افتتا
ح ية العدد
املهند�س مروان الفاعوري
1 واقع ُ األمة اإلسالمية يب���رز هذا العدد الى حيز الوجود واالمة االس�ل�امية من مش���رقها ال���ى مغربها ومن ش���مالها الى جنوبه���ا تعج دولها باالحداث واالزمات والح���روب الداخلية والفت���ن «م���ا ظه���ر منها وم���ا بطن» وف���ي الوق���ت نفس���ه يتق���دم الوقت العال���م م���ن حولن���ا تج���اه التكنولوجيا والمعرف���ة الجدي���دة بخط���وات ثابت���ة واثق���ة ال���ى االم���ام .عالمنا االس�ل�امي ينغمس حتى اخم���ص قدميه بدوامة العنف والعنف المضاد والغرب يتقدم بخط���ى س���ريعة نح���و مع���ارج العلوم والفنون واالكتش���افات الجديدة وكأن هذه المنطقة كتب عليها اال تس���تريح م���ن وي�ل�ات الح���روب والتحدي���ات ولو لمجرد «س���اعة» تأخذ فيه���ا بعضا من االنفاس لتصحو م���ن غفوتها الطويلة التي اس���تحالت الى عجز وخمول يدفع كل م���ن يغار على أُمته ان يس���أل متى س���نخرج من حال���ة الظ�ل�ام الحالك الى نور الحقيقة والمعرفة؟ متى س���تهدأ اصوات الدم���ار والمدافع عن الحركة؟ ومتى سنستنشق عبير الورد بدل رائحة البارود الت���ي اصبحت تزكم االنوف في كل مكان متى س���نرى العمران والبنيان يع���م البالد؟ بدل ص���ور الخراب والدمار مت���ى ننتهي من حالة التخلف والجهل المطب���ق ونب���ش المقاب���ر والبحث عن خالف���ات انته���ى زمانه���ا ووقتها منذ قرون .هذه الفتن التي نش���هدها اآلن فتكت باالنس���ان والعمران واساس���يات الدول وكياناتها السياس���ية ،واستنزفت مواردن���ا وقدراتن���ا ،فت���ن متع���ددة الرؤوس وااله���داف واالتجاهات تحمل بين طياتها اجن���دات خارجية ولكن مع بأيد م���ن بني االس���ف الش���ديد تنف���ذ ٍ جلدتن���ا ومن يتس���مون باس���منا ونحن منه���م ب���راء ،ال���ى ي���وم الدي���ن ومم���ا يصنعون ويتقولون. لقد تعطلت مشاريع التنمية والنهضة ف���ي بالدنا وأث ًّرت على بنية مؤسس���اتنا
التنموي���ة نتيج���ة لموج���ات التط���رف والعن���ف المجتمعي ال���ذي عكر صفاء النف���وس واخ���ل بالنظام الع���ام للدول وينشر الرعب بين الناس َفَر َّو َع االطفال الرضع في المهد ،والش���يوخ الركع في المساجد ودور العبادة والحقت االضرار بالبيئ���ة والمراف���ق العام���ة واالم�ل�اك الخاص���ة ،وتعرض���ت الم���وارد الوطنية واالقتصادي���ة ال���ى النه���ب والس���لب وعطل���ت القواني���ن الناظم���ة للحي���اة االنس���انية ،ودب���ت الفوضى وتكرس���ت الديكتاتوري���ات ،واصبح صوت الرصاص واح���كام الط���وارئ يعل���و عل���ى كل االصوات امام هذا المش���هد المأساوي ينه���د المنت���دى العالم���ي للوس���طية ف���ي مح���اوالت كثيرة ،وف���ي مبادرات متواصل���ة من اجل لملم���ة صف االمة وتضمي���د م���ا يس���تطيع م���ن جراحاتها المكلوم���ة م���ن خالل ط���رح المبادرات وعقد المؤتمرات واقامة الندوات ورفع الصوت في «زمن الصمت» لعلها على االمة ان تعود الى رش���دها ،والى سنة رس���ولها صلى اهلل عليه وس���لم فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ،وتدعو ال���ى وح���دة الصف ووقف تي���ار العنف والتمس���ك بنه���ج اإلعم���ار واالعت���دال والبناء وحل الخالفات بالطرق الس���لمية وبالح���وار المفضي ال���ى تحقيق الصلح والمصالح���ة بي���ن ابن���اء االم���ة الواحدة واالعتصام بحب���ل اهلل المتين .مصداقا لقول���ه تعال���ى( :واعتصم���وا بحبل اهلل جميعا وال تفرقوا) فلننهض ونس���تأنف دورن���ا ورس���التنا واهلل غالب على أمره، انه���ا حالة انتحار يتوج���ب وقفها وهي مس���ؤولية وطني���ة واخالقي���ة ،كم���ا أنها مس���ؤولية جماعي���ة تتظافر فيها الجه���ود لتحق���ق االم���ن واالس���تقرار والس���لم المجتمع���ي له���ذه االم���ة ولمحيطن���ا االنس���اني العالم���ي« .وقل اعمل���وا فس���يرى اهلل عملكم ورس���وله والمؤمنون».
ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية
( هيئة عاملية �إ�سالمية )
العدد اخلام�س والع�شرون :ال�سنة الثامنة ربيع اول 1438هـ /كانون اول 2016م
الإمام ال�صادق املهدي ال�سودان الدكتور عبد الرحيم العكور الأردن الدكتور عبد ال�سالم العبادي الأردن الدكتور حممد طالبي املغرب الدكتور م�صطفى عثمان ا�سماعيل ال�سودان الدكتور عبد الإله ميقاتي لبنان
اال�ستاذ الدكتور ابو جرة ال�سلطاين اجلزائر الدكتور �سعد الدين العثماين املغرب الدكتور حممود ال�سرطاوي الأردن الأ�ستاذ منت�صر الزيات م�صر الدكتور حممد حب�ش �سوريا الدكتور زيد املحي�سن الأردن
اإلفتتاحية : دراسات إسالمية :
الإرهاب الإلكرتوين على �شبكات التوا�صل االجتماعي -الدكتور علي حجاحجة
4
جرمية �إثارة النعرات – الدكتور مازن الفاعوري
6
الق�ضاء يف الإ�سالم -املحامي حممود داودية
10
مقاالت الوسطية :
قراءة يف ثنايا التعاي�ش – عدنان عبيدات ال�شباب و�آفات الع�صر – الدكتور زيد املحي�سن حماية الأطفال يف قانون الدول االن�ساين -الدكتورة امل الرفوع دور الأ�سرة الرتبوي – اال�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة دور امل�سجد يف التجربة التاريخية الإ�سالمية – الدكتور حممود جبارات الإع ـم ـ ــار � -أ.م.د .جلني الدوري و�سطية الإ�سالم -الدكتور عبد الإله التخاينة ج ـنـ ــة – الدكتور �سلمان العودة الإخال�ص -ال�شيخ عبد املجيد �أبو �سل احلوار � :آداب وم�ضامني -الدكتور ح�سن املبي�ضني
14 18 20 28 34 36 40 42 44 46
حوارات الوسطية :
لقاء العدد -الدكتور حممد طالبي
48
شخصية العدد :
�سماحة ال�شيخ عبد الباقي جمو رحمه اهلل
52
بيانات الوسطية :
بيان املنتدى العاملي للو�سطية حول الأحداث يف املو�صل م�شاركة الأ�سرة الأردنية يف �إحياء الذكرى احلادية ع�شرة لتفجريات فنادق عمان
56 57
الـمــهــنــد�س مــــــروان الـفــــاعــــــوري الأ�ســتـــاذ ابـــــراهيــــم الــعــجــلـــونـــي الـــدكـــتــــور زيـــــــــد الـــمــحــــيــــ�ســـــن الـــدكـــتــــور عـــلــي الــــحــجــاحـــجـــة الـــدكـــتــــور زهــــاء الــديــن عــبـيـدات
املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع
الـــدكـــتــــور مــــازن هــا�شـم الفـاعـوري الدكتور ح�سن علي املبي�ضني
مـحـمـــد عــــزام ال�ســـلـمــــان
اململكة الأردنية الها�شمية -عمان تلفون +962 - 6 - 5356329 : فاك�س +962 - 6 - 5356349 : �ص.ب 1241 :عمان 11941الأردن Email : mod.inter@yahoo.com Website : www.wasatyea.net
نشاطات الوسطية :
توقيع اتفاقية تعاون مع جامعة قطر /كلية ال�شريعة ندوة دور العلماء يف مكافحة التكفري يف كرد�ستان زيارة الوفد املاليزي ملقر املنتدى العاملي للو�سطية االجتماع الأول للجنة التح�ضريية للم�ؤمتر الدويل القادم لعام 2017 ت�أبني املرحوم م�صطفى الواكد الدورة التدريبية يف مهارات التوا�صل والتخطيط يف اخلطاب امل�سجدي دورة «دور املر�أة يف التوازن الأ�سري ومقاومة الغلو دورة «دور اخلطباء واملعلمني يف تعزيز ال�سلم االجتماعي» �إطالق تطبيق الهواتف الذكية اخلا�ص باملنتدى العاملي للو�سطية ندوة مناق�شة مفهوم الدولة املدنية ندوة التعاي�ش هو �أ�سا�س النهو�ض باملجتمع الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يلتقي وزير الدولة املاليزي حما�ضرة (اال�سالم دين الو�سطيه واالعتدال) ندوة دور الف�ضاء االلكرتوين يف �صناعة التطرف والعنف
58 58 59 59 60 60 62 63 63 64 65 66 66 67
الركن الطبي :
احل�شي�ش � ..آثاره و�أ�ضراره -الدكتور جمال يون�س عناين
68
استراحة العدد :
قطوف دانية – ال�سيدة �آالء الها�شمي بطاقات �شعرية – ال�شاعر حيدر حممود َخ َلجاتٌ �إميانية - ...ال�شاعر :ماهر ال ّر حَمي حديث �أم معبد يف و�صف النبي �صلى اهلل عليه و�سلم
70 72 74 75
اصدارات المنتدى :
كتاب التجديد يف فكر الإمام ال�صادق املهدي �أوراق عمل ندوات املنتدى العاملي للو�سطية لعام 2015
76 77
دراسا
ت إسالمية
4
اإلرهاب االلكتروني يعتمد على استخدام اإلمكانات العلمية أو التقنية ،واستغالل وسائل االتصال والشبكات المعلوماتية ،لتخويف اآلخرين وترويعهم ،وإلحاق الضرر بهم ،أو تهديدهم.
اإلرهاب اإللكتروني على شبكات التواصل االجتماعي الدكتور علي حجاحجة
لقد ت�سارع ا�ستخدام و�سائل التكنولوجيا امل��خ��ت��ل��ف��ة واالع���ت���م���اد ع��ل��ى الإن��ت�رن����ت يف ال�سنوات الأخ�ي�رة ب�شكل مذهل ،حتى بات التعامل معه ���ض��رورة ،م��ع علمنا بالكثري من �أ�ضراره و�سلبياته� ،إال �أنه �أ�صبح لزا ًما علينا قبوله لال�ستفادة منه ،م��ع �ضرورة الإمل������ام ب��ك��ي��ف��ي��ة ال��ت��ع��ام��ل م���ع ال��ع��دي��د من حم��اذي��ره ،م��ن هنا �سنتحدث ب���إي��ج��از عن الإره��اب الإلكرتوين على �شبكات التوا�صل االجتماعي. تعريف الإرهاب الإلكرتوين: لقد ع ّرفه جممع الفقه الإ�سالمي الدويل ال��ت��اب��ع مل��ن��ظ��م��ة امل����ؤمت���ر الإ����س�ل�ام���ي ب���أن��ه:
العدوان �أو التخويف �أو التهديد امل��ادي �أو امل��ع��ن��وي ،ال�����ص��ادر م��ن ال���دول �أو اجلماعات �أو الأفراد على الإن�سان يف دينه �أو نف�سه �أو عر�ضه �أو عقله �أو ماله بغري حق ،با�ستخدام امل��وارد املعلوماتية والو�سائل الإلكرتونية، ب�شتى �صنوف العدوان و�صور الإف�ساد. وعليه ،ف��الإره��اب االل��ك�تروين يعتمد على ا���س��ت��خ��دام الإم��ك��ان��ات العلمية �أو التقنية، وا���س��ت��غ�لال و���س��ائ��ل االت�������ص���ال وال�����ش��ب��ك��ات املعلوماتية ،لتخويف الآخرين وترويعهم، و�إحلاق ال�ضرر بهم� ،أو تهديدهم. ويعد الإرهاب الإلكرتوين من �أخطر �أنواع الإره��اب يف الع�صر احلا�ضر؛ نظ ًرا الت�ساع
ن��ط��اق ا���س��ت��خ��دام ال��ت��ك��ن��ول��وج��ي��ا احل��دي��ث��ة يف ال��ع��امل ،ل��ه��ذا الب���د م��ن درا���س��ة �أ���س��ب��اب��ه، وط����رق م��ك��اف��ح��ت��ه .وم�����ص��ط��ل��ح "الإرهاب الإلكرتوين" ،الذي َظهر َ و�شاع ا�ستخدامه ع���ق���ب ال���ط���ف���رة ال���ك���ب�ي�رة ال���ت���ي ح�� َّق��ق��ت��ه��ا ت��ك��ن��ول��وج�� َي��ا امل���ع���ل���وم���ات ،وا����س���ت���خ���دام���ات احلوا�سب الآلية والإنرتنت حتديدًا يف �إدارة معظم الأن�شطة احلياتية ،وهو الأمر الذي دعا ( )30دولة �إىل التوقيع على "االتفاقية ال���دول���ي���ة الأوىل مل��ك��اف��ح��ة الإج��������رام عرب الإنرتنت" ،يف بوداب�ست عام 2001م ،والذي ُيعد وبحق من �أخطر �أن��واع اجلرائم التي ترتكب عرب �شبكة الإن�ترن��ت ،ويت�ضح هذا جل ًّيا من خالل النظر �إىل فداحة اخل�سائر التي ميكن �أن ت�سببها عملية ناجحة واحدة تندرج حتت مفهومه. درا�سات وحقائق جت������در اال�������ش������ارة ه���ن���ا �إىل �أن الإره���������اب الإل��������ك����ت���روين ي���ع���ت���م���د ع����ل����ى ا����س���ت���خ���دام الإم��ك��ان��ي��ات العلمية والتقنية ،وا�ستغالل و�سائل االت�صال وال�شبكات املعلوماتية ،من �أج���ل ت��خ��وي��ف وت��روي��ع الآخ���ري���ن ،و�إحل���اق ال�ضرر بهم� ،أو تهديدهم. ف��ف��ي ع���ام 2000م � ،أدى ان��ت�����ش��ار ف�يرو���س احل���ا����س���وب � I love youإىل �إت��ل�اف معلومات ق��درت قيمتها بنحو 10مليارات دوالر ،ويف ع����ام 2003م� ،أ�����ش����اع ف�يرو���س "بال�سرت" الدمار يف ن�صف مليون جهاز من �أجهزة احلا�سوب .وقدّر "جمل�س �أوروبا يف االتفاقية الدولية ملكافحة الإج��رام عرب الإن�ت�رن���ت "كلفة �إ����ص�ل�اح الأ�����ض����رار ال��ت��ي ت�سببها ف�يرو���س��ات امل��ع��ل��وم��ات��ي��ة ب��ن��ح��و 12 مليار دوالر �أمريكي �سنو ًّيا. • ت��ق��ول بع�ض ال��درا���س��ات �أن (� )46أل��ف ح�ساب تويرتي ،ا�ستخدمتها حركة �إرهابية واحدة خالل فرتة �ستة �أ�شهر فقط ،وبعدد من اللغات. • % 80من �أ�سباب الدخول �إىل احلركات الإرهابية تعود ال�ستخدام و�سائل التوا�صل االجتماعي. • ا�ستقطاب الكفاءات العلمية( :يف تون�س
مث ً ال) %40 :من الذين ت�ستقطبهم مواقع اجلماعات اجلهادية والإرهابية يف تون�س، هم من الطلبة والتالميذ املتفوقني الذين ترتاوح �أعمارهم بني 17و� 28سنة ،والذين يدر�سون يف االخت�صا�صات العلمية ،مثل: الطب ،والهند�سة ،والفيزياء ،والكيمياء. • هناك نحو � 49ألف تغريدة يوم ًّيا تت�صف ب����الإره����اب وال��ع��ن��ف ع��ل��ى م��وق��ع ال��ت��وا���ص��ل ت���وي�ت�ر� .إذ ت��ب��ث ال��ت��ن��ظ��ي��م��ات الإره���اب���ي���ة ( )170تغريدة كل( )5دقائق.
والرتبوية. �سهولة التالعب وتقم�ص ال�شخ�صيات،واالختباء خلف م�سميات خمتلفة. اجلر�أة يف ظل غياب املواجهة ال�شخ�صية. ���س��ه��ول��ة ا����س���ت���خ���دام و����س���ائ���ل ال��ت��وا���ص��لاالجتماعي والو�سائل التكنولوجية. انخفا�ض تكلفة الإنرتنت �أو انعدامها يف�أغلب الأحيان. ����ص���ع���وب���ة م�ل�اح���ق���ة م���رت���ك���ب اجل���رمي���ةالإلكرتونية. -ق�صور وبطء يف العقوبات املتخذة بحقهم.
احللول املقرتحة: �أهداف الإرهاب الإلكرتوين: • ب��ث ال��رع��ب واخل����وف ب�ين الأ���ش��خ��ا���ص • تثقيف النا�س يف التعامل مع الإنرتنت وو�سائل التوا�صل االجتماعي. والهيئات املختلفة. • ت�شديد الرقابة احلكومية على بع�ض • العبث بالنظام العام. املواقع ،وحجب مواقع بعينها. • تهديد الأ�شخا�ص وال�سلطات. • زي���ادة التن�سيق ب�ين اجل��ه��ات الرقابية • جمع املعلومات. والأمنية املختلفة. • االبتزاز للح�صول على الأموال. • ت��غ��ل��ي��ظ ال���ع���ق���وب���ات ع���ل���ى امل��خ�ترق�ين واملتج�س�سني ،ومن يقومون ب���أي �شكل من �أ�سباب انت�شار الإرهاب الإلكرتوين: � -ضعف �أو غياب الرقابة الذاتية والأ�سرية �أ�شكال الإرهاب الإلكرتوين.
5
دراسا
ت إسالمية
6
إننا نجد وعند النظر للتشريعات العامة ،أن االتفاقيات الدولية والتشريعات اإلقليمية ،وكذلك الدستور األردني ،تضمنت مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين األفراد ،دون وجود تمييز بين أفراد األمة
جريمة إثارة النعرات
الحض على النزاع بين الطوائف ،ومختلف عناصر األمة الوطنية) ّ (المذهبية ،أو العنصرية ،أو
ُتعترب الوحدة الوطنية ،الأ�سا�س الذي تقوم عليه الدول يف حتقيق متا�سكها وترابطها، ف��ت�����س��ع��ى ال�������دول ج����اه����دة ل��ل��ح��ف��اظ ع��ل��ى الرتابط وال��وح��دة ما بني �أف��راده��ا؛ وذلك من خ�لال توجيه الأم��ة نحو ه��دف موحد وغ��اي��ة م��وح��دة ،لتبقى اجل��ب��ه��ة الداخلية موحدة وعلى درجة عالية من القوة ،لدرء الأخ���ط���ار وامل�����ؤث����رات اخل��ارج��ي��ة ،ال��ت��ي قد تتعر�ض لها ،والتي قد تهدف �إىل زعزعة ا�ستقرار النظام العام ،من خالل ّ بث احلقد وال��ك��راه��ي��ة ب�ين �أف���راده���ا ،و�إث����ارة النعرات الطائفية واملذهبية والعن�صرية ،مم��ا قد ي������ؤدي �إىل الإخ���ل��ال مب���ب���د�أ امل�������س���اواة بني الأفراد ،بغ�ض النظر عن الدين� ،أو اجلن�س، ت��ق��وم اجل���رمي���ة ع��ل��ى رك���ن م�����ادي؛ يتمثل �أو العرق� ،أو اللون. بالقيام بالفعل الذي يق�ضي ب�إثارة النعرات ينربي بع�ض املتطرفني ،بغ�ض النظر عن وافتعال االنق�سام ،و�إما �أن يكون هذا الفعل دي��ن��ه��م ،ب�ين الفينة والأخ�����رى ،بالتطاول امل��ادي ت�صر ًفا؛ بكتابة مقاالت ومن�شورات على الأدي����ان �أو ال��ر���س��ل� ،أو غ�ير ذل��ك من �أ�شكال التطاول التي تنبذها كافة الأدي��ان وامل��ذاه��ب ،وبالطبع ه��ذه ج��رائ��م ال يق ُّرها �أ ًّيا كان ،فهنالك توافق و�إجماع من اجلميع على حتويل ه�ؤالء اخلارجني على القانون للق�ضاء ال��ع��ادل لينالوا عقابهم املنا�سب، لوقف العبث بوحدتنا الوطنية ،وهذه هي الفتنة بعينها؛ لأن امل�صالح الوطنية فوق �أي اعتبار ،وال حتتمل العبث فيها؛ لأنها ملك للجميع ،و�إث���ارة للنعرات الطائفية، وعبث بالوحدة الوطنية ،ودعوات م�شبوهة للتق�سيم والعبث ب�أمننا الوطني ،وتفتيت الن�سيج االجتماعي الوطني.
املحامي الدكتور مازن الفاعوري
و�أب��ح��اث� ،أو عن طريق اخلطاب �شفاه ًة يف حلقات نقا�ش �أم���ام جمموعة م��ن النا�س، �أو م��ك��ان جت��م��ع� ،أو يف منا�سبة ق��وم��ي��ة �أو تعليمية� ،أو ب�أي عمل مادي ،يوحي م�ضمونه ّ باحل�ض على �إث��ارة النعرات� ،أو و�سيلة يتم من خاللها �إث���ارة النعرات والتع�صب� ،أما ال��رك��ن امل��ع��ن��وي؛ فيتحقق ب��ت��واف��ر الق�صد اجلرمي املتمثل بالعلم ،والإرادة باجلرمية.
العقوبات الأردين على �أنه« :تعد اجلرمية م��رت��ك��ب��ة يف امل��م��ل��ك��ة� ،إذا ّ مت���ت ع��ل��ى �أر����ض ه��ذه اململكة �إح���دى العنا�صر ال��ت��ي ت�ؤلف اجل��رمي��ة� ،أو �أي فعل م��ن �أف��ع��ال اجلرمية غ�ير متجزئة� ،أو فعل ا���ش�تراك �أ���ص��ل��ي �أو فرعي» ،وعليه ،يكون مكان اجلرمية ،حيث يتحقق ركنها املادي� ،أو �أحد عنا�صرها.
ب�ي�ن ال���ط���وائ���ف وخم��ت��ل��ف ع��ن��ا���ص��ر الأم����ة يعاقب عليه باحلب�س مدة ال تقل عن �ستة �أ�شهر وال تزيد على ثالث �سنوات ،وبغرامة ال تزيد على خم�سمائة دينار. ف���ه���ذه امل�������ادة ،ج��� َّرم���ت ا����س���ت���خ���دام و���س��ائ��ل ال��ر�أي والتعبري ب�صورة ت�سيء �إىل الوحدة الوطنية� ،أو حت ّر�ض على ارتكاب اجلرائم، �أو تزرع الأحقاد ،وتبذر الكراهية ،وت�ؤدي �إىل ال�شقاق بني �أفراد املجتمع� ،أو �إثارة النعرات العن�صرية واملذهبية� ،أو الإ���س��اءة لكرامة الأف���راد و�سمعتهم وحرياتهم ال�شخ�صية، �أو ال�تروي��ج لالنحراف �أو ف�ساد الأخ�لاق، ون�شر املعلومات �أو الإ���ش��اع��ات ال��ك��اذب��ة� ،أو حت ّر�ض على اال�ضطرابات �أو االعت�صامات ب�شكل ينايف القانون� ،أو الإت��ي��ان بفعل من مي�س بالوحدة الوطنية. �ش�أنه �أن َّ
�إ َّن ال��ن��ت��ي��ج��ة اجل��رم��ي��ة ت��ك��ون ق��د حتققت وب�شكلٍ م���ؤك��د على الأرا���ض��ي الأردن��ي��ة ،بل وع��ل��ى م��واط��ن�ين �أردن����ي��ي�ن ،وي��ك��ف��ي ل��ذل��ك ت�صفح ال�شبكة العنكبوتية من قبل املقيم يف داخ��ل �إقليم اململكة الأردن��ي��ة الها�شمية، ومن ثم تظهر على �شا�شة حا�سوبه املوجود يف داخل الإقليم الفعل اجلرمي ،مما ي�ؤدي �إىل �إهانة ال�شعور �أو املعتقد الديني لذلك ال�����ش��خ�����ص ،ف��ه��ي ج���رمي���ة ك��ام��ل��ة الأرك�����ان وا�ضحة املعامل ،ت�ستوجب املالحقة من قبل ن��� ّ��ص��ت امل�����ادة ( )4/189ع��ل��ى� :أن ال����ذم �أو الق�ضاء الأردين. القدح بوا�سطة املطبوعات� ،شرطه �أن يقع وب��ن��ا ًء ع��ل��ى م��ا ���س��ب��ق؛ ف�����إ َّن حت��ري��ك دع��وى بوا�سطة: جزائية �ضد امل�شتكى عليهم يف هذه الدعوى، ي�����س��ت��ن��د �إىل جم��م��وع��ة م���ن ال��ت�����ش��ري��ع��ات �أ -اجلرائد ،وال�صحف اليومية �أو املوقوتة. وخ�صو�صا بعدما مت �إثبات ب -ب���أي ن��وع ك��ان من املطبوعات وو�سائط التي انتهكت، ً اخت�صا�ص امل��ح��اك��م الأردن���ي���ة يف ال��ن��ظ��ر يف الن�شر. هذه الدعوى. ن�صت امل��ادة ( )273على �أن :من ثبتت كما ّ � اً أول :اجل��رمي��ة يف ق��ان��ون العقوبات جر�أته على �إطالة الل�سان عل ًنا ،على �أرباب الأردين رق����م 16ل�����س��ن��ة 1960ال�شرائع من الأنبياء ،ف�إنه يحب�س من �سنة �إىل ثالث �سنوات. وتعديالته
لل�سلم �إ َّن ج��رمي��ة �إث����ارة ال��ن��ع��رات موجهة ّ الأه�����ل�����ي ،خ����ارج����ة ع����ن ال�������ص���ف ال��وط��ن��ي والأخ�ل�اق���ي وال��ق��وم��ي ،وم����ؤدي���ة �إىل ن�شر ���ش��ري��ع��ة ال���غ���اب ،وع����دم اح��ت��رام ال��ت��ع��ددي��ة وحرية ال��ر�أي واملعتقد ،وتعربعن امل�ستوى اخل���ط���ر ال������ذي و����ص���ل���ه ال���ف���ك���ر ال��ظ�لام��ي الإق�صائي ،وقدرته على النفاذ يف املجتمع، والتحري�ض على الكراهية واحلقد ،بن�شر ثقافة العنف والتطرف والإره����اب ،بديلاً لثقافة احلوار والتنوير ،واحلجة والكلمة، والدفع ملهاوي فتنة طائفية بغي�ضة ،تعكر ال�صفاء بني عنا�صر الأمة ،وت�شعل اخلالف بني �أف���راد املجتمع عن طريق التحري�ض، �إذ من �ش�أنها �إثارة حفيظة املجتمع والر�أي العام ،ب�أفعال تعمل على ا�ستفزاز املواطنني، وق���د ت��ل��ح��ق �أ�����ض����را ًرا ن��ف�����س��ي��ة واج��ت��م��اع��ي��ة باملواطنني ،مم��ا ،ينتج ه��ذا كله عن الفعل الذي يقت�ضي اخلروج عن الثوابت الوطنية، وال����دع����وة ل��ت��ك��ف�ير الآخ����ري����ن وت��خ��وي��ن��ه��م، وال���دع���وة �إىل ال��ت��ح��ي��ز يف الأ����ص���ل وامل��ن��ب��ت �أو التحيز اجل��غ��رايف� ،أو حتى انتماءاتهم ال�سيا�سية و�أفكارهم املختلفة ،مما يت�سبب ح�صر ق��ان��ون ال��ع��ق��وب��ات الأردين يف امل���واد يف �سخط الأمة. ( )153-152-151-150الأف��ع��ال التي تنال الأ���س��ا���س ال��ق��ان��وين جل��رمي��ة �إث���ارة م���ن م���ن ال���وح���دة ال��وط��ن��ي��ة ،وق��� ّي���د ق��ان��ون ح��ري��ة ال������ر�أي وال��ت��ع��ب�ير يف ه���ذه احل��ال��ة؛ النعرات: �إ َّن الأ���س��ا���س ال��ق��ان��وين ملالحقة اجل��رمي��ة ،حماية ل��ل��وح��دة الوطنية وللنظام ال��ع��ام. هو حتريك دع��وى جزائية �ضد مرتكبيها ،ف��امل��ادة ( )150م��ن ق��ان��ون العقوبات ،تن�ص والب�� َّد �أن ينبني على �أ�سا�س قانوين ،يبني على �أ َّن« :ك��ل كتابة ،وك��ل خطاب �أو عمل، اخت�صا�ص املحاكم الأردنية يف نظر الدعوى ُي��ق�����ص��د م��ن��ه �أو ي��ن��ت��ج ع��ن��ه �إث�����ارة ال��ن��ع��رات والبتّ فيها ،ون�صت املادة ( )2/7من قانون املذهبية او العن�صرية �أو احل�ض على النزاع
فن�صت على �أنُ :يعاقب �أم���ا امل���ادة (ّ )278 باحلب�س مدة ال تزيد على ثالثة �أ�شهر� ،أو بغرامة ال تزيد على ع�شرين دينا ًرا كل من: ً خمطوطا� ،أو رم ًزا -1ن�شر �شي ًئا مطبو ًعا �أو �أو �صورة� ،أو ر�س ًما من �ش�أنه �أن ي���ؤدي �إىل �إه��ان��ة ال�شعور الديني� ،أو رم��� ًزا �أو �صورة، ً خمطوطا مطبو ًعا ن�شر �شي ًئا �أو ر�س ًما� ،أو لأ�شخا�ص �آخرين� ،أو �إىل �إهانة معتقدهم الديني.
7
دراسا
ت إسالمية
8
ن�صت املادة ( )38من قانون املطبوعات -2ت��ف�� َّوه يف م��ك��ان ع���ام ،وع��ل��ى م�سمع من كما ّ �شخ�ص �آخ��ر بكلمة �أو ب�صوت من �ش�أنه �أن على حظر ن�شر �أي مما يلي: ي�ؤدي �إىل �إهانة ال�شعور� ،أو املعتقد الديني �أ -م��ا ي�شتمل ع��ل��ى حت��ق�ير �أو ق���دح �أو ذم لذلك ال�شخ�ص الآخر. احدى الديانات املكفولة حريتها بالد�ستور وهذه املادة ج ّرمت من يُقدِ م على ن�شر �شيء �أو الإ�ساءة �إليه. من �ش�أنه �أن ي�ؤدي �إىل �إهانة ال�شعور الديني ب -م��ا ي�شتمل ع��ل��ى ال��ت��ع��ر���ض �أو الإ���س��اءة أ�شخا�ص �آخرين� ،أو �إىل �إهانة معتقدهم لأرب���اب ال�شرائع م��ن الأن��ب��ي��اء بالكتابة� ،أو ل ٍ الديني ،حيث �أن �شعور املجني عليه ب�إهانة بالر�سم� ،أو ب��ال�����ص��ورة� ،أو ب��ال��رم��ز� ،أو ب���أي معتقده الديني ،يحقق النتيجة اجلرمية ،و�سيلة �أخرى. وال���ت���ي ب��ه��ا ت��ق��وم ج��رمي��ة �إه���ان���ة ال�����ش��ع��ور ج -ما ي�ش ّكل �إهانة ال�شعور �أو املعتقد الديني، �أو �إثارة النعرات املذهبية� ،أو العن�صرية. الديني. د -م��ا ي�����س��يء ل��ك��رام��ة الأف�����راد وحرياتهم ثان ًيا :اجلرمية يف قانون املطبوعات ال�شخ�صية� ،أو م��ا يت�ضمن م��ع��ل��وم��ات� ،أو والن�شر رقم 8ل�سنة 1998وتعديالته �إ�شاعات كاذبة بحقهم.
ن��اف��ذ ب��ا���س��ت��خ��دام ال�شبكة امل��ع��ل��وم��ات��ي��ة� ،أو �أي نظام معلومات �أو موقع �إل��ك�تروين� ،أو ا�شرتك �أو تدخل �أو ح ّر�ض على ارتكابها، يعاقب بالعقوبة املن�صو�ص عليها يف ذلك الت�شريع». وقد �أعطى قـرار الديوان اخلا�ص بتف�سري القوانني رق��م ( )8ل�سنة ( ،)2015ال�صادر بتاريــخ ،2015/10/19احلق للمدعي العام ن�ص على التوقيف يف ق�ضايا الن�شر ،حيث َّ �أن« :جرائم الذم والقدح املرتكبة �أو املقرتفة خال ًفا لأحكام املادة ( )11من قانون اجلرائم الإلكرتونية من خالل املواقع الإلكرتونية وم���واق���ع و���ش��ب��ك��ات ال��ت��وا���ص��ل االج��ت��م��اع��ي، ت�سري عليها ه��ذه امل��ادة ،وامل��ادة ( )114من ق��ان��ون �أ���ص��ول املحاكمات اجل��زائ��ي��ة ولي�س
املادة (� :)7آداب مهنة ال�صحافة و�أخالقياتها ملزمة لل�صحفي ،وت�شمل: �أ -اح���ت��رام احل����ري����ات ال���ع���ام���ة ل�لاخ��ري��ن وح���ف���ظ ح���ق���وق���ه���م ،وع������دم امل����� ّ����س ب��ح��رم��ة حياتهم اخلا�صة. ب -التوازن واملو�ضوعية والنزاهة يف عر�ض املادة ال�صحفية. ج -االم���ت���ن���اع ع���ن ن�����ش��ر ك���ل م���ا م���ن ���ش���أن��ه ال��ت��ح��ري�����ض ع��ل��ى ال��ع��ن��ف� ،أو ال���دع���وة �إىل �إث��ارة الفرقة بني املواطنني ب���أي �شكل من الأ�شكال. ربرة؛ �إذ من غري املعقول �أن وهذه القيود م َّ يتم ا�ستغالل منرب احلرية لتحقيق م�آرب م�شبوهة ،بعيدة ع��ن امل�صداقية والنزاهة التي تتطلبها املعاهدات والأعراف الدولية، وعلى ذلك ،ال يجوز لل�صحافة �أن حتيد عن ال��ت��وازن واملو�ضوعية وال��ن��زاه��ة؛ لأن ذلك �سي�ؤدي �إىل �إهدار حقوق الآخرين ،و�سي�ضر بالنظام العام للمملكة ،واالمتناع عن ن�شر ك��ل م��ا م��ن �ش�أنه �أن يثري العنف� ،أو يدعو للتفرقة بني املواطنني� ،إذ �أن امل�س�ؤولية يف العمل ال�صحفي ،تقوم �إذا ما مت االعتداء على حق من احلقوق الالزمة لل�شخ�ص.
املادتني ( )42و ( )45من قانون املطبوعات ثال ًثا :اجل��رمي��ة يف ق��ان��ون اجلرائم والن�شر»، ع��ل�� ًم��ا ب����� ّأن امل����ادة ( )114م��ن ق��ان��ون �أ���ص��ول الإلكرتونية رقم 27ل�سنة 2015 املحاكمات اجلزائية رق��م ( ،)9ل�سنة 1961 ت��ن��اول ه���ذا ال��ق��ان��ون ج��رائ��م ال���ذم وال��ق��دح وتعديالته تن�ص على ما يلي: امل��رت��ك��ب��ة �أو امل��ق�ترف��ة م���ن خ��ل�ال امل���واق���ع االل��ك�ترون��ي��ة ،وم��واق��ع و�شبكات التوا�صل -1ب��ع��د ا���س��ت��ج��واب امل�����ش��ت��ك��ى ع��ل��ي��ه ،ي��ج��وز االجتماعي ،التي غال ًبا ما ترتبط بجرمية ل��ل��م��دع��ي ال���ع���ام �أن ي�����ص��در ب��ح��ق��ه م��ذك��رة �إث��ارة النعرات� ،إذا كانت بوا�سطة بق�ضايا توقيف مل��دة ال تتجاوز �سبعة �أي���ام� ،إذا كان ال��ن�����ش��ر ،ف��ق��د ن�����ص��ت امل�����ادة ( )15م���ن ه��ذا ال��ف��ع��ل امل�سند �إل��ي��ه ي��ع��اق��ب عليه ال��ق��ان��ون ال���ق���ان���ون ع��ل��ى �أن« :ك����ل م���ن ارت���ك���ب �أي باحلب�س ،م��دة تزيد على �سنتني ،ومل��دة ال جرمية ،يعاقب عليها مبوجب �أي ت�شريع تتجاوز خم�سة ع�شر ي��و ًم��ا� ،إذا ك��ان الفعل
امل�سند �إل��ي��ه يعاقب عليه ال��ق��ان��ون بعقوبة ج��ن��ائ��ي��ة ،وت����واف����رت الأدل������ة ال���ت���ي ت��رب��ط��ه بالفعل امل�سند �إليه ،ويجوز له متديد هذه املدة ،كلما اقت�ضت م�صلحة التحقيق ذلك، على �أال يتجاوز التمديد �شه ًرا يف اجلنح، وث�لاث��ة �أ���ش��ه��ر يف اجل��ن��اي��ات ال��ت��ي يعاقب عليها القانون بعقوبة م�ؤقتة ،و�ستة �أ�شهر يف اجل��ن��اي��ات الأخ����رى ،وعلى �أن يفرج عن امل�شتكى عليه بعدها ،ما مل يتم متديد مدة التوقيف وف��ق �أح��ك��ام الفقرة ( )3من هذه املادة. راب ًعا :اجلرمية يف قانون منع الإرهاب رقم 55ل�سنة 2006وتعديالته
ال��ع��ق��وب��ات ،وج���رائ���م الإره������اب ال������واردة يف التحري�ض املبا�شر التي تخت�ص فيه امل��ادة ( )80من قانون العقوبات. قانون منع الإرهاب. ��ض��ح��ا م��ن ال��ت��ع��دي��ل� ،أن حمكمة وي��ب��دو وا� ً �أم���ن ال��دول��ة �أ���ص��ب��ح��ت خمت�صة يف النظر وه��ذا الأم��ر ي�ترك اخليار للنيابة العامة، مب��خ��ال��ف��ة ( )118م���ن ق���ان���ون ال��ع��ق��وب��ات ،بتحويل �أي متهم �إىل املحكمة املدنية (حني و ُو�ضعت يف الفقرة (ب) يف املادة الثالثة من الإح��ال��ة مبخالفة امل���ادة 118ع��ق��وب��ات)� ،أو قانون منع الإرهاب. �إىل حمكمة �أم���ن ال���دول���ة (ح�ي�ن الإح��ال��ة مب��خ��ال��ف��ة امل�����ادة (/3ب) م���ن ق���ان���ون منع مالحظة: الإره����اب) ،ح�سب تقدير النيابة ،فيما �إذا ت��ن�����ص امل�������ادة ( )118ع���ل���ى �أن�������هُ :ي��ع��اق��ب ك��ان��ت ه���ذه اجل��رمي��ة �إره��اب��ي��ة �أم ال ،و�إذا ب��االع��ت��ق��ال امل���ؤق��ت م��دة ال تقل ع��ن خم�س �أح��ي��ل��ت ه��ذه الق�ضايا �إىل النيابة العامة �سنوات ،من �أق��دم على �أعمال �أو كتابات �أو ملحكمة �أم���ن ال��دول��ة ،ف����إن لها �صالحيات خطب مل جتزها احلكومة ،م��ن �ش�أنها �أن التحقيق يف امل��و���ض��وع ،والإي��ق��اف على ذمة تعر�ض اململكة خلطر �أع��م��ال ع��دائ��ي��ة� ،أو هذه الق�ضايا. تعكر �صالتها ب��دول��ة �أج��ن��ب��ي��ة� ،أو تعر�ض الأردنيني لأعمال ث�أرية تقع عليهم �أو على را ،ف�إننا جند وعند النظر للت�شريعات �أخ�ي ً �أموالهم. العامة� ،أن االتفاقيات الدولية والت�شريعات
تعترب املادة (/3ب) من القانون� ،أن مفهوم الإرهاب يت�ضمن القيام بالأعمال التالية: «�أع��م��ال من �ش�أنها تعري�ض اململكة خلطر �أع��م��ال ع��دائ��ي��ة� ،أو تعكري �صالتها بدولة وي����رى ال��ب��اح��ث� ،أن ه���ذه امل�����واد واملتعلقة �أجنبية� ،أو تعري�ض الأردنيني خلطر �أعمال بجرمية �إثارة النعرات ،ترتك املجال وا�س ًعا �أم��ام الق�ضاء ،العتبار �أي من�شور �أو تعليق ث�أرية تقع عليهم� ،أو على �أموالهم». �أو �صورة �ضمن بند القدح وال��ذم ،فاملدعي وكذلك تعترب املادة ( /3هـ) �أن« :ا�ستخدام ال��ع��ام يف مثل ه��ذه الق�ضايا ،يلج�أ بوجود ن��ظ��ام املعلومات �أو ال�شبكة املعلوماتية �أو هاتني املادتني �إىل قانون العقوبات؛ لأنها �أي���ة و�سيلة ن�شر �أو �إع�ل�ام �أو �إن�����ش��اء موقع ت��ع��زز وتنه�ض بحقه ب��ال��ت��وق��ي��ف للمدعى �إلكرتوين لت�سهيل القيام ب�أعمال �إرهابية ،عليه على ذمة التحقيق ،و�أن القا�ضي � ً أي�ضا �أو دع��م جلماعة �أو تنظيم �أو جمعية تقوم ب��وج��ود ه��ات�ين امل���ادت�ي�ن ،ي��ذه��ب �إىل امل���ادة ب���أع��م��ال �إره��اب��ي��ة �أو ال�تروي��ج لأف��ك��اره��ا� ،أو التي حتوي العقاب البدين؛ �أي احلب�س يف مت��وي��ل��ه��ا� ،أو ال��ق��ي��ام ب�����أي ع��م��ل م���ن ���ش���أن��ه امل���ادة ( )150م��ن ق��ان��ون العقوبات وال��ت��ي: تعري�ض الأردن���ي�ي�ن �أو ممتلكاتهم خلطر (تت�ضمن عقوبة احلب�س تبد�أ �ستة �أ�شهر، �أع��م��ال ع��دائ��ي��ة �أو انتقامية تقع عليهم» .وال تزيد على ثالث �سنوات) ،واالبتعاد عن وي���ع���ا َق���ب خم���ال���ف ال��ف��ق��رت�ين ال�����س��اب��ق��ت�ين امل���ادة ( )38م��ن ق��ان��ون املطبوعات والن�شر بالأ�شغال ال�شاقة امل���ؤق��ت��ة ،ووف�� ًق��ا للقانون وال���ت���ي( :تت�ضمن عقوبتها ال��غ��رام��ة من رقم 19ل�سنة 2014املعدل لقانون حمكمة ع�شرة �إىل ع�شرين �ألف دينار) ،و�أي خطاب �أمن الدولة ،الذي ن�ص على �أن حمكمة �أمن يف و�سائل الإعالم �أو املن�شورات عرب مواقع ال��دول��ة ،ه��ي املخت�صة مبحاكمة خمالفي ال��ت��وا���ص��ل االج��ت��م��اع��ي� ،إن ك��ان حتري�ض ًّيا املواد (( )117-110جرائم اخليانة) واملواد قد يعامل وفق امل��واد التي تن�ص على �إثارة (( )149-147ج��رائ��م الإره���اب) من قانون الفتنة الطائفية وال��ك��راه��ي��ة ،لي�س �ضمن
الإق��ل��ي��م��ي��ة ،وك���ذل���ك ال��د���س��ت��ور الأردين، ت�������ض���م���ن���ت م�����ب�����د�أ امل�����������س�����اواة يف احل���ق���وق والواجبات بني الأف���راد ،دون وج��ود متييز ب�ي�ن �أف������راد الأم������ة ،ك��م��ب��د�أ ع��امل��ي �أج��م��ع��ت عليه مل��ا فيه م��ن حماية لأف���راد الأم���ة من خطر الت�شرذم واالنق�سام .فوجود ن�صو�ص دول��ي��ة ت�ضمن ه��ذه احل��ق��وقُ ،ي��ع�� ّد �ضمانة لقيام الأف����راد ب��االل��ت��زام ب��ه��ا ،وبتطبيقها، وب��ال�����س��ع��ي �إىل ت��وح��ي��د ال�����ص��ف ب��اخ��ت�لاف العرق �أو الدين� ،أو اجلن�س �أو اللون ،فالكل �سوا�سية �أمام القانون ،و�أن �أي فعل من �ش�أنه افتعال التفرقة والتمييز بني الأفراد ب�سبب اجلن�س� ،أو الدين� ،أو اللون �أي على �أ�سا�س مذهبي �أو طائفي� ،أو عن�صري ،فهو فعل معيب ،وم��ن �ش�أنه متزيق �أو���ص��ال الوحدة الوطنية للأمة ،مطال ًبا بالت�شدد مبالحقة مرتكبي هذه اجلرمية �إىل الق�ضاء املدين، وب���ذات ال��وق��ت� ،صيانة احل��ق��وق الإن�سانية ل��ه���ؤالء اجل��ن��اة ،للمحافظة ع��ل��ى الن�سيج الوطني للأمة من التف�سخ.
9
دراسا
ت إسالمية
10
القضاء في اإلسالم مقدمة احل��م��د هلل رب ال��ع��امل�ين ،وال�����ص�لاة وال�سالم على ر�سوله العربي الها�شمي الأمني ،حممد ب��ن عبد اهلل وع��ل��ى �آل���ه و�أ���ص��ح��اب��ه �أجمعني، وبعد:
املحامي حممود داودية
فقد ع��رف الإن�سان الق�ضاء يف كل الأماكن التي جتمع فيها ،وقد ن�ش�أت حاجته للق�ضاء ت��ب�� ًع��ا مل���ا ي������ؤدي �إل���ي���ه اج��ت��م��اع��ه ب���الآخ���ري���ن، فالإن�سان م��دين بطبعه ،والب�� ّد �أن يتوا�صل مع الآخرين �شاء �أو �أبى ،وهذا التوا�صل ،قد ي�ؤدي �إىل خالف بني الإن�سان و�أخيه الإن�سان، مما يحتم وجود جهة تف�صل يف هذا اخلالف �أو النزاع ،وهي جهة الق�ضاء ،وحاجة الإن�سان للق�ضاء مل ترتبط بزمن حت�ضره فقط ،بل وحتى يف ف�ترات بدائيته وتنقله ،و�سيطرة قويه على �ضعيفه ،كان الق�ضاء موجودًا ممثلاً بر�ؤ�ساء الع�شائر والقبائل والرموز الدينية، كانوا يتولون �أمور الق�ضاء ،وكانت �سلطتهم وهيبتهم تدعو �إىل القبول ب�أحكامهم ،ورغم تطور حياة الإن�سان وا�ستقراره ،ظلت �سلطة
ه�ؤالء قائمة يف احلكم والف�صل يف املنازعات، ومع مرور الزمن� ،أ�صبحت �أحكامهم �أعرا ًفا وقواعد تنتقل من جيل �إىل جيل. وملا كان الق�ضاء هو املرجع للحكم والف�صل يف امل��ن��ازع��ات ب�ين ال��ن��ا���س ،فقد �أ�صبح حملاً لالعتبار واالحرتام �سواء لذاته �أو القائمني ع��ل��ي��ه ،وب���ال���ت���ايل ،االه���ت���م���ام ب����ه ،وق����د �أدى االهتمام بالق�ضاء �إىل جدل حول الطريقة املثلى الحرتامه؛ فن�ش�أ عن ذلك عدة قواعد منها ا���س��ت��ق�لال��ه وحت����رره م��ن التبعية لأي جهة ،ميكن �أن يكون لها نفوذ �أو ت�أثري عليه، ونتيجة اجلدل الطويل كانت القناعة املطلقة ب�����أن ال��ق�����ض��اء م��ه��م��ة ج�����س��ي��م��ة ،وم���ن ي��ت��وىل الق�ضاء يتحمل م�س�ؤولية كربى جتاه حقوق الإن�سان ،وحتقيق العدل بني النا�س ،ومل تكن احل�ضارة الإ�سالمية مبن�أى عن ذل��ك ،فقد منوذجا ق�ضائ ًّيا رائ ًعا قدمت للإن�سانية كافة ً غاية يف ال��ع��دال��ة وال��و���ض��وح وال��ك��م��ال� ،س ّيما و�أن مرجعية الق�ضاء يف الإ�سالم ربانية ،وقد �أ ّلف وكتب يف هذا املو�ضوع كثري من العلماء الأف��ا���ض��ل وال��ب��اح��ث�ين املهتمني ،وم��ا �أق�� ّدم��ه
الآن م��ن جهد متوا�ضع ،م��ا ه��و �إال وريقات كتبتها وحمفوظة عندي ،و�أردت �أن �أنف�ض عنها الغبار و�أخرجها �إىل النور عرب جملة الو�سطية ،قا�صدًا بذلك النفع والإفادة منها �إن �شاء اهلل ،وقد ا�شتملت هذه الوريقات على ��ص��ط�لاح��ا وم��وج�� ًزا تعريف الق�ضاء ل��غ�� ًة وا� ً عن الق�ضاء يف الإ���س�لام ،ومظاهر ا�ستقالل الق�ضاء يف الإ����س�ل�ام ،وح�صانة القا�ضي يف الإ�سالم ،وحما�سبة القا�ضي يف الإ�سالم ،ثم خامتة ه��ذه ال��وري��ق��ات ،ف���إن ُوف��ق��ت ملق�صدي فذلك من اهلل ،فله احلمد على كل حال ،و�إن جانبني ال�صواب ،فمن نف�سي ومن ال�شيطان. تعريف الق�ضاء الق�ضاء يف اللغة العربية :هو م�صدر الفعل ق�ضى ( ،)1والفعل ق�ضى وم�شتقاته له معانٍ كثرية منها: .1ق�ضى ح��اج��ت��ه� ،أي :ب��ل��غ ح��اج��ت��ه ون��ال��ه��ا، كقوله تعاىل" :فلما ق�ضى زي��د منها وط�� ًرا زوجناكها"�( .سورة الأحزاب� ،آية .)37 .2ق�ضى مبعنى� :أدى ،كقوله تعاىل" :ف�إذا ق�ضيتم منا�سككم" �أي� :أدي��ت��م��وه��ا���( .س��ورة البقرة� ،آية)200 .3ق�ضى مبعنى� :أمر و�أوجب ،كقوله تعاىل: "وق�ضى ربك �أال تعبدوا �إال �إياه وبالوالدين �إح�سا ًنا"�( .سورة الإ�سراء� ،آية .)23 .4الق�ضاء مبعنى� :إح��ك��ام ال�����ش��يء وال��ف��راغ منه ،كقوله تعاىل" :فق�ضاهن �سبع �سماوات يف يومني"�( .سورة ف�صلت� ،آية .)12 الق�ضاء يف الإ�صالح: وردت ت��ع��اري��ف ك��ث�يرة ع���ن ال��ف��ق��ه��اء ،وكلها متقاربة ،والتعريف اجلامع هو :احلكم بني ال��ن��ا���س ،و�إل�����زام امل��ت��خ��ا���ص��م�ين ب��ه��ذا احل��ك��م، وتنفيذه عليهم. وقد ذهب فقهاء ال�شريعة يف تعريف الق�ضاء مذهبني: الأول :ي���رى �أن ال��ق�����ض��اء ���ص��ف��ة حكمية يف القا�ضي ،ت��وج��ب ن��ف��وذ حكمه ال�شرعي ولو بتعديل �أو جتريح (.)2 ال���ث���اين :ي���رى �أن ال��ق�����ض��اء ف��ع��ل ي�����ص��در عن ال���ق���ا����ض���ي ،ف��ه��و ف�����ض اخل�������ص���وم���ات وق��ط��ع املنازعات.
ملحة موجزة عن الق�ضاء يف الإ�سالم ق��ل��ت يف امل��ق��دم��ة� ،إن ال��ق�����ض��اء ���ض��روري لأي جم��ت��م��ع ك����ان ،وامل��ج��ت��م��ع الإ����س�ل�ام���ي وم��ن��ذ ب��زوع �شم�س الإ���س�لام ،ت�صدى ملهمة الق�ضاء ب�أمر من املوىل عز وجل الذي خاطب �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم بقوله" :و�أن �أحكم بينهم مبا �أن��زل اهلل"�( .سورة املائدة، �آية .)49وقد با�شر النبي عليه ال�سالم مهمة الق�ضاء بنف�سه ،حيث ق�ضى يف اخل�صومات ب�ين ال��ن��ا���س ،و�أر����س���ل بع�ض �أ���ص��ح��اب��ه ق�ضاة �إىل خ����ارج امل��دي��ن��ة امل���ن���ورة ،و����س���ار ع��ل��ى ه��ذا النهج اخللفاء يف �صدر الإ�سالم ،حيث كانوا ي��ب��ا���ش��رون الق�ضاء ب�أنف�سهم� ،إ ّال �أن ات�ساع رقعة الدولة الإ�سالمية ،ا�ضطر اخللفاء �إىل دف��ع ه��ذه املهمة �إىل غ�يره��م م��ن ال�صحابة الأك���ف���ي���اء ،وك����ان ���س��ي��دن��ا ع��م��ر ب���ن اخل��ط��اب ر���ض��ي اهلل ع��ن��ه �أول م���ن دف���ع ال��ق�����ض��اء �إىل �شريحا بالب�صرة، غ�يره ،حيث ف ّو�ض ووىل ً ووىل �أب��ا مو�سى الأ�شعري يف الكوفة ،ووىل �أب����ا ال������درداء م��ع��ه ب��امل��دي��ن��ة ،و���ص��ار اخل��ل��ف��اء ي��ق��ل��دون احل��ك��م ل��غ�يره��م؛ ب�����س��ب��ب قيامهم وان�شغالهم بال�سيا�سة ال��ع��ام��ة ،وان�شغالهم ب��اجل��ه��اد وال��ف��ت��وح��ات و�إدارة ���ش���ؤون ال��دول��ة الأخ����رى ،فا�ستخلفوا يف الق�ضاء م��ن يقوم به نيابة عنهم ( ،)4وهكذا كان الأمر بالن�سبة لبقية اخللفاء الرا�شدين يف عهد اخلليفتني عثمان بن عفان وعلي بن �أب��ي طالب ر�ضي اهلل عنهما� ،إذ كانا ي�ستخلفان يف الق�ضاء من يقوم به نيابة عنهما. �أم���ا يف الع�صر الأم�����وي ،ف��ق��د ك���ان اخلليفة يتوىل تعيني القا�ضي ،وكذلك يفو�ض الوايل يف تعيني الق�ضاة ،وفق �أ�س�س ومعايري دقيقة وحمددة. �أما يف الع�صر العبا�سي ،فقد تطورت اجلوانب الإداري��ة يف الدولة ،وحدث تو�سع يف الهياكل التنظيمية ل��ل��دول��ة ،وم��ن �ضمن التطورات التي ح�صلت� ،أن ظهر من�صب قا�ضي الق�ضاة ال����ذي ي��ت��وىل ت��ع��ي�ين ال��ق�����ض��اة يف ال���والي���ات، و�أول من �ش ّكل ه��ذا املن�صب اخلليفة ه��ارون الر�شيد ،وتواله �أبو يو�سف تلميذ �أبي حنيفة.
