2
افتتاحية العدد ابن تيمية من أعالم الوسطية
م .مروان الفاعوري
كانت ر�سالة املنتدى وال زالت ت�ؤكد على �أن الو�سطية هي منهج الأمة اجلامع وعلمائها منذ بعثة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مرورا باحلقب التاريخية التي مر بها تاريخ الإ�سالم، كانوا منارات الهدى ودعاة النه�ضة واليق�ضة ولتجلية هذه احلقيقة فقد عقد املنتدى العاملي للو�سطية م�ؤمتره احلادي ع�شر يف عمان يومي 2011/4/18-17بعنوان "و�سطية الإمام ابن تيمية" الذي يقول فيه احلافظ ابن كثري يف (البداية والنهاية) جواب ًا على من ي�صمه بالغلظة وال�شدة: فهو �أرق من الن�سيم ،رحيم بامل�سكني واليتيم ،هذا الإمام جاد ولي�س بهازل ،وعن مبدئه ال يتنازل ،ولهذا �سكن �أعلى املنازل. �أخالق طاهرة ،و�سنة عليه ظاهرة ،وهمة بني جنبيه باهرة .عقل �صحيح ،ول�سان ف�صيح ،يفلج اخل�صوم باحلجة، ويدل النا�س على املحجةِ ،ن َعم اهلل عليه تا ّمة ،وهو يف العلوم العال ،العزوف ها ّمة ،ثم هو رجل عا ّمة ،عالمة ال�صدق يف مِ عن الدنايا ،وعدم اخلوف من املنايا ،وجمع ال�سجايا .لي�ست املنزلة عند ابن تيمية مراتب ومنا�صب وتكالب ،بل ت�ضحية وجهاد ونفع للعباد ،و�إ�صالح للبالد� .سفينة علمه لعباب اجلهل ماخرة ،ف�آتاه اهلل ثواب الدنيا وح�سن ثواب الآخرة. ولقد �أحدث الإمام ابن تيمية يف ع�صره حتو ًال كبري ًا ،ووقف كاجلبل الأ�شم ي�صارع التتار اجلبابرة وكذلك ال�صليبيني حتى حفظ للإ�سالم �شبابه ون�ضارته ،وحمل الراية بعد العز بن عبد ال�سالم ،وقام بر�سالته خري قيام ،وعب�أ م�شاعر الأمة وال�شباب ملواجهة التتار حتى مت الن�صر املبني ب�إذن اهلل ،لقد كان بحق جمدد �أمر الدين ،وحميي جمد الإ�سالم يف القرن الثامن..
واذا كان الفكر الإ�سالمي يت�صف بالتوازن ظاهراً وباطناً بني الدين َال الغيب وع مَ والدنيا ،وبني العقل والنقل ،وبني ع مَ َال ال�شهادة ،وبني النف�س والبدن .فالو�سطية �سمة قاده اال�صالح والبناء على مدى الأزمان ،لأنها �صفة الإ�سالم العظيم و�صفة العقيدة ال�صحيحة، مت�سك بها �أهل ال�سنة واجلماعة يف ع�صور امل�سلمني على التي َّ اختالف احوالها �صعوداً �أو هبوطاً ،واعتربوا كل من يخرج عن هذه خارجا عن الأعدل والأو�سط ،و َذ َّم الو�سطية يف االعتقاد �أو ال�سلوكً ، ه�ؤالء العلماء كل غلو �أو تطرف يريد الإخالل ب�صفة الإعتدال مبعناها القر�آين،ومنهجها النبوي ويفر�ض االنحراف الفكري �أو ال�سلوكي على اتباعه وعلى �أبناء املجتمع الإ�سالمي. يقول الإمام ابن تيمية -رحمه اهلل" :-وكذلك يف �سائر �أبواب ال�سنة هم و�سط؛ لأنهم متم�سكون بكتاب اهلل و�سنة ر�سوله ،وما اتفق عليه ال�سابقون الأولون من املهاجرين والأن�صار والذين اتبعوهم ب�إح�سان �إىل يوم الدين". ولذا ف�إ َّنه ملن نافله القول �أ َّن الإمام ابن تيمية كان و�سطياً ُي�شكل منارة يهتدى بها العامل الإ�سالمي يف زمن مت �إلبا�س فكره وفتاويه غري لبو�سها ال�صحيح ،ويجب الت�أكيد على طرح �أفكار الإمام الكبري لتنقيتها وتربئتها من ال�شطط والإنحراف ،لنحافظ على اعتدال فكر وو�سطية الإمام ابن تيمية الذي �أثر يف عقول النا�شئة ووجدان الأمة ،و�أبقى على وهج تلك املنارة و�إ�شعاعها الو�ضاء يف �أحلك الظروف.
3
�إ َّن فكره رحمه اهلل كان ُي�شع �إن�سانية وروحاً وفكراً ،املنطلق من �سماحة الإ�سالم مع خمالفيه ،ففي ر�سالته �إىل (�سرجون) حاكم قرب�ص" :نحن قوم نحب اخلري لكل �أحد ،ونحب �أن يجمع اهلل لكم خري الدنيا والآخرة". لقد بقي ابن تيمية رحيماً عاد ًال و�سطياً حتى �آخر حياته –رحمه اهلل -فلما جتدد عليه الظلم وال�سجن طلب من اتباعه لزوم الهدوء ولزوم منهج الإن�صاف والعدل مع كافة النا�س ،م�سلمني وغري م�سلمني ،وطالب حكام الإ�سالم وعلماء الدين بالعدل مع املخالفني مهما كانوا ،راف�ضاً الظلم الذي وقع عليه �أو على غريه، �أن يكون هذا منهجاً ثابتاً ورا�سخاً ،لأنه من منهج الإ�سالم .وال نن�سى مقولته اخلالده ل�سجانيه� :أ َّن جنتي وب�ستاين يف �صدري، �أنى �سرت فهي معي� ،أنا قتلي �شهادة ،و�إخراجي من بلدي �سياحة، و�سجني خلوة ،ف�أين تذهبون بي... وهناك من الدعاة من ظنوا �أ َّن �إ�صالح الأمة و�إخراجها من كبوتها ال يكون �إال بالت�شدد والغلو ،واتهام الأولني بالكفر واملروق من الدين ،و�إباحة دمائهم و�أموالهم دون دليل �شرعي �سليم. وهكذا �ساعدت بع�ض جماعات امل�سلمني مب�سلكها املجانب للو�سطية واملخالف ل�شرع اهلل ،يف �إل�صاق التهم والظلم ب�شيخنا رحمه اهلل. أ�شخا�صا -و�إن �إ َّن املت�أمل ملا عليه �أهل الغلو من امل�سلمني فر ًقا و� ً حما�سا للإ�سالم ،واهتما ًما ب�أمور امل�سلمني -يدرك �أن �أظهروا ً �سبب غلوهم ،هو تنكبهم عن الطريق ال�صحيح ،وفهمهم ال�سقيم للإ�سالم ،والعمل به ،وبعدهم عن طريق ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم و�صحابته الكرام. �إ َّن امياننا مبنهج الو�سطية� ،سبيال لن�شر دعوة الإ�سالم ،واحلفاظ على متا�سك املجتمع امل�سلم ،باحلكمة واملوعظة احل�سنة واملجادله بالتي هي �أح�سن.كان دافعنا لعقد هذا امل�ؤمتر الهام ملحاولة ان�صاف �أعالم الأمة وا�سرتدادهم من خمتطفيهم عمال بقوله تعاىل " ان اهلل ي�أمر بالعدل والإح�سان" ... "وال يجرمنكم �شن�آن قوم على �أن ال تعدلوا اعدلوا هو �أقرب للتقوى" كان هذا امللتقى عمال بقوله تعاىل ان اهلل يامر بالعدل واالح�سان.
�إننا نعي�ش ع�صر االدعاءات والإنت�سابات واالتباع الأعمى اجلريء على الفتوى التي تدلل على �ضحالة الفهم واالحاطة مب�ضامني و�أفكار الأئماء ومنهم الإمام ابن تيمية ،فاملذهب احلنبلي الذي ينتمي �إليه الإمام ابن تيمية وكما هو معلوم ف�إ َّنه من �أو�سع املذاهب الفقهية تي�سرياً فالأ�صل عند ال�سادة احلنابلة يف املعامالت الإباحة انطالقاً من قول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم� :أنتم �أعلم ب�ش�ؤون دنياكم .ومن قاعدة الرباءة الأ�صلية ومن مبد�أ التي�سري ورفع احلرج. �إ َّن التقول على �شيخ الإ�سالم بغري علم ي�شكل جرمية من �أكرب اجلرائم ،ومر�ضاً من �أخطر الأمرا�ض التي ف�شت يف جمتمعاتنا الإ�سالمية؛ لقلة العلـم ،و�ضعف اخل�شية من اهلل عز وجل ،واتباع الهوى ،وقد كان لها الأثر ال�سيء يف الفتك باملجتمعات ،وطم�س معامل فقهه رحمه اهلل. �إن هذا الإمام املُجدد امل�صلح رحمه اهلل يتعر�ض اليوم �إىل حملة ت�شويه وحتريف واقتطاع واجتزاء من �أقواله وفتاويه ،من فئة �أخذت من علمه ما يالئم هواها� ،أو ا�سقطت �أر�آءه جتاه فئات خارجة عن امللة يف ذلك الزمان على �أبناء امل�سلمني الآن �أو �أخذت فتواه وحرفتها عن �سياقها التاريخي واملكاين واملللي ،حتى غدا ا�سم الإمام ابن تيمية -رحمه اهلل -عند من يجهله مرتبطاً بق�ضايا التكفري والتف�سيق والقتل .ومن يدر�س منهجه -ب�إن�صاف ومو�ضوعية وحياد -يجد نقي�ض كل تلك التهم الذي هو منها براء، ف�شيخ الإ�سالم ال ينتمي �إىل ه�ؤالء ،بل �إنه ُظلم مرتني من غاله وظلم من �أعدائه �إفراطاً وتفريطاً ،فقد كان منهجه و�سطاً �أتباعهُ ، ال �إفراط فيه وال تفريط عنده. ويف فكر ابن تيمية �أ َّن �أهل ال�سنة و�سط يف النحل وامللل ،وهم و�سط يف باب �صفات اهلل بني �أهل التعطيل و�أهل التمثيل. وقال مُعرباً عن روحه الطيبة املحبة لكل النا�س" :و�أنا �أحب اخلري لكل امل�سلمني و�أريد لكل م�ؤمن من اخلري ما �أحبه لنف�سي". لقد كان ممل�ؤاً باحلب ،م�شغو ًال بزيادة �أهل اجلنة و�أمة الإ�سالم، ومل يكن م�شغو ًال �أو �شغوفاً �أن يزيد �أهل النار من خالل التكفري والتو�سع يف التف�سيق والإ�سراف يف الأحكام على النا�س.
4
وسـطـيتـنـا رسالتنا اإلنسانية الروحية د .عبد احلليم عوي�س
يف �أ�سلوب ح�صر بالغي يحدد الإ�سالم يف كتابه الكرمي وظيفة الر�سول �أنه رحمة لكل العاملني.. لقد خاطب اهلل نبيه حممدًا �صلى اهلل عليه و�سلم بقوله ( َومَاني) (الأنبياء .)107 :وبقوله ( َومَا �أَ ْر�سَ ْل َن َ �أَ ْر�سَ ْل َن َ اك ِ�إ َّالَ َر ْح َم ًة ِل ْل َعا مَلِ َ اك ريا َو َنذِ ي ًرا) (�سب�أ.)28 : �إِ َّالَ َكا َّف ًة لِل َّن ِ ا�س بَ�شِ ً فعلى امل�سلمني مهما كانت �أجنا�سهم �أو �أوطانهم �أن ينتبهوا �إىل �أنهمحملة الراية بعد �أ�ستاذهم ومعلمهم حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ، وعليهم �أن ينتبهوا �إىل �أن الأمانة التي ائتمنهم اهلل عليها ،وهي (البالغ للنا�س) (بالقر�آن) �إمنا هي نور للنا�س جمي ًعا �إذا �آمنوا بها، ال فرق بني �أ�سود و�أبي�ض ،يقول اهلل تعاىل( َق ْد َجا َء ُكم مِ َن اللَهّ ِ ُنو ٌر اب ُم ِب ٌ ال�سال ِم َو ُيخْ ر ُِجهُم َو ِك َت ٌ ني * َيهْدِ ي ِب ِه اللَهَّ ُ م َِن ا َّت َب َع ر ِْ�ض َوا َن ُه ُ�س ُب َل َّ مِ َن ُّ ِيم) (املائدة: الظ ُل َماتِ �إىل ال ُّنو ِر ِب ِ�إ ْذ ِن ِه َو َيهْدِ ي ِه ْم ِ�إلىَ ِ�ص َر ٍ اط م ُْ�س َتق ٍ .)16 -15 وامل�سلمون م�س�ؤولون عن �إنقاذ الب�شرية جميعها ،حتى لو ت�أججت الأحقاد والعن�صريات يف �صدور �أعدائنا؛ فامل�سلمون مل يبعثهم اهلل ليواجهوا حقدًا بحقد ،وال عن�صرية بعن�صرية؛ بل عليهم �أن يحافظوا على راية احلب والت�سامح مع الإن�سانية ،و�أ َّال يخ�ضعوا ال�ستفزازات �أعدائهم التي يرمون من خاللها �إىل زحزحتهم عن مبادئهم. ولعله من �أكرب �آيات الت�سامح الإ�سالمي وال�شعور بامل�س�ؤولية الإن�سانية �أن العلماء والدعاة امل�سلمني عندما يعر�ضون لق�ضايا اخللل الإن�ساين ال ي�صدرون عن �شعور عن�صري يح�صر عالجهم يف املحيط الإ�سالمي �أو القومي ،بل يعملون على ح ِّل م�شكالت ح�ضارات الع�صر احلديث كلها ،دون �أن يح�صروا حل امل�شكالت يف الدائرة الإ�سالمية �أو الرتكية �أو العربية وحدها� ،إمنا يعر�ضونها ليحلوا بها م�شكالت احل�ضارة املادية احلديثة كلها.
تلك احل�ضارة التي ج�سدها (العقل) يف �إطار (املادة) و(املنفعة والن�سبي)، و�أ�صبحت عاجزة عن �إدراك الكمال واجلمال يف الروح واملطلق والغيب و�ضرورة الإميان بالكينونة الإن�سانية ،والعمل امل�شرتك على ا�ستمرار التح�ضر الإن�ساين العام ،الذي ي�ضم امل�سلمني وغري امل�سلمني. ولقد �أدرك امل�سلمون �أن هناك خل ً ال وقع يف امل�سرية الإن�سانية؛ نتيجة التحيز للمادة على ح�ساب الروح �أو العك�س. ولقد �أ�صاب هذا العجز احل�ضارة الإن�سانية بال�شلل الن�صفي؛ لأنالروح �أو الغيب املطلق ال ينف�صل عن العقل واملادة والن�سبي ..ولأن (املطلق) هو (املعيار) الأ�سا�س للحق ،ورف�ض التعامل معه ،يعني رف�ض ال�سري يف طريق احلق ،حتت �ضغط الإميان امل�شلول باملادة والن�سبي .وهو الأمر امل�ؤدي �إىل عبادة الإن�سان لنف�سه ،بدي ً ال عن عبادة اهلل الذي ي�ؤمن امل�سلمون ب�أنه و�ضع للكون والإن�سان نظا ًما من خالل الوحي والأنبياء، وهو نظام متطابق مع فطرة الإن�سان. لقد كان الإ�سالم -لأنه دين الفطرة واحلق -حاف ًزا على ت�شكيل كيان متميز مل ت�ستطع تقلبات الزمن واالحتكاك باحل�ضارات املختلفة �أن تفتَّ يف ع�ضده على مر الع�صور ..ف�إن كل �شيء يف الإ�سالم ي�شكل وحدة ،ويعرب يف الوقت نف�سه عن وحدة؛ ففرو�ض العبادة تعرب بطريقة ظاهرة ،بل بطريقة مادية عن التما�سك وااللتحام ،فامل�سلمون ي�سجدون يف �صلواتهم خم�س مرات يوم ًّيا يف �ساعات متماثلة تقري ًبا ،ويف اجتاه واحد نحو مكة. وتعرب النية الدينية امل�صاحبة للعبادات لكل �شعرية عن وحدة الإن�سانروح ًّيا وماد ًّيا. وي�سهم الإميان � ًأي�ضا كما ت�سهم ال�شعائر يف ت�ضامن اجلماعة الإ�سالمية وجتان�سها ،وتدفعها جمي ًعا نحو حتقيق عامليتها. �إن جماعة امل�ؤمنني -وقد قامت على الدين -جنحت يف ال�صمود �أمامالتفكك ال�سيا�سي ،كما �أن الروابط الدينية التي ت�سمو فوق الروابط القانونية واملادية ت�ستطيع قيادة املجتمع امل�سلم �إىل النجاة والفوز يف ال�سباق احل�ضاري.
5
التقريب بين المذاهب ..من المفهوم إلى اإلستراتيجية �أ .زكي ميالد يف �أواخر القرن الع�شرين ومطلع القرن احلادي والع�شرين ،جرت حماوالت عدة لتحويل فكرة التقريب �إىل �أطر ا�سرتاتيجية تكون وا�ضحة الأ�س�س واملعامل ،وتتحدد فيها املقا�صد والغايات ،وذلك لدفع فكرة التقريب خطوات �إىل الأمام ،و�إعطائها بعد ًا ا�سرتاتيجي ًا، والتعامل معها وفق هذا املنظور اال�سرتاتيجي ،و�إخراجها من احليز النظري الذي كانت عليه� ,إىل احليز التطبيقي.
حني و�ضعت ا�سرتاتيجية لها بعنوان (ا�سرتاتيجية التقريب بني املذاهب الإ�سالمية)� ،إىل جانب ا�سرتاتيجياتها الأخرى يف الرتبية والثقافة والعلوم ،واعتربت �أن هذه اال�سرتاتيجية تت�صل مبجال بالغ الأهمية يرتبط بالوحدة الثقافية يف العامل الإ�سالمي، وبتما�سك الأمة الإ�سالمية وت�ضامنها. وجاءت هذه اخلطوة ،بعد برنامج عملي و�ضعته املنظمة الإ�سالمية يعنى بق�ضية التقريب ،ويف �إطار تنفيذ هذا الربنامج عقدت املنظمة ندوتني يف العا�صمة املغربية الرباط ،الندوة الأوىل عقدت �سنة 1991م ،والندوة الثانية عقدت �سنة 1996م. وهاتان الندوتان كانتا يف نظر املدير العام للمنظمة الإ�سالمية الدكتور عبد العزيز التويجري مبثابة القاعدة لتطوير التفكري يف �ضرورة بلورة وثيقة حتدد الهدف الرئي�س من التقريب ،وتو�ضح املفهوم العملي لهذا التقريب ,وو�ضع الأ�س�س للعمل من �أجل حتقيق هذا الهدف عن طريق التعاون والتن�سيق بني �أتباع املذاهب الإ�سالمية للتغلب على كل املعوقات التي حتول دون التقريب. وعلى �ضوء نتائج هاتني الندوتني عهدت املنظمة الإ�سالمية �إىل فريق من العلماء واملفكرين و�ضع وثيقة م�شروع (ا�سرتاتيجية التقريب بني املذاهب الإ�سالمية). ويرى الدكتور التويجري �أن هذا امل�شروع جاء م�ستمداً من روح ال�شريعة الإ�سالمية ،وم�ستوحى من مقا�صدها ال�شريفة ،وقائماً على �أ�س�س علمية متثل خال�صة ما انتهى �إليه الفكر الإ�سالمي يف هذا الع�صر ،من �ضرورة الت�أكيد على جتاوز االختالفات املذهبية،
ويف هذا النطاق ،جاءت الندوة الدولية التي عقدت بدم�شق يف �أبريل 1999م ،وبحثت و�ضع ا�سرتاتيجية م�شرتكة للتقريب بني املذاهب الإ�سالمية ،وكانت برعاية م�ؤ�س�سة الإمام اخلوئي اخلريية يف لندن ،وبالتعاون مع العديد من امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية احلكومية وغري احلكومية ،منها م�ؤ�س�سة الأزهر يف م�صر ،ورابطة العامل الإ�سالمي يف ال�سعودية ،ودار احل�سنية يف املغرب ،واملنظمة الإ�سالمية �إي�سي�سكو ،و�أكادميية العلوم يف �إيران ،وح�ضرها جمع كبري من العلماء واملفكرين والباحثني من �أتباع املذاهب الإ�سالمية املختلفة. ويف �سنة 2002م �أعلن املجمع العاملي للتقريب يف طهران عن ا�سرتاتيجية له يف التقريب بني املذاهب الإ�سالمية� ،شرح فيها املفاهيم واملبادئ والقيم ،وحدد �أ�س�س التقريب وجماالته ،وك�شف عن الأهداف والتطلعات .وتتمة لهذه اخلطوة ،عقد املجمع �سنة 2005م م�ؤمتره ال�سنوي يف طهران ،حتت عنوان (ا�سرتاتيجية التقريب بني املذاهب الإ�سالمية). لكن اخلطوة املتقدمة يف هذا املجال ,هي اخلطوة التي �أقدمت عليها املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة (�إي�سي�سكو)،
6
واالرتقاء �إىل م�ستوى املعاجلة العلمية ،حتقيقاً لوحدة الأمة الإ�سالمية الثقافية والفكرية والوجدانية ,ووحدة العمل من �أجل حتقيق امل�صالح العليا. ويف �سنة 2001م عقدت املنظمة الإ�سالمية يف العا�صمة الأردنية عمان ،اجتماعاً �أطلقت عليه اجتماعا للخرباء خ�ص�ص ملناق�شة ومراجعة هذه اال�سرتاتيجية ،وذلك قبل �إقرارها من الدول الأع�ضاء يف املنظمة ،وكنت واحداً من الذين �شاركوا يف هذا االجتماع. ويف مايو 2003م اعتمد امل�ؤمتر الإ�سالمي لوزراء اخلارجية هذه اال�سرتاتيجية ،يف دورته الثالثني املنعقدة يف العا�صمة الإيرانية طهران. وح�سب هذه اال�سرتاتيجية ،فقد جرى �إعدادها على �أ�س�س علمية وفكرية ،جمردة عن امل�ؤثرات العاطفية ,والتحيز املذهبي ،وب�أ�سلوب مرن حمكم ,يجعله ممكن التحقيق ،قاب ً ال للربجمة والتطبيق. ويف نظر هذه اال�سرتاتيجية ،يعد التقريب عام ً ال مهماً يف ت�ضييق رقعة اخلالفات ،واحلد من انت�شار ظاهرة التع�صب املف�ضية �إىل التفرقة والفنت ،وج�سراً متيناً لرت�سيخ قيم االئتالف والت�سامح, و�إتباع �صراط الر�شاد الهادي �إىل متا�سك الأمة ،وتدعيم عنا�صر وحدتها. وترى هذه الإ�سرتاتيجية� ،أن م�س�ؤولية التقريب هي :م�س�ؤولية جماعية ي�شرتك فيها العامل واملثقف والفقيه والأديب والداعية، ورجل الإعالم وال�صحافة� ,إىل جانب الأجهزة وامل�ؤ�س�سات الر�سمية وال�شعبية ،وتتطلب هذه امل�س�ؤولية ما يلي: 1ـ تخطيط عمليات التقريب ،وال�سهر على تنفيذها ،مع تبني ا�سرتاتيجيات حملية منبثقة من �أهداف هذه اال�سرتاتيجية الأم وم�ضامينها. 2ـ �إعداد الربامج والأن�شطة القابلة للتنفيذ على امل�ستوى الوطني، وربطها بالأن�شطة املماثلة يف بلدان الدول الأع�ضاء ،وتطوير �أن�شطتها ،و�إذكاء حيويتها. 3ـ تنمية عالقات التعاون والتكامل مع الهيئات املماثلة يف البلدان ال�شقيقة ،ومع املنظمات والهيئات ذات العالقة ،وطنياً وعربياً و�إ�سالمياً.
4ـ الإ�سهام يف �إعداد حملة ر�سالة التقريب ،وتدريبهم على ن�شر ثقافته ،وفق �أ�س�س �إ�سالمية وحدوية �صحيحة و�سليمة. وجتزم هذه اال�سرتاتيجية� ،أنها �إذا ما �أعطيت حقها من التنفيذ واملتابعة ،ف�إن م�س�ألة التقريب التي ج�سدتها يف كامل بنيتها التنظيمية (مقدمة و�أهدافاً و�أ�س�ساً وم�ضامني وو�سائل) لي�ست مب�ستع�صية احلل ،وال �صعبة املنال. وما نخل�ص �إليه يف هذا اجلانب� ،أن فكرة التقريب �شهدت تطوراً هو يف غاية الأهمية حتدد يف حتويل هذه الفكرة �إىل ا�سرتاتيجيات تتك�شف فيها املفاهيم وامل�صطلحات ،املقا�صد والغايات ,الأ�س�س واملرتكزات ،الو�سائل والأ�ساليب ،وجتعل منها فكرة وا�ضحة املعامل، وال ينبغي النظر لهذه الفكرة بعيداً عن هذا التطور اال�سرتاتيجي.
7
دور الفتوى والمفتي في تقويم األمة الوسط د� .إبراهيم عبد اللطيف العبيدي احلمد هلل رب العاملني و�أف�ضل ال�صالة و�أمت الت�سليم على �إمام املتقني و�سيد املر�سلني وعلى �آله و�صحبه ومن اهتدى بهديه �إىل يوم الدين وبعد ...؛ ف�إن الناظر يف واقع حال الأمة اليوم يرى �أن هجمة �شر�سة ا�ستهدفت كفاءاتها ورجال فكرها ب�شكل خا�ص ،ف�ض ًال عن ا�ستهداف جميع �أبنائها وعلى خمتلف تخ�ص�صاتهم التي ال تكاد الأمة الو�سط �أن ت�ستغني عن �أي منها ب�شكل عام .وال �أظن �أن �أحد ًا يختلف يف ف�ضل �أ�صحاب الكفاءة ومدى حاجتنا املا�سة لهم يف مثل هذا الظرف الع�صيب ،ومن ف�ضل اهلل على هذه الأمة �أن كفاءاتها مل تنح�صر يف تخ�ص�ص دون �آخر ،بل ترى �أ�صحاب هذه الكفاءات قد انت�شروا يف بقاع الأر�ض ،فدولة مثل بريطانيا على �سبيل املثال يوجد فيها عدد كبري جدا من �أطبائنا واحلمدهلل ،وكذلك احلال بالن�سبة للمهند�سني والفيزيائيني والكيميائيني والطيارين وغريهم ،وال تنح�صر كفاءات الأمة يف جانبها الدنيوي فح�سب ،بل ت�صدر �أ�صحاب الكفاءات يف اجلانب ال�شرعي مكانة طيبة يف الكثري من الدول العربية والإ�سالمية اليوم ،تليق بف�ضلهم وعلمهم ،وقطعا هذه املكانة مل ت�أت من فراغ ،و�إمنا مثلت املكانة العلمية التي و�صل �إليها ه�ؤالء الف�ضالء.
�أو تعليما جلاهل � ،أو ت�صحيحا حيث �إن فتاوى وتقريرات ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف كل �أمور ال�شرع من �أمور العقيدة والعبادات واملعامالت والأحوال ال�شخ�صية واحلدود والق�صا�ص وما �إىل ذلك ،كان يتوىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بيانها للنا�س تنفيذا لأمر اهلل عز وجل بقوله تعاىل ( َيا �أَ ُّيهَا ال َّر ُ�س ُ ول َب ِّل ْغ مَا �أُن ِز َل �إِ َل ْي َك مِ ن َّر ِّب َك وَ�إِن مَّ ْ ل ا�س �إِ َّن اللهَّ الَ َيهْدِ ي ا ْل َق ْو َم َت ْف َع ْل َف َما َب َّلغْتَ ِر�سَ ا َل َت ُه َواللهّ ُ َي ْع ِ�ص ُم َك مِ َن ال َّن ِ ا ْل َكا ِفر َ ِين )(املائدة.)67: الثانية� :صيغة البيان بعد �س�ؤال وا�ستفتاء كما يف لفظتي (ي�س�ألونك ) و (ي�ستفتونك) َّ َ كما يف قوله تعاىل ( َو َي ْ�س�أَ ُلو َن َك ع َِن ا ْل َي َتامَى ُق ْل �إِ ْ�صال ٌح ل ُه ْم خَيرْ ٌ ) (البقرةَ (، )220:و َي ْ�س َت ْف ُتو َن َك فيِ ال ِّن�سَ اء ُقلِ اللهّ ُ ُي ْفتِي ُك ْم فِيهِنَّ ) (الن�ساء .)127:وكذلك ما كان يطرح على ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ب�صيغة اال�ستفتاء وال�س�ؤال تارة وب�صيغة ال�شكوى والهم تارة �أخرى ،كما يف حادثة خولة بنت ثعلبة مع زوجها �أو�س بن ال�صامت علي كظهر �أمي ،فجاءت ر�سول اهلل ،حينما ظاهرها وقال لها � :أنت ّ �صلى اهلل عليه و�سلم م�ستفتية تبحث عن حل ملا �أمل بها من حمنة. ف�أنزل اهلل عز وجل يف �سورة املجادلةَ (:ق ْد �سَ مِ َع اللهَّ ُ َق ْو َل ا َّلتِي تجَُ ا ِد ُل َك ري) فيِ َز ْوجِ هَا َو َت ْ�ش َتكِي �إِلىَ اللهَّ ِ َواللهَّ ُ َي ْ�س َم ُع تحََ ا ُو َر ُك َما �إِ َّن اللهََّ �سَ مِ ي ٌع َب ِ�ص ٌ (املجادلة.)1 : والواقع �أن �أ�شكال فتاوى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم كانت ت�أخذ �صورا �شتى كل ح�سب احلالة الواقعة .فقد �سئل عن البحر فقال �صلى اهلل عليه و�سلم ( هو الطهور ما�ؤه احلل ميتته ) ،و�سئل عن ال�شراب البتع واملزر فقال( :كل م�سكر حرام ) ،و�سئل عن الرجل يقاتل �شجاعة والرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل رياء� ،أي ذلك يف �سبيل اهلل ؟ فقال ( :من قاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا فهو يف �سبيل اهلل ) وهكذا جند �أن فتاويه �صلى اهلل عليه و�سلم قد �شملت عامة �أبواب ال�شريعة و�شتى نواحي احلياة ثم ا�ستمرت عجلة الفتوى من بعده عليه ال�صالة وال�سالم ف�أفتى املفتون واجتهد املجتهدون ،فيما ا�ستجد من النوازل يف خمتلف امل�سائل ،ف�ألفت كتب كثرية جمعت هذه الفتاوى التي �شملت نواحي عدة وم�سائل خمتلفة . وتعد ال�صفة البارزة التي كانت معلما وا�ضحا يف الأجيال التي تلت ع�صر النبوة ،م�س�ألة التهيب من الفتوى وعدم الت�صدر لها باعتبار �أن املفتي نائب عن اهلل تعاىل وعن ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم يف بيان احلالل واحلرام ووا�سطة يف تبليغ الأحكام يقول ابن القيم رحمه اهلل تعاىل ( �إذا كان من�صب التوقيع عن امللوك باملحل الذي ال ينكر ف�ضله وال يجهل قدره وهو من �أعلى املراتب ال�سنيات ،فكيف مبن�صب التوقيع عن رب الأر�ض وال�سموات ) .لذلك نرى ال�سلف ال�صالح كانوا يدركون هذه املكانة العظيمة للفتوى ،فتح�صنوا بالعمل النافع ال�صحيح مع اخل�شية
وال يكاد يختلف اثنان فيما تعر�ض له علما�ؤنا عامة ،وعلماء الدين خا�صة يف ا�ستهداف منظم عجيب �شمل اجلميع ،مل ُيرحم فيه �شيخ كبري وال معاق وال �ضرير ،وال يخفى �أثر هذا اال�ستهداف امل�ستمر من ا�ستنزاف خطري يعود بال�ضرر احلقيقي على املجتمع برمته ،ملا يولد عنه من تفراغ كبري متثل يف اجلهل ب�أحكام الدين ،بل �إنه امتد لي�شمل �أركانه و�أ�سا�سياته ،وهذا هو احلال الذي و�صف النبي �صلى اهلل عليه و�سلم به الأمة ،عندما تنتقل من مرحلة العلم �إىل مرحلة اجلهل ،عن طريق موت العلماء وفقدهم� ،إذ يقول عمرو بن العا�ص ر�ضي اهلل عنه �سمعت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يقول� « :إن اهلل ال يقب�ض العلم انتزاعا ينتزعه من النا�س ولكن يقب�ض العلم بقب�ض العلماء حتى �إذا مل يرتك عاملا اتخذ النا�س ر�ؤو�ساً جهاال ف�سئلوا ف�أفتوا بغري علم ف�ضلوا و�أ�ضلوا « .ومن هنا حري بالأمة �أن تهيئ من يقوم بهذا الأمر ،حتى ال يعم اجلهل ،وينت�شر التخلف ال �سيما العلم ال�شرعي ،الذي �إن فقدناه حقيقة ،فقدنا كل ما �سواه .ومن �أجل معرفة مكانة الفتوى ومكانة من يت�صدر لها نقف الوقفات الآتية : الوقفة الأوىل :مكانة الفتوى يف ال�شريعة الإ�سالمية يرى املتتبع لن�صو�ص الكتاب وال�سنة �أن الفتوى قد اتخذت طريقتني يف بث �أحكام وتعاليم �شرعنا احلنيف : الأوىل � :صيغة البيان بغري �س�ؤال �أو ا�ستفتاء وهي �أكرث ما جاء يف القر�أن الكرمي .وهذا ال�شكل كرث يف ال�سنة النبوية املطهرة لبيان بع�ض الأحكام ابتداء دون �س�ؤال من �أحد نفيا لتوهم �أو ت�صحيحا لفهم
8
جمتمعه ،وم�شكالته وعالقته باملجتمعات الأخرى ،ومدى الت�أثر والت�أثري بها .يقول �أبن القيم (:هذا �أ�صل عظيم يحتاج �إليه املفتي واحلاكم ،ف�إن مل يكن فقيها يف الأمر والنهي ،ثم يطبق �أحدهما على الآخر و�إال كان ما يف�سد �أكرث مما ي�صلح وت�صور له املظامل ب�صورة املظلوم وعك�سه واحلق ب�صورة املبطل وعك�سه ،وراج عليه املكر واخلداع واالحتيال ..بل ينبغي له �أن يكون فقيها يف معرفة النا�س وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم ،ف�إن الفتوى تتغري بتغري الزمان واملكان ،والعوائد والأحوال وذلك كله من دين اهلل ). � -7سالمة االعتقاد و�صحة النية يقول ال�شاطبي ( :االجتهاد �سمو باملجتهد ليكون يف مكان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فيبني �شرع اهلل ،وهل يبلغ هذه املنزلة من يتبع البدعة ويكون له هوى ). � -8أن يكون عاملا مبقا�صد ال�شريعة و�أنها رحمة بالعباد ،ورعاية مل�صاحلهم مبراتبها الثالث ال�ضروري واحلاجي والتح�سني ،وما اقت�ضته من التي�سري والتخفيف ورفع احلرج والتدرج يف احلكم وما �إىل ذلك ،قال ال�شاطبي ( الأول :فهم مقا�صد ال�شريعة ،و�أنها مبنية على اعتبار امل�صالح ،و�أن امل�صالح اعتربت من حيث و�ضعها ال�شارع كذلك ،ال من حيث �إدراك املكلف �إذ �إن امل�صالح تختلف عند ذلك بالن�سب والإ�ضافات فال ينظر �إىل امل�صالح باعتبارها �شهوات �أو رغبات للمكلف بل ينظر فيها �إىل الأمر يف ذاته من حيث كونه نافعاً او �ضاراً ). وقد �أجمل الإمام ال�شافعي رحمه اهلل تعاىل هذه ال�شروط فقال( :ال يحل لأحد �أن يفتي يف دين اهلل �إال رجال عارفا بكتاب اهلل بنا�سخه ومن�سوخه ومبحكمه ومت�شابهه ،وت�أويله وتنزيله ،ومكيه ومدنيه ، وما �أريد به وفيم انزل ثم يكون بعد ذلك ب�صريا بحديث ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بالنا�سخ واملن�سوخ ويعرف من احلديث ما عرف من القر�آن ويكون ب�صريا باللغة ب�صريا بال�شعر ،ومبا يحتاج �إليه العلم والقر�آن وي�ستعمل مع هذا الإن�صات وقلة الكالم ....ثم قال ويكون بعد هذا م�شرفا على اختالف �أهل الأفكار وتكون له قريحة بعد هذا ف�إن كان هكذا فله �أن يتكلم ويفتي يف احلالل واحلرام و�إذا مل يكن هكذا فله �أن يتكلم يف العلم ال يفتي ) .قال الطربي بعد �أن نقل هذا الكالم( :فليت من يتكلم يف القر�آن والدين من �أهل زماننا يتورع من خمافة ربه ،ومن هول عذابه يوم يقوم النا�س لرب العاملني ) .يكفي �أن نعلم �أن الإمام الطربي عا�ش يف القرن الرابع الهجري.
والورع ال�شديد ،حيث �أدركوا �أن الفتوى �أ�شبه بطائر له جناحان ال ميكن له �أن يطري �إال بهما ،العلم النافع ال�صحيح الثابت مع اخل�شية من اهلل عز وجل ،والورع والزهد بالدنيا وما فيها ،ولذلك كله جند التهيب والهروب من الفتوى كان ديدنهم� ،إىل درجة �أن �أحدهم كان يود لو �أن غريه كفاه ذلك .والأمثلة على ذلك كثرية جدا ن�أخذ منها على �سبيل املثال ال احل�صر ،قول عبد الرحمن بن �أبي ليلى رحمه اهلل تعاىل :حيث قال � :أدركت يف هذا امل�سجد ع�شرين ومائة من الأن�صار ي�س�أل �أحدهم امل�س�ألة فريدها هذا على هذا وهذا على هذا ،حتى ترجع �إىل الأول ،وما منهم من �أحد يحدث حديث �إال ود �أن �أخاه كفاه الفتيا) من ذلك ندرك تخريج الإمام �أبي حنيفة رحمه اهلل تعاىل حينما ذهب بالقول باحلجر على املفتي اجلاهل واملتالعب ب�أحكام ال�شرع مع �أنه يرى عدم احلجر على ال�سفيه احرتاما لآدميته .وما قوله ذاك �إال حلفظ النا�س من وراء الفتوى واملفتني املتالعبني ب�أحكام ال�شرع. الوقفة الثانية� :شروط وم�ؤهالت املفتي بني العلماء جملة �شروط و�آداب و�صفات ينبغي �أن تتوافر يف املفتي ملا متثله وظيفته من �شرف القيام مقام النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بل �إنه يوقع عن اهلل جل �ش�أنه كما بينا ،وال �شك �أن تكليفا كهذا ال يكون �سهال �أبدا وعليه فال ن�ستغرب من الت�شدد واملبالغة يف ال�شروط والآداب وال�صفات التي و�ضعت يف هذا املجال ال �سيما ونحن نقر�أ الآيات والأحاديث يف هذا الباب .ون�ستطيع �أن جنمل �أهم ال�شروط ال�شخ�صية �إذ تتمثل يف الإميان والتكليف والعدالة و�سالمة الفهم وتدبري الأمور . ون�ستطيع �أن جنمل كذلك �أهم ال�شروط العلمية املتفق عليها والواجب توافرها يف املجتهد وهي باخت�صار : � -1أن يكون عاملاً باللغة العربية ،لغة القر�آن الكرمي ،وال�سنة النبوية املطهرة . � -2أن يكون عاملاً بالقر�آن الكرمي ودقائق الأحكام فيه ،عاما وخا�صا ومطلقا ومقيدا وحمكما ومت�شابها ونا�سخا ومن�سوخا وكل ما يتعلق ب�آيات الأحكام ب�صورة عامة . � -3أن يكون عاملاً بال�سنة النبوية املطهرة بكل �أ�شكالها القولية والفعلية والتقريرية وطرق الرواية والإ�سناد وما يتعلق بعلوم ال�سنة النبوية املطهرة. � -4أن يكون عاملاً مبوا�ضيع الإجماع ومواطن اخلالف حتى ال يفتي مبا يخرق �إجماع الأمة . � -5أن يكون عاملاً ب�أ�صول الفقه �إذ تعد درا�سة هذا العلم �أ�سا�ساً للمجتهد فيما ي�ستنبطه من م�صادر الت�شريع املتفق عليها واملختلف فيها، و�شروط اال�ستدالل واال�ستنباط بهذه الأدلة . يقول الإمام الفخر الرازي يف هذا الباب� ( :إن �أهم العلوم للمجتهد علم �أ�صول الفقه .و�أما �سائر العلوم فغري مهمة يف ذلك �أما الكالم فغري معترب لأنا لو فر�ضنا �إن�سانا جازما بالإ�سالم تقليدا لأمكنه اال�ستدالل بالدالئل ال�شرعية على الأحكام . -6الإحاطة بواقع احلياة لأنه ال يجتهد يف فراغ بل يف وقائع تتعلق بالأفراد واملجتمعات من حوله ،وه�ؤالء ت�ؤثر فيهم �أفكار وتيارات وعوامل خمتلفة نف�سية وثقافية واجتماعية واقت�صادية و�سيا�سية ، فال بد للمجتهد �أن يكون على حظ من املعرفة ب�أحوال ع�صره وظروف
خامتة ومن الوقفتني ال�سابقتني يتبني لنا باخت�صار املكانة ال�سامية التي نظرها ديننا احلنيف �إىل الفتوى ومكانتها وما يجب على املفتي �أن يجتمع فيه لي�ؤهل لهذه املهمة الثقيلة ،والأمة الو�سط اليوم يف �أ�شد حاالتها حاجة لتدرك املكانة العظيمة وما قد حتدثه من حماولة �إ�صالح ما ف�سد ،ويف نف�س الوقت عليها �أن تعي املفا�سد التي ترتتب على الأمة برمتها يف حال ت�صدر لهذه الأمانة العظيمة غري من �أهل لها ،فعند ذلك يعم اجلهل وي�سود ال�ضالل كما قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم� ( :إن اهلل ال يقب�ض العلم انتزاعا ينتزعه من النا�س ولكن يقب�ض العلم بقب�ض العلماء حتى �إذا مل يرتك عاملاً اتخذ النا�س ر�ؤ�ساء جهاال ف�سئلوا ف�أفتوا بغري علم ف�ضلوا و�أ�ضلوا ).
9
الوسطية ..ذاكرة وسلوك ﹰا يف اللغة العربية اأن الو�سط هو راأ�س اجلبل واأعاله ،حيث يتمكن من يكون اأو يقيم فيه اأن يرى كل �سيء ،ويراه اجلميع ،في�سهد لهم وعليهم ،على اأهلية لذلك ،وي�سهدون له وعليه ،الأنه ظاهر لهم جميع ًا. لقد كنت معني ًا منذ اأخذ وعيـي بذاتي ومبا و َمن حويل ي�سري بوتائر مت�سارعة ،اأن اأتوفر على حمفزات وم�س ّوغات الختياري للو�سطية موقع ًا للروؤية واحلركة واملعرفة ...وكاأن تلك الو�سطية كامنة يف ن�سيجي وتبحث عما ي�سندها وينميها. وبعدما اأخذت فر�سي غري املـجدية اإال يف حدود غري جمزية ،يف االندفــاع ذات اليـمني مرة وذات الي�سار مرات ...وجدتني ،ومن اأجل حفظ توازين وان�سجامي ،ملزم ًا بت�سـييج موقعي الو�سطي ،باملراجعة والرتاجع اإذا اقت�سى االأمر ،على ا�سا�س ن�سبـية املعرفة ومكوث ال�سوؤال على باب املعرفة حار�س ًا لها من االإطالق والتعميم القاتل و�سمــان ًا لنموها بالنقد والبحث الدائب عن احلق واحلقيقة... ومن هنا اأعدت نظري يف اخلال�سات التعميمية غري املدققة ،والتي اأ�سبحت بالتكرار مبثابة اأدجلة �سيا�سية للتمايز الطــائفي يف لبنان، من خالل الظروف التي اأ�ســ�ست لال�ستـقالل بعد تاأ�سي�س الكيان يف كنف االنتـداب الفرن�سي. وقراأت عالقة وحركة ال�صـيعة يف لبنان بالكيان وال�صتقالل قراءة و�صطية، ولحظت اأن القوى ال�صيعية الأ�صا�صية قد عجــلت يف قـبولها بعد املمانعـة، بالكيان اللبــناين (لبنان الكبري) من دون اأن تتخلى عن ذاكرتها واأحالمها العربية ،اأي اأن اخليار كان و�صطياً ،بحيث ل يكن الرف�س م�صطلحاً �صاحلاً لو�صف املوقف ال�صيعي ،وبقي خطاب املعار�صة ،من فرتة التاأ�صي�س اىل ال�صتقالل وما بعده ،عالمة على هذه الو�صطية القائمــة على موازنـة القبول والندماج والعرتا�س معاً ...وعلى هذا الأ�صا�س اأجريت مراجعة على ما ا�صتقر يف ذهني وتبلور يف �صلوكي من اعتبار الكيان اللبناين م�صطنعاً وموقتاً ،حيث لحظت اأن ال�صطناع ميكن اأن يف�صر اأو ي�صهم يف تف�صري ن�صاأة الكيان ،ولكنه ل يف�صر ما حدث لحقاً من ر�صوخ هذا الكيان، الذي ل مانع من و�صله اأو توا�صله باأعماقه العربيـة من خالل حدوده ل قفزاً فوقها .حفظاً له بها ولهـا به ،كل ذلك نبهني اإىل قناعــة م�صــتندة اىل وقــائع واأرقام ،تدل على اأن النق�صام اللبناين على ال�صتقالل ،بني الغرب (فرن�صا) والــعرب (�صوريا) ل يكن عمودياً بني امل�صلمني وامل�صيحيني ،كما ل يكن يف اأي �صاأن لبناين حتى الآن ،من اأحداث 1958اإىل ال�صتينيات واإ�صكالية املقاومة الفل�صطينية ،اىل احلروب اللبنانية التي ا�صتمرت عقوداً، منــذ عام ،1975اإىل اتفاق الطائف وما اأعقبه من تفاهمات و�صراعات... ودائماً كان هناك م�صلمون يف ال�صف املو�صوف بامل�صيحي كما كان هناك م�صيحيون يف الـ�صف املو�صوف بالإ�صالمي ،كانت وما تزال امل�صاكل مركبة واملواقف والتحالفات مركبة ومن دون ثبات مطلق يف معادلتها حتى يف ال�صف الواحد اأو ال�صبيه بالواحد. ويف اأدبياتنا الإ�صالمية هناك تذكري على اأن م�صداقية الفرد يف املجتمع
هاين فح�س تقا�س على م�صداقيته يف اأ�صرته ،واملاأثـور عن الر�صول �صلى اهلل عليه ريكم لأهلي»... ريكم لأهله واأنا خ ُ ريكم خ ُ و�صلم يف هذا املجال قوله« :خ ـ ُ وعليه كان ل بد يل اأن األتم�س هذا النزوع الو�صـطي لـدي يف فطرتي ،وفـعالً وجدت ا�صلـه وجـذوره وجتلياته يف طفولتي ..تذكرت اأن النق�صام بني عائلتي اآل فح�س ،يف قريـتي ،وبني العائلة التي تليها يف العدد وتوازيها وحتاول اأن تتجاوزها يف الطموح والنفــوذ ،اآل حرب ،ل يكن عمودياً كذلك، فكان كثيــرون من العـائلتني يف الو�صـط ،كـانوا من الأكرث تعـق ً ال وت ـاأثرياً يف املح�صلة ،ما جنب اجلميع اأن تتحول اخلدو�س املزعجـة واملتبــادلة اىل جراح دائمة وعميقة ،ما يوؤكد اأن الو�صطـية تقـود اىل الت�صوية التي اإن ل تقم على التنازلت ال�صجاعة اأدت اىل خ�صائر فاجعة ...وقد كان عدد ال ،واإن قلي ً من اآل فحـ�س اأ�صـد مـي ً ال ،اإىل اآل حرب ،وكذلك عدد من اآل حرب بالن�صبة لآل فح�س ...اأما ال�صبب فهو اأن زوجاتهم كن من العائلة الأخرى ...وهذه ميزة للريف ،ريفنا القدمي ،الذي و�صـلت اإلــيه املدينة فارغة من م�صمونها ،بينما ذهب هو اىل املدينة بال�صلبي من م�صاميــنه، كان ريفـنا اآتياً من الأر�س كو�صيلة اإنتاج جامعة ،عـائداً اإليها على اأ�صا�س ال�صراكة التامة بني املراأة والرجل ،على عك�س مدينتنا التي تقول �صيئاً عن املراأة وتفعل �صيئاً اآخر من دون ان تتدبر دورة اإنتاج تف�صل يف اأمر ال�صراكة بني املراأة والرجل. ً هذا وتوزعت العائالت الأخرى الأقل عددا ،والتي عادت اأعداد بعـ�صها فـزادت وتفوقت على غريها عددياً (اآل بهجة) وعــادلت اأو تفوقت مبجمـلها على العوائــل الكربى يف جمال الرثوة والكفاءات العلــمية (ن�صبياً) ..ذلك انها �صعرت بالتحدي ...بينما ا�صرتخى وجهاء اآل فح�س مطمئنني اإىل ملكياتهم العقارية املتو�صطة التي عادت اإىل التــفتت لأنها ل ُحتفظ بالتنمية او الطموح العلمي ،خا�صة لدى الكبار من اآل فح�س ...بينما كان الأقل ي�صراً من بينهم اأكرث عنـاية بحــالهم واأوفر حت�صي ً ال ...اإذن توزعــت العائلة الأقل عدداً وعلى مقت�صى عالقات امل�صاهرة ،اأي وراء املراأة اأي�صاً، فا�صهمت يف اإعادة القرية اىل التوازن وامل�صاحلة ...وكان لنظام امل�صالح املحدود بحدود القرية دوره الفاعـل يف امل�صاحلة والت�صوية ليثــبت اأنه مــن اأهم نواظم الجتماع املحلي والوطني ...وهنا ي�صبح العي�س امل�صرتك �صاأن املجتــمع الذي ينتجه على اأ�صا�س امل�صلحة التي تقود اإىل ا�صتح�صار القيم والأفكار امل�صرتكة من دون اأن تلغي الختالف ومن دون اأن ت�صمح بانتكا�صة اإىل خالف اأو �صراع ...وي�صـبح ...العــي�س امل�صرتك� ،صاأن الدولــة مبا هي ق�صرت يف جــامعة وراعية لأنظمة امل�صاحلة امل�صرتكة ..حتى اإذا عجزت اأو ّ حماية اأو تنمية هذه امل�صالح اختل ن�صاب العي�س امل�صرتك ليعيد املجتمع بناءه حماي ًة لكل من مكوناته باملكون الآخر. بداأ وعيي بذاتي وما حويل يتبلور يف اللحظة التي د�صن فيها اآل فح�س واآل حرب قطيعتهم مع التوتر وال�صراع ،ودخلت يف مرحلة ال�صلم الأهلي
10
القروي من دون ذاكرة �صراعية� ،إال ما ت�سرب �إىل �سمعي من ذكريات متقطعة متت روايتها للتفكر بها مرة وللتن�صل من �سلبياتها مرة �أخرى ،وختم الرواية باحلمد هلل على ال�سالمة.. �ساعدين يف االبتعاد الن�سبي الكبري عن الع�صبية العائلية� ،أن والدي كان �أقرب مبزاجه وتدينه اىل الو�سطية ،مت�أثراً برتبية والده له وخ�ؤولته من �آل الزين الذين كانوا م�شايخ القرية ورعاة جماعاتها. و�إذ قطعت القرية مع ما�ضــيها ال�صراعي الذي توقف مب�ساعي اجلميع عند حد حمدود ،ومل ت�ؤثر تدخالت الزعامات ال�سيا�سية يف ا�ستمراره، مل جتد نف�سها ملزمة بالتخلي عن خياراتها ال�سيا�سية التي كانت حم�صورة يف ال�شراكة يف االنتخابات النيابية �أو االختيارية ...واملفارقة �أن ن�سبة االعتدال لدى من اختاروا البقاء يف القرية كانت تفوق ن�سبته لدى الذين اختاروا املدينة للعمل فيها ...وك�أن (البيارتة) انقطعوا ن�سبياً عن �أهلهم وظلوا ا�سرى ذاكرتهم و�إن كانت �ضعيفة� ..ش�أن املهاجرين اللبنانيني منذ عقود من ال�سنني اىل �أ�صقاع الدنيا ،والذين ما زالوا يعي�شون ال�صراعات ال�سابقة والالحقة ب�شكل يدعو اىل الده�شة واملقت �أحياناً. ومن املفارقات اجلميلة �أن الأ�شخا�ص الذين كانوا ا�شد عناية يف تغذية االنق�سام �أو الفتنة ،قد انتهوا اىل حالة من النبذ من قبل رهطهم العائلي ،و�إن كان بع�ضهم قد �أعاد ت�أهيل نف�سه لالندماج من خالل �سلوك خمتلف جذرياً عن �سلوكه ال�سابق. لقد فرحت قريتنا عندما تـمت امل�صاحلة بني �أبو حمزة �أحمد ال�ســيد عبد اهلل فــح�ص ونعمة جنل ال�سيد هادي فح�ص كبري العائلة وزعيمها القوي ب�أ�سرته اخلا�صة الكبرية وال�شديدة الب�أ�س .لقد كان �أبو حمزة �أثناء ال�صراع �أقرب �إىل اخواله �آل حرب ،وكان يقتني ال�ســالح (�صـياد) ف�أطــلق طلقة من م�سد�سه على خا�صرة ال�سيد نعمة و�أ�صابه ،ولكنَّ اهلل منَّ على اجلريح بال�شـفاء ،ما ا�ستــثار اجلمــيع ونبههم يف نف�س الوقت �إىل خــطورة الو�ضع ،خا�صة بعد �أن ا�صيبت احدى �سيدات �آل حرب بر�صا�صة غام�ضة ،ولعــلها مدبرة ،يف قدمها ولكنها ن�ســيت الر�صا�صة الحقاً... كان اجلو العام يف القـرية يدعو اىل امل�صاحلات الفرعية على قاعدة امل�صاحلة العامة .وقد فر عدد كبري من �شباب القرية املتخا�صمــني �إىل كنف احلزب ال�ســوري القومي االجتــماعي الذي اخرتق حدود العوائل العـازلة ،والتقى نعمة فح�ص و�أحمد فح�ص يف احلزب ..ت�صاحلا ثم خرجا من احلزب معاً ..ومل يبق يف احلزب �إال �أقل القليل ،من دون ان ي�ستطيع �أحد نكران �أثره الطيب الذي مل يكن ليثمر لو مل تكن نفو�س �أهلنا م�ؤهلة لذلك ..خا�صة �أن بع�ض جتارب االحزاب مل تكن جامعة بقدر ما كانت مفرقة. ويف الفــرتة التي كانت عالمـات وم�ؤ�شرات ال�صراع العائلــي تتال�شى ازدهرت املدر�سة الر�سمية و�ساعدها يف ذلك املبنى املتوا�ضع الذي قدمه املرحوم جميل حرب ،فتحولت �إىل م�صنع للوطنية ككل املدار�س الر�سمية ،حيث �أخذ فتيتنا ي�أخذون معارفهم الأوىل من معلمني �أكرثهم م�سيحيون ،ما كان يعني ان الآخر �ضرورة حياة ومعرفة ال بد من اكت�شافها والتعاطي معها بوعي ،ومع املدر�سة الر�سمية كانت املدر�سة اخلا�صة للبنات التي �أ�س�ستها جمعية ن�سائية وطنية لبنانية ب�سعي من ال�سيدة ا�سمى قليالت زوجة جميل حرب ،و�أتتها املعلمات من �أديان ومذاهب خمتلفة ،ذاهبة اىل اجتماع متنوع واحد ووطن وواحد. كان ذلك بالن�سبة يل فر�صــة ذهــبية مكنتني من التوا�صل اليومي مــع �أ�سر ا�سا�سية ،من �آل حرب� ،ساعدتــني علـيه جرية ال فكاك منها ،فقد كان منزل املغـرتب يف ال�سنغال ر�ضا حرب يبعــد عن مــنزلنا ع�شرين مرتاً.
وكنا ن�سهر معــهم يف ال�صيف ،هم على �شرفتهم ونحـن على �شرفــتنا، حتى اذا كان هناك ما ال يقاوم من جاذبيـة يف ال�سهرة ،ت�سللت واندجمت وهناك عرفت �شخ�صيات اذكر منها الزعــيم يف الدرك اللبناين (امني علوية) الذي طلب مـني ان �آتي له مب�شط ليم�شط �شعره وهو ا�صلع تام ال�صلعة ،و�صدقته ،وعرفت ال�شاعر املرحوم ابراهيم بري ـ تعمقت عالقتي به الحقاًـ عندما �سمعته ي�صرح بق�صيدته يف ذكرى مولد الر�سول لي ً ال على �شرفة منزل ر�ضا حــرب «�س ّب ْح اهلل فال�ضياء توقد وعلى الكون ن�سمة من حممد �س ّب ْح اهلل فال�سماوات �ضجت بالت�ســابيح للر�سول امل�ؤيد» لقد اندجمت يف �أهل املنزل حتى ا�صبحت وك�أين واحد منهم ،على الرغم من الفارق الطبقي بيننا ..ومل ان�س يوما �أم جميل والدة ر�ضا حرب ،التي كانت تخ�صني ب�شيء من الفواكه النادرة يف قريتنا وحتيطني بعناية خا�صة وتغ�ض طرفها عن م�شاركتي حلفيدها يف �سرقة �أكواز الرمان من حديقتهم! ً وكذلك جميل حرب ،الذي تعرفت �إليه مت�أخرا و�أده�شني يف قدرته على تخطي عوائق التح�صيل العلمي يف �صغره اىل ثقافة وا�سعة وخربة �أو�صلته اىل �صداقة كبار جدا من احلكام العرب حتى عني قن�ص ً ال فخرياً للأردن يف افريقيا. وعلى بعد �أربعني مرتا من منزلنا كان منزل املختار عبد الغفار حرب �أهم رموز فرتة ال�صراع و�أهدافها ،ومل �أجد عائقاً� ،إال حائطاً �صخرياً متو�سط االرتفاع ،كنت اقفز فوقه ،لأ�صل اىل منزل احلاج عبد الغفار، �صديقاً على فارق يف العمر مع �أجناله� ،أبو حامت واحلاج ح�سني و�أحمد (الف�ستق) الذي كان فاكهة �أهل ال�ضيعة وحبيبهم وحبيبي الذي يقدم يل خدمة ال�شاي �صامتاً ليايل االمتحان معترباً جناحي جناحه ويه ّرب يل ال�سجائر الالزمة .ويف حلظة تدقيق وا�ستذكار واعتبار ،عرفت ان املرحومة �أم �أوالد احلاج عبد الغفار كانت من فرعي العائلي من �آل فح�ص ،وعندما توفيت تزوج ثانية من �آل فح�ص وبعدما طلقها تزوج ثالثة من �آل فح�ص� ،ش�أن احلاج احمد علي يو�سف حرب الذي تزوج و�أجنب من ثالث ن�ساء من بنات وجهاء �آل فح�ص و�ش�أن �أبو �صايف حرب احد رموز الفرتة ال�سابقة وهو �صهر احد وجهاء �آل فح�ص الذي حلق به اخوه احمد فتزوج من كرمية احد وجهاء �آل فح�ص ،وهكذا جمعتنا الرحم امل�شتقة من الرحمة او الرحمة م�شتقة منها. وهكذا ا�سرتحت اىل ظل �شجرة زيتون ،ال �شرقية وال غربية ،يف ب�ستان الو�سطية ،واكت�شفت بالتدريج ،امل�ساحات القابلة لالت�ساع ،ما مكنني من ان اجتاوز خالفات اعمامي ،فيما بينهم وبينهم وبني �أبي لأ�سباب مل اقتنع بها ،ومل يقتنعوا ،ولكنهم اختلفوا ،وقفزت فوق احلوائط ال�صخرية طلباً للدفء يف منازل اعمامي م�ستمتعاً بحريتي التي وفرتها يل و�سطيتي .هذه الو�سطية التي مل ت�سلم من انفعاالت وانحيازات ال تخلو من كراهة ،رمبا كانت احد اال�سباب التي جنــبتني االنـقطاع اىل حزب من الأحزاب من دون ان حترمني من لذة ا�ستك�شاف امل�ساحات اخل�ضراء امل�شرتكة بينها. وعندما عاتبني بع�ض اال�صدقاء يف ندوة �صريحة يف الكويت ،على التغري يف موقفي ال�سيا�سي ،من دون عداوات طبعاً ،بررت ذلك ب�أين اقرب اىل علي اين �سيا�سي احياناً ،ف�إين �آتي اىل املثقف مني اىل ال�سيا�سي ،و�إن بدا ّ ال�سيا�سة من الثقافة ،وهنا اختلف مع ال�سيا�سي الذي ال مييل كثريا اىل التدقيق ويهتم باجلمهرة والتع�صيب ،اما �أنا فاملفرو�ض ان ابحث عن احلقيقة وب�صرف النظر عمن يوافقني او ال يوافقني ،وهذا لي�س ا�ستقالة من املوقف بل بحث دائم عن ال�صواب.
11
األحكـام الشرعية ..بين الثبات والمرونـة د .منري جمعة �/أ�ستاذ بجامعة �أم القرى ي�شكل التوازن بني الثوابت واملتغريات يف الأحكام خ�صي�صة من �أهم خ�صائ�ص الإ�سالم� ،أهلته لقيادة الب�شرية قرونا ،وتر�شحه ليعود قائدا لها من جديد. �أو ًال :حـول املفهـوم :تنق�سم �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية �إىل ق�سمني: الق�سم الأول� :أحكام ثابتة :وهذه ال �سبيل �إىل البحث فيها ،وال
تقبل التجدد �أو التطور ،وهي امل�سائل التي وردت فيها ن�صو�ص قطعية يف ثبوتها ويف داللتها� ،أو حدث فيها �إجماع �صحيح يف القرون الثالثة الأوىل ،فال جمال فيها لالجتهاد ،وال تتغري بتغري الزمان واملكان، مَ َّ تعاىل(وَتتْ َك ِل َمتُ َر ِّب َك ِ�ص ْد ًقا َو َعد اًْل اَل ُم َب ِّد َل ودليل هذا الثبات قوله ْ ال�سمِ ي ُع ال َعلِي ُم) (الأنعام ،)115:ومن ال�سنة ما جاء عن ِل َك ِل َما ِت ِه َوهُ َو َّ �أبي الدرداء -ر�ضي اهلل عنه– �أنه قال :قال ر�سول اهلل –�صلى اهلل عليه و�سلم« -ما �أحل اهلل يف كتابه فهو حالل ،وما حرم فهو حرام ،وما �سكت عنه فهو عافية ،فاقبلوا من اهلل العافية ،ف�إن اهلل مل يكن ن�سيا» ،ثم تال هذه الآية ( َومَا َكا َن َر ُّب َك َن�سِ ًّيا )(مرمي ،)64:وهذا النوع يطلق عليه ا�سم ،الثوابت يف الإ�سالم. الق�سم الثاين� :أحكام قابلة لالجتهاد والر�أي والنظر ،وت�شمل جانبني الأول :ما ا�ستجد من احلوادث ،وال ن�ص فيها ،فاالجتهاد من خالل القيا�س وامل�صالح املر�سلة واال�ستح�سان وغريها من امل�صادر جائز ال�ستنباط حكم منا�سب فيها ،ب�شرط �أن ي�صدر من �أهله. والثاين :الأحكام الظنية من حيث ثبوتها �أو داللتها ،فهي قابلة لالجتهاد الب�شري ،وي�سمى هذا النوع با�سم :املتغريات� ،أو الأمور القابلة للتجديد والتطور. الفقه �صناعة ب�شرية
فذلك يقت�ضي وجود �إطار ثابت يتحرك املجتمع وفقا له. َّ ا�س َعلَ ْيهَا» ن ال ثبات الفطرة :فلما كانت الفطرة «ف ِْط َر َة اللهَّ ِ ا َّلتِي َف َط َر َال تختلف يف جوهرها بني ع�صر و�آخر و�أمة و�أخرى ،ومهما تطورت اجلزئيات والفروع ،ف�إن ذلك ال يعدو �أن يكون تنوعا يف �شق ال�سبيل �إىل الأمور اخلم�سة التي �أناط اهلل بها �سالمة الو�ضع الإن�ساين يف الدنيا، و�سعادة الأبد يف الآخرة ،وهي :الدين والنف�س والعقل والن�سل واملال. ثبات الإ�سالم مرتبط بثبات اللغة ثبات اللغة ،فثبات الإ�سالم يف �أ�صوله العامة يرتبط بثبات اللغة ،حتىميكن تثبيت املفاهيم واملعاين الأ�صلية ،دون �أن حتدث فجوة بني الأ�صل اللغوي امل�ستعمل ،وما انتهى �إليه يف �صورته ومعناه ،لأن احلكم ُيبنى على ت�صور �صحيح ،فاملعنى ال�شرعي لل�صالة مثال ،ال ميكن �أن يتغري، وكذلك الزكاة ،واحلج وال�صوم ،فهذه العبادات لها مفهوم ثابت ال يتغري مبرور الزمن. ثالث ًا :م�سوغ وجود املرونة والتطور يف الت�شريع الإ�سالمي:
تطور احلياة وجتددها :فالإن�سان يف حالة بحث دائمة عن �أ�سراراحلياة ،وعن املجهول الذي يتك�شف له رويدا رويدا ،وقد قال رب العزة ( َومَا �أُوتِي ُت ْم مِ َن ا ْل ِع ْل ِم �إِ اَّل َق ِليلاً ) (الإ�سراء ،)85:فعلى الإن�سان �أال يقنع مبا َعلِم ،و�أن يعتقد �أن فوق علمه علما ،و�أن يطلب املزيد ( َو ُق ْل َر ِّب ِز ْدنيِ عِ ْل ًما) (طه ،)114:وقد ن�ص القر�آن الكرمي على طور احلياة ال َفاقِ وَفيِ �أَ ْن ُف�سِ ِه ْم َح َّتى َي َتبَينََّ َل ُه ْم و�أ�سرار الكون�( :سَ رُنِي ِه ْم �آ َيا ِت َنا فيِ ْ آ �أَ َّن ُه الحَْ ُّق) (ف�صلت ،)53:و�أ�شار –على �سبيل املثال– �إىل تطور و�سائل ري ِلترَ ْ َك ُبوهَا َوزِي َن ًة َو َيخْ ُل ُق النقل بقوله �سبحانه( َوالخَْ ْي َل َوا ْل ِب َغا َل َوالحَْ مِ َ مَا اَل َت ْعلَ ُمو َن) (النحل.)8: عاملية الإ�سالم :فقد جاء الإ�سالم لكافة الأمم وال�شعوب ،فكان ال بد�أن يكون قادرا على مواكبة حاجات هذه ال�شعوب ،وم�سايرا للح�ضارات التي تعي�ش يف ظلها ،وحتقيق م�صاحلها امل�شروعة التي تتطور وجتدد يف كل ع�صر ،ويف كل م�صر ،و�سن الت�شريعات املنا�سبة واملالئمة لكل جمتمع باال�ستعانة بذوي اخلربة العملية.
