السنة الرابعة العدد الثاني

Page 1







     

            

             

      

          

                       

       

                                

2

 







  




‫افتتاحية‬ ‫العدد‬ ‫ابن تيمية من‬ ‫أعالم الوسطية‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬

‫كانت ر�سالة املنتدى وال زالت ت�ؤكد على �أن الو�سطية هي‬ ‫منهج الأمة اجلامع وعلمائها منذ بعثة النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم مرورا باحلقب التاريخية التي مر بها تاريخ الإ�سالم‪،‬‬ ‫كانوا منارات الهدى ودعاة النه�ضة واليق�ضة ولتجلية هذه‬ ‫احلقيقة فقد عقد املنتدى العاملي للو�سطية م�ؤمتره احلادي‬ ‫ع�شر يف عمان يومي ‪ 2011/4/18-17‬بعنوان "و�سطية‬ ‫الإمام ابن تيمية" الذي يقول فيه احلافظ ابن كثري يف‬ ‫(البداية والنهاية) جواب ًا على من ي�صمه بالغلظة وال�شدة‪:‬‬ ‫فهو �أرق من الن�سيم‪ ،‬رحيم بامل�سكني واليتيم‪ ،‬هذا الإمام جاد‬ ‫ولي�س بهازل‪ ،‬وعن مبدئه ال يتنازل‪ ،‬ولهذا �سكن �أعلى املنازل‪.‬‬ ‫�أخالق طاهرة‪ ،‬و�سنة عليه ظاهرة‪ ،‬وهمة بني جنبيه‬ ‫باهرة‪ .‬عقل �صحيح‪ ،‬ول�سان ف�صيح‪ ،‬يفلج اخل�صوم باحلجة‪،‬‬ ‫ويدل النا�س على املحجة‪ِ ،‬ن َعم اهلل عليه تا ّمة‪ ،‬وهو يف العلوم‬ ‫العال‪ ،‬العزوف‬ ‫ها ّمة‪ ،‬ثم هو رجل عا ّمة‪ ،‬عالمة ال�صدق يف‬ ‫مِ‬ ‫عن الدنايا‪ ،‬وعدم اخلوف من املنايا‪ ،‬وجمع ال�سجايا‪ .‬لي�ست‬ ‫املنزلة عند ابن تيمية مراتب ومنا�صب وتكالب‪ ،‬بل ت�ضحية‬ ‫وجهاد ونفع للعباد‪ ،‬و�إ�صالح للبالد‪� .‬سفينة علمه لعباب‬ ‫اجلهل ماخرة‪ ،‬ف�آتاه اهلل ثواب الدنيا وح�سن ثواب الآخرة‪.‬‬ ‫ولقد �أحدث الإمام ابن تيمية يف ع�صره حتو ًال كبري ًا‪ ،‬ووقف‬ ‫كاجلبل الأ�شم ي�صارع التتار اجلبابرة وكذلك ال�صليبيني‬ ‫حتى حفظ للإ�سالم �شبابه ون�ضارته‪ ،‬وحمل الراية بعد العز‬ ‫بن عبد ال�سالم‪ ،‬وقام بر�سالته خري قيام‪ ،‬وعب�أ م�شاعر الأمة‬ ‫وال�شباب ملواجهة التتار حتى مت الن�صر املبني ب�إذن اهلل‪ ،‬لقد‬ ‫كان بحق جمدد �أمر الدين‪ ،‬وحميي جمد الإ�سالم يف القرن‬ ‫الثامن‪..‬‬

‫واذا كان الفكر الإ�سالمي يت�صف بالتوازن ظاهراً وباطناً بني الدين‬ ‫َال الغيب وع مَ‬ ‫والدنيا‪ ،‬وبني العقل والنقل‪ ،‬وبني ع مَ‬ ‫َال ال�شهادة‪ ،‬وبني‬ ‫النف�س والبدن‪ .‬فالو�سطية �سمة قاده اال�صالح والبناء على مدى‬ ‫الأزمان‪ ،‬لأنها �صفة الإ�سالم العظيم و�صفة العقيدة ال�صحيحة‪،‬‬ ‫مت�سك بها �أهل ال�سنة واجلماعة يف ع�صور امل�سلمني على‬ ‫التي َّ‬ ‫اختالف احوالها �صعوداً �أو هبوطاً‪ ،‬واعتربوا كل من يخرج عن هذه‬ ‫خارجا عن الأعدل والأو�سط‪ ،‬و َذ َّم‬ ‫الو�سطية يف االعتقاد �أو ال�سلوك‪ً ،‬‬ ‫ه�ؤالء العلماء كل غلو �أو تطرف يريد الإخالل ب�صفة الإعتدال‬ ‫مبعناها القر�آين‪،‬ومنهجها النبوي ويفر�ض االنحراف الفكري �أو‬ ‫ال�سلوكي على اتباعه وعلى �أبناء املجتمع الإ�سالمي‪.‬‬ ‫يقول الإمام ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪" :-‬وكذلك يف �سائر �أبواب ال�سنة‬ ‫هم و�سط؛ لأنهم متم�سكون بكتاب اهلل و�سنة ر�سوله‪ ،‬وما اتفق‬ ‫عليه ال�سابقون الأولون من املهاجرين والأن�صار والذين اتبعوهم‬ ‫ب�إح�سان �إىل يوم الدين"‪.‬‬ ‫ولذا ف�إ َّنه ملن نافله القول �أ َّن الإمام ابن تيمية كان و�سطياً ُي�شكل‬ ‫منارة يهتدى بها العامل الإ�سالمي يف زمن مت �إلبا�س فكره وفتاويه‬ ‫غري لبو�سها ال�صحيح‪ ،‬ويجب الت�أكيد على طرح �أفكار الإمام‬ ‫الكبري لتنقيتها وتربئتها من ال�شطط والإنحراف‪ ،‬لنحافظ على‬ ‫اعتدال فكر وو�سطية الإمام ابن تيمية الذي �أثر يف عقول النا�شئة‬ ‫ووجدان الأمة‪ ،‬و�أبقى على وهج تلك املنارة و�إ�شعاعها الو�ضاء يف‬ ‫�أحلك الظروف‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫�إ َّن فكره رحمه اهلل كان ُي�شع �إن�سانية وروحاً وفكراً‪ ،‬املنطلق من‬ ‫�سماحة الإ�سالم مع خمالفيه‪ ،‬ففي ر�سالته �إىل (�سرجون) حاكم‬ ‫قرب�ص‪" :‬نحن قوم نحب اخلري لكل �أحد‪ ،‬ونحب �أن يجمع اهلل لكم‬ ‫خري الدنيا والآخرة"‪.‬‬ ‫لقد بقي ابن تيمية رحيماً عاد ًال و�سطياً حتى �آخر حياته –رحمه‬ ‫اهلل‪ -‬فلما جتدد عليه الظلم وال�سجن طلب من اتباعه لزوم‬ ‫الهدوء ولزوم منهج الإن�صاف والعدل مع كافة النا�س‪ ،‬م�سلمني‬ ‫وغري م�سلمني‪ ،‬وطالب حكام الإ�سالم وعلماء الدين بالعدل مع‬ ‫املخالفني مهما كانوا‪ ،‬راف�ضاً الظلم الذي وقع عليه �أو على غريه‪،‬‬ ‫�أن يكون هذا منهجاً ثابتاً ورا�سخاً‪ ،‬لأنه من منهج الإ�سالم‪ .‬وال‬ ‫نن�سى مقولته اخلالده ل�سجانيه‪� :‬أ َّن جنتي وب�ستاين يف �صدري‪،‬‬ ‫�أنى �سرت فهي معي‪� ،‬أنا قتلي �شهادة‪ ،‬و�إخراجي من بلدي �سياحة‪،‬‬ ‫و�سجني خلوة‪ ،‬ف�أين تذهبون بي‪...‬‬ ‫وهناك من الدعاة من ظنوا �أ َّن �إ�صالح الأمة و�إخراجها من كبوتها‬ ‫ال يكون �إال بالت�شدد والغلو‪ ،‬واتهام الأولني بالكفر واملروق من‬ ‫الدين‪ ،‬و�إباحة دمائهم و�أموالهم دون دليل �شرعي �سليم‪.‬‬ ‫وهكذا �ساعدت بع�ض جماعات امل�سلمني مب�سلكها املجانب للو�سطية‬ ‫واملخالف ل�شرع اهلل‪ ،‬يف �إل�صاق التهم والظلم ب�شيخنا رحمه اهلل‪.‬‬ ‫أ�شخا�صا ‪-‬و�إن‬ ‫�إ َّن املت�أمل ملا عليه �أهل الغلو من امل�سلمني فر ًقا و�‬ ‫ً‬ ‫حما�سا للإ�سالم‪ ،‬واهتما ًما ب�أمور امل�سلمني‪ -‬يدرك �أن‬ ‫�أظهروا‬ ‫ً‬ ‫�سبب غلوهم‪ ،‬هو تنكبهم عن الطريق ال�صحيح‪ ،‬وفهمهم ال�سقيم‬ ‫للإ�سالم‪ ،‬والعمل به‪ ،‬وبعدهم عن طريق ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم و�صحابته الكرام‪.‬‬ ‫�إ َّن امياننا مبنهج الو�سطية‪� ،‬سبيال لن�شر دعوة الإ�سالم‪ ،‬واحلفاظ‬ ‫على متا�سك املجتمع امل�سلم‪ ،‬باحلكمة واملوعظة احل�سنة واملجادله‬ ‫بالتي هي �أح�سن‪.‬كان دافعنا لعقد هذا امل�ؤمتر الهام ملحاولة ان�صاف‬ ‫�أعالم الأمة وا�سرتدادهم من خمتطفيهم عمال بقوله تعاىل " ان‬ ‫اهلل ي�أمر بالعدل والإح�سان‪" ...‬‬ ‫"وال يجرمنكم �شن�آن قوم على �أن ال تعدلوا اعدلوا هو �أقرب‬ ‫للتقوى" كان هذا امللتقى عمال بقوله تعاىل ان اهلل يامر بالعدل‬ ‫واالح�سان‪.‬‬

‫�إننا نعي�ش ع�صر االدعاءات والإنت�سابات واالتباع الأعمى اجلريء‬ ‫على الفتوى التي تدلل على �ضحالة الفهم واالحاطة مب�ضامني‬ ‫و�أفكار الأئماء ومنهم الإمام ابن تيمية‪ ،‬فاملذهب احلنبلي الذي‬ ‫ينتمي �إليه الإمام ابن تيمية وكما هو معلوم ف�إ َّنه من �أو�سع املذاهب‬ ‫الفقهية تي�سرياً فالأ�صل عند ال�سادة احلنابلة يف املعامالت الإباحة‬ ‫انطالقاً من قول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪� :‬أنتم �أعلم‬ ‫ب�ش�ؤون دنياكم‪ .‬ومن قاعدة الرباءة الأ�صلية ومن مبد�أ التي�سري‬ ‫ورفع احلرج‪.‬‬ ‫�إ َّن التقول على �شيخ الإ�سالم بغري علم ي�شكل جرمية من �أكرب‬ ‫اجلرائم‪ ،‬ومر�ضاً من �أخطر الأمرا�ض التي ف�شت يف جمتمعاتنا‬ ‫الإ�سالمية؛ لقلة العلـم‪ ،‬و�ضعف اخل�شية من اهلل عز وجل‪ ،‬واتباع‬ ‫الهوى‪ ،‬وقد كان لها الأثر ال�سيء يف الفتك باملجتمعات‪ ،‬وطم�س‬ ‫معامل فقهه رحمه اهلل‪.‬‬ ‫�إن هذا الإمام املُجدد امل�صلح رحمه اهلل يتعر�ض اليوم �إىل حملة‬ ‫ت�شويه وحتريف واقتطاع واجتزاء من �أقواله وفتاويه‪ ،‬من فئة‬ ‫�أخذت من علمه ما يالئم هواها‪� ،‬أو ا�سقطت �أر�آءه جتاه فئات‬ ‫خارجة عن امللة يف ذلك الزمان على �أبناء امل�سلمني الآن �أو �أخذت‬ ‫فتواه وحرفتها عن �سياقها التاريخي واملكاين واملللي‪ ،‬حتى غدا‬ ‫ا�سم الإمام ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬عند من يجهله مرتبطاً‬ ‫بق�ضايا التكفري والتف�سيق والقتل‪ .‬ومن يدر�س منهجه ‪-‬ب�إن�صاف‬ ‫ومو�ضوعية وحياد‪ -‬يجد نقي�ض كل تلك التهم الذي هو منها براء‪،‬‬ ‫ف�شيخ الإ�سالم ال ينتمي �إىل ه�ؤالء‪ ،‬بل �إنه ُظلم مرتني من غاله‬ ‫وظلم من �أعدائه �إفراطاً وتفريطاً‪ ،‬فقد كان منهجه و�سطاً‬ ‫�أتباعه‪ُ ،‬‬ ‫ال �إفراط فيه وال تفريط عنده‪.‬‬ ‫ويف فكر ابن تيمية �أ َّن �أهل ال�سنة و�سط يف النحل وامللل‪ ،‬وهم و�سط‬ ‫يف باب �صفات اهلل بني �أهل التعطيل و�أهل التمثيل‪.‬‬ ‫وقال مُعرباً عن روحه الطيبة املحبة لكل النا�س‪" :‬و�أنا �أحب اخلري‬ ‫لكل امل�سلمني و�أريد لكل م�ؤمن من اخلري ما �أحبه لنف�سي"‪.‬‬ ‫لقد كان ممل�ؤاً باحلب‪ ،‬م�شغو ًال بزيادة �أهل اجلنة و�أمة الإ�سالم‪،‬‬ ‫ومل يكن م�شغو ًال �أو �شغوفاً �أن يزيد �أهل النار من خالل التكفري‬ ‫والتو�سع يف التف�سيق والإ�سراف يف الأحكام على النا�س‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫وسـطـيتـنـا‬ ‫رسالتنا اإلنسانية الروحية‬ ‫د‪ .‬عبد احلليم عوي�س‬

‫يف �أ�سلوب ح�صر بالغي يحدد الإ�سالم يف كتابه الكرمي وظيفة‬ ‫الر�سول �أنه رحمة لكل العاملني‪..‬‬ ‫ لقد خاطب اهلل نبيه حممدًا �صلى اهلل عليه و�سلم بقوله ( َومَا‬‫ني) (الأنبياء‪ .)107 :‬وبقوله ( َومَا �أَ ْر�سَ ْل َن َ‬ ‫�أَ ْر�سَ ْل َن َ‬ ‫اك ِ�إ َّالَ َر ْح َم ًة ِل ْل َعا مَلِ َ‬ ‫اك‬ ‫ريا َو َنذِ ي ًرا) (�سب�أ‪.)28 :‬‬ ‫�إِ َّالَ َكا َّف ًة لِل َّن ِ‬ ‫ا�س بَ�شِ ً‬ ‫ فعلى امل�سلمني مهما كانت �أجنا�سهم �أو �أوطانهم �أن ينتبهوا �إىل �أنهم‬‫حملة الراية بعد �أ�ستاذهم ومعلمهم حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ‪،‬‬ ‫وعليهم �أن ينتبهوا �إىل �أن الأمانة التي ائتمنهم اهلل عليها‪ ،‬وهي‬ ‫(البالغ للنا�س) (بالقر�آن) �إمنا هي نور للنا�س جمي ًعا �إذا �آمنوا بها‪،‬‬ ‫ال فرق بني �أ�سود و�أبي�ض‪ ،‬يقول اهلل تعاىل( َق ْد َجا َء ُكم مِ َن اللَهّ ِ ُنو ٌر‬ ‫اب ُم ِب ٌ‬ ‫ال�سال ِم َو ُيخْ ر ُِجهُم‬ ‫َو ِك َت ٌ‬ ‫ني * َيهْدِ ي ِب ِه اللَهَّ ُ م َِن ا َّت َب َع ر ِْ�ض َوا َن ُه ُ�س ُب َل َّ‬ ‫مِ َن ُّ‬ ‫ِيم) (املائدة‪:‬‬ ‫الظ ُل َماتِ �إىل ال ُّنو ِر ِب ِ�إ ْذ ِن ِه َو َيهْدِ ي ِه ْم ِ�إلىَ ِ�ص َر ٍ‬ ‫اط م ُْ�س َتق ٍ‬ ‫‪.)16 -15‬‬ ‫وامل�سلمون م�س�ؤولون عن �إنقاذ الب�شرية جميعها‪ ،‬حتى لو ت�أججت‬ ‫الأحقاد والعن�صريات يف �صدور �أعدائنا؛ فامل�سلمون مل يبعثهم‬ ‫اهلل ليواجهوا حقدًا بحقد‪ ،‬وال عن�صرية بعن�صرية؛ بل عليهم �أن‬ ‫يحافظوا على راية احلب والت�سامح مع الإن�سانية‪ ،‬و�أ َّال يخ�ضعوا‬ ‫ال�ستفزازات �أعدائهم التي يرمون من خاللها �إىل زحزحتهم عن‬ ‫مبادئهم‪.‬‬ ‫ولعله من �أكرب �آيات الت�سامح الإ�سالمي وال�شعور بامل�س�ؤولية‬ ‫الإن�سانية �أن العلماء والدعاة امل�سلمني عندما يعر�ضون لق�ضايا‬ ‫اخللل الإن�ساين ال ي�صدرون عن �شعور عن�صري يح�صر عالجهم يف‬ ‫املحيط الإ�سالمي �أو القومي‪ ،‬بل يعملون على ح ِّل م�شكالت ح�ضارات‬ ‫الع�صر احلديث كلها‪ ،‬دون �أن يح�صروا حل امل�شكالت يف الدائرة‬ ‫الإ�سالمية �أو الرتكية �أو العربية وحدها‪� ،‬إمنا يعر�ضونها ليحلوا بها‬ ‫م�شكالت احل�ضارة املادية احلديثة كلها‪.‬‬

‫تلك احل�ضارة التي ج�سدها (العقل) يف �إطار (املادة) و(املنفعة والن�سبي)‪،‬‬ ‫و�أ�صبحت عاجزة عن �إدراك الكمال واجلمال يف الروح واملطلق والغيب‬ ‫و�ضرورة الإميان بالكينونة الإن�سانية‪ ،‬والعمل امل�شرتك على ا�ستمرار‬ ‫التح�ضر الإن�ساين العام‪ ،‬الذي ي�ضم امل�سلمني وغري امل�سلمني‪.‬‬ ‫ولقد �أدرك امل�سلمون �أن هناك خل ً‬ ‫ال وقع يف امل�سرية الإن�سانية؛ نتيجة‬ ‫التحيز للمادة على ح�ساب الروح �أو العك�س‪.‬‬ ‫ ولقد �أ�صاب هذا العجز احل�ضارة الإن�سانية بال�شلل الن�صفي؛ لأن‬‫الروح �أو الغيب املطلق ال ينف�صل عن العقل واملادة والن�سبي‪ ..‬ولأن‬ ‫(املطلق) هو (املعيار) الأ�سا�س للحق‪ ،‬ورف�ض التعامل معه‪ ،‬يعني رف�ض‬ ‫ال�سري يف طريق احلق‪ ،‬حتت �ضغط الإميان امل�شلول باملادة والن�سبي‪ .‬وهو‬ ‫الأمر امل�ؤدي �إىل عبادة الإن�سان لنف�سه‪ ،‬بدي ً‬ ‫ال عن عبادة اهلل الذي ي�ؤمن‬ ‫امل�سلمون ب�أنه و�ضع للكون والإن�سان نظا ًما من خالل الوحي والأنبياء‪،‬‬ ‫وهو نظام متطابق مع فطرة الإن�سان‪.‬‬ ‫لقد كان الإ�سالم ‪-‬لأنه دين الفطرة واحلق‪ -‬حاف ًزا على ت�شكيل كيان‬ ‫متميز مل ت�ستطع تقلبات الزمن واالحتكاك باحل�ضارات املختلفة‬ ‫�أن تفتَّ يف ع�ضده على مر الع�صور‪ ..‬ف�إن كل �شيء يف الإ�سالم ي�شكل‬ ‫وحدة‪ ،‬ويعرب يف الوقت نف�سه عن وحدة؛ ففرو�ض العبادة تعرب بطريقة‬ ‫ظاهرة‪ ،‬بل بطريقة مادية عن التما�سك وااللتحام‪ ،‬فامل�سلمون ي�سجدون‬ ‫يف �صلواتهم خم�س مرات يوم ًّيا يف �ساعات متماثلة تقري ًبا‪ ،‬ويف اجتاه‬ ‫واحد نحو مكة‪.‬‬ ‫ وتعرب النية الدينية امل�صاحبة للعبادات لكل �شعرية عن وحدة الإن�سان‬‫روح ًّيا وماد ًّيا‪.‬‬ ‫ وي�سهم الإميان � ً‬‫أي�ضا كما ت�سهم ال�شعائر يف ت�ضامن اجلماعة‬ ‫الإ�سالمية وجتان�سها‪ ،‬وتدفعها جمي ًعا نحو حتقيق عامليتها‪.‬‬ ‫ �إن جماعة امل�ؤمنني ‪-‬وقد قامت على الدين‪ -‬جنحت يف ال�صمود �أمام‬‫التفكك ال�سيا�سي‪ ،‬كما �أن الروابط الدينية التي ت�سمو فوق الروابط‬ ‫القانونية واملادية ت�ستطيع قيادة املجتمع امل�سلم �إىل النجاة والفوز يف‬ ‫ال�سباق احل�ضاري‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫التقريب بين المذاهب‪ ..‬من المفهوم‬ ‫إلى اإلستراتيجية‬ ‫�أ‪ .‬زكي ميالد‬ ‫يف �أواخر القرن الع�شرين ومطلع القرن احلادي والع�شرين‪ ،‬جرت‬ ‫حماوالت عدة لتحويل فكرة التقريب �إىل �أطر ا�سرتاتيجية تكون‬ ‫وا�ضحة الأ�س�س واملعامل‪ ،‬وتتحدد فيها املقا�صد والغايات‪ ،‬وذلك لدفع‬ ‫فكرة التقريب خطوات �إىل الأمام‪ ،‬و�إعطائها بعد ًا ا�سرتاتيجي ًا‪،‬‬ ‫والتعامل معها وفق هذا املنظور اال�سرتاتيجي‪ ،‬و�إخراجها من احليز‬ ‫النظري الذي كانت عليه‪� ,‬إىل احليز التطبيقي‪.‬‬

‫حني و�ضعت ا�سرتاتيجية لها بعنوان (ا�سرتاتيجية التقريب بني‬ ‫املذاهب الإ�سالمية)‪� ،‬إىل جانب ا�سرتاتيجياتها الأخرى يف الرتبية‬ ‫والثقافة والعلوم‪ ،‬واعتربت �أن هذه اال�سرتاتيجية تت�صل مبجال‬ ‫بالغ الأهمية يرتبط بالوحدة الثقافية يف العامل الإ�سالمي‪،‬‬ ‫وبتما�سك الأمة الإ�سالمية وت�ضامنها‪.‬‬ ‫وجاءت هذه اخلطوة‪ ،‬بعد برنامج عملي و�ضعته املنظمة الإ�سالمية‬ ‫يعنى بق�ضية التقريب‪ ،‬ويف �إطار تنفيذ هذا الربنامج عقدت‬ ‫املنظمة ندوتني يف العا�صمة املغربية الرباط‪ ،‬الندوة الأوىل عقدت‬ ‫�سنة ‪1991‬م‪ ،‬والندوة الثانية عقدت �سنة ‪1996‬م‪.‬‬ ‫وهاتان الندوتان كانتا يف نظر املدير العام للمنظمة الإ�سالمية‬ ‫الدكتور عبد العزيز التويجري مبثابة القاعدة لتطوير التفكري يف‬ ‫�ضرورة بلورة وثيقة حتدد الهدف الرئي�س من التقريب‪ ،‬وتو�ضح‬ ‫املفهوم العملي لهذا التقريب‪ ,‬وو�ضع الأ�س�س للعمل من �أجل‬ ‫حتقيق هذا الهدف عن طريق التعاون والتن�سيق بني �أتباع املذاهب‬ ‫الإ�سالمية للتغلب على كل املعوقات التي حتول دون التقريب‪.‬‬ ‫وعلى �ضوء نتائج هاتني الندوتني عهدت املنظمة الإ�سالمية �إىل‬ ‫فريق من العلماء واملفكرين و�ضع وثيقة م�شروع (ا�سرتاتيجية‬ ‫التقريب بني املذاهب الإ�سالمية)‪.‬‬ ‫ويرى الدكتور التويجري �أن هذا امل�شروع جاء م�ستمداً من روح‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬وم�ستوحى من مقا�صدها ال�شريفة‪ ،‬وقائماً‬ ‫على �أ�س�س علمية متثل خال�صة ما انتهى �إليه الفكر الإ�سالمي يف‬ ‫هذا الع�صر‪ ،‬من �ضرورة الت�أكيد على جتاوز االختالفات املذهبية‪،‬‬

‫ويف هذا النطاق‪ ،‬جاءت الندوة الدولية التي عقدت بدم�شق يف‬ ‫�أبريل ‪1999‬م‪ ،‬وبحثت و�ضع ا�سرتاتيجية م�شرتكة للتقريب‬ ‫بني املذاهب الإ�سالمية‪ ،‬وكانت برعاية م�ؤ�س�سة الإمام اخلوئي‬ ‫اخلريية يف لندن‪ ،‬وبالتعاون مع العديد من امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية‬ ‫احلكومية وغري احلكومية‪ ،‬منها م�ؤ�س�سة الأزهر يف م�صر‪ ،‬ورابطة‬ ‫العامل الإ�سالمي يف ال�سعودية‪ ،‬ودار احل�سنية يف املغرب‪ ،‬واملنظمة‬ ‫الإ�سالمية �إي�سي�سكو‪ ،‬و�أكادميية العلوم يف �إيران‪ ،‬وح�ضرها جمع‬ ‫كبري من العلماء واملفكرين والباحثني من �أتباع املذاهب الإ�سالمية‬ ‫املختلفة‪.‬‬ ‫ويف �سنة ‪2002‬م �أعلن املجمع العاملي للتقريب يف طهران عن‬ ‫ا�سرتاتيجية له يف التقريب بني املذاهب الإ�سالمية‪� ،‬شرح فيها‬ ‫املفاهيم واملبادئ والقيم‪ ،‬وحدد �أ�س�س التقريب وجماالته‪ ،‬وك�شف‬ ‫عن الأهداف والتطلعات‪ .‬وتتمة لهذه اخلطوة‪ ،‬عقد املجمع �سنة‬ ‫‪2005‬م م�ؤمتره ال�سنوي يف طهران‪ ،‬حتت عنوان (ا�سرتاتيجية‬ ‫التقريب بني املذاهب الإ�سالمية)‪.‬‬ ‫لكن اخلطوة املتقدمة يف هذا املجال‪ ,‬هي اخلطوة التي �أقدمت‬ ‫عليها املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة (�إي�سي�سكو)‪،‬‬

‫‪6‬‬


‫واالرتقاء �إىل م�ستوى املعاجلة العلمية‪ ،‬حتقيقاً لوحدة الأمة‬ ‫الإ�سالمية الثقافية والفكرية والوجدانية‪ ,‬ووحدة العمل من �أجل‬ ‫حتقيق امل�صالح العليا‪.‬‬ ‫ويف �سنة ‪2001‬م عقدت املنظمة الإ�سالمية يف العا�صمة الأردنية‬ ‫عمان‪ ،‬اجتماعاً �أطلقت عليه اجتماعا للخرباء خ�ص�ص ملناق�شة‬ ‫ومراجعة هذه اال�سرتاتيجية‪ ،‬وذلك قبل �إقرارها من الدول‬ ‫الأع�ضاء يف املنظمة‪ ،‬وكنت واحداً من الذين �شاركوا يف هذا‬ ‫االجتماع‪.‬‬ ‫ويف مايو ‪2003‬م اعتمد امل�ؤمتر الإ�سالمي لوزراء اخلارجية هذه‬ ‫اال�سرتاتيجية‪ ،‬يف دورته الثالثني املنعقدة يف العا�صمة الإيرانية‬ ‫طهران‪.‬‬ ‫وح�سب هذه اال�سرتاتيجية‪ ،‬فقد جرى �إعدادها على �أ�س�س علمية‬ ‫وفكرية‪ ،‬جمردة عن امل�ؤثرات العاطفية‪ ,‬والتحيز املذهبي‪ ،‬وب�أ�سلوب‬ ‫مرن حمكم‪ ,‬يجعله ممكن التحقيق‪ ،‬قاب ً‬ ‫ال للربجمة والتطبيق‪.‬‬ ‫ويف نظر هذه اال�سرتاتيجية‪ ،‬يعد التقريب عام ً‬ ‫ال مهماً يف ت�ضييق‬ ‫رقعة اخلالفات‪ ،‬واحلد من انت�شار ظاهرة التع�صب املف�ضية �إىل‬ ‫التفرقة والفنت‪ ،‬وج�سراً متيناً لرت�سيخ قيم االئتالف والت�سامح‪,‬‬ ‫و�إتباع �صراط الر�شاد الهادي �إىل متا�سك الأمة‪ ،‬وتدعيم عنا�صر‬ ‫وحدتها‪.‬‬ ‫وترى هذه الإ�سرتاتيجية‪� ،‬أن م�س�ؤولية التقريب هي‪ :‬م�س�ؤولية‬ ‫جماعية ي�شرتك فيها العامل واملثقف والفقيه والأديب والداعية‪،‬‬ ‫ورجل الإعالم وال�صحافة‪� ,‬إىل جانب الأجهزة وامل�ؤ�س�سات الر�سمية‬ ‫وال�شعبية‪ ،‬وتتطلب هذه امل�س�ؤولية ما يلي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ تخطيط عمليات التقريب‪ ،‬وال�سهر على تنفيذها‪ ،‬مع تبني‬ ‫ا�سرتاتيجيات حملية منبثقة من �أهداف هذه اال�سرتاتيجية الأم‬ ‫وم�ضامينها‪.‬‬ ‫‪2‬ـ �إعداد الربامج والأن�شطة القابلة للتنفيذ على امل�ستوى الوطني‪،‬‬ ‫وربطها بالأن�شطة املماثلة يف بلدان الدول الأع�ضاء‪ ،‬وتطوير‬ ‫�أن�شطتها‪ ،‬و�إذكاء حيويتها‪.‬‬ ‫‪3‬ـ تنمية عالقات التعاون والتكامل مع الهيئات املماثلة يف البلدان‬ ‫ال�شقيقة‪ ،‬ومع املنظمات والهيئات ذات العالقة‪ ،‬وطنياً وعربياً‬ ‫و�إ�سالمياً‪.‬‬

‫‪4‬ـ الإ�سهام يف �إعداد حملة ر�سالة التقريب‪ ،‬وتدريبهم على ن�شر‬ ‫ثقافته‪ ،‬وفق �أ�س�س �إ�سالمية وحدوية �صحيحة و�سليمة‪.‬‬ ‫وجتزم هذه اال�سرتاتيجية‪� ،‬أنها �إذا ما �أعطيت حقها من التنفيذ‬ ‫واملتابعة‪ ،‬ف�إن م�س�ألة التقريب التي ج�سدتها يف كامل بنيتها‬ ‫التنظيمية (مقدمة و�أهدافاً و�أ�س�ساً وم�ضامني وو�سائل) لي�ست‬ ‫مب�ستع�صية احلل‪ ،‬وال �صعبة املنال‪.‬‬ ‫وما نخل�ص �إليه يف هذا اجلانب‪� ،‬أن فكرة التقريب �شهدت تطوراً‬ ‫هو يف غاية الأهمية حتدد يف حتويل هذه الفكرة �إىل ا�سرتاتيجيات‬ ‫تتك�شف فيها املفاهيم وامل�صطلحات‪ ،‬املقا�صد والغايات‪ ,‬الأ�س�س‬ ‫واملرتكزات‪ ،‬الو�سائل والأ�ساليب‪ ،‬وجتعل منها فكرة وا�ضحة املعامل‪،‬‬ ‫وال ينبغي النظر لهذه الفكرة بعيداً عن هذا التطور اال�سرتاتيجي‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫دور الفتوى والمفتي في تقويم األمة الوسط‬ ‫د‪� .‬إبراهيم عبد اللطيف العبيدي‬ ‫احلمد هلل رب العاملني و�أف�ضل ال�صالة و�أمت الت�سليم على �إمام املتقني‬ ‫و�سيد املر�سلني وعلى �آله و�صحبه ومن اهتدى بهديه �إىل يوم الدين‬ ‫وبعد ‪...‬؛‬ ‫ف�إن الناظر يف واقع حال الأمة اليوم يرى �أن هجمة �شر�سة‬ ‫ا�ستهدفت كفاءاتها ورجال فكرها ب�شكل خا�ص ‪ ،‬ف�ض ًال عن ا�ستهداف‬ ‫جميع �أبنائها وعلى خمتلف تخ�ص�صاتهم التي ال تكاد الأمة الو�سط‬ ‫�أن ت�ستغني عن �أي منها ب�شكل عام‪ .‬وال �أظن �أن �أحد ًا يختلف يف‬ ‫ف�ضل �أ�صحاب الكفاءة ومدى حاجتنا املا�سة لهم يف مثل هذا الظرف‬ ‫الع�صيب‪ ،‬ومن ف�ضل اهلل على هذه الأمة �أن كفاءاتها مل تنح�صر‬ ‫يف تخ�ص�ص دون �آخر‪ ،‬بل ترى �أ�صحاب هذه الكفاءات قد انت�شروا‬ ‫يف بقاع الأر�ض‪ ،‬فدولة مثل بريطانيا على �سبيل املثال يوجد فيها‬ ‫عدد كبري جدا من �أطبائنا واحلمدهلل ‪ ،‬وكذلك احلال بالن�سبة‬ ‫للمهند�سني والفيزيائيني والكيميائيني والطيارين وغريهم‪ ،‬وال‬ ‫تنح�صر كفاءات الأمة يف جانبها الدنيوي فح�سب‪ ،‬بل ت�صدر‬ ‫�أ�صحاب الكفاءات يف اجلانب ال�شرعي مكانة طيبة يف الكثري من‬ ‫الدول العربية والإ�سالمية اليوم ‪ ،‬تليق بف�ضلهم وعلمهم ‪ ،‬وقطعا‬ ‫هذه املكانة مل ت�أت من فراغ ‪ ،‬و�إمنا مثلت املكانة العلمية التي و�صل‬ ‫�إليها ه�ؤالء الف�ضالء‪.‬‬

‫�أو تعليما جلاهل ‪� ،‬أو ت�صحيحا حيث �إن فتاوى وتقريرات ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يف كل �أمور ال�شرع من �أمور العقيدة والعبادات‬ ‫واملعامالت والأحوال ال�شخ�صية واحلدود والق�صا�ص وما �إىل ذلك ‪ ،‬كان‬ ‫يتوىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بيانها للنا�س تنفيذا لأمر اهلل عز‬ ‫وجل بقوله تعاىل ( َيا �أَ ُّيهَا ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َب ِّل ْغ مَا �أُن ِز َل �إِ َل ْي َك مِ ن َّر ِّب َك وَ�إِن مَّ ْ‬ ‫ل‬ ‫ا�س �إِ َّن اللهَّ الَ َيهْدِ ي ا ْل َق ْو َم‬ ‫َت ْف َع ْل َف َما َب َّلغْتَ ِر�سَ ا َل َت ُه َواللهّ ُ َي ْع ِ�ص ُم َك مِ َن ال َّن ِ‬ ‫ا ْل َكا ِفر َ‬ ‫ِين )(املائدة‪.)67:‬‬ ‫الثانية‪� :‬صيغة البيان بعد �س�ؤال وا�ستفتاء كما يف لفظتي‬ ‫(ي�س�ألونك ) و (ي�ستفتونك)‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫كما يف قوله تعاىل ( َو َي ْ�س�أَ ُلو َن َك ع َِن ا ْل َي َتامَى ُق ْل �إِ ْ�صال ٌح ل ُه ْم خَيرْ ٌ )‬ ‫(البقرة‪َ (، )220:‬و َي ْ�س َت ْف ُتو َن َك فيِ ال ِّن�سَ اء ُقلِ اللهّ ُ ُي ْفتِي ُك ْم فِيهِنَّ )‬ ‫(الن�ساء‪ .)127:‬وكذلك ما كان يطرح على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ب�صيغة اال�ستفتاء وال�س�ؤال تارة وب�صيغة ال�شكوى والهم تارة‬ ‫�أخرى ‪ ،‬كما يف حادثة خولة بنت ثعلبة مع زوجها �أو�س بن ال�صامت‬ ‫علي كظهر �أمي ‪ ،‬فجاءت ر�سول اهلل‬ ‫‪ ،‬حينما ظاهرها وقال لها ‪� :‬أنت ّ‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم م�ستفتية تبحث عن حل ملا �أمل بها من حمنة‪.‬‬ ‫ف�أنزل اهلل عز وجل يف �سورة املجادلة‪َ (:‬ق ْد �سَ مِ َع اللهَّ ُ َق ْو َل ا َّلتِي تجَُ ا ِد ُل َك‬ ‫ري)‬ ‫فيِ َز ْوجِ هَا َو َت ْ�ش َتكِي �إِلىَ اللهَّ ِ َواللهَّ ُ َي ْ�س َم ُع تحَ​َ ا ُو َر ُك َما �إِ َّن اللهََّ �سَ مِ ي ٌع َب ِ�ص ٌ‬ ‫(املجادلة‪.)1 :‬‬ ‫والواقع �أن �أ�شكال فتاوى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم كانت ت�أخذ‬ ‫�صورا �شتى كل ح�سب احلالة الواقعة ‪ .‬فقد �سئل عن البحر فقال �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ( هو الطهور ما�ؤه احلل ميتته )‪ ،‬و�سئل عن ال�شراب‬ ‫البتع واملزر فقال‪( :‬كل م�سكر حرام )‪ ،‬و�سئل عن الرجل يقاتل �شجاعة‬ ‫والرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل رياء‪� ،‬أي ذلك يف �سبيل اهلل ؟‬ ‫فقال‪ ( :‬من قاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا فهو يف �سبيل اهلل ) وهكذا‬ ‫جند �أن فتاويه �صلى اهلل عليه و�سلم قد �شملت عامة �أبواب ال�شريعة‬ ‫و�شتى نواحي احلياة ثم ا�ستمرت عجلة الفتوى من بعده عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم ف�أفتى املفتون واجتهد املجتهدون‪ ،‬فيما ا�ستجد من النوازل‬ ‫يف خمتلف امل�سائل‪ ،‬ف�ألفت كتب كثرية جمعت هذه الفتاوى التي �شملت‬ ‫نواحي عدة وم�سائل خمتلفة ‪.‬‬ ‫وتعد ال�صفة البارزة التي كانت معلما وا�ضحا يف الأجيال التي تلت ع�صر‬ ‫النبوة ‪ ،‬م�س�ألة التهيب من الفتوى وعدم الت�صدر لها باعتبار �أن املفتي‬ ‫نائب عن اهلل تعاىل وعن ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم يف بيان احلالل‬ ‫واحلرام ووا�سطة يف تبليغ الأحكام يقول ابن القيم رحمه اهلل تعاىل‬ ‫( �إذا كان من�صب التوقيع عن امللوك باملحل الذي ال ينكر ف�ضله وال‬ ‫يجهل قدره وهو من �أعلى املراتب ال�سنيات ‪ ،‬فكيف مبن�صب التوقيع عن‬ ‫رب الأر�ض وال�سموات ) ‪ .‬لذلك نرى ال�سلف ال�صالح كانوا يدركون هذه‬ ‫املكانة العظيمة للفتوى ‪ ،‬فتح�صنوا بالعمل النافع ال�صحيح مع اخل�شية‬

‫وال يكاد يختلف اثنان فيما تعر�ض له علما�ؤنا عامة‪ ،‬وعلماء الدين‬ ‫خا�صة يف ا�ستهداف منظم عجيب �شمل اجلميع ‪ ،‬مل ُيرحم فيه �شيخ‬ ‫كبري وال معاق وال �ضرير‪ ،‬وال يخفى �أثر هذا اال�ستهداف امل�ستمر من‬ ‫ا�ستنزاف خطري يعود بال�ضرر احلقيقي على املجتمع برمته‪ ،‬ملا يولد‬ ‫عنه من تفراغ كبري متثل يف اجلهل ب�أحكام الدين‪ ،‬بل �إنه امتد لي�شمل‬ ‫�أركانه و�أ�سا�سياته‪ ،‬وهذا هو احلال الذي و�صف النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم به الأمة‪ ،‬عندما تنتقل من مرحلة العلم �إىل مرحلة اجلهل‪ ،‬عن‬ ‫طريق موت العلماء وفقدهم‪� ،‬إذ يقول عمرو بن العا�ص ر�ضي اهلل عنه‬ ‫�سمعت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يقول‪� « :‬إن اهلل ال يقب�ض العلم‬ ‫انتزاعا ينتزعه من النا�س ولكن يقب�ض العلم بقب�ض العلماء حتى �إذا مل‬ ‫يرتك عاملا اتخذ النا�س ر�ؤو�ساً جهاال ف�سئلوا ف�أفتوا بغري علم ف�ضلوا‬ ‫و�أ�ضلوا «‪ .‬ومن هنا حري بالأمة �أن تهيئ من يقوم بهذا الأمر ‪ ،‬حتى ال‬ ‫يعم اجلهل ‪ ،‬وينت�شر التخلف ال �سيما العلم ال�شرعي ‪ ،‬الذي �إن فقدناه‬ ‫حقيقة ‪ ،‬فقدنا كل ما �سواه ‪ .‬ومن �أجل معرفة مكانة الفتوى ومكانة من‬ ‫يت�صدر لها نقف الوقفات الآتية ‪:‬‬ ‫الوقفة الأوىل ‪ :‬مكانة الفتوى يف ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫يرى املتتبع لن�صو�ص الكتاب وال�سنة �أن الفتوى قد اتخذت طريقتني يف‬ ‫بث �أحكام وتعاليم �شرعنا احلنيف ‪:‬‬ ‫الأوىل ‪� :‬صيغة البيان بغري �س�ؤال �أو ا�ستفتاء وهي �أكرث ما جاء يف‬ ‫القر�أن الكرمي ‪ .‬وهذا ال�شكل كرث يف ال�سنة النبوية املطهرة لبيان‬ ‫بع�ض الأحكام ابتداء دون �س�ؤال من �أحد نفيا لتوهم �أو ت�صحيحا لفهم‬

‫‪8‬‬


‫جمتمعه‪ ،‬وم�شكالته وعالقته باملجتمعات الأخرى ‪ ،‬ومدى الت�أثر‬ ‫والت�أثري بها‪ .‬يقول �أبن القيم‪ (:‬هذا �أ�صل عظيم يحتاج �إليه املفتي‬ ‫واحلاكم ‪ ،‬ف�إن مل يكن فقيها يف الأمر والنهي ‪ ،‬ثم يطبق �أحدهما على‬ ‫الآخر و�إال كان ما يف�سد �أكرث مما ي�صلح وت�صور له املظامل ب�صورة‬ ‫املظلوم وعك�سه واحلق ب�صورة املبطل وعك�سه‪ ،‬وراج عليه املكر واخلداع‬ ‫واالحتيال‪ ..‬بل ينبغي له �أن يكون فقيها يف معرفة النا�س وخداعهم‬ ‫واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم‪ ،‬ف�إن الفتوى تتغري بتغري الزمان‬ ‫واملكان‪ ،‬والعوائد والأحوال وذلك كله من دين اهلل )‪.‬‬ ‫‪� -7‬سالمة االعتقاد و�صحة النية يقول ال�شاطبي‪ ( :‬االجتهاد �سمو‬ ‫باملجتهد ليكون يف مكان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فيبني �شرع اهلل‬ ‫‪ ،‬وهل يبلغ هذه املنزلة من يتبع البدعة ويكون له هوى )‪.‬‬ ‫‪� -8‬أن يكون عاملا مبقا�صد ال�شريعة و�أنها رحمة بالعباد‪ ،‬ورعاية‬ ‫مل�صاحلهم مبراتبها الثالث ال�ضروري واحلاجي والتح�سني‪ ،‬وما‬ ‫اقت�ضته من التي�سري والتخفيف ورفع احلرج والتدرج يف احلكم وما‬ ‫�إىل ذلك‪ ،‬قال ال�شاطبي ( الأول ‪ :‬فهم مقا�صد ال�شريعة‪ ،‬و�أنها مبنية‬ ‫على اعتبار امل�صالح‪ ،‬و�أن امل�صالح اعتربت من حيث و�ضعها ال�شارع‬ ‫كذلك‪ ،‬ال من حيث �إدراك املكلف �إذ �إن امل�صالح تختلف عند ذلك بالن�سب‬ ‫والإ�ضافات فال ينظر �إىل امل�صالح باعتبارها �شهوات �أو رغبات للمكلف‬ ‫بل ينظر فيها �إىل الأمر يف ذاته من حيث كونه نافعاً او �ضاراً )‪.‬‬ ‫وقد �أجمل الإمام ال�شافعي رحمه اهلل تعاىل هذه ال�شروط فقال‪( :‬ال‬ ‫يحل لأحد �أن يفتي يف دين اهلل �إال رجال عارفا بكتاب اهلل بنا�سخه‬ ‫ومن�سوخه ومبحكمه ومت�شابهه ‪ ،‬وت�أويله وتنزيله ‪ ،‬ومكيه ومدنيه ‪،‬‬ ‫وما �أريد به وفيم انزل ثم يكون بعد ذلك ب�صريا بحديث ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم بالنا�سخ واملن�سوخ ويعرف من احلديث ما عرف‬ ‫من القر�آن ويكون ب�صريا باللغة ب�صريا بال�شعر‪ ،‬ومبا يحتاج �إليه العلم‬ ‫والقر�آن وي�ستعمل مع هذا الإن�صات وقلة الكالم ‪ ....‬ثم قال ويكون بعد‬ ‫هذا م�شرفا على اختالف �أهل الأفكار وتكون له قريحة بعد هذا ف�إن كان‬ ‫هكذا فله �أن يتكلم ويفتي يف احلالل واحلرام و�إذا مل يكن هكذا فله �أن‬ ‫يتكلم يف العلم ال يفتي )‪ .‬قال الطربي بعد �أن نقل هذا الكالم‪( :‬فليت‬ ‫من يتكلم يف القر�آن والدين من �أهل زماننا يتورع من خمافة ربه ‪ ،‬ومن‬ ‫هول عذابه يوم يقوم النا�س لرب العاملني ) ‪.‬يكفي �أن نعلم �أن الإمام‬ ‫الطربي عا�ش يف القرن الرابع الهجري‪.‬‬

‫والورع ال�شديد ‪ ،‬حيث �أدركوا �أن الفتوى �أ�شبه بطائر له جناحان ال‬ ‫ميكن له �أن يطري �إال بهما ‪ ،‬العلم النافع ال�صحيح الثابت مع اخل�شية‬ ‫من اهلل عز وجل‪ ،‬والورع والزهد بالدنيا وما فيها ‪ ،‬ولذلك كله جند‬ ‫التهيب والهروب من الفتوى كان ديدنهم‪� ،‬إىل درجة �أن �أحدهم كان‬ ‫يود لو �أن غريه كفاه ذلك ‪ .‬والأمثلة على ذلك كثرية جدا ن�أخذ منها‬ ‫على �سبيل املثال ال احل�صر ‪ ،‬قول عبد الرحمن بن �أبي ليلى رحمه اهلل‬ ‫تعاىل ‪ :‬حيث قال ‪� :‬أدركت يف هذا امل�سجد ع�شرين ومائة من الأن�صار‬ ‫ي�س�أل �أحدهم امل�س�ألة فريدها هذا على هذا وهذا على هذا‪ ،‬حتى ترجع‬ ‫�إىل الأول‪ ،‬وما منهم من �أحد يحدث حديث �إال ود �أن �أخاه كفاه الفتيا)‬ ‫من ذلك ندرك تخريج الإمام �أبي حنيفة رحمه اهلل تعاىل حينما ذهب‬ ‫بالقول باحلجر على املفتي اجلاهل واملتالعب ب�أحكام ال�شرع مع �أنه‬ ‫يرى عدم احلجر على ال�سفيه احرتاما لآدميته ‪ .‬وما قوله ذاك �إال‬ ‫حلفظ النا�س من وراء الفتوى واملفتني املتالعبني ب�أحكام ال�شرع‪.‬‬ ‫الوقفة الثانية‪� :‬شروط وم�ؤهالت املفتي بني العلماء جملة �شروط‬ ‫و�آداب و�صفات ينبغي �أن تتوافر يف املفتي ملا متثله وظيفته من �شرف‬ ‫القيام مقام النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بل �إنه يوقع عن اهلل جل �ش�أنه‬ ‫كما بينا‪ ،‬وال �شك �أن تكليفا كهذا ال يكون �سهال �أبدا وعليه فال ن�ستغرب‬ ‫من الت�شدد واملبالغة يف ال�شروط والآداب وال�صفات التي و�ضعت يف هذا‬ ‫املجال ال �سيما ونحن نقر�أ الآيات والأحاديث يف هذا الباب ‪ .‬ون�ستطيع �أن‬ ‫جنمل �أهم ال�شروط ال�شخ�صية �إذ تتمثل يف الإميان والتكليف والعدالة‬ ‫و�سالمة الفهم وتدبري الأمور ‪.‬‬ ‫ون�ستطيع �أن جنمل كذلك �أهم ال�شروط العلمية املتفق عليها والواجب‬ ‫توافرها يف املجتهد وهي باخت�صار ‪:‬‬ ‫‪� -1‬أن يكون عاملاً باللغة العربية‪ ،‬لغة القر�آن الكرمي ‪ ،‬وال�سنة النبوية‬ ‫املطهرة ‪.‬‬ ‫‪� -2‬أن يكون عاملاً بالقر�آن الكرمي ودقائق الأحكام فيه‪ ،‬عاما وخا�صا‬ ‫ومطلقا ومقيدا وحمكما ومت�شابها ونا�سخا ومن�سوخا وكل ما يتعلق‬ ‫ب�آيات الأحكام ب�صورة عامة ‪.‬‬ ‫‪� -3‬أن يكون عاملاً بال�سنة النبوية املطهرة بكل �أ�شكالها القولية والفعلية‬ ‫والتقريرية وطرق الرواية والإ�سناد وما يتعلق بعلوم ال�سنة النبوية‬ ‫املطهرة‪.‬‬ ‫‪� -4‬أن يكون عاملاً مبوا�ضيع الإجماع ومواطن اخلالف حتى ال يفتي مبا‬ ‫يخرق �إجماع الأمة ‪.‬‬ ‫‪� -5‬أن يكون عاملاً ب�أ�صول الفقه �إذ تعد درا�سة هذا العلم �أ�سا�ساً للمجتهد‬ ‫فيما ي�ستنبطه من م�صادر الت�شريع املتفق عليها واملختلف فيها‪،‬‬ ‫و�شروط اال�ستدالل واال�ستنباط بهذه الأدلة ‪.‬‬ ‫يقول الإمام الفخر الرازي يف هذا الباب‪� ( :‬إن �أهم العلوم للمجتهد‬ ‫علم �أ�صول الفقه‪ .‬و�أما �سائر العلوم فغري مهمة يف ذلك �أما الكالم فغري‬ ‫معترب لأنا لو فر�ضنا �إن�سانا جازما بالإ�سالم تقليدا لأمكنه اال�ستدالل‬ ‫بالدالئل ال�شرعية على الأحكام ‪.‬‬ ‫‪ -6‬الإحاطة بواقع احلياة لأنه ال يجتهد يف فراغ بل يف وقائع تتعلق‬ ‫بالأفراد واملجتمعات من حوله‪ ،‬وه�ؤالء ت�ؤثر فيهم �أفكار وتيارات‬ ‫وعوامل خمتلفة نف�سية وثقافية واجتماعية واقت�صادية و�سيا�سية ‪،‬‬ ‫فال بد للمجتهد �أن يكون على حظ من املعرفة ب�أحوال ع�صره وظروف‬

‫خامتة‬ ‫ومن الوقفتني ال�سابقتني يتبني لنا باخت�صار املكانة ال�سامية التي‬ ‫نظرها ديننا احلنيف �إىل الفتوى ومكانتها وما يجب على املفتي �أن‬ ‫يجتمع فيه لي�ؤهل لهذه املهمة الثقيلة‪ ،‬والأمة الو�سط اليوم يف �أ�شد‬ ‫حاالتها حاجة لتدرك املكانة العظيمة وما قد حتدثه من حماولة‬ ‫�إ�صالح ما ف�سد‪ ،‬ويف نف�س الوقت عليها �أن تعي املفا�سد التي ترتتب‬ ‫على الأمة برمتها يف حال ت�صدر لهذه الأمانة العظيمة غري من �أهل‬ ‫لها‪ ،‬فعند ذلك يعم اجلهل وي�سود ال�ضالل كما قال ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪� ( :‬إن اهلل ال يقب�ض العلم انتزاعا ينتزعه من النا�س ولكن‬ ‫يقب�ض العلم بقب�ض العلماء حتى �إذا مل يرتك عاملاً اتخذ النا�س ر�ؤ�ساء‬ ‫جهاال ف�سئلوا ف�أفتوا بغري علم ف�ضلوا و�أ�ضلوا )‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫الوسطية‪ ..‬ذاكرة وسلوك ﹰا‬ ‫يف اللغة العربية اأن الو�سط هو راأ�س اجلبل واأعاله‪ ،‬حيث يتمكن‬ ‫من يكون اأو يقيم فيه اأن يرى كل �سيء‪ ،‬ويراه اجلميع‪ ،‬في�سهد لهم‬ ‫وعليهم‪ ،‬على اأهلية لذلك‪ ،‬وي�سهدون له وعليه‪ ،‬الأنه ظاهر لهم‬ ‫جميع ًا‪.‬‬ ‫لقد كنت معني ًا منذ اأخذ وعيـي بذاتي ومبا و َمن حويل ي�سري بوتائر‬ ‫مت�سارعة‪ ،‬اأن اأتوفر على حمفزات وم�س ّوغات الختياري للو�سطية‬ ‫موقع ًا للروؤية واحلركة واملعرفة‪ ...‬وكاأن تلك الو�سطية كامنة يف‬ ‫ن�سيجي وتبحث عما ي�سندها وينميها‪.‬‬ ‫وبعدما اأخذت فر�سي غري املـجدية اإال يف حدود غري جمزية‪ ،‬يف‬ ‫االندفــاع ذات اليـمني مرة وذات الي�سار مرات‪ ...‬وجدتني‪ ،‬ومن اأجل‬ ‫حفظ توازين وان�سجامي‪ ،‬ملزم ًا بت�سـييج موقعي الو�سطي‪ ،‬باملراجعة‬ ‫والرتاجع اإذا اقت�سى االأمر‪ ،‬على ا�سا�س ن�سبـية املعرفة ومكوث‬ ‫ال�سوؤال على باب املعرفة حار�س ًا لها من االإطالق والتعميم القاتل‬ ‫و�سمــان ًا لنموها بالنقد والبحث الدائب عن احلق واحلقيقة‪...‬‬ ‫ومن هنا اأعدت نظري يف اخلال�سات التعميمية غري املدققة‪ ،‬والتي‬ ‫اأ�سبحت بالتكرار مبثابة اأدجلة �سيا�سية للتمايز الطــائفي يف لبنان‪،‬‬ ‫من خالل الظروف التي اأ�ســ�ست لال�ستـقالل بعد تاأ�سي�س الكيان يف‬ ‫كنف االنتـداب الفرن�سي‪.‬‬ ‫وقراأت عالقة وحركة ال�صـيعة يف لبنان بالكيان وال�صتقالل قراءة و�صطية‪،‬‬ ‫ولحظت اأن القوى ال�صيعية الأ�صا�صية قد عجــلت يف قـبولها بعد املمانعـة‪،‬‬ ‫بالكيان اللبــناين (لبنان الكبري) من دون اأن تتخلى عن ذاكرتها واأحالمها‬ ‫العربية‪ ،‬اأي اأن اخليار كان و�صطياً‪ ،‬بحيث ل يكن الرف�س م�صطلحاً‬ ‫�صاحلاً لو�صف املوقف ال�صيعي‪ ،‬وبقي خطاب املعار�صة‪ ،‬من فرتة التاأ�صي�س‬ ‫اىل ال�صتقالل وما بعده‪ ،‬عالمة على هذه الو�صطية القائمــة على موازنـة‬ ‫القبول والندماج والعرتا�س معاً‪ ...‬وعلى هذا الأ�صا�س اأجريت مراجعة‬ ‫على ما ا�صتقر يف ذهني وتبلور يف �صلوكي من اعتبار الكيان اللبناين‬ ‫م�صطنعاً وموقتاً‪ ،‬حيث لحظت اأن ال�صطناع ميكن اأن يف�صر اأو ي�صهم يف‬ ‫تف�صري ن�صاأة الكيان‪ ،‬ولكنه ل يف�صر ما حدث لحقاً من ر�صوخ هذا الكيان‪،‬‬ ‫الذي ل مانع من و�صله اأو توا�صله باأعماقه العربيـة من خالل حدوده ل‬ ‫قفزاً فوقها‪ .‬حفظاً له بها ولهـا به‪ ،‬كل ذلك نبهني اإىل قناعــة م�صــتندة اىل‬ ‫وقــائع واأرقام‪ ،‬تدل على اأن النق�صام اللبناين على ال�صتقالل‪ ،‬بني الغرب‬ ‫(فرن�صا) والــعرب (�صوريا) ل يكن عمودياً بني امل�صلمني وامل�صيحيني‪ ،‬كما‬ ‫ل يكن يف اأي �صاأن لبناين حتى الآن‪ ،‬من اأحداث ‪ 1958‬اإىل ال�صتينيات‬ ‫واإ�صكالية املقاومة الفل�صطينية‪ ،‬اىل احلروب اللبنانية التي ا�صتمرت عقوداً‪،‬‬ ‫منــذ عام ‪ ،1975‬اإىل اتفاق الطائف وما اأعقبه من تفاهمات و�صراعات‪...‬‬ ‫ودائماً كان هناك م�صلمون يف ال�صف املو�صوف بامل�صيحي كما كان هناك‬ ‫م�صيحيون يف الـ�صف املو�صوف بالإ�صالمي‪ ،‬كانت وما تزال امل�صاكل مركبة‬ ‫واملواقف والتحالفات مركبة ومن دون ثبات مطلق يف معادلتها حتى يف‬ ‫ال�صف الواحد اأو ال�صبيه بالواحد‪.‬‬ ‫ويف اأدبياتنا الإ�صالمية هناك تذكري على اأن م�صداقية الفرد يف املجتمع‬

‫هاين فح�س‬ ‫تقا�س على م�صداقيته يف اأ�صرته‪ ،‬واملاأثـور عن الر�صول �صلى اهلل عليه‬ ‫ريكم لأهلي»‪...‬‬ ‫ريكم لأهله واأنا خ ُ‬ ‫ريكم خ ُ‬ ‫و�صلم يف هذا املجال قوله‪« :‬خ ـ ُ‬ ‫وعليه كان ل بد يل اأن األتم�س هذا النزوع الو�صـطي لـدي يف فطرتي‪ ،‬وفـعالً‬ ‫وجدت ا�صلـه وجـذوره وجتلياته يف طفولتي‪ ..‬تذكرت اأن النق�صام بني‬ ‫عائلتي اآل فح�س‪ ،‬يف قريـتي‪ ،‬وبني العائلة التي تليها يف العدد وتوازيها‬ ‫وحتاول اأن تتجاوزها يف الطموح والنفــوذ‪ ،‬اآل حرب‪ ،‬ل يكن عمودياً كذلك‪،‬‬ ‫فكان كثيــرون من العـائلتني يف الو�صـط‪ ،‬كـانوا من الأكرث تعـق ً‬ ‫ال وت ـاأثرياً‬ ‫يف املح�صلة‪ ،‬ما جنب اجلميع اأن تتحول اخلدو�س املزعجـة واملتبــادلة اىل‬ ‫جراح دائمة وعميقة‪ ،‬ما يوؤكد اأن الو�صطـية تقـود اىل الت�صوية التي اإن‬ ‫ل تقم على التنازلت ال�صجاعة اأدت اىل خ�صائر فاجعة‪ ...‬وقد كان عدد‬ ‫ال‪ ،‬واإن قلي ً‬ ‫من اآل فحـ�س اأ�صـد مـي ً‬ ‫ال‪ ،‬اإىل اآل حرب‪ ،‬وكذلك عدد من اآل‬ ‫حرب بالن�صبة لآل فح�س‪ ...‬اأما ال�صبب فهو اأن زوجاتهم كن من العائلة‬ ‫الأخرى‪ ...‬وهذه ميزة للريف‪ ،‬ريفنا القدمي‪ ،‬الذي و�صـلت اإلــيه املدينة‬ ‫فارغة من م�صمونها‪ ،‬بينما ذهب هو اىل املدينة بال�صلبي من م�صاميــنه‪،‬‬ ‫كان ريفـنا اآتياً من الأر�س كو�صيلة اإنتاج جامعة‪ ،‬عـائداً اإليها على اأ�صا�س‬ ‫ال�صراكة التامة بني املراأة والرجل‪ ،‬على عك�س مدينتنا التي تقول �صيئاً عن‬ ‫املراأة وتفعل �صيئاً اآخر من دون ان تتدبر دورة اإنتاج تف�صل يف اأمر ال�صراكة‬ ‫بني املراأة والرجل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذا وتوزعت العائالت الأخرى الأقل عددا‪ ،‬والتي عادت اأعداد بعـ�صها‬ ‫فـزادت وتفوقت على غريها عددياً (اآل بهجة) وعــادلت اأو تفوقت مبجمـلها‬ ‫على العوائــل الكربى يف جمال الرثوة والكفاءات العلــمية (ن�صبياً)‪ ..‬ذلك‬ ‫انها �صعرت بالتحدي‪ ...‬بينما ا�صرتخى وجهاء اآل فح�س مطمئنني اإىل‬ ‫ملكياتهم العقارية املتو�صطة التي عادت اإىل التــفتت لأنها ل ُحتفظ‬ ‫بالتنمية او الطموح العلمي‪ ،‬خا�صة لدى الكبار من اآل فح�س‪ ...‬بينما كان‬ ‫الأقل ي�صراً من بينهم اأكرث عنـاية بحــالهم واأوفر حت�صي ً‬ ‫ال‪ ...‬اإذن توزعــت‬ ‫العائلة الأقل عدداً وعلى مقت�صى عالقات امل�صاهرة‪ ،‬اأي وراء املراأة اأي�صاً‪،‬‬ ‫فا�صهمت يف اإعادة القرية اىل التوازن وامل�صاحلة‪ ...‬وكان لنظام امل�صالح‬ ‫املحدود بحدود القرية دوره الفاعـل يف امل�صاحلة والت�صوية ليثــبت اأنه مــن‬ ‫اأهم نواظم الجتماع املحلي والوطني‪ ...‬وهنا ي�صبح العي�س امل�صرتك �صاأن‬ ‫املجتــمع الذي ينتجه على اأ�صا�س امل�صلحة التي تقود اإىل ا�صتح�صار القيم‬ ‫والأفكار امل�صرتكة من دون اأن تلغي الختالف ومن دون اأن ت�صمح بانتكا�صة‬ ‫اإىل خالف اأو �صراع‪ ...‬وي�صـبح‪ ...‬العــي�س امل�صرتك‪� ،‬صاأن الدولــة مبا هي‬ ‫ق�صرت يف‬ ‫جــامعة وراعية لأنظمة امل�صاحلة امل�صرتكة‪ ..‬حتى اإذا عجزت اأو ّ‬ ‫حماية اأو تنمية هذه امل�صالح اختل ن�صاب العي�س امل�صرتك ليعيد املجتمع‬ ‫بناءه حماي ًة لكل من مكوناته باملكون الآخر‪.‬‬ ‫بداأ وعيي بذاتي وما حويل يتبلور يف اللحظة التي د�صن فيها اآل فح�س‬ ‫واآل حرب قطيعتهم مع التوتر وال�صراع‪ ،‬ودخلت يف مرحلة ال�صلم الأهلي‬

‫‪10‬‬


‫القروي من دون ذاكرة �صراعية‪� ،‬إال ما ت�سرب �إىل �سمعي من ذكريات‬ ‫متقطعة متت روايتها للتفكر بها مرة وللتن�صل من �سلبياتها مرة‬ ‫�أخرى‪ ،‬وختم الرواية باحلمد هلل على ال�سالمة‪..‬‬ ‫�ساعدين يف االبتعاد الن�سبي الكبري عن الع�صبية العائلية‪� ،‬أن والدي كان‬ ‫�أقرب مبزاجه وتدينه اىل الو�سطية‪ ،‬مت�أثراً برتبية والده له وخ�ؤولته‬ ‫من �آل الزين الذين كانوا م�شايخ القرية ورعاة جماعاتها‪.‬‬ ‫و�إذ قطعت القرية مع ما�ضــيها ال�صراعي الذي توقف مب�ساعي اجلميع‬ ‫عند حد حمدود‪ ،‬ومل ت�ؤثر تدخالت الزعامات ال�سيا�سية يف ا�ستمراره‪،‬‬ ‫مل جتد نف�سها ملزمة بالتخلي عن خياراتها ال�سيا�سية التي كانت‬ ‫حم�صورة يف ال�شراكة يف االنتخابات النيابية �أو االختيارية‪ ...‬واملفارقة‬ ‫�أن ن�سبة االعتدال لدى من اختاروا البقاء يف القرية كانت تفوق ن�سبته‬ ‫لدى الذين اختاروا املدينة للعمل فيها‪ ...‬وك�أن (البيارتة) انقطعوا‬ ‫ن�سبياً عن �أهلهم وظلوا ا�سرى ذاكرتهم و�إن كانت �ضعيفة‪� ..‬ش�أن‬ ‫املهاجرين اللبنانيني منذ عقود من ال�سنني اىل �أ�صقاع الدنيا‪ ،‬والذين‬ ‫ما زالوا يعي�شون ال�صراعات ال�سابقة والالحقة ب�شكل يدعو اىل الده�شة‬ ‫واملقت �أحياناً‪.‬‬ ‫ومن املفارقات اجلميلة �أن الأ�شخا�ص الذين كانوا ا�شد عناية يف تغذية‬ ‫االنق�سام �أو الفتنة‪ ،‬قد انتهوا اىل حالة من النبذ من قبل رهطهم‬ ‫العائلي‪ ،‬و�إن كان بع�ضهم قد �أعاد ت�أهيل نف�سه لالندماج من خالل‬ ‫�سلوك خمتلف جذرياً عن �سلوكه ال�سابق‪.‬‬ ‫لقد فرحت قريتنا عندما تـمت امل�صاحلة بني �أبو حمزة �أحمد ال�ســيد‬ ‫عبد اهلل فــح�ص ونعمة جنل ال�سيد هادي فح�ص كبري العائلة وزعيمها‬ ‫القوي ب�أ�سرته اخلا�صة الكبرية وال�شديدة الب�أ�س‪ .‬لقد كان �أبو حمزة‬ ‫�أثناء ال�صراع �أقرب �إىل اخواله �آل حرب‪ ،‬وكان يقتني ال�ســالح (�صـياد)‬ ‫ف�أطــلق طلقة من م�سد�سه على خا�صرة ال�سيد نعمة و�أ�صابه‪ ،‬ولكنَّ اهلل‬ ‫منَّ على اجلريح بال�شـفاء‪ ،‬ما ا�ستــثار اجلمــيع ونبههم يف نف�س الوقت �إىل‬ ‫خــطورة الو�ضع‪ ،‬خا�صة بعد �أن ا�صيبت احدى �سيدات �آل حرب بر�صا�صة‬ ‫غام�ضة‪ ،‬ولعــلها مدبرة‪ ،‬يف قدمها ولكنها ن�ســيت الر�صا�صة الحقاً‪...‬‬ ‫كان اجلو العام يف القـرية يدعو اىل امل�صاحلات الفرعية على قاعدة‬ ‫امل�صاحلة العامة‪ .‬وقد فر عدد كبري من �شباب القرية املتخا�صمــني �إىل‬ ‫كنف احلزب ال�ســوري القومي االجتــماعي الذي اخرتق حدود العوائل‬ ‫العـازلة‪ ،‬والتقى نعمة فح�ص و�أحمد فح�ص يف احلزب‪ ..‬ت�صاحلا ثم‬ ‫خرجا من احلزب معاً‪ ..‬ومل يبق يف احلزب �إال �أقل القليل‪ ،‬من دون ان‬ ‫ي�ستطيع �أحد نكران �أثره الطيب الذي مل يكن ليثمر لو مل تكن نفو�س‬ ‫�أهلنا م�ؤهلة لذلك‪ ..‬خا�صة �أن بع�ض جتارب االحزاب مل تكن جامعة‬ ‫بقدر ما كانت مفرقة‪.‬‬ ‫ويف الفــرتة التي كانت عالمـات وم�ؤ�شرات ال�صراع العائلــي تتال�شى‬ ‫ازدهرت املدر�سة الر�سمية و�ساعدها يف ذلك املبنى املتوا�ضع الذي‬ ‫قدمه املرحوم جميل حرب‪ ،‬فتحولت �إىل م�صنع للوطنية ككل املدار�س‬ ‫الر�سمية‪ ،‬حيث �أخذ فتيتنا ي�أخذون معارفهم الأوىل من معلمني‬ ‫�أكرثهم م�سيحيون‪ ،‬ما كان يعني ان الآخر �ضرورة حياة ومعرفة ال‬ ‫بد من اكت�شافها والتعاطي معها بوعي‪ ،‬ومع املدر�سة الر�سمية كانت‬ ‫املدر�سة اخلا�صة للبنات التي �أ�س�ستها جمعية ن�سائية وطنية لبنانية‬ ‫ب�سعي من ال�سيدة ا�سمى قليالت زوجة جميل حرب‪ ،‬و�أتتها املعلمات من‬ ‫�أديان ومذاهب خمتلفة‪ ،‬ذاهبة اىل اجتماع متنوع واحد ووطن وواحد‪.‬‬ ‫كان ذلك بالن�سبة يل فر�صــة ذهــبية مكنتني من التوا�صل اليومي مــع‬ ‫�أ�سر ا�سا�سية‪ ،‬من �آل حرب‪� ،‬ساعدتــني علـيه جرية ال فكاك منها‪ ،‬فقد كان‬ ‫منزل املغـرتب يف ال�سنغال ر�ضا حرب يبعــد عن مــنزلنا ع�شرين مرتاً‪.‬‬

‫وكنا ن�سهر معــهم يف ال�صيف‪ ،‬هم على �شرفتهم ونحـن على �شرفــتنا‪،‬‬ ‫حتى اذا كان هناك ما ال يقاوم من جاذبيـة يف ال�سهرة‪ ،‬ت�سللت واندجمت‬ ‫وهناك عرفت �شخ�صيات اذكر منها الزعــيم يف الدرك اللبناين (امني‬ ‫علوية) الذي طلب مـني ان �آتي له مب�شط ليم�شط �شعره وهو ا�صلع‬ ‫تام ال�صلعة‪ ،‬و�صدقته‪ ،‬وعرفت ال�شاعر املرحوم ابراهيم بري ـ تعمقت‬ ‫عالقتي به الحقاًـ عندما �سمعته ي�صرح بق�صيدته يف ذكرى مولد‬ ‫الر�سول لي ً‬ ‫ال على �شرفة منزل ر�ضا حــرب «�س ّب ْح اهلل فال�ضياء توقد‬ ‫وعلى الكون ن�سمة من حممد �س ّب ْح اهلل فال�سماوات �ضجت بالت�ســابيح‬ ‫للر�سول امل�ؤيد» لقد اندجمت يف �أهل املنزل حتى ا�صبحت وك�أين واحد‬ ‫منهم‪ ،‬على الرغم من الفارق الطبقي بيننا‪ ..‬ومل ان�س يوما �أم جميل‬ ‫والدة ر�ضا حرب‪ ،‬التي كانت تخ�صني ب�شيء من الفواكه النادرة يف‬ ‫قريتنا وحتيطني بعناية خا�صة وتغ�ض طرفها عن م�شاركتي حلفيدها‬ ‫يف �سرقة �أكواز الرمان من حديقتهم!‬ ‫ً‬ ‫وكذلك جميل حرب‪ ،‬الذي تعرفت �إليه مت�أخرا و�أده�شني يف قدرته على‬ ‫تخطي عوائق التح�صيل العلمي يف �صغره اىل ثقافة وا�سعة وخربة‬ ‫�أو�صلته اىل �صداقة كبار جدا من احلكام العرب حتى عني قن�ص ً‬ ‫ال‬ ‫فخرياً للأردن يف افريقيا‪.‬‬ ‫وعلى بعد �أربعني مرتا من منزلنا كان منزل املختار عبد الغفار حرب‬ ‫�أهم رموز فرتة ال�صراع و�أهدافها‪ ،‬ومل �أجد عائقاً‪� ،‬إال حائطاً �صخرياً‬ ‫متو�سط االرتفاع‪ ،‬كنت اقفز فوقه‪ ،‬لأ�صل اىل منزل احلاج عبد الغفار‪،‬‬ ‫�صديقاً على فارق يف العمر مع �أجناله‪� ،‬أبو حامت واحلاج ح�سني و�أحمد‬ ‫(الف�ستق) الذي كان فاكهة �أهل ال�ضيعة وحبيبهم وحبيبي الذي يقدم‬ ‫يل خدمة ال�شاي �صامتاً ليايل االمتحان معترباً جناحي جناحه ويه ّرب‬ ‫يل ال�سجائر الالزمة‪ .‬ويف حلظة تدقيق وا�ستذكار واعتبار‪ ،‬عرفت ان‬ ‫املرحومة �أم �أوالد احلاج عبد الغفار كانت من فرعي العائلي من �آل‬ ‫فح�ص‪ ،‬وعندما توفيت تزوج ثانية من �آل فح�ص وبعدما طلقها تزوج‬ ‫ثالثة من �آل فح�ص‪� ،‬ش�أن احلاج احمد علي يو�سف حرب الذي تزوج‬ ‫و�أجنب من ثالث ن�ساء من بنات وجهاء �آل فح�ص و�ش�أن �أبو �صايف حرب‬ ‫احد رموز الفرتة ال�سابقة وهو �صهر احد وجهاء �آل فح�ص الذي حلق‬ ‫به اخوه احمد فتزوج من كرمية احد وجهاء �آل فح�ص‪ ،‬وهكذا جمعتنا‬ ‫الرحم امل�شتقة من الرحمة او الرحمة م�شتقة منها‪.‬‬ ‫وهكذا ا�سرتحت اىل ظل �شجرة زيتون‪ ،‬ال �شرقية وال غربية‪ ،‬يف ب�ستان‬ ‫الو�سطية‪ ،‬واكت�شفت بالتدريج‪ ،‬امل�ساحات القابلة لالت�ساع‪ ،‬ما مكنني‬ ‫من ان اجتاوز خالفات اعمامي‪ ،‬فيما بينهم وبينهم وبني �أبي لأ�سباب‬ ‫مل اقتنع بها‪ ،‬ومل يقتنعوا‪ ،‬ولكنهم اختلفوا‪ ،‬وقفزت فوق احلوائط‬ ‫ال�صخرية طلباً للدفء يف منازل اعمامي م�ستمتعاً بحريتي التي وفرتها‬ ‫يل و�سطيتي‪ .‬هذه الو�سطية التي مل ت�سلم من انفعاالت وانحيازات ال‬ ‫تخلو من كراهة‪ ،‬رمبا كانت احد اال�سباب التي جنــبتني االنـقطاع اىل‬ ‫حزب من الأحزاب من دون ان حترمني من لذة ا�ستك�شاف امل�ساحات‬ ‫اخل�ضراء امل�شرتكة بينها‪.‬‬ ‫وعندما عاتبني بع�ض اال�صدقاء يف ندوة �صريحة يف الكويت‪ ،‬على التغري‬ ‫يف موقفي ال�سيا�سي‪ ،‬من دون عداوات طبعاً‪ ،‬بررت ذلك ب�أين اقرب اىل‬ ‫علي اين �سيا�سي احياناً‪ ،‬ف�إين �آتي اىل‬ ‫املثقف مني اىل ال�سيا�سي‪ ،‬و�إن بدا ّ‬ ‫ال�سيا�سة من الثقافة‪ ،‬وهنا اختلف مع ال�سيا�سي الذي ال مييل كثريا‬ ‫اىل التدقيق ويهتم باجلمهرة والتع�صيب‪ ،‬اما �أنا فاملفرو�ض ان ابحث‬ ‫عن احلقيقة وب�صرف النظر عمن يوافقني او ال يوافقني‪ ،‬وهذا لي�س‬ ‫ا�ستقالة من املوقف بل بحث دائم عن ال�صواب‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫األحكـام الشرعية‪ ..‬بين الثبات والمرونـة‬ ‫د‪ .‬منري جمعة ‪�/‬أ�ستاذ بجامعة �أم القرى‬ ‫ي�شكل التوازن بني الثوابت واملتغريات يف الأحكام خ�صي�صة من‬ ‫�أهم خ�صائ�ص الإ�سالم‪� ،‬أهلته لقيادة الب�شرية قرونا‪ ،‬وتر�شحه‬ ‫ليعود قائدا لها من جديد‪.‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬حـول املفهـوم‪ :‬تنق�سم �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية �إىل ق�سمني‪:‬‬ ‫الق�سم الأول‪� :‬أحكام ثابتة‪ :‬وهذه ال �سبيل �إىل البحث فيها‪ ،‬وال‬

‫تقبل التجدد �أو التطور‪ ،‬وهي امل�سائل التي وردت فيها ن�صو�ص قطعية‬ ‫يف ثبوتها ويف داللتها‪� ،‬أو حدث فيها �إجماع �صحيح يف القرون الثالثة‬ ‫الأوىل‪ ،‬فال جمال فيها لالجتهاد‪ ،‬وال تتغري بتغري الزمان واملكان‪،‬‬ ‫مَ َّ‬ ‫تعاىل(وَتتْ َك ِل َمتُ َر ِّب َك ِ�ص ْد ًقا َو َعد اًْل اَل ُم َب ِّد َل‬ ‫ودليل هذا الثبات قوله‬ ‫ْ‬ ‫ال�سمِ ي ُع ال َعلِي ُم) (الأنعام‪ ،)115:‬ومن ال�سنة ما جاء عن‬ ‫ِل َك ِل َما ِت ِه َوهُ َو َّ‬ ‫�أبي الدرداء ‪-‬ر�ضي اهلل عنه– �أنه قال‪ :‬قال ر�سول اهلل –�صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪« -‬ما �أحل اهلل يف كتابه فهو حالل‪ ،‬وما حرم فهو حرام‪ ،‬وما �سكت‬ ‫عنه فهو عافية‪ ،‬فاقبلوا من اهلل العافية‪ ،‬ف�إن اهلل مل يكن ن�سيا»‪ ،‬ثم تال‬ ‫هذه الآية ( َومَا َكا َن َر ُّب َك َن�سِ ًّيا )(مرمي‪ ،)64:‬وهذا النوع يطلق عليه‬ ‫ا�سم‪ ،‬الثوابت يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫الق�سم الثاين‪� :‬أحكام قابلة لالجتهاد والر�أي والنظر‪ ،‬وت�شمل جانبني‬ ‫الأول‪ :‬ما ا�ستجد من احلوادث‪ ،‬وال ن�ص فيها‪ ،‬فاالجتهاد من خالل‬ ‫القيا�س وامل�صالح املر�سلة واال�ستح�سان وغريها من امل�صادر جائز‬ ‫ال�ستنباط حكم منا�سب فيها‪ ،‬ب�شرط �أن ي�صدر من �أهله‪.‬‬ ‫والثاين‪ :‬الأحكام الظنية من حيث ثبوتها �أو داللتها‪ ،‬فهي قابلة‬ ‫لالجتهاد الب�شري‪ ،‬وي�سمى هذا النوع با�سم‪ :‬املتغريات‪� ،‬أو الأمور القابلة‬ ‫للتجديد والتطور‪.‬‬ ‫الفقه �صناعة ب�شرية‬

‫فذلك يقت�ضي وجود �إطار ثابت يتحرك املجتمع وفقا له‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ا�س َعلَ ْيهَا»‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ ثبات الفطرة‪ :‬فلما كانت الفطرة «ف ِْط َر َة اللهَّ ِ ا َّلتِي َف َط َر َ‬‫ال تختلف يف جوهرها بني ع�صر و�آخر و�أمة و�أخرى‪ ،‬ومهما تطورت‬ ‫اجلزئيات والفروع‪ ،‬ف�إن ذلك ال يعدو �أن يكون تنوعا يف �شق ال�سبيل �إىل‬ ‫الأمور اخلم�سة التي �أناط اهلل بها �سالمة الو�ضع الإن�ساين يف الدنيا‪،‬‬ ‫و�سعادة الأبد يف الآخرة‪ ،‬وهي‪ :‬الدين والنف�س والعقل والن�سل واملال‪.‬‬ ‫ثبات الإ�سالم مرتبط بثبات اللغة‬ ‫ ثبات اللغة‪ ،‬فثبات الإ�سالم يف �أ�صوله العامة يرتبط بثبات اللغة‪ ،‬حتى‬‫ميكن تثبيت املفاهيم واملعاين الأ�صلية‪ ،‬دون �أن حتدث فجوة بني الأ�صل‬ ‫اللغوي امل�ستعمل‪ ،‬وما انتهى �إليه يف �صورته ومعناه‪ ،‬لأن احلكم ُيبنى‬ ‫على ت�صور �صحيح‪ ،‬فاملعنى ال�شرعي لل�صالة مثال‪ ،‬ال ميكن �أن يتغري‪،‬‬ ‫وكذلك الزكاة‪ ،‬واحلج وال�صوم‪ ،‬فهذه العبادات لها مفهوم ثابت ال يتغري‬ ‫مبرور الزمن‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬م�سوغ وجود املرونة والتطور يف الت�شريع الإ�سالمي‪:‬‬