م��ن خ�لال اللمحة امل��وج��زة ع��ن الق�ضاء يف الإ����س�ل�ام� ،أن ت��ع��ي�ين ال��ق�����ض��اة ي��ت��م م��ن قبل ال�سلطة ال��ت��ن��ف��ي��ذي��ة� ،إ ّال �أن ذل���ك مل ي���ؤث��ر على ا�ستقالله ،ففي العهد النبوي ،اقت�ضت ال�����ض��رورة فن ًّيا و�إدار ًّي�����ا �أن ت��ك��ون ال�سلطات بيد النبي �صلى اهلل عليه و���س��ل��م ،فلم يكن ال��ق�����ض��اء �سلطة م�ستقلة ب��امل��ع��ن��ى امل��ت��ع��ارف عليه اليوم ،فقد با�شر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم الق�ضاء بنف�سه ،وملّ���ا ات�سعت ال��دول��ة ع�ّي�نّ والة عهد �إليهم مهمة الق�ضاء ،فعينّ عتاب بن �أ�سيد وال ًيا على مكة وقا�ض ًيا لها، وعلي بن �أبي طالب وال ًيا على اليمن وقا�ض ًيا فيها ،وبعد وفاة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم، ا�ستمرت الدولة الإ�سالمية باالت�ساع ،ورافق ذلك ازدياد يف �أعداد امل�سلمني ،ولذلك ،كرثت �أعمال الوالة وظهرت م�سائل وخالفات كثرية تتطلب التخ�ص�ص حل��ل��ه��ا ،ل��ذل��ك ،انف�صل عمل الق�ضاة عن عمل الوالة مع بقاء ال�سلطة الق�ضائية مندجمة يف ال�سلطة التنفيذية، وقد ا�ستمر هذا التنظيم طوال عهود الدولة الإ�سالمية ،وهذا ال يعني �أن القا�ضي مل يكن م�ستقلاً يف حكمه وممار�سة اخت�صا�صاته ،بل جند لدينا من��اذج �أح��ك��ام كثرية من ال ُق�ضاة امل�سلمني �صدرت �ضد اخللفاء والوالة ،وهذه ال��ن��م��اذج ع��ز ن��ظ�يره��ا يف ك��ث�ير م��ن الأن��ظ��م��ة املعا�صرة ،ولذلك ن�ستطيع القول� :إن مظاهر ا�ستقالل ال ُق�ضاة كانت موجودة.
تعيني القُ�ضاة يف الإ�سالم �أ .يف عهد الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم ،كان يتوىل الق�ضاء بنف�سه ،وكما �أ�سلفنا ،فهو �أول قا�ض يف الإ�سالم حيث كان م�أمو ًرا بالدعوة ِ وف�صل اخل�صومات ،واحلكم بني النا�س ،قال تعاىل" :فال وربك ال ي�ؤمنون حتى يحكموك فيما �شجر بينهم ث��م ال ي��ج��دوا يف �أنف�سهم ���رج���ا مم���ا ق�����ض��ي��ت وي�����س��ل��م��وا ت�سلي ًما". ح ً (���س��ورة ال��ن�����س��اء� ،آي���ة .)65وب��ع��د �أن ات�سعت الدولة الإ�سالمية وامتدت رقعتها ،وكرثت م�����س���ؤول��ي��ات النبي عليه ال�����س�لام� ،أوك���ل �إىل بع�ض �أ�صحابه �أم��ر البت يف بع�ض املنازعات لتعويدهم على تطبيق الأح��ك��ام ال�شرعية، ا�ستقالل الق�ضاء يف الإ�سالم وت�أهيلهم للقيام مبمار�سة االجتهاد يف حال ط��ب��ي��ع��ي �أن ت����واك����ب ال��ت�����ش��ري��ع��ات م���راح���ل ان���ع���دام ال��ن�����ص ،وم���ن �أم��ث��ل��ة ذل����ك :املقابلة تكوين ال��دول��ة الإ���س�لام��ي��ة ،ل��ذل��ك ،نالحظ ال�شخ�صية التي خ�ضع لها �سيدنا معاذ بن
11
دراسا
ت إسالمية
12
جبل ،عندما ه ّم النبي عليه ال�صالة وال�سالم ب�إر�ساله �إىل اليمن ،ل ُيعلم النا�س ويق�ضي بينهم ،ف�س�أله :كيف تق�ضي �إذا عُ��ر���ض لك الق�ضاء؟ فقال� :أق�ضي بكتاب اهلل ،ف�س�أله: ف�إن مل جتد يف كتاب اهلل؟ قال :ب�سنة ر�سول اهلل ،ق��ال :ف���إن مل جت��د يف �سنة ر���س��ول اهلل؟ ف�س ّر النبي عليه قال� :أجتهد بر�أيي وال �آلوُ ، ال�صالة وال�سالم من ذلك ،و�أق ّره على ما قال و���ض��رب ���ص��دره ،وق����ال" :احلمد ال���ذي وف��ق ()5 ر�سول اهلل ملا ُير�ضي ر�سول اهلل".
د .يف الع�صر العبا�سي وك��م��ا �أ���ش��رن��ا �ساب ًقا، وب�سبب ات�ساع رقعة الدولة الإ�سالمية ،طال التحديث والتطوير جميع مرافق الدولة مبا يف ذل��ك الق�ضاء ،حيث ظهر من�صب قا�ضي الق�ضاة يف عهد اخلليفة هارون الر�شيد ،و�أول من تقلد هذا املن�صب �أب��و يو�سف تلميذ �أبي حنيفة ،ونالحظ مما �سبق؛ �أن تعيني الق�ضاة يتم من قِبل ال�سلطة التنفيذية� ،إ ّال �أن ذلك مل ي���ؤث��ر على ا�ستقالل الق�ضاة يف ال��دول��ة الإ�سالمية لأ�سباب منها:
ب .يف عهد اخللفاء الرا�شدين ،وق��د �أ�شرنا �إىل ذلك ب�إيجاز ،حيث �سار �أبو بكر ال�صديق على نهج النبي عليه ال�صالة وال�سالم ،فتوىل الق�ضاء بنف�سه ،كما عينّ عددًا من ال�صحابة ق�ضاة بالأم�صار ،وكذلك عمر بن اخلطاب ر����ض���ي اهلل ع���ن���ه ب���ا����ش���ر ال���ق�������ض���اء ،وب�����س��ب��ب ال��ف��ت��وح��ات ال��ت��ي مت��ت يف ع��ه��ده ع�ّي�نّ ق�ضاة م�ستقلني ،وف ّو�ض والة الأم�صار �أم��ر تعيني ال��ق�����ض��اة ،و���س��ار اخلليفة ال��ث��ال��ث عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه على نف�س النهج ،وكذلك اخلليفة الرا�شدي الرابع علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه ،ومل يكن اخللفاء الرا�شدون مبن�أى عمن ولوهم ق�ضاء الأم�صار ،بل كانوا ي�شرفون على �أدائهم ،وميدونهم بالن�صائح، وير�سمون لهم اخلطوط الأ�سا�سية لر�سالة الق�ضاء ،ولدينا ر�سالة عمر بن اخلطاب �إىل �أبي مو�سى الأ�شعري دليل على ذلك ،ور�سالة علي بن �أبي طالب �إىل واليه يف م�صر الأ�شرت النخعي ،والتي جاء فيها( :ثم اخرت للحكم بني النا�س �أف�ضل رعيتك �إىل نف�سك ،ممن ال ت�ضيق ب��ه الأم����ور وال متحكه اخل�����ص��وم، وال يتمادى يف الزلة ،وال ت�شرف نف�سه على ط��م��ع ،وال يكتفي ب���أدن��ى الفهم دون �أق�صاه و�أوق���ف���ه���م ع��ل��ى ال�����ش��ب��ه��ات ،و�أق���ل���ه���م ت�بر ًم��ا مب��راج��ع��ة اخل�����ص��م و�أ���ص�بره��م ع��ل��ى تك�شف الأم���ور ،ث��م �أك�ثر تعاهد ق�ضائه ،و�أف�سح له يف البذل مبا يزيل عليه ،وتقل معه حاجته �إىل النا�س ،و�أع��ط��ه م��ن املنزلة لديك م��ا ال يطمع فيه غريه من خا�صتك ،لي�أمن بذلك اغ��ت��ي��ال ال��رج��ال ل��ه ع��ن��دك ،ف��ان��ظ��ر يف ذل��ك نظ ًرا بلي ًغا).
� اً أول :وج���ود ���ش��روط دقيقة و�صعبة يجب ت���وف���ره���ا ف��ي��م��ن ي���ت���وىل م��ن�����ص��ب ال��ق�����ض��اء، وهي :البلوغ ،والإ�سالم ،واحلرية ،والعدالة، وال��ف��ط��ن��ة ،وال�����ذك�����ورة ،و����س�ل�ام���ة احل���وا����س واالج��ت��ه��اد ،وق��د التزم احلكام بتطبيق هذه ال�شروط ب�أمانه و�شفافية ودقة. ثان ًيا :وج��ود ق��واع��د �شرعية متنع التزلف وال��و���س��اط��ة م��ن �أج���ل طلب ال��ق�����ض��اء ،منها: ق���ول���ه ���ص��ل��ى اهلل ع��ل��ي��ه و���س��ل��م" :من طلب الق�ضاء وا�ستعان عليه و ّك��ل �إىل نف�سه ومن مل يطلبه ومل ي�ستعن عليه �أن���زل اهلل عليه ()6 مل ًكا ي�سدده". ثال ًثا :حتذير الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم من ثقل م�س�ؤولية الق�ضاء و�صعوبة حمله، فقد ق��ال عليه ال�صالة وال�����س�لام" :الق�ضاة ثالثة ،واحد يف اجلنة و�إثنان يف النار ،ف�أما ال���ذي يف اجل��ن��ة ف��رج��ل ع���رف احل���ق فق�ضى به ،ورجل عرف احلق فجار يف احلكم فهو يف النار ،ورجل ق�ضى للنا�س على جهل فهو يف النار" ( .)7وقال �صلى اهلل عليه و�سلم" :من وليّ الق�ضاء �أو ُجعل قا�ض ًيا بني النا�س فقد ()8 ذبح بغري �سكني".
ل��ذل��ك ،ف��ق��د ع���رف و�أدرك ف��ق��ه��اء ال�شريعة وعلماء امل�سلمني خطورة عمل الق�ضاء وثقل م�س�ؤوليته ،فعزفوا ع��ن ت��ويل ه��ذا املن�صب، وامتنع كثري منهم عن ت��ويل الق�ضاء ،ومن �أم���ث���ل���ة ذل�����ك :ام���ت���ن���اع اب����ن ع��م��ر ع���ن ت��ويل الق�ضاء ،ويف خالفة عثمان بن عفان ،وامتناع ج .يف الع�صر الأم����وي ،ك��ان اخلليفة يتوىل �أبي حنيفة زمن �أبي جعفر املن�صور ،وامتناع تعيني ال ُق�ضاة ،ويفو�ض ال���وايل �أم��ر تعيني �أحمد بن جنبل ،وعلي بن �سعيد بن �شداد، وزفر. الق�ضاة ،وقد �سبق ذكر ذلك.
ح�صانة القا�ضي يف الإ�سالم مل����ا ك�����ان م��ن�����ص��ب ال���ق���ا����ض���ي ي���ل���ي يف امل��ك��ان��ة واخلطورة من�صب اخلليفة ،فقد كان للقا�ضي يف الإ���س�لام هيبة عظيمة� ،إذ اكت�سب مرك ًزا ريا ،وهذه الهيبة من وجهة نظر مرمو ًقا وكب ً الفقه الق�ضائي هي ح�صانة للقا�ضي ،وفيما يلي �أهم مظاهر هذه احل�صانة: � اً أول :جعل الإ���س�لام لعامة النا�س احل��ق يف التقا�ضي وال�����ش��ك��وى ،حتى ل��و ك��ان اخل�صم اخلليفة �أو احل��اك��م ،ف��ل��م ي��ك��ن للحاكم �أي��ة ح�����ص��ان��ة جت���اه ال��ق�����ض��اء ،وق���د ك���ان اخلليفة ُي�ستدعى ملجل�س القا�ضي بح�ضور خ�صمه ع��ل��ى ق���دم امل�����س��اواة ،وي��ق��وم ال��ق��ا���ض��ي بح�سم ال��ن��زاع ب�ين الطرفني وف��ق �أح��ك��ام ال�شريعة، �ي�را وك��م��ا �أ���س��ل��ف��ن��ا ����ص���درت �أح���ك���ام �ضذ وك���ث ً اخلليفة �أو احلاكم دون خ�شية �أو تردد ،وهذا يعني �أن الإ�سالم كفِل للقا�ضي ح�صانة من ال��ت��دخ��ل يف �أداء مهمته م��ن قبل �أح���د ،ولو ك��ان اخلليفة �أو احل��اك��م� ،إذ ال �سلطان عليه يف ق�ضائه لغري �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية، وتال ًيا بع�ض ال�شواهد والنماذج العملية: �أ .يف عهد اخللفاء الرا�شدين :خا�صم �أحد اليهود اخلليفة علي بن �أب��ي طالب ك�� ّرم اهلل وجهه عند القا�ضي �شريح ،فح�ضر اخلليفة جمل�س ال��ق�����ض��اء ،وك��ان��ت النتيجة �أن �صدر احلكم لليهودي �ضد اخلليفة؛ لأن احلق كان ()9 مع اليهودي. ب .ادعى جماعة على اخلليفة املن�صور �أمام القا�ضي حممد بن عمر بن الطلحي ،ف�أر�سل القا�ضي للخليفة ي�ستدعيه ملجل�سه فح�ضر اخلليفة ،و�س ّوى القا�ضي بينه وبني اخل�صوم يف املجل�س ،وبعد �سماع البينات ،حكم القا�ضي للجماعة �ضد اخلليفة ،وقد �شكره اخلليفة بقوله" :جزاك اهلل ع��ن دينك ونبيك وعن ()10 ح�سبك وعن خليفتك �أح�سن اجلزاء". ثان ًيا :احرتام ال ُق�ضاة ،فقد �أوجب الإ�سالم على الأفراد احرتام الق�ضاة ،وفر�ض العقوبة ع��ل��ى ك��ل م��ن ي��ح��اول م�����س ك��رام��ة القا�ضي وهيبته ،وقد ذهب كثري من الفقهاء �إىل �أنه لي�س للقا�ضي �أن يعفو �أو يتهاون عمن انتهك حرمة الق�ضاء ،كما �أعطى الإ�سالم للقا�ضي ح��ق زج��ر م��ن يعتدي م��ن املتخا�صمني على الآخ��ر يف جمل�س االق�ضاء؛ ل ّأن ذل��ك ُي�شكل � اً إخالل بهيبة الق�ضاء.
ثال ًثا :ع���دم م�����س���ؤول��ي��ة ال��ق��ا���ض��ي ،ال ي�س�أل القا�ضي يف الإ���س�لام ع��ن خطئه ،فالقاعدة �أن القا�ضي جمتهد ،ف���إن �أ�صاب فله �أج��ران، و�إن �أخط�أ له �أجر واحد� ،إ ّال �أن عدم م�س�ؤولية ال��ق��ا���ض��ي م�����ش��روط��ة ب����أن ي��ك��ون اخل��ط���أ غري متعمد. راب��عً��ا :ع����دم ال���ن���ف���اق ل��ل��ح��اك��م ،ف��ق��د ك��ان ال��ق�����ض��اة ي�ترف��ع��ون ع��ن ال��ن��ف��اق للخليفة �أو ال��وايل ،وال يح�ضرون جمال�سهم �إ ّال بحدود م��ا تقت�ضيه ال�����ض��رورة الق�صوى وامل�صلحة ال��ع��ام��ة للم�سلمني ،ونتيجة ل��ه��ذا ال�سلوك امل�شرف للق�ضاة ،فقد �أ�صبح الوالة هم الذين ()11 يح�ضرون جمال�س ال ُق�ضاة. حما�سبة القا�ضي يف الإ�سالم قلنا �إن تعيني ال��ق�����ض��اة يف الإ����س�ل�ام منوط ب��ال�����س��ل��ط��ة ال��ت��ن��ف��ي��ذي��ة مم��ث��ل��ة ب��اخل��ل��ف��اء، فالقا�ضي وك��ي��ل ع��ن اخلليفة �أو ال�سلطان ويعمل بحدود وكالته ،لذلك ،كان للخليفة حق حما�سبة القا�ضي على �أعماله والإ�شراف عليها ،وق��د متثلت ه��ذه املحا�سبة باملظاهر التالية: � اً أول :ال��ت��وج��ي��ه يف �إج���������راءات امل��ح��اك��م��ة، للخليفة احلق �أن يوجه القا�ضي يف �إجراءاته، و�أن يبني ل��ه ال��ق��واع��د ال��ت��ي يجب �أن ي�سري عليها يف ق�����ض��ائ��ه ب�ين ال��ن��ا���س ،وم���ن �أم��ث��ل��ة ذلك :ر�سالة اخلليفة عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه �إىل القا�ضي �أب��ي مو�سى الأ�شعري قا�ضي الكوفة ،والتي ُتعترب د�ستو ًرا للق�ضاء الإ���س�لام��ي ،وكذلك ر�سالة اخلليفة الطائع ل��ق��ا���ض��ي ق�����ض��ات��ه �أب����ي حم��م��د ب���ن م��ع��روف، وال���ت���ي ت�����ض��م��ن��ت ت��وج��ي��ه��ات ب��ك��ي��ف��ي��ة �إج����راء املحاكمة ،ور�سالة اخلليفة املطيع للقا�ضي �أبي احل�سن حممد بن �شيبان ،ففيها توجيه وتذكري باحلكم بكتاب اهلل ،و�أن يجعله �أمامه الذي يفرغ �إليه ،وعماده الذي يعتمد عليه، و�أن يتخذ من �سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم منا ًرا يق�صده ،و�أن يح�ضر جمل�سه من ي�ستظهر بعلمه ور�أيه (.)12 ثان ًيا :التوجيه يف الأح���ك���ام ،ك��ان اخلليفة ي��وج��ه ال��ق��ا���ض��ي يف �أح��ك��ام��ه ،وك���ان ال�� ُق�����ض��اة ي�����س��ت�����ش�يرون اخل��ل��ف��اء ف��ي��م��ا ي��واج��ه��ون من م�شاكل ،وم��ن �أمثلة ذل��ك :توجيه اخلليفة عمر بن عبد العزيز ر�ضي اهلل عنه ،قا�ضي م�����ص��ر ع��ي��ا���ض ب���ن ع��ب��د اهلل الأزدي يف حق �شفعة تنازعه جار و�شريك ،فقرر اخلليفة �أن ()13 لل�شريك حق �أعظم مما للجار.
ثال ًثا :ع���زل ال��ق�����ض��اة ،ال ي��وج��د يف ق��واع��د ال�����ش��ري��ع��ة الإ����س�ل�ام���ي���ة ح�����ص��ان��ة ل��ل��ق��ا���ض��ي �ضد ال��ع��زل ،فاحلاكم ال��ع��ام ،ه��و ال��ذي يعني القا�ضي ،وله عزله �سواء ارتكب يف عمله ما ي�ستوجب العزل �أو مل يرتكب؛ لأن ال�شريعة الإ���س�لام��ي��ة تعترب ال��ق�����ض��اء ت��اب�� ًع��ا لل�سلطة التنفيذية ،وفيما يلي الأح����وال التي ُيعزل فيها القا�ضي: �أ .رغبة احلاكم ،للحاكم ع��زل القا�ضي دون وجود �سبب معني ،لأنه ميلك حق عزل والته و�أم��رائ��ه و ُق�ضاته ،وق��د ر�أى بع�ض الفقهاء �أنه ال يجوز عزل القا�ضي دون �سبب ،ومنهم ال�شافعي الذي يرى �أن تعيني القا�ضي �أ�صلاً كان مل�صلحة امل�سلمني ،وتعلق به حق الأم��ة، فال ميلك احلاكم عزله مع �سداد ر�أي��ه (،)14 وقد جرى العمل على عزل عدد من الق�ضاة، مثل :عزل القا�ضي زي��اد بن �أب��ي �سفيان من قبل اخلليفة عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه، وعزل القا�ضي �أبي الأ�سود من قبل اخلليفة ()15 علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه. ب .وجود القا�ضي الأ�صلح� ،إذا وجد اخلليفة م��ن ه��و �أ���ص��ل��ح م��ن ال��ق��ا���ض��ي املُ��ع�ّي نّ ج���از له عزله. ت .ع���زل ال��ق��ا���ض��ي ن��ف�����س��ه� ،إذ تعترب مبثابة تقدمي ا�ستقالة من العمل ،واملنطق يف هذا �أال يقدم القا�ضي ا�ستقالته �إال ل�سبب ،فهي عبارة عن حما�سبة القا�ضي لنف�سه واعرتافه ،ب�أنه ما ع��اد ي�ستطيع �أن يتحمل ه��ذه امل�س�ؤولية، وق��د نظم الإ���س�لام ذل��ك ،ف���أج��از للقا�ضي �أن يعزل نف�سه عن الق�ضاء بعد �أن يبلغ الإمام، وي�صل الأم��ر له� ،سوا ًء عزل نف�سه �شفو ًّيا �أو ()16 خط ًّيا ،الب ّد �أن ي�صل ذلك للحاكم. ث .الف�سق واجلور� ،إذا تيقن اخلليفة �أو ويل الأم��ر من خالل مراقبته لأداء القا�ضي� ،أن القا�ضي ق��د �أق���دم على ارت��ك��اب امل��ح��ظ��ورات واملنكرات؛ �إ�شباعًا ل�شهواته ،فيكون فا�س ًقا، وه���ذا الف�سق ي��ن��ع��زل ب��ه ال��ق��ا���ض��ي ب�لا �شك، �أم��ا اجل��ور ،فهو تعمد القا�ضي الظلم ،ف���إذا ثبت للإمام ج��ور القا�ضي ،فعليه �أن يعزله وتطبي ًقا لذلك ،فقد ع��زل وايل العراق ابن هبرية القا�ضي ابن العداء الكندي الرت�شائه من �أحد النا�س ،وعزل امل�أمون القا�ضي يحيى ب��ن �أك���ث���م ،ب�سبب ف�سقه و���س��وء ت�����ص��رف��ه يف الأم��وال وال�صدقات ،وع��زل املتوكل القا�ضي �أح��م��د اب��ن �أب��ي داود؛ لأن��ه �أن���اب عنه ابنه يف ال��ق�����ض��اء ،فلم ي��ر���ض امل��ت��وك��ل ���س�يرت��ه ،فعزل ()17 الولد والوالد و�صادر �أموالهما.
خامتة �أختم هذه الوريقات بحمد اهلل على كل حال، وت�سليط ال�ضوء على ما يلي: .1الق�ضاء مهمة �صعبة وم�س�ؤولية ح�سا�سة وثقيلة. .2ن��ظ��رة ال�����س��واد الأع���ظ���م م��ن ال��ن��ا���س �إىل ال��ق�����ض��اء� ،أن�����ه ���ش��ع��ار ل��ل��ع��دال��ة والإن�������ص���اف والتوا�ضع ،وهذا عبء �إ�ضايف على القا�ضي �أن يتمثل هذه القيم ال�سامية. .3القا�ضي �شريحة دائمة حتت جمهر الر�أي العام ،فهو مراقب بدقة ،و�أي خط�أ يبدر منه ال �سمح اهلل يظهر مكبرَّ ً ا. .4ال��ق��ا���ض��ي م���ا دام ق��ائ�� ًم��ا ع��ل��ى واج��ب��ات��ه، وحم��اف ً��ظ��ا ع��ل��ى ه��ي��ب��ت��ه ،ف��ه��و حم��ط تقدير واحرتام واجالل ،وهذا �أعظم و�أ�صلب طوق ُيح�صن به نف�سه. .5ال ي��ج��وز الت�ساهل م��ع ال��ق��ا���ض��ي العاجز �أو املنحرف ،فالنقطة ال�سوداء تلوث الثوب الأبي�ض. .6م��ا دام الق�ضاء ب��خ�ير ،ف��الأم��ة و�أف��راده��ا بخري. و�صلى اهلل على �سيدنا حممد وعلى �آله و�أ�صحابه �أجمعني واحلمد هلل رب العاملني الهوام�ش : .1ل�سان العرب /ابن منظور ،ج�( 20ص)50-46 .2مواهب اجلليل /خليل احلطاب ،ج� ،6ص86 .3حا�شية ابن عابدين ،ج� ،5ص352 .4مقدمة ابن خلدون�( ،ص)221-220 .5املدخل للفقه الإ�سالمي /الدكتور حممد �سالم، �ص333 .6م�سند الإمام �أحمد ،ج� ،15ص209 � .7سند �أبي داود ،ج� ،3ص308 .8حتفة الأحوذي �شرح جامع الرتمذي ،ج� ،4ص505 10+9 .9املدخل للفقه الإ�سالمي /الدكتور حممد �سالم (�ص)359-343 .10الوالة والق�ضاة /للكندي ،ج� ،2ص388 .11تاريخ اخللفاء /ال�سيوطي� ،ص266 .12الوالة والق�ضاة /الكندي ،ج�( 2ص�+333ص)334 .13الأحكام ال�سلطانية /املاوردي� ،ص 70بت�صرف .14املغني /ابن قدامة ،ج� ،5ص103 .15الفتاوى الهندية /ج� ،3ص38 � .16أخبار الق�ضاة /حممد بن حيان ،ج� ،3ص315 رئي�س حمكمة عمان ورئي�س تنفيذ عمان �ساب ًقا /ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية
13
مقاالت
ال وسطية
14
قراءة في ثنايا التعايش
ُ التعايش على إ ِ ْطال ِقهَ ،تعبي ٌر يََتضمن في َطيَّاتِه وإ ِ َيحاءاتِه معاني التفاهم واألمن ،والتعاون َ والقبول .ومع أنه قد يرتقي في أبهى صورهَ ، َ مرتبة العيش َس ِويًّا في حاالت قليلة، ليبلغ دون ّ سمى بـ االندماج أو االستيعاب الذوبان الكامل ،أو ما ُي ّ الهويّة والخصوصية ( ،)Assimilationبالحفاظ على ُ المميِّزة ،إلّا أنه قد يَ ِص ُل إلى النقيض تما ًما من ذلك ،بالعيش ُ في َمعا ِزل ،أو في غيتوهات ( ،)Ghettoesلدوافع دينية ُ يكون إلى ال أ ْقَر َب ما َع َقديّة ،اجتماعية اقتصادية ،في َح ٍ ُ تعايش ُص ُوري .وما بين هذا وذاك ،ال يبلغ التعايش ما يعني ٍ بالضرورة شك ًلا من أشكال السالم الراسخ الدائم ،أو صور ًة من بدل .وبحسب قاموس المعاني الجامع، الع ِص ّية على الت َّ ّ ُص َو ِره َ فإن َّ ّ "الطَر َف ْين في التعايش يَظ ّلان َح ِذريْن في أغلب األحيان، عاديَ ْين لبعضهما البعض" .وهذا أم ٌر طبيعي ،إذا كان ُ وم ِ
عدنان عبيدات
ُ ً مفروضا باإلكراه ،وليس ُمَت َح ِّق ًقا باالختيار .وهو -أي التعايش جامع؛ يَ ِشي باالستمرارية والديمومة ،القائمة التعايش -تعبي ٌر ٌ اه على التفاعل والشمول ما بَ ِقَيت المصلحةِ ،م ْح َو ُره و ُق ْط ُب َر َح ُ ً عجيبة، قدرات اه المولىَ ،عزَّ و َجل اإلنسان ،المخلوق الذي َحَب ُ ٍ ُ ُ ً قائمة قدراتِه على هائلة على التكيُّف والتحمُّل ،حيث َت ُض ُّم ُ ُ الم ْر ِء التَّأقلم ،ما ال يمكن حص ُره في ُعجالة ،ومن ذلك :تعايش َ وَز ْو ِجه ،وكذا الصديق مع صديقه ،واألسرة فيما بينها ،وصولًا إلى المجتمع بمك ِّونات طيوفه ،وبما يت َّ ُ صل بذلك المجتمع ِم ْن جماعة مع كواحد ِم ْن َح ْوله ،وكذلك اإلنسان ُم ْنف ِر ًدا َلو ْح ِده ،أَو ٍ ٍ ما يَ ْعتري حياَته ،أو َ كالصحة والمرض، بات: حياة َ ّ مجتم ِعه ِمن َت َقل ُّ ٍ والغنى ،والتواصل والقطيعة، والسعادة والشقاء ،والفقر ِ الق ْمع ُّ والسلم ،أو َ والم ْن ِع الع ْدل واإلِ ْح َسانَ ، والظلم ،أو َ ُ والع ْنف ِّ والح ْر َمان. ِ
وي��ن��درج يف ه��ذا ال�سياق م��ا ي ّت�صل بالبيئة امل��ح��ي��ط��ة وظ���روفِ���ه���ا ال��ق��ا���س��ي��ة ،وق�����درات الإن�����س��ان ع��ل��ى ال��ت��ك�� ُّي��ف م��ع ا َ حل���� ِّر وال��َب��ررَْ د، خل�صوبة وا َ وا ُ جل��ف��اف ،وحتى بالتك ُّيف مع انعدام الوزنِ يف الف�ضاء اخلارجي� ،أو حتت ال�ضغوط يف �أَعماقِ املِياه. وه���ن ُ ���اك ت��ع��اي ُ �����ش الإِن�������س���انِ م��ع احل���ي���وانِ - ُمفْترَ ِ�سِ ه ودَاجِ �� ِن��ه ِ -ب َفه ِْم عاداتِه وغرائزِه ريه ويزعِ ُجه ،وما وطبائعِه ،و�إدراكِ ما يث ُ وتروي�ضه، وال�سكِينة، ِ َي ْحمِ ُله على الهدو ِء َّ َ وا ِّت��ق��ا ِء َ���ش�� ِّرهِ ،وال��ت��ع��ام��لِ معه ِب����أمَ���ان .لكنّ ه���ذا الإن�������س���ا َن ��� -ص��اح َ��ب امل��رت��ب��ة الأَع���ل���ى ب�ْي�نْ َ املخلوقات ،املتم ِّي َز بالعقل والتفكري، وال��ت��ع�� ُّل ِ��م والإِب������داع ،وااله���ت���داء وال��ت��دب�ير- ����ب ي���� ِ ���ش�ت�ر ُك م���ع احل���ي���وان ب���ال���غ���رائِ���زُِ ، وح ِّ ال��ت��م�� ُّل��كِ وال�����س��ي��ط��رة ،وال�� ّن��زع��ات ال�� َع��دا ِئ�� َّي��ة واال�ستعال ِء التي ُت ْخر ُِجه ،يف حالِ ا ْنفِالتِها، مِ ��نْ دائ��رة ال َّت َعا ُي�ش الإِن�����س��اين ال�� َّراق��ي �إىل دائرة ال َّت َو ُّح ِ�ش وال َب ْط ِ�ش احليوا ِّ ين ،و َت ُقو ُد ُه �إىل ال َف ْتكِ بالآخر. التعاي�ش -ال��ذي هو ُ�س ٌ ُ لوك ولكي َي َتحق َق ُم ْك َت َ�س ٌبَ ،ج�� ْذ ُره التعليم و َم ْيدا ُنه املُمار�سة، ب���ل ه���و ق��ي��م�� ٌة جم��ت��م��ع��ي��ة ،تمُ َ ��� ِّث��� ُل���ه���ا ح��ال�� ٌة م�ستمر ٌة من التفاعل الإيجابي ال�سلمي - ُ التعاي�ش يف �أ�سمى معانيه ،و َي ْبل َغ لكي يتح َّق َق �أَ ْق َ�صى َم َرامِ يه ،ال ُب ّد من وجود العديد من يحتاجها ،ومنها: العنا�صر الأ�سا�سية التي ُ ت���و ُّف���ر ال��و���س��ط الإي���ج���اب���ي امل�ل�ائ���م ال��ق��ائ��م على الإن�صاف والعدل ،والرغبة ال�صادقة وااللتزام ،وامتالك الق ّوة والإرادة ،والتح ّلي بال ِّثقة وال��� َّ��ش َ��ج��اع��ة ،وح�صول ال��ت��واف��ق مع ُ الآخ���ر ،و ِب��خِ �لافِ��هِ ،يبقى التعاي�ش َك َ�سرابٍ ِبقِي َعة. ل���ل���ت���ع���اي�������ش دالل������ت������ان :ل����غ����وي����ة ،و�أخ�������رى ا�صطالحيةّ � ،أما الداللة اللغوية ،التي هي َ العي�ش الأ�ص ُل يف ا�شتقاق اال�صطالح ،فتعني ُ والعي�ش معناه :احلياة. على الألفة واملحبة، َ � ّأم����ا م�صطلح ال��ت��ع��اي�����ش؛ ف��َيىرَ ى ال��دك��ت��ور عبد العزيز التويجري يف كتابه (الإ�سالم وال��ت��ع��اي�����ش) (� :)Coexistenceأ َّن
ال��ب��ح َ��ث يف م���دل���ول ه���ذا امل�����ص��ط��ل��ح ،ي��ق��و ُد �إىل ج��م��ل�� ٍة م��ن امل��ع��اين ،حم�� ّم��ل�� ٍة مبفاهيم تت�ضارب فيما بينها ،وقد �ص َّن َفها �إىل ثالثة م�ستويات: امل�����س��ت��وى الأول��� :س��ي��ا���س��ي� ،أي��دي��ول��وج��ي، ي���ح���م���ل م���ع���ن���ى احل������� ّد م����ن ال���������ص����راع� ،أو تروي�ض اخلالف العقائدي بني املع�سكرين اال�شرتاكي والر�أ�سمايل يف املرحلة ال�سابقة، �أو العمل على احتوائه� ،أو التح ُّكم يف �إدارة ه��ذا ال�����ص��راع ،مب��ا يفتح ق��ن��واتٍ لالت�صال، ُ ��ض��رورات احلياة وللتعامل ال��ذي تقت�ضيه � املدنية والع�سكرية .وق��د عُ��رف التعاي�ش، �أول ما عُرف ،على هذا امل�ستوى الأول. امل�������س���ت���وى ال������ث������اين :اق����ت���������ص����ادي ،ي���رم���ز �إىل ع��ل�اق����اتِ ال���ت���ع���اون ب��ي�ن احل���ك���وم���ات وال�شعوب ،فيما له �صل ٌة بامل�سائل القانونية واالقت�صادية والتجارية ،من قريب �أو بعيد. امل�ستوى الثالث :ديني ،ثقايف ،ح�ضاري ،وهو الأحدث ،وي�شمل ـ حتديدًا ـ معنى التعاي�ش ال��دي��ن��ي� ،أو ال��ت��ع��اي�����ش احل�����ض��اري .وامل����را ُد به� :أن تلتقي �إراد ُة �أه��لِ الأدي��ان ال�سماوية واحل�ضارات املختلفة يف العمل ،من �أجل �أن أمن وال�سال ُم العا َ مل ،وحتى َ ي�سو َد ال ُ تعي�ش الإن�ساني ُة يف ج ٍّو من الإخاء والتعاون ،على ري الذي َي ُع ّم بني الب�شر جمي ًعا، ما فيه اخل ُ من دون ا�ستثناء. وع��ل��ى ه���ذا امل�����س��ت��وى ال��ث��ال��ث ،وع��ل��ى �ضوء امل���ف���ه���وم امل����ح����دَّد ال�����ذي ن�����س��ت��خ��ل�����ص��ه م��ن��ه، نتعامل م��ع م�صطلح التعاي�ش ،وننظر يف �أبعاده ومراميه. لقد َ و�ض َح لنا من ت�أ ّملنا يف هذه ال��دالالت َ الديني� ،أو بعبارة � ّ أدق، التعاي�ش جمي ًعا� ،أن َّ التعاي�ش ب�ين الأدي�����ان ،ي�ستند �إىل �أ�س�س �أربعة ،هي: الأ���س��ا���س الأول :الإرادة احل��� ّرة امل�شرتكة، بحيث تكون الرغب ُة يف التعاي�ش نابع ًة من الذات ،ولي�ست مفرو�ض ًة حتت �ضغوط� ،أ ًّيا ك��ان م�صدرها� ،أو مرهون ًة ب�شروط ،مهما تكن م َُ�س ِّببا ُتها. الأ���س��ا���س ال��ث��اين :التفاهم ح��ول الأه���داف
وال��غ��اي��ات ،ح��ت��ى ال ي��ك��و َن ال��ت��ع��اي ُ �����ش ف ً ��ارغ��ا من �أي مدلول عملي� ،أو ال يح ّقق الفائد َة الرئي�س من للطرفني ،بحيث يكون الق�ص ُد ُ التعاي�ش ،ه��و خ��دم�� َة الأه����داف الإن�سانية ال�������س���ام���ي���ة ،وحت���ق���ي��� َق امل�������ص���ال���ح ال��ب�����ش��ري��ة ��اب الأم����ن ال��ع��ل��ي��ا ،ويف م��ق��دم��ت��ه��ا :ا���س��ت��ت��ب ُ وال�سلم يف الأر�����ض ،واحل��ي��ل��ول�� ُة دون قيام �أ�سباب احل��روب وال��ن��زاع��ات ،ورد ُع العدوان والظلم واال�ضطهاد ال��ذي َي ْل َح ُق بالأفراد واجل���م���اع���ات ،وا���س��ت��ن��ك��ا ُر ك���� ِّل ال�����س��ي��ا���س��ات وامل���م���ار����س���ات ال���ت���ي ُت��ه�����ض��م ف��ي��ه��ا ح���ق ُ ���وق ال�شعوب ،على �أي م�ستوىً من امل�ستويات، وحم��ارب�� ُة العن�صرية وال ِع ْرق ّية ،وا�ستعالء جن�س على جن�س ،حتت �أية دعوى من مثل هذه الدعاوى املتهافتة املردودة الباطلة. الأ����س���ا����س ال���ث���ال���ث :ال���ت���ع���اون ع��ل��ى ال��ع��م��ل امل�شرتك ،من �أج��ل حتقيق الأه��داف املتفق عليها ،و َوف ًقا خلطط التنفيذ التي ي�ض ُعها الطرفان الراغبان يف التعاي�ش ،امل�ص ِّممان عليه. الأ�سا�س الرابع� :صيانة هذا التعاي�ش ب�سيا ٍج من االح�ترام املتبادل ،ومن الثقة املتبادلة َ ُ � ً التعاي�ش عن اخلط ينحرف أي�ضا ،حتى ال املر�سوم ،لأي �سبب من الأ�سباب ،وحتى ال طرف على م�صلحة الطرف ُتغ َّلب م�صلح ُة ٍ ال��ث��اين ،مهما ت��ك��ن ال���دواع���ي وال�����ض��غ��وط، وذلك ب�أن يت َّم االحتكا ُم دائ ًما �إىل القوا�سم امل�شرتكة ،و�إىل القدر امل�شرتك من ال ِق َيم َ خ�ل�اف عليها ،وال واملُ�� ُث��ل وامل��ب��ادئ ال��ت��ي ال ن��زا َع حولهاُ ،يع ِّزز هذا النزو َع االلتزا ُم من اجلانبني ،مبا اجتمعت عليه �إراد ُة املجتمع ال����دويل ،م��ن م��ب��ادئ ق��ان��ون��ي��ة ،ا�ستوحاها ت��ط�� ّو ُر الفك ِر ال�سيا�سي الإن�ساين مِ ��نْ ِق َيم الأديان ال�سماوية ،عبرْ َ تراكم املعرفة طِ وا َل حِ َقبِ التاريخ. لقد عُ��ر َِف ،يف ال�سيا�سة الدولية ،م�صطلح (التعاي�ش ال�سلمي) ،الذي يعني :قيا َم تعاونٍ ب�ين دول ال��ع��امل على �أ���س��ا� ِ��س م��ن التفاهم، وت��ب��ادل امل�صالح االق��ت�����ص��ادي��ة وال��ت��ج��اري��ة. وقد ظهر هذا امل�صطل ُح بعد احلرب العاملية
15
مقاالت
ال وسطية
16
ال��ث��ان��ي��ة ،وان��ق�����س��ام ال��ع��امل �إىل مع�سكرين، أ�سا�س عقائدي. راحا يتناحران على � ٍ ومم��ا �ساعد على �إب��رازال��دع��وة �إىل �سيا�سة (التعاي�ش ال�سلمي) هو الفز ُع ال َّذري ،بعد �أن �أ�صبحت القنبل ُة النوو ّية ،وهي �أداة الدمار ال�شامل ،م�شاع ًة بني دول املع�سكرين .وبعد قيام اجلبهة الثالثة ،وه��ي جمموعة دول احلياد الإي��ج��اب��ي� ،أو ع��دم االنحياز� ،أك��دت ُ ال�سلمي ،هو التعاي�ش الرغب َة يف �أن يكو َن ّ ال�سبي َل �إىل تن�سيق ال��ع�لاق��ات ال��دول��ي��ة يف العامل ،و�إىل نبذ احل��رب ال��ب��اردة ،و�سيا�سة حافة الهاوية ،والتلويح با�ستخدام معدّات الدمار ال�شامل.
وه���ذا امل��ف��ه��وم ،كما ي��ب��دو ،مغاي ٌر للمفهوم الأول ،من حيث الهدف ال�سيا�سي واملذهبي يف امل���ق���ام الأول .غ�ي�ر �أن���ن���ا �إذا ا���س��ت��ن��دن��ا �إىل امل��ف��ه��وم الأول ،ون��ق��ل��ن��اه �إىل جم��ال ال��ت��ع��اون ب�ين الأدي�����ان� ،أم��ك��ن لنا �أن نقو َل َ التعاي�ش ب�ين الأدي����ان� ،إذا َّ مت يف ح��دود �إ َّن ه���ذه امل�����س��ت��وي��ات ،وق���ام ع��ل��ى ه���ذه الأ���س�����س، كان �ضرور ًة من �ضرورات احلياة على هذه ت�ستجيب للدواعي املُل َِّح ِة لقاعدة الأر���ض، ُ ج��ل��ب امل��ن��اف��ع ودرء امل��ف��ا���س��د ،و ُت��ل�� ّب��ي ن���دا َء ال�سو ّية للعي�ش يف �أمن الفطرة الإن�سانية ّ َ ين�صرف ال ُ إن�سان و�سالم وطم�أنينة ،حتى و�سكينة� ،إىل تعمري الأر�ض ،باملعنى يف َدعَة َ
ه��ذا الإط���ار ال��ع��ام ،ب�أية ح��ال من الأح���وال، و�إ َّال َف���� َق���� َد خ�����ص��و���ص��ي��ات��ه ،وان����ح����رف عن غاياته ،وه��ذا ما يح ّتم وج��و َد قاعدة ثابتة يقوم عليها التعاي�ش بني الأديان .وهو �أم ٌر ل��ه �صل ٌة وثيق ٌة بر�سالة ك�� ِّل دي��ن م��ن هذه الأديان ،وباملبادئ التي يقوم عليها ،وبالقِيم واملُثل التي يدعو �إليها. �إذا ا�ستعر�ضنا واق��ع التعاي�ش ال�سلمي يف ال�سيا�سة الدولية ل�سِ ِّت َ ني �سن ًة َخلَتْ ،نجَ ِ ُد �أ َّن الزعي َم الهندي جواهرالل نهرو قد دعا يف وقت مب ِّك ٍر -ح�سب مفهومه للتعاي�ش - �سلمي بني القوتني العظميني، تعاي�ش �إىل ٍ ٍّ ال����والي����ات امل��ت��ح��دة واالحت������اد ال�����س��وف��ي��ات��ي
وت���ذه���ب (امل��و���س��وع��ة ال�����س��ي��ا���س��ي��ة) �إىل �أن �أول م���ن �أط���ل���ق ���ش��ع��ار ال��ت��ع��اي�����ش ال�سلمي ( ،)Coexistenceه������و ن��ي��ك��ي��ت��ا خروت�شوف ،ال��ذي ك��ان ال يعني ب��ه تراج َع بلده االحتاد ال�سوفياتي عن حتقيق �أهدافه امل��ع��ل��ن��ة ،ب��ق��در م��ا ك���ان ي��ع��ن��ي ب��ه حم��اول�� َت��ه حتقي َق تلك الأهداف ،بطريقة تن�سجم مع مقت�ضيات التغيرّ ات التي طر�أت على امل�سرح ال���دويل ،كوجود ما ُيعرف ب��ت��وازن الرعب، كما ت��ذه��ب �إىل �أن ال��غ��رب ُي����ؤْثِ��� ُر �أن يكون املق�صود بالتعاي�ش ال�سلمي ،ه��و م��ا ُيطلق عليه( :عِ ْ�ش َو َد ْع غيرَ ك َيع ْ ِي�ش � ً أي�ضا).
احل�ضاري والإن�ساين الوا�سع لهذا التعمري. املو�ضوعي لطبيعته فالتعاي�ش ،بهذا ال َفهْم ّ ولر�سالته ،هو ُ اتفاق الطرفني على تنظيم و�سائل العي�ش ـ �أي :احلياة ـ فيما بينهما، وف���ق ق���اع���دة ي��ح��دّدان��ه��ا ،ومت��ه��ي��د ال��� ُّ��س��ب��ل امل�ؤدّية �إليه� ،إذ �أن هناك فار ًقا بني �أن يعي�ش الإن�����س��ان م��ع نف�سه ،وب�ين �أن يتعاي�ش مع غ�يره ،ففي احلالة الأخ�يرة ،يق ّرر امل��رء �أن طرف ث��انٍ � ،أو يدخل يف عملية َت َبا ُد ِل َي ٍة مع ٍ مع �أطراف �أخرى ،تقوم على التوافق حول م�صالح� ،أو �أه��داف� ،أو �ضرورات م�شرتكة. وال يخرج مفهوم التعاي�ش بني الأديان ،عن
ال�����س��اب��ق وكتلتيهما التابعتني ل��ه��م��ا ،على �أ����س���ا� ٍ���س م���ن االح���ت��رام امل���ت���ب���ادل ل�����س�لام��ة الأرا�ضي و�سيادتها ،وع��دم االعتداء ،وعدم ال��ت��دخ��ل يف ال�������ش����ؤون ال��داخ��ل��ي��ة لبع�ضها ال��ب��ع�����ض ،وامل�������س���اواة ،وامل�����ص��ال��ح امل��ت��ب��ادل��ة. لكنهما خا�ضتا حر ًبا باردة يف �أعقاب احلرب العاملية الثانية ،ا�ستمرت حتى �سقوط جدار برلني وتفكك االحت��اد ال�سوفياتي ،لي�سو َد بعد ذل��ك ن��ظ��ا ُم القطبِ ال��واح��د َرد ًْح���ا من الزمن ،ثم لن�شه َد يف �أيامنا ه��ذه ،ت�صاع َد ال��ق��وة ال�سيا�سية وال��ع�����س��ك��ري��ة ال��ف��اع��ل��ة يف االحت����اد ال��رو���س��ي م��ن ج��دي��د ،ت��ل��ك ال��ق��وة
امل��ن��ب��ع��ث��ة مِ ����نْ مَ��� ْر َق���دِ ه���ا امل��ت�����ص��ل��ة ب���أح�لام ال�����س��ي��ط��رة ،واملتحللة م��ن �إط����ار الأخ��ل�اق، واملتج ِّردة من �أث��واب الإن�سانية ،واملدفوعة ب�شهوة االحتالل وا�ستعادة الأجماد. وهكذا ،تربز على ال�ساحة العاملية ب�شكل عام، ويف منطقتنا ب�شكل خا�صُ ،ق َّوتان كبريتان تتح َّكمانِ ب�صورة مبا�شرة ومعلنة ،يف واقع صري ُ�شعوبنا بلداننا ،و َت ْر ُ�سمان م�ستقب َل وم� َ يف معادلة مخُ ْ �� َت�� َّل��ة ،ه��ي معادلة اال�ستقواء ���ب له على ال�ضعيف ،وب��ات��ف��اقٍ �ضمني ُ -ر ِّت َ يف دهاليز ال�سيا�سة ،ومل َيخر ْج �إىل ال َعلَ ِن بعد ،على العمل �سو ًّيا وبتق�سيم الأدوار - على حتقيق م�صاحلهما ،على ح�ساب عالمَ ِنا العربي امل�سلم امل ُ ْ�س َتباح ،م�ستخدِ م َ ني �أفظ َع و�سائل العنف حتت عباءة محُ اربة الإرهاب، ُ فيهلك الب�ش ُر وال�شج ُر وا َ حل َجر ،ويتوا�ص ُل ال��ل��ع ُ��ب ع��ل��ى التناق�ضات و�إث�����ارة ال��ن��ع��رات، و ُي�ست َغ ُّل اجله ُل وال�� َع�� َوز ،ويت�صاع ُد الدف ُع لال�ستمرار با�ستخدام وا���س��ت��ن��زاف القوى الذاتية ،التي منلكها ملوا�صلة قتل بع�ضنا وتر�سيخ ب���أي��دي بع�ضنا ،ولتبديدِ م��وار ِدن��ا ِ ُ التعاي�ش فيما بيننا �أح��ق��ا ِدن��ا ،حتى ي��ب��دو � َ��ض�� ْر ًب��ا م��ن املُ��ح��ال� ،أو �أم��� ًرا بعي َد امل��ن��ال يف امل����دى امل��ن��ظ��ور ع��ل��ى الأق�����ل ،ف��ي��م��ا ت��ع��ل��و يف الأث��ن��اء هنا �أوه��ن��اك ،بع�ض الأ���ص��وات التي ك��ان��ت ب��الأم�����س خ��اف��ت��ةَ ،ت��رف�� ُع عقري َتها يف هذا الوقت داعي ًة �إىل �أخ��ذ الو�ضع على ما هو عليه ،والقبول به ك���أم�� ٍر واق��ع ،بذريعة �أال �سبيل �إىل د ْف ِع ِه �أو تغيريه� ،أو َردِّه ،نظ ًرا �إىل حالة الوهن التي مت ُّر بها ُ بع�ض �أقطار وطننا الكبري ،واالحرتاب املحتدِ م يف �أجزاء م��ن رقعته املمتدة ،الأم���ر ال��ذي ُي��ن��ذ ُر -يف الظاهر -بالتف ّكك و�أُ ُف���� ُولِ َ�ش ْم ِ�س ا ُلأ َّم���ة. هلل دعو ٌة م�شبوه ٌة باطلة� ،أُرِي َد وهي ل َع ْم ُر ا ِ َ ب��ه��ا �أن َت�� ُف��تَّ مِ ���ن ال��ع��زمي��ة ،و�أنْ َت��ن��ا َل من الإرادة ،و�أن ُت�� َك�� ِّر� َ��س التبعي َة ،و�أن َت ْ�ض َم َن النا�س ال�س َبات الطويلَ ،ف ُتف ِق ُد َ البقا َء يف ُّ الأم���� َل ،و ُتثنِيهم ع��ن ال��ع��م��ل .وت��ن��ا���س��وا �أ َّنَ ال��� َّده��� َر غِ ��َي��رٌَ ،و�أ َّن ال��ن��ه َ ��و���ض م���ن ج��دي��د، ه��و م��ن ���سِ ��م��اتِ ه���ذه الأ َّم����� ِة َع��ْب�ررْ َ تاريخها
�ي�ر فيها ب���اقٍ حتى َي���ر َِث ال��ط��وي��ل ،و�أ َّن اخل َ ُ أر����ض و َم���نْ عليها .لكنَّ اخل�شي ُة �أنَْ اهلل ال َ التعاي�ش وال��ق��ب ُ ُ ��ول ب��الأم��ر ال��واق��ع، ُي��� َ��س�� َّو َق َك َم ْع ُزوف ٌة جميل ٌةُ ،ير َك ُن �إليها يف ع��المَ ٍ من ا َ خل�� َي��ال َي َتلَهّى بها امل َ ْقهُور ،ال��ذي ُي َخامِ ُره إح�سا�س ب�أال حِ يلَ َة له ،و ُتد َْغ َد ُغ بها م�شاع ُر ال ُ ال�ضعيف� ،إىل جانبِ معزوف ٍة ُت�ستن َف ُد فيها الإم��ك��ان ُ ��ات امل��ادي��ة وامل��ع��ن��وي��ة ،ه��ي معزوفة حم���ارب���ة الإره������اب ال��ت��ي َت�������� َر َّددتْ ع��ل��ى كل ل�سان� ،إ�ضاف ًة �إىل تعابري م ُْ�س َت ْهلَك ٍة �أخرى، ُي َت َغ َّنى بها ،كا ُ حل ِّر ّية والعدالة والت�سامح، ُّ التعاي�ش أ�صبحتْ لفظ ُة ِ كل ذلك يف حم�أَةٍَ � ، فيها كلم ًة م��ك��رور ًةُ ،ز َّج بِها ُم���ؤَ َّخ�� ًرا يف لغة الإعالم واخلطابِ والثقاف ِة والفِكر ،و�أ�صب َح ُي َر َّو ُج لها يف ُ�سوقِ امل�ست�ضعفني؛ لإحباطهم وال ُق ُعو ِد بِهم على َحالِهم ،وليبقوا �أُ َ�سا َرى ال َّت َم ِّنيات ،يف دائ���رة املفعول ب��ه ال الفاعل، ُ الكلمات� ،أَو ُق ْل ِل َتكو َن ول َت ْ�ص ِر َفهم مث ُل هذه ل��ه��م حِ َ��ج��ا ًب��ا َي ُ���ح ُ ���ول بينهم وب�ي�ن التفكري بامتالك ال��ق�� ّوة ،التي َت ْ�ض َم ُن لهم وج��ودًا �ساب على �أر���ض الواقع .ي�أتي ُي ْح َ�س ُب له حِ ٌ ه���ذا ك�� ُّل��ه يف � ِ��س��ي��اقٍ ���س��ي��ك��ول��وج ٍّ��ي مُ���ع���دٌّ له ب�إحكام .ويبدو �أ َّن هذه الكلمة – التعاي�ش مل ُت ْط َر ْح بهذه الوترية ،التي �أخذت َت�شِ ي ُعيف �أَيامنا ه��ذه ُج�� َزا ًف��ا ،بل لرمبا َت��ك�� ُو ُن قد ُطر َِحتْ لغاياتٍ تكتيكية ،مرحلية كجزئية م���ن ح����رب ���ش��ام��ل��ة ،ل��ك��ن��ه��ا ت����أت���ي يف �إط����ار احل���رب ال��ف��ك��ري��ة والنف�سية ،ك��واح��دة من �أدوات الإِ ْجهاز املعنوي على ال ّأمة اجلريحة. وعليه ،ف�إنه ينبغي �أَال يتبادر �إىل ال ِّذهن، يف �أي ح��ال م��ن الأح�����وال� ،أو �أن ُي��ف�� َه��م �أَ َّن َ ر مبا�شرة و ُم�َب�ررََّ َرة التعاي�ش ،ه��و دع���و ٌة غ�ي ُ للخنوع واال�ستكانة ،وال ُّ���ذ ِّل واال�ست�سالم، وال���ق���ب���ول بمِ َ ������نْ َي���ح���ت ُّ���ل الأَر� َ���������ض و َي���عِ���ي ُ���ث فيها الف�سادَ ،وينته ُِك احل��رم��اتِ و ُي��د ّن��� ُ��س ُ التعاي�ش املقدَّ�سات .ويف حقيق ِة الأمرَ ،يكا ُد ي���ك ُ ���ون ك�ل�ا ًم���ا ن��ظ��ر ًّي��ا بِ�ل�ا ُوج�����و ٍد يف ع���المَ ِ التطبيق� ،إنْ مل َي�� ْن�� ُب�� ْع مِ ���نْ مُعت َقدٍ �سليم، ل�صة ،و ُت َ���ؤ ِّط�� ُره الإن�ساني ُة ُت ْ�س ِندُه َن َوايا مخُ َ وامل���ب���ادى ُء النبيلة ،و ُت��� َ��ص ُ ��ان فيه احل��ق��وق،
ُ ال�شعارات �إىل واق ٍ���ع َي ْلمِ ُ�س ُه و ُت�َت�رَ ْ َج�� ُم فيه اجلميع .وخال�ص ُة ال�� َق�� ْولِ � :إ َّن ال َّت َعا ُي َ�ش يف جوهره احلقيقي ،ال ُي ْ�س َت ْجدَى على �أَ ْع َتابِ الأقوياء ،وال ُي ْ�س َعى �إليه بذخري ٍة نا ِفدَة� ،أو ِبكِنا َن ٍة خاويةٍ� ،أَو بدون امتالك قو ٍة را�شدة. ولكي يتح َّق َق ه��ذا الأَم��� ُر املن�شودُ ،ال خِ يا َر �أمامَنا � اّإل �أَنْ َنع َِي ك َّل ما يجري َب ْي َن َنا ،ومِ نْ َح ْولِنا بِك ِّل �أَ ْبعا ِد ِه و َم�آال ِتهِ ،هذا � اً أول ،ثم �أَنْ َنع َم َل على �إعادة بناء القوة الذاتية ال َّرادِعة ثان ًيا� ،إِ ْذ ال قِي َم َة لمِ َ���نْ ال ُق��� َّو َة ل��ه ،ومِ ���نْ ثم توجي ُه ال��ق�� َّو ِة ال��و ِْج��ه�� َة ا َ حل�� َّق��ة ،التي ُتنجِ ُز الأه َ �����داف امل�����ش��روع�� َة ال��ع��ادل��ة .وق���د � َ��ص�� َد َق ال�س ُي َ وف ال�س ِّلَ ،ي ِ�ص ُف ُّ ال�شاع ُر الفرزدق يف َّ حني قال: �إِ َذا ِه َي ِ�ش ِي َمتْ فال َق َوا ِئ ُم حَ ْ ت َتها و�إِنْ مَ ْ ل ُت َ�ش ْم َي ْو ًما َع َل ْت َها ال َق َوا ِئ ُم
17
مقاالت
ال وسطية
الدكتور زيد �أحمد املحي�سن
18 ّ إن تعزيز ثقافة العيش المشترك ،وترسيخ مفهوم ً وإنفاذا ،هو الطريق الوحيد تشريعا سيادة القانون ً لتصليب جبهتنا الداخلية من كيد العاديات ،وهو الحل األمثل الستقرار وتنمية مجتمعاتنا العربية واإلسالمية ،وتجنيبها شرور الفتن واالحتراب الداخلي.
