬سور هود الآية (‪)61‬‬ ‫‪� -4‬سورة النحل الآية (‪)90‬‬ ‫‪� -5‬سورة الكهف الآية (‪)29‬‬ ‫‪� -6‬سورة املمتحنة الآية (‪)8‬‬ ‫‪� -7‬سورة احلجرات الآية (‪)13‬‬ ‫‪� -8‬سورة االنبياء الآية (‪)10‬‬ ‫‪� -9‬سورة الإ�سراء الآية (‪)23‬‬ ‫‪� -10‬سورة الرحمن الآية (‪)60‬‬ ‫‪� -11‬سورة الإ�سراء الآية (‪)24‬‬ ‫‪� -12‬سورة املمتحنة الآية (‪)8‬‬ ‫‪� -13‬سورة حممد الآية (‪)24‬‬ ‫‪� -14‬سورة البقرة الآية (‪)269‬‬ ‫‪� -15‬سورة الرعد الآية (‪)4‬‬ ‫‪� -16‬صحيح م�سلم‬ ‫‪� -17‬سورة ف�صلت الآية (‪)46‬‬ ‫‪� -18‬سورة الإن�سان (‪)3‬‬ ‫‪ -19‬الإمام �أحمد‬ ‫‪� -20‬سورة الأنعام الآية (‪)38‬‬ ‫‪� -21‬سورة �آل عمران الآية (‪)115‬‬ ‫‪� -22‬سورة الن�ساء الآية (‪)164‬‬ ‫‪� -23‬سورة النحل (‪)8‬‬ ‫‪� -24‬سورة املائدة الآية (‪)101‬‬ ‫‪� -25‬سورة اجلاثية الآية (‪)13‬‬ ‫‪� -26‬سورة الذاريات الآية (‪)56‬‬ ‫‪� -27‬سورة الإ�سراء الآية (‪)44‬‬ ‫‪� -28‬سورة الأنعام الآية (‪)38‬‬ ‫‪� -29‬صحيح البخاري‬ ‫‪ -30‬الإمام �أحمد‬ ‫‪� -31‬سنن الن�سائي‬

‫‪59‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪60‬‬

‫منذ قرن وأكثر‪ ،‬كان الحديث عن استعادة اإلسالم لبهائه األول القائم على إدراك‬ ‫معاني االستخالف‪ ،‬ومعاني الحضارة واإلسهام في البناء اإلنساني‪ ،‬ومع أن ذاك الزمن‬ ‫الذي بدأ بتحطم اآلمال العربية في الحرية والنهوض والتي قادها شريف مكة الحسين‬ ‫بن علي رحمه اهلل أمام مشروعين غربيين‪ ،‬هما الحركة الصهيونية‪ ،‬ومشروع الحداثة‬ ‫األوروبية والنفوذ األوروبي في المنطقة‪ ،‬إال أن العرب عاشوا ذاك الزمن دون الوصول إلى‬ ‫القنوط أو اليأس‪ ،‬إذ ظل البحث عن التجديد واإلصالح قائما بين المسلمين أنفسهم‬ ‫وبين خصوهم أيضا‪.‬‬

‫أثر التوازنات الدولية واإلقليمية‬ ‫على مستقبل التغيير في المنطقة العربية‬

‫�أ‪.‬د اخليف الطراونة‬ ‫رئي�س اجلامعة الأردنية‬

‫هنا �أ�شري �إىل جمموعة من املحطات وهي‬ ‫ذات �صلة عميقة باملوقف الغربي وال�سيا�سات‬ ‫الدولية من املنطقة‪� ،‬أولها املناظرة ال�شهرية‬ ‫بني ال�شيخ جمال الدين الأفغاين وامل�ست�شرق‬ ‫الفرن�سي �آرن�ست رينان‪ .‬وكللكم تعلمون‬ ‫�أن ال�شيخ جمال الدين الأفغاين مبا ترك‬ ‫من �أثر يف م�صر والأ�ستانة كان يدافع عن‬ ‫الرابطة الإ�سالمية‪ ،‬ثم جنده يعار�ض‬ ‫�أرن�ست رينان ويدخل معه يف معركة الردود‬ ‫الفكرية لال�ستدالل على قدرات العرب‬ ‫واجنازهم يف الفل�سفة والعلوم وبنف�س الوقت‬ ‫يت�ساءل عن دور الإ�سالم يف �أزمة امل�سلمني‪،‬‬ ‫واملخت�صون يعرفون �أن رينان كان يتحدث‬ ‫با�سم اجلهمورية والثورة والعادلة واحلرية‪!.‬‬ ‫يف حني �أراد الأفغاين �أن يجعل من نف�سه‬ ‫حماميا لل�شرق‪ ،‬يف الوقت الذي كان يعي‬ ‫حدود امل�سافة الفا�صلة بني الدين والعقل‪.‬‬ ‫وكان الأفغاين يحاول الدفاع عن دور العرب‬ ‫يف جمال الفل�سفة يف مقابل مقولة رينان‬ ‫بتخلف العرب الفطري(‪.)1‬‬ ‫الإ�شارة الثانية‪ ،‬مت�صلة مبفكر و�سيا�سي‬ ‫عربي هو الأمري �شكيب �أر�سالن الذي و�ضع‬ ‫كتابا بعنوان‪" :‬ملاذا ت�أخر امل�سلمون وتقدم‬

‫غريهم(‪ :)2‬و�شكيب �أر�سالن كما تعلمون‬ ‫مفكر و�سيا�سي عا�ش زمن امل�ؤامرات الغربية‬ ‫وتق�سيم املنطقة‪ ،‬وكان قد انظم حتت لواء‬ ‫الدفاع عن املنطقة العربية وجتاوزها للدفاع‬ ‫عن م�سملي جاوه وافغان�ستان واملغرب يف‬ ‫مواجهتهم لقوى اال�ستعمار الغربي‪.‬‬ ‫والإ�شارة الثالثة‪ ،‬مت�صلة باجلدل الفكري‬ ‫الذي نقر�أه يف �صفحات جملة الفتح القاهرية‬ ‫لل�شيخ حمب الدين اخلطيب‪ ،‬وجملة امل�شرق‬ ‫وجملة املقتطف والر�سالة الأدبية‪ ،‬ولو �أن‬ ‫واحدا منا ت�صفح هذا املجالت ونظر �إىل‬ ‫احلوار العميق بني ذلك اجليل خال نهايات‬ ‫القرن التا�سع ع�شر وو�صل �إىل منت�صف القرن‬ ‫الع�شرين‪ ،‬لأدرك حقيقينت‪� :‬أولها �أن الوعي‬ ‫العربي والإ�سالمي مل يكن قا�صرا عن �إدراك‬ ‫م�ؤامرات الغرب و�سيا�ساته على املنطقة‪ ،‬كما‬ ‫�أنه �سيجد يف احلقيقة الثانية م�سلمني وعربا‬ ‫يخو�ضون جدال كبريا على ق�ضايا الإ�صالح‬ ‫والتجديد والعلمنة والتب�شري ولكن ب�صورة‬ ‫ح�ضارية‪ ،‬تخلو من الت�شدد والإنغالق‬ ‫والتطرف‪ ،‬بعك�س ما ن�سمع ون�شاهد اليوم‪.‬‬ ‫وهنا �أذكر الأخوة �شيوخ الدين بجهود �شيخ‬ ‫من �شيوخ جامع الزيتونة توىل م�شيخة‬


‫الأزهر وخا�ض يف الأعوام ‪ 1936-1928‬جدال‬ ‫كبريا هو الإ�صالح والدعوة والتجديد وهو‬ ‫ال�شيخ حممد اخل�ضر احل�سني(‪.)3‬‬ ‫هذه الإ�شارات الثالثة‪� ،‬أردت البدء بها‪،‬‬ ‫لأقول �أن النخبة العربية والإ�سالمية مل‬ ‫تكن بعيدة عن فهم ما يجري من م�ؤمرات‬ ‫غربية‪ ،‬ويف داخل تلك النخبة تبلور انق�سام‬ ‫جلي بني دعاة الأخذ الكامل وقبول كل‬ ‫ما ي�أتي به الغرب‪ ،‬وق�سم �آخر كان يرى �أن‬ ‫و�سطية الإ�سالم تقبل باجليد املمكن التعامل‬ ‫معه والقادم من الغرب‪ ،‬وق�سم ثالث انربى‬ ‫للذود عن الإ�سالم باعتباره لي�س بحاجة لأي‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫ومن رحم تلك التجربة ولدت الدعوة �إىل‬ ‫الو�سطية والإحيائية الإ�سالمية مع جتربة‬ ‫الإ�سالم ال�سيا�سي وتيار التغريب والعلمنة‪،‬‬ ‫وما زلنا نعي�ش حتى اليوم ذلك االنق�سام‪،‬‬ ‫الذي مل يتحول �إىل �أفكار �سيا�سية حزبية‬ ‫تعزز من قوة الدولة الوطنية وتقودها نحو‬ ‫الدميقراطية لكي تواجه �أطماع ال�سيا�سات‬ ‫والقوى الغربية فيها‪.‬‬ ‫و�أعود هنا و�أقول ما �أ�شبه اليوم بالأم�س‪،‬‬ ‫فذاك زمن انق�سم فيه العرب بينهم يف حني‬ ‫كان التغلل الغربي يف دولنا ع�سكريا و�سيا�سيا‬ ‫مبا�شرا‪ ،‬وها نحن اليوم نعي�ش انق�ساما بني‬ ‫النخب والأفكار‪ ،‬والغرب يتدخل بنا وي�أتي‬ ‫�إلينا بال�سفارات والو�ساطات ال�سيا�سية يف‬ ‫�إثر الربيع العربي ينقذ دولنا من الو�صول‬ ‫�إىل حاالت العنف ال�شعبي‪ ،‬ولي�س يف ذلك �إال‬ ‫رغية واحدة من الغرب مت ِّكن م�صاحله من‬ ‫البقاء‪.‬‬ ‫ومع فروقات الأزمنة واخلطابات بني‬ ‫النماذج امل�شار �إليها �إال �أنها جت�سدت يف ثالثة‬ ‫مناذج ما زالت حا�ضرة حتى اليوم يف الدولة‬ ‫العربية املعا�صرة‪ .‬ففي كتابه االيدولوجيا‬ ‫العربية املعا�صرة يرى املفكر املغربي وامل�ؤرخ‬ ‫ال�شهري عبداهلل العروي ب�أن تعاي�ش خمتلف‬

‫إن القول اليوم بأن‬ ‫وعي الشيخ والليبرايل‬ ‫ودعاة األخذ بالتقنية‬ ‫غير موجود يف اللحظة‬ ‫المعاصرة عربيا يمكن‬ ‫اعتباره بأنه نوع من‬ ‫النفي المتلطف‬ ‫لمقولة أننا تغيرنا‬ ‫�أنواع الوعي يف الدولة نف�سها هو �شيء ال‬ ‫جدال فيه‪ ،‬ولكن التعاقب التاريخي هو الذي‬ ‫يعطي كل وعي منها وزنه النوعي(‪.)4‬‬ ‫�إن القول اليوم ب�أن وعي ال�شيخ والليربايل‬ ‫ودعاة الأخذ بالتقنية غري موجود يف اللحظة‬ ‫املعا�صرة عربيا ميكن اعتباره ب�أنه نوع من‬ ‫النفي املتلطف ملقولة �أننا تغرينا‪ ،‬غري �أن‬ ‫اجلراحة الفاح�صة ت�ؤكد اليوم ا�ستمرار‬ ‫هذا الوعي الثالثي‪ ،‬فالوعي امل�شيخي ال‬ ‫يزال موجودا‪ ،‬والليرباليون العرب دخلوا‬ ‫يف حالة جديدة من العالقة من الأنظمة‬ ‫ال�سائدة ودعاة الن�سخة الغربية من التقانة‬ ‫م�ؤثرون ب�شكل �أو ب�آخر لدى م�ؤ�س�سات‬ ‫الدولة وبخا�صة يف مناهج الرتبية و�أ�ساليب‬ ‫التدري�س‪ ،‬ولكل منهم وزنه لكن ال �أحد يقول‬ ‫ما قاله الأفغاين قبل قرن ون�صف تقريبا‪.‬‬ ‫قادت ال�شرا�سة الفكرية يف الهجوم على‬ ‫الإ�سالم والعرب �إىل حالة �إرباك‪ ،‬وهذه‬ ‫احلالة التي غابت يف حلظات ت�أجج ال�صراع‬ ‫مع الغرب باتت اليوم مطروحة يف �سياق‬ ‫البحث عن بديل خليارات الدولة املهرتئة‪،‬‬ ‫ليعود ال�س�ؤال من جديد‪ :‬ما هو �شكل‬ ‫الدولة املن�شودة؟ فهل هي دولة دينية حتقق‬ ‫�شعار الإ�سالم هو احلل‪� ،‬أم هي دولة قومية‬ ‫االيدولوجيا ثبت ف�شلها‪� ،‬أم ع�سكرية تبني‬ ‫عجزها؟‬

‫بعد �أربعة عقود على �أهوال هزمية العرب‬ ‫‪ ،1967‬وهي عقود �أكدت ف�شل االنتفاع العربي‬ ‫من الليربالية الغربية‪ ،‬ف�إن نداء اال�ستغاثة‬ ‫يكاد يعاود الكرة مرة �أخرى يف ظل واقع‬ ‫مفكك للدولة العربية‪ ،‬وبخا�صة بعد غزو‬ ‫العراق واحتالله وبعد �أن ف�شلت كل حماوالت‬ ‫الثورة والتغيري والإ�صالح يف �إحالل م�شهد‬ ‫�أف�ضل‪.‬‬ ‫و�إن مدخل النك�سة وحروب فل�سطني تعد‬ ‫مدخال للحديث عن دور القوى الغربية‬ ‫الدولية يف املنطقة اليوم‪ ،‬لكونها غري بعيدة‬ ‫من دائرة الأحداث يف املنطقة‪ ،‬فمن املهم‬ ‫القول �أن �شكل املنطقة وخارطتها الإقليمية‬ ‫مر�شحة للتغيري‪ ،‬ومع �أننا مل ن�شهد تغيريا‬ ‫جيو�سيا�سيا ملمو�سا وفاعال م�ؤثرا‪� ،‬إال‬ ‫�أن التحول يف امللفات والق�ضايا الإقليمية‬ ‫كافة كان متغريا بت�سارع كبري‪ ،‬وظهر ذلك‬ ‫ب�شكل جلي بعد التدخل الوا�ضح يف ال�شئون‬ ‫الإقليمية من قبل الواليات املتحدة بعد‬ ‫حرب اخلليج الثانية ‪ 1990-91‬ومن ثم غزو‬ ‫العراق ‪ ،2003‬مما �ش ّرع �أبواب املنطقة على‬ ‫م�صراعيها �أمام التواجد الأجنبي الغربي‪،‬‬ ‫وهنا نحن اليوم بعد العام ‪ 2010‬نقع حتت‬ ‫الـت�أثري الدويل الدعم لقوى التغيري الثوري‬ ‫املحلي‪ ،‬والتي مل ت�ستقر نتائجها بعد‪ ،‬وال‬ ‫تب�شر بعد بخري كبري‪ ،‬اللهم غري �أنها و�سعت‬ ‫قاعدة احلرية والتعبري للنا�س‪.‬‬ ‫ففيما بد�أ النظام الدويل ي�شهد عدداً من‬ ‫التحوالت يف موازين القوى يف ال�سنوات‬ ‫الأخرية‪� ،‬شهد العامل العربي م�ؤخراً حتوالت‬ ‫�سيا�سية عميقة‪ ،‬متثلت يف الثورات العربية‬ ‫و�إ�سقاطاتها املختلفة‪ ،‬مما �أحدث حالة من‬ ‫االرتباك يف امل�شهد ال�سيا�سي الإقليمي‪،‬‬ ‫وهذا ين�سحب على املواقف الدولية من‬ ‫هذه الثورات �أي�ضاً؛ حيث عك�ست مواقف‬ ‫القوى العظمى تباينا وا�ضحا يف الر�ؤية‬ ‫الإ�سرتاتيجية‪ ،‬مما يجعل حماولة معرفة‬

‫‪61‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫�أثر التوازنات الدولية على م�ستقبل املنطقة‬ ‫العربية �أكرث �إحلاحاً من ذي قبل‪ ،‬ال�سيما‬ ‫يف ظل نذر تناف�س حاد بني القوى الدولية‬ ‫على امل�صالح والنفوذ يف العامل‪� .‬إذ من املرجح‬ ‫�أن يكون التناف�س يف العقود القادمة بني‬ ‫الواليات املتحدة من ناحية‪ ،‬وال�صني من‬ ‫ناحية �أخرى‪ ،‬وهكذا ف�إن ال�س�ؤال الذي يطرح‬ ‫نف�سه يف هذا ال�ش�أن يتمحور حول طبيعة‬ ‫و�آفاق هذا التناف�س الدويل وت�أثري ذلك على‬ ‫العامل العربي‪.‬‬ ‫و�إذا كان ممفتح القرن الع�شرين بد�أ بتوغل‬ ‫غربي ع�سكري يف املنطقة العربية‪ ،‬ف�إن‬ ‫ال�سيا�سية الدولية اليوم تاتي �إلينا بتدخل‬ ‫خمتلف‪� ،‬إذ �أ�ضحت ال�سيا�سة الدولية �ساحة‬ ‫للتناف�س وال�صراع من �أجل القوة وامل�صلحة‪،‬‬ ‫بالتايل ي�صبح فهم توازنات القوة الدولية‬ ‫واالعتبارات امل�صلحية حمدداً رئي�سياً لفهم‬ ‫العالقات امل�ستقبلية بني املنطقة العربية‬ ‫والقوى الكربى‪ ،‬ال�سيما فيما يتعلق مب�سائل‬ ‫النفوذ والهيمنة‪ .‬وتتوقف الإجابة على‬ ‫هذا الت�سا�ؤل على ثالثة عوامل رئي�سية‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ ،‬منط العالقات والتوازنات بني القوى‬ ‫الدولية؛ ثانياً‪ ،‬م�سار التغيري ال�سيا�سي‬ ‫يف املجتمعات العربية الثائرة؛ ثالثاً‪،‬‬ ‫�أهمية العامل العربي اجليو�إ�سرتاتيجية‬ ‫واالقت�صادية بالن�سبة للقوى الكربى‪.‬‬ ‫الثورات وحتوالتها‪:‬‬ ‫�شكلت الثورات العربية نقطة حتول مف�صلية‬ ‫يف تاريخ املنطقة العربية احلديث‪ ،‬حيث مل‬ ‫يكن من املتوقع على الإطالق حدوث خم�س‬ ‫ثورات يف وقت �شبه متزامن‪ ،‬ويف دول كان‬ ‫ينظر لها على �أنها �شبه ع�صية على التغيري‬ ‫ال�سيا�سي اجلذري نظراً للطبيعة ال�شمولية‬ ‫لتلك الأنظمة‪ .‬وقد طالت هذه الثورات دو ًال‬ ‫عربي ًة يتجاوز ت�أثريها ال�سيا�سي حدودها‬ ‫القطرية‪ ،‬ونق�صد هنا م�صر و�سوريا‪،‬‬ ‫بينما ميكن القول �أنه بحكم اجلغرافيا‬

‫‪62‬‬ ‫ال�سيا�سية ف�إن بالد �شمال املغرب العربي ال‬ ‫تتمتع بت�أثري كبري على جمريات ال�سيا�سة‬ ‫العربية‪ ،‬بالتايل ف�إن التطورات ال�سيا�سية‬ ‫التي حت�صل فيها ال يكون لها نف�س الت�أثري‬ ‫التي تتمتع به بع�ض دول امل�شرق العربي‪ ،‬لكن‬ ‫يف جميع احلاالت ف�إن ما ح�صل خالل عام‬ ‫‪ 2011‬ي�شكل بداية جديدة حلقبة �سيا�سية‬ ‫ترتكز معاملها الرئي�سية حول حتول موازين‬ ‫القوى ال�سيا�سية الداخلية لفاعلني جدد ما‬

‫إن حال ًة من "عدم‬ ‫اليقين السياسي"‬ ‫حول الثورات‬ ‫ومصيرها تتواصل يف‬ ‫المجتمعات العربية‬ ‫كون المجتمعات التي‬ ‫تجاوزت المرحلة األوىل‬ ‫للتغيير السياسي‬ ‫بإسقاط األنظمة‬ ‫السياسية التي كانت‬ ‫تحكمها تعيش اآلن‬ ‫مرحلة بلورة مخرجات‬ ‫ذلك الحراك‪،‬‬ ‫يعني �إمكانية ر�ؤية تغري وا�ضح يف العقيدة‬ ‫ال�سيا�سية لهذه الدول‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من‬ ‫تغري يف التوجهات ال�سيا�سية اخلارجية لها‪،‬‬ ‫لكن يجب الإ�شارة هنا �إىل �أنه نظراً للطبيعة‬ ‫ال�شمولية لهذه املجتمعات يف ال�سابق ف�إن‬ ‫التحول الفجائي �إىل حالة من التعددية‬ ‫وامل�شاركة ال�سيا�سية الكلية يجعل من �إعادة‬

‫البناء ال�سيا�سي �أكرث �صعوب ًة و�أطول �أمداً‪.‬‬ ‫�إن حال ًة من "عدم اليقني ال�سيا�سي" حول‬ ‫الثورات وم�صريها تتوا�صل يف املجتمعات‬ ‫العربية كون املجتمعات التي جتاوزت املرحلة‬ ‫الأوىل للتغيري ال�سيا�سي ب�إ�سقاط الأنظمة‬ ‫ال�سيا�سية التي كانت حتكمها تعي�ش الآن‬ ‫مرحلة بلورة خمرجات ذلك احلراك‪،‬‬ ‫ف�أ�صبحت هذه املجتمعات من�شغلة مب�س�ألة‬ ‫ت�شكيل الأنظمة ال�سيا�سية مبا يتطلبه ذلك‬ ‫من �إجراءات ت�شريعية وم�ؤ�س�ساتية‪ ،‬تتمثل‬ ‫يف ا�ستحقاقات انتخابية و�صياغة د�ساتري‬ ‫جديدة‪ ،‬والذي من خالله ميكن احلكم على‬ ‫امل�سار الذي �ست�سلكه هذه املجتمعات‪ ،‬وما �إذا‬ ‫كانت قادرة على اخلروج من عنق الزجاجة‪،‬‬ ‫�أما �أنها �سوف تقع يف وحل اال�ستقطاب‬ ‫ال�سيا�سي الداخلي بكافة دوافعه ومربراته‬ ‫املذهبية والطائفية والأيديولوجية‪ ،‬وما‬ ‫قد يدعم ذلك من قوى دفع خارجية‪ ،‬قد‬ ‫ت�ساهم جميعها يف ت�شويه عملية التحول‬ ‫الدميقراطي �أو �إعاقتها(‪.)5‬‬ ‫�إال �أنه من الوا�ضح �أن الأحزاب الإ�سالمية‬ ‫�أ�صبحت فر�س الرهان احلقيقي يف املجتمعات‬ ‫الثائرة‪ ،‬لكن لي�س من ال�سهولة احلكم على‬ ‫نواياها وتوجهاتها منذ البداية‪ ،‬ولن يكون‬ ‫الت�أثري عليها ممكناً عطفاً على توجهاتها‬ ‫الأيديولوجية وفل�سفة العمل اخلا�صة بها‪،‬‬ ‫والتي تتباين ب�شكل كبري مع توجهات غالبية‬ ‫الأنظمة احلاكمة يف العامل العربي‪ ،‬بالتايل‬ ‫�سوف تكون عالقتها مع حميطها الإقليمي‬ ‫والدويل انتهازية قائمة على الظرفية‬ ‫امل�صلحية(‪.)6‬‬ ‫هذا يعني �أن ت�أثري التوجهات الدينية‬ ‫�أ�صبح �أكرث و�ضوحاً يف العامل العربي هذه‬ ‫الأيام‪ ،‬حيث تزايد طموح احلركات ال�سيا�سية‬ ‫الإ�سالمية ب�شكل عام مع و�صول بع�ضها‬ ‫�إىل احلكم يف بلدان الربيع العربي‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي �شكل تهديداً وا�ضحاً و�صريحاً لبع�ض‬


‫الأنظمة ال�سيا�سية يف املنطقة مما ا�ستوجب‬ ‫تبني �إ�سرتاتيجية م�ضادة ترمي �إىل‬ ‫حما�صرة ومنع التمدد ال�سيا�سي للإخوان‬ ‫يف بع�ض الدول العربية بجميع الو�سائل‬ ‫املمكنة‪ .‬وقد قاد ذلك �إىل انق�سام �سيا�سي بني‬ ‫الدول العربية يتمحور حول اخلط ال�سيا�سي‬ ‫امل�أمول �أن يهيمن على م�ستقبل املنطقة‪،‬‬ ‫حيث التناف�س بني النموذج الإخواين الذي ال‬ ‫يزال يف طور التبلور مقابل اخلط ال�سيا�سي‬ ‫التقليدي لأنظمة احلكم العربية‪ .‬و�إذا كانت‬ ‫بع�ض الدول العربية ت�سعى لدعم امل�شروع‬ ‫الإخواين بكل �ضراوة‪ ،‬باملال والإعالم‪،‬‬ ‫ف�إن املع�سكر املناوئ يحاول �أي�ضاً توظيف‬ ‫�إمكانياته املختلفة لتقوي�ض ذلك امل�شروع‬ ‫واحلفاظ على الو�ضع دون تغيري يذكر �أو‬ ‫جعل ال�ضرر يف �أقل احلدود املمكنة‪ .‬وي�ساهم‬ ‫يف زيادة حدة التناف�س ال�ضعف الوا�ضح الذي‬ ‫ال تزال تعاين منه بلدان الربيع العربي‪ ،‬التي‬ ‫و�صل الإ�سالميون فيها �إىل �سدة احلكم‪،‬‬ ‫ومر ّد ذلك ال�ضعف ب�شكل رئي�س هو نق�ص‬ ‫اخلربة ال�سيا�سية لدى القيادات الإخوانية‪،‬‬ ‫وعدم ثقتها بالقوى ال�سيا�سية التقليدية‬ ‫نتيجة تراكمات املا�ضي حني كان �أقطاب‬ ‫احلركات الإ�سالمية باملنفى �أو ال�سجون‪ ،‬كام‬ ‫�أن �ألغ�سالميني يف احلكم ات�ضح �أنهم يريدون‬ ‫احلرية لأنف�سهم وي�أبونها على غريهم‪،‬‬ ‫ومار�سوا جتربة احلزب يف حكم الدولة وهذا‬ ‫مال ينفع ال�شعوب الباحثة عن العدالة ورفع‬ ‫الظلم واحلد من البطالة‪.‬‬ ‫و�إن من �أهم العوامل التي �أثرت على مواقف‬ ‫القوى العظمى من الثورات العربية الأهمية‬ ‫الإ�سرتاتيجية لبلدان الربيع العربي بالن�سبة‬ ‫للدول الكربى‪ ،‬وكذلك ر�ؤية الأخرية لت�أثري‬ ‫هذه الثورات على م�صاحلها الإ�سرتاتيجية‬ ‫والتوازنات الدولية امل�ستقبلية(‪ .)7‬ومن‬ ‫اجلدير بالذكر يف هذا ال�سياق �أن بلدان‬ ‫الربيع العربي تتفاوت من ناحية �أهميتها‬

‫بالن�سبة للدول الكربى‪ ،‬وميكن القول �إن‬ ‫دول امل�شرق العربي (م�صر و�سوريا) حتظى‬ ‫ب�أهمية �أكرب العتبارات جيو�إ�سرتاتيجية‬ ‫معروفة‪ ،‬وتظل ليبيا مهمة بحكم مواردها‬ ‫النفطية‪ ،‬بينما تعترب اليمن مهمة كي ال‬ ‫ت�ضعف ال�سلطة املركزية وتتحول �إىل دولة‬ ‫فا�شلة يتخذ منها تنظيم القاعدة مركزاً‬ ‫لإعادة التنظيم وجتميع قواه يف حربه مع‬ ‫الدول الغربية‪ ،‬وتبقى تون�س يف عهد الرئي�س‬ ‫ابن على حليفاً للدول الغربية لكنها ال حتظى‬ ‫بنف�س القدر من الأهمية اجليو�إ�سرتاتيجية‬ ‫�أو االقت�صادية التي حتظى بها نظرياتها من‬ ‫الدول العربية‪.‬‬

