مجلة الوسطية العدد 24

Page 1

‫افتتاحية العدد‬

‫منهج اإلعتدال الذي ننهجه‬ ‫يتزامــن صــدور هــذا العــدد مــن « الوســطية» مــع أحـ ٍ‬ ‫ـداث جســام ميــر‬ ‫بهــا العــامل‪ ،‬وتبلــو مرارتهــا األمــة اإلســامية يف شــتى مواطنهــا‪ .‬ويف الحــق أن‬ ‫هــذه األمــة مــا ت ـزال يف أزمــة هويــة وحضــور منــذ مــا يقــارب قرنــن مــن‬ ‫ـك تشــتد وتــزداد خطــوره مــع‬ ‫الزمــان‪ ،‬وأن التحديــات التــي تواجههــا مــا تن َفـ ّ‬ ‫تتابــع الســنني‪ ،‬األمــر الــذي يقتــي صحــوة عامــة شــاملة تســتغرق شــتى‬ ‫مياديــن العمــل الفكــري واإلجتامعــي والســيايس‪ .‬وإن مــا نذرنــا أنفســنا لــه‬ ‫يف املنتــدى العاملــي للوســطية اإلســامية أن نكــون قــوة تنويــر وإصــاح يف‬ ‫ضــوء رؤيــة متوازنــة تتحقــق فيهــا معــاين األمــة الوســط التــي متلــك ان تكــون‬ ‫شــاهدة عــى األمــم‪ ،‬وأن تكــون يف ذات نفســها مثـاً عــى الرحمــة والتعقــل‬ ‫واستشــعار املســؤولية العامليــة التــي خ ّولهــا اللــه لهــا‪.‬‬ ‫المهندس مروان الفاعوري‬ ‫األمين العام للمنتدى العالمي للوسطية‬

‫إنَّ مـ ّـا يفيــده أهــل الحكمــة املتن ـ ّورون مــن منهــج اإلعتــدال والوســطية‬ ‫أنهــم يف مأمــن مــن أن تجتــاح عقولهــم وأنفســهم غوائــل الغلــو و َبــدَ وات‬ ‫ـض كث ـراً مــن املجتمعــات اإلســامية‪ .‬وهــم بهــذا‬ ‫الجهالــة التــي تــكاد تنقـ ُ‬ ‫ميثلــون صــام األمــان لأل ّمــة‪ ،‬وميثلــون منــارات الهــدى فيهــا‪ ،‬وير ّدونهــا إىل‬ ‫النهــج الســوي وإىل « حاكــم العقــل» الــذي ينجــو بهــا يف َغ َم ـرات اإلنفعــال‬ ‫الــذي ال ُم ْس ـكَ َة فيــه مــن عقــل وال مــن ضمــر‪.‬‬ ‫يقــوم املنتــدى مبســؤولية صياغــة مــروع فكــري لألمــة يحــدد األولويــات‬ ‫واملســارات اآلمنــة للخــروج مــن مســتنقع الـراع واالســتنزاف الــذي عملــت‬ ‫عليــه قــوى التطــرف يف الداخــل وقــوى الهيمنــة واإلســتبداد يف الخــارج‪.‬‬ ‫إن الوسطية اليوم هي طوق النجاة للمسلمني وللعامل عىل حدّ سواء‪.‬‬ ‫وهــي نهــج اخرتنــاه‪ ،‬فيــا نعتقــد‪ ،‬عــى بصــره‪ ،‬وجعلنــاه أ ّول مــا نع ـ ّول‬ ‫عليــه فيــا نــأيت ونــدع مــن شــؤون عملنــا التنويــري الــذي متثــل هــذه املجلــة‬ ‫جانب ـاً مــن جوانبــه املتعــددة التــي ندعــو اللــه ســبحانه أن يوفقنــا فيهــا إىل‬ ‫ســواء الســبيل‪.‬‬


‫المحتويات‬ ‫دراسات الوسطية‬ ‫الشراكة اإلستراتيجية المصرية السعودية وانعكاساتها األردنية ‪............................................ 4‬‬ ‫فقه المستقبل مقاربة أولى ‪.......................................... 12‬‬ ‫قراءة في سورة الفاتحة وفق المنهج الوسطي ‪.......................................... 14‬‬ ‫دور األسرة في بناء ثقافة اإليجابية والمبادرة واإلعمار ‪.......................................... 18‬‬ ‫المرجعية الدينية بين التهميش المفروض والتقديس المرفوض ‪.......................................... 25‬‬

‫مقاالت الوسطية‬ ‫الوسطية في العقيدة ‪............................................ 34‬‬ ‫الفلسطينيون ودروس الذكريات ‪.......................................... 35‬‬ ‫النخب في المجتمع العربي األزمة‪،‬والوعي‪،‬وصناعة التغيير ‪.......................................... 36‬‬ ‫من شخصيات الوسطية‬ ‫مواقيت الصالة في مرآة رسائل النور ‪............................................ 40‬‬


‫لقاء العدد‬ ‫العالمة الدكتور عبد الملك السعدي ‪............................................ 46‬‬

‫نشاطات المنتدى‬

‫‪..‬‬

‫نشاطات الفروع الداخلية ‪............................................ 49‬‬

‫‪..‬‬

‫‪..‬‬

‫‪..‬‬

‫نشاطات الفروع الخارجية ‪.......................................... 60‬‬

‫بيانات المنتدى‬ ‫بيانات المنتدى العالمي للوسطية ‪............................................ 62‬‬

‫‪..‬‬

‫الركن الطبي‬

‫‪..‬‬

‫‪..‬‬

‫‪..‬‬

‫‪..‬‬

‫االدوية المنوّمة تزيد مخاطر االصابة بمرض الزهايمر ‪............................................ 68‬‬

‫مسابقة العدد‬ ‫مسابقة العدد ‪............................................ 70‬‬

‫الوسطية‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫الشراكة اإلستراتيجية المصرية السعودية‬ ‫وانعكاساتها األردنية‬

‫حمادة فراعنة‬

‫‪h.faraneh@yahoo.com‬‬

‫‪L‬‬

‫مل يكــن صدفــة‪ ،‬أو أن ترابطــه عــريض‬ ‫غــر مربمــج‪ ،‬قـرار عــان يف األقــدام عــى‬ ‫اتخــاذ خطوتــن منفصلتــن‪ ،‬ولكنهــا‬ ‫سياســياً متالزمتــن ومرتابطتــن مــع‬ ‫بعضهــا البعــض وهــا‪:‬‬ ‫ قــرار إغــاق املقــر املركــزي لجمعيــة‬‫اإلخــوان املســلمني‪ ،‬ومكاتبهــا الفرعيــة يف‬ ‫املحافظــات‪.‬‬ ‫ وقــرار اســتدعاء الســفري األردين مــن‬‫طهــران‪.‬‬ ‫فهــو قــرار مــزدوج فرضتــه املعطيــات‬ ‫والتطــورات السياســية يف املنطقــة العربية‬ ‫املجــاورة واملحيطــة بــاألردن‪ .‬صحيــح أن‬ ‫املقدمــات كانــت متوفــرة‪ ،‬والدوافــع‬ ‫قامئــة التخــاذ القراريــن املتالزمــن غــر‬ ‫املتعارضــن‪ ،‬إىل الحــد الــذي ميكــن أن‬ ‫نــراه أن كل منهــا يكمــل اآلخــر‪ ،‬يف‬ ‫ســياق الخيــار الســيايس الــذي قررتــه‬ ‫الدولــة األردنيــة يف ضــوء الرشاكــة‬ ‫اإلســراتيجية مــع التحالــف املــري‬ ‫الســعودي الخليجــي املغــريب‪ ،‬املناهــض‬ ‫ألحــزاب التيــار اإلســامي مبكوناتــه‬ ‫وتفرعاتــه األربعــة الرئيســية‪:‬‬ ‫‪ -1‬اإلخــوان املســلمني‪ -2 ،‬واليــة الفقيــه‪،‬‬ ‫‪ -3‬تنظيــم الدولــة اإلســامية «داعــش»‪،‬‬ ‫‪ -4‬القاعــدة‪ ،‬إضافــة إىل الحــزب الخامــس‬ ‫حــزب التحريــر اإلســامي‪.‬‬ ‫فقــرار الحكومــة األردنيــة‪ ،‬ومؤسســاتها‬ ‫وأجهزتهــا‪ ،‬املتضمــن إغــاق مقــرات‬

‫أهــم أطــراف حركــة اإلخــوان املســلمني‬ ‫وأقواهــا وأكرثهــا اتســاعاً يف األردن يــوم‬ ‫األربعــاء ‪ 13‬نيســان ‪ ،2016‬مهــا بــدا‬ ‫مغلفـاً بالغطاء القانــوين أو اإلداري‪ ،‬ولكنه‬ ‫ق ـرار ســيايس عميــق‪ ،‬ســواء كانــت تلــك‬ ‫املســوغات متدثــرة بالغطــاء القانــوين‪،‬‬ ‫أو كانــت مغطّــاة بقــرة إداريــة رقيقــة‬ ‫لحجــب البعــد الســيايس الفاقــع لهــذا‬ ‫القــرار‪ ،‬تظــل دوافــع اإلغــاق‪ ،‬املتخــذ‬ ‫مــن جانــب دوائــر صنع القـرار الســيايس‪،‬‬ ‫دوافــع سياســية بامتيــاز‪ ،‬وفــق أراء‬ ‫أغلبيــة الكتــاب واملعلقــن الذيــن تناولــوا‬ ‫هــذا األجــراء‪.‬‬ ‫إذ ال يســتطيع أصدقــاء حركــة اإلخــوان‬ ‫املســلمني أو خصومهــا‪ ،‬قبــول هــذا‬ ‫التدبــر الــذي ال ســابق لــه‪ ،‬عــى أنــه‬ ‫مجــرد قـرار إداري محــض‪ ،‬كــا ال ميكنهم‬ ‫فهــم مــررات اتخــاذ هــذه الخطــوة ‪ -‬غري‬ ‫املســبوقة ‪ -‬يف هــذا الوقــت بالــذات‪ ،‬إال‬ ‫باعتبارهــا ق ـرارا سياســيا كامــل الوضــوح‬ ‫واألبعــاد‪ ،‬يســتهدف وضــع نقطــة كبــرة‬ ‫يف آخــر الســطر الطويــل‪ ،‬لتلــك العالقــة‬ ‫التاريخيــة القامئــة منــذ نحــو ســبعة‬ ‫عقــود بــن الدولــة األردنيــة واإلخــوان‬ ‫املســلمني‪ ،‬ومــن ثــم نــزع ذلــك الغطــاء‬ ‫الســيايس الــذي وفرتــه الحكومــات‬ ‫األردنيــة املتعاقبــة لحركــة اإلخــوان‬ ‫املســلمني‪ ،‬التــي كــرت يف حضــن الدولــة‪،‬‬ ‫وتعظــم نفوذهــا يف الهوامــش املتاحــة‬


‫لهــا‪ ،‬ال ســيام يف األوقــاف والرتبيــة‬ ‫والتعليــم والجامعــات وغريهــا‪ ،‬وتجلــت‬ ‫مامرســاتها يف األوقــات الحرجــة كحليــف‬ ‫للسياســات الرســمية بشــكل جــي منــذ‬ ‫خمســينيات القــرن املــايض وحتــى اندالع‬ ‫ثــورة الربيــع العــريب‪.‬‬ ‫ق ـرار ترخيــص حركــة اإلخــوان املســلمني‬ ‫تــم عــام ‪ ،1945‬باعتبارهــا فرع ـاً للحركــة‬ ‫املرصيــة األم‪ ،‬وقــد تــم تصويــب وضعهــا‬ ‫القانــوين عــام ‪ ،1952‬يك تصبــح جمعيــة‬ ‫أردنيــة وفــق قانــون الجمعيــات األردين‬ ‫الصــادر يف ذلــك الوقــت‪ ،‬غــر أن مياهــا‬ ‫كثــرة جــرت منــذ ذلــك الوقــت‪ ،‬حيــث‬ ‫تغــرت الظــروف السياســية‪ ،‬وتبدلــت‬ ‫املعطيــات املحيطــة‪ ،‬وجــرت العديــد‬ ‫مــن التطــورات الداخليــة العميقــة‪،‬‬ ‫كــا تعدلــت قوانــن العمــل الســيايس‬ ‫والحريــات العامــة‪ ،‬وأنظمــة الجمعيــات‬ ‫الثقافيــة والخرييــة والدعويــة‪ ،‬ومــع‬ ‫ذلــك بقيــت مظاهــر الحضــور اإلخــواين‬ ‫طاغيــة عــى املشــهد الســيايس‪ ،‬وكأن‬ ‫هــذه الحركــة التــي تخلــط بــن الدعــوي‬ ‫والســيايس‪ ،‬فــوق القانــون‪ ،‬إن مل نقــل‬ ‫أنهــا ظلــت تحظــى مبعاملــة اســتثنائية‪،‬‬ ‫وذلــك كلــه مــن خــال مظهريــن الفتــن‪،‬‬ ‫ال ميكــن لعــن املراقــب أن تخطئهــا أبداً‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ثبــات خطــوط االتصــال املبــارش‪،‬‬ ‫والحفــاظ عــى أوســع مســاحة ممكنــة‬ ‫مــن التفاهــم حــول الكثــر مــن املســائل‬ ‫الخالفيــة‪ ،‬فضــاً عــن تجديــد أدوات‬ ‫التنســيق الفعالــة بــن الحكومــات‬ ‫األردنيــة املتعاقبــة وحركــة اإلخــوان‬ ‫املســلمني‪ ،‬عــى قاعــدة التعــاون غــر‬ ‫املعلــن يف اغلــب األحيــان‪ ،‬ناهيــك عــن‬ ‫التوافــق عــى أشــكال ومضامــن العمــل‬ ‫املشــرك‪ ،‬ضــد جبهــة واســعة متغــرة مــن‬ ‫األعــداء والخصــوم املشــركني‪ ،‬ســواء عــى‬

‫املســتوى املحــي نحــو األحـزاب اليســارية‬ ‫والقوميــة‪ ،‬أو عــى املســتوى اإلقليمــي‪ ،‬يف‬ ‫مواجهــة بعــض سياســات أنظمــة جــال‬ ‫عبــد النــارص‪ ،‬وصــدام حســن‪ ،‬وحافــظ‬ ‫األســد‪ ،‬ومنظمــة التحريــر الفلســطينية‪،‬‬ ‫وعــى املســتوى الــدويل ضــد املعســكر‬ ‫االشـرايك طــوال ســنوات الحــرب البــاردة‪.‬‬ ‫والثــاين‪ :‬مامرســة العمــل العلنــي لحركــة‬ ‫اإلخــوان املســلمني‪ ،‬تحــت كل الظــروف‪،‬‬ ‫والتمتــع بحريــة الحركــة ومامرســة ســائر‬ ‫أنــواع األنشــطة الدعويــة والسياســية‪،‬‬ ‫حتــى يف ظــل قوانــن الطــوارئ واألحــكام‬ ‫العرفيــة‪ ،‬بــدون توفــر أي ســند قانــوين‬ ‫أو إداري جديــد أو مجــدد‪ ،‬يتكيــف مــع‬ ‫املعطيــات القانونيــة واإلدارية املســتجدة‪،‬‬ ‫وخاصــة بعــد اســتعادة شــعبنا األردين‬ ‫لحقوقــه الدســتورية عــام ‪ 1989‬عــى‬ ‫أثــر أحــداث نيســان‪ ،‬وإجـراء االنتخابــات‬ ‫الربملانيــة املتتاليــة‪ ،‬وترخيــص األحــزاب‬ ‫السياســية‪ ،‬وإجـراء تعديــات عــى قانــون‬ ‫الجمعيــات‪ ،‬حيــث بقيــت حركــة اإلخــوان‬ ‫املســلمني عــى حالهــا متــارس نشــاطاتها‬ ‫السياســية وتخــوض االنتخابــات النقابيــة‬ ‫والبلديــة والربملانيــة حينــاً‪ ،‬وتقاطعهــا‬ ‫حينــاً أخــر‪ ،‬وحتــى يف حالــة املقاطعــة‬ ‫كان ال يــردد األخــوان املســلمون يف‬ ‫العمــل عــى تقويــض رشعيــة االنتخابــات‬ ‫والطعــن بنتائجهــا‪ ،‬معتمديــن يف ذلــك‬ ‫كلــه عــى ثالثــة عوامــل هــي‪:‬‬ ‫‪ -1‬الغطــاء الســيايس الرســمي الــذي‬ ‫وفرتــه الدولــة لهــم‪ ،‬منــذ الخمســينيات‪،‬‬ ‫هــذا الغطــاء الــذي ظــل مينــح نشــاطهم‬ ‫وتنظيمهــم صــك تأمــن ضــد كل تقلبــات‬ ‫السياســات الحكوميــة املحتملــة‪،‬‬ ‫ويضاعــف مــن جرعــة ثقتهــا بالنفــس إزاء‬ ‫قدرتهــا عــى تخطــي أي أزمــة طارئــة قــد‬ ‫تحــدث مــع الدولــة‪ ،‬األمــر الــذي ّحــول‬

‫هــذا الغطــاء إىل مــا يشــبه الحقــوق‬ ‫املكتســبة‪ ،‬وطــ ّوب األمــر إىل حالــة‬ ‫تقليديــة متجــذرة‪ ،‬عــززت مــن مكانتهــم‬ ‫السياســية والحزبيــة والجامهرييــة‪ ،‬وأدت‬ ‫إىل توســيع نفوذهــم‪ ،‬بفعــل اســتمرار‬ ‫هــذا الغطــاء إىل آجــال زمنيــة طويلــة‬ ‫كحقيقــة سياســية مفــروغ منهــا‪.‬‬ ‫‪ -2‬براعــة حركــة اإلخــوان املســلمني‬ ‫يف توظيــف هــذا الغطــاء الذهبــي‪،‬‬ ‫واســتثامر هــذه الفرصــة النــادرة مقارنــة‬ ‫مــع حــركات سياســية مامثلــة‪ ،‬حيــث‬ ‫بنــت قواعدهــا عــى مــرأى ومســمع‬ ‫مــن املؤسســات الرســمية‪ ،‬وتغلغلــت‬ ‫يف مرافــق متعــددة‪ ،‬ووفــرت الخدمــات‬ ‫الخاصــة بهــا عــر مؤسســات خدميــة‬ ‫مســتقلة‪ ،‬واســتغلت الهوامــش املتاحــة‬ ‫لهــا عــى كل صعيــد اجتامعــي بكفــاءة‬ ‫بالغــة‪ ،‬فأصبحــت بذلــك كلــه الحركــة‬ ‫السياســية الوحيــدة العابــرة للمحافظــات‬ ‫وللمكونــات األردنيــة املتعــددة‪ ،‬وغــدت‬ ‫يف نهايــة مطــاف طويــل قــوة جامهرييــة‬ ‫متمكنــة‪.‬‬ ‫‪ -3‬مواصلــة حركــة اإلخــوان املســلمني‬ ‫ارتــداء عبــاءة املرشــد العــام لهــذه‬ ‫الحركــة الدوليــة متعــددة الفــروع‪،‬‬ ‫واحتفاظهــا بعضويتهــا يف مكتــب إرشــاد‬ ‫الجامعــة األم‪ ،‬األمــر الــذي مكنهــا مــن‬ ‫نســج تحالفــات إقليميــة عريضــة‪،‬‬ ‫واالســتفادة مــن خـرات تنظيميــة وفــرة‬ ‫مرتاكمــة لــدى الفــروع األخــرى‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫ســاعد الحركــة األردنيــة عــى التجــذر يف‬ ‫بيئتهــا املحليــة أوال‪ ،‬ومــن مثــة االمتــداد‬ ‫يف املحيــط املجــاور‪ ،‬ال ســيام يف فلســطني‬ ‫املهمــة جــدا لــكل طــرف ســيايس ولــكل‬ ‫منظمــة حزبيــة‪ ،‬ليــس لتســويق رؤيتهــا‬ ‫وخطابهــا فقــط‪ ،‬وإمنــا أيضــا مــن أجــل‬ ‫تكريــس نفســها يف معادلــة الــراع‬

‫الوسطية‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫العــريب اإلرسائيــي‪ ،‬كالعــب ذي مصداقية‪،‬‬ ‫وكفــرع فاعــل ألقــوى حركــة سياســية‬ ‫عابــرة للحــدود يف العــامل العــريب‪.‬‬ ‫ولعــل مــن بــن أهــم املحطــات الخالفيــة‬ ‫الكــرى بــن حركــة اإلخــوان املســلمني‬ ‫والدولــة األردنيــة‪ ،‬مــا تجــى عليــه األمــر‬ ‫عنــد معارضــة الحركــة اإلخوانيــة ملعاهدة‬ ‫وادي عربــة‪ ،‬تلــك املعاهــدة التــي كانــت‬ ‫خيــار الدولــة األردنيــة املتــاح‪ ،‬يف التوصــل‬ ‫إىل إنهــاء حالــة الحــرب مــع املــروع‬ ‫االســتعامري التوســعي اإلرسائيــي عــام‬ ‫‪ ،1994‬وتطبيــع العالقــات الرســمية‬ ‫األردنيــة اإلرسائيليــة‪.‬‬ ‫فرغــم معارضــة اإلخــوان املســلمني لتلــك‬ ‫االتفاقيــة‪ ،‬إال أن أقنيــة االتصــال ظلــت‬ ‫مفتوحــة بــن قيــادة اإلخــوان ومؤسســات‬ ‫الدولــة‪ ،‬وبقيــت حــدود املعارضــة متفــق‬ ‫عليهــا حتــى بدايــة ثــورة الربيــع العــريب‪،‬‬ ‫الــذي شــهد صعــود حركــة اإلخــوان‬ ‫املســلمني وتوليهــا الســلطة‪ ،‬أو املشــاركة‬ ‫فيهــا‪ ،‬مــن موقــع قــوة‪ ،‬يف أكــر مــن بلــد‬ ‫عــريب يف مــر وتونــس واملغــرب والعـراق‬ ‫واليمــن‪ ،‬ومــن قبلهــم يف فلســطني‪،‬‬ ‫وذلــك لــدى ســيطرة الفــرع الفلســطيني‬ ‫مــن الجامعــة األم‪ ،‬بالقــوة العســكرية‬ ‫املنفــردة عــى قطــاع غــزة‪ ،‬عــر «االنقالب‬ ‫والحســم العســكري» يف حزيــران ‪،2007‬‬ ‫وهــي متغــرات أدت يف مجموعهــا إىل‬ ‫تعزيــز مكانــة اإلخــوان املســلمني يف نظــر‬ ‫أنفســهم‪ ،‬وزادت مــن رغبتهــم الكامنــة‬ ‫ودافعيتهــم نحــو املــكارسة‪ ،‬وإىل تغيــر‬ ‫قواعــد العالقــة الكالســيكية القامئــة‬ ‫بينهــم وبــن الدولــة األردنيــة‪.‬‬ ‫كان انفجــار ثــورات الربيــع العــريب‪،‬‬ ‫يف ظــل ضعــف األحــزاب اليســارية‬ ‫والقوميــة‪ ،‬وانحســار ظلهــا عــن املــرح‬ ‫الســيايس الداخــي يف ســائر األقطــار‬

‫العربيــة‪ ،‬مبثابــة رافعــة قويــة ألحــزاب‬ ‫التيــار اإلســامي‪ ،‬التــي وظفــت أشــواق‬ ‫النــاس للحريــة والدميقراطيــة والعدالــة‬ ‫االجتامعيــة‪ ،‬يف صعودهــا الرسيــع إىل‬ ‫ســدة الســلطة‪ ،‬واســتالمها مواقــع صنــع‬ ‫القـرار يف أكــر مــن بلــد عــريب‪ ،‬ســواء عــر‬ ‫آليــة صنــدوق االنتخابــات أو عــر وســائل‬ ‫أخــرى‪ ،‬وهــو مــا أدى يف واقــع األمــر إىل‬ ‫تعزيــز مكانــة حركــة اإلخــوان املســلمني‬ ‫وزيــادة نفوذهــا يف األردن وخارجــه‪،‬‬ ‫وانعــكاس ذلــك إيجابــاً لصالــح الحركــة‬ ‫ذات الحضــور الشــعبي الواســع‪ .‬هــذه‬ ‫الحركــة التــي اتخــذت سياســة معارضــة‬ ‫اشــد مــن ذي قبــل إزاء السياســات‬ ‫الرســمية‪ ،‬وتقدمــت خطــوة أو خطــوات‬ ‫إىل األمــام رافعــة شــعار « رشكاء يف‬ ‫الحكــم‪ ،‬رشكاء يف القــرار» وراحــت‬ ‫تطالــب بتعديــات دســتورية تشــمل‬ ‫املــواد (‪ )34‬و(‪ )35‬و(‪ )36‬مــن الدســتور؛‬ ‫بهــدف تقييــد صالحيــات رأس الدولــة‪،‬‬ ‫مــا أوجــد رشخـاً عميقـاً يف جــدار الثقــة‬ ‫القدميــة‪ ،‬وزعــزع قاعــدة التفاهــات‬ ‫السياســية بينهــا وبــن مؤسســات الدولــة‪،‬‬ ‫األمــر الــذي انتقــل معــه الوضــع مــن‬ ‫حالــة التفاهــم والتنســيق والتحالــف‪ ،‬إىل‬ ‫حالــة املناكفــة العلنيــة الصاخبــة‪ ،‬إن مل‬ ‫نقــل االشــتباك عــى قاعــدة املعارضــة‪.‬‬ ‫أوجــد التصــادم بــن حركــة اإلخــوان‬ ‫املســلمني مــن طــرف‪ ،‬ومؤسســات‬ ‫الدولــة األردنيــة مــن طــرف آخــر‪ ،‬رشخـاً‬ ‫داخــل صفــوف الحركــة نفســها‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي أفــى إىل انقســامها إىل ثالثــة فــرق‬ ‫متخاصمــة فيــا بينهــا‪ ،‬حيــث راحــت‬ ‫كل منهــا تجتهــد يف التوصــل إىل صيغــة‬ ‫مالمئــة للفعــل الســيايس مبــا ينســجم‬ ‫واملعطيــات املســتجدة‪ ،‬وهــو مــا فاقــم‬ ‫األزمــة الذاتيــة مــع مــرور الوقــت‪ ،‬وزاد‬

‫مــن حــدة االنقســامات‪ ،‬واضعــف الحركــة‬ ‫بصــورة ال ســابق لهــا‪ ،‬وأدى إىل انكشــافها‬ ‫الشــديد‪ ،‬وجعلهــا عرضــة لــكل التطــورات‬ ‫السياســية‪ ،‬التــي أخــذت تعصــف‬ ‫بالحركــة عــى املســتوى الوطنــي‪ ،‬وتدفــع‬ ‫بهــا دفعــاً نحــو الفشــل واإلخفــاق‪،‬‬ ‫األمــر الــذي زاد مــن حجــم االجتهــادات‬ ‫والتباينــات‪ ،‬وفيــا بعــد االتهامــات‪ ،‬بــن‬ ‫الفــرق اإلخوانيــة الثالثــة‪:‬‬ ‫الفريــق األول الــذي يقــوده املحامــي‬ ‫عبــد املجيــد الذنيبــات املراقــب العــام‬ ‫األســبق لحركــة اإلخــوان املســلمني‪ ،‬الــذي‬ ‫خــرج مــع الدكتــور إرحيــل الغرايبــة‬ ‫مبك ـرا مــن صفــوف الجامعــة‪ ،‬وشــكال ‪-‬‬ ‫مــع غاضبــن مثلهــم عــى الكيفيــة التــي‬ ‫تــدار بهــا الحركــة ‪ -‬مؤسســات بديلــة‬ ‫راحــت تتكيــف مــع السياســات الرســمية‪،‬‬ ‫وتعمــل تحــت مظلــة قوانــن الدولــة‬ ‫املرتابــة بنوايــا اإلخــوان املســلمني‪ ،‬منــذ‬ ‫أن رفعــوا مــن درجــة احتجاجاتهــم مــع‬ ‫انفجــار ثــورة الربيــع العــريب‪ ،‬تلــك الثــورة‬ ‫التــي دارت دورتهــا برسعــة‪ ،‬وأدت يف مــا‬ ‫أدت إليــه‪ ،‬إىل حظــر حركــة اإلخــوان‬ ‫املســلمني‪ ،‬ومالحقتهــا يف العديــد مــن‬ ‫الــدول العربيــة‪.‬‬ ‫الفريــق الثــاين بقــي متمســكاً مبواقفــه‬ ‫التقليديــة‪ ،‬وبرؤيتــه العتيقــة وخطابــه‬ ‫«املســتهلك»‪ ،‬حيــث بــدا مبالغــا يف‬ ‫حرصــه عــى ت ـراث الحركــة وعــى بقــاء‬ ‫القديــم عــى قدمــه‪ ،‬بــدون أي مراجعــة‬ ‫تقتضيهــا املســتجدات امللحــة‪ ،‬ومتليهــا‬ ‫رضورات التكيــف مــع الواقــع الــذي ال‬ ‫يكــف عــن التغــر‪ ،‬ويقــود هــذا الفريــق‬ ‫الدكتــور هــام ســعيد‪ ،‬املراقــب العــام‬ ‫للحركــة‪ ،‬ونائبــه زيك بنــي أرشــيد‪.‬‬ ‫أمــا الفريــق الثالــث فهــو الواقــع بــن‬ ‫الفريقــن الســابقني‪ ،‬املنســجم مــع‬


‫توجهــات الفريــق األول التحديثــي‬ ‫والتطويــري مــن حيــث املبــدأ‪ ،‬إال انــه‬ ‫ينظــر إىل هــذا الفريــق عــى أنــه فريــق‬ ‫متــرع‪ ،‬وانــه تعجــل يف الخــروج عــن‬ ‫الحركــة والجامعــة‪ ،‬وباملقابــل فانــه يــرى‬ ‫بالفريــق الثــاين عــى أنــه أســر ملعطيــات‬ ‫قدميــة مل تعــد قامئــة‪ ،‬ولرشعية تســتوجب‬ ‫التجديــد‪ ،‬وهــو الفريــق الــذي يقــوده‬ ‫املراقــب العــام الســابق ســامل الفالحــات‬ ‫ومعــه عبــد اللطيــف عربيــات وشــيوخ‬ ‫الحركــة‪ ،‬و ُيطلــق عليهــم بالحكــاء‪،‬‬ ‫وفريــق الرشاكــة واإلنقــاذ‪.‬‬ ‫وفّــر التمــزق بــن الفــرق الثالثــة يف‬ ‫الحركــة اإلخوانيــة‪ ،‬أداة مناســبة إلضعافها‬ ‫أمــام الــرأي العــام‪ ،‬وهيــأ فرصــة ســانحة‬ ‫للحكومــة وألجهزتهــا ومؤسســاتها‪ ،‬يك‬ ‫تــرع يف عمليــة انقضــاض تدريجــي‬ ‫عــى الفريــق املمســك بالرشعيــة‬ ‫التاريخيــة‪ ،‬املتعــايل عــى الواقــع الناشــئ‪،‬‬ ‫حيــث أقدمــت الحكومــة مــن خــال‬ ‫الحــكام اإلداريــن عــى إغــاق املقــر‬ ‫الرئيــي يف العاصمــة‪ ،‬ومكاتبــه الفرعيــة‬ ‫يف املحافظــات‪ ،‬بالشــمع األحمــر‪ ،‬خاصــة‬ ‫بعــد محاولــة هــذا الفريــق تجاهــل قـرار‬ ‫منــع إج ـراء انتخابــات مجلــس الشــورى‪،‬‬ ‫لتجديــد رشعيــة قياداتــه املنتهيــة‪ ،‬وفــق‬ ‫النظــام املعمــول بــه حركيــا‪ ،‬وهــو يف‬ ‫واقــع األمــر ق ـرار ســيايس حــازم مفــاده‬ ‫منــع إج ـراء انتخابــات داخليــة ملؤسســة‬ ‫باتــت تعتربهــا الحكومــة مؤسســة غــر‬ ‫قانونيــة وغــر قامئــة اعتباريــا‪ ،‬وفــوق‬ ‫ذلــك كلــه غــر مرخصــة‪.‬‬ ‫جــاء إغــاق الحكومــة ملقــر جامعــة‬ ‫اإلخــوان املســلمني يــوم األربعــاء ‪13‬‬ ‫نيســان ‪ ،2016‬ومــن ثــم إغــاق جميــع‬ ‫مكاتبهــا يف املحافظــات عــى التــوايل‪،‬‬

‫بذريعــة عــدم حــوز الجامعــة عــى‬ ‫الرتاخيــص الرســمية‪ ،‬وعــدم تصويــب‬ ‫أوضاعهــا قانونيــاً‪ ،‬كــا قــال الناطــق‬ ‫بلســان الحكومــة الوزيــر محمــد املومنــي‬ ‫حــن فــر قـرار اإلغــاق بــأن « الجامعــة‬ ‫غــر املرخصــة تقــوم بنشــاطات غــر‬ ‫قانونيــة وغــر مرخصــة « وأكــد أن «‬ ‫البلــد فيهــا قوانــن وأنظمــة تطبــق عــى‬ ‫الجميــع‪ ،‬وال يوجــد أحــد فــوق القانــون‪،‬‬ ‫ومــن يعتقــد أنــه يســتطيع أن يكــون‬ ‫فــوق القانــون فهــو واهــم» وزاد بقولــه «‬ ‫هنــاك نـزاع قانــوين بــن جمعيــة مرخصــة‬ ‫قانونــاً مبوجــب األنظمــة والتعليــات‬ ‫األردنيــة‪ ،‬وأخــرى غــر مرخصــة وال‬ ‫تريــد أن ترخــص‪ ،‬وقــد قدمــت الجامعــة‬ ‫املرخصــة شــكوى لــدى املحاكــم أن هنــاك‬ ‫جامعــة غــر مرخصــة تقــوم بنشــاطات‬ ‫باســمها»‪ ،‬أمــا محافــظ مأدبــا فقــد أغلــق‬ ‫مقــر الجامعــة ألن « الجامعــة مل تحصــل‬ ‫عــى ترخيــص مبوجــب قانــون األحــزاب‬ ‫والجمعيــات الــذي أقــر عــام ‪.»2014‬‬ ‫واصلــت حركــة اإلخــوان املســلمني‬ ‫إنــكار الواقــع‪ ،‬واعتقــدت أن كلمتهــا‬ ‫فــوق وأمــام الجميــع‪ ،‬حيــث رد الناطــق‬ ‫بلســان الجامعــة بــادي الرفايعــة بقولــه‬ ‫« الجامعــة ماضيــة باســتكامل انتخاباتهــا‬ ‫الداخليــة « وأن « الجامعــة موجــودة‬ ‫مبقـرات وبــدون مقـرات»‪ ،‬ووصــف قـرار‬ ‫اإلغــاق عــى أنــه « محــاوالت يائســة‬ ‫لتحجيمهــا أو إنهائهــا مــن املجتمــع‬ ‫األردين» يف تجاهــل غــر مفهــوم ملــا‬ ‫آل إليــه واقــع حركــة فقــدت متاســكها‬ ‫ووحدتهــا والغطــاء الســيايس الــذي كان‬ ‫يحميهــا‪.‬‬ ‫يتضــح مــن الســجال بــن املؤيديــن‬ ‫ملــررات اإلغــاق وبــن الرافضــن لــه‪ ،‬انــه‬ ‫عائــد إىل األنظمــة والقوانــن األردنيــة‬

‫املرعيــة‪ ،‬وإىل عــدم التكيــف مــع‬ ‫مقتضياتهــا‪ ،‬ولكــن الســؤال الــذي يتهــرب‬ ‫منــه طرفــا املواجهــة (الحكومــة واإلخــوان‬ ‫املســلمني) هــو إذا كانــت الجامعــة‬ ‫مرخصــة منــذ العــام ‪ ،1945‬وتــم تجديــد‬ ‫ترخيصهــا العــام ‪ ،1952‬ملــاذا بقيــت‬ ‫تعمــل علن ـاً طــوال ع ـرات الســنني بــا‬ ‫ترخيــص مناســب وبــا تكييــف قانــوين؟‬ ‫وإذا كانــت ســنة ‪ ،1989‬ســنة فاصلــة يف‬ ‫حيــاة األردنيــن بعــد اســتعادة حقوقهــم‬ ‫الدســتورية التــي كانــت معطلــة باألحكام‬ ‫العرفيــة منــذ عــام ‪ ،1957‬وتــم اســتئناف‬ ‫الحيــاة الربملانيــة عــام ‪ ،1989‬وجــرت‬ ‫املصالحــة الوطنيــة بــن القــر واملعارضة‬ ‫عــام ‪ ،1990‬وتــم ترخيــص األحــزاب‬ ‫السياســية ‪ ،1992 - 1991‬فلــاذا مل تتــم‬ ‫املطالبــة الحكوميــة بإعــادة ترخيــص‬ ‫حركــة اإلخــوان املســلمني وتصويــب‬ ‫أوضاعهــا والدفــع نحــو تكيفهــا مــع‬ ‫الوقائــع والقوانــن والتطــورات الجديــدة؟‬ ‫فــإذا مل تفعــل الحكومــة مــا هــو مطلــوب‬ ‫منهــا وتلــكأت يف مطالبــة الجامعــة‬ ‫يف تكييــف تنظيمهــم وفــق القوانــن‬ ‫النافــذة‪ ،‬فلــاذا مل تبــادر هــي بالتكيــف‬ ‫مــع املعطيــات القانونيــة الجديــدة؟‬ ‫أحســب أن هــذا الســؤال ســؤال جوهــري‬ ‫يكشــف األبعــاد الكامنــة يف العالقــة بــن‬ ‫الطرفــن‪ ،‬عالقــة التحالــف والتفاهــم‬ ‫واملصلحــة املشــركة بينهــا طــوال مرحلــة‬ ‫األحــكام العرفيــة ‪ ،1991 – 1957‬وطــوال‬ ‫مرحلــة الحــرب البــاردة ‪،1990 – 1950‬‬ ‫فكالهام كان مســتفيداً مــن اآلخر ويعتمد‬ ‫عليــه يف املواجهــة مع الخصم املشــرك‪ ،‬يف‬ ‫مواجهــة الشــيوعية واالشـراكية واالتحــاد‬ ‫الســوفيتي عــى املســتوى الــدويل‪ ،‬ويف‬ ‫مواجهــة «عبــد النــارص وصــدام حســن‬ ‫وحافــظ األســد واليمــن الجنــويب ومنظمة‬

‫الوسطية‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫التحريــر الفلســطينية» عــى املســتوى‬ ‫القومــي‪ ،‬ويف مواجهــة األح ـزاب القوميــة‬ ‫واليســارية والليرباليــة عــى املســتوى‬ ‫الوطنــي‪ ،‬واليــوم تبــدل الحــال‪ ،‬فالذيــن‬ ‫كانــوا أعــداء مل يعــودوا كذلــك‪ ،‬والذيــن‬ ‫كانــوا خصوم ـاً تبدلــوا‪ ،‬فلــم يعــد الحــال‬ ‫عــى حالــه‪ ،‬وهــذا هــو املســتجد الــذي‬ ‫أســتوجب االســتحقاق الســيايس‪ ،‬ومفــاده‬ ‫أن التنظيــات اإلســامية التــي كانــت‬ ‫حليفــة للنظــام العــريب الرســمي‪ ،‬وأداة‬ ‫مــن أدواتــه الكالســيكية‪ ،‬كــرت عــى‬ ‫حليفهــا القديــم‪ ،‬وطمعــت فيــه‪ ،‬وعملــت‬ ‫عــى النيــل منــه‪ ،‬وســعت ألن تكــون هــي‬ ‫البديــل لــه‪.‬‬ ‫ولذلــك كلــه‪ ،‬وبســبب غيــاب قــوى‬ ‫الحركــة الوطنيــة‪ ،‬وضعــف تأثــر‬ ‫األح ـزاب القوميــة واليســارية والليرباليــة‬ ‫عــى الحيــاة العامــة‪ ،‬فضــا عــن ســعي‬ ‫التنظيــات واألحـزاب اإلســامية للوصول‬ ‫إىل الســلطة بالطــرق غــر الدميقراطيــة‪،‬‬ ‫حيــث عملــت كل منهــا بوســائل متشــابه‬ ‫لتحقيــق هــذه الغايــة‪ ،‬ناهيــك عــن‬ ‫تراجــع رهــان الواليــات املتحــدة عــى‬ ‫«النظــام العــريب الســائد»‪ ،‬الــذي أســتنفذ‬ ‫يف واقــع األمــر مهامــه وأدى كامــل‬ ‫خدماتــه‪ ،‬وبســبب التحــوالت امللتبســة يف‬ ‫السياســة األمريكيــة نحــو كل مــن إي ـران‬ ‫وحركــة اإلخــوان املســلمني‪ ،‬وبســبب ذلك‬ ‫وغــره‪ ،‬انتهــى عــر التفاهــم املديــد بــن‬ ‫النظــام العــريب وبــن تنظيــات وأح ـزاب‬ ‫الحركــة اإلســامية‪ ،‬مبــا يف ذلــك أحــزاب‬ ‫واليــة الفقيــه ذات املرجعيــة اإليرانيــة‪،‬‬ ‫وفصائــل حركــة اإلخــوان املســلمني ذات‬ ‫العقيــدة الســنية‪ ،‬إضافــة إىل اشــتداد‬ ‫حــدة املواجهــة السياســية‪ ،‬واحتــدام‬ ‫الصــدام املســلح مــع منظــات الســلفية‬ ‫الجهاديــة‪ ،‬خصوصــا تنظيمــي الدولــة‬

‫«داعــش» والقاعــدة‪ ،‬فقــد بــات ال ـراع‬ ‫اليــوم يأخــذ كامــل أشــكاله املتعــددة‪،‬‬ ‫وعــى كل املســتويات واألصعــدة‪ ،‬بــن‬ ‫التنظيــات اإلســامية األربعــة وبــن‬ ‫النظــام العــريب‪ ،‬بشــكل واضــح وصــارخ‪.‬‬ ‫هــذه املعطيــات والرصاعــات املفتوحــة‬ ‫عــى مرصاعيهــا‪ ،‬أدت إىل والدة تحالــف‬ ‫عــريب جديــد‪ ،‬قاعدتــه الريــاض والقاهــرة‪،‬‬ ‫إضافــة إىل دول مجلس التعــاون الخليجي‬ ‫واملغــرب‪ ،‬يك يؤســس هــذا املحــور أركانــه‬ ‫عــى قاعــدة الــرورة السياســية‪ ،‬وعــى‬ ‫أســاس املصلحــة الثنائيــة‪ ،‬ومبــا يجعــل‬ ‫مضمونــه‪ ،‬وفــق تســمية الرئيــس عبــد‬ ‫الفتــاح الســييس» رشاكــة إســراتيجية»‪،‬‬ ‫وهــي كذلــك‪ ،‬ليــس فقــط بســبب‬ ‫خصوصيــة العالقــة الثنائيــة بــن البلديــن‬ ‫الكبرييــن‪ ،‬وإمنــا أيضــا بســبب حجــم‬ ‫التحديــات غــر املســبوقة التــي تواجــه‬ ‫الريــاض والقاهــرة معــا‪ ،‬مــا يفــرض‬ ‫عليهــا ويتطلــب منهــا مواجهــة ذلــك‬ ‫بتحالــف متــن بــن العاصمتــن‪.‬‬ ‫كان ذلــك تحالف أملتــه رضورات فرضت‬ ‫نفســها عــى العاصمتــن‪ ،‬ولذلــك ُوصفــت‬ ‫زيــارة العاهــل الســعودي للقاهــرة يف‬ ‫الفــرة الواقعــة بــن ‪ 7‬إىل ‪ 11‬نيســان‪،‬‬ ‫ومــا أســفر عنهــا مــن نتائــج كبــرة‪ ،‬عــى‬ ‫أنهــا نقطــة انطــاق ملعالجــة أزمــات‬ ‫املنطقــة العربيــة‪ ،‬وخاصــة اليمن وســوريا‬ ‫وليبيــا وفلســطني‪ ،‬وكــا قــال العاهــل‬ ‫الســعودي « اتخذنــا قـراراً ضــد محــاوالت‬ ‫التدخــل يف شــؤوننا الداخليــة‪ ،‬وتضامنــا‬ ‫معــاً عــر تحالــف ملحاربــة اإلرهــاب‬ ‫«‪ ،‬وهــو بذلــك أختــر هــدف الزيــارة‬ ‫التــي شــملت التوقيــع عــى ‪ 17‬اتفاقيــة‬ ‫ومذكــرة تفاهــم يف مجــاالت الكهربــاء‪،‬‬ ‫واإلســكان‪ ،‬والطاقــة النوويــة‪ ،‬والزراعــة‪،‬‬ ‫والتجــارة‪ ،‬والصناعــة‪ ،‬وترســيم الحــدود‬

‫البحريــة وتجنــب االزدواج الرضيبــي‪،‬‬ ‫وتــرز مــن ضمنهــا بشــكل خــاص تطويــر‬ ‫منطقــة شــبه جزيــرة ســيناء مــن خــال‬ ‫مشــاريع ســكنية وزراعيــة وشــبكة طــرق‬ ‫وبنــاء جامعــة‪ ،‬ناهــن عــن وصــل مــر‬ ‫بالســعودية بجــر بــري‪ ،‬تباهــى العاهــل‬ ‫الســعودي بــه‪ ،‬حــن وصــف هــذه‬ ‫الخطــوة الطموحــة عــى أنهــا « خطــوة‬ ‫تاريخيــة‪ ،‬ونقلــة نوعيــة غــر مســبوقة «‪.‬‬ ‫وعليــه ميكــن اختصــار الرضورة السياســية‬ ‫واملصلحــة الثنائيــة‪ ،‬بــن العاصمتــن‬ ‫املهمتــن يف العــامل العــريب‪ ،‬بالعوامــل‬ ‫األربعــة التاليــة‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬يخــوض نظــام الرئيــس عبــد الفتــاح‬ ‫الســييس‪ ،‬منــذ اإلطاحــة بالرئيــس الســابق‬ ‫محمــد مــريس عــام ‪ ،2013‬حربـاً سياســية‬ ‫وفكريــة وميدانيــة‪ ،‬تخللتهــا مواجهــات‬ ‫صداميــة مــع حركــة اإلخــوان املســلمني‬ ‫واملجموعــات املتحالفــة معهــا‪ ،‬األمــر‬ ‫الــذي يحتــاج املوقــف معــه إىل إســناد‬ ‫خارجــي ألعانته عــى مواجهــة الصعوبات‬ ‫التــي أخــذت تواجهــه بــراوة‪ ،‬فيــا‬ ‫بــدت العربيــة الســعودية كصاحبــة‬ ‫مصلحــة بعيــدة املــدى يف إســناد خيــارات‬ ‫الرئيــس املــري‪ ،‬ال ســيام وان التنظيــم‬ ‫الــدويل لحركــة اإلخــوان املســلمني بــدأ‬ ‫يشــكل يف الفــرة األخــرة أحــد «مصــادر‬ ‫القلــق للنظــام الســعودي»‪.‬‬ ‫ثاني ـاً‪ :‬تخــوض العربيــة الســعودية حرب ـاً‬ ‫رشسـاً ضــد أحـزاب واليــة الفقيــه وخاصــة‬ ‫جامعــة أنصــار اللــه اليمنيــة وحــزب‬ ‫اللــه اللبنــاين وامتدادهــا يف بلــدان‬ ‫الخليــج العــريب‪ ،‬ونظــرا لوقــوف إيــران‬ ‫وراء مثــل هــذه األحــزاب‪ ،‬فقــد بــدت‬ ‫الريــاض بحاجــة ماســة لرافعــة سياســية‬ ‫قويــة تســاندها أمــام تلــك االمتــدادات‬ ‫اإليرانيــة‪ ،‬فيــا بــدت القاهــرة باملقابــل‬


‫رديفــا يعتــد بــه لتأديــة هــذا الــدور الذي‬ ‫يشــكل الخطــر الداهــم‪ ،‬وفــق رؤيــة‬ ‫الريــاض لنظامهــا الســيايس‪ ،‬الــذي تجــد‬ ‫يف القاهــرة الرافعــة السياســية املطلوبــة‪.‬‬ ‫ثالثــاً‪ :‬كالهــا‪ ،‬مــر والســعودية‪،‬‬ ‫تخوضــان حربــاً ضاريــة ضــد تنظيمــي‬ ‫القاعــدة و»داعــش»‪ ،‬وتجــدان أن‬ ‫الدوافــع املشــركة لديهام ماثلــة يف العمل‬ ‫ســوية ضــد األخطــار املشــركة‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫يســتدعي منهــا العمــل املنســق يف كل‬ ‫املجــاالت املمكنــة‪ ،‬ملواجهــة تحديــات‬ ‫اإلرهــاب املتمثــل يف تنظيمــي القاعــدة‬ ‫و»داعــش»‪ ،‬وإحبــاط مشــاريع هاتــن‬ ‫الجامعتــن املتطرفتــن‪ ،‬املهددتــن لــكال‬ ‫النظامــن العربيــن‪ ،‬أي أن هنــاك رضورة‬ ‫ملحــة ومصلحــة متطابقــة‪ ،‬وذات أولويــة‬ ‫ـي النظــام العــريب‪.‬‬ ‫أوىل عــى أجنــدة ركنـ ّ‬ ‫رابع ـاً‪ :‬تجــد كل مــن القاهــرة والريــاض‪،‬‬ ‫أن سياســة الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪،‬‬ ‫قــد غــرت بوصلتهــا‪ ،‬وبدلــت اهتامماتهــا‬ ‫التقليديــة إزاء العــامل العــريب‪ ،‬الــذي ســبق‬ ‫لهــا أن أولتــه جــل اهتامماتهــا‪ ،‬وأعطتــه‬ ‫األفضليــة‪ ،‬ملــا تحتويــه هــذه الرقعــة‬ ‫الجغرافيــة الواســعة مــن مصــادر الطاقــة‪،‬‬ ‫وأمــن املــروع االســتعامري التوســعي‬ ‫اإلرسائيــي‪ ،‬ناهيــك عــن دورهــا املطلــوب‬ ‫بقــوة ملحاربــة اإلرهــاب الــذي ازدهــر يف‬ ‫تربــة الظلــم واالســتبداد والفســاد‪ ،‬وبــات‬ ‫كأنــه ماركــة عربيــة إســامية مســجلة‪.‬‬ ‫لقــد وجــدت الواليــات املتحــدة األمريكية‬ ‫أن العوامــل التــي ميــزت الــرق األوســط‬ ‫مل تعــد مهمــة بالقــدر الــذي كانــت عليــه‬ ‫يف الســابق‪ ،‬ولذلــك وضعــت لنفســها‬ ‫أجنــدة رتبــت أولوياتهــا حســب األهميــة‬ ‫عــى النحــو التــايل‪ -1 :‬أوروبــا‪ -2 ،‬جنــوب‬ ‫رشق أســيا‪ -3 ،‬دول أمــركا الالتينيــة‪-4 ،‬‬ ‫بلــدان جنــوب الصحــراء األفريقيــة‪ ،‬أي‬

‫أن العــامل العــريب مل يعــد يحتــل مكانتــه‬ ‫الســابقة عىل ســلم االهتاممــات األمريكية‪،‬‬ ‫وقــد انعكــس ذلــك عــى تفاهــات‬ ‫واشــنطن مــع كل مــن روســيا وإيــران‪،‬‬ ‫مــا ســبب إزعاج ـاً وقلق ـاً لــدى الريــاض‬ ‫والقاهــرة‪ ،‬املتحســبتني إزاء دوافــع تغيــر‬ ‫السياســات األمريكيــة‪ ،‬وهــو مــا يعنــي‬ ‫أن العــامل العــريب قــد أصبــح ُعرضــة‬ ‫للتطلعــات اإليرانيــة التوســعية‪ ،‬وأهــداف‬ ‫حركــة اإلخــوان املســلمني املســتميتة عــى‬ ‫الوصــول إىل مؤسســات الحكــم‪ ،‬كــا‬ ‫حصــل يف مــر وتونــس وليبيــا وغــزة‬ ‫وســوريا‪.‬‬ ‫هــذا التحــول يف السياســات األمريكيــة‬ ‫أربــك الريــاض ومعهــا القاهــرة‪،‬‬ ‫وأفقدهــا مظلــة واســعة كانتــا تعتمــدان‬ ‫عليهــا‪ ،‬ملواجهــة خصومهــا‪ ،‬وتعزيــز‬ ‫اســتقرارهام الداخــي‪ ،‬ولكــن االشـراطات‬ ‫األمريكيــة عــى مســؤويل البلديــن‪،‬‬ ‫املتعلقــة بحقــوق اإلنســان والدميقراطيــة‬ ‫واالنفتــاح‪ ،‬مل تســتطع معــه كل مــن‬ ‫العاصمتــن املعنيتــن‪ ،‬وباقــي املنظومــة‬ ‫العربيــة الحليفــة للواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫االســتجابة لهــا‪ ،‬مــا أوجــد فجــوة يف‬ ‫التفاهــات األمريكيــة العربيــة‪.‬‬ ‫دفعــت تلــك االشـراطات بالرئيــس أوباما‬ ‫لتوجيــه انتقــادات علنيــة غــر مســبوقة‬ ‫للنظــام العــريب الحليــف‪ ،‬وأرفــق ذلــك‬ ‫بالتفاهــم مع إيـران والتوصــل إىل االتفاق‬ ‫النــووي معهــا واإلف ـراج عــن مســتحقاتها‬ ‫املاليــة املحتجــرة‪ ،‬بعــد إلغــاء قــرارات‬ ‫مجلــس األمــن الصــادرة منــذ عــام ‪2006‬‬ ‫وهــي القــرار ‪ ،1696‬و‪ ،1737‬و‪،1747‬‬ ‫و‪ ،1803‬و‪ ،1835‬و‪ ،1929‬وأخــراً القــرار‬ ‫‪ 2224‬الصــادر عــام ‪ ،2015‬وجميعهــا‬ ‫كانــت تســتهدف فــرض العقوبــات عــى‬ ‫إيــران ومحارصتهــا اقتصاديــا‪ ،‬ولذلــك‬