الشباب
وآفات العصر
ُي��ع��ت�َب�رَ التح�صني ال��ف��ك��ري وال��ث��ق��ايف لل�شباب��� ،ض��رورة من �����ض����رورات م��ك��اف��ح��ة �آف�����ات ال��ع�����ص��ر ،امل��ت��م��ث��ل��ة يف ال��ت��ط��رف والإره���اب ،والطائفية واجلهوية ،والقبلية ،وي�ش ّكل الأم��ن الوقائي "ال ّأ�س واملقام" يف املعادلة الب�شرية ،ويف �سالمة املجتمعات الإن�سانية م��ن خطر ه��ذه الآف����ات ،ك��ذل��ك ،ف��� ّإن �إ�صدارنا لت�شريعات جديدة ناظمة للمجتمع ،ل�س ّد الثغرات احلياتية ،ومواكبة امل�ستجدات الع�صرية م��ن ه��ذه الآف��ات التي تفتك بالإن�سان والعمران الب�شري ،وتعمل على تفتيت اجلبهة الداخلية للمجتمعات ،وب ّ��ث روح الفرقة والتجزئة ب�ين مكونات املجتمع ،وتغليب ه��وي��ات فرعية على الهوية ال��وط��ن��ي��ة ،وال��ق��وم��ي��ة اجل��ام��ع��ة ل�ل�أم��ة ،ق��د �أ���ص��ب��ح ���ض��رور ًة جمتمعية ،ولي�س تر ًفا ت�شريع ًّيا �أو قانون ًّيا.
� ّإن �سيادة القانون لي�س ت�شري ًعا فح�سب ،بل � ً أي�ضا �إنفاذ مطلب ،و�ضرورة تطبيقه على اجلميع ،فالقوانني ،ميكن �أن ت�صبح "�أوهن من بيوت العنكبوت" يف بع�ض الدول من خالل �سوء التطبيق – ففي بع�ض الدول ،ي�صبح القانون �أ�شبه ب ـ ـ بيت العنكبوت" ،احل�شرة ال�صغرية تقع فيه، واحل�شرة الكبرية تخرتقه". � ّإن �إ�شاعة العدل من خالل تطيبق القانون على اجلميع، ه��و �سنام ال��دول��ة املدنية املن�شودة ،وه��ذا ب�لا �أدن���ى �شك يعزز التالحم االجتماعي يف املجتمع ،ويعمل على تر�سيخ ال��وح��دة ال��وط��ن��ي��ة ،وت��ع��زي��ز ال��ه��وي��ة ال��وط��ن��ي��ة اجلامعة للأمة. � ّإن ما ُي�س ّمى بالربيع الدميوقراطي �أو العربي ،قد �أحدث � ً ��ش��رخ��ا وخ��ل�ًلااً بنيو ًّيا يف الن�سيج االجتماعي والوطني العربي ،و�أ�صاب بع�ض الدول يف مقتل ،وع ََ�ص َف بالثوابت، ودا�س على املحرمات الأخالقية واالعتقادية ،وهذا العمل، هو تطاول على مقومات وكيان الأمة العربية الأخالقية ومنظومتها االجتماعية والعرفية. � ّإن التنوع والتعدد ،هو �س ّنة الكون ،وه��و �إث���را ٌء للم�شهد الإن�����س��اين واحل�����ض��اري ،ول��ك��ن ه��ذه ال��ت��ع��ددي��ة ،يجب �أن تتحرك يف �إطار ودائرة الوحدة الوطنية اجلامعة للأمة، ويف ظل دولة القانون. � ّإن فهمنا للتعددية والتنوع بني مكونات وفئات املجتمع، نابع من هذا التنوع ،وهو م�صدر "قوة و�إث��راء وجمال"،
ول��ي�����س م�����ص��د ًرا ينفذ م��ن��ه امل�ستعمر �إل��ي��ن��ا لتق�سيم الأم���ة، وتفتيتها �إىل طوائف ومذاهب ،وقبائل للت�صارع والتنازع فيما ا�س ِ�إ َّنا َخلَ ْق َنا ُكم بينها ،فاهلل �سبحانه وتعاىل يقولَ " :ي�أَ ُّيهَا ال َّن ُ مِ ن َذ َكر َو�أُن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعوباً َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفواْ �إِ َّن َ�أ ْك َر َم ُك ْم هلل �أَ ْت�� َق��ا ُك�� ْم �إِ َّن َ ري"� .ألي�س ه��ذا اخلطاب عِ ن َد ا ِ اهلل َعلِي ٌم َخ ِب ٌ وجامع للذين ي�سعون �إىل �شرذمة الأمة ،وجتزئتها �إىل كاف ٍ ٍ ط��وائ��ف وم��ذاه��ب وح����ارات ،و�إىل جماعات و�أح����زاب ،حتتكر احلقيقة ل��وح��ده��ا ،وتق�صي الآخ����ر م��ن امل�شهد الإن�����س��اين، يكفرون ويفجرون ،ومينحون �صكوك الإمي��ان ملن ي�شا�ؤون ومتى �شا�ؤوا ،يعي�شون يف الأر���ض الف�ساد بدواعي الإ�صالح، والإ�صالح يف وادٍ ،وهم يف وا ٍد �آخر! � ّإن تعزيز ثقافة العي�ش امل�����ش�ترك ،وتر�سيخ مفهوم �سيادة القانون ت�شري ًعا و�إنفا ًذا ،هو الطريق الوحيد لت�صليب جبهتنا الداخلية م��ن كيد ال��ع��ادي��ات ،وه��و احل��ل الأم��ث��ل ال�ستقرار وتنمية جمتمعاتنا العربية والإ���س�لام��ي��ة ،وجتنيبها �شرور الفنت والأحرتاب الداخلي. لقد �آن الآوان للعلماء الربانيني واملثقفني ال�شرفاء ،وال ُك ّتاب الأوف��ي��اء لر�سالتهم ،وه��م ُك�ُث،رُ � ،أن يخرجوا من �صوامعهم، وي�ش ّمروا ع��ن �سواعدهم لقيادة الأم���ة �إىل ج��ادة ال�صواب، وت�شكيل ث��ق��اف��ة ج��دي��دة ت��ع��زز م��ن ق��ي��م امل��واط��ن��ة ،واح�ت�رام القانون ومبادئ الدولة املدنية احلديثة ،فنحن يف هذه الدنيا دعاة ال ق�ضاة ،نعمل بالكلمة ال�صادقة اجلريئة ،لإخراج النا�س من غياهب اجلهل والتخلف �إىل �ضياء احلق والعدل والإخاء الإن�ساين ،من خالل الكلمة الطيبة ،واملوعظة احل�سنة للنا�س �أجمعني ،فقد ا�ستخلف اهلل تعاىل الإن�سان ليكون خليف ًة له يف الأر���ض ،ي��زرع اخلري يف كل مكان � -إميا ًنا وعل ًما و�إبدا ًعا ماد ًّيا ومعنو ًّيا -و�سم ًّوا روح ًّيا و�أخالق ًّيا لرفعة مكانة هذا الإن�����س��ان ،ول��ي���ؤث��ر يف امل�شهد احل�����ض��اري والإن�����س��اين :ف��ك�� ًرا وثقاف ًة و�سلو ًكا؛ �إميا ًنا �صاد ًقا بدين احلياة ال املوت ..بدين احلب ال الكراهية ..بدين التعاون ال التناحر والإق�صاء .. بدين العدل والإن�صاف والإح�سان ،ال بدين الإرهاب والتكفري والتفجري ،وقبل هذا وذاك ،بدين له قدا�سته لدى بني الب�شر، وعظمته الإلهية يف الدارين؛ الدنيا والآخرة.
19
مقاالت
ال وسطية
20
حماية األطفال في القانون الدولي اإلنساني
الدكتورة �أمل الرفوع
منذ فجر التاريخ ،واحلرب ٌ حدث ال َزم الب�شرية يف جميع الع�صور، فقد حدثت حروب طاحنة قا�ست ويالتها الب�شرية على مر الأعوام والقرون .وكانت هذه احلروب -وما تزال -جتتاح البلدان وت�ؤمل ال�شعوب ،وت��دم��ر معامل احل�����ض��ارات وال�ث�روات الوطنية ،وت��زداد ق�سوتها جيلاً بعد جيل ،بالنظر �إىل التطور الهائل يف �أ�سلحة ومعدات الدمار. وق��د ح��ر���ص الإن�����س��ان منذ ال��ق��دم على و���ض��ع ���ض��واب��ط عرفية �أو مكتوبة للحروب وال�صراعات ،والنزاعات امل�سلحة ،حيث وجدت يف جميع احل�ضارات العظمى تقري ًبا منذ الزمن القدمي والع�صور الو�سطى ،قواعد مقيدة حلق الغرماء يف �إحلاق الأذى بخ�صومهم، وميكن �أن نتتبع قوانني و�ضعت حلماية بع�ض الفئات من النا�س، يف �أيام الإغريق والفر�س والرومان ،ويف الهند وال�صني القدمية، ويف ال��دول الإ�سالمية وامل�سيحية� .شملت الفئات املحمية الن�ساء والأطفال وامل�سنني ،واملقاتلني املجردين من ال�سالح ،والأ�سرى، وحظرت مهاجمة بع�ض الأه���داف مثل� :أم��اك��ن العبادة ،ومنعت ا�ستخدام الو�سائل الغادرة يف القتال ،لكن مع تطور و�سائل القتال واخ��ت�راع امل��دف��ع��ي��ة وال��ب��ن��ادق وال��ذخ��ائ��ر ،مل ت��ع��د ه���ذه التقاليد �صاحل ًة للتطبيق ،وف�شلت يف التوافق مع هذه الوقائع اجلديدة، فقد ن�شبت حروب بني جيو�ش وطنية كبرية ،ا�ستعملت فيها �أ�سلحة ريا ،تارك ًة على �أر�ض املعركة �أعدادًا خميف ًة من �أحدث و�أكرث تدم ً القتلى واجلرحى و العاجزين.
لذلك ،دعت احلاجة �إىل وجود قانون دويل، ي��ن��ظ��م ق���واع���د و�أع�������راف احل������رب ،وي��ح��ك��م العالقات ب�ين ال��ق��وات املتحاربة ،وي�ضمن ح��م��اي��ة امل���دن���ي�ي�ن واجل����رح����ى والأ�����س����رى، وت��خ��ف��ي��ف امل���آ���س��ي ال��ت��ي ت��خ��ل��ف��ه��ا احل���روب والنزاعات امل�سلحة. وم��ن هنا ميكن ال��ق��ول� :إن ح��رك��ة تطوير وت��ق��ن�ين ال��ق��ان��ون ال����دويل الإن�������س���اين ،كما ن�����س��م��ي��ه الآن ،ظ��ه��رت يف ���س��ت��ي��ن��ات ال��ق��رن التا�سع ع�شر ،واق��ت�����ص��رت يف بدايتها على جزئيات من هذا القانون ،كاتفاقية جنيف الأوىل �سنة ،1864لتح�سني �أحوال اجلرحى يف احلرب الربية .ولكن ومع اندالع احلرب، ف�إن حماولة حتقيق التوازن بني ال�ضرورات الع�سكرية واالعتبارات الإن�سانية التي ال ُب ّد منها ،فقد ظهرت يف وقت مبكر ن�سب ًّيا عام �( 1864أن�سنة احل��روب) ،و�إنها �أول اتفاقية حل��م��اي��ة ���ض��ح��اي��ا ال���ن���زاع���ات امل�����س��ل��ح��ة من الأفراد الع�سكريني يف امليدان ،و�إذا ما دارت احل��روب ،ف�إنه ال ينبغي �أن تنتزع الرحمة وال�شفقة والإن�سانية من قلوب املحاربني، وميكن القول � ً أي�ضا� :إن احلرب والإن�سانية ال ي��ل��ت��ق��ي��ان م����ن ح���ي���ث امل���ع���ن���ى؛ احل�����رب: ت��ع��ن��ي ال���دم���ار وامل�����وت ،واخل�����راب وامل��ر���ض، وال��ت�����ش��ري��د ،والإن�����س��ان��ي��ة :تعني الت�سامح وامل��ح��ب��ة ،وال��رح��م��ة واال���س��ت��ق��رار ،والأم����ن واالزدهار ،وتعني احلياة بكل معانيها. وا�ستمر الأم���ر على ه��ذا امل��ن��وال حتى �سنة ،1899حني عُقد �أول م�ؤمتر دويل لل�سالم يف اله����اي ،و�أق����ر ع���دة ات��ف��اق��ي��ات ،الثنائية منها واخلا�صة بقواعد احلرب الربيةُ ،تعد �أول اتفاقية دول��ي��ة ح��دي��ث��ة ،تقنن وتطور ج���ز ًءا ه��ا ًّم��ا ومتكاملاً م��ن ق��ان��ون احل��رب، وق����د مت م��راج��ع��ة ات��ف��اق��ي��ات اله�����اي ل��ع��ام ،1899واع��ت��م��اد ات��ف��اق��ي��ات ج��دي��دة ،وذل��ك يف ع���ام .1907وال���ت���ي رك����زت ع��ل��ى تنظيم �سري العمليات احلربية ،ل�ضبط ا�ستخدام ال�سالح امل�سموح به ،وحظر �أنواع معينة من الأ�سلحة. �إال �أن ان���دالع احل��رب العاملية الأوىل ،وما �شهدته من ا�ستعمال و�سائل جديدة للقتال ا�ستخدمت على نطاق وا�سع ،ك�شن الغارات
اجلوية ،والغازات ال�سامة ،واحتجاز ع�شرات الآالف من الأ���س��رى ،وق�صف امل��دن ،ك�شف عن احلاجة �إىل تطوير املبادئ التقليدية لقانون احل��رب ،ول��ذا ،فقد قامت اجلماعة الدولية بعد احلرب العاملية الأوىل ب�سل�سلة من املحاوالت ،ا�ستهدفت حترمي احلرب يف العالقات الدولية .كذلك توقيع بروتوكول جنيف ل��ع��ام ،1925ب�����ش���أن حظر ا�ستخدام ال��غ��ازات والأ���س��ل��ح��ة البيولوجية ،وكذلك اتفاقية جنيف ملعاملة �أ�سرى احلرب يف عام .1929بيد �أن احل��رب العاملية الثانية ،وما �شهدته من �أه���وال وم���آ� ٍ��س �ضد الإن�سانية، ك���ان���ت مب��ث��اب��ة ال��دف��ع��ة احل��ا���س��م��ة ل��ت��ط��ور القانون ال��دويل الإن�ساين ،حيث مت توقيع اتفاقيات جنيف الأرب���ع لعام ،1949كجزء م��ن رد فعل الإن�سانية على الفظائع التي ارتكبت �أثناء هذه احل��رب يف حق املدنيني. ل�����ذل�����ك ،ف���ق���د ج�������اءت ه������ذه االت���ف���اق���ي���ات ب��ق��واع��د خ��ا���ص��ة حل��م��اي��ة ���ض��ح��اي��ا احل���رب، وم��ق��ت ال��ب��ع��د الإن�������س���اين ل��ق��ان��ون احل���رب، ورغ���ب���ة م���ن امل��ج��ت��م��ع ال�����دويل يف ال��ت��و���س��ع يف حم���ت���وى احل�����د الأدن��������ى م����ن ال���ق���واع���د الإن�����س��ان��ي��ة ،ف��ق��د مت �إق������رار ب��روت��وك��ول�ين �إ�ضافيني التفاقيات جنيف ،وذل��ك يف عام ( ،1977الأول) :خا�ص بالنزاعات امل�سلحة ال��دول��ي��ة ،و (ال���ث���اين) :يتعلق ب��ال��ن��زاع��ات امل�سلحة غري الدولية .وق��د �شاع ا�ستخدام ه������ذه ال����ق����واع����د حت����ت م�����س��م��ى ال���ق���ان���ون ال���دويل الإن�ساين)International ،)Humanitarian Lawوال��ذي �أ���ص��ب��ح ي�شكل ج��ان�� ًب��ا رئ��ي��� ً��س��ا م��ن ال��ق��ان��ون الدويل العام. � ّإن ت�صاعد وقوع الأطفال ك�ضحايا مبا�شرين للنزاعات امل�سلحة ،ب��ات م��ن اخل��ط��ورة مبا ي�ستدعي �إع��ط��اء الأول��وي��ة الن�سبية لتلك الق�ضية ،عند درا�سة �أو مناق�شة انتهاكات حقوق الطفل ،وذلك على وجه اخل�صو�ص، يف امل��ن��اط��ق ال��ت��ي ���ش��ه��دت �أو م��ر���ش��ح��ة لأن ت�شهد حرو ًبا� ،أو نزاعات م�سلحة دولية �أو داخلية ،ذل��ك �أن الأط��ف��ال بحكم �ضعفهم، وع����دم مت��ت��ع��ه��م ب��احل��د الأدن�����ى م���ن ح��ري��ة ً وتعر�ضا لآثار االختيار ،هم الأكرث معاناة،
احل��روب� ،سوا ًء على �صعيد الآث��ار املبا�شرة، �أم غري املبا�شرة. الطفل :ك��ل �إن�����س��ان حتى الثامنة ع�شرة، م��ا مل يبلغ �سن الر�شد قبل ذل��ك مبوجب القانون املطبق عليه. اللجنة الدولية لل�صليب الأح��م��ر: ه���ي م��ن��ظ��م��ة دول���ي���ة غ�ي�ر ح��ك��وم��ي��ة ،تعمل م���ن���ذ ن�������ش����أت���ه���ا ع���ل���ى اال�����ض����ط��ل�اع ب�����دور الو�سيط امل��ح��اي��د يف ح���االت ال��ن��زاع امل�سلح واال����ض���ط���راب���ات��� ،س��اع��ي��ة �����س����وا ًء مب���ب���ادرة م��ن��ه��ا� ،أو ا���س��ت��ن��ادًا �إىل ات��ف��اق��ي��ات جنيف وب���روت���وك���واله���ا الإ����ض���اف���ي�ي�ن �إىل ك��ف��ال��ة احلماية ،والعون ل�ضحايا النزاعات امل�سلحة ال��دول��ي��ة وغ�ي�ر ال��دول��ي��ة .واال���ض��ط��راب��ات الداخلية ،و�سائر �أو�ضاع العنف الداخلي. اليوني�سيف��� :ص��ن��دوق الأمم امل��ت��ح��دة ل��رع��اي��ة ال��ط��ف��ول��ة ،ال����ذي ي��ه��دف لتوفري الطعام وامل�أوى والدواء ،وامللب�س للأطفال، وتوجيه م�ساعداته ب�صورة �أول��ي��ة لربامج الأط���ف���ال ط��وي��ل��ة الأم�����د ،وع��ل��ى م�����س��اع��دة الأط����ف����ال يف ح�����االت ال�����ط�����وارئ ،و�إج������راء الدرا�سات .والأبحاث عن �أح��وال الأطفال، واال���س��ت��ج��اب��ة حل��اج��ات الأط��ف��ال خا�صة يف ال����دول ال��ن��ام��ي��ة ،وم�����س��اع��دة الأط���ف���ال على ا���س��ت��ي��ف��اء ح��اج��ات��ه��م الأ���س��ا���س��ي��ة وح��م��اي��ة حقوقهم. �آل��ي��ة عمل اللجنة ال��دول��ي��ة ل�صالح الأطفال املت�ضررين من النزاع امل�سلح ت�شجع اللجنة الدولية على احرتام حقوق وك��رام��ة الأط��ف��ال ،كما هو ال�ش�أن بالن�سبة �إىل �أي م�����دين �آخ�������ر ،م����ن خ��ل��ال ت��وف�ير امل�ساعدة الكفيلة بالتخفيف من حدة الآثار التي يخلفها النزاع امل�سلح .و�إن كانت اللجنة الدولية تعمل دون حت ّيز على م�ساعدة كل �ضحايا النزاع ،ف�إن لدى الأطفال احتياجات خ���ا����ص���ة ،ت�����س��ع��ى ج���اه���دة �إىل م��ع��اجل��ت��ه��ا. وت�شمل هذه االحتياجات ما يلي: الأط��ف��ال املنف�صلون ع��ن عائالتهم ب�سب النزاع ت��ت��وىل اللجنة ال��دول��ي��ة مهمة البحث عن العائالت عرب احل��دود .ففي حال انف�صال الطفل عن عائلته ب�سب ن��زاع م�سلح ،تقوم
21
مقاالت
ال وسطية
اللجنة الدولية بت�سجيله بطلب منه� ،أو من ويل �أمره ،وحتاول اقتفاء �أثر �أفراد عائلته، من �أج��ل �إع���ادة االت�صال فيما بينهم .و�إذا تكللت عملية البحث بالنجاح ،تبد�أ اللجنة ال��دول��ي��ة كخطوة �أوىل بت�سهيل االت�صال بني الطفل وعائلته عرب املكاملات الهاتفية، �أو ر�سائل ال�صليب الأحمر مثلاً ،ثم تنظم عملية جلمع �شمل الأ�سرة� ،إذا �سمح الو�ضع الأم���ن���ي ب���ذل���ك ،وواف�����ق ال��ط��ف��ل وع��ائ��ل��ت��ه. وتنتهي مهمتنا بعد متابعة ما يحدث بعد مل ال�شمل ،والت�أكد من �أن الطفل يف حالة جيدة. ومت��ك��ن��ت ال��ل��ج��ن��ة ال��دول��ي��ة يف ال��ف�ترة من � 2003إىل 2006من جمع �شمل 6 237طف ّ ال ب���أ���س��ره��م ،وك����ان ه������ؤالء غ�ي�ر م�صحوبني بذويهم ،ومنف�صلني عن بقية �أفراد الأ�سرة. ومت��ت �إع���ادة 775ط��ف�ًلااً �إىل وال��دي��ه��م عام .2006 الأطفال املرتبطون بقوات �أو جماعات م�سلحة ت�شكل م�س�ألة جتنيد الأط��ف��ال ب��اع��ث قلق كبري بالن�سبة �إىل اللجنة ال��دول��ي��ة .و�إننا ن����ويل الأول����وي����ة ال���ك�ب�رى ل��ت��ف��ادي ح���دوث التجنيد يف املقام الأول .ويكون ذل��ك على طريقتني :من خالل الرتويج ملعايري حتدد داخ���ل �أط���ر قانونية وا���ض��ح��ة ،وم��ن خالل
22
عملياتنا يف امليدان. وبالإ�ضافة �إىل امل�شاركة الفعلية يف تطوير القانون املنطبق على النزاع امل�سلح ،تنظم اللجنة ال��دول��ي��ة دورات ت��دري��ب��ي��ة ل�صالح ال����ق����وات امل�����س��ل��ح��ة وال�������ش���رط���ة ،وح��ام��ل��ي ال�سالح؛ لتعزيز املعرفة بالقانون الإن�ساين وغريه من املعايري الأ�سا�سية. ويف امليدان؛ تت�صل اللجنة الدولية بانتظام ب��اجل��م��اع��ات امل�سلحة وال�سلطات وال��ق��وات احل��ك��وم��ي��ة ،م���ذك���ر ًة اجل��م��ي��ع ب��ال��ت��زام��ات��ه، وحظر جتنيد الأطفال يف القوات امل�سلحة. وا�ستطعنا ب��ه��ذه الطريقة �ضمان ت�سريح �أطفال عديدين خا�ص ًة يف �آ�سيا و�إفريقيا. وتبذل اللجنة الدولية ق�صارى جهدها من �أجل العثور على عائالت ه�ؤالء امل�س ّرحني، وت�سهيل جمع �شملهم �إذا �سمحت الظروف الأم���ن���ي���ة ،وك����ان ذل���ك يف م�صلحة الطفل العليا. ومتكنت اللجنة الدولية يف الفرتة من 2003 �إىل 2006من جمع 1 740طفلاً من اجلنود الأطفال امل�سرحني بعائالتهم .وبذلك بلغ جمموع الأطفال امل�سرحني الذين �أعادتهم �إىل عائالتهم ال�سنة املا�ضية 306طفلاً . الأطفال املحرومون من حريتهم ت��ق��وم اللجنة ال��دول��ي��ة ب��زي��ارة الأ�شخا�ص امل����ح����روم��ي�ن م����ن ح���ري���ت���ه���م ،مب����ن ف��ي��ه��م
الأح�����داث ،يف احل����االت ال��ت��ال��ي��ة :ال��ن��زاع��ات امل�سلحة الدولية ،والنزاعات امل�سلحة غري ال��دول��ي��ة ،واال���ض��ط��راب��ات ال��داخ��ل��ي��ة .وق��د زارت ال�سنة املا�ضية 41 918حمتج ًزا ،كان من بينهم 1 682طفلاً . ولي�ست م��راك��ز االح��ت��ج��از �أم��اك��ن منا�سبة ل�ل�أط��ف��ال .ل��ذل��ك ،ت��ب��ذل اللجنة الدولية ك��ل م��ا يف و���س��ع��ه��ا ،ل��ل��ت���أك��د م��ن �أن �سلطات االح��ت��ج��از ت���راع���ي االح��ت��ي��اج��ات اخل��ا���ص��ة ل��ل���أط�����ف�����ال امل�����ح�����روم��ي��ن م�����ن ح���ري���ت���ه���م وحقوقهم. و�إذا كان الطفل مل يبلغ بعد �سن امل�س�ؤولية اجلنائية يف بلد ما مثلاً ،فتطلب اللجنة ال��دول��ي��ة �إخ�ل�اء ���س��راح��ه .وب��امل��ث��ل ،تتدخل اللجنة الدولية �إذا ُحكم على الطفل بعقوبة الإعدام� ،أو �أبقي عليه يف احلجز االحتياطي غ�ير القانوين مل��دة طويلة .وتطلب � ً أي�ضا �إطالق �سراحه ا�ستنادًا �إىل �أ�سباب �إن�سانية، مثل :الأ�سباب الطبية. وال ي��ن��ب��غ��ي �أي����� ً����ض����ا و����ض���ع الأط�����ف�����ال م��ع املحتجزين ال��ك��ب��ار ���س�� ًّن��ا ،م��ا ع���دا يف بع�ض احلاالت اال�ستثنائية ،التي يكون فيها ذلك م��ن م�صلحتهم ال��ع��ل��ي��ا .وم���ن ال�����ض��روري � ً أي�ضا� ،أن يح�صلوا على ما يكفي من الغذاء واملاء ،واخلدمات ال�صحية ،والتعليم ،وغري ذل���ك .وتعمل اللجنة ال��دول��ي��ة دائ�� ًم��ا على رفع تو�صيات �إىل ال�سلطات ،يف حال كانت ظ����روف االح��ت��ج��از غ�ير م�لائ��م��ة للطفل. وقد تقدم بع�ض امل�ساعدات ال�ضرورية �إذا كانت ال�سلطات غري ق��ادرة على توفريها. وت�سهل اللجنة ال��دول��ي��ة �أي���ً��ض��ا ال��زي��ارات العائلية �إىل املحتجزين القا�صرين .وهكذا قامت عام 2006بتي�سري 71زيارة عائلية �إىل حمتجزين �أطفال. هل يتمتع الأطفال املت�ضررون من النزاعات امل�سلحة من حماية قانونية خا�صة؟ ن��ع��م ،وت��وف��ر اتفاقيات جنيف الأرب����ع لعام 1949وبروتوكوالها الإ�ضافيان لعام ،1977 ح��م��اي��ة خ��ا���ص��ة ل�����ص��ال��ح الأط����ف����ال خ�لال النزاعات امل�سلحة .ويف احلقيقة ،ن�ؤكد �إن الأط���ف���ال ي��ح��ظ��ون ب�شكلني م���ن احل��م��اي��ة التي يكفلها لهم القانون الدويل الإن�ساين:
احلماية العامة التي يتمتعون بها ب�صفتهم أ�شخا�صا ال ي�شاركون يف �أعمال مدنيني� ،أو � ً عدائية� ،أو كفوا عن امل�شاركة فيها ،واحلماية اخلا�صة التي يتمتعون بها ب�صفتهم � اً أطفال. وهناك �أكرث من 25مادة يف اتفاقيات جنيف وب��روت��وك��ول��ي��ه��ا الإ����ض���اف���ي�ي�ن ،ت�����ش�ير �إىل الأطفال على وجه اخل�صو�ص. وت�شمل القواعد املتعلقة بعقوبة الإع���دام وت����وف��ي�ر ال������غ������ذاء ،وال����رع����اي����ة ال�����ص��ح��ي��ة وال��ت��ع��ل��ي��م ،يف م��ن��اط��ق ال���ن���زاع ،واالح��ت��ج��از، وان����ف���������ص����ال الأط�������ف�������ال ع�����ن ع���ائ�ل�ات���ه���م وم�شاركتهم يف العمليات العدائية .وت�سري احلقوق املكفولة يف اتفاقية حقوق الطفل امل�صدق عليها عامليا تقري ًبا ،يف النزاعات امل�سلحة � ً أي�ضا. و�إ�ضافة �إىل اهتمامها بامل�سائل امل�شار �إليها �أع���ل��اه ،امل��ت��ع��ل��ق��ة ب��ان��ف�����ص��ال الأط���ف���ال عن عائالتهم ،والتجنيد ،واالح��ت��ج��از ،ت�شجع اللجنة الدولية دائ�� ًم��ا على اح�ترام حقوق الأط��ف��ال عمو ًما؛ ك�ضرورة احل�صول على الأق��رب��اء ،حيثما ك��ان مكان �إقامتهم .و�إن كان هذا اخليار غري متاح ،يف�ضل �أن يجري التعليم على �سبيل املثال. التبني يف كنف اجلماعة املحلية التي ينتمي ينف�صل العديد من الأطفال عن عائالتهم �إليها الطفل� ،أو على الأق��ل داخ��ل جماعة خالل النزاعات امل�سلحة .فهل يكون تبنيهم متلك نف�س ثقافته اخلا�صة. متاحا؟ ً ال� ،أو على الأقل ناد ًرا ما يكون ذلك .يجب وت��ق��دم اتفاقية اله��اي لعام 1993املتعلقة �أال ي��ت��م ت��ب��ن��ي الأط���ف���ال غ�ي�ر امل�صحوبني ب��ح��م��اي��ة ال��ط��ف��ل ،وال���ت���ع���اون ف��ي��م��ا يت�صل واملنف�صلني ب�سرعة يف �أوج حاالت الطوارئ .بالتبني ،فيما ب�ين ال��ب��ل��دان ،وتو�صية عام فقد ب ّينت التجربة� ،أن معظم الأطفال غري 1994امل��ت��ع��ل��ق��ة بتطبيق االت��ف��اق��ي��ات على امل�صحوبني بذويهم ،لديهم والدان �أو �أفراد الأطفال الالجئني ،وغريهم من الأطفال ع��ائ��ل��ة �آخ�����رون ،ي��رغ��ب��ون يف ال��ع��ن��اي��ة بهم ،امل�شردين دول ًّيا ،الإطار الذي ي�سمح بتنظيم وي�ستطيعون ذل���ك ،ومي��ك��ن العثور عليهم عمليات التبني بني البلدان. هل تقدم اللجنة الدولية م�ساعدة خا�صة عند البحث بفاعلية. لذلك ،ينبغي �أال ي�ؤخذ التبني يف االعتبار� ،إىل الأط���ف���ال امل��ت�����ض��رري��ن م���ن ال��ن��زاع��ات �إذا ك���ان���ت ه���ن���اك �آم�����ال م��ع��ق��ول��ة يف جن��اح امل�سلحة؟ عمليتي البحث ومل ال�شمل ،م��ن منطلق ت�سعى اللجنة الدولية �إىل توفري امل�ساعدة جلميع �ضحايا احل���رب ل�صيانة حياتهم، امل�صالح العليا للطفل. وي���ج���ب �أن ت���ق���رر �أي�����ة ع��م��ل��ي��ة ت��ب��ن��ي وف�� ًق��ا و�صحتهم وتخفيف م��ع��ان��ات��ه��م .وت��ت��واف��ق مل�صلحة الطفل العليا ،وجت��ري مت�ش ًّيا مع امل�ساعدة املقدمة مع االحتياجات املقدرة. القانون الوطني وال��دويل والعريف املطبق� .أم��ا االحتياجات الأ�سا�سية للأطفال ،فهي وت��ع��ط��ى الأول����وي����ة يف ال��ت��ب��ن��ي دائ��� ًم���ا �إىل م�شابهة يف الأ�سا�س الحتياجات الكبار ،مثل:
الغذاء ،وامل��اء ،وامل���أوى ،والرعاية ال�صحية، �إلخ .ونظ ًرا �إىل �سنهم ،ميكن توقع �أن يكون لدى الأطفال احتياجات �إ�ضافية وخا�صة، تعمل اللجنة الدولية على تلبيتها ،كتوفري الطرود اخلا�صة بالأطفال الر�ضع ،وتقدمي الرعاية ال�صحية اخلا�صة ب��الأم والطفل، وت�أمني املواد التعليمية ،وغري ذلك. هل ميكن "تعليق" احلق يف التعليم خالل ال��ن��زاع��ات امل�سلحة �أو غ�يره��ا م��ن ح��االت الطوارئ؟ ال ،ال ي�سقط احلق يف احل�صول على التعليم ب�����س��ب��ب ال����ن����زاع .ول��ل��ت��ع��ل��ي��م دور ح��ا���س��م يف النهو�ض باحتياجات الأطفال وحقوقهم ،يف حاالت النزاعات وما بعدها� ،سواء من حيث الوقاية� ،أو من حيث �إعادة الت�أهيل .وفيما يتعلق ب�صحة الطفل النف�سية االجتماعية، ي��وف��ر ل���ه ال��ت��ع��ل��ي��م وت��ي�رة ع��م��ل منتظمة، وجم اً ������ال ل��ل��ت��ع��ب�ير ع���ن ال��ن��ف�����س ،وف��ر���ص��ة ل��ل��ت��ب��ادل م��ع ال���زم�ل�اء .ف��و���ض��ع "الطالب" بالذات ،و�ضع ثمني؛ لأن من �ش�أنه �أن يوفر للطفل احلماية من التجنيد الق�سري ،مع �أن الأطفال يبقون يف الوقت نف�سه معر�ضني
23
مقاالت
ال وسطية
للخطر ،ذل��ك �أن ثمة �أط��ف اً��ال ج�� ّن��دوا حتى خ��ل�ال وج���وده���م يف امل���در����س���ة .وق����د ت��وف��ر املدار�س مهارات �ضرورية للعي�ش ،وحيوية يف ح����االت ال���ن���زاع ع��ل��ى وج���ه اخل�����ص��و���ص. را ولي�س �آخ���� ًرا ،م��ا ميكن �أن يتعلمه و�أخ��ي� ً الطفل يف املدر�سة� ،شيء من الأ�شياء القليلة التي ال ميكن انتزاعها منه �أينما ذهب! كيف تن�سق اللجنة الدولية جهودها مع املنظمات الإن�سانية الأخرى من �أجل �ضمان تل ّقي الأطفال امل�ساعدة املالئمة يف حاالت الطوارئ؟ يكون التكامل والتعاون بني جميع املنظمات امل��ع��ن��ي��ة ،مب���ا ف��ي��ه��ا ال�����س��ل��ط��ات احل��ك��وم��ي��ة، عاملني �أ�سا�سيني لتوفري الرعاية واحلماية جلميع املت�ضررين من النزاعات امل�سلحة. وبالن�سبة �إىل الأط���ف���ال غ�ير امل�صحوبني ب��ذوي��ه��م واملنف�صلني عنهم ،يجب حتديد �أدوار ريادية معينة يف املجاالت الرئي�سية. فتتوىل اللجنة الدولية مثلاً البحث عن �أف�����راد الأ����س���رة ،يف ح�ين ت�ضطلع منظمة
24
�أخ����رى (�أو ال�����س��ل��ط��ات) ،ب��ت��وف�ير ال��رع��اي��ة امل�ؤقتة للطفل .ويتوقف عمل كل منظمة على املهمة املوكلة �إليها ،وخربتها ،وقدرتها على التعامل م��ع الو�ضع امل��ح��دد .وينبغي ل��ك��ل م��ن��ظ��م��ة ت���رغ���ب يف ال��ع��م��ل مل�صلحة الأط��ف��ال املنف�صلني ع��ن ذوي��ه��م� ،أن تعمل بالتن�سيق مع ال�شركاء املعنيني الآخ��ري��ن. وتعتمد اللجنة الدولية بو�ضوح هذا املبد�أ. ح��م��اي��ة ال��ن�����س��اء مب��وج��ب ال��ق��ان��ون ال���دويل الإن�ساين. ي���ه���دف ال���ق���ان���ون ال������دويل الإن�������س���اين �إىل منع معاناة الإن�����س��ان ،والتخفيف منها يف احل����روب ،دون �أي متييز على �أ���س��ا���س نوع اجلن�س .بيد �أ ّنه يعرتف ب�أن الن�ساء يواجهن م�شاكل حمددة يف النزاعات امل�سلحة ،مثل: العنف اجلن�سي ،واملخاطر على �صحتهن. لي�ست احل��رب م�س�أل ًة ته ّم ال��رج��ل وح��ده. ف��ف��ي ن���زاع���ات ال���ي���وم ،مي��ك��ن �أن ي��ك��ون �أث��ر ال��ق��ت��ال ع��ل��ى ال��ن�����س��اء ����ش���دي���دًا .وال��ق��ان��ون الإن�ساين ،يعرتف بذلك يف احلماية العامة
التي يوفرها لكل من الرجل واملر�أة ،وكذلك يف بع�ض الأحكام املحددة التي توفر حماية �إ�ضافية للمر�أة. و� اً إجمال ،يق�ضي القانون الدويل الإن�ساين باملعاملة الإن�سانية للم�صابني واملر�ضى، والأ����س���رى وامل��دن��ي�ين يف ال���ن���زاع���ات ،ب��دون �أي متييز ع��ل��ى �أ���س��ا���س اجل��ن�����س �أو ال��ع��رق، �أو اجلن�سية �أو الدين� ،أو ال��ر�أي ال�سيا�سي، �أو ب��اال���س��ت��ن��اد �إىل �أي�����ة م��ع��اي�ير مم��اث��ل��ة. وه���ذه احلماية ال��ع��ام��ة ،توفرها اتفاقيات جنيف الأرب��ع (لعام )1949وبروتوكوالها الإ�ضافيان (لعام ،)1977ف�ضلاً عن القانون الإن�ساين العريف .و�أحكام القانون الدويل الإن�������س���اين ،حت��ظ��ر �أي ً �����ض��ا �أخ����ذ ال��ره��ائ��ن، وا�ستخدام ال���دروع الب�شرية .وق��د ح�صلت يف نزاعات حديثة العهد انتهاكات ،متثلت ب�شكل خا�ص يف ا�ستخدام الن�ساء والأطفال كدروع حلماية املقاتلني عن الهجوم. وب���الإ����ض���اف���ة �إىل ذل�����ك ،ي��ج��ب �أن حتظى ال���ن�������س���اء "بحماية خا�صة" م����ن ال��ع��ن��ف
اجل��ن�����س��ي .وه���ذا ال��ع��ن��ف اجل��ن�����س��ي ،ي�شمل: االغت�صاب ،وال��دع��ارة الق�سرية ،و�أي �شكل �آخر من �أ�شكال االعتداء غري الالئق ،وهي ك ّلها �أفعال ت�شكل جرائم حرب .كما يحظر ال��ق��ان��ون ال���دويل الإن�����س��اين تهديد الن�ساء ب��ال��ع��ن��ف اجل��ن�����س��ي .وال��ن�����س��اء ال�����س��ج��ي��ن��ات، يجب حب�سهن مبعزل عن الرجال لتفادي االعتداء اجلن�سي. ويق�ضي كذلك القانون ال��دويل الإن�ساين، ب�أن تعامل الن�ساء احلوامل و�أمهات الأطفال ال�صغار ،وال�سيما الأمهات املر�ضعات ،بعناية خا�صة .وهذا ي�سري على �سبيل املثال ،على ما يتعلق بتوفري الغذاء واللبا�س ،والرعاية الطبية والإجالء ،والنقل. وال��ن�����س��اء ي���ت����أ ّث���رن ب�����س��رع��ة ب�����ش��ك��ل خ��ا���ص ب��ان��ف�����ص��ال �أف������راد الأ�����س����رة ،وامل���ع���ان���اة ال��ت��ي ي�����س�� ّب��ب��ه��ا ج���ه���ل م�������ص�ي�ر ق����ري����ب م���ف���ق���ود، ���س��واء �أث��ن��اء ن���زاع م�س ّلح �أو ب��ع��ده .ومينح القانون ال��دويل الإن�ساين الأ���س��ر احل��ق يف معرفة م�صري �أقاربها املفقودين ،و ُيجرب الأط���راف يف النزاعات امل�س ّلحة على اتخاذ جميع التدابري املمكنة للك�شف عن م�صري الأ�شخا�ص الذين هم يف عداد املفقودين. ويف الأع���������وام الأخ����ي����رة ،ن��ظ��م��ت ال��ل��ج��ن��ة ال��دول��ي��ة لل�صليب الأح��م��ر حملة حم��ددة ملعاجلة م�شكلة املفقودين .ومبا � ّأن الأغلبية العظمى من املفقودين رج��ال ،ف��� ّإن الن�ساء هنّ يف �أغلب الأحيان من يعاين يف الأ�سرة كرب تر ّقب �أخبار الزوج� ،أو الطفل املفقود. وه�����نّ �أح���ي���ا ًن���ا م���ن ي��ح��م��ل ع����بء حم��اول��ة البحث عن الأق��ارب ،وال�سيما عن الأطفال الذين ف ّرق بينهم وبينهنّ القتال .واللجنة الدولية تلعب دو ًرا رائ���دًا يف جميع �أنحاء ال��ع��امل ،يف �إع����ادة ال��رواب��ط العائلية �أث��ن��اء النزاعات امل�سلحة وبعدها. وي����أخ���ذ ال��ن�����س��اء ع��ل��ى ع��ات��ق��ه��ن �أي���� ً���ض���ا ،يف �صفوف ال�سكان املدنيني ،م�س�ؤولية كبرية يف التعامل مع �آث��ار النزاع امل�سلح الأخ��رى. وتعطل احلرب �إمدادات الأغذية و�إنتاجها. ��دم��ر امل��راف��ق ال�صعبة التي ه��ي �أ�سا�سية وت ّ جدًّا للأمهات والأطفال .وقد يت�أثر � ً أي�ضا
ك ّل من النقل واملاء والوقود. والأط��������راف يف ال����ن����زاع ،م��ط��ال��ب��ة مب��وج��ب القانون ال��دويل الإن�ساين بحماية �سالمة ال�����س��ك��ان امل��دن��ي�ين ال�صحية واالق��ت�����ص��ادي��ة تق�صر الأط��راف يف ذلك، واملادية .وعندما ّ غالبا ما يكون على الن�ساء �أن يتعاملن مع التبعات .ويف غياب الرجل ،ال��ذي غال ًبا ما يكون م�صدر رزق العائلة ،ي�صبح على املر�أة �أن ت�سهر على ت�أمني �سبل عي�ش العائلة يو ًما بعد ي��وم .وعلى الن�ساء �أحيا ًنا� ،أن يقطعن م�سافات طويلة جللب املاء والغذاء واحلطب وال���������دواء ،وغ��ي�ر ذل����ك م���ن ال�������ض���روري���ات الأ���س��ا���س��ي��ة ،مم��ا يعر�ضهن مل��خ��اط��ر ُت��ه��دد �سالمتهن اجل�سدية .وبالإ�ضافة �إىل ذلك، ريا ما ت�سهر الن�ساء على رعاية املر�ضى كث ً من �أفراد الأ�سرة واملجتمع. و ت��ت��دخ��ل ال��ل��ج��ن��ة ال��دول��ي��ة ل��دع��م��ه��ن عن طريق توفري املرافق الطبية ،وال�ضروريات الأ�سا�سية لت�أمني �سبل ال��ب��ق��اء ،م��ن قبيل الغذاء ،واللوازم املنزلية ،وامل���أوى .كما �أنها حت���اول �إق��ن��اع الأط����راف يف ال��ن��زاع ال�سماح ب��و���ص��ول الإم�������دادات �إىل امل��دن��ي�ين .ف��ع�ًل،اً ، �إن ال���ق���ان���ون ال������دويل الإن�������س���اين ي��ف��ر���ض على الأط����راف يف ال��ن��زاع بال�سماح مب��رور م�����س��اع��دات الإغ����اث����ة الإن�����س��ان��ي��ة ب�����س��رع��ة، وو���ص��ول��ه��ا �إىل امل��دن��ي�ين امل��ح��ت��اج�ين ب��دون �أية عراقيل ،ب�شكل غري متح ّيز ،وبدون �أي متييز جمحف. وب��ع��د ال��ن��زاع امل�سلح ،تلعب الن�ساء �أح��ي��ا ًن��ا دو ًرا رئي�ساً يف �إعادة بناء املجتمعات املحلية. ويف امل��ن��اط��ق ال��ري��ف��ي��ة ،غ��ال�� ًب��ا م��ا ي��ك��نّ من امل�ستفدين الرئي�سيني م��ن توفري البذور والأدوات ،وامل���ا����ش���ي���ة ل��ل��ن��ه��و���ض ب���الأم���ن االقت�صادي يف �أعقاب النزاع .والن�ساء يلعنب � ً أي�ضا دو ًرا حمور ًّيا يف عمل اللجنة الدولية، وغ�يره��ا م��ن اجل��ه��ات يف التوعية بالألغام الأر���ض��ي��ة ،وم��ن��ع الإ���ص��اب��ات ال��ن��اج��م��ة عن انفجارها ،وهي الألغام التي ما زالت تت�س ّبب يف الإ���ص��اب��ة وامل����وت ل�ل�أط��ف��ال ب��ع��د نهاية الأعمال العدائية .وعلى �سبيل املثال :يجب حماية الن�ساء ب�شكل خا�ص م��ن االع��ت��داء واالغت�صاب ،والبغاء الق�سري� ،أو �أي �شكل
�آخر من التحر�ش اجلن�سي( .اتفاقية جنيف الرابعة اخلا�صة بحماية ال�سكان املدنيني يف زمن احلرب ،املادة .2-27الربوتوكول الأول الإ�ضايف ،املادتان 75و.)76 وت��ن��ط��ب��ق احل��م��اي��ة اخل��ا���ص��ة للن�ساء على احل���االت ال��ت��ي يتعر�ضن فيها للحجز� ،أو االعتقال� .إذ يلزم على �سبيل املثال :توفري �أماكن للنوم ،ومرافق �صحية لهن م�ستقلة ع��ن �أم���اك���ن ال���رج���ال .ك��م��ا ي��ن�����ص ال��ق��ان��ون الدويل الإن�ساين على مراعاة احتياجاتهن اخل���ا����ص���ة يف ح�����االت احل���م���ل وال��ر���ض��اع��ة، �سواء كن رهن االحتجاز� ،أو �ضمن ال�سكان املدنيني. وقد م ّثلت املحاكم اخلا�صة بيوغو�سالفيا ال�����س��اب��ق��ة ،وروان�������دا ت���ط���و ًرا ه���ا ًّم���ا ب�����ص��دد ت���وف�ي�ر �آل����ي����ات �أق�������وى ل��ت��ط��ب��ي��ق ال���ق���ان���ون الدويل الإن�ساين يف هذا املجال .فمحاكمة املتهمني بالعنف اجلن�سي يف �إطار النزاعات امل�سلحة ،متثل راد ًعا اً فعال .وقد ن�ص النظام الأ�سا�سي للمحكمة اجلنائية الدولية ،على �أن االغ��ت�����ص��اب وال����رق اجل��ن�����س��ي ،واحل��م��ل الق�سري والتعقيم الق�سري ،و�أي �شكل �آخر من العنف اجلن�سي ،ميثل انتها ًكا ج�سي ًما ملعاهدات جنيف ،ويعد جرمية حرب� ،سواء مت ارتكابه يف �سياق نزاع م�سلح دويل� ،أو غري دويل( .امل��ادة -2-8ب 22-وامل��ادة -2-8ه��ـ6- م��ن النظام الأ���س��ا���س��ي للمحكمة اجلنائية الدولية). وجود اللجنة الدولية لل�صليب الأحمر يغري الأو�ضاع ينبغي على كافة الدول احرتام و�ضمان اح�ترام القانون ال��دويل الإن�����س��اين ،مبا يف ذل��ك القواعد اخلا�صة بحماية امل���ر�أة ،كما ينبغي ع��ل��ي��ه��ا ،يف ح��ال��ة ح����دوث ان��ت��ه��اك��ات حماكمة مرتكبيها. تهتم اللجنة الدولية لل�صليب الأحمر ب�شكل خا�ص ،بحماية الن�ساء من خماطر النزاعات امل�سلحة ،وب��ال��ذات م��ن �أع��م��ال العنف التي تتعر�ض لها الن�ساء ب�شكل خ��ا���ص .وتقوم اللجنة الدولية يف هذا ال�صدد ،باالت�صال ب�أطراف النزاعات امل�سلحة� ،سواء من الدول �أو جماعات املعار�ضة امل�سلحة؛ حلثهم على
25
مقاالت
ال وسطية
االلتزام بقواعد القانون الدويل الإن�ساين، اخل��ا���ص��ة ب���اح�ت�رام وح��م��اي��ة الأف������راد غري امل�شاركني يف القتال. وت��ق��وم اللجنة ال��دول��ي��ة بن�شر والتعريف ب��ال��ق��ان��ون ال�����دويل الإن�������س���اين (وامل���ع���روف � ً أي�ضا با�سم "قانون احلرب") ،كما ت�ستخدم ن�صو�ص ه��ذا ال��ق��ان��ون يف �سياق �أن�شطتها املختلفة على م�ستوى العامل ،ويف تعاملها م���ع امل�����ش��اك��ل اخل��ا���ص��ة ب��ال��ن�����س��اء .وت�سعى ال��ل��ج��ن��ة ال���دول���ي���ة �إىل ح��م��اي��ة وم�����س��اع��دة ���ض��ح��اي��ا ال���ن���زاع���ات امل�����س��ل��ح��ة ،م���ن خ�لال قيامها بزيارة املحتجزين وجهودها حلماية املدنيني ،و�أي���ً��ض��ا م��ن خ�لال ب��رام��ج الغوث واملعونة الطبية ،التي تقوم بها وجهودها لإعادة االت�صال بني الأقارب. ومنذ يناير /كانون الثاين � ،2000شرعت اللجنة الدولية يف تنفيذ م�شروع ميتد �أربع �سنوات ،ل�ضمان التعريف ب�أحكام القانون الدويل الإن�ساين اخلا�صة بحماية الن�ساء، وحترمي العنف اجلن�سي �ضدهن من جانب املتحاربني ،ول�ضمان �أن ت�سهم جميع �أن�شطة اللجنة الدولية يف م�ساعدة وحماية الن�ساء. وال تعود ب�شاعة املخاطر التي تتعر�ض لها الن�ساء يف حاالت النزاع امل�سلح �إىل عدم توافر القواعد املو�ضوعة حلمايتهم ،بقدر ما تعود �إىل عدم احرتام تلك القواعد ب�شكل كاف. ل��ذا ،يلزم حتويل احلماية الواجبة للن�ساء �إىل واقع عملي ،كما يلزم بذل جهود دائبة من �أجل التعريف بقواعد القانون الدويل الإن�����س��اين ،واالل���ت���زام بتلك ال��ق��واع��د على �أو�سع نطاق ممكن ،وبا�ستخدام كل الطرق املتاحة. حماية الأطفال يف القانون الدويل الإن�ساين م��ن��ذ ف��ج��ر ال���ت���اري���خ ،واحل�����رب ح���دث الزم الب�شرية يف جميع ال��ع�����ص��ور ،ف��ق��د حدثت ح����روب ط��اح��ن��ة ق��ا���س��ت وي�لات��ه��ا الب�شرية ع��ل��ى م���ر الأع������وام وال����ق����رون .وك���ان���ت ه��ذه احل������روب -وم����ا ت�����زال -جت���ت���اح ال��ب��ل��دان
26 وت���ؤمل ال�شعوب ،وتدمر معامل احل�ضارات وال�ث�روات الوطنية ،وت���زداد ق�سوتها جيلاً بعد ج��ي��ل ،بالنظر �إىل ال��ت��ط��ور ال��ه��ائ��ل يف �أ�سلحة ومعدات الدمار. وق����د ح���ر����ص الإن�������س���ان م��ن��ذ ال����ق����دم ،على و�ضع �ضوابط عرفية �أو مكتوبة للحروب وال�������ص���راع���ات وال���ن���زاع���ات امل�����س��ل��ح��ة ،حيث وجدت يف جميع احل�ضارات العظمى تقري ًبا م��ن��ذ ال��زم��ن ال��ق��دمي وال��ع�����ص��ور الو�سطى، ق���واع���د م��ق��ي��دة حل���ق ال���غ���رم���اء يف �إحل����اق الأذى بخ�صومهم ،وميكن �أن نتتبع قوانني و�ضعت حلماية بع�ض الفئات من النا�س ،يف �أيام الإغريق والفر�س والرومان ،ويف الهند وال�صني ال��ق��دمي��ة ،ويف ال���دول الإ�سالمية وامل�سيحية� .شملت الفئات املحمية الن�ساء والأط��ف��ال وامل�سنني ،واملقاتلني املجردين من ال�سالح ،والأ���س��رى ،وحظرت مهاجمة بع�ض الأهداف مثل� :أماكن العبادة ،ومنعت ا�ستخدام الو�سائل الغادرة يف القتال ،لكن مع تطور و�سائل القتال ،واخرتاع املدفعية والبنادق والذخائر ،مل تعد هذه التقاليد �صاحلة للتطبيق ،وف�شلت يف التوافق مع ه��ذه الوقائع اجل��دي��دة ،فقد ن�شبت حروب بني جيو�ش وطنية كبرية ،ا�س ُتعملت فيها را ،ت��ارك�� ًة على �أ�سلحة �أح���دث و�أك�ث�ر ت��دم�ي ً �أر����ض امل��ع��رك��ة �أع�����دادًا خميف ًة م��ن القتلى واجلرحى العاجزين. لذلك ،دعت احلاجة �إىل وجود قانون دويل ي��ن��ظ��م ق���واع���د و�أع�������راف احل������رب ،وي��ح��ك��م العالقات ب�ين ال��ق��وات املتحاربة ،وي�ضمن ح��م��اي��ة امل���دن���ي�ي�ن واجل����رح����ى والأ�����س����رى، وت��خ��ف��ي��ف امل���آ���س��ي ال��ت��ي ت��خ��ل��ف��ه��ا احل���روب والنزاعات امل�سلحة. وم��ن هنا ميكن ال��ق��ول� :أن ح��رك��ة تطوير وت��ق��ن�ين ال��ق��ان��ون ال����دويل الإن�������س���اين ،كما ن�����س��م��ي��ه الآن ،ظ��ه��رت يف ���س��ت��ي��ن��ات ال��ق��رن التا�سع ع�شر ،واق��ت�����ص��رت يف بدايتها على جزئيات من هذا القانون ،كاتفاقية جنيف
الأوىل �سنة ،1864لتح�سني �أحوال اجلرحى يف احلرب الربية .ولكن ومع اندالع احلرب، ف�إن حماولة حتقيق التوازن بني ال�ضرورات الع�سكرية واالعتبارات الإن�سانية التي ال ُب ّد منها ،فقد ظهرت يف وقت مبكر ن�سب ًّيا عام �( 1864أن�سنة احل��روب) ،و�إنها �أول اتفاقية حل��م��اي��ة ���ض��ح��اي��ا ال���ن���زاع���ات امل�����س��ل��ح��ة من الأفراد الع�سكريني يف امليدان ،و�إذا ما دارت احل��روب ،ف�إنه ال ينبغي �أن تنتزع الرحمة وال�شفقة والإن�سانية من قلوب املحاربني، وميكن القول � ً أي�ضا� :إن احلرب والإن�سانية ال ي��ل��ت��ق��ي��ان م����ن ح���ي���ث امل���ع���ن���ى؛ احل�����رب: ت��ع��ن��ي ال���دم���ار وامل�����وت ،واخل�����راب وامل��ر���ض، وال��ت�����ش��ري��د ،الإن�����س��ان��ي��ة :ت��ع��ن��ي ال��ت�����س��ام��ح وامل��ح��ب��ة ،وال��رح��م��ة واال���س��ت��ق��رار ،والأم����ن واالزدهار ،وتعني احلياة بكل معانيها. وا�ستمر الأم���ر على ه��ذا امل��ن��وال حتى �سنة ،1899حني عُقد �أول م�ؤمتر دويل لل�سالم يف الهاي ،و�أقر عدة اتفاقيات ،الثانية منها، واخلا�صة بقواعد احلرب الربيةُ ،تعد �أول اتفاقية دول��ي��ة حديثة تقنن وت��ط��ور ج��ز ًءا ها ًّما ومتكاملاً من قانون احلرب ،وقد مت مراجعة اتفاقيات الهاي لعام ،1899واعتماد اتفاقيات جديدة ،وذلك يف عام .1907والتي ركزت على تنظيم �سري العمليات احلربية، ل�����ض��ب��ط ا���س��ت��خ��دام ال�����س�لاح امل�����س��م��وح ب��ه، وحظر �أنواع معينة من الأ�سلحة. �إال �أن ان���دالع احل��رب العاملية الأوىل ،وما �شهدته من ا�ستعمال و�سائل جديدة للقتال ا�ستخدمت على نطاق وا�سع ،ك�شن الغارات اجلوية ،والغازات ال�سامة ،واحتجاز ع�شرات الآالف من الأ���س��رى ،وق�صف امل��دن ،ك�شف عن احلاجة �إىل تطوير املبادئ التقليدية لقانون احل��رب ،ول��ذا ،فقد قامت اجلماعة الدولية بعد احلرب العاملية الأوىل ب�سل�سلة من املحاوالت ،ا�ستهدفت حترمي احلرب يف العالقات الدولية .كذلك توقيع بروتوكول جنيف ل��ع��ام ،1925ب�����ش���أن حظر ا�ستخدام
ال��غ��ازات والأ���س��ل��ح��ة البيولوجية ،وكذلك اتفاقية جنيف ملعاملة �أ�سرى احلرب يف عام .1929 بيد �أن احلرب العاملية الثانية ،وما �شهدته م��ن �أه����وال وم����آ� ٍ���س ���ض��د الإن�����س��ان��ي��ة ،كانت مبثابة ال��دف��ع��ة احلا�سمة لتطور القانون الدويل الإن�ساين ،حيث مت توقيع اتفاقيات جنيف الأرب��ع لعام 1949كجزء من رد فعل الإن�سانية على الفظائع التي ارتكبت �أثناء ه��ذه احل���رب يف ح��ق امل��دن��ي�ين .ل��ذل��ك ،فقد ج�����اءت ه����ذه االت���ف���اق���ي���ات ب��ق��واع��د خ��ا���ص��ة حل��م��اي��ة ���ض��ح��اي��ا احل������رب ،وم���ق���ت ال��ب��ع��د الإن�������س���اين ل���ق���ان���ون احل������رب .ورغ���ب���ة من امل��ج��ت��م��ع ال�����دويل يف ال��ت��و���س��ع يف حم��ت��وى احل��د الأدن��ى من القواعد الإن�سانية ،فقد مت �إق��رار بروتوكولني �إ�ضافيني التفاقيات جنيف وذل��ك يف عام ( .1977الأول) خا�ص بالنزاعات امل�سلحة الدولية( .الثاين) يتعلق بالنزاعات امل�سلحة غري الدولية ،وقد �شاع ا�ستخدام هذه القواعد ،حتت م�سمى القانون ال���دويل الإن�����س��اين (International )Humanitarian) Lawوال��ذي
�أ���ص��ب��ح ي�شكل ج��ان�� ًب��ا رئ��ي��� ً��س��ا م��ن ال��ق��ان��ون الدويل العام. �إن ت�صاعد وقوع الأطفال ك�ضحايا مبا�شرين للنزاعات امل�سلحة ،ب��ات م��ن اخل��ط��ورة مبا ي�ستدعي �إع��ط��اء الأول��وي��ة الن�سبية لتلك الق�ضية ،عند درا�سة �أو مناق�شة انتهاكات حقوق الطفل ،وذلك على وجه اخل�صو�ص يف امل��ن��اط��ق ال��ت��ي ���ش��ه��دت� ،أو مر�شحة لأن ت�شهد ح��رو ًب��ا �أو ن��زاع��ات م�سلحة دولية �أو داخلية ،ذل��ك �أن الأط��ف��ال بحكم �ضعفهم، وع����دم مت��ت��ع��ه��م ب��احل��د الأدن�����ى م���ن ح��ري��ة ً وتعر�ضا لآثار االختيار ،هم الأك�ثر معاناة احلروب� ،سوا ًء على �صعيد الآثار املبا�شرة �أم غري املبا�شرة. كل �إن�سان حتى الثامنة ع�شرة ،ما مل يبلغ ���س��ن ال��ر���ش��د ق��ب��ل ذل���ك مب��وج��ب ال��ق��ان��ون املطبق عليه. ال��ل��ج��ن��ة ال��دول��ي��ة لل�صليب الأح���م���ر :هي م���ن���ظ���م���ة دول�����ي�����ة غ��ي��ر ح���ك���وم���ي���ة ،ت��ع��م��ل م���ن���ذ ن�������ش����أت���ه���ا ع���ل���ى اال�����ض����ط��ل�اع ب�����دور الو�سيط امل��ح��اي��د يف ح���االت ال��ن��زاع امل�سلح واال����ض���ط���راب���ات��� ،س��اع��ي��ة �����س����وا ًء مب���ب���ادرة
م��ن��ه��ا� ،أو ا���س��ت��ن��ادًا �إىل ات��ف��اق��ي��ات جنيف وب���روت���وك���واله���ا الإ����ض���اف���ي�ي�ن �إىل ك��ف��ال��ة احلماية ،والعون ل�ضحايا النزاعات امل�سلحة ال��دول��ي��ة وغ�ي�ر ال��دول��ي��ة .واال���ض��ط��راب��ات الداخلية ،و�سائر �أو�ضاع العنف الداخلي. اليوني�سيف� :صندوق الأمم املتحدة لرعاية ال��ط��ف��ول��ة ،ال����ذي ي��ه��دف ل��ت��وف�ير ال��ط��ع��ام وامل�أوى والدواء ،وامللب�س للأطفال ،وتوجيه م�ساعداته ب�صورة �أولية لربامج الأطفال ط��وي��ل��ة الأم�����د ،وع��ل��ى م�����س��اع��دة الأط���ف���ال يف ح����االت ال����ط����وارئ ،و�إج������راء ال��درا���س��ات والأبحاث على �أحوال الأطفال ،واال�ستجابة حلاجات الأطفال ،خا�ص ًة يف الدول النامية، وم�ساعدة الأطفال على ا�ستيفاء حاجاتهم الأ�سا�سية ،وحماية حقوقهم.