‫ تطور احلياة وجتددها‪ :‬فالإن�سان يف حالة بحث دائمة عن �أ�سرار‬‫احلياة‪ ،‬وعن املجهول الذي يتك�شف له رويدا رويدا‪ ،‬وقد قال رب العزة‬ ‫( َومَا �أُوتِي ُت ْم مِ َن ا ْل ِع ْل ِم �إِ اَّل َق ِليلاً ) (الإ�سراء‪ ،)85:‬فعلى الإن�سان �أال‬ ‫يقنع مبا َعلِم‪ ،‬و�أن يعتقد �أن فوق علمه علما‪ ،‬و�أن يطلب املزيد ( َو ُق ْل‬ ‫َر ِّب ِز ْدنيِ عِ ْل ًما) (طه‪ ،)114:‬وقد ن�ص القر�آن الكرمي على طور احلياة‬ ‫ال َفاقِ وَفيِ �أَ ْن ُف�سِ ِه ْم َح َّتى َي َتبَينََّ َل ُه ْم‬ ‫و�أ�سرار الكون‪�( :‬سَ رُنِي ِه ْم �آ َيا ِت َنا فيِ ْ آ‬ ‫�أَ َّن ُه الحَْ ُّق) (ف�صلت‪ ،)53:‬و�أ�شار –على �سبيل املثال– �إىل تطور و�سائل‬ ‫ري ِلترَ ْ َك ُبوهَا َوزِي َن ًة َو َيخْ ُل ُق‬ ‫النقل بقوله �سبحانه( َوالخَْ ْي َل َوا ْل ِب َغا َل َوالحَْ مِ َ‬ ‫مَا اَل َت ْعلَ ُمو َن) (النحل‪.)8:‬‬ ‫ عاملية الإ�سالم‪ :‬فقد جاء الإ�سالم لكافة الأمم وال�شعوب‪ ،‬فكان ال بد‬‫�أن يكون قادرا على مواكبة حاجات هذه ال�شعوب‪ ،‬وم�سايرا للح�ضارات‬ ‫التي تعي�ش يف ظلها‪ ،‬وحتقيق م�صاحلها امل�شروعة التي تتطور وجتدد يف‬ ‫كل ع�صر‪ ،‬ويف كل م�صر‪ ،‬و�سن الت�شريعات املنا�سبة واملالئمة لكل جمتمع‬ ‫باال�ستعانة بذوي اخلربة العملية‪.‬‬

‫وميكننا القول �إن الثوابت واملتغريات و�صف للأحكام ولي�س للن�صو�ص‪،‬‬ ‫كما ميكن القول �إن النوع الأول من الأحكام هو ال�شريعة‪ ،‬على حني‬ ‫�أن النوع الثانى ميكن �أن ن�سميه الفقه‪ ،‬فال�شريعة �إذن �صناعة �إلهية‬ ‫حم�ضة ال دخل للب�شر فيها‪� ،‬أما الفقه ف�صناعة ب�شرية‪� ،‬إذ هو حماولة‬ ‫من الفقهاء للو�صول �إىل �أحكام اهلل‪ ،‬وهي جمرد حماولة حتتمل النجاح رابع ًا‪ :‬جماالت الثبات يف الت�شريع الإ�سالمي‪:‬‬ ‫ الأ�صول والقواعد واملبادئ العامة وال�سنن الثابتة‪ ،‬والنظريات‬‫والف�شل؛ لأنه ال ع�صمة لأحد بعد الأنبياء عليهم ال�سالم‪.‬‬ ‫الأ�سا�سية‪...‬فالأ�صول ت�شمل العقائد‪ ،‬من مثل �أركان الإميان ال�ستة‪،‬‬ ‫وحقيقة �أن العقيدة ال�صحيحة ب�أركانها كلها �شرط ل�صحة الأعمال‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الأ�صول التي ترتكز عليها فكرة الثبات‪:‬‬ ‫ ربانية امل�صدر‪ :‬فاملجتمع لي�س هو وا�ضع املنهج الإلهي‪ ،‬كي يخ�ضع ذلك وقبولها عند اهلل‪ ،‬وحقيقة �أن الدين عند اهلل الإ�سالم‪ ،‬وحقيقة �أن‬‫املنهج له‪ ،‬وينحني لظروفه بل هو �صادر عن اهلل –عز وجل– ووظيفة الرابطة املقبولة للتجمع الب�شري هي العقيدة ال الأر�ض �أو اجلن�س �أو‬ ‫الإن�سان فيه التلقي واال�ستجابة‪َ ( :‬ومَا َكا َن لمِ ُ�ؤْمِ ٍن َو اَل ُم�ؤْمِ َن ٍة �إِ َذا َق�ضَ ى اللون‪ ،‬هذه بع�ض الأ�صول الثابتة التي ال تتغري‪ ،‬وال تزداد مع الأيام �إال‬ ‫اللهَّ ُ َو َر ُ�سو ُل ُه �أَ ْم ًرا �أَنْ َي ُكو َن َل ُه ُم الخْ ِ يرَ​َ ُة مِ نْ �أَ ْمرِهِ ْم) (الأحزاب‪ )36:‬ر�سوخا ومتكنا‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫�صارت الثوابث يف �أذهانهم لونا من التخلف عن م�سرية الركب الإن�ساين‬ ‫ثوابت �شرعية‬ ‫و�أما القواعد العامة واملبادئ الكلية‪ :‬فمنها على �سبيل املثال قاعدة فيما زعموا! ( َذال َِك مِ نْ �آيَاتِ اللهَّ ِ َمنْ َيهْدِ اللهَّ ُ َف ُه َو المْ ُ ْه َتدِ َو َمنْ ُي ْ�ضلِلْ‬ ‫العدل‪ ،‬فهي قاعدة ثابتة حتكم العالقات يف البيت والدولة والق�ضاء‪َ ،‬فلَنْ تجَ ِ َد َل ُه َو ِل ًّيا ُم ْر�شِ دًا )(الكهف‪.)17:‬‬ ‫خام�سا‪ :‬جماالت املرونة والتطور يف الت�شريع الإ�سالمي‪:‬‬ ‫وكذلك قاعدة ال�شورى‪ ،‬فقد ذكرها اهلل �صفة ثابتة للم�ؤمنني يجب‬ ‫العمل بها وكذلك قاعدة امل�ساواة يف احلقوق والواجبات �أمام القانون �إن جانب املرونة يف الت�شريع الإ�سالمي جعله قادرا على التكيف‬ ‫ومواجهة التطور واملالءمة مع كل و�ضع جديد‪ ،‬بحيث ال يحدث جديد‬ ‫ويف تطبيق الأحكام‪� ..‬إلخ‪.‬‬ ‫و�أما ال�سنن الإلهية الثابتة‪ :‬فمنها على �سبيل املثال‪� :‬سنة التدافع بني �إال وللإ�سالم فيه حكم‪� ،‬إما بالن�ص و�إما باالجتهاد‪ ،‬وبذا فهوال ي�ضيق‬ ‫ا�س َب ْع�ضَ ُه ْم بالوقائع امل�ستجدة وحاجات النا�س وم�صاحلهم‪.‬‬ ‫احلق والباطل‪ ،‬كما قال ُ‬ ‫رب العاملني ( َو َل ْو اَل َد ْف ُع اللهَّ ِ ال َّن َ‬ ‫الَ ْر ُ‬ ‫التوفيق بني املتناق�ضات‬ ‫�ض) (البقرة‪ )251:‬فهي �سنة ثابتة ال تتغري‪ ،‬ففي‬ ‫ِب َب ْع ٍ�ض َل َف�سَ دَتِ ْ أ‬ ‫كل ع�صر جند �أن احلق له �أهله‪ ،‬و�أن الباطل له حزبه‪ ،‬وال�صراع بينهما كما �أن �إقرار املنهج الإ�سالمي بفكرة التطور واملرونة‪ ،‬وجمعه بينها‬ ‫م�ستعر‪ ،‬لكن احلق –ب�إذن اهلل– �صائر �إىل بقاء وظهور‪ ،‬والباطل �إىل وبني الثوابت �أف�ضى �إىل �أن يقر التناق�ضات االجتماعية املوجودة يف‬ ‫احلياة‪ ،‬ويعدها ‪-‬كال�سالب واملوجب‪� -‬أداة للتعاون والتكامل ال لل�صراع‬ ‫زوال و�ضمور‪.‬‬ ‫و�أما النظريات الأ�سا�سية‪ :‬فمنها مثال �أن نظام الأ�سرة يرتكن على واالقتتال‪ ،‬ويرى �أن احلقيقة ذات �شقني فهي تتكامل بالتقائهما‪ :‬الفرد‬ ‫الزواج ال�شرعي ال ال�سفاح‪ ،‬و�أن القوامة للرجل يف البيت‪ ،‬وعلى واجلماعة‪ ،‬واملادة والروح‪ ،‬والعقل والقلب‪ ،‬فالإ�سالم يرى �ضرورة وجود‬ ‫املعاملة بني الزوجني باملعروف‪ ،‬وعلى م�شروعية الطالق‪ ،‬و�إباحة تعدد هذه املتقابالت التي تو�صف ب�أنها متناق�ضات ويوفق بينها‪.‬‬ ‫�أما الفكر الغربي فقد كان �إىل ما قبل ع�صر النه�ضة ي�ؤمن بالثبات‬ ‫الزوجات‪�...‬إلخ‪.‬‬ ‫ويف النظام االقت�صادي جند من الثوابت‪ :‬حرمة الربا وحترمي الك�سب الذي قال به �أر�سطو‪ ،‬ثم اتخذ من نظرية دارون التي تقول بالتطور‬ ‫البيولوجي منطلقا للتغري االجتماعي الذي نادى به هربرت �سبن�سر‬ ‫اخلبيث وفر�ضية الزكاة ‪�..‬إلخ‬ ‫ويف نظام العقوبات هناك �أمور ال تتطور‪ ،‬كقتل القاتل عمدا‪ ،‬وقطع يد ومدر�سته‪ ،‬ثم انتقلت الفل�سفة الغربية نقلة خطرية حني �أعلن هيجل‬ ‫ال�سارق‪ ،‬فقد رف�ض النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم– ال�شفاعة يف احلدود نظريته يف التغري املطلق �إىل جوار فكرة التناق�ض وال�صراع‪ ،‬وهذه هي‬ ‫وقال‪« :‬لو �أن فاطمة بنت حممد �سرقت لقطع حممد يدها» (متفق الفل�سفة املادية التي �أ�صبحت دين املدنية الغربية يف الع�صر احلا�ضر‪.‬‬ ‫�أما املتغريات يف الإ�سالم فميدانها ما يلي‪:‬‬ ‫عليه)‪.‬‬ ‫ويف نظام املرياث‪ ،‬للذكر مثل حظ الأنثيني وعدم حرمان الأ�صول ‪ -‬الفروع واجلزئيات التي ت�ستند �إىل دليل ظني‪ :‬كاالختالف يف عدد‬ ‫الر�ضعات التي تثبت بها التحرمي‪ ،‬فجعله بع�ضهم واحدة وبع�ضهم‬ ‫والفروع و�أحد الزوجني من املرياث مطلقا‪.‬‬ ‫خم�سا‪ ،‬واالختالف يف الطلقات الثالث هل تقع بلفظ واحد �أم ال؟‬ ‫ثبات يف العبادات والأخالق‬ ‫ الأمور التعبدية والقيم الأخالقية‪ :‬فالعبادات يف الإ�سالم ال تتطور ف�إن نظر الفقيه نف�سه ميكن �أن يتغري لتغري اجتهاده من مكان لآخر‪،‬‬‫يف �شكلها‪ ،‬كهيئة ال�سجود والركوع‪ ،‬وحقيقة ال�صوم ووقته‪ ،‬وكيفية ا�ستمدادا من قاعدة «ال ينكر تغري الأحكام بتغري الأزمان»‪.‬‬ ‫ الأ�ساليب والو�سائل‪ ،‬فهدف ا�ست�صالح الأر�ض مثال ميكن حتقيقه‬‫الإحرام والطواف‪ ،‬ومقدار الزكاة ‪�..‬إلخ‪.‬‬ ‫والأخالق الأ�سا�سية للمجتمع‪ ،‬من �صدق ووفاء وعفة وحياء و�إيثار‪ ،‬بو�سائل �شتى‪ ،‬وهذه الو�سائل تتطور من ع�صر �إىل ع�صر حتى �أ�صبحنا‬ ‫وكذلك الآداب االجتماعية كالت�سمية على الطعام‪ ،‬و�إف�شاء ال�سالم‪ ،‬يف ع�صر الأقمار ال�صناعية التي ميكن �أن تك�شف عن وجود الكنوز يف‬ ‫ومنع اخللوة بالأجنبية‪ ،‬كلها ف�ضائل ال ي�ستغنى عنها جمتمع كرمي‪ .‬الأر�ض‪� ،‬أو املجوهرات يف البحر‪�..‬إلخ‪.‬‬ ‫وبهذا يت�ضح �أن الثبات مينح الب�شرية امليزان العدل امل�ستقر الذي وح�صول الإن�سان على الثواب والأجر له و�سائل �شتى فمنها‪ :‬زيارة‬ ‫يرجع �إليه الإن�سان يف كل ما يعر�ض له من م�شاعر و�أفكار وت�صورات‪ ،‬املري�ض‪ ،‬وتفريج الكربات‪ ،‬وطلب العلم‪�..‬إلخ‪ ،‬وكذلك حتقيق قاعدة‬ ‫ويبقى دائما يف دائرة الأمان التي تقيه من التيه وال�ضالل‪ ،‬وهذا امليزان ال�شورى‪ ،‬فهو لي�س مقيدا ب�صورة معينة‪ ،‬فال ب�أ�س من التجديد ب�شرط‬ ‫للمجتمع الإ�سالمي مبادئ ثابتة يتحاكم �إليها هو وحكامه على ال�سواء‪ ،‬الو�صول لل�شورى واقعا‪.‬‬ ‫ليفر من ال�ضنك وال�شقاء الذي وقعت فيه املجتمعات التي انطلقت من وبهذا �أثبت الإ�سالم �أنه دين احلياة لي�س �صاحلا – فقط‪ -‬لكل زمان‬ ‫عقال املعتقدات والت�صورات الأ�سا�سية للكون واحلياة‪ ،‬وراحت تغري ومكان بل م�صلحا لهما لأنه من عند اهلل(�أَ اَل َي ْعلَ ُم َمنْ َخلَ َق َوهُ َو‬ ‫ت�صوراتها ومرجعيتها‪ ،‬كما تغري �أزياءها وفق �أهواء بيوت الأزياء‪ ،‬حتى ال َّلطِ ُ‬ ‫ري)(امللك‪.)14:‬‬ ‫يف َخ ِب ُ‬

‫‪13‬‬


‫األسوة الحسنة ودورها في التربية الناجحة‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬هارون �أوجي‬

‫مهما يكن لدى املرء من قدرات ومواهب و�أ�ساليب ي�ستثمرها لرتبية‬ ‫ذاته وتزكيتها‪ ،‬ف�إنه ال ي�ستغني عن وجود قدوة من بني جن�سه تكون‬ ‫له نربا�سا يف �سريه �إىل ربه‪ .‬فعليه �أن يحر�ص على اختيار �شخ�ص‬ ‫ا�ستجمع قدرا كبريا من الف�ضل والتقوى يكون قدوة له يف �أمور اخلري‬ ‫والهدى ويرجع �إليه يف ال�سراء وال�ضراء م�ستفيدا من ر�أيه وم�شورته‬ ‫فيما يلم به من �أحداث ومواقف‪.‬‬

‫فللقدوة ت�أثري كبري يف تكوين �شخ�صية الفرد و�صقلها حيث �إن الإن�سان‬ ‫ميال بطبعه �إىل التقليد واملحاكاة‪ ،‬ويف الرتبية الإ�سالمية يتحول هذا‬ ‫التقليد ويرتقي �إىل مفهوم راق يطلق عليه «الإتباع»‪ ،‬و�أرقى هذا الإتباع‬ ‫ما كان على ب�صرية‪ .‬يقول احلق �سبحانه وتعاىل‪:‬‬ ‫ري ٍة �أَ َنا َوم َِن ا َّت َب َعنِي َو ُ�س ْب َحا َن‬ ‫( ُق ْل هَذِ ِه �سَ بِيلِي �أَ ْدعُو �إِلىَ اللهَّ ِ َعلَى َب ِ�ص َ‬ ‫اللهَّ ِ َومَا �أَ َنا مِ َن المْ ُ ْ�ش ِر ِك َ‬ ‫ني)(يو�سف‪ .)108:‬فالإتباع عملية فكرية ميزج‬ ‫فيها بني الوعي واالنتماء واملحاكاة واالعتزاز يف ظل الب�صرية واحلجة‪.‬‬ ‫القدوة و�إحراز الأهداف‬

‫نعم‪ ،‬هنالك الكثري من الأفكار والطموحات ‪-‬بدءا بالأعمال اليومية‬ ‫وامل�شاريع العادية‪ ،‬و�صوال �إىل الأهداف ال�سامية واملطالب العالية‪-‬‬ ‫القينا دون حتقيقها عراقيل و�صعوبات‪ ،‬وف�شلنا يف �إكمالها‪ ،‬بل منها ما‬ ‫مل نتجاوز بها مرحلة الت�صور واخليال‪.‬‬ ‫ومع �أن عديدا من العوامل لها ت�أثري مبا�شر يف حتقيق الأهداف‪ ،‬لكن ال‬ ‫مراء يف �أن �أقرب الطرق و�أ�سلمها للو�صول �إليها هو اتخاذ قدوة �صاحلة‪،‬‬ ‫واالحتذاء بحذوه‪ ،‬واال�ستفادة من جتاربه‪ ،‬واال�ستنارة مبعارفه‪ .‬و�إذا‬ ‫كان هناك من ي�ستطيع �أن يكون �سعيدا حتى يف الظروف القا�سية‪،‬‬ ‫ف�إن ب�إمكاننا �أن نكون �سعداء مثله مبجرد التعرف على �إ�سرتاتيجيته‬ ‫يف كيفية النظر �إىل الأ�شياء والأحداث‪ .‬والذي ي�ستطيع �أن ينه�ض من‬ ‫نومه مبكرا ن�شيطا مفعما بالطاقة واحليوية‪ ،‬ف�إمنا يتي�سر له ذلك‬ ‫بف�ضل �أعمال وت�صرفات يقوم بها‪ .‬فمتابعة �أمثال ه�ؤالء قد ت�ؤدي بنا‬ ‫�إىل نف�س النتيجة التي و�صلوا �إليها‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أننا يف مراحل خمتلفة من حياتنا ن�ستلهم العدي َد من‬ ‫الأ�شخا�ص‪ ،‬فتكون يف طريقة تفكرينا وت�صوراتنا وت�صرفاتنا ب�صمات‬ ‫وا�ضحة منهم على قدر عالقتنا بهم‪ .‬فال غرو �أن تربز يف مالمح‬ ‫�شخ�صيتنا �أمور تلقيناها من �أبينا �أو �أمنا �أو كليهما �أو من مدر�سنا �أو‬ ‫من �شخ�ص تقي ورع متدين‪ .‬ففي كل موقف تطفو على ال�سطح جتربة‬ ‫تلقيناها من �أحد ه�ؤالء‪ ،‬مما ينم عن مدى ت�أثرنا به وا�ستفادتنا منه‪.‬‬

‫فحق ما قيل‪« :‬املرء ابن بيئته وخال�صة جتاربه»‪.‬‬ ‫ومن جانب �آخر جند يف جمتمعاتنا من انحرف‪ ،‬فعا�ش يف بداية‬ ‫�أمره جتارب تافهة و�سلبية‪ ،‬ولكنه ثاب ‪�-‬أخريا‪� -‬إىل ر�شده وبحث عن‬ ‫مر�شد يعِينه على ت�سوية و�ضعه و�إ�صالح �أمره‪ ،‬ويف نهاية املطاف فاز‬ ‫به فعال‪ .‬علما ب�أن يف �أو�ضاع النا�س ‪�-‬صاحلهم وطاحلهم‪ -‬درو�سا وعربا‬ ‫ي�ستخرجها الكي�س الفطن‪.‬‬ ‫الإن�سان جمبول على الت�أ�سي‬

‫واحلقيقة �أننا نت�أ�سى دائما يف خمتلف مراحل حياتنا؛ فالطفل يقوم‬ ‫باالقتداء بالكبار باعتبارهم مثله الأعلى‪ ،‬ويبد�أ باكت�ساب العادات‬ ‫والتقاليد وامللكات من خالل ما ي�سمعه ويالحظه من �أقوال وحركات‬ ‫وانفعاالت‪ .‬فيندفع برغبة خفية ال ي�شعر بها نحو حماكاة من يعجب‬ ‫به يف لهجة احلديث �أو �أ�سلوب احلركة واملعاملة‪ .‬والتلميذ يتدرب على‬ ‫ال�صنعة بالت�أ�سي بالأ�ستاذ واملعلم‪ .‬و�أنتم �إذا كنتم ال تتقنون النطق‬ ‫ب�ألفاظ‪ ،‬فعليكم الت�أ�سي ب�أ�شخا�ص يتقنونها‪ ،‬فقد تكونون مثلهم‬ ‫يف غ�ضون وقت ق�صري للغاية‪ .‬فالذي يقلد خطيبا مفوها ب�صوته‬ ‫و�إيقاعاته ونرباته يبد�أ �شيئا ف�شيئا بالإح�سا�س بالثقة بالنف�س‪ .‬ومن‬ ‫�أراد اال�ستفادة من الأحا�سي�س القوية وامل�شاعر اجليا�شة التي يتمتع‬ ‫بها‪ ،‬فعليه �أن يبد�أ بالأمر من حماكاة �أحد الذين يعجب بهم‪ .‬و�إذا‬ ‫كنتم تعرفون �أنا�سا يح�سنون االت�صال والتعامل مع �أوالدهم فب�إمكانكم‬ ‫متابعتهم واال�ستفادة من جتربتهم‪ .‬فنحن ن�ستطيع الت�شبه مبن نعجب‬ ‫به باالحتذاء به؛ ب�أن ن�ؤمن مثله ونفكر على طرازه ونتكلم ب�سليقته‬ ‫ونثابر على �شاكلته ونتخلق ب�أخالقه‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬ال مراء يف �أن بع�ض املهام معقدة ومت�شابكة بحيث ي�ستغرق الت�أ�سي‬ ‫واالقتداء مبن يح�سنونها والقيام مبثل ما قاموا به وقتا طويال‪� ،‬إال �أنه‬ ‫�إذا كان لدى الإن�سان الذي يريد الت�أ�سي من العزمية والإميان ما ي�سند‬ ‫هذه الإرادة ويدعمها ف�إنه �سيحقق ذلك �إن عاجال �أو �آجال‪.‬‬ ‫�إن الت�أ�سي �أ�سرع من طريقة التجربة واخلط�أ يف الو�صول �إىل الهدف‬ ‫املطلوب‪ ،‬فرب �أعمال و�إجنازات �صرف عليها �أ�صحابها عمرا ثمينا‬ ‫ومبالغ باهظة‪ ،‬ي�ستطيع الإن�سان �أن يحققها يف زمن ق�صري جدا‪ ،‬وذلك‬ ‫باملتابعة احلثيثة والت�أ�سي الفعال وال�سري يف نف�س الطريق الذي �سلكوه‪.‬‬ ‫واليابانيون هم �أكرب املقلدين يف العامل‪ ،‬فال�سر الذي يكمن وراء النجاح‬ ‫الباهر القت�صاد اليابان لي�س هو االخرتاعات الفريدة‪ ،‬بل �إنهم يبد�أون‬ ‫من العمل ب�أخذ املنتجات والأفكار من �شتى اجلهات وعلى نطاق وا�سع‪،‬‬

‫‪14‬‬


‫املوا�صالت �أو غريها‪ ،‬وبت�صميم‬ ‫�سواء يف جمال قطاع ال�سيارات و�أَن�صاف ِ‬ ‫دقيق يحافظون على العنا�صر املهمة يف تلك الأفكار واملنتجات ويط ّورون‬ ‫اجلوانب الأخرى‪� .‬صحيح �أنه البد من بذل اجلهد الخرتاعات جديدة‬ ‫وك�شوفات مبتكرة‪ ،‬ولكن ال يعني ذلك �أننا �سن�ضرب �صفحا ع ّما مت‬ ‫اخرتاعه‪ ،‬و�سنحاول ك�شفه من جديد‪.‬‬ ‫والبد للإن�سان من القدوة ال�صاحلة يف �أمور معا�شه وحياته الدنيوية‬ ‫لكي يعي�ش حياة مثالية؛ فالإن�سان الذي لي�س له قدوة �صاحلة لن‬ ‫يهتدي �إىل ال�صواب يف احلقيقة‪ ،‬ولن يكون على ب�صرية من �أمره وواثقاً‬ ‫من كونه على احلق وال�صواب‪ ،‬ولن يتفلت من الو�ساو�س وال�شكوك‬ ‫حول الو�صول �إىل �أهدافه؛ فمثله كمثل �سفينة يف خ�ضم بحر حميط‬ ‫متخر بدون بو�صلة‪ ،‬فال غرو �أنها �ستتيه بني �ألف وجهة ووجهة‪ .‬فهكذا‬ ‫احلياة؛ عروقها مت�شعبة و�أ�ساليبها متنوعة يحتاج �سالكها �إىل مر�شد‬ ‫ر�شيد‪.‬‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قدوة القدوات‬

‫املع�ضالت التي تقف حائال دون �إ�شعاع الروح وبلوغ �صفائها ونقائها‪.‬‬ ‫فقد ولد �صلى اهلل عليه و�سلم وبزغت �شم�سه يف ع�صر مظلم حملولك‬ ‫تراكمت فيه العقائد الزائفة وامل�شاكل االجتماعية؛ فكان النا�س يعبدون‬ ‫ال�شجر واحلجر‪ ،‬وال�شم�س والقمر‪ ،‬حتى �إن بع�ضهم كان ي�صنع من‬ ‫امل�أكوالت مثل احللوى واجلنب �صنما‪ ،‬ف�إذا جاع عاد لي�أكله‪ .‬وكان �أحدهم‬ ‫�إذا ُب ّ�شر بالأنثى َ‬ ‫(ظ َّل َو ْج ُه ُه م ُْ�س َودًّا َوهُ َو َكظِ ي ٌم * َي َت َوا َرى مِ َن ا ْل َق ْو ِم مِ نْ‬ ‫ُ�سو ِء مَا ُب ِّ�ش َر ِب ِه �أَيمُ ْ�سِ ُك ُه َعلَى هُ ونٍ �أَ ْم َيد ُُّ�س ُه فيِ الترَُّ ابِ )(النحل‪،)59-58:‬‬ ‫وكانت الأخالق الرذيلة والأفعال ال�شنيعة ‪-‬مثل الزنا واملي�سر وتعاطي‬ ‫اخلمور والتعامل بالربا‪ -‬ك�أنها ت�صرفات عادية يف املجتمع‪ .‬ولكنه �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ا�ستطاع يف زمن ق�صري �أن يق�ضي عليها كلها‪ ،‬وير�سي‬ ‫بدال عنها فكر َة �أن غاية خلق الإن�سان هو التعرف �إىل اهلل والقيام‬ ‫بالعبودية له‪ ،‬فع ّلم النا�س ور ّباهم على �سبل العي�ش املتوازن بعيدا عن‬ ‫الإفراط والتفريط‪ ،‬و�إخال�ص الأعمال هلل تعاىل‪ ،‬ومالزمة ال�صدق‪،‬‬ ‫والوفاء بالعهود‪ ،‬وعدم اخليانة عند االئتمان‪ ،‬وال�شفقة على الأهل‪،‬‬ ‫والرفق بالن�ساء‪ .‬و�أر�شدهم �إىل العدل والتوا�ضع وال�سخاء واملعروف‬ ‫والرب واحللم وال�صرب‪.‬‬ ‫فالذين �أحبوه واتبعوا مبادئه واقتدوا به واتخذوه �أ�سوة يف ذلك الع�صر‪،‬‬ ‫بنوا ح�ضارة �إن�سانية يتمتع فيها الإن�سان ب�إن�سانيته ويح�س بكرامته‪..‬‬ ‫ح�ضارة �أحرزوا فيها �ش�أوا �أعلى مل تبلغ �إليه ح�ضارة بعدهم حتى الآن‪.‬‬ ‫ومن بعد ذلك �أن�شئت ع�شرات من الدول على خطى النظام الذي جاء به‬ ‫مثل الدولة الأموية والعبا�سية وال�سلجوقية والقره خانية والعثمانية‪.‬‬ ‫وكم ن�ش�أ وترعرع يف ظل تلك الدول علماء دهاة اهتدوا بهديه �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم و�سبقوا ع�صورهم و�ألقوا ب�ضيائهم �إىل �أيامنا هذه‪ ،‬و� ُ‬ ‫أبطال‬ ‫روح عا�شوا يف �أبعا ٍد ماورائية‪ ،‬و�أدباء م�صاقع و�أ�ساتذة بيان‪.‬‬ ‫فها هم �سادتنا �أبو بكر وعمر وعثمان وعلي و�أبو عبيدة وعقبة بن نافع‬ ‫ر�ضي اهلل عنهم وطارق بن زياد والإمام �أبو يو�سف وحممد بن احل�سن‬ ‫واجلابري وابن �سينا وابن بطوطة واخلوارزمي وجالل الدين الرومي‬ ‫والإمام الرباين وبديع الزمان �سعيد النور�سي رحمهم اهلل تعاىل‬ ‫وغريهم ممن تركوا ب�صمات وا�ضحة على ع�صورهم ر�ضي اهلل عنهم‬ ‫و�أر�ضاهم‪.‬‬ ‫ولقد علمنا التاريخ �أن الذي �سما به�ؤالء الدول والأ�شخا�ص وحلق بهم‬ ‫يف الذرى �إمنا هو اتخاذهم احلبيب امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم �أ�سوة‬ ‫يحتذى به من كل الوجوه‪ ،‬وقدوة ي�ؤمت به من كل النواحي‪.‬‬

‫فنحن يف عالقاتنا مع �أوالدنا و�أبوينا و�أزواجنا‪ ،‬ويف م�أكلنا وم�شربنا‬ ‫وعباداتنا ودعواتنا و�سائر �أعمالنا �أحرار‪ ،‬ن�ستطيع �أن نت�صرف كما‬ ‫ن�شاء‪ .‬وبذلك قد ن�سمو �إىل العال وقد نهبط �إىل احل�ضي�ض‪ ،‬ونح�سن �أو‬ ‫ن�سيء‪ .‬ولكن علينا �أن ال نن�سى �أن الذي خلق الإن�سان يف �أح�سن تقومي مل‬ ‫يرتكه �سدى‪ ،‬ومل يد َْعه بدون �أ�سوة‪� ،‬سائبا ي�سرح وميرح يف احلياة من‬ ‫دون هاد �أمني‪ ،‬بل هداه بالقر�آن �إىل الأ�سوة احل�سنة‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫هلل �أُ ْ�س َو ٌة َح�سَ َن ٌة لمَِنْ َكا َن َي ْر ُجو َ‬ ‫اهلل َوا ْل َي ْو َم الآخِ َر‬ ‫( َل َق ْد َكا َن َل ُك ْم فيِ َر ُ�سولِ ا ِ‬ ‫ريا)(الأحزاب‪ )21:‬و( ُق ْل �إِنْ ُك ْن ُت ْم تحُ ِ ُّبو َن َ‬ ‫َو َذ َك َر َ‬ ‫اهلل َك ِث ً‬ ‫اهلل َفا َّت ِب ُعونيِ‬ ‫اهلل َو َي ْغ ِف ْر َل ُك ْم ُذ ُنو َب ُك ْم َو ُ‬ ‫ُي ْح ِب ْب ُك ُم ُ‬ ‫اهلل َغ ُفو ٌر َرحِ ي ٌم)(�آل عمران‪. )31:‬‬ ‫فهاتان الآيتان وغريهما ت�شري �إىل �أن الطريق الآمن والدرب املو�صل‬ ‫�إىل املطالب �إمنا هو اتخاذ القدوة ال�صاحلة واتباع الأ�سوة احل�سنة‪ .‬وهل‬ ‫هناك طريق �أ�سلم من الت�أ�سي ب�سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم الذي‬ ‫اتفق ال�صديق والعدو على �أنه كان يف قمة الأخالق احل�سنة‪.‬‬ ‫ويف �شخ�صية الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم و�سريته يجد املرء الأ�سوة‬ ‫احل�سنة يف حياته كلها؛ فهو �إن�سان �أكرمه اهلل �سبحانه وتعاىل بر�سالته‪،‬‬ ‫و�سريته �شاملة لكل النواحي الإن�سانية يف الإن�سان‪ ،‬فهو ال�شاب الأمني‬ ‫قبل البعثة والتاجر ال�صادق‪ ،‬وهو الباذل لكل طاقته يف تبليغ دعوة ربه‪،‬‬ ‫وهو الأب الرحيم والزوج املحبوب والقائد املحنك وال�صديق املخل�ص‬ ‫واملربي املر�شد واحلاكم العادل‪ .‬كما �أنه �صلى اهلل عليه و�سلم �ضرب‬ ‫القدوة ال�صاحلة وق�صة جناح‬ ‫املثل الأعلى يف تربية الذات من جميع النواحي �سواء يف عبادته �أو زهده‬ ‫�أو خلقه الكرمي �أو غري ذلك‪ .‬واملت�أمل ل�سريته يجد احلل الأمثل لكل طالب يف مقتبل العمر‪ ،‬ال يتلقى من �أ�سرته �أيّ دعم مادي �أو معنوي‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫وما �إن ناهز �سنه الرابع ع�شر حتى ا�ضطر �إىل العمل والدرا�سة معا‪.‬‬ ‫و�أخريا ح�صل على عمل يف جريدة‪ ،‬ودخل اجلامعة‪ ،‬فوا�صل مدير‬ ‫حترير اجلريدة م�ساعدته وم�ساندته �أثناء درا�سته اجلامعية‪ ،‬مما‬ ‫�أدى بالطالب ال�شاب �أن يقول يف قابل �أيامه‪« :‬لقد تعلمت ِمن ت�صرف‬

‫مذهلة‪ »..‬نعم‪� ،‬إنه ا�ستطاع �أن يقول هذا كله لأنه كان �إن�سانا عاقال يقدّر‬ ‫مواهب الآخرين ويبذل جهدا جهيدا يف �سبيل اال�ستفادة من قدراتهم‬ ‫وجتاربهم‪ .‬وما فعله وحققه جون�سون لي�س �شيئا جديدا وغريبا‪ ،‬بل‬ ‫�إمنا و�صل �إىل ما و�صل �إليه بالت�أ�سي والقدوة احل�سنة‪.‬‬

‫مديري �أن �أمد يد العون �إىل الآخرين‪ ،‬و�أن �أف�سح املجال لغريي كي‬ ‫ي�ستفيد من الفر�ص التي �أتيحت يل»‪.‬‬

‫َمن طلب القدوة وجدها‬

‫وبعد �أن تخ ّرج ال�شاب من اجلامعة بد�أ بالعمل يف م�ؤ�س�سة‪ .‬فكان من‬ ‫مبادئ مدير امل�ؤ�س�سة �أنه يطلب من العاملني �أن ينجزوا كل مهمة يف‬ ‫يومها‪ ،‬و�أن ُيجروا االت�صاالت الهاتفية ويردوا على الر�سائل يف نف�س‬ ‫اليوم‪ .‬وكان ‪-‬مع ذلك‪ -‬يعامل كل �أحد بظرافة عالية �أيا كان م�ستواه‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ال مييز يف ذلك بني �شخ�ص عادي ال يتمتع ب�أي �صالحية‬ ‫�أو من�صب �أو �شبكة عالقات‪ ،‬وبني �شخ�ص ذي من�صب رفيع من وزير‬ ‫�أو �سفري �أو غريهما‪ .‬وكان ال�شاب يراقب هذا املدير ويتابع ت�صرفاته‪،‬‬ ‫فيتعلم من �أ�سلوبه كيفية ت�أ�سي�س العالقات الطيبة مع الآخرين‬ ‫والو�صولِ �إىل امل�ستوى املطلوب يف �إجناز املهام و�إحراز النجاح‪.‬‬ ‫وبعد فرتة ُعينّ ال�شاب حمررا للمجلة‪ ،‬ومن بعد ذلك مديرا للن�شر‪.‬‬ ‫وكان �صاحب اجلريدة من النوع الذي ي�ستهدف يف م�شاريعه الربح‪،‬‬ ‫وكان يطمح دائما يف كل عمل يقوم به الو�صو َل �إىل امل�ستوى الأمثل‬ ‫وغري العادي‪� ،‬سواء كان م�سابقة ريا�ضية �أو ن�شاطا جتاريا �أو غري ذلك‪.‬‬ ‫فهذه الطبيعة التناف�سية �أثرت يف املدير ال�شاب ت�أثريا بالغا‪ ،‬وبهذه‬ ‫الروح والعزمية و�أ�سلوب الإدارة الر�شيدة وعقلية الطموح �إىل الأمثل‬ ‫قفزت جريدته �إىل الدرجة الأوىل يف البلد �سواء من ناحية املبيعات‬ ‫�أو النوعية‪ .‬وحينما يتحدث ال�شاب عن �أيامه تلك كان يقول‪« :‬لقد‬ ‫كنت حمظوظا للغاية لأنني كنت برفقة �أنا�س يقدّرون الإن�سان وجهده‬ ‫و�إجنازاته‪.»...‬‬ ‫فهذا الرجل هو «توم جون�سون» (‪ )Tom Johnson‬الذي �أدار‬ ‫قناة (‪� )CNN‬سنة ‪ ،1990‬والتي كانت توا�صل بثها احلي املبا�شر ‪24‬‬ ‫�ساعة‪ ،‬وكانت ت�شاهَد من ‪ 130‬دولة‪ .‬ويف غ�ضون �ست �سنوات من املدة‬ ‫التي تر�أ�سها «توم جون�سون» �أ�صبحت ت�شاهَد من ‪ 208‬دول‪.‬‬ ‫فـ»توم جون�سون» القائل‪« :‬ب�إمكانك التعلم من كل من تالقيه» هو‬ ‫الذي يقول بدوره‪« :‬لقد تعلمت مقابلة الإح�سان بالإح�سان من «بيتون»‬ ‫(‪ ،)Peyton‬و�أهمية اال�ستفادة من كل يوم مير بي‪ ،‬وجدوى احلر�ص‬ ‫على النوعية اجليدة من «بيل» (‪ )Bill‬و»ليندن جون�سون» (‪،)LBJ‬‬ ‫وتعلمت من «تيد» (‪ )Ted‬و»�أوتي�س» (‪� )Otis‬أن الفوز �إمنا يتوفر‬ ‫برفع امل�ستوى وجت ُّنب الغ�ش‪ ،‬و�أن احلفاظ على اجلودة يحقق جناحات‬

‫احلا�صل �أن الإن�سان ميال بطبعه وغريزته �إىل االقتداء بالآخرين‪ ،‬فهو‬ ‫مبيزته هذه يتمكن من الو�صول �إىل �أهدافه واحل�صول على طموحاته‪،‬‬ ‫وهذا النوع من االقتداء يلبي رغبة فطرية موجودة لدى الإن�سان الذي‬ ‫يتطلع �إىل حتقيق ما و�صل �إليه �أولئك الأفذاذ �أو يزيد‪ .‬وباملقابل �إن‬ ‫وقع يف �شباك اجلهل والغرور وفخهما‪ ،‬وتغا�ضى عما �أحرزه غريه من‬ ‫الإجنازات والنجاحات‪ ،‬ومل يراجع ح�ساباته ويق ّيم و�ضعه يف جمال‬ ‫النجاحات والإخفاقات‪ ،‬ف�سيحرم قطعا من هذه الطاقة الكامنة يف‬ ‫كيانه‪ ،‬ويقع يف كوارث ال حتمد عقباها ال �سمح اهلل!‬ ‫ف�إذا كان لدى الفرد ميل �إىل نوع من �أنواع النبوغ كالعلم �أو العبادة �أو‬ ‫التخ�ص�ص يف �أي علم من العلوم‪ ،‬فيحتاج �أن يكون �أمامه مثل بارز يف‬ ‫هذا املجال ي�سري على خطاه ويقتفي �آثاره‪ .‬علما ب�أن عامل الإن�سانية‬ ‫يف غاية الرثاء من ناحية توافر القدوات احل�سنة يف النواحي املعنوية‬ ‫واملادية‪ ،‬و�إذا تل ّفت املرء مينة وي�سرة وا�ستعر�ض �أمام خميلته �أ�ساتذته‬ ‫الذين تتلمذ عليهم يف �إحدى امل�ؤ�س�سات الرتبوية �أو التعليمية فال‬ ‫�شك �أنه �سيجد بغيته‪ ،‬ولرمبا تكون هذه القدوة من العلماء العاملني‬ ‫البارزين يف املجتمع ممن يبعد �آالف الأميال‪ ،‬ومع ذلك ي�سهل االت�صال‬ ‫بهم وال َغ ْرف من معينهم لال�ستفادة من علومهم وجهودهم وجتاربهم‬ ‫الرتبوية والروحية‪ ،‬فيوفر على نف�سه كثريا من الوقت واجلهد يف‬ ‫�سبيل البحث عن الأف�ضل والأ�صلح لذاته‪ .‬بل يزيده ذلك مت�سكا‬ ‫بتعاليم دينه وقيمه‪ ،‬فيجاهد نف�سه يف ذلك لأنه يرى �إمكانية تطبيق‬ ‫تلك التعاليم يف �أر�ض الواقع‪.‬‬ ‫ف�إذا �سار على الدرب الذي فتحوه وع ّبدوه ف�سريى بعني اليقني كيف‬ ‫تتواىل النجاحات والنتائج الباهرة احلميدة‪.‬‬ ‫وخري مثال على ذلك هو الأثر الكبري الذي مثلته القدوة يف ن�شر‬ ‫الإ�سالم يف كثري من �أ�صقاع الدنيا بوا�سطة تلك النماذج املتحركة التي‬ ‫دعت �إىل الإ�سالم ب�أفعالها قبل �أقوالها‪ ،‬فا�ستقطبت ماليني من الب�شر‬ ‫دخلوا يف دين اهلل دومنا فتح وال جهاد‪ .‬تلك النماذج متثلت يف �أعداد‬ ‫لي�ست بالكثرية من التجار امل�سلمني والزوار الذين �أدخلوا ب�سريتهم‬ ‫ومت�سكهم بتعاليم دينهم كل هذه الأعداد �إىل الإ�سالم‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫مــقـاالت‬ ‫الوسطية‬

‫مسؤولية العلماء فـي‬ ‫التربية والمواطنة‬ ‫الصالحة‬

‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة‬ ‫عميد كلية ال�شريعة‪/‬اجلامعة الأردنية‬ ‫عني اال�سالم بفئة ال�شباب‪ ،‬هذه الغرا�س اخلرية النهم امل االمة‪،‬‬ ‫والوجه امل�شرق مل�ستقبلها‪ ،‬واكد على تربيتهم على قيم اال�سالم العظيمة‬ ‫من الت�سامح وحب اخلري واملواطنة ال�صاحلة وااليجابية‪ ،‬وتعظم‬ ‫م�س�ؤولية العلماء يف بيان ال�صورة احلقيقية لال�سالم‪ ،‬وتقدميها اىل‬ ‫ال�شباب نا�صعة نقية‪ ،‬الن االيدي اخلبيثة امتدت بخفاء اىل اال�سالم‬ ‫ف�شوهت من حقيقته‪ ،‬وح�سنت لل�شباب هذه ال�صور القامتة‪ ،‬والتي‬ ‫تتنافى مع �سماحة وعظمة هذا الدين‪ ،‬وما بني عليه ركائز عمادها‬ ‫الي�سر والت�سامح‪ ،‬واالن�سانية والرحمة‪ ،‬والدعوة ال�صريحة اىل جتنيب‬ ‫ال�شباب خماطر االنزالق يف م�سالك اجلهل والف�ساد‪ ،‬واالنغالق‬ ‫والتبعية والتكفري‪.‬‬ ‫ومن مهمات العلماء تربية ال�شباب على حتمل امل�س�ؤولية‪ ،‬بعد ان يدربوا‬ ‫ليكونوا من ا�صحاب القرار امل�ستنري‪ ،‬لكي نبعدهم عن التبعية العمياء‬ ‫لقول الر�سول الكرمي‪«:‬ال يكن احدكم �إمعة يقول انا مع النا�س ان‬

‫اح�سنوا اح�سنت وان ا�ساءوا ا�س�أت‪ ،‬ولكن وطنوا انف�سكم ان اح�سن النا�س‬ ‫ان حت�سنوا‪ ،‬وان ا�ساءوا ان جتتنبوا ا�ساءتهم»‪ ،‬ومن واجب العلماء بناء‬ ‫ج�سر الثقة بينهم وبني ال�شباب‪ ،‬الن كثريا من ال�شباب فقدوا الثقة‬ ‫ببع�ض من يدعي العلم للفتاوى الرخي�صة التي ت�صدر منهم‪ ،‬فهم‬ ‫يحرفون الكلم عن موا�ضعه‪ ،‬ويتالعبون بالن�صو�ص ال�شرعية‪ ،‬من اجل‬ ‫ت�سخريها مل�صاحلهم الآنية‪ ،‬حتى ولو كانت املخالفة ال�شرعية كالفجر‬ ‫ال�صادق‪ ،‬وحتى تزول الفجوة املفتعلة بني العلماء وال�شباب ال بد من‬ ‫عقد لقاءات حوارية مكثفة حتى يتفهم ال�شباب اال�سلوب احل�ضاري يف‬ ‫�سماع الر�أي والر�أي االخر‪ ،‬لنعمق يف نفو�سهم قيمة املواطنة ال�صاحلة‪،‬‬ ‫وحب االنتماء لدينهم ووطنهم وامتهم‪ ،‬وان نحذرهم من التطرف‬ ‫الفكري الظالمي‪ ،‬والتطرف امل�سلكي الب�شع‪ ،‬وفر�ض الر�أي دون حجة‬ ‫مقنعة‪ ،‬وان نبعدهم عن الت�شنج واعتزال االخرين‪ ،‬ليكونوا بناء قويا‬ ‫متما�سكا ي�ستع�صي على املارقني‪ ،‬الذين ي�سعون يف االر�ض ليف�سدوا‬ ‫فيها‪ ،‬مع اهالكم للحرث والن�سل‪.‬‬ ‫ويتحتم على العلماء ان يكونوا اال�سوة احل�سنة واالمنوذج االعلى يف‬ ‫اخللق والتدين‪ ،‬واملبادرة يف عمل اخلري‪ ،‬وحمل لواء اال�صالح الفردي‬ ‫واجلماعي‪ ،‬باحلكمة واملوعظة احل�سنة‪ ،‬عندها يفر�ضوا على النا�س‬ ‫طوعا احرتامهم وحمبتهم الخال�صهم وح�سن �سريتهم‪ ،‬والتزامهم‬ ‫باملنهج النبوي الرا�شد يف الفهم والتدبري والتبليغ‪.‬‬ ‫ومن واجب العلماء الثقات خماطبة ال�شباب باال�سلوب الرا�شد امل�ستنري‪،‬‬ ‫الذي ير�سخ حب ال�شريعة يف �سويداء قلوبهم ليتفاعلوا مع احكامها‬ ‫ايجابيا‪ ،‬وانها جاءت ال�سعاد النا�س يف كل زمان ومكان‪ ،‬ل�شمولها‬ ‫ونظرتها االن�سانية التي بنيت على الرحمة باالن�سان‪ ،‬بغ�ض النظر‬ ‫عن جن�سه او دينه او لونه‪ ،‬و�صدق اهلل العظيم وما ار�سلناك �إال رحمة‬ ‫للعاملني ‪.‬‬ ‫ويت�أكد دور العلماء يف حتذير ال�شباب من خمالطة اال�شرار‪ ،‬وذوي الفكر‬ ‫الظالمي املنغلق‪ ،‬الذي ال ين�ش�أ يف حما�ضنهم اال التكفري واالرهاب‪،‬‬ ‫والرغبة يف ايذاء النا�س‪ ،‬وما ن�سمع عنه ون�شاهده ي�ؤكد ما يقوم به‬ ‫ه�ؤالء اال�شرار من خلخلة ال�صف‪ ،‬وبث الفو�ضى‪ ،‬وا�شاعة اخلوف‪،‬‬ ‫وتدمري مكت�سبات ما بنته االيدي النقية النظيفة‪ ،‬ومن اولويات ما‬ ‫يقوم به العلماء الثقات‪ ،‬الن كلمتهم م�سموعة من القا�صي والداين ان‬ ‫ي�سعوا لتزويد ال�شباب املتدفق علما وحيوية وعزما‪ ،‬املعلومة الدقيقة‪،‬‬ ‫حتى نح�صنهم ونحميهم من حمى االندفاع االهوج غري امل�س�ؤول‪ ،‬مع‬ ‫تربيتهم على التوا�ضع ولني اجلانب وعزة النف�س‪ ،‬مع التم�سك بالثوابت‪،‬‬ ‫واالنت�صار لق�ضايا االمة‪ ،‬والقدرة على متييز الغث من ال�سمني‪ ،‬حتى‬ ‫ت�سمو نفو�س ال�شباب وترتقي للمعايل‪ ،‬عندها تنه�ض االمة‪ ،‬الن جهود‬ ‫علمائها املخل�صني ت�ضافرت مع عزائم ال�شباب‪ ،‬وقد توجهت للبناء‬ ‫احلقيقي‪ ،‬والتنمية ال�شاملة بروح ايجابية يحدوها االمل‪ ،‬وا�ست�شراف‬ ‫�آفاق امل�ستقبل امل�شرق‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫جهود جبارة و�صبورة وخمل�صة حلمايتها واحلفاظ عليها‪.‬‬ ‫و�أن تكون املجتمعات القائمة على الإغالق والت�شدد حمتاجة‬ ‫�إىل جهود �ضخمة ود�ؤوبة جلرها �إىل دائرة التو�سط والواقعية‬ ‫والتوازن والقدرة على مالحظة النف�س ومعرفة عيوبها و�أخطائها‪،‬‬ ‫ولذا كلما حدثنا �أحد بهذا احلديث بادرناه قائلني‪:‬‬

‫هل نحن متشددون؟‬

‫‪-‬وهل �أنت كذلك؟‬

‫وك�أننا نهرب من اال�ستماع واملالحظة بطريقة الإ�سقاط على‬ ‫الآخرين‪.‬‬ ‫وهب �أن الناقد خ�صم �أو عدو �أو متحامل‪ ،‬فلماذا ال ت�ستفيد من‬ ‫مالحظته ونقده؟‬ ‫على قاعدة «رحم اهلل امرءاً �أهدى �إلينا عيوبنا»‪.‬‬ ‫الت�شدد ال يعني الغلو‪ ،‬بل هو نزعة �إن�سانية يتداخل فيها ال�سيا�سي‬ ‫باالجتماعي باالقت�صادي‪ ،‬وترتفع وتريتها حيناً‪ ،‬وتخف حينا �آخر‪.‬‬ ‫وها نحن جند الأحزاب اليمينية والعن�صرية واملتطرفة يف �أوروبا‬ ‫تك�سب اجلولة مرة بعد مرة‪ ،‬وتتكئ على �إثارة عواطف النا�س �ضد‬ ‫املهاجرين‪� ،‬أو �ضد الإ�سالم ورموزه و�شعاراته‪ ،‬وتنت�شر يف �أملانيا‬ ‫د‪� .‬سلمان بن فهد العودة‬ ‫و�أوروبا عامة «فوبيا الإ�سالم» ب�صورة فظيعة‪.‬‬ ‫امل�شرف العام على موقع الإ�سالم اليوم‬ ‫نعم‪ .‬قد ينف�صل عن الت�شدد جيوب تف�ضي �إىل العنف �أو التكفري �أو‬ ‫�س�ؤال كبري يحتاج �إىل مكا�شفة وم�صارحة مع النف�س‪ ،‬بعيداً عن م�صادرة الآخرين‪ ،‬وهذا ناجت جتب حماربته‪ ،‬بل البد من الإجماع‬ ‫�سخرية الآخرين و�شماتة املخا�صمني‪..‬‬ ‫على حماربته‪ ،‬بو�صفه ت�صعيداً غري مقبول‪ ،‬وال ين�سجم مع كليات‬ ‫�أف�ضل �أ�سلوب لك�سب املعركة هو �أن تخو�ضها مع نف�سك! و�أرقى ال�شريعة القائمة على حفظ ال�ضرورات‪ ،‬واحلياطة للحقوق‬ ‫م�ستويات ال�شجاعة مع الذات!‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬وحترمي الدماء والأموال والأعرا�ض والفروج بن�صو�ص‬ ‫�إِنَّ َ‬ ‫ري ٌة‬ ‫ال�ش َ‬ ‫ُلوب َكث َ‬ ‫جاع َة يف الق ِ‬ ‫حمكمة‪.‬‬ ‫َو َو َج ُ‬ ‫دت ُ�شجعانَ ال ُعقولِ َقليال‬ ‫ال يح�سن �أن يكون الت�شدد لغة نطلقها على �سبيل «التعيري‬ ‫�أي جمتمع ب�شري له �صفات وخ�صائ�ص ال ميكن �أن تكون مثالية‪.‬‬ ‫وامل�سبة»‪ ،‬فهذا قد يدعو �إىل التم�سك به والإ�صرار عليه‪ ،‬وهو نوع‬ ‫فحني يكون جمتمعنا مت�شدداً يف بع�ض �أمناطه ومناذجه وجتلياته‪،‬‬ ‫من الت�صنيف الذي يحذر منه‪.‬‬ ‫فهذا ال يعني �أن جمتمعاً عربياً �أو �إ�سالمياً جماوراً �أو بعيداً مبعزل‬ ‫عن عيب �آخر‪ ،‬لي�س هو الت�شدد ذاته‪ ،‬لكنه التفريط مث ً‬ ‫ال‪� ،‬أو‬ ‫ولكن ميكن �إطالقه على �سبيل الو�صف املو�ضوعي الهادئ املقبول‬ ‫التفكك‪..‬‬ ‫الذي يجعل �صاحبه يعرتف به‪ ،‬وقد ي�سوغه لأ�سباب يراها‪ ،‬وقدمياً‬ ‫يت�شدد قوم يف احلفاظ على الهوية حتى تكاد ت�صبح �سجناً يعزلهم‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫قال الإمام الورع �سفيان الثوري –الذي لقب ب�أمري امل�ؤمنني‬ ‫عن احلراك الب�شري‪ ،‬ويفرط �آخرون يف الهوية حتى ال يبقى منها‬ ‫يف احلديث(�إمنا العلم عندنا الرخ�صة من ثقة‪ ،‬ف� ّأما الت�شديد‬ ‫�إال معامل �أو �آثار ي�سرية ال حتقق معنى االنتماء امل�ؤثر‪.‬‬ ‫فيح�سنه كل �أحد)‪.‬‬ ‫ومن العدل �أن تكون املجتمعات املعر�ضة لتهتك الهوية بحاجة �إىل‬

‫‪18‬‬


‫وقال �أبو جعفر املن�صور للإمام مالك‪�»:‬ضع للنا�س كتاباً يف ال�سنة‬ ‫والفقه جتنب فيه رخ�ص ابن عبا�س وت�شديدات ابن عمر و�شواذ ابن‬ ‫م�سعود ووطئه توطئة «‪.‬‬ ‫ومن العدل �أن ال يقوم تيار اجتماعي بت�سيد املوقف وك�أنه اخليار‬ ‫الوحيد‪� ،‬أو هو التعبري الفريد عن التدين وااللتزام والقيم‪،‬‬ ‫فال�شريعة فيها تنوع‪ ،‬ويكفي مالحظة املذاهب الأربعة ثم الفقهاء‬ ‫ال�سبعة‪ ،‬ثم الع�شرة لتدرك ثراء الفقه الإ�سالمي وات�ساع دائرة‬ ‫التطبيقات الب�شرية االجتهادية امل�ؤمنة مبرجعية ال�شريعة‪،‬‬ ‫والواعية مبتغريات الواقع‪ ،‬واملتعاي�شة فيما بينها من دون م�صادرة‬ ‫�أو �إلغاء‪.‬‬ ‫يجب �أال ن�صادر �أحداً حتت ذريعة �أنه مت�شدد �أو نحرمه من حقه‬ ‫ال�شرعي واحلياتي‪ ،‬ما دام يعبرّ عن نف�سه ور�ؤيته بطريقة �سلمية‬ ‫لي�س فيها عدوان وال بغي‪.‬‬ ‫و�أال يتطلع تيار ما‪ ،‬مت�شدداً كان �أو غري مت�شدد‪� ،‬إىل �أن يهيمن على‬ ‫امل�شهد ويفر�ض نف�سه كمرجعية مطلقة‪ ..‬فمن العدل �أن ي�أخذ كل‬ ‫ذي حق حقه‪ ،‬و�أال يعترب اجتهاده �أو ر�أيه �أو تقليده �إجماعاً يفر�ض‬ ‫على الآخرين ممن لهم اجتهاد �أو ر�أي �أو حتى تقليد خمتلف‪.‬‬ ‫وعلى هذا وذاك ف�إن تيار العوملة واالنفتاح والتبادل الثقايف واملعريف‬ ‫والإعالمي اليوم �سيحدث والبد �أثراً �ضخماً يف العقول وال�سلوك‬ ‫والر�ؤى الفردية واجلماعية‪ ،‬فمن احلكمة الب�صرية �أال نتجاهل‬ ‫هذا الت�أثري ال�ضخم املدجج ب�أحدث التقنيات و�أكرثها خماطبة‬ ‫للنف�س الإن�سانية وغو�صاً �إىل �أعماقها‪.‬‬ ‫لي�س ع�سرياً �أن نتحاور داخلياً‪ ،‬و�أن نلتقي وي�سمع بع�ضنا من بع�ض‬ ‫يف الغرف ما يقال اليوم على الف�ضائيات ومواقع الإنرتنت‪ ،‬ولكن‬ ‫دفء احلوار‪ ،‬و�صدق النوايا‪ ،‬واالعرتاف املتبادل �سوف تخفف من‬ ‫حدة التباعد‪ ،‬واحتدام اللغة‪..‬‬ ‫ال �أحد يدري �إال اهلل‪ ،‬ماذا ينتظر النا�س يف م�ستقبلهم‪ ،‬وما نوع‬ ‫التحديات التي �سوف تفاجئهم‪ ،‬فال �شيء يدوم‪ ،‬ولكل زمن وظرف‬ ‫م�شكالته اخلا�صة‪ ،‬ومن احلكمة �أن ال ت�شغلنا الأغ�صان عن ر�ؤية‬ ‫الغابة‪ ،‬فلندع بع�ض جهدنا لقراءة امل�ستقبل بروح جماعية وطنية‪..‬‬ ‫من حقنا �أن نحلم برقي �سلوكي و�أخالقي وفكري يجعلنا نختار‬ ‫بطواعية �أن نكون معاً‪ ،‬وب�صفة دائمة‪ ،‬لأن ذلك خري لديننا‬ ‫ودنيانا‪ ..‬هذه الأمنية لن تتحقق ما مل نخفف من حدة �أنانياتنا‬

‫املناطقية والقبلية والفكرية واملذهبية‪ ،‬وجنعل للآخرين حظاً‬ ‫يف تفكرينا ون�ؤمن بحقهم يف الوجود والفر�ص‪ ،‬ونت�سامى عن‬ ‫ملا�ض بعيد‬ ‫الإح�سا�س بالغنب �أو القهر �أو احلرمان �أو التلفت الدائم ٍ‬ ‫�أو قريب‪ ،‬وك�أننا ننتظر فر�صة ت�سنح لننتقم �أو نت�شفى �أو نتمرد �أو‬ ‫حتى نظلم‪..‬‬ ‫(�إِ َّن هَذِ ِه �أُ َّم ُت ُك ْم �أُ َّم ًة َواحِ َد ًة وَ�أَ َنا َر ُّب ُك ْم َف ْاع ُبدُونِ ) (الأنبياء‪،)92:‬‬ ‫( ِت ْل َك الدَّا ُر ْالآخِ َر ُة نجَ ْ َع ُلهَا ِل َّلذِ َ‬ ‫الَ ْر ِ�ض وَال‬ ‫ين ال ُيرِيدُو َن ُع ُل ّواً فيِ ْ أ‬ ‫َف�سَ اداً َوا ْل َعا ِق َب ُة ِل ْل ُم َّت ِق َ‬ ‫ني) (الق�ص�ص‪.)83:‬‬

‫‪19‬‬


‫إمكانية بناء دولة إسالمية من‬ ‫داخل دولة علمانية دون تنازالت‬

‫د‪.‬رفيق حبيب‬ ‫املقابلة بني الدولة العلمانية والدولة الإ�سالمية‪ ،‬متثل العن�صر‬ ‫الأهم يف مواجهات ال�سيا�سة واحلروب �أي�ضا‪ ،‬فهي عنوان للواقع‬ ‫العربي والإ�سالمي‪ ،‬وتخت�صر �أهم املعارك واملواجهات‪ .‬ولكن تلك‬ ‫املقابلة تطرح ت�سا�ؤ ًال عن االختالف والت�شابه بني الدولة العلمانية‬ ‫والدولة الإ�سالمية‪ .‬لأن مدى االختالف هو الذي يحدد يف ت�صور‬ ‫البع�ض‪ ،‬ما �إذا كانت عملية تغيري الدولة العلمانية �إىل دولة‬ ‫�إ�سالمية‪ ،‬عملية بناء �أو عملية هدم ملا هو قائم �أوال‪ ،‬ثم بناء �آخر‪.‬‬ ‫والغالب يف جتارب التاريخ‪� ،‬أنه ال يوجد هدم كامل وبناء كامل‪ ،‬فهذا‬ ‫الت�صور غري واقعي‪ ،‬وال تقوم به �إال قوات االحتالل‪ ،‬والتي ميكن‬ ‫�أن تهدم كل ما هو قائم‪ ،‬حتى تفر�ض �سيطرتها‪ .‬وتلك مفارقة‪ ،‬لأن‬ ‫الدولة التي كانت قائمة يف العراق دولة علمانية‪ ،‬ومع هذا احتاج‬ ‫االحتالل الأمريكي لهدم الدولة العلمانية القائمة‪ ،‬رغم �أنها‬ ‫قائمة على النموذج الغربي ال�سيا�سي‪ ،‬لكنها مل تكن متحالفة مع‬ ‫الغرب مبا يكفي حتى ي�ستطيع بناء دولة علمانية �أي�ضا‪ ،‬ومتحالفة‬

‫مع �أمريكا والغرب حتالفا نهائياً و�أبدياً‪ .‬ولكنه يف النهاية مل ينب‬ ‫دولة ب�أي معنى من املعاين‪ ،‬بل بنى حالة فو�ضى‪ ،‬و�أ�صبح غري قادر‬ ‫على اخلروج منها‪� ،‬أو حتديد نهاية لها‪� ،‬أو حتديد نتائج نهاية حالة‬ ‫الفو�ضى‪.‬‬ ‫ولكن كل م�شاريع التغيري والإ�صالح‪ ،‬والتي ت�أتي من داخل املجتمع‬ ‫نف�سه‪ ،‬وحتاول بناء الدولة التي يريدها املجتمع‪ ،‬ال تقوم على‬ ‫الهدم‪� ،‬أي هدم ما هو قائم‪ ،‬بقدر ما تقوم على توظيف ما هو قائم‬ ‫ل�صالح بناء ما يراد حتقيقه‪ ،‬لأن عملية الهدم �ضارة باملجتمع‪ ،‬كما‬ ‫�أنها �ضارة ب�أي حركة تغيري و�إ�صالح‪ ،‬لأنها تفقد احلركة املقومات‬ ‫املتاحة لها‪ ،‬والتي ت�ستطيع من خاللها بناء ما تريد حتقيقه‪.‬‬ ‫فعملية الهدم والبناء ال ترتبط ارتباطا مبا�شرا بالفرق بني القائم‬ ‫واملراد بنا�ؤه‪ ،‬وتلك م�س�ألة من املهم النظر لها بدقة‪.‬‬ ‫فالدولة الإ�سالمية التي تت�أ�س�س لإقامة العدل‪ ،‬تختلف عن‬ ‫الدولة الليربالية العلمانية التي تقوم من �أجل حتقيق احلرية‬ ‫الفردية‪ .‬والفرق هنا يف القيمة الأوىل التي حتوز على رعاية‬ ‫الدولة‪ ،‬ولكن هذا الفرق ميثل يف ت�صورنا فرقا هائال‪ ،‬لأنه‬ ‫يكفي لتغيري كل �سيا�سات الدولة يف خمتلف الق�ضايا االجتماعية‬ ‫والثقافية واالقت�صادية‪ .‬والدولة العلمانية تقوم حلماية قوميتها‬ ‫فقط‪ ،‬ولكن الدولة الإ�سالمية تقوم من �أجل حتقيق �أمن الأمة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وهذا الفرق كاف الختالف كل ال�سيا�سات اخلارجية‬ ‫بني الدولة العلمانية القومية والدولة الإ�سالمية‪ .‬لذا فالفرق يف‬ ‫قيمتني فقط‪ ،‬كاف الختالف كل ال�سيا�سات اخلارجية والداخلية‪.‬‬ ‫وبهذا ميكن القول‪� :‬إن الفرق بني الدولة العلمانية والدولة‬ ‫الإ�سالمية هائل‪ ،‬و�إنه �أكرب من �أي ت�شابه‪ ،‬مما يجعل �أي ت�شابه‬ ‫بينهما غري ذي معنى‪.‬‬ ‫ولكن البع�ض قد ينظر من زاوية خمتلفة‪ ،‬ويرى �أن الفرق‬ ‫بني الدولة العلمانية والإ�سالمية‪ ،‬ينح�صر يف بع�ض الق�ضايا‬ ‫وال�سيا�سات والقيم‪ ،‬وهو بهذا املعنى ينح�صر يف بع�ض الأبعاد‬ ‫املحددة‪ ،‬وال ي�شمل كل التفا�صيل‪ ،‬فالدولة يف النهاية هي الدولة‪،‬‬ ‫بكل �أدواتها ومكوناتها وجهازها الإداري‪ .‬وميكن القول‪� :‬إن الفرق‬ ‫بني الدولة الإ�سالمية والدولة العلمانية يكمن �أ�سا�سا يف القيم‬

‫‪20‬‬


‫وال�سيا�سات‪ ،‬وهو فرق من حيث الكم لي�س كبريا‪ ،‬ولكنه من حيث‬ ‫الكيف هائل ونوعي وفارق‪ .‬ولكن هذا ال مينع من وجود ت�شابه‬ ‫بني هياكل الدول �أيا كانت مرجعيتها‪ ،‬ولكن هذا الت�شابه ال يكون‬ ‫تطابقا كامال‪ ،‬وقد يكون جمرد ت�شابه يف ال�شكل مع اختالف‬ ‫امل�ضمون‪.‬‬ ‫فمن يت�أمل دور الدولة الإ�سالمية مقارنة بالدولة العلمانية‬ ‫القومية‪ ،‬يكت�شف �أن الدولة العلمانية م�سيطرة ومهيمنة على‬ ‫املجتمع ب�صورة كبرية‪ ،‬يف حني �أن الدولة الإ�سالمية ال ت�سيطر‬ ‫على املجتمع‪ ،‬بقدر ما ت�سيطر ال�شريعة الإ�سالمية عليه وتنظمه‪،‬‬ ‫في�صبح جمتمعا متما�سكا قويا‪ ،‬من خالل التزامه بقواعد ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وينح�صر دور الدولة يف املهام املركزية والأمن وفر�ض‬ ‫القانون وال�سيا�سة اخلارجية‪ ،‬دون �أن تتمدد لت�سيطر على حركة‬ ‫املجتمع‪ .‬ففي حالة الدولة الإ�سالمية‪ ،‬يكون للمجتمع وللأمة‬ ‫دورهما يف حتقيق النه�ضة‪ .‬وكلما كان املجتمع قويا‪ ،‬ال ميكن‬ ‫ت�صور حالة �سيا�سية ت�سيطر عليها الأحزاب ال�سيا�سية ب�صورة‬ ‫جتعل النخب ال�سيا�سية هي العن�صر الفاعل يف احلياة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫والتي تفر�ض خيارتها على النا�س لتختار بينها‪ ،‬بل �سيكون املجتمع‬ ‫وقواه وم�ؤ�س�ساته احلية لهم دور كبري يف ت�شكيل وتوجيه الر�أي‬ ‫العام والتعبري عنه‪ ،‬بقدر قد يجعل للقوى واحلركات االجتماعية‬ ‫ت�أثرياً كبرياً على الأحزاب ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫كل هذا يعني وجود اختالفات يف دور وم�س�ؤولية الدولة‪ ،‬كما �أن‬ ‫هناك اختالفات يف قيمها‪ ،‬وبهذا يكون منوذج الدولة الإ�سالمية‬ ‫مفارقا لنموذج الدولة العلمانية‪ .‬والفرق هنا �أن جهاز الدولة يف‬ ‫احلالة الإ�سالمية‪ ،‬ينتج منتجات و�أدواراً غري ما ينتجه جهاز الدولة‬ ‫يف احلالة العلمانية‪ ،‬رغم �أن كل منهما ميثل جهازا �إداريا‪ .‬نعني من‬ ‫هذا‪� ،‬أن الت�شابه بينهما لي�س مهما‪ ،‬حتى و�إن كان ملحوظا‪ ،‬ولكن‬ ‫الت�شابه بينهما يعني �أن �أدوات اجلهاز الإداري ميكن �أن تت�شابه‪،‬‬ ‫مبا يعني �أنه ميكن حتويل �أدوات اجلهاز الإداري للدولة العلمانية‬ ‫�إىل �أدوات جلهاز �إداري يف دولة �إ�سالمية‪ .‬وهذه هي النقطة املهمة‪،‬‬ ‫فالدولة العلمانية ميكن حتويلها �إىل دولة �إ�سالمية‪ ،‬مبعنى �أن‬ ‫�أجهزة الدولة العلمانية ميكن توظيفها لتنتج نظاما �إ�سالميا‪،‬‬ ‫بدون احلاجة لهدمها وبناء �أجهزة �أخرى لها‪ .‬لذا ي�صبح الت�شابه‬

‫بني الدولة العلمانية والدولة الإ�سالمية‪ ،‬كافيا لتحويل �أي منهما‬ ‫للآخر‪ ،‬ولكن لي�س كافيا العتبار �أن الفرق بينهما حمدود‪ ،‬ولي�س‬ ‫كافيا بالطبع العتبار �أن �أيا منهما ميكن �أن يحقق غايات الآخر‪.‬‬ ‫فمن يقول �إن الدولة العلمانية ميكن �أن حتقق غايات الدولة‬ ‫الإ�سالمية �أو جزءا مهما منها‪ ،‬يتجاهل حقيقة االختالفات‬ ‫الهيكلية بينهما‪ ،‬ولكن هذه االختالفات ال تعوق �إمكانية حتويل‬ ‫الدولة العلمانية �إىل دولة �إ�سالمية‪� ،‬إذا حكمتها نخبة �إ�سالمية‬ ‫من خالل توافق و�أغلبية جمتمعية و�سيا�سية‪ ،‬وا�ستطاعت مقاومة‬ ‫النفوذ الغربي‪ ،‬الذي �سيحاول منعها من حتويل �أي دولة علمانية‬ ‫�إىل دولة �إ�سالمية‪.‬‬ ‫تلك يف ت�صوري م�س�ألة مهمة‪ ،‬لأنها تعني �أن الإ�صالح التدريجي‬ ‫ممكن‪ ،‬ولكنه ال يعني �أن الفرق بني الدولة العلمانية والدولة‬ ‫الإ�سالمية �ضئيل‪ .‬مما يعني �أن العمل ال�سيا�سي ال�سلمي‬ ‫الإ�صالحي ال يعني القبول ولو جزئيا بالدولة العلمانية‪ ،‬لأن‬ ‫هذا القبول يعني التنازل عن امل�شروع الإ�سالمي ولو جزئيا‪ .‬وكل‬ ‫تنازل جزئي عن امل�شروع الإ�سالمي �سوف ي�ؤدي �إىل تنازل نهائي‬ ‫عن امل�شروع الإ�سالمي‪ ،‬لأن هذا التنازل �سيحدث ب�سبب الهيمنة‬ ‫الغربية‪ ،‬وخ�ضوعا لها وحتالفا معها‪ ،‬مما يعني �أن ا�ستعادة‬ ‫امل�شروع الإ�سالمي بعد ذلك �ستكون مواجهة مع الدول الغربية‪.‬‬ ‫وكل تنازل ولو جزئي عن امل�شروع الإ�سالمي يف�سد كل امل�شروع‪،‬‬ ‫لأنه م�شروع متكامل غري قابل للتبعي�ض �أو التجزئة‪ ،‬مثله مثل‬ ‫غريه من امل�شاريع‪ ،‬مبا فيها امل�شروع العلماين‪ .‬ومن يرى �أن هناك‬ ‫م�شروعا ميكن �أن يكون علمانيا جزئيا و�إ�سالميا جزئيا‪� ،‬سيكت�شف‬ ‫�أن املح�صلة النهائية �ستكون علمانية‪ .‬ولكن هذا ال مينع من �أن‬ ‫الدولة العلمانية قابلة للتغيري من داخلها‪ ،‬و�أن هذا التغيري ميكن‬ ‫�أن ي�صل لبناء دولة �إ�سالمية‪ .‬ومعنى هذا‪� ،‬أن هناك فرقاً بني‬ ‫التنازل وبني املرحلية‪ .‬وتغيري الدولة العلمانية من داخلها لي�س‬ ‫تنازال‪ ،‬ولي�س من ال�ضروري هدم الدولة العلمانية بالكامل‪ ،‬حتى‬ ‫يتم بناء الدولة الإ�سالمية‪� ،‬إال يف بع�ض الظروف اخلا�صة‪ .‬ولكن‬ ‫العمل من داخل الدولة العلمانية القائمة وتغيريها‪ ،‬ال يعني �أنها‬ ‫تت�شابه مع الدولة الإ�سالمية‪ ،‬لأن ما بينهما من ت�شابه لي�س له‬ ‫قيمة عملية‬ ‫إسالم اون الين‬

‫‪21‬‬


‫متفق عليه‪ ،‬وقال الإمام الآجري‪ :‬مل يختلف العلماء قدمياً‬ ‫وحديثاً �أ َّن اخلوارج قوم �سوء‪ ،‬عُ�صاة هلل عز وجل ولر�سوله عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم‪ ،‬و� ْإن قاموا و�صلوا واجتهدوا يف العبادة‪ ،‬فلي�س‬ ‫ذلك بنافع لهم‪ ،‬و� ْإن �أظهروا الأمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬ ‫ولي�س ذلك نافع لهم لأ َّنهم قوم يت�أولون القر�آن على ما يهوون‬ ‫وميوهون على امل�سلمني‪ ،‬وقد حذرنا اهلل عز وجل منهم‪ ،‬وحذرنا‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه وعلى �آله و�صحبه و�سلم منهم‪ ،‬وحذرنا منهم‬ ‫اخللفاء الرا�شدون من بعده‪ ،‬وحذرنا ال�صحابة الكرام ومن تبعهم‬ ‫ب�إح�سان �إىل يوم الدين‪.‬‬ ‫قال الآجري واخلوارج هم ال�شراة الأجنا�س الأرجا�س ومن كان على‬ ‫مذهبهم من �سائر اخلوارج يتوارثون هذا املذهب قدمياً وحديثاً‬ ‫ويخرجون على �أئمة الأمراء‪ ،‬وي�ستحلون قتل امل�سلمني‪.‬‬ ‫ومن ذلك كله يت�ضح خطورة هذا املذهب‪ ،‬وحترمي الإنت�ساب �إليه‪،‬‬ ‫بل وجوب قتال �أهله ملا يرتتب عليه من مفا�سد دينية ودنيوية‪ ،‬ومن‬ ‫اختالل الأمن و�ضياع لبالد امل�سلمني‪ ،‬و�إدخال للوهن على امل�سلمني‪،‬‬ ‫وت�سليط للأعداء عليهم‪ ،‬ومن �أخ َّل ب�أمان امل�سلمني‪ ،‬وا�ستحل قتل‬ ‫ٍ‬ ‫امل�سلمني ف�إ َّنه خارجي‪ ،‬و� ْإن �صلى وقام وادعى ما ادعى‪ ،‬ومن املعلوم‬ ‫ف�ضيلة ال�شيخ الدكتور حممد العريفي‬ ‫يف دين الإ�سالم �أ َّن اتخاذ الإمام واجب على �أهل الإ�سالم‪ ،‬يقول اهلل‬ ‫�إ َّن الف�ساد الذي ن�شاهده يف جمتمعات امل�سلمني اليوم‪ ،‬من عز وجل‪( :‬يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا �أَطِ ي ُعوا اللهََّ وَ�أَطِ ي ُعوا ال َّر ُ�سو َل وَ�أُوليِ‬ ‫التفجري والتكفري بحجة جماهدة الكفار و�أعوانهم لهو باب من الأْ ْم ِر مِ ْن ُك ْم) (الن�ساء‪ ،)59 :‬والأحاديث الدالة على ذلك كثرية منها‬ ‫�أبواب الت�أويل املذموم الذي ج َّر على الأمة الويالت‪ ،‬فذاك رجل ما �أخرجه ال�شيخان �أ َّن النبي عليه ال�صالة وال�سالم قال (�إنَّ الإمام‬ ‫فج ُر جنة يقاتل من ورائه ويتقى به‪ ،‬ف�إنْ �أمر بتقوى اهلل عز وجل وعدل‬ ‫ُيقت ُل لأ َّنك تراه �أ َّنه خمالف يف العقيدة‪ ،‬و�أ َّن املبنى ذاك ُي َّ‬ ‫لأ َّنك تراه مجُ معاً للإ�ستخبارات والأعداء‪ ،‬وهذا ُيقت ُل لأ َّنه كان له بذلك �أجراً‪ ،‬و�إن ي�أمر بغريه كان عليه منه)‪.‬‬ ‫عون لل ُمحتل‪ ،‬وذاك ُيقت ُل لأ َّنك تراه جا�سو�سا ‪ ...‬وه َّلم جرا من �إ َّن هذه الفئة ُتك ِّفر امل�سلمني‪ ،‬وت�ستحل دماءهم‪ ،‬وهذا من �أخطر‬ ‫الت�أويالت الفا�سدة التي ُت�ستباح بها دماء امل�سلمني‪ ،‬وقد ت�ضافرت جرائمهم و�أ�شدها وطئاً‪ ،‬وذلك �أ َّن تكفري امل�سلم ورد فيه وعيد‬ ‫ن�صو�ص ال�شريعة على حماية امل�سلم‪ ،‬وحماية كل ما ي�ضري الدين �شديد‪ ،‬قال عليه ال�صالة وال�سالم‪�( :‬إذا قال الرجل لأخيه يا كافر‬ ‫والعقل والنف�س واملال‪ ،‬ثم ينتقل بع�ض النا�س من هذه الن�صو�ص فقد باء بها �أحدهما‪ ،‬ف�إنْ كان كما قال و�إال رجعت عليه) (�أخرجه‬ ‫ال�صريحة الوا�ضحة الثابتة �إىل ت�أويالت فا�سدة‪ ،‬فينتقلون من هذا ال�شيخان)‪ ،‬وقال عليه ال�صالة وال�سالم‪( :‬من رمى م�ؤمن ًا بكفر فهو‬ ‫كقتله)‪.‬‬ ‫الركن الركني والأ�صل الأ�صيل لي�ستحلوا دماء امل�سلمني بت�أويالت‬ ‫�إنَّ امل�شكلة لي�ست فيمن ُيبا�شر القتل‪ ،‬ولي�س فيمن يقع يف نف�سه‬ ‫هي �أوهام �أوهن من بيت العنكبوت‪.‬‬ ‫ارتكاب هذه اجلرائم‪ ،‬و�إمنا امل�شكلة يف الطابور العري�ض الذي يقف‬ ‫قال النبي عليه ال�صالة وال�سالم (قوم يف اخر الزمان �أحداث‬

‫اإلرهاب‬ ‫صناعةالخوارج‬

‫خلف هذا القاتل حا�شدين ع�شرات الت�أويالت والتربيرات لفعله‪،‬‬ ‫الأ�سنان‪� ،‬سفهاء الأحالم‪ ،‬يقولون من قول خري الربية‪ ،‬ال ُيجاوز‬ ‫مربرين ُجرم ًا �شهدت ن�صو�ص الوحيني بب�شاعته والتحذير منه (وال‬ ‫حنانهم حناجرهم‪ ،‬ميرقون من الدين كما ميرق ال�سهم من الرمية‪،‬‬ ‫يزال امل�سلم يف ف�سحة من دينه ما مل ُي�سل دماً حراماً)‪ ،‬قال الإمام‬ ‫ف�أينما لقيتموهم فاقتلوهم‪ ،‬ف�إنَّ يف قتلهم �أجر ًا ملن قتلهم يوم القيامة)‬

‫‪22‬‬


‫ابن القيم رحمه اهلل تعاىل يف كالم بديع يف كتابه �إعالم املوقعني‬ ‫وهو يتكلم عن ارتكاب بع�ض النا�س لأخطاء من �سفك دماء‪� ،‬أو‬ ‫خروج على �أئمة‪« :‬هم يرون �أنهم ُيح�سنون ُ�صنعاً بالت�أويل وبتف�سري‬ ‫الآيات على غري ظاهرها‪ ،‬وبت�أويالت يقولها بع�ضهم لبع�ض‪،‬‬ ‫فيقي�ض اهلل تعاىل لهم امتحان وابتالء �شركاء وقرناء يزينون لهم‬ ‫ما بني �أيديهم وما خلفهم»‪.‬‬ ‫وما الذي �سفك دم عثمان ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬و�أوقع العدوان‪ ،‬و�أوقع‬ ‫الأمة فيما �أوقعها فيه �إىل الآن غري الت�أويل املغلوط للن�صو�ص‪،‬‬ ‫وما الذي �سفك دم علي ابن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه وابنه‬ ‫احل�سني ر�ضي اهلل عنهم و�أهل بيته جميعاً غري الت�أويل املغلوط‬ ‫للن�صو�ص‪ ،‬وما الذي �أراق دم عمار ابن يا�سر و�أ�صحابه غري الت�أويل‬ ‫املغلوط للن�صو�ص‪ ،‬وما الذي �أراق دم ابن الزبري‪ ،‬وحجر بن عدي‪،‬‬ ‫و�سعيد بن جبري وغريهم من �سادات الأمة غري الت�أويل املغلوط‬ ‫للن�صو�ص‪ ،‬وما الذي �أريقت عليه دماء العرب يف فتنة �أبي م�سلم‬ ‫غري التاويل املغلوط للن�صو�ص‪ ،‬وما الذي ج َّرد الإمام �أحمد بني‬ ‫العقابني و�ضرب بال�سياط حتى عجت اخلليقة �إىل ربها �سبحانه‬ ‫وتعاىل غري الت�أويل املغلوط للن�صو�ص‪ ،‬وما الذي قتل الإمام‬ ‫�أحمد بن ن�صر اخلزاعي وخ َّلد خلقاً من العلماء يف ال�سجون حتى‬ ‫ماتوا غري الت�أويل املغلوط للن�صو�ص‪ ...‬وقد كان العلماء وما زالوا‬ ‫يخافون ويحذرون من ذلك‪.‬‬ ‫لنت�أمل ونتدبر خرب ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنه ملا دخل على �ستة �آالف‬ ‫من اخلوارج وهم ي�صلون ويتعبدون‪ ،‬وبني �أعينهم كركب املعزة من‬ ‫طول ال�سجود‪ ،‬و�أيديهم مثل �ساق الإبل من طول ال�سجود وال�صالة‬ ‫والركوع والعبادة ومع ذلك كانوا يرون �أنهم على �صواب وهم الذين‬ ‫خرجوا ملقاتلة امل�سلمني‪ ،‬فلما تكلم معهم ابن عبا�س و�أظهر لهم‬ ‫احلق رجع منهم �أربعة �آالف وبقي �ألفان‪ ،‬وه�ؤالء الألفان هم الذين‬ ‫تبينَّ لهم احلق لكنهم خرجوا بناء على �أهوائهم ‪.‬‬ ‫ينبغي � ْأن ال يح�ضرنا ال�ضالل بعد الهدى‪ ،‬ينبغي �أن نتعامل مع‬ ‫املنكرات ومع الأخطاء يف جمتمعنا ب�صراحة و�شجاعة العلماء‪،‬‬ ‫يجب �أن نتعامل معها بالأ�ساليب ال�شرعية التي نتعبد هلل تعاىل‬ ‫بها‪ ،‬وقدوتنا الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم الذي ير�شدنا بقوله‪:‬‬ ‫(لو �أ َّن �أهل ال�سموات و�أهل الأر�ض اجتمعوا على قتل م�سلم لأكبهم‬ ‫اهلل يف النار)‪ ،‬ينبغي علينا �أن نحذر من مثل ذلك‪ ،‬و� ْأن نح ّذر النا�س‬ ‫من �أن يتعاملوا مع املنكرات بغري الأ�ساليب ال�شرعية‪ ،‬فالنبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ملا قال‪( :‬من ر�أى منكم منكراً فليغريه بيده‪ ،‬ف� ْإن‬