‫عكست مواقف القوى‬ ‫الدولية من الثورات‬ ‫العربية حالة الشك‬ ‫وعدم اليقين التي‬ ‫تعتري العالقات بينهما‪،‬‬ ‫السيما الصين وروسيا‬ ‫من جهة والواليات‬ ‫المتحدة وأوروبا من‬ ‫جهة أخرى‬ ‫عك�ست مواقف القوى الدولية من الثورات‬ ‫العربية حالة ال�شك وعدم اليقني التي‬ ‫تعرتي العالقات بينهما‪ ،‬ال�سيما ال�صني‬ ‫ورو�سيا من جهة والواليات املتحدة و�أوروبا‬ ‫من جهة �أخرى‪ ،‬وبدا ذلك �أكرث و�ضوحاً‬ ‫بالن�سبة لكيفية معاجلة الأزمة ال�سورية‪،‬‬ ‫وب�شكل �أقل الثورة الليبية‪ ،‬بينما كان احلذر‬ ‫والرتدد ال�سمة الغالبة على مواقف هذه‬ ‫الدول من الثورة امل�صرية‪ ،‬وميكن الإ�شارة‬

‫�إىل �سببني �أثرا على املواقف الدولية جتاه‬ ‫الثورات العربية‪ :‬اعتبارات �سيا�سية داخلية‪،‬‬ ‫وق�ضايا امل�صالح والنفوذ‪ .‬فعلى عك�س القوى‬ ‫الغربية‪ ،‬ا�ستقبلت ال�صني ورو�سيا الثورات‬ ‫العربية بحذر كبري‪ ،‬بل عار�ضتا الثورات‬ ‫العربية‪ ،‬حيث اخلوف من �أن تنتقل هذه‬ ‫الثورات �إىل ن�سيجهما الداخلي؛ �إذ منعت‬ ‫ال�صني مفردات الثورات العربية على‬ ‫حمركات البحث على الإنرتنت‪ ،‬فيما تزايدت‬ ‫حدة املعار�ضة للحزب احلاكم يف رو�سيا‬ ‫وخ�سر احلزب يف االنتخابات العامة جزءًا‬ ‫ال ي�ستهان به من �أ�صوات الناخبني‪� .‬أما على‬ ‫�صعيد امل�صالح والنفوذ فقد حتفظت رو�سيا‬ ‫وال�صني على التدخل الغربي يف ليبيا‪ ،‬بينما‬ ‫عار�ضتا ب�شدة التدخل الع�سكري يف �سوريا‪،‬‬ ‫مذكرتني بتجاوز القوات الغربية حدود‬ ‫التفوي�ض املمنوح لها من جمل�س الأمن‬ ‫حلماية املدنيني‪ ،‬وا�ستخدام القوة اجلوية‬ ‫�ضد قوات القذايف (‪.)8‬‬ ‫�أهمية املنطقة العربية يف ميزان القوى‬ ‫الدولية‬ ‫�أو ًال‪ -:‬ال�صني ورو�سيا‬ ‫ميكن القول �إن النفط والقوة �أ�صبحتا على‬ ‫ارتباط كبري يف اعتبارات القوى الكربى‬ ‫ونظرتها مل�صاحلها يف املنطقة العربية‪.‬‬ ‫فت�أمني �إمدادات النفط كان دائماً من‬ ‫العوامل احلا�ضرة يف ذهن �صناع القرار يف‬ ‫العامل الغربي‪ ،‬و�أ�صبح ا�ستخدام القوة من‬ ‫�أجل �ضمان �أمن الطاقة عام ً‬ ‫ال مهماً �ضد‬ ‫التدخل الأجنبي �أو حتى الإقليمي لأن ذلك‬ ‫�سيعرقل منو القوى ال�صناعية الغربية(‪،)9‬‬ ‫ولعل ما حدث يف حرب اخلليج الثانية عندما‬ ‫�أقدم العراق على احتالل الكويت حيث �صرح‬ ‫الرئي�س الأمريكي �آنذاك جورج بو�ش ب�أن‬ ‫الواليات املتحدة لن ت�سمح ل�صدام ح�سني ب�أن‬ ‫ي�سيطر على ما يقارب ربع احتياطي النفط‬ ‫يف العامل خري مثال على ذلك‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫ومهما يكن هناك من حديث يف الآونة‬ ‫الأخرية حول اكت�شافات كبرية للنفط‬ ‫والغاز ال�صخري يف الواليات املتحدة‪ ،‬وتطور‬ ‫التقنية امل�ستخدمة ال�ستخراجه‪ ،‬مما ميكنها‬ ‫من اال�ستغناء عن النفط العربي‪ ،‬بل ويجعلها‬ ‫م�صدراً للنفط والغاز بد ًال من كونها �أكرب‬ ‫م�ستورد يف العامل يف الوقت احلايل‪ ،‬و�إذا‬ ‫كانت التقارير ت�شري �إىل �إمكانية اكتفاء‬ ‫الواليات املتحدة من الغاز ال�صخري بحلول‬ ‫عام ‪ 2015‬ومن النفط ال�صخري بحلول عام‬ ‫‪� ،2025‬إال �أن ذلك �أمر غري م�ؤكد نتيجة‬ ‫التكلفة العالية لعملية اال�ستخراج التي‬ ‫تقدر بـ ‪ 57‬دوالراً للربميل‪ ،‬مما يتطلب بقاء‬ ‫�أ�سعار البرتول مرتفعة‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل امل�ضار‬ ‫التي تلحقها عملية اال�ستخراج بالبيئة نظرا‬ ‫ال�ستخدام مواد كيماوية يف عمليات احلفر‬ ‫والتك�سري(‪.)10‬‬ ‫بالتايل ف�إنه من املحتم �أن يكون العامل‬ ‫العربي �أحد مناطق ال�سباق على النفوذ‬ ‫بالن�سبة للقوى الكربى نتيجة كونه ميتلك‬ ‫نحو ‪ 57‬يف املائة من احتياطيات النفط املثبتة‬ ‫عاملياً ونحو ‪ 30‬يف املائة من احتياطيات الغاز‬ ‫العاملي‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل املمرات املائية التي تعترب‬ ‫�شرياناً مهماً للتجارة الدولية‪ .‬وقد ذكر‬ ‫امل�ؤرخ �ألربت حوراين �أن من ي�سيطر على‬ ‫ال�شرق الأو�سط ي�سيطر على العامل‪ ،‬وتبدو‬ ‫هذه املقولة �أ�شد �إحلاحاً يف الفرتة احلالية‪.‬‬ ‫وقد اعترب ال�صينيون منذ القدم �أن املوقع‬ ‫الإ�سرتاتيجي لل�شرق الأو�سط على ارتباط‬ ‫كبري بتوازن القوى الدويل لأن ال�سيطرة‬ ‫على ال�شرق الأو�سط ت�شكل م�ؤ�شراً على تغلب‬ ‫قوة عظمى على �أخرى(‪ ،)11‬وبالتايل كانت‬ ‫ال�صني تعار�ض دائماً �سيطرة �أية قوة كربى‬ ‫على املنطقة العربية‪ ،‬لكن مل يكن لديها‬ ‫القدرة على التحكم مبخرجات التفاعل‬ ‫الإقليمي والت�أثري فيه(‪.)12‬‬ ‫ومن املرجح �أال ت�ستمر الهيمنة الأحادية‬

‫‪64‬‬ ‫من المحتم أن يكون‬ ‫العالم العربي أحد‬ ‫مناطق السباق على‬ ‫النفوذ بالنسبة للقوى‬ ‫الكبرى نتيجة كونه‬ ‫يمتلك نحو ‪ 57‬يف‬ ‫المائة من احتياطيات‬ ‫النفط المثبتة عالميًا‬ ‫ونحو ‪ 30‬يف المائة‬ ‫من احتياطيات الغاز‬ ‫العالمي‬ ‫للواليات املتحدة على مفا�صل ال�سيا�سة‬ ‫الدولية‪ ،‬فهناك قوى �أخرى حتاول اللحاق‬ ‫بالقوة الأمريكية ولعب دور ملمو�س على‬ ‫امل�سرح الدويل‪ ،‬مثل رو�سيا وال�صني‪ .‬ويرى‬ ‫يف هذا ال�سياق منظرو العالقات الدولية‬ ‫�أنه كلما �أ�صبحت دولة ما قوة اقت�صادية‬ ‫كلما ت�شعبت م�صاحلها حول العامل‪ ،‬مما‬ ‫يجعلها ت�سعى لتطوير بقية مواردها من‬ ‫القوة‪ ،‬ال�سيما القوة الع�سكرية‪ ،‬والدخول يف‬ ‫حتالفات �أو �شراكات �إ�سرتاتيجية مع الدول‬ ‫الأخرى يف كافة املجاالت(‪ .)13‬وهذا ينطبق‬ ‫ب�شكل كبري على ال�صني التي �أ�صبحت من‬ ‫�أكرب االقت�صاديات العاملية‪ ،‬فيما بد�أت رو�سيا‬ ‫ت�ستعيد جزءًا من عافيتها يف ال�سنوات القليلة‬ ‫املا�ضية‪ ،‬يعزز من ذلك وجود قيادة قومية‬ ‫رو�سية ت�ؤمن ب�أهمية بعث الدور الرو�سي من‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫ومن غري امل�ستغرب �أن نرى م�ستقب ً‬ ‫ال‬ ‫مزيداً من الت�سابق والهرولة نحو املنطقة‬ ‫العربية لل�سيطرة على مواردها‪ ،‬وهذا‬

‫على عالقة بال�سباق بني ال�صني والواليات‬ ‫املتحدة �أي�ضاً‪ ،‬فال�صني ت�ستورد نحو ‪ 55‬يف‬ ‫املائة من احتياجاتها النفطية من اخلارج‪،‬‬ ‫ما يقارب ‪ 47‬يف املائة منها ي�أتي من املنطقة‬ ‫العربية‪ ،‬فيما بلغ ميزان التبادل التجاري‬ ‫بني ال�صني والعامل العربي نحو ‪ 190‬مليار‬ ‫دوالر عام ‪.2011‬‬ ‫وميكن اال�ست�شهاد هنا مب�س�ألة الت�صويت‬ ‫يف جمل�س الأمن على م�شروع القرار العربي‪-‬‬ ‫الغربي حول الأزمة ال�سورية بتاريخ ‪� 4‬شباط‬ ‫‪/‬فرباير ‪ ،2012‬حيث ا�ستخدمت رو�سيا‬ ‫وال�صني حق النق�ض "الفيتو"‪ ،‬كم�ؤ�شر‬ ‫على حدة التناف�س الدويل وحماولة رو�سيا‬ ‫وال�صني بعث ر�سالة �إىل الواليات املتحدة‬ ‫ب�أنها لي�ست طليقة اليدين يف ال�شرق‬ ‫الأو�سط ال�سيما و�أن �سوريا تعترب من املع�سكر‬ ‫الإقليمي املناوئ للواليات املتحدة و�أحد‬ ‫املعاقل القليلة املتبقية لرو�سيا يف العامل‪،‬‬ ‫رغم �أنها ال متلك املوارد املالية وال املخزون‬ ‫النفطي الكبريين‪ ،‬كما �أن ال�صني "�أرادت‬ ‫بدورها القول �إن على الواليات املتحدة‬ ‫�أن تلجم اندفاعها و�أن تفكر يف م�صالح‬ ‫الآخرين‪ .‬و�أن ال�صني تتعاطى مع الأزمة‬ ‫ال�سورية وعينها على �إيران وم�صاحلها هناك‬ ‫وم�صادرها من النفط الإيراين‪ ،‬و�أن ال�صني‬ ‫تفكر يف العقود املقبلة وخماطر �أن ت�سقط‬ ‫بحرية نفط ال�شرق الأو�سط بكاملها حتت‬ ‫النفوذ الأمريكي‪ .‬و�أن هذا ال�سقوط �سي�ضع‬ ‫قيداً على �صعود العمالق ال�صيني" �أي �أن ما‬ ‫مت يف �أروقة جمل�س الأمن ال يخرج عن كونه‬ ‫حماولة من قبل رو�سيا وال�صني للت�أ�سي�س‬ ‫لنظام عاملي جديد متعدد الأقطاب‪ ،‬و�صعود‬ ‫قوى عظمى جديدة‪ ،‬اقت�صاديا وع�سكريا‪،‬‬ ‫تريد و�ضع حد للهيمنة الأمريكية الغربية‬ ‫على مقدرات العامل‪.‬‬ ‫يف مثل هذه احلالة ف�إنه من غري املرجح‬ ‫�أن يكون التوجه الأمريكي نحو منطقة‬


‫البا�سيفيك وبحر ال�صني م�ؤ�شراً على تناق�ص‬ ‫�أهمية منطقة ال�شرق الأو�سط يف �سلم‬ ‫الأولويات الأمريكية والأوروبية‪ ،‬بل يندرج‬ ‫ذلك يف �إطار حماولتها تقوية ح�ضورها يف‬ ‫ال�شرق الآ�سيوي كي حتيط بكني ب�سل�سلة‬ ‫من مناطق النفوذ يف �شرق وغرب �آ�سيا‪ .‬حيث‬ ‫يرى املفكرون الإ�سرتاتيجيون الأمريكيون‪،‬‬ ‫من �أمثال بريجين�سكي‪ ،‬ب�أن مثل هذا التوجه‬ ‫ي�ستوجب تقوية حلف الناتو واملع�سكر الغربي‬ ‫الدميقراطي لي�شمل غالبية دول �شرق �آ�سيا‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل رو�سيا وتركيا �إن �أمكن‪� .‬أي‬ ‫�أنه على الواليات املتحدة �صوغ �إ�سرتاتيجية‬ ‫كربى ‪ grand strategy‬وذلك من‬ ‫خالل تو�سيع دائرة العامل الدميقراطي‬ ‫والغربي لي�شمل دو ًال متعددة من دول �أمريكا‬ ‫ال�شمالية �إىل و�سط �آ�سيا و�شرقها لت�شمل‬ ‫دو ًال مثل رو�سيا وتركيا وكوريا اجلنوبية‬ ‫واليابان مما يعزز من جاذبية املبادئ الغربية‬ ‫وي�ساهم بالتايل يف ظهور ثقافة دميقراطية‬

‫ذات طابع عاملي‪.‬‬ ‫كما ميكن القول ب�أن الفو�ضى وعدم‬ ‫اال�ستقرار ال�سيا�سيني اللذين ي�سودان �أكرث‬ ‫من ثلث الدول العربية يف الفرتة احلالية‬ ‫قد يوفران الفر�صة لتقوية احل�ضور الغربي‬ ‫وفقاً لإ�سرتاتيجية قائمة على "ملء الفراغ"‬ ‫مبا يحول دون تو�سع القوى الدولية املناف�سة‬ ‫للغرب‪ ،‬لكن ذلك يتوقف ب�شكل رئي�سي‬ ‫على مدى قدرة القوى الغربية‪ ،‬وبالأخ�ص‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬يف الت�أثري‬ ‫على خمرجات احلراك ال�سيا�سي يف الدول‬ ‫العربية‪ ،‬وال ميكن اجلزم ب�إمكانية جناح مثل‬ ‫هذه امل�ساعي الأمريكية قبل �أن ت�أخذ الثورات‬ ‫العربية �شكلها النهائي‪ .‬يف نف�س ال�سياق‬ ‫ولنف�س ال�سبب‪ ،‬من املرجح �أن يت�أخر ظهور‬ ‫�أية حماور �إقليمية يف املنطقة‪ ،‬و�سوف يكون‬ ‫الرتقب �س ّيد امل�شهد ال�سيا�سي الإقليمي يف‬ ‫املدى القريب‪.‬‬

‫ثانيا‪ -:‬اجلمهورية الإ�سالمية‬ ‫الإيرانية‬ ‫تكمن امل�صلحة الإيرانية وراء التقارب‬ ‫الأخري مع وا�شطن وترتكز تلك امل�صلحة يف‬ ‫ثالثة حماور رئي�سة هي‪:‬‬ ‫�أوال‪ -:‬يف ت�أمني نفوذ �إيران يف املناطق‬ ‫املتوترة‪ ،‬ممثلة يف العراق‪ ،‬و�أفغان�ستان‪،‬‬ ‫والبحرين‪.‬‬ ‫ثانيا‪� -:‬أن تكون تركيبة ال�سلطة يف �سوريا‬ ‫بعد الأ�سد ال تقل�ص النفوذ الإيراين هناك‪،‬‬ ‫ودون �أن يتم تقليم �أظافر حزب اهلل يف لبنان‪،‬‬ ‫ولذا طرح روحاين الو�ساطة يف �سوريا‪ ،‬يف‬ ‫حماولة لت�أمني دور ما لإيران يف جنيف ‪،2‬‬ ‫مقابل تدخل وا�شنطن ب�شكل ما يف البحرين‪.‬‬ ‫ثالثا‪ -:‬برفع �أي قيود على قدرات �إيران‬ ‫التي ت�سمح لها باال�ستمرار يف ن�شاط‬ ‫�سيا�ستها اخلارجية‪ ،‬واالحتفاظ بنفوذها‪،‬‬ ‫واالعرتاف مبكانتها يف العامل‪ ،‬ويت�ضمن‬ ‫ذلك االعرتاف بحق �إيران يف امتالك‬

‫‪65‬‬


‫مقاالت‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫القدرات النووية الالزمة لإمتام دورة الوقود‬ ‫النووي‪ ،‬وهو ما يعني عمل ًّيا احتفاظها بحق‬ ‫تخ�صيب اليورانيوم يف مفاعالتها النووية‪،‬‬ ‫وهو ما عده روحاين "مكو ًنا مه ًّما يف هوية‬ ‫ً‬ ‫و�شرطا الز ًما لتحقيق‬ ‫الدولة الإيرانية"‪،‬‬ ‫"الكرامة واالحرتام لإيران يف العامل"‪� ،‬أي‬ ‫�أن امتالك هذه القدرات غري قابل للتفاو�ض‬ ‫وهو "اخلط الأحمر الإيراين"‪ ،‬وهذا املوقف‬ ‫امتداد ملوقف �إيران يف حمادثات �أملاتا ‪ 2‬التي‬ ‫عقدت يف �أبريل ‪)14(.2013‬‬ ‫وهذا الو�ضع‪ ،‬يعيد طرح خيار "ال�صفقة"‬ ‫بني الواليات املتحدة و�إيران‪ ،‬مرة �أخرى‪،‬‬ ‫خا�صة و�أنه كان احلاكم لأي ت�صورات خا�صة‬ ‫مبعاجلة امللف النووي‪ ،‬منذ �إدارة �أوباما‬ ‫الأوىل‪ .‬وكان الت�صور اخلا�ص بهذه ال�صفقة‬ ‫طوال عام ‪ 2012‬من جانب �إيران يقوم على‬ ‫احل�صول على تنازالت من قبل وا�شنطن‬ ‫حول ملفات �إقليمية �أخرى‪ ،‬مقابل �أن تتخذ‬ ‫�إيران بع�ض اخلطوات التي تبدد خماوف‬ ‫وا�شنطن من برناجمها النووي‪ ،‬وارتبط‬ ‫الأمر حينها مب�ستقبل نظام الأ�سد يف �سوريا‪،‬‬ ‫وم�ستقبل املعار�ضة ال�سيا�سية يف البحرين‪.‬‬ ‫هذا �إذا حتقق ما تريده وا�شنطن من �إيران‬ ‫وهو �إيران غري نووية‪ ،‬ال ت�ضر بامل�صالح‬ ‫الأمريكية‪ ،‬وال ت�سعى �إىل قلب موازين‬ ‫القوى يف املنطقة على نحو يخرج عن قدرة‬ ‫وا�شنطن على ال�سيطرة‪ ،‬ولذلك مل تعد‬ ‫الإدارة الأمريكية ت�ضع قلب النظام يف �إيران‬ ‫هد ًفا ا�سرتاتيج ًّيا لها‪ ،‬دون �أن ينفي ذلك‬ ‫وجود بع�ض الدوائر يف وا�شنطن التي تتعامل‬ ‫معه ك�أداة لتغيري �سلوك القيادة الإيرانية‪.‬‬ ‫وبالتايل‪ ،‬تقوم اال�سرتاتيجية الأمريكية‬ ‫التي يتبعها باراك �أوباما على "التعاي�ش"‬ ‫مع �إيران الإ�سالمية‪ ،‬واالعرتاف بها كقوى‬ ‫�إقليمية‪ ،‬طاملا "�أزالت الغمو�ض" حول‬ ‫برناجمها النووي‪ ،‬وطاملا التزمت باخلط‬ ‫الأحمر الأمريكي اخلا�ص بعدم امتالك‬ ‫ال�سالح النووي‪)15(.‬‬

‫‪66‬‬ ‫المنطقة العربية‬ ‫رهينة مصالح اآلخرين‬ ‫ورغائبهم‪ ،‬وهي‬ ‫الوحيدة التي ال حول وال‬ ‫قوة لها يف المشهد‪،‬‬ ‫فهي أشبه بالكرة التي‬ ‫يتقاذفها الالعبون من‬ ‫أجل تسجيل أهدافهم‬ ‫�إذاً من املمكن �أن تتخلى �إيران عن مواقفها‬ ‫مقابل انفاذ �صفقتها التي تخدم م�شروعها‬ ‫الديني والنووي واال�سرتاتيجي يف املنطقة‪،‬‬ ‫لإنها ت�ؤمن ب�أنه ال يوجد عدو دائم �أو �صديق‬ ‫دائم؛ و�إمنا هناك م�صلحة دائمة تخدم‬ ‫توجهها وبقاءها وا�ستمراريتها‪.‬‬ ‫اخلـامتـة‬ ‫تظل امل�صالح حتكم �سلوك الدول‪� ،‬صغرية‬ ‫كانت �أم كبرية‪ ،‬وت�صبح ال�سيا�سات الدولية يف‬ ‫جزء كبري منها حماولة لتحقيق �أكرب قدر‬ ‫من النفوذ والهيمنة التي ميكن من خاللها‬ ‫حتقيق وتعظيم امل�صالح القومية‪ ،‬و�ستظل‬ ‫الهجمة على الإ�سالم وال�صراع عليه قائما ما‬ ‫بقيت الأمة م�ستكينة خانعة‪.‬‬ ‫و�إذا ما �أخذنا باالعتبار امل�صاعب ال�سيا�سية‬ ‫التي تعاين منها غالبية الدول العربية‪ ،‬نتيجة‬ ‫احلروب الأهلية �أو مظاهر عدم اال�ستقرار‬ ‫ال�سيا�سي‪� ،‬أو نتيجة التوتر الذي ي�شوب‬ ‫العالقات العربية‪-‬العربية‪ ،‬ف�إن النتيجة‬ ‫املنطقية هي �ضبابية امل�شهد الإقليمي‪،‬‬ ‫و�إمكانية ا�ستغالل عملية التحول ال�سيا�سي‬ ‫التي ت�شهدها املنطقة العربية خلدمة‬ ‫�أغرا�ض التدخل الأجنبي‪ ،‬خا�ص ًة و�أن عدد‬ ‫الدول العربية املركزية القوية يف تناق�ص‪،‬‬ ‫بعد فقدان العراق جراء الغزو الأجنلو‪-‬‬

‫�أمريكي‪ ،‬والثورة التي ت�شهدها �سوريا وما نتج‬ ‫عن ذلك من دمار ب�شري ومادي‪ ،‬بينما تواجه‬ ‫م�صر م�صاعب �سيا�سية واقت�صادية بالغة‪،‬‬ ‫الأمر الذي يجعل احلديث عن جبهة عربية‬ ‫قادرة على ال�صمود والتكيف مع التحديات‬ ‫اخلارجية �أمراً يف غاية ال�صعوبة‪ .‬ناهيك عن‬ ‫حالة اال�ستقطاب التي بدت نذرها تطل على‬ ‫العامل العربي‪ ،‬حيث ال�سباق بني النموذج‬ ‫الإخواين يف احلكم مقابل الأنظمة ال�سيا�سية‬ ‫التقليدية‪� ،‬إذ �أ�صبح هذا امل�شهد الثنائي يعمل‬ ‫على م�ستويني‪ :‬حملي و�إقليمي‪ .‬وترتكز‬ ‫هذه الثنائية ال�سيا�سية على اعتبارات‬ ‫�إيديولوجية ال تخلو من البعد الإ�سرتاتيجي‬ ‫ال تزال رحاها تدور‪ ،‬بل �إنها يف بداية تكونها‬ ‫ال�سيا�سي لكنها قد تقود �إىل مزيد من عدم‬ ‫اال�ستقرار الداخلي‪ ،‬الأمر الذي يغذي حالة‬ ‫من اال�ستقطاب الإقليمي احلاد‪ ،‬مما قد‬ ‫يتيح للقوى الأجنبية فر�صة �أكرب للتدخل‬ ‫حتت ذرائع متعددة‪ ،‬مثل التدخل الإن�ساين‪،‬‬ ‫التحول الدميقراطي‪ ،‬حقوق الإن�سان‪ ،‬لكن‬ ‫هدفها الأ�سا�سي �إحكام قب�ضتها على املوارد‬ ‫االقت�صادية والإ�سرتاتيجية التي يتمتع بها‬ ‫العامل العربي‪.‬‬ ‫فال�صني ور�سيا �أهم الفاعلني يف امل�شهد‬ ‫الدويل و�أ�صحاب حق النق�ض يف جمل�س‬ ‫الأمن ال مانع لديهم �أن يتخلوا عن‬ ‫�أ�صدقائهم يف املنطقة العربية يف �سبيل‬ ‫احل�صول على جانب مريح ومقنع من الكعكة‬ ‫العربية‪ ،‬وموقفهم من حليفهم العقيد‬ ‫القذايف خري دليل‪ ،‬وهم على اال�ستعداد‬ ‫رغم تعقيد امل�شهد ال�سوري �أن يتخلوا على‬ ‫الأ�سد‪� ،‬إذا وجدوا �أنه �أ�صبح عبئا عليهم‪� ،‬أو �أن‬ ‫م�صاحلهم تتحق يف تلك البقة دون وجوده‪،‬‬ ‫ومع الالعبيني اجلدد هناك‪.‬‬ ‫�إيران من املمكن �أن تتخلى عن مواقفها‬ ‫مقابل انفاذ �صفقتها التي تخدم م�شروعها‬ ‫الديني والنووي واال�سرتاتيجي يف املنطقة؛‬


‫لإنها ت�ؤمن ب�أنه ال يوجد عدو دائم �أو �صديق بقي �أولئك على �أديانهم‪ ،‬بل هم �أوىل بذلك يف ال�سيا�سة الأمريكية يف ال�شرق الأو�سط‪،‬‬ ‫دائم؛ و�إمنا هناك م�صلحة دائمة تخدم و�أحرى‪ ،‬ف�إن �أولئك رجال ونحن رجال‪ ،‬جريدة ال�شروق‪.2013/1/22 ،‬‬

‫توجهها وبقاءها وا�ستمراريتها‪.‬‬

‫و�إمنا يعوزنا الأعمال‪ ،‬و�إمنا الذي ي�ضرنا‬

‫املنطقة العربية رهينة م�صالح الآخرين هو الت�شا�ؤم واال�ستخذاء وانقطاع الآمال‪K. Waltz, “The Emerging - ،‬‬ ‫‪Structure of International‬‬ ‫ورغائبهم‪ ،‬وهي الوحيدة التي ال حول وال فلننف�ض غبار الي�أ�س ولنتقدم �إىل الأمام‪،‬‬ ‫‪Politics”, International Secu‬‬‫قوة لها يف امل�شهد‪ ،‬فهي �أ�شبه بالكرة التي ولنعلم �أننا بالغو كل �أمنية بالعمل والد�أب‬ ‫‪.rity, 18 (2), 1993‬‬

