املهند�س مروان الفاعوري
الوسطية في طور جديد بني انتصار وانكسار بني مد وانحسار عشنا مرحلة من ادق مراحل التحول يف عاملنا العريب اإلسالمي. عشنا نشوة الفرح باستكامل استقالل بلداننا واستعادة كرامتنا وقرارنا الذي صودر عرب عقود وبقي جاثياً يف عواصم الرشق والغرب. وما من شك أن االخفاق يف اكامل التحول يفرض عىل دعاة الوسطية امعان النظر والرتكيز يف جوانب الخلل واسباب الفشل ليدرك كل طرف خطأه. النهج الوسطي يفرض عىل الجميع اعالء قيم الحرية واحرتام خيارات الشعوب وحامية األوطان من التبعية والهيمنة. الوسطية معنية بالحفاظ عىل حرمة الدماء والسلمية بكل أشكالها ،الوسطية تعني أن يوجه السالح إىل صدور االعداء أعداء األمة ،ال أن يتوجه إىل شباب األمة ودعاة اإلصالح، الوسطية تعني اعتامد الدميقراطية وصناديق االقرتاح واالستفتاءات ووسائل واليات للحكم الراشد الذي تنشده الشعوب .الوسطية تعميق لنهج التوافق والرتايض ال اإلقصاء واملغالبة. وهنا بعد أن حصل ما حصل ..يتوجب عىل تيار الوسطية أن ال ييأس اتباعه فيواصلوا مشوار البناء مرة اخرى فسنن الله غالبه .وسيتم وعد الله ما وعد رسوله الكريم :أن يتم الله هذا االمر حتى يسري الراكب من صنعاء إىل حرضموت( .أَ َف َح ِس َب الَّ ِذي َن كَ َف ُروا أَنْ ُون أَ ْولِ َياء) ومع ذلك األمل ومع تلك الثقة فال بد أن نعي أن ادارة يَ َّت ِخ ُذوا ِع َبا ِدي ِم ْن د يِ الدعوة غري ادارة الدولة وان املجتمع غري الجامعة وأن هناك أناس يدافعون عن مصالحهم وعن وجودهم ومستقبلهم ،فنحن بحاجة إىل كثري من املراجعات تتناول الجوانب العملية والنظرية والتنظيمية ،وعقائد الشعوب ال تزال وال تقهر فتطلعات الشعوب واشواقها مرتبطة باإلسالم والعقيدة ،ومن ال يعرتف ويكابر يصادم سنن الكون وحقائق التاريخ. علينا االعرتاف باالخطاء ألنها البداية للمعالجة ،وما جرى بالتأكيد جولة وللحق جوالت اس)( ال عمران .)140 : والعافية ملن اتقى ،وصدق الله العظيم ( َوتِلْكَ األيَّا ُم نُدَ ا ِولُ َها بَينْ َ ال َّن ِ
الإمام ال�صادق املهدي ال�سودان الدكتور وهبة الزحيلي �سوريا الدكتور حممد طالبي املغرب الدكتور م�صطفى عثمان ا�سماعيل ال�سودان الدكتور عبد الإله ميقاتي لبنان الأ�ستاذ منت�صر الزيات م�صر الدكتور �سعد الدين العثماين املغرب الدكتور حممود ال�سرطاوي الأردن الدكتور حممد احلاليقة الأردن الـمــهــنــد�س مــــــروان الـفــــاعــــــوري الأ�سـتـــــاذ الــدكـتــور مـحـمـد الـحـــاج الـــدكـتـور يـــــا�ســـيــن الـمــقــــو�ســـــــي الأ�سـتـــــاذ حــ�ســيــن الــــــروا�شــــــــــدة
مـحـمـــد عــــزام ال�ســـلـمــــان املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع اململكة الأردنية الها�شمية -عمان تلفون +962 - 6 - 5356329 : فاك�س +962 - 6 - 5356349 : �ص.ب 2149 :عمان 11941الأردن
Email : mod.inter@yahoo.com Website : www.wasatyea.net
ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية
( هيئة عاملية �إ�سالمية )
العدد الأول :ال�سنة ال�سابعة جمادى الآخر 1435هـ -ني�سان 2014م
4
34
اإلفتتاحية : دراسات إسالمية :
التكامل بني اجلن�سني بني املنظومة الإ�سالمية واملنظومة الغربية -الدكتور �سعد الدين العثماين
4
الأخالق يف االقت�صاد الإ�سالمي -زياد حافظ
12
ق�ضايا املر�أة املعا�صرة من خالل فقه املوازنات -الكورى ال�سامل ولد املختار احلاج
18
التطرف الديني والفكري و�أثره على الوحدة والتنمية يف املجتمعات امل�سلمة -باك�ستان �أمنوذجا -د.حممد طاهر من�صوري
24
الثبات والتطور يف الفكر الإ�سالمي طريق النه�ضة -د .عبد ال�سالم الراغب
30
مقاالت الوسطية :
�أي م�ستقبل للأمة يف زمن االحتكارات -د.عبد اهلل النفي�سي
34
خطر املخدرات و�آثارها املدمرة على املجتمع � -أ.د .حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة
37
على طريق �صناعة �إن�سان النه�ضة -د .جمدي �سعيد
39
جنـاح الأمـة ثمـرة لثقتهـا مببادئها � -أ .د .اخل�شوعى اخل�شوعى حممد
42
احلالة الدينية الأردنية ..ر�سالة �إن�سانية و تعاي�ش ح�ضاري -الدكتور يا�سني املقو�سي
46
حتى يتبني لهم �أنه احلق � -أ.د.عماد الدين خليل
48
دور الو�سطية يف اال�ستقرار والتنمية -دولة الإمام ال�صادق املهدي
52
�أثر التوازنات الدولية والإقليمية على م�ستقبل التغيري يف املنطقة العربية � -أ.د .اخليف الطراونة
60
60
80
68
حوارات الوسطية :
حوار مع ف�ضيلة ال�شيخ عبد الفتاح مورو -حاوره يا�سر ابو ح�سني
68
نشاطات الوسطية :
ندوة دولية بعنوان دور الو�سطية يف البناء احل�ضاري
70
جائزة الدوحة العاملية حلوار االديان للمنتدى العاملي
72
دورة تدريبية لقيادات فروع املنتدى يف عمان
74
ندوة العامل العربي اىل �أين؟
75
دور الإعتدال والو�سطية يف الإ�ستقرار والتنمية يف العامل العربي والإ�سالمي -ا�سطنبول-تركيا
77
الندوة الدولية الو�سطية يف مواجهة الغلو و التطرف -تون�س
79
دور �أئمة اجلوامع يف بث ثقافة الت�سامح والو�سطية -الباك�ستان
80
حما�ضرة تربية الأبناء وحتديات الع�صر -فرع جر�ش
83
تنظم ندوه احلج وف�ضل الع�شر االوائل من ذي احلجة -فرع ال�سلط
83
الإفطار ال�سنوي للمنتدى العاملي للو�سطية -ال�سودان
84
م�أدبة �إفطار ال�صائم يف فرع املنتدى العاملي للو�سطية -موريتانيا
85
الو�سطية و�إيجابية امل�شاركة يف االنتخابات البلدية حما�ضرة يف فرع املنتدى يف جر�ش
85
ن�شاطات جلنة املر�أة يف متوز وحزيران 2013
85
امل�ؤمتر الدويل اال�ستقامة و االعتدال و دورهما يف نه�ضة املجتمع امل�سلم -الباك�ستان
86
قصيدة المنتدى العالمي للوسطية :
د� .صالح هاي�س الدليمي -العراق
93
قصة العدد :
التوبة -د� .سعاد النا�صر
94
4
دراسا
ت إسالمية
التكامل بين الجنسين بين المنظومة اإلسالمية والمنظومة الغربية
الدكتور �سعد الدين العثماين
مقدمة: �إذا كانت الب�شرية قد عرفت يف ظل احل�ضارة املعا�صرة اهتماماً �أكرب بو�ضعية املر�أة ورفعت عنها عملياً العديد من مظاهر التهمي�ش التي طالتها عرب القرون ،و�أثرت ب�شكل كبري يف احلياة االجتماعية ،ف�إ َّن الأ�سئلة املثارة والتحديات املطروحة يف معاجلة ق�ضية املر�أة تزداد مع مرور الوقت .ومن امل�شروع �أن يتجدد ال�س�ؤال لدى امل�سلمني عن كيفية اجلمع بني اال�ستفادة من تطورات العقل الب�شري والتجربة الإن�سانية يف امل�س�ألة االجتماعية ،وبني جتنب ما هو ناجت من ذلك عن �أهواء الب�شر �أو يناق�ض �أ�سا�سيات املنظومة الفكرية واالجتماعية الإ�سالمية. وبعبارة �أخرى كيف ميكن تطوير و�ضعية املر�أة وحتقيق نه�ضتها يف نف�س الوقت الذي تتجنب فيه الأفكار وال�سلوكات ذات الطابع الأيديولوجي يف النموذج الغربي؟ �إ َّن اجلواب عن هذا ال�س�ؤال �سيبقى مفتوحاً با�ستمرار ،لأ َّن العقل الب�شري والتجربة
الإن�سانية �سيبقيان دون توقف يف تطور. وجتديد الفكر والفقه الإ�سالميني ما هو يف احلقيقة �إال مراجعة اجتهاداتهما ،و�أحياناً العديد من م�سلماتهما ،وفق املعطيات املو�ضوعية للفكر والتجربة الب�شريتني. ويعد مو�ضوع امل�ساواة بني اجلن�سني �أو التكامل بينهما مفهومان يحتاجان �إىل تدقيق وتعميق ،مع التوقف عند الأ�س�س ال�شرعية وثوابت النظرة ال�شاملة واملتكاملة للإ�سالم يف املو�ضوع .وهو �أمر ال ميكن ف�صله عن ال�صراع والتجاذب احل�ضاري احلايل بني النموذجني احل�ضاريني الإ�سالمي والغربي، فاختالف املرجعية ي�ؤدي تلقائياً �إىل اختالف الت�شخي�ص والتقييم على �أكرث من م�ستوى، وبالتايل �إىل اختالف احللول املقرتحة. �أو ًال :الإ�شكاالت التي يطرحها مفهوم امل�ساواة بني اجلن�سني تك�شف التجربة العملية عن وجود العديد من الإ�شكاالت والتعقيدات يف التنزيل املجتمعي للم�ساواة مما كان وال يزال جمال
خالف ونقا�ش �صاخب حتى داخل احلركة الن�سائية الغربية .وهذا ي�ستدعي الدرا�سة املتوا�صلة للظواهر املرتبطة بتطور املر�أة يف املجتمعات املعا�صرة والتعميق امل�ستمر للمفاهيم املرتبطة بها .و�سنجمل هذه الإ�شكاالت يف نقطتني اثنتني: � -1أي معنى للم�ساواة بني اجلن�سني وما معيارها وما منوذجها. � -2أي موقع للأ�سرة وللأمومة يف حياة املر�أة. 1ـ امل�ساواة :معناها ،معيارها ،منوذجها �إذا كان �أع�ضاء احلركات الن�سائية يف الغرب متفقني على �ضرورة العمل من �أجل حتقيق امل�ساواة بني الن�ساء والرجال ،ف�إ َّن مفهوم امل�ساواة يختلف من مدر�سة لأخرى ،ومن توجه نظري معني يف الدرا�سات الن�سائية �أو االجتاهات الأنثوية لآخر ...فهي تذهب من معنى امل�ساواة يف احلقوق والواجبات والفر�ص� ،إىل معنى �إزالة كل الفوارق املبنية على اجلن�س على �أي م�ستوى من امل�ستويات. وهكذا ميكن متييز ثالثة معان للم�ساواة. املعنى الأول :هو امل�ساواة التامة �أوامليكانيكة �أو املماثلة على ح�سب التعبريات املختلفة .وهي امل�ساواة التي و�صلت يف �إحدى تعبرياتها �إىل �إقرار املنا�صفة la paritéيف التجربة الفرن�سية .وتهدف امل�ساواة بهذا املعنى �إىل �أن ي�شكل الن�ساء الن�صف يف خمتلف م�ؤ�س�سات املجتمع والدولة ،و�أن يقوم كل من الرجل واملر�أة ينف�س الأدوار االجتماعية دون �أي ميز .ويجد هذا االجتاه جزءاً من جذوره يف فكر �سيمون دوبوفوار (1908ـ )1986التي �شككت يف مفهوم الذكورة والأنوثة وذهبت �إىل �أ َّن الإن�سان يختار جن�سه ب�إرادته .وقد تكون �أول من ميز بني اجلن�س Sexوالنوع االجتماعي . Gender وهذا االجتاه يعمل على �إلغاء �أي �شيء مييز الرجال عن الن�ساء باعتباره و�سيلة لإخ�ضاعهن لهم واالنتقال �إىل جمتمع موحد اجلن�س ت�سود فيه �أدوار اجتماعية متماثلة للمر�أة والرجل. ومن توابع هذا الت�صور ا�ست�صغار دور الأمومة ومكانة الأ�سرة لكونها متنع املر�أة من احل�ضور املت�ساوي مع الرجل يف م�ؤ�س�سات الدولة واملجتمع .ولذلك ف�إ َّن املطلوب وفق هذا الت�صور و�صول كل من الرجل واملر�أة
منا�صفة �إىل خمتلف م�ؤ�س�سات امل�س�ؤولية انطالقاً من اجلن�س ولي�س من الكفاءة. وهكذا يجعل هذا املفهوم الأول امل�ساواة يف تناق�ض كامل مع مفهوم التكامل بني الرجل واملر�أة .ويعترب �أ�صحابه -يف الغالب -الرجل و�أدواره واهتماماته هي النموذج واملثال بالن�سبة للمر�أة ،في�صبح بالتايل حلمها هو �أن ت�صبح �شبه رجل. املعنى الثاين :يعترب امل�ساواة عبارةعن ت�ساوي الفر�ص لولوج امل�ؤ�س�سات وامل�س�ؤوليات ،وهو يت�ضمن معاين التوازن والتكافئ .ويختلف عن التماثل يف �أنه يهدف �إىل �إزالة العوائق التي متنع املر�أة من امل�شاركة يف م�ؤ�س�سات املجتمع ب�سبب جن�سها ،لكنها يف املقابل تربط تلك امل�شاركة بكفاءتها ال بجن�سها .وقد تبنى البنك الدويل هذا التعريف يف تقرير حول �سيا�سات النمو عنونه بـ "النوع االجتماعي والتنمية االقت�صادية" .ففيه �أ َّن امل�ساواة بني اجلن�سني تت�ضمن :امل�ساواة �أمام القانون ،امل�ساواة يف الفر�ص (وت�ستلزم امل�ساواة يف الأجور ويف احل�صول على و�سائل الإنتاج) وامل�ساواة يف الت�أثري )1(.وي�ضيف التقرير �أ َّن امل�ساواة بني اجلن�سني ال تت�ضمن امل�ساواة يف النتائج ل�سببني :الأول كون الثقافات واملجتمعات ت�سلك طرقاً خمتلفة لتنزيل تلك امل�ساواة، ال�سبب الثاين هو �أ َّن الرجال والن�ساء �أحرار يف �أن يختاروا �أدواراً خمتلفة �أو مت�شابهة، و�أحرار يف �أن تكون لهم طموحات خمتلفة �أو مت�شابهة ح�سب �أولوياتهم و�أهدافهم .وت�ؤكد وثيقة للوكالة الكندية للتطور �أ َّن امل�ساواة بني اجلن�سني ال تعني �أن يكون الرجال والن�ساء مت�شابهني ،بل �أن يكون لهما �إمكانات وفر�ص مت�ساوية )2(. وهذا التعريف ي�أخذ بعني االعتبار االختالفات املوجودة بني اجلن�سني ويبتعد عن مفهوم املماثلة الذي ينطلق منه التعريف الأول .وقد برز منذ �أواخر الثمانينات يف �صفوف احلركة الن�سائية الغربية الوعي ب�أهمية التنوع وحق املر�أة يف االختالف عن الرجل . droit à la différence و�أ�صبح هذا احلق حمور "ن�ضال" العديد من الن�شيطات يف احلركة الن�سائية .ووجهت االنتقادات بقوة ملحاوالت فر�ض "النوع االجتماعي" الواحد� ،أي النوع املذكر .ففي
امل�ساواة املثلية ي�صبح النموذج هو الرجل، فحياته هي الأف�ضل ،وهمومه هي املثال، والأعمال التي يقوم بها هي التي تعطي القيمة للإن�سان .ف�ألفت املنا�ضلة النقابية والكاتبة الفرن�سية �أونطوانيت فوك � Antoinette Fouqueسنة 1995كتابها "هناك جن�سان"( . )3كما كتبت يف املو�ضوع الفيل�سوفة الفرن�سية �سيلفيان �أكازان�سكي Syliviane Agacinskiكتابها "�سيا�سات اجلن�سني" ،حيث هاجمت النموذج املتمثل يف تقلي�ص االختالف بني اجلن�سني �أو ما ي�سميه البع�ض" :اختفاء النوعني االجتماعيني" بهدف تنميط الأفراد ،واعتربت ذلك حلماً كليانياً "."totalitaire وذهبت �إىل �أ َّن الأمومة هي نقطة ارتكاز َّ ولذلك ف�إن كل واحد للهوية الأنثوية. من اجلن�سني حمتاج للآخر ،والب�شرية بطبيعتها ترتكز على اجلن�سية املغايرة .hétérosexuelle �أما اجلن�سية املثلية فهي �شذوذ يناق�ض ذلك. وتتهم �أكازان�سكي �سيمون دوبوفوار و�أتباعها بكونهنَّ مغرمات بالرغبة يف حمور "اختالف الن�ساء عن الرجال و�سقطن يف فخ "التمركز حول الذكر" . )4( androcentrisme وتوالت الكتابات الن�سائية التي ت�سري يف االجتاه نف�سه طيلة العقدين الأخريين. و�آخرها كتاب ال�صحفيتني الفرن�سيتني مورييل روي بريتي وكابو�سني كرابي يف كتابهما "اجلن�س القوي" حيث حتدثتا عن ع�صر جديد يقطع مع "الن�سوانية" ،ويعلي �ش�أن التكامل بني اجلن�سني( )5واحلفاظ على الأ�سرة واالعتزاز بالأمومة ،حيث متيل الن�ساء اليوم �أكرث �إىل رف�ض الت�ضحية بهما حل�ساب امل�سار املهني (.)6 والفرق بني املعنى الأول للم�ساواة واملعنى الثاين هو �أن الأول يتعامل مع املر�أة والرجل باعتبارهما فردين معزولني عن حميطهما االجتماعي ،بينما ي�صر املعنى الثاين على االنطالق من �أنهما كائنان اجتماعيان. فيكون الهدف حتقيق العدالة بينهما ولي�س املماثلة. املعنى الثالث :نحتته بع�ض الدرا�ساتاملهتمة باملقاربة ح�سب النوع .وهي تعترب �أ َّن امل�ساواة تت�ضمن امل�ساواة يف الفر�ص مع تثمني خ�صو�صيات كل من الرجل واملر�أة،
5
دراسا
ت إسالمية
وبالتايل تثمني الوظائف والأدوار اخلا�صة باملر�أة و�إتاحة الفر�صة لها لت�ؤديها على �أح�سن وجه. كما تنطلق من �أ َّن امل�ساواة بني اجلن�سني ال ميكن �أن تكون حقيقية �إال �إذا �أعانت املر�أة على �أن تعتز بكونها امر�أة ،ال �أن تتمل�ص من جن�سها و�أنوثتها وجتعل هدفها الت�شبه بالرجل وجعله النموذج واملثال .فاحتقار املر�أة جلن�سها وخ�صائ�صها ال ميكن �أن يكون طريقاً �إىل امل�ساواة احلقيقية. ومن الباحثات اللواتي تبنني هذا املفهوم الباحثة االجتماعية �أين البوري راكابي Anni labouri –Racapéالتي ت�ؤكد على �أنه مل يعد مقبوال االنتقا�ص من قيمة الأعمال والأن�شطة اخلا�صة بالن�ساء ،واعتبار ما يقوم به الرجل هو املعيار والنموذج. و�ضمنت مقا ًال لها بعنوان" :نظرة مغايرة مع املقاربة ح�سب النوع"( )7ما اعتربته مقدمات لتنزيل هذه املقاربة منها: البعد عن املقاربة املحايدة ،وتبني مقاربةنهتم بالبعدين الأنثوي والذكوري معاً. �إعالء قيمة الأن�شطة التي تقوم بها الن�ساء،و�إعطا�ؤها قيمة م�ساوية لقيمة الأن�شطة التي يقوم بها الرجل. اعتبار �أ َّن امل�ساواة احلقيقية هي �إعطاءالفرد القدرة على العمل وفق منظوره حول ما هو الأهم يف حياته بالن�سبة له ،فمن حق املر�أة �أن تعترب �أ َّن الأهم يف حياتها هو الأمومة ولي�س عمل مهني معني. وهذا معناه �أ َّن املقاربة ح�سب النوع يجب �أن تهدف �إىل حتديد املهام التي تقوم بها الن�ساء �أو تود القيام بها ،وحتديد حاجياتهن، يف نف�س امل�ستوى الذي يفعل ذلك بالن�سبة للرجل .وي�ستلزم هذا املنظور �إ�شراك املر�أة يف مناق�شة ال�سيا�سات التنموية ويف و�ضع اال�سرتاتيجيات واخلطط ،لأ َّن عدم �أخذ ر�أي الن�ساء بعني االعتبار يغيب نظرة خا�صة لبع�ض الأمور ،ويغيب حاجيات خا�صة للن�ساء .وهذه امل�شاركة ال تهتم بالعدد والن�سبة ،ولكن تهتم �أكرث بالنوعية والكيفية ،وبالقيمة امل�ضافة يف تلك اخلطط. واملهم هنا �أ َّن الباحثة نادت �إىل �إعادة التفكري يف مفهوم امل�ساواة ،و�إعطاء الأعمال التي ترتبط باملر�أة قيمة تليق بها وتعلي �ش�أنها. 2ـ �أي موقع للأ�سرة والأمومة يف حياة املر�أة
6 �إذا كان املعنى الأول للم�ساواة ينكر الفروق بني الرجل واملر�أة ،ويعمل على �إزالتها كلها يف الواقع ،ف�إ َّن املدار�س التي تتبنى املعنيني الثاين والثالث يعرتفون باالختالفات البيولوجية والنف�سية واالجتماعية بني الرجل واملر�أة .وهي ال تعمل على �إزالتها لكن تعمل على �أال ت�ؤدي �إىل ظلم �أو تفاوت اجتماعي. ومن هنا يختلف االجتاهان حول الأمومة، هل هي حاجة فطرية للمر�أة و�أمر مهم يف حياتها ،نحتاج معها �إىل تطوير ا�سرتاتيجية ت�سهل �أداء املر�أة لها و�إعطائها �أولوية على ال�شروط املادية والتنظيمية املرتبطة بالعمل واالنخراط املهني وال�سيا�سي؟ �أم �أ َّن وجود املر�أة يف �سوق العمل ويف امل�ؤ�س�سات ال�سيا�سية �أولوية تف�ضل وظيفة الأمومة،
الر�ضاعة الطبيعية وكونها حقاً للطفل. وتبنت منظمة ال�صحة العاملية حمالت ل�صاحلها .وتبع ذلك متجيد للإجناب ولغريزة الأمومة ،واعتبارهما �أ�سا�س الأخالقية كما عند �أونطوان فوك و�سيلفيات �أكازان�سكي يف كتابيهما ال�سالفي الذكر. كما بد�أت منذ 1985م بفرن�سا �إجراءات ت�سهيل تفرغ الن�ساء للأمومة .فحددت "التعوي�ضات الوالدية للتعليم" ت�ساوي ن�صف احلد الأدنى للأجور للن�ساء اللواتي لديهن � 3أطفال و�أكرث .ثم حددت �سنة 1994م للأم التي ولدت طف ً ال ثانياً .وهذا �أدى �إىل توقف عدد كبري من الن�ساء عن العمل. ويربز حل ثانٍ هو تخفي�ض �ساعات العمل واال�شتغال ن�صف الوقت للتفرغ للأمومة وتربية الأبناء .وهذا ما اختاره �أي�ضاً عدد كبري من الن�ساء .وقد ف�ضلنه على الرغم
فن�ضع الإجراءات لتنزيل امل�ساواة فيها ،ورمبا املنا�صفة دون مراعاة ت�أثريها على الأمومة؟ �إ َّن النقا�ش يف هذا املو�ضوع �شغل م�ساحة كبرية يف الكتابات الن�سائية الغربية ،كما �شهد االهتمام بالأمومة ح�ضوراً متزايداً يف كتابات عدد من الباحثات واملنا�ضالت الن�سائيات ،يف الأو�ساط العلمية والطبية ويف الأو�ساط الفل�سفية والن�ضالية على ال�سواء .وبرز بقوة االهتمام بالر�ضاعة الطبيعية ،والرتكيز على �إيجابياتها الع�ضوية والنف�سية للأم والطفل (وكذلك االقت�صادية يف العامل الثالث). وذهبت كثريات �إىل احلديث عن وجوب
من كونه يقل�ص مدخولهن ال�شهري وي�ضر مب�سارهن العملي ،لأ َّنه ميكنهنَّ من "التوفيق بني غريزة الأمومة والإكراهات املهنية"( .)8ومن الباحثات الغربيات اللواتي �أثرن املو�ضوع �إيدوفيج �أوتري Auter Eduvigeيف كتابها "متجيد الأمهات" ،Eloge des mèresوحتدثت عن املوقف الذي تو�ضع فيه كل �أم بالت�سا�ؤل حول ما هو الأف�ضل :التخلي يف حدود املمكن عن دور الأمومة للغري� ،أم التخفيف من جزء من العمل املهني ل�صاحلها؟ وقد �أجابت �إدوج �أنتيي ب�أ َّن املزيد من الن�ساء يتجهن نحو
احلل الثاين فيخرتن التوقف عن العمل جزئياً �أو كلياً للتفرغ لرتبية �أبنائهن(. )9 لقد كان من نتائج �إخراج العالقات اجلن�سية من دائرة النظام العام يف الغرب ،وجتريدها من حق املجتمع ،لت�صبح حقاً �شخ�صياً خال�صاً، داخ ً ال يف احلرية الفردية� ،أن تراجعت مكانة الأ�سرة وات�سع نطاق اال�ستغناء عن الزواج والإقبال على امل�ساكنة احلرة �أو تف�ضيل حياة العزوبة والعي�ش وحيداً. وازدادت ن�سبة الأبناء غري ال�شرعيني وبرز االرتباط واملعا�شرة اجلن�سية بني �شخ�صني من جن�س واحد ،وبد�أ تقنينه يف بع�ض الدول .ونكتفي مبثال فرن�سا حيث ي�صرح التقرير ال�سنوي للمعهد الوطني للدرا�سات الدميغرافية الذي عر�ض على الربملان الفرن�سي يف � 1999/12/06أ َّن عقد الزواج مل يعد يف فرن�سا هو امل�ؤ�س�س للأ�سرة ،فلقد �أ�صبحت امل�ساكنة احلرة ظاهرة بارزة يف احلياة االجتماعية ،حيث يرتبط �سنوياً 450000زوجاً ارتباطاً حراً لي�صل املجموع �إىل 4.8مليون �شخ�ص �إ�ضافة �إىل الأزواج من نف�س اجلن�س الذين يقدر عددهم ب 30000زوج .وقد ارتفعت الوالدات خارج الزواج ارتفاعاً مطرداً ،فمن 6يف املائة من جمموع الوالدات �سنة � 1967إىل 20يف املائة �سنة � ،1985أ�صبحت 40يف املائة �سنة .1997كما �أن %53من الن�ساء يلدن والدتهن الأوىل عن حمل خارج �إطار الزواج. و ُي�ضاف �إىل ذلك الإقرار الر�سمي بزواج �شخ�صني من جن�س واحد ،ذكر مع ذكر ،و�أنثى مع �أنثى ،يف عدد من الدول ويف مقدمتها بريطانيا والدمنارك وال�سويد والرنويج وهولندا .ثم ي�ضاف �إليها فرن�سا ب�إقرارها "امليثاق املدين للت�ضامن" "."PACS وهو قانون ي�سمح بال�شذوذ اجلن�سي وبزواج �شاذين ،وين�ص على �أنهما يتمتعان بجميع احلقوق املكفولة للأ�سر ،مبا فيها اال�ستفادة من تخفي�ض ثمن تذكرة ال�سفر عرب و�سائل النقل العمومية مبا فيه اخلطوط اجلوية. ومل تكن هذه التطورات �إال مظاهر لرتاجع قيمة الأ�سرة ،وات�ساع النظرة ال�سلبية �إليها، وطغيان قيم �أخرى مادية. • فقيمة ال�سعي وراء الربح املادي �أعلى من قيمة الزواج وتكوين �أ�سرة. • وقيمة املتعة اجلن�سية وحترر ممار�ستها
�أعلى يف املجتمع الغربي من قيمة الوفاء للزوج (�أو الزوجة) واحلفاظ على الأ�سرة. • واخليانة الزوجية مل تعد �أمراً �سلبياً بل �أ�ضحت ممار�سة �شائعة ،و�ألغيت الن�صو�ص اجلنائية التي كانت تعاقب عليها. • والأ�سرة بو�صفها م�ؤ�س�سة اجتماعية منظمة وحممية من قبل القانون ،تتحول �إىل جمرد اجتماع نفعي تطغى فيه مفاهيم حقوق الفرد وحريته بدل احلقوق االجتماعية. وعلى الرغم من وجود تيارات اجتماعية و�سيا�سية يف الغرب ت�سعى لإحياء دور الأ�سرة يف املجتمع لكنها ال متثل االجتاه العام، وتفتقر �إىل �أر�ضية نظرية �صلبة متمايزة عن املنظومة املنبثة عن الوحي والدين.
عقد الزواج لم يعد يف فرنسا هو المؤسس لألسرة ،فلقد أصبحت المساكنة الحرة ظاهرة بارزة يف الحياة االجتماعية ،حيث يرتبط سنويًا 450000زوجًا ارتباطًا حرًا ثاني ًا :الأ�صول العامة ملقاربة حقوق املر�أة يف الإ�سالم تنبثق و�ضعية املر�أة يف الإ�سالم بو�صفها ع�ض ًوا يف املجتمع من ثالثة �أ�صول م�ؤ�س�سة تر�سم خط الت�شريع العام ( ،)10وهي: � -1أ�صل امل�ساواة فقد درج علماء ال�شريعة على اعتبار "�أ َّن الأ�صل يف الأحكام ال�شرعية امل�ساواة بني الرجال والن�ساء �إال ما خ�ص" .فللن�ساء من احلقوق مثل ما عليهن ،وهنَّ �شقائق الرجال كما ورد يف احلديث ال�صحيح( . )11وقد �صاغ ذلك العلماء يف قاعدة عربوا عنها بعبارات متنوعة مثل قول الكرماين( :حكم الرجل واملر�أة واحد يف الأحكام ال�شرعية) ( ، )12وقول ابن
حجر الع�سقالين( :والن�ساء �شقائق الرجال يف الأحكام �إال ما خ�ص) ( . )13وا�ستدل حممد ر�شيد ر�ضا بالآية الكرميةَ (:و َل ُهنَّ مِ ْث ُل ا َّلذِ ي َعلَ ْيهِنَّ ِبالمْ َ ْع ُروف)(البقرة)228 : ليقرر �أ َّن الإ�سالم جعل القاعدة الأ�سا�سية هي امل�ساواة بني الزوجني(� .)14أما الأحكام ال�شرعية التي تختلف فيها الن�ساء عن الرجال فهي ا�ستثناءات من �أ�صل القاعدة. و�أهمية ذلك �أنها ا�ستثناءات ال تثبت �إال بن�ص �صريح ،وال يقا�س عليها �أو يتو�سع فيها �إال بدليل. وهكذا ف�إ َّن هذا الأ�صل يقت�ضي امل�ساواة يف احلقوق والفر�ص والتعليم والأجور واملكانة االجتماعية دون �أي متييز. � -2أ�صل اال�ستقاللية وهو نتيجة طبيعية للأ�صل الأول ،فاملر�أة لي�ست تابعة بال�ضرورة لرجل ،ما دام الرجل لي�س تابعاً هو �أي�ضاً لرجل وال المر�أة .ومن مظاهر ذلك اتفاق جمهور الفقهاء على �أن الإ�سالم اعرتف للمر�أة ب�شخ�صيتها املدنية الكاملة ،وحريتها املطلقة يف الت�صرف يف �أموالها ،وبحقها كالرجل يف �أن تكون لها ذمة مالية م�ستقلة. � -3أ�صل امل�شاركة فالقر�آن مل يفرق بني املر�أة والرجل يف ممار�سة حق امل�شاركة يف خمتلف مظاهر احلياة االجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية، بل تقت�ضي �أ�صول الدين توفري فر�ص مت�ساوية بني الرجال والن�ساء يف احل�ضور والفعل يف خمتلف �ساحات املجتمع. انطالقاً من هذه الأ�صول ميكن فهم الأحكام ال�شرعية اجلزئية متناغمة من�سجمة ال متناثرة متنافرة ،كما ميكن متييز االجتهادات الفقهية املرتبطة ب�أعراف �أ�صحابها وظروفهم و�سياقاتهم عن تلك التي ميكن �أن تعترب فهما �صحيحا للن�صو�ص ال�شرعية. ثالث ًا :التكامل بني اجلن�سني يف املنظومة الإ�سالمية . بناء على ما �سبق من �أ�صول للنظر لق�ضية املر�أة بو�صفها فردا يف املجتمع من زاوية �إ�سالمية ،ف�إ َّن الن�صو�ص ال�شرعية تنظر �أي�ضاً �إىل املر�أة بو�صفها ع�ضواً يف الأ�سرة، ومن هنا ف�إ َّن امل�ساواة املثلية �أو التماثلية منافية لفل�سفة الدين االجتماعية وملوقع
7
دراسا
ت إسالمية
كل من الرجل واملر�أة يف النظام االجتماعي. فالرجل واملر�أة �إذا كانا مت�ساويني يف املكانة وفر�ص الرتقي يف خمتلف املجاالت الدينية والدنيوية ،ف�إ َّن ا�ستقراء الن�صو�ص الدينية يدعم فكرة تكامل الأدوار االجتماعية بينهما ،دون الإ�ضرار ب�أ�صل امل�ساواة .وهذا التكامل ال يعني اختالف املكانة والقيمة بل التوازن والتكاف�ؤ يف احلقوق والواجبات. ويتم ذلك وفق املبادئ والقواعد التالية: 1ـ الزوجية قاعدة يف الكون ويف الفطرة الب�شرية: تنثبق فكرة التكامل بني اجلن�سني كما يبدو يف الن�صو�ص القر�آنية من �أ�صل اخللقة ،وهي جزء من الفطرة التي فطر اهلل النا�س عليها. وت�شمل جميع املخلوقات ،ولذلك قال تعاىل يف القر�آن الكرميَ ( :ومِ نْ ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َخلَ ْق َنا َز ْو َجينْ ِ َل َع َّل ُك ْم َت َذ َّك ُرو َن)(الذاريات،)49: الَ ْز َوا َج ُك َّلهَا ممِ َّ ا وقال�(:س ْب َحا َن ا َّلذِ ي َخلَ َق ْ أ ُ َ الَ ْر ُ �ض َومِ نْ �أ ْن ُف�سِ ِه ْم َوممِ َّ ا اَل َي ْعلَ ُمون) ُت ْن ِبتُ ْ أ (ي�س.)36 : كما اعترب القر�آن �أ َّن �أ�صل الرجل واملر�أة واحد ،و�أ َّن �أحدهما مكمل للآخر ،لذلك ا�س ا َّت ُقوا َر َّب ُك ُم ا َّلذِ ي �سمي زوجاَ (:يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ َخلَ َق ُك ْم مِ نْ َن ْف ٍ�س َواحِ َد ٍة َو َخلَ َق مِ ْنهَا َز ْو َجهَا ريا َون َِ�سا ًء َوا َّت ُقوا اللهَّ َ َو َب َّث مِ ْن ُه َما ر َِج اًال َك ِث ً َ للهَّ الَ ْر َحا َم �إِ َّن ا َكا َن َعلَ ْي ُك ْم ا َّلذِ ي َت َ�سا َء ُلو َن ِب ِه َو ْ أ ِيب)(الن�ساء .)1:وعبارة من نف�س واحدة َرق ً تعني من �أ�صل واحد �أو من جن�س واحد. ال�س َما َواتِ وهو نظري الآية الكرميةَ (:فاطِ ُر َّ اجا َومِ َن َو ْ أ الَ ْر ِ�ض َج َع َل َل ُك ْم مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَ ْز َو ً َ اجا َي ْذ َر ُ�ؤ ُك ْم فِي ِه َل ْي َ�س َكمِ ْث ِل ِه َ�ش ْي ٌء ْأ الَ ْن َعا ِم �أ ْز َو ً ْ ري)(ال�شورى.)11 : ال�سمِ ي ُع ال َب ِ�ص ُ َوهُ َو َّ وذلك التكامل بو�صفه معطى كونياً وفطرياً هو �آية من �آيات اهلل يف اخللقَ ( :ومِ نْ �آ َيا ِت ِه اجا ِل َت ْ�س ُك ُنوا �أَنْ َخلَ َق َل ُك ْم مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَ ْز َو ً �إِ َل ْيهَا َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة �إِ َّن فيِ َذل َِك َ آليَاتٍ ِل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن)(الرومَ ( ،)21:واللهَّ ُ اجا َو َج َع َل َل ُك ْم مِ نْ َج َع َل َل ُك ْم مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم َ�أ ْز َو ً ني َو َح َف َد ًة َو َر َز َق ُك ْم مِ َن َّ �أَ ْز َواجِ ُك ْم َب ِن َ الط ِّي َباتِ �أَ َفبِا ْل َباطِ لِ ُي ْ�ؤمِ ُنو َن َو ِب ِن ْع َمتِ اللهَّ ِ هُ ْم َي ْك ُف ُرو َن) (النحل ،)72:بل هو حاجة كل واحد من اجلن�سني العميقة �إىل الآخر ،فال�سكن هنا �أعمق من جمرد االرتياح الوجداين، �إنه حاجة يف �أ�صل اخللقة �إىل التكامل مع اجلن�س الآخر.
8 2ـ التكامل الع�ضوي والنف�سي بني اجلن�سني: وهكذا ُي�شري القر�آن �إىل �أب�سط �أنواع التكامل بني اجلن�سني ،وهو التكامل الع�ضوي والتكامل النف�سي ،فالتكوين الع�ضوي لهما واحلاجة اجلن�سية لكل واحد منهما لزوجه يعترب �أول مظهر من مظاهر ذلك التكامل، وهو حاجة �أ�سا�سية لبع�ضهما البع�ض ،وبه ميكن �أن يعترب �أحدهما مكم ً ال للآخر. لكن هذا التكامل الع�ضوي ينبني عليه تكامل نف�سي ومعنوي ،وهو املعرب عنه يف الآيات ال�سابقة بال�سكن واملودة والرحمة، وال�سكن هنا يحمل جملة من املعاين مثل الأمن والطم�أنينة والأن�س ،وهو ما ينعك�س �إيجاباً على الزوجني وعلى الأبناء ،ومن ثم تنعك�س �أمناً وا�ستقراراً على املجتمع كافة. وهناك �آية �أخرى ت�صف تلك العالقة ا�س بطريقة �أخرى هي قوله تعاىل( :هُ نَّ ِل َب ٌ ليست األسرة بهذا مجرد كيان مادي وملتقى مكاين يتم فيه تلبية الحاجات الجسدية والمادية فحسب ،بل هي أيضًا كيان معنوي ،أساسه «ميثاق غليظ» ا�س َل ُهنَّ )(البقرة ،)187 :قال َل ُك ْم َو�أَ ْن ُت ْم ِل َب ٌ عبد اهلل ابن عبا�س ب�أن معناه" :هن �سكن لكم و�أنتم �سكن لهن"( . )15ومن معانيه �أن كل واحد من الزوجني يكون �سرتاً للآخر و�إح�صاناً له (. )16 3ـ �أهمية الأ�سرة يف البناء االجتماعي: هذا على امل�ستوى الع�ضوي والنف�سي� ،أما على امل�ستوى االجتماعي ف�إ َّن �أكرب م�ؤثر على طبيعة العالقة بني اجلن�سني هو مكانة الأ�سرة يف الت�صور العام للبناء االجتماعي. وهكذا ف�إ َّن الأ�سرة يف الإ�سالم م�ؤ�س�سة اجتماعية �أ�سا�سية يح�صل بها الإح�صان وال�سكن ،ويف ظلها تتم الرتبية والتن�شئة الأ�سا�سيني للأبناء .ففي القر�آن الكرمي:
اجا ( َومِ نْ �آ َيا ِت ِه َ�أنْ َخلَ َق َل ُك ْم مِ نْ َ�أ ْن ُف�سِ ُك ْم َ�أ ْز َو ً ِل َت ْ�س ُك ُنوا �إِ َل ْيهَا َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة �إِ َّن فيِ َذل َِك َ آليَاتٍ ِل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن)(الروم،)21 : ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا ُقوا �أَ ْن ُف َ�س ُك ْم َو�أَهْ لِي ُك ْم ا�س َوالحْ َِجا َر ُة َعلَ ْيهَا َملاَ ِئ َك ٌة َنا ًرا َو ُقو ُدهَا ال َّن ُ َ للهَّ َ غِ لاَ ٌظ �شِ دَا ٌد اَل َي ْع ُ�صو َن ا مَا �أ َم َرهُ ْم َو َي ْف َع ُلو َن مَا ُي�ؤْ َم ُرو َن)(التحرمي ،)6:وقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم( :النكاح �سنتي فمن مل يعمل ب�سنتي فلي�س مني) ، وقال( :يا مع�شر ال�شباب من ا�ستطاع منكم الباءة فليتزوج ف�إنه �أغ�ض للب�صر و�أح�صن للفرج ،ومن مل ي�ستطع فعليه بال�صوم ف�إنه له وجاء). لي�ست الأ�سرة بهذا جمرد كيان مادي وملتقى مكاين يتم فيه تلبية احلاجات اجل�سدية واملادية فح�سب ،بل هي �أي�ضاً كيان معنوي� ،أ�سا�سه «ميثاق غليظ» كما قال اهلل تعاىلَ ( :و�أَ َخ ْذ َن مِ ْن ُك ْم مِ ي َثا ًقا َغل ً ِيظا)(الن�ساء ،)21:وهدفه حتقيق ال�سكن واملودة والرحمة ،ووظيفته رعاية الن�شئ ونقل قيم الإميان ومبادئ الدين وثقافة املجتمع، وتوفري ال�شعور بالأمان واال�ستقرار .وقد �أول بع�ض املف�سرين امليثاق الغليظ يف الآية على �أنه احلقوق املقررة للن�ساء على الرجال، فقال قتادة" :هو ما �أخذ اهلل تعاىل للن�ساء على الرجال ،ف�إم�ساك مبعروف �أو ت�سريح ب�إح�سان" ،قال" :وقد كان ذلك ي�ؤخذ عند عقد النكاح� :آاهلل عليك لتم�سكن مبعروف �أو لت�سرحن ب�إح�سان" (. )17 وب�سبب هذه املكانة الكبرية للأ�سرة يف الإ�سالم ،خ�صها القر�آن الكرمي بت�شريعات خا�صة مف�صلة ،وبن�صو�ص وا�ضحة �صريحة، وهذا ما يعطي العديد من االختالفات بني النظامني الإ�سالمي والغربي يف الت�شريعات اخلا�صة بالأ�سرة .لأ َّنه بالإ�ضافة �إىل املبادئ والقيم الكربى التي قد تختلف بني املنظومتني من حيث تراتبيتها باخل�صو�ص، فهناك �أحكام جزئية عديدة يتميز بها الت�شريع الإ�سالمي ،يف عقد الزواج و�شروط �صحته ،وحقوق الزوجني وواجباتهما ،وطرق �إنهاء رابطة الزوجية وغريها. 4ـ الأمومة حق للمر�أة وللمجتمع ومن هنا نظر القر�آن �إىل الأمومة على �أنه حق مزدوج للمر�أة وللمجتمع معاً .فهي تعترب حقاً للمر�أة ،لأ َّن ميل املر�أة �إليها فطري
ال حتتاج معه �إىل �إلزام .لكن الرجل واملجتمع هما اللذان يحتاجان �إىل الإلزام بعدم امل�سا�س بحقها ذلك ،وبت�سهيل �أدائها له ،وو�ضع الإجراءات الكفيلة ب�أال تتحول ممار�سة هذا احلق �إىل تهمي�ش �أو ظلم اجتماعي .ومن هنا ت�أكيد القر�آن على �أ َّن املر�أة لها الأولوية يف القرار يف �إر�ضاع ابنها ،وعلى الزوج الإنفاق والرعاية حتى يتم ذلك يف �أح�سن الظروف. يقول تعاىلَ (:وا ْل َوا ِلد ُ َات ُي ْر ِ�ض ْع َن �أَ ْو اَلدَهُ نَّ َح ْو َلينْ ِ َكامِ لَينْ ِ لمِ َنْ �أَ َرا َد �أَنْ ُي ِت َّم ال َّر َ�ضا َع َة َو َعلَى وف اَل المْ َ ْو ُلو ِد َل ُه ِر ْز ُق ُهنَّ َوك ِْ�س َو ُت ُهنَّ ِبالمْ َ ْع ُر ِ َ ُت َك َّل ُف َن ْف ٌ�س �إِ اَّل ُو ْ�س َعهَا اَل ُت َ�ضا َّر َوا ِل َد ٌة ِب َولدِ هَا َو اَل َم ْو ُلو ٌد َل ُه ِب َو َلدِ ِه َو َعلَى ا ْل َوارِثِ مِ ْث ُل َذل َِك ا�ض مِ ْن ُه َما َو َت َ�شا ُو ٍر ِ�ص اًال َعنْ َت َر ٍ َف�إِنْ �أَ َرادَا ف َ فَلاَ ُج َنا َح َعلَ ْي ِه َما َو�إِنْ �أَ َرد مُ ْ ْت �أَنْ َت ْ�سترَ ْ ِ�ض ُعوا �أَ ْو اَل َد ُك ْم فَلاَ ُج َنا َح َعلَ ْي ُك ْم �إِ َذا َ�س َّل ْم ُت ْم مَا �آ َت ْي ُت ْم وف َوا َّت ُقوا اللهَّ َ َو ْاعلَ ُموا �أَ َّن اللهَّ َ بمِ َا ِبالمْ َ ْع ُر ِ ري)(البقرة.)233 : َت ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ ويعلق حممد بن �أحمد الأن�صاري القرطبي يف تف�سريه على هذه الآية قائ ً ال�" :أي هن �أحق بر�ضاع �أوالدهن من الأجنبيات لأنهن �أحنى و�أرق ،وانتزاع الولد ال�صغري �إ�ضرار به وبها، وهذا يدل على �أ َّن الولد و�إنْ فطم فالأم �أحق بح�ضانته لف�ضل حنوها و�شفقتها" (.)18 ورتب القر�آن على ما تتحمله الأم يف احلمل والوالدة من تبعات ،الو�صاية بتقديرها واحرتامها ،وعرب عن تلك التبعات ب�أنها "كره" و "وهن" ،فقال تعاىلَ ( :و َو َّ�ص ْي َنا ال ْن َ�سا َن ِب َوا ِل َد ْي ِه ِ�إ ْح َ�سا ًنا َح َملَ ْت ُه �أُ ُّم ُه ُك ْرهًا ْ ِإ ِ�صا ُل ُه ثَلاَ ُثو َن َو َو َ�ض َع ْت ُه ُك ْرهًا َو َح ْم ُل ُه َوف َ َ َ�ش ْه ًرا َح َّتى �إِ َذا َبلَ َغ �أَ ُ�ش َّد ُه َو َبلَ َغ �أ ْر َب ِع َ ني َ�س َن ًة َقا َل َر ِّب �أَ ْوز ِْعنِي �أَنْ �أَ ْ�ش ُك َر ِن ْع َم َت َك ا َّلتِي �أَ ْن َع ْمتَ َعلَ َّي َو َعلَى َوا ِلدَيَّ َو�أَنْ �أَ ْع َم َل َ�صالحِ ً ا َت ْر َ�ضا ُه َو�أَ ْ�صل ِْح ليِ فيِ ُذ ِّر َّيتِي �إِنيِّ ُت ْبتُ �إِ َل ْي َك َو�إِنيِّ مِ َن المْ ُ ْ�سلِمِ َ ني)(الأحقاف .)15:وقال تعاىل : ُ َ ال ْن َ�سا َن ِب َوا ِل َد ْي ِه َح َمل ْت ُه �أ ُّم ُه وَهْ ًنا ( َو َو َّ�ص ْي َنا ْ إِ َعلَى وَهْ ٍن َوف َ ِ�صا ُل ُه فيِ عَا َمينْ ِ �أَنِ ْا�ش ُك ْر ليِ ري)(لقمان.)14 : َو ِل َوا ِل َد ْي َك �إِليَ َّ المْ َ ِ�ص ُ والتعبري عن احلمل والوالدة ب�أنهما كره ووهن� ،أي م�شقة و�ضعف ،يعني �أ َّن احلالة ت�ستوجب الرعاية والإ�شراف �صحياً ونف�سياً وتربوياً ،مل�صلحة الأم والطفل ومل�صلحة املجتمع .والراجح �أ َّن هذا هو املق�صود مبفهوم القوامة يف الآية الكرمية( :ال ِّر َج ُال َق َّوامُو َن َعلَى ال ِّن َ�سا ِء بمِ َا َف َّ�ض َل اللهَّ ُ َب ْع َ�ض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض
ال�صالحِ َ ُ ات َقا ِن َت ٌات وَبمِ َا َ�أ ْن َف ُقوا مِ نْ �أَ ْم َوا ِل ِه ْم َف َّ ُ للهَّ َحاف َِظ ٌات ِل ْل َغيْبِ بمِ َا َحف َ ِظ ا َواللاَّ تِي َت َخا ُفو َن ُن ُ�شو َزهُ نَّ َفع ُِظوهُ نَّ وَاهْ ُج ُروهُ نَّ فيِ المْ َ َ�ضاجِ ِع َو ْ ا�ض ِربُوهُ نَّ َف�إِنْ �أَ َط ْع َن ُك ْم فَلاَ َت ْب ُغوا َ للهَّ ريا) َعلَ ْيهِنَّ َ�س ِبيلاً ِ�إ َّن ا َكا َن َع ِل ًّيا َك ِب ً (الن�ساء .)34 :فقد فهمت من قبل الكثريين على �أنها تعني ال�سيطرة والتحكم .وبالنظر ملجموع الن�صو�ص واملفاهيم ال�شرعية املرتبطة بعالقة الرجل باملر�أة يف الإ�سالم واملبنية �إجما ًال على �أ�صلي اال�ستقاللية وامل�ساواة ،و�أخذاً بعني االعتبار ل�سيل من القرائن ميكن فهم �أ َّن القوامة تدل على الرعاية من جهة ،والإ�شراف ذي الطابع امل�ؤ�س�ساتي من جهة ثانية ( .)19وممن �أ�شار �إىل قريب من هذا املعنى الفريوز�آبادي �إذ جعل القيام يف الآية مبعنى" :قيام الرجال مب�صالح الن�ساء" (. )20 عبر القرآن بلفظ المثل َّ عند الحديث عن الحقوق المتبادلة بين الزوجين، فقال(:و َل ُه َّن ِم ْث ُل َّ ال ِذي َ َع َل ْي ِه َّن ِب ْ ال َم ْع ُروف) ويف تعليل الآية لقوامة الرجل معنى ال ب َّد من الوقوف عنده ،فقد �أوردت علتني �أوالهما قولها(:بمِ َا َف َّ�ض َل اللهَّ ُ َب ْع َ�ض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض) الن�ساء .)34:وهذا التعليل ال يعني تف�ضيل الرجال على الن�ساء على عك�س ما ذهب �إليه جمهور املف�سرين� ،إذ لو كان ذلك مق�صودا لكان التعبري مبثل (مبا ف�ضلهم عليهن) �أو قال (بتف�ضيلهم عليهن) .لكن التعبري امل�ستعمل يفيد �أن كل جن�س يف�ضل اجلن�س الآخر يف �أمور ،فكالهما فا�ضل ومف�ضول. ونظريه قوله تعاىلَ ( :و اَل َت َت َم َّن ْوا مَا َف َّ�ض َل يب ممِ َّ ا اللهَّ ُ ِب ِه َب ْع َ�ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض لِل ِّر َجالِ َن ِ�ص ٌ يب ممِ َّ ا ا ْك َت َ�س نْ َ ب َو ْا�س َ�أ ُلوا ا ْك َت َ�س ُبوا َولِل ِّن َ�سا ِء َن ِ�ص ٌ اللهَّ َ مِ نْ َف ْ�ض ِل ِه �إِ َّن اللهَّ َ َكا َن ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِي ًما) (الن�ساء .)32 :فقد قالت �أم �سلمة ر�ضي اهلل عنها :يا ر�سول اهلل ،يغزو الرجال وال نغزو، و�إمنا لنا ن�صف املرياث! فنزلتَ ( :و اَل َت َت َم َّن ْوا
مَا َف َّ�ض َل اللهَّ ُ ِب ِه َب ْع َ�ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض لِل ِّر َجالِ يب ممِ َّ ا يب ممِ َّ ا ا ْك َت َ�س ُبوا َولِل ِّن َ�سا ِء َن ِ�ص ٌ َن ِ�ص ٌ َ َ للهَّ للهَّ َ ا ْك َت َ�س نْ َ ب َو ْا�س�أ ُلوا ا مِ نْ َف ْ�ض ِل ِه �إِ َّن ا َكا َن ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِي ًما)(�سورة .)32:وقال الطربي يف معنى الآية :وال تتمنوا � -أيها الرجال والن�ساء -الذي ف�ضل اهلل به بع�ضكم على بع�ض من منازل الف�ضل ودرجات اخلري، َ ولري�ض �أحدكم مبا ق�سم اهلل له من ن�صيب، ولكن �سلوا اهلل من ف�ضله .فالآية تفيد تف�ضيل الرجال على الن�ساء يف �أمور وتف�ضيل الن�ساء على الرجال يف �أمور ،لذلك قال تعاىل بعدهاَ ( :و اَل َت َت َم َّن ْوا مَا َف َّ�ض َل اللهَّ ُ ِب ِه َب ْع َ�ض ُك ْم يب ممِ َّ ا ا ْك َت َ�س ُبوا َعلَى َب ْع ٍ�ض لِل ِّر َجالِ َن ِ�ص ٌ َ للهَّ َ يب ممِ َّ ا ا ْك َت َ�س نْ َ ب َو ْا�س�أ ُلوا ا مِ نْ َولِل ِّن َ�سا ِء َن ِ�ص ٌ َف ْ�ض ِل ِه �إِ َّن اللهَّ َ َكا َن ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِي ًما) (�سورة الن�ساء.)32: ويف نف�س االجتاه حتمل الن�صو�ص ال�شرعية املجتمع م�س�ؤولية رعاية الأمومة ف�أو�صت باملر�أة با�ستفا�ضة ،فعن �أبي هريرة قال :قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم" :ا�ستو�صوا بالن�ساء خرياً"( .)21ولفظ ا�ستو�صوا قد يكون املق�صود به الآباء والأهل والأزواج ،وقد يكون املق�صود به عموم املجتمع. 5ـ التكامل يف الأعمال داخل الأ�سرة �إ َّن املقدمات ال�سابقة تقت�ضي �أن يكون هناك نوع من التكامل داخل الأ�سرة ،لكنه تكامل يجب �أن يتم يف �إطار العدل ،وقد ربطه القر�آن الكرمي بالعرفَ (:والمْ ُ َط َّل َق ُ ات َيترَ َ َّب ْ�ص َن ِب�أَ ْن ُف�سِ هِنَّ ثَلاَ َث َة ُق ُرو ٍء َو اَل يَحِ ُّل َل ُهنَّ �أَنْ َي ْك ُت ْم َن مَا َخلَ َق اللهَّ ُ فيِ �أَ ْر َحامِ هِنَّ �إِنْ ُكنَّ ُي�ؤْمِ نَّ بِاللهَّ ِ َوا ْل َي ْو ِم ْالآخِ ِر َو ُب ُعو َل ُت ُهنَّ �أَ َح ُّق ِب َردِّهِ نَّ فيِ َذل َِك �إِنْ �أَ َرادُوا �إِ ْ�صلاَ ًحا َو َل ُهنَّ مِ ْث ُل ا َّلذِ ي َعلَ ْيهِنَّ وف َولِل ِّر َجالِ َعلَ ْيهِنَّ َد َر َج ٌة َواللهَّ ُ َعزِي ٌز ِبالمْ َ ْع ُر ِ َحكِي ٌم)(�سورة البقرة .)228:فلي�س هناك تق�سيم حدي للمهام والأعمال ،يرتجم �إرادة دينية معينة ،بل القاعدة الواجب رعايتها هنا هو رعاية الأمومة وتقدمي م�صلحة الأ�سرة ،ويف �إطارها يتم التعاون على حتقيق امل�صالح امل�شرتكة .لذلك ملا �س�أل الأ�سود بن يزيد �أم امل�ؤمنني عائ�شة –ر�ضي اهلل عنهما- عم كان ي�صنع الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يف بيته قالت" :كان يكون يف مهنة �أهله ،ف�إذا ح�ضرت ال�صالة خرج �إىل ال�صالة"( ، )22ويف رواية �أخرى �أنها قالت" :كما ي�صنع �أحدكم: يخ�صف نعله ويرقع ثوبه" (. )23
9
دراسا
ت إسالمية
10
ولذلك عبرَّ القر�آن بلفظ املثل عند احلديث عن احلقوق املتبادلة بني الزوجني، فقالَ (:و َل ُهنَّ مِ ْث ُل ا َّلذِ ي َعلَ ْيهِنَّ ِبالمْ َ ْع ُروف) (البقرة .)228:فلي�ست بال�ضرورة حقوقاً واحدة ،ولكنها حقوق متكافئة .فما من واجب على الرجل �إال ويقابله واجب على املر�أة� ،إن مل يكن من نف�س اجلن�س فله نف�س املكانة والقدر .وجعلت الآية التمييز بني �أنواع احلقوق والواجبات التي على كل واحد من اجلن�سني راجعاً �إىل ما هو متعارف عليه يف املجتمع .يقول حممد ر�شيد ر�ضا" :ولي�س املراد باملثل املثل ب�أعيان الأ�شياء و�أ�شخا�صها، و�إنمَّ ا املراد �أ َّن احلقوق بينهما متبادلة و�أنهما
قول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم "كلكم را ٍع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته ...والرجل را ٍع يف �أهله وهو م�س�ؤول عن رعيته ،واملر�أة راعية يف بيت زوجها وم�س�ؤولة عن رعيتها"(.)25 وتت�ضمن تثمني عملها بو�صفها �أُ َماً ترعى �أبناءها وزوجة ت�شرف على بيت الزوجية. 6ـ التكامل يف الأدوار االجتماعية �أما يف �ساحات املجتمع ف�إ َّن الأ�صل ف�سح املجال للمر�أة وا�سعاً للم�شاركة فيها دون �أي عوائق ،ف�أيّ امر�أة �آن�ست يف نف�سها الرغبة يف احل�ضور االقت�صادي �أو االجتماعي �أو ال�سيا�سي فهي حرة يف ذلك ،لكن املو�ضوع ُيطرح يف تراتبية القيم واختيار الأولويات:
�أكفاء ،فما من عمل تعمله املر�أة للرجل� ،إال وللرجل عمل يقابله لها ،و�إن مل يكن مثله يف �شخ�صه فهو مثله يف جن�سه" (.)24 ويف ذات الوقت تت�ضمن الن�صو�ص ال�شرعية �إعالء ملكانة الأمومة ولوظيفة رعاية الأ�سرة ،ومن املقرر دينياً متتيع املر�أة بعدد من الرخ�ص والتخفيف عليها من بع�ض التكاليف ال�شرعية املقررة على الرجال، وذلك مثل �صالة اجلماعة واجلمعة وامل�شاركة يف قتال املعتدين .فاملر�أة غري ملزمة بها و�إن كانت ال متنع من امل�شاركة فيها .كما تت�صمن الن�صو�ص تثمني عمل املر�أة يف �أ�سرتها ،مثل
فهل يعمل املجتمع على الدفع بقوة مل�شاركة املر�أة االقت�صادية وال�سيا�سية ولو على ح�ساب الأمومة والأ�سرة؟ �أم ي�ضع �إجراءات دعم الأمومة والأ�سرة ولو �أدى �إىل نق�ص العامالت من الن�ساء يف املجاالت االقت�صادية واالجتماعية؟ ً َّ وقد ر�أينا �أن النقا�ش ال يزال قويا داخل احلركات الن�سائية الغربية ولدى اجلهات الت�شريعية يف الغرب حول �أي االختبارين �أوىل و�أ�صلح للمجتمع� .أما �إ�سالمياً وبالنظر للمقدمات ال�سابقة ،ف�إ َّن رعاية الأمومة والأ�سرة هما اخليار ،يف �إطار عدد من
التوجهات وال�ضوابط. �إ َّن الأ�صل يف العالقة بني اجلن�سني يف املجتمع -كما ر�أينا -هو امل�ساواة ،امل�ساواة يف الكرامة الب�شرية واحلقوق وفر�ص الرتقي يف احلياة وامل�شاركة يف املجتمع ،واملجتمع �أو الدولة مكلفان بتذليل العقبات وو�ضع الإجراءات لت�سهيل تلك امل�شاركة �أمام املر�أة، ومن غري اجلائز �شرعاً منعها من ممار�سة عمل معني ،بل من املفرو�ض ت�شجيع من تريد منهن مناف�سة الرجال فيها بو�ضع الإجراءات الكفيلة ب�أدائها مهمتها. لكن تلك امل�ساواة هي م�ساواة يف فر�ص احل�ضور ولي�س بال�ضرورة �أن تكون بنف�س القدر وبنف�س ال�شروط .وهي ال تعني �أنه لي�س هناك �أدوار اجتماعية تدخل يف مهام املر�أة بطبيعتها .فالأمومة خا�صية من خ�صائ�ص املر�أة ،والرجل ال ميكنه تعوي�ضها فيها ،وما يجب �أن يحر�ص عليه املجتمع هو �أال ي�ؤدي ذلك �إىل اختالف يف املكانة والقيمة. كما �أ َّن تلك امل�ساواة ال تعني التعاطي مع املر�أة بو�صفها "رج ً ال" ،فالرجولة لي�ست من لوازم الأنوثة ،والعك�س �أي�ضاً �صحيح .وكل ر�ؤية ذكورية للمر�أة �إمنا يحمل احتقاراً وظلماً لها لأنه يقلل من �ش�أنها وطبيعتها وان�سجامها مع تلك الطبيعة .ولذلك نهى الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم عن ت�شبه الرجال بالن�ساء وت�شبه الن�ساء بالرجال ،وحارب الإ�سالم كل احتقار للأنوثة �أو ا�ست�صغار لدورها يف �إجراءات و�أحكام متعددة ،بدءاً بتحرمي و�أد البنت والت�شا�ؤم بوالدتها ،وانتهاء باعتبار �أعمالها بو�صفها �أُ َماً وربة بيت عبادات ُت�ؤجر عليها واعتبار املر�أة التي تتوفى ب�سبب حملها �أو والدتها �شهيدة ،مروراً ب�سيل من الأحكام والتوجيهات التي ُتعلي دورها �أُ َماً وزوجة وم�شاركة يف �أعمال اخلري. ويف نف�س امل�ستوى ف�إ َّن من واجب املجتمع رعاية الأمومة والأ�سرة ،ويف هذا الإطار تدخل بع�ض الإجراءات الني �أ�صبحت اليوم توجهاً عاملياً والتي تهدف �إىل التخفيف عن املر�أة من بع�ض االلتزامات حتى ترعى �أبناءها وتعي�ش �أمومتها يف �صحة ع�ضوية ونف�سية جيدة .وذلك مثل ما نرى يف العديد
من املجتمعات املعا�صرة من �إعطائها عطلة للوالدة م�ؤداة الأجر ،وعطلة للأمومة ب�أجر كامل �أو جزء منه ،تطول �أو تق�صر على ح�سب التقديرات واالتفاقات ،وهذا الأمر يدخل �ضمن م�س�ؤولية املجتمع وم�ؤ�س�سات الدولة ،لأ َّن من الظلم البني �أن ُتعامل املر�أة يف وظيفتها مثل الرجل متاماً� ،سواء يف �ساعات العمل �أو يف نوعيته �أو يف �أمكنته �أو يف �شروطه ،دون �أخذ �أ�سرتها وطبيعتها الب�شرية بعني االعتبار. وبالتايل فالإ�شكال غري مطروح عندما يتعلق الأمر بالأفراد وممار�ستهم حلرياتهم، لكنه مطروح بالن�سبة للفل�سفة العامة التي حتكم الت�صرف الت�شريعي والتدبريي يف املجتمع .واالجتاه العام يف الت�شريع الإ�سالمي ي�سري نحو تقدمي قيمة رعاية الأمومة والأ�سرة على قيمة ت�ساوي احل�ضور االقت�صادي وال�سيا�سي للمر�أة والرجل ،وفق منهج و�سط يراعي �أ�صل امل�ساواة ،ويراعي يف الوقت ذاته الفوارق الطبيعية بني اجلن�سني. وبالتايل ف�إ َّن تق�سيم العمل على �أ�سا�س اجلن�س ال يحمل �أي طابع �إجباري ،فلي�ست هناك �أي �أعمال متنع على الن�ساء ،بل القرار يعود �إىل املر�أة بقرارها الطوعي االختياري، لكن التوجه الت�شريعي والتدبريي من قبل م�ؤ�س�سات املجتمع يجب �أن ي�سري نحو توفري الرعاية الكاملة للأمومة وال�ضمانات ال�ضرورية ال�ستقرار الأ�سرة. وهذا ي�ؤدي عملياً كما �أثبتت التجربة يف املجتمعات املعا�صرة �إىل نوع من التكامل يف املح�صلة العامة بني الرجال والن�ساء، يرتجمه تفرغ �أكرث من الن�ساء لوظيفتي الأمومة ورعاية الأ�سرة .والواجب عدم التقليل من دور الن�ساء هذا ،بل يجب �إعزازه وتثمينه اجتماعياً ،واعتباره من �أعظم الأدوار و�أف�ضل املهام يف الدنيا والآخرة ،مع احلذر من الت�ضحية به لت�صورات �أيديولوجية لي�ست يف م�صلحة املجتمع. وهذا الت�صور يقف و�سطاً بني طرفني ونقي�ضني :فمن جهة هناك الغلو يف اعتبار خ�صو�صية املر�أة وت�ضخيمها ،واختزال عملها
يف وظائف بيولوجية واجتماعية حمددة، حتى �أ�صبحت الوظيفة الإجنابية طاغية مهيمنة على حياة الن�ساء يف العديد من املجتمعات ،ومن جهة �أخرى هناك الغلو لدى بع�ض االجتاهات ويف بع�ض املجتمعات يف نفي تلك اخل�صو�صية للمر�أة والعمل على مماثلتها بالرجل .وكال التوجهني لن يحققا امل�ساواة احلقيقية ،بل املطلوب �أن متتع املر�أة بحقوقها الإن�سانية بو�صفها فرداً يف املجتمع ،و�أن متتع يف الوقت ذاته بحقوقها بو�صفها امر�أة ع�ضواً يف �أ�سرة ،و�أن ُتبنى اال�سرتاتيجيات على �أ�سا�س حتقيق التوازن بني امل�ستويني. وبعد: لقد حاولنا مالم�سة مو�ضوع ال تزال املدار�س الفل�سفية واالجتماعية واملهتمة باملر�أة تناق�شه ،و�سيبقى حوله اخلالف با�ستمرار: فهل التكامل يف الأدوار االجتماعية ،مما ي�ستدعي نوعاً من التق�سيم العام للعمل والوظائف� ،أمر متليه طبيعة كل من املر�أة والرجل �أم ال ؟ وهل فر�ض امل�ساواة التماثلية م�صادمة لل�سنن االجتماعية وللفطرة الب�شرية ،وبالتايل يكون م�صريها الف�شل وحتمل نتائجها خماطر على املجتمعات؟ وقد ر�أينا �أ َّن املنظور الإ�سالمي و�سط بني اجتاهات منحازة متطرفة يف هذا االجتاه �أو ذلك .و�إ َّن االختالفات اجلوهرية بني املنظومتني الإ�سالمية والغربية يف هذا املجال تقت�ضي احلذر �أثناء و�ضع الت�شريعات من االنزالق نحو الفل�سفة الغربية ومقا�صدها. و�إذا كانت كثري من مظاهر اخللل موجودة يف واقعنا االجتماعي ،ويف قوانيننا اخلا�صة بالأ�سرة واملر�أة ،ف�إن �إ�صالح ذلك اخللل، و�إن�صاف املر�أة الطرف الأكرث ت�ضررا منه، يجب �أن يتم بحلول ومقرتحات مبتكرة، ا�ستنادا �إىل ديننا ومقوماتنا احل�ضارية واالجتماعية� ،أو حلول مقتب�سة من احلكمة الب�شرية لكن مع تكييفها مع املبادئ العامة والفل�سفة العليا للمنظومة الإ�سالمية.