27
مقاالت
ال وسطية
28
دور األسرة التربوي
في تعزيز منظومة القيم في نفوس الناشئة
�أ.د حممد �أحمد الق�ضاة
كان غار حراء ،املكان الذي التقى فيه عامل امل����ادة وامل��ل��ك��وت ،وك�����ش��ف ال��وح��ي ع��ن �أوىل خ��ط��وات ت��غ��ي�ير ال��ع��امل ب����إع�ل�ان ال��ر���س��ال��ة اخل����امت����ة ،وك�����ان م��ف��ت��اح��ه��ا رب����ط امل��ع��رف��ة بالقيم ،عن طريق القراءة با�سم اهلل ،ولي�س ِا�س ِم َر ِّب َك ا َّلذِ ي با�سم �أي �شيء �آخر( :ا ْق َر�أْ ب ْ َخلَ َق * َخلَ َق ا ِلإ ْن َ�سا َن مِ نْ َعلَقٍ * ا ْق َر ْ�أ َو َر ُّب َك الأَ ْك�� َر ُم * ا َّل��ذِ ي َع ّلَ َم بِا ْل َقلَ ِم * َع ّلَ َم ا ِلإ ْن َ�سا َن مَا لمَ ْ َي ْعلَ ْم)( .العلق .)5-1:فم�صدر املعرفة ه��و اهلل ،وغايتها معرفة اهلل ،وال خ�ير يف علم ومعرفة ال تو�صل �إىل اهلل. ونكاد نقول� :إن توعية النا�س بهذا املنهج
����ب ال���ر����س���االت ال�����س��م��اوي��ة اجل���ام���ع ك����ان ل ّ كلها ،وم��ن هنا مل تكن املعرفة يف املنظور الإ�����س��ل�ام����ي مب����ا ف��ي��ه��ا م���ع���رف���ة الأح����ك����ام ال�شرعية مق�صودة لذاتها ،بل هي و�سائل للو�صول �إىل ب��ن��اء منظومة م��ن القيم ال تنفك عنها وال تنف�صل ،و�إذا حدث بينهما انف�صال �أ�صبحت املعرفة وبا ًال على الإن�سان، ووكل الإن�سان �إىل نف�سه وخربته فكان ذلك خ�سار العاملَني. وبقراءة مت�أنية يف مناذج من القر�آن وال�سنة، ي��ب��دو ب��ج�لاء ج��وه��ر ه����ذا امل��ن��ه��ج اجل��ام��ع الذي يحتاجه واقعنا املعا�صر ،لإع��ادة بناء
منظومته احل�����ض��اري��ة ال��ت��ي انف�صل فيها العلم عن القيم ،فكان وبا ًال على الب�شرية. وبالنظر �إىل التطبيقات العملية لل�سنة ال��ن��ب��وي��ة ل��ه��ذا امل��ن��ه��ج امل��ت��ك��ام��ل ،جن���د �أن���ه �صلى اهلل عليه و�سلم ع ّلم النا�س ال�صالة وقال�" :صلوا كما ر�أيتموين �أ�صلي" (رواه ال���ب���خ���اري) ،ول��ك��ن��ه ب�ّي�نّ يف ال���وق���ت نف�سه، �أن ال�����ص�لاة ال��ت��ي ال حت��ج��ز ���ص��اح��ب��ه��ا عن الفح�شاء واملنكر ،ال تزيده من اهلل �إال بعدًا، و�أم���ر النا�س ب��ال��زك��اة وب�ّي نّ لهم �أن�صبتها، ومقاديرها و�أوج��ه �صرفها ،ثم ق��ر�أ عليهم ق��ول��ه ت��ع��اىلُ : (خ��� ْذ مِ ���نْ �أَ ْم��� َوا ِل���هِ��� ْم � َ��ص�� َد َق�� ًة ُت َ��ط�� ِهّ�� ُرهُ �� ْم َو ُت�� َز ِّك��ي��هِ�� ْم ِب�� َه��ا َو� َ��ص ِّ��ل َعلَ ْي ِه ْم �إِ َّن َ�ص َ ال َت َك َ�س َك ٌن َل ُه ْم) (التوبة )103:وع ّلمهم ال�صيام وفرائ�ضه و�سننه ثم قال لهم" :من مل يدع قول الزور والعمل به فلي�س هلل حاجة يف �أن يدع �شرابه وطعامه" (رواه البخاري)، فما الفائدة �إذن من معرفة �أحكام ال�صالة والزكاة وال�صوم ،ما مل حتجز �صاحبها عن الوقوع يف الزلل والإ�صرار عليه؟! وغاية بياننا وتركيزنا على هذا املعلم من معامل املنهاج النبوي يف الرتبية على القيم الإ�سالمية �أمران ،هما: الأمر الأول :تنبيه امل��رب��ي ،وهما املعلم والأ�����س����رة �إىل �أن ال��غ��اي��ة م���ن ال��ت��ع��ل��ي��م ال ت��ق��ف ع��ن��د ن��ق��ل امل��ع��رف��ة ،و�إمن����ا ال��ن��ف��اذ �إىل مقا�صدها ،وغاياتها وا�ستثمارها يف بناء منظومة من القيم لدى املتعلم. والأم�������ر ال����ث����اين :ت�����ص��ح��ي��ح ن��ي��ة امل��ت��ع��ل��م، وحت��ري��ر مق�صده م��ن ط��ل��ب ال��ع��ل��م ،ال��ذي ي��ن��ب��غ��ي �أن ت��ك��ون م��ع��رف��ة اهلل ف��ي��ه �أ���س��م��ى الغايات. خ�صائ�ص القيم الإ�سالمية يف نظر الأ�سرة ودورها يف تر�سيخها يف نفو�س النا�شئة: � ّإن ب��ي��ان خ�صائ�ص القيم الإ���س�لام��ي��ة ،هو مدخل رئي�س للتعامل معها فه ًما وتنزيلاً ، كما �أن �إبراز هذه اخل�صائ�ص ،مدخل لبيان م��ا تتميز ب��ه القيم امل�ستندة �إىل املرجعية الإ�����س��ل�ام����ي����ة ،ح��ي�ن ت����ق����ارن ب���غ�ي�ره���ا م��ن
امل��رج��ع��ي��ات .كما مت�� ِّك��ن امل��رب��ي م��ن معرفة �أجن����ح ال�����س��ب��ل وال���ط���رق امل��و���ص��ل��ة �إىل بناء منظومة القيم احل�ضارية الإ�سالمية لدى النا�شئة .وال��ن��اظ��ر يف الكتاب ال��ك��رمي ،ويف �سنة النبي العظيم بنظر منهجي فاح�ص، يجد �إ�شارات دال��ة ينتج عن نظمها يف عقد ج���ام���ع الم�����ع ،ال���وق���وف ع��ل��ى اخل�����ص��ائ�����ص الآتية: -1القيم فطرة ربانية :خلق اهلل �آدم ونفخ فيه م��ن روح���ه ،وم��ع روح اهلل ومنها ُزرعت القيم يف كيان الإن�سان؛ فحبه للخري وك���ره���ه ل��ل�����ش��ر م���ن روح اهلل ،ق���ال ت��ع��اىل: ( َو َن�� ْف��� ٍ��س َومَ���ا � َ��س�� َّواهَ��ا * َف َ���أ ْل�� َه�� َم�� َه��ا ُف ُ��ج��و َرهَ��ا َو َت ْق َواهَا) (ال�شم�س ،)8-7:وقال تعاىل ُ ( :ث َّم َ�س َّوا ُه َو َن َف َخ فِي ِه مِ نْ ُروحِ ��هِ) (ال�سجدة،)9: وبينّ ذلك ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم حني قال" :الولد يولد على الفطرة ف�أبواه ميج�سانه" (رواه يه ّودانه �أو ّ ين�صرانه �أو ّ البخاري) وال��ن��اظ��ر يف �أ���س��م��اء اهلل احل�سنى و�صفاته العال ،يجد منها" :العدل ،والرب ،والرحيم، وال��ع��ف��و ،وال���غ���ف���ور ،وال�����ش��ك��ور ،وال��ل��ط��ي��ف، وال�������س�ل�ام ،وامل�ؤمن�...إلخ" وغ�ي�ره���ا من ال�صفات والأ�سماء التي طبع اهلل بها فطرة الإن�����س��ان ح�ين خلقه م��ن �ساللة م��ن طني، ث���م ن��ف��خ ف��ي��ه م���ن روح ال���ع���دل ،وال�����س�لام، وال��رح��م��ة ،وال��غ��ف��ران ،وال��ع��ف��و ،وال�����ص��ف��ح، واللطف ،وال�شكر وغريها من جليل القيم واخل�صال ،ثم علمه الأ�سماء كلها ،وح�صنه هلل ا َّلتِي وم ّيزه بالعقل ،قال تعاىل(:ف ِْط َر َة ا ِ هلل َذل َِك ا�س َعلَ ْيهَا َال َت ْبدِ ي َل لخِ َ ْلقِ ا ِ َف َط َر ال َّن َ الد ُ ا�س َال َي ْعلَ ُمو َن) ِ ّين ا ْل َق ِّي ُم َو َلك َِّن �أَكْثرَ َ ال َّن ِ (الروم)30: فالإن�سان لي�س �صفحة بي�ضاء؛ ال توجيه وال �إر�شاد فيها ،كما �أنه لي�س �صفحة �سوداء مليئة بالآثام ،كما هو معروف يف النظرية امل�سيحية ،ولكنه مفطور على دين الإ�سالم وق��ي��م��ه ،وح�ي�ن ن���زل �إىل الأر������ض واختلط بالبيئة ،اق�ت�رب �أو ابتعد م��ن ه��ذه القيم بح�سب امل�ؤثرات .فر�سم اهلل تعاىل يف كتابه
و�سنة نبيه و�سائل وطر ًقا الكت�ساب ال�صفاء م��ن الأدران ،وال��ق��رب م��ن القيم الربانية الأ�صيلة يف فطرة الإن�سان. -2قيم واقعية :رغم �أن القيم الإ�سالمية رب��ان��ي��ة يف م�����ص��دره��ا� ،إال �أن تنزيلها على ال��واق��ع ب���إر���ش��اد م��ن ال��وح��ي ،طبعها بطابع الواقعية والن�سبية ،و�أب��ع��ده��ا ع��ن املثالية امل��ط��ل��ق��ة ال��ت��ي ت��ع��ت�بر ���ش��ي�� ًئ��ا م��ن�����ش��ودًا ،قد يتحقق بن�سب خمتلفة .وال��غ��اي��ة م��ن هذه اخل�صي�صة �أن يبعد الإ���س�لا ُم الإن�سا َن عن الت�شا�ؤم من عدم حتقق القيمة يف املجتمع بال�شكل املثايل املطلوب ،وحتفيزه �إىل العمل ع��ل��ى ت��ر���س��ي��خ ال��ق��ي��م يف ال��ن��ف��و���س ،بح�سب الطاقة واجلهد ،ويكل بعد ذل��ك �أم��ره �إىل خالقه ويت�ضرع �إليه بالدعاء ،ليعينه على حتقيق ق�صده ومراده. فالقيم الإ�سالمية بهذه ال�صفة �إذن ،لي�ست ق��ي�� ًم��ا ن��ظ��ري��ة م��ث��ال��ي��ة ،و�إمن����ا ه��ي خال�صة �شريعة ن��زل��ت ح�سب ال��وق��ائ��ع والأح����داث، وا���س��ت��ج��اب��ة مل�����ش��اك��ل ال��ن��ا���س وق�����ض��اي��اه��م، ولي�ست فك ًرا يبتغي املدنية الفا�ضلة التي ال وجود فيها لل�شر ،وبالتايل ،فهي واقعية يف مراميها و�أهدافها قاعدتها .قوله تعاىل: ( َوعَ��جِ �� ْل��تُ ِ�إ َل�� ْي َ ��ك َر ِّب ِل رَ ْ �َتر� َ��ض��ى) (ط���ه،)84: وال��ع��ج��ل��ة ه���ن���ا :ال�ت�رق���ي يف ���س�� ّل��م ال��ر���ض��ا بح�سب الطاقة واال�ستطاعةَ ( :ال ُي َك ِّل ُف ُ اهلل َن ْف ً�سا �إِ َّال ُو ْ�س َعهَا)( .البقرة)286: فالعدل على �سبيل املثال؛ قيمة �إ�سالمية را�سخة ،ولكن حتقيقه يف ال��واق��ع مدافعة للظلم بقدر اال�ستطاعة ،ولذلك ،كان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يقول�" :إمنا �أنا ب�شر ،و�إن���ه ي�أتيني اخل�صم ،فلعل بع�ضكم �أن يكون �أبلغ من بع�ض ،ف�أح�سب �أنه �صدق ف���أق�����ض��ي ل��ه ب��ذل��ك ،ف��م��ن ق�ضيت ل��ه بحق م�سلم ،ف�إمنا هي قطعة من نار ،فلي�أخذها �أو ليرتكها"( .رواه ب�شر بن �شعيب) واحلب قيمة �إ�سالمية عظمى ،ولكن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف مو�ضوع العدل بني زوج��ات��ه� ،س�أل َ اهلل تعاىل �أ ّال يلومه يف امل��ي��ل العاطفي ال���ذي ال ميلك فيه �صر ًفا
29
مقاالت
ال وسطية
30
وال ع اً ��دل .واحلفاظ على مال اليتيم قيمة اقت�صادية عظيمة يف الإ�سالم ،ولكن يوجد �إىل جانبها وعيد ،يحذر من �أكل مال اليتيم ل��وج��ود ه��ذه الظاهرة يف ال��واق��ع ،و�ستبقى م���وج���ودة �إىل �أن ي���رث اهلل الأر�������ض وم��ن عليها ،لأن ب�ضدها تتميز الأ�شياء. ِ�س على هذا خمتلف القيم الإ�سالمية، وق ْ
�إِ َّال َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ ني)( .الأنبياء)107: والقا�سم امل�شرتك بني العقالء من النا�س، هو االلتزام بالقيم الفا�ضلة ،مهما اختلفت مرجعياتهم؛ فالعدل ح�سن والظلم �سيء، وال���ك���ذب وال�������ص���دق ����ض���دان ال ي��ج��ت��م��ع��ان، والبخل وال�شح مكروهان ،وال�سخاء والبذل مطلوبان.
فرغم كونها مطلقة يف �أ�صولها ربانية يف م�صدرها ،ف���إن �إنزالها على الواقع يحكمه ال���ت���درج واحل�����س��ن��ى ل��ن��ف��ي ال��ق��ي��م ال�����س��ي��ئ��ة باحل�سنة قال �صلى اهلل عليه و�سلم" :و�أتبع ال�سيئة احل�سنة متحها وخالق النا�س بخلق ح�سن"( .رواه الرتمذي) -3قيم عاملية :رغ��م �أن ال��ق��ر�آن الكرمي نزل بل�سان عربي مبني ،ف�إن خطابه بقيمه و�أح���ك���ام���ه ،و�أخ����ب����اره وم���واع���ظ���ه ،ووع����ده ووعيده ،موجه للعاملني .ونحن حني ندعو �إىل القيم الإ���س�لام��ي��ة ،ف�إننا ال ندعو �إىل خ�صو�صياتنا ك�أمة �إ�سالمية ،ف���إن ذل��ك ال يعدو �أن يكون مزيدًا من االنحبا�س لهذه القيم؛ حتى ال تنطلق يف ف�ضائها العاملي الوا�سع ،وتن�سجم مع اخلطاب العاملي الذي يحملها للنا�س كافة (خطاب الوحي) ،قال تعاىلَ ( :ومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ ريا اك �إِ َّال َكا َّف ًة لِل َّن ِ ا�س بَ�شِ ً َو َن��ذِ ي�� ًرا)�( .سب�أ )28:وق��الَ ( :ومَ��ا �أَ ْر َ�س ْل َن َ اك
فتلك و�أ���ض��داده��ا ق��ي��م ع��امل��ي��ة ،وه���ي �أ���ص��ل ال��ف��ط��رة ،ج��اء بها الإ���س�لام ال��ع��امل��ي؛ فقيم الإ����س�ل�ام ال��ت��ي ت�ضمنتها ر���س��ال��ة الأن��ب��ي��اء وال��ر���س��ل ك��اف��ة ،وختمها حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ،لي�ست للم�سلمني بخ�صو�صهم، و�إمن�������ا ه����ي م��ن��ف��ت��ح��ة ع���ل���ى ����س���ائ���ر الأمم وال�شعوب ،ينهلون منها فتقوم �سلوكياتهم، وتعدل من اجتاهاتهم ،فتكون ه��ذه القيم العاملية ،مدخ ً ال �إىل الإ�سالم عند كثري من الأمم وال�شعوب والأفراد. وقد �أخذ حممد �صلى اهلل عليه و�سلم بهذه ال��ق��ي��م ال��ع��امل��ي��ة ،وج���اء ليتممها .والإمت����ام ي��ع��ن��ي� :أن الإ�����س��ل�ام �أق�����ر ق��ي�� ًم��ا �إن�����س��ان��ي��ة م��وج��ودة باجلبلة وال��ف��ط��رة ل���دى ال��ن��ا���س، مهما اختلفت مللهم ونحلهم ،وذلك مدخل لهم؛ كي ينتبهوا �إىل قيم الإ�سالم اخلالدة، في�سارعوا �إىل اعتناقه كام ً ال غري منقو�ص؛ �إمتا ًما لنعمة اهلل عليهم قال تعاىل:
(ا ْل�� َي�� ْو َم َ�أ ْك َم ْلتُ َل ُك ْم دِي َن ُك ْم َو�أَتمْ َ �� ْم��تُ َعلَ ْي ُك ْم نِ�� ْع�� َم�� ِت��ي َو َر� ِ���ض���ي���تُ َل��� ُك��� ُم الإِ� ْ�����س َ ��ل��ا َم ِدي��� ًن���ا). (املائدة)3: -4قيم منا�سبة ومتكيفة :ح�ين نقر�أ ق��ول عبد اهلل ب��ن م�سعود ر���ض��ي اهلل عنه: "ما �أن���ت مب��ح��دث ق��و ًم��ا حدي ًثا ال تبلغه عقولهم� ،إال ك��ان لبع�ضهم فتنة" ،ن��درك �أن خطاب الإ�سالم الداعي �إىل متثل القيم الإ���س�لام��ي��ة ل��ن ي��ك��ون واح������دًا؛ واخل��ط��اب ي�ضم املحتوى والو�سيلة ،ومن هنا ندرك �أن لكل زمان خطابه ولكل فئة عمرية خطابها، و�أن الو�سائل املو�صلة لهذه القيم تتطور وتتغري .لذلك ،مل تكن القيم الإ�سالمية خا�صة بزمان وال مبكان� ،إمنا هي قيم قابلة للن�شر وال���ت���داول ب��ك��ل ال��ط��رق وال��و���س��ائ��ل النافعة وامل�شروعة ،تتكيف معها وال ت�ؤثر يف جوهرها؛ لذلك ،كان تركيز القر�آن الكرمي، على �أهمية ح�ضور القيمة يف املجتمع ،ومل يعني و�سيلة معينة لذلك .فالعدل يتحقق يف املجتمع بو�سائل و�أ�ساليب خمتلفة ،وقد يتحقق يف خمتلف مظاهر احلياة العامة، داخ��ل الأ���س��رة ،ويف الأ���س��واق ،ويف املنظمات والهيئات ،وغري ذلك ب�صور �شتى وبو�سائل خم��ت��ل��ف��ة ،والأ����ص���ل يف ذل���ك ق��ول��ه ت��ع��اىل: ��اع��دِ ُل��وا َو َل��� ْو َك���ا َن َذا ُق�� ْر َب��ى). ( َو�إِ َذا ُق�� ْل�� ُت�� ْم َف ْ (الأنعام)152: و�أم��ر الإ�سالم بتحقق ال�شورى يف املجتمع، ومل يحدد الكيفية والو�سيلة ،و�أم���ر ب���أداء الأم�����ان�����ات �إىل �أه���ل���ه���ا ب��ع��د ح��ف��ظ��ه��ا ،ومل يحدد و�سائل احلفظ لأنها متغرية ،و�أم��ر بالتكافل االجتماعي وت��رك ط��رق حتقيقه مفتوحة ع��ل��ى اج��ت��ه��ادات امل��ق��دم�ين عليه، و�أم���ر ب��الإن��ف��اق يف �سبيل اهلل على �إطالقه ل��ي��ع��م اخل�ي�ر ك��ل م��ن��اح��ي احل���ي���اة ،ويغطي حاجات النا�س املتجددة؛ ولهذا ينبغي �أن حتمل القيم الإ�سالمية �إىل كل �أهل ع�صر مب��ا ���س��اد ع��ن��ده��م م��ن و���س��ائ��ل ،ح��ت��ى تكون قادرة على الت�أثري يف �سلوكياتهم ،والتعديل من اجتاهاتهم وت�شكيل ت�صوراتهم. وم���ن م��ظ��اه��ر ال��ت��ك��ي��ف �أي���� ً���ض���ا ،ق����درة ه��ذه
ال��ق��ي��م ع��ل��ى اال���س��ت��ج��اب��ة حل���ال���ة متلقيها العمرية ،والنف�سية ،والوجدانية والعقلية، فلكل �أ�سلوبه وطريقه ومنهجه؛ فاملربون ال��ن��اق��ل��ون للقيم الإ���س�لام��ي��ة ل��ه��م ق���درات وط��اق��ات ،واملتعلمون لهم ق���درات وطاقات �أي���ً��ض��ا ،ول��ه��ذا مل يكن للنظرية الرتبوية الإ���س�لام��ي��ة احلاملة للقيم خ��ط��اب واح��د، و�إمنا يتنوع خطابها بفعل مرونته ويتكيف مع خمتلف احلاالت. -5ق��ي��م م�����س��ت��ق��رة وم�����س��ت��م��رة :ل���ن ت�صبح القيمة قيمة را�سخة يف نف�س الإن�سان� ،إال �إذا تكرر حدوثها يف �سلوكه و�أ�صبحت �سجية وجبلة ال ت��ف��ارق��ه ،ف�لا يقبل م��ن الإن�سان �أن يكون �صاد ًقا حي ًنا وك��اذ ًب��ا حي ًنا ،كما ال يقبل منه �أن يكون ع��اد ًال وظاملًا يف مواقف خمتلفة .وم��ن هنا ،نفهم ق��ول ر���س��ول اهلل ���ص��ل��ى اهلل ع��ل��ي��ه و���س��ل��م" :الرجل ي�صدق وي��ت��ح��رى ال�����ص��دق ح��ت��ى ي��ك��ت��ب �صدي ًقا" (رواه الرتمذي) .وهذا اللقب ال ي�صل �إليه �صاح ُبه �إال باملداومة واال�ستمرار والتعود، وق���د تلت�صق بال�شخ�ص ال�صفة املعاك�سة (ال��ك��ذاب) ب��امل��داوم��ة واال���س��ت��م��رار والتعود �أي ً �����ض��ا ،ك��م��ا ه��و وارد يف اجل���زء الآخ����ر من احلديث" :والرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب كذا ًبا" .ي��ق��ول ال��دك��ت��ور �أحمد م���ه���دي ع��ب��د احل���ل���ي���م :وم����ن اخل�����ص��ائ�����ص الأ�سا�سية يف القيمة ،تكرار حدوثها ب�صفة م�ستمرة؛ ف��م��ن ي�����ص��دق م���رة �أو م����رات ،ال يو�صف ب�أنه فا�ضل يف �سلوكه ،و�إمن��ا تت�أكد القيمة وت�برز الف�ضيلة اخللقية يف �سلوك الإن�سان� ،إذا تكرر حدوثها ب�صورة جتعلها عادة م�ستحكمة� ،أو جز ًءا من الن�سيج العقلي وال�سلوكي ل�صاحبها ،وعنوا ًنا لهويته)1( . ومن هنا كان تنديد القر�آن ،ب�أولئك الذين ال ي��ث��ب��ت��ون ع��ل��ى ط���ري���ق ال���ه���دى واحل����ق، وي�تراوح �سلوكهم بني احلق والباطل وبني ال��ه��دى وال�����ض�لال�( :إِ َّن ا َّل���ذِ ي َ���ن �آمَ�� ُن��وا ُث�� َّم َك َف ُروا ُث َّم �آ َم ُنوا ُث َّم َك َف ُروا ُث َّم ا ْزدَادُوا ُك ْف ًرا لمَ ْ َي ُك ِن ُ اهلل ِل َي ْغ ِف َر َل ُه ْم َو َال ِل َيهْدِ َي ُه ْم َ�س ِبي ً ال). (الن�ساء)137:
وكان تنديد القر�آن بالنموذج الب�شري الذي ال ي�ستقيم على فعل اخل�ي�ر ،وي�����ؤدي منه ال��ق��ل��ي��ل ،ث��م يقعد ع��ن م��وا���ص��ل��ت��ه� ،أو يكف عنه�( :أَ َف َر َ�أ ْيتَ ا َّلذِ ي َت َو ىَّل * َو َ�أ ْع َطى َقلِي ً ال َو�أَ ْك���دَى) (ال��ن��ج��م� ،)34-33:أي� :ضعف عن اال�ستمرار يف العطاء� ،أو كف عنه مع توفر مقوماته)2( .
ُكنْتَ َف ًّظا َغل َ ِيظ ا ْل َق ْلبِ َال ْن َف ُّ�ضوا مِ نْ َح ْول َِك ��اع ُ��ف َع ْن ُه ْم َو ْا�س َت ْغ ِف ْر َل��هُ�� ْم َو َ���ش��ا ِو ْرهُ �� ْم فيِ َف ْ الأَ ْم ِر َف�إِ َذا َع َز ْمتَ َف َت َو َّك ْل َعلَى اهللِ). (�آل عمران)159 : ه����ذه وغ�ي�ره���ا �آي������ات ك���رمي���ة ت��ت��ح��دث عن خ�صائ�ص اخلطاب النبوي ،وتر�سم طريقه ب��ت��وج��ي��ه��ات ال���وح���ي ،وق���د وج��دن��ا ال���ر�أف���ة،
ول��ذل��ك ،ك��ان��ت امل��ج��اه��دة وامل��ث��اب��رة ،حلمل ال��ن��ف�����س ع��ل��ى ا���س��ت��م��رار ال��ت��م�����س��ك بالقيم الإ���س�لام��ي��ة ،حتى ت��رق��ى م��ن الإ���س�لام �إىل الإمي������ان �إىل الإح�������س���ان ،ف��ي��ع��ب��د الإن�����س��ان َ اهلل ك���أن��ه ي���راه ،وت��ل��ك �أح��ل��ى ث��م��رات القيم الإ���س�لام��ي��ة ال��ت��ي ال تتحقق �إال ب��ال��ت��ك��رار واال�ستمرار واال�ستقرار. وانطال ًقا من ذلك ،على املربي �أن يلج�أ �إىل ال��ق��ر�آن ال��ك��رمي ،وم��ا �صح م��ن �سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ليبني القيم يف النفو�س على تقوى من اهلل ور�ضوان ،و�أن ي��ع��ر���ض ع���ن ك���ل ك�ل�ام ال م�ستند ل���ه ،ول��و كان �أث��ره يف النفو�س عظي ًما؛ لأنه �سرعان ما يهوى ويندثر ،والقيم �أ�سا�سها الثبات واال�ستقرار كما ر�أينا. -6ح�����س��ن ال��ت��وا���ص��ل :ق���ال ت���ع���اىلَ ( :ل��� َق��� ْد َج���ا َء ُك��� ْم َر� ُ���س ٌ ���ول مِ ���نْ َ �أ ْن�� ُف�����سِ �� ُك�� ْم عَ�� ِزي�� ٌز عَ��لَ�� ْي�� ِه �ين َرء ٌ ِي�ص َعلَ ْي ُك ْم ِب��المْ ُ���ؤْمِ �� ِن َ ُوف مَ��ا َع ِن ُّت ْم َحر ٌ َرحِ ��ي�� ٌم)( .التوبة .)128:وق��ال � ً أي�ضاَ ( :و َل�� ْو
وال���رح���م���ة ،واحل���ك���م���ة ،وال����ع����زة ،وال��ع��ف��و، وال���ت�������ش���اور وغ�ي�ره���ا م���ن �أب������واب وم���داخ���ل ال���ت���وا����ص���ل م���ع ال���ن���ا����س ،ظ���اه���رة ج��ل��ي��ة يف ت�صرفات الر�سول الأك���رم ،وه��و يدعو �إىل مكارم الأخ�ل�اق؛ �سكنات وح��رك��ات وكلمات ن��اف��ذة �إىل النف�س م���ؤث��رة يف ال�سامع �إىل حد االقتناع يجمل بكل مبلغ عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �أن ير�سمها. فقد ك��ان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ي��ع��ت��م��د ال��ق�����ص��ة وامل���ث���ل ل��ت��ق��ري��ب الأف���ه���ام: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بي ًتا" (رواه البخاري) ،وقوله �صلى اهلل عليه و�سلم�" :أر�أيتم لو �أن نه ًرا بباب �أحدكم يغت�سل منه كل يوم خم�س مرات �أيبقى من درن���ه �شيء" ،ق��ال��وا :ال ي��ا ر���س��ول اهلل ،قال �صلى اهلل عليه و�سلم" :فكذلك ال�صلوات اخلم�س ميحو اهلل بهن اخلطايا"( .رواه البخاري)
31
مقاالت
ال وسطية
وكان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يقر�أ نف�سية ال�سائل وقابليته للتعلم ،فيجيبه على قدر ما ينفعه؛ فقد جاءه رجل فقال: �أو�صني يا ر�سول اهلل ،فقال" :ال تغ�ضب"، ف��ق��ال ال�����س��ائ��ل :زدين ،ق���ال" :ال تغ�ضب"، وكرر مرا ًرا" :ال تغ�ضب" (رواه البخاري). ول��ك��ن��ن��ا وج����دن����اه ���ص��ل��ى اهلل ع��ل��ي��ه و���س��ل��م ي��ق��ول مل��ع��اذ ر���ض��ي اهلل ع��ن��ه ،بعد �أن �أج��اب��ه ع��ن ���س���ؤال��ه ح�ين ق���ال :ي��ا ر���س��ول اهلل دلني ع��ل��ى ع��م��ل يدخلني اجل��ن��ة وي��ب��اع��دين عن ال��ن��ار�" ،أال �أدل��ك على ر�أ���س الأم��ر وعموده وذروة �سنامه… �أال �أدل�����ك ع��ل��ى �أب����واب اخلري… �أال �أدلك على مالك ذلك كله". (رواه الرتمذي) ،يقرتح عليه الزيادة من الن�صيحة ،وال�سبب؛ م��ا ذك��رن��ا م��ن حكمة يف النظر �إىل قابلية املتعلم للتلقي ،وهي من �أرق��ى تقنيات التوا�صل ال�ترب��وي التي يعرفها الفكر الرتبوي املعا�صر. وكان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يعرب مبالمح وجهه عن ال�سخط والر�ضى ،ويغري من هيئة جل�سته �أثناء الكالم لبيان �أهمية الأم��ر وخطورته ،كما هو ال�ش�أن يف حديثه عن �شهادة الزور ،قال راوي احلديث ،وكان متك ًئا ثم جل�س وقال�" :أال و�شهادة الزور" مرا ًرا حتى قلنا ليته �سكت (رواه البخاري)، ويف هذا احلديث �إ�شارة �إىل تقنية التكرار � ً أي�ضا. وي�����ش�ير ���ص��ل��ى اهلل ع��ل��ي��ه و���س��ل��م ب���أ���ص��اب��ع��ه ل��ت��ق��ري��ب الإف���ه���ام م��ث��ل ق��ول��ه" :بعثت �أن��ا وال�ساعة كهاتني" ،و�ضم ال�سبابة والو�سطى. (رواه البخاري) ن�سيجا وهكذا تن�سج ال�سنة وال�سرية النبوية ً حمك ًما من طرق التوا�صل الناقلة للقيم، ح��ت��ى ت�تر���س��خ يف ال��ن��ف��و���س وت�صبح �سجية طيعة ثابتة م�ستقرة. -7ال��دع��وة �إىل التمثل الو�سطي املعتدل: "�أحب الأع����م����ال �إىل اهلل �أدوم����ه����ا و�إن قل" (رواه ال���ب���خ���اري)؛ ف��ل��ي�����س��ت ال��ع�برة ب���ك�ث�رة ال���ع���م���ل ،ول���ك���ن ب��ن��وع��ه وامل����داوم����ة ع��ل��ي��ه ،وال��و���س��ط��ي��ة واالع�����ت�����دال يف متثل
32 الأح��ك��ام ال�شرعية �سبيل ال�ستمرار القيم �أن مت عر�ض خ�صائ�ص القيم الإ�سالمية وا�ستقرارها ،بل ميكننا القول� :إن الو�سطية للأ�سرة ،نريد �أن نبني دور الأ�سرة الرتبوي. واالعتدال دليل قائم على هذا اال�ستقرار، ول��ذل��ك ،ك��ان �صلى اهلل عليه و�سلم يقول :فما هو الدور الرتبوي للأ�سرة؟ "اكفلوا من الأعمال ما تطيقون" (رواه تقع م�س�ؤولية تربية الأبناء على الوالدين ال���ب���خ���اري) .وا���ش��ت��ه��رت يف ال�����س��ن��ة النبوية يف امل��رت��ب��ة الأوىل .وال�ت�رب���ي���ة يف معناها ق�����ص��ة ال��ره��ط ال��ذي��ن ج�����ا�ؤوا �إىل ب��ي��وت��ات ال�شامل ،ال تعني توفري الطعام ،وال�شراب، النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ي�����س���أل��ون عن وال��ك�����س��اء ،وال���ع�ل�اج ،وغ�ي�ر ذل���ك م��ن �أم���ور �أعماله ،فلما �أخربوا ك�أنهم تقالوها ،فقالوا الدنيا ،بل ت�شمل كذلك ما ي�صلح الإن�سان ما قالوا و�ألزموا �أنف�سهم مبا مل يلزمهم به وي�����س��ع��ده؛ ح��ي��ث ي��ج��ب ع��ل��ى الأ����س���رة وم��ن اهلل ،فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم خ�لال دوره��ا ال�ترب��وي �أن تهتم باجلوانب معق ًبا وم��وج�� ًه��ا ل�سلوكهم نحو الو�سطية الآتية: واالع���ت���دال�" :أما واهلل �إين لأخ�����ش��اك��م هلل -1غر�س القيم والف�ضائل الكرمية والآداب و�أتقاكم له ،غري �أنني �أ�صوم و�أفطر و�أ�صلي والأخ�لاق��ي��ات ،وال��ع��ادات االجتماعية التي و�أرق��د و�أت��زوج الن�ساء فمن رغب عن �سنتي ت��دع��م ح��ي��اة ال��ف��رد ،وحت��ث��ه على �آداء دوره يف احل���ي���اة و�إ�����ش����ع����اره ،مب�����س���ؤول��ي��ت��ه جت��اه فلي�س مني"( .رواه م�سلم) وه��ذا املنهج يجعلنا نقر ب���أن املربي ينبغي جمتمعه ووطنه ،وجتعله مواط ًنا �صا ً حلا يف �أال يكتفي بالتذكري بالقيمة والتوعية بها ،املجتمع ،مثل :ال�صدق ،واملحبة ،والتعاون، دون �أن ي��رع��اه��ا وي��ت��اب��ع من��وه��ا وت��ط��وره��ا والإخال�ص ،و�إتقان العمل . يف وج���دان املتعلم ،ع��ن طريق ال��ق��درة على -2تعليم الأبناء الكيفية ال�سليمة للتفاعل ���ص��ي��اغ��ة م����ؤ����ش���رات ل��ل��ت��ق��ومي ،ي��ت��اب��ع ت��ك��رر االجتماعي ،وتكوين العالقات االجتماعية حدوثها يف �سلوك املتعلم ،حتى تقوم دليلاً م���ن خ�ل�ال م���ا يتعلمه الأب���ن���اء يف حميط على متكن القيمة من وجدانه �أو حاجتها الأ�سرة من �أ�شكال التفاعل االجتماعي مع �إىل مزيد من اجلهد .ويف �ضوء ذلك ،يقرر �أف����راد الأ����س���رة ،وع��ل��ى الأ���س��رة تكييف هذا ال�سبل الكفيلة بدعم ما كان �إيجاب ًّيا ،وعالج التفاعل ،و�ضبطه على النحو الذي يتوافق ما كان �سلب ًيا عن طريق التجديد يف طرق ،م���ع ق��ي��م امل��ج��ت��م��ع ،وم��ث��ل��ه وم���ع���اي�ي�ره مبا يجعلهم قادرين على التفاعل مع الآخرين و�أ�ساليب وو�سائل الرتبية. تلكم قراءة را�صدة وكا�شفة ملنظومة القيم يف املجتمع . احل�ضارية يف ال�سنة النبوية ،ق��ر�أن��اه��ا يف ف��الأب��ن��اء يف ك��ث�ير م��ن الأح���ي���ان ،يتخذون �سياق حاجة واقعنا املعا�صر حتى جتيب عن من �آبائهم و�أمهاتهم وبقية �أف��راد الأ�سرة �إ�شكاالته وهمومه ،وت�أ�س�س لر�ؤية مغايرة ملا القدوة واملثل الأعلى يف ال�سلوك؛ لذا ،يجب هو �سائد يف واقعنا من مرجعيات تقف عند �أن يكون �أف���راد الأ���س��رة خري ق��دوة للأبناء ح��دود ما هو م��ادي ،فكانت �أق��رب ما تكون ب��ال��ت��زام��ه��م م��ع��اي�ير امل��ج��ت��م��ع ،وال��ف�����ض��ائ��ل �إىل احلداثة منها �إىل احل�ضارة التي تتميز والآداب احل�����س��ن��ة .فاملجتمع ال���ذي حتكم باجلمع بني الرفاه املادي ،واالرتقاء القيمي عالقات �أفراده املثل والقيم ،حريٌّ �أن يكون وال��روح��ي ،وتلكم معامل يف املنهاج النبوي جمتم ًعا �آم ًنا مطمئ ًّنا؛ لأن �أفراده مدركون للرتبية على القيم وبنائها يف النفو�س التي للكيفية ال�صحيحة للتعامل م��ع بع�ضهم يعترب تغيريها �أ�سا�س النهو�ض احل�ضاري ،ال��ب��ع�����ض ،ولأدواره����������م ال���ت���ي م���ن خ�لال��ه��ا قال تعاىل�ِ ( :إ َّن َ ي مَا ِب َق ْو ٍم َح َتى ي�سهمون يف رقي جمتمعهم وتطوره . اهلل َال ُي َغ ِرّ ُ ُي�� َغ�ِّي�ِّرّ ُ وا مَا ِب�أَ ْن ُف�سِ ِه ْم)( .ال��رع��د .)11:وبعد -3غ��ر���س مفاهيم ح��ب ال��وط��ن واالن��ت��م��اء
وتر�سيخ معاين الوطنية يف �أفئدة االبناء ،يف بناء �شخ�صية الطفل ،كفرد وك�شخ�صية ف��ال��وط��ن ام��ت��داد حل��ي��اة الآب����اء والأج�����داد ،اجتماعية ،وبث روح الألفة واملحبة فيهم، وب��دون��ه ال يكون الإن�����س��ان �شي ًئا .فهو تلك وتعويدهم على النظام والتعاون. البقعة من الأر���ض التي ولدنا بها ،ومنوت فيها ،ون�ستمتع بخرياتها ،ونعي�ش يف دفء الدور الوقائي للأ�سرة: �أمنها ورعايتها ،ويجب �أن يعي الأب والأم الدور الوقائي ،وهو مكمل للدور الرتبوي، �أو ًال م��ع��ن��ى ال��وط��ن��ي��ة واالن���ت���م���اء ،ق��ب��ل �أن وال يقل �أهمية عنه� ،إذ يظن كثري من الآباء ينقلوها �إىل �أبنائهم ويف جمتمعنا ،ال��ذي والأم���ه���ات� ،أن دوره����م يف ت��رب��ي��ة �أوالده����م، بد�أت فيه امل�ستويات العلمية لأفراد الأ�سرة ينتهي عند بلوغ الولد �أو البنت �س ًّنا معي ًنا، ب��ال��رق��ي وال��ت��م��ي��ز ،ي�صبح م��ن ال�سهل على ف��ي�ترك ظ�� ًّن��ا �أن �أوالده����م ك�ب�روا يف ال�سن، �أف�����راد الأ����س���رة �إي�����ص��ال ه���ذه امل��ف��اه��ي��م �إىل وال يحتاجون �إىل توجيه ومتابعة .وه��ذا خلل يف الرتبية ،ينتج عنه م�شاكل ال حتمد الأبناء ب�شكل �صحيح. ع��ق��ب��اه��ا ،ف��م�����س���ؤول��ي��ة الأب���وي���ن ال تنتهي، م��ه��م��ا ك�ب�ر الأب����ن����اء ،ف��ه��م يف ح��اج��ة دائ�� ًم��ا الدور التوعوي للأ�سرة: ع��ل��ى ال���وال���دي���ن �أن ي��ت��وا���ص�لا م���ع الأب���ن���اء �إىل التوجيه والن�صح والإر���ش��اد ،وبحاجة ب��احل��وار والنقا�ش ،وتوعيتهم مب��ا ال يعيه خل��ب�رات وجت����ارب ك��ب��ار ال�����س��ن ،ف��م��ن �أب���رز ال�صغار من �أخطار ،وت�صحيح ما لديهم من اجل��وان��ب ال��ت��ي يجب على الأ���س��رة �أن تقي مفاهيم خاطئة ،فوقوع ال�شباب يف م�شاكل �أبناءها منها: وان���ح���راف���ات ،ه��و نتيجة لإه���م���ال الأ���س��رة � -1إب��ع��اده��م ع��ن امل���واد الإع�لام��ي��ة امل�ضرة، اً امتثال لقول اهلل تعاىل :وت��ق��دمي البديل النافع لهم م��ن الو�سائل لدورها التوعويّ (ق��وا �أنف�سكم و�أهليكم ن��ا ًرا وقودها النا�س امل�سموعة� ،أو املرئية� ،أو املكتوبة . واحلجارة) .فالتوعية ،هي الو�سيلة املهمة
� -2إبعادهم عن رفاق ال�سوء ،وهذه النقطة يف غ��اي��ة الأه���م���ي���ة ،ف�ل�ا مي��ك��ن �أن تكتمل تربية الأ�سرة� ،إذا كان لأوالده��م رفاق �سوء يهدمون ما بناه الوالدان ،فمعظم اجلرائم ك��ت��ع��اط��ي امل���خ���درات واالن���ح���راف ال��ف��ك��ري، يقف خلفها رفاق ال�سوء. -3وم����ن الأدوار ال��وق��ائ��ي��ة حل��ف��ظ �أم���ن املجتمع :تربية الأوالد على �أهمية املحافظة على �أوق��ات��ه��م ،و�صرفها فيما يعود عليهم ب��ال��ن��ف��ع ،وك���ذل���ك ���ش��غ��ل �أوق���ات���ه���م وت��وج��ي��ه ط��اق��ات��ه��م ع���ن ط���ري���ق ال��ب�رام����ج ال��ع��ل��م��ي��ة ال��ن��اف��ع��ة ،وال��������دورات ال��ت��دري��ب��ي��ة امل��ف��ي��دة، وممار�سة الريا�ضة البدنية . -4جتنيب الأبناء مظاهر الغلو والتطرف واالنحراف ال�سلوكي .فالأ�سرة ،هي امل�س�ؤول الأول ع��ن ظ��ه��ور ال�����س��ل��وك الإج���رام���ي �أو امل��ن��ح��رف ،ك��م��ا �أن��ه��ا م�����س���ؤول��ة ع��ن تكوين ال�����س��ل��وك ال�����س��وي .وي���أت��ي ذل���ك ع��ن طريق ت���أث��ر الأب��ن��اء بطبائع الآب����اء� ،أو احل��رم��ان ال�����ش��دي��د مل����دة ط��وي��ل��ة� ،أو ع����دم ا���س��ت��ق��رار الأ���س��رة ،و�سيطرة امل�شكالت واخل�صومات بني الأفراد.
