السنة الرابعة العدد الثالث

Page 1


‫ال�سنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫‪2‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ﺍﻓﺘﺘﺎﺣﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻌﺪﺩ‬

‫المنﺘﺪﻯ الﻌالمﻲ لﻠوسطية فﻲ ﻣاليزيا‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬

‫ب�شم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫احلمد هلل رب العاملني واأف�شل ال�شالة واأزكى الت�شليم على م�شعل‬ ‫الهدى الب�شري النذير‪.‬‬ ‫لأن‪ ‬ال�شفوة املثقفة الو�شطية يف عاملنا الإ�شالمي معنية‬ ‫وملزمة اليوم بالت�شدي الفكري والعملي ملدار�ص الغلو ب�شقيه‬ ‫الإ�شالمي والعلماين‪ ،‬واملثابرة لتجفيف منابع التطرف والغلو‬ ‫من خالل الإميان ب�شرورة ‪‬اوز ال�شدام احل�شاري اجلاري‬ ‫اليوم بني الثقافات واحل�شارت الإن�شانية‪ ،‬وتقوية ما يجري من‬ ‫حوار بينها‪.‬‬ ‫فقد جاء م�شروع الو�شطية متناغم ًا مع حالة الر�شد والن�ش‪‬‬ ‫التي ت�شود الأمة‪ ،‬واأ�شحى احلديث عن الو�شطية امل�شتنرية‬ ‫والإنطالق ‪‬بادئها �شام ًال ال�شاحات العربية والإ�شالمية كلها‬ ‫على ال�شعيد الفكري وال�شيا�شي والعمل ‪ ،‬وي�شهم بتعزيز حالة‬ ‫التوافق داخل املجتمعات العربية والإ�شالمية‪ ،‬و‪‬ميع طاقات‬ ‫العلماء واملفكرين وال�شا�شة واحلكام با‪‬اه النه�شة‪ ،‬وال ُبعد‬ ‫عن ا�شتزاف الطاقات بال�شراع والكراهية‪ ،‬ومواجه قوى الغلو‬ ‫والتطرف الفكري داخل العا‪ ‬الإ�شالمي وخارجه ويعيد‬ ‫التوازن بني احلاكم واملحكوم ويثبت من جديد قراءة عادلة‬ ‫للعالقة بني الدين والدولة‪.‬‬ ‫ال�شنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫اإ َّن املدر�ضة الو�ضطية اذ تتمتع بدرجة عالية من املرونة الفكرية‪،‬‬ ‫ت�ضمح لها بتطوير اأفكارها واآلياتها‪ ،‬وجتعلها يف حالة تقدم دائمة‬ ‫وتوا�ضل جمدد ومتجدد مع ق�ضايا الع�ضر‪ ،‬وذلك مقارنة مبثيالتها‬ ‫"املتقوقعة" داخل جدران "املا�ضي" الأمر الذي اأدى اإىل جمودها‬ ‫ال�ضيا�ضي والفكري‪ ،‬وقلل من فر�س ادماجها يف احلياة املدنية وقبولها‬ ‫من قبل الأنظمة ال�ضيا�ضية كمكون اأ�ضا�ض�ضي للمجتمعات‪ ،‬هل ميكن‬ ‫النظر لتيارات الو�ضطية الإ�ضالمية بو�ضفها و�ض ً‬ ‫ال مل�ضروع النه�ضة‬ ‫العربية الذي طرحه الآباء املوؤ�ض�ضون اأمثال الأفغاين وحممد عبده‬ ‫ور�ضيد ر�ضا والنور�ضي والبنا‪..‬‬ ‫اإ َّن تيار الو�ضطية ُيعد اإحدى اأ�ضكال "الإحياء" الديني التجديدي"‪،‬‬ ‫من خالل اإحداث �ضور التقارب بني الثنائيات‪ ،‬والتي تراوحت ما‬ ‫بني الأ�ضالة و املعا�ضرة‪ ،‬الرتاث و التحديث‪ ،‬التقليد و التجديد‪،‬‬ ‫والنطالق من اأر�ضية واقعية‪ ،‬ر�ضختها عقود "احل�ضاد املر" للخربة‬ ‫العنيفة التي مرت بها التجربة الإ�ضالمية مبختلف اأطيافها على‬ ‫مدار العقود اخلم�ضة املا�ضية‪ ،‬كما اأنه يعمل على تفادي الإغراق يف‬ ‫الأطروحات "الرومان�ضية" التي عطلت امل�ضروع النه�ضوي الإ�ضالمي‬ ‫يف بدايته النا�ضعة‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫اإ�شالمية ‪ -‬و�شطية ‪ -‬ف�شلية ‪ -‬م�شتقلة‬


‫�إننا يف املنتدى العاملي للو�سطية نلتقى يف م�شروعنا احل�ضاري النه�ضوي‬ ‫الإ�سالمي مع م�شروع الإ�سالم احل�ضاري والذي �أطلقه رئي�س وزراء‬ ‫ماليزيا الأ�ستاذ داتو �سري عبد اهلل �أحمد بدوي ومبادئه الع�شر‪ ،‬من‬ ‫�أجل ا�ستعادة دور الأمة احل�ضاري‪ ،‬لتجديد الإ�سالم يف ماليزيا والعامل‬ ‫الإ�سالمي‪.‬‬ ‫�إ َّن تيار الو�سطية ينطلق يف ر�سالته املتجددة من ذات املنطلقات والأ�سباب‬ ‫الدافعة للم�شروع احل�ضاري‪ ،‬ويعرف رئي�س وزراء ماليزيا (الأ�ستاذ‬ ‫عبد اهلل بدوي) م�شروع الإ�سالم احل�ضاري في�صفه ب�أنه‪" :‬جهد من‬ ‫�أجل عودة الأمة �إىل منابعها الأ�صيلة‪ ،‬و�إعطاء الأولوية للقيم واملعاين‬ ‫الإ�سالمية الفا�ضلة لكي توجه احلياة وتر�شدها"‪ ،‬وحدد الأ�ستاذ عبد‬ ‫اهلل بدوي منطلقات امل�شروع احل�ضاري بقوله‪�" :‬إ َّن الإ�سال َم احل�ضاري‬ ‫جاء لنه�ضة وتقدم امل�سلمني يف الألفية الثالثة‪ ،‬ومن �أجل امل�ساعدة على‬ ‫دجمهم يف االقت�صاد احلديث"‪ .‬لي�صلح �أن يكون "الرتياق للتطرف‬ ‫والغلو يف الدين"‪ ،‬وذلك لأنه "ي�شجع على الت�سامح والتفاهم واالعتدال‬ ‫وال�سالم"‪ .‬ويف بلد متعدد الثقافات والأعراق ف�إ َّن الإ�سالم احل�ضاري‬ ‫يهدف مل�صلحة اجلميع على اختالف عقائدهم و�أديانهم و�أعراقهم‪،‬‬ ‫وي�ضيف‪" :‬من امل�ؤكد �أننا كم�سلمني يجب �أن نعامل غري امل�سلمني‬ ‫ريا �إىل �أن هذا امل�شروع "�سوف ي�ؤدي �إىل‬ ‫باحل�سنى والإن�صاف"‪ ،‬م�ش ً‬ ‫االمتياز والتفوق‪ ،‬و�سيكون م�صد ًرا للفخر واالعتزاز لي�س للم�سلمني‬ ‫وحدهم‪ ،‬و�إمنا لغري امل�سلمني � ً‬ ‫أي�ضا"‪.‬‬ ‫ينطلق تيار الو�سطية اليوم �إليكم يف كواملبور لأن م�ساحة عملنا العامل‬ ‫كله‪ ،‬لذلك نحن اليوم يف ماليزيا‪ ،‬ماليزيا التاريخ وامل�شروع احل�ضاري‬ ‫الإ�سالمي الأ�صيل‪ ،‬املنطلق من مبد�أ عاملية الر�سالة املحمدية‪ ،‬ر�سالة‬ ‫الرحمة املهداة للعاملني‪ ،‬ر�سالة الت�سامح لتجديد اميان املجتمعات‬ ‫الإ�سالمية والإن�سانية املعا�صرة مببادىء اال�ستقرار وال�سالم والتعاون‬ ‫والتكافل‪ ،‬والتكاماللتي تعتمد الو�سطية واالعتدال يف منهجاً و�سلوكاً‪،‬‬ ‫والتدرج والتي�سري يف التطبيق‪ ،‬وتوازن بني م�صلحة الفرد وم�صلحة‬ ‫اجلماعة‪ ،‬وبني متطلبات الروح واملادة‪ ،‬وبني املثالية والواقعية‪.‬‬ ‫ون�ؤمن كتيار للو�سطية بحقيقة التنوع والتعدد‪ ،‬واال�ستفادة من املنجز‬ ‫احل�ضاري والتجارب الب�شرية النافعة وال�صاحلة‪ ،‬باعتبار �أ َّن ر�سالتنا‬ ‫الإ�سالمية ر�سالة �إن�سانية‪� ،‬آمنت باالختالف اختالف تنوع وتعاون ال‬ ‫اختالف ت�ضاد وتناحر؛ اختالف �إثراء وتطوير ولي�س اختالفاً مكر�ساً‬ ‫للقتل والتدمري‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫�إننا نعرتف بوجود حتديات تعيق حركة النهو�ض احل�ضاري الإ�سالمي‬ ‫املعا�صر‪ ،‬وهي نف�سها تلك التحديات التي ت�ضمنها امل�شروع املاليزي‪،‬‬ ‫فرنف�ض �سيادة تيار اجلمود والتقليد‪ ،‬وندعو �إىل التجديد واالجتهاد يف‬ ‫حياة الأمة‪ ،‬ونقف �سداً منيعاً �أمام مفاهيم التطرف الفكري وال�سلوكي‪،‬‬ ‫واالنعزال ورف�ض الآخر داخل ج�سد الأمة وخارجها ومن هنا كان لنا‬ ‫اللقاء مع الف و�ستماية طالب ماليزي يدر�سون يف الأردن عرب برنامج‬ ‫تعزيز الو�سطية ليكونوا �أداة الفعل والتوا�صل احل�ضاري يف ماليزيا عرب‬ ‫العامل كله‪.‬‬ ‫ف�إ َّن �أهمية التنوير املحمود بو�سطية الإ�سالم ُيف�ضي �إىل فهم �صحيح‬ ‫لل�شريعة على قاعدة الو�سطية واالعتدال (ال �إفراط وال تفريط)‪ ،‬لأ َّن‬ ‫الو�سطية التي ندعوا �إليها لي�ست التنازل �أو التهاون‪ ،‬و�إمنا هي ارتباط‬ ‫بالأ�صل وات�صال بالع�صر‪ ،‬وهي الأقدر على ا�ستيعاب التغري يف الزمان‬ ‫واملكان‪ ،‬وعر�ض الدين باعتماد املنهج النبوي يف التي�سري والتب�شري‪.‬‬ ‫وتيار الو�سطية ُيدرك �أ َّن �إعادة �إحياء منهج الو�سطية واجب على‬ ‫�أبناء �أمتنا يدافعون به عن الإ�سالم وي�صدون الهجمات ال�شر�سة‬ ‫�ضده‪ ،‬وي�ستنريون بنوره للإ�سهام اجلاد يف بناء احل�ضارة الإن�سانية‬ ‫املعا�صرة‪ ،‬وهنا ف�إن �سعادتنا ال تو�صف ونحن نعقد يف عا�صمة ماليزيا‬ ‫م�ؤمترنا الأول بعنوان الو�سطية وم�شروع الإ�سالم احل�ضاري املاليزي‬ ‫مب�شاركة نخبة كرمية من علماء ماليزيا ومفكريها ويف رحاب اجلامعة‬ ‫الإ�سالمية العاملية‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ﻭﺳﻄﻴـﺘﻨـﺎ‬

‫ﺇنسانية اإلسﻼم‬ ‫د‪ .‬حممد راتب النابل�شي‬

‫ا ّإن الإن�ضانية اإحدى خ�ضائ�س الإ�ضالم الكربى‪ ،‬اإنها ت�ضغل حيزاً كبرياً‬ ‫يف منطلقاته النظرية‪ ،‬ويف تطبيقاته العملية‪ ،‬وقد ربطت بعقائده‬ ‫و�ضعائره ومنهجه واآدابه ربطاً حمكماً ؛ فالإن�ضانية يف الإ�ضالم لي�ضت‬ ‫جمرد اأُ ْمنية �ضاعرية تهفو اإليها ُ‬ ‫بع�س النفو�س‪ ،‬ولي�ضت فكرة مثالي ًة‬ ‫بع�س الروؤو�س‪ ،‬ولي�ضت حِ رباً على ورق ّ‬ ‫�ضطرته ُ‬ ‫تتخ َّيلها ُ‬ ‫بع�س الأقالم‪،‬‬ ‫اإنها ٌ‬ ‫ركن عقدي‪ ،‬وواقع تطبيقي‪ ،‬وثمار يانعة‪.‬‬ ‫فمِ ن ثمرات اإن�ضانية الإ�ضالم اليانعة مبداأُ الإخاء الإن�ضاين ‪ ،‬اإنه مبداأ‬ ‫رجلٍ واحد ‪ ،‬وامراأة واحدة‪،‬‬ ‫ق َّرره الإ�ضال ُم بنا ًء على ا ّأن الب�ض َر جميعاً اأبنا ُء ُ‬ ‫�ض َّمتهم هذه البن ّو ُة الواحد ُة امل�ضرتكة‪ ،‬والرح ُم الوا�ضلة‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ا�س ا َّت ُقوا َر َّب ُك ُم ا َّلذِ ي َخلَ َق ُك ْم مِ نْ َن ْف ٍ�س َواحِ َد ٍة َو َخلَ َق مِ ْنهَا‬ ‫( َيا اأَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫ريا َون َِ�ضا ًء َوا َّت ُقوا َّ َ‬ ‫اهلل ا َّلذِ ي َت َ�ضا َء ُلو َن ِب ِه‬ ‫َز ْو َجهَا َو َب َّث مِ ْن ُه َما ر َِج ًال َك ِث ً‬ ‫ال ْر َحا َم ِاإ َّن َّ َ‬ ‫َو ْ أَ‬ ‫اهلل َكا َن َعلَ ْي ُك ْم َرقِي ًبا)(الن�ضاء‪ :‬الآية ‪. )1‬‬ ‫والنبي �ضلى اهلل عليه و�ضلم يق ِّرر هذا الإخاء ويوؤ ِّكده كل يوم اأبلغ‬ ‫تاأكيد؛ فقد روى الإمام اأبو داود واأحمد يف م�ضنده َعنْ َز ْيدِ ْب ِن اأَ ْر َق َم َقا َل‬ ‫اهلل َ�ض َّلى َّ ُ‬ ‫اهلل َعلَ ْي ِه َو َ�ض َّل َم َي ُق ُ‬ ‫ول ِيف ُد ُب ِر َ�ض َال ِت ِه (اأَ َنا َ�ضهِي ٌد اأَ َّن‬ ‫َ�ضمِ ْعتُ َنب َِّي َّ ِ‬ ‫ا ْل ِع َبا َد ُك َّل ُه ْم اإِ ْخ َو ٌة)‪.‬‬ ‫فالنبي �ضلى اهلل عليه و�ضلم يعلن من خالل هذا الدعاء املتكرر الأخوة‬ ‫بني عباد اهلل جميعاً‪ ،‬ل بني العرب وحدهم‪ ،‬ول بني امل�ضلمني وحدهم‪،‬‬ ‫بل هي اأخوة بني بني الب�ضر جميعاً‪ ،‬على اختالف اأجنا�ضهم واأعراقهم‬ ‫واألوانهم وطبقاتهم ومللهم ونحلهم ‪ ،‬والب�ضر جميعاً عند اهلل جل‬ ‫جالله منوذجان؛ رجل عرف اهلل ‪ ،‬وان�ضبط مبنهجه‪ ،‬واأح�ضن اإىل‬ ‫خلقه‪َ ،‬ف َ�ض ِل َم و�ضعِد يف الدنيا والآخرة‪ ،‬ورجل غ َفل عن اهلل‪ ،‬وتف َّلت من‬ ‫ف�ضقي يف الدنيا والآخرة ‪.‬‬ ‫منهجه‪ ،‬واأ�ضاء اإىل خلقه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وهذا الإخاء الإن�ضاين يف الإ�ضالم لي�س لال�ضتهالك املحلي‪ ،‬ول‬ ‫للت�ضليل العاملي‪ ،‬اإمنا هو حقيقة دينية ل ريب فيها‪ ،‬تنطلق من اإ�ضقاط‬ ‫لكل املتاألهني يف الأر�س‪ ،‬الذين طغوا وبغوا ‪.‬‬ ‫ويزداد هذا الإخاء توثقاً وتاأكداً اإذا اأ�ضيف اإليه عن�ضر الإميان فتجتمع‬

‫ال�شنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫الأخوة الدينية اإىل الأخوة الإن�ضانية فتزيدها قوة اإىل قوة‪ ،‬وملا كان‬ ‫باب الإميان مفتوحاً لكل النا�س ‪ ،‬بال قيد‪ ،‬ول �ضرط‪ ،‬ول حتفظ على‬ ‫جن�س اأو لون اأو اإقليم اأو طبقة‪ ،‬فا ّإن الإخاء الديني املتفرع عن الإميان‬ ‫والعقيدة امل�ضرتكة ل ي�ضعف الإخاء العام بل ي�ضده ويقويه‪ ،‬فال تناق�س‬ ‫بني الإخاء الب�ضري العام وبني الإخاء الديني الذي ت�ضري اإليه الآية‬ ‫الكرمية ( ِاإ َّ َ‬ ‫منا ْاملُوؤْمِ ُنو َن ِاإ ْخ َو ٌة َفاأَ ْ�ضل ُِحوا َب ْ َ‬ ‫ني اأَ َخ َو ْي ُك ْم)(احلجرات‪.)10:‬‬ ‫بل اإن النبي �ضلى اهلل عليه و�ضلم ربط ربطاً حمكماً بني الأخوة‬ ‫الإن�ضانية وبني الإميان‪ ،‬بل جعلها مِ ن مقوماته‪ ،‬ف َعنْ اأَ َن ٍ�س َعنْ ال َّنب ِِّي‬ ‫َ�ض َّلى َّ ُ‬ ‫اهلل َعلَ ْي ِه َو َ�ض َّل َم َقا َل َ‬ ‫‪(:‬ل ُيوؤْمِ ُن اأَ َح ُد ُك ْم َح َّتى يُحِ َّب ِ ألَخِ ي ِه (يف‬ ‫الإن�ضانية) مَا يُحِ ُّب ِل َن ْف�ضِ هِ)( رواه البخاري‪ ،‬وم�ضلم)‪.‬‬ ‫ويف رواية ‪ :‬وحتى يكره له ما يكره لنف�ضه‪ ،‬وقد ذكر بع�س ُ�ض َّراح‬ ‫احلديث اأن كلمة اأخيه يف احلديث مل ُتقيد ب�ضفة حتدُّ اإطالقها واملُطلق‬ ‫يف الن�ضو�س املحكمة على اإطالقه‪ .‬اإذاً فالأخوة التي ق�ضدها نبي‬ ‫امل�ضلمني هي الأخوة الإن�ضانية‪.‬‬ ‫لقد ط َّبق الإ�ضال ُم هذا الإخاء الرفيع‪ ،‬واأقام على اأ�ضا�ضه جمتمعاً ربانياً‬ ‫اإن�ضانياً فريداً‪ ،‬ا�ضمح َّلتْ فيه فوارق اجلن�س واللون والقبيلة والطبقة‪.‬‬ ‫ومن ثمرات اإن�ضانية الإ�ضالم اليانعة؛ مبداأ امل�ضاواة الإن�ضانية‪ ،‬فقد‬ ‫قرره الإ�ضالم ونادى به‪ ،‬وهو ينطلق من اأن الإ�ضالم يحرتم الإن�ضان‬ ‫ويكرمه من حيث هو اإن�ضان‪ ،‬ل من اأي حيثية اأخرى‪ ،‬قال تعاىل ( َيا اأَ ُّيهَا‬ ‫ا�س اإِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ َذ َك ٍر َواأُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ض ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا اإِ َّن‬ ‫ال َّن ُ‬ ‫اهلل اأَ ْت َقا ُك ْم اإِ َّن َّ َ‬ ‫ري)( احلجرات‪)13 :‬‬ ‫اأَ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد َّ ِ‬ ‫اهلل َعلِي ٌم َخ ِب ٌ‬ ‫لقد خطب نبي امل�ضلمني يف حجة الوداع خطبة جامعة مانعة ت�ضمنت‬ ‫مبادئ اإن�ضانية �ضيقت يف كلمات �ضهلة �ضائغة‪ ،‬فلقد ا�ضتوعبت هذه‬ ‫اخلطبة جملة من احلقائق التي يحتاجها العامل ال�ضارد املعذب لري�ضد‬ ‫وي�ضعد ‪ ،‬فمن املبادئ التي انطوت عليها هذه اخلطبة‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الإن�ضانية مت�ضاوية القيمة يف اأي اإهاب تربز‪ ،‬على اأية حالة تكون‪ ،‬و َف ْوق‬

‫‪5‬‬

‫اإ�شالمية ‪ -‬و�شطية ‪ -‬ف�شلية ‪ -‬م�شتقلة‬


‫�أيِّ م�ستوى ترتبع َعنْ �أَبِي َن ْ�ض َر َة َقا َل‪َ :‬ح َّد َثنِي َمنْ َ�سمِ َع ُخ ْط َب َة َر ُ�سولِ‬ ‫ا�س ‪،‬‬ ‫اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم فيِ َو َ�س ِط �أَ َّيا ِم ال َّت ْ�شرِيقِ َف َقا َل ( َيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫�أَ اَل �إِ َّن َر َّب ُك ْم َواحِ ٌد ‪َ ،‬و�إِ َّن �أَ َبا ُك ْم َواحِ ٌد ‪� ،‬أَ اَل اَل َف ْ�ض َل ِل َع َرب ٍِّي َعلَى �أَ ْع َجمِ ٍّي‪،‬‬ ‫َو اَل ِل َع َجمِ ٍّي َعلَى َع َرب ٍِّي‪َ ،‬و اَل ِ ألَ ْح َم َر َعلَى �أَ ْ�س َودَ‪َ ،‬و اَل �أَ ْ�س َو َد َعلَى �أَ ْح َم َر �إِ اَّل‬ ‫بِال َّت ْق َوى‪َ ،‬ف�إِ َّن اللهَّ َ َق ْد َح َّر َم َب ْي َن ُك ْم ِدمَا َء ُك ْم َو�أَ ْم َوا َل ُك ْم َو�أَ ْع َر َ‬ ‫ا�ض ُك ْم)‪.‬‬ ‫‪2‬ـ النف�س الإن�سانية ما مل تكن م�ؤمنة بربها م�ؤمنة بوعده ووعيده‬ ‫م�ؤمنة ب�أنه يعلم �س َّرها وجهرها ‪ ،‬لأن النف�س الإن�سانية تدور حول‬ ‫�أثرتها‪ ،‬وال ُتبايل ب�شيء يف �سبيل غايتها‪ ،‬فرمبا بنت جمدها على‬ ‫�أنقا�ض الآخرين‪ ،‬وبنت غناها على فقرهم‪ ،‬وبنت عزها على ذلهم‪ ،‬بل‬ ‫رمبا بنت حياتها على موتهم‪ ،‬لذلك قال الر�سول الكرمي يف حجة الوداع‬ ‫(… �إِ َّن ِدمَا َء ُك ْم َو�أَ ْم َوا َل ُك ْم َو َ�أ ْع َر َ‬ ‫ا�ض ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم َح َرا ٌم �إِلىَ َي ْو ِم َت ْل َق ْو َن ُه ‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫َقا َل‪ْ :‬ا�س َم ُعوا مِ ِّني َتع ُ‬ ‫ِي�شوا ‪� ،‬أَ اَل اَل َت ْظ ِل ُموا ‪� ،‬أَ اَل اَل َت ْظ ِل ُموا ‪� ،‬أَ اَل اَل َت ْظ ِل ُموا‪،‬‬ ‫ِ�إ َّن ُه اَل يَحِ ُّل م ُ‬ ‫َال ْامرِئٍ ِ�إ اَّل بِطِ يبِ َن ْف ٍ�س مِ ْن ُه … )‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ واملال قوام احلياة‪ ،‬وينبغي �أن يكون مُتداو ًال بني كل النا�س‪ ،‬و�أنه‬ ‫�إذا ولد ُ‬ ‫املال املال من دون جهد حقيقي ي�سهم يف �إعمار الأر�ض‪ ،‬و�إغناء‬ ‫وحرمت منه الكرثة الكثرية‪ ،‬عندها‬ ‫احلياة‪ ،‬جت َّمع يف �أيدٍ قليلة ُ‬ ‫ُ‬ ‫العنف �إال‬ ‫ت�ضطرب احلياة‪ ،‬ويظهر احلقد‪ ،‬و ُيلج�أ �إىل العنف‪ ،‬وال يلد‬ ‫َ‬ ‫العنف‪ ،‬والربا ُي ْ�سهِم ب�شكل �أو ب�آخر يف هذه النتائج امل�أ�ساوية التي تعود‬ ‫على املجتمع الب�شري بالويالت‪ ،‬كما يحدث يف هذه الأيام التي �شهدت‬ ‫�سقوط نظام الربا العاملي‪.‬‬ ‫‪4‬ـ الن�ساء �شقائق الرجال ‪ ،‬ولأن املر�أة م�ساوية للرجل متاماً من حيث‬ ‫�أنها مكلفة كالرجل بالعقائد والعبادات واملعامالت ‪ ،‬والأخالق وم�ساوية‬ ‫له من حيث ا�ستحقا ُقها الثواب والعقاب ‪ ،‬و�أنها م�ساوية له متاماً يف‬ ‫الت�شريف والتكليف‪.‬‬ ‫والنبي �صلى اهلل عليه و�سلم قام جلنازة لرجل يهودي ‪ ،‬فلما �سئل النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم عن ذلك قال ‪� :‬ألي�س �إن�ساناً ‪ ،‬لذلك ع ّد الإ�سالم‬ ‫االعتداء على �أية نف�س اعتداء على الإن�سانية كلها‪ ،‬كما ع ّد �إنقا َذ �أية‬ ‫نف�س �إحياء للنا�س جميعاً‪ ،‬وهذا ما قرره القر�آن الكرمي بو�ضوح جلي‪،‬‬ ‫الَ ْر ِ�ض َف َك�أَنمَّ َ ا‬ ‫قال احلكيم اخلبري ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْ أ‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا) املائدة ‪.)32 :‬‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا َو َمنْ �أَ ْح َياهَا َف َك َ�أنمَّ َ ا �أَ ْح َيا ال َّن َ‬ ‫َق َت َل ال َّن َ‬ ‫ومل يكتف الإ�سالم �أن يقرر مبد�أ امل�ساواة نظرياً بل �أكده عملياً بجملة‬ ‫�أحكام وتعاليم‪ ،‬نقلته من فكرة جمردة �إىل واقع ملمو�س؛ من ذلك‬ ‫العبادات ال�شعائرية التي فر�ضها الإ�سالم‪ ،‬وجعلها الأركان العملية التي‬ ‫يقوم عليها بنا�ؤه العظيم من ال�صالة والزكاة وال�صيام واحلج‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫ويف م�ساجد الإ�سالم حيث تقام �صالة اجلمعة واجلماعة ت�أخذ امل�ساواة‬ ‫�صورتها العملية‪ ،‬وتزول كل الفوارق التي مت ِّيز بني النا�س‪ ،‬ف َمن َ‬ ‫دخ َل‬ ‫امل�سج َد �أَ َّو ًال �أخذ مكانه يف مقدمة ال�صفوف‪ ،‬و�إن كان �أق َّل النا�س ما ًال‪،‬‬ ‫و�أ�ضع َفهم جاهاً‪ ،‬ومَن ت� َّأخر ح�ضو ُره ت� ّأخر مكا ُنه‪ ،‬مهما يكن مركزه‪ ،‬فكل‬ ‫النا�س �سوا�سية �أمام اهلل؛ يف قيامهم‪ ،‬وقعودهم‪ ،‬وركوعهم‪ ،‬و�سجودهم‪،‬‬ ‫ر ُّبهم واحد‪ ،‬وكتا ُبهم واحد‪ ،‬وقبل ُتهم واحدة‪ ،‬وحركا ُتهم واحدة‪ ،‬و�إمامهم‬ ‫واحد‪.‬‬ ‫ويف منا�سك احلج تتحقق امل�ساواة ب�شكل �أ�شد ظهوراً‪ ،‬وتتج�سد جت�سداً‬ ‫تراه العني‪ ،‬ف�شعرية الإحرام تفر�ض على احلجاج واملعتمرين �أن‬ ‫يتج َّردوا من مالب�سهم العادية‪ ،‬ويلب�سوا ثياباً بي�ضاء ب�سيطة‪ ،‬غري‬ ‫خميطة‪ ،‬وال حميطة‪� ،‬أ�شبه ما تكون ب�أكفان املوتى‪ ،‬ي�ستوي فيها القادر‬ ‫والعاجز‪ ،‬والغني والفقري‪ ،‬وامللك واململوك‪ ،‬ثم ينطلق اجلميع ملبني‬ ‫بهتاف واحد‪ " :‬لبيك اللهم لبيك"‪.‬‬ ‫ومن امل�ساواة العملية التي قررها الإ�سالم قو ًال وطبقها فع ً‬ ‫ال امل�ساواة‬ ‫�أمام قانون الإ�سالم و�أحكام ال�شرع‪.‬‬ ‫احلرام يف �شريعة الإ�سالم َي َّت�سِ م بال�شمول ِّ‬ ‫واالطراد‪ ،‬فلي�س هناك �شيء‬ ‫حرام على الأعجمي‪ ،‬حالل على العربي‪ ،‬ولي�س هناك �شيء حمظور على‬ ‫امللون‪ ،‬مباح للأبي�ض‪ ،‬ولي�س هناك جواز �أو ترخي�ص‪ ،‬ممنوح لفئة من‬ ‫النا�س‪ ،‬تقرتف با�سمه ما طوع لها الهوى‪ ،‬بل لي�س للم�سلم خ�صو�صية‬ ‫جتعل احلرام على غريه حال ًال له‪ ،‬كال �إن اهلل رب اجلميع‪ ،‬وال�شرع �سيد‬ ‫اجلميع‪ ،‬فما �أحل اهلل ب�شريعته فهو حالل للنا�س كافة‪ ،‬وما ح َّرم فهو‬ ‫حرام على اجلميع كافة �إىل يوم القيامة ‪.‬‬ ‫ال�سرقة مث ً‬ ‫ال حرام‪� ،‬سواء �أكان ال�سارق ينتمي �إىل امل�سلمني‪� ،‬أ ْم َال ينتمي‪،‬‬ ‫و�سواء �أكان امل�سروق ينتمي �إىل امل�سلمني‪� ،‬أم ال ينتمي‪ ،‬واجلزاء الزم‬ ‫لل�سارق‪� ،‬أياً كان ن�سبه �أو مركزه‪.‬‬ ‫وكان عمر ر�ضي اهلل عنه ‪� ،‬إذا �أراد �إنفاذ �أمر‪ ،‬جمع �أهله وخا�صته‪ ،‬وقال‬ ‫لهم‪�( :‬إين �أمرت النا�س بكذا ونهيتهم عن كذا‪ ،‬والنا�س كالطري‪� ،‬إن‬ ‫مي اهلل ال �أوتَينَ َّ بواحد وقع يف ما نهيت النا�س‬ ‫ر�أوكم وقعتم وقعوا‪ ،‬وا ُ‬ ‫عنه‪� ،‬إال �ضاعفتُ له العقوبة ملكانه مني)‪ ،‬ويف خالفته ر�ضي اهلل عنه‬ ‫و�أر�ضاه‪ ،‬جاءه �إىل املدينة جبلة بن �ألأيهم �آخر ملوك الغ�سا�سنة يعلن‬ ‫�إ�سالمه‪ ،‬ف َر َّحب به عمر �أ�شد الرتحيب‪ ،‬ويف �أثناء طواف هذا امللك حول‬ ‫الكعبة دا�س بدوي طرف �إزار امللك الغ�ساين‪ ،‬فيغ�ضب امللك ويلتفت �إىل‬ ‫هذا البدوي في�ضربه ويه�شم �أنفه‪ ،‬فما كان من هذا البدوي من فزاره‬ ‫�إال �أن توجه �إىل اخلليفة الرا�شد عمر بن اخلطاب �شاكياً‪ ،‬في�ستدعي‬

‫‪6‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫عمر ر�ضي اهلل عنه امللك الغ�ساين �إىل جمل�سه ويجري بينهما حوار‬ ‫�صيغ على ال�شكل التايل‪ ( :‬قال عمر‪ :‬جاءين هذا ال�صباح ‪ ،‬م�شهد‬ ‫يبعث يف النف�س املرارة ‪ ،‬بدويٌّ من فزارة ‪ ،‬بدماء تتظ َّلم بجراح تتك َّلم ‪،‬‬ ‫مقلة غارت و�أنف قد ته�شم ‪ ،‬و�س�ألناه ف�ألقى فا ِد َح الوزر عليك ‪ ،‬بيديك‬ ‫‪� ،‬أ�صحيح ما ادَّعى هذا الفزاري اجلريح ؟ قال جبلة‪ :‬ل�ست ممن ينكر‪،‬‬ ‫�أو يكتم �شيئاً ‪� ،‬أنا �أ َّدبتُ الفتى ‪� ،‬أدركتُ حقي بيدي ‪ ،‬قال عمر ‪� :‬أيُّ ٍّ‬ ‫حق يا‬ ‫ابن �أيهم ‪ ،‬عند غريي يقهر امل�ست�ضعف العايف ويظلم ‪ ،‬عند غريي جبهة‬ ‫بالإثم والباطل ُت َ‬ ‫لطم ‪ ،‬نزوات اجلاهلية ‪ ،‬ورياح العنجهية ‪ ،‬قد دفناها‬ ‫و�أقمنا فوقها �صرحاً جديداً ‪ ،‬وت�ساوى النا�س �أحراراً لدينا وعبيداً ‪،‬‬ ‫�أر�ض الفتى ‪ ،‬البد من �إر�ضائه مازال ظفرك عالقاً بدمائه ‪� ،‬أو يه�شمن‬ ‫الآن �أنفك ‪ ،‬وتنال ما فعلته كفك‪ ،‬قال جبلة ‪ :‬كيف ذاك يا �أمري امل�ؤمنني‪،‬‬ ‫هو �سوقة و�أنا �صاحب تاج‪ ،‬كيف تر�ضى �أن يخر النجم �أر�ضاً‪ ،‬كان وهماً‬ ‫ما م�شى يف خلدي‪� ،‬أنني عندك �أقوى و�أعز‪� ،‬أنا مرتد �إذا �أكرهتني ‪ .‬قال‬ ‫عمر‪ :‬عامل نبنيه‪ ،‬كل �صدع فيه ب�شبا ال�سيف عندك �أقوى و�أعز‪ ،‬و�أعز‬ ‫النا�س بالعبد بال�صعلوك ت�ساوى)‪.‬‬ ‫�أما جبلة فلم ي�ستوعب هذا املعنى الكبري يف الإ�سالم‪ ،‬و َف َّر من املدينة‬ ‫هارباً مرتداً‪ ،‬ومل يبالِ عمر وال ال�صحابة معه بهذه النتيجة‪ ،‬لأن ارتداد‬ ‫رجل عن الإ�سالم � ُ‬ ‫أهون بكثري من التهاون يف تطبيق مبد�أ عظيم من‬ ‫مبادئه‪ ،‬وخ�سارة فرد ال تقا�س بخ�سارة مبد�أ‪.‬‬ ‫ومن ثمرات �إن�سانية الإ�سالم اليانعة دعوته �إىل ال�سالم ب�أو�سع معاين‬ ‫هذه الكلمة؛ مبعانيها الفردية واجلماعية ‪ ،‬واملادية والروحية ‪،‬‬ ‫والدنيوية والأخروية‪.‬‬ ‫ال�سلاَ ِم َو ُيخْ ر ُِج ُه ْم مِ َن‬ ‫قال تعاىل( َيهْدِ ي ِب ِه اللهَّ ُ م َِن ا َّت َب َع ر ِْ�ض َوا َن ُه ُ�س ُب َل َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِيم)(املائدة ‪.)16 :‬‬ ‫الظ ُل َماتِ �إِلىَ ال ُّنو ِر ِب�إِ ْذ ِن ِه َو َيهْدِ ي ِه ْم �إِلىَ ِ�ص َر ٍ‬ ‫اط م ُْ�س َتق ٍ‬ ‫حب وجوده‪،‬‬ ‫� ّإن الإن�سان‪�،‬أيَّ �إن�سان‪ ،‬يف �أي زمان ومكان‪ ،‬مفطور على ِّ‬ ‫حب ا�ستمرار وجوده‪ ،‬وعلى حب كمال‬ ‫حب �سالمة وجوده‪ ،‬وعلى ِّ‬ ‫وعلى ِّ‬ ‫وجوده؛ وبكلمة موجزة‪ :‬مفطور على حب �سالمته و�سعادته‪ ،‬وهذان‬ ‫املطلبان الثابتان لدى �أي �إن�سان ال يتحققان �إال حينما يطبق منهج‬ ‫الذي خلقه‪ ،‬فهو خبري ب�أ�سباب �سالمته و�سعادته‪.‬‬ ‫و�أين جند منهج الذي خلقنا‪ ،‬وهو اخلبري ب�أ�سباب �سالمتنا و�سعادتنا‪،‬‬ ‫�إننا جنده يف كتابه العزيز‪ ،‬و�سنة نبيه الكرمي يف كتاب اهلل الذي ال ي�أتيه‬ ‫الباطل من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬والذي يهدي للتي هي �أقوم‪ ،‬وهو‬ ‫هدىً وبيان وموعظة وبرهان‪ ،‬ونور و�شفاء‪ ،‬و ِذ ْكر وبالغ ووعد ووعيد‪،‬‬ ‫وب�شرى ونذير‪ ،‬يهدي �إىل احلق‪ ،‬و�إىل الر�شد‪ ،‬و�إىل �صراط م�ستقيم‪،‬‬ ‫ُيخرج النا�س من الظلمات �إىل النور ب�إذن ربهم �إىل �صراط العزيز‬ ‫ال�سنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫احلميد‪ ،‬ويحكم بني النا�س فيما اختلفوا فيه‪ ،‬فيه تبيان لكل �شيء وهو‬ ‫�شفاء ملا يف ال�صدور‪ ،‬فيه نب�أ ما قبلكم وخرب ما بعدكم ‪ ،‬وحكم ما بينكم؛‬ ‫من ابتغى الهدى يف غريه �أ�ضله اهلل فهو حبل اهلل املتني ‪ ،‬وهو الذكر‬ ‫احلكيم‪ ،‬ال ي�شبع منه العلماء‪ ،‬وال َيخلق عن كرثة الردِّ‪ ،‬وال تنق�ضي‬ ‫عجائبه‪ ،‬مَن قال به �صدق‪ ،‬ومَن حكم به عدل‪ ،‬ومَن عمل به �أُجر‪ ،‬ومن‬ ‫دعا �إليه هُ دي �إىل �صراط م�ستقيم ‪ ،‬قال تعاىل( َيهْدِ ي ِب ِه اللهَّ ُ م َِن ا َّت َب َع‬ ‫ال�سلاَ ِم)( املائدة ‪.)16 :‬‬ ‫ر ِْ�ض َوا َن ُه ُ�س ُب َل َّ‬ ‫عندئذ يهديه اهلل �سبل ال�سالم؛ ب�أو�سع معاين هذه الكلمة‪ ،‬يهديه �سبل‬ ‫ال�سالم مع نف�سه‪ ،‬فال ك�آبة‪ ،‬وال انقبا�ض‪ ،‬وال �شعور بالذنب‪ ،‬وال ح�سرة‪،‬‬ ‫وال ندم‪ ،‬وال �سقوط‪ ،‬ويهديه �سبل ال�سالم مع �أهله‪ ،‬فال �شقاء وال �شقاق‪،‬‬ ‫وال عقوق وال ع�صيان‪ ،‬وال تفكك وال انهيار‪ ،‬وال مذمة وال عدوان‪.‬‬ ‫ويهديه �سبل ال�سالم مع جمتمعه‪ ،‬فال عداوة وال بغ�ضاء‪ ،‬وال �إثم وال‬ ‫عدوان‪ ،‬وال �إحباط وال �إخفاق‪ ،‬وال مكر وال كيد‪.‬‬ ‫ويهديه �سبل ال�سالم مع ربه‪ ،‬فال حجاب وال نكو�ص‪ ،‬وال جفوة وال فتور‪،‬‬ ‫النجْ ِ ي َل‬ ‫وال غ�ضب وال �سخط ‪ ،‬قال تعاىل ( َو َل ْو �أَ َّن ُه ْم �أَ َقامُوا ال َّت ْو َرا َة َو ْ إِ‬ ‫َومَا �أُ ْن ِز َل �إِ َل ْي ِه ْم مِ نْ َر ِّب ِه ْم َ أل َك ُلوا مِ نْ َف ْو ِق ِه ْم َومِ نْ تحَ ْ تِ �أَ ْر ُج ِل ِه ْم مِ ْن ُه ْم �أُ َّم ٌة‬ ‫ري مِ ْن ُه ْم َ�سا َء مَا َي ْع َم ُلو َن) (املائدة‪.)66 :‬‬ ‫ُم ْق َت ِ�ص َد ٌة َو َك ِث ٌ‬ ‫وماذا عن امل�ستوى الدويل ؟ الأمة التي تطبق منهج اهلل‪ ،‬يهديها اهلل‬ ‫�سبل ال�سالم‪ ،‬فيجعلها اهلل م�ستخلفة‪ ،‬ممكنة‪� ،‬آمنة مطمئنة‪ ،‬قال تعاىل‬ ‫مذ ِّك ًرا بهذه احلقيقة‪َ ( :‬و َع َد اللهَّ ُ ا َّلذِ َ‬ ‫ال�صالحِ َ اتِ‬ ‫ين ءَا َم ُنوا مِ ْن ُك ْم َوعَمِ ُلوا َّ‬ ‫َل َي ْ�ستَخْ ِل َف َّن ُه ْم فيِ ْ أَ‬ ‫ين مِ نْ َق ْب ِل ِه ْم َو َل ُي َم ِّك نَ َّ‬ ‫ال ْر ِ�ض َك َما ْا�ستَخْ لَ َف ا َّلذِ َ‬ ‫ن َل ُه ْم‬ ‫دِي َن ُه ُم ا َّلذِ ي ا ْر َت َ�ضى َل ُه ْم َو َل ُي َب ِّد َل َّن ُه ْم مِ نْ َب ْعدِ َخ ْو ِف ِه ْم �أَ ْم ًنا َي ْع ُبدُو َننِي اَل‬ ‫ُي ْ�ش ِر ُكو َن بِي َ�ش ْي ًئا َو َمنْ َك َف َر َب ْع َد َذل َِك َف�أُو َلئ َِك هُ ُم ا ْل َفا�سِ ُقو َن)( النور‪:‬‬ ‫‪.) 55‬‬ ‫والأمة التي ال تطبق منهج اهلل يف حياتها تنطبق عليها هذه الآية‬ ‫الكرمية انطبا ًقا كام ً‬ ‫ال‪ ،‬قال تعاىل( َف َخلَ َف مِ نْ َب ْعدِ هِ ْم َخ ْل ٌف �أَ َ�ضاعُوا‬ ‫ال�صلاَ َة َوا َّت َب ُعوا َّ‬ ‫ال�ش َهوَاتِ َف َ�س ْو َف َي ْل َق ْو َن َغ ًّيا) (مرمي ‪.) 59 :‬‬ ‫َّ‬ ‫هذا عن �سبل ال�سالم يف القر�آن الكرمي ‪ ،‬فماذا عن �سبل ال�سالم مع‬ ‫اجلريان؟‬ ‫�إن ال�سالم الذي ُندعَى �إليه نحن حري�صون عليه‪ ،‬راغبون فيه على �أن‬ ‫يكون �سالماً عاد ًال‪ ،‬ت�سرتد قبله الأر�ض‪ ،‬وت�ؤدَّى معه احلقوق وتتوافر‬ ‫فيه الكرامة‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫الثقافة السننية وأسسها اإليمانية‬ ‫ال�سنن الإلهية يف عقيدة امل�سلم جزء من ر�ؤية كونية �شاملة متكاملة‪،‬‬ ‫مدارها وحمورها الرئي�س "التوحيد"‪ ،‬امل�ؤ�س�س لر�ؤية كونية متميزة‪،‬‬ ‫تعرف بالر�ؤية التوحيدية للعامل‪ ،‬ر�ؤية �شاملة جلميع جزئيات الكون‪.‬‬ ‫�إن الثقافة ال�سننية �صناعة معرفية‪ ،‬تت�أ�س�س على بحث ودرا�سة‬ ‫مو�ضوعية ثم التحقق العملي‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال عن العلمي (النظري) بال�سنن‬ ‫يف جماالت احلياة كلها‪� ،‬صعوداً ونكو�صاً‪ ،‬يف الأمور ال�صغرية كالأمور‬ ‫الكبرية �سواء ب�سواء‪ ،‬يف احلياة الفردية واحلياة االجتماعية واملجتمعية‪،‬‬ ‫بل تتعداها لتكون ثابتة يف كل جماالت احلياة‪ ،‬فال تعزب عنها الأمم‬ ‫وال�شعوب‪ ،‬ب�صرف النظر عن تد ّينهم �أو عدم تد ّينهم‪ ،‬مع مالحظة ما‬ ‫للإميان يف بعث الفعالية ب�أبعادها الإن�سانية يف حياة امل�ؤمن الفردية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫نتوقف يف هذه احللقة عند الأ�سا�س الإمياين لثقافة ال�سننية‪ ،‬ملا له‬ ‫من دور كبري يف التفكري يف بعث الفعالية الإميانية‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال عن ال�سعي‬ ‫العملي‪ ،‬للتحقق بها ثم حتقيقها بالفعل يف �شعاب احلياة‪ ،‬فهل ُيرى‬ ‫يف الكون بعنا�صره املادية �أو املعنوية ما يبعث على قبول فو�ضوية �سري‬ ‫الكون‪ ،‬ف�صغري عنا�صره ككبريها يف الداللة على ان�ضباطها بقوانني‬ ‫اهلل �سبحانه وتعاىل امل�ستودعة فيها‪.‬‬ ‫و�إذا �أراد الإن�سان االن�سجام مع الكون‪ ،‬فلي�س بحاجة غري االن�ضباط‬ ‫بقانون نف�سه (الفطرة) التي ا�ستودعها اهلل �سبحانه وتعاىل فيه من‬ ‫خالل االن�ضباط بقانون اهلل �سبحانه وتعاىل امل�سطور‪ .‬وبهذا تكون‬ ‫ال�صورة متكاملة متناغمة يتوافق فيها م�ستودع الفطرة مع الكون‬ ‫املنظور والكتاب امل�سطور‪ ،‬ذلك �أنها ت�صدر عن قرار واحد وقانون‬ ‫واحد؛ فعندما نوفق يف العمل بالقانون امل�سطور ن�أتي الكون املنظور‬ ‫مبا �أمر خالقه �أن ن�أتيه به‪ ،‬وهذا مبعث فعالية الثقافة ال�سننية وت�أكيد‬ ‫على �أ�سا�سها املعريف الإمياين‪ .‬فخذ مثال لفظ "الت�سخري" الوارد يف‬ ‫الذكر احلكيم‪ ،‬و َت َت ّبع متعلقاته يف القر�آن الكرمي‪ ،‬فتجد �أن مكونات‬ ‫الكون (ال�شم�س‪ ،‬القمر‪ ،‬الفلك‪ ،‬البحر‪ ،‬الأنهار‪ ،‬الليل والنهار‪ ،‬ال�سموات‬ ‫والأر�ض وما فيهما‪ ،‬اجلبال‪ ،‬الطري‪ ،‬الرياح‪ )...‬ووفق �صريح القر�آن‬ ‫الكرمي ّ‬ ‫م�سخرات بالأمر التكويني الذي جعلها اهلل �سبحانه وتعاىل‬ ‫عليه‪ ،‬قال تعاىل(�أَلمَ ْ َت َر ْوا �أَ َّن َ‬ ‫ال�س َما َواتِ َومَا فيِ‬ ‫اهلل َ�س َّخ َر َل ُك ْم مَا فيِ َّ‬ ‫ال�سنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬عمار جيدل‬ ‫ا�س َمنْ ُي َجاد ُِل فيِ‬ ‫الأَ ْر ِ�ض َو َ�أ ْ�س َب َغ َعلَ ْي ُك ْم ِن َع َم ُه َظاهِ َر ًة َوبَاطِ َن ًة َومِ َن ال َّن ِ‬ ‫هلل ِب َغيرْ ِ عِ ْل ٍم َو َال هُ دًى َو َال ِك َتابٍ ُم ِنريٍ)(لقمان‪ ،)20:‬واملتحقق بلفظ‬ ‫ا ِ‬ ‫الت�سخري‪ ،‬ال ميكن �أن يقدّ�س �أي مظهر من مظاهر الكون من جهة‪،‬‬ ‫ومن جهة �أخرى يعمل على التعامل مع الكون بثقافة �سننية‪ ،‬تفر�ض‬ ‫�أن ي�ستثمر الت�سخري الإلهي للكون‪ ،‬فيدعى �إىل اكت�شاف قوانني �سريها‬ ‫والإفادة منه‪ ،‬يف حياته املادية واملعنوية‪ .‬لهذا كان الإميان القلبي‬ ‫امل�ؤ�س�س على القناعة العقلية‪� ،‬أ�سا�ساً لبعث فعالية الثقافة ال�سننية‪.‬‬ ‫حمور ال�سنن الإلهية "التوحيد"‬ ‫مبعث فعالية الثقافة ال�سننية يف املتحقق بها الإميان‪ ،‬مبعنى الثقة‬ ‫واليقني ب�أن ال�سنن لي�ست �إال قوانني اهلل �سبحانه وتعاىل يف اخللق‪ .‬ذلك‬ ‫�أن ال�سنن الإلهية يف عقيدة امل�سلم جزء من ر�ؤية كونية �شاملة متكاملة‪،‬‬ ‫مدارها وحمورها الرئي�س؛ "التوحيد" امل�ؤ�س�س لر�ؤية كونية متم ّيزة‪،‬‬ ‫تعرف بالر�ؤية التوحيدية للعامل‪ ،‬ر�ؤية �شاملة جلميع جزئيات الكون‪،‬‬ ‫تنخرط جميعها يف �إطار متكامل ور�ؤية �شاملة متناغمة‪ ،‬يحكمها‬ ‫التوحيد مدار العقائد والأخالق وال�شرائع كلها‪ ،‬ر�ؤية ال تنافر بني‬ ‫عنا�صرها‪ ،‬جتعل الكون بعنا�صره املادية واملعنوية �أ�شبه مبحرك تنبعث‬ ‫عنه نتائج متناغمة وت�صرفات متنا�سقة ت�ؤدي دوراً وظيف ًّيا يق�صد‬ ‫خدمة الإن�سان‪ ،‬لهذا تراه ي�ستوعب حاجاته املادية؛ ما ينفع النا�س يف‬ ‫معا�شهم املادي‪ ،‬وحاجاته املعنوية؛ ما ينفع النا�س يف معا�شهم املعنوي‪،‬‬ ‫من نحو اجلمال والنظر �إىل جتلي اجلالل‪ ،‬و�إ�شباع حاجة الأرواح‬ ‫والقلوب �إىل الراحة الروحية‪ ..‬ف�ض ً‬ ‫ال عن �أن الكون م�صدر العطايا‪،‬‬ ‫فهو �إ�ضافة �إىل ذلك مرايا التوحيد‪ ،‬حتى �صارت عنا�صر الكون �شهوداً‬ ‫كثرية على التعريف باهلل �سبحانه وتعاىل من خالل نظامه املتجلي يف‬ ‫ال�سنن‪ ،‬والتي نحن ب�صدد بيان �أهميتها الإميانية يف حياة امل�سلم‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫هلل َت ْبدِ ي ً‬ ‫ال)(الفتح‪� ،)23:‬أي "م�ضت يف‬ ‫َخلَتْ مِ نْ َق ْب ُل َو َلنْ تجَ ِ َد ل ُِ�س َّن ِة ا ِ‬ ‫كفار الأمم ال�سالفة مع م�ؤمنيها‪ ،‬ولن جتد ل�سنة اهلل �سبحانه وتعاىل‬ ‫حتوي ً‬ ‫ال‪� ،‬أي تغيرياً‪ .‬وا�ست�شهد يف هذا املقام بقول ابن جرير‪( :‬بل ذلك‬ ‫دائم‪ ،‬للإح�سان جزا�ؤه من الإح�سان‪ ،‬وللإ�ساءة والكفر العقاب وال َنكال)‪.‬‬ ‫االن�ضباط يف �سري ال�سنن‪ ،‬يفر�ض مو�ضوع ًّيا الن�سج على منواله‪،‬‬ ‫ا�ستدراراً خلريها وانتفاعاً بال�سنن الآفكة‪ ،‬تلك التي تكون نهايتها‬ ‫اخل�سران يف الدنيا والآخرة‪ .‬وهي من هذه الزاوية قابلة لال�ستثمار على‬ ‫وفق جعلها‪ ،‬ب�شرط حتويل معرفتها �إىل موقف اجتماعي وح�ضاري يف‬ ‫مبا�شرة التغيري‪.‬‬ ‫رغم �سري الكون على ال�سنن امل�ضبوطة؛ ف�إن من م�شمول تلك ال�سنن‬ ‫�أن ُتخرق تلك ال�سنن ت�أييداً لنبي‪ .‬فلي�س غريباً �أن ُيظهر اهلل �سبحانه‬ ‫وتعاىل املعجزات على �أيدي الأنبياء‪ ،‬ت�أييداً لهم ودلي ً‬ ‫ال على ات�صالهم‬ ‫بامللأ الأعلى‪ .‬لهذا ن�ؤكد �أن من ال�سنن مبفهومها العام؛ املعجزات‬ ‫املندرجة بدورها يف عادة اهلل �سبحانه وتعاىل يف ت�أييد اهلل �أنبياءه ور�سله‬ ‫عليهم ال�صالة وال�سالم‪ ،‬بل ويف ت�أييد عباده ال�صاحلني العاملني‪ ،‬قال‬ ‫تعاىل(�إِنْ َت ْن ُ�ص ُروا َ‬ ‫اهلل َي ْن ُ�ص ْر ُك ْم َو ُي َث ِّبتْ �أَ ْقدَا َم ُك ْم)(حممد‪.)7:‬‬ ‫من منطلق خا�صية ربانية ال�سنن‪� ،‬أَبعد امل�سل ُم �صفة التقدي�س عن الكون‬ ‫ومكوناته‪ ،‬ولهذا كان الكون يف عامله املادي واملعنوي قاب ً‬ ‫ال لالكت�شاف‬ ‫ني خالقه‪ ،‬وهو املعبرّ عنه‬ ‫واملعرفة عند امل�سلم‪ ،‬ذلك �أنه من�ضبط بقوان ِ‬ ‫مبنطلق التوحيد امل�ؤ�س�س النظري لفكرة الت�سخري‪ .‬وبهذا يت�أكد عندنا‬ ‫الأ�سا�س الإمياين للثقافة ال�سننية‪ ،‬وهو مبعث التحقق بال�سنن علم ًّيا‬ ‫والعمل مبقت�ضاها تطبيق ًّيا‪ ،‬وتي�سرياً لنفث روح الفعالية يف ت�صرفاتنا‪.‬‬

‫نخل�ص �إىل �أن الكون ي�سري وفق �سنن م�ضبوطة ال تحُ ابي �أحداً على‬ ‫ح�ساب �أحد‪ ،‬ذلك �أنها ربانية املن�ش�أ واملنبت‪ ،‬ولهذه امليزة حتررت من‬ ‫�أن تكون �ضد فالن �أو عالن من النا�س‪ ،‬كما حتررت يف الوقت نف�سه‬ ‫من �أن تتهم بالتح ّيز لبع�ض الب�شر على ح�ساب بع�ض‪ ،‬بل هي م�ستقلة‬ ‫عن الب�شر يف �أ�صل و�ضعها ويف ا�ستدرار نتائجها واالنتفاع بها يف �شعاب‬ ‫احلياة‪ .‬فالربانية و�إن كانت �أ�سا�ساً �إميانياً‪ ،‬ف�إنها مبعث العمل العلمي‬ ‫على تعقلها يف �سريها وكيفيات ا�ستثمار خرياتها‪ ،‬ودعوة �صريحة �إىل‬ ‫العمل بها ملن َرغب يف النجاح يف الدنيا والفالح يف الآخرة‪.‬‬ ‫ال�سنن الإلهية ربانية‬ ‫�سنة اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬قانونه يف تقدير الأ�شياء �إيجاداً وبقا ًء‬ ‫وم�صرياً‪ ،‬فهو موجدها وهو حامي بقائها و�إليه يعود م�صريها‪ .‬وقد‬ ‫عبرّ القر�آن الكرمي عن تلك احلقيقة بعنوان "�سنة اهلل"‪َ ( :‬فلَنْ تجَ ِ َد‬ ‫هلل تحَ ْ وِي ً‬ ‫هلل َت ْبدِ ي ً‬ ‫ال)(فاطر‪ ،)43:‬مبعنى �أن‬ ‫ال َو َلنْ تجَ ِ َد ل ُِ�س َّن ِة ا ِ‬ ‫ل ُِ�س َّن ِة ا ِ‬ ‫وا�ضعها هو اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهو ربها ممُ ِ دها بعنا�صر الوجود‬ ‫والدميومة �إ�ضافة �إىل امتالك م�صريها‪ ،‬وبالتايل ال ت�ؤتي ثمارها �إال‬ ‫�إذا جئتها مبا يوافق �سنن اهلل فيها‪ ،‬بحيث تنال منها بقدر ان�سجامك‬ ‫مع قانون �سريها‪ ،‬وال مطمع يف نيل نتائج بغري معرفة تلك القوانني‬ ‫ثم متثلها بالفعل يف النظر والتطبيق‪.‬‬ ‫وا�ضح من عنوانها "�سنة اهلل" �أنها من و�ضع اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬لي�س‬ ‫للب�شر فيها �أكرث من اكت�شافها‪ ،‬والن�سج على منوالها‪ ،‬ال�ستدرار خري‬ ‫الكون‪ ،‬وتاليف ما كان منها منتِجاً لل�شر دفعاً ل�شر �أو �ضرر‪.‬‬ ‫ال�سنة الإلهية هي اخللق‪ ،‬وهي �صورة من �صوره‪ ،‬ومنه ي�ستفاد دليل‬ ‫النظام على املنظم (دليل اخللق �أو دليل الكو�سمو�س)‪ ،‬وال�سنة من حيث‬ ‫كونها كذلك‪ ،‬تقت�ضي التكرر‪ ،‬وهي بهذه امليزة قابلة لالكت�شاف‪ ،‬ذلك‬ ‫ُي�سرة الك�شف ثم اال�ستثمار‪ .‬ي�شهد لهذا منطوق القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫�أنها م ّ‬ ‫َ‬ ‫قال تعاىل( َق ْد َخلَتْ مِ نْ َق ْب ِل ُك ْم ُ�س نَ ٌ‬ ‫ريوا فيِ الأ ْر ِ�ض َفا ْن ُظروا َك ْي َف‬ ‫ن َف�سِ ُ‬ ‫َكا َن عَا ِق َب ُة المْ ُ َك ِّذ ِب َ‬ ‫ني)(�آل عمران ‪.)137‬‬ ‫االن�ضباط وفق قواعد‬ ‫ال�س ّنة تقت�ضي االن�ضباط وفق قواعد‪ ،‬يدل على ذلك تكررها الدال‬ ‫بنف�سه على ان�ضباطها بقواعد رئي�سة‪ ،‬ال حتيد عنها‪ ،‬يف و�ضعها العادي‬ ‫امل�ألوف‪ ،‬ي�سري وفقها الكون ووفقها �أي�ضا يحافظ على وجوده وبقائه‪،‬‬ ‫مما ي�سمح حل�ضارتها امل�ؤ�س�سة بالتطور املق�صود‪ ،‬تقوده �سنن ثابتة‪،‬‬ ‫ي�سعى امل�سلم �إىل متثلها واالن�ضباط بها يف ت�صرفاته‪.‬‬ ‫هلل ا َّلتِي َق ْد‬ ‫قال جمال الدين القا�سمي يف تف�سري قوله‬ ‫تعاىل(�س َّن َة ا ِ‬ ‫ُ‬

‫‪9‬‬


‫الﺨطاﺏ اإلسﻼﻣﻲ المﻌاﺻر ﺑيﻦ الثاﺑﺖ والمﺘﻐير‬ ‫نور الدين بوكرديد‬ ‫املقدمة‬ ‫من اأهم الق�شايا التي ت�شغل بال كل م�شلم مثقف واع بطبيعة‬ ‫هذا الع�شر و‪‬ا تعانيه اأمنتا من اأزمات‪ ،‬وما يرتب�ص به من‬ ‫حتديات فكرية‪ ،‬ق�شية اخلطاب‪ ،‬ذلك اأن اخلطاب هو اأداة‬ ‫التبلي‪ ‬والتوا�شل واحلوار ما بني اأبناء الأمة نف�شها‪ ،‬وبينها‬ ‫وبني الأ‪ ‬الأخرى‪ ،‬وهذه الأداة هي مقيا�ص ن�ش‪ ‬الأمة ومعيار‬ ‫مقدر ِتها على ممار�شة ذلك التبلي‪ ‬والتوا�شل واحلوار وعلى‬ ‫ِ‬ ‫اإحالل نف�شها املكانة الالئقة بني الأ‪ ،‬ومن ثم جناحها اأو‬ ‫ف�شلها يف اإقناع الآخرين ‪‬وقفها ووجهات نظرها يف ‪‬تلف‬ ‫امل�شائل وال�شوؤون‪.‬‬ ‫مكونات اخلطاب الإ�شالمي‬ ‫ميكننا اأن ن ُر َّد مكونات اخلطاب الإ�ضالمي اإىل نوعني‪ :‬املكون ال�ضرعي‬ ‫وهو ما جاء به الوحي الإلهي من قراآن و�ضنة نبوية �ضحيحة وهو اأ�ضل‬ ‫اخلطاب الإ�ضالمي ومنطلقه ومرجعيته الثابتة الدائمة‪ ،‬لكونه �ضادراً‬ ‫عن اهلل �ضبحانه الذي اأبدع الوجود كله‪ .‬واملكون الب�ضري وهو ما فهمه‬ ‫وا�ضتنبطه الب�ضر من الن�ضو�س ال�ضرعية وما نتج عن ذلك فكرا كان اأو‬ ‫فقهاً اأو علوماً واأدباً‪ .‬لذلك فهو فر ٌع للمكون الأول وموؤ�ض�س منه واإليه‪.‬‬ ‫ومبا اأن املك ّون ال�ضرعي قد اأك�ضبه م�ضدره الرباين خ�ضائ�س الربانية‬ ‫وال�ضمول والثبات والتوازن واملرونة وال�ضالحية لكل زمان ومكان‪،‬‬ ‫فبا�ضتطاعتنا اأن نكت�ضف مبعايريه ك َّل خلل وا�ضطراب يف واقع احلياة‬ ‫القائم‪.‬‬ ‫واإذا كان اخلطاب‪ ،‬اأي خطاب رهينا للتطوير والتبديل‪ ،‬دون حتفظ اأو‬ ‫ا�ضرتاط فاإن خطابنا الإ�ضالمي له و�ضعه اخلا�س‪ ،‬فهو ل يتغري ول‬ ‫يتبدَّل يف جوهره‪ ،‬اأي يف ثوابته الأ�ضا�ضية املرتكزة على مكونه ال�ضرعي‬ ‫مهما تغري الزمان واملكان وامللتقى‪ ،‬وبغري هذه الثوابت‪ ،‬اأو بامل�ضا�س بها‬ ‫ل يكون اإ�ضالميا‪ ،‬ول ميثل حقيقة الإ�ضالم وخ�ضائ�ضه‪ ،‬واأما املك ّون‬ ‫الآخر ففيه يكون الجتهاد والتطوير مبا يراعي املخاطبني وظروفهم‬ ‫العامة واخلا�ضة زمانا ومكانا‪ ،‬يقول الدكتور يو�ضف القر�ضاوي‪":‬واإذا‬ ‫كان املحققون من اأئمة الدين وفقهائه قد ق َّرروا اأن الفتوى تتغري‬ ‫بتغري الزمان واملكان واحلال‪ ،‬والفتوى تتعلق باأحكام ال�ضرع فاإن نف�س‬ ‫هذا املنطق يقول‪ :‬اإن تغيري الدعوة اأو اخلطاب يتغري بتغري الزمان‬ ‫واملكان والعرف واحلال اأحق واأوىل"‪.‬‬

‫م�شتويات اخلطاب‬ ‫بالنظر اإىل م�ضتويات اخلطاب ومتلقيه جند اأن هناك ف�ضاءات متنوعة‬ ‫ميكن اأن تتناول على م�ضتويني‪:‬‬ ‫اأ‪ -‬الف�ضاء الداخلي اأو املحلي‪ :‬وفيه يتوجه اخلطاب اإىل فئات متفاوتة‪،‬‬ ‫فيما‪ :‬الطفل وال�ضاب والفتاة واملراأة والرجل‪ ،‬كل بح�ضب م�ضتواه‬ ‫التعليمي اأو الثقايف‪ ،‬وبح�ضب موقعه ومهنته وظروفه اخلا�ضة‪ ،‬وما‬ ‫نالحظه على هذا اخلطاب هو عدم مراعاته اأحيانا طبيعة هذه الفئات‬ ‫وال�ضروط املتطلبة لذلك‪ ،‬ويتجلى هذا يف مظاهر كثرية منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬غياب الروؤية الفكرية املتحدة‪ ،‬وامل�ضروع الدعوي امل َّوحد‪ ،‬ومن ثم‬ ‫افتقاد اخلطاب الإ�ضالمي املتفق عليه بني كثري من موؤ�ض�ضات الدعوة‬ ‫ورجالت الفقه وال�ضريعة‪ ،‬وكذلك غياب الفتوى املتفق عليها يف كثري‬ ‫من الأمور التي تهم الأمة ومت�س �ضوؤون دينها‪ :‬مثل روؤية الهالل‪،‬‬ ‫وحتديد العيدين‪ ،‬والفوائد امل�ضروفية‪...‬الخ‪.‬‬ ‫‪ -2‬تعطيل املوؤ�ض�ضات واملنابر املتخ�ض�ضة واملوؤهلة لتقدمي املعرفة‬ ‫الإ�ضالمية ال�ضحيحة يف بع�س البيئات الإ�ضالمية اأو عرقلتها اأو‬ ‫توظيفها خلدمة املاآرب ال�ضيا�ضية‪.‬‬ ‫‪ -3‬التقوقع داخل مذهب فقهي اأو عقدي ّ‬ ‫معني‪ ،‬وفر�ضه يف التعليم‬ ‫وو�ضائل الإعالم والثقافة واإ�ضدار الفتاوى الدينية من خالله‪ ،‬ثم‬ ‫ت�ضدير هذا التوجه املذهبي ال�ضيق اإىل عامة امل�ضلمني يف العامل‪،‬‬ ‫مبختلف الو�ضائل والأ�ضاليب‪.‬‬ ‫‪ -4‬الت�ضبث براأي واحد يف امل�ضاألة وم�ضادرة جميع ما عداه من وجهات‬ ‫النظر‪ ،‬والت�ضبث بالنفراد بالفهم وامل�ضوؤولية عن الدين‪.‬‬ ‫‪ -5‬جتاهل اأولويات الق�ضايا يف التاأليف والكتابة فيما يعالج اأزمات الأمة‬ ‫ويعمل على توحيدها واإ�ضالح ذات البني فيها‪ ،‬والعمل على التقدم‬ ‫والرقي بها‪ ،‬وال�ضتغال بدل من ذلك يف بع�س الأو�ضاط الإ�ضالمية‬ ‫بالفنت املذهبية‪ ،‬واإيقاد نار ال�ضراع والتنابذ والتهامات بالزندقة اأو‬ ‫الف�ضوق اأو التكفري من خالل تاأليف الكتب واملقالت واإ�ضدار الأ�ضرطة‬ ‫والربامج املرئية ال�ضاخنة‪.‬‬ ‫‪ -6‬الت�ضديد والت�ضييق يف فتاوى بع�س العلماء فيما فيه �ضعة وجمال‬ ‫لالجتهاد‪.‬‬ ‫‪ -7‬حتميل الن�ضو�س القراآنية والنبوية غري ما حتتمل واإ�ضاءة فهمها‪.‬‬ ‫‪ -8‬جمابهة بع�س التيارات التي تنتقد الإ�ضالم جمابهة �ضاذجة من دون‬ ‫بيان احلجج املقنعة‪.‬‬ ‫‪ -9‬التاأكيد املبالغ فيه من قبل الكثري من الوعاظ وخطباء امل�ضاجد‬

‫‪10‬‬


‫على مو�ضوعات الرتهيب ب�أ�صناف العذاب الأخروي والتزهيد يف تعمري‬ ‫احلياة والإبداع فيها‪ ،‬و�إهمال بع�ضهم تناول ق�ضايا املجتمع والإن�سان‬ ‫من معامالت وعالقات و�آداب‪.‬‬ ‫‪ -10‬فراغ كثري من ال�ساحات واملنابر من املتخ�ص�صني القادرين‬ ‫وانكما�شهم على �أنف�سهم نتيجة �أو�ضاع �سيا�سية معينة يف بع�ض البيئات‬ ‫الإ�سالمية و�إ�سناد هذه املهمة �أو تو ِل ّيها من قبل �آخرين غري م�ؤهلني‪.‬‬ ‫ب – الف�ضاء اخلارجي �أو العاملي‪:‬‬ ‫بالنظر �إىل تلك الأو�ضاع التي عليها اخلطاب الإ�سالمي حملياً‪� ،‬أي‬ ‫يف الداخل‪ ،‬وما ي�سودها من ا�ضطراب وغياب للتخطيط والتعاون‪،‬‬ ‫ومن افتقاد –كما تقدم‪ -‬للر�ؤية ال�شاملة املوحدة والأهداف املوحدة‬ ‫و�إخال�ص العمل هلل �سبحانه‪ ،‬ف�إن هذا اخلطاب على م�ستوى العامل‬ ‫�ضعيف ومتخلف جدا عن منطق الع�صر و�آلياته ومناهجه‪ ،‬بل لوال‬ ‫اجلهود القليلة املتناثرة لقلنا �إنه غائب يف �إجازة غري حمدودة عن عامل‬ ‫اليوم‪ ،‬ومع �صعوبة ت�شخي�ص هذا الو�ضع وحتديد مالحمه ف�إنه ميكن‬ ‫�إدراك املالحظات الآتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬على الرغم من امتالك الدول الإ�سالمية عددا من الرثوات الطبيعية‬ ‫الهائلة كالنفط والغاز واحلديد والفو�سفات والنحا�س واليورانيوم‪...‬‬ ‫الخ‪ ،‬والطاقتني ال�شم�سية واملائية‪ ،‬والرثوات البحرية والزراعية‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من تعدادها ال�سكاين الذي يتجاوز املليار و�أربعمائة مليون‪ ،‬ف�إن‬ ‫ما تخ�ص�صه هذه الدول من �أموال ومن برامج وم�شروعات لتبليغ‬ ‫ر�سالة الإ�سالم �إىل �شعوب العامل و�إنقاذها من ظلمات ال�ضالل يف الدنيا‬ ‫و�سوء امل�صري يف الآخرة‪ ،‬وللتعبري عن ق�ضايانا يف املعرتك الدويل‪ ،‬هو‬ ‫�أمر م�ؤ�سف جدا‪� ،‬إذا ما قورن مبا حتظى به �سائر املذاهب واحلركات‬ ‫الهدامة من جهود لالنت�شار والتمكني يف العامل‪.‬‬ ‫‪ -2‬احلوار الإ�سالمي امل�سيحي هو �أحد ال�سبل التي حاولت من خاللها‬ ‫عدة منظمات وم�ؤ�س�سات منذ عدة عقود �إي�صال خطابها الإ�سالمي يف‬ ‫عدة ملتقيات معروفة‪ ،‬وهو امتداد �سنة حميدة لذلك الذي كان يجريه‬ ‫�أ�سالفنا مع �أهل الكتاب عرب ع�صور ال�سيادة الفكرية واحل�ضارية‪.‬‬ ‫‪ -3‬قليلة تلك اجلهود التي اجتهت �إىل �شعوب العامل بخطاب �إ�سالمي‬ ‫علمي ومو�ضوعي وخال�ص لوجه اهلل ومعظم هذه اجلهود فردية‬ ‫وعِ َ�صامية‪ ،‬وقد باركها اهلل ب�سبب �إخال�ص �أ�صحابها و�أ�شهر مثال يف هذا‬ ‫املجال ما قدمه وقام به الداعية املرحوم‪�" :‬أحمد ديدات" يف مناظراته‬ ‫مع �أقطاب امل�سيحية‪ ،‬وكذلك ما قدمه املفكر الإ�سالمي "وحيد الدين‬ ‫خان" و�آخرون �أ�سهموا بتقدمي �آثار علمية جليلة ب�أكرث من لغة �أجنبية‪،‬‬ ‫كلها جديرة ب�إعادة الن�شر يف طبعات متميزة‪ ،‬ليتم توزيعها يف خمتلف‬ ‫�أنحاء العامل‪ ،‬وخا�صة غري امل�سلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬يعد حادث احلادي ع�شر من �سبتمرب يف نيويورك املعروف منعطفاً‬ ‫بارزاً يف نظر الغرب بخا�صة ويف نظر العامل بعامة �إىل الإ�سالم‬ ‫وامل�سلمني‪ ،‬وبقدر ما ترتب على هذا احلادث من نتائج وخيمة على‬ ‫الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬فقد ح َّفز احلدث كثريا من الأجانب يف خمتلف‬