1-Banque mondiale, Genre et développement économique, 2003,p35 - 2-Agence canadienne de développement: Egalité entre les sexe consolidation de la paix, 2001, Il y a deux sexes”,ـ 3-Essais de féminologie, éd. Gallimard-Le Débat, 1995 Politiques des sexes, 1968,p85ـ 4- Muriel Roy-Pretet etـ 5-Capucine Graby: Le sexe fort, éd.Bourin éditeur, 2007, p46 6-ibid, p65 7-Un autre regard avec l’approche genre, sur: http://www.genreenaction. net/spip.php?article3130 8-Fause route, P213 9-Ibid, p 213
� -10سعد الدين العثماين :ق�ضية املر�أة ونف�سية اال�ستبداد� ،ص 13ـ .23 � -11أخرجه �أحمد و�أبو داود (كتاب الطهارة) والرتمذي (كتاب الطهارة) وابن ماجة والدارمي عن عائ�شة �أم مل�ؤمنني ر�ضي اهلل عنها. -12فتح الباري البن حجر الع�سقالين (.)699/1 -13فتح الباري (.)305/1 -14تف�سري املنار (.)446/5 -15تف�سري الطربي.223/3 ، -16حممد ر�شيد ر�ضا :تف�سري املنار.176/2 ، -17م�صنف عبد الرزاق.152/1 ، -18اجلامع لأحكام القر�آن.160 /3 ، � -19سعد الدين العثماين :ق�ضية املر�أة ونف�سية اال�ستبداد ،ط ،2الرباط املغرب� ،2004 ،ص 39ـ وما بعدها. -20ب�صائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز، الفريوز �آبادي ،309/4 ،مادة “قوم” � -21أخرجه البخاري (النكاح /باب الو�صاة بالن�ساء) � -22أخرجه البخاري (�أبواب الأذان /من كان يف حاجة �أهله ف�أقيمت ال�صالة فخرج) ،ومثله يف (كتاب النفقات /خدمة الرجل يف �أهله) � -23أخرجه �أحمد يف امل�سند ،احلديث رقم .23606 -24تف�سري املنار.375 /2 ، � -25أخرجه البخاري (كتاب اجلمعة /باب اجلمعة يف القرى واملدن) ،عن ابن عمر. الأمني العام حلزب العدالة والتنمية �سابق ًا -ووزير خارجية اململكة املغربية �سابق ًا
11
دراسا
ت إسالمية
12
األخالق في االقتصاد اإلسالمي زياد حافظ
/امني عام املنتدى القومي العربي -لبنان
يهدف هذا البحث �إىل �إعاد َة النظر يف �أ�س�س التحليل االقت�صاديّ بعد ما وجدناه من �إخفاقاتٍ يف النظر ّية االقت�صاد ّية الو�ضع ّية الكال�سيك ّية والنيوكال�سيك ّية، بل يف النظر ّية االقت�صاد ّية احلديثة � ً أي�ضا، �سوا ٌء مدر�سة كينز �أو مدر�سة فريدمان، لإيجاد حلولٍ للم�شاكل التي تواجهها ُ املجتمعات "املتقدّمة" �أو "النا�شئة ".وما يهم ّنا هو البحث عن �أدوات حتليل جديدة مت ّكننا من معاجلة املع�ضالت االقت�صاد ّية املزمنة كالبطالة ،والتنمي ِة غري املتوازنة، والفجواتِ االقت�صاد ّية واالجتماع ّية بني فئ ٍة قليل ٍة متركزتْ يف يدها الرثوة و�سائر ال�شرائح الباحثة عن لقمة عي�ش كرمية، ومكافح ِة الفقر ،ناهيك ب ْ رتكِ العقل النقديّ الذهبي الذي م ّي َزنا من الغري 1يف الع�صر ّ و�أنتج معرف ًة ُنقلتْ �إىل الغرب2. � ّإن ما لفت نظرنا هو وجود خمزون العربي معلوماتٍ هائل يف كتب الرتاث ّ إ�سالمي ،لك ّنه مه ّم�ش ومغ ّيب عن مناهج ال ّ التعليم يف مدار�سنا وجامعتنا ،ويف الغرب
الذي يدّعي املو�ضوع ّية .نَّ وتبي لنا �أننا ،و�سائ َر الزمالء االقت�صاديني بل املثقفني العرب، ما زلنا نرزح حتت هيمنة الغزو الثقا ّيف الغربي :فمعظ ُم �آل ّيات تفكرينا من �صنع ّ الغرب وك�أنها �صاحب ُة املعرفة احلقيق ّية �أو الوحيدة� .أما نحن العرب ،يف واقعنا احلا ّ يل، فمثقفون غرب ّيون ناطقون باللغة العرب ّية! ولذلك ندعو �إىل �إعادة قراءة الرتاث الذي جنهله ،و�إىل التح ّرر من قراءاتٍ مغلوط ٍة للرتاث ارتكبها منتحلو املعرفة به وفقا لأجنتدهم ال�سيا�سية 3.والأنكى هو ّ تنط ُح بع�ض "املثقفني" العرب املعا�صرين للدفاع الغربي كمم ّثل للحداثة التي عن الفكر ّ ُ املجتمعات العرب ّية ،واتهامُهم "تفتقرها" ٌ متحالف مو�ضوع ًيا مع نقد احلداثة ب�أنه "الظالم ّية والتقليد"! مو�ضوع بحثنا حماولة ا�ست�شراف معايري جديدة للتحليل االقت�صاديّ ،وحتديدًا ً دور الأخالق ّية ()ethics أ�سا�سا �ضابطا � ٍ ً للتعامل االقت�صاديّ ،بد ًال من النفع ّية ( )utilitarianismاملتج ّلية يف ال�سعي
�إىل الربح �أو اال�ستهالك الفرديّ الأق�صى و�إنْ على ح�ساب املجتمع .فاجل�شع املاديّ ح ّل مكا َن ال�سعي �إىل الربح امل�شروع ،و�أ�صبح ُ و�سلوك قاعد ًة مل�شروع ّية الربح املطلق. امل� ّؤ�س�سات املال ّية الكبرية يف الواليات املتحدة ري دليل على تب ّنيها تلك القيم َة املنحرف َة خ ُ للن�شاط االقت�صاديّ وما �آلت �إليه من �أزماتٍ َ أمريكي وحده متا�سك املجتمع ال تهدّد ال ِ ّ العاملي ً اي�ضا� .أما من املنظور بل املجتمع ّ إ�سالمي ،فـ " ُيع ّد االقت�صا ُد وال ُ أخالق ال ّ مو�ضوعًا ال ُيتنازع حوله ،حيث ال اقت�صاد إ�سالمي بدون �أخالق 4".االقت�صاد ال ّ تفري ٌع على قيم الإ�سالم ،وهي قي ٌم �إن�سان ّي ٌة قيمي ،يف مقابل بامتياز ،ولذلك فهو اقت�صا ٌد ّ الو�ضعي املوجود يف الرتاث والفكر االقت�صاد ّ الغربيني. - 1مالحظات متهيد ّية ك ّنا قد �أ�شرنا يف بحث �سابق� 5إىل � ّأن االقت�صاد أقرب �إىل ال�سيا�سة، لي�س عل ًما بذاته بل هو � ُ �إنْ مل يكن ال�سيا�سة ولكنْ بلغة الأرقام .و�إذا �أردنا التع ّمق يف ذلك وجدنا � ّأن االقت�صاد
الو�ضعي ،و�إنْ حاول �شر َح احلياة االقت�صاد ّية ّ وربط الأحداث والظواهر بالأ�سباب العا ّمة التي تتح ّكم فيها 6،قد �أخفق يف التن ّب�ؤ ومعاجلة الأزمات االقت�صاد ّية ،ما ي�شري �إىل َ البحث عدم د ّقة ذلك "العلم" ويفر�ض علينا ّ واحلق � ّأن النظر ّيات عن معايري خمتلفة. االقت�صاد ّية ال�سائدة لي�ست يف �آخر املطاف �إ ّال وجهات نظر �أو "طر ًقا" يف �إنتاج الرثوة وتوزيعها؛ لذا ميكن احلديث عن "املذهب االقت�صاديّ " بدال من "العلم االقت�صاديّ ". فـ "العلم االقت�صاديّ " يزعم �إبرا َز قواعد �إنتاج الرثوة ،ولك ّنه يخفق يف حتقيق قاعد ٍة نظر ّي ٍة لتوزيع الرثوة م�ستقل ٍة عن الإنتاج لأن فر�ض ّيات الإنتاج تتح ّكم بنظر ّية الو�ضعي؛ ناهيك ب� ّأن التوزيع يف االقت�صاد ّ تلك الفر�ض ّيات غري دقيقة �أو غري واقع ّية. �أما املذهب فمه ّمته الأ�سا�س توزي ُع الرثوة ري موجود ٍة يف وف ًقا ملعايري �أخالق ّية غ ِ الو�ضعي �أو "علم االقت�صاد". االقت�صاد ّ احل�ضارة العرب ّية الإ�سالم ّية بلورتْ ثقاف ًة متقدّم ًة جدًا لتوزيع الرثوة ،م�ستق ّل ًة عن ثقافة الإنتاج ،يف حني � ّأن الثقافة الأوىل الغربيُ . هدف هذا تابعة للثانية يف االقت�صاد ّ البحث �إلقا ُء ال�ضوء على �أهم ّية الأخالق يف مذهب �أكرث إ�سالمي ،الذي هو االقت�صاد ال ٌ ّ وخ�صو�صا يف ما يتع ّلق بنظر ّية مما هو علم، ً ّ توزيع الرثوة .وهنا بيت الق�صيد: ف�إنتاج الرثوة وف ًقا للمبادئ االقت�صاد ّية مبني على خلف ّية فل�سف ّية و�سيا�س ّية الو�ضع ّية ّ هد ُفها �إعطا ُء الفر�ص للطاقات املنتجة لتحقيق ما تعتقده من الرفاه ّية وال�سعادة، لكنّ مبد�أ الفرد ّية ي�ؤدّي �إىل متركز الرثوة يف يد الق ّلة .كما � ّأن نظر ّيات التوزيع يف الو�ضعي ُوجدتْ لتخفيف الفجوات االقت�صاد ّ الناجتة من الرتكيز على �إنتاج الرثوة ،لك ّنها غال ًبا ما تكون على ح�ساب املجتمع .ولذلك ُ البحث يف قوانني الإنتاج "عل ًما"، ي�صبح ُ البحث يف التوزيع "مذه ًبا� ".أما بينما ي�صبح يف ما يتع ّلق بثقافة �إنتاج الرثوة يف املنطقة
القيمة األساس يف اإلسالمي ،إذن، االقتصاد ّ ُ والضابط هي اإلنسان؛ األساس لسلوكه هو ُ العدل. العرب ّية والإ�سالم ّية فجذو ُرها تعود �إىل ما قبل ظهور الإ�سالم حيث كانت الغنيمة �أ�سا�س الرثوة 7.والغنيمة لي�ست �إال حم�ص ّلة اقتنا�ص جمهود الغري ،عرب الغزو �أو التبادل التجاريّ .ولنا يف ذلك املو�ضوع �أبحاث نف�صل فيها بنية االقت�صاد الريعي وجذوره ّ املدمرة الناجتة يف الوطن العربي والثقافة ِّ ّ منه8. إ�سالمي 2القيم والأخالق يف االقت�صاد ال ّ 1 - 2ـ حمور ّية الإن�سان يف القر�آن .هناك انطبا ٌع خاطئ ير ّكز على �شمول ّية الإ�سالم على ح�ساب الفرد� .إال � ّأن االجتهاد �أوجد تف�سرياتٍ عديد ًة وخمتلف ًة تتنافى مع النظرة �إىل الإ�سالم ككتل ٍة واحد ٍة وجامدة. من هنا نبدي حت ّف َظنا الأول عن ك ّل نظر ّية تبد�أ بالقولّ �" :إن موقف الإ�سالم من الق�ض ّية الفالن ّية هو كذا �أو كذا9"... �أما التح ّفظ الثاين فهو عن االنطباع � ّأن دور الإن�سان يف الإ�سالم مه ّم ٌ�ش مقارن ًة بدور اجلماعة .وهذا خاطئ � ً أي�ضا العتبارات عدّة، �أه ُّمها تركي ُز القر�آن على دور م�س�ؤول ّية الإن�سان يف حتقيق م�صريه ،و�أ ّنه يتح ّمل ق�ص ُة نتائ َج عمله يف الدنيا والآخرة .وت�أتي ّ �آدم الذي عل ّمه ُ حوا�س اهلل "الأ�سماء" و�أعطاه ّ الإدراك والتمييز لت�شري �إىل تع ّر�ض الإن�سان إغراءات حتيدُه عن ال�صراط امل�ستقيم؛ كما ل ٍ �أنه يف حالة امتحان وبالء دائمني .جاء يف ل�سان العرب" :بال يبلو بل ًوا وبالءً ،مبعنى اخترب وجرب وامتحن 10".لذلك جاء يف اخلوف القر�آن" :ونبل ّونكم ب�شي ٍء من ِ ونق�ص من الأموالِ والأنف�س" واجلو ِع ٍ
(البقرة )155؛ "ولو �شاء ُ اهلل جلعلكم �أ ّم ًة واحد ًة ولكنْ ليبلوك ْم فيما �أتاك ْم" (املائدة .)48الإن�سان �ضعيف جدًا ،فال ب ّد من �إر�شادهّ �" :إن الإن�سان ُخلق هلوعًا* �إذا ري منوعًا" م�سه اخل ُ م�سه ال�ش ُّر جزوعًا* و�إذا ّ ّ يحب املال ح ًبا ج ًما (املعارج .)21-19وهو ّ ويحب مظاهر الرثاء كا ّف ًة: (الفجر ،)20 ّ حب ال�شهواتِ من الن�سا ِء والبنني "ز ّين ِ للنا�س ّ ّ والف�ض ِة والقناط ِ ري املقنطر ِة من الذهبِ واخليلِ امل�س ّوم ِة والأنعا ِم واحلرث ذلك متاع احليا ِة الدنيا" (�آل عمران .)14وهذه الالئحة من ال�شهوات الالمتناهية� ،إ�ضاف ًة �إىل �ضعف الإن�سان البنيويّ ،جتعله ي�شتهي ما ُيعر�ض عليه ويعمل على �إ�شباع رغباته ولو على ح�ساب م�س�ؤول ّياته االجتماع ّية. آيات عديد ٌة ّ لذلك نزلتْ � ٌ تنظم نزواتِ الإن�سان �أو تكبحها .ول ّأن �أر�ض اهلل وا�سعة ونعم َته ال حت�صى ،ت�صبح ق�ض ّي ُة امتالك الرثوة ق�ض ّي َة م�س�ؤول ّي ٍة وواجبٍ يف الإنفاق وف ًقا لأولو ّياتٍ حددّها القر�آن .فامل�سلمون �أ ّم ٌة تبتعد عن التط ّرف يف ال�سلوك واملواقف ،و ُتبنى على أ�سا�س امل ْلك؛ �إنهم �أ ّمة ٌ و�سط، العدل الذي هو � ُ املتو�سط مبعنى الق�صد يف الأمور �أو الأمر ّ بني الإفراط والتفريط11. إ�سالمي، القيمة الأ�سا�س يف االقت�صاد ال ّ ُ أ�سا�س ل�سلوكه �إذن ،هي الإن�سان؛ وال�ضابط ال ُ هو العدل .وهذا ما �سي ّتم بحثه يف الفقرات القادمة. 2ـ 2العدل حمور "املذهب" االقت�صاديّ يف الإ�سالم .يف هذا ال�سياق ال ب ّد من التنوية املف�صلي لل�س ّيد حممد باقر ال�صدر، بامل�ؤ َّلف ّ اقت�صادُنا ،الذي منهج الأفكا َر املتع ّلقة بالعدالة يف الإ�سالم كا ّف ًة .ون�شري � ً أي�ضا �إىل امل�ؤ َّلف الق ّيم ملاجد خدّوري 12،مفهوم العدالة يف الإ�سالم .وال نن�سى م�ؤ َّلف �س ّيد قطب امله ّم ،العدالة االجتماع ّية يف الإ�سالم، كجز ٍء من منظومة فكرية متكاملة وفقا لر�ؤية قطب .وكذلك الأمر بالن�سبة �إىل كتاب ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي ،دور القيم إ�سالمي. والأخالق يف االقت�صاد ال ّ
13
دراسا
ت إسالمية
�أ ـ العدل والق ِْ�سط وامليزان يف القر�آن. قبل حتليل �أ�س�س الأخالق ّية يف التعاطي االقت�صاديّ كما جاء يف القر�آن ،من املفيد �أن نتبينّ مفهوم العدل .وردتْ يف الل�سان مفاهي ُم متعدّدة مل�صطلح "عدل 13".فاملفهوم الأول هو "ما قام يف النفو�س �أنه م�ستقيم ،وهو �ض ّد اجلور"؛ كما � ّأن يف �أ�سماء اهلل "العدل، هو الذي ال مييل به الهوى فيجور يف احلكم، وهو يف الأ�صل م�صد ٌر ُ�س ّمي به فو�ضع مو�ضع ّ باحلق ".وينقل ابن العادل"؛ والعدل "حك ٌم منظور عن �سعيد بن جبيرْ � ّأن العدل على �أربعة �أنحاء :العدل يف احلكمَ " :و ِ�إ َذا َح َك ْم ُت ْم ا�س �أَنْ تحَ ْ ُك ُموا بِا ْل َعدْلِ " (الن�ساء )58؛ َبينْ َ ال َّن ِ والعدل يف القولَ " :و�إِ َذا ُق ْل ُت ْم َف ْاعدِ ُلوا " (الأنعام )152؛ والعدل مبعنى الفدية" : َوا َّت ُقواْ َي ْوماً َّال تجَ ْ زِي َن ْف ٌ�س عَن َّن ْف ٍ�س َ�ش ْيئاً َو َال ُي ْق َب ُل مِ ْنهَا َعد ٌْل َو َال َتن َف ُعهَا َ�ش َفا َع ٌة ن�ص ُرو َن " (البقرة )48؛ والعدل َو َال هُ ْم ُي َ يف الإ�شراك" 14:ثم الذين كفروا بر ّبهم يعدلون" (الأنعام .)1 هذه التعريفات املتقاربة للم�صطلح جاءت يف القر�آن الكرمي يف � 28آية 15.لكنه مل ي�أتِ منف�ص ً ال عن م�صطلحاتٍ �أخرى كالق�سط ّ واحلق" :لقد �أر�سلنا ر�سلَنا بالب ّينات وامليزان الكتاب وامليزا َن ليقو َم النا�س و�أنز ْلنا معهم َ َ بالق�سط" (احلديد )25؛ " َو�أقِي ُموا ا ْل َو ْز َن بِا ْلق ِْ�س ِط َو اَل ُتخْ �سِ ُروا المْ ِي َزا َن " (الرحمن )9؛ و (�أَ ْو ُفوا المْ ِ ْك َيا َل َوالمْ ِي َزا َن بِا ْلق ِْ�س ِط ) (الأنعام .)152والق�سط لي�س العدل و�إنْ ت�شابهت املعاين ،و�إ ّال ملا ُوجد امل�صطلحان يف �آي ٍة واحدة" :ف�إنْ ف�آءت ف�أ�صلحوا بينهما بالعدلِ و�أق�سطوا � ّإن اهلل يحب املقْ�سطني" (احلجرات .)9وكما �أ�شار ّ حممد �شحرور ،م�ستندًا �إىل �أعمال جعفر ّ دك الباب 16واجلرجاين وابن ج ّني ،ف� ّإن القر�آن يخلو من الرتادف يف الألفاظ .ويقول الرازي يف خمتار ال�صحاح � ّإن القِ�سط هو العدل ،وهو � ً احل�صة والن�صيب؛ �أما القِ�سطا�س فهو أي�ضا ّ امليزان .لذلك ميكن القول � ّأن العدل هو يف
14 المساواة بين المختلفين كالتفريق بين المتماثلين، كالهما ليس من العدل يف شيء؛ احلقوق املعنو ّية ،بينما القِ�سط هو يف احلقوق املاد ّية .وي�ضيف ُ بع�ض املع ّلقني � ّأن "ارتباط ري من الآيات بامليزان لفظ القِ�سط يف كث ٍ يرجح هذا املعنى ،وكذلك تكرار لفظ � ّأن اهلل ّ يحب املقْ�سطني ربمّ ا على اعتبار � ّأن العدل يف ّ أ�صعب و� ّ أ�شق على النف�س من احلقوق املاد ّية � ُ العدل يف احلقوق املعنو ّية 17".ويذهب املع ّلق املت�ضمنة مل�شت ّقات �أبعد" :والنظر يف الآيات ِّ يرجح ذلك املعنى، الفعل الرباعي ‘�أق�سط’ ِّ ّ فقد وردتْ � ُ آيات الق�سط يف عدد من �أ�صناف املعامالت بني النا�س". �أما "امليزان" فجاء يف عدد من الآيات املادي للق�سط ،وذلك عرب تعطي البع َد َّ امليزان .فالذي يوازن بني ال�شيئني هو الذي ي�ساوي وي ْعدل بينهما .وامليزان هو الآلة التي ُتوزن بها الأ�شيا ُء و ُت�ستعمل مبعنى العدل والق�سط والأحكام .والالفت � ّأن هذه الآيات تتع ّلق بالتداول واملعامالت بني النا�س" :وال تنق�صوا املكيا َل وامليزان" (هود )85؛ ( �أَ ْو ُفوا المْ ِ ْك َيا َل َوالمْ ِي َزا َن بِا ْلق ِْ�س ِط " (الأنعام )152؛ ) ا�س �أَ ْ�ش َياءهُ ْم (الأعراف .)8 وال َت ْب َخ ُ�سوا ال َّن َ إ�سالمي. ب ـ العدل يف الفكر االقت�صاديّ ال ّ ثمة �إجماع عند املف ّكرين العرب وامل�سلمني الذهبي على مركز ّية العدل يف الع�صر ّ يف التعامل االقت�صاديّ 19.فقد �أ�شار �أبو يو�سف للخليفة الر�شيد � ّأن ي�ساهم يف ت�سريع التنمية� 20.أما املواردي فر�أى � ّأن َ وحفظ العدل ال�شامل ي� ّؤجج الت�ضامن، القانون ،وتنمية الأم�صار ،وتزاي َد الرثوة، و� َ أمن البالد واملجتمع؛ و�أنْ ال �شيء ي�سهم يف تدمري املجتمعات و�ضمري النا�س والعامل
كالظلم 21.و�أما ابن خلدون فيجزم �أن ال تنمية بدون عدل؛ 22فاال�ستبداد ي�ؤدّي �إىل �إيقاف النم ّو وتراجع الرثوة 23.هذا الت�شديد على العدل يف التعامل االقت�صاديّ إ�سالمي العربي ال مي ّيز الفكر االقت�صاديّ ّ ّ الو�ضعي الذي ينفي القيم من االقت�صاد ّ ُ قانون ال�سوق ويعتمد فقط على ما يعتربه من العر�ض والطلب. ٌ إ�ضافات �إىل إ�سالمي املعا�صر � ويف الفكر ال ّ ذلك املخزون الكبري من الأفكار االقت�صاد ّية، كتمييز القر�ضاوي بني العدل وامل�ساواة: "فلي�س معنى العدل امل�ساوا َة املطلقة، ف� ّإن امل�ساواة بني املختلفني كالتفريق بني املتماثلني ،كالهما لي�س من العدل يف �شيء؛ ف�ض ً ال عن � ّأن امل�ساواة املطلقة �أمر م�ستحيل لأ ّنه �ض ّد طبيعة الإن�سان وطبيعة الأ�شياء 24".وبالتايل ،تكون امل�ساواة العادلة تف�سر م�ساوا ًة يف الفر�ص والو�سائل التي ِّ التفا�ض َل يف الأرزاق وتكاف�ؤ الفر�ص كقوله تعاىلَ " :واللهَّ ُ َف َّ�ض َل َب ْع َ�ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض فيِ ال ِّر ْزقِ َف َما ا َّلذِ َ ين ُف ِّ�ض ُلوا ِب َرادِّي ِر ْز ِق ِه ْم َعلَى مَا َملَ َكتْ �أَيمْ َا ُن ُه ْم َف ُه ْم فِي ِه َ�س َوا ٌء �أَ َف ِب ِن ْع َم ِة اللهَّ ِ َي ْج َحدُو َن " (النحل .)71ويف تف�سري مبد�إ تكاف�ؤ الفر�ص ي�سرد القر�ضاوي ق�صة من �سرية عمر بن عبد العزيزُ :يروى � ّأن اب ًنا للخليفة الرا�شد طلب �إليه �أن يز ّوجه و�أن يدفع �صداقه من بيت املال ـ وكان البنه امر�أة -فغ�ضب اخلليفة وكتب �إليه" :لع ْمر اهلل ،لقد �أتاين كتا ُب َك ت�س�ألني �أن �أجم َع لك بني ال�ضرائر من بيت مال امل�سلمني ،و�أبنا ُء املهاجرين ال يجد �أحدُهم امر�أ ًة ي�ستعف بها، َ أعرفنك ما كتبت مبثل هذا!"25 فال � غري � ّأن التفا�ضل يف الأرزاق ال يعفي املجتم َع من م�س�ؤول ّية تقريب الفوارق بني �أفراده، وذلك وف ًقا ملفهوم العدل ،ولتحقيق التوازن، و�إطفا ًء لنريان احل�سد والبغ�ضاء ،وتفاد ًيا للت�صادم بني الأفراد والطبقات .وهذا هو فحوى الفقرات الآتية. ج ـ من العدل �إىل العدالة االجتماع ّية.
النتيجة املو�ضوع ّية للعدل كقيم ٍة �أخالق ّي ٍة جمتمع ت�ضبط �سلوك الإن�سان هي �إقام ُة ٍ عادل .و�إذا كانت العالقات الب�شر ّية مبن ّية على �أ�س�س مغايرة للعدل والق�سط ،نتج منها الظل ُم والف�ساد 26.فما هو مفهوم ذلك املجتمع العادل؟ وما هي الأ�س�س التي ُتبنى عليه؟ 3ـ املنطلقات العا ّمة ا�ستخال�ص منطلقاتٍ خم�س ٍة لإقامة ميكن ُ إ�سالمي �آل ّي ًة جمتمع عادلٍ يكون االقت�صا ُد ال ُّ ٍ لتحقيقه 27.املنطلق الأول هو يف �آل ّية امل ْلك ّية. غري � ّأن امل ْلك ّية هي هلل� ،سواء كانت يف الأ�صول الثابتة �أو املنقولة �أو الدخل �أو الرزق �أو املال: الَ ْر ِ�ض ال�س َما َواتِ َو ْ أ " �أَلمَ ْ َت ْعلَ ْم �أَ َّن اللهَّ َ َل ُه ُم ْل ُك َّ ُي َع ِّذ ُب َمنْ َي َ�شا ُء َو َي ْغ ِف ُر لمِ َنْ َي َ�شا ُء َواللهَّ ُ َعلَى ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َقدِ ي ٌر " (البقرة .)107والإن�سان م�ستخلَ ٌف مب ْلك ّية مُو ّقتة بحياتهَ " :و�إِ ْذ َقا َل َر ُّب َك ِل ْل َم َ ال ِئ َك ِة ِ�إنيِّ َجاعِ ٌل فيِ الأَ ْر ِ�ض َخلِي َف ًة " (البقرة )30؛ " وَيمُ ْدِ ْد ُك ْم ِب�أَ ْم َوالٍ َو َب ِن َ ني َو َي ْج َع ْل َل ُك ْم َج َّناتٍ َو َي ْج َع ْل َل ُك ْم �أَ ْنهَا ًرا " (نوح )12؛ " ُت�ؤْتِي المْ ُ ْل َك َمنْ َت َ�شا ُء َو َت ْن ِز ُع المْ ُ ْل َك ممِ َّ نْ َت َ�شا ُء " (�آل عمران .)26كما � ّأن ك�سب املال و�إنفاقه م�ضبوطان ب�أحكام ال�شريعة كي الغربي احلديث ُت�ضمن العدالة .امل�صطلح ّ لذلك املفهوم هو الرعاية الطويلة الأجل �أو � ،leasehold ownershipأيْ حق االنتفاع وتنمية امل ْلك ّية من دون �أن تكون هذه وا�ضحاَ " :وفيِ �أَ ْم َوا ِل ِه ْم مطلقة .والقر�آن كان ً ِل�سائِلِ َوالمْ َ ْح ُرو ِم " (الذاريات )19؛ �أيْ َح ٌّق ل َّ � ّإن امل ْلك ّية لي�ست مطلقة للفرد بل ُّ حق رعاية، وهي مقرونة مب�س�ؤولياّت كتنمية الأموال و�إعادة توزيع الرثوة وف ًقا ملعايري �س ُتبحث يف فقرة الحقة. ويجتهد العلما ُء يف ذلك املو�ضوع للو�صول �إىل � ّأن امل ْلك ّية يف الإ�سالم متعددة الأ�شكال28: وعام ٌة للمجتمع ،وعا ّم ٌة خا�ص ٌة للفرد، ّ ّ للدولة 29.غري � ّأن التمييز بني ملك ّية الدولة وملك ّية املجتمع م�س�ألة فيها بحث، ن�ص يحكم بذلك ،و�إنْ كانت القرائن لغياب ّ
ُ بيت المال الذي أنشئ عند بداية الفتوحات العربية هو ُ إشارة أول ّ ٍ ّ ولكن ملكية الدولة؛ إىل ّ هذا البيت للمسلمين حدود أجمع ،فأين ُ حدود الدولة وأين ُ المجتمع؟ التاريخ ّية قد ت�ؤ ّيد ذلك التمييز .بيتُ املال الذي �أن�شئ عند بداية الفتوحات العرب ّية هو � ُ أول �إ�شار ٍة �إىل ملك ّية الدولة؛ ولكنّ هذا البيت للم�سلمني �أجمع ،ف�أين حدو ُد الدولة ين�ص عليه و�أين حدو ُد املجتمع؟ هذا ما مل ّ القر�آن وبات مدخ ً ال الجتهادات ال ميكن �أن تكون مقدّ�سة لأنها من �صنع الب�شر ،و�إنْ كانت م�شروعة ومقبولة عرب الزمان. و�إذا ا�ستطردنا بع�ض ال�شيء ر�أينا � ّأن مفهوم الدولة يف تراثنا قد يختلف عنه يف الرتاث والفكر الغرب ّيني .فالقر�آن ال يتحدّث عن الدولة �أو �أحكامها ،بل عالج ق�ضايا املجتمع و�سلوكه؛ لذلك فاملجتمع �أقوى من الدولة يف الرتاث والتقاليد العرب ّية الإ�سالم ّية؛ �أما ال�سيا�سة وال�سلطة فهناك �أحكا ٌم اجتهد فيها عد ٌد من العلماء كاملواردي يف الأحكام ال�سلطان ّية .ويبدو لنا � ّأن مفهوم الدولة الغربي لي�س �ضرور ًيا يف تراثنا ،وال باملنطق ّ نتبنى ذلك املنطق دون متحي�ص ندري ملاذا ّ وك�أنه علم اليقني! ومن جه ٍة �أخرى ،ف� ّإن الغربي له م�صطلح "الدولة" يف الل�سان ّ ُ مدلول الثبوت ،بينما مدلو ُله يف الل�سان ُ تداول ال�سلطة بني ري �أو العربي هو التغي ُ ّ ال�سالالت القبل ّية �أو الع�شائر ّية يف تلك الأزمان (وبني الأفراد �أو القوى والأحزاب اليوم).
�أما املنطلق الثاين لإقامة جمتمع العدل فهو حر ّية الإن�سان الفرد ّية ،لكنْ ُتفر�ض عليها قيو ٌد ل�ضمان عدم التعدّي على حقوق املجتمع .هنا نرى � ً أي�ضا التمايز بني االقت�صادين الر�أ�سما ّ واال�شرتاكي من يل ّ إ�سالمي من جهة �أخرى .فاحلر ّية جهة ،وال ّ الو�ضعي م�صادرة ب�شكل منوذجي االقت�صاد يف َ ّ �أو ب�آخر؛ الفرق بينهما هو طوع ّية ت�سليم احلر ّية يف االقت�صاد الأول لر�أ�س املال ب�سبب القوة الدعائ ّية الرتويج ّية لبع�ض القيم (كحر ّية االختيار و�ضرورة تر�شيد القرار) يف حني � ّأن امل�صادرة يف الثاين ق�سر ّية ب�سبب ما تعتربه النخب احلاكمة "م�صلحة املجتمع". �أما القيود التي تفر�ضها ال�شريعة الإ�سالم ّية على حر ّية الفرد فهي احلدود الناجمة عن القيم التي ُتق ّلم احلر ّية و ُت�صقلها لدرء الظلم عن الأفراد واملجتمعّ � .إن العدل هو الذي يق ِّو�ض احلر ّية املطلقة .وهنا نرى �أحد معامل الو�سط ّية يف الإ�سالم. �سن�ستطرد قلي ً ال يف ما يتع ّلق بالو�سط ّية. الو�ضعي �أن ي�أتي بنظر ّية لقد حاول االقت�صا ُد ّ متكاملة عن التوازن �أو �سلوك املجتمع .لذلك كانت حماولة مارك�س (ت )1883وتنظريه ال�شيوعي عرب حتليل الر�أ�سمال ّية للمجتمع ّ وتفكيكها .املحاولة الثانية لنظرية متكاملة تت�ض ّمن التوازن هي نظرية كينز (ت )1946 عن اال�ستخدام والنقد والفائدة ،وكانت أ�سا�سا ل�سيا�سات �أنقذت املجتم َع الر�أ�سما ّ يل � ً الغربي من االندثار �إ ّبان ك�ساد ثالثين ّيات ّ ّ القرن املا�ضي� .أما يف ما يتعلق بنظر ّيات الفرن�سي التوازن ال�صرف فكانت حماوالت ّ والرا�س (ت )1910يف القرن التا�سع ع�شر، الروحي لنظر ّيات التوازن وهو ُيعترب الأب ّ أمريكي جون نا�ش االقت�صادية احلديثة ،وال ّ بعد احلرب العامل ّية الثانية .لكن ا�صطدمت ُ املحاوالت النظر ّي ُة لبلورة مفهوم متكامل للتوازن بالواقع ،و�أ�صبح ُ هدف التوازن يف ي�صعب حتقي ُقه، الفكر الغربي هد ًفا مثال ًيا ْ ّ وخا�ص ًة يف ما يتع ّلق بتحقيق اال�ستخدام
15
دراسا
ت إسالمية
16 وف�صل ْتها ال ُ آيات الثالث وجودَها يف الإن�سان ّ 153 ،152 ،151من �سورة الأنعام؛ والثاين ف�ضائ ُل �إ�ضاف ّية �أخرى انب ّثتْ يف �سور التنزيل و�آياته36". املنطلق الثالث هو قوامة املجتمع على الفرد .ف�إذا جتاوز الفرد حدّه ،قام املجتم ُع مبا َيلزم حلمله على االلتزام بحدوده .من هنا نفهم � ّأن امل ْلكيات الفرد ّية واالجتماع ّية والعامة َّ توظف لتحقيق توازن بني م�صلحة ّ الفرد واملجتمع ،و�أحكا ُم هذا التوازن تتغيرّ بح�سب املكان والزمان والظروف. املنطلق الرابع هو التكامل بني الفرد ريا، واملجتمع .ف�إذا كانت احلر ّية ر�أ ًيا وتعب ً ف� ّإن �آل ّية حتقيق ذلك تكون عرب ال�شورى، النبي التي هي ممار�سة تاريخ ّية ُفر�ضت على ّ لي�شاور النا�س يف �أمور ال تتع ّلق بالوحي37. من هنا نفهم الآيةَ " :وا َّلذِ َ ين ْا�س َت َجا ُبوا ال�صلاَ َة َو�أَ ْم ُرهُ ْم ُ�شو َرى َب ْي َن ُه ْم ِل َر ِّب ِه ْم َو�أَ َقامُوا َّ َوممِ َّ ا َر َز ْق َناهُ ْم ُي ْن ِف ُقو َن " (ال�شورى .)38 الفرد يحتاج �إىل املجتمع ليحميه ،واملجتمع يحتاج �إىل الفرد يف حتقيق وحدته و�صيانة متا�سكه.
الكامل 30.وكيف يكون غري ذلك؟ فالفر�ض ّيات التي ُتبنى عليها تلك النظر ّي ُ ات نتائجها من ري واقعية ،و�ستكون ُ خاطئة �أو غ ُ ري �صحيحة ب�شكل عا ّم .كما � ّأن حماوالت ث ّم غ ُ و�ضع �سلوك الإن�سان يف معادالتٍ ريا�ض ّي ٍة حمكوم ٌة بالف�شل م�س ّب ًقا� .أما يف الرتاث إ�سالمي فكان الت�سليم ب� ّأن �سلوك العربي ال ّ ّ مبني على نزوات يجب تقلي ُمها الإن�سان ّ وف ًقا ملبادئ �أخالقية يق ّرها املجتم ُع طوعُا ال ق�س ًرا .الو�سط ّية يف ال�سلوك هي �ضمان التوازن ،والعدل هو �آل ّية هذا التوازن .ويف حني � ّأن النظر ّيات الغرب ّية ال تعطي �أيّ دور للعدل يف حتقيق التوازن (الذي حتدّده �آل ّي ُ ات ال�سوق) ،ف� ّإن الو�سط ّية يف القر�آن جت�سي ٌد للتوازن يف �سلوك الإن�سان ،وهي من مك ّونات العدل والعدالة االجتماع ّية. لكنّ م�صطلح احلر ّية يف القر�آن مل يرد ب�شكل وا�ضح .واحلر ّية يف تراثنا هي �ض ّد العبودية 31.غري � ّأن م�ضمون احلر ّية جاء يف م�س�ؤولية الإن�سان يف االختيار بني الإميان والكفر ،وبني ال�صراط امل�ستقيم واالنحراف: " َو ُك َّل �إِ ْن َ�سانٍ �أَ ْل َز ْم َنا ُه َطا ِئ َر ُه فيِ ُع ُن ِق ِه َونُخْ ِر ُج َل ُه َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة ِك َتا ًبا َي ْل َقا ُه َم ْن ُ�شو ًرا " (الإ�سراء ان القاعدة الذهبية .)14 -13فال ميكن �أن يكون الإن�سان م�س�ؤو ًال التي يتمسك بها �إنْ مل يكن ح ًرا .ول ّأن الإن�سان ُخلق �ضعي ًفا �أمام ال�شهوات فقد �أُوجدت القيو ُد التي تكبح االقتصاد اإلسالمي جموحه الناجت من �سوء ا�ستعمال احلر ّية. َ ولذلك ال ميكن �أن متا َر�س احلر ّية �إ ّال �ضمن والتي تجعله متميزًا مرجع ّيات �أربع 32:معرف ّية ّ تبث يف وعيه عن غيره هي ان معرف َة خماط ِر خياراته؛ 33وعرف ّية ت�ؤ ّثر يف �صياغة ت�شريعاتٍ حت ّد من حر ّية الإن�سان؛ 34الموارد االقتصادية يجب ً وجمال ّية (فاختيار اللبا�س مثال ال يكون ان توجه وتتركز يف إنتاج من باب ال�شرع ل�سرت العورة فح�سب بل من أي�ضا)؛ 35و�أخالق ّية ،السلع والخدمات التي باب اللياقة والأناقة � ً وهي الأه ّم .والأخالق يف القر�آن ق�سمان: تشبع الحاجات السوية "الأول هو الفرقان �أو احل ّد الأدنى امللزِم من القوانني الأخالق ّية التي افرت�ض التنزي ُل لإلنسان؟
االجتماعي. املنطلق اخلام�س هو التكافل ّ الفرد �أو ًال ،واملجتمع عرب الدولة ثان ًيا، م�س�ؤوالن عن حتقيق ذلك التكافل عرب ثالث م� ّؤ�س�سات :الزكاة ،والوقف ،والإنفاق التطوعي .والقر�آن ا�ستفا�ض يف بلورة ثقافة ّ القبلي ما التكافل التي ورثها من املجتمع ّ قبل الإ�سالم ،وط ّورها لت�شمل الأ ّمة .ومن �أهداف ذلك التكافل احل ُّد من طغيان املال، و�إعاد ُة توزيع الرثوة. ري �أ ـ احل ّد من طغيان املال .جاء يف القر�آن كث ٌ من الآيات حول املال .فمن جهةُ ، املال زينة: "ا المْ َ ُال َوا ْل َب ُنو َن زِي َن ُة الحْ َ َيا ِة الدُّ ْن َيا َوا ْل َبا ِق َي ُ ات ال�صالحِ َ ُ ات َخيرْ ٌ عِ ْن َد َر ِّب َك َث َوا ًبا َو َخيرْ ٌ �أَ َملاً " َّ َ حقَ " :وا َّلذِ َ (الكهف .)46وهو ّ ين فيِ �أ ْم َوا ِل ِه ْم ِل�سائِلِ َوالمْ َ ْح ُرو ِم " (املعارج َح ٌّق َم ْع ُلومٌ .ل َّ 24و .)25ولكنّ هناك �آياتٍ �أخرى حت ُّد من طغيان املال�َ " :س َي ُق ُ ول َل َك المْ ُ َخ َّل ُفو َن مِ َن ا�س َت ْغ ِف ْر ْأ الَ ْع َرابِ َ�ش َغلَ ْت َنا �أَ ْم َوا ُل َنا َو�أَهْ ُلو َنا َف ْ َل َنا َي ُقو ُلو َن ِب�أَ ْل�سِ َن ِت ِه ْم مَا َل ْي َ�س فيِ ُق ُلو ِب ِه ْم ُق ْل َف َمنْ يمَ ْ ل ُِك َل ُك ْم مِ َن اللهَّ ِ َ�ش ْي ًئا ِ�إنْ �أَ َرا َد ِب ُك ْم َ�ض ًّرا �أَ ْو �أَ َرا َد ِب ُك ْم َن ْف ًعا َب ْل َكا َن اللهَّ ُ بمِ َا ريا " (الفتح )11؛ " َي ْح�سب � ّأن َت ْع َم ُلو َن َخ ِب ً ما َله � ْأخلده" (الهمزة )3؛ " َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا اَل ُت ْل ِه ُك ْم �أَ ْم َوا ُل ُك ْم َو اَل �أَ ْو اَل ُد ُك ْم َعنْ ِذ ْك ِر اللهَّ ِ َو َمنْ َي ْف َع ْل َذل َِك َف�أُو َلئ َِك هُ ُم الخْ َ ا�سِ ُرو َن " (املنافقون .)9وتو�ضح ق�ص ُة قارون كيف كان يت�ص ّرف يف ماله ا�ستهال ًكا و�إنفا ًقا وادّخا ًرا، �سجل عليه عدة انحرافاتٍ ، غري � ّأن القر�آن ّ منها :التعايل عن النا�س ،وعد ُم م�ساعدة املحتاجني ،وا�ستخدا ُم املال من �أجل قهر النا�س وال�سيطرة على البالد .لذلك جاء يف إ�سالمي الذي أ�س�س ال�شرع ال القر�آن ما ك ّون � َ ّ �ضبط ُطرق جني املال واحلفاظ عليه .املال، �إذنْ ،ال ُيذ ّم لذاته بل ُيذ ّم حني ي�ؤدّي �إىل غرور مالكه وطغيانه على الآخرين. هنا تربز ق�ضية مه ّمة تثري اجلد َل بني امل�سلمني� ،أال وهي ق�ض ّية الفائدة التي
ُ امل�صارف وامل� ّؤ�س ُ �سات املال ّية لل ُمودِعني تعطيها وت ْفر�ضها على املقرت�ضني� ،أو هي الربا كما ي�صفها الفقها ُء الإ�سالم ّيون .امل�شكلة تقع يف تعريف الفائدة :ف�إذا ّ متت املرادف ُة بني الفائدة والربا ف� ّإن الفائدة من املح ّرمات، و�إال فهي مقبولة .ل�سنا هنا يف وارد االجتهاد يف املو�ضوع ،ولكنْ من الوا�ضح � ّأن يف مفهوم الربا مفهو َم الزيادة من دون مقابل ـ وهذا يتنافى مع جمموعة القيم التي �سردناها، وبخا�ص ٍة العدل .والربا قريب من مفهوم ّ ف�صلناه يف درا�س ٍة �سابقة؛ فهو الريع الذي ّ مردو ٌد يجنيه املر ُء من دون بذل �أيّ جمهود يتنا�سب يف املقابل� ،أو ببذل جمهو ٍد �صغري ال ُ وحج َم املردود .غري �أن الريع مل ُيح ّرم يف ا�ستالب جمهود القر�آن� .أما الغنيمة فهي ُ الغري بالقوة؛ فهي مقبولة وال�س ّيما �إذا كان ذلك املجهو ُد يف �سبيل اهلل .والتجارة ٌ قب�ض على جمهود الآخر هي � ً أي�ضا ،ولكنْ بالرتا�ضي ،فهي مقبولة ،ب�ضوابطَ (" :و ْي ٌل ني * ا َّلذِ َ ِّل ْل ُم َط ِّف ِف َ ا�س ين ِ�إ َذا ا ْك َتا ُلواْ َعلَى ال َّن ِ َي ْ�س َت ْو ُفو َن * َو ِ�إ َذا َكا ُلوهُ ْم َ�أ ْو َّو َز ُنوهُ ْم ُيخْ �سِ ُرو َن * �أَال َي ُظنُّ �أُ ْو َلـئ َِك �أَ َّن ُه ْم َّم ْب ُعو ُثو َن * ِل َي ْو ٍم ا�س ِل َر ِّب ا ْل َعـلَمِ َ ني( " يم * َي ْو َم َي ُقو ُم ال َّن ُ عَظِ ٍ (� .)3-1أما االحتكار فغري مقبول وف ًقا ملا ن�ص جاء يف االجتهادات الفقه ّية يف غياب ّ وا�ضح يف القر�آن؛ وهنا ي�ست�شهد القر�ضاوي بالأحاديث التي تتناول االحتكار ونبذه 38:فـ "االحتكار مبعثه الأنان ّية والق�سوة على خلق اهلل به ،ل ّأن املحتكر يريد �أن يو�سع ثروته بالت�ضييق على خلق اهلل39". م�س�ألة الربا غاية يف الأهم ّية .فبالإ�ضافة أخالقي ،هناك بعد �آخر ال �إىل بعدها ال ّ ب ّد من التوقف عنده .حجر الزاوية يف الو�ضعي هو االئتمان (،)credit االقت�صاد ّ وثمن االئتمان هو الفائدة .ف�إذا �أخرجنا الفائد َة من املعادلة ،فهل االئتمان ممكن؟ و�إذا �أخرجنا االئتما َن من املعادلة ،فهل من ّو
ن�شاط العمالء االقت�صاديني ممكن؟ �إذا كانت منوذجا �إر�شاد ًيا خمتل ًفا الإجابة نعم ،ف� ّإن ً ي�صبح قائ ًما .هل ب�إمكاننا �أن نت�ص ّور دو ًرا خمتل ًفا ك ّل ًيا للم�صارف وامل� ّؤ�س�سات املال ّية القائمة؟ هل ب�إمكاننا ا�ستعاد ُة ّ حق �إن�شاء الكتلة النقد ّية من النظام امل�صر ّيف ،وح�ص ُره يف الدولة؟ من املعلوم � ّأن الكتلة النقد ّية يف التداول هي من ّ حق وامتياز الدولة التي ّ ت�صك العملة ،ولكنها جز ٌء ب�سيط من الكتلة ُ امل�صارف وامل� ّؤ�س ُ �سات الإجمال ّية التي تن�شئها املال ّية القائمة على نظام االئتمان والفائدة. وبالتايل ف� ّإن الدولة تنازلتْ رمبا عن �أه ّم مزايا ال�سيادة مل�صلحة فئ ٍة من املجتمع تعمل على زيادة �أرباحها ال على منفعة املجتمع بال�ضرورة .لذلك قد تكون �إعاد ُة النظر يف دور النظام امل�صر ّيف وامل� ّؤ�س�سات املال ّية يف �إن�شاء الكتلة النقد ّية وح�صرها بيد الدولة من الأمور التي يجب بحثها. ب ـ توزيع الرثوة .ملّا كان املُلك هلل ،والرثو ُة �ألتي �أوكلتْ خلليفته (الإن�سان) ت�ضع م�س�ؤول ّياتٍ عدة على �صاحبها ،فقد كان مبد�أ مرت�س ًخا يف تراثنا .بهذا �إعادة توزيع الرثوة ّ املعنى �سبقت احل�ضارة العرب ّية الإ�سالم ّية
ان اإلسالم ال ينظر إىل اإلنتاج النافع كمسألة ثانوية يف حياة الفرد والمجتمع بل يعتبره واجبًا ال يكمل الواجب الديني بدونه ،بل انه يضفي على العمل المنتج قيمة أخرى
احل�ضارة الغرب ّية يف مبد�إ توزيع الرثوة بحواىل ثالثة ع�شر قر ًنا! غري � ّأن مبد�أ التوزيع يف هذا الرتاث منبتق من منظومة قيم يقوم بها املجتم ُع طوعًا و�إنْ كان له إلزامي ،بينما يهدف يف الغرب �إىل درء طاب ٌع � ّ م�ساوئ متركز الرثوة يف يد الق ّلة .ويف حني يقوم املجتم ُع يف البيئة العرب ّية الإ�سالم ّية مبها ّم �إعادة توزيع الرثوة ،تقوم الدول ُة يف الغرب بذلك ،وهو ما يعطيها طاب َع الق�سر ّية التي يرف�ضها ال ُ إن�سان من باب الفطرة. لكنْ ال ب ّد من الإقرار ب� ّأن يف املجتمعات ربعات �إىل الغرب ّية م� ّؤ�س�ساتٍ خا�ص ًة تو ّزع الت ّ جهات عديدة من باب احلر�ص على التوازن الداخلي (واملنفعة اخلا�صة لكون واال�ستقرار ّ ربعات تحُ �سم من �ضريبة الدخل!). الت ّ هنا ال ب ّد من وقف ٍة �إي�ضاح ّية ،وهي � ّأن التط ّورات العلم ّية والتكنولوج ّية تنعك�س على كفاءة و�سائل الإنتاج ،وت�ؤدّي �إىل تغيريات يف العالقات االجتماع ّية وف ًقا ملفاهيم االقت�صاد الغربي ب�ش ّق ْيه الليربا ّ واملارك�سي .غري � ّأن يل ّ ّ إ�سالمي عمل ّية العربي ال التوزيع يف الرتاث ّ ّ منف�صلة عن الإنتاج ،وبالتايل ال يتغيرّ مع التغيري الدائم الذي يرافق التط ّور التكنولوجي يف عالقات الإنتاج واملجتمع: "لي�ست احلياة االجتماع ّية نابعة من �أ�شكال الإنتاج املتن ّوعة ،و�إمنا هي نابعة من حاجات الإن�سان نف�سه ،ل ّأن الإن�سان هو القوة املح ّركة للتاريخ ال و�سائل الإنتاج ،وفيه جند ينابي َع احلياة االجتماع ّية 40".و�إذا ُترك ال ُ إن�سان يحب ذاته، لنف�سه فلن يقوم ب�أيّ توزيع لأنه ّ وطبيعته هي البخلُ " :ق ْل َل ْو �أَ ْن ُت ْم تمَ ْ ِل ُكو َن ال ْن َفاقِ َخ َزائ َِن َر ْح َم ِة َر ِّبي �إِ ًذا َ ألَ ْم َ�س ْك ُت ْم َخ ْ�ش َي َة ْ إِ ال ْن َ�س ُان َق ُتو ًرا " (الإ�سراء .)100 َو َكا َن ْ إِ يتبع يف العدد القادم .......
تتعدى العائد المادي
17
دراسا
ت إسالمية
18
تقديم يمثل فقه الموازنات مرتكزا شرعيا هاما في هذا العصر الذي تتعدد فيه التحديات ،وتتكاثر فيه اإلكراهات الضاغطة بمستوياتها المختلفة ،وقد واجهت المرأة المسلمة جانبا هاما من هذه التحديات حيث عانت كثيرا من مظاهر التحيز الذي يستهدف حريتها الشخصية في زيها وملبسها ،وحريتها الدينية في قناعاتها واختياراتها ،وبما أن واقع الدول اإلسالمية الضعيف أمام جبروت القوة الغربية وغثائية المسلمين في هذه األعصر يضيف إلى تلك اإلكراهات تحديات إضافية ،كان لزاما على العقل المسلم أن يفكر بجدية وبعقل مفتوح يسترشد بالنص الشرعي في مقاصده وأولوياته ،ويتعامل مع الضرورات بتقديرها حق قدرها ،انطالقا مما يقتضيه فقه الموازنات ويتطلبه فقه األولويات.
قضايا المرأة المعاصرة من خالل فقه الموازنات
الكورى ال�سامل بن املختار احلاج
ولإثارة ف�ضول الدار�سني ،ولفت انتباه املتخ�ص�صني �آثرت تناول مو�ضوع "املر�أة املعا�صرة من خالل فقه املوازنات" وقد قررت تق�سيمه للمحاور التالية : • فقه املوازنات تعريفا و�ضبطا. • الإ�شكاليات الكربى للمر�أة امل�سلمة. • دور فقه املوازنات يف جمابهة ما تعانيه املر�أة امل�سلمة من �إ�شكاليات . �أو ًال :فقه املوازنات ترتكز الر�ؤية ال�شرعية على النظر املقا�صدي والتف�سري امل�صلحي للوقائع وامل�ستجدات انطالقا من فقه املوازنات الذي يعني(جمموعة الأ�س�س واملعايري التي ت�ضبط عملية املوازنة بني امل�صالح املتعار�ضة �أو املفا�سد املتعار�ضة مع امل�صالح ،ليتبني بذلك �أي امل�صلحتني �أرجح فتقدم على غريها ،و�أي املف�سدتني �أعظم خطراً فيقدم درءها ،كما يعرف بالغلبة لأي من امل�صلحة �أو املف�سدة – عند تعار�ضهما ليحكم – بناء على تلك الغلبة ب�صالح الأمر �أو ف�ساده(،)1وفقه
منتدى الفكر اال�سالمي وحوار الثقافات -موريتانيا
املوازنات هو(املنهج الأمثل لإزالة التعار�ض ،واحلاجة �إليه ما�سة على م�ستوى ما يحيط بالفرد من ق�ضايا � ،أو ما يتعلق باملجتمع من م�صالح ومفا�سد � ،أو ما ت�سري عليه الدولة يف �سيا�ستها العامة ،وبراجمها التنفيذية وخططها امل�ستقبلية ( ، )2ويقوم هذا الفقه على : �أو ًال :املوازنة بني امل�صالح بع�ضها مع بع�ض ،من حيث حجمها و�سعتها ،ومن حيث عمقها وت�أثريها ،ومن حيث بقا�ؤها ودوامها.. و�أيها ينبغي �أن يقدم ويعترب ,و�أيها ينبغي �أن ي�سقط ويلغى ،ومن الأدلة التي ا�ستنبط منها العلماء قاعدة املوازنة بني امل�صالح :قوله تعاىلَ (:وي َْ�س�أَ ُلو َن َك مَا َذا يُن ِف ُقو َن ُقلِ ا ْل َع ْفوَ). (البقرة .)219:فقدم القر�آن الكرمي م�صلحة الإنفاق على العيال يف حال عدم وفرة املال ،على م�صلحة الإنفاق على الفقري. ثاني ًا :املوازنة بني امل�صالح واملفا�سد �إذا تعار�ضتا ،بحيث نعرف متى نقدم درء املف�سدة على جلب امل�صلحة ،و متى تغتفر املف�سدة من
�أجل امل�صلحة ( .)3ومن الآيات الدالة على املوازنة بني امل�صالح واملفا�سد :قوله تعاىل: (ي َْ�س َ�أ ُلو َن َك ع َِن الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ ِر ُق ْل فِي ِه َما ِ�إ ْث ٌم ا�س َو�إِ ْث ُم ُه َم�آ �أَ ْكبرَ ُ مِ ن َّن ْف ِع ِه َما ري َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ َك ِب ٌ )(.البقرة، )219:ففي قوله تعاىل َ :و�إِ ْث ُم ُه َم�آ �أَ ْكبرَ ُ مِ ن َّن ْف ِع ِه َما،داللة وا�ضحة على املوازنة بني امل�صالح واملفا�سد . ثالث ًا :املوازنة بني املفا�سد بع�ضها مع بع�ض، وقد ذكر القر�آن الكرمي ق�صة اخل�ضر عليه ال�سالم حني خرق ال�سفينة وهي �صاحلة .فقد �أحدث فيها مف�سدة ،ليدفع بها مف�سدة �أعظم � ،أال وهي غ�صب ال�سفينة من قبل امللك .فلوال هذا اخلرق �أو املف�سدة لأخذها امللك ،و�ضاع �أهلها الذين يقتاتون مبا رزقهم اهلل من دخلها ،قال تعاىل : ال�سفِي َن ُة َف َكا َنتْ لمِ َ َ�سا ِك َ ني َي ْع َم ُلو َن فيِ ا ْل َب ْح ِر (�أَمَّا َّ َف�أَ َردتُّ �أَن ْ َ�أعِ ي َبهَا َو َكا َن َورَاءهُ م َّمل ٌِك َي ْ�أ ُخ ُذ ُكل ََّ�سفِي َن ٍة َغ ْ�ص ًبا)(.الكهف ،)79:ويف هذه الق�صة دليل على جواز ق�صد �إحداث مف�سدة ّما ،لدفع
�أخرى راجحة . قوله تعاىل (:ي�س�ألونك عن ال�شهر احلرامقتالٍ فيه قل ٌ قتال فيه كبري و�ص ٌد عن �سبيل اهلل وكف ٌر به وامل�سجدِ احلرام و�إخراج �أهله منه �أكرب عند اهلل والفتنة �أكرب من القتل ) (البقرة،)217: فقد �أق ّر ب�أن القتال يف ال�شهر احلرام كبري ،ولكنه قد يكون ملقاومة ما هو �أكرب منه ، يقول الزخم�شري �إن ما قام به(كبائر قري�ش من �صدهم عن �سبيل اهلل وعن امل�سجد احلرام وكفرهم باهلل و�إخراج اهل امل�سجد احلرام وهم ر�سول اهلل وامل�ؤمنون �أكرب عند اهلل مما فعلته ال�سرية من القتال يف ال�شهر احلرام على �سبيل اخلط�أ والبناء على الظن( )4وهذه الن�صو�ص من �أبلغ ما جاء يف املوازنات . ومن الأدلة القر�آنية على فقه املوازنات والرتجيح قوله تعاىل على ل�سان هارون لأخيه مو�سى عليهما ال�سالم :يا ابن �أ ّم ال ت�أخذ بلحيتي وال بر�أ�سي� ,إين خ�شيت �أن تقول فرقت بني بني �إ�سرائيل ومل ترقب قويل � .سورة طه 94 : فمو�سى �صلى اهلل عليه و�سلم �أراد من هارون ملا عبد قومه العجل �أن يلتحق به مع وجود ال�سبب وانتفاء املانع ) ،واعتذر هارون عن بقائه بني القوم بقوله ) �إين خ�شيت �أن تقول فرقتَ بني بني �إ�سرائيل ومل ترقب قويل � ،أي �أن تظن ذلك بي فتقوله ل ْوماً وحتمي ً ال لتبعة الفرقة التي ظن �أنها واقعة الحمالة �إذا �أظهر هارون غ�ضبه عليهم لأنه ي�ستتبعه طائفة من الثابتني على الإميان ،ويخالفهم اجلمهور فيقع ان�شقاق بني القوم ورمبا اقتتلوا فر�أى من امل�صلحة �أن يظهر الر�ضى عن فعلهم ليهد�أ اجلمهور وي�صرب امل�ؤمنون اقتداء بهارون ،ور�أى يف �سلوك هذه ال�سيا�سة حتقيقا ً لقول مو�سى له "و�أ�صلح والتتبع �سبيل املف�سدين" (الأعراف. )5( )142.والدار�س لفقه املوازنات يحتاج �إىل م�ستويني من الفهم بينهما بن القيم بقوله( :اليتمكن املفتي والاحلاكم من الفتوى واحلكم باحلق �إالبنوعني من الفهم: �أحدهما :فهم الواقع والفقه فيه وا�ستنباط علم حقيقة ماوقع بالقرائن والأمارات والعالمات حتى يحيط به علما. النوع الثاين :فهم الواجب يف الواقع وهو فهم حكم اهلل الذي حكم به يف كتابه �أوعلى ل�سان ر�سوله يف هذا الواقع ثم يطبق �أحدهما على الآخر ،فمن بذل جهده وا�ستفرغ و�سعه يف ذلك مل يعدم �أجرين �أو�أجرا فالعامل من يتو�صل
مبعرفة الواقع والتفقه فيه �إىل معرفة حكم اهلل و ر�سوله كما تو�صل �شاهد يو�سف ب�شق القمي�ص من دبر �إىل معرفة براءته و�صدقه ،وكما تو�صل �سليمان �صلى اهلل عليه و�سلم بقوله ائتوين بال�سكني حتى �أ�شق الولد بينكما �إىل معرفة عني الأم ...ومن ت�أمل ال�شريعة وق�ضايا ال�صحابة وجدها طافحة بهذا ،ومن �سلك غري هذا �أ�ضاع على النا�س حقوقهم ()6 و فقه املوازنات يف حقيقته و�صميمه يعرب عن ر�ؤية �إ�سالمية متب�صرة وفهم ح�صيف ي�ستوعب الواقع والن�ص ،و ينزل الأحكام ال�شرعية على الوقائع امل�ستجدة ،مبا ين�سجم مع القواعد ال�شرعية وال�ضوابط الأ�صولية ،و املقا�صد الكلية ،يقول �شيخ الإ�سالم بن تيمية مقررا ذلك ومبينا له �إن(�سائر ما يتزاحم من الواجبات وامل�ستحبات ف�إنها جميعها حمبوبة هلل وعند التزاحم يقدم �أحبها �إىل اهلل ،والتقرب
استقرت الشريعة بترجيح خير الخيرين ودفع شر الشرين وترجيح الراجح من الخير والشر المجتمعين �إليه بالفرائ�ض �أحب من التقرب �إليه بالنوافل ،وبع�ض الواجبات وامل�ستحبات �أحب �إليه من بع�ض ،وكذلك �إذا تعار�ض امل�أمور واملحظور فقد تعار�ض حبيبه وبغي�ضه فيقدم �أعظمهما يف ذلك ف�إن كان حمبته لهذا �أعظم من بغ�ضه لهذا قدم ،و�إن كان بغ�ضه لهذا �أعظم من حبه لهذا قدم كماقال تعاىل " ي َْ�س�أَ ُلو َن َك ع َِن الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ ِر ُق ْل ا�س َو ِ�إ ْث ُم ُه َم�آ �أَ ْكبرَ ُ مِ ن ري َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ فِي ِه َما ِ�إ ْث ٌم َك ِب ٌ َّن ْف ِع ِه َما " (�سورة البقرة ، )219وعلى هذا ا�ستقرت ال�شريعة برتجيح خري اخلريين ودفع �شر ال�شرين وترجيح الراجح من اخلري وال�شر املجتمعني (،)7وهذا املنهج ين�سجم مع طبيعة النف�س الب�شرية يقول العز بن عبد ال�سالم ( واعلم �أن تقدمي الأ�صلح فالأ�صلح ودرء الأف�سد فالأف�سد مركوز يف طبائع العباد نظرا لهم من
رب الأرباب( )8وي�ضيف (وال�شريعة كلها م�صالح �إما تدر�أ مفا�سد �أو جتلب م�صالح ،ف�إذا �سمعت اهلل يقول( :يَا�أَ ُّيهَاا َّلذِ ينَ �آ َم ُنوا) ؛ فت�أمل و�صيته بعد ندائه ،فال جتد �إالخريا يحثك عليه �أو�شرا يزجرك عنه � ،أوجمعا بني احلث والزجر()9 (فال يجوزدفع الف�ساد القليل بالف�ساد الكثري والدفع �أخف ال�ضررين بتح�صيل �أعظم ال�ضررين ف�إن ال�شريعة جاءت بتح�صيل امل�صالح وتكميلها وتعطيل املفا�سد وتقليلها بح�سب الإمكان ،ومطلوبها ترجيح خرياخلريين �إذامل ميكن �أن يجتمعا جميعا ودفع �شر ال�شرين �إذا مل يندفعا جميعا ،)10(.ويرتكز فقه املوازنات علي عدة �ضوابط : • قاعدة التي�سري و رفع احلرج انطالقا من قوله تعاىل : ُ للهّ َ َ ُ ( .1مَا ُيرِي ُد ا ِل َي ْج َعل َعل ْيكم مِّن ْ َح َر ٍج) (املائدة ) 6 ِّين مِ ن ْ َح َر ٍج )(احلج َ ( .2ومَا َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فيِ الد ِ )78 ُ َّ َّ َ (.3الذِ ينَ َي َّت ِب ُعو َن ال َّر ُ�سول ال َّنب َِّي الأم َِّّي الذِ ي يَجِ دُو َن ُه َم ْك ُتوباً عِ ندَهُ ْم فيِ ال َّت ْو َرا ِة َوا ِلإنجْ ِ يل) ِ وف َو َي ْنهَاهُ ْم ع َِن المْ ُن َكر ِ َويُحِ ُّل �(.4أْ ُم ُرهُ م ِبالمْ َ ْع ُر ِ َل ُه ُم َّ الط ِّي َبات ِ َوي َُح ِّر ُم َعلَ ْي ِه ُم الخْ َ َب�آئ َِث ) (.5ي�ض ُع َع ْن ُه ْم �إِ ْ�ص َرهُ ْم َوا َلأ ْغ َ ال َل ا َّلتِي َكانتَ َ ْ َعلَ ْي ِه ْم) (الأعراف .)157 ال�س ْم َح ُة()11 (حب ُالد ِ ّ .6 ِّين �إِلىَ اللهَّ ِ الحْ َ نِي ِف َّي ُة َّ َ �( .7إن ال ِّديَن ي ُْ�س ٌر َ ،و َلنْ ي َُ�شا َّد ال ِّدينَ �أ َح ٌد �إِ َّال َغلَ َب ُه َ ،ف َ�س ِّددُوا َو َقا ِربُوا َو�أَ ْب�شِ ُروا َ ،و ْا�س َتعِي ُنوا بِا ْل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة َو َ�ش ْى ٍء مِ ن الدُّ لجْ َ ِة ) ()12 و�أ�سباب رفع احلرج متعددة عرب عنها العلماء ب�صيغ عديدة منها : • عموم البلوى :وهواحلالة �أو احلادثة التي ت�شمل كثريا من النا�س ويتعذر االحرتاز منها . • الغلبة :تنزل منزلة ال�ضرورة يف �إفادة الإباحة . • �سراالحرتاز :ومعناه �صعوبة التحفظ عن �أمر وهي يف العبادات وغريها ،وعربعنه القرايف بالتعذر حيث قال ":املتعذر ي�سقط اعتباره واملمكن ي�ست�صحب فيه التكليف" ، .و�أماخليل فقد قال " :ال�إن ع�سراالحرتاز منه"( .)13وقال "وعفى عما يع�سركحدث م�ستنكح)14( " . ثانيا :تغري الفتوي بتغري الزمان ،وقد اعتربه عمر بن اخلطاب حينما منع �سهم امل�ؤلفة قلوبهم مع وروده يف القر�آن ،لأنه ر�أى �أن عز الإ�سالم موجب حلرمانهم ،و�إلغا�ؤه للنفي يف حد الزاين
19
دراسا
ت إسالمية
البكر خوفا من الفتنة . ثالثا :تنزيل احلاجة منزلة ال�ضرورة ، وال�ضرورة هي حفظ النفو�س من الهالك �أو �شدة ال�ضرر( )15و(احلاجة دون ال�ضرورة؛ لأن ال�ضرورة هي التي �إذا مل يقم بها الإن�سان �أ�صابه ال�ضرر ،واحلاجة هي التي تكون من مكمالت مراده ،ولي�س يف �ضرورة �إليها)17( . و(ال خالف بني �أهل العلم ،يف �أن ال�ضرورة لها �أحوال خا�صة ت�ستوجب �أحكاما غري�أحكام االختيار ,فكل م�سلم �أجل�أته ال�ضرورة �إىل �شيء �إجلا ًء �صحيحاً حقيقياً،فهو يف �سعة من �أمره فيه ،وقد ا�ستثنى اهلل جل وعال ،حالة اال�ضطرار يف خم�س �آيات من كتابه ،ذكر فيهااملحرمات الأربع التي هي من �أغلظ املحرمات،حترميا وهي امليتة والدم وحلم اخلنزير وما �أهل لغري اهلل به ,ف�إن اهلل تعاىل كلما ذكرحترميها ا�ستثنى منها حالة ال�ضرورة ،ف�أخرجهامن حكم التحرمي)17( . رابعا :اعتبار العرف(هو ما يتعارف عليه النا�س...وحجية العرف م�ستفادة من الكتاب وف وال�سنة قال تعاىلَ ( ":و ِل ْل ُم َط َّل َقاتِ َم َتا ٌع ِالمْ َ ْع ُر ِ َح ّقاً َعلَى المْ ُ َّت ِق َ ني (البقرة( " 241و َم ِّتعُوهُ نَّ َعلَى وف المْ ُو�سِ ِع َق َد ُر ُه َو َعلَى المْ ُ ْقترِ ِ َق ْد ُر ُه َم َتاعاً ِبالمْ َ ْع ُر ِ َح ّقاً َعلَى المْ ُ ْح�سِ ِن َ ني (البقرة236وقال تعاىل: (مِ نْ �أَ ْو َ�س ِط مَا ُت ْط ِع ُمو َن َ�أهْ لِي ُك ْم �أَ ْوك ِْ�س َو ُت ُه ْم ) (املائدة ،)89ويف احلديث":خذي مايكفيك وولدك باملعروف" ،ومما ي�ستدل به حلجية العرف ال�سنة التقريرية كتقرير النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم -للنا�س على �صنائعهم وجتاراتهم ،وقد �أقر – �صلى اهلل عليه و�سلم – الق�سامة على ماكانت عليه يف اجلاهلية .رواه م�سلم)18( . خام�سا :النظر يف امل�آالت :التكاليف م�شروعة مل�صالح العباد الدنيوية و الأخروية ،راجعة �إىل م�آل املكلف يف الآخرة ليكون من �أهل النعيم � ،أما الدنيوية ،ف�إن الأعمال �أ�سباب مل�سببات مق�صودة لل�شارع ،وامل�سببات هي م�آالت الأ�سباب ،فاعتبارها يف جريان الأ�سباب مطلوب ،وهو معنى النظر يف امل�آالت ،)19(.وي�ضيف ال�شاطبي �إن املو�ضوع (جمال للمجتهد �صعب املورد � ،إال�أنه عذب املذاق حممود الغب ،جارعلى مقا�صد ال�شريعة ، )20( .والأدلة ال�شرعية واال�ستقراء على �أن امل�آالت معتربة ومن ذلك قوله تعاىل: ( َوال َت�أْ ُك ُلوا �أَ ْموَا َل ُك ْم َب ْي َن ُك ْم بِا ْل َباطِ لِ َو ُت ْد ُلوا ِبهَا ِ�إلىَ الحْ ُ َّكا ِم(الآية البقرة.188 :
20 ( َو َال َت ُ�س ُّبواْ ا َّلذِ ينَ َي ْدعُو َن مِ ن دُونِ اللهّ ِ َف َي ُ�س ُّبواْ اللهّ َ َعدْواً ِب َغيرْ ِ عِ ْل ٍم(الأنعام ،)108 :يقول الطربي(والت�س ُّبوا الذي يدعو امل�شركون من في�سب امل�شركون دون اهلل من الآلهة والأنداد ، َّ اهلل جهال منهم بربهم ،واعتداء بغريعلم ()21 َ ً ف(�سب �آلهة امل�شركني ،و�إن كان فيه م�صلحة ، �إال �أنه يرتتب عليه مف�سدة �أعظم منها ،وهي مقابلة امل�شركني ب�سب �إله امل�ؤمنني ،وهو اهلل ال �إله �إالهو )22(. ثانيا :الإ�شكاليات الكربى للمر�أة امل�سلمة جتابه املر�أة امل�سلمة يف الوقت الراهن حتديات ج�سيمة تتعلق بحريتها ال�شخ�صية املبا�شرة من جهة ،وحريتها الدينية من جهة �أخرى ومن �أهم هذه التحديات : �أوال :ما يتعلق بحريتها ال�شخ�صية ويف هذا النطاق تدخل القوانني والت�شريعات التي �سنتها بع�ض الدول ،والتي متنع املر�أة امل�سلمة
تجابه المرأة
المسلمة يف الوقت الراهن تحديات جسيمة تتعلق بحريتها الشخصية المباشرة من جهة ،وحريتها الدينية من جهة أخرى من ارتداء برقعها واحل�شمة بحجابها ،وهي القوانني التي �سنتها فرن�سا وبلجيكا()23
وان�ضمت هولندا لذلك النادي معتربة �أن ذلك �ضروري ومربر حلماية طبيعة احلياة العامة والعادات اجليدة يف هولندا( ،)24ويدخل يف ذلك النطاق ما �أعلنه رئي�س االحتاد الدويل للجيدو �أن قوانني الهيئة الدولية متنع ارتداء احلجاب خالل املناف�سات ،وهذا كله فيه �إق�صاء للم�سلمات الراغبات يف التم�سك بزيهن ال�شرعي احرتاما لتقاليد جمتمعاتهن ،وانطالقا من معطى ديني متجذر ،وب�سبب هذه الإكراهات تعر�ضت طالبات مدر�سة يف جنوب رو�سيا ل�ضياع ع�شرات احل�ص�ص املدر�سية عليهن بعد منعهن من ح�ضور الدرو�س باحلجاب(، )25 ثانيا :ما يتعلق بحريتها الدينية ويف هذا