‫دفــع التحــول يف املوقــف األمــريك كالً‬ ‫مــن القاهــرة والريــاض إىل البحــث عــن‬ ‫خيــارات بديلــة‪ ،‬ووجدتــا يف طليعــة هــذه‬ ‫البدائــل االعتــاد عــى الــذات‪ ،‬الــذي‬ ‫ولــدّ اتفــاق الرشاكــة اإلسـراتيجية بينهــا‪.‬‬ ‫وميكــن القــول أن العوامــل الضاغطــة عىل‬ ‫صانعــي الق ـرار يف املطبخــن السياســيني‪:‬‬ ‫املــري الســعودي‪ ،‬شــكلت تلــك‬ ‫الحوافــز القويــة‪ ،‬التــي دفعــت البلديــن‬ ‫لقطــع شــوط مســتعجل نحــو التوصــل‬ ‫التفاقــات متنوعــة‪ ،‬تفــرغ لهــا املختصــون‬ ‫أشــهراً منــذ إعــان بيــان القاهــرة يــوم‬ ‫‪ 30‬حزيــران ‪ 2015‬يف أعقــاب زيــارة‬ ‫األمــر محمــد بــن ســلامن ويل ويل العهــد‬ ‫الســعودي‪ ،‬الــذي يعتــر املهنــدس األول‬ ‫والشــخص املبــادر للسياســات الســعودية‪.‬‬ ‫ويف قــراءة لرصــد تطــور العالقــات بــن‬ ‫القاهــرة والريــاض نلحــظ انــه يف عهــد‬ ‫الرئيــس محمــد مــريس اقتــرت عــى‬ ‫لقائــن فقــط بــن مســؤولني ســعوديني‬ ‫ومرصيــن‪ ،‬بينــا وقــع ‪ 14‬لقــاء عــام‬ ‫‪ 2014‬بعــد اإلطاحــة بحركــة اإلخــوان‬ ‫املســلمني‪ ،‬لريتفــع إىل ‪ 19‬عــام ‪ ،2015‬وإىل‬ ‫ســتة لقــاءات خــال الرابــع األول مــن‬ ‫عــام ‪ 2016‬لتتــوج بزيــارة امللــك ســلامن‬ ‫التــي ضمــت ‪ 80‬مســؤوالً ســعودياً‪ ،‬مــن‬ ‫بينهــم ‪ 18‬وزيــراً و‪ 25‬أمــراً إضافــة إىل‬ ‫عــدد واســع مــن املســتثمرين ورجــال‬ ‫األعــال والصحفيــن‪ ،‬مــا يعكــس حجــم‬ ‫الرهــان الســعودي عــى الزيــارة ونتائجهــا‬ ‫وعــى مســتقبل العمــل املشــرك مــع‬ ‫املرصيــن‪.‬‬ ‫الرشاكــة اإلســراتيجية بــن القاهــرة‬ ‫والريــاض عــى قاعــدة الــرورة‬ ‫واملصالــح املتبادلــة املشــركة القامئــة عــى‬ ‫العوامــل األربعــة املذكــورة‪ ،‬انعكســت‬ ‫رسيعـاً عــى االســتجابة األردنيــة‪ ،‬القريبــة‬

‫الوسطية‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫مــن التفاهــات املرصيــة الســعودية‪،‬‬ ‫واملتقاطعــة معهــا‪ ،‬مثلــا حدثــت‬ ‫اســتجابة الحقــة مــن جانــب املغــرب‪.‬‬ ‫األمــر محمــد بــن ســلامن‪ ،‬يف أعقــاب‬ ‫زيــارة والــده امللــك ســلامن للقاهــرة‪،‬‬ ‫توجــه مبــارشة مــن القاهــرة إىل العقبــة‬ ‫للقــاء امللــك عبــد اللــه يــوم االثنــن ‪11‬‬ ‫نيســان ‪ ،2016‬ويف ختــام اجتامعهــا‬ ‫صــدر البيــان املشــرك تضمــن ســتة نقــاط‬ ‫تعكــس التعــاون والعمــل املشــرك بينهــا‬ ‫تجــاه قضايــا املنطقــة وأزماتهــا‪ ،‬حيــث‬ ‫متســك الجانبــن بخيــار الحــل الســيايس‬ ‫لألزمــة الســورية‪ ،‬مــع الحفــاظ عــى‬ ‫وحــدة أرايض دول املنطقــة وســيادتها‬ ‫واســتقرارها‪ ،‬ورفضهــا لسياســة التدخــل‬ ‫اإليرانيــة يف دول املنطقــة‪ ،‬واتفقــا عــى‬ ‫تطويــر التعــاون العســكري القائــم بــن‬ ‫البلديــن مبــا يعــزز األمــن واالســتقرار‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬وتــم مبوجــب تلــك الزيــارة‬ ‫العاجلــة توقيــع مذكــرة تفاهــم بخصــوص‬ ‫تأســيس صنــدوق اســتثامري مشــرك بــن‬ ‫البلديــن‪.‬‬ ‫األوىل‪ :‬الرشاكــة اإلســراتيجية املرصيــة‬ ‫الســعودية‪ ،‬والتفاهــم األردين معهــا‪،‬‬ ‫واســتجابة عــان ملقتضياتهــا‪ ،‬أثــر زيــارة‬ ‫األمــر الســعودي محمــد بــن ســلامن‪،‬‬ ‫أقدمــت الحكومــة األردنيــة عــى خطوتني‬ ‫متتاليتــن‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬إغــاق املقــر املركــزي لحركــة‬ ‫اإلخــوان املســلمني يف عــان ومكاتبهــا يف‬ ‫املحافظــات يــوم األربعــاء ‪ 13‬نيســان‪.‬‬ ‫والثانيــة‪ :‬اســتدعاء الســفري األردين مــن‬ ‫طهـران عبــد اللــه أبــو رمــان يــوم االثنــن‬ ‫‪ 18‬نيســان ‪ ،2016‬وقــد فــر الناطــق‬ ‫بلســان الحكومــة محمــد املومنــي هــذه‬ ‫الخطــوة بقولــه « لقــد خلصــت الحكومــة‬ ‫إىل رضورة إجـراء وقفــة تقييميــة يف هــذه‬

‫املرحلــة‪ ،‬ويف ضــوء املعطيــات والتطورات‪،‬‬ ‫اقتــى اتخــاذ الق ـرار باســتدعاء الســفري‬ ‫األردين يف طهــران للتشــاور «‪.‬‬ ‫ويف وقــت الحــق‪ ،‬اســتضافت الريــاض‬ ‫قمــة خليجيــة حرضهــا ألول مــرة امللــك‬ ‫املغــريب محمــد الســادس‪ ،‬أســفرت عــن‬ ‫قيــام مجلــس تنســيق اســراتيجي بــن‬ ‫الطرفــن‪ ،‬بــدا أشــبه مــا يكــون بحلــف‬ ‫ســيايس امنــي عســكري‪ ،‬ذي أهــداف‬ ‫بعيــدة املــدى‪ ،‬يخاطــب التحديــات‬ ‫اإلقليميــة الثقيلــة‪ ،‬التــي أخــذت‬ ‫الســعودية عــى عاتقهــا مواجهتهــا‪،‬‬ ‫اعتــادا عــى قوتهــا الذاتيــة أوال‪ ،‬ثــم‬ ‫عــى إســناد دول عربيــة وإســامية‪ ،‬بلــغ‬ ‫عددهــا يف التحالــف العــريب الخــاص‬ ‫باليمــن ‪11‬دولــة‪ ،‬فيــا وصــل العــدد يف‬ ‫إطــار التحالــف اإلســامي إىل ‪ 34‬دولــة‪،‬‬ ‫األمــر الــذي يعتــر ســابقة غــر مســبوقة‬ ‫يف الحيــاة السياســية العربيــة‪ ،‬يشــر إىل‬ ‫إعــادة بنــاء منظومــة بديلــة‪ ،‬قد تــرث كال‬ ‫مــن النظــام العــريب املتهالــك ومنظومــة‬ ‫التعــاون اإلســامي‪ ،‬ورمبــا تســاعد عــى‬ ‫تجديــد الدمــاء فيهــا‪.‬‬ ‫ومل متــض ســوى فــرة قصــرة حتــى وصــل‬ ‫امللــك عبــد اللــه الثــاين إىل الريــاض‬ ‫يــوم األربعــاء ‪ ،2016/4/27‬يف زيــارة‬ ‫رســمية أفضــت إىل قيــام مجلــس تنســيق‬ ‫اسـراتيجي مامثــل للمجلــس آنــف الذكــر‬ ‫مــع اململكــة املغربيــة‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫ميكــن معــه القــول إن الســعودية‪ ،‬التــي‬ ‫يقــف يف مركــز قيادتهــا الجديــدة جيــل‬ ‫شــاب متدفــق بالحيويــة‪ ،‬قــد انتزعــت‬ ‫قيــادة العــامل العــريب واإلســامي بــكل‬ ‫جــدارة‪ ،‬وراحــت تغـ ّـر الصــورة االنطباعية‬ ‫القدميــة عــن مملكــة النفــط واملســاعدات‬ ‫والهبــات املاليــة‪ ،‬إىل صــورة مختلفــة‬ ‫عــن دولــة إقليميــة وازنــة‪ ،‬لديهــا رؤيــة‬

‫ملســتقبلها يف عــر مــا بعــد النفــط‪( ،‬‬ ‫رؤيــة ‪ 2030‬املعلــن عنهــا مــن جانــب‬ ‫األمــر محمــد بــن ســلامن)‪ ،‬ولديهــا أيضــا‬ ‫خطــة طريــق طموحــة لتفعيــل محيطهــا‬ ‫العــريب واإلســامي‪ ،‬عــر هــذه الـراكات‬ ‫اإلس ـراتيجية املعلــن عنهــا‪ ،‬بــن مجمــوع‬ ‫اململــكات العربيــة املعتدلــة زائــد‬ ‫جمهوريــة مــر العربيــة‪.‬‬ ‫وبالعــودة إىل بدايــة هــذه املطالعــة‬ ‫التحليليــة ملــآالت العالقــة بــن الحركــة‬ ‫الدوليــة لإلخــوان املســلمني وبــن األنظمة‬ ‫العربيــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك إخــوان األردن مــع‬ ‫الدولــة التــي هجرتهــم بعــد عنــاق حميم‬ ‫دام نحــو ســبعة عقــود متواصلــة‪ ،‬فانــه‬ ‫مل يعــد مهــا اآلن العــودة إىل الســجال‬ ‫الســابق عــا إذا كان ق ـرار إغــاق املقــر‬ ‫العــام‪ ،‬واملكاتــب الفرعيــة‪ ،‬قـرارا سياســيا‬ ‫أو كان تدبـراً قانونيـاً‪ ،‬ففــي كل األحــوال‬ ‫يبقــى هــذا القــرار‪ ،‬الــذي ال رجعــة‬ ‫عنــه وفــق اغلــب القــراءات السياســية‬ ‫الواقعيــة‪ ،‬نقطــة تحــول وانعطافــة كبــرة‬ ‫يف مجــرى تلــك العالقــة التاريخيــة‪ ،‬التــي‬ ‫لــن تعــود إىل مــا كانــت عليــه يف الســابق‪،‬‬ ‫شــأن عقــارب الســاعة التــي ال ترجــع إىل‬ ‫الــوراء‪ ،‬نظـرا لجملــة املتغـرات اإلقليميــة‬ ‫الجاريــة‪.‬‬ ‫ولعــل مــا يلفــت انتبــاه املــرء حقــا‪ ،‬وهــو‬ ‫يراجــع املحطــات املتفرقــة عــى مســار‬ ‫الفــراق املتــدرج‪ ،‬بــن حركــة اإلخــوان‬ ‫املســلمني وبــن الدولــة األردنيــة‪ ،‬عــى‬ ‫مــدى العامــن املاضيــن‪ ،‬إن قيــادة‬ ‫هــذه الحركــة املجربــة مل تحســن‬ ‫قــراءة املتغــرات التــي كانــت تخاطبهــا‬ ‫مبــارشة‪ ،‬وتدعوهــا إىل التكيــف مــع‬ ‫القانــون النافــذ‪ ،‬وتطالبهــا بالتســاوق مــع‬ ‫غريهــا مــن أحــزاب املعارضــة القوميــة‬ ‫واليســارية املرخصــة‪.‬‬


‫حيــث ظلــت قيــادة الحركــة‪ ،‬تغلــق‬ ‫أبصارهــا وتصــم أســاعها عــن هديــر‬ ‫ميــاه النهــر الجــارف املتدفــق مــن حولها‪،‬‬ ‫حتــى أنهــا مل تســتجب لنــداء شــيوخها‬ ‫الكبــار‪ ،‬وال لنصائــح أصدقائهــا املخلصــن‪،‬‬ ‫بــرورة إجــراء املراجعــات الالزمــة‪،‬‬ ‫إلنقــاذ مــا ميكــن إنقــاذه قبــل فــوات‬ ‫األوان‪ ،‬مبــا يف ذلــك درء خطــر االنقســام‬ ‫الــذي راح يهــدد بقــاء الحركــة‪ ،‬بــل إن‬ ‫قيــادة الحركــة القابضــة عــى جمــرات‬ ‫موقــف كان يفلــت مــن بــن أيديهــا‪،‬‬ ‫ذهبــت يف الشــوط إىل ابعــد مــدى‪ ،‬حــن‬ ‫راحــت تســتهني ببــوادر االنشــقاق يف‬ ‫داخلهــا‪ ،‬وأخــذت تفصــل مئــات األعضــاء‬ ‫(بعضهــم مــن املؤسســن) مــن صفوفهــا‪،‬‬ ‫عقابــا لهــم عــن مخالفــات ال تنــدرج يف‬ ‫بــاب الدعــوة أو الرؤية أو السياســة‪ ،‬التي‬ ‫ميكــن بهــا تربيــر مثــل هــذه العقوبــات‬ ‫التنظيميــة القاســية‪.‬‬ ‫كان شــيئا كبـرا يحــدث يف أحشــاء الحركة‬ ‫االخوانيــة‪ ،‬وكان شــيئا اكــر يحــدث يف‬ ‫بيئتهــا اإلقليميــة الواســعة‪ ،‬إال أن الفــرع‬ ‫األردين عــى وجــه الخصــوص‪ ،‬مل يرغــب‪،‬‬ ‫ورمبــا مل يســتطع فهــم واســتيعاب مغــزى‬ ‫التطــورات‪ ،‬التــي أخــذت تخاطــب‬ ‫اإلســام الســيايس يف عمــوم املنطقــة‪،‬‬ ‫وتدفــع بــه إىل الزاويــة الحرجــة‪ ،‬بعــد أن‬ ‫دارت دورتــه يف عقــر داره‪ ،‬ونــزل املرشــد‬ ‫العــام‪ ،‬بداللتــه الرمزيــة الكبــرة‪ ،‬عــن‬ ‫ســدة عــرش مــر‪ ،‬ليســاق مــع مكتــب‬ ‫اإلرشــاد إىل الســجن واملحاكمــة‪ ،‬ولتدخــل‬ ‫الحركــة الدوليــة لإلخــوان بعــد ذلــك إىل‬ ‫طــور مــن الحظــر واملطــاردة‪.‬‬ ‫لقــد كان األمــر يقتــي مــن الحركــة ذات‬ ‫القاعــدة الشــعبية العريضــة‪ ،‬تجنــب‬ ‫االصطــدام مــا أمكــن مــع هــذه املوجــة‬

‫العارمــة‪ ،‬التكيــف مــع الواقــع‪ ،‬والقيــام‬ ‫مبــا يلــزم مــن مراجعــات عاجلــة‪ ،‬عوضــا‬ ‫عــن االســتمرار يف الســباحة عكــس‬ ‫تيــار النهــر الجــارف‪ ،‬وإنــكار الحقائــق‬ ‫الصادمــة‪ ،‬عــى نحــو مــا تجــى عليــه‬ ‫الحــال يف الحــرب الكالميــة الضاريــة‬ ‫ضــد النظــام املــري الجديــد‪ ،‬والهجمــة‬ ‫التــي ال لــزوم لهــا ضــد دولــة اإلمــارات‬ ‫العربيــة‪ ،‬وهــي مواقــف ارتــدت عــى‬ ‫الحركــة بعواقــب متعــددة‪ ،‬ال ســيام يف‬ ‫البلــد الــذي كان مبثابــة املــاذ األخــر‬ ‫ألحــد أهــم فــروع الجامعــة االخوانيــة‪.‬‬ ‫لقــد بــدت الحركــة االخوانيــة‪ ،‬التــي باتت‬ ‫مســتهدفة يف عمــوم املنطقــة العربيــة‪،‬‬ ‫ليــس كمــن خــر كل الرهانــات فقــط‪،‬‬ ‫وإمنــا أيضــا كمــن فقــد قدرتــه عــى الحــد‬ ‫مــن متواليــة املصائــب التــي أخــذت تنزل‬ ‫عــى رأســه‪ ،‬حيــث ظهــرت هــذه الحركــة‪،‬‬ ‫ويف أكــر مــن مناســبة‪ ،‬كمــن يعــ ّذب‬ ‫نفســه‪ ،‬حتــى ال نقــول كمــن يطلــق النــار‬ ‫عــى قدمــه‪ ،‬يكابــر يف املحســوس‪ ،‬ويعانــد‬ ‫حقائــق الواقــع الــذي ال يعانــد‪ ،‬متــكال‬ ‫يف أحســن األحــوال عــى وعــود ملتبســة‪،‬‬ ‫وتعهــدات كالميــة غامضــة‪ ،‬متامــا عــى‬ ‫نحــو مــا ع ّولــت عليــه الحركــة االخوانيــة‬ ‫األردنيــة يف ربــع الســاعة األخــر‪ ،‬قبــل‬ ‫أن تــأزف لحظــة الحقيقــة‪ ،‬تلــك اللحظــة‬ ‫التــي جســدتها قــرارات إغــاق املقــر‬ ‫العــام والفــروع يف املحافظــات منــذ ‪13‬‬ ‫نيســان ‪.2016‬‬ ‫ولعــل مــا ميكــن قولــه‪ ،‬إن مرحلــة‬ ‫اإلســام الســيايس الحــريك‪ ،‬التــي دامــت‬ ‫نحــو مئــة ســنة‪ ،‬وكانــت يف غضونهــا‬ ‫محــل مــد وجــزر‪ ،‬قــد انقضــت يف واقــع‬ ‫األمــر‪ ،‬أو أنهــا يف طريقهــا إىل االنقضــاء‬ ‫التــام‪ ،‬ليــس كفكــرة أو عقيــدة‪ ،‬حيــث‬

‫ال متــوت األفــكار أبــدا‪ ،‬وإمنــا كتنظيــم‬ ‫ســيايس‪ ،‬أو كالعــب مســموح لــه باللعــب‬ ‫وفــق قواعــد جديــدة‪ ،‬مل تعــد تــرى فيــه‬ ‫رشيــكا‪ ،‬فضــا عــن جملــة قيــود منســقة‬ ‫إقليميــا‪ ،‬تحظــر عليــه التمتــع بــأي‬ ‫شــخصية قانونيــة‪.‬‬ ‫واحســب أن هــذا املــآل الــذي انتهــت‬ ‫إليــه الحركــة االخوانيــة يف بالدنــا‪،‬‬ ‫هــو ذات املــآل الــذي دارت يف مــداره‬ ‫كل مــن الحركــة القوميــة والحركــة‬ ‫اليســارية‪ ،‬فعندمــا يجــف النهــر مــن‬ ‫منبعــه األول‪ ،‬تجــف الفــروع والروافــد‬ ‫الصغــرة بالــرورة الحتميــة‪ ،‬وهــذه‬ ‫هــي الســرورة التاريخيــة‪ ،‬التــي عــرت‬ ‫بهــا ســائر الحــركات السياســية الكــرى‬ ‫عــى مــدار العــر الحديــث‪ ،‬ال ســيام‬ ‫مــع بدايــات زمــن ثــورة االتصــاالت‬ ‫الرقميــة‪ ،‬وانفجــار ثــورة املعرفــة‪ ،‬التــي‬ ‫تبدلــت فيهــا املفاهيــم والقيــم‪ ،‬ووســائل‬ ‫االجتــاع والتفاعــل‪ ،‬حيــث قدمــت‬ ‫تقنيــات العــامل االفـرايض طرائــق أســهل‪،‬‬ ‫وأدوات أيــر‪ ،‬مــا درجــت عــى تقدميــه‬ ‫األطــر الحزبيــة‪ ،‬ووفــرت مشــركات أجدى‬ ‫مــا تربينــا عليــه يف املــايض القريــب مــن‬ ‫تقاليــد تنظيميــة‪ ،‬والتزامــات حزبيــة‪،‬‬ ‫وذلــك وفــق مــا روتــه ببالغــة تجربــة‬ ‫الحشــد والتنظيــم والتعبئــة الجامهرييــة‪،‬‬ ‫مــن خــال أدوات التواصــل االجتامعــي‪،‬‬ ‫يف أوائــل ثــورة الربيــع العــريب‪ ،‬يف تونــس‬ ‫ومــر وغريهــا مــن البلــدان العربيــة‪.‬‬ ‫‪h.faraneh@yah--.c-m‬‬

‫الوسطية‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫ابراهيم العجلوني‬

‫‪L‬‬

‫فقه المستقبل‬

‫مقاربة أولى‬

‫شعــ ٍة عــى املــايض‬ ‫•نحــن يف لحظــ ٍة ُم ْ َ‬ ‫وعــى املســتقبل يف آن‪ .‬إذا أخذنــا هــذه‬ ‫اللحظــة بقــ ّوة‪ ،‬وامتلكناهــا متمكّنــن؛‬ ‫حفظنــا ماضينــا وزَخمــه وتدفّقــه مــن‬ ‫أعــايل التاريــخ إىل يومنــا هــذا وإنْ نحــن‬ ‫ف ّرطنــا فيهــا صــار صعبـاً علينــا التقــدّ ُم إىل‬ ‫وس ـ ُه َل عــى غرينــا أن‬ ‫مســتقبل محمــود‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات مسـخّرة لتحقيق مســتقبله‬ ‫يجعلنا‬ ‫هــو‪ ،‬وعــى النحــو الــذي يريــدُ ‪ ،‬ســوا ًء‬ ‫أكان ذلــك عوملــة مكتســحة أو رأســالية‬ ‫متجــدّ دة‪ ،‬أو ليربال ّيــة متوحشــة‪..‬‬ ‫•وامتــاك اللحظــة القامئــة بقـ ّوة يتطلــب‬ ‫منهجــاً يف فهــم املــايض واإلفــادة مــن‬ ‫معطياتــه‪ ،‬كــا يتطلــب منهجــاً مــن‬ ‫مبــارشة املســتقبل ومبــادرة آنائــه بفعــلٍ‬ ‫ليــس يف وار ٍد‬ ‫حضــاري مســتنري؛ ومــن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وال صــاد ٍر مــن هــذه وتلــك فهــو مبفــاز ٍة‬ ‫مــن أســباب الق ـ ّوة والحيــاة‪ ،‬وإن كَـ ُـرت‬ ‫منــه الدعــاوى والتنف ُّجــات‪ ،‬ورطــن عــى‬ ‫نحــو مــا يحلــو لــه بالحداثــة ومــا بعدهــا‬ ‫أو بالتفكيــك ومــا بعــد التفكيــك‪ ،‬وهــو‬ ‫ال يعــدو أن يكــون ُعرجونــا قدميــاً أو‬ ‫ـى عــى مفــارق دروب‬ ‫جذعـاً خاويـاً ُملقـ ً‬ ‫الحضــارات‪ ،‬ال هــو يف ال ِعــر وال يف ال ّنفري‪..‬‬ ‫القبــض الر ِاشــدَ املســتبرص عــى‬ ‫َ‬ ‫•إن‬ ‫«اللحظــة» ال يحتمــل تلكّــؤاً‪ ،‬وال إرجــا ًء‪،‬‬ ‫وال تــر ّدداً‪ ،‬وال ضباب ّيــ ًة‪،‬وال التباســاً مــن‬ ‫أيّــة درجــة‪ ،‬إ ْذ هــو رضورة حيويــة إمــا‬ ‫أن تبارشهــا األمــم أو أن تكــون يف أســوأ‬ ‫أخبــار «كان» وأخواتهــا‪ .‬وكــا هــو املايض‬ ‫ـي مرجـ ٌـع لــدى متلُّــك اللحظــة‪ ،‬فــإن‬ ‫الحـ ّ‬ ‫املســتقبل أيض ـاً مرجـ ٌـع يف حيث ّيــات هــذا‬ ‫االمتــاك بــل إنّ املــايض واملســتقبل‬ ‫مرجع ّيتــان متالزمتــان ورشطــان الزمــان‬ ‫للحضــور الفاعــل يف هــذه اللحظــة التــي‬ ‫اآلنــات وتحتشــد القــوى‬ ‫ُ‬ ‫تلتقــي فيهــا‬ ‫واإلمكانــات‪.‬‬

‫•قــد يقــول قائـ ٌـل‪ « :‬إن هــذا كال ٌم محلّــق‬ ‫يف آفــاق التنظــر‪ ،‬وهــو أحـ َو ُج مــا يكــون‬ ‫امللموس‪ ،‬أو إىل‬ ‫ِ‬ ‫إىل أن يتنـ ّز َل عــى الواقــع‬ ‫أن نتمثّلــهُ يف وقائــع ميكــن التح ّقــق منها»‬ ‫ونحــن ال منــاري يف ذلــك‪ ،‬ون ـراه اعرتاض ـاً‬ ‫مقبــوالً؛ ولك ّننــا نُ َع ـ ّو ُل يف الوقــت ِ‬ ‫نفس ـ ِه‬ ‫ــس‬ ‫عــى أن الــكالم أ ّو ُل العمــل‪،‬‬ ‫واملؤس ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـب أو الناقــدُ لــه‬ ‫لــه‪ ،‬كــا أنّــه هــو املع ّقـ ُ‬ ‫ـر بــه‪ .‬واملســألة املطروحــة هنــا‬ ‫أو امل ُ ْع َتـ ِ ُ‬ ‫حيــوي للزمــن ال‬ ‫محمولــ ٌة عــى تصــ ّور‬ ‫ّ‬ ‫عــى تصــور ثابــت يــرى إىل مرا ِحلِــه كــا‬ ‫ينظـ ُر إىل أخشــاب سـكّة الحديــد‪ ،‬قطعـ ًة‬ ‫يف إثِــر قطعــة‪ ،‬بحيــث يتوافــر امتــداد‬ ‫ــت وال تتوافــر حيــاة متو ّهجــة‬ ‫ُم ْص َم ٌ‬ ‫متــي آمــاداً بعــد آمــاد‪.‬‬ ‫•إن مــا تقــدّ م ُيفــي بنــا إىل مــا قــد‬ ‫ِ‬ ‫املــآالت‬ ‫نســم ّي ِه فقــه املســتقبل أوفقــه‬ ‫قريبهــا وبعيدهــا‪ .‬وهــو عندنــا‪ ،‬نحــن‬ ‫املســلمني‪ ،‬ينبغــي أن يكــون مختلفـاً عــن‬ ‫« علــم املســتقبل» الغــريب الــذي كتبــت‬ ‫فيــه أبحــاث كثــرة‪ ،‬إذ هــو عندهــم‬ ‫َد ْرك مجهــول فيــا يســمونه ال ـراع َمـ َـع‬ ‫الطبيعــة؛ عــى حــن نتو ّقــع مــن فقــه‬ ‫املســتقبل أن يتعلــق بكيف ّيــة اســتبقاء‬ ‫والسـ ِ‬ ‫الـ ِ‬ ‫ـات فيــه‪ ،‬أو كيفيــة حضورنا‬ ‫ـذات ّ‬ ‫وسـ ٌ‬ ‫ـط شــاهدة عــى األمــم‬ ‫مبــا نحــن أُ ّمــة َ‬ ‫ولعــل هــذا الحديــث أن يكــون‬ ‫ّ‬ ‫فيــه‪،‬‬ ‫ُّــق بنظريــة تولُّــ ِد األفعــال‬ ‫لــه لــونُ تَ َعل ٍ‬ ‫التــي عرفهــا الكالميــون املســلمون‪،‬‬ ‫وباملســؤولية التــي ينبغــي أن نستشــعرها‬ ‫نحــن املســلم َني إزاء أبنائنــا وأحفا ِدنــا‬ ‫وإزاء العــامل كلّــه؛ مبــا نحــن أ ّم ـ ُة رســال ٍة‬ ‫أرادهــا اللــه ســبحانَه رحمــة للعاملــن‪.‬‬ ‫ينتقــل مــن‬ ‫ُ‬ ‫•وإذا كان علــم املســتقبل‬ ‫املعلــوم يف ســاعتنا هــذه إىل مــا قــد يكون‬ ‫معلومــاً يف الســاعة التــي تليهــا أو بعــد‬ ‫حــن‪ ،‬اعتــاداً عــى مــؤرش ٍ‬ ‫ات منظــورة‬


‫تتفــاوت درجاتهــا يف الدّاللــة واحتــاالت‬ ‫ُم َت َصــ ّور ٍة تتفــاوت درجاتهــا يف اليقــن؛‬ ‫فــإن « فقــه املســتقبل» يَبتغــي إنــزال‬ ‫القــول املحكــم أو( أحــكام اإلســام) عــى‬ ‫الوقائــع املســتجدّ ة ويســدّ د األنظــار يف‬ ‫فهمهــا عــى نحــو يبقــى لأل ّم ـ ِة َفرا َدتهــا‬ ‫ويؤســس لــدو ٍر‬ ‫ومالمحهــا املتم ّيــزة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الس ـل ِْم‪،‬‬ ‫منشــو ٍد لهــا يف دخــول العــامل يف َّ‬ ‫السـل ُْم بني املســلمني أنفســهم‪.‬‬ ‫وأ ّو ُل ذلــك َّ‬ ‫وقــد نذهــب يف ضــو ٍء مــن ذلــك إىل‬ ‫اعتبــار « املســتقبل» مصــدراً جديــداً مــن‬ ‫مصــادر الترشيــع‪ ،‬وإىل أن نفــ ِر َده بفقــه‬ ‫خــاص بــه عــى هــذا األســاس‪.‬‬ ‫ــل املســلمون يختلفــون عــى‬ ‫•لقــد ظَ ّ‬ ‫املــايض‪َ ،‬ف ْهــاً وتأويــاً‪ ،‬قرونــاً متتاليــة‪،‬‬ ‫وبلــغ بهــم االختــاف درجــة مؤســفة‬ ‫مــن التناحــر والتنــايف‪ ،‬وانتهــوا إىل الفشــل‬ ‫والتمـ ّزق‪ ،‬وإىل أن تتداعــى عليهــم األُمــم‪،‬‬ ‫وتحتــل أوطانهــم‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫تنهــب ثرواتهــم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتحتبــس إراداتهــم وقــد آن لهــم أن‬ ‫يتفقــوا‪ ،‬بعــد التجــارب املوجعــة واملــآيس‬ ‫املفجعــة؛ عــى مســتقبل يؤسســون من ـ ُذ‬ ‫اليــوم لــه ويكــون هــو رائدهــم إىل‬ ‫وحــدة الصــف وق ـ ّوة البنيــان‪ ،‬والكرامــة‬ ‫بعــد الهــوان‪..‬‬ ‫نتوهــم» عــى‬ ‫•وإذا ُرحنــا نتخ ّيــل أو»‬ ‫ّ‬ ‫حــدّ قــول الحــارث املحاســبي يف كتــاب‬ ‫« التو ّهــم» مجتمعــاً غ ْربيــاً ( أوروبيــاً‬ ‫أو أمريكيــاً) أواخــر القــرن القــادم بعــد‬ ‫ـم ُرحنــا ننظُـ ُر يف مــا ميكـ ُن‬ ‫قرننــا هــذا‪ ،‬ثـ ّ‬ ‫خطــاب يفيــدُ ه يف‬ ‫أن نو ّجهــه إليــه مــن‬ ‫ٍ‬ ‫قضايــا مثــل الســلم املجتمعــي وكرامــة‬ ‫اإلنســان‪ ،‬وتوازنــه الروحــي وطأمنينتــه‬ ‫النفســ ّية‪ ..‬أترانــا واجديــن خــراً لهــذا‬ ‫خطاب نســتمده‬ ‫املجتمــع املســتقبيل مــن‬ ‫ٍ‬ ‫مــن القــرآن الكريــم وحــي اللــه املنـ ّزل يف‬ ‫كتابــه املحفــوظ؟‬

‫•أن توا ُفـ َـق املســلمني وكث ـرٍ مــن عقــاء‬ ‫العــامل وأهــل الخــر فيــه عــى إجابــة‬ ‫واحــدة لهــذا الســؤال يفــرض مبجتهــدي‬ ‫اإلســام وبالنابهــة مــن مفكريــه إقامــة‬ ‫« فقــه املســتقبل» املنشــو ِد عــى أصــول‬ ‫منهج ّيــة مــن تراثهــم العريــق الــذي‬ ‫تض ـ ّوأ بكتــاب اللــه‪ ،‬وعــى شــمولِ نظــر‬ ‫يف أحــوال العــامل املعــارص‪ .‬وهــي مه ّم ـ ٌة‬ ‫الــرو ُع فيهــا واجــب‪ ،‬واملأمــول منهــا‬ ‫تنافــس فيــا يحيــي‬ ‫كثــر؛ فــإن يكــن‬ ‫ٌ‬ ‫هــذه األ ّمـ َة ويضعهــا عــى طريــق العـ ّزة‬ ‫التــي تليــق بهــا‪ ،‬فــإنّ هــذا هــو مضــارهُ‪،‬‬ ‫هــدف يلتقــي عليــه أبناؤهــا‬ ‫وإن يكــن‬ ‫ٌ‬ ‫فــإنّ هــذا هــو الهــدف الــذي يرقــى‬ ‫التوافــق عليــه إىل مســتوى الــرورة‬ ‫الحيو ّيــة‪ ،‬أو إىل مــا نعتــره‪ ،‬عــى نحــو‬ ‫أو آخــر‪ ،‬مقصــداً رشع ّي ـاً واجــب االعتبــار‬ ‫والتحقّــق‪.‬‬ ‫•ثــم إننــا ال نعــدم رؤوســاً ثقيلــة‪ ،‬يف‬ ‫ّ‬ ‫الغــرب ويف الــرق عــى حــدّ َســواء‪ ،‬ال‬ ‫ـب النظــر يف تقاريــر مرفوعـ ٍة‬ ‫تنفــككُّ تُ َقلّـ ُ‬ ‫مــن جهــات األرض‪ ،‬عن واقع املســلمني يف‬ ‫شــتى أقطارهــم‪ ،‬وال تنفــكُّ تُ ِعــدُّ الخطــط‬ ‫القريبــة والبعيــدة التــي توطّــى ُء األكناف‬ ‫لهيمنــة اســتعامرية دامئــة متجــددة ( أو‬ ‫متأ َّبــدة فيــا ميكــرون)‪ ،‬تحــت مختلــف‬ ‫يقــع مــا‬ ‫الشــعارات والدّ عــاوى‪.‬‬ ‫وليــس ُ‬ ‫َ‬ ‫نقــول هنــا يف بــاب االفرتاضــات قــدر‬ ‫وقوعــه يف بــاب املتحقــق املشــهود مــن‬ ‫الجرائــم فــإذا كان األمــر كذلــك‪ ،‬وهــو‬ ‫كائــن فــإن عــى املســلمني أن يواجهــوا‬ ‫هــذا الكيــد الكبــار‪ ،‬الــذي يســتهدفهم‬ ‫والعــامل أجمــع؛ بفعــلٍ مضــا ٍد‪ ،‬فيه مــا فيه‬ ‫مــن احتشــادهم وال ّتنــاد‪ ،‬وأن يســتبينوا‬ ‫ُرشــدهم قبــل ضحــى الغــد الــذي يرســمه‬ ‫املرتبصــون بهــم‪ ،‬وأن تكــون لهــم ِفراس ـ ُة‬ ‫املؤمنــن فيخرجــوا ُجملــ ًة مــن غفلتهــم‬

‫واســتنامتهم وســذاجة مــا هــم فيــه‪،‬‬ ‫ويرشعــوا يف بنــاء خططهــم الخاصــة (‬ ‫ذات النفــع العميــم لإلنســانية كلهــا)‬ ‫للزمــن القــادم‪ ،‬عــى أســاس متــن مــن‬ ‫قواعــد النظــر ومناهجــه يف اإلســام‪ ،‬ويف‬ ‫ضــوء فهمهــم لطبيعــة القــوى العامل ّيــة‬ ‫التــي يواجهــون وألســاليبها يف الكيــد‬ ‫واالئتــار ومكــر الليــل والنهــار‪.‬‬ ‫•نســتذكر هنــا مــا قالــه اإلمــام زيــد بــن‬ ‫عــي (زيــن العابديــن) بــن الحســن بــن‬ ‫اإلمــام عــي كـ ّرم اللــه وجهــه حــن قــال‪:‬‬ ‫ـوددت أن يــدي ملصقــة بالرث ّيــا‬ ‫« واللــه لـ ُ‬ ‫ــع‬ ‫فأقــع بهــا إىل األرض أو حيــث أ َق ُ‬ ‫ُ‬ ‫فأتقطّــع قطعــة قطعــة‪ ،‬وأن اللــه يجمــع‬ ‫بــن أُ ّم ـ ُة محمــد‪.‬‬ ‫•إن الجمــع بــن» أ ّمــة محمــد « هــو‬ ‫مســؤوليتنا جميعــاً‪ ،‬ونحــن نــراه قريبــاً‬ ‫عــى الرغــم مــن واقــع العرب واملســلمني؛‬ ‫ذلــك أن ســطوح األشــياء ال تبنــى ُء‬ ‫بأعامقهــا‪ ،‬وأنْ مــن شــأن ينابيــع الحيــاة‬ ‫أن تتفج ـ ّر يف األمــم الكرميــة مــن حيــث‬ ‫ال يتو ّقــع املتو ّقعــون‪..‬‬ ‫•إننــا أصحــاب رســالة خالــدة يف الوجــود‪،‬‬ ‫ـي كريــم جــا َء رحمـ ًة للعاملــن‪.‬‬ ‫وأتبــاع نَبـ ِّ‬ ‫والوحــي الــذي تنــ ّزل بــن ظهرانينــا‬ ‫ســحابة ر ْو ٍح وري ْحــان‪ ،‬ومظلّــة ريض‬ ‫واطمئنــان؛ ال يختــص بوقــت دون وقــت‪،‬‬ ‫وال بزمــان دون زمــان أو مبــاض دون‬ ‫حــارض‪ ،‬أو بحــارض دون مســتقبل وهــو‬ ‫رشفنــا اللــه بــه وح ّملنــا أمانــة‬ ‫ِذكــ ٌر ّ‬ ‫الدعــوة إليــه يف العاملــن‪.‬‬ ‫•فــإن يكــن اتفـ ٌ‬ ‫ـر أوانــه‬ ‫ـب‪َ ،‬حـ َ‬ ‫ـاق واجـ ٌ‬ ‫وتكاملــت أســبابه‪ ،‬فهــو عــى هــذه‬ ‫املرجع ّيــة املســتقبل ّية القرآنيــة يف آن‪ ،‬التي‬ ‫ننطلــق منهــا ونســترشف لنــا‪ ،‬وللبرشيّــة‬ ‫كلّهــا‪ ،‬آفا َقهــا ال ِحســان‪.‬‬

‫الوسطية‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫‪L‬‬

‫قراءة في سورة الفاتحة وفق المنهج الوسطي‬ ‫‪L‬‬

‫ا‪.‬د‪.‬عبد الرحمن حمدي العبيدي‬ ‫العراق‬

‫جامعة االنبار – كلية العلوم اإلسالمية‬

‫‪L‬‬

‫لماذا كان الصراط واحدا‬ ‫والسبل كثيرة في اإلسالم؟‬

‫‪.1‬مــا خلقنــا اللــه تعــاىل للقتــل والعذاب‬ ‫بــل للرحمة واإلحســان‪:‬‬ ‫فمــن العجيــب أن تكــون البســملة آيــة‬ ‫مــن آيــات ســورة الفاتحــة وال تكــون‬ ‫إال فاصلــة بــن الســور األخــرى أو آيــة‬ ‫قامئــة بذاتهــا مــن باقــي الســور عــى‬ ‫الــرأي األرجــح‪ .‬والواجــب عــى املصــي‬ ‫أن يقــرأ الفاتحــة مبــا فيهــا البســملة يف‬ ‫كل ركعــة مــن صالتــه وال يجــب عليــه‬ ‫قــراءة الســور القرآنيــة األخــرى‬ ‫يقول اإلمام الرازي رحمه الله تعاىل‪:‬‬ ‫ملــا كانــت ســورة التوبــة مشــتملة عــى‬ ‫األمــر بالقتــال مل يكتــب يف أولهــا بســم‬ ‫اللــه الرحمــن الرحيــم وأيضــا الســنة أن‬ ‫يقــال عنــد الذبــح باســم اللــه واللــه أكرب‬ ‫وال يقــال بســم اللــه الرحمــن الرحيــم‬ ‫ألن وقــت القتــال والقتــل ال يليــق بــه‬ ‫ذكــر الرحمــن الرحيــم فلــا وفقــك اللــه‬ ‫تعــاىل لذكــر هــذه الكلمــة يف كل يــوم‬ ‫ســبع عــرة مــرة يف الصلــوات املفروضة‬ ‫(يقصــد تقــرأ البســملة مــع الفاتحــة‬

‫ألنهــا آيــة منهــا ) دل ذلــك عــى أنــه مــا‬ ‫خلقــك للقتــل والعــذاب وإمنــا خلقــك‬ ‫للرحمــة والفضــل واإلحســان واللــه‬ ‫تعــاىل الهــادي إىل الصــواب‪ .‬والعجيــب‬ ‫انــه كــرر ذكــر اســميه الرحمــن والرحيــم‬ ‫كــا يف البســملة يف ســورة الفاتحــة‬ ‫‪.2‬لقائل أن يقول‪:‬‬ ‫قولــه ســبحانه‪( :‬الحمــد للــه رب العاملني‬ ‫الرحمــن الرحيــم مالــك يــوم الديــن)‬ ‫كلــه مذكــور عــى لفــظ الغائــب‪.‬‬ ‫وقولــه ســبحانه (إيــاك نعبــد وإيــاك‬ ‫نســتعني) انتقــال مــن لفــظ الغائــب إىل‬ ‫لفــظ املخاطــب‪،‬‬ ‫فام الفائدة فيه؟‬ ‫والجــواب‪ :‬إن املصــي كان أجنبي ـاً عنــد‬ ‫الــروع يف الصــاة‪ ،‬فــا جــرم أثنــى‬ ‫عــى اللــه بألفــاظ املغايبــة إىل قولــه‬ ‫مالــك يــوم الديــن‪ ،‬ثــم إنــه تعــاىل كأنــه‬ ‫يقــول لــه حمدتنــي وأقــررت بكــوين‬ ‫إلهــاً ربــاً رحامنــاً رحيــاً مالــكاً ليــوم‬ ‫الديــن‪ ،‬فنعــم العبــد أنــت قــد رفعنــا‬


‫الحجــاب وأبدلنــا البعــد بالقــرب فتكلــم‬ ‫باملخاطبــة وقــل إيــاك نعبــد وهــو لفــظ‬ ‫جمــع يــدل عــى أن جميــع املســلمني‬ ‫معبودهــم واحــد‪.‬‬ ‫‪.3‬ملــاذا قــال ســبحانه (إيــاك نعبــد‬ ‫وإيــاك نســتعني ) فقــدم املفعــول عــى‬ ‫الفعــل ومل يقــل نعبــدك ونســتعني إياك‪:‬‬ ‫قــال ابــن عطيــة رحمــه اللــه تعــاىل‪:‬‬ ‫قــدم املفعــول عــى الفعــل اهتاممــا‬ ‫وشــأن العــرب تقديــم األهــم‪.‬‬ ‫وأضــاف القرطبــي ‪ -‬رحمــه اللــه تعــاىل‬ ‫ وجه ـاً آخــر فقــال وأيض ـاً لئــا يتقــدم‬‫ذكــر العبــد والعبــادة عــى املعبــود‪ ،‬فــا‬ ‫يجــوز نعبــدك ونســتعينك‪ ،‬وال نعبــد‬ ‫إيــاك ونســتعني إيــاك‪)،‬‬ ‫ألنــه ســيكون إعــراب الجملــة‪ :‬نعبــد‬ ‫فعــل مضــارع والفاعــل نحــن يعنــي‬ ‫النــاس وإيــاك ضمــر مفعــول بــه يعنــي‬ ‫اللــه تعــاىل فيتقــدم اســم النــاس وهــم‬ ‫العبيــد عــى اســم اللــه تعــاىل وهــو‬ ‫املعبــود جــل جاللــه‪ .‬فإيــاك نعبــد تقــدم‬ ‫فيهــا اســم اللــه تعــاىل عــى عبيــده‬ ‫احرتامــا الســمه‪.‬‬ ‫وكذلــك يف قولــه إيــاك نعبــد تخصيــص‬ ‫للعبــادة بــه فــا نعبــد معــه غــره ولــو‬ ‫قلنــا نعبــد إيــاك كان ميكــن أن يقــال‬ ‫نعبــدك ونعبــد معــك غــرك فــدل‬ ‫تقديــم إيــاك عــى تخصيصــه بالعبــادة‬ ‫واالســتعانة ســبحانه‪ .‬وبذلــك يكــون كل‬ ‫أهــل القبلــة مقريــن بعبوديتهــم للــه‬ ‫ســبحانه وبأنــه الوحيــد الــذي يســتعان‬ ‫بــه وهــذا توحيــد لــكل املســلمني يف‬ ‫األصــول وان اختلفــوا يف لفــروع وإذا‬ ‫اتحــدت األصــول صــاروا أهــل ديــن‬ ‫واحــد ولذلــك قــال ســبحانه عــن كل‬ ‫الديانــات الحقــة األخــرى التــي أرســل‬

‫بهــا املرســلون (إن الديــن عنــد اللــه‬ ‫اإلســام) فســاهم وســانا مســلمني‬ ‫فاألحــرى أن ال يــزول اســم اإلســام‬ ‫عــن كل مــن يصــي صالتنــا ويقــرأ فيهــا‬ ‫بفاتحــة الكتــاب‪.‬‬ ‫‪.4‬قــال ســبحانه يف ســورة الفاتحــة (إياك‬ ‫نعبــد وإياك نســتعني)‬ ‫فجــاءت بصيغــة الجمــع (نعبــد‪،‬‬ ‫نســتعني) مــع أن املتكلــم بهــا واحــد‬ ‫وهــو العبــد املصــي‬ ‫وال ميكــن أن نقــول إن املتكلــم يقولهــا‬ ‫بصيغــة الجمــع بقصــد التعظيــم ألنــه يف‬ ‫مقــام الذلــة والعبوديــة يف الصــاة لربــه‬ ‫ســبحانه‪.‬‬ ‫وأظــن واللــه تعــاىل اعلــم أن يف ذلــك‬ ‫تلميــح إىل الحــث عــى إقامــة الجامعــة‬ ‫يف الصــاة وان اللــه تعــاىل يريدهــا‬ ‫جامعيــة فإمامهــم يخــر عــن نفســه‬ ‫وعــن إخوانــه املؤمنــن أنهــم يقولــون‬ ‫لربهــم (إيــاك نعبــد وإيــاك نســتعني)‬ ‫بينــا مــن ألفــاظ التحيــات الشــهادتان‬ ‫وهــي وظيفــة املســلمني يف الصــاة‬ ‫وخارجهــا ومــع ذلــك كل واحــد يقــول‬ ‫اشــهد أن ال الــه إال اللــه وال نقول نشــهد‬ ‫الن كل واحــد يقولهــا عــى حــدة بينــا‬ ‫الفاتحــة يقرؤهــا اإلمــام نيابــة عــن‬ ‫املصلــن ولذلــك ال يقرؤهــا املأمومــون‬ ‫عنــد أيب حنيفــة مطلقــا وال يقرؤنهــا يف‬ ‫الركعــات الجهريــة عنــد مالك فــدل لفظ‬ ‫الجمــع أن املـراد بهــا أن تكــون جامعيــة‬ ‫وســيدعو كل مســلم إلخوانــه املســلمني‬ ‫يف نهايتهــا بلفــظ الجمــع قائــا ((اهدنــا‬ ‫الـراط املســتقيم)) فــكل مســلم يدعــو‬ ‫لــكل إخوانــه يف اإلســام مهــا اختلفــت‬ ‫مناهجهــم واللــه تعــاىل اعلــم‬ ‫‪.5‬ملــاذا أمرنــا اللــه ســبحانه أن نقــول‬

‫(إهدنــا الــراط املســتقيم)‬ ‫مــع أن اللــه تعــاىل هدانــا لــه ولذلــك‬ ‫نحــن نصــي لــه ونقولهــا يف صالتنــا‬ ‫بــل يقولهــا حتــى رســول اللــه صــى‬ ‫اللــه عليــه وســلم فيطلــب مــن ربــه‬ ‫الهدايــة وربــه تعــاىل يقــول لــه (قــل‬ ‫إننــي هــداين ريب إىل رصاط مســتقيم )‬ ‫ســورة األنعــام ‪ 161‬فقــد هــداه ربــه‬ ‫إىل الــراط املســتقيم فلــاذا يطلــب‬ ‫الهدايــة مــرة أخــرى منــه ؟‬ ‫للجــواب البــد أن نفهــم مــا معنــى‬ ‫(اهدنــا) فــإن لــه أربعــة معــاين أحدهــا‪:‬‬ ‫ثبتنــا قالــه عــي وأيب ريض اللــه تعــاىل‬ ‫عنهــا والثــاين‪ :‬أرشــدنا‪ ،‬والثالــث‪:‬‬ ‫وفقنــا‪ ،‬والرابــع‪ :‬ألهمنــا‪ ،‬وهــذه الثالثــة‬ ‫عــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا‬ ‫فعــى املعنــى األول ال مانــع أن يطلــب‬ ‫املهتــدي الهدايــة مبعنــى التثبيــت يعنــي‬ ‫نعــم أنــا مهتــدي لكــن يــا رب ثبتنــي‬ ‫عــى هــذا الهــدى‪.‬‬ ‫وال مانــع مــن أن يطلــب املهتــدي‬ ‫الهدايــة باملعنــى الثالــث مبعنــى وفقنــا‬ ‫فمــن مل يوفقــه اللــه تعــاىل ويعينــه‬ ‫عــى إكــال الطريــق رمبــا أخفــق وعجــز‬ ‫الن طريــق الجنــة محفــوف باملــكاره‬ ‫والصعــاب ولذلــك إن مل ييــره اللــه‬ ‫تعــاىل فهــو عســر قــال ســبحانه (فأمــا‬ ‫مــن أعطــى واتقــى وصــدق بالحســنى‬ ‫فســنيرسه لليــرى ) فــان رفــع التوفيــق‬ ‫عــن العبــد خــر وهلــك (وأما مــن بخل‬ ‫واســتغنى وكــذب الحســنى فســنيرسه‬ ‫للعــرى) وقــال (فمــن يــرد اللــه أن‬ ‫يهديــه يــرح صــدره لإلســام ومــن يــرد‬ ‫أن يضلــه يجعــل صــدره ضيقــا حرجــا‬ ‫كأمنــا يصعــد يف الســاء ) وقــال (ويزيــد‬ ‫اللــه الذيــن اهتــدوا هــدى) وقــال (فلــا‬