‫بقاع العامل للتعرف على حقيقة هذا الدين الذي تخيلوا �أنه هو كما‬ ‫جزموا –الباعث الأ�سا�سي على ما �أ�سموه بالإرهاب‪.‬‬ ‫وال �شك �أن �أثرياء العرب وامل�سلمني الذين ج َّمد الغرب ملياراتهم بعد‬ ‫ذلك احلادث املذكور‪ ،‬والذين وظفوا �شطرا منها قبل ذلك يف م�شروعات‬ ‫يهودية‪َّ ،‬‬ ‫و�سخروا بع�ضها يف ملذاتهم ال�شخ�صية وهواياتهم املف�ضلة‪ ،‬كان‬ ‫يف و�سعهم لو �أنهم اتقوا اهلل يف دينهم و�أنف�سهم‪ ،‬بت�سخري �أكرب و�سائل‬ ‫الإعالم والن�شر العاملية و�شراء كربيات ال�صحف والقنوات الف�ضائية‬ ‫خلدمة اخلطاب الإ�سالمي بكل �أنواعه وم�ستوياته‪ ،‬و�إبالغ الب�شرية يف‬ ‫كل ديارها ومبختلف لغاتها ر�سالة الهدى واحلق‪.‬‬ ‫�أنواع اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫انعكا�سا ملا مر ومير ب�أمتنا ظروف غام�ضة وهزات مروعة وم�آ�س‬ ‫م�ؤ�سفة‪ ،‬وال �سيما بعد حادثة احلادي ع�شر من �سبتمرب تعددت �أنواع‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي بخا�صة والعربي عامة‪ ،‬معربة عن وجهات النظر‬ ‫الر�سمية وغري الر�سمية وممثلة ملختلف التيارات واالنتماءات ‪.‬‬ ‫و�أما �أنواع اخلطاب التي ميكن ا�ستخال�صها من جمموع املالحظات‬ ‫واملالمح ال�سابق ذكرها فهي الآتية‪:‬‬ ‫ خطاب الو�سطية الإ�سالمية‪ :‬الذي متثله مدر�سة الإحياء والتجديد‬‫واجلمع بني الأ�صالة واملعا�صرة ومواجهة الأحداث بواقعية ومرونة‬ ‫وحكمة ويت�صدر ه�ؤالء‪ :‬الدكتور يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬والدكتور حممد‬ ‫عمارة‪ ،‬وال�شيخ حممد الغزايل‪ ،‬و�آخرون‪.‬‬ ‫ خطاب االجتاهات ال�صوفية‪ :‬الذي يرتكز على التجارب الروحية‬‫وعلم القلوب والت�أمالت وي�صدر عن فرق متعددة‪ ،‬وي�شوب هذا اخلطاب‬ ‫�شوائب من الدرو�شة واخلرافات واالنحرافات‪.‬‬ ‫ اخلطاب ال�سلفي الن�صي‪ :‬وهو ما ي�صدر يف بع�ض البيئات التي تلتزم‬‫مبذهب معني يتبناه النظام القائم ويوظفه ل�صاحله‪.‬‬ ‫ خطاب الرف�ض واالحتجاج والعنف والتخريب‪ :‬ومتثله ن�سبة �ضئيلة‬‫من النا�س‪ ،‬و�أكرثهم من ال�شباب املغرر بهم من العاطلني واملحبطني‬ ‫يف حياتهم �أو املتعر�ضني للإعتقاالت �أو املفتونني يف ذويهم بالت�صفية‪،‬‬ ‫ومعظمهم متحم�سون ومن ذوي ثقافة �سطحية يف ال�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫�صور اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫�إن للخطاب الإ�سالمي �صورا متعددة بني مقروء وم�سموع ومرئي‪،‬‬ ‫وتتمثل يف خطبة اجلمعة والوعظ والإر�شاد وال�صحف واملجالت‬ ‫ال�شرعية والكتب العلمية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الأ�شرطة الدينية والأقرا�ص‬ ‫املمغنطة والقنوات امل�سموعة كالإذاعة‪ ،‬واملرئية كالتلفزيون ملا تقدمه‬ ‫من برامج دينية‪ ،‬وال�شبكة الدولية للمعلومات "الإنرتنت"‪ ،‬واللقاءات‬ ‫العلمية والندوات وامل�ؤمترات‪ ،‬و�أخريا الدراما التي تقدم اخلطاب‬ ‫الإ�سالمي على �شكل م�سل�سالت و�أفالم دينية‪ ،‬وهي من �أكرث الو�سائل‬ ‫قبو ًال عند النا�س‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫مقارنة بني اخلطابني العربي والإ�سالمي‬ ‫�إن مدى حركية اخلطاب العربي املعا�صر كما يقول �أحد الدار�سني‬ ‫وا�ستجابته للمتغريات الواقعية والتحوالت احلادثة يف الواقع قليلة‬ ‫�إىل �أن يقرتب اخلطاب من ال�سكون �أو التحرك البطئ خلف الواقع‬ ‫�أو خلف احلركة االجتماعية‪ ،‬كما �أن االهتمام املبالغ فيه بالتاريخ يكاد‬ ‫ي�ستلب ذلك اخلطاب من واقعه فين�شغل باملا�ضي على ح�ساب احلا�ضر‬ ‫وامل�ستقبل‪ ،‬وكل ذلك ينطبق على اخلطاب الإ�سالمي �إىل حد كبري‪ ،‬ولعل‬ ‫ال�سبب يف ذلك �أن اخلطابني ي�شرتكان يف كثري من العوامل والظروف‬ ‫وي�صدران عن مكونات ثقافية و�سيا�سية ونف�سية واحدة تقريبا(‪.)14‬‬ ‫خ�صائ�ص اخلطاب الإ�سالمي الأمثل‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي الأمثل ينبغي �أن يت�صف باخل�صائ�ص التالية‪:‬‬ ‫ربانية امل�صدر والغاية‪ ،‬عاملية التوجه‪� ،‬إن�سانية املنطلق‪� ،‬أخالقية‬ ‫املحتوى‪ ،‬اقرتان العقل بالروح‪ ،‬اجلمع بني املثال والواقع والأ�صالة‬ ‫واملعا�صرة واملحلية والعاملية‪ ،‬التوازن وال�شمول‪ ،‬االنفتاح‪ ،‬التخيري‪،‬‬ ‫التعدد‪ ،‬التدافع‪ ،‬التو�سط‪ ،‬واالعتدال‪ ،‬احلوار‪ ،‬التنوع‪ ،‬النمو واالطراد‪،‬‬ ‫وهو يدعو �إىل االجتهاد وال يتعدى الثوابت‪ ،‬يتبنى التي�سري يف الفتوى‬ ‫والتب�شري يف الدعوة‪ ،‬ي�ست�شرف امل�ستقبل وال يتنكر للما�ضي‪ ،‬ي�ؤمن‬ ‫بال�شورى والرتيث يف اتخاذ القرار‪ ،‬يدين التخريب والإرهاب ويح�ض‬ ‫على اجلهاد‪ ،‬ويرف�ض االنغالق والتحجر والتطرف والغلو وي�ؤمن‬ ‫باالختالف واملرونة والت�سامح‪.‬‬ ‫وال ريب يف �أن هذا اخلطاب املتكامل الذي نتطلع �إليه بكل هذه‬ ‫اخل�صائ�ص لن يكون له وجود يف دنيا الواقع الراهن ب�سبب ما هي‬ ‫عليه عقلية معظم الذين ميار�سون اخلطاب الإ�سالمي مبختلف �صوره‬ ‫وم�ستوياته الرتبوية والإعالمية وثمرة تن�شئتنا الأ�سرية االجتماعية‬ ‫والثقافية التي ال تزال يف معظمها مثقلة بالكثري من املثالب وملتفتة‬ ‫عن الع�صر‪.‬‬ ‫ترى ما الذي يعوقنا عن �أن نتقدم ونرتفع �إىل م�ستوى الع�صر؟ الإجابة‬ ‫وا�ضحة و�ضوح ال�شم�س ويعرفها اجلميع‪.‬‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي املطلوب و�إ�سرتاتيجية �إعالمه‬ ‫لقد نادى كثري من العلماء واملفكرين والكتاب والدار�سني ب�ضرورة‬ ‫الإ�سراع بتطوير خطابنا الإ�سالمي من واقعه احلايل واالنطالق به من‬ ‫خالل خطة علمية ع�صرية �شاملة وجادة لتحقق له تلك اخل�صائ�ص‬ ‫التي تقدم ذكرها‪ ،‬وهذا لن يتحقق �إال �إذا �إلتقى عدد كبري من الغيورين‬ ‫امل�شتغلني بق�ضية اخلطاب الإ�سالمي يف الدول الإ�سالمية والعربية‬ ‫ووحدوا جهودهم يف برنامج علمي جاد يلتزم ب�إيجاز التو�صيات الآتية‪:‬‬ ‫‪ .1‬تكوين هيئة �إ�سالمية عليا من رجال الفكر والدعوة امل�شهود لهم‬ ‫بالعلم واجلدية و�إخال�ص العمل هلل‪ ،‬لت�ضع خططاً وبرامج علمية‬ ‫�شاملة لتطوير اخلطاب الإ�سالمي بكل م�ستوياته و�صوره و�أ�ساليبه‪،‬‬

‫مبا ميكنه من مواجهة احلا�ضر وامل�ستقبل‪ ،‬مواجهة واعية ممكنة ويتم‬ ‫هذا �أوال ب�إجراء م�سح �شامل للطاقات القادرة واجلادة‪ ،‬وثانيا بتوحيد‬ ‫جهود كل امل�ؤ�س�سات العلمية والدعوية الر�سمية وغري الر�سمية‪.‬‬ ‫‪ .2‬حماورة هذه الهيئة العليا للجهات الر�سمية امل�س�ؤولة عن �أجهزة‬ ‫الإعالم والثقافة العربية لإقناعها ب�ضرورة تنقية براجمها من مظاهر‬ ‫امليوعة و�إف�ساد الأخالق‪ ،‬و�إتاحة الفر�ص الكافية للعلماء واملفكرين‬ ‫املعتدلني لتقدمي الإ�سالم ال�صحيح‪ ،‬فهذه �أول خطوة جادة للق�ضاء‬ ‫العلمي على جيوب التطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫‪ .3‬حماولة هذه الهيئة العليا حماورة �أ�صحاب اخلطاب املتطرف‬ ‫وتعريف النا�س به من خالل و�سائل الإعالم العامة لتوعية ال�شباب‬ ‫بحقيقته وحتذيرهم من عواقب االن�ضمام �إليه‪ ،‬و�إ�صدار فتاوى‬ ‫مبرجعية م�ؤ�س�سات �إ�سالمية عليا للرد ال�شايف على اخلطاب‪.‬‬ ‫‪.4‬تخ�صي�ص �أق�سام �أو �شعب يف كليات ال�شريعة للدعوة والإعالم لتخرج‬ ‫متخ�ص�صني يف هذا املجال‪ ،‬قادرين على �أداء ر�سالتهم مبا متليه‬ ‫م�ستجدات احلياة وتتطلبه مواجهة الع�صر‪.‬‬ ‫‪ .5‬الت�أكيد على مبد�أ الو�سطية واالعتدال كما يراه الإ�سالم وذلك من‬ ‫خالل املقررات الدرا�سية والأن�شطة الثقافية واالجتماعية الرتفيهية‪،‬‬ ‫ومن خالل اخلطب اجلمعية‪.‬‬ ‫‪ .6‬االهتمام بتعويد النا�شئة على النقا�ش و�آداب احلوار وح�سن اال�ستماع‬ ‫وقبول االختالف‪ ،‬وغر�س مبادئ ال�سماحة واملرونة فيهم وذلك عن‬ ‫طريق الرتبية الأ�سرية واملدر�سية‪.‬‬ ‫‪� .7‬ضرورة قيام احلكومات العربية والإ�سالمية ب�إعادة النظر يف �آليات‬ ‫اخلطاب الديني عامة‪ ،‬واخلطاب الإعالمي خا�صة‪ ،‬و�إ�سناد �أمانات هذه‬ ‫املواقع احل�سا�سة �إىل �أهلها املتخ�ص�صني‪.‬‬ ‫‪ .8‬االهتمام بالآداب الإ�سالمية وترجمتها �إىل لغات ال�شعوب الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وكذلك االهتمام بالأعمال الدرامية التي تخدم الدعوة والق�ضايا‬ ‫الإ�سالمية والعمل على متكينها من مناف�سة دراما العامل املعا�صر‪.‬‬ ‫‪� .9‬إعداد مو�سوعة �إعالمية �شاملة بكل لغات العامل احلية‪ ،‬وذلك ب�أقالم‬ ‫طائفة من املتخ�ص�صني امل�سلمني‪ ،‬لتعرف الباحثني والدار�سني بالإ�سالم‬ ‫احلق‪ ،‬بدال من اعتمادهم حتى الآن على مو�سوعات امل�ست�شرقني‪ ،‬ويف‬ ‫الوقت نف�سه ح�صر املو�سوعات والكتب امل�ؤلفة عن الإ�سالم ذات امل�ستوى‬ ‫الرفيع وال�صيت الذائع‪ ،‬لإعادة ن�شرها وترجمتها �إىل عدة لغات حية‬ ‫وتوزيعها على م�ؤ�س�سات التعليم والبحث العلمي‪ ،‬وم�ؤ�س�سات الثقافة‬ ‫والإعالم يف كل دول العامل‪.‬‬ ‫‪� .10‬ضرورة قيام اخلطاب الإ�سالمي املعتدل بالتوا�صل واحلوار مع‬ ‫م�ؤ�س�سات الأمم الأخرى العلمية والثقافية والدينية والرتبوية‬ ‫وال�سيا�سية‪ ،‬واحلر�ص على متابعة �أن�شطتها وامل�شاركة فيها من خالل‬ ‫كفاءات علمية متمكنة وخمل�صة وواعية‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫الإ�سالم اليوم‬


‫تﺠﺪﺩ الﺨطاﺏ الﺪينﻲ أو سﺆاﻝ المرﺟﻌية‬ ‫اإن التجربة احل�شارية لالإن�شان يف ا�شتلهامه من الدين‬ ‫(الإ�شالم) وتفاعله معه‪ ،‬والتي تتجلى على امتداد امل�شاحة‬ ‫الزمنية التي تف�شلنا عن بداية تنـزل الوحي‪ ،‬ورغم انطباعها‬ ‫بالغنى وال‪‬اء‪ ،‬لي�شت يف الواقع اإل جزءا ي�شريا من ‪‬ليات‬ ‫مقدرة الوحي التف�شريية لظواهر احلياة والإن�شان‪ ،‬بل لقدرته‬ ‫على الفعل يف م�شار الب�شرية واأداء مقا�شده الك‪‬ى بحف‪‬‬ ‫الإن�شان والدين والكون (املف�شلة يف كليات الدين ومقا�شده‬ ‫اخلم�ص)‪.‬‬ ‫ل ميكن احلديث ب�ضيغة تعميم تتجه اإىل م�ضتويات خطاب الدين كلها‬ ‫دون ا�ضتثناء‪ ،‬اأو ما ا�ضطلح على ت�ضميته على نطاق وا�ضع بـ"اخلطاب‬ ‫الديني"‪ ،‬خا�ضة اإذا تعلق الأمر مبطلب التجديد الذي اأ�ضحى مطلباً‬ ‫ملحاً ‪-‬رغم اتخاذه طابع الإلزام ال�ضادر من خارج منظومة الدين نف�ضه‬ ‫ّ‬ ‫ومتطلباته الذاتية‪ ،-‬ذلك اأن الدين ‪-‬اأيّ دين‪ -‬باعتبار اإطالقية م�ضدره‬ ‫لدى معتنقيه اأ ّول‪ ،‬كما باعتبار خ�ضائ�س الت�ضليم التي تطبع عالقاتهم‬ ‫به‪ ،‬ل ميكن اأن يكون جمال مفتوحا للتجديد يف كافة م�ضتوياته‪.‬‬ ‫من هنا تنبع اأهمية التاأكيد اأن خطاب التجديد املتجه اإىل الدين لي�س‬ ‫مطروحا عليه بو�ضفه هوية �ضخ�ضية‪ ،‬بل باعتبار وظيفته املرجعية‪،‬‬ ‫فالتجدّد كفعل ذاتي متجاوبٍ مع حاجات حقيقية اإمنا يقع من الدين‬ ‫يف م�ضاحات املرجعية‪ .‬ول �ضك اأن اأي مرجعية اإل وتت�ضم ‪-‬بال�ضرورة‪-‬‬ ‫ببع�س �ضمات املعتقد الديني‪ ،‬اإذ ل ميكنها اأن حتقق وظائف املرجعية‬ ‫التي يعتنقها الإن�ضان بو�ضفها منظومة اعتقادية ب�ضكل من الأ�ضكال‬ ‫دون اأن تت�ضم ب�ضمات املعتقد الديني‪ ،‬وبذلك فاإن املرجعية خا�ضعة‬ ‫حلتمية التجدد الذاتي انطالقا من تلك ال�ضمات‪.‬‬ ‫الدين بو�شفه مرجعية متجددة ‪:‬‬ ‫والدين بتقدميه روؤية معرفية لالإن�ضان‪ ،‬يز ّوده مبنظومة من القيم‬ ‫والأحكام ذات َمقْدرة تف�ضريية هائلة للظواهر والق�ضايا التي ت�ضغله‪،‬‬ ‫اإذ الإ�ضالم ‪-‬ومنطلقه القراآن‪ -‬م ّثل ذروة مرحلة الوحي ونقطة فا�ضلة‬ ‫اكتملت فيها ر�ضالة ال�ضماء لالأر�س‪ ،‬لذا فاإن الأهمية ال�ضتثنائية لهذه‬ ‫النقطة تفر�س التوقف عندها باعتبارها حدثا فا�ضال يف تاريخ الإن�ضان‬ ‫يوؤ َّرخ به ملا بعده‪ ،‬وبالتايل فاإن جتليات الوحي وتنـ ّزله يف واقع الإن�ضان‬ ‫والعامل‪- ،‬وعلى رغم التجربة احل�ضارية البالغة الغِنى لتفاعل العقل‬ ‫والواقع امل�ضلم معه تاريخيا‪ -‬تتجه بفعاليتها وانفتاحها عرب خط‬ ‫امل�ضتقبل‪ ،‬وبالتايل فاإن مركز الثقل يف هذا الوعي لي�س يف املرحلة التي‬ ‫تف�ضلنا عن اكتمال نزول الوحي (املا�ضي)‪ ،‬بل تلك التي تف�ضلنا عن‬ ‫اكتمال وجود الإن�ضان (امل�ضتقبل)‪.‬‬

‫د ‪� .‬شمري بو دينار‬

‫مدير مركز الدرا�شات والبحو‪ ‬الن�شانية والجتماعية ‪ /‬املغرب‬

‫اإن التجربة احل�ضارية لالإن�ضان يف ا�ضتلهامه من الدين (الإ�ضالم)‬ ‫وتفاعله معه‪ ،‬والتي تتجلى على امتداد امل�ضاحة الزمنية التي تف�ضلنا‬ ‫عن بداية تنـزل الوحي‪ ،‬ورغم انطباعها بالغنى والرثاء‪ ،‬لي�ضت يف‬ ‫الواقع اإل جزءا ي�ضريا من جتليات مقدرة الوحي التف�ضريية لظواهر‬ ‫احلياة والإن�ضان‪ ،‬بل لقدرته على الفعل يف م�ضار الب�ضرية واأداء‬ ‫مقا�ضده الكربى بحفظ الإن�ضان والدين والكون (املف�ضلة يف كليات‬ ‫الدين ومقا�ضده اخلم�س)‪.‬‬ ‫ولعل التحديات ال�ضتثنائية التي اأ�ضبحت تواجه حتقيق تلك املقا�ضد‬ ‫(الأهداف الكربى) �ضارت تقت�ضي من الإن�ضان لزوما العم َل على‬ ‫جتديد قدرته على التعامل مع جوهر الدين‪ ،‬وزيادة فعالية اأدواته يف‬ ‫التفاعل وال�ضتيعاب وال�ضتنباط وامل�ضاءلة والتف�ضري‪ .‬غري اأن جتديد‬ ‫القدرة تلك ل ينبغي اأن يفهم باعتباره متجها اإىل جوهر الدين‪ ،‬اأي‬ ‫م�ضمون ر�ضالته؛ فالتجديد هنا ل عالقة له مطلقا بجوهر تلك‬ ‫الر�ضالة‪ ،‬اإذ الإميان بالدين من مقت�ضاه الت�ضليم باإطالقية عنا�ضر‬ ‫الهداية والإقناع والت�ضديد فيه‪ ،‬كما يقول "غوته" عن الإ�ضالم يف‬ ‫"الديوان ال�ضرقي الغربي" اأنه‪" :‬اإذا كان الإ�ضالم يعني الت�ضليم هلل‬ ‫فاإننا جميعا نعي�س ومنوت م�ضلمني"‪ .‬اأما التحدي الواقع اليوم فهو اأن‬ ‫يكون الإن�ضان امل�ضلم اأهال لتتنـ ّزل تلك العنا�ضر يف حياته‪ ،‬اأو احليلولة‬ ‫دون م�ضار يف الفكر واخلطاب يتحول الإن�ضان امل�ضلم مبقت�ضاه اإىل‬ ‫عن�ضر معيق لذلك اجلوهر املعرب عن مقا�ضد الإ�ضالم‪ ،‬يف اأن يتحول‬ ‫اإىل خطاب وا�ضح وفعال يوؤدي ر�ضالته اإىل العامل‪.‬‬ ‫لقد كانت قدرة الإن�ضان على ا�ضتنطاق مكنونات الوحي عرب م�ضار‬ ‫العالقة بينهما مرتبطة ب�ضيغة بناء الأ�ضئلة التي يطرحها يف عملية‬

‫‪13‬‬


‫م�ساءلته ملعاين الدين ومكامن املعرفة فيه‪ .‬فالتجديد يف خطاب‬ ‫الدين بهذا املعنى رمبا ظل بعيدا عن بلوغ الأهداف املطروحة اليوم‬ ‫يف جممل اخلطابات البديلة ال�سائدة‪ ،‬ما مل يتم الرتكيز عربه على‬ ‫�إعادة بناء �س�ؤال الإن�سان للوحي ب�أم َثل �صيغة متاحة‪ ،‬لتكون مقدرته‬ ‫على اال�ستفادة من ذلك الوحي يف �أمثل م�ستوى متاح‪ ،‬وهو ما ي�ؤكد‬ ‫خطاب الدين للإن�سان يف الع�صر‬ ‫�أن جمال التجدّد املطلوب رمبا كان‬ ‫َ‬ ‫الذي يعي�ش فيه وكيفية تزويده مبقومات الهداية وال�سداد وال�سعادة‪،‬‬ ‫من خالل ح�سن ا�ستنطاق ذلك اخلطاب بال�س�ؤال ال�صائب‪.‬‬ ‫معيارية التجدد يف خطاب الدين ‪:‬‬ ‫هنالك �س�ؤال ينت�صب ملحا كلما طرق مو�ضوع التجدد يف خطاب الدين‪،‬‬ ‫ذلك هو �س�ؤال املعيارية‪ ،‬فما هو املعيار احلاكم لعملية التجدد؟ هل يكون‬ ‫�آراء ومواقف املتتبعني والنقاد؟! �أي �أولئك املعنيني �أ�سا�سا ورمبا ح�صرا‬ ‫بـ"�صورة الدين"‪ ،‬الذين ي�ؤ�س�سون معايريهم يف بنا ِء �أو م�ساءلة خطاب‬ ‫الدين على"�صورته لدى الغري"‪.‬‬ ‫ولعل موقف كثري من علماء االجتماع الذين يتابعون جتليات الظاهرة‬ ‫الدينية يف الغرب خا�صة‪ ،‬ي�شري �إىل عمق الأزمة التي تعاين منها‬ ‫�أطروحة "متتبعي اخلطاب الديني ونقاده" عندما يطرحون ال�س�ؤال‬ ‫املتعلق بالإ�سالم خا�صة‪ ،‬وهو كيف تكون �أكرب ح�صة من النقد موجهة‬ ‫خلطاب الإ�سالم الذي يتفق علماء االجتماع على �أنه �أكرث الأديان‬ ‫ت�أثريا وفاعلية يف ا�ستيعاب �أي منوذج �إن�ساين �أو اجتماعي‪ ،‬وا�ستيعابه يف‬ ‫منظومة فكرية و�أخالقية م� َّؤ�س�سة على قيمه املتعالية؟‬ ‫�إن خطاب الإ�سالم الراهن رغم كل املالحظات التي ميكن قولها عنه‬ ‫يظل يف نظر ه�ؤالء �أحد �أكرث اخلطابات �إقناعا‪ ،‬بل �إن م�ضمونه املعريف‬ ‫ال يكاد يقارن من حيث حجم الأ�سئلة الوجودية التي يقدم �أجوبة عنها‬ ‫ب�أي خطاب �آخر‪.‬‬ ‫واملالحظ �أن �أي خطاب للدين مل يكن ب�إمكانه التجدد يف غياب التزام‬ ‫ذي طبيعة �أخالقية مبق�صد حمدد‪� ،‬إذ يف غيابه تقع عملية التجديد يف‬ ‫م�سار عبثي تكون حم�صلته �إفرا َغ اخلطاب من �أي قدرة على الفعل‪ ،‬ب�أن‬ ‫ي�سقط يف الن�سبية املطلقة والإبهام في�صري �إىل العدمية‪� ،‬أو يف التجزيء‬ ‫فيتحول الإ�سالم وخطابه �إىل �أي �شيء �آخر �إال �أن يكون الإ�سالم نف�سه‪،‬‬ ‫كما وقع حني طرح البع�ض خطاب "الإ�سالم اال�شرتاكي"‪� ،‬أو "الإ�سالم‬ ‫الر�أ�سمايل"‪ ،‬الذي ازدهر كثريا بعد حالة النجاح اجلزئي الذي حققته‬ ‫التيارات الإ�سالمية على م�ستوى امل�ؤ�س�سات الربملانية يف الدول العربية‪.‬‬ ‫�إذن فثمة حاجة �أ�سا�سية لالتفاق ولو يف �شكل ن�سبي على معيارية‬ ‫التجدد يف اخلطاب‪ ،‬بل ومق�صديته كذلك‪.‬‬ ‫�إن غياب االلتزام مبق�صد الدين‪/‬املرجعية ي�ؤدي �إىل �أنه بدال من �أن‬ ‫يتجدد خطاب الدين نف�سه ف�إنه يتحول �إىل خطاب ذي طبيعة مغايرة‪.‬‬ ‫ومن هنا تت�ضح �أهمية �إدراك ثوابت هذه املرجعية‪ ،‬وهو املطلب الذي‬ ‫يبدو غري قابل للتح ّقق بغري النظر يف منظومة القيم التي على �أ�سا�سها‬ ‫يتحدد مق�صد اخلطاب ومعايري جتدده‪ ،‬ليكون االلتزام الأخالقي‬

‫مبنظومة القيم احلاكمة معيارا وحمدِّدا لتجدد اخلطاب الديني نف�سه‪.‬‬ ‫ففي �ضوء منظومة القيم تتحدد القيمة املركزية �أو العليا يف املرجعية‬ ‫والقيم الثانوية لها‪ .‬و�إذا كانت القيمة املركزية ‪-‬على �سبيل املثال‪ -‬يف‬ ‫اال�شرتاكية هي "امل�ساواة"‪ ،‬والقيمة املركزية يف الليربالية الر�أ�سمالية‬ ‫هي "احلرية"‪ ،‬ف�إن التجربة الإ�سالمية قامت بجعل "العدالة" قاعدة‬ ‫التعامل املجتمعي‪ ،‬لت�أخذ احلرية وامل�ساواة ُبعدهما الإن�ساين يف �إطار‬ ‫العدالة‪.‬‬ ‫ولذلك اعترب بع�ض مفكري الإ�سالم املعا�صرين والقدماء على ال�سواء‪،‬‬ ‫�أن القيمة العليا فيه هي العدالة‪� ،‬إذ ‪-‬كما قال ابن �أبي الربيع يف �سلوك‬ ‫املالك‪" :-‬حتقيق احلرية مبطلقها قد ال ي�ضمن حتقيق العدالة �أو‬ ‫امل�ساواة‪ ،‬وكذلك حتقيق امل�ساواة و�إطالقها قد ال يعنيان �ضمان احلرية‬ ‫والعدالة‪� ،‬أما جعل العدالة القيم َة العليا ف�إنه ي�ضمن حتقيق احلرية‬ ‫وامل�ساواة مبا ال يخل بالعدالة"‪.‬‬ ‫والواقع �أن عملية ا�ستيعاب القيمة العليا تعني �أن هذه القيمة ت�ؤثر‬ ‫على القيم الأخرى وت�ؤثر على الفهم اخلا�ص ببقية املنظومة القيمية‪.‬‬ ‫ولعلنا ب�إدراك قيمة العدل �أو ب�صيغة �أ�شمل "العدالة" كقيمة عليا يف‬ ‫الإ�سالم ندرك مبلغ ما ميكن خلطاب الإ�سالم �أن ي�ؤثره يف واقع عامل‬ ‫يجمع بني تطلع �أبنائه امل�شرتك �إىل العدل‪ ،‬وبني واقع ظامل يعي�شه‬ ‫ال�ص ُعد‪ ،‬واقع عرف �أكرث �صور اخللل يف‬ ‫يف �أكرث من جمال وعلى �شتى ُ‬ ‫نظام العدالة مع اكتمال "م�شروع العوملة" الت�أحيدي‪ ،‬الذي ال يغ ّيب‬ ‫خ�صو�صيات املجتمعات وهويات الأمم فح�سب‪ ،‬بل كذلك حقوقها يف‬ ‫اال�ستفادة املن�صفة من خريات العامل‪ ،‬بل من �إمكاناتها الذاتية‪ ،‬والأهم‬ ‫من ذلك كله تطلعاتها الروحية ومطالبها املعنوية‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫حﺘﻰ يﺘﺒيﻦ لهﻢ أنﻪ الﺤﻖ‬

‫اأ‪.‬د‪.‬عماد الدين خليل‬ ‫كلية الآداب‪ ،‬جامعة املو�شل ‪ /‬العراق‬ ‫على مدى اأ�شهر معدودات ي�شهد العا‪ ‬وقائع ومعطيات تف�شح‬ ‫بل�شان احلال واملقال معا عن اإعجاز كتاب اهلل الذي ل ياأتيه‬ ‫الباطل من بني يديه ول من خلفه‪ ،‬وامل�شداقية املطلقة‬ ‫لتعاليمه وحتذيراته‪.‬‬ ‫ع�شرات الكتب وم‪‬ات البحو‪‬‬ ‫قبل ذلك وعلى مدى القرنني الأخريين حتديداً‪ ،‬جاءت الك�ضوف‬ ‫العلمية وبخا�ضة يف جمالت التاريخ واخلليقة والفيزياء واجليولوجي‬ ‫والكوزمولوجي والبيولوجي واجلغرافيا والت�ضريح وعلم الأج ّنة‪ ،‬لكي‬ ‫تتطابق ب�ضكل يثري الده�ضة مع اآيات اهلل الب ّينات‪.‬‬ ‫وكلنا نذكر ع�ضرات الكتب‪ ،‬ومئات البحوث التي حتدّثت عن ذلك‪ ،‬ونذكر‬ ‫متح�ضت ملتابعة ق�ضية العلم والإميان اأو‬ ‫معها املوؤ�ض�ضات والدوائر التي ّ‬ ‫القراآن والعلم احلديث‪ ،‬والتي قدّمت منظومة من الك�ضوف العلمية‬ ‫واملعرفية املتوافقة مع ما �ضبق واأن اأ�ضار اإليه كتاب اهلل �ضبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫وكلنا نذكر ‪-‬مع هذا وذاك‪ -‬اجلهد الكبري الذي بذله العامل الفرن�ضي‬ ‫امل�ضهور "موري�س بوكاي" يف كتابه الق ّيم "القراآن الكرمي والتوراة‬ ‫والإجنيل‪ :‬درا�ضة الكتب املقد�ضة يف �ضوء املعارف احلديثة"‪ ،‬والذي‬ ‫خل�س فيه ‪-‬بعد ع�ضرين عاما من البحث املكافح‪ -‬اإىل اأن ت�ضعة اأع�ضار‬ ‫ما ورد من معطيات معرفية يف التوراة والإجنيل‪ ،‬ت�ضقط اإذا اأحلناها‬ ‫على الك�ضوف املعرفية احلديثة‪ ،‬ول مي ّر �ضوى الع�ضر‪ .‬ويف املقابل فاإن‬

‫ع�ضرة اأع�ضار ما ورد يف القراآن الكرمي يتوافق مع هذه الك�ضوف‪ .‬ويقول‬ ‫الرجل مع ّقبا‪" :‬ل ميكن لـ"حممد" على افرتا�س تاأليفه للقراآن اأن‬ ‫يتعامل مع معطيات التوراة والإجنيل يف �ضوء معرفة لن تت�ضكل اإل‬ ‫بعد اأربعة ع�ضر قرنا‪ ،‬في�ضقط منهما ما ل يتوافق واحلقائق العلمية‪،‬‬ ‫ول ي�ضتبقي �ضوى الع�ضر‪ ،‬اأي�ضا يف �ضوء معرفة �ضتت�ضكل بعده بزمن‬ ‫بعيد‪ ..‬ل ميكن لرجل كهذا اإل اأن يكون نب ًّيا يتلقى عن م�ضدر علوي‬ ‫مطلق هو اهلل �ضبحانه"‪.‬‬ ‫التطابق املده�ص‬ ‫الآن‪ ،‬وعلى مدى اأ�ضهر معدودات‪ ،‬وعرب ما تتناقله الف�ضائيات �ضباح‬ ‫م�ضاء‪ ،‬ي�ضهد العامل جملة من الوقائع واملعطيات‪ ،‬تقدم اإ�ضافات ذات‬ ‫قيمة بالغة لظاهرة ال�ضدق املطلق لآيات اهلل الب ّينات‪ ،‬وتطابقها املده�س‬ ‫مع الك�ضوف واخلربات املتجددة يف واقع احلياة الب�ضرية على امتدادها‬ ‫يف العامل ك ّله‪:‬‬ ‫اأول‪ :‬انهيار النظام الربوي‪ ،‬ومعاناة الراأ�ضمالية من الختناقات‪،‬‬ ‫وو�ضولها اإىل طرق م�ضدودة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الغزو ال�ضامل لأنفلونزا اخلنازير‪ ،‬والإعالن عنها وبا ًء عاملياً‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬احلملة ال�ضاملة التي اأعلنتها رئا�ضة اجلمهورية الفرن�ضية‪،‬‬ ‫لت�ضييق اخلناق على ظاهرة �ضرب اخلمر باعتبارها واحدة من اأكرث‬ ‫العوامل املوؤدية اإىل ال�ضرطان‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬حتليل طبـي يجريه عدد من كبار الأطباء‪ ،‬يوؤكد اأن اخلتان ميثل‬ ‫واحدة من اأكرث و�ضائل املناعة فاعلية �ضد �ضرطان الربو�ضتات‪.‬‬ ‫ل اأحد يجادل يف هذا الذي ي�ضهده العامل الآن‪ ،‬بعد اإذ اأ�ضبح‪ ،‬مبعطياته‬ ‫وذيوله املتجددة واقعاً ثقي ً‬ ‫ال يفر�س نف�ضه على الإعالم‪ ،‬وي�ضهده مئات‬ ‫املاليني من النا�س على مدى العامل ك ّله‪.‬‬ ‫ما الذي �شبق واأن قاله كتاب اهلل يف الظواهر الأربع؟!‬ ‫اأول‪ :‬يكفي اأن نتذكر الآيات الب ّينات التي اأعلنت احلرب على الربا‪،‬‬ ‫وح ّذرت من تعاطيه‪ ،‬وقدمت البدائل القت�ضادية املنا�ضبة لتجاوزه‬ ‫وا�ضتئ�ضاله من حياة النا�س‪ ،‬قال تعاىل (ا َّلذِ َ‬ ‫ين َي ْاأ ُك ُلو َن ال ِّر َبا َل َي ُقومُو َن‬ ‫اإِ َّل َك َما َي ُقو ُم ا َّلذِ ي َي َت َخ َّب ُط ُه َّ‬ ‫ال�ض ْي َط ُان مِ َن ا ْمل َ ِّ�س َذل َِك ِباأَ َّن ُه ْم َقا ُلوا اإِ َّ َ‬ ‫منا‬ ‫ا ْل َب ْي ُع مِ ْث ُل ال ِّر َبا َواأَ َح َّل ُ‬ ‫مي َح ُق ُ‬ ‫اهلل ا ْل ِّر َبا َو ُي ْربِي‬ ‫اهلل ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ال ِّر َبا * َ ْ‬ ‫ال�ض َد َقاتِ )(البقرة‪( ،)276-275:‬ا َّت ُقواْ َ‬ ‫اهلل َو َذ ُرواْ مَا َبق َِي مِ َن ال ِّر َبا اإِن‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ني)(البقرة‪َ (،)278:‬يا اأ ُّيهَا الذِ َ‬ ‫ُكن ُتم ُّموؤْمِ ِن َ‬ ‫ين اآ َم ُنواْ ل َتاأكلواْ ال ِّر َبا‬ ‫اأَ ْ�ض َعافاً ُّم َ�ضا َع َف ًة)(اآل عمران‪َ ( ،)130:‬واأَ ْخذِ هِ ُم ال ِّر َبا َو َق ْد ُنهُواْ َع ْن ُه‬ ‫ري ُب َو‬ ‫َواأَ ْك ِل ِه ْم اأَ ْم َوا َل ال َّن ِ‬ ‫ا�س بِا ْل َباطِ لِ )(الن�ضاء‪َ ( ،)161:‬ومَا اآ َت ْي ُتم مِّن ِّرباً ِّل َ ْ‬ ‫ا�س َف َال َي ْر ُبو عِ ن َد اهللِ)(الروم‪.)39:‬‬ ‫ِيف اأَ ْموَالِ ال َّن ِ‬

‫‪15‬‬


‫املف�سرون يف املو�ضوع ‪-‬وهو كثري غزير‪ -‬نكتفي‬ ‫و�أن نتذكر معها ما قاله ّ‬ ‫منه ب�إ�شارة واحدة قد تغني عن التفا�صيل‪" :‬مل يبلغ من تفظيع �أمر‬ ‫�أراد الإ�سالم �إبطاله من �أمور اجلاهلية ما بلغ من تفظيع الربا‪ .‬وال‬ ‫بلغ من التهديد يف اللفظ واملعنى ما بلغ التهديد يف �أمر الربا‪ ..‬وهلل‬ ‫احلكمة البالغة‪ .‬فلقد كانت للربا يف اجلاهلية مفا�سده و�شروره‪ .‬ولكن‬ ‫اجلوانب ال�شائعة القبيحة من وجهه الكالح ما كانت كلها بادية يف‬ ‫جمتمع اجلاهلية كما بدت اليوم‪ ،‬وتك�شفت يف عاملنا احلا�ضر‪ ،‬وال كانت‬ ‫البثور والدمامل يف ذلك الوجه الدميم مك�شوفة كلها كما ك�شفت اليوم‬ ‫يف جمتمعنا احلديث‪ .‬فهذه احلملة املفزعة البادية يف هذه الآيات على‬ ‫ذلك النظام املقيت‪ ،‬تتك�شف اليوم حكمتها على �ضوء الواقع الفاجع يف‬ ‫حياة الب�شرية‪� ،‬أ�شد مما كانت متك�شفة يف اجلاهلية الأوىل‪ .‬ويدرك ‪-‬من‬ ‫يريد �أن يتدبر حكمة اهلل وعظمة هذا الدين وكمال هذا املنهج ودقة‬ ‫هذا النظام‪ -‬اليوم من هذا كله ما مل يكن يدركه الذين واجهوا هذه‬ ‫الن�صو�ص �أول مرة‪ .‬و�أمامه اليوم من واقع العامل ما ي�صدّق كل كلمة‬ ‫ت�صديقا حيا مبا�شرا واقعا‪ .‬والب�شرية ال�ضالة التي ت�أكل الربا وتوكله‬ ‫تن�صب عليها الباليا املاحقة ال�ساحقة من جراء هذا النظام الربوي‪،‬‬ ‫يف �أخالقها ودينها و�صحتها واقت�صادها‪ .‬وتتلقى ‪-‬حقا‪ -‬حربا من اهلل‬ ‫ت�صب عليها النقمة والعذاب‪� ،‬أفرادا وجماعات‪ ،‬و�أمما و�شعوبات وهي ال‬ ‫ّ‬ ‫تعترب وال تفيق!"‪)1(.‬‬ ‫وماذا عن اخلنـزير؟!‬ ‫ثانيا‪ :‬يكفي �أن نتذكر حتذيرات القر�آن الكرمي من اخلنـزير و�أكل حلمه‬ ‫بقوله تعاىل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫(�إِنمَّ َ ا َح َّر َم َعلَ ْي ُك ُم المْ َ ْي َت َة َوال َّد َم َولحَ ْ َم الخْ ِ نـزِي ِر َومَا �أهِ َّل ِب ِه ِل َغيرْ ِ اهللِ)‬ ‫(ح ِّرمَتْ َعلَ ْي ُك ُم المْ َ ْي َت ُة َوا ْل َّد ُم َولحَ ْ ُم الخْ ِ ْنزِي ِر َومَا �أُهِ َّل ِل َغيرْ ِ‬ ‫(البقرة‪ُ ،)173:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هلل ِبهِ)(املائدة‪�( ،)3:‬إِ َّال �أن َي ُكو َن َم ْي َت ًة �أ ْو دَماً َّم ْ�س ُفوحاً �أ ْو لحَ ْ َم خِ نزِي ٍر‬ ‫ا ِ‬ ‫َف�إِ َّن ُه ر ِْج ٌ�س)(الأنعام‪.)145:‬‬ ‫"وامليتة ت�أباها النف�س ال�سليمة وكذلك الدم‪ .‬ف�ض ً‬ ‫ال على ما �أثبته‬ ‫الطب ‪-‬بعد فرتة طويلة من حترمي القر�آن والتوراة قبله ب�إذن اهلل‪-‬‬ ‫من جتمع امليكروبات واملواد ال�ضارة يف امليتة ويف الدم‪ ..‬ف�أما اخلنـزير‬ ‫فيجادل فيه الآن قوم‪ .‬واخلنـزير بذاته منفر للطبع النظيف القومي‪.‬‬ ‫ومع هذا فقد حرمه اهلل منذ ذلك الأمد الطويل ليك�شف علم النا�س‬ ‫منذ قليل �أن يف حلمه ودمه و�أمعائه دودة �شديدة اخلطورة (الدودة‬ ‫ال�شريطية وبوي�ضاتها املتك ّي�سة)‪ .‬ويقول الآن قوم‪� :‬إن و�سائل الطهي‬ ‫احلديثة قد تقدمت‪ ،‬فلم تعد هذه الديدان وبوي�ضاتها م�صدر خطر‪،‬‬

‫لأن �إبادتها م�ضمونة باحلرارة العالية التي توفرها و�سائل الطهي‬ ‫احلديثة‪ .‬وين�سى ه�ؤالء النا�س �أن علمهم قد احتاج �إىل قرون طويلة‬ ‫ليك�شف �آفة واحدة‪ .‬فمن الذي يجزم ب�أن لي�س هناك �آفات �أخرى يف‬ ‫حلم اخلنـزير مل يك�شف بعد عنها؟ �أفال ت�ستحق ال�شريعة التي �سبقت‬ ‫هذا العلم الب�شري بع�شرات القرون �أن نثق بها وندع كلمة الف�صل لها‪،‬‬ ‫ونح ّرم ما حرمت ونحلل ما حللت‪ ،‬وهي من لدن حكيم خبري؟"‪)2(.‬‬ ‫وها هو العامل ي�شهد اليوم �إعدام مئات الآالف من اخلنازير جتنبا‬ ‫للأنفلونزا التي حتملها‪ ،‬والتي �أعلن عنها وبا ًء عامليا!‪..‬‬ ‫ثالثا‪ :‬ويكفي �أن نتذكر ‪-‬كذلك‪ -‬حتجيم القر�آن لظاهرة �شرب اخلمر‬ ‫ثم حترميها ب�شكل قاطع بقوله تعاىل ( َي ْ�س�أَ ُلو َن َك ع َِن الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ ِر ُق ْل‬ ‫ا�س َو�إِ ْث ُم ُه َما �أَ ْكبرَ ُ مِ ن َّن ْف ِع ِه َما)(البقرة‪،)219:‬‬ ‫ري َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ‬ ‫فِي ِه َما �إِ ْث ٌم َك ِب ٌ‬ ‫ال�ص َ‬ ‫( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ال َة َو�أَن ُت ْم ُ�س َكا َرى َح َّت َى َت ْعلَ ُمواْ مَا‬ ‫ين �آ َم ُنواْ َال َت ْق َر ُبواْ َّ‬ ‫اب َوالأَ ْز َال ُم ر ِْج ٌ�س‬ ‫َت ُقو ُلو َن)(الن�ساء‪�( ،)43:‬إِنمَّ َ ا الخْ َ ْم ُر َوالمْ َ ْي�سِ ُر َوالأَ َ‬ ‫ن�ص ُ‬ ‫اج َت ِن ُبو ُه َل َع َّل ُك ْم ُت ْفل ُِحو َن * �إِنمَّ َ ا ُيرِي ُد َّ‬ ‫ِّمنْ َع َملِ َّ‬ ‫ال�ش ْي َط ُان �أَن‬ ‫ال�ش ْي َطانِ َف ْ‬ ‫ُيو ِق َع َب ْي َن ُك ُم ا ْل َعدَا َو َة َوا ْل َب ْغ َ�ضاء فيِ الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ رِ) (املائدة‪.)91-90:‬‬ ‫�إن مفا�سدها ‪�-‬إذن‪ -‬كثرية مت�شعبة ال يت�سع مقال كهذا للخو�ض يف‬ ‫تفا�صيلها‪ ،‬ويكفي �أنها رج�س من عمل ال�شيطان‪ ،‬لكي يتجنبها الإن�سان‬ ‫بفطرته ال�سليمة‪ ..‬ثم ها هي �إحدى الك�شوف احلديثة ت�شري �إىل‬ ‫�أنها �أحد الأ�سباب امل�ؤكدة لواحد من �أكرث الأمرا�ض خطورة وفتكا‪:‬‬ ‫ال�سرطان‪.‬‬ ‫رابعا‪� :‬أما اخلتان الذي يقي هو الآخر من �أحد �أمناط ال�سرطان‪ ،‬ف�أمره‬ ‫م�ؤكد يف �سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وتقاليد امل�سلمني على‬ ‫مدار الأماكن والأزمان‪.‬‬ ‫وهي لي�ست خامتة املطاف‬ ‫هذه الوقائع الأربع التي �أملح �إليها هذا املقال لي�ست خامتة املطاف وال‬ ‫نهاية التاريخ‪ ..‬فعرب القرون الأربعة ع�شر تك�شفت بقوة الفكر الب�شري‬ ‫والبحث العلمي ومعطيات الواقع‪ ،‬ع�شرات احلقائق ومئاتها يف �شتى‬ ‫مفا�صل الكون والعامل والطبيعة والنف�س الإن�سانية واجل�سد الب�شري‪..‬‬ ‫وقرون �أخرى �ستم�ضي لكي تتك�شف حقائق �أخرى‪ ..‬وهي يف احلالتني‬ ‫جتيء مطابقة ملا �سبق و�أن �أ�شار القر�آن �إليه و�أكد عليه‪.‬‬ ‫فقبالة الآية املده�شة‪َ ( :‬ب ْل َك َّذ ُبواْ بمِ َا لمَ ْ يُحِ ُ‬ ‫يطواْ ِب ِع ْلمِ ِه َولمَ َّا َي�أْ ِت ِه ْم‬ ‫ال َفاقِ َوفيِ‬ ‫(�سنرُ ِي ِه ْم �آ َيا ِت َنا فيِ ْ آ‬ ‫َت�أْوِي ُلهُ)(يون�س‪ .)39:‬والآية املعجزة َ‬ ‫�أَن ُف�سِ ِه ْم َح َّتى َي َت َبينَّ َ َل ُه ْم �أَ َّن ُه الحْ َ ُّق �أَ َولمَ ْ َي ْك ِف ِب َر ِّب َك �أَ َّن ُه َعلَى ُك ِّل َ�ش ْي ٍء‬ ‫َ�شهِيدٌ)(ف�صلت‪ ،)53:‬يقف املرء خا�شعا �أمام اجلالل الإلهي الذي يهيمن‬

‫‪16‬‬


‫على الكون واحلياة‪ ،‬ويحكي عن تكوينهما و�صريورتهما وم�صائرهما‪،‬‬ ‫ف�إذا بهذا الذي يقوله كتاب اهلل يتوافق ب�شكل مده�ش مع معطيات‬ ‫العقل الب�شري وك�شوف العلم احلديث وخربات الواقع امل�شهود‪.‬‬ ‫حماوالت خائبة و�أخرى م�ضادة‬ ‫ومن عجب �أن حماوالت مو�صولة بذلت يف االجتاه املعاك�س الذي‬ ‫ي�ستهدف �إلغاء احل�ضور الإلهي يف الكون واحلياة ونفيه‪ ..‬فماذا كانت‬ ‫النتيجة؟‬ ‫خم�سون عاما من اجلهد الالفح يف املعاهد واملختربات العلمية‬ ‫ال�سوفياتية لتمكني الإن�سان من بعث احلياة يف املادة الع�ضوية (الطني‬ ‫الالزب)‪ ،‬خرج علماء احلياة بعدها وهم ينف�ضون �أيديهم ويعلنون عن‬ ‫ف�شلهم احلا�سم‪.‬‬ ‫ومن قبلهم كان "مارك�س" و"انغلز" قد �صاغا يف "املادية الديالكتيكية"‬ ‫نظرية املتغريات الكمية التي تتحول �إىل متغريات نوعية بعيدا عن‬ ‫تدخل قوة �أو �إرادة فوقية‪ ،‬والتي جاءت املعطيات العلمية الأكرث حداثة‬ ‫لكي تبينّ تهافتها وعجزها‪ ،‬و"�سخفها الطائ�ش" �إذا ا�ستعملنا عبارة‬ ‫�سوليفان يف "حدود العامل"‪.‬‬ ‫ويف املقابل يقوم الربوفي�سور الربيطاين "هويل" مب�شاركة بروف�سور‬ ‫هندي يف جامعة كارديف يف �إنكلرتا‪ ،‬مبحاولة ا�ستغرقت ع�شرين عاما‬ ‫لفح�ص �إمكان تخ ّلق احلياة يف موات الوحل (‪)Primeval Soup‬‬ ‫فيما �أ�سمياه حماولة التخ ّلق يف الفراغ (‪Evolution from‬‬ ‫‪ ،)Space‬وقاال ب�أنهما بد�آ املحاولة بعقلية احلادية �صرفة‪ ،‬و�أن الفكرة‬ ‫ال�سائدة يومها هي �أن حتقيق التخ ّلق املذكور هو بن�سبة واحد �إىل‬ ‫ع�شرة يف �أف�ضل االحتماالت‪ .‬ولكنهما وجدا يف نهاية املطاف �أن الن�سبة‬ ‫ت�ضاعفت وفق �أرقام فلكية‪ ،‬و�أ�صبحت واحدا �أمامه ع�شرة �أمامها �أربعني‬ ‫�ألف �صفر‪� ..‬أي �إن التخ ّلق بدون �إرادة فوقية م�ستحيل‪ ..‬م�ستحيل‪ ..‬فما‬ ‫كان منهما �إال �أن يختما بحثهما بف�صل يحمل عنوان اهلل (‪.)God‬‬

‫حم�ض له القر�آن م�ساحات وا�سعة‪..‬‬ ‫�إبداعية اهلل �سبحانه يف اخللق‪ ،‬فيما ّ‬ ‫بع�ضها الآخر ي�ؤكد وحدة ال�صنع فوحدانية ال�صانع‪ ،‬فيما �أ�شار �إليه‬ ‫القر�آن يف ع�شرات املقاطع والآيات‪..‬‬ ‫ن�ص عليه‬ ‫فئة ثالثة حتكي عن ذلك التطابق املده�ش بني ما �سبق و�أن ّ‬ ‫القر�آن‪ ،‬وبني الك�شوف العلمية يف �أكرث معطياتها حداثة‪.‬‬ ‫�إن حتذير القر�آن الكرمي من الربا واخلمر و�أكل حلم اخلنـزير‪ ،‬وت�أكيد‬ ‫ال�سنة النبوية على اخلتان‪� ..‬إن هي �إال جمرد �شواهد وعالمات على‬ ‫الطريق‪ ..‬وهناك غريها الع�شرات واملئات‪..‬‬

‫الـهــوامــــــ�ش‬ ‫(‪ )1‬يف ظالل القر�آن‪ ،‬ل�سيد قطب‪ ،‬الطبعة ال�سابعة والثالثون‪ ،‬دار ال�شروق‪ ،‬القاهرة‪1973-‬م‪ ،‬جزء ‪� ،3‬ص‪.318:‬‬ ‫(‪ )2‬امل�صدر نف�سه‪ ،‬جزء ‪� ،3‬ص‪.156:‬‬

‫وما هي �إال عالمات على الطريق‬ ‫واحلديث يطول‪ ،‬ومكتبة العلم والإميان تتلقى يوما بعد يوم �سيال من‬ ‫البحوث والدرا�سات وامل�ؤلفات‪ ،‬بع�ضها ي�ؤكد بع�شرات ال�شواهد العلمية‬

‫‪17‬‬


‫ﻣـﻘـﺎﻻﺕ‬ ‫ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬

‫حرﻛة فﺘﺢ اﷲ ﻏولﻦ‪ ..‬ﺇسﻼﻣيون‬ ‫وﻋﺼريون‬

‫اأحمد بركات‬ ‫تعاين �ضورة الإ�ضالم يف الذهنية الغربية من العديد من الت�ضوهات‪ ،‬الكن�ضية‪ ،‬وولوجه بوابات التنوير واحلداثة‪ ،‬ونظرته لالإ�ضالم على اأنه‬ ‫نتيجة اخلطاب الأيديولوجي ال�ضدامي الذي ي�ضع الإ�ضالم يف مربع ديانة ما�ضوية تنتمي للع�ضور املظلمة‪ ،‬فاإن الن�ضف الثاين من القرن‬ ‫العدو الأول واحل�ضارة ال�ضاغطة �ضد املنظومة القيمية الغربية‪ ،‬ل الع�ضرين حتى اليوم‪ ،‬قد �ضهد حتول العداء الع�ضكري اإىل ال�ضيا�ضي‬ ‫الذي ج ّند املنظومات الفكرية والآلة الإعالمية ال�ضخمة خلدمة‬ ‫�ضيما بعد اأحداث احلادي ع�ضر من �ضبتمرب‪.‬‬ ‫واإذا كان التنافر بني الإ�ضالم واحلداثة اأ�ضي ً‬ ‫ال يف الروؤية والتاريخ اأغرا�ضه يف ت�ضويه الآخر الإ�ضالمي‪ ،‬واأتت هذه احلمالت املنظمة اأُ ُكلها‪،‬‬ ‫الغربي‪ ،‬خا�ضة بعد جناح العقل الغربي يف التخل�س من الهيمنة بحيث حتول اخلطاب العدائي من خطاب �ضيا�ضي فوقي اإىل م�ضاعر‬

‫‪18‬‬


‫�شعبوية عامة‪ ،‬مما نال من الأمن والتما�سك االجتماعي الغربي‪ ،‬وبات‬ ‫ي�ؤرق املنظومة ال�سيا�سية وطروحات املواطنة‪.‬‬ ‫وبرغم بع�ض املحاوالت التي تبذل لر�أب ال�صدع االجتماعي‪ ،‬والعودة‬ ‫�إىل مفاهيم املواطنة الرا�سخة يف املنظومة العلمانية‪� ،‬إال �أن تر�سخ‬ ‫هذا اخلطاب يف العقل اجلمعي‪ ،‬وتوظيف البع�ض له لتحقيق مكا�سب‬ ‫�سيا�سية �أو مادية‪ ،‬جعل احلاجة م�سي�سة خلطاب �إ�سالمي جديد‪ ،‬يقدم‬ ‫من خالله الإ�سالم على حقيقته كدين يدعو للحوار ويقبل بالآخر‪،‬‬ ‫ويج�سر الهوة بني امل�سلمني وغريهم‪.‬‬ ‫الغرب وجد �ضالته‬ ‫وجد الغرب �ضالته يف خطاب �إ�سالمي جديد وحركة عملية مغايرة‪ ،‬هي‬ ‫غربي الأنا�ضول‬ ‫حركة فتح اهلل غولن‪ ،‬التي انطلقت على يد قائدها من ّ‬ ‫لتغزو العامل يف كافة اجتاهاته وتوجهاته‪ .‬حتول ال�شيخ فتح اهلل غولن‬ ‫من جمرد �إمام "ر�سمي" ب�أحد م�ساجد تركيا‪ ،‬لي�صبح �أحد �أهم رموزها‪،‬‬ ‫و�أحد �أبرز القامات يف الفكر الإ�سالمي‪ ،‬ف�ضال عن كونه نا�شطا يف‬ ‫جماالت اخلدمة العامة والدعوة �إىل ال�سالم واحلوار الديني والثقايف‪.‬‬ ‫وجنح ال�شيخ يف الت�أثري يف جيل ب�أكمله على م�ستوى العامل ودفعهم‬ ‫للقيام بدور �إيجابي للدفع قدما بعجلة احلوار من خالل منظومة‬ ‫تربوية و�إعالمية عمالقة تتنت�شر حول العامل‪.‬‬ ‫كذلك ي�سعى ال�شيخ عرب كتاباته لتقدمي �أجندة عملية لتطبيق ما‬ ‫يدعو �إليه من �أفكار‪ ،‬فتتحول من جمرد طروحات نظرية �إىل ميثاق‬ ‫عمل يلتزم به مريدوه وحمبوه داخل احلركة وخارجها‪ ،‬حتى �صار‪،‬‬ ‫بح�سب "دوجال�س فرانتز"‪ ،‬الكاتب بجريدة نيويورك تاميز‪�" ،‬سفريا‬ ‫غري ر�سمي لرتكيا بالواليات املتحدة الأمريكية لتقدمي �صورة معتدلة‬ ‫عن الإ�سالم‪ ،‬وللدعوة للت�سامح من خالل لقاءاته مع البابا جون بول‬ ‫الثاين‪ ،‬وغريه من القادة الدينيني وال�سيا�سيني‪ ".‬وي�ؤكد "فرانتز"‬ ‫على �أن ما حتظى به ر�سالة "غولن" من قبول يف املجتمعات الغربية‬ ‫�إمنا مرده �إىل اختالفها عن ر�ساالت احلركات الإ�سالمية الأخرى التي‬ ‫"تت�سم بال�ضبابية وعدم الو�ضوح"‪.‬‬ ‫كذلك ي�ؤكد "منعمي حقي"‪� ،‬أ�ستاذ الإعالم واالت�صال بجامعة‬ ‫�إندبندنت ببنجالدي�ش‪� ،‬أن ""غولن" �شخ�صية بارزة ومقبولة لدى‬

‫اجلماهري‪ ،‬و�إ�ضافة �إىل حما�ضراته وخطبه‪ ،‬فهو كاتب غزير الإنتاج‪،‬‬ ‫حيث تربو م�ؤلفاته على ال�ستني كتابا جميعها عن الإ�سالم‪ ،‬وهو �صاحب‬ ‫ر�ؤية ت�أخذ ب�أتباعه �إىل �آفاق ال تطالها خميالت غريه من اجلماعات‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وهو قادر على خلق نقطة التقاطع بني الإ�سالم والغرب؛‬ ‫لأنه ي�سعى دائما لإبراز ر�سالة الإ�سالم العاملية خلدمة الإن�سان بغ�ض‬ ‫النظر عن دينه �أو لونه �أو قوميته"‪.‬‬ ‫بني يدي احلركة‬ ‫ُولد ال�شيخ "حممد فتح اهلل غولن" يف ال�سابع والع�شرين من �شهر‬ ‫�أبريل عام ‪ ،1941‬بقرية "كوروجك" التابعة لق�ضاء "ح�سن قلعة"‬ ‫مبحافظة "�أر�ضروم" برتكيا‪ .‬كانت ن�ش�أته ن�ش�أة متدينة تغلب عليها‬ ‫النزعة ال�صوفية‪ ،‬وبد�أ حفظ القر�آن الكرمي وملا يتجاوز الرابعة على يد‬ ‫�أمه‪ ،‬ال�سيدة "رفيعة خامت"‪.‬‬ ‫ت�أثر "غولن" يف �صباه بر�سائل النور للفقيه الكردي ال�صويف ال�شيخ‬ ‫"بديع الزمان �سعيد النور�سي" الذي ت�أثر به "غولن" ب�شكل عميق‬ ‫ومبا�شر‪ ،‬وكان وا�سع االطالع وقطع �أ�شواطا يف قراءة الفل�سفات الغربية‬ ‫وال�شرقية وعلوم ال�سيا�سة والعلوم الطبيعية‪� ،‬إ�ضافة �إىل درا�ساته‬ ‫امل�ستفي�ضة يف العلوم ال�شرعية والفكر ال�صويف‪.‬‬ ‫بد�أ غولن حياته العملية وهو يف �سن الع�شرين‪ ،‬حيث عُني �إماما مب�سجد‬ ‫"�أوج �شرفلي"‪ ،‬وكان ي�ؤثر البيات بامل�سجد على اخلروج لل�شارع �إال‬ ‫لل�ضرورة ك�شكل من �أ�شكال النزوع �إىل حياة التق�شف والزهد وتطهري‬ ‫النف�س‪� ،‬أما عمله الدعوي مبعناه الوا�سع فقد انطلق من "�أزميل"‪،‬‬ ‫ليطوف بعدها كافة �أنحاء غرب الأنا�ضول يدعو النا�س‪ ،‬ال �سيما‬ ‫ال�شباب‪� ،‬إىل العودة �إىل اهلل والزهد وطلب العلم والعودة �إىل الدين‪،‬‬ ‫فالتف حوله النا�س لأ�سلوبه العذب الرقراق ولقدرته على الولوج �إىل‬ ‫القلوب والعقول على ال�سواء (‪.)1‬‬ ‫ويعي�ش اليوم ال�شيخ فتح اهلل غولن (‪ 70‬عاما) "مبنفاه االختياري"‬ ‫بوالية بن�سلفانيا الأمريكية بعد بلوغ دعوته طور العاملية ليبلغ بت�أثريه‬ ‫يف النا�س �آفاقاً �أرحب‪ ،‬وليتخل�ص من القيود التي فر�ضتها عليه امل�ؤ�س�سة‬ ‫العلمانية بوطنه تركيا‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫بني يدي الدعوة‬

‫عن طريق منح من رجال الأعمال الأع�ضاء وامل�ؤيدين)‪ ،‬متتلك احلركة‬

‫�أخذت املرحلة التكوينية للحركة يف بداية �سبعينيات القرن املا�ضي عددا من امل�شروعات وامل�ؤ�س�سات التجارية التي تدر عليها �أرباحا طائلة‪،‬‬ ‫�شكال تقليديا‪� ،‬إذ مل تتعد �آنذاك جمموعة من املع�سكرات ال�صيفية "من �أبرز هذه امل�شروعات "بنك �آ�سيا" (الذي كان ُيعرف قبل ذلك‬ ‫للنا�شئة يقوم عليها جمموعة من امل�صلني الذين ي�ؤمهم ال�شيخ با�سم "�آ�سيا فاينان�س")‪ ،‬والذي متتلك جمموعة "كاليك" التابعة‬ ‫مب�سجده مبحافظة �إزمري لتلقني الطالب بع�ض املناهج الدينية‪� ،‬إىل ل�شبكة ال�شيخ فتح اهلل غولن الن�صيب الأكرب من �أ�سهمه‪ .‬كذلك ميتلك‬ ‫جانب املناهج التي يدر�سونها يف امل�ؤ�س�سات التعليمية العلمانية التابعة املنت�سبون للحركة �شركة �أكبولوت ل�صناعة الأن�سجة‪ ،‬والتي ُتعد ثاين‬ ‫للجمهورية الرتكية‪.‬‬

‫�أكرب �شركة برتكيا يف هذا املجال" (‪.)2‬‬

‫ويف نهاية الثمانينيات انتقلت احلركة �إىل طور �آخر‪ ،‬غري �أنها بقيت يف وي�ؤكد "�سريدارج ي�سيليورت"‪ ،‬من االحتاد الرتكي لرجال الأعمال‪� ،‬أن‬ ‫نف�س الإطار الرتبوي التعليمي وذلك ببناء مدار�س و ُن ُزل للطالب يف احلركة قد لعبت دورا بارزا يف النمو االقت�صادي لرتكيا‪ ،‬حيث مهدت‬ ‫جميع �أنحاء تركيا‪ ،‬تبلورت بعدها �أفكار غولن يف �شكل حركة �أ�صبحت الطريق لرجال الأعمال لإقامة العديد من امل�شروعات والتمديد‬ ‫متثل ظاهرة تربوية عاملية تتجاوز �ألف مدر�سة ب�أكرث من ‪ 130‬دولة لأعمالهم يف الأ�سواق النا�شئة ب�إفريقيا و�آ�سيا الو�سطى"‪ .‬وي�ضيف‬ ‫متتد من كينيا �إىل كازاخ�ستان مروراً ب�أوروبا والواليات املتحدة "ي�سيليورت" �أن "‪ %95‬من �أع�ضاء احتاد العمال وال�صناعة برتكيا من‬ ‫الأمريكية و�أ�سرتاليا‪ ،‬ف�ضال عن �ست جامعات برتكيا و�آ�سيا الو�سطى‪ .‬امل�ؤيدين حلركة غولن"‪.‬‬ ‫�أما مرحلة العاملية فتزامنت مع انفراط عقد االحتاد ال�سوفيتي عام‬ ‫غولن والعلمانية الأتاتوركية‬

‫‪ ،1994‬حيث متددت احلركة عرب م�ؤ�س�ساتها الرتبوية يف دول االحتاد‬

‫ال�سوفيتي ال�سابق الناطقة بالرتكية‪ ،‬لتنطلق منها �إىل �سائر دول بد�أت حركة غولن من رحم تركيا العلمانية‪ ،‬وبرغم عدم راديكالية‬ ‫البلقان و�أوروبا‪ .‬ويف نهاية الت�سعينيات‪ ،‬عرفت احلركة طريقها �إىل احلركة‪ ،‬وعدم الدعوة لتطبيق ال�شريعة الإ�سالمية يف الف�ضاء العام‪،‬‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية يف نهاية ت�سعينيات القرن املا�ضي‪ ،‬حيث قرر �إال �أنها قد قوبلت بحرب �ضرو�س من قبل امل�ؤ�س�سة العلمانية الرتكية‬ ‫ال�شيخ الإقامة ب�ضيعة ريفية بوالية بن�سلفانيا ليكون �أكرث ت�أثريا يف املعروفة بت�شددها و�إق�صائها الكامل للدين عن احلياة بكافة مناحيها‪.‬‬ ‫امل�سرح العاملي‪.‬‬

‫واعتربت امل�ؤ�س�سة العلمانية احلركة تنظيما راديكاليا ي�سعى للو�صول‬

‫برغم كل حمالت الت�شكيك التي د�شن لها العلمانيون الأتاتوركيون عن �إىل مقاعد ال�سلطة والهيمنة على مقاليد احلكم للعودة برتكيا �إىل ما‬ ‫م�صادر متويل احلركة‪ ،‬والتي تعد واحدة من �أغنى احلركات بالعامل‪ ،‬قبل ‪ ،1923‬عندما �أعلن م�صطفى كمال �أتاتورك ورفاقه من الع�سكر‬ ‫�إال �أنها متتلك �شبكة �أعمال متنوعة وعاملية‪ .‬فبح�سب درا�سات حديثة‪ ،‬قيام جمهورية تركيا على �أ�س�س علمانية‪ ،‬و"قاموا بالتغيري الكامل‬ ‫حتظى احلركة بت�أييد نحو ع�شرة ماليني من الأع�ضاء واملتعاطفني مع ال�شامل وفق النموذج الأوروبي و�ألغوا الت�شريعات الإ�سالمية‪ ،‬و�أقروا‬ ‫احلركة‪ ،‬والذين ينتمون يف �أغلبهم �إىل طبقة رجال الأعمال‪ ،‬يكر�سون مكانها القانون ال�سوي�سري‪ ،‬كما �ألغوا احلرف العربي حل�ساب احلرف‬ ‫الالتيني‪ ،‬و�أجربوا الن�ساء على خلع احلجاب‪ ،‬و�ألغوا الأذان وال�شعائر‬ ‫ما بني ‪� %5‬إىل ‪ %10‬من دخولهم لدعم احلركة‪.‬‬ ‫وف�ضال عن املدار�س واجلامعات اخلا�صة املنت�شرة حول العامل‪ ،‬والتي التعبدية‪ ،‬و�ألزموا من مت�سك بها على �أدائها باللغة الرتكية ليتم لهم‬ ‫ت�ضم نخبة من الطالب الذين ينتمون لعائالت ثرية (تنظم احلركة حمو الثقافة العربية الإ�سالمية عن �آخرها وا�ستبدالها بالقومية‬ ‫برامج خا�صة يف مدار�سها وجامعاتها للطالب الفقراء وغري القادرين الطورانية"(‪.)3‬‬

‫‪20‬‬


‫وانتهى الأمر بتوجيه تهمة لل�شيخ عام ‪ 1999‬مبحاولة تقوي�ض الدولة على �أنها البديل الأ�صلح للدين الراديكايل لأنها حركة تطورية حداثية‪،‬‬ ‫العلمانية �إثر ت�سجيل له يحث فيه �أتباعه على �أن يتحركوا يف �شرايني بل وت�سعى �إىل منذجتها للحركات الأ�صولية الإ�سالمية وامل�سيحية على‬ ‫النظام من طرف خفي دون �أن ي�شعر بهم �أحد‪ ،‬و�أن يرتيثوا حتى ال�سواء‪ ،‬فهي‪ ،‬و�إن كانت ت�شدد على مركزية القر�آن يف النظرية ال�سيا�سية‬ ‫مي�سكوا بتالبيب ال�سلطة‪ ،‬و�أن ميتلكوا نا�صية كل امل�ؤ�س�سات الد�ستورية الإ�سالمية لكونه وحيا �إلهيا ال يخ�ضع للتعديل والتطوير وال جتري‬ ‫عليه الأبعاد الزمانية واملكانية‪ ،‬وترى ب�أن املمار�سة ال�سيا�سية النبوية ال‬ ‫بالدولة‪� .‬إال �أن املحكمة قد حكمت غيابيا برباءة ال�شيخ‪ ،‬بعد �أن ت�أكد لها‬ ‫تتجاوز �أن تكون عمليات ت�أويلية تطورت‪ ،‬وال تزال‪ ،‬عرب ما يزيد على ‪14‬‬ ‫العبث الذي �أحلق عن عمد ب�شريط الفيديو‪ ،‬فف�ضل غولن االنتقال‬ ‫قرنا من الزمان‪ ،‬وتخ�ضع لأبعاد الزمان واملكان‪.‬‬ ‫�إىل الواليات املتحدة الأمريكية حيث يعي�ش اليوم ب�ضيعة ريفية بوالية‬ ‫وهي بذلك‪ ،‬بح�سب النظرية الغربية‪ ،‬تتمايز عن النظرية ال�سلفية‬ ‫بن�سلفانيا‪.‬‬ ‫التي ت�ستلهم الفكر ال�سيا�سي من بطون التاريخ‪ ،‬وال جتتهد يف تطويره‪،‬‬ ‫كذلك تتداول العديد من الدرا�سات والتقارير العالقة الوطيدة بني كذلك فهي تقدم منوذجا ينبغي �أن يحتذى من احلركات الراديكالية‬ ‫ال�شيخ فتح اهلل غولن وبني الدميقراطيني الإ�صالحيني املنتمني حلزب الدينية يف العامل الغربي‪ ،‬ولثنائية الأ�صولية الربوت�ستنانتية واحلداثة‬ ‫العدالة والتنمية الإ�سالمي احلاكم‪ ،‬و�أنها ت�سيطر على قطاعات من العقالنية عند "ماك�س فيرب"‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فقد قدم "غولن"‪ ،‬كم�صلح‬ ‫ال�شرطة والق�ضاء‪ ،‬حتى �إن �أحد قيادات ال�شرطة قد �أُودع ال�سجن يف اجتماعي متفرد‪ ،‬الأر�ضية امل�شرتكة التي يقف عليها الدين واحلداثة‬ ‫العام املا�ضي �إثر �إعداده كتابا يتعلق بنفوذ احلركة وعالقتها باحلزب جميعا‪ ،‬والتي تربط العلوم املادية بالقيم الروحية لأنه يعتقد �أن الغاية‬ ‫احلاكم‪ ،‬وتكرر الأمر نف�سه يف هذا العام بالقب�ض على �صحفيني النهائية جلميع الأمم هي جتديد ح�ضارة الفرد واملجتمع عرب الفعل‬ ‫لإجرائهما ا�ستق�صاء عن الأمر ذاته‪.‬‬ ‫غولن و�أن�سنة الر�أ�سمالية‬ ‫وبرغم كل هذه الأمور‪ ،‬ف�إن احلركة حتظى بقبول �سيا�سي و�شعبوي يف‬ ‫�أوروبا والواليات املتحدة الأمريكية لقبولها مببادئ العلمانية بوجه‬ ‫عام‪ ،‬و�إميانها بالدميقراطية الليربالية ك�آلية مثلى لالرتقاء بدول‬ ‫العامل الثالث‪ ،‬وعدم رف�ضها كلية ملبادئ الر�أ�سمالية التي ت�سعى احلركة‬ ‫لأن�سنتها وتعديلها لت�صبح �أكرث قبوال و�صالحية‪.‬‬ ‫وت�ؤمن احلركة �إميانا كامال مبركزية املر�أة‪ ،‬ال من خالل طروحات‬ ‫امل�ساواة اجلندرية الغربية‪ ،‬و�إمنا عرب دورها التكاملي مع الرجل‬ ‫يف �إحداث التغريات الكربى‪ .‬كذلك تنفق احلركة جل �أموالها على‬ ‫م�شروعات عاملية حتظى بالدعم والقبول الغربي من �شاكلة حوار‬ ‫احل�ضارات وحوار الثقافات‪ ،‬ف�ضال عن امل�شروعات اخلدمية‪ ،‬ال �سيما يف‬ ‫جمال التعليم والرتبية‪.‬‬ ‫وتنظر امل�ؤ�س�سة ال�سيا�سية واملراكز البحثية يف الغرب �إىل حركة "غولن‬

‫الأخالقي‪.‬‬ ‫ولهذا فال جتد الكاتبة الأمريكية ‪" Jill Carroll‬جيل كارول"‬ ‫فروقا جوهرية بني الأ�س�س الفكرية عند ال�شيخ "فتح اهلل غولن"‬ ‫وغريه من �أ�صحاب التوجهات الفكرية‪ ،‬بل والعقدية املختلفة من‬ ‫�شاكلة فيل�سوف الإدراك احل�سي "�إميانويل كانط" وفيل�سوف احلرية‬ ‫"جون ا�ستيوارت مل" وفيل�سوف الوجودية "جان بول �سارتر"‪ ،‬بل‬ ‫والفال�سفة القدامى يف الغرب وال�شرق على ال�سواء مثل "�أفالطون"‬ ‫الإغريقي و"كونفو�شيو�س" ال�صيني (‪.)4‬‬ ‫�إن ال�صحوة الدينية احل�ضارية‪ ،‬بح�سب "غولن"‪ ،‬ال ميكن �أن تتحقق �إال‬ ‫عرب مزاوجة ما و�صلت �إليه احل�ضارة الغربية من تقدم علمي وتقني‬ ‫مع املنظومة الروحية والقيمية الإ�سالمية‪ ،‬للو�صول بالإن�سان املعا�صر‬ ‫�إىل مدارج الرقي والكمال‪ ،‬و�إن العامل �صار كالقرية ال�صغرية التي ال‬ ‫مكان فيها مل�شاعر الكراهية والعداء‪ ،‬و�إن اجلماعات التي تقوم على‬ ‫�أيديولوجيات الإق�صاء وا�سرتاتيجيات التنافر �إمنا تكتب على نف�سها‬ ‫العزلة وال�ضمور‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫السﻜينة تﺠرﺑة‬