وميكننا القول �إن الثوابت واملتغريات و�صف للأحكام ولي�س للن�صو�ص، كما ميكن القول �إن النوع الأول من الأحكام هو ال�شريعة ،على حني �أن النوع الثانى ميكن �أن ن�سميه الفقه ،فال�شريعة �إذن �صناعة �إلهية حم�ضة ال دخل للب�شر فيها� ،أما الفقه ف�صناعة ب�شرية� ،إذ هو حماولة من الفقهاء للو�صول �إىل �أحكام اهلل ،وهي جمرد حماولة حتتمل النجاح رابع ًا :جماالت الثبات يف الت�شريع الإ�سالمي: الأ�صول والقواعد واملبادئ العامة وال�سنن الثابتة ،والنظرياتوالف�شل؛ لأنه ال ع�صمة لأحد بعد الأنبياء عليهم ال�سالم. الأ�سا�سية...فالأ�صول ت�شمل العقائد ،من مثل �أركان الإميان ال�ستة، وحقيقة �أن العقيدة ال�صحيحة ب�أركانها كلها �شرط ل�صحة الأعمال ثاني ًا :الأ�صول التي ترتكز عليها فكرة الثبات: ربانية امل�صدر :فاملجتمع لي�س هو وا�ضع املنهج الإلهي ،كي يخ�ضع ذلك وقبولها عند اهلل ،وحقيقة �أن الدين عند اهلل الإ�سالم ،وحقيقة �أناملنهج له ،وينحني لظروفه بل هو �صادر عن اهلل –عز وجل– ووظيفة الرابطة املقبولة للتجمع الب�شري هي العقيدة ال الأر�ض �أو اجلن�س �أو الإن�سان فيه التلقي واال�ستجابةَ ( :ومَا َكا َن لمِ ُ�ؤْمِ ٍن َو اَل ُم�ؤْمِ َن ٍة �إِ َذا َق�ضَ ى اللون ،هذه بع�ض الأ�صول الثابتة التي ال تتغري ،وال تزداد مع الأيام �إال اللهَّ ُ َو َر ُ�سو ُل ُه �أَ ْم ًرا �أَنْ َي ُكو َن َل ُه ُم الخْ ِ يرََ ُة مِ نْ �أَ ْمرِهِ ْم) (الأحزاب )36:ر�سوخا ومتكنا.
12
�صارت الثوابث يف �أذهانهم لونا من التخلف عن م�سرية الركب الإن�ساين ثوابت �شرعية و�أما القواعد العامة واملبادئ الكلية :فمنها على �سبيل املثال قاعدة فيما زعموا! ( َذال َِك مِ نْ �آيَاتِ اللهَّ ِ َمنْ َيهْدِ اللهَّ ُ َف ُه َو المْ ُ ْه َتدِ َو َمنْ ُي ْ�ضلِلْ العدل ،فهي قاعدة ثابتة حتكم العالقات يف البيت والدولة والق�ضاءَ ،فلَنْ تجَ ِ َد َل ُه َو ِل ًّيا ُم ْر�شِ دًا )(الكهف.)17: خام�سا :جماالت املرونة والتطور يف الت�شريع الإ�سالمي: وكذلك قاعدة ال�شورى ،فقد ذكرها اهلل �صفة ثابتة للم�ؤمنني يجب العمل بها وكذلك قاعدة امل�ساواة يف احلقوق والواجبات �أمام القانون �إن جانب املرونة يف الت�شريع الإ�سالمي جعله قادرا على التكيف ومواجهة التطور واملالءمة مع كل و�ضع جديد ،بحيث ال يحدث جديد ويف تطبيق الأحكام� ..إلخ. و�أما ال�سنن الإلهية الثابتة :فمنها على �سبيل املثال� :سنة التدافع بني �إال وللإ�سالم فيه حكم� ،إما بالن�ص و�إما باالجتهاد ،وبذا فهوال ي�ضيق ا�س َب ْع�ضَ ُه ْم بالوقائع امل�ستجدة وحاجات النا�س وم�صاحلهم. احلق والباطل ،كما قال ُ رب العاملني ( َو َل ْو اَل َد ْف ُع اللهَّ ِ ال َّن َ الَ ْر ُ التوفيق بني املتناق�ضات �ض) (البقرة )251:فهي �سنة ثابتة ال تتغري ،ففي ِب َب ْع ٍ�ض َل َف�سَ دَتِ ْ أ كل ع�صر جند �أن احلق له �أهله ،و�أن الباطل له حزبه ،وال�صراع بينهما كما �أن �إقرار املنهج الإ�سالمي بفكرة التطور واملرونة ،وجمعه بينها م�ستعر ،لكن احلق –ب�إذن اهلل– �صائر �إىل بقاء وظهور ،والباطل �إىل وبني الثوابت �أف�ضى �إىل �أن يقر التناق�ضات االجتماعية املوجودة يف احلياة ،ويعدها -كال�سالب واملوجب� -أداة للتعاون والتكامل ال لل�صراع زوال و�ضمور. و�أما النظريات الأ�سا�سية :فمنها مثال �أن نظام الأ�سرة يرتكن على واالقتتال ،ويرى �أن احلقيقة ذات �شقني فهي تتكامل بالتقائهما :الفرد الزواج ال�شرعي ال ال�سفاح ،و�أن القوامة للرجل يف البيت ،وعلى واجلماعة ،واملادة والروح ،والعقل والقلب ،فالإ�سالم يرى �ضرورة وجود املعاملة بني الزوجني باملعروف ،وعلى م�شروعية الطالق ،و�إباحة تعدد هذه املتقابالت التي تو�صف ب�أنها متناق�ضات ويوفق بينها. �أما الفكر الغربي فقد كان �إىل ما قبل ع�صر النه�ضة ي�ؤمن بالثبات الزوجات�...إلخ. ويف النظام االقت�صادي جند من الثوابت :حرمة الربا وحترمي الك�سب الذي قال به �أر�سطو ،ثم اتخذ من نظرية دارون التي تقول بالتطور البيولوجي منطلقا للتغري االجتماعي الذي نادى به هربرت �سبن�سر اخلبيث وفر�ضية الزكاة �..إلخ ويف نظام العقوبات هناك �أمور ال تتطور ،كقتل القاتل عمدا ،وقطع يد ومدر�سته ،ثم انتقلت الفل�سفة الغربية نقلة خطرية حني �أعلن هيجل ال�سارق ،فقد رف�ض النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم– ال�شفاعة يف احلدود نظريته يف التغري املطلق �إىل جوار فكرة التناق�ض وال�صراع ،وهذه هي وقال« :لو �أن فاطمة بنت حممد �سرقت لقطع حممد يدها» (متفق الفل�سفة املادية التي �أ�صبحت دين املدنية الغربية يف الع�صر احلا�ضر. �أما املتغريات يف الإ�سالم فميدانها ما يلي: عليه). ويف نظام املرياث ،للذكر مثل حظ الأنثيني وعدم حرمان الأ�صول -الفروع واجلزئيات التي ت�ستند �إىل دليل ظني :كاالختالف يف عدد الر�ضعات التي تثبت بها التحرمي ،فجعله بع�ضهم واحدة وبع�ضهم والفروع و�أحد الزوجني من املرياث مطلقا. خم�سا ،واالختالف يف الطلقات الثالث هل تقع بلفظ واحد �أم ال؟ ثبات يف العبادات والأخالق الأمور التعبدية والقيم الأخالقية :فالعبادات يف الإ�سالم ال تتطور ف�إن نظر الفقيه نف�سه ميكن �أن يتغري لتغري اجتهاده من مكان لآخر،يف �شكلها ،كهيئة ال�سجود والركوع ،وحقيقة ال�صوم ووقته ،وكيفية ا�ستمدادا من قاعدة «ال ينكر تغري الأحكام بتغري الأزمان». الأ�ساليب والو�سائل ،فهدف ا�ست�صالح الأر�ض مثال ميكن حتقيقهالإحرام والطواف ،ومقدار الزكاة �..إلخ. والأخالق الأ�سا�سية للمجتمع ،من �صدق ووفاء وعفة وحياء و�إيثار ،بو�سائل �شتى ،وهذه الو�سائل تتطور من ع�صر �إىل ع�صر حتى �أ�صبحنا وكذلك الآداب االجتماعية كالت�سمية على الطعام ،و�إف�شاء ال�سالم ،يف ع�صر الأقمار ال�صناعية التي ميكن �أن تك�شف عن وجود الكنوز يف ومنع اخللوة بالأجنبية ،كلها ف�ضائل ال ي�ستغنى عنها جمتمع كرمي .الأر�ض� ،أو املجوهرات يف البحر�..إلخ. وبهذا يت�ضح �أن الثبات مينح الب�شرية امليزان العدل امل�ستقر الذي وح�صول الإن�سان على الثواب والأجر له و�سائل �شتى فمنها :زيارة يرجع �إليه الإن�سان يف كل ما يعر�ض له من م�شاعر و�أفكار وت�صورات ،املري�ض ،وتفريج الكربات ،وطلب العلم�..إلخ ،وكذلك حتقيق قاعدة ويبقى دائما يف دائرة الأمان التي تقيه من التيه وال�ضالل ،وهذا امليزان ال�شورى ،فهو لي�س مقيدا ب�صورة معينة ،فال ب�أ�س من التجديد ب�شرط للمجتمع الإ�سالمي مبادئ ثابتة يتحاكم �إليها هو وحكامه على ال�سواء ،الو�صول لل�شورى واقعا. ليفر من ال�ضنك وال�شقاء الذي وقعت فيه املجتمعات التي انطلقت من وبهذا �أثبت الإ�سالم �أنه دين احلياة لي�س �صاحلا – فقط -لكل زمان عقال املعتقدات والت�صورات الأ�سا�سية للكون واحلياة ،وراحت تغري ومكان بل م�صلحا لهما لأنه من عند اهلل(�أَ اَل َي ْعلَ ُم َمنْ َخلَ َق َوهُ َو ت�صوراتها ومرجعيتها ،كما تغري �أزياءها وفق �أهواء بيوت الأزياء ،حتى ال َّلطِ ُ ري)(امللك.)14: يف َخ ِب ُ
13
األسوة الحسنة ودورها في التربية الناجحة
�أ.د .هارون �أوجي
مهما يكن لدى املرء من قدرات ومواهب و�أ�ساليب ي�ستثمرها لرتبية ذاته وتزكيتها ،ف�إنه ال ي�ستغني عن وجود قدوة من بني جن�سه تكون له نربا�سا يف �سريه �إىل ربه .فعليه �أن يحر�ص على اختيار �شخ�ص ا�ستجمع قدرا كبريا من الف�ضل والتقوى يكون قدوة له يف �أمور اخلري والهدى ويرجع �إليه يف ال�سراء وال�ضراء م�ستفيدا من ر�أيه وم�شورته فيما يلم به من �أحداث ومواقف.
فللقدوة ت�أثري كبري يف تكوين �شخ�صية الفرد و�صقلها حيث �إن الإن�سان ميال بطبعه �إىل التقليد واملحاكاة ،ويف الرتبية الإ�سالمية يتحول هذا التقليد ويرتقي �إىل مفهوم راق يطلق عليه «الإتباع» ،و�أرقى هذا الإتباع ما كان على ب�صرية .يقول احلق �سبحانه وتعاىل: ري ٍة �أَ َنا َوم َِن ا َّت َب َعنِي َو ُ�س ْب َحا َن ( ُق ْل هَذِ ِه �سَ بِيلِي �أَ ْدعُو �إِلىَ اللهَّ ِ َعلَى َب ِ�ص َ اللهَّ ِ َومَا �أَ َنا مِ َن المْ ُ ْ�ش ِر ِك َ ني)(يو�سف .)108:فالإتباع عملية فكرية ميزج فيها بني الوعي واالنتماء واملحاكاة واالعتزاز يف ظل الب�صرية واحلجة. القدوة و�إحراز الأهداف
نعم ،هنالك الكثري من الأفكار والطموحات -بدءا بالأعمال اليومية وامل�شاريع العادية ،و�صوال �إىل الأهداف ال�سامية واملطالب العالية- القينا دون حتقيقها عراقيل و�صعوبات ،وف�شلنا يف �إكمالها ،بل منها ما مل نتجاوز بها مرحلة الت�صور واخليال. ومع �أن عديدا من العوامل لها ت�أثري مبا�شر يف حتقيق الأهداف ،لكن ال مراء يف �أن �أقرب الطرق و�أ�سلمها للو�صول �إليها هو اتخاذ قدوة �صاحلة، واالحتذاء بحذوه ،واال�ستفادة من جتاربه ،واال�ستنارة مبعارفه .و�إذا كان هناك من ي�ستطيع �أن يكون �سعيدا حتى يف الظروف القا�سية، ف�إن ب�إمكاننا �أن نكون �سعداء مثله مبجرد التعرف على �إ�سرتاتيجيته يف كيفية النظر �إىل الأ�شياء والأحداث .والذي ي�ستطيع �أن ينه�ض من نومه مبكرا ن�شيطا مفعما بالطاقة واحليوية ،ف�إمنا يتي�سر له ذلك بف�ضل �أعمال وت�صرفات يقوم بها .فمتابعة �أمثال ه�ؤالء قد ت�ؤدي بنا �إىل نف�س النتيجة التي و�صلوا �إليها. واحلقيقة �أننا يف مراحل خمتلفة من حياتنا ن�ستلهم العدي َد من الأ�شخا�ص ،فتكون يف طريقة تفكرينا وت�صوراتنا وت�صرفاتنا ب�صمات وا�ضحة منهم على قدر عالقتنا بهم .فال غرو �أن تربز يف مالمح �شخ�صيتنا �أمور تلقيناها من �أبينا �أو �أمنا �أو كليهما �أو من مدر�سنا �أو من �شخ�ص تقي ورع متدين .ففي كل موقف تطفو على ال�سطح جتربة تلقيناها من �أحد ه�ؤالء ،مما ينم عن مدى ت�أثرنا به وا�ستفادتنا منه.
فحق ما قيل« :املرء ابن بيئته وخال�صة جتاربه». ومن جانب �آخر جند يف جمتمعاتنا من انحرف ،فعا�ش يف بداية �أمره جتارب تافهة و�سلبية ،ولكنه ثاب �-أخريا� -إىل ر�شده وبحث عن مر�شد يعِينه على ت�سوية و�ضعه و�إ�صالح �أمره ،ويف نهاية املطاف فاز به فعال .علما ب�أن يف �أو�ضاع النا�س �-صاحلهم وطاحلهم -درو�سا وعربا ي�ستخرجها الكي�س الفطن. الإن�سان جمبول على الت�أ�سي
واحلقيقة �أننا نت�أ�سى دائما يف خمتلف مراحل حياتنا؛ فالطفل يقوم باالقتداء بالكبار باعتبارهم مثله الأعلى ،ويبد�أ باكت�ساب العادات والتقاليد وامللكات من خالل ما ي�سمعه ويالحظه من �أقوال وحركات وانفعاالت .فيندفع برغبة خفية ال ي�شعر بها نحو حماكاة من يعجب به يف لهجة احلديث �أو �أ�سلوب احلركة واملعاملة .والتلميذ يتدرب على ال�صنعة بالت�أ�سي بالأ�ستاذ واملعلم .و�أنتم �إذا كنتم ال تتقنون النطق ب�ألفاظ ،فعليكم الت�أ�سي ب�أ�شخا�ص يتقنونها ،فقد تكونون مثلهم يف غ�ضون وقت ق�صري للغاية .فالذي يقلد خطيبا مفوها ب�صوته و�إيقاعاته ونرباته يبد�أ �شيئا ف�شيئا بالإح�سا�س بالثقة بالنف�س .ومن �أراد اال�ستفادة من الأحا�سي�س القوية وامل�شاعر اجليا�شة التي يتمتع بها ،فعليه �أن يبد�أ بالأمر من حماكاة �أحد الذين يعجب بهم .و�إذا كنتم تعرفون �أنا�سا يح�سنون االت�صال والتعامل مع �أوالدهم فب�إمكانكم متابعتهم واال�ستفادة من جتربتهم .فنحن ن�ستطيع الت�شبه مبن نعجب به باالحتذاء به؛ ب�أن ن�ؤمن مثله ونفكر على طرازه ونتكلم ب�سليقته ونثابر على �شاكلته ونتخلق ب�أخالقه. نعم ،ال مراء يف �أن بع�ض املهام معقدة ومت�شابكة بحيث ي�ستغرق الت�أ�سي واالقتداء مبن يح�سنونها والقيام مبثل ما قاموا به وقتا طويال� ،إال �أنه �إذا كان لدى الإن�سان الذي يريد الت�أ�سي من العزمية والإميان ما ي�سند هذه الإرادة ويدعمها ف�إنه �سيحقق ذلك �إن عاجال �أو �آجال. �إن الت�أ�سي �أ�سرع من طريقة التجربة واخلط�أ يف الو�صول �إىل الهدف املطلوب ،فرب �أعمال و�إجنازات �صرف عليها �أ�صحابها عمرا ثمينا ومبالغ باهظة ،ي�ستطيع الإن�سان �أن يحققها يف زمن ق�صري جدا ،وذلك باملتابعة احلثيثة والت�أ�سي الفعال وال�سري يف نف�س الطريق الذي �سلكوه. واليابانيون هم �أكرب املقلدين يف العامل ،فال�سر الذي يكمن وراء النجاح الباهر القت�صاد اليابان لي�س هو االخرتاعات الفريدة ،بل �إنهم يبد�أون من العمل ب�أخذ املنتجات والأفكار من �شتى اجلهات وعلى نطاق وا�سع،
14
املوا�صالت �أو غريها ،وبت�صميم �سواء يف جمال قطاع ال�سيارات و�أَن�صاف ِ دقيق يحافظون على العنا�صر املهمة يف تلك الأفكار واملنتجات ويط ّورون اجلوانب الأخرى� .صحيح �أنه البد من بذل اجلهد الخرتاعات جديدة وك�شوفات مبتكرة ،ولكن ال يعني ذلك �أننا �سن�ضرب �صفحا ع ّما مت اخرتاعه ،و�سنحاول ك�شفه من جديد. والبد للإن�سان من القدوة ال�صاحلة يف �أمور معا�شه وحياته الدنيوية لكي يعي�ش حياة مثالية؛ فالإن�سان الذي لي�س له قدوة �صاحلة لن يهتدي �إىل ال�صواب يف احلقيقة ،ولن يكون على ب�صرية من �أمره وواثقاً من كونه على احلق وال�صواب ،ولن يتفلت من الو�ساو�س وال�شكوك حول الو�صول �إىل �أهدافه؛ فمثله كمثل �سفينة يف خ�ضم بحر حميط متخر بدون بو�صلة ،فال غرو �أنها �ستتيه بني �ألف وجهة ووجهة .فهكذا احلياة؛ عروقها مت�شعبة و�أ�ساليبها متنوعة يحتاج �سالكها �إىل مر�شد ر�شيد. الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قدوة القدوات
املع�ضالت التي تقف حائال دون �إ�شعاع الروح وبلوغ �صفائها ونقائها. فقد ولد �صلى اهلل عليه و�سلم وبزغت �شم�سه يف ع�صر مظلم حملولك تراكمت فيه العقائد الزائفة وامل�شاكل االجتماعية؛ فكان النا�س يعبدون ال�شجر واحلجر ،وال�شم�س والقمر ،حتى �إن بع�ضهم كان ي�صنع من امل�أكوالت مثل احللوى واجلنب �صنما ،ف�إذا جاع عاد لي�أكله .وكان �أحدهم �إذا ُب ّ�شر بالأنثى َ (ظ َّل َو ْج ُه ُه م ُْ�س َودًّا َوهُ َو َكظِ ي ٌم * َي َت َوا َرى مِ َن ا ْل َق ْو ِم مِ نْ ُ�سو ِء مَا ُب ِّ�ش َر ِب ِه �أَيمُ ْ�سِ ُك ُه َعلَى هُ ونٍ �أَ ْم َيد ُُّ�س ُه فيِ الترَُّ ابِ )(النحل،)59-58: وكانت الأخالق الرذيلة والأفعال ال�شنيعة -مثل الزنا واملي�سر وتعاطي اخلمور والتعامل بالربا -ك�أنها ت�صرفات عادية يف املجتمع .ولكنه �صلى اهلل عليه و�سلم ا�ستطاع يف زمن ق�صري �أن يق�ضي عليها كلها ،وير�سي بدال عنها فكر َة �أن غاية خلق الإن�سان هو التعرف �إىل اهلل والقيام بالعبودية له ،فع ّلم النا�س ور ّباهم على �سبل العي�ش املتوازن بعيدا عن الإفراط والتفريط ،و�إخال�ص الأعمال هلل تعاىل ،ومالزمة ال�صدق، والوفاء بالعهود ،وعدم اخليانة عند االئتمان ،وال�شفقة على الأهل، والرفق بالن�ساء .و�أر�شدهم �إىل العدل والتوا�ضع وال�سخاء واملعروف والرب واحللم وال�صرب. فالذين �أحبوه واتبعوا مبادئه واقتدوا به واتخذوه �أ�سوة يف ذلك الع�صر، بنوا ح�ضارة �إن�سانية يتمتع فيها الإن�سان ب�إن�سانيته ويح�س بكرامته.. ح�ضارة �أحرزوا فيها �ش�أوا �أعلى مل تبلغ �إليه ح�ضارة بعدهم حتى الآن. ومن بعد ذلك �أن�شئت ع�شرات من الدول على خطى النظام الذي جاء به مثل الدولة الأموية والعبا�سية وال�سلجوقية والقره خانية والعثمانية. وكم ن�ش�أ وترعرع يف ظل تلك الدول علماء دهاة اهتدوا بهديه �صلى اهلل عليه و�سلم و�سبقوا ع�صورهم و�ألقوا ب�ضيائهم �إىل �أيامنا هذه ،و� ُ أبطال روح عا�شوا يف �أبعا ٍد ماورائية ،و�أدباء م�صاقع و�أ�ساتذة بيان. فها هم �سادتنا �أبو بكر وعمر وعثمان وعلي و�أبو عبيدة وعقبة بن نافع ر�ضي اهلل عنهم وطارق بن زياد والإمام �أبو يو�سف وحممد بن احل�سن واجلابري وابن �سينا وابن بطوطة واخلوارزمي وجالل الدين الرومي والإمام الرباين وبديع الزمان �سعيد النور�سي رحمهم اهلل تعاىل وغريهم ممن تركوا ب�صمات وا�ضحة على ع�صورهم ر�ضي اهلل عنهم و�أر�ضاهم. ولقد علمنا التاريخ �أن الذي �سما به�ؤالء الدول والأ�شخا�ص وحلق بهم يف الذرى �إمنا هو اتخاذهم احلبيب امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم �أ�سوة يحتذى به من كل الوجوه ،وقدوة ي�ؤمت به من كل النواحي.
فنحن يف عالقاتنا مع �أوالدنا و�أبوينا و�أزواجنا ،ويف م�أكلنا وم�شربنا وعباداتنا ودعواتنا و�سائر �أعمالنا �أحرار ،ن�ستطيع �أن نت�صرف كما ن�شاء .وبذلك قد ن�سمو �إىل العال وقد نهبط �إىل احل�ضي�ض ،ونح�سن �أو ن�سيء .ولكن علينا �أن ال نن�سى �أن الذي خلق الإن�سان يف �أح�سن تقومي مل يرتكه �سدى ،ومل يد َْعه بدون �أ�سوة� ،سائبا ي�سرح وميرح يف احلياة من دون هاد �أمني ،بل هداه بالقر�آن �إىل الأ�سوة احل�سنة ،كما يف قوله تعاىل: هلل �أُ ْ�س َو ٌة َح�سَ َن ٌة لمَِنْ َكا َن َي ْر ُجو َ اهلل َوا ْل َي ْو َم الآخِ َر ( َل َق ْد َكا َن َل ُك ْم فيِ َر ُ�سولِ ا ِ ريا)(الأحزاب )21:و( ُق ْل �إِنْ ُك ْن ُت ْم تحُ ِ ُّبو َن َ َو َذ َك َر َ اهلل َك ِث ً اهلل َفا َّت ِب ُعونيِ اهلل َو َي ْغ ِف ْر َل ُك ْم ُذ ُنو َب ُك ْم َو ُ ُي ْح ِب ْب ُك ُم ُ اهلل َغ ُفو ٌر َرحِ ي ٌم)(�آل عمران. )31: فهاتان الآيتان وغريهما ت�شري �إىل �أن الطريق الآمن والدرب املو�صل �إىل املطالب �إمنا هو اتخاذ القدوة ال�صاحلة واتباع الأ�سوة احل�سنة .وهل هناك طريق �أ�سلم من الت�أ�سي ب�سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم الذي اتفق ال�صديق والعدو على �أنه كان يف قمة الأخالق احل�سنة. ويف �شخ�صية الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم و�سريته يجد املرء الأ�سوة احل�سنة يف حياته كلها؛ فهو �إن�سان �أكرمه اهلل �سبحانه وتعاىل بر�سالته، و�سريته �شاملة لكل النواحي الإن�سانية يف الإن�سان ،فهو ال�شاب الأمني قبل البعثة والتاجر ال�صادق ،وهو الباذل لكل طاقته يف تبليغ دعوة ربه، وهو الأب الرحيم والزوج املحبوب والقائد املحنك وال�صديق املخل�ص واملربي املر�شد واحلاكم العادل .كما �أنه �صلى اهلل عليه و�سلم �ضرب القدوة ال�صاحلة وق�صة جناح املثل الأعلى يف تربية الذات من جميع النواحي �سواء يف عبادته �أو زهده �أو خلقه الكرمي �أو غري ذلك .واملت�أمل ل�سريته يجد احلل الأمثل لكل طالب يف مقتبل العمر ،ال يتلقى من �أ�سرته �أيّ دعم مادي �أو معنوي.
15
وما �إن ناهز �سنه الرابع ع�شر حتى ا�ضطر �إىل العمل والدرا�سة معا. و�أخريا ح�صل على عمل يف جريدة ،ودخل اجلامعة ،فوا�صل مدير حترير اجلريدة م�ساعدته وم�ساندته �أثناء درا�سته اجلامعية ،مما �أدى بالطالب ال�شاب �أن يقول يف قابل �أيامه« :لقد تعلمت ِمن ت�صرف
مذهلة »..نعم� ،إنه ا�ستطاع �أن يقول هذا كله لأنه كان �إن�سانا عاقال يقدّر مواهب الآخرين ويبذل جهدا جهيدا يف �سبيل اال�ستفادة من قدراتهم وجتاربهم .وما فعله وحققه جون�سون لي�س �شيئا جديدا وغريبا ،بل �إمنا و�صل �إىل ما و�صل �إليه بالت�أ�سي والقدوة احل�سنة.
مديري �أن �أمد يد العون �إىل الآخرين ،و�أن �أف�سح املجال لغريي كي ي�ستفيد من الفر�ص التي �أتيحت يل».
َمن طلب القدوة وجدها
وبعد �أن تخ ّرج ال�شاب من اجلامعة بد�أ بالعمل يف م�ؤ�س�سة .فكان من مبادئ مدير امل�ؤ�س�سة �أنه يطلب من العاملني �أن ينجزوا كل مهمة يف يومها ،و�أن ُيجروا االت�صاالت الهاتفية ويردوا على الر�سائل يف نف�س اليوم .وكان -مع ذلك -يعامل كل �أحد بظرافة عالية �أيا كان م�ستواه االجتماعي ،ال مييز يف ذلك بني �شخ�ص عادي ال يتمتع ب�أي �صالحية �أو من�صب �أو �شبكة عالقات ،وبني �شخ�ص ذي من�صب رفيع من وزير �أو �سفري �أو غريهما .وكان ال�شاب يراقب هذا املدير ويتابع ت�صرفاته، فيتعلم من �أ�سلوبه كيفية ت�أ�سي�س العالقات الطيبة مع الآخرين والو�صولِ �إىل امل�ستوى املطلوب يف �إجناز املهام و�إحراز النجاح. وبعد فرتة ُعينّ ال�شاب حمررا للمجلة ،ومن بعد ذلك مديرا للن�شر. وكان �صاحب اجلريدة من النوع الذي ي�ستهدف يف م�شاريعه الربح، وكان يطمح دائما يف كل عمل يقوم به الو�صو َل �إىل امل�ستوى الأمثل وغري العادي� ،سواء كان م�سابقة ريا�ضية �أو ن�شاطا جتاريا �أو غري ذلك. فهذه الطبيعة التناف�سية �أثرت يف املدير ال�شاب ت�أثريا بالغا ،وبهذه الروح والعزمية و�أ�سلوب الإدارة الر�شيدة وعقلية الطموح �إىل الأمثل قفزت جريدته �إىل الدرجة الأوىل يف البلد �سواء من ناحية املبيعات �أو النوعية .وحينما يتحدث ال�شاب عن �أيامه تلك كان يقول« :لقد كنت حمظوظا للغاية لأنني كنت برفقة �أنا�س يقدّرون الإن�سان وجهده و�إجنازاته.»... فهذا الرجل هو «توم جون�سون» ( )Tom Johnsonالذي �أدار قناة (� )CNNسنة ،1990والتي كانت توا�صل بثها احلي املبا�شر 24 �ساعة ،وكانت ت�شاهَد من 130دولة .ويف غ�ضون �ست �سنوات من املدة التي تر�أ�سها «توم جون�سون» �أ�صبحت ت�شاهَد من 208دول. فـ»توم جون�سون» القائل« :ب�إمكانك التعلم من كل من تالقيه» هو الذي يقول بدوره« :لقد تعلمت مقابلة الإح�سان بالإح�سان من «بيتون» ( ،)Peytonو�أهمية اال�ستفادة من كل يوم مير بي ،وجدوى احلر�ص على النوعية اجليدة من «بيل» ( )Billو»ليندن جون�سون» (،)LBJ وتعلمت من «تيد» ( )Tedو»�أوتي�س» (� )Otisأن الفوز �إمنا يتوفر برفع امل�ستوى وجت ُّنب الغ�ش ،و�أن احلفاظ على اجلودة يحقق جناحات
احلا�صل �أن الإن�سان ميال بطبعه وغريزته �إىل االقتداء بالآخرين ،فهو مبيزته هذه يتمكن من الو�صول �إىل �أهدافه واحل�صول على طموحاته، وهذا النوع من االقتداء يلبي رغبة فطرية موجودة لدى الإن�سان الذي يتطلع �إىل حتقيق ما و�صل �إليه �أولئك الأفذاذ �أو يزيد .وباملقابل �إن وقع يف �شباك اجلهل والغرور وفخهما ،وتغا�ضى عما �أحرزه غريه من الإجنازات والنجاحات ،ومل يراجع ح�ساباته ويق ّيم و�ضعه يف جمال النجاحات والإخفاقات ،ف�سيحرم قطعا من هذه الطاقة الكامنة يف كيانه ،ويقع يف كوارث ال حتمد عقباها ال �سمح اهلل! ف�إذا كان لدى الفرد ميل �إىل نوع من �أنواع النبوغ كالعلم �أو العبادة �أو التخ�ص�ص يف �أي علم من العلوم ،فيحتاج �أن يكون �أمامه مثل بارز يف هذا املجال ي�سري على خطاه ويقتفي �آثاره .علما ب�أن عامل الإن�سانية يف غاية الرثاء من ناحية توافر القدوات احل�سنة يف النواحي املعنوية واملادية ،و�إذا تل ّفت املرء مينة وي�سرة وا�ستعر�ض �أمام خميلته �أ�ساتذته الذين تتلمذ عليهم يف �إحدى امل�ؤ�س�سات الرتبوية �أو التعليمية فال �شك �أنه �سيجد بغيته ،ولرمبا تكون هذه القدوة من العلماء العاملني البارزين يف املجتمع ممن يبعد �آالف الأميال ،ومع ذلك ي�سهل االت�صال بهم وال َغ ْرف من معينهم لال�ستفادة من علومهم وجهودهم وجتاربهم الرتبوية والروحية ،فيوفر على نف�سه كثريا من الوقت واجلهد يف �سبيل البحث عن الأف�ضل والأ�صلح لذاته .بل يزيده ذلك مت�سكا بتعاليم دينه وقيمه ،فيجاهد نف�سه يف ذلك لأنه يرى �إمكانية تطبيق تلك التعاليم يف �أر�ض الواقع. ف�إذا �سار على الدرب الذي فتحوه وع ّبدوه ف�سريى بعني اليقني كيف تتواىل النجاحات والنتائج الباهرة احلميدة. وخري مثال على ذلك هو الأثر الكبري الذي مثلته القدوة يف ن�شر الإ�سالم يف كثري من �أ�صقاع الدنيا بوا�سطة تلك النماذج املتحركة التي دعت �إىل الإ�سالم ب�أفعالها قبل �أقوالها ،فا�ستقطبت ماليني من الب�شر دخلوا يف دين اهلل دومنا فتح وال جهاد .تلك النماذج متثلت يف �أعداد لي�ست بالكثرية من التجار امل�سلمني والزوار الذين �أدخلوا ب�سريتهم ومت�سكهم بتعاليم دينهم كل هذه الأعداد �إىل الإ�سالم.
16
مــقـاالت الوسطية
مسؤولية العلماء فـي التربية والمواطنة الصالحة
الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة عميد كلية ال�شريعة/اجلامعة الأردنية عني اال�سالم بفئة ال�شباب ،هذه الغرا�س اخلرية النهم امل االمة، والوجه امل�شرق مل�ستقبلها ،واكد على تربيتهم على قيم اال�سالم العظيمة من الت�سامح وحب اخلري واملواطنة ال�صاحلة وااليجابية ،وتعظم م�س�ؤولية العلماء يف بيان ال�صورة احلقيقية لال�سالم ،وتقدميها اىل ال�شباب نا�صعة نقية ،الن االيدي اخلبيثة امتدت بخفاء اىل اال�سالم ف�شوهت من حقيقته ،وح�سنت لل�شباب هذه ال�صور القامتة ،والتي تتنافى مع �سماحة وعظمة هذا الدين ،وما بني عليه ركائز عمادها الي�سر والت�سامح ،واالن�سانية والرحمة ،والدعوة ال�صريحة اىل جتنيب ال�شباب خماطر االنزالق يف م�سالك اجلهل والف�ساد ،واالنغالق والتبعية والتكفري. ومن مهمات العلماء تربية ال�شباب على حتمل امل�س�ؤولية ،بعد ان يدربوا ليكونوا من ا�صحاب القرار امل�ستنري ،لكي نبعدهم عن التبعية العمياء لقول الر�سول الكرمي«:ال يكن احدكم �إمعة يقول انا مع النا�س ان
اح�سنوا اح�سنت وان ا�ساءوا ا�س�أت ،ولكن وطنوا انف�سكم ان اح�سن النا�س ان حت�سنوا ،وان ا�ساءوا ان جتتنبوا ا�ساءتهم» ،ومن واجب العلماء بناء ج�سر الثقة بينهم وبني ال�شباب ،الن كثريا من ال�شباب فقدوا الثقة ببع�ض من يدعي العلم للفتاوى الرخي�صة التي ت�صدر منهم ،فهم يحرفون الكلم عن موا�ضعه ،ويتالعبون بالن�صو�ص ال�شرعية ،من اجل ت�سخريها مل�صاحلهم الآنية ،حتى ولو كانت املخالفة ال�شرعية كالفجر ال�صادق ،وحتى تزول الفجوة املفتعلة بني العلماء وال�شباب ال بد من عقد لقاءات حوارية مكثفة حتى يتفهم ال�شباب اال�سلوب احل�ضاري يف �سماع الر�أي والر�أي االخر ،لنعمق يف نفو�سهم قيمة املواطنة ال�صاحلة، وحب االنتماء لدينهم ووطنهم وامتهم ،وان نحذرهم من التطرف الفكري الظالمي ،والتطرف امل�سلكي الب�شع ،وفر�ض الر�أي دون حجة مقنعة ،وان نبعدهم عن الت�شنج واعتزال االخرين ،ليكونوا بناء قويا متما�سكا ي�ستع�صي على املارقني ،الذين ي�سعون يف االر�ض ليف�سدوا فيها ،مع اهالكم للحرث والن�سل. ويتحتم على العلماء ان يكونوا اال�سوة احل�سنة واالمنوذج االعلى يف اخللق والتدين ،واملبادرة يف عمل اخلري ،وحمل لواء اال�صالح الفردي واجلماعي ،باحلكمة واملوعظة احل�سنة ،عندها يفر�ضوا على النا�س طوعا احرتامهم وحمبتهم الخال�صهم وح�سن �سريتهم ،والتزامهم باملنهج النبوي الرا�شد يف الفهم والتدبري والتبليغ. ومن واجب العلماء الثقات خماطبة ال�شباب باال�سلوب الرا�شد امل�ستنري، الذي ير�سخ حب ال�شريعة يف �سويداء قلوبهم ليتفاعلوا مع احكامها ايجابيا ،وانها جاءت ال�سعاد النا�س يف كل زمان ومكان ،ل�شمولها ونظرتها االن�سانية التي بنيت على الرحمة باالن�سان ،بغ�ض النظر عن جن�سه او دينه او لونه ،و�صدق اهلل العظيم وما ار�سلناك �إال رحمة للعاملني . ويت�أكد دور العلماء يف حتذير ال�شباب من خمالطة اال�شرار ،وذوي الفكر الظالمي املنغلق ،الذي ال ين�ش�أ يف حما�ضنهم اال التكفري واالرهاب، والرغبة يف ايذاء النا�س ،وما ن�سمع عنه ون�شاهده ي�ؤكد ما يقوم به ه�ؤالء اال�شرار من خلخلة ال�صف ،وبث الفو�ضى ،وا�شاعة اخلوف، وتدمري مكت�سبات ما بنته االيدي النقية النظيفة ،ومن اولويات ما يقوم به العلماء الثقات ،الن كلمتهم م�سموعة من القا�صي والداين ان ي�سعوا لتزويد ال�شباب املتدفق علما وحيوية وعزما ،املعلومة الدقيقة، حتى نح�صنهم ونحميهم من حمى االندفاع االهوج غري امل�س�ؤول ،مع تربيتهم على التوا�ضع ولني اجلانب وعزة النف�س ،مع التم�سك بالثوابت، واالنت�صار لق�ضايا االمة ،والقدرة على متييز الغث من ال�سمني ،حتى ت�سمو نفو�س ال�شباب وترتقي للمعايل ،عندها تنه�ض االمة ،الن جهود علمائها املخل�صني ت�ضافرت مع عزائم ال�شباب ،وقد توجهت للبناء احلقيقي ،والتنمية ال�شاملة بروح ايجابية يحدوها االمل ،وا�ست�شراف �آفاق امل�ستقبل امل�شرق.
17
جهود جبارة و�صبورة وخمل�صة حلمايتها واحلفاظ عليها. و�أن تكون املجتمعات القائمة على الإغالق والت�شدد حمتاجة �إىل جهود �ضخمة ود�ؤوبة جلرها �إىل دائرة التو�سط والواقعية والتوازن والقدرة على مالحظة النف�س ومعرفة عيوبها و�أخطائها، ولذا كلما حدثنا �أحد بهذا احلديث بادرناه قائلني:
هل نحن متشددون؟
-وهل �أنت كذلك؟
وك�أننا نهرب من اال�ستماع واملالحظة بطريقة الإ�سقاط على الآخرين. وهب �أن الناقد خ�صم �أو عدو �أو متحامل ،فلماذا ال ت�ستفيد من مالحظته ونقده؟ على قاعدة «رحم اهلل امرءاً �أهدى �إلينا عيوبنا». الت�شدد ال يعني الغلو ،بل هو نزعة �إن�سانية يتداخل فيها ال�سيا�سي باالجتماعي باالقت�صادي ،وترتفع وتريتها حيناً ،وتخف حينا �آخر. وها نحن جند الأحزاب اليمينية والعن�صرية واملتطرفة يف �أوروبا تك�سب اجلولة مرة بعد مرة ،وتتكئ على �إثارة عواطف النا�س �ضد املهاجرين� ،أو �ضد الإ�سالم ورموزه و�شعاراته ،وتنت�شر يف �أملانيا د� .سلمان بن فهد العودة و�أوروبا عامة «فوبيا الإ�سالم» ب�صورة فظيعة. امل�شرف العام على موقع الإ�سالم اليوم نعم .قد ينف�صل عن الت�شدد جيوب تف�ضي �إىل العنف �أو التكفري �أو �س�ؤال كبري يحتاج �إىل مكا�شفة وم�صارحة مع النف�س ،بعيداً عن م�صادرة الآخرين ،وهذا ناجت جتب حماربته ،بل البد من الإجماع �سخرية الآخرين و�شماتة املخا�صمني.. على حماربته ،بو�صفه ت�صعيداً غري مقبول ،وال ين�سجم مع كليات �أف�ضل �أ�سلوب لك�سب املعركة هو �أن تخو�ضها مع نف�سك! و�أرقى ال�شريعة القائمة على حفظ ال�ضرورات ،واحلياطة للحقوق م�ستويات ال�شجاعة مع الذات! الإن�سانية ،وحترمي الدماء والأموال والأعرا�ض والفروج بن�صو�ص �إِنَّ َ ري ٌة ال�ش َ ُلوب َكث َ جاع َة يف الق ِ حمكمة. َو َو َج ُ دت ُ�شجعانَ ال ُعقولِ َقليال ال يح�سن �أن يكون الت�شدد لغة نطلقها على �سبيل «التعيري �أي جمتمع ب�شري له �صفات وخ�صائ�ص ال ميكن �أن تكون مثالية. وامل�سبة» ،فهذا قد يدعو �إىل التم�سك به والإ�صرار عليه ،وهو نوع فحني يكون جمتمعنا مت�شدداً يف بع�ض �أمناطه ومناذجه وجتلياته، من الت�صنيف الذي يحذر منه. فهذا ال يعني �أن جمتمعاً عربياً �أو �إ�سالمياً جماوراً �أو بعيداً مبعزل عن عيب �آخر ،لي�س هو الت�شدد ذاته ،لكنه التفريط مث ً ال� ،أو ولكن ميكن �إطالقه على �سبيل الو�صف املو�ضوعي الهادئ املقبول التفكك.. الذي يجعل �صاحبه يعرتف به ،وقد ي�سوغه لأ�سباب يراها ،وقدمياً يت�شدد قوم يف احلفاظ على الهوية حتى تكاد ت�صبح �سجناً يعزلهم ُ ّ قال الإمام الورع �سفيان الثوري –الذي لقب ب�أمري امل�ؤمنني عن احلراك الب�شري ،ويفرط �آخرون يف الهوية حتى ال يبقى منها يف احلديث(�إمنا العلم عندنا الرخ�صة من ثقة ،ف� ّأما الت�شديد �إال معامل �أو �آثار ي�سرية ال حتقق معنى االنتماء امل�ؤثر. فيح�سنه كل �أحد). ومن العدل �أن تكون املجتمعات املعر�ضة لتهتك الهوية بحاجة �إىل
18
وقال �أبو جعفر املن�صور للإمام مالك�»:ضع للنا�س كتاباً يف ال�سنة والفقه جتنب فيه رخ�ص ابن عبا�س وت�شديدات ابن عمر و�شواذ ابن م�سعود ووطئه توطئة «. ومن العدل �أن ال يقوم تيار اجتماعي بت�سيد املوقف وك�أنه اخليار الوحيد� ،أو هو التعبري الفريد عن التدين وااللتزام والقيم، فال�شريعة فيها تنوع ،ويكفي مالحظة املذاهب الأربعة ثم الفقهاء ال�سبعة ،ثم الع�شرة لتدرك ثراء الفقه الإ�سالمي وات�ساع دائرة التطبيقات الب�شرية االجتهادية امل�ؤمنة مبرجعية ال�شريعة، والواعية مبتغريات الواقع ،واملتعاي�شة فيما بينها من دون م�صادرة �أو �إلغاء. يجب �أال ن�صادر �أحداً حتت ذريعة �أنه مت�شدد �أو نحرمه من حقه ال�شرعي واحلياتي ،ما دام يعبرّ عن نف�سه ور�ؤيته بطريقة �سلمية لي�س فيها عدوان وال بغي. و�أال يتطلع تيار ما ،مت�شدداً كان �أو غري مت�شدد� ،إىل �أن يهيمن على امل�شهد ويفر�ض نف�سه كمرجعية مطلقة ..فمن العدل �أن ي�أخذ كل ذي حق حقه ،و�أال يعترب اجتهاده �أو ر�أيه �أو تقليده �إجماعاً يفر�ض على الآخرين ممن لهم اجتهاد �أو ر�أي �أو حتى تقليد خمتلف. وعلى هذا وذاك ف�إن تيار العوملة واالنفتاح والتبادل الثقايف واملعريف والإعالمي اليوم �سيحدث والبد �أثراً �ضخماً يف العقول وال�سلوك والر�ؤى الفردية واجلماعية ،فمن احلكمة الب�صرية �أال نتجاهل هذا الت�أثري ال�ضخم املدجج ب�أحدث التقنيات و�أكرثها خماطبة للنف�س الإن�سانية وغو�صاً �إىل �أعماقها. لي�س ع�سرياً �أن نتحاور داخلياً ،و�أن نلتقي وي�سمع بع�ضنا من بع�ض يف الغرف ما يقال اليوم على الف�ضائيات ومواقع الإنرتنت ،ولكن دفء احلوار ،و�صدق النوايا ،واالعرتاف املتبادل �سوف تخفف من حدة التباعد ،واحتدام اللغة.. ال �أحد يدري �إال اهلل ،ماذا ينتظر النا�س يف م�ستقبلهم ،وما نوع التحديات التي �سوف تفاجئهم ،فال �شيء يدوم ،ولكل زمن وظرف م�شكالته اخلا�صة ،ومن احلكمة �أن ال ت�شغلنا الأغ�صان عن ر�ؤية الغابة ،فلندع بع�ض جهدنا لقراءة امل�ستقبل بروح جماعية وطنية.. من حقنا �أن نحلم برقي �سلوكي و�أخالقي وفكري يجعلنا نختار بطواعية �أن نكون معاً ،وب�صفة دائمة ،لأن ذلك خري لديننا ودنيانا ..هذه الأمنية لن تتحقق ما مل نخفف من حدة �أنانياتنا
املناطقية والقبلية والفكرية واملذهبية ،وجنعل للآخرين حظاً يف تفكرينا ون�ؤمن بحقهم يف الوجود والفر�ص ،ونت�سامى عن ملا�ض بعيد الإح�سا�س بالغنب �أو القهر �أو احلرمان �أو التلفت الدائم ٍ �أو قريب ،وك�أننا ننتظر فر�صة ت�سنح لننتقم �أو نت�شفى �أو نتمرد �أو حتى نظلم.. (�إِ َّن هَذِ ِه �أُ َّم ُت ُك ْم �أُ َّم ًة َواحِ َد ًة وَ�أَ َنا َر ُّب ُك ْم َف ْاع ُبدُونِ ) (الأنبياء،)92: ( ِت ْل َك الدَّا ُر ْالآخِ َر ُة نجَ ْ َع ُلهَا ِل َّلذِ َ الَ ْر ِ�ض وَال ين ال ُيرِيدُو َن ُع ُل ّواً فيِ ْ أ َف�سَ اداً َوا ْل َعا ِق َب ُة ِل ْل ُم َّت ِق َ ني) (الق�ص�ص.)83:
19
إمكانية بناء دولة إسالمية من داخل دولة علمانية دون تنازالت
د.رفيق حبيب املقابلة بني الدولة العلمانية والدولة الإ�سالمية ،متثل العن�صر الأهم يف مواجهات ال�سيا�سة واحلروب �أي�ضا ،فهي عنوان للواقع العربي والإ�سالمي ،وتخت�صر �أهم املعارك واملواجهات .ولكن تلك املقابلة تطرح ت�سا�ؤ ًال عن االختالف والت�شابه بني الدولة العلمانية والدولة الإ�سالمية .لأن مدى االختالف هو الذي يحدد يف ت�صور البع�ض ،ما �إذا كانت عملية تغيري الدولة العلمانية �إىل دولة �إ�سالمية ،عملية بناء �أو عملية هدم ملا هو قائم �أوال ،ثم بناء �آخر. والغالب يف جتارب التاريخ� ،أنه ال يوجد هدم كامل وبناء كامل ،فهذا الت�صور غري واقعي ،وال تقوم به �إال قوات االحتالل ،والتي ميكن �أن تهدم كل ما هو قائم ،حتى تفر�ض �سيطرتها .وتلك مفارقة ،لأن الدولة التي كانت قائمة يف العراق دولة علمانية ،ومع هذا احتاج االحتالل الأمريكي لهدم الدولة العلمانية القائمة ،رغم �أنها قائمة على النموذج الغربي ال�سيا�سي ،لكنها مل تكن متحالفة مع الغرب مبا يكفي حتى ي�ستطيع بناء دولة علمانية �أي�ضا ،ومتحالفة
مع �أمريكا والغرب حتالفا نهائياً و�أبدياً .ولكنه يف النهاية مل ينب دولة ب�أي معنى من املعاين ،بل بنى حالة فو�ضى ،و�أ�صبح غري قادر على اخلروج منها� ،أو حتديد نهاية لها� ،أو حتديد نتائج نهاية حالة الفو�ضى. ولكن كل م�شاريع التغيري والإ�صالح ،والتي ت�أتي من داخل املجتمع نف�سه ،وحتاول بناء الدولة التي يريدها املجتمع ،ال تقوم على الهدم� ،أي هدم ما هو قائم ،بقدر ما تقوم على توظيف ما هو قائم ل�صالح بناء ما يراد حتقيقه ،لأن عملية الهدم �ضارة باملجتمع ،كما �أنها �ضارة ب�أي حركة تغيري و�إ�صالح ،لأنها تفقد احلركة املقومات املتاحة لها ،والتي ت�ستطيع من خاللها بناء ما تريد حتقيقه. فعملية الهدم والبناء ال ترتبط ارتباطا مبا�شرا بالفرق بني القائم واملراد بنا�ؤه ،وتلك م�س�ألة من املهم النظر لها بدقة. فالدولة الإ�سالمية التي تت�أ�س�س لإقامة العدل ،تختلف عن الدولة الليربالية العلمانية التي تقوم من �أجل حتقيق احلرية الفردية .والفرق هنا يف القيمة الأوىل التي حتوز على رعاية الدولة ،ولكن هذا الفرق ميثل يف ت�صورنا فرقا هائال ،لأنه يكفي لتغيري كل �سيا�سات الدولة يف خمتلف الق�ضايا االجتماعية والثقافية واالقت�صادية .والدولة العلمانية تقوم حلماية قوميتها فقط ،ولكن الدولة الإ�سالمية تقوم من �أجل حتقيق �أمن الأمة الإ�سالمية ،وهذا الفرق كاف الختالف كل ال�سيا�سات اخلارجية بني الدولة العلمانية القومية والدولة الإ�سالمية .لذا فالفرق يف قيمتني فقط ،كاف الختالف كل ال�سيا�سات اخلارجية والداخلية. وبهذا ميكن القول� :إن الفرق بني الدولة العلمانية والدولة الإ�سالمية هائل ،و�إنه �أكرب من �أي ت�شابه ،مما يجعل �أي ت�شابه بينهما غري ذي معنى. ولكن البع�ض قد ينظر من زاوية خمتلفة ،ويرى �أن الفرق بني الدولة العلمانية والإ�سالمية ،ينح�صر يف بع�ض الق�ضايا وال�سيا�سات والقيم ،وهو بهذا املعنى ينح�صر يف بع�ض الأبعاد املحددة ،وال ي�شمل كل التفا�صيل ،فالدولة يف النهاية هي الدولة، بكل �أدواتها ومكوناتها وجهازها الإداري .وميكن القول� :إن الفرق بني الدولة الإ�سالمية والدولة العلمانية يكمن �أ�سا�سا يف القيم
20
وال�سيا�سات ،وهو فرق من حيث الكم لي�س كبريا ،ولكنه من حيث الكيف هائل ونوعي وفارق .ولكن هذا ال مينع من وجود ت�شابه بني هياكل الدول �أيا كانت مرجعيتها ،ولكن هذا الت�شابه ال يكون تطابقا كامال ،وقد يكون جمرد ت�شابه يف ال�شكل مع اختالف امل�ضمون. فمن يت�أمل دور الدولة الإ�سالمية مقارنة بالدولة العلمانية القومية ،يكت�شف �أن الدولة العلمانية م�سيطرة ومهيمنة على املجتمع ب�صورة كبرية ،يف حني �أن الدولة الإ�سالمية ال ت�سيطر على املجتمع ،بقدر ما ت�سيطر ال�شريعة الإ�سالمية عليه وتنظمه، في�صبح جمتمعا متما�سكا قويا ،من خالل التزامه بقواعد ال�شريعة الإ�سالمية ،وينح�صر دور الدولة يف املهام املركزية والأمن وفر�ض القانون وال�سيا�سة اخلارجية ،دون �أن تتمدد لت�سيطر على حركة املجتمع .ففي حالة الدولة الإ�سالمية ،يكون للمجتمع وللأمة دورهما يف حتقيق النه�ضة .وكلما كان املجتمع قويا ،ال ميكن ت�صور حالة �سيا�سية ت�سيطر عليها الأحزاب ال�سيا�سية ب�صورة جتعل النخب ال�سيا�سية هي العن�صر الفاعل يف احلياة ال�سيا�سية، والتي تفر�ض خيارتها على النا�س لتختار بينها ،بل �سيكون املجتمع وقواه وم�ؤ�س�ساته احلية لهم دور كبري يف ت�شكيل وتوجيه الر�أي العام والتعبري عنه ،بقدر قد يجعل للقوى واحلركات االجتماعية ت�أثرياً كبرياً على الأحزاب ال�سيا�سية. كل هذا يعني وجود اختالفات يف دور وم�س�ؤولية الدولة ،كما �أن هناك اختالفات يف قيمها ،وبهذا يكون منوذج الدولة الإ�سالمية مفارقا لنموذج الدولة العلمانية .والفرق هنا �أن جهاز الدولة يف احلالة الإ�سالمية ،ينتج منتجات و�أدواراً غري ما ينتجه جهاز الدولة يف احلالة العلمانية ،رغم �أن كل منهما ميثل جهازا �إداريا .نعني من هذا� ،أن الت�شابه بينهما لي�س مهما ،حتى و�إن كان ملحوظا ،ولكن الت�شابه بينهما يعني �أن �أدوات اجلهاز الإداري ميكن �أن تت�شابه، مبا يعني �أنه ميكن حتويل �أدوات اجلهاز الإداري للدولة العلمانية �إىل �أدوات جلهاز �إداري يف دولة �إ�سالمية .وهذه هي النقطة املهمة، فالدولة العلمانية ميكن حتويلها �إىل دولة �إ�سالمية ،مبعنى �أن �أجهزة الدولة العلمانية ميكن توظيفها لتنتج نظاما �إ�سالميا، بدون احلاجة لهدمها وبناء �أجهزة �أخرى لها .لذا ي�صبح الت�شابه
بني الدولة العلمانية والدولة الإ�سالمية ،كافيا لتحويل �أي منهما للآخر ،ولكن لي�س كافيا العتبار �أن الفرق بينهما حمدود ،ولي�س كافيا بالطبع العتبار �أن �أيا منهما ميكن �أن يحقق غايات الآخر. فمن يقول �إن الدولة العلمانية ميكن �أن حتقق غايات الدولة الإ�سالمية �أو جزءا مهما منها ،يتجاهل حقيقة االختالفات الهيكلية بينهما ،ولكن هذه االختالفات ال تعوق �إمكانية حتويل الدولة العلمانية �إىل دولة �إ�سالمية� ،إذا حكمتها نخبة �إ�سالمية من خالل توافق و�أغلبية جمتمعية و�سيا�سية ،وا�ستطاعت مقاومة النفوذ الغربي ،الذي �سيحاول منعها من حتويل �أي دولة علمانية �إىل دولة �إ�سالمية. تلك يف ت�صوري م�س�ألة مهمة ،لأنها تعني �أن الإ�صالح التدريجي ممكن ،ولكنه ال يعني �أن الفرق بني الدولة العلمانية والدولة الإ�سالمية �ضئيل .مما يعني �أن العمل ال�سيا�سي ال�سلمي الإ�صالحي ال يعني القبول ولو جزئيا بالدولة العلمانية ،لأن هذا القبول يعني التنازل عن امل�شروع الإ�سالمي ولو جزئيا .وكل تنازل جزئي عن امل�شروع الإ�سالمي �سوف ي�ؤدي �إىل تنازل نهائي عن امل�شروع الإ�سالمي ،لأن هذا التنازل �سيحدث ب�سبب الهيمنة الغربية ،وخ�ضوعا لها وحتالفا معها ،مما يعني �أن ا�ستعادة امل�شروع الإ�سالمي بعد ذلك �ستكون مواجهة مع الدول الغربية. وكل تنازل ولو جزئي عن امل�شروع الإ�سالمي يف�سد كل امل�شروع، لأنه م�شروع متكامل غري قابل للتبعي�ض �أو التجزئة ،مثله مثل غريه من امل�شاريع ،مبا فيها امل�شروع العلماين .ومن يرى �أن هناك م�شروعا ميكن �أن يكون علمانيا جزئيا و�إ�سالميا جزئيا� ،سيكت�شف �أن املح�صلة النهائية �ستكون علمانية .ولكن هذا ال مينع من �أن الدولة العلمانية قابلة للتغيري من داخلها ،و�أن هذا التغيري ميكن �أن ي�صل لبناء دولة �إ�سالمية .ومعنى هذا� ،أن هناك فرقاً بني التنازل وبني املرحلية .وتغيري الدولة العلمانية من داخلها لي�س تنازال ،ولي�س من ال�ضروري هدم الدولة العلمانية بالكامل ،حتى يتم بناء الدولة الإ�سالمية� ،إال يف بع�ض الظروف اخلا�صة .ولكن العمل من داخل الدولة العلمانية القائمة وتغيريها ،ال يعني �أنها تت�شابه مع الدولة الإ�سالمية ،لأن ما بينهما من ت�شابه لي�س له قيمة عملية إسالم اون الين
21
متفق عليه ،وقال الإمام الآجري :مل يختلف العلماء قدمياً وحديثاً �أ َّن اخلوارج قوم �سوء ،عُ�صاة هلل عز وجل ولر�سوله عليه ال�صالة وال�سالم ،و� ْإن قاموا و�صلوا واجتهدوا يف العبادة ،فلي�س ذلك بنافع لهم ،و� ْإن �أظهروا الأمر باملعروف والنهي عن املنكر، ولي�س ذلك نافع لهم لأ َّنهم قوم يت�أولون القر�آن على ما يهوون وميوهون على امل�سلمني ،وقد حذرنا اهلل عز وجل منهم ،وحذرنا النبي �صلى اهلل عليه وعلى �آله و�صحبه و�سلم منهم ،وحذرنا منهم اخللفاء الرا�شدون من بعده ،وحذرنا ال�صحابة الكرام ومن تبعهم ب�إح�سان �إىل يوم الدين. قال الآجري واخلوارج هم ال�شراة الأجنا�س الأرجا�س ومن كان على مذهبهم من �سائر اخلوارج يتوارثون هذا املذهب قدمياً وحديثاً ويخرجون على �أئمة الأمراء ،وي�ستحلون قتل امل�سلمني. ومن ذلك كله يت�ضح خطورة هذا املذهب ،وحترمي الإنت�ساب �إليه، بل وجوب قتال �أهله ملا يرتتب عليه من مفا�سد دينية ودنيوية ،ومن اختالل الأمن و�ضياع لبالد امل�سلمني ،و�إدخال للوهن على امل�سلمني، وت�سليط للأعداء عليهم ،ومن �أخ َّل ب�أمان امل�سلمني ،وا�ستحل قتل ٍ امل�سلمني ف�إ َّنه خارجي ،و� ْإن �صلى وقام وادعى ما ادعى ،ومن املعلوم ف�ضيلة ال�شيخ الدكتور حممد العريفي يف دين الإ�سالم �أ َّن اتخاذ الإمام واجب على �أهل الإ�سالم ،يقول اهلل �إ َّن الف�ساد الذي ن�شاهده يف جمتمعات امل�سلمني اليوم ،من عز وجل( :يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا �أَطِ ي ُعوا اللهََّ وَ�أَطِ ي ُعوا ال َّر ُ�سو َل وَ�أُوليِ التفجري والتكفري بحجة جماهدة الكفار و�أعوانهم لهو باب من الأْ ْم ِر مِ ْن ُك ْم) (الن�ساء ،)59 :والأحاديث الدالة على ذلك كثرية منها �أبواب الت�أويل املذموم الذي ج َّر على الأمة الويالت ،فذاك رجل ما �أخرجه ال�شيخان �أ َّن النبي عليه ال�صالة وال�سالم قال (�إنَّ الإمام فج ُر جنة يقاتل من ورائه ويتقى به ،ف�إنْ �أمر بتقوى اهلل عز وجل وعدل ُيقت ُل لأ َّنك تراه �أ َّنه خمالف يف العقيدة ،و�أ َّن املبنى ذاك ُي َّ لأ َّنك تراه مجُ معاً للإ�ستخبارات والأعداء ،وهذا ُيقت ُل لأ َّنه كان له بذلك �أجراً ،و�إن ي�أمر بغريه كان عليه منه). عون لل ُمحتل ،وذاك ُيقت ُل لأ َّنك تراه جا�سو�سا ...وه َّلم جرا من �إ َّن هذه الفئة ُتك ِّفر امل�سلمني ،وت�ستحل دماءهم ،وهذا من �أخطر الت�أويالت الفا�سدة التي ُت�ستباح بها دماء امل�سلمني ،وقد ت�ضافرت جرائمهم و�أ�شدها وطئاً ،وذلك �أ َّن تكفري امل�سلم ورد فيه وعيد ن�صو�ص ال�شريعة على حماية امل�سلم ،وحماية كل ما ي�ضري الدين �شديد ،قال عليه ال�صالة وال�سالم�( :إذا قال الرجل لأخيه يا كافر والعقل والنف�س واملال ،ثم ينتقل بع�ض النا�س من هذه الن�صو�ص فقد باء بها �أحدهما ،ف�إنْ كان كما قال و�إال رجعت عليه) (�أخرجه ال�صريحة الوا�ضحة الثابتة �إىل ت�أويالت فا�سدة ،فينتقلون من هذا ال�شيخان) ،وقال عليه ال�صالة وال�سالم( :من رمى م�ؤمن ًا بكفر فهو كقتله). الركن الركني والأ�صل الأ�صيل لي�ستحلوا دماء امل�سلمني بت�أويالت �إنَّ امل�شكلة لي�ست فيمن ُيبا�شر القتل ،ولي�س فيمن يقع يف نف�سه هي �أوهام �أوهن من بيت العنكبوت. ارتكاب هذه اجلرائم ،و�إمنا امل�شكلة يف الطابور العري�ض الذي يقف قال النبي عليه ال�صالة وال�سالم (قوم يف اخر الزمان �أحداث
اإلرهاب صناعةالخوارج
خلف هذا القاتل حا�شدين ع�شرات الت�أويالت والتربيرات لفعله، الأ�سنان� ،سفهاء الأحالم ،يقولون من قول خري الربية ،ال ُيجاوز مربرين ُجرم ًا �شهدت ن�صو�ص الوحيني بب�شاعته والتحذير منه (وال حنانهم حناجرهم ،ميرقون من الدين كما ميرق ال�سهم من الرمية، يزال امل�سلم يف ف�سحة من دينه ما مل ُي�سل دماً حراماً) ،قال الإمام ف�أينما لقيتموهم فاقتلوهم ،ف�إنَّ يف قتلهم �أجر ًا ملن قتلهم يوم القيامة)
22
ابن القيم رحمه اهلل تعاىل يف كالم بديع يف كتابه �إعالم املوقعني وهو يتكلم عن ارتكاب بع�ض النا�س لأخطاء من �سفك دماء� ،أو خروج على �أئمة« :هم يرون �أنهم ُيح�سنون ُ�صنعاً بالت�أويل وبتف�سري الآيات على غري ظاهرها ،وبت�أويالت يقولها بع�ضهم لبع�ض، فيقي�ض اهلل تعاىل لهم امتحان وابتالء �شركاء وقرناء يزينون لهم ما بني �أيديهم وما خلفهم». وما الذي �سفك دم عثمان ر�ضي اهلل عنه ،و�أوقع العدوان ،و�أوقع الأمة فيما �أوقعها فيه �إىل الآن غري الت�أويل املغلوط للن�صو�ص، وما الذي �سفك دم علي ابن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه وابنه احل�سني ر�ضي اهلل عنهم و�أهل بيته جميعاً غري الت�أويل املغلوط للن�صو�ص ،وما الذي �أراق دم عمار ابن يا�سر و�أ�صحابه غري الت�أويل املغلوط للن�صو�ص ،وما الذي �أراق دم ابن الزبري ،وحجر بن عدي، و�سعيد بن جبري وغريهم من �سادات الأمة غري الت�أويل املغلوط للن�صو�ص ،وما الذي �أريقت عليه دماء العرب يف فتنة �أبي م�سلم غري التاويل املغلوط للن�صو�ص ،وما الذي ج َّرد الإمام �أحمد بني العقابني و�ضرب بال�سياط حتى عجت اخلليقة �إىل ربها �سبحانه وتعاىل غري الت�أويل املغلوط للن�صو�ص ،وما الذي قتل الإمام �أحمد بن ن�صر اخلزاعي وخ َّلد خلقاً من العلماء يف ال�سجون حتى ماتوا غري الت�أويل املغلوط للن�صو�ص ...وقد كان العلماء وما زالوا يخافون ويحذرون من ذلك. لنت�أمل ونتدبر خرب ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنه ملا دخل على �ستة �آالف من اخلوارج وهم ي�صلون ويتعبدون ،وبني �أعينهم كركب املعزة من طول ال�سجود ،و�أيديهم مثل �ساق الإبل من طول ال�سجود وال�صالة والركوع والعبادة ومع ذلك كانوا يرون �أنهم على �صواب وهم الذين خرجوا ملقاتلة امل�سلمني ،فلما تكلم معهم ابن عبا�س و�أظهر لهم احلق رجع منهم �أربعة �آالف وبقي �ألفان ،وه�ؤالء الألفان هم الذين تبينَّ لهم احلق لكنهم خرجوا بناء على �أهوائهم . ينبغي � ْأن ال يح�ضرنا ال�ضالل بعد الهدى ،ينبغي �أن نتعامل مع املنكرات ومع الأخطاء يف جمتمعنا ب�صراحة و�شجاعة العلماء، يجب �أن نتعامل معها بالأ�ساليب ال�شرعية التي نتعبد هلل تعاىل بها ،وقدوتنا الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم الذي ير�شدنا بقوله: (لو �أ َّن �أهل ال�سموات و�أهل الأر�ض اجتمعوا على قتل م�سلم لأكبهم اهلل يف النار) ،ينبغي علينا �أن نحذر من مثل ذلك ،و� ْأن نح ّذر النا�س من �أن يتعاملوا مع املنكرات بغري الأ�ساليب ال�شرعية ،فالنبي �صلى اهلل عليه و�سلم ملا قال( :من ر�أى منكم منكراً فليغريه بيده ،ف� ْإن
مل ي�ستطع فبل�سانه ،ف� ْإن مل ي�ستطع فبقلبه ،وذلك �أ�ضعف الإميان) بينَّ العلماء من الذي ُيغري باليد ،ومن الذي ُيغري بالل�سان ،كذلك يجب �أن نح ّذر �أبناءنا من خطورة جل�ساء ال�سوء ،و�أن نحذرهم من الأ�صدقاء الذين توجد لديهم �أفكار �شاذة ومنحرفة.