‫الوسطية‬

‫‪15‬‬


‫‪16‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫زاغــوا أزاغ اللــه قلوبهــم)‬ ‫وال مانــع أن يطلــب املهتــدي الهدايــة‬ ‫باملعنــى الثــاين والرابــع يعنــي قــد‬ ‫تشــتبه األمــور عــى املســلم املؤمــن يف‬ ‫قضايــا رشعيــة غــر واضحــة والشــبهة‬ ‫فيهــا حــارضة فيحتــار أيــن هــو الحــق‬ ‫والصــواب فيهــا فيطلــب اإلرشــاد‬ ‫واإللهــام مــن ربــه ليختــار بــن خيــارات‬ ‫متعــددة قــال ســبحانه (فهــدى اللــه‬ ‫الذيــن آمنــوا ملــا اختلفــوا فيــه مــن‬ ‫الحــق بإذنــه)‬ ‫ورمبــا طلــب الهدايــة مــن املهتــدي لهــا‬ ‫م ـرات متعــددة هــو بحــد ذاتــه عبــادة‬ ‫للــه تعــاىل فالدعــاء هــو العبــادة أو مــخ‬ ‫العبــادة وإذا دعــا املســلم املطلــوب أن‬ ‫يدعــو بخــر وال خــر أفضــل مــن أن‬ ‫تدعــو مــن اللــه تعــاىل أن يهديــك فهــذه‬ ‫عبــادة بحــد ذاتهــا ونظــر هــذه اآليــة‬ ‫وشــبيهها قولــه ســبحانه عــى لســان‬ ‫رســله (قــال رب احكــم بالحــق ) مــع أن‬ ‫اللــه تعــاىل ال يحكــم إال بالحــق فدعــاء‬ ‫الرســول يــا رب احكــم بالحــق عبــادة‬ ‫ألنــه دعــا بخــر وهــو إحقــاق الحــق‪.‬‬ ‫إذن كل املســلمني املهتديــن يطلبــون‬ ‫الهدايــة مــن ربهــم فــا يدعــي مســلم‬ ‫انــه وجامعتــه عــى الهــدى وغريهــم‬ ‫مــن فــرق املســلمني ضــال أو مبتــدع أو‬ ‫مــارق فالــكل بحاجــة إىل الهــدى مــن‬ ‫اللــه تعــاىل‪.‬‬ ‫‪.6‬كل مناهــج املســلمني مقبولــة وان‬ ‫اختلفــت فــا تتعصــب ملنهــج وال تدعــي‬ ‫أن منهجــك وحــده هــو الصــواب ومــا‬ ‫عــداه خطــأ‪:‬‬ ‫الســؤال‪ :‬ملــاذا كان الــراط واحــدا‬ ‫والســبل كثــرة يف اإلســام؟‬ ‫كل أهــل اإلميــان واإلســام يســعون‬

‫ملرضــاة اللــه تعــاىل لكــن كل جامعــة أو‬ ‫فــرد منهــم يســلك ســبيال ومنهجــا رمبــا‬ ‫يختلــف عــن ســبيل ومنهــج اآلخريــن‬ ‫لكــن الــكل هدفهــم الوصــول إىل الرصاط‬ ‫املســتقيم الحــق وهــو ديــن اللــه تعــاىل‬ ‫وعبادتــه التــي يرضاهــا ويقبلهــا‬ ‫ولذلــك مل ينســب ربنــا ســبحانه الـراط‬ ‫إال إليــه فقــال (وان هــذا رصاطــي‬ ‫مســتقيام فاتبعــوه) الن الديــن للــه هــو‬ ‫دينــه ورشعــه الــذي انزلــه إال يف آيــة‬ ‫واحــدة هــي (رصاط الذيــن أنعمــت‬ ‫عليهــم ) فنســبه للذيــن انعــم اللــه‬ ‫عليهــم ومعلــوم انــه لــوال انــه انعــم بــه‬ ‫عليهــم مل يحصلــوه‪.‬‬ ‫لكــن املســلمني تختلــف ســبلهم للوصول‬ ‫إىل تنفيــذ وتطبيــق هــذا الديــن كــا‬ ‫هــو معــروف مــن مذاهبهــم ومدارســهم‬ ‫واتجاهاتهــم الفكريــة املختلفــة ولذلــك‬ ‫نســب اللــه تعــاىل الســبيل وهــو املنهــج‬ ‫لكثرييــن فمــرة نســبه إىل الرســول‬ ‫الكريــم صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‬ ‫(قــل هــذه ســبييل ادعــوا إىل اللــه أنــا‬ ‫ومــن اتبعنــي) ومــرة نســبه للمؤمنــن‬ ‫فقــال (ويتبــع غــر ســبيل املؤمنــن)‬ ‫ومــرة قــال (واتبــع ســبيل من أنــاب إيل)‬ ‫ولذلــك عــد اللــه ســبحانه لنفســه ســبال‬ ‫كثــرة فقــال عــز مــن قائــل (والذيــن‬ ‫جاهــدوا فينــا لنهدينهــم ســبلنا) ولذلــك‬ ‫فالســبيل واملنهــج يختلــف ويتعــدد‬ ‫ويتكاثــر باختــاف املتعبديــن الســالكني‬ ‫ســبيل العبــادة بخــاف الــراط‬ ‫املســتقيم كــا يشــر إليــه قولــه تعــاىل‪:‬‬ ‫« قــد جاءكــم مــن اللــه نــور وكتــاب‬ ‫مبــن يهــدي بــه اللــه مــن اتبــع رضوانــه‬ ‫ســبل الســام ويخرجهــم مــن الظلــات‬ ‫إىل النــور بإذنــه ويهديهــم إىل رصاط‬

‫مســتقيم) فــكل جامعــة ســلكت ســبيال‪:‬‬ ‫فالصــويف ســلك جانــب تزكيــة النفــس‬ ‫والســلفي متســك بالحديــث واإلخــوان‬ ‫اخــذوا الجانــب الرتبــوي واملجاهــد‬ ‫ســلك الطريــق العســكري وهكــذا مــا‬ ‫ال يخفــى عــى بصــر لكــن جميعهــم‬ ‫هداهــم ربهــم إىل رصاط واحد مســتقيم‬ ‫ولذلــك مل يكفــر أهــل الســنة والجامعــة‬ ‫أحــداً مــن أهــل القبلــة حتــى لــو اخطــأ‬ ‫أو أذنــب‬ ‫‪.7‬املقبولــون يف هــذه األمــة صنــف‬ ‫واحــد وان اختلفــت طرقهــم بينــا‬ ‫املــردودون أكــر مــن صنــف وهــذا‬ ‫دليــل عــى وحــدة األمــة مهــا تشــعبت‬ ‫مذاهبهــا‪:‬‬ ‫والدليــل أن اللــه تعــاىل وصــف كل‬ ‫املقبولــن بقولــه (الذيــن أنعمــت‬ ‫عليهــم) بينــا وصــف املردوديــن بأنهــم‬ ‫(املغضــوب عليهــم ) و(الضالــن)‬ ‫فيــا أيهــا املســلمون ال داعــي الختــاف‬ ‫القلــوب وتباغضهــا‬ ‫‪.8‬قــال ســبحانه (رصاط الذيــن أنعمــت‬ ‫عليهــم غــر املغضــوب عليهــم وال‬ ‫الضالــن)‬ ‫دلــت هــذه اآليــة الكرميــة عــى أن‬ ‫املكلفــن ثــاث فــرق‪ :‬أهــل الطاعــة‪،‬‬ ‫وإليهــم اإلشــارة بقولــه‪ :‬أنعمــت عليهــم‬ ‫وأهــل املعصيــة الذيــن عرفــوا الحــق‬ ‫فخالفــوه عمــدا وإليهــم اإلشــارة بقولــه‬ ‫غــر املغضــوب عليهــم‪ ،‬وأهــل الجهــل‬ ‫يف ديــن اللــه وإليهــم اإلشــارة بقولــه وال‬ ‫الضالــن ألنهــم مل يعرفوا الصــواب فضلوا‬ ‫عــن جهــل‪ .‬فــدل عــى أن أف ـراد هــذه‬ ‫األمــة كلهــم يدخلــون ضمــن مســمى‬ ‫أهــل طاعتــه وان اختلفــت اتجاهاتهــم‬ ‫ألنهــم ليســومن املغضــوب عليهــم وال‬


‫مــن الضالــن‬ ‫وهــذه بــرى للمؤمنــن مــن هــذه‬ ‫األمــة‬ ‫قــال اإلمــام البغــوي ‪-‬رحمــه اللــه‪-‬‬ ‫غضــب اللــه ال يلحــق عصــاة املؤمنــن‬ ‫إمنــا يلحــق الكافريــن‪.‬‬ ‫‪.9‬ملــاذا قــال ســبحانه يف ســورة الفاتحــة‬ ‫(رصاط الذيــن أنعمــت عليهــم) ثــم قال‬ ‫(غــر املغضــوب عليهــم) ومل يقــل غــر‬ ‫الذيــن غضبــت عليهــم؟؟؟ مثلــا قــال‬ ‫أنعمــت عليهــم مــع أن اللــه تعــاىل‬ ‫هــو الــذي انعــم عــى األولــن وغضــب‬ ‫عــى اآلخريــن مبعنــى أن الفعــل بنــي‬ ‫للمعلــوم يف أنعمــت وبنــي للمجهــول يف‬ ‫املغضــوب عليهــم‬ ‫والجــواب‪ :‬أن هــذا جــاء عــى الطريقــة‬ ‫املعهــودة يف القــرآن الكريــم‪ ،‬وهــي‬ ‫أن أفعــال اإلحســان والرحمــة والجــود‬ ‫تضــاف إىل اللــه ‪-‬ســبحانه وتعــاىل‪-‬‬ ‫فيذكــر فاعلهــا منســوبة إليــه‬ ‫فــإذا جــيء بأفعــال الجــزاء والعقوبــة‬ ‫والغضــب ومــا شــابه حــذف وبنــي‬ ‫الفعــل معهــا للمفعــول أدبـاً يف الخطاب‬ ‫مــع اللــه تعــاىل فينســب الخــر إليــه‬

‫وال ينســب الــر إليــه كــا يقــال‬ ‫(لبيــك وســعديك والخــر كلــه بيديــك‬ ‫والــر ليــس إليــك) وهــذا شــبيه مبــا‬ ‫يف ســورة الكهــف حــن ذكــر خــرق‬ ‫الســفينة وخرقهــا كلــه رش ألنهــا ســتغرق‬ ‫وتضيــع عــى املســاكني وعــى امللــك‬ ‫قــال الخــر عليــه الســام (فــأردت‬ ‫أن أعيبهــا) الحــظ قــول الخــر عليــه‬ ‫الســام فــأردت‪ .‬وقــال عــن قتــل الغــام‬ ‫الــذي يعتــر قتلــه رشا مــن وجــه ألنــه مل‬ ‫يذنــب بعــد وخـرا مــن وجــه آخــر ألنــه‬ ‫تخليــص لوالديــه مــن رشه يف املســتقبل‬ ‫فقــال (فأردنــا أن يبدلهــا ربهــا خ ـرا‬ ‫منــه زكاة واقــرب رحــا) فقــال أردنــا‬ ‫لينســب الــر لنفســه والخــر لربــه‬ ‫وملــا كان بنــاء الجــدار لليتيمــن كلــه‬ ‫خــر قــال عنــه (فــأراد ربــك أن يبلغــا‬ ‫أشــدهام ويســتخرجا كنزهــا) مــع أن‬ ‫األمــور الثالثــة كلهــا كانــت بــإرادة اللــه‬ ‫تعــاىل وأمــره‬ ‫ونظــره قــول إبراهيــم الخليــل صلــوات‬ ‫اللــه وســامه عليه‪»:‬الــذي خلقنــي فهــو‬ ‫يهديــن والــذي هــو يطعمنــي ويســقني‬ ‫وإذا مرضــت فهــو يشــفني)‬

‫فنســب الخلــق والهدايــة واإلحســان‬ ‫بالطعــام والســقي إىل اللــه تعــاىل وملــا‬ ‫جــاء ذكــر املــرض قــال‪ :‬وإذا مرضــت‪ ،‬ومل‬ ‫يقــل‪ :‬أمرضنــي‪ ،‬وقــال فهــو يشــفني‪.‬‬ ‫ويف قولــه تعــاىل (أنعمــت عليهــم)‬ ‫وقولــه ســبحانه (املغضــوب عليهــم)‬ ‫لطيفــة عجيبــة أخــرى‬ ‫فقــد رصح بفاعــل أنعمــت يعنــي (اللــه‬ ‫ســبحانه) ومل يــرح بفاعــل الغضــب‪:‬‬ ‫والســبب أن الذيــن انعــم عليهــم هــو‬ ‫اللــه ســبحانه وحــده فهــو املتفضــل‬ ‫املحســن املنعــم وحــده عليهــم بهــذه‬ ‫النعمــة‪ .‬أمــا املغضــوب عليهــم فهــم‬ ‫اليهــود وال شــك أن اللــه تعــاىل غضــب‬ ‫عليهــم لكنــه مل يقــل غضبــت عليهــم‬ ‫وإمنــا جعــل الفاعــل مجهــوالً ألنــه أمــر‬ ‫عبــاده مبعــاداة مــن عاداهــم اللــه‬ ‫ســبحانه فالبغــض يف اللــه أمــر واجــب‬ ‫عــى املؤمــن فيعــادي مــن عــاداه اللــه‬ ‫ويغضــب عــى مــن غضــب عليــه اللــه‬ ‫ســبحانه واليهــود قــد غضــب اللــه‬ ‫عليهــم فحقيــق باملؤمنــن الغضــب‬ ‫عليهــم فحــذف فاعــل الغضــب‪ ،‬وقــال‪:‬‬ ‫«املغضــوب عليهم»‪،‬حتــى يكــون‬ ‫للمؤمنــن نصيــب مــن الغضــب عليهــم‬ ‫بخــاف اإلنعــام فإنــه للــه وحــده وبهــذا‬ ‫يتحقــق الحديــث (املؤمنــون تتكافــأ‬ ‫دماؤهــم‪ ...‬وهــم يــد عــى من ســواهم)‬ ‫فتأمــل هــذه اللطيفــة البديعــة يف‬ ‫توحيــد املســلمني ملعــاداة أهــل الباطــل‬ ‫وليــس ملناصبــة العــداء لبعضهــم فهــم‬ ‫يــد عــى مــن وليــس عــى بعضهــم ‪.‬‬ ‫واللــه تعــاىل املوفــق وهــو الهــادي إىل‬ ‫ســواء الــراط وصــى اللــه وســلم‬ ‫عــى نبينــا محمــد وعــى آلــه وصحبــه‬ ‫أجمعــن‪.‬‬

‫الوسطية‬

‫‪17‬‬


‫‪18‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫دور األسرة في بناء ثقافة اإليجابية والمبادرة واإلعمار‬ ‫متهيد‪:‬‬ ‫وهنــاك الســلويك التطبيقــي وهنــاك‬ ‫الجانــب املعــريف وغريهــا‪.‬‬ ‫ولقــد اخــرت منهــا مفهومــن وجدتهــا‬ ‫األقــرب ملوضــوع الورقــة‪ ,‬األول عــام‬ ‫وهــو‪« :‬الـراث الفكــري والحضــاري الــذي‬ ‫يتلقــاه الفــرد مــن ميــاده حتــى‬

‫د‪.‬نوال أسعد شرار‬

‫األردن‬

‫‪L‬‬

‫عندمــا قــرأت عنــوان الورقــة التــي‬ ‫كلفــت بهــا اســتوقفتني جملــة « ثقافــة‬ ‫اإليجابيــة واملبــادرة « فالثقافــة مصطلــح‬ ‫جــديل ال يوجــد مفهــوم محــدد لــه حتــى‬ ‫اآلن فلقــد اختلــف أهــل العلــم يف ذلــك‪،‬‬ ‫وهنــاك مئــات املفاهيــم التــي تختلــف‬ ‫باختــاف املــدارس الفكريــة التــي يركــز‬ ‫بعضهــا عــى جانــب معــن دون الجوانــب وفاتــه مــن مثـرات الفكــر والعلــم والفــن‬ ‫األخــرى‪ ,‬فهنــاك التعريــف الرتبــوي والقانــون واألخــاق» والثــاين خــاص وهو‪:‬‬


‫«طريقــة الحيــاة التــي يعيشــها املســلمون‬ ‫يف جميــع مجــاالت الحيــاة وفق ـاً لوجهــة‬ ‫نظــر اإلســام وتصوراتــه ســواء يف املجــال‬ ‫املــادي (املدينــة) أو املجــال الروحــي‬ ‫(الحضــارة)‪ ,‬وانطالق ـاً مــن هــذا املفهــوم‬ ‫فــإن األرسة التــي تســعى لغــرس قيــم‬ ‫اإليجابيــة واملبــادرة بأوالدهــا مــا عليهــا‬ ‫إال أن تربيهــم عــى الثقافــة اإلســامية‬ ‫وعــى مبــادئ الديــن الحنيــف تربيــة‬ ‫أساســها العقيــدة الســليمة‪».‬‬ ‫فالثقافــة اإلســامية متتــاز عــى غريهــا‬ ‫مــن الثقافــات بأنهــا ذات أثــر ف ّعــال‬ ‫وإيجــايب يف حيــاة الفــرد‪ ,‬فقــد عمــل‬ ‫اإلســام عــى إيجــاد الشــخصية الفاعلــة‬ ‫املتميــزة وحررهــا مــن الســلبية يف الفكــر‬ ‫والســلوك والجــوارح ودعــا إىل العمــل‬ ‫الصالــح واملامرســة مبــا يتناســب مــع‬ ‫القــدرات والطاقــات‪ ,‬قــال تعــاىل‪َ « :‬و ُقــلِ‬ ‫ُــم َو َر ُســولُهُ‬ ‫ــرى اللَّــهُ َع َملَك ْ‬ ‫ا ْع َملُــوا ف َ​َس َ َ‬ ‫َوالْ ُم ْؤ ِم ُنــونَ » التوبــة‪ ,105/‬فاإلســام‬ ‫يبنــي يف املســلم الــروح اإليجابيــة التــي‬ ‫تؤهلــه للعطــاء‪ ,‬والقــدرة عــى اإلنتــاج‬ ‫واإلبــداع واإلعــار‪.‬‬ ‫وملعرفــة دور األرسة يف بنــاء هــذه الثقافة‬ ‫ال بــد لنــا مــن املــرور عــى املحــاور‬ ‫التاليــة‪:‬‬ ‫‪ .1‬الزواج واألرسة‪.‬‬ ‫‪ .2‬وظائف األرسة‪.‬‬ ‫‪ .3‬اإليجابية واملبادرة‪.‬‬ ‫‪ .4‬دور األرسة يف بناء ثقافة اإليجابية‬ ‫واملبادرة‪.‬‬ ‫‪ .5‬مخاطر تواجه الرتبية اإليجابية‪.‬‬ ‫‪ .6‬وسائل عملية تؤدي إىل إليجابية‬ ‫واملبادرة‪.‬‬ ‫‪ .7‬الخامتة‪.‬‬

‫املحور األول‪ :‬الزواج واألرسة‬ ‫خلــق اللــه تعــاىل اإلنســان مدنيـاً بطبعــه‬ ‫فــا ميكــن لــه أن يعيــش منفــرداً فــا بــد‬ ‫لــه مــن جامعــة يعيــش يف ظاللهــا وهــي‬ ‫األرسة‪ ،‬فهــي البيئــة املناســبة الالزمــة‬ ‫لــكل فــرد‪ ،‬فقــد كانــت بدايــة املجتمــع‬ ‫اإلنســاين أرسة –ســيدنا آدم وأ ّمنــا حــواء‪.‬‬ ‫فــاألرسة نــواة املجتمــع والركيــزة األوىل‬ ‫مــن مكوناتــه‪ ،‬عليهــا يقــوم املجتمــع إذا‬ ‫صلحــت صلــح وإذا فســدت فســد وانهار‪،‬‬ ‫ولــذا اهتــم اإلســام ببنائهــا عــى دعائــم‬ ‫تكفــل اســتمرارها ودوامهــا ملــا لهــا مــن‬ ‫دور ف ّعــال يف إعــداد وبنــاء األجيــال التــي‬ ‫تبنــي املجتمــع والوطــن واألمــة‪ .‬فكانــت‬ ‫أوىل أولويــات اإلســام أنــه نظــم األرسة‬ ‫وأقامهــا عــى ميثــاق غليــظ وطهرهــا‬ ‫مــن التقاليــد والعــادات الجاهليــة التــي‬ ‫تلغــي دورهــا اإليجــايب‪ ،‬كــا أبطــل وحـ ّرم‬ ‫العديــد مــن أنــواع وأشــكال األرس التــي‬ ‫عرفــت آنــذاك‪ ،‬ومــن ثــم أقــام األرسة‬ ‫املســلمة املثاليــة عــى أســس متينــة‬ ‫أهمهــا الديــن‪ ،‬والخُلــق الحســن واملــودة‬ ‫والرحمــة ورعايــة األبنــاء وتربيتهــم‪ ،‬كــا‬ ‫قيدهــا مبجموعــة مــن املبــادئ والقوانــن‬ ‫التــي تعمــل عــى إحــكام الروابــط‬ ‫والعالقــات داخلهــا وتحفظهــا مــن‬ ‫الضعــف والتفــكك واالنهيــار‪ ،‬واشــرط‬ ‫لقيامهــا عقــد بــروط ميزتــه عــن باقــي‬ ‫العقــود‪ ،‬عقــد ركائــزه التعــارف واملــودة‬ ‫والرحمــة والعفــة والكرامــة والصيانــة‬ ‫وحفــظ الحقــوق‪ ،‬فــكان الــزواج بالعقــد‬ ‫الصحيــح رشط قيــام األرسة‪ ،‬ولقــد حــث‬ ‫اإلســام عــى الــزواج ورغّــب فيــه قــال‬ ‫ُــم ِمــ َن‬ ‫ــاب لَك ْ‬ ‫تعــاىل‪« :‬فَانْ ِك ُحــوا َمــا طَ َ‬ ‫ال ِّن َســا ِء» النســاء‪ ,3/‬وقــال عليــه الصــاة‬

‫والســام‪« :‬يــا معــر الشــباب مــن‬ ‫اســتطاع منكــم البــاءة فليتــزوج» رواه‬ ‫البخــاري‪.‬‬ ‫إن الحيــاة الزوجيــة ليســت فلــا‬ ‫ رومانســياً أو مسلســا‪ -‬عاطفيــاً‪-‬‬‫اجتامعيــا‪ -‬مليئــاً باألحــام الورديــة‬ ‫بــل هــو نهــج حيــاة قــد يختلــف فيــه‬ ‫الزوجــان‪ ,‬فاالختــاف ســنة الحيــاة‬ ‫وطبيعــة البــر‪ ,‬بــه تحلــو الحيــاة وإذا‬ ‫وجــد الخــاف فقــد أوجــد اللــه تعــاىل لــه‬ ‫حلــول لتســتمر الحيــاة‪ .‬إن األرسة التــي‬ ‫تقــوم عــى تقــوى اللــه تعــاىل يعــرف بهــا‬ ‫الزوجــان مــا لهــا ومــا عليهــا فــا تتأثــر‬ ‫بالخــاف وإمنــا يزيدهــا ذلــك متاســكاً‬ ‫ويكســبها وعيــاً وإدراكاً إلصــاح الخلــل‪.‬‬ ‫ولقــد ســعى اإلســام إىل تيســر الــزواج‬ ‫لتيســر تكويــن األرسة وحــث عــى عــدم‬ ‫املغــاالة يف نفقاتــه‪ ,‬قال عليه الســام‪« :‬إن‬ ‫مــن ُيــن املــرأة تيســر خطبتهــا وتيســر‬ ‫صداقهــا» رواه أحمــد‪ ,‬فالبــد مــن الت ـزام‬ ‫أوامــر الــرع وعــدم التعســر ووضــع‬ ‫العقبــات املاديــة والقيــود االجتامعيــة‬ ‫أمــام املقبلــن عــى الــزواج حتــى ال‬ ‫تنتــر أنــواع محرمــة مــن الــزواج تؤثــر‬ ‫عــى مفهــوم األرسة مثــل الــزواج العــريف‪،‬‬ ‫واملســيار‪ ،‬واملتعــة‪ ،‬واملؤقــت‪ ،‬والســياحي‬ ‫والرشاكــة وغريهــا‪.‬‬ ‫األرسة مؤسســة اجتامعيــة دينيــة يقصــد‬ ‫بهــا تحقيــق مصالــح مشــركة بــن‬ ‫الطرفــن توفــر وضعــاً اجتامعيــاً يتمتــع‬ ‫بــه الزوجــان بثمــرات املــودة والرحمــة‬ ‫وإرضــاء النزعــات الطبيعيــة بصــورة‬ ‫كرميــة‪ ،‬وتلبــي رغبــة الوالديــة لديهــا‪،‬‬ ‫تســكن بهــا النفــوس وتتهــذب بهــا الطباع‬ ‫ولهــذا رغــب اإلســام بالــزواج وجعــل‬

‫الوسطية‬

‫‪19‬‬


‫‪20‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫حكمــه يــدور مــع األحــكام الرشعيــة‬ ‫حســب الظــروف‪ ،‬فمنــه الواجــب‬ ‫واملنــدوب واملكــروه والحــرام‪ ،‬وذلــك‬ ‫لتكويــن أرسة مثاليــة تقــوم عــى املبــادئ‬ ‫املثــى وليــس عــى املاديــات لريقــى بهــا‬ ‫إىل مراقــي االطمئنــان ويرقــى باملجتمــع‪.‬‬ ‫إن الــزواج آيــة مــن آيــات اللــه تعــاىل يف‬ ‫خلقــه‪ ,‬قــال تعــاىل‪َ « :‬و ِمـ ْن آَ َياتِـ ِه أَنْ َخلَـ َـق‬ ‫ُــم ِمــ ْن أَنْف ُِســك ُْم أَ ْز َوا ًجــا لِ َت ْســكُ ُنوا‬ ‫لَك ْ‬ ‫ُــم َمــ َو َّد ًة َو َر ْح َمــ ًة»‬ ‫إِلَ ْي َهــا َو َج َع َ‬ ‫ــل َب ْي َنك ْ‬ ‫الــروم‪ ,21/‬فــا يعــرف اإلســام باألمومــة‬ ‫غــر الرشعيــة أو بالرشيــك اآلخــر حتــى‬ ‫ال تختلــط األنســاب وتضيــع االلتزامــات‬ ‫الرشعيــة وتكــر االنحرافــات وتعــزز‬ ‫الســلبية‪ .‬إن مفهــوم األرسة يف اإلســام‬ ‫مييزهــا عــن مفهــوم أي أرسة يف العــامل‪،‬‬ ‫فهــي وحــدة اجتامعيــة ممتــدة‪ ،‬ونــواة‬ ‫مجتمــع قامــت عــى اإلميــان والتــزام‬ ‫الزوجــن بحقــوق كل منهــا لآلخــر‪،‬‬ ‫والتزامهــا معــاً تجــاه أبنائهــا والتــزام‬ ‫األرسة كاملــة بواجبهــا تجــاه املجتمــع‪،‬‬ ‫فباإلضافــة إىل أن الــزواج وتكويــن األرسة‬ ‫رضورة حياتيــة وفطــرة إنســانية إال أنــه‬ ‫ربــاط ميتــد إىل اليــوم اآلخــر‪ ,‬قــال تعــاىل‬ ‫ـح ِمـ ْن‬ ‫« َج َّنـ ُ‬ ‫ـات َعــدْ نٍ َيدْ ُخلُونَ َهــا َو َمــن َصلَـ َ‬ ‫ـم» الرعد‪.23/‬‬ ‫ـم َو ُذ ِّر َّياتِ ِهـ ْ‬ ‫ـم َوأَ ْز َواجِ ِهـ ْ‬ ‫آ َبائِ ِهـ ْ‬ ‫ومــا يدمــي القلــب ويثــر األمل بالنفــس‬ ‫زعزعــة املفهــوم اإلســامي لــأرسة بتفــي‬ ‫املشــكالت فيهــا وارتفــاع نســبة الطــاق‬ ‫إىل أكــر مــن ثلــث حــاالت الــزواج‪،‬‬ ‫وهــو مــا ينطبــق عــى األرسة يف جميــع‬ ‫أنحــاء العــامل وبنظــرة رسيعــة إىل وضــع‬ ‫األرسة عاملي ـاً نجدهــا محطمــة ومفككــة‬ ‫ومهلهلــة تخــى فيهــا الوالــدان عــن‬ ‫مســؤوليتهام وتســيبت أفرادهــا‪ ،‬بــل‬

‫ظهــرت أنــواع غريبــة مــن األرس تقــوم‬ ‫عــى الرشاكــة والســفاح وليــس عــى‬ ‫صحيــح النــكاح‪.‬‬ ‫إن األرسة يف ميــزان الــرع اإلســامي‬ ‫ليســت رشاكــة بــن اثنــن بــل هــي‬ ‫مؤسســة مقدســة قامــت عــى أســس‬ ‫ثابتــة حفظــت متاســكها‪ ,‬محاطــة بســياج‬ ‫متــن من العفــة والطهــارة مهمتهــا األوىل‬ ‫تربيــة األجيــال وشــعارها األلفــة واملحبــة‬ ‫واإلميــان مــا ضمــن لهــا القيــام بدورهــا‬ ‫كركــن أســايس يف بنــاء املجتمــع ورفــده‬ ‫بأجيــال واعيــة متزنــة إيجابيــة‪.‬‬ ‫أنواع األرس بالنسبة للرتبية‪:‬‬‫تنقســم األرسة بالنســبة إىل تربيــة األبنــاء‬ ‫إىل ثالثــة أقســام‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬األرسة املتزمتــة ذات الرتبيــة‬ ‫القاســية التــي تتســم بالشــدة يف التعامــل‬ ‫مــن الــرب والشــتم والزجــر بــدون‬ ‫ضوابــط أو حــدود رشعيــة‪ ،‬وإهــال‬ ‫لألبنــاء بحجــة الظــروف االقتصاديــة‬ ‫واالجتامعيــة مــا يولــد لديهــم عــداء‬ ‫وعــادات ســلبية وميــل إىل االنحــراف‬ ‫والدمــار‪.‬‬ ‫الثانيــة‪ :‬األرسة املتســيبة ذات املعاملــة‬ ‫اللينــة واإلفـراط يف تدليــل أبنائهــا وتلبيــة‬ ‫رغباتهــم مهــا كانــت‪ ،‬مــا يخلــق‬ ‫شــخصية فوضيــة إتكاليــة ســلبية‪.‬‬ ‫الثالثــة‪ :‬األرسة املتوازنــة ذات املعاملــة‬ ‫املعتدلــة التــي تعتمــد عــى املــزج بــن‬ ‫العقــل والعواطــف بتوجيــه مــن الــرع‬ ‫الحنيــف بالنصــح واإلرشــاد والحــوار‬ ‫الهــادئ وأحيان ـاً بالعقوبــة املناســبة عنــد‬ ‫عــدم االســتجابة مــا يــؤدي إىل تكويــن‬ ‫شــخصية متزنــة إيجابيــة‪ ،‬ذلــك أن حــب‬ ‫األبنــاء ال يعنــي بالطبــع عــدم تأديبهــم‬

‫وتعليمهــم آداب الســلوك االجتامعــي‬ ‫منــذ الصغــر إذ البــد مــن التــوازن بــن‬ ‫التأديــب والتعاطــف‪.‬‬ ‫املحور الثاين‪ :‬وظائف األرسة‬ ‫لــأرسة عــدة وظائــف تبــن أهميتهــا‬ ‫لألفــراد واملجتمــع ســأعرض مــا يهــم‬ ‫عنــوان الورقــة منهــا‪:‬‬ ‫‪ .1‬وظيفــة تنظيــم النزعــات الفطريــة‬ ‫الغريزيــة فالــزواج هــو الوســيلة الوحيدة‬ ‫لتنظيــم هــذه النزعــات بعقــد صحيــح‪.‬‬ ‫‪ .2‬وظيفــة اإلنجــاب واســتمرار النــوع‬ ‫اإلنســاين‪ ،‬فاإلنســان بفطرتــه وغريزتــه‬ ‫الطبيعيــة يحــب الذريــة ويرغــب‬ ‫باإلنجــاب ويعتربهــا مــن أعظــم نعــم‬ ‫اللــه تعــاىل عــى العبــد لعــدة أســباب‬ ‫يعرفهــا الجميــع وبذلــك يقــول تعــاىل‪:‬‬ ‫« الْـ َـا ُل َوالْ َب ُنــونَ زِي َن ـ ُة الْ َح َيــا ِة الدُّ نْ َيــا «‬ ‫الكهــف‪.46/‬‬ ‫‪ .3‬وظيفــة التنشــئة والرتبيــة االجتامعيــة‬ ‫وتتمثــل يف رعايــة األجيــال وتربيتهــم‬ ‫الرتبيــة الصالحــة التــي تتضمــن مســتقبل‬ ‫املجتمعــات‪ ,‬إذ ليــس اإلنجــاب الهــدف‬ ‫األفضــل إذا تعــذرت تربيتهــم وإعدادهــم‬ ‫لحمــل املســؤولية أمانــة الخالفــة عــى‬ ‫األرض التــي ُخلِــق اإلنســان ألجلهــا‪،‬‬ ‫بــل الهــدف األســمى هــو القــدرة عــى‬ ‫تربيتهــم وإعدادهــم لالرتقــاء بالجنــس‬ ‫ــل ِف‬ ‫البــري‪ ,‬قــال تعــاىل‪« :‬إِنِّ َجا ِع ٌ‬ ‫األَ ْر ِض َخلِيفَــ ًة» البقــرة‪.30/‬‬ ‫وهــذه الوظيفــة واســعة تتعــدد عنارصهــا‬ ‫وتتفــاوت حســب وضــع األرسة املــادي‬ ‫واالجتامعــي‪ ،‬إال أنهــا تشــمل جميــع‬ ‫جوانــب الحيــاة بــدءا‪ -‬مــن آداب الطعــام‬ ‫إىل التعاليــم الدينيــة مــرورا‪ -‬بــكل مــا‬ ‫تتطلبــه الحيــاة الفضــى‪ ،‬وميكــن تعريــف‬


‫هــذه الوظيفــة بأنهــا تأديــب الولــد منــذ‬ ‫والدتــه عــى التــزام آداب اجتامعيــة‬ ‫وأصــول نفســية نابعــة مــن عقيدتــه‬ ‫اإلســامية وتعزيــز الشــعور اإلميــاين‬ ‫واملواطنــة الصالحــة لديــه لينشــأ عــى‬ ‫أفضــل مــا يكــون املواطــن اإليجــايب مــن‬ ‫اتـزان وعطــاء ومبــادرة وحســن معاملــة‪.‬‬ ‫هــذه الوظيفة أهــم مســؤوليات الوالدين‬ ‫بــل هــي حصيلــة الرتبيــة اإلميانيــة‬ ‫والخُلقيــة والنفســية كونهــا الظاهــرة‬ ‫الســلوكية والوجدانيــة التــي يــرىب بهــا‬ ‫الولــد عــى أداء الحقــوق والت ـزام األدب‬ ‫واملراقبــة االجتامعيــة ليكــون أداة‬ ‫إعــار ال معــول دمــار‪ ،‬وتنقســم الرتبيــة‬ ‫االجتامعيــة إىل قســمني‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬مقصــودة وهــي مــا تكــون داخــل‬ ‫األرسة ووفــق دســتورها الخــاص رشيطــة‬ ‫أن يكــون أساســها العقيــدة الصحيحــة‪.‬‬ ‫الثانيــة‪ :‬غــر مقصــودة وهــي التــي تتأثــر‬ ‫بالقــدوة مــن الوالديــن واألقــارب وتكــون‬ ‫مــن خــال الرتبيــة املقصــودة‪.‬‬ ‫‪ .4‬الوظيفــة االقتصاديــة‪ .‬إن أســاس‬ ‫تكويــن األرسة هــي املقــدرة املاديــة والتي‬ ‫تعنــي توفــر الدعــم املــادي ألفرادهــا‬ ‫لضــان الحيــاة الكرميــة لجميــع أفرادهــا‬ ‫مــن خــال إنفــاق الدخــل مبــا ينفعهــا‬ ‫ويؤمــن مســتقبل أفرادهــا مــن خــال‬ ‫توفــر مــا يلزمهــم‪ ،‬فــاألرسة مســؤولة عــن‬ ‫توفــر الحاجــات األساســية التــي تضمــن‬ ‫بقــاء أفرادهــا حســب قــدرة رب األرسة‪،‬‬ ‫وسـ َع ٍة ِمـ ْن َسـ َع ِت ِه‬ ‫قــال تعــاىل‪ « :‬لِ ُي ْن ِفـ ْـق ُذ َ‬ ‫«الطــاق‪ ,7/‬ولذلــك ال بــد مــن مامرســة‬ ‫نشــاط اقتصــادي معــن والســعي الجــاد‬ ‫يف طلــب الــرزق‪ ،‬قــال تعــاىل‪ُ « :‬هــو الَّـ ِذي‬ ‫ُــم ْالَ ْر َض َذل ً‬ ‫ُــول فَا ْمشُ ــوا ِف‬ ‫َج َع َ‬ ‫ــل لَك ُ‬

‫َم َنا ِك ِب َهــا َوكُلُــوا ِمـ ْن ِر ْز ِقـ ِه َوإِلَ ْيـ ِه ال ُّنشُ ــو ُر»‬ ‫امللــك‪.15/‬‬ ‫ولقــد أجمــع العلــاء عــى وجــوب نفقــة‬ ‫الــزوج عــى زوجتــه وأوالده‪ ،‬وال خــاف‬ ‫بــن العلــاء أن النفقــة يتحملهــا األب‬ ‫وحــده دون األم‪ ،‬ومــا تقــوم بــه األم مــن‬ ‫نفقــة يف أيامنــا يعتــر مــن بــاب اإلحســان‬ ‫والصدقــة التــي تثــاب عليهــا‪ ،‬قــال تعــاىل‪:‬‬ ‫« َو َعـ َـى الْ َم ْولُــو ِد لَــهُ ِر ْز ُق ُه ـ َّن َو ِك ْس ـ َوتُ ُه َّن‬ ‫بِالْ َم ْع ـ ُر ِ‬ ‫وف « البقــرة‪.233/‬‬ ‫املحور الثالث‪ -:‬اإليجابية واملبادرة‬ ‫‌أ‪ -‬مفهــوم اإليجابيــة‪ :‬لغــة الفاعليــة‪ ,‬وهي‬ ‫ســمة مــن ســات الشــخصية تدفعهــا‬ ‫مــن التمركــز حــول الــذات إىل االنفتــاح‬ ‫عــى العــامل الخارجــي رغبــة حقيقيــة يف‬ ‫إصــاح الــذات واملجتمــع مــع الرغبــة يف‬ ‫حــب التغيــر لألفضــل وعــدم االستســام‬ ‫للموجــود‪ ,‬مــا يدفــع للمبــادرة يف دفــع‬ ‫الــر وجلــب الخــر‪.‬‬ ‫‌ب‪ -‬مفهــوم املبــادرة‪ :‬طاقــة جبــارة تتولــد‬ ‫داخــل اإلنســان اإليجــايب ومتــأ كيانــه‬ ‫فتدفعــه إىل العمــل الجــاد مــن أجــل‬ ‫الوصــول إىل الهــدف املنشــود متخطيــاً‬ ‫كل العوائــق‪ ,‬وهــي نتيجــة تلقائيــة‬ ‫لإليجابيــة‪.‬‬ ‫فاإليجابيــة واملبــادرة كلمتــان صنــوان‬ ‫ثــورة داخــل الجســد ودافــع نفــي‬ ‫يرافقــه اقتنــاع عقــي وجهــد بــدين أو‬ ‫فكــري ال يــريض بالتنفيــذ فقــط بــل‬ ‫يتجــاوز ذلــك ليضيــف مــن روحــه إىل‬ ‫العمــل ليحمــل ســمته (ســمة الشــخص‬ ‫اإليجــايب)‪.‬‬ ‫‌ج‪ -‬أهميــة اإليجابيــة يف حيــاة األفــراد‪,‬‬ ‫متتــاز اإليجابيــة بأنهــا ذات أثــر طيب عىل‬ ‫اإلنســان فتجعــل منــه شــخصية متميــزة‬

‫فعالــة‪ ,‬لــذا فــإن لهــا أهميــة كــرى يف‬ ‫حيــاة األفــراد واملجتمعــات أهمهــا‪:‬‬ ‫• تظهــر فيهــا مــدى طاعــة اللــه تعــاىل‬ ‫ورســوله‪ ,‬فكلــا كان الشــخص إيجابيــاً‬ ‫كانــت طاعتــه للــه تعــاىل أكرب‪ ,‬قــال تعاىل‪:‬‬ ‫«اســتجيبوا للــه ورســوله إذا دعاكــم ملــا‬ ‫يحييكــم»‪ ,‬كــا أمرنــا تعــاىل يف العديــد‬ ‫مــن اآليــات الكرميــة باألمــر باملعــروف‬ ‫والنهــي عــن املنكــر‪ ,‬كــا قــرن تعــاىل‬ ‫دامئ ـاً بــن اإلميــان والعمــل الصالــح‪ ,‬ومــا‬ ‫العمــل الصالــح إال اإليجابيــة‪.‬‬ ‫• تدفــع الكتشــاف الــذات ونقــاط القــوة‬ ‫وإدراك اإلمكانيــات والقــدرات لــدى‬ ‫الشــخص ومتكنــه مــن تطويرهــا وعلينــا‬ ‫أن نحتــذي يف ذلــك حيــاة الرســول صــى‬ ‫اللــه عليــه وســلم فقــد كانــت كلهــا مثــاالً‬ ‫رائعــاً لإليجابيــة يف كل أقوالــه وأفعالــه‬ ‫ومنهــا قولــه‪« :‬اليــد العليــا خــر مــن‬ ‫اليــد الســفىل» أخرجــه الشــيخان‪ ,‬وقولــه‪:‬‬ ‫« إن قامــت الســاعة وبيــد أحدكــم‬ ‫فســيلة فــإن اســتطاع أن ال يقــوم حتــى‬ ‫يغرســها فليفعــل «رواه أحمــد‪ ,‬وقولــه‪:‬‬ ‫ـم َح ْبلَــهُ َف َيـأْ ِ َت ِب ُح ْز َمـ ِة‬ ‫« َلَنْ َيأْ ُخـ َذ أَ َحدُ كُـ ْ‬ ‫ـف اللَّهُ‬ ‫الْ َحطَـ ِ‬ ‫ـب َعـ َـى ظَ ْهـ ِر ِه َف َيبِي َع َهــا َف َيكُـ َّ‬ ‫ـاس‬ ‫ـر لَــهُ ِمـ ْن أَنْ َي ْسـأَ َل ال َّنـ َ‬ ‫ِب َهــا َو ْج َهــهُ َخـ ْ ٌ‬ ‫أَ ْعطَــ ْو ُه أَو َم َن ُعــو ُه «‪ .‬رواه البخــاري‪.‬‬ ‫• اإليجابيــة رس الحضــارة اإلنســانية‪,‬‬ ‫فالحضــارات جميعهــا قامــت عــى‬ ‫اإليجابيــة يف العمــل‪.‬‬ ‫• اإليجابيــة فطــرة كونيــة يف اإلنســان‬ ‫ليكــون خليفــة مــن اللــه يف األرض‬ ‫ويحمــل أمانــة املســؤولية‪ ,‬وتبلــور‬ ‫الشــخصية القياديــة التــي تســعى للتغيــر‬ ‫لألفضــل‪.‬‬ ‫• تعــزز الثقــة بالنفــس وتدفــع للنجــاح‬

‫الوسطية‬

‫‪21‬‬


‫‪22‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫يف العمــل والســعي للتميــز فــا يــرىض‬ ‫اإليجــايب إال أن يكــون‪ ...‬أنجــح طالــب‪,‬‬ ‫أبــرع عامــل‪ ,‬أفضــل موظــف‪ ,‬أرقــى‬ ‫مواطــن‪ ,‬أبــر إبــن‪ ...‬وهكــذا‪.‬‬ ‫• وأخــراً اإليجابيــة الطريــق للفــوز‬ ‫بالجائــزة الكــرى رضــا اللــه تعــاىل ونــوال‬ ‫جنتــه‪ ,‬واإلحســاس بالرضــا عــن الــذات‬ ‫وعــن اآلخريــن‪.‬‬ ‫‌د‪ -‬مظاهر اإليجابية‬ ‫تظهــر اإليجابيــة يف حيــاة اإلنســان بصورة‬ ‫فعالــة يف مجــاالت عــدة أهمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬يف عالقتــه باللــه تعــاىل وتحقيــق‬ ‫معنــى العبوديــة بشــعوره بــأن اللــه هــو‬ ‫الخالــق املدبــر فيســتقيم يف كل أمــوره‪,‬‬ ‫ألنــه يخــى مراقبــة اللــه ويتحــرر مــن‬ ‫الخــوف واإلتكاليــة والكســل والخرافــات‪.‬‬ ‫‪ -2‬يف عالقتــه بالكــون‪ ,‬فيعمــل عــى‬ ‫اإلعــار والبنــاء وعــدم التخريــب‬ ‫والتدمــر لعلمــه بــأن الكــون مســخر‬ ‫لخدمــة اإلنســان ورفاهيتــه قــال تعــاىل‪:‬‬ ‫ُــم‬ ‫ــرى اللَّــهُ َع َملَك ْ‬ ‫« َوقُــلِ ا ْع َملُــوا ف َ​َس َ َ‬ ‫َو َر ُســولُهُ َوالْ ُم ْؤ ِم ُنونَ »التوبــة‪ ,105/‬وقــال‬ ‫تعــاىل أيضـاً‪َ « :‬و َل تُف ِْســدُ وا ِف ْالَ ْر ِض َب ْعــدَ‬ ‫إِ ْص َل ِح َهــا «األعــراف‪.56/‬‬ ‫‪ -3‬يف عالقتــه بنفســه وأرستــه‪ ,‬فيشــعر‬ ‫بأهميتــه بأنــه مل ُيخلــق عبثـاً بــل مخلــوق‬ ‫للعبــادة يحــرم ذاتــه فــا يعتــدي عــى‬ ‫نفســه بالعــادات الســيئة وال عــى عقلــه‬ ‫بالتغييــب باملســكرات واملخــدرات‪ ,‬كــا‬ ‫يكــون إيجابيـاً يف عالقتــه بأرستــه (القدوة‬ ‫الصالحــة)‪ ,‬فتكــون العالقــة بهــا قامئــة‬ ‫عــى املحبــة والــود والتناصــح والرتاحــم‪,‬‬ ‫قــال تعــاىل‪َ « :‬ياأَ ُّي َهــا الَّ ِذيــ َن آ َم ُنــوا ُقــوا‬ ‫ـاس‬ ‫أَنف َُس ـك ُْم َوأَ ْهلِيكُـ ْ‬ ‫ـم نَــا ًرا َو ُقو ُد َهــا ال َّنـ ُ‬ ‫َوالْ ِح َجــا َر ُة « التحريــم‪.6/‬‬

‫‪ -4‬يف عالقتــه باملجتمــع‪ ,‬فيكــون عضــواً‬ ‫اجتامعيـاً فاعـاً يرفــض العزلــة والســلبية‬ ‫واالنطــواء‪ ,‬يخالــط النــاس ويقــي‬ ‫حوائجهــم ويواســيهم ويشــاركهم‬ ‫أفراحهــم‪ ,‬قــال عليــه الصــاة والســام‪:‬‬ ‫«الــذي يخالــط النــاس ويصــر عــى‬ ‫أذاهــم خــر مــن الــذي ال يخالــط النــاس‬ ‫وال يتحمــل أذاهــم» رواه الرتمــذي‪ ,‬وقــال‬ ‫ـر ُه‬ ‫ـر أَ َخــا ُه الْ ُم ْس ـلِ َم‪َ ،‬سـ َ َ‬ ‫أيض ـاً‪َ « :‬م ـ ْن َسـ َ َ‬ ‫َّــس َعــ ْن‬ ‫اللَّــهُ َيــ ْو َم الْ ِق َيا َمــ ِة‪َ ،‬و َمــ ْن نَف َ‬ ‫َّــس‬ ‫أَ ِخيــ ِه كُ ْر َبــ ًة ِمــ ْن كُــ َر ِب الدُّ نْ َيــا‪ ،‬نَف َ‬ ‫اللَّــهُ َع ْنــهُ كُ ْر َبـ ًة ِمـ ْن كُـ َر ِب َيـ ْو ِم الْ ِق َيا َمـ ِة‪،‬‬ ‫َوإِنَّ اللَّــهَ ِف َعـ ْونِ الْ َع ْبـ ِد َمــا َدا َم الْ َع ْبــدُ ِف‬ ‫َعــ ْونِ أَ ِخيــ ِه» رواه أحمــد‪.‬‬ ‫‪ -5‬يف عالقتــه بالــروة الحيوانيــة والنباتية‪,‬‬ ‫فيعمــل عــى حاميتهــا وتنميتهــا والرفــق‬ ‫بهــا‪ ,‬فقــد دخــل رجــل الجنــة ألنــه ســقى‬ ‫كلبــاً كان يلهــث مــن العطــش بينــا‬ ‫دخلــت امــرأة النــار يف هــرة‪ ,‬ولنــا يف‬ ‫وصيــة الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫لقــادة جيوشــه أفضــل املثــل يف ذلــك‪.‬‬ ‫وهكــذا نــرى أن اإليجابيــة تجعــل مــن‬ ‫الفــرد إنســاناً ملتزمـاً بعيــداً عــن الســلوك‬ ‫التخريبــي الهــدام رافضــاً للتحجــر‬ ‫والجمــود داعيــاً إىل اإلبــداع واإلعــار‪.‬‬ ‫املحــور الرابــع‪ :‬دور األرسة يف بنــاء ثقافــة‬ ‫اإليجابيــة واملبــادرة‬ ‫قــال تعــاىل‪َ « :‬وإِ ْذ َق َ‬ ‫ــال َر ُّبــكَ لِلْ َمالَئِكَــ ِة‬ ‫إِنِّ َجا ِعـ ٌـل ِف األَ ْر ِض َخلِي َفـ ًة « البقــرة‪,30/‬‬ ‫وقــال أيض ـاً‪ « :‬إِنَّــا َع َرضْ َنــا ْالَ َمانَ ـ َة َعـ َـى‬ ‫ــا َو ِ‬ ‫ــن أَنْ‬ ‫ات َو ْالَ ْر ِض َوالْجِ َبــالِ َفأَ َب ْ َ‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬ ‫َي ْح ِملْ َن َهــا َوأَشْ ـ َف ْق َن ِم ْن َهــا َو َح َملَ َها ْ ِ‬ ‫الن َْســانُ‬ ‫إِنَّــهُ كَانَ ظَلُومــاً َج ُهــوالً « األحــزاب‪.72/‬‬ ‫مــن هاتــن اآليتــن الكرميــن تظهــر‬ ‫الدعــوة إىل اإليجابيــة واضحــة جليــة‪,‬‬

‫فهــي الهــدف األســمى الــذي خلــق اللــه‬ ‫تعــاىل اإلنســان ألجلــه‪ ,‬إذ ال ميكــن أن‬ ‫يكــون خليفــة يف األرض مهــا كان موقعه‬ ‫يف األرسة أو العمــل إذا مل يكــن إيجابيــاً‬ ‫فاعــاً يعمــل عــى اإلعــار والبنــاء‪.‬‬ ‫ومــن الســبل التــي رســمها اإلســام‬ ‫لرتبيــة النشــئ عــى ثقافــة اإليجابيــة أن‬ ‫ألــزم الوالديــن – كــا ســبق ‪ -‬بحســن‬ ‫الرتبيــة والرعايــة‪ ,‬ومــن ذلــك‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬اإليجابيــة يف الرتبيــة الروحيــة‬ ‫(الدينيــة)‪ ,‬فينبغــي تربيــة األبنــاء منــذ‬ ‫الصغــر عــى التقــوى‪ ,‬فالتقــوى منبــع‬ ‫الفضائــل اإليجابيــة والســبيل الوحيــد‬ ‫لقهــر الســلبية وإغــاق مداخلهــا واتقــاء‬ ‫املفاســد واإلرضار باآلخريــن‪ .‬ولتقويــة‬ ‫العقيــدة يف نفوســهم رضورة تعليمهــم‬ ‫الصــاة والحــث عليهــا باســتمرار «‬ ‫مــروا الصبيــان بالصــاة لســبع ســنني‬ ‫وارضبوهــم عليهــا يف عــر ســنني وفرقــوا‬ ‫بينهــم يف املضاجــع‪ « ....‬رواه أحمــد‪.‬‬ ‫ومــن الرتبيــة الروحيــة غــرس األخــاق‬ ‫اإلســامية الجيــدة التــي تعــزز مفهــوم‬ ‫اإليجابيــة ومنهــا‪:‬‬ ‫ األخــوة‪ :‬رابطــة تــؤدي إىل املحبــة‬‫واالحــرام بــن األفــراد وتــورث الشــعور‬ ‫العميــق بالعاطفــة التــي متنــع العنــف‬ ‫مــع اآلخريــن والتطــرف والتخريــب وتولد‬ ‫شــعوراً صادقـاً بالنفــس يف اتخــاذ مواقــف‬ ‫اإليجابيــة مــن التعــاون واإليثــار والرحمة‬ ‫والعفــو عنــد املقــدرة‪ ,‬قــال تعــاىل‪ « :‬إِنَّ َــا‬ ‫الْ ُم ْؤ ِم ُنــونَ إِ ْخ ـ َو ٌة « الحج ـرات‪ ,10/‬وقــال‬ ‫عليــه الصــاة والســام‪« :‬ال يؤمــن أحدكــم‬ ‫حتــى يحــب ألخيــه مــا يحــب لنفســه»‬ ‫رواه البخــاري‪.‬‬ ‫‪ -‬الرحمــة‪ :‬رقــة يف القلــب وحساســية‬