‫د‪� .‬شلمان بن فهد العودة‬ ‫ر‪‬ا يتظاهر املرء بالهدوء ويف اأعماقه براكني من النفعالت‬ ‫والغ�شب التي تو�شك اأن تنفجر!‬ ‫حني يتعر�ص الإن�شان ل�شيء من الإثارة ثم يحاف‪ ‬على هدوئه‬ ‫فهو يت�شف بال�شيطرة على النف�ص" ميلك نف�شه عند الغ�شب "‪.‬‬ ‫اأن يكون تعبريه عن انفعالته وم�شاعره متوازن ًا معتد ًل‪ ،‬يف‬ ‫حالة الر�شا والغ�شب‪ ،‬واحلب والبغ�ص‪ ،‬والعداوة وال�شداقة‬ ‫هنا يكون حممود ًا على ل�شان النبيني " كلمة احلق يف الغ�شب‬ ‫والر�شا "‪.‬‬ ‫الهدوء الروحاين لي�ص ا�شتعالء على الآخرين ول فوقية‪ ،‬ول‬ ‫ا�شت‪‬ثار ًا باخللق الأ�شمى‪ ،‬واإ‪‬ا هو �شلوك ي�شتلهم منه الآخرون‬ ‫مواقفهم‪ ،‬وي�شجعهم على ال�شتجابة‪.‬‬ ‫هدوء الكلمة واللغة‪ ،‬وهدوء القلب‪ ،‬وهدوء املالمح والق�ضمات واجل�ضد‪.‬‬ ‫لي�ضت ال�ضالة وحدها ول ال�ضيام اأو احلج‪ ،‬بل احلياة كلها هي‬ ‫" معبد " يربي امل�ضلم على الن�ضباط حتى مع النف�س‪ ،‬ويف احلديث‬ ‫َعنْ اأَبِي هُ َر ْي َر َة‪َ ،‬قا َل ( َقا َل َر ُج ٌل ‪َ :‬يا َر ُ�ضو َل اهللِ‪ ،‬اإِ َّن ُف َ‬ ‫ال َن َة ُي ْذ َك ُر مِ نْ‬ ‫رث ِة َ�ض َ‬ ‫َك ْ َ‬ ‫ريا َنهَا ِبل َِ�ضا ِنهَا‪،‬‬ ‫ري اأَ َّنهَا ُتوؤْذِي جِ َ‬ ‫ال ِتهَا‪َ ،‬و ِ�ض َيامِ هَا‪َ ،‬و َ�ض َد َق ِتهَا‪َ ،‬غ ْ َ‬ ‫َقا َل‪ ":‬هِ َي ِيف ال َّنا ِر )! (رواه اأحمد وابن حبان يف �ضحيحه واحلاكم وقال‬ ‫�ضحيح الإ�ضناد)‪.‬‬

‫الن�ضباط مع النف�س يعني األ ي�ضتجيب املرء ملقت�ضى املوقف بعفوية‬ ‫مت�ضرعة‪ ،‬من دون اأن يطور اأداءه مع الوقت وي�ضتفيد من جتاربه‬ ‫وجتارب الآخرين‪.‬‬ ‫من ال�ضنة اأن متر باملرء حالت اندفاع وحالت �ضعف ( َف ِاإ َّن ِل ُك ِّل عَابِدٍ‬ ‫�ضِ َرة َو ِل ُك ِّل �ضِ َر ٍة َف ْ َ‬ ‫رتة‪.)..‬‬ ‫حتى الثورات هي اندفاع يتحول اإىل تكوين حياتي‪ ،‬وي�ضبح نظاماً‬ ‫ودولة و�ضيا�ضة‪ ،‬وبطبيعة احلال �ضي�ضعر ب�ضيء من احلرج مع �ضعارات‬ ‫ومواعدات ومبادئ مت التكاء عليها اأول الأمر‪.‬‬ ‫وقد ي�ضعر باحلرج من اأتباع اأرادوا من هذا التكوين احلياتي اأكرث مما‬ ‫يجب واأكرث مما ميكن‪..‬‬ ‫احلب نف�ضه قد يبداأ ثورة ثم يتعقلن اإذا مت الزواج‪ ،‬وقد ي�ضعف اأو‬ ‫يرتاجع اأو ميوت اإذا مل يكن مبنياً على اأ�ضا�س �ضحيح‪ ،‬اأو اإذا اأ�ضبح‬ ‫اأنانية وا�ضتحواذاً ومطالب‪.‬‬ ‫الهدوء يكمن يف جزء من الثانية ما بني املثري الذي �ضنع ال�ضتفزاز‬ ‫وال�ضتجابة وردة الفعل‪ ،‬وياحلكمة امل�ضطفى ‪-‬عليه ال�ضالة وال�ضالم‪-‬‬ ‫ال�ض ْد َم ِة الأُ َ‬ ‫وىل)‪( .‬كما يف ال�ضحيحني من‬ ‫رب عِ ْن َد َّ‬ ‫حني قال َّ‬ ‫(ال�ض ْ ُ‬ ‫حديث اأن�س ر�ضي اهلل عنه)‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫حني تتعامل مع �أي ا�ستفزاز على �أنه " كمرة خفية " و�ضعت لت�سجل نوع وتوقع الأف�ضل كما قيل ‪:‬‬ ‫ا�ستجابتك ثم تعر�ضها عليك وعلى اجلمهور‪ ،‬هنا �ستكون �أكرث �إحكاماً فقت لقلبي‪� ..‬إن نزا بك نزو ًة‬ ‫للنف�س و�سيطرة عليها‪ ،‬ومعنى هذا �أن �أي �إن�سان يدري �أن ال�سكينة من اله ِّم؛ �أ ْق ِ�ص ْر‪� ،‬أك ُ‬ ‫رث الهول باطله‬ ‫وال�سيطرة على النف�س هي ف�ضيلة �إن�سانية ونبل كبري‪ ،‬و�أن الطي�ش ا�ستفراغ الطاقة يف العمل الإيجابي النافع لي�س نقي�ضاً للهدوء‪ ،‬هو‬ ‫واالنفعال ال�سريع غري املدرو�س مثلبة ونق�ص‪.‬‬ ‫الوجه الآخر للهدوء‪ ،‬فاملنجزون عادة ال ت�ستفزهم احلوادث ب�سرعة‪،‬‬ ‫حني مير املرء بتجارب احلياة �سيدرك �أنه من ال�سهل �أن يقول ومن لأنهم يراهنون على �إجناز تراكمي طويل‪ ،‬ولي�س على مفاج�آت �أو �صدف‪.‬‬ ‫ال�صعب �أن يعمل وميتثل‪..‬‬ ‫حني يقولون �إن القائد الهادئ هو الذي يتعامل مع الفجائع والنكبات‬ ‫�سيكون مدافعاً بحرارة عن موقف انفعايل مر به‪ ،‬لأنه ال يجدر به �أن على �أنها �أ�شياء عادية‪ ،‬فهذا ال يعني �أنه غري مبالٍ ‪ ،‬كال‪ ،‬و�إمنا هو‬ ‫ي�ست�سلم �أو يف ّوت الأمر !‬ ‫كاف من الهدوء ميكنه من التفكري والبحث واختيار‬ ‫يحتفظ بقدر ٍ‬ ‫والق�صة بب�ساطة �أنه قد غ�سل يده من املحاولة وقرر �أن ي�سوغ الطبع احللول بعيداً عن �أن يقع يف �أحبولة اخل�صم‪.‬‬ ‫الذي هو عليه‪.‬‬ ‫وحني نتحدث عن الهدوء‪ ..‬فلي�س معناه �أن نلغي الطبيعة ال�شخ�صية‪،‬‬ ‫الذين ح�صلوا على قدر من الهدوء مل يدركوه خالل فرتة ي�سرية‪،‬‬ ‫وال نطم�س العنوانات الأخرى واملواقف املناق�ضة‪.‬‬ ‫ولكن عرب تراكم ممتد من املحاوالت والف�شل واخلجل والرتدد‬ ‫كل ما هنالك �أن يقال‪� :‬أ�ضف �إىل العناوين اجلميلة املوجودة لديك‬ ‫والإحباط‪ ،‬ومع كل املعوقات قرروا �أال ت�سقط الراية من �أيديهم‪ ،‬و�أن‬ ‫عنواناً ا�سمه" ال�سكينة "‪ ،‬حتاول ا�ستح�ضاره كلما �أملت بك م�شكلة �أو‬ ‫يكرروا املحاولة تلو الأخرى متذرعني بقول احلق ‪-‬عز وجل ( َوا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫دهمتك نازلة‪� ،‬أو واجهت موقفاً م�ستفزاً �أو مثرياً‪ ،‬تذكر فوراً �أن هذا‬ ‫َجا َهدُوا فِي َنا َل َنهْدِ َي َّن ُه ْم ُ�س ُبلَ َنا َو�إِ َّن اللهَّ َ لمَ َ َع المْ ُ ْح�سِ ِن َ‬ ‫ني) (العنكبوت‪،)69:‬‬ ‫ً‬ ‫املوقف " م�صمم " خ�صي�صا الختبار �صربك وقدرتك على االن�ضباط‪،‬‬ ‫و�أجلموا �أنف�سهم عن البغي والعدوان والظلم متذكرين و�صمة النفاق‬ ‫نعم �إنه "القدر املقدور"‪.‬‬ ‫ا�ص َم َف َج َر)‪.‬‬ ‫ملن (�إِ َذا َخ َ‬ ‫من امل�ؤكد �أن الطبع يغلب التطبع‪ ،‬ف�إذا كان طبعك ي�ساعد على الهدوء‬ ‫فهنا مواطن التقوى ال�صادقة‪ ،‬وامتحان النفو�س‪ ،‬وحني عرب اهلل تعاىل‬ ‫ف�أنت جبلت على ما يحبه اهلل ور�سوله كما يف حديث عبد القي�س‪ ،‬على‬ ‫بقوله‪�( :‬أُو َلئ َِك ا َّلذِ َ‬ ‫ين ْام َت َح َن اللهَّ ُ ُق ُلو َب ُه ْم لِل َّت ْق َوى) (احلجرات‪ ،)3:‬كان‬ ‫�أنه �إن كانت الأخرى ف�إمنا العلم بالتع ّلم‪ ،‬واحللم بالتح ّلم‪ ،‬وال�صرب‬ ‫ذلك يف �سورة احلجرات التي ا�شتملت على النهي عن رفع الأ�صوات فوق‬ ‫�صوت النبي‪ ،‬والنهي عن ترديد الإ�شاعات‪ ،‬وعن الوقوع يف الأعرا�ض‪ ،‬بالت�صبرّ ‪..‬كما قال �أبو الدرداء‪.‬‬ ‫وعن التعيري والتحقري‪ ،‬وعن ال�سخرية‪ ،‬وعن �سوء الظن‪ ،‬وعن لقد حدث يل �أن جترعت مرارات من الأذى كنت �أظن �أنني ال �أحتاجها‪،‬‬ ‫ثم تبني يل بعد �سنني ؛ �أنها �أ�سهمت يف �صناعة ذاتي و�إحكام جتربتي‬ ‫االختالف والتقاتل‪ ،‬وعن العن�صرية واالنت�ساب‪..‬‬ ‫وختمت بالآية الكرمية‪ُ ( :‬ق ْل لمَ ْ ُت�ؤْمِ ُنوا َو َلكِنْ ُقو ُلوا �أَ ْ�سلَ ْم َنا) وتعويدي على قدر من االحتمال والتجاوز والعفو وقهر الذات على عدم‬ ‫(احلجرات‪ ،)14:‬فالإميان احلق هو ممار�سة �أخالقية على �أعلى مقابلة ذلك بغري الر�ضا والهدوء وال�سكينة‪ ،‬وقدرت بف�ضله تعاىل على‬ ‫�أن �أعي�ش حياتي �سعيداً مطمئناً هانئاً‪ ،‬لقد �أدركت �أن ال�سهام املوجهة ال‬ ‫امل�ستويات‪ ،‬وان�ضباط يف احلقوق والعالقات‪.‬‬ ‫النظرة الإيجابية للأ�شياء واحلوادث من منطلق الإميان بحكمة ت�ضر املرء �إذا مل ت�ضره نف�سه‪ ،‬بل ت�ساعده على �أن يكون �أقوى و�أر�سخ‪،‬‬ ‫اخلالق الذي ال يقع �شيء �إال ب�إذنه يعطي بعداً لقراءة النتائج البعيدة ثم يتدرج �إىل �أن يتعود عليها فتبدو �شيئاً من برنامج احلياة ذاتها و�سنة‬ ‫وح�سن الظن باهلل‪ ،‬والهدوء يف معاجلة املواقف الغام�ضة واجلديدة مع الوجود‪ ،‬ثم يرتقي �إىل �أن ي�ستطيع �أن يقتب�س حتى امللحوظات ال�صغرية‬ ‫كمال احلر�ص على الإفادة من الفر�ص واقتنا�صها وح�سن توظيفها‪� ،‬أو ي�شرب قطرة من املاء العذب ي�ستخل�صها من ملح �أجاج‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫ﺑﺤثا ﻋﻦ‬

‫المﺸﺘرﻙ ﻣﻊ اﻵﺧريﻦ‬

‫ال�شيخ عبد اهلل بن بيه‪ /‬عا‪ ‬موريتاين‬ ‫اإذا كان عقالء العامل اليوم ي�ضكون من غلبة منهج املواجهة بني احل�ضارات على منهج الت�ضال‪ ،‬وتهدم اجل�ضور‪ ،‬فاإن من �ضمن ما يجب اإبرازه‪،‬‬ ‫والتاأكيد عليه‪ ،‬قطعا لنهج ال�ضدام‪ ،‬هو جالء م�ضرتكات احل�ضارات‪ .‬وهي اخلطوة التي نتحدث عنها هنا‪� ،‬ضمن اأحاديثنا ال�ضابقة عن م�ضكلة‬ ‫التوا�ضل والنقطاع بني احل�ضارة الإ�ضالمية وغريها‪.‬‬ ‫يكون خافياً اأو خافتاً اأو قد ُ‬ ‫وهنا نقول اإن من اأ�ضباب هذا الت�ضال احل�ضاري هو اإبراز امل�ضرتك بني الطرفني الذي قد ُ‬ ‫يكون اإطال ُع الطرفني‬ ‫بع�ضهم بع�ضاً عليه ي�ضهِّل عملي َة التوا�ضل والنطالق منه اإىل اآفاق املختلف فيه لت�ضهيل عملية التوا�ضل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ولهذا يجب توظيف امل�شرتك دوائر منها ‪:‬‬ ‫دائرة القيم الإن�شانية‪ُّ :‬‬ ‫ري‬ ‫فكل ِ‬ ‫النا�س يبحثو َن عن العدلِ وال�ضال ِم ويبغ�ضو َن اجلو َر والطغيا َن فما ل ير�ضا ُه لنف�ضِ ه ل ير�ضاه لغريِه‪ ،‬اإ َّنه ال�ضم ُ‬ ‫الإن�ضا ّ‬ ‫القيم التي يو ُ‬ ‫النا�س ـ كل النا�س ـ فهناك معايري ل يختلف عليها النا�س لأنها ترجع اإىل العقل‬ ‫ؤمن بها ُ‬ ‫ين الذي يجب اأن ننبهه من خالل ِ‬ ‫وهو كما يقول ديكارت اأف�ضل الأ�ضياء توزيعاً بني النا�س ومبادئ الفطرة التي فطر اهلل النا�س عليها وهي امل�ضاألة املعروفة يف الفل�ضفة الإ�ضالمية‬ ‫احل�ضن مِ ن العلو ِم ال�ضروري ِة التِي يخلقها ُ‬ ‫َ‬ ‫اهلل يف الإن�ضان)‪.‬‬ ‫وح�ضن‬ ‫القبيح‬ ‫بالتح�ضني والتقبيح فقد قا َل القا�ضي عب ُد اجلبار املعتزيل‪( :‬اإ َّن قب َح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابن القيم‪ :‬اإ َّن الأفعا َل ح�ضن ٌة يف نف�ضها اأو قبيحة‪ ،‬واإن العق َل ُ‬ ‫َ‬ ‫ابن تيمية وتلمي ُذه ُ‬ ‫وقد قال ُ‬ ‫بع�ضها دو َن الآخر‪.‬‬ ‫يدرك هذا‬ ‫احل�ضن والقب َح يف ِ‬ ‫وف َو َي ْنهَاهُ ْم ع َِن ْامل ُ ْن َكر ) (الأعراف‪. )157:‬‬ ‫فقد قال ابن القيم يف مدارج ال�ضالكني اإ َّن قو َله تعاىل ( َياأْ ُم ُرهُ م ب ِْامل َ ْع ُر ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫العقول ال�ضحيح ُة بح�ضنِه‪ ،‬وينهَى ع َّما ت�ضه ُد بقبحِ ه‪.‬‬ ‫الدين الذي جا َء ب ِه ياأم ُر مبا ت�ضه ُد‬ ‫يوؤك ُد اأ َّن هذا‬ ‫ُ‬ ‫واختا َر القو َل باحل�ضن والقبح العقليني الأحناف‪ ،‬وهو مرويٌّ عن اأبي حنيف َة نف�ضِ ه‪ ،‬واختا َره اأبو اخلطابِ الكلوذا ِّ‬ ‫التميمي َ‬ ‫من‬ ‫احل�ضن‬ ‫ين واأبو‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ومن ال�ضافعي ِة اأبو علي ُ‬ ‫احلنابلة‪َ ،‬‬ ‫ال�ضا�ضي الكبري‪.‬‬ ‫القفال‬ ‫بن اأبي هرير َة واأبو بكر‬ ‫ُّ‬ ‫هلل َ‬ ‫تعاىل‪ ،‬وتب َعه الغزا ُّ‬ ‫يل‪ ،‬ويتداخ ُل يف نظر ِة امل�ضلم َ‬ ‫ني ا َإىل‬ ‫ني‬ ‫ني يف اأفعالِ العبا ِد دو َن اأفعالِ ا ِ‬ ‫والتقبيح العقلي ِ‬ ‫ني القو َل بالتح�ض ِ‬ ‫واختا َر اإما ُم احلرم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ري‪.‬‬ ‫ري‬ ‫ح ٍّد كب ٍ‬ ‫احل�ضن واخل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وباجلملة‪ :‬فاإ َّن مَن ُ‬ ‫فالعدل ٌ‬ ‫م�ضرتك ب َ‬ ‫ح�ضن‪ ،‬واجلو ُر‬ ‫ني الإن�ضاني ِة جمعاء‪:‬‬ ‫القيم العق َل‪ ،‬وهو اأم ٌر‬ ‫ني‬ ‫والتقبيح العقلي ِ‬ ‫يقول بالتح�ض ِ‬ ‫ني يجع ُل ا َ‬ ‫أ�ضا�س ِ‬ ‫ِ‬ ‫قبيح … اإىل اآخر قائمة القيم‪ .‬فكما قا َل ديكارت(اإ َّن العق َل ه َو ا ُ‬ ‫أح�ضن الأ�ضيا ِء تو ُّزعًا بالت�ضاوي ب َ‬ ‫ني الب�ض ِر كلهم)‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫إن�ضاين‪.‬‬ ‫والوثيقة الدولية حلقوق الإن�ضان متثل اأه َّم حماول ٍة لتوظيفِ امل�ضرتكِ ال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫القيم الدينية‪ :‬م َع اأ�ضحابِ الر�ضالتِ ال�ضماوي ِة ؟ ْ‬ ‫قل َيا اأه َل الكتابِ تعالوا اإىل كلم ٍة �ضواء بي َننا وبي َنكم؟وقولوا اآمنا بالذي اأنزل اإلينا‬ ‫دائر ُة‬ ‫ِ‬ ‫واأنزل اإليكم واإلهنا واإلهكم واحد ونحن له م�ضلمون؟‪.‬‬ ‫ني ُ‬ ‫واحل�ضارة الغربية م�ضيحية كما يرى هنرت ميد قائ ً‬ ‫ال‪ :‬وح َ‬ ‫امل�ضيحي فاإننا نعني بالن�ضبة للفل�ضفة «التوحيدي»‪ ،‬فالإميان باإل ٍه واحدٍ يحك ُم‬ ‫نقول‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫النا�س جمي ًعا يف ك ِّل مكان‪.‬‬ ‫ري الدينِي للغربِ ‪ ..‬وهذ ِه الأوام ُر اأوام ُر الإل ِه �ضامل ٌة‬ ‫أ�ضا�س للتفك ِ‬ ‫تنطبق على ِ‬ ‫الكو َن الذِ ي خل َقه ا ٌ‬ ‫ني مثل هان�س كيو‪ ‬عندما ُ‬ ‫ٌ‬ ‫م�ضرتك‪ ،‬كما نبه عليه ُ‬ ‫وهذا ال ُ‬ ‫الدين امل�ضيحيني املن�ضف َ‬ ‫يقول‪ :‬بالن�ضب ِة لليهو ِد وامل�ضيحيني وامل�ضلمني‬ ‫إميان‬ ‫بع�س رجالِ‬ ‫ِ‬ ‫هلل وكلماتِه (بنقل جاك نرينيك‬ ‫�ضرط‬ ‫فاإ َّن الإميا َن يعنِي اأ َّن الإن�ضا َن هنا مع كل ما اأوتي من قوة ومن فكر ملتز ٌم بدونِ قيدٍ اأو ٍ‬ ‫بالت�ضليم والثق ِة با ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف حواره مع طارق «هل ميكن اأن نعي�س مع الإ�ضالم؟» (�س‪. ) 14‬‬

‫‪24‬‬


‫أﺩﺑياﺕ الﺤواﺭ فﻲ اإلسﻼم‬ ‫هايل عبد املوىل ط�شطو�ص‬ ‫اإن الناظر يف اأدبيات الإ�ضالم ب�ضكل عام يجد من البديهي انه يدعو اإىل الت�ضامح والرفق واللني واحلوار والتنا�ضح ولي�س فيه جمال لل�ضدة والغلظة‬ ‫والعنف والإرهاب والتخويف والرتويع وذلك لأنه دين اهلل العلي العظيم الرحمن الرحيم‪ ،‬وقد انبثقت دعوة الإ�ضالم من هذا الرحم وقامت على‬ ‫هذه الأ�ض�س‪ ،‬واأما لفظة احلوار فهي من املُحاورة؛ وهي املُراجعة يف الكالم‪ .‬وقد ا�ضتخدمت هذه اللفظة يف القران الكرمي يف قوله تعاىل( َق ْد‬ ‫حتا ُو َر ُك َما اإِ َّن َّ َ‬ ‫اهلل َو َّ ُ‬ ‫َ�ضمِ َع َّ ُ‬ ‫اهلل َي ْ�ض َم ُع َ َ‬ ‫اهلل َق ْو َل ا َّلتِي ُ َ‬ ‫ري) (املجادلة‪ )1:‬واأما الغاية من احلوار فهي اإقام ُة‬ ‫جتا ِد ُل َك ِيف َز ْوجِ هَا َو َت ْ�ض َتكِي اإِ َىل َّ ِ‬ ‫اهلل َ�ضمِ ي ٌع َب ِ�ض ٌ‬ ‫و�ضل اإليها ويف ذلك‬ ‫احلجة‪ ،‬ودف ُع ال�ضبهة وتو�ضيح وجهات النظر واإزالة اللب�س واللغط‪ ،‬اإذن هو تعاون من املُتناظرين من اجل معرفة احلقيقة وال َّت ُّ‬ ‫العامل الأذكى العل َم ملن دونه‪ ،‬وتنبي ِه الأغف َل ال َ‬ ‫أ�ضعف) ‪.‬‬ ‫يقول احلافظ الذهبي( اإمنا و�ضعت املناظرة لك�ضف احل ِّق‪ ،‬واإفاد ِة ِ‬ ‫ومن اأ�شول احلوار يف الإ�شالم هو‪:‬‬ ‫املرجحة للدعوى ‪.‬‬ ‫‪ -1‬تقدمي الأدلة املُثبِتة اأو ِّ‬ ‫‪� -2‬ضحة تقدمي النقل يف الأمور املنقولة‪ .‬ويف هذين الطريقني جاءت القاعدة احلوارية امل�ضهورة ( اإن كنت ناق ًال فال�شحة‪ ،‬واإن كنت مد‪ ‬ع ّي ًا‬ ‫فالدليل) ‪.‬‬ ‫‪ -3‬ويف التنزيل جاء قوله �ضبحانه( ُق ْل هَا ُتوا ُب ْرهَا َن ُك ْم اإِنْ ُك ْن ُت ْم َ�ضا ِد ِق َ‬ ‫ني ) ويف اأكرث من �ضورة ‪(:‬البقرة ‪ ، )111:‬و(النمل ‪ُ (، )64‬ق ْل هَا ُتوا ُب ْرهَا َن ُك ْم‬ ‫َه َذا ِذ ْك ُر َمنْ َمع َِي َو ِذ ْك ُر َمنْ َق ْبلِي)(الأنبياء‪ُ (. )24:‬ق ْل َفاأْ ُتوا بِال َّت ْو َرا ِة َفا ْت ُلوهَا اإِنْ ُك ْن ُت ْم َ�ضا ِد ِق َ‬ ‫ني)(اآل عمران‪. )93:‬‬ ‫ومن البديهيات اأي�ضا التج ُّرد‪ ،‬وق�ضد احلق‪ ،‬والبعد عن التع�ضب‪ ،‬واللتزام باآداب احلوار‪ :‬اإن اإتباع احلق‪ ،‬وال�ضعي للو�ضول اإليه‪ ،‬واحلر�س على‬ ‫اللتزام؛ هو الذي يقود احلوار اإىل طريق م�ضتقيم ل عوج فيه ول التواء‪ ،‬اأو هوى اأو �ضالل‪ .‬وكذلك لبد من التزام القول احل�ضن‪ ،‬وجتنب منهج‬ ‫التحدي والإفحام‪:‬‬ ‫اإن من اأهم ما يتوجه اإليه املُحاور يف حواره‪ ،‬التزام ا ُ‬ ‫حل�ضنى يف القول واملجادلة‪ ،‬حيث يدعونا رب العزة اإىل اللتزام بالقول اللني احل�ضن( ُق ْل ِل ِع َبادِي‬ ‫ا�س ُح ْ�ضناً )(البقرة ‪. )83:‬‬ ‫َي ُقو ُلوا ا َّلتِي هِ َي اأَ ْح َ�ضن )(الإ�ضراء‪َ (.)53:‬و َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّلتِي هِ َي اأَ ْح َ�ضن )(النحل‪َ (. )125 :‬و ُقو ُلوا لِل َّن ِ‬ ‫ومن الأدبيات والأخالقيات املهمة يف احلوار هو ح�ضن ال�ضتماع واأدب الإن�ضات وجتنب املقاطعة‪ ،‬حيث يقول ابن املقفع ( ‪‬تعل‪ ‬م ُح�شن ال�شتماع‬ ‫كما تتعلم ح�شن الكالم‪ ‬ومن ح�شن ال�شتماع‪ :‬اإمهال املتكلم حتى ينق�شي حديثه‪ .‬وقلة التلفت اإىل اجلواب‪ .‬والإقبال بالوجه‪.‬‬ ‫والنظر اإىل املتكلم‪ .‬والوعي ملا يقول)‪.‬‬ ‫هذه بع�س اأخالقيات واأ�ضا�ضيات احلوار واآدابه التي على امل�ضلم اأن يراعيها يف حواره مع اإخوانه واأقرانه ورفاقه وزمالئه يف العمل واأهل بيته و�ضول‬ ‫اإىل نتيجة نافعة وحا�ضمة ومفيدة له وملجتمعه ولأمته‪.‬‬ ‫عن الراأي‬

‫‪25‬‬


‫اﻷﻣة ﻋﺒر الﺘاﺭيﺦ ﺑيﻦ الﺤواﺭ والﻌنﻒ‬ ‫اأ‪.‬د‪.‬حممد ار�شيد العقيلي‬ ‫ماذا اأ�شاب امة العروبة والإ�شالم اليوم وماذا دهاها من �ضيكولوجية هذه الأمة لتوؤكد وتزرع يف الوعي والالوعي يف عقول‬ ‫�شروب املحن والكوار‪ ‬حتى اأ�شبحت بنظر خ�شومها من اأجيال واأبناء هذه الأمة وخ�ضومها الذين يرتب�ضون بها الدوائر‬ ‫الداخل واخلارج موطنا ملا ي�شمى تارة بالعنف والإرهاب‪ ،‬وتارة على ال�ضواء‪ ،‬اأن لهذه الأمة �ضفات وخ�ضائ�س و�ضيكولوجية معينة‬

‫باملقاومة‪ .‬ماذا دهى العرب وامل�شلمني اليوم حتى اأ�شبحوا حمط‬ ‫اأنظار الداين والقا�شي فيما يتفجر هنا وهناك من عمليات عنف‬ ‫حتى التب�ص الأمر على من اأح�شنوا الظن ‪‬ا�شي هذه الأمة‬ ‫وحا�شرها‪ ،‬فاأ�شبح ما يجري �شبة ولعنة يف تاريخ هذه الأمة‪،‬‬ ‫بل ويف م�شتقبلها وكاأنها م�شكونة بالعنف والإرهاب‪ ،‬والبعد‬ ‫عن احلوار وال�شورى‪ ،‬حتى اأن خ�شوم هذه الأمة ا�شتثمروا ما‬ ‫يجري على ال�شاحتني العربية والإ�شالمية باخللط عمدا بني‬ ‫املقاومة والإرهاب لي�شلوا اإىل "م�ش ّلمة" بان هذه الأمة عاجزة‬ ‫عن التطور والنهو�ص‪ ،‬وعاجزة عن احلوار والتوا�شل مع الأ‪‬‬ ‫وال�شعوب التي تدعي اأنها تقود ركب احل�شارة‪.‬‬

‫وقد ترتب على هذا الواقع التبا�س الأمر على الراأي العام العاملي‬ ‫وخفيت احلقائق على كثري من �ضعوب هذه املعمورة نظرا ل�ضعف‬ ‫اإعالمنا العربي والإ�ضالمي يف اإي�ضال �ضوت احلقيقة اإىل الراأي‬ ‫العام العاملي ولغات �ضعوب الأر�س عرب الف�ضائيات التي اأ�ضبحت‬ ‫تلعب دورا بارزا يف غ�ضل اأدمغة القريب والبعيد‪ ،‬العدو وال�ضديق‬ ‫على ال�ضواء من ناحية‪ ،‬وقوة اإعالم خ�ضوم هذه الأمة يف ت�ضويه‬ ‫�ضورة تاريخنا وحا�ضرنا و�ضد املنافذ اأمام م�ضتقبلنا‪ ،‬لتظل هذه‬ ‫الأمة تراوح مكانها ول ت�ضتطيع النفالت منه‪.‬‬ ‫والأدهى من ذلك والأمر اأن بع�س الدرا�ضات �ضارت توجه اإىل‬

‫ا�ضطبغت بها عرب التاريخ‪ ،‬وي�ضتحيل عليها اأن تنفلت منها لأنها‬ ‫اأ�ضبحت جزءا من ذاتها وتفكريها وكينونتها‪ ،‬واأنها لذلك جتنح‬ ‫دوما نحو ال�ضتبداد والطغيان يف اأنظمة حكمها‪ ،‬ونحو تغليب‬ ‫العنف على احلوار‪.‬‬ ‫يف العالقة بني احلاكم واملحكوم‪ ،‬وبني املعار�ضة واأنظمة احلكم‬ ‫يف ما�ضيها وحا�ضرها بل ويف العالقة بني اأفراد الأ�ضرة‪ ،‬وبني‬ ‫الأفراد واجلماعات داخل املنظومة العربية والإ�ضالمية نف�ضها‬ ‫مما يجعل قدرة الأمة ب�ضبب طبيعتها التي الت�ضقت بها والتي‬ ‫حددت كينونتها و�ضريورتها عاجزة عن التعاي�س اأول مع نف�ضها‪،‬‬ ‫والنفتاح اأو احلوار مع الآخر ثانيا فجعلها بالتايل غري موؤهلة‬ ‫مل�ضايرة احل�ضارة والتقدم‪ ،‬ولن يكون لها ل حا�ضرا ول م�ضتقبال‬ ‫اإ�ضهاما اأو اجنازات ت�ضتحق الذكر‪ ،‬وعندما ي�ضتقر يف اأذهان بع�س‬ ‫اأجيال هذه الأمة‪ ،‬وترت�ضخ يف تفكري خ�ضومها‪ ،‬وتفكري الراأي‬ ‫العام العاملي مثل هذه املفاهيم الظاملة‪ ،‬اخلاطئة‪ ،‬فان القناعات‬ ‫�ضوف تتح�ضل لدى الداين والقا�ضي العدو وال�ضديق وحتى‬ ‫املحايد الذي �ضوهت ال�ضورة يف ذهنه من اأن هذه الأمة ت�ضتحق‬ ‫اأن تبقى مكبلة يف الأ�ضفاد من ناحية‪ ،‬وانه يتوجب اأن تبقى حتت‬ ‫الو�ضاية الدولية بهدف تاأهيلها واإعادة النظر بتغيري طبيعتها‬

‫‪26‬‬


‫و�سيكولوجيتها‪ ,‬لعلها تتعرف على �أبجديات املدنية واحل�ضارة‪ ،‬على احلوار والعنف يف تاريخ هذه الأمة اعني ت�سليط ال�ضوء على‬ ‫فتتمكن حينها من االندماج مع الآخر والتعاي�ش معه بعد اقتالع احلرية وال�شورى من جهة واال�ستبداد والطغيان من جهة �أخرى‬ ‫جذور العنف والتطرف من نفو�س �شعوبها‪ ،‬ليكون لأجيال هذه �سواء كان ذلك يف عالقة احلاكم باملحكوم‪� ،‬أو بعالقة �أفراد الأمة‬ ‫الأمة القدرة على احلوار م�ستقبال مع الآخر من ناحية �أخرى‪.‬‬

‫مع بع�ضهم بع�ضا‪� ،‬أو بعالقة الأمة مع غريها من الأمم وهو ما‬

‫واجد �أن من واجب كل من عنده الإملام �أو بع�ض الإملام بتاريخ يعرب عنه يف الدميقراطية من �أو�سع �أبوابها‪ ،‬ولعل ذلك يحمل يف‬ ‫هذه الأمة وطبيعة كينونتها‪ ،‬وهل فطرتها و�سيكولوجيتها رك ّبت طياته مفاتيح �إعادة �صياغة م�شروع نه�ضوي لهذه الأمة يرتكز‬ ‫وت�أ�صلت على العنف ونبذ احلوار �سواء مع الذات �أو مع الآخر‪� ،‬أن على ايجابيات تاريخ الأمة العربية الإ�سالمية ويتفاعل مع واقعها‬ ‫يت�صدى لذلك بهدف اقتالع الت�صورات واملفاهيم اخلاطئة الظاملة وحا�ضرها‪ ،‬وي�ست�شرف �آفاق م�ستقبلها‪.‬‬ ‫من نفو�س خ�صوم هذه الأمة و�أ�صدقائها �سواء كان ذلك مق�صودا‬ ‫�أم غري مق�صود‪ ،‬وبهدف �إ�صالح الذات ومراجعة حمطات ال�سلب‬ ‫والإيجاب عرب تاريخ هذه الأمة من الداخل قبل �أن تفر�ض علينا‬ ‫القوالب اجلاهزة من اخلارج بدعوى ظاهرها حق وباطنها �سم‬ ‫�سعاف‪.‬‬ ‫من هذا املنطلق �أجد لزاما علي وعلى غريي ممن يدعون �أن‬ ‫لديهم بع�ض الإملام بهذه الإ�شكالية �أن يت�صدوا لهذا املو�ضوع بكل‬ ‫مو�ضوعية وعلمية وحياد‪.‬‬ ‫و�سوف ابد�أ ذلك بتف�سري ظاهرة العنف والتطرف عامليا ثم اتبعها‬ ‫ب�سل�سلة من احللقات تناق�ش ظاهرة احلوار والعنف عرب تاريخ هذه‬ ‫الأمة ابتداء من العرب قبل الإ�سالم‪ ،‬ومرورا مبحطات كثرية منذ‬ ‫انبالج فجر الإ�سالم وحتى تاريخنا املعا�صر‪ ،‬لعل يف الك�شف عن‬ ‫هذه الظاهرة ما مييط اللثام عن كثري من ال�سلبيات وااليجابيات‪،‬‬ ‫على �أمل �أن �صناع القرار يف عاملنا العربي والإ�سالمي وكذلك‬ ‫�شعوب هذه الأمة ابتداء من الفرد والأ�سرة وحتى املجتمع يعمقون‬ ‫االيجابيات ويجذرونها وي�ست�أ�صلون ال�سلبيات مما ي�سعفهم‬ ‫ويعينهم يف �إعادة �صياغة حا�ضر هذه الأمة وم�ستقبلها بهدف �سد‬ ‫الطرق و�إغالق املنافذ على خ�صوم هذه الأمة من ناحية واللحاق‬ ‫بالركب العاملي املتقدم من ناحية �أخرى‪ ،‬ويف ت�سليط الأ�ضواء‬

‫‪27‬‬


‫الﺘساﻣﺢ ﺑيﻦ الﺒﺸر فﻲ ﻣنﻈوﺭ‬ ‫الرسالة المﺤمﺪية‬ ‫غ�شان �شعدون الطائي‪/‬العراق‬ ‫ني ‪ُ ‬‬ ‫اهلل الإ�ضالح ‪ ،‬كالهما حري�س على لآخر‪ ،‬و قبل كل ذلك اأن كالهما‬ ‫قال تعاىل ( ‪‬و ‪‬ي ‪�‬شاأ‪ُ ‬لو ‪‬ن ‪‬ك ‪‬ما ‪‬ذا ُي ‪‬ن ِف ُقون‪ُ ‬قلِ ا ‪‬ل ‪‬ع ‪‬ف ‪‬و ‪‬ك ‪‬ذ ِل ‪‬ك ُي ‪‬ب ‪ُ ‬‬ ‫ات ‪‬ل ‪‬عل‪ُ ‬ك ‪‬م ‪‬ت ‪‬ت ‪‬فك ُ‪‬رون‪( ) ‬البقرة ‪.)219:‬‬ ‫‪‬ل ُك ُم ‪ ‬آ‬ ‫ال ‪‬ي ِ‬ ‫من اجلميل بل من الت�شامي اأن يتحلى املرء بالت�شامح ‪ ،‬ولكن كما‬ ‫قيل العلم بالتعلم واحللم بالتحمل فال بد لنا من تربية ذاتنا‬ ‫على هذه اخل�شلة التي حتتاج اىل جهد عظيم لإتقانها لأنها‬ ‫بب�شاطه مهارة تكت�شب ولي�شت �شفة تور‪ ‬فالت�شامح هو اأحد‬ ‫مكارم الأخالق و�شمة من �شمات املرء املوؤمن احلاف‪ ‬لدين اهلل‪.‬‬ ‫وتعريف الت�شامح ‪ ...‬هي كلمة م�شتقة من مادة �شمح ‪ ،‬وهي يف‬ ‫كل ا�شتقاقاتها تدل على الي�شر وال�شهولة والعفو ‪ .‬ووزن ت�شامح‬ ‫يدل على امل�شاركة ‪ ،‬يعني يتم بني اثنني ‪ ،‬بخالف �شامح التي‬

‫فاملوقف الذي يدعونا اإىل الت�ضامح هو‪ :‬موقف اأبي بكر ر�ضي اهلل‬

‫تكون من ِقبل �شخ�ص واحد ‪.‬‬

‫عنه ممن اتهم ابنته عائ�ضةر�ضي اهلل عنها بق�ضية عفافها عندما‬

‫يراعي اهلل يف �ضلوكه‪.‬‬ ‫وماذا بعد الت�ضامح ؟‬ ‫�ضيتجنب املخطيء الغلط يف حق الآخرين لأن طلب ال�ضماح لي�س‬ ‫بال�ضهل عل النف�س ‪.‬و�ضيخرج امل�ضامح بقوة نف�ضية تتعدى رغبة‬ ‫النت�ضار على الذات اإىل ك�ضب الأجر واحل�ضنات ‪.‬‬ ‫ولت�ضليط ال�ضوء على تعامل امل�ضلمني الأوائل مع من اأخطا بحقهم‬ ‫نطلع على موقف �ضيدنا اأبي بكر ال�ضديق ر�ضي اهلل عنه واأر�ضاه‬

‫ما موقفك عندما ياأتي �ضخ�س اأخطاأ يف حقك ويطلب منك �ضامح �ضيدنا ال�ضديق وطلب املغفرة من رب العزة ملن اأ�ضاء اىل فلذة‬ ‫ال�ضماح فت�ضاحمه ؟‬ ‫كبده وزوجة احلبيب امل�ضطفى �ضلى اهلل عليه و�ضلم متوا�ضعا هلل‬ ‫ا ّإن هذا يعني اأن ال�ضخ�س الأول يحمل بني جنباته نف�ضاً لوامة عز وجل‪.‬‬ ‫تخاف اأن تخطيء يف حق اأخ م�ضلم وهذه النف�س هي التي دعته‬

‫ال�ضيا�ضي‪ ،‬فاإن املت�ضارعني قد يكون لهم العذر‪،‬‬ ‫اأما على ال�ضعيد‬ ‫ّ‬

‫لطلب العفو وال�ضماح ‪ ....‬وماذا يعني موقف الآخر؟ يعني اأنه ولكن حني تاأتي اأجيال اأخرى وحتمل هذه الأحقاد ‪ ،‬ول تفكر‬ ‫حري�س على الت�ضال باإخوانه والتوا�ضل معهم والعفو عن بالت�ضامح ‪ ،‬فهذا يعني اإ�ضرارا على العداوة ‪ ،‬وتاأجيجا لنارها‪،‬‬ ‫اأخطائهم وجتاوزها بل ن�ضيان املا�ضي‪.‬‬

‫وخا�ضة مع ال�ضعوب التي تربطها روابط قو ّية‪ ،‬وهذا يعني حرمان‬

‫هذا املوقف يقوي الأوا�ضر بني ال�ضخ�ضني ‪ ،‬فكالهما يريد ال�ضعبني اأو الدولتني من تعاون مثمر يتجاوز كل عائق‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫وهنا البد لنا من �أن نعرج على بع�ض ق�ص�ص الت�سامح والعفو عند بيننا تباعدت املبادئ والقيم نكون قد تغلبنا على �شهواتنا وحكمنا‬ ‫املقدرة‪� ،‬أ�ضعها �أمام �أنظاركم بهدف العربة والعظة والفائدة‪:‬‬

‫عقولنا‪� ،‬إمنا امل�ؤمنون �إخوة يف كل �شيء‪ ،‬حب لأخيك ما حتب‬

‫‪ -1‬ق�صة �سيدنا زين العابدين حني ولد له ولد فطلب من جاريته لنف�سك‪.‬‬ ‫�أن ت�سخن له ماء ليغ�سل املولود ‪ ,‬فتعرثت اجلارية فانقلب املاء يروى عن �أمري امل�ؤمنني عمر بن العزيز(رحمه اهلل) انه دخل‬ ‫ال�ساخن على املولود ومات‪ ،‬فغ�ضب �سيدنا زين العابدين فقالت له م�سجدا يف الليل وكان امل�سجد مظلما وكان هناك رجال نائمون‬ ‫اجلارية قوله تعاىل‪(:‬والكاظمني الغيظ) فقال (كتمنا) ثم قالت فبينما اخلليفة يتخطاهم وطئ على قدم احد النائمني فقام‬ ‫له ( والعافني عن النا�س) قال (عفونا) ثم قالت ( �إن اهلل يحب الرجل غ�ضباناً وقال لعمر �أ�أنت ؟‬ ‫املح�سنني) فقال لها اذهبي ف�أنت حرة يا جارية ‪ ،‬هذا �أمنوذج راقٍ‬

‫فبكل هدوء رد عليه قائال ال �أنا عمر بن عبدا لعزيز وكان �أحد‬

‫للت�سامح الإ�سالمي والعفو عند املقدرة‪.‬‬

‫رجال عمر يريد �أن يبط�ش بالرجل ف�أوقفه عمر وقال له‪� :‬إن‬

‫‪ -2‬الوقفة الثانية‪ ،‬ما روي عن ق�صة �سيدنا معاوية بن �أبي �سفيان الرجل �س�ألني �إن كنت �أنا ‪ ....‬فقلت له ال �إنني عمر وانتهت الق�ضية‬ ‫وموقفه ال�شديد واحلازم مع ذلك ال�شاعر املثقف‪ ،‬والذي وقف بهدوء ‪.‬‬ ‫بجوار �سيدنا علي( كرم اهلل وجهه) وكتب ع�شرات الق�صائد �ضد هذا الأمر وتلك الأمثلة من تاريخنا الإ�سالمي املجيد تعطينا‬ ‫معاوية‪ ،‬فقب�ض عليه فقال له معاوية ما تراين فاعل بك يا هذا‪ ،‬درو�سا البد �أن نتذكرها با�ستمرار ونتحلى بها ‪ ,‬لأنها من �صلب‬ ‫فقال له ال�شاعر �سمعت هذا احلديث عن الر�سول �صلى اهلل عليه ديننا احلنيف ‪ ،‬فالت�سامح هو �أ�سلوب متح�ضر ملن يخ�شى اهلل‬ ‫و�سلم (من كانت له يد عند اهلل فليقف فال يقف �إال من عفا)‪ ،‬هذا ويتم�سك بطاعته لذا نرى �ضرورة �أن يتحلى امل�سلمون اليوم‬ ‫هو الإ�سالم احلقيقي وهذا هو العفو عند املقدرة‪.‬‬

‫بال�صفح والت�سامح والت�سامي فوق اجلراح لنبقى �أخوة متحابني‬

‫‪ -3‬الوقفة الثالثة‪ :‬ق�صة الإمام �أحمد بن حنبل (رحمه اهلل ) يف اهلل اله َم لنا �سوى �إر�ضاء اخلالق واعمار الأر�ض التي خلقنا‬ ‫مع اخلليفة املعت�صم باهلل‪ ،‬بعد �أن عذبه وجلده و�سجنه‪ ،‬ثم مات لأعمارها وبنائها ولنجعل من �أوطاننا مدر�سة للعفو واملغفرة‬ ‫املعت�صم‪ ،‬وتوىل بعده املتوكل و�أطلق �سراح ابن حنبل ف�س�أله �أحد والت�سامح ونيل ر�ضا الباري �سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫النا�س قائ ً‬ ‫ال‪ :‬هل �ساحمت املعت�صم باهلل يا �إمام؟ فقال �أحمد بن‬ ‫حنبل �ساحمته وهو حي فكيف ال �أ�ساحمه وهو ميت ‪ ،‬ثم دخل‬ ‫خلوته فقال له �أحد تالميذه كيف تقول ذلك يا �إمام؟ فقال �أحمد‬ ‫بن حنبل‪� :‬أريد �أن �أعلم النا�س الت�سامح‪ ،‬وهذا �أمنوذج �آخر رائع ‪.‬‬ ‫�إن كتم الغيظ قدرة ال ي�ستطيع كل �إن�سان فعلها وحتملها و�أي�ضا‬ ‫العفو‪ ،‬والت�سامح والعفو يعني �أن يتعاىل الإن�سان على اجلراح‬ ‫والآالم وبكل �أ�شكالها و�ضغوطها‪ ،‬ف�إذا ت�صاعدت املواقف بال�شر‬

‫‪29‬‬


‫الﺤقوﻕ السياسية‬ ‫فﻲ اإلسﻼم‬ ‫الإمام العالمة د‪.‬علي جمعة‬ ‫الإ�شالم اإطار وا�شح ميكن تطبيقه يف كل ع�شر‪ ،‬ولقد متكن‬ ‫امل�شلمون الأوائل من تطبيقه يف الع�شور الأوىل لالإ�شالم مع‬ ‫ب�شاطة املجتمعات وقلة وظائف الدولة‪ ،‬ومتكن امل�شلمون من‬ ‫تطبيقه مع تعقد املجتمعات وزيادة وظائف الدولة‪ ،‬ويف ظل‬ ‫هذا الإطار الوا�شح‪ ،‬كفل الإ�شالم حقوق امل�شلم ال�شيا�شية التي‬ ‫ميكن اأن جنملها يف اأربعة حقوق رئي�شة‪:‬‬ ‫ا ً‬ ‫أول‪ :‬اختيار احلاكم والر�ضا به‪ ،‬وهو ما كان يعرب عنه يف الرتاث‬

‫ين ُي َبا ِي ُعو َن َك اإِ َّ َ‬ ‫الفقهي بـ«البيعة»‪ ،‬قال تعاىل(اإِ َّن ا َّلذِ َ‬ ‫منا ُي َبا ِي ُعو َن‬ ‫َ‬ ‫هلل َف ْو َق اأَ ْيدِ ي ِه ْم) (الفتح‪ ،)10:‬كما ذكر اهلل اأمر الن�ضاء يف‬ ‫اهلل َي ُد ا ِ‬ ‫البيعة فقال تعاىل( َيا اأَ ُّيهَا ال َّن ِب ُّي اإِ َذا َجاء َ​َك املُوؤْمِ َن ُ‬ ‫ات ُي َبا ِي ْع َن َك َعلَى‬ ‫هلل َ�ض ْي ًئا َو َل َي ْ�ض ِر ْق َن َو َل َي ْز ِن َ‬ ‫ني َو َل َي ْق ُت ْل َن اأَ ْولدَهُ نَّ‬ ‫اأَن َّل ُي ْ�ض ِر ْك َن بِا ِ‬ ‫ني ِب ُب ْه َتانٍ َي ْف َرتِي َن ُه َب ْ َ‬ ‫َو َل َياأْ ِت َ‬ ‫ني اأَ ْيدِ يهِنَّ َواأَ ْر ُج ِلهِنَّ َو َل َي ْع ِ�ضي َن َك‬ ‫اهلل ِاإ َّن َ‬ ‫وف َف َبا ِي ْع ُهنَّ َو ْا�ض َت ْغ ِف ْر َل ُهنَّ َ‬ ‫اهلل َغ ُفو ٌر َّرحِ ي ٌم)‬ ‫فِى َم ْع ُر ٍ‬ ‫(املمتحنة‪ ،)12:‬فاأثبت القراآن الكرمي حق امل�ضلم يف مبايعة احلاكم‪،‬‬ ‫واأنه يف هذه احلالة يبايع اهلل عز وجل لتاأكيد اأهمية هذا احلق‬ ‫وقد�ضيته‪ ،‬كما اأنه �ضاوى بني الرجل واملراأة يف اختيار احلاكم دون‬ ‫متييز بينهما‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬امل�ضاركة العامة يف الق�ضايا التي تخ�س عموم الأمة‪ ،‬وهو‬ ‫مبداأ ال�ضورى‪ ،‬وال�ضورى من امل�ضائل التنظيمية الأ�ضا�ضية يف‬

‫‪30‬‬

‫املجتمع فالبد من اجتماع كلمة اأفراد اجلماعة الواحدة للو�ضول‬ ‫اإىل راأي واحد حتى يتم تنفيذه‪ ،‬ومن هنا ظهرت اأهمية ال�ضورى‬ ‫كو�ضيلة لال�ضتفادة من وجهات النظر املختلفة‪ ،‬ومن اخلربات‬ ‫املتعددة‪ ،‬ومن العلوم املتباينة لإنتاج القرار ال�ضليم الذي لبد اأن‬ ‫يكون موافقا ل�ضرع اهلل‪ ،‬وحمققا مل�ضالح الأمة‪ ،‬وقد حث الإ�ضالم‬ ‫على مبداأ ال�ضورى بني احلاكم والرعية‪ ،‬فجعل اهلل عز وجل اأمر‬ ‫ال�ضورى اأ�ضا�ضاً من اأ�ض�س الأمة‪ ،‬فال�ضورى لي�ضت كلمة بل هي منهج‬ ‫حياة‪ ،‬قال تعاىل( َف ْاع ُف َع ْن ُه ْم َو ْا�ض َت ْغ ِف ْر َل ُه ْم َو َ�ضا ِو ْرهُ ْم ِيف الأَ ْم ِر َفاإِ َذا‬ ‫هلل اإِ َّن َ‬ ‫اهلل يُحِ ُّب امل ُ َت َو ِّك ِل َ‬ ‫ني) (اآل عمران‪،)159 :‬‬ ‫َع َز ْمتَ َف َت َو َّك ْل َعلَى ا ِ‬ ‫وقال تعاىل( َوا َّلذِ َ‬ ‫ال�ضال َة َواأَ ْم ُرهُ ْم‬ ‫ين ْا�ض َت َجا ُبوا ِل َر ِّب ِه ْم َواأَ َقامُوا َّ‬ ‫مما َر َز ْق َناهُ ْم ُين ِف ُقو َن)(ال�ضورى‪.)38 :‬‬ ‫ُ�ضو َرى َب ْي َن ُه ْم َو ِ َّ‬ ‫ومل يفرق الدين بني الرجل واملراأة يف ذلك‪ ،‬فا�ضت�ضار النبي �ضلى‬ ‫اهلل عليه و�ضلم زوجته اأم �ضلمة‪ ،‬ر�ضي اهلل عنها‪ ،‬يف موقف ع�ضيب يف‬ ‫�ضلح احلديبية‪ ،‬بعدما كتب معاهدة ال�ضلح مع امل�ضركني‪ ،‬وبعدها‬ ‫اأمر امل�ضلمني باأن ينحروا هديهم ويحلقوا لأنهم لن يذهبوا اإىل‬ ‫مكة يف هذا العام فلم يقم منهم اأحد‪ ،‬فريوي عمر بن اخلطاب‬ ‫ر�ضي اهلل عنه ذلك فيقول(فلما فرغ من ق�ضية الكتاب قال ر�ضول‬ ‫اهلل �ضلى اهلل عليه و�ضلم لأ�ضحابه‪ :‬قوموا فانحروا ثم احلقوا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فواهلل ما قام منهم رجل‪ ،‬حتى قال �ضلى اهلل عليه و�ضلم ذلك‬


‫ثالث مرات‪ ،‬فلما مل يقم منهم �أحد دخل �صلى اهلل عليه و�سلم على‬ ‫�أم �سلمة‪ ،‬ر�ضي اهلل عنها‪ ،‬فذكر لها ما لقي من النا�س‪ ،‬فقالت له‬ ‫�أم �سلمة ر�ضي اهلل عنها‪ :‬يا نبي اهلل �أحتب ذلك‪ ،‬اخرج ثم ال تكلم‬ ‫�أحدًا منهم كلمة حتى تنحر ُب ْد َنك وتدعو حالقك فيحلقك‪ ،‬فخرج‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فلم يكلم �أحدًا منهم حتى فعل ذلك‪،‬‬ ‫نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه‪ ،‬فلما ر�أوا ذلك قاموا فنحروا وجعل‬ ‫بع�ضهم يحلق بع�ضا)‪�( .‬أخرجه الإمام �أحمد)‪.‬‬ ‫ويف ع�صرنا احلديث مل يعرت�ض علماء الإ�سالم على تر�شيح املر�أة‬ ‫يف املجال�س النيابية‪ ،‬ومتثيل فئة عري�ضة من ال�شعب وامل�شاركة يف‬ ‫�سن القوانني التنظيمية‪ ،‬ولقد �أ�صدرت دار الإفتاء امل�صرية الفتوى‬ ‫رقم ‪ ٨٥٢‬ل�سنة ‪ ١٩٩٧‬عن حكم تر�شح وعمل املر�أة ع�ض ًوا مبجل�س‬ ‫النواب �أو ال�شعب‪ ،‬وخل�صت فيها �إىل �أنه‪ :‬ال مانع �شرعا من �أن‬ ‫تكون املر�أة ع�ض ًوا باملجال�س النيابية وال�شعبية �إذا ر�ضي النا�س‬ ‫�أن تكون نائبة عنهم متثلهم يف تلك املجال�س‪ ،‬وتكون موا�صفات‬ ‫هذه املجال�س تتفق وطبيعتها التي ميزها اهلل بها‪ ،‬و�أن تكون فيها‬ ‫ملتزمة بحدود اهلل و�شرعه‪ ،‬كما بني اهلل و�أمر يف �شريعة الإ�سالم‪.‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬تويل املنا�صب املهمة يف احلكومة وم�ؤ�س�سات الدولة‪،‬‬ ‫ال�س َموَاتِ‬ ‫والوالية �أمانة‪ ،‬قال تعاىل (�إِ َّنا َع َر ْ�ض َنا الأَمَا َن َة َعلَى َّ‬ ‫ن�س ُان)‬ ‫َوالأَ ْر ِ�ض َوالجْ ِ َبالِ َف�أَ َبينْ َ �أَن َي ْحمِ ْل َنهَا َو َ�أ ْ�ش َف ْق َن مِ ْنهَا َو َح َملَهَا الإِ َ‬ ‫هلل �أَ َال َت ْ�س َت ْعمِ ُلنِي؟‬ ‫(الأحزاب‪ ،)٧٢:‬وعن �أَبِي َذ ٍّر َقا َل‪ُ :‬ق ْلتُ ( َيا َر ُ�سو َل ا ِ‬ ‫َقا َل‪َ :‬ف َ�ض َر َب ِب َيدِ ِه َعلَى َم ْن ِك ِبي ُث َّم َقا َل‪َ « :‬يا �أَ َبا َذ ٍّر �إِ َّن َك َ�ضع ٌ‬ ‫ِيف َو ِ�إ َّنهَا‬ ‫�أَمَا َن ٌة‪َ ،‬و ِ�إ َّنهَا َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة خِ ْزيٌ َو َندَا َم ٌة �إِ َّال َمنْ �أَ َخ َذهَا ب َِح ِّقهَا َو�أَدَّى‬

‫راب ًعا‪ :‬ن�صح احلاكم و�أمره باملعروف ونهيه عن املنكر‪ ،‬وهي من‬ ‫مهمات الدين‪ ،‬قال تعاىل ( َو ْل َت ُكن مِّن ُك ْم �أُ َّم ٌة َي ْدعُو َن �إِلىَ ا َ‬ ‫خليرْ ِ‬ ‫وف َو َي ْن َه ْو َن ع َِن املُن َك ِر َو�أُ ْو َلئ َِك هُ ُم امل ُ ْفل ُِحو َن)‬ ‫َو َي�أْ ُم ُرو َن بِامل َ ْع ُر ِ‬ ‫(�آل عمران‪ ،)١٠٤:‬وقال �سبحانه( ُكن ُت ْم َخيرْ َ �أُ َّم ٍة �أُ ْخر َِجتْ‬ ‫وف َو َت ْن َه ْو َن ع َِن املُن َك ِر َو ُت�ؤْمِ ُنو َن بِاللهَّ ِ)‬ ‫ا�س َت�أْ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫لِل َّن ِ‬ ‫(�آل عمران‪ ،)١١٠:‬فقرن العقيدة بالأمر باملعروف والنهي عن‬ ‫ِ�ض ع َِن ا َ‬ ‫ُ‬ ‫وقال(خذِ ال َع ْف َو َو�أْ ُم ْر بِا ْل ُع ْر ِف َو�أَ ْعر ْ‬ ‫جلاهِ ِل َ‬ ‫ني)‬ ‫املنكر‪،‬‬ ‫(الأعراف‪ ،)١٩٩:‬وعن عائ�شة ر�ضي اللهّ عنها قالت(�سمعت ر�سول‬ ‫اهلل‪� ،‬ص ّلى اهلل عليه و�س ّلم‪ ،‬يقول‪ :‬مروا باملعروف وانهوا عن املنكر‬ ‫قبل �أن تدعوا فال ي�ستجاب لكم) (�سنن ابن ماجة)‪ ،‬وت�ساوت‬ ‫املر�أة مع الرجل يف هذا احلق �أي�ضاً‪ ،‬ويروي لنا التاريخ الإ�سالمي‬ ‫�أمثلة ت�ؤكد ذلك‪ ،‬ففي خالفة عمر ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬يروي لنا قتادة‬ ‫فيقول(خرج عمر من امل�سجد‪ ..‬ف�إذا بامر�أة برزت على ظهر‪ ،‬ف�سلم‬ ‫عليها عمر فردت عليه ال�سالم‪ ،‬وقالت‪ :‬هيهات يا عمر! عهدتك‬ ‫و�أنت ت�سمي عمريا يف �سوق عكاظ ترعى ال�ض�أن بع�صاك‪ ،‬فلم‬ ‫تذهب الأيام حتى �سميت عمر‪ ،‬ثم مل تذهب الأيام حتى �سميت‬ ‫�أمري امل�ؤمنني‪ ،‬فاتق اهلل يف الرعية‪ ،‬واعلم �أنه من خاف الوعيد‬ ‫قرب عليه البعيد‪ ،‬ومن خاف املوت خ�شي الفوت) (راجع الإ�صابة‬ ‫البن حجر)‪.‬‬ ‫ولعلنا بتلك العنا�صر الأربعة نكون قد �أو�ضحنا يف �إيجاز غري مخُ ِ ٍّل‬ ‫حقوق امل�سلم ال�سيا�سية‪ ،‬و�أنها مت�ساوية بني الرجل واملر�أة فال‬ ‫متييز بينهما‪.‬‬

‫ا َّلذِ ي َعلَ ْي ِه فِيهَا) (�أخرجه م�سلم)‪ ،‬وجاءت �آثار عديدة ت�ؤكد �أن‬ ‫هذا احلق مل يقت�صر على الرجال فقط‪ ،‬فتولت املر�أة ال�سلطة‬ ‫التنفيذية‪� ،‬أو ال�شرطة‪� ،‬أو ما ي�سمى يف الرتاث الفقهي الإ�سالمي‬ ‫«احل�سبة»‪ ،‬كما يجوز للمر�أة �أن تتوىل الق�ضاء على قول بع�ض �أهل‬ ‫العلم من علماء امل�سلمني املعتربين‪ ،‬فقد ذهب �أبوحنيفة و�أ�صحابه‬ ‫�إىل جواز �أن تلي الن�ساء الق�ضاء فيما يجوز �أن تقبل �شهادتهن فيه‬ ‫وحدهن �أو مع الرجال ؛ لأن يف ال�شهادة معنى الوالية‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫ﺛقافة وﺁﺩاﺏ الﺤواﺭ‬ ‫فﻲ اإلسﻼم‬ ‫اأ‪.‬د‪ .‬حممد اأحمد ح�شن الق�شاة‬

‫خ�ص اهلل �شبحانه وتعاىل الن�شان بنعمتي العقل والل�شان‪ ،‬ول بد ان ندرك ان ا�ش�ص احلوار ال�شالمي تقوم على مرتكزات‬ ‫تكرميا وتف�شيال له على �شائر املخلوقات‪ ،‬قال تعاىل" ولقد اهمها‪:‬‬ ‫كرمنا بني اآدم "‪ ،‬وعن طريق الل�شان والعقل ي�شتطيع الن�شان ان ‪ -1‬الميان باهلل والتعامل يف ظل هذا الميان باملثل العليا‪.‬‬ ‫يناق�ص اموره ب�شكل اف�شل مع بني جن�شه‪ ،‬وهو من خالل احلوار ‪ -2‬التحلي بالخالق احلميدة التي جاء بها ال�ضالم ونبذ الع�ضبية‬ ‫ي�شل اىل نقاط اتفاق تكون اجلوامع امل�شرتكة بينه وبني غريه‪ ،‬املقيتة‪.‬‬ ‫كما قد يظل الختالف بينه وبني حماوره قائما‪ ،‬ويف هذه ‪ -3‬جعل احلق والعدل والن�ضاف هي اأ�ضا�س وهدف كل خطاب بني‬ ‫احلالة ل �شك انه �شيدافع عن ق�شية ويحاور ب�شاأنها‪ ،‬ومن هنا امل�ضلم وامل�ضلم وبني امل�ضلم وغري امل�ضلم‪.‬‬ ‫يقوم الرتابط بني امل�شاورة واملحاورة واملجادلة واملناظرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬مراعاة �ضخ�ضية الطرف الآخر يف احلوار‪.‬‬

‫واحلوار الهادف ل ميكن ان يكون ال بني اطراف متكافئة‪،‬‬ ‫جتمعها رغبة م�ضرتكة يف التفاهم‪ ،‬ول يكون نتيجة �ضغط او‬ ‫ترغيب‪ ،‬ولذلك كان احلوار اعم من الختالف ومن اجلدل و�ضار‬ ‫له معنى ح�ضاري بعيد عن ال�ضراع‪ ،‬اذ احلوار كلمة تت�ضع لكل‬ ‫معاين التخاطب وال�ضوؤال واجلواب‪ ،‬وقد اهتم ال�ضالم اهماما‬ ‫بالغا باحلوار‪ ،‬وو�ضع ا�ض�س التحاور وتبادل اوجه الراأي‪ ،‬وانهاء‬ ‫املنازعات بني الفراد واجلماعات عن طريق التفاهم‪ ،‬ولي�س عن‬ ‫طريق منهج الع�ضبية وال�ضقاق‪ ،‬يتجلى هذا يف الرجوع اىل ال�ضرية‬ ‫النبوية العطرة‪ ،‬وتاريخ ال�ضالم‪ ،‬وعهد النبي �ضلى اهلل عليه‬ ‫و�ضلم‪ ،‬ومعرفة ال�ضلوب الذي كان ينهجه عليه ال�ضالة وال�ضالم‬ ‫يف تبليغ الدعوة ال�ضالمية اىل النا�س‪.‬‬

‫‪ -5‬الحاطة مبو�ضوع احلوار‪.‬‬ ‫ويف ثقافتنا ال�ضالمية كذلك ان احلوار يتطلب اول وقبل كل‬ ‫�ضيء العرتاف بوجود الخر املختلف واحرتام حقه يف تبني راأي‬ ‫او موقف او اجتهاد خمتلف فح�ضب‪ ،‬بل احرتام حقه يف الدفاع عن‬ ‫هذا الراأي او املوقف او الجتهاد‪ ،‬كان الر�ضول الكرمي يحاور غري‬ ‫املوؤمنني �ضارحا ومبينا ومبلغا‪ ،‬ولكنهم كانوا ي�ضرون على ان احلق‬ ‫اىل جانبهم‪ ،‬فح�ضب احلوار معهم على قاعدة قوله تعاىل‪ :‬واإنا اأو‬ ‫اياكم لعلى هدى او يف �ضالل مبني ‪ ،‬لقد و�ضع نف�ضه يف م�ضتوى‬ ‫من يحاوره تاركا احلكم هلل‪ ،‬وهو ا�ضمى تعبري عن احرتام حرية‬ ‫الآخر يف الختيار‪ ،‬وعن احرتام اختياره‪ ،‬حتى ولو كان على خطاأ‪،‬‬ ‫ان احرتام حرية الختيار هنا لي�س احرتاما للخطاأ‪ ،‬فت�ضفيه وجهة‬

‫‪32‬‬


‫نظر االخر‪ ،‬وحماولة ا�سقاطها لي�سا الهدف الذي ال يكون احلوار‬ ‫جمديا اال اذا حتقق‪.‬‬ ‫ومن املعلوم ان الهدف من احلوار هو الو�صول اىل احلق‪ ،‬ولي�س‬ ‫جمرد اجلدل لذاته‪ ،‬مع االقتناع باحلق والو�صول اليه‪ ،‬ولذلك‬ ‫جند القر�آن العظيم يذم اجلدل العقيم‪ ،‬وينهى عنه‪ ،‬كما يهدف‬ ‫احلوار تعريف االخر على وجهة نظر يعرفها‪ ،‬وحماولة اقتناعه‬ ‫بالتي هي اح�سن‪ ،‬مبوقف ينكره او يتنكر له‪ ،‬وهو امر ي�شكل يف‬ ‫حد ذاته احد اهم عنا�صر االحتكاك الفكري‪ ،‬والتكامل الثقايف‪،‬‬ ‫والتدافع احل�ضاري بني النا�س ومن دون ذلك يركد الذهن‪ ،‬ويفقد‬ ‫التعط�ش اىل املعرفة عود الثقاب الذي يلهبه‪ ،‬وتتحول م�ساحات‬ ‫الفكر اىل بحريات �آ�سنة‪ ،‬ويف ذلك يقول القر�آن العظيم‪ :‬ولوال دفع‬ ‫اهلل النا�س بع�ضهم ببع�ض لف�سدت الأر�ض ‪.‬‬ ‫ان االختالف بني النا�س‪ ،‬وما ي�شكل من تدافع‪ ،‬ي�شكالن احد اهم‬ ‫موجبات‪ ،‬عدم ف�ساد االر�ض‪.‬‬ ‫حاور النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ن�صارى جنران يف بيته يف املدينة‬ ‫املنورة‪ ،‬واح�سن وفادتهم‪ ،‬وعندما حان وقت �صالتهم مل يجد النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم غ�ضا�ضة يف دعوتهم كما تذكر الروايات اىل‬ ‫اداء �صالتهم‪ ،‬ان العقيدة اال�سالمية تغر�س يف النف�س الت�سامح‬ ‫واالعتدال‪ ،‬والقر�آن الكرمي يقول ‪ :‬ال اكراه يف الدين‪ ،‬والإ�سالم‬ ‫ال ي�ضيق ذرعا ابدا بتنوع االنتماء العقدي‪ ،‬وال ي�ؤمن بالتمايز‬ ‫العرقي‪« ،‬ال ف�ضل لعربي على اعجمي اال بالتقوى» فاذا كان التنوع‬ ‫من طبيعة تكوين املجتمع‪ ،‬فان احلوار هو الطريق الوحيد الذي‬ ‫ي�ؤدي باالختيار احلر‪ ،‬وباملحبة اىل الوفاق والتفاهم والوحدة‪ ،‬ذلك‬ ‫ان البديل عن احلوار هو القطيعة واالنكفاء على الذات‪ ،‬وتطوير‬ ‫ثقافة احلذر وال�شك والعداء لالخر‪.‬‬ ‫ان من مقومات احل�ضارة العربية اال�سالمية احرتام االخر‬ ‫واالنفتاح عليه والتكامل معه‪ ،‬ولي�س جتاهله او الغا�ؤه او تذويبه‪،‬‬ ‫ي�شهد بذلك تعدد االقليات الدينية يف العامل العربي اال�سالمي‪،‬‬ ‫وحمافظة هذه االقليات على خ�صائ�صها العن�صرية‪ ،‬وعلى تراثها‬ ‫العقدي والديني‪ ،‬وعلى لغاتها وثقافتها اخلا�صة‪.‬‬ ‫ان اعرتاف اال�سالم بالآخر‪ ،‬وحماورته بالتي هي اح�سن‪ ،‬وقبوله‬ ‫كما هو‪ ،‬ال يعود بال�ضرورة اىل ت�سامح امل�سلمني بل اىل �سماحة‬

‫اال�سالم الدالة على جوهر ال�شريعة اال�سالمية‪ ،‬علما بان احلوار‬ ‫كال�صداقة ال يولد بال�ضغط وال بالرتغيب‪ ،‬وي�ؤكد منهج اال�سالم‬ ‫النهي عن اتباع ا�ساليب ال�سفهاء‪ ،‬وجماراتهم يف ال�سب والت�سفيه‬ ‫ملعتقدات الآخر‪ ،‬ولكي يبد�أ احلوار الهادف ال بد ان ميتلك اطراف‬ ‫حرية احلركة الفكرية التي ترافقها ثقة الفرد ب�شخ�صيته الفكرية‬ ‫امل�ستقلة‪ ،‬فال ين�سحق امام االخر وال تت�ضاءل ازاء ذلك ثقته بنف�سه‪.‬‬ ‫ولكي يكون احلوار ناجحا ال بد وان يتم يف االجواء الهادئة‪ ،‬ليبتعد‬ ‫التفكري فيها عن االجواء االنفعالية‪ ،‬وان اي حوار ي�ستلزم من حيث‬ ‫املبد�أ حتديدا م�سبقا لأمرين �أ�سا�سيني‪ :‬اولهما‪ :‬هو التفاهم على‬ ‫ماذا نتحاور‪ ،‬وثانيهما‪ :‬هو التفاهم ملذا نتحاور‪ ،‬وعلى املتحاورين‬ ‫االلتزام بالقول احل�سن‪ ،‬وجتنب منهج التحدي واالقحام والتع�سف‬ ‫يف احلديث‪ ،‬وعليهما الر�ضا والقبول بالنتائج التي يتم التو�صل‬ ‫اليها‪ ،‬مع االلتزام اجلاد بها‪ ،‬ومبا يرتتب عليها‪ ،‬هذه هي ثقافة‬ ‫احلوار و�آدابه يف الإ�سالم وهي جت�سد حرية االختيار وحق‬ ‫االختالف‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫ﺩوﺭ اإلﻋﻼم الﺠﺪيﺪ فﻲ‬ ‫ﺩﺭﺀ ﻣﺨاﻃر الﺘطرﻑ‬ ‫حممد خليفة �شديق‬ ‫ع�شو املنتدى العاملي للو�شطية‬ ‫رئي�ص حترير �شحيفة املحرر ال�شودانية‬

‫�شهدت ال�شنوات الأخرية ت�شارع ًا مذه ًال يف حركة الت�شالت‬ ‫و�شيوع تطبيقات منظومة ما عرف بالإعالم اجلديد‬ ‫‪ New media‬كو�شيلة ات�شال جماهريي و�شعت اأمام‬ ‫م�شتخدميها عدد ًا �شخم ًا يتنامى يومي ًا من م�شادر الأخبار‬ ‫واملعلومات املتحررة من قيود الزمان واملكان‪ ،‬والإعالم‬ ‫اجلديد ي�شم جمموعة تكنولوجيات الت�شال التي تولدت‬ ‫من التزاوج بني الكمبيوتر والو�شائل التقليدية لالإعالم‪ ،‬وعلى‬ ‫راأ�شها الإنرتنت كاأك‪ ‬و�شيلة اإعالمية لإثارة اجلدل والنقا�ص‬ ‫واأ�شافت اأبعاد ًا اإ�شافية لالت�شال مقارنة بالو�شائل التقليدية‬ ‫الأخرى‪ ،‬اإىل جانب الو�شائل الأخرى كالت�شالت ال�شلكية‬ ‫والال�شلكية‪ ،‬والهاتف اجلوال الذي يعد جنم الإعالم اجلديد‬ ‫القادم‪ ،‬وهو مر�شح لكت�شا‪ ‬ال�شاحة نظر ًا ل�شهولة حمله‬ ‫والو�شول من خالله‪ ،‬والتطبيقات احلديثة ودخول �شركات‬ ‫الت�شالت يف عملية الإنتاج الإعالمي هو دليل على هذا‬ ‫التحول‪.‬‬

‫ومع تزايد القاعدة الجتماعية امل�ضتخدمة لالإعالم اجلديد‬ ‫وتو�ضع نطاق النفاذ اإىل و�ضائله لي�ضمل قطاعات وفئات اجتماعية‬ ‫عري�ضة وتخفيف م�ضتوى الرقابة ال�ضيا�ضية على حمتوى املواقع‬ ‫الإلكرتونية على نح ٍو اأدى اإىل غياب النق�ضام املعلوماتي داخل‬