و�أوجه الن�صيحة �إىل من ت�أثر بهذا الفكر الدخيل اخلبيث ف�أقول لهم :اتقوا اهلل يف �أنف�سكم ،ويف �أمتكم ،ويف بالد امل�سلمني ،اتقوا اهلل فال تقحموا �أنف�سكم يف �أنواع من كبائر الذنوب ،واتقوا اهلل فال تفتحوا على امل�سلمني وبالد امل�سلمني و�أهل الإ�سالم �أبواب ًا من ال�شر ت�سلط الأعداء املرتب�صني علينا ومتكنهم من بالدنا.
23
ثورة اإلسالم المعتدل د .عبداهلل عقروق كانت كل احلقائق التي ذكرت يف �ش�أن �إ�شعال الثورات احلالية حقيقية وواقعية .وقد لفتتني و�أنا �أنظر �إىل ما ح�صل ،وبهذه ال�سرعة ،ثورة جديدة مل يعطها �أحد �أهمية :ثورة الإ�سالم املعتدل الذي ك�شف فج�أة عن �أن املت�شددين الذين يدفعون امل�سلمني �إىل االنغالق وعدم م�سايرة احل�ضارات الأخرى .وك�شفت الأحداث �أن بعبع القاعدة والدعوات الإ�سالمية املتطرفة هي التي تفرق امل�سلمني ،وهي جهات متولها الواليات املتحدة لأجل الإ�ساءة اىل الإ�سالم احلنيف ور�سالته الإن�سانية العادلة ،وجتاوبه مع الع�صر، وكون الدين ي�سراً ولي�س ع�سراً. ويخطئ بع�ض من امل�سلمني باعتقادهم �أن العوملة العربية التي �ستكون مرتبطة ارتباطا كامال مع �أدياننا ال�سماوية خطر على الإ�سالم وامل�سلمني ،وال يدركون �أنها �سوف جتعلهم يديرون �أمورهم الدينية بطرق �أ�صلح و�أ�سلم ،برجال الدين الأكفاء من ال�شباب الذين در�سوا الفقه الإ�سالمي درا�سة وافية ،و�أ�صبحوا من العلماء الذين لهم باع طويل يف التعمق ب�أ�صول الدين التي تتنا�سب مع �أ�صولهم ومع العادات العربية والتقاليد وكل املوروثات ال�صاحلة يف تاريخنا. �إننا �شعب من �شعوب هذا العامل ،ملزمون ب�أن نتعامل مع الدول الأخرى ب�شكل ع�صري وح�ضاري ،و�أ�صبحت تربطنا م�صالح كثرية مع الآخرين ،ولن نحل م�شكالتنا �إال �إذا ا�ستعملنا العقل املتطور املتح�ضر لنتعامل مع هذا الكم الكبري من الدول والثقافات .ويجب
�أن تكون قراراتنا يف م�ستوى امل�س�ؤولية مثل تركيا مث ً ال .فالأتراك �أنا�س متم�سكون متاماً بفرائ�ض دينهم ،و�إميانهم مو�صول مبا�شرة مع اخلالق ،ومعظمهم يعملون ح�سب ما يراه الدين احلنيف منا�سبا ومعقو ًال .وال يجب �أن توهمنا بعك�س ذلك جوانب �سلبية يف امل�سل�سالت الرتكية التي تعك�س �صور فئة قليلة جداً يف املجتمع الرتكي ،وهنالك �أمور كثرية �أخرى ميكن �أن نتعلمها من هذه امل�سل�سالت ،مثل احرتام الأتراك لدينهم وعاداتهم وتقاليدهم، واحلب الكبري بني �أفراد الأ�سرة الواحدة ،وهي �أمور جتعل كلها من هذه الدولة الإ�سالمية �أح�سن مثال ،وتعطيها الرونق اجلميل عندما يظهر رئي�س اجلمهورية الرتكية ومعه ال�سيدة عقيلته بحجابها الذي يعطيها احل�شمة والوقار. هذه الثورات التي نراها يف الدول العربية املختلفة يقوم بها رجال ون�ساء م�سلمون عاديون ،وال نرى فيها هيمنة لأي جماعة �إ�سالمية م�سي�سة ،ومل نر فيها �أعالماً �أمريكية و�إ�سرائيلية حترق، و�إمنا مواطنون ي�ؤمنون ب�أن حكوماتهم قد هدرت كراماتهم، ونكلت ب�شبابهم ،و�سرقت ثروات بالدهم .ور�أينا الكثريين منهم مواظبني على �أداء ال�صالة يف وقتها ،متمتعني ب�سمو عال يف الأخالق واملعاملة ،ويعملون كفريق واحد .وقد حافظ املتظاهرون على املمتلكات العامة ،ووقفوا �صفا واحدا �أمام املتاحف الرئي�سة، وكان تعط�شهم للحرية دافعهم الأ�سا�س .وكانت هتافاتهم تقول �إنهم يريدون حكما عادال �شريفا نزيها ال مييز بينهم. �إ َّن ال�شباب امل�ؤمن مندفع لت�صحيح الأمور يف تلك البلدان، وليفر�ض على حكوماتها التغيري و�إنهاء مدة خدماتها التي واكبت �أعمارهم بطولها و�أكرث ،وظلمت الكثريين منهم و�شردتهم يف كل بقاع الأر�ض لأن قيادتها تعترب �أن املواطن �أ�صبح عبئا على الدولة ،وت�شجعه على الهجرة والغربة .وقد �أدرك ه�ؤالء ال�شباب وال�شابات �أن تلك الأنظمة ديكتاتورية غري حكيمة وال عادلة، فهبوا جميعا ال�ستعادة كرامتهم املهدورة ،وخرجوا �إىل ال�شوارع يطالبون باحلرية .ومل يطالب �أحدهم ب�أن يكون الدين جزءا من الدولة ،ومل يريدوا �أن يحكمهم �أ�صوليون من �أي اجتاه ،و�إمنا
24
�أرادوا احلرية والعي�ش الأف�ضل ،مبا ال يختلف عن جوهر الدين والثقافة ،وقد حققوا ذلك. ترى هذه املوجات املندفعة من �شبابنا و�شاباتنا �أن الدين هلل والوطن للجميع .والوطن والوطنية ال يباعان وي�شرتيان ،وحقوق الأفراد واجلماعات هي للجميع مهما كانت انتماءاتهم ال�سيا�سية، واختالف �أديانهم ومذاهبهم .وكان من �أجمل ما يف ميدان التحرير بالقاهرة هو رف�ض �أقباط م�صر الإذعان لأوامر �سلطتهم الدينية ب�إعطاء الوالء ملبارك ،والعودة �إىل بيوتهم .وحينها خرج الأقباط من كنائ�سهم ،وانخرطوا مع مواطنيهم يف ال�صالة يف ميدان التحرير ،ليكونوا جزءاً من هذا الن�سيج القومي .كما خرج �أ�ساتذة و�شيوخ وطلبة الأزهر وان�ضموا �إىل ال�شعب الثائر ،ومل يرفعوا �أي �شعارات تطالب بتطبيق قوانني خا�صة ،و�إمنا هتفوا جميعا للوحدة الوطنية. هذا اخلليط من �شعب م�صر ،رجاال ون�ساء ورجال دين من الأزهر ال�شريف ،يدل على �أن ثورة جديدة ولدت يف العامل العربي ،هي ثورة الإ�سالم املعتدل البعيد عن �شعارات اعتدنا �سماعها طوال ال�سنوات املا�ضية .وه�ؤالء ال�شباب وال�شابات قادرون على �أن يحكموا م�صر العربية� ،إ�سالمية الثقافة ،بالعدالة بني جميع �سكان م�صر من م�سلمني و�أقباط ،وعلى �أن ي�ستعيدوا للنا�س حرياتهم التي �سلبت منهم ،وكرامتهم التي �أهدرت ،و�أموالهم التي �سلبت ،و�شخ�صيتهم التي �سحقت ،حمافظني على الهوية احل�ضارية والدينية التي تنا�سب كل ع�صر وزمان. هذا الإ�سالم املعتدل هو الذي �سيجعلنا نركز ثانية على �صناعة نه�ضة عربية �إ�سالمية مثقفة خمل�صة لأوطانها ،وح�ضارة نفخر بها وينتمي �إليها اجلميع .و�سيظهر للعامل �أن الإ�سالم لي�س دين �إرهاب ،وال هو يكفر الأديان ال�سماوية الأخرى .وبذلك ،يكون يف جوهره معتد ًال ين�صف اجلميع يف م�صادره الأ�سا�سية ،ويرف�ض الت�أويالت واالجتهادات والفتاوى التي تبتعد به عن هذا اجلوهر، والتي �أ�صبحت �سلعة يتاجر بها بع�ض رجال الدين كما فعل بابوات روما يف الع�صور الو�سطى ،حني بد�أوا ببيع �أماكن يف اجلنة مقابل مبالغ باهظة يدفعها الكاثوليكي ،والتي ت�سمى �صكوك الغفران،
وهذا ما جعل الكني�سة الربوت�ستانتية تنف�صل عن الكاثوليكية. �إن الإ�سالم املعتدل الذي ينبع من القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ال�شريفة قادر �أن يجمع امل�سلمني على �إ�سالم واحد بعيد عن االن�شقاقات املذهبية والتع�صب الأعمى ،وهو يجمع وال يفرق لأنه مبني على م�صادره الوا�ضحة واملتكاملة :القر�آن الكرمي� ،سنة الر�سول العظيم حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ،وال �شيء �آخر.
25
المرأة والتنمية
مقاربة في إشكاليات المشاركة وشروطها �إعداد :د.عيدة املطلق قناة التنمية كمفهوم هي عملية حتول �إرادية �شاملة لكل مظاهر احلياة االقت�صادية -االجتماعية -الثقافية -ال�سيا�سية!! و يف الفكر االقت�صادي ف�إن التنمية هي» حتقيق �أعلى معدل منو ممكن» ..يف حني �أن مفهوم التنمية الب�شرية ينطوي على ر�ؤية تغيريية للواقع املعا�ش من خالل تطوير قدرات الإن�سان على اخللق والإبداع للم�ستقبل ..ومن هنا ف�إن لعملية التنمية الب�شرية بعدين الأول هو :تكوين القدرات الب�شرية (الطبيعية والنف�سية والعقلية واملهنية) و توفري الفر�ص للنا�س ال�ستخدام هذه القدرات ..والثاين هو تو�سيع وتنويع اخليارات التي ميلكها النا�س ...وتتحقق التنمية الب�شرية بهذا املفهوم من خالل عدة عمليات هي :التمكني ،والتعاون بني �أفراد املجتمع ،وامل�شاركة، والإن�صاف يف الفر�ص بني اجلميع ،واال�ستدامة..والأمن واحلرية وبناء قدرات الب�شر. �أما التنمية ال�سيا�سية فتعترب �شك ً ال من �أ�شكال التنمية الب�شرية .. و�شرطاً من �شروط التنمية ال�شاملة ..ولكن هذه التنمية ال تتحقق �إال بامل�شاركة ال�شاملة جلميع مكونات املجتمع ويف مقدمتها املر�أة .. يف �إطار هذه املفاهيم ميكن مقاربة واقع املر�أة العربية وامل�سلمة يف التنمية ..وبني يدي هذه املقاربة تطرح جملة من الت�سا�ؤالت الإ�شكالية لعل منها : • ما مدى �صحة اتهام الإ�سالم بامل�س�ؤولية عن تخلف �أو�ضاع املر�أة ؟ • كيف ميكن للمر�أة امل�سلمة القيام بدورها يف خالفة اهلل وعمارة الأر�ض وامل�شاركة يف تنمية جمتمعها ووطنها ؟ • ما هي الأهمية اخلا�صة لدور املر�أة يف التنمية ؟
• ما هي الظروف واملعوقات التي حتول دون م�شاركة املر�أة فيها بفعالية؟ يف الإ�شكالية الأوىل املتمثلة بتحميل الإ�سالم امل�س�ؤولية عن تخلف �أو�ضاع املر�أة يرى علماء االجتماع �أن هناك حمددين �أ�سا�سيني لل�سلوك الإن�ساين ب�شكل عام واملر�أة ب�شكل خا�ص هما :البناء االجتماعي.. والبناء الثقايف ..للمجتمع ..ونظراً �إىل �أن الإ�سالم ي�شكل قاعدة البناء الثقايف يف جمتمعاتنا العربية ..التي ما زالت ت�شهد تخلفاً يف �أو�ضاعها العامة ..جند �أن هناك �أ�صواتاً ومقوالت ترتدد جتعل الإ�سالم – ب�صفته قاعدة البناء الثقايف يف املجتمع -امل�س�ؤول عن تخلف �أو�ضاع املر�أة بعامة . على �أننا يف مقاربة هذه الإ�شكالية ال بد من الإ�شارة �إىل �أن «النظام االجتماعي» يف الإ�سالم يقوم على قاعدة «امل�ساواة يف �أ�صل اخللق» .. دومنا تفريق على �أ�سا�س اللون او اللغة او العرق �أو اجلن�س �أو الدين ..و�أن العدالة واحلق هما من �أهم مبادئ الدين ...ويت�ساوى بذلك امل�سلمون مع غريهم يف احلقوق والواجبات .. وعليه ف�إن منظومة حقوق الإن�سان يف الإ�سالم منظومة متكاملة، ت�أخذ باالعتبار اجلوانب املختلفة من حياة الإن�سان وعالقاته يف �إطار اجلماعة التي يعي�ش فيها ،والطبيعة املتغرية واملتطورة للمجتمعات مع تقدم الزمن وتعقد جوانب احلياة. وقد جاء يف «الإعالن الإ�سالمي لدور املر�أة يف تنمية املجتمع امل�سلم» (ال�صادرعام 2009عن جممع الفقه الإ�سالمي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي ) ليبني القواعد التي ي�ستند �إليها دور املر�أة يف التنمية مبا ي�ؤكد ف�ساد هذه املقوالت ...فمن هذه القواعد: • الدور املتكامل لكل من الرجل واملر�أة يف تكوين جمتمع �إ�سالمي متوازن ،يكون لكل من الرجل واملر�أة دور فيه، • الأ�سرة هي حجر الزاوية يف هذا البناء، • الأمومة هي �أهم الوظائف الطبيعية للمر�أة يف حياتها، • الرجل واملر�أة مت�ساويان يف الكرامة الإن�سانية، • للمر�أة من احلقوق وعليها من الواجبات ما يالئم فطرتها وقدراتها وتكوينها. • احرتام املر�أة يف جميع املجاالت ،ورف�ض ما يثار �ضدها من حتقري ل�شخ�صيتها وامتهان لكرامتها، • �إنكار ما يقع من بع�ض احلكومات من منع املر�أة امل�سلمة من االلتزام بدينها. و�أما ما يتعلق بالت�سا�ؤل عن دور املر�أة يف خالفة اهلل وعمارة الأر�ض
26
والعدالة االجتماعية ،وي�ؤمن التوظيف الأمثل للموارد الب�شرية ،وفق القاعدة القر�آنية ( َوالمْ ُ�ؤْمِ ُنو َن َوالمْ ُ�ؤْمِ َن ُ ات َب ْع ُ�ض ُه ْم َ�أ ْو ِل َيا ُء َب ْع ٍ�ض ْيَ�أ ُم ُرو َن ال�صلاَ َة َو ُي�ؤْ ُتو َن ال َّز َكا َة َويُطِ ي ُعو َن ِبالمَْ ْع ُر ِ وف َو َي ْن َه ْو َن ع َِن المْ ُ ْن َك ِر َو ُيقِي ُمو َن َّ للهََّ ُ اللهََّ َو َر ُ�سو َل ُه �أُو َلئ َِك �سَيرَ ْ َح ُم ُه ُم اللهَّ �إِ َّن ا َعزِي ٌز َحكِي ٌم ) (التوبة.)71: ويف الإ�شكالية الرابعة املتعلقة بالظروف واملعوقات التي حتول دون م�شاركة املر�أة بفعالية يف التنمية ال�شاملة يف املجتمع ،ف�إن مقاربة هذه الإ�شكالية تنطلق من �أن « فل�سفة التنمية» يف املجتمعات املعا�صرة تقوم على الدور املهم الذي تلعبه م�ؤ�س�سات املجتمع املدين ،ومبا �أن الظروف ال�سيا�سية واالجتماعية والتاريخية التي مرت ومتر بها املجتمعات العربية حالت دون ن�شوء جمتمع مدين فاعل ،مما يف�سر �أحد �أهم عوامل تدين امل�شاركة يف التنمية بعامة وامل�شاركة ال�سيا�سية بخا�صة . بالإ�ضافة لذلك ف�إن هناك معوقات �أخرى كانت �أ�شد ت�أثرياً يف �إبعاد � /أو ابتعاد املر�أة عن امل�ساهمة يف التنمية ومنها: � .1ضعف وا�ضح يف م�ؤ�س�سات امل�شاركة ال�سيا�سية بدءاً من االحزاب ال�سيا�سية مروراً مبنظمات املجتمع املدين وانتهاء باملجال�س املنتخبة . .2الدور ال�سلبي الذي يلعبه الإعالم ،فقد �أجمعت درا�سات عديدة (دولية وعربية) على �أن تناول ق�ضايا املر�أة ومنجزاتها يف و�سائل الإعالم ما زال يت�سم بالتق�صري وال يرتقي �إىل م�ستوى الإجناز ،بل كثرياً ما يت�سم بال�سلبية يف تناول �أدوار ومواقع املر�أة ،ومواقفها من الق�ضايا الوطنية بعامة . ففي الوقت الذي يبتعد فيه الإعالم عن الرتكيز على الق�ضايا واملو�ضوعات التي تعك�س تطور املر�أة ودورها النه�ضوي� ،إال �أن هذا الإعالم مازال يركز على ا�ستخدام ج�سد املر�أة يف الإعالن والرتويج ال�سلعي ب�صورة مهينة لكرامة املر�أة وا�ستهانة بدورها ومكانتها كمواطنة . .3رغم املحاوالت التي بذلت من �أجل رفع م�شاركة املر�أة يف العمل ال�سيا�سي �إال �أن م�شاركة املر�أة ال تزال حمدودة ودون امل�ستوى املطلوب �أو املتوقع ،فالإجراءات وال�سيا�سات التي مت اتخاذها كانت وما زالت فوقية وفاقدة للمعايري.
وامل�شاركة يف تنمية جمتمعها ووطنها (وهو ما يطلق عليه يف امل�صطلح احلديث التنمية ال�شاملة وامل�ستدامة) ..ف�إن الإ�سالم قدم م�شروعا ح�ضاريا متكامال ..جعل الإن�سان فيه م�ستخلفا من اهلل يف هذه الأر�ض لعمارتها وا�ستثمار خرياتها� ،س ّلطه اهلل عليها و�أعطاه القدرة على ت�سخريها وت�سخري �سائر الكون ملنافعه مبا وهبه من احلوا�س والعقل و�سائر ال�صفات اجل�سمية والعقلية التي جتعله �أه ً ال لذلك على تفاوت بني �أبناء الب�شر) .. وت�ستند نظرية هذا امل�شروع احل�ضاري �إىل العديد من الآيات القر�آنية الَ ْر ِ�ض منها على �سبيل املثال ال احل�صر ( َوهُ َو ا َّلذِ ي َج َعلَ ُك ْم خَلاَ ئ َِف ْ أ َو َر َف َع َب ْع�ضَ ُك ْم َف ْو َق َب ْع ٍ�ض َد َر َجاتٍ ِل َي ْب ُل َو ُك ْم فيِ مَا �آ َتا ُك ْم ِ�إ َّن َر َّب َك �سَ رِي ُع ا ْل ِع َقابِ وَ�إِ َّن ُه َل َغ ُفو ٌر َرحِ ي ٌم ) (الأنعام ، ) 156:و(�آمِ ُنوا بِاللهَّ ِ َو َر ُ�سو ِل ِه ني فِي ِه َفا َّلذِ َ وَ�أَ ْن ِف ُقوا ممِ َّ ا َج َعلَ ُك ْم م ُْ�ستَخْ لَ ِف َ ين �آ َم ُنوا مِ ْن ُك ْم وَ�أَ ْن َف ُقوا َل ُه ْم ري) (احلديد.)7: �أَ ْج ٌر َك ِب ٌ �إن امل�شروع الإ�سالمي لعمارة الأر�ض يقوم «بوا�سطة الإن�سان ،ومن �أجل حتقيق حياة طيبة كرمية للإن�سان» ،ومبا �أن «الن�ساء �شقائق الرجال» ف�إن «�إعمار الأر�ض هو �أمر واجب عليهن بـ»العقل والنقل»، فاملر�أة يف الإ�سالم «ذات �أهلية كاملة وال خالف» ،وم�شاركتها االجتماعية وال�سيا�سية واالقت�صادية واجبة �شرعاً. ويف الإ�شكالية الثالثة املتعلقة بـ « الأهمية اخلا�صة لدور املر�أة يف التنمية» ..فال بد من الإ�شارة �إىل بديهية تنموية تقول ب�أن املجتمع – �أي جمتمع -يقوم على جهود الرجال والن�ساء ...ويقوم املنظور احل�ضاري للتنمية ال�شاملة على قاعدة �أن التنمية هي عملية «حتقيق الذات واالرتقاء باجلماعة والأمة» .. ويف هذا ال�سياق ف�إن الدور الذي تقوم به املر�أة يف «التن�شئة االجتماعية» يف الأ�سرة ..ينطوي على «حتقيق الذات واالرتقاء بالأداء اجلمعي للأفراد ،وحتقيق الأمن النف�سي للأفراد واجلماعة ،وتر�سيخ القيم احل�ضارية لديهم ،وبذلك فدور املر�أة يف هذه العملية دورمركب بل يرتقي �إىل �أن يجعلها «حاملة القيم احل�ضارية للأمة»،وبالتايل امل�سئولة عن االرتقاء احل�ضاري باجلماعة والأمة ،ف�أي دور يكت�سب �أهمية �أكرب من هذا الدور؟ وانطالقاً من هذه الأهمية اخلا�صة لدور املر�أة ف�إن �أي �ضربة للعائلة هي �ضربة قو ّية للمجتمع ..حتوله �إىل جمتمع ال �صالح فيه وال ق ّوة وال فاعل ّية . ومن جانب �آخر ف�إن «التنمية الفاعلة تقوم على امل�شاركة الفاعلة» من قبل كل عنا�صر املجتمع -ذكوراً و�إناثاً ،وحتى تتحقق «امل�شاركة الفاعلة» البد من» م�شروع تنموي وطني متكامل» ،ي�ضمن امل�ساواة
خال�صة الأمر ف�إن الت�صدي للتحديات املتداخلة التي تتعر�ض لها الأمة يف �أوطانها املختلفة ال ميكن �أن يتم �إال من تقوية املجتمع وتعزيز قدراته عرب عملية تنمية حقيقية �شاملة وم�ستدامة ..ت�سهم فيها جميع م�ؤ�س�سات الوطن ..وي�شارك فيها كل الأطر الوطنية امل�ؤهلة من الن�ساء والرجال ..يف �إطار جمتمع مدين قوي وم�ستقل ..ي�ؤ�س�س لإ�سرتاتيجية ت�شاركية تبد�أ وتنتهي بالإن�سان !!
27
الحوار الحضاري في اإلسالم د .عبد القادر الكتاين� /سوريا قد يظن بع�ض القراء �أن هديف من هذا املقال �أن �أحدثكم عن �شروط و�أركان احلوار الإ�سالمي �أو �أهدافه ومنطلقاته و�أن �أمور احلوار وتفا�صيله كلها �إجناز �إ�سالمي بامتياز ,وبالطبع لي�س هذا هو الهدف �إذ ال يخفى على الباحث �أن احلوار احل�ضاري الراقي الذي نعهده اليوم ,مت حتديثه وتطويره عرب قرون من التوا�صل والتكامل والعالقات احل�ضارية بني بني الب�شر� ,إال �أنني �س�أبرهن للجميع �أن الإ�سالم كان من �أوائل ال�شرائع ال�سماوية والقوانني الأر�ضية التي دعت للحوار ودعمته ال بل قبلت نتائجه� ,أي �أن فكرة احلوار بد�أت �إ�سالمية وتطورت عرب التاريخ �إىل �أن و�صلت �إلينا على ما هي عليه الآن من ال�سمو والتكامل ,ويف ذلك تدعيم للفكر احلواري احل�ضاري الإن�ساين ,ودعوة للتيارات الإ�سالمية على اختالف انتماءاتها املذهبية والفقهية لتلتزم احلوار العلمي البناء فيما بينها �أو ًال وفيما بينها وبني الآخر عموماً �أيا كان انتما�ؤه احل�ضاري �أو الديني �أو الثقايف� ,إن كانت حقا م�سلمة. فمما ال�شك فيه �أن اهلل قد خلق الب�شر جميعاً من �أرومة وطينة واحدة ,وجعلهم مت�ساوين يف احلقوق والواجبات ،حيث «ال ف�ضل لعربي على �أعجمي وال لأبي�ض على �أ�سود �إال بالتقوى» كما قال الر�سول الكرمي ،و�أ�شركهم جميعاً ب�أ�شياء كثرية بالفطرة .ثم جعلهم يختلفون ب�أ�شياء �أخرى ليدفعهم �إىل التناف�س والتعاون وتبادل املنافع , وانطالقاً من هذا املبد�أ الذي يوفر البيئة املنا�سبة للحوار من �أجل الأف�ضل للجميع كان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يكرم �أ�ضيافه
و�إن كانوا غري م�سلمني فقد �سمح مثال لوفد ن�صارى جنران �أن ي�ؤدي �صالته يف م�سجده ،وكذلك قال مثال» ما من م�سلم يغر�س غر�ساً في�أكل منه �إن�سان �أو دابة �أو طري �إال كان له �صدقة « .فهو يحث على عمل اخلري للإن�سان ب�صرف النظر عن دين امل�ستفيد منه. و�أو�صى الإ�سالم برابطة اجلوار خرياَ ،حيث يقول الر�سول» ما زال جربيل يو�صيني باجلار حتى ظننت �أنه �سيورثه» دون حتديد �أن يكون اجلار م�سلماً �أو غري م�سلم. وقد �أمر الر�سول ملا ُذبِحت له �شاة �أن ُيهدي منها جلاره اليهودي. ومن الأدلة والأمثلة التي ت�ؤكد على ال�صلة مع غري امل�سلمني �أن الر�سول بعث �إىل �أهل مكة قبل �أن يفتحها ما ًال ملا قحطوا ليوزع على فقرائهم ,و�أنه عليه ال�صالة وال�سالم ت�صدق ب�صدقة على �أنا�س من يهود ,فهي جترى عليهم ،و�أنه عليه ال�صالة وال�سالم قام جلنازة يهودي .كما �أن اخلليفة الرا�شد عمر بن اخلطاب ر�أى ن�صارى جمزومني ف�أمر لهم مب�ساعدة اجتماعية ,واغتاله ذمي فلم مينعه ذلك من �أن يو�صي بهم خرياً. ومما ال�شك به �أن هذا الت�سامح �إمنا ينتج عن التعاليم الإ�سالمية ال�سمحة التي تن�ص على كرامة الإن�سان عموماً وعلى حرية ِّين َق ْد َتبَينََّ ال ُّر ْ�ش ُد مِ َن ا ْل َغ ِّي ) االختيار يف الدنيا ( اَل �إِ ْك َرا َه فيِ الد ِ (البقرة ،)256 :وعلى �أن امل�سلم لي�س مكلفاً مبحا�سبة الآخرين على توجهاتهم ,بل عليه فقط دعوتهم باحل�سنى. ومن مبادئ الإ�سالم احرتام العقود ال�صريحة وال�ضمنية رغم اختالف العقيدة �أو احل�ضارة .ومن مبادئه �أي�ضا �أن يرجو امل�سلمون للآخرين ما يرجونه لأنف�سهم من اخلري فيدعون لهم بالهداية والر�شاد .وهو مبد�أ �أنبياء اهلل جميعاً. ومن اجلهود املتبادلة يف توفري البيئة املنا�سبة للحوار �إ�سالمياً الثناء على العمل ال�صالح و�إن �صدر ممن نختلف معه يف بع�ض الأمور ومنها العقيدة .فقد �أ�شار الر�سول ب�صيغة الثناء �إىل حلف الف�ضول ومن دعا �إليه حيث قال» لو دعيت يف الإ�سالم �إىل مثله لأجبت « ،و�أثنى على ملك احلب�شة الذي مل يكن م�سلماً وقال عنه �إنه ملك ال يظلم عنده �أحد. ويطالبنا البارئ عزوجل بالدعوة واجلدال باحل�سنى بقوله( ا ْد ُع �إِلىَ �سَ ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمَْ ْوعِ َظ ِة الحَْ �سَ َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح�سَ ُن ِ�إ َّن َر َّب َك هُ َو �أَ ْعلَ ُم بمَِ نْ �ضَ َّل َعنْ �سَ ِبي ِل ِه َوهُ َو َ�أ ْعلَ ُم ِبالمْ ُ ْه َتدِ َ ين) ( النحل.)125 : والأ�صل يف املحاورة احل�ضارية خلوها من اخلداع والأ�ساليب
28
امللتوية �أو اجلارحة ،لهذا ينتهي احلوار يف الغالب بزيادة االحرتام واملودة� ،سواء �أقبل �أحد املتحاورين ر�أي املحاور الآخر �أم رف�ضه. وهناك مناذج كثرية للحوار اللفظي بني الإ�سالم واحل�ضارات الأخرى .و�سوف �أقت�صر على �إيراد بع�ضها مما ورد يف ال�سرية النبوية من مناذج. �إذ �إن جميع اجلهود الدعوية للر�سول ميكن اعتبارها مبادرات للدعوة �إىل اخلري ال�شامل �أو مبادرات ال�ستثارة احلوار بني الثقافات والأديان واحل�ضارات. ولعل من �أبرز اجلهود التي بذلها الر�سول لدعوة �أ�صحاب الديانات واحل�ضارات الأخرى �إىل الإ�سالم �أو ال�ستثارة احلوار معها ر�سائله: �إىل ملوك الدول الأخرى. كذلك تلك التي جرت بني الر�سول ووفد ن�صارى جنران ,حيث �أكد لهم النبي مكانة عي�سى عليه ال�سالم يف الإ�سالم ،وحول ما يريده الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم منهم ،و�أكد لهم �أن الأنبياء �إخوة يف الدعوة �إىل اهلل �إذ قال لهم �أنه قد بعث ليتمم مكارم الأخالق التي بد�أها الأنبياء ال�سابقون و�أو�ضح لهم �أنه يدعوهم �إىل عبادة اهلل �سبحانه وتعاىل. من امل�ؤكد �أن هذا املبد�أ هو مبد�أ الر�ساالت ال�سماوية كلها ,فهو مبد�أ الفطرة الب�شرية ال�سليمة ،فهل الأديان هي ال�سبب الرئي�سي لل�صراعات واحلروب الدموية التي وقعت وتقع يف كل زمان ومكان؟. �إن �أتباع الر�ساالت ال�سماوية امل�ؤمنني احلقيقيني منهم يدركون جيداً �أن ال�صراع املادي جزء طبيعي من احلياة يف هذه الدنيا. ف�أعوان ال�شر ال يزالون ن�شطني يف حماربة اخلري ,وال بد لأعوان اخلري �أن ينتبهوا �إىل هذه احلقيقة وال يقعوا فرائ�س �سهلة لل�شباك التي ين�صبها لهم �أعوان ال�شر ,الذين يزينون امل�صالح ال�شخ�صية, ويحثون الأباطرة على اجلري وراء احلروب والكوارث. ولكن لو ا�ستعر�ضنا �أ�سباب احلروب يف العامل بدقة لوجدناها تتمثل فيما يلي: امل�صالح والأطماع اال�ستعمارية لبع�ض القادة ال�سيا�سينيوالع�سكريني املناف�سة غري ال�شريفة واحلقد الأعمى عند بع�ض الأ�شخا�ص من�أتباع احل�ضارات املختلفة ا�ستغالل ذوي امل�صالح الأنانية لالختالفات الطبيعية (العن�صرواللون) واملكت�سبة (االختالف يف الدين والثقافة)
وهنالك �أمثلة كثرية مل�ساهمة العرب وامل�سلمني �أفرادا وحكومات يف توفري البيئة ال�صاحلة للحوار احل�ضاري ,وهي نف�سها مناذج م�شرفة للحوار بني احل�ضارات. وانطالقاً من هذا املبد�أ فقد عملت احلكومات العربية والإ�سالمية على توفري البيئة املنا�سبة للحوار بني احل�ضارة الإ�سالمية واحل�ضارات الأخرى بطرق خمتلفة ,منها تقدمي الدعم املايل ملراكز احلوار احل�ضاري يف بع�ض اجلامعات ومراكز الدرا�سات العربية والغربية.كما �شاركت التيارات الإ�سالمية املعتدلة واملتنورة يف توفري البيئة ال�شعبية املنا�سبة للحوار احل�ضاري, وهنا يربز �س�ؤال مهم وهو ما دام الأمر كذلك فلماذا كانت احلروب بني �أتباع الر�ساالت املختلفة عموماً؟ �إن �أ�صحاب الر�ساالت ال�سماوية يدركون جيدا �أن الدين بريء من تهمة �إ�شعال احلروب ,براءة الذئب من دم ابن يعقوب ف�صراع امل�صالح املادية والأطماع الب�شرية جزء طبيعي من طبائع وغرائز الب�شر .و�أعوان ال�شر ال ولن يتوقفوا عن حماربة اخلري ,ويبثون الأحقاد بني ال�شعوب. �إذ �إن �أغلب احلروب وال�صراعات التي تقنعت بالدين كانت �صراعات م�صالح مادية وهيمنة ا�ستعمارية -خذ احلروب ال�صليبية مث ً ال �إذ تقنع الغربيون بال�صليب و�أعلنوها حرباً �صليبية ال�ستثارةامل�شاعر الدينية للم�سيحيني الغربيني وال�شرقيني ولكن خاب ف�ألهم و�أ�سماها العرب حروب الفرجنة ,وات�ضح الأمر لكل ذي ب�صرية �أنها حرب ا�ستعمارية مادية هدفها ال�سيطرة على مقدرات وثروات ال�شرق العربي ,وما احلرب التي ت�شنها �أمريكا والغرب على املنطقة العربية �إال حربا قذرة �أخرى هدفها املحافظة على م�صالح الغرب با�ستمرار تدفق النفط والرثوات العربية ولهيمنة ال�صهيونية والغرب على املنطقة العربية بحجج خمتلفة فتارة حرب �صليبية و�أخرى لنزع �أ�سلحة الدمار ال�شامل وثالثة ملحاربة التطرف والإرهاب الذي يغذيانه بحروبهم هذه وب�شكل غري م�سبوق ملا ي�سببانه من ظلم وقتل وا�ضطهاد و�إذالل ل�شعوب ومقد�سات وثقافات وتراث العرب وامل�سلمني والعامل الثالث �أجمع, �إذ �إن الدعاة احلقيقيني للدين هم دعاة م�ساملون وخ�صو�صاً امل�ؤمنون منهم يتمثلون قول البارئ عز وجل( ا ْد ُع ِ�إلىَ �سَ ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمَْ ْوعِ َظ ِة الحَْ �سَ َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح�سَ ُن ) (النحل ،)125:اَ و(ل ِّين َق ْد َتبَينََّ ال ُّر ْ�ش ُد مِ َن ا ْل َغ ِّي) (البقرة� .)256 :صدق ِ�إ ْك َرا َه فيِ الد ِ اهلل العظيم.
29
دراسـات اسالمية
أزمة الخطـاب اإلسالمي
�أب�سط ت�شكالتها ،ف�أحرى �أن ي�ستح�ضر تعقيداتها .وهو ال ي�ستند �إىل �ضوابط ال�شرع و�سرية ال�سلف ال�صالح ،رغم زعمه املتوا�صل ب�أنه املمثل احتكارا لهذا اخلط .وهو ال ُيعمل قواعد العقل امل�شرتكة بني �أفراد الإن�سانية بداهة وابتداء .والأدهى من ذلك� ،أنه ُي�ستغل من قبل العني الإعالمية وال�سيا�سية وحتى الأكادميية الرا�صدة بل واملرتب�صة باخلطاب الإ�سالمي ،لت�ستمد من زالته مادة متجددة ل�صورة منطية جاهزة �سلفا ،تعمل ال�ستمرار انقطاع �شعوب الغرب عن الإ�سالم ،وت�سعى لتربير االعتداء على امل�سلمني بهذه الزالت. وبذلك يكون على هذا الطرف املذموم ،م�س�ؤولية الت�شوي�ش على الوظيفة ال�سامية للخطاب الإ�سالمي ،واملتمثلة يف هذه املرحلة احلرجة ،يف(حترير امل�سلمني ،بحيث ي�ؤدون دورا تاريخيا منا�سبا ملقت�ضيات الع�صر ،وحمققا لقيم الإ�سالم احلقيقية). جتليات �سلبية
دون ذكر �أ�شخا�ص �أو تعيني هيئات ،ن�ستعر�ض جوانب من هذا الت�شخي�ص ،مبادرين �إىل الإ�شارة �إىل �أن هذا اخلطاب يفتقر للحدود ال�ضرورية الدنيا من املعرفة بعلوم ي�ستحيل معها جناح خطاب� ،أي خطاب ،ف�أحرى خطاب �إ�سالمي يف زمن العوملة املقرئ الإدري�سي �أبو زيد واال�ست�ضعاف .و�أق�صد جناح هذا اخلطاب يف �أن ينجو من مطبات الرتب�ص اال�ستكباري ،ف�أحرى �أن ي�ؤدي وظيفته البانية .وعلى يت�سع مفهوم اخلطاب الإ�سالمي عند بع�ض دار�سيه لي�شمل كل جماالت ر�أ�س هذه العلوم ،علم البالغة انتماء للذات ،وعلم اخلطاب انتماء الإنتاج الفكري والفقهي للم�سلمني� ،أي كل ما عدا الن�ص املوحى به، للع�صر!:
من جهد معريف يتمحور حول هذا الن�ص .كما ي�ضيق عند فريق �آخر ليتخ�ص�ص فقط يف طرق تقدمي الإ�سالم والفكر الإ�سالمي �إىل العامل �إن �أب�سط ما تعلمنا البالغة ،هي قاعدة (املقام)الكربى ،وهيكله م�سلميه وغريهم .وهو بهذا املعنى الأخري ،يقتات على علوم �ستة، (مطابقة الكالم ملقت�ضى احلال) .فهل من احرتام (مقت�ضى حمددة هي (حتليل اخلطاب)و(علم اخلطاب)و(نظرية التوا�صل) احلال)اال�ستمرار مثال يف الدعاء ،فوق املنابر ،على الكفار ،مطلق و(النظريةالتداولية)و(علمالبالغة)و(ل�سانياتالن�ص). �أ-در�س من علم البالغة:
وميكن �أن نر�صد �إجماال ،خ�صائ�ص اخلطاب الإ�سالمي املعا�صر، بالنظر �إىل طبيعة مناطه ،فالإ�سالم دين الو�سط للأمة الو�سط، وخطابه يف عمومه و�سط� ،إال �أنه يعاين من(طرفيه املذمومني) (مبا �أن الو�سطية تو�سط بني طرفني مذمومني) :طرف �أق�صى الي�سار(:يهدم املا�ضي با�سم ما يت�صوره م�ستقبال حقا) وطرف �أق�صى اليمني(:يهدم امل�ستقبل با�سم ما يت�صوره ما�ضيا حقا)! و�أ�ست�أذن لأ�سباب منهجية يف االقت�صار على ت�شخي�ص اختالالت الطرف �أق�صى اليمني ،مبا �أنه مو�ضوع البحث� ،أي اخلطاب (الإ�سالمي) املعا�صر .و�أهم هذه االختالالت ،تتجلى يف كونه خطابا ال واقعي وال �شرعي وال عقلي .فهو ال يراعي مقت�ضيات الواقع يف
الكفار ،دون متييز بني معتد وم�سامل ،ب�أدعية مزلزلة على منابر اجلمعة ،حتى يف بالد ه�ؤالء (الكفار) ،من قبيل(اللهم يتم �أبناءهم ورمل ن�ساءهم ،واجعلهم و�أموالهم غنيمة للم�سلمني) ،وهل من فقه (مقت�ضى احلال) �أن يخطب خطيب يف م�سجد بالنم�سا ،خماطبا غري احلا�ضرين من �أهل البلد ،قائال(:يا مع�شر �أهل النم�سا ،واهلل لي�س لكم منا �إال ثالث :الإ�سالم �أو اجلزية �أو القتال)! وهو الالجئ امل�ضطهد يف بالده الأ�صلية ،بدون �أوراق ثبوتية ،ينتظر مبا يجاب به طلبه عن اللجوء ال�سيا�سي ،من قبل ه�ؤالء الذين يقدم لهم هذه اخليارات الثالثة! وهل من مقت�ضى احلال ،تعليق مل�صقات ،عن عالمات املرور
30
ال�ضوئية ب�شوارع لندن ،تقول(:يا مع�شر الإجنليز لقد بعثنا لكم بالذبح )!� ،أو �إلقاء اخلطب املطولة الع�صماء ،على منابر اجلمعة، على جموع امل�صلني ،يف النهي عن ترك ال�صالة و�شرب اخلمر وفعل َ خماطبا بها ه�ؤالء امل�صلني! قوم لوط! ولو �أخذنا (الت�شبيه) مثال ،ك�أو�ضح ركن من �أركان البالغة ،ف�إنت�شبيها للمتربجات اال�سرتاليات ،يحيل على ح�سا�سية �شديدة يف اللغة الإجنليزية ،كاد �أن يك ِّلف املفتي دوره وموقعه بل ومقامه بالبالد ،وارتد على امل�سلمني هناك باحلرج ال�شديد ،لأن ال�شيخ مل ينتبه �إىل �أن (ح�سا�سية الت�شبيه ،التي ارتبطت �ضمن ح�سا�سية �أو�سع بفكرة الرتاث �أو التقاليد �أو التنازع غري املوجه �أو غري املحدود، الذي طغى على تيارات لغوية فنية معينة ،وتيارات اجتماعية �أي�ضا) لأن (كل مظهر لغوي مهم ،ي�ؤدي دورا يف توتر �أ�سا�سي ذي طابع اجتماعي) ،ذلك �أننا(ميكن �أن نرى يف اللغة وطرق تناولها تعبريا غري مبا�شر عن حاجات عميقة تتعر�ض لالمتحان الع�سري، وميكن �أن نرى يف اللغة والتف�سري والتوا�صل �إمياء �إىل خماوف و�آمال اجتماعية بع�ضها غري منظور ) والعجيب �أن رجال عاملا مبقت�ضى اخلطاب ،كالداعية املوفق �أحمد ديدات رحمه اهلل ،وقف باملقابل على الت�شبيه نف�سه عند �سلمان ر�شدي ،جتاه االجنليز، فك�شفه يف حما�ضراته بربيطانيا عن(الآيات ال�شيطانية) ،مما �ألب طبقة املثقفني �ضد امل�ؤلف ،بعدما كانوا ي�ساندونه نكاية يف امل�سلمني ،حتى كاد الر�أي العام االجنليزي ينقلب على �سلمان ر�شدي ،لوال م�سارعة ال�سلطات الربيطانية �إىل منع ال�شيخ من اال�ستمرار يف �إلقاء حما�ضراته ،وطرده خارج البالد ،رغم جوازه الربيطاين! (واحلقيقة �أن البالغة حتفل بفح�ص بع�ض مالمح الن�شاط االجتماعي ولدينا يف كتابات اجلاحظ مالحظات عن ممار�سات اخلطاب يف املجتمع وت�أثريها من قبيل االلتما�س �أو الإقناع �أو التحري�ض�.إن اللغة لي�ست جمرد انعكا�س لظروف اجتماعية� ،إنها ت�صنع هذه الظروف �إىل حد ما ،وتهيئ لنوع من التعامل معها) و�إن �أخطر ما يف اخلطاب ،هو ال�شق غري املنطوق� ،أي (داللةاللزوم) ،فحني ت�أمر(بغلق الباب) ،فالأهم من هذا الأمر ،هو داللته على �أن(الباب مفتوح)! ،و�أهم منه �أنك ت�ؤ�شر على حالة �صحية نزلة برد �أو حالة �أمنية م�سارة �شخ�ص للبوح ب�سر �أو حالة نف�سية اخلوف من الدخيل. ويف الغالب ما يتجاهل ممار�سو هذا اخلطاب هذه احلقيقة ،هذا �إن مل يكونوا يجهلونها ،فحني يقول �أحد زعمائهم� ،أن مقامه بربيطانيا رغم كفر �أهلها ،هو من باب ال�ضرورة كالدخول �إىل
بيت اخلالء ،ويتلفظ بهذا الت�شبيه يف التلفزيون الربيطاين، تهتز جوانب الر�أي العاملي لهذه اجلهالة ،اهتزازا يكلف الوجود الإ�سالمي بربيطانيا ،بل والإ�سالم نف�سه غاليا. باملقابل فحني تهاجم �آن �سنكلري يف برناجمها ال�شهري ،على القناة الثانية الفرن�سية(�سبعة على �سبعة) ،الرئي�س �شرياك ،عقب تفجريات مرتو باري�س �سنة 1996،متهمة �إياه بدعم(الديكتاتورية الع�سكرية باجلزائر) ،ح�سب تعبريها ،فهي �إمنا تق�صد يف احلقيقة �إىل تثبيت تهمة التفجريات على الالجئني اجلزائريني من جبهة الإنقاذ بفرن�سا ،وهذا من الدهاء ال�صهيوين الذي قي�ض له بالد الغرب من يف�ضحه بطرق علمية دقيقة ،مثل العامل بيري بورديو وناعوم ت�شو م�سكي وهربرت �شللر وجريي ما ندرز وجون كلود �شوزين �صاحب �شعار :لن نخدع بعد اليوم ،من املتخ�ص�صني يف علم اجتماع الإعالم ،املاهرين يف ك�شف (تالعب اخلطاب الإعالمي بالعقول) .وما �أحوج دعاة الإ�سالم اليوم �إىل �إتقان هذا العلم ،واالطالع على كتب ه�ؤالء و�أمثالهم ،وهم كرث يف الغرب ممن تخ�ص�صوا يف ك�شف العالقة بني اللغة وال�سيا�سة، وح�سا�سيات اخلطاب الإعالمي يف تداخله ب�أالعيب البالغة املدججة بامل�صطلحات املنحوتة واملفاهيم امل�صنوعة بدقة ماكرة. باملقابل ،لقد كان زعيم �سيا�سي كبري ،رحمه اهلل ،يكرث من ا�ستعمال كلمة(اجلبارين) يف �صراعه اخلطابي مع العدو ال�صهيوين املحتل، غري منتبه وال ُم َنبه �إىل املرجعية ال�سلبية جدا لهذه (اال�ستعارة التاريخية) غري املوفقة بتاتا وذلك� ،سواء عند اخل�صم يف التوراة �أو عند احلليف يف القر�آن! ب -در�س من علم اخلطاب املعا�صر:
و�إن �أب�سط ما نتعلم من علم اخلطاب املعا�صر ،هو نظرية الوظائف اللغوية ال�ست لرومان ياكب�سون ،والتي ُت َنبه منتج اخلطاب �إىل �ست وظائف للغة ،غالبا ما ال ينتبه �إال لواحدة منها ،وهي(الوظيفة املرجعية)املتعلقة مب�ضمون اخلطاب� ،أما الوظائف اخلم�س الأخرى ،والتي قد تكون �آثارها �سلبية �إن مل ينتبه لوجودها، والتي قد َت ْعلق ببال املتلقي وت�ؤثر فيه �أكرث ،فغالبا ما ال يفقهها ه�ؤالء الدعاة وهي :الوظيفة االنفعالية ،والوظيفة ال�شعرية والوظيفة الإيعازية والوظيفة الفوق-لغوية ،والوظيفة ال َّل ْغوية. وهذه الوظائف ال�ست تنتج من تفاعل عنا�صر التوا�صل اخلطابي الثالثة :املر�سل-الر�سالة-املر�سل �إليه. على �سبيل املقارنة :مناذج م�ضيئة
مما يزيد املرء �أ�سى� ،أن يغفل من يباهون بال�سلف ،عن جناحات ال�سلف ال�صالح ر�ضوان اهلل عليهم ،فيما ف�شلوا هم فيه ف�شال ذريعا،
31
لأنهم مار�سوا عك�سه متاما� .إن من مناذج اخلطاب الإ�سالمي املوفق بل الباهر ،خطاب جعفر بن �أبي طالب �أمام النجا�شي ،بني يدي حا�شيته ووفد قري�ش ،والذي كان فتحا للم�سلمني يف تلك البالد. وال ب�أ�س �أن نعر�ض مقطعا مهما منه ،ين�سخ ما �أثقلنا به من مناذج �سلبية: قال جعفر بن �أبي طالب ـ وكان هو املتكلم عن امل�سلمني� :أيها امللك كنا قو ًما �أهل جاهلية؛ نعبد الأ�صنام ون�أكل امليتة ،ون�أتي الفواح�ش، ونقطع الأرحام ،ون�سيء اجلوار ،وي�أكل منا القوى ال�ضعيف ،فكنا اً ر�سول منا ،نعرف ن�سبه و�صدقه على ذلك حتى بعث اهلل �إلينا و�أمانته وعفافه ،فدعانا �إىل اهلل لنوحده ونعبده ،ونخلع ما كنا نعبد نحن و�آبا�ؤنا من دونه من احلجارة والأوثان ،و�أمرنا ب�صدق احلديث ،و�أداء الأمانة ،و�صلة الرحم ،وح�سن اجلوار ،والكف عن املحارم والدماء ،ونهانا عن الفواح�ش ،وقول الزور ،و�أكل مال اليتيم،وقذف املح�صنات ،و�أمرنا �أن نعبد اهلل وحده،ال ن�شرك به �شي ًئا،و�أمرنا بال�صالة والزكاة وال�صيام ـ فعدد عليه �أمور الإ�سالم ـ ف�صدقناه ،و�آمنا به ،واتبعناه على ما جاءنا به من دين اهلل ،فعبدنا اهلل وحده ،فلم ن�شرك به �شي ًئا ،وحرمنا ما حرم علينا ،و�أحللنا ما �أحل لنا ،فعدا علينا قومنا ،فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ لريدونا �إىل عبادة الأوثان من عبادة اهلل تعاىل ،و�أن ن�ستحل ما كنا ن�ستحل من اخلبائث ،فلما قهرونا وظلمونا و�ضيقوا علينا ،وحالوا بيننا وبني ديننا خرجنا �إىل بالدك ،واخرتناك على من �سواك ،ورغبنا يف جوارك ،ورجونا �أال نظلم عندك �أيها امللك. فقال له النجا�شي :هل معك مما جاء به عن اهلل من �شيء؟ فقال له جعفر :نعم .فقال له النجا�شي :فاقر�أه على ،فقر�أ عليه �صد ًرا من (كهيع�ص) فبكى واهلل النجا�شي حتى اخ�ضلت حليته ،وبكت �أ�ساقفته حتى � ْأخ�ضَ ُلوا م�صاحفهم حني �سمعوا ما تال عليهم ،ثم قال لهم النجا�شي� :إن هذا والذي جاء به عي�سى ليخرج من م�شكاة واحدة ،انطلقا ،فال واهلل ال �أ�سلمهم �إليكما ،وال يكادون ـ يخاطب عمرو بن العا�ص و�صاحبه ـ فخرجا ،فلما خرجا قال عمرو بن العا�ص لعبد اهلل بن �أبي ربيعة :واهلل لآتينه غدًا عنهم مبا �أ�ست�أ�صل به خ�ضراءهم .فقال له عبد اهلل بن �أبي ربيعة :ال تفعل ،ف�إن لهم �أرحا ًما و�إن كانوا قد خالفونا ،ولكن �أ�صر عمرو على ر�أيه. فلما كان الغد قال للنجا�شي� :أيها امللك� ،إنهم يقولون يف عي�سى ابن مرمي اً قول عظي ًما ،ف�أر�سل �إليهم النجا�شي ي�س�ألهم عن قولهم يف امل�سيح ففزعوا ،ولكن �أجمعوا على ال�صدق ،كائ ًنا ما كان ،فلما دخلوا عليه و�س�ألهم ،قال له جعفر :نقول فيه الذي جاءنا به نبينا �صلى اهلل عليه و�سلم :هو عبد اهلل ور�سوله وروحه وكلمته �ألقاها �إىل مرمي العذراء ال َب ُتول.
ف�أخذ النجا�شي عودًا من الأر�ض ثم قال :واهلل ما عدا عي�سى ابن مرمي ما قلت هذا العود ،فتناخرت بطارقته ،فقال :و�إن َن َخ ْرتمُ واهلل . ثم قال للم�سلمني :اذهبوا ف�أنتم ُ�ش ُيو ٌم ب�أر�ضي ـ وال�شيوم :الآمنون بل�سان احلب�شة ـ من �سَ َّبكم َغرِم ،من �سبكم غرم ،من �سبكم غرم ،ما �أحب �أن يل َد ْب ًرا من ذهب و�إين �آذيت رجلاً منكم ـ والدبر :اجلبل بل�سان احلب�شة. ولنالحظ الذكاء اال�سرتاتيجي الذي ت�سلح به جعفر بن �أبي طالب(ر�ضي اهلل عنه) يف خطابه هذا ،فقد ق�سم حديثه �إىل �أربعة �أق�سام فاعلة على وجازتها ،و�أح�سن فيها كلها: �أح�سن عر�ض(الر�سالة)،و�أح�سن عر�ض(املظلمة) ،و�أح�سن عر�ض(اال�ستجارة) ،و�أخريا �أح�سن عر�ض(اال�ست�شهاد) ب�آيات مت�س وتر امل�سيحي م�سا �آ�سرا حلديثها ال�شجي عن زكريا ويحيى ومرمي وعي�سى .لكن الإح�سان الأكرب قبل هذا كله -كان ح�سن اختيار َ املخاطب الذي يتلقى بالإيجاب هذا الإتقان الباهر ،وهو االختيار النبوي(للرجل العادل)! وقد كان تلقائيا وطبيعيا بعد هذا االجناز الناجح� ،أن ت�أتي اال�ستجابة �إيجابا ال �سلبا :ف�شل ال�سفارة القر�شية ،والتمكني للم�ست�ضعفني يف �أر�ض املهجر احلب�شية! وال يعني يف �شيء ،ح�سن اختيار جعفر الطيار للموا�ضيع املوافقة حل�س املخاطب� ،أن يحرف احلقيقة �أو ي�سقط يف املداهنة والنفاق. فحني ا�ستطاع �سفري قري�ش الداهية عمرو بن العا�ص �أن يثري النقطة احل�سا�سة يف اخلالف امل�سيحي -الإ�سالمي ،فيما يتعلق بطبيعة امل�سيح ،مل يجد جعفر الطيار بدا من ذكر احلقيقة ،ومن القر�آن نف�سه .ولكن اهلل �سلم لأن ال�صدق مع اللطف يو�صالن �إىل النجاة. ولو �شئنا بعد ا�ستعرا�ض هذا النموذج الباهر ،وعلى هداه� ،أن نكت�شف حجم االنتكا�س الذي يعانيه اخلطاب الإ�سالمي املعا�صر، عند بع�ض الدعاة الفا�شلني ،والذي هو نقي�ض هذا الإجناز اجلعفري املتميز ،لأوردنا على �سبيل املثال ما حكاه جيفري النغ، عامل الريا�ضيات الأمريكي العظيم ،من جامعة �شيكاغو ،الذي هداه اهلل �إىل الإ�سالم بعد معاناة فكرية ونف�سية ت�أملية عميقة، �سجلها يف كتابه املتميز( :ال�صراع من �أجل الإميان)� .إذ ذكر �أنه يف مرحلة ال�صراع النف�سي احلرج بني ما�ضيه الإحلادي و�إقباله على الإ�سالم ،وهو يقر�أ كل ليلة يف ترجمة القر�آن الكرمي �إىل اللغة الإجنليزية ،وتعذبه الأ�سئلة كما حتريه الأجوبة ،وجد نف�سه ذات يوم يذرع �أروقة اجلامعة بحثا عن م�سلم ي�ساعده على تلم�س
32
طريقه ،ف�أر�شدوه �إىل غرفة �صغرية يف زاوية نائية ،ي�صلي فيها و�ضمانِ حريته يف االعتقاد واالختالف والتفكري واالجتهاد. بع�ض الطلبة امل�سلمني املنتمني للجامعة ،فدخل عليهم متلهفا �شعا ُره (:متى ا�ستعبدمت النا�س وقد ولدتهم �أمهاتهم �أحراراً؟)؛ (ح ْرمَة امل�ؤمن عند اهلل �أعظم من حرمة البيت احلرام). ي�س�ألهم �أن ي�شرحوا له الإ�سالم ،ف�إذا بهم ي�شريون �إىل �أحدهم ومبد�ؤهُ : وهو طالب �آ�سيوي ،يقوم بدور الإمام واملر�شد تطوعا لدى هذه -4دين ال�سالم واحلب والتعاون والت�سامح والرحمة واالنفتاح املجموعة ال�صغرية .لكن ال�صدمة التي كادت �أن ت�صرف جيفري واحلوار واالختالف امل�شروع .فهو الذي ُي َ�صدِّر موق َفه من الديانات ُ�ص ِّد ًقا لمَِا بَينَْ النغ عن الإ�سالم لوال لطف اهلل وجديته يف البحث ،وتقدمه يف ال�سابقة مببد�أ (ال َّت ْ�صدِ يق) قبل مبد�أ (الهيمنة)(م َ االحتكاك بالقر�آن� ،أن (الإمام) �شرع فورا ي�شرح له(كيف يعذب اهلل َي َد ْي ِه مِ نْ ا ْل ِك َتابِ َو ُم َه ْيمِ ًنا َعلَ ْيهِ) (املائدة ،)48 :وهي فقط هيمن ُة الكفار يف قبورهم)! وال يحتاج املرء �إىل كبري ذكاء وال قليل علم ا�ستيعاب وت�سديد ال هيمنة �إق�صاء و�إنكار .وهو الذي يدعو �إىل باخلطاب ،كي يقارن بني عظمة االختيار للق�ضايا التي طرحها �أق�صى درجات الرب والإح�سان باملخالف وال�صفح والعفو عن امل�سيء، �إال يف حالة العدوان الق�صوى وهي (القتال يف الدين والإخراج من جعفر الطيار ،وبني ب�ؤ�س هذا االختيار. الديار) .وماذا بعد الإبادة املادية واملعنوية يتعر�ض لها امل�سلم، فتوجب عليه املقاومة والقتال ل�صد املعتدي احلاقد؟ منـوذج تطبيقي ا�سرتواحا لهذا النف�س العطر لدى ال�سلف ال�صالح ،و�سعيا �إىل -5هذا ديننا ،دين احلق ال ْهدَى �إىل اخللقُ . دين جميع الأنبياء املنحى التطبيقي� ،أقرتح منوذجا موجزا للخطاب الإ�سالمي من �آدم �إىل حممد �صلوات اهلل و�سالمه عليهم �أجمعني .دين اجلامع ،ين�أى عن اخلالفيات واخلرافيات واجلزئيات اهلل الواحد ،وال ِق ْبلة الواحدة ،والهدف الواحد� :إ�سعا ُد الب�شرية والإ�سرائيليات ،ويجايف النزعات املذهبية والطائفية والإقليمية (بالهُدى ِّ وال�شفاء والنور والربهان)ُ . دين توحيدٍ بال كهنوت، والعرقية ،ويتجنب التع�صب والإغراق الذاتي �أو الغرق التغريبي ،و�إميانٍ بال خرافة ،وجهاد بال �إرهاب ،وعقلٍ بال �إحلاد ،ودعو ٍة بال وي�صلح ملخاطبة امل�سلمني وغري امل�سلمني .تقوم فيه الفروع على تنفري ،و َت َد ُّي ٍن بال تطرف ،والتزام بال حتجر ،و�سَ ال ٍم بال ا�ست�سالم، الأ�صول وترتتب فيه الأولويات :عقيدة ف�شريعة ف�أخالقا ف�أبعادا واختالف بال خالف ،وهوية بال �إق�صاء ،وحوار بال متييع ،وانفتاح بال �ضياع ،وتعدد بال تبدد . ح�ضارية: ُ دين عقلٍ وقلب ،دنيا و�آخرة ،روح ومادة� ،شورى وطاعة� ،شَ ْر ٍع هذا هو الإ�سالم: ري املتعال ،فله وحده وواقع� .إنه دين عمل اخلري وخري العمل :الدنيا فيه مزرع ُة - 1دينُ اخل�ضو ِع هلل الواحد الأحد ،الكب ِ الت�سلي ُم واخل�ضوع ،وال جما َل لطاغوتٍ َح َجري وال ب�شري ،الآخرة ،والعباد ُة فيه طريق احل�ضارة ،واملادة يف خدمة الروح. ُ ور�ضوان ري فيه �شِ ْر َك ٌة بني النا�س ،والعق ُل فيه دليل الإميان، �أن يت�سلط على عباده ،ل َيدِ ينوا لأهوائه وم�صاحله باخل�ضوع اخل ُ فالنا�س �سوا�سي ٌة ك�أ�سنان امل�شطَ ،ر َف َع ُ دين التوحيدِ اهلل فيه ُينال بخدمة عباده �صاحلني �أو طاحلني� .أَ َو َل ْي َ�س هو دين والقرابني. ُ َّ ُ لحَِ ُ َ َ ال�صا اتِ ) (الع�صر)3: ر�ؤو�سَ هم يف وجه الت�سلط واال�ستعباد ،فال كهنوت وال ا�ستبداد . ( الذِ ين �آ َمنوا َوعَمِ لوا َّ اخلات ،بنهايته التي �أعلنتها حلظةُ مَ ُ الدين - 2دينُ (�إقر�أ) ،القائِم على العقل ،والقائِدِ �إىل العلم ،واملعتمد على -6هذا هو الإ�سالم: املنطق واال�ستدالل .ال ُـح َّج ُة فيه عمدة ،والعق ُل فيه ُم َقدَّم ،والت�أم ُل وفا ِة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ،كانت بداية �إعالن ُن�ضج ري فيه فري�ضة ،ال�شعار فيه� :إن كنت ناق ً ال الإن�سان ،و�أهْ ِل َي ِت ِه لوراثة النبوةُ � ، إعالن نهاية نـزول الوحي ،والغيب فيه عبادة ،والتفك ُ فال�صحة ،و�إن كنت ُمدَّعِ ياً فالدليل؛ .ال قطيعي َة فيه ،وال و�ساط َة واملعجزات ،وبداي ُة عهد العقل والفكر واالجتهاد والأخذِ بالأ�سباب تنوب وفق ُ�سننَ اهلل يف الكون ،ل ُت ْ�ص ِبح (�إقر�أ) و(لتعارفوا) و(انظروا) بني احلق واخللق عنده ،وال امتيا َز لطبقة دينية �أو �سيا�سية ُ عن بقية العباد يف التفكري والتقرير� ،أو حتتكر دونهم َّ حق االت�صال و(اعت�صموا) ومثيال ُتها الكثرية ،مفاتي َح التغيري ،وعنوان الإن�سان الكامل ،امل�ؤَهَّلِ لل�شهادة وال ِّريادة واال�ستخالف. بالن�ص املقد�س� ،أو امتيا َز ت�أويلِه وفهمِ ه. ريه ،ف�إمنا -3دينُ تكرمي الإن�سان ،بالآدمية واحلرية وامل�س�ؤولية والعقلِ هذا هو الإ�سالم ،وال �إ�سال َم �سواه ،ف�إن َت َو َّه َم مُتوهم غ َ والتكليف .ا�صطفاه اهلل خلالفته يف الأر�ض ،وجعله �سيداً للكون ،ذلك(بانتحال املبطلني �أو حتريف الغالني) ورمبا ب�إغرا�ض َّ املغر�ضني! و�سخر له ما فيه من ِن َعم و�إمكانات ،يوظفها بالق�صد ،دون تبذير ِ وال احتكار ،ودون �إنهاك للبيئة �أو ُظ ْل ٍم لحَِ ِّق بقية املخلوقات فيها .بهذا الفهم نلقى اهلل ،وهو وحده املوفق والهادي �إىل �سواء ال�سبيل. وعر�ضه، هذا التكرمي يلزم ب َِ�ص ْونِ ُحرمة الإن�سان :دمِ ه ومالِه ِ
33
اإلسالم السياسي
�إ�سال ًما واحدًا كما �أنزله اهلل ،وكما ندين به نحن امل�سلمني؛ بل هو (�إ�سالمات) متعدِّدة خمتلفة كما يحب ه�ؤالء. فهو ينق�سم �أحيا ًنا بح�سب الأقاليم :فهناك الإ�سالم الآ�سيوي، والإ�سالم الإفريقي. و�أحيا ًنا بح�سب الع�صور :فهناك الإ�سالم النبوي ،والإ�سالم الرا�شدي ،والإ�سالم الأُموي ،والإ�سالم العبا�سي ،والإ�سالم العثماين ،والإ�سالم احلديث. و�أحيا ًنا بح�سب الأجنا�س :فهناك الإ�سالم العربي ،والإ�سالم الهندي ،والإ�سالم الرتكي ،والإ�سالم املاليزي� ...إلخ. ال�سني ،والإ�سالم ال�شيعي، و�أحيا ًنا بح�سب املذهب :فهناك الإ�سالم ُّ ال�سني �إىل �أق�سام ،وال�شيعي �إىل �أق�سام � ً أي�ضا. وقد يق�سمون ُّ وزادوا على ذلك تق�سيمات جديدة :فهناك الإ�سالم الثوري، والإ�سالم الرجعي �أو الراديكايل ،والكال�سيكي ،والإ�سالم اليميني، ريا والإ�سالم الي�ساري ،والإ�سالم املُتزمِّت ،والإ�سالم املُنفتح ،و�أخ ً الإ�سالم ال�سيا�سي ،والإ�سالم الروحي ،والإ�سالم الزمني ،والإ�سالم الالهوتي!. وال ندري ماذا يخرتعون لنا من تق�سيمات ُيخ ِّبئها �ضمري الغد!.