‫يف الضمــر تســتهدف الرأفــة باآلخريــن‬ ‫والعطــف عليهــم ومتنــع مــن اإليــذاء‬ ‫واق ـراف الجرائــم واالعتــداء عــى الغــر‪,‬‬ ‫فيصبــح الفــرد أداة إعــار ومصــدر خــر‪,‬‬ ‫قــال عليــه الصــاة والســام‪« :‬الراحمــون‬ ‫يرحمهــم الرحمــن‪ ,‬ارحمــوا مــن يف األرض‬ ‫يرحمكــم مــن يف الســاء» الرتمــذي‪.‬‬ ‫ اإليثــار‪ُ :‬خلُــق كريــم ودعامــة كبــرة‬‫مــن دعائــم التكامــل االجتامعــي يرتتــب‬ ‫عليــه تفضيــل الغــر عــى الــذات بقصــد‬ ‫إرضــاء اللــه تعــاىل مــا يــدل عــى‬ ‫صفــاء الرسيــرة وصــدق اإلميــان وطهــارة‬ ‫النفــس‪ ,‬ومينــع األنانيــة واألثــرة وحــب‬ ‫الــذات الــذي يــؤدي إىل الحقــد والحســد‬ ‫والتخريــب‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬اإليجابية يف الرتبية االجتامعية‬ ‫عــى األرسة العمــل عــى إيجــاد وســط‬ ‫مســتقر ينشــأ فيــه األبنــاء بعيــداً عــن‬ ‫العقــد النفســية والضغــوط االجتامعيــة‬ ‫بالرتبيــة عــى الت ـزام اآلداب االجتامعيــة‬ ‫العامــة يف جميــع املجــاالت منــذ الصغــر‪,‬‬ ‫ولقــد ورد عــن النبــي صــى اللــه عليــه‬ ‫وســلم العديــد مــن األحاديــث يف هــذا‬ ‫الخصــوص‪ ,‬مثــل آداب الطعــام والـراب‬ ‫بــأن يكــون إيجابيـاً بحســن التــرف أثناء‬ ‫األكل والــرب فــا ينفــخ فيــه وال يعبــث‬ ‫وال يــرف‪ ,‬قــال عليــه الســام‪« :‬يــا غــام‪,‬‬ ‫ـم اللــه وكل بيمينــك وكل مــا يليــك»‬ ‫سـ ِّ‬ ‫متفــق عليــه‪ ,‬وعــن ابــن عبــاس ريض اللــه‬ ‫عنهــا‪ « :‬أن النبــي ‪ -‬صــى اللــه عليــه‬ ‫وســلم ‪ -‬نهــى أن يتنفــس يف اإلنــاء‪ ،‬وأن‬ ‫ينفــخ فيــه « رواه الرتمــذي‪.‬‬ ‫ويف مجــال العالقــات االجتامعيــة رضورة‬ ‫تربيــة األبنــاء عــى تأكيــد أوارص املحبــة‬ ‫بــن األفـراد فــا متييــز بــن الذكــر واألنثــى‬

‫أو الكبــر والصغــر‪ ,‬وال يكفــي إســامياً أن‬ ‫تكــون العالقــة إيجابيــة بــن أفـراد األرسة‬ ‫فقــط فــا بــد أن متتــد لتشــمل جميــع‬ ‫األقــارب واألصدقــاء والجــران‪ ,‬بغــض‬ ‫النظــر عــن املســتوى االجتامعــي والديني‬ ‫والجنــس‪ ,‬ومــن ذلــك آداب التعامــل‬ ‫مــع اآلخريــن كآداب الســام واالســتئذان‬ ‫واملشــاركة يف األفــراح واألتــراح‪ ,‬وكذلــك‬ ‫آداب الســعال والعطــاس وآداب الحديــث‬ ‫وحســن اإلصغــاء وآداب الحــوار ومراعــاة‬ ‫حقــوق اآلخريــن‪.‬‬ ‫وال يفوتنــا تعليمهــم مبــادئ النظافــة‬ ‫الشــخصية والنظافــة العامــة يف الحــي‬ ‫والشــارع وإماطــة األذى عــن الطريــق‬ ‫وعــدم العبــث باملرافــق العامــة‪ ,‬ومــن‬ ‫أهــم اآلداب االجتامعيــة تعويدهــم‬ ‫املبــادرة باألعــال التطوعيــة ومســاعدة‬ ‫اآلخريــن‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬اإليجابية يف الرتبية االقتصادية‬ ‫ال يخفــى عــى أحــد مــدى تأثــر االقتصــاد‬ ‫عــى اســتقرار األرس واملجتمعــات‪ ,‬مــا‬ ‫يوجــب عــى األرسة تربيــة أبنائهــا عــى‬ ‫حســن التــرف باملــال بعيــداً عــن‬ ‫اإلرساف والتبذيــر‪ ,‬قــال تعــاىل‪ « :‬إِنَّ‬ ‫الْ ُم َب ِّذرِيــ َن كَانُــوا إِخْــ َوانَ الشَّ ــ َي ِ‬ ‫اط ِني «‬ ‫اإلرساء‪ ,27/‬ومــن اإليجابيــة االحتفــاظ‬ ‫مببلــغ مهــا كان بســيطاً تحســباً للظــروف‬ ‫واملبــادرات الخــرة‪.‬‬ ‫ومــا يخــل باإليجابيــة مــع املــال املغــاالة‬ ‫يف الــرف واإلرساف واإلنفــاق مجــارا ًة لكل‬ ‫حديــث مــن الكامليــات‪ ,‬ومنهــا أيضــاً‬ ‫االعتــاد عــى كــرة األمــوال والتكاســل‬ ‫عــن العمــل واالستســام للتنعــم والراحــة‬ ‫واالنغــاس يف امللــذات دون تفرقــة بــن‬ ‫الرضوريــات والكامليــات مــا يــؤدي‬

‫إىل الســلبية وعــدم دوران املــال‪ ,‬ومنهــا‬ ‫البخــل الشــديد والتكالــب عــى املــال‬ ‫والحصــول عليــه بطــرق غــر مرشوعــة‪,‬‬ ‫أو اســتعامله بالحـرام كالقــار والتعاطــي‬ ‫وغريهــا‪.‬‬ ‫املحــور الخامــس‪ :‬مخاطــر تواجــه الرتبيــة‬ ‫اإليجابيــة‬ ‫يعلــم الجميــع أن تربيــة األبنــاء عــى‬ ‫اإليجابيــة تتعــرض ملخاطــر عــدة نتيجــة‬ ‫تفــي عــادات اجتامعيــة خاطئــة‬ ‫واالنفتــاح الثقــايف ووســائل اإلعــام‪ ,‬ومــن‬ ‫ذلــك‪:‬‬ ‫‪ -1‬تراجــع دور األرسة يف تربيــة النشــئ‬ ‫ألســباب وظــروف ال مجــال لذكرهــا‬ ‫تحتــاج إىل مؤمتــر خــاص بهــا‪.‬‬ ‫‪ -2‬ســيادة الفكــر املــادي عــى النشــئ‬ ‫فأصبــح مســتهلكاً غــر منتــج مــا أكســبه‬ ‫األنانيــة واألثــرة وحــب الــذات والتفاخــر‬ ‫بالكامليــات‪.‬‬ ‫‪ -3‬االنفصــام بــن دور األرسة يف الرعايــة‬ ‫ودور املدرســة يف الرتبيــة والتعليــم ودور‬ ‫اإلعــام ووســائط التواصــل االجتامعــي يف‬ ‫التوجيــه‪ ,‬مــا ولــد آثــاراً ســلبية عديــدة‬ ‫تســتوجب التعــاون الدائــم بــن هــذه‬ ‫املؤسســات‪.‬‬ ‫‪ -4‬التناقــض بــن أقــوال الوالديــن واملربني‬ ‫وســلوكياتهم وأفعالهــم وغيــاب القــدوة‬ ‫الصالحــة‪.‬‬ ‫‪ -5‬انعــدام املنهجيــة الفكريــة يف الرتبيــة‬ ‫وســيادة الغمــوض فيهــا نتيجــة تداخــل‬ ‫عــدة عوامــل يف الرتبيــة ومدارســها‬ ‫املختلفــة أدى إىل اختــاط املفاهيــم‬ ‫واهتـزاز القيــم مــا يــدل عــى أن عنــارص‬ ‫اســتقرار األرسة يف املــايض واملتمثلــة‬ ‫بوحــدة املفاهيــم والقيــم انتفــت اآلن‬

‫الوسطية‬

‫‪23‬‬


‫‪24‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫واسـ ُتب ِدلت بقيــم عرصيــة أدت إىل اهتزاز‬ ‫األرسة وعــدم قيامهــا بدورهــا الكامــل‪.‬‬ ‫املحــور الســادس‪ :‬وســائل عمليــة تــؤدي‬ ‫إىل إليجابيــة واملبــادرة‬ ‫ عــى األرسة أن تحافــظ عــى اإليجابيــات‬‫التــي يكتســبها األبنــاء مــن خــال القــدوة‬ ‫واملتابعــة والتعزيــز‪ ,‬مــا يســاعد عــى‬ ‫املبــادرة واإلبــداع‪.‬‬ ‫إعطــاء األبنــاء حريــة التعبــر وإبــداء‬‫الــرأي يف إطــار القيــم واألخــاق النابعــة‬ ‫مــن الــرع الحنيــف حتــى ال يفســد‬ ‫اإلحســاس بالحريــة‪ ,‬وأن يكــون الحــوار يف‬ ‫حــدود املعايــر األخالقيــة حتــى ال يــؤدي‬ ‫إىل الفــوىض واالنفــات األخالقــي‪.‬‬ ‫ املحافظــة عــى روح اإليجابيــة عنــد‬‫األبنــاء يجعــل منهــم قاعــدة أخالقيــة‬ ‫تواجــه الســلوكيات الخاطئــة‪ ,‬قاعــدة‬ ‫خالقــة للمبــادرة واإلبــداع‪.‬‬ ‫ التشــجيع عــى العمــل التطوعــي يف‬‫املــدارس واملؤسســات والحفــاظ عــى‬ ‫املرافــق العامــة‪.‬‬ ‫ إعطــاء حوافــز معنويــة أو ماديــة عــى‬‫مســاعدة اآلخريــن وتحقيــق الرتابــط‬ ‫االجتامعــي‪.‬‬ ‫ مشــاركتهم االهتــام بالشــأن العــام‬‫وقتــل الالمبــاالة التــي يعــاين منهــا معظم‬ ‫النشــئ‪.‬‬ ‫ الحــرص عــى تعليمهــم وتوعيتهــم‬‫بحقوقهــم وواجباتهــم تجــاه اآلخريــن‬ ‫ســواء يف البيــت أو املدرســة أو الجامعــة‬ ‫أو املجتمــع‪.‬‬ ‫ تعويدهــم روح العطــاء والتعــاون‬‫واملحبــة‪.‬‬ ‫ تدريبهــم منــذ الصغــر عــى حريــة‬‫التعبــر واملشــاركة يف اتخــاذ القــرار‬

‫واح ـرام ذلــك إلكســابهم الثقــة بالنفــس‬ ‫وتقديــر الــذات مــن خــال إعطائهــم‬ ‫فرصــة املســؤولية يف األرسة‪.‬‬ ‫ اإلصغــاء لهــم واالســتامع ملشــاكلهم‬‫وعــدم توبيخهــم والســخرية منهــم أمــام‬ ‫اآلخريــن‪.‬‬ ‫ التعــرف عــى أصدقائهــم وعقــد‬‫صداقــات مــع عائالتهــم‪.‬‬ ‫إلحاقهــم بنــوادي رياضيــة‪ ,‬ومعاهــد‬‫خاصــة تهتــم بالتنميــة الفكريــة‪.‬‬ ‫ العقــاب عنــد الخطــأ ال يناقــض الرتبيــة‬‫اإليجابيــة وأفضــل أســلوب لذلــك جعلهم‬ ‫اكتشــاف الخطــأ بأنفســهم‪.‬‬ ‫الخـاتـمـة‬ ‫يتفــق جميــع املربــن عــى أن األرسة هــي‬ ‫املــكان األفضــل لرتبيــة األبنــاء ويؤكــدون‬ ‫عــى أهميــة دورهــا يف اكتشــاف وتنميــة‬ ‫مواهبهــم ودعــم القيــم اإليجابيــة‬ ‫عندهــم ودفعهــم للمبــادرة وتعديــل‬ ‫الســلبية‪.‬‬ ‫كــا يؤكــدون كذلــك عــى أن دور األم‬ ‫الرتبــوي هــو محــور العمليــة الرتبويــة‬ ‫وأن معنــى الرتبيــة هنــا يشــمل الرعايــة‬ ‫الشــاملة واملتكاملــة للفــرد‪ ,‬وال يقتــر‬ ‫فقــط عــى العنايــة بالجســد بالطعــام‬ ‫وال ـراب بــل يشــمل النواحــي النفســية‬ ‫والعقليــة واالجتامعيــة‪ ,‬فرتبيــة الطفــل‬ ‫تبــدأ قبــل عرشيــن عامــاً أو أكــر مــن‬ ‫والدتــه برتبيــة األم‪.‬‬ ‫يبــدأ دور األرسة يف رعايــة األبنــاء‬ ‫منــذ والدتهــم ويف تشــكيل أخالقهــم‬ ‫وســلوكياتهم ومــا أروع مــا قــال عمــر‬ ‫بــن عبــد العزيــز رحمــه اللــه‪« :‬الصــاح‬ ‫مــن اللــه واألدب مــن اآلبــاء»‪ ,‬ولنــا يف‬ ‫شــخصية صــاح الديــن األيــويب رحمــه‬ ‫اللــه خــر مثــال عــى الرتبيــة اإليجابيــة‬

‫فقــد كان رس نجاحــه ومتيــزه مــا تلقــاه‬ ‫مــن األم واألرسة‪ ,‬ومــا أجمــل قــول‬ ‫الشــاعر‪:‬‬ ‫وينشــأ ناشــئ الفتيــان منــا عــى مــا كان‬ ‫عـ ّوده أبــوه‬ ‫ومــا أجمــل عبــارة ‪ :‬وراء كل رجــل عظيــم‬ ‫مربيي‪.‬‬ ‫أبويــن َ‬ ‫إن إهــال تربيــة األبنــاء جرميــة عظمــى‬ ‫يرتتــب عليهــا عقــاب عظيــم يف الدنيــا‬ ‫بعقــوق األبنــاء وكــرة مشــاكلهم‪ ,‬ويف‬ ‫اآلخــرة العقــاب للتقصــر يف حمــل أمانــة‬ ‫املســؤولية‪ ,‬فــاألرسة هــي التــي تكســب‬ ‫الفــرد قيمــه فيتعــرف الحــق والباطــل‬ ‫والخــر والــر والخلــق الرفيــع واألخــاق‬ ‫الحســنة‪ ,‬فينشــأ إمــا إيجابيـاً مبدعـاً وإما‬ ‫ســلبياً مدم ـراً‪.‬‬ ‫وللحــق فــإن األرسة اآلن يف مــأزق تربــوي‬ ‫نتيجــة تداخــل عــدة عوامــل يف الرتبيــة‬ ‫مــن املدرســة والرفــاق واإلعــام وغريهــا‬ ‫مــا جعــل األرسة مضطربــة يف قيمهــا‬ ‫الرتبويــة متغــرة متذبذبــة بــن املتســيبة‬ ‫واملتســلطة والقيميــة املتزنــة‪ ,‬ويف ضــوء‬ ‫مــا ســبق يتضــح لنــا أن لــأرسة امللتزمــة‬ ‫الســوية دوراً كبــراً بــارزاً يف إكســاب‬ ‫النشــئ الثقافــة اإليجابيــة املبــادرة‬ ‫الخالقــة مــع التأكيــد عىل دور املؤسســات‬ ‫االجتامعيــة ويف مقدمتهــا اإلعالميــة يف‬ ‫بــث اإليجابيــة وروح املبــادرة لترت َجــم‬ ‫ســلوكاً‬ ‫مبــاشاً يف األقــوال واألفعــال‪.‬‬ ‫َ‬ ‫واإلســام جــاء ثــورة عــى الســلبية‬ ‫والتقاعــس يدفــع بأتباعــه للعمــل الجــاد‬ ‫لبنــاء الحضــارة والرقــي باإلنســانية‪ ,‬فــا‬ ‫نجــد دعــوة لإلميــان إال واقرتنــت بالعمــل‬ ‫الصالــح الــذي يدفــع الدمــار ويدعــو‬ ‫لإليجابيــة واملبــادرة واإلعــار‪ ,‬وباملحصلة‬ ‫فــإن بنــاء اإليجابيــة واملبــادرة البــد لــه‬ ‫مــن أرسة متزنــة ملتزمــة‪.‬‬


‫املرجعية ادلينية‬

‫بين التهميش المفروض والتقديس المرفوض‬

‫د‪.‬عمر النقيب‬ ‫العراق‬

‫‪L‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬ ‫الحمــد للــه ُمســب ُغ النعــم‪ ،‬واملنفــرد‬ ‫بالقــدم‪ ،‬وبــارئ ال ِّن َســم‪ ،‬وموجدنــا‬ ‫بعــد العــدم‪ ،‬وباعــث العظــام الهامــدة‬ ‫والرمــم‪ ،‬واملخالــف بــن الهيئــات‬ ‫والشــيم‪ ،‬حكمــة تاهــت يف فهمهــا‬ ‫عقــول ذوي الحكــم‪ ،‬خلــق األجســام مــن‬ ‫أضــداد متنافــرة‪ ،‬ابتدعهــا بقدرتــه وألَّــف‬ ‫نقائضهــا بحكمتــه‪ ،‬خالــف بــن اآلراء‬ ‫واالعتقــادات كــا خالــف بــن الصــور‬ ‫والهيئــات‪ ،‬وأخربنــا بذلــك فقــال تعــاىل‪:‬‬ ‫الســ َم َو ِ‬ ‫ات َواألَ ْر ِض‬ ‫﴿ َو ِمــ ْن آ َياتِــ ِه َخل ُ‬ ‫ْــق َّ‬ ‫ـم إِنَّ ِف َذلِــكَ‬ ‫َوا ْخ ِتـ ُ‬ ‫ـاف أَل ِْسـ َن ِتك ُْم َوأَلْ َوانِكُـ ْ‬ ‫آل َي ٍ‬ ‫ــات �لِّلْ َعالِ ِمــ َن ﴾]الــروم‪.[22:‬‬ ‫ونبهنــا ألطــف تنبيــه عــى مــا يف هــذا‬ ‫الخــاف املوجــود يف البــر املركــوز يف‬ ‫الفطــر مــن الحكمــة البالغــة‪ ،‬وأنــه أحــد‬ ‫مقتضيــات البعــث املوعــود فقــال‪﴿ :‬‬ ‫ِــم َل َي ْب َع ُ‬ ‫ــث‬ ‫َوأَ ْق َســ ُمواْ بِٱللَّــ ِه َج ْهــدَ أَ ْيَٰ ِنه ْ‬ ‫ـى َو ْعــدً ا َعلَ ْي ـ ِه َح ًّقــا‬ ‫ٱللَّــهُ َمــن َيُـ ُ‬ ‫ـوت َبـ َ ٰ‬ ‫ــن‬ ‫ْــر ٱل َّن ِ‬ ‫ــاس َل َي ْعلَ ُمــونَ * لِ ُي َب ِّ َ‬ ‫َولَٰ ِكــ َّن أَك َ َ‬ ‫ـم الَّ ِذيـ َن‬ ‫ـم الَّـ ِذي َي ْخ َتلِ ُفــونَ ِفيـ ِه َولِ َي ْعلَـ َ‬ ‫لَ ُهـ ُ‬ ‫ــم كَانُــوا كَا ِذبِــ َن ﴾]النحــل‪:‬‬ ‫كَفَــ ُروا أَنَّ ُه ْ‬ ‫‪.[39-38‬‬ ‫وصــى اللــه عــى مــن هدانــا بــه مــن‬ ‫الضاللــة‪ ،‬وعلمنــا بعــد الجهالــة‪ ،‬واللــه‬ ‫نســأل أن يوفقنــا القتفــاء آثــاره؛ حتــى‬ ‫يحلنــا دار املقامــة يف جــواره‪ ،‬وعــى آلــه‬

‫وصحبــه وســلم تســليام كثــ ًرا‪.‬‬ ‫وبعــد‪ :‬فاختــاف النــاس يف الحــق ال‬ ‫يوجــب اختــاف الحــق يف نفســه‪،‬‬ ‫وإمنــا تختلــف الطــرق املوصلــة إليــه‪،‬‬ ‫والقياســات املركبــة عليــه‪ ،‬والحــق يف‬ ‫نفســه واحــد‪ ،‬لكــن ال يقــدر حــق ذلــك‬ ‫إال العاملــون‪ ،‬وال ينتبــه لغامــض رسهــا إال‬ ‫املســتبرصون‪.‬‬ ‫ففــي حالــة الفــوىض التــي متــر بهــا األمــة‬ ‫يف شــتى املجــاالت والرصاعــات املختلفــة‬ ‫بــن الجامعــات واألح ـزاب واملؤسســات‪،‬‬ ‫بــل حتى بــن النخــب الفكريــة والثقافية‪،‬‬ ‫ومــا تعانيــه مــن اهتــام بع ِّينــ ٍة ممــن‬ ‫تصــدَّ ر الفضائيــات‪ ،‬وتوفــر فــرص‬ ‫تدفعهــم إىل مناصــب اجتامعيــة متقدمــة‬ ‫حتــى وإن كانــت مؤهالتهــم الحقيقيــة‬ ‫متواضعــة وضعيفــة‪ .‬والطعــن يف اإلســام‬ ‫وادعــاء عــدم صالحيــة الرشيعــة للتطبيق‪،‬‬ ‫ومحــارصة دعــاة اإلســام الصادقــن‬ ‫املعتدلــن واتهامهــم بالتفريــط تــارة‬ ‫والظالميــة أخــرى‪ ،‬والقــول أنــه ينبغــي‬ ‫التعامــل مــع النــص القــرآين باعتبــاره نصا‬ ‫تاريخيــا غــر ملــزم يف ترشيعاتــه وأحكامه‬ ‫عــى عرصنــا الحــايل‪ ،‬والهجــوم عــى كل‬ ‫تفســر صحيــح لإلســام‪ ،‬والدعــوة إىل كل‬ ‫مــا يثــر االضطــراب داخــل املجتمعــات‬ ‫اإلســامية والعربيــة بإثــارة املســائل‬ ‫العرقيــة والطائفيــة واألقليــات‪ ،‬والتهويــن‬

‫الوسطية‬

‫‪25‬‬


‫‪26‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫مــن فتــاوى العلــاء الحقيقيــن؛ للتقليــل‬ ‫مــن أهميــة املرجعيــة العلميــة يف‬ ‫معظــم البــاد العربيــة واإلســامية؛ كل‬ ‫ذلــك وغــره يثــر جــدال حــول تــراث‬ ‫هــذه األمــة وموروثهــا العظيــم‪ ،‬ودور‬ ‫العقــل وطــرق التعامــل مــع النصــوص‬ ‫اإلســامية‪ ،‬ومــدى أهميــة هــذه النصوص‬ ‫ومرجعيتهــا اإلســامية‪ ،‬ومــا دور علــاء‬ ‫األمــة يف تكويــن مرجعيــة علميــة حقيقة‪،‬‬ ‫وهــل عرفــت األمــة املرجعيــة يف حياتهــا‪،‬‬ ‫ومــا جــدوى تلــك املرجعيــة عــى واقعنــا‬ ‫املعــارص‪.‬‬ ‫فانقســمت تلــك األفــكار عــى األغلــب إىل‬ ‫ثالثــة مواقف‪:‬‬ ‫املوقــف األول‪ :‬مــن اختــار الغلــو‬ ‫والتطــرف‪ ،‬فعــادى هــذا املــوروث‬ ‫العظيــم‪ ،‬ومتــ َّرد عليــه‪ ،‬ورفــض مــا فيــه‬ ‫مــن نصــوص ومتــ َّرد عــى مرجعيتهــا‪.‬‬ ‫إذ يــرى هــؤالء‪ :‬أن الحديــث عــن اإلســام‬ ‫كمرجعيــة نهائيــة هــو دعــوة إىل العــودة‬ ‫إىل الحكومــة الدينيــة وحكــم الكهنــوت‬ ‫ومــا شــابه مــن مخــاوف‪ .‬وقــد غــاب‬ ‫عــن عنهــم أن أي مجتمــع ال يتحــرك‬ ‫إال يف إطــار مرجعيــة نهائيــة مــا ســواء‬ ‫رســمها بنفســه أو رســمت لــه‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك املجتمعــات العلامنيــة‪ ،‬رأســالية‬ ‫كانــت أم اشـراكية‪ ،‬دميقراطيــة كانــت أم‬ ‫شــمويل‪ .‬وبــدون هــذه املرجعيــة ال ميكــن‬ ‫للمجتمــع أن يحــدد أولوياتــه أو يســر‬ ‫أمــوره ألنــه ســيفتقد املعايــر التــي ميكــن‬ ‫أن يحكــم بهــا عــى مــا يحيــط بــه مــن‬ ‫ظواهــر ومــا يقــع حولــه مــن أحــداث‪.‬‬ ‫املوقــف الثــاين‪ :‬متســك متســكا شــديدا‬ ‫بــكل مــا ورد فيــه مــن غــر متحيــص‬

‫وتدقيــق‪ ،‬وأيضــا دون جــرح وتعديــل يف إليهــا يف الســلم والحــرب‪ ،‬وأن تنــر للبــاد‬ ‫ناقلــه‪ ،‬وفــر هــذه النصــوص بحســب والعبــاد طريقهــم‪.‬‬ ‫فهمــه الخــاص وخلفيتــه الجمعيــة‪،‬‬ ‫بطريقــة مغاليــة يف فهــم املرجعيــة‬ ‫التعريف بالعنوان‪ ،‬وبيان‬ ‫اإلســامية‪ ،‬محاولــن إبعــاد عامــة النــاس‬ ‫مقصود مفرداته‬ ‫عنهــا‪ ،‬وحرصهــا يف أشــخاص محدديــن‪.‬‬ ‫الثالــث‪ :‬مــن ســلك طريقــا وســطا بــن‬ ‫الفريقــن‪ ،‬فــا هــو أهمــل النصــوص كــا‬ ‫مل يفرسهــا عــى هــواه دون تدقيــق أو لغــة مأخــوذة مــن‪َ :‬ر َجــع َي ْرجِ ــع َر ْجع ـاً‬ ‫متحيــص بــل قــدم حلــوال متوازيــة يف كافة و ُر ُجوعــاً و ُر ْج َعــى و ُر ْجعانــاً و َم ْرجِ عــاً‬ ‫املســائل‪ ،‬معتمــدا مرجعيــة النصــوص يف و َم ْرجِ عـ ًة‪ ،‬انــرف‪ .‬ويف التنزيــل‪﴿ :‬إنَّ إِ َل‬ ‫الكتــاب والســنة املطهــرة الصحيحــة‪ ،‬مــع َر ِّبــكَ ال ُّر ْج َعــى﴾ ]العلــق‪ [8:‬أَي‪ :‬ال ُّرجــو َع‪.‬‬ ‫مالحظــة مــا يطــرأ عــى واقــع األمــة مــن وراجــع الــي َء رجــع إليــه‪ ،‬وفيــه ِإ َل اللَّـ ِه‬ ‫مســتجدات‪)3(.‬‬ ‫ــم‬ ‫ُــم بِ َــا كُ ْن ُت ْ‬ ‫ُــم َج ِمي ًعــا َف ُي َن ِّب ُئك ْ‬ ‫َم ْرجِ ُعك ْ‬ ‫وهــذه الورقــات تحــاول تســليط الضــوء تَعملُون﴾]املائــدة‪ [105:‬أَي رجوعكــم(‪)4‬‬ ‫ُ​ُ‬ ‫َْ‬ ‫وبيــان خلــل الفريقــن األولــن مــن خــال واآليــات كثــرة نحــو هــذا املعنــى‪ ،‬منهــا‬ ‫ــم‬ ‫ِــم َم ْرجِ ُع ُه ْ‬ ‫ــم إِ َ ٰل َر ِّبه ْ‬ ‫خلفيــة الفريــق الثالــث فريــق االعتــدال قولــه تعــاىل‪﴿ :‬ثُ َّ‬ ‫ـم بِ َــا كَانُــوا َي ْع َملُــونَ ﴾ ]األنعــام‪:‬‬ ‫والوســطية‪ ،‬والــذي هــو منهــج لــكل َف ُي َن ِّب ُئ ُهـ ْ‬ ‫ســليم القلــب‪.‬‬ ‫‪ ،[١٠٨‬وقــال أيضــا‪َ ﴿ :‬وإِ َّمــا نُ ِر َي َّنــكَ‬ ‫ـم أَو نَ َت َو َّف َي َّنــكَ َفإِلَ ْي َنــا‬ ‫قســمت بحثــي إىل‪ :‬مقدمــة‪َ ،‬ب ْعـ َ‬ ‫ُ‬ ‫ولذلــك‬ ‫ـض الَّ ـ ِذي نَ ِعدُ ُهـ ْ‬ ‫ـم﴾ ] يونــس‪ ،[46:‬وقــال‪﴿ :‬ثُ َّم إِنَّ‬ ‫وأربعــة مباحــث‪:‬‬ ‫َم ْرجِ ُع ُهـ ْ‬ ‫ـم َل َِل الْ َج ِحيـ ِـم﴾ ]الصافــات‪.[68:‬‬ ‫ُ‬ ‫بينــت يف املقدمــة أهميــة البحــث‪َ ،‬م ْرجِ َع ُهـ ْ‬ ‫أمــا اصطالحــا‪ ،‬فهــي‪« :‬مجموعــة املبــادئ‬ ‫ومشــكالته‪ ،‬وخطتــه‪.‬‬ ‫واملوجهــات املعياريــة الكــرى التــي‬ ‫املبحث األول‪ :‬التعريف بالعنوان‪،‬‬ ‫ترشــد إىل مــا هــو صــواب ومــا هــو خطــأ‪،‬‬ ‫وبيان مقصود مفرداته‪.‬‬ ‫مــا يجــوز ومــا ال يجــوز مــن منظــور‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬املرجعية عند أهل‬ ‫املصلحــة املعتــرة للمجتمــع‪ ،‬لهــا ســلطة‬ ‫السنة والجامعة‪.‬‬ ‫نظريــة مطلقــة مــن كل وجــه ومــن كل‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬املرجعية عند‬ ‫اعتبــار يف الفصــل بــن مــا هــو صحيــح‬ ‫الشيعة‪.‬‬ ‫ومــا هــو خطــأ»‪)5(.‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬املرجعية يف وقتنا‬ ‫الحايل‪.‬‬ ‫وأســأل اللــه تعــاىل أن ينفــع بهــذه‬ ‫الكلــات‪ ،‬وأن تصــل غايــة مــا أمتنــى‪ ،‬الدِّ يــ ُن لغــة‪ :‬الطاعــة واالنقيــاد‪ ،‬وهــو‬ ‫وأن نــرى مرجعيــة علميــة وســطية يرجــع اســم لــكل مــا ُيتد َّيــ ُن بــه ســواء كان‬

‫‪ -3‬انظر‪ :‬مقال لألستاذ أبو العال مايض‪( :‬الرتاث والعقل والنقل واملرجعية اإلسالمية)‪https://ar-ar.facebook.com :‬‬ ‫‪ - 4‬انظر‪ :‬لسان العرب ملحمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪ :‬مادة‪(:‬رجع)‪.‬‬ ‫‪ -5‬انظر‪ :‬الرتاث واملرجعية اإلسالمية بني النقل والعقل‪ ،‬لألستاذ الدكتور عبد الحليم عويس‪.44:‬‬

‫املبحث األول‬

‫أوال‪ -‬المرجعية‪:‬‬

‫ثانيا‪ -‬الدينية‪:‬‬


‫صحيحــا أم باطــا‪،‬‬ ‫ـر اإل ِْس ـا َِم‬ ‫قــال تعــاىل‪َ ﴿ :‬و َمــن َي ْب َت ـ ِغ َغـ ْ َ‬ ‫ــل ِم ْنــهُ َو ُهــو ِف اآل ِخــ َر ِة‬ ‫ِدي ًنــا َفلَــن ُي ْق َب َ‬ ‫َاسيــ َن﴾]آل عمــران‪)6(.[ 85:‬‬ ‫ِمــ َن الْخ ِ ِ‬ ‫ويف االصطــاح العــام‪ :‬مــا يعتنقــه النــاس‬ ‫ويعتقــده ويديــن بــه مــن أمــور الغيــب‬ ‫والشــهادة‪.‬‬ ‫ويف االصطــاح الرشعــي‪ :‬التســليم للــه‬ ‫تعــاىل واالنقيــاد لــه‪ ،‬أو هــو‪ :‬وضــع إلهــي‬ ‫يدعــو أصحــاب العقــول إىل قبــول مــا‬ ‫هــو عنــد الرســول‪ ،‬أو وضــع إلهــي ســائق‬ ‫لــذوي العقــول باختيارهــم املحمــود إىل‬ ‫الخــر بالــذات‪)7(.‬‬

‫ثالثا‪ -‬التهميش‪:‬‬

‫ــش)‪ .‬يقــال‪َ « :‬ع َ‬ ‫لغــة‪ :‬مصدرهــا ( َه َّم َ‬ ‫ــى‬ ‫ْــرِ»‪ ،‬أي‪َ :‬ع َ‬ ‫َها ِم ِ‬ ‫ــى َح ِاشــ َي ِت ِه‪.‬‬ ‫ــش الدَّ ف َ‬ ‫ويقــال‪َ :‬ج ْعلَــهُ َع َ‬ ‫أي‪:‬‬ ‫ــى ال َها ِم ِ‬ ‫ــش‪ْ .‬‬ ‫عَــدَ م إ ْعطَائِــ ِه أ َه ِّم َّيــ ًة‪ .‬ويقــال‪ :‬ه َّمــش‬ ‫املوضــو َع‪ :‬جعلــه ثانو ًّيــا‪ ،‬ومل يجعلــه مــن‬ ‫اهتامماتــه املبــارشة واملُلِ َّحــة‪.‬‬ ‫واصطالحــا‪ :‬جملــة مــن اإلجــراءات‬ ‫والخطــوات املُنظَّمــة‪ ،‬تُوضــع عــى‬ ‫أساســها املوانــع والعوائــق أمــام األف ـراد‬ ‫والجامعــات‪ ،‬حتــى ال يتحصلــوا عــى‬ ‫حقوقهــم يف شــتى املجــاالت املتاحــة‬ ‫ألشــخاص أو مجموعــات أخــرى‪)8(.‬‬

‫رابعا‪ -‬المفروض‪:‬‬

‫لغــة‪ :‬ف ـ َر َض َيف ـرِض َف ْرضً ــا‪ ،‬فهــو فــارِض‪،‬‬ ‫واملفعــول‪َ :‬مفْــروض‪ .‬يقــال‪ :‬ف َرضْ ــت‬ ‫الــيء‪ ،‬أَ ْفرِضــه َف ْرض ـاً‪ .‬و َف َّرضْ ُتــه للتكثــر‪:‬‬ ‫أَ ْو َج ْب ُتــه‪ .‬واف َ َْتضَ ــه ك َف َرضَ ــه‪ .‬واالســم‬ ‫ـض اللّ ـ ِه‪ُ :‬حــدو ُده التــي‬ ‫ال َفرِيض ـ ُة‪ ،‬و َفرائـ ُ‬ ‫أَمــر بهــا ونهــى عنهــا‪)9(.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫واصطالحــا‪ :‬مــا َي ْفرِضــه ويوجبــه اإلنســان‬ ‫عــى نفســه أو غــره بالقــوة أو بغريها(‪)10‬‬

‫خامسا‪ -‬التقديس‪:‬‬

‫لغــة‪ :‬ال َّت ْبيــك وال َّتطْ ِهــر‪ ،‬والتطهــر‪ :‬إزالــة‬ ‫الخبــث وإزالــة الســوء‪.‬‬ ‫واصطالحــا‪ :‬تنزيــه الحــق عــن كل مــا‬ ‫ال يليــق بجنابــه مــن النقائــص الكونيــة‬ ‫مطلقًــا‪ ،‬ومــن جميــع مــا يعــد كــاالت‬ ‫بالنســبة إىل غــره مــن املوجــودات‬ ‫مجــردة أوالً‪.‬‬ ‫وهــو أخــص مــن التســبيح كيفيــة وكميــة‪،‬‬ ‫أي‪ :‬أشــد تنزيهــا منــه وأكــر‪ ،‬ولذلــك‬ ‫يؤخــر عنــه يف قولهــم ســبوح قــدوس‪.‬‬ ‫وحــى ابــن األَعـرايب‪ :‬ال َقدَّ ســه اللَّــه أَي ال‬ ‫بــارك عليــه‪ .‬وامل ُ َقــدَّ س‪ :‬املطهــر‪)11(.‬‬

‫سادسا‪ -‬المرفوض‪:‬‬

‫ْــض لغــة‪ :‬تــركُكَ الــي َء‪ .‬تقــول‪:‬‬ ‫ال َّرف ُ‬ ‫ــت الــي َء‪،‬‬ ‫َرفَضَ نــي َف َرفَضْ ُتــه‪َ ،‬رفَضْ ُ‬ ‫أَ ْرفُضُ ــه وأَر ِفضُ ــه َرفْضــاً و َرفَضــاً ترك ُتــه‪،‬‬ ‫فهــو مرفــوض‪)12(.‬‬ ‫ويف اصطــاح الــرع‪ :‬مــا ثبــت بالدليــل‬ ‫الرشعــي حرمتــه أو كراهتــه‪ )13(.‬أو مــا‬ ‫اســتقرت النفــوس عــى رفضــه بشــهادة‬ ‫العقــول‪ ،‬واجتمــع النــاس عــى أنــه‬ ‫تــرف ال يليــق ونفرتــه الطبائــع‪)14(.‬‬

‫املبحث الثاين‬

‫املرجعية عند أهل السنة‬ ‫والجامعة‬

‫العلــاء عنــد أهــل الســنة ذرائــع ملعرفــة‬ ‫مــا رشعــه اللــه تعــاىل‪ ،‬وطاعتهــم إمنــا‬ ‫تجــب لهــم عــى هــذا االعتبــار‪ ،‬فليســت‬ ‫لهــم طاعــة ذاتيــة وال طاعــة مطلقــة‪ ،‬وال‬ ‫حــق لهــم يف الترشيــع املطلــق بحــال مــن‬ ‫األحــوال‪ ،‬بــل يقتــر دورهــم عــى فهــم‬ ‫النصــوص واالســتنباط منهــا والتخريــج‬ ‫عليهــا والــرد إليهــا‪ ،‬فالحــال مــا أحلــه‬ ‫اللــه ورســوله‪ ،‬والحــرام مــا حرمــه‬ ‫اللــه ورســوله‪ ،‬والديــن مــا رشعــه اللــه‬ ‫ورســوله‪ ،‬قــال تعــاىل‪ ﴿ :‬يَاأَيُّ َهــا الَّ ِذيــ َن‬ ‫آ َم ُنــوا أَ ِطي ُعــوا اللَّــهَ َوأَ ِطي ُعــوا ال َّر ُس َ‬ ‫ــول‬ ‫ــم ِف‬ ‫ُــم فَــإِنْ تَ َنا َز ْع ُت ْ‬ ‫َوأُ ْو ِل ْالَ ْمــ ِر ِم ْنك ْ‬

‫‪ -6‬انظر‪ :‬لسان العرب البن منظور‪ :‬مادة‪(:‬دين)‪.‬‬ ‫‪ -7‬انظر‪ :‬التوقيف عىل مهامت التعاريف ملحمد عبد الرؤوف املناوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد رضوان الداية‪ ،‬دار الفكر املعارص‪ ،‬بريوت‪ -‬دمشق‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1410 ،‬هـ‪.344:‬‬ ‫‪ -8‬انظر‪ :‬االستبعاد االجتامعي محاولة للفهم‪ ،‬تحرير‪ :‬جون هيلز وجوليان لوغران ودافيد بياشو‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬د‪ .‬محمد الجوهري‪ ،‬عامل املعرف‪1978 ،‬م‪.21-20 :‬‬ ‫‪ -9‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة‪] :‬فرض[‪.‬‬ ‫‪ -10‬انظر‪ :‬املعجم الوسيط إلبراهيم مصطفى وأحمد الزيات وحامد عبد القادر ومحمد النجار‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬دار الدعوة‪.823/2 :‬‬ ‫‪ -11‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ :‬مادة‪] :‬قدس[‪.‬‬ ‫‪ -12‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ :‬مادة‪] :‬رفض[‪.‬‬ ‫‪ -13‬انظر‪ :‬روضة الناظر وجنة املناظر‪ ،‬أليب محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة املقديس‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬عبد العزيز عبد الرحمن السعيد‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود – الرياض‪،‬‬ ‫لطبعة الثانية‪1399 ،‬هـ‪.41:‬‬ ‫‪ -14‬انظر‪ :‬التعريفات لعيل بن محمد بن عيل الجرجاين‪ ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم األبياري‪ ،‬دار الكتاب العريب – بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1405 ،‬هـ‪.193:‬‬

‫الوسطية‬

‫‪27‬‬


‫‪28‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫ـم وهــي‪:‬‬ ‫ش ٍء َف ـ ُر ُّدو ُه إِ َل اللَّ ـ ِه َوال َّر ُســولِ إِنْ كُن ُتـ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ـر ‪ -1‬القــرآن الكريــم‪ :‬كالم اللــه املنــزل‬ ‫تُ ْؤ ِم ُنــونَ بِاللَّ ـ ِه َوالْ َي ـ ْو ِم ْال ِخ ـ ِر َذلِــكَ َخـ ْ ٌ‬ ‫َوأَ ْح َســ ُن تَأْو ً‬ ‫ِيــا﴾ [النســاء‪ ]59:‬فقــد عــى رســوله محمــد صــى اللــه عليــه‬ ‫أفــرد اللــه نفســه بطاعــة‪ ،‬وأفــرد نبيــه وســلم املكتــوب يف املصاحــف‪ ،‬املنقــول‬ ‫كذلــك بطاعــة‪ ،‬وجعــل طاعــة أويل إلينــا بالتواتــر بــا شــبهة‪ ،‬املعجــز‪،‬‬ ‫األمــر مــن العلــاء مقرونــة بطاعــة اللــه واملتعبــد بتالوتــه‪ .‬فامتــاز هــذا املصــدر‬ ‫ـم‬ ‫ورســوله‪ ،‬وأمــر بــرد األمــر عنــد التنــازع بكونــه ربانيــا‪ ،‬قــال تعــاىل‪َ ﴿ :‬فـ َـا أُ ْق ِسـ ُ‬ ‫ـم لَوتَ ْعلَ ُمــونَ‬ ‫إىل كتابــه وســنة رســوله صــى اللــه عليــه بِ َ َوا ِقـ ِع ال ُّن ُجـ ِ‬ ‫ـوم* َوإِنَّــهُ لَق َ​َسـ ٌ‬ ‫ــاب‬ ‫ِيــم* ِف ِك َت ٍ‬ ‫يــم* إِنَّــهُ لَقُــ ْرآنٌ كَر ٌ‬ ‫وســلم فقــال تعــاىل‪َ ﴿ :‬ولَــو َر ُّدو ُه إِ َل َع ِظ ٌ‬ ‫ــم لَ َعلِ َمــهُ َمكْ ُنــونٍ * َل َيَ ُّســهُ إِ َّل الْ ُمطَ َّهـ ُرونَ * تَ ْنزِيـ ٌـل‬ ‫ول ْالَ ْمــ ِر ِم ْن ُه ْ‬ ‫ال َّر ُســولِ َوإِ َ ٰل أُ ِ‬ ‫ــل ِمــ ْن َر ِّب الْ َعالَ ِمــ َن ﴾]الواقعــة‪.[80-75:‬‬ ‫ــم َولَــ ْو َل فَضْ ُ‬ ‫الَّ ِذيــ َن َي ْســ َت ْن ِبطُونَهُ ِم ْن ُه ْ‬ ‫ـم الشَّ ـ ْيطَانَ كــا جــاء شــامال لجميــع مــا يحتــاج إليــه‬ ‫ـم َو َر ْح َم ُتــهُ َلتَّ َب ْع ُتـ ُ‬ ‫اللَّـ ِه َعلَ ْيكُـ ْ‬ ‫إِ َّل َقلِ ً‬ ‫اإلنســان يف دنيــاه وأخــراه‪ ،‬قــال تعــاىل‪:‬‬ ‫يــا ﴾ [النســاء‪.]83:‬‬ ‫ش ٍء ﴾ ]‬ ‫فاملرجعيــة مشــتقة مــن املرجــع والرجوع‪َ ﴿ ،‬مــا َف َّرطْ َنــا ِف الْ ِك َت ِ‬ ‫ــاب ِمــ ْن َ ْ‬ ‫ـاس يف األنعــام‪ .[38:‬وواضحــا‪ ،‬وكامــا‪ ،‬وعمليــا‪،‬‬ ‫وهــي تعنــي مــن يرجـ ُـع إليهــم النـ ُ‬ ‫أمورهــم الدينيــة والسياســية واالجتامعية ومعجــزا‪ ،‬ومحفوظــا‪.‬‬ ‫وكافــة أحوالهــم‪ ،‬بــل الخاصــة منهــا أيضــا‪ -2 ،‬الســنة النبويــة الصحيحــة‪:‬‬ ‫ويســتفتونهم يف قضاياهــم املصرييــة وهــي مــا صــدر عــن النبــي محمــد ‪-‬صــى‬ ‫ونوازلهــم‪ ،‬قــال تعــاىل‪َ ﴿ :‬فلَــ ْوال نَفَــ َر اللــه عليــه وســلم‪ -‬غــر القــرآن مــن فعــل‬ ‫ــم طَائِفَــ ٌة لِّ َي َت َف َّق ُهــوا أو قــول أو تقريــر‪ .‬جــاء يف الحديــث‪« :‬‬ ‫ِمــن ك ُِّل ِف ْر َقــ ٍة ِّم ْن ُه ْ‬ ‫ــم‬ ‫ــم إ َذا َر َج ُعــوا إِ ِّن َقــدْ تَ َرك ُ‬ ‫ِف الدِّ ِ‬ ‫ُــم َمــا إِنِ ا ْع َت َص ْم ُت ْ‬ ‫ْــت ِفيك ْ‬ ‫يــن َولِ ُينــ ِذ ُروا َق ْو َم ُه ْ‬ ‫ـاب اللَّ ـ ِه‪َ ،‬و ُس ـ َّن َة‬ ‫ـم لَ َعلَّ ُهـ ْ‬ ‫إلَ ْي ِهـ ْ‬ ‫ـم َي ْحـ َذ ُرونَ ﴾ [التوبــة‪ِ .]122 :‬ب ـ ِه َفلَ ـ ْن ت َِضلُّــوا أَ َبــدً ا ِك َتـ َ‬ ‫وميكــن تقســيم مرجعيــة األمــة بحســب نَ ِب ِّيــ ِه«‪ )15(.‬وهــي إمــا مبينــة ومفصلــة‬ ‫مصادرهــا ومــا ورد يف القــرآن إىل ومؤيــدة ملــا جــاء يف القــرآن الكريــم‪ ،‬أو‬ ‫نــص عليــه يف القــرآن‪،‬‬ ‫مرجعيتــن ‪:‬‬ ‫مؤسســة ملــا مل ُي ُّ‬ ‫األوىل‪ :‬املرجعيــة األصوليــة‪ :‬وهــي الجهــة ومــن هنــا كانــت طاعــة الرســول ‪-‬صــى‬ ‫التــي َيــر ُّد النــاس أمورهــم إليها يف شــؤون اللــه عليــه وســلم‪ -‬مقرونــة بطاعــة اللــه‪،‬‬ ‫دينهــم ودنياهــم وكافــة أحوالهــم وال قــال تعــاىل‪ ﴿ :‬يــا أَ ُّي َهــا الَّ ِذيــ َن آ َم ُنــوا‬ ‫ميكــن العــدول عنهــا‪ ،‬وهــي التــي تحــل أَ ِطي ُعــوا اللَّــهَ َوأَ ِطي ُعــوا ال َّر ُس َ‬ ‫ول‬ ‫ــول َوأُ ِ‬ ‫ش ٍء َف ُر ُّدو ُه‬ ‫ـم َفـإِنْ تَ َنا َز ْع ُتـ ْ‬ ‫وتحــرم‪ ،‬ومتنــع وتــرع‪ ،‬وتشــمل هــذه ْالَ ْمـ ِر ِم ْنكُـ ْ‬ ‫ـم ِف َ ْ‬ ‫ـم تُ ْؤ ِم ُنــونَ بِاللَّ ِه‬ ‫املرجعيــة املصــادر األساســية لألمــة‪ ،‬إِ َل اللَّـ ِه َوال َّر ُســولِ إِنْ كُ ْن ُتـ ْ‬

‫ـر َوأَ ْح َسـ ُن تَأْوِيـ ًـا‬ ‫َوالْ َيـ ْو ِم ْال ِخـ ِر َذ ِلــكَ َخـ ْ ٌ‬ ‫﴾]النســاء‪)16(.[59:‬‬ ‫فــا يجــوز العــدول أوتــرك مرجعيــة‬ ‫الكتــاب والســنة بــل واجــب عــى كل‬ ‫مســلم ومســلمة طاعــة اللــه ورســوله؛‬ ‫ــن‬ ‫حيــث قــال تعــاىل‪َ ﴿ :‬و َمــا كَانَ لِ ُم ْؤ ِم ٍ‬ ‫ـى اللَّــهُ َو َر ُســولُهُ أَ ْم ـ ًرا‬ ‫َوال ُم ْؤ ِم َن ـ ٍة إِ َذا َقـ َ‬ ‫ـم َو َمـ ْن‬ ‫ـر ُة ِمـ ْن أَ ْم ِر ِهـ ْ‬ ‫أَنْ َيكُــونَ لَ ُهـ ُ‬ ‫ـم الْ ِخـ َ َ‬ ‫ــل ضَ ً‬ ‫َي ْع ِ‬ ‫ــال‬ ‫ــص اللَّــهَ َو َر ُســولَهُ َف َقــدْ ضَ َّ‬ ‫ُمبِي ًنا﴾]األحــزاب‪ ،[36:‬فاإلميــان واجــب‬ ‫بــأن الــذي لــه التحليــل والتحريــم واألمــر‬ ‫والنهــي هــو اللــه ســبحانه وتعــاىل‪،‬‬ ‫والنبــي صــى اللــه عليــه وســلم مبلــغ‬ ‫عــن اللــه‪.‬‬ ‫املرجعيــة الثانيــة‪ :‬مرجعيــة خاصــة‪،‬‬ ‫أو مرجعيــة تبعيــة‪ ،‬وهــي مرجعيــة‬ ‫األشــخاص مجتمعــن ومفرتقــن‪ :‬فهــم‬ ‫الذيــن ميثلــون املرجعية األوىل مبســتواهم‬ ‫العلمــي وباملصداقيــة الســلوكية‪ ،‬مبــا ال‬ ‫يتنــاىف مــع الضوابــط واملحــددات التــي‬ ‫رســمتها املرجعيــة األوىل‪.‬‬ ‫وأســميتها املرجعيــة التبعيــة؛ ألنهــا تابعــة‬ ‫للمرجعيــة األوىل ‪-‬مرجعيــة الكتــاب‬ ‫والســنة املطهــرة‪ -‬ليــس لهــا أن تحيــد‬ ‫عنهــا‪ ،‬وإال لحقهــا البطــان وحكــم عليهــا‬ ‫بالخــذالن‪.‬‬ ‫ولهذه املرجعية صور كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫أوال‪ -‬اإلجــاع‪ :‬وهــو اتفــاق مجتهــدي‬ ‫هــذه األمــة بعــد النبــي ‪-‬صــى اللــه‬ ‫عليــه وســلم‪ -‬عــى حكــم رشعــي‪)17(.‬‬ ‫وهــو أفضــل صــورة لتكويــن مرجعيــة‬

‫‪ -15‬املستدرك عىل الصحيحني أليب عبد الله الحاكم‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1411 ،‬هـ ‪1990 -‬م‪.[318] :‬‬ ‫‪ -16‬انظر‪ :‬املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬تأليف الدكتور‪ :‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬دار عمر بن الخطاب‪ ،‬اإلسكندرية‪.195- 184:‬‬ ‫‪ -17‬انظر‪ :‬املدخل لدراسة الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬تأليف الدكتور‪ :‬عبد الكريم زيدان‪.196:‬‬