‫مل ي�ستطع فبل�سانه‪ ،‬ف� ْإن مل ي�ستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك �أ�ضعف الإميان)‬ ‫بينَّ العلماء من الذي ُيغري باليد‪ ،‬ومن الذي ُيغري بالل�سان‪ ،‬كذلك‬ ‫يجب �أن نح ّذر �أبناءنا من خطورة جل�ساء ال�سوء‪ ،‬و�أن نحذرهم من‬ ‫الأ�صدقاء الذين توجد لديهم �أفكار �شاذة ومنحرفة‪.‬‬

‫و�أوجه الن�صيحة �إىل من ت�أثر بهذا الفكر الدخيل اخلبيث ف�أقول‬ ‫لهم‪ :‬اتقوا اهلل يف �أنف�سكم‪ ،‬ويف �أمتكم‪ ،‬ويف بالد امل�سلمني‪ ،‬اتقوا‬ ‫اهلل فال تقحموا �أنف�سكم يف �أنواع من كبائر الذنوب‪ ،‬واتقوا اهلل فال‬ ‫تفتحوا على امل�سلمني وبالد امل�سلمني و�أهل الإ�سالم �أبواب ًا من ال�شر‬ ‫ت�سلط الأعداء املرتب�صني علينا ومتكنهم من بالدنا‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫ثورة اإلسالم المعتدل‬ ‫د‪ .‬عبداهلل عقروق‬ ‫كانت كل احلقائق التي ذكرت يف �ش�أن �إ�شعال الثورات احلالية‬ ‫حقيقية وواقعية‪ .‬وقد لفتتني و�أنا �أنظر �إىل ما ح�صل‪ ،‬وبهذه‬ ‫ال�سرعة‪ ،‬ثورة جديدة مل يعطها �أحد �أهمية‪ :‬ثورة الإ�سالم املعتدل‬ ‫الذي ك�شف فج�أة عن �أن املت�شددين الذين يدفعون امل�سلمني �إىل‬ ‫االنغالق وعدم م�سايرة احل�ضارات الأخرى‪ .‬وك�شفت الأحداث‬ ‫�أن بعبع القاعدة والدعوات الإ�سالمية املتطرفة هي التي تفرق‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬وهي جهات متولها الواليات املتحدة لأجل الإ�ساءة اىل‬ ‫الإ�سالم احلنيف ور�سالته الإن�سانية العادلة‪ ،‬وجتاوبه مع الع�صر‪،‬‬ ‫وكون الدين ي�سراً ولي�س ع�سراً‪.‬‬ ‫ويخطئ بع�ض من امل�سلمني باعتقادهم �أن العوملة العربية التي‬ ‫�ستكون مرتبطة ارتباطا كامال مع �أدياننا ال�سماوية خطر على‬ ‫الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬وال يدركون �أنها �سوف جتعلهم يديرون‬ ‫�أمورهم الدينية بطرق �أ�صلح و�أ�سلم‪ ،‬برجال الدين الأكفاء من‬ ‫ال�شباب الذين در�سوا الفقه الإ�سالمي درا�سة وافية‪ ،‬و�أ�صبحوا‬ ‫من العلماء الذين لهم باع طويل يف التعمق ب�أ�صول الدين التي‬ ‫تتنا�سب مع �أ�صولهم ومع العادات العربية والتقاليد وكل املوروثات‬ ‫ال�صاحلة يف تاريخنا‪.‬‬ ‫�إننا �شعب من �شعوب هذا العامل‪ ،‬ملزمون ب�أن نتعامل مع الدول‬ ‫الأخرى ب�شكل ع�صري وح�ضاري‪ ،‬و�أ�صبحت تربطنا م�صالح كثرية‬ ‫مع الآخرين‪ ،‬ولن نحل م�شكالتنا �إال �إذا ا�ستعملنا العقل املتطور‬ ‫املتح�ضر لنتعامل مع هذا الكم الكبري من الدول والثقافات‪ .‬ويجب‬

‫�أن تكون قراراتنا يف م�ستوى امل�س�ؤولية مثل تركيا مث ً‬ ‫ال‪ .‬فالأتراك‬ ‫�أنا�س متم�سكون متاماً بفرائ�ض دينهم‪ ،‬و�إميانهم مو�صول مبا�شرة‬ ‫مع اخلالق‪ ،‬ومعظمهم يعملون ح�سب ما يراه الدين احلنيف‬ ‫منا�سبا ومعقو ًال‪ .‬وال يجب �أن توهمنا بعك�س ذلك جوانب �سلبية‬ ‫يف امل�سل�سالت الرتكية التي تعك�س �صور فئة قليلة جداً يف املجتمع‬ ‫الرتكي‪ ،‬وهنالك �أمور كثرية �أخرى ميكن �أن نتعلمها من هذه‬ ‫امل�سل�سالت‪ ،‬مثل احرتام الأتراك لدينهم وعاداتهم وتقاليدهم‪،‬‬ ‫واحلب الكبري بني �أفراد الأ�سرة الواحدة‪ ،‬وهي �أمور جتعل كلها‬ ‫من هذه الدولة الإ�سالمية �أح�سن مثال‪ ،‬وتعطيها الرونق اجلميل‬ ‫عندما يظهر رئي�س اجلمهورية الرتكية ومعه ال�سيدة عقيلته‬ ‫بحجابها الذي يعطيها احل�شمة والوقار‪.‬‬ ‫هذه الثورات التي نراها يف الدول العربية املختلفة يقوم بها‬ ‫رجال ون�ساء م�سلمون عاديون‪ ،‬وال نرى فيها هيمنة لأي جماعة‬ ‫�إ�سالمية م�سي�سة‪ ،‬ومل نر فيها �أعالماً �أمريكية و�إ�سرائيلية حترق‪،‬‬ ‫و�إمنا مواطنون ي�ؤمنون ب�أن حكوماتهم قد هدرت كراماتهم‪،‬‬ ‫ونكلت ب�شبابهم‪ ،‬و�سرقت ثروات بالدهم‪ .‬ور�أينا الكثريين منهم‬ ‫مواظبني على �أداء ال�صالة يف وقتها‪ ،‬متمتعني ب�سمو عال يف‬ ‫الأخالق واملعاملة‪ ،‬ويعملون كفريق واحد‪ .‬وقد حافظ املتظاهرون‬ ‫على املمتلكات العامة‪ ،‬ووقفوا �صفا واحدا �أمام املتاحف الرئي�سة‪،‬‬ ‫وكان تعط�شهم للحرية دافعهم الأ�سا�س‪ .‬وكانت هتافاتهم تقول‬ ‫�إنهم يريدون حكما عادال �شريفا نزيها ال مييز بينهم‪.‬‬ ‫�إ َّن ال�شباب امل�ؤمن مندفع لت�صحيح الأمور يف تلك البلدان‪،‬‬ ‫وليفر�ض على حكوماتها التغيري و�إنهاء مدة خدماتها التي واكبت‬ ‫�أعمارهم بطولها و�أكرث‪ ،‬وظلمت الكثريين منهم و�شردتهم يف‬ ‫كل بقاع الأر�ض لأن قيادتها تعترب �أن املواطن �أ�صبح عبئا على‬ ‫الدولة‪ ،‬وت�شجعه على الهجرة والغربة‪ .‬وقد �أدرك ه�ؤالء ال�شباب‬ ‫وال�شابات �أن تلك الأنظمة ديكتاتورية غري حكيمة وال عادلة‪،‬‬ ‫فهبوا جميعا ال�ستعادة كرامتهم املهدورة‪ ،‬وخرجوا �إىل ال�شوارع‬ ‫يطالبون باحلرية‪ .‬ومل يطالب �أحدهم ب�أن يكون الدين جزءا من‬ ‫الدولة‪ ،‬ومل يريدوا �أن يحكمهم �أ�صوليون من �أي اجتاه‪ ،‬و�إمنا‬

‫‪24‬‬


‫�أرادوا احلرية والعي�ش الأف�ضل‪ ،‬مبا ال يختلف عن جوهر الدين‬ ‫والثقافة‪ ،‬وقد حققوا ذلك‪.‬‬ ‫ترى هذه املوجات املندفعة من �شبابنا و�شاباتنا �أن الدين هلل‬ ‫والوطن للجميع‪ .‬والوطن والوطنية ال يباعان وي�شرتيان‪ ،‬وحقوق‬ ‫الأفراد واجلماعات هي للجميع مهما كانت انتماءاتهم ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫واختالف �أديانهم ومذاهبهم‪ .‬وكان من �أجمل ما يف ميدان التحرير‬ ‫بالقاهرة هو رف�ض �أقباط م�صر الإذعان لأوامر �سلطتهم الدينية‬ ‫ب�إعطاء الوالء ملبارك‪ ،‬والعودة �إىل بيوتهم‪ .‬وحينها خرج الأقباط‬ ‫من كنائ�سهم‪ ،‬وانخرطوا مع مواطنيهم يف ال�صالة يف ميدان‬ ‫التحرير‪ ،‬ليكونوا جزءاً من هذا الن�سيج القومي‪ .‬كما خرج �أ�ساتذة‬ ‫و�شيوخ وطلبة الأزهر وان�ضموا �إىل ال�شعب الثائر‪ ،‬ومل يرفعوا �أي‬ ‫�شعارات تطالب بتطبيق قوانني خا�صة‪ ،‬و�إمنا هتفوا جميعا للوحدة‬ ‫الوطنية‪.‬‬ ‫هذا اخلليط من �شعب م�صر‪ ،‬رجاال ون�ساء ورجال دين من الأزهر‬ ‫ال�شريف‪ ،‬يدل على �أن ثورة جديدة ولدت يف العامل العربي‪ ،‬هي ثورة‬ ‫الإ�سالم املعتدل البعيد عن �شعارات اعتدنا �سماعها طوال ال�سنوات‬ ‫املا�ضية‪ .‬وه�ؤالء ال�شباب وال�شابات قادرون على �أن يحكموا م�صر‬ ‫العربية‪� ،‬إ�سالمية الثقافة‪ ،‬بالعدالة بني جميع �سكان م�صر من‬ ‫م�سلمني و�أقباط‪ ،‬وعلى �أن ي�ستعيدوا للنا�س حرياتهم التي �سلبت‬ ‫منهم‪ ،‬وكرامتهم التي �أهدرت‪ ،‬و�أموالهم التي �سلبت‪ ،‬و�شخ�صيتهم‬ ‫التي �سحقت‪ ،‬حمافظني على الهوية احل�ضارية والدينية التي‬ ‫تنا�سب كل ع�صر وزمان‪.‬‬ ‫هذا الإ�سالم املعتدل هو الذي �سيجعلنا نركز ثانية على �صناعة‬ ‫نه�ضة عربية �إ�سالمية مثقفة خمل�صة لأوطانها‪ ،‬وح�ضارة نفخر‬ ‫بها وينتمي �إليها اجلميع‪ .‬و�سيظهر للعامل �أن الإ�سالم لي�س دين‬ ‫�إرهاب‪ ،‬وال هو يكفر الأديان ال�سماوية الأخرى‪ .‬وبذلك‪ ،‬يكون يف‬ ‫جوهره معتد ًال ين�صف اجلميع يف م�صادره الأ�سا�سية‪ ،‬ويرف�ض‬ ‫الت�أويالت واالجتهادات والفتاوى التي تبتعد به عن هذا اجلوهر‪،‬‬ ‫والتي �أ�صبحت �سلعة يتاجر بها بع�ض رجال الدين كما فعل بابوات‬ ‫روما يف الع�صور الو�سطى‪ ،‬حني بد�أوا ببيع �أماكن يف اجلنة مقابل‬ ‫مبالغ باهظة يدفعها الكاثوليكي‪ ،‬والتي ت�سمى �صكوك الغفران‪،‬‬

‫وهذا ما جعل الكني�سة الربوت�ستانتية تنف�صل عن الكاثوليكية‪.‬‬ ‫�إن الإ�سالم املعتدل الذي ينبع من القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‬ ‫ال�شريفة قادر �أن يجمع امل�سلمني على �إ�سالم واحد بعيد عن‬ ‫االن�شقاقات املذهبية والتع�صب الأعمى‪ ،‬وهو يجمع وال يفرق لأنه‬ ‫مبني على م�صادره الوا�ضحة واملتكاملة‪ :‬القر�آن الكرمي‪� ،‬سنة‬ ‫الر�سول العظيم حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وال �شيء �آخر‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫المرأة والتنمية‬

‫مقاربة في إشكاليات‬ ‫المشاركة وشروطها‬ ‫�إعداد‪ :‬د‪.‬عيدة املطلق قناة‬ ‫التنمية كمفهوم هي عملية حتول �إرادية �شاملة لكل مظاهر احلياة‬ ‫االقت�صادية‪ -‬االجتماعية‪ -‬الثقافية‪ -‬ال�سيا�سية!! و يف الفكر‬ ‫االقت�صادي ف�إن التنمية هي» حتقيق �أعلى معدل منو ممكن» ‪ ..‬يف حني‬ ‫�أن مفهوم التنمية الب�شرية ينطوي على ر�ؤية تغيريية للواقع املعا�ش‬ ‫من خالل تطوير قدرات الإن�سان على اخللق والإبداع للم�ستقبل‪ ..‬ومن‬ ‫هنا ف�إن لعملية التنمية الب�شرية بعدين الأول هو‪ :‬تكوين القدرات‬ ‫الب�شرية (الطبيعية والنف�سية والعقلية واملهنية) و توفري الفر�ص‬ ‫للنا�س ال�ستخدام هذه القدرات‪ ..‬والثاين هو تو�سيع وتنويع اخليارات‬ ‫التي ميلكها النا�س‪ ...‬وتتحقق التنمية الب�شرية بهذا املفهوم من خالل‬ ‫عدة عمليات هي‪ :‬التمكني‪ ،‬والتعاون بني �أفراد املجتمع‪ ،‬وامل�شاركة‪،‬‬ ‫والإن�صاف يف الفر�ص بني اجلميع‪ ،‬واال�ستدامة‪..‬والأمن واحلرية‬ ‫وبناء قدرات الب�شر‪.‬‬ ‫�أما التنمية ال�سيا�سية فتعترب �شك ً‬ ‫ال من �أ�شكال التنمية الب�شرية ‪..‬‬ ‫و�شرطاً من �شروط التنمية ال�شاملة ‪ ..‬ولكن هذه التنمية ال تتحقق �إال‬ ‫بامل�شاركة ال�شاملة جلميع مكونات املجتمع ويف مقدمتها املر�أة ‪..‬‬ ‫يف �إطار هذه املفاهيم ميكن مقاربة واقع املر�أة العربية وامل�سلمة يف‬ ‫التنمية ‪ ..‬وبني يدي هذه املقاربة تطرح جملة من الت�سا�ؤالت الإ�شكالية‬ ‫لعل منها ‪:‬‬ ‫• ما مدى �صحة اتهام الإ�سالم بامل�س�ؤولية عن تخلف �أو�ضاع املر�أة ؟‬ ‫• كيف ميكن للمر�أة امل�سلمة القيام بدورها يف خالفة اهلل وعمارة‬ ‫الأر�ض وامل�شاركة يف تنمية جمتمعها ووطنها ؟‬ ‫• ما هي الأهمية اخلا�صة لدور املر�أة يف التنمية ؟‬

‫• ما هي الظروف واملعوقات التي حتول دون م�شاركة املر�أة فيها‬ ‫بفعالية؟‬ ‫يف الإ�شكالية الأوىل املتمثلة بتحميل الإ�سالم امل�س�ؤولية عن تخلف‬ ‫�أو�ضاع املر�أة يرى علماء االجتماع �أن هناك حمددين �أ�سا�سيني لل�سلوك‬ ‫الإن�ساين ب�شكل عام واملر�أة ب�شكل خا�ص هما ‪ :‬البناء االجتماعي‪..‬‬ ‫والبناء الثقايف ‪ ..‬للمجتمع‪ ..‬ونظراً �إىل �أن الإ�سالم ي�شكل قاعدة البناء‬ ‫الثقايف يف جمتمعاتنا العربية ‪ ..‬التي ما زالت ت�شهد تخلفاً يف �أو�ضاعها‬ ‫العامة ‪ ..‬جند �أن هناك �أ�صواتاً ومقوالت ترتدد جتعل الإ�سالم – ب�صفته‬ ‫قاعدة البناء الثقايف يف املجتمع‪ -‬امل�س�ؤول عن تخلف �أو�ضاع املر�أة بعامة ‪.‬‬ ‫على �أننا يف مقاربة هذه الإ�شكالية ال بد من الإ�شارة �إىل �أن «النظام‬ ‫االجتماعي» يف الإ�سالم يقوم على قاعدة «امل�ساواة يف �أ�صل اخللق» ‪..‬‬ ‫دومنا تفريق على �أ�سا�س اللون او اللغة او العرق �أو اجلن�س �أو الدين‬ ‫‪ ..‬و�أن العدالة واحلق هما من �أهم مبادئ الدين ‪...‬ويت�ساوى بذلك‬ ‫امل�سلمون مع غريهم يف احلقوق والواجبات ‪..‬‬ ‫وعليه ف�إن منظومة حقوق الإن�سان يف الإ�سالم منظومة متكاملة‪،‬‬ ‫ت�أخذ باالعتبار اجلوانب املختلفة من حياة الإن�سان وعالقاته يف �إطار‬ ‫اجلماعة التي يعي�ش فيها‪ ،‬والطبيعة املتغرية واملتطورة للمجتمعات مع‬ ‫تقدم الزمن وتعقد جوانب احلياة‪.‬‬ ‫وقد جاء يف «الإعالن الإ�سالمي لدور املر�أة يف تنمية املجتمع امل�سلم»‬ ‫(ال�صادرعام ‪ 2009‬عن جممع الفقه الإ�سالمي التابع ملنظمة امل�ؤمتر‬ ‫الإ�سالمي ) ليبني القواعد التي ي�ستند �إليها دور املر�أة يف التنمية مبا‬ ‫ي�ؤكد ف�ساد هذه املقوالت ‪ ...‬فمن هذه القواعد‪:‬‬ ‫• الدور املتكامل لكل من الرجل واملر�أة يف تكوين جمتمع �إ�سالمي‬ ‫متوازن‪ ،‬يكون لكل من الرجل واملر�أة دور فيه‪،‬‬ ‫• الأ�سرة هي حجر الزاوية يف هذا البناء‪،‬‬ ‫• الأمومة هي �أهم الوظائف الطبيعية للمر�أة يف حياتها‪،‬‬ ‫• الرجل واملر�أة مت�ساويان يف الكرامة الإن�سانية‪،‬‬ ‫• للمر�أة من احلقوق وعليها من الواجبات ما يالئم فطرتها‬ ‫وقدراتها وتكوينها‪.‬‬ ‫• احرتام املر�أة يف جميع املجاالت‪ ،‬ورف�ض ما يثار �ضدها من حتقري‬ ‫ل�شخ�صيتها وامتهان لكرامتها‪،‬‬ ‫• �إنكار ما يقع من بع�ض احلكومات من منع املر�أة امل�سلمة من‬ ‫االلتزام بدينها‪.‬‬ ‫و�أما ما يتعلق بالت�سا�ؤل عن دور املر�أة يف خالفة اهلل وعمارة الأر�ض‬

‫‪26‬‬


‫والعدالة االجتماعية‪ ،‬وي�ؤمن التوظيف الأمثل للموارد الب�شرية‪ ،‬وفق‬ ‫القاعدة القر�آنية ( َوالمْ ُ�ؤْمِ ُنو َن َوالمْ ُ�ؤْمِ َن ُ‬ ‫ات َب ْع ُ�ض ُه ْم َ�أ ْو ِل َيا ُء َب ْع ٍ�ض ْيَ�أ ُم ُرو َن‬ ‫ال�صلاَ َة َو ُي�ؤْ ُتو َن ال َّز َكا َة َويُطِ ي ُعو َن‬ ‫ِبالمَْ ْع ُر ِ‬ ‫وف َو َي ْن َه ْو َن ع َِن المْ ُ ْن َك ِر َو ُيقِي ُمو َن َّ‬ ‫للهََّ‬ ‫ُ‬ ‫اللهََّ َو َر ُ�سو َل ُه �أُو َلئ َِك �سَيرَ ْ َح ُم ُه ُم اللهَّ �إِ َّن ا َعزِي ٌز َحكِي ٌم ) (التوبة‪.)71:‬‬ ‫ويف الإ�شكالية الرابعة املتعلقة بالظروف واملعوقات التي حتول دون‬ ‫م�شاركة املر�أة بفعالية يف التنمية ال�شاملة يف املجتمع‪ ،‬ف�إن مقاربة هذه‬ ‫الإ�شكالية تنطلق من �أن « فل�سفة التنمية» يف املجتمعات املعا�صرة تقوم‬ ‫على الدور املهم الذي تلعبه م�ؤ�س�سات املجتمع املدين‪ ،‬ومبا �أن الظروف‬ ‫ال�سيا�سية واالجتماعية والتاريخية التي مرت ومتر بها املجتمعات‬ ‫العربية حالت دون ن�شوء جمتمع مدين فاعل‪ ،‬مما يف�سر �أحد �أهم‬ ‫عوامل تدين امل�شاركة يف التنمية بعامة وامل�شاركة ال�سيا�سية بخا�صة ‪.‬‬ ‫بالإ�ضافة لذلك ف�إن هناك معوقات �أخرى كانت �أ�شد ت�أثرياً يف �إبعاد ‪� /‬أو‬ ‫ابتعاد املر�أة عن امل�ساهمة يف التنمية ومنها‪:‬‬ ‫‪� .1‬ضعف وا�ضح يف م�ؤ�س�سات امل�شاركة ال�سيا�سية بدءاً من االحزاب‬ ‫ال�سيا�سية مروراً مبنظمات املجتمع املدين وانتهاء باملجال�س املنتخبة ‪.‬‬ ‫‪ .2‬الدور ال�سلبي الذي يلعبه الإعالم ‪ ،‬فقد �أجمعت درا�سات عديدة‬ ‫(دولية وعربية) على �أن تناول ق�ضايا املر�أة ومنجزاتها يف و�سائل‬ ‫الإعالم ما زال يت�سم بالتق�صري وال يرتقي �إىل م�ستوى الإجناز‪ ،‬بل‬ ‫كثرياً ما يت�سم بال�سلبية يف تناول �أدوار ومواقع املر�أة ‪ ،‬ومواقفها من‬ ‫الق�ضايا الوطنية بعامة ‪.‬‬ ‫ففي الوقت الذي يبتعد فيه الإعالم عن الرتكيز على الق�ضايا‬ ‫واملو�ضوعات التي تعك�س تطور املر�أة ودورها النه�ضوي‪� ،‬إال �أن هذا‬ ‫الإعالم مازال يركز على ا�ستخدام ج�سد املر�أة يف الإعالن والرتويج‬ ‫ال�سلعي ب�صورة مهينة لكرامة املر�أة وا�ستهانة بدورها ومكانتها‬ ‫كمواطنة ‪.‬‬ ‫‪ .3‬رغم املحاوالت التي بذلت من �أجل رفع م�شاركة املر�أة يف العمل‬ ‫ال�سيا�سي �إال �أن م�شاركة املر�أة ال تزال حمدودة ودون امل�ستوى املطلوب �أو‬ ‫املتوقع‪ ،‬فالإجراءات وال�سيا�سات التي مت اتخاذها كانت وما زالت فوقية‬ ‫وفاقدة للمعايري‪.‬‬

‫وامل�شاركة يف تنمية جمتمعها ووطنها (وهو ما يطلق عليه يف امل�صطلح‬ ‫احلديث التنمية ال�شاملة وامل�ستدامة)‪ ..‬ف�إن الإ�سالم قدم م�شروعا‬ ‫ح�ضاريا متكامال ‪ ..‬جعل الإن�سان فيه م�ستخلفا من اهلل يف هذه الأر�ض‬ ‫لعمارتها وا�ستثمار خرياتها‪� ،‬س ّلطه اهلل عليها و�أعطاه القدرة على‬ ‫ت�سخريها وت�سخري �سائر الكون ملنافعه مبا وهبه من احلوا�س والعقل‬ ‫و�سائر ال�صفات اجل�سمية والعقلية التي جتعله �أه ً‬ ‫ال لذلك على تفاوت‬ ‫بني �أبناء الب�شر) ‪..‬‬ ‫وت�ستند نظرية هذا امل�شروع احل�ضاري �إىل العديد من الآيات القر�آنية‬ ‫الَ ْر ِ�ض‬ ‫منها على �سبيل املثال ال احل�صر ( َوهُ َو ا َّلذِ ي َج َعلَ ُك ْم خَلاَ ئ َِف ْ أ‬ ‫َو َر َف َع َب ْع�ضَ ُك ْم َف ْو َق َب ْع ٍ�ض َد َر َجاتٍ ِل َي ْب ُل َو ُك ْم فيِ مَا �آ َتا ُك ْم ِ�إ َّن َر َّب َك �سَ رِي ُع‬ ‫ا ْل ِع َقابِ وَ�إِ َّن ُه َل َغ ُفو ٌر َرحِ ي ٌم ) (الأنعام‪ ، ) 156:‬و(�آمِ ُنوا بِاللهَّ ِ َو َر ُ�سو ِل ِه‬ ‫ني فِي ِه َفا َّلذِ َ‬ ‫وَ�أَ ْن ِف ُقوا ممِ َّ ا َج َعلَ ُك ْم م ُْ�ستَخْ لَ ِف َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا مِ ْن ُك ْم وَ�أَ ْن َف ُقوا َل ُه ْم‬ ‫ري) (احلديد‪.)7:‬‬ ‫�أَ ْج ٌر َك ِب ٌ‬ ‫�إن امل�شروع الإ�سالمي لعمارة الأر�ض يقوم «بوا�سطة الإن�سان‪ ،‬ومن‬ ‫�أجل حتقيق حياة طيبة كرمية للإن�سان»‪ ،‬ومبا �أن «الن�ساء �شقائق‬ ‫الرجال» ف�إن «�إعمار الأر�ض هو �أمر واجب عليهن بـ»العقل والنقل»‪،‬‬ ‫فاملر�أة يف الإ�سالم «ذات �أهلية كاملة وال خالف»‪ ،‬وم�شاركتها االجتماعية‬ ‫وال�سيا�سية واالقت�صادية واجبة �شرعاً‪.‬‬ ‫ويف الإ�شكالية الثالثة املتعلقة بـ « الأهمية اخلا�صة لدور املر�أة يف‬ ‫التنمية»‪ ..‬فال بد من الإ�شارة �إىل بديهية تنموية تقول ب�أن املجتمع‬ ‫– �أي جمتمع ‪ -‬يقوم على جهود الرجال والن�ساء ‪ ...‬ويقوم املنظور‬ ‫احل�ضاري للتنمية ال�شاملة على قاعدة �أن التنمية هي عملية «حتقيق‬ ‫الذات واالرتقاء باجلماعة والأمة» ‪..‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق ف�إن الدور الذي تقوم به املر�أة يف «التن�شئة االجتماعية»‬ ‫يف الأ�سرة‪ ..‬ينطوي على «حتقيق الذات واالرتقاء بالأداء اجلمعي‬ ‫للأفراد‪ ،‬وحتقيق الأمن النف�سي للأفراد واجلماعة‪ ،‬وتر�سيخ القيم‬ ‫احل�ضارية لديهم‪ ،‬وبذلك فدور املر�أة يف هذه العملية دورمركب بل‬ ‫يرتقي �إىل �أن يجعلها «حاملة القيم احل�ضارية للأمة»‪،‬وبالتايل‬ ‫امل�سئولة عن االرتقاء احل�ضاري باجلماعة والأمة ‪ ،‬ف�أي دور يكت�سب‬ ‫�أهمية �أكرب من هذا الدور؟‬ ‫وانطالقاً من هذه الأهمية اخلا�صة لدور املر�أة ف�إن �أي �ضربة للعائلة‬ ‫هي �ضربة قو ّية للمجتمع‪ ..‬حتوله �إىل جمتمع ال �صالح فيه وال ق ّوة‬ ‫وال فاعل ّية ‪.‬‬ ‫ومن جانب �آخر ف�إن «التنمية الفاعلة تقوم على امل�شاركة الفاعلة»‬ ‫من قبل كل عنا�صر املجتمع ‪ -‬ذكوراً و�إناثاً‪ ،‬وحتى تتحقق «امل�شاركة‬ ‫الفاعلة» البد من» م�شروع تنموي وطني متكامل»‪ ،‬ي�ضمن امل�ساواة‬

‫خال�صة الأمر ف�إن الت�صدي للتحديات املتداخلة التي تتعر�ض لها‬ ‫الأمة يف �أوطانها املختلفة ال ميكن �أن يتم �إال من تقوية املجتمع‬ ‫وتعزيز قدراته عرب عملية تنمية حقيقية �شاملة وم�ستدامة ‪ ..‬ت�سهم‬ ‫فيها جميع م�ؤ�س�سات الوطن ‪ ..‬وي�شارك فيها كل الأطر الوطنية امل�ؤهلة‬ ‫من الن�ساء والرجال ‪ ..‬يف �إطار جمتمع مدين قوي وم�ستقل‪ ..‬ي�ؤ�س�س‬ ‫لإ�سرتاتيجية ت�شاركية تبد�أ وتنتهي بالإن�سان !!‬

‫‪27‬‬


‫الحوار الحضاري في‬ ‫اإلسالم‬ ‫د‪ .‬عبد القادر الكتاين‪� /‬سوريا‬ ‫قد يظن بع�ض القراء �أن هديف من هذا املقال �أن �أحدثكم عن‬ ‫�شروط و�أركان احلوار الإ�سالمي �أو �أهدافه ومنطلقاته و�أن �أمور‬ ‫احلوار وتفا�صيله كلها �إجناز �إ�سالمي بامتياز‪ ,‬وبالطبع لي�س هذا‬ ‫هو الهدف �إذ ال يخفى على الباحث �أن احلوار احل�ضاري الراقي‬ ‫الذي نعهده اليوم‪ ,‬مت حتديثه وتطويره عرب قرون من التوا�صل‬ ‫والتكامل والعالقات احل�ضارية بني بني الب�شر‪� ,‬إال �أنني �س�أبرهن‬ ‫للجميع �أن الإ�سالم كان من �أوائل ال�شرائع ال�سماوية والقوانني‬ ‫الأر�ضية التي دعت للحوار ودعمته ال بل قبلت نتائجه‪� ,‬أي �أن فكرة‬ ‫احلوار بد�أت �إ�سالمية وتطورت عرب التاريخ �إىل �أن و�صلت �إلينا‬ ‫على ما هي عليه الآن من ال�سمو والتكامل‪ ,‬ويف ذلك تدعيم للفكر‬ ‫احلواري احل�ضاري الإن�ساين‪ ,‬ودعوة للتيارات الإ�سالمية على‬ ‫اختالف انتماءاتها املذهبية والفقهية لتلتزم احلوار العلمي البناء‬ ‫فيما بينها �أو ًال وفيما بينها وبني الآخر عموماً �أيا كان انتما�ؤه‬ ‫احل�ضاري �أو الديني �أو الثقايف‪� ,‬إن كانت حقا م�سلمة‪.‬‏‬ ‫فمما ال�شك فيه �أن اهلل قد خلق الب�شر جميعاً من �أرومة وطينة‬ ‫واحدة ‪ ,‬وجعلهم مت�ساوين يف احلقوق والواجبات‪ ،‬حيث «ال ف�ضل‬ ‫لعربي على �أعجمي وال لأبي�ض على �أ�سود �إال بالتقوى» كما قال‬ ‫الر�سول الكرمي ‪،‬و�أ�شركهم جميعاً ب�أ�شياء كثرية بالفطرة ‪ .‬ثم‬ ‫جعلهم يختلفون ب�أ�شياء �أخرى ليدفعهم �إىل التناف�س والتعاون‬ ‫وتبادل املنافع ‪,‬‏‬ ‫وانطالقاً من هذا املبد�أ الذي يوفر البيئة املنا�سبة للحوار من �أجل‬ ‫الأف�ضل للجميع كان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يكرم �أ�ضيافه‬

‫و�إن كانوا غري م�سلمني فقد �سمح مثال لوفد ن�صارى جنران �أن‬ ‫ي�ؤدي �صالته يف م�سجده ‪ ،‬وكذلك قال مثال» ما من م�سلم يغر�س‬ ‫غر�ساً في�أكل منه �إن�سان �أو دابة �أو طري �إال كان له �صدقة «‪ .‬فهو‬ ‫يحث على عمل اخلري للإن�سان ب�صرف النظر عن دين امل�ستفيد‬ ‫منه‪.‬‏‬ ‫و�أو�صى الإ�سالم برابطة اجلوار خرياَ‪ ،‬حيث يقول الر�سول» ما زال‬ ‫جربيل يو�صيني باجلار حتى ظننت �أنه �سيورثه» دون حتديد �أن‬ ‫يكون اجلار م�سلماً �أو غري م�سلم‪.‬‬ ‫وقد �أمر الر�سول ملا ُذبِحت له �شاة �أن ُيهدي منها جلاره اليهودي‪.‬‬ ‫ومن الأدلة والأمثلة التي ت�ؤكد على ال�صلة مع غري امل�سلمني �أن‬ ‫الر�سول بعث �إىل �أهل مكة قبل �أن يفتحها ما ًال ملا قحطوا ليوزع‬ ‫على فقرائهم‪ ,‬و�أنه عليه ال�صالة وال�سالم ت�صدق ب�صدقة على‬ ‫�أنا�س من يهود‪ ,‬فهي جترى عليهم‪ ،‬و�أنه عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫قام جلنازة يهودي‪ .‬كما �أن اخلليفة الرا�شد عمر بن اخلطاب ر�أى‬ ‫ن�صارى جمزومني ف�أمر لهم مب�ساعدة اجتماعية‪ ,‬واغتاله ذمي‬ ‫فلم مينعه ذلك من �أن يو�صي بهم خرياً‪.‬‏‬ ‫ومما ال�شك به �أن هذا الت�سامح �إمنا ينتج عن التعاليم الإ�سالمية‬ ‫ال�سمحة التي تن�ص على كرامة الإن�سان عموماً وعلى حرية‬ ‫ِّين َق ْد َتبَينََّ ال ُّر ْ�ش ُد مِ َن ا ْل َغ ِّي )‬ ‫االختيار يف الدنيا ( اَل �إِ ْك َرا َه فيِ الد ِ‬ ‫(البقرة‪ ،)256 :‬وعلى �أن امل�سلم لي�س مكلفاً مبحا�سبة الآخرين على‬ ‫توجهاتهم‪ ,‬بل عليه فقط دعوتهم باحل�سنى‪.‬‏‬ ‫ومن مبادئ الإ�سالم احرتام العقود ال�صريحة وال�ضمنية رغم‬ ‫اختالف العقيدة �أو احل�ضارة‪ .‬ومن مبادئه �أي�ضا �أن يرجو امل�سلمون‬ ‫للآخرين ما يرجونه لأنف�سهم من اخلري فيدعون لهم بالهداية‬ ‫والر�شاد‪ .‬وهو مبد�أ �أنبياء اهلل جميعاً‪.‬‏‬ ‫ومن اجلهود املتبادلة يف توفري البيئة املنا�سبة للحوار �إ�سالمياً‬ ‫الثناء على العمل ال�صالح و�إن �صدر ممن نختلف معه يف بع�ض‬ ‫الأمور ومنها العقيدة‪ .‬فقد �أ�شار الر�سول ب�صيغة الثناء �إىل حلف‬ ‫الف�ضول ومن دعا �إليه حيث قال» لو دعيت يف الإ�سالم �إىل مثله‬ ‫لأجبت «‪ ،‬و�أثنى على ملك احلب�شة الذي مل يكن م�سلماً وقال عنه‬ ‫�إنه ملك ال يظلم عنده �أحد‪.‬‏‬ ‫ويطالبنا البارئ عزوجل بالدعوة واجلدال باحل�سنى بقوله( ا ْد ُع‬ ‫�إِلىَ �سَ ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمَْ ْوعِ َظ ِة الحَْ �سَ َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّلتِي هِ َي‬ ‫�أَ ْح�سَ ُن ِ�إ َّن َر َّب َك هُ َو �أَ ْعلَ ُم بمَِ نْ �ضَ َّل َعنْ �سَ ِبي ِل ِه َوهُ َو َ�أ ْعلَ ُم ِبالمْ ُ ْه َتدِ َ‬ ‫ين)‬ ‫( النحل‪.)125 :‬‏‬ ‫والأ�صل يف املحاورة احل�ضارية خلوها من اخلداع والأ�ساليب‬

‫‪28‬‬


‫امللتوية �أو اجلارحة‪ ،‬لهذا ينتهي احلوار يف الغالب بزيادة االحرتام‬ ‫واملودة‪� ،‬سواء �أقبل �أحد املتحاورين ر�أي املحاور الآخر �أم رف�ضه‪.‬‏‬ ‫وهناك مناذج كثرية للحوار اللفظي بني الإ�سالم واحل�ضارات‬ ‫الأخرى‪ .‬و�سوف �أقت�صر على �إيراد بع�ضها مما ورد يف ال�سرية‬ ‫النبوية من مناذج‪.‬‏‬ ‫�إذ �إن جميع اجلهود الدعوية للر�سول ميكن اعتبارها مبادرات‬ ‫للدعوة �إىل اخلري ال�شامل �أو مبادرات ال�ستثارة احلوار بني‬ ‫الثقافات والأديان واحل�ضارات‪.‬‏‬ ‫ولعل من �أبرز اجلهود التي بذلها الر�سول لدعوة �أ�صحاب الديانات‬ ‫واحل�ضارات الأخرى �إىل الإ�سالم �أو ال�ستثارة احلوار معها ر�سائله‪:‬‬ ‫�إىل ملوك الدول الأخرى‪.‬‏‬ ‫كذلك تلك التي جرت بني الر�سول ووفد ن�صارى جنران‪ ,‬حيث �أكد‬ ‫لهم النبي مكانة عي�سى عليه ال�سالم يف الإ�سالم‪ ،‬وحول ما يريده‬ ‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم منهم‪ ،‬و�أكد لهم �أن الأنبياء �إخوة يف‬ ‫الدعوة �إىل اهلل �إذ قال لهم �أنه قد بعث ليتمم مكارم الأخالق التي‬ ‫بد�أها الأنبياء ال�سابقون و�أو�ضح لهم �أنه يدعوهم �إىل عبادة اهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪.‬‏‬ ‫من امل�ؤكد �أن هذا املبد�أ هو مبد�أ الر�ساالت ال�سماوية كلها‪ ,‬فهو‬ ‫مبد�أ الفطرة الب�شرية ال�سليمة‪ ،‬فهل الأديان هي ال�سبب الرئي�سي‬ ‫لل�صراعات واحلروب الدموية التي وقعت وتقع يف كل زمان‬ ‫ومكان؟‪.‬‬ ‫�إن �أتباع الر�ساالت ال�سماوية امل�ؤمنني احلقيقيني منهم يدركون‬ ‫جيداً �أن ال�صراع املادي جزء طبيعي من احلياة يف هذه الدنيا‪.‬‬ ‫ف�أعوان ال�شر ال يزالون ن�شطني يف حماربة اخلري‪ ,‬وال بد لأعوان‬ ‫اخلري �أن ينتبهوا �إىل هذه احلقيقة وال يقعوا فرائ�س �سهلة لل�شباك‬ ‫التي ين�صبها لهم �أعوان ال�شر‪ ,‬الذين يزينون امل�صالح ال�شخ�صية‪,‬‬ ‫ويحثون الأباطرة على اجلري وراء احلروب والكوارث‪.‬‏‬ ‫ولكن لو ا�ستعر�ضنا �أ�سباب احلروب يف العامل بدقة لوجدناها‬ ‫تتمثل فيما يلي‪:‬‏‬ ‫ امل�صالح والأطماع اال�ستعمارية لبع�ض القادة ال�سيا�سيني‬‫والع�سكريني‏‬ ‫ املناف�سة غري ال�شريفة واحلقد الأعمى عند بع�ض الأ�شخا�ص من‬‫�أتباع احل�ضارات املختلفة‏‬ ‫ ا�ستغالل ذوي امل�صالح الأنانية لالختالفات الطبيعية (العن�صر‬‫واللون) واملكت�سبة (االختالف يف الدين والثقافة)‏‬

‫وهنالك �أمثلة كثرية مل�ساهمة العرب وامل�سلمني �أفرادا وحكومات‬ ‫يف توفري البيئة ال�صاحلة للحوار احل�ضاري ‪ ,‬وهي نف�سها مناذج‬ ‫م�شرفة للحوار بني احل�ضارات‏‪.‬‬ ‫وانطالقاً من هذا املبد�أ فقد عملت احلكومات العربية والإ�سالمية‬ ‫على توفري البيئة املنا�سبة للحوار بني احل�ضارة الإ�سالمية‬ ‫واحل�ضارات الأخرى بطرق خمتلفة‪ ,‬منها تقدمي الدعم املايل‬ ‫ملراكز احلوار احل�ضاري يف بع�ض اجلامعات ومراكز الدرا�سات‬ ‫العربية والغربية‪.‬كما �شاركت التيارات الإ�سالمية املعتدلة‬ ‫واملتنورة يف توفري البيئة ال�شعبية املنا�سبة للحوار احل�ضاري‪,‬‏ وهنا‬ ‫يربز �س�ؤال مهم وهو ما دام الأمر كذلك فلماذا كانت احلروب بني‬ ‫�أتباع الر�ساالت املختلفة عموماً؟‬ ‫�إن �أ�صحاب الر�ساالت ال�سماوية يدركون جيدا �أن الدين بريء‬ ‫من تهمة �إ�شعال احلروب‪ ,‬براءة الذئب من دم ابن يعقوب ف�صراع‬ ‫امل�صالح املادية والأطماع الب�شرية جزء طبيعي من طبائع وغرائز‬ ‫الب�شر‪ .‬و�أعوان ال�شر ال ولن يتوقفوا عن حماربة اخلري‪ ,‬ويبثون‬ ‫الأحقاد بني ال�شعوب‪.‬‏‬ ‫�إذ �إن �أغلب احلروب وال�صراعات التي تقنعت بالدين كانت �صراعات‬ ‫م�صالح مادية وهيمنة ا�ستعمارية ‪ -‬خذ احلروب ال�صليبية مث ً‬ ‫ال‬ ‫ �إذ تقنع الغربيون بال�صليب و�أعلنوها حرباً �صليبية ال�ستثارة‬‫امل�شاعر الدينية للم�سيحيني الغربيني وال�شرقيني ولكن خاب‬ ‫ف�ألهم و�أ�سماها العرب حروب الفرجنة ‪ ,‬وات�ضح الأمر لكل ذي‬ ‫ب�صرية �أنها حرب ا�ستعمارية مادية هدفها ال�سيطرة على مقدرات‬ ‫وثروات ال�شرق العربي‪ ,‬وما احلرب التي ت�شنها �أمريكا والغرب‬ ‫على املنطقة العربية �إال حربا قذرة �أخرى هدفها املحافظة‬ ‫على م�صالح الغرب با�ستمرار تدفق النفط والرثوات العربية‬ ‫ولهيمنة ال�صهيونية والغرب على املنطقة العربية بحجج خمتلفة‬ ‫فتارة حرب �صليبية و�أخرى لنزع �أ�سلحة الدمار ال�شامل وثالثة‬ ‫ملحاربة التطرف والإرهاب الذي يغذيانه بحروبهم هذه وب�شكل‬ ‫غري م�سبوق ملا ي�سببانه من ظلم وقتل وا�ضطهاد و�إذالل ل�شعوب‬ ‫ومقد�سات وثقافات وتراث العرب وامل�سلمني والعامل الثالث �أجمع‪,‬‬ ‫�إذ �إن الدعاة احلقيقيني للدين هم دعاة م�ساملون وخ�صو�صاً امل�ؤمنون‬ ‫منهم يتمثلون قول البارئ عز وجل( ا ْد ُع ِ�إلىَ �سَ ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة‬ ‫َوالمَْ ْوعِ َظ ِة الحَْ �سَ َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح�سَ ُن ) (النحل‪ ،)125:‬اَ‬ ‫و(ل‬ ‫ِّين َق ْد َتبَينََّ ال ُّر ْ�ش ُد مِ َن ا ْل َغ ِّي) (البقرة‪� .)256 :‬صدق‬ ‫ِ�إ ْك َرا َه فيِ الد ِ‬ ‫اهلل العظيم‪.‬‏‬

‫‪29‬‬


‫دراسـات‬ ‫اسالمية‬

‫أزمة الخطـاب اإلسالمي‬

‫�أب�سط ت�شكالتها‪ ،‬ف�أحرى �أن ي�ستح�ضر تعقيداتها‪ .‬وهو ال ي�ستند‬ ‫�إىل �ضوابط ال�شرع و�سرية ال�سلف ال�صالح‪ ،‬رغم زعمه املتوا�صل ب�أنه‬ ‫املمثل احتكارا لهذا اخلط‪ .‬وهو ال ُيعمل قواعد العقل امل�شرتكة بني‬ ‫�أفراد الإن�سانية بداهة وابتداء‪ .‬والأدهى من ذلك‪� ،‬أنه ُي�ستغل من‬ ‫قبل العني الإعالمية وال�سيا�سية وحتى الأكادميية الرا�صدة بل‬ ‫واملرتب�صة باخلطاب الإ�سالمي‪ ،‬لت�ستمد من زالته مادة متجددة‬ ‫ل�صورة منطية جاهزة �سلفا‪ ،‬تعمل ال�ستمرار انقطاع �شعوب الغرب‬ ‫عن الإ�سالم‪ ،‬وت�سعى لتربير االعتداء على امل�سلمني بهذه الزالت‪.‬‬ ‫وبذلك يكون على هذا الطرف املذموم‪ ،‬م�س�ؤولية الت�شوي�ش على‬ ‫الوظيفة ال�سامية للخطاب الإ�سالمي‪ ،‬واملتمثلة يف هذه املرحلة‬ ‫احلرجة‪ ،‬يف(حترير امل�سلمني‪ ،‬بحيث ي�ؤدون دورا تاريخيا منا�سبا‬ ‫ملقت�ضيات الع�صر‪ ،‬وحمققا لقيم الإ�سالم احلقيقية)‪.‬‬ ‫جتليات �سلبية‬

‫دون ذكر �أ�شخا�ص �أو تعيني هيئات‪ ،‬ن�ستعر�ض جوانب من هذا‬ ‫الت�شخي�ص‪ ،‬مبادرين �إىل الإ�شارة �إىل �أن هذا اخلطاب يفتقر‬ ‫للحدود ال�ضرورية الدنيا من املعرفة بعلوم ي�ستحيل معها‬ ‫جناح خطاب‪� ،‬أي خطاب‪ ،‬ف�أحرى خطاب �إ�سالمي يف زمن العوملة‬ ‫املقرئ الإدري�سي �أبو زيد‬ ‫واال�ست�ضعاف‪ .‬و�أق�صد جناح هذا اخلطاب يف �أن ينجو من مطبات‬ ‫الرتب�ص اال�ستكباري‪ ،‬ف�أحرى �أن ي�ؤدي وظيفته البانية‪ .‬وعلى‬ ‫يت�سع مفهوم اخلطاب الإ�سالمي عند بع�ض دار�سيه لي�شمل كل جماالت‬ ‫ر�أ�س هذه العلوم‪ ،‬علم البالغة انتماء للذات‪ ،‬وعلم اخلطاب انتماء‬ ‫الإنتاج الفكري والفقهي للم�سلمني‪� ،‬أي كل ما عدا الن�ص املوحى به‪،‬‬ ‫للع�صر!‪:‬‬

‫من جهد معريف يتمحور حول هذا الن�ص‪ .‬كما ي�ضيق عند فريق �آخر‬ ‫ليتخ�ص�ص فقط يف طرق تقدمي الإ�سالم والفكر الإ�سالمي �إىل العامل‬ ‫�إن �أب�سط ما تعلمنا البالغة‪ ،‬هي قاعدة (املقام)الكربى‪ ،‬وهي‬‫كله م�سلميه وغريهم‪ .‬وهو بهذا املعنى الأخري‪ ،‬يقتات على علوم �ستة‪،‬‬ ‫(مطابقة الكالم ملقت�ضى احلال)‪ .‬فهل من احرتام (مقت�ضى‬ ‫حمددة هي (حتليل اخلطاب)و(علم اخلطاب)و(نظرية التوا�صل)‬ ‫احلال)اال�ستمرار مثال يف الدعاء‪ ،‬فوق املنابر‪ ،‬على الكفار‪ ،‬مطلق‬ ‫و(النظريةالتداولية)و(علمالبالغة)و(ل�سانياتالن�ص)‪.‬‬ ‫�أ‪-‬در�س من علم البالغة‪:‬‬

‫وميكن �أن نر�صد �إجماال‪ ،‬خ�صائ�ص اخلطاب الإ�سالمي املعا�صر‪،‬‬ ‫بالنظر �إىل طبيعة مناطه‪ ،‬فالإ�سالم دين الو�سط للأمة الو�سط‪،‬‬ ‫وخطابه يف عمومه و�سط‪� ،‬إال �أنه يعاين من(طرفيه املذمومني)‬ ‫(مبا �أن الو�سطية تو�سط بني طرفني مذمومني)‪ :‬طرف �أق�صى‬ ‫الي�سار‪(:‬يهدم املا�ضي با�سم ما يت�صوره م�ستقبال حقا) وطرف‬ ‫�أق�صى اليمني‪(:‬يهدم امل�ستقبل با�سم ما يت�صوره ما�ضيا حقا)!‬ ‫و�أ�ست�أذن لأ�سباب منهجية يف االقت�صار على ت�شخي�ص اختالالت‬ ‫الطرف �أق�صى اليمني‪ ،‬مبا �أنه مو�ضوع البحث‪� ،‬أي اخلطاب‬ ‫(الإ�سالمي) املعا�صر‪ .‬و�أهم هذه االختالالت‪ ،‬تتجلى يف كونه خطابا‬ ‫ال واقعي وال �شرعي وال عقلي‪ .‬فهو ال يراعي مقت�ضيات الواقع يف‬

‫الكفار‪ ،‬دون متييز بني معتد وم�سامل‪ ،‬ب�أدعية مزلزلة على منابر‬ ‫اجلمعة‪ ،‬حتى يف بالد ه�ؤالء (الكفار)‪ ،‬من قبيل(اللهم يتم �أبناءهم‬ ‫ورمل ن�ساءهم‪ ،‬واجعلهم و�أموالهم غنيمة للم�سلمني)‪ ،‬وهل من فقه‬ ‫(مقت�ضى احلال) �أن يخطب خطيب يف م�سجد بالنم�سا‪ ،‬خماطبا‬ ‫غري احلا�ضرين من �أهل البلد‪ ،‬قائال‪(:‬يا مع�شر �أهل النم�سا‪ ،‬واهلل‬ ‫لي�س لكم منا �إال ثالث‪ :‬الإ�سالم �أو اجلزية �أو القتال)! وهو الالجئ‬ ‫امل�ضطهد يف بالده الأ�صلية‪ ،‬بدون �أوراق ثبوتية‪ ،‬ينتظر مبا يجاب‬ ‫به طلبه عن اللجوء ال�سيا�سي‪ ،‬من قبل ه�ؤالء الذين يقدم لهم هذه‬ ‫اخليارات الثالثة!‬ ‫وهل من مقت�ضى احلال‪ ،‬تعليق مل�صقات‪ ،‬عن عالمات املرور‬

‫‪30‬‬


‫ال�ضوئية ب�شوارع لندن‪ ،‬تقول‪(:‬يا مع�شر الإجنليز لقد بعثنا لكم‬ ‫بالذبح )!‪� ،‬أو �إلقاء اخلطب املطولة الع�صماء‪ ،‬على منابر اجلمعة‪،‬‬ ‫على جموع امل�صلني‪ ،‬يف النهي عن ترك ال�صالة و�شرب اخلمر وفعل‬ ‫َ‬ ‫خماطبا بها ه�ؤالء امل�صلني!‬ ‫قوم لوط!‬ ‫ولو �أخذنا (الت�شبيه) مثال‪ ،‬ك�أو�ضح ركن من �أركان البالغة‪ ،‬ف�إن‬‫ت�شبيها للمتربجات اال�سرتاليات‪ ،‬يحيل على ح�سا�سية �شديدة يف‬ ‫اللغة الإجنليزية‪ ،‬كاد �أن يك ِّلف املفتي دوره وموقعه بل ومقامه‬ ‫بالبالد‪ ،‬وارتد على امل�سلمني هناك باحلرج ال�شديد‪ ،‬لأن ال�شيخ مل‬ ‫ينتبه �إىل �أن (ح�سا�سية الت�شبيه‪ ،‬التي ارتبطت �ضمن ح�سا�سية �أو�سع‬ ‫بفكرة الرتاث �أو التقاليد �أو التنازع غري املوجه �أو غري املحدود‪،‬‬ ‫الذي طغى على تيارات لغوية فنية معينة‪ ،‬وتيارات اجتماعية‬ ‫�أي�ضا) لأن (كل مظهر لغوي مهم‪ ،‬ي�ؤدي دورا يف توتر �أ�سا�سي ذي‬ ‫طابع اجتماعي)‪ ،‬ذلك �أننا(ميكن �أن نرى يف اللغة وطرق تناولها‬ ‫تعبريا غري مبا�شر عن حاجات عميقة تتعر�ض لالمتحان الع�سري‪،‬‬ ‫وميكن �أن نرى يف اللغة والتف�سري والتوا�صل �إمياء �إىل خماوف‬ ‫و�آمال اجتماعية بع�ضها غري منظور ) والعجيب �أن رجال عاملا‬ ‫مبقت�ضى اخلطاب‪ ،‬كالداعية املوفق �أحمد ديدات رحمه اهلل‪ ،‬وقف‬ ‫باملقابل على الت�شبيه نف�سه عند �سلمان ر�شدي‪ ،‬جتاه االجنليز‪،‬‬ ‫فك�شفه يف حما�ضراته بربيطانيا عن(الآيات ال�شيطانية)‪ ،‬مما‬ ‫�ألب طبقة املثقفني �ضد امل�ؤلف‪ ،‬بعدما كانوا ي�ساندونه نكاية يف‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬حتى كاد الر�أي العام االجنليزي ينقلب على �سلمان‬ ‫ر�شدي‪ ،‬لوال م�سارعة ال�سلطات الربيطانية �إىل منع ال�شيخ من‬ ‫اال�ستمرار يف �إلقاء حما�ضراته‪ ،‬وطرده خارج البالد‪ ،‬رغم جوازه‬ ‫الربيطاين!‬ ‫(واحلقيقة �أن البالغة حتفل بفح�ص بع�ض مالمح الن�شاط‬ ‫االجتماعي ولدينا يف كتابات اجلاحظ مالحظات عن ممار�سات‬ ‫اخلطاب يف املجتمع وت�أثريها من قبيل االلتما�س �أو الإقناع �أو‬ ‫التحري�ض‪�.‬إن اللغة لي�ست جمرد انعكا�س لظروف اجتماعية‪� ،‬إنها‬ ‫ت�صنع هذه الظروف �إىل حد ما‪ ،‬وتهيئ لنوع من التعامل معها)‬ ‫و�إن �أخطر ما يف اخلطاب‪ ،‬هو ال�شق غري املنطوق‪� ،‬أي (داللة‬‫اللزوم)‪ ،‬فحني ت�أمر(بغلق الباب)‪ ،‬فالأهم من هذا الأمر‪ ،‬هو‬ ‫داللته على �أن(الباب مفتوح)!‪ ،‬و�أهم منه �أنك ت�ؤ�شر على حالة‬ ‫�صحية نزلة برد �أو حالة �أمنية م�سارة �شخ�ص للبوح ب�سر �أو حالة‬ ‫نف�سية اخلوف من الدخيل‪.‬‬ ‫ويف الغالب ما يتجاهل ممار�سو هذا اخلطاب هذه احلقيقة‪ ،‬هذا‬ ‫�إن مل يكونوا يجهلونها‪ ،‬فحني يقول �أحد زعمائهم‪� ،‬أن مقامه‬ ‫بربيطانيا رغم كفر �أهلها‪ ،‬هو من باب ال�ضرورة كالدخول �إىل‬

‫بيت اخلالء‪ ،‬ويتلفظ بهذا الت�شبيه يف التلفزيون الربيطاين‪،‬‬ ‫تهتز جوانب الر�أي العاملي لهذه اجلهالة‪ ،‬اهتزازا يكلف الوجود‬ ‫الإ�سالمي بربيطانيا‪ ،‬بل والإ�سالم نف�سه غاليا‪.‬‬ ‫باملقابل فحني تهاجم �آن �سنكلري يف برناجمها ال�شهري‪ ،‬على القناة‬ ‫الثانية الفرن�سية(�سبعة على �سبعة)‪ ،‬الرئي�س �شرياك‪ ،‬عقب‬ ‫تفجريات مرتو باري�س �سنة ‪ 1996،‬متهمة �إياه بدعم(الديكتاتورية‬ ‫الع�سكرية باجلزائر)‪ ،‬ح�سب تعبريها‪ ،‬فهي �إمنا تق�صد يف احلقيقة‬ ‫�إىل تثبيت تهمة التفجريات على الالجئني اجلزائريني من‬ ‫جبهة الإنقاذ بفرن�سا‪ ،‬وهذا من الدهاء ال�صهيوين الذي قي�ض‬ ‫له بالد الغرب من يف�ضحه بطرق علمية دقيقة‪ ،‬مثل العامل‬ ‫بيري بورديو وناعوم ت�شو م�سكي وهربرت �شللر وجريي ما ندرز‬ ‫وجون كلود �شوزين �صاحب �شعار‪ :‬لن نخدع بعد اليوم‪ ،‬من‬ ‫املتخ�ص�صني يف علم اجتماع الإعالم‪ ،‬املاهرين يف ك�شف (تالعب‬ ‫اخلطاب الإعالمي بالعقول)‪ .‬وما �أحوج دعاة الإ�سالم اليوم �إىل‬ ‫�إتقان هذا العلم‪ ،‬واالطالع على كتب ه�ؤالء و�أمثالهم‪ ،‬وهم كرث‬ ‫يف الغرب ممن تخ�ص�صوا يف ك�شف العالقة بني اللغة وال�سيا�سة‪،‬‬ ‫وح�سا�سيات اخلطاب الإعالمي يف تداخله ب�أالعيب البالغة‬ ‫املدججة بامل�صطلحات املنحوتة واملفاهيم امل�صنوعة بدقة ماكرة‪.‬‬ ‫باملقابل‪ ،‬لقد كان زعيم �سيا�سي كبري‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬يكرث من ا�ستعمال‬ ‫كلمة(اجلبارين) يف �صراعه اخلطابي مع العدو ال�صهيوين املحتل‪،‬‬ ‫غري منتبه وال ُم َنبه �إىل املرجعية ال�سلبية جدا لهذه (اال�ستعارة‬ ‫التاريخية) غري املوفقة بتاتا وذلك‪� ،‬سواء عند اخل�صم يف التوراة �أو‬ ‫عند احلليف يف القر�آن!‬ ‫ب‪ -‬در�س من علم اخلطاب املعا�صر‪:‬‬

‫و�إن �أب�سط ما نتعلم من علم اخلطاب املعا�صر‪ ،‬هو نظرية الوظائف‬ ‫اللغوية ال�ست لرومان ياكب�سون‪ ،‬والتي ُت َنبه منتج اخلطاب �إىل �ست‬ ‫وظائف للغة‪ ،‬غالبا ما ال ينتبه �إال لواحدة منها‪ ،‬وهي(الوظيفة‬ ‫املرجعية)املتعلقة مب�ضمون اخلطاب‪� ،‬أما الوظائف اخلم�س‬ ‫الأخرى‪ ،‬والتي قد تكون �آثارها �سلبية �إن مل ينتبه لوجودها‪،‬‬ ‫والتي قد َت ْعلق ببال املتلقي وت�ؤثر فيه �أكرث‪ ،‬فغالبا ما ال يفقهها‬ ‫ه�ؤالء الدعاة وهي‪ :‬الوظيفة االنفعالية‪ ،‬والوظيفة ال�شعرية‬ ‫والوظيفة الإيعازية والوظيفة الفوق‪-‬لغوية‪ ،‬والوظيفة ال َّل ْغوية‪.‬‬ ‫وهذه الوظائف ال�ست تنتج من تفاعل عنا�صر التوا�صل اخلطابي‬ ‫الثالثة‪ :‬املر�سل‪-‬الر�سالة‪-‬املر�سل �إليه‪.‬‬ ‫على �سبيل املقارنة‪ :‬مناذج م�ضيئة‬

‫مما يزيد املرء �أ�سى‪� ،‬أن يغفل من يباهون بال�سلف‪ ،‬عن جناحات‬ ‫ال�سلف ال�صالح ر�ضوان اهلل عليهم‪ ،‬فيما ف�شلوا هم فيه ف�شال ذريعا‪،‬‬

‫‪31‬‬


‫لأنهم مار�سوا عك�سه متاما‪� .‬إن من مناذج اخلطاب الإ�سالمي املوفق‬ ‫بل الباهر‪ ،‬خطاب جعفر بن �أبي طالب �أمام النجا�شي‪ ،‬بني يدي‬ ‫حا�شيته ووفد قري�ش‪ ،‬والذي كان فتحا للم�سلمني يف تلك البالد‪.‬‬ ‫وال ب�أ�س �أن نعر�ض مقطعا مهما منه‪ ،‬ين�سخ ما �أثقلنا به من مناذج‬ ‫�سلبية‪:‬‬ ‫قال جعفر بن �أبي طالب ـ وكان هو املتكلم عن امل�سلمني‪� :‬أيها امللك‬ ‫كنا قو ًما �أهل جاهلية؛ نعبد الأ�صنام ون�أكل امليتة‪ ،‬ون�أتي الفواح�ش‪،‬‬ ‫ونقطع الأرحام‪ ،‬ون�سيء اجلوار‪ ،‬وي�أكل منا القوى ال�ضعيف‪ ،‬فكنا‬ ‫اً‬ ‫ر�سول منا‪ ،‬نعرف ن�سبه و�صدقه‬ ‫على ذلك حتى بعث اهلل �إلينا‬ ‫و�أمانته وعفافه‪ ،‬فدعانا �إىل اهلل لنوحده ونعبده‪ ،‬ونخلع ما كنا‬ ‫نعبد نحن و�آبا�ؤنا من دونه من احلجارة والأوثان‪ ،‬و�أمرنا ب�صدق‬ ‫احلديث‪ ،‬و�أداء الأمانة‪ ،‬و�صلة الرحم‪ ،‬وح�سن اجلوار‪ ،‬والكف عن‬ ‫املحارم والدماء‪ ،‬ونهانا عن الفواح�ش‪ ،‬وقول الزور‪ ،‬و�أكل مال‬ ‫اليتيم‪،‬وقذف املح�صنات‪ ،‬و�أمرنا �أن نعبد اهلل وحده‪،‬ال ن�شرك به‬ ‫�شي ًئا‪،‬و�أمرنا بال�صالة والزكاة وال�صيام ـ فعدد عليه �أمور الإ�سالم ـ‬ ‫ف�صدقناه‪ ،‬و�آمنا به‪ ،‬واتبعناه على ما جاءنا به من دين اهلل ‪ ،‬فعبدنا‬ ‫اهلل وحده‪ ،‬فلم ن�شرك به �شي ًئا‪ ،‬وحرمنا ما حرم علينا‪ ،‬و�أحللنا ما‬ ‫�أحل لنا‪ ،‬فعدا علينا قومنا‪ ،‬فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ لريدونا‬ ‫�إىل عبادة الأوثان من عبادة اهلل تعاىل‪ ،‬و�أن ن�ستحل ما كنا ن�ستحل‬ ‫من اخلبائث‪ ،‬فلما قهرونا وظلمونا و�ضيقوا علينا‪ ،‬وحالوا بيننا‬ ‫وبني ديننا خرجنا �إىل بالدك‪ ،‬واخرتناك على من �سواك‪ ،‬ورغبنا‬ ‫يف جوارك‪ ،‬ورجونا �أال نظلم عندك �أيها امللك‪.‬‬ ‫فقال له النجا�شي‪ :‬هل معك مما جاء به عن اهلل من �شيء؟ فقال‬ ‫له جعفر‪ :‬نعم‪ .‬فقال له النجا�شي‪ :‬فاقر�أه على‪ ،‬فقر�أ عليه �صد ًرا‬ ‫من (كهيع�ص) فبكى واهلل النجا�شي حتى اخ�ضلت حليته‪ ،‬وبكت‬ ‫�أ�ساقفته حتى � ْأخ�ضَ ُلوا م�صاحفهم حني �سمعوا ما تال عليهم‪ ،‬ثم‬ ‫قال لهم النجا�شي‪� :‬إن هذا والذي جاء به عي�سى ليخرج من م�شكاة‬ ‫واحدة‪ ،‬انطلقا‪ ،‬فال واهلل ال �أ�سلمهم �إليكما‪ ،‬وال يكادون ـ يخاطب‬ ‫عمرو بن العا�ص و�صاحبه ـ فخرجا‪ ،‬فلما خرجا قال عمرو بن‬ ‫العا�ص لعبد اهلل بن �أبي ربيعة‪ :‬واهلل لآتينه غدًا عنهم مبا �أ�ست�أ�صل‬ ‫به خ�ضراءهم‪ .‬فقال له عبد اهلل بن �أبي ربيعة‪ :‬ال تفعل‪ ،‬ف�إن لهم‬ ‫�أرحا ًما و�إن كانوا قد خالفونا‪ ،‬ولكن �أ�صر عمرو على ر�أيه‪.‬‬ ‫فلما كان الغد قال للنجا�شي‪� :‬أيها امللك‪� ،‬إنهم يقولون يف عي�سى‬ ‫ابن مرمي اً‬ ‫قول عظي ًما‪ ،‬ف�أر�سل �إليهم النجا�شي ي�س�ألهم عن قولهم‬ ‫يف امل�سيح ففزعوا‪ ،‬ولكن �أجمعوا على ال�صدق‪ ،‬كائ ًنا ما كان‪ ،‬فلما‬ ‫دخلوا عليه و�س�ألهم‪ ،‬قال له جعفر‪ :‬نقول فيه الذي جاءنا به نبينا‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ :‬هو عبد اهلل ور�سوله وروحه وكلمته �ألقاها‬ ‫�إىل مرمي العذراء ال َب ُتول‪.‬‬

‫ف�أخذ النجا�شي عودًا من الأر�ض ثم قال‪ :‬واهلل ما عدا عي�سى ابن‬ ‫مرمي ما قلت هذا العود‪ ،‬فتناخرت بطارقته‪ ،‬فقال‪ :‬و�إن َن َخ ْرتمُ‬ ‫واهلل ‪.‬‬ ‫ثم قال للم�سلمني‪ :‬اذهبوا ف�أنتم ُ�ش ُيو ٌم ب�أر�ضي ـ وال�شيوم‪ :‬الآمنون‬ ‫بل�سان احلب�شة ـ من �سَ َّبكم َغرِم‪ ،‬من �سبكم غرم‪ ،‬من �سبكم غرم‪ ،‬ما‬ ‫�أحب �أن يل َد ْب ًرا من ذهب و�إين �آذيت رجلاً منكم ـ والدبر‪ :‬اجلبل‬ ‫بل�سان احلب�شة‪.‬‬ ‫ولنالحظ الذكاء اال�سرتاتيجي الذي ت�سلح به جعفر بن‬ ‫�أبي طالب(ر�ضي اهلل عنه) يف خطابه هذا‪ ،‬فقد ق�سم حديثه‬ ‫�إىل �أربعة �أق�سام فاعلة على وجازتها‪ ،‬و�أح�سن فيها كلها‪:‬‬ ‫�أح�سن عر�ض(الر�سالة)‪،‬و�أح�سن عر�ض(املظلمة)‪ ،‬و�أح�سن‬ ‫عر�ض(اال�ستجارة)‪ ،‬و�أخريا �أح�سن عر�ض(اال�ست�شهاد) ب�آيات مت�س‬ ‫وتر امل�سيحي م�سا �آ�سرا حلديثها ال�شجي عن زكريا ويحيى ومرمي‬ ‫وعي�سى‪ .‬لكن الإح�سان الأكرب قبل هذا كله ‪ -‬كان ح�سن اختيار‬ ‫َ‬ ‫املخاطب الذي يتلقى بالإيجاب هذا الإتقان الباهر‪ ،‬وهو االختيار‬ ‫النبوي(للرجل العادل)!‬ ‫وقد كان تلقائيا وطبيعيا بعد هذا االجناز الناجح‪� ،‬أن ت�أتي‬ ‫اال�ستجابة �إيجابا ال �سلبا‪ :‬ف�شل ال�سفارة القر�شية‪ ،‬والتمكني‬ ‫للم�ست�ضعفني يف �أر�ض املهجر احلب�شية!‬ ‫وال يعني يف �شيء‪ ،‬ح�سن اختيار جعفر الطيار للموا�ضيع املوافقة‬ ‫حل�س املخاطب‪� ،‬أن يحرف احلقيقة �أو ي�سقط يف املداهنة والنفاق‪.‬‬ ‫فحني ا�ستطاع �سفري قري�ش الداهية عمرو بن العا�ص �أن يثري‬ ‫النقطة احل�سا�سة يف اخلالف امل�سيحي‪ -‬الإ�سالمي‪ ،‬فيما يتعلق‬ ‫بطبيعة امل�سيح‪ ،‬مل يجد جعفر الطيار بدا من ذكر احلقيقة‪ ،‬ومن‬ ‫القر�آن نف�سه‪ .‬ولكن اهلل �سلم لأن ال�صدق مع اللطف يو�صالن �إىل‬ ‫النجاة‪.‬‬ ‫ولو �شئنا بعد ا�ستعرا�ض هذا النموذج الباهر‪ ،‬وعلى هداه‪� ،‬أن‬ ‫نكت�شف حجم االنتكا�س الذي يعانيه اخلطاب الإ�سالمي املعا�صر‪،‬‬ ‫عند بع�ض الدعاة الفا�شلني‪ ،‬والذي هو نقي�ض هذا الإجناز‬ ‫اجلعفري املتميز‪ ،‬لأوردنا على �سبيل املثال ما حكاه جيفري النغ‪،‬‬ ‫عامل الريا�ضيات الأمريكي العظيم‪ ،‬من جامعة �شيكاغو‪ ،‬الذي‬ ‫هداه اهلل �إىل الإ�سالم بعد معاناة فكرية ونف�سية ت�أملية عميقة‪،‬‬ ‫�سجلها يف كتابه املتميز‪( :‬ال�صراع من �أجل الإميان)‪� .‬إذ ذكر �أنه‬ ‫يف مرحلة ال�صراع النف�سي احلرج بني ما�ضيه الإحلادي و�إقباله‬ ‫على الإ�سالم‪ ،‬وهو يقر�أ كل ليلة يف ترجمة القر�آن الكرمي �إىل‬ ‫اللغة الإجنليزية‪ ،‬وتعذبه الأ�سئلة كما حتريه الأجوبة‪ ،‬وجد نف�سه‬ ‫ذات يوم يذرع �أروقة اجلامعة بحثا عن م�سلم ي�ساعده على تلم�س‬

‫‪32‬‬


‫طريقه‪ ،‬ف�أر�شدوه �إىل غرفة �صغرية يف زاوية نائية‪ ،‬ي�صلي فيها و�ضمانِ حريته يف االعتقاد واالختالف والتفكري واالجتهاد‪.‬‬ ‫بع�ض الطلبة امل�سلمني املنتمني للجامعة‪ ،‬فدخل عليهم متلهفا �شعا ُره‪ (:‬متى ا�ستعبدمت النا�س وقد ولدتهم �أمهاتهم �أحراراً؟)؛‬ ‫(ح ْرمَة امل�ؤمن عند اهلل �أعظم من حرمة البيت احلرام)‪.‬‬ ‫ي�س�ألهم �أن ي�شرحوا له الإ�سالم‪ ،‬ف�إذا بهم ي�شريون �إىل �أحدهم ومبد�ؤه‪ُ :‬‬ ‫وهو طالب �آ�سيوي‪ ،‬يقوم بدور الإمام واملر�شد تطوعا لدى هذه ‪ -4‬دين ال�سالم واحلب والتعاون والت�سامح والرحمة واالنفتاح‬ ‫املجموعة ال�صغرية‪ .‬لكن ال�صدمة التي كادت �أن ت�صرف جيفري واحلوار واالختالف امل�شروع‪ .‬فهو الذي ُي َ�صدِّر موق َفه من الديانات‬ ‫ُ�ص ِّد ًقا لمَِا بَينَْ‬ ‫النغ عن الإ�سالم لوال لطف اهلل وجديته يف البحث‪ ،‬وتقدمه يف ال�سابقة مببد�أ (ال َّت ْ�صدِ يق) قبل مبد�أ (الهيمنة)(م َ‬ ‫االحتكاك بالقر�آن‪� ،‬أن (الإمام) �شرع فورا ي�شرح له(كيف يعذب اهلل َي َد ْي ِه مِ نْ ا ْل ِك َتابِ َو ُم َه ْيمِ ًنا َعلَ ْيهِ) (املائدة‪ ،)48 :‬وهي فقط هيمن ُة‬ ‫الكفار يف قبورهم)! وال يحتاج املرء �إىل كبري ذكاء وال قليل علم ا�ستيعاب وت�سديد ال هيمنة �إق�صاء و�إنكار‪ .‬وهو الذي يدعو �إىل‬ ‫باخلطاب‪ ،‬كي يقارن بني عظمة االختيار للق�ضايا التي طرحها �أق�صى درجات الرب والإح�سان باملخالف وال�صفح والعفو عن امل�سيء‪،‬‬ ‫�إال يف حالة العدوان الق�صوى وهي (القتال يف الدين والإخراج من‬ ‫جعفر الطيار‪ ،‬وبني ب�ؤ�س هذا االختيار‪.‬‬ ‫الديار) ‪ .‬وماذا بعد الإبادة املادية واملعنوية يتعر�ض لها امل�سلم‪،‬‬ ‫فتوجب عليه املقاومة والقتال ل�صد املعتدي احلاقد؟‬ ‫منـوذج تطبيقي‬ ‫ا�سرتواحا لهذا النف�س العطر لدى ال�سلف ال�صالح‪ ،‬و�سعيا �إىل ‪ -5‬هذا ديننا‪ ،‬دين احلق ال ْهدَى �إىل اخللق‪ُ .‬‬ ‫دين جميع الأنبياء‬ ‫املنحى التطبيقي‪� ،‬أقرتح منوذجا موجزا للخطاب الإ�سالمي من �آدم �إىل حممد �صلوات اهلل و�سالمه عليهم �أجمعني‪ .‬دين‬ ‫اجلامع‪ ،‬ين�أى عن اخلالفيات واخلرافيات واجلزئيات اهلل الواحد‪ ،‬وال ِق ْبلة الواحدة‪ ،‬والهدف الواحد‪� :‬إ�سعا ُد الب�شرية‬ ‫والإ�سرائيليات‪ ،‬ويجايف النزعات املذهبية والطائفية والإقليمية (بالهُدى ِّ‬ ‫وال�شفاء والنور والربهان)‪ُ .‬‬ ‫دين توحيدٍ بال كهنوت‪،‬‬ ‫والعرقية‪ ،‬ويتجنب التع�صب والإغراق الذاتي �أو الغرق التغريبي‪ ،‬و�إميانٍ بال خرافة‪ ،‬وجهاد بال �إرهاب‪ ،‬وعقلٍ بال �إحلاد‪ ،‬ودعو ٍة بال‬ ‫وي�صلح ملخاطبة امل�سلمني وغري امل�سلمني‪ .‬تقوم فيه الفروع على تنفري‪ ،‬و َت َد ُّي ٍن بال تطرف‪ ،‬والتزام بال حتجر‪ ،‬و�سَ ال ٍم بال ا�ست�سالم‪،‬‬ ‫الأ�صول وترتتب فيه الأولويات‪ :‬عقيدة ف�شريعة ف�أخالقا ف�أبعادا واختالف بال خالف‪ ،‬وهوية بال �إق�صاء‪ ،‬وحوار بال متييع‪ ،‬وانفتاح‬ ‫بال �ضياع‪ ،‬وتعدد بال تبدد ‪.‬‬ ‫ح�ضارية‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫دين عقلٍ وقلب‪ ،‬دنيا و�آخرة‪ ،‬روح ومادة‪� ،‬شورى وطاعة‪� ،‬شَ ْر ٍع‬ ‫هذا هو الإ�سالم‪:‬‬ ‫ري املتعال‪ ،‬فله وحده وواقع‪� .‬إنه دين عمل اخلري وخري العمل‪ :‬الدنيا فيه مزرع ُة‬ ‫‪ - 1‬دينُ اخل�ضو ِع هلل الواحد الأحد‪ ،‬الكب ِ‬ ‫الت�سلي ُم واخل�ضوع‪ ،‬وال جما َل لطاغوتٍ َح َجري وال ب�شري‪ ،‬الآخرة‪ ،‬والعباد ُة فيه طريق احل�ضارة‪ ،‬واملادة يف خدمة الروح‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ور�ضوان‬ ‫ري فيه �شِ ْر َك ٌة بني النا�س‪ ،‬والعق ُل فيه دليل الإميان‪،‬‬ ‫�أن يت�سلط على عباده‪ ،‬ل َيدِ ينوا لأهوائه وم�صاحله باخل�ضوع اخل ُ‬ ‫فالنا�س �سوا�سي ٌة ك�أ�سنان امل�شط‪َ ،‬ر َف َع ُ‬ ‫دين التوحيدِ اهلل فيه ُينال بخدمة عباده �صاحلني �أو طاحلني‪� .‬أَ َو َل ْي َ�س هو دين‬ ‫والقرابني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫لحَِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال�صا اتِ ) (الع�صر‪)3:‬‬ ‫ر�ؤو�سَ هم يف وجه الت�سلط واال�ستعباد‪ ،‬فال كهنوت وال ا�ستبداد ‪.‬‬ ‫( الذِ ين �آ َمنوا َوعَمِ لوا َّ‬ ‫اخلات‪ ،‬بنهايته التي �أعلنتها حلظةُ‬ ‫مَ‬ ‫ُ‬ ‫الدين‬ ‫‪ - 2‬دينُ (�إقر�أ)‪ ،‬القائِم على العقل‪ ،‬والقائِدِ �إىل العلم‪ ،‬واملعتمد على ‪ -6‬هذا هو الإ�سالم‪:‬‬ ‫املنطق واال�ستدالل‪ .‬ال ُـح َّج ُة فيه عمدة‪ ،‬والعق ُل فيه ُم َقدَّم‪ ،‬والت�أم ُل وفا ِة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬كانت بداية �إعالن ُن�ضج‬ ‫ري فيه فري�ضة‪ ،‬ال�شعار فيه‪� :‬إن كنت ناق ً‬ ‫ال الإن�سان‪ ،‬و�أهْ ِل َي ِت ِه لوراثة النبوة‪ُ � ،‬‬ ‫إعالن نهاية نـزول الوحي‪ ،‬والغيب‬ ‫فيه عبادة‪ ،‬والتفك ُ‬ ‫فال�صحة‪ ،‬و�إن كنت ُمدَّعِ ياً فالدليل؛‪ .‬ال قطيعي َة فيه‪ ،‬وال و�ساط َة واملعجزات‪ ،‬وبداي ُة عهد العقل والفكر واالجتهاد والأخذِ بالأ�سباب‬ ‫تنوب وفق ُ�سننَ اهلل يف الكون‪ ،‬ل ُت ْ�ص ِبح (�إقر�أ) و(لتعارفوا) و(انظروا)‬ ‫بني احلق واخللق عنده‪ ،‬وال امتيا َز لطبقة دينية �أو �سيا�سية ُ‬ ‫عن بقية العباد يف التفكري والتقرير‪� ،‬أو حتتكر دونهم َّ‬ ‫حق االت�صال و(اعت�صموا) ومثيال ُتها الكثرية‪ ،‬مفاتي َح التغيري‪ ،‬وعنوان الإن�سان‬ ‫الكامل‪ ،‬امل�ؤَهَّلِ لل�شهادة وال ِّريادة واال�ستخالف‪.‬‬ ‫بالن�ص املقد�س‪� ،‬أو امتيا َز ت�أويلِه وفهمِ ه‪.‬‬ ‫ريه‪ ،‬ف�إمنا‬ ‫‪ -3‬دينُ تكرمي الإن�سان‪ ،‬بالآدمية واحلرية وامل�س�ؤولية والعقلِ هذا هو الإ�سالم‪ ،‬وال �إ�سال َم �سواه‪ ،‬ف�إن َت َو َّه َم مُتوهم غ َ‬ ‫والتكليف‪ .‬ا�صطفاه اهلل خلالفته يف الأر�ض‪ ،‬وجعله �سيداً للكون‪ ،‬ذلك(بانتحال املبطلني �أو حتريف الغالني) ورمبا ب�إغرا�ض‬ ‫َّ‬ ‫املغر�ضني!‬ ‫و�سخر له ما فيه من ِن َعم و�إمكانات‪ ،‬يوظفها بالق�صد‪ ،‬دون تبذير‬ ‫ِ‬ ‫وال احتكار‪ ،‬ودون �إنهاك للبيئة �أو ُظ ْل ٍم لحَِ ِّق بقية املخلوقات فيها‪ .‬بهذا الفهم نلقى اهلل‪ ،‬وهو وحده املوفق والهادي �إىل �سواء ال�سبيل‪.‬‬ ‫وعر�ضه‪،‬‬ ‫هذا التكرمي يلزم ب َِ�ص ْونِ ُحرمة الإن�سان‪ :‬دمِ ه ومالِه‬ ‫ِ‬