د .يو�سف القر�ضاوي التعبريات التي ُي�شنِّع بها العلمانيون واحلداثيون تعبري (الإ�سالم ال�سيا�سي) ،وهي عبارة دخيلة على جمتمعنا الإ�سالمي بال ريب، ويعنون به الإ�سالم الذي ُيعنى ب�ش�ؤون الأمة الإ�سالمية وعالقاتها يف الداخل واخلارج ،والعمل على حتريرها من كل �سلطان �أجنبي وجه �أمورها املادية والأدبية كما يريد ،ثم يتحكَّم يف رقابها ،و ُي ِّ العمل كذلك على حتريرها من روا�سب اال�ستعمار الغربي الثقافية واالجتماعية والت�شريعية؛ لتعود من جديد �إىل حتكيم �شرع اهلل تعاىل يف خمتلف جوانب حياتها. وهم يطلقون هذه الكلمة (الإ�سالم ال�سيا�سي) للتنفري من م�ضمونها ومن الدعاة ال�صادقني الذين يدعون �إىل الإ�سالم ال�شامل؛ باعتباره عقيدة و�شريعة ،وعبادة ومعاملة ،ودعوة ودولة. وقد كنت رددت على هذه الدعوة ،وفنَّدت هذه الت�سمية يف فتوى مط َّولة ،ظهرت يف اجلزء الثاين من كتابي( :فتاوى معا�صرة)، ويح�سن بي �أن �أقتب�س فقرات منها فيما يلي:
تق�سيمات مرفو�ضة للإ�سالم
واحلق �أن هذه التق�سيمات ك َّلها مرفو�ضة يف نظر امل�سلم ،فلي�س هناك �إال �إ�سالم واحد ال �شريك له ،وال اعرتاف بغريه ،هو (الإ�سالم الأول)� ،إ�سالم القر�آن وال�سنة. الإ�سالم كما فهمه �أف�ضل �أجيال الأمة وخري قرونها ،من ال�صحابة ممن �أثنى اهلل عليهم ور�سوله. ومن تبعهم ب�إح�سانَّ ، فهذا هو الإ�سالم ال�صحيح ،قبل �أن ُ ت�شوبه ال�شوائب ،وتل ِّوث �صفاءه ُت َّرهَات املِلَل وتطرفات ال ِّن َحل ،و�شطحات الفل�سفات ،وابتداعات ال ِف َرق ،و�أهواء املُجادلني ،وانتحاالت املُبطلني ،وتعقيدات امل ُ ِّ تنطعني، وتع�سفات املُت�أ ِّولني اجلاهلني. ُّ الإ�سالم ال يكون �إال �سيا�س ًّيا
وهنا يجب �أن �أُعلنها �صريحة� :إن الإ�سالم احلق -كما �شرعه اهلل- ال ميكن �أن يكون �إال �سيا�س ًّيا ،و�إذا ج َّردت الإ�سالم من ال�سيا�سة فقد جعلته دي ًنا �آخر ميكن �أن يكون بوذية �أو ن�صرانية �أو غري ذلك� ،أما �أن يكون هو الإ�سالم فال ،وذلك ل�سببني رئي�سني: يوجه احلياة كلها� :إن للإ�سالم موق ًفا ال�سبب الأول :الإ�سالم ّ هذه الت�سمية مردودة وخاطئة: وذلك لأنها تطبيق ُ �صريحا يف كثري من الأمور التي ُتعترب من ا م وحك ا وا�ضح ً ً ً خلطة و�ضعها خ�صوم الإ�سالم ،تقوم على جتزئة الإ�سالم وتفتيته بح�سب تق�سيمات خمتلفة ،فلي�س هو ُ�صلبال�سيا�سة.
34
فالإ�سالم لي�س عقيدة الهوتية� ،أو �شعائر تع ُّبدية فح�سب� ،أعني �أنه لي�س جمرد عالقة بني الإن�سان وربه ،وال �صلة له بتنظيم احلياة، وتوجيه املجتمع والدولة. كال� ،إنه عقيدة ،وعبادة ،وخلق ،و�شريعة متكاملة ،وبعبارة �أخرى: هو منهاج كامل للحياة مبا و�ضع من مبادئ ،وما � َّأ�صل من قواعد، وما �سنَّ من ت�شريعات ،وما بينَّ من توجيهات ت َّت�صل بحياة الفرد، و�ش�ؤون الأ�سرة ،و�أو�ضاع املجتمع ،و�أُ�س�س الدولة ،وعالقات العامل. ومن قر�أ القر�آن الكرمي وال�سنة املطهرة وكتب الفقه الإ�سالمي وا�ضحا كل الو�ضوح. مبختلف مذاهبه وجد هذا ً حتى �إن ق�سم العبادات من الفقه لي�س بعيدًا عن ال�سيا�سة، فامل�سلمون مجُ ْ مِ ُعون على �أن ترك ال�صالة ومنع الزكاة واملجاهرة بالفطر يف رم�ضان و�إهمال فري�ضة احلج مما يوجب العقوبة والتعزير ،وقد يقت�ضي القتال �إذا تظاهرت عليه فئة ذات �شوكة، كما فعل �أبو بكر ر�ضي اهلل عنه مع مانعي الزكاة. �إن فكرة التوحيد يف الإ�سالم تقوم على �أن امل�سلم ال يبغي غري اهلل ر ًّبا ،وال ي َّتخذ غري اهلل ول ًّيا ،وال يبتغي غري اهلل َح َك ًما ،كما ب َّينت ذلك �سورة التوحيد الكربى املعروفة با�سم �سورة الأنعام. وعقيدة التوحيد يف حقيقتها ما هي �إال ثورة لتحقيق احلرية وامل�ساواة والأخ َّوة للب�شر؛ حتى ال يتخ َّذ بع�ض النا�س ً بع�ضا �أربا ًبا من دون اهلل ،و ُتبطل عبودية الإن�سان للإن�سان؛ ولذا كان الر�سول الكرمي �صلوات اهلل عليه يختم ر�سائله �إىل ملوك �أهل الكتاب بهذه الآية الكرمية من �سورة �آل عمران( َيا �أَهْ َل ا ْل ِك َتابِ َت َعا َل ْوا �إِلىَ َك ِل َم ٍة �سَ َوا ٍء َب ْي َن َنا َو َب ْي َن ُك ْم �أَ اَّل َن ْع ُب َد �إِ اَّل اللهََّ وَال ُن ْ�شر َِك ِب ِه �شَ ْي ًئا وَال َي َّتخِ َذ َب ْع ُ�ض َنا َب ْع ً�ضا �أَ ْر َبا ًبا مِ نْ دُونِ اللهَّ ِ فَ�إِ ْن َت َو َّل ْوا َف ُقو ُلوا ْا�ش َهدُوا ِب َ�أ َّنا م ُْ�س ِل ُمو َن) (�آل عمران.)64: وهذا �سر وقوف امل�شركني وكرباء مكة يف وجه الدعوة الإ�سالمية من �أول يوم ،مبجرد رفع راية (ال �إله �إال اهلل) ،فقد كانوا ُيدركون ماذا وراءها ،وماذا حتمل من معاين التغيري للحياة االجتماعية وال�سيا�سية ،بجانب التغيري الديني املعلوم بال ريب. ال�سبب الثاين� :شخ�صية امل�سلم �شخ�صية �سيا�سية� :إن �شخ�صية امل�سلم -كما ك َّونها الإ�سالم و�صنعتها عقيدته و�شريعته وعبادته وتربيته -ال ميكن �إال �أن تكون �سيا�سية� ،إال �إذا �ساء َفهمها للإ�سالم، �أو �ساء تطبيقها له. فالإ�سالم ي�ضع يف عنق كل م�سلم فري�ضة ا�سمها الأمر باملعروف، والنهي عن املنكر ،وقد ُيعبرّ عنها بعنوان :الن�صيحة لأئمة امل�سلمني وعامتهم ،وهي التي �ص َّح يف احلديث اعتبارها الدِّين كله( ،)1وقد ُيعبرّ عنها بالتوا�صي باحلق ،والتوا�صي بال�صرب، وهما من ال�شروط الأ�سا�سية للنجاة من ُخ�سر الدنيا والآخرة ،كما َّ و�ضحت ذلك �سورة الع�صر.
و ُيح ِّر�ض الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم امل�سلم على مقاومة الف�ساد يف الداخل ،ويعتربه �أف�ضل من مقاومة الغزو من اخلارج ،فيقول حني �سئل عن �أف�ضل اجلهاد�« :أف�ضل اجلهاد كلمة حق عند �سلطان جائر(»)2؛ وذلك لأن ف�ساد الداخل هو الذي ميهِّد ال�سبيل لعدوان اخلارج. وتعترب ال�شهادة هنا من �أعلى �أنواع ال�شهادة يف �سبيل اهلل�« :سيد ال�شهداء حمزة ،ثم رجل قام �إىل �إمام جائر ف�أمره ونهاه ،فقتله (.»)3 ويغر�س يف نف�س امل�سلم رف�ض الظلم ،والتم ُّرد على الظاملني حتى �إنه ليقول يف دعاء القنوت املروي عن ابن م�سعود ،وهو املعمول به يف املذهب احلنفي وغريه« :ن�شكرك اهلل وال نكفرك ،ونخلع ونرتك من َيفج ُرك»(.)4 و ُي ِّ رغب يف القتال لإنقاذ املُ�ضطهدين واملُ�ست�ضعفني يف الأر�ض ب�أبلغ َ عبارات ِّ احلث والتحري�ض ،فيقول( َومَا ل ُك ْم ال ُت َقا ِت ُلو َن فيِ �سَ ِبيلِ ُ َّ ني مِ َن ال ِّر َجالِ َوال ِّن�سَ ا ِء َوا ْل ِو ْلدَانِ الذِ َ اللهَّ ِ َوالمْ ُ ْ�س َت ْ�ض َع ِف َ ين َي ُقولو َن َر َّب َنا �أَ ْخر ِْج َنا مِ نْ هَذِ ِه ا ْل َق ْر َي ِة َّ ال �أَهْ ُلهَا َو ْاج َع ْل َل َنا مِ نْ َل ُد ْن َك الظ مِ ِ ريا ) (الن�ساء.)75: َو ِل ًّيا َو ْاج َع ْل َل َنا مِ نْ َل ُد ْن َك َن ِ�ص ً وي�صب جام غ�ضبه و�شديد �إنكاره على الذين يقبلون َّ ال�ضيم، ُّ وير�ضون بالإقامة يف �أر�ض ُيهانون فيها و ُيظلَمون ،ولديهم القدرة على الهجرة منها والفرار �إىل �أر�ض �سواها ،فيقول� ( :إِ َّن ا َّلذِ َ ين َت َو َّفاهُ ُم المَْال ِئ َك ُة َظالمِ ِي �أَ ْن ُف�سِ ِه ْم َقا ُلوا فِي َم ُك ْن ُت ْم َقا ُلوا ُك َّنا الَ ْر ِ�ض َقا ُلوا �أَ مَ ْ ل َت ُكنْ �أَ ْر ُ م ُْ�س َت ْ�ض َع ِف َ �ض اللهَّ ِ َوا�سِ َع ًة َف ُتهَاجِ ُروا ني فيِ ْ أ ْ اَّ ريا * �إِل المْ ُ ْ�س َت ْ�ض َع ِف َ ني فِيهَا فَ�أُو َلئ َِك مَ�أ َواهُ ْم َج َه َّن ُم َو�سَ ا َءتْ م َِ�ص ً مِ َن ال ِّر َجالِ َوال ِّن�سَ ا ِء َوا ْل ِو ْلدَانِ ال َي ْ�س َتطِ ي ُعو َن حِ يلَ ًة وَال َي ْه َتدُو َن �سَ ِبيلاً * فَ�أُو َلئ َِك َع�سَ ى اللهَّ ُ �أَ ْن َي ْع ُف َو َع ْن ُه ْم َو َكا َن اللهَّ ُ َع ُف ًّوا َغ ُفو ًرا) (الن�ساء.)99-97: ُ َ حتى ه�ؤالء العجزة وال�ضعفاء قال القر�آن يف �ش�أنهم ( :فَ�أولئ َِك َع�سَ ى اللهَّ ُ �أَ ْن َي ْع ُف َو َع ْن ُه ْم َو َكا َن اللهَّ ُ َع ُف ًّوا َغ ُفو ًرا ) (الن�ساء،)99: فجعل ذلك يف مَظِ َّنة الرجاء من اهلل تعاىل؛ زج ًرا عن الر�ضا بالذل والظلم ما وجد امل�سلم �إىل رف�ضه �سبيلاً . وحديث القر�آن املُتك ِّرر عن املُتجربين يف الأر�ض -من �أمثال :فرعون وهامان وقارون و�أعوانهم وجنودهم -حديث ميلأ قلب امل�سلم بالنقمة عليهم ،والإنكار ل�سريتهم ،والبغ�ض لطغيانهم ،واالنت�صار فكر ًّيا و�شعور ًّيا -ل�ضحاياهم من املظلومني وامل�ست�ضعفني.وحديث القر�آن وال�سنة عن ال�سكوت على املنكر والوقوف موقف ال�سلب من مقرتفيه -حكا ًما �أو حمكومني -حديث ُيزلزل كل من كان يف قلبه مثقال حبة من خردل من �إميان. يقول القر�آن( ُلع َِن ا َّلذِ َ ين َك َف ُروا مِ نْ َبنِي �إِ ْ�سرائي َل َعلَى ِل�سَ انِ ي َذل َِك بمَِا ع ََ�ص ْوا َو َكا ُنوا َي ْع َتدُو َن * كانوا ال دَا ُو َد َوعِ ي�سَ ى ا ْب ِن َم ْر مَ َ
35
يتناهون عن منكر فعلوه لبئ�س ما كانوا يفعلون) (املائدة.)78،79: ويقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم« :من ر�أى منكم منك ًرا فل ُيغريه بيده ،ف�إن مل ي�ستطع فبل�سانه ،ف�إن مل ي�ستطع فبقلبه، وذلك �أ�ضعف الإميان» (.)5 ومن اخلط�أ الظن ب�أن املنكر ينح�صر يف الزنا ،و�شرب اخلمر ،وما يف معناهما. �إن اال�ستهانة بكرامة ال�شعب منكر �أي منكر ،وتزوير االنتخابات منكر �أي منكر ،والقعود عن الإدالء بال�شهادة يف االنتخابات منكر �أي منكر؛ لأنه كتمان لل�شهادة ،وتو�سيد الأمر �إىل غري �أهله منكر �أي منكر ،و�سرقة املال العام منكر �أي منكر ،واحتكار ال�سلع التي يحتاج �إليها النا�س ل�صالح فرد �أو فئة منكر �أي منكر ،واعتقال النا�س بغري جرمية حكم بها الق�ضاء العادل منكر �أي منكر، وتعذيب النا�س داخل ال�سجون واملعتقالت منكر �أي منكر ،ودفع الر�شوة وقبولها والتو�سط فيها منكر �أي منكر ،ومت ُّلق احلكام بالباطل و�إحراق البخور بني �أيديهم منكر �أي منكر ،ومواالة �أعداء اهلل و�أعداء الأمة من دون امل�ؤمنني منكر �أي منكر. ريا مما يعدُّ ه وهكذا جند دائرة املنكرات ت َّت�سع وت َّت�سع لت�شمل كث ً النا�س يف ُ�صلب ال�سيا�سة. فهل َي�سَ ع امل�سلم ال�شحيح بدينه احلري�ص على مر�ضاة ربه �أن يقف �صام ًتا� ،أو ين�سحب من امليدان هار ًبا� ،أمام هذه املنكرات وغريها؛ خو ًفا �أو طم ًعا �أو �إيثا ًرا لل�سالمة؟. وح ِك َم �إن مثل هذه الروح �إن �شاعت يف الأمة فقد انتهت ر�سالتهاُ ، عليها بالفناء؛ لأنها َغدَت �أمة �أخرى غري الأمة التي و�صفها اهلل وف َو َت ْن َه ْو َن ع َِن ا�س تَ�أْ ُم ُرو َن ِبالمَْ ْع ُر ِ بقوله( ُك ْن ُت ْم خَيرَْ �أُ َّم ٍة �أُ ْخر َِجتْ لِل َّن ِ المْ ُ ْن َك ِر َو ُت�ؤْمِ ُنو َن بِاللهَّ ِ) (�آل عمران.)110: وال عجب �أن ن�سمع هذا النذير النبوي للأمة يف هذا املوقف؛ �إذ يقول�« :إذا ر�أيت �أمتي تهاب �أن تقول للظامل :يا ظامل فقد ُت ُو ِّد َع منهم»(� ،)6أي فقدوا �أهلية احلياة. �إن امل�سلم مطالب -مبقت�ضى �إميانه� -أال يقف موقف املتفرج من املنكر �أ ًّيا كان نوعه �سيا�س ًّيا كان� ،أو اقت�صاد ًّيا� ،أو اجتماع ًّيا� ،أو ثقاف ًّيا ،بل عليه �أن يقاومه ويعمل على تغيريه باليد �إن ا�ستطاع، و�إال فبالل�سان والبيان ،ف�إن عجز عن التغيري بالل�سان انتقل �إىل �آخر املراحل و�أدناها؛ وهي التغيري بالقلب ،وهي التي جعلها احلديث�« :أ�ضعف الإميان». ريا بالقلب؛ لأنه و�إمنا �سماه الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم تغي ً تعبئة نف�سية و�شعورية �ضد املنكر و�أهله وحماته ،وهذه التعبئة ً حم�ضا كما يتوهم ،ولو كانت كذلك ما �سماها لي�ست �أم ًرا �سلب ًّيا ريا). احلديث (تغي ً وهذه التعبئة امل�ستمرة للأنف�س وامل�شاعر وال�ضمائر ال بد لها �أن تتن َّف�س يو ًما ما يف عمل �إيجابي ،قد يكون ثورة عارمة� ،أو انفجا ًرا ال ُيبقى وال يذر ،ف�إن توايل ال�ضغط ال بد �أن ُيو ِّلد االنفجار�ُ ،سنة اهلل يف خلقه.
ريا بالقلب) ،ف�إن و�إذا كان هذا احلديث �سمى هذا املوقف (تغي ً حدي ًثا نبو ًّيا �آخر �سماه (جهاد القلب) ،وهو �آخر درجات اجلهاد، كما �أنه �آخر درجات الإميان و�أ�ضعفها ،فقد روى م�سلم عن ابن م�سعود مرفو ًعا« :ما من نبي بعثه اهلل يف �أمة قبلي �إال كان له من �أمته حواريون و�أ�صحاب ي�أخذون ب�سنته ،ويقتدون ب�أمره ،ثم �إنها َتخ ُلف من بعدهم ُخ ُلوف يقولون ما ال يفعلون ،ويفعلون ما ال ي�ؤمرون ،ف َمن جاهدهم بيده فهو م�ؤمن ،ومَن جاهدهم بل�سانه فهو م�ؤمن ،ومَن جاهدهم بقلبه فهو م�ؤمن ،لي�س ذلك من الإميان حبة خردل»(.)7 وخ�صو�صا �إذا انت�شر وقد يعجز الفرد وحده عن مقاومة املنكر، ً �شراره ،وا�شتد �أواره ،و َقوِي فاعلوه� ،أو كان املنكر من ِق َبل الأمراء الذين يفرت�ض فيهم �أن يكونوا هم �أول املحاربني له ،ال �أ�صحابه وح َّرا�سه ،وهنا يكون الأمر كما قال املثل« :حاميها حراميها»� ،أو كما قال ال�شاعر: وراعي ال�شاة يحمي الذئب عنها
فكيف �إذا الرعاة لها ذئاب؟!
وهنا يكون التعاون على تغيري املنكر واج ًبا ال ريب فيه؛ لأنه تعاون على الرب والتقوى ،ويكون العمل اجلماعي -عن طريق اجلمعيات �أو الأحزاب �أو غريها من القنوات املتاحة -فري�ضة يوجبها الدِّين، كما �أنه �ضرورة ُيح ِّتمها الواقع. بني احلق والواجب
�إن ما ُيعترب يف الفل�سفات والأنظمة املعا�صرة (ح ًّقا) للإن�سان يف التعبري والنقد واملعار�ضةَ ،يرقى به الإ�سالم ليجعله فري�ضة مقد�سة يبوء بالإثم وي�ستحق عقاب اهلل �إذا ف َّرط فيها. وفرق كبري بني (احلق) الذي يدخل يف دائرة (الإباحة) �أو (التخيري) الذي يكون الإن�سان يف حِ ّل من تركه �إن �شاء ،وبني (الواجب) �أو (الفر�ض) الذي ال خيار للمكلف يف تركه �أو �إغفاله بغري عذر يقبله ال�شرع. مما يجعل امل�سلم �سيا�س ًّيا دائ ًما �أنه مطالب مبقت�ضى �إميانه �أال و َّ يعي�ش لنف�سه وحدها ،دون اهتمام مب�شكالت الآخرين وهمومهم، وخ�صو�صا امل�ؤمنني منهم ،بحكم �أُخوة الإميان(�إِنمََّ ا المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن �إِ ْخ َو ٌة) ً (احلجرات.)10: ويف احلديث« :مَن مل يهتم ب�أمر امل�سلمني فلي�س منهم ،ومَن نا�صحا هلل ولر�سوله ولأئمة امل�سلمني وعامتهم فلي�س مل ي�صبح ً منهم»(« ،)8و�أميا �أهل َع ْر َ�صة بات فيهم امر�ؤ جائع فقد برئت منهم ذمة اهلل وذمة ر�سوله»(.)9
والقر�آن كما يفر�ض على امل�سلم �أن ُيطعم امل�سكني ،يفر�ض عليه �أن َّ يح�ض الآخرين على �إطعامه ...وال يكون ك�أهل اجلاهلية الذين ذ َّمهم القر�آن بقوله(كَلاَّ َب ْل ال ُت ْك ِرمُو َن ا ْل َيتِي َم * وَال تحََ ُّ ا�ضو َن َعلَى َط َعا ِم المْ ِْ�س ِكنيِ) (الفجر ،)17،18:ويجعل القر�آن التفريط يف هذا الأمر من ِّين * َف َذل َِك ا َّلذِ ي َي ُد ُّع دالئل التكذيب بالدِّين(�أَرَ�أَ ْيتَ ا َّلذِ ي ُي َك ِّذ ُب بِالد ِ ا ْل َيتِي َم * وَال َي ُح ُّ�ض َعلَى َط َعا ِم المْ ِْ�س ِكنيِ) (املاعون.)3-1:
36
وهذا يف املجتمعات الر�أ�سمالية والإقطاعية امل�ضيعة حلقوق امل�ساكني ٌ ٌّ وح�ض على الوقوف مع الفقراء يف حتري�ض على الثورة، وال�ضعفاء مواجهة الأغنياء. وكما �أن امل�سلم مطا َلب مبقاومة الظلم االجتماعي ،فهو مطا َلب � ً أي�ضا مبحاربة الظلم ال�سيا�سي ،وكل ظلم �أ ًّيا كان ا�سمه ونوعه ،وال�سكوت عن الظلم والتهاون فيه يوجب العذاب على الأمة كلها؛ الظامل وال�ساكت عنه ،كما قال تعاىل( َوا َّت ُقوا ِف ْت َن ًة ال ُت ِ�صيبنَ َّ ا َّلذِ َ ا�ص ًة) ين َظلَ ُموا مِ ْن ُك ْم َخ َّ (الأنفال.)25: وقد ذ َّم القر�آن الأقوام الذين �أطاعوا اجلبابرة الطغاة و�ساروا يف ركابهم كقوله عن قوم نوح ( َوا َّت َب ُعوا َمنْ مَ ْ ل َي ِز ْد ُه مَا ُل ُه َو َو َل ُد ُه ِ�إ اَّل َخ�سَ ا ًرا) (نوح.)21: بل جعل القر�آن مجُ َّرد الركون وامليل النف�سي �إىل الظاملني موج ًبا لعذاب اهلل(وَال َت ْر َك ُنوا �إِلىَ ا َّلذِ َ ين َظلَ ُموا َف َت َم َّ�س ُك ُم ال َّنا ُر َومَا َل ُك ْم مِ نْ دُونِ اللهَّ ِ مِ نْ �أَ ْو ِل َيا َء ُث َّم ال ُت ْن َ�ص ُرو َن) (هود.)113: و ُيح ِّمل الإ�سالم كل م�سلم م�س�ؤولية �سيا�سية� :أن يعي�ش يف دولة يقودها �إمام م�سلم يحكم بكتاب اهلل ،ويبايعه النا�س على ذلك ،و�إال التحق ب�أهل اجلاهلية ،ففي احلديث ال�صحيح« :من مات ولي�س يف عنقه بيعة لإمام مات ميتة جاهلية». ال�صالة وال�سيا�سة وكما ذكرنا من قبل �أن امل�سلم قد يكون يف قلب ال�صالة ،ومع هذا يخو�ض يف بحر ال�سيا�سة حني يتلو من كتاب اهلل الكرمي �آيات تتعلق ب�أمور تدخل يف ُ�صلب ما ي�سميه النا�س (�سيا�سة). فمن يقر�أ يف �سورة املائدة الآيات التي ت�أمر با ُ حلكم مبا �أنزل اهلل ،وتدمغ من مل يحكم مبا �أنزل اهلل �سبحانه بالكفر والظلم والف�سوق( َو َمنْ ل َي ْح ُك ْم بمَِا �أَ ْن َز َل اللهَّ ُ فَ�أُو َلئ َِك هُ ُم ا ْل َكا ِف ُرو َن) (املائدةَ ( ،)44:و َمنْ مَلْ مَ ْ ُ َي ْح ُك ْم بمَِا �أَ ْن َز َل اللهَّ فَ�أُو َلئ َِك هُ ُم َّ الظالمِ ُو َن) (املائدةَ ( ،)45:و َمنْ مَ ْ ل َي ْح ُك ْم بمَِا �أَ ْن َز َل اللهَّ ُ فَ�أُو َلئ َِك هُ ُم ا ْل َفا�سِ ُقو َن)(املائدة ،)47:يكون قد دخل يف ال�سيا�سة ،ورمبا اع ُترب من املعار�ضة املُتطرفة؛ لأنه بتالوة هذه الآيات ُيوجه اال ِّتهام �إىل النظام احلاكم ،و ُيحر�ض عليه؛ لأنه مو�صوف بالكفر �أو الظلم �أو الف�سق �أو بها كلها. َ ومثل ذلك من يقر�أ الآيات التي تحُ ذر من مواالة غري امل�ؤمنني ( َيا �أ ُّيهَا ين �آ َم ُنوا ال َت َّتخِ ُذوا ا ْل َكا ِفر َ ا َّلذِ َ ِين �أَ ْو ِل َيا َء مِ نْ دُونِ المْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني �أَ ُترِيدُو َن �أَنْ للِهَّ َ َ ْ ُ تجَ ْ َع ُلوا ِ َعل ْيك ْم ُ�سلطا ًنا ُمبِي ًنا) (الن�ساء.)144: ومن َق َنتَ (قنوت النوازل) املُق َّرر يف الفقه ،وهو الدعاء الذي ُيدعى وخ�صو�صا يف ال�صالة به يف ال�صلوات بعد الرفع من الركعة الأخرية، ً اجلهرية ،وهو م�شروع عندما تنزل بامل�سلمني نازلة؛ كغزو عدو� ،أو وقوع زلزال� ،أو في�ضان� ،أو جماعة عامة� ،أو نحو ذلك ،كما نفعل كثريا عندما يقع عدوان �صهيوين كبري على فل�سطني� ،أو على لبنان ،وكما حدث كثريا يف حرب ال�سوفييت لأفغان�ستان ،وحرب ال�صرب للبو�سنة والهر�سك وغريها. وهكذا كنا ندخل يف مُعرتك ال�سيا�سة ،ونخو�ض غِ ماره ،ونحن يف حمراب ال�صالة متبتلون خا�شعون ،فهذه هي طبيعة الإ�سالم ،ال ينعزل فيه دين
عن دنيا ،وال تنف�صل فيه دنيا عن دين ،وال يعرف قر�آنه وال �سنته وال تاريخه دي ًنا بال دولة ،وال دولة بال دين. ال�سا�سة ُيدخلون الدِّ ين يف ال�سيا�سة متى �أرادوا! الذين زعموا �أن الدِّين ال عالقة له بال�سيا�سة من قب ُل ،والذين اخرتعوا �أكذوبة (ال دين يف ال�سيا�سة ،وال �سيا�سة يف الدِّين) من بعدُ ،هم �أول من ك َّذبوها ب�أقوالهم و�أفعالهم. فطاملا جل�أ ه�ؤالء �إىل الدِّين ليتخذوا منه �أداة يف خدمة �سيا�ستهم، والتنكيل بخ�صومهم ،وطاملا ا�ستخدموا بع�ض ال�ضعفاء واملهازيل من املن�سوبني �إىل علم الدِّين ،لي�ست�صدروا منهم فتاوى �ض َّد من ُيعار�ض �سيا�ستهم الباطلة دينا ،والعاطلة دنيا. ما زلت �أذكر كيف �صدرت الفتاوى ونحن يف معتقل الطور �سنة -1948 1949ب�أننا نحن الدعاة �إىل حتكيم القر�آن وتطبيق الإ�سالم نحارب اهلل ور�سوله ،ون�سعى يف الأر�ض ف�سادًا ،فحقنا �أن ُنق ّتل �أو ُن�ص ّلب� ،أو ُت َّ قطع �أيدينا و�أرجلنا من خِ الف� ،أو ننفى من الأر�ض!. وتك َّرر هذا يف �أكرث من عهد ،تتك َّرر امل�سرحية و�إن تغريت الوجوه!. وما زلت �أذكر -ويذكر النا�س -كيف ُطلِب من �أهل الفتوى �أن ي�صدروا فتواهم مب�شروعية ال�صلح مع �إ�سرائيل؛ ت�أييدًا ل�سيا�ستهم االنهزامية، بعد �أن �أُ�صدرت الفتوى من قب ُل بتحرمي ال�صلح معها ،واعتبار ذلك خيانة هلل ولر�سوله وللم�ؤمنني!. وما زال احلكام يلج�أون �إىل علماء الدِّين؛ ليفر�ضوا عليهم فتاوى تخدم �أغرا�ضهم ال�سيا�سية ،و�آخرها حماوالت حتليل فوائد البنوك و�شهادات اال�ستثمار ،في�ستجيب لهم كل رخو العود ممن ق َّل فقههم� ،أو ق َّل دينهم، وي�أبى عليهم العلماء الرا�سخون(ا َّلذِ َ ين ُي َب ِّل ُغو َن ِر�سَ االتِ اللهَّ ِ َو َيخْ �شَ ْو َن ُه وَال َيخْ �شَ ْو َن �أَ َحدًا ِ�إ اَّل اللهََّ َو َك َفى بِاللهَّ ِ َح�سِ ي ًبا)(الأحزاب.)39: الـهــوامــــــ�ش * نقال عن كتاب «الدين وال�سيا�سة» للعالمة الدكتور يو�سف القر�ضاوي. (� -)1إ�شارة �إىل حديث« :الدين الن�صيحة» ،وقد رواه م�سلم يف الإميان ( ،)55و�أحمد يف امل�سند ( ،)19640و�أبو داود يف الأدب ( ،)4944والبيعة ( ،)4197عن متيم الداري. ( -)2رواه �أحمد يف امل�سند ( ،)11035وذكر حمققوه لقوله�« :أال �إن �أف�ضل اجلهاد كلمة حق عند �سلطان جائر» �شاهدين وقالوا :بهذين ال�شاهدين ح�سن لغريه ،و�أبو داود يف املالحم ( ،)4344والرتمذي يف الفنت (،)2174 وقال :حديث ح�سن غريب من هذا الوجه ،وابن ماجه يف الفنت ( ،)4011عن �أبي �سعيد اخلدري. ( -)3رواه احلاكم يف امل�ستدرك كتاب معرفة ال�صحابة ( ،)215/3وقال� :صحيح الإ�سناد ومل يخرجاه ،عن جابر، وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع (.)3675 ( -)4رواه عبد الرزاق يف امل�صنف كتاب ال�صالة ( ،)110/3وابن �أبي �شيبة يف امل�صنف كتاب ال�صالة (،)106/2 والبيهقي يف الكربى جماع �أبواب �صفة ال�صالة ( ،)210/2عن عمر موقوفا. ( -)5رواه م�سلم يف الإميان ( ،)49و�أحمد يف امل�سند ( ،)11150و�أبو داود يف ال�صالة ( ،)1140والرتمذي يف الفنت ( ،)2172والن�سائي يف الإميان و�شرائعه ( ،)5008وابن ماجه الفنت ( ،)4012عن �أبي �سعيد. ( -)6رواه �أحمد يف امل�سند ( ،)6521وقال حمققوه� :إ�سناده �ضعيف ،رجاله ثقات رجال ال�صحيح� ،إال �أن �أبا الزبري مل ي�سمع من عبد اهلل بن عمرو فيما قال �أبو حامت يف املرا�سيل ،ونقله �أي�ضا عن ابن معني ،ونقل ابن عدي يف الكامل قوله :مل ي�سمع �أبو الزبري من عبد اهلل بن عمرو ومل يره ،والبزار يف امل�سند ( ،)362/6واحلاكم يف امل�ستدرك كتاب الأحكام ( ،)108/4وقال� :صحيح الإ�سناد ومل يخرجاه ،والبيهقي يف الكربى كتاب الغ�صب ( ،)95/6عن عبد اهلل بن عمرو ،وقال الهيثمي يف جممع الزوائد :رواه �أحمد والبزار والطرباين و�أحد �إ�سنادي البزار رجاله رجال ال�صحيح وكذلك �إ�سناد �أحمد �إال �أنه وقع فيه يف الأ�صل غلط (.)531/7 ( -)7رواه م�سلم يف الإميان ( ،)50و�أحمد يف امل�سند ( ،)4379عن ابن م�سعود. ( -)8رواه الطرباين يف ال�صغري ( ،)131/2والأو�سط ( ،)270/7عن حذيفة بن اليمان ،وقال الهيثمي يف جممع الزوائد :رواه الطرباين يف الأو�سط وال�صغري وفيه عبد اهلل بن �أبي جعفر الرازي �ضعفه حممد بن حميد ووثقه �أبو حامت و�أبو زرعة وابن حبان (.)264/1 ( -)9رواه �أحمد يف امل�سند ( ،)4880وقال حمققوه� :إ�سناده �ضعيف جلهالة �أبي ب�شر ،و�أبو يعلى يف امل�سند ( ،)115/10والطرباين يف الأو�سط ( ،)210/8واحلاكم يف امل�ستدرك كتاب البيوع ( ،)14/2وقال الذهبي :عمرو بن احل�صني العقيلي تركوه ،و�أ�صبغ بن زيد اجلهني فيه لني ،عن ابن عمر ،وقال الهيثمي يف جممع الزوائد: رواه �أحمد و�أبو يعلى والبزار والطرباين يف الأو�سط وفيه �أبو ب�شر الأملوكي �ضعفه ابن معني (180/4
37
اإلسالم والحداثة :جدل األصالة والمعاصرة د .حممد حلمي عبد الوهاب منذ �أن ا�ستيقظ عامل الإ�سالم على ع�صر ما بعد النه�ضة يطرقُ ُ ويخطف الأب�صار� ،إذا بحرية امل�سلمني يف �ش�أن التعاطي مع أبواب ال َ الآخر مل تتوقف ،بحيث تراوحت املواقف وردود الأفعال ما بني: االعتزال تارة ،واخل�صام والتمرد واملقاومة تارة �أخرى. وما بني هذا وذاك ثمة تيار ثالث حاول جاهدً ا �أن يقول بب�ساطة َ القبول املُطلق باحل�ضارة الغربية احلديثة �أدى بنا �إىل �شديدة� :إنّ َ ُ إ�سالمي ،كما �أنّ الرف�ض املطلق احل�ضاري عن تراثنا ال االنف�صال ّ ّ ُ ما�ضوية تت�شبث باملا�ضي دون �أن للح�ضارة الغربية مت من منطلقات ٍ َ تطل على احلا�ضر� ،أو �أن تتطلع �إىل امل�ستقبل ،و�أنه ال بد من املزاوجة أم�س واليوم معا –كما الحظ بني الأ�صالة واملعا�صرة .ففي عامل ال ِ ينق�سم كثري من املثقفني واملنا�ضلني بني�« :أن�صار جاك بريك بحق- ُ امل�صري بال �أ�صيل (احلداثة) ،و�أن�صار الأ�صيل بال م�صري (الإ�سالم).
وال �شك � ّأن االن�سحاب الأول يف مواجهة الع�صر كان مُقرتنا بتلك املرحلة التي ا�ستيقظ فيها امل�سلمون،بعد �سبات دام خم�سة قرون ،على طالئع بعنف بلغ ذروته طوال القرن احل�ضارة الغربية تدق قالعهم الناع�سة ٍ التا�سع ع�شر .ففي هذه املرحلة بالذات كان الإ�سالم كما يفهمه اجلهالء فيما ي�ؤكد عبا�س العقاد يف كتابه «الإ�سالم يف القرن الع�شرين» -لي�س�إال «مزيجا من اخلرافة وال�شعوذة والطال�سم والأوهام ،ومن الوثنية وعبادة املوتى .وكان بع�ض املتعالني من �أدعياء املعرفة يحكم بكفر القائلني بدوران الكرة الأر�ضية ،وال يرتدد يف تكفري من ي�سميها كرة!». وللأ�سف ال�شديد؛ ف�إن الأمر مل يتوقف عند هذا احلد فح�سب ،بل �إنه امتد لي�شكك يف �أب�سط البديهيات العلمية ،لدرجة � ّأن جملة املنار ن�شرت يف العام � 1909س�ؤاال مُوجها �إىل �صاحبها ال�شيخ حممد ر�شيد ر�ضا حول اخلرب املُبلغ بوا�سطة البرَ ق :هل ُيعتد به عندنا يف ال�شرع ،كال�صالة على الغائب ،وما يرتتب على ذلك من الأمور ال�شرعية ،كالهالل يف ال�صوم، �أو الإفطار�...إلخ؟! فو�ضى امل�صطلحات واملفاهيم �سبق وذكرنا �أن م�صطلح احلداث ة ي�شري �إىل مرحلة تاريخية طويلة
ن�سبيا، بد�أت يف �أوروبا منذ �أواخر القرن ال�ساد�س ع�شر ومتيزت يف القرن ال�سابع ع�شر ب�سل�سلة من التغيرّ ات الكبرية والعميقة التي طالت �أغلب البنى الثقافية واالجتماعية واالقت�صادية، و�شملت ب�شكل متداخل ومتفاعل عمليا جماالت البحث واملعرفة و�أمناط وم�ؤ�س�سات احلكم ال�سيا�سية واملدنية والت�شريعية ،وذلك يف �إطار عمليات بناء الدول القومية وتزايد �سلطاتها مع تزايد م�ساحات احلرية وامل�س�ؤولية الفردية. ون�صل الآن �إىل بحث �إ�شكالية املفهوم �أو امل�صطلح بغية رفع اخللط الذي يقع يف هذا ال�سياق ،ويف كل �سياق حقيقة!! فعلى �سبيل املثال؛ َ هناك خلط �شائع ما بني احلداثة Modernityوالتحديث Modernizationعلى الرغم من �أن امل�صطلح الأخري يعني نقل جمتمع تقليدي ما �إىل مرحلة املجتمع املدين احلديث. كما �أن هناك م�صطلحا �آخر عادة ما يتم نقله من بيئته اخلا�صة «الأدب» �إىل ف�ضاءات �أخرى من دون الأخذ بعني االعتبار ال�سياق الفكري والتاريخي الذي ظهر فيه هذا امل�صطلح� ،أال وهوModernism : حيث املق�صود به �أ�سا�سا احلركات الطليعية يف الفن والأدب كال�سريالية عند بيكا�سو على �سبيل املثال ،ويقع يف مقابلها ما ي�سمى مبرحلة «ما بعد احلركات الطليعية »Post-Modernismمتاما كاحلداثة وما بعد احلداثة. االجتاهات الرئي�سة للتعاطي مع مو�ضوع احلداثة فرغم كرثة اجلدل الدائر حاليا حول عالقة الإ�سالم باحلداثة وما بعدها ،ف�إن �أغلب املقاربات املوجودة على ال�ساحة الثقافية ت�شي بنوع من اخللل املزدوج � :إما يف فهم احلداثة ومقوالتها من جهة �أو يف فهم الإ�سالم وعالئقه من جهة �أخرى! ونتيجة لذلك؛ يتجاهل �أغلب امل�شاركني يف هذا اجلدل (ممن يخفون توجهاتهم� ،أو ي�صرحون ب�إيديولوجياتهم) جمموعة كبرية من الت�سا�ؤالت املف�صلية -التي ال ينبغي جتاهلها نظرا ل�شدة ارتباطها مبجموعة من االعتبارات املنهاجية واملو�ضوعية. وي�أتي يف مقدمة هذه الت�سا�ؤالت الت�سا�ؤل الأكرب حول مدى �صحة وم�شروعية ربط الإ�سالم (كدين) مبنظومات فكرية عاملية كاال�شرتاكية والليربالية� ...إلخ؟ يتبعه ت�سا�ؤل �آخر حول حدود الف�صل والو�صل التي تربط (�أو تف�صل) ما بني «�صالحية الإ�سالم لكل زمان ومكان» وعمليات التوفيق واملواءمة امل�ستمرة بينه وبني تلك املنظومات الفكرية والعقائد الإيديولوجية؟! وبطبيعة احلال؛ هنالك من يرف�ض التعليق على هذه الت�سا�ؤالت : �إما لأنه يرف�ض بع�ض املقوالت التي ت�أ�س�ست عليها (كفكرة �صالحية الإ�سالم ومالءمته لكل زمان ومكان ،و�إما لرف�ضه الطرف الآخر من املعادلة (احلداثة يف حالتنا هذه) رف�ضا قطعيا بحجة عدم متا�شي مقوالتها مع �شريعة الإ�سالم. لكن وبغ�ض النظر عن وجهة نظر املتع�صبني من هذا الفريق �أو ذاك، �سرعان ما ن�صادف جمموعة �أخرى من الت�سا�ؤالت اجلادة التي يتحتم على املن�شغلني بتلك الق�ضية حماولة الإجابة عن بع�ضها ،والتي تنطلق من قاعدة الت�شكيك يف «منهاجية املقاربات» بحد ذاتها ،ولي�س بق�صد الت�شكيك يف «مبد�أ جدواها». وعلى ذلك؛ ف�إنها تتوجه لكال الطرفني بت�سا�ؤالت من مثل� :أمل يكن
38
الإ�سالم حتى وقت قريب ا�شرتاكيا حم�ضا و�إذا بكم الآن تلب�سونه رداء الليربالية املح�ضة �أي�ضا؟ و�إذا �أقررنا معكم بخط�أ املقاربة الأوىل التي واءمت عن عمد بينه وبني اال�شرتاكية ،فما هي ال�ضمانة احلقيقية التي حتول دون تكرار نف�س اخلط�أ بالن�سبة �إىل املقاربات اجلارية حاليا؟ �أال يكمن الإ�شكال �أ�صال يف طبيعة املنهج الذي تتبع ُه تلك املقاربات بالأ�سا�س؟ �ألي�س من الأجدى واحلال هذه� ،أن نبحث يف عموم امل�شرتك من دون �أن نلوي عنق الن�صو�ص الدينية والأحداث التاريخية حتى يتالءم الإ�سالم مع �أفكار ومنظومات قد تكون يف حقيقتها بعيدة كل البعد عن �أ�س�سه وجوهره؟ ويف الواقع تكت�سب تلك الت�سا�ؤالت �أهمية كربى ،خا�صة �إذا �أخذنا بعني انغم�س فيه املفكرون العرب وامل�سلمون االعتبار �أنه يف الوقت الذي َ يف النقا�ش التقليدي الدائر حول احلداثة وموقف الإ�سالم منها؛ �إذا بالدوائر الفكرية الغربية تفاجئهم ب�صياغة تيار فكريّ جديد �أطلق عليه «ما بعد احلداثة» ،والذي �شن هجوما حادا وعنيفا على قيم احلداثة الغربية ومفاهيمها ،بل وبلغ من اجلر�أة مبكان حدود القول: �إن م�شروع احلداثة قد �سقط نهائيا بعد �أن �أخفق متاما يف حتقيق منظومة القيم التي ب�شر بها! حقيقي ،حتى ويف �ضوء ذلك وجد املفكرون امل�سلمون �أنف�سهم يف م�أزق ٍّ �أن بع�ضهم ذهب �إىل القول ب�أن «ما بعد احلداثة» لي�س �إال م�شكلة تخ�ص الغرب وحده و�أنه ال عالقة لنا بها! ،فيما �أكد فريق �آخر �أنه من ال�ضرورة مبكان حتليل الأفكار وامل�ضامني الرئي�سة ملا بعد احلداثة، خا�صة و�أنه �سرعان ما تتحول الأفكار الفل�سفية املجردة يف الغرب �إىل �سيا�سات عملية ت�ؤثر على عالقاته اخلارجية. ومبا �أن عجلة الت�سا�ؤالت الكربى وال�صغرى لن تكف �أبدا عن الدوران، لذا نرى من الأن�سب �أن نحدد �أوال ماهية الطابع العام الذي يغلب على هذه املقاربات ،بغ�ض النظر عن طبيعة الطرف الآخر من املعادلة، وخا�صة �أن �إبراز هذا الطابع العام يك�شف عن اخللل املنهاجي الذي ي�سود �أغلب املقاربات املوجودة على ال�ساحة الآن. ومن ثم؛ ميكن القول �إن ثمة اجتاهات ثالثة متمايزة تتبلور عن �أية مناق�شات -هزيلة الطابع �أو حتى جادة -حتاول ربط الإ�سالم مبنظومة فكرية ما� ،أال وهي: االجتاه الأول :ينظر للمنظومة الفكرية مو�ضع املقاربة (احلداثة وما بعدها) نظرة نقدية ال�ستك�شاف القيم الإيجابية التي تت�ضمنها، دون �إغفال اجلوانب ال�سلبية كذلك. االجتاه الثاين :يحاول التوفيق واملواءمة ما بني الإ�سالم ومو�ضوع املقاربة الذي ُي َ نظ ُر �إليه نظرة متوازنة عادة ،مع تف�ضيل الأمنوذج الإ�سالمي (كال�شورى بدال من الدميقراطية ). االجتاه الثالث :وعادة ما يتبناه الإ�سالميون احلركيون ب�صفة أ�سباب الف�شل على خا�صة ،يرف�ض مو�ضوع املقاربة رف�ضا تاما ،ويرجع � َ امل�ستويات كافة �إىل االبتعاد عن تطبيق الأمنوذج الإ�سالمي. الالفت للنظر يف هذا ال�سياق ،هو �أن التعاطي مع املواقف احلدية رف�ضا �أو قبوال� ،سلبا �أو �إيجابا ،مل يتح الفر�صة املنا�سبة �أمام االجتاه التوفيقي الذي ا�ستغرق بدوره وقتا طويال يف التعاطي �سلبا مع املوقفنياملتطرفينْ -ليتم م�س�ألة التوفيق وينهي عملية املواءمة ب�شكل نهائي! وبالتايل ،بقيت جهوده حم�صورة يف الرد على �أحد االجتاهني �أو كليهما من جهة ،وو�ضع قواعد عامة للتعاطي مع الآخر من جهة �أخرى ،دون �أن يبلور موقفه هذا يف نظرية تامة متكاملة.
ونتيجة لذلك؛ تبلغ الأدجلة ذروتها فيما يخ�ص م�س�ألة الإ�سالم وق�ضايا الع�صر حيث يركز احلداثيون يف مناق�شاتهم على �إبراز اجلوانب الإيجابية للحداثة مع �إغفال تام ل�سلبياتها .ومن هنا ميكن تف�سري املنحى الأ�صويل عند الفريقني؛ ففيما يعيب احلداثيون على الإ�سالميني كرثة اجرتارهم ملقوالت �سلفية ما�ضوية (�أو ظالمية بح�سب تعبريهم) ،ال ي�أخذون بعني االعتبار �أنهم يقعون بدورهم يف الفخ ذاته حني يكرثون من اجرتار مقوالت العقالنية وع�صر الأنوار وبعث رموزه من قبورهم! وفيما يرف�ض البع�ض مقوالت احلداثة ا�ستنادا لتاريخ الغرب اال�ستعماري ،يحاول فريق �آخر الرجوع مبقوالت احلداثة ذاتها �إىل جذور �إ�سالمية في�ستبدل بعقالنية ع�صر الأنوار عقالنية املعتزلة، وبالدميقراطية ال�سيا�سية نهج ال�شورى ،وبالعلمانية فتح االجتهاد والرتكيز على مقا�صد ال�شريعة� ...إلخ. �أين يكمن اخللل �إذن؟ ثمة من ي�صر على �أنه ال يوجد �إ�شكال �أ�صال يف ما يخ�ص عالقة الإ�سالم باحلداثة؛ و�أن امل�شكلة تكمن يف فهم امل�سلمني بالأحرى ملعنى ومق�صود الإ�سالم ذاته! لكن يف املقابل من ذلك ،هناك من ي�ؤكد جدلية العالقة التي تربط الإ�سالم و�أي نظام فكري �شمويل �أو �إيديولوجية معرفية ما .فكما الحظ حم ّمد �إقبال بحق ف�إن «املثال ّية والواقع يف الإ�سالم لي�سا قوتني متنافرتني ال يمُ كن التوفيق بينه َما ،ل ّأن حياة املَثل الأعلى الوحد ِة ال تتمث ُل يف انف�صام كامل عن الواقِع الذي َينز ُع نحو حتطيم ْ الع�ضوي ِة للح ّيا ِة وت�شتي ِتهَا يف �صور ِة مواجهاتٍ ُم�ؤملة؛ ولك ّنهَا تتمثلُ يف جهد املَثل الأعلى ذاته الدائب لال�ستئثار بالواقع ق�ص َد احتوائِه �إن �أمكن وا�ستيعابه ،ف�ض ً ال عن حتوي ِل ِه يف ذا ِت ِه و�إنار ِت ِه يف جمموعِ ه». ويف الواقع ،كان �إقبال ينطلق يف ر�ؤي ِت ِه هذ ِه من القول ب�أ ّن ُه �إذا كانت عملية الوحي قد مت نقلهَا من ال�سماء عموديا� ،إال �أ ّنها كانت ت�ستهدف الإن�سان بالأ�سا�س ،وهو ما عبرّ عنه الن�ص القر�آ ُّ ين الكرميُ ( :ق ْل َل ْو ي ُ�شو َن م ُْط َم ِئ ِّن َ ال�س َما ِء َكا َن فيِ الأَ ْر ِ�ض مَال ِئ َك ٌة مَ ْ ني َل َن َّز ْل َنا َعلَ ْي ِه ْم مِ َن َّ َملَ ًكا َر ُ�سوال) (الإ�سراء .)95 :مما يفر�ض على الإ�سالم يف كل ع�صر �أن ين ،بخا�صة َ ي�أخذ بعني االعتبار املراح َل املتتابع َة من التط ّور الإن�سا ّ تلك التي و�سمتهَا ،وبعمق ،الثورة التكنولوجية وبحث الآثار املرتتب ِة عليها اجتماعيا ،لي�س على امل�ستوى العملي فقط ،وهو ما فهمه هيدجر متاما، و�إمنا �أي�ضا على امل�ستوى الثقا ّيف وعلى م�ستوى املواقفِ والعقلياتِ مبا فيها م�ستوى النتائج الفكريّ . �إزا َء م�شكل ٍة كهذِ ه ،ثمة موقفان منطقيان ممُ كنان �أمَام �أيّ نظام يريدُ� ،إن اعتناق احلداثة :الأول ،هو �أن يتالء َم مع حرك ِة مَ ُ العال مل يتوجب عليهِ، مع االحتفاظ ببع�ض ال�ضماناتِ الأ�سا�س ّية التي ُ تكون مبثاب ِة عالماتٍ على الطريق� ،أي بعد ٍد معني من �أمناط ال�سلوك �أو الأدوار االجتماع ّية التي ُتعدُّ �ضرور ّية لدوام ت�أكيد الذاتية. املوقف الثاين هو �أن يُدمِ َج يف ذاتِه� ،أو يف نظامه اخلا�ص ،حركة العامل: �أي �أن ي�صوغ هذا النظام يف قالب حداثتِه اخلا�صة .ذلك ما بد�أه رواد النه�ضة الإ�سالمية احلديثة ابتداء من رفاعة الطهطاوي وبلغ ذروة ن�ضوجه على يد الإمامني حممد عبده وجمال الدين الأفغاين؛ فهل ينه�ض علما�ؤنا ومفكرونا بعبء ا�ستكمال تلك امل�سرية بدال من �أن نكتفي بالعي�ش عالة على املا�ضي ،نح�صد زمنا مل نزرعه ونزرع يف زمن ت�أخر ح�صاده؟! ذاك �أمل قد يبدو لنا بعيدًا ..لكنه قاد ٌم ال حمالة .
39
العالقة الزوجية ...رؤية إسالمية معاصرة
عليه املر�أة .ولقد �سجلت كتب ال�سنة �شهادة للخليفة الرا�شد عمر بن اخلطاب –ر�ضي اهلل عنه -تدلل على تغيري توجهات العرب نحو املر�أة على اخل�صو�ص بتنزل الوحي حيث قال« :واهلل ان كنا يف اجلاهلية ما نعد الن�ساء �أمرا حتى �أنزل اهلل فيهن ما �أنزل ،وق�سم لهن ما ق�سم “ وقال« :كنا مع�شر قري�ش نغلب الن�ساء .فلما قدمنا على الأن�صار اذا قوم تغلبهم ن�سا�ؤهم فطفق ن�سا�ؤنا ي�أخذن من �أدب ن�ساء الأن�صار». فالنبي –عليه ال�سالم -قدوة الأمة عامل زوجاته بطريقة رجال الأن�صار اللينة ،والتي كان فيها للمر�أة كيان حمرتم ومكانة م�ؤثرة يف الأ�سرة. مع يقيننا �أن معاملة النبي لزوجته خديجة-ر�ضي اهلل عنها -يف مكة مل تكن اال الأمثل رقيا ،اال �أن عمر �سجل الواقع الذي كان عا�شه م�سلما يف املدينة ،عندما �أ�صبحت حياة النبي –عليه ال�سالم -االجتماعية ذات داللة دينية هي الأوىل باالتباع وبدت �أكرث و�ضوحا لديه بزواج ابنته حف�صة-ر�ضي اهلل عنها -من النبي-عليه ال�صالة وال�سالم. العالقة اجلن�سية بني الرجل واملر�أة قبل الإ�سالم
د.دعاء حممود فينو باحثة يف احلديث النبوي ال�شريف ودرا�سات املر�أة غياب املفاهيم ال�شرعية املف�صلية يف العالقة بني الزوجني التي �أ�س�سها القر�آن وف ّعلها ر�سولنا حممد-عليهال�صالة وال�سالم-ممار�سة و�سلوكا مع زوجاته �أ�سهم يف حرية ال�شباب امل�سلم ذكورا واناثا يف فهم الغاية واملق�صد من ان�شاء العالقة الزوجة ،و�صياغتها الرتاحمية ،والرعاية املتبادلة �ضمن حقوق متكافئة .هذه احلقوق حتولت يف كتابات ومناق�شات جدلية كثرية اىل �صيغ قانونية ت�شعر با�ستعدادات للمرت�سة والت�شكك من الآخر .ليتحول الزواج يف ذهنية �شبابنا و�شاباتنا اىل القف�ص الذهبي؛ والذي يعني �صورة �سوداوية خانقة لالرتباط الزوجي وكبت للحريات ،الذي هو �أوال و�آخرا مهدد وخانق للحرية واالرادة ال�شخ�صية؛ حتى وان كان ذهبيا! واقع التعامل مع املر�أة قبل الن�ص الت�شريعي
كان العرب قبل تنزل القر�آن ينكرون �أحقية املر�أة يف معاملة ان�سانية حمرتمة ،وان كان من املعلوم تاريخيا �أن العرب �أنف�سهم كانوا من �أف�ضل ال�شعوب معاملة للمر�أة يف زمانهم .وقد �سجل القر�آن الكرمي واحلديث ال�شريف مما �صح عن نبينا حممد-عليه ال�سالم�-أ�سو�أ ال�صور لهذه املعاملة من و�أد وا�ستغالل لل�ضعف الطبيعي الذي جبلت
�سجلت الن�صو�ص ال�صحيحة تاريخيا وجود �أربع �صور عرفها العرب قبل اال�سالم للعالقة اجلن�سية بني الرجل واملراة يف املجتمع اجلاهلي فيما روته �أم امل�ؤمنني عائ�شة-ر�ضي اهلل عنها»:-ان النكاح (الزواج) يف اجلاهلية كان على �أربعة �أنحاء (�أ�شكال) فنكاح منها نكاح النا�س اليوم، يخطب الرجل اىل الرجل وليته �أو ابنته في�صدقها (يدفع لها املهر) ثم ينكحها .ونكاح �آخر كان يقول المر�أته اذا طهرت من طمثها� :أر�سلي اىل فالن فا�ستب�ضعي منه ويعتزلها زوجها وال مي�سها �أبدا حتى يتبني حملها من ذلك الرجل الذي ت�ستب�ضع منه ،فاذا تبني حملها �أ�صابها (عا�شرها معا�شرة الأزواج) زوجها اذا �أحب ،وامنا يفعل ذلك رغبة يف جنابة الولد ،فكان هذا النكاح نكاح اال�ستب�ضاع .ونكاح �آخر يجتمع الرهط ما دون الع�شرة فيدخلون على املر�أة كلهم ي�صيبها ،فاذا حملت وو�ضعت ومر ليال بعد �أن ت�ضع حملها �أر�سلت اليهم ،فلم ي�ستطع رجل منهم �أن ميتنع حتى يجتمعوا عندها ،تقول لهم :قد عرفتم الذي كان من �أمركم ،وقد ولدت ،فهو ابنك يا فالن ،ت�سمي من �أحبت با�سمه، فيلحق به ولدها (ين�سب اليه) ال ي�ستطيع �أن ميتنع به الرجل .ونكاح رابع يجتمع النا�س الكثري فيدخلون على املر�أة ال متنع من جاءها، وهن البغايا كن ين�صنب على �أبوابهن رايات تكون علما ،فمن �أرادهن دخل عليهن ،فاذا حملت احداهن وو�ضعت حملها جمعوا لها ،ودعوا لهم القافة (الذي يعرف �شبه الولد بالوالد من الآثار اخلفية) ،ثم �أحلقوا ولدها بالذي يرون ،فالتاطته به( ن�سبته اليه) ودعي ابنه ال ميتنع من ذلك .فلما بعث حممد�-صلى اهلل عليه و�سلم -باحلق هدم نكاح اجلاهلية كله اال نكاح النا�س اليوم».
40
�أما املخادنة وهي العالقة اخلفية بني الرجل واملر�أة دون ر�ضى �أوليائها، فهي عالقة مل تكن مقبولة اجتماعيا يف العرف اجلاهلي ،ولذلك مل تذكرها عائ�شة –ر�ضي اهلل عنها -يف ت�سجيلها ل�صور العالقات اجلن�سية التي وجدت يف املجتمع اجلاهلي و�سكت عنها املجتمع العربي قبل ر�سالة اال�سالم. ومع وجود هذه املمار�سات يف املجتمع العربي اجلاهلي فان املر�أة العربية احلرة مل تكن تقبل بعالقة جن�سية خارج م�ؤ�س�سة الزواج فانه من املحفوظ تاريخيا والذي نقل من حوارات بيعة االنبي –عليه ال�سالم- للن�ساء ملّا ا�شرتط عليهن يف بيعته اياهن «�أن ال يزنني» ،كانت اجابة املر�أة املبا�شرة حينها« :ال تزين احلرة»! العالقة الزوجية يف القر�آن الكرمي مقدمات و ثوابت ومقا�صد املقدمات الأ�سا�سية -1وحدة املن�ش�أ:
ا�س ا َّت ُقوا َر َّب ُك ُم ا َّلذِ ي َخلَ َق ُك ْم مِ نْ َن ْف ٍ�س َواحِ َد ٍة َو َخلَ َق مِ ْنهَا ( َيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ ريا َو ِن�سَ ا ًء َوا َّت ُقوا اللهََّ ا َّلذِ ي َت�سَ ا َء ُلو َن ِب ِه َز ْو َجهَا َو َب َّث مِ ْن ُه َما ر َِج اًال َك ِث ً الَ ْر َحا َم �إِ َّن اللهََّ َكا َن َعلَ ْي ُك ْم َرقِي ًبا) (الن�ساء.)1: َو ْ أ خلق اهلل �سبحانه املر�أة والرجل من �أ�صل واحد ،وهو النف�س الواحدة، والتي هي اجلوهر الذي �أن�شيء منه اخللق وال يعلم �سرها اال اهلل �سبحانه ،ولي�ست هي �آدم وان كان النا�س كلهم ين�سبون اىل �آدم –عليه ال�سالم -ن�سبة الأبناء اىل �أبيهم ،ولي�ست كذلك حواء ملا قد يحلو لبع�ض املتعاملني مع ق�ضايا املر�أة يف قراءتهم للن�ص القر�آين و�شجعهم عليه ت�أنيث كلمة «واحدة» وكذلك ت�أنيث ال�ضمري يف «زوجها» ،فيكفينا �أن القر�آن �أ�شار اليها ب «نف�س» ليحفظ امل�ساحة امل�شرتكة قي �أ�صل خلق الرجل واملر�أة...فتفكر! وال يخفى الأثر النف�سي لوحدة من�ش�أ الزوج والزوجة على م�ستوى امل�ساواة يف التكليف واملحا�سبة �أمام اخلالق �سبحانه ،وت�ساويهما يف العالقة الزوجية يف احلقوق والواجبات على اختالف �شكلها .وتكاملهما على م�ستوى احلاجات اجل�سدية والنف�سية وذلك للقيام بامل�س�ؤولية املرتتبة على العالقة من حقوق م�شرتكة يف بيئة تت�صف باملودة والرحمة لتنتج م�ساكنة وطم�أنينة .وللقيام بحاجات الأبناء الحقا على م�ستوى الوالدية والرتبية. -2امل�س�ؤولية امل�شرتكة:
( َو ُق ْل َنا َيا �آ َد ُم ْا�س ُكنْ َ�أنْتَ َو َز ْو ُج َك الجَْ َّن َة َوكُلاَ مِ ْنهَا َر َغدًا َح ْي ُث �شِ ْئ ُت َما ال�ش َج َر َة َف َت ُكو َنا مِ َن َّ ني فَ�أَ َز َّل ُه َما َّ َو اَل َت ْق َر َبا هَذِ ِه َّ الظالمِ ِ َ ال�ش ْي َط ُان َع ْنهَا فَ�أَ ْخ َر َج ُه َما ممِ َّ ا َكا َنا فِي ِه َو ُق ْل َنا اهْ ب ُِطوا َب ْع ُ�ض ُك ْم ِل َب ْع ٍ�ض َع ُد ٌّو َو َل ُك ْم فيِ ْ أَ ني )(البقرة)36-35: ال ْر ِ�ض م ُْ�س َت َق ٌّر َو َم َتا ٌع ِ�إلىَ حِ ٍ
العالقة الزوجية تعني الت�شارك بني الزوجني بالقيام ب�أعباء وم�س�ؤولية اللقاء الزوجي ،كما يعني متاما امل�شاركة يف التلذذ واال�ستمتاع بهذا اللقاء .فالقاعدة الأ�صولية يف ال�شريعة« :الغرم بالغنم» هنا فاعلة ونافذة ،فال يكون مقبوال لأي من الزوجني التم�سك بحق اال�ستمتاع بهذا التعاقد ال�شرعي االجتماعي ثم االن�سحاب وترك ال�شريك يكابد االرهاق من حمل م�س�ؤولية هي مق�سمة بتكاملية من�سجمة على �شريكني اثنني؛ فهذا خالف العالقة الرتاحمية التي يدعو اليها اال�سالم .وجود الرجل واملر�أة يف بدء اخللق يف اجلنة بارادة اهلل-عزوجل -انتهى بازالل ال�شيطان لهما ومل ينفرد بوزره �أحد الزوجني املر�أة �أو الرجل ،بل الن�ص القر�آين �صرح ب�أنهما ا�ستحقا النزول لذات الزلل الذي ت�شاركا فيه .فاملر�أة والرجل �شريكان منذ بدء اخلليقة يف حتمل �أعباء احلياة وم�س�ؤولياتها كما كانا �شريكني يف التلذذ بنعمها. � -3آ�صرة الزوجية ميثاق وعهد:
( َو َك ْي َف تَ�أْ ُخ ُذو َن ُه َو َق ْد �أَ ْف�ضَ ى َب ْع ُ�ض ُك ْم ِ�إلىَ َب ْع ٍ�ض وَ�أَ َخ ْذ َن مِ ْن ُك ْم مِ ي َثا ًقا َغل ً ِيظا) (الن�ساء)21: وقال ر�سول اهلل –�صلى اهلل عليه و�سلم« :فاتقوا اهلل يف الن�ساء ف�إنكم �أخذمتوهن ب�أمانة اهلل وا�ستحللتم فروجهن بكلمة اهلل». امليثاق الغليظ هو العهد الأ�شد التزاما والزاما يف �شريعتنا مع اهلل �سبحانه ،وقد ورد يف القر�آن الكرمي يف العهود االميانية التي �أخذها اهلل �سبحانه على الأنبياء واليهود والن�صارى ،وكذلك ا�ستخدمها القر�آن يف ت�أكيده على االلتزام مع غري امل�سلمني يف العهود ال�سيا�سية بالوالء ،ومل ي�ستخدم للن�ص على االهتمام بالعالقة بني فردين اال يف هذا املو�ضع ملا للم�ؤ�س�سة الزوجية من مكانة عند اهلل �سبحانه الذي هو «ثالث ال�شريكني» ،فيها لهذه ال�شراكة من �أثر يف االجتماع االن�ساين، وعلى الت�أكيد على التزام الرجل فيها بالوفاء للمر�أة التي �أف�ضى اليها. وهذا االف�ضاء كناية عن العالقة احلميمية (اللقاء اجلن�سي بينهما(. والذي يعني �أن ال ت�شعر الزوجة يوما بخيانة �أو تنالها ا�ساءة ب�سبب هذا االف�ضاء .فال يجب �أن يكون قبول املر�أة بهذه العالقة و�سيلة اىل ا�ضطهادها وا�ستغاللها مبا قد ن�سميه «االبتزاز العاطفي» .هذه املمار�سة املرفو�ضة �شرعا نبه اليها القر�آن �صراحة ب�أن ذكر املمار�سة الذكورية التي كانت �سابقا يف تاريخ العرب و ما زالت متار�س يف كثري من البيئات االجتماعية �ضد املر�أة حتى اليوم .فالزوجة ترغم على التنازل عن حقها املادي يف املهر للزوج اما ا�ستحياء �أو اكراها ،وعندنا يف الت�شريع اال�سالمي :ان ما �أخذ ا�ستحياء فهو حرام ،وما �أخذ حيلة �أو اكراها فهو قطعة من النار يحمل لواءها كل �صاحب غدرة يوم القيامة ينادى بها على ر�ؤو�س الأ�شهاد.