‫املجتمع من جهة‪ ،‬وارتفاع م�ضتوى امل�ضاركة الإلكرتونية من جهة‬ ‫اأخرى‪ ،‬فقد �ضهل ذلك كله ولوج حملة الأفكار املتطرفة والعنيفة‬ ‫لهذا الو�ضط الرقمي وحماولة ت�ضويق ب�ضاعتهم اإ�ضفريياً بعد اأن‬ ‫ك�ضدت على الأر�س‪.‬‬ ‫تع َدّدت الت�ضميات وامل�ضطلحات مل�ضمى الإعالم اجلديد‪ ،‬فهناك‬ ‫من يطلق عليه اإعالم جديد‪ ،‬وهناك من ي�ضميه اإعالم اإلكرتوين‬ ‫وعامل رقمي واإعالم مندمج وجمتمع املعلومات وجمتمع املعرفة‪،‬‬ ‫ويظل القا�ضم امل�ضرتك بني كل ما�ضبق هو ا�ضتخدامها للتكنولوجيا‬ ‫احلديثة كمحرك اأ�ضا�ضي لتدفق املعلومات‪.‬‬ ‫والتغريات احلالية التي تعي�ضها تكنولوجيا الإعالم هي التغريات‬ ‫الرئي�ضة الرابعة من نوعها يف الع�ضر احلديث‪ ،‬وذلك عقب اخرتاع‬ ‫الطابعة وب�ضكل رئي�س الطابعة البخارية ال�ضريعة والتي جعلت‬ ‫توزيع ال�ضحف واملجالت والكتب للعموم حقيقة واقعة يف عام‬ ‫(‪1833‬م)‪ ،‬ومن بعدها اخرتاع الراديو (‪1920‬م)‪ ،‬ثم التلفزيون‬ ‫(‪1939‬م)‪ .‬التغري الذي ن�ضهده اليوم يعتمد على ا�ضتخدام‬ ‫الكمبيوتر يف اإنتاج وتخزين وتوزيع املعلومات والت�ضلية‪ ،‬هذه‬ ‫اخلا�ضية وهي عملية توفري م�ضادر املعلومات والت�ضلية لعموم‬ ‫النا�س ب�ضكل مي�ضر وباأ�ضعار منخف�ضة هي يف الواقع خا�ضية‬ ‫م�ضرتكة بني الإعالمني القدمي واجلديد‪ ،‬الفرق هو اأن الإعالم‬

‫‪34‬‬


‫اجلديد قادر على �إ�ضافة خا�صية جديدة اليوفرها الإعالم القدمي‬ ‫وهي التفاعل (‪) Interactivity‬وهي قدرة و�سيلة االت�صال‬ ‫اجلديدة على اال�ستجابة حلديث امل�ستخدم متاماً كما يحدث يف‬ ‫عملية املحادثة بني �شخ�صني ‪.‬‬ ‫ي�ست�أثر الإعالم اجلديد بالكثري من االهتمام من قبل امل�شتغلني‬ ‫بالإعالم ب�صفة عامة و�أ�ساتذة الإعالم ب�شكل خا�ص كمدخل‬ ‫لت�سا�ؤالت عديدة‪ ،‬منها‪ :‬هل نعي�ش حالياً مرحلة الإعالم اجلديد؟‬ ‫�أم �إن غرينا مر بهذه املرحلة مرات عديدة‪� ،‬أو �إن الإعالم اجلديد‬ ‫هو انعكا�س حلالة االنقالب يف نظم االت�صال كلها بعد التقاء‬ ‫الكومبيوتر وتكنولوجيا االت�صال؟‬ ‫ي�شري مفهوم الإعالم اجلديد ‪ New media‬بح�سب د‪ .‬مارتن‬ ‫لي�سرت‪� Lester‬إىل جمموعة تكنولوجيات االت�صال التي تولدت‬ ‫من التزاوج بني الكمبيوتر والو�سائل التقليدية للإعالم‪ ،‬الطباعة‬ ‫والت�صوير الفوتوغرايف وال�صـوت والفيديو‪ .‬بينما يعرف عبد‬ ‫القادر بن حممد الإعالم اجلديد ب�أنه‪ :‬املعلومات والو�سائط التي‬ ‫تنتقل �إلكرتونياً با�ستعمال الإنرتنت �أو �إحدى خدماته(‪.)1‬‬ ‫ميكن القول �أن م�صطلح الإعالم اجلديد ‪ Newmedia‬ظهر‬ ‫لي�شري �إىل املحتوى الإعالمي الذي يبث �أو ين�شر عرب الو�سائل‬ ‫الإعالمية التي ي�صعب �إدراجها حتت �أي من الو�سائل التقليدية‬ ‫كال�صحافة والراديو والتلفزيون‪ ،‬وذلك بفعل التطور التكنولوجي‬ ‫الكبري يف �إنتاج وتوزيع امل�ضامني الإعالمية‪ .‬كما ميكن تق�سيم‬ ‫الإعالم اجلديد �إىل �أربعة �أق�سام هي‪)2( :‬‬ ‫�أ‌‪ .‬الإعالم اجلديد القائم على �شبكة الإنرتنت وتطبيقاتها‪.‬‬ ‫ب‪ .‬الإعالم اجلديد القائم على الأجهزة املحمولة‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫�أجهزة قراءة الكتب وال�صحف‪.‬‬ ‫ج‪ .‬نوع على من�صة الو�سائل التقليدية مثل الراديو والتلفزيون التي‬ ‫�أ�ضيفت �إليها ميزات جديدة مثل التفاعلية والرقمية واال�ستجابة‬ ‫للطلب‪.‬‬ ‫د‪ .‬الإعالم اجلديد القائم على من�صة الكمبيوتر وي�شمل العرو�ض‬ ‫الب�صرية و�ألعاب الفيديو والكتب الإلكرتونية وغريها‪.‬‬ ‫مع الإعالم اجلديد‪� ،‬صار املواطن العادي على ا�ستعداد لتقبل‬ ‫وجهة نظر الطرف الآخر‪� ،‬سواء يف ف�ضائية عربية �أو غري عربية‪،‬‬

‫ومناق�شتها ورمبا حتديها‪ .‬وهذا ميثل بالت�أكيد اجتاها جديداً يف‬ ‫تفكري الإن�سان العربي‪� ،‬سببه بالدرجة الأوىل قيام و�سائل االت�صال‬ ‫اجلماهريي العربية اجلديدة بتقدمي وظائف مل يكن االعالم‬ ‫القدمي يوليها العناية الالزمة على امل�ستوى القومي‪ ،‬من مثل‬ ‫احلوار واملناق�شة والتثقيف‪ ،‬والتقارب االجتماعي القومي‪.‬‬ ‫�أ�سقطت و�سائل الإعالم اجلديدة احلواجز بني ال�شعوب وا�ستعادت‬ ‫الب�شرية ات�صالها امل�ألوف ببع�ضها وانهارت حواجز االقتبا�س‬ ‫والإقتداء واالنتقاء واالنبهار وانطلقت ثورة املعلومات ت�ؤثر فى‬ ‫من يرغب ومن هو م�ستعد دون معوقات �أو تعقيدات لي�صبح‬ ‫هناك حوارات وتفاعالت ال تنتهى ولت�صبح الثقافة الإن�سانية‬ ‫بوتقة ت�صهر كافة الثقافات فى تفاعل ح�ضاري م�ستمر‪ ،‬و�شهدت‬ ‫املجتمعات العربية تغريات مهمة خالل فرتة زمنية ق�صرية على‬ ‫كافة امل�ستويات الثقافية والإقت�صادية والإجتماعية وال�سيا�سية مما‬ ‫كان له الكثري من الآثار على البنيان املجتمعي والبناء القيمي‪ ،‬كما‬ ‫كان له الكثري من الآثار والتحوالت الثقافية يف احلياة ويف �أ�شكال‬ ‫ال�سلوك‪.‬‬ ‫لكن اخلطورة تظل ماثلة بنوعية الربامج وبامل�ضامني التي‬ ‫حتملها والقيم التي تب�شر بها‪ ،‬وباب اخلطورة الرئي�س ي�أتي‬ ‫باعتبار ان و�سائل االت�صال االلكرتونية تعزز ال�سطحية وامليل‬ ‫للربامج اخلفيفة والت�سلية وتر�سخ التقاليد ال�شفاهية‪ ،‬القائمة‬ ‫على القيل والقال والرواية ال�شفوية‪ ،‬ولي�س القراءة املت�أنية‬ ‫العميقة والتحليلية‪ ،‬مع تدهور يف اللغة‪ ،‬حيث ي�ستخدم الكثريون‬ ‫اللغة املحكية وهي خليط من الف�صحى والدارجة واللغات االجنبية‬ ‫�أحياناً‪ .‬وعليه فان الت�أكيد على �أهمية تطوير �صناعة �إعالمية ذات‬ ‫م�ستوى الئق ترقى بالثقافة اجلماهريية العربية وتواجه حتديات‬ ‫الغزو الثقايف واال�ستعمار االلكرتوين تكون خطوة مهمة‪ ،‬لكنها‬ ‫بحاجة جلهود اخرى تدعمها‪.‬‬ ‫من الوا�ضح �أن تقنيات الإعالم اجلديد قد باتت �سالحاً مهماً و�أداة‬ ‫ممتازة قليلة التكاليف ووا�سعة االنت�شار خللق حوار جمتمعي حول‬ ‫ق�ضايا الوطن واملواطنني وعلى ر�أ�سها تنامي ظاهرة التطرف‪ ،‬يف ظل‬ ‫�ضعف للتوظيف الأمثل لهذا الإعالم الوليد من قبل الدولة وم�ؤ�س�سات‬ ‫املجتمع وقوى التغيري وامل�ؤ�س�سات املعنية بالتوجيه والإر�شاد‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫وميكن لو�سائط الإعالم اجلديد �أن ت�سهم يف عالج ظاهرة‬ ‫التطرف وما يتبعها من مظاهر الغلو يف الدين‪ ،‬والتجايف عن‬ ‫منهج العدل والو�سطية عقيد ًة وقو ًال وعم ً‬ ‫ال‪ ،‬وذلك بامل�ساهمة‬ ‫يف ن�شر العلم ال�صحيح والق�ضاء على اجلهل �أو حما�صرته‪ ،‬وهو‬ ‫بيئة التطرف التي يرتعرع فيها‪ ،‬مع معاجلة الظواهر الفردية‬ ‫باحلكمة والب�صرية الالئقة بها زماناً وواقعاً وحا ًال‪ ،‬ويت�أتى هذا‬ ‫بالعلماء الرا�سخني‪ ،‬واحلكماء ذوي العقل والفطنة‪.‬‬ ‫وينبغي ال�ستخدام �أمثل للإعالم اجلديد يف الت�صدي لأمر التطرف‬ ‫ال�سعي لتكوين ر�ؤية ت�ساعد امل�س�ؤولني واملنظمني واملمار�سني على‬ ‫اال�ستخدام الأمثل لو�سائل الإعالم اجلديد منعاً للجنوح والتجاوز‪،‬‬ ‫وتعبيد كل طرق التعبري التي تتيحها و�سائط الإعالم اجلديد مع‬ ‫الرتكيز على التحلي بالوطنية واملو�ضوعية يف التناول‪.‬‬ ‫وتت�أكد كذلك �ضرورة التكامل بني خمتلف الو�سائل الإعالمية‬ ‫القدمية واجلديدة لإحداث التغيري؛ الذي يتطلب و�سيلة‬ ‫م�سموعة ومرئية؛ ومن هنا ف�إحداث التكامل بني الو�سائل‬ ‫املختلفة هو ال�سبيل لنجاح الت�صدي حلمى التكفري‪ ،‬مع درا�سة‬ ‫اجلوانب النف�سية للجمهور امل�ستهدف ل�ضمان الو�صول ال�سل�س‬ ‫للر�سالة املطلوبة بجانب تكرار الر�سالة‪.‬‬ ‫كما البد من معاجلة غياب درا�سات االت�صال املبا�شر واالت�صال‬ ‫ال�شخ�صي باجلماعات وامل�ؤ�س�سات املرجعية التي ينتمي �إليها الفرد‬ ‫و�أ�سرته مثل امل�سجد واملدر�سة واجلامعة وم�ؤ�س�سة العلماء والدعاة‬ ‫وامل�صلحني ومنظمات الدعوة والإر�شاد واملنظمات اخلريية‬ ‫والإن�سانية‪.‬‬ ‫والإعالميون علي امل�ستوى العربي واال�سالمي يجب اال تقت�صر‬ ‫وظيفتهم على جمرد الو�ساطة ونقل املعلومات و�إمنا تتو�سع‬ ‫م�س�ؤوليتهم لت�شمل امل�شاركة فى حل م�شكالت املجتمع من خالل‬ ‫طرح احللول غري التقليدية للإ�ستفادة الق�صوى من و�سائط‬ ‫الإعالم اجلديد ونقل جتارب وخربات دول تعاين م�شكالت م�شابهة‬ ‫لظروف وم�شكالت الوطن العربي‪.‬‬ ‫ويتحرج الطلب لتفعيل �أدوار م�ؤ�س�سات املجتمع الطوعية يف حل‬ ‫م�شكالت البطالة والإدمان وغريها من امل�شكالت التي تعت�صر‬ ‫ال�شباب العربي فيقع يف حبائل التطرف والتكفري ومن ثم‬

‫التفجري؛ والت�أكيد على تفعيل امل�س�ؤولية االجتماعية لرجال‬ ‫الأعمال والقطاع اخلا�ص يف حل م�شكالت املجتمع خا�صة الفقر‬ ‫والبطالة ‪.‬‬ ‫وميكن اال�ستفادة من تقنيات الإعالم اجلديد يف تنظيم دورات‬ ‫تدريبية متخ�ص�صة يف جمال الكتابة يف مو�ضوعات دح�ض �شبهات‬ ‫التكفري‪ ،‬والتوا�صل مع العلماء الرا�سخني للتعرف على �أف�ضل‬ ‫ال�سبل ملحاربة ومقارعة التطرف وحججه الواهية وذلك بالرفق‬ ‫واللني والتوجيه والرتبية وح�سن البيان ملن ا�شتبه عليه الأمر‬ ‫�أو �أدلهمت عليه ال�شبهات‪ ،‬واعتماد �أ�سلوب مقارعة احلجة ودفع‬ ‫ال�شبهة‪.‬‬ ‫يجب كذلك ت�سهيل ولوج العلماء والدعاة يف ف�ضاء الإعالم‬ ‫اجلديد‪� ،‬إىل جانب �أ�ساتذة اجلامعات والوعاظ واملوجهني لتوجيه‬ ‫النا�س وتربيتهم على احلق واخلري‪ ،‬ودعوتهم �إليه وحملهم عليه‪،‬‬ ‫وبيان الأمور امل�شكلة عليهم �سيما يف م�سائل التطرف و�إي�ضاحها‬ ‫لهم ح�سب تقديرهم للأحوال والأمور‪.‬‬ ‫الـهــوامــــــ�ش‬ ‫(‪ )1‬عبد القادر بن خالد‪ ،‬الإعالم اجلديد‪ ..‬مرحلة جديدة من التناف�س‪ ،‬مادة عر�ض تقدميي موجودة على‬ ‫الرابط‪.aek-b.com. www :‬‬ ‫(‪ )2‬عبد القادر بن خالد‪ ،‬الإعالم اجلديد‪ ..‬مرحلة جديدة من التناف�س‪ ،‬مادة عر�ض تقدميي موجودة على‬ ‫الرابط‪.aek-b.com. www :‬‬

‫‪36‬‬


‫ﺩﺭﺍﺳـﺎﺕ‬ ‫ﺇﺳـﻼﻣـﻴﺔ‬

‫حقوﻕ أﻫﻞ الﺬﻣة فﻲ‬ ‫الﺸريﻌة اإلسﻼﻣية‬ ‫ف�شيلة ال�شيخ د‪ .‬يو�شف القر�شاوي‬

‫جرى العرف الإ�شالمي على ت�شمية املواطنني من غري امل�شلمني يف‬ ‫املجتمع الإ�شالمي با�شم "اأهل الذمة" اأو "الذميني"‪ ،‬و"الذمة"‬ ‫كلمة معناها العهد وال�شمان والأمان‪ ،‬واإ‪‬ا �شموا بذلك‪ ‬لأن‬ ‫لهم عهد اهلل وعهد الر�شول‪ ،‬وعهد جماعة امل�شلمني‪ :‬اأن يعي�شوا‬ ‫يف حماية الإ�شالم‪ ،‬ويف كنف املجتمع الإ�شالمي اآمنني مطم‪‬نني‪،‬‬ ‫فهم يف اأمان امل�شلمني و�شمانهم‪ ،‬بناء على "عقد الذمة" بينهم‬ ‫وبني اأهل الإ�شالم ‪ .‬فهذه الذمة تعطي اأهلها "من غري امل�شلمني"‬ ‫ما ي�شبه يف ع�شرنا "اجلن�شية" ال�شيا�شية التي تعطيها الدولة‬ ‫لرعاياها‪ ،‬فيكت�شبون بذلك حقوق املواطنني ويلتزمون‬ ‫بواجباتهم‪.‬‬ ‫فالذمي على هذا الأ�ضا�س من "اأهل دار الإ�ضالم" كما يعرب الفقهاء‪ ،‬اأو من‬ ‫حاملي "اجلن�ضية الإ�ضالمية"كما يعرب املعا�ضرون ‪.‬‬ ‫وعقد الذمة عقد موؤبد‪ ،‬يت�ضمن اإقرار غري امل�ضلمني على دينهم‪ ،‬ومتتعهم‬ ‫بحماية اجلماعة الإ�ضالمية ورعايتها‪ ،‬ب�ضرط بذلهم "اجلزية" والتزامهم‬ ‫اأحكام القانون الإ�ضالمي يف غري ال�ضئون الدينية‪ ،‬وبهذا ي�ضريون من اأهل‬ ‫"دار الإ�ضالم"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فهذا العقد ين�ضئ حقوقا متبادلة لكل من الطرفني‪ :‬امل�ضلمني واأهل ذمتهم‪،‬‬ ‫باإزاء ما عليه من واجبات‪ ،‬فما احلقوق التي كفلها ال�ضرع لأهل الذمة؟‬

‫حــق احلماية‬ ‫القاعدة الأوىل يف معاملة اأهل الذمة يف "دار الإ�ضالم" اأن لهم من‬ ‫احلقوق مثل ما للم�ضلمني‪ ،‬اإل يف اأمور حمددة م�ضتثناة‪ ،‬كما اأن عليهم‬ ‫ما على امل�ضلمني من الواجبات اإل ما ا�ضتثني‪.‬‬ ‫فاأول هذه احلقوق هو حق متتعهم بحماية الدولة الإ�ضالمية واملجتمع‬ ‫الإ�ضالمي ‪ .‬وهذه احلماية ت�ضمل حمايتهم من كل عدوان خارجي‪ ،‬ومن‬ ‫كل ظلم داخلي‪ ،‬حتى ينعموا بالأمان وال�ضتقرار‪.‬‬ ‫اأ ‪ -‬احلماية من العتداء اخلارجي‬ ‫اأما احلماية من العتداء اخلارجي‪ ،‬فيجب لهم ما يجب للم�ضلمني‪،‬‬ ‫وعلى الإمام اأو ويل الأمر يف امل�ضلمني‪ ،‬مبا له من ُ�ضلطة �ضرعية‪ ،‬وما‬ ‫لديه من قوة ع�ضكرية‪ ،‬اأن يوفر لهم هذه احلماية‪ ،‬قال يف "مطالب‬ ‫اأويل النهى" ـ من كتب احلنابلة ـ ‪" :‬يجب على الإمام حفظ اأهل الذمة‬ ‫ومنع مَن يوؤذيهم‪ ،‬وفك اأ�ضرهم‪ ،‬ودفع مَن ق�ضدهم باأذى اإن مل يكونوا‬ ‫بدار حرب‪ ،‬بل كانوا بدارنا‪ ،‬ولو كانوا منفردين ببلد"‪.‬‬ ‫وعلل ذلك باأنهم‪" :‬جرت عليهم اأحكام الإ�ضالم وتاأبد عقدهم‪ ،‬فلزمه‬ ‫ذلك كما يلزمه للم�ضلمني" (مطالب اأويل النهى ج ـ ‪� 2‬س ‪.)603 - 602‬‬ ‫وينقل الإمام القرايف املالكي يف كتابه "الفروق" قول الإمام الظاهري‬ ‫ابن حزم يف كتابه "مراتب الإجماع"‪" :‬اإن من كان يف الذمة‪ ،‬وجاء اأهل‬

‫‪37‬‬


‫احلرب �إىل بالدنا يق�صدونه‪ ،‬وجب علينا �أن نخرج لقتالهم بالكراع‬ ‫وال�سالح‪ ،‬ومنوت دون ذلك‪� ،‬صوناً ملن هو يف ذمة اهلل تعاىل وذمة ر�سوله‬ ‫ �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ ،-‬ف�إن ت�سليمه دون ذلك �إهمال لعقد الذمة"‪.‬‬‫(الفروق ج ـ ‪� 3‬ص ‪ - 15 - 14‬الفرق التا�سع ع�شر واملائة)‪ .‬وحكى يف ذلك‬ ‫�إجماع الأمة‪ .‬وعلق على ذلك القرايف بقوله‪" :‬فعقد ي�ؤدي �إىل �إتالف‬ ‫النفو�س والأموال ‪�-‬صوناً ملقت�ضاه عن ال�ضياع‪� -‬إنه لعظيم"‪( .‬نف�س‬ ‫امل�صدر ال�سابق)‪.‬‬ ‫ومن املواقف التطبيقية لهذا املبد�أ الإ�سالمي‪ ،‬موقف �شيخ الإ�سالم ابن‬ ‫تيمية‪ ،‬حينما تغلب التتار على ال�شام‪ ،‬وذهب ال�شيخ ليكلم "قطلو�شاه" يف‬ ‫�إطالق الأ�سرى‪ ،‬ف�سمح القائد الترتي لل�شيخ ب�إطالق �أ�سرى امل�سلمني‪،‬‬ ‫و�أبى �أن ي�سمح له ب�إطالق �أهل الذمة‪ ،‬فما كان من �شيخ الإ�سالم �إال �أن‬ ‫قال‪ :‬ال نر�ضى �إال بافتكاك جميع الأ�سرى من اليهود والن�صارى‪ ،‬فهم‬ ‫�أهل ذمتنا‪ ،‬وال ندع �أ�سرياً‪ ،‬ال من �أهل الذمة‪ ،‬وال من �أهل امللة‪ ،‬فلما ر�أى‬ ‫�إ�صراره وت�شدده �أطلقهم له‪.‬‬ ‫ب‪ -‬احلماية من الظلم الداخلي‬ ‫و�أما احلماية من الظلم الداخلي‪ ،‬فهو �أمر يوجبه الإ�سالم وي�شدد يف‬ ‫وجوبه‪ ،‬ويحذر امل�سلمني �أن ميدوا �أيديهم �أو �أل�سنتهم �إىل �أهل الذمة‬ ‫ب�أذى �أو عدوان‪ ،‬فاهلل تعاىل ال يحب الظاملني وال يهديهم‪ ،‬بل يعاجلهم‬ ‫بعذابه يف الدنيا‪� ،‬أو ي�ؤخر لهم العقاب م�ضاعفاً يف الآخرة‪.‬‬ ‫وقد تكاثرت الآيات والأحاديث الواردة يف حترمي الظلم وتقبيحه‪ ،‬وبيان‬ ‫�آثاره الوخيمة يف الآخرة والأوىل‪ ،‬وجاءت �أحاديث خا�صة حتذر من ظلم‬ ‫غري امل�سلمني من �أهل العهد والذمة‪.‬‬ ‫يقول الر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ " :-‬من ظلم معاهدًا �أو انتق�صه‬ ‫ح ًقا �أو كلفه فوق طاقته �أو �أخذ منه �شي ًئا بغري طيب نف�س منه‪ ،‬ف�أنا‬ ‫حجيجه يوم القيامة" ‪(.‬رواه �أبو داود والبيهقي ‪ .‬انظر‪ :‬ال�سنن الكربى‬ ‫ج ـ ‪� 5‬ص ‪.)205‬‬ ‫ولهذا كله ا�شتدت عناية امل�سلمني منذ عهد اخللفاء الرا�شدين‪ ،‬بدفع‬ ‫الظلم عن �أهل الذمة‪ ،‬وكف الأذى عنهم‪ ،‬والتحقيق يف كل �شكوى ت�أتي‬ ‫من ِق َبلِهم‪.‬‬ ‫كان عمر ر�ضي اهلل عنه ي�س�أل الوافدين عليه من الأقاليم عن حال‬ ‫�أهل الذمة‪ ،‬خ�شية �أن يكون �أحد من امل�سلمني قد �أف�ضى �إليهم ب�أذى‪،‬‬ ‫فيقولون له‪ " :‬ما نعلم �إال وفاءً" (تاريخ الطربي ج ـ ‪� 4‬ص ‪� )218‬أي‬ ‫مبقت�ضى العهد والعقد الذي بينهم وبني امل�سلمني‪ ،‬وهذا يقت�ضي �أن‬ ‫ك ً‬ ‫ال من الطرفني و َّفى مبا عليه‪.‬‬ ‫وعلي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه يقول "�إمنا بذلوا اجلزية لتكون‬ ‫ٌّ‬ ‫�أموالهم ك�أموالنا‪ ،‬ودما�ؤهم كدمائنا" (املغني ج ـ ‪� 8‬ص ‪ ،445‬البدائع ج ـ‬ ‫‪� 7‬ص ‪ 111‬نق ً‬ ‫ال عن �أحكام الذميني وامل�ست�أمنني �ص ‪.)89‬‬ ‫وفقهاء امل�سلمني من جميع املذاهب االجتهادية �ص َّرحوا و�أكدوا ب�أن على‬ ‫امل�سلمني دفع الظلم عن �أهل الذمة واملحافظة عليهم؛ لأن امل�سلمني‬

‫حني �أعطوهم الذمة قد التزموا دفع الظلم عنهم‪ ،‬وهم �صاروا به من‬ ‫�أهل دار الإ�سالم‪ ،‬بل �ص َّرح بع�ضهم ب�أن ظلم الذمي �أ�شد من ظلم امل�سلم‬ ‫�إث ًما (ذكر ذلك ابن عابدين يف حا�شيته‪ ،‬وهو مبني على �أن الذمي يف‬ ‫دار الإ�سالم �أ�ضعف �شوكة عادة‪ ،‬وظلم القوي لل�ضعيف �أعظم يف الإثم)‪.‬‬ ‫‪ -1‬حماية الدماء والأبدان‬ ‫وحق احلماية املقرر لأهل الذمة يت�ضمن حماية دمائهم و�أنف�سهم‬ ‫و�أبدانهم‪ ،‬كما يت�ضمن حماية �أموالهم و�أعرا�ضهم ‪..‬‬ ‫فدما�ؤهم و�أنف�سهم مع�صومة باتفاق امل�سلمني‪ ،‬وقتلهم حرام بالإجماع‬ ‫؛ يقول الر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم "من قتل معاهدًا مل ير رائحة‬ ‫اجلنة‪ ،‬و�إن ريحها ليوجد من م�سرية �أربعني عا ًما" ‪(.‬رواه �أحمد‬ ‫والبخاري يف اجلزية‪ ،‬والن�سائي وابن ماجة يف الديات من حديث عبد‬ ‫اهلل بن عمرو ‪ .‬واملعاهد كما قال ابن الأثري‪� :‬أكرث ما يطلق على �أهل‬ ‫الذمة‪ ،‬وقد يطلق على غريهم من الكفار �إذا �صوحلوا على ترك احلرب‬ ‫في�ض القدير ج ـ ‪� 6‬ص ‪.)153‬‬‫ولهذا �أجمع فقهاء الإ�سالم على �أن قتل الذمي كبرية من كبائر‬ ‫املحرمات لهذا الوعيد يف احلديث ولكنهم اختلفوا‪ :‬هل ُيقتل امل�سلم‬ ‫بالذمي �إذا قتله؟‪.‬‬ ‫ذهب جمهور الفقهاء ومنهم ال�شافعي و�أحمد �إىل �أن امل�سلم ال ُيقتل‬ ‫بالذمي م�ستدلني باحلديث ال�صحيح "ال ُيقتل م�سلم بكافر"‪( ،‬رواه‬ ‫�أحمد والبخاري والن�سائي و�أبو داود والرتمذي من حديث علي‪ ،‬كما‬ ‫يف املنتقى و�شرحه ‪.‬انظر‪ :‬نيل الأوطار ج ـ ‪� 7‬ص ‪ 15‬ط ‪.‬دار اجليل)‬ ‫واحلديث الآخر‪�" :‬أال ال ُيقتل م�ؤمن بكافر وال ذو عهد يف عهده" (رواه‬ ‫�أحمد والن�سائي و�أبو داود عن علي � ً‬ ‫أي�ضا‪ ،‬واحلاكم و�صححه يف املنتقى‬ ‫و�شرحه املرجع ال�سابق)‪.‬‬ ‫وقد �صح عن عمر بن عبد العزيز‪� :‬أنه كتب �إىل بع�ض �أمرائه يف م�سلم‬ ‫قتل ذم ًّيا‪ ،‬ف�أمره �أن يدفعه �إىل وليه‪ ،‬ف�إن �شاء قتله‪ ،‬و�إن �شاء عفا عنه ‪.‬‬ ‫ف ُد ِف َع �إليه ف�ضرب عنقه ‪( .‬امل�صنف لعبد الرزاق ج ـ ‪� 10‬ص ‪.)102 ،101‬‬ ‫قالوا‪ :‬ولهذا ُيقطع امل�سلم ب�سرقة مال الذمي‪ ،‬مع �أن �أمر املال �أهون‬ ‫من النف�س‪ ،‬و�أما قوله ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم "ال ُيقتل م�سلم بكافر"‪،‬‬ ‫فاملراد بالكافر احلربي‪ ،‬وبذلك تتفق الن�صو�ص وال تختلف‪( .‬يراجع يف‬ ‫ذلك ما كتبه الإمام اجل�صا�ص يف كتابه "�أحكام القر�آن" ج ـ ‪ 1‬باب قتل‬ ‫امل�سلم بالكافر �ص ‪ 144 140‬ط ‪ .‬ا�ستنابول طبعة م�صورة يف بريوت)‪.‬‬ ‫وهذا هو املذهب الذي اعتمدته اخلالفة العثمانية ونفذته يف �أقاليمها‬ ‫املختلفة منذ عدة قرون‪� ،‬إىل �أن هُ دِ مت اخلالفة يف هذا القرن‪ ،‬ب�سعي‬ ‫�أعداء الإ�سالم‪.‬‬ ‫وكما حمى الإ�سالم �أنف�سهم من القتل حمى �أبدانهم من ال�ضرب‬ ‫والتعذيب فال يجوز �إحلاق الأذى ب�أج�سامهم‪ ،‬ولو ت�أخروا �أو امتنعوا‬ ‫عن �أداء الواجبات املالية املقررة عليهم كاجلزية واخلراج‪ ،‬هذا مع �أن‬ ‫الإ�سالم ت�شدد كل الت�شدد مع امل�سلمني �إذا منعوا الزكاة‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫ومل يُجِ ْز الفقهاء يف �أمر الذميني املانعني �أكرث من �أن ُيح َب�سوا ت�أدي ًبا‬ ‫لهم‪ ،‬بدون �أن ي�صحب احلب�س �أي تعذيب �أو �أ�شغال �شاقة‪ ،‬ويف ذلك‬ ‫يكتب �أبو يو�سف‪� :‬أن حكيم بن ه�شام �أحد ال�صحابة ر�ضي اهلل عنه ر�أى‬ ‫رج ً‬ ‫نا�سا من النبط (�أي يوقفهم حتت حر‬ ‫ال (وهو على حم�ص) ي�ش ِّم�س ً‬ ‫ال�شم�س يف �أداء اجلزية فقال‪ :‬ما هذا! ‍ �سمعت ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ‪ -‬يقول‪�" :‬إن اهلل عز وجل ُيع ِّذب الذين يعذبون النا�س يف‬ ‫الدنيا"‪ ،‬وقد رواه م�سلم يف ال�صحيح ‪( .‬اخلراج لأبي يو�سف �ص ‪،125‬‬ ‫وانظر‪ :‬ال�سنن الكربى للبيهقي ج ـ ‪� 9‬ص ‪.)205‬‬ ‫علي ر�ضي اهلل عنه �إىل بع�ض والته على اخلراج‪�" :‬إذا قدمتَ‬ ‫وكتب ٌّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عليهم فال تبيعن لهم ك�سوة �شتا ًء وال �صيفا‪ ،‬وال رزقا ي�أكلونه‪ ،‬وال‬ ‫دابة يعملون عليها‪ ،‬وال ت�ضربن �أحدًا منهم ً‬ ‫�سوطا واحدًا يف درهم‪ ،‬وال‬ ‫تقمه على رجله يف طلب درهم‪ ،‬وال تبع لأحد منهم ع ً‬ ‫َر�ضا (متاعًا) يف‬ ‫�شيء من اخلراج‪ ،‬ف�إمنا �أُمِ رنا �أن ن�أخذ منهم العفو‪ ،‬ف�إن �أنت خالفتَ ما‬ ‫�أمرتك به‪ ،‬ي�أخذك اهلل به دوين‪ ،‬و�إن بلغني عنك خالف ذلك عزلتك"‬ ‫‪ .‬قال الوايل‪� :‬إذن �أرجع �إليك كما خرجت من عندك! (يعني �أن النا�س‬ ‫ال ُيدفعون �إال بال�شدة) قال‪ :‬و�إن رجعتَ كما خرجتَ "‪( .‬اخلراج لأبي‬ ‫يو�سف �ص ‪ ،16 - 15‬وانظر‪ :‬ال�سنن الكربى � ً‬ ‫أي�ضا ج ـ ‪� 9‬ص ‪.)205‬‬ ‫‪ -2‬حماية الأموال‬ ‫ومثل حماية الأنف�س والأبدان حماية الأموال‪ ،‬هذا مما اتفق عليه‬ ‫امل�سلمون يف جميع املذاهب‪ ،‬ويف جميع الأقطار‪ ،‬وخمتلف الع�صور‪.‬‬ ‫روى �أبو يو�سف يف "اخلراج" ما جاء يف عهد النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ‪ -‬لأهل جنران‪" :‬ولنجران وحا�شيتها جوار اهلل‪ ،‬وذمة حممد النبي‬ ‫ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬على �أموالهم وملتهم و ِب َيعهم‪ ،‬وكل ما‬ ‫حتت �أيديهم من قليل �أو كثري‪( ." ...‬اخلراج �ص ‪.)72‬‬ ‫ويف عهد عمر �إىل �أبي عبيدة بن اجلراح ر�ضي اهلل عنهما �أن‪" :‬امنع‬ ‫امل�سلمني من ظلمهم والإ�ضرار بهم‪ ،‬و�أكل �أموالهم �إال بحلها"‪ .‬وقد م َّر بنا‬ ‫قول علي ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه ‪�" -‬إمنا بذلوا اجلزية لتكون دما�ؤهم كدمائنا‪،‬‬ ‫و�أموالهم ك�أموالنا" وعلى هذا ا�ستقر عمل امل�سلمني طوال الع�صور‪.‬‬ ‫ف َمن �سرق مال ذمي ُقطعت يده‪ ،‬ومَن غ�صبه ُع ِّزر‪ ،‬و�أعيد املال �إىل �صاحبه‪،‬‬ ‫ومَن ا�ستدان من ذمي فعليه �أن يق�ضي دينه‪ ،‬ف�إن مطله وهو غني حب�سه‬ ‫احلاكم حتى ي�ؤدي ما عليه‪� ،‬ش�أنه يف ذلك �ش�أن امل�سلم وال فرق‪.‬‬ ‫وبلغ من رعاية الإ�سالم حلرمة �أموالهم وممتلكاتهم �أنه يحرتم ما‬ ‫يعدونه ‪-‬ح�سب دينهم‪ -‬ما ًال و�إن مل يكن ما ًال يف نظر امل�سلمني‪.‬‬ ‫فاخلمر واخلنزير ال يعتربان عند امل�سلمني ما ًال مُت َق َّو ًما‪ ،‬ومَن �أتلف‬ ‫مل�سلم خم ًرا �أو خنزي ًرا ال غرامة عليه وال ت�أديب‪ ،‬بل هو مثاب م�أجور‬ ‫على ذلك‪ ،‬لأنه ُيغيرِّ منك ًرا يف دينه‪ ،‬يجب عليه تغيريه �أو ي�ستحب‪ ،‬ح�سب‬ ‫ا�ستطاعته‪ ،‬وال يجوز للم�سلم �أن ميتلك هذين ال�شيئني ال لنف�سه وال‬ ‫ليبيعها للغري‪.‬‬ ‫�أما اخلمر واخلنزير �إذا ملكهما غري امل�سلم‪ ،‬فهما ماالن عنده‪ ،‬بل من‬

‫�أنف�س الأموال‪ ،‬كما قال فقهاء احلنفية‪ ،‬فمن �أتلفهما على الذمي ُغ ِّر َم‬ ‫قيمتهما‪( .‬اختلف الفقهاء يف ذلك‪ ،‬والذي ذكر هو مذهب احلنفية)‪.‬‬ ‫‪ -3‬حماية الأعرا�ض‬ ‫ويحمي الإ�سالم عِ ر�ض الذمي وكرامته‪ ،‬كما يحمي عِ ر�ض امل�سلم‬ ‫وكرامته‪ ،‬فال يجوز لأحد �أن ي�سبه �أو يتهمه بالباطل‪� ،‬أو ي�شنع عليه‬ ‫بالكذب‪� ،‬أو يغتابه‪ ،‬ويذكره مبا يكره‪ ،‬يف نف�سه‪� ،‬أو ن�سبه‪� ،‬أو َخ ْلقِه‪� ،‬أو‬ ‫ُخ ُلقه �أو غري ذلك مما يتعلق به‪.‬‬ ‫يقول الفقيه الأ�صويل املالكي �شهاب الدين القرايف يف كتاب "الفروق"‪:‬‬ ‫"�إن عقد الذمة يوجب لهم حقو ًقا علينا‪ ،‬لأنهم يف جوارنا ويف خفارتنا‬ ‫(حمايتنا) وذمتنا وذمة اهلل تعاىل‪ ،‬وذمة ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ‪ ،-‬ودين الإ�سالم‪ ،‬فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة �سوء �أو غيبة‪،‬‬ ‫فقد �ض َّيع ذمة اهلل‪ ،‬وذمة ر�سوله ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ ،-‬وذمة دين‬ ‫الإ�سالم" ‪(.‬الفروق ج ـ ‪� 3‬ص ‪ 14‬الفرق التا�سع ع�شر واملائة)‪.‬‬ ‫ويف الدر املختار ‪-‬من كتب احلنفية‪ " :-‬يجب كف الأذى عن الذمي‬ ‫وحترم غيبته كامل�سلم"‪.‬‬ ‫ويعلق العالمة ابن عابدين على ذلك بقوله‪ :‬لأنه بعقد الذمة وجب له‬ ‫ما لنا‪ ،‬ف�إذا حرمت غيبة امل�سلم حرمت غيبته‪ ،‬بل قالوا‪� :‬إن ظلم الذمي‬ ‫�أ�شد ‪( .‬الدر املختار وحا�شية ابن عابدين عليه ج ـ ‪� 3‬ص ‪ 246 - 244‬ط‬ ‫‪ .‬ا�ستانبول)‪.‬‬ ‫‪ -4‬الت�أمني عند العجز وال�شيخوخة والفقر‬ ‫و�أكرث من ذلك �أن الإ�سالم �ضمن لغري امل�سلمني يف ظل دولته‪ ،‬كفالة‬ ‫املعي�شة املالئمة لهم وملن يعولونه‪ ،‬لأنهم رعية للدولة امل�سلمة وهي‬ ‫م�سئولة عن كل رعاياها‪ ،‬قال ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪:-‬‬ ‫"كلكم راع وكل راع م�سئول عن رعيته" ‪( .‬متفق عليه من حديث ابن‬ ‫عمر)‪.‬وهذا ما م�ضت به ُ�س َّنة الرا�شدين ومَن بعدهم‪.‬‬ ‫ففي عقد الذمة الذي كتبه خالد بن الوليد لأهل احلرية بالعراق‪،‬‬ ‫وكانوا من الن�صارى‪" :‬وجعلت لهم‪� ،‬أميا �شيخ �ضعف عن العمل‪� ،‬أو‬ ‫�أ�صابته �آفة من الآفات‪� ،‬أو كان غن ًّيا فافتقر و�صار �أهل دينه يت�صدقون‬ ‫عليه‪ ،‬طرحت جزيته وعِ يل من بيت مال امل�سلمني هو وعياله" ‪(. .‬رواه‬ ‫ال�صدِّيق‪،‬‬ ‫�أبو يو�سف يف "اخلراج" �ص ‪ )144‬وكان هذا يف عهد �أبي بكر ِّ‬ ‫ال�صدِّيق ومل‬ ‫وبح�ضرة عدد كبري من ال�صحابة‪ ،‬وقد كتب خالد به �إىل ِّ‬ ‫ينكر عليه �أحد‪ ،‬ومثل هذا ُي َعد �إجماعًا‪.‬‬ ‫ور�أى عمر بن اخلطاب ً‬ ‫�شيخا يهود ًيا ي�س�أل النا�س‪ ،‬ف�س�أله عن ذلك‪،‬‬ ‫فعرف �أن ال�شيخوخة واحلاجة �أجل�أتاه �إىل ذلك‪ ،‬ف�أخذه وذهب به �إىل‬ ‫خازن بيت مال امل�سلمني‪ ،‬و�أمره �أن يفر�ض له ولأمثاله من بيت املال ما‬ ‫يكفيهم وي�صلح �ش�أنهم‪ ،‬وقال يف ذلك‪ :‬ما �أن�صفناه �إذ �أخذنا منه اجلزية‬ ‫�شا ًبا‪ ،‬ثم نخذله عند الهرم! (امل�صدر ال�سابق �ص ‪.)126‬‬ ‫وعند مقدم ِه "اجلابية" من �أر�ض دم�شق َم َّر يف طريقه بقوم جمذومني‬ ‫من الن�صارى‪ ،‬ف�أمر �أن يعطوا من ال�صدقات‪ ،‬و�أن يجرى عليهم القوت‬

‫‪39‬‬


‫(البالذري يف فتوح البلدان �ص ‪ 177‬ط ‪ .‬بريوت)‪� ،‬أي تتوىل الدولة‬ ‫القيام بطعامهم وم�ؤونتهم ب�صفة منتظمة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وبهذا تقرر ال�ضمان االجتماعي يف الإ�سالم‪ ،‬باعتباره "مبد�أ عا ًما"‬ ‫ي�شمل �أبناء املجتمع جمي ًعا‪ ،‬م�سلمني وغري م�سلمني‪ ،‬وال يجوز �أن‬ ‫يبقى يف املجتمع امل�سلم �إن�سان حمروم من الطعام �أو الك�سوة �أو امل�أوى �أو‬ ‫العالج‪ ،‬ف�إن دفع ال�ضرر عنه واجب ديني‪ ،‬م�سل ًما كان �أو ذم ًيا‪.‬‬ ‫وذكر الإمام النووي يف "املنهاج" �أن من فرو�ض الكفاية‪ :‬دفع �ضرر‬ ‫امل�سلمني كك�سوة عار‪� ،‬أو �إطعام جائع �إذا مل يندفع بزكاة وبيت مال‪.‬‬ ‫وو�ضح العالمة �شم�س الدين الرملي ال�شافعي يف "نهاية املحتاج �إىل‬ ‫�شرح املنهاج" �أن �أهل الذمة كامل�سلمني يف ذلك‪ ،‬فدفع ال�ضرر عنهم‬ ‫واجب‪.‬‬ ‫ثم بحث ال�شيخ الرملي رحمه اهلل يف حتديد معنى دفع ال�ضرر فقال‪:‬‬ ‫"وهل املراد بدفع �ضرر مَن ذكر‪ ،‬ما ي�سد الرمق �أو الكفاية؟ قوالن‪،‬‬ ‫�أ�صحهما ثانيهما ؛ فيجب يف الك�سوة ما ي�سرت كل البدن على ح�سب ما‬ ‫يليق باحلال من �شتاء و�صيف‪ ،‬ويلحق بالطعام والك�سوة ما يف معناهما‪،‬‬ ‫ك�أجرة طبيب‪ ،‬وثمن دواء‪ ،‬وخادم منقطع ‪ ..‬كما هو وا�ضح"‪.‬‬ ‫قال‪" :‬ومما يندفع به �ضرر امل�سلمني والذميني فك �أ�سراهم" ‪ .‬نهاية‬ ‫(املحتاج �إىل �شرح املنهاج للرملي ج ـ ‪� 8‬ص ‪ 46‬كتاب "ال�سري")‪.‬‬ ‫حرية التدين‬ ‫ويحمي الإ�سالم فيما يحميه من حقوق �أهل الذمة حق احلرية‪ ،‬و�أول‬ ‫هذه احلريات‪ :‬حرية االعتقاد والتعبد‪ ،‬فلكل ذي دين دينه ومذهبه‪ ،‬ال‬ ‫ُيجرب على تركه �إىل غريه‪ ،‬وال ُي�ضغط عليه ليتحول منه �إىل الإ�سالم‪.‬‬ ‫و�أ�سا�س هذا احلق قوله تعاىل اَ‬ ‫ِّين َق ْد َت َبينَّ َ ال ُّر ْ�ش ُد مِ َن‬ ‫(ل �إِ ْك َرا َه فيِ الد ِ‬ ‫ا ْل َغ ِّي َف َمنْ َي ْك ُف ْر ب َّ‬ ‫ِالط ُاغوتِ َو ُي�ؤْمِ نْ بِاللهَّ ِ َف َقدِ ْا�س َت ْم َ�س َك بِا ْل ُع ْر َو ِة ا ْل ُو ْث َقى‬ ‫ِ�صا َم َلهَا َواللهَّ ُ َ�سمِ ي ٌع َعلِي ٌم ) (البقرة‪ )256 :‬وقوله �سبحانه ( َو َل ْو‬ ‫اَل ا ْنف َ‬ ‫ا�س َح َّتى‬ ‫َ�شا َء َر ُّب َك َ آلم َ​َن َمنْ فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض ُك ُّل ُه ْم َجمِ ي ًعا �أَ َف�أَنْتَ ُت ْك ِر ُه ال َّن َ‬ ‫َي ُكو ُنوا ُم�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني )(يون�س‪.)99 :‬‬ ‫قال ابن كثري يف تف�سري الآية الأوىل‪� :‬أي ال ُتكرِهوا �أحدًا على الدخول‬ ‫يف دين الإ�سالم‪ ،‬ف�إنه َبينِّ وا�ضح‪ ،‬جلي دالئله وبراهينه‪ ،‬ال يحتاج �إىل �أن‬ ‫يكره �أحد على الدخول فيه‪.‬‬ ‫و�سبب نزول الآية كما ذكر املف�سرون يبني جان ًبا من �إعجاز هذا الدين‪،‬‬ ‫فقد رووا عن ابن عبا�س قال‪ :‬كانت املر�أة تكون مقالة ‪-‬قليلة الن�سل‪-‬‬ ‫فتجعل على نف�سها �إن عا�ش لها ولد �أن ُت َه ِّودَه (كان يفعل ذلك ن�ساء‬ ‫الأن�صار يف اجلاهلية) فلما �أُجليت بنو الن�ضري كان فيهم من �أبناء‬ ‫الأن�صار‪ ،‬فقال �آبا�ؤهم‪ :‬ال ندع �أبناءنا (يعنون‪ :‬ال ندعهم يعتنقون‬ ‫اليهودية) ف�أنزل اهلل عز وجل �آية (ال �إكراه يف الدين)‪( .‬ن�سبه ابن‬ ‫كثري �إىل ابن جرير‪ ،‬قال‪" :‬قد رواه �أبو داود والن�سائي وابن �أبي حامت‬ ‫وابن حيان يف �صحيحه وهكذا ذكر جماهد و�سعيد بن جبري وال�شعبي‬ ‫واحل�سن الب�صري وغريهم �أنها نزلت يف ذلك ‪ " . .‬تف�سري ابن كثري ج‬ ‫ـ ‪� 1‬ص ‪.)310‬‬

‫فرغم �أن حماوالت الإكراه كانت من �آباء يريدون حماية �أبنائهم من‬ ‫التبعية لأعدائهم املحاربني الذين يخالفونهم يف دينهم وقوميتهم‪،‬‬ ‫ورغم الظروف اخلا�صة التي دخل بها الأبناء دين اليهودية وهم �صغار‪،‬‬ ‫ورغم ما كان ي�سود العامل كله حينذاك من موجات التعب واال�ضطهاد‬ ‫للمخالفني يف املذهب‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال عن الدين‪ ،‬كما كان يف مذهب الدولة‬ ‫الرومانية التي خيرَّ ت رعاياها حي ًنا بني التن�صر والقتل‪ ،‬فلما تبنت‬ ‫املذهب "امللكاين" �أقامت املذابح لكل مَن ال يدين به من امل�سيحيني من‬ ‫العاقبة وغريهم‪.‬‬ ‫رغم كل هذا‪ ،‬رف�ض القر�آن الإكراه‪ ،‬بل مَن هداه اهلل و�شرح �صدره ون َّور‬ ‫ب�صريته دخل فيه على ب ِّينة‪ ،‬ومَن �أعمى اهلل قلبه‪ ،‬وختم على �سمعه‬ ‫وب�صره‪ ،‬ف�إنه ال يفيده الدخول يف الدين مُك َرهًا مق�صورا ـ كما قال‬ ‫ابن كثريـ ‪ .‬فالإميان عند امل�سلمني لي�س جمرد كلمة ُتلفظ بالل�سان �أو‬ ‫طقو�س ُت�ؤدَّى بالأبدان‪ ،‬بل �أ�سا�سه �إقرار القلب و�إذعانه وت�سليمه‪.‬‬ ‫ولهذا مل يعرف التاريخ �شع ًبا م�سل ًما حاول �إجبار �أهل الذمة على‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬كما �أقر بذلك امل�ؤرخون الغربيون �أنف�سهم‪.‬‬ ‫وكذلك �صان الإ�سالم لغري امل�سلمني معابدهم ورعى حرمة �شعائرهم‪،‬‬ ‫بل جعل القر�آن من �أ�سباب الإذن يف القتال حماية حرية العبادة‪ ،‬وذلك‬ ‫يف قوله تعاىل ( �أُ ِذ َن ِل َّلذِ َ‬ ‫ين ُي َقا َت ُلو َن ِب�أَ َّن ُه ْم ُظ ِل ُموا َو�إِ َّن اللهَّ َ َعلَى َن ْ�صرِهِ ْم‬ ‫َل َقدِ ي ٌر ا َّلذِ َ‬ ‫ين �أُ ْخر ُِجوا مِ نْ ِد َيارِهِ ْم ِب َغيرْ ِ َح ٍّق �إِ اَّل �أَنْ َي ُقو ُلوا َر ُّب َنا اللهَّ ُ َو َل ْو اَل‬ ‫ا�س َب ْع َ�ض ُه ْم ِب َب ْع ٍ�ض َل ُه ِّدمَتْ َ�صوَامِ ُع َو ِب َي ٌع َو َ�صلَ َو ٌات َوم َ​َ�ساجِ ُد‬ ‫َد ْف ُع اللهَّ ِ ال َّن َ‬ ‫ريا َو َل َي ْن ُ�ص َر َّن اللهَّ ُ َمنْ َي ْن ُ�ص ُر ُه �إِ َّن اللهَّ َ َل َقوِيٌّ َعزِي ٌز)‬ ‫ُي ْذ َك ُر فِيهَا ْا�س ُم اللهَّ ِ َك ِث ً‬ ‫(احلج‪.)40 - 39 :‬‬ ‫وقد ر�أينا كيف ا�شتمل عهد النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪� -‬إىل �أهل‬ ‫جنران‪� ،‬أن لهم جوار اهلل وذمة ر�سوله على �أموالهم وم َّلتهم و ِب َيعهم‪.‬‬ ‫ويف عهد عمر بن اخلطاب �إىل �أهل �إيلياء (القد�س) ن�ص على ُحريتهم‬ ‫الدينية‪ ،‬وحرمة معابدهم و�شعائرهم‪" :‬هذا ما �أعطى عبد اهلل عمر‬ ‫�أمري امل�ؤمنني �أهل �إيلياء من الأمان‪� :‬أعطاهم �أما ًنا لأنف�سهم و�أموالهم‬ ‫وكنائ�سهم و�صلبانهم و�سائر م َّلتها‪ ،‬ال ُت�سكن كنائ�سهم‪ ،‬وال ُتهدم‬ ‫وال ينتق�ص منها‪ ،‬وال من حيزها‪ ،‬وال من �صليبها‪ ،‬وال من �شيء من‬ ‫�أموالهم‪ ،‬وال ُيكرهون على دينهم‪ ،‬وال ُي�ضار �أحد منهم‪ .‬وال ي�سكن‬ ‫ب�إيلياء معهم �أحد من اليهود ‪ " . .‬كما رواه الطربي ‪( .‬تاريخ الطربي‬ ‫ط ‪ .‬دار املعارف مب�صر ج ـ ‪� 3‬ص ‪.)609‬‬ ‫ويف عهد خالد بن الوليد لأهل عانات‪" :‬ولهم �أن ي�ضربوا نواقي�سهم‬ ‫يف �أي �ساعة �شاءوا من ليل �أو نهار‪� ،‬إال يف �أوقات ال�صالة‪ ،‬و�أن يخرجوا‬ ‫ال�صلبان يف �أيام عيدهم" ‪(.‬اخلراج لأبي يو�سف �ص ‪.)146‬‬ ‫وكل ما يطلبه الإ�سالم من غري امل�سلمني �أن يراعوا م�شاعر امل�سلمني‪،‬‬ ‫وحرمة دينهم‪ ،‬فال يظهروا �شعائرهم و�صلبانهم يف الأم�صار الإ�سالمية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وال يحدثوا كني�سة يف مدينة �إ�سالمية مل يكن لهم فيها كني�سة من قبل‪،‬‬ ‫وذلك ملا يف الإظهار والإحداث من حتدي ال�شعور الإ�سالمي مما قد‬ ‫ي�ؤدي �إىل فتنة وا�ضطراب‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫على �أن من فقهاء امل�سلمني مَن �أجاز لأهل الذمة �إن�شاء الكنائ�س وال ِب َيع‬ ‫وغريها من املعابد يف الأم�صار الإ�سالمية‪ ،‬ويف البالد التي فتحها‬ ‫امل�سلمون عنوة‪� ،‬أي �أن �أهلها حاربوا امل�سلمني ومل ي�سلموا لهم �إال بحد‬ ‫ال�سيف �إذا �أذن لهم �إمام امل�سلمني بذلك‪ ،‬بناء على م�صلحة ر�أها‪ ،‬ما دام‬ ‫الإ�سالم يقرهم على عقائدهم‪.‬‬ ‫وقد ذهب �إىل ذلك الزيدية والإمام ابن القا�سم من �أ�صحاب مالك‬ ‫(انظر‪� :‬أحكام الذميني وامل�ست�أمنني �ص ‪.)99 - 96‬‬ ‫ويبدو �أن العمل جرى على هذا يف تاريخ امل�سلمني‪ ،‬وذلك منذ عهد‬ ‫مبكر‪ ،‬فقد ُبنِيت يف م�صر عدة كنائ�س يف القرن الأول الهجري‪ ،‬مثل‬ ‫كني�سة "مار مرق�ص" بالإ�سكندرية ما بني (‪ 56 - 39‬هـ) ‪.‬كما ُبنِيت �أول‬ ‫كني�سة بالف�سطاط يف حارة الروم‪ ،‬يف والية م�سلمة بن خملد على م�صر‬ ‫بني عامي (‪ 68 - 47‬هـ ) كما �سمح عبد العزيز بن مروان حني �أن�ش�أ‬ ‫مدينة "حلوان" ببناء كني�سة فيها‪ ،‬و�سمح كذلك لبع�ض الأ�ساقفة ببناء‬ ‫ديرين‪.‬‬ ‫وهناك �أمثلة �أخرى كثرية‪ ،‬وقد ذكر امل�ؤرخ املقريزي يف كتابه "اخلِطط"‬ ‫�أمثلة عديدة‪ ،‬ثم ختم حديثه بقوله‪ :‬وجميع كنائ�س القاهرة املذكورة‬ ‫حمدَثة يف الإ�سالم بال خالف (انظر‪ :‬الإ�سالم و�أهل الذمة للدكتور‬ ‫علي ح�سني اخلربوطلي �ص ‪ ،139‬و�أي�ضاً‪" :‬الدعوة �إىل الإ�سالم" ت�أليف‬ ‫توما�س ‪ .‬و ‪� .‬أرنولد �ص ‪ 86 - 84‬ط ‪ .‬ثالثة ‪ .‬ترجمة د ‪ .‬ح�سن �إبراهيم‬ ‫وزميليه)‪.‬‬ ‫�أما يف القرى واملوا�ضع التي لي�ست من �أم�صار امل�سلمني فال يمُ نعون‬ ‫من �إظهار �شعائرهم الدينية وجتديد كنائ�سهم القدمية وبناء ما تدعو‬ ‫حاجتهم �إىل بنائه‪ ،‬نظ ًرا لتكاثر عددهم‪.‬‬ ‫وهذا الت�سامح مع املخالفني يف الدين من قوم قامت حياتهم كلها على‬ ‫الدين‪ ،‬ومت لهم به الن�صر والغلبة‪� ،‬أمر مل ُيعهد يف تاريخ الديانات‪،‬‬ ‫وهذا ما �شهد به الغربيون �أنف�سهم‪.‬‬ ‫يقول العالمة الفرن�سي جو�ستاف لوبون‪" :‬ر�أينا من �آي القر�آن التي‬ ‫ذكرناها �آن ًفا �أن م�ساحمة حممد لليهود والن�صارى كانت عظيمة �إىل‬ ‫الغاية‪ ،‬و�أنه مل يقل مبثلها م�ؤ�س�سو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية‬ ‫والن�صرانية على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬و�سرنى كيف �سار خلفا�ؤه على �سنته"‬ ‫وقد اعرتف بذلك الت�سامح بع�ض علماء �أوروبا املرتابون �أو امل�ؤمنون‬ ‫القليلون الذين �أمعنوا النظر يف تاريخ العرب‪ ،‬والعبارات الآتية التي‬ ‫�أقتطفها من كتب الكثريين منهم تثبت �أن ر�أينا يف هذه امل�س�ألة لي�س‬ ‫خا�صا بنا‪ .‬قال روبرت�سن يف كتابه "تاريخ �شارلكن"‪�" :‬إن امل�سلمني‬ ‫ً‬ ‫وحدهم الذين جمعوا بني الغرية لدينهم وروح الت�سامح نحو �أتباع‬ ‫الأديان الأخرى و�أنهم مع امت�شاقهم احل�سام ن�ش ًرا لدينهم‪ ،‬تركوا مَن‬ ‫مل يرغبوا فيه �أحرا ًرا يف التم�سك بتعاليمهم الدينية" ‪( .‬حا�شية من‬ ‫�صفحة ‪ 128‬من كتاب "ح�ضارة العرب" جلو�ستاف لوبون)‬

‫حرية العمل والك�سب‬ ‫لغري امل�سلمني حرية العمل والك�سب‪ ،‬بالتعاقد مع غريهم‪� ،‬أو بالعمل‬ ‫حل�ساب �أنف�سهم‪ ،‬ومزاولة ما يختارون من املهن احلرة‪ ،‬ومبا�شرة ما‬ ‫يريدون من �ألوان الن�شاط االقت�صادي‪� ،‬ش�أنهم يف ذلك �ش�أن امل�سلمني‪.‬‬ ‫فقد قرر الفقهاء �أن �أهل الذمة يف البيوع والتجارات و�سائر العقود‬ ‫واملعامالت املالية كامل�سلمني‪ ،‬ومل ي�ستثنوا من ذلك �إال عقد الربا‪ ،‬ف�إنه‬ ‫حمرم عليهم كامل�سلمني وقد ُروِي �أن النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪-‬‬ ‫كتب �إىل جمو�س هجر‪�" :‬إما �أن تذروا الربا �أو ت�أذنوا بحرب من اهلل‬ ‫ور�سوله"‪.‬‬ ‫كما مينع �أهل الذمة من بيع اخلمور واخلنازير يف �أم�صار امل�سلمني‪،‬‬ ‫وفتح احلانات فيها ل�شرب اخلمر وت�سهيل تداولها �أو �إدخالها �إىل‬ ‫�أم�صار امل�سلمني على وجه ال�شهرة والظهور‪ ،‬ولو كان ذلك ال�ستمتاعهم‬ ‫اخلا�ص‪� ،‬سدًا لذريعة الف�ساد و�إغال ًقا لباب الفتنة‪.‬‬ ‫وفيما عدا هذه الأمور املحدودة‪ ،‬يتمتع الذميون بتمام حريتهم‪ ،‬يف‬ ‫حل َرف املختلفة ‪ .‬وهذا ما جرى عليه‬ ‫مبا�شرة التجارات وال�صناعات وا ِ‬ ‫الأمر‪ ،‬ونطق به تاريخ امل�سلمني يف َ�ش َّتى الأزمان ‪ .‬وكادت بع�ض املهن‬ ‫تكون مق�صورة عليهم كال�صريفة وال�صيدلة وغريها ‪ .‬وا�ستمر ذلك �إىل‬ ‫وقت قريب يف كثري من بالد الإ�سالم ‪ .‬وقد جمعوا من وراء ذلك ثروات‬ ‫طائلة معفاة من الزكاة ومن كل �ضريبة �إال اجلزية‪ ،‬وهي �ضريبة على‬ ‫الأ�شخا�ص القادرين على حمل ال�سالح‪ ،‬كما �سي�أتي‪ ،‬وهي مقدار جد‬ ‫زهيد‪.‬‬ ‫قال �آدم ميتز‪" :‬ومل يكن يف الت�شريع الإ�سالمي ما يغلق دون �أهل الذمة‬ ‫�أي باب من �أبواب الأعمال‪ ،‬وكانت قدمهم را�سخة يف ال�صنائع التي تدر‬ ‫الأرباح الوافرة‪ ،‬فكانوا �صيارفة وجتا ًرا و�أ�صحاب �ضياع و�أطباء‪ ،‬بل‬ ‫�إن �أهل الذمة نظموا �أنف�سهم‪ ،‬بحيث كان معظم ال�صيارفة اجلهابذة‬ ‫يف ال�شام مث ً‬ ‫ال يهودًا ‪ .‬على حني كان �أكرث الأطباء والكتبة ن�صارى ‪.‬‬ ‫وكان رئي�س الن�صارى ببغداد هو طبيب اخلليفة‪ ،‬وكان ر�ؤ�ساء اليهود‬ ‫وجهابذتهم عنده " (احل�ضارة الإ�سالمية يف القرن الرابع الهجري"‬ ‫للأ�ستاذ �آدم ميتز �أ�ستاذ اللغات ال�شرقية بجامعة "بازل" ب�سوي�سرا ‪.‬‬ ‫ترجمة الأ�ستاذ حممد عبدالهادي �أبو ريدة الطبعة الرابعة‪ ،‬ف�صل‪:‬‬ ‫"اليهود والن�صارى" ج‪� 1‬ص‪.)86‬‬ ‫تويل وظائف الدولة‬ ‫ولأهل الذمة احلق يف تويل وظائف الدولة كامل�سلمني ‪� .‬إال ما غلب عليه‬ ‫ال�صبغة الدينية كالإمامة ورئا�سة الدولة والقيادة يف اجلي�ش‪ ،‬والق�ضاء‬ ‫بني امل�سلمني‪ ،‬والوالية على ال�صدقات ونحو ذلك‪.‬‬ ‫فالإمامة �أو اخلالفة ريا�سة عامة يف الدين والدنيا‪ ،‬خالفة عن النبي ‪-‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬وال يجوز �أن يخلف النبي يف ذلك �إال م�سلم‪ ،‬وال‬ ‫يعقل �أن ينفذ �أحكام الإ�سالم ويرعاها �إال م�سلم‪.‬‬ ‫وقيادة اجلي�ش لي�ست عم ً‬ ‫ال مدن ًيا �صر ًفا‪ ،‬بل هي عمل من �أعمال العبادة‬ ‫يف الإ�سالم �إذ اجلهاد يف قمة العبادات الإ�سالمية‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫والق�ضاء �إمنا هو حكم بال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬وال يطلب من غري امل�سلم‬ ‫�أن يحكم مبا ال ي�ؤمن به‪.‬‬ ‫ومثل ذلك الوالية على ال�صدقات ونحوها من الوظائف الدينية‪.‬‬ ‫وماعدا ذلك من وظائف الدولة يجوز �إ�سناده �إىل �أهل الذمة �إذا حتققت‬ ‫فيهم ال�شروط التي ال بد منها من الكفاية والأمانة والإخال�ص‬ ‫للدولة‪ .‬بخالف احلاقدين الذين تدل الدالئل على بغ�ض م�ستحكم‬ ‫منهم للم�سلمني‪ ،‬كالذين قال اهلل فيهم ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا اَل َت َّتخِ ُذوا‬ ‫ب َِطا َن ًة مِ نْ دُو ِن ُك ْم اَل َي�أْ ُلو َن ُك ْم َخ َب اًال َودُّوا مَا َع ِن ُّت ْم َق ْد َبدَتِ ا ْل َب ْغ َ�ضا ُء مِ نْ‬ ‫�أَ ْفوَاهِ ِه ْم َومَا ُتخْ فِي ُ�صدُو ُرهُ ْم َ�أ ْكبرَ ُ َق ْد َب َّي َّنا َل ُك ُم ْالآيَاتِ �إِنْ ُك ْن ُت ْم َت ْع ِق ُلو َن)‬ ‫(�آل عمران‪.)118 :‬‬ ‫وقد بلغ الت�سامح بامل�سلمني �أن �صرح فقهاء كبار ‪-‬مثل املاوردي يف‬ ‫"الأحكام ال�سلطانية"‪ -‬بجواز تقليد الذمي "وزارة التنفيذ"‪ .‬ووزير‬ ‫التنفيذ هو الذي يبلغ �أوامر الإمام ويقوم بتنفيذها ومي�ضي ما ي�صدر‬ ‫عنه من �أحكام‪.‬‬ ‫وهذا بخالف "وزارة التفوي�ض" التي يكل فيها الإمام �إىل الوزير تدبري‬ ‫الأمور ال�سيا�سية والإدارية واالقت�صادية مبا يراه‪.‬‬ ‫وقد توىل الوزارة يف زمن العبا�سيني بع�ض الن�صارى �أكرث من مرة‪،‬‬ ‫منهم ن�صر بن هارون �سنة ‪ 369‬هـ‪ ،‬وعي�سى بن ن�سطور�س �سنة ‪380‬هـ‬ ‫‪ .‬وقبل ذلك كان ملعاوية بن �أبي �سفيان كاتب ن�صراين ا�سمه �سرجون‪.‬‬ ‫وقد بلغ ت�سامح امل�سلمني يف هذا الأمر �أحيا ًنا �إىل حد املبالغة واجلور‬ ‫على حقوق امل�سلمني‪ ،‬مما جعل امل�سلمني يف بع�ض الع�صور‪ ،‬ي�شكون من‬ ‫ت�سلط اليهود والن�صارى عليهم بغري حق‪.‬‬ ‫وقد قال امل�ؤرخ الغربي �آدم ميتز يف كتابه "احل�ضارة الإ�سالمية يف القرن‬ ‫الرابع الهجري" (اجلزء الأول �ص‪" :)105‬من الأمور التي نعجب لها‬ ‫كرثة عدد العمال (الوالة وكبار املوظفني) واملت�صرفني غري امل�سلمني‬ ‫يف الدولة الإ�سالمية‪ ،‬فك�أن الن�صارى هم الذين يحكمون امل�سلمني يف‬ ‫بالد الإ�سالم وال�شكوى من حتكيم �أهل الذمة يف �أب�شار امل�سلمني �شكوى‬ ‫قدمية"‪.‬‬ ‫يقول �أحد ال�شعراء امل�صريني (هو احل�سن بن خاقان‪ ،‬كما يف "ح�سن‬ ‫املحا�ضرة" لل�سيوطي ‪� 2‬ص‪ 117‬وانظر احل�ضارة الإ�سالمية لآدم ميتز‬ ‫(ج‪� 1‬ص‪ )118‬يف يهود ع�صره و�سيطرتهم على حكامه‪:‬‬ ‫يهود هذا الزمان قد بلغــوا غاية �آمالهم وقد ملكـوا‬ ‫املجد فيهم واملال عندهمــو ومنهم امل�ست�شار وامللك‬ ‫يا �أهل م�صر‪� ،‬إين ن�صحتُ لكم تهودوا قد تهود الفلك‬ ‫�سجله التاريخ من ذلك ما �سارت عليه الدولة العثمانية يف‬ ‫و�آخر ما َّ‬ ‫ريا من وظائفها املهمة واحل�سا�سة �إىل‬ ‫عهدها الأخري بحيث �أ�سندت كث ً‬ ‫رعاياها من غري امل�سلمني‪ ،‬ممن ال ي�ألونها خبا ًال‪ ،‬وجعلت �أكرث �سفرائها‬ ‫ووكالئها يف بالد الأجانب من الن�صارى‪.‬‬ ‫و�صايا نبوية ب�أقباط م�صر خا�صة‬ ‫و�أما �أقباط م�صر فلهم �ش�أن خا�ص ومنزلة متميزة‪ ،‬فقد �أو�صى بهم‬

‫ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬و�صية خا�صة‪ ،‬يعيها عقل كل م�سلم‬ ‫وي�ضعها يف ال�سويداء من قلبه‪.‬‬ ‫فقد روت �أم امل�ؤمنني �أم �سلمة ر�ضي اهلل عنها �أن ر�سول اهلل ‪� -‬صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ‪� -‬أو�صى عند وفاته فقال‪" :‬اهلل يف قبط م�صر‪ ،‬ف�إنكم‬ ‫�ستظهرون عليهم‪ ،‬ويكونون لكم عدة و�أعوا ًنا يف �سبيل اهلل" (�أورده‬ ‫الهيثمي يف جممع الزوائد ج‪� 10‬ص‪ ،62‬وقال‪ :‬رواه الطرباين ورجاله‬ ‫رجال ال�صحيح)‪.‬‬ ‫وقد �ص َّد َق الواقع التاريخي ما نب�أ به الر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫‪ ،‬فقد رحب الأقباط بامل�سلمني الفاحتني‪ ،‬وفتحوا لهم �صدورهم‪ ،‬رغم‬‫�أن الروم الذين كانوا يحكمونهم كانوا ن�صارى مثلهم‪ ،‬ودخل الأقباط‬ ‫أفواجا‪ ،‬حتى �إن بع�ض والة بني �أمية فر�ض اجلزية على مَن‬ ‫يف دين اهلل � ً‬ ‫�أ�سلم منهم‪ ،‬لكرثة من اعتنق الإ�سالم‪.‬‬ ‫م�صر بوابة الإ�سالم �إىل �إفريقيا كلها‪ ،‬وغدا �أهلها ُعدَّة و�أعوا ًنا يف �سبيل‬ ‫اهلل‪.‬‬ ‫وعن �أبي ذر ر�ضي اهلل عنه �أن ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫"�إنكم �ستفتحون � ً‬ ‫ريا‪،‬‬ ‫أر�ضا ُيذكر فيها القرياط‪ ،‬فا�ستو�صوا ب�أهلها خ ً‬ ‫ف�إن لهم ذمة ورح ًما"‪.‬‬ ‫ويف رواية‪�" :‬إنكم �ستفتحون م�صر‪ ،‬وهي �أر�ض ي�سمى فيها القرياط‬ ‫(القرياط‪ :‬جزء من �أجزاء الدرهم والدينار وغريهما‪ ،‬وكان �أهل م�صر‬ ‫يكرثون من ا�ستعماله والتكلم به‪ ،‬بل هم ال يزالون كذلك بالن�سبة‬ ‫ً‬ ‫قرياطا)‪،‬‬ ‫للم�ساحة وال�صاغة وغريها‪ ،‬وكل �شيء قابل لأن يق�سم �إىل ‪24‬‬ ‫ف�إذا فتحتموها ف�أح�سنوا �إىل �أهلها‪ ،‬ف�إن لهم ذمة ورح ًما"‪� ،‬أو قال‪" :‬ذمة‬ ‫و�صه ًرا" (احلديث بروايتيه يف �صحيح م�سلم رقم (‪ ،)2543‬باب و�صية‬ ‫النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬ب�أهل م�صر‪ ،‬ويف م�سند �أحمد‬ ‫( ج‪� 5‬ص‪.)174‬‬ ‫قال العلماء‪ :‬الرحم التي لهم‪ :‬كون هاجر �أم �إ�سماعيل عليه ال�سالم‬ ‫منهم‪ ،‬وال�صهر‪ :‬كون مارية �أم �إبراهيم ابن ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ‪ -‬منهم‪( .‬ذكر ذلك النووي يف ريا�ض ال�صاحلني‪ :‬حديث (‪)334‬‬ ‫ط ‪ .‬املكتب الإ�سالمي)‪.‬‬ ‫وال غرو �أن ذكر الإمام النووي هذا احلديث يف كتابه "ريا�ض ال�صاحلني"‬ ‫يف باب‪" :‬بر الوالدين و�صلة الأرحام" �إ�شارة �إىل هذه الرحم التي �أمر‬ ‫اهلل ور�سوله بها �أن تو�صل بني امل�سلمني وبني �أهل م�صر‪ ،‬حتى قبل �أن‬ ‫ي�سلموا‪.‬‬ ‫وعن كعب بن مالك الأن�صاري قال‪� :‬سمعتُ ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫ريا‪ ،‬ف�إن لهم دماً‬ ‫و�سلم ‪ -‬يقول‪�" :‬إذا ُفتِحت م�صر فا�ستو�صوا بالقبط خ ً‬ ‫ورح ًما" ‪ .‬ويف رواية‪�" :‬إن لهم ذمة ورح ًما" يعني �أن �أم �إ�سماعيل منهم‬ ‫‪�(.‬أورده الهيثمي ج ـ ‪� 10‬ص ‪ ،62‬وقال‪ :‬رواه الطرباين ب�إ�سنادين ورجال‬ ‫�أحدهما رجال ال�صحيح‪ ،‬كما رواه احلاكم بالرواية الثانية و�صححه‬ ‫على �شرط ال�شيخني ووافقه الذهبي ج ـ ‪� 2‬ص ‪ ،753‬وعند الزهري‪:‬‬ ‫"الرحم" ب�أن �أم �إ�سماعيل منهم)‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫والر�سول يجعل للقبط هنا من احلقوق �أكرث مما لغريهم‪ ،‬فلهم الذمة‬ ‫�أي عهد اهلل ور�سوله وعهد جماعة امل�سلمني وهو عهد جدير �أن ُيرعَى‬ ‫و ُي�صان ‪ .‬ولهم رحم ودم وقرابة لي�ست لغريهم‪ ،‬فقد كانت هاجر �أم‬ ‫�إ�سماعيل �أبي العرب امل�ستعربة منهم بالإ�ضافة �إىل مارية القبطية التي‬ ‫�أجنب منها عليه ال�صالة وال�سالم ابنه �إبراهيم‪.‬‬ ‫�ضمانات الوفاء بهذه احلقوق‬ ‫لقد قررت ال�شريعة الإ�سالمية لغري امل�سلمني كل تلك احلقوق‪ ،‬وكفلت‬ ‫لهم كل تلك احلريات‪ ،‬وزادت على ذلك بت�أكيد الو�صية بح�سن معاملتهم‬ ‫ومعا�شرتهم بالتي هي �أح�سن‪.‬‬ ‫ولكن مَن الذي ي�ضمن الوفاء بتنفيذ هذه احلقوق‪ ،‬وحتقيق هذه‬ ‫ريا ما تقف حاج ًزا دون‬ ‫الو�صايا؟ وبخا�صة �أن املخالفة يف الدين كث ً‬ ‫ذلك؟‬ ‫وهذا الكالم حق و�صدق بالنظر �إىل الد�ساتري الأر�ضية والقوانني‬ ‫الو�ضعية التي تن�ص على امل�ساواة بني املواطنني يف احلقوق والواجبات‪،‬‬ ‫ربا على ورق‪ ،‬لغلبة الأهواء والع�صبيات‪ ،‬التي مل ت�ستطع‬ ‫ثم تظل ح ً‬ ‫القوانني �أن تنت�صر عليها؛ لأن ال�شعب ال ي�شعر بقد�سيتها‪ ،‬وال ي�ؤمن يف‬ ‫قرارة نف�سه بوجوب اخل�ضوع لها واالنقياد حلكمها‪.‬‬ ‫�ضمان العقيدة‬ ‫�أما ال�شريعة الإ�سالمية فهي �شريعة اهلل وقانون ال�سماء‪ ،‬الذي ال تبديل‬ ‫لكلماته‪ ،‬وال جور يف �أحكامه‪ ،‬وال يتم الإميان �إال بطاعته‪ ،‬والر�ضا به ‪.‬‬ ‫قال تعاىل ( َومَا َكا َن لمِ ُ�ؤْمِ ٍن َو اَل ُم�ؤْمِ َن ٍة �إِ َذا َق َ�ضى اللهَّ ُ َو َر ُ�سو ُل ُه �أَ ْم ًرا �أَنْ‬ ‫َي ُكو َن َل ُه ُم الخْ ِ يرَ َ ُة مِ نْ �أَ ْمرِهِ ْم َو َمنْ َي ْع ِ�ص اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َف َق ْد َ�ض َّل َ�ضلاَ اًل‬ ‫ُمبِي ًنا )(الأحزاب‪.)36 :‬‬ ‫ولهذا يحر�ص كل م�سلم يتم�سك بدينه على تنفيذ �أحكام هذه ال�شريعة‬ ‫وو�صاياها‪ ،‬لري�ضي ربه وينال ثوابه‪ ،‬ال مينعه من ذلك عواطف القرابة‬ ‫واملودَّة‪ ،‬وال م�شاعر العداوة وال�شن�آن ‪..‬قال تعاىل‪َ (:‬يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫�آ َم ُنوا ُكو ُنوا َقوَّامِ َ‬ ‫ني بِا ْلق ِْ�س ِط ُ�ش َهدَا َء للِهَّ ِ َو َل ْو َعلَى �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَ ِو ا ْل َوا ِل َد ْي ِن‬ ‫ريا َفاللهَّ ُ �أَ ْولىَ ِب ِه َما فَلاَ َت َّت ِب ُعوا ا ْل َه َوى�أنَْ‬ ‫َ‬ ‫الَ ْق َر ِب َ‬ ‫َو ْ أ‬ ‫ني �إِنْ َي ُكنْ َغ ِن ًّيا �أ ْو َف ِق ً‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫ريا )‬ ‫َت ْعدِ ُلوا َو�إِنْ َت ْل ُووا �أ ْو ُت ْعر ُِ�ضوا َف�إِ َّن ا َكا َن بمِ َا َت ْع َم ُلو َن َخ ِب ً‬ ‫(الن�ساء‪.)135 :‬‬ ‫للِهَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫وقال �سبحانه وتعاىل( َيا �أ ُّيهَا الذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا كو ُنوا قوَّامِ َ‬ ‫ني ِ ُ�ش َهدَا َء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اَّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫بِا ْلق ِْ�س ِط َو اَل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن� ُآن َق ْو ٍم َعلى �أل ت ْعدِ لوا ْاعدِ لوا هُ َو �أق َر ُب‬ ‫ري بمِ َا َت ْع َم ُلو َن ) (املائدة‪.)8 :‬‬ ‫لِل َّت ْق َوى َوا َّت ُقوا اللهَّ َ �إِ َّن اللهَّ َ َخ ِب ٌ‬ ‫�ضمان املجتمع امل�سلم‬ ‫واملجتمع الإ�سالمي م�سئول بالت�ضامن عن تنفيذ ال�شريعة‪ ،‬وتطبيق‬ ‫ق�صر بع�ض‬ ‫�أحكامها يف كل الأمور‪ ،‬ومنها ما يتعلق بغري امل�سلمني ؛ ف�إذا َّ‬ ‫النا�س �أو انحرف �أو جار وتعدى‪ ،‬وجد يف املجتمع مَن يرده �إىل احلق‪،‬‬ ‫وي�أمره باملعروف‪ ،‬وينهاه عن املنكر‪ ،‬ويقف بجانب املظلوم املعتدَى عليه‪،‬‬ ‫ولو كان خمال ًفا له يف الدين‪.‬‬