‫دينيــة ألهــل الســنة كــا ســيأيت بيــان‬ ‫ذلــك الحقــا‪.‬‬ ‫ثانيــا‪ -‬القيــاس‪ ،‬وهــو‪ :‬إلحــاق مســألة ال‬ ‫نــص عــى حكمهــا مبســألة ورد النــص‬ ‫َّ‬ ‫ـص‬ ‫بحكمهــا يف الحكــم الــذي ورد بــه ال َّنـ ُّ‬ ‫لتســاوي املســألتني يف علَّـ ِة الحكــم‪ ،‬ومــن‬ ‫يقــوم بذلــك العلــاء‪)18(.‬‬ ‫ثالثــا‪ -‬العلــاء الر َّبانيــون‪ ،‬حيــث تنــاول‬ ‫القــرآن الكريــم بعــض هــذه املفــردات‬ ‫التــي تــدل عــى الرجــوع إىل األشــخاص‪،‬‬ ‫وض َّمنــه معنــى املرجعيــة الخاصــة‪ ،‬فقــال‬ ‫تعــاىل‪﴿ :‬ياأَ ُّي َهــا الَّ ِذيــ َن آ َم ُنــوا أَ ِطي ُعــوا‬ ‫اللَّــهَ َوأَ ِطي ُعــوا ال َّر ُسـ َ‬ ‫ـم‬ ‫ول ْالَ ْمـ ِر ِم ْنكُـ ْ‬ ‫ـول َوأُ ِ‬ ‫ش ٍء فَــ ُر ُّدو ُه إِ َل اللَّــ ِه‬ ‫فَــإِنْ تَ َنا َز ْع ُت ْ‬ ‫ــم ِف َ ْ‬ ‫ـم تُ ْؤ ِم ُنــونَ بِاللَّـ ِه َوالْ َيـ ْو ِم‬ ‫َوال َّر ُســولِ إِنْ كُ ْن ُتـ ْ‬ ‫َــر َوأَ ْح َســ ُن تَأْو ً‬ ‫ِيــا﴾]‬ ‫ْال ِخــ ِر َذلِــكَ خ ْ ٌ‬ ‫النساء‪.[59:‬‬ ‫قــال ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا يف‬ ‫ُــم ﴾؛‬ ‫ول ْالَ ْمــ ِر ِم ْنك ْ‬ ‫قولــه تعــاىل‪َ ﴿ :‬وأُ ِ‬ ‫يعنــي‪ :‬أهــل الفقــه والديــن‪ ،‬وكــذا قــال‬ ‫مجاهــد وعطــاء‪)19(.‬‬ ‫ويؤيد تفسري ذلك قوله تعاىل‪:‬‬ ‫ول ْالَ ْم ـ ِر‬ ‫﴿ َولَــو َر ُّدو ُه إِ َل ال َّر ُســولِ َوإِ َ ٰل أُ ِ‬ ‫ـم﴾‬ ‫ـم لَ َعلِ َمــهُ الَّ ِذيـ َن َي ْسـ َتن ِبطُونَهُ ِم ْن ُهـ ْ‬ ‫ِم ْن ُهـ ْ‬ ‫]النســاء‪ [83:‬فاالســتنباط ال ميارســه إال‬ ‫العلــاء وأهــل الفقــه‪.‬‬ ‫وقــال أيضــا‪َ ﴿ :‬و َج َعل َنا ُهــم أَ ِئَّ ـ ًة َيهــدُ ونَ‬ ‫ِبأَم ِرنَــا ﴾ ]األنبيــاء‪ .[73:‬كــا قــال‪َ ﴿ :‬وإِ ِذ‬ ‫ــا ٍت َفأَتَ َّ ُهــ َّن‬ ‫ــى إِ ْب َرا ِه َ‬ ‫يــم َر ُّبــهُ ِبكَلِ َ‬ ‫ا ْب َت َ ٰ‬

‫ـاس إِ َما ًمــا َقـ َ‬ ‫َقـ َ‬ ‫ـال َو ِمــن‬ ‫ـال ِإ ِّن َجا ِع ُلــكَ لِل َّنـ ِ‬ ‫ـال َل َي َنـ ُ‬ ‫ُذ ِّر َّي ِتــي َقـ َ‬ ‫ـال َع ْهـ ِدي الظَّالِ ِمـ َن ﴾]‬ ‫البقــرة‪.[124:‬‬ ‫فيمكــن لعلــاء األمــة بصفتهــم‬ ‫الشــخصية أن يكونــوا مرجعيــة مــن‬ ‫النــوع الثــاين‪ ،‬حيــث لهــم اســتنباط‬ ‫األحــكام مــن خــال مصــادر فرعيــة تــم‬ ‫تحديدهــا وبيانهــا يف كتــب أصــول الفقــه‬ ‫وغريهــا ‪-‬وإن اختلــف العلــاء يف ذلــك‪-‬‬ ‫منهــا‪ :‬االستحســان‪ ،‬واملصالــح املرســلة‪،‬‬ ‫وســد الذرائــع‪ ،‬والعــرف‪ ،‬واالســتصحاب‪،‬‬ ‫ومذهــب الصحــايب‪.‬‬ ‫كــا أن العلــاء اســتخدموا مصطلحــات‬ ‫تــدل عــى مرجعيــة بعضهــم يف األمــة‪،‬‬ ‫أويف مذهــب‪ :‬ســواء كان فقيهـاً‪ ،‬أو عقدياً‪،‬‬ ‫أو لغوي ـاً‪ .‬وســواء كانــت املرجعيــة هــذه‬ ‫يف‪ :‬بلــد‪ ،‬أو بــاد متعــددة‪ .‬ومــن هــذه‬ ‫األلفــاظ‪:‬‬ ‫‪-1‬قولهم‪«:‬املجتهــد املطلــق»‪ ،‬أو»املجتهــد‬ ‫يف املذهــب‪ ،‬أو املجتهــد املقيــد»‪.‬‬ ‫أمــا املجتهــد املطلــق‪ ،‬فهــو‪ :‬العــامل بكتاب‬ ‫اللــه وســنة رســوله ‪ -‬صــى اللــه عليــه‬ ‫وســلم ‪ -‬وأقــوال الصحابــة‪ ،‬يجتهــد يف‬ ‫أحــكام النــوازل يقصــد فيهــا موافقــة‬ ‫األدلــة الرشعيــة حيــث كانــت‪ ،‬أو هــو‪:‬‬ ‫الــذي يفتــي يف جميــع أبــواب الــرع‪.‬‬ ‫واملجتهــد املقيــد‪ ،‬فهــو‪ :‬املجتهــد يف‬ ‫مذهــب مــن ائتــم بــه‪ ،‬فهــو مجتهــد يف‬ ‫معرفــة فتاويــه وأقواله ومأخــذه وأصوله‪،‬‬

‫عــارف بهــا‪ ،‬متمكــن مــن التخريــج عليهــا‪،‬‬ ‫مــن غــر أن يكــون مقلــداً إلمامــه‪ ،‬ال‬ ‫يف الحكــم وال يف الدليــل‪ ،‬لكــن ســلك‬ ‫طريقــه يف االجتهــاد والفتيــا‪ ،‬ودعــا إىل‬ ‫مذهبــه ورتبــه وقــرره‪ ،‬فهــو موافــق لــه‬ ‫يف مقصــده وطريقــه معــاً‪)20(.‬‬ ‫‪ -2‬قولهــم‪« :‬انتهــت إليــه رئاســة‬ ‫ا ملذ هــب » ‪.‬‬ ‫فقــد ذكــر ذلــك ابــن حجــر العســقالين‬ ‫يف كتابــه» الــدرر الكامنــة» يف ترجمــة‪:‬‬ ‫إســاعيل بــن خليفــة بــن عبــد الغالــب‬ ‫الدمشــقي(ت‪778:‬هـ)‪ ،‬حيــث قــال‪:‬‬ ‫«انتهــت إليــه رئاســة املذهب ببلــده»(‪)21‬‬ ‫وذكــره أيضــا يف ترجمــة‪ :‬محمــد بــن‬ ‫عــي بــن عبــد الواحــد بــن عبــد الكريــم‬ ‫االنصــاري الدمشــقي(ت‪727:‬هـ) حيــث‬ ‫نقــل أنــه‪« :‬انتهــت إليــه رئاســة املذهــب‬ ‫تدريســا وافتــا ًء ومناظــر ًة»‪ )22(.‬وهــذا‬ ‫ً‬ ‫كثــر يف كتــب الرتاجــم والرجــال‪.‬‬ ‫‪ -3‬وقــد تكــون الرئاســة انتهــت إليــه يف‬ ‫عــره‪ ،‬فمنهــا قولهــم‪« :‬وانتهــت إليــه يف‬ ‫آخــر عمــره رئاســة املذهــب‪ ،‬بــل رئاســة‬ ‫عــره»‪)23(.‬‬ ‫‪ -4‬أن تكــون يف مــكان محــدد‪ ،‬منهــا‬ ‫قولهــم‪« :‬وانتهــت إليــه رئاســة املذهــب‬ ‫ببغــداد»‪ )24(.‬وقولهــم‪« :‬إمــام الحرمــن»‪،‬‬ ‫وهــو‪ :‬أبــو املعــايل‪ ،‬عبــد امللــك بــن‬ ‫عبــد اللــه بــن يوســف بــن عبــد اللــه‬ ‫الجوينــي (‪)25‬‬

‫‪ -18‬املصدر السابق‪.198 :‬‬ ‫‪ -19‬انظر‪ :‬تفسري القرآن العظيم أليب الفداء إسامعيل بن عمر بن كثري‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي بن محمد سالمة‪ ،‬دار طيبة للنرش‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1420 ،‬هـ ‪1999-‬م‪.345/2:‬‬ ‫‪ -20‬انظر‪ :‬غاية الوصول يف رشح لب األصول لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري‪.156:‬‬ ‫‪ -21‬انظر‪ :‬الدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة للحافظ شهاب الدين أيب الفضل أحمد بن عيل بن محمد العسقالين‪ ،‬تحقيق مراقبة ‪ /‬محمد عبد املعيد ضان‪ ،‬مجلس دائرة‬ ‫املعارف العثامنية‪ ،‬حيدر اباد‪ -‬الهند‪1392،‬هـ‪1972 -‬م‪.435/1:‬‬ ‫‪ -22‬املصدر السابق‪.330/5 :‬‬ ‫‪ -23‬املقصد األرشد يف ذكر أصحاب اإلمام أحمد لإلمام برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الرحمن بن سليامن العثيمني‪ ،‬مكتبة‬ ‫الرشد‪ ،‬الرياض – السعودية‪1410 ،‬هـ ‪1990 -‬م‪.515/2:‬‬ ‫‪ -24‬طبقات الشافعية البن قاىض شهبة‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬الحافظ عبد العليم خان‪ ،‬عامل الكتب – بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ 1407 ،‬هـ‪.141/1:‬‬ ‫‪ -25‬انظر‪ :‬سري أعالم النبالء للذهبي‪.477-468/18 :‬‬

‫الوسطية‬

‫‪29‬‬


‫‪30‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫‪ -5‬قولهــم‪« :‬شــيخ اإلســام»‪ .‬وقــد ع َّرفــه‬ ‫الســخاوي يف كتابــه‪« :‬الجواهــر والــدرر‬ ‫يف ترجمــة شــيخ اإلســام ابــن حجــر»‬ ‫حيــث قــال‪« :‬فهــو ُيطلــق ‪-‬عــى مــا‬ ‫اســتقريء مــن صنيــع املعتربيــن‪ -‬عــى‬ ‫املتبــع لكتــاب اللَّــه تعــاىل وســنة رســوله‬ ‫صــى اللَّــه عليــه وســلم‪ ،-‬مــع املعرفــة‬‫بقواعــد العلــم‪ ،‬والتب ُّحــر يف االطــاع عــى‬ ‫أقــوال العلــاء‪ ،‬وال َّتمكُّــن مــن تخريــج‬ ‫الحــوادث عــى النصــوص‪ ،‬ومعرفــة‬ ‫ـريض‪،‬‬ ‫املعقــول واملنقــول عــى الوضــع املـ ِّ‬ ‫ـف بــه َمـ ْن بلــغ درجــة الوالية‪،‬‬ ‫ورمبــا ُو ِصـ َ‬ ‫وتــرك النــاس بــه ح ًّيــا ومي ًتــا‪ ،‬وكــذا َم ـ ْن‬ ‫وســلِ َم‬ ‫ســلك يف اإلســام طريقــة أهلــه‪َ ،‬‬ ‫ش ِة الشــباب وجهلــه‪ ،‬وكــذا مــن‬ ‫مــن ِ َ‬ ‫صــار هــو ال ُعــدَّ َة واملفــزع إليــه يف كل‬ ‫شــدَّ ة‪ ،‬كــا هــو م ـراد العامــة»‪ )26(.‬ثــم‬ ‫ذكــر الســخاوي مــن أطلــق عليــه هــذا‬ ‫اللقــب‪ ،‬كــا ذكــر ذلــك الذهبــي أيضــا‪،‬‬ ‫منهــم‪ :‬محمــد بــن ســرين البــري(‪،)27‬‬ ‫وعطــاء بــن أيب ربــاح(‪ ،)28‬وعبــد الرحمــن‬ ‫بــن عمــرو بــن يحمــد األوزاعــي(‪،)28‬‬ ‫وحــاد بــن ســلمة بــن دينــار(‪ ،)29‬وابــن‬ ‫تيميــة(‪ ،)30‬وغريهــم كــر‪.‬‬ ‫ومــا يالحــظ يف تعريــف الســخاوي‬

‫للقــب شــيخ اإلســام قولــه‪« :‬وكــذا مــن‬ ‫صــار هــو ال ُعــدَّ َة واملفــزع إليــه يف كل‬ ‫شــدَّ ة «‪ .‬فهــو دليــل رصيــح عــى أن‬ ‫شــيخ اإلســام مرجعيــة دينيــة وإن كانــت‬ ‫خاصــة بالنســبة للمرجعيــة األصوليــة‪)31(.‬‬ ‫مــا تقــدم يتضــح جليــا أن علــاء أهــل‬ ‫الســنة والجامعــة اســتعملوا مــا يــدل‬ ‫عــى مفهــوم املرجعيــة اآلن‪ ،‬ولكــن‬ ‫وفــق النطــاق الــذي تــم بيانــه وطرحــه‬ ‫آنفــا‪ ،‬ســواء كانــت املرجعيــة ملذهــب‬ ‫َّمــا‪ ،‬أو لبلــد معــن‪ ،‬أو بــاد متعــددة‪ ،‬أو‬ ‫للمســلمني عامــة يف عــر مــن العصــور‪.‬‬ ‫وهــذه املرجعيــة الخاصــة ال ميكــن لهــا‬ ‫أن تَخْــ ُر َج عــن الكتــاب والســنة‪ ،‬فهــا‬ ‫مصــدر بقائهــا‪.‬‬

‫املبحث الثالث‬ ‫املرجعية عند الشيعة‬

‫املرجعيــة عنــد الشــيعة تختلــف اختالفــا‬ ‫جذريــا عــا عليــه هــذا املصطلــح عنــد‬ ‫أهــل الســنة والجامعــة؛ وذلــك ملــا يــأيت‪:‬‬ ‫أوال‪ -‬القــرآن الكريــم عنــد الشــيعة ليــس‬ ‫بحجــة إال بق ِّيــم –وهــو أحــد (اإلثنــا‬ ‫عــر)‪ -‬كــا يعتقــدون أن علــم القــرآن‬ ‫عنــد األمئــة‪ ،‬وقــد اختصــوا مبعرفتــه ال‬

‫يشــاركهم بهــا أحــد‪ .‬ويقولــون‪ :‬إن قــول‬ ‫ــص عــام القــرآن‪ ،‬ويقيــد‬ ‫اإلمــام ُي ِّ‬ ‫خص ُ‬ ‫مطلقــه‪ ،‬كــا يــرون أن للقــرآن معــاين‬ ‫باطنــة ال يعرفهــا إال األمئــة؛ وذلــك لنــزول‬ ‫جــل القــرآن فيهــم ويف أعدائهــم‪)32(.‬‬ ‫ويــرى الشــيخ القرضــاوي أن املحققــن‬ ‫مــن الشــيعة يرفضــون هــذه الروايــات‪،‬‬ ‫ويعتربونهــا مــن كالم اإلخباريــن والعمدة‬ ‫هــم األصوليــون‪)33(.‬‬ ‫ومــع هــذا فاختالفهــم يف حجيــة القــرآن‬ ‫الكريــم‪ ،‬وكونــه ناقصــا دليــل عــى عــدم‬ ‫اعتــاده مرجعيــة لهــم؛ فاختالفهــم يف‬ ‫الثوابــت واألصــول غــر اختالفهــم يف‬ ‫الفــروع‪.‬‬ ‫ثانيــا‪ -‬الســنة املطهــرة‪ ،‬هــي‪ :‬قــول‬ ‫املعصــوم‪ .‬ومعلــوم أن املعصــوم عندهــم‬ ‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬ ‫واألمئــة اإلثنــا عــر‪ .‬وقــول املعصــوم‬ ‫عندهــم هــو قــول اللــه‪ .‬وقــد يقــول‬ ‫بعضهــم بحجيــة الســنة ولكــن ذلــك يف‬ ‫الظاهــر فقــط‪ ،‬وهــم ال يــرون الســنة إال‬ ‫يف قــول املعصومــن‪)34(.‬‬ ‫ثالثــا‪ -‬حجيــة اإلجــاع عندهــم يف قــول‬ ‫اإلمــام ال يف اإلجــاع‪ ،‬يقــول ابــن املطهــر‬ ‫الحــي‪« :‬اإلجــاع إمنــا هــو حجــة عندنــا‬

‫‪ -26‬الجواهر والدرر يف ترجمة شيخ اإلسالم ابن حجر تأليف‪ :‬شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم باجس عبد املجيد‪ ،‬دار ابن حزم‪،‬‬ ‫الطبعة‪ :‬األوىل‪ 1419 ،‬هـ ‪1999 -‬م‪.65/1 :‬‬ ‫‪ -27‬انظر‪ :‬سري أعالم النبالء لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثامن الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ شعيب األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬التاسعة‪ 1413 ،‬ه ‪1993‬م‪:‬‬ ‫‪.606/4‬‬ ‫‪ -28‬انظر‪ :‬سري أعالم النبالء لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثامن الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ شعيب األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬التاسعة‪ 1413 ،‬ه ‪1993‬م‪:‬‬ ‫‪.606/4‬‬ ‫‪ -29‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪.78/5 :‬‬ ‫‪ -30‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪.107/7 :‬‬ ‫‪ -31‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪.444/7 :‬‬ ‫‪ -32‬انظر‪ :‬الجواهر والدرر يف ترجمة شيخ اإلسالم ابن حجر للسخاوي‪.67/1:‬‬ ‫‪ -33‬انظر‪ :‬أصول الكايف للكليني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عيل أكرب الغفاري‪ ،‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪ ،‬دار إحياء الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران‪ .188/1 :1363 ،‬وملزيد تفصيل يف هذه املسألة انظر‪ :‬أصول‬ ‫مذهب اإلمامية االثني عرشية عرض ونقد تأليف‪ :‬د‪ .‬نارص بن عبد الله بن عيل القفاري‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1414 ،‬هـ ‪1993-‬م‪.149-17:‬‬ ‫‪ -34‬انظر‪ :‬املرجعية العليا يف اإلسالم للقرآن والسنة تأليف‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬مكتبة وهبة للطباعة والنرش‪1992 ،‬م‪.14 :‬‬


‫الشــتامله عــى قــول املعصــوم‪ ،‬فــكل‬ ‫جامعــة كــرت أو قلــت كان قــول اإلمــام‬ ‫يف جملــة أقوالهــا‪ ،‬فإجامعهــا حجــة ألجلــه‬ ‫ال ألجــل اإلجــاع»‪)35(.‬‬ ‫فاإلجــاع عندهــم ليــس حجــة إال بوجود‬ ‫اإلمــام الــذي يعتقــدون عصمتــه‪ ،‬ومــدار‬ ‫حجيــة اإلجــاع قولــه ال نفــس اإلجــاع‪.‬‬ ‫وهــم بذلــك يقولــون‪ :‬بحجيــة قــول اإلمام‬ ‫وليــس بحجيــة اإلجــاع‪.‬‬ ‫مــا تقــدم يتضــح أن الشــيعة ال ُيق ـ ُّرون‬ ‫بحجيــة الكتــاب والســنة واإلجــاع وال‬ ‫مبرجعيــة ذلــك‪ ،‬ومرجعيتهــم هــم األمئــة‬ ‫املعصومــون‪.‬‬ ‫وقــد كانــت ملحمــد بــن محمــد‬ ‫بــن النعــان امللقــب بالشــيخ‬ ‫املفيد(ت‪413:‬هـــ) املرجعيــة يف الفتيــا‬ ‫ويف كافــة األحــكام‪ ،‬وهــو أول مــن صنــع‬ ‫املرجعيــة بوصفهــا العــام‪ ،‬مســتغال‬ ‫دخــول البويهيــن لبغــداد ســنة‪334:‬هـ‪،‬‬ ‫واالنقســامات التــي حصلــت يف هــذه‬ ‫الحقبــة‪ .‬وهــو أول مــن نــر التشــيع‪،‬‬ ‫وجهــز الكــوادر لذلــك‪ ،‬فمــن تالميــذه‪:‬‬ ‫الطــويس‪ ،‬والرشيــف الــريض‪ ،‬والرشيــف‬ ‫املرتــى‪ ،‬وأبــو الفتــح الكراجــي‪،‬‬ ‫وغريهــم‪ .‬و ُي َعــدُّ املفيــد شــيخ مشــايخ‬ ‫الشــيعة آنــذاك‪ ،‬وهــو الــذي انتهــت إليــه‬ ‫رئاســة مذهبهــم‪)36(.‬‬ ‫فالشــيعة يقدســون هــذه املرجعيــة‬ ‫ويخرجونهــا عــن طورهــا البــري‪،‬‬ ‫ويعتقــدون بقــول املعصــوم هــو قــول‬ ‫اللــه‪ ،‬حيــث روى الكلينــي يف أصــول‬ ‫الــكايف‪ :‬أن أبــا عبــد اللــه(‪ )37‬قــال‪:‬‬

‫«حديثــي حديــث أيب‪ ،‬وحديــث أيب‬ ‫حديــث جــدي‪ ،‬وحديــث جــدي حديــث‬ ‫الحســن‪ ،‬وحديــث الحســن حديــث‬ ‫الحســن‪ ،‬وحديــث الحســن حديــث أمــر‬ ‫املؤمنــن عليــه الســام‪ ،‬وحديــث أمــر‬ ‫املؤمنــن حديــث رســول اللــه صــى اللــه‬ ‫عليــه وآلــه‪ ،‬وحديــث رســول اللــه قــول‬ ‫اللــه عــز وجــل»‪ )38(.‬كــا يعتقــدون بــأن‬ ‫علــم األمئــة يتحقــق عــن طريــق اإللهــام‬ ‫والوحــي‪ ،‬وأنهــم مخــزن العلــم وإيــداع‬ ‫الرشائــع‪ )39(.‬ومــع هــذا فقــد تختلــف‬ ‫مراجعهــم‪ ،‬وتتناحــر‪ ،‬كــا تتــوزع عــى‬ ‫البلــدان‪.‬‬ ‫ومن أهم مراجعهم املعارصين‪:‬‬ ‫‪ -1‬عــي خامنئــي‪ ،‬تــم انتخابــه ســنة‪:‬‬ ‫‪1989‬م مرشــدً ا عا ًمــا للجمهوريــة‬ ‫اإليرانيــة بعــد وفــاة الخمينــي‪.‬‬ ‫‪ -2‬عــي السيســتاين‪ ،‬مقــره مدينــة النجف‬ ‫يف العـراق‪ ،‬وهــو زعيــم الحــوزة العلميــة‬ ‫بالنجــف وهــي مدرســة العلــوم الدينيــة‬ ‫الرئيســية عنــد الشــيعة االثنــي عرشيــة‪.‬‬ ‫‪ -3‬محمــد ســعيد الحكيــم‪ ،‬يعتــر‬ ‫ثــاين أبــرز املرجعيــات يف العــراق بعــد‬ ‫السيســتاين‪.‬‬ ‫‪ -4‬صــادق الحســيني الروحــاين‪ ،‬ومقــره‬ ‫مدينــة قــم اإليرانيــة‪ ،‬يقــف حال ًيــا يف‬ ‫صــف املعارضــة للحكومــة اإليرانيــة‬ ‫الحاليــة‪.‬‬ ‫‪ -5‬محمــد جميــل حمــودي العامــي‪،‬‬ ‫مرجعيــة شــيعية مقرهــا العاصمــة‬ ‫اللبنانيــة بــروت‪.‬‬ ‫‪ -6‬محمــد حســن النجفــي‪ ،‬هــو املرجعيــة‬

‫الشــيعية األساســية للشــيعة يف باكســتان‪.‬‬ ‫‪ -7‬صــادق الحســيني الش ـرازي‪ ،‬يقيــم يف‬ ‫مدينــة قــم اإليرانيــة وهــو ذو أصــول مــن‬ ‫مدينــة كربــاء‪ ،‬تصــدر للمرجعيــة عــام‬ ‫‪2001‬م بعــد وفــاة أخيــه األكــر‪.‬‬

‫املبحث الرابع‬

‫املرجعية يف وقتنا الحايل‬

‫مــا ســبق بيانــه يتضــح أن لفــظ‬ ‫املرجعيــة بشــكلها املتــداول اآلن واملفهوم‬ ‫يف أذهــان النــاس مل يكــن معروفــا وال‬ ‫مألوفــا عنــد أهــل الســنة والجامعــة‪ ،‬وإن‬ ‫أثبتنــا بالنصــوص أن هــذا اللفــظ قــد‬ ‫مارســه علامؤنــا ‪-‬رحمهــم اللــه تعــاىل‪-‬‬ ‫بشــكل خــاص‪ .‬وذلــك راجــع لوجــود‬ ‫خالفــة يف زمنهــم أو دولــة إســامية‬ ‫متــارس دورهــا الســيايس واالجتامعــي‬ ‫وتأخــذ الفتيــا مــن علــاء وقتهــا‪.‬‬ ‫وهــذا الفهــم انجــر إىل وقتنــا املعــارص‬ ‫فــرى الفــرد مــن أهــل الســنة والجامعــة‬ ‫والؤه لدولتــه التــي ينتمــي إليهــا‪،‬‬ ‫ومرجعيتــه الدينيــة للشــيخ الــذي يســأله‬ ‫ويســتفتيه إن مل يعــرف الحكــم الرشعــي‬ ‫بشــكل مبــارش مــن الكتــاب والســنة‬ ‫املطهــرة‪ .‬فــإذا اختل هــذا النظــام‪ ،‬فيكون‬ ‫الــوالء آنــذاك للجامعــات واألشــخاص‪،‬‬ ‫كــا تكــون هــذه املرجعيــة للشــيخ غالبــا‬ ‫مرجعيــة خاصــة باملســائل الفقهيــة‬ ‫والعقديــة الخاصــة وال تتعداهــا ألحــكام‬ ‫سياســ ّية‪.‬‬ ‫ومــع هــذا فــإن بعــض هــذه الحكومــات‬ ‫الحقــت مرجعيــات أهــل الســنة‬

‫‪ -36‬انظر‪ :‬املرجعية الدينية العليا عند الشيعية اإلمامية تأليف‪ :‬د‪.‬جودت القزويني‪ ،‬دار الرافدين‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1426 ،‬هـ ‪2005-‬م‪.18-17 :‬‬ ‫‪ -37‬املقصود به‪ :‬جعفر الصادق‪ ،‬فهو جعفر بن محمد بن عيل بن الحسني بن عيل ريض الله عنهم جميعا‪.‬‬ ‫‪ -38‬أصول الكايف‪ :‬كتاب فضل العلم‪ ،‬باب رواية الكتب والحديث‪.53/1:‬‬ ‫‪ -39‬انظر‪ :‬بحار األنوار‪ .59/26 :‬وأصول مذهب الشيعة االثني عرشية‪ .318-310 :‬واإلمامة يف القرآن والسنة تأليف‪ :‬امتثال الحبش‪ ،‬ستاره‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1427 ،‬هـ‪25:‬‬

‫الوسطية‬

‫‪31‬‬


‫‪32‬‬

‫دراسات الوسطية‬

‫والجامعــة أو الرجــال الحاملــن لهمــوم‬ ‫بلدهــم‪ ،‬فضيقــت عليهــم‪ ،‬ومارســت‬ ‫بحقهــم أنــواع اإليــذاء الحــي واملعنــوي‪،‬‬ ‫وهــذا واضــح يف فعــل الحكومــة الســابقة‬ ‫والحاليــة يف العــراق؛ حيــث أصــدروا‬ ‫مذكــرة توقيــف بحــق الشــيخ الدكتــور‬ ‫(حــارث الضــاري) رحمــه اللــه تعــاىل‪،‬‬ ‫وأجــروه عــى تــرك بلــده‪ ،‬ومارســوا‬ ‫بحقــه وهيئتــه أنــواع التهميش والتشــويه‬ ‫الســيايس واالجتامعــي والدينــي‪ .‬وليــس‬ ‫ذلــك إال ملواقفــه املعتدلــة والوســطية‪،‬‬ ‫وأنظــار النــاس متوجهــة إليــه‪ ،‬كونــه‬ ‫رجــل علــم وديــن‪ ،‬وشــيخ عشــرة‪ ،‬ورجــل‬ ‫املقاومــة األول وعرابهــا‪.‬‬ ‫وهــذا مــا عنيتــه بالتهميــش املفــروض‬ ‫عــى علــاء أهــل الســنة والجامعــة‪ .‬ولــو‬ ‫تعمقنــا يف البحــث لوجدنــا مــن أمثــال‬ ‫الضــاري الكثــر يف كافــة البلــدان العربيــة‬ ‫واإلســامية‪ ،‬مــورس بحقهــم التضليــل‬ ‫والتهميــش والطعــن والتنكيــل‪.‬‬ ‫أمــا الشــيعة فقــد تجــاوزا هــذا الحــد‪،‬‬ ‫وســمح لهــم مذهبيــا وسياســيا وعرفيــا‬ ‫واجتامعيــا مــا مل يســمح ألهــل الســنة‬ ‫والجامعــة‪ ،‬فللمرجــع تحليــل مــا يحــب‬ ‫تحليلــه‪ ،‬وتحريــم مــا يهــوى تحرميــه‪،‬‬ ‫وتأييــد مــن يــراه متامشــيا مــع هــواه‪،‬‬ ‫ســواء وافــق األمــة أو خالفهــا؛ تبعــا ملــا‬ ‫يجــد فيــه مصلحــة ســلطته الدينيــة وإن‬ ‫خالــف املعلــوم مــن الديــن بالــرورة‪،‬‬ ‫حتــى وفــق مــا هــو مزعــوم يف أصــل‬ ‫مذهبــه‪ ،‬كمــواالة االحتــال الكافــر‬ ‫ومعاونتــه وخدمتــه وتســهيل األمــور لــه‬ ‫يف مقابــل أن يجعــل ذلــك املحتــل الكافــر‬ ‫مــن مذهبــه ومقلديــه حاكــا تنفيذيــا‬ ‫للبــاد ومتســلطا عــى رقــاب الشــعب‪،‬‬ ‫يتــوىل خدمــة مذهبــه مبــا ال يتعــارض‬ ‫مــع مصالــح املحتــل يف نــوع مــن تقاســم‬

‫املنافــع‪.‬‬ ‫وهــذا تقديــس مرفــوض‪ ،‬ألن القدســية‬ ‫خاصــة بكتــاب اللــه وســنته‪ ،‬فهــا‬ ‫الفيصــل يف كل صغــرة وكبــرة‪ ،‬وللعلــاء‬ ‫احرتامهــم وتقديرهــم الكبرييــن إن‬ ‫متســكوا بكتــاب اللــه وســنته‪ ،‬وال اح ـرام‬ ‫وال تقديــر ملــن يخالفهــا‪ ،‬حيــث‪« :‬ال‬ ‫طاعــة لبــر يف معصيــة اللــه‪ ،‬إمنــا الطاعة‬ ‫يف املعــروف»‪)40(.‬‬ ‫وقــد يــرى بعــض أهــل الســنة والجامعــة‬ ‫مــن الصعوبــة مبــكان‪ ،‬أن تكــون لهــم‬ ‫مرجعيــة موحــدة‪ ،‬وهــو راجــع ملــا يــأيت‪:‬‬ ‫‪ -1‬مقارنــة األمــة مبذهــب الشــيعة‪ .‬فمــن‬ ‫الســهولة اختيــار مرجــع ملذهــب الشــيعة‬ ‫يف حــن يصعــب ذلــك عــى األمــة‪.‬‬ ‫‪ -2‬مقارنــة مرجعيــة أهــل الســنة مبرجعية‬ ‫الشيعة‪.‬‬ ‫‪ -3‬اعتقادهــم بــأن إتبــاع مرجعيــة مــا‬ ‫هــو تقليــد أعمــى ال يجــوز مخالفتــه‪.‬‬ ‫‪ -4‬ابتعــاد النــاس عــن دينهــم‪ ،‬وعــدم‬ ‫معرفــة األحــكام الرشعيــة‪.‬‬ ‫‪ -5‬التــرذم الــذي تعيشــه األمــة حاليــا‪،‬‬ ‫والتقســيم الــذي فــرض عليهــا‪.‬‬ ‫‪ -6‬عــدم االعتقــاد بوجــود علــاء يحــق‬ ‫لهــم االجتهــاد ســواء أكان مطلقــا أويف‬ ‫املذهــب‪.‬‬ ‫ومــع هــذا فيمكــن ألهل الســنة والجامعة‬ ‫اآلن أن يجتمعــوا عــى مرجعيــة لهــم‪،‬‬ ‫يكــون لهــا الفتيــا‪ ،‬والــرأي فيهــا ملــزم‬ ‫للجميــع‪ ،‬خاصــة وأن منطقتنــا العربيــة‬ ‫واإلســامية متــر بأزمــات متالحقــة‬ ‫شــديدة تعصــف بأمننــا وســامة ديننــا‪،‬‬ ‫وذلــك مــن خــال‪:‬‬ ‫تكويــن مجمــع فقهــي يضــم جميــع‬ ‫املجتهديــن مــن جميــع األقطــار‪ ،‬ويكــون‬ ‫لهــذا املجمــع مــكان معــن‪ ،‬ويهيــأ لــه‬ ‫جميــع مــا يلــزم لعملــه‪ ،‬وتعــرض عليــه‬

‫املســائل والوقائــع الجديــدة لدراســتها‬ ‫وإيجــاد األحــكام لهــا‪ ،‬ثــم تنــر هــذه‬ ‫األحــكام يف نــرات دوريــة أو كتــب‬ ‫ليؤخــذ آراء العلــاء فيهــا‪ ،‬فــإذا مــا‬ ‫اتفقــت اآلراء عــى هــذه األحــكام كانــت‬ ‫مــن األحــكام املجمــع عليهــا‪ ،‬ويســلط‬ ‫إعالمنــا الضــوء عليهــا‪ ،‬وتكــون مبثابــة‬ ‫الفتــوى الجامعيــة‪ ،‬عــى أن يكــون لهــذا‬ ‫املجمــع العلمــي ضوابــط أهمهــا‪:‬‬ ‫ـن العلــا ُء ‪-‬إذا مــا توافقــوا عــى‬ ‫أ‌‪ -‬أن يبـ ِّ َ‬ ‫حكــم معــن– أدلــة ذلــك الحكــم مــن‬ ‫الرشيعــة‪.‬‬ ‫ب‌‪ -‬أال يخضــع املجمــع ال بكليتــه وال‬ ‫بأفــراده ألي ســلطة حكوميــة مــن أي‬ ‫جهــة كانــت‪ ،‬وذلــك ملــا هــو معلــوم مــن‬ ‫خضــوع بعــض الحكومــات ملــا يتــاىش‬ ‫مــع مصالحهــا وإن خالــف رشع اللــه‪،‬‬ ‫أو لخضــوع أغلبهــا ألزمــات سياســية‬ ‫متــي عليهــا اتخــاذ مواقــف عديــدة ال‬ ‫يراعــى فيهــا املوقــف الرشعــي بقــدر مــا‬ ‫يوافــق املوقــف الســيايس لتلــك الــدول؛‬ ‫ليلقــى قبــوال يف نفــوس شــباب املســلمني‬ ‫فيتبعونــه‪ ،‬مــا يضمــن لنــا عــدم‬ ‫انحرافهــم فكريــا‪ ،‬وذهابهــم إىل جامعــات‬ ‫منحرفــة‪.‬‬ ‫وهذا املجمع يضمن لنا ما يأيت‪:‬‬ ‫‪ -1‬تصحيح عقيدة ومفاهيم املسلمني‪.‬‬ ‫‪ -2‬تجميــع األمــة عــى عقيــدة أهــل‬ ‫الســنة والجامعــة‪ ،‬ورفــع االلتباســات‬ ‫التــي وقعــت فيهــا األمــة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تحذيــر األمــة مــن االنحرافــات التــي‬ ‫تلحــق أفرادهــا‪.‬‬ ‫‪ -4‬توحيــد كلمــة أهــل الســنة والجامعــة‬ ‫ومل شــملهم وتجميــع شــتاتهم‪ ،‬والدفــاع‬ ‫عــن مقدســاتهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬أمــور أخــرى كثــرة يطــول رشحهــا‬ ‫ورسدهــا‪ ،‬وتقــدر يف وقتهــا‪.‬‬

‫‪ -40‬الحديث متفق عليه‪ ،‬الجمع بني الصحيحني البخاري ومسلم ملحمد بن فتوح الحموي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬عيل حسني البواب‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬لبنان‪-‬بريوت‪-1423،‬‬ ‫‪2002‬م‪.[132]:79/1:‬‬


‫املصادر واملراجع‬ ‫أوال‪ -‬القرآن الكريم‪.‬‬ ‫ثانيا‪-‬‬ ‫‪ -1‬االســتبعاد االجتامعــي محاولــة للفهــم‪،‬‬ ‫تحريــر‪ :‬جــون هيلــز وجوليــان لوغــران‬ ‫ودافيــد بياشــو‪ ،‬ترجمــة وتقديــم‪ :‬د‪.‬‬ ‫محمــد الجوهــري‪ ،‬عــامل املعــرف‪1978 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬أصــول الــكايف للكلينــي‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عــي‬ ‫أكــر الغفــاري‪ ،‬الطبعــة‪ :‬الخامســة‪ ،‬دار‬ ‫الكتــب اإلســامية‪ ،‬طه ـران‪.1363 ،‬‬ ‫‪ -3‬أصــول مذهــب اإلماميــة االثنــي‬ ‫عرشيــة عــرض ونقــد تأليــف‪ :‬د‪ .‬نــارص‬ ‫بــن عبــد اللــه بــن عــي القفــاري‪،‬‬ ‫الطبعــة‪ :‬الثانيــة‪1414 ،‬هـــ ‪1993-‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬اإلمامــة يف القــرآن والســنة تأليــف‪:‬‬ ‫امتثــال الحبــش‪ ،‬ســتاره‪ ،‬الطبعــة‪ :‬األوىل‪،‬‬ ‫‪1427‬هـ‪.‬‬ ‫‪ -5‬بحــار األنــوار الجامعــة لــدرر أخبــار‬ ‫األمئــة األطهــار تأليــف‪ :‬محمــد باقــر‬ ‫املجلــي‪ ،‬دار إحيــاء الكتــب اإلســامية‪،‬‬ ‫إيــران‪ -‬قــم‪.‬‬ ‫‪ -6‬الــراث واملرجعيــة اإلســامية بــن‬ ‫النقــل والعقــل‪ ،‬لألســتاذ الدكتــور عبــد‬ ‫الحليــم عويــس‪.‬‬ ‫‪ -7‬التعريفــات لعــي بــن محمــد بــن عــي‬ ‫الجرجــاين‪ ،‬تحقيــق‪ :‬إبراهيــم األبيــاري‪،‬‬ ‫دار الكتــاب العــريب – بــروت‪ ،‬الطبعــة‬ ‫األوىل‪1405 ،‬هـــ‪.‬‬ ‫‪ -8‬تفســر القــرآن العظيــم أليب الفــداء‬ ‫إســاعيل بــن عمــر بــن كثــر‪ ،‬تحقيــق‪:‬‬ ‫ســامي بــن محمــد ســامة‪ ،‬دار طيبــة‬ ‫للنــر‪ ،‬الطبعــة‪ :‬الثانيــة‪1420 ،‬هـــ‬ ‫‪1999‬م‪.‬‬‫‪ -9‬تهذيــب الوصــول إىل علــم األصــول‬ ‫البــن املطهــر‪ ،‬طبعــة» طهـران‪1308 ،‬هـــ‪.‬‬

‫‪ -10‬التوقيــف عــى مهــات التعاريــف‬ ‫ملحمــد عبــد الــرؤوف املنــاوي‪ ،‬تحقيــق‪:‬‬ ‫د‪ .‬محمــد رضــوان الدايــة‪ ،‬دار الفكــر‬ ‫املعــارص‪ ،‬بــروت‪ -‬دمشــق‪ ،‬الطبعــة‪:‬‬ ‫األوىل‪1410 ،‬هـــ‪.‬‬ ‫‪ -11‬الجمــع بــن الصحيحــن البخــاري‬ ‫ومســلم ملحمــد بــن فتــوح الحمــوي‪،‬‬ ‫تحقيــق‪ :‬د‪.‬عــي حســن البــواب‪ ،‬الطبعــة‪:‬‬ ‫الثانيــة‪ ،‬لبنــان‪ -‬بــروت‪2002-1423،‬م‪.‬‬ ‫‪ -12‬الجواهــر والــدرر يف ترجمــة شــيخ‬ ‫اإلســام ابــن حجــر تأليــف‪ :‬شــمس الدين‬ ‫محمــد بــن عبــد الرحمــن بــن محمــد‬ ‫الســخاوي‪ ،‬تحقيــق‪ :‬إبراهيــم باجــس‬ ‫عبــد املجيــد‪ ،‬دار ابــن حــزم‪ ،‬الطبعــة‪:‬‬ ‫األوىل‪ 1419 ،‬هـــ ‪1999 -‬م‪.‬‬ ‫‪ -13‬الــدرر الكامنــة يف أعيــان املائــة‬ ‫الثامنــة للحافظ شــهاب الديــن أيب الفضل‬ ‫أحمــد بــن عــي بــن محمــد العســقالين‪،‬‬ ‫تحقيــق مراقبــة ‪ /‬محمــد عبــد املعيــد‬ ‫ضــان‪ ،‬مجلــس دائــرة املعــارف العثامنيــة‪،‬‬ ‫حيــدر آبــاد‪ -‬الهند‪1392،‬هـــ‪1972 -‬م‪.‬‬ ‫‪ -14‬روضــة الناظــر وجنــة املناظــر‪ ،‬أليب‬ ‫محمــد عبــد اللــه بــن أحمــد بــن قدامــة‬ ‫املقــديس‪ ،‬تحقيــق‪ :‬د‪.‬عبــد العزيــز عبــد‬ ‫الرحمــن الســعيد‪ ،‬جامعــة اإلمــام محمــد‬ ‫بــن ســعود – الريــاض‪ ،‬الطبعــة الثانيــة‪،‬‬ ‫‪1399‬هـ‪.‬‬ ‫‪ -15‬ســر أعــام النبــاء لشــمس الديــن‬ ‫محمــد بــن أحمــد بــن عثــان الذهبــي‪،‬‬ ‫تحقيــق‪ :‬الشــيخ شــعيب األرنــاؤوط‪،‬‬ ‫مؤسســة الرســالة‪ ،‬بــروت‪ ،‬الطبعــة‪:‬‬ ‫التاســعة‪ 1413 ،‬ه ‪1993‬م‪.‬‬ ‫‪ -16‬طبقــات الشــافعية البــن قــاىض‬ ‫شــهبة‪ ،‬تحقيــق‪ :‬د‪.‬الحافــظ عبــد العليــم‬

‫خــان‪ ،‬عــامل الكتــب – بــروت‪ ،‬الطبعــة‪:‬‬ ‫األوىل‪ 1407 ،‬هـــ‪.‬‬ ‫‪ -17‬غايــة الوصــول يف رشح لــب األصــول‬ ‫لشــيخ اإلســام زكريــا األنصــاري‬ ‫‪ -18‬لســان العــرب ملحمــد بــن مكــرم‬ ‫بــن منظــور‪ ،‬دار صــادر‪ ،‬بــروت‪ ،‬الطبعــة‬ ‫األوىل‪.‬‬ ‫‪ -19‬املدخــل لدراســة الرشيعة اإلســامية‪،‬‬ ‫تأليــف الدكتــور‪ :‬عبــد الكريــم زيــدان‪،‬‬ ‫دار عمــر بــن الخطــاب‪ ،‬اإلســكندرية‪.‬‬ ‫‪ -20‬املرجعيــة الدينيــة العليــا عنــد‬ ‫الشــيعية اإلماميــة تأليــف‪ :‬د‪ .‬جــودت‬ ‫القزوينــي‪ ،‬دار الرافديــن‪ ،‬بــروت‪ -‬لبنــان‪،‬‬ ‫الطبعــة‪ :‬األوىل‪1426 ،‬هـــ ‪2005-‬م‪.‬‬ ‫‪ -21‬املرجعيــة العليــا يف اإلســام للقــرآن‬ ‫والســنة تأليــف‪ :‬د‪ .‬يوســف القرضــاوي‪،‬‬ ‫مكتبــة وهبــة للطباعــة والنــر‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -22‬املســتدرك عــى الصحيحــن أليب‬ ‫عبــد اللــه الحاكــم‪ ،‬تحقيــق‪ :‬مصطفــى‬ ‫عبــد القــادر عطــا‪ ،‬دار الكتــب العلميــة‬ ‫– بــروت‪ ،‬الطبعــة‪ :‬األوىل‪1411 ،‬هـــ ‪-‬‬ ‫‪1990‬م‪.‬‬ ‫‪ -23‬املعجــم الوســيط إلبراهيــم مصطفــى‬ ‫وأحمــد الزيــات وحامــد عبــد القــادر‬ ‫ومحمــد النجــار‪ ،‬تحقيــق‪ :‬مجمــع اللغــة‬ ‫عاملعربيــة‪ ،‬دار الدعــوة‪.‬‬ ‫‪ -24‬املقصــد األرشــد يف ذكــر أصحــاب‬ ‫اإلمــام أحمــد لإلمــام برهــان الديــن‬ ‫إبراهيــم بــن محمــد بــن عبــد اللــه بــن‬ ‫محمــد ابــن مفلــح‪ ،‬تحقيــق‪ :‬د‪ .‬عبــد‬ ‫الرحمــن بــن ســليامن العثيمــن‪ ،‬مكتبــة‬ ‫الرشــد‪ ،‬الريــاض – الســعودية‪1410 ،‬هـــ ‪-‬‬ ‫‪1990‬م‪.‬‬

‫الوسطية‬

‫‪33‬‬


‫‪34‬‬

‫مقاالت الوسطية‬ ‫د‪.‬لجين عبداهلل‬ ‫العراق‬

‫‪L‬‬

‫الوسطية في العقيدة‬ ‫ال شــك أن الغلــو واملغــاالة يف العقيــدة‬ ‫هــو مــرض خطــر وهــو محــرم رشعــاً‬ ‫ألنــه يــؤدي إىل نتائــج ســيئة عــى الفــرد‬ ‫واملجتمــع واألمــة‪ ،‬وأي غلــو أو مغــاالة يف‬ ‫االعتقــاد يرتتــب عليــه غلــو ومغــاالة يف‬ ‫العبــادات‪ ،‬حيــث يرصفهــا عــن حقيقتهــا‬ ‫وأصالتهــا التــي أرادهــا اللــه ســبحانه‬ ‫وتعــاىل‪.‬‬ ‫يقــول القرطبــي يف تفســر قولــه تعــاىل‪:‬‬ ‫( وكذلــك جعلناكــم أمــة وســطاً لتكونــوا‬ ‫شــهداء عــى النــاس ويكــون الرســول‬ ‫عليكــم شــهيداً) (البقــرة ‪.)148‬‬ ‫(وملــا كان الوســط مجانبـاً للغلــو والتقصري‬ ‫كان محمــوداً‪ ،‬أي أن هــذه األمــة مل تغــل‬ ‫غلــو النصــارى يف أنبيائهــم‪ ،‬وال قــروا‬ ‫تقصــر اليهــود يف أنبيائهم)‪(،‬الجامــع‬ ‫ألحــكام القــرآن للقرطبــي‪ :‬ج ص‪.)104‬‬ ‫والبعــد عــن هــذه الوســطية يوصــل‬ ‫اإلنســان إىل ضــال الســعي والعمــل‬ ‫وانحــراف القصــور والعبــادة‪ ،‬وصــدق‬ ‫اللــه حيــث يقــول « قــل هــل ننبئكــم‬ ‫باألخرسيــن أعــاالً‪ ،‬الذيــن ضــل ســعيهم‬ ‫يف الحيــاة الدنيــا وهــم يحســبون أنهــم‬ ‫يحســنون صنعــاً‪ ،‬أولئــك الذيــن كفــروا‬ ‫بآيــات ربهــم ولقائــه فحبطــت أعاملهــم‬ ‫فــا نقيــم لهــم يــوم القيامــة وزنـاً‪ ،‬ذلــك‬ ‫جزاؤهــم جهنــم مبــا كفــروا واتخــذوا‬ ‫آيــايت ورســي هــزواً»‪( .‬ســورة الكهــف‬ ‫(‪))106-103‬‬ ‫وواجــه االنحــراف والضــال الــذي هــو‬ ‫نقيــض الوســطية كثــرة يف واقعنــا ويف‬ ‫أحــوال الشــعوب مــن حولنــا‪ ،‬مــا‬ ‫يخــرج اإلنســان عــن ديــن اللــه تعــاىل‪،‬‬ ‫وخــر مثــال عــى هــذا الغلــو واالنحـراف‬ ‫مــا وقــع فيــه أهــل الكتــاب مــن يهــود‬ ‫ونصــارى‪ ،‬حيــث اعتقــدوا أنبيائهــم أربابـاً‬ ‫وآلهــة مــن دون اللــه‪.‬‬

‫وقــال تعــاىل ( يــا أهــل الكتــاب ال تغلــوا‬ ‫يف دينكــم وال تقولــوا عــى اللــه إال الحــق‬ ‫إمنــا املســيح عيــى ابــن مريــم رســول‬ ‫اللــه وكلمتــه ألقاهــا إىل مريــم وروح‬ ‫منــه فآمنــوا باللــه ورســله وال تقولــوا‬ ‫ثالثــة انتهــوا خــراً لكــم إمنــا اللــه إلــه‬ ‫واحــد ســبحانه أن يكــون لــه ولــد لــه مــا‬ ‫يف الســموات ومــا يف األرض وكفــى باللــه‬ ‫وكيالً)(ســورة النســاء آيــة (‪.))171‬‬ ‫واملنهــج الوســطي يــوازن بــن الجانــب‬ ‫الروحــي والجانــب املــادي ويعطــي كالً‬ ‫حســب حاجاتــه دون إف ـراط أو تفريــط‪،‬‬ ‫وكان املذهــب الشــائع عنــد النصــارى‬ ‫أقــرب مــا يتقــرب بــه العبــد إىل اللــه‬ ‫تعذيــب النفــس واحتقارهــا‪ ،‬وحرمانهــا‬ ‫مــن جميــع الطيبــات املســتلذة‪ ،‬واعتقاده‬ ‫أن ال حيــاة (للــروح) إال بتعذيــب الجســد‬ ‫وكل هــذه األحــكام والرشائــع قــد وضعهــا‬ ‫الرؤســاء‪ ،‬وليــس لهــا أثــر يف رشيعــة‬ ‫اللــه وقــد تفضــل اللــه عــى هــذه األمــة‬ ‫بجعلهــا أمــة وســطاً‪ ،‬تعطي الجســد حقه‪،‬‬ ‫والــروح حقهــا‪ ،‬فأحــل لنــا الطيبــات وحرم‬ ‫علينــا الخبائــث‪ ،‬وأمرنــا بالشــكر عليهــا‪،‬‬ ‫ومل يجعلنــا جثامنيــن خلصـاً كاألنعــام وال‬ ‫روحانيــن خلصــاً كاملالئكــة بــل جعلنــا‬ ‫أنــايس كلــه بهــذه الرشيعــة املعتدلــة‪.‬‬ ‫(روائــع البيــان – تفســر آيــات األحــكام)‬ ‫محمــد عــي الصابــوين ج ‪ / 1‬ص ‪)166‬‬ ‫بــن اللــه ســبحانه وتعــاىل حقيقــة عيــى‬ ‫بــن مريــم عليــه الســام بأنــه ال يعــدو‬ ‫أن يكــون رســوالً وكلمتــه ألقاهــا إىل‬ ‫مريــم وروح منــه‪ ،‬ونهاهــم عــن القــول‬ ‫بالتثليــث املتمثــل يف األب واالبــن وروح‬ ‫القــدس واعتبــار أن املســيح هــو االبــن‪،‬‬ ‫وأثبــت ســبحانه أن ال إلــه إال اللــه واحــد‬ ‫ال يكــون لــه ولــد‪.‬‬ ‫لذلــك حكــم اللــه بالكفــر عــى مــن‬