لإطار متثل اتفاقية "�سيداو " (�)26أعظم هذه الإكراهات ملا فيها من انتهاك �صارخ للقيم والأخالق الدينية ،وما متثله من �إ�شاعة للفاح�شة وترويج للجنوح واالنحراف ، الرتكازها على مبد�أ امل�ساواة املطلقة والتماثل التام بني املر�أة والرجل يف الت�شريع ويف املجاالت ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية ويف التعليم والعمل واحلقوق القانونية ،وكافة الأن�شطة وهو ما يعني الق�ضاء على الفروق الفي�سيولوجية ،ويخل مببد�أ القوامة ،وحينما اعرت�ضت �أمريكا و�سوي�سرا على هذه االتفاقية لأنها ت�صادم بع�ض ن�صو�صها الت�شريعية مل جتد دول �إ�سالمية كثرية غ�ضا�ضة يف التوقيع والت�صديق عليها رغم ما تت�ضمنه من م�سائل خملة بالقيم الدينية واخللقية ،وتتناول بع�ض ما ن�صت عليه هذه االتفاقية ،وقد ت�ضمنت ب�صياغتها املرنة ودالالتها الإيحائية نواح متعددة منها نقاط ذات �أثر خطري ومن جملة ما ت�ضمنته : منح املر�أة الأهلية القانونية امل�ساوية للرجل يف �شتى املجاالت وهو ما قد ينايف قدراتها وا�ستعداداتها الفطرية من جهة ،وي�صادم بع�ض املذاهب الفقهية يف ر�ؤيتها لقوامة للرجل من جهة �أخرى ،حيث ترى �أن الوالية العظمى واالنت�صاب للق�ضاء ،والوالية املتعلقة بالنكاح �أمور تقت�ضيها قوامة الرجل املقررة يف القر�آن، واالنتظام يف �سلك اجلندية والأعمال الع�سكرية من الأمور امل�سندة يف الفقه الإ�سالمي للرجل ملا تتطلبه من قوة ج�سمية ونف�سية قد ال تتوفر للمر�أة ،و مع �أن هذه النقاط ال ت�شكل انتهاكا �صريحا ملا ي�ؤ�س�س لها من ن�صو�ص ،وما فيها من مذاهب فقهية متنوعة فالن�ساء ( ُكنَّ ي َْح ُ�ض ْر َن الحْ َ ْر َب َم َع َر ُ�سولِ اللهَّ ِ �صلى اهلل عليه و�سلم(... َو َق ْد َكا َن ُي ْر َ�ض ُخ َل ُهنَّ )27( .وقد ق�سم ل�ستة ن�ساء خرجن معه يف غزوة خيرب وقلن له َ (خ َر ْج َنا َن ْغز ُِل َّ ال�ش َع َر َو ُن ِع ُ ني ِب ِه فِى َ�سبِيلِ اللهَّ ِ َو َم َع َنا َد َوا ُء ال�سوِيق َ) ()28 الجْ َ ْر َحى َو ُن َناو ُِل ِّ ال�سهَا َم َو َن ْ�سقِى َّ (وقد كانت �أم �سليم يف غزوة حنني حتمل خنجرا وتقول (�إن دنا مني بع�ض امل�شركني �أن �أبعج به بطنه) ()29 وامل�سلمون يتعاملون مع م�س�ألة امل�ساواة انطالقا من قول اهلل تعاىلَ ( :و َال َت َت َم َّن ْواْ مَا َف َّ�ض َل اللهّ ُ ِب ِه ما ا ْك َت َ�س ُبواْ يب ِمّ َّ َب ْع َ�ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض ِّلل ِّر َجالِ َن ِ�ص ٌ َ للهّ َ ُ ْ ما ا ْك َت َ�س نْ َ ب َو ْا�س�ألوا ا مِ ن يب ِمّ َّ َولِل ِّن َ�ساء َن ِ�ص ٌ َف ْ�ض ِل ِه ِ�إ َّن اللهّ َ َكا َن ِب ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َعلِيماً) (الن�ساء .)32
وعلى �أ�سا�س حقائق ثابتة هي : • �أن �شريعة اهلل �س ّوت بني الرجال والن�ساء فيما ي�ستوي فيه الرجال والن�ساء كالإميان وحق التعلم والتملك واختيار الزوج �ضمن ال�ضوابط املرعية وغري ذلك مما هو مب�سوط يف كتب الفقه. • �أن ما تفوقت به املر�أة قدمها فيه على الرجل ،مثل حق احل�ضانة �إذا ح�صلت الفرقة بني الزوجني ؛ لأنها �أقدر بفطرتها على تربية الأطفال. • �أن ما تفوق به الرجل قدم على املر�أة فيه مثل القدرة على الك�سب ،ولذا كانت نفقة الأ�سرة واجبة عليه ،والقدرة على القتال ، ولذا كان الدفاع عن الوطن بال�سالح واجباً عليه �إذا دعت احلاجة ،و بهذا الت�شريع الذي يراعي اخل�صائ�ص والقدرات واال�ستعدادات متيز الفقه الإ�سالمي . وانطالقا من تلك احلقيقة قرر القرءان مبد�أ القوامة للرجال قال تعاىل( ال ِّر َج ُال َق َّوامُون َ َعلَى ال ِّن َ�ساء بمِ َا َف َّ�ض َل اللهّ ُ َب ْع َ�ضهُم ْ َعلَى َب ْع ٍ�ض ال�صالحِ َ ُ ات َقا ِن َت ٌات وَبمِ َا �أَن َف ُقوا ْ مِ نْ �أَ ْموَا ِل ِه ْم َف َّ َحاف َِظ ٌات ِّل ْل َغ ْيب ِ بمِ َا َحف َ ِظ اللهّ ُ( ).الن�ساء)34: (وهي القوامة ال�صاحلة املرجحة للم�صالح التي تنمي التعاي�ش والتعاون والتعا�ضد لبناء البيت ال�سعيد بعيدا عن لغة ال�صراع ومفرداته املرتكزة على املطالبة بحقوق مل يتقرر ثباتها �أ�صال ،والقوامة مقررة للرجل بن�ص القر�آن ، ومقا�صده تتلخ�ص يف جلب امل�صالح ودرء املفا�سد ،وتقت�ضي عند جماهري غفرية من العلماء منح الرجل حق الوالية العظمى دون املر�أة ، انطالقا من حديث �أبي بكرة ر�ضي اهلل عنه عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قال" :لن يفلح قوم ولوا �أمرهم امر�أة"(،)30وفيه دليل على عدم جواز تولية املر�أة �شيئا من الأحكام العامة بني امل�سلمني و�إن كان ال�شارع قد �أثبت لها �أنها راعية يف بيت زوجها ،وذهب احلنفية �إىل جواز توليتها الأحكام �إال احلدود ،وذهب ابن جرير �إىل جواز توليتها مطلقا ،واحلديث �إخبار عن عدم فالح من ويل �أمرهم امر�أة ،وهم منهيون عن جلب عدم الفالح لأنف�سهم م�أمورون باكت�ساب مايكون �سببا للفالح "()31و قال اخلطابي يف احلديث �أن املر�أة التلي الإمارة وال الق�ضاء( )32وحديث لن يفلح قوم ولوا �أمرهم امر�أة احتج به من
منع ق�ضاء املر�أة وهو قول اجلمهور ،وخالف الطربي فقال يجوز �أن تق�ضي فيما تقبل �شهادتها فيه و�أطلق بع�ض املالكية اجلواز(،)33 وامل�س�ألة جمال لل�سجال بني الفقهاء ،ولكل حالة خ�صو�صيتها ومالب�ساتها التي تنزل الأحكام فيها تبعا لتحقيق مناطها مبا ين�سجم مع الن�ص ويحقق املقا�صد ال�شرعية ،تبعا ملتطلبات فقه املوازنات. وكما جتعل الوالية العظمى من ن�صيب الرجل جتعل كذلك من االنت�صاب للق�ضاء حقا ثابتا له يقول ال�شوكاين معلقا على حديث ("بريدة عن النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم قال " الق�ضاة ثالثة واحد يف اجلنة و�إثنان يف النار ف�أما الذي يف اجلنة فرجل عرف احلق فق�ضي به ورجل عرف احلق وجار يف احلكم فهو يف النار و رجل ق�ضي للنا�س على جهل فهو يف النار " رواه ابن ماجه و�أبوداود ،وهو دليل على ا�شرتاط كون القا�ضي رجال( ، )34يقول الت�سويل يف �شروط القا�ضي (و�أن يكون ذكراً ) فال تنعقد والية املر�أة لقوله عليه ال�سالم ( :لن يفلح قوم ولوا �أمرهم امر�أة ) ولأن بع�ض الن�ساء رمباكانت �صورتها فتنة(.)35ويف احلطاب ( قال يف التو�ضيح: وروى ابن �أبي مرمي عن ابن القا�سم جواز والية املر�أة ،قال ابن عرفة ،قال ابن زرقون� :أظنه فيما جتوز فيه �شهادتها ،قال ابن عبد ال�سالم: الحاجة لهذا الت�أويل الحتمال �أن يكون ابن القا�سم قال كقول احل�سن والطربي ب�إجازة واليتها الق�ضاء مطلقا ،قلت :الأظهر قول ابن زرقون.)36( . وما ينطبق على الوالية العظمى والق�ضاء ينطبق علي والية النكاح ،يقول بن ر�شد �إن املر�أة ال تنكح(�إالب�إذن وليها �أوذي الر�أي من �أهلها �أوال�سلطان ()37على ان امل�س�ألة ال تندرج يف
املجمع عليه فقد اختلف الفقهاء يف والية املر�أة احلرة البالغة العاقلة العاملة يف تزويج نف�سها على ثالثة �أقوال : الأول :ذهب ال�شافعية واملالكية واحلنابلة �إىل �أنه الي�صح النكاح �إال بويل ،والمتلك املر�أة تزويج نف�سها والغريها ،وال توكيل غري وليها يف تزويجها ،ف�إن فعلت مل ي�صح النكاح. الثاين :ذهب �أبوحنيفة �إىل �أن الويل لي�س �شرطا ل�صحة نكاح احلرة البالغة العاقلة ،فيجوز لها �أن تتوىل عقد نكاحها بنف�سها ،و�أن توكل به من ت�شاء �إذا كان حرا عاقال بالغا ،وهو �صحيح نافذ بال ويل . الثالث :روي عن ابن �سريين والقا�سم بن حممد بن �صالح و�أبي يو�سف � :أنه ال يجوز لها ذلك بغري �إذن الويل ،ف�إن فعلت كان موقوفا على �إجازته ،)38(.ويقرر ال�سيد �سابق ذهاب الكثري)من العلماء �إىل �أن املر�أة ال تزوج نف�سها وال غريها ،و�إىل �أن الزواج ال ينعقد بعبارتها � ،إذ �أن الوالية �شرط يف �صحة العقد ،و�أن العاقد هو الويل ،واحتجوا لهذا : - 1قول اهلل تعاىلَ " :و�أَنك ُِحوا الأَيَامَى مِ ْنك ْمُ ال�صالحِ ِ َ ني مِ نْ عِ َبا ِد ُك ْم َو ِ�إمَا ِئ ُك ْم " َو َّ - 2وبقوله �سبحانهَ " :و اَل َتنك ُِحوا المْ ُ ْ�ش ِر َكاتِ َح َّتى ُي�ؤْمِ نَّ ،ووجه االحتجاج بالآيتني � :أن اهلل تعاىل خاطب بالنكاح الرجال ،ومل يخاطب به الن�ساء، فك�أنه قال " :التنكحوا �أيها االولياء مولياتكم للم�شركني. -3عن �أبي مو�سى �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قال " :النكاح �إالبويل"، ر و ا ه أ� حمد ،و أ� بو د ا و د ،و ا لرت مذ ي ،و ا بن حبان،واحلاكم و�صححاه ،والنفي يف احلديث يتجه �إىل ال�صحة التي هي �أقرب املجازين �إىل الذات ،فيكون الزواج بغريويل باطال ،كما �سي�أتي يف حديث عائ�شة ر�ضي اهلل عنها. – 4وروى البخاري عن احل�سن قال " :فال تع�ضلوهن " قال " :حدثني معقل بن ي�سار �أنها نزلت فيه حيث قال :زوجت �أختا يل من رجل فطلقها حتى �إذا انق�ضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له :زوجتك،وفر�شتك ،و�أكرمتك ، فطلقتها ،ثم جئت تخطبها!!.الواهلل ال تعود �إليها �أبدا ،وكان رجال ال ب�أ�س به ،وكانت املر�أة تريد �أن ترجع �إليه ،ف�أنزل اهلل هذه الآية " فال
21
دراسا
ت إسالمية
تع�ضلوهن " فقلت :الآن �أفعل يار�سوالهلل .قال: فزوجتها �إياه ". قال احلافظ يف الفتح :ومن �أقوى احلجج هذا ال�سبب املذكور يف نزول هذه الآية املذكورة،وهي �أ�صرح دليل على اعتبار الويل ،و�إال ملا كان لع�ضله معنى ،ولأنها لوكان لها �أن تزوج نف�سها مل حتتج �إىل �أخيها ،ومن كان �أمره �إليه اليقال �إن غريه منعه منه. – 5وعن عائ�شة �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قال� " :أميا امر�أة نكحت بغري �إذن وليها فنكاحها باطل ،فنكاحها باطل ،فنكاحها باطل، ف�إن دخل بها فلها املهر مبا ا�ستحل من فرجها،ف�إن ا�شتجروا فال�سلطان ويل من ال ويل له ".رواه �أحمد ،و�أبوداود،وابن ماجه،والرتمذي،وقال: حديث ح�سن ((، .)39والن الزواج له مقا�صد متعددة،واملر�أة كثريا ماتخ�ضع حلكم العاطفة ،فال حت�سن االختيار ،فيفوتها ح�صول هذه املقا�صد ،منعت من مبا�شرة العقد وجعل �إىل وليها ،لتح�صل على مقا�صد الزواج على الوجه االكمل ،)40(.ومبا �أن ال�شريعة حكمة كلها ،ورحمة كلها ،وم�صلحة كلها ،فال داعي للتحريج والت�ضييق على �أ�صحاب ال�ضرورات ،فحينما تقيم املر�أة يف منطقة نائية ال يتوفر فيها وكيل ال جمال لع�ضلها بقول غري جممع عليه ،والأحناف جعلوها تزوج نف�سها اعتمادا على قوله تعاىل : (ح َّتى َ َتن ِك َح َز ْوجاً)(البقرة،)230حيث �أ�سند َ .1 القر�آن عقد الزواج �إىل املر�أة . .2وقوله تعاىل ( َف َ ال ُج َنا َح َعلَ ْي ُك ْم فِي َما َف َع ْلنَ وف)(البقرة )234وردوا حديث فيِ �أَن ُف�سِ هِنّ َ ِبالمْ َ ْع ُر ِ عائ�شة لأنه يخالف ظاهر الآية .وما ترمي االتفاقية �إيل حتقيقه يف ما يتعلق بالوالية العظمى والق�ضاء ووالية النكاح ال ين�سجم مع �أقوال اجلمهور من العلماء،مع �أنه ال يندرج يف نطاق املجمع عليه ،مما يجعله جماال للنقا�ش بني الفقهاء والباحثني ،تبعا ملا يحقق املقا�صد ويرفع احلرج والإ�صر . ولكن بع�ض النقاط الواردة يف االتفاقية (اتفاقية الق�ضاء على جميع �أ�شكال التمييز �ضد املر�أة(«�سيداو» ووثيقة "منع العنف �ضد الن�ساء والفتيات" التي �صادقت عليها اجلمعية العامة للأمم املتحدة م�ؤخرا ،متثل �إخالال باملثل والقيم الدينية ومن ذلك: .1ما تتحدث عنه من حرية املر�أة يف ال�سكن والتنقل وتقرير عدد الأبناء وهي م�سائل تخ�ضع
22 للم�صلحة ،وقوامة الرجل وتعامله مع �شريكه باملعروف ،ورعايته ال�شرعية لبيته ،و�إ�سناد هذه امل�سائل الختيار املر�أة مناف للقوامة وم�ؤذن بهدم البيت ،والر�سول �صلي اهلل عليه و�سلم يقول(كلكم راع وكلكم م�سئول عن رعيته الإمام راع وم�سئول عن رعيته والرجل راع يف �أهله وهو م�سئول عن رعيته واملر�أة راعية يف بيت زوجهاوم�سئولة عن رعيتها متفق عليه) ()41 � .2إختيار املر�أة للإ�سم العائلي لأبنائها �أمر م�صادم للن�ص ال�صحيح ال�صريح الثابت داللة وورودا ،فقد قال تعاىل(ا ْدعُوهُ ْم ِ آلبَا ِئ ِه ْم هُ َو �أَ ْق َ�س ُط عِ ن َد اللهَّ ِ َف�إِن لمَّ ْ َت ْعلَ ُموا �آبَاءهُ ْم َف�إِخْ وَا ُن ُك ْم ِّين َو َموَالِي ُك ْم)(الأحزاب ،)5:والتطرق فيِ الد ِ لهذه املوا�ضيع ينبني على عقلية ال�صراع بني
فسخ النكاح بيد المرأة ،وجعله حقا لها أمر مصادم للنص الشرعي فقد جعل اهلل عقدة النكاح بيد الزوج ، والدارس يدرك أن يف ذلك استقرارا للحياة الزوجية واستمرارا لوئام األسرة الرجل واملر�أة وبالتايل بني الزوج وزوجته ،وهو �أمر ينايف ما جعله اهلل بينهما من مودة ورحمة ( َومِ نْ �آيَا ِت ِه �أَنْ َخلَ َق َل ُكم ِّمنْ �أَن ُف�سِ ُك ْم �أَ ْز َواجاً ِّل َت ْ�س ُك ُنوا �إِ َل ْيهَا َو َج َع َل َب ْي َن ُكم َّم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة �إِنّ َ فيِ َذل َِك َ آليَاتٍ ِّل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن )(الروم.)21 .1جعل ف�سخ النكاح بيد املر�أة ،وجعله حقا لها �أمر م�صادم للن�ص ال�شرعي فقد جعل اهلل عقدة النكاح بيد الزوج ،والدار�س يدرك �أن يف ذلك ا�ستقرارا للحياة الزوجية وا�ستمرارا لوئام الأ�سرة ،وحيثما ح�صل للمر�أة �ضرر �أو عنت من زوجها جند �أن الن�ص ال�شرعي ي�ؤمن لها احلقوق الكاملة انطالقا من �أنه "ال �ضرر وال �ضرار". .2تغيريالأدوار داخل الأ�سرة �أو "تعديل الأمناط االجتماعية والثقافية ل�سلوك
الرجل" ،وحماربة "الأدوار النمطية" والتي تعني تق�سيم املجتمع الب�شري �إىل �أنثي وذكر مع وجود دور الأمومة والأبوة ،وهذا يعنى الق�ضاء علي التق�سيم اجلندري( )42باعتباره منتوجا اجتماعيا ،وم�صطلح "جندر"�أو "النوع االجتماعي" ا�ستخدم لو�صف خ�صائ�ص الرجال والن�ساء املحددة اجتماعياً يف مقابل تلك اخل�صائ�ص املحددة بيولوجيا( )43وا�ستخدم البع�ض عبارة "اجلنو�سة" وهي كلمة ابتكرها كمال �أبوديب � ،أ�ستاذ كر�سي العربية يف جامعة لندن ،لتعريب الكلمة الإنكليزية gender عام 1997يف ترجمته لكتاب �إدوارد�سعيد (الثقافة واالمربيالية) ( .)44وما ت�سميه االتفاقية يف مادتها الرابعة " تعديل الأمناط االجتماعية والثقافية ل�سلوك الرجل واملر�أة" ، من امل�صطلحات غري املحددة الداللة وهو ما يفتح الباب على م�صراعية للت�أويالت املختلفة والتف�سريات املتباينة .وقد َّ مت الرتكيز على (اجلندر)� ،أو النوع االجتماعي؛ لأ َّنه ِّ يو�ضح الفروق بني الرجل واملر�أة على �صعيد الدور االجتماعي ،واملنظور الثقايف والوظيفة ،تلك الفروق النابعة كنِتاج لعوامل دِين َّية وثقاف َّية، و�سيا�سية واجتماعية؛ �أي� :إنها فروق َ�ص َنعها رب تاريخهم الطويل ،ح�سب مفهوم()45 الب�شر ع َ ،واجلندر) ح�سب تعريف منظمة ال�صحة العاملية: َ و�صف هو امل�صطلح الذي يُفيد ا�ستعماله ك�صفات اخل�صائ�ص التي يحملها الرجل واملر�أة ِ مركبة اجتماعية ،ال عالقة لها باالختالفات ال ُع�ضوية ()46 امل�ساواة يف املرياث وهو حكم قر�آين فقد قال اهلل تعاىل يف حمكم كتابه "للذكر مثل حظ االنثيني" ،و لكن ما يغرب عن بال الكثريين هو حقيقة �أن الإ�سالم �أناط التكاليف املالية من نفقة وك�سوة بالرجل ف�صار هو املعيل للأ�سرة انطالقا من واجبه ال�شرعي ،ورغم ذلك فحالة مرياث " للذكر مثل حظ الأنثيني "لي�ست �شاملة لكل �صور املرياث ف�أحيانا يرثون بالت�ساوي و�أحيانا يكون حظ املر�أة �أوفر ،واجتزاء �صورة واحدة من �ضمن �صور كثرية عمل خمل وافتيات على الن�ص . الفقرة الرابعة من املادة 16ب�صياغتها تت�ضمن الدعوة للإباحية التي متثل دعوة �صريحة لإ�شاعة الفاح�شة من خالل اعتبارها �أن ممار�سة اجلن�س ال يعترب �أمرا خمالفا �أوخمال
مادام بالرتا�ضي بني الطرفني ،ويف �إطار احلرية ال�شخ�صية متكن ممار�سة اجلن�س بني "املثليني"�-أكرمكم اهلل -رجل ورجل،وامر�أة وامر�أة ،ممايعني ت�شريع ال�شذوذ اجلن�سي الذي �أقره م�ؤمتر بكني ،وهذه الدعوات التي ت�سهر املنظمات العاملية علي متريرها وتطبيقها هي �إ�شاعة للفاح�شة ،وت�شجيع لل�شذوذ واالنحراف ،وبالتايل تدمري للمجتمعات قال اهلل تعاىل : ( ِ�إ َّن ا َّلذِ ين َ يُحِ ُّبو َن �أَن َت�شِ ي َع ا ْل َفاحِ َ�ش ُة فيِ ا َّلذِ ينَ �آ َم ُنوا َل ُه ْم َع َذابٌ �أَلِي ٌم فيِ الدُّ ْن َيا َو ْالآخِ َر ِة َواللهَّ ُ َي ْعلَ ُم َو�أَن ُت ْم اَل َت ْعلَ ُمو َن )(النور )19
( َو َال َت ْق َربُواْ ال ِّز َنى ِ�إ َّن ُه َكا َن َفاحِ َ�ش ًة و َ َ�ساء َ�سبِي ً ال ) (الإ�سراء )32 ويدخل ما ت�سميه االتفاقية تقدمي خدمات ال�صحة الإجنابية للمراهقني يف هذا ال�سياق، ويعني التدريب على و�سائل منع احلمل وتوفريها للمراهقني ،وتت�ضمن هذه العبارة عندما ي�شرحها املتخ�ص�صون �أن ممار�سة اجلن�س حق يدخل �ضمن حق احلرية املقد�س الذي تدعو له االتفاقية وتكر�سه �أهداف الألفية ،وتوفري هذا احلق وما ي�ساعد عليه واجب وحتم . و هذه النقاط من االتفاقية متثل ارتكا�سا
خلقيا وانحرافا عن �سبيل الفطرة القومية ،ويف احلقيقة ف�إن الثنائية �سنة كونية منذ �أن جعل اهلل يف �سفينة نوح من كل زوجني اثنني حفاظا على النوع ،وجعل يف هذه الأر�ض روا�سي وانهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجني اثنني ، وا�ستحداث جن�س ثالث خروج على مقت�ضى الفطرة ،ومن الطريف �أن اجلن�س الثالث الذي ينادي به دعاة التحرر وامل�ساواة يطرح �إ�شكاالت لغوية فلم تعرف اللغات �إال املذكر وامل�ؤنث وال وجود ل�ضمري "التخنيث "وهذا يطرح �إ�شكاال كبريا للمناديات "بالجن�سنة ال ّلغة " وهو الهادي �إيل �سواء ال�سبيل
-1فقه املوازنات يف ال�شريعة الإ�سالمية الدكتور عبد املجيد حممد ال�سو�سوة �ص 154 -2فقه املوازنات ال�سو�سوة �ص 154
املحقق� :أبوعبيدة م�شهور بن ح�سن �آل �سلمان ،دار ابن عفان -20املوافقات 178 / 5 - -21تف�سري الطربي – حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب الآملي � ،أبوجعفر الطربي (املتوفى 310 :هـ)33 / 12 املحقق � :أحمد حممد �شاكر ،م�ؤ�س�سة الر�سالة -22تف�سري القر�آن العظيم � ،أبو الفداء �إ�سماعيل بن عمربن كثري القر�شي الدم�شقي املتوفى 774 :هـ ، 314 / 3،املحقق : �سامي بن حممد �سالمة النا�شر دار طيبة للن�شر و التوزيع http://www.emaratalyoum.com/life/ -23
�أبوعبداهلل حممد بن حممد بن عبد الرحمن الطرابل�سي املغربي،املعروف باحلطاب ال ُّرعيني (املتوفى 954 :هـ)()65 / 8 املحقق :زكريا عمريات دار عامل الكتب -37البيان والتح�صيل � -أبو الوليد حممد بن �أحمد بن ر�شد القرطبي (املتوفى 450 :هـ)( )311 / 4حققه :د حممدحجي و�آخرون دار الغرب الإ�سالمي،بريوت – لبنان الطبعة :الثانية، 1408هـ 1988 -م -38املو�سوعة الفقهية الكويتية وزارة الأوقاف وال�شئون الإ�سالمية)174 / 45(،الطبعة الثانية ،دار ال�سال�سل -الكويت -39فقه ال�سنة �سيد �سابق ()126/125 / 2 -40فقه ال�سنة )127 / 2( - � -41صحيح البخاري -البغا )297 / 1( -كتاب اجلمعة باب اجلمعة يف القرى واملدن رقم احلديث 853 -42م�صطلح جندر "النوع االجتماعي" وبالفرن�سية ،genre وامل�صطلح ي�شري �إىل التفرقة بني الذكر والأنثى على �أ�سا�س الدور االجتماعي لكل منهما ت�أثراً بالقيم ال�سائدة .ويف هذا ال�سياق ،تتطلب عملية ا�ستجالء مفهوم اجلندر �أو "النوع االجتماعي" التمييز بينه وبني مفهوم اجلن�س �أو "النوع البيولوجي" ،فبينما يقت�صر م�صطلح اجلن�س Sexعلى االختالفات البيولوجية بني الرجل واملر�أة ويت�سم بالتايل باجلربية واال�ستاتيكية لكون الفروق اجل�سدية بني الرجل واملر�أة فروق ثابتة و�أبدية ،جند �أن م�صطلح اجلندر مفهوم دينامي حيث تتفاوت الأدوار التي يلعبها الرجال والن�ساء تفاوتاً كبرياً بني ثقافة و�أخرى ومن جماعة اجتماعية �إىل �أخرى يف �إطار الثقافة نف�سها ،فالعرق ،والطبقة االجتماعية، والظروف االقت�صادية ،والعمر ،عوامل ت�ؤثر على ما يعترب منا�سباً للن�ساء من �أعمال .ولذا ف�إن طرح مفهوم اجلندر كبديل ملفهوم اجلن�س يهدف �إىل الت�أكيد على �أن جميع ما يفعله الرجـال والن�سـاء وكل ما هو متوقع منـهم ،فيمـا عدا وظائفهم اجل�سدية املتمايـزة جن�سيـاً ،ميكن �أن يتغري مبرور الزمن وتبعاً للعوامل االجتماعية والثقافية املتنوعة ،وتبعا لذلك ظهرت م�صطلحات جديدة من قبيل :امل�ساواة اجلندرية، العدالة اجلندرية ،جندرة االجتاهات ال�سائدة ،التحليل اجلندري انظر الرابط http://www.annabaa.org/
h t t p : / / w w w . q a r a d a w i . n e t / -3 library/66/3269.html
-4الك�شاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل يف وجوه الت�أويل �أبو القا�سم حممود بن عمر الزخم�شري اخلوارزمي(1 )286 /دار �إحياء الرتاث العربي – بريوت حتقيق :عبد الرزاق املهدي -5التحرير والتنوير الطاهر بن عا�شور 293 / 16التحرير و التنوير دار �سحنون للن�شر و التوزيع تون�س 1997م �-6إعالم املوقعني حممد بن �أبي بكر �أيوب الزرعي �أبوعبداهلل ()88 /87/ 1النا�شر :داراجليل -بريوت 1973 ،حتقيق :طه عبدالرءوف �سعد -7اال�ستقامة �أحمدبن عبد احلليم بن تيمية احلراين �أبوالعبا�س ( )439 / 1النا�شر :جامعة الإمام حممدبن �سعود – املدينة املنورة ،الطبعة الأوىل1403 ، -8قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام ، 5 / 1بوحممد عز الدين عبد العزيز بن عبدال�سالم بن �أبي القا�سم بن احل�سن ال�سلمي الدم�شقي ،امللقب ب�سلطان العلماء (املتوفى 660 :هـ) املحقق: حممودبن التالميد ال�شنقيطي دار املعارف بريوت -لبنان -9قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام 9 / 1( - -10جمموع الفتاوى )343 / 23( -تقي الدين �أبوالعبا�س �أحمدبن عبداحلليم بن تيمية حتقيق �أنور الباز -عامر اجلزار دار الوفاء الطبعة :الثالثة 1426 ،هـ 2005 /م �-11صحيح البخاري كتاب الإميان ،باب الدِّينُ ي ُْ�س ٌر ،77 / 1 . رقم احلديث 29 �-12صحيح البخاري كتاب الإميان ،باب الدِّينُ ي ُْ�س ٌر 78 / 1 . ،رقم احلديث 39 -13ال�شرح الكبريللدردير �أبو الربكات �أحمد بن حممد العدوي ،ال�شهري بالدردير (املتوفى 1201 :هـ) ( )44 / 1طبع احياء الكتب العربية عي�سى البابى احللبي و�شركاء �-14صناعة الفتوى وفقه الأقليات عبد اهلل بن بية �صفحة 30 �-15صناعة الفتوى �ص 37 -16ال�شرح املمتع على زاد امل�ستقنع – حممد بن �صالح بن حممدالعثيمني (املتوفى 1421 :هـ) 305 / 4دارالن�شر :دارابن اجلوزي الطبعة :الأوىل 1428 - 1422هـ �-17أ�ضواء البيان يف �إي�ضاح القر�آن بالقر�آن حممد الأمني بن حممد املختار بن عبد القادراجلكني ال�شنقيطي (املتوفى : 1393هـ) ( ، 256/355 / 7دارا لفكر للطباعة و الن�شر و التوزيع بريوت – لبنان الطبعة 1415 :هـ 1995 -مـ �-18صناعة الفتوى �ص 63 -19املوافقات – �إبراهيم بن مو�سى بن حممد اللخمي الغرناطي ال�شهريبال�شاطبي (املتوفى 790 :هـ) ،178 / 5
four-sides/2012-12-03-1.530924 http://www.muslm.net/vb/showthread.-24 php?302125http://www.emaratalyoum.com/life/-25 four-sides/2012-12-03-1.530924
-26تعني اتفاقية الق�ضاء على جميع �أ�شكال التمييز �ضد املر�أة وهي :معاهدة دولية مت اعتمادها يف 18دي�سمرب1979من قبل اجلمعية العامة للأمم املتحدةومت عر�ضها للتوقيع والت�صديق واالن�ضمام بالقرار 180/34يف 18دي�سمرب .1979وتو�صف ب�أنها وثيقة حقوقدولية للن�ساء .ودخلت حيز التنفيذ يف � 3سبتمرب .1981وتعترب الواليات املتحدةالدولة املتقدمة الوحيدة التي مل ت�صادق على اتفاقية ال�سيداو �إ�ضافة لثماين دول �أخرى مل تن�ضم �إليها بالأ�سا�س بينها �إيران ،دولة الكر�سي الر�سويل، ال�سودان ،ال�صومالوتونغا .انظر املو�سوعة احلرة ويبيكيديا http://ar.wikipedia.org/wiki على الرابط � -27سنن �أبى داود (� )26 / 3أبو داود �سليمان بن الأ�شعث ال�سج�ستاين ،دار الكتاب العربي بريوت �-28سنن �أبى داود ()26 / 3 � -29صحيح ابن حبان (� )169 / 11أحمد بن حنبل �أبو عبداهلل ال�شيباين النا�شر :م�ؤ�س�سة قرطبة – القاهرة ،مذيلة ب�أحكام �شعيب الأرن�ؤوط � -30صحيح البخاري ( )2600 / 6كتاب الفنت باب الفتنة التي متوج كموج البحر رقم احلديث 6686 � -31سبل ال�سالم حممدبن �إ�سماعيل الأمريالكحالين ال�صنعاين (املتوفى 1182 :هـ)( )123 / 4النا�شرمكتبة م�صطفى البابي احللبي الطبعة :الرابعة 1379هـ1960 /م -32عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري )341 / 26( - -33عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري )165 / 35( - -34نيل الأوطار من �أحاديث �سيد الأخيار �شرح منتقى الأخبار حممد بن علي بن حممد ال�شوكاين(� )135 / 9إدارة الطباعة املنريية -35البهجة يف �شرح التحفة – �أبواحل�سن علي بن عبدال�سالم الت�سويل( )36 / 1دارالكتبالعلمية -لبنان /بريوت 1418 -هـ 1998م الطبعة :الأوىل -36مواهب اجلليل ل�شرح خمت�صر اخلليل – �شم�س الدين
. nbanews/62/279.htm -43انظرالرابطhttp://sociologie forumperso. . com/t410-topic http://syriancommunist.arabblogs.-44 com/archive/2010/5/1053930.html http://www.saaid.net/female/0165.htm -45 http://www.saaid.net/female/0165.htm -46
23
دراسا
ت إسالمية
24
روى عن عائشة رضي اهلل عنها« :إن اهلل رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما ال يعطي على العنف وما ال يعطي على ما سواء» (رواه مسلم)
التطرف الديني والفكري وأثره على الوحدة والتنمية في المجتمعات المسلمة -باكستان أنموذجا مفهوم التطرف والغلو موقف ال�شريعة منه �آثاره و�أبعاده
د.حممد طاهر من�صوري احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف الأنبياء واملر�سلني حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني وبعد؛ الإخوة الكرام يف البداية �أود �أن �أتقدم ب�أ�سمى �آيات ال�شكر واالمتنان ملنظمي امل�ؤمتر لإتاحة الفر�صة يل �أن �أحتدث حول ظاهرة التطرف والعنف والإرهاب يف املجتمعات امل�سلمة وكيف �أثرت هذه الظاهرة امل�ؤملة على وحدة الأمة وكيانها والتنمية االقت�صادية فيها .ي�سعدين وي�شرفني �أن �أ�ساهم مع �إخواين وزمالئي امل�شاركني يف هذا امل�ؤمتر العلمي واللقاء التميز يف مناق�شة جوانب هذا املو�ضوع� .أ�س�أل
اجلامعة اال�سالمية -الباك�ستان
اهلل العظيم �أن يجعل �أعمالنا خال�صة لوجهه الكرمي و�أن يوفقنا ملا يحبه وير�ضاه .وي�سدّد خطى اجلميع على طريق اخلري. �إن الإ�سالم دين الرحمة والت�سامح والو�سطية .وقد متيزت هذه الأمة عن غريها من الأمم بكونها �أمة الو�سطية ،كما قال عز وجل: «وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا �شهدا على النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا» �أي خيارا عدوال قد بلغتم الذرى يف ال�سمو وال�شرف .والداللة اال�صطالحية ملدلول الو�سطية تعني التوازن واالعتدال وال�سمو والرفعة بني طريف الغلو والتق�صري.
فالو�سطية منزلة بني طرفني كالهما مذموم .وقد �أو�صى الإ�سالم بالتزام منهج الو�سطية واالعتدال والتي�سري ال التع�سري. ومتي ّز ديننا بال�سماحة وال�سري ورفع احلرج عن �أتباعه ومع هذا الو�صف لهذه الأمة والدين� ،إال �أن �أقواما خالفوا مق�صد ال�شارع احلكيم وخرجوا عن �سمة �أمة الو�سط واالعتدال وتنكبوا الطريق ال�سوي وانحرفوا عن املنهج ال�صحيح ونزعوا �إىل الغلو والت�شدد. هذه الظاهرة امل�ؤملة قد �أعطت فر�صة لأعداء الإ�سالم ل�شن حملة ظاملة من االفرتاءات واملزاعم التي �أرادت �أن تل�صق بالإ�سالم تهم
التع�صب والإرهاب وعدم الت�سامح وغري ذلك من أهم أسباب التطرف
من الدعاوى التي ال �أ�صل لها يف الإ�سالم وال �سند لها يف العلم وال من الواقع التاريخي. فكان ه�ؤالء بق�صد منهم �أو بغري ق�صد عونا لأعداء هذه الأمة على حتقيق مرادهم يف النيل من الإ�سالم و�أهله. وقد حاولت يف هذا البحث التعريف بظاهرة التطرف الديني والفكري مبينا مظاهرها و�أ�سبابها وموقف ال�شريعة منها .كما حتدثت فيه عن �آثاره ال�سلبية على الوحدة والتنمية يف املجتمعات امل�سلمة وخا�صة علي املجتمع الباك�ستاين. تعريف التطرف الديني: التطرف هو جماوزة احلد واالعتدال يف الدين ،وهو الت�صلب فيه والت�شدد واخلروج من حد االعتدال يف اي امر. و�أطلق العلماء قدميا كلمة التطرف الديني على القول املخالف لل�شرع وعلى الفعل املخالف لل�شرع .فهو فهم الن�صو�ص ال�شرعية فهما بعيدا عن مق�صود ال�شارع وروح الإ�سالم فالتطرف يف الدين هو الفهم الذي ي�ؤدي �إىل �إحدى النتيجتني املكروهتني ،وهما الإفراط �أو التفريط .واملتطرف يف الدين هو املتجاوز حدوده واجلايف عن �أحكامه وهديه ،فكل مغال يف دينه متطرف فيه جماف لو�سطيته وي�سره( .التطرف يف الدين ،درا�سة �شرعية ـ �إعداد :د .حممد بن عبد الرزاق ،بحث مقدم للم�ؤمتر العاملي عن موقف الإ�سالم من الإرهاب 2004م �ص.)6 ،5 تعريف الغلو: والكلمة �ألآخرى ذات ال�صلة بالتطرف هي الغلو .لقد بينّ العلماء الغلو يف الدين .ومن ذلك ما قاله النووي« :الغلو هو الزيادة على ما يطلب �شرعا» وقال ابن حجر :هو املبالغة يف ال�شيء والت�شديد فيه بتجاوز احلد» لذا ليكن القول� :إن الغلو جتاوز ملا �أمر اهلل تعاىل من جهة الت�شديد( .فتح الباري .)13/256 قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية :الغلو :هو جماوزة احلد ب�أن يزاد يف ال�شيء يف حده �أو ذمه على ما ي�ستحقه ونحو ذلك (اقت�ضاء ال�صراط امل�ستقيم ملخالفة �أ�صحاب اجلحيم .)289/1
الديني هو الجهل بالدين وسوء الفهم ألحكامه والتعصب للرأي وعدم االعتراف بالرأي اآلخر �أنواع الغلو: يتعلق الغ ّلو ب�أمور عديدة منها: -1تف�سري الن�صو�ص تف�سريا ت�شددا يتعار�ض مع ال�سمة العامة لل�شريعة ومقا�صدها الأ�سا�سية في�شدّد على نف�سه وعلى الآخرين. �-2أن يكون الغلو متعلقا بالأحكام وذلك ب�أحد �أمرين: �أ ـ �إلزام النف�س والآخرين مبا مل يوجب اهلل عز وجل عبادة وترهبا ،وهذا معياره الذي يحدّد الطاقة الذاتية. ب ـ حترمي الطيبات التي �أباحها اهلل عز وجل على وجه التعبد. �-3أن يكون الغلو متعلقا باملوقف من الآخرين حيث يقف الإن�سان من البع�ض موقف املادح الغايل الذي يو�صل ممدوحه �إىل درجة الع�صمة ويقف من البع�ض الآخر موقف الذم الغايل الذي ي�صف خمالفه بالكفر واخلروج من الدين مع �أنه من �أهل الإ�سالم. (بحث الغلو مظاهره و�أ�سبابه للدكتور �صالح بن غامن ال�سدالن �ص )202ندوة �أثر القر�آن يف حتقيق الو�سطية ودفع الغلو. حكم التطرف والغلو يف الإ�سالم: لقد ذمت ال�شريعة التطرف والغلو يف الدين .فقال اهلل تعاىلُ ( :ق ْل َيا �أَهْ ل ا ْل ِك َتاب اَل َت ْغ ُلوا فيِ دِين ُك ْم َغيرْ الحْ َ ّق) (املائدة )77:يقول ابن كثري رحمه اهلل «ينهي تعاىل �أهل الكتاب عن الغلو والإطراء ،وهذا كثري يف الن�صارى، ف�إنهم جتاوزوا احلد يف عي�سى حتى رفعوه فوق املنزلة التي �أعطاه اهلل �إياها» (تف�سري ابن كثري .589/1 وقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم:
« هلك املتنطعون» قالها ثالثا (�شرح النووي على �صحيح م�سلم )220/16قال النووي� :أي املتعمقون الغالون املتجاوزون احلدود يف �أقوالهم و�أفعالهم (اعالم املوقعني)150/4 ، قال ابن م�سعود�« :إياكم والبدع و�إياكم والتنطع و�إياكم والتعمق وعليكم بالدين العتيق» (اعانة الطالبني .)131/1 قال ابن حجر :وفيه التحذير من الغلو يف الديانة والتنطع يف العبادة باحلمل على النف�س فيما مل ي�أذن فيه ال�شرع ،وقد و�صف ال�شارع ال�شريعة ب�أنها �سهلة �سمحة( .فتح الباري .)301/12 وقال عليه ال�صالة وال�سالم �أي�ضا�« :إياكم والغلو ف�إمنا �أهلك من كان قبلكم الغلو يف الدين» (رواه الإمام �أحمد .)247 ،215/1 قال ابن القيم رحمه اهلل« :ما �أمره اهلل ب�أمر �إال ولل�شيطان فيه نزعتان �إما �إىل تفريط و�إ�ضاعة و�إما �إىل �إفراط وغلو ودين اهلل و�سط بني اجلايف عنه والغايل فيه .فكما �أن اجلايف عن الأمر م�ضيع له ،فالغايل فيه م�ضيع له ،هذا بتق�صريه عن احلد وهذا بتجاوز احلد (مدارج ال�سالكني )496/2 ففي هذه الن�صو�ص من النهي ال�صريح عن الغلو واتباع �سبيل �أهله ما يكفي امل�سلم يف االبتعاد عنه والتحذير من �أهله. �أ�سباب ومظاهر التطرف الديني والفكري: من �أهم �أ�سباب التطرف الديني هو اجلهل بالدين و�سوء الفهم عن �أحكامه والتع�صب للر�أي وعدم االعرتاف بالر�أي الآخر وكان هذا اجلهل و�سوء الفهم �سبب التطرف والت�شدد لدى اخلوارج. ويف احلديث �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قال عن اخلوارج« :يقرءون الآن ال يجاوز حناجرهم» �أي �أنهم ي�أخذون �أنف�سهم بقراءة القر�آن و�إقرائه وهم ال يتفقهون فيه وال يعرفون معانيه ومقا�صده (ال�شاطبي، االعت�صام .)226/2 ومن �أكرب دالالت جهلهم بالقر�آن �أنهم �أخذوا �آيات نزلت يف الكفار فحملوها على امل�سلمني وكلك ا�ست�شهادهم على �إبطال
25
دراسا
ت إسالمية
26
التحكيم لقوله تعاىل�« :إن احلكم �إال هلل». يقول الدكتور يو�سف القر�ضاوي�« :إن �أوىل دالئل التطرف هي التع�صب للر�أي تع�صبا ال يعرتف معه للآخرين بوجود ،وجمود ال�شخ�ص على فهمه جمودا ال ي�سمح له بر�ؤية وا�ضحة مل�صالح اخللق ...والعجيب �أن من ه�ؤالء من يجيز لنف�سه �أن ئيجتهد يف �أعو�ص امل�سائل و�أغم�ض الق�ضايا ويفتي فيها مبا يلوح له من ر�أي .ولكنه ال يجيز لعلماء الع�صر املتخ�ص�صني ،منفردين �أو جمتمعني �أن يجتهدوا يف ر�أي يخالف ما ذهب �إليه».
هنا �أهم هذه املظاهر يف املجتمعات امل�سلمة وخا�صة يف املجتمع الباك�ستاين. �أوال :الفكر التكفريي من �أخطر �آثار الغلو والتطرف انت�شار الفكر التكفريي يف املجتمعات امل�سلمة �أن �أ�صحاب هذا الفكر ي�سرفون يف ت�ضليل النا�س وتكفريهم ويعتربون كل من يخالفهم يف الر�أي ب�أنه لي�س من �أهل القبلة. ومن ه�ؤالء من يكفر احلكومات والأنظمة التي حتكم بالقوانني الو�ضعية ويحكمون بارتداد اجلميع العاملني يف قطاعات الق�ضاء
ما كان خمالفا لل�شريعة فال ميكن و�صف مراجعة املواطنني الباك�ستانيني للمحاكم الباك�ستانية بانه التحاكم �إىل الطاغوت حتي يكفر امل�سلم بالرجوع �إىل هذه املحاكم. ومن نتائج التكفري اجلماعي ا�ستحالل القتل اجلماعي للم�سلمني وا�ستباحة دماء الأبرياء دون فرق بني ال�صغري والكبري وال بني الذكر والأنثى وال بني ال�شيخ والر�ضيع بينما من املعلوم �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم كان ينهى املجاهدين من قتل �صغار الكفار ون�سائهم ورهبانهم ،فكيف ي�ستحل
(القر�ضاوي ،ال�صحوة الإ�سالمية بني اجلهود والتطرف الف�صل الأول ،مظاهر التطرف). �إن التع�صب مر�ض خطري نهى عنه الإ�سالم نهيا �شديدا �سواء �أكان هذا التع�صب يف جمال االعتقاد �أو يف جمال التحيز لفئة على ح�ساب �أخرى هذا التع�صب للر�أي و�سوء الفهم عن الدين يظهر يف ا�شكال و�صور عديدة .ونذكر
والربملان والإدارات احلكومية واجلي�ش ربر �سفك دمائهم ويعترب وال�شرطة الذي ي ّ ه�ؤالء الرجوع �إىل املحاكم حتاكما �إىل الطاغوت. وغني عن البيان �أن دولة باك�ستان بنيت على ا�سم الإ�سالم التي اتخذت الإ�سالم منهجا ود�ستورا لها ،وقد مت �أ�سلمة القوانني يف عهود خمتلفة يف الباك�ستان ومتت مراجعة عدة قوانني و�ضعية وحذف من معظمها
ه�ؤالء من امل�سلمني ما ال يحل فعله مع الكفار املحاربني. ومن الوا�ضح �أن هذا ال�سلوك ميثل تطرفا وا�ضحا يف الفكر واملنهج تناق�ضه ن�صو�ص ال�شرع ال�صريحة ومنهج �أهل ال�سنة واجلماعة. ومما يجدر التنويه به �أن التكفري مبد�أ يرف�ضه الدين ويحذر منه ،ويكفي �أن لدينا عددا من الن�صو�ص ال�صحيحة ال�صريحة
املتواترة يف التحذير عن التكفري ومنها على �سبيل املثال: عن �أبى هريرة ر�ضي اهلل تعاىل عنه �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قال�« :إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به �أحدهما» وعن �أبى ذر �أنه �سمع ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يقول :من دعا رجال بالكفر �أو قال له يا َع ُد َّوا اهلل ولي�س كذلك �إال حا َر عليه». وعن ثابت بن ال�ضحاك عن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قال لعن امل�ؤمن كقتله ،ومن رمى م�ؤمنا بكفر فهو كقتله». هذه الن�صو�ص �صريحة يف التحذير من تكفري امل�سلمني .ومن الأ�صول العقدية التي دلت عليها ن�صو�ص كثرية من الكتاب وال�سنة و�أجمعت عليها الأمة عدم تكفري مرتكب املع�صية دون ال�شرك باهلل ما مل ي�ستحلها، �أو يدل دليل قاطع على كفر مرتكبها ،و�أن لي�س كل من فعل الكفر �أو قاله يكون كافرا، لأنه قد يكون جاهال �أو مت�أوال �أو مكرها �أو خمط�أ. ومما يالحظ �أن اخلوارج هم �أول من �أظهر التكفري يف الأمة ،فكفروا امل�سلم بالذنوب وا�ستحلوا دمه وماله .قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية رحمه اهلل« :ولهذا يجب االحرتاز من تكفري امل�سلمني بالذنوب واخلطايا، ف�إنه اول بدعة ظهرت يف الإ�سالم فكفروا اهلها امل�سلمني وا�ستحلوا دمائهم و�أموالهم» (انظر :جمموع الفتاوى .)91/13 وقال الإمام �أبو جعفر الطحاوي :وال نكفر �أحدا من �أهل القبلة بذنب ما مل ي�ستحله، وال نقول ال ي�ضر مع الإميان ذنب ملن عمله (�شرح العقيدة الطحاوية� ،ص.)55 ثانيا :اتهام جهود الإ�صالح بال�سيا�سة واعتبارها كفرا: �إن اتهام جهود الإ�صالح عن طريق الإ�سهام يف الفعاليات ال�سيا�سية املختلفة بالكفر والزندقة فهم جمانب للو�سطية الإ�سالمية ،وحقيقة هذا الدين ،ومن هذا القبيل قولهم �إن الدميقراطية وامل�شاركة
يف فعاليات النظام الدميقراطي كفر ،وهذا االمر قد تكلم فيه ال�شيخ القر�ضاوي حيث بني �أن الدميقراطية لي�س مناق�ضا و�ضدا للإ�سالم بل الدميقراطية ت�صنف �ضد اال�ستبداد و�أن �أهم مبادئ الدميقراطية هي حق ال�شعب يف انتخاب القيادة ال�سيا�سية، و حما�سبة امل�س�ؤولني وعزلهم ،و�إعادة دور امل�ؤ�س�سات املدنية يف ال�ضغط على ال�سلطة ال�سيا�سية لتكون متوافقة مع تطلعات ال�شعب وتوجهاته ،والذي ال يجوز يف ذلك هو االتفاق علي اقرار الأحكام املخالفة ل�شرع اهلل عز وجل ،وهذا ما ال يقول به م�سلم، ولكن ما وراء ذلك ف�إن ال�شعوب الإ�سالمية بحاجة �إىل اخلروج من حلقات اال�ستبداد ال�سيا�سي الذي هو من اهم �أ�سباب تخلف
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية :الغلو :هو مجاوزة الحد بأن يزاد يف الشيء يف حده أو ذمه على ما يستحقه ونحو ذلك املجتمعات الإ�سالمية. �إن امل�شاركة ال�سيا�سية لأجل التغيري نحو الأح�سن يف جماالت احلياة املختلفة قد تغيب عن العقلية املتدينة املت�شددة التي ابتعدت عن الفهم الو�سطى للدين الإ�سالمي، فاتخذت العنف و�سيلة لكل تغيري يف املجتمع، بينما �آليات امل�شاركة ال�سيا�سية �سواء �أكان يف جمال املجال�س الت�شريعية والنيابية �أو م�ؤ�س�سات املجتمع املدين يكون اكرث ت�أثريا يف واقع ال�ش�أن الباك�ستاين من القيام باعمال العنف ،حيث �إن العمل من خالل امل�ؤ�س�سات ال�سيا�سية والت�شريعية القائمة الجل التغيري والقيام بالإ�صالحات يكون �أكرث عمليا وال ي�سبب �أ�ضرارا على م�ستقبل البلد وال يهدد �أمنه وا�ستقراره.
ثالثا :التعامل مع غري امل�سلمني: �إن الإ�سالم ال يكره �أحدا على اعتناق الدين لقوله تعاىل( :ال �إكراه يف الدين) كما �أن الر�أي الغالب يف الفقه الإ�سالمي كما بينه الدكتور وهبة الزحيلي �أن القتال يف الإ�سالم له ثالثة ا�سباب (دفع االعتداءو ن�صرة املظلوم ،وت�أمني حرية العقيدة) والإ�سالم قد ركز على التعاي�ش ال�سلمي بني الأديان ،وميثاق املدينة املنورة (بني امل�سلمني واليهود) هو خري دليل على ذلك بينما بع�ض اجلهلة بحقيقة الدين الإ�سالمي ي�شيع يف الأو�ساط املتدينني �أن جمرد الكفر هو �سبب كاف ال�ستباحة الدماء وهذا جهل بالدين يناق�ضه �صريح الآيات من القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية وتعامل امل�سلمني عرب التاريخ الإ�سالمي فقال عليه ال�صالة وال�سالم« :من قتل معاهدا مل َي َرح رائحة اجلنة و�إن ريحها توجد من م�سرية �أربعني عاما» (�صحيح البخاري ،حديث رقم .)2166 ومما يجب التنويه به �أن الإ�سالم ال ميانع من بر غري امل�سلمني ما داموا م�ساملني ين لمَ ْ قال تعاىل (:اَل َي ْنهَا ُك ُم اللهَّ ُ ع َِن ا َّلذِ َ ِّين َولمَ ْ ُيخْ ر ُِجو ُك ْم مِ نْ ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ ِد َيا ِر ُك ْم �أَنْ َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم �إِ َّن اللهَّ َ يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ ني) رابعا� :سوء الفهم ل�شعرية الأمر باملعروف والنهي عن املنكر: �إن عدم فهم حقيقة الأمر باملعروف والنهي عن املنكر �أدى �إىل �إ�شكاالت كبرية يف �ساحة العمل الإ�سالمي يف باك�ستان ،حيث �إن فئة من الذين ي�سعون �إىل تغيري املنكرات يف املجتمع عمدوا �إىل ا�ستخدام القوة يف تغيري املنكر ،فقاموا با�ستخدام العنف من التدمري والإحراق للمباين وقتل الأفراد واختطافهم، وظنت هذه الفئة ان اجلماعات الإ�سالمية لها احلق يف �إقامة احلدود واكراه النا�س بالقوة على الأحكام ال�شرعية ،ويوجد لها من ال�صالحيات ال�شرعية التي توجد للدولة الإ�سالمية ،فلها �أن تعاقب املجرمني ،ولها �أن تقوم ب�إقفال �أو حرق الأماكن التجارية
27
دراسا
ت إسالمية
التي يتم اال�ستفادة منها يف ن�شاط م�شبوه �أو غري �شرعي ،ومن هذا القبيل ك�سر �أماكن بيع ا�شرطة الكا�سيت التي بها اغاين وافالم، �أو ك�سر امل�سجالت يف ال�سوق �أو يف ال�سيارات التي تقوم بت�شغيل الأغاين يف �سياراتهم �أو ي�شاهدون االفالم يف تلك ال�سيارات .وهذا الفهم للأمر باملعروف والنهي عن املنكر كان من �أهم �أ�سباب احلادثة امل�ؤملة التي حدثت يف الل م�سجد يف مدينة �إ�سالم �آباد يف عام 2007م. خام�سا :املوقف جتاه م�شاركة املر�أة يف احلياة االجتماعية وال�سيا�سية: �إن بع�ض املتدينني يقفون حجر عرثة يف وجه م�شاركة املر�أة يف بناء املجتمع ،مع �أن اهلل عز وجل خلق الإن�سان ذكرا و�أنثى يف هذه احلياة الدنيا لعبادته وهي حركة الإن�سان وفق �شرع اهلل يف تذكية النف�س ،وتنظيم املجتمع ،وعمارة الأر�ضني ،و�إن تعطيل القدرات والطاقات عن حتقيق ذلك املقا�صد عمل خمالف ل�شرع اهلل عز وجل ،كما �أن املر�أة هي ن�صف املجتمع و�إن فاعليتها وقيامها بوظائفها املجتمعية جتعل املجتمع �أكرث قدرة على ال�شهود احل�ضاري والعي�ش على م�ستوى التحدي والتفوق يف العطاء والت�أثري يف املجتمعات الأخرى ،كما �أن قعودها عن وظائفها املجتمعية وبذل قدراتها وطاقاتها لتحقيق اهداف جمتمعية يكون �سببا يف ركود املجتمع وتخلفها عن ركب احل�ضارة والعطاء الإن�ساين ،والأمة الإ�سالمية قد خ�سرت كثريا يف الع�صور املت�أخرة عندما مل تفلح يف اال�ستفادة من قدراتها الب�شرية ب�صورة مثلى المنها القومي و�شهودها احل�ضاري، وبالأخ�ص �إقعادها املر�أة عن م�س�ؤولياتها املجتمعية با�سم الدين ،نا�سية يف ذلك الوظائف املجتمعية التي ال ميكن القيام بها بوجه �أمثل �إال بعد امل�شاركة الفاعلة من الرجال والن�ساء على ال�سواء .و�إن النظرة الدينية ال�ضيقة حول املر�أة واملطالبة
28 بحب�سها يف البيت قد �أ�ضرت ال�صحوة الإ�سالمية املعا�صرة و�أ�ضرت مب�شروع الأمن القومي واال�ستفادة من الطاقات والقدرات. �إن غياب املر�أة يف العامل الإ�سالم عن حتمل م�س�ؤولياتها املجتمعية ب�صورة مقبولة قد �أعطى لأعداء الدين فر�صة التهام الإ�سالم به�ضم حقوق املر�أة ومنعها من العمل ،وحتى بع�ض ال�سذج من �أبناء امل�سلمني وقعوا �ضحية لهذه الفرية على الدين ون�سبوا غياب املر�أة عن ميادين العمل الكثرية �إىل الدين حيث قد حرمت با�سم التدين �أو التقاليد عن كثري من احلقوق التي قد �أعطاها اهلل عز وجل، وهذا قد جعل كثري من امل�سلمات تدبر �إىل
وإن النظرة الدينية الضيقة حول المرأة والمطالبة بحبسها يف البيت قد أضرت الصحوة اإلسالمية المعاصرة وأضرت بمشروع األمن القومي واالستفادة من الطاقات والقدرات. الدين وتنخرط يف احلركات املناه�ضة للدين ظنا منهن �أن الدين مل يعط لهن حقوقهن و�أن الدين مينعهن من العمل والعطاء للمجتمع وظنا منهن �أن الدين يخالف تنمية قدراتهن وطاقاتهن ،ولكن احلقيقة عك�س ذلك �إذا رجعنا للع�صور الإ�سالمية الزاهرة يف عهد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم، وقد ذكرنا م�شاركة املر�أة الفاعلة يف ق�ضايا املجتمع ووعي املراة وكفاءتها يف التعامل مع ق�ضايا الإ�صالح والبناء ،وحرمان املر�أة عن التفاعل مع ق�ضايا املجتمع و�إبعادها و�إقعادها عن امل�شاركة العملية يف ق�ضايا
البناء والإ�صالح للمجتمع �إن هي �إال روا�سب ع�صور التخلف واجلمود والتقليد ،وال بد من جتاوزها. ولذلك ف�إن تفعيل دور املر�أة يف العمل املجتمعي بجوار عدم غيابها عن عملها ووظيفتها الرتبوية يف البيت يعترب من ال�ضرورات اال�سرتاتيجية للدعوة الإ�سالمية يف الع�صر احلا�ضر حتى تقدم ردا عمليا على تلك ال�شبه واملزاعم الكاذبة التي ن�سبت للدين. �إن تكليف املر�أة بالعمل تدخل يف عموم التكاليف ال�شرعية التي ت�شمل جماالت احلياة املتعددة� ،إال �إذا ُن�ص على تخ�صي�صها، و�إن االمتثال لهذه التكاليف ب�سعتها و�شمولها يقت�ضى التفاعل مع كل ق�ضايا املجتمع وامل�شاركة يف معاجلتها رجاال ون�ساء، وهو الأمر الذي ال بد و�أن ت�سبقه تهيئة البيئة التاهيلية لتكوين الوعي والقدرة على حتليل الواقع وفهم �أبعاده. و�إن العمل املطلوب للنهو�ض والرقى م�س�ؤولية الرجال والن�ساء على ال�سواء مع مراعاة الفوارق بني الرجال والن�ساء يف طبيعة الأعمال التي ميكن �أن يقوموا بها ومع مراعاة الأهلية الوظيفية لكل من الرجل واملر�أة ،فقد تكون املر�أة �أكرث �أهلية لوظيفة معينة من الرجل يف ذلك املجال. �إن مربرات الت�أكيد على عمل املر�أة واال�ستفادة من قدراتها تتجاوز حدود ال�ضرورات الأ�سرية لتح�سني الو�ضع املعي�شي بل وال بد �أن يكون الأ�سا�س واملعيار هو حاجة الأمة و�سد ثغراتها باال�ستفادة من الطاقات والقدرات املوجودة يف �شرائح املجتمع رجاال ون�ساء ،بغ�ض النظر عن حاجة الأ�سرة للمك�سب املايل. التطرف الفكري و�أثره على على التنمية: �إن تفاقم �أعمال العنف يف املجتمع امل�سلم وخا�صة يف باك�ستان قد ترك الب�صمات
ال�سالبة على وحدة املجتمع وتنميته ونبني ذلك يف النقاط التالية: الإزدياد يف الإنفاق الع�سكري والأمني :حيث �إن الإنفاق احلكومي على الق�ضايا الأمنية والع�سكرية قد ارتفع �إىل �أ�ضعاف ما كان عليه قبل تردي الأو�ضاع االمنية ،وهذا الأمر قد �أ ّثر يف االهتمام برعاية القطاعات الأخرى يف املجتمع ،حيث �أن جل امليزانية وجل التفكري يف النخبة ال�سيا�سية والتخطيطية قد انح�صر يف البحث عن الو�سائل والأ�ساليب للت�صدي للأو�ضاع الأمنية وكيفية احتوائها. ارتفاع الت�ضخم� :إن واقع الأو�ضاع الأمنية املتمردية يف باك�ستان قد �أثر على ميزان االقت�صادي وت�شري الإح�صائيات �أن معدل الت�ضخم يف فرباير من عام 2010م قد ارتفع يف باك�ستان �إىل %16.8مقارنة بالفرتة نف�سها من العام املا�ضي .وهذه تعترب �إ�شكالية بينها وبني �صندوق النقد الدويل الذي يطالب احلكومة الباك�ستانية باتخاذ �إجراءات خلف�ض الت�ضخم للح�صول على م�ساعدات مالية ،ت�ساهم يف تنمية الوطن. تعر�ض امل�صالح العامة للهجمات وت�أثرها �سلبا على تنمية البلد :حيث �إن امل�صالح احلكومية والعامة التي �أقيمت يف الواليات الباك�ستانية املختلفة خلدمة املواطنني قد تعر�ضت للهجمات من قبل امل�سلحني ومت تدمري املباين وامل�صانع واملدار�س ...وهذا ما ترك �آثاره على التنمية ،حيث �إن ميزانية الدولة �سوف يتم امت�صا�صها يف �إعادة الإعمار ،بدل التفكري يف �إمداد اخلدمات ملجاالت احلياة املختلفة ،الأمر الذي يقعد باك�ستان عن متثل دور تنموي موازي للحركة التنمية واالقت�صادية يف املنطقة ،وبالتايل ف�إن باك�ستان �سوف يعجز عن ا�ستيعاب وحل امل�شكالت التي تتفاقم يوما بعد يوم ب�سبب زيادة ال�سكان ،وقلة الدخل ،وكرثة الأمرا�ض، و�ضعف التعليمن وكرثة الوفيات يف العنا�صر
ال�شابة واملهمة تنمويا. ت�أثريه على التبادل التجاري وحركة املال: �إن احلالة الأمنية املرتدية ترك �أثره على التبادل التجاري حيث كثري من �أ�صحاب املال قد نقلوا ا�ستثماراتهم للدول اكرث �أمنا ،وهذا الأمر كان وراء الت�ضخم املايل الذي ارتفع خالل عام واحد حلوايل �سبعة ع�شر يف املائة، ونتج عنه الغالء يف املعي�شة وال�سكن واملواد اال�ستهالكية. تعطل م�شارع التنمية :وهذا وا�ضح ،حيث �أن معظم املال الآن يذهب �إىل اجلهود
من أخطر آثار الغلو والتطرف انتشار الفكر التكفيري يف المجتمعات المسلمة أن أصحاب هذا الفكر يسرفون يف تضليل الناس وتكفيرهم ويعتبرون كل من يخالفهم يف الرأي بأنه ليس من أهل القبلة. احلربي وقتال اخلارجني على نظام الدولية، وهذا قد �أدّى �إىل ا�ستنزاف الرثوات ،وتعطل االنتاح ،وت�أخر التنمية. هجرة ر�ؤو�س الأموال :حيث انه من املعلوم ان ر�أ�س املال جبان فحيث وجد الأمن ،اجنذبت �إليه ر�ؤو�س الأموال ،وحيث فقد الأمن، فقدت ر�ؤو�س الأموال ،وهذا ما نال باك�ستان بنتيجة لهذه الأحداث ،حيث هاجرت الكثري من ر�ؤو�س الأموال ال�ضرورية لال�ستثمار والقيام بامل�شاريع الكربى التي توفر فر�ص
العمل وتقوي اقت�صاد البلد ،نعم هاجرت �إىل خارج باك�ستان �إىل �أماكن الأمن واال�ستقرار. دب يف �أمة �إن الغلو والتطرف داء خطري �إذا ّ ودمر �أركانها خلطر عظيم على كيان �أهلكها ّ الأمة الإ�سالمية .فقد و�صف ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �آثارها بكلمة جامعة بليغة بقوله“ :ف�إمنا �أهلك من كان قبلكم الغلو يف الدين” فهو هالك يف كل �شيء على م�ستوى الأفراد وعلى م�ستوى املجتمعات �إنه هالك للأنف�س واملمتلكات والبالد والعباد. لذا يجب معاجلة التطرف والغلو بكافة �أ�ساليبه ممكنة ومن �أهم هذه الأ�ساليب �أن نحارب اجلهل ونن�شر العلم ال�صحيح بني �أفراد املجتمع خا�صة فيما يتعلق بق�ضايا الوالء والرباء وتكفري امل�سلم ،وحقوق ويل الأمر امل�سلم ومعادلة غري امل�سلمني ودور املر�أة يف احلياة االجتماعية العامة وغريها من الق�ضايا املعا�صرة ويجب �أن تت�صدى مناهج التعليم يف العامل الإ�سالمي مل�شكلة التطرف ب�شكل علمي فيجب �أن تتناول ق�ضايا وم�سائل مثل �سماحة الإ�سالم وي�سره وو�سطيته وحقوق الوالة ،وحقوق الوطن وحقوق امل�سلمني وحرمة دماء امل�سلمني و�أعرا�ضهم و�أحوالهم. ويجب �أن يلعب العلماء والأ�ساتذة دورهم الفعال يف ت�صحيح املفاهيم اخلاطئة حول هذه الق�ضايا وامل�سائل كما ينبغي �إبراز و�سطية الإ�سالم و�سماحته وعدالته وبث ثقافة التي�سري ورفع احلرج عن النا�س من قبل الوعاظ وخطباء امل�ساجد. ن�س�أل اهلل تعاىل �أن يحفظ بالدنا و�أوطان امل�سلمني من كل �سوء و�شر وفتنة ،ويدمي عليها الأمن واال�ستقرار والرخاء والهناء �إنه �سميع جميب. و�أكرر �شكري لإتاحة الفر�صة ب�أن �أ�سهم يف هذا امل�ؤمتر ،و�أقدم كل النجاح للمجال�س.