‫قد يوجد هذا كله دون �أن ي�شكو الذمي �إىل �أحد‪ ،‬وقد ي�شكو ما وقع‬ ‫عليه من ظلم‪ ،‬فيجد مَن ي�سمع ل�شكواه‪ ،‬وين�صفه من ظامله‪ ،‬مهما يكن‬ ‫مركزه ومكانه يف دنيا النا�س‪.‬‬ ‫فله �أن ي�شكو �إىل الوايل �أو احلاكم املحلي‪ ،‬فيجد عنده ال ُن�صفة‬ ‫واحلماية‪ ،‬ف�إن مل ين�صفه فله �أن يلج�أ �إىل مَن هو فوقه ؛ �إىل خليفة‬ ‫امل�سلمني و�أمري امل�ؤمنني‪ ،‬فيجد عنده ال�ضمان والأمان‪ ،‬حتى لو كانت‬ ‫الق�ضية بينه وبني اخلليفة نف�سه‪ ،‬ف�إنه يجد ال�ضمان لدى الق�ضاء‬ ‫َّعى عليه‪ ،‬ولو كان �أكرب‬ ‫امل�ستقل العادل‪ ،‬الذي له حق حماكمة �أي ُمد ً‬ ‫ر�أ�س يف الدولة (اخلليفة)! و�ضمان �آخر‪ :‬عند الفقهاء‪ ،‬الذين هم حماة‬ ‫ال�شريعة‪ ،‬وموجهو الر�أي العام‪.‬‬ ‫و�ضمان �أعم و�أ�شمل يتمثل يف "ال�ضمري الإ�سالمي" العام‪ ،‬الذي �صنعته‬ ‫عقيدة الإ�سالم وتربية الإ�سالم‪ ،‬وتقاليد الإ�سالم‪.‬‬ ‫والتاريخ الإ�سالمي مليء بالوقائع التي تدل على التزام املجتمع‬ ‫الإ�سالمي بحماية �أهل الذمة من كل ظلم مي�س حقوقهم املقررة‪� ،‬أو‬ ‫حرماتهم امل�صونة‪� ،‬أو حرياتهم املكفولة‪.‬‬ ‫ف�إذا كان الظلم من �أحد �أفراد امل�سلمني �إىل ذمي‪ ،‬ف�إن وايل الإقليم‬ ‫�سرعان ما ين�صفه ويرفع الظلم عنه‪ ،‬مبجرد �شكواه �أو علمه بق�ضيته‬ ‫من �أي طريق‪.‬‬ ‫وقد �شكا �أحد رهبان الن�صارى يف م�صر �إىل الوايل �أحمد بن طولون‬ ‫�أحد ق َّواده‪ ،‬لأنه ظلمه و�أخذ منه مبل ًغا من املال بغري حق‪ ،‬فما كان من‬ ‫ابن طولون �إال �أن �أح�ضر هذا القائد و�أ َّنبه وع َّزره و�أخذ منه املال‪ ،‬ورده‬ ‫�إىل الن�صراين ‪ .‬وقال له‪ :‬لو ادعيتَ عليه �أ�ضعاف هذا املبلغ لألزمته به‪،‬‬ ‫وفتح بابه لكل متظلم من �أهل الذمة‪ ،‬ولو كان امل�شكو من كبار الق َّواد‬ ‫وموظفي الدولة‪.‬‬ ‫و�إن كان الظلم واق ًعا من الوايل نف�سه �أو من ذويه وحا�شيته ؛ ف�إن �إمام‬ ‫امل�سلمني وخليفتهم هو الذي يتوىل ردعه ورد احلق �إىل �أهله‪.‬‬ ‫و�أ�شهر الأمثلة على ذلك ق�صة القبطي مع عمرو بن العا�ص وايل‬ ‫م�صر ؛ حيث �ضرب ابن عمرو ابن القبطي بال�سوط وقال له‪� :‬أنا ابن‬ ‫الأكرمني! فما كان من القبطي �إال �أن ذهب �إىل �أمري امل�ؤمنني عمر‬ ‫بن اخلطاب يف املدينة و�شكا �إليه‪ ،‬فا�ستدعى اخلليفة عمرو بن العا�ص‬ ‫وابنه‪ ،‬و�أعطى ال�سوط البن القبطي وقال له‪ :‬ا�ضرب ابن الأكرمني‪،‬‬ ‫فلما انتهى من �ضربه التفت �إليه عمر وقال له‪� :‬أدرها على �صلعة عمرو‬ ‫ف�إمنا �ضربك ب�سلطانه‪ ،‬فقال القبطي‪� :‬إمنا �ضربتُ مَن �ضربني ‪ .‬ثم‬ ‫التفت عمر �إىل عمرو وقال كلمته ال�شهرية‪" :‬يا عمرو‪ ،‬متى ا�ستعبدمت‬ ‫النا�س وقد ولدتهم �أمهاتهم �أحرا ًرا"؟‪.‬‬ ‫ومما ي�ستحق الت�سجيل يف هذه الق�صة‪� :‬أن النا�س قد �شعروا بكرامتهم‬ ‫و�إن�سانيتهم يف ظل الإ�سالم‪ ،‬حتى �إن لطمة ُي َ‬ ‫لطمها �أحدهم بغري حق‪،‬‬ ‫ي�ستنكرها وي�ستقبحها‪ ،‬وقد كانت تقع �آالف مثل هذه احلادثة وما هو‬ ‫�أكرب منها يف عهد الرومان وغريهم‪ ،‬فال يحرك بها �أحد ر� ًأ�سا‪ ،‬ولكن‬ ‫�شعور الفرد بحقه وكرامته يف كنف الدولة الإ�سالمية جعل املظلوم‬

‫‪43‬‬


‫يركب امل�شاق‪ ،‬ويتج�شم وعثاء ال�سفر الطويل من م�صر �إىل املدينة‬ ‫املن َّورة‪ ،‬واثقاً ب�أن حقه لن ي�ضيع‪ ،‬و�أن �شكاته �ستجد �أذ ًنا �صاغية‪.‬‬ ‫و�إذا مل ي�صل �أمر الذمي �إىل اخلليفة‪� ،‬أو كان اخلليفة نف�سه على طريقة‬ ‫واليه‪ ،‬ف�إن الر�أي العام الإ�سالمي الذي يتمثل يف فقهاء امل�سلمني‪ ،‬ويف‬ ‫املتدينني كافة يقف بجوار املظلوم من �أهل الذمة وي�سانده‪.‬‬ ‫ومن الأمثلة البارزة على ذلك‪ :‬موقف الإمام الأوزاعي من الوايل‬ ‫العبا�سي يف زمنه‪ ،‬عندما �أجلى قو ًما من �أهل الذمة من جبل لبنان‪،‬‬ ‫خلروج فريق منهم على عامل اخلراج ‪ .‬وكان الوايل هذا �أحد �أقارب‬ ‫علي بن عبد اهلل بن عبا�س ‪ .‬فكتب �إليه‬ ‫اخلليفة وع�صبته‪ ،‬وهو �صالح بن ٍّ‬ ‫الأوزاعي ر�سالة طويلة‪ ،‬كان مما قال فيها‪" :‬فكيف ت�ؤخذ عامة بذنوب‬ ‫خا�صة‪ ،‬حتى ُيخ َرجوا من ديارهم و�أموالهم؟ وحكم اهلل تعاىل (�أَ اَّل َت ِز ُر‬ ‫َوا ِز َر ٌة ِو ْز َر �أُ ْخ َرى)(النجم‪ ،)38 :‬وهو �أحق ما وقف عنده واقتدى به ‪.‬‬ ‫و�أحق الو�صايا �أن حتفظ وترعى و�صية ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫ومل يعرف تاريخ امل�سلمني ظل ًما وقع على �أهل الذمة وا�ستمر طوي َ‬ ‫ال‪،‬‬ ‫فقد كان الر�أي العام والفقهاء معه دائ ًما �ضد الظلمة واملنحرفني‪،‬‬ ‫و�سرعان ما يعود احلق �إىل ن�صابه‪.‬‬ ‫�أخذ الوليد بن عبد امللك كني�سة "يوحنا" من الن�صارى‪ ،‬و�أدخلها يف‬ ‫امل�سجد ‪ .‬فلما ْا�ستُخْ ل َِف عمر بن عبد العزيز �شكا الن�صارى �إليه ما فعل‬ ‫الوليد بهم يف كني�ستهم‪ ،‬فكتب �إىل عامله برد ما زاده يف امل�سجد عليهم‪،‬‬ ‫لوال �أنهم ترا�ضوا مع الوايل على �أ�سا�س �أن ُيع َّو�ضوا مبا ير�ضيهم ‪( .‬فتوح‬ ‫البلدان �ص ‪ .) 172 171‬وق�صة هذه الكني�سة كما يحكيها البالذري �أن‬ ‫خلفاء بني �أمية منذ عهد معاوية‪ ،‬ثم عبد امللك‪ ،‬حاولوا �أن ي�سرت�ضوا‬ ‫الن�صارى ليزيدوا م�ساحتها يف امل�سجد الأموي‪ ،‬وا�سرت�ضوهم عنها‪،‬‬ ‫فرف�ضوا‪ ،‬ويف �أيام الوليد‪ ،‬جمعهم وبذل لهم ما ًال عظي ًما على �أن يعطوه‬ ‫�إياها ف�أبوا‪ ،‬فقال‪ :‬لئن مل تفعلوا لأهدمنها فقال بع�ضهم‪ :‬يا �أمري‬ ‫امل�ؤمنني‪� ،‬إن مَن هدم كني�سة ُجنَّ و�أ�صابته عاهة! ف�أغ�ضبه قولهم‪ ،‬ودعا‬ ‫مبعول وجعل يهدم بع�ض حيطانها بيده‪ ،‬ثم جمع الفعلة والنقا�ضني‪،‬‬ ‫فهدموها ‪ .‬و�أدخلها يف امل�سجد‪ ،‬فلما ْا�ستُخْ لِف عمر بن عبد العزيز �شكا‬ ‫�إليه الن�صارى ما فعل بهم الوليد يف كني�ستهم ‪ .‬فكتب �إىل عامله ي�أمره‬ ‫برد ما زاده يف امل�سجد عليهم! (�أي بهدمه و�إعادته كني�سة) فكره �أهل‬ ‫دم�شق ذلك وقالوا‪ :‬نهدم م�سجدنا بعد �أن �أ َّذ َّنا فيه و�صلينا دبر نبيه‬ ‫وفيهم يومئذ �سليمان بن حبيب املحاربي وغريه من الفقهاء و�أقبلوا‬ ‫على الن�صارى ي�سرت�ضونهم ‪ .‬ف�س�ألوهم �أن يعطوا جميع كنائ�س الغوطة‬ ‫التي �أُخذت عنوة (�أي عند الفتح) و�صارت يف �أيدي امل�سلمني‪ ،‬على �أن‬ ‫ي�صفحوا عن كني�سة يوحنا‪ ،‬ومي�سكوا عن املطالبة بها‪ ،‬فر�ضوا بذلك‬ ‫و�أعجبهم ‪ .‬فكتب بذلك �إىل عمر ف�سره و�أم�ضاه‪.‬‬ ‫و�أجلى الوليد بن يزيد مَن كان بقرب�ص من الذميني‪ ،‬و�أر�سلهم �إىل‬

‫ال�شام خمافة حملة الروم‪ ،‬ورغم �أنه مل يفعل ذلك �إال حماية للدولة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واحتياطا لها يف نظره‪ ،‬فقد غ�ضب عليه الفقهاء وعامة امل�سلمني‬ ‫وا�ستعظموا ذلك منه ‪ .‬فلما جاء يزيد بن الوليد وردَّهم �إىل قرب�ص‪،‬‬ ‫ا�ستح�سنه امل�سلمون‪ ،‬وعدوه من العدل وذكروه يف مناقبه ‪ .‬كما يروي‬ ‫ذلك امل�ؤرخ البالذري‪( .‬نف�س املرجع �ص ‪.)214‬‬ ‫ومن مفاخر النظام الإ�سالمي ما منحه من ُ�سلطة وا�ستقالل للق�ضاء‪،‬‬ ‫ففي رحاب الق�ضاء الإ�سالمي احلق‪ ،‬يجد املظلوم واملغبون ‪�-‬أ ّياً كان دينه‬ ‫وجن�سه‪ -‬ال�ضمان والأمان‪ ،‬لينت�صف من ظامله‪ ،‬وي�أخذ حقه من غا�صبه‪،‬‬ ‫ولو كان هو �أمري امل�ؤمنني بهيبته و�سلطانه‪.‬‬ ‫ويف تاريخ الق�ضاء الإ�سالمي �أمثلة ووقائع كثرية وقف فيها ال�سلطان �أو‬ ‫َّعى عليه‪ ،‬ويف كثري منها كان احلكم‬ ‫اخلليفة �أمام القا�ضي ُمدَّع ًيا �أو ُمد ً‬ ‫على اخلليفة �أو ال�سلطان ل�صالح فرد من �أفراد ال�شعب‪ ،‬ال حول له وال‬ ‫طول‪ ،‬ونكتفي هنا مبثال واحد له داللته الوا�ضحة يف مو�ضوعنا‪.‬‬ ‫�سقطت درع �أمري امل�ؤمنني علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬فوجدها‬ ‫عند رجل ن�صراين فاخت�صما �إىل القا�ضي �شريح ‪ .‬قال علي‪ :‬الدرع‬ ‫درعي‪ ،‬ومل �أبع ومل �أهب ‪.‬ف�س�أل القا�ضي ذلك الن�صراين يف ما يقول‬ ‫�أمري امل�ؤمنني‪ ،‬فقال الن�صراين‪ :‬ما الدرع �إال درعي‪ ،‬وما �أمري امل�ؤمنني‬ ‫عندي بكاذب‪.‬‬ ‫فالتفت �شريح �إىل علي ي�س�أله‪:‬يا �أمري امل�ؤمنني‪ ،‬هل لك من ب ِّينة؟‬ ‫ف�ضحك علي وقال‪� :‬أ�صاب �شريح‪ ،‬ما يل ب ِّينة ‪ .‬وق�ضى �شريح للن�صراين‬ ‫علي بخالف ذلك ‪.‬‬ ‫بالدرع‪ ،‬لأنه �صاحب اليد عليها‪ ،‬ومل تقم بينة ّ‬ ‫ف�أخذها هذا الرجل وم�ضى‪ ،‬ومل مي�ش خطوات‪ ،‬حتى عاد يقول‪� :‬أما �إين‬ ‫�أ�شهد �أن هذه �أحكام �أنبياء! �أمري امل�ؤمنني يدينني �إىل قا�ضيه فيق�ضي‬ ‫يل عليه! �أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل و�أن حممدًا ر�سول اهلل‪ ،‬الدرع درعك يا‬ ‫�أمري امل�ؤمنني‪ ،‬اتبعت اجلي�ش و�أنت منطلق من �صفني‪ ،‬فخرجت من‬ ‫بعريك الأورق‪.‬‬ ‫فقال علي ر�ضي اهلل عنه‪� :‬أما �إذ �أ�سلمت فهي لك! (البداية والنهاية‬ ‫البن كثري ج ـ ‪� 8‬ص ‪.)5 - 4‬‬ ‫وهي واقعة تغني عن كل تعليق‪.‬‬ ‫ من كتاب "غري امل�سلمني يف املجتمع الإ�سالمي" لف�ضيلة العالمة ال�شيخ‬‫يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ -‬مكتبة وهبة ‪1992‬‬ ‫*لال�ستزادة حول ر�أي ال�شيخ يف م�س�ألة "تويل غري امل�سلم رئا�سة الدولة"‬ ‫ميكن مطالعة ذلك يف كتابه (الدين وال�سيا�سة‪..‬ت�أ�صيل ورد �شبهات)‬ ‫موقع القر�ضاوي‪2011-1-4:‬‬

‫‪44‬‬


‫الﺠﺬوﺭ الﻔﻜرية ﻻنﺤراﻑ‬ ‫ﺟماﻋاﺕ الﻐﻠو‪‬‬ ‫اأ‪.‬د‪ .‬عبد النا�شر اأبو الب�شل‪/‬الأردن‬

‫ل �شك يف اأن البحث يف اجلذور الفكرية للتطرف وع�شر امل�شالك‪،‬‬ ‫مت�شعب امل�شائل‪ ،‬كثري التفريعات‪ ‬خا�شة يف هذ ِه الأيام التي‬ ‫تعددت فيها املناه‪ ‬والأفكار والفرق واجلماعات‪ ،‬بل وانق�شمت‬ ‫كثري منها اإىل جماعات وتيارات ‪‬تلفة‪ ،‬ثم ن�شبت كثري من‬ ‫الأعمال هنا وهناك اإىل اأُنا�ص م�شلمني‪ ،‬ون�شبت اأقوال وموؤلفات‬ ‫واأحكام اإىل الإ�شالم وامل�شلمني‪ ،‬يف ظل �شراع دويل عاملي حموره‬ ‫يف كثري من مناطق العا‪ ‬بالد وجمتمعات م�شلمة‪ ،‬فما كاد العا‪‬‬ ‫الإ�شالمي ي�شحو من تناق�شات و�شراعات القرن الع�شرين‬ ‫امليالدي الذي انتهى اإىل تق�شيم ذلك العا‪ ‬اإىل دول و‪‬معات‬ ‫متعددة‪ ،‬تعاين م�شكالت اقت�شادية واجتماعية و�شيا�شية‪‬‬ ‫حتى بداأ القرن احلادي والع�شرون ب�شراعات وحروب جديدة‪،‬‬ ‫وبو�شائل اأحد‪،‬ومناه‪ ‬اأعمق تاأثريايف نف�شية اجليل ال�شابق‬ ‫واحلايل والالحق‪.‬‬ ‫ومنذ ع�ضرات ال�ضنني‪ ،‬وال�ضباب واملفكرون ينظرون اإىل واقعهم واإىل‬ ‫اأحكام دينهم؛ فتظهر املفارقات وتبداأ مرحلة من احلريةوالت�ضاوؤل‪،‬‬ ‫ثم تظهر بعدها الأفكار التي يرونها طريقاً للخال�س من ماأزق واأزمة‬ ‫«الواقع»‪ ،‬ولهذا نرى التاأرجح والختالف والتعار�س بني تلك التيارات‬ ‫والجتاهات‪.‬‬ ‫وقبل احلديث عن اجلذور والأ�ضباب التي اأدت اإىل "التطرف"‬ ‫و"النحراف"؛ ل بد من الإ�ضارة اإىل اأن امل�ضطلحات امل�ضتخدمة حالياً‬ ‫من مثل "الإرهاب" و"التكفري" وقبل ذلك كان امل�ضتهر وامل�ضتعمل‬ ‫م�ضطلحات "التطرف الديني" و " الأ�ضولية" و" الت�ضدد الإ�ضالمي"‬

‫ثم اأ�ضبحنا ن�ضمع اليوم م�ضطلحات جديدة مل تكن قد دخلت اإىل‬ ‫القامو�س ال�ضيا�ضي الذي يتناول التطرف ونرى اأن كثريا من هذه‬ ‫امل�ضطلحات ل تخدم الق�ضية الإ�ضالمية على الإطالق؛ بل توؤدي‬ ‫على العك�س من ذلك اإىل تاأجيج ال�ضراع‪ ،‬واإىل املزيد من النق�ضامات‬ ‫والنحرافات عن الطريق ال�ضحيح‪،‬الذي نوؤثر اأن ن�ضميه طريق‬ ‫«الو�ضطية الإ�ضالمية»‪ ،‬فالأ�ضل املقي�س عليهِ‪ ،‬واملعيار الذي نزن ب ِه‬ ‫الأفعال والت�ضرفات اإمنا هو «الو�ضطية» التي جاء بها وطبقها الر�ضول‬ ‫امل�ضطفى ‪�-‬ضلى اهلل عليه و�ضلم‪ -‬و�ضحابته الكرام‪ ،‬وهي التي تق�ضدها‬ ‫الآيات الكرمية‪ ،‬قول ُه �ضبحانه( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم اأُ َّم ًة َو َ�ض ًطا ِل َت ُكو ُنوا‬ ‫ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�ض ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم َ�ضهِيدًا َومَا َج َع ْل َنا ا ْل ِق ْبلَ َة‬ ‫ُ�ض َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫ممنْ َي ْن َقل ُِب َعلَى َع ِق َب ْي ِه‬ ‫ا َّلتِي ُكنْتَ َعلَ ْيهَا اإِ َّل ِل َن ْعلَ َم َمنْ َي َّت ِب ُع ال َّر ُ�ضو َل ِ َّ‬ ‫اهلل َومَا َكا َن َّ ُ‬ ‫ين َهدَى َّ ُ‬ ‫ري ًة اإِ َّل َعلَى ا َّلذِ َ‬ ‫اهلل ِل ُي ِ�ضي َع اإِميَا َن ُك ْم‬ ‫َواإِنْ َكا َنتْ َل َك ِب َ‬ ‫اإِ َّن َّ َ‬ ‫ا�س َل َرء ٌ‬ ‫ُوف َرحِ ي ٌم )(البقرة‪ ،)143:‬وقوله �ضبحانه( ُق ْل هَذِ ِه‬ ‫اهلل بِال َّن ِ‬ ‫اهلل َومَا اأَ َنا‬ ‫ري ٍة اأَ َنا َوم َِن ا َّت َب َعنِي َو ُ�ض ْب َحا َن َّ ِ‬ ‫َ�ضبِيلِي اأَ ْدعُو اإِ َىل َّ ِ‬ ‫اهلل َعلَى َب ِ�ض َ‬ ‫مِ َن ْامل ُ ْ�ض ِر ِك َ‬ ‫ني )(يو�ضف‪.)108:‬‬ ‫ِاحل ْك َم ِة َوا ْمل َ ْوعِ َظ ِة ْ َ‬ ‫احل َ�ض َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم‬ ‫وقوله �ضبحانه( ا ْد ُع اإِ َىل َ�ضبِيلِ َر ِّب َك ب ْ ِ‬ ‫مبنْ َ�ض َّل َعنْ َ�ضبِي ِل ِه َوهُ َو اأَ ْعلَ ُم‬ ‫بِا َّلتِي هِ َي اأَ ْح َ�ض ُن اإِ َّن َر َّب َك هُ َو اأَ ْعلَ ُم ِ َ‬ ‫ب ِْامل ُ ْه َتدِ َ‬ ‫ين ) (النحل‪.)125:‬‬ ‫فالآية الأوىل اأ�ضارت اإىل �ضمة الو�ضطية التي تت�ضف بها الأمة لكي‬ ‫ت�ضتحق مقام ال�ضهادة على النا�س‪ ،‬وال�ضاهد ي�ضرتط فيه العدالة‪ ،‬ومن‬ ‫مل يت�ضف بالعدالة ل يحق ل ُه اأن يكون �ضاهداً‪ ،‬والعدل هم اخليار‪،‬‬ ‫واخليار هم املرتبعون على القمة يف‪ :‬القيم والأخالق والعلم‪ ،‬والعمل‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫والآية الثانية حتدد �أ�سا�س الدعوة وهو «الب�صرية» والثالثة حتدد‬ ‫مناهج و�أ�ساليب الدعوة بـ‪ :‬احلكمة‪ ،‬املوعظة احل�سنة‪ ،‬املجادلة بالتي‬ ‫هي �أح�سن‪.‬‬ ‫ف�إذا كانت امل�س�ألة مرتبطة باملو�ضوع والعلم والفكر فاملعيار هو الو�سطية‪،‬‬ ‫والب�صرية‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬و�إذا كانت امل�س�ألة مرتبطة بالت�صرفات فاملعيار هو‬ ‫احلكمة‪ ،‬واملوعظة احل�سنة‪ ،‬واملجادلة بالتي هي �أح�سن‪ ،‬والو�سطية يف‬ ‫الت�صرفات‪.‬‬ ‫ومن هنا نقول ب�أن « الو�سطية» مبا تت�ضمن من مبادىء و�أ�صول‬ ‫وقواعد و�سمات متثل الإطار العام ل�سلوك امل�سلم وفكره‪ ،‬وب�إطاللة‬ ‫على م�ضامني الو�سطية نرى �أمام ــنا‪:‬ال�سماحة‪ ،‬اخلريية‪ ،‬احلكمة‪،‬‬ ‫العلم‪ ،‬الب�صرية‪ ،‬املوعظة احل�سنة‪ ،‬املجادلة بالتي هي �أح�سن‪ ،‬االجتهاد‪،‬‬ ‫التجديد‪ ،‬اجلهاد‪،‬ال�سداد‪ ،‬الرحمة‪ ،‬القوة يف احلق‪ ،‬الإذعان للحق‪،‬‬ ‫جلب امل�صلحة‪ ،‬دفع املف�سدة‪ ،‬الإ�صالح‪ ،‬القيم العليا‪ ،‬االلتزام‪ ،‬النظام‪،‬‬ ‫الن�صيحة‪ ،‬االن�ضباط‪ ،‬التقوى‪ ،‬الإخال�ص‪ ،‬اال�ستقامة‪ ،‬العدل‪ ،‬الرب‪،....‬‬ ‫البذل‪ ،‬الكرم واجلود‪� ....‬إلخ‬ ‫وهذ ِه املبادئ‪ ،‬وهذه املعاين‪ ،‬وهذه ال�صفات وال�سمات واملميزات كما نرى‬ ‫متثل «الإ�سالم» من خالل ما ورد يف القر�آن وال�سنة ال�صحيحة‪ ،‬وهو‬ ‫الإ�سالم الذي طبقه الر�سول امل�صطفى �صلوات اهلل و�سالمه علي ِه ‪ ،‬و من‬ ‫ثم �سار على نهج ِه الرعيل الأول‪ ،‬ثم بد�أ االنحراف �شيئاً ف�شيئاً؛ حتى‬ ‫و�صلت الفرق واجلماعات �إىل ما و�صلت �إليه من متزيق للأمة‪ ،‬وتبديد‬ ‫لوحدتها‪ ،‬و�إذا نظرنا �إىل امل�صادر الإ�سالمية جند م�صطلحات متعددة‬ ‫تدل على حاالت معينة من حاالت تخالف الو�سطية‪ ،‬نظراً خل�صو�صية‬ ‫ال�سبب؛ فمث ً‬ ‫ال جند م�صطلح « الغلو» و « االبتداع» و«التنطع»‪.‬‬ ‫فمما ورد عن الر�سول �صلى اهلل عليه و�آله و�صحبه و�سلم يف هذا املقام‬ ‫قوله‪�« :‬إياكم والغلو يف الدين ف�إمنا �أهلك من كان قبلكم الغلو يف‬ ‫الدين»‪ 2‬وقوله �صلى اهلل عليه و�سلم «هلك املتنطعون»‪ ،3‬قالها ثالثاً‬ ‫وقوله «من �أحدث يف �أمرنا هذا ما لي�س فيه فهو رد»‪.4‬‬ ‫اجلذور الفكرية لالنحراف‬ ‫قبل احلديث عن جذور االنحراف‪ ،‬البد من تقرير م�سائل �أولية متفق‬ ‫عليها؛ حتى اليقع اخللط ب�سببها‪ ،‬خا�صة �أن ال�صورة االعالمية التي‬ ‫تعر�ض عن اال�سالم يف بع�ض الدول واملجتمعات �أ�صبحت تنفر النا�س‬ ‫من التدين‪ ،‬مع �أن امل�شكلة التكمن يف التدين و�إمنا يف" فقه التدين"‪،‬‬ ‫وكما ن�شكو من االنحراف يف هذا اجلانب؛ البد �أن ن�شري �إىل االنحراف‬ ‫والغلو والتطرف يف جانب «عدم التدين»‪ ،‬ومن هنا ننبه اىل امل�سائل‬ ‫الأ�سا�سية التالية‪:‬‬ ‫• �إن التدين احلق وااللتزام ب�شرائع الإ�سالم دون �إفراط �أو تفريط‬ ‫ال يعد غلواً وال انحرافاً وال تطرفاً‪ ،‬وال يجوز بحال ان يو�صف‬ ‫الإن�سان بالتطرف ملجرد �أنه اطلق حليته �أو التزم بال�صلوات �أو�أداء‬ ‫الزكاة �أو�صيام رم�ضان‪� ،‬أو �أن املر�أة التزمت باحلجاب‪� ،‬أو غري ذلك من‬

‫عالمات التدين‪...‬التي يقوم بها كثري بل معظم امل�سلمني دون �أن يخطر‬ ‫ببال �أحد �أي من م�سائل االنحراف التي نتحدث عنها‪.‬‬ ‫• �إن امليزان الذي ينبغي �أن توزن ب َه الت�صرفات �أو يحكم من خالل‬ ‫النظر فيه �إمنا هو ميزان ال�شرع املتمثل بالكتاب وال�سنة وما انبنى‬ ‫عليهما من اجتهاد من�ضبط‪.‬‬ ‫• �إن من امل�سائل املتفق عليها بني العلماء عدم الإنكار يف امل�سائل‬ ‫املختلف فيها اختالفاً له وجه من احلجه واال�ستدالل؛ كما �أن الآراء‬ ‫الفقهية لعلماء الأمة يجب �أن حتظى باالحرتام والتقدير‪� ،‬ضمن دائرة‬ ‫�أدب اخلالف التي كانت �سائدة بني العلماء على مر الع�صور‪.‬‬ ‫ً‬ ‫• �إن �إنكار ظاهرة ما من الظواهر املخالفة لل�شرع ال يعد غلوا وال‬ ‫انحرافاً؛ �إذا التزم « املنكر» قواعد احلكمة واملوعظة احل�سنة‪ ،‬ومل‬ ‫يخرج عن ال�شروط وال�ضوابط التي و�ضعها علماء الأمة‪.‬‬ ‫• احلديث عن انحراف وغلو من�سوب �إىل " التدين " �أو " امللتزمني‬ ‫دينياً" يجب �أن يعقبه حديث عن انحراف وغلو م�ضاد‪ ،‬ي�صدر"�ضد‬ ‫الدين" وين�شر املفا�سد وال�شرور‪ ،‬لأن من �أ�سباب كثري من االنحرافات‬ ‫لدى ال�شباب اجتماع احلرية والتناق�ض بني او�ضاع املجتمعات‬ ‫اال�سالمية مقارنة مبا يراه ممثال لر�أي ال�شرع مع ال�سكوت وعدم انكار‬ ‫املفا�سد واالنحرافات االخرى‪ ،‬وهنا ينتقل من "داعية �إ�صالح" باحلكمة‬ ‫واملوعظة احل�سنة‪� ،‬إىل قا�ض وجمتهد يحكم دون معقب‪ ،‬بر�أي منفرد‬ ‫مل ي�صدر عن ر�أي و�شورى‪.5‬‬ ‫فاالنحراف عن املنهج ال�صحيح الذي علمه الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم لل�صحابة له جذور فكرية �أدت �إىل حلول منهج جديد مغاير‬ ‫للمنهج اال�صيل‪ ،‬يف بع�ض املواقع‪ ،‬حتى �أ�صبح هذا اجلديد هو املنهج يف‬ ‫نظرهم‪ ،‬وهذا "املنهج اجلديد" هو منهج موهوم؛ لأنه مغاير لل�صواب‬ ‫بانحرافه عن املنهج‪ ،‬و�سبب االنحراف يف املنهج كما �أ�سلفنا �إما عدم العلم‬ ‫(اجلهل) �أو توهم العلم واخلط�أ يف الفهم‪� ،‬أو ردة فعل لظروف بيئية‬ ‫معينة‪ ،‬ومهما حاولنا ا�ستق�صاء جذور االنحراف فلن نتعدى املنهجية‬ ‫اخلط�أ التي نتجت عن عدة �أ�سباب جنملها فيما يلي وينطبق على ه�ؤالء‬ ‫ِالَ ْخ َ�سر َ‬ ‫ِين �أَ ْع َم اًال)‬ ‫املنحرفني يف الفكر قوله �سبحانه( ُق ْل ه َْل ُن َن ِّب ُئ ُك ْم ب ْ أ‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين َ�ض َّل َ�س ْع ُي ُه ْم فيِ الحْ َ َيا ِة الدُّ ْن َيا َوهُ ْم َي ْح َ�س ُبو َن �أَ َّن ُه ْم ُي ْح�سِ ُنو َن ُ�ص ْن ًعا)‬ ‫(الكهف‪)103،104 :‬‬ ‫�أوال‪:‬اجلهل‪ :‬وهذا ال�سبب ميثل قا�سماً م�شرتكاً لدى خمتلف‬ ‫الأ�شخا�ص الذن ينحرفون عن منهاج الر�سول (�صلى اهلل علي ِه و�سلم)‪،‬‬ ‫حيث �أن اجلاهل بالأحكام و�أ�صولها وا�ستنباطها �ستكون �أحكامه اتفاقية‬ ‫ع�شوائية يفهم كما ي�شاء‪ ،‬ويعتقد كما يفهم‪،‬دون « ب�صرية» ودون �أ�سا�س‬ ‫متني من العلم يقف عليهِ؛ ولهذا ترى كثرياً منهم يعود عن ر�أيه �إذا‬ ‫بني له احلق‪ ،‬ومت تو�ضيح امل�س�ألة حمل البحث‪.‬‬ ‫وم�شكلة اجلهل هذه حتدث عنها الر�سول (�صلى اهلل عليه و�سلم) حينما‬ ‫قال‪�« :‬إن اهلل ال يقب�ض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد (ويف رواية من‬

‫‪46‬‬


‫�صدور العلماء) ولكن يقب�ض العلم بقب�ض العلماء حتى �إذا مل يبق عامل‬ ‫اتخذ النا�س ر�ؤو�سا جهاال ف�سئلوا ف�أفتوا بغري علم ف�ضلوا و�أ�ضلوا»‪. 6‬‬ ‫�إن املعاجلة الناجعة لهذا اجلذر ولهذا ال�سبب �إمنا تتم بالعلم‪ ،‬وب�إعادة‬ ‫املكانة للعلم ال�شرعي ال�صحيح‪ ،‬وللعلماء املوثوق بعلمهم ودينهم‪ ،‬كما‬ ‫البد من �أن نعيد طريقة احللقات العلمية يف امل�ساجد واملنتديات حتى‬ ‫ال يذهب ال�شباب �إىل �أولئك اجلهال ويرتبوا على �أيديهم‪...‬فالفراغ‬ ‫من حلقات العلم البد من ملئه‪ ،‬ف�إن ملئ باخلري وباملنهجية ال�سليمة‬ ‫يف طلب العلم؛ كانت النتائج طيبة‪ ،‬و�إذا ترك‪ ،‬ملئ باجلهل والفو�ضى‪،‬‬ ‫وتربع اجلهال املتعاملون على كر�سي اال�ستاذية يف املكان الفارغ‪.‬‬ ‫ومما يتفرع عن م�س�ألة اجلهل‪ ،‬اجلهل بعلم �أ�صول اال�ستنباط‪ ،‬وعلم‬ ‫الفتوى‪ ،‬واملقا�صد‪،‬وعلوم القر�آن واحلديث‪ ،‬و�أ�صول اللغة العربية‪،‬وعلوم‬ ‫املعاين والبالغة‪ ،‬ومن هنا جند �أن كثرياً من الذين ينحرفون عن‬ ‫اجلادة اولئك الذين يف�سرون القر�آن واحلديث على وفق مقدرتهم‬ ‫الذاتية غري املبنية على علوم «الآلة» �أي علوم اال�ستنباط التي ت�ؤهل‬ ‫ال�شخ�ص للتعامل مع الأ�صلني الكتاب وال�سنة‪.‬‬ ‫وكثري من ال�شباب �إذا قر�أ القر�آن وحده دون مرب ومعلم‪ ،‬ودون فقه‬ ‫ا�سا�سيات التعامل مع القر�آن وال�سنة؛ خرج با�ستنباطات غريبة عجيبة‬ ‫�أخذها مبا�شرة من ظاهر الآيات دون �سلوك طريق اال�ستنباط املعروفة‬ ‫ب�ضوابطها و�شروطها لدى العلماء‪...‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الهوى والرغبات واملطالب ال�شخ�صية‪ ،‬ويتفرع عنهاُ‪ :‬التع�صب‬ ‫للر�أي‪ ،‬وعدم قبول الآخرين‪ ،‬واتخاذ موقف ما دون اال�ستناد اىل دليل‪،‬‬ ‫�أو منهج؛ �إال ردة الفعل جتاه هيئات‪� ،‬أو �أ�شخا�ص �أواتخاذ موقف �ضد‬ ‫جهة �أو جماعة ما‪ ،‬و�أحيانا يكون املوقف جتاه االهل �أو اال�سرة مثال‪.‬‬ ‫فالهوى يعمي ويغلق العقل والقلب والب�صر؛ فال يرى �إال بعينه‪ ،‬ويريد‬ ‫منع النا�س من �أن يروا غري مايراه‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الفهم اخلط�أ �أو ف�ساد الت�صور ال�صحيح‪:‬ويتفرع عن هذا‬ ‫الأ�صل الكبري م�سائل متعددة‪،‬كلها ت�صب يف باب االنحراف عن منهج‬ ‫الو�سطية‪�،‬أهمها‪:‬‬ ‫�أ ) الإعرا�ض عن الطيبات مما �أحل اهلل؛ كمن يحرم على نف�س ِه الزواج‪،‬‬ ‫ومن يرتك الطعام �إال النزر الي�سري‪ ،‬ومن ي�صوم كل يوم‪ ،‬ويف هذا الباب‬ ‫جند التوجيهات النبوية قد جاءت منذ البداية ليغلق الباب على كل‬ ‫من ت�سول ل ُه نف�سه‪� ،‬أو يفكر يف اخرتاع طريق للعبادة يظن �أنه �سيفعل‬ ‫�أف�ضل مما كان عليه النبي �صلى اهلل عليه و�سلموا الدليل على ذلك‬ ‫ما جاء يف احلديث ال�شريف �أنه جاء ثالثة رهط �إىل بيوت �أزواج النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ي�س�ألون عن عبادة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫فلما �أخربوا ك�أنهم تقالوها فقالوا و�أين نحن من النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ ،‬قد غفر اهلل له ما تقدم من ذنبه وما ت�أخر‪ ،‬قال �أحدهم �أما �أنا‬ ‫ف�إين �أ�صلي الليل �أبدا‪ .‬وقال �آخر انا �أ�صوم الدهر وال �أفطر‪ ،‬وقال �آخر‬

‫�أنا �أعتزل الن�ساء فال �أتزوج �أبداً‪ ،‬فجاء ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫فقال �أنتم الذين قلتم كذا وكذا‪� ،‬أما واهلل �إين لأخ�شاكم هلل و�أتقاكم له‬ ‫لكني �أ�صوم و�أفطر و�أ�صلي و�أرقد و�أتزوج الن�ساء فمن رغب عن �سنتي‬ ‫فلي�س مني»‪.7‬‬ ‫�إن ال�شاهد يف قول ِه �صلى اهلل علي ِه و�سلم « فمن رغب عن �سنتي فلي�س‬ ‫مني‪ ،‬ليقول لهم‪� :‬إن عملكم هذا ميثل انحرافاً عن طريق النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ومن يظن �أنه �سيقدم عبادة �أو �سيعمل �أف�ضل من‬ ‫النبي فهو فا�سد الت�صور‪ ،‬خمطىء يف الفهم‪ ،‬وعمله ميثل انحرافاً عن‬ ‫الطريق امل�ستقيم‪.‬‬ ‫وه�ؤالء ال�صحابة الذين ورد ذكرهم يف احلديث كانوا خمل�صني‬ ‫ومق�صدهم التقرب �إىل اهلل ولي�س من م�آربهم الإ�ساءة �أو االنحراف‬ ‫ولكن بيان الر�سول لهم كان م�صححاً مل�سريتهم‪.‬‬ ‫ب) التزام الت�شديد دائماً لظن على نف�س ِه �أن ُه �أكرث قبو ًال عند اهلل‪ ،‬وهنا‬ ‫يرى كثري ممن ال علم عندهم بروح ال�شريعة و�سنة امل�صطفى �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم �أن التحرمي �أو الت�شديد يعني « االلتزام» ويعني « العلم»‬ ‫وهنا ي�أتي توجيه الر�سول الذي ورد وا�ستفا�ض من منهج ِه «�أن ُه ما خيرّ‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بني �أمرين �إال �أخذ �أي�سرهما ما مل يكن‬ ‫�إثما ف�إن كان �إثما كان �أبعد النا�س منه»‪.8‬‬ ‫وهو القائل « ي�سروا وال تع�سروا‪ ،‬ب�شروا وال تنفروا»‪.9‬‬ ‫وهو القائل‪ :‬هلك املتنطعون‪ .....‬قالها ثالثاً‪»10...‬‬ ‫وهو القائل �صلى اهلل عليه و�سلم « ال ت�شددوا على �أنف�سكم ف�إن قوماً‬ ‫�شددوا على �أنف�سهم ف�شدد اهلل عليهم‪ »..‬ويف رواية «ال ت�شددوا على‬ ‫�أنف�سكم في�شدد عليكم ف�إن قوما �شددوا على �أنف�سهم ف�شدد عليهم‪،‬‬ ‫فتلك بقاياهم يف ال�صوامع والديارات»‪.11‬‬ ‫وهو القائل« �إن الدين ي�سر ولن ي�شاد الدين �أحد �إال غلبه ف�سددوا‬ ‫وقاربوا و�أب�شروا» ‪.12‬‬ ‫ج) اخللط بني امل�صطلحات والأحكام مما يقت�ضي التفرقه بينهما‪ :‬فعلى‬ ‫�سبيل املثال لفظ «الكفر» ورد يف القر�آن وال�سنة ول ُه �أكرث من معنى ف�إذا‬ ‫حمل اللفظ على نوع واحد يف جميع حاالت ورود ِه كان ذلك م�ؤدياً �إىل‬ ‫االنحراف يف الفهم وهو انحراف عن املنهج‪.‬‬ ‫ف�إذا �أخذنا قول ُه �صلى اهلل عليه و�سلم «�سباب امل�سلم ف�سوق وقتال ُه‬ ‫كفر» وحملنا اللفظ على الكفر مبعنى ترك الإ�سالم �إىل غري دين �أو‬ ‫�إىل دين �آخر‪ ،‬يكون �أي نزاع بني امل�سلمني – مع القول مبنعه‪ -‬م�ؤدياً‬ ‫�إىل تكفريهم‪ ،‬وهنا ي�أتي املنهج ليحدد ال�صواب يف الفهم؛ فهناك �آية‬ ‫تتحدث عن القتال بني امل�سلمني وهي « و�إن طائفتان من امل�ؤمنني‬ ‫اقتتلوا ف�أ�صلحوا بينهما»‪.‬‬ ‫فالقر�آن �سماهم « م�ؤمنني» ومل ينزع عنهم �صفة الإ�سالم بل الإميان‪،‬‬ ‫والآية يف هذه احلالة تعار�ض احلديث – ظاهرياً‪ -‬فكيف يجمع بينهما ؟؟‬ ‫يجمع بينهما ب�أن يكون لفظ الكفر الوارد يف احلديث ال يق�صد من ُه‬

‫‪47‬‬


‫الإخراج من الدين �أو الكفر الأكرب وبهذا ال يحكم على ه�ؤالء بالكفر‬ ‫�إعماال لن�ص القر�آن‪.13‬‬ ‫واخللط بني امل�صطلحات هو الذي �أوقع اخلوارج قدمياً يف فتنة التكفري‬ ‫وهو الذي يعود اليوم �إىل ال�ساحة من جديد‪.‬‬ ‫د ) ومما يتفرع عن الفهم اخلط�أ تناول الأحكام من القر�آن مبا�شرة‬ ‫دون فهم لقواعد �أُ�صول اال�ستنباط و�آليات التعامل مع الن�صو�ص‪ ،‬تلك‬ ‫القواعد والآليات التي فهمها كبار ال�صحابة وفقها�ؤهم‪.‬‬ ‫جذور التكفري‬ ‫من املعلوم يف تاريخ الفرق واملذاهب �أن «فئة اخلوارج» هي التي تبنت‬ ‫يف فكرها ق�ضية تكفري النا�س بعد الفتنة التي حدثت يف خالفة �سيدنا‬ ‫علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عن ُه وبالتحديد بعد معركة �صفني حينما‬ ‫�أعلنت فكرة « التحكيم» و�أعلنت النتيجة بني �أبي مو�سى الأ�شعري‬ ‫وعمرو بن العا�ص‪ ،‬حيث ظهر فريق من امل�ؤيدين ل�سيدنا علي وكانوا يف‬ ‫�صفه ف�أعلنوا مقولتهم «ال حكم �إال هلل» فانقلبوا من م�ؤيدين �إىل �أعداء‬ ‫و�شكلوا خطراً على �سيدنا علي بل وعلى الأمة �أكرث من خطر اخلالف‬ ‫واالقتتال نف�سه؛ حيث قالوا بتكفري جمع من ال�صحابة بدءاً بعثمان‬ ‫وعلي واحلكمني‪ ....‬وغريهم‪...‬‬ ‫فاخلوارج فهموا ور�أوا �أن حتكيم الرجال يف دين اهلل كفر ‪ ،‬وخلطوا‬ ‫بني امل�صطلحات وفهموا من قوله تعاىل(هُ َو ا َّلذِ ي َخلَ َق ُك ْم َفمِ ْن ُك ْم َكا ِف ٌر‬ ‫ري)(التغابن‪ ،)2:‬وقوله �سبحانه‬ ‫َومِ ْن ُك ْم ُم�ؤْمِ ٌن َواللهَّ ُ بمِ َا َت ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ‬ ‫(ا ْل َي ْو َم �أُحِ َّل َل ُك ُم َّ‬ ‫الط ِّي َب ُ‬ ‫ات َو َط َعا ُم ا َّلذِ َ‬ ‫اب حِ ٌّل َل ُك ْم َو َط َعا ُم ُك ْم‬ ‫ين �أُو ُتوا ا ْل ِك َت َ‬ ‫ات مِ َن المْ ُ�ؤْمِ َناتِ َوالمْ ُ ْح َ�ص َن ُ‬ ‫حِ ٌّل َل ُه ْم َوالمْ ُ ْح َ�ص َن ُ‬ ‫ات مِ َن ا َّلذِ َ‬ ‫اب‬ ‫ين �أُو ُتوا ا ْل ِك َت َ‬ ‫ُ‬ ‫ني َغيرْ َ م َُ�سافِحِ َ‬ ‫مِ نْ َق ْب ِل ُك ْم �إِ َذا �آ َت ْي ُت ُموهُ نَّ �أ ُجو َرهُ نَّ محُ ْ ِ�ص ِن َ‬ ‫ني َو اَل‬ ‫ِالميَانِ َف َق ْد َحب َِط َع َم ُل ُه َوهُ َو فيِ ْالآخِ َر ِة مِ َن‬ ‫ُم َّتخِ ذِ ي �أَ ْخدَانٍ َو َمنْ َي ْك ُف ْر ب ْ إِ‬ ‫الخْ َ ا�سِ ر َ‬ ‫ِين )( املائدة‪.) 120 :‬‬ ‫�أن النا�س ق�سمان م�ؤمن وكافر‪ ،‬والكافر قد حبط عمله و�سلب عنه‬ ‫و�صف الإميان‪ ،‬فهو و امل�شرك �سواء‪ ،‬وبهذا يكون كل مرتكب ملع�صية‬ ‫كافراً‪،‬ال فرق بني مع�صية و�أخرى‪ ،‬وال بني و�صف كفر و�آخر‪.‬‬ ‫ولنرتك مناق�شة تلك اال�ستدالالت حلرب الأمة عبد اهلل بن عبا�س ر�ضي‬ ‫اهلل عنهما حيث روت لنا امل�صادر الإ�سالمية مناظرة وقعت بينه وبني‬ ‫اخلوارج‪ ،‬وكانت نتيجة املناظرة �أن رجع منهم �ألفان وتركوا ما هم عليه‬ ‫من فكر منحرف وبقيت بقيتهم‪.‬‬ ‫مناظرة عبد اهلل بن عبا�س‬ ‫عن عبا�س قال ملا اجتمعت احلرورية‪ ،‬يخرجون على علي‪ ،‬قال‪ :‬جعل‬ ‫ي�أتيه الرجل فيقول‪ :‬يا امري امل�ؤمنني القوم خارجون عليك‪ :‬قال‪:‬‬ ‫دعوهم حتى يخرجوا‪ .‬فلما كان ذات يوم‪ ،‬قلت‪ :‬يا امري امل�ؤمنني‪� ،‬أبرد‬ ‫بال�صالة‪ ،‬فال تفتني حتى �آتى القوم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فدخل عليهم وهم قائلون(من القيلولة وقت الظهر)‪ ،‬ف�إذا هم‬

‫م�سهمة وجوههم من ال�سهر‪ ،‬وقد �أثر ال�سجود يف جباههم‪ ،‬ك�أن �أيديهم‬ ‫ثفن الإبل؛ عليهم قم�ص مرح�ضة‪.‬‬ ‫فقالوا‪ :‬ما جاء بك يا ابن عبا�س‪ ،‬وما هذ ِه احللة عليك ؟‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬ما تعيبون مني‪ ،‬فلقد ر�أيت ر�سول اهلل �صلى عليه و�سلم‬ ‫�أح�سن ما يكون من ثياب اليمنية‪ :‬قال‪ .‬ثم قر�أت هذه الآية( ُق ْل َمنْ‬ ‫َح َّر َم زِي َن َة اللهَّ ِ ا َّلتِي �أَ ْخ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َو َّ‬ ‫الط ِّي َباتِ مِ َن ال ِّر ْزقِ ُق ْل هِ َي ِل َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫اليَاتِ ِل َق ْو ٍم‬ ‫�آ َم ُنوا فيِ الحْ َ َيا ِة الدُّ ْن َيا َخال َِ�ص ًة َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َك َذل َِك ُن َف ِّ�ص ُل ْ آ‬ ‫َي ْعلَ ُمو َن )(الأعراف‪.)32:‬‬ ‫فقالوا ما جاء بك ؟؟‬ ‫فقال‪ :‬جئتكم من عند ا�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ولي�س‬ ‫فيكم منهم احد‪ ،14‬ومن عند ابن عم الر�سول وعليهم نزل القر�آن وهم‬ ‫اعلم بت�أويله‪ ،‬جئت لأبلغكم عنهم و�أبلغهم عنكم‪.‬‬ ‫قال بع�ضهم‪ :‬ال تخا�صموا قري�شاً‪ ،‬ف�إن اهلل يقول « بل هم قوم خ�صمون»‬ ‫فقال بع�ضهم‪ :‬بلى فلنكلمه‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فكلمني منهم رجالن �أو ثالثة‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ماذا نقمتم عليه؟‬ ‫قالوا‪ :‬ثالثاً‪ ،‬قلت‪ :‬ما هن ؟ قالوا‪ :‬حكم الرجال يف �أمر اهلل‪ ،‬قال‪ :‬قلت‬ ‫هذه واحدة‪ ،‬وماذا �أي�ضاً ؟؟‬ ‫قالوا‪ :‬ف�إنه قاتل ومل ي�سب ومل يغنم‪ ،‬فلئن كانوا م�ؤمنني ما حل‬ ‫قتالهم‪ ،‬ولئن كانوا كافرين لقد حل قتالهم و�سبيهم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬وماذا �أي�ضاً ؟؟‬ ‫قالوا‪:‬وحما نف�سه من �أمري امل�ؤمنني‪ ،‬ف�إن مل يكن �أمري امل�ؤمنني فهو‬ ‫�أمري الكافرين ؟‬ ‫قال‪ :‬قلت‪� :‬أر�أيتكم �إن �أتيتم من كتاب اهلل و�سنة ر�سوله ما ينق�ض قولكم‬ ‫هذا‪� ،‬أترجعون؟‬ ‫قالوا‪ :‬ومالنا ال نرجع ؟؟‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬قلت‪� « :‬أما حكم الرجال يف �أمر اهلل‪ ،‬ف�إن اهلل قال يف كتابه ( َيا �أ ُّيهَا‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ال�ص ْي َد َو�أَ ْن ُت ْم ُح ُر ٌم َو َمنْ َق َتلَ ُه مِ ْن ُك ْم ُم َت َع ِّمدًا َف َج َزا ٌء‬ ‫ين �آ َم ُنوا اَل َت ْق ُت ُلوا َّ‬ ‫مِ ْث ُل مَا َق َت َل مِ َن ال َّن َع ِم َي ْح ُك ُم ِب ِه َذ َوا َعدْلٍ مِ ْن ُك ْم )(املائدة‪.)95:‬‬ ‫ف�صري اهلل ذلك �إىل حكم الرجال‪ ،‬فن�شدتكم اهلل �أتعلمون حكم الرجال‬ ‫يف دماء امل�سلمني و�إ�صالح ذات بينهم �أف�ضل‪� ،‬أو يف حكم �أرنب ثمنه ربع‬ ‫درهم‪ ،‬ويف ب�ضع �إمر�أة‪...‬‬ ‫قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬هذا �أف�ضل‪..‬‬ ‫قال‪� :‬أخرجت من هذه ؟ قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فما قولكم‪ ،‬قاتل ومل ي�سب ومل يغنم‪� ،‬أفت�س ْبون �أمكم عائ�شة؟ ف�إن‬ ‫قلتم ن�سبيها‪ ،‬فن�ستحل منها ما ن�ستحل من غريها‪ ،‬فقد كفرمت‪ ،‬و�إن‬ ‫قلتم لي�س ب�أمنا‪ ،‬فقد كفرمت‪ ،‬ف�أنتم ترددون بني �ضا ّلتني‪� .‬أخرجت من‬ ‫هذه ؟ قالوا‪ :‬بلى‪..‬‬ ‫قال‪ :‬و�أما قولكم‪ ،‬حما نف�سه من �إمرة امل�ؤمنني‪ ،‬ف�أنا �آتيكم مبن تر�ضون‬ ‫بهِ‪� ،‬إن نبي اهلل يوم احلديبية حني �صالح �أبا �سفيان و�سهيل ابن عمرو‪،‬‬ ‫قال ر�سول اهلل اكتب يا علي‪ :‬هذا ما �صالح عليه ر�سول اهلل‪ ،‬فقال �أبو‬

‫‪48‬‬


‫�سفيان و�سهيل بن عمرو‪ :‬ما نعلم �أنك ر�سول اهلل‪ ،‬ولو نعلم �أنك ر�سول‬ ‫اهلل ما قاتلناك‪ ،‬قال ر�سول اهلل‪ :‬اللهم �إنك تعلم �أين ر�سولك‪ ،‬امح يا‬ ‫علي واكتب‪ :‬هذا ما ا�صطلح عليه حممد بن عبد اهلل و�أبو �سفيان‬ ‫و�سهيل بن عمرو‪ ..‬قال‪ :‬فرجع منهم الفان‪ .‬وبقي بقيتهم‪ ،‬فخرجوا‪،‬‬ ‫فقتلوا اجمعون‪.‬‬ ‫وبتحليل املناظرة هذ ِه واملناظرات الأخرى التي �سجلها علماء‬ ‫االمة وم�ؤرخوها بني علماء الأمة وعلى ر�أ�سهم ابن عبا�س‬ ‫وغريه مع اخلوارج ن�ستنبط امل�سائل الآتية‪:‬‬ ‫• �إن م�شكلة « اخلوارج» كانت عائدة �إىل �سوء فهم الن�صو�ص وتنزيلها‬ ‫على الواقع بوقائعه وم�ستجداته‪.‬‬ ‫• �إن اخلط�أ يف فهم وتناول الأحكام من م�صادرها يت�سل�سل �إىل �أخطاء‬ ‫متعددة يجر بع�ضها �إىل بع�ض �إىل نهاية �شديدة الأثر على الأمة‬ ‫تتمثل ب�إ�صدار الأحكام بالتكفري و�إهدار الدم واملال‪.‬‬ ‫• �إن الفكر املنحرف ال يعالج �إال بالفكر ال�صحيح وب�أ�سلوب احلوار‬ ‫واملناظرة فمعظم ه�ؤالء �أ�صحاب « نيات ح�سنة» و«عبادة والتزام»‬ ‫وزهد‪.‬‬ ‫• من ال�ضروري �أن ال ميكن من املناظرة وطرح الفكر املواجه �إال‬ ‫للعلماء الرا�سخني‪ ،‬فابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما منوذج واقعي ملا مت‬ ‫من مناظرات‪ ،‬وكذلك عمر بن عبد العزيز وغريهم‪......‬‬ ‫وهذا الطريق‪ ،‬طريق احلوار‪ ،‬وفتح �أبواب العلم ال�شرعي ال�صحيح‬ ‫للموثوق بعلمهم ودينهم هو الطريق ال�صحيح الذي يعيد الر�شد ملن‬ ‫انحرف يف الفكر مع �إخال�ص النية والن�صح للأمة وهذا الأمر املجرب‬ ‫قدمياً هو املجرب حديثاً وقد ذكر عدد من العلماء املعا�صرين‪...‬الذين‬ ‫ت�صدوا ملناظرة �شباب يتبنون �أفكار تكفري احلكام والنا�س والعلماء‬ ‫ذكروا ما يخ�ص جمابهة الفكر املنحرف بالفكر ال�صحيح و�ضرورة العلم‬ ‫ال�شرعي للمواجهة‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬احلرية الفكرية والتناق�ض الذي يعي�شه عدد من �شباب الأمة‪،‬‬ ‫وال �شك يف �أن الأحداث الكبرية واملتالحقة ال تخرج عن كونها فتناً توقع‬ ‫يف احلرية‪ ،‬فالذين انحرفوا يف ال�سابق كانت الفنت اكرب من عقولهم‬ ‫وتفكريهم‪ ،‬واليوم �أي�ضاً من ينظر �إىل الواقع ويقارنه مبا يعلم عن‬ ‫املبادىء الإ�سالمية والنظم الإ�سالمية يقع يف احلرية‪ ،‬فمناهج التعليم‬ ‫ال ت�ساعد على بناء منهجية تفكري �سليمة نحو الأحداث والوقائع‪ ،‬وال‬ ‫بناء عقل متوازن يعمل على تفعيل فكر الدعوة واالمر باملعروف والنهي‬ ‫عن املنكر وفق �ضوابطه ال�شرعية‪.‬‬ ‫خام�سا‪ :‬ي�ضاف �إىل ما �سبق �شيوع ظاهرة انعدام �أو �ضعف الثقة بالعلماء‬ ‫�أو بكثري ممن يظهرون على ال�ساحة خا�صة من يتخذ طابع «الر�سمية»‬ ‫وهنا تقع امل�شكلة الكربى حيث يفقد ال�شباب التوجيه �إال من �أنف�سهم؛‬ ‫وهم ال خربة وال درايه عندهم بالعلم �أو احلياة‪ ،‬فتقع الكارثة ويتولد‬ ‫االنحراف‪.‬‬

‫مع �أن الواقع ي�شري �أي�ضا �إىل منو فكر خا�ص يتوىل �إ�سقاط رموز‬ ‫االمة من العلماء والدعاة والقادة واحلكام على مدار التاريخ القدمي‬ ‫واملعا�صر‪ ،‬بدعوى النقد تارة‪ ،‬وبدعوى احلر�ص تارة �أخرى؛ والنتيجة‬ ‫غياب القدوة والنموذج املحتذى حيث مل يبق من يلج�أون �إليه �إال‬ ‫�أ�صحاب الفكر املنحرف‪� ،‬أو االنقالب �إىل فكر راف�ض لكل �شيء‪ ،‬ولي�س‬ ‫بعد هذا من تطرف وانحراف ومتزق وحرية مردية‪.‬‬ ‫�ساد�سا‪ :‬وتزيد امل�شكلة الفكرية تعقيداً �إذا �أ�ضفنا م�س�ألة ال�صراع بني‬ ‫النظم احلاكمة وال�شباب املتدين �أو غري املتدين‪ ،‬خا�صة �إذا ا�ستعمل‬ ‫«العنف» �أو التوجيه ال�سلبي غري املوزون امل�ؤدي �إىل عك�س املراد‪ ،‬حيث‬ ‫تتولد « نزعة للعنف والتكفري» كردة فعل مبا�شرة بنيت هذه النزعة‬ ‫�أونبتت من �سوء الفهم وانعدام الثقة وازدياد الفجوة بني ه�ؤالء واحلكام‬ ‫�أو العلماء‪ ،‬فيكون العنف مولداً لتيار راف�ض للمجتمع ب�أ�سره‪ ،‬وهنا‬ ‫نقول ب�أن عدم احلكمة يف التعامل مع �أ�صحاب هذا الفكر ميهد الطريق‬ ‫لدعاة الفكر املنحرف لكي يبذروا بذورهم يف بيئة خ�صبة و�أر�ض مهي�أة‬ ‫لنمو الفكر واعتناقه والدفاع عنه‪...‬‬ ‫وهنا نذكر ب�أن عنا�صر ال�صورة امل�شكلة ملعادلة االنحراف الناجت عن هذا‬ ‫ال�سبب تتكامل �إذا وجدت خمالفات و�أعمال ظاهرة خمالفة لل�شرع مع‬ ‫العنف واالق�صاء وانعدام الثقة ووجود بذور لفكر منحرف يف جو من‬ ‫فقدان العلماء املوثوق بهم وبعلمهم وخلقهم و�سريتهم‪..‬‬ ‫وبدون ن�شر العلم و�إعادة الثقة بني ال�شباب والعلماء واحلكام ومد‬ ‫ج�سور التوا�صل واحلوار والتعامل باحلكمة واملوعظة احل�سنة ومقابلة‬ ‫احلجة باحلجة ومعاجلة م�شكالت ال�شباب املختلفة واحلر�ص على‬ ‫عدم املجاهرة باملخالفات يف خمتلف الو�سائل لن تكون هناك حما�صرة‬ ‫لالنحراف والغلو بل زيادة االنحراف هي املتوقعة ال �سمح اهلل‪.‬‬ ‫الـهــوامــــــ�ش‬ ‫• ال �أريد �أن �أطلق م�صطلح املذاهب لئال يختلط باحلديث عن املذاهب الإ�سالمية املعروفة كاحلنفي‬ ‫وال�شافعي وغريها‪ ..‬لأن اختالف املذاهب من باب اختالف التنوع ال اختالف الت�ضاد‪.‬‬ ‫• �صحيح ابن حبان ج‪�/9‬ص‪.183‬‬ ‫• �صحيح م�سلم ج‪� /4‬ص‪.2055‬‬ ‫• �صحيح البخاري ج‪� /2‬ص ‪.959‬‬ ‫• انظر‪ :‬القر�ضاوي‪� :‬ست عالمات للتطرف‪ .‬مقال من�شور يف كتاب العربي الرابع ع�شر ‪� /1987‬ص‪.63‬‬ ‫• �صحيح البخاري ج‪� /1‬ص ‪.50‬‬ ‫• �صحيح البخاري ج‪� /5‬ص ‪.1949‬‬ ‫• �صحيح البخاري ج‪� /3‬ص ‪.1306‬‬ ‫• �صحيح م�سلم ج‪� /3‬ص‪� ،1359‬صحيح البخاري ج‪� /1‬ص‪.38‬‬ ‫• �صحيح م�سلم ج‪� /4‬ص ‪.2055‬‬ ‫• الأحاديث املختارة للمقد�سي ج‪� /6‬ص ‪.174‬‬ ‫• �صحيح البخاري ج‪� /1‬ص ‪.23‬‬ ‫• د‪ .‬نعمان ال�ساواين‪ :‬التكفري‪ ،‬دار املنارة جدة‪� ،1984 ،‬ص ‪.63‬‬ ‫• هذا دليل على �أن ه�ؤالء الذين انحرفوا مل يتخرجوا يف مدر�سة امل�صطفى �صلي اهلل عليه و�سلم‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫الوسطية واﻻﻋﺘﺪاﻝ فﻲ النﻈام القانونﻲ‬ ‫اإلسﻼﻣﻲ ) الﻌقوﺑة فﻲ اإلسﻼم (‬ ‫الﺠزﺀ الثالﺚ‬ ‫املحامي مازن الفاعوري‬

‫�شلك الإ�شالم منهج ًا متميز ًا يف تطبيق العقوبة وا�شتيفائها‬ ‫اعتمادا على الغاية من ت�شريعها وهي اأن تقوم يف جوهرها‬ ‫على حتقيق م�شلحة العباد يف الدنيا والآخرة وما فيه من‬ ‫تهذيب نف�ص املجرم وتقو‪ ‬اعوجاجه‪ ‬وذلك بتعزيز الوازع‬ ‫الإمياين وتطهري املجتمع من دواعي اجلرمية وتوفري �شرورات‬ ‫احلياة وحاجياتها ‪ ،‬فلي�ص من احلكمة ال�شروع يف تطبيق نظام‬ ‫العقوبات قبل ا�شتكمال بناء الأنظمة الإ�شالمية وا�شتقرار‬ ‫الت�شريع الإ�شالمي التكامل ‪ ،‬فالإ�شالم يهدف اإىل اإن�شاء حياة‬ ‫فا�شلة ياأمن فيها الأفراد على اأنف�شهم واأعرا�شهم واأموالهم‬ ‫وحرياتهم عن طريق تر�شيخ قواعد الإميان وما يحقق منفعتهم‬ ‫ول يهدف اإىل اإيقاع الأذى ون�شر الرعب واخلوف ‪.‬‬ ‫العدالة يف تطبيق العقوبة‬ ‫جند العتدال وا�ضحاً يف نظام العقوبات يف الإ�ضالم ‪ ،‬ذلك اأن العقوبة‬ ‫يف الإ�ضالم على قدر اجلرمية ‪ ،‬فال يعاقب اإن�ضان على جرمية معينة‬ ‫بعقوبة ل تتنا�ضب واجلرمية التي ارتكبها ‪ ،‬ول تتغري العقوبة من‬ ‫�ضخ�س اإىل اآخر كما كان عليه النا�س يف اجلاهلية حيث كانوا يعاقبون‬ ‫ال�ضعيف ‪ ،‬ويرتكون ال�ضريف من النا�س دون عقوبة‪ ،‬ودعت ال�ضريعة‬

‫الإ�ضالمية امل�ضلم اإىل العفو عن اجلرائم التي فيها جمال للعفو‪ ،‬فقال‬ ‫اهلل تعاىل ( َو َمنْ ُق ِت َل م َْظ ُلو ًما َف َق ْد َج َع ْل َنا ِل َو ِل ِّي ِه ُ�ض ْل َطا ًنا َف َال ُي ْ�ضر ِْف‬ ‫ِيف ا ْل َق ْتلِ )(�ضورة الإ�ضراء‪ ) 33:‬ودعت كذلك اإىل الت�ضامح بني النا�س‬ ‫والعفو عن اجلرائم‪ ،‬التي تخ�ضهم‪ ،‬كجرائم القتل‪ ،‬اإما اأن تكون متعلقة‬ ‫بحق اهلل تعاىل كجرائم احلدود فال عفو فيها ‪.‬‬ ‫الإ�ضالم جاء ليحقق العدل وينفي الظلم واأكرث ما يتجلى العدل يف‬ ‫تطبيق الأحكام ال�ضرعية املتعلقة بالعقوبات حتى لو كان الأمر يخ�س‬ ‫غري امل�ضلمني قال تعاىل‪َ (:‬و َل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ض َناآَ ُن َق ْو ٍم اأَنْ َ�ضدُّ و ُك ْم ع َِن‬ ‫ا ْمل َ ْ�ضجِ دِ ْ َ‬ ‫رب َوال َّت ْق َوى )(املائدة ‪. )8:‬‬ ‫احل َرا ِم اأَنْ َت ْع َتدُوا َو َت َعا َو ُنوا َعلَى ا ْل ِ ِّ‬ ‫مظاهر العدالة يف العقوبة‬ ‫لت�ضتثني ال�ضريعة اأحداً يف اإقامة احلد‪ ،‬حاكماً كان اأو حمكوماً‬ ‫م�ضوؤو ًل و�ضيعاً اأو �ضريفاً‪.‬‬ ‫‪ -1‬تفر�س ال�ضريعة الق�ضا�س القائم على املماثلة يف اجلناية ‪ ،‬ول ميلك‬ ‫احلاكم اأو القا�ضي اإ�ضقاط الق�ضا�س قال تعاىل ( َف َم ِن ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫مب ْثلِ مَا ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم ) (البقرة‪ )194 :‬ولقد روي يف كتب‬ ‫َف ْاع َتدُوا َعلَ ْي ِه ِ ِ‬ ‫ال�ضري اأن اأعرابياً ا�ضتكى اإىل عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه جبلة بن‬ ‫الأيهم اأحد �ضيوخ قبائل العرب من بني غ�ضان ‪ ،‬لطمه وهو يطوف حول‬

‫‪50‬‬


‫الكعبة فحكم عمر ر�ضي اهلل عنه على جبلة �أن يلطمه الأعرابي كما‬ ‫لطمه‪ ،‬فعجب جبلة �أ�شد العجب فطلب �إمهاله �إىل الغد ثم فر هارباً‬ ‫ملتحقاً بالروم وارتد عن دينه و�أ�صبح ن�صرانياً‪.‬‬ ‫الرحمة يف تطبيق العقوبة‬ ‫لقد كتب اهلل على نف�سه الرحمة‪ ،‬وطلب من عباده �أن ي�سلكوا م�سلك‬ ‫الرحمة يف كل �شيء؛ قال تعاىل ( َومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫اك ِ�إ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫ني )‬ ‫( الأنبياء‪ )107 :‬ومن مظاهر الرحمة يف العقوبة ما ي�أتي ‪:‬‬ ‫‪ -1‬حتقيق الرحمة باملجتمع عامة وللجاين خا�صة ‪ :‬بالرغم مما‬ ‫ت�سببه العقوبة من �أمل باجلاين �إال �أن يف ذلك حتقيق الرحمة باملجتمع‬ ‫عامة من جهة؛ وحتقيق الرحمة للجاين من جهة �أخرى لأنها تق�صد‬ ‫�إ�صالحه وردعه؛ و�أن يعمد �إىل التوبة و�أن ي�سارع يف العودة �إىل جمتمعه‬ ‫فاع ً‬ ‫ال خمل�صاَ وم�ساعدته والأخذ بيده �إىل الطريق امل�ستقيم ‪.‬‬ ‫‪ -2‬عدم اجلمع على املجرم بني عقوبتني ‪� :‬إذا ارتكب جرائم عدة‬ ‫يرتتب عليها حدود متعددة تطبق عليه العقوبة الأ�شد ‪.‬‬ ‫‪� -3‬إ�سقاط العقوبة بال�شبهة ‪ :‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫(�إدر�أوا احلدود عن امل�سلمني ما ا�ستطعتم ف�إن كان له خمرج فخلوا‬ ‫�سبيله ف�إن الإمام �أن تخطيء يف العفو خري من �أن يخطيء يف العقوبة)‬ ‫( رواه الرتمذي )‪.‬‬ ‫‪ -4‬مراعاة الو�ضع ال�صحي للمجرم ‪:‬‬ ‫ا‪ -‬مراعاة �إن كان املجرم مري�ض ًا �أو به �أذى ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬مراعاة و�ضع املر�أة �إن كانت حام ًال ‪.‬‬ ‫ج – مراعاة الوقت يف تطبيق العقوبة من حر �أو برد ‪.‬‬ ‫د‪ -‬مراعاة و�ضع ال�سوط فال ي�ؤدي �إىل الهالك ‪.‬‬ ‫�إقرار مبد�أ العفو يف الق�صا�ص؛ و�إقرار مبد�أ البدل بالرجوع �إىل‬ ‫الدية؛ �إذا عفا الويل عن الق�صا�ص كما �أقرت ال�شريعة �أن تكون الدية‬ ‫على العاقلة – ع�شرية الرجل وع�صبته بحيث يتم توزيع العبء حتى‬ ‫�إذا كان فقرياً ال ي�ؤدي ذلك �إىل �إغراقه بالدين املرهق وبه �إقرار مبد�أ‬ ‫التعاون املتبادل بني الأقرباء وما يرتتب على ذلك من جملة �آثار نافعة‬ ‫وطيبة على املجتمع ب�أكمله ‪.‬‬ ‫مراعاة الق�صد اجلرمي لدى اجلاين ‪ :‬تفرق ال�شريعة يف العقوبة‬ ‫بح�سب الق�صد فال ي�ستوي املتعمد واملخطئ يف ميزان ال�شرع ا�ستنادا �إىل‬ ‫قول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪�( :‬إمنا الأعمال بالنيات)‬ ‫( رواه البخاري ) ‪.‬‬ ‫�أما هذه العقوبات ‪ ،‬فال يجوز �أن توقع �إال َّباملجرم ‪ ،‬لأن معنى كونها‬ ‫زواجر �أن ينزجر النا�س عن اجلرمية ‪� ،‬أي ميتنعوا عن ارتكابها ‪�،‬أما‬ ‫عقوبة الدنيا فقد بينها اهلل يف القر�آن واحلديث جمملة ومف�صلة‪.‬‬