‫اعتقــد بعقيــدة التثليــث التــي نهــى اللــه‬ ‫عنهــا يف اآليــة الســابقة قــال تعــاىل « لقــد‬ ‫كفــر الذيــن قالــوا إن اللــه ثالــث ثالثــة‬ ‫ومــا مــن إلــه إال إلــه واحــد «‪( .‬املائــدة‪:‬‬ ‫آيــة ‪)73‬‬ ‫وحكــم أيض ـاً بالكفــر عــى مــن قــال أن‬ ‫املســيح هــو اللــه قــال تعــاىل يف محكــم‬ ‫كتابــه « لقــد كفــر الذيــن قالــوا إن اللــه‬ ‫هــو املســيح ابــن مريم»(املائــدة‪ :‬آيــة‬ ‫‪.)72‬‬ ‫ليــس النصــارى فقــط هــم الذيــن‬ ‫انحرفــوا وغالــوا يف عقيدتهــم‪ ،‬فاليهــود‬ ‫مــن قبلهــم فعلــوا ذلــك أيضــاً حيــث‬ ‫اعتقــدوا أن عزيــز هــو ابــن اللــه‪ ،‬قــال‬ ‫تعــاىل يف بيــان ضاللهــم وانحرافهــم‪« :‬‬ ‫وقالــت اليهــود عزيــز ابــن اللــه وقالــت‬ ‫النصــارى املســيح ابــن اللــه ذلــك قولهــم‬ ‫بأفواههــم يضاهئــون قــول الذيــن كفــروا‬ ‫مــن قبــل قاتلهــم اللــه أىن يؤفكــون»‪.‬‬ ‫(توبــة‪ :‬آيــة ‪)30‬‬ ‫فاللــه يريــد أن يعبــد وحــده‪ ،‬وال يــرك‬ ‫بــه أحــد ســواه‪ ،‬فهــو اإللــه املعبــود بحــق‬ ‫وهــو منــزه عــن رشعهــم واعرتافهــم‬ ‫وضاللتهــم‪ ،‬إذ كيــف ينزلــون األحبــار‬ ‫والرهبــان منزلــة اإللــه يف عبادتهــم‬ ‫وطاعتهــم وتحليلهــم وتحرميهــم‪.‬‬ ‫لذلــك جــاءت اآليــات القرآنيــة بغلــو أهل‬ ‫الكتــاب‪ ،‬ليحــذر املســلمني الوقــوع فيــا‬ ‫وقــع فيــه اليهــود والنصــارى مــن انحراف‬ ‫وضــال‪ ،‬وبعــد عــن االســتقامة واالعتــدال‬ ‫يف أمــور العقيــدة‪.‬‬ ‫يقــول اللــه ســبحانه وتعــاىل‪ « :‬وإن هــذا‬ ‫رصاطــي مســتقيامً فاتبعــوه وال تتبعــوا‬ ‫الســبل فتفــرق بكــم عــن ســبيله ذلكــم‬ ‫وصاكــم بــه لعلكــم تتقــون) األنعــام‬ ‫(‪.)153‬‬ ‫يقــول ســيد قطــب أنــه رصاط واحــد‬ ‫– رصاط اللــه وســبيل واحــدة تــؤدي‬ ‫إىل اللــه‪ ،‬أن يفــرد النــاس اللــه ســبحانه‬ ‫وتعــاىل بالربوبيــة ويدينــوا لــه وحــده‬ ‫بالعبوديــة وأن يعلمــوا أن الحاكميــة للــه‬ ‫وحــده‪ ،‬وأن يدينــوا لهــذه الحاكميــة يف‬ ‫حياتهــم الواقعيــة‪.‬‬ ‫هــذا هــو رصاط اللــه‪ ،‬وهــذا هــو ســبيله‪،‬‬ ‫وليــس وراء ذلــك إال الســبل التــي تتفــرق‬ ‫مبــن يســلكونها عــن ســبيله (يف ظــال‬ ‫القــرآن‪-‬ج ‪/3‬ص ‪)1234‬‬


‫د‪.‬سليمان الرطروط‬ ‫‪Sulaiman59@h-tmail.c-m‬‬

‫‪L‬‬ ‫الفلسطينيون ودروس الذكريات‬ ‫مــن خــال اســتعراض تاريــخ الشــعوب‬ ‫واألمــم نجــد أنهــا متــر بحــاالت مــن‬ ‫االنتصــار والهزميــة‪ ،‬وهــي تشــبه البحــر‬ ‫يف املــد والجــزر‪ .‬واألمــة العربيــة‬ ‫واإلســامية _ومنــذ بــزوغ فجــر اإلســام‬ ‫األوىل_ تعرضــت أيضــاً لتلــك الحــاالت‪،‬‬ ‫فمــن عهــد االضطهــاد والقهــر يف بدايــة‬ ‫الدعــوة إىل النــر والســؤدد فيــا بعــد‪،‬‬ ‫ويف حياتــه صــى اللــه عليــه وســلم كانــت‬ ‫غــزوة بــدر وغريهــا أمنوذجــاً للنــر‪،‬‬ ‫وكانــت غــزوة أحــد ومؤتــة‪ ،‬وتلــك األيــام‬ ‫نداولهــا بــن النــاس‪.‬‬ ‫فاملدافعــة أو املقاومــة للقــوى الظاملــة‬ ‫واملحتلــة األخــرى مــن الســنن الكونيــة‬ ‫للبرشيــة‪ ،‬فاملنتــر يعــزز انتصــاره‪،‬‬ ‫ويعمــل جاهــداً لتثبيــت قدميــه عــى‬ ‫أرض ومقــدرات عــدوه‪ ،‬ويبــذل وســعه‬ ‫وطاقتــه الســتمرار النــر‪ .‬وأمــا املهــزوم‬ ‫فيعمــل ويســعى لدراســة أســباب‬ ‫هزميتــه‪ ،‬ويبــدأ ببــث روح املقاومــة يف‬ ‫شــعبه‪ ،‬وينتهــز كل فرصــة إلعــادة بنــاء‬ ‫قوتــه املاديــة واملعنويــة بــكل أصنافهــا‪،‬‬ ‫ولــذا تقــع تلــك املســؤولية عــى قيــادة‬ ‫الشــعب املهــزوم بالدرجــة األوىل‪.‬‬ ‫والحــرب بــكل أصنافهــا ميقتهــا اللــه‪،‬‬ ‫حيــث جعــل اللــه موقــدي الحــروب‬ ‫والفــن ســفلة األمــم والشــعوب‪ ،‬ألنهــا‬ ‫تزهــق األرواح‪ ،‬وتهــدم املمتلــكات‪،‬‬ ‫وتقــي عــى االســتقرار‪ ،‬وتزيــد مــن‬ ‫العــداوة والكراهيــة‪ ،‬وتُنتهــك خاللهــا‬ ‫األعــراض والحرمــات‪ ،‬وتُنتهــب األمــوال‬ ‫واملكتســبات‪ ،‬وتــداس وتهــان املقدســات؛‬ ‫ولــذا فاللــه يدعــو للســام‪ ،‬وإطفــاء‬ ‫نــار الحرب(كلــا أوقــدوا نــارا للحــرب‬ ‫أطفأهــا اللــه ويســعون يف األرض فســادا‬ ‫واللــه ال يحــب املفســدين )‪.‬‬ ‫ولكــن هنالــك مــن البــر مــن متتلــئ‬ ‫نفوســهم بالــر‪ ،‬وجبلــوا عــى الظلــم‬ ‫والقســوة‪ ،‬وســفك الدمــاء‪ ،‬وهتــك‬ ‫األع ـراض‪ ،‬وتجعــل مــن التلــذذ بتعذيــب‬ ‫النــاس هدفــاً؛ عندئــذ وجــب عــى‬ ‫األخيــار وقــف رش األرشار‪ ،‬وإعــداد العــدة‬

‫إلرهابهــم‪ ،‬وكــر شــوكتهم وعنفوانهــم‪،‬‬ ‫ومــن كان ذلــك هدفهــم الطيــب جعــل‬ ‫املقتــول منهــم شــهيداً منع ـاً يف جنــات‬ ‫الفــردوس األعــى‪.‬‬ ‫لقــد اجتهــدت وخططــت الحركــة‬ ‫الصهيونيــة العامليــة منــذ زمــن بعيــد‬ ‫لالســتيالء عــى أرض فلســطني‪ ،‬وســعوا‬ ‫وبذلــوا مــا بوســعهم وطاقتهــم‪ ،‬وخططــوا‬ ‫بالــر والعلــن‪_ ،‬وإن كان مكرهــم لتــزول‬ ‫منــه الجبــال_ ونجحــوا يف الوصــول‬ ‫لفلســطني‪ ،‬ثــم‪ ،‬ويف ســنة ‪1948‬م أعلنــوا‬ ‫دولتهــم عــى أجــزاء مــن فلســطني‪ ،‬ويف‬ ‫‪1967/6/5‬م أكملــوا عــى باقــي األرض‬ ‫الفلســطينية وأضافــوا عليهــا ســيناء‬ ‫والجــوالن‪ ،‬وهــو نجــاح ونــر باهــر‪.‬‬ ‫واملشــاهد والقــارئ للتقاريــر الغربيــة عن‬ ‫ذلــك يشــاهد مــدى النشــوة والغطرســة‬ ‫الصهيونيــة والغربيــة عمومـاً جـراء ذلــك؛‬ ‫ويشــعر املــرء العــريب أو املســلم تحديــداً‬ ‫باإلهانــة؛ مــا ســيولد لديــه الســخط‪،‬‬ ‫ويــذيك روح االنتقــام‪ ،‬واســتنهاض العــزة‬ ‫والكرامــة‪.‬‬ ‫إن الوضــع الطبيعــي ألي دولــة أو أمــة‬ ‫مهزومــة أن تقــاوم املعتــدي‪ ،‬وأن تشــق‬ ‫طريقهــا نحــو النــر‪ ،‬وأن تســعى إليجــاد‬ ‫الظــروف املناســبة لجولــة أخــرى مــع‬ ‫املعتــدي‪ ،‬تُرجــع بهــا كرامتهــا وعزتهــا‪،‬‬ ‫وتُعــي مــن شــأنها‪ ،‬وتســتعيد بهــا مــا‬ ‫أغتصــب مــن أرضهــا _ والنــر فرحــة‪،‬‬ ‫ومكرمــة مــن اللــه_‪ .‬والــدول واألمــم‬ ‫تختــار الطــرق املناســبة الســرجاع‬ ‫كرامتهــا وعزتهــا‪ ،‬وال ميكــن لدولــة أو أمــة‬ ‫أن تداهــن وتنافــق لعدوهــا‪ ،‬وتأخــذه‬ ‫باألحضــان‪ ،‬وتعقــد معــه املعاهــدات‬ ‫الســلمية‪ ،‬ومــا زال يحتــل أرضهــا‪،‬‬ ‫ويســتبيح مقدســاتها‪.‬‬ ‫إن الشــعب الفلســطيني ســادن املســجد‬ ‫األقــى املدافــع عــن حــاه مل يــرك‬ ‫جهــداً يف الدفــاع عــن فلســطني‪ ،‬فمنــذ‬ ‫أن وطــأت أقــدام اإلنجليــز يف الحــرب‬ ‫العامليــة األوىل أرضــه‪ ،‬وهــو يقــاوم‬ ‫مؤامــرات وكيــد املحتلــن‪ ،‬ومل يهــدأ لــه‬ ‫جفــن؛ فقــام بثــورات مســلحة عــدة‪،‬‬ ‫واســتخدم العصيــان املــدين‪ ،‬واســتثار‬ ‫األمــة العربيــة واإلســامية؛ فقدمــت‬ ‫الجيــوش واملجاهدون ملســاعدته‪ ،‬والعمل‬ ‫عــى رفــع الظلــم عنــه‪ ،‬ومــازال حتــى‬ ‫اللحظــة يف مقاومــة ماديــة ومعنويــة‪،‬‬

‫فــا أن تفقــد وســيلة للمقاومــة فاعليتهــا‬ ‫حتــى يخــرع وســيلة أخــرى‪.‬‬ ‫ولكــن األعــداء اســتطاعوا أن يحبطــوا‬ ‫ويفشــلوا املقاومــة الفلســطينية مبؤث ـرات‬ ‫أبرزهــا‪ .1 :‬بــث روح الخــاف وعــدم‬ ‫الثقــة بــن قيــادات مقاومــة ( بأســهم‬ ‫بينهــم شــديد )‪.‬‬ ‫‪ .2‬رشاء ذمــم بعــض العمــاء_ بشــتى‬ ‫الوســائل_‪ ،‬وتســخريهم لتنفيــذ‬ ‫مخططــات األعــداء‬ ‫‪ .3‬العمــل عــى إثــارة الخــاف مــع الــدول‬ ‫والشــعوب املجــاورة‪ ،‬نتــج عنهــا حــاالت‬ ‫مــن العــداء والكراهيــة‪.‬‬ ‫‪ .4‬تفريــغ األرض الفلســطينية مــن‬ ‫الســكان‪.‬‬ ‫‪ .5‬نــر روح اليــأس والقنــوط بــن‬ ‫الشــعب الفلســطيني مــن إمكانيــة‬ ‫النــر‪.‬‬ ‫وإزاء ذلــك ؛ ويف ذكــرى النكبــة والنكســة‬ ‫يجــب عــى الشــعب الفلســطيني بــكل‬ ‫مكوناتــه وأطيافــه إعادة ترتيــب أوضاعه‪،‬‬ ‫ولــن يســتطيع اآلخــرون نرصتهــم‪ ،‬ومــد‬ ‫يــد العــون لهــم‪ ،‬مــا دامــوا متفرقــن‪،‬‬ ‫ومختلفــن‪ .‬وإن الفصائــل الكــرى يف‬ ‫الشــعب الفلســطيني قــادرة عــى إزالــة‬ ‫الخالفــات‪ ،‬وتضميــد الجــراح‪ .‬وعليهــا‬ ‫كذلــك طأمنــة الشــعوب واألنظمــة‬ ‫املجــاورة‪ ،‬والتنســيق معهــا‪ ،‬وأن تصــل إىل‬ ‫الصفــر يف الخــاف معهــا‪.‬‬ ‫ولعل األمر املهم أن يتمســك الفلســطيني‬ ‫بالعيــش والبقاء يف أرضه‪ ،‬وأن يعود ألرض‬ ‫فلســطني التاريخيــة كل مــن يحــق لهــم‬ ‫الســكن والعــودة إليهــا؛ ومــن املعلــوم أن‬ ‫هنالــك أعــداداً كبــرة مــن أهــايل الضفــة‬ ‫الغربيــة ممــن يحملــون املواطنــة‪ ،‬فعــى‬ ‫هــؤالء قبــل غريهــم العــودة ألرضهــم‬ ‫واالســتقرار فيهــا‪.‬‬ ‫إن الشــعوب وأصحــاب األرض أقــوى‬ ‫مــن املحتــل‪ ،‬وســينترصون إن اســتمرت‬ ‫روح املقاومــة‪ ،‬واألميــان بحقهــم‪ ،‬وغــرس‬ ‫حــب وطنهــم يف نفــوس أجيالهــم‪ .‬وليــس‬ ‫هنالــك أدىن شــك بنرصهــم‪ ،‬وهــي ســنة‬ ‫اللــه يف خلقــه‪ ،‬فمهــا طــال االحتــال‬ ‫فهــو مهــزوم ومقهــور‪ ،‬والتاريــخ شــاهد‬ ‫عــى ذلــك‪ ( .‬ويقولــون متــى هــو قــل‬ ‫عــى أن يكــون قريبــاً)‬

‫الوسطية‬

‫‪35‬‬


‫‪36‬‬

‫مقاالت الوسطية‬

‫النخب في المجتمع العربي‬

‫األزمة‪،‬والوعي‪،‬وصناعة التغيير‬

‫د‪.‬محمد عبداهلل المحجري‬

‫‪L‬‬

‫إشكالية النخب العربية‪:‬‬

‫تعــاين النخــب الفكريــة والطالئعيــة‬ ‫والقيــادات الوســيطة يف الوطــن العــريب‪،‬‬ ‫شــأنها شــأن شــعوبها‪ ،‬مــن إشــكاالت‬ ‫متعــددة عــى مســتوى الرؤيــة ويف إطــار‬ ‫فاعليــة الحيــاة والعمــل‪.‬‬ ‫شــكلت التقاطعــات املتعــددة للتيــارات‬ ‫الفكريــة الوافــدة مــن جهــة‪ ،‬وإشــكاالت‬ ‫الفكــر العــريب واإلســامي القامئــة مــن‬ ‫جهــة ثانيــة‪ ،‬وتراجــع األمــل يف إحــداث‬ ‫التغيــر الــكايف يف البنيــة الذهنية لإلنســان‬ ‫العــريب وواقعــه الســيايس واالجتامعــي‬ ‫واالقتصــادي مــن جهــة ثالثــة عوامــل‬ ‫أكــر حسـ ًـا يف إشــكالية تلــك النخــب‪.‬‬ ‫تتمثــل اإلشــكالية عــى مســتوى الرؤيــة‬

‫يف التقاطــع الواضــح لــدى تلــك النخــب‬ ‫بــن الثنائيــات املتعــددة وفقــدان ات ـزان‬ ‫املواءمــة بينهــا‪ :‬املــايض والحــارض‪ ،‬الـراث‬ ‫والحداثــة‪ ،‬األصالــة واملعــارصة‪ ،‬القيــم‬ ‫املوروثــة والقيــم الوافــدة‪ ،‬الدينــي‬ ‫والدنيــوي‪ ،‬االلتــزام والتحرر‪...‬الــخ‪ .‬مل‬ ‫تســتطع النخــب العربيــة الوصــول إىل‬ ‫اتـزان يوائــم بــن مــا ميكــن اإلبقــاء عليــه‬ ‫مــن أصــول (مــع التخــي الجــريء عن كل‬ ‫مــا يشــكل عب ًئــا يف إطــار املــايض) ومــا‬ ‫يجــب تبنيــه والتامهــي يف التفاعــل معــه‬ ‫مــا أنتجــه الفكــر اإلنســاين وال ســيام‬ ‫يف العــر الحديــث (مــع االحــراز مــا‬ ‫يتصــادم وقيــم املجتمــع الكليــة العليــا‬ ‫التــي يتوافــق عليهــا مجمــوع أف ـراده أو‬ ‫غالبيتهــم)‪.‬‬ ‫ش ـكَّل عــدم قــدرة النخبــة عــى العــزف‬ ‫املنظــم لثنائيــات الحركــة والســكون‬ ‫رضا‬ ‫وإيقاعهــا املتجانــس ماض ًيــا وحــا ً‬ ‫ضمــن ســيمفونية العــامل إشــكاالً‬

‫بنيويًّــا يف العمــق مــن نفســية تلــك‬ ‫النخــب‪ ،‬انعكــس رشخــه الشــاقويل عــى‬ ‫الجهــاز املفاهيمــي الذهنــي املشــكل‬ ‫للرؤيــة العامــة لديهــا؛ وهــو مــا أدى‬ ‫إىل اســتقطاب حــا ٍّد يف إطــار الثنائيــة‬ ‫الزمنيــة‪ :‬تحيــ ًزا صارخًــا للــايض عــى‬ ‫عالتــه بدعــوى األصوليــة والحــذر مــن‬ ‫الذوبــان يف اآلخــر‪ ،‬أو ارتهانًــا للحديــث‬ ‫يف قطيعــة جذريــة مــع املــايض‪ .‬مثّلــت‬ ‫النخــب الدينيــة وحركاتهــا املنظمــة وتلك‬ ‫املنضويــة يف التشــكيالت واألطــر الدينيــة‬ ‫الخاصــة انحيــازًا واض ًحــا نحــو املــايض‪،‬‬ ‫بينــا اتضــح انحيــاز كثــر مــن املســتقلني‬ ‫واملثقفــن واألكادمييــن وأولئــك الذيــن‬ ‫انضــووا تحــت األطــر القوميــة أو الذيــن‬ ‫تأثــروا باملــد اليســاري أو اللي ـرايل الح ًقــا‬ ‫نحــو القطيعــة مــع املــايض جزئ ًّيــا أو‬ ‫كل ًّيــا‪ ،‬والثــورة عــى إشــكاالته املتعــددة‪.‬‬ ‫وتتمثــل اإلشــكالية عــى مســتوى‬ ‫فاعليــة العمــل يف االنعــكاس الســلبي‬


‫ملــا تولــد عــن إشــكالية الرؤيــة‪ ،‬املتمثــل‬ ‫بالنظــرة االتهاميــة والتخويــن وحديَّــة‬ ‫االســتقطاب والتخنــدق يف كال الجانبــن‬ ‫عــى امتــداد النصــف الثــاين مــن القــرن‬ ‫العرشيــن كلــه تقري ًبــا؛ فــا الذيــن‬ ‫تحيــزوا باتجــاه املــايض مــن اإلســاميني‬ ‫ونخبهــم اســتطاعوا أن يهضمــوا حركــة‬ ‫الحداثــة (ومــن َق ْبلِهــا منتــج حركــة‬ ‫التحديــث العربيــة)‪ ،‬ويســتفيدوا مــا‬ ‫أنتجــه الفكــر اإلنســاين ومــا وصلــت‬ ‫إليــه املعرفــة اإلنســانية‪ ،‬ويتجــاوزوا‬ ‫ســلفيتهم يف التعاطــي ويف التفكــر‪،‬‬ ‫منفتحــن عــى الواقــع الجديــد بــكل‬ ‫معطياتــه العلميــة واملعرفيــة‪ ،‬وال الذيــن‬ ‫تحيــزوا باتجــاه الحــارض مــن الحداثيــن‬ ‫ونخبهــم اســتطاعوا أن يتفهمــوا أن حركــة‬ ‫التحديــث ال تــأيت مــن خــال القطيعــة‬ ‫التامــة مــع الجــذور والتنكــر لــكل يشء‬ ‫يف املــايض ملجــرد أنــه مرتبــط بحركــة‬ ‫زمــن تولــت وانقضــت‪ ،‬وأن كل بيئــة‬ ‫حضاريــة بحاجــة إىل أمنوذجهــا الخــاص‬ ‫املوائــم لخصائصهــا وحاجاتهــا‪ ،‬متناســن‬ ‫أن األمنــوذج الغــريب صــور متعــددة‬ ‫وليــس قال ًبــا واحــدً ا‪ ،‬فالدميقراطيــة عــى‬ ‫ســبيل املثــال ألــوان مــن الدميقراطيــات‪:‬‬ ‫الجزئيــة والكاملــة‪ ،‬امللكيــة والجمهوريــة‪،‬‬ ‫الرئاســية والربملانيــة‪ ،‬والعلامنيــة متتاليــة‬ ‫مــن العلامنيــات‪ ،‬بــدأت ملتزمــة بالقيمــة‬ ‫اإلنســانية وداعيــة إىل دولــة محايــدة‬ ‫تقــف عــى مســافة واحــدة مــن كل‬ ‫الطوائــف واإلثنيــات‪ ،‬ووصلــت يف بعــض‬ ‫جوانبهــا‪ ،‬مــع األســف‪ ،‬إىل الالقيمــة‬ ‫مطلقًــا‪.‬‬ ‫وانتقلــت املشــكلة إىل األلفيــة الجديــدة‬ ‫يف أشــكال جديــدة‪ ،‬ومــا زال االســتقطاب‬ ‫الفكــري قامئًــا‪ ،‬وإن‬ ‫حــا ًّدا‪ ،‬والتمــرس‬ ‫ُّ‬ ‫اتخــذ صــو ًرا جديــدة بفعــل تعاظــم أدوار‬ ‫األصوليــة واالســتقطاب الطائفــي الحــاد‪،‬‬ ‫الــذي تبــدى مــع املــروع اإليــراين‬

‫وطموحــه املتزايــد يف املنطقــة وتدخــات‬ ‫االســتكبار العاملــي‪ ،‬وال ســيام بعــد‬ ‫إجهــاض ثــورات الربيــع العــريب يف حركتــه‬ ‫األوىل مــن قبــل كل األنظمــة الفاعلــة يف‬ ‫املنطقــة تقري ًبا‪.‬ســاعد عــى ذلــك اتســاع‬ ‫يف أميــة الوعــي‪ ،‬وتســطيح يف املفاهيــم‪،‬‬ ‫وتكريــس لالســتبداد مــن قبــل األنظمــة‬ ‫املتحكمــة‪ ،‬وفقــر اقتصــادي مدقــع‪،‬‬ ‫ومشــكالت اجتامعيــة متزايــدة‪.‬‬ ‫اإلشــكالية لــدى النخــب يف االتجــاه‬ ‫اإلســامي وعمقهــا التاريخــي‪:‬‬ ‫مثلــت الهجــرة إىل أدغــال التاريــخ‬ ‫للبحــث عــن حلــول جاهــزة لــكل‬ ‫مشــكلة يقــع فيهــا املســلمون (بالنــص‬ ‫أو بالقيــاس) إحــدى أهــم إشــكاالت‬ ‫املســلمني والنخــب اإلســامية‪ ،‬وهــو‬ ‫مــا أفقــد املســلمني التفكــر االبتــكاري‬ ‫والناقــد م ًعــا‪ :‬االبتــكاري بالنظــر يف‬ ‫املســتقبل بعــن التأمــل واالكتشــاف‬ ‫بعيــدً ا عــن النمطيــة‪ ،‬والناقــد بالنظــر‬ ‫يف املــوروث بعــن التمحيــص واالختبــار‬ ‫بعيــدً ا عــن التقديــس‪.‬‬ ‫فقــدان التفكــر االبتــكاري بحكــم العيــش‬ ‫الذهنــي والنفــي يف املــايض‪ ،‬وبفعــل‬ ‫التســليم بتحويــل ذلــك املــايض إىل‬ ‫مقيــاس تقــاس عليــه الظواهــر واألحــداث‬ ‫م ًعــا‪ ،‬املمكنــة الـــ ُمعاشة الـــ ُمحايثة‪،‬‬ ‫وممكنــة الحــدوث املســتقبلية‪ ،‬وفقــدان‬ ‫التفكــر الناقــد بحكــم اإلميــان بصالحيــة‬ ‫اجتهاداتــه الجزئيــة لــكل زمــان ومــكان‬ ‫وحالــة‪ ،‬وبفعــل التســليم شــبه املطلــق‬ ‫للفقهــاء واملفتــن يف معالجــة الحــاالت‬ ‫التفصيليــة واإلجرائيــة‪.‬‬ ‫تحــول الفقهــاء واملرجعيــات الدينيــة‬ ‫مــع الزمــن إىل وســاطات جديــدة بــن‬ ‫املســلمني وخالقهــم‪ ،‬ويف شــؤونهم‬ ‫الدنيويــة يف نطاقهــا البينــي ويف نطــاق‬ ‫التفاعــل مــع العــامل‪ ،‬يف غيــاب شــبه كيل‬ ‫للرؤيــة املقاصديــة للديــن يف شــكلها‬

‫املركــب وأبعادهــا الكليــة‪ ،‬تلــك التــي‬ ‫مل يؤهــل الفقهــاء للخــوض فيهــا ابتــدا ًء‬ ‫بقــدر تأهلهــم ‪ -‬يف أحســن األحــوال‪-‬‬ ‫ملركــز الفتــوى الــذي أضحــى يف كثــر مــن‬ ‫حاالتــه واســطة بــن العبــاد وخالقهــم‪،‬‬ ‫وكأنهــم يقربونهــم إىل اللــه زلفــى‬ ‫يف صنميــة جديــدة‪ ،‬ولكــن يف هيئــة‬ ‫إســامية‪ .‬وهــو مــا أورث كثــ ًرا مــن‬ ‫املســلمني التعصــب للمذاهب‪،‬وســلبية‬ ‫التســليم لهــا‪ ،‬و َحدِّ يَّــة أتباعهــا‪ ،‬وجاهزيــة‬ ‫القتــال عصبيــة لهــا والجتهاداتهــا الجزئيــة‬ ‫بعيــدً ا عــن الحنيفيــة الحقــة‪.‬‬ ‫جــاء اإلســام ليحــارب تلــك الســلفية‬ ‫والصنميــة م ًعــا‪ :‬ســلفي َة الـــ ِم ْسطَ َرة‬ ‫الجاهــزة‪ ،‬التــي تتجمــد الرؤيــة عندهــا‬ ‫وتفــرض يف كل األحــوال الواحديــة أو‬ ‫التشــابه‪ ،‬ومــن ثــم واحديــة أو تشــابه‬ ‫ردات الفعــل إزاءهــا‪« :‬إنــا وجدنــا آباءنــا‬ ‫عــى أمــة وإنــا عــى آثارهــم مقتــدون»‪،‬‬ ‫تلــك الســلفية التــي كان أحــد أهــم‬ ‫أهــداف القــرآن الكريــم تكســر أصنامهــا‬ ‫يف الذهنيــة الجاهليــة مهــا خطــا بهــا‬ ‫الزمــن‪ ،‬ومــا ت ـزال وظيفتــه تلــك ســارية‪،‬‬ ‫وستســتمر مــا اســتمر اإلنســان والظاهــرة‬ ‫اإلنســانية‪ .‬وصنميـ َة اإلتبــاع األعمى‪ ،‬الذي‬ ‫يتبلــد معــه اإلحســاس بالــذات وقدرتهــا‬ ‫عــى إمــكان االجتهــاد وحريــة االختيــار‪،‬‬ ‫وعــى الوصــول إىل اللــه تعــاىل دون تلــك‬ ‫الواســطات بــن الــذات وخالقها ســبحانه‪،‬‬ ‫تلــك الصنميــة التــي كان واحــدً ا مــن‬ ‫أهــداف القــرآن الكريــم أيضً ــا تكســرها‬ ‫يف الذهنيــة الجاهليــة وإســقاط اعتبارهــا‬ ‫«إمنــا نعبدهــم ليقربونــا إىل اللــه زلفــى»‪.‬‬ ‫ويضــاف إىل مشــكلة الهجــرة إىل أدغــال‬ ‫التاريــخ للبحــث عــن حلــول جاهــزة‬ ‫للمشــكالت املعــارصة لــدى املســلمني‬ ‫ونخبهــم مشــكلة االنفعــال يف مواجهــة‬ ‫املواقــف املتعــددة‪ ،‬وهــو مــا أفقــد‬ ‫املســلمني االتــزان‪ ،‬وع َّودهــم ســلوك‬

‫الوسطية‬

‫‪37‬‬


‫‪38‬‬

‫مقاالت الوسطية‬

‫ر َّدات الفعــل املثــارة يف مواجهــة األفعــال‬ ‫املثــرة‪.‬‬ ‫وباجتــاع الســببني (فقــدان التفكــر‬ ‫االســتباقي وفقــدان االتــزان االنفعــايل)‬ ‫تحــول املســلم إىل تابــع تاريخــي شــكالين‬ ‫مســتلب وعنيــف‪ ،‬يــأرسه التقديــس‬ ‫والتعصــب م ًعــا‪.‬‬ ‫اإلشــكالية لــدى النخــب يف االتجــاه‬ ‫التحديثــي والحــدايث‪:‬‬ ‫و َم َّثـ َـل البحـ ُ‬ ‫ـث عــن فلســفة إلدارة الحيــاة‬ ‫ومؤسســات املجتمــع املــدين والدولــة‬ ‫يف نطــاق اســتعداء املــايض وتجاربــه‬ ‫مشــكلة النخــب التحديثيــة والحداثيــة‪،‬‬ ‫وهــو مــا أفقدهــم الهويــة وأصــاب‬ ‫رشيحــة ليســت بالقليلــة منهــم باالرتهــان‬ ‫لآلخــر يف الوقــت نفســه‪ .‬فقــدان الهويــة‬ ‫بحكــم العيــش الذهنــي والنفــي يف‬ ‫ســياق رؤيــة اآلخــر‪ ،‬وبفعــل القطيعــة‬ ‫شــبه التامــة مــع املــايض والتنكــر لــكل‬ ‫مــا فيــه‪ ،‬وارتهــان بعضهــم لآلخــر بحكــم‬ ‫الهيمنــة والســطوة النفســية والذهنيــة‬ ‫للغالــب عــى املغلــوب واملتبــوع عــى‬ ‫التابــع‪.‬‬

‫رؤية املستقبل‪ :‬األدوار واملراجعات‬ ‫والتقاط اللحظة الفارقة‪:‬‬ ‫مل تســتطع النخــب العربيــة ممثلــة يف‬ ‫كتلتيهــا الكربيتــن اســتقراء املشــكلة يف‬ ‫شــكلها املركــب بعيــدً ا عــن التبســيط‪ ،‬ومل‬ ‫تســتطع التخلــص مــن ســطوة املــايض‬ ‫مــن جهــة وصدمــة الحداثــة مــن جهــة‬ ‫أخــرى؛ فكانــت النتيجــة زيــاد ًة يف‬ ‫التمــرس الداخــي‪ ،‬و ِحــدَّ ًة يف املواجهــة‬ ‫البينيــة‪ ،‬وانفصا ًمــا يف الــذات والهويــة‪.‬‬ ‫كانــت الحلــول املتخــذة إزاء املشــكالت‬ ‫املركّبــة يف حياتنــا العربيــة‪ ،‬ومــا تــزال‪،‬‬ ‫يف الغالــب حلــوالً تبســيطي ًة وحــا َّدة‪.‬‬ ‫والحلــول التبســيطية الســهلة أو الحــادة‬ ‫االجتثاثيــة حلــول ســهلة خادعــة‪ ،‬وغال ًبــا‬

‫مــا تســتهوي التفكــر البســيط‪ .‬الحلــول‬ ‫املركّبــة وحدهــا‪ ،‬تلــك التــي تنظــر‬ ‫يف األســباب وتفاصيلهــا‪ ،‬والتداخــات‬ ‫ومحدداتهــا‪ ،‬وتــدرك النتائــج وآثارهــا‪،‬‬ ‫واملــآالت وأبعادهــا‪ ،‬فتــوازن بعــد تحليــل‬ ‫دقيــق‪ ،‬وتختــار مــع حــذر وترقــب‪ ،‬هــي‬ ‫الحلــول الناجحــة للمشــكالت املركّبــة‪.‬‬ ‫وتلــك الحلــول عســرة‪ ،‬ال تصــدر إال عــن‬ ‫عقليــات إبداعيــة مركّبــة‪.‬‬ ‫وحــن تجــد النخــب العربيــة يف كال‬ ‫الطرفــن اتــزان املواءمــة بــن ثنائياتهــا‬ ‫املتعــددة بالحلــول املركّبــة‪ ،‬حينهــا‬ ‫ســتكون قــد وصلــت إىل البدايــة‬ ‫الصحيحــة للمــي يف الركــب الحضــاري‬ ‫يف العــامل‪ ،‬بــل وميكــن أن متثــل أمنــوذج‬ ‫خاصــا لإلنســانية‪ ،‬تلــك املتعطشــة ســلفًا‬ ‫ًّ‬ ‫ألمنــوذج متــزن فريــد بعــد تجربتهــا املــرة‬ ‫مــع انتهازيــة الكولونياليــة ومــع فــوىض‬ ‫الــروح بعــد عبثيــة النيتشــوية والتفكيــك‬ ‫التــي أوصلتهــا إىل الالقيمــة والالتحــدد‬ ‫والــايشء‪.‬‬ ‫وإزاء اإلشــكالية املطروحــة يف جانبيهــا‬ ‫الرؤيــوي والواقعــي واالســتقطاب الحــاد‬ ‫بــن ثنائياتهــا مــن جهــة واالســتقطاب‬ ‫القــادم مــع الــراع الطائفــي االجتثــايث‬ ‫تتبــدى ظاهــرة الرفــض الحــادة لــدى‬ ‫رشيحــة واســعة مــن الشــباب العــريب‬ ‫للواقــع بــكل مفرداتــه‪ :‬أســبابًا‪ ،‬وآثــا ًرا‪،‬‬ ‫وأط ـ ًرا تنظيميــة‪ ،‬ظهــرت مالمحــه األوىل‬ ‫مــع ثــورات الربيــع العــريب‪ ،‬ومــا تــزال‬ ‫نريانــه تتوقــد تحــت الرمــاد الهائــل‬ ‫املنثــال عليــه مــن كل األط ـراف‪ ،‬باحثــن‬ ‫عــن شــكل جديــد وأمنــوذج مختلــف عــن‬ ‫الســائد الــذي أثبــت فشــله وانتهــى إىل‬ ‫إخفــاق ذريــع‪.‬‬ ‫يفقــد الشــباب العــريب اليــوم أمنوذجــه‬ ‫بســبب النخــب املســتقطبة‪ ،‬تلــك التــي مل‬ ‫تقــدر عــى توفــر املــادة الفكريــة الخــام‬ ‫املنســجمة مــع تطلعاتــه ومدخــات‬ ‫العــر يف القــرن الواحــد والعرشيــن‪.‬‬

‫وســيكون الشــباب العــريب اليــوم أكــر‬ ‫عرضــ ًة لالرمتــاء يف أحضــان أي أمنــوذج‬ ‫يقــدر عــى التكيــف مــع تطلعاتــه‬ ‫ومزاجــه النفــي‪ ،‬ولــويف اإلطــار العنيــف‪،‬‬ ‫وهــو مــا يشــر إىل أهميــة التقــاط‬ ‫اللحظــة الفارقــة مــن تلــك النخــب‬ ‫الفكريــة ضمــن النطاقــات التنظيميــة‬ ‫األكــر اتســا ًعا يف الشــارع العــريب اليــوم‪.‬‬ ‫ميكننــي هنــا أن أرضب مثـاً لتلــك النخب‬ ‫بنخبتــن كبريتــن متثــان ذلــك الــرخ‬ ‫الشــاقويل للرؤيــة العربيــة‪ :‬اإلخــوان‬ ‫املســلمني‪ ،‬والقوميــن العــرب‪:‬‬ ‫ حركــة اإلخــوان املســلمني بوصفها إحدى‬‫أكــر النخــب تنظيـ ًـا واتســا ًعا وتأث ـ ًرا يف‬ ‫الوطــن العــريب‪ ،‬وبوصفهــا حركــة وريثــة‬ ‫جزئ ًّيــا لحـراك مدرســة التحديــث العربيــة‬ ‫األوىل يف جانبــه الفكــري‪ .‬والتســاؤل هــو‬ ‫حــول قــدرة النخبــة يف تلــك الحركــة‬ ‫عــى االســتفادة مــن دروس الجولــة‬ ‫األوىل يف الــراع مــع قــوى االســتكبار‬ ‫العاملــي خــال ثــورات الربيــع العــريب‪،‬‬ ‫وبعــد انتقــال املواجهــة مــن مواجهــة‬ ‫مــع الــوكالء املحليــن إىل املواجهــة مــع‬ ‫عتاولــة نظــام العــامل الجديــد املؤســس‬ ‫بعــد الحــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬وتحليــل‬ ‫تلــك الــدروس وتقييمهــا‪ ،‬ومواجهــة‬ ‫الــذات باألخطــاء واإلشــكاالت بهــدف‬ ‫تجاوزهــا‪ ،‬وإن اســتلزم األمــر قــرارات‬ ‫صعبــة ومراجعــات جذريــة‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫يُفــرض‪ .‬وحــول قــدرة النخبــة يف تلــك‬ ‫الحركــة عــى إيصــال الحركــة ودفعهــا‬ ‫باتجــاه إعــان منفســتو جديــد ‪ ،‬يتناســب‬ ‫واملرحلــة‪ ،‬ويتناســب وتطلعــات الشــبيبة‬ ‫العربيــة واملــرأة والعــر‪ ،‬يكــون فيــه‬ ‫مــن الجــرأة مــا يكفــي لفــك االرتبــاط‬ ‫باملنهجيــة الســلفية النصيــة الحديثيــة‬ ‫(مــع مراجعــة جذريــة لألســس األصوليــة‬ ‫التــي بنيــت عليهــا وبنــاء منظومــة‬ ‫أصوليــة جديــدة نابعــة مــن القــرآن‬ ‫ومقاصــده الكلية)مــن جهــة‪ ،‬واســتلهام‬


‫التجــارب اإلنســانية الحديثــة عــر قراءتهــا‬ ‫بعيــدً ا عــن الضديــة االتهاميــة وقري ًبــا‬ ‫مــن االســتقرائية البحثيــة‪ ،‬بــد ًءا بخلفياتها‬ ‫الفلســفية والنظريــة‪ ،‬ومــرو ًرا مبناهجهــا‬ ‫وأدواتهــا‪ ،‬يف إطــار منهجــي عقــاين‬ ‫منفتــح ويف نطــاق تفكــر ناقــد متــزن‪.‬‬ ‫وحــول قــدرة النخبــة يف تلــك الحركــة‬ ‫عــى االنتقــال بهــا إىل حركــة حديثــة‬ ‫مندمجــة يف العــر‪ ،‬قــادرة عــى جــذب‬ ‫املفكريــن وأصحــاب الــرأي‪ ،‬وال ســيام يف‬ ‫االتجــاه القومــي العــريب‪ ،‬وهــو مــا تقاربه‬ ‫يف بعــض جوانبــه (عــى اســتحياء) حركــة‬ ‫النهضــة التونســية‪ ،‬ممثــاً مبــا يطرحــه‬ ‫أســتاذها املفكــر راشــد الغنــويش‪.‬‬ ‫ األمــر الــذي تحتــاج معــه الحركــة إىل‬‫االســتفادة مــن تفعيــل أدوات الطبقــة‬ ‫الوســطى ذات التأثــر الواســع يف كل‬ ‫الطبقــات يف الفــن واملــرح والســينام‬ ‫والكتابــة‪ ،‬واســتقطابها بإيجــاد املنــاخ‬ ‫املالئــم لطبيعــة مرونتهــا يف مقابــل‬ ‫صالبــة األصوليــن وتعاليهــم‪ ،‬ونرجســية‬ ‫األرســتقراطيني وميوعتهــم‪ ،‬وغيبوبــة‬ ‫املعدمــن وخشــونتهم‪ ،‬وإن تبــدى يف‬ ‫املعدمــن دقــة إتبــاع ورسعــة اســتجابة‪،‬‬ ‫إال أن أغلبهــم يفيــد يف الجنديــة‪ ،‬ال يف‬ ‫أدوات التأثــر التــي متتلكهــا الطبقــة‬ ‫الوســطى وتجيــد اســتخدامها بفعاليــة‪.‬‬ ‫وإىل االســتفادة مــن التجــارب اإلصالحيــة‬ ‫يف العــامل‪ ،‬ويف مقدمتهــا حركــة اإلصــاح‬ ‫الدينــي الربوتســتانتية يف الديانــة‬ ‫املســيحية ومــا أحدثتــه مــن أثــر بالــغ يف‬ ‫التنويــر والنهضــة األوربيــة‪ ،‬مــع تفهــم‬ ‫خصوصيــة التجربــة الذاتيــة وخصوصيــة‬ ‫تجــارب اآلخريــن‪ ،‬واالســتفادة مــن‬ ‫الــدروس اإليجابيــة والســلبية م ًعــا‪ ،‬يف‬ ‫األســباب واملســببات‪ ،‬ويف النتائــج واآلثار‪،‬‬ ‫ضمــن الظاهــرة ويف محيطهــا‪ ،‬ويف إطــار‬ ‫الظواهــر املتعــددة ذات الصلــة والتأثــر‪..‬‬ ‫ وحركــة القوميــن العــرب‪ ،‬بوصفها حركة‬‫أكــر نخبويــة‪ ،‬وأكــر ثقافــة‪ ،‬وأرفــع كفاءة‬

‫مــن حيــث التأهيــل واملســتوى القيــادي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وبوصــف وطنيــ ِة كثــرٍ مــن قياداتهــا‬ ‫وأعضائهــا‪ ،‬وخرباتهــم املرتاكمــة مــن‬ ‫خــال مامرســتهم العمــل يف مؤسســات‬ ‫الدولــة ســنوات طويلــة‪ .‬والتســاؤل هــو‬ ‫حــول قــدرة النخــب القوميــة عــى إدراك‬ ‫خطــورة املرحلــة واســتقطاباتها السياســية‬ ‫الحــادة‪ ،‬وال ســيام بعــد الــذي يظهــر مــن‬ ‫التحالفــات الجديــدة لقــوى االســتكبار‬ ‫العاملــي واملــروع اإليــراين الفــاريس‬ ‫وأطامعــه يف املنطقــة‪ ،‬وعــى قدرتهــا عــى‬ ‫إحــداث مراجعــة جذريــة شــاملة لتجربــة‬ ‫املــايض‪ ،‬وال ســيام خــال العقــود الســتة‬ ‫املاضيــة‪ ،‬يف الحــراك الــذي أحدثتــه‪ ،‬ويف‬ ‫عالقاتهــا مــع النخــب األخــرى واإلســامية‬ ‫تحديــدً ا‪ ،‬وعــى قدرتهــا عــى اإلســهام يف‬ ‫تحديــث املنظومــة الفكريــة الســائدة‬ ‫لــدى الوســط الح ـرايك اإلســامي‪ ،‬بحكــم‬ ‫امتــاك النخــب القوميــة األدوات‬ ‫التحديثيــة والتجربــة األفضــل حــاالً‪:‬‬ ‫حــوا ًرا‪ ،‬و ُمدارسـ ًة‪ ،‬وتقار ًبــا بهــدف الدفــع‬ ‫باتجــاه إعــان ذلــك املنفســتو الجديــد‪،‬‬ ‫الــذي يصهــر النخــب يف كال الطرفــن يف‬ ‫رؤيــة متقاربــة وفاعليــة عمــل مؤثــرة‪.‬‬ ‫هــل تقــدر حركــة اإلخــوان املســلمني‬ ‫أن تكــون هــي رائــدة املرحلــة خــال‬ ‫العقــد الحــايل ومــا يليــه؟! هنــاك مــن‬ ‫يشــك يف ذلــك (مــع إمكانــه وصعوبتــه‬ ‫يف آن واحــد)‪ ،‬لجملــة مــن األســباب‪،‬‬ ‫يــأيت يف مقدمتهــا قياداتهــا املعتقــة‬ ‫غــر القــادرة عــى فهــم حركــة العــر‪،‬‬ ‫والرتبيــة الســلفية التــي تورطــت معهــا‬ ‫الحركــة ومــا تـزال كلــا امتــد بهــا الزمــن‪،‬‬ ‫والظاهــرة الصوتيــة التــي اعتــادت‬ ‫الحركــة أن تستســلم لهــا أحيانًــا كثــرة‪،‬‬ ‫وضعــف الحركــة يف االســتفادة املثــى مــن‬ ‫رشيحــة األكادمييــن الباحثــن واملفكريــن‬ ‫االســراتيجيني القادريــن عــى تحليــل‬ ‫الظاهــرة اإلنســانية وحركتهــا التاريخيــة‪،‬‬ ‫وقــراءة مدخــات الواقــع وتنبــؤات‬

‫املســتقبل‪.‬‬ ‫ولكنهــا الفرصــة التاريخيــة أمــام الحركــة‪،‬‬ ‫لــو أرادت‪ ،‬إلنقــاذ مــا يجــب إنقــاذه‪،‬‬ ‫وتأســيس مــا يجــب تأسيســه‪ ،‬وإظهــار‬ ‫األمنــوذج املنســجم الــذي تاهــت عنــه‬ ‫حركــة التحديــث العربيــة طــوال أكــر‬ ‫مــن قــرن مــن الزمــن‪ ،‬وأفــى إىل قطيعــة‬ ‫شــبه تامــة بــن نخبهــا‪.‬‬ ‫وهــل تقــدر النخــب القوميــة أن تتجــاوز‬ ‫مشــكالتها‪ ،‬وتخطــو الخطــوة الالزمــة‬ ‫الجريئــة باتجــاه الحــراك اإلســامي‪،‬‬ ‫بهــدف تجــاوز أزمــة املــايض‪ ،‬وبهــدف‬ ‫خلــق اتــزان املواءمــة بــن الثنائيــات‬ ‫املتعــددة يف الرؤيــة العربيــة‪ ،‬وبهــدف‬ ‫االلتحــام بــه لتطويــر أدواتــه ومتكينــه‬ ‫مــن فاعليــة العمــل‪ ،‬وتشــكيل إطــار‬ ‫جامــع يواجــه األخطــار الكبــرة القادمة؟!‬ ‫هنــاك مــن يشــك يف ذلــك أيضً ــا‪ ،‬لجملــة‬ ‫مــن األســباب‪ ،‬يــأيت يف مقدمتهــا الشــتات‬ ‫النســبي الــذي تعيشــه النخــب القوميــة‪،‬‬ ‫ونكــوص بعــض قياداتهــا باالرتهــان‬ ‫ملشــاريع جديــدة بعيــدة عــن الخــط‬ ‫القومــي العــريب‪ ،‬واليــأس النســبي مــن‬ ‫فاعليــة العمــل مــع الحراك اإلســامي‪ ،‬وال‬ ‫ســيام بعــد تجربــة الطرفــن مــا بعــد ثورة‬ ‫الربيــع العــريب يف مــر يف الســنة األوىل‬ ‫مــن حكــم اإلخــوان املســلمني‪.‬‬ ‫ولكنهــا أيضً ــا الفرصــة التاريخيــة‪ ،‬وقــد‬ ‫تكــون الوحيــدة‪ ،‬أمــام النخــب القوميــة‬ ‫وأمــام الجميــع‪ ،‬للعمــل عــى تجــاوز‬ ‫املشــكلة العربيــة يف التحديــث‪ ،‬وعــى‬ ‫التأســيس للرؤيــة املنســجمة مــع الــذات‬ ‫العربيــة وهويتهــا اإلســامية مــن جهــة‪،‬‬ ‫وتطلعاتهــا ملواكبــة العــر وحداثتــه‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬وعــى تجــاوز املشــكلة‬ ‫العربيــة يف مواجهــة الخطــر القــادم‪،‬‬ ‫الــذي رمبــا لــن يــرك يف العــامل العــريب‬ ‫حجــ ًرا عــى حجــر‪.‬‬

‫الوسطية‬

‫‪39‬‬


‫‪40‬‬

‫من شخصيات الوسطية‬

‫سعيد النوريس « رحمه الله تعاىل»‬

‫مواقيت الصالة‬ ‫مواقيت الصالة‬ ‫في مرآة رسائل النور‬

‫في مرآة رسائل النور‬

‫د‪.‬مأمون فريز جرار‬

‫‪L‬‬

‫سعيد النوريس « رحمه الله تعاىل»‬ ‫الصــاة هــي الركــن الثــاين مــن أركان‬ ‫اإلســام‪ ،‬وهــي رفيقــة املســلم يف نهــاره‬ ‫وليلــه‪ ،‬يبــدأ بهــا نهــاره ويختــم بهــا‬ ‫يومــه قبــل النــوم‪ 0‬وقــد تضمنــت اآليتــان‬ ‫الكرميتــان اآلتيتــان مواقيــت الصــاة‪:‬‬ ‫(ف َُســ ْبحانَ اللــه حــ َن تُ ســونَ وحــن‬ ‫الســموات‬ ‫تُص ِب ُحــون_ َولَــه ال َحمــدُ يف َ‬

‫ِ‬ ‫واالرض َو َع ِشـ ّيا وحــن تُظ ِهــرون) )الــروم‪:‬‬ ‫‪ 17‬ـ ‪( 18‬‬ ‫ومــن تفكــر يف مواقيــت الصــاة ال بــد أن‬ ‫تنكشــف لــه أرسار وراء فــرض الصلــوات‬ ‫فيهــا‪ ،‬وهــذا مــا فعلــه األســتاذ بديــع‬ ‫الزمــان ســعيد النــوريس رحمــه اللــه يف‬ ‫الكلمــة التاســعة مــن كتــاب الكلــات ‪0‬‬ ‫ويبــدو أن ســؤاال وجــه إليــه حــول هــذه‬


‫األوقــات وأرسارهــا‪ ،‬فقــد جــاء يف بدايــة‬ ‫الكلمــة‪:‬‬ ‫«أيهــا األخ! تســألني عــن حكمــة‬ ‫تخصيــص الصــاة يف هــذه األوقــات‬ ‫الخمســة املعينــة‪ ،‬فسنشــر إىل حكمــة‬ ‫واحــدة فقــط مــن بــن ِحكمهــا الوفــرة‬ ‫نعــم‪ ،‬كــا أن وقــت كل صــاة‪ ،‬بدايــة‬ ‫ـاب زمنــي عظيــم ومهــم‪ ،‬فهــو كذلــك‬ ‫انقـ ٍ‬ ‫مــرآة لتــرف إلهــي عظيم‪ ،‬تعكــس اآلالء‬ ‫اإللهيــة الكليــة يف ذلــك الوقــت‪ .‬لهــذا‬ ‫فقــد أمــر يف تلــك األوقــات بالصــاة‪ ،‬أي‬ ‫الزيــادة مــن التســبيح والتعظيــم للقديــر‬ ‫ذي الجــال‪ ،‬واإلكثــار مــن الحمد والشــكر‬ ‫لنعمــه التــي ال تحــى والتــي تجمعــت‬ ‫بــن الوقتني‪(»..‬كتــاب الكلــات ص ‪)38‬‬ ‫معنى الصالة‪:‬‬ ‫وميهــد األســتاذ النــوريس للحديــث عــن‬ ‫أرسار أوقــات الصــاة ببيــان معنــى‬ ‫الصــاة والعبــادة ومعنــى التســبيح‬ ‫والتكبــر والتحميــد‪:‬‬ ‫«إن معنــى الصالة هو التســبيح والتعظيم‬ ‫تقديســه جل وعال‬ ‫والشــكر لله تعــاىل‪ .‬أي‬ ‫ُ‬ ‫تجــاه جاللــه قــوالً وفعـاً بقــول‪ :‬ســبحان‬ ‫اللــه‪ ..‬وتعظيمــه تجــاه كامله لفظـاً وعمالً‬ ‫بقــول‪ :‬اللــه اكــر‪ ..‬وشــكره تجــاه جاملــه‬ ‫قلبـاً ولســاناً وجسـاً بقــول‪ :‬الحمــد للــه‪.‬‬ ‫أي أن التســبيح والتكبــر والتحميــد هــو‬ ‫مبثابــة نــوى الصــاة وبذورهــا‪ ،‬ف ُوجِ ــدت‬ ‫هــذه الثالثــة يف جميــع حــركات الصــاة‬ ‫وأذكارهــا‪ .‬ولهــذا أيضــاً تُكــ ّرر هــذه‬ ‫الكلــات الطيبــة الثــاث ثالثــاً وثالثــن‬ ‫مــرة عقــب الصــاة‪ ،‬وذلــك للتأكيــد‬ ‫عــى معنــى الصــاة وترســيخه‪ ،‬إذ بهــذه‬ ‫الكلــات املوجــزة املجملــة يؤكــد معنــى‬ ‫الصــاة ومغزاها‪(».‬الكلــات‪ ،‬ص‪– 38 :‬‬ ‫‪) 39‬‬ ‫معنى العبادة‪:‬‬