‫يتقاذفها الالعبون من �أجل ت�سجيل �أهدافهم والإقدام‪ ،‬وحتقيق �شروط الإميان التي يف‬ ‫والفوز فيما ي�سعون �إليه‪.‬‬ ‫القر�آن‪( :‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم‬ ‫لذلك فمن املمكن �أن يحمل امل�ستقبل يف �سبلنا و�إن اهلل ملع املح�سنني)‪� ..‬صدق اهلل‬ ‫طياته انق�سامات لدول عربية كما حدث يف العظيم"‪.‬‬ ‫ال�سودان و�أطن �أن �سوريا مر�شحة لذلك‪،‬‬ ‫يف الآتي من الأعوام‪ ،‬واخلا�سر الوحيد‬ ‫امل�صادر واملراجع‬ ‫يف تلك االنق�سامات والتجاذبات الدولية‪،‬‬ ‫وال�صراعات الدولية هم ال�شعوب العربية‪� - ،‬أحمد يو�سف �أحمد ونيفني م�سعد‪ ،‬حمرران‪،‬‬ ‫التي خدعها الربيع العربي‪ ،‬وظنت �أنها قادرة حال الأمة العربية ‪ ،2012-2011‬مع�ضالت‬ ‫على �صناعة م�ستقبلها‪ ،‬والتغيري يف واقعها‪ ،‬التغيري و�آفاقه‪ .‬بريوت‪ ،‬مركز درا�سات الوحدة‬ ‫ولكنها ا�ستفاقت على كابو�س من الدمار العربية‪.2012 ،‬‬ ‫ �إميان رجب‪ ،‬عودة خيار ال�صفقة‪� ،‬صحيفة عدن‬‫والت�شتت‪.‬‬ ‫الغد‪� 27 ،‬سبتمرب ‪.2013‬‬ ‫�أما بالن�سبة لواقع امل�سملني‪ ،‬فا�سمحوا يل‬ ‫ بول �سامل‪ ،‬م�ستقبل النظام العربي واملواقف‬‫ومن هذا املنرب الفكري ان �أعود ملا بد�أت به الإقليمية والدولية من الثورة‪ ،‬يف عبد الإله‬ ‫وهو قول للأمري �شكيب ار�سالن املتويف ‪ 1943‬بلقزيز ويو�سف ال�ضواين‪.‬‬ ‫يف كتابه"ملاذا ت�أخر امل�سلمون" والذي م ّثل خالد بن نايف الهبا�س‪ ،‬امل�شهد ال�سيا�سي العربي‬ ‫�أروع وثائق حال الأمة وجمع بني النظرية للعام املقبل‪ ،‬جريدة احلياة‪.2012/1/5 ،‬‬ ‫واملمار�سة و�أجاب على �س�ؤال امل�سلمني من ‪� -‬شكيب �أر�سالن‪ ،‬الدار ال�شامية للطباعة‬ ‫�أندوني�سيا حتى الدار البي�ضاء‪ ،‬و�شخ�ص والن�شر والتوزيع‪ ،1998 ،‬دم�شق‪.‬‬ ‫به داءهم يومذاك‪ ،‬ورمبا يومنا‪ ،‬قائال‪" :‬ن ‪ -‬عبد اهلل العروي‪ ،‬الأيدلوجيا العربية املعا�صرة‪،‬‬ ‫الأمة اليوم �أمة بدون عمل‪ ،‬وفاقدة كل الثقة دار الطليعة‪.1967 ،‬‬ ‫بنف�سها فما قولك يف عزة دون ا�ستحقاق‪ - ،‬غ�سان �شربل‪" ،‬حقيبة الفروف"‪ ،‬جريدة‬ ‫احلياة‪� 6 ،‬شباط‪/‬فرباير ‪.2012‬‬ ‫ويف غل ٍة دون حرث وال زرع‪ ،‬ويف فو ٍز دون‬ ‫ جملة وجهات نظر‪.،‬حمل العدد رقم ‪ 87‬من‬‫�سعي وال ك�سب‪ ،‬ويف ت�أييد دون �أدنى �سبب‬ ‫جملة وجهات نظر امل�صرية لعام ‪ 2006‬مراجعة‪.‬‬ ‫يوجب الت�أييد؟"‪ .‬ولقد ختم �أمري البيان ‪ -‬حممد اخل�ضر احل�سني الدعوة للإ�صالح‪،‬‬ ‫كتابه من لوزان ب�سوي�سرا ‪ 11‬نوفمرب ‪1931‬م املطبعة ال�سلفية القاهرة‪.1940 .‬‬ ‫بدواء يختتم هذا التناول بقوله‪" :‬امل�سلمون ‪ -‬مي�شيل كيلو‪� ،‬أمريكا والنفط العربي‪ ،‬جريدة‬ ‫ميكنهم‪� ،‬إذا �أرادوا بعث العزائم وعملوا مبا ال�شرق الأو�سط‪.2013/1/21 ،‬‬ ‫حر�ضهم عليه كتابهم‪� ،‬أن يبلغوا مبالغ ‪ -‬ن�صيف يو�سف حتي‪ ،‬القوى اخلم�س الكربى‬ ‫الأوروبيني والأمريكيني واليابانيني من والوطن العربي‪ :‬درا�سة م�ستقبلية‪ ،‬بريوت‪:‬‬ ‫العلم واالرتقاء‪ ،‬و�أن يبقوا على �إ�سالمهم كما مركز درا�سات الوحدة العربية‪.1987 ،‬‬ ‫‪ -‬وليد خدوري‪ ،‬البرتول غري التقليدي ودوره‬

‫الهوام�ش‬ ‫‪ -1‬حول مناظرة رينان والأفغاين انظر جملة وجهات نظر‪.،‬‬ ‫حمل العدد رقم ‪ 87‬من جملة وجهات نظر امل�صرية لعام ‪2006‬‬ ‫مراجعة‪.‬‬ ‫‪� -2‬شكيب �أر�سالن‪ ،‬الدار ال�شامية للطباعة والن�شر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪ ،1998‬دم�شق‪.‬‬ ‫‪ -3‬ا�شري هنا |�إىل جمموعة من املقالت والأفاكر التي ن�شرتها‬ ‫جملة الفتح حول �إ�صالح الأزهر‪ ،‬و�ساهم بها �أي�ضا ال�شيخ ح�سن‬ ‫البنا‪ ،‬وكان ال�شيخ حممد اخل�ضر احل�سني ن�شر مقاالته فيها‪،‬‬ ‫ثم ن�شر الكتاب يعنوان‪ ،‬الدعوة للإ�صالح‪ ،‬املطبعة ال�سلفية‬ ‫القاهرة‪.1940 .‬‬ ‫‪ -4‬انظر للمزيد‪ :‬عبد اهلل العروي‪ ،‬الأيدلوجيا العربية‬ ‫املعا�صرة‪ ،‬دار الطليعة‪.1967 ،‬‬ ‫‪ -5‬خالد بن نايف الهبا�س‪ ،‬امل�شهد ال�سيا�سي العربي للعام‬ ‫املقبل‪ ،‬جريدة احلياة‪� ،2012/1/5 ،‬ص‪.10‬‬ ‫‪ -6‬املرجع ال�سابق‪� ,‬ص‪ 2‬و�ص‪.10‬‬ ‫‪� -7‬أحمد يو�سف �أحمد ونيفني م�سعد‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.43‬‬ ‫‪ -8‬بول �سامل‪ ،‬م�ستقبل النظام العربي واملواقف الإقليمية‬ ‫والدولية من الثورة‪ ،‬يف عبد الإله بلقزيز ويو�سف ال�ضواين‪،‬‬ ‫مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.922‬‬ ‫‪ -9‬وليد خدوري‪ ،‬البرتول غري التقليدي ودوره يف ال�سيا�سة‬ ‫الأمريكية يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬جريدة ال�شروق‪،2013/1/22 ،‬‬ ‫�ص‪.12 ،‬‬ ‫‪ -10‬مي�شيل كيلو‪� ،‬أمريكا والنفط العربي‪ ،‬جريدة ال�شرق‬ ‫الأو�سط‪� ،2013/1/21 ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪ -11‬ن�صيف يو�سف حتي‪ ،‬القوى اخلم�س الكربى والوطن‬ ‫العربي‪ :‬درا�سة م�ستقبلية‪ ،‬بريوت‪ :‬مركز درا�سات الوحدة‬ ‫العربية‪� ،1987 ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪ -12‬غ�سان �شربل‪" ،‬حقيبة الفروف"‪ ،‬جريدة احلياة‪� 6 ،‬شباط‪/‬‬ ‫فرباير ‪� ،2012‬ص‪.1‬‬ ‫‪K. Waltz, “The Emerging Structure of -13‬‬ ‫‪International Politics”, International Secu‬‬‫‪.rity, 18 (2), 1993, pp. 44-79‬‬

‫‪� -14‬إميان رجب‪ ،‬عودة خيار ال�صفقة‪� ،‬صحيفة عدن الغد‪27 ،‬‬ ‫�سبتمرب ‪.2013‬‬ ‫‪� -15‬إميان رجب‪ ،‬مرجع �سابق‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫حوارات‬

‫ال‬ ‫وسطية‬

‫‪68‬‬

‫في بالد الربيع العربي الحكم‬ ‫يقتضي منا برنامجًا‪ ،‬ويقتضي‬ ‫أن نمسك بدواليب البالد‪ ،‬وأن‬ ‫تكون هناك مؤسسات قائمة‪.‬‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‬ ‫عمل ايجابي ومبارك‪ ،‬واألمة‬ ‫تحتاج اليوم الى أن يرتجل‬ ‫هذا الفكر ويخرج من اطار‬ ‫الكتابة والخطابة الى اطار‬ ‫القناعة ‪.‬‬

‫حاوره‪ :‬يا�سر ابوح�سني‬ ‫�س‪ :‬لك جتربة مع �سلفي مت�شدد قام‬ ‫بالأعتداء عليك رم�ضان الغائب فما هذه‬ ‫الق�صة وما دوافعها وماذا توجه كالم لهذه‬ ‫الفئة؟‬ ‫ج‪ :‬نحن دعينا يف مدينة القريوان يف �أم�سية‬ ‫من �أم�سيات رم�ضان للحديث عن �سماحة‬ ‫اال�سالم ف�صادف �أنه كان من اال�ساتذه‬ ‫املدعوين �شخ�صاً ال ينتمي للتيار اال�سالمي‬ ‫لكنه من مفكرين البلد وملا �أراد احلديث‬ ‫منعوه من احلديث ف�أنا ا�ستف�سرت ما الذي‬ ‫يجعلكم متنعوه من احلديث ولكن ال عالقة‬ ‫يل به اال عالقة عادية كبقية النا�س ‪.‬‬ ‫فن�سبوا اليه انه اعتدى لفظاً على ال�سيدة‬ ‫عائ�شة ولو ذمها ‪.‬‬ ‫قلت هذا غري �صحيح مل ي�صدر منه امنا‬ ‫�صدر من �شخ�ص غريه‪.‬‬ ‫�س‪ :‬ا�سمه يو�سف ال�صديق‪.‬‬ ‫ج‪ :‬الدكتور يو�سف ال�صديق وانا مت�سكت‬ ‫بحقه يف �أن يتناول الكلمة وقلت نحن على‬

‫الشيخ عبد الفتاح مورو‬ ‫من مؤسسين حركة النهضة‬

‫كل حال باملنتدى الفكري يقول و�إذ تبني ان‬ ‫بع�ض كالمه خط�أ �أو مل ي�سغ لنا فرند عليه‬ ‫فكانت ردت الفعل الأعتداء علي �أنا و�أ�صابنب‬ ‫ما �أ�صابني مما تعلمون ومل تكن هذه املرة‬ ‫الوحيدة بل كان هناك مرة ثانية وثالثة ‪.‬‬ ‫وعلى كل حال نعترب �أن ه�ؤالء ال�شباب‬ ‫اللذين نعتز بهم ك�أبنائنا و�شباب بلدنا و‬ ‫�أخواننا يف الدين ويف الوطنية �أخط�أوا يف‬ ‫االختيار ‪,‬مل يدركوا ‪,‬مل يفهموا ما هو‬ ‫مطلوب منهم و�أن هذه احلما�سة الزائدة هي‬ ‫قي احلقيقة �إف�ساد ل�صورة الإ�سالم وابتعاد‬ ‫عن ال�سلوك القومي الذي �أراده الإ�سالم وهي‬ ‫�س ٌد لآفاق احلوار يف جمتمع رغبنا جميعاً يف‬ ‫�أن يبقى تعددياً ‪.‬‬ ‫جمتمعنا جمتمع تعددي الآن ولن تاتي‬ ‫الثورة لتمنع التعددية و�إذا كان من حقنا‬ ‫نحن اال�سالميون ان ن�صدع بر�أينا ونقدم‬ ‫فكرنا �ألي�س من حق املواطنني �أن يقدموا‬ ‫ر�أيهم وفكرهم و�إذا ح�صل خالف بيننا‬

‫فلنقارع الر�أي بالر�أي والفكر بالفكر �أما‬ ‫�سد �أفواه النا�س والأعتداء عليهم وتكفريهم‬ ‫وا�ستبعادهم من دائرة الوطنية ودائرة‬ ‫اال�سالم فهذا �أمر ٌغري حممود‪.‬‬ ‫�س‪ :‬دكتور جتربة تون�سية عند الإ�سالميني‬ ‫يف حكم اال�سالميني �سنبد�أ بها ثم ننطلق �إىل‬ ‫الربيع العربي وما توىل اال�سالميني من‬ ‫حكم ما تقييمك لهذه التجربة ب�شكل عام‬ ‫؟وما هي �أهم معيق من معيقات التجريبة‬ ‫التوني�سية حلركة النه�ضه هناك؟‬ ‫ج‪ :‬واهلل نحن نتحدث عن جتربة حكم لكن‬ ‫باحلقيقه هذه لي�ست جتربة حكم هذا جتاوز‬ ‫من اال�سالميني بحكم العامل ‪,‬انا ال ات�صور‬ ‫�أن الربيع جاء بحكام يحكمون بالربنامج‬ ‫اال�سالمي جيء بنا لنحل ا�شكاالت هي‬ ‫كلها من اثار ما ح�صل يف فرتة اال�ستبداد‬ ‫من حتطيم لكيان املواطن واعتداء على‬ ‫ذاتيته وكرامته وحريته وماله وتنميته وملا‬ ‫قامت الثورة اذا كان ذهب ه�ؤالء اللذين‬


‫ا�ستبدوا بنا وتركوا لنا �إرثاً ثقي ً‬ ‫ال طلب‬ ‫من اال�سالميني ان ي�سهموا يف حل بع�ض‬ ‫�إ�شكاالته فالإ�سالميون اليوم ال يحكمون‬ ‫و�إمنا يديرون واقعاً �سيئاً ‪.‬‬ ‫�س‪:‬ي�صلحون الواقع؟‬ ‫ج‪ :‬ال ي�صلحونه ‪,‬ال ي�ستطيعون ا�صالحه‬ ‫هم يديرون الواقع ال�سيء �أي ي�ستجيبون‬ ‫للطلبات امللحة لأفراد ال�شعب و�أنتم تعلمون‬ ‫�أن املطلبية الآن هي قوام العالقة بني احلاكم‬ ‫واملحكوم‪.‬‬ ‫يف بالد الربيع العربي احلكم يقت�ضي منا‬ ‫برناجماً ويقت�ضي �أن من�سك بدواليب البلد‬ ‫�أن تكون هناك م�ؤ�س�سات قائمة ت�صلح ب�أن‬ ‫يحكم من خاللها‪.‬‬ ‫الأنظمة ال�سابقه مل ترتك م�ؤ�س�سات لأن‬ ‫امل�ؤ�س�سات مل تقم يف عهدها و يف زمنها كانت‬ ‫امل�ؤ�س�سات �صورية؛ ال وجود ال لل�صحافة وال‬ ‫وجود لق�ضاء م�ستقل وال وجود ملنظمات‬ ‫وال وجود جلمعيات وال جمتمع مدين ‪,‬كل‬ ‫هذاكان م�ستوعباً من قبل النظام ال�سابق‬ ‫وبقي حرباً على ورق وال ي�ستطيع ان يفعل‬ ‫�شيئاً ف�ض ً‬ ‫ال عن كون املدى الزمني ال ي�سمح‬ ‫لنا ب�أن ن�أخذ بزمام احلكم �أي نقدم �سيا�سات‬ ‫وهذا ي�ستوجب علينا التعرف على الواقع‬ ‫وانتداب من يقوم بتغيري هذا الواقع من �أهل‬ ‫الكفاءات وهذه ق�ضية ت�ستوجب االعمال‪.‬‬ ‫�س‪ :‬ما هي عالقة النه�ضه اال�سالمية‬ ‫بجماعة االخوان امل�سلمني ؟هل هي عالقة‬ ‫فكرية �أم عالقة تنظيمية‪ ,‬لأن البع�ض ينظر‬ ‫اىل حركة النه�ضة ب�أنها نف�سها الأخوان‬ ‫امل�سلمني كما ينظرون اىل حزب العدالة‬ ‫برتكيا ب�أنه الوجه الآخر للأخوان امل�سلمني؟‬ ‫ج‪ :‬اذا كنتم ت�س�ألون عن العالقة التنظيميه‬ ‫ٌ‬ ‫م�ستقل بذاته وكيانه‬ ‫الع�ضوية فال عالقة كل ٌ‬ ‫ويتخذ قراراته من نف�سه وله م�ؤ�س�ساته وله‬ ‫واقعه الذي يعي�شه وله طروحاته وال عالقة‬ ‫له بالطرف الثاين ‪.‬‬ ‫�أما اذا كنتم ت�س�ألون عن الفكر القائم‬

‫فهناك قا�سم م�شرتك بني النا�شطيني‬ ‫اال�سالميني الذين تقدموا خطوة خطوة‬ ‫ليعلنوا �أن اال�سالم منهج حياه وان اال�سالم‬ ‫يحل ا�شكاليات النا�س و�أن اال�سالم قابل‬ ‫على �أن يكون حاكماً بني النا�س و�أن اال�سالم‬ ‫م�ؤ�س�سات واقت�صاد وجمتمع و �أن اال�سالم‬ ‫لي�س عبادات فقط وال طقو�س عبادية فقط‬ ‫‪,‬هذا ي�شرتك فيه كثري من اال�سالميني وهو‬ ‫قا�سم م�شرتك بيننا وبني حركة الأخوان‬ ‫امل�سلمني علماً ب�أن هذا القا�سم ال يعني‬ ‫التطابق مئة باملئة ‪.‬‬ ‫منذ ال�سبعينات وبداية الثمانينات نحن‬ ‫طرحنا طروحات مل تكن م�ست�ساغ ًة يف‬ ‫ال�ساحة اال�سالمية‪.‬‬ ‫نحن بد�أنا نتحدث عن حق املر�أة يف العمل ‪,‬‬ ‫حق املر�أة يف �أن تكون ع�ضواً فاع ً‬ ‫ال يف املجتمع‬ ‫‪ ,‬عن تطوير قانون الأحوال ال�شخ�صية ‪.‬‬ ‫نحن حتدثنا عن الدميقراطية باعتبارها‬ ‫ح ً‬ ‫ال لأ�شكاالت االختالف داخل الوطن‬ ‫الواحد والبلد الواحد ‪ ,‬هذه الق�ضايا‬ ‫املختلفلة مل تكن تروق لكثري من من‬ ‫الإ�سالميني بل كانوا يلوموننا عليها ‪,‬‬ ‫موقفنا من ال�شيوعيني و�أن لهم احلق يف �أن‬ ‫ينتظموا داخل حزب ‪.‬‬ ‫لكن يف ق�ضايا حمدده مل يكن ذلك من‬ ‫اهتمامات �أخواننا اال�سالميني ‪.‬‬ ‫�س‪ :‬ب�أن ما طرحتموه لي�س من �أولويات‬ ‫ذلك الوقت ؟بر�أيهم طبعاً؟‬ ‫ج‪:‬نعم مل يكن اولوية ومل يكن م�ست�ساغاً‬ ‫�أ�ص ً‬ ‫ال ‪ ,‬اليوم بد�أت تتطور �أفهام كثري من‬ ‫الأخوه فنقول �أن ما يجمع بيننا اليوم هو‬ ‫الهام اال�سالم ولكن هذا ال يعني �أن نتطابق‬ ‫يف كل ر�ؤانا و �أفكارنا بل من واجبنا �أن نكون‬ ‫متكاملني ال متطابقني‪.‬‬ ‫�س‪ :‬القد�س يف عيون الدكتور عبدالفتاح‬ ‫مورو ويف عيون حركة النه�ضة ؟‬ ‫ج‪� :‬أنا ولدت مع هذه النكبة ولدت يف ال ‪48‬‬ ‫وهذه النكبة عا�صرتني يف حياتي وتتابعني‬

‫وتتابع كل الأجيال يف بلدنا و الدليل على‬ ‫ذلك �أن الثورة التلقائية التي قانت يوم‬ ‫‪ 14‬يناير ‪ ,‬ال�شباب الذين قاموا بها بدون‬ ‫�سبق تخطيط وجدوا �أنف�سهم على ال�ساحة‬ ‫وبالطرقات العامة يرفعون علمني اثنني علم‬ ‫تون�س وعلم فل�سطني لأن ق�ضية فل�سطني هي‬ ‫بالن�سبة الينا هي اجلامعة للأمة وهي ق�ضية‬ ‫الأمة جميعاً ونعترب �أن ما ح�صل من تط�ؤير‬ ‫للأداء الوطني يف بالدنا مبوجب الثورة هو‬ ‫كله ي�صب يف خانة حترير فل�سطني ‪.‬‬ ‫ق�ضية فل�سطني الآن هي الق�ضية الأوىل‬ ‫رقم واحد ‪ ,‬وهذه الق�ضية ت�أخر حلها لأن‬ ‫الأمه كانت معتداً على قرارها ‪� ,‬أما الآن‬ ‫وقرارها بيدها �أو نرغب يف �أن يكون بيدها‬ ‫فهذا يهئ لهذه الق�ضية �أن حتل على الوجه‬ ‫الذي ي�سرتجع املظلوم حقه وي�سرتجع‬ ‫املغ�صوب �أر�ضه املغ�صوبة‪.‬‬ ‫�س‪ (:‬املنتدى العاملي للو�سطية) كيف‬ ‫تقيمونه وخا�ص ًة �أن له �أكرث له من ع�شر‬ ‫فروع ممتده �أفقياً يف جميع �أنحاء العامل ؟‬ ‫وكيغ تقيمون �أداءه ور�سالته يف ن�شر الو�سطية‬ ‫البعيدة عن التطرف و�أفكار قطع الر�ؤو�س‬ ‫ورفعها �أمام الكامريات وت�شويه �صورة‬ ‫الإ�سالم ‪,‬كيف تقيمون هذا الدور؟‬ ‫ج‪ :‬هذا عمل ايجابي ومبارك و�أنا �أربت على‬ ‫�أكتاف الذين �أنطلقوا بهذه الفكرة و�أقول‬ ‫�أن امل�شوار �أمامكم طويل ال زال طوي ً‬ ‫ال لأن‬ ‫الأمة حتتاج اىل �أن يرجتل هذا الفكر وتخرج‬ ‫من اطار الكتابة واخلطابة اىل اطار القناعة‬ ‫وهذا ي�ستوجب منكم جهداً كبرياً ‪.‬‬ ‫ما قمتم به عم ً‬ ‫ال حممو ٌد وجبار بد�أ ي�ؤتي‬ ‫�آثاره �أمامنا جميعاً ونحن نعترب �أن هذه‬ ‫اللقاءات املتعدده واملتكررة هي يف احلقيقة‬ ‫�شكل من �أ�شكال ال�صحوة واليقظه يف �أمة‬ ‫كانت تعي�ش غائبة عن حقائق دينها وهي‬ ‫الآن تتعرف عليها بجهد الكثريين من‬ ‫الذين يقودون هذا التيار الو�سطي ومنتدى‬ ‫الو�سطية على ر�أ�سهم ‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪70‬‬

‫المنتدى العالمي للوسطية ينظمّ ندوة دولية بعنوان‬ ‫دور الوسطية في البناء الحضاري‬

‫يعقد املنتدى العاملي للو�سطية يف فندق‬ ‫الريجن�سي باال�س عمان ندوة دولية‬ ‫بعنوان"دور الو�سطية يف البناء احل�ضاري يف‬ ‫العامل الإ�سالمي" يف الفرتة ‪� 29-28‬أبريل‬ ‫‪.2014‬بالتعاون مع املنظمة اال�سالمية للعلوم‬ ‫والرتبية والثقافة (�إي�سي�سكو) و املنظمة‬ ‫العربيةللرتبية والثقافة والعلوم (االلك�سو‬ ‫)‪ ،‬لإمناء و �إي�ضاح مفهوم الو�سطية و ال�سبل‬ ‫املثلى لن�شر هذا الفكر يف العامل بجمع عدد‬ ‫من �صناع القرار ف�ض ً‬ ‫ال عن �أكادميني و‬ ‫باحثني من الوطن العربي و الإ�سالمي‪.‬‬ ‫ويتبادل امل�شاركون يف هذا امل�ؤمتر �أف�ضل‬ ‫املمار�سات املتبعة لتوعية ال�شباب و الفئات‬ ‫النا�شئة يف املجتمعات الإ�سالمية باملنهج‬ ‫الو�سطي و خطورة الطائفية و التطرف و‬ ‫العنف يف حياة الأمم‪ .‬و يعترب هذا امل�ؤمتر‬ ‫جزءاً من �سل�سلة فعاليات عقدها املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية لتح�سني مفهوم الأمم‬ ‫حول الو�سطية و �أهميتها و ت�سهيل العالقات‬ ‫امل�شرتكة بني خمتلف الديانات و الطوائف ‪.‬‬ ‫و ي�أتي هذا امل�ؤمتر يف وقت يعي�ش فيه العامل‬ ‫العربي �صراعات طائفية و دينية عديدة‬ ‫و من هنا ي�أتي هدف هذا امل�ؤمتر مبحاوره‬ ‫املتعددة و املحددة بدقة �أم ً‬ ‫ال يف ر�ؤى عميقة‬ ‫تفك عقال الذات امل�سلمة امل�سجونة‪ ،‬وت�صحح‬ ‫م�ساراً معوجاً يتخذه البع�ض‪ ،‬وت�ساهم يف‬ ‫البناء احل�ضاري اجلديد يف �ضوء املبادئ‬ ‫الإ�سالمية ال�سامية‪.‬‬ ‫كما ي�سعى املنتدى من خالل هذا امل�ؤمتر‬ ‫اىل حتقيق جملة من الأهداف التي تخلق‬ ‫�أجواء التعاون على الرب و التقوى و ت�سهم‬ ‫يف رفع الوعي الديني ال �سيما يف وقت تكرث‬ ‫فيه الأعمال الإجرامية التي ال متت اىل‬ ‫الدين الإ�سالمي ب�صلة‪ ,‬و لكن الو�سطية‬ ‫التي ت�سعى هذه الندوة لإي�ضاحها حتمل‬ ‫تلك ال�سمة البارزة التي متيزها عن غريها‬ ‫باخلريية‪ ،‬واال�ستقامة‪ ،‬والعدل واحلكمة‪،‬‬

‫والتي�سري والتب�شري‪ ،‬ومراعاة الواقع‪،‬‬ ‫واالعتدال‪ ،‬واجلمع بني الأ�صالة والتجديد‪،‬‬ ‫والدعوة �إىل الت�سامح والتعاي�ش مع الآخر‪،‬‬ ‫و�إن�صاف الفئات ال�ضعيفة‪ ،‬والتكامل بني‬ ‫الذكر والأنثى‪ ،‬والتوازن الرتبوي والنف�سي‬ ‫والعقلي‪ ...‬وهي كلها �سمات ملنهج ح�ضاري‬ ‫بناء‪ ،‬غيب يف ع�صور االنحطاط واال�ستعمار و‬ ‫االغرتاب‪ ،‬ليلقي على النخبة امل�سلمة مهمة‬ ‫ر�سالية كبرية لإعادة حيويته وفاعليته على‬ ‫م�ستوى العقل والنف�س والواقع والتاريخ‬ ‫واحل�ضارة‪ .‬و من الأهداف التي ي�سعى‬

‫امل�ؤمتر لتحقيقها ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ حماولة �إبراز الر�ؤية الو�سطية للإ�سالم يف‬ ‫جميع ق�ضايا احلياة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ ت�أ�صيل الفكر الو�سطي من امل�صادر‬ ‫ال�شرعية وعمل ال�صحابة والتابعني و�أئمة‬ ‫الفكر الإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪4‬ـ تبادل وجهات النظر حول ال�سبل املثلى‬ ‫لن�شر الفكر الو�سطي يف العامل‪.‬‬ ‫‪5‬ـ حماولة ر�سم �إ�سرتاتيجية لتحقيق الأمن‬ ‫الفكري والثقايف عرب الفكر الو�سطي‪.‬‬ ‫‪6‬ـ مناق�شة عنا�صر القدرة واحليوية يف الفكر‬


‫الو�سطي الإ�سالمي يف ق�ضايا احل�ضارات‬ ‫والثقافات‬ ‫‪7‬ـ �إبراز الق�ضايا الرئي�سة امللحة يف الفكر‬ ‫الو�سطي الإ�سالمي يف املرحلة الراهنة‪.‬‬ ‫و النتائج املرجوة من هذا امل�ؤمتر هي‬ ‫�أ�سمى من تلك املفاهيم اخلاطئة و الأعمال‬ ‫الإرهابية التي ترتكب با�سم الإ�سالم هذا‬ ‫الدين احلنيف الذي �أ�سا�سه التعاون و املودة‬ ‫و الرحمة و التعاي�ش بني الأديان و تتلخ�ص‬ ‫هذه النتائج بالنقاط التالية ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ بلورة وت�أ�صيل الر�ؤية الو�سطية للفكر‬ ‫الإ�سالمي يف جميع ق�ضايا احلياة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ ر�سم �إ�سرتاتيجية لتحقيق الأمن الفكري‬ ‫والثقايف يف البلدان الإ�سالمية ومقاومة‬ ‫الطائفية والتطرف واالغرتاب‪.‬‬ ‫‪3‬ـ جتلية قيم الت�سامح واالعتدال والتعاي�ش‬ ‫والعفو التي يت�سم بها الإ�سالم يف م�صادره‬ ‫وجتربته احلية عرب التاريخ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ توعية ال�شباب والفئات النا�شئة يف‬ ‫املجتمعات الإ�سالمية باملنهج الو�سطي‬ ‫وخطورة الطائفية والتطرف والعنف يف‬ ‫حياة الأمم‪.‬‬