33
مقاالت
ال وسطية
34
دور المسجد
في التجربة التاريخية اإلسالمية
الدكتور حممود اجلبارات
ُيع ّرف امل�سجد لغ ًة على �أن��ه مكان ال�سجود؛ وكل مكان ُيتع ّبد فيه فهو م�سجد ،ويف الذكر احلكيم( :ومن �أظلم ممن منع م�ساجد اهلل �أن ي��ذك��ر فيها ا���س��م��ه)��� .س��ورة ال��ب��ق��رة ،الآي��ة ( .)114ويف احل��دي��ث ال�شريف ع��ن الر�سول "جعلت يل الأر����ض �صلى اهلل عليه و���س��ل��مُ : م�سجدًا وطهو ًرا". و ُيعترب امل�سجد م�ؤ�س�سة �إ�سالمية �صرفة؛ وهو مكان عبادة ُتقام فيه ال�صلوات اخلم�س جماعة و�صالة اجلمعة؛ حيث ُتلقى خطبة توجيهية ،و ُتقام فيه �صالة العيدين �أحيا ًنا، وي��ج��ت��م��ع ف���ي���ه امل�����س��ل��م��ون ل��ب��ح��ث خم��ت��ل��ف ���ش���ؤون��ه��م ،ث��م �أط��ل��ق امل�سلمون على امل�سجد ا�سم جامع وهو نعت للم�سجد؛ لأن��ه عالمة االج���ت���م���اع لأع������داد �أك��ث��ر م���ن امل�����س��ل��م�ين يف ال�صالة وغ�يره��ا ،ومل��ا تو�سعت ا�ستخدامات امل�سجد الح ًقا جرى ت�صنيف امل�ساجد فقيل: م�سجد ،وجامع ،وم�سجد جامع. ورغ���م �أن فري�ضة ال�����ص�لاة فر�ضت على امل�����س��ل��م�ين يف امل���رح���ل���ة امل���ك���ي���ة م����ن ال���دع���وة الإ�سالمية؛ �إال �أن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم كان ي�ؤدي ال�صالة يف بيته ،ومع زوجته ال�سيدة خديجة بنت خويلد ر�ضي اهلل عنها، وك��ان ال�صحابة ر���ض��وان اهلل عليهم ،ي���ؤدون �صالتهم يف بيوتهم� ،أو يف دار الأرقم فرادى، ومل ي�ؤد امل�سلمون ال�صالة جماعة يف املرحلة املكية من الدعوة؛ وهي املرحلة ال�سرية من الدعوة. وعندما هاجر الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل املدينة املنورة� ،أق��ام مع �صحابته ،وعلى م�شارف املدينة ،ويف �أح��د �ضواحيها م�سجد قباء؛ يف حي بني عمرو بن عوف؛ وكان �أول م�سجد ُيبنى يف الإ�سالم ،و ُبني لعموم النا�س، ثم دخل الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم املدينة املنورة ،وبنى يف مكان متو�سط منها م�سجدًا، يف �أر�ض لبني النجار ،ا�ست�أذنهم الر�سول �صلى
اهلل عليه و�سلم فيها بقوله" :يا بني النجار ثامنوين بحائطكم هذا" ق��ال��وا :ال واهلل ال نطلب ث��م��ن��ه� ،أال �إىل اهلل ور���س��ول��ه ،وعُ���رف الح�� ًق��ا بامل�سجد النبوي ،و ُرف��ع فيه الأذان: وه��و ال��دع��وة �إىل ال�صالة جماعة� ،أو �إع�لان ع��ن موعد ال�صالة املفرو�ضة ،لأول م��رة يف الإ����س�ل�ام؛ وك���ان ذل���ك �إي���ذا ًن���ا ب����أن امل�سلمني متنف�سا لأداء �شعائرهم الدينية .وكان وجدوا ً اً عليه ال�سالم ي���أم��ر ب�لال احلب�شي �أن ي���ؤذن بالنا�س لل�صالة؛ ل ّأن له �صو ًتا حل ًوا ند ًّيا. ث��م �أم���ر ال��ر���س��ول �صلى اهلل عليه و�سلم ب��ب��ن��اء م�����س��ج��د يف امل��ن��ط��ق��ة امل��ح��ي��ط��ة بقليب ب����در ،ب���اق�ت�راح م��ن �أح����د ال�����ص��ح��اب��ة ،م��ار���س فيه ال��ر���س��ول �صلى اهلل عليه و�سلم مهمات الرئا�سة ،وقيادة معركة بدر و�إمامة امل�سلمني يف ال�صالة ،وكان �أول مركز حلكومة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم باملعنى التنفيذي. وكانت الهجرة �إىل املدينة جت�سيدًا للتنظيمات الإ���س�لام��ي��ة الأوىل؛ ال��ن��اجت��ة ع���ن ال��وح��ي ال��ق��ر�آين ووق��ائ��ع ال�سرية النبوية؛ مبعناها ال�����ش��ام��ل؛ ال���ذي زادت����ه ال��ت��ج��رب��ة التاريخية الإ���س�لام��ي��ة تف�صيلاً ،وك��ان��ت امل�����س��اج��د �أول هذه التنظيمات اخلا�صة بامل�سلمني ،وانفرد الإ���س�لام بت�شريعه وطبعه بطابعه اخلا�ص، وتو�سع امل�سلمون يف عهد الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يف بناء امل�ساجد ،حتى بلغت ت�سعة م�ساجد يف املدينة املنورة ،كان �أكرثها ي�ؤدي دور امل��در���س��ة يف ال��ت��ع��ل��ي��م� ،إ���ض��اف��ة �إىل دوره ك��م��ك��ان ل��ل��ع��ب��ادة واخل�������ش���وع؛ ول���ذل���ك ،ك��ان��ت امل�ساجد خالية م��ن ال��زخ��رف ،وك��ان الهدف ال��رئ��ي�����س ل��ل��م�����س��ج��د ،ه���و اج��ت��م��اع امل�سلمني لأداء ال�����ص��ل��وات اخلم�س امل��ف��رو���ض��ة جماعة ولي�س فرادى ،واجتماعهم �أيام اجلمعة لأداء ال�����ص�لاة ،و���س��م��اع اخل��ط��ب��ة ،وك��ان��ت اجلمعة ت�����ؤدى يف م�سجد ال��ر���س��ول ���ص��ل��ى اهلل عليه و�سلم و�سط املدينة املنورة.
وق���د ا���س�� ُت��خ��دم امل�سجد ال��ن��ب��وي ال�����ش��ري��ف يف عهد ال��ر���س��ول �صلى اهلل عليه و�سلم مكا ًنا ي��ت��ل��و ف��ي��ه ال��ر���س��ول ع��ل��ى ال�����ص��ح��اب��ة ال��وح��ي ال��ق��ر�آين ،ويعلمهم معناه كما ك��ان يعلمهم ال�سنة النبوية :يف جانبيها النظري والعملي، كما ا�س ُتخدم للتعليم ومكا ًنا لتدار�س �أم��ور امل�سلمني ،وكانت ُتعقد فيه معاهدات ال�سلم وال��ت��ح��ال��ف و�إع��ل�ان ال����والء ،ك��م��ا ُت��ع��ق��د فيه �أل��وي��ة احل����رب ،وك���ان ���ش��اع��ر ال��ر���س��ول �صلى اهلل عليه و�سلم ال�صحابي ح�سان بن ثابت، ين�شد فيه �أ�شعاره لإظهار حما�سن الإ�سالم، واملنافحة عن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم وعن امل�سلمني. اح��ت��ف��ظ امل�����س��ج��د ال��ن��ب��وي ب��ب�����س��اط��ة ال��ب��ن��اء واملظهر والتن�سيق ،وك��ان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ،يريد للم�سلمني �صالة خا�شعة دون م��را���س��م �أو اح���ت���ف���االت ،وك����ان امل�سجد النبوي مكا ًنا يقي امل�سلمني املطر وال�شم�س، و�ضو�ضاء ال�سوق والطريق ،ونظرات امل��ارة، ويوفر مكا ًنا لأداء ال�صالة بخ�شوع يف عزلة يحرتمها اجلميع. وك���ان التعليم يف امل�سجد ال��ن��ب��وي تكتنفه �أجواء العبادة ،وي�شعر املعلم واملتعلم وال�سامع فيه �أنهم يف بيت من بيوت اهلل ،و�أن تعلمهم عبادة ،وفائدتهم من العلم دنيوية و�أخروية. ويف ه����ذا امل�����س��ج��د ،ت��ل��ق��ى امل�����س��ل��م��ون ،على اخ���ت�ل�اف �أع���م���اره���م وم�����ش��ارب��ه��م ،وقبائلهم وان���ت���م���اءات���ه���م ال���دي���ن���ي���ة ال�������س���اب���ق���ة ،ث��ق��اف��ة وموحدة جامعة .و�إ�ضافة موحدة ِّ �إ�سالمية َّ ملا لل�صالة يف امل�سجد من ف�ضل وبركة زائدة، ف��ق��د ك���ان امل�����س��ج��د ال��ن��ب��وي ي��ع�بر ع��ن وح��دة الإ���س�لام وتنا�صر امل�سلمني؛ �إذ �أن��ه بني من قبل املهاجرين والأن�صار. ً وا�ستخدم امل�سجد النبوي مكانا لأخذ البيعة ال��ع��ام��ة م���ن امل�����س��ل��م�ين ،يف خ�لاف��ة اخلليفة الأول للم�سلمني �أبي بكر ال�صديق ر�ضي اهلل ع��ن��ه ،كما ا�ستخدم للبيعة ال��ع��ام��ة للخلفاء الرا�شدين من بعده ،وكان اخللفاء الرا�شدون ي�سو�سون الأم��ة من امل�سجد ،وكان جمل�سهم ال��ع��ام ف��ي��ه ،وك���ان���وا ي��ل��ت��ق��ون ف��ي��ه ب��ال�����س��ف��راء والوفود ،ويعقدون فيه رايات جيو�ش الفتح، وي��دع��ون منه للنفري ال��ع��ام ،وي��وج��ه��ون من خ�لال��ه امل�سلمني توجيهات ع��ام��ة يف ك��ل ما
ي��ت�����ص��ل ب��ح��ي��ات��ه��م ،وي��ع��ق��دون ف��ي��ه جمال�س ال�������ش���ورى ،وم���ع���اه���دات ال�����ص��ل��ح ،وال�������ش����ؤون ال�سيا�سية ،ويحا�سبون فيه الأم���راء والقادة ع��ل��ى ت��ق�����ص�يره��م ،ك��م��ا ا���س��ت��خ��دم م�ست�شفى لت�ضميد اجل��رح��ى ،وك���ان يعلق فيه عنقود نخل لي�أكل اجلائعون منه. خ�ل�ال خ�لاف��ة ع��م��ر ب��ن اخل��ط��اب ر���ض��ي اهلل عنه ،عرف امل�سلمون عمل ًّيا امل�سجد اجلامع، ح��ي��ث �أم����ر اخل��ل��ي��ف��ة ال�����ص��ح��اب��ي �أب����و مو�سى الأ�شعري ،عامله على الب�صرة يف ع��ام 17ه��ـ، �أن يتخذ م�ساجد للقبائل يف �أماكن جتمعها، ف����إذا ك��ان ي��وم اجلمعة ،ان�ضموا �إىل م�سجد اجلماعة /امل�سجد اجلامع ،كما كتب اخلليفة لأم����راء الأج��ن��اد يف ب�لاد ال�����ش��ام مبثل ذل��ك، وكتب لعامله على م�صر عمرو ب��ن العا�ص بهذا امل�ضمون. ويف العام 169ه���ـ ،تعددت امل�ساجد التي تقام فيها �صالة اجلمعة يف م�صر؛ فتم ت�صنيف امل�ساجد ،وحتديد امل�سجد اجلامع منها الذي تقام فيه �صالة اجلمعة ،وا�ستمرت امل�ساجد تتطور بنا ًء ودو ًرا ،خالل املراحل املختلفة من التاريخ الإ�سالمي فيما بعد ،وحافظت على دوره��ا الأ�سا�سي ،ولكنها �أ�ضافت لهذا الدور ما يتنا�سب معه ،ويخدم امل�سلمني بعامة. وق����د �أُ����ض���ي���ف ل����دور امل�����س��ج��د �أدوار مت�صلة ب��ا���س��ت��م��رار ح��ل��ق��ات ال��ع��ل��م يف �أرج����ائ����ه على م���دار ال�����س��ن��ة ،يتلقى فيها امل�����س��ل��م��ون العلم ال���دي���ن���ي وال����دن����ي����وي ،و�أ����ض���ي���ف ل��ل��م�����س��اج��د كتاتيب ،و�أ�صبحت م��ن��ارات علم يف خمتلف العلوم؛ الفقه ،التف�سري ،احلديث ال�شريف، الأدب ،ال��ت��اري��خ ،ال��ف��ل��ك ،ال��ط��ب ،الهند�سة، والريا�ضيات ،وعلم الفرائ�ض. و�أ���ص��ب��ح��ت م�����س��اج��د :احل����رم امل��ك��ي ،امل�سجد ال��ن��ب��وي ،م�سجد املن�صور يف ب��غ��داد ،اجلامع الأموي يف دم�شق ،جامع الف�سطاط يف م�صر، ث��م اجل��ام��ع الأزه���ر فيها ،وج��ام��ع الزيتونة، وج��ام��ع ال��ق��روي�ين؛ م���ن���ارات للعلم ال��دي��ن��ي وال��دن��ي��وي ي� ُّؤمها طلبة العلم ،م��ن خمتلف �أرج�������اء ال���ع���امل الإ����س�ل�ام���ي وم����ن خ���ارج���ه، ينهلون م��ن علمائها؛ يعلمون ويتعلمون، ويتعرفون على �أو���ض��اع ال��ب�لاد الإ�سالمية، وعلى ما يجري حولهم ،وي�سافرون يف طلب العلم.
وكانت امل�ساجد مكا ًنا لتوزيع فائ�ض الأموال ال��ت��ي ت���رد م���ن الأق���ال���ي���م ع��ل��ى م�ستحقيها، وتوزيع الغنائم ،وفيها جتمع الزكاة املفرو�ضة وال�صدقات وزكاة الفطر ،وتوزع من خاللها، وي��ج��د ط��ال��ب ال��ع��ل��م م�����أوى يف �أك��ن��اف��ه��ا ،كما يجد الغريب واب��ن ال�سبيل املبيت والطعام وال�شراب ،و�أحيانا الك�ساء ،كل ذلك باملجان. وتطورت يف امل�ساجد ومن خاللها؛ املكتبات، ودور املخطوطات ،وامل��ه��ن املت�صلة بالقراءة وال��ك��ت��اب��ة ،ومنها ال���وراق���ة ،كما ت��ط��ورت من خاللها �أ�ساليب التدري�س ،ومناهجه و�آداب املعلم واملتعلم ،وطرق التقومي ،ثم احل�صول على الإج��ازات العلمية (ال�شهادات) ،وعرفت �أرج��اء امل�ساجد احل��وار بني خمتلف املذاهب الفقهية ،و�شهدت ال�سجاالت العلمية ،وطور الفقهاء من خاللها نظريات يف �أدب احلوار، و�أ�ساليب املناظرات الفقهية والعقلية. وتطور بناء امل�ساجد ،ف�أ�ضيف �إليها املحراب، ثم القباب وامل����آذن ،ثم ال�����س��واري ،فالأ�سبلة، وال��ت��ك��اي��ا وال���ب��رك ،ث���م الأج���ن���ح���ة اخل��ا���ص��ة للعلماء وال�ضيوف الغرباء ،وتو�سعت امل�ساجد يف البناء ،ف�أ�ضيف �إليها احلمامات العامة، وو�سائل التدفئة والتربيد. ومي��ك��ن ال��ق��ول دون م��وارب��ة� :إن امل�سجد مل ي��ك��ن م�ؤ�س�سة دي��ن��ي��ة؛ ي�����ؤدي ف��ي��ه امل�سلمون ال�������ص�ل�اة ،وي��ت��ع��ل��م��ون م���ن خ�ل�ال���ه ت��ع��ال��ي��م الدين احلنيف و�أ�صول العقيدة الإ�سالمية ال�سمحاء فح�سب؛ بل كان م�ؤ�س�سة اجتماعية �أي���ً��ض��ا يتعلم فيها امل�سلمون الآداب العامة، وال���ن���ظ���ام وامل���������س����اواة ،وت��ت�����ش��ك��ل م���ن خ�لال امل�سجد ثقافتهم امل��وح��دة؛ وي�ستمعون فيه �إىل اخل��ط��ب التوعوية ال��ت��ي تعالج خمتلف �ش�ؤونهم الدينية والدنيوية ،وله مكانة بارزة يف خمتلف مناحي حياتهم ،وي�سهم امل�سجد يف ت�شكيل وعي �أجيالهم ،ومعاجلة م�شكالتهم امل���ع���ا����ص���رة ع��ل��ى ه����دي الإ�����س��ل�ام و���ش��ري��ع��ت��ه ال�سمحة.
جامع��ة البلق��اء التطبيقي��ة /كلي��ة عمان اجلامعية
35
مقاالت
ال وسطية
36 �أ.م.د .جلني الدوري
اإلعــمـــــار � ّإن املتتبع مل�سارات احل�ضارات والأمم ،لريى ً ارتباطا وثي ًقا �أن نه�ضة �أي �أم��ة مرتبطة ببنائها الفكري ،وال���ذي ميكننا �أن نع ّرفه ب�أنه عملية حت�صيل وتراكم املعرفة لتفرز �أخال ًقا وحكمة وخربة ،ومهارة يف التعامل م���ع ت��ل��ك امل��م��ت��ل��ك��ات ،وك������أي ب���ن���اء؛ ف��ال��ب��ن��اء الفكري له �أ�س�س ينطلق منها لبنات تكونه. ف�أ�سا�س البناء الفكري ،هو تراكمات املعارف والعلوم التي يجمعها الإن�سان بعد خروجه �إىل ه���ذا ال��ع��امل ،ب��ع��د �أن ك��ان��ت منظومته امل��ع��رف��ي��ة ���ص��ف�� ًرا ،ق���ال اهلل ت���ع���اىل" :واهلل �أخ��رج��ك��م م��ن ب��ط��ون �أم��ه��ات��ك��م ال تعلمون
�شي ًئا" (النحل� :آية .)78 فالإن�سان ،يك ّون فكره من جمموعة وحدات م���ع���رف���ي���ة وخ���ب���رات ع��ل��م��ي��ة م����ن خم��ت��ل��ف أ�سا�سا ت�ستند �إليه احلقول والعلوم؛ لتكون � ً بنيته الفكرية ،وتلك الرتاكمات مرتبطة مب����دى ���س��ع��ي��ه احل��ث��ي��ث ل���ل���ق���راءة وال��ع��ل��م والفهم. كان الفكر والعقل الب�شري هو امل�صنع املنتج لكل م��ا يجري يف ه��ذا ال��ك��ون ،ولطاملا كان ال�صراع على �أوجه بني الفكر البناء والفكر الهدام؛ لأن احلياة بنيت على اخلري وال�شر. وامل��ت�����ض��ادات الأخ����رى ،ومثلما �أب���دع العقل
ال��ب�����ش��ري يف ت��ق��دمي �إجن�����ازات للإن�سانية، ال ميكن للتاريخ �أن ين�ساها ،كذلك الفكر ال�شرير للعقل الب�شري وجوانبه ال�سلبية ون��زع��ت��ه ال��ت��دم�يري��ة ،ق���د و���ص��ل��ت �أوج���ه���ا، خ�صو�صا بعد التقدم التكنولوجي ال��ذي ً ���ش��ه��ده ال���ع���امل ،وب����د�أ امل��ت�����ض��ادان يف العقل الب�شري بتوظيف الو�سائل الب�شرية واملادية ومواردهما يف الت�سابق ،كلاًّ باجتاه �أهدافه. امل�شكلة الأ�سا�سية يف الذهنية التدمريية يف عامل اليوم� ،أنها قد ب��د�أت تربر �أعمالها ال�شريرة ب�شتى الطرق املتعددة .لذلك ،يع ّد �إعمار الكون من املهام الأ�سا�سية للإن�سان
اخلليفة يف الأر����ض ،ول�ضرورته الق�صوى ل��ل��ح��ي��اة الإن�����س��ان��ي��ة ك���ان الإع���م���ار م��ظ��ه�� ًرا م��ن م��ظ��اه��ر حتقيق ال��ع��ب��ودي��ة هلل ت��ع��اىل. وات�����س��ع م��ف��ه��وم ال��ع��ب��ادة ،ال ليقت�صر على �أداء �شعائر تعبدية معينة ،بل جت��اوز ذلك �إىل ك ّل فعل مادي �أو معنوي ،من �ش�أنه �أن ينه�ض بالإن�سانية ،ويبعثها على حتقيق الرقي والنه�ضة يف املجاالت ك ّلها .وهذا هو ّ املعنى الأن�سب املالئم لطبيعة الإن�سان ،وملا �أودع اهلل تعاىل فيه من �أ�سرار ،من �أه ّمها: حب البحث ،والتط ّلع �إىل املعرفة ،والرغبة ّ مبعرفة التف�سري ال�صحيح حلكمة اخللق و�س ّر ال��وج��ود ،ووظيفة الإن�سان فيه .وقد �شهدت ن�صو�ص كثرية من القر�آن وال�س ّنة بهذه امله ّمة. ومل ت���ك���ن الأم�������ة امل�����س��ل��م��ة ع���ل���ى ام���ت���داد مق�صرة يف عملية الإعمار للكون ع�صورها ّ واحلياة والإن�سان ،فقد ا�ستطاعت حتقيق �إجن�����ازات ه��ائ��ل��ة م��ادي��ة وم��ع��رف��ي��ة� ،شهدت بها �أمم الأر����ض .لكنها اليوم -حني غلب على عقول �أبنائها ح ّ��ب التقليد والتبعية للآخر -قد ا�ست�سلمت و�س ّلمت راية الإعمار �إىل غ�يره��ا ،ف�أ�صبحت عالة عليه حتى يف لقمة عي�شها ،ويف طعامها و�شرابها ولبا�سها وك�سائها وموا�صالتها ،بل يف حياتها ك ّلها. لقد ّ تعطلت طاقات كثرية ،وتعثرّ ت جهود كبرية يف عملية الإعمار ،وو�صل احل�� ّد �إىل �أن تعتمد على غريها حتى يف ال��دف��اع عن نف�سها ،وا�ستطاع الآخر �أن ّ يبث روح اخلالف وال��ف��رق��ة ب�ين �أب��ن��ائ��ه��ا و�أوط��ان��ه��ا ،ويهيمن على �سيا�ستها واقت�صادها حتى �أ�صبحت عاجزة عن اتخاذ �أيّ ق��رار م�صريي ،ي�ؤثر يف ا�ستقاللها ونه�ضتها وتقدّمها ورق ّيها، فق ّلت بل كادت �أن تنعدم فاعليتها -اليوم - يف عملية الإعمار ،وتراجع �إ�سهامها يف بناء احل�ضارة ،و�صنع املنجزات �إىل ح ّد كبري! لقد كانت احل���روب الفكرية منذ ن�ش�أتها، حينما خاطب �إبلي�س اهلل تعاىل ب�أنه �سيغوي ال��ب�����ش��ر ،ك���ان���ت ح����رب ت�����س��ت��ه��دف الإن�����س��ان نف�سه مبفرده ،هادفة �إىل دماره ال�شخ�صي ال��ف��ردي ،م��ع تعر�ض املحيط ال���ذي يعي�ش ف���ي���ه �إىل ج�����زء م����ن ال�����دم�����ار وان��ع��ك��ا���س��ه
ع��ل��ى البيئة ال��ت��ي يعي�ش ف��ي��ه��ا ،وي��ب��دو �أن ال�شياطني الب�شرية ،ق��د و�ضعت حروبها ال��ف��ك��ري��ة ب��ط��ري��ق��ة �أو����س���ع و�أ���ش��م��ل لتغطي جم���االت �أو���س��ع ل��دم��ار الأر�����ض ،وال يخفى على عاقل �أن الأم��ة قد ابتعدت عن النهج الذي جاء به القر�آن ،خماط ًبا الإن�سانية يف �أول ما ن��زل بـ (اق���ر�أ) ،والتي كانت مبثابة دع����وة لإع���م���ال ال��ف��ك��ر وت��وج��ي��ه��ه ل��ل��ق��راءة، وال��ف��ه��م و�إع��م��ار الأر�����ض ،وت��ك��وي��ن جمتمع ترتقي فيه الب�شرية �إىل �أ�سمى رقي ،ف�إن اهلل �سبحانه وتعاىل كرم الإن�سان منذ بد�أ خلقه ّ وف�ضله ،و�أ�سجد له مالئكته ،وا�ستخلفه يف الأر���ض ،ثم جعل �أم��ة الإ�سالم خري الأمم، وربط خريتها بامتثالها لأوام��ره ،وقيامها
ال�سامية ،فيقول اهلل ت��ع��اىل�" :آمنوا باهلل ور���س��ول��ه و�أن��ف��ق��وا مم��ا جعلكم م�ستخلفني فيه فالذين �آمنوا منكم و�أنفقوا لهم �أجر كبري"( .احلديد� :آي��ة .)7كذلك� ،إن �آيات ك��ث�يرة م���ن ك��ت��اب اهلل ت��ع��اىل -ت��ل��ك ال��ت��ي حتدّد هذه امله ّمة العظمى -قد فهمت على غ�ير وجهها� ،أو مل تعط �أول��وي��ة يف البيان الكايف لإعمار الكون بو�صفه مه ّمة فردية وجماعية ،ت�صل �إىل ح ّد �أن تكون فر�ض عني على ك ّل م�سلم .ولذلك ،كانت ظاهرة الكتابة يف ذ ّم ال��دن��ي��ا وال���ع���زوف ع��ن��ه��ا ( ،)1وع��دم اال���ش��ت��غ��ال ب��ه��ا ،و�إه��م��ال��ه��ا م��ن ال�����ض��رورات امل��هّ��م��ة ل�سالمة �إمي���ان ال��ع��ب��د ،وك���ان لهذه الظاهرة �آثارها ال�سلبية على فري�ضة �إعمار
ب��الأم��ان��ة امل��ن��وط��ة ب��ه��ا ق���ال ت��ع��اىل" :كنتم خري �أمة �أخرجت للنا�س ت�أمرون باملعروف وت��ن��ه��ون ع��ن امل��ن��ك��ر وت���ؤم��ن��ون باهلل"�( .آل عمران� :آية)110 ّ و�سخر للإن�سان جميع م��ا يف االر����ض من �إمكانات ،كما ذكر يف �سورة لقمان �آية (:)20 "�أمل تروا �أن اهلل �سخر لكم ما يف ال�سموات وم��ا يف الأر����ض و�أ���س��ب��غ عليه نعمه ظاهره وباطنه" ،ف����إن امل��ت���أم��ل بن�صو�ص ال��وح��ي امل��ق��د���س ،ل��ي��ج��د م���ن �أول وه��ل��ة �أن����ه جعل الإن�سان يف االر�ض ليكون خليفة عند ربه يف هذه الأر�ض ،لأجل عمارتها بالقيم النبيلة
الكون .وظنّ كثري � ّأن غاية اخللق انح�صرت يف العبادة؛ لقوله تعاىلَ ":ومَا َخلَقْتُ الجْ ِ نَّ ن�س �إِ اَّل ِل َي ْع ُبدُونِ " (الذاريات� :آية ،)56 َو ْ إِ ال َ م���ع � ّأن الآي�����ة مل ي��ق�����ص��د م��ن��ه��ا االق��ت�����ص��ار ع��ل��ى �أداء ال�شعائر التعبدية فح�سب ،بل عمران الكون ،مبا ينجز مها ّم الإن�سان على الأر���ض" ،فعمارة الأر���ض مبعناها ال�شامل ت�شمل �إقامة جمتمع �إن�ساين �سليم ،و�إ�شادة ح�����ض��ارة �إن�سانية �شاملة ،ليكون الإن�����س��ان بذلك مظه ًرا لعدالة اهلل تعاىل وحكمه يف الأر�ضّ � ...إن مهمته حتقيق جامعة �إن�سانية ف��� ّع���ال���ة ،يف ���س��ب��ي��ل ال��ن��ه��و���ض ب��ع��م��ارة ه��ذا
37
مقاالت
ال وسطية
38
الكوكب الأر���ض��ي ،العمارة الكلية ال�شاملة لكل ما تت�سع له كلمة "العمارة" من املعاين املادية والعلمية واالقت�صادية )10( ".فهي غ��اي��ة وج���ود الإن�����س��ان وه��دف��ه الأع��ظ��م ،وال �سبيل ل��ه �إىل ح��ي��اة ك��رمي��ة ل��ه �إال بالقيام بعملية الإعمار يف خمتلف ال�صعد ،لتظهر كماالت الإن�سان وا�ستعداداته الالحمدودة يف احلياة. ول�ضرورة العمارة �سبب �آخ��ر ،وه��و طبيعة الطاقة الكامنة يف الإن�سان ،وم��ا �أودع فيه البارئ من قوى� ،إذا ما تي�سر لها �أن ت�سري وفق هداية الوحي ،ف�إ ّنها �ست�صنع اخلارقات،
من رزقه و�إليه الن�شور"( .امللك� :آية .)15 و�إذا ك��ان ه��ذا الإن�سان هو ال��ن��واة يف عملية الإعمار ،فال ّ �شك � ّأن االعتداء عليه بالقتل �إف�ساد لها ،ول�ضمان �أن تكون ه��ذه النواة �سليمة �آمنة� ،شرع الوحي �إزهاق روح ك ّل من يحاول �إف�ساد هذه النواة ،كما �شهد بذلك ا�ص َح َيا ٌة َي ْا ِ�ص ِ قوله تعاىلَ " :و َل ُك ْم فيِ ا ْلق َ �أُوليِ ْ الأَ ْلبَابِ َل َع َّل ُك ْم َت َّت ُقو َن"( .البقرة� :آية ،)179فمن دواعي تقوى اهلل� ،إقامة حدود ما �شرع و�أنزل؛ ل ّأن ذلك يبعث على احلياة، ال على الهالك .لقد طالب مبجاهدة قوى الظلم وال��ظ�لام يف الأر�����ض ،فالكفرة قوة
يف ���س��ل��وك امل��ن��اف��ق�ين وال��ك��اف��ري��ن ،فتدمري الإن�سان فك ًرا و�سلو ًكا وقي ًما وعقائد ،هو ت��دم�ير حقيقي ل��ل��ك��ون ،و�إع���م���ار الإن�����س��ان بالإميان �أمان لعملية الإعمار و�سالم لها. والآية �صريحة الداللة يف دفع النا�س لأجل تلك العمارة املن�شودة ،والتي جعل �أ�سبابها مي�سرة ،ف��الأر���ض م��ذل��ل��ة ،وامل����واد الأول��ي��ة موجودة متوفرة فيه ،فعلى �سبيل املثال ال احل�صر :امل���واد الأول��ي��ة للبناء ،متوفرة يف تربة الأر���ض من رمل وح�صى وغري ذلك، واخل�شب كله يف متناول اليد ،وما يحتاجه الإن�سان ل�صناعة الثوب وامللب�س ،وما ي�سترت
وت�سطر الآي���ات الب ّينات .ف�لا ج��دال يف � ّأن "النف�س الب�شرية" طاقة عظمى من طاقات البناء والإعمار ،وم�صدر خ�صب من م�صادر احل����ق وال���ع���دل واخل��ي�ر واجل���م���ال يف ه��ذا العامل� ،إذا ما زكت و�صفت وغدت مو�صولة الأ�سباب بفاطرها وموجدها؛ ل ّأن �صلتها ب��اهلل ،وا�ستم�ساكها ب�أ�سباب �أن���واره يجعلها مو�ضع ن��ظ��ره ،و َم���نْ َك��ان مو�ضع نظر اهلل ت���ع���اىل �أف���ي َ �������ض ع��ل��ي��ه م���ن ���ص��ف��ات ج��م��ال��ه وك��م��ال��ه ،م��ا ي�ستطيع بها �أن ميحق ظالم الدنيا و�شرورها ،)11( .فالإعمار �ضروري لإظ��ه��ار ه��ذه ال��ق��وى الإن�����س��ان��ي��ة ال��را���ش��دة، والطاقة التعمريية الهائلة. وبعد �أن جعل اهلل �سبحانه وتعاىل الإن�سان خليفة يف هذه املعمورة� ،أم��ره بال�سعي بني ث��ن��اي��اه��ا و�إع���م���اره���ا ،وب��ال��ط��ب��ع ،ف�����إن ه��ذا الإعمار ترتب عليه منافع جمة بني الب�شر فيقول �سبحانه وتعاىل" :وهو ال��ذي جعل لكم الأر�ض اً ذلول فام�شوا يف مناكبها وكلوا
ظالمية تد ّمر الكون وتف�سد حياة الإن�سان فيهَ " :فال ُت��طِ �� ِع ا ْل�� َك��افِ�� ِري َ��ن َو َج��اهِ ��دْهُ ��م ِب ِه ريا"( .الفرقان .)52:و� ّإن القر�آن جِ هَادًا َك ِب ً مل ي���أم��ر مب��ج��اه��دة ال��ك��اف��ري��ن واملنافقني، �إال بعد �أن ب�ّي نّ م��ن �سلوكهم ومعتقداتهم م��ا ك��ان �سب ًبا لتدمري ح��ي��اة الإن�����س��ان على الأر�����ض ،وه���دم مه ّمة �إع��م��ار الأر�����ض على �أ�س�س �صحيحةّ � .إن هذه الطاقة الهائلة يف النف�س الب�شرية تتح ّول �إىل "قوة تدمريية عمياء ،وطاقة ه��دم مرعبة� ،إذا ما جنمت فيها ج��رث��وم��ة ال��ت��م�� ّرد وال��ن��زق واجل��م��وح، وع�صفت بها ري���اح ال��ه��وى ال��ه��وج املح ّركة ل����ن��ي�ران رغ���ب���ات���ه���ا امل���ج���ن���ون���ة ،و���ش��ه��وات��ه��ا العارمة ،فتحرق هذه النار ك ّل �سبب ي�صلها ب���اهلل ت���ع���اىل ،ف�ل�ا ت��ل��ب��ث -ب��ع��د ذل���ك � -أن تتنكر خلالقها وبارئها ،وتنزع �إىل ع�صيانه، وت����رغ����ب يف االن�����ف��ل��ات م����ن م�������س����ؤول���ي���ات الإمي�����ان ،وت��ك��ال��ي��ف الإ�سالم" )16( .وه��و ��ض��ح��ا يف ���ض��وء ن�صو�ص ال��وح��ي م��ا ب���دا وا� ً
ب��ه الإن�����س��ان يف م��ت��ن��اول ال��ي��د ،ق���ال ت��ع��اىل: "واهلل جعل لكم من بيوتكم �سك ًنا وجعل ل��ك��م م��ن ج��ل��ود الأن���ع���ام ب��ي��و ًت��ا ت�ستخفونها ي��وم �ضعنكم وي���وم �إقامتكم وم��ن �أ�صوافها و�أوب��اره��ا و�أ�شعارها �أث��ا ًث��ا ومتا ًعا �إىل حني واهلل جعل لكم مما خلق ظلاًّ وجعل لكم من اجلبال �أكنافاً وجعل لكم �سرابيل تقيكم احلر و�سرابيل تقيكم ب�أ�سكم ،كذلك ليتم نعمته عليكم لعلكم ت�سلمون"( .النمل� :آية )80 ولي�س هذا فح�سب ،و�إمنا �أراد اهلل �سبحانه وت���ع���اىل �أن ي��ك��ون �أ����س���ا����س ال���ع���م���ارة امل����ادي �صحيحا متي ًنا؛ ليحقق مر�ضاة واملعنوي ً اهلل �سبحانه وت���ع���اىل ،ف��ي��ق��ول ج��ل وع�لا: "مل�سجد �أ�س�س على التقوى من �أول يوم، �أح������ق �أن ت���ق���وم ف���ي���ه ل����رج����ال ي���ح���ب���ون �أن يتطهروا واهلل يحب املتطهرين"( .التوبة: �آية )108 ووع��د اهلل �سبحانه وتعاىل وح��ذر يف كتابه �أ�شد التحذير من خ��راب الأر����ض ودمارها
ف��ي��ق��ول ت���ع���اىل" :ومن �أظ���ل���م مم���ن منع م�ساجد اهلل �أن يذكر فيها ا�سمه و�سعى يف خرابها �أولئك ما كان لهم �أن يدخلونها �إال خائفني لهم يف الدنيا خزي ولهم يف الآخرة عذاب عظيم"( .البقرة� :آية )114 لذلك ،ف�إن القوى الفاح�شة امل�ستبدة يغيب عنها دو ًم���ا �أم��� ًرا �أن��ه��ا ق��وى م�ستبدة غبيه من حيث �إغفال دور الطبيعة ودور ال�سماء، ودور اهلل ���س��ب��ح��ان��ه وت���ع���اىل ع��ن��دم��ا كلفة ب�إعمار الأر���ض مل يرتكه تائهًا ،بل وفر له �أهم املقومات التي تتمثل بالقدرة الفعلية التي جتعله ق��اد ًرا على اال�ستفادة من هذه ال�ث�روات ،وه��ذه الإمكانات والو�سائل التي ميكن عمارة الأر�ض ،و�أمرنا ر�سولنا الأكرم ومعلمنا الأول نبي ال��رح��م��ة عليه �أف�ضل ال�صالة وال�����س�لام حينما ق���ال�( :إن قامت ال�ساعة وبيد �أحدكم ف�سيلة ،ف���إن ا�ستطاع �أال يقوم حتى يغر�سها فليفعل). وقال � ً أي�ضا �صلى اهلل عليه و�سلم( :ما من
م�سلم ي��غ��ر���س غ��ر� ً��س��ا �أو ي���زرع ف��ي���أك��ل منه �إن�����س��ان �أو ط�ير �أو بهيمة �إال ك��ان��ت ل��ه به �صدقة). دع��ا الإ���س�لام �إىل �إع��م��ال العقل و�إ�صالحه لعمارة احلياة واملجتمع ،وحت�صيل ال�سعادة ال���دن���ي���وي���ة ،وال��ت�رق����ي يف درج�������ات ال��ن��م��و احل��ي��ات��ي ،ف��ك��ل م��ا ك���ان �سب ًبا �أو و�سيلة يف �إع���م���ار الأر�������ض واحل���ي���اة و���ص�لاح��ه��ا ،ومل يرتتب عليه �ضرر ،دعا الإ�سالم �إليه ،فعن راف��ع ب��ن ب��ن خ��دي��ج ،ق��ال ق��دم النبي �صلى اهلل عليه و�سلم املدينة ،وهم ي�أبرون النخل يقولون يلقحون النخل فقال :ما ت�صنعون؟ قالوا :كنا ن�صنعه ،قال :لعلكم لو مل تفعلوا �ي�را ،ف�ترك��وه ،فنق�صت �أو فنق�صت، ك��ان خ ً قال :فذكروا ذلك كله فقال� :إمنا �أنا ب�شر �إذا �أمرتكم ب�شيء من دينكم ،فخذوا به و�إذا ()1 �أمرتكم ب�شيء من ر�أيي �إمنا �أنا ب�شر. فكما �أم��رن��ا اهلل �سبحانه وتعاىل بال�صالة وال�����ص��وم وال���زك���اة يف الن�صو�ص ال��ك��رمي��ة،
�أم��رن��ا ك��ذل��ك ب��ال��ت��ج��ارة وال���زراع���ة ،وطلب العلم و�إعمار الأر�ض ،والتم�سك بالن�صو�ص الأخ�����رى ،فكلها مهمة يف ح��ي��اة الإن�����س��ان، و�إعمار املجتمع ال�سليم اخلايل من الدمار واالنق�سامات ،لذلك ،ف�إن كل �إن�سان يف �أي �أر�ض ويف �أي وطن ،ويف �أي جمتمع ،ينبغي �أن يفتح ذه��ن��ه وي�ستغل ع��ق��ل��ه ،وي��ف��ك��ر يف ا�ستغالل ال�ثروات املوجودة يف ب�لاده ،ومن الطبيعة التي مكننا اهلل منها ،وماذا ي�ضيف �إىل جمتمعه و�إىل وطنه يف جمال الإعمار والتنمية االقت�صادية.
(� )1صحيح م�سلم ،ك��ت��اب الف�ضائل ،باب وج���وب ام��ت��ث��ال م��ا ق��ال��ه ���ش��ر ًع��اً دون ذك��ره �صلى اهلل عليه و�سلم م��ن معاي�ش الدنيا على �سبيل الر�أي ،للدكتور حممد ف�ؤاد عبد الباقي( ،رقم احلديث ،2362 :ج .)1835 ،4
39
مقاالت
ال وسطية
40
وسطية اإلسالم دين الرحمة المهداة للعالمين (وما أرسلناك إال رحمة للعالمين)
الدكتور عبد الإله التخاينة
مقدمة الإ����س�ل�ام ر���س��ال��ة وم��ن��ه��ج ،وت�����ش��ري��ع وف��ك��ر، وث��ق��اف��ة ،وك���ل ه���ذه ق��وا���س��م م�����ش�ترك��ة بني الأمم وال�شعوب والديانات ،فينبغي �إدراك �أن النزعة الإن�سانية ،هي جوهر اخلطاب الإ���س�لام��ي ،ب��ل ه��ي حلمته و���س��داه ،ويكفي ل��ل��دالل��ة ع��ل��ى ذل����ك� ،إن �أول خ��م�����س �آي���ات ن��زل��ت يف ال���ق���ر�آن م��ن ���س��ورة ال��ع��ل��ق ،ذك��رت لفظة الإن�سان يف اثنتني منها( :اقر�أ با�سم رب���ك ال���ذي خ��ل��ق ،خ��ل��ق الإن�����س��ان م��ن علق، اق��ر�أ ورب��ك الأك��رم ،ال��ذي ع ّلم بالقلم ،ع ّلم الإن�����س��ان م��ا مل ي��ع��ل��م) )2( .ب��الإ���ض��اف��ة �إىل �أن ه��ذه اللفظة ت��ك��ررت يف ال��ق��ر�آن الكرمي ثال ًثا و�ستني م��رة ،ولفظة بني �آدم تكررت �ست م���رات ،وكلمة ال��ن��ا���س ت��ك��ررت مائتني و�أرب��ع�ين م��رة ،و�أول ن��داء يف ال��ق��ر�آن ح�سب
()1
ترتيب امل�صحف ،كان للنا�س كافة( :يا �أيها النا�س اع��ب��دوا ربكم ال��ذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) )3(.وكذلك كانت �سرية الر�سول؛ ت�أكيدًا لهذه الإن�سانية� ،إذ إن�سا وج�� ًّن��ا ،وللكون كله، �إن��ه بعث للعاملني � ً فهو الرحمة املهداة للعاملني ،وما �أر�سلناك �إال رحمة للعاملني. م���ا �أح���وج���ن���ا �أن ي��ك��ون ه����ذا الأم�����ل يف ل ّ��ب �آماله وما يرنوه ،وبخا�صة يف هذا الع�صر ال��ذي �أم�سى فيه الإ�سالم مته ًما بالإرهاب والتطرف والغلو والت�شدد ،و�أن��ه دين دماء و�أ�����ش��ل�اء ،وف��ت��ك و���س��ف��ك ،ودم�����ار وخ����راب، وبوار ،ويجب �أن نعرتف ب�أن بع�ض امل�سلمني ع���زت مم��ار���س��ات��ه��م ه���ذه اخل��ل��ف��ي��ة ال�سيئة، حيث مثلوا ب�سلوكهم و�أفعالهم و�أقوالهم
ه��ذه ال�صورة املظلمة عن الإ���س�لام ال�سمح الرحيم ،الكرمي املعتدل ،فهذه ال�صورة التي �أ�صبحت مركوزة وم�ستقرة يف �أذهان الغرب، يراد لها �أن تتغري بعر�ض الإ�سالم مبنهجه ال�����ص��ح��ي��ح ،ب��ع��ي��دًا ع���ن ال��غ��ل��و وال��ت��ف��ري��ط، فالإ�سالم و�سع النا�س جمي ًعا ،وعا�شت كل الأطياف يف كنفه ،ف�صنعوا جمي ًعا ح�ضارة واح���دة ،والإ���س�لام بنيت �شرائعه و�شعائره على الرحمة ال��ت��ي تن�شر ال�سماحة وال��ود والرتاحم بني بني الب�شر ،وتخل�ص العامل من التطاحن العن�صري والتع�صب الديني، ك��م��ا مت��ك��ن م���ن وق����ف ن���زي���ف ال�����دم ال���ذي �أحدثته احل��روب الطاحنة التي تقوم على ال��رغ��ب��ة يف ال��ت��و���س��ع واال���س��ت��غ�لال امل����ادي، والعظمة ال��ك��اذب��ة ،ف��اهلل تعاىل مل يفر�ض على نف�سه �إال ال��رح��م��ة( ،ك��ت��ب رب��ك��م على نف�سه الرحمة) )4( .ومل يحرم على نف�سه �سوى الظلم (يا عبادي� ،إين حرمت الظلم ع��ل��ى ن��ف�����س��ي وج��ع��ل��ت��ه ب��ي��ن��ك��م حم���ر ًم���ا فال ت��ظ��امل��وا)( ، )5وه��ذا يف احلقيقة ،يحتاج �إىل جهود ج��ب��ارة وخ�لاق��ة على ك��ل امل�ستويات، مراعا ًة لفقه الواقع ،ون�سب الفوارق بني كل بيئة و�أخ��رى ،وتبن ًّيا لفقه التدرج ،وينبغي ال�ت�رك���ي���ز يف ه����ذه اجل���ه���ود ع��ل��ى اجل��ان��ب الإعالمي؛ لأن �أداة الإع�لام �أ�صبحت �أكرث خط ًرا يف هذا الع�صر ،حيث �أنها تكون الر�أي ال���ع���ام ،وت��ب��ن��ي ال��ث��ق��اف��ات وت��ن��م��ي ال��ع��ق��ول، وت�شكل الوجدان ،وتربي الأجيال ،ومل يبق يف هذا الع�صر من عذر يف هذا اجلانب ،مبا �أح��دث��ه م��ن ث��ورة هائلة حولت ال��ع��امل �إىل قرية �صغرية ،فهناك ال�صحف واملجالت، والإذاعات والتلفازات ،وال�شبكة العنكبوتية، ف�����ض�ًلااً ع���ن ال��ف�����ض��ائ��ي��ات ال��ت��ي ي�����ش��اه��ده��ا ال��ن��ا���س يف جميع �أن��ح��اء ال��ع��امل ،وه���ذا كله يحتاج �أن يكر�س من �أج��ل �إظهار احلقيقة الإ�سالمية التي حتب العدل وتكره الظلم، وت��ق��ر امل�����س��اواة وتنكر ال��ت��ف��رق��ة ،م��ع توزيع ال���ث���روات ب��ال��ق�����س��ط��ا���س امل�����س��ت��ق��ي��م ،و���ض��د اال�ستغالل واالحتكار ،والظلم االجتماعي والتحلل الأخالقي ،واال�ستبداد ال�سيا�سي،
وكل هذا ال يختلف عليه �أحد من العقالء. �إن م���ن م��ع��اجل��ة ال��ف��ك��ر امل��ت�����ش��دد وال��ف��ك��ر املت�سيب� ،أن جتمع الفكر الو�سطي بهم �أر�ض م�شرتكة ،متكنهم م��ن واحل���وار والنقا�ش والتفاكر والتثاقف وتالقح الأفكار ،فرمبا �أدى ذل���ك �إىل �إزال�����ة ال�����ش��ب��ه��ات ،وتو�ضيح امل��ب��ه��م��ات ،و����ش���رح ال��غ��ام�����ض��ات� ،أوت��ق��ري��ب م�سافة ك��ان��ت ب��ع��ي��دة� ،أو اخل����روج بتف�سري يقبله ال��ط��رف��ان ،وبخا�صة �إذا ك��ان احل��وار وخمل�صا يف طلب احلقيقة ،بعيدًا عن جادًّا ً التع�صب واالنغالق. وجميع االجت��اه��ات هنا ،لي�س املق�صود بها امل�سلمون مبختلف اجتاهاتهم فقط ،و�إن كانت لهم الأولوية ،بل ي�شمل غريهم من �أه����ل ال��دي��ان��ات الأخ�����رى ال��ذي��ن يجمعهم و����ص���ف الإن�����س��ان��ي��ة ،ف��ك��ث�ير م���ن ال��ق�����ض��اي��ا العامة ت�شكل قا�س ًما م�شرت ًكا بني امل�سلمني وغ�ي�ره���م ،ومي��ك��ن ال��ت��ع��اون ف��ي��ه��ا ،ك��م��ا �أن الأخ���ط���ار ال��ت��ي ت��ه��دده��م م�� ًع��ا لي�س قليلة، ومي��ك��ن �أن ت�شكل ه��ذه القوا�سم امل�شرتكة منطل ًقا للتعاي�ش وال��ت��ع��اون والإع�ل�اء من �ش�أن القيم الإن�سانية والأخ�لاق الأ�سا�سية، مثل :العدل ،واحلرية ،وامل�ساواة ،وال�صدق، وال���ع���ف���ة ،وك��ل��ه��ا ق��ي��م ح�����ض��اري��ة ت�����ش�ترك فيها الأدي����ان واحل�����ض��ارات ،وتر�سيخها يف املجتمعات ه��دف م�شرتك ميكن التعاون ع��ل��ي��ه ،وك��ذل��ك م��ن��ا���ص��رة امل�ست�ضعفني يف الأر���ض ،وق�ضايا العدل واحلرية وحماربة ال��ظ��ل��م ،ف��الإ���س�لام ينا�صر امل��ظ��ل��وم�ين من �أي جن�س ودي���ن ،وق��د ق��ال �صلى اهلل عليه و����س���ل���م ع����ن ح���ل���ف ال���ف�������ض���ول ال������ذي مت يف اجل��اه��ل��ي��ة( :ل��ق��د ���ش��ه��دت يف دار ع��ب��د اهلل ب��ن ج��دع��ان حل ًفا م��ا �أح���ب �أن يل ب��ه حمر النعم ،ولو دعيت �إليه يف الإ�سالم لأجبت) ( ،)1وكذلك التعاون ملواجهة دعاة الإباحية، الذين ي��روج��ون للعري والتحلل اجلن�سي وال�������ش���ذوذ والإج���ه���ا����ض ،وي����ؤك���د الإ����س�ل�ام ع��ل��ى االل���ت���زام ال��وا���ض��ح ب��احل��ري��ة وح��ق��وق الإن�������س���ان ،وم�����ش��روع��ي��ة اخل��ل�اف ال��ف��ك��ري والتعدد الديني والثقايف ،والتداول ال�سلمي
لل�سلطة ،وي��داف��ع عنها بو�صفها م��ب��د�أً من م���ب���ادئ الإ�����س��ل�ام ،ي��ن��ب��ذ ال��ع��ن��ف يف ال��ع��م��ل ال�سيا�سي وال يخلطه باجلهاد ،ويدعو �إىل �إحياء مبد�أ التعاي�ش احل�ضاري ،وا�ستكمال ال����ت����وازن امل���ف���ق���ود يف احل�������ض���ارة ال��غ��رب��ي��ة بالأ�سا�س الأخالقي ،عرب قدرة وم�صداقية يتطابق فيها املثال والواقع ،كما يدعو �إىل خماطبة ال��ر�أي العام الغربي ،من منطلق �إن�ساين جتاه م�آ�سي امل�سلمني ب�إعالم قوي، والإف������ادة م��ن ذل���ك يف دف���ع ع��ج��ل��ة احل���وار والتفاهم ،لغايات �إثبات الواقع الإن�ساين، من خالل الر�سالة الدينية احلنيفة املهداة للب�شرية جمعاء بو�سطية واعتدال. الهوام�ش : ( )1الأنبياء107: ( )2العلق ) 5-1 : ( )3البقرة 21 : ( )4الأنعام12 : ( )5م�سلم َعنْ �أَبِي َذ ٍّر ( )6رواه البيهقي يف �سننه
م�ست�ش��ار ومدير ال�ش�ؤون القانونية يف وزارة الأوقاف
41
مقاالت
ال وسطية
الدكتور �سلمان العودة
42
يثور جدل قديم متج ِّدد حول: هل جنة آدم التي أُخرج منها هي جنة الخلد ،جنة اآلخرة؟ أم جنة على ربوة في األرض؟ من الوجهة الوجدانية البحتة ،يميل غالب الناس إلى اعتبارها جنة السماء ،جنة اآلخرة.
جــنــــة يثور جدل قدمي متجدِّد حول: هل جنة �آدم التي �أُخرج منها هي جنة اخللد ،جنة الآخرة؟ �أم جنة على ربوة يف الأر�ض؟ من الوجهة الوجدانية البحتة ،مييل غالب النا�س �إىل اعتبارها جنة ال�سماء ،جنة الآخرة. َ اب لغو ًّيا :فاجلنة ُتطلق على الب�ستان�( :إِ َّن��ا َبلَ ْو َناهُ ْم َك َما َبلَ ْو َنا �أ ْ�ص َح َ الجْ َ ��� َّن���ةِ) ،وال��ن�����ص��و���ص حمتملة ،ولي�ست قطعية ،وامل�����س���أل��ة نظرية، ولي�ست من معاقد الإجماع ،وال يرتتب عليها عمل ،والأوىل يف مثل مفتوحا �أمام االجتهادات هذه امل�سائل ،هو عدم الإغالق ،وترك الباب ً امل��ت��ع��دِّدة دون ت�ثري��ب ،ودون اعتبار ق��ولٍ منها حم��ل ات��ف��اق� ،أو ق اً ��ول معتمدًا لأهل ال�سنة� ،أو و�صف قول �آخر ب�أنه بدعة �أو �ضالل� ،أو م�صادم للن�ص القر�آين. نقل النووي والقرطبي �إجماع �أه��ل ال�سنة ،على �أن جنة �آدم كانت يف ال�سماء ،ون�سب بع�ضهم القول الآخر للمعتزلة. ون�سب ابن تيمية القول ،ب�أنها جنة الآخرة ل�سلف الأمة و�أهل ال�سنة واجل��م��اع��ة ،ث��م ق��ال« :مَ��ن ق��ال �إن��ه��ا جنة يف الأر����ض ب���أر���ض الهند �أو ب�أر�ض ُجدَّة �أو غري ذلك ،فهو من املتفل�سفة وامللحدين� ،أو من �إخوانهم املتك ِّلمني املبتدعني ،ف�إن هذا يقوله مَن يقوله من املتفل�سفة واملعتزلة، والكتاب وال�سنة يرد هذا القول ،و�سلف الأم��ة و�أئمتها متفقون على بطالن هذا القول!» (جمموع الفتاوى» (.»347/4
متبحر، غ��ف��ر اهلل الب���ن تيمية ،ف��ه��و �إم����ام ِّ ولكن ال �أحد ُي�ؤخذ قوله كله ،ويرجع �إليه فيما �شجر بني النا�س �إال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم. وبع�ض ُق ّراء ابن تيمية يقت�صرون يف بحث م�س�ألة كهذه على ه��ذا الن�ص ،و ُيحكِمون �إغالق النظر فيها. على � ّأن ابن تيمية ذاته ،قال بخالف هذا يف كتاب «النبوات»« :ولهذا كان �أ�صح القولني: �أن جنة �آدم جنة التكليف مل تكن يف ال�سماء، ف�إن �إبلي�س دخل �إىل جنة التكليف جنة �آدم بعد �إه��ب��اط��ه م��ن ال�سماء ،وك��ان��ت يف مكان ع��الٍ من الأر����ض ،من ناحية امل�شرق ،ثم ملا �أكل من ال�شجرة �أُهبط منها ،ولفظ اجلنة يف غري مو�ضع من القر�آن ،يراد به ب�ستان يف الأر�ض» «النبوات» (.)705 -704/2 والإمام ابن القيم عر�ض امل�س�ألة يف «مفتاح دار ال�سعادة» ،و «حادي الأرواح» و�سرد �أدلة ن�صا ال��ف��ري��ق�ين بتف�صيل و�إ���س��ه��اب ،ون��ق��ل ًّ طويلاً عن املنذر بن �سعيد البلوطي ،وهو من القائلني ب�أنها جنة يف الأر�ض. وذك����را ق اً ����ول ث��ال�� ًث��ا� :أن��ه��ا ج��ن��ة يف ال�سماء غ�ير ج��ن��ة اخل��ل��د ،وه���ذا ذك���ره امل�����اوردي يف «التف�سري» ،اً وقول راب ًعا هو :التوقف وعدم اجل��زم ،وه��و ما اختاره ال��رازي يف «مفاتيح الغيب». القول ب�أنها يف الأر�ض ،م�شهور الن�سبة لأبي حنيفة و�أ�صحابه ،وعزاه بع�ضهم ل�سفيان بن عُيينة ،و ُي��روى عن ابن عبا�س ،واهلل �أعلم. «النكت الدالة على البيان» (،)302 ،297/2 و «الهداية �إىل بلوغ النهاية» ( ،)4708/7و «تف�سري القرطبي» ( ،)177/20و «مفتاح دار ال�سعادة» ،و «حادي الأرواح». �آدم ُخلق يف الأر���ض ،ومل يرد �أن اهلل تعاىل رفعه �إىل ال�سماء. جنة الآخرة ،ال يخرج منها �أهلها. جنة الآخرة ،ال تكليف فيها وال حترمي ،وال لغو وال ت�أثيم. جنة الآخ��رة ،ال ي�صل �إبلي�س �إىل الو�سو�سة لأهلها.