‫‪33‬‬


‫اإلسالم السياسي‬

‫�إ�سال ًما واحدًا كما �أنزله اهلل‪ ،‬وكما ندين به نحن امل�سلمني؛ بل هو‬ ‫(�إ�سالمات) متعدِّدة خمتلفة كما يحب ه�ؤالء‪.‬‬ ‫فهو ينق�سم �أحيا ًنا بح�سب الأقاليم‪ :‬فهناك الإ�سالم الآ�سيوي‪،‬‬ ‫والإ�سالم الإفريقي‪.‬‬ ‫و�أحيا ًنا بح�سب الع�صور‪ :‬فهناك الإ�سالم النبوي‪ ،‬والإ�سالم‬ ‫الرا�شدي‪ ،‬والإ�سالم الأُموي‪ ،‬والإ�سالم العبا�سي‪ ،‬والإ�سالم‬ ‫العثماين‪ ،‬والإ�سالم احلديث‪.‬‬ ‫و�أحيا ًنا بح�سب الأجنا�س‪ :‬فهناك الإ�سالم العربي‪ ،‬والإ�سالم‬ ‫الهندي‪ ،‬والإ�سالم الرتكي‪ ،‬والإ�سالم املاليزي‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ال�سني‪ ،‬والإ�سالم ال�شيعي‪،‬‬ ‫و�أحيا ًنا بح�سب املذهب‪ :‬فهناك الإ�سالم ُّ‬ ‫ال�سني �إىل �أق�سام‪ ،‬وال�شيعي �إىل �أق�سام � ً‬ ‫أي�ضا‪.‬‬ ‫وقد يق�سمون ُّ‬ ‫وزادوا على ذلك تق�سيمات جديدة‪ :‬فهناك الإ�سالم الثوري‪،‬‬ ‫والإ�سالم الرجعي �أو الراديكايل‪ ،‬والكال�سيكي‪ ،‬والإ�سالم اليميني‪،‬‬ ‫ريا‬ ‫والإ�سالم الي�ساري‪ ،‬والإ�سالم املُتزمِّت‪ ،‬والإ�سالم املُنفتح‪ ،‬و�أخ ً‬ ‫الإ�سالم ال�سيا�سي‪ ،‬والإ�سالم الروحي‪ ،‬والإ�سالم الزمني‪ ،‬والإ�سالم‬ ‫الالهوتي!‪.‬‬ ‫وال ندري ماذا يخرتعون لنا من تق�سيمات ُيخ ِّبئها �ضمري الغد!‪.‬‬

‫د‪ .‬يو�سف القر�ضاوي‬ ‫التعبريات التي ُي�شنِّع بها العلمانيون واحلداثيون تعبري (الإ�سالم‬ ‫ال�سيا�سي)‪ ،‬وهي عبارة دخيلة على جمتمعنا الإ�سالمي بال ريب‪،‬‬ ‫ويعنون به الإ�سالم الذي ُيعنى ب�ش�ؤون الأمة الإ�سالمية وعالقاتها‬ ‫يف الداخل واخلارج‪ ،‬والعمل على حتريرها من كل �سلطان �أجنبي‬ ‫وجه �أمورها املادية والأدبية كما يريد‪ ،‬ثم‬ ‫يتحكَّم يف رقابها‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫العمل كذلك على حتريرها من روا�سب اال�ستعمار الغربي الثقافية‬ ‫واالجتماعية والت�شريعية؛ لتعود من جديد �إىل حتكيم �شرع اهلل‬ ‫تعاىل يف خمتلف جوانب حياتها‪.‬‬ ‫وهم يطلقون هذه الكلمة (الإ�سالم ال�سيا�سي) للتنفري من م�ضمونها‬ ‫ومن الدعاة ال�صادقني الذين يدعون �إىل الإ�سالم ال�شامل؛ باعتباره‬ ‫عقيدة و�شريعة‪ ،‬وعبادة ومعاملة‪ ،‬ودعوة ودولة‪.‬‬ ‫وقد كنت رددت على هذه الدعوة‪ ،‬وفنَّدت هذه الت�سمية يف فتوى‬ ‫مط َّولة‪ ،‬ظهرت يف اجلزء الثاين من كتابي‪( :‬فتاوى معا�صرة)‪،‬‬ ‫ويح�سن بي �أن �أقتب�س فقرات منها فيما يلي‪:‬‬

‫تق�سيمات مرفو�ضة للإ�سالم‬

‫واحلق �أن هذه التق�سيمات ك َّلها مرفو�ضة يف نظر امل�سلم‪ ،‬فلي�س‬ ‫هناك �إال �إ�سالم واحد ال �شريك له‪ ،‬وال اعرتاف بغريه‪ ،‬هو (الإ�سالم‬ ‫الأول)‪� ،‬إ�سالم القر�آن وال�سنة‪.‬‬ ‫الإ�سالم كما فهمه �أف�ضل �أجيال الأمة وخري قرونها‪ ،‬من ال�صحابة‬ ‫ممن �أثنى اهلل عليهم ور�سوله‪.‬‬ ‫ومن تبعهم ب�إح�سان‪َّ ،‬‬ ‫فهذا هو الإ�سالم ال�صحيح‪ ،‬قبل �أن ُ‬ ‫ت�شوبه ال�شوائب‪ ،‬وتل ِّوث �صفاءه‬ ‫ُت َّرهَات املِلَل وتطرفات ال ِّن َحل‪ ،‬و�شطحات الفل�سفات‪ ،‬وابتداعات‬ ‫ال ِف َرق‪ ،‬و�أهواء املُجادلني‪ ،‬وانتحاالت املُبطلني‪ ،‬وتعقيدات امل ُ ِّ‬ ‫تنطعني‪،‬‬ ‫وتع�سفات املُت�أ ِّولني اجلاهلني‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫الإ�سالم ال يكون �إال �سيا�س ًّيا‬

‫وهنا يجب �أن �أُعلنها �صريحة‪� :‬إن الإ�سالم احلق ‪-‬كما �شرعه اهلل‪-‬‬ ‫ال ميكن �أن يكون �إال �سيا�س ًّيا‪ ،‬و�إذا ج َّردت الإ�سالم من ال�سيا�سة فقد‬ ‫جعلته دي ًنا �آخر ميكن �أن يكون بوذية �أو ن�صرانية �أو غري ذلك‪� ،‬أما‬ ‫�أن يكون هو الإ�سالم فال‪ ،‬وذلك ل�سببني رئي�سني‪:‬‬ ‫يوجه احلياة كلها‪� :‬إن للإ�سالم موق ًفا‬ ‫ال�سبب الأول‪ :‬الإ�سالم ّ‬ ‫هذه الت�سمية مردودة وخاطئة‪:‬‬ ‫وذلك لأنها تطبيق ُ‬ ‫�صريحا يف كثري من الأمور التي ُتعترب من‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫وحك‬ ‫ا‬ ‫وا�ضح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خلطة و�ضعها خ�صوم الإ�سالم‪ ،‬تقوم على‬ ‫جتزئة الإ�سالم وتفتيته بح�سب تق�سيمات خمتلفة‪ ،‬فلي�س هو ُ�صلبال�سيا�سة‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫فالإ�سالم لي�س عقيدة الهوتية‪� ،‬أو �شعائر تع ُّبدية فح�سب‪� ،‬أعني �أنه‬ ‫لي�س جمرد عالقة بني الإن�سان وربه‪ ،‬وال �صلة له بتنظيم احلياة‪،‬‬ ‫وتوجيه املجتمع والدولة‪.‬‬ ‫كال‪� ،‬إنه عقيدة‪ ،‬وعبادة‪ ،‬وخلق‪ ،‬و�شريعة متكاملة‪ ،‬وبعبارة �أخرى‪:‬‬ ‫هو منهاج كامل للحياة مبا و�ضع من مبادئ‪ ،‬وما � َّأ�صل من قواعد‪،‬‬ ‫وما �سنَّ من ت�شريعات‪ ،‬وما بينَّ من توجيهات ت َّت�صل بحياة الفرد‪،‬‬ ‫و�ش�ؤون الأ�سرة‪ ،‬و�أو�ضاع املجتمع‪ ،‬و�أُ�س�س الدولة‪ ،‬وعالقات العامل‪.‬‬ ‫ومن قر�أ القر�آن الكرمي وال�سنة املطهرة وكتب الفقه الإ�سالمي‬ ‫وا�ضحا كل الو�ضوح‪.‬‬ ‫مبختلف مذاهبه وجد هذا‬ ‫ً‬ ‫حتى �إن ق�سم العبادات من الفقه لي�س بعيدًا عن ال�سيا�سة‪،‬‬ ‫فامل�سلمون مجُ ْ مِ ُعون على �أن ترك ال�صالة ومنع الزكاة واملجاهرة‬ ‫بالفطر يف رم�ضان و�إهمال فري�ضة احلج مما يوجب العقوبة‬ ‫والتعزير‪ ،‬وقد يقت�ضي القتال �إذا تظاهرت عليه فئة ذات �شوكة‪،‬‬ ‫كما فعل �أبو بكر ر�ضي اهلل عنه مع مانعي الزكاة‪.‬‬ ‫�إن فكرة التوحيد يف الإ�سالم تقوم على �أن امل�سلم ال يبغي غري اهلل‬ ‫ر ًّبا‪ ،‬وال ي َّتخذ غري اهلل ول ًّيا‪ ،‬وال يبتغي غري اهلل َح َك ًما‪ ،‬كما ب َّينت‬ ‫ذلك �سورة التوحيد الكربى املعروفة با�سم �سورة الأنعام‪.‬‬ ‫وعقيدة التوحيد يف حقيقتها ما هي �إال ثورة لتحقيق احلرية‬ ‫وامل�ساواة والأخ َّوة للب�شر؛ حتى ال يتخ َّذ بع�ض النا�س ً‬ ‫بع�ضا �أربا ًبا‬ ‫من دون اهلل‪ ،‬و ُتبطل عبودية الإن�سان للإن�سان؛ ولذا كان الر�سول‬ ‫الكرمي �صلوات اهلل عليه يختم ر�سائله �إىل ملوك �أهل الكتاب بهذه‬ ‫الآية الكرمية من �سورة �آل عمران( َيا �أَهْ َل ا ْل ِك َتابِ َت َعا َل ْوا �إِلىَ َك ِل َم ٍة‬ ‫�سَ َوا ٍء َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم �أَ اَّل َن ْع ُب َد �إِ اَّل اللهََّ وَال ُن ْ�شر َِك ِب ِه �شَ ْي ًئا وَال َي َّتخِ َذ‬ ‫َب ْع ُ�ض َنا َب ْع ً�ضا �أَ ْر َبا ًبا مِ نْ دُونِ اللهَّ ِ فَ�إِ ْن َت َو َّل ْوا َف ُقو ُلوا ْا�ش َهدُوا ِب َ�أ َّنا‬ ‫م ُْ�س ِل ُمو َن) (�آل عمران‪.)64:‬‬ ‫وهذا �سر وقوف امل�شركني وكرباء مكة يف وجه الدعوة الإ�سالمية‬ ‫من �أول يوم‪ ،‬مبجرد رفع راية (ال �إله �إال اهلل)‪ ،‬فقد كانوا ُيدركون‬ ‫ماذا وراءها‪ ،‬وماذا حتمل من معاين التغيري للحياة االجتماعية‬ ‫وال�سيا�سية‪ ،‬بجانب التغيري الديني املعلوم بال ريب‪.‬‬ ‫ال�سبب الثاين‪� :‬شخ�صية امل�سلم �شخ�صية �سيا�سية‪� :‬إن �شخ�صية‬ ‫امل�سلم ‪-‬كما ك َّونها الإ�سالم و�صنعتها عقيدته و�شريعته وعبادته‬ ‫وتربيته‪ -‬ال ميكن �إال �أن تكون �سيا�سية‪� ،‬إال �إذا �ساء َفهمها للإ�سالم‪،‬‬ ‫�أو �ساء تطبيقها له‪.‬‬ ‫فالإ�سالم ي�ضع يف عنق كل م�سلم فري�ضة ا�سمها الأمر باملعروف‪،‬‬ ‫والنهي عن املنكر‪ ،‬وقد ُيعبرّ عنها بعنوان‪ :‬الن�صيحة لأئمة‬ ‫امل�سلمني وعامتهم‪ ،‬وهي التي �ص َّح يف احلديث اعتبارها الدِّين‬ ‫كله(‪ ،)1‬وقد ُيعبرّ عنها بالتوا�صي باحلق‪ ،‬والتوا�صي بال�صرب‪،‬‬ ‫وهما من ال�شروط الأ�سا�سية للنجاة من ُخ�سر الدنيا والآخرة‪ ،‬كما‬ ‫َّ‬ ‫و�ضحت ذلك �سورة الع�صر‪.‬‬

‫و ُيح ِّر�ض الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم امل�سلم على مقاومة الف�ساد‬ ‫يف الداخل‪ ،‬ويعتربه �أف�ضل من مقاومة الغزو من اخلارج‪ ،‬فيقول‬ ‫حني �سئل عن �أف�ضل اجلهاد‪�« :‬أف�ضل اجلهاد كلمة حق عند �سلطان‬ ‫جائر(‪»)2‬؛ وذلك لأن ف�ساد الداخل هو الذي ميهِّد ال�سبيل لعدوان‬ ‫اخلارج‪.‬‬ ‫وتعترب ال�شهادة هنا من �أعلى �أنواع ال�شهادة يف �سبيل اهلل‪�« :‬سيد‬ ‫ال�شهداء حمزة‪ ،‬ثم رجل قام �إىل �إمام جائر ف�أمره ونهاه‪ ،‬فقتله‬ ‫(‪.»)3‬‬ ‫ويغر�س يف نف�س امل�سلم رف�ض الظلم‪ ،‬والتم ُّرد على الظاملني حتى‬ ‫�إنه ليقول يف دعاء القنوت املروي عن ابن م�سعود‪ ،‬وهو املعمول به‬ ‫يف املذهب احلنفي وغريه‪« :‬ن�شكرك اهلل وال نكفرك‪ ،‬ونخلع ونرتك‬ ‫من َيفج ُرك»(‪.)4‬‬ ‫و ُي ِّ‬ ‫رغب يف القتال لإنقاذ املُ�ضطهدين واملُ�ست�ضعفني يف الأر�ض ب�أبلغ‬ ‫َ‬ ‫عبارات ِّ‬ ‫احلث والتحري�ض‪ ،‬فيقول( َومَا ل ُك ْم ال ُت َقا ِت ُلو َن فيِ �سَ ِبيلِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ني مِ َن ال ِّر َجالِ َوال ِّن�سَ ا ِء َوا ْل ِو ْلدَانِ الذِ َ‬ ‫اللهَّ ِ َوالمْ ُ ْ�س َت ْ�ض َع ِف َ‬ ‫ين َي ُقولو َن‬ ‫َر َّب َنا �أَ ْخر ِْج َنا مِ نْ هَذِ ِه ا ْل َق ْر َي ِة َّ‬ ‫ال �أَهْ ُلهَا َو ْاج َع ْل َل َنا مِ نْ َل ُد ْن َك‬ ‫الظ مِ ِ‬ ‫ريا ) (الن�ساء‪.)75:‬‬ ‫َو ِل ًّيا َو ْاج َع ْل َل َنا مِ نْ َل ُد ْن َك َن ِ�ص ً‬ ‫وي�صب جام غ�ضبه و�شديد �إنكاره على الذين يقبلون َّ‬ ‫ال�ضيم‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وير�ضون بالإقامة يف �أر�ض ُيهانون فيها و ُيظلَمون‪ ،‬ولديهم‬ ‫القدرة على الهجرة منها والفرار �إىل �أر�ض �سواها‪ ،‬فيقول‪� ( :‬إِ َّن‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين َت َو َّفاهُ ُم المَْال ِئ َك ُة َظالمِ ِي �أَ ْن ُف�سِ ِه ْم َقا ُلوا فِي َم ُك ْن ُت ْم َقا ُلوا ُك َّنا‬ ‫الَ ْر ِ�ض َقا ُلوا �أَ مَ ْ‬ ‫ل َت ُكنْ �أَ ْر ُ‬ ‫م ُْ�س َت ْ�ض َع ِف َ‬ ‫�ض اللهَّ ِ َوا�سِ َع ًة َف ُتهَاجِ ُروا‬ ‫ني فيِ ْ أ‬ ‫ْ‬ ‫اَّ‬ ‫ريا * �إِل المْ ُ ْ�س َت ْ�ض َع ِف َ‬ ‫ني‬ ‫فِيهَا فَ�أُو َلئ َِك مَ�أ َواهُ ْم َج َه َّن ُم َو�سَ ا َءتْ م َِ�ص ً‬ ‫مِ َن ال ِّر َجالِ َوال ِّن�سَ ا ِء َوا ْل ِو ْلدَانِ ال َي ْ�س َتطِ ي ُعو َن حِ يلَ ًة وَال َي ْه َتدُو َن‬ ‫�سَ ِبيلاً * فَ�أُو َلئ َِك َع�سَ ى اللهَّ ُ �أَ ْن َي ْع ُف َو َع ْن ُه ْم َو َكا َن اللهَّ ُ َع ُف ًّوا َغ ُفو ًرا)‬ ‫(الن�ساء‪.)99-97:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حتى ه�ؤالء العجزة وال�ضعفاء قال القر�آن يف �ش�أنهم‪ ( :‬فَ�أولئ َِك‬ ‫َع�سَ ى اللهَّ ُ �أَ ْن َي ْع ُف َو َع ْن ُه ْم َو َكا َن اللهَّ ُ َع ُف ًّوا َغ ُفو ًرا ) (الن�ساء‪،)99:‬‬ ‫فجعل ذلك يف مَظِ َّنة الرجاء من اهلل تعاىل؛ زج ًرا عن الر�ضا بالذل‬ ‫والظلم ما وجد امل�سلم �إىل رف�ضه �سبيلاً ‪.‬‬ ‫وحديث القر�آن املُتك ِّرر عن املُتجربين يف الأر�ض ‪-‬من �أمثال‪ :‬فرعون‬ ‫وهامان وقارون و�أعوانهم وجنودهم‪ -‬حديث ميلأ قلب امل�سلم‬ ‫بالنقمة عليهم‪ ،‬والإنكار ل�سريتهم‪ ،‬والبغ�ض لطغيانهم‪ ،‬واالنت�صار‬ ‫فكر ًّيا و�شعور ًّيا‪ -‬ل�ضحاياهم من املظلومني وامل�ست�ضعفني‪.‬‬‫وحديث القر�آن وال�سنة عن ال�سكوت على املنكر والوقوف موقف‬ ‫ال�سلب من مقرتفيه ‪-‬حكا ًما �أو حمكومني‪ -‬حديث ُيزلزل كل من‬ ‫كان يف قلبه مثقال حبة من خردل من �إميان‪.‬‬ ‫يقول القر�آن( ُلع َِن ا َّلذِ َ‬ ‫ين َك َف ُروا مِ نْ َبنِي �إِ ْ�سرائي َل َعلَى ِل�سَ انِ‬ ‫ي َذل َِك بمَِا ع َ​َ�ص ْوا َو َكا ُنوا َي ْع َتدُو َن * كانوا ال‬ ‫دَا ُو َد َوعِ ي�سَ ى ا ْب ِن َم ْر مَ َ‬

‫‪35‬‬


‫يتناهون عن منكر فعلوه لبئ�س ما كانوا يفعلون) (املائدة‪.)78،79:‬‬ ‫ويقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪« :‬من ر�أى منكم منك ًرا‬ ‫فل ُيغريه بيده‪ ،‬ف�إن مل ي�ستطع فبل�سانه‪ ،‬ف�إن مل ي�ستطع فبقلبه‪،‬‬ ‫وذلك �أ�ضعف الإميان» (‪.)5‬‬ ‫ومن اخلط�أ الظن ب�أن املنكر ينح�صر يف الزنا‪ ،‬و�شرب اخلمر‪ ،‬وما‬ ‫يف معناهما‪.‬‬ ‫�إن اال�ستهانة بكرامة ال�شعب منكر �أي منكر‪ ،‬وتزوير االنتخابات‬ ‫منكر �أي منكر‪ ،‬والقعود عن الإدالء بال�شهادة يف االنتخابات منكر‬ ‫�أي منكر؛ لأنه كتمان لل�شهادة‪ ،‬وتو�سيد الأمر �إىل غري �أهله منكر‬ ‫�أي منكر‪ ،‬و�سرقة املال العام منكر �أي منكر‪ ،‬واحتكار ال�سلع التي‬ ‫يحتاج �إليها النا�س ل�صالح فرد �أو فئة منكر �أي منكر‪ ،‬واعتقال‬ ‫النا�س بغري جرمية حكم بها الق�ضاء العادل منكر �أي منكر‪،‬‬ ‫وتعذيب النا�س داخل ال�سجون واملعتقالت منكر �أي منكر‪ ،‬ودفع‬ ‫الر�شوة وقبولها والتو�سط فيها منكر �أي منكر‪ ،‬ومت ُّلق احلكام‬ ‫بالباطل و�إحراق البخور بني �أيديهم منكر �أي منكر‪ ،‬ومواالة �أعداء‬ ‫اهلل و�أعداء الأمة من دون امل�ؤمنني منكر �أي منكر‪.‬‬ ‫ريا مما يعدُّ ه‬ ‫وهكذا جند دائرة املنكرات ت َّت�سع وت َّت�سع لت�شمل كث ً‬ ‫النا�س يف ُ�صلب ال�سيا�سة‪.‬‬ ‫فهل َي�سَ ع امل�سلم ال�شحيح بدينه احلري�ص على مر�ضاة ربه �أن يقف‬ ‫�صام ًتا‪� ،‬أو ين�سحب من امليدان هار ًبا‪� ،‬أمام هذه املنكرات وغريها؛‬ ‫خو ًفا �أو طم ًعا �أو �إيثا ًرا لل�سالمة؟‪.‬‬ ‫وح ِك َم‬ ‫�إن مثل هذه الروح �إن �شاعت يف الأمة فقد انتهت ر�سالتها‪ُ ،‬‬ ‫عليها بالفناء؛ لأنها َغدَت �أمة �أخرى غري الأمة التي و�صفها اهلل‬ ‫وف َو َت ْن َه ْو َن ع َِن‬ ‫ا�س تَ�أْ ُم ُرو َن ِبالمَْ ْع ُر ِ‬ ‫بقوله( ُك ْن ُت ْم خَيرَْ �أُ َّم ٍة �أُ ْخر َِجتْ لِل َّن ِ‬ ‫المْ ُ ْن َك ِر َو ُت�ؤْمِ ُنو َن بِاللهَّ ِ) (�آل عمران‪.)110:‬‬ ‫وال عجب �أن ن�سمع هذا النذير النبوي للأمة يف هذا املوقف؛ �إذ‬ ‫يقول‪�« :‬إذا ر�أيت �أمتي تهاب �أن تقول للظامل‪ :‬يا ظامل فقد ُت ُو ِّد َع‬ ‫منهم»(‪� ،)6‬أي فقدوا �أهلية احلياة‪.‬‬ ‫�إن امل�سلم مطالب ‪-‬مبقت�ضى �إميانه‪� -‬أال يقف موقف املتفرج من‬ ‫املنكر �أ ًّيا كان نوعه �سيا�س ًّيا كان‪� ،‬أو اقت�صاد ًّيا‪� ،‬أو اجتماع ًّيا‪� ،‬أو‬ ‫ثقاف ًّيا‪ ،‬بل عليه �أن يقاومه ويعمل على تغيريه باليد �إن ا�ستطاع‪،‬‬ ‫و�إال فبالل�سان والبيان‪ ،‬ف�إن عجز عن التغيري بالل�سان انتقل �إىل‬ ‫�آخر املراحل و�أدناها؛ وهي التغيري بالقلب‪ ،‬وهي التي جعلها‬ ‫احلديث‪�« :‬أ�ضعف الإميان»‪.‬‬ ‫ريا بالقلب؛ لأنه‬ ‫و�إمنا �سماه الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم تغي ً‬ ‫تعبئة نف�سية و�شعورية �ضد املنكر و�أهله وحماته‪ ،‬وهذه التعبئة‬ ‫ً‬ ‫حم�ضا كما يتوهم‪ ،‬ولو كانت كذلك ما �سماها‬ ‫لي�ست �أم ًرا �سلب ًّيا‬ ‫ريا)‪.‬‬ ‫احلديث (تغي ً‬ ‫وهذه التعبئة امل�ستمرة للأنف�س وامل�شاعر وال�ضمائر ال بد لها �أن‬ ‫تتن َّف�س يو ًما ما يف عمل �إيجابي‪ ،‬قد يكون ثورة عارمة‪� ،‬أو انفجا ًرا‬ ‫ال ُيبقى وال يذر‪ ،‬ف�إن توايل ال�ضغط ال بد �أن ُيو ِّلد االنفجار‪�ُ ،‬سنة‬ ‫اهلل يف خلقه‪.‬‬

‫ريا بالقلب)‪ ،‬ف�إن‬ ‫و�إذا كان هذا احلديث �سمى هذا املوقف (تغي ً‬ ‫حدي ًثا نبو ًّيا �آخر �سماه (جهاد القلب)‪ ،‬وهو �آخر درجات اجلهاد‪،‬‬ ‫كما �أنه �آخر درجات الإميان و�أ�ضعفها‪ ،‬فقد روى م�سلم عن ابن‬ ‫م�سعود مرفو ًعا‪« :‬ما من نبي بعثه اهلل يف �أمة قبلي �إال كان له من‬ ‫�أمته حواريون و�أ�صحاب ي�أخذون ب�سنته‪ ،‬ويقتدون ب�أمره‪ ،‬ثم �إنها‬ ‫َتخ ُلف من بعدهم ُخ ُلوف يقولون ما ال يفعلون‪ ،‬ويفعلون ما ال‬ ‫ي�ؤمرون‪ ،‬ف َمن جاهدهم بيده فهو م�ؤمن‪ ،‬ومَن جاهدهم بل�سانه‬ ‫فهو م�ؤمن‪ ،‬ومَن جاهدهم بقلبه فهو م�ؤمن‪ ،‬لي�س ذلك من‬ ‫الإميان حبة خردل»(‪.)7‬‬ ‫وخ�صو�صا �إذا انت�شر‬ ‫وقد يعجز الفرد وحده عن مقاومة املنكر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫�شراره‪ ،‬وا�شتد �أواره‪ ،‬و َقوِي فاعلوه‪� ،‬أو كان املنكر من ِق َبل الأمراء‬ ‫الذين يفرت�ض فيهم �أن يكونوا هم �أول املحاربني له‪ ،‬ال �أ�صحابه‬ ‫وح َّرا�سه‪ ،‬وهنا يكون الأمر كما قال املثل‪« :‬حاميها حراميها»‪� ،‬أو‬ ‫كما قال ال�شاعر‪:‬‬ ‫وراعي ال�شاة يحمي الذئب عنها‬

‫فكيف �إذا الرعاة لها ذئاب؟!‬

‫وهنا يكون التعاون على تغيري املنكر واج ًبا ال ريب فيه؛ لأنه تعاون‬ ‫على الرب والتقوى‪ ،‬ويكون العمل اجلماعي ‪-‬عن طريق اجلمعيات‬ ‫�أو الأحزاب �أو غريها من القنوات املتاحة‪ -‬فري�ضة يوجبها الدِّين‪،‬‬ ‫كما �أنه �ضرورة ُيح ِّتمها الواقع‪.‬‬ ‫بني احلق والواجب‬

‫�إن ما ُيعترب يف الفل�سفات والأنظمة املعا�صرة (ح ًّقا) للإن�سان يف‬ ‫التعبري والنقد واملعار�ضة‪َ ،‬يرقى به الإ�سالم ليجعله فري�ضة‬ ‫مقد�سة يبوء بالإثم وي�ستحق عقاب اهلل �إذا ف َّرط فيها‪.‬‬ ‫وفرق كبري بني (احلق) الذي يدخل يف دائرة (الإباحة) �أو‬ ‫(التخيري) الذي يكون الإن�سان يف حِ ّل من تركه �إن �شاء‪ ،‬وبني‬ ‫(الواجب) �أو (الفر�ض) الذي ال خيار للمكلف يف تركه �أو �إغفاله‬ ‫بغري عذر يقبله ال�شرع‪.‬‬ ‫مما يجعل امل�سلم �سيا�س ًّيا دائ ًما �أنه مطالب مبقت�ضى �إميانه �أال‬ ‫و َّ‬ ‫يعي�ش لنف�سه وحدها‪ ،‬دون اهتمام مب�شكالت الآخرين وهمومهم‪،‬‬ ‫وخ�صو�صا امل�ؤمنني منهم‪ ،‬بحكم �أُخوة الإميان(�إِنمََّ ا المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن �إِ ْخ َو ٌة)‬ ‫ً‬ ‫(احلجرات‪.)10:‬‬ ‫ويف احلديث‪« :‬مَن مل يهتم ب�أمر امل�سلمني فلي�س منهم‪ ،‬ومَن‬ ‫نا�صحا هلل ولر�سوله ولأئمة امل�سلمني وعامتهم فلي�س‬ ‫مل ي�صبح‬ ‫ً‬ ‫منهم»(‪« ،)8‬و�أميا �أهل َع ْر َ�صة بات فيهم امر�ؤ جائع فقد برئت‬ ‫منهم ذمة اهلل وذمة ر�سوله»(‪.)9‬‬

‫والقر�آن كما يفر�ض على امل�سلم �أن ُيطعم امل�سكني‪ ،‬يفر�ض عليه �أن‬ ‫َّ‬ ‫يح�ض الآخرين على �إطعامه‪ ...‬وال يكون ك�أهل اجلاهلية الذين ذ َّمهم‬ ‫القر�آن بقوله(كَلاَّ َب ْل ال ُت ْك ِرمُو َن ا ْل َيتِي َم * وَال تحَ​َ ُّ‬ ‫ا�ضو َن َعلَى َط َعا ِم‬ ‫المْ ِْ�س ِكنيِ) (الفجر‪ ،)17،18:‬ويجعل القر�آن التفريط يف هذا الأمر من‬ ‫ِّين * َف َذل َِك ا َّلذِ ي َي ُد ُّع‬ ‫دالئل التكذيب بالدِّين(�أَرَ�أَ ْيتَ ا َّلذِ ي ُي َك ِّذ ُب بِالد ِ‬ ‫ا ْل َيتِي َم * وَال َي ُح ُّ�ض َعلَى َط َعا ِم المْ ِْ�س ِكنيِ) (املاعون‪.)3-1:‬‬

‫‪36‬‬


‫وهذا يف املجتمعات الر�أ�سمالية والإقطاعية امل�ضيعة حلقوق امل�ساكني‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫وح�ض على الوقوف مع الفقراء يف‬ ‫حتري�ض على الثورة‪،‬‬ ‫وال�ضعفاء‬ ‫مواجهة الأغنياء‪.‬‬ ‫وكما �أن امل�سلم مطا َلب مبقاومة الظلم االجتماعي‪ ،‬فهو مطا َلب � ً‬ ‫أي�ضا‬ ‫مبحاربة الظلم ال�سيا�سي‪ ،‬وكل ظلم �أ ًّيا كان ا�سمه ونوعه‪ ،‬وال�سكوت عن‬ ‫الظلم والتهاون فيه يوجب العذاب على الأمة كلها؛ الظامل وال�ساكت‬ ‫عنه‪ ،‬كما قال تعاىل( َوا َّت ُقوا ِف ْت َن ًة ال ُت ِ�صيبنَ َّ ا َّلذِ َ‬ ‫ا�ص ًة)‬ ‫ين َظلَ ُموا مِ ْن ُك ْم َخ َّ‬ ‫(الأنفال‪.)25:‬‬ ‫وقد ذ َّم القر�آن الأقوام الذين �أطاعوا اجلبابرة الطغاة و�ساروا يف ركابهم‬ ‫كقوله عن قوم نوح ( َوا َّت َب ُعوا َمنْ مَ ْ‬ ‫ل َي ِز ْد ُه مَا ُل ُه َو َو َل ُد ُه ِ�إ اَّل َخ�سَ ا ًرا)‬ ‫(نوح‪.)21:‬‬ ‫بل جعل القر�آن مجُ َّرد الركون وامليل النف�سي �إىل الظاملني موج ًبا لعذاب‬ ‫اهلل(وَال َت ْر َك ُنوا �إِلىَ ا َّلذِ َ‬ ‫ين َظلَ ُموا َف َت َم َّ�س ُك ُم ال َّنا ُر َومَا َل ُك ْم مِ نْ دُونِ اللهَّ ِ‬ ‫مِ نْ �أَ ْو ِل َيا َء ُث َّم ال ُت ْن َ�ص ُرو َن) (هود‪.)113:‬‬ ‫و ُيح ِّمل الإ�سالم كل م�سلم م�س�ؤولية �سيا�سية‪� :‬أن يعي�ش يف دولة يقودها‬ ‫�إمام م�سلم يحكم بكتاب اهلل‪ ،‬ويبايعه النا�س على ذلك‪ ،‬و�إال التحق ب�أهل‬ ‫اجلاهلية‪ ،‬ففي احلديث ال�صحيح‪« :‬من مات ولي�س يف عنقه بيعة لإمام‬ ‫مات ميتة جاهلية»‪.‬‬ ‫ال�صالة وال�سيا�سة‬ ‫وكما ذكرنا من قبل �أن امل�سلم قد يكون يف قلب ال�صالة‪ ،‬ومع هذا يخو�ض‬ ‫يف بحر ال�سيا�سة حني يتلو من كتاب اهلل الكرمي �آيات تتعلق ب�أمور تدخل‬ ‫يف ُ�صلب ما ي�سميه النا�س (�سيا�سة)‪.‬‬ ‫فمن يقر�أ يف �سورة املائدة الآيات التي ت�أمر با ُ‬ ‫حلكم مبا �أنزل اهلل‪ ،‬وتدمغ‬ ‫من مل يحكم مبا �أنزل اهلل �سبحانه بالكفر والظلم والف�سوق( َو َمنْ‬ ‫ل َي ْح ُك ْم بمَِا �أَ ْن َز َل اللهَّ ُ فَ�أُو َلئ َِك هُ ُم ا ْل َكا ِف ُرو َن) (املائدة‪َ ( ،)44:‬و َمنْ مَلْ‬ ‫مَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َي ْح ُك ْم بمَِا �أَ ْن َز َل اللهَّ فَ�أُو َلئ َِك هُ ُم َّ‬ ‫الظالمِ ُو َن) (املائدة‪َ ( ،)45:‬و َمنْ مَ ْ‬ ‫ل َي ْح ُك ْم‬ ‫بمَِا �أَ ْن َز َل اللهَّ ُ فَ�أُو َلئ َِك هُ ُم ا ْل َفا�سِ ُقو َن)(املائدة‪ ،)47:‬يكون قد دخل يف‬ ‫ال�سيا�سة‪ ،‬ورمبا اع ُترب من املعار�ضة املُتطرفة؛ لأنه بتالوة هذه الآيات‬ ‫ُيوجه اال ِّتهام �إىل النظام احلاكم‪ ،‬و ُيحر�ض عليه؛ لأنه مو�صوف بالكفر‬ ‫�أو الظلم �أو الف�سق �أو بها كلها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ومثل ذلك من يقر�أ الآيات التي تحُ ذر من مواالة غري امل�ؤمنني ( َيا �أ ُّيهَا‬ ‫ين �آ َم ُنوا ال َت َّتخِ ُذوا ا ْل َكا ِفر َ‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ِين �أَ ْو ِل َيا َء مِ نْ دُونِ المْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني �أَ ُترِيدُو َن �أَنْ‬ ‫للِهَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫تجَ ْ َع ُلوا ِ َعل ْيك ْم ُ�سلطا ًنا ُمبِي ًنا) (الن�ساء‪.)144:‬‬ ‫ومن َق َنتَ (قنوت النوازل) املُق َّرر يف الفقه‪ ،‬وهو الدعاء الذي ُيدعى‬ ‫وخ�صو�صا يف ال�صالة‬ ‫به يف ال�صلوات بعد الرفع من الركعة الأخرية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اجلهرية‪ ،‬وهو م�شروع عندما تنزل بامل�سلمني نازلة؛ كغزو عدو‪� ،‬أو‬ ‫وقوع زلزال‪� ،‬أو في�ضان‪� ،‬أو جماعة عامة‪� ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬كما نفعل كثريا‬ ‫عندما يقع عدوان �صهيوين كبري على فل�سطني‪� ،‬أو على لبنان‪ ،‬وكما‬ ‫حدث كثريا يف حرب ال�سوفييت لأفغان�ستان‪ ،‬وحرب ال�صرب للبو�سنة‬ ‫والهر�سك وغريها‪.‬‬ ‫وهكذا كنا ندخل يف مُعرتك ال�سيا�سة‪ ،‬ونخو�ض غِ ماره‪ ،‬ونحن يف حمراب‬ ‫ال�صالة متبتلون خا�شعون‪ ،‬فهذه هي طبيعة الإ�سالم‪ ،‬ال ينعزل فيه دين‬

‫عن دنيا‪ ،‬وال تنف�صل فيه دنيا عن دين‪ ،‬وال يعرف قر�آنه وال �سنته وال‬ ‫تاريخه دي ًنا بال دولة‪ ،‬وال دولة بال دين‪.‬‬ ‫ال�سا�سة ُيدخلون الدِّ ين يف ال�سيا�سة متى �أرادوا!‬ ‫الذين زعموا �أن الدِّين ال عالقة له بال�سيا�سة من قب ُل‪ ،‬والذين اخرتعوا‬ ‫�أكذوبة (ال دين يف ال�سيا�سة‪ ،‬وال �سيا�سة يف الدِّين) من بعدُ‪ ،‬هم �أول من‬ ‫ك َّذبوها ب�أقوالهم و�أفعالهم‪.‬‬ ‫فطاملا جل�أ ه�ؤالء �إىل الدِّين ليتخذوا منه �أداة يف خدمة �سيا�ستهم‪،‬‬ ‫والتنكيل بخ�صومهم‪ ،‬وطاملا ا�ستخدموا بع�ض ال�ضعفاء واملهازيل من‬ ‫املن�سوبني �إىل علم الدِّين‪ ،‬لي�ست�صدروا منهم فتاوى �ض َّد من ُيعار�ض‬ ‫�سيا�ستهم الباطلة دينا‪ ،‬والعاطلة دنيا‪.‬‬ ‫ما زلت �أذكر كيف �صدرت الفتاوى ونحن يف معتقل الطور �سنة ‪-1948‬‬ ‫‪ 1949‬ب�أننا نحن الدعاة �إىل حتكيم القر�آن وتطبيق الإ�سالم نحارب اهلل‬ ‫ور�سوله‪ ،‬ون�سعى يف الأر�ض ف�سادًا‪ ،‬فحقنا �أن ُنق ّتل �أو ُن�ص ّلب‪� ،‬أو ُت َّ‬ ‫قطع‬ ‫�أيدينا و�أرجلنا من خِ الف‪� ،‬أو ننفى من الأر�ض!‪.‬‬ ‫وتك َّرر هذا يف �أكرث من عهد‪ ،‬تتك َّرر امل�سرحية و�إن تغريت الوجوه!‪.‬‬ ‫وما زلت �أذكر ‪-‬ويذكر النا�س‪ -‬كيف ُطلِب من �أهل الفتوى �أن ي�صدروا‬ ‫فتواهم مب�شروعية ال�صلح مع �إ�سرائيل؛ ت�أييدًا ل�سيا�ستهم االنهزامية‪،‬‬ ‫بعد �أن �أُ�صدرت الفتوى من قب ُل بتحرمي ال�صلح معها‪ ،‬واعتبار ذلك‬ ‫خيانة هلل ولر�سوله وللم�ؤمنني!‪.‬‬ ‫وما زال احلكام يلج�أون �إىل علماء الدِّين؛ ليفر�ضوا عليهم فتاوى تخدم‬ ‫�أغرا�ضهم ال�سيا�سية‪ ،‬و�آخرها حماوالت حتليل فوائد البنوك و�شهادات‬ ‫اال�ستثمار‪ ،‬في�ستجيب لهم كل رخو العود ممن ق َّل فقههم‪� ،‬أو ق َّل دينهم‪،‬‬ ‫وي�أبى عليهم العلماء الرا�سخون(ا َّلذِ َ‬ ‫ين ُي َب ِّل ُغو َن ِر�سَ االتِ اللهَّ ِ َو َيخْ �شَ ْو َن ُه‬ ‫وَال َيخْ �شَ ْو َن �أَ َحدًا ِ�إ اَّل اللهََّ َو َك َفى بِاللهَّ ِ َح�سِ ي ًبا)(الأحزاب‪.)39:‬‬ ‫الـهــوامــــــ�ش‬ ‫* نقال عن كتاب «الدين وال�سيا�سة» للعالمة الدكتور يو�سف القر�ضاوي‪.‬‬ ‫(‪� -)1‬إ�شارة �إىل حديث‪« :‬الدين الن�صيحة»‪ ،‬وقد رواه م�سلم يف الإميان (‪ ،)55‬و�أحمد يف امل�سند (‪ ،)19640‬و�أبو‬ ‫داود يف الأدب (‪ ،)4944‬والبيعة (‪ ،)4197‬عن متيم الداري‪.‬‬ ‫(‪ -)2‬رواه �أحمد يف امل�سند (‪ ،)11035‬وذكر حمققوه لقوله‪�« :‬أال �إن �أف�ضل اجلهاد كلمة حق عند �سلطان جائر»‬ ‫�شاهدين وقالوا‪ :‬بهذين ال�شاهدين ح�سن لغريه‪ ،‬و�أبو داود يف املالحم (‪ ،)4344‬والرتمذي يف الفنت (‪،)2174‬‬ ‫وقال‪ :‬حديث ح�سن غريب من هذا الوجه‪ ،‬وابن ماجه يف الفنت (‪ ،)4011‬عن �أبي �سعيد اخلدري‪.‬‬ ‫(‪ -)3‬رواه احلاكم يف امل�ستدرك كتاب معرفة ال�صحابة (‪ ،)215/3‬وقال‪� :‬صحيح الإ�سناد ومل يخرجاه‪ ،‬عن جابر‪،‬‬ ‫وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع (‪.)3675‬‬ ‫(‪ -)4‬رواه عبد الرزاق يف امل�صنف كتاب ال�صالة (‪ ،)110/3‬وابن �أبي �شيبة يف امل�صنف كتاب ال�صالة (‪،)106/2‬‬ ‫والبيهقي يف الكربى جماع �أبواب �صفة ال�صالة (‪ ،)210/2‬عن عمر موقوفا‪.‬‬ ‫(‪ -)5‬رواه م�سلم يف الإميان (‪ ،)49‬و�أحمد يف امل�سند (‪ ،)11150‬و�أبو داود يف ال�صالة (‪ ،)1140‬والرتمذي يف الفنت‬ ‫(‪ ،)2172‬والن�سائي يف الإميان و�شرائعه (‪ ،)5008‬وابن ماجه الفنت (‪ ،)4012‬عن �أبي �سعيد‪.‬‬ ‫(‪ -)6‬رواه �أحمد يف امل�سند (‪ ،)6521‬وقال حمققوه‪� :‬إ�سناده �ضعيف‪ ،‬رجاله ثقات رجال ال�صحيح‪� ،‬إال �أن �أبا الزبري‬ ‫مل ي�سمع من عبد اهلل بن عمرو فيما قال �أبو حامت يف املرا�سيل‪ ،‬ونقله �أي�ضا عن ابن معني‪ ،‬ونقل ابن عدي‬ ‫يف الكامل قوله‪ :‬مل ي�سمع �أبو الزبري من عبد اهلل بن عمرو ومل يره‪ ،‬والبزار يف امل�سند (‪ ،)362/6‬واحلاكم‬ ‫يف امل�ستدرك كتاب الأحكام (‪ ،)108/4‬وقال‪� :‬صحيح الإ�سناد ومل يخرجاه‪ ،‬والبيهقي يف الكربى كتاب الغ�صب‬ ‫(‪ ،)95/6‬عن عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬وقال الهيثمي يف جممع الزوائد‪ :‬رواه �أحمد والبزار والطرباين و�أحد �إ�سنادي‬ ‫البزار رجاله رجال ال�صحيح وكذلك �إ�سناد �أحمد �إال �أنه وقع فيه يف الأ�صل غلط (‪.)531/7‬‬ ‫(‪ -)7‬رواه م�سلم يف الإميان (‪ ،)50‬و�أحمد يف امل�سند (‪ ،)4379‬عن ابن م�سعود‪.‬‬ ‫(‪ -)8‬رواه الطرباين يف ال�صغري (‪ ،)131/2‬والأو�سط (‪ ،)270/7‬عن حذيفة بن اليمان‪ ،‬وقال الهيثمي يف جممع‬ ‫الزوائد‪ :‬رواه الطرباين يف الأو�سط وال�صغري وفيه عبد اهلل بن �أبي جعفر الرازي �ضعفه حممد بن حميد‬ ‫ووثقه �أبو حامت و�أبو زرعة وابن حبان (‪.)264/1‬‬ ‫(‪ -)9‬رواه �أحمد يف امل�سند (‪ ،)4880‬وقال حمققوه‪� :‬إ�سناده �ضعيف جلهالة �أبي ب�شر‪ ،‬و�أبو يعلى يف امل�سند‬ ‫(‪ ،)115/10‬والطرباين يف الأو�سط (‪ ،)210/8‬واحلاكم يف امل�ستدرك كتاب البيوع (‪ ،)14/2‬وقال الذهبي‪ :‬عمرو‬ ‫بن احل�صني العقيلي تركوه‪ ،‬و�أ�صبغ بن زيد اجلهني فيه لني‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬وقال الهيثمي يف جممع الزوائد‪:‬‬ ‫رواه �أحمد و�أبو يعلى والبزار والطرباين يف الأو�سط وفيه �أبو ب�شر الأملوكي �ضعفه ابن معني (‪180/4‬‬

‫‪37‬‬


‫اإلسالم والحداثة‪ :‬جدل‬ ‫األصالة والمعاصرة‬ ‫د‪ .‬حممد حلمي عبد الوهاب‬ ‫منذ �أن ا�ستيقظ عامل الإ�سالم على ع�صر ما بعد النه�ضة يطرقُ‬ ‫ُ‬ ‫ويخطف الأب�صار‪� ،‬إذا بحرية امل�سلمني يف �ش�أن التعاطي مع‬ ‫أبواب‬ ‫ال َ‬ ‫الآخر مل تتوقف‪ ،‬بحيث تراوحت املواقف وردود الأفعال ما بني‪:‬‬ ‫االعتزال تارة‪ ،‬واخل�صام والتمرد واملقاومة تارة �أخرى‪.‬‬ ‫وما بني هذا وذاك ثمة تيار ثالث حاول جاهدً ا �أن يقول بب�ساطة‬ ‫َ‬ ‫القبول املُطلق باحل�ضارة الغربية احلديثة �أدى بنا �إىل‬ ‫�شديدة‪� :‬إنّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫إ�سالمي‪ ،‬كما �أنّ الرف�ض املطلق‬ ‫احل�ضاري عن تراثنا ال‬ ‫االنف�صال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ما�ضوية تت�شبث باملا�ضي دون �أن‬ ‫للح�ضارة الغربية مت من منطلقات‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫تطل على احلا�ضر‪� ،‬أو �أن تتطلع �إىل امل�ستقبل‪ ،‬و�أنه ال بد من املزاوجة‬ ‫أم�س واليوم معا –كما الحظ‬ ‫بني الأ�صالة واملعا�صرة‪ .‬ففي عامل ال ِ‬ ‫ينق�سم كثري من املثقفني واملنا�ضلني بني‪�« :‬أن�صار‬ ‫جاك بريك بحق‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫امل�صري بال �أ�صيل (احلداثة)‪ ،‬و�أن�صار الأ�صيل بال م�صري (الإ�سالم)‪.‬‬

‫وال �شك � ّأن االن�سحاب الأول يف مواجهة الع�صر كان مُقرتنا بتلك املرحلة‬ ‫التي ا�ستيقظ فيها امل�سلمون‪،‬بعد �سبات دام خم�سة قرون‪ ،‬على طالئع‬ ‫بعنف بلغ ذروته طوال القرن‬ ‫احل�ضارة الغربية تدق قالعهم الناع�سة ٍ‬ ‫التا�سع ع�شر‪ .‬ففي هذه املرحلة بالذات كان الإ�سالم كما يفهمه اجلهالء‬ ‫فيما ي�ؤكد عبا�س العقاد يف كتابه «الإ�سالم يف القرن الع�شرين»‪ -‬لي�س‬‫�إال «مزيجا من اخلرافة وال�شعوذة والطال�سم والأوهام‪ ،‬ومن الوثنية‬ ‫وعبادة املوتى‪ .‬وكان بع�ض املتعالني من �أدعياء املعرفة يحكم بكفر‬ ‫القائلني بدوران الكرة الأر�ضية‪ ،‬وال يرتدد يف تكفري من ي�سميها كرة!»‪.‬‬ ‫وللأ�سف ال�شديد؛ ف�إن الأمر مل يتوقف عند هذا احلد فح�سب‪ ،‬بل �إنه‬ ‫امتد لي�شكك يف �أب�سط البديهيات العلمية‪ ،‬لدرجة � ّأن جملة املنار ن�شرت‬ ‫يف العام ‪� 1909‬س�ؤاال مُوجها �إىل �صاحبها ال�شيخ حممد ر�شيد ر�ضا حول‬ ‫اخلرب املُبلغ بوا�سطة البرَ ق‪ :‬هل ُيعتد به عندنا يف ال�شرع‪ ،‬كال�صالة على‬ ‫الغائب‪ ،‬وما يرتتب على ذلك من الأمور ال�شرعية‪ ،‬كالهالل يف ال�صوم‪،‬‬ ‫�أو الإفطار‪�...‬إلخ؟!‬ ‫فو�ضى امل�صطلحات واملفاهيم‬ ‫�سبق وذكرنا �أن م�صطلح احلداث ‏‏ة ي�شري �إىل مرحلة تاريخية طويلة‬

‫ن�سبيا‏‪،‬‏ بد�أت يف �أوروبا منذ �أواخر القرن ال�ساد�س ع�شر ومتيزت يف‬ ‫القرن ال�سابع ع�شر ب�سل�سلة من التغيرّ ات الكبرية والعميقة التي‬ ‫طالت �أغلب البنى الثقافية واالجتماعية واالقت�صادية‏‪،‬‏ و�شملت ب�شكل‬ ‫متداخل ومتفاعل عمليا جماالت البحث واملعرفة و�أمناط وم�ؤ�س�سات‬ ‫احلكم ال�سيا�سية واملدنية والت�شريعية‪ ،‬وذلك يف �إطار عمليات بناء‬ ‫الدول القومية وتزايد �سلطاتها مع تزايد م�ساحات احلرية وامل�س�ؤولية‬ ‫الفردية‏‪.‬‏‬ ‫ون�صل الآن �إىل بحث �إ�شكالية املفهوم �أو امل�صطلح بغية رفع اخللط‬ ‫الذي يقع يف هذا ال�سياق‪ ،‬ويف كل �سياق حقيقة!! فعلى �سبيل املثال؛‬ ‫َ‬ ‫هناك خلط �شائع ما بني احلداثة ‪ Modernity‬والتحديث‬ ‫‪ Modernization‬على الرغم من �أن امل�صطلح الأخري يعني نقل‬ ‫جمتمع تقليدي ما �إىل مرحلة املجتمع املدين احلديث‪.‬‬ ‫كما �أن هناك م�صطلحا �آخر عادة ما يتم نقله من بيئته اخلا�صة «الأدب»‬ ‫�إىل ف�ضاءات �أخرى من دون الأخذ بعني االعتبار ال�سياق الفكري‬ ‫والتاريخي الذي ظهر فيه هذا امل�صطلح‪� ،‬أال وهو‪Modernism :‬‬ ‫حيث املق�صود به �أ�سا�سا احلركات الطليعية يف الفن والأدب كال�سريالية‬ ‫عند بيكا�سو على �سبيل املثال‪ ،‬ويقع يف مقابلها ما ي�سمى مبرحلة «ما‬ ‫بعد احلركات الطليعية ‪ »Post-Modernism‬متاما كاحلداثة‬ ‫وما بعد احلداثة‪.‬‬ ‫االجتاهات الرئي�سة للتعاطي مع مو�ضوع احلداثة‬ ‫فرغم كرثة اجلدل الدائر حاليا حول عالقة الإ�سالم باحلداثة وما‬ ‫بعدها‪ ،‬ف�إن �أغلب املقاربات املوجودة على ال�ساحة الثقافية ت�شي بنوع‬ ‫من اخللل املزدوج ‪� :‬إما يف فهم احلداثة ومقوالتها من جهة �أو يف فهم‬ ‫الإ�سالم وعالئقه من جهة �أخرى!‬ ‫ونتيجة لذلك؛ يتجاهل �أغلب امل�شاركني يف هذا اجلدل (ممن يخفون‬ ‫توجهاتهم‪� ،‬أو ي�صرحون ب�إيديولوجياتهم) جمموعة كبرية من‬ ‫الت�سا�ؤالت املف�صلية ‪-‬التي ال ينبغي جتاهلها نظرا ل�شدة ارتباطها‬ ‫مبجموعة من االعتبارات املنهاجية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫وي�أتي يف مقدمة هذه الت�سا�ؤالت الت�سا�ؤل الأكرب حول مدى �صحة‬ ‫وم�شروعية ربط الإ�سالم (كدين) مبنظومات فكرية عاملية كاال�شرتاكية‬ ‫والليربالية‪� ...‬إلخ؟ يتبعه ت�سا�ؤل �آخر حول حدود الف�صل والو�صل التي‬ ‫تربط (�أو تف�صل) ما بني «�صالحية الإ�سالم لكل زمان ومكان» وعمليات‬ ‫التوفيق واملواءمة امل�ستمرة بينه وبني تلك املنظومات الفكرية والعقائد‬ ‫الإيديولوجية؟!‬ ‫وبطبيعة احلال؛ هنالك من يرف�ض التعليق على هذه الت�سا�ؤالت ‪:‬‬ ‫�إما لأنه يرف�ض بع�ض املقوالت التي ت�أ�س�ست عليها (كفكرة �صالحية‬ ‫الإ�سالم ومالءمته لكل زمان ومكان‪ ،‬و�إما لرف�ضه الطرف الآخر من‬ ‫املعادلة (احلداثة يف حالتنا هذه) رف�ضا قطعيا بحجة عدم متا�شي‬ ‫مقوالتها مع �شريعة الإ�سالم‪.‬‬ ‫لكن وبغ�ض النظر عن وجهة نظر املتع�صبني من هذا الفريق �أو ذاك‪،‬‬ ‫�سرعان ما ن�صادف جمموعة �أخرى من الت�سا�ؤالت اجلادة التي يتحتم‬ ‫على املن�شغلني بتلك الق�ضية حماولة الإجابة عن بع�ضها‪ ،‬والتي تنطلق‬ ‫من قاعدة الت�شكيك يف «منهاجية املقاربات» بحد ذاتها‪ ،‬ولي�س بق�صد‬ ‫الت�شكيك يف «مبد�أ جدواها»‪.‬‬ ‫وعلى ذلك؛ ف�إنها تتوجه لكال الطرفني بت�سا�ؤالت من مثل‪� :‬أمل يكن‬

‫‪38‬‬


‫الإ�سالم حتى وقت قريب ا�شرتاكيا حم�ضا و�إذا بكم الآن تلب�سونه رداء‬ ‫الليربالية املح�ضة �أي�ضا؟ و�إذا �أقررنا معكم بخط�أ املقاربة الأوىل التي‬ ‫واءمت عن عمد بينه وبني اال�شرتاكية‪ ،‬فما هي ال�ضمانة احلقيقية‬ ‫التي حتول دون تكرار نف�س اخلط�أ بالن�سبة �إىل املقاربات اجلارية‬ ‫حاليا؟ �أال يكمن الإ�شكال �أ�صال يف طبيعة املنهج الذي تتبع ُه تلك‬ ‫املقاربات بالأ�سا�س؟ �ألي�س من الأجدى واحلال هذه‪� ،‬أن نبحث يف عموم‬ ‫امل�شرتك من دون �أن نلوي عنق الن�صو�ص الدينية والأحداث التاريخية‬ ‫حتى يتالءم الإ�سالم مع �أفكار ومنظومات قد تكون يف حقيقتها بعيدة‬ ‫كل البعد عن �أ�س�سه وجوهره؟‬ ‫ويف الواقع تكت�سب تلك الت�سا�ؤالت �أهمية كربى‪ ،‬خا�صة �إذا �أخذنا بعني‬ ‫انغم�س فيه املفكرون العرب وامل�سلمون‬ ‫االعتبار �أنه يف الوقت الذي‬ ‫َ‬ ‫يف النقا�ش التقليدي الدائر حول احلداثة وموقف الإ�سالم منها؛ �إذا‬ ‫بالدوائر الفكرية الغربية تفاجئهم ب�صياغة تيار فكريّ جديد �أطلق‬ ‫عليه «ما بعد احلداثة»‪ ،‬والذي �شن هجوما حادا وعنيفا على قيم‬ ‫احلداثة الغربية ومفاهيمها‪ ،‬بل وبلغ من اجلر�أة مبكان حدود القول‪:‬‬ ‫�إن م�شروع احلداثة قد �سقط نهائيا بعد �أن �أخفق متاما يف حتقيق‬ ‫منظومة القيم التي ب�شر بها!‬ ‫حقيقي‪ ،‬حتى‬ ‫ويف �ضوء ذلك وجد املفكرون امل�سلمون �أنف�سهم يف م�أزق‬ ‫ٍّ‬ ‫�أن بع�ضهم ذهب �إىل القول ب�أن «ما بعد احلداثة» لي�س �إال م�شكلة‬ ‫تخ�ص الغرب وحده و�أنه ال عالقة لنا بها!‪ ،‬فيما �أكد فريق �آخر �أنه‬ ‫من ال�ضرورة مبكان حتليل الأفكار وامل�ضامني الرئي�سة ملا بعد احلداثة‪،‬‬ ‫خا�صة و�أنه �سرعان ما تتحول الأفكار الفل�سفية املجردة يف الغرب �إىل‬ ‫�سيا�سات عملية ت�ؤثر على عالقاته اخلارجية‪.‬‬ ‫ومبا �أن عجلة الت�سا�ؤالت الكربى وال�صغرى لن تكف �أبدا عن الدوران‪،‬‬ ‫لذا نرى من الأن�سب �أن نحدد �أوال ماهية الطابع العام الذي يغلب‬ ‫على هذه املقاربات‪ ،‬بغ�ض النظر عن طبيعة الطرف الآخر من املعادلة‪،‬‬ ‫وخا�صة �أن �إبراز هذا الطابع العام يك�شف عن اخللل املنهاجي الذي‬ ‫ي�سود �أغلب املقاربات املوجودة على ال�ساحة الآن‪.‬‬ ‫ومن ثم؛ ميكن القول �إن ثمة اجتاهات ثالثة متمايزة تتبلور عن �أية‬ ‫مناق�شات ‪-‬هزيلة الطابع �أو حتى جادة‪ -‬حتاول ربط الإ�سالم مبنظومة‬ ‫فكرية ما‪� ،‬أال وهي‪:‬‬ ‫االجتاه الأول‪ :‬ينظر للمنظومة الفكرية مو�ضع املقاربة (احلداثة‬ ‫وما بعدها) نظرة نقدية ال�ستك�شاف القيم الإيجابية التي تت�ضمنها‪،‬‬ ‫دون �إغفال اجلوانب ال�سلبية كذلك‪.‬‬ ‫االجتاه الثاين‪ :‬يحاول التوفيق واملواءمة ما بني الإ�سالم ومو�ضوع‬ ‫املقاربة الذي ُي َ‬ ‫نظ ُر �إليه نظرة متوازنة عادة‪ ،‬مع تف�ضيل الأمنوذج‬ ‫الإ�سالمي (كال�شورى بدال من الدميقراطية )‪.‬‬ ‫االجتاه الثالث‪ :‬وعادة ما يتبناه الإ�سالميون احلركيون ب�صفة‬ ‫أ�سباب الف�شل على‬ ‫خا�صة‪ ،‬يرف�ض مو�ضوع املقاربة رف�ضا تاما‪ ،‬ويرجع � َ‬ ‫امل�ستويات كافة �إىل االبتعاد عن تطبيق الأمنوذج الإ�سالمي‪.‬‬ ‫الالفت للنظر يف هذا ال�سياق‪ ،‬هو �أن التعاطي مع املواقف احلدية رف�ضا‬ ‫�أو قبوال‪� ،‬سلبا �أو �إيجابا‪ ،‬مل يتح الفر�صة املنا�سبة �أمام االجتاه التوفيقي‬ ‫الذي ا�ستغرق بدوره وقتا طويال يف التعاطي �سلبا مع املوقفني‬‫املتطرفينْ ‪ -‬ليتم م�س�ألة التوفيق وينهي عملية املواءمة ب�شكل نهائي!‬ ‫وبالتايل‪ ،‬بقيت جهوده حم�صورة يف الرد على �أحد االجتاهني �أو كليهما‬ ‫من جهة‪ ،‬وو�ضع قواعد عامة للتعاطي مع الآخر من جهة �أخرى‪ ،‬دون‬ ‫�أن يبلور موقفه هذا يف نظرية تامة متكاملة‪.‬‬

‫ونتيجة لذلك؛ تبلغ الأدجلة ذروتها فيما يخ�ص م�س�ألة الإ�سالم‬ ‫وق�ضايا الع�صر حيث يركز احلداثيون يف مناق�شاتهم على �إبراز‬ ‫اجلوانب الإيجابية للحداثة مع �إغفال تام ل�سلبياتها‪ .‬ومن هنا ميكن‬ ‫تف�سري املنحى الأ�صويل عند الفريقني؛ ففيما يعيب احلداثيون على‬ ‫الإ�سالميني كرثة اجرتارهم ملقوالت �سلفية ما�ضوية (�أو ظالمية‬ ‫بح�سب تعبريهم)‪ ،‬ال ي�أخذون بعني االعتبار �أنهم يقعون بدورهم يف‬ ‫الفخ ذاته حني يكرثون من اجرتار مقوالت العقالنية وع�صر الأنوار‬ ‫وبعث رموزه من قبورهم!‬ ‫وفيما يرف�ض البع�ض مقوالت احلداثة ا�ستنادا لتاريخ الغرب‬ ‫اال�ستعماري‪ ،‬يحاول فريق �آخر الرجوع مبقوالت احلداثة ذاتها �إىل‬ ‫جذور �إ�سالمية في�ستبدل بعقالنية ع�صر الأنوار عقالنية املعتزلة‪،‬‬ ‫وبالدميقراطية ال�سيا�سية نهج ال�شورى‪ ،‬وبالعلمانية فتح االجتهاد‬ ‫والرتكيز على مقا�صد ال�شريعة‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫�أين يكمن اخللل �إذن؟‬ ‫ثمة من ي�صر على �أنه ال يوجد �إ�شكال �أ�صال يف ما يخ�ص عالقة الإ�سالم‬ ‫باحلداثة؛ و�أن امل�شكلة تكمن يف فهم امل�سلمني بالأحرى ملعنى ومق�صود‬ ‫الإ�سالم ذاته! لكن يف املقابل من ذلك‪ ،‬هناك من ي�ؤكد جدلية العالقة‬ ‫التي تربط الإ�سالم و�أي نظام فكري �شمويل �أو �إيديولوجية معرفية‬ ‫ما‪ .‬فكما الحظ حم ّمد �إقبال بحق ف�إن «املثال ّية والواقع يف الإ�سالم‬ ‫لي�سا قوتني متنافرتني ال يمُ كن التوفيق بينه َما‪ ،‬ل ّأن حياة املَثل الأعلى‬ ‫الوحد ِة‬ ‫ال تتمث ُل يف انف�صام كامل عن الواقِع الذي َينز ُع نحو حتطيم ْ‬ ‫الع�ضوي ِة للح ّيا ِة وت�شتي ِتهَا يف �صور ِة مواجهاتٍ ُم�ؤملة؛ ولك ّنهَا تتمثلُ‬ ‫يف جهد املَثل الأعلى ذاته الدائب لال�ستئثار بالواقع ق�ص َد احتوائِه �إن‬ ‫�أمكن وا�ستيعابه‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال عن حتوي ِل ِه يف ذا ِت ِه و�إنار ِت ِه يف جمموعِ ه»‪.‬‬ ‫ويف الواقع‪ ،‬كان �إقبال ينطلق يف ر�ؤي ِت ِه هذ ِه من القول ب�أ ّن ُه �إذا كانت‬ ‫عملية الوحي قد مت نقلهَا من ال�سماء عموديا‪� ،‬إال �أ ّنها كانت ت�ستهدف‬ ‫الإن�سان بالأ�سا�س‪ ،‬وهو ما عبرّ عنه الن�ص القر�آ ُّ‬ ‫ين الكرمي‪ُ ( :‬ق ْل َل ْو‬ ‫ي ُ�شو َن م ُْط َم ِئ ِّن َ‬ ‫ال�س َما ِء‬ ‫َكا َن فيِ الأَ ْر ِ�ض مَال ِئ َك ٌة مَ ْ‬ ‫ني َل َن َّز ْل َنا َعلَ ْي ِه ْم مِ َن َّ‬ ‫َملَ ًكا َر ُ�سوال) (الإ�سراء‪ .)95 :‬مما يفر�ض على الإ�سالم يف كل ع�صر �أن‬ ‫ين‪ ،‬بخا�صة َ‬ ‫ي�أخذ بعني االعتبار املراح َل املتتابع َة من التط ّور الإن�سا ّ‬ ‫تلك‬ ‫التي و�سمتهَا‪ ،‬وبعمق‪ ،‬الثورة التكنولوجية وبحث الآثار املرتتب ِة عليها‬ ‫اجتماعيا‪ ،‬لي�س على امل�ستوى العملي فقط‪ ،‬وهو ما فهمه هيدجر متاما‪،‬‬ ‫و�إمنا �أي�ضا على امل�ستوى الثقا ّيف وعلى م�ستوى املواقفِ والعقلياتِ مبا‬ ‫فيها م�ستوى النتائج الفكريّ ‪.‬‬ ‫�إزا َء م�شكل ٍة كهذِ ه‪ ،‬ثمة موقفان منطقيان ممُ كنان �أمَام �أيّ نظام يريدُ‪� ،‬إن‬ ‫اعتناق احلداثة‪ :‬الأول‪ ،‬هو �أن يتالء َم مع حرك ِة مَ‬ ‫ُ‬ ‫العال‬ ‫مل يتوجب عليهِ‪،‬‬ ‫مع االحتفاظ ببع�ض ال�ضماناتِ الأ�سا�س ّية التي ُ‬ ‫تكون مبثاب ِة عالماتٍ‬ ‫على الطريق‪� ،‬أي بعد ٍد معني من �أمناط ال�سلوك �أو الأدوار االجتماع ّية‬ ‫التي ُتعدُّ �ضرور ّية لدوام ت�أكيد الذاتية‪.‬‬ ‫املوقف الثاين هو �أن يُدمِ َج يف ذاتِه‪� ،‬أو يف نظامه اخلا�ص‪ ،‬حركة العامل‪:‬‬ ‫�أي �أن ي�صوغ هذا النظام يف قالب حداثتِه اخلا�صة‪ .‬ذلك ما بد�أه رواد‬ ‫النه�ضة الإ�سالمية احلديثة ابتداء من رفاعة الطهطاوي وبلغ ذروة‬ ‫ن�ضوجه على يد الإمامني حممد عبده وجمال الدين الأفغاين؛ فهل‬ ‫ينه�ض علما�ؤنا ومفكرونا بعبء ا�ستكمال تلك امل�سرية بدال من �أن‬ ‫نكتفي بالعي�ش عالة على املا�ضي‪ ،‬نح�صد زمنا مل نزرعه ونزرع يف زمن‬ ‫ت�أخر ح�صاده؟! ذاك �أمل قد يبدو لنا بعيدًا ‪ ..‬لكنه قاد ٌم ال حمالة ‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫العالقة الزوجية ‪...‬رؤية‬ ‫إسالمية معاصرة‬

‫عليه املر�أة‪ .‬ولقد �سجلت كتب ال�سنة �شهادة للخليفة الرا�شد عمر بن‬ ‫اخلطاب –ر�ضي اهلل عنه‪ -‬تدلل على تغيري توجهات العرب نحو املر�أة‬ ‫على اخل�صو�ص بتنزل الوحي حيث قال‪« :‬واهلل ان كنا يف اجلاهلية ما‬ ‫نعد الن�ساء �أمرا حتى �أنزل اهلل فيهن ما �أنزل‪ ،‬وق�سم لهن ما ق�سم “‬ ‫وقال‪« :‬كنا مع�شر قري�ش نغلب الن�ساء‪ .‬فلما قدمنا على الأن�صار اذا قوم‬ ‫تغلبهم ن�سا�ؤهم فطفق ن�سا�ؤنا ي�أخذن من �أدب ن�ساء الأن�صار»‪.‬‬ ‫فالنبي –عليه ال�سالم‪ -‬قدوة الأمة عامل زوجاته بطريقة رجال الأن�صار‬ ‫اللينة‪ ،‬والتي كان فيها للمر�أة كيان حمرتم ومكانة م�ؤثرة يف الأ�سرة‪.‬‬ ‫مع يقيننا �أن معاملة النبي لزوجته خديجة‪-‬ر�ضي اهلل عنها‪ -‬يف مكة‬ ‫مل تكن اال الأمثل رقيا‪ ،‬اال �أن عمر �سجل الواقع الذي كان عا�شه م�سلما‬ ‫يف املدينة‪ ،‬عندما �أ�صبحت حياة النبي –عليه ال�سالم‪ -‬االجتماعية ذات‬ ‫داللة دينية هي الأوىل باالتباع وبدت �أكرث و�ضوحا لديه بزواج ابنته‬ ‫حف�صة‪-‬ر�ضي اهلل عنها‪ -‬من النبي‪-‬عليه ال�صالة وال�سالم‪.‬‬ ‫العالقة اجلن�سية بني الرجل واملر�أة قبل الإ�سالم‬

‫د‪.‬دعاء حممود فينو‬ ‫باحثة يف احلديث النبوي ال�شريف ودرا�سات املر�أة‬ ‫غياب املفاهيم ال�شرعية املف�صلية يف العالقة بني الزوجني التي‬ ‫�أ�س�سها القر�آن وف ّعلها ر�سولنا حممد‪-‬عليهال�صالة وال�سالم‪-‬ممار�سة‬ ‫و�سلوكا مع زوجاته �أ�سهم يف حرية ال�شباب امل�سلم ذكورا واناثا‬ ‫يف فهم الغاية واملق�صد من ان�شاء العالقة الزوجة‪ ،‬و�صياغتها‬ ‫الرتاحمية‪ ،‬والرعاية املتبادلة �ضمن حقوق متكافئة‪ .‬هذه احلقوق‬ ‫حتولت يف كتابات ومناق�شات جدلية كثرية اىل �صيغ قانونية ت�شعر‬ ‫با�ستعدادات للمرت�سة والت�شكك من الآخر‪ .‬ليتحول الزواج يف‬ ‫ذهنية �شبابنا و�شاباتنا اىل القف�ص الذهبي؛ والذي يعني �صورة‬ ‫�سوداوية خانقة لالرتباط الزوجي وكبت للحريات‪ ،‬الذي هو �أوال‬ ‫و�آخرا مهدد وخانق للحرية واالرادة ال�شخ�صية؛ حتى وان كان‬ ‫ذهبيا!‬ ‫واقع التعامل مع املر�أة قبل الن�ص الت�شريعي‬

‫كان العرب قبل تنزل القر�آن ينكرون �أحقية املر�أة يف معاملة ان�سانية‬ ‫حمرتمة‪ ،‬وان كان من املعلوم تاريخيا �أن العرب �أنف�سهم كانوا من‬ ‫�أف�ضل ال�شعوب معاملة للمر�أة يف زمانهم‪ .‬وقد �سجل القر�آن الكرمي‬ ‫واحلديث ال�شريف مما �صح عن نبينا حممد‪-‬عليه ال�سالم‪�-‬أ�سو�أ‬ ‫ال�صور لهذه املعاملة من و�أد وا�ستغالل لل�ضعف الطبيعي الذي جبلت‬

‫�سجلت الن�صو�ص ال�صحيحة تاريخيا وجود �أربع �صور عرفها العرب‬ ‫قبل اال�سالم للعالقة اجلن�سية بني الرجل واملراة يف املجتمع اجلاهلي‬ ‫فيما روته �أم امل�ؤمنني عائ�شة‪-‬ر�ضي اهلل عنها‪»:-‬ان النكاح (الزواج) يف‬ ‫اجلاهلية كان على �أربعة �أنحاء (�أ�شكال) فنكاح منها نكاح النا�س اليوم‪،‬‬ ‫يخطب الرجل اىل الرجل وليته �أو ابنته في�صدقها (يدفع لها املهر)‬ ‫ثم ينكحها‪ .‬ونكاح �آخر كان يقول المر�أته اذا طهرت من طمثها‪� :‬أر�سلي‬ ‫اىل فالن فا�ستب�ضعي منه ويعتزلها زوجها وال مي�سها �أبدا حتى يتبني‬ ‫حملها من ذلك الرجل الذي ت�ستب�ضع منه‪ ،‬فاذا تبني حملها �أ�صابها‬ ‫(عا�شرها معا�شرة الأزواج) زوجها اذا �أحب‪ ،‬وامنا يفعل ذلك رغبة يف‬ ‫جنابة الولد‪ ،‬فكان هذا النكاح نكاح اال�ستب�ضاع‪ .‬ونكاح �آخر يجتمع‬ ‫الرهط ما دون الع�شرة فيدخلون على املر�أة كلهم ي�صيبها‪ ،‬فاذا حملت‬ ‫وو�ضعت ومر ليال بعد �أن ت�ضع حملها �أر�سلت اليهم‪ ،‬فلم ي�ستطع رجل‬ ‫منهم �أن ميتنع حتى يجتمعوا عندها‪ ،‬تقول لهم‪ :‬قد عرفتم الذي كان‬ ‫من �أمركم‪ ،‬وقد ولدت‪ ،‬فهو ابنك يا فالن‪ ،‬ت�سمي من �أحبت با�سمه‪،‬‬ ‫فيلحق به ولدها (ين�سب اليه) ال ي�ستطيع �أن ميتنع به الرجل‪ .‬ونكاح‬ ‫رابع يجتمع النا�س الكثري فيدخلون على املر�أة ال متنع من جاءها‪،‬‬ ‫وهن البغايا كن ين�صنب على �أبوابهن رايات تكون علما‪ ،‬فمن �أرادهن‬ ‫دخل عليهن‪ ،‬فاذا حملت احداهن وو�ضعت حملها جمعوا لها‪ ،‬ودعوا‬ ‫لهم القافة (الذي يعرف �شبه الولد بالوالد من الآثار اخلفية)‪ ،‬ثم‬ ‫�أحلقوا ولدها بالذي يرون‪ ،‬فالتاطته به( ن�سبته اليه) ودعي ابنه ال‬ ‫ميتنع من ذلك‪ .‬فلما بعث حممد‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬باحلق هدم‬ ‫نكاح اجلاهلية كله اال نكاح النا�س اليوم»‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫�أما املخادنة وهي العالقة اخلفية بني الرجل واملر�أة دون ر�ضى �أوليائها‪،‬‬ ‫فهي عالقة مل تكن مقبولة اجتماعيا يف العرف اجلاهلي‪ ،‬ولذلك‬ ‫مل تذكرها عائ�شة –ر�ضي اهلل عنها‪ -‬يف ت�سجيلها ل�صور العالقات‬ ‫اجلن�سية التي وجدت يف املجتمع اجلاهلي و�سكت عنها املجتمع العربي‬ ‫قبل ر�سالة اال�سالم‪.‬‬ ‫ومع وجود هذه املمار�سات يف املجتمع العربي اجلاهلي فان املر�أة العربية‬ ‫احلرة مل تكن تقبل بعالقة جن�سية خارج م�ؤ�س�سة الزواج فانه من‬ ‫املحفوظ تاريخيا والذي نقل من حوارات بيعة االنبي –عليه ال�سالم‪-‬‬ ‫للن�ساء ملّا ا�شرتط عليهن يف بيعته اياهن «�أن ال يزنني»‪ ،‬كانت اجابة‬ ‫املر�أة املبا�شرة حينها‪« :‬ال تزين احلرة»!‬ ‫العالقة الزوجية يف القر�آن الكرمي مقدمات و ثوابت ومقا�صد‬ ‫املقدمات الأ�سا�سية‬ ‫‪ -1‬وحدة املن�ش�أ‪:‬‬

‫ا�س ا َّت ُقوا َر َّب ُك ُم ا َّلذِ ي َخلَ َق ُك ْم مِ نْ َن ْف ٍ�س َواحِ َد ٍة َو َخلَ َق مِ ْنهَا‬ ‫( َيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫ريا َو ِن�سَ ا ًء َوا َّت ُقوا اللهََّ ا َّلذِ ي َت�سَ ا َء ُلو َن ِب ِه‬ ‫َز ْو َجهَا َو َب َّث مِ ْن ُه َما ر َِج اًال َك ِث ً‬ ‫الَ ْر َحا َم �إِ َّن اللهََّ َكا َن َعلَ ْي ُك ْم َرقِي ًبا) (الن�ساء‪.)1:‬‬ ‫َو ْ أ‬ ‫خلق اهلل �سبحانه املر�أة والرجل من �أ�صل واحد‪ ،‬وهو النف�س الواحدة‪،‬‬ ‫والتي هي اجلوهر الذي �أن�شيء منه اخللق وال يعلم �سرها اال اهلل‬ ‫�سبحانه‪ ،‬ولي�ست هي �آدم وان كان النا�س كلهم ين�سبون اىل �آدم –عليه‬ ‫ال�سالم‪ -‬ن�سبة الأبناء اىل �أبيهم‪ ،‬ولي�ست كذلك حواء ملا قد يحلو لبع�ض‬ ‫املتعاملني مع ق�ضايا املر�أة يف قراءتهم للن�ص القر�آين و�شجعهم عليه‬ ‫ت�أنيث كلمة «واحدة» وكذلك ت�أنيث ال�ضمري يف «زوجها»‪ ،‬فيكفينا �أن‬ ‫القر�آن �أ�شار اليها ب «نف�س» ليحفظ امل�ساحة امل�شرتكة قي �أ�صل خلق‬ ‫الرجل واملر�أة‪...‬فتفكر!‬ ‫وال يخفى الأثر النف�سي لوحدة من�ش�أ الزوج والزوجة على م�ستوى‬ ‫امل�ساواة يف التكليف واملحا�سبة �أمام اخلالق �سبحانه‪ ،‬وت�ساويهما يف‬ ‫العالقة الزوجية يف احلقوق والواجبات على اختالف �شكلها‪ .‬وتكاملهما‬ ‫على م�ستوى احلاجات اجل�سدية والنف�سية وذلك للقيام بامل�س�ؤولية‬ ‫املرتتبة على العالقة من حقوق م�شرتكة يف بيئة تت�صف باملودة‬ ‫والرحمة لتنتج م�ساكنة وطم�أنينة‪ .‬وللقيام بحاجات الأبناء الحقا على‬ ‫م�ستوى الوالدية والرتبية‪.‬‬ ‫‪ -2‬امل�س�ؤولية امل�شرتكة‪:‬‬

‫( َو ُق ْل َنا َيا �آ َد ُم ْا�س ُكنْ َ�أنْتَ َو َز ْو ُج َك الجَْ َّن َة َوكُلاَ مِ ْنهَا َر َغدًا َح ْي ُث �شِ ْئ ُت َما‬ ‫ال�ش َج َر َة َف َت ُكو َنا مِ َن َّ‬ ‫ني فَ�أَ َز َّل ُه َما َّ‬ ‫َو اَل َت ْق َر َبا هَذِ ِه َّ‬ ‫الظالمِ ِ َ‬ ‫ال�ش ْي َط ُان َع ْنهَا‬ ‫فَ�أَ ْخ َر َج ُه َما ممِ َّ ا َكا َنا فِي ِه َو ُق ْل َنا اهْ ب ُِطوا َب ْع ُ�ض ُك ْم ِل َب ْع ٍ�ض َع ُد ٌّو َو َل ُك ْم فيِ‬ ‫ْ أَ‬ ‫ني )(البقرة‪)36-35:‬‬ ‫ال ْر ِ�ض م ُْ�س َت َق ٌّر َو َم َتا ٌع ِ�إلىَ حِ ٍ‬

‫العالقة الزوجية تعني الت�شارك بني الزوجني بالقيام ب�أعباء وم�س�ؤولية‬ ‫اللقاء الزوجي‪ ،‬كما يعني متاما امل�شاركة يف التلذذ واال�ستمتاع بهذا‬ ‫اللقاء‪ .‬فالقاعدة الأ�صولية يف ال�شريعة‪« :‬الغرم بالغنم» هنا فاعلة‬ ‫ونافذة‪ ،‬فال يكون مقبوال لأي من الزوجني التم�سك بحق اال�ستمتاع‬ ‫بهذا التعاقد ال�شرعي االجتماعي ثم االن�سحاب وترك ال�شريك يكابد‬ ‫االرهاق من حمل م�س�ؤولية هي مق�سمة بتكاملية من�سجمة على �شريكني‬ ‫اثنني؛ فهذا خالف العالقة الرتاحمية التي يدعو اليها اال�سالم‪ .‬وجود‬ ‫الرجل واملر�أة يف بدء اخللق يف اجلنة بارادة اهلل‪-‬عزوجل‪ -‬انتهى بازالل‬ ‫ال�شيطان لهما ومل ينفرد بوزره �أحد الزوجني املر�أة �أو الرجل‪ ،‬بل‬ ‫الن�ص القر�آين �صرح ب�أنهما ا�ستحقا النزول لذات الزلل الذي ت�شاركا‬ ‫فيه‪ .‬فاملر�أة والرجل �شريكان منذ بدء اخلليقة يف حتمل �أعباء احلياة‬ ‫وم�س�ؤولياتها كما كانا �شريكني يف التلذذ بنعمها‪.‬‬ ‫‪� -3‬آ�صرة الزوجية ميثاق وعهد‪:‬‬