‫‪5‬ـ تبني مرجعية فكرية يف مو�ضوع الو�سطية‬ ‫ح�سب �إ�سرتاتيجية االي�سي�سكو للعمل الثقايف‬ ‫داخل العامل الإ�سالمي وخارجه‪.‬‬ ‫و يرتكز دور امل�شاركني يف هذا امل�ؤمتر من‬ ‫علماء‪ ،‬ومفكرون‪ ،‬ور�ؤ�ساء وممثلو م�ؤ�س�سات‬ ‫ثقافية وفكرية‪ ،‬و�أ�ساتذة جامعيون يف‬ ‫التخ�ص�صات ذات ال�صلة‪ ،‬و�إعالميون‪،‬‬ ‫وباحثون يف الفكر الإ�سالمي وق�ضايا الراهن‬ ‫الإ�سالمي ب�إي�صال فكرة الو�سطية و �أثرها‬ ‫على املجتمعات و مدى ت�أثري اخلطاب‬ ‫الإ�سالمي يف التحوالت الإجتماعية املعا�صرة‬ ‫و ال�شخ�صيات امل�شاركة يف هذا امل�ؤمتر ‪:‬‬ ‫من الأردن ‪:‬املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫"االمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية "‬ ‫و الدكتور اخليف الطراونة " رئي�س اجلامعة‬ ‫الأردنية " و الدكتور عبدال�سالم العبادي‬ ‫"وزير الأوقاف الأ�سبق" و ال�شيخ عبدالكرمي‬ ‫اخل�صاونة" املفتي العام" الكتور حممد‬ ‫اخلاليلة "�أمني عام دائرة الإفتاء" و الدكتور‬ ‫حممد احلاليقة و الدكتورة نوال �شرار و‬ ‫الدكتور حمدي مراد و الدكتور نائل �أبو زيد‬ ‫و الدكتور حممد احلاج و الدكتور حممد‬

‫اخلطيب "�أمني �سر املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫و عميد كلية ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية"‪.‬‬ ‫ومن تون�س الدكتور نور الدين اخلادمي‬ ‫وزير ال�ش�ؤون الدينية ال�سابق و من باك�ستان‬ ‫الدكتور حممد طاهر من�صوري "رئي�س فرع‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يف باك�ستان" و‬ ‫الدكتور �أحمد بن يو�سف الدريوي�ش "رئي�س‬ ‫اجلامعة اال�سالمية العاملية يف ا�سالم �آباد‬ ‫"و من االمارات الأ�ستاذ الدكتور �سعيد‬ ‫حارب نائب مدير جامعة الإمارات ـ �سابقا‬ ‫‪.‬ومن العراق الدكتور حممود ال�صميدعي‬ ‫و من قطر الدكتور يو�سف ال�صديقي "كلية‬ ‫ال�شريعة و الدرا�سات الإ�سالمية –جامعة‬ ‫قطر " ومن املغرب الدكتور �سعيد �شبار"‬ ‫�شبارـ مفكر �إ�سالمي و�أ�ستاذ بجامعة ال�سلطان‬ ‫موالي �سليمان‪ ،‬بني مالل ـ اململكة املغربية‪".‬‬ ‫�إ�ضاف ًة مل�شاركة الدكتور عزالدين معمي�ش‬ ‫"ممثل املنظمة الإ�سالمية " و الدكتور‬ ‫�أ�سامة حب�ش "ممثل الألك�سو" و الدكتور‬ ‫خالد حاجي‪-‬الكاتب العام لإدارة املجل�س‬ ‫الأوروبي للعلماء املغاربة بروك�سل والدكتور‬ ‫حممد عبداحلليم بي�شي من اجلزائر‬

‫‪71‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪72‬‬

‫المنتدى العالمي للوسطية يفوز بجائزة الدوحة‬ ‫العالمية لحوار االديان‬

‫�أعلن يوم الثالثاء ‪ 2014/03/25‬يف‬ ‫الدوحة عن فوز املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫بجائزة الدوحة الدولية حلوار الأديان‬ ‫لعام ‪ 2014‬تقديراً لدور املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية يف جمال حوار الأديان لتن�شئة‬ ‫ال�شباب و لقيامه منذ ت�أ�سي�سه يف عام‬ ‫‪ 2008‬يف عمان كهيئة ا�سالمية دولية‬ ‫تعنى بن�شر فكر الو�سطية و االعتدال‬ ‫القائم على احلوار البناء لتعزيز ال�شباب‬ ‫و توجيه طاقاتهم لبناء جمتمع �إن�ساين‬ ‫ت�سوده روح املحبة و العي�ش امل�شرتك (و‬ ‫يذكر �أن املنتدى و منذ ت�أ�سي�سه عقد‬ ‫ع�شرات امل�ؤمترات الدولية داخل الأردن‬ ‫و يف خمتلف دول العامل الإ�سالمي لن�شر‬ ‫فكر الو�سطية و االعتدال ) و قد ت�سلم‬ ‫الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان‬

‫الفاعوري اجلائزة الأوىل اليوم يف الدوحة‬ ‫خالل م�شاركته مب�ؤمتر الدوحة احلادي‬ ‫ع�شر حلوار الأديان ب�إلقاء كلمة يف حفل‬ ‫االفتتاح حتدث فيها عن العي�ش امل�شرتك‬ ‫بني الأديان لأنه الهدف الأ�سمى الذي‬ ‫ي�سعى املنتدى لن�شره و الذي عمل عليه‬ ‫منذ ت�أ�سي�سه ب�إقامة عدد من امل�شاريع‬ ‫التي تهدف �إىل مد اجل�سور بني املنتدى‬ ‫و االخرين يف الدائرة االن�سانية‪ ،‬مهما‬ ‫اختلفت اديانهم واعراقهم ومذاهبهم‪،‬‬ ‫و ينبع ذلك من �إميان املنتدى العميق‬ ‫ب�أن معرفة الآخر على حقيقته والتعرف‬ ‫على معتقداته يطرد اخلوف من �أنف�سنا‬ ‫وخوفنا منه �أي�ضاً ف�إننا وقتها �سنكون‬ ‫�أكرث �إمياناً ب�أنف�سنا وديننا‪ .‬و�أكرث ثقة‬ ‫بقناعاتنا و�أكرث قدرة على �إقناع غرينا‬

‫مبا نحمله من قيم م�شرتكة ‪.‬‬ ‫و بني اي�ضاً يف كلمته �أن امتنا بحاجة‬ ‫�إىل مراجعة حقيقية ملوقفنا من العامل‬ ‫والآخر ومن الع�صر �أي�ضاً لذلك ف�إن‬ ‫املنتدى قام ب�سل�سلة من الندوات‬ ‫وامل�ؤمترات واللقاءات �سواء بني امل�سلمني‬ ‫وامل�سلمني �أو بني امل�سلمني و�أتباع الأديان‬ ‫الأخرى فاملنتدى جزء من هذا العامل‬ ‫الذي تعددت �أديانه ومعتقداته واختلف‬ ‫النا�س فيه (ولذلك خلقهم ) والبد �أن‬ ‫يكون " التعارف" هو عنواننا والتفاهم‬ ‫هو طريقنا ‪ ،‬لأنه ال ميكن لأحد �أن يعتزل‬ ‫عن العامل ‪ ،‬كما ال ميكن لأحد �أن يقبل �أن‬ ‫يدوم ال�صراع والقتال بني الأمم وال�شعوب‬


‫كلمة األمين العام للمنتدى العالمي للوسطية‬ ‫بمؤتمر الدوحة الحادي عشر لحوار االديان‬

‫احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على ر�سله و�أنبيائه �أجمعني‬ ‫�أيها الإخوة والأخوات املحا�ضرون وامل�شاركون‬ ‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬ ‫في�سعدين �أن �أحييكم �أجمل حتية‪ ،‬وا�سمحوا يل �أن �أتقدم بجزيل ال�شكر واالمتنان ملركز الدوحة الدويل حلوار الأديان الذي‬ ‫قرر �أن مينحنا �إحدى جوائزه لهذا العام‪ ،‬وهو �شرف نعتز به‪ ،‬ونقدره فنحن �شركاء يف هذا امل�شروع‪ ،‬لأننا نعتقد ب�أن احلوار له‬ ‫معنى الإميان يف حركيته داخل الذات وخارجها‪ ،‬فال �إميان يف عمق الفكرة وامتدادها من دون حوار‪� ،‬سواء يف حديث الإن�سان‬ ‫مع ذاته‪� ،‬أو يف عالقته مع الآخر الذي هو �صورة الذات ووجهها املقابل‪ ،‬كما نعتقد �أن عالقتنا مع �أهل الكتاب تقوم على املحبة‬ ‫واملودة‪ ،‬وعلى اجلدال بالتي هي �أح�سن " وال جتادلوا �أهل الكتاب �إال بالتي هي �أح�سن"‪ ،‬كما �أن احلوار معهم فري�ضة وف�ضيلة‬ ‫ي�سى‬ ‫لأن الدين عند اهلل واحد " َ�ش َر َع َل ُك ْم مِ َن الد ِ‬ ‫ِّين مَا َو َّ�صى ِب ِه ُن ً‬ ‫ُو�سى َوعِ َ‬ ‫وحا َوا َّلذِ ي �أَ ْو َح ْي َنا ِ�إ َل ْي َك َومَا َو َّ�ص ْي َنا ِب ِه ِ�إ ْب َراهِ ي َم َوم َ‬ ‫�أَ ْن �أَقِي ُموا الد َ‬ ‫ِّين َو اَل َت َت َف َّر ُقوا فِي ِه " ‪.‬‬ ‫�أيها الأخوة والأخوات‬ ‫انطالقا من هذه املفاهيم التي ت�شكل �أر�ضية م�شرتكة لإتباع الأديان بد�أنا يف املنتدى العاملي للو�سطية بعدد من امل�شروعات‬ ‫التي تهدف �إىل مد اجل�سور بيننا وبني اخواننا يف دائرة االن�سانية‪ ،‬مهما اختلفت ادايانهم واعراقهم ومذاهبهم‪ُ ،‬يحركنا يف‬ ‫ذلك �إميان عميق ب�أننا حني نعرف الآخر على حقيقته ونتعرف على معتقداته ونطرد خوفنا منه على �أنف�سنا وخوفه منا �أي�ضاً‬ ‫ف�إننا وقتها �سنكون �أكرث �إمياناً ب�أنف�سنا وديننا‪ .‬و�أكرث ثقة بقناعاتنا و�أكرث قدرة على �إقناع غرينا مبا نحمله من قيم م�شرتكة‬ ‫لقد �أدركنا يف املنتدى العاملي للو�سطية �أن امتنا بحاجة �إىل مراجعة حقيقة ملوقفنا من العامل والآخر ومن الع�صر �أي�ضاً‪،‬‬ ‫فبد�أنا بحمد اهلل �سل�سلة من الندوات وامل�ؤمترات واللقاءات �سواء بني امل�سلمني وامل�سلمني �أو بني امل�سلمني و�أتباع الأديان‬ ‫الأخرى‪ ،‬فنحن جزء من هذا العامل الذي تعددت �أديانه ومعتقداته واختلف النا�س فيه (ولذلك خلقهم ) والبد �أن يكون "‬ ‫التعارف" هو عنواننا والتفاهم هو طريقنا ‪ ،‬لأنه ال ميكن لأحد �أن يعتزل عن العامل ‪ ،‬كما ال ميكن لأحد �أن يقبل �أن يدوم‬ ‫ال�صراع والقتال بني الأمم وال�شعوب‪.‬‬ ‫�أيها الإخوة والأخوات ‪:‬‬ ‫�إننا ونحن نلتقي هذا اليوم ملناق�شة مو�ضوع احلوار ومو�ضوع ال�شباب يف ظالل مركز الدوحة املوقر ‪ ،‬لي�سعدنا يف املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية �أن مند يدنا جلميع اخلريين يف هذا العامل على خمتلف �أديانهم لنتحاور ونتقا�سم م�س�ؤولياتنا ‪ ،‬فالدين‬ ‫حاجة �إن�سانية وفطرية لكن املهم يف �إطار فهمه وممار�سته هو قدرتنا على حتويله �إىل "تدين" منتج وفاعل وحيوي ‪ ،‬يت�صالح‬ ‫على �أ�سا�سه الإن�سان وال �سيما ال�شباب مع ذاتهم وحميطهم‪ ،‬وتبلغ من خالله الإن�سانية �إىل �أعلى مراتبها (ال�ضمريية )‪،‬‬ ‫واالهم من ذلك �أن تتحرك قيم الدين ال�سامية يف حياتنا لت�صنع واقعا جديدا ‪ ....‬ومناذج �إن�سانية ‪...‬و�إن�سانا جديرا باحلياة‬ ‫‪ ،‬وطاقة متجددة تن�شر النور يف كل مكان وزمان ‪.‬‬ ‫�إننا ندعو اخلريين يف هذا العامل للتعاون والت�ضامن من اجل �أن نتجاوز الآالم التي ن�شعر بها جميعا يف هذه املنطقة ب�سبب‬ ‫ال�صراعات واحلروب التي جتري حتت عناوين الدين واملذهب وامل�صالح‪ ،‬وال طريق �أمامنا �سوى احلوار واللقاء ‪ ....‬وا�سمحوا‬ ‫يل يف اخلتام �أن اكرر ال�شكر لكم جميعا �أيها احلا�ضرون وامل�شاركون �أما مركز الدوحة الدويل حلوار االديان فله منا كل‬ ‫التقدير واالحرتام ‪.‬‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬

‫‪73‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪74‬‬

‫المنتدى العالمي للوسطية ينظمّ دورة تدريبية‬ ‫لقيادات فروع المنتدى في عمان‬

‫�صور احدى اجلل�سات‬

‫الو�سطية – عمان‬ ‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية برناجماً‬ ‫تدريبياً لقيادات فروع املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية يف مقر املنتدى يف عمان وذلك‬ ‫يومي ‪� ،2013/06/23-22‬ضمن �سل�سلة‬ ‫الدورات التدريبية‪ ،‬وقد ح�ضر الدورة‬ ‫ر�ؤ�ساء فروع املنتدى يف‪( :‬ال�سودان‪،‬‬ ‫م�صر‪ ،‬تون�س‪ ،‬املغرب‪ ،‬موريتانيا‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬ ‫العراق‪ ،‬باك�ستان‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الأردن –‬ ‫دولة املقر)‪.‬‬ ‫جيث افتتح الربنامج رئي�س املنتدى‬

‫وقد حتدث يف نهاية اللقاء الإمام‬ ‫العاملي للو�سطية الإمام ال�صادق املهدي‪،‬‬ ‫والأمني العام للمنتدى املهند�س مروان ال�صادق املهدي موجهاً امل�شاركني ل�ضرورة‬ ‫الفاعوري‪ ،‬وقـد تناولت الدورة عدة حماور‪،‬‬ ‫ال�سعي لن�شر الفكر الو�سطي‪ ،‬و�إجناح‬ ‫هي‪ :‬تقييم لأعمال الفروع‪ ،‬ومناق�شة �أبرز‬ ‫�أعمال املنتدى يف كافة الفروع‪ ،‬وقد‬ ‫امل�شاكل التي تواجه الفروع يف �إداراتها‪،‬‬ ‫وكيفية �إعداد التقارير الإدارية والإعالمية‪ ،‬مت تقييم الربنامج �سواء على م�ستوى‬ ‫وكذلك �أ�س�س وقواعد التغيري باملجتمعات‪ ،‬املحا�ضرين‪� ،‬أو املواد التدريبية‪ ،‬وقد �أدار‬ ‫و�إعداد م�شاريع الأن�شطة‪ ،‬والعمل امل�ؤ�س�سي‪ ،‬الدورة جمموعة من املتخ�ص�صني‪ ،‬منهم‬ ‫ومناق�شة خطط الن�شاطات امل�ستقبلية‬ ‫املدربان الأ�ستاذ �شوقي القا�ضي‪ ،‬والدكتور‬ ‫وكيفية تنفيذها‪ ،‬ويف نهاية الدورة َّ‬ ‫مت‬ ‫داود احلدابي من فرع املنتدى يف اليمن‪.‬‬ ‫توزيع ال�شهادات على احل�ضور‪.‬‬

‫من �صور امل�شاركني‬


‫المنتدى العالمي للوسطية و رابطة كتاب التجديد ينظمان‬

‫ندوة العالم العربي الى أين؟‬

‫من �صور الندوة‬

‫تباينت وجهات النظر والآراء التي‬ ‫طرحت وخل�ص �إليها امل�شاركون يف الندوة‬ ‫التي نظمها " املنتدى العاملي للو�سطية "‬ ‫يف مقره يوم ال�سبت املوافق ‪،2013/10/5‬‬ ‫بالتعاون مع " رابطة كتاب التجديد"‬ ‫حتت عنوان " العامل العربي �إىل �أين ؟"‪.‬‬ ‫وجاءت الندوة �ضمن جل�ستني؛ الأوىل‬ ‫�صباحية تر�أ�سها �أمني عام منتدى‬ ‫الو�سطية العاملي‪ ،‬املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري‪ ،‬تناولت خم�سة �أوراق بحثية‪،‬‬ ‫الأوىل للدكتور كامل �أبو جابر‪ ،‬رئي�س‬ ‫املعهد امللكي للدرا�سات الدينية‪ ،‬بعنوان‪:‬‬ ‫التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي‪:‬‬ ‫الواقع والتحديات‪.‬‬ ‫والورقة الثانية قدمها كل من الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور �إخليف الطراونة‪ ،‬رئي�س اجلامعة‬ ‫الأردنية‪ ،‬والنا�شط ال�سيا�سي‪ ،‬علي‬

‫احلبا�شنة‪ ،‬وهي بعنوان‪� :‬أثر التوازنات‬ ‫الدولية والإقليمية على م�ستقبل التغيري‬ ‫يف املنطقة العربية‪.‬‬ ‫�أما النائبة ال�سابقة‪ ،‬الي�سارية عبلة‬ ‫�أبو علبة فقد حتدثت عن " دور املثقف‬ ‫العربي بني ال�سيا�سة والأيديولوجيا"‪،‬‬ ‫فيما كانت الورقة الأخرية للعلماين‪،‬‬ ‫الكاتب ال�صحفي حمادة فراعة بعنوان‪:‬‬ ‫" التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي‪:‬‬ ‫الواقع والتحديات"‪.‬‬ ‫فيما تر�أ�س اجلل�سة الثانية الكاتب‬ ‫ال�صحفي ح�سني الروا�شدة‪ ،‬و�شملت‬ ‫�أي�ضا خم�س ورقات‪ ،‬قدم الدكتور حممد‬ ‫�أبو رمان الورقة الأوىل بعنوان‪" :‬‬ ‫الإ�سالميون وجتربة احلكم‪ :‬اخليارات‬ ‫والبدائل"‪.‬‬ ‫وقدم الورقة الثانية‪ ،‬وزير الداخلية‬

‫الأ�سبق‪ ،‬املهند�س �سمري احلبا�شنة‪ ،‬حتت‬ ‫عنوان ‪ ":‬واقع املجتمعات العربية يف ظل‬ ‫التحوالت ال�سيا�سية الراهنة"‪.‬‬ ‫�أما الورقة البحثية الثالثة‪ ،‬فقد قدمها‬ ‫الأكادميي الدكتور حممد امل�صاحلة‪،‬‬ ‫وجاءت ورقته �أي�ضاً حتت عنوان‪" :‬‬ ‫التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي‪:‬‬ ‫الواقع والتحديات"‪.‬‬ ‫وحملت الورقة البحثية التي قدمها‬ ‫الأكادميي الدكتور عامر احلايف‪ ،‬عنوان‪":‬‬ ‫الإ�سالميون وجتربة احلكم يف العامل‬ ‫العربي"‪.‬‬ ‫والورقة البحثية الأخرية يف اجلل�سة‬ ‫اخلتامية كانت من ن�صيب الأكادميي‬ ‫الدكتور جمال ال�شلبي‪ ،‬والتي جاءت‬ ‫حتت عنوان‪ ":‬جتربة الع�سكر يف العامل‬ ‫العربي"‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪76‬‬

‫من �صور الندوة‬

‫وقد �شهدت الندوة ع�صفاً ذهنيا عميقاً‪،‬‬ ‫حمل �سمة التباين يف الآراء واخلال�صات‬ ‫املطروحة ب�سبب اختالف م�شارب‬ ‫امل�شاركني فيها‪ ،‬حيث �ضمت هذه الندوة‬ ‫�شخ�صيات متثل التيارات اال�سالمية‬ ‫املختلفة‪ ،‬و�شخ�صيات وطنية علمانية‬ ‫ي�سارية وليربالية‪ ،-‬ووزراء ونواب �سابقني‬ ‫وحاليني لديهم جتربة يف احلكم‪ ،‬وعلماء‬ ‫وباحثون و�أكادمييون و�سا�سة‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل عدد من �أع�ضاء حزب الو�سط‬ ‫الإ�سالمي‪.‬‬ ‫و�شدد �أمني عام " املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية"‪ ،‬املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫على �أهمية تناول مو�ضوعات الندوة يف ظل‬

‫ما متر به الأمة الإ�سالمية من ظروف‬ ‫حرجة وح�سا�سة‪ ،‬وطالب باحلكم على‬ ‫جتربة اال�سالميني يف احلكم بكل جترد‬ ‫بعيداً عن امل�ؤثرات ال�سيا�سية الدولية‬ ‫التي �أرادت اف�شال جتربة اال�سالميني‬ ‫باحلكم واعطائهم الفر�صه الدارة ال�ش�ؤون‬ ‫ال�سيا�سية بالعامل العربي حتى يتم حتقيق‬ ‫االزدهار و النمو االقت�صادي ومعاجلة‬ ‫امل�شاكل االجتماعية واالقت�صادية من‬ ‫املنظور اال�سالمي الو�سطي املعتدل‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من االختالف الأيديولوجي‬ ‫للم�شاركني يف الندوة؛ �إال �أن غالبيتهم‬ ‫اتفق على جملة من الق�ضايا اجلمعية‬ ‫للأمة العربية والإ�سالمية‪ ،‬وعلى وجود‬

‫من �صور الندوة‬

‫عوامل خارجية م�ؤثرة فيما يجري يف‬ ‫الوطن العربي الكبري‪.‬‬ ‫واختلف امل�شاركون على املوقف من‬ ‫الأزمة ال�سورية‪ ،‬من خالل حتيز بع�ض‬ ‫العلمانيني والي�ساريني والقوميني للنظام‬ ‫ال�سوري‪ ،‬وحلفائه الإيرانيون و " حزب‬ ‫اهلل"‪ ،‬ناهيك عن اختالفهم على حمور‬ ‫الدول التي ت�صف نف�سها ب�أنها حمور "‬ ‫املقاومة واملمانعة"‪.‬‬ ‫ويف اجلل�سة اخلتامية اتفق املجتمعون‬ ‫على �أن حماور الندوة املطروحة بحاجة‬ ‫�إىل مزيد من املناق�شة واملداولة �ضمن‬ ‫وقت وم�ساحة �أكرب؛ من خالل عقد‬ ‫م�ؤمتر �أو ندوة نقا�شية ب�شكل مو�سع‪.‬‬


‫انطالق فعاليات الندوة الدولية‬

‫دور اإلعتدال والوسطية في اإلستقرار والتنمية في‬ ‫العالم العربي واإلسالمي‬ ‫انطلقت يف ا�سطنبول يوم ال�سبت املوافق‬ ‫‪ ،2013/9/28‬فعاليات الندوة الدولية التي‬ ‫يقيمها املنتدى العاملي للو�سطية بعنوان "‬ ‫دور الإعتدال والو�سطية يف الإ�ستقرار‬ ‫والتنمية يف العامل العربي والإ�سالمي"‬ ‫بح�ضور عدد كبري من العلماء واملفكرين‬ ‫من تركيا وم�صر وال�سودان والأردن‪،‬‬ ‫وافتتح الندوة الأمني العام للمنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري الذي �أ�شار �إىل �أننا جنتمع‬ ‫اليوم ملناق�شة دور الإعتدال والو�سطية‬ ‫يف اال�ستقرار والتنمية يف العامل العربي‬ ‫واال�سالمي‪ ,‬وهو مو�ضوع ي�ستمد �أهميته‬

‫والرتبة ال�صاحله لتوفري اف�ضل ال�شروط‬ ‫والظروف لتحقيق التنمية واال�ستقرار‪،‬‬ ‫لأ َّن غيابها �أو تغيبها يعني بال�ضرورة‬ ‫�سيادة منطق العنف‪ ,‬وامتداد نريان‬ ‫ال�صراع واحتدام لغة املفا�صلة وعندها‬ ‫يدفع االن�سان‪ ,‬كما تدفع الأوطان ثمن‬ ‫ذلك وهذا للأ�سف ما يحدث يف بع�ض‬ ‫دولنا العربية التي تعاين اليوم مع غياب‬ ‫االعتدال ال�سيا�سي من وط�أة الفو�ضى‬ ‫واحلروب الأهلية وال�صراعات الطائفية‬ ‫والدينية ‪.‬‬ ‫وقال‪� :‬إ َّن �أمتنا الإ�سالمية تتعر�ض‬ ‫اليوم ملحنة كبرية‪ ,‬و�إ َّن من واجب علمائها‬

‫من حاجتنا �إىل ركيزتني �أ�سا�سيتني‪:‬‬ ‫�أحدهما الو�سطية والأخرى التنمية‬ ‫واال�ستقرار‪ ,‬وهما باملنا�سبة وجهان‬ ‫لعمله واحده وذلك لأن الو�سطية كفكرة‬ ‫وم�شروع وممار�سة هي الأر�ضية املنا�سبة‬

‫ومفكريها �أن ينه�ضوا للقيام بواجبهم‪,‬‬ ‫وبني هذا امللتقى جزء من واجب الوقت‬ ‫الذي يقوم به املنتدى العاملي للو�سطية‪,‬‬ ‫و�إن م�س�ؤولية املنتدى تتجاوز حتميل‬ ‫الأخطاء على غرينا‪� ,‬أو ربط ما يحدث‬

‫لديننا و�أمتنا بالعوامل اخلارجية فقط‪,‬‬ ‫على الرغم من دورها وح�ضورها املريب‪,‬‬ ‫فنحن اي�ضاً م�س�ؤولون عن هذه الأخطاء‪,‬‬ ‫�سوا ًء العتبارات ذاتية تتعلق باملمار�سات‬ ‫والأداء‪� ,‬أو بت�سهيل مهمة الآخرين عن‬ ‫غري ق�صد �أحياناً ومتكينهم من العبث‬ ‫ب�إ�ستقرارنا ووحدة �أمتنا‪ ,‬ولهذا توجهنا‬ ‫يف هذا امللتقى �إىل طرح التحديات التي‬ ‫تواجه "الإعتدال" يف بلداننا الإ�سالمية‪,‬‬ ‫و�إىل مناق�شة مدى ت�أثري خطابنا‬ ‫اال�سالمي يف التحوالت التي ن�شهدها‪,‬‬ ‫ومراجعة �أدبيات احلركات الإ�سالمية‪,‬‬ ‫ووقفنا عند دور املر�أة يف البناء‪.‬‬

‫�صور احدى جل�سات الندوة‬

‫واختتم كلمته ب�أ َّن خيار الو�سطية هذا يف‬ ‫ظل الظروف ال�صعبة التي نواجهها هو‬ ‫خيارنا للحفاظ على التنمية واال�ستقرار‪،‬‬ ‫فهو وحده امل�ؤهل لإعادة الثقة بني �أبناء‬ ‫الأمة الواحدة‪ ،‬وبينهم وبني حميطهم‬