‫ويتبــع ذلــك ببيــان معنــى العبــادة للــه‪،‬‬ ‫والصــاة جــزء مــن العبــادة ويربــط‬ ‫بينهــا‪:‬‬ ‫«إن معنــى العبــادة هــو ســجو ُد العبــد‬ ‫مبحبــة خالصــة وبتقديــر وإعجــاب يف‬ ‫الحــرة اإللهيــة وأمــام كــال الربوبيــة‬ ‫والقــدرة الصمدانيــة والرحمــة اإللهيــة‬ ‫مشــاهداً يف نفســه تقصــ َره وعجــ َزه‬ ‫وفقــ َره‪ (».‬الكلــات‪ ،‬ص‪) 39 :‬‬ ‫معنى التسبيح‪:‬‬ ‫والتســبيح هــو جــزء مــن الصــاة‪ ،‬وجــزء‬ ‫مــن األذكار بعدهــا‪ ،‬ولذلــك نجــد األســتاذ‬ ‫النــوريس يفصــل معنــاه‪:‬‬ ‫«نعــم‪ ،‬كــا أن ســلطنة الربوبيــة تتطلــب‬ ‫العبوديــة والطاعــة‪ ،‬فــإن قدســي َتها‬ ‫ونزاهتهــا تتطلــب أيضـاً أن ُيعلــن العبدُ ــ‬ ‫مــع اســتغفاره برؤيــة تقصــره ــــ أن ر ّبــه‬ ‫من ـ ّز ٌه عــن أي نقــص‪ ،‬وأنــه ُمتعــالٍ عــى‬ ‫جميــع أفــكار أهــل الـــضاللة الباطلــة‪،‬‬ ‫وأنــه مقــدّ س مــن جميــع تقصــرات‬ ‫الكائنــات ونقائصهــا‪ .‬أي يعلــن ذلــك كلــه‬ ‫بتســبيحه‪ ،‬بقولــه‪ :‬ســبحان الله‪(».‬املصــدر‬ ‫الســابق )‬ ‫معنى التكبري‪:‬‬ ‫ويتبــع ذلــك ببيــان معنــى التكبــر الــذي‬ ‫هــو جــزء مــن أذكار الصــاة وأذكار مــا‬ ‫بعدهــا‪:‬‬ ‫«وكــذا قــدرة الربوبيــة الكاملــة تطلــب‬ ‫مــن العبــد أيضــاً أن يلتجــئ إليهــا‪،‬‬ ‫ضعــف نفســه‬ ‫ويتــوكل عليهــا لرؤيتــه‬ ‫َ‬ ‫الشــديد وعجــ َز املخلوقــات قائــاً‪ :‬اللــه‬ ‫اكــر‪ ،‬بإعجــاب وتقديــر واستحســان تجــاه‬ ‫عظمــة آثــار القــدرة الصمدانيــة‪ ،‬ماضي ـاً‬ ‫إىل الركــوع بــكل خضــوع وخشــوع‪(».‬‬ ‫املصــدر نفســه)‪.‬‬ ‫معنى التحميد‪:‬‬ ‫ثــم يعقــب ذلــك ببيــان معنــى الحمــد يف‬

‫مقابــل اإلحســاس بنعــم اللــه عــز وجــل‪:‬‬ ‫«وكــذا رحمــة الربوبيــة الواســعة تتطلــب‬ ‫أيض ـاً أن يُظهــر العبــدُ حاجاتــه الخاصــة‬ ‫وحاجــات جميــع املخلوقــات وفقرهــا‬ ‫بلســان الســؤال والدعــاء‪ ،‬وأن يعلــن‬ ‫إحســان ربــه وأالءه العميمــة بالشــكر‬ ‫والثنــاء والحمــد بقولــه‪ :‬الحمــد للــه‪».‬‬ ‫(املصــدر نفســه)‬ ‫الصالة مثال مصغر للعبادات‪:‬‬ ‫ويلتفــت األســتاذ النــوريس إىل أمــر مهــم‬ ‫هــو تضمــن الصــاة للعبــادات األخــرى‪:‬‬ ‫ففيهــا اإلحــرام بالتكبــر‪ ،‬وفيهــا الصيــام‬ ‫باالمتنــاع عــن كل فعــل خــارج عنهــا‪،‬‬ ‫وفيهــا الــزكاة ببــذل الجهــد البــدين يف‬ ‫القيــام بالصــاة‪ ،‬وفيهــا الحــج بالتوجــه‬ ‫إىل بيــوت اللــه وتوجيــه الجســد والقلــب‬ ‫إىل القبلــة‪ :‬بيــت اللــه الحــرام‪:‬‬ ‫«كــا أن اإلنســان هــو مثـ ٌ‬ ‫ـال مص ّغــر لهــذا‬ ‫العــامل الكبــر‪ ،‬وأن ســورة الفاتحــة مثـ ٌ‬ ‫ـال‬ ‫منــ ّور للقــرآن العظيــم‪ ،‬فالصــاة كذلــك‬ ‫فهــرس نــوراين شــامل لجميــع العبــادات‪،‬‬ ‫وخريطــة ســامية تشــر إىل أمنــاط عبادات‬ ‫املخلوقــات جميعاً‪(».‬املصــدر نفســه)‬ ‫الصلوات واألحداث الكونية‪:‬‬ ‫ويربــط األســتاذ النــوريس أوقــات‬ ‫الصلــوات املفروضــة بأحــداث كونيــة‬ ‫متنوعــة ماضيــة أو آتيــة يذكــر بهــا كل‬ ‫وقــت ليجعــل مــن الصــاة اســترشافا‬ ‫لعــامل امللــك وامللكــوت‪:‬‬ ‫وقت الفجر‪:‬‬ ‫يبــدأ بوقــت الفجــر فانظر ماذا يســترشف‬ ‫مــن خالله مــن الشــؤون اإللهية‪:‬‬ ‫«وقــت الفجــر إىل طلــوع الشــمس‪:‬‬ ‫يشــبه ويذكّــر ببدايــة الربيــع وأولــه‪،‬‬ ‫وبــأوان ســقوط اإلنســان يف رحــم األم‪،‬‬ ‫وباليــوم األول مــن األيــام الســتة يف خلــق‬ ‫الســموات واألرض‪ ،‬فين ّبــه اإلنســان إىل مــا‬

‫الوسطية‬

‫‪41‬‬


‫من شخصيات الوسطية‬

‫‪42‬‬

‫يف تلــك األوقــات مــن الشــؤون اإللهيــة‬ ‫العظيمة‪(».‬الكلــات‪ ،‬ص‪)40:‬‬ ‫وقت الظهر‪:‬‬ ‫وعنــد انتصــاف النهــار يحل وقــت الظهر‪،‬‬ ‫فتأمــل مــاذا ينكشــف مــن خالله‪:‬‬ ‫«أمــا وقــت الظهــر‪ :‬فهو يشــبه ويشــر إىل‬ ‫منتصــف الصيــف‪ ،‬وإىل عنفوان الشــباب‪،‬‬ ‫وإىل فــرة خلــق اإلنســان يف عمــر الدنيــا‪،‬‬ ‫ويذكّــر مــا يف ذلــك كلــه مــن تجليــات‬ ‫الرحمــة وفيوضــات النعمة‪(».‬املصــدر‬ ‫نفســه)‬ ‫وقت العرص‪:‬‬ ‫ولوقــت العــر دالالت أخــرى يف حيــاة‬ ‫اإلنســان ويف الوجــود تناســب موقعــه‬ ‫الزمنــي‪:‬‬ ‫«أمــا وقــت العــر‪ :‬فهــو يشــبه موســم‬ ‫الخريــف‪ ،‬وزمــن الشــيخوخة‪ ،‬وعــر‬ ‫الســعادة الــذي هــو عــر خاتــم الرســل‬ ‫محمــد عليــه الصــاة والســام‪ ،‬ويذكّــر مــا‬ ‫يف ذلــك كلــه مــن الشــؤون اإللهيــة واآلالء‬ ‫الرحامنية‪(».‬املصــدر نفســه)‬ ‫وقت املغرب‪:‬‬ ‫ومــع الغــروب يبــدأ الليــل بعــد غيــاب‬ ‫الشــمس وزوال النهــار فلــه معــان‬ ‫تناســب هــذه األحــوال‪:‬‬ ‫«أمــا وقــت املغــرب‪ :‬فإنــه يذكّــر بغــروب‬ ‫أغلــب املخلوقــات وأفولهــا نهايــة‬ ‫الخريــف‪ ،‬ويذكّــر أيض ـاً بوفــاة اإلنســان‪،‬‬ ‫وبدمــار الدنيــا عنــد قيــام الســاعة‪ ،‬ومــع‬ ‫ذلــك فهــو يعلّــم التجليــات الجالليــة‪،‬‬ ‫ويوقــظ اإلنســان مــن نــوم الغفلــة‬ ‫وينبهه‪(».‬املصــدر نفســه)‬ ‫وقت العشاء‪:‬‬ ‫وعنــد العشــاء تــزول بقايــا النهــار‪،‬‬ ‫وتشــتد العتمــة‪ ،‬فنقــف عــى املعــاين‬

‫التــي ترتبــط بهــذا الوقــت املعتــم‪:‬‬ ‫«أمــا وقــت العشــاء‪ :‬فيذكّــر بغشــيان‬ ‫عــامل الظــام‪ ،‬وســره آثــار عــامل النهــار‬ ‫بكفنــه األســود‪ ،‬ويذكّــر أيضــاً بتغطيــة‬ ‫الكفــن األبيــض للشــتاء وجــه األرض‬ ‫امليتــة‪ ،‬وبوفــاة حتــى آثــار اإلنســان‬ ‫املتــوىف ودخولهــا تحــت ســتار النســيان‪،‬‬ ‫وبانســداد أبــواب دار امتحــان الدنيــا‬ ‫نهائيــاً‪ ،‬ويعلــن يف ذلــك كلــه ترصفــات‬ ‫جالليــة للقهــار ذي الجالل‪(».‬املصــدر‬ ‫نفســه)‬ ‫وقت الليل‪:‬‬ ‫وبالعشــاء تنتهــي الصلــوات املفروضــة‬ ‫وتبقــى صــاة التهجــد‪ ،‬وهــا هــو األســتاذ‬ ‫النــوريس يقــف عنــد هــذا الوقــت املتأخر‬ ‫مــن الليــل مبــا فيــه مــن ظلمــة شــديدة‪،‬‬ ‫ويســتنطق دالالتــه وحاجــات اإلنســان‬ ‫الروحيــة فيــه‪:‬‬ ‫«أمــا وقــت الليــل‪ :‬فإنــه يذكّــر بالشــتاء‪،‬‬ ‫وبالقــر‪ ،‬وبعــامل الــرزخ‪ ،‬فض ـاً عــن أنــه‬ ‫يذكّــر روح اإلنســان مبــدى حاجتهــا إىل‬ ‫رحمــة الرحمن‪(».‬املصــدر نفســه)‬ ‫هذا الوقت هو وقت التهجد‪:‬‬ ‫«أمــا التهجــد يف الليــل‪ :‬فانــه يذكّــر‬ ‫بـــرورته ضيــاء لليــل القــر‪ ،‬ولظلــات‬ ‫عــامل الــرزخ‪ ،‬وين ّبــه ويذكّــر بنعــم‬ ‫غــر متناهيــة للمنعــم الحقيقــي عــر‬ ‫هــذه االنقالبــات‪ ،‬ويعلــن أيضــا عــن‬ ‫مــدى أهليــة املنعــم الحقيقــي للحمــد‬ ‫والثناء‪(».‬املصــدر نفســه‪ ،‬ص‪)41 :‬‬ ‫لقــد دار بنــا األســتاذ مــن الفجــر حتــى‬ ‫التهجــد‪ ،‬وبعــد الليــل يــأيت فجــر جديــد‬ ‫وصبــاح جديــد‪ ،‬ولهــذا الصبــاح داللتــه يف‬ ‫ميــدان التفكــر‪:‬‬ ‫الصباح الثاين‪:‬‬

‫«أمــا الصبــاح الثــاين‪ :‬فإنــه يذكّــر بصبــاح‬ ‫الحــر‪ .‬نعــم‪ ،‬كــا أن مجــيء الصبــح‬ ‫لهــذا الليــل‪ ،‬ومجــيء الربيــع لهذا الشــتاء‬ ‫معقــول ورضوري وحتمــي‪ ،‬فــإن مجــيء‬ ‫صبــاح الحــر وربيــع الــرزخ هــا‬ ‫بالقطعيــة والثبوت نفســيهام‪(».‬الكلامت‪،‬‬ ‫ص‪)41 :‬‬ ‫الصلوات وأوقاتها‪:‬‬ ‫ويــدور بنــا األســتاذ دورة تفكــر جديــدة‬ ‫مــع الصلــوات وأوقاتهــا‪ ،‬فيبــن أن «كل‬ ‫وقــت إذا ـ مــن هــذه األوقــات الخمســة ـ‬ ‫بدايــة انقــاب عظيــم‪ ،‬ويذكّــر بانقالبــات‬ ‫أخــرى عظيمــة‪ ،‬فهــو يذكّــر أيضــاً‬ ‫مبعجــزات القــدرة الصمدانيــة وهدايــا‬ ‫الرحمــة اإللهيــة ســواء منهــا الســنوية‬ ‫أو العرصيــة أو الدهريــة‪ ،‬بإشــارات‬ ‫ترصفاتهــا اليوميــة العظيمــة‪.‬‬ ‫أي أن الصــاة املفروضــة التــي هــي‬ ‫وظيفــة الفطــرة وأســاس العبوديــة‬ ‫والدَّ يــن املفــروض‪ ،‬الئقــة جــداً ومناســبة‬ ‫جــداً يف أن تكــون يف هــذه األوقــات‬ ‫حقاً‪(».‬املصــدر الســابق)‬ ‫أحوال اإلنسان يف أوقات الصالة‪:‬‬ ‫ويبــن األســتاذ النــوريس مــا تقدمــه هــذه‬ ‫الصلــوات مــن املنافــع لإلنســان ومــا‬ ‫تلبيــه لديــه مــن حاجــات‪ ،‬ويقــف عنــد‬ ‫كل واحــدة مــن الصلــوات وقفــة مفصلــة‪،‬‬ ‫وميهــد لذلــك بقولــه‪:‬‬ ‫«إن اإلنســان بفطرتــه ضعيــف جــداً‪ ،‬ومع‬ ‫ذلــك فــا أكــر املنغصــات التــي تورثــه‬ ‫الحــزن واألمل‪ .‬وهــو يف الوقــت نفســه‬ ‫عاجــز جــداً‪ ،‬مــع أن أعــداءه ومصائبــه‬ ‫كثــرة جــداً‪ .‬وهــو فقــر جــداً مــع أن‬ ‫حاجاتــه كثــرة وشــديدة‪ .‬وهــو كســول‬ ‫وبــا اقتــدار مــع أن تكاليــف الحيــاة‬


‫ثقيلــة عليــه‪ .‬وإنســانيته جعلتــه يرتبــط‬ ‫بالكــون جميع ـاً مــع أن ف ـر َاق مــا يحبــه‬ ‫وزوال مــا يســتأنس بــه يؤملانــه‪ ،‬وعقلــه‬ ‫يريــه مقاصــد ســامية ومثــاراً باقيــة‪ ،‬مــع‬ ‫أن يــده قصــرة‪ ،‬وعمــره قصــر‪ ،‬وقدرتــه‬ ‫محــدودة وصــره محدود‪(».‬املصــدر‬ ‫نفســه)‬ ‫حال اإلنسان مع الفجر‪:‬‬ ‫ففــي الفجــر يحتــاج اإلنســان الضعيــف‬ ‫إىل املــدد الربــاين لتلبيــة حاجاتــه‪:‬‬ ‫«فــروح اإلنســان يف هــذه الحالــة (يف‬ ‫وقــت الفجــر) أحــوج مــا تكــون إىل أن‬ ‫تطــرق ـ بالدعــاء والصــاة ـ بــاب القديــر‬ ‫ذي الجــال‪ ،‬وبــاب الرحيــم ذي الجــال‪،‬‬ ‫عارضــ ًة حالهــا أمامــه‪ ،‬ســائلة التوفيــق‬ ‫والعــون منــه ســبحانه‪ ،‬ومــا أشــد افتقــار‬ ‫تلــك الــروح إىل نقطــة اســتناد يك تتحمــل‬ ‫مــا ســيأيت أمامهــا مــن أعــال‪ ،‬ومــا‬ ‫ســتحمل عــى كاهلهــا مــن وظائــف يف‬ ‫عــامل النهــار الــذي يعقــب‪( ».‬املصــدر‬ ‫الســابق)‬ ‫حال اإلنسان عند الظهر‪:‬‬ ‫وعنــد الظهــرة يحتــاج اإلنســان إىل‬ ‫الخــاص مــن مشــاغل الدنيــا ومتاعــب‬ ‫األعــال التــي اســتغرق فيهــا‪:‬‬ ‫«وعنــد وقــت الظهــر ذلــك الوقــت‬ ‫الــذي هــو ذروة كــال النهــار وميالنــه‬ ‫إىل الــزوال‪ ،‬وهــو أوان تكامــل األعــال‬ ‫اليوميــة‪ ،‬وفــرة اسـراحة مؤقتة مــن عناء‬ ‫املشــاغل‪ ،‬وهــو وقــت حاجــة الــروح إىل‬ ‫التنفــس واالســرواح مــا تعطيــه هــذه‬ ‫الدنيــا الفانيــة واألشــغال املرهقــة املؤقتــة‬ ‫مــن غفل ـ ٍة وحــر ٍة واضط ـراب فض ـاً عــن‬ ‫أنــه أوان تظاهــر اآلالء اإللهية‪(».‬املصــدر‬ ‫نفســه‪ ،‬ص‪) 42 :‬‬

‫حال اإلنسان عند العرص‪:‬‬ ‫عنــد العــر يكــون اإلنســان قــد قــى‬ ‫معظــم أعاملــه‪ ،‬وحقــق مطالبــه ومــال‬ ‫إىل نــوع مــن الراحــة‪ ،‬فانظــر حاجــات‬ ‫اإلنســان كــا يجليهــا األســتاذ النــوريس‪:‬‬ ‫«(وعنــد وقــت العــر)‪ :‬الــذي يذكّــر‬ ‫باملوســم الحزيــن للخريــف‪ ،‬وبالحالــة‬ ‫املحزنــة للشــيخوخة‪ ،‬وباأليــام األليمــة‬ ‫آلخــر الزمــان‪ ،‬وبوقــت ظهــور نتائــج‬ ‫األعــال اليوميــة‪ .‬فهــو فــرة حصــول‬ ‫املجمــوع الــكيل الهائــل للنعــم اإللهيــة‪،‬‬ ‫أمثــال التمتــع بالصحــة والتنعــم‬ ‫بالعافيــة‪ ،‬والقيــام بخدمــات طيبــة‪.‬‬ ‫وهــو كذلــك وقــت اإلعــان بــأن اإلنســان‬ ‫ضيــف مأمــور‪ ،‬وبــأن كل يشء يــزول‬ ‫وهــو بــا ثبــات وال قــرار‪ ،‬وذلــك مبــا‬ ‫يشــر إليــه انحنــاء الشــمس الـــضخمة إىل‬ ‫األفول‪(».‬الكلــات‪ ،‬ص‪)42 :‬‬ ‫هــذه الحــال تدفــع اإلنســان» ليقــوم‬ ‫وقــت العــر ويســبغ الوضــوء ألداء‬ ‫صــاة العــر‪ ،‬ليناجــي مترضعــاً أمــام‬ ‫بــاب الحــرة الصمدانيــة للقديــم الباقــي‬ ‫وللقيــوم الرسمــدي‪ ،‬وليلتجــئ إىل فضــل‬ ‫رحمتــه الواســعة‪ ،‬وليقدم الشــكر والحمد‬ ‫عــى نعمــه التــي ال تحــى‪ ،‬فريكــع بــكل‬ ‫ٍّ‬ ‫ذل وخضــوع أمــام عــزة ربوبيتــه ســبحانه‬ ‫ويهــوي إىل الســجود بــكل تواضــع وفنــاء‬ ‫أمــام رسمديــة إلوهيتــه‪ ،‬ويجــد الســلوان‬ ‫الحقيقــي والراحــة التامــة لروحــه بوقوفه‬ ‫بعبوديــة تامــة وباســتعداد كامــل أمــام‬ ‫عظمــة كربيائــه جــل وعــا‪( ».‬املصــدر‬ ‫نفســه)‬ ‫حال اإلنسان وقت املغرب‪:‬‬ ‫ويقــف األســتاذ النــوريس وقفــة طويلــة‬ ‫مفصلــة مــع صــاة املغــرب بعــد أن ميهــد‬

‫لذلــك بــدالالت الغــروب ومــا يذكــر بــه‬ ‫ثــم يفصــل الحديــث عــن التكبــر وذكــر‬ ‫الركــوع وذكــر الســجود والتحيــات‪:‬‬ ‫«(وعنــد وقــت املغــرب) الــذي يذكّــر‬ ‫بوقــت غــروب املخلوقــات اللطيفــة‬ ‫الجميلــة لعــامل الصيــف والخريــف يف‬ ‫خزينــة الودائــع منــذ ابتــداء الشــتاء‪،‬‬ ‫ويذكّــر بوقــت دخــول اإلنســان القــر‬ ‫عنــد وفاتــه وفراقــه األليــم لجميــع‬ ‫أحبتــه‪ ،‬وبوفــاة الدنيــا كلهــا بزلزلــة‬ ‫ســكراتها وانتقــال ســاكنيها جميعــاً إىل‬ ‫عــوامل أخــرى‪ .‬ويذكّــر كذلــك بانطفــاء‬ ‫مصبــاح دار االمتحــان هــذه‪ .‬فهــو‬ ‫ٍ‬ ‫إيقــاظ قــوي وإنــذا ٍر شــديد‬ ‫وقــت‬ ‫ألولئــك الذيــن يعشــقون لحــد العبــادة‬ ‫املحبوبــات التــي تغــرب وراء أفــق‬ ‫الــزوال‪ .‬لــذا فاإلنســان الــذي ميلــك روحـاً‬ ‫صافيــة كاملــرآة املجلــوة املشــتاقة فطــر ًة‬ ‫إىل تجليــات الجــال الباقــي‪ ،‬ألجــل أداء‬ ‫صــاة املغــرب يف مثــل هــذا الوقــت يـ ّ‬ ‫ـول‬ ‫وجهــه إىل عــرش عظمــة َمــن هــو قديــم‬ ‫مل يــزل‪ ،‬ومــن هــو بــاقٍ ال يــزال‪ ،‬و َمــن‬ ‫هــو يدبــر أمــر هــذه العــوامل الجســيمة‬ ‫ويبدّلها»(الكلــات‪ ،‬ص‪)43 - 42 :‬‬ ‫ثــم يختــم بقولــه‪ »:‬ومــا أنــزه أداء صــاة‬ ‫املغــرب ومــا أجلّهــا مــن مهمــة ـ بهــذا‬ ‫املضمــون ـ ومــا أع ّزهــا وأحالهــا مــن‬ ‫وظيفــة‪ ،‬ومــا أجملها وأل ّذها مــن عبودية‪،‬‬ ‫ومــا أعظمهــا مــن حقيقــة أصيلــة!‬ ‫وهكــذا نــرى كيــف أنهــا ُصحبــة كرميــة‬ ‫وجلســة مباركــة وســعادة خالــدة يف مثــل‬ ‫هــذه الـــضيافة الفانيــة‪ ..‬أفيحســب َمــن‬ ‫مل يفهــم هــذا نفســه أنســاناً؟‪(».‬الكلامت‬ ‫ص‪ – 43 :‬ص‪)44 :‬‬ ‫حال اإلنسان وقت العشاء‪:‬‬

‫الوسطية‬

‫‪43‬‬


‫‪44‬‬

‫من شخصيات الوسطية‬

‫ويقــف األســتاذ النــوريس وقفــة مطولــة‬ ‫عنــد صــاة العشــاء ودالالتهــا وإيحاءاتها‪،‬‬ ‫فيقــف عــى العتمــة املطبقــة ومــا توحــي‬ ‫بــه مــن تجليــات إلهيــة‪:‬‬ ‫«(وعنــد وقــت العشــاء) ذلــك الوقــت‬ ‫الــذي تغيــب يف األفــق حتــى تلــك البقيــة‬ ‫الباقيــة مــن آثــار النهــار‪ ،‬ويخ ّيــم الليـ ُـل‬ ‫فيــه عــى العــامل‪ ،‬فيذكّــر بالترصفــات‬ ‫الربانيــة لـ(مقلــب الليــل والنهــار)‬ ‫وهــو القديــر ذو الجــال يف قلبــه تلــك‬ ‫الصحيفــة البيضــاء إىل هــذه الصحيفــة‬ ‫الســوداء‪ ..‬ويذكّــر كذلــك باإلجــراءات‬ ‫اإللهيــة لـ(مســخر الشــمس والقمر)‪،‬وهــو‬ ‫الحكيــم ذو الكــال يف قلبــه الصحيفــة‬ ‫الخــراء املز ِّينــة للصيــف إىل الصحيفــة‬ ‫البيضــاء البــاردة للشــتاء‪ .‬ويذكّــر كذلــك‬ ‫بالشــؤون اإللهيــة لـ(خالــق املــوت‬ ‫والحيــاة) بانقطــاع اآلثــار الباقية ــــ مبرور‬ ‫الزمــن ــــ ألهــل القبــور مــن هــذه الدنيــا‬ ‫وانتقالهــا كليـاً إىل عــامل آخــر‪ .‬فهــو وقــت‬ ‫يذكّــر بالترصفــات الجالليــة‪ ،‬وبالتجليــات‬ ‫الجامليــة لخالــق األرض والســموات‪،‬‬ ‫وبانكشــاف عــامل اآلخــرة الواســع الفســيح‬ ‫الخالــد العظيــم‪ ،‬ومبــوت الدنيــا الضيقــة‬ ‫الفانيــة الحقــرة‪ ،‬ودمارهــا دمــاراً تامــاً‬ ‫بســكراتها الهائلــة‪ .‬إنهــا فــرة ـ أو حالــة‬ ‫ـ تُثبــت أن املالــك الحقيقــي لهــذا‬ ‫الكــون بــل املعبــود الحقيقــي واملحبــوب‬ ‫الحقيقــي فيــه ال ميكــن أن يكــون إالّ‬ ‫َمــن يســتطيع أن يقلّــب الليــل والنهــار‬ ‫والشــتاء والصيــف والدنيــا واآلخــرة‬ ‫بســهولة كســهولة تقليــب صفحــات‬ ‫الكتــاب‪ ،‬فيكتــب ويثبــت وميحــو‬ ‫ويبــدل‪ ،‬وليــس هــذا إالّ شــأن القديــر‬ ‫املطلــق النافــذ حكمــه عــى الجميــع جـ ّـل‬

‫جاللــه‪ (».‬الكلــات‪ ،‬ص‪)44 :‬‬ ‫ثــم ينتقــل إىل اإلنســان وأحوالــه وحاجتــه‬ ‫إىل اإلقبــال عــى ربــه يف الصــاة‪:‬‬ ‫«وهكــذا فــروح البــر التــي هــي‬ ‫يف منتهــى العجــز ويف غايــة الفقــر‬ ‫والحاجــة‪ ،‬والتــي هــي يف حــرة مــن‬ ‫ظلــات املســتقبل ويف َو َجــل مــا تخفيــه‬ ‫األيــام والليــايل‪ ..‬تدفــع اإلنســان عنــد‬ ‫أدائــه لصــاة العشــاء ـ بهــذا املضمــون‬ ‫ـ أن ال يــردد يف أن يــردد عــى غــرار‬ ‫ـب‬ ‫ســيدنا إبراهيــم عليــه الســام (ال أحـ ُّ‬ ‫اآلفلــن)‪ .‬فيلتجــئ بالصــاة إىل بــاب َمــن‬ ‫هــو املعبــود الــذي مل يــزل‪ ،‬و َمــن هــو‬ ‫املحبــوب الــذي ال يــزال‪ ،‬مناجيــاً ذلــك‬ ‫الباقــي الرسمــدي يف هــذه الدنيــا الفانيــة‪،‬‬ ‫ويف هــذا العــامل الفــاين‪ ،‬ويف هــذه الحيــاة‬ ‫املظلمــة واملســتقبل املظلــم‪ ،‬لينــر‬ ‫عــى أرجــاء دنيــاه النــور مــن خــال‬ ‫صحبــة خاطفـ ٍة ومناجــاة مؤقتــة‪ ،‬ولي ّنــور‬ ‫مســتقبله ويضمــد جـراح الــزوال والفراق‬ ‫عــا يح ّبــه مــن أشــياء وموجــودات ومــن‬ ‫أشــخاص وأصدقــاء وأحبــاب‪ ،‬مبشــاهدة‬ ‫تو ّجــه رحم ـ ِة الرحمــن الرحيــم‪ ،‬وطلــب‬ ‫نــور هدايتــه‪ ،‬فينــى ـ بــدوره ـ تلــك‬ ‫الدنيــا التــي أنســته‪ ،‬والتــي اختفــت وراء‬ ‫العشــاء‪ ،‬فيســكب ع ـرات قلبــه‪ ،‬ولوعــة‬ ‫صــدره‪ ،‬عــى عتبــة بــاب تلــك الرحمــة‪،‬‬ ‫ليقــوم بوظيفــة عبوديتــه النهائيــة قبــل‬ ‫الدخــول فيــا هــو مجهــول العاقبــة‪ ،‬وال‬ ‫يعــرف مــا ُيفعــل بــه بعده‪،‬من نوم شــبيه‬ ‫باملــوت‪ ،‬وليختــم دفــر أعاملــه اليوميــة‬ ‫بحســن الخامتــة‪ .‬وألجــل ذلــك كلــه يقــوم‬ ‫بــأداء الصــاة فيتــرف باملثــول أمــام‬ ‫َمــن هــو املعبــود املحبــوب الباقــي بــدالً‬ ‫مــن املحبوبــات الفانيــة‪ ،‬وينتصــب قامئ ـاً‬

‫أمــام َمــن هــو القديــر الكريــم بــدالً‬ ‫مــن جميــع العجــزة املتســولني‪ ،‬وليســمو‬ ‫باملثــول يف حــرة َمــن هــو الحفيــظ‬ ‫الرحيــم لينجــو مــن رش مــن يرتعــد منهــم‬ ‫مــن املخلوقــات الـــضارة‪ (».‬الكلامت‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪)45‬‬ ‫وميــي األســتاذ النــوريس يف تفصيــل‬ ‫بديــع للحظــات صــاة العشــاء بــدءاً مــن‬ ‫الفاتحــة وإيحاءاتهــا‪ ،‬ومــروراً بالركــوع‬ ‫وذكــره والســجود وذكــره‪ ،‬والتكبــر يف‬ ‫حــركات الصــاة ومعانيــه‪ ،‬ويختــم ذلــك‬ ‫بقولــه مجمــا لــدالالت صــاة العشــاء‪:‬‬ ‫«فــا شــك يــا أخــي قــد فهمــت أن‬ ‫أداء صــاة العشــاء ســمو وصعــو ٌد‬ ‫فيــا يشــبه املعــراج‪ ،‬ومــا أجملهــا مــن‬ ‫واجــب ومــا‬ ‫وظيفــ ٍة ومــا أحالهــا مــن‬ ‫ٍ‬ ‫أســاها مــن خدم ـ ٍة ومــا أع ّزهــا وأل ّذهــا‬ ‫مــن عبوديــة ومــا أليقهــا مــن حقيقــة‬ ‫أصيلة!»(الكلــات‪ ،‬ص‪)46 :‬‬ ‫ويختــم األســتاذ النــوريس حديثــه عــن‬ ‫الصلــوات وأوقاتهــا يشــر فيهــا إىل‬ ‫خصوصيــات أوقــات الصلــوات املفروضــة‪:‬‬ ‫«أي أن كل وقــت مــن هــذه األوقــات‬ ‫إشــارات النقــاب زمنــي عظيــم‪ ،‬وأمارات‬ ‫إلجــراءات ربانيــة جســيمة‪ ،‬وعالمــات‬ ‫إلنعامــات إلهيــة كليــة‪ ،‬لــذا فــإن‬ ‫تخصيــص صــاة الفــرض ـ التــي هــي َديــن‬ ‫الفطــرة ـ يف تلــك األوقــات هــو منتهــى‬ ‫الحكمــة‪ (».‬املصــدر الســابق)‬ ‫لقــد اســتمعت وأنــا أردد كالم األســتاذ‬ ‫النــوريس وتدبــره يف أوقــات الصلــوات‬ ‫املفروضــة‪ ،‬وأرجــو أن يكــون مــا ســجلته‬ ‫يف هــذه املقالــة مفيــدا ممتعــا للقــراء‬ ‫الكــرام‪.‬‬


‫الوسطية‬

‫‪45‬‬


‫‪46‬‬

‫لـقـاء العدد‬

‫‪L‬‬ ‫العالمة الدكتور عبد الملك السعدي‬

‫‪L‬‬

‫المسؤول األول عما يجري هو اإلدارة األمريكية وحلفاؤها‬ ‫لقاء الوسطية‪ :‬العالمة الدكتور عبد امللك السعدي‪ :‬الحاكم اآلن للعراق إيران بالتنسيق مع أمريكا‬ ‫الوسطية‪ //‬العراق اليوم بعد (‪ )13‬عاماً من تداعيات االحتالل والعملية السياسية كيف تنظرون إليه؟‬ ‫السعدي‪ //‬العراق تآمرت عليه الدول اآلتية‪ :‬أمريكا‪ ،‬إرسائيل‪ ،‬إيران‪.‬‬ ‫واألخــرة لهــا مشــاركة جســيمة يف االحتــال وهــي يــد األولتــن يف املنطقــة؛ ألنهــا تهــدف إىل تحقــق وعيــد الخمينــي عــام ‪1979‬‬ ‫باجتيــاح املنطقــة‪ ،‬وســاه تصديــر الثــورة (الفكــر الشــيعي) لــذا أنظــر إىل العـراق بأنــه اآلن يــدار مــن قبــل املراجــع اإليرانيــة مــن‬ ‫خــال توغلهــم العلنــي فيــه الســيايس والعســكري‪.‬‬ ‫الوسطية‪ //‬أين املشكلة يف العراق اليوم يف العملية السياسية أم الرشاكة أم املعارضة؟‬ ‫الســعدي‪ //‬املشــكلة يف العمليــة السياســية القامئــة فيــه اآلن املموهــة بالرشاكــة الوطنيــة التــي أعطــت للعمليــة السياســية القامئــة‬ ‫صفــة الرشاكــة والرشعيــة‪ ،‬والواقــع أن السياســة خاضعــة لحــزب واحــد (وهــو حــزب الدعــوة) املدعــوم مــن خامنئــي‪.‬‬ ‫أما املعارضة‪ :‬فام دامت متفرقة وليست عىل منهج وهدف موحد فإنها أيضا جزء من املشكلة‪.‬‬ ‫عم جرى – ويجري – للعراق برأيكم؟‬ ‫الوسطية‪ //‬من املسؤول ّ‬ ‫الســعدي‪ //‬املســؤول األول عــا يجــري هــو اإلدارة األمريكيــة وحلفاؤهــا؛ ألنهــم احتلــوا الع ـراق وســلموه بطبــق مــن ذهــب إىل‬ ‫إيـران‪ ،‬ومل تعالــج املوضــوع‪ ،‬ومل تتــدارك الخطــأ الــذي قامــت بــه؛ مــا يــدل عــى رضاهــا ودعمهــا لذلــك؛ يك يبقــى العـراق ضعيفــا‬ ‫ُمد َّمـرا ممزقــا‪.‬‬ ‫الوسطية‪ //‬هل الحل يف العراق سيايس أم أمني أم ماذا برأيكم ؟‬ ‫الســعدي‪ //‬الوضــع األمنــي مرتبــط بالحــل الســيايس‪ ،‬فــا دامــت هــذه الحكومــة الطائفيــة قامئــة فــا اســتقرار يف العـراق‪ ،‬وبخاصــة‬ ‫مناطــق الســنة‪ ،‬وال حــل إال بإعــادة الجيــش الســابق املســتقل عــن الحزبيــة‪ ،‬فيأخــذ بزمــام الحكــم إىل مــدة ال تقــل عــن ســنة ومــن‬ ‫خاللهــا يعــد دســتور للع ـراق يضمــن للجميــع الحقــوق واملشــاركة الحقيقيــة والتــوازن بــن القــوى العراقيــة وشــعب الع ـراق يف‬ ‫السياســة واملواطنــة واالقتصــاد وقــوى األمــن دون محاصصــة طائفيــة‪.‬‬


‫الوســطية‪ //‬هــل هنالــك فتنــة طائفيــة يف‬ ‫العـراق بــن مكونــات الشــعب ؟‬ ‫الســعدي‪ //‬مــا يجــري عــى أرض العـراق‬ ‫مــن ســفك للدمــاء وهــدم وتهجــر‬ ‫وتخريــب وهتــك‪ ،‬مــا هــو إال مــن آثــار‬ ‫الطائفيــة القامئــة مــن جانــب واحــد‬ ‫فقــط والتــي جــاء بهــا السياســيون‪.‬‬ ‫الوســطية‪ //‬مــا هــو تقييمكــم ألداء‬ ‫الحشــد الشــعبي ؟‬ ‫الســعدي‪ //‬الحشــد الشــعبي هــو‬ ‫ميليشــيات نظمــت ألجــل القضــاء عــى‬ ‫الســنة ال يف العــراق فحســب بــل يف‬ ‫املنطقــة بأرسهــا تحــت ذريعــة أنه ِّأســس‬ ‫ألجــل محاربــة اإلرهــاب وإنقــاذ وتحريــر‬ ‫املناطــق املحتلــة مــن قبــل داعــش‪،‬‬ ‫فالحشــد هــو الــذي يقــوم اآلن بالحــرق‬ ‫والهــدم بعــد خــروج داعــش مــن املناطق‬ ‫التــي ســيطر عليهــا‪.‬‬ ‫الوســطية‪ //‬هــل تعتقــدون أن حكومــة‬ ‫العبــادي أفضــل مــن حكومــة املالــي؟‬ ‫الســعدي‪ //‬املالــي كان واضحـاً يف هدفــه‬ ‫وهــو تصفيــة الســنة وهــو املبــدأ الــذي‬ ‫كان يهــدف إىل تحقيقــه‪.‬‬ ‫أمــا العبــادي فإنــه ال مبــدأ لــه بــل همــه‬ ‫الســلطة فقــط؛ ألنــه يتظاهــر بالقيــام‬ ‫باإلصــاح للوضــع الســيايس واألمنــي‬ ‫واالقتصــادي‪ ،‬ورسعــان مــا يرتاجــع نتيجــة‬ ‫ضغــوط إيــران أو أمريــكا عليــه‪.‬‬ ‫إذن فأمــر األفضليــة ليــس لــه عالقــة‬ ‫باألشــخاص بــل بالنظــام والعمليــة‬ ‫السياســية املفروضــة مــن أمريــكا وإيران‪.‬‬ ‫الوســطية‪ //‬هــل ميكــن إيجــاد حــل‬ ‫للقضيــة العراقيــة بعيــداً عــن القــوى‬ ‫العامليــة الكــرى؟‬ ‫الســعدي‪ //‬القــوى العامليــة الكــرى لهــا‬ ‫أهــداف اقتصاديــة وسياســية يف الع ـراق‪،‬‬ ‫وهــي الراغبــة لعــدم االســتقرار فيــه إال‬ ‫بعــد الخضــوع إلرادتهــا والحصــول عــى‬ ‫ضــان يف تحقيــق هدفهــا االقتصــادي‬

‫والســيايس مــن العراقيــن‪ ،‬كــا هــو‬ ‫شــأنها مــع الــدول األخــرى‪ ،‬فــا أرى‬ ‫أي حــل للقضيــة مــن قبــل العراقيــن‬ ‫وحدهــم مســتقلني وكونهــم أحــرارا إال‬ ‫بعــد الخضــوع ملآربهــم وأطامعهــم‪ ،‬إال‬ ‫اللهــم أن يتو َّحــدوا جميعــا عــى قلــب‬ ‫وكلمــة واحــدة‪.‬‬ ‫الوســطية‪ //‬ســ ّنة العــراق مــا هــو‬ ‫مســتقبلهم وكــم هــي تضحياتهــم ؟‬ ‫الســعدي‪ //‬مصــر ســنة الع ـراق هــو مــا‬ ‫نــراه اليــوم مــن إذالل ونهــب وســلب‬ ‫وتهجــر إن اســتمر الوضــع عــى مــا هــو‬ ‫عليــه‪ ،‬أمــا تضحياتهــم فإنهــا ينبغــي‬ ‫أن تتمثــل يف ساســتهم‪ ،‬والساســة هــم‬ ‫أحــرص عــى املناصــب مــن أي تضحيــة‬ ‫تخــدم شــعوبهم التــي وصلــت إىل مــا‬ ‫هــم عليــه اليــوم‪.‬‬ ‫الوســطية‪ //‬هــل أنتــم راضــون عــن الدور‬ ‫العــريب يف العـراق ؟‬ ‫الســعدي‪ //‬الــدور العــريب ال دور لــه‬ ‫إال بقــدر مــا يخــدم مصلحــة بالدهــم‪،‬‬ ‫فليســوا كالجســد الواحــد إذا اشــتىك منــه‬ ‫عضــو تداعــى لــه بقيــة الجســد بالحمــى‬ ‫والســهر‪ ،‬فــإن املجامــات السياســية‬ ‫تطغــوا عليهــم مــع شــعورهم بــأن مــا‬ ‫يجــري عــى الســنة اآلن يف العــراق‬ ‫ســيمتد إليهــم يومــا مــا إن بقــي صمتهــم‬ ‫مســتمرا‪.‬‬ ‫الوســطية‪ //‬مــا هــو تقييمكــم ملواقــف‬ ‫املرجعيــات الدينيــة اإلســامية والعربيــة‬ ‫مــن القضيــة العراقيــة ؟‬ ‫الســعدي‪ //‬املراجــع الدينيــة واإلســامية‬ ‫هــم ما بــن مشــارك يف العملية السياســية‬ ‫أو مؤيــد لهــا أو خاضــعٍ لسياســتها ال‬ ‫يخــرج عنهــا‪ ،‬ومــا بــن متفــرج عــى التل‪،‬‬ ‫والنــوع الثالــث ‪-‬وهــم القلــة القليلــة‪ -‬مل‬ ‫ينجــوا مــن تســلط ألســنة جهــال الســنة‬ ‫عليهــم باألكاذيــب واالتهامــات والســيام‬ ‫مــن السياســيني منهــم‪.‬‬

‫الوســطية‪ //‬برأيكــم هــل العــراق ســائر‬ ‫إىل التقســيم؟‬ ‫الســعدي‪ //‬أرجــو عــدم تحقــق ذلــك‪،‬‬ ‫ولكــن دعــاة التقســيم مــن السياســيني‬ ‫لهــم أهــداف سياســية أو اقتصاديــة‬ ‫يف تقســيمه فيــا يظنــون‪ ،‬وبالتــايل ال‬ ‫يتحقــق إال مــا تــراه القــوى الكــرى‬ ‫فيــا يحقــق مصالحهــا إذا رأت ذلــك يف‬ ‫التقســيم أو عدمــه‪.‬‬ ‫الوســطية‪ //‬مــن الحاكــم يف العــراق‬ ‫أمريــكا أم إيــران ؟‬ ‫الســعدي‪ //‬الحاكــم اآلن للعــراق إيــران‬ ‫بالتنســيق مــع أمريــكا‪ ،‬فقــد أصبــح‬ ‫واضحــا للعــامل تدخــات إيـران فيــه إداريا‬ ‫وأمنيــا‪ ،‬وأنــه يــدار مــن قبــل املرشــد‬ ‫األعــى‪ ،‬والحــرس الثــوري اإليــراين‪.‬‬ ‫الوســطية‪ //‬مــا هــو الحــل للقضيــة‬ ‫العراقيــة برأيكــم ؟‬ ‫الســعدي‪ //‬الحــل للقضيــة العراقيــة هــو‬ ‫التغيــر الجذري يف السياســة والسياســيني‪،‬‬ ‫وتعديــل الدســتور مبــا ينســجم مــع‬ ‫أطيافــه ومذاهبــه وقومياتــه دون‬ ‫محاصصــة وإقصــاء وتهميــش وهيمنــة‬ ‫لفئــة عــى أخــرى‪.‬‬ ‫الوســطية‪ //‬مــا هــي نصيحتكــم لجمهــور‬ ‫مجلــة الوســطية ؟‬ ‫الســعدي‪ //‬نصيحتــي لجمهــور املجلــة‬ ‫هــو االلتــزام بلفــظ (الوســطية) وعــدم‬ ‫اعتبارهــا شــعارا فقــط وواقعهــم االنحيــاز‬ ‫إىل جهــة أو سياســة أو فكــر‪ ،‬والســيام‬ ‫األفــكار املنحرفــة أو املتطرفــة التــي تزرع‬ ‫الفرقــة والحقــد بــن املجتمــع اإلســامي‬ ‫العــريب أو تــؤدي إىل خلــل يف عقيدتهــم‬ ‫الوســطية‪.‬‬ ‫الوســطية‪ //‬بــارك اللــه بكــم وجزآكــم‬ ‫اللــه خــراً‪.‬‬ ‫الســعدي‪ //‬حياكــم اللــه وأهــا وســهال‬ ‫بكــم‪.‬‬

‫الوسطية‬

‫‪47‬‬


48


‫عقد االجتماع الدوري للهيئة اإلدارية لمنتدى الوسطية‬

‫تــرأس املهنــدس مــروان الفاعــوري رئيــس منتــدى الوســطية للفكــر والثقافــة اجتــاع الهيئــة اإلداريــة الــذي عقــد يــوم‬ ‫الخميــس املوافــق ‪ 2016/7/14‬بحضــور أعضــاء الهيئــة اإلداريــة‪ ،‬وجــرى خــال االجتــاع بحــث القضايــا اإلداريــة واملاليــة‬ ‫والثقافيــة والفكريــة للمنتــدى وســبل تعزيــز النشــاطات الثقافيــة مــن النــدوات والربامــج والتوعويــة الفكريــة مــع املؤسســات‬ ‫الرســمية والشــعبية‪.‬‬

‫شــارك املهنــدس مــروان الفاعــوري األمــن العــام للمنتــدى العاملــي للوســطية صبــاح يــوم ‪ 2016/7/18‬يف الجلســة الحواريــة التــي أقامهــا‬ ‫املعهــد امللــي للدراســات الدينيــة حيــث تحــدث فيهــا األب خالــد عكاشــة عــن أهميــة الحــوار اإلســامي املســيحي وبنــاء العالقــات‬ ‫اإليجابيــة بــن أصحــاب الديانــات والقيــم اإلنســانية املشــركة بــن الديانــات ورضورة نرشهــا بــن املواطنــن مــن أجــل العيــش املشــرك‬ ‫والحيــاة الكرميــة للجميــع‪.‬‬ ‫وبـ ّـن الفاعــوري يف مداخلــة لــه عــن دور املنتــدى العاملــي للوســطية يف نــر القيــم اإلنســانية يف املجتمــع وأهميــة الــدور الــذي يقــوم‬ ‫بــه املجلــس الكاثوليــي يف نــر قيــم التســامح واملحبــة مــن خــال الربامــج الحواريــة الهادفــة‪.‬‬ ‫وأكــد األمــن العــام للمنتــدى عــى رضورة إدانــة كافــة األعــال اإلرهابيــة التــي تقــوم بهــا عصابــات إجراميــة وعــدم إلصاقهــا باألديــان‬ ‫أو بديــن معــن‪ ،‬وبـ ّـن أن مثــل هــذه الحــوارات ستســاعد عــى تعزيــز القيــم اإليجابيــة وجــو االعتــدال يف املجتمعــات مــن أجــل إحــال‬ ‫الوئــام واالنســجام والتواصــل اإلنســاين بــن كافــة مكونــات املجتمــع‪.‬‬ ‫الوسطية‬ ‫وحرض اللقاء عدد كبري من الشخصيات الفكرية والثقافية واإلعالمية‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫‪50‬‬

‫نشاطات الفروع الداخلية‬

‫تكريم حفظة القرآن الكريم‬ ‫كــرم منتــدى الوســطية للفكــر والثقافــة‬ ‫يف الســلط صبــاح يــوم ‪ ،2019/7/4‬عــدداً‬ ‫مــن حفظــة القــرآن الكريــم برعايــة‬ ‫األمــن العــام للمنتــدى العاملــي للوســطية‬ ‫املهنــدس مــروان الفاعــوري ورئيــس‬ ‫لجنــة زكاة وصدقــات الســلط الرئيســية‬ ‫الســيد عبــد الــرؤوف قرقــش وبحضــور‬ ‫الداعيــة رويــدا ريــاالت واإلعالمــي بــال‬ ‫أبــو قريــق وجمــع طيــب مــن أهــايل‬ ‫املكرمــن‪.‬‬ ‫وتحــدث املهنــدس مــروان الفاعــوري‬ ‫وأكــد عــى رضورة العنايــة بهــذا الجيــل‬ ‫وربطــه بكتــاب اللــه لحاميتــه مــن‬ ‫الفكــر الظالمــي واســتغالل التكنولوجيــا‬ ‫وتســخريها لخدمــة الديــن والجيــل‪.‬‬

‫األمين العام للمنتدى يزور السفير اإلماراتي في عمان‬ ‫زار املهنــدس مــروان الفاعــوري األمــن‬ ‫العــام للمنتــدى العاملــي للوســطية يــوم‬ ‫االثنــن املوافــق ‪ 2016/8/1‬ســعادة‬ ‫الســيد بــال ربيــع البــدور ســفري دولــة‬ ‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة يف عــان‪.‬‬

‫وجــرى خــال اللقــاء بحث ســبل التعاون إبراهيــم جــت‪ ،‬والدكتور إحســان الربابعة‬ ‫بــن املنتــدى واملؤسســات الرســمية يف والدكتــور زيــد أحمــد املحيســن املنســق‬ ‫اإلمــارات يف القضايــا الفكريــة والثقافيــة العــام للعالقــات الخارجيــة والتعــاون‬ ‫الــدويل يف املنتــدى‪.‬‬ ‫ويف مكافحــة اإلرهــاب والتطــرف‪.‬‬ ‫وحــر اللقــاء كل مــن الســادة الدكتــور‬


‫الفاعوري يشارك في اللقاء الحواري في اإلذاعة األردنية‬ ‫شــارك األمــن العــام للمنتــدى العاملــي للوســطية املهنــدس مــروان الفاعــوري يــوم الســبت املوافــق ‪ 2016/7/30‬يف الربنامــج الحــواري يف‬ ‫اإلذاعــة األردنيــة حــول «دور املــرأة يف تشــكيل الكتــل النيابيــة والبعــد عــن التطــرف» يف انتخــاب النائــب وأهميــة العمليــة االنتخابيــة يف‬ ‫اإلصــاح الســيايس واالجتامعــي ودور املواطــن ســواء كان ذكـراً أو أنثــى يف عمليــة االنتخابــات الربملانيــة نظـراً ألهميــة الربملــان يف عمليــة‬ ‫الترشيــع والرقابــة عــى الحكومــات وتحســن األداء املؤســي لــدى مؤسســات الدولــة‪.‬‬

‫األمين العام يزور وزارة التنمية السياسية والشؤون البرلمانية‬ ‫زار املهنــدس مــروان الفاعــوري األمــن العــام للمنتــدى العاملــي للوســطية يــوم الثالثــاء املوافــق ‪ 2016/7/19‬وزيــر التنميــة السياســية‬ ‫والشــؤون الربملانيــة معــايل املهنــدس مــوىس املعايطــة‪.‬‬ ‫وجــرى خــال اللقــاء بحــث ســبل تعزيــز التعــاون الفكــري والثقــايف مــا بــن املنتــدى والــوزارة وعــرض الفاعــوري مجموعــة مــن املشــاريع‬ ‫التوعويــة مبوضــوع االنتخابــات الربملانيــة القادمــة وقضايــا الدولــة املدنيــة وكذلــك مجموعــة مــن القيــم اإلنســانية املشــركة مــن أجــل‬ ‫ترســيخ قيــم االعتــدال والوســطية يف املجتمــع املحــي ونبــذ العنــف والتطــرف وتحصــن الشــباب مــن األفــكار الظالميــة‪.‬‬ ‫وأبــدى الوزيــر ترحيــب الــوزارة بهــذه الربامــج واملشــاريع التــي تصــب يف صالــح تنميــة املجتمــع األردين يف املجــال الفكــري والثقــايف كــا‬ ‫عــر الفاعــوري عــن تقديــره لــدور الــوزارة يف دعــم النشــاطات والفعاليــات الفكريــة والثقافيــة والتوعويــة لخدمــة املجتمــع األردين ورافــق‬ ‫األمــن العــام يف هــذه الزيــارة الدكتــور زيــد أحمــد املحيســن املنســق العــام للعالقــات الخارجيــة‬ ‫الوسطية‬ ‫والتعاون الدويل يف املنتدى‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫‪52‬‬