جنة الآخ��رة ،ال نوم فيها ،وقد ُخلقت حواء حني نع�س �آدم. ه���ذا ب��ع�����ض ب��ره��ان��ه��م ،وه����ذا ك��ل��ه ال يعني اجل���زم ب���أن��ه��ا ج��ن��ة يف الأر������ض؛ لأن الأم���ر له جانب غيبي ،وق��د تكون �أو���ص��اف اجلنة املذكورة يف القر�آن� ،إمنا تتح َّقق يوم الدين. يوحي الهبوط باالنتقال م��ن الأع��ل��ى �إىل الأ�سفل ،ولكنه جاء يف ال��ق��ر�آن؛ ليدل على النزول يف مكان �آخ��ر من الأر���ض (اهْ ِب ُطوا مِ ْ�ص ًرا). واملق�صود لي�س ترجيح قول على �آخر ،بل: -1ت��ع��زي��ز م���ا ق���ال���ه اب����ن ن���اف���ع امل��ال��ك��ي: «ال�سكوت عن الكالم يف هذا �أف�ضل»« .حادي الأرواح» (�ص.)23 فهي م�سائل نظرية ،ال ب�أ�س من امل��رور بها واالط��ل�اع عليها ،دون ت��ط��وي��ل �أو تهويل، ودون �إحلاح مفرط على قولٍ ما. - 2عدم الترثيب على مَن اختار اً قول �سبقه مرجوحا �إليه بع�ض علماء الأم��ة ،ولو كان ً �أو �ضعي ًفا ،ما دام ي َّتكئ على بع�ض الأدل��ة، �صحيحا ن�صا وال ي�صادم �إجما ًعا قطع ًّيا ،وال ًّ ً �صريحا ال احتمال فيه ،ف�إن هذا مما يح�سن ً ت��رب��ي��ة ط���ال���ب ال��ع��ل��م ع��ل��ي��ه م��ن��ذ ب��داي��ات��ه الأوىل ،وال �سبيل �إىل جت��ن��ب ال�����ص��راع��ات القاتلة واخلالفات الهائلة ،بني املنت�سبني �إىل علم ال�شريعة �إال بهذا. اجل��ن��ة ���س��ك��ن ل�ل�أب��وي��ن ،وال�����س��ك��ن ���ض��رورة ح��ي��ات��ي��ة ،وم���ن ال�����س��ع��ادة �أن ي��ك��ون ال�سكن وا�س ًعا جميلاً ،يجري فيه امل��اء ،وتنبت فيه احلدائق والأ�شجار. ي��ع��اين الب�شر ال��ي��وم م��ن م�شكلة الإ���س��ك��ان، وع���دم التملك ،وق�����ض��اء العمر واجل��ه��د يف �سبيل احل�صول على �شقة �ضيقة ،يق�ضي فيها الكادح �شيخوخته! وم��ن ال�سكن ،وم��ع ال�سكن ،فاملطلوب (�أ اَّلَ تجَ ُ و َع فِيهَا َو اَل َت ْع َرى) ،و اَ (ل َت ْظ َم�أُ فِيهَا َو اَل َت ْ�ض َحى). منذ الإن�سان الأول ،حتى وهو يف اجلنة ،كان اهلل يلهمه �أن يتعرف على حقوقه امل�ضمونة، النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،يع ِّلم معاذ وكان ُّ
بن جبل ر�ضي اهلل عنه حق اهلل على العباد، وح����ق ال��ع��ب��اد ع��ل��ى اهلل؛ ك��م��ا يف «���ص��ح��ي��ح البخاري» ( ،)6500 ،2856و «�صحيح م�سلم» ( .)30ف����أي �سمو ب��الإن�����س��ان ورف���ع ملنزلته، وتقرير حلقوقه �أعظم من هذا؟! رغ���د ال��ع��ي�����ش وع���د م��ن��ج��ز يف ت��ل��ك اجل��ن��ة، وث��روة خمزونة يف الأر���ض والكونَ ( :و ُك�َلااَ مِ ْنهَا َر َغدًا َح ْي ُث �شِ ْئ ُت َما) ،والتنمية العادلة الدائمة ،يفرت�ض �أن تت�سع للب�شر جمي ًعا، لوال �أطماع الأق��وي��اء وا�ستئثارهم بخريات احلا�ضر وامل�ستقبل. مل يكن وع��د �آدم �أن ي�شبع ،لأن��ه ق��د ي�شبع ف��ي��ت��خ��م� ،أو ين�سى اجل���ائ���ع ،وال�����ش��ب��ع لي�س مطل ًبا دائ ًما يف كل حلظة ،فقيمة الأكل عند الإح�سا�س باحلاجة �إليه. ولذا ،عبرَّ بنفي اجلوع ،ونفي العري ،ونفي الظم�أ ،ونفي احلر و�أذى ال�شم�س. هل ج َّرب �آدم اجلوع والظم�أ والعري واحلر قبل دخوله اجلنة؟ اهلل �أعلم. علينا االحتفاظ بحلم الو�صول �إىل اجلنة عرب ال�سلوك الطيب والإح�سان للآخرين، ويف الدنيا جنة مَ��ن مل يدخلها مل يدخل جنة الآخ���رة� ،إن��ه��ا ال��ق��رب م��ن اهلل والأن�����س بذكره. ن����زل �آدم م���ن اجل���ن���ة وم���ع���ه ����ش���يء م��ن��ه��ا؛ الطيب ،طيب الرائحة يف الأ�شجار ،وجمال ال����روح وال��ف��ط��رة ال��ت��ي مل ت��ت��غ�ير ،وال�سرت ال��ذي تع َّلموه هناك عند ال�شجرة ،واحلب الذي خفق به قلباهما لأول مرة ومن �أول نظرة!
43
مقاالت
ال وسطية
44
اإلخالص
صخرة تتكسر عليها عوامل وهن أمة االسالم
ال�شيخ عبد املجيد �أبو �سل
�إن مرجعية �أمة اال�سالم �إذا ما �أظلمت عليها ال��دن��ي��ا وت��ك��ال��ب��ت ع��ل��ي��ه��ا االمم م���ن جميع اق��ط��اره��ا...ك��م��ا ه��و احل���ال يف ه���ذه االي����ام ، ك��ت��اب اهلل و�سنة ر���س��ول��ه ،ق��ال ت��ع��اىل( :وال تهنوا وال حت��زن��وا وان��ت��م االع��ل��ون �إن كنتم �صادقني) �آل عمران .149وبالإميان احلقيقي ل��ت��ت��ح��ق��ق ل�لام��ة ال���ق���وة وال�����س��ي��ادة ،وك��ان��ت خ�ير ام��ة اخ��رج��ت للنا�س ب��ل �سفينة النجاة واالمن واال�ستقرار لأهل االر�ض ،من خالل تطهريها م��ن الظلم والف�ساد وك�سر قيود العبودية والقهر واالذالل ،وذلك من خالل االم��ر باملعروف والنهي عن املنكر واالمي��ان باهلل تعاىل والدعوة اخلال�صة . �إن االخ��ل�ا�����ص ���س��ر م���ن ا�����س����رار اهلل ت��ع��اىل ا�ستودعه اهلل قلب من يحب من عباده . وه����و ال�����ص��ف��اء وال���ن���ق���اء م���ن ك���ل ال�����ش��وائ��ب والآث������ام وه���و ���ص�لاح ال��ق��ل��ب م���ع اهلل ،وه��و كلمة ال��ت��وح��ي��د ،ق��ال �صلى اهلل عليه و�سلم (:م��ن ق��ال ال ال��ه اال اهلل خمل�صا بها ادخله اهلل اجلنة ).متفق عليه ،ب��ل ان االخال�ص هو ال�صخرة التي تتك�سر عليها عوامل وهن االمة و�ضعفها ،قال اهلل تعاىل � ( :إنا انزلنا ال��ي��ك الكتاب ب��احل��ق فاعبد اهلل خمل�صا له ال��دي��ن اال هلل ال��دي��ن اخل��ال�����ص) وق���ال �صلى اهلل عليه و�سلم (:هلك النا�س اال العاملون وهلك العاملون اال العاملون وهلك العاملون اال املخل�صون واملخل�صون على خطر) .قال تعاىل ( :الذين �آمنوا وكانوا يتقون ) يون�س ، 63اعلم ان االخ�لا���ص �ضد الرياء والزلل واالنا .وانه ال تخطىء امة تب�صر اهلل اال اذا اخل�صت يف عملها ،وهذا امر من اهلل تعاىل القائل (:وم��ا �أم���روا اال ليعبدوا اهلل خمل�صني له ال��دي��ن) وال ادل على ذل��ك من اخال�ص النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يف حمل الر�سالة وتبليغها ،وكذلك ا�صحابه الكرام
ر����ض���وان اهلل ع��ل��ي��ه��م ،وم���ن ت��ب��ع��ه��م ب�صدق واخال�ص الذين فتحوا البالد ون�شروا فيها الدين اال�سالمي . عن ابي ا�سحاق قال (:كان ا�صحاب الر�سول �صلى اهلل عليه و���س��ل��م ال يثبت ل��ه��م ال��ع��دو فواق ناقة عن اللقاء ،فقال هرقل وهو على ان��ط��اك��ي��ا مل��ا ق��دم��ت منهزمة ال����روم :ويلكم اخربوين عن ه�ؤالء القوم الذين يقاتلونكم ،ال��ي�����س��وا ب�����ش��را مثلكم ؟ ق��ال��و :ب��ل��ى ق��ال: ف��ان��ت��م اك�ث�ر ام ه��م ؟ ق��ال��وا :ب��ل ن��ح��ن اك�ثر منهم ا�ضعاف يف كل موطن .قال :فما بالكم ت��ن��ه��زم��ون؟ ف��ق��ال ���ش��ي ٌ��خ م��ن عظمائهم من اج��ل انهم يقومون الليل وي�صومون النهار ويوفون بالعهد وي�أمرون باملعروف وينهون عن املنكر ويتنا�صحون بينهم ،ومن اجل �أ َّنا ن�شرب اخلمر ونزين ونرتكب احلرام وننق�ض ال��ع��ه��د ون��غ�����ض��ب ون��ظ��ل��م ون����أم���ر بال�سخط وننهى عما ير�ضي اهلل ونف�سد يف االر����ض . فقال �:صدقتني). وق�������ال ال���ن���ب���ي ����ص���ل���ى اهلل ع���ل���ي���ه و����س���ل���م يف ا���ص��ح��اب��ه (:ان هلل ع��ب��ادا م��ا ه��م ب�أنبياء وال ���ش��ه��داء ويغبطهم االن��ب��ي��اء وال�����ش��ه��داء على حمبة اهلل لهم ملكانتهم عند اهلل تعاىل قالوا اخربنا من هم يا ر�سول اهلل ،وما اعمالهم؟ فلعلنا نحبهم ق��ال :هم ق��وم حتابوا يف اهلل ت��ع��اىل ع��ل��ى غ�ير ارح����ام بينهم ،وال ام���وال يتعاطوها ،فاهلل لوجوههم لنور وانهم على منابر من ن��ور ال يخافون اذا خ��اف النا�س ، وال ي��ح��زن��ون اذا ح���زن ال��ن��ا���س ث��م ت�لا قوله تعاىل (:اال ان اولياء اهلل ال خوف عليهم وال هم يحزنون الذين �آمنو وكانوا يتقون لهم الب�شرى يف احلياة الدنيا والآخ��رة ال تبديل لكلمات اهلل وذلك هو الفوز العظيم) يون�س 62 ان االخال�ص ال يتحقق اال بالإميان احلقيقي
الذي ذكره اهلل تعاىل يف كتابه العظيم ( امنا امل�ؤمنون الذين ا ذا ُذكِ�� َر اهلل وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم �آي��ات��ه زادت��ه��م اميانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون ال�صالة ومما رزق���ن���اه���م ي��ن��ف��ق��ون ..اول����ئ����ك ه���م امل���ؤم��ن��ون حقا ..لهم درج��ات عند ربهم ومغفر ُة ورزق كرمي ) االنفال ،4اذن ال يتحقق لهذه االمة النجاة وال�شفاء من امرا�ضها اال بالإخال�ص وذك��ر اهلل تعاىل ..وان تكون معيتنا مع اهلل مبراقبته وذك��ره بقلوب طاهرة نظيفة من الذنوب والتوكل عليه يف جميع �ش�ؤون حياتنا ون�صرة دين اهلل قوال وعمال وتطبيقا ،قال اهلل ت���ع���اىل( :وم����ا ام�����روا اال ل��ي��ع��ب��دوا اهلل خمل�صني ل��ه ال��دي��ن حنفاء )البينة ا�سوتنا وق���دوت���ن���ا يف ذل����ك ال���ر����س���ول االع���ظ���م معلم الب�شرية اخلري وا�صحابه الكرام ر�ضوان اهلل عليهم ..قالت عائ�شة ر�ضي اهلل عنها للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،ه��ل �أَت���ى عليك يوم كان ا�شد من يوم احد ؟قال (:لقد لقيت من قومك وكان ما ا�شد ما لقيت منهم يوم العقبة ،اذ عر�ضت نف�سي على ابن عبد ،يا ليل ابن عبد كالل فلم يجبني اىل ما اردت ،فانطلقت وانا مهموم على وجهي ،فلم ا�ستفق اال وانا بقرن الثعالب ،فرفعت ر�أ�سي فاذا انا ب�سحابة قد اظلتني قد نظرت فاذا فيها جربيل عليه ال�سالم فناداين فقال ان اهلل تعاىل �سمع قول قومك لك وم��ا ردوا عليك ،وق��د بعث اليك ملك اجلبال لت�أمره مبا �شئت فيهم ،فناداين ملك اجلبال ف�سلم علي ثم ق��ال :يا حممد ان اهلل قد �سمع ق��ول قومك لك ،وان��ا ملك اجل���ب���ال ،وق���د ب��ع��ث��ن��ي رب���ي ال��ي��ك ل��ت��ام��رين ب�أمرك ،فما �شئت؟ ان �شئت اطبقت عليهم االخ�����ش��ب�ين ،ف��ق��ال ال��ر���س��ول �صلى اهلل عليه و�سلم (:بل ارجو ان يخرج اهلل من ا�صالبهم من يعبد اهلل وحده وال ي�شرك به �شيئا ) هذا ر���س��ول ال��رح��م��ة �صاحب االخ�ل�اق العظيمة الذي بعث ليتمم مكارم االخالق ،وكما قالت عائ�شة ر�ضي اهلل عنها (ما �ضرب ر�سول اهلل �صلى عليه و�سلم �شيئا قط بيده وال امر�أة وال خادما اال ان يجاهد يف �سبيل اهلل وما نيل منه �شيء قط فينتقم من �صاحبه ،اال ان ينتهك �شيئا من حمارم اهلل تعاىل فينتقم هلل ) رواه م�سلم .ويف اح��د �ضربه قومه ف���أدم��وه وهو
مي�سح ال��دم عن وجهه ويقول (اللهم اغفر لقومي ف�إنهم ال يعلمون ).متفق عليه. اما �صحابة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم اوذوا وقتلوا وع��ذب��وا و�صلبوا وه��اج��روا كل ذل����ك مل ي��ث��ن��ي��ه��م ع���ن ع��ق��ي��دت��ه��م وامي��ان��ه��م بربهم �سبحانه وت��ع��اىل ،امي��ان��ه��م خال�ص كاجلبال الرا�سيات ،هاماتهم تطال ال�سماء ،ه�ؤالء الذين بايعوا اهلل ور�سوله على املوت ، وانزل اهلل فيهم قر�آنا يتلى اىل يوم القيامة: ( لقد ر�ضي اهلل ع��ن امل�ؤمنني اذ يبايعونك حت��ت ال�شجرة )الفتح ، 13وي���وم احلديبية عندما ار�سلت قري�ش عروة بن م�سعود الثقفي وعر�ض على النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ر�أي قري�ش ،واث��ن��اء ذل��ك �شاهد ح��ب ال�صحابة واخ�لا���ص��ه��م للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم، فلما رجع اىل قومه قال لهم � :أي قوم ؟واهلل لقد وفدت على امللوك ،على قي�صر وك�سرى و ال��ن��ج��ا���ش��ي ،واهلل م��ا ر�أي����ت ملكا يعظمه ا�صحابه ما يعظم ا�صحاب حممد حممداً ، واهلل ان تنخم نخامة اال وقعت يف كف رجل منهم اال دلك به وجهه وجلده ،واذا امرهم ابتدروا امره ،واذا تو�ض�أ كادوا يقتتلون على و�ضوئه ،واذا تكلم خف�ضوا ا�صواتهم عنده ،وم��ا ي��ح��دون ال��ي��ه النظر تعظيماً ل��ه وقد ع��ر���ض خطة ر���ش��د فاقبلوها .وم�شهد �آخ��ر لل�صحابة عندما تويف الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم من �سيكون اخلليفة من املهاجرين ام من االن�صار ،قال ابو بكر ل�سعد يف ال�سقيفة: انتم الذين ن�صرمت دين اهلل ون�صرمت ر�سول اهلل يف �ساعة الع�سرة وجعلتم ار�ضكم له وطاء ووق���اء ،وم��ن بيوتكم �سكينة و�أم��ن��ا ،ونحن امل��ه��اج��ري��ن ال�����س��اب��ق��ون يف اال����س�ل�ام حملناه باجلهد والكره على كواهلنا ،فقال �سعد اذا منا امري ومنكم امري فقال ابو بكر ان ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قال( :ان هذا االمر ال ي�صلح اال لهذا احلي من قري�ش) ف�صمت �سعد حينها وقال له :مد يدك لنبايعك .... وف��ورا ق��ال عمر الب��ي بكر :ام��دد ي��دك يا ابا بكر اب��اي��ع��ك ،ق��ال اب��و بكر :ب��ل ام���دد يدك ان��ت يا عمر ابايعك ،فقال عمر :ان��ك اعلم مني ،ولك قربة من ر�سول اهلل (�صلى اهلل ع��ل��ه و���س��ل��م) و���س��اب��ق��ة ه��داي��ة ،ق���ال اب���و بكر ب��ل ان���ك اق����وى م��ن��ي ف��ق��ال ع��م��ر� :أي �سماء
تظلني واي ار���ض تقلني ان انا حكمت انا�س فيهم ابو بكر .بهذه القلوب العامرة امل�ؤمنة املخل�صة و ب��الإي��ث��ار بني جمتمع الف�ضيلة والنقاء بالأ�صفياء املخل�صني االتقياء ،انه جمتمع القيم النبيلة واالخ��ل�اق ال�سامية ،ال��ذي��ن ج��ع��ل��وا جت��ارت��ه��م م��ع اهلل ور���س��ول��ه، فكانت التجارة الرابحة وكانت واليتهم هلل وحده ولر�سوله وللم�ؤمنني ،فما وهنوا وال ح��زن��وا ومل يط�أطئوا جباههم اال خلالقهم �سبحانه وتعاىل الذي و�صفهم قائال(يا ايها الذين امنو من يرتد منكم عن دينه ف�سوف ي�أتي اهلل ببقوم يحبهم ويحبونه اذل��ة على امل���ؤم��ن�ين اع��زة على الكافرين ي��ج��اه��دون يف �سبيل اهلل وال يخافون لومة الئم ذلك ف�ضل اهلل ي�ؤتيه من ي�ش�أ واهلل وا�سع عليم ) املائدة55 كانوا يراقبون اهلل يف ال�سر والعلن ،كاظمني للغيظ ،عافني عن النا�س يح�سنون العمل مع غريهم ويندمون على فعل الذنب ،فب�شرهم اهلل تعاىل ق��ائ�لا�( :أول��ئ��ك ج��زا�ؤه��م مغفرة م��ن رب��ه��م وج��ن��ات جت��ري م��ن حتتها االن��ه��ار خ��ال��دي��ن فيها ون��ع��م اج��ر ال��ع��ام��ل�ين) 166ال عمران ومن �صفاتهم ال�صرب ،فهم ربانيون مل ي�ضعفوا ومل يحزنوا ملا ا�صابهم يف �سبيل اهلل ،اميانهم كاجلبال الرا�سيات ،و�صفهم اهلل ق���ائ�ل�ا(وك����أي���ن م���ن ن��ب��ي ق���ات���ل معهم ربيون كثري فما وهنوا ملا ا�صابهم يف �سبيل اهلل وم���ا ���ض��ع��ف��وا وم���ا ا���س��ت��ك��ان��وا واهلل يحب ال�صابرين) 146ال عمران فجزاهم اهلل عز وجل على اخال�صهم و�صربهم ثواب الدنيا وح�سن ثواب االخرة .مر الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم عن احلارث بن مالك االن�صاري وق����ال ل���ه :ك��ي��ف ا���ص��ب��ح��ت ي��ا ح���ارث���ة؟ ق��ال: ا�صبحت م�ؤمنا حقا ،ق��ال :انظر ما تقول: ف�إن لكل �شيء حقيقة ،فما حقيقة اميانك؟ قال :عزفت نف�سي عن الدنيا ف�أ�سهرت ليلي واظ��م���أت نهاري وك���أين انظر اىل عر�ش ربي ب��ارزا وك���أين انظر اىل اه��ل اجلنة ي��ت��زاورون فيها ،وك���أين انظر اىل اهل النار يت�ضاغون فيها ،فقال يا حارثة( :عرفت ف�ألزم ) . وم�����ن ه���ن���ا ك�����ان االخ��ل��ا������ص م��ب��ع��ث��ا ل��ل��ع��زة وال���ك���رام���ة وت��وف��ي��ق��ا ال��ه��ي��ا ل�ل��أم���ة ك��ام��ل��ة ، واملخل�صون تظهر نتائج اعمالهم عند املحك وال�شدائد واملحن .
45
مقاالت
ال وسطية
الدكتور ح�سن علي مبي�ضني
46
الحوار : آداب ومضامين يعي�ش الإن�����س��ان ح��ي��ات��ه ب��اح�� ًث��ا ع��ن �أ���س��ب��اب ا�����س����ت����ق����راره وت������ط������وره ،ومن����ائ����ه وت�����أم��ي�ن اح��ت��ي��اج��ات��ه ،و�إ���ش��ب��اع غ��رائ��زه؛ وذل���ك لأن��ه اج��ت��م��اع��ي ب��ط��ب��ع��ه ،وال ي�ستطيع العي�ش مب��ف��رده ،كما ال ي�ستطيع ت�أمني متطلبات معي�شته مب��ف��رده ،فهو ي��ق��وم ب���دور اخل��ادم وامل���خ���دوم م��� ًع���ا ،وه����ذا م���ن ب���اب ل��ط��ف اهلل �سبحانه وتعاىل �أن خلق النا�س يف تفاوت؛ ليجعل بع�ضهم لبع�ض �سخر ًّيا ،وحتى يتم �سري احلياة ،وي�ستقيم �أمرها ،كان البد من توا�صل بني �أف��راده��ا ،بني الغني والفقري، وال���ك���ب�ي�ر وال�������ص���غ�ي�ر ،وال����ذك����ر والأن����ث����ى، وال��رئ��ي�����س وامل���ر�ؤو����س ،وال��ق��ري��ب والبعيد، وقبل هذا وذاك ،حوار املرء مع ذاته يف حالة من التدبر والتفكر والت�أمل ال��ذي يف�ضي �إىل ا����س���ت���دراك ع��ظ��م��ة اخل���ال���ق يف خ��ل��ق��ه، وحاجة املخلوق �إىل خالق ،وما يف�ضي �إليه مثل هذا احلوار �إىل مناجاة العبد لربه يف �ساعة لي�س فيها �أني�س وال جلي�س �إال ذكر اهلل ،يرقق القلب وي�ستدمع العيون ويجلو الفكر. كل ما �سبق من حال ي�ستدعي ا�ستح�ضار احلوار بكل معانيه و�آدابه وم�ضامينه. ف���احل���وار ،وه���و ت��ب��ادل ل��ل��ك�لام وم��راج��ع��ت��ه بني �شخ�صني �أو �أكرث ،ال يقبل �إال �أن يكون ه���اد ًئ���ا ،ب��ع��ي��دًا ع��ن اخل�����ص��وم��ة والتع�صب؛ بهدف االن�سجام بني الطرفني ،و�إيجاد فهم م�شرتك بينهما. وهو مطلب �إن�ساين قبل كل �شيء ،مع الذات
را وت��دب�� ًرا وبح ًثا ع��ن حلول، ت��ام�ًل�اً وت��ف��ك�ي ً اً وابتهال وا�ستغفا ًرا وحمدًا ومع اهلل مناجا ًة و���ش��ك�� ًرا ،وم��ع النا�س بهدف �إق��ام��ة كينونة اجتماعية قابلة للحياة ،يف حميط الأ�سرة والعمل ،وامل�سجد واحل���ارة ،واملدينة ،حتى ميتد �أث���ره يف مفا�صل املجتمع على تعدد مكوناته االجتماعية والإن�سانية. واحل���وار ي�ستنطق ك��ل ط��رف م��ن �أط��راف��ه، حتى يقدم كل منهما وجهة نظره م�شفوعة باحلجة والدليل وال�بره��ان القاطع الذي ي�ؤ�س�س لقناعة حقيقية ،قد ينتهي احلوار بتبنيها من الأط��راف كافة ،وعندها يكون ل��ل��ح��وار معناه و�أث����ره وه��دف��ه يف الو�صول �إىل تغيري القناعات الفكرية التي ي�ستلزم تغيريها� ،أو تراه ينتهي بغري نتيجة تذكر، وكذلك �أ�سباب تتعلق باملتحاورين و�أ�سلوبهم وحما�سهم نحو �أفكارهم ،وم��دى رغبتم يف قبول الآخر فك ًرا و�أ�سلو ًبا. وح��ت��ى ي��ك��ون احل����وار م��ت��واز ًن��ا ،ف�لاب��د من تقا�سم احلكمة واملجادلة بالتي هي �أح�سن بني طرفيه؛ حتى ي�شعر اجلميع بالقيمة التي ميثلون� ،إذ با�ستح�ضار هذه القيمة �أو تلك ،يتقدم املحاور يف طرحه� ،أو يرتاجع ت��ب�� ًع��ا ل��ذل��ك .الأم����ر ال���ذي ي�ستوجب على ال��راغ��ب�ين ب��ان��ت��ه��اج احل�����وار ال��ف��ك��ري على �سبيل امل��ث��ال� :أن ي��ك��ون ممتل ًكا للمعرفة، قاد ًرا على �إدارتها و�إنتاجها ،م�ؤم ًنا بقدرتها على الت�أثري. ولعل تعريف احل��وار امل�ستمد من املحاورة،
وه����ي امل���راج���ع���ة يف ال����ك��ل�ام� ،أو امل���ج���ادل���ة، معنى �أو اجل�����دال ب�����ص��ورة �أخ������رى ،ي��ق��دم ً اج��ت��م��اع�� ًّي��ا ت�����ش��ارك�� ًّي��ا ل���ل���ح���وار .واحل�����وار ي�����س��ت��ل��زم االح��ت��رام امل��ت��ب��ادل ب�ين �أط���راف���ه، فال انتقا�ص من ح�ضور طرف على ح�ساب الآخ����ر ،وال ن��ك��ران ملنزلته وم��ق��ام��ه ،الأم��ر ال��ذي ي�ستوجب رق ًّيا يف اخلطاب املتبادل، ب��ا���س��ت��خ��دام ال���ع���ب���ارات امل��ن�����س��ق��ة ،والأل���ق���اب امل�ستحقة ،والأ���س��ال��ي��ب املنا�سبة الالئقة. وهذا ما ميهد لل�شعور لدى كل طرف ب�أن االختالف يف وجهات النظر ال يخلق عدا ًء وا�ضحا ،و�إمن��ا االختالف ي�شكل منطلقات ً للحديث. �شروط احلوار و�آدابه: حتى ي���ؤت��ي احل���وار ث��م��اره ،الب��د م��ن توافر �شروطه التي حتققه ،وهي: -1وجود �شخ�صني �أو �أكرث ميثلون وجهات نظر خمتلفة ،ي�سعى ك��ل ط��رف �إىل �إثبات ح�ضورها من خالل ما ميلكه من حجة. � -2إعطاء احلرية لكل طرف للتعبري عما يجول يف نف�سه. -3ع��دم االنتقا�ص من القيمة العلمية �أو الثقافية التي يبديها كل طرف بهدف النيل منها والت�شكيك بها. -4ع��دم مقاطعة املحاور يف حديثه ،وال��رد عليه بعد انتهاء حديثه. -5الإ�شارة �إىل املوا�ضيع الإيجابية الواردة يف كالم املحاور والثناء عليه. والإ����ش���ارة �إىل ال��ف��ائ��دة ال��ت��ي ح�صل عليها، وال��وع��د بتبني ه���ذه ال��ف��ك��رة �أو ت��ل��ك ،قبل الإ�شارة �إىل النقاط ال�سلبية. � -6إ�شعار املحاور ب�أهمية ما يتحدث به و�إن كان غري �صحيح �أو غريه� ،أو غري مفيد� ،أو مكرر من قبل ،وااللتفات �إىل املتحدث بكل �أحا�سي�سه وحركات ج�سده و�إمياءاته. -7عند الرد على املعلومات ال�سلبية ،عليه التدرج يف الرد ح�سب �أهمية املعلومات التي
يود الرد عليها� ،إذ يجب �أن يتناول النقاط ذات الأثر ال�سلبي القليل �أو الأقل خطورة، ثم يبد�أ تدريج ًّيا باحلديث ح��ول امل�شاكل، ��درج��ا م��ن الأ���س��ه��ل �إىل ال�سهل ،ث��م من م��ت ً ال�صعب �إىل الأ���ص��ع��ب ،وه��ك��ذا ،حتى يكون االنفعال �أقل ح�ضو ًرا ،عندما يتناول املحاور امل�س�ألة ال�سلبية الأق���ل ���ض��ر ًرا ،وتدريج ًّيا حتى ميهد للرد على الأك�ث�ر �صعوبة ،ويف �أثناء ذلك ،يكون قد ا�ستمال الطرف الآخر بوعيه ومعرفته. -8االلتزام بالهدوء �أثناء املحاورة (ولو كنت ًّ فظا غليظ القلب النف�ضوا من حولك). -9االب��ت��ع��اد ع��ن فح�ش ال��ق��ول ع��ن��د ال���رد، واختيار الألفاظ املنا�سبة (لكل مقام مقال). -10االح��ت��ف��اظ ب��الأل��ف��اظ الإيجابية التي وردت ع��ل��ى ل�����س��ان امل���ح���اور ،و�إع�����ادة ذك��ره��ا ثانية يف �سياق احل��دي��ث ،واال�ست�شهاد بها لإقناع املحاور ب���أن حديثه مل يذهب �أدراج الرياح مبجمله ،بل ما ا�ستح�سن منه يبقى يف ال���ذاك���رة ،وم���ا ك���ان �سلب ًّيا ن��ت��ج��اوز عنه بلطف. ومن خ�صا�ص احلوار: �أن�����ه ع��م��ل ت�����ش��ارك��ي ب�ي�ن اث���ن�ي�ن �أو �أك�ث�ر ل��ل��و���ص��ول �إىل ف��ه��م م�����ش�ترك ح���ول ق�ضية م��ا ل��ب��ل��وغ ه���دف حم����دد ،ب��ع��د ال��ت��م��ك��ن من ح���ل �أي م�����ش��ك��ل��ة ط���ارئ���ة ت��ع�تر���ض ط��ري��ق احل��ل ،من خ�لال منح �أك�بر فر�صة ممكنة لتغيري وج��ه��ات النظر ح��ول��ه��ا ،بعد ك�شف االف�ترا���ض��ات احلقيقية وامل��ت��وق��ع��ة و�إع���ادة ت��ق��ي��ي��م��ه��ا مب���ا ي��ن�����س��ج��م م���ع ه����دف احل����وار وحقيقته ،عل ًما ب�أن احلوار ي�ساعد كل طرف يف التعرف على موقف الآخر للو�صول م ًعا �إىل حلول جديدة ،وبحيث يت�سرب ال�شعور �إىل ك��ل ط���رف ب�����أن ال��ط��رف الآخ����ر راغ��ب مبا يقوله وال يرف�ضه ،فكل ما يقوله هو مو�ضع تقدير واحرتام.
ومن معوقات احلوار: ع��ي��وب ال��ن��ط��ق ،وال�����ص��وت غ�ير ال��وا���ض��ح،وعدم مراعاة �آداب احلديث ،وعدم الرتكيز والإ�صغاء ،وعدم اال�ستعداد النف�سي للحوار والإق��ن��اع ،وع��دم �ضبط النف�س ،واالنفعال ال�����س��ري��ع ،وع���دم �إج����ادة امل��ت��ح��دث لأ�ساليب الإق��ن��اع املنا�سبة ،و�ضعف املعرفة الثقافية وال��ع��ل��م��ي��ة ،وال��ع��ن��اد ل���دى �أح����د الأط�����راف املتحاورين ،وعدم ثقة امل�ستمع بنف�سه. م�ضامني احلوار: ي�ستطيع امل��ت��ح��اوران احل��دي��ث يف ك��ل �ش�أن اجتماعي �أو اقت�صادي� ،أو �سيا�سي �أو فكري، �أو ثقايف ،فلي�س هناك ما مينع من �إقامة ح��وار ثنائي �أو جماعي يف مو�ضوع م��ا؛ �إذ �أن احل��اج��ة الإن�����س��ان��ي��ة امل��ت��ج��ددة ،تفر�ض ن�شوء ح����وارات ثنائية وجماعية متجددة ي��وم�� ًّي��ا ودور ًّي�����ا ،ح�سب ال��ن�����ش��اط الإن�����س��اين واالقت�صادي واالجتماعي لهذه الفئة من الأفراد �أو تلك. خال�صة القول: �إن احل��وار ب�آدابه وم�ضامينه ،م��ادة فكرية �إن�������س���ان���ي���ة ،ي���ج���ب االع���ت���ن���اء ب���ه���ا وال���رق���ي مب�ضمونها و�أدواتها وو�سائلها؛ حتى تكون يف م�أمن من الت�شوي�ش وال�ضبابية ،وحتى ت��ق��دم ف��ك��رن��ا وث��ق��اف��ت��ن��ا و�آراءن������ا ل�ل�آخ��ري��ن ب�������ص���ورة ن���ا����ص���ع���ة ،غ��ي�ر ق���اب���ل���ة ل���ل���ت����أوي���ل والتف�سري بغري م��ا ن��ري��د ون��ر���ض��ى .وحتى ن��ك��ون مطمئنني ع��ل��ى م�����ض��م��ون ر�سائلنا، علينا �أن ننتقي من يحاور با�سمها وبا�سمنا وفق �أعلى درجات الوعي والفهم وامل�صداقية والأم����ان����ة .فامل�ست�شار م����ؤمت���ن ،وا���س��ت��ن��ادًا �إىل اجلملة اللطيفة التي تقت�ضي �إر�سال ال��ل��ب��ي��ب احل��ك��ي��م لال�ستغناء ع��ن تدري�سه ال��و���ص��اي��ا ال��ت��ي ت��ري��د م���رات وم�����رات .ولنا يف ديننا احلنيف ما ي�أمرنا بذلك ويحثنا عليه .واهلل ويل التوفيق.
47
لق
اء العدد
48
لقاء العدد
مع االستاذ محمد طالبي هل تعتقدون �أن ما يواجه �أبناء الأمة هي حربفكرية عرب الإنرتنت؟ ب�سم اهلل احل��م��ن ال��رح��ي��م � ،اً أول ن�شكر الإخ����وة يف امل��وق��ع الإل��ك�تروين للمنتدى العاملي الو�سطية على ه��ذا اللقاء امل��ب��ارك �إن �شاء اهلل ،نعم ،ما يجري من ح��رب �إلكرتونية جت��اه الأم���ة ،هو ج��زء من م���ؤام��رة ،وامل���ؤام��رة لي�ست �أم�� ًرا جديدًا على �أمة العروبة والإ�سالم؛ فامل�ؤامرة تعود لقرون، منذ بداية احلرب ال�صليبية �سنة 1095ميالدية. لكن مع الغرب احلديث ،مت ترتيب امل�ؤامرة بامتالك الغرب للقوة ال�سيا�سية والع�سكرية واالقت�صادية واملالية ،فكانت امل����ؤام���رة يف ال��واق��ع ناجحة يف كثري م��ن حمطاتها ،مثل تق�سيم امل�شرق العربي يف معاهدة �ساي�سبيكو ،مثل غر�س الكيان الإ�سرائيلي يف �أر�ض فل�سطني ،مثل ما يجري الآن من حماولة �ساي�سبيكو الثانية ،هذا كلو يدخل يف م�ؤامرة جتزئة املجزء يف املنطقة العربية والإ�سالمية. لكن امل�ؤامرة يف تقديري ،لن تنجح دائ ًما �إال حينما يكون ج�سم الأمة معتلاّ ،فيه �أنفاق وثقوب وعلل ،تت�سرب منها امل����ؤام���رة فتنجح ،وه��ن��ا �أت��ذك��ر ق��ول ال�شاعر الكبري ن��زار ق��ب��اين حينما ق���ال�" :إن اليهود مل يدخلوا م��ن ح��دودن��ا، و�إمن���ا ت�سربوا كالنمل م��ن عيوبنا" .ن��ع��م ،م��ا ي��ج��ري من ح��رب �إلكرتونية على الأم���ة ،ه��و م���ؤام��رة ،لكن علينا �أن نعي ب���أن للم�ؤامرة مقدار ،ف���أن نف�سر كل �شيء بامل�ؤامرة،
– من مواليد 1953إقليم خريبكة – المغرب – المستوى العلمي :اإلجازة في التاريخ ودبلوم المركز الوطني لمفتشي التعليم بالمغرب من المهام السابقة: – عضو في الكتابة الوطنية (المكتب السياسي) لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي اليسارية قبل االستقالة منها وااللتحاق بالحركة اإلسالمية عام 1998 – عضو اللجنة الوطنية إلصالح التعليم والتي تشكلت عام 1995في قبة البرلمان قبل إقالتها من طرف رئيس الدولة – من األعضاء المؤسسين للمنظمة المغربية لحقوق اإلنسان – من األعضاء المؤسسين للجمعية المغربية للبيئة والتنمية ,وعضو سابق في مكتبها الوطني قبل االستقالة من المهام الحالية – مدير مجلة الفرقان :مجلة مغربية إسالمية تطبع بالمغرب عشرة آالف نسخة – عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد واإلصالح – عضو مجلس الشورى لحركة التوحيد واإلصالح – عضو المكتب التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق اإلنسان (منظمة حقوقية بمرجعية إسالمية) – عضو الكتابة التنفيذية لمؤسسة المهدي بن عبود للدراسات واألبحاث واإلعالم – عضو المؤتمر القومي اإلسالمي من كتاباته: – تقرير في نقد العقل السياسي المغربي الرسمي والمعارض – معشر االشتراكيين مه ًال (مصارحة قصد المصالحة) – داعية في سبيل اهلل بالمقال والمحاضرة والحوارات واإلعالم
ه��ذا لي�س حتليلاً علم ًّيا وال �أك��ادمي�� ًّي��ا ،وال يعطينا املعاالجات اال�سرتاتيجية ملواجهة امل���ؤام��رة ،امل���ؤام��رة م��وج��ودة مب��ق��دار ،ولكن � ً أي�ضا العلل الذاتية موجودة مبقدار �أكرب، ولهذا علينا االنتباه �إىل كيفية وقف زحف امل�ؤامرة كفريو�س� ،أو ك�سيدا ح�ضارية جتاه الأم��ة عن طريق متنيع ال���ذات؛ �أي متنيع ال��ذات العربية وال���ذات الإ�سالمية من كل فريو�سات احل�ضارة الغازية لها من اخلارج. كيف يفرت�ض من ال��دول��ة التعاملمع التائبني من الإره���اب ،وه��ل ميكن �إعادة ت�أهيل ه�ؤالء ب�أن يعودوا �أفرا ًدا منتجني يف الأمة؟ التعامل مع التائبني يف تقديري ،يتطلب ا�سرتاتيجية وا���ض��ح��ة م��ن ط��رف ال��دول��ة، �أي م��ن امل��ج��ت��م��ع احل��ك��وم��ي وم���ن املجتمع امل�����دين م��� ًع���ا .وع���ل���ى احل���ك���وم���ات �أن ت�ضع ا�سرتاتيجية بعيدة املدى؛ لت�ساعد � اً أول على العودة ،ثان ًيا ،ت�ساعد على �إدماج هذه الفئة املتطرفة يف املجتمع امل��دين� ،أو يف طرف �أو مكون من مكونات اال�سرتاتيجية ،وهو �أن الردع الأمني يجب �أن ي�ستمر؛ مبعنى �أنه ال ميكن لنا الت�سامح �أمن ًّيا يف ق�ضايا الإرهاب يف �أي منطقة ،يف �أي �شرب من �أرا�ضينا هذا � اً أول. لكن ه��ذا لي�س �إال املعاجلة ال�سريعة� ،أم��ا املعاجلة احلقيقية ،وهو �أن على ال�سلطان، �أي ال��دول��ة �أن ت�ضع ي��ده��ا يف ي��د العلماء، فالبد من �إعطاء الريادة لعلماء امل�سلمني امل��ع��ت��دل�ين؛ ك��ي يلعبو دوره����م يف املجتمع، �سواء من داخل جهاز الدولة� ،أو من داخل املجتمع امل���دين؛ لأن م��زي��دًا م��ن االنت�شار لكوكبة العلماء واملدر�سة الو�سطية املعتدلة ل��ل��ع��ل��م��اء��� ،س��ي�����س��اع��د ع��ل��ى ب���داي���ة ان��ح�����ص��ار -هل �ساهم الإعالم ب�شكل �إيجابي �أم م�����س��اح��ة ال��ت��ط��رف وال��غ��ل��و والإره������اب ه��ذا �سلبي يف تقدمي بع�ض املفتني للجمهور، ومن امل�ؤهل للفتوى بر�أيكم يف عاملنا ثان ًيا. ثال ًثا ،وهو �أنه البد من حل املع�ضلة الكربى يف �أي جم��ت��م��ع ع��رب��ي م�����س��ل��م ،و�أه�����م ه��ذه املع�ضالت ،هي الف�ساد بكل �أ�شكاله :الف�ساد ال�سيا�سي ع��ن طريق اال���س��ت��ب��داد ،والف�ساد الإداري ،وال��ف�����س��اد امل����ايل؛ ب�����س��رق��ة �أم���وال ال���دول���ة وث�����روة امل��ج��ت��م��ع ،ف��ف��ي ت��ق��دي��ري، ا���س�ترات��ي��ج��ي��ة م��ك��اف��ح��ة وجت��ف��ي��ف م��ن��اب��ع ال��ف�����س��اد ���ش��ام��ل��ة يف ب�ل�ادن���ا� ،ست�ساعد على ب��داي��ة تقل�ص ظ��اه��رة الغ�ضب واالن��ف��ع��ال غري العاقل عند املاليني من �شباب امل�سلم العربي ،هذه كلها ق�ضايا ا�سرتاتيجية البد �أن ننربي �إليها. وراب��ع��ه��ا ،وه��و �أن علينا �أن نعطي م�ساحة م��ه��م��ة يف امل����ق����ررات ل��ل�ترب��ي��ة الإ���س�لام��ي��ة امل��ت��وازن��ة ،و�أال ن��ق��وم بتهمي�ش ه���ذا البعد يف املدر�سة الر�سمية لأي دول��ة من ال��دول الإ���س�لام��ي��ة ،ه���ذه امل���خ���ارج وه����ذه الأرك����ان الأربعة يف تقديري ،هي الأ�سا�س يف حماربة الف�ساد ،لكن يبقى مع ذلك علينا �أن ننتبه، ب�أن علينا مراجعة نقدية لرتاثنا الإ�سالمي، ف��ك��ث�ير م��ن ال��ف��ت��اوى ُت��ت��خ��ذ ان��ط�لا ًق��ا من مواقف �أو فتاوى يف القدمي ،وهي متطرفة �أو مغالية� ،أو منا�سبة لع�صرها ،ولكن مل تعد منا�سبة لع�صرنا ،فالبد من نقد بالدال للرتاث الإ�سالمي ،ونقد بال�ضاد لكثري من الرتاث الإ�سالمي الذي ميثل اليوم معيقا لنه�ضتنا ،بل ويعمل على تف�شي كثري من ظواهر الغلو والتطرف عن طريق فتاوى قدمية ،تبناها علماء اليوم ،وهم يقومون بن�شرها يف و�سط املاليني من ال�شباب ،وهذه كلها عوامل ت�ساعد على مزيد من انت�شار لظاهرة التطرف.
اليوم ،وما هي موا�صفاته؟ � اً أول :من امل�ؤهل للفتوى يف تقديري ،امل�ؤهل ريا هو العامل الإ�سالمي ال�شمويل ،نحن كث ً ال���ي���وم ،حينما ن��ط��رح م��ن ه��و ال��ع��امل يتم اجل���واب ر�أ� ً��س��ا :ب���أن��ه ال��ع��امل املخت�ص�ص يف العلم ال�شرعي� ،أي يف كل العلوم التي بها نفقه �سنن الن�ص الديني؛ كعلم التف�سري وعلم احل��دي��ث والفقه واملقا�صد وغريها، لكن يف تقديري ،اختزال العامل الإ�سالمي اليوم يف العامل ال�شرعي ،هو علمنة �ضمنية للعلم الإ�سالمي ،فللعلم الإ�سالمي �أب��واب ث�لاث��ة :علم �شرعي ،وع��ل��م �إن�����س��اين ،وعلم مادي. ال��ع��ل��م ال�����ش��رع��ي ،ه��و ك��ل ال��ع��ل��وم ال��ت��ى بها نفقه �سنن الوحي ،والعلم الإن�ساين يف كل العلوم التي نفقه بها �سنن حركة التاريخ؛ ك��ع��ل��م ال�����س��ي��ا���س��ة وع���ل���م االق���ت�������ص���اد وع��ل��م ال���ع���م���ران وع���ل���م االج���ت���م���اع وع���ل���م ال��ن��ف�����س والأنرثوبولوجيا (علم الإن�سانيات) ،هذه كلها علوم نفقه بها حركة العمران وحركة الإن�سان والتعمري. والعلم املادي ،هو كل العلوم التي نفقه بها �سنن امل��ادة العمياء :كالفيزياء ،والكيمياء، والفلك ،والريا�ضيات ،وغريها ،يف تقديري، ب���أن ال��ع��امل احلقيقي ال��ق��ادر على الإف��ت��اء، ل��ي�����س يف ال�����ش��ع��ائ��ر ب���ل يف احل�������ض���ارة ،هو العامل الذي ميتلك احلد الأدنى من �أ�صول وقواعد العلم ال�شرعي ،واحل��د الأدن��ى من �أ�صول وقواعد العلم الإن�ساين واخلال�صات الفل�سفية للعلم امل��ادي ،ففي تقديري ،ب�أن ه���ذا ه��و ال���ع���امل ،وه���و ال��ع��امل ال���ق���ادر على الإفتاء احل�ضاري. متخ�ص�صا يف كل العلوم تخيلوا معي عاملًا ً ال�شرعية ،ولكنه ج��اه��ل يف علم ال�سيا�سة واالق��ت�����ص��اد وع��ل��م احل�����ض��ارة ،ه��ل ميكن �أن يفتي فتوى ح�ضارية؛ تنه�ض الأمة وتوقف
49
لق
اء العدد
ويالت الأمة ،غري قادر؛ لأنه جاهل بالعلم الإن�����س��اين ،وب��ال��ت��ايل ،ال��ع��امل يف ت��ق��دي��ري، الذي يقدم الفتوى اليوم ،تنق�صه كثري من العلوم ،و�أهمها :العلم الإن�ساين ،وبالتايل، عندما يكون عندنا فقط ع��امل متخ�ص�ص يف علم ال�شرع ويف تراثنا ،غري فاهم للعلوم الإن�سانية ،بالت�أكيد ف�إنه �سوف يفتي فتوى عوجاء �أو ع��وراء� ،ستنتهي بكوارث بالن�سبة لأم��ت��ن��ا ،وم���ن ال��ف��ت��اوى ال��ت��ي تظهر الآن، والتي يتلقفها جيل من ع�شرات الآالف من ال�شباب امل�سلم ،والتي تنتهي �إىل الكوارث؛ ك��دواع�����ش الع�صر ال���ذي نعي�شه يف ال�شرق الأو�سط. مل��اذا يتجه بع�ض �شباب الأم��ة نحوالإره��اب ،من يقتل يقتل بفتوى ،ومن يفجر يفجر بفتوى ،كيف ميكن متييز الفتوى ال�صحيحة م��ن الباطلة �أو اخلاطئة؟ ل��ت��وج��ه ال�����ش��ب��اب ن��ح��و الإره�������اب ك��م��ا قلت ع���وام���ل ت��اري��خ��ي��ة ك�ب�رى �أه��م��ه��ا :ال�ت�راث الإ�سالمي جزء كبري من الرتاث الإ�سالمي اليوم ،ف�إنه تراث مل يعد �صا ً حلا من ناحية �سيا�سية ،مثلاً :مفهوم اخلالفة ،هذا فقه �سيا�سي ق��دمي ،تبنته اليوم جماعة داع�ش، بدون �أن تعي املفاهيم ال�سيا�سية املطلوبة يف القرن .21 هل االنتحاريون م�ؤمنون �أم يائ�سون؟وما الذي يدفع ال�شاب لتفجري �أنف�سهم وهم يف مقتبل �أعمارهم؟ م���ؤم��ن��ون ،نحن ال ن�شك يف �أن االن��ت��ح��اري هو م�سلم وال نك ّفره ،ولكن هل هو م�ؤمن حقيقة ،ه��و بالن�سبة ل��ه فهو قمة الإمي��ان وقمة الإ���س�لام ،لكن يف تقديري ب�أنه لي�س كذلك ،هل هم يائ�سون؟ نعم� ،شريحة هامة
50 م��ن��ه��م ف��ه��ي مت���ار����س ه���ذا الإره�������اب ،وه���ذا ال��ت��ط��رف نتيجة ي����أ����س ،ي���أ���س م����اذا؟ ي���أ���س من الإ���ص�لاح ،الي�أ�س من مواجهة الف�ساد واال�ستبداد والغزاة من اخلارج والطغاة يف الداخل ،ي�أ�س �شامل ،فيودي بهم هذا الي�أ�س �إىل االنتحار. االن����ت����ح����ار ال����ع����ق����دي ،وه�����و ت���ب���ن���ي ال��ف��ك��ر التكفريي والفكر التفجريي ،و� ً أي�ضا فهو ان��ت��ح��ار ���س��ي��ا���س��ي وت��اري��خ��ي ل�ل��أم���ة ،فهذه كلها ق�ضايا البد �أن نلم�سها ،فالي�أ�س يعمل دوره ،لكن هناك عوامل مليالد الي�أ�س� ،أولها العامل امل��ع��ريف ،ف��ه���ؤالء جهلة بدينهم ،يف ت��ق��دي��ري ،ب����أن ع��ام��ل اجل��ه��ل �أ���س��ا���س��ي ج��دًّا يف ان��ت�����ش��ار ظ��اه��رة ال��ت��ك��ف�ير وال��ت��ف��ج�ير يف العامل العربي والإ�سالمي ويف �أوروبا ،فهم ال يدركون �إال حدي ًثا من الأحاديث� ،أو �آية من الآي���ات( :وم��ن مل يحكم مبا �أن��زل اهلل ف�أولئك هم الكافرون)( .ومن مل يحكم مبا �أن��زل اهلل ف�أولئك هم الفا�سقون) .وهكذا، ي�ستعملون ق��اع��دة ذهبية يف تكفري الكل، �إذن ،اجلهل بالدين الإ���س�لام��ي ه��ذا � اً أول. ث��ان�� ًي��ا ،ج��ه��ل علمائهم ال��ذي��ن ي��ف��ت��ون لهم ب��روح الع�صر ،غ�ير ع��ارف�ين ب��روح الع�صر، وماذا يتطلب الع�صر ،فالفهم ال�صحيح ،هو �أن تطابق بني روح الدين� ،أي الإ�سالم وروح الع�صر ،وهذه ق�ضية ال ميكن �أن ي�صل �إليها اجلاهلون يف الع�صر ويف الدين� ،إذن ،اجلهل عامل �أ�سا�سي يف التكفري والتفجري ،والي�أ�س م���ن �إم��ك��ان��ي��ة الإ�����ص��ل�اح ،وت��ب��دي��د ظ��اه��ره الغزاة من اخلارج والطغاة يف الداخل عامل �أ�سا�سي. وه��ن��اك ع��ام��ل �آخ���ر نف�سي ،وه��و �أن بنيات نف�سية حمددة ،هي التي تتجه نحو التكفري والتفجري ،ويف الغالب �أنها تكون ميالة �إىل اجلرمية ب�شكل عام من هذه الفئات ،وكثري منهم كانوا جمرمني ،و�أ�صبحوا الآن من
كبار بني قو�سني املجاهدين يف �سوريا �أو يف ال��ع��راق� ،إذن ،فهناك عامل معريف ،وهناك عامل �سيا�سي تاريخي ،وهناك عامل نف�سي، هذه كلها عوامل تدفع مئات �إن مل �أقل �آالف م��ن �شباب امل�سلم �إىل التكفري والتفجري، وه����و ل��ي�����س �إمي����ا ًن����ا ح��ق��ي��ق�� ًّي��ا ،ال مي��ك��ن �أن نعترب ب�أن هذا �إميا ًنا حقيق ًّيا ،بل �إنه �إميان م�شو�ش ،ب��ل ميكن �أن نقول ب���أن��ه انحراف كبري عن الإميان والإ�سالم احلقيقي. من املق�صر يف ترك الإنرتنت م�صيدةل�شباب الأمة :العلماء �أم احلكومات؟ يف الواقع ،وهو �أن علينا �أن نعي ب�أن االنتقال من الإع�لام الورقي �إىل الإع�لام الرقمي، ه��و �سنة ت��اري��خ��ي��ة �إع�لام��ي��ة ج��دي��دة ،وه��و �سنة مو�ضوعية ،وبالتايل ،من املق�صر ،لي�س هناك �أح��د غري مق�صر ،ولي�س هناك �أحد م�س�ؤول بالتمام. ما دمنا ننتقل من مرحلة الإع�لام الورقي �إىل م��رح��ل��ة الإع��ل��ام ال��رق��م��ي ،فالق�ضية ق�ضية مو�ضوعية ،وتتطلب ا�سرتاتيجية الم���ت�ل�اك � اً أول ال���وع���ي ،ب����أن���ه الب����د علينا �أن ننتقل م��ن ع�صر الإع��ل�ام ال��ورق��ي �إىل الإعالم الإلكرتوين املرئي ،وهذه م�س�ؤولية احلكومات وم�س�ؤولية العلماء ،و� ً أي�ضا فهي م�����س���ؤول��ي��ة احل���رك���ات امل��دن��ي��ة؛ ك���الأح���زاب واجل����م����ع����ي����ات ،وال����ن����ق����اب����ات واجل����م����اع����ات الإ�سالمية ،واجل��م��اع��ات غ�ير الإ�سالمية، كلها م�����س���ؤول��ة يف �أن��ه��ا ت��ع��ي ب���أن��ن��ا بالفعل بد�أنا ننتقل فعلاً من مرحلة �إعالمية �ساد فيها ال��ورق ،و�سادت فيها الر�ؤية التماثلية �إىل ع�����ص��ر الإع���ل���ام ال���رق���م���ي واجل���ري���دة الإلكرتونية ،وامل��وق��ع الإل��ك�تروين والقناة الإلكرتونية ،هذا يف تقديري ب�أنه م�س�ؤولية اجلميع ولي�س م�سو�ؤلية �أحد.