41
وقد �شمل قانون الأحوال ال�شخ�صية املعدل حديثا هذه امل�س�ألة بنظر االعتبار على امل�ستوى القانوين ملا لها من بالغ الأثر يف زلزلة الثقة والأمان واالطمئنان فقال قا�ضي الق�ضاة يف بيانه املتعلق بهذه النقطة ما ن�صه :كما اعترب القانون يف املادة ( ) 58منه �أن النزاع على املهر بعد قب�ضه وا�ستالمه من قبل الزواج ال يخرجه عن و�صفه مهرا .ويف هذا حماية للمر�أة ب�إبقاء حقها باملطالبة مبهرها بعد قب�ضه �إذا �أخذه الزوج منها بر�ضاها �أو ا�ستوىل عليه جربا عنها وتظهر فائدة هذه احلماية القانونية للمر�أة يف �أمرين :تخفيف عبء الإثبات على املر�أة ت�ستطيع �أن تثبت دعواها وفقا لقواعد الإثبات العامة املعمول بها يف املحاكم ال�شرعية بخالف ما عليه العمل باعتبار النزاع يف هذا اخل�صو�ص يخرج عن كونه نزاعا على املطالبة باملهر مما كان ي�ستوجب رد دعوى املدعية والطلب منها مراجعة املحاكم النظامية لإقامة دعوى جديدة ت�ستوجب قواعد خا�صة يف الإثبات مع ما يرافق ذلك من هدر للوقت واجلهد وكلف مالية �إ�ضافية كما �إن اعتبار النزاع بهذا اخل�صو�ص نزاعا على مهر واحلكم به على هذا الوجه يك�سب احلق املحكوم به �صفة الديون املمتازة املقدمة على �سائر الديون يف اال�ستيفاء وذلك وفق قانون التنفيذ املعمول به ،ويف هذا رعاية مل�صلحة املر�أة من جتنيبها ادعاء زوجها �أو مطلقها الإع�سار والزامها الدخول يف ت�سوية لدفع املهر قد ال تتنا�سب وم�صلحتها». -4لقاء الذكر والأنثى معجزة كونية
اجا ِل َت ْ�س ُك ُنوا ِ�إ َل ْيهَا َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم ( َومِ نْ �آ َيا ِت ِه �أَنْ َخلَ َق َل ُك ْم مِ نْ َ�أ ْن ُف�سِ ُك ْم َ�أ ْز َو ً َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة �إِ َّن فيِ َذل َِك َلآيَاتٍ ِل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن ) (الروم.)21: من �آيات اهلل ومعجزاته الكونية الآ�صرة (العالقة) الزوجية ،يجتمع فيها رجل وامر�أة من بيئتني خمتلفتني وك�أنهما من عاملني مفرتقني وان ا�شرتكا يف �أو�صاف كثرية .فاالختالفات البيئية واالجتماعية والرتبوية م�ضافة اىل اختالف الطبيعة الف�سيولوجية وال�سيكولوجية (اجل�سدية والنف�سية) .االلتقاء مع كل هذا االختالف لي�شكل الزوجان بعدها مواءمة عاطفية وج�سدية ب�أن ي�سكن �أحدهما اىل الآخر على امل�ستويني اجل�سدي والنف�سي هو لعمري معجزة خالدة .ما يوطيء هذا ال�سكن بينهما �أجمله القر�آن ب�شيئني :املودة والرحمة يجعلهما اهلل �سبحانه يف قلب الزوج والزوجة عاطفة جندها بينهما و لبع�ضهما، خ�صلة لي�ست لأحد من العاملني بعدهما .ولذلك جند �أن خريية الرجل تقا�س بالقدر الذي يكون فيه هو خيرّ ا لأهله ،يقول الر�سول�-صلى اهلل عليه و�سلم« :خريكم خريكم لأهله ،و�أنا خريكم لأهلي» .فالزواج بهذا املعنى معجزة كونية للخالق يف خلقه ال يتلم�سها اال من ف ّكر وتدبر.
احلقوق ال�شرعية واالجتماعية امل�شرتكة املرتتبة على العالقة الزوجية
لعقد الزواج �آثار �شرعية وقانونية واجتماعية عظيمة تدار�ستها كتب القانون والفقه واالجتماع .غري �أننا ّ ف�ضلنا احلديث عن �أهم ما يرتبط منها مبو�ضوعنا من خالل القر�آن وال�سنة واحلالة االن�سانية الرتاحمية يف االجتماع والتي هي حمور هذه العالقة املعجزة. -1الإح�صان
�أمر اهلل �سبحانه بالزواج تلبية لغريزة اجلن�س التي و�ضعها يف خلقه ال�صالحِ ِ َ ني مِ نْ لالن�سان فقال �سبحانه ( :و ََ�أ ْنك ُِحوا ْ أ الَ َيامَى مِ ْن ُك ْم َو َّ عِ َبا ِد ُك ْم وَ�إِمَا ِئ ُك ْم �إِنْ َي ُكو ُنوا ُف َق َرا َء ُي ْغ ِن ِه ُم اللهَّ ُ مِ نْ َف ْ�ض ِل ِه َواللهَّ ُ َوا�سِ ٌع َعلِي ٌم) (النور.)32: اال�ستعفاف مطلب �شرعي للذين تعذر عليهم الزواج ،وذلك لأن الزواج يلبي احلاجة اجلن�سية ويحقق العفاف .فعدم القدرة على تلبية الغريزة بالزواج يوجب م�شقة البحث عن �سبل �أخرى يت�صرب بها االن�سان ويطلب عفاف نف�سه حتى يتي�سر له الزواج ،لأن كل لقاء جن�سي خارج حدود العالقة الزوجية رذيلة. قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم: «يا مع�شر ال�شباب ،من ا�ستطاع منكم الباءة فليتزوج ،فانه �أغ�ض للب�صر و�أحفظ للفرج ،ومن مل ي�ستطع فعليه ال�صوم فانه له وجاء».
الوجاء هو الدرع الذي يتح�صن به املقاتل من عدو يرت�صد به ،و�أي عدو �أ�شد من غريزة بني جنبيك ت�ؤزك �أزا لت�شبع ،في�سكن بذلك البدن والنف�س معا .اال �أن ا�شباع الغريزة يف ال�شريعة االلهية ال يتحقق اال بزواج يجتمع فيه الرجل املر�أة ،هذا االجتماع ال بد له من �شرطني هما جماع الباءة� :أولهما اال�ستطاعة النف�سية والبدنية وهي مطلوبة من اجلن�سني ،وثانيهما اال�ستطاعة املادية والقدرة على االنفاق وهي خم�صو�صة بالرجل لأنه املكلف باالنفاق وفقا للت�شريع اال�سالمي. فان مل تتحقق هذه الباءة فالزواج يقع يف دائرتي املكروه واحلرام. وبتلبية االن�سان لداعي الغريزة يتنا�سل النا�س وتتحقق عمارة الأر�ض، ا�س �إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ َذ َكرٍ وَ�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم قال اهلل عز وجل( َيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ ري ) ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا ِ�إ َّن �أَ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد اللهَّ ِ �أَ ْت َقا ُك ْم ِ�إ َّن اللهََّ َعلِي ٌم َخ ِب ٌ (احلجرات.)13: وي�صف القر�آن الكرمي الرجل املتزوج ب�أنه حم�صن واملراة املتزوجة حم�صنة وك�أنهما بالزواج �سكنا ح�صنا مانعا لهما من الأعداء ،وحاميا لهما من الأخطار املحيطة بهما .ف�سنة اهلل �سبحانه ور�سوله –عليه ال�سالم -يف الزواج تكفل ح�صانة ومنعة نف�سية وج�سدية للزوجني با�شباع الغريزة اجل�سدية وحتقيق احلاجة النف�سية التي تورث ال�سكينة والطم�أنينة ،ولذلك كان حتقيق هذا املق�صد يف الزواج من احلقوق
42
والواجبات امل�شرتكة على الزوجني كليهما ي�أثم من ّ ق�صرمنهما فيه-4 .الت�أكيد على امل�س�ؤولية امل�شرتكة يف العناية بالأ�سرة وت�أ�سي�س وهذا الفهم ينطبق على الرجل واملر�أة على حد �سواء� ،أما تخ�صي�ص الأ�سرة ال�شورية: ق�صرن يف حق الأزواج النبي-عليه ال�سالم -للن�ساء بلعنة املالئكة ان ّ فذلك ملا عرفه النا�س من عاداتهم املتبعة يف بالد العرب من طلب الرجال لذلك احلق و�سكوت املر�أة عنه حياء ،و�ضعف �صرب الرجل عنه خالفا لطبيعة املر�أة التي قد تن�شغل عن هذه احلاجة بالأمومة واحلمل والر�ضاع وغريها من امل�شاغل التي توليها �أولوية بفطرتها؛ ولأن اخلطاب للذكور خا�صة وال يعني ذلك �أن احلكم نف�سه لن يطال الرجال ،وكيف ال يكون ذلك والرجل ان �ض ّيق عليه من زوجه ط ّلق �أو عدّد ورمبا ا�ستمنى قبل �أن يفكر بحرام ،واملر�أة ال متلك يف هذا ال�سياق خيارات مت�ساوية مع الرجل ،فلعل اال�ساءة يف جانبها �أبلغ ،لأن احلاجة اجلن�سية واحدة وتلبيتها يف وطء حالل واجب ،فالنبي –عليه ال�سالم- هو نف�سه الذي ن ّبه على �أن احلاجة اجلن�س ّية �سواء عند الرجل واملر�أة بقوله «الن�ساء �شقائق الرجال». -2الرعاية متبادلة
الرعاية تعني االهتمام واحلفظ ،ويف �شريعتنا للرعاية دوائر متداخلة تنتهي بالدائرة االجتماعية الأو�سع...الأمة .ولذلك فان الأمة كاجل�سد الواحد يتداعى �أع�ضا�ؤها بال�سهر واحلمى ان �أ�صيب �أحد �أفرادها ،وهذا حق م�ضمون ال يتبدل بتغري اجلن�س .تبد�أ الرعاية يف الزواج بالعقد الغليظ ،الذي ّ يطلع عليه الرحمن �سبحانه لتكون اىل نهاية العمر، فيقوم كل واحد من الزوجني بالنظر واالهتمام واحلفظ لكل ما من �ش�أنه �أن يعني �شريكه وي�ؤثر يف عالقتهما ايجابا .وهذا املعنى جنده وا�ضحا يف حديث النبي -عليه ال�سالم« :كلكم راع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته ،االمام راع وم�س�ؤول عن رعيته ،والرجل راع يف �أهله وهو م�س�ؤول عن رعيته ،واملر�أة راعية يف بيت زوجها وهي م�س�ؤولة عن رعيتها». -3احلقوق املتبادلة واملتماثلة
وف َولِل ِّر َجالِ َعلَ ْيهِنَّ قال رب العزةَ ( :و َل ُهنَّ مِ ْث ُل ا َّلذِ ي َعلَ ْيهِنَّ ِبالمَْ ْع ُر ِ َد َر َج ٌة َواللهَّ ُ َعزِي ٌز َحكِي ٌم ) (البقرة.)228: واملعروف هو امل�صاحبة بالأخالق العالية ،والباء تقت�ضي املالب�سة واالحاطة وامل�صاحبة وال�سببية ،فيكون معنى الآية �أن ما من حق للرجل اال وكان للمر�أة مثله دون قهر �أو منة ،بل هو حق ت�ضمنه ال�شريعة لكال الزوجني ،وخلق ت�ستوجبه عليهما جتاه بع�ضهما ،فاملماثلة يف احلقوق هي �أ�سا�س احلياة الزوجية ،وهذه املماثلة حماطة ومتلب�سة وم�صحوبة باملعروف� .أما الدرجة التي �أخت�ص بها الرجال فقد ف�سرها بع�ض املف�سرين بالقوامة ،اال �أنني �أجد معناها مرتبط بايقاع الطالق الذي ينفرد به الرجل وحده واهلل �أعلم.
الأ�سرة ال�شورية هي ال�صورة الأمثل للأ�سرة ال�سوية ،والتي جند فيها �أن الزوج ال ينفرد ب�صناعة القرار الذي ميتد �أثره ليطال �أفراد الأ�سرة جميعها ،فالقرار امل�ستند لر�ؤية �أحادية �سيظل دائما احتكاريا ومنقو�صا وظاملا ومدعاة للغ�ضب واملالومة ،لذلك حث اال�سالم على ايجاد ال�شورى يف الأ�سرة امل�سلمة حتى يف حالة انف�صال الزوجني ل�صالح الأبناء ،فالعالقة يف الزواج يحكمها املعروف ،ويحكمها يف الطالق االح�سان ،فت�أمل هذا ال�سمو ( َوا ْل َوا ِلد ُ َات ُي ْر ِ�ض ْع َن �أَ ْو اَلدَهُ نَّ َح ْولَينْ ِ َكامِ لَينْ ِ لمَِنْ �أَ َرا َد �أَنْ ُي ِت َّم ال َّر�ضَ ا َع َة َو َعلَى المَْ ْو ُلو ِد َل ُه ِر ْز ُق ُهنَّ َوك ِْ�س َو ُت ُهنَّ وف اَل ُت َك َّل ُف َن ْف ٌ�س �إِ اَّل ُو ْ�س َعهَا اَل ُت�ضَ ا َّر َوا ِل َد ٌة ِب َو َلدِ هَا َو اَل َم ْو ُلو ٌد َل ُه ِبالمَْ ْع ُر ِ ا�ض مِ ْن ُه َما َو َت�شَ ا ُو ٍر ِ�ص اًال َعنْ َت َر ٍ ِب َو َلدِ ِه َو َعلَى ا ْل َوارِثِ مِ ْث ُل َذل َِك فَ�إِنْ �أَ َرادَا ف َ فَلاَ ُج َنا َح َعلَ ْي ِه َما وَ�إِنْ �أَ َر ْدتمُ ْ �أَنْ َت ْ�سترَ ْ ِ�ض ُعوا �أَ ْو اَل َد ُك ْم فَلاَ ُج َنا َح َعلَ ْي ُك ْم �إِ َذا ري) �سَ َّل ْم ُت ْم مَا �آ َت ْي ُت ْم ِبالمَْ ْع ُر ِ وف َوا َّت ُقوا اللهََّ َو ْاعلَ ُموا �أَ َّن اللهََّ بمَِا َت ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ (البقرة.)233: القوامة ...مفهوم �أ�سا�سي يحكم العالقة الزوجية
هو املفهوم الأكرث �شيوعا يف و�صف ماهية العالقة بني الرجل واملر�أة يف م�ؤ�س�سة الزواج .وقد �أعطي هذا املفهوم ت�أويال �سيطرت عليه الأعراف والتقاليد العربية اجلاهلية القدمية والتي جاء اال�سالم ونق�ض كثريا منها .معنى القوامة يف ر�ؤية الأعراف والتقاليد يعني �أن الرجل ق ّوام على املر�أة ،مبا يعني �أن القوامة ت�شريف ملقام الرجل جعلت منه عمليا �شاغال ملن�صب الريا�سة يف الأ�سرة ،وعمم هذا الت�أويل لي�ضخم دور الرجل على املر�أة يف كثري من امل�سائل لي�س هذا مقام درا�ستها. قوامة الرجل على املر�أة كانت وما زالت يف حا�ضرنا ّ توظف اجتماعيا ب�سلبية مغرقة ،لتعني الريا�سة وال�سلطة للرجل على املر�أة عند اال�سالميني ،مما ينبني عليه ّ احلط من مكانة املر�أة و�سحب حقوقها االجتماعية والقانونية التي �ضمنها لها اال�سالم يف ن�صو�صه ال�صريحة يف القر�آن الكرمي و�صحيح ال�سنة ،فهي لن ت�ستطيع �أن تخرج من بيتها ابتداء �إال ب�إذن الزوج ،وهي ال ت�ستطيع �أن تعمل ا ّال بقبول الرجل ،ولن ت�ستطيع �أن تتزوج مبن تريد ا ّال بقبول الويل والذي يجب �أن يكون رجال من ع�صبتها! �أما يف ر�ؤية دعاة م�ساواة املر�أة بالرجل من املفكرين واحلداثيني والعلمانيني فالقوامة هي املفهوم الذي يلزم ويف�سر تبعية املر�أة للرجل يف الرتاث اال�سالمي ،وي�ش ّكل �صورة املر�أة ويحدد مكانتها يف املجتمعات امل�ستندة اىل الدين .فالقوامة بني هاتني الر�ؤيتني ت�ضع املر�أة يف جمتمعاتنا يف موقف قلق من الذات ومن الآخر(الرجل) الذي قد
43
يكون �أبا �أو �أخا �أو زوجا �أو ابنا .فاال�شكالية تتمحور حول تثمني الذات يف املجتمع ،ورمبا حتديد انتمائها للأمة اال�سالمية! جند يف املو�سوعة الفقهية تعريف القوامة لغة ب�أنها من الفعل املجرد قام ال�شيء يقوم قياما والذي يعني على املجاز حفظ ال�شيء ومراقبة م�صلحته ،ومنها القيم الذي ينظر يف حال ال�شيء ويحفظه ومنه القوام الذي يبذل �أق�صى الو�سع حلفظ ال�شيء. فالقوامة وفقا لال�ستعمال القر�آين وردت ب�صيغ ا�شتقاقية خمتلفة (�أقيموا وقياما ومقاما) لأداء ال�صالة الفاعل يف تقومي �سلوك الفرد، ولتمكني الدين وحفظ �شعائره ور�سالته يف هداية الب�شرية للطريق امل�ستقيم والأمثل لتحقيق الفرد ملهمته اال�ستخالفية على الأر�ض ،ثم جاءت لتدل على اال�ستعداد ليوم القيامة لل�شهادة على النف�س وعلى الآخرين ،والطريق امل�ستقيم ،واملكان الذي يقام فيه ،واملكانة املرموقة العل ّية .والقيوم من �أ�سماء اهلل احل�سنى وتعني احلافظ ل�ش�ؤون عباده و�أرزاقهم وما ي�صلح لهم. ثم بينّ القر�آن بو�ضوح ال ي�شكل معنى �أن يكون امل�سلم ق ّوام يف �آيتني: ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا ُكو ُنوا َقوَّامِ َ ني بِا ْلق ِْ�س ِط ُ�ش َهدَا َء للِهَّ ِ َو َل ْو َعلَى �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم ال ْق َر ِب َ ريا َفاللهَّ ُ �أَ ْولىَ ِب ِه َما فَلاَ َت َّت ِب ُعوا �أَ ِو ا ْل َوا ِل َد ْي ِن َو َْ أ ني �إِنْ َي ُكنْ َغ ِن ًّيا �أَ ْو َف ِق ً ريا) ا ْل َه َوى �أَنْ َت ْعدِ ُلوا و َِ�إنْ َت ْل ُووا �أَ ْو ُت ْعر ُِ�ضوا فَ�إِ َّن اللهََّ َكا َن بمَِا َت ْع َم ُلو َن َخ ِب ً (الن�ساء.)135: للِهَّ ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا ُكو ُنوا َقوَّامِ َ ني ِ ُ�ش َهدَا َء بِا ْلق ِْ�س ِط ) (املائدة.)8: فالقوامة يف املنظومة املفاهيمية القر�آنية تعني القيام بالعدالة وال�شهادة على حتقيقها هلل �سبحانه ،و�أن نقوم هلل �سبحانه يف �شهادتنا بالعدل .وهو مفهوم �شامل و�أ�سا�سي ي�ص ّور وظيفة االن�سان العملية يف خالفة الأر�ض .فاالن�سان امل�سلم ذكرا كان �أو �أنثى م ّكلف مبراقبة حتقق العدالة لأخيه االن�سان مهما كان جن�سه �أو لونه �أو اثنيته �أو ّ الطائفة الدينية التي ينتمي اليها� ،أو �أي فرق يعتربه ال ّنا�س. ممار�سة القوامة يف الأ�سرة هي تطبيق لهذا املفهوم العام وال�شامل الذي ن�ؤمن به يف الدائرة الأ�صغر ،واللبنة الأ�سا�سية يف تكوين املجتمعات االن�سانية ،فالرجل يف الآية 34من �سورة الن�ساء ق ّوام على زوجه: ( ال ِّر َج ُال َق َّوامُو َن َعلَى ال ِّن�سَ ا ِء بمَِا َف َّ�ض َل اللهَّ ُ َب ْع�ضَ ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ�ض وَبمَِا ات َقا ِن َت ٌات َحاف َِظ ٌات ِل ْل َغيْبِ بمَِا َحف َ ال�صالحَِ ُ ِظ �أَ ْن َف ُقوا مِ نْ �أَ ْم َوا ِل ِه ْم َف َّ اللهَّ ُ َواللاَّ تِي َت َخا ُفو َن ُن ُ�شو َزهُ نَّ َفع ُِظوهُ نَّ وَاهْ ُج ُروهُ نَّ فيِ المَْ�ضَ اجِ ِع َو ْ ريا) ا�ض ِربُوهُ نَّ فَ�إِنْ �أَ َط ْع َن ُك ْم فَلاَ َت ْب ُغوا َعلَ ْيهِنَّ �سَ ِبيلاً �إِ َّن اللهََّ َكا َن َع ِل ًّيا َك ِب ً (الن�ساء.)34: فماذا يعني �أن يكون الرجل قواما على املر�أة با�ستح�ضار الت�أويل العاملي ال�شامل لهذا املفهوم؟ يعني �أن الرجل �ضامن م�ؤمتن من اهلل �سبحانه على حمايتها من الظلم .وهو يقوم بهذه املهمة مبا ّ ف�ضله اهلل به (�أي �أعطاه وم ّيزه) من قوة ج�سدية و�أعطيات مادّية ا�ضافية (من ن�صيبه
من املرياث �أو الغنائم) .فهو مك ّلف باالنفاق على املر�أة كانت زوجة �أو �أ ّما �أو �أختا �أو بنتا �أو حتى جدة ،ورمبا ين�سحب هذا الواجب لرحم قريبة منه ال جتد معيال منفقا. هذا التكليف جاء تبديال لتوجهات الرجال ال�سلبية نحو الن�ساء قبل تن ّزل القر�آن ،فبعد �أن كان الرجل يف جمتمعات اجلاهلية ي�ستغل املر�أة جن�س ّيا �أو اقت�صاد ّيا �أو جن�سيا واقت�صاديا معا فيما عرف بالع�ضل ومبوافقة �ضمن ّية �أو ت�صريحية �أكيدة من املجتمع اجلاهلي .جاء مفهوم القوامة القر�آين لي�ضع الرجل يف مو�ضع احلار�س على حقوق املر�أة والكافل النف�سي واالقت�صادي لها ،والراعي امل�ؤمتن عليها من �أهله؛ من دون انقا�ص لكفايتها العقلية �أو اجل�سدية �أو االقت�صادية يف ادارة �ش�ؤون ن�صت عليها ن�صو�ص القر�آن الكرمي. نف�سها ابتداء التي ّ هذا املعنى االيجابي العملي للقوامة ينطبق على احلياة الزوجية وال يحتمل �أي �سلبية ّ ت�ضخم مكانة الرجل وحقوقه فوق الزوجة ،بل على العك�س متاما ،هو م�س�ؤول عن رعايتها وخدمتها واالنفاق عليها دون حجر على �أهليتها ،وهوحما�سب اذا ت�س ّلط عليها لأنه م�ؤمتن �ضامن مبيثاق غليظ ي�شهد اهلل عليه: يقول اهلل �سبحانه يف الزوج ي�أخذ مهر املر�أة م�ستغال ل�ضعفها العاطفي واجل�سدي �أمامه: َ َ ( َو َك ْي َف تَ�أْ ُخ ُذو َن ُه َو َق ْد �أ ْف�ضَ ى َب ْع ُ�ض ُك ْم ِ�إلىَ َب ْع ٍ�ض وَ�أ َخ ْذ َن مِ ْن ُك ْم مِ ي َثا ًقا َغل ً ِيظا )(الن�ساء.)21: و�أ ّكد النبي-عليه ال�سالم-على هذا املعنى يف و�صيته للأمة اال�سالمية يف حجة الوداع فقال»فاتقوا اهلل يف الن�ساء ف�إنكم �أخذمتوهن ب�أمانة اهلل وا�ستحللتم فروجهن بكلمة اهلل». هذه القوامة قابلة للتناوب وللتداول باعتبار ال�صلوحية يف �شركة ق�صر يف الزواج ،كما �أنها قابلة لل�سلب واملنع ان �أ�ساء الرجل يف رعايته �أو ّ �أداء واجبه التكليفي فيها .وهي تقا�س بذلك على والية �أمر امل�سلمني يف الأ�سرة الأعم ونعني بذلك الدولة اال�سالمية .فاالمام ال ي�ستعبد النا�س بادارته لأمورهم ،وهو حما�سب على التق�صري يف رعايتهم ،وال ميلك احلق يف ا�ستعمال مقدّراتهم و�أموالهم دون ر�أي منهم �أو م�شورة �أوقبول. وللرعية تقوميه �أو عزله -ان �أ�ساء -بكل و�سيلة ممكنة مراعاة مل�صلحة اجلماعة .هذه احلقوق م�ضمونة للزوجة ك�ضمانتها للرعية ،وهي تنوب عن الزوج يف مراقبة الأ�سرة وحفظها ان غاب �أو عجز عن ادارتها لأمر ق�صر �أو �أ�ساء �أو ا�ستغل ملوقعه فيها ما .وت�سقط قوامة الزوج وت�سحب ان ّ ملك�سب ذاتي �أو لفر�ض �سيطرة طاغية. الأ�سرة امل�سلمة التي �أرادتها ال�شريعة مبقا�صدها و�صريح ن�صو�صها �شورية حتيط بها املودة والرحمة ليتحقق ال�سكن وال�سكينة لأفرادها لأنها بهذا حتقق الكمال املعجز لآية اهلل �سبحانه يف خلقه.
44
فتح حوار هادئ معها ومع زمالئها وزميالتها يف الف�صل الدرا�سي ،يف �سياق تدعيم ثقافة احلوار والفكر النقدي واحلق يف االختالف و�إبداء الر�أي واالطالع على فكر الآخر.
كيف نبني ثقافتنا اإلسالمية وكيف نقدمها إلى اآلخرين؟ �أ.د .خالد ال�صمدي
رئي�س املركز املغربي للدرا�سات والأبحاث الرتبوية الإ�سالمية /املغرب
يف بداية �سنة درا�سية ،ا�س ُتدعيت من طرف �إدارة امل�ؤ�س�سة التي �أ�شتغل بهاُ ، وطلب مني التداول يف �إ�شكالية تربوية والبحث عن حل ال ي�ستند �إىل القرار الإداري ال�صارم ،وال مي�س يف نف�س الوقت ال�صالحياتِ الرتبوية للأ�ستاذ .وقد اعتقدت بداية �أن الق�ضية تتعلق ب�ش�أن من �ش�ؤون الت�سيري الرتبوي ب�شعبة الدرا�سات الإ�سالمية ،مما يجري فيه التداول عادة بني رئي�س ال�شعبة و�إدارة امل�ؤ�س�سة� .إال �أن الأمر كان غري ذلك ،ومل يكن من طينة الإ�شكاالت الرتبوية اليومية العادية ،بقدر ما كان حالة تطرح لأول مرة بامل�ؤ�س�سة .ذلك �أن طالبة ب�شعبة من �شعب اللغات الأجنبية طلبت ر�سميا من �إدارة امل�ؤ�س�سة �إعفاءها من ح�ضور ح�صة الثقافة الإ�سالمية ،لأنها يهودية الديانة ،ولأنها ال تتوقع من �أ�ستاذ يدر�س الإ�سالم �إال هجوما على اليهود بخا�صة ،والفكر املخالف بعامة ،ولأنها متتلك قناعات دينية غري م�ستعدة �أن تكون مو�ضع علي م�ساءلة �أو نقا�ش .وملا كنت الأ�ستا َذ املعني بتدري�س املادة فقد عر�ض ّ الأمر للت�شاور والتداول. كان من الطبيعي �أن �أقول لإدارة امل�ؤ�س�سة�« :إن املادة من�صو�ص عليها يف القوانني التنظيمية ولي�س هناك �أي م�سوغ قانوين لإعفاء طالب �أو طالبة من درا�ستها ،و�أن الطالبة يف هذه احلال ملزمة باحل�ضور واالختبار يف املادة» ،وينتهي امل�شكل عند هذا احلد .غري �أنني ف�ضلت �أن �أ�سلك طريقا �آخر يتجاوز ق�ساوة القانون ،ويحفظ ال�سري العادي للدرا�سة ،والأهم من كل ذلك يزيل الغ�شاوة ويك�سر احلاجز النف�سي الذي يحول بني الطالبة ودرا�سة مادة الثقافة الإ�سالمية .وهذا يقت�ضي
عوائق االنفتاح وعقباته
وقبل �أن �أنقل القارئ الكرمي �إىل النتيجة النهائية لهذا امل�سعى، ينبغي لنا جميعا �أن نبحث عن �أ�سباب وجو ِد مثل هذا املوقف يف �سياق منظومتنا التعليمية التي �أفرزت -وتفرز -عقلية اخلوف من الفكر الآخر واتخاذ مواقف م�سبقة منه ،وغياب القدرة على النقد والتحليل والتفكري� ،سواء لدى هذه الطالبة �أو غريها باعتبار انت�شار الظاهرة وخطورة انعكا�ساتها الرتبوية والفكرية .و�أعتقد �أن ما يحول بني املرء وعقله �أربعة عوائق ال تكاد ت�سلَم منها منظوم ُتنا التعليمية وال �سبيل لرقيها �إال ب�إزاحتها. -1االعتماد على التلقني ك�أ�سلوب غالب يف التدري�س وغياب م�ساحات للنقا�ش واحلوار بني الطلبة واملدر�سني يف الق�ضايا املختلفة ،مما يجعل ري قابلة للنقا�ش ،ويحتفظ يف قرارة الطالب يتقبل الأفكار كحقائق غ ِ نف�سه بقناعات كامنة و�أ�سئلة حمرية تربز حتما عند �أول وهلة يتاح له فيها �أن يقول ،فيكون قوله يف هذه احلال رد فعل مزاجي �ضد الفكر «املفرو�ض» ،لأنه مل ي�سهم يف بنائه وال تبنيه و�إمنا وقف منه موقف امل�سلم امل�سامل. وكثريا ما ناق�شت مع زمالئي يف بناء مناهج الرتبية الإ�سالمية �أفكارا ال �أحمل لها جوابا جاهزا ،غري �أنني �أدفع بها �إىل حم�أة التفكري واملناق�شة الرتبوية لعلنا ن�صل فيها �إىل ر�أي تربوي منا�سب .وذلك مثل �إمكانية �إدراج ن�صو�ص خمالفة للفكر الإ�سالمي يف كتب الرتبية الإ�سالمية ،ومن ثم فتح باب النقا�ش �أمام التالميذ لتقوية مناعتهم الفكرية وقدرتهم على حتليل وتفكيك الفكر املخالف ،و�إبراز مكامن ال�ضعف واخللل فيه �-إن كانت -باحلجة العلمية والدفاع العقلي الرزين عن املوقف ال�صحيح دون عاطفة عا�صفة وال فكر متذبذب ال ي�صمد �أمام احلجاج العقلي واملنطقي. ميكننا �أن نناق�ش احليثيات التطبيقية لهذه الفكرة والإمكانات الرتبوية لإدماجها يف كتبنا املدر�سية ،واملحاذي َر املتوقعة ،ويف �أي م�ستوى درا�سي ميكن �أن يكون ذلك ،وب�أية �شروط ،غري �أنه ال ميكن بحال �أن ننكر ميزة �إدراج الر�أي املخالف يف مناهجنا التعليمية ملا فيه من مناعة وقوة يف بناء املعرفة لدى الطلبة� ،أال ترى �أن القر�آن الكرمي عر�ض �أقوال �إبلي�س و�أتباعه من الكافرين ،وجعلها �آيات نتلوها ونتعبد بها ،ون�أخذ على ذلك �أجرا وت�صح بها �صالتنا ،دون �أن ت�ضيق بها �صفحاته ،وهو الكتاب التعليمي الأول الذي ال مبدل له وال نظري.
45
-2ال�سقوط يف الدفاع العاطفي عن كامل املنتوج احل�ضاري للم�سلمني دون متحي�ص وال نقد� ،إذ جتد املدر�س �أو م�ؤلف الكتاب املدر�سي ،يتحرج من طرح بع�ض الهنات امل�سجلة يف تاريخنا الفكري ،وي�سقط يف تربير ما ال يربر ،وتبجيل ومدح كل املواقف دون متحي�ص للأخطاء وال ك�شف عن الزالت .ولي�س هذا من منهج الإ�سالم يف �شيء؛ فقد ا�شتهر عن علمائنا من املجتهدين قولهم «كل ي�ؤخذ من كالمه ويرد �إال �صاحب هذا القرب» يف �إ�شارة �إىل املقام املكرم لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،وهم القائلون «ما وافق كتاب اهلل و�سنة ر�سوله فهو مذهبي ،وما خالفهما فا�ضربوا به عر�ض احلائط». يف �ضوء ذلك ال ميكننا �أن نعلم نا�شئتنا تقدي�س ما ال يقد�س والت�سليم بكل فكر ين�سب �إىل عامل امل�سلمني وربطه بالإ�سالم جملة وتف�صيال، لأن من �ش�أن ذلك �أن يجعل هذا الدين العظيم يهن يف نظر �أبنائه حني يكت�شفون يف تاريخه �أخطاء ارتكبها با�سمه بع�ض رواده ون�سبوها �إليه تربيرا وت�سويغا� ،أو كانت اجتهادات �صاحلة لزمانها ومل تعد كذلك اليوم� ،أو �أخطاء مل ينتبه �إليها �أ�صحابها يف حينها فذهبوا بالأجر الواحد. ينبغي �أن نربي يف �أبنائنا حمبة العلماء وتقدير جهودهم والبحث عن النقط امل�ضيئة يف �أخالفهم و�سريهم ،واالقتداء ب�سننهم يف االجتهاد والت�ضحية والإنتاج العلمي .كما ينبغي �أن نعلمهم �أن نقد الفكر له �شروطه و�آدابه ،و�أن حرية �إبداء الر�أي مكفولة ،و�أن جتريح الأ�شخا�ص مذموم وم�ستقبح ،لكن اخلط�أ كل اخلط�أ �أن ن�سقط يف تقدي�س الأفكار والآراء واعتبارها منـزهة عن النقد و�إعادة النظر. -3ال�سقوط يف مطبة تبني الأفكار والأحكام امل�سبقة من الفكر الآخر ملجرد ن�سبته لغري امل�سلمني ،فهذا انغالق مذموم ينعك�س �سلبا على انفتاح الآخرين على الفكر الإ�سالمي ذاته ،يف حني �أن البحث عن ال�صواب حيث يكون ،والأخذ باحلكمة ولو من فم املخالف ،واعتبار املنتوج العلمي الب�شري جماال للبحث واالختيار يف �ضوء مقا�صد الإ�سالم وغاياته الكربى التي ت�ستدمج كل اجتهاد �إيجابي نافع ،هو امل�سلك القومي .ف�إذا نظرنا �إىل القر�آن الكرمي وجدناه يق�ص علينا من ق�ص�ص الأمم املختلفة ما يعترب جماال وا�سعا لأخذ العربة واملثل .و�إذا نظرنا �إىل �سنة امل�صطفى عليه ال�صالة وال�سالم ،وجدناه يوجه بع�ض �صحابته �إىل تعلم اللغات احل�ضارية ال�سائدة يف ع�صره كال�سريالية والفار�سية لالطالع على ح�ضارتهم .و�إذا ت�صفحنا تاريخ اخللفاء الرا�شدين ومن اهتدى بهديهم من بعدهم ،وجدناهم قد �أدخلوا من جتارب الأمم الأخرى يف تنظيم الدولة ،ك�سك النقود ونظام اجلبايات
والربيد وغري ذلك من النظم الإدارية .و�إذا اطلعنا على تاريخ الفكر الإ�سالمي ،وجدنا اهتمام امل�سلمني بالرتجمة من خالل ت�أ�سي�س دار احلكمة يف امل�شرق ومدار�س قرطبة يف املغرب ،ووجدنا حوارات مفتوحة بني فطاحل العلماء والفقهاء امل�سلمني وغريهم من الأحبار والرهبان من ال�شرعيتني اليهودية والن�صرانية ،كل ذلك بهدف �إبراز �سماحة الإ�سالم وقوة �سلطانه الفكري والعقائدي ،ويف نف�س الآن اال�ستفادة من كل اجتهاد يخدم الب�شرية ويرقى بها �إىل �أح�سن حال .ومل يكن ه�ؤالء ي�ضيقون ذرعا بالفكر املخالف ،وال ي�سارعون �إىل اتهام �أ�صحابه بالزندقة وال�شذوذ ،لأن ذلك عالمة على االنهزام. وهنا نقول �أنه كلما كانت املعرفة الإ�سالمية لدى املتعلمني حم�صنة بالقدرة على احلجاج الهادئ الذي هو ثمرة البناء الفكري ال�سليم، اختفى العنف اللفظي والعناد الفارغ الذي يعلوه ال�صراخ والعويل ك�سالح للعجزة واملتخاذلني ،ولي�س الفكر الإ�سالمي بحاجة �إىل مثل هذا الزبد. -4تر�سيخ فكرة �صراع الأديان يف �أذهان التالميذ .فكل يهودي معتد ب�إطالق يف نظر امل�سلم ،وكل م�سلم �أممي يف ذهن اليهودي يجوز �سلب ماله وت�شريده يف الأقا�صي ،وكل الن�صارى �أعداء لهذا الطرف �أو ذاك.. واحلال �أن مثل هذه الأفكار ال ي�ستفيد منها �إال املرتب�صون بالدين عموما ،الذين يخلطون املفاهيم وي�ساوون بني اجلالد وال�ضحية، وغايتهم املثلى حتييد الدين عموما عن احلياة .و�أق�صر طريق �إىل ذلك تر�سيخ فكرة ربط الدين بال�صراعات واخلالفات .يف حني �أن الدين رحمة مهداة للنا�س ،ينظم حياتهم وي�ضمن تعاي�شهم وتعارفهم ،ويكون احلوار وال �شيء غري احلوار هو الأ�سلوب الأمثل لتعاملهم ،و�إىل اهلل بعد ذلك م�صريهم ومعاذهم. ولئن كان القر�آن الكرمي قد حتدث عن املغ�ضوب عليهم وال�ضالني، وحتدث عن �شدة عداوة اليهود للذين �آمنوا ،و�أن كثريا من الأحبار والرهبان ي�أكلون �أموال النا�س بالباطل ،ف�إن تلك الأو�صاف باال�ستقراء مرتبطة بالأفعال ال�صادرة عن ه�ؤالء واملخالفة لتعاليم التوراة والإجنيل ذاتها وال عالقة لها بروح تعاليم مو�سى وعي�سى عليهما ال�سالم .وقد ذم اهلل تعاىل يف القر�آن الكرمي ت�صرفات الظاملني واملنافقني واملعتدين واملطففني واخلائنني وامل�ستكربين ممن هم يف دائرة عقيدة الإ�سالم �أي�ضا ،لأنهم خالفوا تعاليمه ب�أفعالهم ،كما ذم غريهم من اليهود والن�صارى دون �أن يكون لذلك عالقة باليهودية والن�صرانية ك�شريعتني منـزلتني يف م�سرية نزول �شرائع الإ�سالم ،واجلامع يف كل ذلك خمالفة تعاليم الدين واخلروج عن مقت�ضياته.
46
ما ينبغي تقدميه للنا�شئة
�إن الدين ينبغي �أن يقدم للنا�شئة على �أنه �شريعة رب العاملني ،و�أنه عند اهلل الإ�سالم ،و�أن الإ�سالم بد�أ نزوله من عند اهلل �إىل الب�شر مع �أول ر�سول ،ثم نزل يف �شكل �شرائع يف زبور داوود و�صحف �إبراهيم وتوراة مو�سى و�إجنيل عي�سى عليهم ال�سالم ،وختم بر�سالة القر�آن ،و�أن �أتباع هلل َو ْا�ش َه ْد مو�سى من اليهود و�أتباع عي�سى من احلواريني قالوا (�آ َم َّنا بِا ِ ِب�أَ َّنا م ُْ�س ِل ُمو َن)(�آل عمران ،)52:و�أن من متام �إميانهم بكتبهم املقد�سة غري املحرفة اتباعهم ملحمد �صلى اهلل عليه و�سلم .فتلك م�سرية الإ�سالم الطبيعية من نوح عليه ال�سالم �إىل حممد �صلى اهلل عليه و�سلم .ولو مت�سك النا�س بتعاليم دينهم ملا عاثوا يف الأر�ض ف�سادا وملا �سفكوا الدماء .والنا�س يف ذلك بني م�ؤمن م�صدق وكافر جاحد مكذب يف �إطار اختياره وم�شيئته التي �سيحا�سب عليها حني �سيلقى خالقه ،ومل يكلف اهلل النا�س بعد ذلك �إال بالذكرى التي تنفع امل�ؤمنني. �أما ما �سوى ذلك من ظلم واعتداء وانتهاك للحرمات و�سفك للدماء وهدم للبيوت و�سلب للأموال والأوطان ،فهو �سلوك ال دين له ،ينبذه من كل الأ�سوياء والعقالء ،ودفعه واجب بكل ال�سبل لأنه �سلوك �ضد القيم الدينية والإن�سانية كلها. ومن جهة �أخرى ينبغي �أن نر�سخ يف �أذهان النا�شئة �أن الظامل واملعتدي ممقوت وحمارب مهما كانت ديانته �أو عقيدته ،و�أن التعامل بالوالء مع دائرة امل�سلمني ،وباحلوار والإ�صغاء مع امل�ساملني من كل امللل والنحل وم�ساكنتهم ومعاي�شتهم ،بل والدفاع عن ق�ضاياهم العادلة ،من �صميم الواجبات ال�شرعية ،و�أن تعاون الفئتني �ضد الغا�صب الظامل اجلاحد املعتدي لهو املوقف ال�سليم الذي يحفظ للب�شرية ا�ستقرارها ،كما دعت �إىل ذلك كل ال�شرائع املكونة لر�سالة الإ�سالم ،وكل القيم الإن�سانية النبيلة. بهذا املنطق ينبغي �أن ينظر املتعلمون �إىل دور الدين يف احلياة ،كطاقة حمركة يف م�سرية التنمية الب�شرية ،وكحافز دافع حني يخلوا من التع�صب املقيت ،وكبناء للفكر ال�سليم حني يبنى على احلوار والإقناع، وكدعوة �إىل املحبة وال�سالم وكف الأيدي حني ت�سود قيم العدل والنبل والوفاء واحلرية ،وكرادع قوي لكل �صور ال�شطط والظلم والعدوان حني تنتهك احلرمات .وبعد ذلك ( َف َمنْ �شَ ا َء َف ْل ُي�ؤْمِ نْ َو َمنْ �شَ ا َء َف ْل َي ْك ُف ْر) (الكهف.)29: �إن هذه املنهجية يف التفكري التي ت�ستهدف �إزالة العوائق التي حتول
بني املرء وعقله ،والتي �أمالها هذا املوقف الطريف مع الطالبة املغربية ذات الديانة اليهودية ،كان بالذات هو مقرر ال�سنة الدرا�سية بكاملها مع ا�ستعرا�ض مناذج وق�ضايا للنقا�ش ،تنمي لدى الطلبة القدرة على التفكري والنقد والتحليل والتمييز والت�صنيف واتخاذ القرار. فكلما كانت هذه القدرات متوفرة لدى الطالب ،وكلما بنيت الثقافة الإ�سالمية لديه على هذا الأ�سا�س ،كان �أكرث ثقة يف نف�سه ويف ثقافته، و�أكرث �إقداما على مناق�شة الفكر الآخر بروح من االعتدال وامل�س�ؤولية وطالقة وجه. بقي �أن �أقول يف اخلتام �أن الطالبة بعد ح�صتني �أو ثالث من الرتدد جاءت مت�شي على ا�ستحياء ،ووجلت الف�صل ثم كانت من �أكرث املواظبات على ح�ضور ح�صة الثقافة الإ�سالمية ،لأنها وجدت غري ما كانت تتوقع .ويف فرتة االختبار ال�شفوي قالت يف خجل ظاهر« :هكذا ينبغي �أن نقدم ثقافتنا املغربية �إىل العامل» .فقلت لها« :لو �أتيحت يل الفر�صة لالطالع على الثقافة العربية ملا ترددت حلظة واحدة يف القبول ،لأن ثقافة الذات تتعزز كلما تالقحت بثقافة الآخر ،وكلما بنيت على النقد واحلوار» .قالت�« :أ�شكرك مرة �أخرى» وان�صرفت .وما زالت تربطني بها وبزوجها عالقة احرتام كبرية منذ ذلكم احلني ،يف حني اختفت عالقتي بباقي طلبة فوجها يف �شعاب احلياة. ت�أملت م�سرية �سنة درا�سية حت ّول فيها الفكر من الرف�ض �إىل قبول احلوار والتفكري الناقد ،فتمنيت لو �سمح الوقت ب�أكرث من ذلك ،ولكنها م�سرية م�ستمرة ال يحدها زمان وال مكان .وتر�سيخ مثل هذه الثقافة يف اعتقادي ،هو املدخل الطبيعي للعودة جمددا �إىل حركية التفكري التي �آمل �أن ت�سود لدى جميع الطالب ،ومن خاللهم �إىل جميع املتعلمني لأن من ال يفكر ال ينتظر منه �إال �أن يلقن .وتلك مذبحة املعرفة ونبع االنغالق.
47
معظم الواجبات كفائية
وحيث ثبت �أن ج َّل الواجبات التي تقوم عليها حياة الأمم يف معا�شاتها داخلة يف ال�صنف الكفائي ،ويقت�ضي ٌ كل مِ ن َت َب ُّينها و َمقْدرتها وتقعيداتها وتقنيناتها اجتهاداتٍ م�ست�أنف ًة يف كل حني ،من �أجل تنـزيلٍ م َّتزِن لها على �أر�ض الواقع تكون عاقبته ي�سرا ،ملا ثبت �أن الأمر كذلك ،فقد كان لعلمائنا كالم مف�صل نفي�س عن كيفية اال�ضطالع بالواجب يف �سياقاته وتنقيح لها وموازنة املختلفة؛ مِ ن نظ ٍر يف امل�آالت وحتقيقٍ للمناطات ٍ دقيقة بني امل�صالح واملفا�سد جلبا للأُوىل �إن رجحت ،ودفعا للثانية �إن ملناهج كل ذلك غلبت ،ت�سديدا وتقريبا وتغليبا ،مع حتديدات و�ضيئة ِ مما هو مف�صل يف مظانه. فقه املوازنات واعتبار امل�صالح
�أ.د� .أحمد عبادي الأمني العام للرابطة املحمدية للعلماء /املغرب �إن علماءنا قد نظروا �إىل الواجبات باعتبارها مرتّبة ح�سب مراتب ثالث ،ف َثمة ال�ضروريات ُثم احلاجيات ثم التح�سينيات .و�أر�سوا بناء على هذا الوعي العميق دوائر للواجب يحمي بع�ضها بع�ضا فن�صوا على �أن اختالل ال�ضروري َوف َْق ن�سق مفهومي يف غاية الدقةّ ، إطالق ي�ؤدي �إىل اختالل احلاجي والتح�سيني ب�إطالق ،و�أنه ال ب� ٍ ُ اختالل ال�ضروري ب�إطالق، يلزم من اختاللهما �أو اختالل �أحدهما ن�صوا على �أن اختالل احلاجي ب�إطالق ينجم عنه اختالل كما ّ التح�سيني ب�إطالق ،ون�صوا على �أن اختالل التح�سيني ب�إطالق ي�ؤدي �إىل اختالل احلاجي بوجه ما ،و�أن اختالل احلاجي ب�إطالق ي�ؤدي �إىل اختالل ال�ضروري بوجه ما .مما يلزم معه احلفاظ على الواجبات املتعلقة بالتح�سيني حماية للحاجي ،واحلفاظ على التجر�ؤ الواجبات املتعلقة باحلاجي حماية لل�ضروري .وبينوا �أن ّ معر�ض للتجر�ؤ على ما �سواه .وعلى على الإخالل بالتح�سيني منها ِّ إدراك قام �أ�صل �سدّ الذرائع واعتبار امل�آل ،وقرروا �أن املندوب هذا ال ِ �إليه باجلزء واجب بالكل� ،إذ الإخالل باملندوب مطلقا �إخالل بركن ٌ حممية ال يجب ون�صوا على �أن املندوب يف كليته من �أركان الواجبّ ، خرمها ،لأن خرمها ي�ؤدي �إىل الإخالل بالواجب و�إبطاله .وقالوا يف ذلك« :وكل واحدة من هذه املراتب ملّا كانت خمتلفة يف ت�أكد االعتبار -فال�ضروريات �آكدها ثم تليها احلاجيات ثم التح�سينيات- وكان مرتبطا بع�ضها ببع�ض ،كان يف �إبطال ال ِّ أخف جر� ٌأة على ما هو �آكد منه ،ومدخل للإخالل به ،ف�صار ال ُّ أخف ك�أنه حمى للآكد، فاملخلّ مبا هو مك ِّمل والراعي حول احلمى يو�شك �أن يرتع فيه، كاملخل بامل َك َّمل من هذا الوجه ( .)1قال الإمام الغزايل رحمه اهلل» َ َ ولواحق من �سوابق قلّما ُيت�ص ّور الهجوم على الكبرية بغتة ،من غري جهة ال�صغائر»(.)2 ِ
يقول الإمام ال�شاطبي رحمه اهلل« :النظر يف م�آالت الأفعال معترب مق�صود �شرعا ،كانت الأفعال موافقة �أو خمالفة ،وذلك �أن املجتهد ال يحكم على فعل من الأفعال ال�صادرة عن املكلفني بالإقدام �أو بالإحجام �إال بعد نظره �إىل ما ي�ؤول �إليه ذلك الفعل (فقد يكون) م�شروعا مل�صلحة فيه ت�ستجلب� ،أو ملف�سدة تدر�أ ،ولكن له م�آل على خالف ما ق�صد فيه، وقد يكون غري م�شروع ملف�سدة تن�ش�أ عنه� ،أو م�صلحة تندفع به ،ولكن له م�آل على خالف ذلك ،ف�إذا �أطلق القول يف الأول بامل�شروعية فرمبا �أدى ا�ستجالب امل�صلحة فيه �إىل مف�سدة ت�ساوي امل�صلحة �أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعا من �إطالق القول بامل�شروعية؛ وكذلك �إذا �أطلق القول يف الثاين بعدم امل�شروعية رمبا �أدى ا�ستدفاع املف�سدة �إىل مف�سدة ت�ساوي �أو تزيد ،فال ي�صح القول بعدم امل�شروعية ،وهو جمال للمجتهد �صعب املورد� ،إال �أنه عذب املذاق ،حممود الغ ِِّب جا ٍر على مقا�صد ال�شريعة (.)3 وعن فقه املوازنات يقول هذا الإمام« :و�إنا وجدنا ال�شارع قا�صدا مل�صالح العباد ،والأحكام العادية تدور معها حيث دارت ،فرتى ال�شيء الواحد يمُ نع يف حال ال تكون فيه م�صلحة ،ف�إذا كان فيه م�صلحة جاز (.)4 ومفاد ذلك وجوب املوازنة بني االحتماالت املمكنة يف غري املحكم من الأحكام ،ترجيحا وموازنة بني ما حتققه تنـزيالتها يف �إطار ال�شرع احلنيف ومبقايي�سه وموازينه من امل�صلحة يف الظرف الواقعي املعني، يرجح �أنه �أكرث حتقيقا للم�صلحة ب�ضوابطها ثم اعتماد االحتمال الذي ُ ال�شرعية املبينة يف �أماكنها ،واعتبار ذلك هو احلكم ال�شرعي يف تلك احلالة ،وهذا مناط االجتهاد فيما مر ّد الأحكام فيه �إىل النظر .ومن تداعيات الوعي العميق عند علمائنا بهذه الآليات يف النظر كونهم درجوا على �أال ُي�سقطوا من اعتبارهم الآرا َء املرجوحة يف تراثنا الفقهي� ،إذ هي ذخرية اجتماعية قد مت�س �إليها احلاجة يف �أو�ضاع الحقة خمتلفة ،فما مل يرجح يف واقع عيني م�شخ�ص نظرا ملالب�سات و�سياقات معينة ،قد ي�ضحى راجحا �ضمن مالب�سات و�سياقات �أخرى ،وفقه �إمام دار الهجرة �إمامنا مالك ر�ضي اهلل عنه يح�ضر فيه هذا الوعي العميق ب�شدة، النبنائه على قواعد واقعية كعمل �أهل املدينة واال�ستح�سان وامل�صلحة
48
املر�سلة و�سد الذرائع. كما نبغ علما�ؤنا يف تقعيد فقه مراتب الأعمال ومنازلها يف الف�ضل، ومعرفة مقاديرها ،والتمييز بني عاليها والأق ّل علواً ،وفا�ضلها ومف�ضولها ،ورئي�سها ومر�ؤو�سها ،و�سيدها وم�سودها .يقول ابن القيم رحمه اهلل« :ف�إن يف الأعمال والأقوال �سيدا وم�سودا ،وذروة وما دونها، كما يف احلديث ال�صحيح «�سيد اال�ستغفار �أن يقول العبد اللهم �أنت ربي ال �إله �إال �أنت خلقتني و�أنا عبدك...احلديث» (رواه البخاري)، ويف احلديث الآخر» اجلهاد ذروة �سنام الأمر» (رواه ابن ماجه) ،ويف الأثر « �إن الأعمال تفاخرت ،فذكر كل عمل منها مرتبته وف�ضله ،فكان لل�صدقة مزية يف الفخر عليهن» وال يقطع هذه العقبة �إال �أهل الب�صائر وال�صدق من �أويل العلم ،ال�سائرين على جادّة التوفيق ،قد �أنزلوا الأعمال منازلها و�أعطوا كل ذي حق حقه»(.)5 و�صعوبة املورد التي �أ�شار �إليها ال�شاطبي �آنفا يف هذا االجتهاد ت�صبح م�ضاعفة يف واقعنا الراهن ،نظرا لكون العامل قد تقاربت �أركانه اليوم بفعل كل ما مت التو�صل �إليه من �إمكانات .و�أ�ضحى تيار الت�أثري والت�أثر مي ّر بني �أرجائه بي�سر بالغّ ، وينط فيه اجلديد ك َّل ع�شر ثانية فما �أقل ،مما يفر�ض فر�ضا االجتهاد اجلماعي متعدد االخت�صا�صات ،وفق منهجيات تكاملية تق َّوم يف كل حني حتى ُت�ضمن فاعلي ُتها ومواءم ُتها ملتطلبات الواقع .وهذا هو الدور احليوي املنوط مب�ؤ�س�سة العلماء. مرحلة اجلمود و�أ�سبابه
ويحق للمرء بهذا ال�صدد �أن يت�ساءل عن الأ�سباب التي حتول دون التوظيف واال�ستثمار الأمثلني الدائمني واملمنهجني لكل هذه اجلهود امل�شرقة يف واقعنا الإ�سالمي خالل الفرتات ال�سابقة. وميكن �إجمال هذه الأ�سباب يف �أربعة: -1ال�سبب العقيدي� :أدى انت�شار عقيدة �إبطال الأ�سباب يف الأمة نتيجة ل�سوء فهم تقريرات بع�ض الأئمة كالرازي والغزايل وغريهما� ،إىل التواكل الذي �أف�ضى �إىل �أ�ضرب من العجز ،فغي�ض العطاء ،وانكم�شت العقول ،وف�شت ال�شعوذة ،وا�ستتب التعامل مع الكون ا�ستهالكا وت�أثرا، ولي�س �إبداعا وت�أثريا ،مما َج ّر عواقب غري مر�ضية و�أ�سهم بفعالية يف �إدخال الأمة �إىل فرتة من اجلمود .ومل يقت�صر الأمر على اجلانب العملي ،بل تعدّت الإ�صابة �إىل اجلانب التنظريي العلمي ف�أ�سقطت املقا�صد� ،إذ ا�ستبعد عند طوائف من العلماء �أن تكون ال�شريعة و�ضعت لعلة ،وب�سبب جلب امل�صالح العاجلة والآجلة للعباد يف الدنيا والآخرة، مما جعل عطاء فقهاء الأمة ينح�سر يف ترداد ما كان من الفتاوى والأنظار ،ويجمد دون جمال الك�شف عن مقا�صد ال�شارع يف �شرعه مما هو جماف لل�شرع نف�سه ،يقول ال�شاطبي« :وا�ستقرينا من ال�شريعة �أنها و�ضعت مل�صالح العباد ،ا�ستقراء ال ينازع فيه الرازي وال غريه ف�إن اهلل تعاىل يقول يف بعثة الر�سل ( ُر ُ�س ً ِين َو ُم ْنذِ ر َ ال ُم َب ِّ�شر َ ِين ِلئَلاَّ َي ُكو َن
هلل ُح َّج ٌة َب ْع َد ال ُّر ُ�سلِ ) (الن�ساء .)6( )165:ويقول ابن ا�س َعلَى ا ِ لِل َّن ِ القيم»وباجلملة فالقر�آن من �أوله �إىل �آخره �صريح يف ترتيب اجلزاء باخلري وال�ش ّر ،والأحكام الكونية والأمرية ،على الأ�سباب ،بل ترتب �أحكام الدنيا والآخرة وم�صاحلهما على الأ�سباب والأعمال ،ومَن تفقه يف هذه امل�س�ألة وت�أملها حق الت�أمل ،انتفع بها غاية النفع ومل ي ّتكل على القدر ،جهال منه وعجزا وتفريطا و�إ�ضاعة ،فيكو َن تو ّكله عجزا، وعجزه تو ّكال ،بل الفقيه كل الفقه الذي ير ّد القدر بالقدر ،بل ال ميكن للإن�سان �أن يعي�ش �إال بذلك»( .)7ويقول« :وقد رتب �سبحانه ح�صول اخلريات يف الدنيا والآخرة ،وح�صول ال�شرور يف الدنيا والآخرة يف كتابه على الأعمال ،ترتيبا للجزاء على ال�شرط واملعلول على العلة وال�سبب على امل�سبب ،وهذا يف القر�آن يزيد على الألف مو�ضع»(.)8 وهذا ال�سبب العقيدي كان من �ش�أن الوعي به وجتاوزه �أن يو�سع �آفاق الأمة ومداركها ويجنبها الوقوع يف نكبات كثرية� ،سيا�سية واجتماعية واقت�صادية. -2ال�سبب الت�صوري� :سادت يف العامل الإ�سالمي ،خالل الع�صور الأخرية ت�صورات �سلبية حادت بامل�سلمني خا�صتهم وعامتهم عن امل�شاركة الإيجابية يف حل م�شاكل جمتمعاتهم ،وحادت بهم عن التبني املتبادل ح�سب قدرته بالفرو�ض لهموم بع�ضهم البع�ض من خالل قيام كلٍ َ الكفائية ،وتفلتت من وعيهم اجلماعي ومن بنائهم الت�صوري بع�ض �أهم �سمات هذا الدين وعلى ر�أ�سها الواقعية .فالإ�سالم دين واقعي ،تتجلى واقعيته يف ت�صوراته للإن�سان والكون واحلياة ،وتتجلى يف ت�شريعاته. ين�ص على �أن القدرة هي حد الت�شريع الذي يقف عنده ،فال فالإ�سالم ّ يتحرك �إال معها ،ف�إذا وقفت القدرة وقف الت�شريع حيث هو ،ال يتقدم وال يت�أخر؛ يقول تعاىل ( الَ ُي َك ِّل ُف ُ اهلل َن ْف ً�سا ِ�إ َّال ُو ْ�س َعهَا) (البقرة،)286: ويقول �سبحانه ( َفا َّت ُقوا َ اهلل مَا ْا�س َت َط ْع ُت ْم) (التغابن .)16:فلي�س ثمة �ضيق على الإن�سان يف الت�شريع ،بل هو املجال الوا�سع الذي يجعله يتحرك براحة وحرية ،ف�إذا �ضاق عليه حكم َو�سِ عه �آخر .فهنالك قاعدة ّين مِ نْ َح َر ٍج) (احلج،)78: «نفي احلرج»َ ( :ومَا َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فيِ ِ الد ِ وقاعدة «ال�ضرر يزال» وقاعدة «ال �ضرر وال �ضرار» وقاعدة «الأمر �إذا �ضاق ات�سع»� .إال �أن هذه الت�صورات وال�ضوابط حني اختفت من �أذهان امل�سلمني اختفت يف تقعيدات علماء الع�صور املت�أخرة ،فاختفت من واقعهم حركية الإ�سالم املعهودة ونب�ضه امل�ألوف. �إن ا�ستبطان هذه ال�سمات هو الذي يقدح زند حركة املجتمع امل�سلم مبنحه لأفراده هذه الأ�س�س الت�صورية الرافعة لكوابح الك�سب النافع. -3ال�سبب الفقهي� :إن تدبري وتنظيم اال�ضطالع املربئ للذمة بالواجبات الكفائية يف كافة جوانب احلياة العامة ،من وظائف م�ؤ�س�سة الإمامة العظمى ،فهي القائمة على تقديرها وتن�سيقها وتدبريها .وعلى «النظر الكلي يف كفاية �أهم الأ�شغال» كما قال الإمام اجلويني يف الغياثي بعد ذكره مهام م�ؤ�س�سة الإمامة العظمى( .)9ف�إىل الإمامة العظمى �إذن يعود تقدير الفرو�ض الكفائية وتن�سيقها وتدبريها والنظر الكلي يف
49
كفاية �أهم الأ�شغال ،ولكن هذا ال يعني بحال تربئة ذمة املواطنني من القيام بواجباتهم يف هذا ال�صدد .وهو ما قرره �إمام احلرمني بقوله: «ومما يجب الإحاطة به �أن معظم فرو�ض الكفاية مما ال تتخ�ص�ص ب�إقامتها الأئمة بل يجب على كافة �أهل الإمكان �أن ال يغفلوه وال يغفلوا عنه .و�إن ارتفع �إىل الإمام �أن قوما يعطلون فر�ضا من فرو�ض الكفايات زجرهم وحملهم على القيام به»(� ،)10إىل �أن يقول :والدنيا بحذافريها ال تعدل ت�ضرر فقري من فقراء امل�سلمني يف �ضر ،ف�إن انتهى نظر الإمام �إليهم ر َّم ما ا�سرت ّم من �أحوالهم ،ف�إن مل يبلغهم نظر الإمام وجب على ذوي الي�سار واالقتدار البدار �إىل دفع ِّ ال�ضرار عنهم ،و�إن �ضاع فقري بني ظهراين مو�سرين حرجوا من عند �آخرهم وباءوا ب�أعظم امل�آثم وكان اهلل طليبهم وح�سيبهم .وقد قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم« :من كان يومن باهلل واليوم الآخر ،فال يبي ّ نت ليل ًة �شبعا َن وجاره طاو»( .)11و�إذا كان جتهيز املوتى من فرو�ض الكفايات ،فحفظ مهج الأحياء وتدارك ُح�شا�شَ ة الفقراء �أمت و�أهم.)12( . ولتحقيق هذه املقا�صد م�ضى �إجماع علماء امل�سلمني على وجوب �إقامة الإمامة العظمى حفاظا على حقوق الأمة املرتهنة بالقيام بالواجبات الكفائية على وجه الكفاية ،ولوال الإمامة -وكما قال العز بن عبد ال�سالم رحمه اهلل« -لفاتت امل�صالح ال�شاملة وحتققت املفا�سد العامة وا�ستوىل القويّ على ال�ضعيف ( .)13وللإمام اجلويني رحمه اهلل يف الغياثي مثل هذا القول( ،)14ومل ي�شذ عن هذا الإجماع �إال النجدات من اخلوارج والأ�صم من املعتزلة كما روى ذلك الإمام القرطبي املالكي (.)15 ّ غري �أن انحرافا عن هذه املقا�صد قد وقع منذ وقت مبكر ،فقد �أتت على الأمة �أحيان من الدهر طغى فيها على االن�شغال باال�ضطالع بالفرو�ض الكفائية وتنظيمِ ها ،وباملجتمع وق�ضاياه ،ا�شتغال بالنـزاعات والثورات، والثورات امل�ضادّة ،وبالتمكني للدول القائمة على �أنقا�ض دول ،وتتبع بقايا وجذور الدول امل�سقطة ،كما ُ�س ِّجل انزالق يف وهاد م�شاريع وهمية، ك�سقوط دولة امل�أمون يف فخ فتنة خلق القر�آن ،وغريها من الفنت ،وما �أعقب ذلك من انف�صامات عدة يف ج�سم الدولة ،و�أعاق جزئيا التطور الطبيعي لك�سب الأمة الفقهي ،والعلمي التنـزيلي يف هذه االجتاهات. فلم ُي�شحذ فقه املجتمع ،ويربد باملناظرات واحلوارات والر�سائل� ،ش�أن فقه الأفراد (فقه العبادات ب�شكل خا�ص)� ،إذ مل يكن ه ّم التنظري للحياة يف املجتمع واال�ضطال ِع بالفرو�ض الكفائية ،وه ّم ا�ستنباط الأحكام اخلا�صة بذلك ه َّم جمهور الفقهاء ،ومل يتوجه �إىل ذلك �إال بع�ض النابهني منهم ،مما يف�سر ندرة ما يتداول من العناوين يف هذا امل�ضمار، حتى بني خا�صة العلماء ،كالأحكام ال�سلطانية للماوردي ،وال�سيا�سة ال�شرعية البن تيمية ،والطرق احلِ َكمية يف ال�سيا�سة ال�شرعية لتلميذه ابن القيم ،و�سلوك املالك يف تدبري املمالك ،البن �أبي الربيع ،وما د ّبجه ابن خلدون يف مقدمته .وغري ذلك قليل. ُّ مما يقت�ضي اجتهادا م�ست�أنفا تنخرط فيه بوظيفية كل امل�ؤ�س�سات
البحثية املعنية من مقرتب تنظيم الواجبات الكفائية حتت قيادة م�ؤ�س�سة الإمامة العظمى ،وهو مقرتب مينح -كما تقدم -مدخال ن�سقيا لل�ش�أن العا ّم ومي ّكن من القيام بهند�سة اجتماعية را�شدة. -4ال�صدمة احل�ضارية :لقد ن�شطت املجتمعات امل�سلمة �أفرادا وم�ؤ�س�سات عرب التاريخ -لإقامة الواجبات الكفائية و�أبدعت يف ذلك ،ت�شهد بذلك�أوقاف امل�سلمني يف تنوعها و�إبداعيتها ،وكذا التدبريات ال�سلطانية ُ وحفظ الأمن واملخزنية يف املوانئ والثغور ،وت�سبي ُل ال�سبل وبنا ُء املرافق، و�إقامة املعاهد العلمية ،وغري ذلك من الوظائف كثري ،مما ي�ؤ�شر على النب�ض الذي كان يف املجتمعات امل�سلمة ،وقد واكب هذه الأعمال جهود تقعيدية وتنظريات علمية رائعة ،ال يزال جلها -للأ�سف -ثاويا يف بطون ال�سجالت والدفاتر املخزنية والكناني�ش الوقفية ،وحتتاج �إىل ا�ستخراج وترتيب ودرا�سة حتى ال نق�سو ح�ضاريا على �أجيالنا ال�سالفة ب�سبب عدم التعرف على جهودهم يف هذه املجاالت ،وهذا يحتاج �إىل جت�سري معريف -ت�صاحلي -بني �أجيال علماء الأمة ،خ�صو�صا بني �أجيال ما قبل اال�ستعمار وما بعده من العلماء والباحثني ،وهو جت�سري ال ميكن �أن يتم �إال بالوقوف على اجتهاداتهم وعلى �شدّة ال�صدمة التي ما كانت تغني عنها هذه االجتهادات يف ما مهّد لال�ستعمار من فرتات ف�أثمر ما �أ�سماه مالك بن نبي رحمه اهلل «القابلية لال�ستعمار». يقول امل�ؤرخ املن�صف ( )Marshal Hodgsonيف كتابه القيم «التفكري امل�ست�أنف يف تاريخ العامل»� :إىل حدود القرن ال�سابع ع�شر من حقبتنا التاريخية هذه ،كانت املجتمعات املرتبطة بالديانة الإ�سالمية �أغنى املجتمعات يف ال�شق الأفرو (�أورو) �آ�سيوي من العامل ،وكانت الأكرث ت�أثريا على املجتمعات الأخرى ،وقد كان ذلك يف جزء منه ب�سبب موقعها اجلغرايف املركزي ،ولكن كان ذلك �أي�ضا ب�سبب �أنه كانت تظهر فيها وبفعالية �ضغوط ثقافية مدنية ال تقليدية نزاعة نحو امل�ساواة .لقد �أ�ضحت ثقافة العامل الإ�سالمي مقيا�سا للتقدم العاملي ل�شعوب كثرية وهي تندمج يف جماله االقت�صادي واحل�ضاري ،كما منحت هذه الثقافة �إطارا �سيا�سيا مرنا للأعداد املت�صاعدة من املتح�ضرين الأ�صالء .لقد كانت املجتمعات الإ�سالمية تربهن على �إبداعية م�ستدامة وعلى مناء، رغم �أن بع�ض الفرتات كانت �أكرث �إبداعية من �أخرى� .إىل �أن بلغنا الع�صر احلديث ،حيث انقطع هذا التطور لي�س ب�سبب انهيار داخلي، ولكن �أ�سا�سا ب�سبب �أحداث خارجية غري م�سبوقة»(.)16 ويق�صد بهذه «الأحداث اخلارجية غري امل�سبوقة» الطفرات العلمية التي انطلقت يف الغرب ،وهي طفرات قد َفر�ضت على العامل �-آنذاك- �إيقاعا جديدا مل يكن عنده مب�ألوف� ..إيقا ٌع مل يواكبه الك�سب ال�سيا�سي واالجتماعي والعلمي املم ِّكن من جماراته ومن الفعل احل�ضاري �ضمن �شروطه. وبينْ �أيدينا ن�ص نفي�س معرب التقط فيه امل�ؤرخ عبد الرحمن اجلربتي املتوفى �سنة 1240هـ1825/م برباءة و�أمانة ،هذه اللحظ َة احل�ضارية بالذات ،حني كالمه عن حملة نابليون يف م�صر ،قال �ضمن �أحداث
50
�سنة 1213هـ�« :أحدثوا على التل املعروف بتل العقارب بالنا�صرية �أبنية وكرانك و�أبراجا ،وو�ضعوا فيها ُعدّة من �آالت احلرب ،و�أفردوا للمد ّبرين (�أي العلماء القائمني على التجارب) حارة النا�صرية .و�إذا ح�ضر �إليهم بع�ض امل�سلمني ممن يريدون الفرجة ال مينعونه الدخول �إىل �أعز �أماكنهم ،ويتلقونه بالب�شا�شة وال�ضحك .ومن �أغرب ما ر�أيته يف ذلك املكان �أن بع�ضهم قد �أخذ زجاجة من الزجاجات املو�ضوع فيها �صب عليها �شيئا بع�ض املياه امل�ستخرجة ،ف�صب منها �شيئا يف ك�أ�س ،ثم ّ من زجاجة �أخرى َف َعال املاء و�صعد دخان ملون ،حتى انقطع ّ وجف ما يف الك�أ�س ،و�صار حجرا �أ�صفر ،ف�أخذناه ب�أيدينا ونظرناه .ثم فعل ذلك مبياه �أخرى فجمد حجرا �أزرق ،وب�أخرى فجمد حجرا ياقوتيا. و�أخذ مرة �شيئا قليال من غبار �أبي�ض وو�ضعه على ال�سندال ،و�ضربه باملطرقة بلطف ،فخرج له �صوت هائل ك�صوت القرابانة ،انزعجنا منه ف�ضحكوا م ّنا .و�أداروا زجاجة فتو ّلد من حركتها �شرر يطري مبالقاة �أدنى �شيء كثيف ،ويظهر له �صوت وطقطقة ،و�إذا مل�س �شخ�ص ولو خيطا لطيفا مت�صال بها ،ومل�س �آخ ُر الزجاجة الدائرة� ،أو ما قرب منها بيده الأخرى ،ارجت بدنه وارتعد ج�سمه وطقطقت عظام �أكتافه و�سواعده يف برجة �سريعة .ومن مل�س هذا الالم�س �أو �شيئا من ثيابه مت�صال احلال ّ به ح�صل له ذلك ،ولو كانوا �ألفا �أو �أكرث .ولهم فيه �أحوال وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج ال ي�سعها عقول �أمثالنا»(« ،)17ال ي�سعها عقول �أمثالنا» �إنها عبارة ق�صرية ،ولكنها م�شحونة بالدالالت ،تعبرّ عن �شدّة ال�صدمة وعن الت�سليم النف�سي الذي تالها ،وعند علية القوم .فعبد الرحمن اجلربتي يف تلك اللحظة التاريخية كان من خا�صة العلماء، مبعنى �أن التوتر احل�ضاري قد فقد ب�سبب هذه ال�صدمة قبل �أن يع ُقبه التما�سك يف الأمة ويف علمائها� ،إال ما ا�ستثني من بع�ض الأفراد الذين كانوا يعي�شون غربة ،وقد كانت هذه حالة عامة يف امل�شرق واملغرب، وذلك بفقد العزم على فهم الظواهر املحيطة «وهذا ما ال تدركه عقول �أمثالنا» ،و�إذا فقد هذا العزم على فهم الظواهر املحيطة فقد مت الوقوع يف البكم احل�ضاري ،وقد م ّر َم َعنا معنى البكم عند الكالم عن قوله تعاىل( َو�ضَ َر َب ُ اهلل َم َث ً ال َر ُجلَينْ ِ �أَ َحدُهُ َما �أَ ْب َك ُم الَ َي ْقدِ ُر َعلَى �شَ ْي ٍء َوهُ َو َك ٌّل َعلَى َم ْوالَ ُه �أَ ْي َن َما ُي َو ِّج ْه ُه الَ يَ�أْتِ ِبخَيرْ ٍ ه َْل َي ْ�س َتوِي هُ َو َو َمنْ يَ�أْ ُم ُر ِيم) (النحل ،)76:فهو العجز عن الفهم بِا ْل َعدْلِ َوهُ َو َعلَى ِ�ص َر ٍ اط م ُْ�س َتق ٍ والتفهيم ،والب َكم مقدمة الكاللة �أي الثقل وفقدان الإرادة ( َوهُ َو َك ٌّل َعلَى َم ْوالَهُ) .والكاللة مقرتنة بالبكم ت�ؤدي ال حمالة �إىل العجز ( �أَ ْي َن َما ُي َو ِّج ْه ُه الَ يَ�أْتِ ِبخَيرْ ٍ) فال غرو �أن ال ي�ستفاد �ضمن �شروط نف�سية كهذه من الرثوات املعرفية التي متتلكها الأمة يف بلورة مناهج التفهم وحتقيقات املناطات وتنقيحاتها تو�صال �إىل مناهج ال�صياغة التنـزيلية لتناول هذه امل�ستجدات وتبينّ ما يجب �إزاءها من واجبات، وهذه احلالة الثانية هي املق�صودة يف قوله تعاىل ( ه َْل َي ْ�س َتوِي هُ َو ِيم ) .غري �أن هذه ال�صدمة َو َمنْ يَ�أْ ُم ُر بِا ْل َعدْلِ َوهُ َو َعلَى ِ�ص َر ٍ اط م ُْ�س َتق ٍ ٌ فنهو�ض فغ ٌّذ لل�سري، احل�ضارية بف�ضل اهلل كانت �صدمة �أعقبها متا�سك
وها هم �أبناء الأمة وبناتها اليوم بعد قرنني ونيف (� 209سنة) من هذه الظرفية التي اجتازتها الأمة وعبرّ عنها برباءة وو�ضوح و�أمانة ال�شي ُخ اجلربتي رحمه اهلل -وما قرنان ونيف يف الزمن احل�ضاري؟! -وها هم منغمرون بدافع من ال�شعور بالواجب �أ�ش ّد ما يكون االنغمار يف �أحدث العلوم ،داخل الأوطان وخارجها ،ال يرددون عبارات ال�صدمة و�إمنا يرددون -بحمد اهلل -عبارات التناف�سية البناءة ،ومل يكن خالل هذه الرحلة ك ّلها كال�شعور بالواجب زا ٌد يحمل املكلفني على البذل واملثابرة. فهذه جملة �أ�سباب نرى �أنها كانت خالل هذا الزمن الوجيز ح�ضاريا وراء ما كان من ارتخاء ح�ضاري وقلة يف الفاعلية .و�إننا لرنقب بارتياح كبري م�ؤ�شرات الوعي العام بها يف الأمة ،مما يب�شر بغد �أح�سن عاقبة و�أي�سر م�آال .واهلل امل�ستعان.