‫( َو َك ْي َف تَ�أْ ُخ ُذو َن ُه َو َق ْد �أَ ْف�ضَ ى َب ْع ُ�ض ُك ْم ِ�إلىَ َب ْع ٍ�ض وَ�أَ َخ ْذ َن مِ ْن ُك ْم مِ ي َثا ًقا‬ ‫َغل ً‬ ‫ِيظا) (الن�ساء‪)21:‬‬ ‫وقال ر�سول اهلل –�صلى اهلل عليه و�سلم‪« :‬فاتقوا اهلل يف الن�ساء ف�إنكم‬ ‫�أخذمتوهن ب�أمانة اهلل وا�ستحللتم فروجهن بكلمة اهلل»‪.‬‬ ‫امليثاق الغليظ هو العهد الأ�شد التزاما والزاما يف �شريعتنا مع اهلل‬ ‫�سبحانه‪ ،‬وقد ورد يف القر�آن الكرمي يف العهود االميانية التي �أخذها‬ ‫اهلل �سبحانه على الأنبياء واليهود والن�صارى‪ ،‬وكذلك ا�ستخدمها‬ ‫القر�آن يف ت�أكيده على االلتزام مع غري امل�سلمني يف العهود ال�سيا�سية‬ ‫بالوالء‪ ،‬ومل ي�ستخدم للن�ص على االهتمام بالعالقة بني فردين اال يف‬ ‫هذا املو�ضع ملا للم�ؤ�س�سة الزوجية من مكانة عند اهلل �سبحانه الذي هو‬ ‫«ثالث ال�شريكني»‪ ،‬فيها لهذه ال�شراكة من �أثر يف االجتماع االن�ساين‪،‬‬ ‫وعلى الت�أكيد على التزام الرجل فيها بالوفاء للمر�أة التي �أف�ضى اليها‪.‬‬ ‫وهذا االف�ضاء كناية عن العالقة احلميمية (اللقاء اجلن�سي بينهما(‪.‬‬ ‫والذي يعني �أن ال ت�شعر الزوجة يوما بخيانة �أو تنالها ا�ساءة ب�سبب‬ ‫هذا االف�ضاء‪ .‬فال يجب �أن يكون قبول املر�أة بهذه العالقة و�سيلة‬ ‫اىل ا�ضطهادها وا�ستغاللها مبا قد ن�سميه «االبتزاز العاطفي»‪ .‬هذه‬ ‫املمار�سة املرفو�ضة �شرعا نبه اليها القر�آن �صراحة ب�أن ذكر املمار�سة‬ ‫الذكورية التي كانت �سابقا يف تاريخ العرب و ما زالت متار�س يف كثري‬ ‫من البيئات االجتماعية �ضد املر�أة حتى اليوم‪ .‬فالزوجة ترغم على‬ ‫التنازل عن حقها املادي يف املهر للزوج اما ا�ستحياء �أو اكراها‪ ،‬وعندنا يف‬ ‫الت�شريع اال�سالمي‪ :‬ان ما �أخذ ا�ستحياء فهو حرام ‪ ،‬وما �أخذ حيلة �أو‬ ‫اكراها فهو قطعة من النار يحمل لواءها كل �صاحب غدرة يوم القيامة‬ ‫ينادى بها على ر�ؤو�س الأ�شهاد‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫وقد �شمل قانون الأحوال ال�شخ�صية املعدل حديثا هذه امل�س�ألة بنظر‬ ‫االعتبار على امل�ستوى القانوين ملا لها من بالغ الأثر يف زلزلة الثقة‬ ‫والأمان واالطمئنان فقال قا�ضي الق�ضاة يف بيانه املتعلق بهذه النقطة‬ ‫ما ن�صه‪ :‬كما اعترب القانون يف املادة ( ‪ ) 58‬منه �أن النزاع على املهر بعد‬ ‫قب�ضه وا�ستالمه من قبل الزواج ال يخرجه عن و�صفه مهرا ‪ .‬ويف هذا‬ ‫حماية للمر�أة ب�إبقاء حقها باملطالبة مبهرها بعد قب�ضه �إذا �أخذه الزوج‬ ‫منها بر�ضاها �أو ا�ستوىل عليه جربا عنها وتظهر فائدة هذه احلماية‬ ‫القانونية للمر�أة يف �أمرين‪ :‬تخفيف عبء الإثبات على املر�أة ت�ستطيع‬ ‫�أن تثبت دعواها وفقا لقواعد الإثبات العامة املعمول بها يف املحاكم‬ ‫ال�شرعية بخالف ما عليه العمل باعتبار النزاع يف هذا اخل�صو�ص‬ ‫يخرج عن كونه نزاعا على املطالبة باملهر مما كان ي�ستوجب رد دعوى‬ ‫املدعية والطلب منها مراجعة املحاكم النظامية لإقامة دعوى جديدة‬ ‫ت�ستوجب قواعد خا�صة يف الإثبات مع ما يرافق ذلك من هدر للوقت‬ ‫واجلهد وكلف مالية �إ�ضافية كما �إن اعتبار النزاع بهذا اخل�صو�ص نزاعا‬ ‫على مهر واحلكم به على هذا الوجه يك�سب احلق املحكوم به �صفة‬ ‫الديون املمتازة املقدمة على �سائر الديون يف اال�ستيفاء وذلك وفق‬ ‫قانون التنفيذ املعمول به‪ ،‬ويف هذا رعاية مل�صلحة املر�أة من جتنيبها‬ ‫ادعاء زوجها �أو مطلقها الإع�سار والزامها الدخول يف ت�سوية لدفع املهر‬ ‫قد ال تتنا�سب وم�صلحتها»‪.‬‬ ‫‪ -4‬لقاء الذكر والأنثى معجزة كونية‬

‫اجا ِل َت ْ�س ُك ُنوا ِ�إ َل ْيهَا َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم‬ ‫( َومِ نْ �آ َيا ِت ِه �أَنْ َخلَ َق َل ُك ْم مِ نْ َ�أ ْن ُف�سِ ُك ْم َ�أ ْز َو ً‬ ‫َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة �إِ َّن فيِ َذل َِك َلآيَاتٍ ِل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن ) (الروم‪.)21:‬‬ ‫من �آيات اهلل ومعجزاته الكونية الآ�صرة (العالقة) الزوجية‪ ،‬يجتمع‬ ‫فيها رجل وامر�أة من بيئتني خمتلفتني وك�أنهما من عاملني مفرتقني‬ ‫وان ا�شرتكا يف �أو�صاف كثرية‪ .‬فاالختالفات البيئية واالجتماعية‬ ‫والرتبوية م�ضافة اىل اختالف الطبيعة الف�سيولوجية وال�سيكولوجية‬ ‫(اجل�سدية والنف�سية)‪ .‬االلتقاء مع كل هذا االختالف لي�شكل الزوجان‬ ‫بعدها مواءمة عاطفية وج�سدية ب�أن ي�سكن �أحدهما اىل الآخر على‬ ‫امل�ستويني اجل�سدي والنف�سي هو لعمري معجزة خالدة‪ .‬ما يوطيء‬ ‫هذا ال�سكن بينهما �أجمله القر�آن ب�شيئني‪ :‬املودة والرحمة يجعلهما‬ ‫اهلل �سبحانه يف قلب الزوج والزوجة عاطفة جندها بينهما و لبع�ضهما‪،‬‬ ‫خ�صلة لي�ست لأحد من العاملني بعدهما‪ .‬ولذلك جند �أن خريية الرجل‬ ‫تقا�س بالقدر الذي يكون فيه هو خيرّ ا لأهله‪ ،‬يقول الر�سول‪�-‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪« :‬خريكم خريكم لأهله‪ ،‬و�أنا خريكم لأهلي»‪ .‬فالزواج بهذا‬ ‫املعنى معجزة كونية للخالق يف خلقه ال يتلم�سها اال من ف ّكر وتدبر‪.‬‬

‫احلقوق ال�شرعية واالجتماعية امل�شرتكة املرتتبة على العالقة‬ ‫الزوجية‬

‫لعقد الزواج �آثار �شرعية وقانونية واجتماعية عظيمة تدار�ستها‬ ‫كتب القانون والفقه واالجتماع‪ .‬غري �أننا ّ‬ ‫ف�ضلنا احلديث عن �أهم ما‬ ‫يرتبط منها مبو�ضوعنا من خالل القر�آن وال�سنة واحلالة االن�سانية‬ ‫الرتاحمية يف االجتماع والتي هي حمور هذه العالقة املعجزة‪.‬‬ ‫‪ -1‬الإح�صان‬

‫�أمر اهلل �سبحانه بالزواج تلبية لغريزة اجلن�س التي و�ضعها يف خلقه‬ ‫ال�صالحِ ِ َ‬ ‫ني مِ نْ‬ ‫لالن�سان فقال �سبحانه‪ ( :‬و َ​َ�أ ْنك ُِحوا ْ أ‬ ‫الَ َيامَى مِ ْن ُك ْم َو َّ‬ ‫عِ َبا ِد ُك ْم وَ�إِمَا ِئ ُك ْم �إِنْ َي ُكو ُنوا ُف َق َرا َء ُي ْغ ِن ِه ُم اللهَّ ُ مِ نْ َف ْ�ض ِل ِه َواللهَّ ُ َوا�سِ ٌع َعلِي ٌم)‬ ‫(النور‪.)32:‬‬ ‫اال�ستعفاف مطلب �شرعي للذين تعذر عليهم الزواج‪ ،‬وذلك لأن الزواج‬ ‫يلبي احلاجة اجلن�سية ويحقق العفاف‪ .‬فعدم القدرة على تلبية الغريزة‬ ‫بالزواج يوجب م�شقة البحث عن �سبل �أخرى يت�صرب بها االن�سان‬ ‫ويطلب عفاف نف�سه حتى يتي�سر له الزواج‪ ،‬لأن كل لقاء جن�سي خارج‬ ‫حدود العالقة الزوجية رذيلة‪.‬‬ ‫قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫«يا مع�شر ال�شباب‪ ،‬من ا�ستطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فانه �أغ�ض‬ ‫للب�صر و�أحفظ للفرج‪ ،‬ومن مل ي�ستطع فعليه ال�صوم فانه له وجاء»‪.‬‬

‫الوجاء هو الدرع الذي يتح�صن به املقاتل من عدو يرت�صد به‪ ،‬و�أي‬ ‫عدو �أ�شد من غريزة بني جنبيك ت�ؤزك �أزا لت�شبع‪ ،‬في�سكن بذلك البدن‬ ‫والنف�س معا‪ .‬اال �أن ا�شباع الغريزة يف ال�شريعة االلهية ال يتحقق اال‬ ‫بزواج يجتمع فيه الرجل املر�أة‪ ،‬هذا االجتماع ال بد له من �شرطني‬ ‫هما جماع الباءة‪� :‬أولهما اال�ستطاعة النف�سية والبدنية وهي مطلوبة‬ ‫من اجلن�سني‪ ،‬وثانيهما اال�ستطاعة املادية والقدرة على االنفاق وهي‬ ‫خم�صو�صة بالرجل لأنه املكلف باالنفاق وفقا للت�شريع اال�سالمي‪.‬‬ ‫فان مل تتحقق هذه الباءة فالزواج يقع يف دائرتي املكروه واحلرام‪.‬‬ ‫وبتلبية االن�سان لداعي الغريزة يتنا�سل النا�س وتتحقق عمارة الأر�ض‪،‬‬ ‫ا�س �إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ َذ َكرٍ وَ�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم‬ ‫قال اهلل عز وجل( َيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫ري )‬ ‫ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا ِ�إ َّن �أَ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد اللهَّ ِ �أَ ْت َقا ُك ْم ِ�إ َّن اللهََّ َعلِي ٌم َخ ِب ٌ‬ ‫(احلجرات‪.)13:‬‬ ‫وي�صف القر�آن الكرمي الرجل املتزوج ب�أنه حم�صن واملراة املتزوجة‬ ‫حم�صنة وك�أنهما بالزواج �سكنا ح�صنا مانعا لهما من الأعداء‪ ،‬وحاميا‬ ‫لهما من الأخطار املحيطة بهما‪ .‬ف�سنة اهلل �سبحانه ور�سوله –عليه‬ ‫ال�سالم‪ -‬يف الزواج تكفل ح�صانة ومنعة نف�سية وج�سدية للزوجني‬ ‫با�شباع الغريزة اجل�سدية وحتقيق احلاجة النف�سية التي تورث ال�سكينة‬ ‫والطم�أنينة‪ ،‬ولذلك كان حتقيق هذا املق�صد يف الزواج من احلقوق‬

‫‪42‬‬


‫والواجبات امل�شرتكة على الزوجني كليهما ي�أثم من ّ‬ ‫ق�صرمنهما فيه‪-4 .‬الت�أكيد على امل�س�ؤولية امل�شرتكة يف العناية بالأ�سرة وت�أ�سي�س‬ ‫وهذا الفهم ينطبق على الرجل واملر�أة على حد �سواء‪� ،‬أما تخ�صي�ص الأ�سرة ال�شورية‪:‬‬ ‫ق�صرن يف حق الأزواج‬ ‫النبي‪-‬عليه ال�سالم‪ -‬للن�ساء بلعنة املالئكة ان ّ‬ ‫فذلك ملا عرفه النا�س من عاداتهم املتبعة يف بالد العرب من طلب‬ ‫الرجال لذلك احلق و�سكوت املر�أة عنه حياء‪ ،‬و�ضعف �صرب الرجل‬ ‫عنه خالفا لطبيعة املر�أة التي قد تن�شغل عن هذه احلاجة بالأمومة‬ ‫واحلمل والر�ضاع وغريها من امل�شاغل التي توليها �أولوية بفطرتها؛‬ ‫ولأن اخلطاب للذكور خا�صة وال يعني ذلك �أن احلكم نف�سه لن يطال‬ ‫الرجال‪ ،‬وكيف ال يكون ذلك والرجل ان �ض ّيق عليه من زوجه ط ّلق �أو‬ ‫عدّد ورمبا ا�ستمنى قبل �أن يفكر بحرام‪ ،‬واملر�أة ال متلك يف هذا ال�سياق‬ ‫خيارات مت�ساوية مع الرجل‪ ،‬فلعل اال�ساءة يف جانبها �أبلغ‪ ،‬لأن احلاجة‬ ‫اجلن�سية واحدة وتلبيتها يف وطء حالل واجب‪ ،‬فالنبي –عليه ال�سالم‪-‬‬ ‫هو نف�سه الذي ن ّبه على �أن احلاجة اجلن�س ّية �سواء عند الرجل واملر�أة‬ ‫بقوله «الن�ساء �شقائق الرجال»‪.‬‬ ‫‪ -2‬الرعاية متبادلة‬

‫الرعاية تعني االهتمام واحلفظ‪ ،‬ويف �شريعتنا للرعاية دوائر متداخلة‬ ‫تنتهي بالدائرة االجتماعية الأو�سع‪...‬الأمة‪ .‬ولذلك فان الأمة كاجل�سد‬ ‫الواحد يتداعى �أع�ضا�ؤها بال�سهر واحلمى ان �أ�صيب �أحد �أفرادها‪ ،‬وهذا‬ ‫حق م�ضمون ال يتبدل بتغري اجلن�س‪ .‬تبد�أ الرعاية يف الزواج بالعقد‬ ‫الغليظ‪ ،‬الذي ّ‬ ‫يطلع عليه الرحمن �سبحانه لتكون اىل نهاية العمر‪،‬‬ ‫فيقوم كل واحد من الزوجني بالنظر واالهتمام واحلفظ لكل ما من‬ ‫�ش�أنه �أن يعني �شريكه وي�ؤثر يف عالقتهما ايجابا‪ .‬وهذا املعنى جنده‬ ‫وا�ضحا يف حديث النبي‪ -‬عليه ال�سالم‪« :‬كلكم راع وكلكم م�س�ؤول عن‬ ‫رعيته‪ ،‬االمام راع وم�س�ؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل راع يف �أهله وهو م�س�ؤول‬ ‫عن رعيته‪ ،‬واملر�أة راعية يف بيت زوجها وهي م�س�ؤولة عن رعيتها»‪.‬‬ ‫‪ -3‬احلقوق املتبادلة واملتماثلة‬

‫وف َولِل ِّر َجالِ َعلَ ْيهِنَّ‬ ‫قال رب العزة‪َ ( :‬و َل ُهنَّ مِ ْث ُل ا َّلذِ ي َعلَ ْيهِنَّ ِبالمَْ ْع ُر ِ‬ ‫َد َر َج ٌة َواللهَّ ُ َعزِي ٌز َحكِي ٌم ) (البقرة‪.)228:‬‬ ‫واملعروف هو امل�صاحبة بالأخالق العالية‪ ،‬والباء تقت�ضي املالب�سة‬ ‫واالحاطة وامل�صاحبة وال�سببية‪ ،‬فيكون معنى الآية �أن ما من حق للرجل‬ ‫اال وكان للمر�أة مثله دون قهر �أو منة‪ ،‬بل هو حق ت�ضمنه ال�شريعة لكال‬ ‫الزوجني‪ ،‬وخلق ت�ستوجبه عليهما جتاه بع�ضهما‪ ،‬فاملماثلة يف احلقوق‬ ‫هي �أ�سا�س احلياة الزوجية ‪ ،‬وهذه املماثلة حماطة ومتلب�سة وم�صحوبة‬ ‫باملعروف‪� .‬أما الدرجة التي �أخت�ص بها الرجال فقد ف�سرها بع�ض‬ ‫املف�سرين بالقوامة‪ ،‬اال �أنني �أجد معناها مرتبط بايقاع الطالق الذي‬ ‫ينفرد به الرجل وحده واهلل �أعلم‪.‬‬

‫الأ�سرة ال�شورية هي ال�صورة الأمثل للأ�سرة ال�سوية‪ ،‬والتي جند‬ ‫فيها �أن الزوج ال ينفرد ب�صناعة القرار الذي ميتد �أثره ليطال �أفراد‬ ‫الأ�سرة جميعها‪ ،‬فالقرار امل�ستند لر�ؤية �أحادية �سيظل دائما احتكاريا‬ ‫ومنقو�صا وظاملا ومدعاة للغ�ضب واملالومة‪ ،‬لذلك حث اال�سالم على‬ ‫ايجاد ال�شورى يف الأ�سرة امل�سلمة حتى يف حالة انف�صال الزوجني ل�صالح‬ ‫الأبناء‪ ،‬فالعالقة يف الزواج يحكمها املعروف‪ ،‬ويحكمها يف الطالق‬ ‫االح�سان‪ ،‬فت�أمل هذا ال�سمو ( َوا ْل َوا ِلد ُ‬ ‫َات ُي ْر ِ�ض ْع َن �أَ ْو اَلدَهُ نَّ َح ْولَينْ ِ‬ ‫َكامِ لَينْ ِ لمَِنْ �أَ َرا َد �أَنْ ُي ِت َّم ال َّر�ضَ ا َع َة َو َعلَى المَْ ْو ُلو ِد َل ُه ِر ْز ُق ُهنَّ َوك ِْ�س َو ُت ُهنَّ‬ ‫وف اَل ُت َك َّل ُف َن ْف ٌ�س �إِ اَّل ُو ْ�س َعهَا اَل ُت�ضَ ا َّر َوا ِل َد ٌة ِب َو َلدِ هَا َو اَل َم ْو ُلو ٌد َل ُه‬ ‫ِبالمَْ ْع ُر ِ‬ ‫ا�ض مِ ْن ُه َما َو َت�شَ ا ُو ٍر‬ ‫ِ�ص اًال َعنْ َت َر ٍ‬ ‫ِب َو َلدِ ِه َو َعلَى ا ْل َوارِثِ مِ ْث ُل َذل َِك فَ�إِنْ �أَ َرادَا ف َ‬ ‫فَلاَ ُج َنا َح َعلَ ْي ِه َما وَ�إِنْ �أَ َر ْدتمُ ْ �أَنْ َت ْ�سترَ ْ ِ�ض ُعوا �أَ ْو اَل َد ُك ْم فَلاَ ُج َنا َح َعلَ ْي ُك ْم �إِ َذا‬ ‫ري)‬ ‫�سَ َّل ْم ُت ْم مَا �آ َت ْي ُت ْم ِبالمَْ ْع ُر ِ‬ ‫وف َوا َّت ُقوا اللهََّ َو ْاعلَ ُموا �أَ َّن اللهََّ بمَِا َت ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ‬ ‫(البقرة‪.)233:‬‬ ‫القوامة‪ ...‬مفهوم �أ�سا�سي يحكم العالقة الزوجية‬

‫هو املفهوم الأكرث �شيوعا يف و�صف ماهية العالقة بني الرجل واملر�أة يف‬ ‫م�ؤ�س�سة الزواج‪ .‬وقد �أعطي هذا املفهوم ت�أويال �سيطرت عليه الأعراف‬ ‫والتقاليد العربية اجلاهلية القدمية والتي جاء اال�سالم ونق�ض كثريا‬ ‫منها‪ .‬معنى القوامة يف ر�ؤية الأعراف والتقاليد يعني �أن الرجل ق ّوام‬ ‫على املر�أة‪ ،‬مبا يعني �أن القوامة ت�شريف ملقام الرجل جعلت منه عمليا‬ ‫�شاغال ملن�صب الريا�سة يف الأ�سرة‪ ،‬وعمم هذا الت�أويل لي�ضخم دور‬ ‫الرجل على املر�أة يف كثري من امل�سائل لي�س هذا مقام درا�ستها‪.‬‬ ‫قوامة الرجل على املر�أة كانت وما زالت يف حا�ضرنا ّ‬ ‫توظف اجتماعيا‬ ‫ب�سلبية مغرقة‪ ،‬لتعني الريا�سة وال�سلطة للرجل على املر�أة عند‬ ‫اال�سالميني‪ ،‬مما ينبني عليه ّ‬ ‫احلط من مكانة املر�أة و�سحب حقوقها‬ ‫االجتماعية والقانونية التي �ضمنها لها اال�سالم يف ن�صو�صه ال�صريحة‬ ‫يف القر�آن الكرمي و�صحيح ال�سنة‪ ،‬فهي لن ت�ستطيع �أن تخرج من بيتها‬ ‫ابتداء �إال ب�إذن الزوج‪ ،‬وهي ال ت�ستطيع �أن تعمل ا ّال بقبول الرجل‪ ،‬ولن‬ ‫ت�ستطيع �أن تتزوج مبن تريد ا ّال بقبول الويل والذي يجب �أن يكون‬ ‫رجال من ع�صبتها!‬ ‫�أما يف ر�ؤية دعاة م�ساواة املر�أة بالرجل من املفكرين واحلداثيني‬ ‫والعلمانيني فالقوامة هي املفهوم الذي يلزم ويف�سر تبعية املر�أة للرجل‬ ‫يف الرتاث اال�سالمي‪ ،‬وي�ش ّكل �صورة املر�أة ويحدد مكانتها يف املجتمعات‬ ‫امل�ستندة اىل الدين‪ .‬فالقوامة بني هاتني الر�ؤيتني ت�ضع املر�أة يف‬ ‫جمتمعاتنا يف موقف قلق من الذات ومن الآخر(الرجل) الذي قد‬

‫‪43‬‬


‫يكون �أبا �أو �أخا �أو زوجا �أو ابنا‪ .‬فاال�شكالية تتمحور حول تثمني الذات‬ ‫يف املجتمع‪ ،‬ورمبا حتديد انتمائها للأمة اال�سالمية!‬ ‫جند يف املو�سوعة الفقهية تعريف القوامة لغة ب�أنها من الفعل املجرد‬ ‫قام ال�شيء يقوم قياما والذي يعني على املجاز حفظ ال�شيء ومراقبة‬ ‫م�صلحته‪ ،‬ومنها القيم الذي ينظر يف حال ال�شيء ويحفظه ومنه القوام‬ ‫الذي يبذل �أق�صى الو�سع حلفظ ال�شيء‪.‬‬ ‫فالقوامة وفقا لال�ستعمال القر�آين وردت ب�صيغ ا�شتقاقية خمتلفة‬ ‫(�أقيموا وقياما ومقاما) لأداء ال�صالة الفاعل يف تقومي �سلوك الفرد‪،‬‬ ‫ولتمكني الدين وحفظ �شعائره ور�سالته يف هداية الب�شرية للطريق‬ ‫امل�ستقيم والأمثل لتحقيق الفرد ملهمته اال�ستخالفية على الأر�ض‪ ،‬ثم‬ ‫جاءت لتدل على اال�ستعداد ليوم القيامة لل�شهادة على النف�س وعلى‬ ‫الآخرين‪ ،‬والطريق امل�ستقيم‪ ،‬واملكان الذي يقام فيه‪ ،‬واملكانة املرموقة‬ ‫العل ّية‪ .‬والقيوم من �أ�سماء اهلل احل�سنى وتعني احلافظ ل�ش�ؤون عباده‬ ‫و�أرزاقهم وما ي�صلح لهم‪.‬‬ ‫ثم بينّ القر�آن بو�ضوح ال ي�شكل معنى �أن يكون امل�سلم ق ّوام يف �آيتني‪:‬‬ ‫( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا ُكو ُنوا َقوَّامِ َ‬ ‫ني بِا ْلق ِْ�س ِط ُ�ش َهدَا َء للِهَّ ِ َو َل ْو َعلَى �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم‬ ‫ال ْق َر ِب َ‬ ‫ريا َفاللهَّ ُ �أَ ْولىَ ِب ِه َما فَلاَ َت َّت ِب ُعوا‬ ‫�أَ ِو ا ْل َوا ِل َد ْي ِن َو َْ أ‬ ‫ني �إِنْ َي ُكنْ َغ ِن ًّيا �أَ ْو َف ِق ً‬ ‫ريا)‬ ‫ا ْل َه َوى �أَنْ َت ْعدِ ُلوا و َِ�إنْ َت ْل ُووا �أَ ْو ُت ْعر ُِ�ضوا فَ�إِ َّن اللهََّ َكا َن بمَِا َت ْع َم ُلو َن َخ ِب ً‬ ‫(الن�ساء‪.)135:‬‬ ‫للِهَّ‬ ‫( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا ُكو ُنوا َقوَّامِ َ‬ ‫ني ِ ُ�ش َهدَا َء بِا ْلق ِْ�س ِط ) (املائدة‪.)8:‬‬ ‫فالقوامة يف املنظومة املفاهيمية القر�آنية تعني القيام بالعدالة‬ ‫وال�شهادة على حتقيقها هلل �سبحانه‪ ،‬و�أن نقوم هلل �سبحانه يف �شهادتنا‬ ‫بالعدل‪ .‬وهو مفهوم �شامل و�أ�سا�سي ي�ص ّور وظيفة االن�سان العملية يف‬ ‫خالفة الأر�ض‪ .‬فاالن�سان امل�سلم ذكرا كان �أو �أنثى م ّكلف مبراقبة حتقق‬ ‫العدالة لأخيه االن�سان مهما كان جن�سه �أو لونه �أو اثنيته �أو ّ‬ ‫الطائفة‬ ‫الدينية التي ينتمي اليها‪� ،‬أو �أي فرق يعتربه ال ّنا�س‪.‬‬ ‫ممار�سة القوامة يف الأ�سرة هي تطبيق لهذا املفهوم العام وال�شامل الذي‬ ‫ن�ؤمن به يف الدائرة الأ�صغر‪ ،‬واللبنة الأ�سا�سية يف تكوين املجتمعات‬ ‫االن�سانية‪ ،‬فالرجل يف الآية ‪ 34‬من �سورة الن�ساء ق ّوام على زوجه‪:‬‬ ‫( ال ِّر َج ُال َق َّوامُو َن َعلَى ال ِّن�سَ ا ِء بمَِا َف َّ�ض َل اللهَّ ُ َب ْع�ضَ ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض وَبمَِا‬ ‫ات َقا ِن َت ٌات َحاف َِظ ٌات ِل ْل َغيْبِ بمَِا َحف َ‬ ‫ال�صالحَِ ُ‬ ‫ِظ‬ ‫�أَ ْن َف ُقوا مِ نْ �أَ ْم َوا ِل ِه ْم َف َّ‬ ‫اللهَّ ُ َواللاَّ تِي َت َخا ُفو َن ُن ُ�شو َزهُ نَّ َفع ُِظوهُ نَّ وَاهْ ُج ُروهُ نَّ فيِ المَْ�ضَ اجِ ِع‬ ‫َو ْ‬ ‫ريا)‬ ‫ا�ض ِربُوهُ نَّ فَ�إِنْ �أَ َط ْع َن ُك ْم فَلاَ َت ْب ُغوا َعلَ ْيهِنَّ �سَ ِبيلاً �إِ َّن اللهََّ َكا َن َع ِل ًّيا َك ِب ً‬ ‫(الن�ساء‪.)34:‬‬ ‫فماذا يعني �أن يكون الرجل قواما على املر�أة با�ستح�ضار الت�أويل العاملي‬ ‫ال�شامل لهذا املفهوم؟ يعني �أن الرجل �ضامن م�ؤمتن من اهلل �سبحانه‬ ‫على حمايتها من الظلم‪ .‬وهو يقوم بهذه املهمة مبا ّ‬ ‫ف�ضله اهلل به (�أي‬ ‫�أعطاه وم ّيزه) من قوة ج�سدية و�أعطيات مادّية ا�ضافية (من ن�صيبه‬

‫من املرياث �أو الغنائم)‪ .‬فهو مك ّلف باالنفاق على املر�أة كانت زوجة �أو �أ ّما‬ ‫�أو �أختا �أو بنتا �أو حتى جدة‪ ،‬ورمبا ين�سحب هذا الواجب لرحم قريبة‬ ‫منه ال جتد معيال منفقا‪.‬‬ ‫هذا التكليف جاء تبديال لتوجهات الرجال ال�سلبية نحو الن�ساء قبل‬ ‫تن ّزل القر�آن‪ ،‬فبعد �أن كان الرجل يف جمتمعات اجلاهلية ي�ستغل املر�أة‬ ‫جن�س ّيا �أو اقت�صاد ّيا �أو جن�سيا واقت�صاديا معا فيما عرف بالع�ضل‬ ‫ومبوافقة �ضمن ّية �أو ت�صريحية �أكيدة من املجتمع اجلاهلي‪ .‬جاء مفهوم‬ ‫القوامة القر�آين لي�ضع الرجل يف مو�ضع احلار�س على حقوق املر�أة‬ ‫والكافل النف�سي واالقت�صادي لها‪ ،‬والراعي امل�ؤمتن عليها من �أهله؛ من‬ ‫دون انقا�ص لكفايتها العقلية �أو اجل�سدية �أو االقت�صادية يف ادارة �ش�ؤون‬ ‫ن�صت عليها ن�صو�ص القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫نف�سها ابتداء التي ّ‬ ‫هذا املعنى االيجابي العملي للقوامة ينطبق على احلياة الزوجية وال‬ ‫يحتمل �أي �سلبية ّ‬ ‫ت�ضخم مكانة الرجل وحقوقه فوق الزوجة‪ ،‬بل على‬ ‫العك�س متاما‪ ،‬هو م�س�ؤول عن رعايتها وخدمتها واالنفاق عليها دون‬ ‫حجر على �أهليتها‪ ،‬وهوحما�سب اذا ت�س ّلط عليها لأنه م�ؤمتن �ضامن‬ ‫مبيثاق غليظ ي�شهد اهلل عليه‪:‬‬ ‫يقول اهلل �سبحانه يف الزوج ي�أخذ مهر املر�أة م�ستغال ل�ضعفها العاطفي‬ ‫واجل�سدي �أمامه‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫( َو َك ْي َف تَ�أْ ُخ ُذو َن ُه َو َق ْد �أ ْف�ضَ ى َب ْع ُ�ض ُك ْم ِ�إلىَ َب ْع ٍ�ض وَ�أ َخ ْذ َن مِ ْن ُك ْم مِ ي َثا ًقا‬ ‫َغل ً‬ ‫ِيظا )(الن�ساء‪.)21:‬‬ ‫و�أ ّكد النبي‪-‬عليه ال�سالم‪-‬على هذا املعنى يف و�صيته للأمة اال�سالمية‬ ‫يف حجة الوداع فقال»فاتقوا اهلل يف الن�ساء ف�إنكم �أخذمتوهن ب�أمانة اهلل‬ ‫وا�ستحللتم فروجهن بكلمة اهلل‪».‬‬ ‫هذه القوامة قابلة للتناوب وللتداول باعتبار ال�صلوحية يف �شركة‬ ‫ق�صر يف‬ ‫الزواج‪ ،‬كما �أنها قابلة لل�سلب واملنع ان �أ�ساء الرجل يف رعايته �أو ّ‬ ‫�أداء واجبه التكليفي فيها‪ .‬وهي تقا�س بذلك على والية �أمر امل�سلمني يف‬ ‫الأ�سرة الأعم ونعني بذلك الدولة اال�سالمية‪ .‬فاالمام ال ي�ستعبد النا�س‬ ‫بادارته لأمورهم‪ ،‬وهو حما�سب على التق�صري يف رعايتهم‪ ،‬وال ميلك‬ ‫احلق يف ا�ستعمال مقدّراتهم و�أموالهم دون ر�أي منهم �أو م�شورة �أوقبول‪.‬‬ ‫وللرعية تقوميه �أو عزله ‪-‬ان �أ�ساء‪ -‬بكل و�سيلة ممكنة مراعاة مل�صلحة‬ ‫اجلماعة‪ .‬هذه احلقوق م�ضمونة للزوجة ك�ضمانتها للرعية‪ ،‬وهي تنوب‬ ‫عن الزوج يف مراقبة الأ�سرة وحفظها ان غاب �أو عجز عن ادارتها لأمر‬ ‫ق�صر �أو �أ�ساء �أو ا�ستغل ملوقعه فيها‬ ‫ما‪ .‬وت�سقط قوامة الزوج وت�سحب ان ّ‬ ‫ملك�سب ذاتي �أو لفر�ض �سيطرة طاغية‪.‬‬ ‫الأ�سرة امل�سلمة التي �أرادتها ال�شريعة مبقا�صدها و�صريح ن�صو�صها‬ ‫�شورية حتيط بها املودة والرحمة ليتحقق ال�سكن وال�سكينة لأفرادها‬ ‫لأنها بهذا حتقق الكمال املعجز لآية اهلل �سبحانه يف خلقه‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫فتح حوار هادئ معها ومع زمالئها وزميالتها يف الف�صل الدرا�سي‪ ،‬يف‬ ‫�سياق تدعيم ثقافة احلوار والفكر النقدي واحلق يف االختالف و�إبداء‬ ‫الر�أي واالطالع على فكر الآخر‪.‬‬

‫كيف نبني ثقافتنا‬ ‫اإلسالمية وكيف‬ ‫نقدمها إلى اآلخرين؟‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬خالد ال�صمدي‬

‫رئي�س املركز املغربي للدرا�سات والأبحاث الرتبوية الإ�سالمية ‪ /‬املغرب‬

‫يف بداية �سنة درا�سية‪ ،‬ا�س ُتدعيت من طرف �إدارة امل�ؤ�س�سة التي �أ�شتغل‬ ‫بها‪ُ ،‬‬ ‫وطلب مني التداول يف �إ�شكالية تربوية والبحث عن حل ال ي�ستند‬ ‫�إىل القرار الإداري ال�صارم‪ ،‬وال مي�س يف نف�س الوقت ال�صالحياتِ‬ ‫الرتبوية للأ�ستاذ‪ .‬وقد اعتقدت بداية �أن الق�ضية تتعلق ب�ش�أن من‬ ‫�ش�ؤون الت�سيري الرتبوي ب�شعبة الدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬مما يجري فيه‬ ‫التداول عادة بني رئي�س ال�شعبة و�إدارة امل�ؤ�س�سة‪� .‬إال �أن الأمر كان غري‬ ‫ذلك‪ ،‬ومل يكن من طينة الإ�شكاالت الرتبوية اليومية العادية‪ ،‬بقدر ما‬ ‫كان حالة تطرح لأول مرة بامل�ؤ�س�سة‪ .‬ذلك �أن طالبة ب�شعبة من �شعب‬ ‫اللغات الأجنبية طلبت ر�سميا من �إدارة امل�ؤ�س�سة �إعفاءها من ح�ضور‬ ‫ح�صة الثقافة الإ�سالمية‪ ،‬لأنها يهودية الديانة‪ ،‬ولأنها ال تتوقع من‬ ‫�أ�ستاذ يدر�س الإ�سالم �إال هجوما على اليهود بخا�صة‪ ،‬والفكر املخالف‬ ‫بعامة‪ ،‬ولأنها متتلك قناعات دينية غري م�ستعدة �أن تكون مو�ضع‬ ‫علي‬ ‫م�ساءلة �أو نقا�ش‪ .‬وملا كنت الأ�ستا َذ املعني بتدري�س املادة فقد عر�ض ّ‬ ‫الأمر للت�شاور والتداول‪.‬‬ ‫كان من الطبيعي �أن �أقول لإدارة امل�ؤ�س�سة‪�« :‬إن املادة من�صو�ص عليها‬ ‫يف القوانني التنظيمية ولي�س هناك �أي م�سوغ قانوين لإعفاء طالب‬ ‫�أو طالبة من درا�ستها‪ ،‬و�أن الطالبة يف هذه احلال ملزمة باحل�ضور‬ ‫واالختبار يف املادة»‪ ،‬وينتهي امل�شكل عند هذا احلد‪ .‬غري �أنني ف�ضلت‬ ‫�أن �أ�سلك طريقا �آخر يتجاوز ق�ساوة القانون‪ ،‬ويحفظ ال�سري العادي‬ ‫للدرا�سة‪ ،‬والأهم من كل ذلك يزيل الغ�شاوة ويك�سر احلاجز النف�سي‬ ‫الذي يحول بني الطالبة ودرا�سة مادة الثقافة الإ�سالمية‪ .‬وهذا يقت�ضي‬

‫عوائق االنفتاح وعقباته‬

‫وقبل �أن �أنقل القارئ الكرمي �إىل النتيجة النهائية لهذا امل�سعى‪،‬‬ ‫ينبغي لنا جميعا �أن نبحث عن �أ�سباب وجو ِد مثل هذا املوقف يف �سياق‬ ‫منظومتنا التعليمية التي �أفرزت ‪-‬وتفرز‪ -‬عقلية اخلوف من الفكر‬ ‫الآخر واتخاذ مواقف م�سبقة منه‪ ،‬وغياب القدرة على النقد والتحليل‬ ‫والتفكري‪� ،‬سواء لدى هذه الطالبة �أو غريها باعتبار انت�شار الظاهرة‬ ‫وخطورة انعكا�ساتها الرتبوية والفكرية‪ .‬و�أعتقد �أن ما يحول بني املرء‬ ‫وعقله �أربعة عوائق ال تكاد ت�سلَم منها منظوم ُتنا التعليمية وال �سبيل‬ ‫لرقيها �إال ب�إزاحتها‪.‬‬ ‫‪ -1‬االعتماد على التلقني ك�أ�سلوب غالب يف التدري�س وغياب م�ساحات‬ ‫للنقا�ش واحلوار بني الطلبة واملدر�سني يف الق�ضايا املختلفة‪ ،‬مما يجعل‬ ‫ري قابلة للنقا�ش‪ ،‬ويحتفظ يف قرارة‬ ‫الطالب يتقبل الأفكار كحقائق غ ِ‬ ‫نف�سه بقناعات كامنة و�أ�سئلة حمرية تربز حتما عند �أول وهلة يتاح له‬ ‫فيها �أن يقول‪ ،‬فيكون قوله يف هذه احلال رد فعل مزاجي �ضد الفكر‬ ‫«املفرو�ض»‪ ،‬لأنه مل ي�سهم يف بنائه وال تبنيه و�إمنا وقف منه موقف‬ ‫امل�سلم امل�سامل‪.‬‬ ‫وكثريا ما ناق�شت مع زمالئي يف بناء مناهج الرتبية الإ�سالمية‬ ‫�أفكارا ال �أحمل لها جوابا جاهزا‪ ،‬غري �أنني �أدفع بها �إىل حم�أة التفكري‬ ‫واملناق�شة الرتبوية لعلنا ن�صل فيها �إىل ر�أي تربوي منا�سب‪ .‬وذلك‬ ‫مثل �إمكانية �إدراج ن�صو�ص خمالفة للفكر الإ�سالمي يف كتب الرتبية‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬ومن ثم فتح باب النقا�ش �أمام التالميذ لتقوية مناعتهم‬ ‫الفكرية وقدرتهم على حتليل وتفكيك الفكر املخالف‪ ،‬و�إبراز مكامن‬ ‫ال�ضعف واخللل فيه ‪�-‬إن كانت‪ -‬باحلجة العلمية والدفاع العقلي الرزين‬ ‫عن املوقف ال�صحيح دون عاطفة عا�صفة وال فكر متذبذب ال ي�صمد‬ ‫�أمام احلجاج العقلي واملنطقي‪.‬‬ ‫ميكننا �أن نناق�ش احليثيات التطبيقية لهذه الفكرة والإمكانات الرتبوية‬ ‫لإدماجها يف كتبنا املدر�سية‪ ،‬واملحاذي َر املتوقعة‪ ،‬ويف �أي م�ستوى درا�سي‬ ‫ميكن �أن يكون ذلك‪ ،‬وب�أية �شروط‪ ،‬غري �أنه ال ميكن بحال �أن ننكر ميزة‬ ‫�إدراج الر�أي املخالف يف مناهجنا التعليمية ملا فيه من مناعة وقوة يف‬ ‫بناء املعرفة لدى الطلبة‪� ،‬أال ترى �أن القر�آن الكرمي عر�ض �أقوال �إبلي�س‬ ‫و�أتباعه من الكافرين‪ ،‬وجعلها �آيات نتلوها ونتعبد بها‪ ،‬ون�أخذ على‬ ‫ذلك �أجرا وت�صح بها �صالتنا‪ ،‬دون �أن ت�ضيق بها �صفحاته‪ ،‬وهو الكتاب‬ ‫التعليمي الأول الذي ال مبدل له وال نظري‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫‪-2‬ال�سقوط يف الدفاع العاطفي عن كامل املنتوج احل�ضاري للم�سلمني‬ ‫دون متحي�ص وال نقد‪� ،‬إذ جتد املدر�س �أو م�ؤلف الكتاب املدر�سي‪ ،‬يتحرج‬ ‫من طرح بع�ض الهنات امل�سجلة يف تاريخنا الفكري‪ ،‬وي�سقط يف تربير ما‬ ‫ال يربر‪ ،‬وتبجيل ومدح كل املواقف دون متحي�ص للأخطاء وال ك�شف عن‬ ‫الزالت‪ .‬ولي�س هذا من منهج الإ�سالم يف �شيء؛ فقد ا�شتهر عن علمائنا‬ ‫من املجتهدين قولهم «كل ي�ؤخذ من كالمه ويرد �إال �صاحب هذا القرب»‬ ‫يف �إ�شارة �إىل املقام املكرم لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وهم القائلون‬ ‫«ما وافق كتاب اهلل و�سنة ر�سوله فهو مذهبي‪ ،‬وما خالفهما فا�ضربوا به‬ ‫عر�ض احلائط»‪.‬‬ ‫يف �ضوء ذلك ال ميكننا �أن نعلم نا�شئتنا تقدي�س ما ال يقد�س والت�سليم‬ ‫بكل فكر ين�سب �إىل عامل امل�سلمني وربطه بالإ�سالم جملة وتف�صيال‪،‬‬ ‫لأن من �ش�أن ذلك �أن يجعل هذا الدين العظيم يهن يف نظر �أبنائه حني‬ ‫يكت�شفون يف تاريخه �أخطاء ارتكبها با�سمه بع�ض رواده ون�سبوها �إليه‬ ‫تربيرا وت�سويغا‪� ،‬أو كانت اجتهادات �صاحلة لزمانها ومل تعد كذلك‬ ‫اليوم‪� ،‬أو �أخطاء مل ينتبه �إليها �أ�صحابها يف حينها فذهبوا بالأجر‬ ‫الواحد‪.‬‬ ‫ينبغي �أن نربي يف �أبنائنا حمبة العلماء وتقدير جهودهم والبحث عن‬ ‫النقط امل�ضيئة يف �أخالفهم و�سريهم‪ ،‬واالقتداء ب�سننهم يف االجتهاد‬ ‫والت�ضحية والإنتاج العلمي‪ .‬كما ينبغي �أن نعلمهم �أن نقد الفكر له‬ ‫�شروطه و�آدابه‪ ،‬و�أن حرية �إبداء الر�أي مكفولة‪ ،‬و�أن جتريح الأ�شخا�ص‬ ‫مذموم وم�ستقبح‪ ،‬لكن اخلط�أ كل اخلط�أ �أن ن�سقط يف تقدي�س الأفكار‬ ‫والآراء واعتبارها منـزهة عن النقد و�إعادة النظر‪.‬‬ ‫‪-3‬ال�سقوط يف مطبة تبني الأفكار والأحكام امل�سبقة من الفكر الآخر‬ ‫ملجرد ن�سبته لغري امل�سلمني‪ ،‬فهذا انغالق مذموم ينعك�س �سلبا على‬ ‫انفتاح الآخرين على الفكر الإ�سالمي ذاته‪ ،‬يف حني �أن البحث عن‬ ‫ال�صواب حيث يكون‪ ،‬والأخذ باحلكمة ولو من فم املخالف‪ ،‬واعتبار‬ ‫املنتوج العلمي الب�شري جماال للبحث واالختيار يف �ضوء مقا�صد‬ ‫الإ�سالم وغاياته الكربى التي ت�ستدمج كل اجتهاد �إيجابي نافع‪ ،‬هو‬ ‫امل�سلك القومي‪ .‬ف�إذا نظرنا �إىل القر�آن الكرمي وجدناه يق�ص علينا من‬ ‫ق�ص�ص الأمم املختلفة ما يعترب جماال وا�سعا لأخذ العربة واملثل‪ .‬و�إذا‬ ‫نظرنا �إىل �سنة امل�صطفى عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬وجدناه يوجه بع�ض‬ ‫�صحابته �إىل تعلم اللغات احل�ضارية ال�سائدة يف ع�صره كال�سريالية‬ ‫والفار�سية لالطالع على ح�ضارتهم‪ .‬و�إذا ت�صفحنا تاريخ اخللفاء‬ ‫الرا�شدين ومن اهتدى بهديهم من بعدهم‪ ،‬وجدناهم قد �أدخلوا من‬ ‫جتارب الأمم الأخرى يف تنظيم الدولة‪ ،‬ك�سك النقود ونظام اجلبايات‬

‫والربيد وغري ذلك من النظم الإدارية‪ .‬و�إذا اطلعنا على تاريخ الفكر‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬وجدنا اهتمام امل�سلمني بالرتجمة من خالل ت�أ�سي�س دار‬ ‫احلكمة يف امل�شرق ومدار�س قرطبة يف املغرب‪ ،‬ووجدنا حوارات مفتوحة‬ ‫بني فطاحل العلماء والفقهاء امل�سلمني وغريهم من الأحبار والرهبان‬ ‫من ال�شرعيتني اليهودية والن�صرانية‪ ،‬كل ذلك بهدف �إبراز �سماحة‬ ‫الإ�سالم وقوة �سلطانه الفكري والعقائدي‪ ،‬ويف نف�س الآن اال�ستفادة‬ ‫من كل اجتهاد يخدم الب�شرية ويرقى بها �إىل �أح�سن حال‪ .‬ومل يكن‬ ‫ه�ؤالء ي�ضيقون ذرعا بالفكر املخالف‪ ،‬وال ي�سارعون �إىل اتهام �أ�صحابه‬ ‫بالزندقة وال�شذوذ‪ ،‬لأن ذلك عالمة على االنهزام‪.‬‬ ‫وهنا نقول �أنه كلما كانت املعرفة الإ�سالمية لدى املتعلمني حم�صنة‬ ‫بالقدرة على احلجاج الهادئ الذي هو ثمرة البناء الفكري ال�سليم‪،‬‬ ‫اختفى العنف اللفظي والعناد الفارغ الذي يعلوه ال�صراخ والعويل‬ ‫ك�سالح للعجزة واملتخاذلني‪ ،‬ولي�س الفكر الإ�سالمي بحاجة �إىل مثل‬ ‫هذا الزبد‪.‬‬ ‫‪-4‬تر�سيخ فكرة �صراع الأديان يف �أذهان التالميذ‪ .‬فكل يهودي معتد‬ ‫ب�إطالق يف نظر امل�سلم‪ ،‬وكل م�سلم �أممي يف ذهن اليهودي يجوز �سلب‬ ‫ماله وت�شريده يف الأقا�صي‪ ،‬وكل الن�صارى �أعداء لهذا الطرف �أو ذاك‪..‬‬ ‫واحلال �أن مثل هذه الأفكار ال ي�ستفيد منها �إال املرتب�صون بالدين‬ ‫عموما‪ ،‬الذين يخلطون املفاهيم وي�ساوون بني اجلالد وال�ضحية‪،‬‬ ‫وغايتهم املثلى حتييد الدين عموما عن احلياة‪ .‬و�أق�صر طريق �إىل ذلك‬ ‫تر�سيخ فكرة ربط الدين بال�صراعات واخلالفات‪ .‬يف حني �أن الدين‬ ‫رحمة مهداة للنا�س‪ ،‬ينظم حياتهم وي�ضمن تعاي�شهم وتعارفهم‪ ،‬ويكون‬ ‫احلوار وال �شيء غري احلوار هو الأ�سلوب الأمثل لتعاملهم‪ ،‬و�إىل اهلل‬ ‫بعد ذلك م�صريهم ومعاذهم‪.‬‬ ‫ولئن كان القر�آن الكرمي قد حتدث عن املغ�ضوب عليهم وال�ضالني‪،‬‬ ‫وحتدث عن �شدة عداوة اليهود للذين �آمنوا‪ ،‬و�أن كثريا من الأحبار‬ ‫والرهبان ي�أكلون �أموال النا�س بالباطل‪ ،‬ف�إن تلك الأو�صاف باال�ستقراء‬ ‫مرتبطة بالأفعال ال�صادرة عن ه�ؤالء واملخالفة لتعاليم التوراة‬ ‫والإجنيل ذاتها وال عالقة لها بروح تعاليم مو�سى وعي�سى عليهما‬ ‫ال�سالم‪ .‬وقد ذم اهلل تعاىل يف القر�آن الكرمي ت�صرفات الظاملني واملنافقني‬ ‫واملعتدين واملطففني واخلائنني وامل�ستكربين ممن هم يف دائرة عقيدة‬ ‫الإ�سالم �أي�ضا‪ ،‬لأنهم خالفوا تعاليمه ب�أفعالهم‪ ،‬كما ذم غريهم من‬ ‫اليهود والن�صارى دون �أن يكون لذلك عالقة باليهودية والن�صرانية‬ ‫ك�شريعتني منـزلتني يف م�سرية نزول �شرائع الإ�سالم‪ ،‬واجلامع يف كل‬ ‫ذلك خمالفة تعاليم الدين واخلروج عن مقت�ضياته‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫ما ينبغي تقدميه للنا�شئة‬

‫�إن الدين ينبغي �أن يقدم للنا�شئة على �أنه �شريعة رب العاملني‪ ،‬و�أنه عند‬ ‫اهلل الإ�سالم‪ ،‬و�أن الإ�سالم بد�أ نزوله من عند اهلل �إىل الب�شر مع �أول‬ ‫ر�سول‪ ،‬ثم نزل يف �شكل �شرائع يف زبور داوود و�صحف �إبراهيم وتوراة‬ ‫مو�سى و�إجنيل عي�سى عليهم ال�سالم‪ ،‬وختم بر�سالة القر�آن‪ ،‬و�أن �أتباع‬ ‫هلل َو ْا�ش َه ْد‬ ‫مو�سى من اليهود و�أتباع عي�سى من احلواريني قالوا (�آ َم َّنا بِا ِ‬ ‫ِب�أَ َّنا م ُْ�س ِل ُمو َن)(�آل عمران‪ ،)52:‬و�أن من متام �إميانهم بكتبهم املقد�سة‬ ‫غري املحرفة اتباعهم ملحمد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ .‬فتلك م�سرية‬ ‫الإ�سالم الطبيعية من نوح عليه ال�سالم �إىل حممد �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ .‬ولو مت�سك النا�س بتعاليم دينهم ملا عاثوا يف الأر�ض ف�سادا وملا‬ ‫�سفكوا الدماء‪ .‬والنا�س يف ذلك بني م�ؤمن م�صدق وكافر جاحد مكذب‬ ‫يف �إطار اختياره وم�شيئته التي �سيحا�سب عليها حني �سيلقى خالقه‪ ،‬ومل‬ ‫يكلف اهلل النا�س بعد ذلك �إال بالذكرى التي تنفع امل�ؤمنني‪.‬‬ ‫�أما ما �سوى ذلك من ظلم واعتداء وانتهاك للحرمات و�سفك للدماء‬ ‫وهدم للبيوت و�سلب للأموال والأوطان‪ ،‬فهو �سلوك ال دين له‪ ،‬ينبذه‬ ‫من كل الأ�سوياء والعقالء‪ ،‬ودفعه واجب بكل ال�سبل لأنه �سلوك �ضد‬ ‫القيم الدينية والإن�سانية كلها‪.‬‬ ‫ومن جهة �أخرى ينبغي �أن نر�سخ يف �أذهان النا�شئة �أن الظامل واملعتدي‬ ‫ممقوت وحمارب مهما كانت ديانته �أو عقيدته‪ ،‬و�أن التعامل بالوالء مع‬ ‫دائرة امل�سلمني‪ ،‬وباحلوار والإ�صغاء مع امل�ساملني من كل امللل والنحل‬ ‫وم�ساكنتهم ومعاي�شتهم‪ ،‬بل والدفاع عن ق�ضاياهم العادلة‪ ،‬من �صميم‬ ‫الواجبات ال�شرعية‪ ،‬و�أن تعاون الفئتني �ضد الغا�صب الظامل اجلاحد‬ ‫املعتدي لهو املوقف ال�سليم الذي يحفظ للب�شرية ا�ستقرارها‪ ،‬كما دعت‬ ‫�إىل ذلك كل ال�شرائع املكونة لر�سالة الإ�سالم‪ ،‬وكل القيم الإن�سانية‬ ‫النبيلة‪.‬‬ ‫بهذا املنطق ينبغي �أن ينظر املتعلمون �إىل دور الدين يف احلياة‪ ،‬كطاقة‬ ‫حمركة يف م�سرية التنمية الب�شرية‪ ،‬وكحافز دافع حني يخلوا من‬ ‫التع�صب املقيت‪ ،‬وكبناء للفكر ال�سليم حني يبنى على احلوار والإقناع‪،‬‬ ‫وكدعوة �إىل املحبة وال�سالم وكف الأيدي حني ت�سود قيم العدل والنبل‬ ‫والوفاء واحلرية‪ ،‬وكرادع قوي لكل �صور ال�شطط والظلم والعدوان‬ ‫حني تنتهك احلرمات‪ .‬وبعد ذلك ( َف َمنْ �شَ ا َء َف ْل ُي�ؤْمِ نْ َو َمنْ �شَ ا َء َف ْل َي ْك ُف ْر)‬ ‫(الكهف‪.)29:‬‬ ‫�إن هذه املنهجية يف التفكري التي ت�ستهدف �إزالة العوائق التي حتول‬

‫بني املرء وعقله‪ ،‬والتي �أمالها هذا املوقف الطريف مع الطالبة املغربية‬ ‫ذات الديانة اليهودية‪ ،‬كان بالذات هو مقرر ال�سنة الدرا�سية بكاملها‬ ‫مع ا�ستعرا�ض مناذج وق�ضايا للنقا�ش‪ ،‬تنمي لدى الطلبة القدرة‬ ‫على التفكري والنقد والتحليل والتمييز والت�صنيف واتخاذ القرار‪.‬‬ ‫فكلما كانت هذه القدرات متوفرة لدى الطالب‪ ،‬وكلما بنيت الثقافة‬ ‫الإ�سالمية لديه على هذا الأ�سا�س‪ ،‬كان �أكرث ثقة يف نف�سه ويف ثقافته‪،‬‬ ‫و�أكرث �إقداما على مناق�شة الفكر الآخر بروح من االعتدال وامل�س�ؤولية‬ ‫وطالقة وجه‪.‬‬ ‫بقي �أن �أقول يف اخلتام �أن الطالبة بعد ح�صتني �أو ثالث من الرتدد‬ ‫جاءت مت�شي على ا�ستحياء‪ ،‬ووجلت الف�صل ثم كانت من �أكرث املواظبات‬ ‫على ح�ضور ح�صة الثقافة الإ�سالمية‪ ،‬لأنها وجدت غري ما كانت‬ ‫تتوقع‪ .‬ويف فرتة االختبار ال�شفوي قالت يف خجل ظاهر‪« :‬هكذا ينبغي‬ ‫�أن نقدم ثقافتنا املغربية �إىل العامل»‪ .‬فقلت لها‪« :‬لو �أتيحت يل الفر�صة‬ ‫لالطالع على الثقافة العربية ملا ترددت حلظة واحدة يف القبول‪ ،‬لأن‬ ‫ثقافة الذات تتعزز كلما تالقحت بثقافة الآخر‪ ،‬وكلما بنيت على النقد‬ ‫واحلوار»‪ .‬قالت‪�« :‬أ�شكرك مرة �أخرى» وان�صرفت‪ .‬وما زالت تربطني‬ ‫بها وبزوجها عالقة احرتام كبرية منذ ذلكم احلني‪ ،‬يف حني اختفت‬ ‫عالقتي بباقي طلبة فوجها يف �شعاب احلياة‪.‬‬ ‫ت�أملت م�سرية �سنة درا�سية حت ّول فيها الفكر من الرف�ض �إىل قبول‬ ‫احلوار والتفكري الناقد‪ ،‬فتمنيت لو �سمح الوقت ب�أكرث من ذلك‪ ،‬ولكنها‬ ‫م�سرية م�ستمرة ال يحدها زمان وال مكان‪ .‬وتر�سيخ مثل هذه الثقافة يف‬ ‫اعتقادي‪ ،‬هو املدخل الطبيعي للعودة جمددا �إىل حركية التفكري التي‬ ‫�آمل �أن ت�سود لدى جميع الطالب‪ ،‬ومن خاللهم �إىل جميع املتعلمني‬ ‫لأن من ال يفكر ال ينتظر منه �إال �أن يلقن‪ .‬وتلك مذبحة املعرفة ونبع‬ ‫االنغالق‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫معظم الواجبات كفائية‬

‫وحيث ثبت �أن ج َّل الواجبات التي تقوم عليها حياة الأمم يف معا�شاتها‬ ‫داخلة يف ال�صنف الكفائي‪ ،‬ويقت�ضي ٌ‬ ‫كل مِ ن َت َب ُّينها و َمقْدرتها وتقعيداتها‬ ‫وتقنيناتها اجتهاداتٍ م�ست�أنف ًة يف كل حني‪ ،‬من �أجل تنـزيلٍ م َّتزِن لها‬ ‫على �أر�ض الواقع تكون عاقبته ي�سرا‪ ،‬ملا ثبت �أن الأمر كذلك‪ ،‬فقد كان‬ ‫لعلمائنا كالم مف�صل نفي�س عن كيفية اال�ضطالع بالواجب يف �سياقاته‬ ‫وتنقيح لها وموازنة‬ ‫املختلفة؛ مِ ن نظ ٍر يف امل�آالت وحتقيقٍ للمناطات‬ ‫ٍ‬ ‫دقيقة بني امل�صالح واملفا�سد جلبا للأُوىل �إن رجحت‪ ،‬ودفعا للثانية �إن‬ ‫ملناهج كل ذلك‬ ‫غلبت‪ ،‬ت�سديدا وتقريبا وتغليبا‪ ،‬مع حتديدات و�ضيئة‬ ‫ِ‬ ‫مما هو مف�صل يف مظانه‪.‬‬ ‫فقه املوازنات واعتبار امل�صالح‬

‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد عبادي‬ ‫الأمني العام للرابطة املحمدية للعلماء ‪ /‬املغرب‬ ‫�إن علماءنا قد نظروا �إىل الواجبات باعتبارها مرتّبة ح�سب مراتب‬ ‫ثالث‪ ،‬ف َثمة ال�ضروريات ُثم احلاجيات ثم التح�سينيات‪ .‬و�أر�سوا‬ ‫بناء على هذا الوعي العميق دوائر للواجب يحمي بع�ضها بع�ضا‬ ‫فن�صوا على �أن اختالل ال�ضروري‬ ‫َوف َْق ن�سق مفهومي يف غاية الدقة‪ّ ،‬‬ ‫إطالق ي�ؤدي �إىل اختالل احلاجي والتح�سيني ب�إطالق‪ ،‬و�أنه ال‬ ‫ب� ٍ‬ ‫ُ‬ ‫اختالل ال�ضروري ب�إطالق‪،‬‬ ‫يلزم من اختاللهما �أو اختالل �أحدهما‬ ‫ن�صوا على �أن اختالل احلاجي ب�إطالق ينجم عنه اختالل‬ ‫كما ّ‬ ‫التح�سيني ب�إطالق‪ ،‬ون�صوا على �أن اختالل التح�سيني ب�إطالق‬ ‫ي�ؤدي �إىل اختالل احلاجي بوجه ما‪ ،‬و�أن اختالل احلاجي ب�إطالق‬ ‫ي�ؤدي �إىل اختالل ال�ضروري بوجه ما‪ .‬مما يلزم معه احلفاظ على‬ ‫الواجبات املتعلقة بالتح�سيني حماية للحاجي‪ ،‬واحلفاظ على‬ ‫التجر�ؤ‬ ‫الواجبات املتعلقة باحلاجي حماية لل�ضروري‪ .‬وبينوا �أن‬ ‫ّ‬ ‫معر�ض للتجر�ؤ على ما �سواه‪ .‬وعلى‬ ‫على الإخالل بالتح�سيني منها ِّ‬ ‫إدراك قام �أ�صل �سدّ الذرائع واعتبار امل�آل‪ ،‬وقرروا �أن املندوب‬ ‫هذا ال ِ‬ ‫�إليه باجلزء واجب بالكل‪� ،‬إذ الإخالل باملندوب مطلقا �إخالل بركن‬ ‫ٌ‬ ‫حممية ال يجب‬ ‫ون�صوا على �أن املندوب يف كليته‬ ‫من �أركان الواجب‪ّ ،‬‬ ‫خرمها‪ ،‬لأن خرمها ي�ؤدي �إىل الإخالل بالواجب و�إبطاله‪ .‬وقالوا‬ ‫يف ذلك‪« :‬وكل واحدة من هذه املراتب ملّا كانت خمتلفة يف ت�أكد‬ ‫االعتبار ‪-‬فال�ضروريات �آكدها ثم تليها احلاجيات ثم التح�سينيات‪-‬‬ ‫وكان مرتبطا بع�ضها ببع�ض‪ ،‬كان يف �إبطال ال ِّ‬ ‫أخف جر� ٌأة على ما‬ ‫هو �آكد منه‪ ،‬ومدخل للإخالل به‪ ،‬ف�صار ال ُّ‬ ‫أخف ك�أنه حمى للآكد‪،‬‬ ‫فاملخلّ‬ ‫مبا هو مك ِّمل‬ ‫والراعي حول احلمى يو�شك �أن يرتع فيه‪،‬‬ ‫كاملخل بامل َك َّمل من هذا الوجه (‪ .)1‬قال الإمام الغزايل رحمه اهلل»‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ولواحق من‬ ‫�سوابق‬ ‫قلّما ُيت�ص ّور الهجوم على الكبرية بغتة‪ ،‬من غري‬ ‫جهة ال�صغائر»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬

‫يقول الإمام ال�شاطبي رحمه اهلل‪« :‬النظر يف م�آالت الأفعال معترب‬ ‫مق�صود �شرعا‪ ،‬كانت الأفعال موافقة �أو خمالفة‪ ،‬وذلك �أن املجتهد ال‬ ‫يحكم على فعل من الأفعال ال�صادرة عن املكلفني بالإقدام �أو بالإحجام‬ ‫�إال بعد نظره �إىل ما ي�ؤول �إليه ذلك الفعل (فقد يكون) م�شروعا مل�صلحة‬ ‫فيه ت�ستجلب‪� ،‬أو ملف�سدة تدر�أ‪ ،‬ولكن له م�آل على خالف ما ق�صد فيه‪،‬‬ ‫وقد يكون غري م�شروع ملف�سدة تن�ش�أ عنه‪� ،‬أو م�صلحة تندفع به‪ ،‬ولكن‬ ‫له م�آل على خالف ذلك‪ ،‬ف�إذا �أطلق القول يف الأول بامل�شروعية فرمبا‬ ‫�أدى ا�ستجالب امل�صلحة فيه �إىل مف�سدة ت�ساوي امل�صلحة �أو تزيد عليها‪،‬‬ ‫فيكون هذا مانعا من �إطالق القول بامل�شروعية؛ وكذلك �إذا �أطلق القول‬ ‫يف الثاين بعدم امل�شروعية رمبا �أدى ا�ستدفاع املف�سدة �إىل مف�سدة ت�ساوي‬ ‫�أو تزيد‪ ،‬فال ي�صح القول بعدم امل�شروعية‪ ،‬وهو جمال للمجتهد �صعب‬ ‫املورد‪� ،‬إال �أنه عذب املذاق‪ ،‬حممود الغ ِِّب جا ٍر على مقا�صد ال�شريعة (‪.)3‬‬ ‫وعن فقه املوازنات يقول هذا الإمام‪« :‬و�إنا وجدنا ال�شارع قا�صدا مل�صالح‬ ‫العباد‪ ،‬والأحكام العادية تدور معها حيث دارت‪ ،‬فرتى ال�شيء الواحد‬ ‫يمُ نع يف حال ال تكون فيه م�صلحة‪ ،‬ف�إذا كان فيه م�صلحة جاز (‪.)4‬‬ ‫ومفاد ذلك وجوب املوازنة بني االحتماالت املمكنة يف غري املحكم من‬ ‫الأحكام‪ ،‬ترجيحا وموازنة بني ما حتققه تنـزيالتها يف �إطار ال�شرع‬ ‫احلنيف ومبقايي�سه وموازينه من امل�صلحة يف الظرف الواقعي املعني‪،‬‬ ‫يرجح �أنه �أكرث حتقيقا للم�صلحة ب�ضوابطها‬ ‫ثم اعتماد االحتمال الذي ُ‬ ‫ال�شرعية املبينة يف �أماكنها‪ ،‬واعتبار ذلك هو احلكم ال�شرعي يف تلك‬ ‫احلالة‪ ،‬وهذا مناط االجتهاد فيما مر ّد الأحكام فيه �إىل النظر‪ .‬ومن‬ ‫تداعيات الوعي العميق عند علمائنا بهذه الآليات يف النظر كونهم درجوا‬ ‫على �أال ُي�سقطوا من اعتبارهم الآرا َء املرجوحة يف تراثنا الفقهي‪� ،‬إذ هي‬ ‫ذخرية اجتماعية قد مت�س �إليها احلاجة يف �أو�ضاع الحقة خمتلفة‪ ،‬فما‬ ‫مل يرجح يف واقع عيني م�شخ�ص نظرا ملالب�سات و�سياقات معينة‪ ،‬قد‬ ‫ي�ضحى راجحا �ضمن مالب�سات و�سياقات �أخرى‪ ،‬وفقه �إمام دار الهجرة‬ ‫�إمامنا مالك ر�ضي اهلل عنه يح�ضر فيه هذا الوعي العميق ب�شدة‪،‬‬ ‫النبنائه على قواعد واقعية كعمل �أهل املدينة واال�ستح�سان وامل�صلحة‬

‫‪48‬‬


‫املر�سلة و�سد الذرائع‪.‬‬ ‫كما نبغ علما�ؤنا يف تقعيد فقه مراتب الأعمال ومنازلها يف الف�ضل‪،‬‬ ‫ومعرفة مقاديرها‪ ،‬والتمييز بني عاليها والأق ّل علواً‪ ،‬وفا�ضلها‬ ‫ومف�ضولها‪ ،‬ورئي�سها ومر�ؤو�سها‪ ،‬و�سيدها وم�سودها‪ .‬يقول ابن القيم‬ ‫رحمه اهلل‪« :‬ف�إن يف الأعمال والأقوال �سيدا وم�سودا‪ ،‬وذروة وما دونها‪،‬‬ ‫كما يف احلديث ال�صحيح «�سيد اال�ستغفار �أن يقول العبد اللهم �أنت‬ ‫ربي ال �إله �إال �أنت خلقتني و�أنا عبدك‪...‬احلديث» (رواه البخاري)‪،‬‬ ‫ويف احلديث الآخر» اجلهاد ذروة �سنام الأمر» (رواه ابن ماجه)‪ ،‬ويف‬ ‫الأثر « �إن الأعمال تفاخرت‪ ،‬فذكر كل عمل منها مرتبته وف�ضله‪ ،‬فكان‬ ‫لل�صدقة مزية يف الفخر عليهن» وال يقطع هذه العقبة �إال �أهل الب�صائر‬ ‫وال�صدق من �أويل العلم‪ ،‬ال�سائرين على جادّة التوفيق‪ ،‬قد �أنزلوا‬ ‫الأعمال منازلها و�أعطوا كل ذي حق حقه»(‪.)5‬‬ ‫و�صعوبة املورد التي �أ�شار �إليها ال�شاطبي �آنفا يف هذا االجتهاد ت�صبح‬ ‫م�ضاعفة يف واقعنا الراهن‪ ،‬نظرا لكون العامل قد تقاربت �أركانه اليوم‬ ‫بفعل كل ما مت التو�صل �إليه من �إمكانات‪ .‬و�أ�ضحى تيار الت�أثري والت�أثر‬ ‫مي ّر بني �أرجائه بي�سر بالغ‪ّ ،‬‬ ‫وينط فيه اجلديد ك َّل ع�شر ثانية فما‬ ‫�أقل‪ ،‬مما يفر�ض فر�ضا االجتهاد اجلماعي متعدد االخت�صا�صات‪ ،‬وفق‬ ‫منهجيات تكاملية تق َّوم يف كل حني حتى ُت�ضمن فاعلي ُتها ومواءم ُتها‬ ‫ملتطلبات الواقع‪ .‬وهذا هو الدور احليوي املنوط مب�ؤ�س�سة العلماء‪.‬‬ ‫مرحلة اجلمود و�أ�سبابه‬

‫ويحق للمرء بهذا ال�صدد �أن يت�ساءل عن الأ�سباب التي حتول دون‬ ‫التوظيف واال�ستثمار الأمثلني الدائمني واملمنهجني لكل هذه اجلهود‬ ‫امل�شرقة يف واقعنا الإ�سالمي خالل الفرتات ال�سابقة‪.‬‬ ‫وميكن �إجمال هذه الأ�سباب يف �أربعة‪:‬‬ ‫‪ -1‬ال�سبب العقيدي‪� :‬أدى انت�شار عقيدة �إبطال الأ�سباب يف الأمة نتيجة‬ ‫ل�سوء فهم تقريرات بع�ض الأئمة كالرازي والغزايل وغريهما‪� ،‬إىل‬ ‫التواكل الذي �أف�ضى �إىل �أ�ضرب من العجز‪ ،‬فغي�ض العطاء‪ ،‬وانكم�شت‬ ‫العقول‪ ،‬وف�شت ال�شعوذة‪ ،‬وا�ستتب التعامل مع الكون ا�ستهالكا وت�أثرا‪،‬‬ ‫ولي�س �إبداعا وت�أثريا‪ ،‬مما َج ّر عواقب غري مر�ضية و�أ�سهم بفعالية يف‬ ‫�إدخال الأمة �إىل فرتة من اجلمود‪ .‬ومل يقت�صر الأمر على اجلانب‬ ‫العملي‪ ،‬بل تعدّت الإ�صابة �إىل اجلانب التنظريي العلمي ف�أ�سقطت‬ ‫املقا�صد‪� ،‬إذ ا�ستبعد عند طوائف من العلماء �أن تكون ال�شريعة و�ضعت‬ ‫لعلة‪ ،‬وب�سبب جلب امل�صالح العاجلة والآجلة للعباد يف الدنيا والآخرة‪،‬‬ ‫مما جعل عطاء فقهاء الأمة ينح�سر يف ترداد ما كان من الفتاوى‬ ‫والأنظار‪ ،‬ويجمد دون جمال الك�شف عن مقا�صد ال�شارع يف �شرعه مما‬ ‫هو جماف لل�شرع نف�سه‪ ،‬يقول ال�شاطبي‪« :‬وا�ستقرينا من ال�شريعة‬ ‫�أنها و�ضعت مل�صالح العباد‪ ،‬ا�ستقراء ال ينازع فيه الرازي وال غريه ف�إن‬ ‫اهلل تعاىل يقول يف بعثة الر�سل ( ُر ُ�س ً‬ ‫ِين َو ُم ْنذِ ر َ‬ ‫ال ُم َب ِّ�شر َ‬ ‫ِين ِلئَلاَّ َي ُكو َن‬

‫هلل ُح َّج ٌة َب ْع َد ال ُّر ُ�سلِ ) (الن�ساء‪ .)6( )165:‬ويقول ابن‬ ‫ا�س َعلَى ا ِ‬ ‫لِل َّن ِ‬ ‫القيم»وباجلملة فالقر�آن من �أوله �إىل �آخره �صريح يف ترتيب اجلزاء‬ ‫باخلري وال�ش ّر‪ ،‬والأحكام الكونية والأمرية‪ ،‬على الأ�سباب‪ ،‬بل ترتب‬ ‫�أحكام الدنيا والآخرة وم�صاحلهما على الأ�سباب والأعمال‪ ،‬ومَن تفقه‬ ‫يف هذه امل�س�ألة وت�أملها حق الت�أمل‪ ،‬انتفع بها غاية النفع ومل ي ّتكل‬ ‫على القدر‪ ،‬جهال منه وعجزا وتفريطا و�إ�ضاعة‪ ،‬فيكو َن تو ّكله عجزا‪،‬‬ ‫وعجزه تو ّكال‪ ،‬بل الفقيه كل الفقه الذي ير ّد القدر بالقدر‪ ،‬بل ال ميكن‬ ‫للإن�سان �أن يعي�ش �إال بذلك»(‪ .)7‬ويقول‪« :‬وقد رتب �سبحانه ح�صول‬ ‫اخلريات يف الدنيا والآخرة‪ ،‬وح�صول ال�شرور يف الدنيا والآخرة يف كتابه‬ ‫على الأعمال‪ ،‬ترتيبا للجزاء على ال�شرط واملعلول على العلة وال�سبب‬ ‫على امل�سبب‪ ،‬وهذا يف القر�آن يزيد على الألف مو�ضع»(‪.)8‬‬ ‫وهذا ال�سبب العقيدي كان من �ش�أن الوعي به وجتاوزه �أن يو�سع �آفاق‬ ‫الأمة ومداركها ويجنبها الوقوع يف نكبات كثرية‪� ،‬سيا�سية واجتماعية‬ ‫واقت�صادية‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال�سبب الت�صوري‪� :‬سادت يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬خالل الع�صور الأخرية‬ ‫ت�صورات �سلبية حادت بامل�سلمني خا�صتهم وعامتهم عن امل�شاركة‬ ‫الإيجابية يف حل م�شاكل جمتمعاتهم‪ ،‬وحادت بهم عن التبني املتبادل‬ ‫ح�سب قدرته بالفرو�ض‬ ‫لهموم بع�ضهم البع�ض من خالل قيام كلٍ‬ ‫َ‬ ‫الكفائية‪ ،‬وتفلتت من وعيهم اجلماعي ومن بنائهم الت�صوري بع�ض �أهم‬ ‫�سمات هذا الدين وعلى ر�أ�سها الواقعية‪ .‬فالإ�سالم دين واقعي‪ ،‬تتجلى‬ ‫واقعيته يف ت�صوراته للإن�سان والكون واحلياة‪ ،‬وتتجلى يف ت�شريعاته‪.‬‬ ‫ين�ص على �أن القدرة هي حد الت�شريع الذي يقف عنده‪ ،‬فال‬ ‫فالإ�سالم ّ‬ ‫يتحرك �إال معها‪ ،‬ف�إذا وقفت القدرة وقف الت�شريع حيث هو‪ ،‬ال يتقدم‬ ‫وال يت�أخر؛ يقول تعاىل ( الَ ُي َك ِّل ُف ُ‬ ‫اهلل َن ْف ً�سا ِ�إ َّال ُو ْ�س َعهَا) (البقرة‪،)286:‬‬ ‫ويقول �سبحانه ( َفا َّت ُقوا َ‬ ‫اهلل مَا ْا�س َت َط ْع ُت ْم) (التغابن‪ .)16:‬فلي�س ثمة‬ ‫�ضيق على الإن�سان يف الت�شريع‪ ،‬بل هو املجال الوا�سع الذي يجعله‬ ‫يتحرك براحة وحرية‪ ،‬ف�إذا �ضاق عليه حكم َو�سِ عه �آخر‪ .‬فهنالك قاعدة‬ ‫ّين مِ نْ َح َر ٍج) (احلج‪،)78:‬‬ ‫«نفي احلرج»‪َ ( :‬ومَا َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فيِ ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫وقاعدة «ال�ضرر يزال» وقاعدة «ال �ضرر وال �ضرار» وقاعدة «الأمر �إذا‬ ‫�ضاق ات�سع»‪� .‬إال �أن هذه الت�صورات وال�ضوابط حني اختفت من �أذهان‬ ‫امل�سلمني اختفت يف تقعيدات علماء الع�صور املت�أخرة‪ ،‬فاختفت من‬ ‫واقعهم حركية الإ�سالم املعهودة ونب�ضه امل�ألوف‪.‬‬ ‫�إن ا�ستبطان هذه ال�سمات هو الذي يقدح زند حركة املجتمع امل�سلم‬ ‫مبنحه لأفراده هذه الأ�س�س الت�صورية الرافعة لكوابح الك�سب النافع‪.‬‬ ‫‪ -3‬ال�سبب الفقهي‪� :‬إن تدبري وتنظيم اال�ضطالع املربئ للذمة‬ ‫بالواجبات الكفائية يف كافة جوانب احلياة العامة‪ ،‬من وظائف م�ؤ�س�سة‬ ‫الإمامة العظمى‪ ،‬فهي القائمة على تقديرها وتن�سيقها وتدبريها‪ .‬وعلى‬ ‫«النظر الكلي يف كفاية �أهم الأ�شغال» كما قال الإمام اجلويني يف الغياثي‬ ‫بعد ذكره مهام م�ؤ�س�سة الإمامة العظمى(‪ .)9‬ف�إىل الإمامة العظمى �إذن‬ ‫يعود تقدير الفرو�ض الكفائية وتن�سيقها وتدبريها والنظر الكلي يف‬

‫‪49‬‬


‫كفاية �أهم الأ�شغال‪ ،‬ولكن هذا ال يعني بحال تربئة ذمة املواطنني من‬ ‫القيام بواجباتهم يف هذا ال�صدد‪ .‬وهو ما قرره �إمام احلرمني بقوله‪:‬‬ ‫«ومما يجب الإحاطة به �أن معظم فرو�ض الكفاية مما ال تتخ�ص�ص‬ ‫ب�إقامتها الأئمة بل يجب على كافة �أهل الإمكان �أن ال يغفلوه وال يغفلوا‬ ‫عنه‪ .‬و�إن ارتفع �إىل الإمام �أن قوما يعطلون فر�ضا من فرو�ض الكفايات‬ ‫زجرهم وحملهم على القيام به»(‪� ،)10‬إىل �أن يقول‪ :‬والدنيا بحذافريها‬ ‫ال تعدل ت�ضرر فقري من فقراء امل�سلمني يف �ضر‪ ،‬ف�إن انتهى نظر الإمام‬ ‫�إليهم ر َّم ما ا�سرت ّم من �أحوالهم‪ ،‬ف�إن مل يبلغهم نظر الإمام وجب على‬ ‫ذوي الي�سار واالقتدار البدار �إىل دفع ِّ‬ ‫ال�ضرار عنهم‪ ،‬و�إن �ضاع فقري بني‬ ‫ظهراين مو�سرين حرجوا من عند �آخرهم وباءوا ب�أعظم امل�آثم وكان اهلل‬ ‫طليبهم وح�سيبهم‪ .‬وقد قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪« :‬من كان‬ ‫يومن باهلل واليوم الآخر‪ ،‬فال يبي ّ‬ ‫نت ليل ًة �شبعا َن وجاره طاو»(‪ .)11‬و�إذا‬ ‫كان جتهيز املوتى من فرو�ض الكفايات‪ ،‬فحفظ مهج الأحياء وتدارك‬ ‫ُح�شا�شَ ة الفقراء �أمت و�أهم‪.)12( .‬‬ ‫ولتحقيق هذه املقا�صد م�ضى �إجماع علماء امل�سلمني على وجوب �إقامة‬ ‫الإمامة العظمى حفاظا على حقوق الأمة املرتهنة بالقيام بالواجبات‬ ‫الكفائية على وجه الكفاية‪ ،‬ولوال الإمامة ‪-‬وكما قال العز بن عبد‬ ‫ال�سالم رحمه اهلل‪« -‬لفاتت امل�صالح ال�شاملة وحتققت املفا�سد العامة‬ ‫وا�ستوىل القويّ على ال�ضعيف (‪ .)13‬وللإمام اجلويني رحمه اهلل يف‬ ‫الغياثي مثل هذا القول(‪ ،)14‬ومل ي�شذ عن هذا الإجماع �إال النجدات‬ ‫من اخلوارج والأ�صم من املعتزلة كما روى ذلك الإمام القرطبي املالكي‬ ‫(‪.)15‬‬ ‫ّ‬ ‫غري �أن انحرافا عن هذه املقا�صد قد وقع منذ وقت مبكر‪ ،‬فقد �أتت على‬ ‫الأمة �أحيان من الدهر طغى فيها على االن�شغال باال�ضطالع بالفرو�ض‬ ‫الكفائية وتنظيمِ ها‪ ،‬وباملجتمع وق�ضاياه‪ ،‬ا�شتغال بالنـزاعات والثورات‪،‬‬ ‫والثورات امل�ضادّة‪ ،‬وبالتمكني للدول القائمة على �أنقا�ض دول‪ ،‬وتتبع‬ ‫بقايا وجذور الدول امل�سقطة‪ ،‬كما ُ�س ِّجل انزالق يف وهاد م�شاريع وهمية‪،‬‬ ‫ك�سقوط دولة امل�أمون يف فخ فتنة خلق القر�آن‪ ،‬وغريها من الفنت‪ ،‬وما‬ ‫�أعقب ذلك من انف�صامات عدة يف ج�سم الدولة‪ ،‬و�أعاق جزئيا التطور‬ ‫الطبيعي لك�سب الأمة الفقهي‪ ،‬والعلمي التنـزيلي يف هذه االجتاهات‪.‬‬ ‫فلم ُي�شحذ فقه املجتمع‪ ،‬ويربد باملناظرات واحلوارات والر�سائل‪� ،‬ش�أن‬ ‫فقه الأفراد (فقه العبادات ب�شكل خا�ص)‪� ،‬إذ مل يكن ه ّم التنظري للحياة‬ ‫يف املجتمع واال�ضطال ِع بالفرو�ض الكفائية‪ ،‬وه ّم ا�ستنباط الأحكام‬ ‫اخلا�صة بذلك ه َّم جمهور الفقهاء‪ ،‬ومل يتوجه �إىل ذلك �إال بع�ض‬ ‫النابهني منهم‪ ،‬مما يف�سر ندرة ما يتداول من العناوين يف هذا امل�ضمار‪،‬‬ ‫حتى بني خا�صة العلماء‪ ،‬كالأحكام ال�سلطانية للماوردي‪ ،‬وال�سيا�سة‬ ‫ال�شرعية البن تيمية‪ ،‬والطرق احلِ َكمية يف ال�سيا�سة ال�شرعية لتلميذه‬ ‫ابن القيم‪ ،‬و�سلوك املالك يف تدبري املمالك‪ ،‬البن �أبي الربيع‪ ،‬وما د ّبجه‬ ‫ابن خلدون يف مقدمته‪ .‬وغري ذلك قليل‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫مما يقت�ضي اجتهادا م�ست�أنفا تنخرط فيه بوظيفية كل امل�ؤ�س�سات‬