‫وجعل الدولة هي التي تقوم بها فعقوبة الإ�سالم التي بني �إيقاعها على‬ ‫املجرم يف الدنيا يقوم بها الإمام �أو نائبه �أي تقوم بها الدولة الإ�سالمية‬ ‫بتنفيذ حدود اهلل وما دون احلدود من التعزير والكفارات‪.‬‬ ‫�إن عقوبة الدنيا من احلاكم على ذنب معني ت�سقط عقوبة الآخرة‬ ‫‪ ،‬ولذلك كان كثري من امل�سلمني ي�أتون �إىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم فيقرون باجلرائم التي فعلوها ليوقع عليهم احلد يف الدنيا حتى‬ ‫ي�سقط عنهم عذاب اهلل يوم القيامة فيحتملون �آالم احلد والق�صا�ص يف‬ ‫الدنيا لأنه �أهون من عذاب الآخرة‪.‬‬ ‫اجللد يف حدود ال�شريعة الإ�سالمية عقوبة فعالة و مل يرد يف ال�شريعة‬ ‫العقوبة ب�أكرث من مائة جلدة ففي الآية الثانية من �سورة عقوبة زنا‬ ‫غري املح�صن مائة جلدة‪ ،‬ويف الآية الرابعة منها عقوبة القذف ثمانون‬ ‫جلدة‪ ،‬ويف ال�سنة املطهرة حديث ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫(ال يجلد فوق ع�شرة �أ�سواط �إال يف حد من حدود اهلل)‪.‬‬ ‫ويعاقب القر�آن عقاباً رادعاً على �ست جرائم فح�سب‪ ،‬و�إن كان ي�ستنكر‬ ‫ويذم جرائم �أخرى عديدة‪ ،‬مبيناً �سوء عاقبتها الوخيمة‪ ،‬وما ينتظر‬ ‫مرتكبيها من جزاء يف الدار الآخرة‪ ،‬ابتدا ًء من املي�سر والقمار‪ ،‬و�أكل‬ ‫اخلنزير‪ ،‬واالرتداد عن الإ�سالم �أما تلك اجلرائم املوبقة ال�ست التي‬ ‫يعاقب عليها يف الدنيا‪ ،‬فهي‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬القتل العمد‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬قطع الطريق وال�سلب والنهب علن ًا‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬اخليانة العظمى‪.‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬قذف املح�صنات‪.‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬الزنا ‪.‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬ال�سرقة ل�شيء ذي �ش�أن‪.‬‬ ‫وقد ن�ص القر�آن على �أن القتل عقوبة اجلرائم الثالث الأوىل‪� ،‬أما‬ ‫اجلرمية اخلام�سة فقد د�أب الفقهاء التقليديون املتزمتون على تربير‬ ‫قتل مرتكبها وذلك بالرجم �إذا توافرت ظروف ومالب�سات معينة حتتم‬ ‫عندهم ذلك‪.‬‬ ‫�أما جزاء ال�سرقة ذات ال�ش�أن فهو قطع اليد اليمنى ثم الي�سرى �إذا مل‬ ‫يرتدع ال�سارق‪ ،‬وك ّر َر ال�سرقة‪ ،‬من هذا ترى �أن القر�آن ال يحوي يف هذا‬ ‫ال�صدد �سوى موا ّد قليل ٍة جداً يف احلدود �أو العقوبات اجلنائية‪ ،‬و�أقل من‬ ‫ذلك بكثري ما يتعلق باملحاكمات اجلنائية‪ ،‬هذا الو�ضع يكفل احلرية‬ ‫الالزمة لل�شريعة الإ�سالمية لتكون �إن�سانية تراعي الواقع الفعلي‬ ‫للب�شر‪ ،‬بوا�سطة تطبيق �أحكام القانون اجلنائي ال�شديدة ال�صرامة مع‬ ‫ِ�صر‪ ،‬مما يوفر املجال الف�سيح‬ ‫�سقوط تلك الأحكام يف مدة �شديدة الق َ‬ ‫الكايف لل�شريعة لتخفيف ق�سوة العقوبات التي يفر�ضها القر�آن‪.‬‬ ‫وال �شك �أن القر�آن يطلب ما ي�ستحيل حتقيقه لتوقيع العقوبة‬

‫‪51‬‬


‫اخلطرية يف حالة الزنا‪� ،‬إذ �أ ّنى للمتهم �أن ي�أتي ب�أربعة �شهود ممن‬ ‫تر�ضى �شهادتهم من العدول الرجال لي�ؤيدوا دعواه‪ ،‬مع خماطرة‬ ‫�أولئك ال�شهود بتعر�ضهم للجلد‪ ،‬بل و�أحياناً للقتل‪ ،‬لدى بع�ض الفقهاء‬ ‫الذين يقي�سون عقوبة ال�شاهد الكاذب الذي يرمي املح�صنات دون دليل‬ ‫بعظم جرم الزنا ذاته وما يرونه من عقوبة ذلك باملوت‪ ،‬ويكفي لذلك �أن‬ ‫يثبت كذب واحد من ال�شهود الأربعة‪.‬‬ ‫ولئن كان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قد انتهج الت�سامح الكرمي‪،‬‬ ‫و�أكد ذلك و�أقره اخلليفة عم ُر بن اخلطاب ‪� .‬أما بالن�سبة لقطع يد‬ ‫ال�سا ِر َق ُة َفا ْق َط ُعوا �أَ ْيدِ َي ُه َما َج َزا ًء بمِ َا َك َ�س َبا‬ ‫ال�سار ُِق َو َّ‬ ‫ال�سارق وال�سارقة‪َ (،‬و َّ‬ ‫َن َك اًال مِ َن اللهَّ ِ َواللهَّ ُ َعزِي ٌز َحكِي ٌم )( املائدة‪.)38:‬‬ ‫�إن امل�سلم يرى يف العقوبات التي ن�ص عليها القر�آن حدوداً حدها اهلل‬ ‫�سبحانه بحكمته الإلهية‪ ،‬و�إن مل ي�ستطع العقل الب�شري دائماً �أن يفقه‬ ‫احلكمة منها‪ ،‬و�أن تلك احلدود لي�ست نوعاً من الو�صايا ملن �شاء �أن يعمل‬ ‫بها‪� ،‬أو �أن ال يعمل بها‪.‬‬ ‫�آثار تطبيق عقوبة الق�صا�ص‬ ‫‪� -1‬إر�ضاء �أولياء املقتول و�إذهاب غيظهم و�إخماد الفنت‪ :‬قال �شيخ‬ ‫الإ�سالم‪ :‬قال العلماء‪� :‬إن �أولياء املقتول تغلي قلوبهم بالغيظ حتى‬ ‫ي�ؤثروا �أن يقتلوا القات َل و�أولياءه‪ ،‬ورمبا مل ير�ضوا بقتل القاتل بل‬ ‫يقتلون كثرياً من �أ�صحاب القاتل‪ ،‬وقد ي�ستعظمون قت َل القاتل لكونه‬ ‫عظيماً �أ�شرف من املقتول فيف�ضي ذلك �إىل �أن �أولياء املقتول يقتلون‬ ‫من قدروا عليه من �أولياء القاتل‪ ،‬ورمبا حالف ه�ؤالء قوماً وا�ستعانوا‬ ‫بهم فيف�ضي �إىل الفنت والعداوات العظيمة‪ ،‬فكتب اهلل علينا الق�صا�ص‬ ‫وهو امل�ساواة واملعادلة يف القتلى‪ ،‬و�أخرب �أن فيه حيا ًة‪ ،‬ف�إنه يحقن د َم غري‬ ‫القاتل من �أوالء الرجلني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ا�ص‬ ‫ِ�ص ِ‬ ‫‪ -2‬ردع من يريد القتل وحفظ النفو�س قال تعاىل‪َ (:‬ولك ْم فيِ الق َ‬ ‫َح َيا ٌة َيا �أُوليِ ْ أَ‬ ‫ال ْلبَابِ َل َع َّل ُك ْم َت َّت ُقو َن ) (البقرة‪.)179:‬‬ ‫قال �أبو العالية‪ :‬جعل اهلل الق�صا�ص حيا ًة فكم من رجل يريد �أن يقتل‬ ‫فتمنعه خمافة �أن ُيقتل ‪ ،‬وقال ابن كثري‪ :‬ويف الكتب املتقدمة‪( :‬القتل‬ ‫�أنفى للقتل)‪ ،‬فجاءت هذه العبارة يف القر�آن �أف�صح و�أبلغ و�أوجز ‪.‬‬ ‫ال�شبهات التي �أثارها �أعداء الإ�سالم حول احلدود ال�شرعية والرد عليها‬ ‫ال�شبهة الأوىل‪ :‬قالوا‪� :‬إن �إقامة احلدود فيها �ضرب من الق�سوة التي‬ ‫تتنافى مع الإن�سانية الرحيمة التي ت�ساير املدنية احلديثة واحل�ضارة‬ ‫الراقية‪.‬‬ ‫واجلواب‪� :‬إن كل عقوبة ال بد �أن يكون فيها مظهر ق�سوة �أياً كانت‪ ،‬حتى‬ ‫�ضرب الرجل لولده تهذيباً وت�أديباً له فيه نوع من الق�سوة‪ ،‬لأن العقوبة‬ ‫�إن مل ت�شتمل على الق�سوة ف�أي �أثر لها يف الزجر والردع‪ ،‬ثم �إن الذي دعا‬ ‫�إىل تلك الق�سوة املزعومة هو �أمر �أ�شدُّ منها ق�سوة‪ ،‬ولو تركنا العقوبة‬ ‫القا�سية بزعمهم لوقعنا يف �أمر �أق�سى من العقوبة‪.‬‬ ‫ومثل الق�سوة التي ت�شتمل عليها احلدود كمثل الطبيب الذي ي�ست�أ�صل‬

‫من ج�سم �أخيه الإن�سان جزءاً من �أجزائه �أو ع�ضواً من �أع�ضائه‪ ،‬وهل‬ ‫ي�ستطيع �أن ميار�س هذا العمل �إال �صاحب قلب قوي‪ ،‬ولكنها ق�سوة هي‬ ‫الرحمة بعينها‪ ،‬خا�صة �إذا قي�ست مبا يرتتب على تركها وبقاء الع�ضو‬ ‫املري�ض ونار الأمل تتوهج وت�ست�شري وتتزايد يف ج�سم املري�ض‪.‬‬ ‫ال�شبهة الثانية‪ :‬قالوا‪� :‬إن �إقامة احل ِّد تقت�ضي �إزهاقاً للأرواح‬ ‫وتقطيعاً للأطراف‪ ،‬وبذلك تفقد الب�شرية كثرياً من الطاقات والقوى‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫واملقطعون الذين كانوا ي�سهمون يف الإنتاج‬ ‫وينت�شر فيها امل�ش َّوهون‬ ‫والعمل‪.‬‬ ‫واجلواب‪� :‬إن القتل وتقطيع الأطراف يف احلدود �إمنا يكون يف حاالت‬ ‫�ضيقة حم�صورة؛ وهو �إزهاق لنفو�س �شريرة ال تعمل وال تنتج‪ ،‬بل �إنها‬ ‫تعطل العمل والإنتاج وت�ضيع على العاملني املنتجني ثمرات �أعمالهم‬ ‫و�إنتاجهم؛ ثم �إن �إزهاق روح واحدة �أو قطع طرف واحد يف احلدود ي�ؤدي‬ ‫�إىل حفظ مئات الأرواح و�آالف الأطراف �سليمة طاهرة عاملة منتجة‬ ‫ثم �إننا ال نالحظ امل�ش َّوهني يكرثون يف البالد التي تقيم احلدود‪ ،‬بل‬ ‫يكونون فيها �أقل منهم يف غريها بل الأمر بالعك�س من ذلك متاماً؛ ف�إن‬ ‫احلدود �إذا مل تقم على املجرمني املعتدين كرث امل�شوهون واملعاقون من‬ ‫جراء اعتداءات املجرمني الذين يجدون متنف�ساً و�سنداً عند من ينظر‬ ‫�إليهم نظرة العطف والرحمة واحلنان‪ ،‬وبذلك ت�ضيع حقوق املعتدى‬ ‫عليهم‪ ،‬و ُتهدر كرامتهم ولي�س بعد ذلك للمجرمني حد ينتهون �إليه‪.‬‬ ‫ال�شبهة الثالثة‪ :‬قالوا‪� :‬إن يف �إقامة احلدود �سلباً حلق احلياة وهو حق‬ ‫مقدَ�س ال يجوز لأحد �أن ي�سلبه‪ ،‬فكيف ي�سوغ حلاكم �أن ي�سلب حمكوماً‬ ‫حق احلياة؟!‬ ‫واجلواب‪� :‬إن ال�شارع احلكيم؛ الذي منح حق احلياة وقدَّ�سه؛ وجعل‬ ‫الدماء والأموال والأعرا�ض حم َّرمة بني النا�س هو الذي �أ َّكد ذلك‬ ‫التقدي�س واالحرتام ب�إقامة احلدود‪ ،‬واملحدود الذي ا�ستحق الرجم �أو‬ ‫القتل هو الذي جنى على نف�سه لأنه مل يحرتم حق غريه وعلى نف�سها‬ ‫جنت براق�ش‪ ،‬ولو �أنه احرتم ح َّق احلياة يف غريه حلفظ له حق احلياة‬ ‫يف نف�سه‪ ،‬وقد قرر اهلل تعاىل يف كتبه ال�سابقة ويف القر�آن الكرمي( �أَ َّن ُه‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا‬ ‫َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َف َك َ�أنمَّ َ ا َق َت َل ال َّن َ‬ ‫( املائدة‪ .)32:‬فاملعتدي على حق احلياة يف غريه يعدُّ معتدياً على ح ِّق‬ ‫احلياة يف نف�سه‪.‬‬ ‫ال�شبهة الرابعة‪ :‬قالوا‪� :‬إن �إقامة احلدود تقهق ٌر بالإن�سانية الراقية‬ ‫وانتكا�س بها ورجعة �إىل عهود الظالم الدام�س والقرون الو�سطى‪.‬‬ ‫واجلواب‪� :‬إن العاقل ال يزن القول بالبقعة التي جاء منها؛ وال بالزمان‬ ‫الذي قيل فيه؛ �أو نقل منه‪ ،‬لكن امليزان الذي تق َّوم به الأقوال والقوانني‬ ‫هو ميزان احلق والعدل‪ .‬والعاقل ن�صري احلق ونا�شد للحكمة �أنى‬ ‫وجدها وعلى �أي ل�سان ويف �أي مكان �أو زمان‪ ،‬على �أن هذا الت�شريع �أنزله‬ ‫اهلل من ال�سماء رحم ًة و�شفقة لأهل الأر�ض كما ينزل غيثه الذي يحيي‬ ‫به الأر�ض‪� ،‬إن جميء ذلك الت�شريع على ل�سان نبي �أمي من �صحراء‬ ‫العرب يف القرون الو�سطى كل ذلك �آية و�إعجاز ودليل �صدق على �أنه‬ ‫ت�شريع من حكيم خبري على ل�سان نبي ُبعث رحمة للعاملني‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫الﻌنﻒ المﺪﺭسﻲ‬

‫أسﺒاﺑﻪ وﺁﺛاﺭﻩ وﻋﻼﺟﻪ‬ ‫د‪ .‬نوال اأ�شعد �شرار‬

‫املقدمة‬ ‫اأ�شبح ملفهوم العنف حيز كبري يف حياتنا فاأ�شبح هذا املفهوم‬ ‫يقتحم جمال تفكرينا و�شمعنا واأب�شارنا ليل نهار واأ�شبحنا‬ ‫ن�شمع كثري ًا عن العنف الأ�شري والعنف املدر�شي والعنف �شد‬ ‫املراأة والعنف الديني وغريها من امل�شطلحات التي تندرج حتت‬ ‫هذا املفهوم‪ ،‬ورغم الإجنازات العظيمة التي ت�شهدها ال�شاحة‬ ‫الإن�شانية املدنية على كافة ال�شعد‪ ،‬ورغم التطورات الهائلة‬ ‫يف التفكري والذوق وال�شلوك الإن�شاين ‪‬ا يالئم هذه املدنية‬ ‫والتح�شر‪ ،‬ورغم ما ي�شاهده اجلميع من حجم الأ�شرار التي‬ ‫عانتها الإن�شانية جراء اعتماد العنف كاأداة للتخاطب‪ ،‬اإل اأننا‬ ‫ما زلنا ن�شهد يف غياب املنه‪ ‬الرباين والأخالقي بع�ص اجلهات‬ ‫ت�شتعمل العنف و�شيلة للخطاب واحلياة‪ ،‬و�شيادة منه‪ ‬العنف‬ ‫يف تعاطي بني الب�شر جلميع املعامالت واملمار�شات‪.‬‬ ‫ولو ت�شفحنا اأوراق التاريخ لوجدنا هذا املفهوم �شفة مالزمة‬ ‫لبني الب�شر على امل�شتوى الفردي واجلماعي ‪ ،‬باأ�شاليب واأ�شكال‬ ‫‪‬تلفة تختلف باختالف التقدم التكنولوجي والفكري الذي‬ ‫و�شل اإليه الإن�شان ‪ ،‬فنجده متمث ًال بالتهديد والقتل والإيذاء‬ ‫وال�شتهزاء واحلط من قيمة الآخرين وال�شتعالء وال�شيطرة‬ ‫واحلرب النف�شية وغريها من الو�شائل‪.‬‬ ‫والجتاه نحو العنف جنده يف حميط �ضلوكات بع�س الأفراد ‪ ،‬كما جنده‬ ‫يف حميط �ضلوكات بع�س اجلماعات يف املجتمع الواحد ‪ ،‬كما يوجد‬

‫يف حميط املجتمعات الب�ضرية ‪ ،‬وهو يوجد يف خمتلف الأوقات ‪ ،‬وقد‬ ‫تزداد ن�ضبة العنف يف جمتمع معني اأو تنق�س ‪ ،‬كما تختلف قوته من‬ ‫جمتمع اإىل جمتمع ومن زمن اإىل زمن ‪ ،‬وقد تكون �ضور التعبري عن‬ ‫العنف عديدة ومتباينة لأن النا�س خمتلفون ومتباينون ‪ ،‬كما اأن النا�س‬ ‫يعي�ضون يف ظل مناخات ثقافية و�ضيا�ضية واقت�ضادية خمتلفة‪.‬‬ ‫ومما يوؤ�ضف له اأن ين�ضحب مفهوم العنف على املوؤ�ض�ضات الرتبوية‬ ‫التي من �ضاأنها تهذيب ا ُ‬ ‫خللق وتقوميه واأخ�س بالذكر املدر�ضة‪ ،‬اإذ‬ ‫تعترب املدر�ضة اإحدى و�ضائط التن�ضئة الإجتماعية والتي اأوكل اإليها‬ ‫املجتمع م�ضوؤولية حتويل اأهدافه وفق فل�ضفة تربوية متفق عليها اإىل‬ ‫عادات �ضلوكية توؤمن النمو املتكامل وال�ضليم للطلبة اإىل جانب عمليات‬ ‫التوافق والتكيف والإعداد للم�ضتقبل‪ ،‬ومن خالل املدر�ضة يت�ضكل‬ ‫اأي�ضاً وعي الإن�ضان الجتماعي وال�ضيا�ضي ‪ ،‬ويكت�ضب الطالب املهارات‬ ‫والقدرات ملزاولة ن�ضاطه القت�ضادي بل واأكرث من ذلك يت�ضكل من‬ ‫خالل التعليم اأبرز مالمح املجتمع وتتحد مكانته يف ال�ضلـّم احل�ضاري‬ ‫‪.‬وت�ضعى املدر�ضة جاهدة لتحقيق ذلك من خالل و�ضائل تربوية قائمة‬ ‫على اأ�ض�س معرفية ونف�ضية‪.‬‬ ‫فهل العنف الذي ميار�س داخل مدار�ضنا �ضواء من قبل املعلمني جتاه‬ ‫الطلبة اأومن قبل الطلبة جتاه املعلمني ‪ ،‬اأو من قبل الطلبة جتاه‬ ‫بع�ضهم البع�س ي�ضهم يف حتقيق هذه الأهداف؟؟‬ ‫ٌ‬ ‫نقي�س للرتبية فهو يهدر الكرامة الإن�ضانية ‪ ،‬لأنه يقوم‬ ‫اإن العنف هو‬ ‫علي تهمي�س الآخر وت�ضغريه واحلط من قيمته الإن�ضانية التي كرمها‬

‫‪53‬‬


‫اهلل تعاىل‪ ،‬وبالتايل يولد �إح�سا�ساً بعدم الثقة وتدين م�ستوى الذات‬ ‫وتكوين مفهوم �سلبي جتاه الذات والآخرين‪ ،‬والعنف الذي يمُ ار�س جتاه‬ ‫الطالب ال يتما�شى مع �أب�سط حقوقه وهو حرية التعبري عن الذات لأن‬ ‫العنف يقمع هذا احلق حتت �شعار الرتبية‪ ،‬وكذلك العنف الذي يمُ ار�س‬ ‫جتاه املعلم من بع�ض الطلبة �أو�أوليائهم ف�إنه ال يتما�شى مع �أب�سط‬ ‫حقوق املعلم من الإحرتام والتقدير وي�شعره بالغنب الأمر الذي يقلل‬ ‫من عطائه وهو الذي نذر نف�سه لتعليم وتربية الأجيال‪.‬‬ ‫علماً �أن جميع الديانات ال�سماوية �أكدت على �ضرورة قيام احلياة‬ ‫الإن�سانية على الر�أفة والرحمة والرفق واالبتعاد عن العنف‪ ،‬كما دعت‬ ‫�إىل ذلك القوانني الو�ضعية وم�ؤ�س�سات حقوق الإن�سان وخلطورته‬ ‫اعتمد العامل يوم ‪ 11/25‬من كل عام يوم �ضد العنف‪ ،‬ذلك �أن العنف‬ ‫يعد امتهاناً للكرامة االن�سانية وخروجاً وخرقاً لكل ال�شرائع ال�سماوية‬ ‫واملواثيق الدولية‪ ،‬وهو كذلك هدراً حلقوق الإن�سان عامة التي �ضمنتها‬ ‫املدونات القانونية‪.‬‬ ‫ويظهر العنف املدر�سي يف خمتلف القطاعات الرتبوية بغ�ض النظر‬ ‫عن الطبقة والدين والثقافة �أو البلد وتخلفه وتقدمه‪ ،‬وكثرياً ما تتنوع‬ ‫دوافع العنف‪ ،‬هذا و�إن تعددت تعاريف العنف �إال �أنها تعني معنى واحداً‬ ‫هو ا�ستخدام القوة املادية �أو املعنوية �ضد الآخر ترتتب عليه �أخطار‬ ‫عظيمة‪.‬‬ ‫ومن �أخطر نتائج العنف املدر�سي �أنه املقدمة احلتمية للعنف اجلامعي‬ ‫الذي بات ي�شكل تهديداً حقيقياً لأمن املجتمع‪ ،‬الأمر الذي فر�ض درا�سة‬ ‫ظاهرة العنف املدر�سي ب�أ�شكاله و�أ�سبابه املختلفة لتوعية و�إ�شاعة الوعي‬ ‫الوطني العام للتو�صل �إىل احللول املنا�سبة‪.‬‬ ‫مفهوم العنف لغة وا�صطالح ًا‬ ‫ العنف يف اللغة هو اخلرق يف الأمر وقلة الرفق به كما قال ابن منظور‪،‬‬‫وهو عند �أبي هالل الع�سكري "الت�شديد يف التو�صل �إىل املطلوب"‪� ،‬أما‬ ‫عند الطريحي فهو "ال�شدة وامل�شقة" وعند حممد قلعجي "معاجلة‬ ‫الأمور بال�شدة والغلظة" وبالإجمال ف�إنه يف جميع املعاجم اللغوية �ضد‬ ‫الرفق‪.‬‬ ‫ �أما ا�صطالح ًا‪ :‬فهو "الفعل القائم على �سلوك عنيف ينجم عنه‬‫الإيذاء �أو املعاناة اجل�سدية �أوالنف�سية �أو اجلن�سية"‪� ،‬أو هو "احلرمان‬ ‫من احلياة الكرمية واحلرية يف احلياة العامة �أو اخلا�صة"‪ ،‬وقيل هو‬ ‫"ا�ستخدام القوة �أو ال�سلطة عمداً بالتهديد �أو بالفعل �ضد الذات �أو �ضد‬ ‫الغري �أو �ضد �شخ�ص �آخر �أو �ضد فئة �أو طائفة‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل �إ�صابة �أو‬

‫وفاة �أو �أذية نف�سية �أو اختالل يف النماء"‪ ،‬وبتعريف �آخرهو‪" :‬كل فعل‬ ‫ميار�س من طرف جماعة �أو فرد �ضد �أفراد �آخرين عن طريق التعنيف‬ ‫ال وهو ٌ‬ ‫قو ًال �أو فع ً‬ ‫فعل عنيف يج�سد القوة املادية �أو املعنوية"‪.‬‬ ‫"�سلوك �أو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫فعل يت�سم بالعدوانية ي�صدر عن طرف‬ ‫ ويعرف �أي�ضاً ب�أنه‬‫قد يكون فرداً �أو جماعة �أو طبقة اجتماعية �أو دولة بهدف ا�ستغالل‬ ‫طرف �آخر يف �إطار عالقة قوة غري متكافئة اقت�صادية �أو اجتماعية �أو‬ ‫�سيا�سية بهدف �إحداث �أ�ضرار مادية �أو معنوية �أو نف�سية لفرد �أو جماعة‬ ‫�أو طبقة اجتماعية �أو دولة" ‪.‬‬ ‫�إذن فالعنف يت�ضمن عدم االعرتاف بالآخر وي�صاحبه الإيذاء‬ ‫باليد �أو بالل�سان �أي بالفعل بالكلمة ‪ ،‬وهو يت�ضمن ثالثة‬ ‫عنا�صر‪ :‬الكراهية – التهمي�ش – حذف الآخر‪.‬‬ ‫والعنف �سلوك غري �سوي نظرا للقوة امل�ستخدمة فيه والتي تن�شر‬ ‫املخاوف والأ�ضرار التي ترتك �أثراً م�ؤملاً على الأفراد يف النواحي‬ ‫االجتماعية والنف�سية واالقت�صادية التي ي�صعب عالجها يف وقت‬ ‫ق�صري ‪ ،‬ومن ثم ف�إنه يدمر �أمن الأفراد و�أمان املجتمع ‪ .‬وهناك العديد‬ ‫من التعاريف التي تدل كرثتها �أنه ظاهرة عاملية ال تخ�ص ال�شرق دون‬ ‫الغرب و�إن بد�أ بالغرب‪.‬‬ ‫اخل�صائ�ص العامة التي يت�صف بها العنف‬ ‫ٌ‬ ‫�سلوك ال اجتماعي كثرياً ما يتعار�ض مع قيم املجتمع‬ ‫‪ .1‬العنف‬ ‫والقوانني الر�سمية العامة فيه‪.‬‬ ‫‪ .2‬العنف قد يكون مادياً وقد يكون معنوياً مثل �إحلاق الأذى النف�سي �أو‬ ‫املعنوي بالآخرين‪.‬‬ ‫‪ .3‬العنف يتجه نحو مو�ضو ٍع خارجي قد يكون فرداً �أو جماعات �أو قد‬ ‫يكون نحو ممتلكاتٍ عام ٍة �أو خا�صة‪.‬‬ ‫‪ .4‬العنف يهدف �إىل �إحلاق ال�ضرر �أو الأذى باملو�ضوع الذي يتجه �إليه‪.‬‬ ‫وال ميكن درا�سة ظاهرة العنف دون الإ�شارة �إىل بع�ض املفاهيم التي‬ ‫تتداخل معها مثال العدوان‪ ،‬الغ�ضب ‪ ،‬القوة ‪ ،‬الإيذاء ‪� .‬إذ يالحظ �أن‬ ‫العنف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقوة والغ�ضب والعدوان والإيذاء‪.‬‬ ‫�أما العنف املدر�سي فهو‪:‬‬‫العنف املدر�سي الذي مي�س الناحية الرتبوية فيعرف ب�أنه "جمموع‬ ‫ال�سلوكيات العدائية يف ال�ساحة املدر�سية �أكانت يف الأق�سام �أو خارج‬ ‫املحيط املدر�سي ب�شتى ال�سلوكيات من �سب و �شتم و غريهما" �أما من‬ ‫الناحية املادية فهو العنف على الو�سائل و املعدات مثل التخريب و‬ ‫التك�سري داخل احلجرات‪.....‬الخ "‪ ،‬ويف ر�أيي �أن �أ�شمل التعاريف ب�أنه‬

‫‪54‬‬


‫"جمموع ال�سلوك غري املقبول اجتماعياً بحيث ي�ؤثر على النظام العام‬ ‫للمدر�سة يقع على املعلم والطالب وي�ؤدي �إىل نتائج �سلبية فيما يتعلق‬ ‫بالتح�صيل الدرا�سي‪ ،‬وال�سلوك ال�شخ�صي وينق�سم �إىل ق�سمني‪ :‬عنف‬ ‫مادي كال�ضرب وامل�شاجرة والإعتداء على املمتلكات والتخريب داخل‬ ‫املدر�سة والكتابة على اجلدران‪ ،‬وعنف معنوي كال�سخرية والإ�ستهزاء‬ ‫وال�شتم والع�صيان و�إثارة الفو�ضى"‪.‬‬ ‫�أ�سباب العنف‬ ‫ولكل منها‬ ‫ميكن تق�سيم الأ�سباب الرئي�سة �إىل �سبعة �أ�سباب‬ ‫ٍ‬ ‫فروع‪:‬‬ ‫�أو ًال‪� :‬أ�سباب تعود �إىل الأ�سرة والتن�شئة الرتبوية‬ ‫تعترب الأ�سرة امل�صدر الأ�سا�سي للعنف املدر�سي فال�سنوات الأوىل من‬ ‫حياة الطفل هي ال�سنوات التي حتدد الإطار العام لل�شخ�صية الإن�سانية‬ ‫‪ ،‬وحيث �أن املنطقة تعاين ال�صراع والعنف ال�سيا�سي والع�سكري على‬ ‫مدى �أجيال عديدة فقد انتقلت �آثار ذلك على الأ�سرة وبالتايل �أ�صبحت‬ ‫ال�شدة والق�سوة تتغلغل يف ن�سيج وتوجهات التن�شئة االجتماعية للأ�سرة‬ ‫يف تربيتها لأطفالها هذا �إذا كنا ب�صدد احلديث عن ال�شدة والق�سوة‬ ‫والعنف من منظور املوروث الثقايف‪.‬‬ ‫�أما ب�صدد احلا�ضر واملا�ضي القريب فنحن ب�صدد �أبٍ ال ي�ستطيع توفري‬ ‫متطلبات احلاجات الأ�سا�سية يعاي�ش التوتر وال�ضغط‪ ،‬و�أم عاجزة‬ ‫الحول لها وال قوة‪ ،‬ترى �أعز ما متلك يتعر�ض للخطر كل يوم ‪ ،‬كل هذا‬ ‫ينعك�س على الطفل بطريقة �أو ب�أخرى‪ ،‬والطفل هنا ي�شعر بكل ذلك‬ ‫ويح�س �أن م�صدر القوة لديه وهو والده عاجز دائم ال�شكوى‪.‬‬ ‫ويتعر�ض الطفل خالل ذلك للإهمال والتهمي�ش وعدم �إح�سا�سه‬ ‫بالدفء العاطفي ‪ ،‬هذا بالإ�ضافة لل�شجار الدائم وعادة ما يرى �أن والده‬ ‫يلج�أ حلل م�شكالته ب�أ�سلوب عنيف‪ ،‬ومبا �أن ال�سلوك لي�س نتاجاً فقط‬ ‫للحالة الراهنة بل هو حم�صلة خلربات وم�شاعر و�أحا�سي�س وم�ؤثرات‬ ‫بيئية ونف�سية واجتماعية �سابقة وحا�ضرة �إذن فالطفل ينقل كل ذلك‬ ‫�إىل املدر�سة ليحدث بعد ذلك التفاعل بني العوامل ال�سابقة واحلالية‬ ‫ليتولد عنه �سلوك الطفل املدر�سي العنيف‪.‬‬ ‫هذا �إ�ضاف ًة �إىل ت�شجيع بع�ض الأ�سر �أبنائهم على مبد�أ "من �ضربك‬ ‫فا�ضربه"‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪� :‬أ�سباب تخ�ص امل�ؤ�س�سة الرتبوية نف�سها (املدر�سة)‬ ‫ طريقة ت�صميم امل�ؤ�س�سة‪ ،‬وازدحام ال�صفوف‪ ،‬ونق�ص املرافق ال�ضرورية‬‫‪ ،‬وانعدام‏اخلدمات‪.‬‏‬ ‫‪� -‬إدارة مدر�سية ت�سلطية‪.‬‬

‫ �ضيق املكان حيث �أن امل�ساحة املحدودة تولد التوتر النف�سي والإحتكاك‬‫البدين ‪.‬‬ ‫ �إهمال الوقت املخ�ص�ص حل�ص�ص الأن�شطة البدنية‪ ،‬مما يعمل على‬‫كبت الطاقات البدنية وت�صريفها عرب العنف اجل�سدي‪.‬‬ ‫ عدم توافر الأن�شطة الالمنهجية املتعددة والتي ت�شبع خمتلف‬‫الهوايات وامليول‪.‬‬ ‫ ا�ستخدام الأ�سلوب التقليدي يف التدري�س ( تقييد حركة الطلبة يف‬‫احل�صة‪ ،‬احلفظ والت�سميع‪ ،‬عدم توافر الأن�شطة‪ ،‬الطالب متلقي فقط‪،‬‬ ‫ا�ستخدام العقاب كو�سيلة تربوية وغريها من الأ�ساليب التقليدية‪.‬‬ ‫ وجود مدر�سة يف منطقة مهملة �أوحدودية �أو حماطة بو�سط �إجتماعي‬‫مفكك‪.‬‬ ‫ عدم وجود فريق عمل متخ�ص�ص يعمل على درا�سة ظاهرة العنف‬‫والتعامل معها ب�شكل خمطط‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪� :‬أ�سباب خا�صة باملعلمني‬ ‫ كرثة الغياب يف �أو�ساط املعلمني‬‫ نظام اال�ستبدال بالأ�ساتذة املتغيبني (�إ�شغال احل�ص�ص)‪ ،‬مما يف�سح‬‫‏املجال اىل اخلروج عن النظام يف ال�صف ‪.‬‬ ‫ عدم مراعاة الفروق الفردية بني الطلبة‪.‬‬‫‏‪ -‬ق�سوة املعلمني وا�ستخدامهم العقاب ك�شتم الطلبة واال�ستهزاء بهم ‪.‬‬ ‫ ممار�سة العنف من قبل املعلمني �أمام الطلبة �سواء جتاه بع�ضهم‬‫البع�ض �أو جتاه الطلبة‪.‬‬ ‫ طرق التقومي املتبعة التي ال تعطي فر�صة للجميع بالتعلم والنجاح‬‫بل تولد �أحياناً املناف�سة ال�سلبية والإحباط والعدوان‪.‬‬ ‫ عدم ال�سماح للطالب بالتعبري عن م�شاعره فغالباً ما يقوم املعلمون‬‫ب�إذالل الطالب و�إهانته �إذا �أظهر غ�ضبه‪.‬‬ ‫ الرتكيز على جوانب ال�ضعف عند الطالب والإكثار من انتقاده‪.‬‬‫ وجود م�سافة كبرية بني املعلم والطالب‪ ،‬حيث ال ي�ستطيع حماورته �أو‬‫نقا�شه حول عالماته �أو عدم ر�ضاه عن املادة‪.‬‬ ‫ املعلم ب�شكل عام يعي�ش ظروفا اجتماعية تتميز بال�صعوبة احلياتية‪،‬‬‫�إ�ضافة �إىل الهموم وامل�شكالت اليومية التي جتعله غري قادر على‬ ‫التحكم بالعملية الرتبوية ‪� ,‬إذ يتعر�ض لال�ستثارة ال�سريعة واالنفجارات‬ ‫الع�صبية �أمام الطلبة ‪.‬‬ ‫ �إن الفكرة ال�سائدة �سابقاً �أن املعلم املت�سلط هو الذي يتحقق لديه‬‫م�ستوى الكفاءة العلمية الرتبوية معا‪� ،‬أدت �إىل اتباع بع�ض املعلمني‬ ‫هذه ال�صورة اخلاطئة عن املعلم‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫رابع ًا‪� :‬أ�سباب خا�صة بالطلبة‬ ‫ طبيعة التن�شئة والبيئة االجتماعية‪.‬‬‫ التعوي�ض عن الف�شل الذي يتعر�ض له الطالب يف املدر�سة واحلياة‬‫الإجتماعية وا�ستمرار الإحباط لفرتة طويلة‪.‬‬ ‫ الوقوع حتت ت�أثري املخدرات‪.‬‬‫ رغبة الطالب يف لفت الأنظار اليه‪.‬‬‫ عدم ال�شعور باحرتام وتقدير الآخرين وفقدان الأمن والعقاب‬‫البدين القا�سي‪.‬‬ ‫ التعبري عن م�شاعر الغرية والتناف�س ال�سلبي مع الطلبة املتفوقني‬‫واملرفهني‪.‬‬ ‫ رف�ض الطالب من قبل زمالئه مما يثري غ�ضبه و�سخطه عليهم‪.‬‬‫ االختالط برفاق ال�سوء والت�أثر‏ب�أفالم وم�سل�سالت العنف ‪.‬‬‫ تعزيز �سلوك العنف من قبل الطلبة فالطالب الذي ميار�س العنف‬‫وي�شجعه الطلبة على ذلك قد مييل �إىل تبني هذا ال�سلوك خ�صو�صاً يف‬ ‫ظل عدم املحا�سبة �أو تعديل ال�سلوك‪.‬‬ ‫‏خام�س ًا‪� :‬أ�سباب تنظيمية‬ ‫ غياب القوانني واللوائح التنظيمية والتي حتكم عمل امل�ؤ�س�سات‬‫الرتبوية‪ ،‬وت�ساهل املدر�سة يف اتخاذ الإجراءات النظامية �ضد الطلبة‬ ‫العدوانيني‪.‬‬ ‫ غياب اللجان الت�أديبية والرقابية‪.‬‬‫ �ضعف التوا�صل والتعاون بني جمال�س �أولياء الأمور و�إدارة املدر�سة‪.‬‏‬‫ عدم و�ضوح القواعد وال�ضوابط التي حتدد قواعد ال�سلوك املرغوب‬‫وال�سلوك غري املرغوب ب�شكل وا�ضح‬ ‫ انعدام وجود رجال �أمن بامل�ؤ�س�سات الرتبوية �أو نق�ص كفاءتهم �أو عدم‬‫كفايتهم �إن وجدوا مقارنة باحلجم املنوط بامل�ؤ�س�سة والطلبة‪.‬‬ ‫�ساد�س ًا‪� :‬أ�سباب تتعلق باملجتمع‬ ‫ �ضعف الوازع الديني لدى بع�ض �أفراد املجتمع ومنهم الطلبة‬‫واملدر�سون‪.‬‬ ‫ طبيعة املجتمع الأبوي وال�سلطوي‪ :‬رغم �أن جمتمعنا مير يف مرحلة‬‫انتقالية‪� ،‬إال �أننا نرى جذور املجتمع املبني على ال�سلطة الأبوية ما‬ ‫زالت م�سيطرة‪ .‬فرنى على �سبيل املثال �أن ا�ستخدام العنف من قبل الأخ‬ ‫الكبري �أو املدر�س هو �أمر مباح فيكون الطالب عنيفاً عندما يتواجد يف‬ ‫جمتمع يعترب العنف �سلوكاً ممكناً‪ ،‬م�سموحاً ومتفقاً عليه‪.‬‬ ‫ جمتمع حت�صيلي‪ :‬يف كثري من الأحيان نحرتم الطالب الناجح فقط‬‫وال نعطي �أهمية وكياناً للطالب الفا�شل تعليمياً �أوالطالب الذي ال‬

‫يتجاوب معنا‪ .‬فالإحباط هو الدافع الرئي�سي من وراء العنف‪� ،‬إذ �أنه‬ ‫بوا�سطة العنف يتمكن الفرد الذي ي�شعر بالعجز ‪� ،‬أن يثبت قدراته‬ ‫اخلا�صة‪ .‬فكثرياً ما نرى �أن العنف ناجت عن املناف�سة والغرية‪ .‬كذلك‬ ‫ف�إن الطالب الذي يعاقب من قبل معلمه با�ستمرار يبحث عن مو�ضوع‬ ‫(�شخ�ص) ميكنه �أن ي�صب غ�ضبه عليه‪.‬‬ ‫�سابع ًا‪� :‬أ�سباب تتعلق بو�سائل الإعالم وما تعر�ضه من م�شاهد عنف‬ ‫و�إثارة �سواء بالأفالم وامل�سل�سالت و�أفالم الكرتون والفديوكليب �أو‬ ‫بالأخبار والأفالم الوثائقية والريا�ضة العنيفة كامل�صارعة‪ ،‬مما يولد‬ ‫عند الطالب كبت وتفجري طاقة تظهر بالعنف املدر�سي بني الطلبة‬ ‫بع�ضهم ببع�ض وبينهم وبني املعلمني‪.‬‬ ‫وهذا ال�سبب ي�ؤكده ا�ستطالع �أجرته جملة "املعرفة" ملعرفة مدى ت�أثري‬ ‫الإعالم يف تغذية ال�سلوك العدواين عند الطلبة �إذ جاءت النتيجة من‬ ‫وجهة نظر املعلمني �أن ‪ %50‬منهم �أو�ضح ان �أ�سباب عنف الطلبة يعود �إىل‬ ‫الأفالم املثرية والعنيفة‪ .‬وذهب نحو ‪ %22‬من املعلمني اىل ان الأ�سرة‬ ‫�أحد �أ�سباب ظهور العنف بني الطلبة‪ ،‬وذكر ‪ %2‬من املعلمني �أن للبيئة‬ ‫املدر�سية �أهمية يف معاجلة عنف الطلبة‪.‬‬ ‫موقف الإ�سالم من العنف‬ ‫ترف�ض ال�شرائع ال�سماوية وخا�ص ًة الإ�سالم العنف بدليل القر�آن‬ ‫وال�سنة التي جاءت ن�صو�صهما جت ّرم العنف‪ ،‬قال تعلى‪" :‬ولو كنت فظاً‬ ‫غليظ القلب النف�ضوا من حولك" وقال �أي�ضاً‪" :‬ادعوا �إىل �سبيل ربك‬ ‫باحلكمة واملوعظة احل�سنة"‪ ،‬وقوله عليه ال�سالم‪�" :‬إن اهلل ٌ‬ ‫رفيق يحب‬ ‫الرفق ويعطي على الرفق ما ال يعطي على العنف وما ال يعطي على ما‬ ‫�سواه"‪.‬‬ ‫فالإ�سالم يتعامل مع مفهوم العنف والعقاب على �أنهما مفهومني‬ ‫منف�صلني وخمتلفني‪ ،‬فينبذ العنف ويدعو �إىل الرفق والعطف‬ ‫والت�سامح ومقابلة ال�سيئة باحل�سنة حيث يقول ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪�" :‬صل من قطعك‪ ،‬و�أح�سن �إىل من �أ�ساء �إليك‪ ،‬وقل احلق‬ ‫ولو على نف�سك‪ ،‬عد من ال يعودك‪ ،‬و�أهد ملن ال يهدي لك"‪ ،‬ويقول‬ ‫�أي�ضاً‪" :‬اتق اهلل حيثما كنت و�أتبع ال�سيئة احل�سنة متحها‪ ،‬وخالق النا�س‬ ‫بخلق ح�سن"‪ ،‬وفيما يتعلق بالعنف الكالمي فالإ�سالم يرف�ضه رف�ضاً‬ ‫وا�ضح من‬ ‫قاطعاً ويطالب بعدم الإ�ستهزاء والإ�ستهتار بالآخرين‪ ،‬وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫قوله تعاىل ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا اَل َي ْ�س َخ ْر َق ْو ٌم مِ نْ َق ْو ٍم ع َ​َ�سى �أَنْ َي ُكو ُنوا‬ ‫َخيرْ ً ا مِ ْن ُه ْم َو اَل ن َِ�سا ٌء مِ نْ ن َِ�سا ٍء ع َ​َ�سى �أَنْ َي ُكنَّ َخيرْ ً ا مِ ْن ُهنَّ َو اَل َت ْلمِ ُزوا‬ ‫ِال ْل َقابِ ِب ْئ َ�س اِال ْ�س ُم ا ْل ُف ُ�س ُ‬ ‫الميَانِ َو َمنْ لمَ ْ‬ ‫�أَ ْن ُف َ�س ُك ْم َو اَل َت َنا َب ُزوا ب َْ أ‬ ‫وق َب ْع َد ْ إِ‬ ‫َي ُت ْب َف�أُو َلئ َِك هُ ُم َّ‬ ‫الظالمِ ُو َن)( احلجرات‪.)11:‬‬

‫‪56‬‬


‫�آثار و�أ�ضرار العنف‬ ‫ً‬ ‫متفاوتة يف‬ ‫للعنف �آثا ٌر على جميع �أطراف العنف تظهر‬ ‫املجاالت التالية‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬املجال النف�سي ال�سلوكي‬ ‫تتمثل الآثار النف�سية ال�سلبية املنعك�سة على الطالب املعنـّف بـ ِ‪:‬‬ ‫‪ .1‬العنف امل�ضاد‪ :‬فلكل فعل رد فعل ويكون ذلك �إما بالعنف على م�صدر‬ ‫العنف نف�سه �أو على طفل �آخر �أو يف �صورة حتطيم الأثاث املدر�سي ‪.‬‬ ‫‪ .2‬الكذب ‪ :‬حيث مييل الطالب للكذب كهروب من موقف التعنيف‪.‬‬ ‫‪ .3‬املخاوف ‪ :‬اخلوف من املعلم ‪ ،‬اخلوف من املدر�سة ‪ ،‬خماوف ليلية‪.‬‬ ‫‪ .4‬الع�صبية والتوتر الزائد الناجت عن عدم �إح�سا�سه بالأمان النف�سي‪.‬‬ ‫‪ .5‬ت�شتت االنتباه وعدم القدرة على الرتكيز‪.‬‬ ‫‪ .6‬اللجوء �إيل احليل الال�شعورية‪ ،‬مثل التمار�ض وال�صداع واملغ�ص‬ ‫لرغبته يف عدم الذهاب للمدر�سة ‪.‬‬ ‫‪ .7‬تكوين مفهوم �سلبي جتاه الذات وجتاه الآخرين‪.‬‬ ‫‪ .8‬العديد من امل�شكالت‪ :‬التبول الال�إرادي‪ ،‬واالنطواء‪ ،‬وم�شاعر‬ ‫الإكتئاب‪ ،‬واللجلجة ‪.‬‬ ‫‪ .9‬تهديد الأمن النف�سي للطفل ي�ؤدي �إيل الق�ضاء على فر�صة التفكري‬ ‫احلر والعمل اخلالق‪.‬‬ ‫�أما الآثار النف�سية ال�سلبية املنعك�سة على املعلم املعنـّف فتتمثل‬ ‫بـِ‪:‬‬ ‫ال�شعور بامتهان قيمته وكرامته كمعلم‪ ،‬وكراهية النا�س ملهنة التعليم‬ ‫واالبتعاد عنها‪ ،‬كما ي�صبح �أكرث توتراً و�سريع الغ�ضب‪.‬‬ ‫ثاني ُا‪ :‬املجال التعليمي‬ ‫تنعك�س الآثار التعليمية ال�سلبية على الطالب املعنـّف بتدين م�ستوى‬ ‫التح�صيل الدرا�سي ‪،‬والت�سرب والهروب من املدر�سة‪ ،‬والت�أخر عن الدوام‪،‬‬ ‫وال�شعور بكره املدر�سة واملعلمني وكل ما له عالقة بالعملية التعليمية‪.‬‬ ‫بينما تنعك�س الآثار التعليمية ال�سلبية على املعلم املعنـّف بعدم الإخال�ص‬ ‫يف العمل والتهرب من الدوام الر�سمي واالن�شغال بعمل �آخر‪.‬‬ ‫لقد �أثبتت العديد من الأبحاث ب�أن هناك �أثاراً �سيئة لعملية االعتداءات‬ ‫على الطلبة‬ ‫•دور العاملني يف جمال التوجية والإر�شاد وحقوق الإن�سان‬ ‫لللحد من ظاهرة �سلوك العنف ‪:‬‬ ‫يقوم العاملون يف هذا املجال بالعديد من الفعاليات والأن�شطة للتخفيف‬ ‫من هذا ال�سلوك �سواء لدى املعلمني �أو الطلبة �أو الأهايل جتاه �أبنائهم‬ ‫ومن هذه الفعاليات والأن�شطة ‪:‬‬

‫‪ .1‬امل�شاركة يف ت�شكيل برملان الطلبة كتج�سيد واقعي لفكرة الدميوقراطية‬ ‫والتعبري عن الر�أي وامل�شاركة يف �صنع القرارات خ�صو�صاً التي تتعلق‬ ‫ب�ش�ؤونهم‪.‬‬ ‫‪ .2‬تفعيل برنامج الو�ساطة الطالبية باعتباره و�سيلة تربوية يف �إ�شراك‬ ‫الطلبة يف حل م�شكالتهم دون �إح�سا�سهم ب�ضغوط الكبار ‪.‬‬ ‫‪ .3‬تنفيذ العديد من املخيمات ال�صيفية والإ�شراف عليها والتي من‬ ‫�ضمن �أهدافها التفريغ الإنفعايل عن طريق الأن�شطة احلركية والر�سم‬ ‫والتمثيل والفنون ال�شعبية والتي ت�سهم يف خف�ض العدوانية بالإ�ضافة‬ ‫�إىل �أن�شطة متنوعة ذات �صلة مبفاهيم حقوق الإن�سان ‪.‬‬ ‫ركن‬ ‫‪ .4‬تنفيذ العديد من املعار�ض واملهرجانات والتي حتتوي علي ٍ‬ ‫�أ�سا�سي خا�ص بحقوق الطفل �سواء من حيث الفقرات التي تقدم �أو‬ ‫املج�سمات والر�سومات التي تعرب عن حقوق الطفل وكذلك الفقرات‬ ‫التي حتتوي علي م�ضمون توجيهي �إر�شادي لبع�ض الق�ضايا التي تهم‬ ‫الطفل‪.‬‬ ‫‪� .5‬إنتاج املجالت التي تت�ضمن الكثري من املو�ضوعات ذات العالقة‬ ‫بحقوق الإن�سان والتوجيه والإر�شاد‪.‬‬ ‫‪ .6‬التن�سيق مع امل�ؤ�س�سات غري احلكومية التي تعمل يف جمال حقوق‬ ‫الإن�سان والدعم النف�سي الإجتماعي مل�ساعدة الأطفال يف هذا املجال ‪.‬‬ ‫‪ .7‬توزيع الن�شرات واملل�صقات اخلا�صة بحقوق الطفل‪.‬‬ ‫‪ .8‬توزيع الن�شرات اخلا�صة بالآثار املرتتبة على ا�ستخدام العقاب‬ ‫والعنف جتاه الطلبة والو�سائل البديلة للعقاب والعنف ‪.‬‬ ‫‪ .9‬تنفيذ العديد من امل�سابقات التي تتناول مو�ضوعات حقوق الطفل‬ ‫والتوجيه والإر�شاد‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫الﺘﺪيﻦ والﺘﺤﻀر‪ ،‬نﺤو‬ ‫تواﺻﻞ ﺇيﺠاﺑﻲ‬ ‫د‪ .‬عبد الرزاق ُوورقية ‪ /‬املغرب‬

‫اإن نزول الإن�ضان على هذه الأر�س مل يكن عبثا‪ ،‬واإمنا كان ملق�ضد‬ ‫اأ�ضمى وهو عبادة اهلل �ضبحانه وتعاىل‪ .‬ومفهوم "العبادة" مل يكن يف‬ ‫اأ�ضله �ضيقا كما يعتقد بع�س النا�س‪ ،‬واإمنا ي�ضمل جميع حركات املكلفني‬ ‫و�ضكناتهم بحيث ت�ضبح داخلة يف قانون المتثال هلل تعاىل‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫تعترب عمارة الأر�س من �ضلب الأعمال التعبدية‪ .‬لذلك فالتكرمي‬ ‫لالإن�ضان بجميع اأنواعه كان ‪-‬اأ�ضال‪ -‬من اأجل حتقيق هذه الغاية‪ ،‬اإل اأنه‬ ‫مع مرور القرون املتطاولة ن�ضي الإن�ضان املق�ضد من خلقه‪ ،‬وغابت عنه‬ ‫احلكمة من وجوده‪ ،‬فكانت ذلك جمال منا�ضبا لبعثة الأنبياء‪ ،‬وتقيي�س‬ ‫ال�ضاحلني واحلكماء من اأجل تنبيه النا�س اإىل املق�ضد من خلقهم‪ .‬ويف‬ ‫الع�ضر احلديث ملا تطورت احل�ضارة الإن�ضانية ماديا‪ ،‬وبلغت �ضاأوا عظيما‬ ‫اختلف النا�س يف النظر اإليها‪ ،‬حيث ظهر فريقان على طريف نقي�س‬ ‫اأحدهما‪ ،‬وهو من ظاهرية الفهم للن�ضو�س الدينية‪ :‬ذهب اإىل اأن هذه‬ ‫احل�ضارة وما يتعلق بها من حتديث وتط ّور مُعار�س للدين ومناف‬ ‫لقيمه‪ ،‬والفريق الثاين‪ ،‬هم بع�س اأدعياء احلداثة‪ :‬ذهبوا اإىل اأن التدين‬ ‫و�ضف معرقل للح�ضارة‪ ،‬وبرروا نظرتهم للمو�ضوع بت�ضرفاتِ طائفة‬ ‫حم�ضوبة على الدين‪ ،‬من الذين اأ�ضاءوا فهم الدين ومقا�ضده‪ ،‬فن�ضاأت‬ ‫عن ذلك معارك فكرية بني فريقني عظيمني يف الأمة على مدى قرنني‬ ‫من الزمان تقريبا منذ ظهور النه�ضة احل�ضارية الأوروبية الأوىل‪.‬‬ ‫واآناء هذا اجلدال الفكري مت تداول م�ضطلحات ي�ضدم بع�ضها البع�س‬ ‫كالتح�ضر والتدين‪ ،‬واحلداثة والرجعية‪ ،‬والتفتح والتزمت‪ ...‬اإلخ‪،‬‬ ‫وا�ضتمرت النقا�ضات ال�ضف�ضطائية دون جدوى‪ ،‬و�ضيعت اأزمانا وجهودا‬ ‫واأقالما من غري طائل ب�ضبب اإ�ضكال مفتعل‪ ،‬اأو ب�ضبب عدم حترير حمل‬ ‫النـزاع‪ .‬ولو اأن الفريقني احتكما اإىل الفهم ال�ضحيح للدين والتاريخ‬ ‫والواقع والعقل ملا ا�ضطرا اإىل هذه املنازلة الفارغة‪ ،‬ولك�ضبا �ضروط‬ ‫التقدم‪ ،‬ولرتقت الأمة مرتقى عظيما‪ ،‬ولكن هوؤلء وهوؤلء احتكموا‬ ‫اإىل جمرد التع�ضب والأغرا�س وقبلوا بجدوى النـزاع‪ ،‬فلم يفرتوا عن‬

‫اإحياء اإ�ضكاله كلما �ضعت الأمة للنهو�س والتقدم‪ ،‬معرقلني �ضريها بقوة‬ ‫اأكرث من حجم امل�ضكل اأ�ضال الذي وقع ب�ضاأنه اخلالف‪.‬‬ ‫ويف هذه ال�ضطور يليق بنا اإثارة املو�ضوع ل لنعيد اإحياء املعارك‬ ‫القدمية‪ ،‬واإمنا لفتح الآفاق اأمام نظرة م�ضتقبلية جديدة تدفع مب�ضرية‬ ‫الأمة احل�ضارية اإىل الأمام دون تعرث‪� ،‬ضاعية نحو ال�ضهود‪ ،‬غري ملتفتة‬ ‫ل�ضفا�ضف اخلواطر‪ ،‬ول لعوادي الدهر‪ ،‬ملتم�ضة الطريق الو�ضط للنظر‬ ‫اإىل اأمور الدين والدنيا‪ .‬من هذا املنطلق نحاول حترير حمل النـزاع‪،‬‬ ‫بتف�ضري م�ضطلحاتِ ؛ التح�ضر واحل�ضارة‪ ،‬والدين والتدين‪ ،‬متتبعني‬ ‫يف ذلك من�ضاأ خ�ضائ�س التقدم وعالقتها بالدين‪ ،‬وكا�ضفني النقاب عن‬ ‫الوهم الواقع يف امل�ضاألة‪ ،‬وعن الفرق بني التح�ضر واأدعيائه وبني الدين‬ ‫و�ضوء فهم الدين‪ ،‬م�ضتندين اإىل التاريخ واأهله‪ ،‬والواقع ومقت�ضياته‪،‬‬ ‫ون�ضو�س الوحي ومقا�ضدها‪ ،‬موجهني كل هذه الفروق والتدقيقات‬ ‫نحو تطوير نظرة اإيجابية للمو�ضوع وباهلل التوفيق‪.‬‬ ‫مفهوم التدين‬ ‫يطلق الدين يف كتب اللغة عموما على ما يلي‪ :‬العادة‪ ،‬والعبادة‪ ،‬الطاعة‪،‬‬ ‫اجلزاء‪ ،‬الق�ضاء‪ ،‬املجازاة‪ ،‬احل�ضاب‪ ،‬احلكم‪ ،‬الإكراه‪ ،‬الإح�ضان‪ ،‬احلال‪،‬‬ ‫الداء‪ ،‬ال�ضرية‪ ،‬الورع‪ ،‬ال�ضتيالء‪ ،‬ال�ضلطان‪ ،‬امللك‪ ،‬الذل‪ ،‬العز‪ ،‬اخل�ضوع‪،‬‬ ‫الإ�ضالم‪ ،‬التوحيد‪ ،‬كل ما يتعبد به‪ ..‬اإلخ‪ .‬وتتوزع هذه املعاين اللغوية‬ ‫على ح�ضب ما ت�ضاف اإليه لفظة الدين‪ ،‬فبالن�ضبة هلل عز وجل تعني‬ ‫القهر وال�ضلطان والعظمة والعزة وكل ما يدور يف فلك هذه املعاين من‬ ‫التعظيم‪ ،‬ويكون الدين بالن�ضبة للفرد املتدين اخل�ضوع والنقياد ملن‬ ‫دان له‪ ،‬ويكون املعنى بالن�ضبة لقولنا "دان بكذا"‪ :‬ال�ضريعة والقانون‬ ‫الذي التزم به املتدين والتزم بال�ضري على قواعده وهو املتعبد به‪.‬‬ ‫ويف ال�ضطالح ع َّرف علماء امل�ضلمني الدين بتعريفات كثرية اأ�ضهرها‬ ‫واأجمعها هو اأن الدين "و�ضع اإلهي ي�ضوق ذوي العقول باختيارهم‬

‫‪58‬‬


‫املحمود �إىل اخلري بالذات"‪ ،‬وهو ما ي�صلحهم يف معا�شهم ومعادهم‪.‬‬ ‫ف�إن الو�ضع الإلهي‪-‬هنا‪ -‬هو الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء‬ ‫عليهم ال�سالم‪ .‬والتدين ‪-‬بناء على هذا التعريف‪ -‬هو التزام هذه‬ ‫الأحكام وال�سعي لتحقيق مقا�صدها يف الأر�ض‪ .‬و�سالمة التدين ترتكب‬ ‫من �أمرين �أحدهما‪ :‬الفهم ال�صحيح لهذه الأحكام‪ ،‬وثانيهما‪ :‬االتباع‬ ‫ال�سليم لهذه الأحكام الإلهية وبتجرد كامل من الأهواء الذاتية‪.‬‬ ‫فطرية التدين‬ ‫ُ‬ ‫الفِطرة بالك�سر اخللقة �أي الطبيعة التي �صور عليها اهلل تعاىل اخللق‬ ‫يف الأ�صل قبل طروء التغريات الواقعية عليه‪ .‬فالإن�سان قبل وقوع‬ ‫امل�ؤثرات اخلارجية عليه متدين بطبعه‪ ،‬حيث الدين كان مالزما له‬ ‫منذ القدمي و�إىل ع�صرنا احلايل‪ .‬وبالرغم من ظهور بع�ض الثقافات‬ ‫الالدينية يف الع�صر احلديث ما زال �أربعة �أخما�س من �سكان العامل‬ ‫متدينني ب�صورة عملية‪ .‬ويدل على فطرية التدين �أدلة نقلية و�أخرى‬ ‫عقلية‪ .‬فمن الأدلة النقلية‪:‬‬ ‫هلل ا َّلتِي َف َط َر‬ ‫ّين َحنِي ًفا ف ِْط َر َة ا ِ‬ ‫قول اهلل عز وجل ( َف�أَ ِق ْم َو ْجه َ​َك ل ِ‬ ‫ِلد ِ‬ ‫الد ُ‬ ‫ا�س‬ ‫هلل َذل َِك ِ‬ ‫ا�س َعلَ ْيهَا َال َت ْبدِ ي َل لخِ َ ْلقِ ا ِ‬ ‫ّين ا ْل َق ِّي ُم َو َلكِنَّ �أَكْثرَ َ ال َّن ِ‬ ‫ال َّن َ‬ ‫َ‬ ‫َال َي ْعلَ ُمو َن)(الروم‪ )30:‬مبعنى اتب ْع فطرة اهلل‪� ،‬أي خِ لقة اهلل التـي خلق‬ ‫عليها الب�شر وهي الدين ال�صحيح‪ .‬وقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫"كل مولو ٍد يو َلد علـى الفطرة"‪ ،‬معناه �أن اهلل فطر اخللق على الإميان‬ ‫به والفطر ُة منه احلالة‪ ،‬كاجلِ ل�سة وال ِّركبة‪ ،‬واملعنى �أنه يولد على نوع‬ ‫من اجلب ّلة والطبع املته ّيئ لقبول الدّين‪ ،‬فلو ُترك عليها ال�ستمر على‬ ‫لزومها ومل يفارقها �إىل غريها‪ ،‬و�إمنا َي ْعدل عنه من َي ْعدل لآفة من‬ ‫�آفات الب�شر والتقليد‪ .‬وقيل‪ :‬معناه ُّ‬ ‫كل مولو ٍد يولد على معرفة اهلل‬ ‫تعالـى‪ ،‬والإقرار به‪ ،‬فال جتد �أحدا �إال وهو ُي ِق ّر ب�أن له �صانعا‪ ،‬و�إن �س ّماه‬ ‫بغري ا�سمه‪ ،‬ولو ع َبد معه غريه‪.‬‬ ‫واحلديث الذي �أخرجه الإمام �أحمد عن �أبي بن كعب يف قول اهلل عز‬ ‫وجل ( َو�إِ ْذ �أَ َخ َذ َر ُّب َك مِ نْ َبنِي �آ َد َم مِ نْ ُظهُورِهِ ْم ُذ ِّر َّي َت ُه ْم َو َ�أ ْ�ش َهدَهُ ْم َعلَى‬ ‫�أَ ْن ُف�سِ ِه ْم)(الأعراف‪ ،)172:‬قال‪ :‬جمعهم فجعلهم �أرواحا‪ ،‬ثم �صورهم‬ ‫فا�ستنطقهم فتكلموا‪ ،‬ثم �أخذ عليهم العهد وامليثاق ( َو َ�أ ْ�ش َهدَهُ ْم‬ ‫َعلَى �أَ ْن ُف�سِ هِم �أَ َل ْ�ستُ ِب َر ِّب ُك ْم)(الأعراف‪ ،)172:‬قال‪ :‬ف�إين �أُ�شهد عليكم‬ ‫ال�سمواتِ ال�سب َع والأر�ضني ال�سبع و�أ�شهد عليكم �أباكم �آدم عليه ال�سالم‬ ‫�أن تقولوا يوم القيامة مل نعلم بهذا‪ ،‬اعلموا �أنه ال �إله غريي‪ ،‬وال رب‬ ‫غريي‪ ،‬فال ت�شركوا بي �شيئا‪� ،‬إين �س�أر�سل �إليكم ر�سلي يذ ّكرونكم عهدي‬ ‫وميثاقي و�أنزل عليكم كتبي‪ ،‬قالوا‪� :‬شهدنا ب�أنك ربنا و�إلهنا ال رب لنا‬ ‫غريك‪ ،‬ف�أقروا بذلك"‪.‬‬ ‫�أما الأدلة العقلية فتتلخ�ص يف �أمرين �أحدهما‪ :‬قدم التدين يف �أغلب‬ ‫احل�ضارات الإن�سانية‪ ،‬والثاين‪ :‬ا�ستمرار التدين يف �أغلب الب�شر‬ ‫ومالزمته للتفكري وال�سلوك الب�شريني‪.‬‬ ‫و�إذا ثبتت فطرية التدين ف�إنه من امل�ستحيل �إقناع الب�شر بالفراغ‬

‫الروحي والعبث والالمعنى‪ ،‬لذلك باءت جميع حماوالت الالدينيني‬ ‫بالف�شل عند عزمهم هدم عقائد الأديان لكون هذه الأخرية تدعمها‬ ‫الفطرة الإن�سانية‪ ،‬وما يدعون �إليه متجه الطبيعة الب�شرية‪ .‬من هنا‬ ‫وكما �سوف نرى لن ت�ستغني احل�ضارة الإن�سانية عن دعم الفطرة‬ ‫الدينية لتوجهاتها‪.‬‬ ‫مفهوم التح�ضر وعنا�صره‬ ‫بالرغم من التطور احل�ضاري الذي �شهده الإن�سان بقي مفهوم احل�ضارة‬ ‫من املفاهيم التي يتع�سر التدقيق يف معناها‪ :‬وقد حاول الكثري من‬ ‫علماء احل�ضارة البحث يف حمددات مو�ضوعية للتح�ضر والتي ت�سمح‬ ‫ب�إطالق لفظ احل�ضارة على �سلوك جمتمع ما‪ ،‬ويف بحثهم هذا تو�صلوا‬ ‫�إىل عدة �أنواع من العنا�صر التي بتوفرها ميكن احلديث عن احل�ضارة‪.‬‬ ‫‪-1‬التعقد والتمدن‪ :‬بالن�سبة ملعيار التعقد ميكن القول �أن املجتمع‬ ‫املتح�ضر هو املجتمع الذي بلغ درجة من التعقيد واالختالف بني‬ ‫�أجزائه و�أع�ضائه بناء على مهام و�أن�شطة‪ ،‬مما يجعل حجم هذا املجتمع‬ ‫يتجاوز اخللية االجتماعية الب�سيطة مثل الع�شرية �أو القبيلة‪.‬‬ ‫وبالن�سبة للتمدن �أو التعمري‪ ،‬ف�إن التمدن (�أي ت�شكل املدن وتكاثر‬ ‫البنيان والتعمري) معيار حمدد للح�ضارة وهو من منازعها كما عند‬ ‫ابن خلدون‪ .‬وعند الأركيولوجي الربيطاين "جوردون ت�شيلد"‪ .‬التمدن‬ ‫لي�س هو منطلق احل�ضارات فح�سب‪ ،‬و�إمنا هو الرمز والنتيجة‪ .‬فبناء‬ ‫على هذا املعيار منيز بني ح�ضارة ما قبل التمدن‪ ،‬والتي مل ت�أخذ منحاها‬ ‫احلقيقي �إال بعد ظهور املدن‪� ،‬إذ احل�ضارة بح�سب هذا املنظور و�إن ظهرت‬ ‫قدميا فلم تت�ضح معاملها �إال مع ظهور الأ�شكال الأوىل من مدن ما بني‬ ‫النهرين "ميزوبوتامي"‪ ،‬ثم تتابع التمدن يف الع�صر الربونزي منطلقا‬ ‫من ثالثة معاقل هي امليزوبوتامي‪ ،‬وهي ما بني نهري دجلة والفرات‪،‬‬ ‫وحو�ض النيل‪ ،‬وحو�ض نهر الهندو�س‪ .‬وح�سب جوردون ت�شيلد فمعيار‬ ‫التمدن ي�شمل املعايري الأخرى‪� ،‬إال �أنه يبقى �أو�ضحها لأنه يف املدن ميكن‬ ‫جتميع اجلهود‪ ،‬وتر�سيخ البنيات االجتماعية والأن�شطة املتخ�ص�صة‬ ‫التي تتيح الفر�صة لالخرتاعات والتطورات التقنية والفكرية‪.‬‬ ‫‪-2‬معيار التقنيات‪ :‬حيث يعترب التطور التقني معيارا حمددا ملعنى‬ ‫احل�ضارة عند الكثري من امل�ؤرخني‪ ،‬وال�سيما املتخ�ص�صني يف التاريخ‬ ‫القدمي‪ ،‬حيث اتخذوا هذا املعيار قاعدة لت�صنيفاتهم‪� ،‬إذ ات�ضح لديهم‬ ‫�أن الإن�سان ا�ستعمل املعدات املخرتعة وفق ترتيب معني من احلجر‬ ‫املنحوت �إىل احلجر امل�صقول‪ ،‬و�صوال �إىل املعادن والفلزات‪ ،‬ومن جهة‬ ‫�أخرى وب�صورة ترتيبية كانت البداية برتبية املوا�شي ثم الفالحة‬ ‫ثم ا�ستعمال الطاقة املائية الهيدروليكية‪ ،‬و�صوال �إىل ال�صناعة‪� .‬إال‬ ‫�أن ا�ستعمال التقنيات ال ي�أخذ معناه احل�ضاري �إال �إذا و�ضع يف نظام‬ ‫اجتماعي يعك�س توجهه االقت�صادي‪ ،‬فمن جهة تطور الفالحة �أنتج‬ ‫نظام امللكية الذي �أدى بدوره �إىل ال�صراع بني الطبقات ح�سب مارك�س‬ ‫و�أجنلز والتي تعد عندهم العن�صر املحرك للح�ضارة والتاريخ‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫‪-3‬معيار العوامل الفكرية واملعرفية‪ :‬والتطور التقني بدوره عموما هو‬ ‫نتيجة للتطور الفكري واملعريف‪ .‬ويعترب ظهور املعارف والعلوم والفنون‬ ‫والكتابة‪ ،‬ال�سمة الأ�سا�سية لأغلب احل�ضارات الكربى امل�شهورة‪ .‬ففي‬ ‫هذه احل�ضارات ظهرت علوم الهند�سة والريا�ضيات والفلك وباقي‬ ‫الفنون‪ .‬فمن هنا يتحدد معنى احل�ضارة بتوفر هذه الأن�شطة الفكرية‬ ‫واملعرفية‪.‬‬ ‫‪-4‬املعيار الديني‪ :‬وهو الأ�صل يف هذه املعايري كلها‪ ،‬فاملالحظ �أي�ضا �أن‬ ‫�أغلب احل�ضارات الكربى ارتبطت بالدين‪ ،‬بل �إن التمدن الذي هو �أ�سا�س‬ ‫احل�ضارة قام حول املعبد كرمز مقد�س يجتمع فيه النا�س‪ ،‬وي�ستقرون‬ ‫وين�شطون جتاريا حوله‪ .‬ومن ثم �ساد عند كثري من علماء احل�ضارات‬ ‫ت�صنيف احل�ضارات الإن�سانية بناء على املعيار الديني‪ ،‬فيقولون ح�ضارة‬ ‫م�سيحية‪ ،‬ح�ضارة �إ�سالمية‪ ...‬حيث كان للدين الأثر الكبري يف قيام‬ ‫ح�ضارات كربى يف التاريخ وا�ستمرارها على مدى �آالف ال�سنني‪ ،‬لأن‬ ‫الدين ميتلك �أهم مقوم لذلك‪ ،‬وهو القيم واملبادئ �أو الفكرة الدينية‬ ‫على حد قول احلكيم مالك بن نبي‪.‬‬ ‫وجممل القول‪� :‬إن م�صطلح احل�ضارة ي�ستعمل لأداء معنيني اثنني‬ ‫�أحدهما‪ :‬نظري يتوجه �إىل القيم واملبادئ واملعتقدات والأفكار التي‬ ‫حتدد منط تلك احل�ضارة‪ ،‬وت�صبح هذه القيم ميزتها الأ�سا�سية‪ ،‬وهنا‬ ‫تلتقي احل�ضارة مع الثقافة كما ذهب �إىل ذلك ثلة من �أهل االخت�صا�ص‪،‬‬ ‫وهنا �أي�ضا يربز �أثر الدين يف �صنع الفكرة امل�ؤ�س�سة واملحر�ضة على‬ ‫البناء احل�ضاري‪ .‬وثانيهما‪ :‬معنى عملي‪ ،‬ويق�صد به منط احلياة‬ ‫التي يحياها الفرد واملجتمع‪ ،‬وال�سيما يف بعدها املادي العمراين‪ ،‬وهنا‬ ‫ترتادف احل�ضارة مع املدنية‪.‬‬ ‫خ�صائ�ص التح�ضر‬ ‫�إن التح�ضر بو�صفه �سلوكا عاما و�شامال‪ ،‬وظاهرة ت�صنف بح�سبها الأمم‬ ‫البد و�أن يتجلى يف الواقع‪ ،‬متميزا بخ�صائ�ص يخت�ص بها‪ .‬وعرب النظر‬ ‫يف التاريخ وم�سار الأمم يف تطورها ورقيها ميكن ا�ستنتاج جمموعة من‬ ‫ال�سمات البارزة للتح�ضر‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫الك�سبية‪� :‬إن التح�ضر �أمر ك�سبي ولي�س �شيئا جبليا‪ ،‬و�إن كانت املهيئات‬ ‫للتح�ضر جبلية يف الإن�سان مبقت�ضى قوله تعاىل‪َ ( :‬و َع َّل َم �آ َد َم الأَ ْ�س َما َء‬ ‫ُك َّلهَا)(البقرة‪� )31:‬أي �أ�صول العلوم كلها التي بنيت عليها احل�ضارة‬ ‫و�شيد على �أ�سا�سها العمران‪.‬‬ ‫اال�شرتاك بني الأمم‪ :‬مبعنى �أن احل�ضارة الإن�سانية هي نتاج جهود‬ ‫و�إ�سهامات جميع الأمم‪ .‬فكل �أمة �أدلت بدلوها يف ت�شييد �صرحها من‬ ‫خالل علم من العلوم �أو فن من الفنون �أو اخرتاع �أو اكت�شاف‪ ،‬ومل تقم‬ ‫احل�ضارة الب�شرية من فراغ‪ ،‬و�إمنا هي نتيجة تراكم قرون من النا�س‬ ‫من خمتلف الأجنا�س ومن خمتلف بقاع الأر�ض‪ .‬و�إىل هذه القاعدة‬ ‫ذهب �أغلب علماء احل�ضارة‪ ،‬حتى قالت امل�ست�شرقة الأملانية املن�صفة‬ ‫زيغريد هونكه‪" :‬ب�ساط احل�ضارة ب�ساط ن�سجته وتن�سجه �أيد كثرية‪،‬‬