الـهــوامــــــ�ش ( )1املوافقات ،لل�شاطبي.31/2 ، (� )2إحياء علوم الدين ،للغزايل.32/4 ، ( )3املوافقات ،لل�شاطبي.195-194/4 ، ( )4املوافقات ،لل�شاطبي.225/2 ، ( )5مدارج ال�سالكني ،البن القيم.225/1 ، ( )6املوافقات ،لل�شاطبي.7-6/2 ، ( )7اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف ،البن القيم� ،ص .10 ( )8اجلواب الكايف ،البن القيم� ،ص .188 ( )9الغياثي ،للجويني� ،ص .149 ( )10الغياثي ،للجويني� ،ص .156-155 ( )11الأدب املفرد ،للبخاري� ،ص .46 ( )12الغياثي ،للجويني� ،ص .174-173 ( )13قواعد الإمام يف م�صالح الأنام ،للعز بن عبد ال�سالم� ،ص .58 ( )14غياث الأمم يف التياث الظلم ،للجويني� ،ص .24 ( )15اجلامع لأحكام القر�آن ،للقرطبي.265/1 ، (.97 .Marshal Hodgson, Rethinking World History, pp )16 ( )17عجائب الآثار ،لعبد الرحمن اجلربتي ،حوادث �سنة 1213هـ.
51
الوسطية واالعتدال في النظام القانوني اإلسالمي (العقوبة في اإلسالم) /الجزء الثاني
�شخ�ص �إىل �آخر كما كان عليه النا�س يف اجلاهلية حيث كانوا يعاقبون ال�ضعيف ،ويرتكون ال�شريف من النا�س دون عقوبة ،قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم (�أهلك الذين ...احلديث ) ودعت ال�شريعة الإ�سالمية امل�سلم �إىل العفو عن اجلرائم التي فيها جمال للعفو ،فقال اهلل تعاىل ( َو َمنْ ُق ِت َل م َْظ ُلو ًما َف َق ْد َج َع ْل َنا ِل َو ِل ِّي ِه ُ�س ْل َطا ًنا فَلاَ ُي ْ�سر ِْف فيِ ا ْل َق ْتلِ ) (�سورة اال�سراء ) 33:ودعت كذلك اىل الت�سامح بني النا�س والعفو عن اجلرائم ،التي تخ�صهم ،كجرائم القتل� ،أما �أن تكون متعلقة بحق اهلل تعاىل كجرائم احلدود فال عفو فيها . الإ�سالم جاء ليحقق العدل وينفي الظلم و�أكرث ما يتجلى العدل يف تطبيق الأحكام ال�شرعية املتعلقة بالعقوبات حتى لو كان الأمر يخ�ص غري امل�سلمني ،قال تعاىل َ َ ( َو اَل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم �شَ نَ�آَ ُن َق ْو ٍم �أنْ َ�صدُّ و ُك ْم ع َِن المَْ ْ�سجِ دِ الحَْ َرا ِم �أنْ َت ْع َتدُوا َو َت َعا َو ُنوا َعلَى ا ْلبرِ ِّ َوال َّت ْق َوى ) (املائدة . )8: مظاهر العدالة يف العقوبة
املحامي مازن الفاعوري �سلك الإ�سالم منهج ًا متميز ًا يف تطبيق العقوبة وا�ستيفائها �إعتماد ًا على الغاية من ت�شريعها وهي �أن تقوم يف جوهرها على حتقيق م�صلحة العباد يف الدنيا والآخرة وما فيه من تهذيب نف�س املجرم وتقومي اعوجاجه؛ وذلك بتعزيز الوازع الإمياين وتطهري املجتمع من دواعي اجلرمية وتوفري �ضرورات احلياة وحاجياتها ،فلي�س من احلكمة ال�شروع يف تطبيق نظام العقوبات قبل ا�ستكمال بناء الأنظمة الإ�سالمية وا�ستقرار الت�شريع الإ�سالمي املتكامل ،فالإ�سالم يهدف اىل �إن�شاء حياة فا�ضلة ي�أمن فيها الأفراد على �أنف�سهم و�أعرا�ضهم و�أموالهم وحرياتهم عن طريق تر�سيخ قواعد الإميان وما يحقق منفعتهم واليهدف اىل �إيقاع الأذى ون�شر الرعب واخلوف. العدالة يف تطبيق العقوبة
-1الت�ستثني ال�شريعة �أحداً يف �إقامة احلد ،حاكماً كان �أوحمكوماً م�س�ؤو ًال و�ضيعاً �أو�شريفاً. -2تفر�ض ال�شريعة الق�صا�ص القائم على املماثلة يف اجلناية ،وال ميلك احلاكم �أو القا�ضي �إ�سقاط الق�صا�ص قال تعاىل َ ( :ف َم ِن ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم َف ْاع َتدُوا َعلَ ْي ِه بمِ ِ ْثلِ مَا ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم ) (البقرة )194 :ولقد روي يف كتب ال�سري �أن �أعرابياً �إ�شتكى �إىل عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه جبلة بن الأيهم �أحد �شيوخ قبائل العرب من بني غ�سان ،لطمه وهو يطوف حول الكعبة فحكم عمر ر�ضي اهلل عنه على جبلة �أن يلطمه الأعرابي كما لطمه ،فعجب جبلة �أ�شد العجب فطلب �إمهاله �إىل الغد ثم فرهارباً ملتحقاً بالروم وارتد عن دينه و�أ�صبح ن�صرانياً. الرحمة يف تطبيق العقوبة
لقد كتب اهلل على نف�سه الرحمة‘ وطلب من عباده �أن ي�سلكوا م�سلك الرحمة يف كل �شيء؛ قال تعاىل َ ( :ومَا �أَ ْر�سَ ْل َن َ اك �إِ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعا مَلِ َ ني ) (الأنبياء )107 :ومن مظاهر الرحمة يف العقوبة ما ي�أتي : -1حتقيق الرحمة باملجتمع عامة وللجاين خا�صة :بالرغم مما ت�سببه العقوبة من �أمل للجاين �إال �أن يف ذلك حتقيق الرحمة باملجتمع عامة من جهة؛ وحتقيق الرحمة للجاين من جهة �أخرى لأنها تق�صد �إ�صالحه وردعه؛ و�أن يعمد �إىل التوبة و�أن ي�سارع يف العودة �إىل جمتمعه فاع ً ال خمل�صاَ وم�ساعدته والأخذ بيده اىل الطريق امل�ستقيم . -2عدم اجلمع على املجرم بني عقوبتني � :إذا ارتكب جرائم عدة يرتتب عليها حدود متعددة تطبق عليه العقوبة الأ�شد . � -3إ�سقاط العقوبة بال�شبهة :قال ر�سول الله�صلى اهلل عليه و�سلم:
جند االعتدال وا�ضحاً يف نظام العقوبات يف الإ�سالم ،ذلك �أن العقوبة (�إدر�أوا احلدود عن امل�سلمني ما ا�ستطعتم ف�إن كان له خمرج فخلوا يف الإ�سالم على قدر اجلرمية ،فاليعاقب �إن�سان على جرمية معينة �سبيله ف�إن الإمام �أن يخطىء يف العفو خري من �أن يخطىء يف العقوبة). بعقوبة التتنا�سب واجلرمية التي ارتكبها ،وال تتغري العقوبة من ( رواه الرتمذي ).
52
-4مراعاة الو�ضع ال�صحي للمجرم :
ا -مراعاة �إن كان املجرم مري�ضاً �أو به �أذى . ب -مراعاة و�ضع املر�أة �إن كانت حام ً ال . ج – مراعاة الوقت يف تطبيق العقوبة من حر �أو برد . د -مراعاة و�ضع ال�سوط فال ي�ؤدي �إىل الهالك . �إقرار مبد�أ العفو يف الق�صا�ص؛ و�إقرار مبد�أ البدل بالرجوع �إىل الدية؛ �إذا عفا الويل عن الق�صا�ص كما �أقرت ال�شريعة �أن تكون الدية على العاقلة – ع�شرية الرجل وع�صبته بحيث يتم توزيع العبء حتى �إذا كان فقرياً ال ي�ؤدي ذلك �إىل �إغراقه بالدين املرهق وبه �إقرار مبد�أ التعاون املتبادل بني الأقرباء وما يرتتب على ذلك من جملة �آثار نافعة وطيبة على املجتمع ب�أكمله . مراعاة الق�صد اجلرمي لدى اجلاين :تفرق ال�شريعة يف العقوبة بح�سب الق�صد فالي�ستوي املتعمد واملخطىء يف ميزان ال�شرع �إ�ستناداً �إىل قول الر�سول�صلى اهلل عليه و�سلم (�إمنا الأعمال بالنيات) ( .رواه البخاري ) . �أما هذه العقوبات ،فال يجوز �أن توقع �إال َّباملجرم ،لأن معنى كونها زواجر �أن ينزجر النا�س عن اجلرمية � ،أي ميتنعوا عن �إرتكابها �،أما عقوبة الدنيا فقد بينها اهلل يف القر�آن واحلديث جمملة ومف�صلة. وجعل الدولة هي التي تقوم بها فعقوبة الإ�سالم التي بني �إيقاعها على املجرم يف الدنيا يقوم بها الإمام �أو نائبه �أي تقوم بها الدولة الإ�سالمية بتنفيذ حدود اهلل وما دون احلدود من التعزير والكفارات. �إن عقوبة الدنيا من احلاكم على ذنب معني ت�سقط عقوبة الآخرة ،ولذلك كان كثري من امل�سلمني ي�أتون �إىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،فيقرون باجلرائم التي فعلوها ليوقع عليهم احلد يف الدنيا حتى ي�سقط عنهم عذاب اهلل يوم القيامة فيحتملون �آالم احلد والق�صا�ص يف الدنيا لأنه �أهون من عذاب الآخرة. اجللد يف حدود ال�شريعة الإ�سالمية عقوبة فعالة و مل يرد يف ال�شريعة العقوبة ب�أكرث من مائة جلدة ففي الآية الثانية من �سورة النور عقوبة زنا غري املح�صن مائة جلدة ،ويف الآية الرابعة منها عقوبة القذف ثمانون جلدة ،ويف ال�سنة املطهرة حديث ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم (ال يجلد فوق ع�شرة �أ�سواط �إال يف حد من حدود اهلل). ويعاقب القر�آن عقاباً رادعاً على �ست جرائم فح�سب ،و�إن كان ي�ستنكر ويذم جرائم �أخرى عديدة ،مبيناً �سوء عاقبتها الوخيمة ،وما ينتظر مرتكبيها من جزاء يف الدار الآخرة ،ابتدا ًء من املي�سر والقمار ،و�أكل اخلنزير ،واالرتداد عن الإ�سالم �أما تلك اجلرائم املوبقة ال�ست التي يعاقب عليها يف الدنيا ،فهي: �أو ًال :القتل العمد. ثانيا :قطع الطريق وال�سلب والنهب علن ًا. ثالث ًا :اخليانة العظمى.
رابع ًا :قذف املح�صنات. خام�س ًا :الزّ نى . �ساد�س ًا :ال�سرقة ل�شيء ذي �ش�أن.
وقد ن�ص القر�آن على �أن القتل عقوبة اجلرائم الثالث الأوىل� ،أما اجلرمية اخلام�سة فقد د�أب الفقهاء التقليديون املتزمتون على تربير قتل مرتكبها وذلك بالرجم �إذا توافرت ظروف ومالب�سات معينة حتتم عندهم ذلك. �أما جزاء ال�سرقة ذات ال�ش�أن فهو قطع اليد اليمنى ثم الي�سرى �إذا مل يرتدع ال�سارق ،وك ّر َر ال�سرقة ،من هذا ترى �أن القر�آن ال يحوي يف هذا ال�صدد �سوى موا ّد قليل ٍة جداً يف احلدود �أو العقوبات اجلنائية ،و�أقل من ذلك بكثري ما يتعلق باملحاكمات اجلنائية ،هذا الو�ضع يكفل احلرية الالزمة لل�شريعة الإ�سالمية لتكون �إن�سانية تراعي الواقع الفعلي للب�شر ،بوا�سطة تطبيق �أحكام القانون اجلنائي ال�شديدة ال�صرامة مع ِ�صر ،مما يوفر املجال الف�سيح �سقوط تلك الأحكام يف مدة �شديدة الق َ الكايف لل�شريعة لتخفيف ق�سوة العقوبات التي يفر�ضها القر�آن. وال �شك �أن القر�آن يطلب ما ي�ستحيل حتقيقه لتوقيع العقوبة اخلطرية يف حالة الزنى� ،إذ �أ ّنى للمتهم �أن ي�أتي ب�أربعة �شهود ممن تر�ضى �شهادتهم من العدول الرجال لي�ؤيدوا دعواه ،مع خماطرة �أولئك ال�شهود بتعر�ضهم للجلد ،بل و�أحياناً للقتل ،لدى بع�ض الفقهاء الذين يقي�سون عقوبة ال�شاهد الكاذب الذي يرمي املح�صنات دون دليل بعظم جرم الزنى ذاته وما يرونه من عقوبة ذلك باملوت ،ويكفي لذلك �أن يثبت كذب واحد من ال�شهود الأربعة. ولئن كان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قد انتهج الت�سامح الكرمي، و�أكد ذلك و�أقره اخلليفة عم ُر بن اخلطاب � .أما بالن�سبة لقطع يد ال�سا ِر َق ُة َفا ْق َط ُعوا �أَ ْيدِ َي ُه َما َج َزا ًء بمَِا ال�سار ُِق َو َّ ال�سارق وال�سارقةَ ( ،و َّ ٌ َك�سَ َبا َن َك اًال مِ َن اللهَّ ِ َواللهَّ ُ َعزِيز َحكِي ٌم ) ( املائدة.)38: �إن امل�سلم يرى يف العقوبات التي ن�ص عليها القر�آن حدوداً حدها اهلل �سبحانه بحكمته الإلهية ،و�إن مل ي�ستطع العقل الب�شري دائماً �أن يفقه احلكمة منها ،و�أن تلك احلدود لي�ست نوعاً من الو�صايا ملن �شاء �أن يعمل بها� ،أو �أن ال يعمل بها. �آثار تطبيق عقوبة الق�صا�ص
� -1إر�ضاء �أولياء املقتول و�إذهاب غيظهم و�إخماد الفنت :قال �شيخ الإ�سالم :قال العلماء� :إن �أولياء املقتول تغلي قلوبهم بالغيظ حتى ي�ؤثروا �أن يقتلوا القات َل و�أولياءه ،ورمبا مل ير�ضوا بقتل القاتل بل يقتلون كثرياً من �أ�صحاب القاتل ،وقد ي�ستعظمون قت َل القاتل لكونه عظيماً �أ�شرف من املقتول فيف�ضي ذلك �إىل �أن �أولياء املقتول يقتلون من قدروا عليه من �أولياء القاتل ،ورمبا حالف ه�ؤالء قوماً وا�ستعانوا بهم فيف�ضي �إىل الفنت والعداوات العظيمة ،فكتب اهلل علينا الق�صا�ص وهو امل�ساواة واملعادلة يف القتلى ،و�أخرب �أن فيه حيا ًة ،ف�إنه يحقن د َم غري القاتل من �أوالء الرجلني.
53
-2ردع من يريد القتل وحفظ النفو�س: َ ُ َ ْ ْ َّ ُ َ اللبَابِ ل َعلك ْم ت َّت ُقو َن) ا�ص َح َيا ٌة َيا �أوليِ أ ِ�ص ِ قال تعاىلَ (:و َل ُك ْم فيِ ا ْلق َ (البقرة.)179: ً قال �أبو العالية :جعل اهلل الق�صا�ص حياة فكم من رجل يريد �أن يقتل فتمنعه خمافة اهلل �أن ُيقتل ،وقال ابن كثري :ويف الكتب املتقدمة: (القتل �أنفى للقتل) ،فجاءت هذه العبارة يف القر�آن �أف�صح و�أبلغ و�أوجز . ال�شبهات التي �أثارها �أعداء الإ�سالم حول احلدود ال�شرعية والرد عليها ال�شبهة الأوىل :قالوا� :إن �إقامة احلدود فيه �ضرب من الق�سوة التي
تتنافى مع الإن�سانية الرحيمة التي ت�ساير املدنية احلديثة واحل�ضارة الراقية. واجلواب� :إن كل عقوبة ال بد �أن يكون فيها مظهر ق�سوة �أياً كانت ،حتى �ضرب الرجل لولده تهذيباً وت�أديباً له فيه نوع من الق�سوة ،لأن العقوبة �إن مل ت�شتمل على الق�سوة ف�أي �أثر لها يف الزجر والردع ،ثم �إن الذي دعا �إىل تلك الق�سوة املزعومة هو �أمر �أ�شدُّ منها ق�سوة ،ولو تركنا العقوبة القا�سية بزعمهم لوقعنا يف �أمر �أق�سى من العقوبة. ومثل الق�سوة التي ت�شتمل عليها احلدود كمثل الطبيب الذي ي�ست�أ�صل من ج�سم �أخيه الإن�سان جزءاً من �أجزائه �أو ع�ضواً من �أع�ضائه ،وهل ي�ستطيع �أن ميار�س هذا العمل �إال �صاحب قلب قوي ،ولكنها ق�سوة هي الرحمة بعينها ،خا�صة �إذا قي�ست مبا يرتتب على تركها وبقاء الع�ضو املري�ض ونار الأمل تتوهج وت�ست�شري وتتزايد يف ج�سم املري�ض. ال�شبهة الثانية :قالوا� :إن �إقامة احل ِّد تقت�ضي �إزهاقاً للأرواح وتقطيعاً للأطراف ،وبذلك تفقد الب�شرية كثرياً من الطاقات والقوى ،وينت�شر َّ واملقطعون الذين كانوا ي�سهمون يف الإنتاج والعمل. فيها امل�ش َّوهون واجلواب� :إن القتل وتقطيع الأطراف يف احلدود �إمنا يكون يف حاالت �ضيقة حم�صورة؛ وهو �إزهاق لنفو�س �شريرة ال تعمل وال تنتج ،بل �إنها تعطل العمل والإنتاج وت�ضيع على العاملني املنتجني ثمرات �أعمالهم و�إنتاجهم؛ ثم �إن �إزهاق روح واحدة �أو قطع طرف واحد يف احلدود ي�ؤدي �إىل حفظ مئات الأرواح و�آالف الأطراف �سليمة طاهرة عاملة منتجة ثم �إننا ال نالحظ امل�ش َّوهني يكرثون يف البالد التي تقيم احلدود ،بل يكونون فيها �أقل منهم يف غريها بل الأمر بالعك�س من ذلك متاماً؛ ف�إن احلدود �إذا مل تقم على املجرمني املعتدين كرث امل�شوهون واملعاقون من جراء اعتداءات املجرمني الذين يجدون متنف�ساً و�سنداً عند من ينظر �إليهم نظرة العطف والرحمة واحلنان ،وبذلك ت�ضيع حقوق املعتدى عليهم ،و ُتهدر كرامتهم ولي�س بعد ذلك للمجرمني حد ينتهون �إليه. ال�شبهة الثالثة :قالوا� :إن يف �إقامة احلدود �سلباً حلق احلياة وهو حق مقدَ�س ال يجوز لأحد �أن ي�سلبه ،فكيف ي�سوغ حلاكم �أن ي�سلب حمكوماً حق احلياة؟!
واجلواب� :إن ال�شارع احلكيم ،الذي منح حق احلياة وقدَّ�سه؛ وجعل الدماء والأموال والأعرا�ض حم َّرمة بني النا�س هو الذي �أ َّكد ذلك التقدي�س واالحرتام ب�إقامة احلدود ،واملحدود الذي ا�ستحق الرجم �أو القتل هو الذي جنى على نف�سه لأنه مل يحرتم حق غريه وعلى نف�سها جنت براق�ش ،ولو �أنه احرتم ح َّق احلياة يف غريه حلفظ له حق احلياة يف نف�سه ،وقد قرر اهلل تعاىل يف كتبه ال�سابقة ويف القر�آن الكرمي� ( :أَ َّن ُه ا�س َجمِ ي ًعا ) َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِبغَيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف�سَ ا ٍد فيِ ْ أ الَ ْر ِ�ض َفكَ�أَنمََّ ا َق َت َل ال َّن َ ( املائدة .)32:فاملعتدي على حق احلياة يف غريه يعدُّ معتدياً على ح ِّق احلياة يف نف�سه. ال�شبهة الرابعة :قالوا� :إن �إقامة احلدود تقهق ٌر بالإن�سانية الراقية وانتكا�س بها ورجعة �إىل عهود الظالم الدام�س والقرون الو�سطى. واجلواب� :إن العاقل ال يزن القول بالبقعة التي جاء منها؛ وال بالزمان الذي قيل فيه؛ �أو نقل منه ،لكن امليزان الذي تق َّوم به الأقوال والقوانني هو ميزان احلق والعدل .والعاقل ن�صري احلق ونا�شد للحكمة �أنى وجدها وعلى �أي ل�سان ويف �أي مكان �أو زمان ،على �أن هذا الت�شريع �أنزله اهلل من ال�سماء رحم ًة و�شفقة لأهل الأر�ض كما ينزل غيثه الذي يحيي به الأر�ض� ،إن جميء ذلك الت�شريع على ل�سان نبي �أمي من �صحراء العرب يف القرون الو�سطى كل ذلك �آية و�إعجاز ودليل �صدق على �أنه ت�شريع من حكيم خبري على ل�سان نبي ُبعث رحمة للعاملني.
54
بـيـانــات الوسطية
العالمي للوسطية يصدر بيانا حول اإلحداث الجارية في مملكة البحرين الشقيقة
دعا املنتدى العاملي للو�سطية �شعب البحرين بكل فئاته للوقوف �أمام البحرين والأمة الإ�سالمية و�أهلها ،داعني اجلميع اىل االلتفاف حول من يحاولون زعزعة امن بلدهم وا�ستقراه لتحقيق م�آرب ال تخدم امل�صالح العليا للبحرين ،الف�شال املخططات امل�شبوهة وللحفاظ على املكت�سبات التي حققها ال�شعب البحريني منذ ن�ش�أة دولتهم جيال بعد البحرين والأمة الإ�سالمية و�أهلها. و�أ�ضاف املنتدى يف بيان �أ�صدره �إىل �ضرورة االلتفاف حول امل�صالح جيل . العليا للبحرين ،كما �أكد البيان على دعم ووقوف املنتدى �إىل جانب الأ�شقاء يف مملكة البحرين ال�شقيقة ،حكومة و�شعب ًا ،لإنهاء حالة الفو�ضى والتخريب ،ولتبقى البحرين دولة �آمنة م�ستقرة. فيما يلي ن�ص البيان...
�إن املتابع واملراقب املو�ضوعي ال ميكن له �أن ينكر االجنازات والنه�ضة التي حققتها مملكة البحرين يف جميع امليادين ،حتى ا�صبحت مثال يحتذى يف الإزدهار والتقدم والإ�ستقرار واحلريات والتعاي�ش الديني . ومع �إمياننا املطلق بحق املواطنيني ،الذي مل يحرمه النظام ل�شعبه مطلقاً ،وحريتهم يف التعبري ال�سلمي عن ارائهم ،ومطالبهم بالإ�صالح با�سلوب ح�ضاري ودميقراطي ين�سجم مع القوانني ويحافظ على االمن واال�ستقرار. اال �إننا يف الوقت نف�سه نحذر من ا�ستغالل هذا احلق لبث الفتنة الطائفية بني ابناء ال�شعب الواحد ،وزعزعة ا�ستقرار البحرين خدمة الهداف اقليمية واجندات خارجية ،مما �سيرتتب عليه عواقب �سلبية ونتائج ال يحمد عقباها. لذا ف�إن املنتدى العاملي للو�سطية ،ومن منطلق ا�سرتاتيجيته التي �أ�س�س من �أجلها ،ويف مقدمتها حقن الدماء وتو�ضيح الر�ؤى ال�شرعية يف الق�ضايا اخلالفية ،يدعو �شعب البحرين العزيز بكل فئاته ،الوقوف �أمام من يحاولون زعزعة امن بلدهم وا�ستقراه لتحقيق م�آرب ال تخدم
كما نعلن وقوفنا اىل جانب ا�شقائنا يف مملكة البحرين ال�شقيقة ،حكومة و�شعباً ،النهاء حالة الفو�ضى والتخريب ،ونقدر امل�ساندة اخلليجية للبحرين حفاظاً على املكت�سبات ،ولتبقى البحرين دولة �آمنة م�ستقرة . وي�ؤكد املنتدى على �أهمية التن�سيق والتعاون امل�شرتك بني دول اخلليج واملنطقة ،ملعاجلة الأزمة وو�ضع ا�سرتاتيجية م�شرتكة ،لتحقيق الأهداف امل�شروعة ل�شعوب املنطقة ،حفاظاً على اال�ستقرار ومنعا لدعاة التطرف املذهبي وم�صدري الثورات.
العالمي للوسطية يعزي في ضحايا زلزال اليابان في بيان له �شاطر املنتدى العاملي للو�سطية يف بيان �أ�صدره ،ال�شعب الياباين واحلكومة اليابانية بحزن بالغ م�أ�ساة الزلزال املدمر التي �أ�صابت اليابان وخلفت وراءها العديد من ال�ضحايا . وفيما يلي ن�ص البيان....
يتقدم املنتدى العاملي للو�سطية �إىل احلكومة اليابانية وال�شعب الياباين بخال�ص العزاء ل�ضحايا الزلزال املدمر الذي �أدى ل�سقوط عدد كبري من ال�ضحايا. �إننا �إذ ن�شاطر ال�شعب الياباين ال�صديق هذه امل�أ�ساة املروعة ،لنتمنى �أن يحفظ اهلل اليابان لتبقى دوماً مث ً ال يحتذى يف النه�ضة والنمو واال�ستقرار.
55
العالمي للوسطية يصدر بيانا حول الهجوم االنتحاري الذي وقع في بيشاور /الباكستان �أ�صدر املنتدى العاملي للو�سطية بيانا ا�ستنكر فيه العلمية الإنتحارية التي نفذت يف بي�شاور /الباك�ستان بحق الأبرياء من الن�ساء والرجال والأطفال والتي تدل على غلو وا�ضح لأ�صحاب فكر تدمريي متطرف. وفيما يلي ن�ص البيان....
�إن املنتدى العاملي للو�سطية يدين وي�شجب عمليات القتل و�سفك الدماء للأبرياء ،ويعرب عن ا�ستنكاره ال�شديد للعملية االنتحارية التي وقعت يف بي�شاور والتي تدل على تطرف وغلو يف الفكر واملمار�سة من قبل اجلهات التي تبنت هذه العملية. �إن هذه العملية التي نفذت يف بي�شاور بحق �أبرياء يقومون بالواجب الديني بت�شييع جنازة امر�أة م�سلمة تدل داللة وا�ضحة على �أننا �أمام جهة خطرية تتبنى فكر القتل والتدمري الذي ي�ؤدي �إىل مزيدٍ من التفتيت والإنهيار يف املجتمعات الإ�سالمية عامة والباك�ستان ب�شكل خا�ص. ومن هذا املنطلق ف�إننا ندعو اخلريين من �أبناء هذه الأمة مفكرين وعلماء �إىل العمل الفوري مب�ساعدة الباك�ستان العزيزة لإنقاذها من
هذه العمليات التدمريية وامل�ؤدية �إىل �إزهاق الأرواح الربيئة تاركة وراءها جرحى وم�صابني ال ذنب لهم. م�ؤكدين جمددا على �أن عقد م�ؤمتر دويل خمرجا من هذه الأزمة احلادة التي تعي�شها باك�ستان اليوم. داعني اهلل �أن يحمي الباك�ستان من كل يد تريد النيل منها ومن قوتها ووحدتها لتبقى ن�صرية �أمتنا الإ�سالمية كما عهدناها دوما .
العالمي للوسطية يدين تفجيرات كنيسة القديسين في اإلسكندرية في بيان يصدره ي�ستنكر املنتدى العاملي للو�سطية االعتداء الآثم الذي طال كني�سة القدي�سني يف مدينة اال�سكندرية واملتزامن مع �أعياد امليالد ،والذي �أودى بحياة ع�شرات الأبرياء بني قتيل وجريح ،وي�ؤكد املنتدى � ّأن ا�ستهداف دور العبادة حمرم �شرعاً حتى يف حاالت احلرب ،و�أنه يدل على اجلهل والإفال�س الفكري الذي و�صلت اليه اجلهات التي تقف خلف مثل هذه االعتداءات ولنا يف قوله عليه ال�صالة وال�سالم خري قنديل ن�ست�ضيء به حيث يقول �صلى اهلل عليه و�سلم « ال تقتلوا �شيخاً فانياً وال طف ً ال وال �إمر�أة» رواه الرتمذي ،وال نن�سى و�صية ال�صديق ر�ضي اهلل عنه جلي�شه عندما قال « وال تقتلوا طف ً ال �صغرياً ،وال �شيخاً كبرياً وال امر�أة ،وال تعقروا نخ ً ال وال حترقوه ،وال تقطعوا �شجرة مثمرة ،وال تذبحوا �شا ًة وال بقرة وال بعرياً �إال مل�آكلة ،و�سوف مترون ب�أقوام قد فرغوا �أنف�سهم يف ال�صوامع؛ فدعوهم وما فرغوا �أنف�سهم له « ،لذا ف� ّإن املنتدى العاملي للو�سطية يدعو الأخوة م�صر ال�شقيقة من م�سلمني وم�سيحيني �إىل �ضبط النف�س ،والتم�سك بالوحدة الوطنية التي هي �شعار مناء وازدهار م�صر العروبة واال�سالم ،و�إىل �ضرورة احلوار للو�صول �إىل ما هو م�شرتك بينهما ،للبناء عليه وجتاوز كل نقاط اخلالف والفرقة. ويف اخلتام ف� ّإن املنتدى لي�ؤكد من جديد على احرتام الإ�سالم لكافة
�أتباع الديانات ال�سماوية ،و� ّأن �أي ت�صرف ي�صدر من �أي جهة ي�سيء لأتباع هذه الديانات �أو دور عبادتها مرفو�ض �شرعاً و� ّأن الإ�سالم براء من هذه الأفعال ،و�صدق اهلل العظيم حيث يقول ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِبغَيرْ ِ ا�س َجمِ ي ًعا) (املائدة� )32:صدق َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف�سَ ا ٍد فيِ ْ أ الَ ْر ِ�ض َفكَ�أَنمََّ ا َق َت َل ال َّن َ اهلل العظيم ويحذر املنتدى من ن�شر الفو�ضى واالختالف بني فئات املجتمع امل�صري الواحد والذي هو هدف كثريين من �أعداء الأمة املرتب�صني ب�أمن ووحدة م�صر ،وال�ساعني لإبعادها عن دورها القيادي للأمة .
56
العالمي للوسطية يصدر بيانا حول أحداث الزرقاء في المملكة األردنية الهاشمية �إن املنتدى العاملي للو�سطية وقد �أذهله ما حدث يوم اجلمعة �إن تعزيز ون�شر الفكر الو�سطي يف جمتمعاتنا يعد �ضرورة ملحة 2011/4/15يف الزرقاء من �أحداث عنف واعتداء من قبل ما لتخرج �شبابنا من ب�ؤرة الغلو والإنحراف.
ي�سمى بـ ( ال�سلفية اجلهادية ) لي�ؤكد �أن �إنت�شار هذا الفكر املتطرف بني �أو�ساط ال�شباب و�أن هذه الت�صرفات والأفعال تدل على خطورة مفاهيم هذا الفكر على �أمن املجتمع وا�ستقراره.
�إننا ونحن ن�ستنكر هذه الأحداث ون�ستنكر ا�ستباحة الدم امل�سلم وترويع الآمنني وتخريب املمتلكات والإعتداء على رجال الأمن لندعو جميع الأطراف الفكرية وال�سيا�سية يف الأردن والعامل العربي لدرا�سة هذه الظاهرة اخلطرية على جمتمعاتنا الن بقائها وانت�شارها �سي�ؤدي �إىل العنف والتطرف وتكفري املجتمعات وحمل ال�سالح على �أبنائها.
العالمي للوسطية يصدر بيانا حول مقتل الناشط اإليطالي أوريغوني يف الوقت الذي يتنادى �أ�صحاب ال�ضمائر احلية يف العامل للوقوف مع غزة املحا�صرة ظلما وعدوانا. ويف الوقت الذي تدخل فيه الق�ضية الفل�سطينية منعطفا خطريا ومهما يف ظل التحوالت ال�سيا�سية بالعامل العربي ،حيث تعمل �إ�سرائيل يف ا�ستغالل تلك التحوالت لت�أكيد الأمر الواقع على ال�سلطة الفل�سطينية.
ويف ظل كل هذا تقوم فئة �ضالة منحرفة باغتيال النا�شط الإيطايل ( فيتوريو �أريغوين ) الذي �أحب فل�سطني و�أحب غزة وعا�ش بها حما�صرا ك�أنه واحد من �أهلها. �إن هذا الفعل الإجرامي �إمنا يدل على فكر منحرف مغلق بعيد كل البعد عن م�صلحة ال�شعب الفل�سطيني ب�شكل عام و�شعب غزة ب�شكل خا�ص ،وك�أن املراد �أن ال يبقى تعاطف مع �شعب غزة املحا�صر . �إن عملية الإغتيال الوح�شية �إمنا تدل على �ضرورة الوقوف �أمام
الفكر املتطرف املنحرف خا�صة عند ال�شباب الذي يغرر به من قبل هذه الفئات ال�ضالة ،وال يكون ذلك �إال عرب تعزيز ون�شر الفكر الو�سطي املعتدل البعيد عن املغاالة والإنفعال. �إن املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك ال�شعب الإيطايل ال�صديق هذه امل�أ�ساة ويتقدم �إليه ب�أحر التعازي واملوا�ساة لريجو �أن ال تكون هذه العملية الإجرامية حائال دون �إ�ستمرار الدعم لغزة و�أهلها.
57
العالمي للوسطية يدعو للتصدي للفتنة الطائفية في مصر في بيان له دعا املنتدى العاملي للو�سطية يف بيان �أ�صدره امل�صريني جميعا �إىل الوقوف �صف ًا واحد ًا �أمام الأيدي اخلبيثة التي حتاور العبث يف م�صر و�أمنها و�أهلها ،كما ويدعو جميع احلكماء ل�سد الطريق �أمام هذه الفتنة التي �ست�ؤدي �إىل تدمري �إمكانات م�صر ال�شقيقة و�إجها�ض ثورة �شعبها . وفيما يلي ن�ص البيان...
لقد �أعطت م�صر و�شعبها للأمة العربية ولكافة الأمم وال�شعوب منوذجاً يحتذى يف التوافق والوئام اللذان �أو�صال ال�شعب امل�صري العظيم �إىل التحرر من الظلم والطغيان ،فكان امل�سيحي �إىل جانب امل�سلم يف ميدان التحرير ويف كل مناطق م�صر يعلنون وب�صوت واحد عن حبهم مل�صر وقدموا من �أجل ذلك �صورة م�شرقة على م�ستوى العامل يف الت�آخي والعمل ال�سلمي لتلغي وت�أد كل ما كان يعكر وحدة امل�صريني وحلمتهم. �إن ما يجري يف م�صر احلبيبة هذه الأيام من حماوالت خبيثة لإثارة الفتنة الطائفية هي �أو�ضح دليل على �أن �أعداء م�صر وثورتها العظيمة يحاولون �إجها�ضها عن طريق اللعب يف هذه الأوراق اخلطرية .
�إن املنتدى العاملي للو�سطية �إذ يدعو جميع الأخوة امل�صريني م�سلمني وم�سيحيني اىل الوقوف �صفاً واحداً �أمام الأيدي اخلبيثة، كما ويدعو جميع احلكماء ل�سد الطريق �أمام هذه الفتنة العمياء التي �ست�ؤدي �إىل تدمري �إمكانات و�إجها�ض ثورتها و�إ�شغالها. واننا نهيب ب�أخوتنا يف م�صر احلبيبة م�سلمني وم�سيحيني للإنتباه والتيقظ لهذه الفتنة التي تريد ال�شر مل�صر و�أهلها كما نهيب بهم احلفاظ على وحدتهم الوطنية ،حمى اهلل م�صر و�أبعد عنها �أيدي اخلبثاء الذين يريدون �أن ينالوا من حريتها ووحدتها وثورتها.
العالمي للوسطية يصدر بيانا حول أحداث ليبيا نا�شد املنتدى العاملي للو�سطية يف بيان �أ�صدره العقيد معمر القذايف رئي�س دولة ليبيا باتقاء اهلل يف �شعبه وبالده العمليات الإجرامية التي تنفذها قواته بحقهم. و�أ�ضاف املنتدى يف بيان له ب�أن الأمتني العربية والإ�سالمية، مطال َبتني ب�أن ال تبقيا متفرجتني �أمام ما يجري يف ليبيا ،والبد من مبادرات م�ستمرة لوقف هذه العمليات الإجرامية ،ومطالبة النظام الليبي بوقف ما يجري والتنحي عن ال�سلطة. وفيما يلي ن�ص البيان....
�إن املنتدى العاملي للو�سطية ،وانطالقاً من حر�صه الكامل على ن�شر قيم احلرية واالعتدال والو�سطية ،وتكري�س مفاهيم الت�شريعات ال�سماوية التي حترم االعتداء على حقوق الآخرين ،وتنبذ الت�سلط والديكتاتورية ،يتابع ببالغ احلزن والأ�سى ،العلميات الإجرامية الب�شعة بحق الب�شرية ،و�إراقة الدماء الزكية على الأر�ض الليبية العزيزة ،ب�أيدي ليبيني من نف�س جلدتهم ومن داخل وطنهم، وينا�شد كل غيور من هذه الأمة ،وخا�صة �أ�صحاب القرار يف كافة البالد العربية ،م�ؤ�س�سات و�أفراد� ،إىل وقفة خال�صة ليمنعوا من خاللها املزيد من �إراقة الدماء وقتل الأبرياء من الأطفال وال�شيوخ والن�ساء بغري وجه حق. �إن الأمتني العربية والإ�سالمية ،مطال َبتني يف وقتنا احلا�ضر� ،أكرث من �أي وقت م�ضى ،ب�أن ال تبقيا متفرجتني �أمام ما يجري يف ليبيا، بل البد من مبادرات م�ستمرة لوقف هذه العمليات الإجرامية، ومطالبة النظام الليبي بوقف ما يجري والتنحي عن ال�سلطة.
كما �أن املنتدى العاملي للو�سطية ينا�شد العقيد القذايف �شخ�صياً، ب�أن يتقي اهلل يف �شعبه ويف الدماء الزكية الربيئة التي تراق يومياً من �أجل التم�سك بال�سلطة ،والتي �ستف�ضي اىل �إبادة كاملة لل�شعب الليبي� ،إذا ا�ستمر احلال على ما هو عليه. �إن اجلماهريية ال�شعبية التي ينادي بها العقيد القذايف ،ت�ؤكد بتنحيه ،ليرتك على �ضرورة �أن ين�صت �إىل �أ�صوات �شعبه املطالبة ّ ال�شعب الليبي حراً يف اختيار من يريد. �إن قتل الأبرياء جرمية عظيمة عند اهلل وعند النا�س ويف كل ال�شرائع ،يقول اهلل تعاىل ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِبغَيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف�سَ ا ٍد فيِ ا�س َجمِ ي ًعا ) (املائدة.)32 : ْأ الَ ْر ِ�ض َفكَ�أَنمََّ ا َق َت َل ال َّن َ
58
ﻧﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ نشاطات المنتدى لشهر كانون ثاني 2011م قام �صعادة �صفري جمهورية اإيران الإ�صالمية يوم الثنني املوافق 2010/1/3بزيارة اإىل مقر املنتدى العاملي للو�صطية حيث كان يف ا�صتقباله الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري واأمني ال�صر الأ�صتاذ الدكتور حممد اخلطيب وع�صوي املنتدى الأ�صتاذ الدكتور حممد الق�صاة و الدكتور هايل الداود . وقد مت خالل اللقاء البحث يف اأوجه التعاون ما بني املنتدى العاملي وجمهورية اإيران الإ�صالمية ،حيث قدم الأمني العام يف البداية اأهم ن�صاطات املنتدى يف جميع اأنحاء العال الإ�صالمي والتي قامت على ن�صر وتعزيز الفكر الو�صطي املعتدل ،كما مت بحث �صبل التعاون امل�صرتك بني اجلانبني خالل املرحلة املقبلة. ا�صتقبل الأمني العام للمنتدى العاملي للو�صطية املهند�س مروانالفاعوري يف مقر املنتدى يوم ال�صبت املوافق 2011/1/22رئي�س كتلة الإحتاد الإ�صالمي الكرد�صتاين النائب يف جمل�س النواب العراقي جنيب عبد اهلل بالته وعدد من اأع�صاء الكتلة ،و كل من رئي�س فرع املنتدى يف اليمن الدكتور داود احلدابي ،وع�صو املكتب التنفيذي ورئي�س فرع املنتدى مب�صر الأ�صتاذ منت�صر الزيات ،وع�صو املنتدى يف ال�صودان الدكتور �صديق حممد ال�صو . وقد مت خالل اللقاء الذي ح�صره اأمني �صر املنتدى الأ�صتاذ الدكتور حممد اخلطيب الت�صاور والتباحث يف موا�صيع تتعلق بن�صر وتعزيز الفكر الو�صطي يف العراق ب�صكل عام ويف كرد�صتان ب�صكل خا�س ،كما مت التفاق على مزيد من التعاون بني املنتدى والإحتاد الكرد�صتاين من اأجل عقد موؤمترات وندوات يف كرد�صتان. زار وفد طالبي �صبابي من جامعات تركية وا�صرتالية وكازاخ�صتانيةوبلغارية مقر العاملي للو�صطية ،وذلك يوم ال�صبت املوافق ،2010/1/1 حيث كان يف ا�صتقبالهم الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري وع�صو املنتدى الأ�صتاذ الدكتور حممد الق�صاة ورئي�س قطاع ال�صباب الدكتور حممد ريان وعدد من الأ�صاتذة والأكادمييني بالإ�صافة لعدد من �صباب و�صابات قطاع ال�صباب يف املنتدى العاملي للو�صطية ،ويف الزيارة مت التعرف على الأهداف التي ي�صعى املنتدى لتحقيقها من ن�صر للفكر الو�صطي وثقافة العتدال وذلك من خالل الن�صاطات والفعاليات التي يعقدها على مدار العام ،كما التقى الدكتور نوح الفقري بالوفد ال�صيف من خالل حما�صرة األقاها بهدف تعريفهم باملعال ال�صياحية الدينية الإ�صالمية املوجودة يف اأنحاء اململكة ،ويف نهاية الزيارة قام ع�صو املنتدى
العاملي الأ�صتاذ الدكتور حممد الق�صاة بتوزيع الهدايا من مطبوعات واإ�صدارات خا�صة للمنتدى على اأفراد الوفد وذلك تكرميا لهم. زار يوم ال�صبت املوافق 2011/1/15مقر العاملي للو�صطية وفدا منجامعة كاليفورنيا الأمريكية ي�صم نخبة مميزة من الأ�صاتذة والعلماء وهم اأراث البانيز وماثيو تال والدكتور عبد الرحيم مارديني والدكتور حممد عزيز عابدين ،وكان يف ا�صتقبال الوفد الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري وع�صوي املنتدى الأ�صتاذ الدكتور حممد الق�صاة و الدكتور هايل الداود ،واأي�صا ورئي�س فرع منتدى و�صطية اليمن الدكتور داود احلدابي الذي حل �صيفا على ا�صرة املنتدى ،وقد مت خالل اللقاء بحث �صبل التعاون امل�صرتك بني اجلانبني ،كما مت تبادل احلديث حول فكرة املنتدى والأهداف التي ي�صعى لتحقيقها ،حيث قدم الفاعوري اأهم ن�صاطات املنتدى يف جميع اأنحاء العال الإ�صالمي والتي قامت على ن�صر وتعزيز الفكر الو�صطي املعتدل. يف اإطار خطة ملتقى �صباب الو�صطية يف املنتدى العاملي للو�صطية،اأقيم يوم الأحد املوافق 2011/1/23يف مقر املنتدى اأوىل حما�صرات الدورة ال�صرعية والتي حملت عنوان» كيف نفكر �صرعيا « حيث األقى املحا�صرة التي كانت بعنوان» النظر املقا�صدي يف احلكم ال�صرعي» الدكتور عارف ح�صونة اأ�صتاذ ال�صريعة يف اجلامعة الأردنية ،وقد ح�صر املحا�صرة التي اأدارها رئي�س امللتقى الدكتور حممد الريان جمع غفري من ال�صباب وال�صابات من خمتلف التخ�ص�صات الأكادميية يف اجلامعات ،وجرى بعد املحا�صرة نقا�س مو�صع حول مفهوم املحا�صرة وتطبيقاته يف الفقه الإ�صالمي املعا�صر . بدعوة من املجل�س الأعلى لل�صباب األقى عميد كلية ال�صريعة يفاجلامعة الأردنية وع�صو املنتدى الأ�صتاذ الدكتور حممد اأحمد الق�صاة حما�صرة تناول فيها ر�صالة عمان والعنف املجتمعي وذلك يوم الثالثاء 2011/1/25يف مركز �صباب عجلون.ح�صر الندوة جمع غفري من �صباب و�صابات حمافظة عجلون. عقد املنتدى العاملي للو�صطية بالتعاون مع موؤ�ص�صة �صالتو�س الأردنللت�صويق ندوة بعنوان ( روؤية اإ�صالمية حول الأزمة املالية العاملية) ، وذلك يوم اخلمي�س املوافق 2011/01/27م يف م�صرح زارا اإك�صبو /جراند حياة عمان. وهدفت الندوة التي ادارها اأ�صتاذ ال�صريعة يف اجلامعة الأردنية الدكتور وائل عربيات و�صارك بها نخبة من العلماء والأ�صاتذة كل يف اخت�صا�صه اإىل بيان دور القت�صاد الإ�صالمي يف مواجهة الأزمة املالية العاملية بالإ�صافة اإىل اإقامة معر�س للموؤ�ص�صات وال�صركات يف الأردن على هام�س الندوة.
59
نشاطات المنتدى لشهر شباط 2011م �شارك ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية وعميد كلية ال�شريعة يفاجلامعة الأردنية الدكتور حممد الق�ضاة يوم اخلمي�س 2011/2/10 يف ندوة حول الوئام الديني والتي عقدت بالتعاون مع مديرية �أوقاف عجلون ،ح�ضر الندوة جمع غفري من �شباب و�شابات و�أهايل حمافظة عجلون . �أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع مادبا يوم ال�سبت املوافق 2011/2/26ندوة حول (دور الفكر الو�سطي يف تعزيز التعاي�ش واالنتماء الوطني) ت�ضمنت الندوة مناق�شة �أوراق عمل حتدثت عن الوئام الإ�سالمي امل�سيحي ودور الفكر الو�سطي يف �إبراز ال�صورة امل�شرقة للإ�سالم من خالل تعزيز مبد�أ احلوار بني �أتباع الديانات ومواجهة املتطرفني. وقال �أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يف كلمته �أن الأردن يزخر مبعاين العي�ش والوئام بني �أبناء الأ�سرة الواحدة م�شريا يف الوقت ذاته �إىل الأ�صوات الناعقة واملتطرفة التي تظهر ما بني احلني والأخر والتي تريد ت�شويه �صورة اال�سالم ال�سمحة قد �أفل جنمها ،من جهته قال الدكتور �سليمان �شيحان �أن الو�سطية واالعتدال يف الإ�سالم منهج را�سخ القواعد ت�ؤ�س�س له الآيات الكرمية والأحاديث النبوية ال�شريفة والوئام بني الأديان وت�ؤكده �آيات الكتاب املقد�س، مبينا تفرد منوذج العي�ش امل�شرتك والوئام الإ�سالمي امل�سيحي الذي ينفرد به الأردن متميزا عن غريه بف�ضل قيادة جاللة امللك عبداهلل الثاين احلكيمة من �أحفاد الر�سول امل�صطفى عليه ال�سالم وتعزيز مبد�أ الو�سطية والعداله واحرتام �إن�سانية الإن�سان يف احلكم الها�شمي، وناق�شت اجلل�سة الأوىل التي تر�أ�سها الأ�ستاذ �صالح اخلواطرة عدة �أوراق عمل ،حيث حتدث �أ�ستاذ التاريخ يف جامعة فيالدلفيا الدكتور خالد جرب للحديث عن الوئام عند امل�سلمني يف �صدر الإ�سالم الأول متطرقا يف الوقت ذاته لعدد من النماذج على تلك ال�سماحة. ودعا عميد كلية ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة يف ورقته حول «الوئام الديني بني الأديان» �إىل توظيف ر�سالة عمان ال�سمحة ،وتطبيق مبادئها لتكون منوذجا ح ّيا و�شاهدا على �صورة الإ�سالم املفعمة بال�سماحة واحرتام الإن�سان ،يف حني تطرق معايل الدكتور منذر حدادين يف ورقته للحديث عن التعاي�ش والوئام ودوره يف تعزيز التنمية واال�ستقرار يف الأردن» � ،أما الأ�ستاذ الدكتور حممد اخلطيب فقد تطرق يف ورقته خالل اجلل�سة الثانية التي تر�أ�سها للحديث عن دور الفكر الو�سطي يف تعزيز التعاي�ش واالنتماء الوطني ،يف حني �أكد الأب معني احللو يف ورقته» م�سلمون وم�سيحيون يف مواجهة التحديات» على روابط �أبناء الوطن الواحد من خمتلف الأ�صول واملنابت واملعتقدات الدينية ،م�شريا �إىل ر�سالة م�سيحي
ال�شرق �إىل العامل بان العي�ش يف ظل الدولة الإ�سالمية منذ � 1400سنة اكرب �شاهد ودليل على �سالمة العالقة بني الإ�سالم وامل�سيحية . �أقام منتدى و�سطية اربد يوم ال�سبت املوافق 2011/2/19احتفاالمبنا�سبة ذكرى املولد النبوي يف مقر املنتدى ،وتطرق رئي�س فرع اربد ال�سيد يو�سف امللكاوي يف كلمته �إىل �صفات النبي عليه ال�صالة وال�سالم مبينا �أن ميالد النبي هو ميالد �أمة جمعاء ،و�أن يف مولده ثورة �إ�صالح وحوار مع الآخرين فهو احلليم ال�صادق الأمني وحق علينا �أن نحتفل لنتذكر �صفاته. يف حني بني م�ساعد مدير �أوقاف الكورة الدكتور حممد الزعبي �أن احلديث عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم هو حديث العمق بال حدود وقال �أنه فجر ينابيع احلكمة و�أنهار ال�صدق و�صالبة اليقني ،كما �أ�شار يف حديث لأيام النبي م�ؤكدا على �ضرورة �إتباع النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف كل �أقواله و�أفعاله. �أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع اربد يوم ال�سبت املوافق 2011/2/12ندوة بعنوان «احلوار يف الإ�سالم و�آدابه» وذلك يف مقر الفرع ،وقال رئي�س فرع و�سطية اربد ال�سيد يو�سف ملكاوي يف كلمته �أن احلوار موجود يف القر�آن الكرمي م�ست�شهدا بعدد من الآيات املتعلقة بذات ال�ش�أن ،وبني يف الوقت ذاته �أن احلوار �أي�ضا موجود منذ القدم مع الأنبياء و�أقوامهم ،و�أن للحوار �آداب يجب على كل حماور االلتزام بها لكي يتمكن من الو�صول �إىل ما يريد ،من جهته حتدث الدكتور �أحمد بني �سالمة من تربية اربد الأوىل عن مفهوم احلوار و املعنى اال�صطالحي وال�شرعي لهذا املفهوم ،ذاكرا ال�ضوابط الت�صحيحية للحوار والعالقة مع الآخر ومبينا العنا�صر الذاتية واملو�ضوعية والأ�سباب امل�ؤدية �إىل االختالف. قال مدير معهد املعارج للدرا�سات ال�شرعية الداعية ال�شيخ عون القدومي �أن حديثنا عن ر�سول اهلل وحياته و�سريته و�أخالقه ما هو �إال �إعادة ترتيب ل�صالتنا به ،لنرتجمها يف بيوتنا و�ش�ؤون حياتنا ،وحتدث القدومي خالل املحا�ضرة التي نظتمها جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة احتفاال بذكرى املولد النبوي ال�شريف عن �أخالق النبي و�شمائله وخ�صاله مع ن�سائه واملر�أة ب�شكل عام ،م�ستعر�ضا اخبار املر�أة يف حياة النبي ومتحدثا عن بناته وكيف كان يعاملهن ويح�سن لهن، وكيف لقي الأذى الكبري مع دعوته يف بناته ،وم�شريا يف الوقت ذاته �إىل زوجاته وكم من مظاهر العجب �سادت مرات زواجه خا�صة و�أنه قد تزوج بال�صغرية وتزوج بالكبرية وتزوج بالثيب و تزوج بالبكر ومنهن من كانت من قلب اجلزيرة ،كما تزوج بامل�سلمة و�أخذ الن�صرانية م�ؤكدا على �أن تلك النماذج من زوجات ر�سولنا الكرمي �ستقع يف �أمته من بعد نبي اهلل وبيئته فهو اجلامع لكل ما �سي�أتي من بعده والنموذج للب�شرية جمعاء.
60
�ضمن فعاليات احلزمة الإدارية مل�شروع قارئ النه�ضة ،عقد ملتقى�شباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت املوافق � 2011/2/26أوىل حما�ضرات الدورة التدريبية التي حتمل عنوان» ديجافو» للمدرب املبدع املهند�س نزار عبندة املدير العام لأكادميية نزار عبنده للتدريب وذلك يف مقر املنتدى ،وتهدف الدورة التي �ست�ستمر ملدة � 15ساعة وعلى مدار خم�سة �أ�سابيع �إىل التدريب على مهارات �إدارة الذات ومهارات التوا�صل و�إدارة الوقت وغريها الكثري من املهارات ،ح�ضر الدورة يف يومها الأول 77قارئة و قارئ نه�ضة من �شابات و�شباب هيئة �شباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية وخرج قراء النه�ضة بانطباعات �إيجابية . بتنظيم من املنتدى العاملي للو�سطية عقدت هيئة �شباب الو�سطيةيف املنتدى يوم ال�سبت املوافق 2011/2/19حفل لتوزيع ال�شهادات التقديرية على الطالب ممن �شاركوا يف الدورات التي عقدها قطاع ال�شباب ،حيث قدم رئي�س قطاع ال�شباب الدكتور حممد الريان �شهادات تقديرية على امل�شاركني يف دورتي « نظم عقلك» للأ�ستاذ �أ�سامة خاوجي و»دورة كيف نفكر �شرعيا» لكل من الدكتور عارف ح�سونة والدكتور حممد الريان والدكتورة مروة خورمة والدكتور عبد اهلل ال�صيفي والدكتورة دعاء فينو وذلك لإمتامهم عدد ال�ساعات التدريبية للدورات ،كما قدم الدكتور ريان جوائز رمزية لعدد من الطالبات ممن تفوقن يف حفظ �سورة النور وذلك تقديرا وت�شجيعا لهن. يف �سياق التح�ضريات مل�ؤمتر ال�شباب والإعالم الذي �سيعقده املنتدىالعاملي للو�سطية ،عقد �صباح يوم ال�سبت املوافق 2011/2/19اجتماع تر�أ�سه رئي�س ملتقى ال�شباب يف املنتدى الدكتور حممد ريان وح�ضره اللجنة الإعالمية للم�ؤمتر ،ومت يف االجتماع مناق�شة الكثري من املهام املتعلقة بامل�ؤمتر بالإ�ضافة ملناق�شة عر�ض فيلم وثائقي يتعلق بامل�ؤمتر ويحتوي على الأهداف واملحاور اخلا�صة ،من اجلدير ذكره ب�أن امل�ؤمتر يهدف �إىل توظيف وا�ستثمار جهود ال�شباب يف خدمة ال�شباب �،إىل جانب ذلك عقد اجتماع �آخر مللتقى �شباب الو�سطية برئا�سة د.حممد الريان، مت خالله التباحث يف عدد من الأمور املتعلقة باملجلة التي �ست�صدر عن امللتقى والتي �ستخدم القطاع ال�شبابي على م�ستوى اجلامعات للفئة العمرية ال�شبابية ما فوق � 18سنة ،من �أهمها مناق�شة التعديالت التي جرت على املجلة قبل �إ�صدارها علما ب�أن جملة « نوافذ» وهو اال�سم الذي �أطلق عليها هي جملة ف�صلية �ست�صدر كل �أربعة �شهور.