29
دراسا
ت إسالمية
30
تاريخ اإلسالم حافل بحركة دائبة من التدين تحقق دينها من مادة الحياة .فإذا توقفت بعيدا عن حركة المسلمين المتجددة واستكانت إلى صورة ثابتة ،تشكل تاريخهم ً دينهم .وهذا يعني أن التجديد صفة مالزمة للحركة ،والحركة أساس اإلسالم وجوهره، وهي حركة التوجه نحو اهلل في شتى صور الحياة
الثبات والتطور في الفكر اإلسالمي طريق النهضة د .عبد ال�سالم الراغب
جامعة حلب -كلية الآداب وال�شريعة � -سوريا
يختلف النا�س يف الن�شاط العقلي �أو الفكري قو ًة و�ضع ًفا وفه ًما ووع ًيا وقدر ًة وا�ستيعا ًبا، ويتجلى هذا التفاوت بني النا�س يف طريقة تعاملهم مع الثقافة �أو الواقع ،وهي ال تخرج عن ثالثة م�ستويات حتدد �آلية الن�شاط الفكري وم�ساره وثماره. امل�ستوى الأول :و�أعني به "التلقي املبا�شر" عن الآخر وا�ستعارة "قالبه" احل�ضاري يف الفكر وال�سلوك واحل�ضارة� ،سواء �أكان هذا الآخر ما�ض ًيا مورو ًثا �أو حا�ض ًرا م�ستوردًا �أو ن�صا مقروءًا �أو م�سموعًا �أو واق ًعا ملمو�سا �أو ًّ ً مرئ ًّيا ...وينح�صر دور العقل يف هذا امل�ستوى ال�شائع والعام ،يف "التلقي" من الآخر والتقيد مبا يقوله من ثقافة ومعرفة �أو عادات وتقاليد .ويحر�ص العقل �أو الفكر هنا ،يف
التقليد واخل�ضوع لهذا الآخر ،وتب ّني ثقافته وم�شروعه احل�ضاري مرب ًزا �إيجابياته و�صوره امل�شرقة ،وتقدمي نف�سه على �أنه �صورة طبق الأ�صل متا ًما عما يطرحه هذا الآخر يف ثقافته وفكره وح�ضارته ،واحلر�ص على حماكاته يف �أقواله و�أفعاله وم�شاريعه النه�ضوية .وتتعدى املحاكاة واال�ستن�ساخ حدود املعقول يف الثقافة والأدب والفن ،وطرائق احلياة يف امل�سكن وامللب�س واملطعم وامل�شرب. فالعقل هنا ،يتحرك �ضمن �إطار الثقافة املقروءة واملرئية وامل�سموعة لتبنيها والتقيد مبا فيها ،ليكون "العقل املتلقي" �أو الفكر املتلقي� ،صورة من�سوخة عن العقل املنتج لهذه الثقافة بنوعيها العاملة وغري العاملة، الر�سمية واالجتماعية على حد �سواء ،و�سواء
�أكانت هذه الثقافة قدمية �أو جديدة ،موروثة �أو م�ستوردة .ويلتقي يف ذلك دعاة "التغريب" يف ا�ستن�ساخ ثقافة الآخر امل�ستوردة ،ودعاة امل�شروع الإ�سالمي يف م�ستوى التلقي من الثقافة الإ�سالمية وا�ستن�ساخ ما فيها ،دون وعي للثوابت واملتغريات فيها .هذا التعامل العقلي يف التلقي والن�سخ ،يف�ضي �إىل التكرار املمجوج والتقليد الأعمى ،وتبني الأفكار والآراء دون وعي �أو فهم لها� ،أو دون �إدراك للظروف التي �أنتجت هذه الأفكار والآراء وامل�شاريع النه�ضوية .وبالتايل يغيب العقل وراء املوروث �أو امل�ستورد ويحل "االنفعال" حمل "العقل" ،فت�أخذ العاطفة مكان العقل يف الرتويج لهذا املوروث �أو هذا امل�ستورد ،ويتم االنفعال والتفاعل مع هذا وذاك يف حلظة
غياب العقل الب�صري ،فال ينظر هذا الإن�سان املق ّلد �إىل الثقافة ب�إطارها الزمني ،و�أطرها الثابتة واملتحولة ،وقربها �أو بعدها عن املقا�صد احل�ضارية للأمة ،و�إمنا ينظر �إليها من خالل عاطفته امل�شبوبة ورغبته يف حماكاة منوذجه املوروث �أو امل�ستورد ،فيندفع للدفاع عن �أخطائه و�سلبياته وك�أنه يف دفاعه عن تراثه يخو�ض معركة جهادية ب�أمل ثوابها عند اهلل ،وغاب عن باله �أن هذا الرتاث الإ�سالمي ن�صا �شرع ًّيا ال يجوز هو �إنتاج ب�شري ،و�أنه لي�س ًّ �أن تخالفه ،وكذلك غاب عنه �أن الفقه نتاج ب�شري يف قراءة الن�صو�ص ال�شرعية ال�ستخراج الأحكام منها .فال�شريعة ثابتة ربانية� ،أما الفقه فهو نتاج ب�شري متغري بتغري الظروف والأزمان واحلاالت. امل�ستوى الثاين :هو �أعلى من الأول و�أرقى، لأن العقل فيه يتجاوز مرحلة التلقي املبا�شر والفهم التداويل العادي للأمور الثقافية واحل�ضارية� ،إىل الفهم الت�أويلي املف�سر للدالالت والرموز يف احل�ضارة والثقافة والواقع .وهذا يعني �أن العقل يقوم بدو ٍر فعالٍ يف �إنتاج الثقافة �أو فهم الواقع من خالل �إبداء الر�أي ،وتقدمي ر�أي مف�سر �أو داعم لدالالت الثقافة �أو رموز الواقع .فهو يعمل بن�شاط لال�ستنطاق واال�ستك�شاف يف الثقافة والواقع ولي�س للتقليد واال�ستن�ساخ. وتتجه حركة العقل هنا �إىل مبدع الثقافة، للتعرف على ظروفه اخلا�صة والعامة املحيطة يف �إبداعه و�إنتاجه الثقايف واحل�ضاري، والطواف يف �أجوائها ومناخها وم�ؤثراتها ال�ستيعابها وفهمها ومعرفتها ،من غري رغبة منه يف ك�شف عيوبها وتناق�ضاتها .و�إذا الح له �شيء من العيوب �أو الق�صور حاول �سرته و�إذابة تناق�ضاته باالعتماد على "الت�أويل" و"التربير". وعانى العقل املعا�صر من م�شكالت الت�أويل والتربير ،وحماوالت التوفيق والتلفيق يف م�شاريعه النه�ضوية املطروحة وامل�ستوردة، التي �أحدثت فجوة كبرية بني الثقافة الر�سمية امل�ستوردة ،والثقافة املختزنة يف عقول ال�شعوب امل�سلمة ووجدانها .وارتاح العقل املعا�صر ّ م�شاق البحث والتفكري، �أو �أراح نف�سه من فا�سرتخى وا�ستقال مكتف ًيا بالقالب امل�ستعار يف م�شروعاته النه�ضوية� ،إما قالب م�ستورد بعيد عن ثقافته ودينه وح�ضارته� ،أو قالب موروث
بعيد عن واقعه وظروفه وحاجاته ورغباته. وهذه هي الطامة الكربى التي �أ�صابت العقل �أو الفكر املعا�صر. امل�ستوى الثالث :هو الفكر التقوميي ،وفيه يرتقي العقل من مرحلة التلقي املبا�شر ومرحلة الت�أويل الداليل �إىل مرحلة �أعلى هي "التقومي" .وبذلك يكون العقل قد �أكمل دورته يف التلقي والت�أويل والتقومي �إن كانت حركته متدرجة مت�سل�سلة ال تتوقف عند مرحلة وجتمد عليها. فهذه املراحل �أو امل�ستويات الثالثة متداخلة ومتكاملة ،حتى تتكون الر�ؤية ال�صائبة للثقافة املقروءة �أو الن�ص املدرو�س �أو الواقع املر�صود، فالبد للعقل �أو الفكر �أن يكمل عمله ال�سابق يف امل�ستوى الثالث يف تقوميه وت�شخي�صه
ال شك يف أن "أدلجة المعرفة" أو ُأحادية "الفكر" ،دفعت بالعقل المعاصر إىل أن يحصر نشاطه يف مستوى التلقي المباشر من اآلخر ،رغبة يف إخفاء العيوب وتبرير التناقضات وك�شف عيوبه وتناق�ضاته ،بعد عملية تف�سريه ومعرفة ما فيه من �أفكار وظروف. هذه امل�ستويات الثالثة لآلية الن�شاط الفكري �أو العقلي ،ت�صلح معيا ًرا نقد ًّيا نحتكم �إليه يف فهم العقل املعا�صر �أو الفكر الإ�سالمي املعا�صر ،ملعرفة حدود ن�شاطه ،وامل�ستوى الذي يتحرك فيه ،وكيفية عمله يف كل م�ستوى من هذه امل�ستويات الثالثة .وهذا بداية الطريق يف ت�شكيل العقل امل�سلم على �أ�س�س معرفية �صحيحة ووا�ضحة ،وتخلي�ص الفكر الإ�سالمي من جموده وحتجره. ُ وال �شك يف �أن "�أدجلة املعرفة" �أو �أحادية "الفكر" ،دفعت بالعقل املعا�صر �إىل �أن يح�صر
ن�شاطه يف م�ستوى التلقي املبا�شر من الآخر، رغبة يف �إخفاء العيوب وتربير التناق�ضات، ف�أدى ذلك �إىل �ضياعه ومتزقه وف�شل امل�شاريع النه�ضوية احلديثة .ولو �أن الن�شاط الفكري �أو العقلي كان يتحرك ب�آلياته و�أدواته يف مناخ �سيا�سي متعدد ،لكان عمله ال ينح�صر يف امل�ستوى الأول يف التلقي املبا�شر ،و�إمنا جتاوز ذلك �إىل �شمولية التقومي وجديته يف و�ضع م�شروع نه�ضوي �إ�سالمي. الثبات والتطور يف الفكر الإ�سالمي �أقام اهلل �سبحانه وتعاىل نظام الكون واحلياة على نظام "الزوجية" املعروف لتبقى احلياة م�ستمرة متجددة .وال يخرج �أمر الدين � ً أي�ضا عن هذه الثنائية يف البناء الكوين والإن�ساين لت�أمني بقائه وا�ستمراره؛ �إذ نالحظ فيه تالزم ثنائي ِة "الثبات والتجديد فيه" .فالثبات يف الدين يرجع �إىل م�صدره الإلهي الأزيل، ويالزم هذا الثبات ،التطو ُر والتجدي ُد املرتبط باملاديات الك�سبية املتفاعلة مع الواقع املتغري. وهذه هي التي يطر�أ عليها التطور والتجديد، �أو تبقى يف جمود وخمود بخالف الدين الذي يت�ضمن معنى الثبات واال�ستقرار .ويغفل الكثريون عن معنى الثبات يف طبيعة الدين، وقد يو�صف باجلمود ،بينما ظواهر اجلمود ال تنطبق على الدين ،و�إمنا على �صور التدين ومواقف النا�س من الدين. وقد �شاءت �إرادة اهلل �سبحانه وتعاىل �أن تكون ثنائية بناء الكون واحلياة على نظام الزوجية� ،أدا ًة من �أدوات التغيري والتجديد يف الكون واحلياة ،ال�ستمرارهما وبقائهما. وثنائية الثبات والتطور يف الدين � ً أي�ضا من �أجل الغاية نف�سها ،يف بقائه ح ًّيا متجددًا يل ّبي حاجات الإن�سان يف كل الع�صور وفق املتغريات ال�سيا�سية واالجتماعية واحل�ضارية. و�صورة التدين تعني التفاعل مع الواقع املتجدد ،لإثبات املعنى الديني الأزيل فيه وحتقيق العبودية هلل يف حركة الإن�سان وتوجهاته ،فتغدو حركته املتفاعلة مع جمتمعه وع�صره على �صراط اهلل امل�ستقيم، �أما �إذا ظل تد ّينه على �صورة واحدة ال يرتقي ويتجدد بارتقاء احلياة وجتددها ،ف�إنه �سريى نف�سه يف النهاية معزوال عن واقعه وع�صره، ريا ل�صورة التدين املخالفة لع�صره وواقعه. �أ�س ً ف�صورة التدين متغرية ،لأنها تتعامل مع متغريات احلياة �ضمن مفهوم الثبات يف طبيعة
31
دراسا
ت إسالمية
الدين؛ �إذ �إن اهلل �سبحانه وتعاىل قد ابتلى الإن�سان بالتفاعل مع ظروف احلياة املتغرية، ليمتحن ثباته يف توجهه واجتاهه نحو ربه ،كما ابتاله بالتفاعل مع الكون لي�ستخل�ص قوانينه ويفهم �أ�سراره ،ولوال هذا التفاعل معه ،ما كانت هذه العلوم املتطورة وهذا الت�سخري الكوين للإن�سان .كما امتحن الإن�سان بالرخاء وال�شدة على ال�صعيد االجتماعي واالقت�صادي واحل�ضاري ،لريى حركته و�سلوكه وت�ص ّرفه مع هذه املتغريات عليه ،ومقدار ثباته على طريقه امل�ستقيم. والفكر الإ�سالمي فكر متجدد فيه ثوابت الدين ،ومتغريات "التدين" ،فتدور �صورة التدين حول حمور الدين الثابت يف �شتى ميادين احلياة. من هنا ،نالحظ �أن جتدد احلياة وتطورها يكمن يف هذه الثنائية الأ�سا�سية يف الكون واحلياة والإن�سان .والفكر الإ�سالمي يخ�ضع � ً أي�ضا لهذه الثنائية يف الدين الثابت والتدين املتغري ،وفق الظروف والأو�ضاع الك�سبية املتغرية. لذا نالحظ �أن "الإميان" يزيد وينق�ص ،و�أن امل�ؤمن مطالب �أن يحقق الإميان حي ًنا بعد حني ،فيظل يف مناء وتطور وازدياد يف حركة تفاعل مع الظروف والأو�ضاع .حتى التقوى التي هي ذروة الإميان ،متر مبراحل متجددة �ضمن حركة التفاعل االجتماعي وال�شعوري� ،إذ نالحظ هذا يف قوله تعاىل: ُ ( َل ْي َ�س َعلَى ا َّلذِ َ وا ل ع و َمِ ال�صالحِ َ اتِ َّ ين �آ َم ُنوا َ ُج َنا ٌح فِي َما َط ِع ُموا �إِ َذا مَا ا َّت َق ْوا َو�آ َم ُنوا َوعَمِ ُلوا ال�صالحِ َ اتِ ُث َّم ا َّت َق ْوا َو�آ َم ُنوا ُث َّم ا َّت َق ْوا َو�أَ ْح َ�س ُنوا َّ ُ ُ لمْ َواهلل يُحِ ُّب ا ْح�سِ ِننيَ)(املائدة.)93: وقد يقال �إن هذه مراتب التقوى ومقاماتها وهذا �صحيح ،ولكن �ألي�ست هذه املراتب متثل حركة تفاعل الفرد مع حميطه االجتماعي حتى يبلغ هذا املقام يف ح�سه و�شعوره وفكره. و�إذا ت�أملنا حركة "الدين" يف ق�ص�ص الأنبياء، نالحظ �أن اهلل �سبحانه وتعاىل يختار ر�سوله من بيئته ليحقق هذا املعنى يف تفاعل الدين مع املجتمع. وهذا يعني �أن املبادئ الثابتة -يف دعوة الأنبياء -واحدة و�إن تغريت ال�شرائع �أو جتددت وفق الأو�ضاع املتجددة .وك�أن ال�شرائع متثل �صور اال�ستجابة للأو�ضاع املتجددة املعتمدة على دين التوحيد الثابت.
32 و�إذا رجعنا �إىل بع�ض الن�صو�ص النبوية ،ف�إنها ت�ؤكد حقيقة االبتالء يف احلياة من خالل �إدراك النا�س للعبادة يف حالة الرخاء ،و�إدراكهم لها يف حالة ال�شدة ،فتتجدد �صورة التدين من "�شكر" يف حالة الرخاء �إىل "�صرب" يف حالة ال�شدة. والر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يخرب يف ري الإ�سالم �سيع ّم ،ثم يو�ضح حديث له؛ �أن خ َ �أنه ال يدوم �إذ يعقبه �شر ،ثم ي�ؤول �إىل خري �آخر �أدنى من اخلري الأول �إذ فيه دخن. فهو ي�ؤكد على �أطوار احلياة وتق ّلباتها وما
البد من إحياء المفاهيم األصلية وبعث الحياة يف معاين التدين ،حتى يكون الدين حركة تفاعل اجتماعي وحضاري للرقي باإلنسان نحو الخير والتقدم ،وربطه بالحياة والسلوك، وإحياء حقائقه ومضامينه ال صوره وأشكاله. ت�ستلزمه من موقف يف كل طور؛ موقف جتاه اخلري ،وموقف جتاه ال�شر .وهو االمتحان الإلهي لعباده يف جتدد �صورة التدين املالزمة لتق ّلبات احلياة. بل �إن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يخرب مب�ش ًرا �أن اهلل �سبحانه وتعاىل يقي�ض للأمة جمددًا لأمر دينها ،كلما ر�آها قد ا�ستكانت �إىل �صورة جامدة من �صور التدين يف الوجدان وال�سلوك ،كلما داهمتها حتديات جديدة وظلت على �سكونها وجمودها ،فيهيئ لها املجد َد لأمر
دينها ،فيحيي وجدانها وين�شط فكرها وعقلها يف االجتهاد املتجدد ،ويثري فيها روح النهو�ض بحركة متجددة من �صور التدين املواجهة للتحديات. وتاريخ الإ�سالم حافل بحركة دائبة من التدين حتقق دينها من مادة احلياة .ف�إذا توقفت حركة امل�سلمني املتجددة وا�ستكانت �إىل �صورة ثابتة ،ت�شكل تاريخهم بعيدًا عن دينهم. وهذا يعني �أن التجديد �صفة مالزمة للحركة، واحلركة �أ�سا�س الإ�سالم وجوهره ،وهي حركة التوجه نحو اهلل �سبحانه وتعاىل يف �شتى �صور احلياة. طريق النه�ضة �-1إحياء املفاهيم الإ�سالمية :البد من �إحياء املفاهيم الأ�صلية وبعث احلياة يف معاين التدين ،حتى يكون الدين حركة تفاعل اجتماعي وح�ضاري للرقي بالإن�سان نحو اخلري والتقدم ،وربطه باحلياة وال�سلوك، و�إحياء حقائقه وم�ضامينه ال �صوره و�أ�شكاله. و�سوف تقف �صور"التقليد" �أمام حركات التجديد والتطوير ،ولكن الدين بعيد عن مظاهر اجلمود والتقليد� ،إذ �إن كلمة "الإ�سالم" امل�صدرية توحي بالتجدد امل�ستمر، لأن املرء حني �أ�سلم وي�سلم فهو يف حركة متفاعلة متجددة مع �أو�ضاع احلياة .فهو �إذن ،يف حالة جتدد وحيوية وعطاء ،ولي�س يف حالة �سكونية جامدة طاملا �أن حركته �ضمن ثوابت الدين و�أحكامه .من هنا نالحظ الآيات تركز على الفعلَ (:بلَى َمنْ �أَ ْ�سلَ َم َو ْج َه ُه للِهَّ ِ وَهُ َو محُ ْ �سِ ٌن َفلَ ُه �أَ ْج ُر ُه عِ ْن َد َر ِّب ِه َو اَل َخ ْو ٌف َعلَ ْي ِه ْم َو اَل هُ ْم ي َْح َز ُنو َن)(البقرة( ،)112: َو َمنْ ي ُْ�س ِل ْم َو ْج َه ُه �إِلىَ اللهَّ ِ وَهُ َو محُ ْ �سِ ٌن َف َقدِ ْا�س َت ْم َ�س َك بِا ْل ُع ْر َو ِة ا ْل ُو ْثقى َو ِ�إلىَ اللهَّ ِ عَا ِق َب ُة الُمُو ِر )(لقمان .)22:لأن حركة التفاعل هي ْأ الأ�صل حتى يبلغ الإن�سان ذروة الدين ،وهذا ما نالحظه يف ن�صو�ص الدين كلها ،و�أحكامه التي تنقله من طور الإ�سالم �إىل الإميان �إىل الإح�سان .ومرتبة الإح�سان متجددة بتجدد ال�شعور وال�سلوك والأداء ،بل �إن القر�آن الكرمي يجعل التجدد ً �شرطا للنه�ضة والنجاح بقوله: اب َمنْ د ََّ�ساهَا ) ( َق ْد �أَ ْفلَ َح َمنْ َز َّكاهَا * َو َق ْد َخ َ (ال�شم�س.)10-9: -2اعتماد املعرفة الإ�سالمية :يف م�صادر املعرفة ال يفرتق الوحي عن العقل وال يت�صادم معه ،لأنهما يرجعان �إىل م�صدر واحد ،وحمال
�أن نت�صور التعار�ض بينهما وهما ي�صدران من م�شكاة واحدة� .إذ الوحي يف ر�سالته الأوىل ،كان دعوة �إىل التفكري والثقافة والعلم وتفجري الطاقات الإن�سانية الكامنة يف ت�سخري الكون للإن�سان ،فهو دعوة ح�ضارية لالرتقاء والنهو�ض من خالل كلمته الأوىل( :ا ْق َر�أْ)، ومالزمة العبادة لكل الأ�شياء املقروءة و�صوال �إىل غايتها يف العبودية هلل �سبحانه وتعاىل. وبذلك تتحدد حركة الإن�سان بحركة الكون واحلياة ،فتكون قراءته الكونية واحلياتية متجهة يف �صورة العبودية هلل الواحد .وقد جاء الوحي من �أجل تقدّم الإن�سان وح�ضارته وتعليمه ما مل يعلم ،كما ورد يف الآيات اخلم�س ِا�س ِم َر ِّب َك الأوىل النازلة من ال�سماء( :ا ْق َر�أْ ب ْ ا َّلذِ ي َخلَ َق * َخلَ َق الإِ ْن َ�سا َن مِ نْ َعلَقٍ * ا ْق َر�أْ َو َر ُّب َك الأَ ْك َر ُم * ا َّلذِ ي َع َّل َم بِا ْل َقلَ ِم * َع َّل َم الإِ ْن َ�سا َن مَا لمَ ْ َي ْعلَ ْم)(العلق.)5-1: فك�أن هذه الر�سالة احل�ضارية للوحي، تن�سجم مع دور الإن�سان ووظيفته حني اختاره اهلل خليفة له وم�ستخل ًفا على كونه ،لت�سخريه وتعمريه ،ومن خالل حركة التفاعل معه لك�سب مادته وا�ستخال�ص قوانينه ،وو�ضع مادته امل�سخرة �أداة �أو و�سيلة لعبادة اهلل �سبحانه وتعاىل ،وحتقيق تدين الإن�سان من خالل موقفه من الكون وحادثات احلياة املتجددة، التي تتطلب جتديدًا �أو تطوي ًرا يالزم حركة الدين املتفاعلة مع احلياة. والعقبة الأ�سا�سية �أمام هذه احلركة اجلديدة للوحي هي "ظاهرة اجلمود الفكري" .من هنا كان هذا الرتكيز القر�آين على �إذابة اجلمود الفكري والتحجر العقلي له �أولوية يف اخلطاب القر�آين ،وهذه من مدلوالت كلمة (ا ْق َر�أْ) الأوىل التي تهدف �إىل �إذابة اجلمود بفعل القراءة امل�ستمرة يف الكون واحلياة والإن�سان، وهي قراءة �شاملة متكاملة ومتفاعلة ،لت�ؤتي ثمارها وفوائدها يف فتح الآفاق الكونية، والآفاق العقلية ،والآفاق الفكرية والروحية. ومن متطلبات هذه القراءة الواعية ال�شاملة، تف ُّتح احلوا�س وفاعليتها لت�ؤدي وظيفتها احلقّة ،و�إال ف�إن تعطيلها يف�ضي بانتقال الإن�سان من �آدميته �إىل �صورة �أخرى م�شينة يفقد فيها خ�صو�صيته ومتيزه .ومن �أين للخطاب الديني �أن يحقق غايته يف البالغ والنهو�ض بالفرد والأمة ،يف جمتمع مو�سوم باجلمود الفكري كما ورد ذلك يف قوله تعاىل:
ريا مِ َن الجْ ِ ِّن َوا ِلإ ْن ِ�س ( َو َل َق ْد َذ َر ْ�أ َنا لجِ َ َه َّن َم َك ِث ً َ َل ُه ْم ُق ُلوبٌ َال َي ْف َقهُو َن ِبهَا َو َل ُه ْم �أ ْعينُ ٌ َال ُي ْب ِ�ص ُرو َن ِبهَا َو َل ُه ْم �آ َذ ٌان َال ي َْ�س َم ُعو َن ِبهَا �أُو َلئ َِك َكالأَ ْن َعا ِم ب َْل هُ ْم �أَ َ�ض ُّل �أُو َلئ َِك هُ ُم ا ْل َغا ِف ُلو َن) (الأعراف.)179: فالآيات ت�ؤكد �أن تعطيل "احلوا�س" يعني تعطيل "م�صادر املعرفة" التي هي و�سيلة النهو�ض والوثوب والتجدد امل�ستمر مع �أو�ضاع احلياة والظروف ،بل �إن الآية تعترب ه�ؤالء املعطلني حلوا�سهم املدركة قد اعرتتهم الغفلة عن احلقيقة ،فال ميكن للمرء �أن ي�صل �إليها �إال من خالل �إعمالها من خالل حركة التفاعل مع الكون املحيط ،ال�ستخال�ص حقائقه وقوانينه. هذه "احلركة الن�صية" يف ا�ستقبال احلوا�س للم�ؤثرات ،و�إدراكها وحتليلها وا�ستيعابها واتخاذ املواقف املنا�سبة من الكون واحلياة، ال تتم �إال بحركية مقابلة يف �سلوك الإن�سان وتفاعله مع حميطه ،حتى ال يكون من الغافلني عن كونه �أو خلقه �أو عبادته ،وهذه نقطة البداية يف معاجلة "اجلمود الفكري". ف�إن القر�آن الكرمي يف دعوته �إىل التفكري َ املخاطب على االت�صال والعقل ،حث الإن�سان بالكون املحيط به ،وك�أنه يدعوه �إىل الأخذ مب�صدري املعرفة احل�سي والعقلي بالإ�ضافة �إىل الوحي الذي يتكامل معهما وال يتناق�ض. وهذه الدعوة �إىل االت�صال بالكون ال�ستك�شاف حقائقه التي هي حقائق العلم وقوانينه ،هي دعوة م�ستمرة ومتجددة ،لينتقل الإن�سان من طور علمي �إىل طور عملي وفق حركة تفاعله وقدراته الك�سبية ،التي مت ّكنه من امتالك املعرفة التي هي حركة متجددة ولي�ست �سكونية ثابتة .وملتقى الوحي واحل�س هو "العقل"� ،إذ ال ميكن �أن يد َرك الوحي �إال بالعقل� ( :إِ َّنا َج َع ْل َنا ُه ُق ْر�آ ًنا َع َر ِب ًّيا َل َع َّل ُك ْم َت ْع ِق ُلو َن)(الزخرف .)3:واحل�س � ً أي�ضا ال�س َما َواتِ ال يد َرك �إال بالعقل�ِ ( :إ َّن فيِ َخ ْلقِ َّ َوالأَ ْر ِ�ض َواخْ ِت َ ال ِف ال َّل ْيلِ َوال َّنهَا ِر َوا ْل ُف ْل ِك ا َّلتِي ا�س َومَا �أَ ْن َز َل تجَ ْ رِي فيِ ا ْل َب ْح ِر بمِ َا َي ْن َف ُع ال َّن َ ُ َ َ ال�س َما ِء مِ نْ مَا ٍء َف�أَ ْح َيا ِب ِه الأ ْر�ض َب ْع َد اهلل مِ َن َّ َم ْو ِتهَا َوب ََّث فِيهَا مِ نْ ُك ِّل دَا َّب ٍة َو َت ْ�صرِيفِ ال ِّريَا ِح ال�س َما ِء َوالأَ ْر ِ�ض َلآيَاتٍ ال�س َحابِ المْ ُ َ�س َّخ ِر َبينْ َ َّ َو َّ ِل َق ْو ٍم َي ْع ِق ُلو َن)(البقرة.)164: وبذلك تتكامل م�صادر املعرفة يف الثقافة الإ�سالمية ،و�أعني بذلك الوحي واحلوا�س
والعقل .فيكون الوحي مك ّمال مل�صدري املعرفة احل�سي والعقلي ،وبذلك ي�ضع القر�آن الأمة على طريق النه�ضة العلمية ،لت�أخذ حظها من التقدّم واحل�ضارة والرفاهية و�سعادة الإن�سان، متطلعة �إىل �إحياء فكري نه�ضوي ،ي�ستفيد من توجيهات الوحي نحو العلم والعقالنية والتفكري ،كما ي�ستفيد من الكون املحيط يف حركته ،لأنه جمال الت�سخري والتمكني. والبد �أن �أ�شري �إىل �أن هذه النه�ضة املطلوبة لي�ست تر ًفا ،و�إمنا هي �ضرورة الزمة لتحقيق عبادة اهلل يف �صور احلياة كلها ،فال تقت�صر �صورة التدين على جانب منها ،و�إمنا ت�شملها كلها .وهذه ال�شمولية التعبدية ال تتحقق �إال من خالل التفاعل مع الواقع للنهو�ض به. ولكن النه�ضة املن�شودة ،لها قوانينها و�أ�صولها، وهي ال حتابي �أحدًا لعقيدته �أو لدينه ،فكل من قام ب�أ�صولها �أو قوانينها ف�إنه ي�صل �إىل ثمارها ونتائجها ولو كان غري م�سلم. -3بناء جمتمع �صناعي :علينا �أن منيز يف م�شروع النه�ضة بني نه�ضة فكرية ونه�ضة �صناعية .فالفكر له قوانينه اخلا�صة به يف التطور والتجديد عرب الع�صور والأجيال وفق قانون املدافعة التاريخيَ ( :ف�أَ َّما ال َّز َب ُد َف َي ْذه َُب ا�س َف َي ْم ُك ُث فيِ الأَ ْر ِ�ض ُج َفا ًء َو�أَ َّما مَا َي ْن َف ُع ال َّن َ َك َذل َِك ي َْ�ضر ُِب ُ اهلل الأَ ْم َثا َل)(الرعد� .)17:أما النه�ضة ال�صناعية فهي حمكومة ب�أطرها املادية �ضمن القدرات والإمكانيات واخلطط. فم�شكلتنا يف امل�شروع النه�ضوي الإ�سالمي� ،أننا نخلط بني ما هو فكري وما هو �صناعي مادي. �إن �إقامة جمتمع �صناعي ،يحتاج �إىل �إرادة �سيا�سية قوية وعقل خمطط متفتح ر�شيد، و�إمكانات مادية وب�شرية ،وقيم وطنية عالية ت�ضع الوطن والأمة والتاريخ يف مقدمة حركتها الواعية وفق مراحل البناء ال�صناعي من ا�ستعداد ح�ضاري ،ثم ا�ستيعاب لكل املنجزات احل�ضارية القائمة ،ثم مرحلة �صيانتها ثم حماكاتها وتقليدها ،ثم الإبداع والتجديد فيها. ونخل�ص �إىل مق ّومات امل�شروع النه�ضوي الإ�سالمي و�أعمدته الأ�سا�سية يف الأ�صالة واملعا�صرة والدميوقراطية والتكنولوجيا. وهذه العنا�صر تقوم على فكر متنوع ،متفتح وحياة متجددة متطورة �ضمن الثوابت واملتغريات
33
مقاالت
ال وسطية
34 النظام الدولي كما أتصوره يتكون من حلقتين ،حلقة ُأسميها دول المركز وهي الواليات المتحدة وأوروبا الغربية، وحلقة أوسع هي دول األطراف التي تشمل كل العالم ما عدا دول المركز .فدول المركز تسيطر على دول األطراف عبر أربع وسائل:
أي مستقبل لألمة في زمن االحتكارات
د.عبد اهلل النفي�سي
النظام الدويل كما �أت�صوره يتكون من حلقتني ،حلقة �أُ�سميها دول املركز وهي الواليات املتحدة و�أوروبا الغربية ،وحلقة �أو�سع هي دول الأطراف التي ت�شمل كل العامل ما عدا دول املركز .فدول املركز ت�سيطر على دول الأطراف عرب �أربع و�سائل: الو�سيلة الأوىل :احتكار التقنية الع�سكرية احتكار �صناعة ال�سالح بكل �أنواعه التقليدي وغري التقليدي ،فدول املركز تلح على حقها يف احتكار التقنية الع�سكرية ،وامل�شكلة التي بينهم وبني �إيران —حاليا -تف�صح عن هذه امل�شكلة ،فممنوع على دول الأطراف �أن تبا�شر يف الولوج �إىل ميدان التقنية الع�سكرية. لقد ثارت ثائرة الأمريكان على جنم الدين �أربكان يف تركيا عندما كان وزيراً لل�صناعة يف تركيا ،وطرح على جمل�س الوزراء �أن يبا�شر يف �صناعة الذخرية -فقط -لتزويد اجلي�ش الرتكي ،وثارت ثائرة الأوروبيني، و�ساهموا يف االنقالب الع�سكري لإق�صاء جنم
الدين �أربكان من دواليب ال�سلطة و�إلقائه يف غياهب ال�سجن ،و�إحداث هذا التغيري عرب الع�سكر الرتك الذين يتميزون بعمالة فائقة للأمريكان وللغرب الأوروبي .لقد انزعجوا من مبادرة �أربكان ور�أوا �أن هذا م�ؤ�شر خطر. ال�سالح ت�صنيعاً وت�سويقاً وترويجاً ومنحاً ومنعاً يجب �أن يكون ح�سب ت�صور دول املركز بيد �أمريكا والغرب الأوروبي ،وعلينا نحن يف دول الأطراف �أن ن�ستهلك هذا ال�سالح. ومعلوم ب�أن الذي يتحكم بال�سالح يتحكم باحلرب وبنتيجة احلرب وبتوقيت احلرب، ومن هنا كان من حق الكيان ال�صهيوين �أن يتفوق علينا ح�سب نظرية دول املركز ،من حق الكيان ال�صهيوين �أن يتفوق على العرب ع�سكرياً ،و�أن تكون لديه تر�سانة نووية ح�سب التقديرات تفوق 250ر�أ�سا نوويا -يفمفاعل دميونا ب�صحراء النقب ،لكن لي�س من حق العرب وامل�سلمني �أن يفكروا جمرد تفكري ،ف�ضال عن �أن يبادروا بغ�شيان جمال
الت�صنيع الع�سكري. لقد بد�أ العراق منذ فرتة بدخول هذا املجال وجنح يف بناء قاعدة من العلماء ولكن �أوعزت الواليات املتحدة ،وال �أقول بادر الكيان ال�صهيوين ،لل�صهاينة ب�ضرب املفاعل النووي العراقي �سنة ،1981وتخريب كل اخلطوات البناءة التي قام بها العراق لبناء جتربة علمية يف العامل العربي يف هذا املجال. وعندنا ت�صور م�ؤ�سف للغاية �أن هذا الكيان ال�صهيوين هو الذي يهيمن على �أمريكا والغرب ،وهذا ت�صور خاطئ ،لأنه يخدم الكيان ال�صهيوين ،فالكيان ال�صهيوين ال ي�سيطر على الغرب� ،إنه هراوة بيد الغرب، �إنه هراوة �صنعها الأمريكان والأوروبيني ل�ضربنا و�ضرب الأمة متى �شاءوا وكيف �شاءوا و�أين �شاءوا .فالكيان ال�صهيوين �أحقر من �أن ي�سيطر على الغرب ،بل الغرب الذي ي�ستعمل الكيان ال�صهيوين ل�ضربنا ،ولقد �ضرب الكيان ال�صهيوين عدة جتارب عربية حتى يف الوحدة. �إن احتكار التقنية الع�سكرية و�سيلة من و�سائل ال�سيطرة ،لذلك نحن دول مك�شوفة ع�سكرياً ،ي�ستطيع عدونا �أن ي�ضربنا يف �أي فرتة ،ففي �سنة 1975م عندما �أقدمت اململكة العربية ال�سعودية ودولة الإمارات العربية املتحدة على حظر النفط عن الواليات املتحدة �أيام املرحوم في�صل بن عبد العزيز، بادر الأمريكان بتهديد دول اخلليج يف �شتاء 1975م ،بحيث ميكن احتالل �شريط النفط من الكويت �إىل �سلطنة عمان ،وقدمت ورقة �إىل الكوجنر�س الأمريكي -وهي موجودة يف مكتبة الكوجنر�س ت�ستطيع �شراءها ب�أقل من دوالر واحد ،ون�شرت يف بع�ض الكتب -تك�شف عن اخلطة التي عر�ضت على جلنة الدفاع والأمن يف الكوجنر�س حول �ضرورة احتالل �شريط النفط من الكويت �إىل ال�سلطنة، وقد علق عليها كثري من امل�ؤرخني واملحللني اال�سرتاتيجيني يف الواليات املتحدة.
وبعد مداوالت خل�ص الكوجنر�س �إىل �أنه ال حتتاج الواليات املتحدة للدخول يف جمال االحتالل الع�سكري لدول اخلليج ،حيث �إن هذه الدول تقدم النفط بالأ�سعار التي يقبل بها ال�سوق يف الواليات املتحدة و�أوروبا الغربية. �إذاً �أول �ضلع للتحكم هو التقنية الع�سكرية، ممنوع علينا �أن ننتج ال�سالح ،ممنوع علينا �أن نفكر ب�إنتاج ال�سالح �أو الذخرية ،ممنوع علينا �أن ندخل يف جمال التقنية الع�سكرية، وعلينا �أن نبقى م�ستهلكني ،ن�ستورد ال�سالح بالطريقة وبال�شروط التي تفر�ضها الواليات املتحدة وتفر�ضها �أوروبا الغربية ،واحللف الأطل�سي يراقب هذه العملية ،وله جلانه وله خربا�ؤه الذين يراقبون هذه العملية. الو�سيلة الثانية :احتكار اخلامات :ال�ضلع الثاين للتحكم يف مقدراتنا ،احتكار اخلامات، و�أق�صد باخلامات النفط والقمح. 1ـ ال�سيطرة على النفط: دول املركز ترى �أن حقول النفط كلها ال بد �أن تكون حتت يد دول املركز ،والعراق من �أهم اال�ستهدافات ،فلم يكن �إق�صاء �صدام هو الهدف من احلرب الأخرية ،ف�صدام ال يحتاج كل هذه اجليو�ش اجلرارة للتخل�ص منه �أبداً ،ولكن و�ضع اليد على حقول النفط يف العراق� .إذا من �أهم الأ�سباب التي دفعت الواليات املتحدة لغزو العراق احتكار النفط: تنقيبا ،نقال ،ت�سويقا وت�سعريا.. نحن دول منتجة للنفط ،وحتى الآن لي�س لدينا �أ�ساطيل لناقالت النفط ،حتى نقل نفطنا واال�ستفادة من هذا النقل ال يحق لنا �أبداً ،من التنقيب �إىل النقل �إىل الت�سويق �إىل الت�سعري كله بيد ال�شقيقات ال�سبع ،ال�شركات ال�سبع الغربية التي حتتكر نفط املنطقة يف ال�شمال الإفريقي ،يف الهالل اخل�صيب ،يف اجلزيرة العربية ،كل هذه الأرجاء خا�ضعة لهذه امليكانيكية يف التعامل! نفطنا �إذاً ال زال ي�ستعمل ل�صالح االقت�صاد
يف دول املركز ،ولي�س ل�صالح التنمية يف دول الأطراف .فالنفط الآن لي�س م�صدرا للطاقة فقط ،بل هو م�صدر للنفوذ الدويل� ،إذ ب�سيطرة دول املركز على حقول النفط تك�سب دول املركز التي هي الواليات املتحدة و�أوروبا الغربية نفوذها الدويل. ال�صني ال�صناعية كابو�س للواليات املتحدة، لكنها بحاجة �إىل مزيد من النفط ،من نفط العراق واخلليج واملنطقة العربية عموما، وحاجتها للنفط مت�صاعدة .ولأن الواليات املتحدة جتتاح لل�سيطرة على حقول النفط يف املنطقة ،معناه �أنها ت�ستطيع �أن تتحكم يف العالقة بني ال�صني واملنطقة ،وبالتايل ت�ستطيع �أن حتا�صر ال�صني تنموياً ،ولذلك تالحظون �أن معاجلة الأمريكان ملو�ضوع كوريا ال�شمالية ،معاجلة حذرة ومرتددة، لي�س ب�سبب خوفها من كوريا ال�شمالية؛ بل لأن ال�ضامن الإ�سرتاتيجي لكوريا ال�شمالية هو ال�صني .فالأمريكان خائفني من �أن تتطور النزاعات مع كوريا ال�شمالية فتدخل ال�صني على اخلط ،فتكون الواقعة. الأمريكان يريدون ال�صني م�شغولة يف ال�سوق ،يف االقت�صاد ،يف التنمية ،يف الرتويج لأفكارهم داخل ال�صني. اليابان كذلك بحاجة ما�سة �إىل النفط، ولي�س لديها خامات ت�ستطيع �أن تناف�س بها الدول الأخرى ،هي متتلك املوارد الب�شرية والتقنية ،لكنها بحاجة �إىل نفط ،فكون الأمريكان ي�ضعون �أيديهم على حقول النفط يف منطقتنا ،فهذا يحول دون العالقة االن�سيابية بني اليابان واملنطقة العربية. �أوروبا الغربية بحاجة �إىل نفطنا ،بل بحاجة ما�سة �إىل نفطنا �أكرث من حاجة الأمريكان �إليه ،فكون الأمريكان ي�ضعون �أيديهم على حقول النفط يف العراق واجلزيرة العربية وغريها من �أرجاء العامل العربي والإ�سالمي، ف�إنهم بهذا يحولون دون التنمية الأوروبية �إال بالقدر الذي يحقق لهم الفوائد يف امليزان
35
مقاالت
ال وسطية
الإ�سرتاتيجي بينهم وبني الأوروبيني ،وهناك خالف كبري بني الأمريكيني والأوروبيني. وكي�سنجر -مهند�س ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية -كتب كثرياً يف هذا املجال —جمال اخلالف -داخل الأطل�سي بني الأوروبيني والأمريكان ،وكتب كتابه ال�ضخم (ال�شراكة امل�ضطربةThe trouble .)participation �إن �أوروبا ال ت�ستطيع توفري رجال الأمن حلماية مدنها الرئي�سية ،وهناك �أو�ضاع م�ضطربة كثرياً يف �أوروبا ،لذلك ال زالوا يعي�شون يف ظل الأمريكان ،ويتخوفون من اال�صطدام معهم ،وهناك خ�ضوع �إىل حد ما للإرادة الأمريكية داخل احللف الأطل�سي. 2ـ ال�سيطرة على القمح: �أذكر �أن كي�سنجر زارنا يف اجلزيرة العربية �سنة 1975م ،وكان من �ضمن الأجندة التي حتدث عنها مع امل�سئولني يف اململكة العربية ال�سعودية زراعة القمح ،وت�ساءل منزعجا ملاذا تزرعون القمح؟ نحن ن�ستطيع �أن نورد لكم القمح �إىل ميناء جدة ب�سعر �أرخ�ص بكثري من تكلفة �إنتاج الكيلو الواحد يف ال�سعودية، فلماذا تزرعون القمح؟ وقيل له حينها� :إن هناك توجها لدى امللك في�صل بن عبد العزيز وحكومته لتحقيق �شيء من االكتفاء الذاتي الغذائي يف اجلزيرة العربية ،و�أن هناك قابلية للزراعة، و�أن اململكة تريد ا�ستثمار هذه القابلية �سوا ًء يف �أرا�ضيها �أو يف غريها من �أرجاء اجلزيرة العربية. انزعج الأمريكان من هذا الكالم ،وعقد كي�سنجر م�ؤمتره ال�صحفي ال�شهري يف مطار الريا�ض ،وقال فيه كالماً �ساخنا مفاده" :افعلوا ما �شئتم يف اجلزيرة العربية، و�ستكت�شفون يف امل�ستقبل �أنكم لن ت�ستطيعوا �شرب النفط" ،ك�أمنا يهدد ب�أنه �إذا مل تقبلوا ب�سيطرتنا على النفط والقمح ف�سوف تندمون. هذا هو ال�ضلع الثاين؛ �سيطرة على النفط و�سيطرة على القمح ،فمن ي�سيطر على
36 النفط ي�سيطر على التنمية ،ومن ي�سيطر على القمح ي�سيطر على املعدة ،وعملية اجلوع لدى دول الأطراف. الو�سيلة الثالثة :ال�شرعية الدولية: �أما ال�ضلع الثالث ،فهو ما ي�سمى اليوم زوراً وبهتاناً (ال�شرعية الدولية) .فال�شرعية الدولية تتمثل اليوم بالأمم املتحدة، والأمم املتحدة يف نظر دول املركز هي الآلة �أو الرت�سانة القانونية الدولية التي تتحكم يف اجتاهات العامل ،فهم م�سيطرون على جمل�س الأمن ،ولهم فيه حق الفيتو، ليقرروا :هذه دولة مارقة ،وهذه زعامة مارقة ،وهذه دولة م�سموح لها �أن تبقى، وهذه دولة ينبغي �أن ت�شطب من الوجود، ف�أ�صبحوا متحكمني بنا عرب (ال�شرعية الدولية) .ف�أ�صبحت الأمم املتحدة �سالحاً بيد الأمريكان وبيد الأوروبيني الغربيني، رغم �أن الواليات املتحدة تهدد الأمم املتحدة ب�أنها �سوف تتوقف عن دفع التزاماتها املالية للأمم املتحدة ..يعني �أنها تهدد كيان الأمم املتحدة كله. لقد كانت معركة جتديد تن�صيب بطر�س غايل �سنة 1996م �أمرا كا�شفا وفا�ضحا، فكل الدول مبا فيها الأوروبية الغربية، مبا فيها فرن�سا ،كانت ت�ؤيد التجديد للم�صري بطر�س غايل الذي جنح يف �إدارة الأمم املتحدة ،ف�أغلبية اجلمعية العامة يف الأمم املتحدة كانت متحم�سة للتجديد له ،وعدد من الأع�ضاء الدائمني يف جمل�س الأمن كانوا متحم�سني للتجديد وبالأخ�ص فرن�سا ..لأن بطر�س غايل يعترب من �أقطاب الفرانكفونية ،و�سعى يف �إقامة م�ؤمترات للفرانكفونية داخل �إفريقيا مما �أعاد لفرن�سا �شيئاً من الهيبة فيها ،فكانت فرن�سا جتد م�صلحة كبرية يف وجوده ،ولكن الأمريكان حتفظوا من االجتاه الالتيني داخل الإدارة العليا يف الأمم املتحدة ،فقالوا ال بد �أن نقمع بطر�س غايل و�أفريقيا ،ف�أتوا بهذا الرجل
الباهت ،كويف عنان ،وهو رجل �أثبتت الأيام �ضعفه ،و�أنه ال يرقى �إىل م�ستوى امل�سئولية ال�ضخمة التي حتملها .و�سارت الأمور يف الأمم املتحدة مل�صلحة الواليات املتحدة منذ �أن توىل كويف عنان من�صب الأمني العام للأمم املتحدة. وامللف النووي الإيراين �أ�صبح بيد الواليات املتحدة الأمريكية ،ت�ستعني عليه مبجل�س الأمن ملحا�صرة �إيران ،وفر�ض العقوبات عليها ،و�إدخال املنطقة يف توتر جديد .هذه هي �سيا�سة وا�شنطن دائما. فالعقيدة الع�سكرية للواليات املتحدة — والتي يتبعهم فيها الأوروبيون الغربيون- تقول ب�ضرورة ت�صعيد النزاعات والتوترات املحدودة واملحكومة ا�سرتاتيجيا .فالأمريكان يتدخلون يف مو�ضوع فل�سطني منذ اخلم�سينات ،وهم حري�صون على ما ي�سمونه بـ(عملية ال�سالم بني العرب وال�صهاينة). هم حري�صون على العملية ،ولكن لي�س على ال�سالم ،حري�صون على الـ()process ولي�س على الـ( ،)peaceهم حري�صون على �أن ت�ستمر العملية ،ولي�سوا حري�صني على ال�سالم ،لأنه يف النهاية ال يخدم م�صاحلهم، بل الذي يخدم م�صاحلهم �أن تظل املنطقة يف حالة توتر ،ولكن توتر حمدود وحمكوم ا�سرتاتيجيا ،حتى ال يتحول �إىل حرب كارثية تهدد امل�صالح الفعلية للأمريكان والأوروبيني يف املنطقة. �إذا فال بد من التفكري بكيفية معاجلة هذا ال�ضلع (ال�شرعية الدولية) ،ومعاجلة هذا الو�ضع ،وهل يجب �أن نخ�ضع ملجل�س الأمن والأمم املتحدة املفل�سني ،و�إىل متى يظل العامل هكذا منذ �سنة 1945م حتى الآن.. �إجنليز ،فرن�سيون� ،أمريكان ..لديهم حق الفيتو ليتحكموا بالعامل ،يقررون احلروب، ويقررون العقوبات االقت�صادية ،ويحملوننا ما ال نطيق يف هذه املنطقة باحث ومفكر �سيا�سي -الكويت
خطر المخدرات وآثارها المدمرة على المجتمع
�أ.د .حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة
اذا انت�شرت كارثة املخدرات يف اي جمتمع، فانها نذير �ش�ؤم و�شر للأمة برمتها ،وذلك ال�ضرارها الفتاكة ،وعواقبها الوخيمة �صحيا واجتماعيا ونف�سيا واقت�صاديا و�سيا�سيا، واالمة تقوى باملحافظة على �صحة افرادها العقلية واجل�سمية وت�ضعف بانت�شار هذا الوباء اخلطري ،الذي يقو�ض كيانها االجتماعي. وجتمع القوانني ال�سماوية الو�ضعية على حرمة تعاطي املخدرات ،وانها �آفة مدمرة تذل الفرد وحتطمه ،وتدفعه اىل ارتكاب الفواح�ش واجلرائم ،وتقود اىل التبلد وفقدان ال�شعور بامل�س�ؤولية على امل�ستويني الفردي واجلماعي ،وتبعده عن واقع امته، وعن قيمه ومثله العليا ،الن جل اهتمامه ينح�صر يف كيفية احل�صول على املخدرات ب�أية و�سيلة ،ولو ادى االمر اىل تعطيل عمله
وقدراته وامكاناته ،مع التنازل عن �شرفه وكرامته ،لي�صبح بعدها عبئا على ا�سرته وجمتمعه. والذي يتعاطى املخدرات وال�سموم القاتلة من اجلن�سني يهلك نف�سه بيده ،وي�ستهرت بنعمة ال�صحة والعافية ،ويهدم بنيان اهلل يف ار�ضه وهو االن�سان ،ومن ت�سبب يف اتالف ج�سده او ج�سد غريه بوجه من الوجوه ،فهو من املعتدين ،وقد ارتكب مع�صية ربانية واجتماعية ،الن الر�سول الكرمي يقول«:ال �ضرر وال �ضرار» واجل�سد والعقل امانة، واالن�سان م�س�ؤول عنها ،فلي�س له ان يت�صرف باالمانة على مزاجه وهواه ،النه يلقي بنف�سه يف التهلكة ،التي امر اهلل باالبتعاد عنها ،قال اهلل عز وجل :وال تلقوا ب�أيديكم اىل التهلكة علما بان املدمن على تعاطي املخدرات ي�سعى اىل قتل نف�سه يف نهاية املطاف ،وما دام انه
37
مقاالت
ال وسطية
38
ان عصابات الترويج لتجارة المخدرات ،والذين يعملون على تهريبها ،هم أعداء الدين والوطن واألمة ،وال يقلون اثما وجرما عن الذين يتعاطونها. ان الواجب الشرعي واالدبي االخالقي ،يفرض علينا ان نوسع ونكثف حمالت التوعية الدينية والصحية والنفسية ،للتحذير من خطر المخدرات القريبة والبعيدة. ال يرحم نف�سه ،فلن يرحمه احد ،ان حماربة انت�شار املخدرات يف املدار�س واجلامعات واملجتمع ،تبعة ال ميكن ان تنه�ض بها جهة مبفردها ،بل ال بد من ت�ضافر جهود اجلميع، فهي وظيفة االباء واالولياء ،بحيث يجب عليهم العناية ب�أبنائهم يف البيوت وخارجها، من حيث التوجيه والتحذير من خطورة هذه الآفة القاتلة ،والأ�سرة ت�شكل خط الدفاع الأول يف الت�صدي خلطر املخدرات، كما �أن الأ�سرة ال�صاحلة تقدم للمجتمع افرادا ا�صحاء ،يدركون خطر املخدرات وت�أثريها ال�ضار ماديا ومعنويا ،يف واقعهم وم�ستقبلهم فيحاربونها. وهي وظيفة املعلمني واملعلمات واال�ساتذة يف املدار�س واجلامعات ،وهي م�س�ؤولية االئمة والوعاظ يف امل�ساجد ،وهي م�س�ؤولية اجهزة مكافحة املخدرات يف الدولة ،وم�س�ؤولية رجال اجلمارك ،وحرا�س احلدود ،الذين يتعني عليهم ت�ضييق اخلناق على حدودنا الوطنية ،للحد من ن�شاط التهريب ،الذي �أتى على اقت�صادنا و�شبابنا ،من �أجل حماية الأ�سرة من ال�ضياع والت�شرد. ان ع�صابات الرتويج لتجارة املخدرات،
والذين يعملون على تهريبها ،هم �أعداء الدين والوطن والأمة ،وال يقلون اثما وجرما عن الذين يتعاطونها ،فهم �شركاء يف اجلرمية ،انهم ي�سعون للك�سب احلرام والربح الوا�سع ال�سريع ،فه�ؤالء وامثالهم يبيعون دينهم بدنياهم ،اما امل�ستهلك فقد غلبه الغباء وغلفته البالدة ،فهو يبيع دينه ودنياه والعجب من ان�سان يعلم ويعمل لهدم وتلويث ان�سانيته ،وحتطيم بدنه واتالف �صحته ،وانفاق ماله يف ال�شر ،وت�شويه مركزه االجتماعي ،وتعري�ض نف�سه ملطاردة ال�شرطة ،وعقاب القانون ،ا�ضافة اىل �سخط اهلل وبغ�ض النا�س ،وازدراء املجتمع ،يف �سبيل قن�ص متعة �آنية ،وهو ال يكرتث مب�صري ا�سرته و�أوالده ،وان �سبب لهم االذى املادي والنف�سي. وال يخفى على عاقل ما ت�سببه املخدرات القاتلة ،من امرا�ض كال�سرطان ،واجناب اطفال م�شوهني ،وا�ضعاف للدورة الدموية، وت�صلب وان�سداد ال�شرايني ،وهما من اهم ا�سباب اال�صابة بجلطة القلب ،ومن ال�ضروري ان ننبه على ان واقع ال�شباب ال�صعب ،وما يعانونه من م�شكلتي الفقر
والبطالة ،ال ي�صح ان يقود هذه ال�شريحة اخلرية التي يعول عليها الوطن ويعقد االمال ،اىل اخلروج على قيم االمة الدينية واالخالقية وقوانينها ،او ابتكار الو�سائل واال�ساليب لالنحراف ،بهدف التكيف املزعوم مع الواقع ال�صعب الذي يعي�شونه ،وليعلم ال�شباب ان انهيار القيم ،و�ضياع االميان يقودان اىل االنحراف والدمار واالجرام. ان الواجب ال�شرعي واالدبي االخالقي، يفر�ض علينا ان نو�سع ونكثف حمالت التوعية الدينية وال�صحية والنف�سية، للتحذير من خطر املخدرات القريبة والبعيدة ،وان ي�شرتك البيت واملدر�سة واجلامعة ودور العبادة ووزارة ال�صحة، واجلمعيات اخلريية ،بالتعاون مع اجهزة الدولة امل�س�ؤولة يف احداث التغيري املجتمعي االيجابي عند �شبابنا ،واعتقد جازما ان دائرة مكافحة املخدرات تقوم بجهود جبارة ت�شكر عليها يف هذا املجال ،فكل واحد منا على ثغرة ،ال بد ان نحافظ على �سالمة املواطن، حماية لوطننا ،وجت�سيدا لتوجيهات قائد الوطن حفظه اهلل ورعاه. كلية ال�شريعة -اجلامعة الأردنية
د .جمدي �سعيد
كاتب وباحث -م�صر
حينما يبدأ اإلنسان حياته على األرض ،ال يبدأ تلك الحياة «صفحة بيضاء» كما يقول البعض، وإنما يبدأ صفحة زودت ببرنامج تشغيل تمتزج فيه استعدادات «الفطرة» التي فطر اهلل الناس عليها ،واستعدادات الوراثة القادمة مع الجينات
على طريق صناعة إنسان النهضة تتعدد على ال�ساحة العربية امل�ؤ�س�سات التي ت�ساهم يف �صياغة الإن�سان� ،أو �إعادة �صياغته يف املراحل املختلفة من حياته، من حلظة ميالده �إىل حلظة خفوت ن�شاطه االجتماعي �أو انتهائه ،لكن تظل تلك امل�ؤ�س�سات تعمل كجزر منعزلة� ،أو ك�أنها تعيد اخرتاع العجلة ما مل تتكامل اخلربات ،وترتاكم املعارف ،وتتحدد امل�سارات ،وحتى نعرف جمي ًعا الإجابة على ال�س�ؤال الأكرب� :أي �إن�سان نريد؟ ويف هذا املقال نحاول �أن ن�ضع خارطة طريق حلياة الإن�سان وجهود �صياغته على الطاولة حتى نعيد النظر والت�أمل فيها. الب�صمة ال�شخ�صية حينما يبد�أ الإن�سان حياته على الأر�ض، ال يبد�أ تلك احلياة "�صفحة بي�ضاء" كما
يقول البع�ض ،و�إمنا يبد�أ �صفحة زودت بربنامج ت�شغيل متتزج فيه ا�ستعدادات "الفطرة" التي فطر اهلل النا�س عليها، وا�ستعدادات الوراثة القادمة مع اجلينات. وبينما متر ال�ساعات والأيام ،يحدث التفاعل رويدًا رويدًا بني مركب الفطرة �أي الوراثة لدى الطفل من جهة ،ومركب ثقافة �أي �سلوكيات الأهل من جهة ثانية (البيئة االجتماعية �أي الثقافية للطفل) والتي يختلط فيها بدوره ُ املكون ال�شخ�صي للآباء والأمهات ،وهو مكون �أ�شبه بب�صمة الإ�صبع لدى كل �إن�سان ،والتي تتفق عنا�صرها ويختلف منتجها النهائي، وهو مكون يحمل ما يحمل من �إيجابيات و�سلبيات ،كما يختلط فيها املكون الثقايف �أي االجتماعي الرتاكمي للمحيط من
�أعراف وعادات وتقاليد للمجتمع خارجة عن عنا�صر منظومة؛ الطفل والأب والأم، تتبادل معها الت�أثري والت�أثر. ورويدًا رويدًا ينمو الطفل في�صري �صب ًّيا فمراه ًقا ف�شا ًّبا ي�أخذ من حميطه ويدع، يت�أثر ورمبا ي�ؤثر ،فتتكون فيه �شي ًئا ف�شي ًئا مالمح ب�صمة �شخ�صية خا�صة ب�أفكارها وت�صوراتها و�أخالقها و�سلوكها ونف�سيتها. وال يلبث ذلك ال�شباب �أن يدخل معرتك وزواجا وتفاعال احلياة درا�سة وعمال ً ثقاف ًّيا واجتماع ًّيا مع حميطه ،وحينما يرتبط ب�إن�سانة �أخرى جاءت بب�صمة �أخرى ،يبدءان م ًعا يف �إعادة �إنتاج العملية البيولوجية واالجتماعية والثقافية. هذا هو امل�سار الذي ي�سري فيه الإن�سان ح ًّيا متفاعال وديناميك ًّيا ،ولي�س م�سا ًرا
39
مقاالت
ال وسطية
�إ�ستاتيك ًّيا يقطعه كحجر �ألقي يف الفراغ، وخالل هذا امل�سار يختار �أو ال يختار يف بدايات حياته ،و�إمنا ين�ش�أ على �أن يدور يف مدار �أو مدارات من اهتماماته �أو من حميطه الأ�سري �أو االجتماعي الأو�سع، فيدور يف فلك نف�سه �أو �أ�سرته �أو �أ�صدقائه �أو جمتمعه ،ويف النهاية خط م�ساره وخطوط مداراته �إىل منتهى يف احلياة الدنيا بلحظة الوفاة ،وقد يكون الناجت النهائي لذلك امل�سار وتلك املدارات طي ًبا وناف ًعا و�صا ً وم�صلحا �أو غري ذلك. حلا ً الدائرة الأو�سع وخالل م�سار الإن�سان والذي يبد�ؤه كقطعة من ال�صل�صال ذات تركيب وخ�صائ�ص وا�ستعدادات كما قلنا ،ويبد�أ �أول ما يبد�أ الأهل يف ت�شكيل تلك القطعة و�إمنائها ،وذلك من وحي ما لديهم من �أفكار وت�صورات و�أخالق و�سلوكيات ،وما لديهم من مهارات اكت�سبوها بالتعلم من البيئة والتعلم� ،أو خالل الدرا�سة �أو غريها ،وهو ما ن�سميه بالرتبية ،وقد تقت�صر تلك العملية على الأب والأم يف الأ�سرة النووية ،وقد ي�شرتك فيها الأهل من الأ�سرة املمتدة و�أحيا ًنا اجلريان. ويف مرحلة تالية عندما يكرب الطفل مبا ي�سمح له باالختالط مع املحيط االجتماعي ،يت�صاعد تدخل الأ�صدقاء ورفقاء احلي واملعلمني والقادة الدينيني �أو االجتماعيني ،مع تداخل م�ؤثرات خارجية من ثقافة و�إعالم ،كل ذلك ي�ساهم يف ت�شكيل عقل ووجدان ذلك الإن�سان. كما ت�ساهم يف تلك املراحل التالية كل من العملية التعليمية والتدريب املنظم وغري املنظم (�إن وجد)� ،إ�ضافة للظروف الطبيعية واالقت�صادية وال�سيا�سية� ،أو ما يكون جممل عنا�صر البيئة مبا فيه من
40 خري و�شر �أو ظروف مناوئة �أو م�ساعدة يف ت�شكيل الإن�سان. ويف حياتنا العربية ،وعلى الرغم من كليات الرتبية ،و�أق�سام علم النف�س ،وعلوم االجتماع واخلدمة االجتماعية ،وعلوم الإدارة وغريها ،والتي ُتخرج الآالف من اخلريجني واملئات من الدرا�سات والبحوث التي ت�شرح الواقع النف�سي واالجتماعي والرتبوي للإن�سان العربي ،ف�إنه ال زال "الإن�سان" حمور تلك الدرا�سات� ،أو ما ميكن �أن ن�سميه باملنتج النهائي لعمليات �صناعة و�صياغة الإن�سان .ال زال ذلك املنتج ال يتمتع بال�سمات املطلوبة التي نرجوها ونرجو منها �أن ت�ساهم يف حتقيق الإ�صالح والنه�ضة. �سمات الإن�سان املن�شود ولعل �سبب تلك احلالة التي نحن فيها، هو تفكك �أو�صال �أجزاء عمليات ال�صياغة والتن�شئة ،وعدم وجود �إ�سرتاتيجية عامة متفق عليها لتلك ال�صياغة تبنى من النهاية للبداية ،وتنفذ من البداية للنهاية ،ونحن نحاول هنا� ،أن ن�ضع �سمات عامة للإن�سان املن�شود (نهاية العملية) حتى ن�ستطيع �أن نحدد �شكل التدخالت الرتبوية والتعليمية والتدريبية وتوجهاتها ،ون�صوغ الربامج واملناهج التي تنا�سبها .وميكننا �أن نق�سم تلك ال�سمات �إىل جمموعات.. جمموعة ال�سمات الفطرية :وهي التي تتجاوب مع فطرة الإن�سان ،وت�شمل.. • الوجدان احلر :حيث �إن �أ�صل خلقة الإن�سان باعتباره كائ ًنا مكل ًفا وم�س�ؤوال، �أن يكون حر الإرادة ،حر االختيار وهو نقي�ض وجدان العبد �أو امل�ستعبد للخوف الداخلي� ،أو امل�ستعبد للرغبات والأهواء وال�شهوات� ،أو امل�ستعبد لغريه من بني الإن�سان ،حتى ولو كان ذلك الغري هو الأب
�أو الأم .فالإن�سان احلر ،هو الإن�سان القادر على حمل �أمانة التكليف� ،سواء �أكان ذلك التكليف دين ًّيا �أم اجتماع ًّيا .والوجدان احلر ،هو الوجدان امل�ؤمن باهلل ،لأن الإميان باهلل يعني العبودية له -كقوة غيبية غري قاهرة للإن�سان قه ًرا ماد ًّيا يف اختياراته -يف مقابل التحرر من العبودية ملا �سواه ،وهو مقت�ضى قول القائل" :ال �إله �إال اهلل". • العقل املميز :وهي ال�سمة الثانية للإن�سان من حيث كونه �إن�سا ًنا ميتلك القدرة على التفكري املنطقي ال�سليم، ومن ثم قاد ًرا على القراءة ال�صحيحة للكون واحلياة والإن�سان ،وقاد ًرا من ثم على التفكري والتفكر والتدبر امل�ؤدي �إىل النتائج املنطقية .واحلفاظ على ذلك العقل املميز يرتبط بالرتبية من حيث كونها تربية ال تت�ضمن بث الأ�ساطري واخلرافات املذهبة للعقل وامل�ضيعة من ثم حلرية الوجدان ،كما يرتبط ب�سلوك الإن�سان الذي يربى على احلفاظ دائ ًما على عقله من �أن تغ�شاه غا�شيات الغيبة �أو التغييب مبخدر �أو م�سكر� ،سواء �أكان ذلك املخدر �أي امل�سكر املذهب للعقل ماد ًّيا �أو معنو ًّيا ،وينتهي العقل املميز بالإن�سان �إىل اكت�ساب احلكمة. جمموعة ال�سمات النف�سية واالجتماعية • النف�س ال�سوية :وهي النف�س اخلالية من الت�شوهات الناجتة عن عوامل طبيعية �أو اجتماعية تربوية ،وهي من ثم النف�س القادرة على قيادة الإن�سان بقوة �إىل �أداء وظائفه االجتماعية يف جميع �أدوار حياته بكفاءة وفاعلية. • الأخالق املتينة :وتنق�سم بدورها �إىل ق�سمني كبريين :الأخالق الإن�سانية العامة :من �أمانة و�صدق و�شجاعة
وعدل� ...إلخ .و�أخالق النه�ضة :كالنظام والنظافة واحرتام قيمة الوقت والعمل والتحلي بخلق ال�شورى واال�ست�شارة� ...إلخ. • ال�سلوكيات واملهارات االجتماعية املثمرة :وت�شمل قدرة الإن�سان على التوا�صل االجتماعي املتزن والتحلي ب�سمات الإن�سان املعمر: (هُ َو �أَ ْن َ�ش�أَ ُك ْم مِ َن الأَ ْر ِ�ض َو ْا�س َت ْع َم َر ُك ْم فِيهَا)(هود ،)61:وما يقت�ضيه ذلك من علوم ومعارف تك�سب الإن�سان القدرة على التفاعل الإيجابي مع حميطه الطبيعي واالجتماعي ،والتحلي ب�سمات الإن�سان امل�صلح: ( َومَا َكا َن َر ُّب َك ِل ُي ْهل َِك ا ْل ُق َرى ب ُِظ ْل ٍم َو�أَهْ ُلهَا م ُْ�صل ُِحو َن)(هود...)117: الإن�سان الذي يغر�س الف�سيلة ،ومينع خرق ال�سفينة ،الإن�سان الذي ي�سعى للحفاظ على التما�سك االجتماعي وتفعيله وا�ستثماره يف النه�ضة والعمران والإ�صالح. ما بني الواقع واملن�شود �إذا كان كل ما �سبق هو خطوط عري�ضة لل�سمات الإن�سانية املن�شودة متثل الأمل املن�شود� ،أو الر�ؤية التي ن�ضعها لعمليات �صياغة الإن�سان، ف�إن ما بينها وما بني واقع الإن�سان عامة والإن�سان العربي خا�صة، بون يت�سع وي�ضيق هنا �أو هناك ،فكيف نقرب الفجوة ما بني دائرة الواقع ودائرة املن�شود؟ • تكثيف درا�سات وبحوث الواقع احلي الديناميكي الذي نعي�شه، بتكثيف الدرا�سات النف�سية واالجتماعية والرتبوية. • �ضرورة �أن تنعك�س نتائج تلك الدرا�سات على الواقع ذاته يف �شكل برامج وقائية لإعداد وت�أهيل الآباء والأمهات واملربني ،واملعلمني والأخ�صائيني االجتماعيني ،وت�أهيل �أزواج امل�ستقبل وغريهم، وتدريب املدربني يف تلك املجاالت حتى ينت�شروا يف الأر�ض ليقوموا بتغطية جغرافيا الوطن ،وبرامج للعالج والتدريب واال�ست�شارات النف�سية واالجتماعية تت�سع لتغطي جغرافيا املو�ضوعات -م�شكالت �أو احتياجات -واملراحل ال�سنية املختلفة للإن�سان من الأطفال �إىل امل�سنني مرو ًرا باملراهقني. • �ضرورة �أن تكون قبلة كل تلك اجلهود هي �سمات الإن�سان املن�شود ،جذ ًبا للإن�سان من واقعه املرتدي املليء بامل�شكالت واالحتياجات النف�سية واالجتماعية والرتبوية. كما �أن احلياة هي دائرة ال تنتهي من الإنتاج و�إعادة الإنتاج، فكذلك ينبغي �أن تكون عمليات املقاربة تلك بني واقع الإن�سان والإن�سان املن�شود ،عملية دائمة ودائبة وديناميكية بالقدر الذي يتنا�سب مع التغري الدائم للزمان واملكان والأحوال والظروف واملالب�سات ،دواليك ما بني درا�سة وعمل وتقييم وا�ستجالء لردود الأفعال ف�إعادة للدرا�سة و�إعادة لت�صميم لربامج العمل وهكذا
رويدا ينمو الطفل فيصير صب ًّيا رويدا ً ً ً فمراهقا فشا ًّبا يأخذ من محيطه ويدع ،يتأثر وربما يؤثر ،فتتكون فيه شي ًئا فشي ًئا مالمح بصمة شخصية خاصة بأفكارها وتصوراتها وأخالقها وسلوكها ونفسيتها.