‫وكلها تهبه طاقتها وكلها ت�ستحق الثناء والتقدير"‪ ،‬وقال �أحد احلكماء‪:‬‬ ‫"�إن علم العالمَ مبثوث يف العالمَ بني جميع من يف العال"‪ .‬وعلى هذا‬ ‫ال ت�صح دعوى التفرد بالإجناز احل�ضاري التي �صدرت يف بع�ض مراحل‬ ‫الع�صر احلديث من لدن بع�ض م�ؤرخي الفرتة اال�ستعمارية‪ ،‬حيث‬ ‫مبقت�ضاه �صنفت الأمم �إىل مبدعة و�أخرى م�ستهلكة متوح�شة‪.‬‬ ‫التداولية‪ :‬فالتح�ضر دول بني املجتمعات الب�شرية‪� ،‬إذ ينتقل بني الأمم‬ ‫بح�سب ا�ستعدادها‪ ،‬وقابليتها ملقوماته ومقت�ضياته‪ .‬ف�أميا �أمة نه�ضت‬ ‫ونف�ضت غبار التخلف عن طريقها ا�ستطاعت �أن تك�سب دورها وموقعها‬ ‫بني الأمم املتح�ضرة‪� ،‬إذ لي�س التح�ضر والتخلف �أمرين جربيني‬ ‫دائمني‪ ،‬فكم من ح�ضارة كانت �شاخمة وانهارت �إىل احل�ضي�ض وكم من‬ ‫�أمة متخلفة نه�ض �أبنا�ؤها وارتفعت �إىل م�صاف الرقي‪ ،‬والتطور‪ .‬وهنا‬ ‫ي�سقط ادعاء �أي جمموعة ب�شرية االنفراد بالتح�ضر‪ ،‬فقد تدور الدائرة‬ ‫وت�ضعف مقدرات �أفرادها عن العطاء وي�سلب منها ذلك التقدم �إىل �أجل‬ ‫غري م�سمى‪.‬‬ ‫التطبع‪ :‬للتح�ضر �أو�صاف تت�صف بها الأمة املتح�ضرة حتى ت�صطبغ‬ ‫بها‪ ،‬وت�صبح مبثابة طبائع ل�صيقة بها متيز تقدمها على غريها من‬ ‫الأمم املتخلفة‪ .‬فالتح�ضر مبا هو و�ضع �إيجابي له طبائعه الإيجابية‪،‬‬ ‫كالعلم والنظام واحلوار والعمران والنظافة واحلفاظ على البيئة‪،‬‬ ‫وح�سن ا�ستعمال املوارد الطبيعية والأمن والعدل وال�سالم‪.‬وقد متر‬ ‫القرون املتطاولة وتعرف تلك الأمة بتلك املكارم‪ .‬ويف مقابل التح�ضر‬ ‫ي�أتي النقي�ض له "التخلف"‪ ،‬الذي هو و�ضع �سلبي له خ�صائ�صه‬ ‫ال�سلبية‪ ،‬حيث يعرف بعالمات التقهقر واالنهيار وفقدان القيم واجلهل‬ ‫والفو�ضى والتظامل والتهالك والعنف والتدمري والقذارة‪ ...‬وقد متر‬ ‫�أزمان طويلة وال تنفك �أمة عن هذه العالمات حتى تعرف بها‪.‬‬ ‫التح�ضر والتدين‪ :‬تقارب املقا�صد وتكامل الو�سائل‬ ‫فبعد تعريف الدين وبيان فطريته‪ ،‬وحتديد مفهوم التح�ضر وجرد‬ ‫خ�صائ�صه‪ ،‬ي�سوغ احلديث عن �إمكانية التوا�صل بني الطرفني‪ .‬وذلك‬ ‫ي�ستقيم �أمره على م�ستوى املقا�صد والو�سائل امل�ؤدية �إليها‪ ،‬وال�سيما‬ ‫�إذا علمنا �أن لكل من الدين واحل�ضارة مقا�صد يتوق لتحقيقها حكماء‬ ‫الب�شر‪ .‬وعند �إجالة النظر يف منطلق الدين ويف م�ساعي احل�ضارة‬ ‫الب�شرية‪ ،‬جند �أن هناك تقاربا بني ما جاء به الأنبياء كمقا�صد‬ ‫ل�شرائعهم املوحى بها‪ ،‬وبني ما انتهت �إليه العقول الراجحة من �أ�صحاب‬ ‫احلكمة واملعرفة‪ .‬فال�شرائع من جهة ال تناق�ض ق�ضايا العقول‪ ،‬والعقول‬ ‫ال�سليمة ال ترف�ض ال�شرائع‪ ،‬فيو�شك �أن تتحد املقا�صد العمرانية‬ ‫وتتكامل الو�سائل والطرائق لتحقيقها‪.‬‬ ‫فمن جهة تقارب املقا�صد بني التدين والتح�ضر يتجلى الأمر عند‬ ‫الك�شف عن مقا�صد كل واحد من الطرفني على حدة‪ .‬فبالن�سبة للدين‬ ‫ال�صحيح بو�صفه �أحكاما و�شرائع تنظم حياة الب�شر يف هذا الكون مل‬ ‫ي�أت �إال مل�صلحة الب�شر‪ ،‬حيث ن�صت ال�شرائع ال�سماوية على �أن املق�صود‬

‫‪60‬‬


‫من �أحكامها �صالح اخللق وعمارة الأر�ض وحماربة الف�ساد وال�ضرر‪.‬‬ ‫وهذه الغايات هي ما عرب عنها علماء الأ�صول مبقا�صد ال�شريعة من‬ ‫اخللق‪ ،‬يقول الإمام الغزايل‪" :‬نعني بامل�صلحة املحافظة على مق�صود‬ ‫ال�شرع‪ ،‬ومق�صود ال�شرع من اخللق خم�سة‪ ،‬وهو �أن يحفظ عليهم دينهم‬ ‫ونف�سهم وعقلهم ون�سلهم ومالهم‪ .‬فكل ما يت�ضمن حفظ هذه الأ�صول‬ ‫اخلم�سة فهو م�صلحة‪ ،‬وكل ما يفوت هذه الأ�صول فهو مف�سدة ودفعها‬ ‫م�صلحة"‪.‬‬ ‫وهذه املقا�صد الدينية من االجتماع الإن�ساين كما هو وا�ضح ت�ؤول �إىل‬ ‫حفظ خم�س �ضروريات "الدين والنف�س والعقل والن�سل واملال"‪ ،‬بها‬ ‫تتحقق ال�سعادة الب�شرية الدنيوية والأخروية‪ .‬يقول الإمام ال�شاطبي‪:‬‬ ‫"ف�أما ال�ضرورية فمعناها �أنها البد منها يف قيام م�صالح الدين والدنيا‪،‬‬ ‫بحيث �إذا فقدت مل جتر م�صالح الدنيا على ا�ستقامة‪ ،‬بل على ف�ساد‬ ‫وتهارج وفوت حياة ويف الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع باخل�سران‬ ‫املبني"‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة ملقا�صد الب�شرية من التح�ضر فقد ذهب اجلمهور من‬ ‫عقالء الب�شر‪ ،‬من فال�سفة وحكماء ورجال العلم املنظرين لالجتماع‬ ‫الب�شري‪� ،‬إىل �أن املق�صود الذي يطمح �إليه الإن�سان يف اجتماعه‬ ‫ومدنيته يحوم دائما حول حتقيق ال�سعادة الب�شرية‪ ،‬با�ستيفاء الرغبات‬ ‫واحلاجات املعقولة واملمكنة للب�شر‪ .‬وهذا مذهب �أغلب حمبي احلكمة‬ ‫بدءا من �أوائل احلكماء والفال�سفة ك�أفالطون يف جمهوريته‪ ،‬والفارابي‬ ‫يف مدينته الفا�ضلة‪ ،‬وابن �سينا يف �سيا�سته املدنية‪ ...‬انتهاء بالع�صر‬ ‫احلديث حيث نادى جمع غفري من علماء ومفكرين بتوجيه احل�ضارة‬ ‫نحو حتقيق ال�سعادة الب�شرية‪ .‬وا�ستمر الأمر على ذلك يف ع�صرنا‬ ‫احلايل �إذ ال يختلف �أهل الفكر يف �ضرورة تر�شيد التح�ضر والتقدم نحو‬ ‫�إ�سعاد الب�شر‪ .‬وكثري من ه�ؤالء حاولوا حتديد معايري حمددة لهذه‬ ‫ال�سعادة‪ ،‬وعموما تدور �آرا�ؤهم على حتقيق الأمن وال�سالم والكفاية‬ ‫وجميع مقومات ا�ستمرار الوجود الإن�ساين املادي والروحي‪...‬‬ ‫ويتح�صل من هذا �أن هناك اتفاقا بني الأنبياء واحلكماء على ال�سعي‬ ‫�إىل حتقيق ال�سعادة الإن�سانية‪ ،‬فالأنبياء دعوا من خالل ما جاءوا به من‬ ‫�شرائع �إىل �إ�صالح حال الب�شرية باحلفاظ على القيم النبيلة والأخالق‬ ‫الفا�ضلة‪ ،‬وعلى ر�أ�سها تلك الكليات اخلم�س ال�ضرورية‪ .‬واحلكماء دعوا‬ ‫يف نظرياتهم �أي�ضا �إىل مدن فا�ضلة ي�سودها الأمن وال�سالم والعدل‪.‬‬ ‫ومن جهة تكامل الو�سائل امل�ؤدية �إىل هذه املقا�صد فيمكن القول �إنه �إذا‬ ‫تقرر احتاد وت�شابه الأهداف‪ ،‬فالو�سائل قد تختلف بني الأديان ال�سماوية‬ ‫نف�سها و�إن احتدت عقائدها‪ ،‬كما تختلف بني احلكماء واملفكرين‪ .‬وذلك‬ ‫�أمر طبيعي لكون هذه الو�سائل ما هي �إال �إجراءات عملية تخ�ضع‬ ‫�إىل التقديرات الزمنية امل�شخ�صة حيث يختلف ذلك بح�سب الظروف‬ ‫والأحوال‪ .‬ولئن كان اختالفها بني الدين ورجال احلكمة لي�س اختالف‬ ‫ت�ضاد وتناف‪� ،‬إمنا هو اختالف تكامل‪ .‬ف�إنه مثال �إذا ن�ص الدين على‬ ‫حت�سني و�سائل وتقبيح و�سائل �أخرى جند يف الغالب �أن هناك تواط�ؤا‬

‫بني �أهل الفكر ومنظري احل�ضارات الإن�سانية على ما يقارب نف�س‬ ‫الت�صنيف‪ .‬لذلك يف الغالب مل تخرج مواثيق حقوق الإن�سان والقوانني‬ ‫املدنية واجلنائية عما تقرر من مبادئ يف الدين كالإقرار مثال بحرية‬ ‫الإن�سان‪ ،‬وحقوقه املادية واملعنوية‪ .‬وكذا وجوب الوفاء بالعقود وحترمي‬ ‫التظامل وقبح اجلرائم‪ ،‬كالقتل وال�سرقة واالغت�صاب والتعذيب �إىل‬ ‫غري ذلك من �أمور عليها قامت املدنية املعا�صرة‪.‬‬ ‫نحو تدين �صحيح وحت�ضر �إيجابي‬ ‫حتاول طائفة من �أهل الفهم التب�سيطي للدين‪ ،‬البحث يف ن�صو�ص‬ ‫الوحي للعثور على ما به يعار�ضون بع�ض مقت�ضيات احل�ضارة‪ ،‬بدعوى‬ ‫خمالفتها ملا يرونه �أحكاما دينية وخروجها عن ال�شريعة بالكلية‪،‬‬ ‫ممثلني ببع�ض اجلزئيات التي مل ي�أخذوا بها �ضمن �إطارها املقا�صدي‬ ‫الت�شريعي‪ ،‬كبع�ض ما ورد يف النحت والت�صاوير والزخرفة وبع�ض �أنواع‬ ‫اللبا�س وبع�ض الآالت التكنولوجية وغري ذلك مما ال ي�ستقيم �شاهدا‬ ‫على ما يقولون‪ ،‬بل قد يكون مرده �إىل بع�ض الفهوم البدوية للدين‬ ‫التي قد تكون وليدة بيئة معينة بعيدة عن فهم الدين من جهة وعن‬ ‫�إدراك عمق احل�ضارة من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫وهذا الفهم ال�شاذ لهذه الطائفة قد يكون حجة عند �أولئك املتطرفني‬ ‫يف اجلانب الآخر‪ ،‬الراف�ضني للتعامل مع الدين ب�شكل �إيجابي؛ �إال �أنه‬ ‫ويف �ضوء ما �سبق ميكن التعقيب على الطائفة الأوىل با�ستقراء ن�صو�ص‬ ‫الوحي والنظر �إليها يف �ضوء مقا�صد ال�شريعة الكلية‪ .‬فالذي يتتبع‬ ‫ن�صو�ص القر�آن الكرمي يعرث على كثري من الأوامر واملندوبات لأجل‬ ‫دعم م�سرية الإن�سان نحو عمارة الأر�ض‪ ،‬وح�سن ا�ستثمار م�سخرات‬ ‫الكون‪ ،‬وحماية الأر�ض من الف�ساد بعد الإ�صالح‪ ،‬والنهي عن الظلم‬ ‫واالعتداء �إىل غري هذا من �أمر بالف�ضائل ونهي عن الرذائل‪ ،‬حتى قال‬ ‫الإمام العز بن عبد ال�سالم‪" :‬وال�شريعة كلها م�صالح‪� ،‬إما تدر�أ مفا�سد‬ ‫�أو جتلب م�صالح‪ .‬ف�إذا �سمعت اهلل يقول‪َ ( :‬يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا) فت�أمل‬ ‫و�صيته بعد ندائه‪ ،‬فال جتد �إال خريا يحثك عليه �أو �شرا يزجرك عنه �أو‬ ‫جمعا بني احلث والزجر"‪.‬‬ ‫وميكن التعقيب على الطائفة الثانية ب�أن الدين ال ي�ؤخذ من جمموعة‬ ‫ب�شرية قليلة تدعيه‪ ،‬و�إمنا ي�ؤخذ من م�صادره الأ�صلية‪ ،‬يف �ضوء قواعده‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬كما ال ميكن الت�سليم بلزومية التقدم يف حالة التخلي عن‬ ‫الدين‪ ،‬و�إمنا قد يح�صل العك�س‪ .‬فكما �أ�سلفنا فالدين يعد من �أهم‬ ‫املعطيات وال�شروط امل�ؤ�س�سة لأوىل احل�ضارات ولأكربها �أي�ضا‪ ،‬وما‬ ‫زال الدين معينا ال ين�ضب للقيم واملثل العليا لأغلبية �سكان العامل‪،‬‬ ‫حتى قال �أحد علماء احل�ضارة املحدثني‪�" :‬إن الدين ي�ستجيب حلاجة‬ ‫عميقة يف الإن�سان‪ ،‬ولو �شئنا �أن نعرب عن هذا مب�صطلحات الفل�سفة‬ ‫الوجودية لقلنا‪� :‬إنها احلاجة لقوة الوجود التي تهزم الالوجود الذي‬ ‫نلقاه ونعانيه يف جتارب املوت‪ ،‬والعذاب والإخفاق والظلم والإثم وفقدان‬

‫‪61‬‬


‫املعنى‪ .‬ولو �شئنا �أن نعرب بلغة ب�سيطة م�ألوفة لقلنا‪� :‬إن الدين ي�ستطيع‬ ‫�أن ميدنا باملعنى الأخري للحياة‪ ،‬مب�صدر وجودنا وغايته‪� ،‬أي بالإجابة‬ ‫عن ال�س�ؤالني اخلالدين‪ ،‬من �أين‪ ،‬و�إىل �أين؟ وهو ي�ستطيع �أن ي�ضمن‬ ‫لنا قيما عالية ومعايري غري م�شروطة‪� ،‬أي علة م�س�ؤوليتنا والهدف‬ ‫منها‪ .‬والأديان حري�صة على �سعادة الإن�سان‪ ،‬وذلك بتقدمي التوجه‬ ‫الديني الأ�سا�سي �أي ال�سند والعون والأمل‪ ،‬ومنحنا الكرامة الإن�سانية‬ ‫واحلرية الإن�سانية‪ ،‬واحلقوق الإن�سانية‪� ،‬أي الأ�سا�س الذي يرتكز عليه‬ ‫العمق النهائي"‪.‬‬ ‫و�إذا ات�ضحت ا�ستحالة االنف�صال بني الدين و التح�ضر‪ ،‬فدعوتنا قائمة‬ ‫من جهة لأجل فهم الدين فهما �صحيحا يتم به نفع الب�شرية لتحقيق‬ ‫مقت�ضى قوله تعاىل‪َ ( :‬ومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ‬ ‫اك ِ�إ َّال َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫ني)(الأنبياء‪،)107:‬‬ ‫حيث مل يقل "عنتا وال م�ضرة للعاملني"‪ ،‬ومن جهة ثانية ينبغي توجيه‬ ‫احل�ضارة الإن�سانية �إىل احلفاظ على القيم النبيلة‪ ،‬والتعامل ب�إيجابية‬ ‫مع الأخالق الفا�ضلة‪ .‬ف�إنها �سر ا�ستمرارها وتوازنها‪ ،‬وانعدامُها ي�ؤدي‬ ‫�إىل خرابها وخراب العمران بعبارة العالمة ابن خلدون‪.‬‬ ‫�أعظم الإجنازات احل�ضارية ذات منطلق ديني‬ ‫�إن املعيار الديني يف ت�شكيل املبادئ والقيم التي تبنى عليها ح�ضارة‬ ‫ما‪� ،‬أمر مقرر ب�شواهد التاريخ والواقع‪ ،‬بل وحتى املنجزات املادية‬ ‫للح�ضارة كانت عرب التاريخ ت�ستلهم من الدين وت�سرت�شد به يف ت�شييد‬ ‫�صروحها‪ .‬فباال�ستقراء عرب �آثار الأمم ومتاحفها‪ ،‬جند �أعظم املباين‬ ‫هي للم�ساجد والكنائ�س (�أي �أماكن العبادة)‪ .‬و�أنف�س التحف الفنية هي‬ ‫ما تركه نبي �أو ر�سول �أو حكيم �أو راهب (�أي رجل دين)‪� ،‬أو فنان �أجنزه‬ ‫لغر�ض ديني‪ ،‬و�أكرث من هذا تعترب املخطوطات الدينية املحفوظة يف‬ ‫اخلزانات العاملية �أعظم �إرث ثقايف وح�ضاري خملد يف التاريخ‪ ،‬حتى �إنه‬ ‫ما عرفنا الكتابة و اللغات �إال بالكتب املقد�سة‪ ،‬بل و�أعظم من ذلك هو‬ ‫�أن الإ�شكاليات الوجودية ذات الأثر يف تطوير علوم الفلك والهند�سة‬ ‫واجلغرافيا‪ ...‬انطلقت من احللقات الدينية‪ .‬ومن هناك يتبني �أنه من‬ ‫ال�صعب قبول تنكر �أدعياء احلداثة للإ�سهام الديني يف بناء ما تتمتع به‬ ‫الإن�سانية اليوم من مقومات االجتماع الب�شري ال�سعيد‪.‬‬ ‫نحو تو�أمة التح�ضر والتدين‬ ‫�إذا تقرر �أنْ لي�س هناك تعار�ض بني التح�ضر والتدين يف حقيقة الأمر‪،‬‬ ‫و�إمنا التعار�ض نا�شئ عن الأفكار امل�سبقة لبع�ض النا�س نتيجة �سوء فهم‬ ‫للن�ص �أو الواقع‪ ،‬ف�إننا وبناء على معطيات معرفية وتاريخية وح�ضارية‬ ‫ميكن اخللو�ص �إىل وجود تالزم بني الدين والتح�ضر منذ القدمي‪،‬‬ ‫ويع�سر الف�صل بينهما‪ .‬وكل من �سعى �إىل فر�ض التعار�ض بينهما وقع يف‬ ‫خلط عظيم‪ ،‬وورط جمتمعه يف �صراعات ال تنتهي‪ ،‬تنجم عنها جراحات‬ ‫ال تلتئم قد ت�سوق الأمة �إىل مدارك التخلف‪.‬‬

‫ومن منظور م�ستقبلي‪ :‬فبدل �أن ن�سعى �إىل �إثبات الفروق والهوات‬ ‫بني الدين واحل�ضارة‪ ،‬ف�إنه يليق بالأمة بجميع �أفرادها االنخراط‬ ‫يف تو�أمة �إيجابية بني التدين والتح�ضر من خاللها ت�صبح احل�ضارة‬ ‫خادمة للمقا�صد النبيلة للدين‪ ،‬وي�صبح التدين عمال �إيجابيا ومغنيا‬ ‫مل�سار تطور احل�ضارة‪ .‬فكما ال يخفى �أن التح�ضر دون مبادئ و�أخالق‬ ‫يو�شك �أن ي�ؤدي �إىل اخلراب‪ ،‬و�أن التدين دون عمارة الأر�ض تدين‬ ‫ناق�ص‪ ،‬خمل بر�سالة الإن�سان فوق هذه الأر�ض‪ ،‬فحتى ولو كان الظرف‬ ‫�شديدا كقيام ال�ساعة �أَمَرالدين بغر�س الأ�شجار واحلفاظ على العمران‪،‬‬ ‫م�صداقا للحديث ال�شريف‪�" :‬إن قامت ال�ساعة ويف يد �أحدكم ف�سيلة‪،‬‬ ‫ف�إن ا�ستطاع �أن ال يقوم حتى يغر�سها فليغر�سها" (رواه الإمام �أحمد)‪.‬‬ ‫فكل ما يريده الدين من احل�ضارة هو احلفاظ على القيم الإن�سانية‬ ‫النبيلة املجملة يف مقا�صد ال�شريعة ال�ضرورية‪ .‬وكل ما تطلبه‬ ‫احل�ضارة من الدين هو �أن يكون عن�صرا �إيجابيا‪ ،‬داعما لتطورها‬ ‫وا�ستمرارها‪ ،‬وهذا حا�صل بالن�سبة للدين الإ�سالمي حيث النظر �إىل‬ ‫الكون من منظور الت�سخري‪ ،‬و�أكل الطيبات من الرزق‪ ،‬والتعاون على‬ ‫الرب والتقوى‪� .‬إذ ر�سخ الإ�سالم بذلك جلمالية رائعة تربط كتاب اهلل‬ ‫امل�سطور بكتابه املن�شور‪ ،‬بعيدا عن غرائز ال�صراع والتفكك والعبث‪.‬‬ ‫وختاما يجوز لنا القول �إن الإ�سالم بو�صفه‪ ،‬الدين ال�سماوي‪ ،‬البالغَ‬ ‫�إلينا كتابه باملعجزة والتواتر‪ ،‬مل يكن �أبدا يف يوم من الأيام معرقال‬ ‫للفعل احل�ضاري‪ ،‬بل بالعك�س من ذلك كان مُن�شئا حل�ضارة م�ستقلة‬ ‫بذاتها ابتد�أت بالأمر بالتعلم "اقر�أ"‪ ،‬وا�ستمرت ب�أوامر االعتبار يف‬ ‫الكون والتفكر والتعلم واحلجة واحلكمة‪ .‬و�ساهمت من جانبها يف‬ ‫تطور احل�ضارة الإن�سانية‪ ،‬وقد �شهد بهذا العقالء من النا�س �شرقا‬ ‫وغربا ومن لدن جميع الأمم‪.‬‬ ‫لذلك ال يليق بامل�سلمني اليوم االلتفات �إىل دعاوى التعار�ض والت�ضاد‬ ‫املفتعلة بني الدين والرقي الإن�ساين احل�ضاري‪ ،‬ف�إن االن�شغال بذلك‬ ‫�ضرب من التفاهة وال�سفاهة الفارغة‪ .‬و�إذا تقرر هذا وبانت حجته‪،‬‬ ‫ف�إننا ن�سجل �أن هناك وعيا متناميا لدى فئة عري�ضة من امل�سلمني‪،‬‬ ‫ا�ستطاعوا اجلمع بني الأوامر الدينية واملتطلبات احل�ضارية ف�أ�صبح‬ ‫عندهم التحقق الكامل ملفهوم "التدين احل�ضاري"‪ ،‬حيث اجتمعت‬ ‫فيهم مقا�صد الدين ومقت�ضيات احل�ضارة‪ ،‬ف�إن كانوا يف الدين فهم‬ ‫الواقفون عند �أمره من حيث االلتزام بالأوامر واالجتناب للنواهي‪.‬‬ ‫و�إن كانوا يف احل�ضارة فهم �أهلها الأ�صالء‪ ،‬من حيث الذكاء واخلدمة‬ ‫والنظام والتمكن البارع من الأخذ ب�أ�سباب التح�ضر دون �إخالل‬ ‫باملقا�صد الإن�سانية النبيلة من ت�سامح وكرم ونظافة ورحمة‪ .‬ذلك هو‬ ‫املنهج الو�سط الذي يجمع حما�سن الأ�شياء‪ ،‬وينمي اجلوانب الإيجابية‬ ‫�أينما كانت‪ ،‬ويتقي املفا�سد يف �أي جهة كانت‪.‬‬ ‫تلك �أمة الو�سط التي ن�ص عليها القر�آن جامعة بني اخلريية يف املعا�ش‬ ‫واملعاد‪ ،‬تغر�س الف�سيلة وال�ساعة قائمة‪ ،‬ال يثنيها عن البناء خطورة‬ ‫املوقف‪ ،‬وال م�شاك�سة امل�شاك�سني‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫ﻧﺸـﺎﻃـﺎﺕ‬ ‫ﺍﻟـﻮﺳـﻄﻴـﺔ‬ ‫شهر أياﺭ ‪2011‬م‬ ‫الوسطية ‪ -‬قدم املنتدى العاملي للو�ضطية اىل خادم احلرمني ال�ضريفني‬ ‫امللك عبداهلل بن عبد العزيز درع املنتدى وذلك تقديرا جلهود جاللته‬ ‫يف خدمة ال�ضالم وامل�ضلمني ولدوره الكبري يف ن�ضر ر�ضالة ال�ضالم‬ ‫احلقيقية التي تقوم على الت�ضامح والعدالة والو�ضطية ‪،‬وت�ضلم الدرع‬ ‫نيابة عن امللك عبداهلل �ضمو وزير اخلارجية المري �ضعود الفي�ضل وذلك‬ ‫خالل ا�ضتقباله لوفد املنتدى الذي يرتاأ�ضه الأمني العام املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري‪ ،‬وبحث الوفد خالل اللقاء �ضبل تعزيز التعاون والتوا�ضل مع‬ ‫املوؤ�ض�ضات ال�ضعودية لال�ضتمرار يف تقدمي ماهو اف�ضل خلدمة الدين‪،‬‬ ‫وا�ضاد �ضمو المري باجلهود التي يبذلها املنتدى والن�ضاطات التي يقوم‬ ‫بها يف الأردن والعامل لتعميق الفكر الو�ضطي لفتا اإىل اأن املنتدى‬ ‫اأ�ضبح معلما فكريا وثقافيا عامليا مهما حيث اأ�ضبح حاجة ملحة لالأمة‬ ‫خا�ضة يف هذه الظروف الذي تتعاىل فيها اأ�ضوات الغلو والتطرف‬ ‫‪،‬وا�ضتعر�س الفاعوري ابرز الن�ضاطات والجنازات التي حققها املنتدى‬ ‫خالل ال�ضنوات املا�ضية م�ضتعر�ضا ابرز الندوات واملوؤمترات الدولية‬ ‫التي نظمها يف عدد كبري من الدول العربية والإ�ضالمية والعاملية والتي‬ ‫تناولت معظم الق�ضايا التي تهم الأمة مب�ضاركة مفكرين وعلماء من‬ ‫جميع دول العامل‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬اأكد منت�ضر الزيات رئي�س املنتدى العاملي للو�ضطية يف م�ضر‬ ‫اأن الفتنة الطائفية م�ضكلة خطرية ميكن اأن تع�ضف باأمن وا�ضتقرار‬ ‫م�ضر‪ ،‬م�ضريا اإىل اأن امل�ضريني تعودوا على روح التدين والت�ضامح بني‬ ‫طوائف املجتمع‪.‬‬ ‫وقال الزيات‪ ،‬خالل ندوة بعنوان (الطائفية وخطرها على املجتمع)‬ ‫يف م�ضجد رابعة العدوية مبدينة ن�ضر اأننا بحاجة اإىل النظر بعمق يف‬ ‫م�ضاألة الفتنة الطائفية من اأجل ا�ضتقرار الوطن‪.‬‬ ‫واأو�ضح الزيات اأن الفتنة الطائفية كانت لها عدة مراحل بداأت منذ‬ ‫اأوائل الثمانينيات باأحداث الزاوية احلمراء‪ ،‬ثم حادثة الك�ضح يف �ضعيد‬ ‫م�ضر‪ ،‬واأ�ضبحت اأزمات تتالحق الآن‪.‬‬ ‫ومن جانبه قال خالد ال�ضريف اأمني املنتدى والذي اأدار احلوار يف‬ ‫الندوة اإن الإ�ضالم يرف�س الطائفية والعتداء على الآخرين ب�ضبب‬ ‫ديانتهم وقد �ضاوى القراآن بني امل�ضاجد والكنائ�س واملعابد من حيث‬ ‫حرمة العتداء اأو الهدم‪.‬‬

‫وبني اأن امل�ضريني كانوا اأذلة يف ظل قانون الطوارئ‪ ،‬واأذلة حتت قهر‬ ‫وا�ضتبداد نظام الرئي�س املخلوع ح�ضني مبارك فاأعز اهلل ال�ضعب امل�ضري‬ ‫بثورة ‪ 25‬يناير واأكرمهم بزوال وخلع مبارك‪.‬‬ ‫و�ضدد ال�ضريف على اأهمية ا�ضتغالل الثورة يف توحيد اأبناء ال�ضعب‬ ‫امل�ضري من م�ضلمني واأقباط والتاآزر والتكافل والعمل لبناء نه�ضة‬ ‫املجتمع‪ ،‬واأن الر�ضول اهلل �ضلى اهلل عليه و�ضلم اأطلق بندا د�ضتوريا‬ ‫بحرمة معاداة اأهل الذمة من الأقباط وغريهم‪.‬‬ ‫واأكد اأن التاريخ حافل بال�ضالم والتعاي�س بني اأبناء الأمة من امل�ضلمني‬ ‫والأقباط‪ ،‬م�ضريا اإىل اأنه لي�س من التدين اإثارة الفنت الطائفية اأو‬ ‫العن�ضرية فما وقع من اأحداث دامية يف اإمبابة‪.‬‬ ‫اأما الدكتور عبد الآخر حماد مفتي اجلماعة الإ�ضالمية فقال اإن‬ ‫الثورة امل�ضرية نعمة من اهلل‪ ،‬حيث ا�ضرتدت الأمة حريتها وكرامتها‪،‬‬ ‫لفتاً اإىل اأن الإ�ضالم عامل غري امل�ضلمني بالرحمة والعدل‪.‬‬ ‫وذكر حماد اأن عمرو بن العا�س عندما دخل م�ضر فا‪ ‬ترك الأقباط‬ ‫من اأهل م�ضر على دينهم ومل يجرب اأهل على الدخول يف الإ�ضالم‪ .‬مما‬ ‫يدل على �ضماحة وعدل الإ�ضالم يف التعامل مع الآخرين‪.‬‬ ‫واأ�ضار اإىل اأن الأقباط يف م�ضر كانوا م�ضطهدين يف ع�ضر الدولة‬ ‫البيزنطية‪ ،‬حيث قتل البيزنطيني اأعداد كبرية منهم ملخافتهم يف‬ ‫العقيدة‪ ،‬واأن الإ�ضالم حافظ على الكنائ�س وكفل حرية العقيدة لغري‬ ‫امل�ضلمني‪.‬‬ ‫اأما ال�ضيخ عبد اخلالق ح�ضن ال�ضريف القيادي يف جماعة الإخوان‬ ‫امل�ضلمني ذكر اأن الإ�ضالم دين العدل والرحمة ول ي�ضلح اأن يخرج منه‬ ‫نزعة طائفية‪.‬‬ ‫واأو�ضح ح�ضن اأن اأوروبا والدولة ال�ضهيونية هي التي �ضدرت للعامل‬ ‫العريف اأفكار الفرقة الطائفية‪ ،‬م�ضريا اإىل اأن الإ�ضالم ل مي�س الديانات‬ ‫الأخرى‪.‬‬ ‫واأ�ضار اإىل اأن نظام مبارك هم من �ضنعوا الفتنة الطائفية يف املجتمع‬ ‫امل�ضريـ م�ضددا على اأن الفتنة اأ�ضد خطرا على املجتمع‪ ،‬وان الإ�ضالم ل‬ ‫يعرف الطائفية ول يقبلها‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬ضارك عدد من اأع�ضاء املنتدى العاملي للو�ضطية يف‬ ‫الحتفال الذي اأقامته مدر�ضة تبنا الأ�ضا�ضية برعاية مدير الرتبية‬ ‫والتعليم يف مديرية تربية الكورة وبدعوة من مدر�ضة تبنا الأ�ضا�ضية‬ ‫‪،‬واأ�ضار املتحدثان الدكتور هايل الداود واملهند�س ب�ضام اأبو الن�ضر اإىل‬ ‫اأهمية احلفاظ على اأمن الوطن واملواطن وا�ضتقراره وازدهاره منوهني‬ ‫اإىل اأهمية دور اجلميع يف بناء الوطن‪.‬‬ ‫الوسطية ‪�-‬ضارك وفد ممثل عن قطاع املراأة يف منتدى الو�ضطية للفكر‬ ‫والثقافة وي�ضم كل من رئي�ضة جلنة املراأة يف منتدى الو�ضطية ال�ضيدة‬ ‫�ضو�ضن املومني ورئي�ضة هيئة �ضباب الو�ضطية ال�ضيدة رويداء ريالت‬

‫‪63‬‬


‫وع�ضوتي املنتدى الدكتورة نوال �شرار والدكتورة ماهرة جويحان يف‬ ‫ور�شة العمل التي نظمتها جامعة فيالدلفيا برعاية رئي�س جمل�س �أمناء‬ ‫اجلامعة العني ليلى �شرف حول (املر�أة والإعالم‪ :‬نظرة م�ستقبلية)‬ ‫وذلك يوم الثالثاء ‪ 2011/5/23‬يف مدرج كلية التمري�ض يف اجلامعة ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬ضمن فعاليات برنامج قارئ النه�ضة لهيئة �شباب الو�سطية‬ ‫نظم الطالب م�صعب �شديد لقاء يف عمادة �ش�ؤون الطلبة يف جامعة‬ ‫العلوم والتكنولوجيا يوم الأحد ‪ ،2011/5/8‬حيث مت خالل اللقاء‬ ‫مناق�شة كتاب "لي�س من الإ�سالم" للم�ؤلف حممد الغزايل بح�ضور‬ ‫الدكتور عاي�ش لبابنة من جامعة الريموك‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‪/‬فرع ال�سلط ندوة‬ ‫حوارية حول دور الأ�سرة يف تربية الن�شء على االعتدال والو�سطية ‪،‬‬ ‫ودور الأ�سرة يف حماربة العنف املجتمعي ‪،‬حتدث فيها الدكتور عو�ض‬ ‫الفاعوري مدير �أوقاف البلقاء والدكتور جمال ال�سفرتي ‪،‬ويف بداية‬ ‫اللقاء الذي �أدارته الداعية رويداء رياالت �أكد �أحيا عربيات رئي�س‬ ‫املنتدى على �أهمية هذه اللقاءات التي تتما�شى والواقع املحلي‪ ،‬وعلى‬ ‫�أهمية تفاعل الرتبية والتعليم مع هيئات املجتمع املدين ون�شر فكر‬ ‫الت�سامح والإخاء بني �أبناء املجتمع وخا�صة فئة ال�شباب‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬شارك رئي�س منتدى الو�سطية ‪ /‬فرع مادبا الدكتور �صالح‬ ‫اخلواطرة يف اللقاء الذي نظمته جمعية ال�شابات امل�سيحيات حول‬ ‫التعاي�ش الإ�سالمي امل�سيحي وبرعاية اجلمعية الأمريكية للتعاون‬ ‫الدويل‪ ،‬يف حمافظة م�أدبا وذلك يوم الثالثاء ‪، 2011/4/26‬حيث‬ ‫حتدث الدكتور اخلواطرة يف اللقاء الذي ح�ضره حمافظ مادبا عن‬ ‫املفهوم الإ�سالمي للتعاي�ش والت�سامح ‪،‬وبني حر�ص الإ�سالم منذ بدايته‬ ‫على بث روح التعاي�ش والرحمة بني النا�س من خالل قوله تعاىل " وما‬ ‫�أر�سلناك �إال رحمة للعاملني" ومن خالل الهدي النبوي ‪ " :‬اخللق كلهم‬ ‫عيال اهلل و�أحب اخللق �إىل اهلل �أنفعهم لعياله"‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬أكدت مدربة التنمية الب�شرية �سولني عبد احلميد �أن فئة‬ ‫ال�شباب هي الأكرث ا�ستهدافا وتعاطيا للمواد املخدرة‪.‬‬ ‫وا�ستعر�ضت يف الور�شة التدريبية التي نظمتها جلنة املر�أة يف منتدى‬ ‫الو�سطية للفكر والثقافة يوم الأربعاء ‪ 2011/5/4‬بعنوان" �أنقذوهم من‬ ‫املخدرات" �إح�صائية �أعدتها الأمم املتحدة ت�شري �إىل �أن الفئة العمرية‬ ‫ما بني ‪ 20‬و‪ 30‬هي الأكرث تعاطيا للمخدرات وبن�سبة ‪ ، %51‬و�أن قطاع‬ ‫العاطلني عن العمل يليه موظفو القطاع اخلا�ص هي ال�شرائح الأكرث‬ ‫اجنرافا يف هذا التيار املدمر‪ ،‬كما �أنه ومن حيث احلالة االجتماعية ف�إن‬ ‫فئة العازبني قد احتلت املراتب العليا‪.‬‬ ‫وقدمت الأ�ستاذة �سولني يف بداية الور�شة التي تهدف �إىل تدريب املر�أة‬ ‫وبث الوعي لديها و لدى جيل ال�شباب من �آفة املخدرات حفظا ورعاية‬ ‫للأ�سر والأبناء من االنحراف‪ ،‬و�شاركت فيها نخبة من �سيدات و�أع�ضاء‬ ‫من خمتلف القطاعات تعريفا لغويا ونف�سيا وقانونيا للمادة املخدرة ‪.‬‬

‫شهر حزيران ‪2011‬م‬ ‫الوسطية ‪ -‬على هام�ش �أعمال م�ؤمتر التحوالت ال�سيا�سية يف تون�س‪،‬‬ ‫قام وفد من املنتدى العاملي للو�سطية برئا�سة الأمني العام املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري وع�ضوية الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة والدكتور‬ ‫هايل الداود والدكتور حممد اخلطيب والأ�ستاذ منت�صر الزيات بلقاء‬ ‫ال�شيخ را�شد الغنو�شي رئي�س حركة النه�ضة يف تون�س ‪،‬وقد مت خالل‬ ‫اللقاء احلديث حول امل�ستجدات على ال�ساحة التون�سية والأخطار التي‬ ‫تهدد ثورة ال�شعب التون�سي‪ .‬وقد هن�أ الوفد ال�شيخ الغنو�شي بثورة‬ ‫ال�شعب التون�سي وبعودته �ساملا لبلده تون�س ال�شقيق بعد غربة دامت‬ ‫�سنوات طويلة‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬تلقى ع�ضو املنتدى العاملي الأ�ستاذ ح�سني الروا�شدة ر�سالة‬ ‫�شكر من حركة جمتمع ال�سلم يف اجلزائر لقاء م�شاركته يف فعاليات‬ ‫امللتقى الثامن مل�ؤ�س�س احلركة ال�شيخ حمفوظ النحناح والذي عقد‬ ‫يف العا�صمة اجلزائرية �أيام ‪ 2011/6/18-16‬بعنوان" م�ستقبل الوطن‬ ‫العربي يف ظل التحوالت اجلديدة"‪ ،‬وجاء يف الر�سالة �أن ح�ضور‬ ‫الأ�ستاذ الروا�شدة قد �أ�ضفى على امللتقى مل�سة جمالية خا�صة �ساهمت‬ ‫يف اجناحه وعمقت من �أوا�صر التعاون امل�شرتك‪ ،‬وفتحت �صفحة جديدة‬ ‫من العالقات امل�ستقبلية‪ ،‬يتم ا�ستثمارها مبا يحقق من اجنازات كربى‬ ‫تن�شد لها الب�شرية‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬صدر العدد الثاين من ال�سنة الرابعة ملجلة الو�سطية‪ ،‬املجلة‬ ‫الإ�سالمية الف�صلية امل�ستقلة التي ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية‪،‬‬ ‫وت�ضمنت املجلة يف طياتها جمموعة من الدرا�سات والأبحاث واملقاالت‬ ‫ملجموعة من العلماء والكتاب املتخ�ص�صني يف الفكر الإ�سالمي والعلوم‬ ‫الإن�سانية واالجتماعية وال�سيا�سية والفكرية والرتبوية ‪،‬واحتوت على‬ ‫عدد من الدرا�سات الإ�سالمية املتميزة لكتاب و مثقفني‪ ،‬تناولت يف‬ ‫�سطورها ق�ضايا املر�أة واخلطاب الإ�سالمي والإرهاب ومفهوم الو�سطية‬ ‫واحلوار احل�ضاري ‪ ،‬كما احتوت على �سل�سلة مميزة من املقاالت الهادفة‬ ‫يف ال�ش�أن الو�سطي الإ�سالمي واحلوار احل�ضاري والت�شدد والإرهاب‪،‬‬ ‫ا�ضافة اىل باقة متنوعة من الأخبار و الن�شاطات التي �أقامها املنتدى‬ ‫خالل الأ�شهر املا�ضية ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬نظم منتدى الو�سطية عددا من ور�ش العمل ملحاربة العنف‬ ‫ب�أنواعه كافة ‪،‬و�أكدت ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية رئي�سة مركز‬ ‫العالقات الأ�سرية التابع ملنتدى و�سطية اربد الدكتورة نوال �شرار �أن‬ ‫�أ�سا�س نبذ العنف االلتزام باملنهج الو�سطي‪ ،‬وقالت النا�شطة يف �ش�ؤون‬ ‫الأ�سرة املحامية �شرار �أنه بالرغم من الإجنازات العظيمة التي ت�شهدها‬ ‫ال�ساحة الإن�سانية املدنية على كافة الأ�صعدة‪ ،‬ورغم التطورات الهائلة‬ ‫يف التفكري وال�سلوك الإن�ساين مبا يالئم املدنية والتح�ضر‪� ،‬إال �أن العنف‬ ‫ال يزال اللغة ال�سائدة يف العامل‪ ،‬و�أداة التخاطب بني املجتمعات ‪،‬و�أ�شارت‬

‫‪64‬‬


‫�إىل �أن غياب تطبيق املنهج الرباين والأخالقي‪ ،‬ووجود عوامل اقت�صادية‬ ‫ونف�سية واجتماعية قد زاد من حدة �سيادة العنف بني املجتمعات‪ ،‬الفتة‬ ‫�إىل حر�ص املنتدى العاملي للو�سطية ملجابهة تلك الآفة التي تتغلغل‬ ‫بني �أو�ساطنا‪ ،‬وال�سعي للحد منها ب�شتى الطرق‪ ،‬من خالل الر�سالة‬ ‫التي ي�سعى دائما لتعزيزها ون�شرها برت�سيخ الفكر الو�سطي ون�شره‬ ‫ليكون �أول الطريق يف نبذ العنف ب�أنواعه ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬أقام منتدى و�سطية اربد يف مقره يوم ال�سبت ‪2011/6/11‬‬ ‫احتفاال مبنا�سبة الأعياد الوطنية ت�ضمن فعاليات متنوعة‪ ،‬حتدث فيها‬ ‫مدير املركز الإ�سالمي يف اربد الدكتور عمر النوافلة ‪،‬كما �أكد رئي�س‬ ‫منتدى و�سطية اربد يو�سف امللكاوي �أن م�سرية العطاء تبد�أ منذ عهد‬ ‫امللك امل�ؤ�س�س �إىل عهد امللك عبد اهلل الثاين الذي جعل الأردن قطعة‬ ‫من اجلنة وجعل ال�شعب الأردين مقدرا بني ال�شعوب العربية‪.‬‬

‫شهر تموز ‪2011‬م‬ ‫الوسطية ‪ -‬بدعوة من املركز العاملي للتجديد والرت�شيد بلندن‬ ‫واملركز العاملي للو�سطية بدولة الكويت غادر الأمني العام للمنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يوم الأحد ‪� 2011/7/ 3‬إىل‬ ‫املغرب للم�شاركة بور�شة علمية بعنوان" االجتهاد بتحقيق املناط ‪:‬فقه‬ ‫الواقع والتوقع"‪ ،‬والتي عقدت يومي ‪ 2011/7/5-4‬يف الرباط ‪ /‬اململكة‬ ‫املغربية‪ ،‬وهدفت الور�شة �إىل ا�ستك�شاف الإمكانات العظيمة لل�شريعة‬ ‫حكما وقيما يف التعامل مع واقع متغري‪ ،‬وا�ستح�ضار اكراهات الواقع‬ ‫الإن�ساين لت�أ�صيل التعامل مع �أنواع امل�شكالت املعا�صرة‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�صر حما�ضرة‬ ‫للدكتور عمر عبد الكايف بعنوان "القد�س يف قلب الثورات العربية"‬ ‫وذلك يوم الثالثاء املوافق ‪ 2011/7/5‬يف م�سجد رابعة العدوية‪ ،‬وتعد‬ ‫هذه املحا�ضرة هي الأويل للدكتور عبد الكايف يف م�صر بعد انقطاع دام‬ ‫‪ 12‬عاما‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع اربد حما�ضرة‬ ‫بعنوان" التدخني و�أ�ضراره االجتماعية وال�صحية والدينية" يف مقر‬ ‫املنتدى ب�إربد‪ ،‬حتدث يف املحا�ضرة �إمام وخطيب من �أوقاف اربد ال�شيخ‬ ‫عثمان �أبو �سرايا حيث �أ�شار �أن التدخني هو �سبب فناء عمر الإن�سان‬ ‫الذي �سي�س�أل عنه يوم احل�ساب فيما �أفناه‪ ،‬و�أن اهلل قد �أعطى الإن�سان‬ ‫عقال يجعله قادرا على التفكري مبا يفيده ومبا ي�ضره‪ ،‬و�أن الإن�سان‬ ‫العاقل عليه االمتناع عن كل ما ي�ضر اجل�سم ويف مقدمة الأ�شياء‬ ‫التدخني‪ ،‬امل�شرف من تربية اربد الأوىل الدكتور تي�سري �سعيدين‬ ‫بني الأثر الرتبوي على م�ضار التدخني حيث �أ�شار �أن التدخني ي�ؤدي‬ ‫لتفتيت وحدة اجلماعة‪ ،‬و�أن الإن�سان املدخن ينفر منه الآخرون ل�سلوكه‬

‫ورائحته الكريهة‪ ،‬ومن ال�صعب التعامل معه لتوتره وع�صبيته ب�سبب‬ ‫التدخني‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬أقام منتدى و�سطية اربد يف مقره احتفاال مبنا�سبة ذكرى‬ ‫الإ�سراء واملعراج ت�ضمن فعاليات متنوعة ‪،‬وحتدث رئي�س منتدى‬ ‫و�سطية اربد يو�سف امللكاوي يف كلمته عن احلمالت الإعالمية التي‬ ‫كانت �ضد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�أنها باطلة وال �صحة لها‪،‬‬ ‫وقد �صرب الر�سول الكرمي على تلك الإ�شاعات فجاءت حادثة الإ�سراء‬ ‫واملعراج تكرميا من اهلل �سبحانه وتعاىل لر�سوله حممد �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ورفع الظلم عنه‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع مادبا يوم‬ ‫الثالثاء املوافق ‪ 2011/7/5‬ندوة بعنوان" ا�ستغالل طاقات ال�شباب‬ ‫خالل العطلة ال�صيفية"‪ ،‬حتدث يف الندوة التي عقدت يف مقر املنتدى‬ ‫كل من د‪�.‬صالح اخلواطرة وال�شيخ جمال ال�سفرتي‪ ،‬حيث دار احلديث‬ ‫حول �شوارعنا التي متتليء بال�شباب �أثناء العطلة مما يزيد من ن�سبة‬ ‫امل�شاكل والعنف ‪،‬ومت التنويه �إىل �ضرورة وجود مراكز �صيفية ونوادي‬ ‫ثقافية وريا�ضية وقر�آنية وفكرية من جهة ‪ ،‬للم�س�ؤولية الكبرية التي‬ ‫تتحملها مراكز رعاية ال�شباب من جهة �أخرى‪� ،‬إ�ضافة �إىل الدور املهم‬ ‫الذي يقوم به منتدى الو�سطية يف حمافظات اململكة يف هذا ال�صعيد ‪.‬‬ ‫الو�سطية‪ -‬عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع مادبا يوم ال�سبت‬ ‫‪ 2011/7/16‬ندوة بعنوان " الفكر التكفريي وخطره على املجتمع"‬ ‫حتدث فيها كل من مدير �أوقاف مادبا الدكتور �سليمان �شيحان‬ ‫ود‪�.‬أحمد احلاليبة فيما �أدار الندوة ال�شيخ جمال ال�سفرتي‪ ،‬وتطرق‬ ‫الدكتور �سليمان �شيحان يف املحا�ضرة التي عقدت يف مقر املنتدى مبادبا‬ ‫للحديث عن خطورة الفكر التكفريي و�أثره ال�سلبي على املجتمع الفتا‬ ‫�إىل �أن التكفري �سي�ؤدي �إىل التفجري والذي �سي�ؤدي يف النهاية �إىل‬ ‫التدمري‪ ،‬من جهته �أ�شار الدكتور �أحمد احلاليبة �أن العلة واملر�ض‬ ‫لي�ست يف �أنظمة احلكم‪ ،‬و�إمنا يف الفكر الذي يحمله ه�ؤالء النفر من‬ ‫املت�شددين قائال �أن وظيفة الدعاة اليوم �إخراج النا�س من الكفر �إىل‬ ‫الإ�سالم فهل ينقلب دورهم لإخراج النا�س من الإ�سالم �إىل الكفر ‪،‬وقد‬ ‫ح�ضر الندوة عدد من الأئمة واخلطباء والدعاة �إ�ضافة غلى عدد من‬ ‫�شباب املنتدى واملجتمع املحلي‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬نظم منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‪ /‬ال�سلط بالتعاون مع‬ ‫مركز مو�سى ال�ساكت الثقايف يوم ال�سبت ‪ 2011/7/30‬احتفالية خا�صة‬ ‫مبنا�سبة قدوم �شهر رم�ضان املبارك بعنوان "كيف ن�ستقبل رم�ضان"‬ ‫�شارك فيها الدكتور عبداهلل ال�صيفي رئي�س ق�سم الفقه باجلامعة‬ ‫الأردنية وف�ضيلة الدكتور هاين العابد مفتى املحافظة ‪،‬وت�ضمنت‬ ‫االحتفالية عر�ضا م�سرحيا وتوزيع ام�ساكيه �شهر رم�ضان‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫ﻣـﻘـﺎﺑـﻼﺕ‬ ‫ﺍﻟـﻮﺳـﻄﻴـﺔ‬ ‫فﻲ حواﺭﻩ ﻣﻊ »الﺪسﺘوﺭ«‬

‫الﻔاﻋوﺭﻱ‪» :‬الﻌالمﻲ لﻠوسطية« يسﻌﻰ إلﻋاﺩﺓ‬ ‫ﺻياﻏة المﺸروﻉ النهﻀوﻱ اإلسﻼﻣﻲ‬ ‫قال اأمني عام املنتدى العاملي للو�شطية املهند�ص مروان الفاعوري‬ ‫اأن املنتدى هي‪‬ة فكرية اإ�شالمية عاملية تتخذ من عمان مقر ًا‬ ‫لها وت�شعى اإىل التجديد يف حياة الأمة واإعادة �شياغة امل�شروع‬ ‫النه�شوي الإ�شالمي‪.‬‬ ‫واأ�شار يف مقابلة مع "الد�شتور" اإىل انه مت اإطالق رابطة كتاب‬ ‫التجديد يف حزيران من العام املا�شي بالقاهرة ‪‬بادرة من‬ ‫املنتدى العاملي للو�شطية و‪�‬شاركة نحو اأربعني مفكرا وكاتبا‬ ‫من ت�شع دول عربية‪ ..‬وتهدف الرابطة اإىل رعاية كتاب‬ ‫التجديد والتنوير يف الأمة واإحياء م�شادر ال�شريعة املعت‪‬ة‬ ‫والنبذ املطلق لكل خطاب تكفريي مهما كانت م‪‬راته والتاأكيد‬ ‫على رف�ص بيانات التكفري التي ت�شدرها جهات دينية واأفراد‬ ‫وفتح احلوارات مع الغرب بهدف بناء اجل�شور ورفع العوائق‬ ‫التي حتول دون تقد‪� ‬شورة �شحيحة عن الإ�شالم‪.‬‬ ‫وقال اأن الأمة الإ�شالمية تعي�ص اأربعة تهديدات ك‪‬ى يف نظرنا‬ ‫هي كلها مدار�ص غلو وتطرف‪ ،‬الأول تهديد ميار�شه الغزاة من‬ ‫اخلارج على اأوطاننا‪ ،‬والثاين تهديد ميار�شه الطغاة يف الداخل‬ ‫على حق الأمة يف ممار�شة ال�شلطة ال�شيا�شية‪ ،‬والثالث ميار�شه‬ ‫غالة الفكر يف الداخل واخلارج من املدر�شتني الإ�شالمية‬ ‫والعلمانية‪ ،‬والرابع تهديد ال�شتات فنحن مليار ون�شف ولكنها‬ ‫اأ�شتات‪ ..‬وفيما يلي الن�ص املقابلة‪..‬‬ ‫الد�شتور‪ :‬بداية هل لك اأن تعرفنا ‪‬نتدى الو�شطية؟‬ ‫ املنتدى هيئة فكرية اإ�ضالمية عاملية تتخذ من عمان مقراً لها‬‫وت�ضعى اإىل التجديد يف حياة الأمة واإعادة �ضياغة امل�ضروع النه�ضوي‬ ‫الإ�ضالمي‪ ،‬من خالل امتالك و�ضائل عملية وواقعية جتديدية يف اإنتاج‬ ‫خطاب اإ�ضالمي م�ضتنري‪ ،‬يهدف اإىل تعميم الفهم ال�ضليم لالإ�ضالم‬

‫م‪.‬مروان الفاعوري‬ ‫وقيمه وت�ضريعاته ‪ ،‬وي�ضم املنتدى يف ع�ضويته نخبة من العلماء وقادة‬ ‫الفكر الإ�ضالمي من املوؤمنني باأ َّن تيار العتدال هو التيار الأ�ضيل يف‬ ‫الأمة‪ ،‬وهو تيار امل�ضتقبل وطوق النجاة‪.‬‬ ‫الد�شتور‪ :‬كيف مت تاأ�شي�ص املنتدى وهل له عالقة باحلكومة‬ ‫الأردنية؟‬ ‫ ّ‬‫مت توقيع اتفاقية تاأ�ضي�س املنتدى العاملي للو�ضطية مع حكومة اململكة‬ ‫الأردنية الها�ضمية لتكون عمان مقراً له ‪ ،‬ووقع التفاقية وزير اخلارجية‬ ‫ممثل احلكومة الأردنية‪ ،‬والأمني العام للمنتدى بح�ضور اأع�ضاء املكتب‬ ‫التنفيذي للمنتدى وهم‪ :‬الإمام ال�ضادق املهدي ‪/‬ال�ضودان‪ ،‬الأ�ضتاذ‬ ‫حممد طالبي‪ /‬املغرب ‪ ،‬الدكتور حممد حب�س ‪�/‬ضوريا ‪ ،‬الأ�ضتاذ منت�ضر‬

‫‪66‬‬


‫الزيات‪ /‬م�صر‪ ،‬والدكتور حممد اخلطيب ‪ /‬الأردن‪ ،‬ون�صت الوثيقة على‬ ‫�أن يكون مقر املنتدى العاملي يف عمان ‪ ،‬و ُمنح املنتدى �شخ�صية اعتبارية‬ ‫ذات ا�ستقالل مايل و�إداري‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬ما هي ر�سالة ور�ؤية املنتدى العاملي للو�سطية؟‬ ‫ ر�سالته عمل �إ�سالمي جمدد ومتجدد يف خدمة الدين ‪ ،‬عامل عادل‬‫متوازن عرب تر�سيخ التدين يف �إطار العقيدة الإ�سالمية ال�سمحة‪،‬‬ ‫والإ�سهام يف ت�أ�سي�س ح�ضارة �إن�سانية عادلة يف نهجها ‪ ،‬متوازنة يف‬ ‫م�سريتها‪ ،‬غايتها املثلى حفظ النظام الكوين‪�.‬أما ر�ؤيته فهي ت�أكيد‬ ‫وت�أ�صيل منهج الو�سطية واالعتدال‪ ،‬و�إبراز �صورة الإ�سالم احلقيقية‬ ‫فكراً وثقافة و�سلوكاً على ال�صعد كلها‪ ،‬ون�شر ر�سالة االعتدال يف فهم‬ ‫الإ�سالم ديناً وح�ضارة وتعميم الهوية الفكرية والثقافية لإن�سانية‬ ‫الإ�سالم ّ‬ ‫وبث روح الت�سامح واحلوار الإن�ساين انطالقا من و�سطية‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬ورف�ضاً ملفاهيم التطرف والغلو بكل �صوره ومفرداته‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬ملاذا املنتدى العاملي للو�سطية؟‬ ‫ من نعمة اهلل على هذه الأمة وت�شريفه لها �أن جعلها �أمة و�سطاً خياراً‬‫عدو ًال‪ ..‬قال تعاىل" َو َك َذ ًل َك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا"(البقرة‪ .)143 :‬فهي‬ ‫خري الأمم التي �أخرجت ثم ا�صطفى اهلل �سبحانه وتعاىل لها ر�سو ًال من‬ ‫خيارها و�أو�سطها ن�سباً ومكانة فبعثه فيها نبياً ور�سو ًال‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ولكن نف ّر من الأمة يف الع�صر احلا�ضر ابتعد عن منهج االعتدال‬ ‫والتو�سط الذي ر�سمه القر�آن الكرمي ومار�سه يف احلياة �سيد املر�سلني‪،‬‬ ‫ف�إ َّن املتدبر يف الواقع الذي تعي�شه الأمة اليوم يرى �أ َّن بع�ض امل�سلمني‬ ‫قد غال و�أفرط يف الغلو‪ ،‬وهناك من ف ّرط وجفا‪ ،‬و�أ�ضاع معامل الدين‬ ‫و�أ�صول العقيدة‪ ،‬مما �أدى �إىل �ضياع امل�سلمني بني تيارين‪ ،‬تيار الإحلاق‬ ‫والتغريب‪ ،‬وتيار التطرف والتكفري‪.‬‬ ‫�صحح املنهج وتقود‬ ‫وبني ه�ؤالء و�أولئك وقفت فئة تقتفي الأثر‪ ،‬و ُت ّ‬ ‫النا�س �إىل ال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬ينفون عن هذا الدين غلو الغالني‪،‬‬ ‫وانتحال املبطلني‪ ،‬وتفريط الك�ساىل‪ ،‬ودعاوى املرجفني الزائفني‪.‬‬ ‫فو�سط هذا الواقع امل�ؤمل‪ ،‬واال�ضطراب املهلك‪ ،‬ت�شتد احلاجة �إىل �إر�شاد‬ ‫الأمة �إىل ال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬واملنهج الو�سط القومي لإنقاذها من‬ ‫كبوتها و�إيقاظها من رقدتها‪ ،‬وتذكري الدعاة وامل�صلحني‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬ما هي مرتكزات املنتدى؟‬ ‫ يرتكز املنتدى العاملي للو�سطية يف عمله وتخطيطه على جمموعة‬‫من املبادئ واملنطلقات من �أبرزها الإ�سهام يف حتقيق الت�صالح مع الذات‬ ‫�أي ت�صالح �أبناء احلو�ض احل�ضاري الإ�سالمي مع بع�ضهم والإ�سهام يف‬ ‫احلوار املبني على موازين ال�شرع والعقل والواقع ‪ ،‬وجتفيف م�صادر‬ ‫الغلو والإ�سهام يف احلوار بني احل�ضارات وت�صاحلها والتقائها على‬ ‫الثوابت الإن�سانية امل�شرتكة والإ�سهام يف التنمية ال�شاملة يف بالد‬ ‫امل�سلمني وت�صحيح م�سار ح�ضارة الغرب‪.‬‬

‫الد�ستور‪ :‬كيف تنظرون �إىل واقع الأمة الإ�سالمية؟‬ ‫ الأمة الإ�سالمية تعي�ش �أربعة تهديدات كربى يف نظرنا هي كلها‬‫مدار�س غلو وتطرف‪ ،‬الأول تهديد ميار�سه الغزاة من اخلارج على‬ ‫�أوطاننا‪ .‬والثاين تهديد ميار�سه الطغاة يف الداخل على حق الأمة يف‬ ‫ممار�سة ال�سلطة ال�سيا�سية والثالث ميار�سه غالة الفكر يف الداخل‬ ‫واخلارج من املدر�ستني الإ�سالمية والعلمانية‪ .‬والرابع تهديد ال�شتات‬ ‫فنحن مليار ون�صف ولكنها �أ�شتات‪ .‬الد�ستور‪� :‬إذن ما هو املطلوب؟‬ ‫ �إ َّن ال�صفوة املثقفة الو�سطية يف عاملنا الإ�سالمي ملزمة اليوم‬‫بالت�صدي الفكري والعملي ملدار�س الغلو ب�شقيه الإ�سالمي والعلماين‪،‬‬ ‫واملثابرة على ذلك بعيداً عن املقاربة الأمنية‪ ،‬لتجفيف منابع التطرف‬ ‫والغلو‪ ،‬لقناعتنا ب�أ َّن االقت�صار على املعاجلة الأمنية يفرخ الغلو ويفجر‬ ‫ينابيع جديدة له ولي�س العك�س حيث ي�ؤمن املنتدى ب�ضرورة جتاوز‬ ‫ال�صدام احل�ضاري اجلاري اليوم بني الثقافات واحل�ضارت الإن�سانية‪،‬‬ ‫وتقوية ما يجري من حوار بينها‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬لقد �أن�ش�أمت رابطة كتاب التجديد يف م�صر العام‬ ‫املا�ضي هال حدثتنا عنها؟‬ ‫ انطلقت الرابطة يف حزيران من العام املا�ضي يف القاهرة مببادرة من‬‫املنتدى العاملي للو�سطية ومب�شاركة نحو �أربعني مفكرا وكاتبا من ت�سع‬ ‫دول عربية كالإمام ال�صادق املهدي من ال�سودان واحمد ها�شم والدكتور‬ ‫عبد احلليم عوي�س واحمد �أبو املجد وحممد ها�شم والدكتور احمد‬ ‫�شوقي دنيا وحممد مورو من م�صر و�سعيد العثماين والطيب ابوعزة‬ ‫من املغرب و�شوقي القا�ضي وحميد باعلوي وجا�سم �سلطان من اليمن‬ ‫وحممد االحمري وزكي ميالد ونواف القدميي من ال�سعودية ومروان‬ ‫الفاعوري وحممد �أبو رمان والدكتور احمد نوفل من الأردن‪.‬‬ ‫وتهدف الرابطة غاىل رعاية كتاب التجديد والتنوير يف الأمة و�إحياء‬ ‫م�صادر ال�شريعة املعتربة والنبذ املطلق لكل خطاب تكفريي مهما كانت‬ ‫مربراته والت�أكيد على رف�ض بيانات التكفري التي ت�صدرها جهات دينية‬ ‫و�إفراد وفتح احلوارات مع الغرب بهدف بناء اجل�سور ورفع العوائق التي‬ ‫حتول دون تقدمي �صورة �صحيحة عن الإ�سالم‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬ماذا يعني احلوار ملنتدى الو�سطية؟‬ ‫ احلوار الناجح هو الذي يهدف �إىل تبادل املنتجات احل�ضارية‬‫ال�صاحلة لنه�ضة الأمم ‪ ،‬ك�آليات الدميقراطية الغربية بالن�سبة‬ ‫للم�سلمني الغارقني يف اال�ستبداد ‪ ،‬والقيم ا ُ‬ ‫خللقية الإ�سالمية بالن�سبة‬ ‫للغرب الغارق يف املجاعة الروحية ‪ ،‬فاحل�ضارات جمعاء بحاجة ملحة‬ ‫ا�س ً �إ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم ًمنْ َذ َك ْر‬ ‫للحوار بدل ال�صدام‪ .‬قـال تـعـاىل‪َ ( :‬يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫َو�أُ ْن َثى ‪َ ،‬و َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ًئ َل ًل َت َعا َر ُفوا �إً َّن َ�أ ْك َر َم ُك ْم ًع ْن َد هَّ ً‬ ‫الل َ�أ ْت َقا ُك ْم �إً َّن‬ ‫هَّ َ‬ ‫ري)(احلجرات‪� .)13:‬إ َّن الإن�سانية جمعاء بحاجة للحوار‬ ‫الل َع ًلي ّم َخ ًب ّ‬ ‫لتحقيق ثالث مقا�صد كربى‪ :‬البقاء والرخاء والهناء ل�سكان الأر�ض‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫الد�ستور‪ :‬ماذا يعني الفكر والثقافة للمنتدى؟‬ ‫ ي�ؤمن املنتدى العاملي للو�سطية بان التنمية الفكرية الثقافية عن�صر‬‫�أ�سا�سي للنه�ضة الإ�سالمية الرائدة واحل�ضارة الإن�سانية الرا�شدة‪..‬‬ ‫ويعترب هذه التنمية وظيفة من وظائف ر�سالته العاملية �إن �شاء اهلل حتى‬ ‫ن�ضمن لنا موقعاً يف اخلريطة التاريخية امل�ستقبلية‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬ما هي التطلعات امل�ستقبلية للمنتدى؟‬ ‫ يف الواقع تطلعاتنا كثرية وعديدة �إال �أن من �أبرزها الت�أ�سي�س والبناء‬‫العتماد منهجية للعقل اال�سرتاتيجي لدى �أبناء الأمة‪ ،‬وال�سعي لتخريج‬ ‫مفكرين ا�سرتاتيجيني يف كافة �أقطار العامل الإ�سالمي وت�شكيل جلنة‬ ‫علمية تكون مهمتها جمع جميع الأدبيات والأبحاث التي طرحت حول‬ ‫الو�سطية واالعتدال وملفات خمتلفة وو�ضع خطة لتوزيعها على‬ ‫اجلاليات الإ�سالمية و�إطالق حملة ت�صحيح مفاهيم حقوق الإن�سان يف‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬وحقوق املر�أة يف الأحوال ال�شخ�صية‪ ،‬وبيان دور املر�أة امل�سلمة‬ ‫املعا�صرة يف حركة النه�ضة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫والتعاون مع الفنانني العرب وامل�سلمني يف �إنتاج م�سل�سالت و�أفالم تخدم‬ ‫املنهج الو�سطي و�إخراج جمموعة من الأفالم التلفزيونية وال�سينمائية‬ ‫التي تتناول ق�ضايا التطرف والإرهاب‪ ،‬وتر�سيخ مفاهيم الو�سطية‬ ‫واالعتدال و�سماحة الإ�سالم و�إن�سانيته‪ ،‬لنقل ال�صورة ال�صحيحة عن‬ ‫الإ�سالم و�أهله‪.‬‬ ‫كما نتطلع �إىل ت�أ�سي�س برامج درا�سية موجهة خلدمة البحث العلمي‪،‬‬ ‫حتى تلعب دوراً �أ�سا�سياً يف �صياغة الفكر العلمي وبناء مناهج تعالج‬ ‫الإ�شكاالت املعا�صرة وتبني املبدعني واملخرتعني والعلماء واملفكرين يف‬ ‫العامل العربي والإ�سالمي لال�ستفادة من علومهم وجتاربهم برعاية‬ ‫(‪ )100‬متفوق من ه�ؤالء املبدعني واملتفوقني و�إن�شاء حمطة ف�ضائية‬ ‫(الو�سطية) و�إن�شاء حمطة �إذاعية كذلك با�سم �صوت الو�سط‪.‬‬ ‫وتعزيز دور ال�صحافة وال�سينما والتلفزيون يف ن�شر قيم وفكر االعتدال‬ ‫والو�سطية وو�ضع منهاج للو�سطية يتم تدري�سه يف كليات املجتمع‬ ‫واجلامعات الأردنية كمتطلب �إجباري و�إطالق �صحيفة الو�سطية‬ ‫(�صحيفة �أ�سبوعية) تنطق بل�سان املنتدى لن�شر مبادئ وقيم الو�سطية‬ ‫واالعتدال يف املجتمع الأردين‪ ،‬و�أي�ضا �إن�شاء مركز درا�سات الو�سطية‬ ‫و�أبحاثها وتكوين مكتبة عاملية لأدبيات الو�سطية‪.‬‬ ‫ونتطلع �أي�ضا �إىل توثيق عُرى التوا�صل والتعاون مع اجلاليات‬ ‫العربية والإ�سالمية يف �أوروبا و�أمريكا لن�شر قيم التوا�صل واالعتدال‬ ‫يف املجتمعات الغربية ‪ ،‬ولدرا�سة �أحوال هذه اجلاليات وطرق تفعيل‬ ‫اندماجها يف جمتمعاتنا وو�سائل اال�ستفادة منها لرفد النه�ضة يف العامل‬ ‫العربي والإ�سالمي من خالل عقد امل�ؤمترات والندوات امل�شرتكة‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬ما هي �أهم منجزات ون�شاطات املنتدى؟‬ ‫‪ -‬عقد املنتدى �سل�سلة من امل�ؤمترات الدولية حيث عقد م�ؤمتره الدويل‬

‫الأول يف عمان عام ‪ 2004‬حتت رعاية جاللة امللك عبد اهلل الثاين‬ ‫بعنوان (و�سطية الإ�سالم بني الفكر واملمار�سة) مب�شاركة �أكرث من (‪)50‬‬ ‫�شخ�صية �إ�سالمية عاملية من املفكرين والعلماء‪ ..‬وهدف �إىل تعريف‬ ‫الو�سطية الإ�سالمية ‪ ،‬و�أطلق �إعالن عمان للو�سطية‪ .‬كما عقد املنتدى‬ ‫م�ؤمتره الدويل الثاين يف عمان حتت الرعاية امللكية ال�سامية بعنوان‬ ‫(الدور العملي لتيار الو�سطية يف الإ�صالح ونه�ضة الأمة)‪ ..‬وهدف �إىل‬ ‫جتديد ال�سياق العملي للإ�صالح وتوحيد جهود العاملني للإ�سالم يف‬ ‫هذا املجال‪.‬‬ ‫وامل�ؤمتر الثالث يف عمان حتت الرعاية امللكية ال�سامية بعنوان (نحو‬ ‫�إ�سهام عربي �إ�سالمي يف احل�ضارة الإن�سانية املعا�صرة) عام ‪� 2007‬شارك‬ ‫فيه �أكرث من (‪� )90‬شخ�صية �إ�سالمية عاملية ‪ُ ،‬قدمت خالله حوايل‬ ‫(‪ )50‬ورقة عمل و�أطلق امل�شاركون يف ختامه (�إعالن ر�سالة عمان‬ ‫للحوار احل�ضاري)‪ .‬وجاء امل�ؤمتر رداً عملياً على �أحداث ‪� 11‬سبتمرب ‪،‬‬ ‫و�أ َّن للم�سلمني �إ�سهاماً ح�ضارياً راقياً‪.‬‬ ‫وعقد الرابع يف عمان بعنوان (نحو م�شروع نه�ضوي �إ�سالمي) عام‬ ‫م‪ 2008‬و�شارك يف امل�ؤمتر �أكرث من (‪� )120‬شخ�صية �إ�سالمية عاملية‬ ‫‪ُ ،‬قدمت خالله �أكرث من (‪ )50‬ورقة وهدف �إىل بلورة م�شروع يجمع‬ ‫طاقات الأمة كلها‪.‬‬ ‫وامل�ؤمتر اخلام�س يف عمان برعاية �سمو الأمري غازي بن حممد بعنوان‬ ‫(ق�ضايا املر�أة يف املجتمعات الإ�سالمية وحتديات الع�صر) عام ‪ 2009‬م‪.‬‬ ‫و�شارك يف امل�ؤمتر �أكرث من (‪� )50‬شخ�صية �إ�سالمية عاملية وجاء امل�ؤمتر‬ ‫ت�أ�صي ً‬ ‫ال خلطاب ن�سوي معا�صر ُيواجه دعاة التطرف والتفريط‪.‬‬ ‫عقد املنتدى م�ؤمتره الدويل ال�ساد�س (القد�س‪ ..‬دين وتاريخ) برعاية‬ ‫وزير الثقافة‪ ..‬و�أكد �أ َّن تيار الو�سطية ينحاز دائماً لق�ضايا الأمة‬ ‫العربية والإ�سالمية‪.‬‬ ‫يف حني عقد م�ؤمتره الدويل ال�سابع (الو�سطية الإ�سالمية‪ ..‬املفهوم‬ ‫‪ ،‬التحديات ‪ ،‬الأدوار) يف اجلمهورية اليمنية ‪� -‬صنعاء عام ‪2010‬م‪.‬‬ ‫مب�شاركة �أكرث من (‪� )60‬شخ�صية فكرية �إ�سالمية عاملية وجاء امل�ؤمتر‬ ‫دعوة لتعزيز التوافق باعتبار الو�سطية عن�صر�أ �أ�سا�سياً لوحدة الأمة ‪،‬‬ ‫و�إبراز دور تيار الو�سطية يف معاجلة ظواهر ال ُغلو والتطرف‪ .‬ويف ختام‬ ‫امل�ؤمتر �أُطلق (�إعالن �صنعاء للو�سطية)‪.‬‬ ‫عقد املنتدى م�ؤمتره الدويل الثامن (دور الو�سطية يف ا�ستقرار ونه�ضة‬ ‫الباك�ستان) يف الباك�ستان عام ‪ 2010‬مب�شاركة �أكرث من (‪� )130‬شخ�صية‬ ‫فكرية �إ�سالمية عاملية‪ ..‬وجاء امل�ؤمتر دعوة لتعزيز مفاهيم الو�سطية‬ ‫يف املجتمعات الإ�سالمية ‪ ،‬و�إبراز دور تيار الو�سطية يف معاجلة ظواهر‬ ‫ال ُغلو والتطرف يف العامل الإ�سالمي وباك�ستان خا�صة‪ .‬كما مت عقد‬ ‫املنتدى م�ؤمتر (الواقع الديني يف الأردن) يف ع ّمان بالتعاون مع كلية‬ ‫ال�شريعة ‪ -‬اجلامعة الأردنية �أواخر العام املا�ضي مب�شاركة �أكرث من (‪)50‬‬