‫البحثية املعنية من مقرتب تنظيم الواجبات الكفائية حتت قيادة‬ ‫م�ؤ�س�سة الإمامة العظمى‪ ،‬وهو مقرتب مينح ‪-‬كما تقدم‪ -‬مدخال ن�سقيا‬ ‫لل�ش�أن العا ّم ومي ّكن من القيام بهند�سة اجتماعية را�شدة‪.‬‬ ‫‪ -4‬ال�صدمة احل�ضارية‪ :‬لقد ن�شطت املجتمعات امل�سلمة �أفرادا وم�ؤ�س�سات‬ ‫عرب التاريخ‪ -‬لإقامة الواجبات الكفائية و�أبدعت يف ذلك‪ ،‬ت�شهد بذلك‬‫�أوقاف امل�سلمني يف تنوعها و�إبداعيتها‪ ،‬وكذا التدبريات ال�سلطانية‬ ‫ُ‬ ‫وحفظ الأمن‬ ‫واملخزنية يف املوانئ والثغور‪ ،‬وت�سبي ُل ال�سبل وبنا ُء املرافق‪،‬‬ ‫و�إقامة املعاهد العلمية‪ ،‬وغري ذلك من الوظائف كثري‪ ،‬مما ي�ؤ�شر على‬ ‫النب�ض الذي كان يف املجتمعات امل�سلمة‪ ،‬وقد واكب هذه الأعمال جهود‬ ‫تقعيدية وتنظريات علمية رائعة‪ ،‬ال يزال جلها ‪-‬للأ�سف‪ -‬ثاويا يف بطون‬ ‫ال�سجالت والدفاتر املخزنية والكناني�ش الوقفية‪ ،‬وحتتاج �إىل ا�ستخراج‬ ‫وترتيب ودرا�سة حتى ال نق�سو ح�ضاريا على �أجيالنا ال�سالفة ب�سبب‬ ‫عدم التعرف على جهودهم يف هذه املجاالت‪ ،‬وهذا يحتاج �إىل جت�سري‬ ‫معريف ‪-‬ت�صاحلي‪ -‬بني �أجيال علماء الأمة‪ ،‬خ�صو�صا بني �أجيال ما قبل‬ ‫اال�ستعمار وما بعده من العلماء والباحثني‪ ،‬وهو جت�سري ال ميكن �أن يتم‬ ‫�إال بالوقوف على اجتهاداتهم وعلى �شدّة ال�صدمة التي ما كانت تغني‬ ‫عنها هذه االجتهادات يف ما مهّد لال�ستعمار من فرتات ف�أثمر ما �أ�سماه‬ ‫مالك بن نبي رحمه اهلل «القابلية لال�ستعمار»‪.‬‬ ‫يقول امل�ؤرخ املن�صف (‪ )Marshal Hodgson‬يف كتابه القيم‬ ‫«التفكري امل�ست�أنف يف تاريخ العامل»‪� :‬إىل حدود القرن ال�سابع ع�شر من‬ ‫حقبتنا التاريخية هذه‪ ،‬كانت املجتمعات املرتبطة بالديانة الإ�سالمية‬ ‫�أغنى املجتمعات يف ال�شق الأفرو (�أورو) �آ�سيوي من العامل‪ ،‬وكانت‬ ‫الأكرث ت�أثريا على املجتمعات الأخرى‪ ،‬وقد كان ذلك يف جزء منه ب�سبب‬ ‫موقعها اجلغرايف املركزي‪ ،‬ولكن كان ذلك �أي�ضا ب�سبب �أنه كانت تظهر‬ ‫فيها وبفعالية �ضغوط ثقافية مدنية ال تقليدية نزاعة نحو امل�ساواة‪ .‬لقد‬ ‫�أ�ضحت ثقافة العامل الإ�سالمي مقيا�سا للتقدم العاملي ل�شعوب كثرية‬ ‫وهي تندمج يف جماله االقت�صادي واحل�ضاري‪ ،‬كما منحت هذه الثقافة‬ ‫�إطارا �سيا�سيا مرنا للأعداد املت�صاعدة من املتح�ضرين الأ�صالء‪ .‬لقد‬ ‫كانت املجتمعات الإ�سالمية تربهن على �إبداعية م�ستدامة وعلى مناء‪،‬‬ ‫رغم �أن بع�ض الفرتات كانت �أكرث �إبداعية من �أخرى‪� .‬إىل �أن بلغنا‬ ‫الع�صر احلديث‪ ،‬حيث انقطع هذا التطور لي�س ب�سبب انهيار داخلي‪،‬‬ ‫ولكن �أ�سا�سا ب�سبب �أحداث خارجية غري م�سبوقة»(‪.)16‬‬ ‫ويق�صد بهذه «الأحداث اخلارجية غري امل�سبوقة» الطفرات العلمية‬ ‫التي انطلقت يف الغرب‪ ،‬وهي طفرات قد َفر�ضت على العامل ‪�-‬آنذاك‪-‬‬ ‫�إيقاعا جديدا مل يكن عنده مب�ألوف‪� ..‬إيقا ٌع مل يواكبه الك�سب ال�سيا�سي‬ ‫واالجتماعي والعلمي املم ِّكن من جماراته ومن الفعل احل�ضاري �ضمن‬ ‫�شروطه‪.‬‬ ‫وبينْ �أيدينا ن�ص نفي�س معرب التقط فيه امل�ؤرخ عبد الرحمن اجلربتي‬ ‫املتوفى �سنة ‪1240‬هـ‪1825/‬م برباءة و�أمانة‪ ،‬هذه اللحظ َة احل�ضارية‬ ‫بالذات‪ ،‬حني كالمه عن حملة نابليون يف م�صر‪ ،‬قال �ضمن �أحداث‬

‫‪50‬‬


‫�سنة ‪1213‬هـ‪�« :‬أحدثوا على التل املعروف بتل العقارب بالنا�صرية‬ ‫�أبنية وكرانك و�أبراجا‪ ،‬وو�ضعوا فيها ُعدّة من �آالت احلرب‪ ،‬و�أفردوا‬ ‫للمد ّبرين (�أي العلماء القائمني على التجارب) حارة النا�صرية‪ .‬و�إذا‬ ‫ح�ضر �إليهم بع�ض امل�سلمني ممن يريدون الفرجة ال مينعونه الدخول‬ ‫�إىل �أعز �أماكنهم‪ ،‬ويتلقونه بالب�شا�شة وال�ضحك‪ .‬ومن �أغرب ما ر�أيته‬ ‫يف ذلك املكان �أن بع�ضهم قد �أخذ زجاجة من الزجاجات املو�ضوع فيها‬ ‫�صب عليها �شيئا‬ ‫بع�ض املياه امل�ستخرجة‪ ،‬ف�صب منها �شيئا يف ك�أ�س‪ ،‬ثم ّ‬ ‫من زجاجة �أخرى َف َعال املاء و�صعد دخان ملون‪ ،‬حتى انقطع ّ‬ ‫وجف‬ ‫ما يف الك�أ�س‪ ،‬و�صار حجرا �أ�صفر‪ ،‬ف�أخذناه ب�أيدينا ونظرناه‪ .‬ثم فعل‬ ‫ذلك مبياه �أخرى فجمد حجرا �أزرق‪ ،‬وب�أخرى فجمد حجرا ياقوتيا‪.‬‬ ‫و�أخذ مرة �شيئا قليال من غبار �أبي�ض وو�ضعه على ال�سندال‪ ،‬و�ضربه‬ ‫باملطرقة بلطف‪ ،‬فخرج له �صوت هائل ك�صوت القرابانة‪ ،‬انزعجنا منه‬ ‫ف�ضحكوا م ّنا‪ .‬و�أداروا زجاجة فتو ّلد من حركتها �شرر يطري مبالقاة‬ ‫�أدنى �شيء كثيف‪ ،‬ويظهر له �صوت وطقطقة‪ ،‬و�إذا مل�س �شخ�ص ولو خيطا‬ ‫لطيفا مت�صال بها‪ ،‬ومل�س �آخ ُر الزجاجة الدائرة‪� ،‬أو ما قرب منها بيده‬ ‫الأخرى‪ ،‬ارجت بدنه وارتعد ج�سمه وطقطقت عظام �أكتافه و�سواعده يف‬ ‫برجة �سريعة‪ .‬ومن مل�س هذا الالم�س �أو �شيئا من ثيابه مت�صال‬ ‫احلال ّ‬ ‫به ح�صل له ذلك‪ ،‬ولو كانوا �ألفا �أو �أكرث‪ .‬ولهم فيه �أحوال وتراكيب‬ ‫غريبة ينتج منها نتائج ال ي�سعها عقول �أمثالنا»(‪« ،)17‬ال ي�سعها عقول‬ ‫�أمثالنا» �إنها عبارة ق�صرية‪ ،‬ولكنها م�شحونة بالدالالت‪ ،‬تعبرّ عن �شدّة‬ ‫ال�صدمة وعن الت�سليم النف�سي الذي تالها‪ ،‬وعند علية القوم‪ .‬فعبد‬ ‫الرحمن اجلربتي يف تلك اللحظة التاريخية كان من خا�صة العلماء‪،‬‬ ‫مبعنى �أن التوتر احل�ضاري قد فقد ب�سبب هذه ال�صدمة قبل �أن يع ُقبه‬ ‫التما�سك يف الأمة ويف علمائها‪� ،‬إال ما ا�ستثني من بع�ض الأفراد الذين‬ ‫كانوا يعي�شون غربة‪ ،‬وقد كانت هذه حالة عامة يف امل�شرق واملغرب‪،‬‬ ‫وذلك بفقد العزم على فهم الظواهر املحيطة «وهذا ما ال تدركه عقول‬ ‫�أمثالنا»‪ ،‬و�إذا فقد هذا العزم على فهم الظواهر املحيطة فقد مت الوقوع‬ ‫يف البكم احل�ضاري‪ ،‬وقد م ّر َم َعنا معنى البكم عند الكالم عن قوله‬ ‫تعاىل( َو�ضَ َر َب ُ‬ ‫اهلل َم َث ً‬ ‫ال َر ُجلَينْ ِ �أَ َحدُهُ َما �أَ ْب َك ُم الَ َي ْقدِ ُر َعلَى �شَ ْي ٍء َوهُ َو‬ ‫َك ٌّل َعلَى َم ْوالَ ُه �أَ ْي َن َما ُي َو ِّج ْه ُه الَ يَ�أْتِ ِبخَيرْ ٍ ه َْل َي ْ�س َتوِي هُ َو َو َمنْ يَ�أْ ُم ُر‬ ‫ِيم) (النحل‪ ،)76:‬فهو العجز عن الفهم‬ ‫بِا ْل َعدْلِ َوهُ َو َعلَى ِ�ص َر ٍ‬ ‫اط م ُْ�س َتق ٍ‬ ‫والتفهيم‪ ،‬والب َكم مقدمة الكاللة �أي الثقل وفقدان الإرادة ( َوهُ َو َك ٌّل‬ ‫َعلَى َم ْوالَهُ) ‪ .‬والكاللة مقرتنة بالبكم ت�ؤدي ال حمالة �إىل العجز‬ ‫( �أَ ْي َن َما ُي َو ِّج ْه ُه الَ يَ�أْتِ ِبخَيرْ ٍ) فال غرو �أن ال ي�ستفاد �ضمن �شروط‬ ‫نف�سية كهذه من الرثوات املعرفية التي متتلكها الأمة يف بلورة مناهج‬ ‫التفهم وحتقيقات املناطات وتنقيحاتها تو�صال �إىل مناهج ال�صياغة‬ ‫التنـزيلية لتناول هذه امل�ستجدات وتبينّ ما يجب �إزاءها من واجبات‪،‬‬ ‫وهذه احلالة الثانية هي املق�صودة يف قوله تعاىل ( ه َْل َي ْ�س َتوِي هُ َو‬ ‫ِيم )‪ .‬غري �أن هذه ال�صدمة‬ ‫َو َمنْ يَ�أْ ُم ُر بِا ْل َعدْلِ َوهُ َو َعلَى ِ�ص َر ٍ‬ ‫اط م ُْ�س َتق ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫فنهو�ض فغ ٌّذ لل�سري‪،‬‬ ‫احل�ضارية بف�ضل اهلل كانت �صدمة �أعقبها متا�سك‬

‫وها هم �أبناء الأمة وبناتها اليوم بعد قرنني ونيف (‪� 209‬سنة) من هذه‬ ‫الظرفية التي اجتازتها الأمة وعبرّ عنها برباءة وو�ضوح و�أمانة ال�شي ُخ‬ ‫اجلربتي رحمه اهلل ‪-‬وما قرنان ونيف يف الزمن احل�ضاري؟!‪ -‬وها هم‬ ‫منغمرون بدافع من ال�شعور بالواجب �أ�ش ّد ما يكون االنغمار يف �أحدث‬ ‫العلوم‪ ،‬داخل الأوطان وخارجها‪ ،‬ال يرددون عبارات ال�صدمة و�إمنا‬ ‫يرددون ‪-‬بحمد اهلل‪ -‬عبارات التناف�سية البناءة‪ ،‬ومل يكن خالل هذه‬ ‫الرحلة ك ّلها كال�شعور بالواجب زا ٌد يحمل املكلفني على البذل واملثابرة‪.‬‬ ‫فهذه جملة �أ�سباب نرى �أنها كانت خالل هذا الزمن الوجيز ح�ضاريا‬ ‫وراء ما كان من ارتخاء ح�ضاري وقلة يف الفاعلية‪ .‬و�إننا لرنقب بارتياح‬ ‫كبري م�ؤ�شرات الوعي العام بها يف الأمة‪ ،‬مما يب�شر بغد �أح�سن عاقبة‬ ‫و�أي�سر م�آال‪ .‬واهلل امل�ستعان‪.‬‬

‫الـهــوامــــــ�ش‬ ‫(‪ )1‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي‪.31/2 ،‬‬ ‫(‪� )2‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزايل‪.32/4 ،‬‬ ‫(‪ )3‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي‪.195-194/4 ،‬‬ ‫(‪ )4‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي‪.225/2 ،‬‬ ‫(‪ )5‬مدارج ال�سالكني‪ ،‬البن القيم‪.225/1 ،‬‬ ‫(‪ )6‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي‪.7-6/2 ،‬‬ ‫(‪ )7‬اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف‪ ،‬البن القيم‪� ،‬ص ‪.10‬‬ ‫(‪ )8‬اجلواب الكايف‪ ،‬البن القيم‪� ،‬ص ‪.188‬‬ ‫(‪ )9‬الغياثي‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص ‪.149‬‬ ‫(‪ )10‬الغياثي‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص ‪.156-155‬‬ ‫(‪ )11‬الأدب املفرد‪ ،‬للبخاري‪� ،‬ص ‪.46‬‬ ‫(‪ )12‬الغياثي‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص ‪.174-173‬‬ ‫(‪ )13‬قواعد الإمام يف م�صالح الأنام‪ ،‬للعز بن عبد ال�سالم‪� ،‬ص ‪.58‬‬ ‫(‪ )14‬غياث الأمم يف التياث الظلم‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص ‪.24‬‬ ‫(‪ )15‬اجلامع لأحكام القر�آن‪ ،‬للقرطبي‪.265/1 ،‬‬ ‫(‪.97 .Marshal Hodgson, Rethinking World History, pp )16‬‬ ‫(‪ )17‬عجائب الآثار‪ ،‬لعبد الرحمن اجلربتي‪ ،‬حوادث �سنة ‪1213‬هـ‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫الوسطية واالعتدال‬ ‫في النظام القانوني‬ ‫اإلسالمي‬ ‫(العقوبة في اإلسالم) ‪/‬الجزء الثاني‬

‫�شخ�ص �إىل �آخر كما كان عليه النا�س يف اجلاهلية حيث كانوا يعاقبون‬ ‫ال�ضعيف ‪ ،‬ويرتكون ال�شريف من النا�س دون عقوبة‪ ،‬قال ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم (�أهلك الذين ‪...‬احلديث ) ودعت ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية امل�سلم �إىل العفو عن اجلرائم التي فيها جمال للعفو‪ ،‬فقال‬ ‫اهلل تعاىل ( َو َمنْ ُق ِت َل م َْظ ُلو ًما َف َق ْد َج َع ْل َنا ِل َو ِل ِّي ِه ُ�س ْل َطا ًنا فَلاَ ُي ْ�سر ِْف‬ ‫فيِ ا ْل َق ْتلِ ) (�سورة اال�سراء‪ ) 33:‬ودعت كذلك اىل الت�سامح بني النا�س‬ ‫والعفو عن اجلرائم‪ ،‬التي تخ�صهم‪ ،‬كجرائم القتل‪� ،‬أما �أن تكون متعلقة‬ ‫بحق اهلل تعاىل كجرائم احلدود فال عفو فيها ‪.‬‬ ‫الإ�سالم جاء ليحقق العدل وينفي الظلم و�أكرث ما يتجلى العدل يف‬ ‫تطبيق الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالعقوبات حتى لو كان الأمر يخ�ص‬ ‫غري امل�سلمني ‪ ،‬قال تعاىل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫( َو اَل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم �شَ نَ�آَ ُن َق ْو ٍم �أنْ َ�صدُّ و ُك ْم ع َِن المَْ ْ�سجِ دِ الحَْ َرا ِم �أنْ َت ْع َتدُوا‬ ‫َو َت َعا َو ُنوا َعلَى ا ْلبرِ ِّ َوال َّت ْق َوى ) (املائدة ‪. )8:‬‬ ‫مظاهر العدالة يف العقوبة‬

‫املحامي مازن الفاعوري‬ ‫�سلك الإ�سالم منهج ًا متميز ًا يف تطبيق العقوبة وا�ستيفائها �إعتماد ًا‬ ‫على الغاية من ت�شريعها وهي �أن تقوم يف جوهرها على حتقيق‬ ‫م�صلحة العباد يف الدنيا والآخرة وما فيه من تهذيب نف�س املجرم‬ ‫وتقومي اعوجاجه؛ وذلك بتعزيز الوازع الإمياين وتطهري املجتمع‬ ‫من دواعي اجلرمية وتوفري �ضرورات احلياة وحاجياتها ‪ ،‬فلي�س‬ ‫من احلكمة ال�شروع يف تطبيق نظام العقوبات قبل ا�ستكمال بناء‬ ‫الأنظمة الإ�سالمية وا�ستقرار الت�شريع الإ�سالمي املتكامل ‪ ،‬فالإ�سالم‬ ‫يهدف اىل �إن�شاء حياة فا�ضلة ي�أمن فيها الأفراد على �أنف�سهم‬ ‫و�أعرا�ضهم و�أموالهم وحرياتهم عن طريق تر�سيخ قواعد الإميان‬ ‫وما يحقق منفعتهم واليهدف اىل �إيقاع الأذى ون�شر الرعب واخلوف‪.‬‬ ‫العدالة يف تطبيق العقوبة‬

‫‪ -1‬الت�ستثني ال�شريعة �أحداً يف �إقامة احلد ‪ ،‬حاكماً كان �أوحمكوماً‬ ‫م�س�ؤو ًال و�ضيعاً �أو�شريفاً‪.‬‬ ‫‪ -2‬تفر�ض ال�شريعة الق�صا�ص القائم على املماثلة يف اجلناية ‪ ،‬وال ميلك‬ ‫احلاكم �أو القا�ضي �إ�سقاط الق�صا�ص قال تعاىل ‪َ ( :‬ف َم ِن ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫َف ْاع َتدُوا َعلَ ْي ِه بمِ ِ ْثلِ مَا ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم ) (البقرة‪ )194 :‬ولقد روي يف كتب‬ ‫ال�سري �أن �أعرابياً �إ�شتكى �إىل عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه جبلة بن‬ ‫الأيهم �أحد �شيوخ قبائل العرب من بني غ�سان ‪ ،‬لطمه وهو يطوف حول‬ ‫الكعبة فحكم عمر ر�ضي اهلل عنه على جبلة �أن يلطمه الأعرابي كما‬ ‫لطمه‪ ،‬فعجب جبلة �أ�شد العجب فطلب �إمهاله �إىل الغد ثم فرهارباً‬ ‫ملتحقاً بالروم وارتد عن دينه و�أ�صبح ن�صرانياً‪.‬‬ ‫الرحمة يف تطبيق العقوبة‬

‫لقد كتب اهلل على نف�سه الرحمة‘ وطلب من عباده �أن ي�سلكوا م�سلك‬ ‫الرحمة يف كل �شيء؛ قال تعاىل ‪َ ( :‬ومَا �أَ ْر�سَ ْل َن َ‬ ‫اك �إِ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعا مَلِ َ‬ ‫ني )‬ ‫(الأنبياء‪ )107 :‬ومن مظاهر الرحمة يف العقوبة ما ي�أتي ‪:‬‬ ‫‪ -1‬حتقيق الرحمة باملجتمع عامة وللجاين خا�صة ‪ :‬بالرغم مما‬ ‫ت�سببه العقوبة من �أمل للجاين �إال �أن يف ذلك حتقيق الرحمة باملجتمع‬ ‫عامة من جهة؛ وحتقيق الرحمة للجاين من جهة �أخرى لأنها تق�صد‬ ‫�إ�صالحه وردعه؛ و�أن يعمد �إىل التوبة و�أن ي�سارع يف العودة �إىل جمتمعه‬ ‫فاع ً‬ ‫ال خمل�صاَ وم�ساعدته والأخذ بيده اىل الطريق امل�ستقيم ‪.‬‬ ‫‪ -2‬عدم اجلمع على املجرم بني عقوبتني ‪� :‬إذا ارتكب جرائم عدة‬ ‫يرتتب عليها حدود متعددة تطبق عليه العقوبة الأ�شد ‪.‬‬ ‫‪� -3‬إ�سقاط العقوبة بال�شبهة ‪ :‬قال ر�سول الله�صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬

‫جند االعتدال وا�ضحاً يف نظام العقوبات يف الإ�سالم ‪ ،‬ذلك �أن العقوبة (�إدر�أوا احلدود عن امل�سلمني ما ا�ستطعتم ف�إن كان له خمرج فخلوا‬ ‫يف الإ�سالم على قدر اجلرمية ‪ ،‬فاليعاقب �إن�سان على جرمية معينة �سبيله ف�إن الإمام �أن يخطىء يف العفو خري من �أن يخطىء يف العقوبة)‪.‬‬ ‫بعقوبة التتنا�سب واجلرمية التي ارتكبها ‪ ،‬وال تتغري العقوبة من ( رواه الرتمذي )‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫‪ -4‬مراعاة الو�ضع ال�صحي للمجرم ‪:‬‬

‫ا‪ -‬مراعاة �إن كان املجرم مري�ضاً �أو به �أذى ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬مراعاة و�ضع املر�أة �إن كانت حام ً‬ ‫ال ‪.‬‬ ‫ج – مراعاة الوقت يف تطبيق العقوبة من حر �أو برد ‪.‬‬ ‫د‪ -‬مراعاة و�ضع ال�سوط فال ي�ؤدي �إىل الهالك ‪.‬‬ ‫�إقرار مبد�أ العفو يف الق�صا�ص؛ و�إقرار مبد�أ البدل بالرجوع �إىل‬ ‫الدية؛ �إذا عفا الويل عن الق�صا�ص كما �أقرت ال�شريعة �أن تكون الدية‬ ‫على العاقلة – ع�شرية الرجل وع�صبته بحيث يتم توزيع العبء حتى‬ ‫�إذا كان فقرياً ال ي�ؤدي ذلك �إىل �إغراقه بالدين املرهق وبه �إقرار مبد�أ‬ ‫التعاون املتبادل بني الأقرباء وما يرتتب على ذلك من جملة �آثار نافعة‬ ‫وطيبة على املجتمع ب�أكمله ‪.‬‬ ‫مراعاة الق�صد اجلرمي لدى اجلاين ‪ :‬تفرق ال�شريعة يف العقوبة‬ ‫بح�سب الق�صد فالي�ستوي املتعمد واملخطىء يف ميزان ال�شرع �إ�ستناداً‬ ‫�إىل قول الر�سول�صلى اهلل عليه و�سلم (�إمنا الأعمال بالنيات)‪ ( .‬رواه‬ ‫البخاري ) ‪.‬‬ ‫�أما هذه العقوبات‪ ،‬فال يجوز �أن توقع �إال َّباملجرم ‪ ،‬لأن معنى كونها‬ ‫زواجر �أن ينزجر النا�س عن اجلرمية ‪� ،‬أي ميتنعوا عن �إرتكابها ‪�،‬أما‬ ‫عقوبة الدنيا فقد بينها اهلل يف القر�آن واحلديث جمملة ومف�صلة‪.‬‬ ‫وجعل الدولة هي التي تقوم بها فعقوبة الإ�سالم التي بني �إيقاعها على‬ ‫املجرم يف الدنيا يقوم بها الإمام �أو نائبه �أي تقوم بها الدولة الإ�سالمية‬ ‫بتنفيذ حدود اهلل وما دون احلدود من التعزير والكفارات‪.‬‬ ‫�إن عقوبة الدنيا من احلاكم على ذنب معني ت�سقط عقوبة الآخرة‬ ‫‪ ،‬ولذلك كان كثري من امل�سلمني ي�أتون �إىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ ،‬فيقرون باجلرائم التي فعلوها ليوقع عليهم احلد يف الدنيا حتى‬ ‫ي�سقط عنهم عذاب اهلل يوم القيامة فيحتملون �آالم احلد والق�صا�ص يف‬ ‫الدنيا لأنه �أهون من عذاب الآخرة‪.‬‬ ‫اجللد يف حدود ال�شريعة الإ�سالمية عقوبة فعالة و مل يرد يف ال�شريعة‬ ‫العقوبة ب�أكرث من مائة جلدة ففي الآية الثانية من �سورة النور عقوبة‬ ‫زنا غري املح�صن مائة جلدة‪ ،‬ويف الآية الرابعة منها عقوبة القذف‬ ‫ثمانون جلدة‪ ،‬ويف ال�سنة املطهرة حديث ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫(ال يجلد فوق ع�شرة �أ�سواط �إال يف حد من حدود اهلل)‪.‬‬ ‫ويعاقب القر�آن عقاباً رادعاً على �ست جرائم فح�سب‪ ،‬و�إن كان ي�ستنكر‬ ‫ويذم جرائم �أخرى عديدة‪ ،‬مبيناً �سوء عاقبتها الوخيمة‪ ،‬وما ينتظر‬ ‫مرتكبيها من جزاء يف الدار الآخرة‪ ،‬ابتدا ًء من املي�سر والقمار‪ ،‬و�أكل‬ ‫اخلنزير‪ ،‬واالرتداد عن الإ�سالم �أما تلك اجلرائم املوبقة ال�ست التي‬ ‫يعاقب عليها يف الدنيا‪ ،‬فهي‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬القتل العمد‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬قطع الطريق وال�سلب والنهب علن ًا‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬اخليانة العظمى‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬قذف املح�صنات‪.‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬الزّ نى ‪.‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬ال�سرقة ل�شيء ذي �ش�أن‪.‬‬

‫وقد ن�ص القر�آن على �أن القتل عقوبة اجلرائم الثالث الأوىل‪� ،‬أما‬ ‫اجلرمية اخلام�سة فقد د�أب الفقهاء التقليديون املتزمتون على تربير‬ ‫قتل مرتكبها وذلك بالرجم �إذا توافرت ظروف ومالب�سات معينة حتتم‬ ‫عندهم ذلك‪.‬‬ ‫�أما جزاء ال�سرقة ذات ال�ش�أن فهو قطع اليد اليمنى ثم الي�سرى �إذا مل‬ ‫يرتدع ال�سارق‪ ،‬وك ّر َر ال�سرقة‪ ،‬من هذا ترى �أن القر�آن ال يحوي يف هذا‬ ‫ال�صدد �سوى موا ّد قليل ٍة جداً يف احلدود �أو العقوبات اجلنائية‪ ،‬و�أقل من‬ ‫ذلك بكثري ما يتعلق باملحاكمات اجلنائية‪ ،‬هذا الو�ضع يكفل احلرية‬ ‫الالزمة لل�شريعة الإ�سالمية لتكون �إن�سانية تراعي الواقع الفعلي‬ ‫للب�شر‪ ،‬بوا�سطة تطبيق �أحكام القانون اجلنائي ال�شديدة ال�صرامة مع‬ ‫ِ�صر‪ ،‬مما يوفر املجال الف�سيح‬ ‫�سقوط تلك الأحكام يف مدة �شديدة الق َ‬ ‫الكايف لل�شريعة لتخفيف ق�سوة العقوبات التي يفر�ضها القر�آن‪.‬‬ ‫وال �شك �أن القر�آن يطلب ما ي�ستحيل حتقيقه لتوقيع العقوبة‬ ‫اخلطرية يف حالة الزنى‪� ،‬إذ �أ ّنى للمتهم �أن ي�أتي ب�أربعة �شهود ممن‬ ‫تر�ضى �شهادتهم من العدول الرجال لي�ؤيدوا دعواه‪ ،‬مع خماطرة‬ ‫�أولئك ال�شهود بتعر�ضهم للجلد‪ ،‬بل و�أحياناً للقتل‪ ،‬لدى بع�ض الفقهاء‬ ‫الذين يقي�سون عقوبة ال�شاهد الكاذب الذي يرمي املح�صنات دون دليل‬ ‫بعظم جرم الزنى ذاته وما يرونه من عقوبة ذلك باملوت‪ ،‬ويكفي لذلك‬ ‫�أن يثبت كذب واحد من ال�شهود الأربعة‪.‬‬ ‫ولئن كان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قد انتهج الت�سامح الكرمي‪،‬‬ ‫و�أكد ذلك و�أقره اخلليفة عم ُر بن اخلطاب ‪� .‬أما بالن�سبة لقطع يد‬ ‫ال�سا ِر َق ُة َفا ْق َط ُعوا �أَ ْيدِ َي ُه َما َج َزا ًء بمَِا‬ ‫ال�سار ُِق َو َّ‬ ‫ال�سارق وال�سارقة‪َ ( ،‬و َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َك�سَ َبا َن َك اًال مِ َن اللهَّ ِ َواللهَّ ُ َعزِيز َحكِي ٌم ) ( املائدة‪.)38:‬‬ ‫�إن امل�سلم يرى يف العقوبات التي ن�ص عليها القر�آن حدوداً حدها اهلل‬ ‫�سبحانه بحكمته الإلهية‪ ،‬و�إن مل ي�ستطع العقل الب�شري دائماً �أن يفقه‬ ‫احلكمة منها‪ ،‬و�أن تلك احلدود لي�ست نوعاً من الو�صايا ملن �شاء �أن يعمل‬ ‫بها‪� ،‬أو �أن ال يعمل بها‪.‬‬ ‫�آثار تطبيق عقوبة الق�صا�ص‬

‫‪� -1‬إر�ضاء �أولياء املقتول و�إذهاب غيظهم و�إخماد الفنت‪ :‬قال �شيخ‬ ‫الإ�سالم‪ :‬قال العلماء‪� :‬إن �أولياء املقتول تغلي قلوبهم بالغيظ حتى‬ ‫ي�ؤثروا �أن يقتلوا القات َل و�أولياءه‪ ،‬ورمبا مل ير�ضوا بقتل القاتل بل‬ ‫يقتلون كثرياً من �أ�صحاب القاتل‪ ،‬وقد ي�ستعظمون قت َل القاتل لكونه‬ ‫عظيماً �أ�شرف من املقتول فيف�ضي ذلك �إىل �أن �أولياء املقتول يقتلون‬ ‫من قدروا عليه من �أولياء القاتل‪ ،‬ورمبا حالف ه�ؤالء قوماً وا�ستعانوا‬ ‫بهم فيف�ضي �إىل الفنت والعداوات العظيمة‪ ،‬فكتب اهلل علينا الق�صا�ص‬ ‫وهو امل�ساواة واملعادلة يف القتلى‪ ،‬و�أخرب �أن فيه حيا ًة‪ ،‬ف�إنه يحقن د َم غري‬ ‫القاتل من �أوالء الرجلني‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫‪ -2‬ردع من يريد القتل وحفظ النفو�س‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اللبَابِ ل َعلك ْم ت َّت ُقو َن)‬ ‫ا�ص َح َيا ٌة َيا �أوليِ أ‬ ‫ِ�ص ِ‬ ‫قال تعاىل‪َ (:‬و َل ُك ْم فيِ ا ْلق َ‬ ‫(البقرة‪.)179:‬‬ ‫ً‬ ‫قال �أبو العالية‪ :‬جعل اهلل الق�صا�ص حياة فكم من رجل يريد �أن يقتل‬ ‫فتمنعه خمافة اهلل �أن ُيقتل ‪ ،‬وقال ابن كثري‪ :‬ويف الكتب املتقدمة‪:‬‬ ‫(القتل �أنفى للقتل)‪ ،‬فجاءت هذه العبارة يف القر�آن �أف�صح و�أبلغ و�أوجز ‪.‬‬ ‫ال�شبهات التي �أثارها �أعداء الإ�سالم حول احلدود ال�شرعية والرد‬ ‫عليها‬ ‫ال�شبهة الأوىل‪ :‬قالوا‪� :‬إن �إقامة احلدود فيه �ضرب من الق�سوة التي‬

‫تتنافى مع الإن�سانية الرحيمة التي ت�ساير املدنية احلديثة واحل�ضارة‬ ‫الراقية‪.‬‬ ‫واجلواب‪� :‬إن كل عقوبة ال بد �أن يكون فيها مظهر ق�سوة �أياً كانت‪ ،‬حتى‬ ‫�ضرب الرجل لولده تهذيباً وت�أديباً له فيه نوع من الق�سوة‪ ،‬لأن العقوبة‬ ‫�إن مل ت�شتمل على الق�سوة ف�أي �أثر لها يف الزجر والردع‪ ،‬ثم �إن الذي دعا‬ ‫�إىل تلك الق�سوة املزعومة هو �أمر �أ�شدُّ منها ق�سوة‪ ،‬ولو تركنا العقوبة‬ ‫القا�سية بزعمهم لوقعنا يف �أمر �أق�سى من العقوبة‪.‬‬ ‫ومثل الق�سوة التي ت�شتمل عليها احلدود كمثل الطبيب الذي ي�ست�أ�صل‬ ‫من ج�سم �أخيه الإن�سان جزءاً من �أجزائه �أو ع�ضواً من �أع�ضائه‪ ،‬وهل‬ ‫ي�ستطيع �أن ميار�س هذا العمل �إال �صاحب قلب قوي‪ ،‬ولكنها ق�سوة هي‬ ‫الرحمة بعينها‪ ،‬خا�صة �إذا قي�ست مبا يرتتب على تركها وبقاء الع�ضو‬ ‫املري�ض ونار الأمل تتوهج وت�ست�شري وتتزايد يف ج�سم املري�ض‪.‬‬ ‫ال�شبهة الثانية‪ :‬قالوا‪� :‬إن �إقامة احل ِّد تقت�ضي �إزهاقاً للأرواح وتقطيعاً‬ ‫للأطراف‪ ،‬وبذلك تفقد الب�شرية كثرياً من الطاقات والقوى‪ ،‬وينت�شر‬ ‫َّ‬ ‫واملقطعون الذين كانوا ي�سهمون يف الإنتاج والعمل‪.‬‬ ‫فيها امل�ش َّوهون‬ ‫واجلواب‪� :‬إن القتل وتقطيع الأطراف يف احلدود �إمنا يكون يف حاالت‬ ‫�ضيقة حم�صورة؛ وهو �إزهاق لنفو�س �شريرة ال تعمل وال تنتج‪ ،‬بل �إنها‬ ‫تعطل العمل والإنتاج وت�ضيع على العاملني املنتجني ثمرات �أعمالهم‬ ‫و�إنتاجهم؛ ثم �إن �إزهاق روح واحدة �أو قطع طرف واحد يف احلدود ي�ؤدي‬ ‫�إىل حفظ مئات الأرواح و�آالف الأطراف �سليمة طاهرة عاملة منتجة‬ ‫ثم �إننا ال نالحظ امل�ش َّوهني يكرثون يف البالد التي تقيم احلدود‪ ،‬بل‬ ‫يكونون فيها �أقل منهم يف غريها بل الأمر بالعك�س من ذلك متاماً؛ ف�إن‬ ‫احلدود �إذا مل تقم على املجرمني املعتدين كرث امل�شوهون واملعاقون من‬ ‫جراء اعتداءات املجرمني الذين يجدون متنف�ساً و�سنداً عند من ينظر‬ ‫�إليهم نظرة العطف والرحمة واحلنان‪ ،‬وبذلك ت�ضيع حقوق املعتدى‬ ‫عليهم‪ ،‬و ُتهدر كرامتهم ولي�س بعد ذلك للمجرمني حد ينتهون �إليه‪.‬‬ ‫ال�شبهة الثالثة‪ :‬قالوا‪� :‬إن يف �إقامة احلدود �سلباً حلق احلياة وهو حق‬ ‫مقدَ�س ال يجوز لأحد �أن ي�سلبه‪ ،‬فكيف ي�سوغ حلاكم �أن ي�سلب حمكوماً‬ ‫حق احلياة؟!‬

‫واجلواب‪� :‬إن ال�شارع احلكيم‪ ،‬الذي منح حق احلياة وقدَّ�سه؛ وجعل‬ ‫الدماء والأموال والأعرا�ض حم َّرمة بني النا�س هو الذي �أ َّكد ذلك‬ ‫التقدي�س واالحرتام ب�إقامة احلدود‪ ،‬واملحدود الذي ا�ستحق الرجم �أو‬ ‫القتل هو الذي جنى على نف�سه لأنه مل يحرتم حق غريه وعلى نف�سها‬ ‫جنت براق�ش‪ ،‬ولو �أنه احرتم ح َّق احلياة يف غريه حلفظ له حق احلياة‬ ‫يف نف�سه‪ ،‬وقد قرر اهلل تعاىل يف كتبه ال�سابقة ويف القر�آن الكرمي‪� ( :‬أَ َّن ُه‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا )‬ ‫َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِبغَيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف�سَ ا ٍد فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َفكَ�أَنمََّ ا َق َت َل ال َّن َ‬ ‫( املائدة‪ .)32:‬فاملعتدي على حق احلياة يف غريه يعدُّ معتدياً على ح ِّق‬ ‫احلياة يف نف�سه‪.‬‬ ‫ال�شبهة الرابعة‪ :‬قالوا‪� :‬إن �إقامة احلدود تقهق ٌر بالإن�سانية الراقية‬ ‫وانتكا�س بها ورجعة �إىل عهود الظالم الدام�س والقرون الو�سطى‪.‬‬ ‫واجلواب‪� :‬إن العاقل ال يزن القول بالبقعة التي جاء منها؛ وال بالزمان‬ ‫الذي قيل فيه؛ �أو نقل منه‪ ،‬لكن امليزان الذي تق َّوم به الأقوال والقوانني‬ ‫هو ميزان احلق والعدل‪ .‬والعاقل ن�صري احلق ونا�شد للحكمة �أنى‬ ‫وجدها وعلى �أي ل�سان ويف �أي مكان �أو زمان‪ ،‬على �أن هذا الت�شريع �أنزله‬ ‫اهلل من ال�سماء رحم ًة و�شفقة لأهل الأر�ض كما ينزل غيثه الذي يحيي‬ ‫به الأر�ض‪� ،‬إن جميء ذلك الت�شريع على ل�سان نبي �أمي من �صحراء‬ ‫العرب يف القرون الو�سطى كل ذلك �آية و�إعجاز ودليل �صدق على �أنه‬ ‫ت�شريع من حكيم خبري على ل�سان نبي ُبعث رحمة للعاملني‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫بـيـانــات‬ ‫الوسطية‬

‫العالمي للوسطية يصدر بيانا حول اإلحداث الجارية في‬ ‫مملكة البحرين الشقيقة‬

‫دعا املنتدى العاملي للو�سطية �شعب البحرين بكل فئاته للوقوف �أمام البحرين والأمة الإ�سالمية و�أهلها‪ ،‬داعني اجلميع اىل االلتفاف حول‬ ‫من يحاولون زعزعة امن بلدهم وا�ستقراه لتحقيق م�آرب ال تخدم امل�صالح العليا للبحرين‪ ،‬الف�شال املخططات امل�شبوهة وللحفاظ على‬ ‫املكت�سبات التي حققها ال�شعب البحريني منذ ن�ش�أة دولتهم جيال بعد‬ ‫البحرين والأمة الإ�سالمية و�أهلها‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف املنتدى يف بيان �أ�صدره �إىل �ضرورة االلتفاف حول امل�صالح جيل ‪.‬‬ ‫العليا للبحرين‪ ،‬كما �أكد البيان على دعم ووقوف املنتدى �إىل جانب‬ ‫الأ�شقاء يف مملكة البحرين ال�شقيقة‪ ،‬حكومة و�شعب ًا‪ ،‬لإنهاء حالة‬ ‫الفو�ضى والتخريب‪ ،‬ولتبقى البحرين دولة �آمنة م�ستقرة‪.‬‬ ‫فيما يلي ن�ص البيان‪...‬‬

‫�إن املتابع واملراقب املو�ضوعي ال ميكن له �أن ينكر االجنازات والنه�ضة‬ ‫التي حققتها مملكة البحرين يف جميع امليادين‪ ،‬حتى ا�صبحت مثال‬ ‫يحتذى يف الإزدهار والتقدم والإ�ستقرار واحلريات والتعاي�ش الديني ‪.‬‬ ‫ومع �إمياننا املطلق بحق املواطنيني‪ ،‬الذي مل يحرمه النظام ل�شعبه‬ ‫مطلقاً‪ ،‬وحريتهم يف التعبري ال�سلمي عن ارائهم‪ ،‬ومطالبهم بالإ�صالح‬ ‫با�سلوب ح�ضاري ودميقراطي ين�سجم مع القوانني ويحافظ على االمن‬ ‫واال�ستقرار‪.‬‬ ‫اال �إننا يف الوقت نف�سه نحذر من ا�ستغالل هذا احلق لبث الفتنة‬ ‫الطائفية بني ابناء ال�شعب الواحد‪ ،‬وزعزعة ا�ستقرار البحرين خدمة‬ ‫الهداف اقليمية واجندات خارجية‪ ،‬مما �سيرتتب عليه عواقب �سلبية‬ ‫ونتائج ال يحمد عقباها‪.‬‬ ‫لذا ف�إن املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬ومن منطلق ا�سرتاتيجيته التي‬ ‫�أ�س�س من �أجلها‪ ،‬ويف مقدمتها حقن الدماء وتو�ضيح الر�ؤى ال�شرعية‬ ‫يف الق�ضايا اخلالفية‪ ،‬يدعو �شعب البحرين العزيز بكل فئاته‪ ،‬الوقوف‬ ‫�أمام من يحاولون زعزعة امن بلدهم وا�ستقراه لتحقيق م�آرب ال تخدم‬

‫كما نعلن وقوفنا اىل جانب ا�شقائنا يف مملكة البحرين ال�شقيقة‪ ،‬حكومة‬ ‫و�شعباً‪ ،‬النهاء حالة الفو�ضى والتخريب‪ ،‬ونقدر امل�ساندة اخلليجية‬ ‫للبحرين حفاظاً على املكت�سبات‪ ،‬ولتبقى البحرين دولة �آمنة م�ستقرة ‪.‬‬ ‫وي�ؤكد املنتدى على �أهمية التن�سيق والتعاون امل�شرتك بني دول اخلليج‬ ‫واملنطقة‪ ،‬ملعاجلة الأزمة وو�ضع ا�سرتاتيجية م�شرتكة‪ ،‬لتحقيق‬ ‫الأهداف امل�شروعة ل�شعوب املنطقة‪ ،‬حفاظاً على اال�ستقرار ومنعا لدعاة‬ ‫التطرف املذهبي وم�صدري الثورات‪.‬‬

‫العالمي للوسطية يعزي في ضحايا زلزال اليابان في بيان له‬ ‫�شاطر املنتدى العاملي للو�سطية يف بيان �أ�صدره‪ ،‬ال�شعب الياباين‬ ‫واحلكومة اليابانية بحزن بالغ م�أ�ساة الزلزال املدمر التي �أ�صابت‬ ‫اليابان وخلفت وراءها العديد من ال�ضحايا ‪.‬‬ ‫وفيما يلي ن�ص البيان‪....‬‬

‫يتقدم املنتدى العاملي للو�سطية �إىل احلكومة اليابانية وال�شعب الياباين‬ ‫بخال�ص العزاء ل�ضحايا الزلزال املدمر الذي �أدى ل�سقوط عدد كبري‬ ‫من ال�ضحايا‪.‬‬ ‫�إننا �إذ ن�شاطر ال�شعب الياباين ال�صديق هذه امل�أ�ساة املروعة‪ ،‬لنتمنى‬ ‫�أن يحفظ اهلل اليابان لتبقى دوماً مث ً‬ ‫ال يحتذى يف النه�ضة والنمو‬ ‫واال�ستقرار‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫العالمي للوسطية يصدر بيانا حول الهجوم االنتحاري الذي وقع‬ ‫في بيشاور‪ /‬الباكستان‬ ‫�أ�صدر املنتدى العاملي للو�سطية بيانا ا�ستنكر فيه العلمية الإنتحارية‬ ‫التي نفذت يف بي�شاور‪ /‬الباك�ستان بحق الأبرياء من الن�ساء والرجال‬ ‫والأطفال والتي تدل على غلو وا�ضح لأ�صحاب فكر تدمريي متطرف‪.‬‬ ‫وفيما يلي ن�ص البيان‪....‬‬

‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية يدين وي�شجب عمليات القتل و�سفك الدماء‬ ‫للأبرياء‪ ،‬ويعرب عن ا�ستنكاره ال�شديد للعملية االنتحارية التي وقعت‬ ‫يف بي�شاور والتي تدل على تطرف وغلو يف الفكر واملمار�سة من قبل‬ ‫اجلهات التي تبنت هذه العملية‪.‬‬ ‫�إن هذه العملية التي نفذت يف بي�شاور بحق �أبرياء يقومون بالواجب‬ ‫الديني بت�شييع جنازة امر�أة م�سلمة تدل داللة وا�ضحة على �أننا �أمام‬ ‫جهة خطرية تتبنى فكر القتل والتدمري الذي ي�ؤدي �إىل مزيدٍ من‬ ‫التفتيت والإنهيار يف املجتمعات الإ�سالمية عامة والباك�ستان ب�شكل‬ ‫خا�ص‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق ف�إننا ندعو اخلريين من �أبناء هذه الأمة مفكرين‬ ‫وعلماء �إىل العمل الفوري مب�ساعدة الباك�ستان العزيزة لإنقاذها من‬

‫هذه العمليات التدمريية وامل�ؤدية �إىل �إزهاق الأرواح الربيئة تاركة‬ ‫وراءها جرحى وم�صابني ال ذنب لهم‪.‬‬ ‫م�ؤكدين جمددا على �أن عقد م�ؤمتر دويل خمرجا من هذه الأزمة‬ ‫احلادة التي تعي�شها باك�ستان اليوم‪.‬‬ ‫داعني اهلل �أن يحمي الباك�ستان من كل يد تريد النيل منها ومن قوتها‬ ‫ووحدتها لتبقى ن�صرية �أمتنا الإ�سالمية كما عهدناها دوما ‪.‬‬

‫العالمي للوسطية يدين تفجيرات كنيسة القديسين في‬ ‫اإلسكندرية في بيان يصدره‬ ‫ي�ستنكر املنتدى العاملي للو�سطية االعتداء الآثم الذي طال كني�سة‬ ‫القدي�سني يف مدينة اال�سكندرية واملتزامن مع �أعياد امليالد‪ ،‬والذي �أودى‬ ‫بحياة ع�شرات الأبرياء بني قتيل وجريح‪ ،‬وي�ؤكد املنتدى � ّأن ا�ستهداف‬ ‫دور العبادة حمرم �شرعاً حتى يف حاالت احلرب‪ ،‬و�أنه يدل على اجلهل‬ ‫والإفال�س الفكري الذي و�صلت اليه اجلهات التي تقف خلف مثل هذه‬ ‫االعتداءات ولنا يف قوله عليه ال�صالة وال�سالم خري قنديل ن�ست�ضيء‬ ‫به حيث يقول �صلى اهلل عليه و�سلم « ال تقتلوا �شيخاً فانياً وال طف ً‬ ‫ال وال‬ ‫�إمر�أة» رواه الرتمذي‪ ،‬وال نن�سى و�صية ال�صديق ر�ضي اهلل عنه جلي�شه‬ ‫عندما قال « وال تقتلوا طف ً‬ ‫ال �صغرياً‪ ،‬وال �شيخاً كبرياً وال امر�أة‪ ،‬وال‬ ‫تعقروا نخ ً‬ ‫ال وال حترقوه‪ ،‬وال تقطعوا �شجرة مثمرة‪ ،‬وال تذبحوا �شا ًة‬ ‫وال بقرة وال بعرياً �إال مل�آكلة‪ ،‬و�سوف مترون ب�أقوام قد فرغوا �أنف�سهم‬ ‫يف ال�صوامع؛ فدعوهم وما فرغوا �أنف�سهم له «‪ ،‬لذا ف� ّإن املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية يدعو الأخوة م�صر ال�شقيقة من م�سلمني وم�سيحيني �إىل‬ ‫�ضبط النف�س‪ ،‬والتم�سك بالوحدة الوطنية التي هي �شعار مناء وازدهار‬ ‫م�صر العروبة واال�سالم‪ ،‬و�إىل �ضرورة احلوار للو�صول �إىل ما هو‬ ‫م�شرتك بينهما‪ ،‬للبناء عليه وجتاوز كل نقاط اخلالف والفرقة‪.‬‬ ‫ويف اخلتام ف� ّإن املنتدى لي�ؤكد من جديد على احرتام الإ�سالم لكافة‬

‫�أتباع الديانات ال�سماوية‪ ،‬و� ّأن �أي ت�صرف ي�صدر من �أي جهة ي�سيء‬ ‫لأتباع هذه الديانات �أو دور عبادتها مرفو�ض �شرعاً و� ّأن الإ�سالم براء‬ ‫من هذه الأفعال‪ ،‬و�صدق اهلل العظيم حيث يقول ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِبغَيرْ ِ‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا) (املائدة‪� )32:‬صدق‬ ‫َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف�سَ ا ٍد فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َفكَ�أَنمََّ ا َق َت َل ال َّن َ‬ ‫اهلل العظيم‬ ‫ويحذر املنتدى من ن�شر الفو�ضى واالختالف بني فئات املجتمع‬ ‫امل�صري الواحد والذي هو هدف كثريين من �أعداء الأمة املرتب�صني‬ ‫ب�أمن ووحدة م�صر‪ ،‬وال�ساعني لإبعادها عن دورها القيادي للأمة ‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫العالمي للوسطية يصدر بيانا حول أحداث الزرقاء في المملكة‬ ‫األردنية الهاشمية‬ ‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية وقد �أذهله ما حدث يوم اجلمعة �إن تعزيز ون�شر الفكر الو�سطي يف جمتمعاتنا يعد �ضرورة ملحة‬ ‫‪ 2011/4/15‬يف الزرقاء من �أحداث عنف واعتداء من قبل ما لتخرج �شبابنا من ب�ؤرة الغلو والإنحراف‪.‬‬

‫ي�سمى بـ ( ال�سلفية اجلهادية ) لي�ؤكد �أن �إنت�شار هذا الفكر املتطرف‬ ‫بني �أو�ساط ال�شباب و�أن هذه الت�صرفات والأفعال تدل على خطورة‬ ‫مفاهيم هذا الفكر على �أمن املجتمع وا�ستقراره‪.‬‬

‫�إننا ونحن ن�ستنكر هذه الأحداث ون�ستنكر ا�ستباحة الدم امل�سلم‬ ‫وترويع الآمنني وتخريب املمتلكات والإعتداء على رجال الأمن‬ ‫لندعو جميع الأطراف الفكرية وال�سيا�سية يف الأردن والعامل‬ ‫العربي لدرا�سة هذه الظاهرة اخلطرية على جمتمعاتنا الن بقائها‬ ‫وانت�شارها �سي�ؤدي �إىل العنف والتطرف وتكفري املجتمعات وحمل‬ ‫ال�سالح على �أبنائها‪.‬‬

‫العالمي للوسطية يصدر بيانا حول مقتل الناشط اإليطالي‬ ‫أوريغوني‬ ‫يف الوقت الذي يتنادى �أ�صحاب ال�ضمائر احلية يف العامل للوقوف مع‬ ‫غزة املحا�صرة ظلما وعدوانا‪.‬‬ ‫ويف الوقت الذي تدخل فيه الق�ضية الفل�سطينية منعطفا خطريا‬ ‫ومهما يف ظل التحوالت ال�سيا�سية بالعامل العربي‪ ،‬حيث تعمل‬ ‫�إ�سرائيل يف ا�ستغالل تلك التحوالت لت�أكيد الأمر الواقع على‬ ‫ال�سلطة الفل�سطينية‪.‬‬

‫ويف ظل كل هذا تقوم فئة �ضالة منحرفة باغتيال النا�شط‬ ‫الإيطايل ( فيتوريو �أريغوين ) الذي �أحب فل�سطني و�أحب غزة‬ ‫وعا�ش بها حما�صرا ك�أنه واحد من �أهلها‪.‬‬ ‫�إن هذا الفعل الإجرامي �إمنا يدل على فكر منحرف مغلق بعيد كل‬ ‫البعد عن م�صلحة ال�شعب الفل�سطيني ب�شكل عام و�شعب غزة ب�شكل‬ ‫خا�ص‪ ،‬وك�أن املراد �أن ال يبقى تعاطف مع �شعب غزة املحا�صر ‪.‬‬ ‫�إن عملية الإغتيال الوح�شية �إمنا تدل على �ضرورة الوقوف �أمام‬

‫الفكر املتطرف املنحرف خا�صة عند ال�شباب الذي يغرر به من‬ ‫قبل هذه الفئات ال�ضالة‪ ،‬وال يكون ذلك �إال عرب تعزيز ون�شر الفكر‬ ‫الو�سطي املعتدل البعيد عن املغاالة والإنفعال‪.‬‬ ‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك ال�شعب الإيطايل ال�صديق هذه‬ ‫امل�أ�ساة ويتقدم �إليه ب�أحر التعازي واملوا�ساة لريجو �أن ال تكون هذه‬ ‫العملية الإجرامية حائال دون �إ�ستمرار الدعم لغزة و�أهلها‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫العالمي للوسطية يدعو للتصدي للفتنة الطائفية في مصر في بيان له‬ ‫دعا املنتدى العاملي للو�سطية يف بيان �أ�صدره امل�صريني جميعا �إىل‬ ‫الوقوف �صف ًا واحد ًا �أمام الأيدي اخلبيثة التي حتاور العبث يف م�صر‬ ‫و�أمنها و�أهلها‪ ،‬كما ويدعو جميع احلكماء ل�سد الطريق �أمام هذه‬ ‫الفتنة التي �ست�ؤدي �إىل تدمري �إمكانات م�صر ال�شقيقة و�إجها�ض‬ ‫ثورة �شعبها ‪.‬‬ ‫وفيما يلي ن�ص البيان‪...‬‬

‫لقد �أعطت م�صر و�شعبها للأمة العربية ولكافة الأمم وال�شعوب‬ ‫منوذجاً يحتذى يف التوافق والوئام اللذان �أو�صال ال�شعب امل�صري‬ ‫العظيم �إىل التحرر من الظلم والطغيان‪ ،‬فكان امل�سيحي �إىل جانب‬ ‫امل�سلم يف ميدان التحرير ويف كل مناطق م�صر يعلنون وب�صوت‬ ‫واحد عن حبهم مل�صر وقدموا من �أجل ذلك �صورة م�شرقة على‬ ‫م�ستوى العامل يف الت�آخي والعمل ال�سلمي لتلغي وت�أد كل ما كان‬ ‫يعكر وحدة امل�صريني وحلمتهم‪.‬‬ ‫�إن ما يجري يف م�صر احلبيبة هذه الأيام من حماوالت خبيثة‬ ‫لإثارة الفتنة الطائفية هي �أو�ضح دليل على �أن �أعداء م�صر‬ ‫وثورتها العظيمة يحاولون �إجها�ضها عن طريق اللعب يف هذه‬ ‫الأوراق اخلطرية ‪.‬‬

‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية �إذ يدعو جميع الأخوة امل�صريني‬ ‫م�سلمني وم�سيحيني اىل الوقوف �صفاً واحداً �أمام الأيدي اخلبيثة‪،‬‬ ‫كما ويدعو جميع احلكماء ل�سد الطريق �أمام هذه الفتنة العمياء‬ ‫التي �ست�ؤدي �إىل تدمري �إمكانات و�إجها�ض ثورتها و�إ�شغالها‪.‬‬ ‫واننا نهيب ب�أخوتنا يف م�صر احلبيبة م�سلمني وم�سيحيني للإنتباه‬ ‫والتيقظ لهذه الفتنة التي تريد ال�شر مل�صر و�أهلها كما نهيب بهم‬ ‫احلفاظ على وحدتهم الوطنية‪ ،‬حمى اهلل م�صر و�أبعد عنها �أيدي‬ ‫اخلبثاء الذين يريدون �أن ينالوا من حريتها ووحدتها وثورتها‪.‬‬

‫العالمي للوسطية يصدر بيانا حول أحداث ليبيا‬ ‫نا�شد املنتدى العاملي للو�سطية يف بيان �أ�صدره العقيد معمر القذايف‬ ‫رئي�س دولة ليبيا باتقاء اهلل يف �شعبه وبالده العمليات الإجرامية‬ ‫التي تنفذها قواته بحقهم‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف املنتدى يف بيان له ب�أن الأمتني العربية والإ�سالمية‪،‬‬ ‫مطال َبتني ب�أن ال تبقيا متفرجتني �أمام ما يجري يف ليبيا‪ ،‬والبد من‬ ‫مبادرات م�ستمرة لوقف هذه العمليات الإجرامية‪ ،‬ومطالبة النظام‬ ‫الليبي بوقف ما يجري والتنحي عن ال�سلطة‪.‬‬ ‫وفيما يلي ن�ص البيان‪....‬‬

‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬وانطالقاً من حر�صه الكامل على ن�شر‬ ‫قيم احلرية واالعتدال والو�سطية‪ ،‬وتكري�س مفاهيم الت�شريعات‬ ‫ال�سماوية التي حترم االعتداء على حقوق الآخرين‪ ،‬وتنبذ الت�سلط‬ ‫والديكتاتورية‪ ،‬يتابع ببالغ احلزن والأ�سى‪ ،‬العلميات الإجرامية‬ ‫الب�شعة بحق الب�شرية‪ ،‬و�إراقة الدماء الزكية على الأر�ض الليبية‬ ‫العزيزة‪ ،‬ب�أيدي ليبيني من نف�س جلدتهم ومن داخل وطنهم‪،‬‬ ‫وينا�شد كل غيور من هذه الأمة‪ ،‬وخا�صة �أ�صحاب القرار يف كافة‬ ‫البالد العربية‪ ،‬م�ؤ�س�سات و�أفراد‪� ،‬إىل وقفة خال�صة ليمنعوا من‬ ‫خاللها املزيد من �إراقة الدماء وقتل الأبرياء من الأطفال وال�شيوخ‬ ‫والن�ساء بغري وجه حق‪.‬‬ ‫�إن الأمتني العربية والإ�سالمية‪ ،‬مطال َبتني يف وقتنا احلا�ضر‪� ،‬أكرث‬ ‫من �أي وقت م�ضى‪ ،‬ب�أن ال تبقيا متفرجتني �أمام ما يجري يف ليبيا‪،‬‬ ‫بل البد من مبادرات م�ستمرة لوقف هذه العمليات الإجرامية‪،‬‬ ‫ومطالبة النظام الليبي بوقف ما يجري والتنحي عن ال�سلطة‪.‬‬

‫كما �أن املنتدى العاملي للو�سطية ينا�شد العقيد القذايف �شخ�صياً‪،‬‬ ‫ب�أن يتقي اهلل يف �شعبه ويف الدماء الزكية الربيئة التي تراق يومياً‬ ‫من �أجل التم�سك بال�سلطة‪ ،‬والتي �ستف�ضي اىل �إبادة كاملة لل�شعب‬ ‫الليبي‪� ،‬إذا ا�ستمر احلال على ما هو عليه‪.‬‬ ‫�إن اجلماهريية ال�شعبية التي ينادي بها العقيد القذايف‪ ،‬ت�ؤكد‬ ‫بتنحيه‪ ،‬ليرتك‬ ‫على �ضرورة �أن ين�صت �إىل �أ�صوات �شعبه املطالبة ّ‬ ‫ال�شعب الليبي حراً يف اختيار من يريد‪.‬‬ ‫�إن قتل الأبرياء جرمية عظيمة عند اهلل وعند النا�س ويف كل‬ ‫ال�شرائع‪ ،‬يقول اهلل تعاىل ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِبغَيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف�سَ ا ٍد فيِ‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا ) (املائدة‪.)32 :‬‬ ‫ْأ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َفكَ�أَنمََّ ا َق َت َل ال َّن َ‬

‫‪58‬‬


‫ﻧﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫نشاطات المنتدى لشهر كانون ثاني ‪2011‬م‬ ‫ قام �صعادة �صفري جمهورية اإيران الإ�صالمية يوم الثنني املوافق‬‫‪ 2010/1/3‬بزيارة اإىل مقر املنتدى العاملي للو�صطية حيث كان يف‬ ‫ا�صتقباله الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري واأمني ال�صر الأ�صتاذ‬ ‫الدكتور حممد اخلطيب وع�صوي املنتدى الأ�صتاذ الدكتور حممد‬ ‫الق�صاة و الدكتور هايل الداود ‪.‬‬ ‫وقد مت خالل اللقاء البحث يف اأوجه التعاون ما بني املنتدى العاملي‬ ‫وجمهورية اإيران الإ�صالمية‪ ،‬حيث قدم الأمني العام يف البداية اأهم‬ ‫ن�صاطات املنتدى يف جميع اأنحاء العال الإ�صالمي والتي قامت على ن�صر‬ ‫وتعزيز الفكر الو�صطي املعتدل‪ ،‬كما مت بحث �صبل التعاون امل�صرتك بني‬ ‫اجلانبني خالل املرحلة املقبلة‪.‬‬ ‫ ا�صتقبل الأمني العام للمنتدى العاملي للو�صطية املهند�س مروان‬‫الفاعوري يف مقر املنتدى يوم ال�صبت املوافق ‪ 2011/1/22‬رئي�س كتلة‬ ‫الإحتاد الإ�صالمي الكرد�صتاين النائب يف جمل�س النواب العراقي جنيب‬ ‫عبد اهلل بالته وعدد من اأع�صاء الكتلة‪ ،‬و كل من رئي�س فرع املنتدى‬ ‫يف اليمن الدكتور داود احلدابي ‪ ،‬وع�صو املكتب التنفيذي ورئي�س فرع‬ ‫املنتدى مب�صر الأ�صتاذ منت�صر الزيات ‪ ،‬وع�صو املنتدى يف ال�صودان‬ ‫الدكتور �صديق حممد ال�صو ‪.‬‬ ‫وقد مت خالل اللقاء الذي ح�صره اأمني �صر املنتدى الأ�صتاذ الدكتور‬ ‫حممد اخلطيب الت�صاور والتباحث يف موا�صيع تتعلق بن�صر وتعزيز‬ ‫الفكر الو�صطي يف العراق ب�صكل عام ويف كرد�صتان ب�صكل خا�س‪ ،‬كما مت‬ ‫التفاق على مزيد من التعاون بني املنتدى والإحتاد الكرد�صتاين من‬ ‫اأجل عقد موؤمترات وندوات يف كرد�صتان‪.‬‬ ‫ زار وفد طالبي �صبابي من جامعات تركية وا�صرتالية وكازاخ�صتانية‬‫وبلغارية مقر العاملي للو�صطية‪ ،‬وذلك يوم ال�صبت املوافق ‪،2010/1/1‬‬ ‫حيث كان يف ا�صتقبالهم الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫وع�صو املنتدى الأ�صتاذ الدكتور حممد الق�صاة ورئي�س قطاع ال�صباب‬ ‫الدكتور حممد ريان وعدد من الأ�صاتذة والأكادمييني بالإ�صافة لعدد‬ ‫من �صباب و�صابات قطاع ال�صباب يف املنتدى العاملي للو�صطية ‪،‬ويف الزيارة‬ ‫مت التعرف على الأهداف التي ي�صعى املنتدى لتحقيقها من ن�صر للفكر‬ ‫الو�صطي وثقافة العتدال وذلك من خالل الن�صاطات والفعاليات التي‬ ‫يعقدها على مدار العام ‪،‬كما التقى الدكتور نوح الفقري بالوفد ال�صيف‬ ‫من خالل حما�صرة األقاها بهدف تعريفهم باملعال ال�صياحية الدينية‬ ‫الإ�صالمية املوجودة يف اأنحاء اململكة ‪،‬ويف نهاية الزيارة قام ع�صو املنتدى‬

‫العاملي الأ�صتاذ الدكتور حممد الق�صاة بتوزيع الهدايا من مطبوعات‬ ‫واإ�صدارات خا�صة للمنتدى على اأفراد الوفد وذلك تكرميا لهم‪.‬‬ ‫ زار يوم ال�صبت املوافق ‪ 2011/1/15‬مقر العاملي للو�صطية وفدا من‬‫جامعة كاليفورنيا الأمريكية ي�صم نخبة مميزة من الأ�صاتذة والعلماء‬ ‫وهم اأراث البانيز وماثيو تال والدكتور عبد الرحيم مارديني والدكتور‬ ‫حممد عزيز عابدين ‪ ،‬وكان يف ا�صتقبال الوفد الأمني العام للمنتدى‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري وع�صوي املنتدى الأ�صتاذ الدكتور حممد‬ ‫الق�صاة و الدكتور هايل الداود‪ ،‬واأي�صا ورئي�س فرع منتدى و�صطية‬ ‫اليمن الدكتور داود احلدابي الذي حل �صيفا على ا�صرة املنتدى ‪،‬وقد مت‬ ‫خالل اللقاء بحث �صبل التعاون امل�صرتك بني اجلانبني ‪ ،‬كما مت تبادل‬ ‫احلديث حول فكرة املنتدى والأهداف التي ي�صعى لتحقيقها ‪ ،‬حيث قدم‬ ‫الفاعوري اأهم ن�صاطات املنتدى يف جميع اأنحاء العال الإ�صالمي والتي‬ ‫قامت على ن�صر وتعزيز الفكر الو�صطي املعتدل‪.‬‬ ‫ يف اإطار خطة ملتقى �صباب الو�صطية يف املنتدى العاملي للو�صطية‪،‬‬‫اأقيم يوم الأحد املوافق ‪ 2011/1/23‬يف مقر املنتدى اأوىل حما�صرات‬ ‫الدورة ال�صرعية والتي حملت عنوان» كيف نفكر �صرعيا « حيث األقى‬ ‫املحا�صرة التي كانت بعنوان» النظر املقا�صدي يف احلكم ال�صرعي»‬ ‫الدكتور عارف ح�صونة اأ�صتاذ ال�صريعة يف اجلامعة الأردنية ‪،‬وقد ح�صر‬ ‫املحا�صرة التي اأدارها رئي�س امللتقى الدكتور حممد الريان جمع غفري‬ ‫من ال�صباب وال�صابات من خمتلف التخ�ص�صات الأكادميية يف اجلامعات‬ ‫‪،‬وجرى بعد املحا�صرة نقا�س مو�صع حول مفهوم املحا�صرة وتطبيقاته‬ ‫يف الفقه الإ�صالمي املعا�صر ‪.‬‬ ‫ بدعوة من املجل�س الأعلى لل�صباب األقى عميد كلية ال�صريعة يف‬‫اجلامعة الأردنية وع�صو املنتدى الأ�صتاذ الدكتور حممد اأحمد الق�صاة‬ ‫حما�صرة تناول فيها ر�صالة عمان والعنف املجتمعي وذلك يوم الثالثاء‬ ‫‪ 2011/1/25‬يف مركز �صباب عجلون‪.‬ح�صر الندوة جمع غفري من �صباب‬ ‫و�صابات حمافظة عجلون‪.‬‬ ‫ عقد املنتدى العاملي للو�صطية بالتعاون مع موؤ�ص�صة �صالتو�س الأردن‬‫للت�صويق ندوة بعنوان ( روؤية اإ�صالمية حول الأزمة املالية العاملية) ‪،‬‬ ‫وذلك يوم اخلمي�س املوافق ‪2011/01/27‬م يف م�صرح زارا اإك�صبو‪ /‬جراند‬ ‫حياة عمان‪.‬‬ ‫وهدفت الندوة التي ادارها اأ�صتاذ ال�صريعة يف اجلامعة الأردنية الدكتور‬ ‫وائل عربيات و�صارك بها نخبة من العلماء والأ�صاتذة كل يف اخت�صا�صه‬ ‫اإىل بيان دور القت�صاد الإ�صالمي يف مواجهة الأزمة املالية العاملية‬ ‫بالإ�صافة اإىل اإقامة معر�س للموؤ�ص�صات وال�صركات يف الأردن على‬ ‫هام�س الندوة‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫نشاطات المنتدى لشهر شباط ‪2011‬م‬ ‫ �شارك ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية وعميد كلية ال�شريعة يف‬‫اجلامعة الأردنية الدكتور حممد الق�ضاة يوم اخلمي�س ‪2011/2/10‬‬ ‫يف ندوة حول الوئام الديني والتي عقدت بالتعاون مع مديرية �أوقاف‬ ‫عجلون‪ ،‬ح�ضر الندوة جمع غفري من �شباب و�شابات و�أهايل حمافظة‬ ‫عجلون ‪.‬‬ ‫ �أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع مادبا يوم ال�سبت املوافق‬‫‪ 2011/2/26‬ندوة حول (دور الفكر الو�سطي يف تعزيز التعاي�ش‬ ‫واالنتماء الوطني) ت�ضمنت الندوة مناق�شة �أوراق عمل حتدثت عن‬ ‫الوئام الإ�سالمي امل�سيحي ودور الفكر الو�سطي يف �إبراز ال�صورة‬ ‫امل�شرقة للإ�سالم من خالل تعزيز مبد�أ احلوار بني �أتباع الديانات‬ ‫ومواجهة املتطرفني‪.‬‬ ‫وقال �أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يف‬ ‫كلمته �أن الأردن يزخر مبعاين العي�ش والوئام بني �أبناء الأ�سرة الواحدة‬ ‫م�شريا يف الوقت ذاته �إىل الأ�صوات الناعقة واملتطرفة التي تظهر ما‬ ‫بني احلني والأخر والتي تريد ت�شويه �صورة اال�سالم ال�سمحة قد �أفل‬ ‫جنمها‪ ،‬من جهته قال الدكتور �سليمان �شيحان �أن الو�سطية واالعتدال‬ ‫يف الإ�سالم منهج را�سخ القواعد ت�ؤ�س�س له الآيات الكرمية والأحاديث‬ ‫النبوية ال�شريفة والوئام بني الأديان وت�ؤكده �آيات الكتاب املقد�س‪،‬‬ ‫مبينا تفرد منوذج العي�ش امل�شرتك والوئام الإ�سالمي امل�سيحي الذي‬ ‫ينفرد به الأردن متميزا عن غريه بف�ضل قيادة جاللة امللك عبداهلل‬ ‫الثاين احلكيمة من �أحفاد الر�سول امل�صطفى عليه ال�سالم وتعزيز‬ ‫مبد�أ الو�سطية والعداله واحرتام �إن�سانية الإن�سان يف احلكم الها�شمي‪،‬‬ ‫وناق�شت اجلل�سة الأوىل التي تر�أ�سها الأ�ستاذ �صالح اخلواطرة عدة‬ ‫�أوراق عمل‪ ،‬حيث حتدث �أ�ستاذ التاريخ يف جامعة فيالدلفيا الدكتور‬ ‫خالد جرب للحديث عن الوئام عند امل�سلمني يف �صدر الإ�سالم الأول‬ ‫متطرقا يف الوقت ذاته لعدد من النماذج على تلك ال�سماحة‪.‬‬ ‫ودعا عميد كلية ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية الأ�ستاذ الدكتور حممد‬ ‫الق�ضاة يف ورقته حول «الوئام الديني بني الأديان» �إىل توظيف ر�سالة‬ ‫عمان ال�سمحة‪ ،‬وتطبيق مبادئها لتكون منوذجا ح ّيا و�شاهدا على‬ ‫�صورة الإ�سالم املفعمة بال�سماحة واحرتام الإن�سان‪ ،‬يف حني تطرق‬ ‫معايل الدكتور منذر حدادين يف ورقته للحديث عن التعاي�ش والوئام‬ ‫ودوره يف تعزيز التنمية واال�ستقرار يف الأردن» ‪� ،‬أما الأ�ستاذ الدكتور‬ ‫حممد اخلطيب فقد تطرق يف ورقته خالل اجلل�سة الثانية التي‬ ‫تر�أ�سها للحديث عن دور الفكر الو�سطي يف تعزيز التعاي�ش واالنتماء‬ ‫الوطني‪ ،‬يف حني �أكد الأب معني احللو يف ورقته» م�سلمون وم�سيحيون‬ ‫يف مواجهة التحديات» على روابط �أبناء الوطن الواحد من خمتلف‬ ‫الأ�صول واملنابت واملعتقدات الدينية ‪ ،‬م�شريا �إىل ر�سالة م�سيحي‬

‫ال�شرق �إىل العامل بان العي�ش يف ظل الدولة الإ�سالمية منذ ‪� 1400‬سنة‬ ‫اكرب �شاهد ودليل على �سالمة العالقة بني الإ�سالم وامل�سيحية ‪.‬‬ ‫ �أقام منتدى و�سطية اربد يوم ال�سبت املوافق ‪ 2011/2/19‬احتفاال‬‫مبنا�سبة ذكرى املولد النبوي يف مقر املنتدى‪ ،‬وتطرق رئي�س فرع اربد‬ ‫ال�سيد يو�سف امللكاوي يف كلمته �إىل �صفات النبي عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫مبينا �أن ميالد النبي هو ميالد �أمة جمعاء ‪،‬و�أن يف مولده ثورة �إ�صالح‬ ‫وحوار مع الآخرين فهو احلليم ال�صادق الأمني وحق علينا �أن نحتفل‬ ‫لنتذكر �صفاته‪.‬‬ ‫يف حني بني م�ساعد مدير �أوقاف الكورة الدكتور حممد الزعبي �أن‬ ‫احلديث عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم هو حديث العمق بال حدود‬ ‫وقال �أنه فجر ينابيع احلكمة و�أنهار ال�صدق و�صالبة اليقني‪ ،‬كما �أ�شار‬ ‫يف حديث لأيام النبي م�ؤكدا على �ضرورة �إتباع النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم يف كل �أقواله و�أفعاله‪.‬‬ ‫ �أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع اربد يوم ال�سبت املوافق‬‫‪ 2011/2/12‬ندوة بعنوان «احلوار يف الإ�سالم و�آدابه» وذلك يف مقر‬ ‫الفرع ‪،‬وقال رئي�س فرع و�سطية اربد ال�سيد يو�سف ملكاوي يف كلمته‬ ‫�أن احلوار موجود يف القر�آن الكرمي م�ست�شهدا بعدد من الآيات املتعلقة‬ ‫بذات ال�ش�أن ‪ ،‬وبني يف الوقت ذاته �أن احلوار �أي�ضا موجود منذ القدم‬ ‫مع الأنبياء و�أقوامهم‪ ،‬و�أن للحوار �آداب يجب على كل حماور االلتزام‬ ‫بها لكي يتمكن من الو�صول �إىل ما يريد ‪ ،‬من جهته حتدث الدكتور‬ ‫�أحمد بني �سالمة من تربية اربد الأوىل عن مفهوم احلوار و املعنى‬ ‫اال�صطالحي وال�شرعي لهذا املفهوم ‪ ،‬ذاكرا ال�ضوابط الت�صحيحية‬ ‫للحوار والعالقة مع الآخر ومبينا العنا�صر الذاتية واملو�ضوعية‬ ‫والأ�سباب امل�ؤدية �إىل االختالف‪.‬‬ ‫قال مدير معهد املعارج للدرا�سات ال�شرعية الداعية ال�شيخ عون‬ ‫القدومي �أن حديثنا عن ر�سول اهلل وحياته و�سريته و�أخالقه ما هو �إال‬ ‫�إعادة ترتيب ل�صالتنا به ‪ ،‬لنرتجمها يف بيوتنا و�ش�ؤون حياتنا ‪،‬وحتدث‬ ‫القدومي خالل املحا�ضرة التي نظتمها جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية‬ ‫للفكر والثقافة احتفاال بذكرى املولد النبوي ال�شريف عن �أخالق النبي‬ ‫و�شمائله وخ�صاله مع ن�سائه واملر�أة ب�شكل عام ‪،‬م�ستعر�ضا اخبار املر�أة‬ ‫يف حياة النبي ومتحدثا عن بناته وكيف كان يعاملهن ويح�سن لهن‪،‬‬ ‫وكيف لقي الأذى الكبري مع دعوته يف بناته‪ ،‬وم�شريا يف الوقت ذاته‬ ‫�إىل زوجاته وكم من مظاهر العجب �سادت مرات زواجه خا�صة و�أنه‬ ‫قد تزوج بال�صغرية وتزوج بالكبرية وتزوج بالثيب و تزوج بالبكر ومنهن‬ ‫من كانت من قلب اجلزيرة‪ ،‬كما تزوج بامل�سلمة و�أخذ الن�صرانية م�ؤكدا‬ ‫على �أن تلك النماذج من زوجات ر�سولنا الكرمي �ستقع يف �أمته من بعد‬ ‫نبي اهلل وبيئته فهو اجلامع لكل ما �سي�أتي من بعده والنموذج للب�شرية‬ ‫جمعاء‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫ �ضمن فعاليات احلزمة الإدارية مل�شروع قارئ النه�ضة‪ ،‬عقد ملتقى‬‫�شباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت املوافق‬ ‫‪� 2011/2/26‬أوىل حما�ضرات الدورة التدريبية التي حتمل عنوان»‬ ‫ديجافو» للمدرب املبدع املهند�س نزار عبندة املدير العام لأكادميية نزار‬ ‫عبنده للتدريب وذلك يف مقر املنتدى ‪ ،‬وتهدف الدورة التي �ست�ستمر‬ ‫ملدة ‪� 15‬ساعة وعلى مدار خم�سة �أ�سابيع �إىل التدريب على مهارات‬ ‫�إدارة الذات ومهارات التوا�صل و�إدارة الوقت وغريها الكثري من املهارات‬ ‫‪،‬ح�ضر الدورة يف يومها الأول ‪ 77‬قارئة و قارئ نه�ضة من �شابات و�شباب‬ ‫هيئة �شباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية وخرج قراء النه�ضة‬ ‫بانطباعات �إيجابية ‪.‬‬ ‫ بتنظيم من املنتدى العاملي للو�سطية عقدت هيئة �شباب الو�سطية‬‫يف املنتدى يوم ال�سبت املوافق ‪ 2011/2/19‬حفل لتوزيع ال�شهادات‬ ‫التقديرية على الطالب ممن �شاركوا يف الدورات التي عقدها قطاع‬ ‫ال�شباب ‪،‬حيث قدم رئي�س قطاع ال�شباب الدكتور حممد الريان �شهادات‬ ‫تقديرية على امل�شاركني يف دورتي « نظم عقلك» للأ�ستاذ �أ�سامة خاوجي‬ ‫و»دورة كيف نفكر �شرعيا» لكل من الدكتور عارف ح�سونة والدكتور‬ ‫حممد الريان والدكتورة مروة خورمة والدكتور عبد اهلل ال�صيفي‬ ‫والدكتورة دعاء فينو وذلك لإمتامهم عدد ال�ساعات التدريبية للدورات‬ ‫‪،‬كما قدم الدكتور ريان جوائز رمزية لعدد من الطالبات ممن تفوقن يف‬ ‫حفظ �سورة النور وذلك تقديرا وت�شجيعا لهن‪.‬‬ ‫ يف �سياق التح�ضريات مل�ؤمتر ال�شباب والإعالم الذي �سيعقده املنتدى‬‫العاملي للو�سطية‪ ،‬عقد �صباح يوم ال�سبت املوافق ‪ 2011/2/19‬اجتماع‬ ‫تر�أ�سه رئي�س ملتقى ال�شباب يف املنتدى الدكتور حممد ريان وح�ضره‬ ‫اللجنة الإعالمية للم�ؤمتر‪ ،‬ومت يف االجتماع مناق�شة الكثري من املهام‬ ‫املتعلقة بامل�ؤمتر بالإ�ضافة ملناق�شة عر�ض فيلم وثائقي يتعلق بامل�ؤمتر‬ ‫ويحتوي على الأهداف واملحاور اخلا�صة‪ ،‬من اجلدير ذكره ب�أن امل�ؤمتر‬ ‫يهدف �إىل توظيف وا�ستثمار جهود ال�شباب يف خدمة ال�شباب ‪�،‬إىل جانب‬ ‫ذلك عقد اجتماع �آخر مللتقى �شباب الو�سطية برئا�سة د‪.‬حممد الريان‪،‬‬ ‫مت خالله التباحث يف عدد من الأمور املتعلقة باملجلة التي �ست�صدر عن‬ ‫امللتقى والتي �ستخدم القطاع ال�شبابي على م�ستوى اجلامعات للفئة‬ ‫العمرية ال�شبابية ما فوق ‪� 18‬سنة‪ ،‬من �أهمها مناق�شة التعديالت التي‬ ‫جرت على املجلة قبل �إ�صدارها علما ب�أن جملة « نوافذ» وهو اال�سم‬ ‫الذي �أطلق عليها هي جملة ف�صلية �ست�صدر كل �أربعة �شهور‪.‬‬