كيف ميكن حماية �أبناء الأم��ة من�شرور �إرهاب الإنرتنت؟ � اً أول :بوعي االنتقال التاريخي من الإعالم الورقي التقليدي الكال�سيكي �إىل الإعالم الرقمي ،ف�شرط الفعل التاريخي احلر ،هو وع��ي ال�سنن اجل��اري��ة ،الإع�ل�ام �أو االنتقال نحو الرقمية ،وهي �سنة تاريخية جتري. ث��ان�� ًي��ا :وه���و �أن ع��ل��ى احل��ك��وم��ات �أن تهتم مب���ج���ال ال���ع���امل الإل����ك��ت�روين يف ال�ترب��ي��ة يف امل��در���س��ة ،ف���أب��ن��ا�ؤن��ا ب��ارع��ون يف اكت�شاف ع��امل الإلكرتونيات ،بارعون يف الإنرتنت، ب��ارع��ون يف الفي�سبوك ،يف ت��وي�تر�....إل��خ، لكن فقط عن طريق التجربة احل�سية ،عن طريق التجربة العمياء ،لكن نحن نريد �أن ت��ك��ون ه���ذه ال��ت��ج��رب��ة جت��رب��ة مب�صرة، ول��ك��ي ت��ك��ون جت��رب��ة مب�صرة ،يجب �إدخ���ال م����ادة الإع���ل��ام ك���م���ادة ح��ي��وي��ة يف امل��در���س��ة ال��ع��رب��ي��ة والإ����س�ل�ام���ي���ة م���ن ال���رو����ض���ة �إىل اجل��ام��ع��ة وه��ك��ذا .ث��ال�� ًث��ا :ع��ل��ى علمائنا �أن يعي�شوا الع�صر؛ كثري من علمائنا ما زالوا يعي�شون ع�صر الرثاث التقليدي ،وبالتايل، غري م�سايرين لروح الع�صر ،وهذه م�شكلة ك��ب�يرة ،حينما تهتم احل��ك��وم��ة �أو املدر�سة الر�سمية ب��امل��ادة الإع�لام��ي��ة ك��م��ادة ر�سمية عليها م��ع��ام��ل ك��ب�ير يف ال��ت��ن��ق��ي��ط ،و�أي���ً��ض��ا يعي علما�ؤنا �أهمية الو�سائل اجل��دي��دة يف تقديري ،ب�أن هذا كله هذا �سي�ساعدنا على �أننا نخو�ض حر ًبا �إلكرتونية �ضد امل�ؤامرات التي جت��ري من اخل��ارج ،وم��ن الغرب ومن ال�شرق اليوم ،بعد ظهور �إيران ورو�سيا ،كل هذا يدخل يف م�ؤامرة �ضد �أمتنا ،فالبد �أن نهتم بق�ضية الإع�لام��ي��ات يف امل��در���س��ة ويف الإع��ل��ام ،وت��دري��ب �أب��ن��ائ��ن��ا وت��ك��وي��ن��ه��م ،كل ه��ذا يف ت��ق��دي��ري ،ب���أن��ه مهم خل��و���ض حرب �إعالمية �إلكرتونية يف مواجهة امل���ؤام��راة �ضد �أمتنا.
م��ا ال���ذي ي��ج��ذب �شباب الأم���ة مناجلماعات الإره��اب��ي��ة :الأ�سلوب �أم الغايات؟ يف تقديري ،ب�أن حتليل العوامل التاريخية لظهور التطرف الإ�سالمي اليوم ،يتطلب منا ومن ال�صفوة العاملة �أن تقوم بالدرا�سة امل��و���ض��وع��ي��ة الأك���ادمي���ي���ة ،مل����اذا ع���اد خ���وارج ع�صر الفتنة الكربى. اخل���وارج ،كجماعة متطرفة ،تك ّفر وتقتل مبا فيها �أمري امل�ؤمنني علي بن �أبي طالب، وحت��اول قتل معاوية بن �أب��ي �سفيان .هذه ال���ظ���اه���رة ال���ت���ي ظ���ه���رت يف ع�����ص��ر ال��ف��ت��ن��ة ال��ك�برى ،انقر�ضت يف التاريخ الب�شري ،يف ت��اري��خ امل�سلمني ،لكن ال��ي��وم ت��ع��ود ب��ق��وة يف ع�صر ال��ع��ومل��ة ،ف��م��ا ه��ي ال��ع��وام��ل ال��ك�برى مل���ي�ل�اد خ�������وارج ع�����ص��ر ال���ع���ومل���ة؟ ف��داع�����ش والقاعدة وغريها ،كلها يف تقديري لي�ست �إال � اً أ�شكال للمدر�سة اخلارجية ،باملنا�سبة، داع�ش يف العراق و�سوريا وغريها لي�سوا من ال�سنة ،ف�أنا �أق��ول ب���أن عندنا ه��ذا الإره��اب ال����ذي ت��ف�����ش��ى ،دواع�������ش م��ت��ع��ددون؛ داع�����ش �شيعية يف �إيران وحزب اهلل ،داع�ش خارجية يف �سوريا والعراق ،داع�ش ن�صرانية ،داع�ش �صهونية ،داع�ش علمانية يف م�صر ،داع�ش ال���ب���وذي���ة يف امل��ي��ن��م��ار ،ه����ذه ك��ل��ه��ا دواع�������ش الع�صر ،فلماذا تف�شى التطرف والغلو ،يف ت��ق��دي��ري ،ب����أن ه��ن��اك ع��وام��ل ك��ب�يرة ج��دا، �أه��م��ه��ا وه���و ال��ت��ط��رف ال��غ��رب��ي وال���ع���دوان ال��غ��رب��ي ع��ل��ى �أم����ة ال��ع��روب��ة والإ�����س��ل�ام يف الع�صر احلديث ،فعدوانها �أدى �إىل غ�ضب ك��ب�ير ع��ل��ى م���ا ح����دث ل��ل��أم����ة ،مت تفكيك � 23إق��ل��ي��م ع��رب��ي و�إىل � 56إق��ل��ي��م �إ���س�لام��ي، ومت �إ���س��ق��اط دول���ة اخل�لاف��ة ،ومت �إ���س��ق��اط دول��ة ال�شريعة ،ومت التعدي على العمران احل�ضري ،كل ه��ذا �أدى �إىل غ�ضب يف هذا الع�صر احل��دي��ث ،انتهى ب��رد فعل غا�ضب،
انتهى �إىل ال��ت��ط��رف ،انتهى �إىل الإره���اب، ففي تقديري ب�أن العوامل التاريخية البد من درا�ستها. ال��ع��ام��ل ال���ث���اين :وه���و �أن �أم��ت��ن��ا يف ع�صر ال��رب��ي��ع ال��دمي��ق��راط��ي ال���ي���وم ،ك��ان��ت تريد تغيري الف�ساد واال�ستبداد عن طريق �أ�سلوب م��دين ،لكن ُك ّ�سر هذا الأ�سلوب ،ف���أدى هذا �إىل غ�ضب املاليني من ال�شباب ،فتوجهوا ت���وج���هً���ا غ��ي�ر ع���ق�ل�اين غ��ي�ر را�����ش����د ،وه���و االرمت����اء يف ال��ت��ط��رف؛ نتيجة �أن انك�سار الر�أ�س املدين يف الإ�صالح� ،أدى �إىل العودة �إىل ال���ت���ط���رف والإره����������اب .مب��ع��ن��ى �آخ����ر؛ هناك ع��ام�لان �أ�سا�سيان يف ميالد ظاهرة ال��ت��ط��رف :ال��ع��ام��ل الأول :ت��اري��خ��ي؛ وه��و ال��ع��دوان على الأم��ة لأك�ثر من قرنني من ال����زم����ان .وال���ع���ام���ل ال���ث���اين :وه����و ان��ك�����س��ار هذا الربيع الدميقراطي ،ال��ذي كان يريد الإ�صالح عن طريق املظاهرة ال�سلمية لكن انتهى �إىل ان��ك�����س��ار ،يف ليبيا يف ال��ي��م��ن ،يف �سوريا يف م�صر ،يف ال��ع��راق ،كل ه��ذا �ساعد على ميالد مزيد من الغ�ضب غري العاقل، ومزيد من الإره���اب ومزيد من التطرف، ه����ذا يف ت���ق���دي���ري ه���ي ال���ع���وام���ل ال��ك�برى الرمت���اء �آالف ال�شباب امل�سلم وال��ع��رب��ي يف �أح�ضان داع�ش� ،إما داع�ش اخلارجية ،و�إما داع�ش الإيرانية� ،أو داع�ش غريها.
51
شخص
ية العدد
52
الشيخ عبد الباقي من أكثر الشخصيات التي عملت من البرلمان ،وقد عمل وزي ًرا للشؤون البرلمانية ،ورغم عمله الطويل في البرلمان ومجلس األعيان والوزارة ،وتواصله مع أصحاب القرار في الحكومة ،والذين يحترمونه ويقدرونه لم ينس مدينته الزرقاء ،وما تحتاج إليه.
شيخ الزرقاء وابنها البار سماحة الشيخ عبد الباقي جمو رحمه الله (احلمد ا َّلذِ ي َخلَ َق المْ َ�� ْو َت َوالحْ َ َيا َة ِل َي ْب ُل َو ُك ْم �أَ ُّي��� ُك��� ْم �أَ ْح���� َ���س ُ���ن عَ��� َم ً �ل�ا)( ���س��ورة امل��ل��ك ،)2 : و���ص�لاة اهلل و���س�لام��ه ع��ل��ى ���س��ي��د الأن��ب��ي��اء واملر�سلني املب�شر به من التوراة والإجنيل �سيدنا حممد الذي نزل عليه قول اهلل عز وجل�ِ ( :إ َّن َك َم ِّيتٌ َو ِ�إ َّنهُم َّم ِّي ُتون) (����س���ورة ال���زم���ر )30:ه����ذه ه���ي احل��ق��ي��ق��ة و�صدق اهلل العظيم �إذ يقول (كل من عليها ف���ان) ،و���ص��دق ر���س��ول اهلل ال��ك��رمي القائل: (اذكروا حما�سن موتاكم).
ل��ق��د ف��ق��دت ال���زرق���اء �أو ًال والأردن خا�صة والعامل العربي والإ�سالمي عامة� ،شخ�صية دينية �إ�سالمية معروفة ،فر�ضت احرتامها وت���ق���دي���ره���ا وح�������ض���وره���ا ال����ق����وي ال���ب���ارز ع��ل��ى ج��م��ي��ع امل�����س��ت��وي��ات ،ب��ال��ع��ل��م واحل��ك��م��ة وامل���ع���رف���ة والأدب ،وال����دع����وة �إىل اهلل عز وج��ل و�شرعه ،وه��دي ر�سوله الكرمي عليه ال�صالة وال�سالم ومبادئ الدين احلنيف، وت��ع��ال��ي��م��ه ال�����س��م��ح��ة امل�����ص��ح��وب��ة ب��احل��ج��ة والإق��ن��اع وال��دل��ي��ل وال�بره��ان ،حم���ذ ًرا من
ت�شويه الدين و�صورته اجلميلة ال�سمحة، داع ًيا �إىل الفهم ال�صحيح للإ�سالم ،بعيدًا ع��ن التطرف والتع�صب ،والغلو يف الدين واح���ت���ك���اره� ،إن��ه��ا �شخ�صية دي��ن��ي��ة ج��ري��ئ��ة، و���ش��ج��اع��ة �صريحة وم��رم��وق��ة ،وم���ن �أب���رز رجاالت الأردن والزرقاء ،خا�صة �إنه ال�شيخ اجلليل ال��ع��امل ال��داع��ي��ة اخلطيب ال��ب��ارز، فار�س املنابر واللغوي الأدي��ب ،الذي ي�شهد ل��ه ك��ل م��ن ع��رف��ه �أو التقى ب��ه� ،أو زاره �أو جال�سه وحت��دث معه ،وا�ستمع �إىل خطبه
ودرو����س���ه ،وك��ل��م��ات��ه وم�����ش��ارك��ات��ه الر�سمية وال�����ش��ع��ب��ي��ة ال���ع���ام���ة واخل���ا����ص���ة� ،إن�����ه عبد ال��ب��اق��ي ج��م��و ،فف�صاحة ل�����س��ان��ه وب�لاغ��ت��ه ب����ارزة �ساطعة وق��وي��ة ،وم��ع�برة ووا���ض��ح��ة، تعك�س �سعة الإط��ل�اع وغ����زارة العلم ودق��ة املالحظة ،وبعد النظر واحلكمة واالعتدال، ومن يتحدث �أمامه يهابه ،خ�شية �أن يلحن �أمامه ،فهو مرجع يف اللغة والدين ،وكان حري�صا �أ�شد احلر�ص وغيو ًرا �شديد الغرية ً على لغة القر�آن الكرمي و�سالمة النطق بها، و�إتقانها ً حفاظا عليها بعيدًا عن التكلف. فكان رحمه اهلل يغ�ضب من الت�شدق والتكلف
وغ��رب��ي �أو �شمايل �أو ج��ن��وب��ي ،فنحن كما قال عليه ال�صالة وال�سالم( :مثل امل�ؤمنني يف توادهم وتراحمهم كمثل اجل�سد الواحد �إذا ا�شتكى منه ع�ضو تداعى له �سائر اجل�سد بال�سهر واحلمى). ل��ق��د ذاع �صيته رح��م��ه اهلل و�أ���ص��ب��ح عل ًما م��ع��رو ًف��ا م�����ش��ه��و ًرا م��ت��م��ي�� ًزا بعمامته التي تعك�س وت��رم��ز �إىل العلم وال��دي��ن واملعرفة وال���دع���وة و�أ���ص��ول��ه ال�شي�شانية ف��ق��د زينه ���س��م��ت ال��ع��ل��م��اء وال���دع���اة وت��وا���ض��ع ال��ك��ب��ار ووق����اره����م ووق���وف���ه اىل ج���ان���ب ال�ضعيف وال�صغري والفقري واملحتاج واملظلوم وابن
وطيوره وجماله. ويف رح���اب ه���ذه امل��دي��ن��ة ال��ك��ب�يرة الرئي�سة م���دي���ن���ة اجل����ن����د وامل���ع�������س���ك���رات وال���ع���م���ال وال�����ص��ن��اع��ة وال���ت���ج���ارة وم�����ص��ف��اة ال��ب�ترول االردن���ي���ة ال��رئ��ي�����س��ة والأوىل ن�����ش���أ ال�شيخ لأب����وي����ن ي���ع���ود ا���ص��ل��ه��م��ا اىل ���ش��ي�����ش��ن��ي��ه يف ب�ل�اد ال�����ش��ي�����ش��ان ال��ت��ي ح��ك��م��ه��ا ال��ق��ي��ا���ص��ره وال�����ش��ي��وع��ي��ون ب���احل���دي���د وال����ن����ار وال��ق��ه��ر وعملوا على حماربة الإ�سالم وامل�سلمني. وقد �صرح ال�شيخ انه يعود ن�سبه اىل ال�شيخ عبد ال��ق��ادر اجل��ي�لاين وان ج��دي��ه احل��ادي الع�شر والثاين ع�شر قدموا من بالد العرب
والتنطع ،و�إذا ما التقيت به وا�ستمعت �إليه، �سرك حديثه ،و�سرعان ما �ألِفته و�أحببته وج��ذب��ت��ك ���س��رع��ة ال��ب��دي��ه��ة ،وروح امل��ب��ادرة وقوة احلجة ،واملثال وتوقد الذكاء وبالغة الل�سان ،وف�صاحته و�صراحته ،ومن قوله: (علينا �أن ن��ك��ون ن�صحاء �أم��ن��اء نتقي اهلل فيها نقول ونحول دون من يريد �أن يعبث ب���أم��ن ه���ذا ال��ب��ل��د ،و�أن ي��ف��رق ب�ين �شرقي
ال�سبيل وطالب العلم .كيف ال وهو رئي�س جلنة زك��اة الزرقاء الرئي�سة لفرتة طويلة وه����و ال�����ذى �أ���س�����س��ه��ا رح���م���ه اهلل مل�����س��اع��دة املحتاجني والفقراء والعائالت امل�ستورة. لقد �أح���ب ال��زرق��اء ال��ت��ي ول��د فيها بتاريخ .1922-12-4ففي رح��اب مدينة ال��زرق��اء، وق�����ص��ر �شبيب و� اً ���ص���ول �إىل �سيل ال��زرق��اء املعروف مبياهه العذبة و�أ�شجاره وب�ساتني
اىل بالد ال�شي�شان. وال يخفى على اجلميع انه ايام القيا�صره واحل���ك���م ال�����ش��ي��وع��ي ال���ظ���امل جل�����أ ال��ك��ث�ير من ال�شي�شان للهجره بدينهم اىل االردن وال�����ع�����راق وب���ع�������ض ب��ل��اد ال�������ش���ام وال������دول العربية حفاظا على ا�سالمهم وهويتهم. ويف الزرقاء در�س ال�شيخ املرحلة اال�سا�سية واالبتدائية واملتو�سطة والثانوية ومتطلبات
53
شخ
صيات ال و س ط ي ة
االلتحاق باالزهر الذي كان ي�شرتط حفظ القران الكرمي لاللتحاق به ،وبعد تخرجه من االزه��ر وبتفوق وح�صوله على االجازة العالية والعاملية عاد اىل الزرقاء ليوا�صل حياته فيها وب��ي��د�أ م�سرية عمله داعيا اىل اهلل عز وجل �إماماً وواعظا وخطيبا مل�سجد ال�شي�شان (م�سجد اب��ي ب��ك��ر) ه��ذا امل�سجد الذي بناه ال�شي�شان. وال �أن�����س��ى ت��ل��ب��ي��ة ���س��م��اح��ت��ه ل��ل��م�����ش��ارك��ة يف م�����س�يرة ال��ع��ل��م��اء الإ����س�ل�ام���ي وامل�����س��ي��ح��ي يف ال�����زرق�����اء ،و�أئ����م����ة امل�����س��اج��د ووع��اظ��ه��ا وخطبائها ،ومن�سوبيها من �أب��ن��اء الزرقاء التي انطلقت بعد �صالة الظهر من م�سجد رق���ي���ة ب���ج���وار دار امل��ح��اف��ظ��ة يف ال����زرق����اء، للتعبري عن ا�ستنكارها و�أهل الزرقاء للعنف والغلو والتطرف ،واالع��ت��داء وقتل النف�س
54
الب�شرية ،وقتل الأطفال والن�ساء والأبرياء والآمنني ،واالعتداء على امل�ساجد واملعابد، وت�شويه الدين الإ�سالمي ،وذلك �إثر �أحداث تفجريات فنادق عمان عام .2007 وي����ع����د ال�������ش���ي���خ ع���ب���د ال����ب����اق����ي م�����ن �أك��ث��ر ال�شخ�صيات التي عملت يف ال�برمل��ان ،وقد ع��م��ل وزي������ ًرا ل��ل�����ش���ؤون ال�ب�رمل���ان���ي���ة ،ورغ���م عمله الطويل يف الربملان وجمل�س الأعيان وال����وزارة ،وتوا�صله مع �أ�صحاب ال��ق��رار يف احلكومة ،والذين يحرتمونه ويقدرونه مل ين�س الزرقاء ،وما حتتاج �إليه. وبعد �صالة الع�شاء من م�ساء يوم الأربعاء ،2016-5-12ويف بيته ان��ت��ق��ل ال�شيخ اىل رح��م��ة اهلل ع��ز وج���ل ،لينعاه �أه���ل ال��زرق��اء و�أه������ل ال��ع��ل��م والأردن وال����ع����امل ال��ع��رب��ي والإ�سالمي ،ولي�شهد �صالة اجلنازة عليه
جم ٌع كبري من امل�صلني ،حتى غ�ص م�سجد ال�شي�شان بامل�صلني بعد �صالة الع�صر ،يوم اخلمي�س ،2016/5/13وق���د ح�ضر جمع غفري لت�شييع جنازته �إىل مقربة ال�شي�شان يف ال�سخنه ،رحمه اهلل و�أ�سكنه الفردو�س الأعلى و�أنزله منازل ال�شهداء ،و�إنا هلل و�إنا �إل��ي��ه راج��ع��ون .وال ح��ول وال ق��وة �إال باهلل العلي العظيم. بفقده فقد �أه���ل ال��زرق��اء والأردن خا�صة والعامل العربي والإ�سالمي� ،شيخ الزرقاء وفقيد الأردن والعامل العربي والإ�سالمي، بانتقاله �إىل رحمة اهلل ،تاركا خلفه ً فراغا ريا ،وعزا�ؤنا فيه؛ �أنه ترك ب�صمة طيبة كب ً و�إجن������ازات ك��ب�يرة م��ن �أب���رزه���ا( :ت�أ�سي�سه مل��در���س��ة ���ص�لاح ال��دي��ن الأي���وب���ي ع���ام 1948
�إث��ر نكبة فل�سطني ،وهجرة ع��دد كبري من �أبنائها �إىل الزرقاء ،و�سماها ال�شيخ امل�ؤ�س�س ب��ه��ذا اال���س��م؛ تيمنا با�سم ال��ف��احت وامل��ح��رر للقد�س ال�شريف ،وما حولها القائد �صالح ال��دي��ن الأي��وب��ي رحمه اهلل ،وا�ستقبلت هذ املدر�سة �أبناء الالجئني ب�شكل خا�ص جما ًنا، وكانت تقدم لهم وجبة �إفطار يوم ًّيا). وكذلك ت�أ�سي�سه جلامعة الزرقاء اخلا�صة، اجل��ام��ع��ة الأوىل يف ال��زرق��اء ،ف��ج��اءت هذه اجل��ام��ع��ة ف��احت��ة خ�ي�ر ،ب����د�أت م��ن اجتماع نخبة م��ن �أه��ل ال��زرق��اء اخل�يري��ن امل�صلني يف بيت ال�شيخ رحمه اهلل ،لت�صبح حقيقة را وه��ا ًّم��ا يف �ساطعة وم��ع��ل�� ًم��ا رئ��ي��� ً��س��ا وك��ب�ي ً حمافظة الزرقاء. وت�أ�سي�سه للجنة زك���اة و���ص��دق��ات ال��زرق��اء الرئي�سة.
وم�شاركته الفاعلة ونخبة طيبة م��ن �أه��ل اخل�ير وم��ن �أب��ن��اء ال��زرق��اء يف ت�أ�سي�س عدد من اجلمعيات اخلريية ومنها: جمعية رعاية الأحداث. اجلمعية اخلريية ال�شرك�سية. اجلمعية اخلريية للرتبية اال�سالمية. جمعية الكتاب الإ�سالمي.وم�شاركته وم�ساهمته الفاعلة يف ميدان العمل التطوعي واالجتماعي ،و�إ�صالح ذات البني ،ووف��ق ما �صرح به الدكتور الفا�ضل حممد �أحمد ر�شيد ومن �أبرزها: .1ق�ضية ع�شائر الدعجة بخ�صو�ص �أرا�ضي ماركا و�صاحلية العابد ،والتي بلغت �آالف ال��دومن��ات ،والتي تعذر حلها ،حتى تدخل ال�شيخ رحمه اهلل يف �ش�أنها ،وتبنى الق�ضية واط��ل��ع على واق���ع احل���ال و�سبب اخل�لاف،
وبعد قناعته باحلل الأم��ث��ل ،كتب تقري ًرا مف�صلاً م��ع��ز ًزا ب��درا���س��ة دقيقة للم�شكلة، مع التن�سيب باحلل املمكن والأمثل ،ورفعه �إىل جاللة امللك احل�سني رحمه اهلل ،الذي �أ�صدر مر�سو ًما ملك ًّيا ،بتنفيذ احلل الذي عر�ضه ال�شيخ رحمه اهلل. .2ق�ضية �أرا�ضي حي اجلندي والر�صيفة؛ هي ق�ضية �شبيهة بق�ضية �أرا�ضي الدعجة. � .3إن ق�ضايا عديدة خا�صة كق�ضايا الذمم وغريها من الق�ضايا الهامة واملعقدة ،هي �أ�سا�س جناحه البارز يف مهمات ر�سمية مت تكليفه بها ،من قِبل الديوان امللكي العامر واحل��ك��وم��ة لإ����ص�ل�اح ذات ال���ب�ي�ن ،وت��ع��زي��ز العالقات بني الدول العربية ،وخا�صة بعد اح��ت�لال ال��ع��راق ل��ل��ك��وي��ت ،وم���ا ت��رت��ب على ذلك من �أثر بالغ.
55
بيانات
ال وسطية
56
بيان المنتدى العالمي للوسطية حول األحداث في الموصل احل��م��د هلل ،وال�����ص�لاة وال�����س�لام على امل���ب���ع���وث رح���م���ة ل��ل��ع��امل�ين��� ،س��ي��دن��ا حممد ب��ن عبد اهلل ،وعلى �آل��ه و�صحبه الطيبني الطاهرين� ،أما بعد: ف� ّإن املنتدى العاملي للو�سطية ،وهو يتابع ويراقب كل حدث عاملي و�إ�سالمي ،فقد �أثار اهتمامه ذلك امل�شهد ال�سيا�سي والع�سكري الذي تعي�شه املو�صل ،بعدما عا�شته من قبل مدينة الفلوجة ومدينة الأنبار وغريهما، وكان ما كان من الدمار والتدمري ،والقتل وال��ت��ق��ت��ي��ل والإ�����ض����رار ب��ك��ل م��ا ي��ع��د دع��ام��ة اقت�صادية واجتماعية و�سيا�سية ،حتى غدت تلك املدن خرا ًبا ال ي�ستقيم مع حالها حال، والينتظر م��ن م�صريها م���آل نحو التقدم والرفعة ورغد العي�ش ،فال�ضبابية يف جميع الأح���وال ،هي �سيدة كل املواقف ال�سيا�سية
واالجتماعية واالقت�صادية والع�سكرية. �إننا و�إذ نحمل امل�س�ؤولية عن هذا الدمار ل��ت��ن��ظ��ي��م ال�����ش��ر داع�������ش ،ل��ن�رى ب������أن خطر التنظيمات الطائفية ،ال يقل �أبدًا عن خطر داع�ش و�أخواتها ،والتي باتت حترق العراق، وتهدد العامل �أجمع. وعليه ،ف���إن املنتدى العاملي للو�سطية، ي��ن��ب��ه ال���ع���امل �أج���م���ع �إىل ����ض���رورة ح��م��اي��ة املدنيني وممتلكاتهم وثرواتهم و�أطفالهم؛ للخروج من واقع م�أزوم �إىل م�ستقبل يكفل لهم احلرية والكرامة الإن�سانية ،والعي�ش امل�شرتك مع كل �أبناء ال�شعب العراقي. واملنتدى� ،إذ يطالب احلكومة العراقية بالوقوف �إىل جانب جميع مكونات املجتمع ال���ع���راق���ي ،وح��م��اي��ة امل��دن��ي�ين ك���ل امل��دن��ي�ين بكل مكوناتهم و�أع��راق��ه��م ،ليعود املجتمع
مي��ا ك��م��ا ك���ان ،لي�أمل ال��ع��راق��ي م��وح��دًا ك��ر ً كذلك م��ن املجتمع ال���دويل� ،أن يرقى اىل م��ب��ادئ احل��ق وال��ع��دال��ة وامل�����س��اواة والإخ���اء التي يتغنى بها ،حتى ي�شمل �أثر تلك املبادئ ال��ط��ي��ف ال���ع���راق���ي ب��ك��ل �أل����وان����ه؛ ان��ت�����ص��ا ًرا للإن�سانية التي ين�شدون. ونحن �إذ نت�ضرع �إليه �سبحانه وتعاىل، �أن ي��ح��ف��ظ �أه��ل��ن��ا يف امل��و���ص��ل ،وك���ل �أه��ل��ن��ا يف ال���ع���راق ،ل��ن���أم��ل �أن ي��غ�ير ال��ن��ا���س م��ا يف �أنف�سهم ،ن�شدا ًنا لتغيري احل��ال �إىل ما هو �أف�ضل .قال تعاىل�ِ ( :إ َّن اهلل ال ُي َغيرِّ ُ مَا ِب َق ْو ٍم َح َّتى ُي َغيرِّ ُ وا مَا ِب�أَ ْن ُف�سِ ِه ْم). الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري
المنتدى العالمي للوسطية يشارك األسرة األردنية في إحياء الذكرى الحادية عشرة لتفجيرات فنادق عمان ي�ستذكر املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان مع ال�شعب الأردين الذكرى احلادية ع�شرة لتفجريات فنادق عمان ،والتي وقعت يف عام ،2005و ُي�شيد ب��اجل��ه��ود امل��ب��ذول��ة ملكافحة الإرهاب والتطرف بكافة م�سمياته و�أ�شكاله، وهذه الذكرى تعود علينا ونحن �أكرث قوة وي��ق��ظ��ة يف م��واج��ه��ة خ����وارج ه���ذا الع�صر، الذين حاولوا العبث ب�أمن وا�ستقرار الأردن و�سالمة �أبنائه. �إن الأفعال الإرهابية اجلبانة ،مل تزدنا �إال ق��وة ومنعة و�صالبة يف مواجهة العاديات، وقوى الظالم الأ�سود التي انتهجت القتل وال��ت�روي����ع ط���ري���ق���اً ل��ت��ن��ف��ي��ذ خم��ط��ط��ات��ه��ا و�أج���ن���دات���ه���ا اخل���ارج���ي���ة ،م��ن�����ص��ب�� ًة نف�سها ق�� ّي�� ًم��ا على ال��دي��ن وال��دن��ي��ا ،ول��ك��ن بعزمية �أبناء الأردن و�أجهزته الأمنية والع�سكرية
وت�����ض��ح��ي��ات��ه��م ال���ت���ي جن���ح���ت يف �إح���ب���اط واج����ت����ث����اث ج������ذور ال���ع���دي���د م����ن اخل�ل�اي���ا الإرهابية قبل تنفيذ �أهدافها. �إن املنتدى العاملي للو�سطية ،وه��و ي�شارك الأ���س��رة الأردن���ي���ة ع��م�ًل اً وف��ك�� ًرا وت��وع��ي�� ًة يف �إح��ي��اء ال��ذك��رى احل��ادي��ة ع�شرة لتفجريات ع��م��ان ،لي�ؤكد �أن��ه �سي�ستمر بعزم و�إ���ص��رار م��ن م��وق��ع��ه يف ت��ق��دمي ال�����ص��ورة احلقيقية ل�ل�إ���س�لام ،وال��ع��م��ل على ت�صويب املفاهيم اخل��اط��ئ��ة ،وتطهريها م��ن ال�����ش��وائ��ب التي حلقت بالإ�سالم احلنيف ،من خالل العودة �إىل النبع ال�صايف والأ�صيل ،وهو كتاب اهلل و���س��ن��ة ر���س��ول��ه عليه �أف�����ض��ل ال�����ص�لاة و�أ ّ مت الت�سليم ،و�سيوا�صل العمل م��ن �أج��ل بناء �أوط������ان خ��ال��ي��ة م���ن ال��ت��ط��رف والإره�������اب، ي�سود فيها االعتدال و�صوت احلق والعدل
والت�سامح ،من �أج��ل تعزيز �أمننا الوطني ون��ه�����ض��ة �أم��ت��ن��ا الإ���س�لام��ي��ة امل���ب���ارك���ة ،من خالل ت�صليب جبهتنا الداخلية ،والتم�سك ب��وح��دت��ن��ا ال��وط��ن��ي��ة ل��ل��ح��ف��اظ ع��ل��ى ن��ق��اء جمتمعاتنا من التطرف والإره��اب والعنف م��ن تبعاته ،و�آث����اره ال�سيئة على الإن�����س��ان والعمران ،بعيدًا عن التوظيف ال�سيء لهذا الإره����اب م��ن ُق��وى ال�شر املرتب�صة ب�أمننا وديننا. حمى اهلل الأردن من كل �سوء .. " َو�إِ ْذ َقا َل �إِ ْب َراهِ ي ُم َر ِّب ْاج َع ْل َهـ َ َذا َبلَداً �آمِ ناً َوا ْر ُز ْق �أَهْ لَ ُه مِ َن ال َّث َم َراتِ ". الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري
57
58
نشاط ا ت ا ل و سطية
توقيع اتفاقية تعاون
مع جامعة قطر /كلية الشريعة
و ّق���ع املهند�س م���روان ال��ف��اع��وري الأم�ين العام للمنتدى العاملي للو�سطية مذكرة تفاهم وت��ع��اون م��ع جامعة قطر ،وج��رى ال��ت��وق��ي��ع ع��ل��ى االت���ف���اق���ي���ة ع��ل��ى ه��ام�����ش امل�����ش��ارك��ة يف امل����ؤمت���ر ال����ذي ع��ق��دت��ه كلية ال�����ش��ري��ع��ة يف ج��ام��ع��ة ق��ط��ر ح����ول �سبل
مكافحة التطرف والإرهاب. وت�ضمنت ب��ن��ود االت��ف��اق��ي��ة :ال��ت��ع��اون يف جم���ال ع��ق��د امل����ؤمت���رات ،وت��دري��ب الأئ��م��ة وال��وع��اظ ،وحم��ارب��ة التطرف والإره���اب، وت��ب��ادل ال��وف��ود وامل��ط��ب��وع��ات ،وامل�����ش��ارك��ة يف ال���ل���ق���اءات ال��ف��ك��ري��ة وال��ث��ق��اف��ي��ة ال��ت��ي
يعقدها اجلانبان يف كافة عوا�صم العامل الإ�سالمي ،ومما يجدر ذكره؛ �أن املهند�س م��روان �شارك يف م�ؤمتر الدوحة ال��دويل ب���ورق���ة ح���ول دور امل��ن��ظ��م��ات ال��ف��ك��ري��ة يف حماربة الإرهاب.
ندوة دور العلماء في مكافحة التكفير في كردستان بالتكفري ونبذة تاريخية ،و�أن���واع التكفري ب�ي�ن اخل������وارج ال���ق���دم���اء واجل������دد� ،أ���س��ب��اب��ه وعالجه ،والرتكيز على االبتعاد عن تكفري ال��ن��ا���س ،و�أن واج��ب��ن��ا ه��و ال��ه��داي��ة ،و لي�س �إ�صدار الأحكام.
يف �إط��ار ن�شاطات املنتدى العاملي للو�سطية يف كرد�ستان ،عقد املنتدى يف �شهر نوفمرب اجلاري ثالث جل�سات تداولية ،وحما�ضرات ملجموعة م��ن ال�شباب م��ن ك�لا اجلن�سني، تناولت ثالثة مو�ضوعات متعلقة بالفكر الإ�سالمي الو�سطي ومكافحة فكر الت�شدد، وذل��ك يف مكتب منتدى الو�سطية يف قاعة -٣حما�ضرة عن الفهم الو�سطي لـ (الرفق و ت��رك الت�شدد) يف التفكري والتعامل مع خا�صة ،وهي كالتايل: النا�س ،من املوافقني معنا �أو املخالفني ،و�أن -١مفهوم الو�سطية ،كما يفهمها ويدعو ال�شاب امل�سلم ،ينبغي �أن يكون كالطبيب؛ �إل��ي��ه��ا امل��ن��ت��دى ال��ع��امل��ي للو�سطية ،يف �ضوء رفي ًقا مب��ن يتعامل معهم ،ويخالفونه يف الفكر وامل��م��ار���س��ة ،و�أن ه��ذا ه��و نهج النبي �إ�صدارات �سل�سلة الفكر الو�سطي. عليه ال�صالة وال�سالم ،وهو ما حثنا عليه � -٢آف��ة التكفري وعالجه :ت�ضمنت تعري ًفا القر�آن الكرمي.
زيارة الوفد الماليزي
للمنتدى العالمي للوسطية
التقى املهند�س م��روان الفاعوري الأمني للمنتدى العاملي للو�سطية بوفد احلركة ال��ع��امل��ي��ة ل��ل��و���س��ط��ي��ة يف م��ال��ي��زي��ا ب��رئ��ا���س��ة ال�����س��ي��د ن�����ص��ار ال���دي���ن ع��ي�����س��ى ال��رئ��ي�����س التنفيذي للحركة ،وج��رى خ�لال اللقاء ب��ح��ث ���س��ب��ل ال���ت���ع���اون ب�ي�ن اجل���ان���ب�ي�ن يف امل��ج��االت ال��ف��ك��ري��ة وال��ث��ق��اف��ي��ة ومكافحة التطرف وتدريب الأئمة والوعاظ ،كذلك
ا�ستمع الوفد من الأمني العام اىل ايجاز عن اجلهود املبذولة من قبل املنتدى يف ن�شر نهج االع��ت��دال والو�سطية يف الأردن والبالد العربية والإ�سالمية ،كما �شاهد الوفد فلماً عن املنتدى والن�شاطات التي ي��ق��وم ب��ه��ا ،وق���د �أع��ج��ب ال��وف��د بامل�ستوى الرفيع ال��ذي و�صل �إليه املنتدى يف ن�شر ال��ن��ه��ج ال��و���س��ط��ي داخ����ل الأردن وخ��ارج��ه
وقد �أبدى رئي�س الوفد الرغبة يف توقيع ات��ف��اق��ي��ة ب�ين اجل��ان��ب�ين م�ستقب ً ال لن�شر ث��ق��اف��ة الو�سطية يف م��ال��ي��زي��ا ويف ال���دول املجاورة للإ�ستفادة من خربات املنتدى يف جمال ن�شر ثقافة الإعتدال وال ّت�سامح من خالل الربامج التي يقيمها املنتدى.
االجتماع األول للجنة التحضيرية للمؤتمر الدولي القادم لعام 2017 (من جراح الواقع إلى أمل المستقبل) ع���ق���دت ال��ل��ج��ن��ة ال��ت��ح�����ض�يري��ة ل��ل��م���ؤمت��ر ال�������دويل ،ال�����ذي ي��ع��ت��زم امل���ن���ت���دى ال��ع��امل��ي ل��ل��و���س��ط��ي��ة ع���ق���ده يف رب���ي���ع ع�����ام ،2017 اجتماعها الأول بح�ضور �أع�ضاء اللجنة، وج����رى خ�ل�ال االج���ت���م���اع ،ب��ح��ث امل�����س��ودة امل����ق��ت�رح����ة مل�����ح�����اور امل��������ؤمت�������ر ،وق���دم���ت جمموعة كبرية من الأف��ك��ار ح��ول عنوان جامع للم�ؤمتر ،و�أه��داف��ه ،بحيث تتالءم مع الواقع املُعا�ش حالياً ،وقد ّ مت االتفاق
ع��ل��ى درا����س���ة امل�����س��ودة امل��ق�ترح��ة ،و�إج����راء التعديل ال�لازم عليها ،وذل��ك لعر�ضها يف االجتماع القادم ،مع الأخذ بعني االعتبار ال�ترك��ي��ز ع��ل��ى امل�����ش��اك��ل ال��ت��ي ت��ع��اين منها الأمة ،وبلورة حلول فكرية وثقافية تعالج ه��ذه امل�شاكل ،التي ت����ؤرق ال��ع��امل العربي والإ�سالمي حالياً. وقد ح�ضر االجتماع كلاًّ من: املهند�س مروان الفاعوري /الأمني العام
للمنتدى ،ومعايل الدكتور حممد الوح�ش، والأ����س���ت���اذ م����أم���ون ال��ت��ل��ه��وين ،وال��دك��ت��ور حممد الروا�شدة ،والدكتور رائد عكا�شة، والدكتور �سليمان ال��رط��روط ،والدكتور عزمي طه ،والدكتور مازن الفاعوري ،من جلنة التنظيم امل��ايل والدعم اللوج�ستي، وال��دك��ت��ور زي��د �أح��م��د املحي�سن /املن�سق العام للم�ؤمتر.
59
نشاط ا ت ا ل و سطية
60 كلمة األمين العام في تأبين المرحوم مصطفى الواكد
ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.. ق���ال اهلل ت��ع��اىل يف محُ��ك��ـَ��م ك��ت��اب��ه ال��ع��زي��ز: ( َيا �أَ َّي ُتهَا ال َّن ْف ُ�س المْ ُ ْط َم ِئ َّن ُة ا ْرجِ عِي �إِلىَ َربِّكِ ا�ض َي ًة َم ْر ِ�ض َّي ًة َفاد ُْخلِي فيِ عِ َبادِي َواد ُْخلِي َر ِ َج َّنتِي)� .صدق اهلل العظيم. بقلوب م�ؤمنة ونفو�س را�ضية بق�ضاء اهلل وقدره ،جنتمع اليوم اجتماعنا هذا لت�أبني علم من �أع�لام الفكر والثقافة ،وط��ود من ٍ �أط���واد العمل االجتماعي والعطاء ال�ّث�رّ يّ املتن ّوع ،مبا يحمله من فكر م�ستنري ،وذائقة �أدبية مبدعة ،و�سلوك اجتماعي ق ّيم. فنحن عندما نتحدَّث عن املرحوم م�صطفى الواكد بعطاءاته و�إجنازاته ،الب َّد و�أن جند �أن��ـّ��ه ك��ان عالمة فارقة ومُتم ِّيزة يف طريق ال�صعود الفكري والثقايف ،مبا ا�ستطاع �أن ُيعطيه منذ �أن اعتلى منابر الفكر وجماالت املعرفة .وباعتبار �أن��ه كان جن ًما من جنوم العطاء وال��ب��ذل يف �ساحة العطاء مبيدان اخل���دم���ة االج��ت��م��اع��ي��ة؛ ت���ك���ون ه��ن��ا قيمة الإن�سان ،فهو حني مي��وت� ،إمن��ا يرحل عن ال��دن��ي��ا بج�سده ف��ق��ط ،ول��ك��نَّ ذك���ره و�أث���ره ي��ب��ق��ي��ان م���ن ب���ع���ده ،ومي����ت����دّان م���ن خ�لال عمله ال�صالح وال��ن��اف��ع مل��ن ح��ول��ه .وال���دال على ذلك ،ما َو َر َد يف احلديث ال�شريف قول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم�" :إ َذا م َ َات ا ْب ُن �آ َد َم ا ْن َق َط َع َع َم ُل ُه ِ�إال مِ نْ َثالثٍ �َ :ص َد َق ٍة َجا ِر َيةٍ� ،أَ ْو عِ ْل ٍم ُي ْن َت َف ُع ِبهِ� ،أَ ْو َو َلدٍ َ�صال ٍِح َي ْدعُو َله ".
�ين ب����أ َّن مَ��ن ع��ا���ص��روا امل��رح��وم و�أن���ا على ي��ق ٍ م�����ص��ط��ف��ى ال����واك����د� ،أو ���س��م��ع��وا ب�����س�يرت��ه، �سيبقون يذكرونه �إىل الأب��د ،و�إذا �أردمت �أن ت��ع��رف��وا املُخلِ�صني بيننا ف��ان��ظ��روا �إليهم، ك��م ي��ذك��رون ال��ط�� ِّي��ب�ين م��ن ال��ذي��ن رح��ل��وا، وت��ذك��ـ��روا ق��ول ر���س��ول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم لأح��د �أ�صحابه�" :أَ ْكثرِ ُ وا ِذ ْك��� َر هَ��اد ِم ال َّل َّذاتِ َفما مَا َذ َك َر ُه �أَ َح ٌد فيِ ِ�ضيقٍ �إِ َّال َو َّ�س َعهُ، َو َال َذ َك َر ُه فيِ َ�س َع ٍة �إِ َّال َ�ض َّي َقهَا َعلَ ْي ِه ".
لقد عرفت املرحوم منذ وقت طويل ً نا�شطا وم��ث��ق�� ًف��ا ،و�أدي��� ًب���ا وم��ف��ك�� ًرا ومهت ًما بالعمل العام ،ومبد ًعا فيه ،يخدم الآخرين بتفانٍ وحم���ب���ة .وق���د ع��م��ل امل���رح���وم يف ع����د ٍد من ال���وزارات وامل�ؤ�س�سات احلكومية ،كما عمل م�ست�شا ًرا لرئي�س املجل�س الأعلى لل�شباب، وتخ َّلل تلك الفرتات عمله يف العديد من امل���واق���ع الإداري�������ة وال��ه��ن��د���س��ي��ة يف ال��ق��ط��اع اخل��ا���ص يف الأردن ويف اخل����ارج .ويف حقل ال��ث��ق��اف��ة والأدب ،ك���ان م���ن �أب�����رز ال��وج��وه الثقافية يف مدينة ال�سلط .ه��ذا وق��د كتب املرحوم العديد من الكتابات منها :مقاالت يف ال�صحف الأردنية يف مو�ضوعات حملية واجتماعية متعددة ومتنوعة وخمتلفة. وكثري ٌة هي املواقف التي عا�شها ك ٌّ��ل منكم مع الفقيد ،وربمَّ��ا بع�ضكم ال يعرفه ،لكنه �أت��ى اليوم لت�أبينه ،وه��ذا �إن ّ دل على �شيء، ف��ي��دل ع��ل��ى � ّأن الإن�����س��ان��ي��ة �سمة طهرانية راق���ي���ة ون��ب��ي��ل��ة ،ح�ي�ن ن��ت��ح��ل��ى ب��ه��ا ن��ر���ض��ي فالإن�سان ال ميوت مبُج َّرد �أن ينقطع نف�سه �ضمائرنا ،ونبهج نفو�س الآخرين� .أما حني فر�صا يف وت���خ���رج روح����ه �إىل ب��ارئ��ه��ا؛ ف��الأ���ش��خ��ا���ص نتخلى عنها ،ف�إننا حت ًما نخ�سر ً امل��ب��دع��ون وامل��ت��م��ي��زون وامل�����ؤث����رون يف ه��ذه احلياة من امل�ستحيل تعوي�ضها. مم���ن ك��ت��ب��وا ،وخ��ط��ـّ��وا م�سريتهم ال��دن��ي��ا؛ ّ البطول ّية ،والذين تفانوا ،وقدَّموا �أنف�سهم حفلنا ال��ك��رميُ ،تع ّلمنا ه���ذه امل��واق��ف ب���� ّأن و�أم��وال��ه��م خ��دم�� ًة لغريهم ،تبقى ذك��راه��م ه���ن���اك م���ن ي��ق��دم��ون ل��ن��ا ال��ك��ث�ير دون �أن خم��ل��دة ،و�سريتهم عطرة وباقية ال تفنى ينتظروا منا املقابل ،تعلمنا ب�أن العطاء يف احلياة يجب �أن يكون لأجل �إر�ضاء الذات ال كما يفنى اجل�سد.
لإ�شباعها ،و� ّأن احلب والعطاء ال ينبعان �إال من القلوب النقية وال�صافية .هذه املواقف ي��ج��ب �أن ت���أخ��ذن��ا لكيفية �أن ن��ت��ع��ل��م حب الآخ��ري��ن ،ف��الأح��داث ت�أتي ف��ج���أة ،واحلياة تتغري ب�سرعة ،وتنقلب �أمورها �صدفة ،قد نخ�سر فيها عزي ًزا دون �أن ي�سمح لنا الزمان �أن نودعه ،وه��ذا �أم��ر ال حيلة لنا فيه ،لكن ح�ين نفقد ع��زي�� ًزا �أح�� ّب��ن��ا ،ومل ن��وفِ��ه حبه، َت�� َذ ّك�� َرن��ا وتنا�سينا �أم����ره ،و���ص��لَ��ن��ا وقط ْعنا و�صله� ،أكرمَنا فن�سينا �شكره ،حني يحدث ذل��ك ،لنكن على علم �أن الزمن لن ي�سمح لنا بعودته ،و�أن ال�ضمري احلي لن ي�شفع لنا لنمار�س ال�سهو طيلة حياتنا. وكان املرحوم من ه�ؤالء الذين ال ينبغي �أن تنتهي حياتهم بحياتنا ملُج َّرد �أنهم رحلوا، �إمن��ا انتقلوا �أب��دا ًن��ا فقط ،وبقيت ذكراهم وم��واق��ف��ه��م ،وع��ط��اءات��ه��م ال��ت��ي ي��ج��ب �أن تظ ّل تتفاعل يف داخ��ل��ن��ا ،فنعك�سها ك�أمانة �إىل الأج��ي��ال الالحقة .ل��ذا ،فقد ر�أي���تُ � ّأن بع�ض النا�س ي�صبحون كبا ًرا حني يذكرون الآخ��ري��ن :فال يكون الأخ � ًأخ��ا �أو ال�صديق
���ص��دي�� ًق��ا ،ح��ت��ى ي��ذك��ر �أخ�����اه يف ث��ل�اث :يف حمنته ،ويف غيابه ،وبعد وفاته .لذا ،يجب �أن نعي�ش ه�����ؤالء ،ون���ـ���د ِّور ع��ط��اءات��ه��م �إىل الأجيال الالحقة. طموحا لقد �أوف��ى عطا ًء ب�سخاء ،زاد فينا ً باملزيد ،لهذا ،ال ن�صدّق �أن��ه رح��ل ،وعندما نوقن بال َقدَر ون�ست�سلم للق�ضاء الذي الب َّد منه ،ولي�س لنا فيه من مفر ،تزداد فاجعتنا �أملًا و� ًأ�سى وح�سرة. �إن��ه��ا �أن�����ش��ود ُة امل��ن��اج��ا ِة وال��ف��ج��ي��ع��ةِ� ،صامت ُة �أب��ل�� ُغ من ال��ق��ول ،ولكنها � ً أي�ضا م�س�ؤوليتنا ��وح��دة يف غيابه ،والتفج ِع تهب م َّ جميعناُّ ، ع��ل��ى رح��ي��ل��ه ،وه���ي ب�لا ���ش��ك ب������إرادة ال��ع��زم والأم������ل ال����ذي غ��ر���س��ه ف��ي��ه��ا ت��ن��م��و وت��ك�بر وتزهر ،فذلك هو العهد املكني الذي جندّده اليوم لروحه. وم���ع ج�ل�ال احل�����زن ،ي��ب��ق��ى ج��م��ال ال��وف��اء �أقوى و� ُّ أحق به َّمة الرجال ،وعمق امل�س�ؤولية جتاه حممود وري��ثِ الأجم��اد ،وحاملِ لواء الأج��داد املجدد ،املبدع املعبرّ ،املوحد �شع ًرا ثقاف ًة و�شع ًبا وهوية.
� ّإن م��وت��ك امل��وج��ع ي��ا م�صطفى ،ه��و �إِح��ي��ا ٌء وحدت فينا الفرح جتديديٌّ مل�سريتك ،فقد َّ والأم��ل وك�� َّل القيم النبيلة ،وكنت الإن�سان ف��ي��ن��ا ،و���س��ت��ظ ُّ��ل يف ك���� ّل م���ول���ود ل���ن���ا ،ف���أن��ت احلا�ضر الغائب ،و�أنت الغائب احلا�ضر ،فلم ترحل عنا �إال لنا ،ول��ن ترتكنا لأن��ك فينا، �ستظل معنا لأنك تركت لنا ما يجعلنا نقول لك �إىل اللقاء ولي�س ال���وداع ،لك ال�شموع ُت�ضاء لأنك كنت ال�شمعدا َن فينا ،لك دموع ال��وف��اء ،كيف ال؟ ويف ك�� ّل ���ش��ارع �أو ح ٍّ��ي يف ال�سلط ،لك ذك��ر و�أث���ر ،وكنت يا م�صطفى قبل ك�� ّل ه���ذا ,وم��ع ك�� ّل ه��ذا وب��ع��د ك��ل هذا مثق ًفا وم��ب��د ًع��ا خ�َّل�اَّ ًق���ا ،ف�� َن�� ْم ه��ان�� ًئ��ا قرير العني� ،أيها الأخ الكرمي والرفيق العزيز. ويف النهاية ،ف�إنني �أتقدم بال�شكر اجلزيل للإخوة الذين �أعدَّوا هذا اللقاء ،و�أمتنـَّى �أن يذكروا املرحوم خري ذكر ،و�أدعوكم لقراءة �سورة الفاحتة على روحه الطاهرة .فلروحه ال�����س�لام ،و�إىل اجل��ن��ة م��ث��واه��� ،س�لا ٌم عليكم و�سال ٌم لكم ،و�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون.
61
نشاط ا ت ا ل و سطية
62
دورة تدريبية حول مهارات التواصل والتخطيط في الخطاب المسجدي
ع��ق��د امل��ن��ت��دى ال��ع��امل��ي ل��ل��و���س��ط��ي��ة -ف��رع ت���ون�������س ،ب��ال��ت��ع��اون م���ع ج��م��ع��ي��ة ال���دع���وة والإ���ص�لاح ب�صفاق�س عا�صمة االقت�صاد، ب��ت��اري��خ � 2أك��ت��وب��ر ،2016دورة تدريبية ب��ع��ن��وان "مهارات ال��ت��وا���ص��ل يف اخل��ط��اب امل�����س��ج��دي الو�سطي" ،ح�����ض��ره م��ا يزيد ع���ن 150ك������اد ًرا م���ن ال���دع���اة واخل��ط��ب��اء واملر�شدات. وت�����أت����ي �أه���م���ي���ة ال�������دورة ب��اع��ت��ب��ار خطبة اجل���م���ع���ة ف���ر����ص���ة ل���ب���ن���اء وع�����ي �إ����س�ل�ام���ي مب�����ش��ك�لات ال���واق���ع وامل�����س��اه��م��ة يف حلها؛ لأن اخل��ط��اب ديني احل��ايل حم ّنط حي ًنا وجمنح حي ًنا �آخر ،منك ًرا ملفردات الواقع، �ساه ًما ع��ن ال��وج��ود ،وق��د ظلت اخلطبة غ��ال�� ًب��ا ،طق�ساً دين ًّيا فح�سب ،يقبل عليه
امل�����ص��ل��ي يف ���ش��غ��ف ي��ط��ب��ق �أوام�������ر ال��ن��ب��ي بحذافريها ...." .وم��ن لغى ف�لا جمعة له" ،ف��ي��ج��د ن��ف�����س��ه يف غ���ال���ب الأح���ي���ان ين�صت �إىل �إ�سالم انفعايل �أو �شعائري يف �أف�ضل احل���االت ،يركز على ق��راءة املتون واحل��وا���ش��ي وال��دي��ب��اج��ات� ،إن �أهمية هذه ال����دورة ل�تراك��م اجل��م��ود ،م��ن �أج���ل �إم���ام خطيب يفهم املكان والأوان ،ويفر�ض ردًّا جميلاً بتبيان حقيقة الإ���س�لام وينف�ض ع��ن��ه م���ا ران م���ن ت��ك��ل�����س وت�������ش���وه ،ك��ان��ت ال��دورة ناجحة من حيث �أثرها الإيجابي على املتدربني ،وق��دم امل�شاركون يف نهاية ال��دورة ال�شكر للمنتدى على كرم الوفادة وللم�شرفني على جهودهم لعقدها.
دورة دور المرأة في التوازن األسري ومقاومة الغلو
ع��ق��د امل��ن��ت��دى ال��ع��امل��ي للو�سطية /تون�س بتاريخ 2016/9/30دورة تكوينية بعنوان "دور امل��ر�أة يف ال��ت��وازن الأ���س��ري ومقاومة الغلو" وت���ه���دف ال������دورة �إىل ب��ي��ان ال���دور الأ�سا�سي ال��ذي ت�ؤديه امل��ر�أة يف هذا املجال، را يف تربية خ��ا���ص��ة و�أن��ه��ا تلعب دو ًرا ك��ب�ي ً الأبناء ،وتقوية املفاهيم الرتبوية والدينية لديهم.