‫‪77‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬وهو وحده امل�ؤهل العادة‬ ‫منظومة التوازن من خالل امل�شاركة يف‬ ‫العمل والبناء‪ ،‬واعتماد "اال�صالح" كمنهج‬ ‫ا�سالمي را�شد‪ ،‬وحل اخلالفات والنزاعات‬ ‫باحلوار‪ ،‬ورف�ض ال�صدام والعنف مهما‬ ‫كانت �أ�سبابه ومربراته‪.‬‬ ‫ويف اجلل�سة الأوىل التي كان حمورها‬ ‫االعتدال ودوره يف �أمن املجتمعات حتدث‬ ‫كل من الدكتور حممد اخلاليلة �أمني‬ ‫عام دائرة الإفتاء العام‪ ،‬وقدم ورقة عمل‬ ‫بعنوان �صناعة الفتوى و�أثرها يف �أمن‬ ‫املجتمعات‪ ،‬والأ�ستاذ الدكتور حممد‬ ‫اخلطيب عميد كلية ال�شريعة يف اجلامعة‬ ‫الأردنية‪ ،‬الذي �أكد على التحديات التي‬ ‫تواجه الفكر املعتدل و�سبل مواجهته‪.‬‬ ‫من جهته قال الدكتور حمي الدين‬ ‫امل�صري �أ َّن هناك ثالثة تيارات تتحمل‬ ‫م�س�ؤولية الواقع القائم‪:‬‬ ‫‪ .1‬تيار اال�سالم ال�سيا�سي‪ :‬وي�ضم بع�ض‬ ‫الفرق وال�شيع وامللل اال�سالمية وكلها‬ ‫تدعي �أ َّن مرجعيتها اال�سالم ‪.‬‬ ‫‪ .2‬التيار القومي املعتدل والي�ساري‪:‬‬ ‫وي�ضم كل التيارات القومية مهما اختلفت‬ ‫ا�سما�ؤها وتعددت �أهدافها وكلها تدّعي �أن‬ ‫مرجعيتها تاريخ الأمة العربية واحل�ضارة‬ ‫العربية الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫‪ .3‬التيار التقليدي‪ :‬وهو التيار العميق‬ ‫يف التاريخ العربي املمتد �إىل �أكرث من‬ ‫قرن‪ ،‬وهو �أي�ضاً التيار املخ�ضرم �صاحب‬ ‫التجربه الوا�سعه والذي ال يحمل‬ ‫ايدولوجية وا�ضحة نظراً الرتباطاته‬ ‫مب�صالح داخلية وخارجية‪ ،‬كما �أنه يتكيف‬ ‫با�ستمرار مع هذه امل�صالح‪ ،‬كما متيز هذا‬ ‫التيار بواقعيته املتطرفة وبقلة �أمانية‬ ‫و�أحالمه‪ ،‬وكان دوره املعلن واخلفي وا�ضح‬ ‫النتائج‪ ،‬ولعل حرب اخلليج وما ي�سمى‬ ‫بالربيع العربي يدل على دوره‪.‬‬ ‫و�إذا بحثنا االمور مبو�ضوعية جند �أ َّن‬ ‫ال�صراع بني هذه التيارات الثالث �أمتد‬ ‫لفرتة طويلة و�أنه كان �سبباً يف كل ما‬

‫‪78‬‬ ‫جرى ويجري الآن على الأر�ض العربية‪،‬‬ ‫فقد �أتهم كل تيار التيار الآخر ب�أنه‬ ‫ال�سبب يف ت�أخر الأمة ع�سكرياً و�سيا�سياً‬ ‫واقت�صادياً وقيمياً ‪ ،‬و�أ�شار لأمله و�أمل‬ ‫الكثريين ب�أن يتحمل املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية م�س�ؤولية تنفيذ امل�صاحلة بني‬ ‫التيارات املختلفه حتقيقاً لوحدة االمة‪،‬‬ ‫وبنائها على �أ�س�س �سليمة بعيدة عن‬ ‫التع�صب والعنف ‪.‬‬ ‫وبد�أت اجلل�سة الثانية مبداخلة الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور عارف ار�سوي رئي�س ق�سم‬ ‫االقت�صاد يف جامعة �أنقرة‪ ،‬وحتدث فيها‬ ‫عن �أثر االعتدال يف الإ�ستقرار الإجتماعي‬ ‫وال�سيا�سي يف العامل العربي والإ�سالمي (‬ ‫تركيا منوذجاً)‪ .‬و�أ�شار الأ�ستاذ عبداملحمود‬ ‫�أبو �إبراهيم الأمني العام لهيئة �ش�ؤون‬ ‫الأن�صار يف ال�سودان الذي حتدث عن "‬ ‫�أثر التع�صب الديني على �أمن املجتمعات‪،‬‬ ‫و�سبل مواجهة الفكر املتطرف " �إىل �أ َّن‬ ‫التعرف على الآخر ال يتم بالقراءة عنه‬ ‫وحدها‪ ،‬و�إمنا تتعمق املعرفة باملعاي�شة‬ ‫والتوا�صل‪ ،‬لأن الواقع امللمو�س �أبلغ من‬ ‫التنظي ‪ ،‬فكثري من النا�س يتخذون‬ ‫مواقفهم بناء على معلومات ناق�صة‬ ‫فيظلمون ويظلمون‪ ،‬ورمبا يدلون‬ ‫ب�شهادتهم م�ستندين �إىل تلك املعلومات‬ ‫التي متثل جزء من احلقيقة‪ ،‬ال كلها‪،‬‬ ‫ف�أجهزة الإعالم مث ً‬ ‫ال تنقل املعلومة من‬ ‫الزاوية املتاحة لكامريا امل�صور �أو قلم‬ ‫امل�شاهد ولكن تظل هنالك زوايا �أخرى‪ ،‬مل‬ ‫يتمكن الناقل من الو�صول �إليها‪ .‬فاملعرفة‬ ‫تقت�ضي االحتكاك بالآخر للتعرف عليه‬ ‫عن قرب وللإملام بكل مكوناته الثقافية‪،‬‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬والبيئية‪ ،‬عليه ف�إ َّن من‬ ‫و�سائل تر�سيخ ثقافة التعاي�ش امل�شرتك‬ ‫تبادل الزيارات والدخول يف املجتمع‬ ‫املعني ملعرفة القواعد التي يقوم عليها‪،‬‬ ‫والنظم التي يدير بها �أموره‪ ،‬ولع ّل الن�ص‬ ‫القر�آين يهدف �إىل ذلك يف قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫انظ ُروا َك ْي َف َب َد�أَ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َف ُ‬ ‫ريوا فيِ ْ أ‬ ‫( ُق ْل �سِ ُ‬

‫الخْ َ ْل َق ُث َّم هَّ ُ‬ ‫الل يُن�شِ ُئ ال َّن ْ�ش�أَ َة ْالآخِ َر َة ِ�إ َّن‬ ‫هَّ َ‬ ‫الل َعلَى ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َقدِ ي ٌر) (العنكبوت‪)20:‬‬ ‫�إ َّن التوا�صل بني املجموعات الدينية‪،‬‬ ‫والثقافية‪ ،‬واالثنية‪ ،‬يفتح الباب لتفاهم‬ ‫يرفد العالقات الإن�سانية مبفاهيم تنظر‬ ‫ب�إيجابية للتعدد الديني والتنوع الثقايف‬ ‫وتعزز التعاي�ش ‪.‬‬ ‫م�شرياً اىل �أن الإعالم له ت�أثري كبري‬ ‫على الر�أي العام‪ ،‬فهو ي�شكل ثقافته ويعب�ؤه‬ ‫للتفاعل مع الأحداث �سلباً �أو �إيجاباً‪،‬‬ ‫فالإعالم هو �أيقونة الع�صر املعلوماتية‬ ‫ف�إذا ا�ستخدم ا�ستخداماً هادفاً �سي�ساهم‬ ‫يف تر�سيخ ثقافة الوحدة الوطنية‪ ،‬وذلك‬ ‫عن طريق ن�شر موا�ضيع تدعو للت�سامح‬ ‫وتبني حتمية االختالف و�ضرورته‬ ‫وكيفية التعامل معه‪ ،‬و�أن تتجنب و�سائط‬ ‫الإعالم املوا�ضيع التي من �ش�أنها �أن تثري‬ ‫الفتنة وتدعو للتع�صب وتن�شر الكراهية‪.‬‬ ‫وانتهت اجلل�سة الثانية بورقة الدكتوره‬ ‫ماجدة عكوب ع�ضو جلنة املر�أة يف املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية التي حتدثت عن دور‬ ‫املر�أة يف البناء‪.‬‬ ‫وناق�شت اجلل�سة امل�سائية حمور "املدر�سة‬ ‫الو�سطية ودورها يف ن�شر الإعتدال ورف�ض‬ ‫العنف" والذي حتدث فيها كل من‬ ‫الأ�ستاذ مروان �شحادة عن مناذج حلركات‬ ‫التطرف وجماعات التكفري بعنوان‪:‬‬ ‫(الثمار املرة و�أثرها يف زعزعة الإ�ستقرار‬ ‫وال�سلم العاملي)‪ ،‬ومعايل الدكتور حممد‬ ‫احلاليقة عن القوى الدولية و�أثرها يف‬ ‫�إجناح التجربة ال�سيا�سية الإ�سالمية‪ ،‬وهل‬ ‫هي معنية يف �إ�ستقرار املجتمعات العربية‬ ‫والإ�سالمية‪ ،‬وا�ستخدام اال�سلحة املحرمة‬ ‫دولياً خارج نطاق احلروب وا�ستهداف‬ ‫املدنيني‪.‬‬ ‫ومن اجلانب الرتكي حتدث الأ�ستاذ‬ ‫حممد زاهد جول عن دور احلركات‬ ‫الإ�سالمية املعتدلة يف تر�سيخ قيم‬ ‫االعتدال وامل�ساهمة يف �إ�ستقرار املجتمعات‬ ‫و�أمنها "التجربة الرتكية"‪.‬‬


‫المنتدى العالمي للوسطية يعقد ندوة دولية في تونس‬

‫�صورة جماعية للم�شاركني‬

‫�صور احدى جل�سات الندوة‬

‫الو�سطية يف مواجهة الغلو و التطرف "‬ ‫يوم االحد املوافق ‪2013/1/15‬‬ ‫و تناولت الندوة ظاهرة التطرف والغلو‬ ‫امل�ؤدّيني �إىل انت�شار ظاهرة العنف‬ ‫والإرهاب وما يتف ّرع عنها من �سلوكيات‬ ‫و�أفعال وت�صريفات تخ ّل بتوازن املجتمع‬ ‫وتهدّد �أمنه و�سلمه وتت�س ّبب يف ظهور‬ ‫حالة من اخلوف لدى النا�س من فئات ال‬ ‫متثل حقيقة هذا الدين وهو برئ منهم ‪.‬‬ ‫وقد حتدث يف الندوة املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري �أمني عام املنتدى وتناول فيها‬ ‫الأخطار التي حتيط بثورات ال ّربيع‬ ‫العربي و�ضرورة الو�سط ّية نهجا يف‬ ‫الرتبية والفهم للدين حتى يتج ّنب‬ ‫ّ‬ ‫ال�شباب ت�أزمي الأو�ضاع يف املنطقة مب ّينا‬ ‫�أهم ّية الو�سطية نهجا ح�ضاريا للأمة ال‬ ‫يجب �أن حتيد عنه ‪.‬‬ ‫و �شارك يف الندوة عدد من ال�شخ�صيات‬ ‫الفكرية و االعالمية و االكادميية باوراق‬ ‫عمل وهم ‪:‬‬ ‫االمام ال�صادق املهدي ‪ :‬رئي�س املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وورقته بعنوان " دور‬ ‫الأ�سرة يف مواجهة التطرف‪." .‬‬ ‫و اال�ستاذ منت�صر الزيات ‪ :‬حمامي و‬ ‫كاتب و م�ؤرخ ا�سالمي وورقته بعنوان "‬ ‫دور الإعالم يف مواجهة التطرف"‪.‬‬ ‫و �سليم حمدان ‪ :‬وزير �أمالك الدولة‬

‫لتون�سوورقته بعنوان " الأ�صولية ‪ ‬طريق‬ ‫لل�شمولية و عدو للدميقراطية" ‪.‬‬ ‫و ال�شيخ عبدالفتاح مورو ‪:‬نائب رئي�س‬ ‫حركة النه�ضة التون�سية وورقته بعنوان "‬ ‫الفكر التكفريي ( �أ�صول و�آثاره) يف �ضوء‬ ‫املنهج الإ�سالمي"‬ ‫و الدكتور عبداملجيد النجار ‪ :‬نائب رئي�س‬ ‫االحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني‬ ‫و ال�شيخ نور الدين اخلادمي ‪ :‬وزير‬ ‫ال�ش�ؤون الدينية يف تون�س ‪.‬‬ ‫و قد ح�ضر الندوة جمع غفري من نخب‬ ‫و مفكري تون�س و من خمتلف التيارات‬ ‫الدينية وال�سيا�سية ويقدر عددهم حوالة‬ ‫‪� 300‬شخ�ص من اجلن�سني ‪,‬و و�سائل‬ ‫الإعالم و ال�صحافة و القت الندوة تغطية‬ ‫�أعالمية كبرية لأهمية الندوة على احلياة‬ ‫الإجمالية ال�سيا�سية املعا�صرة يف تون�س و‬ ‫ما قد تواجهه من حتديات فكرية و دينية‬ ‫‪.‬‬ ‫وبناءاً على احلاح وطلب احل�ضور القى‬ ‫االمام ال�صادق املهدي يوم االثنني املوافق‬ ‫‪ 2013/12/16‬يف والية باجه �شمال‬ ‫العا�صمة التوني�سية بعنوان " م�شروع‬ ‫ميثاق اهل القبلة " دعا فيها اىل حترمي‬ ‫ا�ستخدام ا�سلحة الدمار ال�شامل و انتقد‬ ‫فيها ممار�سات املنظمات االرهابية‬ ‫والتكفريية والتي تدعي ال�سلفية‬

‫اجلهادية التي جرت الويالت على اال�سالم‬ ‫وامل�سلمني و حذر فيها من خطر التطرف‬ ‫واالرهاب الذي جر امل�ستعمرين اىل عقر‬ ‫بالد ال�سلمني وقد القت هذه املحا�ضرة‬ ‫ح�ضوراً كبريا حيث ح�ضرها اكرث من‬ ‫‪� 600‬شخ�ص من اجلن�سني‪.‬‬ ‫قد قام االمني العام للمنتدى املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري يرافقه النائب الدكتور‬ ‫حممد احلاج و بزياره اىل موريتانيا‬ ‫�أجرى الوفد خاللها عدة لقاءات مع‬ ‫امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية وغري‬ ‫الر�سمية عرب رئي�س فرع املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية يف موريتانيا العالمة اال�ستاذ‬ ‫طالب اخيار ماء العينني والتقى وزير‬ ‫ال�ش�ؤون اال�سالمية ف�ضيلة ال�شيخ احمد‬ ‫ولد النيني وكذلك هيئة كبار العلماء‬ ‫يف موريتانيا وزار عدداً من املحا�ضر‬ ‫العلمية ودور القر�آن الكرمي يف ال�صحراء‬ ‫املوريتانية واتفق الوفد على ان جترى‬ ‫خالل هذا العام عدة فعاليات منها م�ؤمتر‬ ‫ا�سالمي حول دور الو�سطية يف التنمية‬ ‫واال�ستقرار يف موريتانيا وكذلك عدة‬ ‫دورات للأئمة واخلطباء والتوا�صل مع‬ ‫حم�ضرة �أم القرى ودعمها لإن�شاء مبنى‬ ‫حلفظ القر�آن الكرمي وتعليمه‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪80‬‬

‫دور أئمة الجوامع في بث ثقافة التسامح والوسطية‬ ‫ورشة عمل لفرع المنتدى العالمي للوسطية في الباكستان‬ ‫‪ 18-17‬يونيو ‪2013‬م‬

‫عقد فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف‬ ‫الباك�ستان يومي ‪ 18-17‬يونيو ‪2013‬م‪،‬‬ ‫ور�شة عمل بعنوان‪ " :‬دور �أئمة اجلوامع‬ ‫يف بث ثقافة الت�سامح والو�سطية يف‬ ‫املجتمع" ح�ضرها حوايل ‪� 70‬إماماً‬ ‫وخطيباً من مدينتي راولبندي و�إ�سالم‬ ‫�آباد‪ ،‬يف الباك�ستان‪.‬‬ ‫وهدفت الور�شة �إىل �إبراز دور الأئمة‬ ‫واخلطباء يف بث ثقافة االحرتام‬ ‫املتبادل والت�سامح‪ ،‬وبناء املجتمع‪ ،‬وبث‬ ‫ثقافة الو�سطية والت�سامح بني املذاهب‬

‫• دور العلماء يف بث ثقافة االحرتام‬ ‫املتبادل والت�سامح‪.‬‬ ‫• دور اخلطباء والأئمة القيادي يف بناء‬ ‫املجتمع‪.‬‬ ‫• حقوق الأقليات يف املجتمع الإ�سالمي‬ ‫و�ضوابط التعاي�ش ال�سلمي‪.‬‬ ‫• املنهج الو�سط يف اخلالفات الفقهية‪.‬‬ ‫• م�س�ؤولية العلماء يف وحدة الأمة‪.‬‬ ‫• اال�ستفادة من �آراء املذاهب الفقهية‬ ‫املختلفة يف حل الأزمات العائلية‬ ‫واالجتماعية يف الع�صر احلا�ضر‪.‬‬

‫طاهر من�صوري‪ ،‬مدير عام �أكادميية‬ ‫ال�شريعة‪ ،‬ال�شيخ العالمة زاهد الرا�شدي‪،‬‬ ‫�أ�ستاذ احلديث بجامعة ن�صرة العلوم‬ ‫بـ"غوجرانواله"‪ ،‬ومدير حترير جملة‬ ‫ال�شريعة‪� ،‬سماحة املفتي حممد زاهد‪،‬‬ ‫نائب رئي�س اجلامعة الإ�سالمية الإمدادية‬ ‫بـ في�صل �آباد‪ ،‬ال�شيخ عبد العزيز حنيف‪،‬‬ ‫نائب �أمري جمعية �أهل احلديث املركزية‪،‬‬ ‫د‪ .‬طاهر حكيم رئي�س ق�سم ال�شريعة‬ ‫بكلية ال�شريعة‪ ،‬اجلامعة الإ�سالمية‬ ‫العاملية �إ�سالم �آباد‪ ،‬د‪ .‬ع�صمت اهلل‪ ،‬رئي�س‬

‫من �صور الور�شة‬

‫الفكرية والفقهية‪ ،‬ومدار�سة التعليما ت‬ ‫و�شارك يف الور�شة عدد من العلماء‪،‬‬ ‫ال�شرعية يف معاملة الأقليات يف املجتمعات منهم‪ :‬ال�شيخ العالمة حممد خان‬ ‫الإ�سالمية وحفظ حقوقها‪.‬‬ ‫�شرياين رئي�س جمل�س الفكر الإ�سالمي‪،‬‬ ‫وت�ضمنت الور�شة حماور عدة‪ ،‬من �أبرزها‪� :‬إ�سالم �آباد‪ ،‬الأ�ستاذ الدكتور حممد‬

‫ق�سم الفقه‪ ،‬جممع البحوث الإ�سالمية‪،‬‬ ‫الأ�ستاذ م�صباح الرحمن يو�سفي‪ ،‬رئي�س‬ ‫ق�سم التعليم باملرا�سلة ب�أكادميية الدعوة‬ ‫باجلامعة‪.‬‬


‫وقد افتتح الور�شة ف�ضيلة ال�شيخ‬ ‫حممد خان �شرياين رئي�س جمل�س‬ ‫الفكر الإ�سالمي‪( ،‬وهو بدرجة الوزير‬ ‫يف احلكومة الفيدرالية)‪ ،‬واملجل�س هيئة‬ ‫للعلماء لأ�سلمة القوانني يف البالد‪ ،‬وقد‬ ‫ح�ضر احلفل االفتتاحي �أي�ضاً �سماحة‬ ‫املفتي حممد زاهد نائب رئي�س اجلامعة‬ ‫الإ�سالمية الإمدادية مبدينة في�صل �آباد‪،‬‬ ‫والأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري‬ ‫املدير العام لأكادميية ال�شريعة باجلامعة‬ ‫الإ�سالمية العاملية‪ ،‬والأ�ستاذ الدكتور‬ ‫�سهيل ح�سن نائب املدير العام ملجمع‬ ‫البحوث الإ�سالمية‪.‬‬ ‫رحب الأ�ستاذ الدكتور‬ ‫ويف بداية احلفل‪ّ ،‬‬ ‫حممد طاهر من�صوري بال�ضيوف الكرام‬ ‫امل�شاركني يف احلفلة وقال يف كلمته‬ ‫االفتتاحية‪� :‬إ َّن ال�شريعة قد ح ّثت على‬ ‫االجتماع ونبذ الفرقة واخل�صام‪ .‬وتدل‬ ‫عليه عدة ن�صو�ص من الكتاب وال�سنة‪,‬‬ ‫منها‪ :‬قوله �سبحانه وتعاىل‪َ (( :‬يا �أَ ُّيهَا‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا ا َّت ُقوا اللهَّ َ َح َّق ُت َقا ِت ِه َو اَل‬ ‫تمَ ُ و ُتنَّ �إِ اَّل َو�أَ ْن ُت ْم م ُْ�س ِل ُمو َن * َو ْاع َت ِ�ص ُموا‬ ‫ب َِح ْبلِ اللهَّ ِ َجمِ ي ًعا َو اَل َت َف َّر ُقوا َوا ْذ ُك ُروا‬ ‫ِن ْع َمتَ اللهَّ ِ َعلَ ْي ُك ْم �إِ ْذ ُك ْن ُت ْم �أَ ْعدَا ًء َف�أَ َّل َف َبينْ َ‬ ‫ُق ُلو ِب ُك ْم َف�أَ ْ�ص َب ْح ُت ْم ِب ِن ْع َم ِت ِه ِ�إ ْخ َوا ًنا َو ُك ْن ُت ْم‬ ‫َعلَى َ�ش َفا ُح ْف َر ٍة مِ َن ال َّنا ِر َف�أَ ْن َق َذ ُك ْم مِ ْنهَا‬ ‫َك َذل َِك ُي َبينِّ ُ اللهَّ ُ َل ُك ْم �آ َيا ِت ِه َل َع َّل ُك ْم َت ْه َتدُو َن))‬ ‫(�آل عمران ‪ ،)103—107‬وكان من �أ ّول‬ ‫امل�شروعات املحمدية لتوطيد دعائم‬ ‫الوحدة يف املجتمع يف املدينة امل�ؤاخاة بني‬ ‫املهاجرين والأن�صار‪ ،‬وكان النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم حري�صاً �أ�شد احلر�ص على‬ ‫توحيد �صفوف امل�سلمني واالبتعاد عن كل‬ ‫ما قد ي�ؤدي �إىل فرقة و�شقاق‪ ،‬فقد ترك‬ ‫بناء الكعبة على قواعد �إبراهيم خمافة‬ ‫�أن تكون هذه اخلطوة �سبباً لالفرتاق بني‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬فقال لعائ�شة (ر�ضي اهلل عنها)‪:‬‬

‫"لو ال �أن قومك حديثو عهد بكفر لأ�س�ست‬ ‫البيت على قواعد �إبراهيم" فرتك تغيري‬ ‫بناء البيت ملا يف �إبقائه من ت�أليف القلوب‬ ‫ومثله مافعل ابن م�سعود ر�ضي اهلل عنه‬ ‫حينما �أنكر على عثمان ر�ضي اهلل تعاىل‬ ‫عنه �إمتام ال�صالة يف ال�سفر ثم �صلى‬ ‫خلفه متما وقال‪" :‬اخلالف �شر"‪.‬‬ ‫يتعر�ض املجتمع امل�سلم اليوم ل�صنوف‬ ‫من االفرتاق التي �ش ّتت وحدة امل�سلمني‬ ‫و�أ�ضعفت كيانهم‪ ،‬ومن �أبرزها ما يتعلق‬ ‫بالتع�صب املذهبي‪ ،‬فنجد �أن كل طائفة‬ ‫ومذهب يرى �أن احلق معه وحده‪ ،‬ويرمي‬ ‫خمالفه بالباطل �أحياناً‪ ،‬ويتهمه وين ّفر‬ ‫النا�س منه‪ .‬ف�أ�صبحت املواالة واملعاداة‬ ‫عند ه�ؤالء خا�ضعة لالنت�شار واحلزبية ال‬ ‫للحق والعدل والإن�صاف‪.‬‬ ‫لذا �أ�صبح من �ضروريات العمل‬ ‫الإ�سالمي‪� ،‬أن يبث الأئمة واخلطباء‬ ‫ثقافة الو�سطية والت�سامح وفق االحتاد‬ ‫واالئتالف‪.‬‬ ‫وقد �أكد ف�ضيلة ال�شيخ حممد خان‬ ‫�شرياين يف كلمته على االلتزام ب�أدب‬ ‫االختالف يف اخلالفات الفقهية‪َّ ،‬‬ ‫وحث‬ ‫�أئمة امل�ساجد واخلطباء على القيام‬ ‫بدورهم القيادي لتوحيد �صفوف النا�س‬ ‫وحتذير النا�س من الآفات االجتماعية‬ ‫مثل احلقد والغل والبغ�ضاء والعداوة‪.‬‬ ‫وحتدث �سماحة املفتي حممد زاهد عن‬ ‫"دور العلماء يف ايجاد الت�سامح الديني يف‬ ‫املجتمع امل�سلم" وقال حفظه اهلل‪� :‬إن اهلل‬ ‫جعل الإن�سان خليفة يف الأر�ض‪ ،‬وكان من‬ ‫واجبه �أن يع ّمرها ويج ّنبها من التخريب‬ ‫والف�ساد‪.‬ولكن الإن�سان ين�سى واجبه‬ ‫ب�سبب تناق�ضات وخالفات جن�سية ولونية‬ ‫ولغوية وفكرية نرى من �أ�شدها تنازعات‬ ‫طوائف الدينية"‪ .‬ومن النقاط الرئي�سة‬ ‫يف كلمته �أن‪ " :‬االختالف �سنة كونية ال‬

‫حمي�ص عنها"‪ ،‬و�أن‪" :‬هذا االختالف‬ ‫ابتالء من اهلل تعاىل ويوم الف�صل هو‬ ‫يوم القيامة" و�أنه‪" :‬ال �إكراه يف الدين"‬ ‫‪ ،‬و�أن االختالف ال ينبغي �أن يكون �سببا‬ ‫للمعاداة " ‪ ،‬و�أن ‪" :‬مراعاة احلكمة يف‬ ‫دعوة الأخرين واجب" ‪ ،‬و احرتام م�شاعر‬ ‫الآخرين خلق �إ�سالمي عظيم" وقد �شرح‬ ‫حفظه اهلل جميع النقاط ب�أمثلة وا�ضحة‬ ‫و�أ�سلوب �أخاذ‪.‬‬ ‫وحتدث ال�شيخ عبد العزيز حنيف �أحد‬ ‫العلماء البارزين يف �إ�سالم �آباد‪ ،‬فركز‬ ‫على دعوة امل�شاركني �إىل تفعيل دور املنرب‬ ‫واملحراب يف بث ثقافة الت�سامح واالحرتم‬ ‫املتبادل‪.‬‬ ‫وحتدث يف الور�شة �سعادة الدكتور‬ ‫ع�صمت اهلل عنايت اهلل حول "الأقليات يف‬ ‫املجتمع الإ�سالمي‪ :‬حقوقهم والتعاي�ش‬ ‫ال�سلمي معهم‪ ،‬و�إ َّن الأقليات يف ع�صرنا‬ ‫تتكون �إما على �أ�س�س عرقية وقبيلة �أو‬ ‫لغوية �أو لونية �أو على �أ�س�س البلد والوطن‪.‬‬ ‫وقال �أن كل خالف على هذه الأ�س�س ملغى‬ ‫اعتباره يف ال�شريعة ك�أ�سا�س للمواطنة‪� ،‬أو‬ ‫تك ُّون الأقلية والأكرثية‪ ،‬والأقليات نوعان‬ ‫‪� :‬أقليات م�سلمة يف بالد غري �إ�سالمية‪،‬‬ ‫و �أقليات غري م�سلمة يف بالد �إ�سالمية‪،‬‬ ‫وكل �أقلية منها من نوعني‪� :‬أقليات ذات‬ ‫�إقامة دائمة ك�أهل الذمة من �أهل الكتاب‬ ‫واملجو�س والوثنيني‪ ،‬و�أخرى ذات �إقامة‬ ‫م�ؤقتة مثل امل�ست�أمنني‪ ،‬والدبلوما�سيني‬ ‫وغريهم‪ .‬ثم �أكد �سعادته على �أن اختالف‬ ‫الديانات م�شيئة �إلهية‪ ،‬ويعرتف الإ�سالم‬ ‫بوجود الكفر والكفار‪ ،‬وحتى وجود‬ ‫ال�شيطان �إىل جنب الإن�سان لالبتالء‪.‬‬ ‫ولكل من الأقليات حقوق يعرتف بها‬ ‫الإ�سالم ويتبناها امل�سلمون‪ ,‬منها‪ :‬حق‬ ‫العقيدة والتدين‪ ،‬وحق احلياة وحمايتها‪،‬‬ ‫وحق حرمة الأموال‪ ،‬والت�أمني عند العجز‬