41
مقاالت
ال وسطية
42 �أ .د .اخل�شوعى اخل�شوعى حممد وكيل كلية �أ�صول الدين بجامعة الأزهر �سابق ًا
نجـاح األمـة ثمـرة لثقتهـا بمبادئها ات ر�ضي اهلل عنه َقا َلَ :ب ْي َنا َعنْ عَدِ ىِّ ْب ِن َح مِ ٍ �أَ َنا عِ ْن َد ال َّنب ِِّى �صلى اهلل عليه و�سلم �إِ ْذ �أَ َتا ُه َر ُج ٌل َف َ�ش َكا �إِ َل ْي ِه ا ْل َفا َق َة ُث َّم �أَ َتا ُه � َآخ ُر َف َ�ش َكا �إِ َل ْي ِه ري َة ال�سبِيلِ َف َقا َل َيا عَدِ ىُّ ه َْل َر�أَ ْيتَ الحْ ِ َ َق ْط َع َّ ُق ْلتُ لمَ ْ �أَ َرهَا َو َق ْد �أُ ْن ِب ْئتُ َع ْنهَا َقا َل َف ِ�إنْ َطا َلتْ ب َِك َح َيا ٌة َلترَ َ َينَّ َّ ري ِة الظعِي َن َة َت ْرتحَ ِ ُل مِ نْ الحْ ِ َ
وف بِا ْل َك ْع َب ِة ال َت َخ ُ َح َّتى َت ُط َ اف �أَ َحدًا �إِال اللهَّ َ َذهَبٍ �أَ ْو ف َّ ِ�ض ٍة َي ْط ُل ُب َمنْ َي ْق َب ُل ُه مِ ْن ُه َفال يَجِ ُد ُق ْلتُ فِي َما َب ْينِى َو َبينْ َ َن ْف�سِ ى َف�أَ ْي َن ُدعَّا ُر َط ِّيئٍ �أَ َحدًا َي ْق َب ُل ُه مِ ْن ُه َو َل َي ْلقَينَ َّ اللهَّ َ �أَ َح ُد ُك ْم َي ْو َم ا َّلذِ َ ين َق ْد َ�س َّع ُروا ا ْلبِال َد َو َلئِنْ َطا َلتْ ب َِك َي ْل َقا ُه َو َل ْي َ�س َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ُه َت ْر ُج َم ٌان ُيترَ ْ جِ ُم َل ُه َ َ َح َيا ٌة َل ُت ْف َت َحنَّ ُك ُنو ُز ك ِْ�س َرى ُق ْلتُ ك ِْ�س َرى ْب ِن َفلَ َي ُقو َلنَّ َل ُه �ألمَ ْ �أ ْب َعثْ �إِ َل ْي َك َر ُ�سوال َف ُي َب ِّل َغ َك ول َبلَى َف َي ُق ُ هُ ْر ُم َز َقا َل ك ِْ�س َرى ْب ِن هُ ْر ُم َز َو َلئِنْ َطا َلتْ َف َي ُق ُ ول �أَلمَ ْ �أُ ْعطِ َك مَاال َو�أُ ْف ِ�ض ْل ب َِك َح َيا ٌة َلترَ َ َينَّ ال َّر ُج َل ُيخْ ِر ُج مِ ْل َء َك ِّف ِه مِ نْ َعلَ ْي َك َف َي ُق ُ ول َبلَى َف َي ْن ُظ ُر َعنْ يمَ ِي ِن ِه َفال
َي َرى �إِال َج َه َّن َم َو َي ْن ُظ ُر َعنْ َي َ�سا ِر ِه َفال َي َرى ِ�إال َج َه َّن َم َقا َل عَدِ ىٌّ َ�سمِ ْعتُ ال َّنب َِّى �صلى اهلل عليه و�سلم َي ُق ُ ول ا َّت ُقوا ال َّنا َر َو َل ْو بِ�شِ َّق ِة تمَ ْ َر ٍة َف َمنْ لمَ ْ يَجِ ْد �شِ َّق َة تمَ ْ َر ٍة َف ِب َك ِل َم ٍة َطي َب ٍة َقا َل عَدِ ىٌّ َف َر�أَ ْيتُ َّ ري ِة َح َّتى الظعِي َن َة َت ْرتحَ ِ ُل مِ نْ الحْ ِ َ وف بِا ْل َك ْع َب ِة ال َت َخ ُ َت ُط َ اف �إِال اللهَّ َ َو ُكنْتُ فِي َمنْ ا ْف َت َت َح ُك ُنو َز ك ِْ�س َرى ْب ِن هُ ْر ُم َز َو َلئِنْ َطا َلتْ ِب ُك ْم َح َيا ٌة َلترَ َ ُو َّن مَا َقا َل ال َّنب ُِّى �أَ ُبو ا ْل َقا�سِ ِم �صلى اهلل عليه و�سلم ُيخْ ِر ُج مِ ْل َء َك ِّفهِ�( .أخرجه البخارى). على قدر �إميان امل�سلم بربه وثقته بوعد اهلل تعاىل لعباده ال�صاحلني الباذلني �أنف�سهم امل�ضحني ب�أموالهم وراحتهم فى �سبيل اهلل تعاىل فى الدنيا والآخرة يكون بذله وت�ضحيته حتى �إنه لريكب ال�صعاب وي�ستعذب العذاب �إن كان فى ذلك ر�ضا اهلل تعاىل ..لقد بذل ال�صحابة النف�س والنفي�س، و�ضحوا بالولد والوطن ،يرجون بذلك ر�ضا اهلل تعاىل واجلنة. �إن القوم بذلوا ما هم بحاجة ما�سة �إليه وقد �شهد اهلل تعاىل لهم بذلك وهو خري ال�شاهدين. للهَّ قال تعاىل�( :إِنمَّ َ ا ُن ْط ِع ُم ُك ْم ِل َو ْج ِه ا ِ اَل ُنرِي ُد مِ ْن ُك ْم َج َزا ًء َو اَل ُ�ش ُكو ًرا) (الإن�سان)9-8: قد يبذل الإن�سان من الفائ�ض عن حاجته ال�ضرورية ،وهذا �أمر ُيحمد لفاعله ،ويثاب عليه �إن �شاء اهلل تعاىل ،ولكن ملاذا بذل ال�صحابة ما هم بحاجة ما�سة �إليه؟ �أوال :حب ال�صحابة ال�صادق هلل تعاىل ولر�سوله لقد �أحب ال�صحابة ربهم تبارك وتعاىل ونبيهم حممد �صلى اهلل عليه و�سلم حباً �صادقاً فاق حبهم لأنف�سهم و�أبنائهم و�آبائهم وقد �شهد اهلل لهم بذلك وهو خري ال�شاهدين ،قال تعاىل( :ال تجَ ِ ُد َق ْوماً ُي�ؤْمِ ُنو َن بِاللهَّ ِ َوا ْل َي ْو ِم الآخِ ِر ُي َوادُّو َن َمنْ َحا َّد اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َو َل ْو َكا ُنوا �آ َباءَهُ ْم �أَ ْو �أَ ْب َناءَهُ ْم �أَ ْو ري َت ُه ْم ُ�أو َلئ َِك َك َت َب فِى ُق ُلو ِب ِه ُم ِ�إ ْخ َوا َن ُه ْم �أَ ْو عَ�شِ َ الأِميَا َن َو�أَيدَهُ ْم ِب ُرو ٍح مِ ْن ُه َو ُيدْخِ ُل ُه ْم َج َّناتٍ
تجَ ْ رِى مِ نْ تحَ ْ ِتهَا الأَ ْنهَا ُر َخالِدِ َ ين فِيهَا َر ِ�ض َى اللهَّ ُ َع ْن ُه ْم َو َر ُ�ضوا َع ْن ُه �أُو َلئ َِك حِ ْز ُب اللهَّ ِ �أَال �إِ َّن حِ ْز َب اللهَّ ِ هُ ُم المْ ُ ْفل ُِحو َن) (املجادلة..)22 : وهذا احلب ثمرة ملعرفة اهلل تعاىل. ثانياً :ثقة ال�صحابة املطلقة بوعد اهلل تعاىل كان ال�صحابة على ثقة بوعد اهلل تعاىل لهم �أكرث من ثقتهم مبا فى �أيديهم فكانوا على يقني بوعد اهلل تعاىل لهم باجلنة و�أنه �سيمكن لهم فى الدنيا ويجعلهم �سادة �أعزة مع قلة عددهم و�ضعف �إمكاناتهم املادية التى ال تكاد تذكر لأنهم كانوا على يقني من �أنهم فى معية اهلل تعاىل ،ومن كان فى معية اهلل تعاىل فلن يقوى عليه �أحد مهما كان عدده وعدته ،فهم ال يواجهون عدوهم بقدرتهم املحدودة وعددهم القليل و�إمكاناتهم التى ال تكاد تذكر بل يواجهون ذلك كله باعتمادهم على اهلل تعاىل الغالب على �أمره. كان ال�صحابة على يقني من قوله تعاىل: ا�س ال ( َواللهَّ ُ َغال ٌِب َعلَى �أَ ْم ِر ِه َو َلكِنَّ �أَكْثرَ َ ال َّن ِ َي ْعلَ ُمو َن) (يو�سف )21:وبقوله تعاىل�( :إِ َّن َر َّب َك َف َّع ٌال لمِ َا ُيرِيدُ) (هود )107 :وبقوله تعاىل�( :إِ َّن اللهَّ َ ُيدَا ِف ُع عَن ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا) (احلج.)38: فهذه الآيات وغريها فى بابها لي�ست فوا�صل قر�آنية ولكنها قوانني حاكمة مطردة ،فمتى حقق امل�سلمون �شرط اهلل تعاىل فالتزموا منهجه وبذلوا ما فى و�سعهم لن�صرة دينه ن�صرهم اهلل تعاىل ،ومكن لهم فى الأر�ض، بغ�ض النظر عن عددهم وعدتهم. ولقد �أمن اهلل تعاىل امل�سلمني ت�أمينا ال حد له و�ضمن لهم الن�صر والتمكني لأن الذى �سيتوىل ن�صرهم �إمنا هو اهلل تعاىل� ،صاحب القدرة املطلقة ،والإرادة املطلقة ،فاهلل وليهم ونا�صرهم ،ومن كان اهلل وليه فلن يقوى عليه �أحد على الإطالق. قال اهلل تعاىلَ ( :و َقا ِت ُلوهُ م َح َّتى ال َت ُكو َن ِّين ُك ُّل ُه للِهَّ ِ َف�إِن ان َت َه ْوا َف�إِ َّن اللهَّ َ ِف ْت َن ٌة َو َي ُكو َن الد ُ ري َو ِ�إن َت َو َّل ْوا َف ْاعلَ ُموا �أَ َّن اللهَّ َ بمِ َا َي ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ ري) َم ْوال ُكم ِن ْع َم المْ َ ْولىَ َو ِن ْع َم ال َّن ِ�ص ُ
(الأنفال.)40-39 : وهذا وعد اهلل الذى ال يتخلف �أبدا بحال من الأحوال ما وفى امل�سلمون هلل ببيعته فوالوا اهلل تعاىل ،و�أقاموا منهجه ،ون�صروا دينه ،واعت�صموا به تعاىل. ُ قال اهلل تعاىلَ ( :و َع َد اللهَّ ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا مِ ْن ُكم ال�صالحِ َ اتِ َل َي ْ�ستَخْ ِل َف َّنهُم فِى الأَ ْر ِ�ض َوعَمِ ُلوا َّ َك َما ْا�ستَخْ لَ َف ا َّلذِ َ ين مِ ن َق ْب ِلهِم َو َل ُي َمكِّننَ َّ َلهُم دِي َنهُم ا َّلذِ ى ا ْر َت َ�ضى َلهُم َو َل ُي َب ِّد َل َّنهُم مِ ن َب ْعدِ َخ ْو ِفهِم �أَ ْمناً َي ْع ُبدُو َننِى ال ُي ْ�ش ِر ُكو َن بِى َ�ش ْيئاً َومَن َك َف َر َب ْع َد َذل َِك َف�أُ ْو َلئ َِك هُ م ا ْل َفا�سِ ُقو َن) (النور.)55 : ثالثاً :ثقة ال�صحابة املطلقة بنبيهم لقد كان ال�صحابة ر�ضى اهلل عنهم يثقون بنبيهم ومبا وعدهم به وذلك للآتى: �أ -اجتماع الكماالت الب�شرية فى �شخ�ص الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم لقد اجتمع فى �شخ�ص الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم كل الكماالت الب�شرية فى �أعلى و�أرقى �صورها حتى عرف وا�شتهر بني كل من يعرفه وعلى ر�أ�س ذلك �أنه عرف بال�صدق حتى لقب بال�صادق الأمني قبل �أن يبعث ف�إذا �أخرب من يعرفونه بخرب �صدقوه. ب -القدوة العملية كان النبى �صلى اهلل عليه و�سلم قدوة عملية لأ�صحابه ف�ألزم نف�سه باملنهج الذى دعا �إليه فلم يخالف عمله قوله بل �صدق عمله قوله ،فكان �صلى اهلل عليه و�سلم �إذا �أمر �أ�صحابه ب�أمر كان �أول امل�ؤمترين به و�إذا نهاهم عن �أمر كان �أول املنتهني عنه و�إذا كلفهم ب�أمر حتمل �أ�شق ما فيه و�إذا نزلت بامل�سلمني نازلة �أوحلت بهم �أزمة فجاعوا وربط الرجل على بطنه حجراً رئي النبى �صلى اهلل عليه من �شدة اجلوع َ و�سلم وقد ربط على بطنه ثالثة �أحجار؛ لأنه �أكرثهم جوعاً فلم ي�ست�أثر لنف�سه ب�شىء دون �أ�صحابه ..لقد حول النبى �صلى اهلل عليه و�سلم الإ�سالم من منهج نظرى �إىل منهج عملى ،وهذا من �أدلة �صدقه �صلى اهلل عليه و�سلم لأن الإن�سان �إن كذب على النا�س
43
مقاالت
ال وسطية
وغرر بهم فلن يكذب على نف�سه ..فلما �صدَّق فعله �صلى اهلل عليه و�سلم قوله فبادر �إىل �إلزام نف�سه مبا يقول مل يجد املن�صف املتجرد من الهوى واملوروثات العقدية �إال �أن ي�صدقه وي�ؤمن به ويتابعه. لقد ا�ستمد النبى �صلى اهلل عليه و�سلم ثقة �أ�صحابه املطلقة الذين �آمنوا به من واقعه العملى قبل الر�سالة وت�أييد اهلل له باملعجزات احل�سية والعقلية وحبه لأ�صحابه وحر�صه عليهم حتى �إن كل واحد منهم كان يظن �أنه �أقرب النا�س �إىل قلبه �صلى اهلل عليه و�سلم. وقد ا�ستدل نبى اهلل �صالح -عليه ال�سالم- على �صدقه بالتزامه باملنهج الذى يدعو النا�س �إليه ،قال تعاىل حاكيا ما قاله نبى اهلل �صالحَ ( :ومَا �أُرِي ُد �أَن �أُ َخا ِل َف ُكم �إِلىَ مَا �أَ ْنهَا ُكم َع ْن ُه �إِن �أُرِي ُد �إِ َّال الإِ ْ�صال َح مَا ْا�س َت َط ْعتُ ِيب) َومَا َت ْوفِيقِى �إِ َّال بِاللهَّ ِ َعلَ ْي ِه َت َو َّك ْلتُ َو�إِ َل ْي ِه �أُن ُ (هود ..)88 :فاقتدى به �صلى اهلل عليه و�سلم �أ�صحابه لأن الإن�سان يخ�شى عاقبة تطبيق املناهج النظرية وما ت�سفر عنه من نتائج قد ي�شقى بها وتعنته ،ف�إذا ما طبق املنهج النظرى ور�أى النا�س ثماره الطيبة �سهل عليهم االلتزام به. هذه الثقة املطلقة هى التى جعلت ال�صحابة ت�صدقه �صلى اهلل عليه و�سلم فى كل ما يقول ويبلغهم حتى ولو كان الأمر م�ستبعدا عقال، لأنهم تعاملوا معه على �أنه ر�سول مر�سل من رب العاملني ال يتكلم وال يعمل بقدرته الذاتية بل بقدرة من �أر�سله. عن عائ�شة -ر�ضى اهلل عنها -قالت ملا �أ�سرى بالنبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل امل�سجد الأق�صى �أ�صبح يتحدث النا�س بذلك فارتد نا�س ممن كانوا �آمنوا به و�صدقوه و�سعوا بذلك �إىل �أبى بكر ر�ضى اهلل عنه فقالوا هل لك �إىل �صاحبك يزعم �أنه �أ�سرى به الليلة �إىل بيت املقد�س؟ قال� :أوقال ذلك؟ قالوا: نعم ،قال :لئن كان قال ذلك لقد �صدق، قالوا� :أوت�صدقه �أنه ذهب الليلة �إىل بيت
44 املقد�س وجاء قبل �أن ي�صبح ،قال :نعم �إنى لأ�صدقه فيما هو �أبعد من ذلك �أ�صدقه بخرب ال�سماء فى غدوة �أو روحة .فلذلك �سمى �أبو بكر بال�صديق( .رواه احلاكم و�صححه). هذه الثقة جعلت ال�صحابة ي�ستقبلون كالمه ا�ستقبال من يعلم علم اليقني �أن �صالحهم فى الدنيا وفالحهم فى الآخرة مرتبط بطاعته �صلى اهلل عليه و�سلم وحتويل كالمه �صلى اهلل عليه و�سلم من كالم نظرى �إىل عمل و�سلوك و�إن كلفهم ذلك النف�س والولد واملال. لذلك ا�ستقبل ال�صحابة القر�آن الكرمي وال�سنة املطهرة ا�ستقبال الواثق من �صدق القر�آن الكرمي وال�سنة ،و�أن وعد اهلل ووعيده �آت ال ريب فى ذلك ،فكانوا يعلمون �صدق الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم كما يعلمون �أن دون الغد الليلة. لقد حتولت الق�ضايا العقدية النظرية فى حياة ال�صحابة �إىل واقع م�شاهد �شاهدوه بب�صائرهم و�إن مل ي�شهدوه ب�أب�صارهم لثقتهم املطلقة بالر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ومبا يقول ويفعل ويعد ..ففى حديث �أَ َن ِ�س ْب ِن مَال ٍِك -ر�ضى اهلل عنه -عن غزوة بدر� -أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم َقا َل لأ�صحابه :ال ُي َق ِّد َمنَّ �أَ َح ٌد مِ ْن ُك ْم ِ�إلىَ َ�ش ْى ٍء َح َّتى �أَ ُكو َن �أَ َنا دُو َن ُه َف َد َنا المْ ُ ْ�ش ِر ُكو َن َف َقا َل َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم ُقومُوا ال�س َم َو ُات َوالأ ْر ُ �ض َقا َل �إِلىَ َج َّن ٍة َع ْر ُ�ضهَا َّ َي ُق ُ ول ُعمَيرْ ُ ْب ُن الحْ ُ َما ِم الأ ْن َ�صارِىُّ َيا َر ُ�سو َل ال�س َم َو ُات َوالأَ ْر ُ �ض َقا َل َن َع ْم اللهَّ ِ َج َّن ٌة َع ْر ُ�ضهَا َّ َقا َل َب ٍخ َب ٍخ َف َقا َل َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم مَا َي ْحمِ ُل َك َعلَى َق ْول َِك َب ٍخ َب ٍخ َقا َل ال َواللهَّ ِ َيا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ �إِال َر َجا َء َة �أَنْ �أَ ُكو َن مِ نْ �أَهْ ِلهَا َقا َل َف ِ�إ َّن َك مِ نْ �أَهْ ِلهَا َف�أَ ْخ َر َج تمَ َ َراتٍ مِ نْ َق َر ِن ِه َف َج َع َل َي�أْ ُك ُل مِ ْن ُهنَّ ُث َّم َقا َل َلئِنْ �أَ َنا َحيِيتُ َح َّتى �آ ُك َل تمَ َ َراتِى هَذِ ِه ِ�إ َّنهَا لحَ َ َيا ٌة َطوِيلَ ٌة َقا َل َف َرمَى بمِ َا َكا َن َم َع ُه مِ نْ ال َّت ْم ِر ُث َّم َقا َتلَ ُه ْم َح َّتى ُق ِت َل�( .أخرجه م�سلم).
والذى نخل�ص �إليه مما �سبق: -1يجب على امل�سلمني �أن يجددوا ثقتهم بوعد اهلل تعاىل ،و�أن يعلموا �أن قدرة اهلل تعاىل مطلقة ،و�أن اهلل تعاىل ال يعجزه �شىء فى الأر�ض وال فى ال�سماء ،و�أن الكون مبا فيه فى قب�ضته تعاىل ،مقهور هلل تعاىل، يفعل بخلقه ما ي�شاء ،ال معقب حلكمه ،وال راد لق�ضائه. .1قال تعاىل( :اللهَّ ُ ا َّلذِ ى َخلَ َق َ�س ْب َع َ�س َما َواتٍ َومِ ن الأَ ْر ِ�ض مِ ْثلَ ُهنَّ َي َت َن َّز ُل الأَ ْم ُر َب ْي َن ُهنَّ ِل َت ْعلَ ُموا �أَ َّن اللهَّ َ َعلَى ُك ِّل َ�ش ْى ٍء َقدِ ي ٌر َو�أَ َّن اللهَّ َ َقد �أَ َح َ اط ِب ُك ِّل َ�ش ْى ٍء عِ ْلماً) (الطالق)12 : -2يجب على امل�سلمني �أن يوقنوا ب�أن الن�صر ف�ضل من اهلل تعاىل ،مينت به على عباده الذين �أطاعوه و�أقاموا منهجه ،فا�ستحقوا �أن ميكن لهم فى الأر�ض ،و�أن ي�ؤمتنوا على �أهل الأر�ض ..قال اهلل تعاىلَ ( :و ُنرِي ُد �أَن نمَ ُنَّ َعلَى ا َّلذِ َ ين ْا�س ُت ْ�ض ِع ُفوا فِى الأَ ْر ِ�ض َونجَ ْ َعلَهُم �أَ ِئ َّم ًة َونجَ ْ َعلَهُم ا ْل َوا ِر ِث َ ني َونمُ َ ِّك َن َلهُم فِى الأَ ْر ِ�ض َو ُنرِى ِف ْر َع ْو َن َوهَامَا َن َو ُج ُنودَهُ َما مِ ْنهُم مَا َكا ُنوا َي ْح َذ ُرو َن) (الق�ص�ص)6-5 : -3يجب على امل�سلمني �أن ي�شغلوا �أنف�سهم بتح�صيل �أ�سباب الن�صر التى �أمرهم اهلل بها ليكونوا �أه ً ال لتنزل ن�صر اهلل عليهم. ن�ص َر َّن اللهَّ ُ مَن .2قال اهلل تعاىلَ ( :و َل َي ُ ن�ص ُر ُه ِ�إ َّن اللهَّ َ َل َقوِىٌّ َعزِي ٌز ا َّلذِ َ ين ِ�إن َم َّك َّناهُ م َي ُ ال�صال َة َو�آ َت ْوا ال َّز َكا َة فِى الأَ ْر ِ�ض �أَ َقامُوا َّ وف َو َن َه ْوا عَن المْ ُ ْن َك ِر َوللِهَّ ِ عَا ِق َب ُة َو�أَ َم ُروا ِبالمْ َ ْع ُر ِ الأُمُورِ) (احلج ..)41-40 :وقال تعاىل: ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا �إِ َذا َلقِي ُتم ِف َئ ًة َفا ْث ُب ُتوا َوا ْذ ُك ُروا اللهَّ َ َكثِرياً َل َع َّل ُكم ُت ْفل ُِحو َن َو�أَطِ ي ُعوا اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َوال َت َنا َزعُوا َف َت ْف َ�ش ُلوا َو َت ْذه ََب ال�صا ِبر َ ِين) ا�صبرِ ُ وا �إِ َّن اللهَّ َ َم َع َّ ر ُ ِيح ُكم َو ْ (الأنفال)46-45 : .3فهذا خطاب للم�ؤمنني فى �أى زمان متى حققوا �شرط اهلل تعاىل ا�ستحقوا الن�صر والتمكني ،ويالحظ �أن ال�صحابة قر�أوا قوله تعاىل« :وعد اهلل الذين �آمنوا منكم»
وقر�أها من بعد ال�صحابة ونقر�ؤها ويقر�ؤها امل�سلمون (منكم) �إىل �أن تقوم ال�ساعة. -4يجب على امل�سلمني �أن ال ي�شغلوا �أنف�سهم بقوة عدوهم حتى ال ي�صابوا بالإحباط والي�أ�س واحلرية التى ت�ؤدى بهم �إىل مواالة �أ�صحاب العدد والعتاد ،يطلبون منهم العزة وال�سيادة ،متنا�سني اهلل عز وجل ،ف�إن ذلك لن يزيدهم �إال ذال وخ�سرانا ،ولن حتل م�شاكلهم بل تزداد تعقيدا ..قال تعاىل: ني ِب�أَ َّن َلهُم َع َذاباً �أَلِيماً ا َّلذِ َ ( َب ِّ�شر المْ ُ َنا ِف ِق َ ين َي َّتخِ ُذو َن ا ْل َكا ِفر َ ِين �أَ ْو ِل َيا َء مِ ن دُونِ المْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني للِهَّ �أَ َي ْب َت ُغو َن عِ ْندَهُ م ا ْل ِع َّز َة َف ِ�إ َّن ا ْل ِع َّز َة ِ َجمِ يعاً) (الن�ساء.)139-138 : -5يجب على امل�سلمني �أن يخرجوا من دائرة التواكل والتكا�سل فيعملوا جاهدين لتح�صيل �أ�سباب الن�صر و�أن يتعرفوا على �سنن اهلل تعاىل مع خلقه فاهلل ال ين�صر املتواكلني املتكا�سلني الذين �ضنوا مبا فى �أيديهم من �أ�سباب الن�صر فعلى امل�سلمني �أن يبذلوا كل ما فى �أيديهم من �أ�سباب الن�صر ف�إن ا�ستفرغوا جهدهم وبذلوا كل ما فى و�سعهم ف�إن اهلل �سيجرب ك�سرهم ويتوىل �أمرهم وي�سدد عجزهم وين�صرهم. .4قال تعاىلَ ( :و�أَعِ دُّ وا َلهُم مَا ْا�س َت َط ْع ُتم مِ ن اط الخْ َ ْيلِ ُت ْرهِ ُبو َن ِب ِه َع ُد َّو اللهَّ ِ ُق َّو ٍة َومِ ن ِر َب ِ ِين مِ ن دُو ِنهِم ال َت ْعلَ ُمو َنهُم اللهَّ ُ َو َع ُد َّو ُكم َو� َآخر َ َي ْعلَ ُمهُم َومَا ُتن ِف ُقوا مِ ن َ�ش ْى ٍء فِى َ�سبِيلِ اللهَّ ِ ُي َو َّف �إِ َل ْي ُكم َو�أَ ْن ُتم ال ُت ْظلَ ُمو َن) (الأنفال)60 : .5ف�أمر اهلل تعاىل امل�سلمني �أن يبذلوا ما بو�سعهم و�أال يدخروا جهدا ومل ي�أمرهم �أن يعدوا للكافرين مثل عدتهم ،فقد ر�أينا �أن الن�صر مل ي�أت للم�سلمني فى غزوة الأحزاب �إال بعد �أن حفروا اخلندق الذى ا�ستغرق منهم وقتا وجهدا كبريين و�أتاهم الن�صر بعد خم�سة ع�شر يوما �أو �أكرث من حفر اخلندق، بعد �أن �أرهق امل�سلمون وكان من املمكن �أن ي�أتى الن�صر قبل ذلك ولكنها �سنة اهلل مع خلقه التى ال ت�ضطرب على مر الزمان ،ال
ين�صر اهلل �إال من دفع ثمن الن�صر ،ويالحظ �أن امل�سلمني لو تركهم اهلل لقدرتهم املادية ما انت�صروا فى �أى موقعة من املواقع. -6يجب على امل�سلمني �أن يعملوا جاهدين على ا�ستقاللهم عن غريهم فى �أمورهم ال�ضرورية ،فعليهم �أن يعتمدوا على اهلل تعاىل ثم على �أنف�سهم فى حتقيق �أمورهم ال�ضرورية من مطعم وملب�س ودواء و�سالح وغري ذلك ،فعدوهم لن ميد لهم يد العون �أبدا بحال من الأحوال ،ولن يعطيهم ال�سالح الذى يحاربون به وينت�صرون به على عدوهم الذى هو حليفه �إن مل يكن يدين بدينه، فالكفر كله ملة واحدة. عجبت لأمة تطلب �أ�سباب ن�صرها من
عجبت ألمة تطلب أسباب نصرها من عدوها الذى يخطط إلبادتها ،وتعتمد عليه فى أمورها الضرورية، فأين العقول؟ عدوها الذى يخطط لإبادتها ،وتعتمد عليه فى �أمورها ال�ضرورية ،ف�أين العقول؟ وماذا ينتظر ممن تلك حاله �إال الإبادة �أو يرتد عن دينه ليكون على ملة عدوه ويكون م�صريه �إىل جهنم وبئ�س القرار؟ وهذا هدف ي�سعى �إليه الكافرون -ال مكنهم اهلل من ذلك. والناظر �إىل امل�سلمني مبكة قبل الهجرة هل كان يظن �أن فرجا �سوف يتحقق وامل�سلمون يعذبون حتى مات منهم من مات حتت وط�أة التعذيب؟ فهذا يا�سر يعذب حتى لفظ �أنفا�سه �شهيدا ،وهذه �سمية تقتل ،وهذا بالل ُيج ُّر فى �صحراء مكة فى وقت الظهرية وما �أدراك ما �صحراء مكة ،ويحا�صر امل�سلمون
فى �شعب �أبى طالب ثالث �سنوات حتى �أكلوا ورق ال�شجر �إن وجدوه� ..،إىل غري ذلك من و�سائل اال�ضطهاد ،وقد ا�ستمر ذلك ثالث ع�شرة �سنة والأمور تنتقل من �سيئ �إىل �أ�سو�أ ،وما كان ُيرى فى الأفق القريب �أو البعيد ب�صي�ص �أمل فى ن�صر �أو متكني ،هل كان يحلم �أحد بخال�ص له�ؤالء املعذبني امل�ضطهدين ،ف�ضال عن �أن ينتظر ن�صرا �أو متكينا؟ �إن هذه الفرتة الزمنية لطويلة جدا ،خا�صة �إذا كان الإن�سان يعانى الظلم واال�ضطهاد والتجويع �إىل غري ذلك ،وال يجد له ن�صريا وال معينا ،و�أى ظلم هذا و�أى عذاب هذا الذى كان يعانيه النبى �صلى اهلل عليه و�سلم و�أ�صحابه؟ ولقد حتقق ما وعد به ال�صادق امل�صدوق الذى ال ينطق عن الهوى� -صلى اهلل عليه و�سلم� -أ�صحابه وهم فى غاية اال�ست�ضعاف حتى �إنهم ال ي�ستطيعون الدفاع عن �أنف�سهم، فبانت�شار الإ�سالم عم الأمن والأمان. فلما هاجر امل�سلمون من مكة املكرمة �إىل املدينة املنورة تكالبت عليهم الدنيا كلها- �أهل الكتاب من اليهود والن�صارى وامل�شركون واملنافقون -و�صار من الواجب على امل�سلمني �أن يردوا املعتدين عليهم مع �ضعف �إمكانات امل�سلمني التى ال تكاد تذكر� ،إال �أن ثقة امل�سلمني باهلل تعاىل مل تهتز ومل ت�ضعف، بل ظلوا ثابتني على احلق الذى يدينون به. فامل�سلم احلق ال تهزم له �إرادة لأنه فى معية اهلل تعاىل. فهل كان �أحد ينتظر �أن ي�صمد امل�سلمون �ضد ه�ؤالء جميعا ،ف�ضال عن �أن ينت�صروا، و�أن تهب ن�سمات التوحيد ونور الإميان وعدل الإ�سالم على الدنيا كلها ،وت�سمع الدنيا كلها القر�آن الذى جاء به نبينا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ،وال يتوقف الأذان حلظة واحدة بال�شهادة هلل تعاىل بالوحدانية ولنبيه حممد �صلى اهلل عليه و�سلم بالر�سالة؟
45
مقاالت
ال وسطية
46 َّ إن التعارف أساس دعا إليه القرآن ،وضرورة أملتها ظروف المشاركة في الدار أو الوطن بالتعبير العصري ،وإعمال لروح اإلسالم ،فالروابط االجتماعية بين البشر كثيرة -الرابطة العائلية ،الرابطة القومية ،رابطة اإلقامة (الوطن) ،رابطة َّ فإن المصلحة ،الرابطة اإلسالمية ،الرابطة اإلنسانية -ولذلن حياة الناس ال تقوم بغير تعايش وتسامح وتعاون
الحالة الدينية األردنية ..رسالة إنسانية و تعايش حضاري
الدكتور يا�سني املقو�سي كلية العلوم والرتبية جامعة العلوم الإ�سالمية العاملية
�إ َّن الإ�سالم ر�سالة لإ�صالح املجتمعات، و�سيا�سة الدول ،وبناء الأمم ،ونه�ضة ال�شعوب، وجتديد احلياة ،كما �أنه عقيدة و�شريعة، ودعوة ودولة ،فغاية الدعوة الإ�سالمية هي الو�صول �إىل املُثل العليا والوجه الأ�سمى لتطبيق الدين يف واقع النا�س ،ولأ َّن احلياة يعرتيها تغري م�ستمر ،وتقلبات دائمة، لذلك ي�أبى الإ�سالم االنف�صال عن الع�صر، فهو الدين امللت�صق بالواقع �إ�صالحاً دعوياً باحلكمة واملوعظة احل�سنة ال تعزل امل�سلمني عن الآخرين ،فالإ�سالم دين تبدت قدرته على التعاي�ش مع كل اجلماعات الب�شرية على م ّر الدهور والأماكن.
�إ َّن وحدة الأ�صل الإن�ساين والكرامة الآدمية �أ�صل من �أ�صول ديننا {{ َيا �أَ ُّيهَا ا�س �إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ َذ َكرٍ َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ال َّن ُ اللَ ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا ِ�إ َّن َ�أ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد ِهّ �أَ ْت َقا ُك ْم }} (�سورة احلجرات ،)13 :وقوله تعاىلَ {{ :و َل َق ْد َك َّر ْم َنا َبنِي �آ َد َم َو َح َم ْل َناهُ ْم فيِ ا ْلبرَ ِّ َوا ْل َب ْح ِر َو َر َز ْق َناهُ ْم مِ َن َّ الط ِّي َباتِ }} (�سورة الإ�سراء )70 :فالنا�س �أكرمهم عند اهلل �أتقاهم� ،أبوهم واحد و�أ�صلهم من تراب ،والرابطة الإن�سانية بينهم قائمة �شاءوا �أم �أبو ،هذه الرابطة ترتتب عليها واجبات �شرعية ،ن�سميها اليوم حقوق وواجبات املواطنة.
�إ َّن التعارف �أ�سا�س دعا �إليه القر�آن ،و�ضرورة �أملتها ظروف امل�شاركة يف الدار �أو الوطن بالتعبري الع�صري ،و�إعمال لروح الإ�سالم، فالروابط االجتماعية بني الب�شر كثرية - الرابطة العائلية ،الرابطة القومية ،رابطة الإقامة (الوطن) ،رابطة امل�صلحة ،الرابطة الإ�سالمية ،الرابطة الإن�سانية -ولذلن ف�إ َّن حياة النا�س ال تقوم بغري تعاي�ش وت�سامح وتعاون ،وقد حد ّد اهلل تعاىل �أ�سا�س هذا التعاي�ش بقوله{{ :ال َي ْنهَا ُك ُم هَّ ُ الل ع َِن ا َّلذِ َ ّين َولمَ ْ ُي ْخر ُِجو ُك ْم ين لمَ ْ ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ ِ الد ِ مِ نْ ِد َيا ِر ُك ْم �أَنْ َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا �إِ َل ْي ِه ْم ِ�إ َّن هَّ َ الل يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ ني}}(�سورة املمتحنة.)8 : �إ َّن املنظومة القيمية الإ�سالمية �أقامت عالقة امل�سلم مع غريه على وحدة الأ�صل الإن�ساين ،ومنطلق التكرمي الإلهي للإن�سان ،و�إحياء مبد�أ التعارف ،وتعميق الأخوة الإن�سانية ،والتعامل بالرب والعدل مع الآخر ،واملجادلة بالتي هي �أح�سن، والعمل على �إيجاد القوا�سم امل�شرتكة بني املكونات احل�ضارية ،وت�أكيد االلتزام الوا�ضح باحلرية وحقوق الإن�سان ،وم�شروعية اخلالف الفكري والتعددية الثقافية، والدفاع عن ذلك كله بو�صفه �أ�سا�ساً من مبادئ الإ�سالم. �إ َّن ال�صورة الأردنية يف العي�ش امل�شرتك هي �إنعكا�س لل�صورة الإ�سالمية ،وثمرة من ثمرات النهج الها�شمي يف احلكم والقيادة، القائم على تر�سيخ امل�ساواة بني مواطني الدولة ،ب�صرف النظر عن دينهم �أو جن�سهم، �أو �أ�صلهم ،وفق منظومة ح�ضارية ر�سخت قيم املواطنة والعدالة ومباديء الو�سطية واالعتدال ،والعدل والت�سامح مع مواطنيها جميعاً على اختالف �أ�صولهم و�أديانهم، ف�آمنت ب�أ َّن امل�سيحيني هم مكون �أ�صيل من مكونات الدولة والأمة ولي�س ك�أقلية، و�أدركت الدور املهم للعرب امل�سيحيني على
�صعيد التحديث ومواكبة الع�صر وبناء الدولة الأردنية عرب تاريخ الن�شوء والتطور. �إ َّن ر�سالة الأردن ر�سالة حمبة وت�سامح، وجهود جاللة امللك حفظه اهلل و�سعيه املو�صول ر�سالة لكل الأردنيني لتج�سيد معاين الوئام والت�آخي والت�سامح واحلوار بني �أتباع الديانات ،ورعاية املقد�سات الإ�سالمية وامل�سيحية والأماكن الدينية يف القد�س ،وتعبري �إن�ساين عن �إرث �أردين يفخر به الأردنيون ،و ُي�شكل �أمنوذجاً رائعاً يعك�س ال�صورة الإن�سانية الأردنية القائمة على احرتام الإن�سان ومعتقداته كثوابت دينية ووطنية. �سجلت احلالة الأردنية يف التعاي�ش وقد َّ والت�آخي �إمتداداً للإرث احل�ضاري الإ�سالمية ،التي ا�ستوعبت احل�ضارات الإن�سانية لبناء م�شروع ح�ضاري م�ؤمن بالتكامل بعيداً عن �صور ال�صراع احل�ضاري.. فمنذ قيام الدولة الأردنية� ،شكلت مفاهيم االعتدال والو�سطية والوحدة الوطنية ،ركناً �أ�سا�سياً من ر�سالتها ،كما �أكد د�ستور الدولة، "�أ َّن الأردنيني مت�ساوون �أمام القانون بغ�ض النظر عن الأ�صل �أو العِرق �أو اللون �أو الدين" .فالإ�سالم –وهو دين الدولة -هو دين الو�سطية واالعتدال والت�سامح ،وهو �أبعد ما يكون عن التطرف والتع�صب �ضد الآخر كائناً من كان. �إ َّن ر�سالة ع َّمان هي امتداد لر�سالة الإ�سالم ال�سمحة ،وعهد النبوة اخلالدة التي ترجمت "ال ّر�سالة ال�سمحة التي �أوحى بها الباري ج ّلت قدرته للنبي الأمني حممد �صلوات اهلل و�سالمه عليه ،وحملها خلفا�ؤه و�آل بيته من بعده عنوان �أخ ّوة �إن�سان ّية وديناً ي�ستوعب الن�شاط الإن�ساين كله ،وي�صدع باحلق وي�أمر باملعروف وينهى عن املنكر، ويك ّرم الإن�سان ،ويقبل الآخر ،لبناء جمتمع
�إن�ساين ت�ستظ ّل الب�شرية يف �صفاء مبادئها ونقاء قيمها وف�ضائل م�ضامينها"( .ر�سالة ع ّمان) "وقد تبنت اململكة الأردن ّية الها�شم ّية نهجاً يحر�ص على �إبراز ال�صورة احلقيق ّية امل�شرقة للإ�سالم ووقف التجني عليه ورد الهجمات عنه ،بحكم امل�س�ؤول ّية الروح ّية والتاريخ ّية املوروثة التي حتملها قيادتها الها�شم ّية ب�شرع ّية مو�صولة بامل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم� ،صاحب ال ّر�سالة، ويتم ّثل هذا النهج يف اجلهود احلثيثة التي بذلها جاللة املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل امللك احل�سني بن طالل ط ّيب اهلل ثراه على مدى خم�سة عقود ،ووا�صلها ،من بعده، بعزم وت�صميم جاللة امللك عبد اهلل الثاين ابن احل�سني ،منذ �أن ت�س ّلم الراية ،خدمة للإ�سالم ،وتعزيزاً لت�ضامن مليار ومائتي مليون م�سلم ي�ش ّكلون ُخم�س املجتمع الب�شري ،ودرءاً لتهمي�شهم �أو عزلهم عن حركة املجتمع الإن�ساين ،وت�أكيداً لدورهم يف بناء احل�ضارة الإن�سان ّية ،وامل�شاركة يف تقدمها يف ع�صرنا احلا�ضر"( .ر�سالة ع ّمان) وقد بينّ الإ�سالم � ّأن هدف ر�سالته هو حتقيق ال ّرحمة واخلري للنا�س �أجمعني{{ ، َومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ اك ِ�إ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ ني }} (�سورة الأنبياءّ ...)107 : وحث على الت�سامح والعفو اللذين يعبرّ ان عن �سمو النف�س ..وق ّرر مبد�أ العدالة يف معاملة الآخرين و�صيانة حقوقهم ،وعدم بخ�س النا�س �أ�شياءهم {{ َو َال َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن� ُآن َق ْو ٍم َعلَى �أَ َّال َت ْعدِ ُلواْ ْاعدِ ُلواْ هُ َو �أَ ْق َر ُب لِل َّت ْق َوى (�سورة املائدة.)8: وعلينا �أن نفاخر الدنيا يف ر�سالة الأردن املعززة لقيم الت�سامح واملحبة والتعاي�ش والت�آخي ،واملعظمة للقوا�سم امل�شرتكة بني اتباع الديانات ال�سماوية ملا فيه م�صلحة وخري املجتمع الأردين.
47
مقاالت
ال وسطية
48
حتى يتبين لهم أنه الحق
على مدى أشهر معدودات يشهد العالم وقائع ومعطيات تفصح بلسان الحال والمقال معا عن إعجاز كتاب اهلل الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه ،والمصداقية المطلقة لتعاليمه وتحذيراته.
ع�شرات الكتب ومئات البحوث قبل ذلك وعلى مدى القرنني الأخريين حتديداً ،جاءت الك�شوف العلمية وبخا�صة يف جماالت التاريخ واخلليقة والفيزياء واجليولوجي والكوزمولوجي والبيولوجي واجلغرافيا والت�شريح وعلم الأج ّنة ،لكي تتطابق ب�شكل يثري الده�شة مع �آيات اهلل الب ّينات. وكلنا نذكر ع�شرات الكتب ،ومئات البحوث التي حتدّثت عن ذلك ،ونذكر متح�ضت ملتابعة ق�ضية العلم والإميان �أو معها امل�ؤ�س�سات والدوائر التي ّ القر�آن والعلم احلديث ،والتي قدّمت منظومة من الك�شوف العلمية واملعرفية املتوافقة مع ما �سبق و�أن �أ�شار �إليه كتاب اهلل �سبحانه وتعاىل. وكلنا نذكر -مع هذا وذاك -اجلهد الكبري الذي بذله العامل الفرن�سي امل�شهور "موري�س بوكاي" يف كتابه الق ّيم "القر�آن الكرمي والتوراة والإجنيل: درا�سة الكتب املقد�سة يف �ضوء املعارف احلديثة" ،والذي خل�ص فيه -بعد ع�شرين عاما من البحث املكافح� -إىل �أن ت�سعة �أع�شار ما ورد من معطيات معرفية يف التوراة والإجنيل ،ت�سقط �إذا �أحلناها على الك�شوف املعرفية احلديثة ،وال مي ّر �سوى الع�شر .ويف املقابل ف�إن ع�شرة �أع�شار ما ورد يف القر�آن الكرمي يتوافق مع هذه الك�شوف .ويقول الرجل مع ّقبا" :ال ميكن لـ"حممد" على افرتا�ض ت�أليفه للقر�آن �أن يتعامل مع معطيات التوراة والإجنيل يف �ضوء معرفة لن تت�شكل �إال بعد �أربعة ع�شر قرنا ،في�سقط منهما ما ال يتوافق واحلقائق العلمية ،وال ي�ستبقي �سوى الع�شر� ،أي�ضا يف �ضوء معرفة �ستت�شكل بعده بزمن بعيد ..ال ميكن لرجل كهذا �إال �أن يكون نب ًّيا يتلقى عن م�صدر علوي مطلق هو اهلل �سبحانه". التطابق املده�ش الآن ،وعلى مدى �أ�شهر معدودات ،وعرب ما تتناقله الف�ضائيات �صباح م�ساء، ي�شهد العامل جملة من الوقائع واملعطيات ،تقدم �إ�ضافات ذات قيمة بالغة لظاهرة ال�صدق املطلق لآيات اهلل الب ّينات ،وتطابقها املده�ش مع الك�شوف
واخلربات املتجددة يف واقع احلياة الب�شرية على امتدادها يف العامل ك ّله: �أوال :انهيار النظام الربوي ،ومعاناة الر�أ�سمالية من االختناقات ،وو�صولها �إىل طرق م�سدودة. ثانيا :الغزو ال�شامل لأنفلونزا اخلنازير، والإعالن عنها وبا ًء عاملياً. ثالثا :احلملة ال�شاملة التي �أعلنتها رئا�سة اجلمهورية الفرن�سية ،لت�ضييق اخلناق على ظاهرة �شرب اخلمر باعتبارها واحدة من �أكرث العوامل امل�ؤدية �إىل ال�سرطان. رابعا :حتليل طبـي يجريه عدد من كبار الأطباء ،ي�ؤكد �أن اخلتان ميثل واحدة من �أكرث و�سائل املناعة فاعلية �ضد �سرطان الربو�ستات. ال �أحد يجادل يف هذا الذي ي�شهده العامل الآن ،بعد �إذ �أ�صبح ،مبعطياته وذيوله املتجددة واقعاً ثقي ً ال يفر�ض نف�سه على الإعالم ،وي�شهده مئات املاليني من النا�س على مدى العامل ك ّله. ما الذي �سبق و�أن قاله كتاب اهلل يف الظواهر الأربع؟! �أوال :يكفي �أن نتذكر الآيات الب ّينات التي �أعلنت احلرب على الربا ،وح ّذرت من تعاطيه ،وقدمت البدائل االقت�صادية املنا�سبة لتجاوزه وا�ستئ�صاله من حياة النا�س: (ا َّلذِ َ ين َي�أْ ُك ُلو َن ال ِّر َبا َال َي ُقومُو َن �إِ َّال َك َما َي ُقو ُم ا َّلذِ ي َي َت َخ َّب ُط ُه َّ ال�ش ْي َط ُان مِ َن المْ َ ِّ�س َذل َِك ِب�أَ َّن ُه ْم َقا ُلوا ِ�إنمَّ َ ا ا ْل َب ْي ُع مِ ْث ُل ال ِّر َبا َو�أَ َح َّل اهللُ ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ال ِّر َبا * يمَ ْ َح ُق ُ اهلل ا ْل ِّر َبا َو ُي ْربِي ال�ص َد َقاتِ )(البقرة( ،)276-275:ا َّت ُقواْ َ اهلل َّ َو َذ ُرواْ مَا َبق َِي مِ َن ال ِّر َبا �إِن ُكن ُتم ُّم�ؤْمِ ِن َ ني) ين �آ َم ُنواْ َال َت�أْ ُك ُلواْ (البقرةَ ( ،)278:يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ال ِّر َبا �أَ ْ�ض َعافاً ُّم َ�ضا َع َف ًة)(�آل عمران،)130: ( َو�أَ ْخذِ هِ ُم ال ِّر َبا َو َق ْد ُنهُواْ َع ْن ُه َو�أَ ْك ِل ِه ْم �أَ ْم َوا َل ا�س بِا ْل َباطِ لِ )(الن�ساءَ ( ،)161:ومَا �آ َت ْي ُتم ال َّن ِ ا�س فَلاَ َي ْر ُبو عِ ن َد مِّن ِّرباً ِّليرَ ْ ُب َو فيِ �أَ ْموَالِ ال َّن ِ اهللِ)(الروم.)39: املف�سرون يف و�أن نتذكر معها ما قاله ّ املو�ضوع -وهو كثري غزير -نكتفي منه ب�إ�شارة
واحدة قد تغني عن التفا�صيل" :مل يبلغ من تفظيع �أمر �أراد الإ�سالم �إبطاله من �أمور اجلاهلية ما بلغ من تفظيع الربا .وال بلغ من التهديد يف اللفظ واملعنى ما بلغ التهديد يف �أمر الربا ..وهلل احلكمة البالغة .فلقد كانت للربا يف اجلاهلية مفا�سده و�شروره .ولكن اجلوانب ال�شائعة القبيحة من وجهه الكالح ما كانت كلها بادية يف جمتمع اجلاهلية كما بدت اليوم ،وتك�شفت يف عاملنا احلا�ضر ،وال كانت البثور والدمامل يف ذلك الوجه الدميم مك�شوفة كلها كما ك�شفت اليوم يف جمتمعنا احلديث .فهذه احلملة املفزعة البادية يف هذه الآيات على ذلك النظام املقيت ،تتك�شف اليوم حكمتها على �ضوء الواقع الفاجع يف حياة الب�شرية� ،أ�شد مما كانت متك�شفة يف اجلاهلية الأوىل .ويدرك -من يريد �أن يتدبر حكمة اهلل وعظمة هذا الدين وكمال هذا املنهج ودقة هذا النظام -اليوم من هذا كله ما مل يكن يدركه الذين واجهوا هذه الن�صو�ص �أول مرة .و�أمامه اليوم من واقع العامل ما
ي�صدّق كل كلمة ت�صديقا حيا مبا�شرا واقعا. والب�شرية ال�ضالة التي ت�أكل الربا وتوكله تن�صب عليها الباليا املاحقة ال�ساحقة من جراء هذا النظام الربوي ،يف �أخالقها ودينها و�صحتها واقت�صادها .وتتلقى -حقا -حربا ت�صب عليها النقمة والعذاب� ،أفرادا من اهلل ّ وجماعات ،و�أمما و�شعوبات وهي ال تعترب وال تفيق!")1(. وماذا عن اخلنـزير؟! ثانيا :يكفي �أن نتذكر حتذيرات القر�آن الكرمي من اخلنـزير و�أكل حلمه: (�إِنمَّ َ ا َح َّر َم َعلَ ْي ُك ُم المْ َ ْي َت َة َوال َّد َم َولحَ ْ َم الخْ ِ نـزِي ِر (ح ِّرمَتْ َومَا �أُهِ َّل ِب ِه ِل َغيرْ ِ اهللِ)(البقرةُ ،)173: َعلَ ْي ُك ُم المْ َ ْي َت ُة َوا ْل َّد ُم َولحَ ْ ُم الخْ ِ ْنزِي ِر َومَا �أُهِ َّل هلل ِبهِ)(املائدة�( ،)3:إِ َّال �أَن َي ُكو َن َم ْي َت ًة ِل َغيرْ ِ ا ِ َ �أَ ْو دَماً َّم ْ�س ُفوحاً �أ ْو لحَ ْ َم خِ نزِيرٍ َف ِ�إ َّن ُه ر ِْج ٌ�س) (الأنعام.)145: "وامليتة ت�أباها النف�س ال�سليمة وكذلك الدم .ف�ض ً ال على ما �أثبته الطب -بعد فرتة طويلة من حترمي القر�آن والتوراة
49
مقاالت
ال وسطية
قبله ب�إذن اهلل -من جتمع امليكروبات واملواد ال�ضارة يف امليتة ويف الدم ..ف�أما اخلنـزير فيجادل فيه الآن قوم .واخلنـزير بذاته منفر للطبع النظيف القومي .ومع هذا فقد حرمه اهلل منذ ذلك الأمد الطويل ليك�شف علم النا�س منذ قليل �أن يف حلمه ودمه و�أمعائه دودة �شديدة اخلطورة (الدودة ال�شريطية وبوي�ضاتها املتك ّي�سة) .ويقول الآن قوم� :إن و�سائل الطهو احلديثة قد تقدمت ،فلم تعد هذه الديدان وبوي�ضاتها م�صدر خطر، لأن �إبادتها م�ضمونة باحلرارة العالية التي توفرها و�سائل الطهو احلديثة .وين�سى ه�ؤالء النا�س �أن علمهم قد احتاج �إىل قرون طويلة ليك�شف �آفة واحدة .فمن الذي يجزم ب�أن لي�س هناك �آفات �أخرى يف حلم اخلنـزير مل يك�شف بعد عنها؟ �أفال ت�ستحق ال�شريعة التي �سبقت هذا العلم الب�شري بع�شرات القرون �أن نثق بها وندع كلمة الف�صل لها، ونح ّرم ما حرمت ونحلل ما حللت ،وهي من لدن حكيم خبري؟")2(.
50
وها هو العامل ي�شهد اليوم �إعدام مئات الآالف من اخلنازير جتنبا للأنفلونزا التي يحملونها ،والتي �أعلن عنها وبا ًء عامليا!.. ثالثا :ويكفي �أن نتذكر -كذلك -حتجيم القر�آن لظاهرة �شرب اخلمر ثم حترميها ب�شكل قاطع: ( َي ْ�س َ�أ ُلو َن َك ع َِن الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ ِر ُق ْل فِي ِه َما ري َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ �إِ ْث ٌم َك ِب ٌ ا�س َو�إِ ْث ُم ُه َما �أَ ْكبرَ ُ َ مِ ن َّن ْف ِع ِه َما)(البقرةَ (،)219:يا �أ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين ال�ص َ ال َة َو�أَن ُت ْم ُ�س َكا َرى �آ َم ُنواْ َال َت ْق َر ُبواْ َّ َح َّت َى َت ْعلَ ُمواْ مَا َت ُقو ُلو َن)(الن�ساء،)43: اب َوالأَ ْز َال ُم (�إِنمَّ َ ا الخْ َ ْم ُر َوالمْ َ ْي�سِ ُر َوالأَ َ ن�ص ُ ر ِْج ٌ�س ِّمنْ َع َملِ َّ اج َت ِن ُبو ُه َل َع َّل ُك ْم ال�ش ْي َطانِ َف ْ ُت ْفل ُِحو َن * ِ�إنمَّ َ ا ُيرِي ُد َّ ال�ش ْي َط ُان �أَن ُيو ِق َع َب ْي َن ُك ُم ا ْل َعدَا َو َة َوا ْل َب ْغ َ�ضاء فيِ الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ رِ) (املائدة.)91-90: �إن مفا�سدها �-إذن -كثرية مت�شعبة ال يت�سع مقال كهذا للخو�ض يف تفا�صيلها ،ويكفي �أنها رج�س من عمل ال�شيطان ،لكي يتجنبها الإن�سان بفطرته ال�سليمة ..ثم ها هي
�إحدى الك�شوف احلديثة ت�شري �إىل �أنها �أحد الأ�سباب امل�ؤكدة لواحد من �أكرث الأمرا�ض خطورة وفتكا :ال�سرطان. رابعا� :أما اخلتان الذي يقي هو الآخر من �أحد �أمناط ال�سرطان ،ف�أمره م�ؤكد يف �سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وتقاليد امل�سلمني على مدار الأماكن والأزمان. وهي لي�ست خامتة املطاف هذه الوقائع الأربع التي �أملح �إليها هذا املقال لي�ست خامتة املطاف وال نهاية التاريخ.. فعرب القرون الأربعة ع�شر تك�شفت بقوة الفكر الب�شري والبحث العلمي ومعطيات الواقع ،ع�شرات احلقائق ومئاتها يف �شتى مفا�صل الكون والعامل والطبيعة والنف�س الإن�سانية واجل�سد الب�شري ..وقرون �أخرى �ستم�ضي لكي تتك�شف حقائق �أخرى ..وهي يف احلالتني جتيء مطابقة ملا �سبق و�أن �أ�شار القر�آن �إليه و�أكد عليه. فقبالة الآية املده�شةَ (:ب ْل َك َّذ ُبواْ بمِ َا لمَ ْ يُحِ ُ يطواْ ِب ِع ْلمِ ِه َولمَ َّا َي�أْ ِت ِه ْم َت�أْوِي ُلهُ)(يون�س.)39: (�سنرُ ِي ِه ْم �آ َيا ِت َنا فيِ ْالآ َفاقِ َوفيِ والآية املعجزة َ �أَن ُف�سِ ِه ْم َح َّتى َي َت َبينَّ َ َل ُه ْم �أَ َّن ُه الحْ َ ُّق �أَ َولمَ ْ َي ْك ِف ِب َر ِّب َك �أَ َّن ُه َعلَى ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َ�شهِيدٌ)(ف�صلت،)53: يقف املرء خا�شعا �أمام اجلالل الإلهي الذي يهيمن على الكون واحلياة ،ويحكي عن تكوينهما و�صريورتهما وم�صائرهما ،ف�إذا بهذا الذي يقوله كتاب اهلل يتوافق ب�شكل مده�ش مع معطيات العقل الب�شري وك�شوف العلم احلديث وخربات الواقع امل�شهود. حماوالت خائبة و�أخرى م�ضادة ومن عجب �أن حماوالت مو�صولة بذلت يف االجتاه املعاك�س الذي ي�ستهدف �إلغاء احل�ضور الإلهي يف الكون واحلياة ونفيه.. فماذا كانت النتيجة؟ خم�سون عاما من اجلهد الالفح يف املعاهد واملختربات العلمية ال�سوفياتية لتمكني الإن�سان من بعث احلياة يف املادة الع�ضوية (الطني الالزب) ،خرج علماء احلياة بعدها وهم ينف�ضون �أيديهم ويعلنون عن ف�شلهم احلا�سم.
ومن قبلهم كان "مارك�س" و"انغلز" قد �صاغا يف "املادية الديالكتيكية" نظرية املتغريات الكمية التي تتحول �إىل متغريات نوعية بعيدا عن تدخل قوة �أو �إرادة فوقية، والتي جاءت املعطيات العلمية الأكرث حداثة لكي تبينّ تهافتها وعجزها ،و"�سخفها الطائ�ش" �إذا ا�ستعملنا عبارة �سوليفان يف "حدود العامل". ويف املقابل يقوم الربوفي�سور الربيطاين "هويل" مب�شاركة بروف�سور هندي يف جامعة كارديف يف �إنكلرتا ،مبحاولة ا�ستغرقت ع�شرين عاما لفح�ص �إمكان تخ ّلق احلياة يف موات الوحل ()Primeval Soup فيما �أ�سمياه حماولة التخ ّلق يف الفراغ ( ،)Evolution from Spaceوقاال ب�أنهما بد�آ املحاولة بعقلية احلادية �صرفة،
و�أن الفكرة ال�سائدة يومها هي �أن حتقيق التخ ّلق املذكور هو بن�سبة واحد �إىل ع�شرة يف �أف�ضل االحتماالت .ولكنهما وجدا يف نهاية املطاف �أن الن�سبة ت�ضاعفت وفق �أرقام فلكية، و�أ�صبحت واحدا �أمامه ع�شرة �أمامها �أربعني �ألف �صفر� ..أي �إن التخ ّلق بدون �إرادة فوقية م�ستحيل ..م�ستحيل ..فما كان منهما �إال �أن يختما بحثهما بف�صل يحمل عنوان اهلل (.)God
وا�سعة.. بع�ضها الآخر ي�ؤكد وحدة ال�صنع فوحدانية ال�صانع ،فيما �أ�شار �إليه القر�آن يف ع�شرات املقاطع والآيات.. فئة ثالثة حتكي عن ذلك التطابق املده�ش ن�ص عليه القر�آن ،وبني بني ما �سبق و�أن ّ الك�شوف العلمية يف �أكرث معطياتها حداثة. �إن حتذير القر�آن الكرمي من الربا واخلمر و�أكل حلم اخلنـزير ،وت�أكيد ال�سنة النبوية على اخلتان� ..إن هي �إال جمرد �شواهد وعالمات على الطريق ..وهناك غريها الع�شرات واملئات
وما هي �إال عالمات على الطريق واحلديث يطول ،ومكتبة العلم والإميان تتلقى يوما بعد يوم �سيال من البحوث م�ؤرخ ومفكر ا�سالمي -العراق والدرا�سات وامل�ؤلفات ،بع�ضها ي�ؤكد بع�شرات ال�شواهد العلمية �إبداعية اهلل �سبحانه يف -الهوام�ش : -1يف ظالل القر�آن ،ل�سيد قطب ،الطبعة ال�سابعة والثالثون، حم�ض له القر�آن م�ساحات دار ال�شروق ،القاهرة 1973 -م ،جزء � ،3ص. 318 : اخللق ،فيما ّ -2امل�صدر نف�سه ،جزء � ،3ص. 156 :
51
مقاالت
ال وسطية
52 ()1 (ق َ س ُ أوسط األمور أفضلهاَ ، م) ،كما جاء في ط ُه ْ ال أَ ْو َ التنزيل أي أفضلهم أو أقربهم إلى الخير ،الوسطية هي اختيار أفضل المسالك. االستقرار هو التوازن المنشود في نفس الفرد وأمن المجتمع من الخوف واشباع ضروراته الحياتية ،وكفالة الحرية والعدالة والمساواة في إدارة شؤونه ما يحقق السالم االجتماعي ،حالة امتن بها سبحانه وتعالى على الناسَ : وع (ف ْل َي ْع ُب ُدوا َر َّب َه َذا ا ْل َب ْي ِ ت* ا َّل ِذي أَ ْط َع َم ُهم ِّمن ُج ٍ ()2 ف) . آم َن ُهم ِّم ْن َخ ْو ٍ َو َ
دور الوسطية في االستقرار والتنمية
دولة االمام ال�صادق املهدي رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية
التنمية ال تقف عند حد زيادة الدخل القومي ،بل تتجاوزها لتحقق التنمية الب�شرية ومفرداتها :تنمية املوارد ،وعدالة توزيعها، واحلكم الرا�شد يف �إدارة ال�ش�أن العام وهي بذلك من مقا�صد العمارة التي �أرادها اهلل: ن�ش�أَ ُكم م َِّن الأَ ْر ِ�ض َو ْا�س َت ْع َم َر ُك ْم فِيهَا)()3 (هُ َو �أَ َ �أي جعلكم عمارها. بهذا الفهم املحيط لال�ستقرار والتنمية تظهر جلياً �صلة الأمرين بالو�سطية وما بني املفاهيم الثالثة من تداخل �أقول: .1يف ع�صرنا هذا ال يتحقق اال�ستقرار املجتمعي �إال �إذا توافرت ال�شروط ال�ستة الآتية: • �إطار فكري يوازن بني احلرية وهوية املجتمع. • نظام حكم يقوم على �شرعية تنظم العالقة بني احلكام واملواطنني. • نظام اقت�صادي يحقق الكفاية والعدل. • �صيانة �أمن املجتمع بو�سائل حترتم حقوق الإن�سان. • اال�ستعداد للدفاع عن الوطن. • القبول الدويل. هذا معناه �أن �أي ا�ستقرار يقوم على القهر،
ا�ستقرار زائف لأن اال�ستبداد �صنو الظلم والظلم هدام ،فالعدل بني النا�س يف �صف التوحيد هلل�( :إِ َّن اللهَّ َ َي�أْ ُم ُر بِا ْل َعدْلِ َوالإِ ْح َ�سانِ ) ( ، )4واال�ستبداد ينفي احلرية ،واحلرية من مقا�صد التنزيلَ ( :و ُقلِ الحْ َ ُّق مِ ن َّر ِّب ُك ْم َف َمن َ�شاء َف ْل ُي ْ�ؤمِ ن َومَن َ�شاء َف ْل َي ْك ُف ْر)()5 �إن لنهج الو�سطية دوراً مف�صلياً يف حتقيق مطالب اال�ستقرار املن�شودة: (�أ) من الناحية الفكرية ف�إن الفكر ال�سيا�سي يف البلدان الإ�سالمية من�شطر بني القائلني ب�أن الإ�سالم دين ودولة ،والقائلني ب�أن الدين هلل والوطن للجميع �أي ف�صل الدين من الدولة. عبارة الإ�سالم دين ودولة ترفع الدولة �إىل م�صاف عقائد الدين ،عقائد الدين و�شعائره ثابتة بينما �أمر الدولة يدخل يف ق�سم العادات ال العبادات ،يف جمال العادات هنالك مقا�صد لل�شريعة �سيا�سية ،واقت�صادية ،واجتماعية، ولكن نظمها وو�سائل حتقيقها من املتحركات. النهج الو�سطي ي�شد الفكر الإ�سالمي �إىل مبد�أ �أن الإ�سالم دين ومقا�صد اجتماعية ما ي�سمح با�ست�صحاب امل�ستجدات ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية ،ويخاطب الفكر
العلماين للتخلي عن انكار الغيب والرتكيز على مقا�صد العلمانية يف العقالنية ،وامل�ساواة يف املواطنة بني النا�س ،وحرية العقيدة للكافة وهي مطالب تتماهى مع املقا�صد الإ�سالمية. نهج الو�سطية وحده هو الذي ي�ستطيع التوفيق بني مطالب القائلني ب�أن الإ�سالم دين ودولة ،والقائلني ب�أن الدين هلل والوطن للجميع يف معادلة توفيقية. (ب) ونهج الو�سطية يرف�ض ما يقول به بع�ض الإ�سالميني املنكفئني ب�أن الدميقراطية مفهوم وافد كافر ،كما يرف�ض مقولة �أن الدميقراطية معناها حرية مطلقة. �إن معاين الدميقراطية من م�شاركة، وم�ساءلة ،و�شفافية ،و�سيادة حكم القانون ثابتة يف دفاتر الوحي الإ�سالمي ،فال غرابة يف ا�ست�صحاب �آليات انتجتها احل�ضارة الغربية لتحقيق تلك املقا�صد. �أما مقولة احلرية املطلقة فال وجود لها يف العامل لأن الدميقراطية حتى يف �أعرق �أوطانها متار�س �ضمن �سقوف من التزام بحقوق الإن�سان مبا يف ذلك حقوقه الثقافية والدينية، واحلرية ال تكون مطلقة بل ت�صحبها حقوق الآخرين وت�صحبها امل�س�ؤولية ف�إن خلت من هذه ال�ضوابط �صارت فو�ضى. احلرية هي االختيار الأف�ضل بني القهر والفو�ضى. (ج) الفكر االقت�صادي املعا�صر منق�سم بني الذين يرون احلرية املطلقة للن�شاط االقت�صادي .هذه مع ما ت�ستطيع حتقيقه من وفرة االنتاج عن طريق احلر�ص على املكا�سب، والتناف�س يف حتقيقها ،تهدر عدالة توزيع الإيرادات وت�ؤجج ال�صراع الطبقي .النهج الو�سطي يوفق بني حرية ال�سوق ومقا�صد العدالة االجتماعية. �إنه يحافظ على ف�ضائل الر�أ�سمالية ،وعلى ف�ضائل اال�شرتاكية ويقيم لتلك الف�ضائل مرابط اخالقية من دفاتر الوحي وينبذ رذائلهما. (د) بع�ض الإ�سالميني يرون �أن الوطنية �صنم �أجنبي وافد ينبغي هدمه ،كما يرى �آخرون عدم م�شروعية القومية. ه�ؤالء ال يرون مكاناً لوالء �إال للأمة الإ�سالمية رافعني �شعار ال والء لغري اهلل. هذه مفاهيم غلو ف�إن للوطنية حرمة ،قال
بعض اإلسالميين يرون أن الوطنية صنم أجنبي وافد ينبغي هدمه، كما يرى آخرون عدم مشروعية القومية. هؤالء ال يرون مكانًا لوالء إال لألمة اإلسالمية رافعين شعار ال والء لغير اهلل.
تعاىل م�شرياً لهذا املعنى( :ال َي ْنهَا ُك ُم اللهَّ ُ ع َِن ا َّلذِ َ ِّين َولمَ ْ ُيخْ ر ُِجو ُكم ين لمَ ْ ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ َ ُ َ ُ مِّن ِديَا ِرك ْم �أن َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ طوا �إِل ْي ِه ْم �إِ َّن اللهَّ َ يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ ني( ،)6الديار هي الأوطان، وعندما هاجر النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم من مكة عرب عن حبه لوطنه ،وللجرية يف الإ�سالم حقوقها ،وحتى يف م�صارف الزكاة ف�أهل اجلهة �أوىل باملعروف� ،صحيح �أن املواطنة باملفهوم احلديث انتماء جديد ولكنه انتماء يحقق للجماعة منافع �أمنية ،ومعي�شية، و�إدارية ما مل يقم على الع�صبية ومينع االنتماء لوالء �أو�سع .كذلك للقومية دورها ،قال تعاىل: (�إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُكم مِّن َذ َكرٍ َو�أُن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا( )7و�أ�شار الذكر احلكيم لالنتماء العربيَ ( :ل َق ْد �أَن َز ْل َنا �إِ َل ْي ُك ْم ِك َتا ًبا فِي ِه ِذ ْك ُر ُك ْم �أَ َفال َت ْع ِق ُلو َن()8؟ كذلك ينبغي �أن يخلو االنتماء القومي من الع�صبية. النهج الو�سطي يعرتف بالوالء للوطن، وللقومية ،كحلقات انتماء م�شروعة مرب�أة من الع�صبية وم�ستعدة لالنتماء لوالء �أو�سع للأمة ولوالء للإن�سانية فنحن اخوة يف الإميان واخوة للآخرين يف الإن�سانية .هذا هو عطاء النهج الو�سطي� ،إن عبارة ال والء لغري اهلل عبارة ينبغي ت�صويبها مبقولة ال والء يناق�ض الوالء هلل. فنحن مطالبون �شرعاً بالوالء للوالدين، ( َوبِا ْلوَا ِل َد ْي ِن �إِ ْح َ�سا ًنا)( ، )9ومطالبون بالوالء
ملن يح�سن �إلينا( ،ه َْل َج َزاء الإِ ْح َ�سانِ ِ�إ َّال ا ِلإ ْح َ�س ُان)( ، )10ومطالبون بالوفاء بعهودنا: ( َو�أَ ْو ُفواْ بِا ْل َعهْدِ �إِ َّن ا ْل َع ْه َد َكا َن م َْ�س�ؤُو ًال) (. )11 (ه) بع�ض مقوالت الإ�سالميني� :إن علة القتال يف الإ�سالم (اجلهاد) هي االختالف يف االعتقاد ما يلزمنا بجهاد طلب حرباً على خمالفينا يف الدين ،مقولة تق�سم العامل �إىل دارين ،دار �سالم ودار حرب ،هذه املقوالت معناها ال ا�ستقرار يف العامل ،بل وال ا�ستقرار يف الدول ففي الدول الإ�سالمية �أقليات على غري الإ�سالم ،وثلث امل�سلمني يعي�شون يف بلدان �أغلبيتها على غري ملة الإ�سالم. النهج الو�سطي ال يقر هذه املقوالت بل يقول ب�أن علة اجلهاد هي العدوان( :ال َي ْنهَا ُك ُم ِّين َولمَ ْ اللهَّ ُ ع َِن ا َّلذِ َ ين لمَ ْ ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ ُيخْ ر ُِجو ُكم مِّن ِديَا ِر ُك ْم �أَن َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا) ( )12هذا النهج يعطي �شرعية لعالقات دولية تقوم على العدالة ،واملعاملة باملثل ،والتعاون يف �سبيل م�صالح م�شرتكة. (و) النهج الو�سطي يلتزم بحقائق الوحي، ولكن حقائق الوحي نف�سها ت�أذن بدور �إن�ساين يف تدبر معاين ن�صو�ص الوحي�( :أَ َفال َي َت َد َّب ُرو َن ا ْل ُق ْر�آ َن �أَ ْم َعلَى ُق ُلوبٍ َ�أ ْق َفا ُلهَا(، )13وت�أذن باحلكمة وهي توفيق مطلوب بني الواجب والواقعُ ( :ي�ؤْتِي الحْ ِ ْك َم َة مَن ي ََ�شاء َومَن ُي ْ�ؤ َت ريا)( ، )14وتكرر الحْ ِ ْك َم َة َف َق ْد �أُوت َِي َخيرْ ً ا َك ِث ً �آيات الذكر احلكيم معنى�( :إِ َّن فيِ َذل َِك َ آليَاتٍ ِّل َق ْو ٍم َي ْع ِق ُلو َن)( ، )15قال الإمام ال�شاطبي: كلما �أمر به ال�شرع �أمر به العقل ،وقال اجلوزي م�شرياً للعقل" :يف التقليد �إبطال ملنفعة العقل لأنه �إمنا خلق للتدبر ،وقبيح مبن اعطى �شمعة ي�ست�ضيئ بها �أن يطفئها ومي�شي يف الظالم". وكافة الأئمة املقلدون قالوا بالتحرر من التقليد ،قال الإمام �أبو حنيفة" :كالمنا هذا ر�أي فمن عنده �أح�سن منه فلي�أت به" ،وقال الإمام ابن حنبل" :ال تقلدين وال مالكا وال ال�شافعي وال الثوري ،وخذ مما �أخذنا منه". خال�صة القول �أن النهج الو�سطي الزم لال�ستقرار امل�ستدام لأنه ميكن احلياة املعا�صرة من التوفيق بني الواجب وم�ستجدات الواقع. روى ال�شيخ حممد الغزايل وهو و�سطي التوجه يف احدى حما�ضراته �أنه قال :حبذا لو �أن �أمري امل�ؤمنني على بن �أبي طالب ،وال�صحابي معاوية بن �أبي �سفيان احتكما لل�صندوق بدل
53
مقاالت
ال وسطية
ال�سيف .فت�صدى له احد احلا�ضرين قائال: "لي�س هذا من ال�سنة! فرد عليه :وهل اقتتال امل�سلمني من ال�سنة؟ مع �أن الرتجيح بكرثة الأ�صوات ا�ستخدمه �أمري امل�ؤمنني عمر يف الكلية االنتخابية التي عينها النتخاب اخلليفة بعده ف�إن تعادلت �أ�صوات ال�ستة �أن يكون لعبد اهلل بن عمر �صوت الرتجيح. نهج الو�سطية هو ال�سلفية احلقيقية لأنه �إحياء للدين بالو�سائل التي كانت ال�سر يف جناحه يف ع�صره الأول ت�صديقاً لقول النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم" :ب َد�أَ الإِ ْ�سال ُم َغرِيباًَ ،و َ�س َي ُعو ُد َك َما َب َد�أَ َغرِي ًبا"(� ،)16أي مده�شاً .ويف هذا املعنى قال احلكيم ال�شاعر: �إذا �أَنتَ لمَ تحَ ِم ال َقدمي بِحا ِدث مِ َن املَجدِ لمَ ينفعك ما كا َن مِ ن َقبل نهج الو�سطية والتنمية التنمية والثقافة: كانت �أوربا يف ع�صورها الو�سطى تعاين من و�صاية الكني�سة على كافة نواحي احلياة، وتعاين من جربوت امللوك الذين ر�سخوا �سلطانهم باحلق الإلهي. �أو�ضح الأ�ستاذ منتجمري واط يف كتابه: ت�أثري احل�ضارة الإ�سالمية يف �أوربا القرون الو�سطى فا�ست�ضاءت �أوربا بذلك ودخلت يف ع�صر التنوير .ع�صر التنوير عزز العقالنية وحرر الإرادة الإن�سانية و�صار مقدمة للثورة الفرن�سية التي حررت ال�شعب من الو�صاية وانت�صرت حلقوق الإن�سان. هذه التوجهات اثمرت حرية البحث العلمي الذي احدث تقدماً كبرياً يف العلوم الطبيعية والتكنولوجيا ومهد للثورة ال�صناعية التي �ضاعفت قدرات الإن�سان املادية ا�ضعافاً م�ضاعفة با�ستخدام طاقات الطبيعة و�إمكانات الآلة. هكذا تكونت احل�ضارة احلديثة التي مكنت �أروبا من تكوين جمتمعات قوية ذات قدرات ع�سكرية هائلة ب�سطت بها �سلطانها على املعمورة. احل�ضارة احلديثة ا�ستطاعت �أن ت�ستغل قوانني الطبيعة وقوانني احلركة االجتماعية يف بناء �أوطانها ،هذه العوامل التنموية يحول دون ا�ست�صحابها يف جمتمعاتنا كوابح ثقافية كثرية �أهمها: • الذهنية االتكالية التي تقول بتفوي�ض
54 الأمر للق�ضاء والقدر ب�شاهد (وما ت�شاءون �إال �أن ي�شاء اهلل) ومقولة: ُج ُن ٌ ون مِ ْن َك �أَنْ َت ْ�س َعى ِل ِر ْزقٍ َو ُي ْر َز ُق فيِ غِ َ�شا َو ِت ِه الجْ َ ِن ُ ني هذا مع �أن اهلل يقولَ ( :منْ عَمِ َل َ�صالحِ ً ا َف ِل َن ْف�سِ ِه َو َمنْ �أَ َ�ساء َف َعلَ ْيهَا)( ، )17ويقول (�إِ َّنا ال�سبِي َل �إِ َّما َ�شا ِك ًرا َو ِ�إ َّما َك ُفو ًرا) (،)18 َه َد ْي َنا ُه َّ و�سئل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم" :يَا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ! �أَ َر�أَ ْيتَ ُر ًقى َن ْ�سترَ ْ قِيهَاَ ،و َد َوا ًء َن َتدَا َوى ِبهِ، َو ُت َقا ًة َن َّتقِيهَا ،ه َْل َت ُر ُّد مِ نْ َق َد ِر اللهَّ ِ َ�ش ْي ًئا؟ َقا َل: هِ َي مِ نْ َق َد ِر اللهَّ ِ"( ، )19فا�ستخدام معارفنا وعقولنا هو من قدر اهلل. وحجة الذين يقولون �إن اهلل قد قال يف كتابهَّ ( :ما َف َّر ْط َنا فيِ ا ْل ِك َتابِ مِ ن َ�ش ْي ٍء(،)20
صحيح إن القرآن وإن لم يحص كل شيء كأنه موسوعة فقد ذكر كل وسائل المعرفة المتاحة لنا وهي: الوحي ،وااللهام، والعقل ،والتجربة، وحثنا على استخدامها لزيادة معارفنا، فاحل�ضارة احلديثة �إما مطابقة ملا يف القر�آن فهي �إذن ف�ضول ،و�إما مناق�ضة ملا يف القر�آن فهي �إذن باطلة. املوقف االق�صائي من احل�ضارة احلديثة بحجة �أن ما عندنا يكفينا موقف خاطئ، فامل�سلمون منذ ال�صدر الأول ا�ست�صحبوا النافع من جتارب الإن�سانية حتى قال اال�ستاذ واط� :أحاط امل�سلمون مبعارف احل�ضارات ال�سابقة ب�صورة معجزة ،واملوىل �سبحانه وتعاىل قال عن الكتابينيَ ( :ومَا َي ْف َع ُلواْ مِ نْ َخيرْ ٍ َفلَن ُي ْك َف ُروهُ)( ، )21ويف الأثر :احلكمة �ضالة امل�ؤمن �أنا وجدها فهو �أحق النا�س بها".