نشاطات المنتدى لشهر آذار 2011م �أكد امل�شاركون يف امل�ؤمتر الدويل الأول الذي عقده املنتدى العامليللو�سطية يف القاهرة يوم 2011/3/27م بعنوان « النه�ضة على �ضوء التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي م�صر وتون�س منوذجا» �أن الثورات ال�شعبية التي اندلعت يف العامل العربي فتحت الباب وا�سعا
للنه�ضة وتقدم ال�شعوب العربية ،م�ؤكدين �أن حتقيق الإ�صالح واحلكم الر�شيد م�ستقبال برقابة ال�شعب جعل م�شروع النه�ضة قابال للتحقيق، وتناولت اجلل�سة الأوىل يف حمورها الثقايف حول �سقوط العنف وانت�صار ال�سلمية عدة �أوراق عمل من �أبرزها « الثورات العربية � :سقوط خطاب العنف يف �إقناع املجتمعات بالتغيري» و « دور و�سائل االت�صال احلديثة يف التغيري ال�سلمي نحو الإ�صالح « �إىل الدور الذي لعبته و�سائل الإعالم واالت�صال يف الثورات التي ي�شهدها العامل العربي ،كما نوق�شت ورقة حول « ال�شباب ودوره يف الإ�صالح والتغيري « وحتدث يف اجلل�سة الثانية التي تناولت «املحور الديني :الدين والثورة» الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يف ورقته حول « متغريات اخلطاب الإ�سالمي بعد جناح ثورتي م�صر وتون�س « قائال �إ َّن بع�ض الأدبيات الإ�سالمية وبع�ض التعبريات احلركية ال زالت تتعامل مع امل�س�ألة الدميقراطية بتعابري ف�ضفا�ضة يكتنفها الغمو�ض والتقية. الفتا �إىل �أ َّن كثرياً من احلركات الإ�سالمية قد ح�سمت موقفها يف اجتاه التبني لهذه امل�س�ألة ك�أحزاب التيار الو�سطي يف تركيا واملغرب واليمن وم�صر والأردن وغريها ،داعيا �إىل �ضرورة تو�ضيح منطلقات جتعل من اخلطاب الدميقراطي الإ�سالمي كق�ضية ا�سرتاتيجية يف وطننا العربي والإ�سالمي. نظمت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية يوم الأحد 2011/3/13اجتماعالرئي�سات جلان املر�أة يف الفروع يف املحافظات ،حتدث فيه رئي�س املنتدى املهند�س مروان الفاعوري حول �أهمية دور املر�أة م�شيدا بالوقت ذاته بدور اللجنة يف املنتدى و حكمتها يف الطرح ال�ستمرارية امل�سرية وت�أدية الر�سالة بلون و ب�صمة خمتلفة يف املجتمع حتقق ثمار �إ�صالح متنوع يف جميع املجاالت وبناء توجه ايجابي وا�سرتاتيجي يف قطاع املر�أة وتر�سيخ مفاهيم القيم والعدالة . وا�ستفتحت رئي�سة جلنة املر�أة ال�سيدة �سو�سن املومني االجتماع بكلمة ترحيبية �أكدت فيها على دور املر�أة يف تنمية املجتمع و�إي�صال ر�سالة الو�سطية �إىل املر�أة يف الريف ،وقد مت عر�ض خطة جلنة املر�أة لعام 2011 و�أي�ضا تقرير لأن�شطة املر�أة عن �سنة 2010واال�ستماع لآراء و اقرتاحات من قبل الفروع و اقرتاح ا�سرتاتيجيات طويلة الأمد واعداد خطة لعمل كل فرع ،ح�ضر اجتماع جلنة املر�أة من املقر الرئي�سي رئي�سة اللجنة ال�سيدة �سو�سن املومني وال�سيدة رويداء رياالت ،د.نوال �شرار عن فرع اربد ،ال�سيدة ا�سماء رواحنة عن فرع مادبا ،ال�سيدة �شهال عربيات عن فرع ال�سلط ،د.خولة اخلوالدة عن فرع جر�ش . عقدت جلنة املر�أة يف منتدى و�سطية للفكر والثقافة /فرع مادباوبالتعاون مع جتمع جلان املر�أة يف مادبا يوم االثنني املوافق 2011/3/21 حما�ضرة بعنوان « دور املر�أة يف متا�سك الأ�سرة» . وقالت ع�ضو املنتدى الدكتورة نوال �شرار يف املحا�ضرة التي ح�ضرها عدد من �سيدات حمافظة مادبا �أن الإ�سالم قد حفظ للمر�أة مكانتها
61
واحرتامها وجعلها �صمام �أمان لأ�سرة متما�سكة تبني جمتمعا تنمويا متجان�سا . و�أ�ضافت �أن املر�أة قبل الإ�سالم مل يكن لها قدر �أو قيمة بل كانت �سلعة تباع وت�شرتى ،حتى جاء الإ�سالم ف�أعطاها املكانة ال�سامية ال�صحيحة وجعل لها من احلقوق ما للرجل متاما مبا يت�ساوى مع طبيعة كل منهما ،يف كل مرحلة من مراحل حياتها �سواء كانت بنتا �أو زوجة �أو �أما. عقدت الهيئة الت�أ�سي�سية لهيئة �شباب الو�سطية �إجتماعها الثاين يف مقر الهيئة يف عمان بح�ضور ال�سيد مو�سى العودات مدير �شباب العا�صمة وال�سيد علي عبيدات مندوب مديرية �شباب العا�صمة ،ويف االجتماع مت انتخاب هيئة �إدارية برئا�سة ال�سيدة رويداء الرياالت وع�ضوية كل من ال�سيد حكمت الب�شري �أمينا لل�سر ،والأ�ستاذ مازن الفاعوري �أمني ال�صندوق ،واملهند�س �أ�شرف احلامد �أمني �سر ،والدكتورة نوال �شرار ع�ضو ،وال�سيد عمار املومني ع�ضو ،وال�سيد ب�سام عبد اجلواد ع�ضو. �ضمن م�شروع قارئ النه�ضة ،عقدت هيئة �شباب الو�سطية يوم ال�سبت 2011/3/26ندوة بعنوان «قراءة يف كتاب» ،حيث مت خالل اللقاء طرح عدة كتب للنقا�ش ،فقد حتدثت �إ�سراء جرادات عن كتاب «الراق�صون على جراحنا» ،فيما حتدثت �سمية ال�صيفي عن كتاب « ال�سر» ،وتخلل اللقاء الذي �أدارته �إميان الكيالين وح�ضره الأ�ستاذ �إبراهيم الع�سع�س وجمموعة من طلبة اجلامعات نقا�شات عدة تطرق من خاللها لعمل املر�أة ومدى ت�أثريه على عمل الرجال يف بع�ض املجاالت ،و�أكد الأ�ستاذ �إبراهيم الع�سع�س يف نهاية اللقاء على �ضرورة بناء الإن�سان وفكره قبل �إ�شراكه يف م�شروع النه�ضة حتى يكون قادراً على ا�ستيعاب دوره وحمل م�س�ؤولياته . عقد ملتقى �شباب الو�سطية يوم ال�سبت 2011/3/12اجلل�سة الثانيةمن «دورة نظم عقلك» للأ�ستاذ �أ�سامة غاوجي ،وتعترب دورة نظم عقلك التي �شارك فيها ما يقارب الـ 40طالبا وطالبة �ضمن احلزمة التدريبية الأوىل من م�شروع قاريء النه�ضة ،وتطرقت اجلل�سة التي عقدت ما بني ال�ساعة التا�سعة والثانية ع�شر عن م�سارات النه�ضة وكيفية حتقيقها . عقد ملتقى �شباب الو�سطية يف متام ال�ساعة الثانية ع�شر من يوم ال�سبت 2011/3/12اجلل�سة الثانية من «دورة التخطيط الإ�سرتاتيجي للحياة» للأ�ستاذ معاذ عاي�ش ،وتخت�ص الدورة يف كيفية �صناعة الأهداف وبناء خطة ا�سترياتيجية على مدى �سنوات معدودة .من اجلدير ذكره ب�أن ما يقارب الـ 60طالبا وطالبة قد �شاركوا يف اجلل�سة الثانية من الدورة . قال رئي�س منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع اربد الأ�ستاذ يو�سف ملكاوي �أن ر�سالتنا هي ال�سعي لتقوية منهج الو�سطية ور�ؤيتنا ن�شر ر�سالة االعتدال يف فهم الإ�سالم و�أهدافنا ن�شر الفكر املعتدل يف خمتلف الق�ضايا ،وبني امللكاوي خالل لقائه نادي احلوار مبدار�س االعتماد الدولية يف الرمثا �أن املنتدى ي�سعى �إىل تر�سيخ مفاهيم احلرية والعدل عرب الندوات وامل�ؤمترات واملحا�ضرات.
�صدر م�ؤخرا عن املنتدى العاملي للو�سطية ن�شرات دينية عديدةتناولت موا�ضيع هامة ذات ال�صلة بر�سالة و�أهداف املنتدى التي تنادى بالو�سطية والإعتدال واالبتعاد عن التطرف والغلو ،من املوا�ضيع التي تناولتها الن�شرات التي �صدرت باللغتني العربية والإجنليزية « مدر�سة النبوة ثقافة حب ال ثقافة كراهية» حيث تطرقت لثقافة احلب وورودها يف القر�آن الكرمي ونبذ ثقافة الكراهية التي هي طريق لثقافة التكفري ،كما تناولت �إحدى الن�شرات مو�ضوع «الو�سطية واالعتدال منهج �أمة» مت الرتكيز فيها على بيان معنى الو�سطية و�أهميتها ..كمدخل للح�ضارة الإن�سانية ..وطريق للنه�ضة ...وواقع �أمة ،من الن�شرات �أي�ضا ن�شرة بعنوان» الإرهاب �صناعة اخلوارج» لف�ضيلة ال�شيخ الدكتور حممد العريفي ركز من خاللها على اخلوارج ومذهبهم والآثار ال�سلبية املرتتبة ملن ينت�سب لهم من ف�ساد وقتل و�ضياع.
نشاطات المنتدى لشهر نيسان 2011م برعاية املنتدى العاملي للو�سطية عقد فريق �ضع ب�صمتك /اجلامعةالأردنية دورة متخ�ص�صة بعنوان « العرو�س امل�سلمة « حا�ضرت فيها كل من الدكتورة دعاء فينو املتخ�ص�صة يف ق�ضايا املر�أة وال�شريعة الإ�سالمية والدكتورة �آمال البكري املتخ�ص�صة بالإمرا�ض الن�سائية ، وهدفت الدورة التي ا�ستمرت ملدة ثالثة �أيام لبناء �أ�سرة �صاحلة ي�ساهم جميع �أفرادها يف بناء املجتمع ونه�ضة الأمة ،والتوعية والتثقيف يف حت�صني الأبناء وتنمية قدراتهم وتوجيههم الوجهة ال�سليمة املتزنة. نظمت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة دورةمتخ�ص�صة بعنوان « الوفاق الأ�سري وال�سعادة الزوجية من خالل تف�سري �آية القوامة ( )34من �سورة الن�ساء» بهدف امل�ساهمة يف بناء �أ�سرة �صاحلة ي�ساهم جميع �أفرادها يف بناء املجتمع ونه�ضة الأمة وذلك ان�سجاما مع ر�سالة للجنة ،وتهدف الدورة التي �ست�ستمر ملدة �شهرين بواقع �ساعتني �أ�سبوعيا من كل ثالثاء �إىل ت�أطري العالقة بني الرجل واملر�أة داخل الأ�سرة مبا ي�ساهم ب�إعطاء كل ذي حق حقه ،وت�ؤ�س�س للوفاق ولي�س ال�صراع داخل كيان الأ�سرة مبا يحقق منظومة الأمن االجتماعي. عقدت هيئة �شباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون معجمعية �صناع احلياة احلزمة التدريبية الثانية (افهم واقعك) والثالثة (افهم دينك) ،للدكتور جا�سم �سلطان وذلك يف قاعة يا هال يف املدينة الريا�ضية يف الفرتة ما بني ، 2011 /4/18-15وحتدث الدكتور جا�سم �سلطان خالل احلزمة الأوىل (افهم واقعك) عن �أهمية �إيجاد �أ�سا�س يف كل من االقت�صاد وال�سيا�سة واجلغرافيا لربط الأمور ببع�ضها ،يف حني تطرق الدكتور �سلطان يف احلزمة الثالثة (افهم دينك) عن
62
املراحل التي مرت بها العلوم الإ�سالمية والفقهية منذ عهد الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم وحتى عهدنا هذا وبني احل�سنات والثغرات يف كل مرحلة . احتفلت هيئة �شباب الو�سطية يوم ال�سبت املوافق 2011/4/9مبرور�سنة على م�شروع . Book96و متثلت فعاليات احلفل الذي جرى مبقر املنتدى بالتقاء جمموعة من ال�شباب (العديد منهم من طالب اجلامعة الها�شمية) واالتفاق فيما بينهم على قراءة كتاب ويختارونه ليتم مناق�شته معاً فيما بعد. �ضمن فعاليات احلزمة الإدارية مل�شروع قارئ النه�ضة ،عقدتهيئة �شباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت املوافق 2011/4/2اللقاء الرابع من الدورة التدريبية التي حتمل عنوان» � /dejavuشوهد من قبل «للمدرب املهند�س نزار عبندة املدير العام لأكادميية نزار عبنده للتدريب وذلك يف مقر املنتدى. عقدت هيئة �شباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبتاملوافق 2011/4/10لقاءها اخلام�س من الدورة التدريبية التي حتمل عنوان» �/ dejavuشوهد من قبل «للمدرب املهند�س نزار عبندة املدير العام لأكادميية نزار عبنده للتدريب وذلك يف مقر املنتدى ،حتدث الأ�ستاذ عبندة يف هذا اللقاء عن قانون الك�سب ،و�أهمية قوة القرار، وكيفية اتخاذ القرار الذي يخدم الهدف ،وعن قانون ال�سبب والنتيجة. �أقام منتدى و�سطية اربد يوم ال�سبت املوافق 2011 /4 /9حما�ضرةبعنوان» اهتمام الإ�سالم باليتيم» حتدث فيها كل من رئي�س منتدى و�سطية اربد ال�سيد يو�سف امللكاوي وال�شيخ عثمان �أبو �سراب من �أوقاف اربد والدكتور تي�سري �سعدين امل�شرف الرتبوي من تربية اربد الأوىل . �أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع اربد يوم ال�سبت املوافق 2011/4/16يف مقر الفرع ندوة بعنوان «الإ�صالح والتغري �سبيلنا» حتدث فيها كل من رئي�س فرع و�سطية اربد ال�سيد يو�سف امللكاوي والدكتور عمر النوافلة . عقد فرع املنتدى يف حمافظة جر�ش يوم الأربعاء املوافق 2011/3/30حما�ضرة بعنوان « دور الأ�سرة يف تربية النا�شئة على معامل االعتدال والو�سطية» �أكد فيها الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة عميد كلية ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية وع�ضو منتدى الو�سطية للفكر والثقافة على دور الأ�سرة يف تربية النا�شئة على معامل الدين احلنيف والعالقة القائمة بني الآباء والأبناء على معايري املودة والرحمة والتوا�صل، و�أ�ضاف يف �أن الأ�سرة تقود الدور الريادي يف تر�سيخ معاين الو�سطية واالعتدال حتى يكون لها الأثر الإيجابي يف البناء والن�سيج االجتماعي . �أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة/فرع ال�سلط ندوه حواريه حولدور الأ�سرة يف تربية الن�شىء على االعتدال والو�سطيه ،ودور الأ�سرة يف
حماربة العنف املجتمعي ،حتدث فيها الدكتور عو�ض الفاعوري مدير �أوقاف البلقاء والأ�ستاذ جمال ال�سفرتي ،ويف بداية اللقاء الذي �أدارته الداعية رويدا رياالت �أكد �أحيا عربيات رئي�س منتدى ال�سلط على �أهمية هذه اللقاءات التي تتما�شى والواقع املحلي ،وعلى �أهمية تفاعل الرتبيه والتعليم مع هيئات املجتمع املدين ون�شر فكر الت�سامح والإخاء بني �أبناء املجتمع وخا�صة فئة ال�شباب . وقال الأ�ستاذ جمال ال�سفرتي بان الأ�سرة تتحمل امل�س�ؤولية الأ�سا�سية والأوىل يف احلد من ظاهرة العنف ،يف حني عرف الدكتور عو�ض الفاعوري مدير اوقاف البلقاء العنف اال�سري من منظور ا�سالمي متطرقا ال�سبابه من �ضعف الوازع الديني و�سوء الفهم و�سوء الرتبيه والن�شاه يف بيئه عنيفه وغياب �شفافية احلوار والت�شاور داخل اال�سره و�سوء االختيار وعدم التنا�سب بني الزوجني يف خمتلف اجلوانب . قال مدير عام ال�شركة الوطنية للت�شغيل والتدريب العميد عارف�صربة �أن ال�شركة اعتمدت ا�سترياتيجية معينة لت�شغيل وتدريب � 30ألف م�ستخدم على مدى الأعوام 2013 -2007بعد �أن مت اعتماد برنامج تدريبي ملدة � 12شهرا تدريب ع�سكري و� 4شهور للتدريب املهني الت�أ�سي�سي و� 6شهور للتدريب العملي امليداين ،و�أ�ضاف خالل اللقاء الذي عقد برعاية النائب جمال قموة يف مركز مو�سى ال�ساكت الثقايف بتاريخ 2011/2/12بتنظيم من منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع ال�سلط وبالتعاون مع جمعية �أ�صدقاء بلدية ال�سلط ومركز مو�سى ال�ساكت� ،أن ان�شاء ال�شركة جاء ا�ستجابة للتوجيهات امللكية ال�سامية ك�شركة م�ساهمة غري ربحية مملوكة للقوات امل�سلحة الأردنية.
63
مؤتمرات الوسطية
العالمي للوسطية يعقد مؤتمره «النهضة على ضوء التحوالت السياسية في العالم العربي» في مصر �أكد �سيا�سيون و�إ�سالميون ودعاة �إن الثورات ال�شعبية التي اندلعت يف العامل العربي فتحت الباب وا�سعا للنه�ضة وتقدم ال�شعوب العربية ،بعدما زالت حواجز القمع وكبت احلريات وعادت الكرامة واحلرية.
و�أ�ضاف امل�شاركون يف امل�ؤمتر الدويل الأول الذي عقده املنتدى العاملي للو�سطية يف القاهرة الأحد املوافق 2011/3/27حتت عنوان « النه�ضة على �ضوء التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي م�صر وتون�س منوذجا « علي ت�أكيد �أن الفر�صة �أ�صبحت مواتية لنه�ضة قوية للأمة العربية والإ�سالمية بعدما زال العديد من الأنظمة القمعية الت�سلطية والبقية يف الطريق ،م�ؤكدين �أن حتقيق الإ�صالح واحلكم الر�شيد م�ستقبال برقابة ال�شعب جعل م�شروع النه�ضة قابال للتحقق بعدما جرفت الأنظمة ال�سابقة العقول والقدرات و�سببت �إحباطا كبريا للعلماء وال�صناع . و�أكدوا يف امل�ؤمتر الذي عقد يف فندق �سون�ستا بالقاهرة �أن فج ًرا جديدًا �أطل على الأمة العربية والإ�سالمية �سي�ضع العامل العربي والإ�سالمي لو �أُح�سن ا�ستغالل الفر�صة واتباع تعاليم الإ�سالم احلقة ـ يف م�صاف القوي االقت�صادية الناه�ضة الكربى. جل�سة االفتتاح
وقال عريف احلفل مدير مكتب الإ�سالم اليوم بالقاهرة الأ�ستاذ خالد ال�شريف يف كلمته التي �ألقاها � ّأن الفر�صة �أ�صبحت مواتية لنه�ضة قوية للأمة العربية والإ�سالمية ،بعدما زال العديد من الأنظمة القمعية الت�سلطية والبقية يف الطريق. و�أ�ضاف املحامي الأ�ستاذ منت�صر الزيات رئي�س فرع «املنتدى العاملي للو�سطية» يف م�صر يف كلمته على � ّأن حتقيق النه�ضة يف العامل العربي بعد الثورات ال�شعبية �أ�صبح ممك ًنا ،بعدما الدخول ملرحلة جديدة ت�ؤ�س�س لتحوالت كربي يف العامل العربي ،م�شريا �إىل � ّأن الو�سطية تعني
التغيري وال�صدع باحلق ،وتعني الثورة الناعمة وتعني املقاومة يف الدول التي حتارب �ضد االحتالل. ودعا الدكتور حممد البلتاجي القيادي يف جماعة الإخوان امل�سلمني لل�ضغط من �أجل الو�صول �إىل احلكم الر�شيد بعد غياب املعوقات الأمنية وال�سلطوية ،م�ؤكدا �أنه «ال ميكن حتقيق م�شروع نه�ضوي
-جانب من امل�ؤمتر
للأمة بعيدا عن احلكم الر�شيد « ،و�شدّد ف�ضيلة ال�شيخ حممد ح�سان على �ضرورة احرتام غري امل�سلمني ،وعدم �إكراه �أحد على الإ�سالم� ،أو �إكراهه على قبول ر�أي ال ير�ضى عنه ،م�ؤكدًا «نحن دعاة ال ق�ضاة»، و»البلد بلد امل�سلمني والن�صارى وال �أحد يقول �أن البلد بلدنا ،من جهته �أكد الدكتور ع�صام دربالة القيادي يف اجلماعة الإ�سالمية على �أن النظم البائدة حرمتنا من حريتنا وكرامتنا فغابت النه�ضة لأن النه�ضة ال ميكن �أن تقوم بدون حرية �أو كرامة ،وهو ما �أعادته لنا الثورة ال�شعبية فباتت �أمامنا فر�صة للنه�ضة ،لأن الثورة فتحت جماالت العمل الدعوي واخلريي وال�سيا�سي.
64
اجلل�سة الأوىل
وتناولت اجلل�سة الأوىل يف حمورها الثقايف حول «�سقوط العنف وانت�صار ال�سلمية» والتي تر�أ�سها الدكتور عبد الرحمن النعيمي عدة �أوراق عمل حيث حتدث الأ�ستاذ الدكتور �أحمد نوفل يف ورقته الثورات العربية � :سقوط خطاب العنف يف اقناع املجتمعات بالتغيري» عن الدور الذي �أحدثته الثورات كما ثورة م�صر وتون�س يف �إحداث الإ�صالح املطلوب ،و�أ�شار الأ�ستاذ عامر عبد املنعم يف ورقته « دور و�سائل االت�صال احلديثة يف التغيري ال�سلمي نحو الإ�صالح « �إىل الدور الذي لعبته و�سائل الإعالم واالت�صال يف الثورات التي ي�شهدها العامل العربي ،و�ساهمت يف ح�شد ال�شعوب يف التحركات ال�سلمية التي �أ�سقطت نظامي احلكم يف تون�س وم�صر ،وال زالت ت�ستخدم ب�شكل فاعل يف التغيري الذي تعي�شه ليبيا واليمن ،ودول �أخري يف الطريق ،كما �أنتجت و�سائل االت�صال احلديثة حركات جمتمعية جديدة و�أجياال من ال�شباب الواعي الذي تربي على �أر�ضية خمتلفة عن تلك التي تربى عليها ما �سبقهم من �أجيال. من جهته تطرق الأ�ستاذ حممد ال�صياد يف ورقته « ال�شباب ودوره يف الإ�صالح والتغيري « �إىل مدى اهتمام الإ�سال ُم بال�شباب ،ذكورا و�إنا ًثا، و كيف �أوالهم عناي ًة فائقة ملا ميثلونه من قوة دفع للمجتمع ،ومظاهر احرتام الإ�سالم لل�شباب وحما�ستهم وطاقتهم ،واعرتافه ب�أفكارهم و�آرائهم ،واالحتياجات الأ�سا�س َّية لل�شباب ،والعمل على تلبيتها ،كما تناول ثورة م�صر والتغيري الذي �أ�سهموا فيه ال�شباب للمطالبة بالإ�صالح ،يف حني حتدث الأ�ستاذ ح�سني الروا�شدة يف ورقته عن دور الدين يف التحوالت ال�سيا�سية ومدى ت�أثريه على التوجهات ال�سائدة . اجلل�سة الثانية
�أما فيما يتعلق باجلل�سة الثانية والتي تناولت «املحور الديني : الدين والثورة» برئا�سة د.عبد الإله ميقاتي» فقد ناق�شت عدة �أوراق عمل هامة ذات ال�صلة ،حيث حتدث الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يف ورقته حول « متغريات اخلطاب الإ�سالمي بعد جناح ثورتي م�صر وتون�س «» قائال �إ َّن بع�ض الأدبيات الإ�سالمية وبع�ض التعبريات احلركية ال زالت تتعامل مع امل�س�ألة الدميقراطية بتعابري ف�ضفا�ضة يكتنفها الغمو�ض والتقية .الفتا �إىل �أ َّن كثرياً من احلركات الإ�سالمية قد ح�سمت موقفها يف اجتاه التبني لهذه امل�س�ألة ك�أحزاب التيار الو�سطي يف تركيا واملغرب واليمن
وم�صر والأردن وغريها ،داعيا �إىل �ضرورة تو�ضيح منطلقات جتعل من اخلطاب الدميقراطي الإ�سالمي كق�ضية �إ�سرتاتيجية يف وطننا العربي والإ�سالمي. . وقال «�إ َّن ثمة حاجة ذاتية لدى احلركات الإ�سالمية ملراجعة كثري من الأدبيات املحكومة ب�شروطها التاريخية ،والتي تبنتها بخ�صو�ص عديد من الق�ضايا واملحاور ذات ال�صلة بالعمل ال�سيا�سي ونظام احلكم والتعددية والدميقراطية واملر�أة واحلريات العامة واملواطنة وحقوق الأقليات يف حني �أ�شار الدكتور �صفوت عبد الغني يف ورقته حول» اجلماعات والأحزاب ال�سيا�سية �...أولويات الإ�صالح « حول �أهمية التجديد ال�سيا�سى امل�شاركني يف �صورة تذكارية كمدخل هام فى اولويات اال�صالح،والقوا�سم امل�شرتكة لدى التيارات الإ�سالمية لأولويات الإ�صالح الداخلي واخلارجي ،كما تطرق الدكتور حممد احلاج يف ورقته للحديث عن التحوالت يف العامل العربي وجذورها و�أ�سباب حدوثها يف حني �شدد �سماحة الإمام ال�صادق املهدي رئي�س حزب الأمة ال�سوداين ورئي�س الوزراء الأ�سبق يف ورقته» امل�ستقبل� :آفاقه وحتدياته» على �سبعة �أهداف البد من حتققها للو�صول �إىل مرحلة جني ثمار الثورة بالنه�ضة �أبرزها � :أن يعرب الفكر اجلديد عن الثورة ،و�أن ت�ؤ�س�س العالقة بني احلاكم واملحكومني علي �أ�سا�س امل�شاركة وامل�ساءلة وال�شفافية وحكم القانون ،و�أن تقوم التنمية علي العدالة والكفاية ،ومتكني امل�ست�ضعفني لأن احل�ضارة تقا�س مبقدار تعاملها مع امل�ست�ضعفني ،وكذا �ضرورة �أن تقوم النه�ضة علي �إعالم �صادق مع الفجر اجلديد ،و�أن تكون العالقة بني العرب والأ�سرة الدولية قائمة علي الندية وامل�صلحة امل�شرتكة ال �أن ن�أمتر ب�أوامرهم ونهمل م�صاحلنا ،ورف�ض «ال�سالم الأعرج» الذي ال ميكن �أن يعي�ش لأنه بال عدالة ،يف حني قال الدكتور حممد مورو يف ورقته « احلركات ال�شعبية و�أثرها يف تعزيز الدميقراطية» �أن �أي نه�ضة تبد�أ ب�إدراك ما هو موجود بالفعل من ثروات وطاقات وب�شر وغريها، و�أن التفاعل الإيجابي وال�صحي بني الب�شر والرثوات والطاقات املتاحة، هو ما يح ِّقق تلك النه�ضة املن�شودة ،كم و�أن احلركات واجلماعات ال�سيا�س َّية ذات املرجعية الإ�سالمية احل�ضارية والثقاف َّية هي الأقدر على قيادة م�شروع النه�ضة من خالل براجمهم من الثقافة واحل�ضارة الإ�سالمية با�ستثناء احلركات الليربالية واملارك�سية الذين ي�ستخدمون ثقافتهم من املرجعية الر�أ�سمالية �أو املارك�سية �أو غريها من �أفكار احل�ضارة الأوروبية� ،أما الأ�ستاذ حممد بالل ال�شريف فقد ركز يف ورقته على دور ال�شباب الفعلي يف ثورة م�صر.
65
العالمي للوسطية يعقد مؤتمره الدولي الحادي عشر « وسطية اإلمام ابن تيمية» م�شاركون يف امل�ؤمتر يدينون مظاهر العنف والتخريب وي�ؤكدون ما يالئم �أهواءها ،حتى غدا ا�سمه عند من يجهله مرتبطاً بق�ضايا التكفري والتف�سيق . ر�سالة الإ�سالم يف حتقيق الأمن والأمان مب�شاركة ثلة من علماء ومفكري الأمة ميثلون 12دولة عربية وبني �أن التقول على �شيخ الإ�سالم بغري علم من �أكرب اجلرائم بحق و�إ�سالمية ،انطلقت يف املركز الثقايف بعمان يوم الأحد املوافق 2011/4/17فعاليات امل�ؤمتر الدويل احلادي ع�شر بعنوان «و�سطية الإمام ابن تيمية» وملدة يومني. جل�سة االفتتاح
وقال الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري �أ َّن و�سطية الإمام ابن تيمية منارة يهتدي بها العامل الإ�سالمي يف زمن مت �إلبا�س فكره وفتاويه غري لبو�سها ال�صحيح. و�أ�ضاف يف كلمة له خالل حفل افتتاح امل�ؤمتر الذي نظمه املنتدى العاملي للو�سطية �أننا نريد �أن نحافظ على اعتدال فكر وو�سطية الإمام ابن تيمية يف عقول النا�شئة ووجدان الأمة ،وعلى وهج تلك املنارة و�إ�شعاعها الو�ضاء. و�أ�شار الفاعوري �أن الإمام ابن تيمية يتعر�ض �إىل حملة ت�شويه وحتريف واقتطاع يف �أقواله وفتاويه ،حيث ظهرت فئة �أخذت من علمه
-من اليمني :د�.صالح �سلطان ،د.عادل الفالح ،م .مروان الفاعوري
-جانب من جل�سة االفتتاح
الإمام ،و�أخطر الأمرا�ض التي تف�شت يف جمتمعاتنا الإ�سالمية؛ لقلة العلـم ،م�ؤكدا يف الوقت ذاته على �أن منهج ابن تيمية كان و�سطا فال �إفراط الفتا ،و�أن منهج الو�سطية ،هو �أعدل املناهج يف ن�شر دعوة الإ�سالم ،واحلفاظ على متا�سك املجتمع امل�سلم ،والدعوة �إىل �سبيل اهلل باحلكمة واملوعظة احل�سنة واجلدال بالتي هي �أح�سن. و قال وكيل وزارة الأوقاف الكويتية عادل فالح �أن �أمتنا مل تكن بحاجة لبيان مفاهيمها العامة وحتديد م�ضامينها الكلية يف دينها �أكرث من هذا الوقت الذي اهتزت فيه القيم واملعايري ،الفتا اىل ان �أ�شد الق�ضايا املالم�سة لواقعنا هي الو�سطية التي تعد �أ�صال من �أ�صول الدين وجوهره ومن �أبرز خ�صائ�صه ملواءمتها للفطرة والعقل لذا لزم اعتمادها العتبارها خمرجا للأمة والطريق لإعادة جمدها. و�أ�ضاف �أن الو�سطية مل تكن يوما ما ردة فعل وال تلبية ملطلب خارجي كما �أنها لي�ست دينا جديدا وال مذهبا خمرتعا ،بل هي لب الإ�سالم وجوهره و�شعاره و�إحدى ف�ضائله. ،
66
واكد ان احوال االمة اقت�ضت �أن نربز وجه الإ�سالم املتمثل يف و�سطيته عقيدة و�شرعا ومنهجا وت�صورا خا�صة يف هذه املرحلة التي حتيا امتنا وتواجه فيها ق�ضايا الفكر الإ�سالمي فهوما خاطئة. وبني الدكتور فالح �أن الكويت �أقدمت وبرعاية �سامية من �سمو الأمري على تبني الو�سطية منهجا لتكون الكويت مركز �إ�شعاع عاملي للو�سطية ون�شرها بني النا�س واعتمادها منهجا ملحاربة التطرف من خالل مرتكزات مهمة وهي مواجهة الفكر بالفكر والوقاية خري من العالج والدرا�سة املعمقة وم�شاركة الآخرين وت�أكيد املرجعية الإ�سالمية حيث �أن ال�شيخ ابن تيمية يعترب مرجعية كربى ملا ي�شمل فكره من ا�ستيعاب �شمويل ملعرفية الإ�سالم من خالل منهجه ال�شامل وعلمه الرا�سخ
-م�ؤمتر ابن تيمية يف احدى جل�ساته
وربانيته ال�صافية ،ومن هنا ت�أتي �أهمية ابراز �شيخ الإ�سالم ابن تيمية وعالقته بالو�سطية يف ظل الظروف التي تعي�شها جمتمعاتنا . واكد م�ست�شار وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية يف البحرين الدكتور �صالح �سلطان �أن انتقالنا من �أمة راكدة لأمة رائدة مرهون مبرورنا عرب بوابة الو�سطية. و قال �إن حركة الفكر يف عاملنا تعي�ش حالة من الهياج وحتتاج لأمثال فكر ابن تيمية الرا�سخ يف العلم ،واملقرتن باحلجة ال�شرعية واخل�شية القلبية واحلركة الدعوية ،فتلك الأمور كلها اجتمعت يف ابن تيمية م�ؤكدا حاجتنا لعلماء �أمة ر�شيدة يف واقع يحتاج لنه�ضة لرجالنا ون�سائنا وجمتمعاتنا .
وقال ان القارئ مل�ؤلفات وكتب ابن تيمية ي�ستنتج �أنه كان من الرواد يف نهج الو�سطية يف ق�ضايا الفكر والإعتقاد على الرغم من �أنه عا�ش يف فرتة ع�صيبة من االمة ،الفتا �إىل �أن ما حدث من �أحداث يوم اجلمعة �أعمال ال تر�ضي اهلل وال الر�سول وتدل على الفكر املت�شدد. و يف الورقة الأوىل بعنوان «ابن تيمية والواقع املعا�صر» تطرق الدكتور جا�سم �سلطان �إىل كيفية اال�ستفادة من فكر ومنهج ابن تيمية ،م�شريا يف حديثه لنظرية الهالة التي يعطيها بع�ض النا�س لبع�ض العلماء مما تو�صلهم �إىل حافة التقدي�س. و يف الورقة الثانية بعنوان «ابن تيمية الفكر واملنهج» ا�ستعر�ض الدكتور �صالح �سلطان فكر ابن تيمية ومنهجه يف حياته وخا�صة فقهه الذي كان يعتمد على قواعد الإ�سالم املراعية مل�صالح النا�س. وا�شار اىل �صرب ابن تيمية وحتمله لل�سجن والتعذيب يف �سبيل الثبات على مبادئه ،كما ذكر بع�ضا من امل�سائل الفقهية التي افتى بها ابن تيمية ،مراعيا ظروف وم�صالح النا�س من جهة ودقة الإتباع وجودة الإبداع من جهة �أخرى. و يف الورقة الثالثة بعنوان «ابن تيمية املولد ،الن�ش�أة ،ال�شيوخ» بر�أ الأ�ستاذ الدكتور با�سم جوابرة من االردن فكر ابن تيمية من الفكر املت�شدد الذي �أ�صاب بع�ض النا�س ممن يدعون �أنهم من ال�سلف الذين ت�شددوا و�أ�ضروا مب�صالح النا�س م�ستذكرا جزءا من حياته وحتى وفاته. وا�شار الدكتور يو�سف الكودة من ال�سودان يف ورقته الرابعة بعنوان «الو�سطية يف فقه ونهج ابن تيمية» اىل حقيقة ظاهرة الغلو واعتبارها من �أخطر الق�ضايا التي تواجه الأمة الإ�سالمية وتهدد �أمنها وا�ستقرارها ،داعيا اىل امل�شاركة يف �إر�ساء ثقافة الو�سط بني امل�سلمني، والإهتداء مبناهج واختيارات فقهية لأعالم جنباء خدموا الإ�سالم بعلمهم من �أمثال �شيخ الإ�سالم ابن تيميه. اجلل�سة الثانية
ويف اجلل�سة الثانية التي تر�أ�سها وزير الأوقاف ال�سابق الدكتور عبد ال�سالم العبادي بعنوان «فكر ابن تيمية وانعكا�ساته املعا�صرة» قال �أن مواجهة الفكر املتطرف �أمر يف غاية الأهمية و�أن �إعداد املادة العلمية ملناق�شة الفكر املتطرف يحتاج لعلماء ومفكرين لهم وزنهم وباعهم يف فهم الدين الإ�سالمي ال�صحيح امل�ستند للقر�آن الكرمي وال�سنة النبوية اجلل�سة الأوىل والقادرين على اي�صال هذا الفكر للغري دون تع�صب وانغالق فكري. و�أ�شاد وزير الأوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات الإ�سالمية عبد الرحيم العكور يف اجلل�سة الأوىل للم�ؤمتر الدويل والتي تر�أ�سها باجلهود التي بذلها ويف الورقة الأوىل بعنوان»الأو�ضاع ال�سيا�سية واالجتماعية يف ع�صر املنتدى ،معربا عن �أمله يف �أن ي�ساهم امل�ؤمتر يف تعزيز منهج الو�سطية ابن تيمية وانعكا�سها على فتاواه» حتدث �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية الدكتور هايل الداود عن الأو�ضاع املزرية التي كان يعي�شها فكرا و�سلوكا يف واقع الأمة.
67
العامل الإ�سالمي يف ذلك الع�صر من جتزئة �سيا�سية وحروب داخلية و�أ�ضاف �أن الفكرة ال تقارعها �إال الفكرة ولهذا يجب على العلماء �أن وفقر وجهل وتخلف ،وانت�شار التقليد املذهبي والتع�صب وقتل روح يتوجهوا ملنهج احلوار ،م�ؤكدا يف الوقت ذاته �ضرورة القبول والرف�ض التجديد والإبداع وانت�شار البدع واخلرافات ،م�شريا اىل ما قام به �شيخ من املنهجية ،حيث �أخ�ضع الأنبياء للمنهجية ولهذا البد للحكم على ابن تيمية من خالل منهجه ولي�س من خالل فتوى �أطلقها قد يكون �أ�صاب فيها �أو �أخط�أ. اليوم الثاين اجلل�سة الأوىل
-جانب من احل�ضور يف امل�ؤمتر
الإ�سالم مبعاجلة هذه الظواهر من خالل كتاباته املتعددة ومن خالل مواقفه امل�شهودة بحيث عد ب�شكل �صحيح �شيخ الإ�سالم. و يف الورقة الثانية بعنوان «دور ابن تيمية يف �إ�صالح الفكر ال�سيا�سي» قال الدكتور خالد الفهداوي من العراق �أن ال�شيخ ابن تيمية اهتم بالفكر ال�سيا�سي اهتماما وا�ضحا حيث كان لها بعد عميق لديه ،يف وقت نحن ما زلنا بحاجة له ،حيث �أن الكثريين يعتقدون انه ال �سيا�سة يف الإ�سالم. و�أ�ضاف ان �أهم ما مييز ال�شيخ ابن تيمية �شموليته وقدرته على الإنتقال يف الفقه بناء على تغري احلال ،م�ؤكدا يف الوقت ذاته حاجتنا املا�سة لعامل جليل مثل ابن تيمية للرجوع ملنهجه و�صناعة زاد امل�ستقبل من علمه وفي�ضه. ويف الورقة الثالثة بعنوان»الفكر ال�سيا�سي عند ابن تيمية» ركز الأ�ستاذ الدكتور حممد الروا�شدة على كافة حماور الفكر ال�سيا�سي وموقف ابن تيمية من عدة ق�ضايا كاخلالفة والنبوة والعمل ال�سيا�سي والتفريق بني الإمامة وامللك و�أنواع احلكم والإ�ستخالف ،كما �أكد يف ورقته على خروج ابن تيمية عن ال�شروط التقليدية الواجب توافرها يف احلاكم، و�أي�ضا الواجبات ال�سيا�سية الواجب توافرها يف احلاكم واحلقوق ال�شرعية للرعية على احلاكم وف�ساد احلكم واملعار�ضة ال�سيا�سية وعزل احلاكم وقواعد احلكم ومقا�صده عند ابن تيمية و غريها. �أما الورقة الرابعة فكانت للدكتور بهجت احلبا�شنة بعنوان «ابن تيمية بني املوافقني واملعار�ضني» فقد طالب �أن ي�صدر عن امل�ؤمتر �شيء عملي من خالل حتيز جمموعة من ر�سائل املاج�ستري والدكتوراة للتعمق يف البحث و�إثراء املو�ضوع مبا يعزز ن�شر الفكر الو�سطي وتعميقه.
يف اجلل�سة الأوىل من اليوم الثاين والتي تر�أ�سها وكيل وزارة الأوقاف الكويتية عادل فالح حيث قال ان الو�سطية من املعاين التي حققها الر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم يف حياته وج�سدها هو و�أ�صحابه يف الواقع كما ج�سدتها احل�ضارة الإ�سالمية والتاريخ الإ�سالمي العربي. و�أ�ضاف اننا يف دولة الكويت ن�ضع �أيدينا ب�أيدي املنتدى العاملي للو�سطية و�أيدي كل امل�ؤ�س�سات التي رفعت �شعار الو�سطية يف كل من العراق وقطر والبحرين و�أذربيجان وغريها من الدول ليعم يف النهاية �صوت الو�سطية وتعود الأمة لنه�ضتها. و يف الورقة الأوىل بعنوان «�أفكار وفتاوى ابن تيمية وتطبيقاتها على الواقع املعا�صر» ا�ستعر�ض الدكتور عز الدين بن زغيبة من اجلزائر الع�صر الذي كان يعي�ش فيه ال�شيخ ابن تيمية ،الفتا اىل انه كان ع�صرا مثقال بامل�شاكل واجلراح ،وفيه تدهور نظام الدولة الأمر الذي انعك�س متاما على ح�سن �إدارة احلكام وال�سالطني لدولهم ،كما �أن الرتاجع املخيف للم�ؤ�س�سات العلمية �إىل جانب النزاعات املوجودة �أدى �إىل متزق الدولة الإ�سالمية وتفتتها لعدة دويالت. و يف الورقة الثانية بعنوان «نقد الفكر التكفريي على �ضوء منهج ابن تيمية» حتدث الدكتور رائد ال�سمهوري من ال�سعودية عن الكافر بالن�سبة لإبن تيمية وكيفية التعامل معه ،حيث ق�سمه لأق�سام وهي املكذب بالر�سالة واملرتدد فيها �سواء �أكان تردداً عن بحث عن احلقيقة �أو تردداً عن هوى والغافل عن الر�سالة �سواء بلغته الر�سالة �أم مل تبلغه. يف حني بد�أ الأ�ستاذ �سمري مراد يف الورقة الثالثة بعنوان « �أ�ضواء على فتاوى ابن تيمية» بانتقاد من ي�أخذون فتاوى ابن تيمية كدليل على �أفعالهم املتطرفة خا�صة و�أنهم جاهلون بتلك الفتاوى� ،أو ال علم لهم مبقا�صدها ،م�ؤكدا �ضرورة مراعاة م�صالح النا�س والواقع الذي يعي�شونه عند احلديث بق�ضايا امل�سلمني. واو�ضح موقف ابن تيمية من اجلهاد و�أن الهدف منه �أن تكون كلمة اهلل هي العليا ،ذاكرا مراتب اجلهاد التي و�ضعها كاجلهاد بالدعاء واجلهاد بال�سيف واجلهاد بالتدبري وغريها.
68
اجلل�سة الثانية
يعي�شون مع امل�سلمني� ،أو يعي�ش معهم امل�سلمون مبوجب عالقة مواطنة و�أمان ،وهو يف كل ذلك موافق ومتبع لعلماء امل�سلمني يف فتاواهم يف هذا ال�ش�أن ومل يخرج عنهم ،ومن ا�ستند على هذه الفتوى لقتال امل�سلمني وغري امل�سلمني فقد اخط�أ يف الفهم والت�أويل. واكد امل�ؤمتر ا َّن ت�صنيف الديار يف الفقه الإ�سالمي ت�صنيف اجتهادي �أملته ظروف الأمة الإ�سالمية وطبيعة العالقات الدولية القائمة حينئذ� ،إال �أن تغري الأو�ضاع الآن يف �ضوء املعاهدات الدولية املعرتف بها ولأن ال�شريعة قد حددت �أن اجلهاد ال يكون �إال لرد العدوان �أو مقاومة االحتالل ،ومع ظهور دولة املواطنة التي ت�ضمن حقوق الإن�سان والأوطان ،ما ا�ستلزم جعل العامل كله ف�ضاء للت�سامح والتعاي�ش ال�سلمي بني جميع الأديان والطوائف ،ويف �إطار حتقيق امل�صالح امل�شرتكة والعدالة بني النا�س والكرامة الإن�سانية.
ويف اجلل�سة الثانية التي تر�أ�سها الدكتور عبد اهلل كنعان قال الدكتور حممد �صالح الدحيم من ال�سعودية يف ورقته «مكانة الن�ص يف الإ�ستدالل عند ابن تيمية» �أن ابن تيمية يعترب من �أكرث ال�شخ�صيات ت�أثريا يف التاريخ الإ�سالمي و�إثارة للجدل ،فهو فقيه ومتكلم وم�صلح. و�أ�ضاف ان هناك عالقة وثيقة بني ال�شيخ ابن تيمية والن�ص ،فقد كان ي�ستخدم يف الن�ص لغة القر�آن الكرمي و�ألفاظه حيث هي �أ�سا�س الدميومة ،م�ؤكدا يف الوقت ذاته �أن ابن تيمية كان يطلق م�صطلح الن�ص على القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية. وا�ستعر�ض الدكتور حممد املطني من العراق يف الورقة الثانية بعنوان «دور ابن تيمية يف احلفاظ على وحدة الأمة» الكثري من املحاور منها الو�سطية يف منهج ابن تيمية و�أخالقه و�سماحته ،وموقفه من خمالفيه وموقفه من التكفري مركزا على حمور مهم هو �أ�سا�س ورقته �أال وهو دوره يف الدعوة للوحدة بني امل�سلمني ونبذ الفرقة وحماولته للإ�صالح بني املذاهب املتناحرة ،كما تطرق للحديث عن �أثر اخلالفات العقدية على وحدة الأمة. �أما الورقة الثالثة بعنوان « الواقعية والتجديد يف فكر ابن تيمية» تناول الدكتور حممد احلاج احلديث عن مفهوم الواقعية عند ابن تيمية وهو ما راعاه ابن تيمية يف فتاواه و�أبحاثه ليتنا�سب مع حياة النا�س ،م�شريا اىل ان الواقع امر متغري من وجهة نظره. و�أ�ضاف ان ح�صول ابن تيمية على لقب �شيخ الإ�سالم مل ي�أت من فراغ بل كان نتاج علمه وثروته املعرفية وكتبه التي متلأ املكتبات الإ�سالمية، يف جل�سة التو�صياتناهيك عن تطرقه للحديث عن الفكر التجريدي لدى ابن تيمية والتي تظهر بو�ضوح يف كتاباته. كما اكد على ر�سالة الإ�سالم يف حتقيق الأمن والأمان ،وال�سلم تو�صيات امل�ؤمتر االجتماعي لكل بني الإن�سان ،ويف كل زمان ومكان. يف جل�سة التو�صيات دان امل�شاركون يف اعمال امل�ؤمتر الدويل حول و�أ�شار امل�شاركون يف امل�ؤمتر �إىل �أن ال�شريعة الإ�سالمية جاءت رحمة و�سطية ابن تيمية جميع مظاهر العنف والتخريب التي جرت يف مدينة بامل�سلمني وغري امل�سلمني ،وعن طريقها يتحقق التكافل واملحبة الزرقاء . و�أو�صى امل�ؤمتر ب�ضرورة توافر �شروط باملفتي منها �أن يكون ذا �أهلية والت�سامح وال�سالم لأبناء الوطن جميعا. علمية كاملة ،ومراعاة حتقيق املناط يف املكان والزمان والأ�شخا�ص ودعا امل�شاركون يف اعمال امل�ؤمتر الذي ا�ستمر يومني اىل �ضرورة والأحوال وامل�آل وتغليب امل�صالح العامة الن �ش�أن الفتوى يف الإ�سالم امل�شاركة ال�سيا�سية يف املجتمعات املعا�صرة ،على �أن تكون من�ضبطة ب�ضوابط ال�شريعة باعتبارها واجباً يف اجلملة على كل واحد بح�سبه، ُيع ّد �أمراً مهماً وخطرياً. و�شدد امل�شاركون يف امل�ؤمتر على �أن فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ال وفقا لقواعد امل�صالح جمعاً وتكثرياً ،واملفا�سد درءاً وتقلي ً ال ،وممار�سة ميكن بحال من الأحوال �أن تكون م�ستنداً لتكفري امل�سلمني ،واخلروج امل�سلمني حلقوقهم ال�سيا�سية املكفولة �شرعاً ود�ستوراً مبا ي�سهم يف بناء على حكامهم وا�ستباحة الدماء والأموال ،وترويع الآمنني والغدر مبن املجتمع على �أ�س�س �صحيحة ،ويقيم بنيان الدولة بطريقة م�ستقيمة.
69
وطالبوا ب�إ�ستحداث �أق�سام درا�سية يف اجلامعات واملعاهد الإ�سالمية العليا تعنى بالبحوث والتدريب والت�أهيل يف جمال الإفتاء يف الق�ضايا العامة للأمة ،وت�شجيع الدرا�سات العلمية النظرية والتطبيقية يف جمال تنقيح املناط ودرا�سة عالقة الزمان واملكان والأ�شخا�ص والأحوال والعوائد والنيات واملقا�صد بتغري الفتوى ،وبخا�صة يف فكر ابن تيمية. واكد امل�ؤمترون مبد�أ التعاي�ش ال�سلمي و�إحرتام الآخر والت�سامح الديني والتعددية الفكرية التي من خاللها يربز الوجه احل�ضاري للإ�سالم. وا�شاروا اىل اهمية بذل مزيد من اجلهد يف درا�سة تراث �شيخ الإ�سالم ابن تيمية رحمه اهلل مراجع ًة وحتقيقاً ،وكذلك تراث العلماء الكبار �أمثاله باعتبار �أثرهم يف الأمة وما يرجى من فهم تراثهم فهماً �سليماً من تر�شيد وتوجيه للعامة واخلا�صة. واو�صوا ب�ضرورة مواجهة عوامل اخلالف والفرقة التي انت�شرت يف ج�سد الأمة ،التي جتمعها عقيدة واحدة وقر�آن واحد ،و�سنة نبوية واحدة ،ودعوة اخلريين من �أبنائها اىل الت�آلف والوحدة لأ َّن الأمة التي متزق �أفكار �أبنائها املبادئ املتعددة ي�سهل اخرتاقها ومتزيقها. وطالبوا بت�ضمني املناهج املدر�سية واجلامعية و�سطية �شيخ الإ�سالم ابن تيمية رحمه اهلل يف فتاواه واجتهاداته و�أفكاره لتعريف الأجيال من �أبناء الأمة الو�سطية بفكره دقة ومنهجا. كما دعوا جميع اجلماعات التي تعلن انتماءها لفكر الإمام ابن تيمية وتتبنى التكفري والقتل والعنف �أن تتقي اهلل يف الإ�سالم وامل�سلمني، و�أن تخ�ضع �أفكارها للمراجعة والتجديد ،و�أن ال تتذرع بالإ�ستناد لفكر ال�شيخ ومواقفه يف تربير ممار�ساتها التي ت�سيء للدين وت�ضر مب�صالح امل�سلمني . وطالبوا ال�شباب امل�سلم بالتم�سك بو�سطية الإ�سالم واعتداله وت�ساحمه مع الآخر ،واحلذر من مفارقة جماعة امل�سلمني ،و�أخذ الدين عن علمائه املتخ�ص�صني الثقات واملعروفني بو�سطيتهم ،ونبذ التف�سريات اخلاطئة لق�ضايا التكفري واجلهاد والوالء والرباء وغريها من الت�أويالت التي ال تن�سجم مع مقا�صد الإ�سالم احلنيف. كما حثوا الأ�سرة امل�سلمة على القيام بدورها يف تربية الأبناء على ثقافة احلوار وقبول الآخر ،وتوجيه الأبناء للتحلي بالأخالق الإ�سالمية، واحلر�ص على تقدمي مناذج القدوة احل�سنة ،ودعوة امل�ؤ�س�سات الإعالمية والرتبوية والدينية لتفعيل ر�سالتها ال�سامية يف �إعداد
الأئمة لإحياء ر�سالة امل�سجد على الوجه املطلوب وتفعيل دوره بتب�صري املجتمع ب�أ�ضرار الغلو والتطرف وخماطر الإرهاب ،وتعزيز الو�سطية وت�صحيح املفاهيم اخلاطئة عند ال�شباب حول و�سطية الإمام ابن تيمية وتب�صريهم باالنحرافات الفكرية وما يرتتب عليها من خماطر و�أ�ضرار. وطالب امل�ؤمترون كل من يحمل فكر ال�سلفية منهجاً وطريقاً �أن يقفوا موقفاً مبدئياً وحازماً جتاه من يدَّعي الإنت�ساب �إىل هذا الفكر ،فك ّفروا النا�س و�أ�ضلوهم وا�ستباحوا دماء امل�سلمني ،ون�شروا الرعب والرتهيب واخلراب يف املجتمعات الإ�سالمية
70
مقابالت الوسطية في حواره لمجلة الوسطية
األب حداد :المدرسة الهاشمية لها الفضل في تكريس عمق العالقة األنموذج بين مسلمي ومسيحيي األردن
بني �سعادة الأب نبيل حداد �أن حوار الأديان م�صطلح ي�ؤكد على هناك حوار بني اهلل واالن�سان ،وهو ما ن�صت عليه ايات الكتاب املقد�س القيم التي دعت اليها الأديان ،م�شريا يف الوقت ذاته لوجود عالقة (االجنيل) التي ت�ؤكد عليه.
بني اتباع االديان تقوم على احرتام الفرد للآخر يف فكره وعقيدته - .العالقة بني امل�سلمني وامل�سيحيني منذ ع�صر الر�سول �صلى اهلل و�أ�ضاف يف اللقاء الذي �أجراه مع جملة الو�سطية �أن تفجريات عليه و�سلم امتازت بالت�سامح ،لكننا ن�شهد اليوم بع�ض االحتقان بني اتباع هاتني الديانتني ،هل ل�سعادتكم ان يلخ�ص لنا ا�سباب هذا كني�سة القدي�سني يف اال�سكندرية ادانة ا�سالمية وم�سيحية ،و�أن االحتقان؟ هذه اجلرمية قد اختارت املكان و هو «اال�سكندرية» حا�ضرة الثقافة وما متثله يف الرتاث امل�سيحي امل�شرقي ،واختارت الزمان فهو بدء العام امليالدي اجلديد للم�سيحيني الأبرياء ،وحتما هي جرمية م�ستنكرة وعمل ارهابي �شنيع ي�ستهدف م�صر ب�أقباطها وم�سلميها، وي�ستهدف كني�سة م�صر والأزهر ،مبا ميثله الأزهر من دور يف العامل . فيما يلي ن�ص احلوار.... -كيف ينظر �سعادة االب نبيل حداد اىل حوار االديان؟
هذا امل�صطلح يف �شكله ي�ؤكد على القيم التي دعت اليها االديان عموما ،واحلوار يعد تعبريا عن وجود عالقة بني اتباع االديان تقوم على احرتام االخر يف فكره وعقيدته ،وتعبريا عن احرتام املرء لديانته، فكل عالقة بني اثنني اياّ كان �شكلها هي تعبريا عن حوار ،ويف امل�سيحية كان احلوار �ضرورة تعرب عن تطبيق المر الهي حتى ان العالقة بني االن�سان كمخلوق مع ال�سماء قد جاءت نتيجة احلوار ،ففي اخللق كان
نلم�س ب�شكل وا�ضح وجود احتقان بني اتباع الديانتني يف كثري من بقاع العامل واعتقد �أن ال�سبب الرئي�سي هو ان اتباع االديان لال�سف يف حاالت عديدة حولوا الدين اىل ايدولوجيا ا�ستخدموها خلدمة �إغرا�ض �سيا�سية �أو اقت�صادية ،حتى �صارت املمار�سات التي تنطلق من هذه االيدولوجيا �سببا يف ن�شر البغ�ضاء بني النا�س مما ت�سبب يف ت�صوير هذا االخر على انه خ�صم وعدو ،وهذا ما نلحظه يف العقود االخرية بعد ان تغريت خريطة العامل ال�سيا�سية فا�ستخدم الدين يف كثري من املناطق كي يخدم �أهدافا معينة ،حتى بات من ال�صعب ت�صويب هذا الواقع دون اعادة اخلطاب الديني اىل املنرب واملوقع ال�صحيح ،وهذا االمر وا�ضح بجالء يف تدخالت القوى الغربية يف كثري من مناطق العامل اال�سالمي ،و ما جاء نتيجة �أحداث احلادي ع�شر من �سبتمرب التي �أذكت روح �سوء الفهم ،وكانت النتيجة ان ق�سم العامل اىل غرب يف�سر خط�أ انه م�سيحي ،واىل الإ�سالم الذي ينظر اليه من قبل الغرب انه حا�ضنة وم�ستنبت للفكر االرهابي ،بدال من التق�سيم على ا�سا�س التطرف من جهة مقابل حلف االعتدال من جهة اخرى.
71
القت تفجريات كني�سة القدي�سني يف اال�سكندرية ادانة ا�سالمية -كيف ينظر �سعادة االب نبيل حداد اىل احلياة التي يعي�شهام�سيحيو الأردن؟ وم�سيحية على حد �سواء ،فهل لكم بكلمة حول هذه التفجريات؟
يبدو �أن هذه اجلرمية قد اختارت املكان والزمان ،فاملكان هو اال�سكندرية حا�ضرة الثقافة( اثينا املنطقة العربية وال�شرق االو�سط) وما متثله يف الرتاث امل�سيحي امل�شرقي ،كحا�ضرة الول م�سيحية الهوتية هذا من جهة ،اما الزمان فهو بدء العام امليالدي اجلديد اثناء خروج امل�سيحيني الأبرياء من كني�ستهم ،وحتما �أرى �أن هذه اجلرمية لي�ست حدث طائفي ،فو�صفها باحلدث الطائفي هو اختزال خلطورة احلدث، هذا احلادث جرمية م�ستنكرة وعمل ارهابي �شنيع كان ي�ستهدف م�صر باقباطها وم�سلميها ،وي�ستهدف كني�سة م�صر والأزهر ،مبا ميثله االزهر من دور يف العامل اال�سالمي ولكن ما جرى ومع وجود احتقان يف املجتمع امل�صري ب�سبب ظروف متعددة� ،أن �إخوتنا يف م�صر وقفوا وقفة عربت عن اداء م�صري رفيع ،وهذا الت�ضامن اال�سالمي امل�سيحي يف م�صر اظهر ان كني�سة م�صر قد ازدادت قوة يف مواجهة الإرهاب ،الن الإرهاب ال ي�ستطيع ان يقتلها بل يزيدها متا�سكا ومنعة ،واثبت اخوتنا االقباط بانهم كغريهم من اخوتهم امل�سيحيني ال�شرقيني ا�صحاب رغبة غريزية يف احلفاظ على الوحدة الوطنية ،كما ان موقف االزهر الذي �سارع ممثال مبوقف نبيل للدكتور احمد الطيب اىل الوقوف موقفا يعرب عن �سماحة لي�ست غريبة على ال�شخ�صية امل�صرية لت�ؤكد على احرتامها للم�سيحيني الذين هم مكون رئي�س وجزء مهم يف الن�سيج املجتمعي وال�شخ�صية العربية.
م�سيحيو الأردن هم �أردنيون وعرب خ ّل�ص ،ي�شعرون دوما انهم جزء من اال�سرة االردنية الواحدة ،عددهم قليل لكنهم لي�سوا اقلية وهم لي�سوا جالية ،بل هم ورثة تاريخ مقد�س ،فهم اقدم جماعة يف التاريخ حافظوا على وجودهم ،بل جتاوز هذا الوجود اىل ح�ضور فاعل ودور يعتزون به يف بناء الوطن وخدمة املجتمع ،وهذا مرده ان امل�سيحيني من ابناء االردن مل ي�شعروا لوهلة �أنهم غرباء ومل يت�صرفوا مبنعزل عن الآخرين ،بل عملوا كعن�صر فاعل يف املجتمع � ،أما �أخوتهم امل�سلمون فقد بادلوهم كل احرتام ومودة ،وكانت �صفحات التاريخ ما زالت ت�شهد على هذه العالقة االمنوذج التي نعتز بتقدميها لالخرين ،ان الف�ضل يف هذا النموذج يعود للمدر�سة الها�شمية التي كر�ست هذا االرث فالإرادة ال�سيا�سية التي تعرب عن فكر يرى االردنيون انهم ا�سرة واحدة كبرية ، وم�سلموا الوطن ب ّروا باخوانهم امل�سيحيني فكان هذا النموذج الوطني الإن�ساين. لقد كان االردن موطن القدا�سة �سباقا دوما يف ن�شر ثقافة الوئام والت�سامح فها هو التاريخ منذ �أمنة الر�سول العربي الكرمي اىل ا�سقف ايلة يوحنة بن ر�ؤية وم�سيحييها ،وامتدت العالقة اىل م�ؤتة والريموك فعهدة عمر الفاروق� ،إىل �أيامنا هذه ،فلم يكن يف تاريخ الوطن يوما ان كان امل�سيحيون حارة �أو حيا معزوال بل تقا�سموا اخلبز وامللح واملاء وامل�صري الواحد.
وما هو دور املرجعيات امل�سيحية يف توجيه امل�سيحيني يف تعاملهممع غريهم من ابناء جمتمعاتهم؟
املرجعيات امل�سيحية رف�ضت وترف�ض كليا اي خروج عن االخالق واحرتام الغريب او اجلار ،اما ما يحدث يف املجتمعات الغربية ينبغي ان نتذكر ان هذه املجتمعات قد ف�صلت الدين عن ال�سيا�سة ،ولي�س للمرجعيات فيها من �سلطة ل�ضبط ايقاع املجتمعات ،امنا نفخر ان ال�سلطة االخالقية والتعليمية للمرجعية امل�سيحية وقفت دوما مع القيم التي دعت امل�سيحية اليها ،من احرتام لالخر واحلفاظ على املودة ،وعدم امل�سا�س مب�شاعر االخرين ،وهذا ما رايناه يف العديد من املواقف التي عربت عنها املرجعيات مثل ارتداء احلجاب او ق�ضية بناء امل�آذن او الر�سوم الكاريكاتورية .
72
في حواره مع إسالم اون الين:
الريسوني :تطبيق الشريعة ال يحتاج إلى الدولة اإلسالمية الدكتور �أحمد الري�سوين واحد من فقهاء الأمة امل�شهود لهم بالعلم -م�ضمونه ،كونه حماولة لفك االلتبا�س بني الكل واجلزء� ،أو بتعبري والفقه ،وهو فوق �أنه فقيه �أ�صويل ،فهو مقا�صدي اهتم بعلم مقا�صد �آخر بني مفاهيم عرفية جزئية ا�ستقرت لدى النا�س ب�سبب قلة الوعي ال�شريعة من حيث هو امليزان الذي توزن به الأحكام الفقهية� ..أو انعدامه ،ومفاهيم حقيقية �شاملة �أرادتها ن�صو�ص مقد�سة ومقا�صد كلية لتلك الن�صو�ص. ح�سب تعبريه يف كثري من �أدبياته.
ن�ص احلوار ويف هذا احلوار يفتح الري�سوين ملفا لطاملا حلم به كثريون من �أبناء ما ر�أيكم يف اجلدل الذي ال ينقطع حول تطبيق ال�شريعة ،خا�صةاحلركة الإ�سالمية ..ملف «تطبيق ال�شريعة» ..لكن الرجل هنا بعد �إعالن ال�سودان (ال�شمايل) عقب انف�صال اجلنوب عزمه تطبيق يبدو م� ِّؤطراً ،وحماوال و�ضع �أ�س�س �أولية يتم البناء عليها ..حتى ال�شريعة؟ يفهم �أبناء ال�صحوة م�صطلحاتهم ،وبالتايل ي�ستطيعون و�ضع �آمالهم -بداية �أ�ؤكد �أن الق�ضية يف جزء منها تعود �إىل ما تعي�شه النخب يف مو�ضوعها ال�صحيح.. الثقافية وال�سيا�سية من انق�سام �إىل تيارين كبريين ،يتجاذبان ال�ساحة
الثقافية وال�سيا�سية ،ميكن و�صفهما بالتيار الديني ،والتيار العلماين احلداثي ،ولكن جزءاً من هذا ال�صراع يرجع يف الأ�صل �إىل االلتبا�س احلا�صل يف مفهوم ال�شريعة وتطبيقها. و�سواء عند املتبنني لتطبيق ال�شريعة املدافعني عنه� ،أو عند املناوئني لهذا الهدف اخلائفني منه ،ف�إن هناك مفاهيم وت�صورات قا�صرة �أو م�شوهة ملفهوم ال�شريعة ولتطبيقها ..وهو ما ترتتب عليه م�شاكل و�صراعات عدة ،ميكن تالفيها �أو تقلي�صها باملعرفة ال�صحيحة لل�شريعة وم�ضامينها.
ويرى الري�سوين �أن الق�ضية يف جزء منها تعود �إىل ما تعي�شه النخب الثقافية وال�سيا�سية من انق�سام بني تيارين كبريين يتجاذبان ال�ساحة الثقافية وال�سيا�سية ،ميكن و�صفهما ح�سب تعبريه بالتيار الديني والتيار املدين ،لكنه ي�ؤكد �أن جزءاً من هذا ال�صراع يرجع �إىل االلتبا�س احلا�صل يف مفهوم ال�شريعة وتطبيقها. وبالتايل ف�إن الفقيه املغربي يلفت �إىل �أن هناك مفاهيم وت�صورات قا�صرة �أو م�شوهة ملفهوم ال�شريعة �أو ملفهوم تطبيق ال�شريعة ،وهو ما ترتتب عنه م�شاكل و�صراعات عدة ،ميكن تالفيها �أو تقلي�صها باملعرفة فك االلتبا�س لكن ..ميكن فهم هذا االلتبا�س عند اخلائفني من تطبيق ال�شريعة،ال�صحيحة لل�شريعة وم�ضامينها. و�أهمية هذا احلوار تعود �إىل �أمرين:
لكن ماذا تق�صد بااللتبا�س عند املطالبني بتطبيقها؟
توقيته ،من حيث كونه عقب انهيار نظامي تون�س وم�صر ،وطموح � -أنا �أت�صور �أن االلتبا�س عند املطالبني بتطبيق ال�شريعة �أ�شد خطورةمن حيث ت�صور البع�ض ح�صر ال�شريعة �أو انح�صارها يف اجلانب بع�ض الإ�سالميني احلركيني الحتالل امل�شهد باحللم القدمي يف تطبيق ال�سيا�سي الر�سمي ،ويف احلكم الق�ضائي باحلدود( ،من رجم وقطع ال�شريعة. وجلد �إىل �آخره).