وب�� ّي��ن��ت امل��درب��ة ف�ضيلة اجل��ب�لاوي خطر ف��ق��دان ال��ت��وازن داخ��ل الأ���س��رة و�آث����اره على الأب��ن��اء واالن��ح��راف واالن��ت��ح��ار ،و�أوردت يف امل��داخ��ل��ة �أرق��ا ًم��ا مفزعة ع��ن واق���ع تطرف ال�شباب يف ت��ون�����س ،مبنية على �إح�����ص��اءات ر���س��م��ي��ة؛ ح��ي��ث ت��ت��ح��دث ت��ق��اري��ر تون�سية وغ��رب��ي��ة ع���دة ع��ن ظ��اه��رة م��ث�يرة للجدل، ت��ع��رف��ه��ا ت���ون�������س اخل���������ض����راء ،وت��ت��م��ث��ل يف
الإقبال الالفت لل�شباب على االنخراط يف اجلماعات التكفريية يف الداخل واخل��ارج، وال�����س��ف��ر �إىل ب�����ؤر ال��ق��ت��ال خل��و���ض لهيب املعارك كوقود يف لعبة الكبار .هي معارك ال م�صلحة لتون�س كدولة فيها ،وال ميكن �إال �أن تعود عليها ب��ال��وب��ال بعد ع��ودة هذا ال�شباب املغرر به �إىل بالده ،وموا�صلته حمل ال�سالح بوجه امل�ؤ�س�سات ال�شرعية لدولته.
دورة «دور الخطباء والمعلمين في تعزيز السلم االجتماعي»
عقد املنتدى العاملي للو�سطية فرع اليمن، ي���وم اخلمي�س امل��واف��ق 2016/8/18دورة تدريبية بعنوان "دور اخلطباء واملعلمني يف ت��ع��زي��ز ال�����س��ل��م االجتماعي" مل��ت��درب�ين ع��دد ( )20من اخلطباء واملعلمني يف عدن وامل��ن��اط��ق امل���ج���اورة ل��ه��ا ،وط����رح ف��ي��ه��ا ع��دد من النقاط الرئي�سية واملهارات التي يجب �أن يتفنها اخلطيب واملعلم؛ كونهم املنابر الرئي�سية ملخاطبة خمتلف فئات املجتمع. وه���دف���ت ال�������دورة �إىل �إك�������س���اب امل��ت��درب�ين م��ه��ارات االت�صال والتوا�صل مع اجلمهور
امل�ستهدف ،وتعزيز قيم الو�سطية وتنوير الطلبة وجمهور امل�صلني مبخاطر الإرهاب والتطرف ،وتطبيقات عملية خالل الدورة، وق����د وزع�����ت ع��ل��ى امل�����ش��ارك�ين �أوراق عمل ب��امل��و���ض��وع ،ع��ل��م��اً ب����أن ه���ذه ال�����دورة تهدف �إىل ت��وع��ي��ة امل�����ش��ارك�ين ب���أه��م��ي��ة الو�سطية واالع��ت��دال؛ ل�صد هجمات املتطرفني عن الإ�سالم ،ومنع انت�شاره وتنويرهم باملفاهيم اخلاطئة ،مما ي�ؤثر على اال�ستقرار والأمن املجتمعي. وح��ق��ق��ت ال����دورة وال��ت��ي ح�ضرها ع���دد من
اخلطباء واملعلمني عددًا من الأهداف وهي: • �إحياء ر�سالة امل�سجد يف ن�شر التوعية. • غ��ر���س ق��ي��م ال��دي��ن وال�����س��ن��ة ال��ن��ب��وي��ة: كالت�سامح والتعاي�ش ،واحرتام الآخر. • �إعطاء املعلم حقه يف العمل. • ال�سعي لتوجيه امل�ؤ�س�سات الإعالمية يف ن�شر مبد�أ التعاي�ش. وقد حا�ضر يف الندوة املدرب الدويل �شوقي القا�ضي ،ووزع��ت يف الندوة كذلك كتيبات وم��ط��ب��وع��ات ����ص���ادرة ع���ن امل��ن��ت��دى ال��ع��امل��ي للو�سطية.
إطالق تطبيق الهواتف الذكية الخاص بالمنتدى العالمي للوسطية ي�سرنا �أن نعلمكم بخرب �إطالق التطبيق الإلكرتوين اخلا�ص باملنتدى العاملي للو�سطية على ، Androidراجني من ذلك �أن تعم الفائدة للجميع. مل�شاهدة التطبيق الإلكرتوين: https://play.google.com/store/apps/details:
63
نشاط ا ت ا ل و سطية
64
المنتدى العالمي للوسطية يناقش مفهوم الدولة المدنية ا���س��ت��ك��م اً��ال ل��ل��ن��دوات ال��ت��ي ي��ع��ق��ده��ا امل��ن��ت��دى العاملي للو�سطية لغايات مكافحة الإره��اب والتطرف ،ون�شر الفكر الديني والثقايف ،عقد املنتدى يوم ال�سبت املوافق 2016/11/5ندوة بعنوان "الدولة املدنية والإ�صالح ال�سيا�سي يف الأردن" ،وافتتحت ال��ن��دوة بكلمة الأم�ين العام للمنتدى املهند�س م��روان الفاعوري، منوذجا ال��ذي ب�ين �أن ال��دول��ة املدنية متثل ً لي�س �ضد الدين ،و�إمن��ا ملواجهة اال�ستبداد، وه��و م�����ش��روع مت��دي��ن للممار�سة ال�سيا�سية لكتلة و�سطية ،تلغي العلمانية امل��ل��ح��دة �أو املا�ضوية املتطرفة. و�أ�شار الفاعوري �إىل مقومات الدولة املدنية وهي :ال�شرعية الد�ستورية /ال�سلطة العليا لل�شعب /ال�سيادة للقانون /ال �سلطة من دون م�س�ؤولية ،وال م�س�ؤولية من دون حما�سبة / �ضمان حقوق اجلميع. ويف ال����ورق����ة الأوىل ،ب�ي�ن ال���دك���ت���ور م���ازن ال�ساكت �أن مفهوم الدولة املدنية �أتى يف �سياق جمموعة تغيريات ح�صلت يف املنطقة. و�أ�����ش����ار ال�����س��اك��ت �إىل �أه����م ت��ع��ري��ف ل��ل��دول��ة املدنية ،ه��و :دول��ة �سيادة ال��ق��ان��ون� ،أي دول��ة الد�ستور والقوانني وحماية احلريات والر�أي الآخر ،ودولة حماية حرية العبادة للجميع. وح��ول رب��ط ال��دول��ة املدنية مبفهوم الدولة العلمانية ،نفى ال�ساكت �أن يكون هناك �أي راب����ط ب�ي�ن امل��ف��ه��وم�ين؛ وذل����ك لأن ال��دول��ة ال��ع��ل��م��ان��ي��ة ال ت���ؤم��ن ب��دي��ن بعك�س امل��دن��ي��ة، التي تقد�س وحت�ترم الدين كم�صدر للقيم ال�����س��ل��وك��ي��ة والأخ��ل�اق����ي����ة واح����ت���رام ح��ري��ة العبادات. وح���ول م��و���ض��وع م��ق��وم��ات وع��ن��ا���ص��ر ال��دول��ة امل��دن��ي��ة ،ب�ين ال��دك��ت��ور �أم�ي�ن م�شاقبة بع�ض امل��ق��وم��ات ال��ت��ي تبنى عليها ال��دول��ة املدنية وهي: .1املواطنة. � .2سيادة القانون. .3عدم التمييز بني املواطنني. .4احلرية للأفراد.
و�أ���ش��ار امل�شاقبة يف كلمته� ،إىل �أن النهو�ض باملجتمع ال ي��ك��ون �إال م��ن خ�ل�ال النهو�ض باحلالة الذهنية ،فهي �أداة التغيري احلقيقية. وق�سم امل�شاقبة عنا�صر ال��دول��ة املدنية �إىل ت�سعة عنا�صر وهي: .1ال�شرعية الد�ستورية وال�سيا�سية. .2الأمة م�صدر ال�سلطات. .3ال�سيادة للقانون. .4ال �سلطة من دون م�س�ؤولية ،وال م�س�ؤولية من دون حما�سبة. .5حماية و�ضمان حقوق اجلميع دون متييز �أو حتيز. .6العي�ش امل�شرتك بني كافة مكونات املجتمع والت�سامح واحرتام الر�أي. .7ب��ن��اء امل���ؤ���س�����س��ات وا���س��ت��ن��اده��ا �إىل مفهوم امل�ؤ�س�سية. .8الف�صل بني ال�سلطات. .9كفالة حرية االعتقاد والتدين واح�ترام احلرية الدينية. ويف الورقة الأخرية ،ناق�ش الدكتور عبد اهلل �إب��راه��ي��م زي��د الكيالين ال��دول��ة املدنية ،من ناحية �أن الإ���س�لام هو الدين الوحيد الذي ت�أ�س�س على مراعاة حقوق الأفراد والت�سامح، واملحبة واحرتام الر�أي ،وهذه هي القيم التي تقوم عليها الدولة املدنية.
وطرح الكيالين وثيقة املدينة كنموذج للدولة املدنية ،وقال �أنها د�ستور يهدف بالأ�سا�س �إىل تنظيم العالقة بني جميع طوائف وجماعات امل��دي��ن��ة ،وع��ل��ى ر�أ���س��ه��ا امل��ه��اج��رون والأن�����ص��ار وال��ف�����ص��ائ��ل ال��ي��ه��ودي��ة وغ�ي�ره���م ،يت�صدى مبقت�ضاه امل�سلمون واليهود وجميع الف�صائل لأي عدوان خارجي على املدينة ،وهذا البند يبني مفهوم التعاي�ش بني الأدي��ان وخمتلف الطوائف والأفراد. وذك��ر الكيالين بع�ض البنود امل��ذك��ورة التي ج��اءت بها وثيقة املدينة ،م�ؤكداً من جديد، �أنها ت��دل على �أنها وثيقة ت�شري �إىل الدولة املدنية واحرتام الآخر ومنها: .1ح���م���اي���ة �أه������ل ال����ذم����ة والأق����ل����ي����ات غ�ير الإ�سالمية. .2حرية االعتقاد وممار�سة ال�شعائر مكفولة لكل ف�صائل ال�شعب. .3اال�ستقالل املايل لكل طائفة. .4وجوب الدفاع امل�شرتك �ضد �أي عدوان. .5حق الأمن لكل مواطن. وانتهت فعاليات ال��ن��دوة التي ح�ضرها عدد ك��ب�ير م���ن ال�����ش��خ�����ص��ي��ات ال��ع��ل��م��ي��ة وال��ع��ام��ة ب��ج��ل�����س��ة ن��ق��ا���ش��ي��ة ،ط����رح خ�لال��ه��ا احل�����ض��ور العديد من الأ�سئلة التي متت الإجابة عليها من قبل املحا�ضرين.
المنتدى العالمي للوسطية
ندوة التعايش هو أساس النهوض بالمجتمع ا���س��ت��ك��م اً��ال ل��ل��ن��دوات ال��ت��ي ي��ع��ق��ده��ا امل��ن��ت��دى العاملي للو�سطية لغايات مكافحة الإره��اب والتطرف ون�شر الفكر الديني والثقايف ،عقد املنتدى يوم ال�سبت املوافق 2016/10/15ندوة بعنوان "دور التعاي�ش يف اال�ستقرار وال�سلم االجتماعي" ،واف ُتتحت ال��ن��دوة التي �أداره��ا ال�شيخ عبد الرحيم ال��ع��ك��ور بكلمة الأم�ين العام للمنتدى املهند�س م��روان الفاعوري، ال���ذي ب�ّي�نّ �أن الع�صر ال���ذي نعي�ش ف��ي��ه هو ع�صر التكنولوجيا والإنرتنت والف�ضائيات، وقد تغريت فيه مفاهيم كثرية ،وا�س ُتحدثت علوم جديدة ،وظهرت ثقافات متنوعة ،مما ي�ستدعي وجود خطاب توعوي را�شد. و�أ����ش���ار �إىل �أن ال��ع��ل��م��اء وامل��ث��ق��ف�ين ي��ج��ب �أن يعملوا على تعزيز مفهوم العي�ش امل�شرتك والتعاي�ش ال�سلمي� ،إ�ضافة �إىل جهود الأ�سرة وامل��در���س��ة ،ومنظمات املجتمع امل���دين ،ودور العبادة ،وو�سائل الإعالم. ويف الورقة الأوىل التي قدمها الدكتور منذر حدادين بعنوان "العي�ش امل�شرتك �..ضرورة للبقاء"� ،أكد �أنه ال ميكن قيام التعاي�ش بني �إن�سان يعمل لتحقيقه بجد وبني �آخر ي�شغل نف�سه ب���أف��ك��ار �أن��ه الأرف���ع والأع��ل��ى ق���د ًرا ،بل ي��ج��ب االل���ت���زام مب��ب��ادئ ال�����س��م��اح��ة والعي�ش امل�شرتك. وب�ّي�نّ ح��دادي��ن �أن االن�سان ال يجب �أن يقف موقف احلياد مل�شاهد القتل والذبح ،بل عليه �أن يتخذ ال����ر�أي ال�����ص��ارم ب����أن ه��ذه الأف��ع��ال �إج��رام��ي��ة ،وال يحق لأح���د ا�ستباحة ال��دم��اء لأي �سبب كان. �أم����ا ال���ورق���ة ال��ث��ان��ي��ة ،ف��ك��ان��ت ب��ع��ن��وان "دور امل���ؤ���س�����س��ات ال�ت�رب���وي���ة وم��ن��ظ��م��ات امل��ج��ت��م��ع يف ن�شر ث��ق��اف��ة العي�ش امل�شرتك" ،وقدمها ال��دك��ت��ور يا�سني ال��روا���ش��دة ،ال��ذي �أ���ش��ار �إىل �أن العنوان الذي جاءت فيه هذه الندوة مهم ج��دًّا؛ فالعي�ش امل�شرتك �ضرورة حياتية من �أجل البقاء. واه��ت��م ال��روا���ش��دة بق�ضية ا�ستغالل الأدي���ان لتربير الأع��م��ال الإج��رام��ي��ة التي تقوم بها جماعات الكفر والطغيان :كا�ستغالل الدين الإ�سالمي ،وا�ستخدامه من قبل قوى ال�شر ال�ستباحة القتل وه��و منها ب���راء ،فهو دي ٌ��ن
يدعو �إىل املحبة وال�سالم. ويف الورقة التي قدمها الدكتور حمدي مراد، �أ�شار �إىل دور العلماء والنخب يف تعزيز ثقافة ال�سلم املجتمعي ،وخل�صه يف نقاط عدة وهي: .1ت��ن�����ش��ئ��ة الأج���ي���ال ع��ل��ى حم��ب��ة اهلل وق��ي��م الإ�سالم. .2تنبيه ك��اف��ة �أف����راد املجتمع �إىل ���ض��رورة حتقيق مفهوم التعاي�ش؛ ملا له من �أثر كبري يف نهو�ضه وتطوره. .3ب���ث روح ال���ت���ع���اون يف امل��ج��ت��م��ع ال���واح���د ومبختلف �أطيافه. واخ�� ُت��ت��م��ت ال���ن���دوة ب��ك��ل��م��ة ال���دك���ت���ور زك��ري��ا ال�شيخ ،ال���ذي ب�ّيننّ م�صطلح العي�ش ب����أن له
عالقة وثيقة مب�صطلح الآخرين واالعرتاف ب�أنهم موجودون من مبد�أ االعرتاف بالآخر؛ بهدف تقبل ثقافة االختالف التي ت�ؤدي �إىل تعلم العي�ش امل�شرتك والقبول بالتنوع. و�أ�شار ال�شيخ �إىل �أهمية ال��دور الإعالمي يف ن�شر ه��ذا املفهوم ،والت�أكيد على العمل به؛ لأن الإع�لام هو املنرب الأ�سا�سي ال��ذي ي�صل لكل �أ�سرة. وانتهت فعاليات ال��ن��دوة التي ح�ضرها عدد ك��ب�ير م���ن ال�����ش��خ�����ص��ي��ات ال��ع��ل��م��ي��ة وال��ع��ام��ة بجل�سة نقا�شية ،ط��رح احل�ضور من خاللها العديد من الأ�سئلة التي متت الإجابة عليها من قبل املحا�ضرين.
65
نشاط ا ت ا ل و سطية
66
األمين العام للمنتدى العالمي للوسطية يلتقي وزير الدولة الماليزي
يف ر�سالتنا الإ�سالمية ال�سمحة. وخ��ل�ال ال��ل��ق��اء وج���ه امل��ه��ن��د���س ال��ف��اع��وري الدعوة للوزير املاليزي حل�ضور م�ؤمتري املنتدى اللذين �سيقيمهما املنتدى يف كل من اجلزائر وعمان خالل �شهري دي�سمرب /2016وابريل 2017/يف �إطار �سعي املنتدى لتعميم فكره ون�شاطه. وق���د ح�ضر ال��ل��ق��اء الأ���س��ت��اذ ال��دك��ت��ور داود عبد امللك احلدابي ع�ضو املجل�س التنفيذي للمنتدى.
ا�ستقبل م�ست�شار رئي�س ال����وزراء املاليزي م����ع����ايل ال����دك����ت����ور ع����ب����داهلل حم���م���د زي���ن امل��ه��ن��د���س م����روان ال��ف��اع��وري الأم��ي�ن ال��ع��ام للمنتدى العاملي للو�سطية .جاء ذلك خالل الزيارة التي يقوم بها وفد املنتدى العاملي للو�سطية �إىل ماليزيا حالياً للم�شاركة يف �أعمال م�ؤمتر الو�سطية الذي يعقد هناك. هذا وقد بحث وفد املنتدى امل�شارك برئا�سة ال��ف��اع��وري م��ع ال��وزي��ر امل��ال��ي��زي جمل ًة من الق�ضايا ذات االه��ت��م��ام امل�����ش�ترك ،خا�صة فيما يتعلق بدعم الفكر الو�سطي يف جميع
بالد امل�سلمني ،من خالل اقامة امل�ؤمترات والندوات واحل��وارات الفكرية واملطبوعات واملن�شورات الداعمة لهذا الفكر . وق��د ث ّمن الأم�ي�ن ال��ع��ام للمنتدى اجلهود امل��ال��ي��زي��ة ح��ك��وم��ة و���ش��ع��ب��اً ،ت��ل��ك اجل��ه��ود التي ت�ؤ�س�س حلالة من التعاون التام بني جميع ال��ب�لاد الإ���س�لام��ي��ة لإر����س���اء ق��واع��د الفكر الو�سطي الذي يدعو �إىل تبني منهج ال��ع��دال��ة وال��ت�����س��ام��ح وامل��ح��ب��ة ون��ب��ذ العنف والتطرف والإره���اب وال��وق��وف �سداً منيعاً �أم��ام هجمات التكفري التي تريد الت�شكيك
اق��ام منتدى الو�سطيه للفكر والثقافه فرع جر�ش و برعاية �سعادة رئي�س االحت��اد العام للجمعيات اخلرييه مبحافظة جر�ش ال�سيد حممود �سليمان احلراح�شه حما�ضره بعنوان "اال�سالم دي��ن الو�سطيه واالع��ت��دال ودور الأئمه والدعاة يف ن�شرها " لف�ضيلة ال�شيخ علي ف��اي��ز ال��ق��ادري حيث ب�ين ان ال��ع��دل هو ا����س���ا����س احل���ك���م وق�����ال ان ال��ب��ع�����ض ي��ت��ح��دث وي��ف��ع��ل اف���ع���ا ًال ���س��ل��ب��ي��ه م��ع��ت��ق��داً ان����ه ي��خ��دم اال���س�لام وان��ه��ا الطريق ال�صحيح ع��ن جهل وع��دم معرفه ودون علم ب���أم��ور ال��دي��ن وان��ه يجب رب��ط اخلطبة مب��ا ه��و م��ن اي��ام �سيدنا
ه��و ج��دي��د وي��ج��ب ان ن��رب��ي اب��ن��اءن��ا الرتبية ال�سليمة لكي ال يت�أثروا بالتطرف واالنحراف وي��ج��ب ع��ل��ى ال���دول���ه ت��وف�ير ف��ر���ص ال��ع��م��ل لهم ،الن وقت الفراغ الطويل قاتل ،فالفقر والبطالة لهما الدور الكبري بانحرافهم نحو املخدرات والتطرف واالره��اب ،وكان الهدف من املحا�ضره ا�ستهداف فئة ال�شباب وتوعية االب��ن��اء وتعريفهم بدينهم ال��ق��ومي قبل ان ي�ؤثر عليهم ال��غ�ير ...وك��ان قد رح��ب رئي�س حممد واخللفاء الرا�شدين بواقعنا احلا�ضر املنتدى احمد ال�صمادي بال�ضيوف يف بداية واالحداث التي تدور من حولنا مبعنى ربط ال��ل��ق��اء وادار اجل��ل�����س��ة ن��ائ��ب ال��رئ��ي�����س ع��ادل ال��ق��دمي باجلديد ليكون ال��ق��دمي توثيقاً ملا النظامي.
محاضرة االسالم دين الوسطيه واالعتدال
المنتدى العالمي للوسطية يناقش دور الفضاء االلكتروني في صناعة التطرف والعنف ا���س��ت��ك��م اً��ال ل��ل��ن��دوات ال��ت��ي ي��ع��ق��ده��ا امل��ن��ت��دى العاملي للو�سطية لغايات مكافحة الإره���اب وال��ت��ط��رف ،ون�����ش��ر ال��ف��ك��ر ال��دي��ن��ي وال��ث��ق��ايف، �أقام املنتدى بالتعاون مع وزراة الثقافة يوم ال�سبت املوافق ، 2016/11/12ندوة بعنوان" دور الف�ضاء االلكرتوين يف �صناعة التطرف والعنف" ،وافتتحت ال��ن��دوة بكلمة الأم�ين العام للمنتدى املهند�س م��روان الفاعوري، ال�����ذي ب�ي�ن �أن ه����ذه ال����ن����دوة ت����أت���ي ك��ح��اج��ة م��ا���س��ة ل��ت��ع��ري��ف الأج���ي���ال ب��خ��ط��ورة و���س��ائ��ل الف�ضاء الإلكرتوين املفتوح وقيام اجلماعات الإره��اب��ي��ة با�ستخدامه يف عمليات التجنيد للأتباع وبث املعلومات والأخبار التي تعمل ع��ل��ى ن�����ش��ر ال��ف��ك��ر ال�����ض�لايل يف امل��ج��ت��م��ع��ات الب�شرية. ً وحت���دث يف ال��ن��دوة ن��ي��اب��ة ع��ن وزي���ر الثقافة ع��ط��وف��ة ال��ب��ا���ش��ا ���ش��ري��ف ال��ع��م��ري ال���ذي بني دور وزارة الثقافة يف ن�شر ال��وع��ي الفكري والثقايف ملحاربة التطرف والعنف واالره��اب م��ن خ�لال ن�شر املفاهيم الثقافية ال�سليمة وتوعية املجتمع بكافة فئاته العمرية ،حيث نوه اىل التعاون امل�ستمر ما بني وزارة الثقافة و املنتدى العاملي للو�سطية وتكري�س اجلهود ملحاربة ه��ذه الآف��ة التي ت�شكل خطراً كبرياً على �أمتنا يف الوقت الراهن. و�أدار الندوة معايل الدكتور حممد الوح�ش ال���ذي ب�ين �أن و���س��ائ��ل ال��ت��ك��ن��ول��وج��ي��ا �إم���ا ان ت��ك��ون ب��ي��ئ��ة م���وب���وءة ي��ع�بر م��ن خ�لال��ه��ا عن ال��ك��ره وال��ن��ف��و���س امل��ري�����ض��ة ال��ت��ي ت�سعى اىل ن�شر التطرف والعنف بني النا�س � ،أو و�سائل للنهو�ض باملجتمعات من الناحية الثقافية والعلمية . ويف ال����ورق����ة الأوىل ،ب��ي�ن ال����دك����ت����ور ع��ل��ي احلجاحجة� ،أن الإرهاب االلكرتوين هو من �أخ��ط��ر �أن����واع االره����اب يف الع�صر احل��ا���ض��ر ، ن��ظ�� ًرا الت�ساع نطاق ا�ستخدام التكنولوجيا احلديثة يف العامل. وب��ي�ن احل��ج��اح��ج��ة الأه��������داف ال���ت���ي ي�سعى الإرهاب االلكرتوين لتحقيقها وهي: �إث��������ارة ال����رع����ب واخل�������وف ب��ي�ن الأ����ش���خ���ا����ص والهيئات املختلفة. العبث بالنظام العام. تهديد الأ�شخا�ص وال�سلطات. جمع املعلومات.
االب�������ت�������زاز واحل�����������ص�����ول ع��ل��ى الأموال. ون����اق���������ش ال����دك����ت����ور ع���ب���داهلل ال���ط���وال���ب���ة م���ف���ه���وم الإع���ل��ام واالره�����اب االل���ك�ت�روين و�أ���ش��ار اىل �أن ال���ع���امل الآن يتعر�ض اىل �أزم����ة حقيقية ب�سبب ما ي�سمى بالإرهاب ،و�أكد �أنه على اجلميع البحث عن �أ�سباب هذه ال��ظ��اه��رة وا���س��ب��اب ان��ت�����ش��اره��ا واحل����ي����ل����ول����ة دون ت��ف��اق��م��ه��ا وح���م���اي���ة امل��ج��ت��م��ع��ات م��ن��ه��ا ؛ لأن��ه��ا ال تخلف ���س��وى ال��دم��ار والفو�ضى و�ضياع الأجيال . وا�������ش������ار ال����ط����وال����ب����ة اىل �أن الإره���اب���ي�ي�ن ي��ع��ت�برون �أنف�سم �أ�صحاب ق�ضية لذلك يعملون على ا�ستخدام و�سائل الإع�لام ل��ل��و���ص��ول اىل �أك��ب�ر ع���دد من الأ�����ش����خ����ا�����ص ال����س���ت���م���ال���ت���ه���م وجت��ن��ي��د �أع�����ض��اء ج���دد وذل���ك لأن االره����اب االل���ك�ت�روين هو الو�سيلة الأكرث ا�ستقطاباً لل�شباب . وب�����دوره و���ض��ح امل��ق��دم حم��م��ود ال��ن��ع��ام��ن��ة �أن ال�سبب الرئي�سي لتجنيد ال�شباب وانتمائهم اىل اجلماعات الإره��اب��ي��ة بحجة اجل��ه��اد هو اجلهل ب�أ�سا�سيات الدين . وذكر النعامنة بع�ض الو�سائل امل�ستخدمة يف التجنيد االلكرتوين ومنها: غرف الدرد�شة ومواقع التوا�صل االجتماعي. الر�سائل الع�شوائية التي ت�صل على احل�سابات ال�شخ�صية بهدف الرتويج . ن�����ش��ر ال���ف���ي���دي���وه���ات اخل���ا����ص���ة ب��اجل��م��اع��ات الإرهابية . ا�ستقطاب ال�شباب عن طريق �صفحات وهمية با�سماء و�صور م�ستعارة. وب�ي�ن ال��ن��ع��ام��ن��ة امل���راح���ل ال��ع��م��ل��ي��ة لتجنيد ال�������ش���ب���اب وه�����م ال���ف���ئ���ة ال���ت���ي ت���رك���ز ع��ل��ي��ه��ا اجل��م��اع��ات الإره��اب��ي��ة ؛الن��ه��ا ال��ف��ئ��ة االك�ثر ح��م��ا���س��اً وف�����ض��و ًال الك��ت�����ش��اف امل��ج��ه��ول وه��ذه املراحل هي: ا�صطياد ال�ضحية و�إيجاد نقاط ال�ضعف .العزل وبناء الثقة.
التدرج باملطالب. التعمق الأيدولوجي. مرحلة الالعودة وااللتزام اخلفي.وك����ان����ت ال�����ورق�����ة الأخ����ي����رة وال����ت����ي ق��دم��ه��ا اال�ستاذ عمر كالب وبني فيها كيف ت�ستخدم و�سائل التوا�صل االجتماعي لن�شر ال�شائعة والكراهية بني النا�س ،وذلك لأن هذه املواقع م��ت��اح��ة للجميع وال ي��وج��د عليها ال��رق��اب��ة الكافية ول�صعوبة معرفة امل�ستخدم احلقيقي لهذه املواقع فمن ال�سهل جداً تناقل املعلومة دون الت�أكد منها �أو من م�صدرها ،وه��ذا ما ي�سهل على اجل��م��اع��ات الإره��اب��ي��ة �أن تن�شر افكارها امل�سمومة يف املجتعات و�شدد كالب ع��ل��ى ان����ه ال ي���وج���د م���ا ي�����س��م��ى ب��اجل��م��اع��ات اجل���ه���ادي���ة لأن ه����ذا امل�����س��م��ى ي���رب���ط ال��ق��ي��م املقد�سة بالفعل املدن�س. وانتهت فعاليات ال��ن��دوة التي ح�ضرها عدد ك��ب�ير م���ن ال�����ش��خ�����ص��ي��ات ال��ع��ل��م��ي��ة وال��ع��ام��ة، ب��ج��ل�����س��ة ن��ق��ا���ش��ي��ة ط����رح خ�لال��ه��ا احل�����ض��ور العديد من الأ�سئلة التي متت الإجابة عليها من قبل املحا�ضرين.
67
الرك
ن الطبي
68
الحشيش ..آثاره وأضراره ما هو احل�شي�ش؟
الدكتور جمال يون�س عناين
ي�ستخ���رج احل�شي����ش املُخ���دِّر م���ن نب���ات القن���ب الهن���دي ،وي�سم���ى علم ًّي���ا ()CANNABIS SATIVA ،وه���و نب���ات ب���ري ع�شب���ي ،خ�ش���ن امللم����س. وت�ستخ���دم �ألياف���ه يف �صن���ع احلب���ال املتينة. �أم���ا الأوراق املزه���رة ،فت�ستخ���دم يف �إح���داث خلل يف احلالة املزاجية. ولق���د عُ���رف من���ذ الق���دم� ،أن تن���اول امل���ادة الراتينجي���ة ،ي����ؤدي �إىل ن���وع م���ن اخل���در اخلا����ص .وق���د �صن���ع رهب���ان الهن���د منه���ا �شرب���ات �سحري���ة ،ي�ستعملونه���ا بغر����ض الت�أث�ي�ر على النا�س يف االحتف���االت الدينية املختلفة. وم���ع م���رور الزم���ن ،انتق���ل ا�ستعم���ال ه���ذا النب���ات �إىل عامة النا����س ،وانت�شر من الهند �إىل ال�ش���رق الأو�س���ط ،ث���م �شم���ال �أفريقي���ا، ف�إ�سبانيا ،ف�أوروبا ،ثم �إىل �أمريكا . �أ�سماء احل�شي�شنظ��� ًرا النت�ش���اره يف العامل ،فقد ع���رف بعدة �أ�سم���اء ،يبل���غ عدده���ا �أكرث م���ن ( )350ا�س ًما خمتل ًفا ح�سب البلد . فعلى �سبيل املثال : • ي�سم���ى "الكي���ف" يف م�ص���ر واملغ���رب
واجلزائر. • ي�سمى "الباجنو" يف ال�سودان. • ي�سمى "التكروري" يف تون�س. • ي�سمى "احلقبك" يف تركيا. • ي�سم���ى "احل�شي����ش" يف م�ص���ر و�سوري���ا ولبنان. • ي�سم���ى "به���اجن �أو جر����س �أو كاجن���ا" يف الهند. • ي�سمى "املاريوانا" (املاريجونا) يف �أمريكا و�أوروبا. • ي�سمى "اجلريفا" يف املك�سيك. ماذا يح�صل ملتعاطي احل�شي�ش؟ للح�شي����ش ت�أث�ي�ر مبا�شر على عق���ل الإن�سان وم�شاع���ره وعواطف���ه (الوجداني���ة) ،فيب���د�أ ت�أث�ي�ره عند من يتعاطاه لأول مرة بال�شعور بنعا����س �شديد ،وقد ي�ست�سل���م للنوم ب�سرعة، وي�شع���ر بجف���اف يف احلل���ق وعط����ش ،وتعرق يف الر�أ����س ،و�سرع���ة يف التنف����س والنب����ض، واحمرار يف العي���ون ،وي�صاب بدوار وغثيان، ث���م يفق���د ال�سيط���رة عل���ى توازن���ه ،وي�ص���اب بعدم اتزان حركي . ومي���ر املتعاط���ي بعدة مراحل عن���د التعاطي بع���د تن���اول احل�شي����ش ،ويف خ�ل�ال دقائ���ق، ي�شع���ر ب�أن���ه �أه���م �شخ����ص ب�ي�ن �أقران���ه ،ب���ل
�أه���م �إن�س���ان يف العامل ،وي�أخ���ذ يف الكالم عن �أف���كاره و�أحالم���ه ب�شكل غ�ي�ر مرتابط ،كله �أوه���ام وخي���االتً ، خالطا �أحاديث���ه بقهقهات ريا لأي �سب���ب ب�سيط �ساذج���ة ،وي�ضح���ك كث ً وتافه ،ويتحدث عن املا�ضي ب�أحاديث تافهة، وي�صب���ح مره���ف الإح�سا����س وال�شع���ور ،و�أن �أق���ل حركة �أو هم�س بجانب���ه يقابلها بطنني هائل ،وي�صبح ال�سمع �أكرث حدة ،مما يجعله يف���زع م���ن ال�ضجي���ج ،وق���د يت�أثر م���ن دقات ال�ساع���ة �أو طن�ي�ن الباعو�ض���ة� ،أو الذباب���ة، وه���ذا يتجل���ى بتول���د الأوه���ام والهلو�س���ات املختلف���ة ،ويتزاي���د ه���ذا ال�شعور حت���ى ي�ؤثر على احلالة العاطفية والعقلية لديه. ت�ضط���رب لدي���ه مقايي����س الزم���ان وامل���كان، فه���و يت�ص ّور ب�أن���ه يعي�ش يف ع���امل وا�سع من اخلي���ال والأحالم ،وت�ت�راءى �أمامه م�شاهد عديدة بحركة م�ستمرة ال نهاية لها. كم���ا ي�شع���ر بال�ساع���ات الطويل���ة ك�أنها ثوانٍ �أو دقائق ،والعك�س �صحيح ،وكل هذه الر�ؤى والأح�ل�ام ي�شع���ر به���ا يف حلظ���ات ال تتجاوز الدقيقة الواحدة . كذل���ك تبد�أ مرحلة م���ن الإح�سا�س بالن�شوة العظم���ى بني �أم���واج متالطمة م���ن الأفكار واخلي���االت ،ميي���ل �إىل اله���دوء وال�سكين���ة والأح�ل�ام الهادئة ،وت�ستمر معه حتى ي�شعر معه���ا بالعجز العميق ،وال ي�ستطيع �أن يقوم ب����أي عم���ل حرك���ي؛ حت���ى ال ي�ستطي���ع �أن يتناول ك� ًأ�سا من املاء. وغال ًب���ا ما ي�ص���اب املتعاطي يف ه���ذه املراحل بانف�ص���ام ال�شخ�صي���ة ،في�شع���ر بالالوج���ود، و�أن ال�شخ����ص ه���و �شخ����ص �آخ���ر� ،أو ي�شع���ر ك�أنه �شخ�صان؛ واحد ي�ضحك ،والآخر قلق، متخي�ًل�اً �أن ال�شخ����ص الآخ���ر خ���ارج ج�سمه (االزدواجية) . بع���د ذل���ك ،مي���ر مبرحل���ة م���ن اال�سرتخ���اء العاطف���ي واجل�سدي ،حيث تعرتي املتعاطي ن���وع من �سكين���ة الن���وم ،وال ي�ستيق���ظ �إال يف اليوم التايل م�صا ًبا باالندها�ش. و�إذا زادت اجلرع���ة قلي�ًل�اً ،تظه���ر عل���ى املتعاط���ي هلو�س���ات �سمعي���ة وب�صري���ة، أ�شباحا، في�سم���ع �أ�صوا ًتا ال وج���ود لها ويرى � ً ويتخاطب مع خملوقات خيالية ،وقد يفقد االت�ص���ال بالواق���ع ،مم���ا ي����ؤدي �إىل �إي���ذاء
• يع���اين املدم���ن م���ن ال�ص���داع املزم���ن، وهب���وط يف جميع وظائف الأع�ضاء البدنية والع�صبية. • ا�ضط���راب اجله���از اله�ضم���ي ،وم���ن �أهم مظاه���ره :فق���دان ال�شهي���ة ،و�س���وء اله�ضم، وكرثة الغ���ازات ،وال�شعور بالتخمة ،وحاالت من الإ�سهال والإم�ساك. • ي�ضع���ف احل�شي����ش من الق���درة اجلن�سية على عك�س ما يظنه متعاطوه؛ لأنه يخف�ض �إنت���اج هرم���ون (الت�ستو�سي�ت�رون) امل�س����ؤول ع���ن عالمات الذكورة ،مم���ا ي�ؤدي �إىل نق�ص املق���درة اجلن�سي���ة ،وقل���ة �إنت���اج احليوان���ات املنوية الن�شيطة ال�صاحلة للتلقيح ،وكذلك ا�ضطراب���ات ال���دورة ال�شهرية ل���دى الإناث، وهذا ي�ؤدي �إىل قلة اخل�صوبة بني الأزواج. ي�ؤث���ر احل�شي����ش عل���ى اجلوان���ب النف�سي���ة والعقلية التالية: • ي�سب���ب احل�شي����ش �إدما ًن���ا ل���دى واح���د م���ن كل �أح���د ع�ش���ر ،ج���رب ه���ذه امل���ادة ف���وق عم���ر � 18سن���ة ،وواح���د م���ن كل �ست���ة جربوا ه���ذه امل���ادة قب���ل عم���ر � 18سن���ة� ،أي :يف �س���ن املراهقة. • يعمل احل�شي�ش على تدمري ال�شخ�صية؛ وذل���ك لأنه يخلق ح���االت انفعالية وجدانية من�شرح���ا ،وبع���د م�ضطرب���ة ،ف�ت�راه �أحيا ًن���ا ً دقائق ،تنقلب حالته �إىل اكتئاب وقلق. • ُيع���دُّ تعاط���ي احل�شي����ش ،البوابة لدخول ع���امل امل�ؤث���رات العقلي���ة الأخط���ر ،لي�شم���ل خم���درات �أخ���رى �أك�ث�ر �ض���ر ًرا ،مث���ل: الهريوين ،والكوكايني ،وغريهما. • ي����ؤدي احل�شي����ش مبا�ش���ر ًة �إىل م�ش���اكل قانوني���ة؛ كجرمية احليازة بهدف التعاطي، والتي يعاقب عليها قانون املخدرات. • ق���د ي����ؤدي التعاط���ي املزم���ن مل���ادة احل�شي����ش ،حل���دوث الأمرا����ض النف�سي���ة والعقلي���ة :كاالكتئ���اب النف�س���ي ،ونوب���ات الف���زع ،واخل���رف املبك���ر ،وق���د ت�ص���ل احلالة �إىل الذهان العقلي الزوري. • ُيعت�ب�ر الف�ش���ل املدر�س���ي واجلامع���ي، والعائل���ي والأ�س���ري ،والوظيف���ي ،من نتائج التعاطي ملادة احل�شي�ش.
للنف�س� ،أو للآخرين يف بع�ض الأحيان. وكثرياً ما تتغري احلالة املزاجية له ،وتنتابه نوب���ات من ال�ضحك لأتف���ه الأمور ،ويعقبها نوب���ات خ���وف �شدي���د� ،أو �شع���ور بالتعا�س���ة، وعندم���ا ت���زداد اجلرع���ة �أك�ث�ر ،ي�ص���اب املتعاط���ي مب���ا يع���رف با�سم (الذه���ان) ،وهو نوع م���ن اجلنون ،وت���زداد الهلو�سة ال�سمعية والب�صرية. م�ضار احل�شي�ش على الإن�سانجتم���ع كاف���ة الدرا�س���ات ،عل���ى �أن احل�شي����ش ل���ه جوان���ب �سلبي���ة كث�ي�رة ،و�آث���ار مبا�ش���رة عل���ى �صح���ة الإن�س���ان اجل�سدي���ة والعقلي���ة والنف�سي���ة ،ت����ؤدي �إىل تخريب ه���ذه املدارك ب�شكل فعال ومبا�شر ،منها-: • �أن احل�شي����ش يحت���وي عل���ى م���ادة فعالة، وه���ي (تترياهي���د روكانيب���ول(، THC والت���ي ترتاك���م على امل���خ والغ���دد التنا�سلية، وه���ذا ي�سب���ب اخل���رف املبك���ر والعج���ز اجلن�سي. • ي�سب���ب تعاطي املاريوانا ل�سنوات طويلة، �ضم���ور امل���خ وتخري���ب اخلالي���ا ،مم���ا ي�ؤدي �إىل فق���دان خالي���ا الدم���اغ ،واملع���روف ب�أنها ال تتجدد. • ي�سب���ب التعاط���ي الطوي���ل �أو املزم���ن للح�شي����ش� ،ضع���ف اجله���از املناع���ي ،مم���ا يجع���ل اجل�س���م عر�ض���ة للأمرا����ض احل���ادة واملزمن���ة وبكاف���ة �أنواعه���ا ،وق���د تتعر����ض ال�شع�ي�رات املوج���ودة الهوائي���ة �إىل التل���ف، وي����ؤدي ذلك �إىل تراكم املواد البلغمية ،و�إىل حدوث الن���زالت ال�شعبية املتك���ررة ،والتهاب يف اجلي���وب الأنفي���ة ،وكذل���ك �سرطان���ات الرئتني. • كما ي�سبب تدخني احل�شي�ش املختلط مع التب���غ ،الإ�صابة ب�سرطان الرئ���ة؛ وذلك لأن كلاًّ م���ن احل�شي����ش والتب���غ ،يحتوي���ان عل���ى م���واد م�سرطنة ،وت ّتحد هذه امل���واد لإحداث زيادة يف �سرطانات اجلهاز التنف�سي. • ي����ؤدي تكرار تعاطي احل�شي�ش مع التبغ، �إىل نق�ص���ان حام����ض املع���دة ،و�إىل التهاب���ات يف املع���دة والأمع���اء ،وا�ضطراب���ات وظائ���ف الكبد. رئي�س املركز الوطني لت�أهيل املدمنني - • ي����ؤدي التعاط���ي املزم���ن �إىل التهاب���ات وزارة ال�صحة دائمة يف ملتحمة العني.
69
استرا
حة العدد
70
اعداد السيدة االء الهاشمي
قطوف دانية الفضل ما شهدت به األعداء
قال (مستر اليل) أحد مشاهير فالسفة القرن التاسع عشر: ساطعا كضوء النار ،فالتهم سائر األديان التهام النار فروع الشجر اليابسة .وكان ً حقا لإلسالم أن يلتهم «لقد ُولد اإلسالم ً األديان األخرى بأي قسم لم يكن مظه ًرا التصديق القرآني واعترافه -تعتبر حكمًا الشئ». قال الفيلسوف (بسمارك)« :لقد درست الكتب السماوية بدقة وشمول ،ونظ ًرا لتحريفها ،فإني لم أجد فيها الحكمة الحقيقية التي تكفل سعادة البشرية ،بيد أنني وجدت قرآن محمد صلى اهلل عليه وسلم يعلو سائر الكتب ،وجدت في كل كلمة حكمة ،وليس هناك كتاب يكفل سعادة البشرية مثله ،وال يمكن لكتاب كهذا أن يكون كالم البشر». قال القائد الياباني الذي هزم الروس ،وشهد بعظمة اإلسالم: «إن التاريخ يشهد بأن السر في قوة المسلمين ورقيهم وتقدمهم ،يكمن في تمسكهم بدينهم ،وااللتفاف حول مبادئه، بقدر ما يزدادون رق ًّيا ،وعكس ذلك يصابون بالتخلف والكوارث المختلفة ،ويتفوقون في الهرج والمرج ،و ُيغلبون على أمرهم».
عالمة حب الله تعالى
قال اهلل تعالى{ :قل إن كنتم تحبون اهلل فاتبعوني يحببكم اهلل ويغفر لكم ذنوبكم واهلل غفور رحيم} (.آل عمران )31 {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اهلل بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل اهلل وال يخافون لومة الئم ذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء واهلل واسع عليم}( .المائدة )54
تذوق حالوة اإليمان
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم( :ثالث من ّ كن فيه ُوجد حالوة اإليمان :أن يكون اهلل ورسوله أحب إليه مما سواهما ،وأن يحب المرء ال يحب إال اهلل ،وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه اهلل منه ،كما يكره أن يقذف في النار) .متفق عليه
وجوب حب النبي
روى البخاري عن عبد اهلل بن هشام رضي اهلل عنه قال :كنا مع النبي صلى اهلل عليه وسلم وأخذ بيد عمر بن الخطاب فقال لعمر( :يا رسول اهلل ،ألنت أحب إلي من كل شيء إال من نفسي) .فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم( :ال والذي نفسي بيده! حتى أكون أحب إليك من نفسك) .فقال عمر( :فإنه اآلن واهلل ألنت أحب إلي من نفسي) .فقال النبي: (اآلن يا عمر) .صحيح البخاري
كيف يكون البعث اإلسالمي العربي
(ال يمكن أن نقوي أنفسنا في ظل هذه األنظمة الضعيفة بمجرد قراءة القرآن والتاريخ ،وإنما بدراسة العلم؛ كي نستخدم التقنية الغربية ضد الغرب).
من نظم الآللئ في الحكم واألمثال: تصفو الحياة لجاهل أو غافل تعود لخير فتلك عادته تمتع بما لك قبل الممات جوعا تموت األسد في الغابات ً
عما مضى فيها وما يتوقع تدعو إلى الغبطة والسعادة وإال فال مال إن أنت م ّتا وال ترضى بمصاحبة السفيه
لو قرأنا التاريخ ما ضاعت فلسطين وال األندلس
أدرك اليهود دور التاريخ في الحفاظ على الذات ،وتحقيق العودة إلى أرض الميعاد ،وبناء الدولة اليهودية ،وعمدوا إلى تزييف التاريخ اإلسالمي وتشويهه ،بطمس محاسنه ،وإبراز النقاط السود فيه ،وتوظيف المواقف الهدامة ،وبعث الحياة، وإثارة الجدل حول قضايا الشعوب والباطنية من جديد.
هم ما تغيروا ...نحن الذين تغيرنا
إننا لم نحسن دراسة ما أصابنا من هزائم فادحة ،وما أقمنا حواجز ضد تكرارها ،وما يزال أناس منا مشغولين بأنواع من ً صديقا ،وما فكرنا في تكوين دراسات ذكية جريئة لمعاصينا السياسية واالقتصادية المعرفة ،ال تضر عد ًّوا وال تنفع واالجتماعية ،وهذه طبيعة األمم الغافلة والتي عناها اهلل عز وجل بقوله{ :أولم يهدي للذين يرثون األرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم}.
71
استرا
حة العدد
72
بطاقات شعرية
قصيدة الشاعر حيدر محمود ،بعنوان «بطاقات شعرية» ،أُ ِلقيت في االحتفال بذكرى الهجرة النبوية الشريفة ،في المركز الثقافي الملكي، بتاريخ :2016/10/3 البطاقة األولى: س ّيدي يا أبا الزهراء ..ص ّلى اهلل عليك وسلم .. المجانين .. إسالمنا ليس إسالم ُ ِ َ بالسكاكين .. الخارجين علينا ِ َ الزاعمين ّ بأن اهلل أرسلهم .. الدين .. من عند ِه ليعيدونا إلى ِ أعاديه وأكثرهم ً بأهله من ّ كل بطشا ألد وهم ّ ُ ِ ِ الشياطين .. ِ ال�شاعر حيدر حممود
َ ُ األرض عامر ًة .. سينتهون وتبقى ّ تالوين .. بكل ما هو فيها من ِ ُ الحياة .. باق مثلما بدأت به ودي ُننا ُ السمح ٍ الدين .. إكراه في وال َ ِ
البطاقة الثانية: س ّيدي يا أبا الزهراء ..ص ّلى اهلل عليك وسلم .. حاجة َ إليك َ ُ اآلن .. نحن في ٍ الجاهلي قد أعمانا .. فال ُّدجى ُّ ضاع منَّا طريقنا .. ود َّل ُخطانا .. فأغثنا يا َّ نبي الهدى ِ ِ َ السمح .. الخارجون عن دي ِنك ك ُثر ِ وما عندهم عد ٌّو سوانا .. وغدا ً المجانين .. لعبة بأيدي ِ الهوان هوانا .. وزادوا على ِ َ باسمك يا من .. بئس ما يفعلون َ دائما عنوانا .. كنت للحب ً َ اإلنسان فينا .. قد أهانوا ِّ ُ والحق ك ّرم اإلنسانا .. العدل ودين ِ الناس حتى لم .. وصغرنا في أعين ِ َت ُعد في الوجود ٌ عين ترانا .. ننقله .. قولوك ما ُقل لمن ّ ُ ليس ما ت َّدعونه إيمانا .. نعبد ا َ هلل .. فاخرجوا من حياتنا ودعونا ُ واعبدوا ّ الشيطانا .. موالكم الذي اخترتموه .. فهو َ ُ ولنا ا ُ وحده موالنا .. هلل ُ
73
استرا
حة العدد
74 الشاعر :ماهر ال ّر َمحي
جات إيمانية... َخلَ ٌ يا َم ْن ِم َن ِّ الم َق َّد ِر َي ْجَز ُع يق ُ الض ِ َجَز ُع ُ ؤاد بَ ِلي َّ ٌة ال ُت ْق َش ُع الف ِ واد ُع َت َض ُّرعًا هلل ْ َسبِّ ْح بِ َح ْم ِد ا ِ جيب َم ْن يََت َضرَّ ُع إ َّن اإللَ َه ُي ُ فالح ُ ياة َت َصبُّ ٌر وا ْر ِف ْق بَِن ْف ِس َك َ والص ْب ُر َموفو ٌر بِ َم ْن ال يَ ْفَز ُع َّ وا ْج َع ْل َم َ عيشَت َك َ ناع َة وال ِّرضا الق َ بِال ِّر ْز ِق َ ,ت ْجني ما يَ ُس ُّر و ُي ْم ِت ُع ال َت ْجَز َع َّن ِم َن َ وح ْك ِم ِه القضا ِء ُ فا ُ هلل ُي ْعطي َم ْن يَشا ُء ويَ ْمَن ُع قاص ِد يَ ْج َم ُع المنا ِف ِع َ بَ ْي َن َ والم ِ رام َفإن َّ ُه ْم وانْ ُش ْد ُم َ صاحَب َة ِ الك ِ لِهنا ِء َع ْي ِش َك في الحيا ِة َت َطلَّعوا يم فإن َّ ُه واتْ ُر ْك ُم َ صاحَب ِة الل َّ ِئ ِ ض ال َّدناَء ِة يَ ْرَت ُع ِ بالح ْق ِد في أَ ْر ِ راه لِ َف ْض ِل َغ ْي ِر َك جا ِحدًا َفكما َت ُ َف َكذا لِ َف ْض ِل َك ال َمحالَ َة َي ْصَن ُع وأَ ِد ْم ِو َ صال أَ َ طيع ٍة خيك دون َق َ َت ْشقى بِها َ ,فوصالُ ُه ال ُي ْق َط ُع نوب َف ُر َّب َزل َّ ِة آثِ ٍم َ ود ِع ال ُّذ َ َجرَّ ْت َعَل َ يك َمصائِبًا ال ُت ْد َف ُع ْ واد ِث ُكلِّها واش ُك ْر إلَ َه َك في َ الح ِ واسَأ ْل إجابَ َة َم ْن يَ َ راك ويَ ْس َم ُع ْ
حديث أم معبد
في وصف النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
الوضاَء ِةَ ،ح َس َن َ ُ الخ ْل ِق، رأيت َر ُج ًلا ظاهَر َ جه ،لَ ْم َت ِعبه ُث ْجَل ٌة ،ولَ ْم ُت ْز ِر بِ ِه ليح َ َم َ الو ِ سيم ،في َع ْيَن ْيه َد َع ُج، سيم َو ٌ َص ْعَل ٌةَ ،ق ٌ وفي ْأش َفا ِر ِه َو َط ٌ ف ،وفي َص ْوتِ ِه َص َح ٌل، ُ أكحل ،أََز ُّج ،أَ ْقَر ُن ،في ُع ُن ِق ِه ْأحو ُر، َ ٌ صمت كثافة ،إذا َس َط ٌع ،وفي لِ ْحَي ِت ِه اله يه َ الوقا ُر ،وإذا َت َكل َّ َم سما َ وع ُ َف َعَل ِ المنط ِق َف ٌ صل ،ال نز ٌر وال لو الَب َها ُءُ ،ح ُ ِ َه ْذ ٌر ،كأن َم ْن ِط َق ُه َخَرَز ُ ات نَ ْظ ٍم يَ ْن َح ِد ْر َن، وأحاله أجم ُل ُه ِم ْن بَعيد، أبهى َ الناس َو َ ُ ِ ريبَ ،ر ٌ بعة؛ ال َت ْشَن ُؤه َو ْأح َس ُن ُه ِم ْن َق ِ ول ،وال َتقَت ِح ُم ُه َع ٌ َع ٌ ين من ين من ُط ٍ ِق َص ٍرُ ،غ ْص ٌن بَ َ فهو أَنْ َض ُر ينَ ، ين ُغصَن ِ الثالثة َم َ وأح َس ُن ُه ْم َق ْدرا ،لَه ُر َف َقاء نظراْ ، ِ يَ ُح ُّفون بِهْ ،إن َ قال استمعوا لِقولِهْ ، وإن
ود، أَ َمَر َتَب َ ود َم ْح ُش ٌ اد ُروا إلى أم ِر ِهَ ،م ْح ُف ٌ ابس ال ُم َف ّن ٌد. ال َع ٌ حسن الخلق :أول ما تراه تجلُّه ثجلة :بطنه ليس كبير ،ليس له(كرش) لم تزر به صعلة :رأسه ليس صغير قسيم :جسده مقسم تقسيم جميل عينيه دعج :شدة سواد الحدقةوبياض العين أشفاره وطف :الرموش طويلةبحة صغيرة ،ليست صوته صحلّ :حادة (رخيم الصوت) أحور :في عينيه سواد طبيعي أكحل :في عينيه كحل ،أي :كحلرباني خلقة -أزج :حواجبه مقوسة
في عنقه سطع :كأنه إبريق فضة لحيته كثافة :أي :كثيفة الوقار :الرزانة والحلم فصل ال نزر وال هذر :يحدد الكالمال يطيله خرزات نظم ينحدرن :حين يتكلم كأنهناك درر ،أو لؤلؤ يخرج من فمه ال تشنؤه من طول :أي :ال يبغضلفرط طوله ربعة :ال طويل وال قصيرقدا :أي :قامة أحسنهم ًّ محفود :مخدوم ،أصحابه ّيعظمونه محشود :يجتمع الناس حولهأحدا ،أي :يهجنه وال مفند :ال يفند ًُّ ويستقل عقله ،بل جميل المعاشرة حسن الصحبة ،صاحبه كريم عليه
75
اص
دارات ال و س ط ي ة
76
التجديد في فكر اإلمام الصادق المهدي يتناول رؤية اإلمام الصادق المهدي في التجديد الذي يفضي إلى النهوض باألداء السياسي واالقتصادي واالجتماعي والثقافي ،انطال ًقا من رؤية تجديدية تتسم بالوسطية واالعتدال.
أوراق عمل ندوات المنتدى العالمي للوسطية لعام 2015 يتضمن هذا الكت ّيب أوراق العمل التي قدمت في المنتدى لعام ،2015 وهي جدلية العالقة بين أسباب اإلرهاب والمآالت ،والعالم وتحدي اإلرهاب، والتعددية المذهبية وجذورها وتاريخها وتأصيلها ،والحوار ،والمخدرات وأضرارها.
77
الأردن11941 عمان1241 ب.�ص P.O.BOX 1241 AMMAN - 11941 JORDAN TEL 06 5356329 - fax 06 5356349