واليوم ف�إن ا�ست�صحابنا للنافع يف العلوم الطبيعية ،والعلوم االجتماعية ،والعلوم الإن�سانية ،والتكنولوجيا من منجزات احل�ضارة احلديثة هو ال�سبيل الوحيد لتوفري الغذاء ،والدواء ،والك�ساء ،وال�سكن، و�آليات حفظ الأمن ،والدفاع واالت�صاالت، واملوا�صالت ،ومقا�صد ال�شريعة �أن ما ال يتم الواجب �إال به فهو واجب. �إن الكتاب الذي اح�صى كل �شيء هو اللوح املحفوظ� ،أما القر�آن فقد جاءت فيه ا�شارات وا�ضحة عن �أ�شياء مل يذكرها �إذ قال تعاىل: ال َق ْد َق َ�ص ْ�ص َناهُ ْم َعلَ ْي َك مِ ن َق ْب ُل َو ُر ُ�س ً ( َو ُر ُ�س ً ال ()22 َ َ لمَّ ْ َنق ُْ�ص ْ�ص ُه ْم َعل ْيك) ،وقال تعاىل: ( َو َيخْ ُل ُق مَا َال َت ْعلَ ُمو َن)( )23وقال( :يَا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنواْ َال َت ْ�س�أَ ُلواْ َعنْ �أَ ْ�ش َياء ِ�إن ُت ْب َد َل ُك ْم َ َت ُ�س ْ�ؤ ُك ْم َو�إِن َت ْ�س�أ ُلواْ َع ْنهَا حِ َ ني ُي َن َّز ُل ا ْل ُق ْر� ُآن ُت ْب َد ()24 َل ُك ْم َع َفا اللهَّ ُ َع ْنهَا َواللهَّ ُ َغ ُفو ٌر َحلِي ٌم) . �صحيح �إن القر�آن و�إن مل يح�ص كل �شيء ك�أنه مو�سوعة فقد ذكر كل و�سائل املعرفة املتاحة لنا وهي :الوحي ،وااللهام ،والعقل ،والتجربة، وحثنا على ا�ستخدامها لزيادة معارفنا ،والكون نف�سه كتاب اهلل املنظور الذي �سخره اهلل ال�س َما َواتِ َومَا للإن�سانَ ( :و َ�س َّخ َر َل ُكم َّما فيِ َّ فيِ الأَ ْر ِ�ض َجمِ ي ًعا)( ،)25وقوانني الطبيعة هي �أدوات هذا الت�سخري وي�ستغلها كل من اكت�شفها م�ؤمناً كان �أو غري م�ؤمن. • وقال قوم من املنكفئني �أن اهلل قالَ ( :ومَا ن�س ِ�إ َّال ِل َي ْع ُبدُونِ ( ،)26فهموا َخلَقْتُ الجْ ِ نَّ َوا ِلإ َ من هذ ا �أن العبادة هي �أداء ال�شعائر و�إدراك املنقول لأدائها ال غري: ا ْل ِع ْل ُم مَا َكا َن فِي ِه َقا َل َح َّد َث َنا َومَا �سِ وَى َذ َ َا�س َّ ني ال�ش َياطِ ِ اك َو ْ�سو ُ عبادة اهلل ال تقف عند �أداء ال�شعائر واملعرفة ال تقف عند املنقول� ،إن اكت�شاف �سنن الطبيعة وحركة املجتمع من �إرادة اهلل ،وعمارة الأر�ض كذلك من �إرادة اهلل� ،إن عمارة الأر�ض وتطوير مدركات العقول �إىل اق�صى ما ي�ستطيع العقل من �إرادة اهلل للإن�سان و�أدا�ؤها من طاعته. �إن يف ا�ستخدام عقولنا واحلكمة يف الإحاطة باملنقول ،ويف ا�ست�صحاب النافع من كل ح�ضارات الإن�سان �صحوة ثقافية ال ي�ستطيعها املنكف�ؤون لأنهم حكموا بتعطيل عقولهم وحب�سوا انف�سهم يف قوالب ما�ضوية جامدة، وال ي�ستطيعها املنكرون حلقائق الوحي لأنهم
ب�إلغائهم حلقائق الوحي �إمنا يعزلون �أنف�سهم من وجدان الأمة ف�ضال عن �أنهم ينكرون حقائق ال �سبيل لإنكارها. نهج الو�سطية هو الذي ي�ستطيع حتقيق �صحوة ثقافية توفق بني حقائق الوحي وحقائق ال�شهادة �صحوة ثقافية حتيط بالواقع املعا�صر دون �أن تعزل نف�سها من حقائق الوحي ووجدان الأمة. �إنها �صحوة ثقافية �ضرورية للتنمية بغريها تقف الكوابح املذكورة عقبة يف طريق التنمية. نهج الو�سطية والتنمية: بع�ض امل�سلمني يتحدثون عن اقت�صاد �إ�سالمي. احلقيقة �أن ما مور�س من اقت�صاد تاريخياً يف العامل الإ�سالمي هو اقت�صاد ما قبل الثورة ال�صناعية ال �سبيل ملمار�سته الآن� ،إن يف الإ�سالم مبادئ اقت�صادية مثل التعمري ،وحق امللكية ،والتكامل االجتماعي ،ومنع الإ�سراف، والعدالة االجتماعية ،و�إحكام مثل الزكاة، وحترمي الربا ،وهي مبادئ باقية و�أحكام م�ستمرة مع اجتهاد واجب يف فقهها لتحقيق مقا�صدها. االقت�صاد احلديث علم خا�ضع يف جوانبه العلمية ل�سنن ثابتة – مثال :زيادة العر�ض تخف�ض الأ�سعار ،وزيادة الطلب تزيدها، والدخل ينق�سم ماله لق�سمني ادخار �أو ا�ستهالك ،وهلم جرا .هذا اجلانب العلمي يف االقت�صاد خا�ضع ملقولة ابن خلدون يف املقدمة: ما من ظاهرة يف الوجود طبيعية �أو اجتماعية �إال تخ�ضع لقوانني ،علم االقت�صاد يكت�شف تلك القوانني يف عامل االقت�صاد ،ولكن هنالك عوامل اخالقية ومقا�صد عدالية ا�سالمية وهي ملزمة بحيث ينبغي �أن نقول اقت�صاد ذو مقا�صد اجتماعية �إ�سالمية ،هذا املوقف خمتلف عن القائلني باقت�صاد �إ�سالمي. وعن موقف الذين يقولون �أال �ش�أن للإ�سالم باالقت�صاد ويتعاملون مع االقت�صاد ك�أنه علم مثل العلوم الطبيعية بال مقا�صد اخالقية واجتماعية ،هذه هي �أو�سط املناهج يف االقت�صاد املوقف االو�سط �أي االف�ضل بني املقولتني. فيما يتعلق بالتنمية ،وعالقات االنتاج الالزمة لها هنالك االجندة الر�أ�سمالية التي تقوم على ال�سوق احلر ،والت�صرف الفردي ،املطلق التي نظر لها عامل االقت�صاد الربيطاين اجلن�سية �آدم �سميث.
هذا التوجه كان وراء النه�ضة الر�أ�سمالية ال�صناعية التي انطلقت من بريطانيا وعمت كثرياً من �أجزاء العامل. االقت�صادالر�أ�سمايلحققنه�ضةاقت�صاديةهائلة، ولكنهات�سمبعيوب�أهمها: • تقدمي م�صلحة الفرد على اجلماعية ،وكفالة احلريةعلىح�سابالعدالةاالجتماعية. • عالقات االنتاج �أفرزت التمايز الطبقي واججت ال�صراع الطبقي. • الرتكيز على مقيا�س الربح وحده بو�صلة لال�ستثمار اغفل االهتمام مبطالب �سالمة البيئة الطبيعية. عيوب النظام الر�أ�سمايل خا�صة فيما يتعلق بالعدالة �أدت النتقادات حادة انطلقت منها
عبادة اهلل ال تقف عند أداء الشعائر
والمعرفة ال تقف عند المنقول ،إن اكتشاف سنن الطبيعة وحركة المجتمع من إرادة اهلل ،وعمارة األرض كذلك من إرادة اهلل ،إن عمارة األرض وتطوير مدركات العقول إىل اقصى ما يستطيع العقل من إرادة اهلل املدار�س اال�شرتاكية كردة فعل مبا�شرة لعيوب النظام الر�أ�سمايل ،النظم اال�شرتاكية كان بع�ضها معتد ًال وفق بني احلرية والعدالة وو�صف باال�شرتاكية الدميقراطية ،ولكن عيوب املدر�سة اال�شرتاكية الأكرث �أ�صولية هي: • الت�ضحية باحلرية ل�صالح العدالة. • اهمال حقوق الإن�سان ل�صالح احلقوق الطبقية.
• التعامل االيديولوجي مع الدين ا�ستناداً ملواقف الكني�سة التقليدية من العدالة االجتماعية. • يف الن�سخة اال�ستالينية من اال�شرتاكية �صارت اال�شرتاكية فا�ش�ستية ي�سارية باط�شة. النهج الو�سطي يعرتف مبا يف الر�أ�سمالية من حما�سن ومبا يف اال�شرتاكية من حما�سن ويدرك ما فيهما من م�ساوئ ويتخذ نهجاً يوفق بني ال�سوق احلر واملقا�صد العدالية االجتماعية. ومن مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية رعاية �صحة البيئة الطبيعية :فاجلمادات لي�ست جمرد موجودات �صماء بلَ ( :و�إِن مِّن َ�ش ْي ٍء ِيح ُه ْم) ِ�إ َّال ي َُ�س ِّب ُح ب َِح ْمدِ ِه َو َلكِن َّال َت ْف َقهُو َن َت ْ�سب َ ( . )27وعامل احليوان لي�س وجوداً بهيماً بل هي�( :أُممَ ٌ �أَ ْم َثا ُل ُكم)( ، )28والعالقة بها تقوم على �أ�سا�س اخالقي �إذ جنا رجل لأنه �سقى كلباً ،وهلكت امر�أة لأنها حب�ست هرة حتى ماتت .وقال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم" :فيِ ُك ِّل ذِي َكبِدٍ َر ْط َب ٍة �أَ ْج ٌر"( ، )29وقال" :مَا مِ نْ �إِ ْن َ�سانٍ َق َت َل ع ُْ�ص ُفو ًرا َف َما َف ْو َقهَا ِب َغيرْ ِ َح ِّقهَا� ،إِ اَّل َ�س َ�أ َل ُه اللهَّ ُ َع َّز َو َج َّل َع ْنهَا بغري حقها �إال �س�أله اهلل"( )30وللنباتات كذلك حقها ،قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلمَ " :منْ َق َط َع �سِ ْد َر ًة َ�ص َّو َب اللهَّ ُ َر�أْ َ�س ُه فيِ ال َّنا ِر " (.)31 وحتى يف القتال التوجيه جتنب خطة االر�ض املحروقة وعدم �إبادة احليوانات والنباتات. ر�ؤى النهج الو�سطي هذه �صارت تقرتب منها الر�ؤية الإن�سانية الواعية و�صار كثري من االقت�صاديني يتحدثون عن اقت�صاد ما بعد مقيا�س الدخل القومي يف التنمية �أي يدخل يف ح�سبانه التنمية الب�شرية من عدل اجتماعي واهتمام ب�سالمة البيئة. ومع �أن �أهداف االلفية اجلديدة الثمانية متوا�ضعة ،ف�إنها تدل على اهتمام عاملي بالعوامل االجتماعية يف التنمية .خال�صة تلك الأهداف هي: (�أ) خف�ض ن�سبة الفقر يف العامل �إىل الن�صف بحلول عام 2015م. (ب) تعميم التعليم االبتدائي. (ج) امل�ساواة بني اجلن�سني. (د) احلد من وفيات الأطفال. (ه) حماية �صحة الأمهات احلامالت. (و) خف�ض ن�سبة الذين يعانون من اجلوع �إىل الن�صف.
55
مقاالت
ال وسطية
56
(ز) رعاية �صحة البيئة. النهج الأو�سط والعوملة. بع�ض النا�س يرف�ضون العوملة رف�ضاً مطلقاً وال يرون فيها �إال �سلبيات� ،آخرون ي�شيدون بالعوملة وال يرون فيها �إال االيجابيات. النهج الأو�سط هو الذي ي�شخ�ص العوملة ت�شخي�صاً مو�ضوعياً ويحدد ايجابياتها و�سلبياتها ،هنالك عوامل فر�ضها �إدراك الب�شر مل�صلحة م�شرتكة يف كوكب الأر�ض ،هنالك �أ�صول م�شرتكة بني �أهل الأر�ض ك�أعماق البحار ،والف�ضاء ،والغالف اجلوي ،والقطب ال�شمايل والقطب اجلنوبي وهنالك عوملة فر�ضها الوعي بامل�صري امل�شرتك للإن�سانية ،وقد توالت امل�ؤمترات لو�ضع
الأكرث. هذه الوجوه الثالثة للعوملة عوملة حميدة. ولكن �صحبت العوملة ظاهرة الر�أ�سمالية النفاثة ،وهي حما�سة للتناف�س والربحية تندفع غري مبالية ب�آثار �سلبية �إن�سانية واجتماعية ال �سيما يف جمالني :االول :يتوقع �أن ت�ؤدي العوملة املرتبطة بالر�أ�سمالية النفاثة �إىل تراجع عن دولة الرعاية االجتماعية، كذلك عدم االهتمام بالآثار ال�سلبية التي حتدثها و�سائل االنتاج احلديثة على الأيدي العاملة .لقد كانت الإ�صالحات التي جل�أ �إليها النظام الر�أ�سمايل فاهتم مب�صالح القوة العاملة ،واتبع نظام رعاية اجتماعية ،من �أهم و�سائل �صنع ال�سالم االجتماعي يف البلدان الر�أ�سمالية مما �أبطل نبوءات كارل مارك�س
ا�سرتاتيجية م�شرتكة للق�ضايا االجتماعية كال�سكان ،ولق�ضايا البيئة الطبيعية. وهنالك العوملة التي ارتبطت بها العبارة �أكرث من غريها ،العوملة التي �صنعتها ثورة املعلومات ،واالت�صاالت التي حولت املعامالت التجارية ،واملالية ،واال�ستثمارية �إىل �سوق عاملي واحد. هذه العوملة مكنت ا�صحاب ال�سندات، والأ�سهم ،وطالب ال�صفقات التجارية من عقد ال�صفقات وحتويل الأموال عرب الآليات االلكرتونية ب�سرعة الربق وعلى نطاق عاملي، كما مكنت ال�شركات املتعددة اجلن�سية من توزيع عملياتها على نطاق عاملي ،ومن نقل خياراتها اال�ستثمارية حيث التكلفة �أقل والربح
ال�صدامية. �إن تيارات العوملة تو�شك �أن تقو�ض الربامج الواعية التي �أدت يف البلدان الر�أ�سمالية املتطورة �إىل ال�سالم االجتماعي واال�ستقرار ال�سيا�سي. املجال الثاين :تراجع عامل ال�شمال املتقدم من املفاهيم العدالية التي اقرتنت بحوار ال�شمال واجلنوب الذي انتهى �إىل تو�صيات باهتمام ال�شمال بالتنمية يف اجلنوب كو�سيلة من و�سائل حتقيق اال�ستقرار العاملي .مثلما حققت الر�أ�سمالية �سالماً اجتماعياً يف �أوطانها ب�سيا�سات نقابية م�ستنرية وبرامج رعاية اجتماعية متقدمة ف�إن الدول الغنية مطالبة
باالهتمام بتنمية اجلنوب الفقري لبناء ال�سالم واال�ستقرار يف العامل .ولكن التيار الراجح يف ظل العوملة حالياً هو ترك هذه الأمور كلها لعوامل ال�سوق احلر. توزيع الرثوة ،والقوة االقت�صادية يف العامل توزيع غري متوازن ،لقد اتاحت العوملة ب�إمكانات االت�صاالت واملعلومات للقوة الأعظم يف العامل فر�صة هيمنة �إعالمية بحيث ت�ستطيع غ�سل �أدمغة الآخرين ،واتاحت فر�صة هيمنة اقت�صادية وا�سرتاتيجية مل يعهد التاريخ مثلها من قبل. العوملة يف هذه املجاالت �صارت هيمنة القوي على ال�ضعيف. كذلك اتاحت العوملة بال�سوق العاملي الواحد وو�سائل االت�صاالت واملعلومات فر�صة لقوى اجلرمية املنظمة لتجعل اجلرمية معوملة من حيث التخطيط ،والتدريب ،والتنفيذ ،وحماية عملياتها ،وغ�سل �أموالها واقتحام ال�سوق التجاري ،واملايل ،واال�ستثماري. ثورة املعلومات ،وطفرة و�سائل الإعالم، واالت�صاالت �أتاحت فر�صة وا�سعة لثقافة الت�سلية الأمريكية ،وهي ثقافة رائجة بالغناء ال�صاخب ،والرق�ص املاجن ،وامل�شروبات الفوارة ،وامل�أكوالت املحمولة ،واملالب�س العارية ومقرتنة ب�سلوك اال�ستالب والالمباالة، انت�شار هذه الثقافة يعرب عن فراغ روحي وعاطفي ويغذيه ،ويدفع �ضحاياه يف كل اجتاه يحاولون ملء الفراغ الروحي والعاطفي بتكوينات راف�ضة غريبة ،وباالنغما�س يف الكحوليات ،واملخدرات� ،إن املجتمعات املتقدمة اليوم ومن اقتدوا بها يعانون من اب�شع �صور املجاعة الروحية والعاطفية. هذه الوجوه الأربعة من العوملة :الر�أ�سمالية النفاثة ،ونتائج اختالل ميزان الرثوة والقوة يف العامل ،واجلرمية املنظمة ،وثقافة الت�سلية متثل وجوهاً لعوملة خبيثة. نهج الو�سطية ي�شخ�ص العوملة وينادي ويعمل على دعم ايجابياتها واحتواء �سلبياتها. نهج الو�سطية والواقع املعا�صر النهج الو�سطي لي�س حزباً �سيا�سياً وال هو منظمة طوعية ولكنه ا�سلوب تناول للق�ضايا يقوم على الت�شخي�ص املو�ضوعي لها وحتديد االختيارات املتاحة واختيار اجداها واف�ضلها ولال�ستدالل على جدوى هذا النهج �أتناول
امل�شهد ال�سوداين وامل�شهد امل�صري و�أبني كيف �أن امل�شهدين يتجهان �إىل الهاوية ما مل يتطبق فيهما رو�شته النهج الأو�سط. النهج الو�سطي واحلالة ال�سودانية: يف يونيو من عام 1989م ا�ستولت قيادة ذات مرجعية اخوانية على ال�سلطة يف ال�سودان عن طريق االنقالب الع�سكري ومع �أن عنا�صرها كانت م�شرتكة يف نظام دميقراطي يجري انتخابات حرة ونزيهة ف�إنهم طعنوا التجربة من اخللف وا�ستخدموا ال�سلطة لتنفيذ برنامج اق�صاء للآخرين ومتكني كوادرهم من ال�سيطرة على م�ؤ�س�سات الدولة الع�سكرية ،ال�شرطية، والأمنية, ،املدنية ،والق�ضائية ،والإعالمية واخرتاق االقت�صاد الوطني بالطرق التي اعتادها نظام اال�ستبداد ال�شرق �أو�سطي واعلنوا نهجاً مغالياً يف ع�شق ال�سلطة ج�سدته �شعارات تلك املرحلة� ،شعارات ت�سلط داخلي �أذكر منها: نحن للدين فداء فليعد للدين جمده �أو ترق منا الدماء �أو ترق منهم دماء �أو ترق كل الدماء! الدين املق�صود هو برناجمهم االق�صائي للآخرين. وخارجياً: على �أن القيتها �أمريكا ،رو�سيا ،قد دنى عزابها َ �ضرابها! هذا النهج الت�سلطي االق�صائي ا�ستطاع حماية ال�سلطة االنقالبية بكفاءة ولكنه نزل برداً و�سالماً على احلركة ال�شعبية لتحرير ال�سودان (حركة املقاومة اجلنوبية) لأنه اتاح لها حتالفات مع القوى الداخلية املق�صاة، وتعاطفاً قوياً خارجياً حتى قال يل د .جون قرنق :لوال ي�ساء الفهم ملا قد نفعل ف�إنني �أرى �أن نقيم متاثيل لقادة االنقالب ال�سوداين لأننا بف�ضل �سيا�ساتهم واجتاهاتهم واخطائهم حققنا ك�سباً �سيا�سياً ودبلوما�سياً ال يقدر بثمن. نف�س ال�سيا�سيات مزقت الن�سيج االجتماعي يف دارفور فعمقت م�شاكل الإقليم التقليدية ونقلتها �إىل مرحلة جديدة فمنذ عام 2002م انطلقت حركات م�سلحة م�سي�سة ترفع ال�سالح �ضد احلكومة املركزية لأول مرة يف تاريخ دارفور. التمكني الذي اتبعه النظام �ساهم يف املحافظة
على ال�سلطة ولكنه �إذ جعل العنف �أداته واالق�صاء �أ�سلوبه حفظ ال�سلطة و�أ�ضاع الوطن ،م�أ�ساة عرب عنها ال�شاعر ال�سوداين: هل تعممت �أرجلنا؟ �أم ر�ؤو�سنا اتخذت �أحذية؟ القمي�ص ما نلب�س �أم كفن؟ وطن ،وطن ،كان لنا وطن! �سيا�سات النظام كانت العامل الأهم يف انف�صال اجلنوب ،وحولت دارفور �إىل م�سرح حرب دائمة (ا�ستمرت منذ 2002م �إىل يومنا هذا) وانطلقت حرب جديدة يف جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. ويف عام 2012م حتالفت ف�صائل املقاومة امل�سلحة وكونت اجلبهة ال�سودانية الثورية
النهج الوسطي ليس حزبًا سياسيًا وال هو منظمة طوعية ولكنه اسلوب تناول للقضايا يقوم على التشخيص الموضوعي لها وتحديد االختيارات المتاحة واختيار اجداها وافضلها بهدف االطاحة بالنظام بالقوة و�إقامة نظام علماين افريقاين على نقي�ض ايديولوجية نظام اخلرطوم. ويف املقابل �أدى توقيع النظام التفاقية ال�سالم يف 2005م �إىل ن�صو�ص د�ستورية اعتربها بع�ض الإ�سالميني تراجعاً عن النهج الإ�سالمي فتكونت تيارات م�ضادة بع�ضها يعود بامل�شهد ال�سيا�سي �إىل عهد ال�ستينيات وبع�ضها ينادي بتطبيق ما�ضوي لل�شريعة و�إال �أعلنوا اجلهاد. �سيا�سات النظام �أفرزت حروباً متعددة اجلبهات يف البالد و�إدارة االقت�صاد �صنعت تدهوراً اقت�صادياً عمقه انف�صال اجلنوب وف�شل ال�سيا�سات االقت�صادية ،والنتيجة �أن اخطاء
النظام عزلته متاماً وعب�أت �ضده اغلبية ال�شعب ال�سوداين وعزلته خارجياً� ،سوف حتاول جهات خمتلفة االطاحة بالنظام بالقوة ولكن مع كرثة الف�صائل امل�سلحة يف البالد هذه املحاوالت حتى �إذا جنحت �سوف تعر�ض البالد للت�شظي. النهج الو�سطي يوجب جمع كلمة القوى ال�سيا�سية على ميثاق للنظام اجلديد يقبل �شروط ال�سالم العادل ال�شامل ،ويحقق التحول الدميقراطي الكامل ،ويكفل امل�ساواة يف املواطنة ويعتمد مرجعية �إ�سالمية ت�ست�صحب امل�ساواة يف املواطنة وتكفل حرية العقيدة للكافة ،نظام ال يعزل �أية قوى �سيا�سية ذات وزن. هذا النظام اجلديد يرجى �أن حتققه حتركات ت�شمل كل و�سائل القوة ال�سلمية ،و�إذا ا�ستمر النظام احلايل �أو �إذا اطيح به بالقوة ف�إن ال�سودان �سوف يتعر�ض لل�صوملة ت�شظياً وتدخ ً ال اجنبياً. النهج الو�سطي هو رجاء اخلال�ص يف ال�سودان. هذا �أو الطوفان. النهج الو�سطي وامل�س�ألة امل�صرية: الثورة امل�صرية يف يناير 2011م قادها �شباب غري م�ؤدلج ،وغري مرتبط بتنظيمات �سيا�سية ا�ستخدم و�سائل مبتكرة من و�سائط التوا�صل االجتماعي فاحدث خرقاً يف جدار الأمن اندلعت فيه اجلماهري امل�صرية والقوى ال�سيا�سية والنقابية امل�صرية يف مليونية رفعت �شعارات الكرامة ،والعدالة ،واحلرية املعي�شية. موقف انحازت له القوات امل�سلحة فتنحى ر�أ�س الدولة ف�آلت ال�سلطة لقيادة القوات امل�سلحة. قيادة القوات امل�سلحة �أدارت �ش�ؤون احلكم بو�سائل تقليدية ا�ستناداً للد�ستور القائم مع تعديالت حمدودة و�أجرت يف ظله انتخابات عامة ت�شريعية ورئا�سية. القوى الإ�سالمية خا�صة االخوانية كانت الأكرث تنظيماً ومتوي ً ال ففازت بالوالية االنتخابية. ً كان للحركة الأخوانية دوراً مهما يف ت�ضميد جراح الأمة بعد �سقوط اخلالفة العثمانية، ويف االنت�صار للإ�سالم خا�صة يف االو�ساط احلديثة ،يف وقت انحازت فيه قطاعات مهمة من مثقفي الأمة انبهاراً باحل�ضارة الغربية، ومن اجنازات احلركة الأخوانية جتاوز النهج
57
مقاالت
ال وسطية
الفوقي الذي ا�ستمت به الأ�ساليب احلزبية �إىل تكوين تنظيم ذا قواعد �شعبية مكن احلركة من ال�صمود البتالءات ج�سيمة مار�ستها �ضدهم نظم احلكم قبل وبعد عام 1952م. يف ممار�سة ال�سلطة ارتكبت احلركة الأخوانية طائفة من الأخطاء� ،أهمها: • الكفاءة يف م�ستوى التنظيم والتمويل مل مياثلها اجتهاد فكري منا�سب للمرحلة وال برامج جمدية لعالج م�شاكل احلكم. • تورطوا يف تعامل ا�ستفزازي مع م�ؤ�س�سات الدولة "املتجذرة" مثال :ح�صار املحكمة الد�ستورية ،ومدينة االنتاج الإعالمي ثم اخلط�أ الأكرب :الإعالن الد�ستوري التح�صيني يف نوفمرب 2011م. • مل يقدروا قوة وحجم املجتمع العميق بروافده الفكرية ،والأدبية ،والفنية. • بدا رئي�س اجلمهورية ك�أنه مر�ؤو�س وبدا حزب العدالة واحلرية ك�أنه زخريف و�أن قيادة الدولة احلقيقية يف يد اجلماعة ،واجلماعة وهي غري م�ساءلة لغري قواعدها ت�صرفت ب�صورة انتقائية. • وبدا لكثريين �أن ال�سلطة الأخوانية تعطي �أولوية لرابطتها الأممية وعلى ح�ساب ال�سيادة الوطنية امل�صرية وعلى ح�ساب االنتماء القومي العربي. • و�ساهمت عومل كثرية يف االخفاق يف �إدارة ال�ش�ؤون الدنيوية. هذه العوامل جمتمعة هي التي �صنعت م�شهد 30يونيو 2013م وهو حترك �شعبي عري�ض تدعمه قوى اجتماعية حقيقية. وكان الأجدى باحلركة االخوانية �أن تدرك دور اخطائها يف تكوين هذا االحتجاج العري�ض و�أن تعترب ما حدث ابتالءاً من حما�سنه تخلي�صهم من ورطة م�س�ؤولية مل يكونوا م�ستعدين متاماً للممار�ساتها و�أن يقتدوا باملرحوم جنم الدين �أربكان الذي كان عندما يواجه واقعاً مغايراً يلعق جراحه ويعترب �أنه خ�سر معركة ومل يخ�سر احلرب وي�ستعد جلولة �أخرى. احلركة االخوانية كذلك بحاجة لكثري من املراجعات �أهمها:
58 الدين من الثوابت والدولة من المتحركات ويقع خطأ كبير عندما نساوي بين الثوابت والمتحركات أي العقائد والعادات ألن مثل هذه المساواة تمنع حركة المجتمع وهي من سنن الحياة
• اجتهاد جديد حول �شعار الإ�سالم دين ودولة فالدين من الثوابت والدولة من املتحركات ويقع خط�أ كبري عندما ن�ساوي بني الثوابت واملتحركات �أي العقائد والعادات لأن مثل هذه امل�ساواة متنع حركة املجتمع وهي من �سنن احلياة ،ومع �أن �شعار الإ�سالم دين ودولة مفهوم يف ظروف املا�ضي التي �أفرزته فاملوقف الآن يوجب نظرة �أعمق تبني �أن الإ�سالم دين ومقا�صد اجتماعية ما يفتح الباب وا�سعاً ملراعاة حركة املجتمع. • وعلى ال�صعيد العملي ف�إن الأخوانية اهتمت كثرياً بالتنظيم والتمويل على ح�ساب العمل الدعوي والفكري� ،صار التنظيم مقد�ساً لدرجة �أن من معه هو امل�سلم ال غري و�أن من يرتكه يعد من اخلوارج. • اعطوا املناورة دوراً كبرياً �أودى بالثقة ف�إعالن موقف من االنتخابات ثم خمالفته والدخول يف اتفاق مع الآخرين قبل االنتخابات ثم خمالفته عوامل �أفقدت الثقة. • وبعد �إجراءات يوليو 2013م جل�أت قيادات اخوانية لإنذارات خاطئة :نر�ش بالدم -نولع فيها – نفجر البالد – من معنا هم �أهل الإميان والآخرون كفار. �إذن احلركة الأخوانية حمتاجة ملراجعات كثرية مهما واجهت الآن من حتديات فثمة
ر�ؤية فكرية تتعلق بدور الإ�سالم يف ال�سيا�سة ويف الدولة وثمة قوى اجتماعية منا�صرة حتتاج لبلورة فكرية ومراجعة تنظيمية تنا�سب املرحلة. ر�ؤية �شعار الدين هلل والوطن للجميع حمتاجة هي الأخرى لتبيني �أخطاء ارتكبتها و�إجراء مراجعات �أهمها: • �شعار الدين هلل والوطن للجميع بعيد من الوجدان ال�شعبي وال بد من معادلة ت�شبع تطلعات الدين يف ظل امل�ساواة يف املواطنة، هذا ممكن بل �ضروري. • امل�ساواة بني الأخوان والتيارات اجلهادية غري �صحيحة فالأخوان على ا�ستعداد لقبول الآلية الدميقراطية وبينما الآخرون يكفرون جمرد القول بها. • املبادئ التي ينهل منها الأخوان لن تزال بالقوى الأمنية ال �سيما �أن وراءها قوى اجتماعية حقيقية لذلك ف�إن �شعار اجتثاث الأخوان ال ميكن حتقيقه لأنه �سوف يق�صي الأخوان للعمل ال�سري والعمل اخلارجي ورمبا التحالف مع نهج القاعدة ما يعني مقاومة م�ستمرة ت�ؤدي يف املقابل ل�سلطة قاب�ضة ملواجهة هذه املقاومة. • قوى الدين هلل والوطن للجميع مع ا�ستنادها لقوى اجتماعية كبرية فهي م�شتتة و�إذا تولت ال�سلطة ف�إن القوى ذات املرجعية الإ�سالمية �أقدر على زعزعة �سلطتها. امل�شهد الفكري وال�سيا�سي امل�صري ي�ستقطب ب�صورة حادة ويدخل فيه بالإ�ضافة لال�ستقطاب حول �شعار الإ�سالم دين ودولة، والدين هلل والوطن للجميع ا�ستقطاب طبقي وا�ضح غذى ال�صراع تقوده يف احلالني قيادات من الطبقة الو�سطى ولكن بغلب على قواعد الأخوان وحلفائهم �سكان الريف وفقراء املدن، ويغلب على قواعد اجلبهة الأخرى �سكان املدن وقادة م�ؤ�س�سات الدولة املتجذرة وكذلك غالبية االقباط. نهج الو�سطية �إذ يطلع على امل�شهد امل�صري يجد �ضرورة �أن ي�سلم باحلقائق الآتية: �أو ًال� :إن الغاء �أحداث 30يونيو و 3يوليو وعودة
الدكتور حممد مر�سي للرئا�سة م�ستحيلة. ثاني ًا� :إن اجتثاث الأخوان وحلفائهم م�ستحيل. ثالث ًا :ان انت�صار �أحد الطرفني على الآخر ب�ضربة قا�ضية ال ميكن . رابع ًا� :أهمية ما يحدث يف م�صر �سيجعل قوى دولية ،وعربية ،و�إ�سالمية متدخلة يف ال�ش�أن امل�صري تدخ ً ال يزيد �أثره كلما ات�سعت الفجوة بني طريف النزاع ويقل �أثره �إذا احتوى الطرفان اال�ستقطاب احلاد. انطالقاً من هذه احلقائق ف�إن املعادلة املمكنة يف م�صر لتحقيق اال�ستقرار يف نطاق نهج الو�سطية هي:
الوفاق الفكري املذكور -والوحدة الوطنية- والتنمية -والعدالة االجتماعية -ويحمي م�صر من تيارات �إقليمية ودولية �سوف حتر�ص حتماً – لأهمية م�صر -على ت�صفية ح�ساباتها يف ال�ساحة امل�صرية على ح�ساب م�صالح البالد العليا. الواليات املتحدة تدرك �أهمية م�صر فيما يجري يف املنطقة وهي مهتمة بثالثة ملفات: �أمن �إ�سرائيل -وتدفق البرتول -وجلم العنف املوجه �ضدها� .إن موقفها املبدئي هو مع ر�ؤية �أن الدين هلل والوطن للجميع ولكنها ترى �أن احلركة الأخوانية يف هذه املرحلة هي الأقدر على �ضبط ال�شارع ال�سيا�سي وعلى
املطلوب الآن وب�إحلاح هو �أن يدخل التياران املذكوران يف مراجعات فكرية ليدرك الأخوان وحلفا�ؤهم �أن الإ�سالم دين ومقا�صد و�أن للآخر الفكري واملجتمعي دوراً مقدراً يف بناء الدولة و�أن التوجه الإ�سالمي ال ينفي الوطنية وال القومية ،كما تدرك التيارات املدنية �أن للتطلع الإ�سالمي جذوراً يف الوجدان والفكر واملجتمع باقية تتطلب ا�شباعها يف ظل امل�ساواة يف املواطنة وحرية الأديان وحقوق الإن�سان، عليهم تطبيق قاعدة ابن القيم� :إن الفقيه من يدرك الواجب اجتهاداً والواقع �إحاط ًة ويزاوج بينهما. هذه املراجعات ينبغي �أن ت�ؤدي مليثاق جامع لبناء الوطن يج�سد نتائج تلك املراجعات. ميثاق هدفه حتقيق ترا�ضي وطني يحقق
حفظ ال�سالم مع �إ�سرائيل وعلى التحالف �ضد القاعدة. البلدان الأخرى ال �سيما العربية وخا�صة اخلليجية تعتقد �أن ما يحدث يف م�صر �سوف تكون له �أثاره الكبرية عليهم لذلك �سوف يحاولون الت�أثري مبا لديهم من �أمول و�إعالم و�صالت على ما يجري يف م�صر. لل�سماح للمراجعات املطلوبة �أن جتري يف مناخ منا�سب ف�إن البالد بحاجة ملرحلة انتقالية تقوم على �أ�سا�س �إعالن مبادئ قواعده: (�أ) االعرتاف بالواقع ال�سيا�سي الراهن وقبول �شرعيته وقبول ا�ستحقاقات هذه ال�شرعية. (ب) االعرتاف باالخوان وقبول ا�ستحقاقات هذا االعرتاف. (ج) م�شاركة يف ال�سلطة االنتقالية جتعلها
ممثلة للكافة. (د) تو�سيع �آلية الد�ستور لت�صري ممثلة للكافة. (ه) �إ�صدار ت�شريع ملزم بحقوق الإن�سان. (و) اجراء حتقيق عادل فيما حدث وتكوين هيئة للعدالة االنتقالية لبيان احلقائق، وامل�صاحلة ،واالن�صاف. (ز)االلتزام بالوحدة الوطنية ،وبالدميقراطية وبحرية الأديان وحق منت�سبيها يف حتقيق تطلعاتهم بالو�سائل الدميقراطية وبالتزام بحقوق املواطنة للكافة. ختام :النهج الو�سطي هو اختيار اف�ضل ال�سبيل لتحقيق اال�ستقرار والتنمية ويف العدول عنه الهالك. الُمُو ِر ا ْلو ََ�س ُط. ُح ُّب ال َّت َناهِ ى َغلَ ُط َ .خيرْ ُ ْ أ
املراجع � -1سورة القلم الآية ()28 � -2سورة قري�ش الآيتان ()3،4 � -3سور هود الآية ()61 � -4سورة النحل الآية ()90 � -5سورة الكهف الآية ()29 � -6سورة املمتحنة الآية ()8 � -7سورة احلجرات الآية ()13 � -8سورة االنبياء الآية ()10 � -9سورة الإ�سراء الآية ()23 � -10سورة الرحمن الآية ()60 � -11سورة الإ�سراء الآية ()24 � -12سورة املمتحنة الآية ()8 � -13سورة حممد الآية ()24 � -14سورة البقرة الآية ()269 � -15سورة الرعد الآية ()4 � -16صحيح م�سلم � -17سورة ف�صلت الآية ()46 � -18سورة الإن�سان ()3 -19الإمام �أحمد � -20سورة الأنعام الآية ()38 � -21سورة �آل عمران الآية ()115 � -22سورة الن�ساء الآية ()164 � -23سورة النحل ()8 � -24سورة املائدة الآية ()101 � -25سورة اجلاثية الآية ()13 � -26سورة الذاريات الآية ()56 � -27سورة الإ�سراء الآية ()44 � -28سورة الأنعام الآية ()38 � -29صحيح البخاري -30الإمام �أحمد � -31سنن الن�سائي
59
مقاالت
ال وسطية
60
منذ قرن وأكثر ،كان الحديث عن استعادة اإلسالم لبهائه األول القائم على إدراك معاني االستخالف ،ومعاني الحضارة واإلسهام في البناء اإلنساني ،ومع أن ذاك الزمن الذي بدأ بتحطم اآلمال العربية في الحرية والنهوض والتي قادها شريف مكة الحسين بن علي رحمه اهلل أمام مشروعين غربيين ،هما الحركة الصهيونية ،ومشروع الحداثة األوروبية والنفوذ األوروبي في المنطقة ،إال أن العرب عاشوا ذاك الزمن دون الوصول إلى القنوط أو اليأس ،إذ ظل البحث عن التجديد واإلصالح قائما بين المسلمين أنفسهم وبين خصوهم أيضا.
أثر التوازنات الدولية واإلقليمية على مستقبل التغيير في المنطقة العربية
�أ.د اخليف الطراونة رئي�س اجلامعة الأردنية
هنا �أ�شري �إىل جمموعة من املحطات وهي ذات �صلة عميقة باملوقف الغربي وال�سيا�سات الدولية من املنطقة� ،أولها املناظرة ال�شهرية بني ال�شيخ جمال الدين الأفغاين وامل�ست�شرق الفرن�سي �آرن�ست رينان .وكللكم تعلمون �أن ال�شيخ جمال الدين الأفغاين مبا ترك من �أثر يف م�صر والأ�ستانة كان يدافع عن الرابطة الإ�سالمية ،ثم جنده يعار�ض �أرن�ست رينان ويدخل معه يف معركة الردود الفكرية لال�ستدالل على قدرات العرب واجنازهم يف الفل�سفة والعلوم وبنف�س الوقت يت�ساءل عن دور الإ�سالم يف �أزمة امل�سلمني، واملخت�صون يعرفون �أن رينان كان يتحدث با�سم اجلهمورية والثورة والعادلة واحلرية!. يف حني �أراد الأفغاين �أن يجعل من نف�سه حماميا لل�شرق ،يف الوقت الذي كان يعي حدود امل�سافة الفا�صلة بني الدين والعقل. وكان الأفغاين يحاول الدفاع عن دور العرب يف جمال الفل�سفة يف مقابل مقولة رينان بتخلف العرب الفطري(.)1 الإ�شارة الثانية ،مت�صلة مبفكر و�سيا�سي عربي هو الأمري �شكيب �أر�سالن الذي و�ضع كتابا بعنوان" :ملاذا ت�أخر امل�سلمون وتقدم
غريهم( :)2و�شكيب �أر�سالن كما تعلمون مفكر و�سيا�سي عا�ش زمن امل�ؤامرات الغربية وتق�سيم املنطقة ،وكان قد انظم حتت لواء الدفاع عن املنطقة العربية وجتاوزها للدفاع عن م�سملي جاوه وافغان�ستان واملغرب يف مواجهتهم لقوى اال�ستعمار الغربي. والإ�شارة الثالثة ،مت�صلة باجلدل الفكري الذي نقر�أه يف �صفحات جملة الفتح القاهرية لل�شيخ حمب الدين اخلطيب ،وجملة امل�شرق وجملة املقتطف والر�سالة الأدبية ،ولو �أن واحدا منا ت�صفح هذا املجالت ونظر �إىل احلوار العميق بني ذلك اجليل خال نهايات القرن التا�سع ع�شر وو�صل �إىل منت�صف القرن الع�شرين ،لأدرك حقيقينت� :أولها �أن الوعي العربي والإ�سالمي مل يكن قا�صرا عن �إدراك م�ؤامرات الغرب و�سيا�ساته على املنطقة ،كما �أنه �سيجد يف احلقيقة الثانية م�سلمني وعربا يخو�ضون جدال كبريا على ق�ضايا الإ�صالح والتجديد والعلمنة والتب�شري ولكن ب�صورة ح�ضارية ،تخلو من الت�شدد والإنغالق والتطرف ،بعك�س ما ن�سمع ون�شاهد اليوم. وهنا �أذكر الأخوة �شيوخ الدين بجهود �شيخ من �شيوخ جامع الزيتونة توىل م�شيخة
الأزهر وخا�ض يف الأعوام 1936-1928جدال كبريا هو الإ�صالح والدعوة والتجديد وهو ال�شيخ حممد اخل�ضر احل�سني(.)3 هذه الإ�شارات الثالثة� ،أردت البدء بها، لأقول �أن النخبة العربية والإ�سالمية مل تكن بعيدة عن فهم ما يجري من م�ؤمرات غربية ،ويف داخل تلك النخبة تبلور انق�سام جلي بني دعاة الأخذ الكامل وقبول كل ما ي�أتي به الغرب ،وق�سم �آخر كان يرى �أن و�سطية الإ�سالم تقبل باجليد املمكن التعامل معه والقادم من الغرب ،وق�سم ثالث انربى للذود عن الإ�سالم باعتباره لي�س بحاجة لأي جديد. ومن رحم تلك التجربة ولدت الدعوة �إىل الو�سطية والإحيائية الإ�سالمية مع جتربة الإ�سالم ال�سيا�سي وتيار التغريب والعلمنة، وما زلنا نعي�ش حتى اليوم ذلك االنق�سام، الذي مل يتحول �إىل �أفكار �سيا�سية حزبية تعزز من قوة الدولة الوطنية وتقودها نحو الدميقراطية لكي تواجه �أطماع ال�سيا�سات والقوى الغربية فيها. و�أعود هنا و�أقول ما �أ�شبه اليوم بالأم�س، فذاك زمن انق�سم فيه العرب بينهم يف حني كان التغلل الغربي يف دولنا ع�سكريا و�سيا�سيا مبا�شرا ،وها نحن اليوم نعي�ش انق�ساما بني النخب والأفكار ،والغرب يتدخل بنا وي�أتي �إلينا بال�سفارات والو�ساطات ال�سيا�سية يف �إثر الربيع العربي ينقذ دولنا من الو�صول �إىل حاالت العنف ال�شعبي ،ولي�س يف ذلك �إال رغية واحدة من الغرب مت ِّكن م�صاحله من البقاء. ومع فروقات الأزمنة واخلطابات بني النماذج امل�شار �إليها �إال �أنها جت�سدت يف ثالثة مناذج ما زالت حا�ضرة حتى اليوم يف الدولة العربية املعا�صرة .ففي كتابه االيدولوجيا العربية املعا�صرة يرى املفكر املغربي وامل�ؤرخ ال�شهري عبداهلل العروي ب�أن تعاي�ش خمتلف
إن القول اليوم بأن وعي الشيخ والليبرايل ودعاة األخذ بالتقنية غير موجود يف اللحظة المعاصرة عربيا يمكن اعتباره بأنه نوع من النفي المتلطف لمقولة أننا تغيرنا �أنواع الوعي يف الدولة نف�سها هو �شيء ال جدال فيه ،ولكن التعاقب التاريخي هو الذي يعطي كل وعي منها وزنه النوعي(.)4 �إن القول اليوم ب�أن وعي ال�شيخ والليربايل ودعاة الأخذ بالتقنية غري موجود يف اللحظة املعا�صرة عربيا ميكن اعتباره ب�أنه نوع من النفي املتلطف ملقولة �أننا تغرينا ،غري �أن اجلراحة الفاح�صة ت�ؤكد اليوم ا�ستمرار هذا الوعي الثالثي ،فالوعي امل�شيخي ال يزال موجودا ،والليرباليون العرب دخلوا يف حالة جديدة من العالقة من الأنظمة ال�سائدة ودعاة الن�سخة الغربية من التقانة م�ؤثرون ب�شكل �أو ب�آخر لدى م�ؤ�س�سات الدولة وبخا�صة يف مناهج الرتبية و�أ�ساليب التدري�س ،ولكل منهم وزنه لكن ال �أحد يقول ما قاله الأفغاين قبل قرن ون�صف تقريبا. قادت ال�شرا�سة الفكرية يف الهجوم على الإ�سالم والعرب �إىل حالة �إرباك ،وهذه احلالة التي غابت يف حلظات ت�أجج ال�صراع مع الغرب باتت اليوم مطروحة يف �سياق البحث عن بديل خليارات الدولة املهرتئة، ليعود ال�س�ؤال من جديد :ما هو �شكل الدولة املن�شودة؟ فهل هي دولة دينية حتقق �شعار الإ�سالم هو احلل� ،أم هي دولة قومية االيدولوجيا ثبت ف�شلها� ،أم ع�سكرية تبني عجزها؟
بعد �أربعة عقود على �أهوال هزمية العرب ،1967وهي عقود �أكدت ف�شل االنتفاع العربي من الليربالية الغربية ،ف�إن نداء اال�ستغاثة يكاد يعاود الكرة مرة �أخرى يف ظل واقع مفكك للدولة العربية ،وبخا�صة بعد غزو العراق واحتالله وبعد �أن ف�شلت كل حماوالت الثورة والتغيري والإ�صالح يف �إحالل م�شهد �أف�ضل. و�إن مدخل النك�سة وحروب فل�سطني تعد مدخال للحديث عن دور القوى الغربية الدولية يف املنطقة اليوم ،لكونها غري بعيدة من دائرة الأحداث يف املنطقة ،فمن املهم القول �أن �شكل املنطقة وخارطتها الإقليمية مر�شحة للتغيري ،ومع �أننا مل ن�شهد تغيريا جيو�سيا�سيا ملمو�سا وفاعال م�ؤثرا� ،إال �أن التحول يف امللفات والق�ضايا الإقليمية كافة كان متغريا بت�سارع كبري ،وظهر ذلك ب�شكل جلي بعد التدخل الوا�ضح يف ال�شئون الإقليمية من قبل الواليات املتحدة بعد حرب اخلليج الثانية 1990-91ومن ثم غزو العراق ،2003مما �ش ّرع �أبواب املنطقة على م�صراعيها �أمام التواجد الأجنبي الغربي، وهنا نحن اليوم بعد العام 2010نقع حتت الـت�أثري الدويل الدعم لقوى التغيري الثوري املحلي ،والتي مل ت�ستقر نتائجها بعد ،وال تب�شر بعد بخري كبري ،اللهم غري �أنها و�سعت قاعدة احلرية والتعبري للنا�س. ففيما بد�أ النظام الدويل ي�شهد عدداً من التحوالت يف موازين القوى يف ال�سنوات الأخرية� ،شهد العامل العربي م�ؤخراً حتوالت �سيا�سية عميقة ،متثلت يف الثورات العربية و�إ�سقاطاتها املختلفة ،مما �أحدث حالة من االرتباك يف امل�شهد ال�سيا�سي الإقليمي، وهذا ين�سحب على املواقف الدولية من هذه الثورات �أي�ضاً؛ حيث عك�ست مواقف القوى العظمى تباينا وا�ضحا يف الر�ؤية الإ�سرتاتيجية ،مما يجعل حماولة معرفة
61
مقاالت
ال وسطية
�أثر التوازنات الدولية على م�ستقبل املنطقة العربية �أكرث �إحلاحاً من ذي قبل ،ال�سيما يف ظل نذر تناف�س حاد بني القوى الدولية على امل�صالح والنفوذ يف العامل� .إذ من املرجح �أن يكون التناف�س يف العقود القادمة بني الواليات املتحدة من ناحية ،وال�صني من ناحية �أخرى ،وهكذا ف�إن ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه يف هذا ال�ش�أن يتمحور حول طبيعة و�آفاق هذا التناف�س الدويل وت�أثري ذلك على العامل العربي. و�إذا كان ممفتح القرن الع�شرين بد�أ بتوغل غربي ع�سكري يف املنطقة العربية ،ف�إن ال�سيا�سية الدولية اليوم تاتي �إلينا بتدخل خمتلف� ،إذ �أ�ضحت ال�سيا�سة الدولية �ساحة للتناف�س وال�صراع من �أجل القوة وامل�صلحة، بالتايل ي�صبح فهم توازنات القوة الدولية واالعتبارات امل�صلحية حمدداً رئي�سياً لفهم العالقات امل�ستقبلية بني املنطقة العربية والقوى الكربى ،ال�سيما فيما يتعلق مب�سائل النفوذ والهيمنة .وتتوقف الإجابة على هذا الت�سا�ؤل على ثالثة عوامل رئي�سية: �أو ًال ،منط العالقات والتوازنات بني القوى الدولية؛ ثانياً ،م�سار التغيري ال�سيا�سي يف املجتمعات العربية الثائرة؛ ثالثاً، �أهمية العامل العربي اجليو�إ�سرتاتيجية واالقت�صادية بالن�سبة للقوى الكربى. الثورات وحتوالتها: �شكلت الثورات العربية نقطة حتول مف�صلية يف تاريخ املنطقة العربية احلديث ،حيث مل يكن من املتوقع على الإطالق حدوث خم�س ثورات يف وقت �شبه متزامن ،ويف دول كان ينظر لها على �أنها �شبه ع�صية على التغيري ال�سيا�سي اجلذري نظراً للطبيعة ال�شمولية لتلك الأنظمة .وقد طالت هذه الثورات دو ًال عربي ًة يتجاوز ت�أثريها ال�سيا�سي حدودها القطرية ،ونق�صد هنا م�صر و�سوريا، بينما ميكن القول �أنه بحكم اجلغرافيا
62 ال�سيا�سية ف�إن بالد �شمال املغرب العربي ال تتمتع بت�أثري كبري على جمريات ال�سيا�سة العربية ،بالتايل ف�إن التطورات ال�سيا�سية التي حت�صل فيها ال يكون لها نف�س الت�أثري التي تتمتع به بع�ض دول امل�شرق العربي ،لكن يف جميع احلاالت ف�إن ما ح�صل خالل عام 2011ي�شكل بداية جديدة حلقبة �سيا�سية ترتكز معاملها الرئي�سية حول حتول موازين القوى ال�سيا�سية الداخلية لفاعلني جدد ما
إن حال ًة من "عدم اليقين السياسي" حول الثورات ومصيرها تتواصل يف المجتمعات العربية كون المجتمعات التي تجاوزت المرحلة األوىل للتغيير السياسي بإسقاط األنظمة السياسية التي كانت تحكمها تعيش اآلن مرحلة بلورة مخرجات ذلك الحراك، يعني �إمكانية ر�ؤية تغري وا�ضح يف العقيدة ال�سيا�سية لهذه الدول ،وما ينتج عن ذلك من تغري يف التوجهات ال�سيا�سية اخلارجية لها، لكن يجب الإ�شارة هنا �إىل �أنه نظراً للطبيعة ال�شمولية لهذه املجتمعات يف ال�سابق ف�إن التحول الفجائي �إىل حالة من التعددية وامل�شاركة ال�سيا�سية الكلية يجعل من �إعادة
البناء ال�سيا�سي �أكرث �صعوب ًة و�أطول �أمداً. �إن حال ًة من "عدم اليقني ال�سيا�سي" حول الثورات وم�صريها تتوا�صل يف املجتمعات العربية كون املجتمعات التي جتاوزت املرحلة الأوىل للتغيري ال�سيا�سي ب�إ�سقاط الأنظمة ال�سيا�سية التي كانت حتكمها تعي�ش الآن مرحلة بلورة خمرجات ذلك احلراك، ف�أ�صبحت هذه املجتمعات من�شغلة مب�س�ألة ت�شكيل الأنظمة ال�سيا�سية مبا يتطلبه ذلك من �إجراءات ت�شريعية وم�ؤ�س�ساتية ،تتمثل يف ا�ستحقاقات انتخابية و�صياغة د�ساتري جديدة ،والذي من خالله ميكن احلكم على امل�سار الذي �ست�سلكه هذه املجتمعات ،وما �إذا كانت قادرة على اخلروج من عنق الزجاجة، �أما �أنها �سوف تقع يف وحل اال�ستقطاب ال�سيا�سي الداخلي بكافة دوافعه ومربراته املذهبية والطائفية والأيديولوجية ،وما قد يدعم ذلك من قوى دفع خارجية ،قد ت�ساهم جميعها يف ت�شويه عملية التحول الدميقراطي �أو �إعاقتها(.)5 �إال �أنه من الوا�ضح �أن الأحزاب الإ�سالمية �أ�صبحت فر�س الرهان احلقيقي يف املجتمعات الثائرة ،لكن لي�س من ال�سهولة احلكم على نواياها وتوجهاتها منذ البداية ،ولن يكون الت�أثري عليها ممكناً عطفاً على توجهاتها الأيديولوجية وفل�سفة العمل اخلا�صة بها، والتي تتباين ب�شكل كبري مع توجهات غالبية الأنظمة احلاكمة يف العامل العربي ،بالتايل �سوف تكون عالقتها مع حميطها الإقليمي والدويل انتهازية قائمة على الظرفية امل�صلحية(.)6 هذا يعني �أن ت�أثري التوجهات الدينية �أ�صبح �أكرث و�ضوحاً يف العامل العربي هذه الأيام ،حيث تزايد طموح احلركات ال�سيا�سية الإ�سالمية ب�شكل عام مع و�صول بع�ضها �إىل احلكم يف بلدان الربيع العربي ،الأمر الذي �شكل تهديداً وا�ضحاً و�صريحاً لبع�ض
الأنظمة ال�سيا�سية يف املنطقة مما ا�ستوجب تبني �إ�سرتاتيجية م�ضادة ترمي �إىل حما�صرة ومنع التمدد ال�سيا�سي للإخوان يف بع�ض الدول العربية بجميع الو�سائل املمكنة .وقد قاد ذلك �إىل انق�سام �سيا�سي بني الدول العربية يتمحور حول اخلط ال�سيا�سي امل�أمول �أن يهيمن على م�ستقبل املنطقة، حيث التناف�س بني النموذج الإخواين الذي ال يزال يف طور التبلور مقابل اخلط ال�سيا�سي التقليدي لأنظمة احلكم العربية .و�إذا كانت بع�ض الدول العربية ت�سعى لدعم امل�شروع الإخواين بكل �ضراوة ،باملال والإعالم، ف�إن املع�سكر املناوئ يحاول �أي�ضاً توظيف �إمكانياته املختلفة لتقوي�ض ذلك امل�شروع واحلفاظ على الو�ضع دون تغيري يذكر �أو جعل ال�ضرر يف �أقل احلدود املمكنة .وي�ساهم يف زيادة حدة التناف�س ال�ضعف الوا�ضح الذي ال تزال تعاين منه بلدان الربيع العربي ،التي و�صل الإ�سالميون فيها �إىل �سدة احلكم، ومر ّد ذلك ال�ضعف ب�شكل رئي�س هو نق�ص اخلربة ال�سيا�سية لدى القيادات الإخوانية، وعدم ثقتها بالقوى ال�سيا�سية التقليدية نتيجة تراكمات املا�ضي حني كان �أقطاب احلركات الإ�سالمية باملنفى �أو ال�سجون ،كام �أن �ألغ�سالميني يف احلكم ات�ضح �أنهم يريدون احلرية لأنف�سهم وي�أبونها على غريهم، ومار�سوا جتربة احلزب يف حكم الدولة وهذا مال ينفع ال�شعوب الباحثة عن العدالة ورفع الظلم واحلد من البطالة. و�إن من �أهم العوامل التي �أثرت على مواقف القوى العظمى من الثورات العربية الأهمية الإ�سرتاتيجية لبلدان الربيع العربي بالن�سبة للدول الكربى ،وكذلك ر�ؤية الأخرية لت�أثري هذه الثورات على م�صاحلها الإ�سرتاتيجية والتوازنات الدولية امل�ستقبلية( .)7ومن اجلدير بالذكر يف هذا ال�سياق �أن بلدان الربيع العربي تتفاوت من ناحية �أهميتها
بالن�سبة للدول الكربى ،وميكن القول �إن دول امل�شرق العربي (م�صر و�سوريا) حتظى ب�أهمية �أكرب العتبارات جيو�إ�سرتاتيجية معروفة ،وتظل ليبيا مهمة بحكم مواردها النفطية ،بينما تعترب اليمن مهمة كي ال ت�ضعف ال�سلطة املركزية وتتحول �إىل دولة فا�شلة يتخذ منها تنظيم القاعدة مركزاً لإعادة التنظيم وجتميع قواه يف حربه مع الدول الغربية ،وتبقى تون�س يف عهد الرئي�س ابن على حليفاً للدول الغربية لكنها ال حتظى بنف�س القدر من الأهمية اجليو�إ�سرتاتيجية �أو االقت�صادية التي حتظى بها نظرياتها من الدول العربية.
عكست مواقف القوى الدولية من الثورات العربية حالة الشك وعدم اليقين التي تعتري العالقات بينهما، السيما الصين وروسيا من جهة والواليات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى عك�ست مواقف القوى الدولية من الثورات العربية حالة ال�شك وعدم اليقني التي تعرتي العالقات بينهما ،ال�سيما ال�صني ورو�سيا من جهة والواليات املتحدة و�أوروبا من جهة �أخرى ،وبدا ذلك �أكرث و�ضوحاً بالن�سبة لكيفية معاجلة الأزمة ال�سورية، وب�شكل �أقل الثورة الليبية ،بينما كان احلذر والرتدد ال�سمة الغالبة على مواقف هذه الدول من الثورة امل�صرية ،وميكن الإ�شارة
�إىل �سببني �أثرا على املواقف الدولية جتاه الثورات العربية :اعتبارات �سيا�سية داخلية، وق�ضايا امل�صالح والنفوذ .فعلى عك�س القوى الغربية ،ا�ستقبلت ال�صني ورو�سيا الثورات العربية بحذر كبري ،بل عار�ضتا الثورات العربية ،حيث اخلوف من �أن تنتقل هذه الثورات �إىل ن�سيجهما الداخلي؛ �إذ منعت ال�صني مفردات الثورات العربية على حمركات البحث على الإنرتنت ،فيما تزايدت حدة املعار�ضة للحزب احلاكم يف رو�سيا وخ�سر احلزب يف االنتخابات العامة جزءًا ال ي�ستهان به من �أ�صوات الناخبني� .أما على �صعيد امل�صالح والنفوذ فقد حتفظت رو�سيا وال�صني على التدخل الغربي يف ليبيا ،بينما عار�ضتا ب�شدة التدخل الع�سكري يف �سوريا، مذكرتني بتجاوز القوات الغربية حدود التفوي�ض املمنوح لها من جمل�س الأمن حلماية املدنيني ،وا�ستخدام القوة اجلوية �ضد قوات القذايف (.)8 �أهمية املنطقة العربية يف ميزان القوى الدولية �أو ًال -:ال�صني ورو�سيا ميكن القول �إن النفط والقوة �أ�صبحتا على ارتباط كبري يف اعتبارات القوى الكربى ونظرتها مل�صاحلها يف املنطقة العربية. فت�أمني �إمدادات النفط كان دائماً من العوامل احلا�ضرة يف ذهن �صناع القرار يف العامل الغربي ،و�أ�صبح ا�ستخدام القوة من �أجل �ضمان �أمن الطاقة عام ً ال مهماً �ضد التدخل الأجنبي �أو حتى الإقليمي لأن ذلك �سيعرقل منو القوى ال�صناعية الغربية(،)9 ولعل ما حدث يف حرب اخلليج الثانية عندما �أقدم العراق على احتالل الكويت حيث �صرح الرئي�س الأمريكي �آنذاك جورج بو�ش ب�أن الواليات املتحدة لن ت�سمح ل�صدام ح�سني ب�أن ي�سيطر على ما يقارب ربع احتياطي النفط يف العامل خري مثال على ذلك.
63
مقاالت
ال وسطية
ومهما يكن هناك من حديث يف الآونة الأخرية حول اكت�شافات كبرية للنفط والغاز ال�صخري يف الواليات املتحدة ،وتطور التقنية امل�ستخدمة ال�ستخراجه ،مما ميكنها من اال�ستغناء عن النفط العربي ،بل ويجعلها م�صدراً للنفط والغاز بد ًال من كونها �أكرب م�ستورد يف العامل يف الوقت احلايل ،و�إذا كانت التقارير ت�شري �إىل �إمكانية اكتفاء الواليات املتحدة من الغاز ال�صخري بحلول عام 2015ومن النفط ال�صخري بحلول عام � ،2025إال �أن ذلك �أمر غري م�ؤكد نتيجة التكلفة العالية لعملية اال�ستخراج التي تقدر بـ 57دوالراً للربميل ،مما يتطلب بقاء �أ�سعار البرتول مرتفعة� ،إ�ضاف ًة �إىل امل�ضار التي تلحقها عملية اال�ستخراج بالبيئة نظرا ال�ستخدام مواد كيماوية يف عمليات احلفر والتك�سري(.)10 بالتايل ف�إنه من املحتم �أن يكون العامل العربي �أحد مناطق ال�سباق على النفوذ بالن�سبة للقوى الكربى نتيجة كونه ميتلك نحو 57يف املائة من احتياطيات النفط املثبتة عاملياً ونحو 30يف املائة من احتياطيات الغاز العاملي� ،إ�ضاف ًة �إىل املمرات املائية التي تعترب �شرياناً مهماً للتجارة الدولية .وقد ذكر امل�ؤرخ �ألربت حوراين �أن من ي�سيطر على ال�شرق الأو�سط ي�سيطر على العامل ،وتبدو هذه املقولة �أ�شد �إحلاحاً يف الفرتة احلالية. وقد اعترب ال�صينيون منذ القدم �أن املوقع الإ�سرتاتيجي لل�شرق الأو�سط على ارتباط كبري بتوازن القوى الدويل لأن ال�سيطرة على ال�شرق الأو�سط ت�شكل م�ؤ�شراً على تغلب قوة عظمى على �أخرى( ،)11وبالتايل كانت ال�صني تعار�ض دائماً �سيطرة �أية قوة كربى على املنطقة العربية ،لكن مل يكن لديها القدرة على التحكم مبخرجات التفاعل الإقليمي والت�أثري فيه(.)12 ومن املرجح �أال ت�ستمر الهيمنة الأحادية
64 من المحتم أن يكون العالم العربي أحد مناطق السباق على النفوذ بالنسبة للقوى الكبرى نتيجة كونه يمتلك نحو 57يف المائة من احتياطيات النفط المثبتة عالميًا ونحو 30يف المائة من احتياطيات الغاز العالمي للواليات املتحدة على مفا�صل ال�سيا�سة الدولية ،فهناك قوى �أخرى حتاول اللحاق بالقوة الأمريكية ولعب دور ملمو�س على امل�سرح الدويل ،مثل رو�سيا وال�صني .ويرى يف هذا ال�سياق منظرو العالقات الدولية �أنه كلما �أ�صبحت دولة ما قوة اقت�صادية كلما ت�شعبت م�صاحلها حول العامل ،مما يجعلها ت�سعى لتطوير بقية مواردها من القوة ،ال�سيما القوة الع�سكرية ،والدخول يف حتالفات �أو �شراكات �إ�سرتاتيجية مع الدول الأخرى يف كافة املجاالت( .)13وهذا ينطبق ب�شكل كبري على ال�صني التي �أ�صبحت من �أكرب االقت�صاديات العاملية ،فيما بد�أت رو�سيا ت�ستعيد جزءًا من عافيتها يف ال�سنوات القليلة املا�ضية ،يعزز من ذلك وجود قيادة قومية رو�سية ت�ؤمن ب�أهمية بعث الدور الرو�سي من جديد. ومن غري امل�ستغرب �أن نرى م�ستقب ً ال مزيداً من الت�سابق والهرولة نحو املنطقة العربية لل�سيطرة على مواردها ،وهذا
على عالقة بال�سباق بني ال�صني والواليات املتحدة �أي�ضاً ،فال�صني ت�ستورد نحو 55يف املائة من احتياجاتها النفطية من اخلارج، ما يقارب 47يف املائة منها ي�أتي من املنطقة العربية ،فيما بلغ ميزان التبادل التجاري بني ال�صني والعامل العربي نحو 190مليار دوالر عام .2011 وميكن اال�ست�شهاد هنا مب�س�ألة الت�صويت يف جمل�س الأمن على م�شروع القرار العربي- الغربي حول الأزمة ال�سورية بتاريخ � 4شباط /فرباير ،2012حيث ا�ستخدمت رو�سيا وال�صني حق النق�ض "الفيتو" ،كم�ؤ�شر على حدة التناف�س الدويل وحماولة رو�سيا وال�صني بعث ر�سالة �إىل الواليات املتحدة ب�أنها لي�ست طليقة اليدين يف ال�شرق الأو�سط ال�سيما و�أن �سوريا تعترب من املع�سكر الإقليمي املناوئ للواليات املتحدة و�أحد املعاقل القليلة املتبقية لرو�سيا يف العامل، رغم �أنها ال متلك املوارد املالية وال املخزون النفطي الكبريين ،كما �أن ال�صني "�أرادت بدورها القول �إن على الواليات املتحدة �أن تلجم اندفاعها و�أن تفكر يف م�صالح الآخرين .و�أن ال�صني تتعاطى مع الأزمة ال�سورية وعينها على �إيران وم�صاحلها هناك وم�صادرها من النفط الإيراين ،و�أن ال�صني تفكر يف العقود املقبلة وخماطر �أن ت�سقط بحرية نفط ال�شرق الأو�سط بكاملها حتت النفوذ الأمريكي .و�أن هذا ال�سقوط �سي�ضع قيداً على �صعود العمالق ال�صيني" �أي �أن ما مت يف �أروقة جمل�س الأمن ال يخرج عن كونه حماولة من قبل رو�سيا وال�صني للت�أ�سي�س لنظام عاملي جديد متعدد الأقطاب ،و�صعود قوى عظمى جديدة ،اقت�صاديا وع�سكريا، تريد و�ضع حد للهيمنة الأمريكية الغربية على مقدرات العامل. يف مثل هذه احلالة ف�إنه من غري املرجح �أن يكون التوجه الأمريكي نحو منطقة
البا�سيفيك وبحر ال�صني م�ؤ�شراً على تناق�ص �أهمية منطقة ال�شرق الأو�سط يف �سلم الأولويات الأمريكية والأوروبية ،بل يندرج ذلك يف �إطار حماولتها تقوية ح�ضورها يف ال�شرق الآ�سيوي كي حتيط بكني ب�سل�سلة من مناطق النفوذ يف �شرق وغرب �آ�سيا .حيث يرى املفكرون الإ�سرتاتيجيون الأمريكيون، من �أمثال بريجين�سكي ،ب�أن مثل هذا التوجه ي�ستوجب تقوية حلف الناتو واملع�سكر الغربي الدميقراطي لي�شمل غالبية دول �شرق �آ�سيا، بالإ�ضافة �إىل رو�سيا وتركيا �إن �أمكن� .أي �أنه على الواليات املتحدة �صوغ �إ�سرتاتيجية كربى grand strategyوذلك من خالل تو�سيع دائرة العامل الدميقراطي والغربي لي�شمل دو ًال متعددة من دول �أمريكا ال�شمالية �إىل و�سط �آ�سيا و�شرقها لت�شمل دو ًال مثل رو�سيا وتركيا وكوريا اجلنوبية واليابان مما يعزز من جاذبية املبادئ الغربية وي�ساهم بالتايل يف ظهور ثقافة دميقراطية
ذات طابع عاملي. كما ميكن القول ب�أن الفو�ضى وعدم اال�ستقرار ال�سيا�سيني اللذين ي�سودان �أكرث من ثلث الدول العربية يف الفرتة احلالية قد يوفران الفر�صة لتقوية احل�ضور الغربي وفقاً لإ�سرتاتيجية قائمة على "ملء الفراغ" مبا يحول دون تو�سع القوى الدولية املناف�سة للغرب ،لكن ذلك يتوقف ب�شكل رئي�سي على مدى قدرة القوى الغربية ،وبالأخ�ص الواليات املتحدة الأمريكية ،يف الت�أثري على خمرجات احلراك ال�سيا�سي يف الدول العربية ،وال ميكن اجلزم ب�إمكانية جناح مثل هذه امل�ساعي الأمريكية قبل �أن ت�أخذ الثورات العربية �شكلها النهائي .يف نف�س ال�سياق ولنف�س ال�سبب ،من املرجح �أن يت�أخر ظهور �أية حماور �إقليمية يف املنطقة ،و�سوف يكون الرتقب �س ّيد امل�شهد ال�سيا�سي الإقليمي يف املدى القريب.