73
وهذا هو ما ولد –باملقابل -ت�صورات لدى �آخرين ت�صوروا ال�شريعة وتطبيقها على طريقتهم ،فقالوا بناء على ذلك� :إن ال�شريعة مل تطبق �إال يف العهد النبوي ،ون�سبيا يف عهد اخللفاء الرا�شدين ،وهذا معناه -يف نظرهم� -أن هذه ال�شريعة غري قابلة للتطبيق يف هذا الزمان ،ملثاليتها، �أو لق�صورها� ،أو لغري ذلك من الأ�سباب. املهم �أن تطبيقها –كما يرون -توقف يف وقت مبكر ،ومل ي�صمد �أمام التطورات والتغريات �إال زمنا ي�سريا ،فكيف يراد تطبيقها اليوم ،بعد �أربعة ع�شر قرنا من توقف تطبيقها؟! وب�سبب هذا �أي�ضا ،ر�أى �آخرون �أن ال�شريعة تت�سم بالبدائية والتخلف والهمجية ،فكرهوها وكرهوا من يريد �إحياءها ؛ فهي -فيما �سمعوا وفهموا -عبارة عن ق�صا�ص وحدود ،و�سيوف ودماء ،فالعودة �إىل ال�شريعة عودة �إىل الوح�شية والهمجية ،ونحن يف زمن احل�ضارة واحلداثة وحقوق الإن�سان! وب�سبب ذلك �أي�ضا ،ظهر لبع�ض املتدينني والدعاة� ،أن جميع احلكومات واملجتمعات -الإ�سالمية «�سابقا» -قد نبذت اليوم �شريعة اهلل وعطلتها وتنكرت لها ،وقد غاىل بع�ضهم فتحدثوا عن ردة وا�سعة قد عمت معظم البلدان الإ�سالمية� ،شعوبا وحكومات ..ومن هنا ارتفعت درجة الكراهية والرف�ض والتكفري ...وهو ما جنمت عنه تداعيات وردود فعل خطرية، ما زلنا نعي�ش �آثارها.
العملية الواردة يف الدين ،ومنها العبادات الظاهرة والباطنة ،والأخالق والآداب.. فال�شريعة حتى بهذا املعنى اال�صطالحي ت�شمل الدين كله عدا العقيدة، ومن هنا جاء ا�ستعمال عبارة «الإ�سالم عقيدة و�شريعة» على �أ�سا�س �أن العقيدة غري ال�شريعة. بل ومنذ قرون طويلة� ،أ�صبح هذا املعنى هو الأكرث �شيوعا وا�ستعماال لدى العلماء ،ولكنه مل ُيلغ املعنى الأول والأعم لل�شريعة وال�شرع ،كما �أنه ظل وا�سعا و�شامال لكل املجاالت الت�شريعية العامة واخلا�صة.. فمجال ال�شريعة هنا �أ�صبح تقريبا هو نف�سه جمال «الفقه» ،مبعناه اال�صطالحي املعروف ،ويبقى الفرق بينهما هو �أن ال�شريعة تطلق على ما هو منزل ومن�صو�ص و�صريح ،من الأحكام ومن القواعد ال�شرعية، بينما الفقه �-أو علم الفقه -يراد به خا�صة ما هو م�ستنبط وجمتهَد فيه. بل �إنني �أزيدك من ال�شعر بيتا حني �أقول لك� :إن ا�ستعمال ا�سم ال�شريعة قد اجته -م�ؤخرا -نحو مزيد من التخ�صي�ص والتقلي�ص، وخا�صة حينما بد�أ التعبري بلفظ «الت�شريع الإ�سالمي» على غرار معنى «الت�شريع» مبفهومه القانوين. وهكذا بد�أ لفظ ال�شريعة والت�شريع الإ�سالمي ،يطلقان على الت�شريعات املنظمة للحياة العامة ،وهو باملنا�سبة ا�صطالح العالمة ابن عا�شور..
ي�شمل معناها كل ما �أنزله اهلل لعباده ،من معتقدات وعبادات ،و�أخالق و�آداب ،و�أحكام عادات ومعامالت.. وبهذا املعنى الوا�سع اجلامع لل�شريعة ذخر الرتاث الإ�سالمي مب�ؤلفات عديدة تع�ضد هذا املعنى وتر�سخه يف الذهنية الإ�سالمية.. فمثال �ألف الإمام �أبو بكر الآجري كتابه الذي �أ�سماه (ال�شريعة) ،مع �أن �أكرث ما فيه م�سائل عقدية وتربوية ،وبعده �ألف املفكر الفيل�سوف الراغب الأ�صفهاين كتابه ال�شهري (الذريعة �إىل مكارم ال�شريعة) ،وهو كتاب يف فل�سفة الأخالق والرتبية ..وهذا يعني �شمول اللفظة ملعان �أخرى غري معناها امل�ضيق لدى البع�ض!
هذا �س�ؤال مهم جدا؛ لأنه وبعد �أن �أ�صبح معنى ال�شريعة مماثال�أو مقابال -ملعنى القانون ،بد�أت املقابلة واملقارنة بني (ال�شريعةالإ�سالمية) و(القوانني الو�ضعية) ..وهذا ما نتجت عنه احل�سا�سية التي تتحدث عنها.. وقد تعززت هذه املقابلة وحتولت �إىل خ�صومة ومناف�سة ،ب�سبب ما تعر�ضت له �أحكام ال�شريعة -املدنية واجلنائية -من �إزاحة ق�سرية، لفائدة القوانني امل�ستوردة من الغرب ،وهذا باملنا�سبة ما جعل واحدا بحجم العالمة الأ�ستاذ عالل الفا�سي يتحدث عن �صراع بني (ال�شريعة الإ�سالمية) و(ال�شريعة اال�ستعمارية) ،وذلك يف كتابه القيم (دفاع عن ال�شريعة). ويف خ�ضم ما �أ�سميته عملية «التطهري الت�شريعي» ،التي �سهرت عليها وما زالت -الدول اال�ستعمارية ،ارتفعت درجة احل�سا�سية �ضد هذاامل�سار ،بل �أ�صبحت هذه احل�سا�سية جزءا من ال�صحوة الإ�سالمية وحمركا من حمركاتها ،وهنا ُرفع �شعار «تطبيق ال�شريعة» ،الذي اجته �أ�سا�سا �إىل ال�شريعة ب�أ�ضيق معانيها� ،أي ال�شريعة املمثلة يف قوانني الدولة وحماكمها ،باعتبار �أن هذا املعنى هو «حمل النزاع وميدان
حديثكم يعني �أن ثمة مفهوما �آخر لل�شريعة ينبغي �أن يكون � -إذا كان احلال كذلك ..فما بر�أيك �أ�سباب هذا االلتبا�س يف فهمامل�صطلح ومق�صوده ،وبالتايل الإح�سا�س دوما باحلاجة �إىل التعامل حا�ضرا وقت احلديث عن التطبيق� ..ألي�س كذلك؟ -بلى ..فال�شريعة حتى بالعودة �إىل �أ�صلها اللغوي يف القر�آن الكرمي معه بهذا االختزال؟
بني الفقه وال�شريعة لكن اال�ستعمال ال�شائع حتى على م�ستوى التخ�ص�ص العلمي هوا�ستعمالها للداللة على الأحكام العملية يف الدين ،وهذا ما يجعلها �أكرث الت�صاقا مبفهوم اجلماهري عنها� ..ألي�س كذلك؟
هذا �صحيح ..لكن اال�ستعمال اال�صطالحي عادة ما ي�ضيق منويق�ص ُرها على بع�ض مدلوالتها اللغوية ،ومع ذلك مدلوالت الألفاظُ ، ف�إن اللفظ ظل حمتفظا ،يف هذه الداللة بجميع املجاالت الت�شريعية
74
ال�صراع» ،ومبا �أن �أول و�أبرز �ضحايا «التطهري الت�شريعي» ،كان هو املجال اجلنائي ،ف�إن رد الفعل قد تركز على هذا املجال وعلى ت�ضخيمه وحماولة �إعادة االعتبار له.. وهكذا بد�أت عملية اختزال ملفهوم ال�شريعة وتطبيقها ،يف تطبيق العقوبات اجلنائية الإ�سالمية ،و�أ�صبحت «احلدود ال�شرعية» رمزاً لتطبيق ال�شريعة �أو رمزا لتعطيلها ..وهذا ي�ؤكد على �ضرورة �أن تو�ضع املعاين امل�ضيقة ملفهوم ال�شريعة يف �سياقها وجمالها ،وينبغي �أال حتجبنا �أو حتجب عنا املعنى الأ�صلي الرحب والكامل لل�شريعة... �شمول امل�صطلح وما املعنى الكامل لل�شريعة على حد تعبريكم ،ثم ما تداعياتات�ساعه بال�صورة التي تتحدث عنها؟
رمبا يح�سن التف�صيل حتى يتم فهم املراد ..فيمكننا �أن نقول جازمني:�إن القر�آن الكرمي ،وكل ما ت�ضمنه من فاحتته �إىل نهايته هو ال�شريعة الإ�سالمية ،وال�سنة النبوية ال�صحيحة كلها ،وكل ما فيها هي ال�شريعة الإ�سالمية. لكنا على �سبيل التف�صيل ن�ؤكد �أن الإميان باهلل واخلوف واحلياء منه �سبحانه كلها �شريعة اهلل ،وكذلك عبادته والتوكل عليه ،والإخال�ص له، وذكره و�شكره ،كلها �شريعة اهلل. والتخلق مبكارم الأخالق والآداب من عدل و�إح�سان و�صدق ووفاء، ورفق وتوا�ضع ...كل هذا من �شريعة اهلل .وكذلك التنزه والتخل�ص من �سفا�سف الأخالق ورذائلها ،والتعفف عن اخلبائث واملحرمات ،والوقوف عند املباحات الطيبات ،جزء من ال�شريعة ومن تطبيق ال�شريعة ،وطلب العلم �-أي علم نافع -وبذله ون�شره وامل�ساعدة عليه ،عبادة و�شريعة ،وكل ما يحقق ويخدم مقا�صد ال�شريعة ،يف حفظ الدين والنف�س والعقل والن�سل واملال ،فهو من �صميم ال�شريعة ،ومن م�صالح ال�شريعة. والزواج وح�سن الع�شرة الزوجية �شريعة ،و�إجناب الأوالد وتربيتهم وتعليمهم �شريعة .وكل ما يجلب �أو يحقق �أو يعزز كرامة الإن�سان ورفعته ،املادية �أو املعنوية ،فهو من ال�شريعة ومن �إقامة ال�شريعة ،وكل عمل �أو جمهود يرفع عن النا�س الظلم والقهر والت�سلط واال�ستبداد، فهو من �صميم ال�شريعة ،واحلكم بني النا�س مبا �أنزل اهلل ،وبكل ما هو عدل و�إحقاق للحق ،هو جزء كبري من �شريعة اهلل. ولو ذهبنا ن�ستعر�ض ت�شعبات ال�شريعة وامتداداتها ،ملا بقي �شيء �أو فعل، �إال وجدنا له مكانه فيها ،فهي �شريعة الإن�سان ظاهرا وباطنا ،فردا وجماعة ،وهي �شريعة الدنيا والآخرة ،و�شريعة الدولة واملجتمع. لكن ..بهذا املعنى الوا�سع ف�إن ال�شريعة مطبقة بن�سبة ومغيبةب�أخرى ،و�أي�ضا ف�إن الأفراد م�سهمون ب�شكل �أو ب�آخر فيما ي�سميه البع�ض «تعطيل ال�شريعة» هل تق�صد هذا؟
نعم بال�ضبط ..فكل من عمل ب�شيء من هذا كله ،فهو عاملبال�شريعة ،وقائم بتطبيق ال�شريعة� ،سواء كان فردا� ،أو جماعة �أو دولة �أو حكومة �أو حزبا �أو رئي�سا �أو مر�ؤو�سا� ،أو �أمة �أو جمتمعا ،وباملقابل كل من خالف وخرق �شيئا مما ذكر من ال�شريعة ،فهو يعطل من ال�شريعة بقدر خمالفته وخرقه. فالكذب تعطيل لل�شريعة ،مثلما �أن ال�صدق تطبيق لها ،والغ�ش يف الدرا�سة �أو التدري�س� ،أو ال�صناعة �أو التجارة� ،أو يف اخلدمات �أو يف االنتخابات ،تعطيل لل�شريعة ،مثلما �أن �إتقان العمل ،و�إكماله بنزاهة و�إخال�ص ،هو تطبيق لل�شريعة ،و�إخالف الوعود تعطيل لل�شريعة، والوفاء بها عمل بال�شريعة ،وهكذا حتى منر على كل ُ�ش َعب ال�شريعة وكل م�ضامينها. �إن من يدرك هذا املعنى احلقيقي لل�شريعة ،ال ميكنه �أن يقول اليوم: �إن ال�شريعة معطلة� ،أو �إن تعطيل ال�شريعة �أو تطبيق ال�شريعة هو بيد الدولة ومن اخت�صا�ص الدولة� ،أو يحتاج �إىل قيام «الدولة الإ�سالمية» �أو قيام اخلالفة ...كما ال ميكنه ال�سقوط يف ح�صر ال�شريعة يف عدد حمدود من �أحكامها� ،أو من نظامها العقابي بوجه �أخ�ص. �إن مقوالت« :تعطيل ال�شريعة ،و�إلغاء ال�شريعة ،واملطالبة بتطبيق ال�شريعة» ،كلها ت�صبح ن�سبية ال�صحة ،بل قليلة ال�صحة ..فتعطيل �أحكام من ال�شريعة �صحيح ،لكن ما ن�سبتها من م�ساحة ال�شريعة؟ ما عدد ال�ش َعب املعطلة من جممل ُ�ش َعب ال�شريعة؟ وما ن�سبة التعطيل يف كل �شعبة؟ وهل التعطيل خا�ص باحلكام واملحاكم؟ و�أي�ضا ال ميكن -بعد ت�صحيح مفهوم ال�شريعة -القول :ب�أن ال�شريعة مل تطبق -عرب التاريخ� -إال لفرتة حمدودة هي الفرتة النبوية وفرتة اخللفاء الرا�شدين.. لقد ظل املجتمع يعمل ويعي�ش بال�شريعة ،وظل الق�ضاة واملحت�سبون يطبقون ال�شريعة ،وظل العلماء يفتون النا�س بال�شريعة .وظلت ثقافة النا�س و�أفكارهم وقيمهم ،تتغذى بال�شريعة وتتنف�س ال�شريعة.. وم�ؤخرا يف �شوارع القاهرة ،كان امل�صريون الثائرون -و�شبابهم خا�صة- ميار�سون تطبيق ال�شريعة :بتغيري املنكر وال�صدع بكلمة احلق وامل�ؤاخاة والتكافل فيما بينهم و�إقامة ال�صلوات والأذكار والأدعية ،وتنظيم املرور وتنظيف ال�ساحات .بل حتى قيام الأقباط ب�صلواتهم يف ميدان التحرير كان جزءا من تطبيق ال�شريعة ،لأن ال�شريعة ت�سمح لأهل الكتاب بذلك وتقرهم على دينهم وعباداتهم داخل الدولة الإ�سالمية واملجتمع الإ�سالمي .ومل يتوقف �شيء من هذا كله على دولة وال على حاكم وال حمكمة...
75
موقع ويل الأمر لكن كالمكم بهذا املنطق رمبا ظنه البع�ض حماولة لإعفاء «ويلالأمر» بالتعبري الفقهي من م�س�ؤولياته ،خا�صة مع انت�شار ثقافة «�إن اهلل يزع بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن»؟!
�أبدا لي�س الأمر كما ذكرت ..و�إمنا هو ت�أكيد على �أن ال�شريعة لي�ستبيد الق�ضاة والوالة �أو بيد املحاكم واحلكومات ،ف�إن هم طبقوها فقد ُطبقت وعا�شت ،و�إن هم نبذوها ،فقد عطلت وماتت! فال�شريعة �أكرب �ش�أنا من �أن يكون تطبيقها وتعطيلها بيد حفنة من احلكام والوالة، وحتت رحمتهم وتقلباتهم. نعم لل�شريعة �أحكام جنائية ومدنية يحتاج تطبيقها �إىل ق�ضاة ووالة، ولكن هذه الأحكام جزء من ال�شريعة ،ولي�ست كل ال�شريعة ،ولي�ست رمزا لل�شريعة .نعم �أي�ضا ،ف�إن اهلل يزع بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن ،ولكن هذا من قبيل قولهم :يوجد يف النهر ما ال يوجد يف البحر ،ويوجد يف البئر ما ال يوجد يف النهر. فمعنى �أن اهلل يزع بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن� :أن هناك حاالت و�أ�صنافا من النا�س يجدي معهم ال�سلطان� ،أكرث مما يجدي معهم القر�آن ،ويخ�ضعون لل�سلطان �أكرث مما يخ�ضعون للقر�آن ،كما هو حال بع�ض العتاة واملنافقني واملتهورين ..وللعالمة ال�شنقيطي يف تف�سريه عبارة جيدة جامعة قال فيها« :ف�إن مل تنفع الكتب تعينت الكتائب ،واهلل تعاىل قد يزع بال�سلطان ما ال يزع بالقر�آن». ومع ذلك ف�إن وازع ال�ضمري والتقوى والإميان يبقى دائما قبل وازع ال�سلطان ،ويبقى هو الأ�صل وهو املعول عليه يف الدين؛ �إ ْذ وازع ال�سلطان �إمنا يحكم بع�ض الظواهر� ،أما وازع الإميان فيحكم الظواهر وال�سرائر. ويف احلديث ال�صحيح�« :إن اهلل ال ينظر �إىل �أج�سادكم ،وال �إىل ُ�ص َورِكم، ولكن ينظر �إىل قلوبكم و�أعمالكم». فالدين احلق ،والتطبيق احلق للدين و�شريعته� ،إمنا هو �أ�سا�سا ما جاء عن �إقناع وترغيب وطواعية ور�ضا ..وما �سوى ذلك ،فهي �ضرورات تقدر بقدرها ،و�آخر الدواء الكي.
لكن �أال تتفق معي يف �أن الدولة مب�ؤ�س�ساتها� ،أو بالتعبري الفقهيكما قلنا «ويل الأمر» يجب �أن تبقى دائما حجر الزاوية يف م�س�ألة التطبيق �أو التعطيل؟
من باب التنظيم العام وو�ضع اال�سرتاتيجيات التي تخدم الهدفالأ�سا�سي �أتفق معك� ،أما من باب �أنها هي �أ�صل املو�ضوع فال ..لأن �أياً ما كانت �أهمية ال�سلطة والدولة يف �إقامة الدين وتطبيق ال�شريعة ف�إنها تبقى ويجب �أن تبقى -دون �أهمية الأمة واملجتمع ..وذلك لعدة �أ�سباب:�أوال :لأن الدين الذي يطبق بدون �ضغط وال �إكراه هو الدين احلق املقبول عند اهلل تعاىل ،و�أما ما �سواه ف�إمنا هو تنظيم دنيوي وتدبري �سلطوي.
وثانيا :لأن ما يطبق برغبة وطواعية ،يكون �أجود و�أدوم ،بخالف التطبيق بالقوة وال�سلطة ،ف�إنه يكون رديئا �سطحيا ،ينح�سر وينقلب عند كل فر�صة لذلك. وثالثا :لأن التطبيق الذي يكون مببادرة ذاتية من الأفراد �أو بحركية املجتمع نف�سه يعطي من ال�سمو واالرتقاء يف وعي املجتمع وفاعليته ما ال �سبيل �إليه بدونه.
م�س�ؤولية الأفراد لكن �أظن ف�ضيلتكم ال تنكر �أن هناك جماالت و�أحكاما �شرعية ال بدفيها من احلكام وم�ؤ�س�ساتهم وو�سائلهم ،كالق�ضاء والقوة التنفيذية؟
قطعا ال ميكن �إنكار هذا ..لكن حتى مع وجوده �أي�ضا ،ف�إن للأفرادوللمجتمع �إمكانات وا�سعة للتدخل والإ�سهام ،حتى يف هذه املجاالت �أي�ضا. ف�إذا كانت �إقامة احلدود وغريها من العقوبات ال�شرعية جزءاً مهما من تطبيق ال�شريعة تخت�ص به الدولة ،فال �شك �أن كل عمل دعوي �أو تربوي �أو اقت�صادي �أو اجتماعي ،يحول دون وقوع اجلرمية ومعاقبة املجرمني، هو �أي�ضا من ال�شريعة ومن تطبيق ال�شريعة ،بل هو �أف�ضل �أ�شكال تطبيق ال�شريعة ..وهو ما ي�ستطيعه كل الأفراد والهيئات املجتمعية. ومن �أراد �أن يت�أكد من م�ساحة الدولة وم�ساحة الأمة يف تطبيق ال�شريعة ،فليقر�أ القر�آن من �أوله �إىل �آخره ،و ْلـ ُي�سجل ما يتوقف على الدولة وال يتم �إال بها ،وما ال يتوقف على الدولة وميكن �أن يتم بدونها ..ثم ليح�سب ولينظر النتيجة... لقد عرف العامل الإ�سالمي ،عرب تاريخه الطويل ،دوال وحكومات خمتلفة يف قوتها و�ضعفها ،وا�ستقامتها وانحرافاتها ،وقربها وبعدها من هدي ال�شريعة ومقت�ضياتها ،ومل يكن ذلك هو العن�صر احلا�سم يف تطبيق ال�شريعة ودوامها� ،أو يف رقي الأمة وازدهارها. ولذلك جند فرتات زاهية بالرقي العلمي واحل�ضاري واالجتماعي، هي يف الوقت نف�سه فرتات �ضعف وتفكك وتخلف يف النظام ال�سيا�سي القائم. فبجانب احلكام و�أجهزتهم و�أدوارهم ،كان للق�ضاء والق�ضاة دورهم وفاعليتهم ،وكذلك كان للعلماء عطا�ؤهم واجتهادهم وزعامتهم، وكان للخطباء والوعاظ �أدوارهم التعليمية واالجتماعية ...وكان للطرق ال�صوفية �أدوارها الرتبوية واالجتماعية ،و�أحيانا اجلهادية، وكان املجتمع بكل فئاته ملتفا متفاعال مع ه�ؤالء جميعا ،ي�أخذ منهم ويعطيهم ،ينخرط معهم يف توجيهاتهم وم�شاريعهم ونداءاتهم، وينخرطون معه يف م�شاكله ومتطلباته و�شكاويه ،وكل ه�ؤالء كان م�صدرهم وملهمهم ،هو ال�شريعة والعمل بال�شريعة.
76
�إ�سالم اون الين
وكيل وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية الكويتية في لقاء خاص للوسطية
د .الفالح :الكويت من خالل مؤسساتها حريصة كل الحرص بأن تتحرك باتجاه بوصلة الوسطية حوار :يا�سر �أبو ح�سني �أكد وكيل وزارة الأوقاف الكويتية ف�ضيلة الدكتور عادل الفالح يف لقائه مع جملة الو�سطية �إن العلماء هم قادة الأمة و�صمام امانها، وواجبهم �أن يقوموا بن�شر علمهم بني النا�س وخا�صة يف امل�سائل اخلطرة املتعلقة ب�سفك الدماء وامن املواطنني. و�أ�ضاف �إن الو�سطية م�ؤهل الأمة للقيام بال�شهادة على النا�س ،وهي العدل واخلريية ،ولهذا ال�سبب ف�إن وزارة الأوقاف الكويتية حري�صة كل احلر�ص ب�أن تتحرك باجتاه بو�صلة الو�سطية لن�شر الفكر الو�سطي فيعم اخلري والعدل والوئام والتعاي�ش يف املجتمعات ونبذ الفرقة والتطرف والغلو باملقابل. وفيما يلي ن�ص اللقاء.... -ف�ضيلة الدكتور بر�أيك ما هو دور العلماء العاملني الربانيني يف حماربة الفكر املت�شدد ،و�إبداله بالفكر الو�سطي ال�صحيح للدين الإ�سالمي؟
�إن العلماء هم قادة الأمة و�صمام االمان فيها ،فواجبهم �أن يقوموا بن�شر علمهم بني النا�س وخا�صة يف امل�سائل اخلطرة املتعلقة ب�سفك الدماء وامن املواطنني ،وعليهم �أن يقدموا للنا�س اجمع منوذج العامل القدوة لغريه ،ليكونوا قدوة لغري امل�سلمني الأمر الذي يعزز من دخولهم يف الإ�سالم ،لذا ف�إن �أمورا ب�سيطة ميار�سها امل�سلمون يف دول غري �إ�سالمية ت�ؤثر يف غريهم وتدفعهم العتناق الإ�سالم ،وواجب العلماء �أي�ضا �أن يقودوا النا�س للخري ويبعدوهم عن االجنراف يف احلما�س الطائ�ش ،واالجتهاد غري املن�ضبط الذي ينتج عنه ال�ضالل وت�شويه ل�صورة الإ�سالم. -وهل لف�ضيلتكم �أن تو�ضحوا لنا الآلية التي تتبعها وزارة الأوقاف الكويتية يف ن�شر الفكر الو�سطي بني �أبناء املجتمع الكويتي؟
�إن وزارة الأوقاف الكويتية تتحرك باجتاه بو�صلة الو�سطية بحمد اهلل تعاىل ،فلدينا يف الكويت م�ؤ�س�ستان ر�سميتان تعنيان بالفكر الو�سطي،
77
امل�ؤ�س�سة الأوىل هي اللجنة العليا للو�سطية� ،أما امل�ؤ�س�سة الثانية فهي وزارة الأوقاف الكويتية ،هذه الوزارة قد و�ضعت لها �إ�سرتاتيجية ملدة خم�س �سنوات وو�ضع لهذه الإ�سرتاتيجية �شعار الأمة الو�سط ،وو�ضعت �أي�ضا قواعد واعتبارات حاكمة لعملها ،من �أبرزها الو�سطية ،بل حتى يف القيم الإ�سرتاتيجية كانت الو�سطية �أولها ،ومن ثم الإبداع والريادة وال�شراكة والعمل امل�ؤ�س�سي وتنمية العاملني . ولهذا فتوجه الوزارة توجه و�سطي� ،أ�ضف �إىل ذلك خطب اجلمعة التي تتمحور حول الو�سطية ،والأدبيات ال�صادرة عن وزارة الأوقاف والتي ت�شمل ق�ضايا الو�سطية� ،أي�ضا الإنتاج التلفزيوين اخلا�ص بوزارة الأوقاف الكويتية والذي يتحدث عن الو�سطية ،والدرو�س العامة يف امل�ساجد القائمة على الفكر الو�سطي ،وال نن�سى املنهج الفقهي يف الكويت املرتكز �أي�ضا على الو�سطية. كما �أن لدور القر�آن واملعاهد ال�شرعية دورا كبريا يف تخريج جيل كامل يحمل الفكر الو�سطي ال�صحيح ،و دور املر�أة وما حتققه من �إجناز كبري ت�شكر عليه يف ن�شر الفكر الو�سطي فهذا جانب يف غاية الأهمية ...حيث عُني القطاع الن�سائي املتمثل بالداعيات يف وزارة الأوقاف الكويتية بدور مهم يف ن�شر الفكر الو�سطي بني الن�ساء ،ليقمن بدورهن بنقله �إىل �أبنائهن ،لت�سود يف املقابل بني �أفراد جمتمعنا. -وكيف تعرفون الو�سطية الإ�سالمية؟
�إن الو�سطية م�ؤهل الأمة للقيام بال�شهادة على النا�س ،و�أميل �إىل �أنها �أي�ضا العدل واخلريية ،والعدل هنا هو العدل مبعناه ال�شامل ،كالعدل مع الآخرين �سواء جمموعات �إ�سالمية �أو مع غري امل�سلمني ،وهذا ي�ؤدي �إىل رقي الأمة ،ف�إذا حقق الإن�سان العدل فقد حقق االنت�صار على الذات ،وفا�ضت نف�سه باخلريية� ،أما الو�سطية كم�صطلح ع�صري فهي ترتكز �إىل عدة �أمور �أهمها احلوار ،وتقبل الآخر ،والتعاي�ش ال�سلمي مع غري امل�سلمني الذي ج�سده الر�سول عليه ال�سالم يف الوثيقة التي وقعها يف املدينة املنورة بعد الهجرة. -وما هي ن�صيحتكم لأ�صحاب الفكر املت�شدد؟
�أن�صحهم �أن يعودوا �إىل علماء الأمة ال�صادقني الربانيني ،وان ي�أخذوا منهم الفتاوى ،و�أن ال مينحوا �أعداء الأمة الفر�صة لل�شماتة بالإ�سالم و�أهله،و�أن يكونوا دعاة ال رواة ،يبلغون دين اهلل بال�شكل ال�صحيح ،وال ين�صبون �أنف�سهم ق�ضاة على النا�س ،فاخلط�أ بالعفو خري من اخلط�أ باحلكم ،و�أخريا ف�أدعوهم لالبتعاد عن التكفري واخلو�ض يف دماء امل�سلمني ،لأنه �أمر خطري ،حيث مل يذكر يف ق�ضية اخللود يف النار غري امل�شرك باهلل وقاتل النف�س امل�ؤمنة.
78
أخبار الوسطية إصدارات جديدة باللغتين العربية واإلنجليزية تصدر عن العالمي للوسطية حيث تطرقت لثقافة احلب وورودها يف القر�آن الكرمي ونبذ ثقافة الكراهية التي هي طريق لثقافة التكفري ،و �أ�شارت الن�شرة �أي�ضا حلياة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وكم هي �أبلغ تعبري عن ثقافة املحبة ومقاومة ثقافة الكراهية . كما تناولت الن�شرة الثانية مو�ضوع "الو�سطية واالعتدال منهج �أمة" مت الرتكيز فيها على بيان معنى الو�سطية و�أهميتها ،و�أن اهلل �سبحانه وتعاىل قد وجه من خالل �آياته القر�آنية �سلك �سبل التو�سط واالعتدال بعيدا عن التطرف والغلو لت�شكل يف النهاية منظومة �أخالقية وقيمية ،وتطرقت للو�سطية من خالل اعتبارها كمدخل للح�ضارة الإن�سانية ..وطريق للنه�ضة ...وواقع �أمة. و�أخريا ن�شرة بعنوان" الإرهاب �صناعة اخلوارج" لف�ضيلة ال�شيخ الدكتور �صدر م�ؤخرا عن املنتدى العاملي للو�سطية ثالث ن�شرات باللغتني العربية حممد العريفي تطرق من خاللها للف�ساد الذي ن�شاهده يف جمتمعاتنا والإجنليزية ،تناولت موا�ضيع هامة ذات ال�صلة بر�سالة و�أهداف املنتدى من التفجري والتكفري بحجة جماهدة الكفار و�أعوانهم ،كما ركز على التي تنادى بالو�سطية واالعتدال واالبتعاد عن التطرف والغلو. اخلوارج ومذهبهم والآثار ال�سلبية املرتتبة ملن ينت�سب لهم من ف�ساد وقتل الن�شرة الأوىل كانت بعنوان " مدر�سة النبوة ثقافة حب ال ثقافة كراهية" و�ضياع.
الهيئة العامة لمنتدى الوسطية تقر التقريري المالي واإلداري خالل اجتماع عقدته مع أعضائها �أقرت الهيئة العامة ملنتدى الو�سطية للفكر والثقافة التقرير املايل املت�ضمن تقرير مدقق احل�سابات واحل�ساب اخلتامي عن ال�سنة املنتهية 2010م ،والتقرير الإداري لن�شاطات املنتدى للعام ذاته . جرى ذلك خالل اجتماعا عاديا عقدته الهيئة العامة يوم ال�سبت املوافق 2011/4/2يف مقر املنتدى وبح�ضور مندوب معايل وزير الثقافة ال�سيد عامر ح�سن .
من اليمني :م.مروان الفاعوري ،د.حممد الق�ضاة ،مندوب وزارة الثقافة
-جانب من احل�ضور
79
بدء فعاليات دورة الوفاق األسري والسعادة الزوجية في منتدى الوسطية الدكتورة دعاء فينو �إىل اهمية املنهجية التي يجب اتباعها يف التعامل مع الآية الكرمية « �آية القوامة» التي هي حمور الدورة. وقالت هناك مفاتيح لتف�سري الآية �أولها اللغة العربية حيث انتقى القر�آن الكرمي من اللغة العربية مفردات قد حتمل يف م�ضمونها معنى
-د.دعاء فينو خالل الدورة
نظمت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة دورة متخ�ص�صة بعنوان « الوفاق الأ�سري وال�سعادة الزوجية من خالل تف�سري �آية القوامة ( )34من �سورة الن�ساء» بهدف امل�ساهمة يف بناء �أ�سرة �صاحلة ي�ساهم جميع �أفرادها يف بناء املجتمع ونه�ضة الأمة وذلك ان�سجاما مع ر�سالة للجنة . وتهدف الدورة التي �ست�ستمر ملدة �شهرين بواقع �ساعتني �أ�سبوعيا يف كل ثالثاء �إىل ت�أطري العالقة بني الرجل واملر�أة داخل الأ�سرة مبا ي�ساهم ب�إعطاء كل ذي حق حقه ،وت�ؤ�س�س للوفاق ولي�س ال�صراع داخل كيان الأ�سرة مبا يحقق منظومة الأمن االجتماعي. وا�شارت الدكتورة والباحثة يف درا�سات يف درا�سات املر�أة والأ�سرة امل�سلمة و املتطوعة يف الإ�صالح الأ�سري الأ�ستاذة يف جامعة العلوم الإ�سالمية
-جانب من احل�ضور
واحد �أو �أكرث � ،إال �أن الف�صل فيها ال�سياق القر�آين ،والأمنوذج النبوي لأنه ميثل املمار�سة النبوية من حديث و�سنة فعلية �صحيحة ،م�شرية يف حديثها على �أن الفعل النبوي قد غيب يف فهم القر�آن الكرمي ،و�أخريا وبح�سب الدكتورة فينو ف�إن �أ�سباب النزول وورود احلديث والتي ت�سمى و�سائل م�ساعدة يف الفهم هي من جملة الأمور التي يجب مراعاتها عند تف�سري الآية الكرمية.
لجنة المرأة في منتدى الوسطية تنظم رحلة سياحية ثقافية لمنطقة الجنوب نظمت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يوم اجلمعة املوافق 2011/4/23رحلة ثقافية �سياحية ملنطقة اجلنوب ،مب�شاركة نخبة من �سيدات املجتمع من نا�شطات واعالميات و�أكادمييات بالإ�ضافة لع�ضوات من جلنة املر�أة يف املنتدى. وتهدف الرحلة التي ا�ستمرت ليومني �إىل التعرف على �أرجاء وطننا الغايل واالعتزاز بتاريخه ومواقعه ،حيث كانت �أوىل حمطات الرحلة زيارة ملحافظة الكرك للتعرف على املنطقة ،والوقوف يف منطقة املزار التي ت�ضم �أ�ضرحة �شهداء معركة م�ؤتة حيث مت زيارة تلك الأ�ضرحة وال�سالم عليهم و�أخذ نبذة موجزة عن حياة كل منهم ،كما مت بعدها زيارة منطقتي وادي املوجب و عني �سارة حيث �سحر الطبيعة وروعة املكان . ثم مت بعد ذلك ا�ستكمال الرحلة من خالل التوجه ملنطقة العقبة واملبيت فيها للتعرف على ثغر الأردن البا�سم» خليج العقبة» وقلعة العقبة �ضمن برنامج ثقايف منوع.
-امل�شاركات يف الرحلة و�صورة تذكارية
80
أخبار الوسطية
افتتاح ورشة ترسيخ الفكر الوسطي في العالم اإلسالمي /كردستان �أكد الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يف اجلل�سة االفتتاحية للور�شة اخلا�صة بعلماء ومفكري كرد�ستان العراق بعنوان» تر�سيخ الفكر الو�سطي يف العامل الإ�سالمي /كرد�ستان» �إىل �أن منهج الو�سطية الذي نذرنا انف�سنا لن�شره امنا نتحرى احلق ونبحث عنه وندور معه لتحقيقه يف حياه الفرد واملجتمع والدوله واالمه ون�سعى لن�شره لي�س بو�صفة تخديرية توجه البناء االمه تربر االو�ضاع اخلاطئه �أو ب�ضاعة اجنبيه بل هوميزان للحق نقدمه البناء امتنا. و�أ�ضاف يف الور�شة التي عقدها املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت املوافق 2011/3 19يف مقر املنتدى وبح�ضور نخبة من ال�شخ�صيات امل�ؤثره من كرد�ستان �أن علينا �إدراك �أهمية ر�سالة الو�سطية و�ضرورة �إدخالها اىل كرد�ستان و�سائر االمه على �صعيد احلركات والدول ل�ضبط �إيقاع املجتمعات و�سلوك �أفراده ،رغبة للت�صدي لدعوات الغلو التي تنادي بها بع�ض اجلماعات ،الغلو الذي ال ينتهي �إال بالتطرف و ي�شكل خطرا كبريا على الأمة والدين وي�ؤدي للتهلكة. و�أ�شار الفاعوري �إىل �أن املنتدى العاملي للو�سطية لي�س حزبا �أو تيارا �أو جماعة ،بل روح جديده ت�ضافرت فيها اجلهود ف�أخذت على عاتقها بث نهج الو�سطية لكل الأمة ،والت�صدي لكل غلو �أو تطرف يجعل من جمتمعنا و�أفراده بعيدين كل البعد عن اال�ستقامة واالعتدال الذي نادى به ديننا . و حتدث احد امل�شاركني يف الور�شة با�سمه وا�سم احلا�ضرين بكلمة �شكر فيها الأردن قيادة و�شعبا على احت�ضانها للجاليات الإ�سالمية كما �شكر يف الوقت ذاته املنتدى العاملي للو�سطية على ا�ست�ضافته لهم. وتناولت الور�شة يف جل�ستها الأوىل التي تر�أ�سها �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية د هايل الداود عدة �أوراق عمل ،حيث تطرق الدكتور حممد احلاج يف ورقته التي حملت عنوان « مفاهيم الو�سطية
وجتلياتها احل�ضارية والواقعية» �إىل �أهمية اال�ستخالف يف الأر�ض وعمارتها ،وحماية ما مت بنا�ؤه من خالل مكافحة الف�ساد الذي ي�ؤدي للهدم ،م�ؤكدا يف الوقت ذاته على �أن الو�سطية تقت�ضي علينا اال�ستعانة بخربات الآخرين و�إن اختلفوا بالعقيدة مادام ما نح�صل عليه ال يخالف �شريعتنا .
-جانب من اجلل�سة
ولفت �إىل �ضرورة البعد عن الروح العدائية والتحلي بروح املحبة والتعاون ،والدعوة �إىل احلوار ب�أ�ساليب معا�صرة �سعيا للتجديد يف لغة اخلطاب الإ�سالمي. وتطرق الدكتور عبد الرحمن وهدان يف ورقته « �آليات ن�شر الفكر الو�سطي» عن احلوار ك�أهم �آليات ن�شر الفكر الو�سطي حيث �أنه يفتح الباب لتبادل الأفكار والر�ؤى والت�صورات املختلفة . و �أكد على �أهمية قبول الر�أي من �أجل التعاون على ما فيه خري للأمة الإ�سالمية ،و�أي�ضا �أهمية املنابر وامل�ساجد يف �إي�صال الفكرة الإ�سالمية من خالل �أئمة وخطباء م�ؤهلني علميا ودينيا .
81
يف حني حتدث معايل الأ�ستاذ الدكتور عبد ال�سالم العبادي يف اجلل�سة الثانية والتي عقدت برئا�سة عميد كلية ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة عن « دور الو�سطية يف نه�ضة الأمة» وتنميتها ذلك �أن هذا النظام يقوم على الو�سطية واالعتدال يف مفهوم تنمية الأمة واملجتمعات الإ�سالمية . وقد تناول معاليه مناذج كثرية تدل على و�سطية االقت�صاد الإ�سالمي وو�سائلها للو�صول �إىل التنمية ال�شاملة مما جعل الكثري من دول العامل واملفكرين الغربيني ي�سعون للبحث عن حلول يف النظام االقت�صادي يف ظل الأزمة املالية التي جتتاح العامل منذ عدة �سنوات. ودعا الدكتور �ألعبادي �إىل حمل الإ�سالم بكل �أنظمته �إىل العامل ليكون م�ساهما يف نه�ضة الب�شرية وتنميتها.
املنتدى العاملي للو�سطية� :أهداف وغايات» احلديث عن الفكرة من �إن�شاء املنتدى العاملي للو�سطية وذلك لأهمية ن�شر الفكر الو�سطي من خالل الثقافة والفكر. كما حتدث عن الهدف من �إن�شاء املنتدى كرت�سيخ مفاهيم الو�سطية الإ�سالمية بني �أبناء الأمة ون�شر ر�سالة الإ�سالم الإن�سانية وتعزيز قيم احلرية والعدالة والت�صدي مل�شكالت الأمة وغريها الكثري ،م�شريا يف الوقت ذاته لأهم الن�شاطات والإجنازات التي حققها املنتدى العاملي للو�سطية منذ ان�شائه وحتى هذه اللحظة من م�ؤمترات دولية وندوات وحما�ضرات و�إ�صدارات الهدف منها ن�شر الفكر الو�سطي املعتدل وحماربة الغلو والتطرف. ويف نهاية الور�شة دار حوار مو�سع مت خالله مناق�شة �أوراق العمل التي قدمت خالل الور�شة ب�شكل م�ستفي�ض ومعمق �أثرى من �أهمية الور�شة وقيمتها.
�أما بالن�سبة للورقة التي قدمها �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية الدكتور حممد الريان حول» اجلهاد بني امل�شروعية واالرتداد �إىل الذات» فقد قال �أن مفهوم اجلهاد بات ي�سبب �إ�شكاال لدى الكثريين خا�صة و�أن و�سائل الإعالم الغربية وبع�ض و�سائل الإعالم العربية قد ربطت اجلهاد بالإرهاب ،بالرغم من اختالفهما متاما ،م�شريا �إىل �أن اهلل تعاىل قد �شرع اجلهاد للق�ضاء على الإرهاب ولإزالة حالة اخلوف التي قد تتلب�س الأمة وا�ستبدالها بحالة من ال�سالم. وتطرق د.الريان ملفهوم اجلهاد بالقر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ول�صوره م�ست�شهدا ببع�ض الآيات القر�آنية التي ذكر فيها اجلهاد واملق�صد منه ،حيث �أن الإ�سالم قد جعل من اجلهاد غاية ومق�صد وهي حتقيق العدل و�إزالة الظلم ورفع كلمة اهلل تعاىل وحفظ النفو�س ال لقتلها ون�شر ال�سالم.كان �آخر املتحدثني �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية الأ�ستاذ الدكتور حممد اخلطيب الذي تناول يف ورقته»
82
العالمي للوسطية يستضيف رئيس مجلس األعيان رئيس لجنة الحوار الوطني في مقره المصري :عمل لجنة الحوار الوطني يسير بشكل توافق وستنهي عملها قريبا قال رئي�س جمل�س االعيان رئي�س جلنة احلوار الوطني طاهر امل�صري القانون ،الننا لن ننهيه ،الن بع�ض مواده قد تتغري حتى ال نلزم ان عمل اللجنة ي�سري ب�شكل توافقي وبخطى ثابتة و�سوف تنجز عملها انف�سنا ب�شيء ،لكن الهدف من القانون هو ت�سهيل مهمة االحزاب ان�شا ًء وعمال وحرية ،وان ترتك احلرية ملجموعات �سيا�سية او اجتماعية خالل ثالثة اىل اربعة ا�سابيع. واكد العني امل�صري خالل حما�ضرته يف املنتدى العاملي للو�سطية ال�سبت لتن�شيء احلزب الذي تريد �ضمن �شروط لي�ست قا�سية ،وتكون وطنية وتوجهاتها دميقراطية ،م�شريا �إىل ان اللجنة على و�شك ان تنهي هيكلة اعمالها وتكون جاهزة خالل فرتة ق�صرية. وبالن�سبة للجنة الثالثة بني انها جلنة قانون االنتخاب ،وان هناك نقا�شا مطوال حول القانون« ،لوجود خالفات حول ما هو القانون الذي نريد ويلبي تلك املطامح ،ويعيد التوازن اىل املجتمع النيابي االردين ،وي�ؤدي اىل متثيل حقيقي ،ويتجنب ما ر�أيناه من جتاوزات خالل االنتخابات النيابية املا�ضية». ويف هذا ال�صدد تابع انه «لذلك امامنا عدة افكار واقرتاحات ،و�سنتفق عليها خالل فرتة وجيزة ،لكن وبدون الزام مني حول ماهية هذا جانب من الزيارةالنظام. املوافق ،2011/4/23بح�ضور رئي�س جلنة قانون االحزاب املنبثقة عن جلنة احلوار الوطني الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري ،ان احلوار �سيكون دائما مفتوحا امام اجلميع حيث انه ال تقدم وا�صالح حقيقي اال من خالل احلوار. وقال انه «عندما نناق�ش ونتحاور فاننا ن�ستمد افكارنا وامياننا من احلوار مع النا�س ،واننا لن نعمل مبعزل عن الر�أي العام وتوجهات النا�س». وا�شار اىل انه مت تق�سيم جلنة احلوار الوطني اىل ثالث جلان ،االوىل يتعلق عملها بو�ضع االطار العام لنظرتنا كلجنة ملفهوم اال�صالح ،وملفهوم االردن اجلديد ،وم�ستقبل االردن ،والتاكيد على اللحمة الوطنية ،و�ضرورة حماربة الف�ساد ،وان اال�صالح عملية جدية م�ستمرة يجب ان ال ترتاجع بتاتا. دولة طاهر امل�صري واملهند�س مروان الفاعوري خالل اللقاءوبني ان الهدف من هذه اللجنة هو بناء حياة دميقراطية نيابية �سيا�سية �صحيحة ،وان ت�صبح احلكومات ت�ؤلف عرب قانون انتخاب و�أو�ضح انه «يبدوا ان التوجه هو جعله نظام انتخابي خمتلط بني وقانون احزاب جيدين ،ي�ساهمان بتعزيز احلياة الربملانية والنيابية ،ال�صوت الواحد وبني القائمة ،ولكن كيف القائمة ،واي قائمة ،هذا االمر �سي�أخذ نقا�شا طويال ،واعتقد ان هذا ما �سي�ؤخرنا عن ا�صدار وي�ؤديان اىل ان�شاء حكومات حزبية ح�سب ما يتطور العمل احلزبي. وقال العني امل�صري ان اللجنة الثانية هي جلنة االحزاب التي ير�أ�سها تقرير اللجنة والنتائج النهائية للجنة خالل فرتة ق�صرية». املهند�س الفاعوري ،ولن نتمكن من احلديث مف�صال يف بنود هذا وحول مو�ضوع التعديالت الد�ستورية قال انه «امر ح�سا�س ويجب ان
83
يو�ضع يف اطاره ال�صحيح ،حيث ان هناك اتفاقا عاما على امور معينة يف قانون االنتخاب واالحزاب ،ونعتقد انها ل�صالح التقدم الدميقراطي والعمل النيابي ،واعتقد اننا متفقون عليها وحتتاج اىل تعديالت
-ح�ضور حا�شد للمحا�ضرة
د�ستورية ،مثال اتفقنا بان يجب ان يكون الطعن ب�صحة نيابة النواب يف الق�ضاء ولي�س يف جمل�س النواب ،هذا يحتاج اىل تعديالت د�ستورية، كما اتفقنا بان تن�ش�أ هيئة م�ستقلة ،هيئة مفو�ضية عليا لالنتخابات م�ستقلة ،تدير �ش�ؤون االنتخابات وترتيبات االنتخابات وهذه اي�ضا حتتاج اىل تعديالت د�ستورية».
وا�شار اىل مو�ضوع املحكمة الد�ستورية الذي هناك �شبه اتفاق عليه، والذي يحتاج كذلك ويف كثري من التعديالت التي طر�أت على د�ستور � 52سيتم تعديلها مرة اخرى. وقال ان اللجنة رتبت زيارات اىل املحافظات حيث قامت ثالث جلان لغاية االن ،وهناك تكملة خالل خم�سة ايام نغطي جميع املحافظات لتاتي بنتيجة حتاورها مع املجتمع االهلي يف املحافظات ،ون�ستخل�ص االراء والعرب ،ون�ضعها ب�شكل ما هي االقرتاحات واالراء لن�ستفيد منها يف قانون االنتخاب واالحزاب. وحول غياب احلركة اال�سالمية عن جلنة احلوار الوطني ،قال لقد خ�سرنا م�شاركة فئة �سيا�سية مهمة جدا من حياتنا ال�سيا�سية ،وهم مازالوا م�ستنكفني عن احل�ضور ،م�ؤكدا ان خمرجات اللجنة �ستكون ملبية لطموحات ومطالب جميع الفئات االهلية واحلزبية وال�سيا�سية، مبا فيها جماعة االخوان امل�سلمني وحزب جبهة العمل اال�سالمي. وجرى حوار مو�سع بني امل�صري واحل�ضور متحور حول اال�صالحات ال�سيا�سية ،وقانوين االنتخاب الأحزاب ،والت�صور املطروح عنهما، وكذلك التعديالت الد�ستورية والقوانني امل�ؤقتة و�أزمة الثقة ما بني املواطن واحلكومات املتعاقبة والتعار�ض بني مهام اللجنة واملجل�س النيابي وكذلك رئا�سته للجنة ورئا�سته للجنة احلوار الوطني.
األمين العام للمنتدى العالمي يسلم درع منتدى الوسطية لخادم الحرمين قدم املنتدى العاملي للو�سطية اىل خادم احلرمني ال�شريفني امللك عبداهلل بن عبد العزيز درع املنتدى وذلك تقديرا جلهود جاللته يف خدمة اال�سالم وامل�سلمني ولدوره الكبري يف ن�شر ر�سالة اال�سالم احلقيقية التي تقوم على الت�سامح والعدالة والو�سطية . وت�سلم الدرع نيابة عن امللك عبداهلل �سمو وزير اخلارجية االمري �سعود الفي�صل وذلك خالل ا�ستقباله لوفد املنتدى الذي يرتا�سه االمني العام املهند�س مروان الفاعوري . وبحث الوفد خالل اللقاء �سبل تعزيز التعاون والتوا�صل مع امل�ؤ�س�سات ال�سعودية لال�ستمرار يف تقدمي ماهو اف�ضل خلدمة الدين . وا�شاد �سمو االمري باجلهود التي يبذلها املنتدى والن�شاطات التي يقوم ها يف االردن والعامل لتعميق الفكر الو�سطي الفتا اىل ان املنتدى ا�صبح معلما فكريا وثفافيا عامليا مهما حيث ا�صبح حاجة ملحة لالمة خا�صة يف هذه ال�ضروف الذي تتعاىل بها ا�صوات الغلو والتطرف . وا�ستعر�ض الفاعوري ابرز الن�شاطات واالجنازات التي حققها النتدى خالل ال�سنوات املا�ضية م�ستعر�ضا ابرز الندوات وامل�ؤمترات الدولية التي نظمها يف عدد كبري من الول العربية والإ�سالمية والعاملية والتي تناولت معظم الق�ضايا التي تهم الالمة مب�شاركة مفكرين وعلماء من جميع دول العامل .
من اليمني � :أ.منت�صر الزيات ،الأمري �سعود الفي�صل ،م .مروان الفاعوري
م.الفاعوري ي�سلم درع الو�سطية ل�سمو الأمري �سعود الفي�صل
84
وفد كردستاني في زيارة خاصة لمقر العالمي للوسطية على �إثر الور�شة التي عقدها املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت بتاريخ قيم الت�سامح واالعتدال يف وحدة الأمة ،و نبذ الفرقة ،والت�أكيد على 2011/3/19بعنوان» تر�سيخ الفكر الو�سطي يف العامل الإ�سالمي� /أ�سلوبه احل�ضاري يف التعامل مع اخل�صوم. كرد�ستان ،و �شارك فيها نخبة من �أبناء كرد�ستان ،قام وفد كرد�ستاين وي�ضم ع�ضو املكتب ال�سيا�سي يف الإحتاد الإ�سالمي الكرد�ستاين د.حممد �أحمد و �سعدي ح�سن بارام وطه طاهر علي ،يوم الثالثاء املوافق 2011/3/22بزيارة �إىل مقر املنتدى العاملي للو�سطية حيث كان يف ا�ستقباله الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري و�أمني ال�سر الأ�ستاذ الدكتور حممد اخلطيب . و�أكد الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س الفاعوري خالل لقائه بالوفد على �ضرورة ن�شر مبادئ الو�سطية يف كرد�ستان وخا�صة يف ظل الظروف احلرجة . وقد مت خالل اللقاء بحث دعم فرع للمنتدى يف كرد�ستان والأخوة الوفد يف زيارة ملقر املنتدىالعاملني هناك مع املنتدى بهدف تر�سيخ الفكر الو�سطي هناك ،و ويف نهاية اللقاء وعد الفاعوري با�سم املنتدى و�أع�ضائه بتقدمي كل �ضرورة عقد م�ؤمتر دويل للو�سطية يف �أقرب وقت ،وقد اقرتح الدكتور حممد �أحمد ب�أن يكون عنوان امل�ؤمتر :دور �صالح الدين الأيوبي يف ن�شر �أ�شكال الدعم للأخوة يف كرد�ستان.
لجنة المرأة في منتدى الوسطية تحتفل بذكرى المولد النبوي بجلسة ذكر ومأدبة إفطار �ضمن �سل�سلة احتفاالت منتدى الو�سطية للفكر والثقافة بذكرى ميالد النبي عليه ال�صالة وال�سالم� ،أقامت جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية يوم االثنني املوافق 2011/2/21احتفاال دينيا بهذه املنا�سبة العظيمة ،ح�ضره عدد من ال�سيدات النا�شطات يف العمل الإن�ساين واالجتماعي وعدد من الداعيات والواعظات والأع�ضاء يف قطاع املر�أة.
كالتوا�ضع والأمانة وال�صدق وغريها من ال�صفات ،يف حني تطرقت ع�ضو املنتدى والنا�شطة ال�سيدة رويداء رياالت يف كلمتها عن خلق ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف بيته ومع ن�سائه وكيف كان يعامل �أهل داره ويح�سن معاملتهم� ،أما ع�ضو املنتدى الدكتورة خولة اخلوالدة تناولت حمورا يتعلق مبحبة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم� ،أما ال�سيدة وفاء البيطار فقد �شددت يف كلمتها على ف�ضل ال�صالة على الر�سول الكرمي وكيف لنا �أن نن�صره من خالل �إتباع �سنته وااللتزام مبنهجه ،يف حني �أ�شارت ال�سيدة رمي النا�صر يف حديثها عن ف�ضل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم علينا وكيف هدانا لنور اهلل ونيل ر�ضاه.
-يف �إحتفال جلنة املر�أة
ويهدف االحتفال الذي ت�ضمن جل�سة ذكر وم�أدبة �إفطار ،جتديد العهد بر�سول اهلل و�سنته ال�سمحة وتوثيق االرتباط فيه. وقالت رئي�سة جلنة املر�أة ال�سيدة �سو�سن املومني يف كلمتها حول مولد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم� ،أن من حكم اهلل تعاىل يف مولد الر�سول الكرمي يتيما كي يكون ذاك النبي القادر على حتمل م�صاعب الزمن، ويكت�سب �صفاتا ت�ؤهله لتحمل امل�س�ؤولية يف ن�شر الدعوة الإ�سالمية وحتمل االبتالءات من �أهمها ال�صرب وال�شجاعة. وقد تعددت الكلمات التي �ألقيت خالل احلفل والتي متيزت بالتنوع يف حماورها ،حيث �أ�شارت ع�ضو املنتدى الدكتورة نوال �شرار يف حديثها عن �أخالق ر�سول اهلل وال�صفات احلميدة التي يتحلى بها والأوىل الإقتداء فيها
-جانب من احل�ضور
الدكتورة مروة خورمة �أ�شارت يف كلمتها �إىل حكم االحتفال مبولد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم وقالت �أن االحتفال بذكرى ميالد النبي هو بدعة �إال �أنها بدعة حمببة لأن فيها جتديد للعهد . �شارك يف احلفل الذي ختم بتناول طعام الإفطار ،عدد من طالبات هيئة �شابات الو�سطية حيث تنوعت م�شاركاتهن من خالل تالوة القر�آن و�إلقاء الأنا�شيد الدينية واملختارات ال�شعرية وعر�ض لفيلم يتحدث عن �سرية ر�سول اهلل .
85
ترسيخ الفكر الوسطي في أوساط الطلبة الماليزيين في الجامعات األردنية /سلسلة من الندوات يعقدها العالمي للوسطية في محافظات المملكة عقد املنتدى العاملي للو�سطية �سل�سلة من الندوات للطلبة املاليزيني يف اجلامعات الأردنية يف خمتلف املحافظات بهدف تر�سيخ الفكر الو�سطي بني �أو�ساط الطلبة ،حيث عقد املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع جامعة الريموك يوم الثالثاء املوافق 2011/3/29ندوة بعنوان» تر�سيخ الفكر الو�سطي يف �أو�ساط الطلبة املاليزيني يف اجلامعات الأردنية» يف منطقة �شمال اململكة ،و ناق�شت الندوة التي عقدت يف جامعة الريموك عددا من �أوراق العمل حتدثت حول الو�سطية والفهم ال�صحيح للإ�سالم.
يف الأردن ال�سيد �سيف الدين احل�سيني عددا من �أوراق العمل التي تتحدث حول الو�سطية والفهم ال�صحيح للإ�سالم . وحتدث �أ.د.حممد الروا�شدة عميد �ش�ؤون الطلبة يف جامعة م�ؤتة يف ورقة العمل التي قدمها عن «الو�سطية و�إن�سانية اخلطاب الإ�سالمي» وقال �أن الو�سطية ت�شارك يف ال�سيا�سة وال ت�سعى للحكم و�أن معيار الو�سطية هو قبول الآخر.
-جانب من الور�شة يف جامعة �آل البيت
حيث �أ�شار الدكتور عبد اهلل ال�صيفي يف ورقته التي قدمها بعنوان «منهج الو�سطية « هل هو منهج �إ�سالمي را�سخ �أم مفهوم م�ستورد وافد»، اىل مفهوم الو�سطية و�أهمية الت�سامح والعدل م�ستعر�ضا ادلة من القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ،التي ت�ؤكد �أن هذه الأمة خريية داعيا لعدم الت�شدد ونبذ الفرقة والدعوة للمحبة والت�سامح. وقال �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية الدكتور حممد الريان يف ورقته املعنونة بـ «مفهوم االختالف يف الر�أي �سنة كونية ووظيفة دينية « ان االختالف �سنة من �سنن اهلل يف الكون ،و له �آداب وذوقيات ،و�أكد الريان �أن االختالف �إذا �أح�سن ا�ستثماره ف�إنه ي�ؤدي �إىل نتائج �إيجابية يف احلوار واالن�سجام ويكون �أداة من �أدوات الو�سطية واالعتدال ويحقق مفهوم التوازن لدى ال�شباب.
-جانب من الور�شة يف جامعة م�ؤتة
كما نظم املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع جامعة م�ؤتة يوم االثنني املوافق 2011/4/4ندوة ثانية بعنوان» تر�سيخ الفكر الو�سطي يف �أو�ساط الطلبة املاليزيني يف اجلامعات الأردنية» يف منطقة جنوب اململكة . و ناق�شت الندوة التي عقدت يف جامعة م�ؤتة بح�ضور امللحق الثقايف املاليزي
-جانب من الور�شة يف جامعة الريموك
من جهته حتدث �أ�ستاذ ال�شريعة الدكتور �شوي�ش املحاميد يف ورقة العمل التي قدمها عن «فكرة الو�سطية � :أ�صلها وجذورها وماهية» الأ�سباب التي �شوهت فكرة الو�سطية يف هذا الزمان ،و�أنها ظهرت ملقاومة التطرف و�أنها م�شحونة بالهم ال�سيا�سي لت�صارع احلركات الإ�سالمية ،و�أي�ضا �إظهار جوهر الدين ال�صحيح دين االعتدال نقي�ض الغلو والتطرف. �أما الدكتور قي�س املعايطة فقد حتدث عن نعمة االختالف بني �آراء الفقهاء من وجهة نظر و�سطية ،و�أن هذا االختالف نعمة ورحمة للم�سلمني ،وي�أتي هذا ردا على الداعني للع�صبية والتع�صب وعدم االنفتاح على الآخرين وتكفريهم دون �سند �شرعي لذلك. �أما الندوة الثالثة والتي عقدت بالتعاون مع جامعة �آل البيت يوم الأربعاء املوافق 2011/4/7بعنوان» تر�سيخ الفكر الو�سطي يف �أو�ساط الطلبة املاليزيني يف اجلامعات الأردنية» بح�ضور امللحق الثقايف املاليزي يف الأردن وعدد من �أ�ساتذة جامعة �آل البيت فقد ناق�شت عددا من املحاور و�أوراق العمل التي حتدثت عن الو�سطية والفهم ال�صحيح للإ�سالم من خالل نخبة من الأ�ساتذة املتخ�ص�صني يف ذات املجال . حيث حتدث �أ�ستاذ العقيدة الإ�سالمية يف كلية ال�شريعة /جامعة �آل البيت د.حممد عبد احلميد اخلطيب يف ورقة العمل التي قدمها بعنوان» هل الو�سطية جزء من الإ�سالم �أم دخيلة عليه» حيث قال �أن الو�سطية هي جزء �أ�صيلة من تعاليم الإ�سالم ولي�ست دخيلة عليه ،وهو منهج الأنبياء جميعا . وقال �أ�ستاذ ال�شريعة يف جامعة �آل البيت الدكتور حممد العمري يف ورقته املعنونة بـ « االختالف �سنة كونية و�ضرورة دينية» �أن االختالف �سنة كونية والتنوع ما هو �إال داللة على القدرة الإلهية واحلكمة الربانية ،و�أ�ضاف �أن االختالف هو �سنة اخللق و�أ�سا�سه ،كما �أنه �آية من �آيات اهلل �سبحانه وتعاىل فال تطابق بني �إن�سان و�آخر وال �شكل ب�شكل وال لون بلون.
86
تأسيس هيئة شباب الوسطية وانتخاب هيئة إدارية لها الر�سالة
وافق املجل�س الأعلى لل�شباب بقراره رقم (/7هيئة )2011/على ت�أ�سي�س هيئة �شبابية با�سم هيئة �شباب الو�سطية. وقد عقدت الهيئة الت�أ�سي�سية اجتماعا يف مقر الهيئة يف عمان بح�ضور ال�سيد مو�سى العودات مدير �شباب العا�صمة وال�سيد علي عبيدات مندوب مديرية �شباب العا�صمة.
حيث مت انتخاب هيئة �إدارية برئا�سة ال�سيدة رويداء الرياالت وع�ضوية كل من ال�سيد حكمت الب�شري �أمينا لل�سر ،والأ�ستاذ مازن الفاعوري �أمني ال�صندوق ،واملهند�س �أ�شرف احلامد �أمني �سر ،والدكتورة نوال �شرار ع�ضو ،وال�سيد عمار املومني ع�ضو ،وال�سيد ب�سام عبد اجلواد ع�ضو. وحتدث يف االجتماع مدير �شباب العا�صمة ال�سيد مو�سى العودات و�أكد على �أهمية الهيئات ال�شبابية يف �إقامة الن�شاطات ال�شبابية التي تعنى بالعمل التطوعي وتقدير املجل�س الأعلى لل�شباب من خالل من خالل تخ�صي�ص دعم ح�سب معايري التقييم لهذه الهيئات ،كما قد رحبت ال�سيدة رويداء الرياالت مبدير �شباب العا�صمة وبينت �أن هدف الهيئ الإعتناء بفئة ال�شباب من خالل ن�شر فكر الو�سطية والإعتدال لل�شباب من اجلن�سني. من نحن
هيئة �شباب الو�سطية يف �سطور
نحن هيئة �شبابية تنبثق عن املنتدى العاملي للو�سطية ،تهدف �إىل �إيجاد مكان يحتوي ال�شباب بحيث يدعم �إبداعاتهم وطاقاتهم الغري حمدودة، يف ظل جو �أخوي يغر�س القيم الفا�ضلة املتمثلة بالفكر الإ�سالمي املعتدل. الر�ؤية
بناء الفكر املتوازن املعتدل وتر�سيخ املنهج النبوي يف عقول النا�شئة و فهم الإ�سالم ديناً وح�ضار ًة ،وتعميم الهوية الفكرية والثقافية لإن�سانية الإ�سالم لدى �شباب الأمة ،وبث روح الت�سامح واحلوار الإن�ساين وغر�س قيم الو�سطية واالعتدال بكل �صوره ومفرداته.
بناء جيل �شاب واع بهموم الأمة� ،ساع للنهو�ض احل�ضاري ،و�إبراز �صورة الإ�سالم احلقيقية فكراً وثقافة و�سلوكاً ،وت�أ�صيل ملنهج الو�سطية واالعتدال يف حياة ال�شباب. الأهداف -1ن�شر قيم االعتدال يف فهم الإ�سالم لدى ال�شباب يف خمتلف مناحي احلياة. -2رعاية الأن�شطة والفعاليات والربامج الفنية وال�شبابية. -3امل�ساهمة يف تطوير العمل ال�شبابي والعمل على تعزيز الروابط مع الهيئات والأندية الأخرى. -4تعزيز منظومة القيم الإ�سالمية ،والأخالق الفا�ضلة ،والتوا�صل مع املجتمع املحلي وامل�ساهمة بتنميته من النواحي الثقافية والريا�ضية واالجتماعية ،و�إعالء قيمة العمل اخلريي. -5تر�سيخ مفاهيم الكرامة الإن�سانية والعلم والعدل لدى قطاع ال�شباب. -6االهتمام بالقر�آن الكرمي حفظاً وتالو ًة وتف�سرياً. -7تعزيز دور ال�شباب يف بناء املجتمع الأردين وتعميق روح االنتماء الوطني. -8رعاية املوهوبني واملبدعني وتنمية مهاراتهم و�إبداعاتهم يف حقول الريا�ضة وال�شباب. الآليات والو�سائل
-1عقد امل�ؤمترات والندوات و املحا�ضرات واللقاءات واملعار�ض الثقافية والفكرية والفنية التي يعد لها وينظمها ال�شباب. -2عقد دورات ت�أهيلية وتدريبية يف املوا�ضيع العلمية والثقافية. � -3إقامة الرحالت لبناء الروابط بني ال�شباب. � -4إقامة الأن�شطة الريا�ضية والن�شاطات الك�شفية واملهرجانات الثقافية. � -5إ�صدار جملة متنوعة املحتوى ت�شرف الهيئة على �إ�صدارها و�إثرائها وتطويرها. � -6إعداد ال�شباب لالنخراط يف املجتمع والتميز يف كل جماالتهم من خالل الور�ش والدورات التدريبية. -7االهتمام مبواهب وهوايات ال�شباب ودعم عمل ال�شباب. -8تخ�صي�ص م�ساحة من موقع املنتدى خمت�صة بهيئة �شباب الو�سطية للتوا�صل الإلكرتوين مع ال�شباب. -9االهتمام باجلانب الروحي الإمياين لدى ال�شباب من خالل عقد لقاءات �إميانية و ت�أدية بع�ض ال�شعائر كقيام الليل وال�صيام وحفظ وتالوة وتف�سري القر�آن الكرمي.
87
88