‫‪81‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪82‬‬

‫�صورة للم�شاركني بالور�شة‬

‫وال�شيخوخة والفقر‪ ،‬وقبول �شفاعتهم يف‬ ‫بع�ض الأحوال‪.‬‬ ‫ثم كانت كلمة الأ�ستاذ ال�شيخ م�صباح‬ ‫الرحمن يو�سفي الذي �أكد على �أن‬ ‫االعت�صام بحبل اهلل وعدم التفرق هو‬ ‫الهدف الأ�صيل للأمة الإ�سالمية‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫�إن ذلك من م�س�ؤوليات علماء هذه الأمة‬ ‫و�أئمة م�ساجدها وخطبائها الذين لهم‬ ‫�صلة قوية بالأمة فيجتمعون بهم كل‬ ‫يوم خم�س مرات يف امل�سجد ومرة يف‬ ‫الأ�سبوع يف �صالة اجلمعة ‪ ،‬وعند جميع‬ ‫املنا�سبات الأخرى‪ .‬ولهم دور كذلك يف‬ ‫ردع ال�صراعات الفكرية العنيفة بني الفكر‬ ‫الإ�سالمي ال�سليم والغزو الفكري ال�سقيم‬ ‫‪ ،‬فهم الذين قاموا مبواجهة هذه املوجات‬ ‫يف املا�ضي وعاجلوا ال�شبهات املثارة ب�أ�سلوب‬ ‫موفق �أدى �إىل جناح الأمة وجناتها من‬ ‫هذه الباليا‪.‬‬ ‫وكانت الكلمة الأخرية لف�ضيلة ال�شيخ‬ ‫الأ�ستاذ زاهد الرا�شدي‪ ،‬وقال �سماحته يف‬ ‫كلمته‪� :‬إن عوامل االفرتاق يف املجتمع‬ ‫كلها ال ترجع �إىل العلماء‪ ،‬فمنها ما‬

‫يرجع �إىل الع�صبيات املختلفة يف الع�صبية‬ ‫القبلية والل�سانية واحلزبية ومنها ما‬ ‫يعود �إىل التع�صب املذهبي والتحم�س لآراء‬ ‫مذهب معني واملعاداة ملذهب �آخر وتنفري‬ ‫النا�س منه‪ .‬ثم التفت �إىل العلماء منبها‬ ‫�إىل دورهم املهم يف التقليل من الع�صبية‬ ‫فق�سم م�صادر اخلالفات �إىل‬ ‫املذهبية‪ّ ،‬‬ ‫�أربعة م�ستويات‪:‬‬ ‫امل�ستوى الأول‪ :‬م�ستوى الإميان‬ ‫والكفروهو خالف بني اليمانات املختلفة‬ ‫‪ ،‬مثل الإ�سالم واليهودية والن�صرانية‬ ‫وغريه ‪ .‬امل�ستوى الثاين‪ :‬هو م�ستوى‬ ‫احلق والباطل وهذا هو ما�سماه ويل‬ ‫اهلل الدهلوي باختالف �أهل القبلة‪ .‬هذا‬ ‫اخلالف ال يرجع �إىل العقيدة نف�سها‬ ‫و�إمنا �إىل تف�سري العقيدة والتعبري عنها‬ ‫مثل اخلالف ك�أهل ال�سنة وال�شيعة وبني‬ ‫الفرق الإ�سالمية املختلفة واملعتزلة‬ ‫واخلوارج‪ .‬وامل�ستوى الثالث‪ :‬م�ستوى‬ ‫اخلط�أ وال�صواب‪ :‬وهذا يتعلق باخلالفات‬ ‫الفقهية بني املذاهب املختلفة‪ .‬وامل�ستوى‬ ‫الرابع‪ :‬م�ستوى الأوىل وغري الأوىل وقال‬

‫ب�أن امل�شكلة ت�شتد عندما ال نفرق بني هذه‬ ‫امل�ستويات اخلالفية فنعامل اخلالفات‬ ‫يف امل�ستوى الثالث وامل�ستوى الرابع‬ ‫معاملة امل�ستويني الأول والثاين‪ .‬فعلى‬ ‫�سبيل املثال عندما نعالج خالفات الأوىل‬ ‫وغري الأوىل نعاملها م�ستعملني ال�سالح‬ ‫املطلوب ملعاملة الكفر والإميان‪ .‬وقد �شرح‬ ‫ف�ضيلته كل م�ستوى من هذه امل�ستويات‬ ‫ب�أمثلة بيانية وا�ضحة‪ ،‬ثم اقرتح ح ً‬ ‫ال‬ ‫�شام ً‬ ‫ال حلل النزاعات الطارئة مهما كان‬ ‫م�ستواها‪ ،‬ويتمثل هذا احلل يف ت�شكيل‬ ‫جلنة م�شرتكة بني العلماء من خلفيات‬ ‫فكرية خمتلفة و�أخرب �أنهم قد جربوا‬ ‫هذا احلل يف ت�شكيل جلنة م�شرتكة بني‬ ‫العلماء من خلفيات فكرية خمتلفة و�أخرب‬ ‫�أنهم قد ج ّربوا هذا احلل يف منطقتهم‬ ‫ف�أتى بنتائج تطمئن �إليها القلوب وتثلج‬ ‫لها ال�صدور‪ .‬وركز على ال�شورى الف�صل‬ ‫بني املنازعات وحل النوازل‪.‬‬ ‫ويف نهاية احلفل وزعت �شهادات امل�شاركة‬ ‫للم�شاركني‪ ،‬كما ّ‬ ‫مت �إهداء عدد من‬ ‫املن�شورات املتعلقة مبحاور الور�شة‪.‬‬


‫اقام فرع جرش محاضرة بعنوان‬ ‫تربية األبناء وتحديات العصر‬ ‫�أميانا ب�أهمية تربية الأبناء تربية �صاحله‬ ‫�إ�سالميه باعتباره احد التحديات التي‬ ‫تواجه اال�سره امل�سلمة يف هذا الع�صر وما‬ ‫لهذا الن�شئ من دور م�ستقبلي يف بناء‬ ‫املجتمعات ونه�ضتها �أقام منتدى الو�سطية‬ ‫للفكر والثقافة ‪/‬فرع جر�ش حما�ضره‬ ‫بعنوان ( تربية الأبناء وحتديات الع�صر)‬ ‫قدمتها الأخ�صائية اال�سريه ماجدة عكوب‬ ‫والدكتورة نوار �شرار وبح�ضور عدد كبري‬ ‫من وجهاء ومثقفي مدينة جر�ش ‪.‬‬ ‫وقد �أ�ستهل رئي�س الفرع حممد عوده بني‬ ‫م�صطفى اللقاء بالرتحيب باملحا�ضرتني‬ ‫الكرميتان واحل�ضور الكرام ‪.‬وحتدثت‬ ‫املحامية �سهام بني م�صطفى والتي �أدارت‬ ‫احلوار ‪ ,‬عن منهج الو�سطية واالعتدال‬

‫و�إبراز �صورة الإ�سالم احلقيقية امل�شرقة‬ ‫يف فهم الإ�سالم دينا وح�ضار ًة وكذلك‬ ‫حتدثت عن الأ�س�س الواجب �إتباعها‬ ‫يف تربية الأبناء ‪ ,‬ثم قامت بتقدمي‬ ‫املحا�ضرتني ‪.‬‬ ‫وقد حتدث املحا�ضرة الدكتورة نوار �شرار‬ ‫عن التحديات التي تواجه اال�سره يف‬ ‫تربية الأبناء وطرحت الكثري من الأفكار‬ ‫ملعاجلة هذه التحديات‪ ,‬كما حتدثت عن‬ ‫امل�ؤمترات التي تعاملت مع تربية الأبناء‬ ‫ومدى ان�سجام هذه امل�ؤمترات مع الطرق‬ ‫ال�صحيحة يف تربية الأبناء‪.‬‬ ‫ثم حتدثت اال�ستاذه ماجدة عكوب عن‬ ‫جمموعه من املواقف والتجارب والطرق‬ ‫والو�سائل لرتبية الأبناء تربيه �صحيحة‬

‫وركزت على القدوة احل�سنه وعدم الرتكيز‬ ‫على �سلبيات الأبناء وو�ضع �أ�سا�س لتقاليد‬ ‫لها معنى هادفة ‪.‬واختتمت كالمها بان‬ ‫املر�أة والتعليم والقوانني لها الدور الكبري‬ ‫يف الت�أثري على اال�سره ب�شكل عام والأبناء‬ ‫ب�شكل خا�ص‪.‬‬ ‫وجرى نقا�ش مثمر وم�شوق يف ختام‬ ‫املحا�ضرة مع احل�ضور ‪ ,‬ويف نهاية‬ ‫املحا�ضرة �شكر رئي�س املنتدى املحا�ضرتان‬ ‫الكرميتان واحل�ضور املميز‪ ,‬وقد قام‬ ‫احل�ضور ب�شكر املنتدى على �إتاحة مثل‬ ‫هذه الفر�صة وهذا للقاء املميز ‪.‬وطالبوا‬ ‫املنتدى بتعزيز مثل هذه الفعاليات‬ ‫والأن�شطة م�ستقب ً‬ ‫ال‬

‫وسطية السلط ‪ /‬تنظم ندوه عن الحج وفضل العشر االوائل من ذي الحجة‬ ‫اقام منتدى الو�سطيه للفكر والثقافه‬ ‫ال�سلط ندوه عن احلج وف�ضل الع�شر‬ ‫االوائل من ذو احلجه يف قاعة غرفة‬ ‫جتارة ال�سلط و�سط ح�ضور غ�صت القاعه‬ ‫به وحا�ضر بالندوه الداعيه الدكتور‬ ‫حممد الق�ضاه وادار اللقاء الدكتور احمد‬ ‫اخلراب�شه ‪.‬‬ ‫وحتدث الدكتور الق�ضاه عن تاريخ‬ ‫احلج يف اال�سالم وعن ف�ضل احلج وانواعه‬ ‫ومنا�سكه ومواقيته واالحرام وعن يوم‬ ‫الرتويه ويوم عرفه وعيد اال�ضحى وايام‬ ‫الت�شريق وطواف الوداع وحتدث عن ف�ضل‬ ‫الع�شر االوائل من ذي احلجه وخ�صائ�صها‬ ‫والدرو�س امل�ستفاده منها كما ورد يف القران‬ ‫ا�س‬ ‫الكرمي لقوله تعاىل ‪َ ( :‬و�أَ ِّذ ْن فيِ ال َّن ِ‬ ‫ِبالحْ َ ِّج َي�أْ ُت َ‬ ‫وك ر َِجا ًال َو َعلَى ُك ِّل َ�ضامِ رٍ َي�أْ ِت َ‬ ‫ني‬

‫مِ نْ ُك ِّل َف ٍّج عَمِ يقٍ * ِل َي ْ�ش َهدُوا َم َنا ِف َع َل ُه ْم‬ ‫الل فيِ �أَ َّيا ٍم َم ْع ُلومَاتٍ )‬ ‫َو َي ْذ ُك ُروا ْا�س َم هَّ ِ‬ ‫(�سورة احلج ‪ :‬الآيتان ‪)28- 27‬‬ ‫وكما ورد يف ال�سنه النبويه عن ابن‬ ‫عبا�س – ر�ضي اهلل عنهما – �أنه قال ‪:‬‬ ‫يقول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ‪:‬‬ ‫أحب �إىل‬ ‫" ما من �أيا ٍم العمل ال�صالح فيها � ُّ‬ ‫اهلل من هذه الأيا ِم ( يعني �أيا َم الع�شر ) ‪.‬‬ ‫قالوا ‪ :‬يا ر�سول اهلل ‪ ،‬وال اجلها ُد يف �سبيل‬ ‫اهلل ؟ قال ‪ :‬وال اجلها ُد يف �سبيل اهلل �إال‬ ‫ٌ‬ ‫رجل خرج بنف�سه وماله فلم يرج ْع من‬ ‫ذلك ب�شيء "‬ ‫( �أبو داود ‪ ،‬احلديث رقم ‪)2438‬‬ ‫وعن العبادات والطاعات امل�شروعه يف‬ ‫االيام الع�شر من اكثار لذكر اهلل وتالوة‬ ‫القران الكرمي واالكثار من �صالة النوافل‬

‫وذبح اال�ضاحي واالكثار من ال�صدقات‬ ‫وقيام الليل واداء العمره وزيارة امل�سجد‬ ‫النبوي يف املدينه املنوره وتطرق اىل‬ ‫الدرو�س امل�ستفاده من ف�ضل الع�شر‬ ‫االوائل من ذي احلجه مثل التوجيه‬ ‫النبوي الرتبوي اىل ان يف حياة امل�سلم‬ ‫املنا�سبات التي يجب ان يتفاعل معها وانها‬ ‫لها الف�ضل يف ا�ستمراريه توا�صل امل�سلم‬ ‫مع خالقه وتطرق اىل عدة درو�س اخرى ‪.‬‬ ‫وكان احيا عربيات رئي�س املنتدى قد رحب‬ ‫باملحا�ضر واحل�ضور وقال اننا يف املنتدى‬ ‫ننظم هذه الندوه وامل�سلمني يتوجهون‬ ‫هذه االيام اىل الديار املقد�سه الداء‬ ‫فري�ضة احلج و يحتفلون بعيد اال�ضحى‬ ‫املبارك ولي�ستفيد منها امل�سلم ‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪84‬‬

‫علماء ومفكرون وباحثون من السودان يدعون لتبني‬ ‫المنهج الوسطي في مواجهة تحديات األمة‬

‫حتت �شعار "�إ َّن لربكم يف �أيام دهركم‬ ‫نفحات �إال فتعر�ضوا لها"‪ ،‬نظم املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية فرع ال�سودان �إفطاره‬ ‫ال�سنوي يف ‪ 25‬رم�ضان ‪1343‬هـ بقاعة‬ ‫الأ�سكال علي �ضفاف النيل الأزرق ‪،‬‬ ‫مب�شاركة جمموعة من �أ�ساتذة اجلامعات‬ ‫والباحثني يف الفكر اال�سالمي‪ ،‬ورجال‬ ‫الأعمال والإعالميني واملُثقفني‪،‬‬ ‫وجاء احلفل �ضمن ر�سالة املنتدى يف‬ ‫اللتوا�صل وخلق �شراكة حقيقية بني‬ ‫املنتدى واملجتمعات العربية والإ�سالمية‪،‬‬ ‫خللق حالة من الوعي واحلراك املجتمعي‬ ‫لأهمية الفكر الو�سطي يف حتقيق ال�سلم‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫وبد�أ احلفل بكلمة ترحيبية من الأ�ستاذ‬ ‫حممد الأمني عبد النبي ‪�-‬أمني �إعالم‬ ‫املنتدى‪�-‬شاكراً للح�ضور تلبية الدعوة‪،‬‬ ‫وكا�شفاً عن �أهداف الإفطار املتمثلة يف‬ ‫التعريف باملنتدى والتفاكر‪ ،‬والع�صف‬ ‫الذهني حول �أهدافه وبراجمه‪ ،‬ك�إنطالقة‬ ‫حلوار متوا�صل ومت�صل لإبراز الفكر‬ ‫الو�سطي‪ ،‬وتعزيز ثقافة االعتدال‪ .‬ودعا‬ ‫امل�شاركني للطواف على معر�ض املطبوعات‬ ‫والكتب امل�صاحب للربنامج‪ ،‬ومن ثم مت‬ ‫عر�ض فلم �صغري تعريفي باملنتدي العاملي‬ ‫للو�سطية من دولة املقر حول ن�ش�أة الفكرة‬ ‫و�أن�شطة املنتدى وتطلعاته‪.‬‬ ‫من جانبه حتدث ال�شيخ عبد املحمود �أبو‬ ‫�إبراهيم ‪-‬رئي�س فرع املنتدى يف ال�سودان‬

‫عن �أهداف املنتدى ون�ش�أته و�ضرورة‬ ‫قيامه وطبيعته و�أن�شطته‪ ،‬والتي يراد‬ ‫بها ت�شكيل العقل اجلمعي للأمة‪ ،‬املتبني‬ ‫للأ�سلوب ال�سمح يف ن�شر الدعوة وحلحلة‬ ‫امل�شاكل وفق منهج الر�سول ‪�-‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،-‬ونا�شد �أبو �إبراهيم احل�ضور‬ ‫ب�ضرورة التنا�صح والت�آزر والتعاون‬ ‫وال�شراكة من �أجل تقدمي املنهج الو�سطي‪،‬‬ ‫وتعزيز ثقافة الو�سطية واالعتدال بني كل‬ ‫فئات املجتمع وبني املفكرين وال�سيا�سيني‬ ‫كمدخل حلل م�شاكل ال�سودان �سواء كانت‬ ‫يف احلكم �أو احلرب �أو الإقت�صاد ‪،...‬‬ ‫ومو�ضحاً �أن املنتدى مفتوح لكل الذين‬ ‫ي�ؤمنون ب�أهدافه ور�سالته ور�ؤيته ‪.‬‬ ‫ودار نقا�ش وحوار معمق بني العلماء‬ ‫احل�ضور‪ ،‬حول عظمة الو�سطية يف‬ ‫الدعوة للإ�سالم‪ ،‬باعتبارها منهج ر�سول‬ ‫الإ�سالم ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬يف الدعوة‬ ‫اخلالدة‪ ،‬و�ضرورة تقدمي الإ�سالم مبا‬ ‫فيه من �سماحة وجمال وعظمة وروعة‪،‬‬ ‫وحاجة الدعوة اليوم لأ�سلوب (خماطبة‬ ‫النا�س على قدر عقولهم)‪ ،‬وقد �شدد‬ ‫امل�شاركون على �أهمية �إتباع منهج الو�سطية‬ ‫والع�ض عليه بالنواجذ والت�صالح مع روح‬ ‫الع�صر وا�ستخدام الو�سائل الع�صرية‬ ‫لن�شر الفكر الو�سطي‪ ،‬باعتباره م�شروعاً‬ ‫تنويرياً ح�ضارياً معا�صراً‪ ،‬وتنزيل ثقافة‬ ‫الو�سطية لعامة النا�س‪ ،‬مع الرتكيز على‬ ‫ال�شباب واملر�أة‪ ،‬وعزل ظاهرة الت�شدد‬

‫والتطرف والغلو التي �سادت يف املجتمع‪،‬‬ ‫وتقدم نهجاً و�سطياً حقيقياً يقبل الآخر‬ ‫ويحاوره ويتعاي�ش معه‪.‬‬ ‫م�ؤكدين يف ختام مناق�شاتهم على �أ َّن‬ ‫الو�سطية واالعتدال جزء من طبيعة‬ ‫التدين ال�سوداين‪ ،‬و�أ َّن ظواهر التع�صب‬ ‫والتطرف دخيلة عليه‪.‬‬ ‫اجلدير بالذكر �أ َّن االفطار � ّأمه عدد مقدر‬ ‫من املفكرين والباحثني من بينهم د‪.‬عبد‬ ‫الرحيم علي املفكر املعروف‪ ،‬ومدير معهد‬ ‫اخلرطوم الدويل للغة العربية د‪ .‬حمد‬ ‫عمر حاوي جامعة بحري‪ ،‬د‪ .‬فتح العليم‬ ‫عبد احلي منتدي يرثب الفكري‪ ،‬ال�شريف‬ ‫االدري�سي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحيم ادم جامعة‬ ‫الرباط الوطني‪ ،‬د‪ .‬علي عبد الرحمن‬ ‫املعهد االقليمي لتنمية وتدريب املجتمع‬ ‫املدين‪� ،‬أ‪ .‬بكري حاج علي جامعة �أم درمان‬ ‫اال�سالمية‪ ،‬عبد القادر الف�ضل‪ ،‬عو�ض‬ ‫الكرمي ف�ضل املويل‪ ،‬حممد مو�سي حممد‬ ‫�أمني العالقات اخلارجية بهئية �شئون‬ ‫الأن�صار‪� ،‬صديق حممد احمد املادح ‪� ،‬سيف‬ ‫الدين مر�سال‪ ،‬حممد عبا�س الفادين‪،‬‬ ‫ها�شم التوم هجو‪ ،‬هيثم حممد �صالح من‬ ‫بنك في�صل الإ�سالمي ح�ضوراً �أنيقاً‪ ،‬كما‬ ‫كان مل�شاركة ال�سيد حممد املومني القائم‬ ‫بالأعمال ب�سفارة دولة الأردن –دولة املقر‬ ‫للمنتدى‪� -‬أهمية كبرية‪ ،‬هذا بجانب عدد‬ ‫من الإعالميني ال�سودانيني‪.‬‬


‫مأدبة تكريمية في فرع‬ ‫المنتدى العالمي للوسطية‬ ‫موريتانيا‬

‫الوسطية وإيجابية المشاركة في االنتخابات‬ ‫البلدية‬ ‫محاضرة في فرع المنتدى في جرش‬

‫نظم املنتدى العاملي للو�سطية فرع موريتانيا �إفطا ًر ال�صائم يف‬ ‫حم�ضرة �أم القرى يف نواك�شوط‪.‬‬ ‫وح�ضر املنا�سبة جمع غفري‪ ،‬بينهم العالمة �أحمد ولد النيني‬ ‫وزير ال�ش�ؤون الأ�سالمية والتعليم الأ�صلي‪ ,‬والعالمة حممد‬ ‫املختار ولد امباله رئي�س الهيئه العليا للفتوى واملظامل‪ ,‬ورئي�س‬ ‫جمل�س جائزة �شنقيط ‪ ,‬ورئي�س املجل�س الإ�سالمي الأعلى‪,‬‬ ‫ورئي�س االحتاد الوطني للأئمة‪ ,‬وغريهم من ال�شخ�صيات‬ ‫العلمية املعروفه يف ال�ساحة الدعوية‪.‬‬ ‫وكانت املنا�سبة فر�صة للتعريف باملنتدى و�أهدافه ودعوة‬ ‫العلماء والباحثني �إىل الإ�سهام يف م�شاريع وبرامج املنتدى‬ ‫احل�ضارية‪ ,‬ومت توزيع مطبوعات املنتدى على احلا�ضرين‪.‬‬

‫�أمياناً ب�أهمية الو�سطية وااليجابية يف بناء املجتمعات‪� ،‬أقام‬ ‫منتدى الو�سطية يف جر�ش حما�ضرة حول (�أهمية الو�سطية‬ ‫وااليجابية يف التعاطي مع االنتخابات البلدية) �ألقاها معايل‬ ‫الدكتور عاطف ع�ضيبات وزير العمل ال�سابق بح�ضور عدد كبري‬ ‫من وجهاء ومثقفي مدينة جر�ش‪� ،‬ضمن اهتمام املنتدى بق�ضايا‬ ‫املجتمع املحلي‪.‬‬ ‫و�أبرز املحا�ضر �أهمية فهم الإ�سالم ديناً وح�ضار ًة‪ ,‬حيث‬ ‫تناول الو�سطية واالعتدال وااليجابية كمفاهيم راقيه تنه�ض‬ ‫باملجتمعات والأمم‪ ,‬م�ؤكداً على �ضرورة �أن يكون املواطن‬ ‫�إيجابياً‪ ،‬لأ َّن يف االيجابية معنى التجاوب والتفاعل والعطاء‪.‬‬ ‫وقد اخ ُتتمت املحا�ضرة بنقا�ش مو�سع وعميق بني ال�ضيف‬ ‫وال�سادة احل�ضور‪.‬‬

‫نشاطات لجنة المرأة في شهري تموز وحزيران ‪2013‬‬ ‫�ضمن �سل�سلة ن�شاطات جلنة املر�أة يف متوز‬ ‫وحزيران ‪ ،2013‬فقد نظمت �سل�سلة من‬ ‫الن�شاطات‪ ،‬والتي منها‪:‬‬ ‫ يف �إطار �سل�سلة (تعليم اللغة العربية‬‫لغري الناطقني بها)‪ ،‬قامت ال�سيدة وفاء‬ ‫خرمي‪ /‬ع�ضو جلنة املر�أة يف منتدى‬ ‫الو�سطية ب�إلقاء حما�ضرة يف عدد من‬ ‫الطالبات من اندوني�سيا واملقيمات‬ ‫يف الأردن‪ ،‬وذلك بهدف متكني ه�ؤالء‬ ‫الطالبات من تالوة القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫وغر�س القيم الإ�سالمية يف نفو�سهن ‪.‬‬ ‫ وا�صلت ال�سيدة �آمنه كتانة دورة حتفيظ‬‫القر�آن الكرمي ملجموعة من الأطفال‪،‬‬ ‫وذلك لتوثيق �صلتهم بكتاب اهلل العزيز ‪.‬‬ ‫ متابعة �أعطاء الدر�س الديني الأ�سبوعي‬‫من قبل الواعظه ام �ضياء ‪.‬‬ ‫ تابعت ال�سيدة ماجده عكوب تقدمي‬‫خدماتها يف جمال اال�ست�شارات الأ�سرية‬ ‫وذلك‪ ،‬لإيجاد احللول للم�شكالت‬ ‫الأ�سرية‪.‬‬

‫ عقدت كل من ال�سيدات منوه �أبو حيانة‬‫وماجدة عكوب والدكتورة نوال �شرار‬ ‫اللقاء اخلام�س ل�صديقات املنتدى وذلك‬ ‫ملناق�شة اطروحة الدكتوراة للدكتورة‬ ‫منوه �أبو حيانة بعنوان (�أمنوذج مقرتح‬ ‫للرقابة االدارية يف وزارة الرتبية والتعليم‬ ‫الأردنية) وذلك لت�شبيك العالقات مع‬ ‫م�ؤ�س�سات املجتمع املدين‪ ،‬والتعريف‬ ‫باملنتدى ور�سالته من خالل ن�شاطات‬ ‫املر�أة فيه ‪.‬‬

‫والتن�سيق بهدف توعية املر�أة ورعايتها‬ ‫وتزويدها بكل جديد‪.‬‬ ‫ قامت كل من الدكتورة نوال �شرار‬‫وال�سيدة ماجدة عكوب با�شراف جلنة‬ ‫املر�أة امل�شاركة يف احتفال فرع جر�ش‬ ‫بتكرمي ال�سيدات النا�شطات وتقدمي‬ ‫حما�ضرة حول دور املر�أة ما بعد التكرمي‪،‬‬ ‫من �أجل ت�سليط ال�ضوء على �أهمية مكانة‬ ‫املر�أة ون�شر الوعي يف ظل التحديات التي‬ ‫تواجهها املر�أة يف الع�صر احلديث‪.‬‬

‫ �أ�صدرت الدكتورة نوال �شرار وال�سيدة‬‫ماجدة عكوب ن�شرة توعوية بعنوان‬ ‫"العطلة املدر�سية بني امللل و البهجة"‬ ‫بهدف ن�شر الوعي بني الأمهات نحو‬ ‫اال�ستغالل الأمثل للعطلة املدر�سية مبا‬ ‫يعود بالنفع على الأبناء و اال�سرة‪.‬‬ ‫ قامت املحا�ضرة الدكتورة نوال �شرار‬‫وال�سيدة ماجدة عكوب يف جلنة املر�أة‬ ‫بزيارة م�سجد ال�شهيد عمر املختار‪/‬‬ ‫اجلويدة مع الواعظة فاطمة الرتتري‬

‫ �أقيم احتفال ال�ستقبال ال�شهر الف�ضيل‬‫بادارة ال�سيدة رويدا رياالت‪ ،‬ومب�شاركة‬ ‫د‪ .‬نوال �شرار‪ ،‬د‪ .‬فايزة ال�سكر‪ ،‬ال�سيدة‬ ‫ماجدة عكوب‪ ،‬ال�سيدة �أ�سماء الفاعوري‪،‬‬ ‫ال�سيدة �إميان ال�صفدي‪ ،‬ال�سيدة مي�سر‬ ‫حياري للتذكري بف�ضل ال�شهر املبارك‬ ‫وعظيم �ش�أنه عنداهلل �سبحانه‪ ،‬والت�أكيد‬ ‫على �أن رم�ضان �شهر التجديد للعهود‪،‬‬ ‫واملواثيق مع اهلل‪ ،‬وهو �شهر التغيري‬ ‫ونقطة االنطالق اىل ف�ضاءات الطاعة‪،‬‬ ‫والعمل اجلاد‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪86‬‬

‫االستقامة و االعتدال و دورهما في نهضة المجتمع المسلم‬ ‫مؤتمر دولي عقده المنتدى العالمي للوسطية في الباكستان‬

‫اجلل�سة االفتتاحية‬

‫• نبذة عن امل�ؤمتر‪:‬‬ ‫مت عقد امل�ؤمتر الدويل حول "اال�ستقامة‬ ‫و االعتدال و دورهما يف نه�ضة املجتمع‬ ‫امل�سلم" برعاية معايل رئي�س اجلامعة‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور يو�سف بن �أحمد‬ ‫الدريوي�ش خالل الفرتة ما بني الواحد‬ ‫و الع�شرين و الثالث و الع�شرين من‬ ‫�شهر يناير ‪2014‬م املوافق التا�سع ع�شر‬ ‫اىل احلادي و الع�شرين من �شهر ربيع‬ ‫الأول ‪1435‬هجري و قد قامت �أكادميية‬ ‫ال�شريعة التابعة للجامعة الإ�سالمية‬ ‫العاملية ب�إ�سالم �أباد بالتعاون مع املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية باالردن و هيئة التعليم‬ ‫العايل بباك�ستان بتنظيم هذا امل�ؤمتر ‪.‬‬ ‫و �شارك يف هذا اللقاء العلمي نخبة من‬ ‫العلماء و املفكرين من داخل البلد و‬ ‫خارجه و بخا�صة من اململكة الأردنية‬ ‫الها�شمية و �سلطنة عمان و املغرب العربي‬ ‫‪ .‬و ممن �شاركوا يف امل�ؤمتر ببحوثهم‬ ‫القيمة ف�ضيلة الدكتور كهالن بن نبهان‬