ثانيا -:اجلمهورية الإ�سالمية الإيرانية تكمن امل�صلحة الإيرانية وراء التقارب الأخري مع وا�شطن وترتكز تلك امل�صلحة يف ثالثة حماور رئي�سة هي: �أوال -:يف ت�أمني نفوذ �إيران يف املناطق املتوترة ،ممثلة يف العراق ،و�أفغان�ستان، والبحرين. ثانيا� -:أن تكون تركيبة ال�سلطة يف �سوريا بعد الأ�سد ال تقل�ص النفوذ الإيراين هناك، ودون �أن يتم تقليم �أظافر حزب اهلل يف لبنان، ولذا طرح روحاين الو�ساطة يف �سوريا ،يف حماولة لت�أمني دور ما لإيران يف جنيف ،2 مقابل تدخل وا�شنطن ب�شكل ما يف البحرين. ثالثا -:برفع �أي قيود على قدرات �إيران التي ت�سمح لها باال�ستمرار يف ن�شاط �سيا�ستها اخلارجية ،واالحتفاظ بنفوذها، واالعرتاف مبكانتها يف العامل ،ويت�ضمن ذلك االعرتاف بحق �إيران يف امتالك
65
مقاالت
ال وسطية
القدرات النووية الالزمة لإمتام دورة الوقود النووي ،وهو ما يعني عمل ًّيا احتفاظها بحق تخ�صيب اليورانيوم يف مفاعالتها النووية، وهو ما عده روحاين "مكو ًنا مه ًّما يف هوية ً و�شرطا الز ًما لتحقيق الدولة الإيرانية"، "الكرامة واالحرتام لإيران يف العامل"� ،أي �أن امتالك هذه القدرات غري قابل للتفاو�ض وهو "اخلط الأحمر الإيراين" ،وهذا املوقف امتداد ملوقف �إيران يف حمادثات �أملاتا 2التي عقدت يف �أبريل )14(.2013 وهذا الو�ضع ،يعيد طرح خيار "ال�صفقة" بني الواليات املتحدة و�إيران ،مرة �أخرى، خا�صة و�أنه كان احلاكم لأي ت�صورات خا�صة مبعاجلة امللف النووي ،منذ �إدارة �أوباما الأوىل .وكان الت�صور اخلا�ص بهذه ال�صفقة طوال عام 2012من جانب �إيران يقوم على احل�صول على تنازالت من قبل وا�شنطن حول ملفات �إقليمية �أخرى ،مقابل �أن تتخذ �إيران بع�ض اخلطوات التي تبدد خماوف وا�شنطن من برناجمها النووي ،وارتبط الأمر حينها مب�ستقبل نظام الأ�سد يف �سوريا، وم�ستقبل املعار�ضة ال�سيا�سية يف البحرين. هذا �إذا حتقق ما تريده وا�شنطن من �إيران وهو �إيران غري نووية ،ال ت�ضر بامل�صالح الأمريكية ،وال ت�سعى �إىل قلب موازين القوى يف املنطقة على نحو يخرج عن قدرة وا�شنطن على ال�سيطرة ،ولذلك مل تعد الإدارة الأمريكية ت�ضع قلب النظام يف �إيران هد ًفا ا�سرتاتيج ًّيا لها ،دون �أن ينفي ذلك وجود بع�ض الدوائر يف وا�شنطن التي تتعامل معه ك�أداة لتغيري �سلوك القيادة الإيرانية. وبالتايل ،تقوم اال�سرتاتيجية الأمريكية التي يتبعها باراك �أوباما على "التعاي�ش" مع �إيران الإ�سالمية ،واالعرتاف بها كقوى �إقليمية ،طاملا "�أزالت الغمو�ض" حول برناجمها النووي ،وطاملا التزمت باخلط الأحمر الأمريكي اخلا�ص بعدم امتالك ال�سالح النووي)15(.
66 المنطقة العربية رهينة مصالح اآلخرين ورغائبهم ،وهي الوحيدة التي ال حول وال قوة لها يف المشهد، فهي أشبه بالكرة التي يتقاذفها الالعبون من أجل تسجيل أهدافهم �إذاً من املمكن �أن تتخلى �إيران عن مواقفها مقابل انفاذ �صفقتها التي تخدم م�شروعها الديني والنووي واال�سرتاتيجي يف املنطقة، لإنها ت�ؤمن ب�أنه ال يوجد عدو دائم �أو �صديق دائم؛ و�إمنا هناك م�صلحة دائمة تخدم توجهها وبقاءها وا�ستمراريتها. اخلـامتـة تظل امل�صالح حتكم �سلوك الدول� ،صغرية كانت �أم كبرية ،وت�صبح ال�سيا�سات الدولية يف جزء كبري منها حماولة لتحقيق �أكرب قدر من النفوذ والهيمنة التي ميكن من خاللها حتقيق وتعظيم امل�صالح القومية ،و�ستظل الهجمة على الإ�سالم وال�صراع عليه قائما ما بقيت الأمة م�ستكينة خانعة. و�إذا ما �أخذنا باالعتبار امل�صاعب ال�سيا�سية التي تعاين منها غالبية الدول العربية ،نتيجة احلروب الأهلية �أو مظاهر عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي� ،أو نتيجة التوتر الذي ي�شوب العالقات العربية-العربية ،ف�إن النتيجة املنطقية هي �ضبابية امل�شهد الإقليمي، و�إمكانية ا�ستغالل عملية التحول ال�سيا�سي التي ت�شهدها املنطقة العربية خلدمة �أغرا�ض التدخل الأجنبي ،خا�ص ًة و�أن عدد الدول العربية املركزية القوية يف تناق�ص، بعد فقدان العراق جراء الغزو الأجنلو-
�أمريكي ،والثورة التي ت�شهدها �سوريا وما نتج عن ذلك من دمار ب�شري ومادي ،بينما تواجه م�صر م�صاعب �سيا�سية واقت�صادية بالغة، الأمر الذي يجعل احلديث عن جبهة عربية قادرة على ال�صمود والتكيف مع التحديات اخلارجية �أمراً يف غاية ال�صعوبة .ناهيك عن حالة اال�ستقطاب التي بدت نذرها تطل على العامل العربي ،حيث ال�سباق بني النموذج الإخواين يف احلكم مقابل الأنظمة ال�سيا�سية التقليدية� ،إذ �أ�صبح هذا امل�شهد الثنائي يعمل على م�ستويني :حملي و�إقليمي .وترتكز هذه الثنائية ال�سيا�سية على اعتبارات �إيديولوجية ال تخلو من البعد الإ�سرتاتيجي ال تزال رحاها تدور ،بل �إنها يف بداية تكونها ال�سيا�سي لكنها قد تقود �إىل مزيد من عدم اال�ستقرار الداخلي ،الأمر الذي يغذي حالة من اال�ستقطاب الإقليمي احلاد ،مما قد يتيح للقوى الأجنبية فر�صة �أكرب للتدخل حتت ذرائع متعددة ،مثل التدخل الإن�ساين، التحول الدميقراطي ،حقوق الإن�سان ،لكن هدفها الأ�سا�سي �إحكام قب�ضتها على املوارد االقت�صادية والإ�سرتاتيجية التي يتمتع بها العامل العربي. فال�صني ور�سيا �أهم الفاعلني يف امل�شهد الدويل و�أ�صحاب حق النق�ض يف جمل�س الأمن ال مانع لديهم �أن يتخلوا عن �أ�صدقائهم يف املنطقة العربية يف �سبيل احل�صول على جانب مريح ومقنع من الكعكة العربية ،وموقفهم من حليفهم العقيد القذايف خري دليل ،وهم على اال�ستعداد رغم تعقيد امل�شهد ال�سوري �أن يتخلوا على الأ�سد� ،إذا وجدوا �أنه �أ�صبح عبئا عليهم� ،أو �أن م�صاحلهم تتحق يف تلك البقة دون وجوده، ومع الالعبيني اجلدد هناك. �إيران من املمكن �أن تتخلى عن مواقفها مقابل انفاذ �صفقتها التي تخدم م�شروعها الديني والنووي واال�سرتاتيجي يف املنطقة؛
لإنها ت�ؤمن ب�أنه ال يوجد عدو دائم �أو �صديق بقي �أولئك على �أديانهم ،بل هم �أوىل بذلك يف ال�سيا�سة الأمريكية يف ال�شرق الأو�سط، دائم؛ و�إمنا هناك م�صلحة دائمة تخدم و�أحرى ،ف�إن �أولئك رجال ونحن رجال ،جريدة ال�شروق.2013/1/22 ،
توجهها وبقاءها وا�ستمراريتها.
و�إمنا يعوزنا الأعمال ،و�إمنا الذي ي�ضرنا
املنطقة العربية رهينة م�صالح الآخرين هو الت�شا�ؤم واال�ستخذاء وانقطاع الآمالK. Waltz, “The Emerging - ، Structure of International ورغائبهم ،وهي الوحيدة التي ال حول وال فلننف�ض غبار الي�أ�س ولنتقدم �إىل الأمام، Politics”, International Secuقوة لها يف امل�شهد ،فهي �أ�شبه بالكرة التي ولنعلم �أننا بالغو كل �أمنية بالعمل والد�أب .rity, 18 (2), 1993
يتقاذفها الالعبون من �أجل ت�سجيل �أهدافهم والإقدام ،وحتقيق �شروط الإميان التي يف والفوز فيما ي�سعون �إليه. القر�آن( :والذين جاهدوا فينا لنهدينهم لذلك فمن املمكن �أن يحمل امل�ستقبل يف �سبلنا و�إن اهلل ملع املح�سنني)� ..صدق اهلل طياته انق�سامات لدول عربية كما حدث يف العظيم". ال�سودان و�أطن �أن �سوريا مر�شحة لذلك، يف الآتي من الأعوام ،واخلا�سر الوحيد امل�صادر واملراجع يف تلك االنق�سامات والتجاذبات الدولية، وال�صراعات الدولية هم ال�شعوب العربية� - ،أحمد يو�سف �أحمد ونيفني م�سعد ،حمرران، التي خدعها الربيع العربي ،وظنت �أنها قادرة حال الأمة العربية ،2012-2011مع�ضالت على �صناعة م�ستقبلها ،والتغيري يف واقعها ،التغيري و�آفاقه .بريوت ،مركز درا�سات الوحدة ولكنها ا�ستفاقت على كابو�س من الدمار العربية.2012 ، �إميان رجب ،عودة خيار ال�صفقة� ،صحيفة عدنوالت�شتت. الغد� 27 ،سبتمرب .2013 �أما بالن�سبة لواقع امل�سملني ،فا�سمحوا يل بول �سامل ،م�ستقبل النظام العربي واملواقفومن هذا املنرب الفكري ان �أعود ملا بد�أت به الإقليمية والدولية من الثورة ،يف عبد الإله وهو قول للأمري �شكيب ار�سالن املتويف 1943بلقزيز ويو�سف ال�ضواين. يف كتابه"ملاذا ت�أخر امل�سلمون" والذي م ّثل خالد بن نايف الهبا�س ،امل�شهد ال�سيا�سي العربي �أروع وثائق حال الأمة وجمع بني النظرية للعام املقبل ،جريدة احلياة.2012/1/5 ، واملمار�سة و�أجاب على �س�ؤال امل�سلمني من � -شكيب �أر�سالن ،الدار ال�شامية للطباعة �أندوني�سيا حتى الدار البي�ضاء ،و�شخ�ص والن�شر والتوزيع ،1998 ،دم�شق. به داءهم يومذاك ،ورمبا يومنا ،قائال" :ن -عبد اهلل العروي ،الأيدلوجيا العربية املعا�صرة، الأمة اليوم �أمة بدون عمل ،وفاقدة كل الثقة دار الطليعة.1967 ، بنف�سها فما قولك يف عزة دون ا�ستحقاق - ،غ�سان �شربل" ،حقيبة الفروف" ،جريدة احلياة� 6 ،شباط/فرباير .2012 ويف غل ٍة دون حرث وال زرع ،ويف فو ٍز دون جملة وجهات نظر.،حمل العدد رقم 87من�سعي وال ك�سب ،ويف ت�أييد دون �أدنى �سبب جملة وجهات نظر امل�صرية لعام 2006مراجعة. يوجب الت�أييد؟" .ولقد ختم �أمري البيان -حممد اخل�ضر احل�سني الدعوة للإ�صالح، كتابه من لوزان ب�سوي�سرا 11نوفمرب 1931م املطبعة ال�سلفية القاهرة.1940 . بدواء يختتم هذا التناول بقوله" :امل�سلمون -مي�شيل كيلو� ،أمريكا والنفط العربي ،جريدة ميكنهم� ،إذا �أرادوا بعث العزائم وعملوا مبا ال�شرق الأو�سط.2013/1/21 ، حر�ضهم عليه كتابهم� ،أن يبلغوا مبالغ -ن�صيف يو�سف حتي ،القوى اخلم�س الكربى الأوروبيني والأمريكيني واليابانيني من والوطن العربي :درا�سة م�ستقبلية ،بريوت: العلم واالرتقاء ،و�أن يبقوا على �إ�سالمهم كما مركز درا�سات الوحدة العربية.1987 ، -وليد خدوري ،البرتول غري التقليدي ودوره
الهوام�ش -1حول مناظرة رينان والأفغاين انظر جملة وجهات نظر.، حمل العدد رقم 87من جملة وجهات نظر امل�صرية لعام 2006 مراجعة. � -2شكيب �أر�سالن ،الدار ال�شامية للطباعة والن�شر والتوزيع، ،1998دم�شق. -3ا�شري هنا |�إىل جمموعة من املقالت والأفاكر التي ن�شرتها جملة الفتح حول �إ�صالح الأزهر ،و�ساهم بها �أي�ضا ال�شيخ ح�سن البنا ،وكان ال�شيخ حممد اخل�ضر احل�سني ن�شر مقاالته فيها، ثم ن�شر الكتاب يعنوان ،الدعوة للإ�صالح ،املطبعة ال�سلفية القاهرة.1940 . -4انظر للمزيد :عبد اهلل العروي ،الأيدلوجيا العربية املعا�صرة ،دار الطليعة.1967 ، -5خالد بن نايف الهبا�س ،امل�شهد ال�سيا�سي العربي للعام املقبل ،جريدة احلياة� ،2012/1/5 ،ص.10 -6املرجع ال�سابق� ,ص 2و�ص.10 � -7أحمد يو�سف �أحمد ونيفني م�سعد ،مرجع �سابق� ،ص.43 -8بول �سامل ،م�ستقبل النظام العربي واملواقف الإقليمية والدولية من الثورة ،يف عبد الإله بلقزيز ويو�سف ال�ضواين، مرجع �سابق� ،ص.922 -9وليد خدوري ،البرتول غري التقليدي ودوره يف ال�سيا�سة الأمريكية يف ال�شرق الأو�سط ،جريدة ال�شروق،2013/1/22 ، �ص.12 ، -10مي�شيل كيلو� ،أمريكا والنفط العربي ،جريدة ال�شرق الأو�سط� ،2013/1/21 ،ص.15 -11ن�صيف يو�سف حتي ،القوى اخلم�س الكربى والوطن العربي :درا�سة م�ستقبلية ،بريوت :مركز درا�سات الوحدة العربية� ،1987 ،ص.15 -12غ�سان �شربل" ،حقيبة الفروف" ،جريدة احلياة� 6 ،شباط/ فرباير � ،2012ص.1 K. Waltz, “The Emerging Structure of -13 International Politics”, International Secu.rity, 18 (2), 1993, pp. 44-79
� -14إميان رجب ،عودة خيار ال�صفقة� ،صحيفة عدن الغد27 ، �سبتمرب .2013 � -15إميان رجب ،مرجع �سابق.
67
حوارات
ال وسطية
68
في بالد الربيع العربي الحكم يقتضي منا برنامجًا ،ويقتضي أن نمسك بدواليب البالد ،وأن تكون هناك مؤسسات قائمة.
المنتدى العالمي للوسطية عمل ايجابي ومبارك ،واألمة تحتاج اليوم الى أن يرتجل هذا الفكر ويخرج من اطار الكتابة والخطابة الى اطار القناعة .
حاوره :يا�سر ابوح�سني �س :لك جتربة مع �سلفي مت�شدد قام بالأعتداء عليك رم�ضان الغائب فما هذه الق�صة وما دوافعها وماذا توجه كالم لهذه الفئة؟ ج :نحن دعينا يف مدينة القريوان يف �أم�سية من �أم�سيات رم�ضان للحديث عن �سماحة اال�سالم ف�صادف �أنه كان من اال�ساتذه املدعوين �شخ�صاً ال ينتمي للتيار اال�سالمي لكنه من مفكرين البلد وملا �أراد احلديث منعوه من احلديث ف�أنا ا�ستف�سرت ما الذي يجعلكم متنعوه من احلديث ولكن ال عالقة يل به اال عالقة عادية كبقية النا�س . فن�سبوا اليه انه اعتدى لفظاً على ال�سيدة عائ�شة ولو ذمها . قلت هذا غري �صحيح مل ي�صدر منه امنا �صدر من �شخ�ص غريه. �س :ا�سمه يو�سف ال�صديق. ج :الدكتور يو�سف ال�صديق وانا مت�سكت بحقه يف �أن يتناول الكلمة وقلت نحن على
الشيخ عبد الفتاح مورو من مؤسسين حركة النهضة
كل حال باملنتدى الفكري يقول و�إذ تبني ان بع�ض كالمه خط�أ �أو مل ي�سغ لنا فرند عليه فكانت ردت الفعل الأعتداء علي �أنا و�أ�صابنب ما �أ�صابني مما تعلمون ومل تكن هذه املرة الوحيدة بل كان هناك مرة ثانية وثالثة . وعلى كل حال نعترب �أن ه�ؤالء ال�شباب اللذين نعتز بهم ك�أبنائنا و�شباب بلدنا و �أخواننا يف الدين ويف الوطنية �أخط�أوا يف االختيار ,مل يدركوا ,مل يفهموا ما هو مطلوب منهم و�أن هذه احلما�سة الزائدة هي قي احلقيقة �إف�ساد ل�صورة الإ�سالم وابتعاد عن ال�سلوك القومي الذي �أراده الإ�سالم وهي �س ٌد لآفاق احلوار يف جمتمع رغبنا جميعاً يف �أن يبقى تعددياً . جمتمعنا جمتمع تعددي الآن ولن تاتي الثورة لتمنع التعددية و�إذا كان من حقنا نحن اال�سالميون ان ن�صدع بر�أينا ونقدم فكرنا �ألي�س من حق املواطنني �أن يقدموا ر�أيهم وفكرهم و�إذا ح�صل خالف بيننا
فلنقارع الر�أي بالر�أي والفكر بالفكر �أما �سد �أفواه النا�س والأعتداء عليهم وتكفريهم وا�ستبعادهم من دائرة الوطنية ودائرة اال�سالم فهذا �أمر ٌغري حممود. �س :دكتور جتربة تون�سية عند الإ�سالميني يف حكم اال�سالميني �سنبد�أ بها ثم ننطلق �إىل الربيع العربي وما توىل اال�سالميني من حكم ما تقييمك لهذه التجربة ب�شكل عام ؟وما هي �أهم معيق من معيقات التجريبة التوني�سية حلركة النه�ضه هناك؟ ج :واهلل نحن نتحدث عن جتربة حكم لكن باحلقيقه هذه لي�ست جتربة حكم هذا جتاوز من اال�سالميني بحكم العامل ,انا ال ات�صور �أن الربيع جاء بحكام يحكمون بالربنامج اال�سالمي جيء بنا لنحل ا�شكاالت هي كلها من اثار ما ح�صل يف فرتة اال�ستبداد من حتطيم لكيان املواطن واعتداء على ذاتيته وكرامته وحريته وماله وتنميته وملا قامت الثورة اذا كان ذهب ه�ؤالء اللذين
ا�ستبدوا بنا وتركوا لنا �إرثاً ثقي ً ال طلب من اال�سالميني ان ي�سهموا يف حل بع�ض �إ�شكاالته فالإ�سالميون اليوم ال يحكمون و�إمنا يديرون واقعاً �سيئاً . �س:ي�صلحون الواقع؟ ج :ال ي�صلحونه ,ال ي�ستطيعون ا�صالحه هم يديرون الواقع ال�سيء �أي ي�ستجيبون للطلبات امللحة لأفراد ال�شعب و�أنتم تعلمون �أن املطلبية الآن هي قوام العالقة بني احلاكم واملحكوم. يف بالد الربيع العربي احلكم يقت�ضي منا برناجماً ويقت�ضي �أن من�سك بدواليب البلد �أن تكون هناك م�ؤ�س�سات قائمة ت�صلح ب�أن يحكم من خاللها. الأنظمة ال�سابقه مل ترتك م�ؤ�س�سات لأن امل�ؤ�س�سات مل تقم يف عهدها و يف زمنها كانت امل�ؤ�س�سات �صورية؛ ال وجود ال لل�صحافة وال وجود لق�ضاء م�ستقل وال وجود ملنظمات وال وجود جلمعيات وال جمتمع مدين ,كل هذاكان م�ستوعباً من قبل النظام ال�سابق وبقي حرباً على ورق وال ي�ستطيع ان يفعل �شيئاً ف�ض ً ال عن كون املدى الزمني ال ي�سمح لنا ب�أن ن�أخذ بزمام احلكم �أي نقدم �سيا�سات وهذا ي�ستوجب علينا التعرف على الواقع وانتداب من يقوم بتغيري هذا الواقع من �أهل الكفاءات وهذه ق�ضية ت�ستوجب االعمال. �س :ما هي عالقة النه�ضه اال�سالمية بجماعة االخوان امل�سلمني ؟هل هي عالقة فكرية �أم عالقة تنظيمية ,لأن البع�ض ينظر اىل حركة النه�ضة ب�أنها نف�سها الأخوان امل�سلمني كما ينظرون اىل حزب العدالة برتكيا ب�أنه الوجه الآخر للأخوان امل�سلمني؟ ج :اذا كنتم ت�س�ألون عن العالقة التنظيميه ٌ م�ستقل بذاته وكيانه الع�ضوية فال عالقة كل ٌ ويتخذ قراراته من نف�سه وله م�ؤ�س�ساته وله واقعه الذي يعي�شه وله طروحاته وال عالقة له بالطرف الثاين . �أما اذا كنتم ت�س�ألون عن الفكر القائم
فهناك قا�سم م�شرتك بني النا�شطيني اال�سالميني الذين تقدموا خطوة خطوة ليعلنوا �أن اال�سالم منهج حياه وان اال�سالم يحل ا�شكاليات النا�س و�أن اال�سالم قابل على �أن يكون حاكماً بني النا�س و�أن اال�سالم م�ؤ�س�سات واقت�صاد وجمتمع و �أن اال�سالم لي�س عبادات فقط وال طقو�س عبادية فقط ,هذا ي�شرتك فيه كثري من اال�سالميني وهو قا�سم م�شرتك بيننا وبني حركة الأخوان امل�سلمني علماً ب�أن هذا القا�سم ال يعني التطابق مئة باملئة . منذ ال�سبعينات وبداية الثمانينات نحن طرحنا طروحات مل تكن م�ست�ساغ ًة يف ال�ساحة اال�سالمية. نحن بد�أنا نتحدث عن حق املر�أة يف العمل , حق املر�أة يف �أن تكون ع�ضواً فاع ً ال يف املجتمع ,عن تطوير قانون الأحوال ال�شخ�صية . نحن حتدثنا عن الدميقراطية باعتبارها ح ً ال لأ�شكاالت االختالف داخل الوطن الواحد والبلد الواحد ,هذه الق�ضايا املختلفلة مل تكن تروق لكثري من من الإ�سالميني بل كانوا يلوموننا عليها , موقفنا من ال�شيوعيني و�أن لهم احلق يف �أن ينتظموا داخل حزب . لكن يف ق�ضايا حمدده مل يكن ذلك من اهتمامات �أخواننا اال�سالميني . �س :ب�أن ما طرحتموه لي�س من �أولويات ذلك الوقت ؟بر�أيهم طبعاً؟ ج:نعم مل يكن اولوية ومل يكن م�ست�ساغاً �أ�ص ً ال ,اليوم بد�أت تتطور �أفهام كثري من الأخوه فنقول �أن ما يجمع بيننا اليوم هو الهام اال�سالم ولكن هذا ال يعني �أن نتطابق يف كل ر�ؤانا و �أفكارنا بل من واجبنا �أن نكون متكاملني ال متطابقني. �س :القد�س يف عيون الدكتور عبدالفتاح مورو ويف عيون حركة النه�ضة ؟ ج� :أنا ولدت مع هذه النكبة ولدت يف ال 48 وهذه النكبة عا�صرتني يف حياتي وتتابعني
وتتابع كل الأجيال يف بلدنا و الدليل على ذلك �أن الثورة التلقائية التي قانت يوم 14يناير ,ال�شباب الذين قاموا بها بدون �سبق تخطيط وجدوا �أنف�سهم على ال�ساحة وبالطرقات العامة يرفعون علمني اثنني علم تون�س وعلم فل�سطني لأن ق�ضية فل�سطني هي بالن�سبة الينا هي اجلامعة للأمة وهي ق�ضية الأمة جميعاً ونعترب �أن ما ح�صل من تط�ؤير للأداء الوطني يف بالدنا مبوجب الثورة هو كله ي�صب يف خانة حترير فل�سطني . ق�ضية فل�سطني الآن هي الق�ضية الأوىل رقم واحد ,وهذه الق�ضية ت�أخر حلها لأن الأمه كانت معتداً على قرارها � ,أما الآن وقرارها بيدها �أو نرغب يف �أن يكون بيدها فهذا يهئ لهذه الق�ضية �أن حتل على الوجه الذي ي�سرتجع املظلوم حقه وي�سرتجع املغ�صوب �أر�ضه املغ�صوبة. �س (:املنتدى العاملي للو�سطية) كيف تقيمونه وخا�ص ًة �أن له �أكرث له من ع�شر فروع ممتده �أفقياً يف جميع �أنحاء العامل ؟ وكيغ تقيمون �أداءه ور�سالته يف ن�شر الو�سطية البعيدة عن التطرف و�أفكار قطع الر�ؤو�س ورفعها �أمام الكامريات وت�شويه �صورة الإ�سالم ,كيف تقيمون هذا الدور؟ ج :هذا عمل ايجابي ومبارك و�أنا �أربت على �أكتاف الذين �أنطلقوا بهذه الفكرة و�أقول �أن امل�شوار �أمامكم طويل ال زال طوي ً ال لأن الأمة حتتاج اىل �أن يرجتل هذا الفكر وتخرج من اطار الكتابة واخلطابة اىل اطار القناعة وهذا ي�ستوجب منكم جهداً كبرياً . ما قمتم به عم ً ال حممو ٌد وجبار بد�أ ي�ؤتي �آثاره �أمامنا جميعاً ونحن نعترب �أن هذه اللقاءات املتعدده واملتكررة هي يف احلقيقة �شكل من �أ�شكال ال�صحوة واليقظه يف �أمة كانت تعي�ش غائبة عن حقائق دينها وهي الآن تتعرف عليها بجهد الكثريين من الذين يقودون هذا التيار الو�سطي ومنتدى الو�سطية على ر�أ�سهم .
69
نشاط ا ت ا ل و سطية
70
المنتدى العالمي للوسطية ينظمّ ندوة دولية بعنوان دور الوسطية في البناء الحضاري
يعقد املنتدى العاملي للو�سطية يف فندق الريجن�سي باال�س عمان ندوة دولية بعنوان"دور الو�سطية يف البناء احل�ضاري يف العامل الإ�سالمي" يف الفرتة � 29-28أبريل .2014بالتعاون مع املنظمة اال�سالمية للعلوم والرتبية والثقافة (�إي�سي�سكو) و املنظمة العربيةللرتبية والثقافة والعلوم (االلك�سو ) ،لإمناء و �إي�ضاح مفهوم الو�سطية و ال�سبل املثلى لن�شر هذا الفكر يف العامل بجمع عدد من �صناع القرار ف�ض ً ال عن �أكادميني و باحثني من الوطن العربي و الإ�سالمي. ويتبادل امل�شاركون يف هذا امل�ؤمتر �أف�ضل املمار�سات املتبعة لتوعية ال�شباب و الفئات النا�شئة يف املجتمعات الإ�سالمية باملنهج الو�سطي و خطورة الطائفية و التطرف و العنف يف حياة الأمم .و يعترب هذا امل�ؤمتر جزءاً من �سل�سلة فعاليات عقدها املنتدى العاملي للو�سطية لتح�سني مفهوم الأمم حول الو�سطية و �أهميتها و ت�سهيل العالقات امل�شرتكة بني خمتلف الديانات و الطوائف . و ي�أتي هذا امل�ؤمتر يف وقت يعي�ش فيه العامل العربي �صراعات طائفية و دينية عديدة و من هنا ي�أتي هدف هذا امل�ؤمتر مبحاوره املتعددة و املحددة بدقة �أم ً ال يف ر�ؤى عميقة تفك عقال الذات امل�سلمة امل�سجونة ،وت�صحح م�ساراً معوجاً يتخذه البع�ض ،وت�ساهم يف البناء احل�ضاري اجلديد يف �ضوء املبادئ الإ�سالمية ال�سامية. كما ي�سعى املنتدى من خالل هذا امل�ؤمتر اىل حتقيق جملة من الأهداف التي تخلق �أجواء التعاون على الرب و التقوى و ت�سهم يف رفع الوعي الديني ال �سيما يف وقت تكرث فيه الأعمال الإجرامية التي ال متت اىل الدين الإ�سالمي ب�صلة ,و لكن الو�سطية التي ت�سعى هذه الندوة لإي�ضاحها حتمل تلك ال�سمة البارزة التي متيزها عن غريها باخلريية ،واال�ستقامة ،والعدل واحلكمة،
والتي�سري والتب�شري ،ومراعاة الواقع، واالعتدال ،واجلمع بني الأ�صالة والتجديد، والدعوة �إىل الت�سامح والتعاي�ش مع الآخر، و�إن�صاف الفئات ال�ضعيفة ،والتكامل بني الذكر والأنثى ،والتوازن الرتبوي والنف�سي والعقلي ...وهي كلها �سمات ملنهج ح�ضاري بناء ،غيب يف ع�صور االنحطاط واال�ستعمار و االغرتاب ،ليلقي على النخبة امل�سلمة مهمة ر�سالية كبرية لإعادة حيويته وفاعليته على م�ستوى العقل والنف�س والواقع والتاريخ واحل�ضارة .و من الأهداف التي ي�سعى
امل�ؤمتر لتحقيقها : 1ـ حماولة �إبراز الر�ؤية الو�سطية للإ�سالم يف جميع ق�ضايا احلياة. 2ـ ت�أ�صيل الفكر الو�سطي من امل�صادر ال�شرعية وعمل ال�صحابة والتابعني و�أئمة الفكر الإ�سالمي. 4ـ تبادل وجهات النظر حول ال�سبل املثلى لن�شر الفكر الو�سطي يف العامل. 5ـ حماولة ر�سم �إ�سرتاتيجية لتحقيق الأمن الفكري والثقايف عرب الفكر الو�سطي. 6ـ مناق�شة عنا�صر القدرة واحليوية يف الفكر
الو�سطي الإ�سالمي يف ق�ضايا احل�ضارات والثقافات 7ـ �إبراز الق�ضايا الرئي�سة امللحة يف الفكر الو�سطي الإ�سالمي يف املرحلة الراهنة. و النتائج املرجوة من هذا امل�ؤمتر هي �أ�سمى من تلك املفاهيم اخلاطئة و الأعمال الإرهابية التي ترتكب با�سم الإ�سالم هذا الدين احلنيف الذي �أ�سا�سه التعاون و املودة و الرحمة و التعاي�ش بني الأديان و تتلخ�ص هذه النتائج بالنقاط التالية : 1ـ بلورة وت�أ�صيل الر�ؤية الو�سطية للفكر الإ�سالمي يف جميع ق�ضايا احلياة. 2ـ ر�سم �إ�سرتاتيجية لتحقيق الأمن الفكري والثقايف يف البلدان الإ�سالمية ومقاومة الطائفية والتطرف واالغرتاب. 3ـ جتلية قيم الت�سامح واالعتدال والتعاي�ش والعفو التي يت�سم بها الإ�سالم يف م�صادره وجتربته احلية عرب التاريخ. 4ـ توعية ال�شباب والفئات النا�شئة يف املجتمعات الإ�سالمية باملنهج الو�سطي وخطورة الطائفية والتطرف والعنف يف حياة الأمم.
5ـ تبني مرجعية فكرية يف مو�ضوع الو�سطية ح�سب �إ�سرتاتيجية االي�سي�سكو للعمل الثقايف داخل العامل الإ�سالمي وخارجه. و يرتكز دور امل�شاركني يف هذا امل�ؤمتر من علماء ،ومفكرون ،ور�ؤ�ساء وممثلو م�ؤ�س�سات ثقافية وفكرية ،و�أ�ساتذة جامعيون يف التخ�ص�صات ذات ال�صلة ،و�إعالميون، وباحثون يف الفكر الإ�سالمي وق�ضايا الراهن الإ�سالمي ب�إي�صال فكرة الو�سطية و �أثرها على املجتمعات و مدى ت�أثري اخلطاب الإ�سالمي يف التحوالت الإجتماعية املعا�صرة و ال�شخ�صيات امل�شاركة يف هذا امل�ؤمتر : من الأردن :املهند�س مروان الفاعوري "االمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية " و الدكتور اخليف الطراونة " رئي�س اجلامعة الأردنية " و الدكتور عبدال�سالم العبادي "وزير الأوقاف الأ�سبق" و ال�شيخ عبدالكرمي اخل�صاونة" املفتي العام" الكتور حممد اخلاليلة "�أمني عام دائرة الإفتاء" و الدكتور حممد احلاليقة و الدكتورة نوال �شرار و الدكتور حمدي مراد و الدكتور نائل �أبو زيد و الدكتور حممد احلاج و الدكتور حممد
اخلطيب "�أمني �سر املنتدى العاملي للو�سطية و عميد كلية ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية". ومن تون�س الدكتور نور الدين اخلادمي وزير ال�ش�ؤون الدينية ال�سابق و من باك�ستان الدكتور حممد طاهر من�صوري "رئي�س فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف باك�ستان" و الدكتور �أحمد بن يو�سف الدريوي�ش "رئي�س اجلامعة اال�سالمية العاملية يف ا�سالم �آباد "و من االمارات الأ�ستاذ الدكتور �سعيد حارب نائب مدير جامعة الإمارات ـ �سابقا .ومن العراق الدكتور حممود ال�صميدعي و من قطر الدكتور يو�سف ال�صديقي "كلية ال�شريعة و الدرا�سات الإ�سالمية –جامعة قطر " ومن املغرب الدكتور �سعيد �شبار" �شبارـ مفكر �إ�سالمي و�أ�ستاذ بجامعة ال�سلطان موالي �سليمان ،بني مالل ـ اململكة املغربية". �إ�ضاف ًة مل�شاركة الدكتور عزالدين معمي�ش "ممثل املنظمة الإ�سالمية " و الدكتور �أ�سامة حب�ش "ممثل الألك�سو" و الدكتور خالد حاجي-الكاتب العام لإدارة املجل�س الأوروبي للعلماء املغاربة بروك�سل والدكتور حممد عبداحلليم بي�شي من اجلزائر
71
نشاط ا ت ا ل و سطية
72
المنتدى العالمي للوسطية يفوز بجائزة الدوحة العالمية لحوار االديان
�أعلن يوم الثالثاء 2014/03/25يف الدوحة عن فوز املنتدى العاملي للو�سطية بجائزة الدوحة الدولية حلوار الأديان لعام 2014تقديراً لدور املنتدى العاملي للو�سطية يف جمال حوار الأديان لتن�شئة ال�شباب و لقيامه منذ ت�أ�سي�سه يف عام 2008يف عمان كهيئة ا�سالمية دولية تعنى بن�شر فكر الو�سطية و االعتدال القائم على احلوار البناء لتعزيز ال�شباب و توجيه طاقاتهم لبناء جمتمع �إن�ساين ت�سوده روح املحبة و العي�ش امل�شرتك (و يذكر �أن املنتدى و منذ ت�أ�سي�سه عقد ع�شرات امل�ؤمترات الدولية داخل الأردن و يف خمتلف دول العامل الإ�سالمي لن�شر فكر الو�سطية و االعتدال ) و قد ت�سلم الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان
الفاعوري اجلائزة الأوىل اليوم يف الدوحة خالل م�شاركته مب�ؤمتر الدوحة احلادي ع�شر حلوار الأديان ب�إلقاء كلمة يف حفل االفتتاح حتدث فيها عن العي�ش امل�شرتك بني الأديان لأنه الهدف الأ�سمى الذي ي�سعى املنتدى لن�شره و الذي عمل عليه منذ ت�أ�سي�سه ب�إقامة عدد من امل�شاريع التي تهدف �إىل مد اجل�سور بني املنتدى و االخرين يف الدائرة االن�سانية ،مهما اختلفت اديانهم واعراقهم ومذاهبهم، و ينبع ذلك من �إميان املنتدى العميق ب�أن معرفة الآخر على حقيقته والتعرف على معتقداته يطرد اخلوف من �أنف�سنا وخوفنا منه �أي�ضاً ف�إننا وقتها �سنكون �أكرث �إمياناً ب�أنف�سنا وديننا .و�أكرث ثقة بقناعاتنا و�أكرث قدرة على �إقناع غرينا
مبا نحمله من قيم م�شرتكة . و بني اي�ضاً يف كلمته �أن امتنا بحاجة �إىل مراجعة حقيقية ملوقفنا من العامل والآخر ومن الع�صر �أي�ضاً لذلك ف�إن املنتدى قام ب�سل�سلة من الندوات وامل�ؤمترات واللقاءات �سواء بني امل�سلمني وامل�سلمني �أو بني امل�سلمني و�أتباع الأديان الأخرى فاملنتدى جزء من هذا العامل الذي تعددت �أديانه ومعتقداته واختلف النا�س فيه (ولذلك خلقهم ) والبد �أن يكون " التعارف" هو عنواننا والتفاهم هو طريقنا ،لأنه ال ميكن لأحد �أن يعتزل عن العامل ،كما ال ميكن لأحد �أن يقبل �أن يدوم ال�صراع والقتال بني الأمم وال�شعوب
كلمة األمين العام للمنتدى العالمي للوسطية بمؤتمر الدوحة الحادي عشر لحوار االديان
احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على ر�سله و�أنبيائه �أجمعني �أيها الإخوة والأخوات املحا�ضرون وامل�شاركون ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته في�سعدين �أن �أحييكم �أجمل حتية ،وا�سمحوا يل �أن �أتقدم بجزيل ال�شكر واالمتنان ملركز الدوحة الدويل حلوار الأديان الذي قرر �أن مينحنا �إحدى جوائزه لهذا العام ،وهو �شرف نعتز به ،ونقدره فنحن �شركاء يف هذا امل�شروع ،لأننا نعتقد ب�أن احلوار له معنى الإميان يف حركيته داخل الذات وخارجها ،فال �إميان يف عمق الفكرة وامتدادها من دون حوار� ،سواء يف حديث الإن�سان مع ذاته� ،أو يف عالقته مع الآخر الذي هو �صورة الذات ووجهها املقابل ،كما نعتقد �أن عالقتنا مع �أهل الكتاب تقوم على املحبة واملودة ،وعلى اجلدال بالتي هي �أح�سن " وال جتادلوا �أهل الكتاب �إال بالتي هي �أح�سن" ،كما �أن احلوار معهم فري�ضة وف�ضيلة ي�سى لأن الدين عند اهلل واحد " َ�ش َر َع َل ُك ْم مِ َن الد ِ ِّين مَا َو َّ�صى ِب ِه ُن ً ُو�سى َوعِ َ وحا َوا َّلذِ ي �أَ ْو َح ْي َنا ِ�إ َل ْي َك َومَا َو َّ�ص ْي َنا ِب ِه ِ�إ ْب َراهِ ي َم َوم َ �أَ ْن �أَقِي ُموا الد َ ِّين َو اَل َت َت َف َّر ُقوا فِي ِه " . �أيها الأخوة والأخوات انطالقا من هذه املفاهيم التي ت�شكل �أر�ضية م�شرتكة لإتباع الأديان بد�أنا يف املنتدى العاملي للو�سطية بعدد من امل�شروعات التي تهدف �إىل مد اجل�سور بيننا وبني اخواننا يف دائرة االن�سانية ،مهما اختلفت ادايانهم واعراقهم ومذاهبهمُ ،يحركنا يف ذلك �إميان عميق ب�أننا حني نعرف الآخر على حقيقته ونتعرف على معتقداته ونطرد خوفنا منه على �أنف�سنا وخوفه منا �أي�ضاً ف�إننا وقتها �سنكون �أكرث �إمياناً ب�أنف�سنا وديننا .و�أكرث ثقة بقناعاتنا و�أكرث قدرة على �إقناع غرينا مبا نحمله من قيم م�شرتكة لقد �أدركنا يف املنتدى العاملي للو�سطية �أن امتنا بحاجة �إىل مراجعة حقيقة ملوقفنا من العامل والآخر ومن الع�صر �أي�ضاً، فبد�أنا بحمد اهلل �سل�سلة من الندوات وامل�ؤمترات واللقاءات �سواء بني امل�سلمني وامل�سلمني �أو بني امل�سلمني و�أتباع الأديان الأخرى ،فنحن جزء من هذا العامل الذي تعددت �أديانه ومعتقداته واختلف النا�س فيه (ولذلك خلقهم ) والبد �أن يكون " التعارف" هو عنواننا والتفاهم هو طريقنا ،لأنه ال ميكن لأحد �أن يعتزل عن العامل ،كما ال ميكن لأحد �أن يقبل �أن يدوم ال�صراع والقتال بني الأمم وال�شعوب. �أيها الإخوة والأخوات : �إننا ونحن نلتقي هذا اليوم ملناق�شة مو�ضوع احلوار ومو�ضوع ال�شباب يف ظالل مركز الدوحة املوقر ،لي�سعدنا يف املنتدى العاملي للو�سطية �أن مند يدنا جلميع اخلريين يف هذا العامل على خمتلف �أديانهم لنتحاور ونتقا�سم م�س�ؤولياتنا ،فالدين حاجة �إن�سانية وفطرية لكن املهم يف �إطار فهمه وممار�سته هو قدرتنا على حتويله �إىل "تدين" منتج وفاعل وحيوي ،يت�صالح على �أ�سا�سه الإن�سان وال �سيما ال�شباب مع ذاتهم وحميطهم ،وتبلغ من خالله الإن�سانية �إىل �أعلى مراتبها (ال�ضمريية )، واالهم من ذلك �أن تتحرك قيم الدين ال�سامية يف حياتنا لت�صنع واقعا جديدا ....ومناذج �إن�سانية ...و�إن�سانا جديرا باحلياة ،وطاقة متجددة تن�شر النور يف كل مكان وزمان . �إننا ندعو اخلريين يف هذا العامل للتعاون والت�ضامن من اجل �أن نتجاوز الآالم التي ن�شعر بها جميعا يف هذه املنطقة ب�سبب ال�صراعات واحلروب التي جتري حتت عناوين الدين واملذهب وامل�صالح ،وال طريق �أمامنا �سوى احلوار واللقاء ....وا�سمحوا يل يف اخلتام �أن اكرر ال�شكر لكم جميعا �أيها احلا�ضرون وامل�شاركون �أما مركز الدوحة الدويل حلوار االديان فله منا كل التقدير واالحرتام . وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته
73
نشاط ا ت ا ل و سطية
74
المنتدى العالمي للوسطية ينظمّ دورة تدريبية لقيادات فروع المنتدى في عمان
�صور احدى اجلل�سات
الو�سطية – عمان عقد املنتدى العاملي للو�سطية برناجماً تدريبياً لقيادات فروع املنتدى العاملي للو�سطية يف مقر املنتدى يف عمان وذلك يومي � ،2013/06/23-22ضمن �سل�سلة الدورات التدريبية ،وقد ح�ضر الدورة ر�ؤ�ساء فروع املنتدى يف( :ال�سودان، م�صر ،تون�س ،املغرب ،موريتانيا ،اجلزائر، العراق ،باك�ستان ،بالإ�ضافة �إىل الأردن – دولة املقر). جيث افتتح الربنامج رئي�س املنتدى
وقد حتدث يف نهاية اللقاء الإمام العاملي للو�سطية الإمام ال�صادق املهدي، والأمني العام للمنتدى املهند�س مروان ال�صادق املهدي موجهاً امل�شاركني ل�ضرورة الفاعوري ،وقـد تناولت الدورة عدة حماور، ال�سعي لن�شر الفكر الو�سطي ،و�إجناح هي :تقييم لأعمال الفروع ،ومناق�شة �أبرز �أعمال املنتدى يف كافة الفروع ،وقد امل�شاكل التي تواجه الفروع يف �إداراتها، وكيفية �إعداد التقارير الإدارية والإعالمية ،مت تقييم الربنامج �سواء على م�ستوى وكذلك �أ�س�س وقواعد التغيري باملجتمعات ،املحا�ضرين� ،أو املواد التدريبية ،وقد �أدار و�إعداد م�شاريع الأن�شطة ،والعمل امل�ؤ�س�سي ،الدورة جمموعة من املتخ�ص�صني ،منهم ومناق�شة خطط الن�شاطات امل�ستقبلية املدربان الأ�ستاذ �شوقي القا�ضي ،والدكتور وكيفية تنفيذها ،ويف نهاية الدورة َّ مت داود احلدابي من فرع املنتدى يف اليمن. توزيع ال�شهادات على احل�ضور.
من �صور امل�شاركني
المنتدى العالمي للوسطية و رابطة كتاب التجديد ينظمان
ندوة العالم العربي الى أين؟
من �صور الندوة
تباينت وجهات النظر والآراء التي طرحت وخل�ص �إليها امل�شاركون يف الندوة التي نظمها " املنتدى العاملي للو�سطية " يف مقره يوم ال�سبت املوافق ،2013/10/5 بالتعاون مع " رابطة كتاب التجديد" حتت عنوان " العامل العربي �إىل �أين ؟". وجاءت الندوة �ضمن جل�ستني؛ الأوىل �صباحية تر�أ�سها �أمني عام منتدى الو�سطية العاملي ،املهند�س مروان الفاعوري ،تناولت خم�سة �أوراق بحثية، الأوىل للدكتور كامل �أبو جابر ،رئي�س املعهد امللكي للدرا�سات الدينية ،بعنوان: التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي: الواقع والتحديات. والورقة الثانية قدمها كل من الأ�ستاذ الدكتور �إخليف الطراونة ،رئي�س اجلامعة الأردنية ،والنا�شط ال�سيا�سي ،علي
احلبا�شنة ،وهي بعنوان� :أثر التوازنات الدولية والإقليمية على م�ستقبل التغيري يف املنطقة العربية. �أما النائبة ال�سابقة ،الي�سارية عبلة �أبو علبة فقد حتدثت عن " دور املثقف العربي بني ال�سيا�سة والأيديولوجيا"، فيما كانت الورقة الأخرية للعلماين، الكاتب ال�صحفي حمادة فراعة بعنوان: " التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي: الواقع والتحديات". فيما تر�أ�س اجلل�سة الثانية الكاتب ال�صحفي ح�سني الروا�شدة ،و�شملت �أي�ضا خم�س ورقات ،قدم الدكتور حممد �أبو رمان الورقة الأوىل بعنوان" : الإ�سالميون وجتربة احلكم :اخليارات والبدائل". وقدم الورقة الثانية ،وزير الداخلية
الأ�سبق ،املهند�س �سمري احلبا�شنة ،حتت عنوان ":واقع املجتمعات العربية يف ظل التحوالت ال�سيا�سية الراهنة". �أما الورقة البحثية الثالثة ،فقد قدمها الأكادميي الدكتور حممد امل�صاحلة، وجاءت ورقته �أي�ضاً حتت عنوان" : التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي: الواقع والتحديات". وحملت الورقة البحثية التي قدمها الأكادميي الدكتور عامر احلايف ،عنوان": الإ�سالميون وجتربة احلكم يف العامل العربي". والورقة البحثية الأخرية يف اجلل�سة اخلتامية كانت من ن�صيب الأكادميي الدكتور جمال ال�شلبي ،والتي جاءت حتت عنوان ":جتربة الع�سكر يف العامل العربي".
75
نشاط ا ت ا ل و سطية
76
من �صور الندوة
وقد �شهدت الندوة ع�صفاً ذهنيا عميقاً، حمل �سمة التباين يف الآراء واخلال�صات املطروحة ب�سبب اختالف م�شارب امل�شاركني فيها ،حيث �ضمت هذه الندوة �شخ�صيات متثل التيارات اال�سالمية املختلفة ،و�شخ�صيات وطنية علمانية ي�سارية وليربالية ،-ووزراء ونواب �سابقني وحاليني لديهم جتربة يف احلكم ،وعلماء وباحثون و�أكادمييون و�سا�سة ،بالإ�ضافة �إىل عدد من �أع�ضاء حزب الو�سط الإ�سالمي. و�شدد �أمني عام " املنتدى العاملي للو�سطية" ،املهند�س مروان الفاعوري على �أهمية تناول مو�ضوعات الندوة يف ظل
ما متر به الأمة الإ�سالمية من ظروف حرجة وح�سا�سة ،وطالب باحلكم على جتربة اال�سالميني يف احلكم بكل جترد بعيداً عن امل�ؤثرات ال�سيا�سية الدولية التي �أرادت اف�شال جتربة اال�سالميني باحلكم واعطائهم الفر�صه الدارة ال�ش�ؤون ال�سيا�سية بالعامل العربي حتى يتم حتقيق االزدهار و النمو االقت�صادي ومعاجلة امل�شاكل االجتماعية واالقت�صادية من املنظور اال�سالمي الو�سطي املعتدل. وعلى الرغم من االختالف الأيديولوجي للم�شاركني يف الندوة؛ �إال �أن غالبيتهم اتفق على جملة من الق�ضايا اجلمعية للأمة العربية والإ�سالمية ،وعلى وجود
من �صور الندوة
عوامل خارجية م�ؤثرة فيما يجري يف الوطن العربي الكبري. واختلف امل�شاركون على املوقف من الأزمة ال�سورية ،من خالل حتيز بع�ض العلمانيني والي�ساريني والقوميني للنظام ال�سوري ،وحلفائه الإيرانيون و " حزب اهلل" ،ناهيك عن اختالفهم على حمور الدول التي ت�صف نف�سها ب�أنها حمور " املقاومة واملمانعة". ويف اجلل�سة اخلتامية اتفق املجتمعون على �أن حماور الندوة املطروحة بحاجة �إىل مزيد من املناق�شة واملداولة �ضمن وقت وم�ساحة �أكرب؛ من خالل عقد م�ؤمتر �أو ندوة نقا�شية ب�شكل مو�سع.
انطالق فعاليات الندوة الدولية
دور اإلعتدال والوسطية في اإلستقرار والتنمية في العالم العربي واإلسالمي انطلقت يف ا�سطنبول يوم ال�سبت املوافق ،2013/9/28فعاليات الندوة الدولية التي يقيمها املنتدى العاملي للو�سطية بعنوان " دور الإعتدال والو�سطية يف الإ�ستقرار والتنمية يف العامل العربي والإ�سالمي" بح�ضور عدد كبري من العلماء واملفكرين من تركيا وم�صر وال�سودان والأردن، وافتتح الندوة الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري الذي �أ�شار �إىل �أننا جنتمع اليوم ملناق�شة دور الإعتدال والو�سطية يف اال�ستقرار والتنمية يف العامل العربي واال�سالمي ,وهو مو�ضوع ي�ستمد �أهميته
والرتبة ال�صاحله لتوفري اف�ضل ال�شروط والظروف لتحقيق التنمية واال�ستقرار، لأ َّن غيابها �أو تغيبها يعني بال�ضرورة �سيادة منطق العنف ,وامتداد نريان ال�صراع واحتدام لغة املفا�صلة وعندها يدفع االن�سان ,كما تدفع الأوطان ثمن ذلك وهذا للأ�سف ما يحدث يف بع�ض دولنا العربية التي تعاين اليوم مع غياب االعتدال ال�سيا�سي من وط�أة الفو�ضى واحلروب الأهلية وال�صراعات الطائفية والدينية . وقال� :إ َّن �أمتنا الإ�سالمية تتعر�ض اليوم ملحنة كبرية ,و�إ َّن من واجب علمائها
من حاجتنا �إىل ركيزتني �أ�سا�سيتني: �أحدهما الو�سطية والأخرى التنمية واال�ستقرار ,وهما باملنا�سبة وجهان لعمله واحده وذلك لأن الو�سطية كفكرة وم�شروع وممار�سة هي الأر�ضية املنا�سبة
ومفكريها �أن ينه�ضوا للقيام بواجبهم, وبني هذا امللتقى جزء من واجب الوقت الذي يقوم به املنتدى العاملي للو�سطية, و�إن م�س�ؤولية املنتدى تتجاوز حتميل الأخطاء على غرينا� ,أو ربط ما يحدث
لديننا و�أمتنا بالعوامل اخلارجية فقط, على الرغم من دورها وح�ضورها املريب, فنحن اي�ضاً م�س�ؤولون عن هذه الأخطاء, �سوا ًء العتبارات ذاتية تتعلق باملمار�سات والأداء� ,أو بت�سهيل مهمة الآخرين عن غري ق�صد �أحياناً ومتكينهم من العبث ب�إ�ستقرارنا ووحدة �أمتنا ,ولهذا توجهنا يف هذا امللتقى �إىل طرح التحديات التي تواجه "الإعتدال" يف بلداننا الإ�سالمية, و�إىل مناق�شة مدى ت�أثري خطابنا اال�سالمي يف التحوالت التي ن�شهدها, ومراجعة �أدبيات احلركات الإ�سالمية, ووقفنا عند دور املر�أة يف البناء.
�صور احدى جل�سات الندوة
واختتم كلمته ب�أ َّن خيار الو�سطية هذا يف ظل الظروف ال�صعبة التي نواجهها هو خيارنا للحفاظ على التنمية واال�ستقرار، فهو وحده امل�ؤهل لإعادة الثقة بني �أبناء الأمة الواحدة ،وبينهم وبني حميطهم
77
نشاط ا ت ا ل و سطية احل�ضاري ،وهو وحده امل�ؤهل العادة منظومة التوازن من خالل امل�شاركة يف العمل والبناء ،واعتماد "اال�صالح" كمنهج ا�سالمي را�شد ،وحل اخلالفات والنزاعات باحلوار ،ورف�ض ال�صدام والعنف مهما كانت �أ�سبابه ومربراته. ويف اجلل�سة الأوىل التي كان حمورها االعتدال ودوره يف �أمن املجتمعات حتدث كل من الدكتور حممد اخلاليلة �أمني عام دائرة الإفتاء العام ،وقدم ورقة عمل بعنوان �صناعة الفتوى و�أثرها يف �أمن املجتمعات ،والأ�ستاذ الدكتور حممد اخلطيب عميد كلية ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية ،الذي �أكد على التحديات التي تواجه الفكر املعتدل و�سبل مواجهته. من جهته قال الدكتور حمي الدين امل�صري �أ َّن هناك ثالثة تيارات تتحمل م�س�ؤولية الواقع القائم: .1تيار اال�سالم ال�سيا�سي :وي�ضم بع�ض الفرق وال�شيع وامللل اال�سالمية وكلها تدعي �أ َّن مرجعيتها اال�سالم . .2التيار القومي املعتدل والي�ساري: وي�ضم كل التيارات القومية مهما اختلفت ا�سما�ؤها وتعددت �أهدافها وكلها تدّعي �أن مرجعيتها تاريخ الأمة العربية واحل�ضارة العربية الإ�سالمية . .3التيار التقليدي :وهو التيار العميق يف التاريخ العربي املمتد �إىل �أكرث من قرن ،وهو �أي�ضاً التيار املخ�ضرم �صاحب التجربه الوا�سعه والذي ال يحمل ايدولوجية وا�ضحة نظراً الرتباطاته مب�صالح داخلية وخارجية ،كما �أنه يتكيف با�ستمرار مع هذه امل�صالح ،كما متيز هذا التيار بواقعيته املتطرفة وبقلة �أمانية و�أحالمه ،وكان دوره املعلن واخلفي وا�ضح النتائج ،ولعل حرب اخلليج وما ي�سمى بالربيع العربي يدل على دوره. و�إذا بحثنا االمور مبو�ضوعية جند �أ َّن ال�صراع بني هذه التيارات الثالث �أمتد لفرتة طويلة و�أنه كان �سبباً يف كل ما
78 جرى ويجري الآن على الأر�ض العربية، فقد �أتهم كل تيار التيار الآخر ب�أنه ال�سبب يف ت�أخر الأمة ع�سكرياً و�سيا�سياً واقت�صادياً وقيمياً ،و�أ�شار لأمله و�أمل الكثريين ب�أن يتحمل املنتدى العاملي للو�سطية م�س�ؤولية تنفيذ امل�صاحلة بني التيارات املختلفه حتقيقاً لوحدة االمة، وبنائها على �أ�س�س �سليمة بعيدة عن التع�صب والعنف . وبد�أت اجلل�سة الثانية مبداخلة الأ�ستاذ الدكتور عارف ار�سوي رئي�س ق�سم االقت�صاد يف جامعة �أنقرة ،وحتدث فيها عن �أثر االعتدال يف الإ�ستقرار الإجتماعي وال�سيا�سي يف العامل العربي والإ�سالمي ( تركيا منوذجاً) .و�أ�شار الأ�ستاذ عبداملحمود �أبو �إبراهيم الأمني العام لهيئة �ش�ؤون الأن�صار يف ال�سودان الذي حتدث عن " �أثر التع�صب الديني على �أمن املجتمعات، و�سبل مواجهة الفكر املتطرف " �إىل �أ َّن التعرف على الآخر ال يتم بالقراءة عنه وحدها ،و�إمنا تتعمق املعرفة باملعاي�شة والتوا�صل ،لأن الواقع امللمو�س �أبلغ من التنظي ،فكثري من النا�س يتخذون مواقفهم بناء على معلومات ناق�صة فيظلمون ويظلمون ،ورمبا يدلون ب�شهادتهم م�ستندين �إىل تلك املعلومات التي متثل جزء من احلقيقة ،ال كلها، ف�أجهزة الإعالم مث ً ال تنقل املعلومة من الزاوية املتاحة لكامريا امل�صور �أو قلم امل�شاهد ولكن تظل هنالك زوايا �أخرى ،مل يتمكن الناقل من الو�صول �إليها .فاملعرفة تقت�ضي االحتكاك بالآخر للتعرف عليه عن قرب وللإملام بكل مكوناته الثقافية، واالجتماعية ،والبيئية ،عليه ف�إ َّن من و�سائل تر�سيخ ثقافة التعاي�ش امل�شرتك تبادل الزيارات والدخول يف املجتمع املعني ملعرفة القواعد التي يقوم عليها، والنظم التي يدير بها �أموره ،ولع ّل الن�ص القر�آين يهدف �إىل ذلك يف قوله تعاىل : انظ ُروا َك ْي َف َب َد�أَ الَ ْر ِ�ض َف ُ ريوا فيِ ْ أ ( ُق ْل �سِ ُ
الخْ َ ْل َق ُث َّم هَّ ُ الل يُن�شِ ُئ ال َّن ْ�ش�أَ َة ْالآخِ َر َة ِ�إ َّن هَّ َ الل َعلَى ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َقدِ ي ٌر) (العنكبوت)20: �إ َّن التوا�صل بني املجموعات الدينية، والثقافية ،واالثنية ،يفتح الباب لتفاهم يرفد العالقات الإن�سانية مبفاهيم تنظر ب�إيجابية للتعدد الديني والتنوع الثقايف وتعزز التعاي�ش . م�شرياً اىل �أن الإعالم له ت�أثري كبري على الر�أي العام ،فهو ي�شكل ثقافته ويعب�ؤه للتفاعل مع الأحداث �سلباً �أو �إيجاباً، فالإعالم هو �أيقونة الع�صر املعلوماتية ف�إذا ا�ستخدم ا�ستخداماً هادفاً �سي�ساهم يف تر�سيخ ثقافة الوحدة الوطنية ،وذلك عن طريق ن�شر موا�ضيع تدعو للت�سامح وتبني حتمية االختالف و�ضرورته وكيفية التعامل معه ،و�أن تتجنب و�سائط الإعالم املوا�ضيع التي من �ش�أنها �أن تثري الفتنة وتدعو للتع�صب وتن�شر الكراهية. وانتهت اجلل�سة الثانية بورقة الدكتوره ماجدة عكوب ع�ضو جلنة املر�أة يف املنتدى العاملي للو�سطية التي حتدثت عن دور املر�أة يف البناء. وناق�شت اجلل�سة امل�سائية حمور "املدر�سة الو�سطية ودورها يف ن�شر الإعتدال ورف�ض العنف" والذي حتدث فيها كل من الأ�ستاذ مروان �شحادة عن مناذج حلركات التطرف وجماعات التكفري بعنوان: (الثمار املرة و�أثرها يف زعزعة الإ�ستقرار وال�سلم العاملي) ،ومعايل الدكتور حممد احلاليقة عن القوى الدولية و�أثرها يف �إجناح التجربة ال�سيا�سية الإ�سالمية ،وهل هي معنية يف �إ�ستقرار املجتمعات العربية والإ�سالمية ،وا�ستخدام اال�سلحة املحرمة دولياً خارج نطاق احلروب وا�ستهداف املدنيني. ومن اجلانب الرتكي حتدث الأ�ستاذ حممد زاهد جول عن دور احلركات الإ�سالمية املعتدلة يف تر�سيخ قيم االعتدال وامل�ساهمة يف �إ�ستقرار املجتمعات و�أمنها "التجربة الرتكية".
المنتدى العالمي للوسطية يعقد ندوة دولية في تونس
�صورة جماعية للم�شاركني
�صور احدى جل�سات الندوة
الو�سطية يف مواجهة الغلو و التطرف " يوم االحد املوافق 2013/1/15 و تناولت الندوة ظاهرة التطرف والغلو امل�ؤدّيني �إىل انت�شار ظاهرة العنف والإرهاب وما يتف ّرع عنها من �سلوكيات و�أفعال وت�صريفات تخ ّل بتوازن املجتمع وتهدّد �أمنه و�سلمه وتت�س ّبب يف ظهور حالة من اخلوف لدى النا�س من فئات ال متثل حقيقة هذا الدين وهو برئ منهم . وقد حتدث يف الندوة املهند�س مروان الفاعوري �أمني عام املنتدى وتناول فيها الأخطار التي حتيط بثورات ال ّربيع العربي و�ضرورة الو�سط ّية نهجا يف الرتبية والفهم للدين حتى يتج ّنب ّ ال�شباب ت�أزمي الأو�ضاع يف املنطقة مب ّينا �أهم ّية الو�سطية نهجا ح�ضاريا للأمة ال يجب �أن حتيد عنه . و �شارك يف الندوة عدد من ال�شخ�صيات الفكرية و االعالمية و االكادميية باوراق عمل وهم : االمام ال�صادق املهدي :رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية وورقته بعنوان " دور الأ�سرة يف مواجهة التطرف." . و اال�ستاذ منت�صر الزيات :حمامي و كاتب و م�ؤرخ ا�سالمي وورقته بعنوان " دور الإعالم يف مواجهة التطرف". و �سليم حمدان :وزير �أمالك الدولة
لتون�سوورقته بعنوان " الأ�صولية طريق لل�شمولية و عدو للدميقراطية" . و ال�شيخ عبدالفتاح مورو :نائب رئي�س حركة النه�ضة التون�سية وورقته بعنوان " الفكر التكفريي ( �أ�صول و�آثاره) يف �ضوء املنهج الإ�سالمي" و الدكتور عبداملجيد النجار :نائب رئي�س االحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني و ال�شيخ نور الدين اخلادمي :وزير ال�ش�ؤون الدينية يف تون�س . و قد ح�ضر الندوة جمع غفري من نخب و مفكري تون�س و من خمتلف التيارات الدينية وال�سيا�سية ويقدر عددهم حوالة � 300شخ�ص من اجلن�سني ,و و�سائل الإعالم و ال�صحافة و القت الندوة تغطية �أعالمية كبرية لأهمية الندوة على احلياة الإجمالية ال�سيا�سية املعا�صرة يف تون�س و ما قد تواجهه من حتديات فكرية و دينية . وبناءاً على احلاح وطلب احل�ضور القى االمام ال�صادق املهدي يوم االثنني املوافق 2013/12/16يف والية باجه �شمال العا�صمة التوني�سية بعنوان " م�شروع ميثاق اهل القبلة " دعا فيها اىل حترمي ا�ستخدام ا�سلحة الدمار ال�شامل و انتقد فيها ممار�سات املنظمات االرهابية والتكفريية والتي تدعي ال�سلفية
اجلهادية التي جرت الويالت على اال�سالم وامل�سلمني و حذر فيها من خطر التطرف واالرهاب الذي جر امل�ستعمرين اىل عقر بالد ال�سلمني وقد القت هذه املحا�ضرة ح�ضوراً كبريا حيث ح�ضرها اكرث من � 600شخ�ص من اجلن�سني. قد قام االمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري يرافقه النائب الدكتور حممد احلاج و بزياره اىل موريتانيا �أجرى الوفد خاللها عدة لقاءات مع امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية وغري الر�سمية عرب رئي�س فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف موريتانيا العالمة اال�ستاذ طالب اخيار ماء العينني والتقى وزير ال�ش�ؤون اال�سالمية ف�ضيلة ال�شيخ احمد ولد النيني وكذلك هيئة كبار العلماء يف موريتانيا وزار عدداً من املحا�ضر العلمية ودور القر�آن الكرمي يف ال�صحراء املوريتانية واتفق الوفد على ان جترى خالل هذا العام عدة فعاليات منها م�ؤمتر ا�سالمي حول دور الو�سطية يف التنمية واال�ستقرار يف موريتانيا وكذلك عدة دورات للأئمة واخلطباء والتوا�صل مع حم�ضرة �أم القرى ودعمها لإن�شاء مبنى حلفظ القر�آن الكرمي وتعليمه.
79
نشاط ا ت ا ل و سطية
80
دور أئمة الجوامع في بث ثقافة التسامح والوسطية ورشة عمل لفرع المنتدى العالمي للوسطية في الباكستان 18-17يونيو 2013م
عقد فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف الباك�ستان يومي 18-17يونيو 2013م، ور�شة عمل بعنوان " :دور �أئمة اجلوامع يف بث ثقافة الت�سامح والو�سطية يف املجتمع" ح�ضرها حوايل � 70إماماً وخطيباً من مدينتي راولبندي و�إ�سالم �آباد ،يف الباك�ستان. وهدفت الور�شة �إىل �إبراز دور الأئمة واخلطباء يف بث ثقافة االحرتام املتبادل والت�سامح ،وبناء املجتمع ،وبث ثقافة الو�سطية والت�سامح بني املذاهب
• دور العلماء يف بث ثقافة االحرتام املتبادل والت�سامح. • دور اخلطباء والأئمة القيادي يف بناء املجتمع. • حقوق الأقليات يف املجتمع الإ�سالمي و�ضوابط التعاي�ش ال�سلمي. • املنهج الو�سط يف اخلالفات الفقهية. • م�س�ؤولية العلماء يف وحدة الأمة. • اال�ستفادة من �آراء املذاهب الفقهية املختلفة يف حل الأزمات العائلية واالجتماعية يف الع�صر احلا�ضر.
طاهر من�صوري ،مدير عام �أكادميية ال�شريعة ،ال�شيخ العالمة زاهد الرا�شدي، �أ�ستاذ احلديث بجامعة ن�صرة العلوم بـ"غوجرانواله" ،ومدير حترير جملة ال�شريعة� ،سماحة املفتي حممد زاهد، نائب رئي�س اجلامعة الإ�سالمية الإمدادية بـ في�صل �آباد ،ال�شيخ عبد العزيز حنيف، نائب �أمري جمعية �أهل احلديث املركزية، د .طاهر حكيم رئي�س ق�سم ال�شريعة بكلية ال�شريعة ،اجلامعة الإ�سالمية العاملية �إ�سالم �آباد ،د .ع�صمت اهلل ،رئي�س
من �صور الور�شة
الفكرية والفقهية ،ومدار�سة التعليما ت و�شارك يف الور�شة عدد من العلماء، ال�شرعية يف معاملة الأقليات يف املجتمعات منهم :ال�شيخ العالمة حممد خان الإ�سالمية وحفظ حقوقها. �شرياين رئي�س جمل�س الفكر الإ�سالمي، وت�ضمنت الور�شة حماور عدة ،من �أبرزها� :إ�سالم �آباد ،الأ�ستاذ الدكتور حممد
ق�سم الفقه ،جممع البحوث الإ�سالمية، الأ�ستاذ م�صباح الرحمن يو�سفي ،رئي�س ق�سم التعليم باملرا�سلة ب�أكادميية الدعوة باجلامعة.