‫نشاطات المنتدى لشهر آذار ‪2011‬م‬ ‫ �أكد امل�شاركون يف امل�ؤمتر الدويل الأول الذي عقده املنتدى العاملي‬‫للو�سطية يف القاهرة يوم ‪2011/3/27‬م بعنوان « النه�ضة على �ضوء‬ ‫التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي م�صر وتون�س منوذجا» �أن‬ ‫الثورات ال�شعبية التي اندلعت يف العامل العربي فتحت الباب وا�سعا‬

‫للنه�ضة وتقدم ال�شعوب العربية ‪ ،‬م�ؤكدين �أن حتقيق الإ�صالح واحلكم‬ ‫الر�شيد م�ستقبال برقابة ال�شعب جعل م�شروع النه�ضة قابال للتحقيق‪،‬‬ ‫وتناولت اجلل�سة الأوىل يف حمورها الثقايف حول �سقوط العنف وانت�صار‬ ‫ال�سلمية عدة �أوراق عمل من �أبرزها « الثورات العربية ‪� :‬سقوط خطاب‬ ‫العنف يف �إقناع املجتمعات بالتغيري» و « دور و�سائل االت�صال احلديثة يف‬ ‫التغيري ال�سلمي نحو الإ�صالح « �إىل الدور الذي لعبته و�سائل الإعالم‬ ‫واالت�صال يف الثورات التي ي�شهدها العامل العربي ‪ ،‬كما نوق�شت ورقة‬ ‫حول « ال�شباب ودوره يف الإ�صالح والتغيري « وحتدث يف اجلل�سة الثانية‬ ‫التي تناولت «املحور الديني ‪ :‬الدين والثورة» الأمني العام للمنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يف ورقته حول « متغريات‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي بعد جناح ثورتي م�صر وتون�س « قائال �إ َّن بع�ض‬ ‫الأدبيات الإ�سالمية وبع�ض التعبريات احلركية ال زالت تتعامل مع‬ ‫امل�س�ألة الدميقراطية بتعابري ف�ضفا�ضة يكتنفها الغمو�ض والتقية‪.‬‬ ‫الفتا �إىل �أ َّن كثرياً من احلركات الإ�سالمية قد ح�سمت موقفها يف اجتاه‬ ‫التبني لهذه امل�س�ألة ك�أحزاب التيار الو�سطي يف تركيا واملغرب واليمن‬ ‫وم�صر والأردن وغريها‪ ،‬داعيا �إىل �ضرورة تو�ضيح منطلقات جتعل من‬ ‫اخلطاب الدميقراطي الإ�سالمي كق�ضية ا�سرتاتيجية يف وطننا العربي‬ ‫والإ�سالمي‪.‬‬ ‫ نظمت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية يوم الأحد ‪ 2011/3/13‬اجتماعا‬‫لرئي�سات جلان املر�أة يف الفروع يف املحافظات‪ ،‬حتدث فيه رئي�س املنتدى‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري حول �أهمية دور املر�أة م�شيدا بالوقت ذاته‬ ‫بدور اللجنة يف املنتدى و حكمتها يف الطرح ال�ستمرارية امل�سرية وت�أدية‬ ‫الر�سالة بلون و ب�صمة خمتلفة يف املجتمع حتقق ثمار �إ�صالح متنوع يف‬ ‫جميع املجاالت وبناء توجه ايجابي وا�سرتاتيجي يف قطاع املر�أة وتر�سيخ‬ ‫مفاهيم القيم والعدالة ‪.‬‬ ‫وا�ستفتحت رئي�سة جلنة املر�أة ال�سيدة �سو�سن املومني االجتماع بكلمة‬ ‫ترحيبية �أكدت فيها على دور املر�أة يف تنمية املجتمع و�إي�صال ر�سالة‬ ‫الو�سطية �إىل املر�أة يف الريف‪ ،‬وقد مت عر�ض خطة جلنة املر�أة لعام ‪2011‬‬ ‫و�أي�ضا تقرير لأن�شطة املر�أة عن �سنة ‪ 2010‬واال�ستماع لآراء و اقرتاحات‬ ‫من قبل الفروع و اقرتاح ا�سرتاتيجيات طويلة الأمد واعداد خطة لعمل‬ ‫كل فرع ‪،‬ح�ضر اجتماع جلنة املر�أة من املقر الرئي�سي رئي�سة اللجنة‬ ‫ال�سيدة �سو�سن املومني وال�سيدة رويداء رياالت ‪،‬د‪.‬نوال �شرار عن فرع‬ ‫اربد ‪،‬ال�سيدة ا�سماء رواحنة عن فرع مادبا ‪،‬ال�سيدة �شهال عربيات عن‬ ‫فرع ال�سلط ‪،‬د‪.‬خولة اخلوالدة عن فرع جر�ش ‪.‬‬ ‫ عقدت جلنة املر�أة يف منتدى و�سطية للفكر والثقافة‪ /‬فرع مادبا‬‫وبالتعاون مع جتمع جلان املر�أة يف مادبا يوم االثنني املوافق ‪2011/3/21‬‬ ‫حما�ضرة بعنوان « دور املر�أة يف متا�سك الأ�سرة» ‪.‬‬ ‫وقالت ع�ضو املنتدى الدكتورة نوال �شرار يف املحا�ضرة التي ح�ضرها‬ ‫عدد من �سيدات حمافظة مادبا �أن الإ�سالم قد حفظ للمر�أة مكانتها‬

‫‪61‬‬


‫واحرتامها وجعلها �صمام �أمان لأ�سرة متما�سكة تبني جمتمعا تنمويا‬ ‫متجان�سا ‪.‬‬ ‫و�أ�ضافت �أن املر�أة قبل الإ�سالم مل يكن لها قدر �أو قيمة بل كانت �سلعة‬ ‫تباع وت�شرتى‪ ،‬حتى جاء الإ�سالم ف�أعطاها املكانة ال�سامية ال�صحيحة‬ ‫وجعل لها من احلقوق ما للرجل متاما مبا يت�ساوى مع طبيعة كل‬ ‫منهما‪ ،‬يف كل مرحلة من مراحل حياتها �سواء كانت بنتا �أو زوجة �أو �أما‪.‬‬ ‫عقدت الهيئة الت�أ�سي�سية لهيئة �شباب الو�سطية �إجتماعها الثاين يف مقر‬ ‫الهيئة يف عمان بح�ضور ال�سيد مو�سى العودات مدير �شباب العا�صمة‬ ‫وال�سيد علي عبيدات مندوب مديرية �شباب العا�صمة ‪،‬ويف االجتماع‬ ‫مت انتخاب هيئة �إدارية برئا�سة ال�سيدة رويداء الرياالت وع�ضوية كل‬ ‫من ال�سيد حكمت الب�شري �أمينا لل�سر‪ ،‬والأ�ستاذ مازن الفاعوري �أمني‬ ‫ال�صندوق‪ ،‬واملهند�س �أ�شرف احلامد �أمني �سر‪ ،‬والدكتورة نوال �شرار‬ ‫ع�ضو‪ ،‬وال�سيد عمار املومني ع�ضو‪ ،‬وال�سيد ب�سام عبد اجلواد ع�ضو‪.‬‬ ‫ �ضمن م�شروع قارئ النه�ضة ‪،‬عقدت هيئة �شباب الو�سطية يوم ال�سبت‬‫‪ 2011/3/26‬ندوة بعنوان «قراءة يف كتاب»‪ ،‬حيث مت خالل اللقاء طرح‬ ‫عدة كتب للنقا�ش‪ ،‬فقد حتدثت �إ�سراء جرادات عن كتاب «الراق�صون‬ ‫على جراحنا»‪ ،‬فيما حتدثت �سمية ال�صيفي عن كتاب « ال�سر» ‪،‬وتخلل‬ ‫اللقاء الذي �أدارته �إميان الكيالين وح�ضره الأ�ستاذ �إبراهيم الع�سع�س‬ ‫وجمموعة من طلبة اجلامعات نقا�شات عدة تطرق من خاللها لعمل‬ ‫املر�أة ومدى ت�أثريه على عمل الرجال يف بع�ض املجاالت‪ ،‬و�أكد الأ�ستاذ‬ ‫�إبراهيم الع�سع�س يف نهاية اللقاء على �ضرورة بناء الإن�سان وفكره قبل‬ ‫�إ�شراكه يف م�شروع النه�ضة حتى يكون قادراً على ا�ستيعاب دوره وحمل‬ ‫م�س�ؤولياته ‪.‬‬ ‫ عقد ملتقى �شباب الو�سطية يوم ال�سبت ‪ 2011/3/12‬اجلل�سة الثانية‬‫من «دورة نظم عقلك» للأ�ستاذ �أ�سامة غاوجي‪ ،‬وتعترب دورة نظم عقلك‬ ‫التي �شارك فيها ما يقارب الـ ‪ 40‬طالبا وطالبة �ضمن احلزمة التدريبية‬ ‫الأوىل من م�شروع قاريء النه�ضة ‪ ،‬وتطرقت اجلل�سة التي عقدت ما بني‬ ‫ال�ساعة التا�سعة والثانية ع�شر عن م�سارات النه�ضة وكيفية حتقيقها ‪.‬‬ ‫عقد ملتقى �شباب الو�سطية يف متام ال�ساعة الثانية ع�شر من يوم ال�سبت‬ ‫‪ 2011/3/12‬اجلل�سة الثانية من «دورة التخطيط الإ�سرتاتيجي للحياة»‬ ‫للأ�ستاذ معاذ عاي�ش‪ ،‬وتخت�ص الدورة يف كيفية �صناعة الأهداف وبناء‬ ‫خطة ا�سترياتيجية على مدى �سنوات معدودة‪ .‬من اجلدير ذكره ب�أن ما‬ ‫يقارب الـ‪ 60‬طالبا وطالبة قد �شاركوا يف اجلل�سة الثانية من الدورة ‪.‬‬ ‫قال رئي�س منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع اربد الأ�ستاذ يو�سف‬ ‫ملكاوي �أن ر�سالتنا هي ال�سعي لتقوية منهج الو�سطية ور�ؤيتنا ن�شر‬ ‫ر�سالة االعتدال يف فهم الإ�سالم و�أهدافنا ن�شر الفكر املعتدل يف خمتلف‬ ‫الق�ضايا‪ ،‬وبني امللكاوي خالل لقائه نادي احلوار مبدار�س االعتماد‬ ‫الدولية يف الرمثا �أن املنتدى ي�سعى �إىل تر�سيخ مفاهيم احلرية والعدل‬ ‫عرب الندوات وامل�ؤمترات واملحا�ضرات‪.‬‬

‫ �صدر م�ؤخرا عن املنتدى العاملي للو�سطية ن�شرات دينية عديدة‬‫تناولت موا�ضيع هامة ذات ال�صلة بر�سالة و�أهداف املنتدى التي تنادى‬ ‫بالو�سطية والإعتدال واالبتعاد عن التطرف والغلو ‪،‬من املوا�ضيع التي‬ ‫تناولتها الن�شرات التي �صدرت باللغتني العربية والإجنليزية « مدر�سة‬ ‫النبوة ثقافة حب ال ثقافة كراهية» حيث تطرقت لثقافة احلب وورودها‬ ‫يف القر�آن الكرمي ونبذ ثقافة الكراهية التي هي طريق لثقافة التكفري‬ ‫‪،‬كما تناولت �إحدى الن�شرات مو�ضوع «الو�سطية واالعتدال منهج‬ ‫�أمة» مت الرتكيز فيها على بيان معنى الو�سطية و�أهميتها‪ ..‬كمدخل‬ ‫للح�ضارة الإن�سانية ‪ ..‬وطريق للنه�ضة ‪ ...‬وواقع �أمة ‪ ،‬من الن�شرات‬ ‫�أي�ضا ن�شرة بعنوان» الإرهاب �صناعة اخلوارج» لف�ضيلة ال�شيخ الدكتور‬ ‫حممد العريفي ركز من خاللها على اخلوارج ومذهبهم والآثار ال�سلبية‬ ‫املرتتبة ملن ينت�سب لهم من ف�ساد وقتل و�ضياع‪.‬‬

‫نشاطات المنتدى لشهر نيسان ‪2011‬م‬ ‫ برعاية املنتدى العاملي للو�سطية عقد فريق �ضع ب�صمتك ‪ /‬اجلامعة‬‫الأردنية دورة متخ�ص�صة بعنوان « العرو�س امل�سلمة « حا�ضرت فيها‬ ‫كل من الدكتورة دعاء فينو املتخ�ص�صة يف ق�ضايا املر�أة وال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية والدكتورة �آمال البكري املتخ�ص�صة بالإمرا�ض الن�سائية ‪،‬‬ ‫وهدفت الدورة التي ا�ستمرت ملدة ثالثة �أيام لبناء �أ�سرة �صاحلة ي�ساهم‬ ‫جميع �أفرادها يف بناء املجتمع ونه�ضة الأمة‪ ،‬والتوعية والتثقيف يف‬ ‫حت�صني الأبناء وتنمية قدراتهم وتوجيههم الوجهة ال�سليمة املتزنة‪.‬‬ ‫ نظمت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة دورة‬‫متخ�ص�صة بعنوان « الوفاق الأ�سري وال�سعادة الزوجية من خالل‬ ‫تف�سري �آية القوامة (‪ )34‬من �سورة الن�ساء» بهدف امل�ساهمة يف بناء‬ ‫�أ�سرة �صاحلة ي�ساهم جميع �أفرادها يف بناء املجتمع ونه�ضة الأمة وذلك‬ ‫ان�سجاما مع ر�سالة للجنة ‪ ،‬وتهدف الدورة التي �ست�ستمر ملدة �شهرين‬ ‫بواقع �ساعتني �أ�سبوعيا من كل ثالثاء �إىل ت�أطري العالقة بني الرجل‬ ‫واملر�أة داخل الأ�سرة مبا ي�ساهم ب�إعطاء كل ذي حق حقه ‪ ،‬وت�ؤ�س�س‬ ‫للوفاق ولي�س ال�صراع داخل كيان الأ�سرة مبا يحقق منظومة الأمن‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫ عقدت هيئة �شباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع‬‫جمعية �صناع احلياة احلزمة التدريبية الثانية (افهم واقعك) والثالثة‬ ‫(افهم دينك) ‪ ،‬للدكتور جا�سم �سلطان وذلك يف قاعة يا هال يف املدينة‬ ‫الريا�ضية يف الفرتة ما بني ‪، 2011 /4/18-15‬وحتدث الدكتور جا�سم‬ ‫�سلطان خالل احلزمة الأوىل (افهم واقعك) عن �أهمية �إيجاد �أ�سا�س‬ ‫يف كل من االقت�صاد وال�سيا�سة واجلغرافيا لربط الأمور ببع�ضها ‪،‬يف‬ ‫حني تطرق الدكتور �سلطان يف احلزمة الثالثة (افهم دينك) عن‬

‫‪62‬‬


‫املراحل التي مرت بها العلوم الإ�سالمية والفقهية منذ عهد الر�سول‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم وحتى عهدنا هذا وبني احل�سنات والثغرات يف‬ ‫كل مرحلة ‪.‬‬ ‫ احتفلت هيئة �شباب الو�سطية يوم ال�سبت املوافق ‪ 2011/4/9‬مبرور‬‫�سنة على م�شروع ‪ . Book96‬و متثلت فعاليات احلفل الذي جرى‬ ‫مبقر املنتدى بالتقاء جمموعة من ال�شباب (العديد منهم من طالب‬ ‫اجلامعة الها�شمية) واالتفاق فيما بينهم على قراءة كتاب ويختارونه‬ ‫ليتم مناق�شته معاً فيما بعد‪.‬‬ ‫ �ضمن فعاليات احلزمة الإدارية مل�شروع قارئ النه�ضة‪ ،‬عقدت‬‫هيئة �شباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت املوافق‬ ‫‪ 2011/4/2‬اللقاء الرابع من الدورة التدريبية التي حتمل عنوان»‬ ‫‪� /dejavu‬شوهد من قبل «للمدرب املهند�س نزار عبندة املدير العام‬ ‫لأكادميية نزار عبنده للتدريب وذلك يف مقر املنتدى‪.‬‬ ‫ عقدت هيئة �شباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت‬‫املوافق ‪ 2011/4/10‬لقاءها اخلام�س من الدورة التدريبية التي حتمل‬ ‫عنوان» ‪�/ dejavu‬شوهد من قبل «للمدرب املهند�س نزار عبندة املدير‬ ‫العام لأكادميية نزار عبنده للتدريب وذلك يف مقر املنتدى‪ ،‬حتدث‬ ‫الأ�ستاذ عبندة يف هذا اللقاء عن قانون الك�سب‪ ،‬و�أهمية قوة القرار‪،‬‬ ‫وكيفية اتخاذ القرار الذي يخدم الهدف ‪ ،‬وعن قانون ال�سبب والنتيجة‪.‬‬ ‫ �أقام منتدى و�سطية اربد يوم ال�سبت املوافق ‪ 2011 /4 /9‬حما�ضرة‬‫بعنوان» اهتمام الإ�سالم باليتيم» حتدث فيها كل من رئي�س منتدى‬ ‫و�سطية اربد ال�سيد يو�سف امللكاوي وال�شيخ عثمان �أبو �سراب من �أوقاف‬ ‫اربد والدكتور تي�سري �سعدين امل�شرف الرتبوي من تربية اربد الأوىل ‪.‬‬ ‫�أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع اربد يوم ال�سبت املوافق‬ ‫‪ 2011/4/16‬يف مقر الفرع ندوة بعنوان «الإ�صالح والتغري �سبيلنا»‬ ‫حتدث فيها كل من رئي�س فرع و�سطية اربد ال�سيد يو�سف امللكاوي‬ ‫والدكتور عمر النوافلة ‪.‬‬ ‫ عقد فرع املنتدى يف حمافظة جر�ش يوم الأربعاء املوافق ‪2011/3/30‬‬‫حما�ضرة بعنوان « دور الأ�سرة يف تربية النا�شئة على معامل االعتدال‬ ‫والو�سطية» �أكد فيها الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة عميد كلية‬ ‫ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية وع�ضو منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬ ‫على دور الأ�سرة يف تربية النا�شئة على معامل الدين احلنيف والعالقة‬ ‫القائمة بني الآباء والأبناء على معايري املودة والرحمة والتوا�صل‪،‬‬ ‫و�أ�ضاف يف �أن الأ�سرة تقود الدور الريادي يف تر�سيخ معاين الو�سطية‬ ‫واالعتدال حتى يكون لها الأثر الإيجابي يف البناء والن�سيج االجتماعي ‪.‬‬ ‫ �أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‪/‬فرع ال�سلط ندوه حواريه حول‬‫دور الأ�سرة يف تربية الن�شىء على االعتدال والو�سطيه ‪ ،‬ودور الأ�سرة يف‬

‫حماربة العنف املجتمعي ‪،‬حتدث فيها الدكتور عو�ض الفاعوري مدير‬ ‫�أوقاف البلقاء والأ�ستاذ جمال ال�سفرتي ‪،‬ويف بداية اللقاء الذي �أدارته‬ ‫الداعية رويدا رياالت �أكد �أحيا عربيات رئي�س منتدى ال�سلط على‬ ‫�أهمية هذه اللقاءات التي تتما�شى والواقع املحلي‪ ،‬وعلى �أهمية تفاعل‬ ‫الرتبيه والتعليم مع هيئات املجتمع املدين ون�شر فكر الت�سامح والإخاء‬ ‫بني �أبناء املجتمع وخا�صة فئة ال�شباب ‪.‬‬ ‫وقال الأ�ستاذ جمال ال�سفرتي بان الأ�سرة تتحمل امل�س�ؤولية الأ�سا�سية‬ ‫والأوىل يف احلد من ظاهرة العنف ‪ ،‬يف حني عرف الدكتور عو�ض‬ ‫الفاعوري مدير اوقاف البلقاء العنف اال�سري من منظور ا�سالمي‬ ‫متطرقا ال�سبابه من �ضعف الوازع الديني و�سوء الفهم و�سوء الرتبيه‬ ‫والن�شاه يف بيئه عنيفه وغياب �شفافية احلوار والت�شاور داخل اال�سره‬ ‫و�سوء االختيار وعدم التنا�سب بني الزوجني يف خمتلف اجلوانب ‪.‬‬ ‫ قال مدير عام ال�شركة الوطنية للت�شغيل والتدريب العميد عارف‬‫�صربة �أن ال�شركة اعتمدت ا�سترياتيجية معينة لت�شغيل وتدريب‬ ‫‪� 30‬ألف م�ستخدم على مدى الأعوام ‪ 2013 -2007‬بعد �أن مت اعتماد‬ ‫برنامج تدريبي ملدة ‪� 12‬شهرا تدريب ع�سكري و‪� 4‬شهور للتدريب املهني‬ ‫الت�أ�سي�سي و‪� 6‬شهور للتدريب العملي امليداين‪ ،‬و�أ�ضاف خالل اللقاء‬ ‫الذي عقد برعاية النائب جمال قموة يف مركز مو�سى ال�ساكت الثقايف‬ ‫بتاريخ ‪ 2011/2/12‬بتنظيم من منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع‬ ‫ال�سلط وبالتعاون مع جمعية �أ�صدقاء بلدية ال�سلط ومركز مو�سى‬ ‫ال�ساكت‪� ،‬أن ان�شاء ال�شركة جاء ا�ستجابة للتوجيهات امللكية ال�سامية‬ ‫ك�شركة م�ساهمة غري ربحية مملوكة للقوات امل�سلحة الأردنية‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫مؤتمرات‬ ‫الوسطية‬

‫العالمي للوسطية يعقد مؤتمره‬ ‫«النهضة على ضوء التحوالت السياسية في‬ ‫العالم العربي» في مصر‬ ‫�أكد �سيا�سيون و�إ�سالميون ودعاة �إن الثورات ال�شعبية التي اندلعت‬ ‫يف العامل العربي فتحت الباب وا�سعا للنه�ضة وتقدم ال�شعوب‬ ‫العربية‪ ،‬بعدما زالت حواجز القمع وكبت احلريات وعادت الكرامة‬ ‫واحلرية‪.‬‬

‫و�أ�ضاف امل�شاركون يف امل�ؤمتر الدويل الأول الذي عقده املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية يف القاهرة الأحد املوافق ‪ 2011/3/27‬حتت‬ ‫عنوان « النه�ضة على �ضوء التحوالت ال�سيا�سية يف العامل‬ ‫العربي م�صر وتون�س منوذجا « علي ت�أكيد �أن الفر�صة‬ ‫�أ�صبحت مواتية لنه�ضة قوية للأمة العربية والإ�سالمية‬ ‫بعدما زال العديد من الأنظمة القمعية الت�سلطية‬ ‫والبقية يف الطريق‪ ،‬م�ؤكدين �أن حتقيق الإ�صالح واحلكم‬ ‫الر�شيد م�ستقبال برقابة ال�شعب جعل م�شروع النه�ضة‬ ‫قابال للتحقق بعدما جرفت الأنظمة ال�سابقة العقول‬ ‫والقدرات و�سببت �إحباطا كبريا للعلماء وال�صناع ‪.‬‬ ‫و�أكدوا يف امل�ؤمتر الذي عقد يف فندق �سون�ستا بالقاهرة‬ ‫�أن فج ًرا جديدًا �أطل على الأمة العربية والإ�سالمية‬ ‫�سي�ضع العامل العربي والإ�سالمي لو �أُح�سن ا�ستغالل‬ ‫الفر�صة واتباع تعاليم الإ�سالم احلقة ـ يف م�صاف القوي‬ ‫االقت�صادية الناه�ضة الكربى‪.‬‬ ‫جل�سة االفتتاح‬

‫وقال عريف احلفل مدير مكتب الإ�سالم اليوم بالقاهرة الأ�ستاذ خالد‬ ‫ال�شريف يف كلمته التي �ألقاها � ّأن الفر�صة �أ�صبحت مواتية لنه�ضة قوية‬ ‫للأمة العربية والإ�سالمية‪ ،‬بعدما زال العديد من الأنظمة القمعية‬ ‫الت�سلطية والبقية يف الطريق‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف املحامي الأ�ستاذ منت�صر الزيات رئي�س فرع «املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية» يف م�صر يف كلمته على � ّأن حتقيق النه�ضة يف العامل العربي‬ ‫بعد الثورات ال�شعبية �أ�صبح ممك ًنا‪ ،‬بعدما الدخول ملرحلة جديدة‬ ‫ت�ؤ�س�س لتحوالت كربي يف العامل العربي‪ ،‬م�شريا �إىل � ّأن الو�سطية تعني‬

‫التغيري وال�صدع باحلق‪ ،‬وتعني الثورة الناعمة وتعني املقاومة يف الدول‬ ‫التي حتارب �ضد االحتالل‪.‬‬ ‫ودعا الدكتور حممد البلتاجي القيادي يف جماعة الإخوان امل�سلمني‬ ‫لل�ضغط من �أجل الو�صول �إىل احلكم الر�شيد بعد غياب املعوقات‬ ‫الأمنية وال�سلطوية ‪ ،‬م�ؤكدا �أنه «ال ميكن حتقيق م�شروع نه�ضوي‬

‫‪ -‬جانب من امل�ؤمتر‬

‫للأمة بعيدا عن احلكم الر�شيد « ‪ ،‬و�شدّد ف�ضيلة ال�شيخ حممد ح�سان‬ ‫على �ضرورة احرتام غري امل�سلمني‪ ،‬وعدم �إكراه �أحد على الإ�سالم‪� ،‬أو‬ ‫�إكراهه على قبول ر�أي ال ير�ضى عنه‪ ،‬م�ؤكدًا «نحن دعاة ال ق�ضاة»‪،‬‬ ‫و»البلد بلد امل�سلمني والن�صارى وال �أحد يقول �أن البلد بلدنا‪ ،‬من جهته‬ ‫�أكد الدكتور ع�صام دربالة القيادي يف اجلماعة الإ�سالمية على �أن النظم‬ ‫البائدة حرمتنا من حريتنا وكرامتنا فغابت النه�ضة لأن النه�ضة ال‬ ‫ميكن �أن تقوم بدون حرية �أو كرامة‪ ،‬وهو ما �أعادته لنا الثورة ال�شعبية‬ ‫فباتت �أمامنا فر�صة للنه�ضة‪ ،‬لأن الثورة فتحت جماالت العمل الدعوي‬ ‫واخلريي وال�سيا�سي‪.‬‬

‫‪64‬‬


‫اجلل�سة الأوىل‬

‫وتناولت اجلل�سة الأوىل يف حمورها الثقايف حول «�سقوط العنف‬ ‫وانت�صار ال�سلمية» والتي تر�أ�سها الدكتور عبد الرحمن النعيمي عدة‬ ‫�أوراق عمل حيث حتدث الأ�ستاذ الدكتور �أحمد نوفل يف ورقته الثورات‬ ‫العربية ‪� :‬سقوط خطاب العنف‬ ‫يف اقناع املجتمعات بالتغيري» عن‬ ‫الدور الذي �أحدثته الثورات كما‬ ‫ثورة م�صر وتون�س يف �إحداث‬ ‫الإ�صالح املطلوب‪ ،‬و�أ�شار الأ�ستاذ‬ ‫عامر عبد املنعم يف ورقته « دور‬ ‫و�سائل االت�صال احلديثة يف‬ ‫التغيري ال�سلمي نحو الإ�صالح « �إىل‬ ‫الدور الذي لعبته و�سائل الإعالم‬ ‫واالت�صال يف الثورات التي ي�شهدها‬ ‫العامل العربي ‪ ،‬و�ساهمت يف ح�شد‬ ‫ال�شعوب يف التحركات ال�سلمية التي �أ�سقطت نظامي احلكم يف تون�س‬ ‫وم�صر‪ ،‬وال زالت ت�ستخدم ب�شكل فاعل يف التغيري الذي تعي�شه ليبيا‬ ‫واليمن‪ ،‬ودول �أخري يف الطريق‪ ،‬كما �أنتجت و�سائل االت�صال احلديثة‬ ‫حركات جمتمعية جديدة و�أجياال من ال�شباب الواعي الذي تربي على‬ ‫�أر�ضية خمتلفة عن تلك التي تربى عليها ما �سبقهم من �أجيال‪.‬‬ ‫من جهته تطرق الأ�ستاذ حممد ال�صياد يف ورقته « ال�شباب ودوره يف‬ ‫الإ�صالح والتغيري « �إىل مدى اهتمام الإ�سال ُم بال�شباب‪ ،‬ذكورا و�إنا ًثا‪،‬‬ ‫و كيف �أوالهم عناي ًة فائقة ملا ميثلونه من قوة دفع للمجتمع‪ ،‬ومظاهر‬ ‫احرتام الإ�سالم لل�شباب وحما�ستهم وطاقتهم‪ ،‬واعرتافه ب�أفكارهم‬ ‫و�آرائهم‪ ،‬واالحتياجات الأ�سا�س َّية لل�شباب‪ ،‬والعمل على تلبيتها ‪ ،‬كما‬ ‫تناول ثورة م�صر والتغيري الذي �أ�سهموا فيه ال�شباب للمطالبة‬ ‫بالإ�صالح ‪ ،‬يف حني حتدث الأ�ستاذ ح�سني الروا�شدة يف ورقته عن دور‬ ‫الدين يف التحوالت ال�سيا�سية ومدى ت�أثريه على التوجهات ال�سائدة ‪.‬‬ ‫اجلل�سة الثانية‬

‫�أما فيما يتعلق باجلل�سة الثانية والتي تناولت «املحور الديني ‪:‬‬ ‫الدين والثورة» برئا�سة د‪.‬عبد الإله ميقاتي» فقد ناق�شت عدة �أوراق‬ ‫عمل هامة ذات ال�صلة‪ ،‬حيث حتدث الأمني العام للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يف ورقته حول « متغريات اخلطاب‬ ‫الإ�سالمي بعد جناح ثورتي م�صر وتون�س «» قائال �إ َّن بع�ض الأدبيات‬ ‫الإ�سالمية وبع�ض التعبريات احلركية ال زالت تتعامل مع امل�س�ألة‬ ‫الدميقراطية بتعابري ف�ضفا�ضة يكتنفها الغمو�ض والتقية‪ .‬الفتا‬ ‫�إىل �أ َّن كثرياً من احلركات الإ�سالمية قد ح�سمت موقفها يف اجتاه‬ ‫التبني لهذه امل�س�ألة ك�أحزاب التيار الو�سطي يف تركيا واملغرب واليمن‬

‫وم�صر والأردن وغريها‪ ،‬داعيا �إىل �ضرورة تو�ضيح منطلقات جتعل من‬ ‫اخلطاب الدميقراطي الإ�سالمي كق�ضية �إ�سرتاتيجية يف وطننا العربي‬ ‫والإ�سالمي‪. .‬‬ ‫وقال «�إ َّن ثمة حاجة ذاتية لدى احلركات الإ�سالمية ملراجعة كثري‬ ‫من الأدبيات املحكومة ب�شروطها‬ ‫التاريخية‪ ،‬والتي تبنتها بخ�صو�ص‬ ‫عديد من الق�ضايا واملحاور ذات‬ ‫ال�صلة بالعمل ال�سيا�سي ونظام‬ ‫احلكم والتعددية والدميقراطية‬ ‫واملر�أة واحلريات العامة واملواطنة‬ ‫وحقوق الأقليات يف حني �أ�شار‬ ‫الدكتور �صفوت عبد الغني يف‬ ‫ورقته حول» اجلماعات والأحزاب‬ ‫ال�سيا�سية ‪�...‬أولويات الإ�صالح «‬ ‫حول �أهمية التجديد ال�سيا�سى‬ ‫ امل�شاركني يف �صورة تذكارية كمدخل هام فى اولويات اال�صالح‪،‬‬‫والقوا�سم امل�شرتكة لدى التيارات الإ�سالمية لأولويات الإ�صالح‬ ‫الداخلي واخلارجي ‪ ،‬كما تطرق الدكتور حممد احلاج يف ورقته للحديث‬ ‫عن التحوالت يف العامل العربي وجذورها و�أ�سباب حدوثها يف حني‬ ‫�شدد �سماحة الإمام ال�صادق املهدي رئي�س حزب الأمة ال�سوداين ورئي�س‬ ‫الوزراء الأ�سبق يف ورقته» امل�ستقبل‪� :‬آفاقه وحتدياته» على �سبعة �أهداف‬ ‫البد من حتققها للو�صول �إىل مرحلة جني ثمار الثورة بالنه�ضة �أبرزها‬ ‫‪� :‬أن يعرب الفكر اجلديد عن الثورة‪ ،‬و�أن ت�ؤ�س�س العالقة بني احلاكم‬ ‫واملحكومني علي �أ�سا�س امل�شاركة وامل�ساءلة وال�شفافية وحكم القانون‬ ‫‪ ،‬و�أن تقوم التنمية علي العدالة والكفاية ‪ ،‬ومتكني امل�ست�ضعفني لأن‬ ‫احل�ضارة تقا�س مبقدار تعاملها مع امل�ست�ضعفني‪ ،‬وكذا �ضرورة �أن تقوم‬ ‫النه�ضة علي �إعالم �صادق مع الفجر اجلديد ‪ ،‬و�أن تكون العالقة بني‬ ‫العرب والأ�سرة الدولية قائمة علي الندية وامل�صلحة امل�شرتكة ال �أن‬ ‫ن�أمتر ب�أوامرهم ونهمل م�صاحلنا‪ ،‬ورف�ض «ال�سالم الأعرج» الذي ال‬ ‫ميكن �أن يعي�ش لأنه بال عدالة‪ ،‬يف حني قال الدكتور حممد مورو يف‬ ‫ورقته « احلركات ال�شعبية و�أثرها يف تعزيز الدميقراطية» �أن �أي نه�ضة‬ ‫تبد�أ ب�إدراك ما هو موجود بالفعل من ثروات وطاقات وب�شر وغريها‪،‬‬ ‫و�أن التفاعل الإيجابي وال�صحي بني الب�شر والرثوات والطاقات املتاحة‪،‬‬ ‫هو ما يح ِّقق تلك النه�ضة املن�شودة‪ ،‬كم و�أن احلركات واجلماعات‬ ‫ال�سيا�س َّية ذات املرجعية الإ�سالمية احل�ضارية والثقاف َّية هي الأقدر‬ ‫على قيادة م�شروع النه�ضة من خالل براجمهم من الثقافة واحل�ضارة‬ ‫الإ�سالمية با�ستثناء احلركات الليربالية واملارك�سية الذين ي�ستخدمون‬ ‫ثقافتهم من املرجعية الر�أ�سمالية �أو املارك�سية �أو غريها من �أفكار‬ ‫احل�ضارة الأوروبية‪� ،‬أما الأ�ستاذ حممد بالل ال�شريف فقد ركز يف ورقته‬ ‫على دور ال�شباب الفعلي يف ثورة م�صر‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫العالمي للوسطية يعقد مؤتمره الدولي الحادي‬ ‫عشر‬ ‫« وسطية اإلمام ابن تيمية»‬ ‫م�شاركون يف امل�ؤمتر يدينون مظاهر العنف والتخريب وي�ؤكدون ما يالئم �أهواءها‪ ،‬حتى غدا ا�سمه عند من يجهله مرتبطاً بق�ضايا‬ ‫التكفري والتف�سيق ‪.‬‬ ‫ر�سالة الإ�سالم يف حتقيق الأمن والأمان‬ ‫مب�شاركة ثلة من علماء ومفكري الأمة ميثلون ‪ 12‬دولة عربية وبني �أن التقول على �شيخ الإ�سالم بغري علم من �أكرب اجلرائم بحق‬ ‫و�إ�سالمية‪ ،‬انطلقت يف املركز الثقايف بعمان يوم الأحد املوافق‬ ‫‪ 2011/4/17‬فعاليات امل�ؤمتر الدويل احلادي ع�شر بعنوان «و�سطية‬ ‫الإمام ابن تيمية» وملدة يومني‪.‬‬ ‫جل�سة االفتتاح‬

‫وقال الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫�أ َّن و�سطية الإمام ابن تيمية منارة يهتدي بها العامل الإ�سالمي يف زمن‬ ‫مت �إلبا�س فكره وفتاويه غري لبو�سها ال�صحيح‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف يف كلمة له خالل حفل افتتاح امل�ؤمتر الذي نظمه املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية �أننا نريد �أن نحافظ على اعتدال فكر وو�سطية الإمام‬ ‫ابن تيمية يف عقول النا�شئة ووجدان الأمة‪ ،‬وعلى وهج تلك املنارة‬ ‫و�إ�شعاعها الو�ضاء‪.‬‬ ‫و�أ�شار الفاعوري �أن الإمام ابن تيمية يتعر�ض �إىل حملة ت�شويه‬ ‫وحتريف واقتطاع يف �أقواله وفتاويه‪ ،‬حيث ظهرت فئة �أخذت من علمه‬

‫‪ -‬من اليمني ‪ :‬د‪�.‬صالح �سلطان‪ ،‬د‪.‬عادل الفالح ‪ ،‬م‪ .‬مروان الفاعوري‬

‫‪ -‬جانب من جل�سة االفتتاح‬

‫الإمام‪ ،‬و�أخطر الأمرا�ض التي تف�شت يف جمتمعاتنا الإ�سالمية؛ لقلة‬ ‫العلـم‪ ،‬م�ؤكدا يف الوقت ذاته على �أن منهج ابن تيمية كان و�سطا فال‬ ‫�إفراط الفتا‪ ،‬و�أن منهج الو�سطية‪ ،‬هو �أعدل املناهج يف ن�شر دعوة‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬واحلفاظ على متا�سك املجتمع امل�سلم‪ ،‬والدعوة �إىل �سبيل اهلل‬ ‫باحلكمة واملوعظة احل�سنة واجلدال بالتي هي �أح�سن‪.‬‬ ‫و قال وكيل وزارة الأوقاف الكويتية عادل فالح �أن �أمتنا مل تكن بحاجة‬ ‫لبيان مفاهيمها العامة وحتديد م�ضامينها الكلية يف دينها �أكرث‬ ‫من هذا الوقت الذي اهتزت فيه القيم واملعايري ‪ ،‬الفتا اىل ان �أ�شد‬ ‫الق�ضايا املالم�سة لواقعنا هي الو�سطية التي تعد �أ�صال من �أ�صول‬ ‫الدين وجوهره ومن �أبرز خ�صائ�صه ملواءمتها للفطرة والعقل لذا لزم‬ ‫اعتمادها العتبارها خمرجا للأمة والطريق لإعادة جمدها‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �أن الو�سطية مل تكن يوما ما ردة فعل وال تلبية ملطلب خارجي‬ ‫كما �أنها لي�ست دينا جديدا وال مذهبا خمرتعا‪ ،‬بل هي لب الإ�سالم‬ ‫وجوهره و�شعاره و�إحدى ف�ضائله‪. ،‬‬

‫‪66‬‬


‫واكد ان احوال االمة اقت�ضت �أن نربز وجه الإ�سالم املتمثل يف و�سطيته‬ ‫عقيدة و�شرعا ومنهجا وت�صورا خا�صة يف هذه املرحلة التي حتيا امتنا‬ ‫وتواجه فيها ق�ضايا الفكر الإ�سالمي فهوما خاطئة‪.‬‬ ‫وبني الدكتور فالح �أن الكويت �أقدمت وبرعاية �سامية من �سمو الأمري‬ ‫على تبني الو�سطية منهجا لتكون الكويت مركز �إ�شعاع عاملي للو�سطية‬ ‫ون�شرها بني النا�س واعتمادها منهجا ملحاربة التطرف من خالل‬ ‫مرتكزات مهمة وهي مواجهة الفكر بالفكر والوقاية خري من العالج‬ ‫والدرا�سة املعمقة وم�شاركة الآخرين وت�أكيد املرجعية الإ�سالمية حيث‬ ‫�أن ال�شيخ ابن تيمية يعترب مرجعية كربى ملا ي�شمل فكره من ا�ستيعاب‬ ‫�شمويل ملعرفية الإ�سالم من خالل منهجه ال�شامل وعلمه الرا�سخ‬

‫‪ -‬م�ؤمتر ابن تيمية يف احدى جل�ساته‬

‫وربانيته ال�صافية‪ ،‬ومن هنا ت�أتي �أهمية ابراز �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‬ ‫وعالقته بالو�سطية يف ظل الظروف التي تعي�شها جمتمعاتنا ‪.‬‬ ‫واكد م�ست�شار وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية يف البحرين الدكتور‬ ‫�صالح �سلطان �أن انتقالنا من �أمة راكدة لأمة رائدة مرهون مبرورنا‬ ‫عرب بوابة الو�سطية‪.‬‬ ‫و قال �إن حركة الفكر يف عاملنا تعي�ش حالة من الهياج وحتتاج لأمثال‬ ‫فكر ابن تيمية الرا�سخ يف العلم ‪ ،‬واملقرتن باحلجة ال�شرعية واخل�شية‬ ‫القلبية واحلركة الدعوية ‪ ،‬فتلك الأمور كلها اجتمعت يف ابن تيمية‬ ‫م�ؤكدا حاجتنا لعلماء �أمة ر�شيدة يف واقع يحتاج لنه�ضة لرجالنا‬ ‫ون�سائنا وجمتمعاتنا ‪.‬‬

‫وقال ان القارئ مل�ؤلفات وكتب ابن تيمية ي�ستنتج �أنه كان من الرواد يف‬ ‫نهج الو�سطية يف ق�ضايا الفكر والإعتقاد على الرغم من �أنه عا�ش يف‬ ‫فرتة ع�صيبة من االمة‪ ،‬الفتا �إىل �أن ما حدث من �أحداث يوم اجلمعة‬ ‫�أعمال ال تر�ضي اهلل وال الر�سول وتدل على الفكر املت�شدد‪.‬‬ ‫و يف الورقة الأوىل بعنوان «ابن تيمية والواقع املعا�صر» تطرق الدكتور‬ ‫جا�سم �سلطان �إىل كيفية اال�ستفادة من فكر ومنهج ابن تيمية‪ ،‬م�شريا‬ ‫يف حديثه لنظرية الهالة التي يعطيها بع�ض النا�س لبع�ض العلماء مما‬ ‫تو�صلهم �إىل حافة التقدي�س‪.‬‬ ‫و يف الورقة الثانية بعنوان «ابن تيمية الفكر واملنهج» ا�ستعر�ض الدكتور‬ ‫�صالح �سلطان فكر ابن تيمية ومنهجه يف حياته وخا�صة فقهه الذي كان‬ ‫يعتمد على قواعد الإ�سالم املراعية مل�صالح النا�س‪.‬‬ ‫وا�شار اىل �صرب ابن تيمية وحتمله لل�سجن والتعذيب يف �سبيل الثبات‬ ‫على مبادئه‪ ،‬كما ذكر بع�ضا من امل�سائل الفقهية التي افتى بها ابن‬ ‫تيمية‪ ،‬مراعيا ظروف وم�صالح النا�س من جهة ودقة الإتباع وجودة‬ ‫الإبداع من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫و يف الورقة الثالثة بعنوان «ابن تيمية املولد‪ ،‬الن�ش�أة‪ ،‬ال�شيوخ» بر�أ‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور با�سم جوابرة من االردن فكر ابن تيمية من الفكر‬ ‫املت�شدد الذي �أ�صاب بع�ض النا�س ممن يدعون �أنهم من ال�سلف الذين‬ ‫ت�شددوا و�أ�ضروا مب�صالح النا�س م�ستذكرا جزءا من حياته وحتى وفاته‪.‬‬ ‫وا�شار الدكتور يو�سف الكودة من ال�سودان يف ورقته الرابعة بعنوان‬ ‫«الو�سطية يف فقه ونهج ابن تيمية» اىل حقيقة ظاهرة الغلو واعتبارها‬ ‫من �أخطر الق�ضايا التي تواجه الأمة الإ�سالمية وتهدد �أمنها‬ ‫وا�ستقرارها‪ ،‬داعيا اىل امل�شاركة يف �إر�ساء ثقافة الو�سط بني امل�سلمني‪،‬‬ ‫والإهتداء مبناهج واختيارات فقهية لأعالم جنباء خدموا الإ�سالم‬ ‫بعلمهم من �أمثال �شيخ الإ�سالم ابن تيميه‪.‬‬ ‫اجلل�سة الثانية‬

‫ويف اجلل�سة الثانية التي تر�أ�سها وزير الأوقاف ال�سابق الدكتور عبد‬ ‫ال�سالم العبادي بعنوان «فكر ابن تيمية وانعكا�ساته املعا�صرة» قال �أن‬ ‫مواجهة الفكر املتطرف �أمر يف غاية الأهمية و�أن �إعداد املادة العلمية‬ ‫ملناق�شة الفكر املتطرف يحتاج لعلماء ومفكرين لهم وزنهم وباعهم يف‬ ‫فهم الدين الإ�سالمي ال�صحيح امل�ستند للقر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‬ ‫اجلل�سة الأوىل‬ ‫والقادرين على اي�صال هذا الفكر للغري دون تع�صب وانغالق فكري‪.‬‬ ‫و�أ�شاد وزير الأوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات الإ�سالمية عبد الرحيم العكور‬ ‫يف اجلل�سة الأوىل للم�ؤمتر الدويل والتي تر�أ�سها باجلهود التي بذلها ويف الورقة الأوىل بعنوان»الأو�ضاع ال�سيا�سية واالجتماعية يف ع�صر‬ ‫املنتدى‪ ،‬معربا عن �أمله يف �أن ي�ساهم امل�ؤمتر يف تعزيز منهج الو�سطية ابن تيمية وانعكا�سها على فتاواه» حتدث �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة‬ ‫الأردنية الدكتور هايل الداود عن الأو�ضاع املزرية التي كان يعي�شها‬ ‫فكرا و�سلوكا يف واقع الأمة‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫العامل الإ�سالمي يف ذلك الع�صر من جتزئة �سيا�سية وحروب داخلية و�أ�ضاف �أن الفكرة ال تقارعها �إال الفكرة ولهذا يجب على العلماء �أن‬ ‫وفقر وجهل وتخلف‪ ،‬وانت�شار التقليد املذهبي والتع�صب وقتل روح يتوجهوا ملنهج احلوار‪ ،‬م�ؤكدا يف الوقت ذاته �ضرورة القبول والرف�ض‬ ‫التجديد والإبداع وانت�شار البدع واخلرافات‪ ،‬م�شريا اىل ما قام به �شيخ من املنهجية‪ ،‬حيث �أخ�ضع الأنبياء للمنهجية ولهذا البد للحكم على‬ ‫ابن تيمية من خالل منهجه ولي�س من خالل فتوى �أطلقها قد يكون‬ ‫�أ�صاب فيها �أو �أخط�أ‪.‬‬ ‫اليوم الثاين‬ ‫اجلل�سة الأوىل‬

‫‪ -‬جانب من احل�ضور يف امل�ؤمتر‬

‫الإ�سالم مبعاجلة هذه الظواهر من خالل كتاباته املتعددة ومن خالل‬ ‫مواقفه امل�شهودة بحيث عد ب�شكل �صحيح �شيخ الإ�سالم‪.‬‬ ‫و يف الورقة الثانية بعنوان «دور ابن تيمية يف �إ�صالح الفكر ال�سيا�سي»‬ ‫قال الدكتور خالد الفهداوي من العراق �أن ال�شيخ ابن تيمية اهتم‬ ‫بالفكر ال�سيا�سي اهتماما وا�ضحا حيث كان لها بعد عميق لديه‪ ،‬يف وقت‬ ‫نحن ما زلنا بحاجة له‪ ،‬حيث �أن الكثريين يعتقدون انه ال �سيا�سة يف‬ ‫الإ�سالم‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف ان �أهم ما مييز ال�شيخ ابن تيمية �شموليته وقدرته على‬ ‫الإنتقال يف الفقه بناء على تغري احلال‪ ،‬م�ؤكدا يف الوقت ذاته حاجتنا‬ ‫املا�سة لعامل جليل مثل ابن تيمية للرجوع ملنهجه و�صناعة زاد امل�ستقبل‬ ‫من علمه وفي�ضه‪.‬‬ ‫ويف الورقة الثالثة بعنوان»الفكر ال�سيا�سي عند ابن تيمية» ركز الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور حممد الروا�شدة على كافة حماور الفكر ال�سيا�سي وموقف ابن‬ ‫تيمية من عدة ق�ضايا كاخلالفة والنبوة والعمل ال�سيا�سي والتفريق‬ ‫بني الإمامة وامللك و�أنواع احلكم والإ�ستخالف‪ ،‬كما �أكد يف ورقته على‬ ‫خروج ابن تيمية عن ال�شروط التقليدية الواجب توافرها يف احلاكم‪،‬‬ ‫و�أي�ضا الواجبات ال�سيا�سية الواجب توافرها يف احلاكم واحلقوق‬ ‫ال�شرعية للرعية على احلاكم وف�ساد احلكم واملعار�ضة ال�سيا�سية وعزل‬ ‫احلاكم وقواعد احلكم ومقا�صده عند ابن تيمية و غريها‪.‬‬ ‫�أما الورقة الرابعة فكانت للدكتور بهجت احلبا�شنة بعنوان «ابن تيمية‬ ‫بني املوافقني واملعار�ضني» فقد طالب �أن ي�صدر عن امل�ؤمتر �شيء عملي‬ ‫من خالل حتيز جمموعة من ر�سائل املاج�ستري والدكتوراة للتعمق يف‬ ‫البحث و�إثراء املو�ضوع مبا يعزز ن�شر الفكر الو�سطي وتعميقه‪.‬‬

‫يف اجلل�سة الأوىل من اليوم الثاين والتي تر�أ�سها وكيل وزارة الأوقاف‬ ‫الكويتية عادل فالح حيث قال ان الو�سطية من املعاين التي حققها‬ ‫الر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم يف حياته وج�سدها هو و�أ�صحابه يف‬ ‫الواقع كما ج�سدتها احل�ضارة الإ�سالمية والتاريخ الإ�سالمي العربي‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف اننا يف دولة الكويت ن�ضع �أيدينا ب�أيدي املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية و�أيدي كل امل�ؤ�س�سات التي رفعت �شعار الو�سطية يف كل من‬ ‫العراق وقطر والبحرين و�أذربيجان وغريها من الدول ليعم يف النهاية‬ ‫�صوت الو�سطية وتعود الأمة لنه�ضتها‪.‬‬ ‫و يف الورقة الأوىل بعنوان «�أفكار وفتاوى ابن تيمية وتطبيقاتها على‬ ‫الواقع املعا�صر» ا�ستعر�ض الدكتور عز الدين بن زغيبة من اجلزائر‬ ‫الع�صر الذي كان يعي�ش فيه ال�شيخ ابن تيمية‪ ،‬الفتا اىل انه كان ع�صرا‬ ‫مثقال بامل�شاكل واجلراح‪ ،‬وفيه تدهور نظام الدولة الأمر الذي انعك�س‬ ‫متاما على ح�سن �إدارة احلكام وال�سالطني لدولهم‪ ،‬كما �أن الرتاجع‬ ‫املخيف للم�ؤ�س�سات العلمية �إىل جانب النزاعات املوجودة �أدى �إىل متزق‬ ‫الدولة الإ�سالمية وتفتتها لعدة دويالت‪.‬‬ ‫و يف الورقة الثانية بعنوان «نقد الفكر التكفريي على �ضوء منهج‬ ‫ابن تيمية» حتدث الدكتور رائد ال�سمهوري من ال�سعودية عن الكافر‬ ‫بالن�سبة لإبن تيمية وكيفية التعامل معه‪ ،‬حيث ق�سمه لأق�سام وهي‬ ‫املكذب بالر�سالة واملرتدد فيها �سواء �أكان تردداً عن بحث عن احلقيقة �أو‬ ‫تردداً عن هوى والغافل عن الر�سالة �سواء بلغته الر�سالة �أم مل تبلغه‪.‬‬ ‫يف حني بد�أ الأ�ستاذ �سمري مراد يف الورقة الثالثة بعنوان « �أ�ضواء‬ ‫على فتاوى ابن تيمية» بانتقاد من ي�أخذون فتاوى ابن تيمية كدليل‬ ‫على �أفعالهم املتطرفة خا�صة و�أنهم جاهلون بتلك الفتاوى‪� ،‬أو ال علم‬ ‫لهم مبقا�صدها‪ ،‬م�ؤكدا �ضرورة مراعاة م�صالح النا�س والواقع الذي‬ ‫يعي�شونه عند احلديث بق�ضايا امل�سلمني‪.‬‬ ‫واو�ضح موقف ابن تيمية من اجلهاد و�أن الهدف منه �أن تكون كلمة اهلل‬ ‫هي العليا‪ ،‬ذاكرا مراتب اجلهاد التي و�ضعها كاجلهاد بالدعاء واجلهاد‬ ‫بال�سيف واجلهاد بالتدبري وغريها‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫اجلل�سة الثانية‬

‫يعي�شون مع امل�سلمني‪� ،‬أو يعي�ش معهم امل�سلمون مبوجب عالقة مواطنة‬ ‫و�أمان‪ ،‬وهو يف كل ذلك موافق ومتبع لعلماء امل�سلمني يف فتاواهم يف هذا‬ ‫ال�ش�أن ومل يخرج عنهم‪ ،‬ومن ا�ستند على هذه الفتوى لقتال امل�سلمني‬ ‫وغري امل�سلمني فقد اخط�أ يف الفهم والت�أويل‪.‬‬ ‫واكد امل�ؤمتر ا َّن ت�صنيف الديار يف الفقه الإ�سالمي ت�صنيف اجتهادي‬ ‫�أملته ظروف الأمة الإ�سالمية وطبيعة العالقات الدولية القائمة‬ ‫حينئذ‪� ،‬إال �أن تغري الأو�ضاع الآن يف �ضوء املعاهدات الدولية املعرتف‬ ‫بها ولأن ال�شريعة قد حددت �أن اجلهاد ال يكون �إال لرد العدوان �أو‬ ‫مقاومة االحتالل‪ ،‬ومع ظهور دولة املواطنة التي ت�ضمن حقوق الإن�سان‬ ‫والأوطان‪ ،‬ما ا�ستلزم جعل العامل كله ف�ضاء للت�سامح والتعاي�ش ال�سلمي‬ ‫بني جميع الأديان والطوائف‪ ،‬ويف �إطار حتقيق امل�صالح امل�شرتكة‬ ‫والعدالة بني النا�س والكرامة الإن�سانية‪.‬‬

‫ويف اجلل�سة الثانية التي تر�أ�سها الدكتور عبد اهلل كنعان قال الدكتور‬ ‫حممد �صالح الدحيم من ال�سعودية يف ورقته «مكانة الن�ص يف‬ ‫الإ�ستدالل عند ابن تيمية» �أن ابن تيمية يعترب من �أكرث ال�شخ�صيات‬ ‫ت�أثريا يف التاريخ الإ�سالمي و�إثارة للجدل‪ ،‬فهو فقيه ومتكلم وم�صلح‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف ان هناك عالقة وثيقة بني ال�شيخ ابن تيمية والن�ص‪ ،‬فقد‬ ‫كان ي�ستخدم يف الن�ص لغة القر�آن الكرمي و�ألفاظه حيث هي �أ�سا�س‬ ‫الدميومة‪ ،‬م�ؤكدا يف الوقت ذاته �أن ابن تيمية كان يطلق م�صطلح‬ ‫الن�ص على القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‪.‬‬ ‫وا�ستعر�ض الدكتور حممد املطني من العراق يف الورقة الثانية بعنوان‬ ‫«دور ابن تيمية يف احلفاظ على وحدة الأمة» الكثري من املحاور منها‬ ‫الو�سطية يف منهج ابن تيمية و�أخالقه و�سماحته‪ ،‬وموقفه من خمالفيه‬ ‫وموقفه من التكفري مركزا على حمور مهم هو �أ�سا�س ورقته �أال وهو‬ ‫دوره يف الدعوة للوحدة بني امل�سلمني ونبذ الفرقة وحماولته للإ�صالح‬ ‫بني املذاهب املتناحرة‪ ،‬كما تطرق للحديث عن �أثر اخلالفات العقدية‬ ‫على وحدة الأمة‪.‬‬ ‫�أما الورقة الثالثة بعنوان « الواقعية والتجديد يف فكر ابن تيمية» تناول‬ ‫الدكتور حممد احلاج احلديث عن مفهوم الواقعية عند ابن تيمية وهو‬ ‫ما راعاه ابن تيمية يف فتاواه و�أبحاثه ليتنا�سب مع حياة النا�س‪ ،‬م�شريا‬ ‫اىل ان الواقع امر متغري من وجهة نظره‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف ان ح�صول ابن تيمية على لقب �شيخ الإ�سالم مل ي�أت من فراغ‬ ‫بل كان نتاج علمه وثروته املعرفية وكتبه التي متلأ املكتبات الإ�سالمية‪،‬‬ ‫ يف جل�سة التو�صيات‬‫ناهيك عن تطرقه للحديث عن الفكر التجريدي لدى ابن تيمية والتي‬ ‫تظهر بو�ضوح يف كتاباته‪.‬‬ ‫كما اكد على ر�سالة الإ�سالم يف حتقيق الأمن والأمان‪ ،‬وال�سلم‬ ‫تو�صيات امل�ؤمتر‬ ‫االجتماعي لكل بني الإن�سان‪ ،‬ويف كل زمان ومكان‪.‬‬ ‫يف جل�سة التو�صيات دان امل�شاركون يف اعمال امل�ؤمتر الدويل حول‬ ‫و�أ�شار امل�شاركون يف امل�ؤمتر �إىل �أن ال�شريعة الإ�سالمية جاءت رحمة‬ ‫و�سطية ابن تيمية جميع مظاهر العنف والتخريب التي جرت يف مدينة‬ ‫بامل�سلمني وغري امل�سلمني‪ ،‬وعن طريقها يتحقق التكافل واملحبة‬ ‫الزرقاء ‪.‬‬ ‫و�أو�صى امل�ؤمتر ب�ضرورة توافر �شروط باملفتي منها �أن يكون ذا �أهلية والت�سامح وال�سالم لأبناء الوطن جميعا‪.‬‬ ‫علمية كاملة‪ ،‬ومراعاة حتقيق املناط يف املكان والزمان والأ�شخا�ص ودعا امل�شاركون يف اعمال امل�ؤمتر الذي ا�ستمر يومني اىل �ضرورة‬ ‫والأحوال وامل�آل وتغليب امل�صالح العامة الن �ش�أن الفتوى يف الإ�سالم امل�شاركة ال�سيا�سية يف املجتمعات املعا�صرة‪ ،‬على �أن تكون من�ضبطة‬ ‫ب�ضوابط ال�شريعة باعتبارها واجباً يف اجلملة على كل واحد بح�سبه‪،‬‬ ‫ُيع ّد �أمراً مهماً وخطرياً‪.‬‬ ‫و�شدد امل�شاركون يف امل�ؤمتر على �أن فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ال وفقا لقواعد امل�صالح جمعاً وتكثرياً‪ ،‬واملفا�سد درءاً وتقلي ً‬ ‫ال‪ ،‬وممار�سة‬ ‫ميكن بحال من الأحوال �أن تكون م�ستنداً لتكفري امل�سلمني‪ ،‬واخلروج امل�سلمني حلقوقهم ال�سيا�سية املكفولة �شرعاً ود�ستوراً مبا ي�سهم يف بناء‬ ‫على حكامهم وا�ستباحة الدماء والأموال‪ ،‬وترويع الآمنني والغدر مبن املجتمع على �أ�س�س �صحيحة‪ ،‬ويقيم بنيان الدولة بطريقة م�ستقيمة‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫وطالبوا ب�إ�ستحداث �أق�سام درا�سية يف اجلامعات واملعاهد الإ�سالمية‬ ‫العليا تعنى بالبحوث والتدريب والت�أهيل يف جمال الإفتاء يف الق�ضايا‬ ‫العامة للأمة‪ ،‬وت�شجيع الدرا�سات العلمية النظرية والتطبيقية يف‬ ‫جمال تنقيح املناط ودرا�سة عالقة الزمان واملكان والأ�شخا�ص والأحوال‬ ‫والعوائد والنيات واملقا�صد بتغري الفتوى‪ ،‬وبخا�صة يف فكر ابن تيمية‪.‬‬ ‫واكد امل�ؤمترون مبد�أ التعاي�ش ال�سلمي و�إحرتام الآخر والت�سامح الديني‬ ‫والتعددية الفكرية التي من خاللها يربز الوجه احل�ضاري للإ�سالم‪.‬‬ ‫وا�شاروا اىل اهمية بذل مزيد من اجلهد يف درا�سة تراث �شيخ الإ�سالم‬ ‫ابن تيمية رحمه اهلل مراجع ًة وحتقيقاً‪ ،‬وكذلك تراث العلماء الكبار‬ ‫�أمثاله باعتبار �أثرهم يف الأمة وما يرجى من فهم تراثهم فهماً �سليماً‬ ‫من تر�شيد وتوجيه للعامة واخلا�صة‪.‬‬ ‫واو�صوا ب�ضرورة مواجهة عوامل اخلالف والفرقة التي انت�شرت يف‬ ‫ج�سد الأمة‪ ،‬التي جتمعها عقيدة واحدة وقر�آن واحد‪ ،‬و�سنة نبوية‬ ‫واحدة‪ ،‬ودعوة اخلريين من �أبنائها اىل الت�آلف والوحدة لأ َّن الأمة التي‬ ‫متزق �أفكار �أبنائها املبادئ املتعددة ي�سهل اخرتاقها ومتزيقها‪.‬‬ ‫وطالبوا بت�ضمني املناهج املدر�سية واجلامعية و�سطية �شيخ الإ�سالم‬ ‫ابن تيمية رحمه اهلل يف فتاواه واجتهاداته و�أفكاره لتعريف الأجيال من‬ ‫�أبناء الأمة الو�سطية بفكره دقة ومنهجا‪.‬‬ ‫كما دعوا جميع اجلماعات التي تعلن انتماءها لفكر الإمام ابن تيمية‬ ‫وتتبنى التكفري والقتل والعنف �أن تتقي اهلل يف الإ�سالم وامل�سلمني‪،‬‬ ‫و�أن تخ�ضع �أفكارها للمراجعة والتجديد‪ ،‬و�أن ال تتذرع بالإ�ستناد لفكر‬ ‫ال�شيخ ومواقفه يف تربير ممار�ساتها التي ت�سيء للدين وت�ضر مب�صالح‬ ‫امل�سلمني ‪.‬‬ ‫وطالبوا ال�شباب امل�سلم بالتم�سك بو�سطية الإ�سالم واعتداله وت�ساحمه‬ ‫مع الآخر‪ ،‬واحلذر من مفارقة جماعة امل�سلمني‪ ،‬و�أخذ الدين عن علمائه‬ ‫املتخ�ص�صني الثقات واملعروفني بو�سطيتهم‪ ،‬ونبذ التف�سريات اخلاطئة‬ ‫لق�ضايا التكفري واجلهاد والوالء والرباء وغريها من الت�أويالت التي ال‬ ‫تن�سجم مع مقا�صد الإ�سالم احلنيف‪.‬‬ ‫كما حثوا الأ�سرة امل�سلمة على القيام بدورها يف تربية الأبناء على ثقافة‬ ‫احلوار وقبول الآخر‪ ،‬وتوجيه الأبناء للتحلي بالأخالق الإ�سالمية‪،‬‬ ‫واحلر�ص على تقدمي مناذج القدوة احل�سنة‪ ،‬ودعوة امل�ؤ�س�سات‬ ‫الإعالمية والرتبوية والدينية لتفعيل ر�سالتها ال�سامية يف �إعداد‬

‫الأئمة لإحياء ر�سالة امل�سجد على الوجه املطلوب وتفعيل دوره بتب�صري‬ ‫املجتمع ب�أ�ضرار الغلو والتطرف وخماطر الإرهاب‪ ،‬وتعزيز الو�سطية‬ ‫وت�صحيح املفاهيم اخلاطئة عند ال�شباب حول و�سطية الإمام ابن‬ ‫تيمية وتب�صريهم باالنحرافات الفكرية وما يرتتب عليها من خماطر‬ ‫و�أ�ضرار‪.‬‬ ‫وطالب امل�ؤمترون كل من يحمل فكر ال�سلفية منهجاً وطريقاً �أن يقفوا‬ ‫موقفاً مبدئياً وحازماً جتاه من يدَّعي الإنت�ساب �إىل هذا الفكر‪ ،‬فك ّفروا‬ ‫النا�س و�أ�ضلوهم وا�ستباحوا دماء امل�سلمني‪ ،‬ون�شروا الرعب والرتهيب‬ ‫واخلراب يف املجتمعات الإ�سالمية‬

‫‪70‬‬


‫مقابالت‬ ‫الوسطية‬ ‫في حواره لمجلة الوسطية‬

‫األب حداد‪ :‬المدرسة الهاشمية لها الفضل‬ ‫في تكريس عمق العالقة األنموذج بين‬ ‫مسلمي ومسيحيي األردن‬

‫بني �سعادة الأب نبيل حداد �أن حوار الأديان م�صطلح ي�ؤكد على هناك حوار بني اهلل واالن�سان‪ ،‬وهو ما ن�صت عليه ايات الكتاب املقد�س‬ ‫القيم التي دعت اليها الأديان‪ ،‬م�شريا يف الوقت ذاته لوجود عالقة (االجنيل) التي ت�ؤكد عليه‪.‬‬

‫بني اتباع االديان تقوم على احرتام الفرد للآخر يف فكره وعقيدته‪ - .‬العالقة بني امل�سلمني وامل�سيحيني منذ ع�صر الر�سول �صلى اهلل‬ ‫و�أ�ضاف يف اللقاء الذي �أجراه مع جملة الو�سطية �أن تفجريات عليه و�سلم امتازت بالت�سامح ‪ ،‬لكننا ن�شهد اليوم بع�ض االحتقان‬ ‫بني اتباع هاتني الديانتني‪ ،‬هل ل�سعادتكم ان يلخ�ص لنا ا�سباب هذا‬ ‫كني�سة القدي�سني يف اال�سكندرية ادانة ا�سالمية وم�سيحية‪ ،‬و�أن‬ ‫االحتقان؟‬ ‫هذه اجلرمية قد اختارت املكان و هو «اال�سكندرية» حا�ضرة‬ ‫الثقافة وما متثله يف الرتاث امل�سيحي امل�شرقي‪ ،‬واختارت الزمان فهو‬ ‫بدء العام امليالدي اجلديد للم�سيحيني الأبرياء‪ ،‬وحتما هي جرمية‬ ‫م�ستنكرة وعمل ارهابي �شنيع ي�ستهدف م�صر ب�أقباطها وم�سلميها‪،‬‬ ‫وي�ستهدف كني�سة م�صر والأزهر‪ ،‬مبا ميثله الأزهر من دور يف العامل ‪.‬‬ ‫فيما يلي ن�ص احلوار‪....‬‬ ‫‪ -‬كيف ينظر �سعادة االب نبيل حداد اىل حوار االديان؟‬

‫هذا امل�صطلح يف �شكله ي�ؤكد على القيم التي دعت اليها االديان‬ ‫عموما‪ ،‬واحلوار يعد تعبريا عن وجود عالقة بني اتباع االديان تقوم‬ ‫على احرتام االخر يف فكره وعقيدته‪ ،‬وتعبريا عن احرتام املرء لديانته‪،‬‬ ‫فكل عالقة بني اثنني اياّ كان �شكلها هي تعبريا عن حوار‪ ،‬ويف امل�سيحية‬ ‫كان احلوار �ضرورة تعرب عن تطبيق المر الهي حتى ان العالقة بني‬ ‫االن�سان كمخلوق مع ال�سماء قد جاءت نتيجة احلوار‪ ،‬ففي اخللق كان‬

‫نلم�س ب�شكل وا�ضح وجود احتقان بني اتباع الديانتني يف كثري من بقاع‬ ‫العامل واعتقد �أن ال�سبب الرئي�سي هو ان اتباع االديان لال�سف يف حاالت‬ ‫عديدة حولوا الدين اىل ايدولوجيا ا�ستخدموها خلدمة �إغرا�ض‬ ‫�سيا�سية �أو اقت�صادية‪ ،‬حتى �صارت املمار�سات التي تنطلق من هذه‬ ‫االيدولوجيا �سببا يف ن�شر البغ�ضاء بني النا�س مما ت�سبب يف ت�صوير هذا‬ ‫االخر على انه خ�صم وعدو‪ ،‬وهذا ما نلحظه يف العقود االخرية بعد ان‬ ‫تغريت خريطة العامل ال�سيا�سية فا�ستخدم الدين يف كثري من املناطق‬ ‫كي يخدم �أهدافا معينة ‪ ،‬حتى بات من ال�صعب ت�صويب هذا الواقع‬ ‫دون اعادة اخلطاب الديني اىل املنرب واملوقع ال�صحيح‪ ،‬وهذا االمر‬ ‫وا�ضح بجالء يف تدخالت القوى الغربية يف كثري من مناطق العامل‬ ‫اال�سالمي‪ ،‬و ما جاء نتيجة �أحداث احلادي ع�شر من �سبتمرب التي �أذكت‬ ‫روح �سوء الفهم‪ ،‬وكانت النتيجة ان ق�سم العامل اىل غرب يف�سر خط�أ‬ ‫انه م�سيحي‪ ،‬واىل الإ�سالم الذي ينظر اليه من قبل الغرب انه حا�ضنة‬ ‫وم�ستنبت للفكر االرهابي‪ ،‬بدال من التق�سيم على ا�سا�س التطرف من‬ ‫جهة مقابل حلف االعتدال من جهة اخرى‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫ القت تفجريات كني�سة القدي�سني يف اال�سكندرية ادانة ا�سالمية ‪ -‬كيف ينظر �سعادة االب نبيل حداد اىل احلياة التي يعي�شها‬‫م�سيحيو الأردن؟‬ ‫وم�سيحية على حد �سواء ‪ ،‬فهل لكم بكلمة حول هذه التفجريات؟‬

‫يبدو �أن هذه اجلرمية قد اختارت املكان والزمان ‪ ،‬فاملكان هو‬ ‫اال�سكندرية حا�ضرة الثقافة( اثينا املنطقة العربية وال�شرق االو�سط)‬ ‫وما متثله يف الرتاث امل�سيحي امل�شرقي‪ ،‬كحا�ضرة الول م�سيحية الهوتية‬ ‫هذا من جهة‪ ،‬اما الزمان فهو بدء العام امليالدي اجلديد اثناء خروج‬ ‫امل�سيحيني الأبرياء من كني�ستهم‪ ،‬وحتما �أرى �أن هذه اجلرمية لي�ست‬ ‫حدث طائفي ‪ ،‬فو�صفها باحلدث الطائفي هو اختزال خلطورة احلدث‪،‬‬ ‫هذا احلادث جرمية م�ستنكرة وعمل ارهابي �شنيع كان ي�ستهدف م�صر‬ ‫باقباطها وم�سلميها‪ ،‬وي�ستهدف كني�سة م�صر والأزهر‪ ،‬مبا ميثله‬ ‫االزهر من دور يف العامل اال�سالمي ولكن ما جرى ومع وجود احتقان‬ ‫يف املجتمع امل�صري ب�سبب ظروف متعددة‪� ،‬أن �إخوتنا يف م�صر وقفوا‬ ‫وقفة عربت عن اداء م�صري رفيع‪ ،‬وهذا الت�ضامن اال�سالمي امل�سيحي‬ ‫يف م�صر اظهر ان كني�سة م�صر قد ازدادت قوة يف مواجهة الإرهاب‪ ،‬الن‬ ‫الإرهاب ال ي�ستطيع ان يقتلها بل يزيدها متا�سكا ومنعة‪ ،‬واثبت اخوتنا‬ ‫االقباط بانهم كغريهم من اخوتهم امل�سيحيني ال�شرقيني ا�صحاب رغبة‬ ‫غريزية يف احلفاظ على الوحدة الوطنية ‪ ،‬كما ان موقف االزهر الذي‬ ‫�سارع ممثال مبوقف نبيل للدكتور احمد الطيب اىل الوقوف موقفا‬ ‫يعرب عن �سماحة لي�ست غريبة على ال�شخ�صية امل�صرية لت�ؤكد على‬ ‫احرتامها للم�سيحيني الذين هم مكون رئي�س وجزء مهم يف الن�سيج‬ ‫املجتمعي وال�شخ�صية العربية‪.‬‬

‫م�سيحيو الأردن هم �أردنيون وعرب خ ّل�ص‪ ،‬ي�شعرون دوما انهم جزء‬ ‫من اال�سرة االردنية الواحدة‪ ،‬عددهم قليل لكنهم لي�سوا اقلية وهم‬ ‫لي�سوا جالية ‪ ،‬بل هم ورثة تاريخ مقد�س‪ ،‬فهم اقدم جماعة يف التاريخ‬ ‫حافظوا على وجودهم‪ ،‬بل جتاوز هذا الوجود اىل ح�ضور فاعل ودور‬ ‫يعتزون به يف بناء الوطن وخدمة املجتمع‪ ،‬وهذا مرده ان امل�سيحيني‬ ‫من ابناء االردن مل ي�شعروا لوهلة �أنهم غرباء ومل يت�صرفوا مبنعزل‬ ‫عن الآخرين‪ ،‬بل عملوا كعن�صر فاعل يف املجتمع ‪� ،‬أما �أخوتهم امل�سلمون‬ ‫فقد بادلوهم كل احرتام ومودة‪ ،‬وكانت �صفحات التاريخ ما زالت ت�شهد‬ ‫على هذه العالقة االمنوذج التي نعتز بتقدميها لالخرين‪ ،‬ان الف�ضل‬ ‫يف هذا النموذج يعود للمدر�سة الها�شمية التي كر�ست هذا االرث فالإرادة‬ ‫ال�سيا�سية التي تعرب عن فكر يرى االردنيون انهم ا�سرة واحدة كبرية ‪،‬‬ ‫وم�سلموا الوطن ب ّروا باخوانهم امل�سيحيني فكان هذا النموذج الوطني‬ ‫الإن�ساين‪.‬‬ ‫لقد كان االردن موطن القدا�سة �سباقا دوما يف ن�شر ثقافة الوئام‬ ‫والت�سامح فها هو التاريخ منذ �أمنة الر�سول العربي الكرمي اىل ا�سقف‬ ‫ايلة يوحنة بن ر�ؤية وم�سيحييها‪ ،‬وامتدت العالقة اىل م�ؤتة والريموك‬ ‫فعهدة عمر الفاروق‪� ،‬إىل �أيامنا هذه ‪ ،‬فلم يكن يف تاريخ الوطن يوما‬ ‫ان كان امل�سيحيون حارة �أو حيا معزوال بل تقا�سموا اخلبز وامللح واملاء‬ ‫وامل�صري الواحد‪.‬‬

‫ وما هو دور املرجعيات امل�سيحية يف توجيه امل�سيحيني يف تعاملهم‬‫مع غريهم من ابناء جمتمعاتهم؟‬

‫املرجعيات امل�سيحية رف�ضت وترف�ض كليا اي خروج عن االخالق‬ ‫واحرتام الغريب او اجلار‪ ،‬اما ما يحدث يف املجتمعات الغربية ينبغي‬ ‫ان نتذكر ان هذه املجتمعات قد ف�صلت الدين عن ال�سيا�سة‪ ،‬ولي�س‬ ‫للمرجعيات فيها من �سلطة ل�ضبط ايقاع املجتمعات‪ ،‬امنا نفخر ان‬ ‫ال�سلطة االخالقية والتعليمية للمرجعية امل�سيحية وقفت دوما مع‬ ‫القيم التي دعت امل�سيحية اليها‪ ،‬من احرتام لالخر واحلفاظ على‬ ‫املودة‪ ،‬وعدم امل�سا�س مب�شاعر االخرين‪ ،‬وهذا ما رايناه يف العديد من‬ ‫املواقف التي عربت عنها املرجعيات مثل ارتداء احلجاب او ق�ضية بناء‬ ‫امل�آذن او الر�سوم الكاريكاتورية ‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫في حواره مع إسالم اون الين‪:‬‬

‫الريسوني ‪ :‬تطبيق الشريعة ال‬ ‫يحتاج إلى الدولة اإلسالمية‬ ‫الدكتور �أحمد الري�سوين واحد من فقهاء الأمة امل�شهود لهم بالعلم ‪ -‬م�ضمونه‪ ،‬كونه حماولة لفك االلتبا�س بني الكل واجلزء‪� ،‬أو بتعبري‬ ‫والفقه‪ ،‬وهو فوق �أنه فقيه �أ�صويل‪ ،‬فهو مقا�صدي اهتم بعلم مقا�صد �آخر بني مفاهيم عرفية جزئية ا�ستقرت لدى النا�س ب�سبب قلة الوعي‬ ‫ال�شريعة من حيث هو امليزان الذي توزن به الأحكام الفقهية‪� ..‬أو انعدامه‪ ،‬ومفاهيم حقيقية �شاملة �أرادتها ن�صو�ص مقد�سة ومقا�صد‬ ‫كلية لتلك الن�صو�ص‪.‬‬ ‫ح�سب تعبريه يف كثري من �أدبياته‪.‬‬

‫ن�ص احلوار‬ ‫ويف هذا احلوار يفتح الري�سوين ملفا لطاملا حلم به كثريون من �أبناء‬ ‫ ما ر�أيكم يف اجلدل الذي ال ينقطع حول تطبيق ال�شريعة‪ ،‬خا�صة‬‫احلركة الإ�سالمية‪ ..‬ملف «تطبيق ال�شريعة»‪ ..‬لكن الرجل هنا بعد �إعالن ال�سودان (ال�شمايل) عقب انف�صال اجلنوب عزمه تطبيق‬ ‫يبدو م� ِّؤطراً‪ ،‬وحماوال و�ضع �أ�س�س �أولية يتم البناء عليها‪ ..‬حتى ال�شريعة؟‬ ‫يفهم �أبناء ال�صحوة م�صطلحاتهم‪ ،‬وبالتايل ي�ستطيعون و�ضع �آمالهم ‪ -‬بداية �أ�ؤكد �أن الق�ضية يف جزء منها تعود �إىل ما تعي�شه النخب‬ ‫يف مو�ضوعها ال�صحيح‪..‬‬ ‫الثقافية وال�سيا�سية من انق�سام �إىل تيارين كبريين‪ ،‬يتجاذبان ال�ساحة‬

‫الثقافية وال�سيا�سية‪ ،‬ميكن و�صفهما بالتيار الديني‪ ،‬والتيار العلماين‬ ‫احلداثي‪ ،‬ولكن جزءاً من هذا ال�صراع يرجع يف الأ�صل �إىل االلتبا�س‬ ‫احلا�صل يف مفهوم ال�شريعة وتطبيقها‪.‬‬ ‫و�سواء عند املتبنني لتطبيق ال�شريعة املدافعني عنه‪� ،‬أو عند املناوئني‬ ‫لهذا الهدف اخلائفني منه‪ ،‬ف�إن هناك مفاهيم وت�صورات قا�صرة �أو‬ ‫م�شوهة ملفهوم ال�شريعة ولتطبيقها‪ ..‬وهو ما ترتتب عليه م�شاكل‬ ‫و�صراعات عدة‪ ،‬ميكن تالفيها �أو تقلي�صها باملعرفة ال�صحيحة لل�شريعة‬ ‫وم�ضامينها‪.‬‬

‫ويرى الري�سوين �أن الق�ضية يف جزء منها تعود �إىل ما تعي�شه النخب‬ ‫الثقافية وال�سيا�سية من انق�سام بني تيارين كبريين يتجاذبان ال�ساحة‬ ‫الثقافية وال�سيا�سية‪ ،‬ميكن و�صفهما ح�سب تعبريه بالتيار الديني‬ ‫والتيار املدين‪ ،‬لكنه ي�ؤكد �أن جزءاً من هذا ال�صراع يرجع �إىل االلتبا�س‬ ‫احلا�صل يف مفهوم ال�شريعة وتطبيقها‪.‬‬ ‫وبالتايل ف�إن الفقيه املغربي يلفت �إىل �أن هناك مفاهيم وت�صورات‬ ‫قا�صرة �أو م�شوهة ملفهوم ال�شريعة �أو ملفهوم تطبيق ال�شريعة‪ ،‬وهو ما‬ ‫ترتتب عنه م�شاكل و�صراعات عدة‪ ،‬ميكن تالفيها �أو تقلي�صها باملعرفة‬ ‫فك االلتبا�س‬ ‫ لكن ‪ ..‬ميكن فهم هذا االلتبا�س عند اخلائفني من تطبيق ال�شريعة‪،‬‬‫ال�صحيحة لل�شريعة وم�ضامينها‪.‬‬ ‫و�أهمية هذا احلوار تعود �إىل �أمرين‪:‬‬