‫اخلرو�صي –م�ساعد املفتي العام ب�سلطنة‬ ‫عمان ‪� ,‬سعادة الدكتور �سعدالدين العثماين‬ ‫–وزير اخلارجية الأ�سبق باملغرب العربي ‪,‬‬ ‫ال�شيخ �صاحبزاه حممد �أمني احل�سنات –‬ ‫وزير الدولة لل�ش�ؤون الدينية بباك�ستان ‪,‬‬ ‫�سفري املغرب العربي‪ -‬ال�سيد م�صطفي‬ ‫�صالح الدين ‪ ,‬راعي اجلامعة الإ�سالمية‬ ‫العاملية –اال�ستاذ الدكتور مع�صوم يا�سني‬ ‫زي ‪,‬والدكتور هزاع الغامدي – امللحق‬ ‫الثقايف ب�سفارة اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫يف باك�ستان و غريهم من ال�شخ�صيات ‪.‬‬ ‫ومن الأردن �سعادة الدكتور عبدالرحيم‬ ‫العكور –وزير الأوقاف و ال�ش�ؤون الدينية‬ ‫و املقد�سات الإ�سالمية �سابقاً ‪� ,‬سعادة‬ ‫الدكتور حممد اخلاليلة –�أمني عام‬ ‫دائرة الإفتاء باالردن ‪� ,‬سعادة اال�ستاذ‬ ‫الدكتور حممد �أحمد اخلطيب –عميد‬ ‫كلية ال�شريعة باجلامعة الأردنية ‪,‬‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري االمني العام‬ ‫للمنتدى العاملي للو�سطية ‪ .‬وقد ا�شتملت‬

‫فعاليات امل�ؤمتر على خم�س جل�سات �إ�ضاف ًة‬ ‫اىل اجلل�سة االفتتاحية و االختتامية ‪.‬‬ ‫و كانت مو�ضوعات اجلل�سات يف نطاق‬ ‫املحاور التالية ‪:‬‬ ‫• اال�ستقامة و االعتدال ‪ :‬املدلول و‬ ‫املفاهيم اال�سا�سية ‪.‬‬ ‫• حقوق االقليات و التعاي�ش ال�سلمي ‪.‬‬ ‫• التطرف الفكري و �آثاره على املجتمع ‪.‬‬ ‫• االختالف الفقهي و منهج االعتدال ‪.‬‬ ‫• �أهمية احلوار بني املذاهب و الت�سامح‬ ‫املذهبي ‪.‬وغريها من املو�ضوعات املهمة ‪.‬‬ ‫و قد ت�ضمنت كل جل�سة من جل�سات العمل‬ ‫عر�ض الأوراق املخ�ص�صة لتلك اجلل�سة و‬ ‫التعقيب عليها و مناق�شتها ‪.‬‬ ‫• كلمات جل�سة االفتتاح‪:‬‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري االمني العام‬ ‫للمنتدى ‪:‬‬ ‫تعزيز ثقافة اال�ستقامة و االعتدال‬ ‫�ضرورة ال منا�ص منها لنه�ضة املجتمع‬ ‫امل�سلم ‪.‬‬


‫�صورة للح�ضور‬

‫امل�شاركني يف امل�ؤمتر‬

‫�أكد عطوفة املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫�أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية على‬ ‫�ضرورة تعزيز ثقافة اال�ستقامة و االعتدال‬ ‫لنه�ضة املجتمع الإ�سالمي ‪ .‬و ب�شر ب�أن‬ ‫جل�سات امل�ؤمتر مع النخبة الكرمية من‬ ‫مفكري العامل العربي و الإ�سالمي ت�شكل‬ ‫فر�صة ثمينة لتبادل الآراء و اخلربات و‬ ‫طرح البدائل و املقرتحات و الو�صول‬ ‫اىل نتائج و تو�صيات ‪ ,‬ت�ساعدنا يف بناء‬ ‫منظومة القيم الدينية و االجتماعية‬ ‫و احلفاظ على �أمن و ا�ستقرار البلدان‬ ‫الإ�سالمية ‪ .‬كما بني �أهمية عقد هذا‬ ‫امل�ؤمتر يف ظل الظروف و التحديات التي‬ ‫تعاين منها الأمة اال�سالمية و بخا�صة‬ ‫باك�ستان ‪ .‬و �أعرب املهند�س مروان عن‬ ‫�سعادته و امتنانه لدولة باك�ستان ممثل ًة‬ ‫باجلامعة الإ�سالمية العاملية ب�إ�سالم �أباد‬ ‫على عقد هذا امل�ؤمتر الهام يف ا�سالم‬ ‫�أباد ‪ ,‬كما �أعرب عن اعتزازه و احرتامه‬ ‫لل�شعب الباك�ستاين تاريخاً وح�ضارة و‬ ‫اجنازات ‪ .‬وقال ‪ :‬انه ا�ستذكر الت�ضحيات و‬ ‫البطوالت التي �سطرها الفاحتون الأوائل‬ ‫لباك�ستان من �أمثال حممد بن القا�سم‬ ‫الثقفي و التي تذكرنا مبخزون �أمتنا من‬ ‫الأبطال الذين رفعوا راية اال�سالم خفاقة‬

‫يف العاملني ‪ .‬وعرب عن عواطفه ب�أبيات‬ ‫�شعر للمفكر العظيم و ال�شاعر العالمه‬ ‫حممد �إقبال التي �أهداها لأبناء الأمة‬ ‫الإ�سالمية ‪:‬‬ ‫كـ ـن ـ ـ ــا جـ ـب ـ ـ ــاال ف ـ ــي الـ ـجـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــال وربـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫�س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرن ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـل ـ ــى الـ ـب ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــار ب ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارا‬ ‫ب ـ ـم ـ ـ ـعـ ـ ـ ــاب ـ ـ ــد االفـ ــرن ـ ـ ــج كـ ـ ــان �آذان ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫قـ ـبـ ـ ــل ال ـ ـكـ ـت ــائـ ــب يـ ـ ـف ـ ـت ـ ــح االمـ ـ ــ�صـ ـ ـ ـ ـ ــارا‬ ‫ل ـ ـ ــم تـ ـنـ ــ�س اف ــري ـق ـي ــا وال �ص ـحــرا�ؤهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫�س ـ ـ ـج ــداتـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا واالر�ض ت ـ ـق ـ ـ ــذف ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارا‬ ‫م ـ ــن ك ـ ــان ي ـه ـ ـتـ ــف ب ــا�ســم ذائــك قـبـلـنـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫مـ ـ ـ ــن كـ ـ ــان يـ ــدع ـ ـ ــو ال ــواحـ ـ ـ ــد الـ ـق ـ ـه ـ ـ ــارا‬ ‫لـ ـ ــم نـ ـخ ــ�ش ـ ــى �ض ــاغـ ـ ــوت ــا يحــاربـ ـنــا و لـ ــو‬ ‫ن ـ ـ ــ�ص ـ ـ ــب ال ـم ـن ــايـ ـ ــا حـ ــول ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا �أ�سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارا‬ ‫ور�ؤو�سـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتا ي ـ ـ ـ ــا رب ف ــوق �أكـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ن ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ــو ث ــوابـ ـ ـ ـ ــك مـ ـ ـغـ ـ ـن ـ ـمـ ــا و ج ـ ـ ــوارا‬ ‫و �أ�ضاف �أن هذه اللقاءات ت�أتي ثماراً‬ ‫مل�شروع بد�أته نخبة طيبة ملناق�شة‬ ‫دور اال�ستقامة واالعتدال يف نه�ضة‬ ‫جمتمعاتنا اال�سالمية و الذي ي�شكل‬ ‫فر�صة ثمينة لتبادل الآراء واخلربات‬ ‫وطرح البدائل واملقرتحات‪ ،‬والو�صول اىل‬ ‫نتائج وتو�صيات‪ ،‬ت�ساعدنا يف بناء منظومة‬ ‫قيمنا الدينية واالجتماعية واحلفاظ‬ ‫على �أمن وا�ستقرار بلدنا‪ ،‬من �أجل بناء‬

‫االن�سان امل�سلم ‪..‬‬ ‫معايل �صاحبزاه حممد امني احل�سنات‬ ‫وزير الدولة لل�ش�ؤون الدينية بباك�ستان‪:‬‬ ‫اال�سالم دين الو�سطية و االعتدال و ال‬ ‫جمال فيه للتطرف و التع�صب‬ ‫افتتح امل�ؤمتر ف�ضيلة ال�شيخ �صاحبزاه و‬ ‫�أكد معاليه ب�أن اال�سالم دين الو�سطية و‬ ‫االعتدال و ال�سماحة و ال جمال للتطرف‬ ‫و الغلو و التع�صب يف الدين اال�سالمي و‬ ‫ا�شاد يف كلمته مبو�ضوع امل�ؤمتر و �أهميته‬ ‫و اجلهود التي بذلت يف االعداد له كما‬ ‫حث على �أهمية تنظيم مثل هذه اللقاءات‬ ‫التي تعمل على توحيد امل�سلمني و تقريب‬ ‫وجهات نظرهم حول الق�ضايا التي تهم‬ ‫الأمة الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫اال�ستاذ الدكتور مع�صوم يا�سني زي –‬ ‫راعي اجلامعة اال�سالمية العاملية ‪:‬‬ ‫اجلامعة تتبنى منهج الو�سطية و االعتدال‬ ‫يف منهاهجها الدرا�سية ‪.‬‬ ‫�إن اال�سالم دين يعرتف بكامل احلرية‬ ‫الدينية ومن ثم ف�إنه ال �إكراه فيه حيث‬ ‫قال تعاىل ‪:‬‬ ‫(ال �إكراه يف الدين ) و احلكمة و املوعظة‬ ‫احل�سنة هو املنهج املتبع للدعوة اىل‬ ‫اال�سالم ‪ .‬و ال جمال يف ديننا احلنيف‬

‫‪87‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫للتع�صب و التطرف فهو دين �سماحة و‬ ‫ي�سر ‪ .‬كما ال يحق ل�صاحب الر�أي �إكراه‬ ‫النا�س على االلتزام بر�أيه الن االجتهادات‬ ‫لي�ست بقطعية ‪ ,‬فهي حتتمل اخلط�أ‪.‬‬ ‫كما �أعرب عن االعتزاز بان اجلامعة‬ ‫اال�سالمية العاملية من يوم �إن�شائها تتبنى‬ ‫ثقافة التو�سط و االعتدال و تنتهج منهجه‬ ‫‪ ,‬وقد مت ت�صميم الربامج الدرا�سية على‬ ‫�أ�سا�س عدم ترجيح �أو تف�ضيل �أي مذهب‬ ‫فقهي �أو فكري على الآخر‪.‬‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري‬ ‫– مدير عام �أكادميية ال�شريعة ‪:‬‬ ‫على العلماء القيام بواجبهم يف بث ثقافة‬ ‫الت�سامح و االعتدال و ت�صحيح املفاهيم‬ ‫املغلوطة ‪.‬‬ ‫يف بداية حفل االفتتاح رحب الدكتور‬ ‫حممد طاهر بال�ضيوف الكرام القادمني‬ ‫من �شتى البالد ‪ .‬ثم بني �أهداف امل�ؤمتر‬ ‫و �أهم حماوره ‪ .‬كما نا�شد الدكتور العلماء‬ ‫و الدعاة بالقيام بدورهم يف ت�صحيح‬ ‫املفاهيم املغلوطة حول الق�ضايا املعا�صرة‬ ‫و �إبراز و�سطية الإ�سالم و �سماحته و‬ ‫عدالته و ن�شر ثقافة التي�سري و رفع احلرج‬ ‫عن النا�س م�ستنداً بذلك حلديث الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و �سلم ‪�":‬إن الدين ي�سر و‬ ‫لن ي�شاد الدين �أحد �إال غلبه‪ ,‬ف�سددوا و‬ ‫قاربوا و �أب�شروا " ‪.‬‬ ‫الدكتور كهالن بن نبهان اخلرو�صي –‬ ‫م�ساعد املفتي العام ل�سلطنة عمان ‪:‬‬ ‫اال�ستقامة عقيدة را�سخة تو�صل العبد‬ ‫بخالقه ‪.‬‬ ‫القى ف�ضيلة الدكتور كهالن كلمة يف‬ ‫حفل الإفتتاح بد�أها ب�إزجاء جزيل ال�شكر‬

‫‪88‬‬ ‫لأكادميية ال�شريعة يف باك�ستان و املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية يف الأردن ‪.‬‬ ‫ثم تطرق ملو�ضوع الو�سطية و قال ‪:‬‬ ‫�إنه من املهم للغاية لي�س ال�ستئ�صال‬ ‫الأدواء التي املت بالأمة فح�سب ‪ ,‬بل لأن‬ ‫اال�ستقامة هي التي تدور عليها ت�شريعات‬ ‫اجليل و �إذا فهم �شباب امل�سلمني اال�ستقامة‬ ‫ف�سيورثهم الطم�أنينة و �سيبعث فيهم‬ ‫الثقة و العزة و الكرامة ‪.‬‬ ‫�أ‪.‬د هزاع الغامدي ‪ ,‬امللحق الثقايف ل�سفارة‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية ‪ ,‬ب�أ�سالم �أباد‪:‬‬ ‫اال�ستقامة ال تكون حقيقية �إال مع‬ ‫االعتدال‪.‬‬ ‫�ألقى اال�ستاذ الدكتور هزاع كلمته يف جل�سة‬ ‫افتتاح امل�ؤمتر بني فيها معنى اال�ستقامة و‬ ‫االعتدال و بد�أ كالمه بالتعليق على كالم‬ ‫املقدم قائ ً‬ ‫ال‪� " :‬إن كان الأخ املقدم �أعتربين‬ ‫�ضيفاً ف�أنا ال �أعترب نف�سي �ضيفاً يف هذه‬ ‫اجلامعة فقد دعي ال�شخ�ص اىل بيته و‬ ‫داره و بني �أهله و �إخوانه ‪ ,‬ف�أنا �أمتنى اىل‬ ‫هذه اجلامعة روحاً و �أنقاد �إليها حباً �أزداد‬ ‫مب�شاركتي لفعالياتها �شرفاً و افتخاراً‬ ‫و لعل املقدم �أراد �أن يكرمني ب�ضيافته و‬ ‫الب�سني ثوب ال�ضيف و �أنا الآن �أنزع عني موقف الإ�سالم من احلوار و التعاون‬ ‫هذا اللبا�س و �ألب�س لبا�س االبن البار‬ ‫مع الآخر‪.‬‬ ‫بعدودتي �إليكم فخوراً طائعاً"‪.‬‬ ‫�أ‪.‬د حممد �أحمد اخلطيب – عميد كلية‬ ‫ال�شريعة باجلامعة الأردنية ‪.‬‬ ‫• ملخ�صات �أبحاث مقدمة يف امل�ؤمتر �إن منهج القر�آن الكرمي يقوم يف معظمه‬ ‫امل�ساواة بني اجلن�سني بني املنظومة على احلوار ففي �أول اخللق كان هناك‬ ‫الإ�سالمية و املنظومة الغربية ‪.‬‬ ‫حوار املالئكة‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين –وزير ( َو ِ�إ ْذ َقا َل َر ُّب َك ِل ْل َملاَ ِئ َك ِة ِ�إنيِّ َجاعِ ٌل فيِ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َخلِي َف ًة َقا ُلوا �أَتجَ ْ َع ُل فِيهَا َمنْ‬ ‫اخلارجية املغربي �سابقاً‪.‬‬ ‫ْأ‬ ‫�إن بناء ت�صور �سليم لإ�صالح و�ضعية ُي ْف�سِ ُد فِيهَا َو َي ْ�سف ُِك ال ِّدمَا َء َو َن ْح ُن ُن َ�س ِّب ُح‬

‫املراة يف جمتمعاتنا ي�ستلزم اجلمع‬ ‫بني املبادئ و الأحكام العامة الواردة يف‬ ‫الن�صو�ص ال�شرعية و معطيات التجربة‬ ‫الإن�سانية املعا�صرة و اال�ستفادة منها و‬ ‫با�ستعرا�ض تطورات التجربة الغربية‬ ‫يف جمال امل�ساواة بني اجلن�سني يربز‬ ‫ات�ساع االنتقادات على امل�ستويني النظري‬ ‫و العملي للم�ساواة التماثلية باعتبارها‬ ‫ر�ؤية "متمركزة حول الرجل" و ي�شرتط‬ ‫�أن تتخل�ص املر�أة من الدونية و التهمي�ش‪.‬‬ ‫و فيما يخ�ص التوجه العام للت�شريع‬ ‫الإ�سالمي حول حقوق املر�أة فيمكن‬ ‫ا�ستخال�ص القواعد الناظمة با�ستقراء‬ ‫جمموع الن�صو�ص و الأحكام ال�شرعية‬ ‫و خ�صو�صاً �أن كثري منها لي�ست �أحكاماً‬ ‫قاطعة �أو دقيقة و �أمنا مبادئ و قواعد‪.‬‬ ‫و تنبني و�ضعية املر�أة يف الإ�سالم بو�صفها‬ ‫ع�ضواً يف املجتمع على ثالثة �أ�صول‬ ‫م�ؤ�س�سة تر�سم خط الت�شريع العام‪:‬‬ ‫• �أ�صل امل�ساواة ‪.‬‬ ‫• �أ�صل اال�ستقاللية ‪.‬‬ ‫• �أ�صل امل�شاركة‪.‬‬


‫ِّ�س َل َك َقا َل �إِنيِّ �أَ ْعلَ ُم مَا اَل‬ ‫ب َِح ْمدِ َك َو ُن َقد ُ‬ ‫َت ْعلَ ُمو َن)‪ ,‬و الإ�سالم عندما ي�ضع احلوار‬ ‫منهاجاً للتعارف ف�إنه ي�شرتط �شرطاً‬ ‫�أ�سا�سياً و هو (التزام الأح�سن من القول)‬ ‫كما و�ضع �آداباً للحوار‪ -‬بالإ�ضافة �إىل ما‬ ‫�سبق‪ -‬و هو عدم �سب و جتريح املعتقد و‬ ‫عدم الفوقية يف الأ�سلوب و املنهج و عدم‬ ‫الإكراه و الرب و الق�سط‪.‬‬ ‫و �إن موقفنا من احلوار ثابت ال يتغري‬ ‫و �أوله ‪ :‬تبيان حقيقة موقفنا من الآخر‬ ‫و هو موقف قائم على �أ�سا�س (ي�ستمعون‬ ‫القول) و عدم �إلغاء الآخر ( َو ِ�إ َّنا �أَ ْو ِ�إ َّيا ُك ْم‬ ‫ني ) و دعوته‬ ‫َل َعلَى هُ دًى �أَ ْو فيِ َ�ضلاَ لٍ ُّم ِب ٍ‬ ‫اىل امل�شرتكات ( َت َعا َل ْوا �إِلىَ َك ِل َم ٍة َ�س َوا ٍء‬ ‫َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم)‪.‬‬ ‫مفهوم اال�ستقامة و �أهميتها و‬ ‫مرتكزاتها يف الفكر الإ�سالمي‪.‬‬ ‫الدكتور عبدالرحيم العكور وزير الأوقاف‬ ‫و ال�ش�ؤون و املقد�سات الإ�سالمية �سابقاً‬ ‫اال�ستقامة �أ�س من �أ�س�س الدين الإ�سالمي‬ ‫و هي من الكلمات اجلامعة كاخلري و الرب‬ ‫و العبادة و لها تعلقها بالقول و الفعل و‬ ‫االعتقاد ‪ .‬فقد قال ابن القيم – رحمه‬ ‫اهلل – فيها " اال�ستقامة كلمة جامعة‬ ‫�آخذة جمامع الدين و هي القيام بني يدي‬ ‫اهلل تعاىل على حقيقة ال�صدق و الوفاء" ‪.‬‬ ‫و قال �شيخ اال�سالم �إبن تيمية – رحمه‬ ‫اهلل – ‪" :‬الكرامة لزوم اال�ستقامة "‪.‬‬ ‫�أدب االختالف يف اال�سالم‬ ‫و قال �أبو يزيد الب�سطامي ‪ ":‬لو ر�أيتم الدكتور حممد �أحمد م�سلم اخلاليلة‬ ‫الرجل يطري يف الهواء �أو مي�شي على املاء �أمني عام دائرة الإفتاء "الأردن"‬ ‫فال تغرتوا به حتى تنظروا وقوفه عند قد اختلفت �أئمة املذاهب يف كثري من‬ ‫الأمر باملعروف و النهي عن املنكر " ‪.‬‬ ‫االحكام الفقهية الفرعية �أكرث مما هو‬

‫نتحاور فيما بيننا قبل �أن نتحاور‬ ‫مع الآخرين‬ ‫الدكتور �أفلح بن �أحمد اخلليلي ‪ ,‬نائب‬ ‫مبكتب الإفتاء ‪� ,‬سلطنة عمان‬ ‫ينطلق امل�ؤمتر على ركيزتي اال�ستقامة و‬ ‫االعتدال و احلوار‪� ,‬صورة لهما بل هو من‬ ‫�أهم ما ي�ؤدي اىل النهو�ض باملجتمع امل�سلم‬ ‫‪ .‬وقد �أمرنا اهلل �سبحانه باحلوار مقيدا‪,‬‬ ‫وقيده �أن يكون بالتي هي �أح�سن و هذا يف‬ ‫خطاب �أهل الكتاب‪ .‬كما البد يف احلوار‬ ‫من ال�صدق و التحقق ‪ ,‬فكم ن�سب �إىل قوم‬ ‫�أو مذهب ما مل يكن فيهم ‪.‬‬ ‫كما �أن من �أهم خوا�ص �أمة حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و �سلم �أنها �أمة دعوة ‪ ,‬ولذلك‬ ‫�أمرنا ب�أ�سلوب حوار راق مع غري امل�سلمني‬ ‫و مع امل�سلمني �أوىل ‪ .‬ويف هذه الأيام‬ ‫يجد الناظر �أن امل�سلم ي�ضرب بحرابه‬ ‫بناء الإ�سالم و لي�س �أجدى من احلوار‬ ‫لتخلي�ص امل�سلمني من هذه امل�شكلة ‪.‬‬ ‫فالعامل مير بفرتة تكتالت و ال �سبيل‬ ‫�إليها و ال �إىل وحدة الأمة ما مل يتحاور‬ ‫امل�سلمون فيما بينهم ‪ .‬فهذا يدل على‬ ‫�أنه ال تقت�صر فائدة احلوار على اجلانب‬ ‫العلمي خا�صة �إن كان بني امل�سلمني فهو‬ ‫ي�شحذ الفكر و ي�ستل ال�سخائم و يبني‬ ‫مكانة الأخ امل�سلم يف نف�س �أخيه حني‬ ‫ين�صت �إليه و يويل حواره بالغ الأهمية ‪.‬‬

‫يف زماننا ‪ ,‬و مل ن�سمع بفو�ضى يف زمانهم‬ ‫بل كان احرتام املخالف و التعامل مع‬ ‫اختالفه ب�أ�سلوب ح�ضاري علمي هو‬ ‫الأ�سلوب ال�سائد و الغالب و من ذلك ق�صة‬ ‫عمر مع ربيعة بن عيا�ش و ق�صة الأر�ض‬ ‫اخلراجية و ق�صة عائ�شة و ابن عبا�س يف‬ ‫ر�ؤيته عليه ال�صالة و ال�سالم للباري جل و‬ ‫عال و بني عائ�شة و بني ال�صحابة يف �سماع‬ ‫املوتى وبني عمر و بني فاطمة بنت قي�س‬ ‫يف م�س�ألة �سكنى املبتوتة و نفقتها و ابن‬ ‫م�سعود و �أبي مو�سى الأ�شعري يف م�س�ألة‬ ‫�إر�ضاع الكبري و �أبو هريرة و ابن عبا�س يف‬ ‫الو�ضوء مما م�ست النار و اختالف عمر‬ ‫مع �أبي عبيدة يف دخول الأر�ض التي بها‬ ‫وباء‪ .‬و مل يكن هذا االختالف �سبباً من‬ ‫�أ�سباب �ضعفهم و تفرقهم بل كان �سبباً من‬ ‫�أ�سباب عزتهم و مناء فكرهم فقدموا لنا‬ ‫هذه الرثوة الت�شريعية الهائلة التي تزخر‬ ‫بها املكتبة الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫مفهوم فقه العوملة و�أهميته يف‬ ‫الع�صر احلا�ضر‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري‬ ‫�إن الفقه العوملي له ميزتان ‪ :‬الأوىل �أن‬ ‫مو�ضوعاته ذات �صبغة عاملية تهم االمة‬ ‫الإ�سالمية كلها ‪ ،‬والثانية �أتها تكون‬ ‫نتيجة اجلهود اجلماعية ‪ .‬واملو�ضوع‬ ‫الأ�سا�سي للفقه العوملي هو الق�ضايا‬ ‫امل�ستجدة يف املجتمعات الإ�سالمية والتي‬ ‫نتجت من العوملة والتقدم احل�ضاري ‪.‬‬ ‫خا�صة يف املجاالت التالية ‪:‬‬ ‫‪.1‬فقه الأ�سرة والقوانني الأ�سرية‬ ‫‪.2‬القانون التجاري يف الإ�سالم‬ ‫‪ .3‬النظام الد�ستوري الإ�سالمي‬

‫‪89‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬ ‫‪.4‬القانون الدويل‬ ‫‪ .5‬فقه الأقليات‬ ‫نظرية التعاي�ش ال�سلمي يف الفكر‬ ‫الأ�سالمي القدمي واملعا�صر ‪� :‬آراء‬ ‫القر�ضاوي والزحيلي ‪ ،‬وفتح اهلل كولن‬ ‫�أ‪.‬د حممد طاهر من�صوري‬ ‫لقد در�س ثالثة من ابرز علماء امل�سلمني‬ ‫املعا�صرين ‪ ،‬العالمة يو�سف القر�ضاوي‬ ‫والدكتور وهبة الزحيلي وفتح اهلل‬ ‫كولن – م�س�ألة التعاي�ش ال�سلمي – يف‬ ‫�ضوء القر�آن وال�سنة وم�صادر ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية ‪،‬و�صححوا كثري من املفاهيم‬ ‫املغلوطة الناجتة عن القول ‪�" :‬إن اال�صل‬ ‫يف عالقة امل�سلمني مع غريهم هو احلرب‬ ‫ولي�س ال�سلم " ف�أو�ضح ه�ؤالء العلماء �أن‬ ‫الإ�سالم يقر ويعرتف بوجود الأمم التي‬ ‫تختلف يف العقيدة النظرية مع الإ�سالم‬ ‫ويدعو اىل ال�سالم امل�ؤبد والتعاي�ش‬ ‫ال�سلمي بني امل�سلمني وغريهم وهم يرون‬ ‫�أن املجتمع العاملي �أ�سرة واحدة تربط‬ ‫بني �أفرادها عالقات الإن�سانية والتعاون‬ ‫امل�شرتك ‪.‬‬ ‫لقد در�س ه�ؤالء املفكرون ق�ضية‬ ‫تق�سيم املعمورة �إىل دارين ‪ ،‬فريى ال�شيخ‬ ‫القر�ضاوي والدكتور وهبة الزحيلي �أن‬ ‫الدار يف نظر اال�سالم لي�ست داران و�إمنا‬ ‫هي ثالثة ديار ‪ :‬دار الأ�سالم ‪ ،‬ودار احلرب‬ ‫‪ ،‬ودار العهد‪.‬‬ ‫ويف ر�أيهم ينبغي �إطالق "دار العهد"‬ ‫على الدول غري امل�سلمة التي وقعت وثيقة‬ ‫الأمن وال�سالم يف هيئة االمم املتحدة ‪،‬‬ ‫و�أبدت رغبتها يف التعاي�ش ال�سلمي مع‬ ‫جميع دول العامل و اال�ستثناء الوحيد‬