‫نشاطات الفروع الداخلية‬

‫األمين العام يزور وزارة الثقافة‬ ‫زار املهنــدس مــروان الفاعــوري األمــن العــام للمنتــدى العاملــي للوســطية وزيــر الثقافــة صبــاح يــوم ‪ ،2016/7/11‬معــايل الدكتــور عــادل‬ ‫الطويــي‪.‬‬ ‫وجرى خالل اللقاء بحث سبل تعزيز التعاون ما بني املنتدى والوزارة يف املجاالت الثقافية والفكرية‪.‬‬ ‫وأبــدا الوزيــر ترحيــب الــوزارة بالتعــاون مــع املنتــدى يف املجــاالت الثقافيــة والفكريــة وفيــا يتعلــق مبكافحــة التطــرف والغلــو ومثــن‬ ‫األمــن العــام جهــود الوزيــر يف دعــم النشــاطات والفعاليــات الثقافيــة للمنتــدى ودور الــوزارة يف تعزيــز العمــل الثقــايف يف اململكــة‪.‬‬ ‫وحرض اللقاء الدكتور زيد أحمد املحيسن املنسق العام للعالقات الخارجية والتعاون الدويل يف املنتدى‪.‬‬

‫اســتكامالً للنــدوات التــي يعقدهــا املنتــدى‬ ‫لغايــات مكافحــة اإلرهــاب والتطــرف‬ ‫ونــر الفكــر الدينــي والثقــايف الصحيــح‬ ‫عقــد منتــدى الوســطية للفكــر والثقافــة‬ ‫وبالتعــاون مــع وزارة الثقافــة يــوم الســبت‬ ‫املوافــق ‪ 2016/8/6‬نــدوة «مــن أجــل وســائل‬ ‫جديــدة ملحاربــة التطــرف واإلرهــاب»‪.‬‬ ‫وافتتحــت النــدوة بكلمــة األمــن العــام‬ ‫للمنتــدى املهنــدس مــروان الفاعــوري‬ ‫الــذي بــن أن هــذه النــدوة جــاءت ســعياً‬ ‫ملناقشــة الوســائل الجديــدة التــي ميكــن‬

‫طرحهــا ملحاربــة التطــرف واإلرهــاب‬ ‫والــذي أصبــح آفــة هــذا العــر وتدمــر‬ ‫العقــول التــي تنــر األفــكار املتطرفــة‬ ‫ليصبــح اإلرهــاب نهجــاً يتبــع لتحقيــق‬ ‫الغايــات السياســية والشــخصية وأكــد‬ ‫الفاعــوري أن مكافحــة اإلرهــاب ليســت‬ ‫مســؤولية دولــة معينــة أو فرديــة بــل‬ ‫هــي مســؤولية عامليــة واملنتــدى يســعى‬ ‫إىل تصحيــح املفهــوم املتخــذ عــن اإلســام‬ ‫فهــو ديــن املحبــة والرحمــة والســاحة‬ ‫ودعــا إىل االهتــام بامللتقيــات الفكريــة‬

‫التــي تعمــل عــى تغذيــة وإث ـراء الفكــر‬ ‫الثقــايف والدينــي‪.‬‬ ‫وابتــدأت النــدوة بكلمــة معــايل الدكتــور‬ ‫محمــد طالــب عبيــدات وكانــت بعنــوان‬ ‫«جــدوى األســاليب والوســائل الحاليــة‬ ‫يف محاربــة التطــرف واإلرهــاب» وبــن‬ ‫أن يــد اإلرهــاب طالــت كل يشء فهــو‬ ‫فكــر ظــايل وظالمــي يعمــل ويحــث‬ ‫عــى التخريــب والتدمــر فاإلرهــاب‬ ‫بــات يهــدد العــامل بــأرسه مــن جميــع‬ ‫نواحــي الحيــاة «السياســية‪ ،‬االجتامعيــة‪،‬‬


‫وااللكرتونيــة»‪.‬‬ ‫وأشــار عبيــدات إىل أن هنــاك اســتغالال‬ ‫للمنابــر الدينيــة والثقافيــة لغايــات‬ ‫دس الســم بالدســم للقــدرة عــى نــر‬ ‫وتثبيــت املفاهيــم املتطرفــة مــا يجعــل‬ ‫شــباب أمتنــا ينجرفــون مــع تيــار هــذه‬ ‫الجامعــات املتطرفــة‪.‬‬ ‫وتناولــت الورقــة الثانيــة» تصــورات حول‬ ‫أســاليب جديــدة يف معالجــة ظاهــرة‬ ‫محاربــة التطــرف» وقدمهــا الدكتــور‬ ‫أســامة شــحادة وذكــر أن التطــرف ليــس‬ ‫مشــكلة مرتبطــة بجنــس أوديــن بــل هــي‬ ‫تنبــع مــن نفســيات مريضــة تعرضــت‬ ‫لضغوطــات واضطهــادات عديــدة فــأدى‬ ‫بهــا الحــال لتشــوه وزرع األفــكار الســامة‬

‫يف أدمغتهــم وترجمتهــا إىل ارض الواقــع‬ ‫بالقتــل والذبــح‪.‬‬ ‫وقســم شــحادة مســببات اإلرهــاب إىل‬ ‫قســمني‪:‬‬ ‫‪ o‬قضيــة الجهــل‪ :‬جهــل بعــض شــباب‬ ‫األمــة بالديــن وتعاليمــه الســليمة‪.‬‬ ‫‪ o‬االستثامر واالستغالل الخارجي‪.‬‬ ‫أمــا الورقــة األخــرة والتــي قدمهــا‬ ‫الدكتــور محمــد خــر العيــى حــول‬ ‫« مكافحــة التطــرف واجــب دينــي‬ ‫وأخالقــي وإنســاين» حيــث ركــز عــى أن‬ ‫أي قضيــة تطــرح للنقــاش والحــل إن مل‬ ‫يكــن التصــور حولهــا شــامالً فلــن يحكــم‬ ‫عليهــا بشــكل جــذري وأكــد العيــى أن‬ ‫التطــرف لــه عــدة أســباب منهــا‪:‬‬

‫‪ o‬البعد عن رشع الله تعاىل‪.‬‬ ‫‪ o‬املظــامل التــي تقــع ممــن يتوجــب‬ ‫عليهــم العــدل بــن النــاس‪.‬‬ ‫ويف نهايــة كلمتــه طــرح بعــض األفــكار‬ ‫الهامــة ملحاربــة هــذا الفكــر الهــدام‪:‬‬ ‫‪ o‬منع املساس بالدين واإلساءة إليه‪.‬‬ ‫‪ o‬رضورة ضبــط مناهــج الديــن وزيــادة‬ ‫موادهــا التــي تبــن مــا هــو اإلســام‬ ‫وإمكانيــة تبيانــه‪.‬‬ ‫واختتمــت النــدوة التــي حرضهــا عــدد‬ ‫كبــر مــن الشــخصيات العلميــة والعامــة‬ ‫بجلســة نقاشــية طــرح خاللهــا الحضــور‬ ‫العديــد مــن األســئلة التــي تــم اإلجابــة‬ ‫عليهــا مــن قبــل املحارضيــن‪.‬‬

‫العالمي للوسطية ‪:‬اإليمان بالفكرة والتضحية من أجلها أساس التغيير‪L‬‬

‫اســتكامالً للنــدوات التــي يعقدهــا املنتــدى العاملــي للوســطية لغايــات مكافحــة االرهــاب والتطــرف ونــر الفكــر الدينــي والثقــايف‬ ‫عقــد املنتــدى يــوم الســبت املوافــق ‪ 2016/8/20‬نــدوة بعنــوان «دور املســجد يف بنــاء األمــة» وافتتحــت النــدوة التــي أدارهــا‬ ‫الدكتــور زهاءالديــن عبيــدات بكلمــة األمــن العــام للمنتــدى املهنــدس مــروان الفاعــوري الــذي بــن أن هــذه النــدوة جــاءت ســعياً‬ ‫لتبيــان الــدور املهــم الــذي يؤديــه الخطيــب واإلمــام يف نــر الوعــي الدينــي والثقــايف والفكــري ‪.‬‬ ‫ويف الورقــة األوىل التــي قدمهــا معــايل الشــيخ عبدالرحيــم العكــور بعنــوان «دور املســاجد يف نــر خطــاب االعتــدال والتســامح‬ ‫واإلخــاء‪ ».‬قــال الباحــث إن الرســول عليــه الصــاة والســام اتخــذ مــن املســاجد من ـراً لتحقيــق أســمى الغايــات وهــي الصــاة‬ ‫والتوعيــة والتدريــب فعهــده عليــه الصــاة والســام هــو خــر دليــل عــى أن املســاجد كانــت لصناعــة الرجــال ذوي العقــل الرشــيد‬

‫الوسطية‬

‫‪53‬‬


‫‪54‬‬

‫نشاطات الفروع الداخلية‬

‫واملفاهيــم الدينيــة الصحيحــة فالصحابــة‬ ‫رضــوان اللــه عليهــم كانــوا منوذجــاً‬ ‫يحتــذى بــه لهــذه الشــخصيات‪.‬‬ ‫وأكــد العكــور عــى أهميــة وجــود أمئــة‬ ‫قادريــن عــى إيصــال ســنة النبــي ورشع‬ ‫اللــه تعــاىل إلنشــاء املجتمــع الصالــح‬ ‫فاملســجد واالمــام هــا مــن لهــا الــدور‬ ‫النابــض يف املجتمــع اإلســامي‪.‬‬ ‫الورقــة الثانيــة والتــي جملــت عنــوان‬ ‫«دور املســجد يف التعليــم والتثقيــف»‬ ‫التــي قدمهــا ســعادة الدكتــور محمــد‬ ‫الخاليلــة التــي أشــار فيهــا اىل أن بركــة‬ ‫املســجد والهدايــة التــي يحققهــا ال تكــون‬ ‫بالحجــارة والبنــاء املجــرد فاألمــة ترتبــط‬ ‫بدينهــا وعقيدتهــا عــن طريــق املســجد‬ ‫ودليــل عــى ذلــك أن الصحابــة بنيــت‬ ‫فرع السلط‬

‫‪L‬‬

‫أخالقهــم باملســجد ‪ ،‬فاملســلم هــو مثــال‬ ‫الكرامــة واملحبــة والعقــل الراجــح ‪ ،‬فالبــد‬ ‫مــن وجــود مــن هــم كفــؤ لهــذه املهمــة‬ ‫والقــدرة عــى التوعيــة ونــر الفكــر‬ ‫التنويــري ‪.‬‬ ‫أمــا آخــر اوراق النــدوة فقدمهــا وزيــر‬ ‫االوقــاف معــايل الدكتــور وائــل عربيــات‬ ‫الــذي بــن أن يف البنــاء يكمــن يف حــل‬ ‫االشــكاليات التــي تحــدث بســبب عــدم‬ ‫توضيــح النــص الفقهــي بشــكل دقيــق‬ ‫‪،‬فأكــد انــه قــد أىت وقــت التنفيــذ‬ ‫املــدروس والــذي ميــر بأربعــة مراحــل‪:‬‬ ‫ مرحلة اإلنكار‪:‬‬‫إنــكار املجتمــع وفئاتــه اىل أن هــذه‬ ‫الفكــرة قــد تنجــح ‪.‬‬ ‫‪ -‬مرحلة املقاومة‪:‬‬

‫مقاومــة التغيــر والعمــل عــى قتــل‬ ‫املعنويــة العاليــة‪.‬‬ ‫ مرحلة االستكشاف‪.‬‬‫ مرحلة االلتزام‪.‬‬‫وأشــار اىل عــدد مــن الرشائــح التــي يجــب‬ ‫االهتــام بهــا مــن أجــل انجــاح دور‬ ‫االمئــة واملســاجد وهــي‪:‬‬ ‫ رشيحــة البــدء ‪ :‬االميــان بالفكــرة‬‫والعزميــة والتضحيــة مــن أجلهــا‪.‬‬ ‫ رشيحة التغيري ‪.‬‬‫ رشيحة البناء‪.‬‬‫واختتمــت النــدوة التــي حرضهــا عــدد‬ ‫كبــر مــن الشــخصيات العلميــة والعامــة‬ ‫بجلســة نقاشــية طــرح خاللهــا الحضــور‬ ‫العديــد مــن األســئلة التــي تــم اإلجابــة‬ ‫عليهــا مــن قبــل املحارضيــن‪.‬‬

‫إحياء ليلة القدر‪.‬‬

‫أحيــا منتــدى الوســطية للفكــر والثقافــة يف الســلط ليلــة القــدر يف مســجد الســلط الصغــر بحضــور جمــع طيــب وكبــر مــن املصلــن‬ ‫وتحــدث يف اللقــاء مفتــي املحافظــة الدكتــور املفتــي هــاين العابــد ود‪ .‬عــي خلــف حجاحجــة والشــاعر املخــرج عدنــان رحاحلــة‬ ‫ومجموعــة مــن األطفــال شــاركوا بق ـراءة ســورة القــدر وتــم تكريــم أحــد حفظــة القــرآن الكريــم صــدام خليــل عابــد‪ ،‬وتنــاول‬ ‫الســحور يف املســجد عــى نفقــة أحــد املحســنني‪.‬‬ ‫وألقــى (احيــا عربيــات) رئيــس املنتــدى كلمــة عــن فضائــل املحبــة بــن النــاس وشــكر املحارضيــن وقــال إميانــا مــن منتــدى‬ ‫الوســطية يف إحيــاء ليلــة القــدر وتكريــم حفظــة القــرآن ملــا لهــذه الشــعائر مــن حــب وإميــان لــدى املســلمني‪.‬‬


‫فرع جرش‬

‫‪L‬‬

‫اإلرهاب آفة ال بد من حلها‬

‫‪L‬‬

‫أقــام منتــدى الوســطية للفكــر والثقافة فرع جــرش يوم االثنــن املوافــق ‪ 2016/8/8‬وبالتعاون‬ ‫مــع رواق جــرش لإلبــداع الثقــايف دورة بعنــوان (مــن اجــل وســائل جديــدة ملحاربــة التطــرف‬ ‫واإلرهــاب) لفضيلــة الشــيخ مصطفــى زوانــة رئيــس قســم الوعــظ واإلرشــاد يف أوقــاف جــرش‪.‬‬ ‫ويف بدايــة اللقــاء تحــدث رئيــس املنتــدى بإيجــاز عــن دور منتــدى الوســطية يف محاربــة الغلــو‬ ‫والتطــرف واإلرهــاب ثــم تحــدث األســتاذ أحمــد الصــادي عــن أســباب اإلرهــاب وطــرق‬ ‫عالجــه‪ .‬وقــد تنــاول املحــارض الشــيخ مصطفــى زوانــة تعريــف التطــرف وأســبابه املتمثلــة‬ ‫بســوء الفهــم والتعصــب للــرأي واإلرساف يف اإلفتــاء كــا تنــاول شــواهد مــن ســرة الرســول‬ ‫الكريــم وختــم حديثــة بوســائل معالجــة اإلرهاب‪....‬ثــم جــرى نقــاش موســع حــول هــذا‬ ‫املوضــوع‬

‫‪L‬‬

‫الوسطية‬

‫‪55‬‬


‫‪56‬‬

‫نشاطات الفروع الداخلية‬

‫دورة تدريبية حول مكافحة المخدرات‬ ‫تحــت رعايــة عطوفــة مديــر ثقافــة جــرش أقــام رواق جــرش لإلبــداع الثقــايف بالتعــاون مــع مديريــة ثقافــة جــرش ومنتــدى‬ ‫الوســطية للفكــر والثقافــة فــرع جــرش محــارضة خاصــة باللغــة العربيــة واقــع وهمــوم واألخطــاء الشــائعة للدكتــور إســاعيل‬ ‫القيــام تحــدث فيهــا عــن اســتخدام اللغــة العربيــة كلغــة رســمية وان البعــض لألســف يدرســون املــواد العلميــة واألدبيــة بجامعتنا‬ ‫األردنيــة باللغــة االنجليزيــة وهــذا مــا يقلــل مــن مفهــوم اللغــة وعــدم االك ـراث باألخطــاء الشــائعة ويســبب ضعفــا لــدى‬ ‫مســتخدميها مــن مثقفينــا وأبنائنــا الطــاب بالجامعــات وعــدم تأهليهــم التأهيــل املناســب تعمقــا باللغــة العربيــة وحــر اللقــاء‬ ‫عــدد كبــر مــن املهتمــن مــن وجهــاء ومحامــن ومــدراء مــدارس ومعلمــن وذوي االختصــاص وعــدد مــن النــواب الســابقني‬ ‫ورؤســاء الهيئــات الثقافيــة والجمعيــات املختلفــة ويف بدايــة اللقــاء رحــب رئيــس الــرواق بالحضــور واملحــارض‪ .‬وأشــاد مبديريــة‬ ‫الثقافــة املهتمــة بالشــأن الثقــايف والهيئــات والدعــم املوصــول الــذي تقدمــه للهيئــات الثقافيــة وكانــت جلســه ممتعــه وحــوارا‬ ‫بنــاء بــن الطرفــن‪.‬‬

‫نظــم منتــدى الوســطية للفكــر والثقافــة ‪/‬جــرش يــوم الســبت املوافــق ‪.2016/7/23‬وبالتعــاون مــع رواق جــرش لإلبــداع الثقــايف‬ ‫دورة تدريبيــة حــول مكافحــة املخــدرات للمحــارض املقــدم عمــر الشــايلة مديــر قســم إدارة املخــدرات يف مديريــة األمــن العــام‬ ‫مبحافظــة جــرش‪.‬‬ ‫وتحــدث الشــايلة عــن مخاطــر وأرضار املخــدرات وتأثريهــا عــى الشــخص املدمــن ومــا تصنــع هــذه اآلفــات الســامة ومــا‬ ‫هــي العقوبــات املرتتبــة عــى املتعاطــي واالتجــار بهــا ومصنعهــا وطــرق معالجــة الشــخص املتعاطــي يف حــال اإلبــاغ عــن نفســه‬ ‫وبــدون عقوبــة‬


‫مكانة األسرة في اإلسالم ودور مكاتب‬ ‫اإلصالح األسري في حمايتها‬ ‫برعايــة عطوفــة مديــر ثقافــة‬ ‫جــرش الدكتــور عقلــه القــادري‬ ‫أقــام منتــدى الوســطية للفكــر‬ ‫والثقافــة ‪ /‬جــرش وبالتعــاون‬ ‫مــع مديريــة ثقافــة جــرش‬ ‫ورواق جــرش يــوم الســبت‬ ‫املوافــق ‪ 2016/6/18‬نــدوة‬ ‫دينيــة بعنــوان‪:‬‬ ‫((مكانــة األرسة يف اإلســام‬ ‫ودور مكاتــب اإلصــاح األرسي‬ ‫يف حاميتهــا ))‪.‬‬ ‫قدمهــا فضيلــة القــايض الشــيخ‬ ‫عامــر اعقيــل الغــوادرة‪.‬‬

‫ويف البدايــة رحــب رئيــس‬ ‫املنتــدى بالحضــور والضيــوف‬ ‫الك ـرام واملحارض‪..‬ثــم تحــدث‬ ‫مديــر الثقافــة عــن دور‬ ‫املديريــة يف األنشــطة الثقافية‬ ‫وبعــد ذلــك قــام مديــر‬ ‫الجلســة بالتقديــم للموضــوع‬ ‫والتعريــف باملحــارض والــذي‬ ‫تحــدث بإســهاب عــن نظــرة‬ ‫وعنايــة اإلســام بــاألرسة‬ ‫واملشــاكل التــي متــر بهــا‬ ‫األرسة ودور املحاكــم الرشعيــة‬ ‫بشــكل عــام ومكاتــب‬

‫اإلصــاح األرسي بشــكل خــاص‬ ‫يف التوفيــق بــن األزواج‬ ‫وإصــاح العالقات‪...‬وتحــدث‬ ‫عــن أهــم أســباب الخالفــات‬ ‫الزوجيــة والنســب الكبــرة‬ ‫املبــرة إلعــادة اللحمــة إىل‬ ‫الحيــاة الزوجيــة‪...‬ودار حــوار‬ ‫موســع أجــاب فضيلتــه عــى‬ ‫استفســارات ومداخــات‬ ‫الضيــوف‪.‬‬

‫الوسطية‬

‫‪57‬‬


‫‪58‬‬

‫نشاطات الفروع الداخلية‬

‫هيئة شباب الوسطية تقيم المخيم الشبابي‬ ‫األول بعنوان ( حوار األدمغة )‬ ‫أقامــت هيئــة شــباب الوســطية بالتعــاون مــع فريــق ( ‪ ،) TO BE‬املخيــم الشــبايب األول بعنــوان (حــوار‬ ‫األدمغــة) والــذي شــارك فيــه أكــر مــن ‪ 70‬شــاب‪ ،‬حيــث تضمــن املخيــم عــى فق ـرات فكريــة وعلميــة‬ ‫ورياضيــة متنوعــة بــدأت مــع كلمــة ترحيبيــة ألقاهــا املهنــدس أحمــد الوراقــي‪ ،‬وتالهــا فقــرة تعــارف مــن‬ ‫خــال مســابقات تفاعليــة قدمهــا املهنــدس أحمــد عمــرو‪ ،‬ومــن ثــم كان للدكتــور بــال أيــوب أثــر رائــع يف‬ ‫ورشــة تدريبيــة تفاعليــة مــع الشــباب اســتمرت إىل مــا قبــل املغيــب ثــم تالهــا محــارضة تثقيفيــة مع األســتاذ‬ ‫حمــزة خوالــدة عــن دور وأثــر الق ـراءة‪.‬‬ ‫بعــد ذلــك وبعــد االنتهــاء مــن صــاة املغــرب كنــا عــى موعــد مــع تنــاول وجبــة العشــاء‪ ،‬لتنطلــق بعــد ذلــك‬ ‫فعاليــات حفــل الســمر‪ ،‬والتــي بــدأت برصــد فلــي للســاء قدمهــا األســتاذ وليــد شــقري مــن جمعيــة الفلــك‬ ‫األردنيــة وبحضــور الدكتــور العالمــة أحمــد نوفــل والــذي اســتمتع بحديثــه الشــيق جميــع الحارضيــن‪ ،‬وتــى‬ ‫ذلــك وقفــات ورقائــق إميانيــة مــع الدكتــور برهــان منــر‪ ،‬ومــن ثــم ومضــات أدبيــة وشــعرية مــع الدكتــور‬ ‫أميــن عتــوم‪ ،‬ومقتطفــات تربويــة مــع األســتاذ خليــل زيــود‪ ،‬وكانــت جلســة تفاعليــة اســتمرت ألكــر مــن‬ ‫أربــع ســاعات بــن النجــوم والتلســكوب والعلــم والفكــر واملــرح‪.‬‬ ‫ويف الصبــاح غــادرت الحافــات بعــد تنــاول وجبــة اإلفطــار ومامرســة األنشــطة الكشــفية والرياضيــة‪ ،‬هــذا‬ ‫ويــأيت هــذا النشــاط كمقدمــة لسلســة مــن املخيــات واللقــاءات التفاعليــة يف املســتقبل القريــب‪.‬‬


‫الوسطية‬

‫‪59‬‬


‫‪60‬‬

‫نشاطات الفروع الخارجية‬

‫فرع تونس‬

‫‪L‬‬

‫ندوة تقنيات الخطاب لدى األئمة الخطباء‬

‫‪L‬‬

‫نظــم املنتــدى العاملــي للوســطية ‪ -‬فــرع تونــس دورة تكوينيــة لالمئــة الخطبــاء واملرشــدات بعنــوان‪»:‬‬ ‫تقنيــات الخطــاب لــدى األمئــة الخطبــاء «‪ .‬وقائــع الــدورة الثامنــة للمنتدى‪،‬كانــت مبدينــة املنيهلــة بالشــال‬ ‫التونــي‪ ،‬بضواحــي العاصمــة‪ .‬حــارض فيهــا مــدرب التنميــة البرشيــة الســيد عــار الرتيــي وحرضهــا‬ ‫حــويل ‪ 25‬إمامــا‪ .‬تنــاول فيهــا املك ـ ّون طــرق وأســاليب التواصــل مــع جمهــور الخطبــاء يف مســاجد البــاد‬ ‫وعوائــق التلقــي لــدى املســتمعني مبينــا أســباب الفــرص الضائعــة لبنــاء وعــي حقيقــي بفكــر وســطي‬ ‫ومنهــج تربــوي ميكــن أن يقطــع الطريــق عــى التطــرف واإلرهــاب والمبــاالة املنصتــن يــوم الجمعــة حــن‬ ‫الحضــور للخطبــة‪ .‬مهــارات التواصــل كانــت هــي محــور الــدورة مــع تدريــب لالمئــة يف الوقفــة والتعامــل‬ ‫مــع املضمــون والشــكل يف نقــاش مــع الجمهــور الــذي تكــون اغلبــه مــن الخطبــاء واملرشــدين الدينيــن‪.‬‬

‫‪L‬‬


‫فرع نيجيريا‬ ‫ـي للوســط ّية يف‬ ‫نظّــم مكتــب املنتــدى العاملـ ّ‬ ‫نيجرييــا بالتعــاون املركــز النيجــري للبحــوث‬ ‫النيجرييّــة الــذي يتخّــذ مــن مدينــة إيــوو‬ ‫بواليــة أُ ْو ُســ ْن مقــ ّرا لــه نــدوة ثقاف ّيــة‬ ‫عــي يف‬ ‫دعويّــة عنوانهــا «العمــل ال ّتط ّو ّ‬ ‫اإلســام» يف جامــع جامعــة اإلصــاح الدّ ينــي‬ ‫مبدينــة إِرابِجِ ــي يف واليــة أُ ْو ُس ـ ْن النيجرييّــة‬ ‫يــو َم الخميــس ‪ 18‬من شــعبان عــام ‪1437‬ه‬ ‫املوافــق ‪ 26‬مــن مايــو عــام ‪2016‬م‪.‬‬ ‫وقــد جــاءت هــذه النــدوة تحقيق ـاً لرســالة‬ ‫املنتــدى العاملــي للوســطية وجوهرهــا‬ ‫وهــي الوســطية يف الديــن وهــي محاولــة‬ ‫لتصحيــح املفهــوم الخاطــئ عــن العمــل‬ ‫التطوعــي والعمــل الخــري أنــه يجــب أن‬ ‫يرتبــط مبســاعدة املســلمني فقط‪،‬حيــث‬ ‫عملــت النــدوة عــى تأكيــد ارتبــاط التطوع‬ ‫والعمــل الخــري لصالــح اإلنســانية جمعــاء‬ ‫وليــس للمســلمني وحدهــم‪.‬‬ ‫وقــد حــر النــدوة مــا يقــارب املائــة‬ ‫مشــارك مــن القيــادات الدينيــة واملجتمعيــة‬ ‫ّ‬ ‫وطــا َب‬ ‫يف املنطقــة رجــاال ونســاء‪ ،‬دعــا ًة‬ ‫علــم‪ ،‬أمئّــ ًة ومثقَّفــن‪ ،‬وتــأيت النــدوة‬ ‫ٍ‬ ‫العاملــي‬ ‫تنفيــذا لعــزم مكتــب املنتــدى‬ ‫ّ‬ ‫الســامية‬ ‫للوســط ّية يف نقــل رســالة املنتــدى ّ‬ ‫وأهدافهــا النبيلــة إىل ربــوع مــدن نيجرييــا‬ ‫ال ّرئيســة عــر تنظيــم الــدورات وال ّنــدوات‬ ‫فيهــا والتأكيــد عــى رضورة ســلوك منهــج‬ ‫االعتــدال يف مبــادئ ديــن اإلســام وفهــم‬ ‫أهــم املــدن والقــرى التــي‬ ‫قيمــه‪ .‬ومــن‬ ‫ّ‬ ‫شــارك فيهــا أهلهــا يف ال ّنــدوة إيــوو‪،‬‬ ‫وأوســبو‪ ،‬وأُ ْوبُ ْو َمشُ ــ ْو‪ ،‬وإرابجــي‪ ،‬وإكــرن‪،‬‬ ‫وأُوبَاغُــ ْن‪.‬‬ ‫وقــد افتتحــت النــدوة بكلمــة ضافيــة‬ ‫العاملــي‬ ‫لســعادة مديــر مكتــب املنتــدى‬ ‫ّ‬ ‫للوســط ّية يف نيجرييــا ومديــر عــام املركــز‬ ‫النيجــري للبحــوث النيجرييّــة الدكتــور‬ ‫الخــر عبــد الباقــي مح ّمــد ألقاهــا نيابــة‬ ‫عنــه عضــو مكتــب املنتــدى ســعادة‬ ‫الدكتــور قاســم محمــد تيجــاين ومســؤول‬ ‫العالقــات العامــة يف املركــز النيجــري‬

‫العمل التطوعي في اإلسالم‬ ‫للبحــوث العربيــة تطرقــت الكلمــة‬ ‫لطبيعــة العالقــة القامئــة بــن املركــز‬ ‫النيجــري واملنتــدى العاملــي للوســطية‬ ‫ووجــوه التالقــي بــن رســالتهام‪ .‬كــا‬ ‫ـري‬ ‫ألقــى ســعادة أمــن عــام املركــز النيجـ ّ‬ ‫للبحــوث العرب ّيــة الدكتــور عبــد الحفيــظ‬ ‫أحمــد أديدميــج وعضــو املنتــدى العاملــي‬ ‫للوســطية كلمــة متهيديــة لفكــرة النــدوة‬ ‫العمــل التطوعــي والوســطية كــا تنــاول‬ ‫أهم ّيــة املوضــوع املطــروح وعالقتــه‬ ‫بشــهر رمضــان الفضيــل مضيفــا أنّ‬ ‫الجهتــن املنظِّمتــن ســاعيتان إىل غــرس‬ ‫الفضائــل ودعــم الثقافــة وترســيخ الفكــر‬ ‫ـطي ودعــم البحــث العلــم حســب‬ ‫الوسـ ّ‬ ‫اإلمكان ّيــات املتاحــة‪.‬‬ ‫وبعدهــا ألقــى أحــد أبــرز أعــام الرســالة‬ ‫الوســط ّية والدّ عــوة يف نيجرييــا الشــيخ‬ ‫ازي محــارضة‬ ‫عبــد الحكيــم بشّ ــار فــاز ّ‬ ‫عــي يف‬ ‫ق ّيمــة بعنــوان «العمــل ال ّتط ّو ّ‬ ‫اإلســام» ع ـ ّرف فيهــا باملوضــوع‪ ،‬وســاق‬ ‫األدلــة الرشع ّيــة عــى فضــل العمــل‬ ‫التطوعــي مــن القــرآن الكريــم والحديــث‬ ‫بــن مجــاالت العمــل‬ ‫الرشيــف‪ّ .‬‬ ‫ثــم ّ‬ ‫واملؤسســاتية‬ ‫التط ّوعــي وأشــكالها الفرديّة‬ ‫ّ‬ ‫حاثّــا الحضــور الغفــر عــى رضورة اغتنام‬ ‫فرصــة شــهر رمضــان املبــارك الســتباق‬ ‫الخ ـرات وتنويــع القربــات واإلكثــار مــن‬ ‫نوافــل العبــادات‪.‬‬ ‫ومــن الشــخص ّيات البــارزة التــي حــرت‬ ‫ٍ‬ ‫بتعليقــات‬ ‫النــدوة وأســهموا فيهــا‬ ‫ٍ‬ ‫ومداخــات فضيلــة الشــيخ الدّكتــور‪:‬‬ ‫رساج الدّ يــن األرسع بــن بــال (مديــر عام‬ ‫أكادمي ّيــة عنايــة اللــه الدّ ول ّيــة‪ ،‬وعضــو‬ ‫املنتــدى العاملــي للوســط ّية‪ ،‬وعضــو‬ ‫يجــري للبحــوث العرب ّيــة يف‬ ‫املركــز ال ّن‬ ‫ّ‬ ‫نيجرييــا)‪ ،‬وســعادة الدّكتــور‪ :‬إبراهيــم‬ ‫لــري أمــن أســتاذ اللّغــة العرب ّيــة‬ ‫بجامعــة إبــادن وســعادة الدّكتــور ســعيد‬ ‫يجــري للبحــوث‬ ‫عــامل (عضــو املركــز ال ّن‬ ‫ّ‬ ‫العرب ّيــة يف نيجرييــا‪ ،‬وعضــو املنتــدى‬

‫ـي للوســط ّية‪ ،‬وأســتاذ اللّغــة العرب ّيــة‬ ‫العاملـ ّ‬ ‫جامعــة واليــة أوســن‪ ،‬وســعادة الدّكتــور‪:‬‬ ‫الســام وفضيلــة‬ ‫قاســم مح ّمــد تيجــاين عبــد ّ‬ ‫الشــيخ ع ّبــاس مح ّمــد شــئث (إمــام الجامــع‬ ‫األكــر ملدينــة أُوبَاغــن وســعادة املهنــدس‬ ‫اإلســامي املحــرم‬ ‫مختــار عــامل (املفكّــر‬ ‫ّ‬ ‫ـري للبحــوث العرب ّيــة‪،‬‬ ‫عضــو املركــز ال ّنيجـ ّ‬ ‫العاملــي للوســط ّية‪ ،‬فــرع‬ ‫وعضــو املنتــدى‬ ‫ّ‬ ‫نيجرييــا)‪ ،‬والشــيخ ســليامن أبــو بكــر (إمــام‬ ‫وخطيــب جامــع جمع ّيــة إصــاح الدّ يــن‬ ‫ـامي مبدينــة إِرابِجِ ــي يف واليــة أُ ْو ُس ـ ْن‬ ‫اإلسـ ّ‬ ‫أهــم التوصيــات التــي‬ ‫النيجرييّــة‪ ،‬ومــن‬ ‫ّ‬ ‫توصلــت إليهــا النــدوة مــا يــي‪:‬‬ ‫‪ -)1‬الدّ عــوة إىل اإلكثــار مــن الخــرات‬ ‫وتكثيــف األعــال التطوع ّيــة يف شــهر‬ ‫رمضــان وغــره‪.‬‬ ‫‪ -)2‬التأكيــد عــى أنّ العمــل التطوعــي‬ ‫واإلحســان لإلنســانية جميعــا بغــض النظــر‬ ‫عــن دينــه ولونــه وديانتــه بــل حتــى مــع‬ ‫الحيوانــات لقولــه صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫كل كبــ ٍد رطبــ ٍة صدقــ ٌة»‪.‬‬ ‫«يف ّ‬ ‫املؤسســات‬ ‫‪-)3‬ترغيــب املســلمني يف إنشــاء ّ‬ ‫يتــم مــن خاللهــا دعــم‬ ‫الخرييّــة التــي ّ‬ ‫املحتاجــن وإغاثــة امللهوفــن‪.‬‬ ‫‪ -)5‬رضورة تخصيــص قسـ ٍ‬ ‫املخصصات‬ ‫ـط من ّ‬ ‫الخرييّــة للمؤلَّفــة قلوبهــم م ّمــن اضطرهــم‬ ‫شــظف املعيشــة واملغريــات املاديّــة‬ ‫املؤسســات‬ ‫والوظيف ّيــة التــي ميتلكهــا‬ ‫ّ‬ ‫التنصرييّــة إىل االرتــداد عــن اإلســام‪.‬‬ ‫العاملــي‬ ‫‪ -)4‬تقديــر جهــود املنتــدى‬ ‫ّ‬ ‫النيجــري للبحــوث‬ ‫للوســط ّية –واملركــز‬ ‫ّ‬ ‫العرب ّيــة الــذي ميثّلــه يف نيجرييــا‪ -‬والطلــب‬ ‫إليهــا تكثيــف الجهــود يف دعــم األعــال‬ ‫الخرييــة واإلنســانية التــي تدعــم رســالة‬ ‫الوســطية وتعزيــز انتشــارها‪.‬‬ ‫‪ -)5‬رضورة االســتمرار يف تنظيــم هــذه‬ ‫ال ّنــدوة وتوســيع دائــرة املدع ّوين للمشــاركة‬ ‫فيهــا يف املســتقبل‪.‬‬

‫الوسطية‬

‫‪61‬‬


‫‪62‬‬

‫بيانات المنتدى العالمي للوسطية‬


‫الوسطية‬

‫‪63‬‬


64


‫الوسطية‬

‫‪65‬‬


‫‪66‬‬

‫بيانات المنتدى العالمي للوسطية‬


‫الوسطية‬

‫‪67‬‬


‫‪68‬‬

‫الركن الطبي‬ ‫المجلة الطبية البريطانية‬

‫‪L‬‬

‫األدوية المنوّمة تزيد من‬ ‫أثبتــت دراســة حديثــة وجــود رابــط‬ ‫بــن تنــاول البنزوديازيبينــات (‪)BZD‬‬ ‫عــى املــدى الطويــل ومــرض الزهاميــر‪.‬‬ ‫ـم وصــف هــذه األدويــة‬ ‫إذ غال ًبــا مــا يتـ ّ‬ ‫التــي تُســتخدم كمن ّومــات أو عالجــات‬ ‫ضــدّ القلــق بشــكلٍ مفــرط قــد يتخطّــى‬ ‫الحــدّ الــذي يُنصــح بــه‪ .‬وبعــد أن‬ ‫حــ ّذرت الســلطات الصح ّيــة يف أوروبــا‬ ‫االختصاصيــن مــن الوصفــات غــر‬ ‫املدروســة‪ ،‬فهــي تبحــث يف إمكانيــة‬ ‫خفــض التزويــد بهــذه املنتجــات‪.‬‬ ‫عــى مــدى سـ ّتة أعــوام‪ ،‬أجــرى الباحثــون‬ ‫دراســة عــى ‪ 1796‬حالــة الزهاميــر‬ ‫مدرجــة ضمــن برنامــج تأمــن ص ّحــي‬ ‫كنــدي وقارنوهــا بأكــر من ‪ 7000‬شــخص‬ ‫بكامــل ص ّحتهــم ومــن ذات العمــر‬ ‫تــم‬ ‫والجنــس‪ .‬وأظهــرت الدراســة التــي ّ‬ ‫نرشهــا عــى موقــع ‪British Medical‬‬ ‫‪ Journal‬أنّ تنــاول البنزوديازيبينــات‬ ‫خــال أكــر مــن ثالثــة أشــهر مرتبــط‬ ‫بزيــادة خطــر اإلصابــة مبــرض الزهاميــر‬ ‫بنســب ٍة قــد تتخطّــى ‪ 51‬يف املائــة‪ .‬وكلــا‬ ‫كانــت فــرة التعــ ّرض لهــذه املنتجــات‬ ‫أطــول‪ ،‬كلّــا ارتفعــت مخاطــر تهديــد‬ ‫هــذا املــرض‪ ،‬وهــو بالتــايل خطــر متزايــد‬

‫ً‬ ‫طويــا‪.‬‬ ‫مــع اســتخدام هــذه األدويــة‬ ‫بــن الزهاميــر والبنزوديازيبينــات‪ :‬ر ٌ‬ ‫ابــط‬ ‫ُمشــتبه فيــه بق ـ ّوة‬ ‫يذكّــر معــدّ و الدراســة وهــم باحثــون‬ ‫مــن معهــد البحــوث الفرنــي (‪)Inserm‬‬ ‫وجامعــة مونتـرال بأنّــه عــى الرغــم مــن‬ ‫أنّ العالقــة بــن الســبب والتأثــر مل يُثبــت‬ ‫بعــد‪ ،‬إال أنّ الرابــط األقــوى الــذي متّــت‬ ‫مشــاهدته مــع التعــ ّرض عــى املــدى‬ ‫الطويــل «يقـ ّوي االشــتباه بعالقــة مبــارشة‬ ‫ممكنــة» بــن تنــاول البنزوديازيبينــات‬ ‫ومــرض الزهاميــر‪ .‬أ ّمــا الفرض ّيــة األخــرى‬ ‫فتقــول إنّ اســتخدام هــذه األدويــة‬ ‫رشا مبكـ ًرا مرتبطًــا‬ ‫ميكنــه أن يشـكّل «مــؤ ً‬ ‫بازديــاد خطــر اإلصابــة بالخــرف»‪.‬‬ ‫وأ ّدت نتائــج الدراســة إىل قيــام الســلطات‬ ‫الصح ّيــة يف العديــد من البلــدان بالتحذير‬ ‫مــن اســتخدام هــذه البنزوديازيبينــات‬ ‫وخاصــ ًة لــدى املســ ّنني بســبب اآلثــار‬ ‫الجانب ّيــة املعروفــة‪ .‬يف الواقــع‪ ،‬منــذ‬ ‫سـ ٍ‬ ‫ـنوات عديــدة وتحديــدً ا منــذ العامــن‬ ‫ـم االشــتباه بق ـ ّوة بهــذا‬ ‫‪ 2011‬و‪ ،2012‬تـ ّ‬ ‫الرابــط بــن املن ّومــات ومــرض الزهاميــر‪،‬‬ ‫ودفعــت النتائــج بالســلطات الصح ّيــة‬ ‫إىل الدعــوة للحــدّ مــن وصــف هــذه‬

‫األدويــة والتن ّبــه يف اســتخدامها‪ .‬وأبعــد‬ ‫مــن خطــر اإلصابــة مبــرض الزهاميــر‪،‬‬ ‫ميكــن لهــذه األدويــة أن تتســ ّبب بآثــار‬ ‫جانب ّيــة مختلفــة كاالعتــاد عــى اآلخرين‬ ‫والهبــوط املفاجــئ والنعــاس وفقــدان‬ ‫الذاكــرة وســواها‪.‬‬ ‫االستهالك املفرط للمن ّومات‬ ‫يعلــن معــدّ و الدراســة أنّ‬ ‫البنزوديازيبينــات يشــكّل «بالتأكيــد‬ ‫أدوات مثينــة ملعالجــة اضطرابــات القلــق‬ ‫واألرق واألرق املؤ ّقــت»‪.‬‬ ‫ولكنهــم يضيفــون أنّ‬ ‫العالجــات يجــب‬ ‫أن تكــون لفــر ٍ‬ ‫ات‬ ‫قصــرة «وأال تتعدّ ى‬ ‫الثالثــة أشــهر»‪.‬‬ ‫غــر أنّ دراســة‬ ‫نرشتهــا الوكالــة‬ ‫الوطنيــة لســامة‬ ‫األدويــة واملنتجــات‬ ‫الصح ّيــة (‪)ANSM‬‬ ‫انتقــدت فــرات العــاج‬ ‫التــي وصفتهــا بالطويلــة‬ ‫للغايــة مــع وجــود‬ ‫مــرىض يتناولــون‬


‫مخاطر اإلصابة بمرض الزهايمر‬ ‫هــذه األدويــة ويســتم ّرون يف ذلــك عــى‬ ‫مــدى سـ ٍ‬ ‫ـنوات عديــدة عــى الرغــم مــن‬ ‫املخاطــر العصب ّيــة أو الهبــوط املفاجــئ أو‬ ‫الضعــف واالعتــاد عــى اآلخريــن‪ .‬وأفــاد‬ ‫التقريــر أيضً ــا عــن اســتئناف اســتهالك‬ ‫البنزوديازيبينات ومزيــات القلق واألرق‬ ‫واملن ّومــات‪ ،‬مشـ ًرا إىل الوصفــات املفرطــة‬ ‫لف ـر ٍ‬ ‫ات طويلــة‪ .‬وأعلــن التقريــر عــن أنّ‬ ‫أكــر مــن شــخص واحد مــن أصل خمســة‬ ‫أشــخاص يســتهلك دوائــن من ّومــن‬ ‫م ًعــا‪ .‬ويــأيت األلــرازوالم‬ ‫(‪ )Alprazolam‬أوالـــ‬ ‫‪ Xanax‬يف املرتبــة‬ ‫األوىل‪ ،‬يتبعــه‬ ‫ا لز و لبيد يــم‬ ‫( ‪)Zolpidem‬‬ ‫أو مــا يُعــرف بـــ‬ ‫‪ Stilnox‬وهــو‬ ‫مــن فئــة‬

‫البنزوديازيبينــات ولديــه نشــاط دوايئ‬ ‫مشــابه إىل حــدّ كبــر للمنتجــات األخــرى‬ ‫مــن الفئــة نفســها‪ ،‬باإلضافــة أيضً ــا‬ ‫إىل الربومازيبــان (‪)Bromazepan‬‬ ‫أو مــا يُعــرف تجاريًــا بـــ ‪.Lexomil‬‬ ‫أ ّمــا املســتهلكون الذيــن يبلــغ معــدّ ل‬ ‫ســ ّنهم ‪ 65‬عا ًمــا فهــم بغالب ّيتهــم مــن‬ ‫النســاء (الثلثــان)‪ .‬وإىل جانــب ذلــك‪،‬‬ ‫متــى تخطّــن ســ ّن الخامســة والســتني‪،‬‬ ‫يتنــاول الثلــث منه ـ ّن دوا ًء مزيـ ًـا للقلــق‬ ‫وتســتهلك امــرأة مــن أصــل خمســة‬ ‫من ّو ًمــا‪.‬‬ ‫هــل يســمح الحــدّ مــن دفــع مثــن هــذه‬ ‫األدويــة مبقاومــة الوصفــات الفوضويّــة؟‬ ‫مــن يصــف هــذه املن ّومــات؟ يف غالب ّيــة‬ ‫األحيــان إنّهــم األطبــاء وتحديــدً ا أطبــاء‬ ‫الص ّحــة العامــة الذيــن يش ـكّلون املصــدر‬ ‫يف ‪ 90‬باملائــة مــن الوصفــات وأحيانًــا عىل‬ ‫فـرات عالج ّيــة طويلــة قــد تتخطّــى غال ًبا‬ ‫املــدّ ة التــي يُنصــح بهــا والتــي تــراوح‬ ‫بــن بضعــة أيــام إىل أربعــة أســابيع كحــدّ‬ ‫أقــى بالنســبة إىل املن ّومــات ومــن ‪ 8‬إىل‬ ‫‪ 12‬أســبو ًعا لألدويــة املضــادة للقلــق‪.‬‬ ‫غــر أنّ غالب ّيــة املــرىض يتناولــون هــذه‬ ‫األدويــة خــال ‪ 4‬أو‪ 5‬أشــهر إىل ســنة‬

‫و»رشيحــة كبــرة منهــم يســتم ّرون يف‬ ‫تناولهــا لبضــع ســنوات»‪.‬‬ ‫إزاء هــذا الوضــع‪ ،‬وللحــدّ مــن اســتخدام‬ ‫املن ّومــات وكافــة أنــواع البنزوديازيبينــات‬ ‫التــي لديهــا «تأثــر ضعيــف» عــى‬ ‫النــوم‪ ،‬ارتــأت الســلطات الصح ّيــة خفــض‬ ‫تســديد مثــن هــذه األدويــة مــن قبــل‬ ‫الضــان االجتامعــي مــن نســبة ‪ 65‬يف‬ ‫املائــة ليصبــح ‪ 15‬يف املائــة يف املســتقبل‪.‬‬

‫الوسطية‬

‫‪69‬‬


‫‪70‬‬

‫مسابقة العدد‬

‫إعداد الدكتورة ‪:‬‬ ‫زهاء الدين عبيدات‬

‫‪L‬‬ ‫تتضمن املسابقة عرشة أسئلة متنوعة‪ ،‬يتطلب األمر اإلجابة عنها كاملة ملن أراد املشاركة‪ ،‬وترسل اإلجابات بعد تعبئتها يف املكان‬ ‫املخصص يف الصفحة‪ ،‬وإرسالها إىل عنوان املجلة (ص‪.‬ب‪ 1241:‬الرمز الربيدي ‪ 11941‬عامن‪-‬األردن) وذلك قبل نهاية شهر ترشين‬ ‫الثاين‪.‬‬ ‫يتم السحب عىل اإلجابات الفائزة بثالثة مستويات‪ ،‬حيث ُينح الفائز األول ‪ 150‬دوالراً‪ ،‬والفائز الثاين ‪ 100‬دوالراً‪ ،‬والفائز الثالث‬ ‫‪ 50‬دوالراً‪.‬‬

‫السؤال األول‪:‬يف ورد العدد(‪ )99‬يف إحدى سور القرآن الكريم هي‪:‬‬ ‫د‪ -‬سورة ق‬ ‫جـ‪ -‬سورة ص‬ ‫ب‪ -‬سورة الصافات‬ ‫أ‌‪-‬سورة املعارج‬ ‫السؤال الثاين‪:‬ذكر اسم مرص يف القرآن الكريم‪:‬‬ ‫د‪ -‬ست مرات‬ ‫جــ ‪ -‬أربع مرات‬ ‫أ‌‪-‬خمس مرات ب‪ -‬ثالث مرات‬ ‫السؤال الثالث‪ :‬هناك ثالث سور يف القرآن الكريم تنتهي بحرف الراء هي‪:‬‬ ‫ب‪ -‬البقرة‪ ،‬آل عمران‪ ،‬النساء‪.‬‬ ‫أ‌‪-‬القدر‪ ،‬العرص‪ ،‬الكوثر‪.‬‬ ‫د‪ -‬القدر‪ ،‬العرص‪ ،‬الحاقة‪.‬‬ ‫جـ ‪ -‬البينة‪ ،‬اإلخالص‪ ،‬الكوثر‪.‬‬ ‫شي نَف َْسهُ ا ْب ِتغَا َء َم ْرضَ ا ِة اللَّ ِه» هو‪:‬‬ ‫السؤال الرابع‪:‬الصحايب الذي نزلت فيه هذه اآلية « َو ِم َن ال َّن ِ‬ ‫اس َم ْن َي ْ ِ‬ ‫أ‌‪ -‬بالل بن رباح ريض الله عنه ب‪ -‬عبد الله بن رواحة ريض الله عنه جــ‪ -‬صهيب بن سنان الرومي ريض الله عنه‬ ‫د‪ -‬أبو بكر الصدّ يق ريض الله عنه‬ ‫السؤال الخامس‪ :‬من السور التي افتتحت بنداء األمة هي‪:‬‬ ‫د‪ -‬األنعام‬ ‫جــ ‪ -‬آل عمران‬ ‫أ‌‪-‬النساء ب‪-‬النحل‬ ‫السؤال السادس‪:‬صحابية قتلت تسعة من الروم يف معركة الريموك هي‪:‬‬ ‫د‪ -‬خولة بنت األزور‬ ‫أ‌‪-‬أسامء بنت أيب بكر ب‪ -‬أسامء بنت يزيد بن السكن جــ ‪ -‬خولة بنت ثعلبة‬ ‫السؤال السابع‪:‬خطيب األنبياء هو‪:‬‬ ‫د‪ -‬موىس عليه السالم‬ ‫جـ ‪ -‬شعيب عليه السالم‬ ‫أ‌‪-‬نوح عليه السالم ب‪ -‬محمد عليه السالم‬ ‫السؤال الثامن‪ :‬تم اكتشاف الديناميت عام‪:‬‬ ‫د‪1866 -‬‬ ‫جـ‪1887 -‬‬ ‫ب‪1845 -‬‬ ‫أ‌‪1850-‬‬ ‫السؤال التاسع‪ :‬يشم الثعبان‪:‬‬ ‫د‪ -‬بجلده‬ ‫جـ ‪ -‬مبقدمة رأسه‬ ‫ب‪ -‬بلسانه‬ ‫أ‌‪-‬بأنفه‬ ‫السؤال العارش‪ :‬من القائل‪:‬‬ ‫هل أنت باملال بعد املوت تنتفع‬ ‫يا جامع املال يف الدنيا لوراثه‬ ‫د‪ -‬زهري بن أيب سلمى‬ ‫جـ ‪ -‬حسان بن ثابت‬ ‫ب‪ -‬أحمد شوقي‬ ‫أ‌‪-‬الشافعي‬


‫‪L‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫إجابات مسابقة العدد‬ ‫رمز إجابة السؤال السادس (‬ ‫رمز إجابة السؤال األول ( )‬ ‫رمز إجابة السؤال السابع (‬ ‫رمز إجابة السؤال الثاين ( )‬ ‫رمز إجابة السؤال الثامن (‬ ‫رمز إجابة السؤال الثالث ( )‬ ‫رمز إجابة السؤال التاسع (‬ ‫رمز إجابة السؤال الرابع ( )‬ ‫رمز إجابة السؤال العارش (‬ ‫رمز إجابة السؤال الخامس( )‬

‫)‬ ‫)‬ ‫)‬ ‫)‬ ‫)‬

‫معلومات املتسابق‬

‫اسم املتسابق من أربعة مقاطع‪..........................................‬‬ ‫رقم الهاتف مع رمز الدولة والبلد‪.......................................‬‬ ‫العنوان الربيدي‪................................................................‬‬

‫‪L‬‬

‫الوسطية‬

‫‪71‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.