‫لكن ماذا تق�صد بااللتبا�س عند املطالبني بتطبيقها؟‬

‫ توقيته‪ ،‬من حيث كونه عقب انهيار نظامي تون�س وم�صر‪ ،‬وطموح ‪� -‬أنا �أت�صور �أن االلتبا�س عند املطالبني بتطبيق ال�شريعة �أ�شد خطورة‬‫من حيث ت�صور البع�ض ح�صر ال�شريعة �أو انح�صارها يف اجلانب‬ ‫بع�ض الإ�سالميني احلركيني الحتالل امل�شهد باحللم القدمي يف تطبيق‬ ‫ال�سيا�سي الر�سمي‪ ،‬ويف احلكم الق�ضائي باحلدود‪( ،‬من رجم وقطع‬ ‫ال�شريعة‪.‬‬ ‫وجلد �إىل �آخره)‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫وهذا هو ما ولد –باملقابل‪ -‬ت�صورات لدى �آخرين ت�صوروا ال�شريعة‬ ‫وتطبيقها على طريقتهم‪ ،‬فقالوا بناء على ذلك‪� :‬إن ال�شريعة مل تطبق‬ ‫�إال يف العهد النبوي‪ ،‬ون�سبيا يف عهد اخللفاء الرا�شدين‪ ،‬وهذا معناه ‪-‬يف‬ ‫نظرهم‪� -‬أن هذه ال�شريعة غري قابلة للتطبيق يف هذا الزمان‪ ،‬ملثاليتها‪،‬‬ ‫�أو لق�صورها‪� ،‬أو لغري ذلك من الأ�سباب‪.‬‬ ‫املهم �أن تطبيقها –كما يرون‪ -‬توقف يف وقت مبكر‪ ،‬ومل ي�صمد �أمام‬ ‫التطورات والتغريات �إال زمنا ي�سريا‪ ،‬فكيف يراد تطبيقها اليوم‪ ،‬بعد‬ ‫�أربعة ع�شر قرنا من توقف تطبيقها؟!‬ ‫وب�سبب هذا �أي�ضا‪ ،‬ر�أى �آخرون �أن ال�شريعة تت�سم بالبدائية والتخلف‬ ‫والهمجية‪ ،‬فكرهوها وكرهوا من يريد �إحياءها ؛ فهي ‪-‬فيما �سمعوا‬ ‫وفهموا‪ -‬عبارة عن ق�صا�ص وحدود‪ ،‬و�سيوف ودماء‪ ،‬فالعودة �إىل‬ ‫ال�شريعة عودة �إىل الوح�شية والهمجية‪ ،‬ونحن يف زمن احل�ضارة‬ ‫واحلداثة وحقوق الإن�سان!‬ ‫وب�سبب ذلك �أي�ضا‪ ،‬ظهر لبع�ض املتدينني والدعاة‪� ،‬أن جميع احلكومات‬ ‫واملجتمعات ‪-‬الإ�سالمية «�سابقا»‪ -‬قد نبذت اليوم �شريعة اهلل وعطلتها‬ ‫وتنكرت لها‪ ،‬وقد غاىل بع�ضهم فتحدثوا عن ردة وا�سعة قد عمت معظم‬ ‫البلدان الإ�سالمية‪� ،‬شعوبا وحكومات‪ ..‬ومن هنا ارتفعت درجة الكراهية‬ ‫والرف�ض والتكفري‪ ...‬وهو ما جنمت عنه تداعيات وردود فعل خطرية‪،‬‬ ‫ما زلنا نعي�ش �آثارها‪.‬‬

‫العملية الواردة يف الدين‪ ،‬ومنها العبادات الظاهرة والباطنة‪ ،‬والأخالق‬ ‫والآداب‪..‬‬ ‫فال�شريعة حتى بهذا املعنى اال�صطالحي ت�شمل الدين كله عدا العقيدة‪،‬‬ ‫ومن هنا جاء ا�ستعمال عبارة «الإ�سالم عقيدة و�شريعة» على �أ�سا�س �أن‬ ‫العقيدة غري ال�شريعة‪.‬‬ ‫بل ومنذ قرون طويلة‪� ،‬أ�صبح هذا املعنى هو الأكرث �شيوعا وا�ستعماال‬ ‫لدى العلماء‪ ،‬ولكنه مل ُيلغ املعنى الأول والأعم لل�شريعة وال�شرع‪ ،‬كما‬ ‫�أنه ظل وا�سعا و�شامال لكل املجاالت الت�شريعية العامة واخلا�صة‪..‬‬ ‫فمجال ال�شريعة هنا �أ�صبح تقريبا هو نف�سه جمال «الفقه»‪ ،‬مبعناه‬ ‫اال�صطالحي املعروف‪ ،‬ويبقى الفرق بينهما هو �أن ال�شريعة تطلق على‬ ‫ما هو منزل ومن�صو�ص و�صريح‪ ،‬من الأحكام ومن القواعد ال�شرعية‪،‬‬ ‫بينما الفقه ‪�-‬أو علم الفقه‪ -‬يراد به خا�صة ما هو م�ستنبط وجمتهَد‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫بل �إنني �أزيدك من ال�شعر بيتا حني �أقول لك‪� :‬إن ا�ستعمال ا�سم‬ ‫ال�شريعة قد اجته ‪-‬م�ؤخرا‪ -‬نحو مزيد من التخ�صي�ص والتقلي�ص‪،‬‬ ‫وخا�صة حينما بد�أ التعبري بلفظ «الت�شريع الإ�سالمي» على غرار معنى‬ ‫«الت�شريع» مبفهومه القانوين‪.‬‬ ‫وهكذا بد�أ لفظ ال�شريعة والت�شريع الإ�سالمي‪ ،‬يطلقان على الت�شريعات‬ ‫املنظمة للحياة العامة‪ ،‬وهو باملنا�سبة ا�صطالح العالمة ابن عا�شور‪..‬‬

‫ي�شمل معناها كل ما �أنزله اهلل لعباده‪ ،‬من معتقدات وعبادات‪ ،‬و�أخالق‬ ‫و�آداب‪ ،‬و�أحكام عادات ومعامالت‪..‬‬ ‫وبهذا املعنى الوا�سع اجلامع لل�شريعة ذخر الرتاث الإ�سالمي مب�ؤلفات‬ ‫عديدة تع�ضد هذا املعنى وتر�سخه يف الذهنية الإ�سالمية‪..‬‬ ‫فمثال �ألف الإمام �أبو بكر الآجري كتابه الذي �أ�سماه (ال�شريعة)‪ ،‬مع‬ ‫�أن �أكرث ما فيه م�سائل عقدية وتربوية‪ ،‬وبعده �ألف املفكر الفيل�سوف‬ ‫الراغب الأ�صفهاين كتابه ال�شهري (الذريعة �إىل مكارم ال�شريعة)‪ ،‬وهو‬ ‫كتاب يف فل�سفة الأخالق والرتبية‪ ..‬وهذا يعني �شمول اللفظة ملعان‬ ‫�أخرى غري معناها امل�ضيق لدى البع�ض!‬

‫ هذا �س�ؤال مهم جدا؛ لأنه وبعد �أن �أ�صبح معنى ال�شريعة مماثال‬‫�أو مقابال‪ -‬ملعنى القانون‪ ،‬بد�أت املقابلة واملقارنة بني (ال�شريعة‬‫الإ�سالمية) و(القوانني الو�ضعية)‪ ..‬وهذا ما نتجت عنه احل�سا�سية‬ ‫التي تتحدث عنها‪..‬‬ ‫وقد تعززت هذه املقابلة وحتولت �إىل خ�صومة ومناف�سة‪ ،‬ب�سبب ما‬ ‫تعر�ضت له �أحكام ال�شريعة ‪-‬املدنية واجلنائية‪ -‬من �إزاحة ق�سرية‪،‬‬ ‫لفائدة القوانني امل�ستوردة من الغرب‪ ،‬وهذا باملنا�سبة ما جعل واحدا‬ ‫بحجم العالمة الأ�ستاذ عالل الفا�سي يتحدث عن �صراع بني (ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية) و(ال�شريعة اال�ستعمارية)‪ ،‬وذلك يف كتابه القيم (دفاع عن‬ ‫ال�شريعة)‪.‬‬ ‫ويف خ�ضم ما �أ�سميته عملية «التطهري الت�شريعي»‪ ،‬التي �سهرت عليها‬ ‫وما زالت‪ -‬الدول اال�ستعمارية‪ ،‬ارتفعت درجة احل�سا�سية �ضد هذا‬‫امل�سار‪ ،‬بل �أ�صبحت هذه احل�سا�سية جزءا من ال�صحوة الإ�سالمية‬ ‫وحمركا من حمركاتها‪ ،‬وهنا ُرفع �شعار «تطبيق ال�شريعة»‪ ،‬الذي اجته‬ ‫�أ�سا�سا �إىل ال�شريعة ب�أ�ضيق معانيها‪� ،‬أي ال�شريعة املمثلة يف قوانني‬ ‫الدولة وحماكمها‪ ،‬باعتبار �أن هذا املعنى هو «حمل النزاع وميدان‬

‫ حديثكم يعني �أن ثمة مفهوما �آخر لل�شريعة ينبغي �أن يكون ‪� -‬إذا كان احلال كذلك‪ ..‬فما بر�أيك �أ�سباب هذا االلتبا�س يف فهم‬‫امل�صطلح ومق�صوده‪ ،‬وبالتايل الإح�سا�س دوما باحلاجة �إىل التعامل‬ ‫حا�ضرا وقت احلديث عن التطبيق‪� ..‬ألي�س كذلك؟‬ ‫‪ -‬بلى‪ ..‬فال�شريعة حتى بالعودة �إىل �أ�صلها اللغوي يف القر�آن الكرمي معه بهذا االختزال؟‬

‫بني الفقه وال�شريعة‬ ‫ لكن اال�ستعمال ال�شائع حتى على م�ستوى التخ�ص�ص العلمي هو‬‫ا�ستعمالها للداللة على الأحكام العملية يف الدين‪ ،‬وهذا ما يجعلها‬ ‫�أكرث الت�صاقا مبفهوم اجلماهري عنها‪� ..‬ألي�س كذلك؟‬

‫ هذا �صحيح‪ ..‬لكن اال�ستعمال اال�صطالحي عادة ما ي�ضيق من‬‫ويق�ص ُرها على بع�ض مدلوالتها اللغوية‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫مدلوالت الألفاظ‪ُ ،‬‬ ‫ف�إن اللفظ ظل حمتفظا‪ ،‬يف هذه الداللة بجميع املجاالت الت�شريعية‬

‫‪74‬‬


‫ال�صراع»‪ ،‬ومبا �أن �أول و�أبرز �ضحايا «التطهري الت�شريعي»‪ ،‬كان هو‬ ‫املجال اجلنائي‪ ،‬ف�إن رد الفعل قد تركز على هذا املجال وعلى ت�ضخيمه‬ ‫وحماولة �إعادة االعتبار له‪..‬‬ ‫وهكذا بد�أت عملية اختزال ملفهوم ال�شريعة وتطبيقها‪ ،‬يف تطبيق‬ ‫العقوبات اجلنائية الإ�سالمية‪ ،‬و�أ�صبحت «احلدود ال�شرعية» رمزاً‬ ‫لتطبيق ال�شريعة �أو رمزا لتعطيلها‪ ..‬وهذا ي�ؤكد على �ضرورة �أن تو�ضع‬ ‫املعاين امل�ضيقة ملفهوم ال�شريعة يف �سياقها وجمالها‪ ،‬وينبغي �أال حتجبنا‬ ‫�أو حتجب عنا املعنى الأ�صلي الرحب والكامل لل�شريعة‪...‬‬ ‫�شمول امل�صطلح‬ ‫ وما املعنى الكامل لل�شريعة على حد تعبريكم‪ ،‬ثم ما تداعيات‬‫ات�ساعه بال�صورة التي تتحدث عنها؟‬

‫ رمبا يح�سن التف�صيل حتى يتم فهم املراد‪ ..‬فيمكننا �أن نقول جازمني‪:‬‬‫�إن القر�آن الكرمي‪ ،‬وكل ما ت�ضمنه من فاحتته �إىل نهايته هو ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وال�سنة النبوية ال�صحيحة كلها‪ ،‬وكل ما فيها هي ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية‪.‬‬ ‫لكنا على �سبيل التف�صيل ن�ؤكد �أن الإميان باهلل واخلوف واحلياء منه‬ ‫�سبحانه كلها �شريعة اهلل‪ ،‬وكذلك عبادته والتوكل عليه‪ ،‬والإخال�ص له‪،‬‬ ‫وذكره و�شكره‪ ،‬كلها �شريعة اهلل‪.‬‬ ‫والتخلق مبكارم الأخالق والآداب من عدل و�إح�سان و�صدق ووفاء‪،‬‬ ‫ورفق وتوا�ضع ‪ ...‬كل هذا من �شريعة اهلل‪ .‬وكذلك التنزه والتخل�ص من‬ ‫�سفا�سف الأخالق ورذائلها‪ ،‬والتعفف عن اخلبائث واملحرمات‪ ،‬والوقوف‬ ‫عند املباحات الطيبات‪ ،‬جزء من ال�شريعة ومن تطبيق ال�شريعة‪ ،‬وطلب‬ ‫العلم ‪�-‬أي علم نافع‪ -‬وبذله ون�شره وامل�ساعدة عليه‪ ،‬عبادة و�شريعة‪ ،‬وكل‬ ‫ما يحقق ويخدم مقا�صد ال�شريعة‪ ،‬يف حفظ الدين والنف�س والعقل‬ ‫والن�سل واملال‪ ،‬فهو من �صميم ال�شريعة‪ ،‬ومن م�صالح ال�شريعة‪.‬‬ ‫والزواج وح�سن الع�شرة الزوجية �شريعة‪ ،‬و�إجناب الأوالد وتربيتهم‬ ‫وتعليمهم �شريعة‪ .‬وكل ما يجلب �أو يحقق �أو يعزز كرامة الإن�سان‬ ‫ورفعته‪ ،‬املادية �أو املعنوية‪ ،‬فهو من ال�شريعة ومن �إقامة ال�شريعة‪ ،‬وكل‬ ‫عمل �أو جمهود يرفع عن النا�س الظلم والقهر والت�سلط واال�ستبداد‪،‬‬ ‫فهو من �صميم ال�شريعة‪ ،‬واحلكم بني النا�س مبا �أنزل اهلل‪ ،‬وبكل ما هو‬ ‫عدل و�إحقاق للحق‪ ،‬هو جزء كبري من �شريعة اهلل‪.‬‬ ‫ولو ذهبنا ن�ستعر�ض ت�شعبات ال�شريعة وامتداداتها‪ ،‬ملا بقي �شيء �أو فعل‪،‬‬ ‫�إال وجدنا له مكانه فيها‪ ،‬فهي �شريعة الإن�سان ظاهرا وباطنا‪ ،‬فردا‬ ‫وجماعة‪ ،‬وهي �شريعة الدنيا والآخرة‪ ،‬و�شريعة الدولة واملجتمع‪.‬‬ ‫ لكن‪ ..‬بهذا املعنى الوا�سع ف�إن ال�شريعة مطبقة بن�سبة ومغيبة‬‫ب�أخرى‪ ،‬و�أي�ضا ف�إن الأفراد م�سهمون ب�شكل �أو ب�آخر فيما ي�سميه‬ ‫البع�ض «تعطيل ال�شريعة» هل تق�صد هذا؟‬

‫ نعم بال�ضبط‪ ..‬فكل من عمل ب�شيء من هذا كله‪ ،‬فهو عامل‬‫بال�شريعة‪ ،‬وقائم بتطبيق ال�شريعة‪� ،‬سواء كان فردا‪� ،‬أو جماعة �أو دولة‬ ‫�أو حكومة �أو حزبا �أو رئي�سا �أو مر�ؤو�سا‪� ،‬أو �أمة �أو جمتمعا‪ ،‬وباملقابل كل‬ ‫من خالف وخرق �شيئا مما ذكر من ال�شريعة‪ ،‬فهو يعطل من ال�شريعة‬ ‫بقدر خمالفته وخرقه‪.‬‬ ‫فالكذب تعطيل لل�شريعة‪ ،‬مثلما �أن ال�صدق تطبيق لها‪ ،‬والغ�ش يف‬ ‫الدرا�سة �أو التدري�س‪� ،‬أو ال�صناعة �أو التجارة‪� ،‬أو يف اخلدمات �أو يف‬ ‫االنتخابات‪ ،‬تعطيل لل�شريعة‪ ،‬مثلما �أن �إتقان العمل‪ ،‬و�إكماله بنزاهة‬ ‫و�إخال�ص‪ ،‬هو تطبيق لل�شريعة‪ ،‬و�إخالف الوعود تعطيل لل�شريعة‪،‬‬ ‫والوفاء بها عمل بال�شريعة‪ ،‬وهكذا حتى منر على كل ُ�ش َعب ال�شريعة‬ ‫وكل م�ضامينها‪.‬‬ ‫�إن من يدرك هذا املعنى احلقيقي لل�شريعة‪ ،‬ال ميكنه �أن يقول اليوم‪:‬‬ ‫�إن ال�شريعة معطلة‪� ،‬أو �إن تعطيل ال�شريعة �أو تطبيق ال�شريعة هو بيد‬ ‫الدولة ومن اخت�صا�ص الدولة‪� ،‬أو يحتاج �إىل قيام «الدولة الإ�سالمية»‬ ‫�أو قيام اخلالفة‪ ...‬كما ال ميكنه ال�سقوط يف ح�صر ال�شريعة يف عدد‬ ‫حمدود من �أحكامها‪� ،‬أو من نظامها العقابي بوجه �أخ�ص‪.‬‬ ‫�إن مقوالت‪« :‬تعطيل ال�شريعة‪ ،‬و�إلغاء ال�شريعة‪ ،‬واملطالبة بتطبيق‬ ‫ال�شريعة»‪ ،‬كلها ت�صبح ن�سبية ال�صحة‪ ،‬بل قليلة ال�صحة‪ ..‬فتعطيل‬ ‫�أحكام من ال�شريعة �صحيح‪ ،‬لكن ما ن�سبتها من م�ساحة ال�شريعة؟ ما‬ ‫عدد ال�ش َعب املعطلة من جممل ُ�ش َعب ال�شريعة؟ وما ن�سبة التعطيل يف‬ ‫كل �شعبة؟ وهل التعطيل خا�ص باحلكام واملحاكم؟‬ ‫و�أي�ضا ال ميكن ‪-‬بعد ت�صحيح مفهوم ال�شريعة‪ -‬القول‪ :‬ب�أن ال�شريعة‬ ‫مل تطبق ‪-‬عرب التاريخ‪� -‬إال لفرتة حمدودة هي الفرتة النبوية وفرتة‬ ‫اخللفاء الرا�شدين‪..‬‬ ‫لقد ظل املجتمع يعمل ويعي�ش بال�شريعة‪ ،‬وظل الق�ضاة واملحت�سبون‬ ‫يطبقون ال�شريعة‪ ،‬وظل العلماء يفتون النا�س بال�شريعة‪ .‬وظلت ثقافة‬ ‫النا�س و�أفكارهم وقيمهم‪ ،‬تتغذى بال�شريعة وتتنف�س ال�شريعة‪..‬‬ ‫وم�ؤخرا يف �شوارع القاهرة‪ ،‬كان امل�صريون الثائرون ‪-‬و�شبابهم خا�صة‪-‬‬ ‫ميار�سون تطبيق ال�شريعة‪ :‬بتغيري املنكر وال�صدع بكلمة احلق وامل�ؤاخاة‬ ‫والتكافل فيما بينهم و�إقامة ال�صلوات والأذكار والأدعية‪ ،‬وتنظيم املرور‬ ‫وتنظيف ال�ساحات‪ .‬بل حتى قيام الأقباط ب�صلواتهم يف ميدان التحرير‬ ‫كان جزءا من تطبيق ال�شريعة‪ ،‬لأن ال�شريعة ت�سمح لأهل الكتاب بذلك‬ ‫وتقرهم على دينهم وعباداتهم داخل الدولة الإ�سالمية واملجتمع‬ ‫الإ�سالمي‪ .‬ومل يتوقف �شيء من هذا كله على دولة وال على حاكم وال‬ ‫حمكمة‪...‬‬

‫‪75‬‬


‫موقع ويل الأمر‬ ‫ لكن كالمكم بهذا املنطق رمبا ظنه البع�ض حماولة لإعفاء «ويل‬‫الأمر» بالتعبري الفقهي من م�س�ؤولياته‪ ،‬خا�صة مع انت�شار ثقافة «�إن‬ ‫اهلل يزع بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن»؟!‬

‫ �أبدا لي�س الأمر كما ذكرت‪ ..‬و�إمنا هو ت�أكيد على �أن ال�شريعة لي�ست‬‫بيد الق�ضاة والوالة �أو بيد املحاكم واحلكومات‪ ،‬ف�إن هم طبقوها فقد‬ ‫ُطبقت وعا�شت‪ ،‬و�إن هم نبذوها‪ ،‬فقد عطلت وماتت! فال�شريعة �أكرب‬ ‫�ش�أنا من �أن يكون تطبيقها وتعطيلها بيد حفنة من احلكام والوالة‪،‬‬ ‫وحتت رحمتهم وتقلباتهم‪.‬‬ ‫نعم لل�شريعة �أحكام جنائية ومدنية يحتاج تطبيقها �إىل ق�ضاة ووالة‪،‬‬ ‫ولكن هذه الأحكام جزء من ال�شريعة‪ ،‬ولي�ست كل ال�شريعة‪ ،‬ولي�ست رمزا‬ ‫لل�شريعة‪ .‬نعم �أي�ضا‪ ،‬ف�إن اهلل يزع بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن‪ ،‬ولكن‬ ‫هذا من قبيل قولهم‪ :‬يوجد يف النهر ما ال يوجد يف البحر‪ ،‬ويوجد يف‬ ‫البئر ما ال يوجد يف النهر‪.‬‬ ‫فمعنى �أن اهلل يزع بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن‪� :‬أن هناك حاالت‬ ‫و�أ�صنافا من النا�س يجدي معهم ال�سلطان‪� ،‬أكرث مما يجدي معهم‬ ‫القر�آن‪ ،‬ويخ�ضعون لل�سلطان �أكرث مما يخ�ضعون للقر�آن‪ ،‬كما هو حال‬ ‫بع�ض العتاة واملنافقني واملتهورين‪ ..‬وللعالمة ال�شنقيطي يف تف�سريه‬ ‫عبارة جيدة جامعة قال فيها‪« :‬ف�إن مل تنفع الكتب تعينت الكتائب‪ ،‬واهلل‬ ‫تعاىل قد يزع بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن»‪.‬‬ ‫ومع ذلك ف�إن وازع ال�ضمري والتقوى والإميان يبقى دائما قبل وازع‬ ‫ال�سلطان‪ ،‬ويبقى هو الأ�صل وهو املعول عليه يف الدين؛ �إ ْذ وازع ال�سلطان‬ ‫�إمنا يحكم بع�ض الظواهر‪� ،‬أما وازع الإميان فيحكم الظواهر وال�سرائر‪.‬‬ ‫ويف احلديث ال�صحيح‪�« :‬إن اهلل ال ينظر �إىل �أج�سادكم‪ ،‬وال �إىل ُ�ص َورِكم‪،‬‬ ‫ولكن ينظر �إىل قلوبكم و�أعمالكم»‪.‬‬ ‫فالدين احلق‪ ،‬والتطبيق احلق للدين و�شريعته‪� ،‬إمنا هو �أ�سا�سا ما جاء‬ ‫عن �إقناع وترغيب وطواعية ور�ضا‪ ..‬وما �سوى ذلك‪ ،‬فهي �ضرورات‬ ‫تقدر بقدرها‪ ،‬و�آخر الدواء الكي‪.‬‬

‫ لكن �أال تتفق معي يف �أن الدولة مب�ؤ�س�ساتها‪� ،‬أو بالتعبري الفقهي‬‫كما قلنا «ويل الأمر» يجب �أن تبقى دائما حجر الزاوية يف م�س�ألة‬ ‫التطبيق �أو التعطيل؟‬

‫ من باب التنظيم العام وو�ضع اال�سرتاتيجيات التي تخدم الهدف‬‫الأ�سا�سي �أتفق معك‪� ،‬أما من باب �أنها هي �أ�صل املو�ضوع فال‪ ..‬لأن �أياً ما‬ ‫كانت �أهمية ال�سلطة والدولة يف �إقامة الدين وتطبيق ال�شريعة ف�إنها تبقى‬ ‫ويجب �أن تبقى‪ -‬دون �أهمية الأمة واملجتمع‪ ..‬وذلك لعدة �أ�سباب‪:‬‬‫�أوال‪ :‬لأن الدين الذي يطبق بدون �ضغط وال �إكراه هو الدين احلق املقبول‬ ‫عند اهلل تعاىل‪ ،‬و�أما ما �سواه ف�إمنا هو تنظيم دنيوي وتدبري �سلطوي‪.‬‬

‫وثانيا‪ :‬لأن ما يطبق برغبة وطواعية‪ ،‬يكون �أجود و�أدوم‪ ،‬بخالف‬ ‫التطبيق بالقوة وال�سلطة‪ ،‬ف�إنه يكون رديئا �سطحيا‪ ،‬ينح�سر وينقلب‬ ‫عند كل فر�صة لذلك‪.‬‬ ‫وثالثا‪ :‬لأن التطبيق الذي يكون مببادرة ذاتية من الأفراد �أو بحركية‬ ‫املجتمع نف�سه يعطي من ال�سمو واالرتقاء يف وعي املجتمع وفاعليته ما‬ ‫ال �سبيل �إليه بدونه‪.‬‬

‫م�س�ؤولية الأفراد‬ ‫ لكن �أظن ف�ضيلتكم ال تنكر �أن هناك جماالت و�أحكاما �شرعية ال بد‬‫فيها من احلكام وم�ؤ�س�ساتهم وو�سائلهم‪ ،‬كالق�ضاء والقوة التنفيذية؟‬

‫ قطعا ال ميكن �إنكار هذا‪ ..‬لكن حتى مع وجوده �أي�ضا‪ ،‬ف�إن للأفراد‬‫وللمجتمع �إمكانات وا�سعة للتدخل والإ�سهام‪ ،‬حتى يف هذه املجاالت‬ ‫�أي�ضا‪.‬‬ ‫ف�إذا كانت �إقامة احلدود وغريها من العقوبات ال�شرعية جزءاً مهما من‬ ‫تطبيق ال�شريعة تخت�ص به الدولة‪ ،‬فال �شك �أن كل عمل دعوي �أو تربوي‬ ‫�أو اقت�صادي �أو اجتماعي‪ ،‬يحول دون وقوع اجلرمية ومعاقبة املجرمني‪،‬‬ ‫هو �أي�ضا من ال�شريعة ومن تطبيق ال�شريعة‪ ،‬بل هو �أف�ضل �أ�شكال‬ ‫تطبيق ال�شريعة‪ ..‬وهو ما ي�ستطيعه كل الأفراد والهيئات املجتمعية‪.‬‬ ‫ومن �أراد �أن يت�أكد من م�ساحة الدولة وم�ساحة الأمة يف تطبيق‬ ‫ال�شريعة‪ ،‬فليقر�أ القر�آن من �أوله �إىل �آخره‪ ،‬و ْلـ ُي�سجل ما يتوقف‬ ‫على الدولة وال يتم �إال بها‪ ،‬وما ال يتوقف على الدولة وميكن �أن يتم‬ ‫بدونها‪ ..‬ثم ليح�سب ولينظر النتيجة‪...‬‬ ‫لقد عرف العامل الإ�سالمي‪ ،‬عرب تاريخه الطويل‪ ،‬دوال وحكومات‬ ‫خمتلفة يف قوتها و�ضعفها‪ ،‬وا�ستقامتها وانحرافاتها‪ ،‬وقربها وبعدها‬ ‫من هدي ال�شريعة ومقت�ضياتها‪ ،‬ومل يكن ذلك هو العن�صر احلا�سم يف‬ ‫تطبيق ال�شريعة ودوامها‪� ،‬أو يف رقي الأمة وازدهارها‪.‬‬ ‫ولذلك جند فرتات زاهية بالرقي العلمي واحل�ضاري واالجتماعي‪،‬‬ ‫هي يف الوقت نف�سه فرتات �ضعف وتفكك وتخلف يف النظام ال�سيا�سي‬ ‫القائم‪.‬‬ ‫فبجانب احلكام و�أجهزتهم و�أدوارهم‪ ،‬كان للق�ضاء والق�ضاة دورهم‬ ‫وفاعليتهم‪ ،‬وكذلك كان للعلماء عطا�ؤهم واجتهادهم وزعامتهم‪،‬‬ ‫وكان للخطباء والوعاظ �أدوارهم التعليمية واالجتماعية‪ ...‬وكان‬ ‫للطرق ال�صوفية �أدوارها الرتبوية واالجتماعية‪ ،‬و�أحيانا اجلهادية‪،‬‬ ‫وكان املجتمع بكل فئاته ملتفا متفاعال مع ه�ؤالء جميعا‪ ،‬ي�أخذ منهم‬ ‫ويعطيهم‪ ،‬ينخرط معهم يف توجيهاتهم وم�شاريعهم ونداءاتهم‪،‬‬ ‫وينخرطون معه يف م�شاكله ومتطلباته و�شكاويه‪ ،‬وكل ه�ؤالء كان‬ ‫م�صدرهم وملهمهم‪ ،‬هو ال�شريعة والعمل بال�شريعة‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫�إ�سالم اون الين‬


‫وكيل وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‬ ‫الكويتية في لقاء خاص للوسطية‬

‫د‪ .‬الفالح ‪ :‬الكويت من خالل‬ ‫مؤسساتها حريصة كل الحرص بأن‬ ‫تتحرك باتجاه بوصلة الوسطية‬ ‫حوار‪ :‬يا�سر �أبو ح�سني‬ ‫�أكد وكيل وزارة الأوقاف الكويتية ف�ضيلة الدكتور عادل الفالح يف لقائه مع جملة الو�سطية �إن العلماء هم قادة الأمة و�صمام امانها‪،‬‬ ‫وواجبهم �أن يقوموا بن�شر علمهم بني النا�س وخا�صة يف امل�سائل اخلطرة املتعلقة ب�سفك الدماء وامن املواطنني‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �إن الو�سطية م�ؤهل الأمة للقيام بال�شهادة على النا�س‪ ،‬وهي العدل واخلريية‪ ،‬ولهذا ال�سبب ف�إن وزارة الأوقاف الكويتية حري�صة‬ ‫كل احلر�ص ب�أن تتحرك باجتاه بو�صلة الو�سطية لن�شر الفكر الو�سطي فيعم اخلري والعدل والوئام والتعاي�ش يف املجتمعات ونبذ الفرقة‬ ‫والتطرف والغلو باملقابل‪.‬‬ ‫وفيما يلي ن�ص اللقاء‪....‬‬ ‫‪ -‬ف�ضيلة الدكتور بر�أيك ما هو دور العلماء العاملني الربانيني يف حماربة الفكر املت�شدد‪ ،‬و�إبداله بالفكر الو�سطي ال�صحيح للدين الإ�سالمي؟‬

‫�إن العلماء هم قادة الأمة و�صمام االمان فيها‪ ،‬فواجبهم �أن يقوموا بن�شر علمهم بني النا�س وخا�صة يف امل�سائل اخلطرة املتعلقة ب�سفك الدماء وامن‬ ‫املواطنني‪ ،‬وعليهم �أن يقدموا للنا�س اجمع منوذج العامل القدوة لغريه‪ ،‬ليكونوا قدوة لغري امل�سلمني الأمر الذي يعزز من دخولهم يف الإ�سالم‪ ،‬لذا‬ ‫ف�إن �أمورا ب�سيطة ميار�سها امل�سلمون يف دول غري �إ�سالمية ت�ؤثر يف غريهم وتدفعهم العتناق الإ�سالم‪ ،‬وواجب العلماء �أي�ضا �أن يقودوا النا�س للخري‬ ‫ويبعدوهم عن االجنراف يف احلما�س الطائ�ش‪ ،‬واالجتهاد غري املن�ضبط الذي ينتج عنه ال�ضالل وت�شويه ل�صورة الإ�سالم‪.‬‬ ‫‪ -‬وهل لف�ضيلتكم �أن تو�ضحوا لنا الآلية التي تتبعها وزارة الأوقاف الكويتية يف ن�شر الفكر الو�سطي بني �أبناء املجتمع الكويتي؟‬

‫�إن وزارة الأوقاف الكويتية تتحرك باجتاه بو�صلة الو�سطية بحمد اهلل تعاىل‪ ،‬فلدينا يف الكويت م�ؤ�س�ستان ر�سميتان تعنيان بالفكر الو�سطي‪،‬‬

‫‪77‬‬


‫امل�ؤ�س�سة الأوىل هي اللجنة العليا للو�سطية‪� ،‬أما امل�ؤ�س�سة الثانية فهي وزارة الأوقاف الكويتية‪ ،‬هذه الوزارة قد و�ضعت لها �إ�سرتاتيجية ملدة خم�س‬ ‫�سنوات وو�ضع لهذه الإ�سرتاتيجية �شعار الأمة الو�سط ‪ ،‬وو�ضعت �أي�ضا قواعد واعتبارات حاكمة لعملها‪ ،‬من �أبرزها الو�سطية‪ ،‬بل حتى يف القيم‬ ‫الإ�سرتاتيجية كانت الو�سطية �أولها‪ ،‬ومن ثم الإبداع والريادة وال�شراكة والعمل امل�ؤ�س�سي وتنمية العاملني ‪.‬‬ ‫ولهذا فتوجه الوزارة توجه و�سطي‪� ،‬أ�ضف �إىل ذلك خطب اجلمعة التي تتمحور حول الو�سطية‪ ،‬والأدبيات ال�صادرة عن وزارة الأوقاف والتي ت�شمل‬ ‫ق�ضايا الو�سطية‪� ،‬أي�ضا الإنتاج التلفزيوين اخلا�ص بوزارة الأوقاف الكويتية والذي يتحدث عن الو�سطية‪ ،‬والدرو�س العامة يف امل�ساجد القائمة‬ ‫على الفكر الو�سطي‪ ،‬وال نن�سى املنهج الفقهي يف الكويت املرتكز �أي�ضا على الو�سطية‪.‬‬ ‫كما �أن لدور القر�آن واملعاهد ال�شرعية دورا كبريا يف تخريج جيل كامل يحمل الفكر الو�سطي ال�صحيح‪ ،‬و دور املر�أة وما حتققه من �إجناز كبري ت�شكر‬ ‫عليه يف ن�شر الفكر الو�سطي فهذا جانب يف غاية الأهمية‪ ...‬حيث عُني القطاع الن�سائي املتمثل بالداعيات يف وزارة الأوقاف الكويتية بدور مهم يف‬ ‫ن�شر الفكر الو�سطي بني الن�ساء ‪ ،‬ليقمن بدورهن بنقله �إىل �أبنائهن‪ ،‬لت�سود يف املقابل بني �أفراد جمتمعنا‪.‬‬ ‫‪ -‬وكيف تعرفون الو�سطية الإ�سالمية؟‬

‫�إن الو�سطية م�ؤهل الأمة للقيام بال�شهادة على النا�س‪ ،‬و�أميل �إىل �أنها �أي�ضا العدل واخلريية‪ ،‬والعدل هنا هو العدل مبعناه ال�شامل‪ ،‬كالعدل مع‬ ‫الآخرين �سواء جمموعات �إ�سالمية �أو مع غري امل�سلمني‪ ،‬وهذا ي�ؤدي �إىل رقي الأمة‪ ،‬ف�إذا حقق الإن�سان العدل فقد حقق االنت�صار على الذات‬ ‫‪ ،‬وفا�ضت نف�سه باخلريية‪� ،‬أما الو�سطية كم�صطلح ع�صري فهي ترتكز �إىل عدة �أمور �أهمها احلوار‪ ،‬وتقبل الآخر‪ ،‬والتعاي�ش ال�سلمي مع غري‬ ‫امل�سلمني الذي ج�سده الر�سول عليه ال�سالم يف الوثيقة التي وقعها يف املدينة املنورة بعد الهجرة‪.‬‬ ‫‪ -‬وما هي ن�صيحتكم لأ�صحاب الفكر املت�شدد؟‬

‫�أن�صحهم �أن يعودوا �إىل علماء الأمة ال�صادقني الربانيني‪ ،‬وان ي�أخذوا منهم الفتاوى ‪ ،‬و�أن ال مينحوا �أعداء الأمة الفر�صة لل�شماتة بالإ�سالم‬ ‫و�أهله‪،‬و�أن يكونوا دعاة ال رواة‪ ،‬يبلغون دين اهلل بال�شكل ال�صحيح‪ ،‬وال ين�صبون �أنف�سهم ق�ضاة على النا�س‪ ،‬فاخلط�أ بالعفو خري من اخلط�أ باحلكم‬ ‫‪ ،‬و�أخريا ف�أدعوهم لالبتعاد عن التكفري واخلو�ض يف دماء امل�سلمني‪ ،‬لأنه �أمر خطري‪ ،‬حيث مل يذكر يف ق�ضية اخللود يف النار غري امل�شرك باهلل‬ ‫وقاتل النف�س امل�ؤمنة‪.‬‬

‫‪78‬‬


‫أخبار‬ ‫الوسطية‬ ‫إصدارات جديدة باللغتين العربية واإلنجليزية تصدر عن العالمي للوسطية‬ ‫حيث تطرقت لثقافة احلب وورودها يف القر�آن الكرمي ونبذ ثقافة‬ ‫الكراهية التي هي طريق لثقافة التكفري‪ ،‬و �أ�شارت الن�شرة �أي�ضا حلياة‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وكم هي �أبلغ تعبري عن ثقافة املحبة ومقاومة‬ ‫ثقافة الكراهية ‪.‬‬ ‫كما تناولت الن�شرة الثانية مو�ضوع "الو�سطية واالعتدال منهج �أمة" مت‬ ‫الرتكيز فيها على بيان معنى الو�سطية و�أهميتها‪ ،‬و�أن اهلل �سبحانه وتعاىل‬ ‫قد وجه من خالل �آياته القر�آنية �سلك �سبل التو�سط واالعتدال بعيدا عن‬ ‫التطرف والغلو لت�شكل يف النهاية منظومة �أخالقية وقيمية‪ ،‬وتطرقت‬ ‫للو�سطية من خالل اعتبارها كمدخل للح�ضارة الإن�سانية ‪ ..‬وطريق‬ ‫للنه�ضة ‪ ...‬وواقع �أمة‪.‬‬ ‫و�أخريا ن�شرة بعنوان" الإرهاب �صناعة اخلوارج" لف�ضيلة ال�شيخ الدكتور‬ ‫�صدر م�ؤخرا عن املنتدى العاملي للو�سطية ثالث ن�شرات باللغتني العربية حممد العريفي تطرق من خاللها للف�ساد الذي ن�شاهده يف جمتمعاتنا‬ ‫والإجنليزية‪ ،‬تناولت موا�ضيع هامة ذات ال�صلة بر�سالة و�أهداف املنتدى من التفجري والتكفري بحجة جماهدة الكفار و�أعوانهم‪ ،‬كما ركز على‬ ‫التي تنادى بالو�سطية واالعتدال واالبتعاد عن التطرف والغلو‪.‬‬ ‫اخلوارج ومذهبهم والآثار ال�سلبية املرتتبة ملن ينت�سب لهم من ف�ساد وقتل‬ ‫الن�شرة الأوىل كانت بعنوان " مدر�سة النبوة ثقافة حب ال ثقافة كراهية" و�ضياع‪.‬‬

‫الهيئة العامة لمنتدى الوسطية تقر التقريري المالي واإلداري‬ ‫خالل اجتماع عقدته مع أعضائها‬ ‫�أقرت الهيئة العامة ملنتدى الو�سطية للفكر والثقافة التقرير املايل املت�ضمن تقرير مدقق احل�سابات واحل�ساب اخلتامي عن ال�سنة املنتهية ‪2010‬م‬ ‫‪ ،‬والتقرير الإداري لن�شاطات املنتدى للعام ذاته ‪.‬‬ ‫جرى ذلك خالل اجتماعا عاديا عقدته الهيئة العامة يوم ال�سبت املوافق ‪ 2011/4/2‬يف مقر املنتدى وبح�ضور مندوب معايل وزير الثقافة ال�سيد‬ ‫عامر ح�سن ‪.‬‬

‫من اليمني ‪ :‬م‪.‬مروان الفاعوري ‪ ،‬د‪.‬حممد الق�ضاة ‪ ،‬مندوب وزارة الثقافة‬

‫‪ -‬جانب من احل�ضور‬

‫‪79‬‬


‫بدء فعاليات دورة الوفاق األسري والسعادة الزوجية‬ ‫في منتدى الوسطية‬ ‫الدكتورة دعاء فينو �إىل اهمية املنهجية التي يجب اتباعها يف التعامل‬ ‫مع الآية الكرمية « �آية القوامة» التي هي حمور الدورة‪.‬‬ ‫وقالت هناك مفاتيح لتف�سري الآية �أولها اللغة العربية حيث انتقى‬ ‫القر�آن الكرمي من اللغة العربية مفردات قد حتمل يف م�ضمونها معنى‬

‫‪ -‬د‪.‬دعاء فينو خالل الدورة‬

‫نظمت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة دورة متخ�ص�صة‬ ‫بعنوان « الوفاق الأ�سري وال�سعادة الزوجية من خالل تف�سري �آية القوامة‬ ‫(‪ )34‬من �سورة الن�ساء» بهدف امل�ساهمة يف بناء �أ�سرة �صاحلة ي�ساهم جميع‬ ‫�أفرادها يف بناء املجتمع ونه�ضة الأمة وذلك ان�سجاما مع ر�سالة للجنة ‪.‬‬ ‫وتهدف الدورة التي �ست�ستمر ملدة �شهرين بواقع �ساعتني �أ�سبوعيا يف كل‬ ‫ثالثاء �إىل ت�أطري العالقة بني الرجل واملر�أة داخل الأ�سرة مبا ي�ساهم‬ ‫ب�إعطاء كل ذي حق حقه ‪،‬وت�ؤ�س�س للوفاق ولي�س ال�صراع داخل كيان الأ�سرة‬ ‫مبا يحقق منظومة الأمن االجتماعي‪.‬‬ ‫وا�شارت الدكتورة والباحثة يف درا�سات يف درا�سات املر�أة والأ�سرة امل�سلمة‬ ‫و املتطوعة يف الإ�صالح الأ�سري الأ�ستاذة يف جامعة العلوم الإ�سالمية‬

‫‪ -‬جانب من احل�ضور‬

‫واحد �أو �أكرث ‪� ،‬إال �أن الف�صل فيها ال�سياق القر�آين ‪ ،‬والأمنوذج النبوي‬ ‫لأنه ميثل املمار�سة النبوية من حديث و�سنة فعلية �صحيحة‪ ،‬م�شرية يف‬ ‫حديثها على �أن الفعل النبوي قد غيب يف فهم القر�آن الكرمي‪ ،‬و�أخريا‬ ‫وبح�سب الدكتورة فينو ف�إن �أ�سباب النزول وورود احلديث والتي ت�سمى‬ ‫و�سائل م�ساعدة يف الفهم هي من جملة الأمور التي يجب مراعاتها عند‬ ‫تف�سري الآية الكرمية‪.‬‬

‫لجنة المرأة في منتدى الوسطية تنظم رحلة سياحية‬ ‫ثقافية لمنطقة الجنوب‬ ‫نظمت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يوم اجلمعة املوافق‬ ‫‪ 2011/4/23‬رحلة ثقافية �سياحية ملنطقة اجلنوب‪ ،‬مب�شاركة نخبة من‬ ‫�سيدات املجتمع من نا�شطات واعالميات و�أكادمييات بالإ�ضافة لع�ضوات‬ ‫من جلنة املر�أة يف املنتدى‪.‬‬ ‫وتهدف الرحلة التي ا�ستمرت ليومني �إىل التعرف على �أرجاء وطننا‬ ‫الغايل واالعتزاز بتاريخه ومواقعه‪ ،‬حيث كانت �أوىل حمطات الرحلة زيارة‬ ‫ملحافظة الكرك للتعرف على املنطقة‪ ،‬والوقوف يف منطقة املزار التي ت�ضم‬ ‫�أ�ضرحة �شهداء معركة م�ؤتة حيث مت زيارة تلك الأ�ضرحة وال�سالم عليهم‬ ‫و�أخذ نبذة موجزة عن حياة كل منهم‪ ،‬كما مت بعدها زيارة منطقتي وادي‬ ‫املوجب و عني �سارة حيث �سحر الطبيعة وروعة املكان ‪.‬‬ ‫ثم مت بعد ذلك ا�ستكمال الرحلة من خالل التوجه ملنطقة العقبة واملبيت‬ ‫فيها للتعرف على ثغر الأردن البا�سم» خليج العقبة» وقلعة العقبة �ضمن‬ ‫برنامج ثقايف منوع‪.‬‬

‫‪ -‬امل�شاركات يف الرحلة و�صورة تذكارية‬

‫‪80‬‬


‫أخبار‬ ‫الوسطية‬

‫افتتاح ورشة ترسيخ الفكر الوسطي في العالم‬ ‫اإلسالمي‪ /‬كردستان‬ ‫�أكد الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫يف اجلل�سة االفتتاحية للور�شة اخلا�صة بعلماء ومفكري كرد�ستان العراق‬ ‫بعنوان» تر�سيخ الفكر الو�سطي يف العامل الإ�سالمي‪ /‬كرد�ستان» �إىل �أن‬ ‫منهج الو�سطية الذي نذرنا انف�سنا لن�شره امنا نتحرى احلق ونبحث‬ ‫عنه وندور معه لتحقيقه يف حياه الفرد واملجتمع والدوله واالمه‬ ‫ون�سعى لن�شره لي�س بو�صفة تخديرية توجه البناء االمه تربر االو�ضاع‬ ‫اخلاطئه �أو ب�ضاعة اجنبيه بل هوميزان للحق نقدمه البناء امتنا‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف يف الور�شة التي عقدها املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت‬ ‫املوافق ‪ 2011/3 19‬يف مقر املنتدى وبح�ضور نخبة من ال�شخ�صيات‬ ‫امل�ؤثره من كرد�ستان �أن علينا �إدراك �أهمية ر�سالة الو�سطية و�ضرورة‬ ‫�إدخالها اىل كرد�ستان و�سائر االمه على �صعيد احلركات والدول ل�ضبط‬ ‫�إيقاع املجتمعات و�سلوك �أفراده‪ ،‬رغبة للت�صدي لدعوات الغلو التي‬ ‫تنادي بها بع�ض اجلماعات‪ ،‬الغلو الذي ال ينتهي �إال بالتطرف و ي�شكل‬ ‫خطرا كبريا على الأمة والدين وي�ؤدي للتهلكة‪.‬‬ ‫و�أ�شار الفاعوري �إىل �أن املنتدى العاملي للو�سطية لي�س حزبا �أو تيارا‬ ‫�أو جماعة‪ ،‬بل روح جديده ت�ضافرت فيها اجلهود ف�أخذت على عاتقها‬ ‫بث نهج الو�سطية لكل الأمة‪ ،‬والت�صدي لكل غلو �أو تطرف يجعل من‬ ‫جمتمعنا و�أفراده بعيدين كل البعد عن اال�ستقامة واالعتدال الذي‬ ‫نادى به ديننا ‪.‬‬ ‫و حتدث احد امل�شاركني يف الور�شة با�سمه وا�سم احلا�ضرين بكلمة �شكر‬ ‫فيها الأردن قيادة و�شعبا على احت�ضانها للجاليات الإ�سالمية كما �شكر‬ ‫يف الوقت ذاته املنتدى العاملي للو�سطية على ا�ست�ضافته لهم‪.‬‬ ‫وتناولت الور�شة يف جل�ستها الأوىل التي تر�أ�سها �أ�ستاذ ال�شريعة‬ ‫يف اجلامعة الأردنية د هايل الداود عدة �أوراق عمل ‪ ،‬حيث تطرق‬ ‫الدكتور حممد احلاج يف ورقته التي حملت عنوان « مفاهيم الو�سطية‬

‫وجتلياتها احل�ضارية والواقعية» �إىل �أهمية اال�ستخالف يف الأر�ض‬ ‫وعمارتها‪ ،‬وحماية ما مت بنا�ؤه من خالل مكافحة الف�ساد الذي ي�ؤدي‬ ‫للهدم‪ ،‬م�ؤكدا يف الوقت ذاته على �أن الو�سطية تقت�ضي علينا اال�ستعانة‬ ‫بخربات الآخرين و�إن اختلفوا بالعقيدة مادام ما نح�صل عليه ال يخالف‬ ‫�شريعتنا ‪.‬‬

‫‪ -‬جانب من اجلل�سة‬

‫ولفت �إىل �ضرورة البعد عن الروح العدائية والتحلي بروح املحبة‬ ‫والتعاون‪ ،‬والدعوة �إىل احلوار ب�أ�ساليب معا�صرة �سعيا للتجديد يف لغة‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي‪.‬‬ ‫وتطرق الدكتور عبد الرحمن وهدان يف ورقته « �آليات ن�شر الفكر‬ ‫الو�سطي» عن احلوار ك�أهم �آليات ن�شر الفكر الو�سطي حيث �أنه يفتح‬ ‫الباب لتبادل الأفكار والر�ؤى والت�صورات املختلفة ‪.‬‬ ‫و �أكد على �أهمية قبول الر�أي من �أجل التعاون على ما فيه خري للأمة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬و�أي�ضا �أهمية املنابر وامل�ساجد يف �إي�صال الفكرة الإ�سالمية‬ ‫من خالل �أئمة وخطباء م�ؤهلني علميا ودينيا ‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫يف حني حتدث معايل الأ�ستاذ الدكتور عبد ال�سالم العبادي يف اجلل�سة‬ ‫الثانية والتي عقدت برئا�سة عميد كلية ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة عن « دور الو�سطية يف نه�ضة الأمة»‬ ‫وتنميتها ذلك �أن هذا النظام يقوم على الو�سطية واالعتدال يف مفهوم‬ ‫تنمية الأمة واملجتمعات الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫وقد تناول معاليه مناذج كثرية تدل على و�سطية االقت�صاد الإ�سالمي‬ ‫وو�سائلها للو�صول �إىل التنمية ال�شاملة مما جعل الكثري من دول العامل‬ ‫واملفكرين الغربيني ي�سعون للبحث عن حلول يف النظام االقت�صادي يف‬ ‫ظل الأزمة املالية التي جتتاح العامل منذ عدة �سنوات‪.‬‬ ‫ودعا الدكتور �ألعبادي �إىل حمل الإ�سالم بكل �أنظمته �إىل العامل ليكون‬ ‫م�ساهما يف نه�ضة الب�شرية وتنميتها‪.‬‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية‪� :‬أهداف وغايات» احلديث عن الفكرة من‬ ‫�إن�شاء املنتدى العاملي للو�سطية وذلك لأهمية ن�شر الفكر الو�سطي من‬ ‫خالل الثقافة والفكر‪.‬‬ ‫كما حتدث عن الهدف من �إن�شاء املنتدى كرت�سيخ مفاهيم الو�سطية‬ ‫الإ�سالمية بني �أبناء الأمة ون�شر ر�سالة الإ�سالم الإن�سانية وتعزيز قيم‬ ‫احلرية والعدالة والت�صدي مل�شكالت الأمة وغريها الكثري ‪ ،‬م�شريا يف‬ ‫الوقت ذاته لأهم الن�شاطات والإجنازات التي حققها املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية منذ ان�شائه وحتى هذه اللحظة من م�ؤمترات دولية وندوات‬ ‫وحما�ضرات و�إ�صدارات الهدف منها ن�شر الفكر الو�سطي املعتدل‬ ‫وحماربة الغلو والتطرف‪.‬‬ ‫ويف نهاية الور�شة دار حوار مو�سع مت خالله مناق�شة �أوراق العمل التي‬ ‫قدمت خالل الور�شة ب�شكل م�ستفي�ض ومعمق �أثرى من �أهمية الور�شة‬ ‫وقيمتها‪.‬‬

‫�أما بالن�سبة للورقة التي قدمها �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية‬ ‫الدكتور حممد الريان حول» اجلهاد بني امل�شروعية واالرتداد �إىل‬ ‫الذات» فقد قال �أن مفهوم اجلهاد بات ي�سبب �إ�شكاال لدى الكثريين‬ ‫خا�صة و�أن و�سائل الإعالم الغربية وبع�ض و�سائل الإعالم العربية قد‬ ‫ربطت اجلهاد بالإرهاب‪ ،‬بالرغم من اختالفهما متاما ‪ ،‬م�شريا �إىل �أن‬ ‫اهلل تعاىل قد �شرع اجلهاد للق�ضاء على الإرهاب ولإزالة حالة اخلوف‬ ‫التي قد تتلب�س الأمة وا�ستبدالها بحالة من ال�سالم‪.‬‬ ‫وتطرق د‪.‬الريان ملفهوم اجلهاد بالقر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‬ ‫ول�صوره م�ست�شهدا ببع�ض الآيات القر�آنية التي ذكر فيها اجلهاد‬ ‫واملق�صد منه‪ ،‬حيث �أن الإ�سالم قد جعل من اجلهاد غاية ومق�صد وهي‬ ‫حتقيق العدل و�إزالة الظلم ورفع كلمة اهلل تعاىل وحفظ النفو�س ال‬ ‫لقتلها ون�شر ال�سالم‪.‬كان �آخر املتحدثني �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة‬ ‫الأردنية الأ�ستاذ الدكتور حممد اخلطيب الذي تناول يف ورقته»‬

‫‪82‬‬


‫العالمي للوسطية يستضيف رئيس مجلس األعيان‬ ‫رئيس لجنة الحوار الوطني في مقره‬ ‫المصري‪ :‬عمل لجنة الحوار الوطني يسير بشكل توافق وستنهي عملها قريبا‬ ‫قال رئي�س جمل�س االعيان رئي�س جلنة احلوار الوطني طاهر امل�صري القانون‪ ،‬الننا لن ننهيه‪ ،‬الن بع�ض مواده قد تتغري حتى ال نلزم‬ ‫ان عمل اللجنة ي�سري ب�شكل توافقي وبخطى ثابتة و�سوف تنجز عملها انف�سنا ب�شيء‪ ،‬لكن الهدف من القانون هو ت�سهيل مهمة االحزاب ان�شا ًء‬ ‫وعمال وحرية‪ ،‬وان ترتك احلرية ملجموعات �سيا�سية او اجتماعية‬ ‫خالل ثالثة اىل اربعة ا�سابيع‪.‬‬ ‫واكد العني امل�صري خالل حما�ضرته يف املنتدى العاملي للو�سطية ال�سبت لتن�شيء احلزب الذي تريد �ضمن �شروط لي�ست قا�سية‪ ،‬وتكون وطنية‬ ‫وتوجهاتها دميقراطية‪ ،‬م�شريا �إىل ان اللجنة على و�شك ان تنهي هيكلة‬ ‫اعمالها وتكون جاهزة خالل فرتة ق�صرية‪.‬‬ ‫وبالن�سبة للجنة الثالثة بني انها جلنة قانون االنتخاب‪ ،‬وان هناك نقا�شا‬ ‫مطوال حول القانون‪« ،‬لوجود خالفات حول ما هو القانون الذي نريد‬ ‫ويلبي تلك املطامح‪ ،‬ويعيد التوازن اىل املجتمع النيابي االردين‪ ،‬وي�ؤدي‬ ‫اىل متثيل حقيقي‪ ،‬ويتجنب ما ر�أيناه من جتاوزات خالل االنتخابات‬ ‫النيابية املا�ضية»‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�صدد تابع انه «لذلك امامنا عدة افكار واقرتاحات‪ ،‬و�سنتفق‬ ‫عليها خالل فرتة وجيزة‪ ،‬لكن وبدون الزام مني حول ماهية هذا‬ ‫ جانب من الزيارة‬‫النظام‪.‬‬ ‫املوافق ‪ ،2011/4/23‬بح�ضور رئي�س جلنة قانون االحزاب املنبثقة عن‬ ‫جلنة احلوار الوطني الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري‪ ،‬ان احلوار �سيكون دائما مفتوحا امام اجلميع حيث‬ ‫انه ال تقدم وا�صالح حقيقي اال من خالل احلوار‪.‬‬ ‫وقال انه «عندما نناق�ش ونتحاور فاننا ن�ستمد افكارنا وامياننا من‬ ‫احلوار مع النا�س‪ ،‬واننا لن نعمل مبعزل عن الر�أي العام وتوجهات‬ ‫النا�س»‪.‬‬ ‫وا�شار اىل انه مت تق�سيم جلنة احلوار الوطني اىل ثالث جلان‪ ،‬االوىل‬ ‫يتعلق عملها بو�ضع االطار العام لنظرتنا كلجنة ملفهوم اال�صالح‬ ‫‪،‬وملفهوم االردن اجلديد‪ ،‬وم�ستقبل االردن‪ ،‬والتاكيد على اللحمة‬ ‫الوطنية‪ ،‬و�ضرورة حماربة الف�ساد‪ ،‬وان اال�صالح عملية جدية م�ستمرة‬ ‫يجب ان ال ترتاجع بتاتا‪.‬‬ ‫ دولة طاهر امل�صري واملهند�س مروان الفاعوري خالل اللقاء‬‫وبني ان الهدف من هذه اللجنة هو بناء حياة دميقراطية نيابية‬ ‫�سيا�سية �صحيحة‪ ،‬وان ت�صبح احلكومات ت�ؤلف عرب قانون انتخاب و�أو�ضح انه «يبدوا ان التوجه هو جعله نظام انتخابي خمتلط بني‬ ‫وقانون احزاب جيدين‪ ،‬ي�ساهمان بتعزيز احلياة الربملانية والنيابية‪ ،‬ال�صوت الواحد وبني القائمة‪ ،‬ولكن كيف القائمة‪ ،‬واي قائمة‪ ،‬هذا‬ ‫االمر �سي�أخذ نقا�شا طويال‪ ،‬واعتقد ان هذا ما �سي�ؤخرنا عن ا�صدار‬ ‫وي�ؤديان اىل ان�شاء حكومات حزبية ح�سب ما يتطور العمل احلزبي‪.‬‬ ‫وقال العني امل�صري ان اللجنة الثانية هي جلنة االحزاب التي ير�أ�سها تقرير اللجنة والنتائج النهائية للجنة خالل فرتة ق�صرية»‪.‬‬ ‫املهند�س الفاعوري‪ ،‬ولن نتمكن من احلديث مف�صال يف بنود هذا وحول مو�ضوع التعديالت الد�ستورية قال انه «امر ح�سا�س ويجب ان‬

‫‪83‬‬


‫يو�ضع يف اطاره ال�صحيح‪ ،‬حيث ان هناك اتفاقا عاما على امور معينة‬ ‫يف قانون االنتخاب واالحزاب‪ ،‬ونعتقد انها ل�صالح التقدم الدميقراطي‬ ‫والعمل النيابي‪ ،‬واعتقد اننا متفقون عليها وحتتاج اىل تعديالت‬

‫‪ -‬ح�ضور حا�شد للمحا�ضرة‬

‫د�ستورية‪ ،‬مثال اتفقنا بان يجب ان يكون الطعن ب�صحة نيابة النواب‬ ‫يف الق�ضاء ولي�س يف جمل�س النواب‪ ،‬هذا يحتاج اىل تعديالت د�ستورية‪،‬‬ ‫كما اتفقنا بان تن�ش�أ هيئة م�ستقلة‪ ،‬هيئة مفو�ضية عليا لالنتخابات‬ ‫م�ستقلة‪ ،‬تدير �ش�ؤون االنتخابات وترتيبات االنتخابات وهذه اي�ضا‬ ‫حتتاج اىل تعديالت د�ستورية»‪.‬‬

‫وا�شار اىل مو�ضوع املحكمة الد�ستورية الذي هناك �شبه اتفاق عليه‪،‬‬ ‫والذي يحتاج كذلك ويف كثري من التعديالت التي طر�أت على د�ستور‬ ‫‪� 52‬سيتم تعديلها مرة اخرى‪.‬‬ ‫وقال ان اللجنة رتبت زيارات اىل املحافظات حيث قامت ثالث جلان‬ ‫لغاية االن‪ ،‬وهناك تكملة خالل خم�سة ايام نغطي جميع املحافظات‬ ‫لتاتي بنتيجة حتاورها مع املجتمع االهلي يف املحافظات‪ ،‬ون�ستخل�ص‬ ‫االراء والعرب‪ ،‬ون�ضعها ب�شكل ما هي االقرتاحات واالراء لن�ستفيد منها‬ ‫يف قانون االنتخاب واالحزاب‪.‬‬ ‫وحول غياب احلركة اال�سالمية عن جلنة احلوار الوطني‪ ،‬قال لقد‬ ‫خ�سرنا م�شاركة فئة �سيا�سية مهمة جدا من حياتنا ال�سيا�سية‪ ،‬وهم‬ ‫مازالوا م�ستنكفني عن احل�ضور‪ ،‬م�ؤكدا ان خمرجات اللجنة �ستكون‬ ‫ملبية لطموحات ومطالب جميع الفئات االهلية واحلزبية وال�سيا�سية‪،‬‬ ‫مبا فيها جماعة االخوان امل�سلمني وحزب جبهة العمل اال�سالمي‪.‬‬ ‫وجرى حوار مو�سع بني امل�صري واحل�ضور متحور حول اال�صالحات‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬وقانوين االنتخاب الأحزاب‪ ،‬والت�صور املطروح عنهما‪،‬‬ ‫وكذلك التعديالت الد�ستورية والقوانني امل�ؤقتة و�أزمة الثقة ما بني‬ ‫املواطن واحلكومات املتعاقبة والتعار�ض بني مهام اللجنة واملجل�س‬ ‫النيابي وكذلك رئا�سته للجنة ورئا�سته للجنة احلوار الوطني‪.‬‬

‫األمين العام للمنتدى العالمي يسلم درع منتدى الوسطية لخادم الحرمين‬ ‫قدم املنتدى العاملي للو�سطية اىل خادم احلرمني ال�شريفني امللك عبداهلل بن عبد العزيز درع املنتدى وذلك تقديرا جلهود جاللته يف خدمة‬ ‫اال�سالم وامل�سلمني ولدوره الكبري يف ن�شر ر�سالة اال�سالم احلقيقية التي تقوم على الت�سامح والعدالة والو�سطية ‪.‬‬ ‫وت�سلم الدرع نيابة عن امللك عبداهلل �سمو وزير اخلارجية االمري �سعود الفي�صل وذلك خالل ا�ستقباله لوفد املنتدى الذي يرتا�سه االمني العام‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري ‪.‬‬ ‫وبحث الوفد خالل اللقاء �سبل تعزيز التعاون والتوا�صل مع امل�ؤ�س�سات ال�سعودية لال�ستمرار يف تقدمي ماهو اف�ضل خلدمة الدين ‪.‬‬ ‫وا�شاد �سمو االمري باجلهود التي يبذلها املنتدى والن�شاطات التي يقوم ها يف االردن والعامل لتعميق الفكر الو�سطي الفتا اىل ان املنتدى ا�صبح‬ ‫معلما فكريا وثفافيا عامليا مهما حيث ا�صبح حاجة ملحة لالمة خا�صة يف هذه ال�ضروف الذي تتعاىل بها ا�صوات الغلو والتطرف ‪.‬‬ ‫وا�ستعر�ض الفاعوري ابرز الن�شاطات واالجنازات التي حققها النتدى خالل ال�سنوات املا�ضية م�ستعر�ضا ابرز الندوات وامل�ؤمترات الدولية التي نظمها‬ ‫يف عدد كبري من الول العربية والإ�سالمية والعاملية والتي تناولت معظم الق�ضايا التي تهم الالمة مب�شاركة مفكرين وعلماء من جميع دول العامل ‪.‬‬

‫من اليمني ‪� :‬أ‪.‬منت�صر الزيات‪ ،‬الأمري �سعود الفي�صل‪ ،‬م‪ .‬مروان الفاعوري‬

‫م‪.‬الفاعوري ي�سلم درع الو�سطية ل�سمو الأمري �سعود الفي�صل‬

‫‪84‬‬


‫وفد كردستاني في زيارة خاصة لمقر العالمي للوسطية‬ ‫على �إثر الور�شة التي عقدها املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت بتاريخ قيم الت�سامح واالعتدال يف وحدة الأمة‪ ،‬و نبذ الفرقة ‪ ،‬والت�أكيد على‬ ‫‪ 2011/3/19‬بعنوان» تر�سيخ الفكر الو�سطي يف العامل الإ�سالمي‪� /‬أ�سلوبه احل�ضاري يف التعامل مع اخل�صوم‪.‬‬ ‫كرد�ستان‪ ،‬و �شارك فيها نخبة من �أبناء كرد�ستان ‪ ،‬قام وفد كرد�ستاين‬ ‫وي�ضم ع�ضو املكتب ال�سيا�سي يف الإحتاد الإ�سالمي الكرد�ستاين د‪.‬حممد‬ ‫�أحمد و �سعدي ح�سن بارام وطه طاهر علي‪ ،‬يوم الثالثاء املوافق‬ ‫‪ 2011/3/22‬بزيارة �إىل مقر املنتدى العاملي للو�سطية حيث كان يف‬ ‫ا�ستقباله الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري و�أمني ال�سر الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور حممد اخلطيب ‪.‬‬ ‫و�أكد الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س الفاعوري خالل‬ ‫لقائه بالوفد على �ضرورة ن�شر مبادئ الو�سطية يف كرد�ستان وخا�صة يف‬ ‫ظل الظروف احلرجة ‪.‬‬ ‫وقد مت خالل اللقاء بحث دعم فرع للمنتدى يف كرد�ستان والأخوة‬ ‫ الوفد يف زيارة ملقر املنتدى‬‫العاملني هناك مع املنتدى بهدف تر�سيخ الفكر الو�سطي هناك‪ ،‬و‬ ‫ويف نهاية اللقاء وعد الفاعوري با�سم املنتدى و�أع�ضائه بتقدمي كل‬ ‫�ضرورة عقد م�ؤمتر دويل للو�سطية يف �أقرب وقت‪ ،‬وقد اقرتح الدكتور‬ ‫حممد �أحمد ب�أن يكون عنوان امل�ؤمتر ‪ :‬دور �صالح الدين الأيوبي يف ن�شر �أ�شكال الدعم للأخوة يف كرد�ستان‪.‬‬

‫لجنة المرأة في منتدى الوسطية تحتفل بذكرى المولد النبوي بجلسة‬ ‫ذكر ومأدبة إفطار‬ ‫�ضمن �سل�سلة احتفاالت منتدى الو�سطية للفكر والثقافة بذكرى ميالد‬ ‫النبي عليه ال�صالة وال�سالم‪� ،‬أقامت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية يوم‬ ‫االثنني املوافق ‪ 2011/2/21‬احتفاال دينيا بهذه املنا�سبة العظيمة‪ ،‬ح�ضره‬ ‫عدد من ال�سيدات النا�شطات يف العمل الإن�ساين واالجتماعي وعدد من‬ ‫الداعيات والواعظات والأع�ضاء يف قطاع املر�أة‪.‬‬

‫كالتوا�ضع والأمانة وال�صدق وغريها من ال�صفات‪ ،‬يف حني تطرقت ع�ضو‬ ‫املنتدى والنا�شطة ال�سيدة رويداء رياالت يف كلمتها عن خلق ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يف بيته ومع ن�سائه وكيف كان يعامل �أهل داره ويح�سن‬ ‫معاملتهم‪� ،‬أما ع�ضو املنتدى الدكتورة خولة اخلوالدة تناولت حمورا‬ ‫يتعلق مبحبة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬أما ال�سيدة وفاء البيطار‬ ‫فقد �شددت يف كلمتها على ف�ضل ال�صالة على الر�سول الكرمي وكيف لنا �أن‬ ‫نن�صره من خالل �إتباع �سنته وااللتزام مبنهجه‪ ،‬يف حني �أ�شارت ال�سيدة رمي‬ ‫النا�صر يف حديثها عن ف�ضل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم علينا وكيف‬ ‫هدانا لنور اهلل ونيل ر�ضاه‪.‬‬

‫‪ -‬يف �إحتفال جلنة املر�أة‬

‫ويهدف االحتفال الذي ت�ضمن جل�سة ذكر وم�أدبة �إفطار‪ ،‬جتديد العهد‬ ‫بر�سول اهلل و�سنته ال�سمحة وتوثيق االرتباط فيه‪.‬‬ ‫وقالت رئي�سة جلنة املر�أة ال�سيدة �سو�سن املومني يف كلمتها حول مولد‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬أن من حكم اهلل تعاىل يف مولد الر�سول‬ ‫الكرمي يتيما كي يكون ذاك النبي القادر على حتمل م�صاعب الزمن‪،‬‬ ‫ويكت�سب �صفاتا ت�ؤهله لتحمل امل�س�ؤولية يف ن�شر الدعوة الإ�سالمية وحتمل‬ ‫االبتالءات من �أهمها ال�صرب وال�شجاعة‪.‬‬ ‫وقد تعددت الكلمات التي �ألقيت خالل احلفل والتي متيزت بالتنوع يف‬ ‫حماورها‪ ،‬حيث �أ�شارت ع�ضو املنتدى الدكتورة نوال �شرار يف حديثها عن‬ ‫�أخالق ر�سول اهلل وال�صفات احلميدة التي يتحلى بها والأوىل الإقتداء فيها‬

‫‪ -‬جانب من احل�ضور‬

‫الدكتورة مروة خورمة �أ�شارت يف كلمتها �إىل حكم االحتفال مبولد النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم وقالت �أن االحتفال بذكرى ميالد النبي هو بدعة �إال �أنها بدعة‬ ‫حمببة لأن فيها جتديد للعهد ‪.‬‬ ‫�شارك يف احلفل الذي ختم بتناول طعام الإفطار‪ ،‬عدد من طالبات هيئة �شابات‬ ‫الو�سطية حيث تنوعت م�شاركاتهن من خالل تالوة القر�آن و�إلقاء الأنا�شيد‬ ‫الدينية واملختارات ال�شعرية وعر�ض لفيلم يتحدث عن �سرية ر�سول اهلل ‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫ترسيخ الفكر الوسطي في أوساط الطلبة الماليزيين في‬ ‫الجامعات األردنية ‪ /‬سلسلة من الندوات يعقدها العالمي‬ ‫للوسطية في محافظات المملكة‬ ‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية �سل�سلة من الندوات للطلبة املاليزيني يف‬ ‫اجلامعات الأردنية يف خمتلف املحافظات بهدف تر�سيخ الفكر الو�سطي بني‬ ‫�أو�ساط الطلبة‪ ،‬حيث عقد املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع جامعة‬ ‫الريموك يوم الثالثاء املوافق ‪ 2011/3/29‬ندوة بعنوان» تر�سيخ الفكر‬ ‫الو�سطي يف �أو�ساط الطلبة املاليزيني يف اجلامعات الأردنية» يف منطقة‬ ‫�شمال اململكة‪ ،‬و ناق�شت الندوة التي عقدت يف جامعة الريموك عددا من‬ ‫�أوراق العمل حتدثت حول الو�سطية والفهم ال�صحيح للإ�سالم‪.‬‬

‫يف الأردن ال�سيد �سيف الدين احل�سيني عددا من �أوراق العمل التي تتحدث‬ ‫حول الو�سطية والفهم ال�صحيح للإ�سالم ‪.‬‬ ‫وحتدث �أ‪.‬د‪.‬حممد الروا�شدة عميد �ش�ؤون الطلبة يف جامعة م�ؤتة يف ورقة‬ ‫العمل التي قدمها عن «الو�سطية و�إن�سانية اخلطاب الإ�سالمي» وقال �أن‬ ‫الو�سطية ت�شارك يف ال�سيا�سة وال ت�سعى للحكم و�أن معيار الو�سطية هو‬ ‫قبول الآخر‪.‬‬

‫‪ -‬جانب من الور�شة يف جامعة �آل البيت‬

‫حيث �أ�شار الدكتور عبد اهلل ال�صيفي يف ورقته التي قدمها بعنوان‬ ‫«منهج الو�سطية « هل هو منهج �إ�سالمي را�سخ �أم مفهوم م�ستورد وافد»‪،‬‬ ‫اىل مفهوم الو�سطية و�أهمية الت�سامح والعدل م�ستعر�ضا ادلة من القر�آن‬ ‫الكرمي وال�سنة النبوية‪ ،‬التي ت�ؤكد �أن هذه الأمة خريية داعيا لعدم الت�شدد‬ ‫ونبذ الفرقة والدعوة للمحبة والت�سامح‪.‬‬ ‫وقال �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية الدكتور حممد الريان يف ورقته‬ ‫املعنونة بـ «مفهوم االختالف يف الر�أي �سنة كونية ووظيفة دينية « ان‬ ‫االختالف �سنة من �سنن اهلل يف الكون‪ ،‬و له �آداب وذوقيات ‪ ،‬و�أكد الريان‬ ‫�أن االختالف �إذا �أح�سن ا�ستثماره ف�إنه ي�ؤدي �إىل نتائج �إيجابية يف احلوار‬ ‫واالن�سجام ويكون �أداة من �أدوات الو�سطية واالعتدال ويحقق مفهوم‬ ‫التوازن لدى ال�شباب‪.‬‬

‫‪ -‬جانب من الور�شة يف جامعة م�ؤتة‬

‫كما نظم املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع جامعة م�ؤتة يوم االثنني‬ ‫املوافق ‪ 2011/4/4‬ندوة ثانية بعنوان» تر�سيخ الفكر الو�سطي يف �أو�ساط‬ ‫الطلبة املاليزيني يف اجلامعات الأردنية» يف منطقة جنوب اململكة ‪.‬‬ ‫و ناق�شت الندوة التي عقدت يف جامعة م�ؤتة بح�ضور امللحق الثقايف املاليزي‬

‫‪ -‬جانب من الور�شة يف جامعة الريموك‬

‫من جهته حتدث �أ�ستاذ ال�شريعة الدكتور �شوي�ش املحاميد يف ورقة العمل‬ ‫التي قدمها عن «فكرة الو�سطية ‪� :‬أ�صلها وجذورها وماهية» الأ�سباب التي‬ ‫�شوهت فكرة الو�سطية يف هذا الزمان‪ ،‬و�أنها ظهرت ملقاومة التطرف و�أنها‬ ‫م�شحونة بالهم ال�سيا�سي لت�صارع احلركات الإ�سالمية‪ ،‬و�أي�ضا �إظهار جوهر‬ ‫الدين ال�صحيح دين االعتدال نقي�ض الغلو والتطرف‪.‬‬ ‫�أما الدكتور قي�س املعايطة فقد حتدث عن نعمة االختالف بني �آراء الفقهاء‬ ‫من وجهة نظر و�سطية‪ ،‬و�أن هذا االختالف نعمة ورحمة للم�سلمني‪ ،‬وي�أتي‬ ‫هذا ردا على الداعني للع�صبية والتع�صب وعدم االنفتاح على الآخرين‬ ‫وتكفريهم دون �سند �شرعي لذلك‪.‬‬ ‫�أما الندوة الثالثة والتي عقدت بالتعاون مع جامعة �آل البيت يوم‬ ‫الأربعاء املوافق ‪ 2011/4/7‬بعنوان» تر�سيخ الفكر الو�سطي يف �أو�ساط‬ ‫الطلبة املاليزيني يف اجلامعات الأردنية» بح�ضور امللحق الثقايف املاليزي‬ ‫يف الأردن وعدد من �أ�ساتذة جامعة �آل البيت فقد ناق�شت عددا من املحاور‬ ‫و�أوراق العمل التي حتدثت عن الو�سطية والفهم ال�صحيح للإ�سالم من‬ ‫خالل نخبة من الأ�ساتذة املتخ�ص�صني يف ذات املجال ‪.‬‬ ‫حيث حتدث �أ�ستاذ العقيدة الإ�سالمية يف كلية ال�شريعة ‪ /‬جامعة �آل البيت‬ ‫د‪.‬حممد عبد احلميد اخلطيب يف ورقة العمل التي قدمها بعنوان» هل‬ ‫الو�سطية جزء من الإ�سالم �أم دخيلة عليه» حيث قال �أن الو�سطية هي جزء‬ ‫�أ�صيلة من تعاليم الإ�سالم ولي�ست دخيلة عليه‪ ،‬وهو منهج الأنبياء جميعا ‪.‬‬ ‫وقال �أ�ستاذ ال�شريعة يف جامعة �آل البيت الدكتور حممد العمري يف‬ ‫ورقته املعنونة بـ « االختالف �سنة كونية و�ضرورة دينية» �أن االختالف‬ ‫�سنة كونية والتنوع ما هو �إال داللة على القدرة الإلهية واحلكمة الربانية‬ ‫‪ ،‬و�أ�ضاف �أن االختالف هو �سنة اخللق و�أ�سا�سه ‪ ،‬كما �أنه �آية من �آيات اهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل فال تطابق بني �إن�سان و�آخر وال �شكل ب�شكل وال لون بلون‪.‬‬

‫‪86‬‬


‫تأسيس هيئة شباب الوسطية وانتخاب هيئة إدارية لها‬ ‫الر�سالة‬

‫وافق املجل�س الأعلى لل�شباب بقراره رقم (‪/7‬هيئة‪ )2011/‬على‬ ‫ت�أ�سي�س هيئة �شبابية با�سم هيئة �شباب الو�سطية‪.‬‬ ‫وقد عقدت الهيئة الت�أ�سي�سية اجتماعا يف مقر الهيئة يف عمان‬ ‫بح�ضور ال�سيد مو�سى العودات مدير �شباب العا�صمة وال�سيد علي‬ ‫عبيدات مندوب مديرية �شباب العا�صمة‪.‬‬

‫حيث مت انتخاب هيئة �إدارية برئا�سة ال�سيدة رويداء الرياالت وع�ضوية‬ ‫كل من ال�سيد حكمت الب�شري �أمينا لل�سر‪ ،‬والأ�ستاذ مازن الفاعوري �أمني‬ ‫ال�صندوق‪ ،‬واملهند�س �أ�شرف احلامد �أمني �سر‪ ،‬والدكتورة نوال �شرار‬ ‫ع�ضو‪ ،‬وال�سيد عمار املومني ع�ضو‪ ،‬وال�سيد ب�سام عبد اجلواد ع�ضو‪.‬‬ ‫وحتدث يف االجتماع مدير �شباب العا�صمة ال�سيد مو�سى العودات و�أكد‬ ‫على �أهمية الهيئات ال�شبابية يف �إقامة الن�شاطات ال�شبابية التي تعنى‬ ‫بالعمل التطوعي وتقدير املجل�س الأعلى لل�شباب من خالل من خالل‬ ‫تخ�صي�ص دعم ح�سب معايري التقييم لهذه الهيئات‪ ،‬كما قد رحبت‬ ‫ال�سيدة رويداء الرياالت مبدير �شباب العا�صمة وبينت �أن هدف الهيئ‬ ‫الإعتناء بفئة ال�شباب من خالل ن�شر فكر الو�سطية والإعتدال لل�شباب‬ ‫من اجلن�سني‪.‬‬ ‫من نحن‬

‫هيئة �شباب الو�سطية يف �سطور‬

‫نحن هيئة �شبابية تنبثق عن املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬تهدف �إىل �إيجاد‬ ‫مكان يحتوي ال�شباب بحيث يدعم �إبداعاتهم وطاقاتهم الغري حمدودة‪،‬‬ ‫يف ظل جو �أخوي يغر�س القيم الفا�ضلة املتمثلة بالفكر الإ�سالمي املعتدل‪.‬‬ ‫الر�ؤية‬

‫بناء الفكر املتوازن املعتدل وتر�سيخ املنهج النبوي يف عقول النا�شئة و‬ ‫فهم الإ�سالم ديناً وح�ضار ًة‪ ،‬وتعميم الهوية الفكرية والثقافية لإن�سانية‬ ‫الإ�سالم لدى �شباب الأمة‪ ،‬وبث روح الت�سامح واحلوار الإن�ساين وغر�س‬ ‫قيم الو�سطية واالعتدال بكل �صوره ومفرداته‪.‬‬

‫بناء جيل �شاب واع بهموم الأمة‪� ،‬ساع للنهو�ض احل�ضاري‪ ،‬و�إبراز‬ ‫�صورة الإ�سالم احلقيقية فكراً وثقافة و�سلوكاً‪ ،‬وت�أ�صيل ملنهج الو�سطية‬ ‫واالعتدال يف حياة ال�شباب‪.‬‬ ‫الأهداف‬ ‫‪ -1‬ن�شر قيم االعتدال يف فهم الإ�سالم لدى ال�شباب يف خمتلف مناحي‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫‪ -2‬رعاية الأن�شطة والفعاليات والربامج الفنية وال�شبابية‪.‬‬ ‫‪ -3‬امل�ساهمة يف تطوير العمل ال�شبابي والعمل على تعزيز الروابط مع‬ ‫الهيئات والأندية الأخرى‪.‬‬ ‫‪ -4‬تعزيز منظومة القيم الإ�سالمية‪ ،‬والأخالق الفا�ضلة‪ ،‬والتوا�صل‬ ‫مع املجتمع املحلي وامل�ساهمة بتنميته من النواحي الثقافية والريا�ضية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬و�إعالء قيمة العمل اخلريي‪.‬‬ ‫‪ -5‬تر�سيخ مفاهيم الكرامة الإن�سانية والعلم والعدل لدى قطاع ال�شباب‪.‬‬ ‫‪ -6‬االهتمام بالقر�آن الكرمي حفظاً وتالو ًة وتف�سرياً‪.‬‬ ‫‪ -7‬تعزيز دور ال�شباب يف بناء املجتمع الأردين وتعميق روح االنتماء‬ ‫الوطني‪.‬‬ ‫‪ -8‬رعاية املوهوبني واملبدعني وتنمية مهاراتهم و�إبداعاتهم يف حقول‬ ‫الريا�ضة وال�شباب‪.‬‬ ‫الآليات والو�سائل‬

‫‪ -1‬عقد امل�ؤمترات والندوات و املحا�ضرات واللقاءات واملعار�ض الثقافية‬ ‫والفكرية والفنية التي يعد لها وينظمها ال�شباب‪.‬‬ ‫‪ -2‬عقد دورات ت�أهيلية وتدريبية يف املوا�ضيع العلمية والثقافية‪.‬‬ ‫‪� -3‬إقامة الرحالت لبناء الروابط بني ال�شباب‪.‬‬ ‫‪� -4‬إقامة الأن�شطة الريا�ضية والن�شاطات الك�شفية واملهرجانات الثقافية‪.‬‬ ‫‪� -5‬إ�صدار جملة متنوعة املحتوى ت�شرف الهيئة على �إ�صدارها و�إثرائها‬ ‫وتطويرها‪.‬‬ ‫‪� -6‬إعداد ال�شباب لالنخراط يف املجتمع والتميز يف كل جماالتهم من‬ ‫خالل الور�ش والدورات التدريبية‪.‬‬ ‫‪ -7‬االهتمام مبواهب وهوايات ال�شباب ودعم عمل ال�شباب‪.‬‬ ‫‪ -8‬تخ�صي�ص م�ساحة من موقع املنتدى خمت�صة بهيئة �شباب الو�سطية‬ ‫للتوا�صل الإلكرتوين مع ال�شباب‪.‬‬ ‫‪ -9‬االهتمام باجلانب الروحي الإمياين لدى ال�شباب من خالل عقد‬ ‫لقاءات �إميانية و ت�أدية بع�ض ال�شعائر كقيام الليل وال�صيام وحفظ‬ ‫وتالوة وتف�سري القر�آن الكرمي‪.‬‬

‫‪87‬‬


88


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.