‫‪90‬‬ ‫يف هذا التعريف لدار العهد لدى ال�شيخ‬ ‫القر�ضاوي هي الدولة ال�صهيونية‬ ‫الغت�صابها �أر�ض فل�سطني وت�شريد‬ ‫�أ�صحابها منها ‪.‬‬ ‫اخلالف والإختالف الفقهي ‪� :‬آداب‬ ‫و�ضوابط‬ ‫الدكتور عبد احلي ابرو‪� -‬أكادميية‬ ‫ال�شريعة‬ ‫�إن من اخطر ما �أ�صيبت به هذه الأمة‬ ‫يف الآونة االخرية مر�ض " االختالف‬ ‫واملخالفة " ‪ ..‬االختالف يف كل �شئ وعلى‬ ‫كل �شئ ‪ ،‬حتى �شمل العقائد والأفكار‬ ‫والت�صورات والآراء �إىل جانب الأذواق‬ ‫والت�صرفات يف ال�سلوك والأخالق ور�سالة‬ ‫الإ�سالم ر�سالة واقعية تتعامل مع الإن�سان‬ ‫على ماهو عليه ‪ ،‬وقد وهب اهلل لعباده‬ ‫عقو ًال ومقدرات متباينة من �ش�أنها �أن‬ ‫ت�ؤدي �إىل �إختالف يف نظرتهم و�أفكارهم‬ ‫ومواقفهم من كثري من الأ�شياء ‪ ،‬ولذلك‬ ‫ف�إن الإ�سالم يت�سع لتلك االختالفات‬ ‫كلها التي التهدد وحدة الأمة ‪ .‬وال�ضري‬ ‫يف االختالف على ان يكون له �ضوابطه‬ ‫وحدوده وقواعده و�آدابه و�أن ال ي�ؤثر على‬ ‫وحدة فكر الأمة ومواقفها من الق�ضايا‬ ‫اال�سا�سية الكربى ‪.‬‬ ‫وقد كان عظماء رجاالت ال�سلف ينظرون‬ ‫اىل اختالف الأئمة �أنه تو�سعة من اهلل‬ ‫تعاىل ورحمة منه بعباده املكلفني غري‬ ‫القادرين ب�أنف�سهم على ا�ستنباط االحكام‬ ‫ال�شريعة من م�صادرها الأ�سا�سية ‪.‬‬ ‫قواعد �شرعية يف التكفري ‪ :‬قراءة‬ ‫لفكر االمام ابن تيميه – رحمه اهلل‬ ‫تعاىل‪-‬‬ ‫الدكتور ع�صمت اهلل ‪ ،‬جممع البحوث‬ ‫اال�سالمية ‪ ،‬اجلامعة اال�سالمية العاملية‬ ‫�إ�سالم �أباد‬

‫�إن من �أجل النعم و�أعظمها بعد االميان‬ ‫هي التو�سط واالعتدال التي و�صف اهلل بها‬ ‫هذه الأمة بقوله تعاىل( وكذلك جعلناكم‬ ‫�أمة و�سطا ) وقد ابتليت االمة اال�سالمية‬ ‫يف هذه النعمة ‪ ،‬حيث ا�ستهدفته فئات‬ ‫ب�أفكارها الغريبة �أعمالها الفا�سدة الذين‬ ‫خالفوا منهج الإ�سالم الو�سط‪ ،‬م�ستندين‬ ‫�إىل فتاوى و�أفكار مزعومة ن�سبوها لبع�ض‬ ‫اهل العلم املعروفني ‪ ،‬منهم �سيد قطب ‪،‬‬ ‫و�شيخ اال�سالم ابن تيمية ‪ .‬ونحن هنا‬ ‫نقدم قراءة الفكار ال�شيخ ابن تيمية –‬ ‫رحمه اهلل تعاىل‪� ، -‬أخذا من م�صنفاته‬ ‫لتت�ضح مواقفه جتاه ق�ضية تكفري امل�سلم‬ ‫‪ .‬قال ابن تيمية ‪":‬والكفر �إمنا ب�إنكار ما‬ ‫علم من الدين �ضرورة �أو ب�إنكار االحكام‬ ‫املتواترة واملجمع عليها ونحو ذلك"‪.‬‬ ‫وق�سم ابن تيمية الكفر ال�شرعي اىل‬ ‫ق�سمني ‪:‬‬ ‫‪.1‬كفر �أكرب ‪ :‬هو املخرج من امللة واملوجب‬ ‫للخلود يف النار ‪.‬‬ ‫‪.2‬كفر ا�صغر ‪ :‬هو املوجب ال�ستحقاق‬ ‫الوعيد دون اخللود وال يخرج من امللة ‪.‬‬ ‫وجند يف كتبه النهي عن التكفري او‬ ‫الت�سرع فيه بدون �سبب �شرعي ‪ ،‬كما كان‬ ‫ال�سلف ال�صالح يتجنب التكفري ‪.‬‬ ‫فقد روي عن يزيد الرقا�شي عن �أن�س‬ ‫بن مالك قال ‪ :‬قلت يا �أبا حمزة ‪� ،‬إن نا�سا‬ ‫ي�شهدون علينا بالكفر وال�شرك ‪ ،‬قال �أن�س‬ ‫‪� ،‬أولئك �شر اخللق واخلليقة"‪.‬‬ ‫( وهناك قواعد �شرعية و�ضعها ابن تيمية‬ ‫– رحمه اهلل تعاىل – يجب مراعتها لدى‬ ‫احلكم على النا�س ‪ ،‬من �أهمها ‪:‬‬ ‫‪.1‬التكفري حكم �شرعي حق هلل تعاىل ‪،‬‬ ‫اليثبت اال بدليل‬


‫‪.2‬الأ�صل يف الأن�سان اال�سالم ‪ ،‬والكفر‬ ‫طارئ عار�ض‬ ‫‪.3‬من ثبت �إ�سالمه بيقني مل يخرج عنه‬ ‫اال بيقني‬ ‫‪.4‬نحكم بالظاهر واهلل يتوىل ال�سرائر‬ ‫‪.5‬التكفري اليكون ب�أمر حمتمل �إال �أن‬ ‫يتعني ق�صده‬ ‫‪.6‬التكفري املطلق ال ي�ستلزم تكفري املعني‬ ‫‪.7‬تكفري املعني موقوف على ثبوت �شروط‬ ‫التكفري ‪ ،‬وانتفاء موانعه ‪ ،‬ومن موانع‬ ‫التكفري عدم التكليف ‪ ،‬واجلهل ‪ ،‬واخلط�أ‬ ‫والذهول ‪ ،‬والإكراه‪.‬‬ ‫االن�سجام والوفاق املذهبي ‪� :‬آفاق‬ ‫جديدة للحوار‬ ‫املفتي حممد زاهد ‪ ،‬اجلامعه الإ�سالمية‬ ‫االمدادية ‪ ،‬في�صل �أباد‬ ‫ال�شك �أن احلوار له �أهمية بالغة يف رفع‬ ‫التنازع واالختالف بني الفرق الإ�سالمية‬ ‫‪ ،‬لكن علينا �أن نحدد �أهداف احلوار �أو ًال‬ ‫لكي نركز عليها خالل عملية احلوار‬ ‫دون ما �سواها ‪ .‬فلي�س من �أهداف احلوار‬ ‫انتقاد املذاهب ومناق�شة �أدلتها ليتميز‬ ‫امل�صيب من املخطئ ‪ ،‬وال �أن يجعل طريقاً‬ ‫و�سطاً بخلط املذاهب كلها مع البع�ض ؛‬ ‫لأنه اليزيد اال تفرقة بني االمة ‪ .‬كذلك‬ ‫اليعد من اهداف احلوار �أن يتنازل �أحد‬ ‫عن موقفه الذي يراه حقا ما دام م�ستندا‬ ‫اىل ادلة ‪ .‬بل احلوار له اهداف غري هذه‬ ‫االهداف ‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫‪�.1‬إزالة �سوء التفاهم عن اخل�صم وحماولة‬ ‫لفهم فكرته احلقيقية ‪ ،‬وهذا الميكن اال‬ ‫يف ظل احلوار وبيئة املكاملة ‪.‬‬ ‫‪.1‬البحث عن االمور امل�شرتكة بني املذاهب‬

‫لربامج م�ؤثرة ويجب على احلكومات‬ ‫يف البالد اال�سالمية القيام بدورفعال‬ ‫يف مواجهة التحديات وتطبيق ال�شريعة‬ ‫اال�سالمية يف كافة مناحي احلياة ‪.‬‬ ‫الو�سطية ومظاهرها يف اال�سالم‬ ‫الدكتور طاهر حممود ‪ ،‬جامعة اردو‬ ‫الفيدرالية ب�أ�سالم �أباد‬ ‫�إن الظلم اليقابل بالظلم ‪ ،‬واخلط�أ ال‬ ‫يقابل باخلط�أ ‪ ،‬فال يكفر اهل الغلو بذلك‬ ‫وان كفروا غريهم ‪ ،‬ما مل ي�أتو مكفراً من‬ ‫املكفرات ‪ .‬فمن اخلط�أ مقلبلة التكفري‬ ‫بالتكفري ‪.‬‬ ‫�إن العدل واجب حتى مع املخالفني‬ ‫املبغ�ضني يقول اهلل عزوجل ‪ (:‬يا �أيها‬ ‫الذين �آمنوا كونوا قوامني هلل �شهداء‬ ‫بالق�سط وال يجرمنكم �شنان قوم على �أال‬ ‫تعدلوا اعدلوا هو �أقرب للتقوى )‬ ‫"املائدة ‪."8:‬‬ ‫و�إن من حما�سن الفطرة ال�سليمة‬ ‫التم�سك بالو�سطية بني الغلو واجلفاء‬ ‫‪ ،‬واالخذ باملنهج املعتدل بني الإفراط‬ ‫والتفريط ‪ ،‬واالعت�صام بال�سلوك الو�سط‬ ‫بني االطراء والتق�صري ‪.‬‬ ‫حقوق االقليات يف املجتمعات‬ ‫امل�سلمة والتعاي�ش ال�سلمي ‪ :‬درا�سة‬ ‫نقدية لآراء ا�سماعيل راجي‬ ‫الفاروقي ‪ ،‬وف�ضل الرحمن ‪ ،‬وال�شيخ‬ ‫يحيى نعماين‬ ‫الدكتور حممد �أر�شد ‪ ،‬دائرة املعارف‬ ‫اال�سالمية بالأردو ‪ ،‬جامعة بنجاب الهور‬ ‫ناق�ش الباحث حقوق املواطنني غري‬ ‫امل�سلمني يف الدول اال�سالمية ودر�س ب�شكل‬ ‫خا�ص �آراء بع�ض املفكرين املعا�صرين‬

‫وال�سعي البرازها ‪،‬وهذا يورث توفيقاً بني‬ ‫فقه املذاهب الإ�سالمية ‪ ،‬الن االمور‬ ‫املتفق عليها بني املذاهب اكرث مما اختلف‬ ‫فيه من امل�سائل واالحكام ‪ ،‬وال يخفى ان‬ ‫التحديات املعا�صرة التي تعاين منها االمة‬ ‫اال�سالمية اي�ضاً م�شرتكة ‪ ،‬وهذا يقت�ضي‬ ‫ان تتكاتف جهود اجلميع ملواجهة هذه‬ ‫التحديات وامل�شاكل ‪.‬‬ ‫م�س�ؤولية االمة يف مواجهة‬ ‫التحديات الثقافية‬ ‫الدكتور عبد الغفار بخاري‬ ‫�إن اعداء اال�سالم �أدركوا ان الغزو‬ ‫الع�سكري ال يكفي ال�ضعاف الثقة‬ ‫اال�سالمية ‪ ،‬فعمدوا اىل الغزو الفكري‬ ‫لتحقيق هدف �إ�ضعاف اال�سالم وامل�سلمني‬ ‫‪ .‬لذا فقد كرثت التحديات التي تواجهها‬ ‫االمة يف هذا الزمن ‪ ،‬واعظم هذه‬ ‫التحديات هو املحافظة على عقيدة امل�سلم‬ ‫واتباع نهج اال�ستقامة فكراً و�سلوكا ‪.‬‬ ‫وقام امل�ست�شرقون بجهود عملية لتغريب‬ ‫مناهج التعليم ‪ ،‬وحرفوه عن منهجه‬ ‫اال�سالمي ‪ .‬ومبا ان اللغة العربية هي‬ ‫اللغة االوىل للثقافة اال�سالمية فقد �أدرك‬ ‫�أعداء اال�سالم ان ال�شعوب اال�سالمية ما‬ ‫دامت على �صلة وثيقة باللغة العربية‬ ‫فانها �ستظل مرتبطة باال�سالم قر�آناً‬ ‫و�سنة و�ستظل متم�سكة بفكرة الوحدة‬ ‫اال�سالمية الكربى فقد بذل اعداء‬ ‫اال�سالم جهوداً جبارة من �أجل الق�ضاء‬ ‫على اللغة العربية الف�صحى واحالل‬ ‫اللهجات العامية يف االقطار اال�سالمية‬ ‫حملها ‪ .‬وحلل هذه امل�شاكل يجب علينا‬ ‫مواجهة التحديات بتخطيط وتفكري ‪ ،‬حيث �أنهم حتدثوا يف كتاباتهم عن‬

‫‪91‬‬


‫نشاط‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫سطية‬

‫‪92‬‬

‫�صورة للم�شاركني بامل�ؤمتر‬

‫حقوقق املواطنني غري امل�سلمني ودر�سوا ‪ ،‬فالتطرف ظاهرة معقدة تق�ضي على • �أهداف امل�ؤمتر‬ ‫مو�ضوعات �شتى من �أهمها ‪ :‬حقوق كيان املجتمع بعد ترك اثرها ونتائجها ‪� .1‬إبراز مرتكزات اال�ستقامة واالعتدال‬ ‫املواطنة ‪ ،‬دفع اجلزية ‪ ،‬ع�ضوية الربملان ‪ ،‬الوخيمة ‪ .‬وهو – بتعريف ب�سيط ومبا�شر ومالحمها يف الفكر اال�سالمي ودورهما‬ ‫تويل املنا�صب العليا ‪ ،‬بناء املعابد ‪ ،‬الدعوة – ثمة �أن�شطة ( معتقدات ‪،‬واجتاهات‪ ،‬يف ا�ستقرار املجتمع ونه�ضته ‪.‬‬ ‫اىل الأديان ‪ .‬كما جمع �آراء بع�ض املفكرين وم�شاعر ‪ ،‬وافعال ‪ ،‬وا�سرتاتيجيات ) ‪.2‬التوعية ب�أن نهجي اال�ستقامه واالعتدال‬ ‫املعا�صرين مقارناً مدى اختالف تلك‬ ‫يتبناها �شخ�ص او جماعة بطريقة تبعده يوجهان قدرات االمة وطاقاتها نحو‬ ‫الآراء عن �آراء الفقهاء التقليدين ‪.‬‬ ‫عن االو�ضاع العادية ال�سائدة بني النا�س التنمية وجهود البناء والتعمري ‪.3‬ابراز‬ ‫جتليات التطرف الفكري و�أ�ساليب‬ ‫واخطر انواعها (التطرف الفكري ) ‪ .‬اثار التطرف الفكري على واقع االمن‬ ‫معاجلتها يف املجتمع الباك�ستاين‬ ‫ومن اهم عوامل التطرف الفكري ‪ :‬انكار واالقت�صاد يف املجتمعات امل�سلمة وخا�صة‬ ‫ثوبيه قربان‬ ‫احلاجات االن�سانية اال�سا�سية كاحلااجة باك�ستان‬ ‫ان الدين اال�سالمي دين و�سط يراعي‬ ‫جميع اجلوانب الفكرية والنف�سية اىل االمن والكرامة واالعرتاف بهوية ‪.4‬ابراز الوجه احلقيقي لال�سالم الذي‬ ‫لالن�سان �سواء كان م�سلما او مل يكن اجلماعات املختلفة ‪ ،‬واالفتقار اىل يت�سم بالو�سطية واالعتدال ونبذ الغلو‬ ‫فدورنا نحن كم�سلمني وقد من اهلل علينا اخلدمات اال�سا�سية كال�صحة والغذاء واالفراط ‪.‬‬ ‫بنعمة العقل والتفكري ان نبذل جهدنا يف والتعليم والعمل ‪ ،‬كذلك تعويق امل�شاركات ‪.5‬ا�ستجالء حقوق غري امل�سلمني يف‬ ‫الق�ضاء على مثل هذه االفكار الهدامة ال�سيا�سية لبع�ض افراد املجتمع ‪ ،‬بالإ�ضافة املجتمع اال�سالمي من منظور املقا�صد‬ ‫للحد منها ‪ ،‬وتكوين مناذج حية تق�ضي اىل الفكر املنحرف النا�شئ عن الع�صبية ال�شريعة ومن وجهة نظر مفهوم املواطنة‬ ‫على االفكار املتطرفة يف املجتمع امل�سلم القبلية ‪.‬‬ ‫احلديث‪.‬‬


‫قصيدة العدد‬

‫‪93‬‬


‫ق‬

‫صة العدد‬ ‫د‪� .‬سعاد النا�صر‬

‫‪94‬‬ ‫�شاعرة وكاتبة ‪ -‬املغرب‬

‫الـتـوبـة‬ ‫تن�سحب �أ�شعة القمر الباهتة من الأ�شجار املتناثرة على مرمى الب�صر‪ .‬يظل النور منت�ش ًرا‪ ،‬يو�شح �صوت امل�ؤذن ال�سكون‪ ،‬يعلو قو ًّيا‬ ‫وا�ضحا‪� ،‬أ�صوات الديكة تكرب يف تناغم‪ .‬تتقلب يف فرا�شها‪� ،‬أذرع الدفء حتيط ج�سدها ب�إغراء‪ ،‬يت�سلل الهواء الربيعي من النافذة‬ ‫ً‬ ‫املفتوحة على احلقل‪ ،‬تتن�شقه‪ ،‬يتواط�أ مع الدفء‪ .‬يك ّمل امل�ؤذن الأذان‪ ،‬حت ّرك �شفتيها بالدعاء‪ ،‬ت�سمع نداء يت�صاعد من �أعماقها‪،‬‬ ‫تختلط رائحته بالرائحة املحيطة بها‪ ،‬تفر بقايا النوم من �أهدابها‪ ،‬حت�س بانت�شاء‪ ،‬تقفز خارجة �إىل البئر لتتو�ض�أ‪ ،‬وجدت �صاحبتها‬ ‫�سبقتها و�أنهت و�ضوءها‪ ،‬بادرتها قائلة مبرح‪:‬‬ ‫ هيا مل يعد مت�سع من الوقت‪.‬‬‫ّ‬ ‫ال�صف‬ ‫تنفرد بربها يف ركعتي الفجر‪ ،‬تنك�شف طاقات النور والطهارة يف �أعماقها‪ ،‬مت�سح غبا ًرا مازال مرتاك ًما‪ .‬حني انتهت‪ ،‬وجدت‬ ‫مرتا�صا‪ ،‬كتفا الأم ملت�صقتان بابنتيها‪ ،‬تلتحق بهنّ ‪ ،‬تكاد تلم�س �أحا�سي�س الطم�أنينة وال�سالم بيديها‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫ترتقرق الكلمات القر�آنية جداول‪ ،‬ت�سقي جفاف الزمن القا�سي‪ ،‬تركع‪� ،‬سبوح‪ ،‬قدو�س‪ ،‬رب!‪ ..‬ت�سجد‪� ،‬سبحان ربي الأعلى‪ .‬ق�شعريرة‬ ‫منع�شة ت�سري يف كيانها كله‪ ،‬تتبلل الأر�ض بدموعها‪ .‬تدعو‪ ،‬تغت�سل‪ ،‬ترجو‪ ،‬حت�س بنف�سها خفيفة‪ ،‬تطري وتطري‪.‬‬ ‫دعتها �صاحبتها لق�ضاء �أيام معها يف قريتها املطلة على البحر‪ .‬امتنعت يف البداية‪ ،‬قالت لها؛ �إنها م�شتاقة �إىل التلفزيون وال�سهرات‬ ‫العائلية الليلية التي تطول �إىل �أن ت�شرق ال�شم�س‪ ،‬و�أنها يف حاجة �إىل ن�سيان �إحباطها وف�شلها يف النجاح‪ ،‬ويف احلب ويف امل�صاحلة مع‬ ‫نف�سها ومع من حولها‪ ،‬يف حاجة �إىل الغرق �أكرث يف حميط عائلتها‪.‬‬ ‫والدها رجل �أعمال وجتارة‪ ،‬ويقيم ‪-‬بني الفرتة والأخرى‪� -‬سهرات يربم فيها ال�صفقات برعاية �أمها وقطرات �أنوثتها التي توزعها‬ ‫على اجلميع بالت�ساوي‪ .‬يف كل �سهرة معهما كانت �أمها قد ع ّلمتها الرق�ص‪ ،‬وكانت تطلب منها �أن تتفنن فيه كل ليلة معها‪ .‬يف البداية‪،‬‬ ‫أح�ست بالقرف حني ت�سلطت نظرات ال�ساهرين على ج�سدها الذي يتلوى كراق�صة حمرتفة‪ ،‬لكن بعد �أن ذاقت �أول ك�أ�س‪ ،‬تعلمت كيف‬ ‫� ّ‬ ‫تتجاهلهم‪� ،‬أو �إذا �أعجبها �أحدهم بد�أت تعرف كيف جترجره طول الليلة وراءها‪.‬‬


‫كانت وحيدة والديها‪ ،‬وكانا يغرقانها يف الرتف‪ ،‬يف الدالل‪ ...‬طلباتها �أوامر‪� ،‬أ�صبحت ت�أتي ب�أ�صحابها �إذا �أرادت ال�سهر‪ ،‬يحوم اجلميع‬ ‫حولها‪ .‬ومع كل هذا‪ ،‬كانت حت�س بال�ضياع بعدم الأمان خا�صة بعد �أن �س ّلمت ج�سدها ملرتف يت�صابى‪ ،‬مل تفطن لذلك �إال بعد �أن طارت‬ ‫أح�ست من بعد مبزيد من القرف والقلق‪� ،‬أرادت �أن تبتعد عن هذا اجلو بانغما�سها يف الدرا�سة اجلامعية‪� ،‬إال‬ ‫�أثر اخلمرة من ر�أ�سها‪ّ � ،‬‬ ‫�أن معظم �أ�صدقائها التحقوا بالكلية نف�سها‪ ،‬فاجنرفت مع ممار�سات �أخرى �أ�ضافت �إىل ر�صيدها من القلق والقرف والتوتر �أ�ضعا ًفا‪.‬‬ ‫�سكنت مع �صاحبتها ال�شهر الأخري من هذه ال�سنة اجلامعية يف احلي اجلامعي‪ ،‬بعد �أن ت�شاجرت مع �صاحب البيت الذي كانت تقيم‬ ‫فيه وطردها‪.‬‬ ‫�إحلاح �صاحبتها ومعاملتها الطيبة معها ‪-‬رغم اال�ستعالء الذي واجهتها به حني انتقلت للعي�ش معها يف الغرفة نف�سها‪-‬ح ّفزاها‬ ‫أح�ست �أنها‬ ‫على هذه الزيارة‪ .‬مل تندم‪ ،‬فمنذ �أن وط�أت قدماها �صحن البيت املتوا�ضع‪ ،‬وطالعتها ابت�سامة والدة �صاحبتها ّ‬ ‫املرحبة‪ّ � ،‬‬ ‫�ستم�ضي �أيا ًما طيبة‪ .‬واظبت على ال�صالة يف �أوقاتها مع العائلة ال�صغرية‪ ،‬كما واظبت على اجلل�سات العائلية‪ .‬بعد �صالة املغرب‬ ‫مبا�شرة‪ ،‬يجل�سون متحلقني حول الطيفور يت�سامرون‪ .‬الأب يحكي عن ذكرياته يف مقاومة اال�ستعمار بافتخار واعتزاز‪ ،‬يذكر �أنه رغم‬ ‫حداثة �سنه‪ ،‬كان ي�ساعد والده وجده‪ ،‬يقول كل مرة‪:‬‬ ‫ مات والدي �شهيدًا‪ ،‬مل يتلق جدي فيه العزاء‪ ،‬قال يوم دفنه‪ :‬عزائي الوحيد هو خروج اال�ستعمار‪ .‬حني بكته �أمي‪ ،‬قال لها‪ :‬بدل‬‫البكاء عليه‪ ،‬ارعي ولده واحر�صي على تربيته وعلى عدم التفريط يف �شرب من �أر�ضه‪.‬‬ ‫وكانت الأم حتكي تفا�صيل حم ّببة عن حياة القرية‪ ،‬عن مواقف حا�سمة وقفتها يف تربية بناتها‪ .‬ويدخلون يف حوار �ش ّيق ومت�شعب‬ ‫�إىل �أن ي�سمعوا �أذان الع�شاء‪ ،‬فيتفرق اجلميع ليلتقوا مرة �أخرى يف ال�صالة‪.‬‬ ‫كانت تت�أمل حياتها املا�ضية حتت ال�شجرة الكبرية املتدلية الأغ�صان على باحة املنزل الأمامية‪ ،‬ترفرف حولها كلمات �صاحبها‪" :‬ال‬ ‫تطوي ال�صفحة قبل تنظيفها"‪.‬‬ ‫أفواجا من ال�صيادين يتجهون‬ ‫كانت احلمرة على مرمى الب�صر تغطي الأفق‪ ،‬والنوار�س حتوم فوق البحر املمتد �أماماها‪ .‬ت�شاهد � ً‬ ‫بقواربهم نحو ال�شاطئ‪ ،‬ت�صلها �أ�صواتهم ال�صاخبة‪ ،‬املتعبة‪ .‬تتناثر الكلمات‪ ،‬ال�ضحكات‪ ،‬النداءات‪ ،‬ت�صلها املعاين بعيدة متقطعة‪:‬‬ ‫"الرزق‪ ..‬اليوم‪ ،‬احلمد اهلل‪ ،‬ع�شرة‪ ،‬تعبت‪ ،‬لن �أبيع ب�أقل"‪.‬‬ ‫تت�أمل �ضوء النهار املنت�شر حولها‪ ،‬مل تعرف هذه ال�سكينة وهذا الهدوء من قبل‪ ،‬تهم�س بداخلها‪":‬حياة ب�سيطة لكنها غنية بالقناعة‬ ‫والأمل‪� ،‬أرجو �أال تت�شوه تطلعاتهم"‪ .‬تراقب ال�شم�س املت�صاعد من البحر‪ ،‬زورق وحيد يتمايل على �سطحه‪ ،‬ونور�س واقف على‬ ‫جمدافه‪ ،‬ذرات متلألئة حتيل ال�صورة �إىل لوحة رائعة متناغمة‪ ،‬متوحدة مع الكون‪ ،‬ال�سكون املتماوج ي�ضفي عليها �صفاء عمي ًقا‪...‬‬ ‫أح�ست �أنها جزء من تلك الواحة تنخرط يف تفا�صيلها‪ .‬فطيلة الأيام الع�شرة التي �أم�ضتها مع �صاحبتها يف هذه القرية هي‪ ،‬حتاول‬ ‫� ّ‬ ‫�إعادة ترتيب حياتها‪ ،‬ا�سرتجاع ال�صفاء الطفويل الذي تناثر بني رغبات متمردة �أو �شهوات م�سيطرة‪ .‬هتفت تناجي ربها يف ت�ضرع‪:‬‬ ‫"�أحمدك يا �إلهي �إذ �أذقتني حالوة الإميان بك بعد �أن كانت الدنيا قد �سدّت �أبوابها يف وجهي‪َ ،‬ل َكم �أنت رحيم يا ربي‪ ،‬ه ّي�أت يل �سبيل‬ ‫الرجوع �إليك من غري حول مني وال قوة �سوى عطفك ورحمتك‪ ،‬ف�أمتم علي يا رب نعمتك و�ألهمني ال�صواب يف كل �أعمايل‪ ،‬فما يل‬ ‫�سواك من ي�أخذ بيدي‪� ،‬أع ّني على امل�ضي يف طريق ر�ضاك"‪.‬‬ ‫كانت الدموع ت�سيل من عينيها على وجهها حت�س بها‪ ،‬تت�ساقط دافئة يف �أعماقها‪ ،‬تغ�سل همو ًما و�أوجا ًعا كانت قد بد�أت يف التنا�سل‪.‬‬ ‫الكلمات الب�سيطة ترفرف حولها كفرا�شات ربيعية تل ّون وجودها اجلديد ب�ألوانها نقية م�شعة‪ ،‬تتنبه على حركات �ضاجة من حولها‪،‬‬ ‫�أ�صوات متداخلة تردد عبارات الرتحيب‪ .‬تفاج�أت بوالديها يقفان �أمامها‪ ،‬ت�سمرت يف مكانها تتطلع نحوهما بذهول‪ :‬كيف و�صال �إىل‬ ‫هذا املكان؟‬ ‫تقدمت نحوها والدتها مرددة "ا�شتقنا �إليك"‪ .‬حتت�ضنها‪ ،‬ت�شعر بدفء �أمومتها الغائبة عنها منذ زمن طويل‪ ،‬ت�ض ّمها ب�شوق كما‬ ‫مل تفعل منذ مدة بعيدة‪ ،‬تت�شبث بها‪ ،‬حت�س بكتفيها العاريتني‪ ،‬يت�شنج ج�سدها‪ ،‬يركبها احلياء من عري والدتها‪ ...‬تتطلع �إىل وجه‬ ‫�صاحبتها امل�شرق ابت�سامتها الهادئة تقول لها‪" :‬هذه بداية الطريق فا�صمدي‪ ،‬وهذه مهمتك فاثبتي"‪ .‬تبادلها ابت�سامتها‪ ،‬تهم�س يف‬ ‫�أذن والدتها‪" :‬و�أنا � ً‬ ‫أي�ضا ا�شتقت �إليكما"‪ ،‬ثم ترمتي يف ح�ضن والدها بعد �أن �أثبتت الغطاء على ر�أ�سها‪.‬‬

‫‪95‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.