وقد افتتح الور�شة ف�ضيلة ال�شيخ حممد خان �شرياين رئي�س جمل�س الفكر الإ�سالمي( ،وهو بدرجة الوزير يف احلكومة الفيدرالية) ،واملجل�س هيئة للعلماء لأ�سلمة القوانني يف البالد ،وقد ح�ضر احلفل االفتتاحي �أي�ضاً �سماحة املفتي حممد زاهد نائب رئي�س اجلامعة الإ�سالمية الإمدادية مبدينة في�صل �آباد، والأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري املدير العام لأكادميية ال�شريعة باجلامعة الإ�سالمية العاملية ،والأ�ستاذ الدكتور �سهيل ح�سن نائب املدير العام ملجمع البحوث الإ�سالمية. رحب الأ�ستاذ الدكتور ويف بداية احلفلّ ، حممد طاهر من�صوري بال�ضيوف الكرام امل�شاركني يف احلفلة وقال يف كلمته االفتتاحية� :إ َّن ال�شريعة قد ح ّثت على االجتماع ونبذ الفرقة واخل�صام .وتدل عليه عدة ن�صو�ص من الكتاب وال�سنة, منها :قوله �سبحانه وتعاىلَ (( :يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا ا َّت ُقوا اللهَّ َ َح َّق ُت َقا ِت ِه َو اَل تمَ ُ و ُتنَّ �إِ اَّل َو�أَ ْن ُت ْم م ُْ�س ِل ُمو َن * َو ْاع َت ِ�ص ُموا ب َِح ْبلِ اللهَّ ِ َجمِ ي ًعا َو اَل َت َف َّر ُقوا َوا ْذ ُك ُروا ِن ْع َمتَ اللهَّ ِ َعلَ ْي ُك ْم �إِ ْذ ُك ْن ُت ْم �أَ ْعدَا ًء َف�أَ َّل َف َبينْ َ ُق ُلو ِب ُك ْم َف�أَ ْ�ص َب ْح ُت ْم ِب ِن ْع َم ِت ِه ِ�إ ْخ َوا ًنا َو ُك ْن ُت ْم َعلَى َ�ش َفا ُح ْف َر ٍة مِ َن ال َّنا ِر َف�أَ ْن َق َذ ُك ْم مِ ْنهَا َك َذل َِك ُي َبينِّ ُ اللهَّ ُ َل ُك ْم �آ َيا ِت ِه َل َع َّل ُك ْم َت ْه َتدُو َن)) (�آل عمران ،)103—107وكان من �أ ّول امل�شروعات املحمدية لتوطيد دعائم الوحدة يف املجتمع يف املدينة امل�ؤاخاة بني املهاجرين والأن�صار ،وكان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم حري�صاً �أ�شد احلر�ص على توحيد �صفوف امل�سلمني واالبتعاد عن كل ما قد ي�ؤدي �إىل فرقة و�شقاق ،فقد ترك بناء الكعبة على قواعد �إبراهيم خمافة �أن تكون هذه اخلطوة �سبباً لالفرتاق بني امل�سلمني ،فقال لعائ�شة (ر�ضي اهلل عنها):
"لو ال �أن قومك حديثو عهد بكفر لأ�س�ست البيت على قواعد �إبراهيم" فرتك تغيري بناء البيت ملا يف �إبقائه من ت�أليف القلوب ومثله مافعل ابن م�سعود ر�ضي اهلل عنه حينما �أنكر على عثمان ر�ضي اهلل تعاىل عنه �إمتام ال�صالة يف ال�سفر ثم �صلى خلفه متما وقال" :اخلالف �شر". يتعر�ض املجتمع امل�سلم اليوم ل�صنوف من االفرتاق التي �ش ّتت وحدة امل�سلمني و�أ�ضعفت كيانهم ،ومن �أبرزها ما يتعلق بالتع�صب املذهبي ،فنجد �أن كل طائفة ومذهب يرى �أن احلق معه وحده ،ويرمي خمالفه بالباطل �أحياناً ،ويتهمه وين ّفر النا�س منه .ف�أ�صبحت املواالة واملعاداة عند ه�ؤالء خا�ضعة لالنت�شار واحلزبية ال للحق والعدل والإن�صاف. لذا �أ�صبح من �ضروريات العمل الإ�سالمي� ،أن يبث الأئمة واخلطباء ثقافة الو�سطية والت�سامح وفق االحتاد واالئتالف. وقد �أكد ف�ضيلة ال�شيخ حممد خان �شرياين يف كلمته على االلتزام ب�أدب االختالف يف اخلالفات الفقهيةَّ ، وحث �أئمة امل�ساجد واخلطباء على القيام بدورهم القيادي لتوحيد �صفوف النا�س وحتذير النا�س من الآفات االجتماعية مثل احلقد والغل والبغ�ضاء والعداوة. وحتدث �سماحة املفتي حممد زاهد عن "دور العلماء يف ايجاد الت�سامح الديني يف املجتمع امل�سلم" وقال حفظه اهلل� :إن اهلل جعل الإن�سان خليفة يف الأر�ض ،وكان من واجبه �أن يع ّمرها ويج ّنبها من التخريب والف�ساد.ولكن الإن�سان ين�سى واجبه ب�سبب تناق�ضات وخالفات جن�سية ولونية ولغوية وفكرية نرى من �أ�شدها تنازعات طوائف الدينية" .ومن النقاط الرئي�سة يف كلمته �أن " :االختالف �سنة كونية ال
حمي�ص عنها" ،و�أن" :هذا االختالف ابتالء من اهلل تعاىل ويوم الف�صل هو يوم القيامة" و�أنه" :ال �إكراه يف الدين" ،و�أن االختالف ال ينبغي �أن يكون �سببا للمعاداة " ،و�أن " :مراعاة احلكمة يف دعوة الأخرين واجب" ،و احرتام م�شاعر الآخرين خلق �إ�سالمي عظيم" وقد �شرح حفظه اهلل جميع النقاط ب�أمثلة وا�ضحة و�أ�سلوب �أخاذ. وحتدث ال�شيخ عبد العزيز حنيف �أحد العلماء البارزين يف �إ�سالم �آباد ،فركز على دعوة امل�شاركني �إىل تفعيل دور املنرب واملحراب يف بث ثقافة الت�سامح واالحرتم املتبادل. وحتدث يف الور�شة �سعادة الدكتور ع�صمت اهلل عنايت اهلل حول "الأقليات يف املجتمع الإ�سالمي :حقوقهم والتعاي�ش ال�سلمي معهم ،و�إ َّن الأقليات يف ع�صرنا تتكون �إما على �أ�س�س عرقية وقبيلة �أو لغوية �أو لونية �أو على �أ�س�س البلد والوطن. وقال �أن كل خالف على هذه الأ�س�س ملغى اعتباره يف ال�شريعة ك�أ�سا�س للمواطنة� ،أو تك ُّون الأقلية والأكرثية ،والأقليات نوعان � :أقليات م�سلمة يف بالد غري �إ�سالمية، و �أقليات غري م�سلمة يف بالد �إ�سالمية، وكل �أقلية منها من نوعني� :أقليات ذات �إقامة دائمة ك�أهل الذمة من �أهل الكتاب واملجو�س والوثنيني ،و�أخرى ذات �إقامة م�ؤقتة مثل امل�ست�أمنني ،والدبلوما�سيني وغريهم .ثم �أكد �سعادته على �أن اختالف الديانات م�شيئة �إلهية ،ويعرتف الإ�سالم بوجود الكفر والكفار ،وحتى وجود ال�شيطان �إىل جنب الإن�سان لالبتالء. ولكل من الأقليات حقوق يعرتف بها الإ�سالم ويتبناها امل�سلمون ,منها :حق العقيدة والتدين ،وحق احلياة وحمايتها، وحق حرمة الأموال ،والت�أمني عند العجز
81
نشاط ا ت ا ل و سطية
82
�صورة للم�شاركني بالور�شة
وال�شيخوخة والفقر ،وقبول �شفاعتهم يف بع�ض الأحوال. ثم كانت كلمة الأ�ستاذ ال�شيخ م�صباح الرحمن يو�سفي الذي �أكد على �أن االعت�صام بحبل اهلل وعدم التفرق هو الهدف الأ�صيل للأمة الإ�سالمية ،وقال: �إن ذلك من م�س�ؤوليات علماء هذه الأمة و�أئمة م�ساجدها وخطبائها الذين لهم �صلة قوية بالأمة فيجتمعون بهم كل يوم خم�س مرات يف امل�سجد ومرة يف الأ�سبوع يف �صالة اجلمعة ،وعند جميع املنا�سبات الأخرى .ولهم دور كذلك يف ردع ال�صراعات الفكرية العنيفة بني الفكر الإ�سالمي ال�سليم والغزو الفكري ال�سقيم ،فهم الذين قاموا مبواجهة هذه املوجات يف املا�ضي وعاجلوا ال�شبهات املثارة ب�أ�سلوب موفق �أدى �إىل جناح الأمة وجناتها من هذه الباليا. وكانت الكلمة الأخرية لف�ضيلة ال�شيخ الأ�ستاذ زاهد الرا�شدي ،وقال �سماحته يف كلمته� :إن عوامل االفرتاق يف املجتمع كلها ال ترجع �إىل العلماء ،فمنها ما
يرجع �إىل الع�صبيات املختلفة يف الع�صبية القبلية والل�سانية واحلزبية ومنها ما يعود �إىل التع�صب املذهبي والتحم�س لآراء مذهب معني واملعاداة ملذهب �آخر وتنفري النا�س منه .ثم التفت �إىل العلماء منبها �إىل دورهم املهم يف التقليل من الع�صبية فق�سم م�صادر اخلالفات �إىل املذهبيةّ ، �أربعة م�ستويات: امل�ستوى الأول :م�ستوى الإميان والكفروهو خالف بني اليمانات املختلفة ،مثل الإ�سالم واليهودية والن�صرانية وغريه .امل�ستوى الثاين :هو م�ستوى احلق والباطل وهذا هو ما�سماه ويل اهلل الدهلوي باختالف �أهل القبلة .هذا اخلالف ال يرجع �إىل العقيدة نف�سها و�إمنا �إىل تف�سري العقيدة والتعبري عنها مثل اخلالف ك�أهل ال�سنة وال�شيعة وبني الفرق الإ�سالمية املختلفة واملعتزلة واخلوارج .وامل�ستوى الثالث :م�ستوى اخلط�أ وال�صواب :وهذا يتعلق باخلالفات الفقهية بني املذاهب املختلفة .وامل�ستوى الرابع :م�ستوى الأوىل وغري الأوىل وقال
ب�أن امل�شكلة ت�شتد عندما ال نفرق بني هذه امل�ستويات اخلالفية فنعامل اخلالفات يف امل�ستوى الثالث وامل�ستوى الرابع معاملة امل�ستويني الأول والثاين .فعلى �سبيل املثال عندما نعالج خالفات الأوىل وغري الأوىل نعاملها م�ستعملني ال�سالح املطلوب ملعاملة الكفر والإميان .وقد �شرح ف�ضيلته كل م�ستوى من هذه امل�ستويات ب�أمثلة بيانية وا�ضحة ،ثم اقرتح ح ً ال �شام ً ال حلل النزاعات الطارئة مهما كان م�ستواها ،ويتمثل هذا احلل يف ت�شكيل جلنة م�شرتكة بني العلماء من خلفيات فكرية خمتلفة و�أخرب �أنهم قد جربوا هذا احلل يف ت�شكيل جلنة م�شرتكة بني العلماء من خلفيات فكرية خمتلفة و�أخرب �أنهم قد ج ّربوا هذا احلل يف منطقتهم ف�أتى بنتائج تطمئن �إليها القلوب وتثلج لها ال�صدور .وركز على ال�شورى الف�صل بني املنازعات وحل النوازل. ويف نهاية احلفل وزعت �شهادات امل�شاركة للم�شاركني ،كما ّ مت �إهداء عدد من املن�شورات املتعلقة مبحاور الور�شة.
اقام فرع جرش محاضرة بعنوان تربية األبناء وتحديات العصر �أميانا ب�أهمية تربية الأبناء تربية �صاحله �إ�سالميه باعتباره احد التحديات التي تواجه اال�سره امل�سلمة يف هذا الع�صر وما لهذا الن�شئ من دور م�ستقبلي يف بناء املجتمعات ونه�ضتها �أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة /فرع جر�ش حما�ضره بعنوان ( تربية الأبناء وحتديات الع�صر) قدمتها الأخ�صائية اال�سريه ماجدة عكوب والدكتورة نوار �شرار وبح�ضور عدد كبري من وجهاء ومثقفي مدينة جر�ش . وقد �أ�ستهل رئي�س الفرع حممد عوده بني م�صطفى اللقاء بالرتحيب باملحا�ضرتني الكرميتان واحل�ضور الكرام .وحتدثت املحامية �سهام بني م�صطفى والتي �أدارت احلوار ,عن منهج الو�سطية واالعتدال
و�إبراز �صورة الإ�سالم احلقيقية امل�شرقة يف فهم الإ�سالم دينا وح�ضار ًة وكذلك حتدثت عن الأ�س�س الواجب �إتباعها يف تربية الأبناء ,ثم قامت بتقدمي املحا�ضرتني . وقد حتدث املحا�ضرة الدكتورة نوار �شرار عن التحديات التي تواجه اال�سره يف تربية الأبناء وطرحت الكثري من الأفكار ملعاجلة هذه التحديات ,كما حتدثت عن امل�ؤمترات التي تعاملت مع تربية الأبناء ومدى ان�سجام هذه امل�ؤمترات مع الطرق ال�صحيحة يف تربية الأبناء. ثم حتدثت اال�ستاذه ماجدة عكوب عن جمموعه من املواقف والتجارب والطرق والو�سائل لرتبية الأبناء تربيه �صحيحة
وركزت على القدوة احل�سنه وعدم الرتكيز على �سلبيات الأبناء وو�ضع �أ�سا�س لتقاليد لها معنى هادفة .واختتمت كالمها بان املر�أة والتعليم والقوانني لها الدور الكبري يف الت�أثري على اال�سره ب�شكل عام والأبناء ب�شكل خا�ص. وجرى نقا�ش مثمر وم�شوق يف ختام املحا�ضرة مع احل�ضور ,ويف نهاية املحا�ضرة �شكر رئي�س املنتدى املحا�ضرتان الكرميتان واحل�ضور املميز ,وقد قام احل�ضور ب�شكر املنتدى على �إتاحة مثل هذه الفر�صة وهذا للقاء املميز .وطالبوا املنتدى بتعزيز مثل هذه الفعاليات والأن�شطة م�ستقب ً ال
وسطية السلط /تنظم ندوه عن الحج وفضل العشر االوائل من ذي الحجة اقام منتدى الو�سطيه للفكر والثقافه ال�سلط ندوه عن احلج وف�ضل الع�شر االوائل من ذو احلجه يف قاعة غرفة جتارة ال�سلط و�سط ح�ضور غ�صت القاعه به وحا�ضر بالندوه الداعيه الدكتور حممد الق�ضاه وادار اللقاء الدكتور احمد اخلراب�شه . وحتدث الدكتور الق�ضاه عن تاريخ احلج يف اال�سالم وعن ف�ضل احلج وانواعه ومنا�سكه ومواقيته واالحرام وعن يوم الرتويه ويوم عرفه وعيد اال�ضحى وايام الت�شريق وطواف الوداع وحتدث عن ف�ضل الع�شر االوائل من ذي احلجه وخ�صائ�صها والدرو�س امل�ستفاده منها كما ورد يف القران ا�س الكرمي لقوله تعاىل َ ( :و�أَ ِّذ ْن فيِ ال َّن ِ ِبالحْ َ ِّج َي�أْ ُت َ وك ر َِجا ًال َو َعلَى ُك ِّل َ�ضامِ رٍ َي�أْ ِت َ ني
مِ نْ ُك ِّل َف ٍّج عَمِ يقٍ * ِل َي ْ�ش َهدُوا َم َنا ِف َع َل ُه ْم الل فيِ �أَ َّيا ٍم َم ْع ُلومَاتٍ ) َو َي ْذ ُك ُروا ْا�س َم هَّ ِ (�سورة احلج :الآيتان )28- 27 وكما ورد يف ال�سنه النبويه عن ابن عبا�س – ر�ضي اهلل عنهما – �أنه قال : يقول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم : أحب �إىل " ما من �أيا ٍم العمل ال�صالح فيها � ُّ اهلل من هذه الأيا ِم ( يعني �أيا َم الع�شر ) . قالوا :يا ر�سول اهلل ،وال اجلها ُد يف �سبيل اهلل ؟ قال :وال اجلها ُد يف �سبيل اهلل �إال ٌ رجل خرج بنف�سه وماله فلم يرج ْع من ذلك ب�شيء " ( �أبو داود ،احلديث رقم )2438 وعن العبادات والطاعات امل�شروعه يف االيام الع�شر من اكثار لذكر اهلل وتالوة القران الكرمي واالكثار من �صالة النوافل
وذبح اال�ضاحي واالكثار من ال�صدقات وقيام الليل واداء العمره وزيارة امل�سجد النبوي يف املدينه املنوره وتطرق اىل الدرو�س امل�ستفاده من ف�ضل الع�شر االوائل من ذي احلجه مثل التوجيه النبوي الرتبوي اىل ان يف حياة امل�سلم املنا�سبات التي يجب ان يتفاعل معها وانها لها الف�ضل يف ا�ستمراريه توا�صل امل�سلم مع خالقه وتطرق اىل عدة درو�س اخرى . وكان احيا عربيات رئي�س املنتدى قد رحب باملحا�ضر واحل�ضور وقال اننا يف املنتدى ننظم هذه الندوه وامل�سلمني يتوجهون هذه االيام اىل الديار املقد�سه الداء فري�ضة احلج و يحتفلون بعيد اال�ضحى املبارك ولي�ستفيد منها امل�سلم .
83
نشاط ا ت ا ل و سطية
84
علماء ومفكرون وباحثون من السودان يدعون لتبني المنهج الوسطي في مواجهة تحديات األمة
حتت �شعار "�إ َّن لربكم يف �أيام دهركم نفحات �إال فتعر�ضوا لها" ،نظم املنتدى العاملي للو�سطية فرع ال�سودان �إفطاره ال�سنوي يف 25رم�ضان 1343هـ بقاعة الأ�سكال علي �ضفاف النيل الأزرق ، مب�شاركة جمموعة من �أ�ساتذة اجلامعات والباحثني يف الفكر اال�سالمي ،ورجال الأعمال والإعالميني واملُثقفني، وجاء احلفل �ضمن ر�سالة املنتدى يف اللتوا�صل وخلق �شراكة حقيقية بني املنتدى واملجتمعات العربية والإ�سالمية، خللق حالة من الوعي واحلراك املجتمعي لأهمية الفكر الو�سطي يف حتقيق ال�سلم االجتماعي. وبد�أ احلفل بكلمة ترحيبية من الأ�ستاذ حممد الأمني عبد النبي �-أمني �إعالم املنتدى�-شاكراً للح�ضور تلبية الدعوة، وكا�شفاً عن �أهداف الإفطار املتمثلة يف التعريف باملنتدى والتفاكر ،والع�صف الذهني حول �أهدافه وبراجمه ،ك�إنطالقة حلوار متوا�صل ومت�صل لإبراز الفكر الو�سطي ،وتعزيز ثقافة االعتدال .ودعا امل�شاركني للطواف على معر�ض املطبوعات والكتب امل�صاحب للربنامج ،ومن ثم مت عر�ض فلم �صغري تعريفي باملنتدي العاملي للو�سطية من دولة املقر حول ن�ش�أة الفكرة و�أن�شطة املنتدى وتطلعاته. من جانبه حتدث ال�شيخ عبد املحمود �أبو �إبراهيم -رئي�س فرع املنتدى يف ال�سودان
عن �أهداف املنتدى ون�ش�أته و�ضرورة قيامه وطبيعته و�أن�شطته ،والتي يراد بها ت�شكيل العقل اجلمعي للأمة ،املتبني للأ�سلوب ال�سمح يف ن�شر الدعوة وحلحلة امل�شاكل وفق منهج الر�سول �-صلى اهلل عليه و�سلم ،-ونا�شد �أبو �إبراهيم احل�ضور ب�ضرورة التنا�صح والت�آزر والتعاون وال�شراكة من �أجل تقدمي املنهج الو�سطي، وتعزيز ثقافة الو�سطية واالعتدال بني كل فئات املجتمع وبني املفكرين وال�سيا�سيني كمدخل حلل م�شاكل ال�سودان �سواء كانت يف احلكم �أو احلرب �أو الإقت�صاد ،... ومو�ضحاً �أن املنتدى مفتوح لكل الذين ي�ؤمنون ب�أهدافه ور�سالته ور�ؤيته . ودار نقا�ش وحوار معمق بني العلماء احل�ضور ،حول عظمة الو�سطية يف الدعوة للإ�سالم ،باعتبارها منهج ر�سول الإ�سالم �-صلى اهلل عليه و�سلم -يف الدعوة اخلالدة ،و�ضرورة تقدمي الإ�سالم مبا فيه من �سماحة وجمال وعظمة وروعة، وحاجة الدعوة اليوم لأ�سلوب (خماطبة النا�س على قدر عقولهم) ،وقد �شدد امل�شاركون على �أهمية �إتباع منهج الو�سطية والع�ض عليه بالنواجذ والت�صالح مع روح الع�صر وا�ستخدام الو�سائل الع�صرية لن�شر الفكر الو�سطي ،باعتباره م�شروعاً تنويرياً ح�ضارياً معا�صراً ،وتنزيل ثقافة الو�سطية لعامة النا�س ،مع الرتكيز على ال�شباب واملر�أة ،وعزل ظاهرة الت�شدد
والتطرف والغلو التي �سادت يف املجتمع، وتقدم نهجاً و�سطياً حقيقياً يقبل الآخر ويحاوره ويتعاي�ش معه. م�ؤكدين يف ختام مناق�شاتهم على �أ َّن الو�سطية واالعتدال جزء من طبيعة التدين ال�سوداين ،و�أ َّن ظواهر التع�صب والتطرف دخيلة عليه. اجلدير بالذكر �أ َّن االفطار � ّأمه عدد مقدر من املفكرين والباحثني من بينهم د.عبد الرحيم علي املفكر املعروف ،ومدير معهد اخلرطوم الدويل للغة العربية د .حمد عمر حاوي جامعة بحري ،د .فتح العليم عبد احلي منتدي يرثب الفكري ،ال�شريف االدري�سي ،د .عبد الرحيم ادم جامعة الرباط الوطني ،د .علي عبد الرحمن املعهد االقليمي لتنمية وتدريب املجتمع املدين� ،أ .بكري حاج علي جامعة �أم درمان اال�سالمية ،عبد القادر الف�ضل ،عو�ض الكرمي ف�ضل املويل ،حممد مو�سي حممد �أمني العالقات اخلارجية بهئية �شئون الأن�صار� ،صديق حممد احمد املادح � ،سيف الدين مر�سال ،حممد عبا�س الفادين، ها�شم التوم هجو ،هيثم حممد �صالح من بنك في�صل الإ�سالمي ح�ضوراً �أنيقاً ،كما كان مل�شاركة ال�سيد حممد املومني القائم بالأعمال ب�سفارة دولة الأردن –دولة املقر للمنتدى� -أهمية كبرية ،هذا بجانب عدد من الإعالميني ال�سودانيني.
مأدبة تكريمية في فرع المنتدى العالمي للوسطية موريتانيا
الوسطية وإيجابية المشاركة في االنتخابات البلدية محاضرة في فرع المنتدى في جرش
نظم املنتدى العاملي للو�سطية فرع موريتانيا �إفطا ًر ال�صائم يف حم�ضرة �أم القرى يف نواك�شوط. وح�ضر املنا�سبة جمع غفري ،بينهم العالمة �أحمد ولد النيني وزير ال�ش�ؤون الأ�سالمية والتعليم الأ�صلي ,والعالمة حممد املختار ولد امباله رئي�س الهيئه العليا للفتوى واملظامل ,ورئي�س جمل�س جائزة �شنقيط ,ورئي�س املجل�س الإ�سالمي الأعلى, ورئي�س االحتاد الوطني للأئمة ,وغريهم من ال�شخ�صيات العلمية املعروفه يف ال�ساحة الدعوية. وكانت املنا�سبة فر�صة للتعريف باملنتدى و�أهدافه ودعوة العلماء والباحثني �إىل الإ�سهام يف م�شاريع وبرامج املنتدى احل�ضارية ,ومت توزيع مطبوعات املنتدى على احلا�ضرين.
�أمياناً ب�أهمية الو�سطية وااليجابية يف بناء املجتمعات� ،أقام منتدى الو�سطية يف جر�ش حما�ضرة حول (�أهمية الو�سطية وااليجابية يف التعاطي مع االنتخابات البلدية) �ألقاها معايل الدكتور عاطف ع�ضيبات وزير العمل ال�سابق بح�ضور عدد كبري من وجهاء ومثقفي مدينة جر�ش� ،ضمن اهتمام املنتدى بق�ضايا املجتمع املحلي. و�أبرز املحا�ضر �أهمية فهم الإ�سالم ديناً وح�ضار ًة ,حيث تناول الو�سطية واالعتدال وااليجابية كمفاهيم راقيه تنه�ض باملجتمعات والأمم ,م�ؤكداً على �ضرورة �أن يكون املواطن �إيجابياً ،لأ َّن يف االيجابية معنى التجاوب والتفاعل والعطاء. وقد اخ ُتتمت املحا�ضرة بنقا�ش مو�سع وعميق بني ال�ضيف وال�سادة احل�ضور.
نشاطات لجنة المرأة في شهري تموز وحزيران 2013 �ضمن �سل�سلة ن�شاطات جلنة املر�أة يف متوز وحزيران ،2013فقد نظمت �سل�سلة من الن�شاطات ،والتي منها: يف �إطار �سل�سلة (تعليم اللغة العربيةلغري الناطقني بها) ،قامت ال�سيدة وفاء خرمي /ع�ضو جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية ب�إلقاء حما�ضرة يف عدد من الطالبات من اندوني�سيا واملقيمات يف الأردن ،وذلك بهدف متكني ه�ؤالء الطالبات من تالوة القر�آن الكرمي، وغر�س القيم الإ�سالمية يف نفو�سهن . وا�صلت ال�سيدة �آمنه كتانة دورة حتفيظالقر�آن الكرمي ملجموعة من الأطفال، وذلك لتوثيق �صلتهم بكتاب اهلل العزيز . متابعة �أعطاء الدر�س الديني الأ�سبوعيمن قبل الواعظه ام �ضياء . تابعت ال�سيدة ماجده عكوب تقدميخدماتها يف جمال اال�ست�شارات الأ�سرية وذلك ،لإيجاد احللول للم�شكالت الأ�سرية.
عقدت كل من ال�سيدات منوه �أبو حيانةوماجدة عكوب والدكتورة نوال �شرار اللقاء اخلام�س ل�صديقات املنتدى وذلك ملناق�شة اطروحة الدكتوراة للدكتورة منوه �أبو حيانة بعنوان (�أمنوذج مقرتح للرقابة االدارية يف وزارة الرتبية والتعليم الأردنية) وذلك لت�شبيك العالقات مع م�ؤ�س�سات املجتمع املدين ،والتعريف باملنتدى ور�سالته من خالل ن�شاطات املر�أة فيه .
والتن�سيق بهدف توعية املر�أة ورعايتها وتزويدها بكل جديد. قامت كل من الدكتورة نوال �شراروال�سيدة ماجدة عكوب با�شراف جلنة املر�أة امل�شاركة يف احتفال فرع جر�ش بتكرمي ال�سيدات النا�شطات وتقدمي حما�ضرة حول دور املر�أة ما بعد التكرمي، من �أجل ت�سليط ال�ضوء على �أهمية مكانة املر�أة ون�شر الوعي يف ظل التحديات التي تواجهها املر�أة يف الع�صر احلديث.
�أ�صدرت الدكتورة نوال �شرار وال�سيدةماجدة عكوب ن�شرة توعوية بعنوان "العطلة املدر�سية بني امللل و البهجة" بهدف ن�شر الوعي بني الأمهات نحو اال�ستغالل الأمثل للعطلة املدر�سية مبا يعود بالنفع على الأبناء و اال�سرة. قامت املحا�ضرة الدكتورة نوال �شراروال�سيدة ماجدة عكوب يف جلنة املر�أة بزيارة م�سجد ال�شهيد عمر املختار/ اجلويدة مع الواعظة فاطمة الرتتري
�أقيم احتفال ال�ستقبال ال�شهر الف�ضيلبادارة ال�سيدة رويدا رياالت ،ومب�شاركة د .نوال �شرار ،د .فايزة ال�سكر ،ال�سيدة ماجدة عكوب ،ال�سيدة �أ�سماء الفاعوري، ال�سيدة �إميان ال�صفدي ،ال�سيدة مي�سر حياري للتذكري بف�ضل ال�شهر املبارك وعظيم �ش�أنه عنداهلل �سبحانه ،والت�أكيد على �أن رم�ضان �شهر التجديد للعهود، واملواثيق مع اهلل ،وهو �شهر التغيري ونقطة االنطالق اىل ف�ضاءات الطاعة، والعمل اجلاد.
85
نشاط ا ت ا ل و سطية
86
االستقامة و االعتدال و دورهما في نهضة المجتمع المسلم مؤتمر دولي عقده المنتدى العالمي للوسطية في الباكستان
اجلل�سة االفتتاحية
• نبذة عن امل�ؤمتر: مت عقد امل�ؤمتر الدويل حول "اال�ستقامة و االعتدال و دورهما يف نه�ضة املجتمع امل�سلم" برعاية معايل رئي�س اجلامعة الأ�ستاذ الدكتور يو�سف بن �أحمد الدريوي�ش خالل الفرتة ما بني الواحد و الع�شرين و الثالث و الع�شرين من �شهر يناير 2014م املوافق التا�سع ع�شر اىل احلادي و الع�شرين من �شهر ربيع الأول 1435هجري و قد قامت �أكادميية ال�شريعة التابعة للجامعة الإ�سالمية العاملية ب�إ�سالم �أباد بالتعاون مع املنتدى العاملي للو�سطية باالردن و هيئة التعليم العايل بباك�ستان بتنظيم هذا امل�ؤمتر . و �شارك يف هذا اللقاء العلمي نخبة من العلماء و املفكرين من داخل البلد و خارجه و بخا�صة من اململكة الأردنية الها�شمية و �سلطنة عمان و املغرب العربي .و ممن �شاركوا يف امل�ؤمتر ببحوثهم القيمة ف�ضيلة الدكتور كهالن بن نبهان
اخلرو�صي –م�ساعد املفتي العام ب�سلطنة عمان � ,سعادة الدكتور �سعدالدين العثماين –وزير اخلارجية الأ�سبق باملغرب العربي , ال�شيخ �صاحبزاه حممد �أمني احل�سنات – وزير الدولة لل�ش�ؤون الدينية بباك�ستان , �سفري املغرب العربي -ال�سيد م�صطفي �صالح الدين ,راعي اجلامعة الإ�سالمية العاملية –اال�ستاذ الدكتور مع�صوم يا�سني زي ,والدكتور هزاع الغامدي – امللحق الثقايف ب�سفارة اململكة العربية ال�سعودية يف باك�ستان و غريهم من ال�شخ�صيات . ومن الأردن �سعادة الدكتور عبدالرحيم العكور –وزير الأوقاف و ال�ش�ؤون الدينية و املقد�سات الإ�سالمية �سابقاً � ,سعادة الدكتور حممد اخلاليلة –�أمني عام دائرة الإفتاء باالردن � ,سعادة اال�ستاذ الدكتور حممد �أحمد اخلطيب –عميد كلية ال�شريعة باجلامعة الأردنية , املهند�س مروان الفاعوري االمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية .وقد ا�شتملت
فعاليات امل�ؤمتر على خم�س جل�سات �إ�ضاف ًة اىل اجلل�سة االفتتاحية و االختتامية . و كانت مو�ضوعات اجلل�سات يف نطاق املحاور التالية : • اال�ستقامة و االعتدال :املدلول و املفاهيم اال�سا�سية . • حقوق االقليات و التعاي�ش ال�سلمي . • التطرف الفكري و �آثاره على املجتمع . • االختالف الفقهي و منهج االعتدال . • �أهمية احلوار بني املذاهب و الت�سامح املذهبي .وغريها من املو�ضوعات املهمة . و قد ت�ضمنت كل جل�سة من جل�سات العمل عر�ض الأوراق املخ�ص�صة لتلك اجلل�سة و التعقيب عليها و مناق�شتها . • كلمات جل�سة االفتتاح: املهند�س مروان الفاعوري االمني العام للمنتدى : تعزيز ثقافة اال�ستقامة و االعتدال �ضرورة ال منا�ص منها لنه�ضة املجتمع امل�سلم .
�صورة للح�ضور
امل�شاركني يف امل�ؤمتر
�أكد عطوفة املهند�س مروان الفاعوري �أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية على �ضرورة تعزيز ثقافة اال�ستقامة و االعتدال لنه�ضة املجتمع الإ�سالمي .و ب�شر ب�أن جل�سات امل�ؤمتر مع النخبة الكرمية من مفكري العامل العربي و الإ�سالمي ت�شكل فر�صة ثمينة لتبادل الآراء و اخلربات و طرح البدائل و املقرتحات و الو�صول اىل نتائج و تو�صيات ,ت�ساعدنا يف بناء منظومة القيم الدينية و االجتماعية و احلفاظ على �أمن و ا�ستقرار البلدان الإ�سالمية .كما بني �أهمية عقد هذا امل�ؤمتر يف ظل الظروف و التحديات التي تعاين منها الأمة اال�سالمية و بخا�صة باك�ستان .و �أعرب املهند�س مروان عن �سعادته و امتنانه لدولة باك�ستان ممثل ًة باجلامعة الإ�سالمية العاملية ب�إ�سالم �أباد على عقد هذا امل�ؤمتر الهام يف ا�سالم �أباد ,كما �أعرب عن اعتزازه و احرتامه لل�شعب الباك�ستاين تاريخاً وح�ضارة و اجنازات .وقال :انه ا�ستذكر الت�ضحيات و البطوالت التي �سطرها الفاحتون الأوائل لباك�ستان من �أمثال حممد بن القا�سم الثقفي و التي تذكرنا مبخزون �أمتنا من الأبطال الذين رفعوا راية اال�سالم خفاقة
يف العاملني .وعرب عن عواطفه ب�أبيات �شعر للمفكر العظيم و ال�شاعر العالمه حممد �إقبال التي �أهداها لأبناء الأمة الإ�سالمية : كـ ـن ـ ـ ــا جـ ـب ـ ـ ــاال ف ـ ــي الـ ـجـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــال وربـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا �س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرن ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـل ـ ــى الـ ـب ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــار ب ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارا ب ـ ـم ـ ـ ـعـ ـ ـ ــاب ـ ـ ــد االفـ ــرن ـ ـ ــج كـ ـ ــان �آذان ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا قـ ـبـ ـ ــل ال ـ ـكـ ـت ــائـ ــب يـ ـ ـف ـ ـت ـ ــح االمـ ـ ــ�صـ ـ ـ ـ ـ ــارا ل ـ ـ ــم تـ ـنـ ــ�س اف ــري ـق ـي ــا وال �ص ـحــرا�ؤهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا �س ـ ـ ـج ــداتـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا واالر�ض ت ـ ـق ـ ـ ــذف ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارا م ـ ــن ك ـ ــان ي ـه ـ ـتـ ــف ب ــا�ســم ذائــك قـبـلـنـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ــن كـ ـ ــان يـ ــدع ـ ـ ــو ال ــواحـ ـ ـ ــد الـ ـق ـ ـه ـ ـ ــارا لـ ـ ــم نـ ـخ ــ�ش ـ ــى �ض ــاغـ ـ ــوت ــا يحــاربـ ـنــا و لـ ــو ن ـ ـ ــ�ص ـ ـ ــب ال ـم ـن ــايـ ـ ــا حـ ــول ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا �أ�سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارا ور�ؤو�سـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتا ي ـ ـ ـ ــا رب ف ــوق �أكـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ــو ث ــوابـ ـ ـ ـ ــك مـ ـ ـغـ ـ ـن ـ ـمـ ــا و ج ـ ـ ــوارا و �أ�ضاف �أن هذه اللقاءات ت�أتي ثماراً مل�شروع بد�أته نخبة طيبة ملناق�شة دور اال�ستقامة واالعتدال يف نه�ضة جمتمعاتنا اال�سالمية و الذي ي�شكل فر�صة ثمينة لتبادل الآراء واخلربات وطرح البدائل واملقرتحات ،والو�صول اىل نتائج وتو�صيات ،ت�ساعدنا يف بناء منظومة قيمنا الدينية واالجتماعية واحلفاظ على �أمن وا�ستقرار بلدنا ،من �أجل بناء
االن�سان امل�سلم .. معايل �صاحبزاه حممد امني احل�سنات وزير الدولة لل�ش�ؤون الدينية بباك�ستان: اال�سالم دين الو�سطية و االعتدال و ال جمال فيه للتطرف و التع�صب افتتح امل�ؤمتر ف�ضيلة ال�شيخ �صاحبزاه و �أكد معاليه ب�أن اال�سالم دين الو�سطية و االعتدال و ال�سماحة و ال جمال للتطرف و الغلو و التع�صب يف الدين اال�سالمي و ا�شاد يف كلمته مبو�ضوع امل�ؤمتر و �أهميته و اجلهود التي بذلت يف االعداد له كما حث على �أهمية تنظيم مثل هذه اللقاءات التي تعمل على توحيد امل�سلمني و تقريب وجهات نظرهم حول الق�ضايا التي تهم الأمة الإ�سالمية . اال�ستاذ الدكتور مع�صوم يا�سني زي – راعي اجلامعة اال�سالمية العاملية : اجلامعة تتبنى منهج الو�سطية و االعتدال يف منهاهجها الدرا�سية . �إن اال�سالم دين يعرتف بكامل احلرية الدينية ومن ثم ف�إنه ال �إكراه فيه حيث قال تعاىل : (ال �إكراه يف الدين ) و احلكمة و املوعظة احل�سنة هو املنهج املتبع للدعوة اىل اال�سالم .و ال جمال يف ديننا احلنيف
87
نشاط ا ت ا ل و سطية للتع�صب و التطرف فهو دين �سماحة و ي�سر .كما ال يحق ل�صاحب الر�أي �إكراه النا�س على االلتزام بر�أيه الن االجتهادات لي�ست بقطعية ,فهي حتتمل اخلط�أ. كما �أعرب عن االعتزاز بان اجلامعة اال�سالمية العاملية من يوم �إن�شائها تتبنى ثقافة التو�سط و االعتدال و تنتهج منهجه ,وقد مت ت�صميم الربامج الدرا�سية على �أ�سا�س عدم ترجيح �أو تف�ضيل �أي مذهب فقهي �أو فكري على الآخر. الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري – مدير عام �أكادميية ال�شريعة : على العلماء القيام بواجبهم يف بث ثقافة الت�سامح و االعتدال و ت�صحيح املفاهيم املغلوطة . يف بداية حفل االفتتاح رحب الدكتور حممد طاهر بال�ضيوف الكرام القادمني من �شتى البالد .ثم بني �أهداف امل�ؤمتر و �أهم حماوره .كما نا�شد الدكتور العلماء و الدعاة بالقيام بدورهم يف ت�صحيح املفاهيم املغلوطة حول الق�ضايا املعا�صرة و �إبراز و�سطية الإ�سالم و �سماحته و عدالته و ن�شر ثقافة التي�سري و رفع احلرج عن النا�س م�ستنداً بذلك حلديث الر�سول �صلى اهلل عليه و �سلم �":إن الدين ي�سر و لن ي�شاد الدين �أحد �إال غلبه ,ف�سددوا و قاربوا و �أب�شروا " . الدكتور كهالن بن نبهان اخلرو�صي – م�ساعد املفتي العام ل�سلطنة عمان : اال�ستقامة عقيدة را�سخة تو�صل العبد بخالقه . القى ف�ضيلة الدكتور كهالن كلمة يف حفل الإفتتاح بد�أها ب�إزجاء جزيل ال�شكر
88 لأكادميية ال�شريعة يف باك�ستان و املنتدى العاملي للو�سطية يف الأردن . ثم تطرق ملو�ضوع الو�سطية و قال : �إنه من املهم للغاية لي�س ال�ستئ�صال الأدواء التي املت بالأمة فح�سب ,بل لأن اال�ستقامة هي التي تدور عليها ت�شريعات اجليل و �إذا فهم �شباب امل�سلمني اال�ستقامة ف�سيورثهم الطم�أنينة و �سيبعث فيهم الثقة و العزة و الكرامة . �أ.د هزاع الغامدي ,امللحق الثقايف ل�سفارة اململكة العربية ال�سعودية ,ب�أ�سالم �أباد: اال�ستقامة ال تكون حقيقية �إال مع االعتدال. �ألقى اال�ستاذ الدكتور هزاع كلمته يف جل�سة افتتاح امل�ؤمتر بني فيها معنى اال�ستقامة و االعتدال و بد�أ كالمه بالتعليق على كالم املقدم قائ ً ال� " :إن كان الأخ املقدم �أعتربين �ضيفاً ف�أنا ال �أعترب نف�سي �ضيفاً يف هذه اجلامعة فقد دعي ال�شخ�ص اىل بيته و داره و بني �أهله و �إخوانه ,ف�أنا �أمتنى اىل هذه اجلامعة روحاً و �أنقاد �إليها حباً �أزداد مب�شاركتي لفعالياتها �شرفاً و افتخاراً و لعل املقدم �أراد �أن يكرمني ب�ضيافته و الب�سني ثوب ال�ضيف و �أنا الآن �أنزع عني موقف الإ�سالم من احلوار و التعاون هذا اللبا�س و �ألب�س لبا�س االبن البار مع الآخر. بعدودتي �إليكم فخوراً طائعاً". �أ.د حممد �أحمد اخلطيب – عميد كلية ال�شريعة باجلامعة الأردنية . • ملخ�صات �أبحاث مقدمة يف امل�ؤمتر �إن منهج القر�آن الكرمي يقوم يف معظمه امل�ساواة بني اجلن�سني بني املنظومة على احلوار ففي �أول اخللق كان هناك الإ�سالمية و املنظومة الغربية . حوار املالئكة الدكتور �سعد الدين العثماين –وزير ( َو ِ�إ ْذ َقا َل َر ُّب َك ِل ْل َملاَ ِئ َك ِة ِ�إنيِّ َجاعِ ٌل فيِ الَ ْر ِ�ض َخلِي َف ًة َقا ُلوا �أَتجَ ْ َع ُل فِيهَا َمنْ اخلارجية املغربي �سابقاً. ْأ �إن بناء ت�صور �سليم لإ�صالح و�ضعية ُي ْف�سِ ُد فِيهَا َو َي ْ�سف ُِك ال ِّدمَا َء َو َن ْح ُن ُن َ�س ِّب ُح
املراة يف جمتمعاتنا ي�ستلزم اجلمع بني املبادئ و الأحكام العامة الواردة يف الن�صو�ص ال�شرعية و معطيات التجربة الإن�سانية املعا�صرة و اال�ستفادة منها و با�ستعرا�ض تطورات التجربة الغربية يف جمال امل�ساواة بني اجلن�سني يربز ات�ساع االنتقادات على امل�ستويني النظري و العملي للم�ساواة التماثلية باعتبارها ر�ؤية "متمركزة حول الرجل" و ي�شرتط �أن تتخل�ص املر�أة من الدونية و التهمي�ش. و فيما يخ�ص التوجه العام للت�شريع الإ�سالمي حول حقوق املر�أة فيمكن ا�ستخال�ص القواعد الناظمة با�ستقراء جمموع الن�صو�ص و الأحكام ال�شرعية و خ�صو�صاً �أن كثري منها لي�ست �أحكاماً قاطعة �أو دقيقة و �أمنا مبادئ و قواعد. و تنبني و�ضعية املر�أة يف الإ�سالم بو�صفها ع�ضواً يف املجتمع على ثالثة �أ�صول م�ؤ�س�سة تر�سم خط الت�شريع العام: • �أ�صل امل�ساواة . • �أ�صل اال�ستقاللية . • �أ�صل امل�شاركة.
ِّ�س َل َك َقا َل �إِنيِّ �أَ ْعلَ ُم مَا اَل ب َِح ْمدِ َك َو ُن َقد ُ َت ْعلَ ُمو َن) ,و الإ�سالم عندما ي�ضع احلوار منهاجاً للتعارف ف�إنه ي�شرتط �شرطاً �أ�سا�سياً و هو (التزام الأح�سن من القول) كما و�ضع �آداباً للحوار -بالإ�ضافة �إىل ما �سبق -و هو عدم �سب و جتريح املعتقد و عدم الفوقية يف الأ�سلوب و املنهج و عدم الإكراه و الرب و الق�سط. و �إن موقفنا من احلوار ثابت ال يتغري و �أوله :تبيان حقيقة موقفنا من الآخر و هو موقف قائم على �أ�سا�س (ي�ستمعون القول) و عدم �إلغاء الآخر ( َو ِ�إ َّنا �أَ ْو ِ�إ َّيا ُك ْم ني ) و دعوته َل َعلَى هُ دًى �أَ ْو فيِ َ�ضلاَ لٍ ُّم ِب ٍ اىل امل�شرتكات ( َت َعا َل ْوا �إِلىَ َك ِل َم ٍة َ�س َوا ٍء َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم). مفهوم اال�ستقامة و �أهميتها و مرتكزاتها يف الفكر الإ�سالمي. الدكتور عبدالرحيم العكور وزير الأوقاف و ال�ش�ؤون و املقد�سات الإ�سالمية �سابقاً اال�ستقامة �أ�س من �أ�س�س الدين الإ�سالمي و هي من الكلمات اجلامعة كاخلري و الرب و العبادة و لها تعلقها بالقول و الفعل و االعتقاد .فقد قال ابن القيم – رحمه اهلل – فيها " اال�ستقامة كلمة جامعة �آخذة جمامع الدين و هي القيام بني يدي اهلل تعاىل على حقيقة ال�صدق و الوفاء" . و قال �شيخ اال�سالم �إبن تيمية – رحمه اهلل – " :الكرامة لزوم اال�ستقامة ". �أدب االختالف يف اال�سالم و قال �أبو يزيد الب�سطامي ":لو ر�أيتم الدكتور حممد �أحمد م�سلم اخلاليلة الرجل يطري يف الهواء �أو مي�شي على املاء �أمني عام دائرة الإفتاء "الأردن" فال تغرتوا به حتى تنظروا وقوفه عند قد اختلفت �أئمة املذاهب يف كثري من الأمر باملعروف و النهي عن املنكر " . االحكام الفقهية الفرعية �أكرث مما هو
نتحاور فيما بيننا قبل �أن نتحاور مع الآخرين الدكتور �أفلح بن �أحمد اخلليلي ,نائب مبكتب الإفتاء � ,سلطنة عمان ينطلق امل�ؤمتر على ركيزتي اال�ستقامة و االعتدال و احلوار� ,صورة لهما بل هو من �أهم ما ي�ؤدي اىل النهو�ض باملجتمع امل�سلم .وقد �أمرنا اهلل �سبحانه باحلوار مقيدا, وقيده �أن يكون بالتي هي �أح�سن و هذا يف خطاب �أهل الكتاب .كما البد يف احلوار من ال�صدق و التحقق ,فكم ن�سب �إىل قوم �أو مذهب ما مل يكن فيهم . كما �أن من �أهم خوا�ص �أمة حممد �صلى اهلل عليه و �سلم �أنها �أمة دعوة ,ولذلك �أمرنا ب�أ�سلوب حوار راق مع غري امل�سلمني و مع امل�سلمني �أوىل .ويف هذه الأيام يجد الناظر �أن امل�سلم ي�ضرب بحرابه بناء الإ�سالم و لي�س �أجدى من احلوار لتخلي�ص امل�سلمني من هذه امل�شكلة . فالعامل مير بفرتة تكتالت و ال �سبيل �إليها و ال �إىل وحدة الأمة ما مل يتحاور امل�سلمون فيما بينهم .فهذا يدل على �أنه ال تقت�صر فائدة احلوار على اجلانب العلمي خا�صة �إن كان بني امل�سلمني فهو ي�شحذ الفكر و ي�ستل ال�سخائم و يبني مكانة الأخ امل�سلم يف نف�س �أخيه حني ين�صت �إليه و يويل حواره بالغ الأهمية .
يف زماننا ,و مل ن�سمع بفو�ضى يف زمانهم بل كان احرتام املخالف و التعامل مع اختالفه ب�أ�سلوب ح�ضاري علمي هو الأ�سلوب ال�سائد و الغالب و من ذلك ق�صة عمر مع ربيعة بن عيا�ش و ق�صة الأر�ض اخلراجية و ق�صة عائ�شة و ابن عبا�س يف ر�ؤيته عليه ال�صالة و ال�سالم للباري جل و عال و بني عائ�شة و بني ال�صحابة يف �سماع املوتى وبني عمر و بني فاطمة بنت قي�س يف م�س�ألة �سكنى املبتوتة و نفقتها و ابن م�سعود و �أبي مو�سى الأ�شعري يف م�س�ألة �إر�ضاع الكبري و �أبو هريرة و ابن عبا�س يف الو�ضوء مما م�ست النار و اختالف عمر مع �أبي عبيدة يف دخول الأر�ض التي بها وباء .و مل يكن هذا االختالف �سبباً من �أ�سباب �ضعفهم و تفرقهم بل كان �سبباً من �أ�سباب عزتهم و مناء فكرهم فقدموا لنا هذه الرثوة الت�شريعية الهائلة التي تزخر بها املكتبة الإ�سالمية . مفهوم فقه العوملة و�أهميته يف الع�صر احلا�ضر الأ�ستاذ الدكتور حممد طاهر من�صوري �إن الفقه العوملي له ميزتان :الأوىل �أن مو�ضوعاته ذات �صبغة عاملية تهم االمة الإ�سالمية كلها ،والثانية �أتها تكون نتيجة اجلهود اجلماعية .واملو�ضوع الأ�سا�سي للفقه العوملي هو الق�ضايا امل�ستجدة يف املجتمعات الإ�سالمية والتي نتجت من العوملة والتقدم احل�ضاري . خا�صة يف املجاالت التالية : .1فقه الأ�سرة والقوانني الأ�سرية .2القانون التجاري يف الإ�سالم .3النظام الد�ستوري الإ�سالمي
89
نشاط ا ت ا ل و سطية .4القانون الدويل .5فقه الأقليات نظرية التعاي�ش ال�سلمي يف الفكر الأ�سالمي القدمي واملعا�صر � :آراء القر�ضاوي والزحيلي ،وفتح اهلل كولن �أ.د حممد طاهر من�صوري لقد در�س ثالثة من ابرز علماء امل�سلمني املعا�صرين ،العالمة يو�سف القر�ضاوي والدكتور وهبة الزحيلي وفتح اهلل كولن – م�س�ألة التعاي�ش ال�سلمي – يف �ضوء القر�آن وال�سنة وم�صادر ال�شريعة الإ�سالمية ،و�صححوا كثري من املفاهيم املغلوطة الناجتة عن القول �" :إن اال�صل يف عالقة امل�سلمني مع غريهم هو احلرب ولي�س ال�سلم " ف�أو�ضح ه�ؤالء العلماء �أن الإ�سالم يقر ويعرتف بوجود الأمم التي تختلف يف العقيدة النظرية مع الإ�سالم ويدعو اىل ال�سالم امل�ؤبد والتعاي�ش ال�سلمي بني امل�سلمني وغريهم وهم يرون �أن املجتمع العاملي �أ�سرة واحدة تربط بني �أفرادها عالقات الإن�سانية والتعاون امل�شرتك . لقد در�س ه�ؤالء املفكرون ق�ضية تق�سيم املعمورة �إىل دارين ،فريى ال�شيخ القر�ضاوي والدكتور وهبة الزحيلي �أن الدار يف نظر اال�سالم لي�ست داران و�إمنا هي ثالثة ديار :دار الأ�سالم ،ودار احلرب ،ودار العهد. ويف ر�أيهم ينبغي �إطالق "دار العهد" على الدول غري امل�سلمة التي وقعت وثيقة الأمن وال�سالم يف هيئة االمم املتحدة ، و�أبدت رغبتها يف التعاي�ش ال�سلمي مع جميع دول العامل و اال�ستثناء الوحيد
90 يف هذا التعريف لدار العهد لدى ال�شيخ القر�ضاوي هي الدولة ال�صهيونية الغت�صابها �أر�ض فل�سطني وت�شريد �أ�صحابها منها . اخلالف والإختالف الفقهي � :آداب و�ضوابط الدكتور عبد احلي ابرو� -أكادميية ال�شريعة �إن من اخطر ما �أ�صيبت به هذه الأمة يف الآونة االخرية مر�ض " االختالف واملخالفة " ..االختالف يف كل �شئ وعلى كل �شئ ،حتى �شمل العقائد والأفكار والت�صورات والآراء �إىل جانب الأذواق والت�صرفات يف ال�سلوك والأخالق ور�سالة الإ�سالم ر�سالة واقعية تتعامل مع الإن�سان على ماهو عليه ،وقد وهب اهلل لعباده عقو ًال ومقدرات متباينة من �ش�أنها �أن ت�ؤدي �إىل �إختالف يف نظرتهم و�أفكارهم ومواقفهم من كثري من الأ�شياء ،ولذلك ف�إن الإ�سالم يت�سع لتلك االختالفات كلها التي التهدد وحدة الأمة .وال�ضري يف االختالف على ان يكون له �ضوابطه وحدوده وقواعده و�آدابه و�أن ال ي�ؤثر على وحدة فكر الأمة ومواقفها من الق�ضايا اال�سا�سية الكربى . وقد كان عظماء رجاالت ال�سلف ينظرون اىل اختالف الأئمة �أنه تو�سعة من اهلل تعاىل ورحمة منه بعباده املكلفني غري القادرين ب�أنف�سهم على ا�ستنباط االحكام ال�شريعة من م�صادرها الأ�سا�سية . قواعد �شرعية يف التكفري :قراءة لفكر االمام ابن تيميه – رحمه اهلل تعاىل- الدكتور ع�صمت اهلل ،جممع البحوث اال�سالمية ،اجلامعة اال�سالمية العاملية �إ�سالم �أباد
�إن من �أجل النعم و�أعظمها بعد االميان هي التو�سط واالعتدال التي و�صف اهلل بها هذه الأمة بقوله تعاىل( وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا ) وقد ابتليت االمة اال�سالمية يف هذه النعمة ،حيث ا�ستهدفته فئات ب�أفكارها الغريبة �أعمالها الفا�سدة الذين خالفوا منهج الإ�سالم الو�سط ،م�ستندين �إىل فتاوى و�أفكار مزعومة ن�سبوها لبع�ض اهل العلم املعروفني ،منهم �سيد قطب ، و�شيخ اال�سالم ابن تيمية .ونحن هنا نقدم قراءة الفكار ال�شيخ ابن تيمية – رحمه اهلل تعاىل� ، -أخذا من م�صنفاته لتت�ضح مواقفه جتاه ق�ضية تكفري امل�سلم .قال ابن تيمية ":والكفر �إمنا ب�إنكار ما علم من الدين �ضرورة �أو ب�إنكار االحكام املتواترة واملجمع عليها ونحو ذلك". وق�سم ابن تيمية الكفر ال�شرعي اىل ق�سمني : .1كفر �أكرب :هو املخرج من امللة واملوجب للخلود يف النار . .2كفر ا�صغر :هو املوجب ال�ستحقاق الوعيد دون اخللود وال يخرج من امللة . وجند يف كتبه النهي عن التكفري او الت�سرع فيه بدون �سبب �شرعي ،كما كان ال�سلف ال�صالح يتجنب التكفري . فقد روي عن يزيد الرقا�شي عن �أن�س بن مالك قال :قلت يا �أبا حمزة � ،إن نا�سا ي�شهدون علينا بالكفر وال�شرك ،قال �أن�س � ،أولئك �شر اخللق واخلليقة". ( وهناك قواعد �شرعية و�ضعها ابن تيمية – رحمه اهلل تعاىل – يجب مراعتها لدى احلكم على النا�س ،من �أهمها : .1التكفري حكم �شرعي حق هلل تعاىل ، اليثبت اال بدليل
.2الأ�صل يف الأن�سان اال�سالم ،والكفر طارئ عار�ض .3من ثبت �إ�سالمه بيقني مل يخرج عنه اال بيقني .4نحكم بالظاهر واهلل يتوىل ال�سرائر .5التكفري اليكون ب�أمر حمتمل �إال �أن يتعني ق�صده .6التكفري املطلق ال ي�ستلزم تكفري املعني .7تكفري املعني موقوف على ثبوت �شروط التكفري ،وانتفاء موانعه ،ومن موانع التكفري عدم التكليف ،واجلهل ،واخلط�أ والذهول ،والإكراه. االن�سجام والوفاق املذهبي � :آفاق جديدة للحوار املفتي حممد زاهد ،اجلامعه الإ�سالمية االمدادية ،في�صل �أباد ال�شك �أن احلوار له �أهمية بالغة يف رفع التنازع واالختالف بني الفرق الإ�سالمية ،لكن علينا �أن نحدد �أهداف احلوار �أو ًال لكي نركز عليها خالل عملية احلوار دون ما �سواها .فلي�س من �أهداف احلوار انتقاد املذاهب ومناق�شة �أدلتها ليتميز امل�صيب من املخطئ ،وال �أن يجعل طريقاً و�سطاً بخلط املذاهب كلها مع البع�ض ؛ لأنه اليزيد اال تفرقة بني االمة .كذلك اليعد من اهداف احلوار �أن يتنازل �أحد عن موقفه الذي يراه حقا ما دام م�ستندا اىل ادلة .بل احلوار له اهداف غري هذه االهداف ،منها : �.1إزالة �سوء التفاهم عن اخل�صم وحماولة لفهم فكرته احلقيقية ،وهذا الميكن اال يف ظل احلوار وبيئة املكاملة . .1البحث عن االمور امل�شرتكة بني املذاهب
لربامج م�ؤثرة ويجب على احلكومات يف البالد اال�سالمية القيام بدورفعال يف مواجهة التحديات وتطبيق ال�شريعة اال�سالمية يف كافة مناحي احلياة . الو�سطية ومظاهرها يف اال�سالم الدكتور طاهر حممود ،جامعة اردو الفيدرالية ب�أ�سالم �أباد �إن الظلم اليقابل بالظلم ،واخلط�أ ال يقابل باخلط�أ ،فال يكفر اهل الغلو بذلك وان كفروا غريهم ،ما مل ي�أتو مكفراً من املكفرات .فمن اخلط�أ مقلبلة التكفري بالتكفري . �إن العدل واجب حتى مع املخالفني املبغ�ضني يقول اهلل عزوجل (:يا �أيها الذين �آمنوا كونوا قوامني هلل �شهداء بالق�سط وال يجرمنكم �شنان قوم على �أال تعدلوا اعدلوا هو �أقرب للتقوى ) "املائدة ."8: و�إن من حما�سن الفطرة ال�سليمة التم�سك بالو�سطية بني الغلو واجلفاء ،واالخذ باملنهج املعتدل بني الإفراط والتفريط ،واالعت�صام بال�سلوك الو�سط بني االطراء والتق�صري . حقوق االقليات يف املجتمعات امل�سلمة والتعاي�ش ال�سلمي :درا�سة نقدية لآراء ا�سماعيل راجي الفاروقي ،وف�ضل الرحمن ،وال�شيخ يحيى نعماين الدكتور حممد �أر�شد ،دائرة املعارف اال�سالمية بالأردو ،جامعة بنجاب الهور ناق�ش الباحث حقوق املواطنني غري امل�سلمني يف الدول اال�سالمية ودر�س ب�شكل خا�ص �آراء بع�ض املفكرين املعا�صرين
وال�سعي البرازها ،وهذا يورث توفيقاً بني فقه املذاهب الإ�سالمية ،الن االمور املتفق عليها بني املذاهب اكرث مما اختلف فيه من امل�سائل واالحكام ،وال يخفى ان التحديات املعا�صرة التي تعاين منها االمة اال�سالمية اي�ضاً م�شرتكة ،وهذا يقت�ضي ان تتكاتف جهود اجلميع ملواجهة هذه التحديات وامل�شاكل . م�س�ؤولية االمة يف مواجهة التحديات الثقافية الدكتور عبد الغفار بخاري �إن اعداء اال�سالم �أدركوا ان الغزو الع�سكري ال يكفي ال�ضعاف الثقة اال�سالمية ،فعمدوا اىل الغزو الفكري لتحقيق هدف �إ�ضعاف اال�سالم وامل�سلمني .لذا فقد كرثت التحديات التي تواجهها االمة يف هذا الزمن ،واعظم هذه التحديات هو املحافظة على عقيدة امل�سلم واتباع نهج اال�ستقامة فكراً و�سلوكا . وقام امل�ست�شرقون بجهود عملية لتغريب مناهج التعليم ،وحرفوه عن منهجه اال�سالمي .ومبا ان اللغة العربية هي اللغة االوىل للثقافة اال�سالمية فقد �أدرك �أعداء اال�سالم ان ال�شعوب اال�سالمية ما دامت على �صلة وثيقة باللغة العربية فانها �ستظل مرتبطة باال�سالم قر�آناً و�سنة و�ستظل متم�سكة بفكرة الوحدة اال�سالمية الكربى فقد بذل اعداء اال�سالم جهوداً جبارة من �أجل الق�ضاء على اللغة العربية الف�صحى واحالل اللهجات العامية يف االقطار اال�سالمية حملها .وحلل هذه امل�شاكل يجب علينا مواجهة التحديات بتخطيط وتفكري ،حيث �أنهم حتدثوا يف كتاباتهم عن
91
نشاط ا ت ا ل و سطية
92
�صورة للم�شاركني بامل�ؤمتر
حقوقق املواطنني غري امل�سلمني ودر�سوا ،فالتطرف ظاهرة معقدة تق�ضي على • �أهداف امل�ؤمتر مو�ضوعات �شتى من �أهمها :حقوق كيان املجتمع بعد ترك اثرها ونتائجها � .1إبراز مرتكزات اال�ستقامة واالعتدال املواطنة ،دفع اجلزية ،ع�ضوية الربملان ،الوخيمة .وهو – بتعريف ب�سيط ومبا�شر ومالحمها يف الفكر اال�سالمي ودورهما تويل املنا�صب العليا ،بناء املعابد ،الدعوة – ثمة �أن�شطة ( معتقدات ،واجتاهات ،يف ا�ستقرار املجتمع ونه�ضته . اىل الأديان .كما جمع �آراء بع�ض املفكرين وم�شاعر ،وافعال ،وا�سرتاتيجيات ) .2التوعية ب�أن نهجي اال�ستقامه واالعتدال املعا�صرين مقارناً مدى اختالف تلك يتبناها �شخ�ص او جماعة بطريقة تبعده يوجهان قدرات االمة وطاقاتها نحو الآراء عن �آراء الفقهاء التقليدين . عن االو�ضاع العادية ال�سائدة بني النا�س التنمية وجهود البناء والتعمري .3ابراز جتليات التطرف الفكري و�أ�ساليب واخطر انواعها (التطرف الفكري ) .اثار التطرف الفكري على واقع االمن معاجلتها يف املجتمع الباك�ستاين ومن اهم عوامل التطرف الفكري :انكار واالقت�صاد يف املجتمعات امل�سلمة وخا�صة ثوبيه قربان احلاجات االن�سانية اال�سا�سية كاحلااجة باك�ستان ان الدين اال�سالمي دين و�سط يراعي جميع اجلوانب الفكرية والنف�سية اىل االمن والكرامة واالعرتاف بهوية .4ابراز الوجه احلقيقي لال�سالم الذي لالن�سان �سواء كان م�سلما او مل يكن اجلماعات املختلفة ،واالفتقار اىل يت�سم بالو�سطية واالعتدال ونبذ الغلو فدورنا نحن كم�سلمني وقد من اهلل علينا اخلدمات اال�سا�سية كال�صحة والغذاء واالفراط . بنعمة العقل والتفكري ان نبذل جهدنا يف والتعليم والعمل ،كذلك تعويق امل�شاركات .5ا�ستجالء حقوق غري امل�سلمني يف الق�ضاء على مثل هذه االفكار الهدامة ال�سيا�سية لبع�ض افراد املجتمع ،بالإ�ضافة املجتمع اال�سالمي من منظور املقا�صد للحد منها ،وتكوين مناذج حية تق�ضي اىل الفكر املنحرف النا�شئ عن الع�صبية ال�شريعة ومن وجهة نظر مفهوم املواطنة على االفكار املتطرفة يف املجتمع امل�سلم القبلية . احلديث.
قصيدة العدد
93
ق
صة العدد د� .سعاد النا�صر
94 �شاعرة وكاتبة -املغرب
الـتـوبـة تن�سحب �أ�شعة القمر الباهتة من الأ�شجار املتناثرة على مرمى الب�صر .يظل النور منت�ش ًرا ،يو�شح �صوت امل�ؤذن ال�سكون ،يعلو قو ًّيا وا�ضحا� ،أ�صوات الديكة تكرب يف تناغم .تتقلب يف فرا�شها� ،أذرع الدفء حتيط ج�سدها ب�إغراء ،يت�سلل الهواء الربيعي من النافذة ً املفتوحة على احلقل ،تتن�شقه ،يتواط�أ مع الدفء .يك ّمل امل�ؤذن الأذان ،حت ّرك �شفتيها بالدعاء ،ت�سمع نداء يت�صاعد من �أعماقها، تختلط رائحته بالرائحة املحيطة بها ،تفر بقايا النوم من �أهدابها ،حت�س بانت�شاء ،تقفز خارجة �إىل البئر لتتو�ض�أ ،وجدت �صاحبتها �سبقتها و�أنهت و�ضوءها ،بادرتها قائلة مبرح: هيا مل يعد مت�سع من الوقت.ّ ال�صف تنفرد بربها يف ركعتي الفجر ،تنك�شف طاقات النور والطهارة يف �أعماقها ،مت�سح غبا ًرا مازال مرتاك ًما .حني انتهت ،وجدت مرتا�صا ،كتفا الأم ملت�صقتان بابنتيها ،تلتحق بهنّ ،تكاد تلم�س �أحا�سي�س الطم�أنينة وال�سالم بيديها. ًّ ترتقرق الكلمات القر�آنية جداول ،ت�سقي جفاف الزمن القا�سي ،تركع� ،سبوح ،قدو�س ،رب! ..ت�سجد� ،سبحان ربي الأعلى .ق�شعريرة منع�شة ت�سري يف كيانها كله ،تتبلل الأر�ض بدموعها .تدعو ،تغت�سل ،ترجو ،حت�س بنف�سها خفيفة ،تطري وتطري. دعتها �صاحبتها لق�ضاء �أيام معها يف قريتها املطلة على البحر .امتنعت يف البداية ،قالت لها؛ �إنها م�شتاقة �إىل التلفزيون وال�سهرات العائلية الليلية التي تطول �إىل �أن ت�شرق ال�شم�س ،و�أنها يف حاجة �إىل ن�سيان �إحباطها وف�شلها يف النجاح ،ويف احلب ويف امل�صاحلة مع نف�سها ومع من حولها ،يف حاجة �إىل الغرق �أكرث يف حميط عائلتها. والدها رجل �أعمال وجتارة ،ويقيم -بني الفرتة والأخرى� -سهرات يربم فيها ال�صفقات برعاية �أمها وقطرات �أنوثتها التي توزعها على اجلميع بالت�ساوي .يف كل �سهرة معهما كانت �أمها قد ع ّلمتها الرق�ص ،وكانت تطلب منها �أن تتفنن فيه كل ليلة معها .يف البداية، أح�ست بالقرف حني ت�سلطت نظرات ال�ساهرين على ج�سدها الذي يتلوى كراق�صة حمرتفة ،لكن بعد �أن ذاقت �أول ك�أ�س ،تعلمت كيف � ّ تتجاهلهم� ،أو �إذا �أعجبها �أحدهم بد�أت تعرف كيف جترجره طول الليلة وراءها.
كانت وحيدة والديها ،وكانا يغرقانها يف الرتف ،يف الدالل ...طلباتها �أوامر� ،أ�صبحت ت�أتي ب�أ�صحابها �إذا �أرادت ال�سهر ،يحوم اجلميع حولها .ومع كل هذا ،كانت حت�س بال�ضياع بعدم الأمان خا�صة بعد �أن �س ّلمت ج�سدها ملرتف يت�صابى ،مل تفطن لذلك �إال بعد �أن طارت أح�ست من بعد مبزيد من القرف والقلق� ،أرادت �أن تبتعد عن هذا اجلو بانغما�سها يف الدرا�سة اجلامعية� ،إال �أثر اخلمرة من ر�أ�سهاّ � ، �أن معظم �أ�صدقائها التحقوا بالكلية نف�سها ،فاجنرفت مع ممار�سات �أخرى �أ�ضافت �إىل ر�صيدها من القلق والقرف والتوتر �أ�ضعا ًفا. �سكنت مع �صاحبتها ال�شهر الأخري من هذه ال�سنة اجلامعية يف احلي اجلامعي ،بعد �أن ت�شاجرت مع �صاحب البيت الذي كانت تقيم فيه وطردها. �إحلاح �صاحبتها ومعاملتها الطيبة معها -رغم اال�ستعالء الذي واجهتها به حني انتقلت للعي�ش معها يف الغرفة نف�سها-ح ّفزاها أح�ست �أنها على هذه الزيارة .مل تندم ،فمنذ �أن وط�أت قدماها �صحن البيت املتوا�ضع ،وطالعتها ابت�سامة والدة �صاحبتها ّ املرحبةّ � ، �ستم�ضي �أيا ًما طيبة .واظبت على ال�صالة يف �أوقاتها مع العائلة ال�صغرية ،كما واظبت على اجلل�سات العائلية .بعد �صالة املغرب مبا�شرة ،يجل�سون متحلقني حول الطيفور يت�سامرون .الأب يحكي عن ذكرياته يف مقاومة اال�ستعمار بافتخار واعتزاز ،يذكر �أنه رغم حداثة �سنه ،كان ي�ساعد والده وجده ،يقول كل مرة: مات والدي �شهيدًا ،مل يتلق جدي فيه العزاء ،قال يوم دفنه :عزائي الوحيد هو خروج اال�ستعمار .حني بكته �أمي ،قال لها :بدلالبكاء عليه ،ارعي ولده واحر�صي على تربيته وعلى عدم التفريط يف �شرب من �أر�ضه. وكانت الأم حتكي تفا�صيل حم ّببة عن حياة القرية ،عن مواقف حا�سمة وقفتها يف تربية بناتها .ويدخلون يف حوار �ش ّيق ومت�شعب �إىل �أن ي�سمعوا �أذان الع�شاء ،فيتفرق اجلميع ليلتقوا مرة �أخرى يف ال�صالة. كانت تت�أمل حياتها املا�ضية حتت ال�شجرة الكبرية املتدلية الأغ�صان على باحة املنزل الأمامية ،ترفرف حولها كلمات �صاحبها" :ال تطوي ال�صفحة قبل تنظيفها". أفواجا من ال�صيادين يتجهون كانت احلمرة على مرمى الب�صر تغطي الأفق ،والنوار�س حتوم فوق البحر املمتد �أماماها .ت�شاهد � ً بقواربهم نحو ال�شاطئ ،ت�صلها �أ�صواتهم ال�صاخبة ،املتعبة .تتناثر الكلمات ،ال�ضحكات ،النداءات ،ت�صلها املعاين بعيدة متقطعة: "الرزق ..اليوم ،احلمد اهلل ،ع�شرة ،تعبت ،لن �أبيع ب�أقل". تت�أمل �ضوء النهار املنت�شر حولها ،مل تعرف هذه ال�سكينة وهذا الهدوء من قبل ،تهم�س بداخلها":حياة ب�سيطة لكنها غنية بالقناعة والأمل� ،أرجو �أال تت�شوه تطلعاتهم" .تراقب ال�شم�س املت�صاعد من البحر ،زورق وحيد يتمايل على �سطحه ،ونور�س واقف على جمدافه ،ذرات متلألئة حتيل ال�صورة �إىل لوحة رائعة متناغمة ،متوحدة مع الكون ،ال�سكون املتماوج ي�ضفي عليها �صفاء عمي ًقا... أح�ست �أنها جزء من تلك الواحة تنخرط يف تفا�صيلها .فطيلة الأيام الع�شرة التي �أم�ضتها مع �صاحبتها يف هذه القرية هي ،حتاول � ّ �إعادة ترتيب حياتها ،ا�سرتجاع ال�صفاء الطفويل الذي تناثر بني رغبات متمردة �أو �شهوات م�سيطرة .هتفت تناجي ربها يف ت�ضرع: "�أحمدك يا �إلهي �إذ �أذقتني حالوة الإميان بك بعد �أن كانت الدنيا قد �سدّت �أبوابها يف وجهيَ ،ل َكم �أنت رحيم يا ربي ،ه ّي�أت يل �سبيل الرجوع �إليك من غري حول مني وال قوة �سوى عطفك ورحمتك ،ف�أمتم علي يا رب نعمتك و�ألهمني ال�صواب يف كل �أعمايل ،فما يل �سواك من ي�أخذ بيدي� ،أع ّني على امل�ضي يف طريق ر�ضاك". كانت الدموع ت�سيل من عينيها على وجهها حت�س بها ،تت�ساقط دافئة يف �أعماقها ،تغ�سل همو ًما و�أوجا ًعا كانت قد بد�أت يف التنا�سل. الكلمات الب�سيطة ترفرف حولها كفرا�شات ربيعية تل ّون وجودها اجلديد ب�ألوانها نقية م�شعة ،تتنبه على حركات �ضاجة من حولها، �أ�صوات متداخلة تردد عبارات الرتحيب .تفاج�أت بوالديها يقفان �أمامها ،ت�سمرت يف مكانها تتطلع نحوهما بذهول :كيف و�صال �إىل هذا املكان؟ تقدمت نحوها والدتها مرددة "ا�شتقنا �إليك" .حتت�ضنها ،ت�شعر بدفء �أمومتها الغائبة عنها منذ زمن طويل ،ت�ض ّمها ب�شوق كما مل تفعل منذ مدة بعيدة ،تت�شبث بها ،حت�س بكتفيها العاريتني ،يت�شنج ج�سدها ،يركبها احلياء من عري والدتها ...تتطلع �إىل وجه �صاحبتها امل�شرق ابت�سامتها الهادئة تقول لها" :هذه بداية الطريق فا�صمدي ،وهذه مهمتك فاثبتي" .تبادلها ابت�سامتها ،تهم�س يف �أذن والدتها" :و�أنا � ً أي�ضا ا�شتقت �إليكما" ،ثم ترمتي يف ح�ضن والدها بعد �أن �أثبتت الغطاء على ر�أ�سها.
95