‫‪68‬‬


‫�شخ�صية فكرية �إ�سالمية �أردنية‪ ..‬وجاء امل�ؤمتر للتعريف بتاريخ الأديان‬ ‫يف الأردن ‪ ،‬و�إبراز دور امل�ؤ�س�سات الدينية يف خمتلف جماالت احلياة يف‬ ‫الأردن ‪ ،‬وو�صف واقع التعددية الدينية يف الأردن ‪ ،‬و�إبراز دور الدين يف‬ ‫تعزيز االعتدال والت�سامح يف خمتلف جماالت احلياة والتعريف بواقع‬ ‫احلريات الدينية وامل�ساهمة يف تعزيزها‪.‬‬ ‫وعقد املنتدى م�ؤمتره الدويل التا�سع (منهج الو�سطية ودورها يف‬ ‫احلفاظ على ال�سلم االجتماعي) يف اجلزائر ‪2010‬م‪ ،‬مب�شاركة �أكرث‬ ‫من (‪� )85‬شخ�صية فكرية �إ�سالمية عاملية‪ ،‬وجاء امل�ؤمتر دعوة لتعزيز‬ ‫مفاهيم ال�سلم االجتماعي عرب بوابة الو�سطية يف املجتمعات املعا�صرة ‪،‬‬ ‫و�إبراز دور تيار الو�سطية يف معاجلة ظواهر ال ُغلو والتطرف يف اجلزائر‬ ‫خا�صة‪ ،‬واملغرب العربي عامة وهناك الكثري من امل�ؤمترات العديدة كما‬ ‫عقد املنتدى �سل�سلة من الندوات واملحا�ضرات ال�شهرية التي �ألقاها‬ ‫نخبة من رجال الفكر وال�سيا�سة ‪ ،‬من �أهمها‪ :‬حما�ضرة ل�سماحة‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي رئي�س وزراء ال�سودان الأ�سبق‪ ،‬رئي�س حزب الأمة‬ ‫ال�سوداين بعنوان "التطرف و�أثره على م�شروع نه�ضة الأمة"و�أخرى‬ ‫قدمها الدكتور �سعد الدين العثماين بعنوان "م�ستقبل تيار الو�سطية‬ ‫"‪ .‬و�شارك الدكتور حممد راتب النابل�سي يف �سل�سلة من املحا�ضرات‬ ‫حول الو�سطية واالعتدال‪ .‬كما �شارك الداعية عمرو خالد يف �سل�سلة من‬ ‫املحا�ضرات حول ال�شباب والو�سطية‪ ،‬والنهو�ض بالأمة‪ .‬وقدم الدكتور‬ ‫�سليم احل�ص رئي�س وزراء لبنان ال�سابق‪ ،‬حما�ضرة حول الأو�ضاع‬ ‫ال�سيا�سية يف املنطقة‪ .‬والداعية �أ�سماء عبد املجيد الزنداين‪":‬دور‬ ‫اخلطاب الو�سطي يف تفنيد ال�شبهات التي ُتثار حول املر�أة "‪ .‬وعقد‬ ‫املنتدى ندوات ملجموعة من الدعاة يف عدد من املدن الأردنية منهم‪:‬‬ ‫الدكتور عمر عبد الكايف‪ ،‬الدكتور �أحمد الكبي�سي‪ ،‬الأ�ستاذ منت�صر‬ ‫الزيات‪ ،‬الأ�ستاذ حممد طالبي‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬هل ي�صدر املنتدى جملة �أو ي�ساهم يف ا�صدار‬ ‫مطبوعات ذات عالقة؟‬ ‫ ي�صدر املنتدى العاملي للو�سطية جملة دورية ف�صلية با�سم (الو�سطية)‬‫منذ عام م‪ ،2007‬انطالقا من ر�ؤية املنتدى العاملي يف ن�شر ر�سالة‬ ‫االعتدال والو�سطية‪ ،‬والتعريف بالإ�سالم ب�صورته ال�سمحة امللتزمة‬ ‫واملنفتحة على الع�صر واملرتبطة بالأ�صل‪ ،‬ولتكون منرباً للتوا�صل بني‬ ‫املنتدى وحميطه العربي والإ�سالمي و ُي�ساهم يف مقاالتها و�أفكارها‬ ‫جمموعة من �أبرز العلماء واملفكرين الذين ي�ؤمنون بر�سالة املنتدى‬ ‫و�أهدافه‪.‬‬ ‫كما قام بطباعـة �أوراق العمـل املقدمـة للم�ؤمتـر الدويل الأول والثاين‬ ‫والثالث والرابع واخلام�س يف جملـدات‪( :‬و�سطية الإ�سالم بني الفكر‬ ‫املمار�سة) و (الدور العملي لتيار الو�سطية يف الإ�صالح ونه�ضة الأمة)‬

‫و(نحو �إ�سهام عربي �إ�سالمي يف احل�ضارة الإن�سانية املعا�صرة) و (نحو‬ ‫م�شروع نه�ضوي �إ�سالمي) و (ق�ضايا املر�أة يف املجتمعات الإ�سالمية‬ ‫وحتديات الع�صر)‪� ،‬إ�ضافة �إىل طباعة �سل�سة كتيبات تعنى بالفكر‬ ‫الو�سطي‪ :‬منها الو�سطية ال�سيا�سية‪� :‬أ‪.‬د حممد �سليم الع َّوا‪ .‬والو�سطية‬ ‫الإ�سالمية مدخل �إىل احلوار احل�ضاري‪� :‬أ‪ .‬د عدنان حممد زرزور‪.‬‬ ‫ومن مالمح الو�سطية الإ�سالمية‪ :‬د‪ .‬ع�صام الب�شري‪ .‬وو�سائل معاجلة‬ ‫الإرهاب من منظور �شرعي‪� :‬أ‪.‬د حممد الق�ضاة ‪ ،‬ود‪ .‬هايل داود‪.‬وغريها‬ ‫الكثري لت�صل �إىل ما يقارب ‪ 35‬كتابا‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬هل يوجد فروع للمنتدى خارج الأردن؟‬ ‫ هناك فروع للمنتدى العاملي للو�سطية يف املغرب‪ ،‬م�صر‪ ،‬ال�سودان‪،‬‬‫اليمن‪ ،‬بغداد‪ ،‬الأنبار‪ ،‬كرد�ستان العراق‪ ،‬الهند‪ ،‬والباك�ستان‪ ،‬واجلزائر‪.‬‬ ‫ويتعاون املنتدى مع منتدى الو�سطية يف لبنان‪ ،‬ومع مركز الدرا�سات‬ ‫الإ�سالمية يف دم�شق‪ .‬و َّ‬ ‫مت افتتاح (‪ )10‬فروع للمنتدى يف الأردن‪ ،‬من‬ ‫�أبرزها ت�أ�سي�س ملتقى �شباب الو�سطية‪ ،‬والذي ُيعنى بتفعيل طاقات‬ ‫ال�شباب يف �إطار ن�شر الفكر الو�سطي على كافة الأ�صعدة والن�شاطات‪.‬‬ ‫و�إطالق قطاع املر�أة يف املنتدى بهدف تن�شيط دور القطاع الن�سائي يف‬ ‫املنتدى ليكون رديفا ملنتدى �شباب الو�سطية لتحقيق �أهداف ور�سالة‬ ‫املنتدى والتي ت�ؤمن ب�أهمية دور املر�أة‪ .‬ومت تد�شني املوقع الإلكرتوين‬ ‫للمنتدى و�إ�شهاره عاملياً ومتابعته �أوال ب�أول‪ ،‬ليكون الواجهة الإلكرتونية‬ ‫لن�شاطات املنتدى و�أخباره ولرت�سيخ منهج الو�سطية واالعتدال‪،‬‬ ‫ومناق�شة الفكر الدخيل واملنحرف‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬هل ميار�س املنتدى عم ًال �سيا�سي ًا؟‬ ‫ نحن نتحدث بالأولويات احلقيقية للإ�صالح وتعزيز منظومة البناء‬‫االجتماعي والفكري وال�سيا�سي للمجتمعات الإ�سالمية وبالتايل قد‬ ‫يدخل يف اهتمام املنتدى احلديث بالق�ضايا ال�سيا�سية فيما يتعلق‬ ‫بالإ�صالح وتعزيز احلريات والبيئة الهادئة الآمنة التي ت�شكل اجلو‬ ‫الطبيعي لعمل تيار الو�سطية بعيدا عن التطرف وجميع �أ�شكال الغلو‬ ‫والتطرف العلماين �أو الإ�سالمي‪.‬‬ ‫الد�ستور‪ :‬هناك ن�شاطات عديدة واجنازات وا�ضحة للمنتدى‬ ‫كيف تغطون ذلك ماديا؟‬ ‫ املنتدى يتلقى دعما �سنويا ثابتا من وزارة الثقافة حتت بند دعم‬‫الهيئات الثقافية �إ�ضافة �إىل دعم بع�ض البنوك وامل�ؤ�س�سات الكربى‬ ‫خا�صة البنك العربي الإ�سالمي حيث يوجد يف موازنة هذه ال�شركات‬ ‫بند دعم الن�شاطات الثقافية وهنا ا�سمحويل �أن ا�ستغل هذه الفر�صة‬ ‫لأعرب عن تقديري و�شكري لهذه امل�ؤ�س�سات‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫فﻲ حواﺭﻩ ﻣﻊ ) الوسطية (‬

‫ﺑﻦ سيﺪﻱ ﻣﺼطﻔﻰ ‪ :‬الﺘطرﻑ وﺑاﻝ وﻋﻠينا ﻣقاوﻣﺘﻪ‬ ‫ﻋمﻠي ﹰا وفﻜري ﹰا وﻋقﺪي ﹰا‬ ‫حاوره‪ :‬يا�شر اأبو ح�شني‬

‫اأكد م�شت�شار الوزير املوريتاين الأول ا�شلم بن �شيدي م�شطفى‬ ‫اأن التطرف وبال حل على الفكر الإن�شاين والدين الإ�شالمي‪،‬‬ ‫وعوامل وجوده متوفرة يف كثري من البلدان العربية‪ ،‬ومن بينها‬ ‫موريتانيا‪ ،‬ويجب مقاومته عملي ُا وفكري ُا وعقدي ُا يف بالدنا‬ ‫العربية والإ�شالمية‪.‬‬ ‫واأ�شاف يف حديثه ملجلة " الو�شطية" اأن م�شوؤولية ك‪‬ى تقع‬ ‫على عاتق العلماء واملفكرين ملجابهة هذا الفكر الذي يهدد ومن بينها موريتانيا‪ ،‬والطرق التي ُيقاوم بها عملياُ وفكرياُ وعقدياُ يف‬ ‫جمتمعاتنا و�شعوبنا‪ ،‬من خالل بث فكر الو�شطية والعتدال يف خمتلف البالد‪ُ ،‬يقاوم بها اأي�ضاً يف موريتانيا‪ ،‬وقد عُقدت ندوات كثرية‬ ‫ومهمة يف البالد من اأجل مقاومة هذا الفكر‪ ،‬ومن اأجل العودة اإىل‬ ‫املجتمع و تعزيزه بني ف‪‬اته وحتديدا ف‪‬ة ال�شباب‪.‬‬ ‫الو�ضطية احلقة‪ ،‬ومن اأجل اإ�ضالم معتدل قومي‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬البلدان العربية والإ�شالمية منذ فجر التاريخ‬ ‫وفيما يلي ن�ص املقابلة‪.....‬‬ ‫خرجت علماء طاولوا عنان ال�شماء يف العلم مثل �شيدي‬ ‫ّ‬ ‫الوسطية ‪ -‬من املعروف اأن‪ ‬فكر تنظيم القاعدة له امتداد يف عبداهلل والفقيه يحيى وغريهم‪ ..‬فما هو دور العلماء يف وقتنا‬ ‫القرن الأفريقي‪ ،‬فهل يوجد امتداد لهذا الفكر يف موريتانيا؟ احلا�شر يف توجيه ال�شباب‪ ،‬وتوجيه ال�شعب املوريتاين ب�شكل‬ ‫خا�ص؟‬ ‫وكيف يتم معاجلته اإن وجد؟‬ ‫ اإ َّن فكر التطرف قد ل ينجو منه اأي بلد‪ ،‬فهو ظاهرة عامة و�ضاملة ‪ -‬العلماء املوريتانيون كغريهم من علماء العامل الإ�ضالمي يقومون‬‫باأداء ر�ضالتهم على اأكمل وجه ويف كل الظروف والأحوال‪ ،‬فهم ُيوجهون‬ ‫لكل زمان ومكان‪ ،‬وملقاومته نحن بحاجة للتم�ضك يف ديننا الإ�ضالمي‪،‬‬ ‫ال�ضباب‪ ،‬وير�ضمون ويخططون كافة اأمناط الأن�ضطة التي توجه‬ ‫وملجهود �ضخم من قبل علمائنا ومفكرينا‪ ،‬وموريتانيا من الدول‬ ‫املجتمع ب�ضفة عامة وال�ضباب ب�ضفة خا�ضة‪ ،‬فال�ضباب هو حلمة البلد‬ ‫العربية والإ�ضالمية التي و�ضل لها هذا الفكر متاما كما و�ضل لكثري وهم قوته وطاقته‪ ،‬وهناك الكثري من املوؤ�ض�ضات التي يقوم عليها‬ ‫من البالد‪ ،‬ويتم مقاومته مقاومة قوية على امل�ضتوى الفكري‪ ،‬والعلمي العلماء لن�ضر هذا التوجه‪ ،‬فهناك روابط العلماء‪ ،‬وروابط الأئمة‪ ،‬و‬ ‫والأمني‪ ،‬لأن هذا الفكر وبال حل على التاريخ الإن�ضاين‪ ،‬والدين منتديات متخ�ض�ضة ي�ضرف العلماء من خاللها على توجيه ال�ضباب‬ ‫الإ�ضالمي‪ ،‬وعوامل وجوده متوفرة يف كثري من البلدان العربية‪ ،‬من خالل عقد الندوات واملحا�ضرات وغريها من الن�ضاطات ‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫ﻣسﺘﺸاﺭ ﺭﺋيﺲ الﺠمهوﺭية الموﺭيﺘانية اإلسﻼﻣية فﻲ لقاﺀ ﺧاﺹ ﻣﻊ ) الوسطية (‬

‫ﻣوﺭيﺘانيا تمﺪ ﺫﺭاﻋيها لﻜﻞ الراﻏﺒيﻦ‬ ‫فﻲ نﺸر فﻜر الوسطية‬ ‫حاوره‪ :‬يا�شر اأبو ح�شني‬

‫اأكد م�شت�شار رئي�ص اجلمهورية املوريتانية الإ�شالمية حممد‬ ‫املختار اأن هناك اآفاق واعدة يف التعاون امل�شرتك ما بني‬ ‫اجلمهورية املوريتانية واملنتدى العاملي للو�شطية ‪.‬‬ ‫واأ�شاف يف حواره ملجلة" الو�شطية" اأن موريتانيا �شاحة علمية‬ ‫متد ذراعيها لكل الراغبني للتعاون يف ن�شر اخلري‪ ،‬ل �شيما مع من‬ ‫يبذلون ق�شارى جهدهم يف �شبيل ن�شر فكر العتدال والو�شطية‬ ‫ونبذ التطرف ومكافحة الإرهاب‪ ،‬لفتا يف حديثه اأن املنتدى‬ ‫العامل احلق هو‬ ‫العاملي للو�شطية يبذل جمهودا ي�شكر عليه يف �شبيل ن�شر ر�شالة وقد اهتم العلماء كثرياً ببيان هذا املنهج املعتدل‪ ،‬واإ َن ِ‬ ‫الذي يحمل النا�س على املنهج الو�ضط‪ ،‬تلك هي الو�ضطية التي ت�ضلح‬ ‫الو�شطية من خالل اجنازاته ون�شاطاته التي حققت نتائ‪‬‬ ‫لكل الزمان والأمكنة لأنها من عند اهلل �ضبحانه وتعاىل‪ ،‬وما دامت من‬ ‫ملمو�شة‪.‬‬ ‫عنده �ضبحانه وتعاىل فهي �ضاحلة لكل اأمة ومطلوبة يف كل بلد‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬كيف تقيمون دور املنتدى العاملي للو�شطية يف ن�شر‬ ‫وفيما يلي ن�ص املقابلة‪.....‬‬ ‫هذا الفكر؟‬ ‫ حقيقة نحن حديثي العهد يف التعرف على املنتدى العاملي للو�ضطية‬‫الوسطية ‪ -‬كيف تعرفون الو�شطية‪ ،‬وهل الو�شطية يف الأردن‬ ‫والدور املهام الذي يوؤديه يف ن�ضر تلك الر�ضالة‪ ،‬كما اأننا اطلعنا على‬ ‫تختلف عنها يف موريتانيا؟ اأم اأن‪ ‬للو�شطية معنى واحد ي�شلح‬ ‫بع�س الإجنازات التي حققها املنتدى من موؤمترات وطبيعة الق�ضايا‬ ‫جلميع البالد؟‬ ‫التي نوق�ضت فيها‪ ،‬وقد كانت على درجة كبرية من ال�ضواب يف معاجلة‬ ‫ الو�ضطية هي العتدال‪ ،‬والتو�ضط بني طريف الإفراط والتفريط ‪،‬‬‫الفكر املتطرف‪ ،‬و ن�ضر مفهوم العتدال والو�ضطية بح�ضب ما ّ‬ ‫اطلعنا‬ ‫لب الدعوة الإ�ضالمية‪ ،‬وهي �ضاحلة لكل بلد‬ ‫فال غلو ول تق�ضري‪ ،‬فهي ّ‬ ‫عليه �ضواء اأكانت مرئية اأم كانت مقروءة‪.‬‬ ‫ومطلوبة اأي�ضا لكل بلد‪ ،‬لأ َّن الإ�ضالم جاء ملخالفة الهوى واإلزام النف�س‬ ‫الوسطية ‪ -‬ما هي اآفاق التعاون بينكم وبني املنتدى؟‬ ‫بهذا املنهج الو�ضطي املعتدل‪ ،‬الذي هو خمالف لهوى النف�س‪ ،‬كما يقول‬ ‫ موريتانيا �ضاحة علمية متد ذراعيها لكل اخلريين والراغبني يف‬‫العلماء‪ ،‬فالنف�س دائماً تتفلت اإىل اأحد الطرفني لوجود هواها فيه‪،‬‬ ‫ن�ضر اخلري‪ ،‬ل �ضيما مع من يقومون بهذا املجهود الكبري يف مكافحة‬ ‫والإ�ضالم جاء لريد هذه النف�س اإىل املنهج الو�ضطي‪ ،‬وبالتايل فاإ َّن التكليف‬ ‫فكر الإرهاب والغلو والتطرف‪ ،‬ون�ضر قيم العتدال والت�ضامح‪ ،‬لأن‬ ‫من حيث هو تكليفه هو دعوة ملخالفة الهوى واللتزام بهذا املنهج املعتدل‬ ‫موريتانيا تقوم اأي�ضاً بجهود �ضخم يف هذا املجال‪ ،‬ولهذا اأرى اأنه �ضيكون‬ ‫الذي هو خمالف للهوى املتفلت دائماً اإىل الإفراط والتفريط‪ ،‬واملطلوب‬ ‫هناك اآفاق واعدة للتعاون ما بني موريتانيا واملنتدى العاملي للو�ضطية‬ ‫هو التو�ضط يف كل اأمر كان من عبادة اأو اإنفاق اأو �ضم ما �ضئت‪ ،‬حتى يف‬ ‫باإذنه تعاىل‪.‬‬ ‫الفكر والتعامل مع الآخر‪� ،‬ضواء كان عدوا اأم �ضديقا‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫ﻣﺆﺗﻤـﺮﺍﺕ‬ ‫ﺍﻟـﻮﺳـﻄﻴـﺔ‬ ‫أوﻝ ﻣﺆتمر ﻋرﺑﻲ يﻌقﺪ فﻲ تونﺲ يﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ الثوﺭﺓ‬

‫»الﺘﺤوﻻﺕ السياسية فﻲ الﻌالﻢ الﻌرﺑﻲ وسقوﻁ‬ ‫ﺧطاﺏ الﻌنﻒ«‬ ‫ﻣﺆتمر يﻌقﺪﻩ الﻌالمﻲ لﻠوسطية و ﻣنﺘﺪﻯ الﺠاحﻆ‬

‫جانب من احدى جل�شات املوؤمتر‬

‫مب�ضاركة نخبة من املفكرين والباحثني من عدة بلدان عربية‬ ‫واإ�ضالمية‪ ،‬انطلقت يوم اجلمعة املوافق ‪ 2011/6/3‬بالعا�ضمة التون�ضية‬ ‫فعاليات املوؤمتر الدويل الذي عقده املنتدى العاملي للو�ضطية بالتعاون‬ ‫مع منتدى اجلاحظ يف تون�س حول "التحولت ال�ضيا�ضية يف العامل‬ ‫العربي و�ضقوط خطاب العنف" ‪.‬‬ ‫واأكد املوؤمتر الذي ا�ضتمرت فعالياته ملدة يومني اإىل اأن عقد موؤمتر‬ ‫اإ�ضالمي من الأمور املمكن حتقيقها لي�ضاغ من خالله مفاهيم اإ�ضالمية‬ ‫لدولة دميقراطية مدنية يعي�س فيها النا�س يف مواطنة يت�ضاوى فيها‬ ‫اجلميع يف ظل احلرية والعدالة وامل�ضاواة‪.‬‬

‫وخل�س املوؤمتر اإىل اإن املوؤمترين الأول الذي عقد يف القاهرة بالتعاون‬ ‫مع منتدى و�ضطية م�ضر بعنوان " النه�ضة على �ضوء التحولت‬ ‫ال�ضيا�ضية يف العامل العربي‪/‬م�ضر وتون�س منوذجاً"‪ ،‬و املوؤمتر الذي‬ ‫عقد يف تون�س ا�ضتطاعا قراءة التجارب بعناية من قبل املفكرين‬ ‫والعلماء من �ضتى اأنحاء العامل العربي والإ�ضالمي لفتا اإىل اأن جممل‬ ‫اأوراقهم حتدثت عن م�ضتقبل العامل العربي يف ظل الثورات املتتالية‬ ‫بالإ�ضافة اإىل جدوى الو�ضائل ال�ضلمية يف التغيري بعد �ضقوط خطاب‬ ‫العنف الذي يقف من ورائه تنظيم القاعدة‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫و�أ�شار الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية مروان الفاعوري يف‬ ‫كلمته التي �ألقاها يف جل�سة االفتتاح �أن التغريات ال�سيا�سية ال�سلمية‬ ‫التي جتري حاليا يف العامل العربي‪ ،‬والتي من �ش�أنها �أن ت�شكل خريطة‬ ‫�سيا�سية جديدة‪ ،‬جاءت لت�ؤكد على "�سقوط خطاب العنف والتطرف‪،‬‬ ‫الذي �سيطر على املنطقة طيلة العقدين ال�سابقني‪ ،‬و�إف�شال فكر الت�شدد‬ ‫وعدم قبول الآخر‪ ،‬لتحل حمل ذلك ثورة االعتدال والكرامة"‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �أن فكر االعتدال‪ ،‬الذي �أ�صبح يتبناه ال�شباب العربي يف حتركاته‬ ‫للمطالبة بالإ�صالح‪ ،‬من �ش�أنه �أن ي�ساعد على �إبراز مقومات الدين‬ ‫الإ�سالمي باعتباره "دين الرحمة وقبول الآخر"‪ ،‬م�شددا على �ضرورة‬

‫�صاحب كلمة ( هرمنا ) وم�شاركة مميزة ‪� ،‬أ‪ .‬املرزوقي‬

‫نبذ العنف والتطرف واالبتعاد عن اجلماعات التي متار�سه‪ ،‬والعمل‬ ‫على �إنتاج خطاب يقوم على االعتدال واحلوار‪.‬‬ ‫وناق�ش امل�شاركون عددا من املحاور املرتبطة مب�ستقبل الفكر الإ�صالحي‬ ‫يف ظل التحوالت التي ي�شهدها العامل العربي ‪،‬ودور ال�شباب يف الإ�صالح‬ ‫والتغيري ومفهوم الدولة املدنية ومتغريات اخلطاب الإ�سالمي‪ ،‬من‬ ‫خالل مناق�شة جمموعة من الأوراق مت مناق�شتها خالل جل�سات‬ ‫امل�ؤمتر حول كيف يكون اخلطاب الإ�سالمي بعد جناح ثورتي تون�س‬ ‫وم�صر؟ وكيف يتعامل الإ�سالميون مع حتديات التحول الدميقراطي‬ ‫؟‪ ،‬وكيف ميكن �أن يكون م�ستقبل الدولة املدنية يف العامل العربي يف ظل‬ ‫مرجعية �إ�سالمية‪.‬‬ ‫وحتدث يف هذه املوا�ضيع ثلة من العلماء وعدد من احلركات والأحزاب‬ ‫الإ�سالمية كحركة النه�ضة يف تون�س وحزب العدالة يف املغرب وحركة‬ ‫جمتمع ال�سلم يف اجلزائر‪،‬‬ ‫وتطرق الدكتور حممد اخلطيب من منتدى الو�سطية ‪ /‬الأردن يف‬ ‫ورقته حول دور الدين يف التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي‬

‫م‪.‬الفاعوري يتو�سط امل�شاركني يف احدى اجلل�سات‬

‫للحديث عن دور الدين يف �ساحات التغيري و�أثره على ال�شباب الذين‬ ‫طالبوا بالتغيري وما الذي يريده النا�س من الدين‪ .‬يف حني حتدث‬ ‫الدكتور هايل الداود يف ورقته عن جتربة حزب الو�سط الإ�سالمي يف‬ ‫الأردن وحتديات التحول الدميقراطي‪� ،‬أما الدكتور حممد الق�ضاة فقد‬ ‫تناول مو�ضوع �سقوط خطاب العنف و�صعود خطاب التغيري ال�سلمي‬ ‫�إىل مفاهيم النا�س‪.‬‬ ‫من اجلدير ذكره �أن م�ؤمتر التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي‬ ‫و�سقوط خطاب العنف هو �أول م�ؤمتر عربي يعقد يف تون�س يتحدث‬ ‫عن الثورة ‪ ،‬وي�أتي انعقاده امتدادا لن�شاطات املنتدى يف درا�سة التحوالت‬

‫امل�شاركون يف �صورة تذكارية‬

‫ال�سيا�سية يف العامل العربي بعد الثورات العربية املتتالية‪ ،‬وهذه‬ ‫التحوالت القائمة على اخلطاب ال�سلمي باعتبار �أن خطاب العنف الذي‬ ‫امتد يف العقدين املا�ضيني قد انتهى لغري رجعة‪ ،‬حيث �أثبتت هذه‬ ‫الثورات �أن التغيري ال�سلمي ممكن ح�صوله يف البالد العربية‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫ﺑمﺸاﺭﻛة وزير اﻷوﻗاﻑ الﻌﻜوﺭ ‪ ...‬وﺑالﺘﻌاون ﻣﻊ المﻌهﺪ الﻌالمﻲ لﻠوحﺪﺓ اإلسﻼﻣية‬

‫الﻌالمﻲ لﻠوسطية يﻌقﺪ ﻣﺆتمرﻩ‬ ‫)) المنهﺞ الوسطﻲ وﺩوﺭﻩ فﻲ اإلﺻﻼﺡ‬ ‫والﺘنمية (( فﻲ ﻣاليزيا‬

‫من اليمني ‪ :‬اأ‪ .‬الزيات ‪ ،‬اأ‪ .‬ابو �شوق ‪ ،‬وزير الوقاف العكور‬

‫اأكد امل�ضاركون يف موؤمتر "املنهج الو�ضطي ودوره يف الإ�ضالح والتنمية"‬ ‫الذي عقده املنتدى العاملي للو�ضطية بالتعاون مع املعهد العاملي‬ ‫للوحدة الإ�ضالمية على �ضرورة تر�ضيخ مفهوم الو�ضطية الإ�ضالمية‬ ‫على ال�ضعيدين الإ�ضالمي والعاملي لتبليغ ر�ضالة الإ�ضالم الإن�ضانية‬ ‫والتعريف بها بني الأمم وال�ضعوب‪.‬‬ ‫ودعا امل�ضاركون يف املوؤمتر الذي عقد يوم الثنني ‪ 2011/7/18‬يف‬ ‫العا�ضمة املاليزية كوالملبور مب�ضاركة وزير الأوقاف وال�ضوؤون واملقد�ضات‬ ‫الإ�ضالمية عبد الرحيم العكور و رئي�س وزراء ماليزيا ال�ضابق د‪ .‬مهاتري‬ ‫حممد ورئي�س املنتدى العاملي للو�ضطية الإمام ال�ضادق املهدي والأمني‬ ‫العام للمنتدى العاملي للو�ضطية املهند�س مروان الفاعوري اإىل الدعوة‬ ‫العلمية لتعزيز قيم احلرية والعدالة وحقوق الإن�ضان كافة والدفاع‬ ‫عنها بو�ضفها ركيزة من ركائز الإ�ضالم‪ ،‬والت�ضامح واحلوار ونبذ العنف‬ ‫بني الأمم وال�ضعوب عن طريق تو�ضيع دائرة التوا�ضل واحلوار مع‬

‫نخبة من امل�شاركني يف املوؤمتر‬

‫الآخر ومراجعة الأدبيات التي تتبناها احلركات الإ�ضالمية املتطرفة‬ ‫التي تدعو اإىل العنف ونبذ احلوار مع الآخر ‪.‬‬ ‫واأكدوا يف املوؤمتر الذي ا�ضتمرت جل�ضاته ليوم واحد اإىل تعزيز دور‬ ‫املراأة امل�ضلمة يف بناء املجتمع من خالل اإ�ضهامها يف الن�ضاطات املختلفة‬ ‫والدعوة اإىل كفالة حقوق املجموعات الوطنية ذات التمايز الثقايف‬ ‫والإثني والديني واملذهبي التي توفرها البيئة الإ�ضالمية الرحبة‬ ‫واملت�ضاحمة وامل�ضتوعبة لتحقيق التحول الدميقراطي القائم على‬ ‫التداول ال�ضلمي لل�ضلطة وتر�ضيخ قيم الدميقراطية واحلرية والعدالة‬ ‫وامل�ضاواة‪ ،‬والتاأكيد على بناء منظومة فكرية متكاملة تعتمد الروؤية‬ ‫الو�ضطية وت�ضمل مناحي احلياة الإن�ضانية‪.‬‬ ‫ودعا املوؤمتر اإىل توحيد قوى الأمة‪ ،‬مبختلف مذاهبها واجتاهاتها‬ ‫وتوحيد جهود العلماء ومواقفهم الفكرية والعلمية يف ق�ضايا الأمة‬ ‫الكربى‪ ،‬لتواجه التحديات �ضفا واحدا وحترمي تكفري امل�ضلم من اتباع‬

‫‪74‬‬


‫املذاهب الثمانية املعتمدة‪ ،‬والعمل على �إن�شاء مر�صد جلمع الفتاوى الإ�سالمية على احت�ضان هذا امل�ؤمتر و العمل على �إجناحه من جهة‪،‬‬ ‫اجلامعة للأمة من منظور الو�سطية واالعتدال والعمل على ن�شرها‪ .‬ودورهما يف ن�شر وتقدمي الفكر الإ�سالمي النيرّ للعامل �أجمع‪.‬‬ ‫و ثمن امل�شاركون الدور املهم الذي يقوم به املنتدى العاملي للو�سطية و وكان امل�ؤمتر قد ناق�ش يف جل�ساته عدة حماور ذات ال�صلة بالفكر‬ ‫�ضرورة تو�سيع �أن�شطته يف البلدان الإ�سالمية‪ ،‬عن طريق �إن�شاء العديد الو�سطي من خالل تعزيزه وبيان دوره احلقيقي يف الإ�صالح يف جميع‬

‫م‪ .‬الفاعوري ي�سلم درع املنتدى للدكتورة ما�شطة ابراهيم‬

‫الأمني العام للمنتدى م‪ .‬مروان الفاعوري‬

‫من الأفرع التي ميكن �أن تتبنى املنهج الو�سطي وت�سهم يف ن�شره بني‬ ‫قطاعات املجتمع املختلفة‪ ،‬داعني اىل ان�شاء فرع للو�سطية يف كواالملبور‬ ‫بالتعاون مع اجلامعة الإ�سالمية العاملية مباليزيا وامل�ؤ�س�سات املاليزية‬ ‫الأخرى ذات ال�صلة مبو�ضوع الو�سطية‪.‬‬ ‫وكان الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫قد �أ�شار يف كلمته التي �ألقاها يف جل�سة االفتتاح �إىل م�شروع الو�سطية‬ ‫ومميزاته و مدى مالءمة هذا الفكر للع�صر احلديث ‪ ،‬حيث عرف‬ ‫الو�سطية التي تهدف لتطوير الأفكار والآليات واالبتعاد عن اجلمود‬

‫املجاالت �إ�ضافة �إىل بيان �أهمية وماهية الإ�صالح املطلوب ومرجعيته‬ ‫و�ضرورته و�آفاقه ‪ ،‬كما تطرق حلوار احل�ضارات ودورها يف الإ�صالح‬ ‫والتنمية ‪� ،‬أ�ضف �إىل ذلك ال�شباب والو�سطية الإ�سالمية‪ ،‬واملنهج‬ ‫الو�سطي يف الإ�صالح االجتماعي وال�سيا�سي‪ ،‬ودور الو�سطية يف تنمية‬ ‫ماليزيا منوذجا‪.‬‬ ‫يذكر ب�أن امل�ؤمتر الذي عقدت جل�ساته يف املعهد العاملي للفكر واحل�ضارة‬ ‫الإ�سالمية �شارك فيه عدد من ال�شخ�صيات منهم الدكتور �أحمد �أبو‬ ‫�شوك مدير املعهد العاملي للوحدة الإ�سالمية ونائب رئي�س اجلامعة‬

‫رئي�س املنتدى العاملي االمام ال�صادق املهدي‬

‫امل�شاركون يف �صورة تذكارية‬

‫الفكري واالنفتاح على املجتمعات العاملية بالإ�ضافة �إىل ت�أ�سي�س م�شروع‬ ‫للنه�ضة و�إحياء للتجديد الديني لبناء امل�شروع احل�ضاري الذي يدافع‬ ‫عن الأمة املتم�سك بثوابت العقيدة ‪� ،‬شاكرا يف الوقت ذاته املجهود‬ ‫الذي بذل من قبل اجلامعة العاملية الإ�سالمية و املعهد العاملي للوحدة‬

‫العاملية الإ�سالمية الدكتور ح�سن �أحمد �إبراهيم والأ�ستاذة الدكتورة‬ ‫زيلخة قمر الدين والدكتور حممد كمال ح�سن ورئي�س الربملان‬ ‫االندوني�سي ال�سابق الدكتور هداية نور وحيد والدكتور داود احلدابي‬ ‫رئي�س منتدى الو�سطية يف اليمن والأ�ستاذ منت�صر الزيات رئي�س‬ ‫منتدى و�سطية م�صر وغريهم من العلماء واملفكرين‬

‫‪75‬‬


‫ﺑـﻴـﺎﻧـﺎﺕ‬ ‫ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫الﻌالمﻲ لﻠوسطية يسﺘنﻜر تﻔﺠيراﺕ النرويﺞ‬ ‫ا�ضتنكر املنتدى العاملي للو�ضطية التفجري الإرهابي الب�ضع الذي‬ ‫ا�ضتهدف حياة املواطنني الأبرياء الآمنني يف العا�ضمة الرنويجية‬ ‫اأو�ضلو‪ ،‬والذي اأودى بحياة ع�ضرات الأبرياء بني قتيل وجريح‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫الذي يدين فيه املنتدى هذا العمل الإجرامي الإرهابي الب�ضع‪ ،‬يوؤكد‬ ‫على اأن جميع الديانات ال�ضماوية ترف�س وحترم اأعمال من �ضاأنها اإراقة‬ ‫الدماء اأو العتداء على حقوق وحياة الآخرين ‪.‬‬ ‫وعليه فا ّإن املنتدى يدعو كافة الأمم ومن كافة الديانات ملواجهة هذه‬ ‫الفئات اخلارجة على القانون ل�ضبط النف�س وتبني لغة احلوار و�ضو ًل‬ ‫اإىل جتاوز الت�ضوهات والختالفات الفكرية لدى هذه الفئات ال�ضالة ‪.‬‬ ‫ومن هنا فا ّإن املنتدى ليوؤكد من جديد على وجوب انتهاج كافة اأتباع‬ ‫الديانات ال�ضماوية �ضبل الو�ضطية والعتدال‪ ،‬علماً باأن لغة العنف‬ ‫والتطرف مرفو�ضة �ضرعاً يف ديننا الإ�ضالمي لقوله تعاىل ( َمنْ‬ ‫الَ ْر ِ�س َف َك َاأ َّ َ‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا)‬ ‫ري َن ْف ٍ�س اأَ ْو َف َ�ضا ٍد ِيف ْ أ‬ ‫َق َت َل َن ْف ً�ضا ِب َغ ْ ِ‬ ‫منا َق َت َل ال َّن َ‬ ‫(املائدة‪)32:‬‬

‫ويف اخلتام فاإن املنتدى العاملي للو�ضطية يحذر من انت�ضار هذه الفئات‪،‬‬ ‫وظهورها باأعمال اإجرامية ب�ضعة بني الفينة والأخرى‪ ،‬والتي اأ�ضبحت‬ ‫ت�ضكل خطراً على جميع املجتمعات‪ ،‬ويوؤكد على �ضرورة درا�ضتها كظاهرة‬ ‫�ضلبية بحاجة للعالج ال�ضريع ‪.‬‬

‫تعبريية‬

‫‪ ....‬و يﺪيﻦ تﻔﺠيراﺕ الﺠزاﺋر‬ ‫اأدان املنتدى العاملي للو�ضطية يف بيان اأ�ضدره الأعمال الإجرامية التي‬ ‫ارتكبت بحق الدماء الربيئة من اأبناء ال�ضعب اجلزائري ال�ضقيق‪.‬‬ ‫ويرجعوا اإىل �ضوابهم‪ ،‬فهذه الأعمال تتنافى مع اأب�ضط قواعد الدين‪،‬‬ ‫ودعا املنتدى تلك اجلماعات الإرهابية يف بيانه اتقاء اهلل يف اأنف�ضهم‬ ‫واأمتهم واأوطانهم و�ضرورة العودة ل�ضوابهم لأن ما يقومون به من الذي يحرم �ضفك الدم امل�ضلم اإل باحلق‪ ،‬قال تعاىل (و َمنْ َق َت َل َن ْف ً�ضا‬ ‫ري َن ْف ٍ�س اأَ ْو َف َ�ضا ٍد ِيف َْالأ ْر ِ�س َف َكاأَ َّ َ‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا )(املائدة‪.)32:‬‬ ‫ِب َغ ْ ِ‬ ‫منا َق َت َل ال َّن َ‬ ‫اأعمال تتنافى مع اأخالق وقيم ال�ضريعة الإ�ضالمية ال�ضمحة‪.‬‬ ‫وفيما يلي ن�س البيان‪.....‬‬ ‫ببالغ احلزن والأمل تلقى املنتدى العاملي للو�ضطية نباأ التفجريات‬ ‫الإرهابية التي ا�ضتهدفت اأحد مراكز ال�ضرطة يف اجلزائر ال�ضقيقة‪.‬‬ ‫اإن املنتدى يدين باأ�ضد عبارات الإدانة وي�ضجب وي�ضتنكر هذه الأعمال‬ ‫الإجرامية الب�ضعة التي اأدت اإىل �ضفك الدماء الربيئة والتي �ضتجعل‬ ‫من املجتمعات الإ�ضالمية م�ضرحاً لالإرهاب و�ضاحات للتطرف للعابثني‬ ‫باأمن الأمة وا�ضتقرارها وفرقتها ون�ضر الختالف والنق�ضام بني اأبناء‬ ‫ال�ضعب الواحد ويقو�ضون اأمن املجتمعات الإ�ضالمية مبثل هذه الأعمال‬ ‫الإرهابية اجلبانة‪.‬‬ ‫اإننا نذكر هوؤلء الغافلني اأن يتقوا اهلل يف اأنف�ضهم واأمتهم واأوطانهم‬

‫تعبريية‬

‫‪76‬‬


‫‪ ...‬و يطالﺐ ) الﻔيﻔا( ﺑالﻌﺪوﻝ ﻋﻦ ﻗراﺭ ﻣنﻊ الﻔريﻖ‬ ‫اإليرانﻲ ﻣﻦ ﺩﺧوﻝ المﻠﻌﺐ ﺑسﺒﺐ الﺤﺠاﺏ‬ ‫طالب املنتدى العاملي للو�ضطية منظمة الفيفا ب�ضرورة العدول عن‬ ‫القرار الذي اتخذته بحق منع الفريق الن�ضائي الإيراين من دخول‬ ‫امللعب ب�ضبب لبا�س الالعبات الإيرانيات القائم على احلجاب‪.‬‬

‫تعبريية‬

‫وا�ضتهجن العاملي يف بيان اأ�ضدره هذا الت�ضرف الذي يدل دللة وا�ضحة‬ ‫على اأن القائمني على املنظمة ينطلقون من منطلقات عقائدية‬

‫و�ضيا�ضية بعيدة كل البعد عن اأهداف وغايات هذه املنظمة‪ ،‬ويف ما يلي‬ ‫ن�س البيان‪.....‬‬ ‫لقد تلقى املنتدى العاملي للو�ضطية خرب منع ( الفيفا) للفريق الن�ضائي‬ ‫الإيراين من دخول امللعب ب�ضبب لبا�س الالعبات الإيرانيات القائم على‬ ‫احلجاب وتغطية الراأ�س بكل ا�ضتغراب وا�ضتهجان‪.‬‬ ‫اإذ اأن منظمة الفيفا لي�س من عملها املنوط بها اإل الإجراءات املتعلقة‬ ‫بامللعب و�ضروطه والتزام الالعبني بذلك‪ ،‬وهذا كله ل يتعلق مطلقاً‬ ‫بعقائد الالعبني ولبا�ضهم ما دام ل يوؤثر على اللعب يف داخل امللعب‪.‬‬ ‫اإن ما قامت به منظمة الفيفا يدل دللة وا�ضحة اأن القائمني عليها‬ ‫ينطلقون من منطلقات عقائدية و�ضيا�ضية بعيدة كل البعد عن اأهداف‬ ‫وغايات هذه املنظمة‪.‬‬ ‫اإن املنتدى العاملي للو�ضطية يطالب هذه املنظمة اإلغاء قرارها اجلائر‪،‬‬ ‫كما يطالب الدول العربية والإ�ضالمية اأن ل تقف موقف املتفرج اأمام هذا‬ ‫التدخل ال�ضافر بعقائد النا�س وت�ضرفاتهم البعيدة كل البعد عن الريا�ضة‬ ‫وهي التي قامت من اأجل توحيد الأمم ولي�س العمل على تق�ضيمها‪.‬‬

‫‪ ...‬و يهنﻲﺀ الﺸﻌﺐ الﻠيﺒﻲ ﺑانﺘﺼاﺭ الثوﺭﺓ الﻠيﺒية‬ ‫بعث املنتدى العاملي للو�ضطية يف بيان �ضدر عنه اأجمل التهاين‬ ‫والتربيكات لل�ضعب الليبي مبنا�ضبة انت�ضار الثورة الليبية ‪ ،‬وحترير‬ ‫العا�ضمة الليبية‪ ،‬ودحر الظلم وال�ضتبداد الذي كان يخيم‪ ،‬لي�ضتعيدوا‬ ‫بذلك كرامة واإن�ضانية ليبيا و�ضعبه الأبي‪ ،‬لفتا يف الوقت ذاته اأن هذا‬ ‫النت�ضار ما هو اإل انت�ضار لالأمة جمعاء‪.‬‬ ‫وفيما يلي ن�س البيان‪....‬‬ ‫اإن املنتدى العاملي للو�ضطية وهو يتلقى اأخبار النت�ضار العظيم للثوار‬ ‫بتحريرهم للعا�ضمة الأبية طرابل�س‪ ،‬اإذ يبعث لل�ضعب الليبي ال�ضقيق‬ ‫بخال�س التهاين والتربيكات بعد اأن منّ اهلل عليه بدحر الظلم‬ ‫وال�ضتبداد وا�ضتعادة حريته وكرامته من جديد بعد اأن هيمن عليه‬ ‫حكم قمعي ا�ضتبدادي مدة اأربعة عقود‪.‬‬ ‫اإننا ونحن نهنئ اأنف�ضنا ونهنئ ال�ضعب الليبي ال�ضقيق‪ ،‬لنوؤكد على‬ ‫�ضرورة اأن يكون الهدف الأول والأهم بناء دولة مدنية دميقراطية‬ ‫حترتم الإن�ضان وتوؤكد على �ضيادة القانون ال�ضامن حلريات املواطنني‪.‬‬ ‫اإن هذا النت�ضار العظيم لل�ضعب الليبي ال�ضقيق دليل �ضاطع اأن ال�ضتبداد‬

‫تعبريية‬

‫اإىل زوال واأن الظلم ل ميكن اأن ي�ضتمر وليكون در�ضاً لكل احلكام العرب‬ ‫امل�ضتبدين الذين ما زالوا ي�ضومون �ضعوبهم األواناً خمتلفة من القتل‬ ‫والعتقال وتدمري العباد والبالد‪.‬‬ ‫حمى اهلل ال�ضعب الليبي وجمع كلمته واأعاد عليه �ضهر رم�ضان القادم‬ ‫وقد حتققت اأمانيه وعاد اإليه ال�ضتقرار والأمان‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫‪ ...‬و يﺪيﻦ تﻔﺠيراﺕ ﻣسﺠﺪ أم القرﻯ فﻲ ﺑﻐﺪاﺩ‬

‫تعبريية‬

‫�ضجب املنتدى العاملي للو�ضطية يف بيان اأ�ضدره اجلرمية الب�ضعة التي‬ ‫اإ�ضتهدفت جموع امل�ضلني يف م�ضجد اأم القرى ببغداد وم�ضاجد اأخرى ‪،‬‬ ‫واأدت اإىل ا�ضت�ضهاد ما يزيد عن ثالثني �ضهيداً ‪ ،‬وعلى راأ�ضهم النائب‬ ‫ال�ضهيد خالد الفهداوي ع�ضو املنتدى العاملي للو�ضطية وعدد كبري من‬ ‫الأطفال ‪.‬‬ ‫وو�ضف البيان تلك العمليات الإرهابية بالعمل الإجرامي اجلبان من‬ ‫الدرجة الأوىل‪ ،‬م�ضريا يف الوقت ذاته اأن مقدار ما و�ضل اإليه منفذوه‬ ‫من فكر اإجرامي بعيد كل البعد عن الدين والقيم والأخالق‪.‬‬ ‫وفيما يلي ن�س البيان‪....‬‬ ‫اإن املنتدى العاملي للو�ضطية وقد هاله ب�ضاعة اجلرمية التي ا�ضتهدفت‬ ‫جموع امل�ضلني يف م�ضجد اأم القرى ببغداد وم�ضاجد اأخرى‪ ،‬واأدت اإىل‬ ‫ا�ضت�ضهاد ما يزيد عن ثالثني �ضهيداً وعلى راأ�ضهم النائب ال�ضهيد خالد‬ ‫الفهداوي ع�ضو املنتدى العاملي للو�ضطية وعدد كبري من الأطفال‪ ،‬اإذ‬ ‫يعلن �ضجبه وا�ضتنكاره لهذا العمل الإجرامي اجلبان‪ ،‬والذي يدل على‬ ‫مقدار ما و�ضل اإليه منفذوه من فكر اإجرامي بعيد كل البعد عن الدين‬ ‫والقيم والأخالق‪ ،‬ل يراعون يف اأمتهم ( اإ ًل ول ذمة)‪ ،‬ول يراعون‬ ‫حرمة �ضهر رم�ضان املبارك‪ ،‬ول حرمة بيوت اهلل‪ ،‬ول حرمة دماء‬ ‫امل�ضلمني والتي جعلها ر�ضول اهلل �ضلى اهلل عليه و�ضلم ت�ضاوي حرمة‬ ‫بيت اهلل احلرام بل اأكرث منه‪.‬‬

‫لقد كان اأهل اجلاهلية وامل�ضركون يراعون حرمة الأ�ضهر احلرم‬ ‫في�ضعون اأ�ضلحتهم ويحرمون على اأنف�ضهم قتل النا�س وترويعهم‪ ،‬فاأي‬ ‫اإميان واأي اإ�ضالم يحمل هوؤلء يف قلوبهم عندما قتلوا امل�ضلمني و�ضفكوا‬ ‫دماوؤهم؟‪.‬‬ ‫اإن هذا العمل الإجرامي ي�ضتدعي من كل املخل�ضني لهذه الأمة اأن‬ ‫يتداعوا اإىل موؤمتر اإ�ضالمي ي�ضم نخبة من علماء امل�ضلمني املخل�ضني‬ ‫ليعلن احلقيقة ويظهر �ضريرة هوؤلء اخلوارج الذين �ضاروا اأداة لأعداء‬ ‫الأمة با�ضم الدين‪ ،‬والدين منهم براء‪.‬‬ ‫اإن الو�ضطية اإذ تفقد علماً كبرياً من اأعالمها لتوؤكد للنا�س كافة اأن‬ ‫طريقها هو الطريق الأ�ضعب لأنه طريق الر�ضل وامل�ضلحني الذي‬ ‫ل يقبل امليل عن احلق‪ ،‬وتعاهد اهلل اأنها باقية ثابته على ال�ضراط‬ ‫امل�ضتقيم وهي تعلم علم اليقني اأنها عندما اختارت هذا الطريق فاإمنا‬ ‫اختارت م�ضاريع �ضهداء يدافعون عن هذا الدين يدفعون عنه حتريف‬ ‫الغالني وانتحال املبطلني‪.‬‬ ‫اإن املنتدى العاملي للو�ضطية وهو يتلقى هذا النباأ املفجع يبعث بتعازيه‬ ‫احلارة اإىل اإخواننا يف العراق‪ ،‬واإىل رئي�س الوقف ال�ضني الدكتور اأحمد‬ ‫عبد الغفور ال�ضامرائي راجني اهلل اأن يتغمد ال�ضهداء بوا�ضع رحمته واأن‬ ‫يلهم اأهلهم ال�ضرب وال�ضلوان‪ ،‬واإنا هلل واإنا اليه راجعون‪.‬‬

‫‪78‬‬


‫الﻌالمﻲ لﻠوسطية يﺤﺘسﺐ ﻋنﺪ اﷲ ﻋﻀو المنﺘﺪﻯ‬ ‫الﺸهيﺪ ﺧالﺪ الﻔهﺪاوﻱ‬

‫احت�شب املنتدى العاملي للو�شطية يف نعي �شدر عنه ‪ ،‬ع�شو‬ ‫املنتدى النائب ال�شهيد خالد الفهداوي‪ ،‬الذي ا�شت�شهد يف‬ ‫التفجري الإجرامي الذي اإ�شتهدف جموع امل�شلني يف م�شجد اأم‬ ‫القرى ببغداد‪ ،‬واأدى اإىل ا�شت�شهاد ما يزيد عن ثالثني �شهيد ًا‬ ‫وعلى راأ�شهم النائب ال�شهيد خالد الفهداوي‪.‬‬ ‫وفيما يلي ن�ص النعي‪....‬‬ ‫اإن العني لتدمع‪ ،‬واإن القلب ليحزن واإ ّنا على فراقك يا خالد ملحزونون‪،‬‬ ‫ففي ظلمة الليل احلالك الذي ح ّل على العراق الأبي واأرخى �ضدوله‬ ‫الثقيلة‪ ،‬اإخرتت طريقاً وعراً مليئاً بالأ�ضواك ل يقبله املتطرفون ول‬ ‫يقبله الأعداء‪ ،‬وهو طريق الإ�ضالم ال�ضحيح‪ ،‬منهج النبوة واخلالفة‬ ‫الرا�ضدة الذي جعل من هذه الأمة خري اأمة اأخرجت للنا�س لأنها‬ ‫الأمة الو�ضط التي ل تقبل الت�ضدد ول التطرف‪ ،‬ول تقبل التفريط‬ ‫والنفالت‪ ،‬وترف�س قتل النا�س وترويعهم وا�ضتباحة دمائهم‪.‬‬ ‫لقد بقيت على العهد منذ اأن بداأ الليل احلالك ميتد على �ضوارع بغداد‪،‬‬ ‫مل يثنيك تهديد املجرمني ول ا�ضتفزازهم‪.‬‬ ‫لقد فزت يا خالد باجلنة‪ -‬باإذن اهلل‪ -‬واأنت بني جموع امل�ضلمني توؤدي‬ ‫�ضالة الرتاويح يف ليلة التا�ضع والع�ضرين من رم�ضان تدعو اهلل اأن‬ ‫يحمي العراقيني ويوحد �ضفوفهم فاإذا مبجرم مل يراع حرمة بيت اهلل‪،‬‬ ‫ول حرمة دماء امل�ضلمني‪ ،‬ول حرمة �ضهر رم�ضان املبارك يقتلك ويقتل‬ ‫اإخواناّ لك‪ ،‬اأمل يعلم اأن امل�ضركني يف اجلاهلية كانوا ي�ضعون اأ�ضلحتهم‬ ‫مهابة لهذه الأ�ضهر احلرم فال يقتلون اأو يقاتلون‪ ،‬اأي اإميان واأي دين‬ ‫يدين به هوؤلء القتلة؟‬ ‫لقد ان�ضممت يا خالد اإىل ثلة من ال�ضهداء الأوائل الذين كانوا زمالئك‬ ‫يف هذا النهج‪.....‬حارث العبيدي وعبد العليم ال�ضعدي وغريهم‪،‬‬ ‫فم�ضابنا اليوم جلل يف رحيلك يا خالد ول نقول اإل ( اإ ّنا هلل واإ ّنا اإليه‬ ‫راجعون) ودعاوؤنا اأن يتقبلك اهلل مع ال�ضهداء وال�ضديقني‪ ،‬واأن يلهم‬ ‫اأهلك وحمبيك ال�ضرب وال�ضلوان ول حول ول قوة اإل باهلل‪.‬‬

‫نﺒﺬﺓ ﻋطرﺓ ﻋﻦ حياﺓ الﻔقيﺪ‬ ‫ هو د‪ .‬خــالـد �ضـليمـان حمود الفهداوي‪ ،‬من مواليد العراق‪ /‬النبار‪/‬‬‫الرمادي – ‪ ،1968‬حا�ضل على الدكتوراه من اجلامعة الإ�ضالمية‬ ‫– كلية ال�ضريعة والقانون‪� ،‬ضيا�ضة �ضرعية – بغداد – ‪. 2002‬‬ ‫ د ّر�س يف كلية الرتبية – جامعة النبار وكلية الإمام الأعظم ‪،‬‬‫وكذلك د ّر�س يف اجلامعات الإماراتية‪ ،‬واأ�ضرف على عدد من الر�ضائل‬ ‫اجلامعية كما ناق�س عدداً منها يف جامعات خمتلفة واآخر من�ضب‬ ‫�ضغله نائبا يف جملـ�س النـواب العراقـي ‪.‬‬ ‫ اأ ّلف ون�ضر خم�ضة ع�ضر كتاباً‪ ،‬واأربعة و�ضتني بحثاً علمياً‬‫وا�ضرتاتيجياً يف كربيات دور الن�ضر واملجالت املحكمة يف الدول‬ ‫العربية والإ�ضالمية والعاملية ‪.‬‬ ‫ ا�ضرتك يف اأكرث من اأربعني موؤمتراً وندوة علمية و�ضيا�ضية‬‫واإ�ضرتاتيجية يف العراق وخارجه واألقى فيها بحوثاً واأوراق عمل‬ ‫تخ�ض�ضية كما ا�ضرتك يف اأربع ع�ضرة دورة وور�ضة عمل‪.‬‬ ‫ �ضارك بفاعلية وحتى وافته املنية يف تر�ضيخ مفاهيم جتربة‬‫التعاي�س والوئام الوطني يف العراق ‪ ،‬وهو من دعاة احلوار احل�ضاري‬ ‫والديني ومن موؤ�ض�ضي م�ضروع الو�ضطية والعتدال يف العراق عمل‬ ‫ب�ضكل فاعل يف تعزيز دولة املواطنة واملوؤ�ض�ضات وتر�ضيخ امل�ضاحلة‬ ‫والوحدة يف املجتمع العراقي وبناء ال�ضلم الأهلي ودولة الكفاءات‬ ‫والتداول ال�ضلمي لل�ضلطة‪.‬‬ ‫ �ضارك بفاعلية يف مفا�ضل التجربة العراقية الدميقراطية‬‫احلا�ضرة‪ ،‬من د�ضتورية وانتخابية و�ضيا�ضية ومنهجية وثقافية‪.‬‬ ‫ �ضحت عائلته بخم�ضة وع�ضرين �ضهيدا يف املعركة املفتوحة �ضد‬‫الإرهاب والتكفري‪ ،‬ولديها مفقودين اثنني كما هدم الإرهابيون عدد‬ ‫من بيوت العائلة يف الرمادي‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫ﺿـﻴـﻮﻑ‬ ‫ﺍﻟﻤـﻨـﺘـﺪﻯ‬ ‫السﻔير السوﺩانﻲ يﺸيﺪ ﺑﺠهوﺩ المنﺘﺪﻯ فﻲ تﻌزيز الﻔﻜر الوسطﻲ‬ ‫اأ�ضاد ال�ضفري ال�ضوداين لدى اململكة الأردنية الها�ضمية ال�ضيد عثمان يف العامل العربي و�ضقوط خطاب العنف"‪ ،‬كما مت بحث �ضبل التعاون‬ ‫نافع اأحمد باجلهود التي يبذلها املنتدى العاملي للو�ضطية من خالل امل�ضرتك بني اجلانبني خالل املرحلة املقبلة‪.‬‬ ‫اجنازاته من موؤمترات وندوات واإ�ضدارات من �ضاأنها ن�ضر وتعزيز الفكر‬ ‫الو�ضطي املعتدل‪.‬‬ ‫كان ذلك خالل زيارته ملقر املنتدى العاملي حيث كان يف ا�ضتقباله الأمني‬ ‫العام املهند�س مروان الفاعوري والأ�ضتاذ الدكتور اأحمد نوفل‪.‬‬ ‫وقد مت خالل الزيارة بحث اأوجه التعاون ما بني املنتدى العاملي‬ ‫وجمهورية ال�ضودان‪ ،‬حيث ا�ضتعر�س الفاعوري اأهم ن�ضاطات املنتدى‬ ‫يف جميع اأنحاء العامل الإ�ضالمي والتي قامت على ن�ضر وتعزيز الفكر‬ ‫الو�ضطي املعتدل كان اآخرها املوؤمتر الدويل الذي عقد يف تون�س‬ ‫بالتعاون مع منتدى اجلاحظ بعنوان "موؤمتر التحولت ال�ضيا�ضية‬

‫الﻔاﻋوﺭﻱ يسﺘقﺒﻞ وفﺪ ﻫيﺌة ﻋﻠماﺀ الﻌراﻕ‬

‫‪ ...‬و وفﺪ ﻣوﺭيﺘانﻲ‬

‫قام وفد ممثل عن هيئة علماء العراق و ي�ضم رئي�س جمل�س علماء‬ ‫الأنبار د‪.‬ثامر ظاهر الع�ضايف ومدير اأوقاف الأنبار ال�ضيخ عبد اهلل‬ ‫جالل خملف يوم الأربعاء املوافق ‪ 2011/7/27‬بزيارة اإىل مقر املنتدى‬ ‫العاملي للو�ضطية حيث كان يف ا�ضتقباله الأمني العام املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري ‪.‬‬ ‫ومت خالل اللقاء بحث �ضبل التعاون امل�ضرتك لن�ضر مبادئ الو�ضطية‬ ‫ونبذ العنف والتفرقة والغلو‪ ،‬وتعزيز دور املنتدى يف العراق ومدى‬ ‫اإ�ضهامه يف ن�ضر و تر�ضيخ الفكر الو�ضطي هناك‪.‬‬

‫بحث اأمني عام املنتدى العاملي للو�ضطية املهند�س مروان الفاعوري مع‬ ‫م�ضت�ضار رئي�س اجلمهورية املوريتانية حممد املختار وم�ضت�ضار الوزير‬ ‫الأول ا�ضلم بن �ضيدي م�ضطفى اوجه التعاون وتعزيزها بني املنتدى‬ ‫واملوؤ�ض�ضات املوريتانية خا�ضة فيما يتعلق بتنظيم الندوات واملوؤمترات‬ ‫وال�ضتمرار يف تقدمي ماهو اأف�ضل خلدمة الدين وتبادل اخلربات‪.‬‬ ‫واكد الفاعوري على اهمية التعاون وزيادة التن�ضيق لن�ضر الثقافة‬ ‫الو�ضطية ونبذ التطرف والعنف لعك�س ال�ضورة احلقيقية وامل�ضرقة‬ ‫لال�ضالم ‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫ﻧـﺴـﺎﺀ‬ ‫ﻣﺼـﻠـﺤــﺎﺕ‬

‫ﻣﻠﻚ حﻔنﻲ ناﺻﻒ‬

‫د‪ .‬ماهرة جويحان‬

‫لقد اأحببت اأن اأكتب يف هذا الباب ملا له من اأهمية يف دور الن�ضاء امل�ضلمات‬ ‫اللواتي كان لهن الأثر الكبري يف تاريخ الإ�ضالم والب�ضرية‪ ،‬لكي يقتدي‬ ‫بهن ومنهن‪ :‬ال�ضيدة ملك حفني نا�ضف‪ ،‬امراأة م�ضلمة متدينة ‪،‬‬ ‫ولقد اخرتتها لأنها و�ضطية التفكري يف خطاباتها وكتاباتها بني اأفكار‬ ‫املتزمتني واملتطرفني ‪.‬‬ ‫بداأت حياتها يف التعليم يف املدار�س الأمريية‪ ،‬بعد اأن در�ضت يف املدار�س‬ ‫ال�ضنية يف القاهرة فكانت تطوف على منازل قريتها لتحث البنات على‬ ‫التعليم ‪ ،‬وكانت تتحلى باأخالق �ضامية‪ ،‬و�ضريرة �ضافية‪ ،‬ونف�س اأبية‪،‬‬ ‫مثابرة على العمل يف اإ�ضالح حال الأمهات وال�ضيدات‪ ،‬فكانت قدوة يف‬ ‫العمل يف بيت زوجها حيث ل ترتكه‪ ،‬اإىل الغرباء والعمل يف تربية املراأة‬ ‫بحيث تبا�ضر من اأعمال الرجال ما ل يتنافى مع ال�ضرع الإ�ضالمي‪.‬‬ ‫يف �ضنة ‪ 1911‬قدمت للموؤمتر امل�ضري تقريرا كافيا �ضمنته اآراءها‬ ‫املفيدة يف ر�ضائل ترقية املراأة امل�ضلمة‪ ،‬فاأعجب باأفكارها كل من كان يف‬ ‫املوؤمتر‪ ،‬ومن اأهم اأعمالها‪ :‬تاأ�ضي�س الإحتاد الن�ضائي التهذيبي‪ ،‬واأ�ض�ضت‬ ‫اأي�ضا يف بيتها مدر�ضة لتعليم التمري�س مبنا�ضبة احلرب العاملية الأوىل‪،‬‬ ‫حيث حاكت بيدها مائة بدلة للهالل الأحمر امل�ضري‪ ،‬وقد اأعجبت بها‬ ‫الكثري من كاتبات الغرب حيث اعرتفن باأن لها القدرة على ت�ضحيح‬ ‫الكثري من الأخطاء لديهن عن الإ�ضالم ومنهن الكاتبة " �ضرلوت‬ ‫كمرون" والكاتبة الأمريكية " اإليزابيث كوبر"‪.‬‬ ‫عملت ال�ضيدة ملك بال�ضيا�ضة وال�ضعر ولها عدة موؤلفات وكتب منها"‬ ‫املقارنة بني املراأة امل�ضلمة ال�ضرقية واملراأة املتمدنة الغربية " واأي�ضا "‬ ‫حقوق املراأة يف الإ�ضالم" ‪،‬ومن اآرائها يف الرتبية‪:‬‬ ‫‪ -1‬عدم اإر�ضال الأطفال اإىل املدر�ضة وهم �ضغار‪ ،‬حيث ل يفقهون معنى‬

‫املدر�ضة‪ ،‬واإر�ضالهم خ�ضارة فادحة بالإ�ضافة اإىل اأنهم لن ي�ضتفيدوا �ضيئا‬ ‫واإذا كان ل بد من اإر�ضالهم ففي �ضفوف خا�ضة مثل �ضف الب�ضتان‬ ‫ويكون الدر�س مزيج من التعليم والريا�ضة‪.‬‬ ‫‪ -2‬من اآرائها اأي�ضا منع الفتيات املراهقات بالختالط بال�ضبان‪ ،‬لأن هذا‬ ‫الختالط غائب عنه دور الأهل‪ ،‬والفتاة يف هذه ال�ضن تطلب احلرية‬ ‫وحتب اأن تخرج لكن على الأم اأن تراقب‪ ،‬لأن احلرية املطلقة م�ضرة‬ ‫للفتاة يف هذه ال�ضن‪.‬‬ ‫لقد ظلت تكتب وتخطب نا�ضدة الإ�ضالح للمراأة امل�ضلمة‪ ،‬وكانت‬ ‫الوحيدة التي تتكلم ب�ضجاعة وكفاءة وتفوق ومل ينل منها �ضيئا انتقاد‬ ‫الناقدين‪.‬‬ ‫كانت حمبة لدينها ولوطنها‪ ،‬تعمل جاهدة على رفع م�ضتوى التعليم‬ ‫وتعريف املراأة بحقوقها كما وردت يف ال�ضريعة الإ�ضالمية‪ ،‬ت�ضاعد‬ ‫الفقراء وجتمع لهم املال وتوؤ�ض�س دورا لالأيتام ‪.‬‬ ‫توفيت رحمها اهلل �ضنة ‪ 1918‬تاركة اأثرا كبريا يف نف�س كل امراأة عربية‬ ‫وم�ضلمة حتتذي به لتكملة الطريق يف رفع م�ضتوى املراأة امل�ضلمة‬ ‫للو�ضول اإىل مراكز �ضنع القرار لكي نبني جمتمعا م�ضلما راقيا مليئا‬ ‫بامل�ضلحات والعاملات والعبقريات‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫ﺇﺻﺪﺍﺭﺍﺕ‬ ‫ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻯ‬ ‫) القﺪﺱ ﺩيﻦ وتاﺭيﺦ (‬ ‫ﻛﺘاﺏ يﺼﺪﺭ ﻋﻦ الﻌالمﻲ لﻠوسطية يﻀﻢ ﺑاﻗة ﻣﻦ الﺪﺭاساﺕ‬ ‫تﻌنﻰ ﺑالمﺪينة المقﺪسة‬ ‫�ضدر موؤخرا عن منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة كتاب" القد�س‬ ‫دين وتاريخ" ‪ ،‬الذي يوثق اأوراق العمل املقدمة للموؤمتر الدويل‬ ‫ال�ضاد�س والذي عقده املنتدى يف عمان ‪ 20900/11/12-11‬يف فندق‬ ‫الرويال وذلك مبنا�ضبة اختيار مدينة القد�س مدينة للثقافة‬ ‫العربية يف ذات العام‪.‬‬ ‫اأن �ضدور مثل هذا الكتاب هو جزء من الواجب نحو املدينة املقد�ضة‬ ‫هذا الواجب الذي يوقد يف الوجدان ق�ضية الأمة ويوجه اأ�ضواقنا‬ ‫لهذه املدينة الطيبة‪ ،‬كما اأن املعركة الثقافية هي املقدمة الأ�ضا�س‬ ‫لكل معركة ناجحة ظافرة‪ ،‬حيث اأن الأق�ضى خ�ضو�ضا واملدينة‬ ‫املقد�ضة على وجه العموم حتتاج من الأمة اليوم اإىل �ضحوة تنقذ‬ ‫وت�ضتدرك ما بقى من بقية بعدما عبث احلقد والتطرف بهوية‬ ‫املدينة �ضكانا وتراثا وعمرانا ودينا‪.‬‬ ‫وي�ضم الكتاب يف حماوره اخلم�س نبذة عامة لروؤية واأهداف‬ ‫وبرنامج املوؤمتر واأ�ضماء امل�ضاركني فيه ‪ ،‬بالإ�ضافة لكلمات حفل‬ ‫الفتتاح التي األقيت من قبل الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري‪ ،‬ورئي�س املنتدى العاملي دولة الإمام ال�ضادق املهدي‬ ‫و�ضماحة الإمام عكرمة �ضربي خطيب امل�ضجد الأق�ضى‪ ،‬والأ�ضتاذ‬ ‫حممد �ضبيح ممثل الأمني العام جلامعة الدول العربية والدكتور‬ ‫ع�ضام الب�ضري من ال�ضودان‪.‬‬ ‫كما يحتوي على عدد من الدرا�ضات والأبحاث واأوراق العمل لعلماء‬ ‫ومفكرين من خمتلف الدول العربية والإ�ضالمية ممن �ضاركوا‬ ‫يف موؤمتر القد�س دين وتاريخ ‪ ،‬منها " دور الها�ضميني يف اأعمار‬ ‫بيت املقد�س" لالأ�ضتاذ عبد اهلل كنعان‪ ،‬و" تهويد القد�س ‪..‬حقائق‬ ‫الدين واأوهام ال�ضيا�ضة" للدكتور ح�ضن خاطر‪ ،‬و"ح�ضارة القد�س‬ ‫الإ�ضالمية يف مواجهة الهجمة ال�ضهيونية" لالأ�ضتاذ الدكتور‬ ‫عبد احلليم عوي�س‪ ،‬واأي�ضا "دور الإعالم يف خدمة الق�ضية‬

‫الفل�ضطينية" للدكتور حممد حب�س وغريها الكثري من الدرا�ضات‬ ‫الهامة واملتميزة‪ ،‬بالإ�ضافة للتو�ضيات التي خل�س لها املوؤمتر‬ ‫والتي من اأبرزها الإ�ضادة بدور اململكة الأردنية الها�ضمية قيادة‬ ‫وحكومة و�ضعبا يف حماية القد�س ودعم �ضموده‪.‬‬

‫‪82‬‬


‫ﺃﺧـﺒــﺎﺭ‬ ‫ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫السﻔير السوﺩانﻲ يﺤاﺿر فﻲ الوسطية‬ ‫حوﻝ واﻗﻊ السوﺩان ﺑﻌﺪ اﻻنﻔﺼاﻝ‬ ‫بني ال�ضفري ال�ضوداين يف الأردن عثمان نافع حمد م�ضطفى يف ال�ضودان وجنوبه خا�ضة مع وجود بع�س الدول التي حتاول تغذية‬ ‫املحا�ضرة التي األقاها يوم ال�ضبت املوافق ‪ 2011/7/16‬بعنوان" ال�ضودان الفجوة بني اجلهتني قال ال�ضفري اأن الدولة الوليدة �ضتواجه عددا من‬ ‫بعد انف�ضال اجلنوب الواقع واملاآل" اأهم املفا�ضل التاريخية التي مرت التحديات الكبرية وباعرتاف الغرب ممن �ضجعوها على فكرة النف�ضال‪،‬‬ ‫حيث م�ضاكل الفقر والأمية ‪،‬‬ ‫على الدولة ال�ضودانية منذ‬ ‫كما اأن اقت�ضادها لن ميكنها‬ ‫بداية ال�ضتعمار الربيطاين‬ ‫من اأن ت�ضتقل عن �ضمال‬ ‫وحتى النتيجة املوؤملة ملا اآلت له‬ ‫ال�ضودان الأمر الذي �ضيوؤدي‬ ‫ال�ضودان حيث اجلنوب اأ�ضبح‬ ‫اإىل تدخل بع�س القوى‬ ‫واقعا وال�ضمال اأ�ضبح واقعا‬ ‫اخلارجية‪ ،‬ومن امل�ضتح�ضن‬ ‫لفتا اإىل اأن اجلهة التي بذرت‬ ‫بجنوب ال�ضودان عدم فتح‬ ‫البذرة الأ�ضا�ضية لنف�ضال‬ ‫جبهة عداوة مع ال�ضمال بل‬ ‫جنوب ال�ضودان هي ال�ضتعمار‬ ‫على العك�س من ال�ضروري‬ ‫الربيطاين الذي احتلها عام‬ ‫اإقامة عالقات طيبة‬ ‫‪ ،1899‬والذي �ضلط ب�ضراذمه‬ ‫للوقوف بجانبها وت�ضبح‬ ‫على ال�ضودان واأهله يف �ضبيل‬ ‫قادرة على اإدارة دفة حكمها‪.‬‬ ‫ال�ضيطرة عليه وامتالك‬ ‫وياأمل ال�ضفري ال�ضوداين‬ ‫خرياته‪.‬‬ ‫يف نهاية املحا�ضرة اأن تتغلب‬ ‫وعرج يف املحا�ضرة التي عقدت‬ ‫دولة اجلنوب على كل‬ ‫يف مقر املنتدى بح�ضور نخبة‬ ‫جانب من املحا�شرة‬ ‫امل�ضاعب التي من املمكن اأن‬ ‫من ال�ضخ�ضيات الأكادميية‬ ‫والإعالمية على املراحل املهمة التي مرت بها دولة ال�ضودان وطالبت تتعر�س لها خالل هذه الفرتة موؤكدا يف الوقت ذاته على اإعالن الرئي�س‬ ‫بالنف�ضال مركزا يف الوقت ذاته على مرحلة الزعيم " جعفر النمريي" ال�ضوداين ا�ضتعداده التام للم�ضاعدة وتقدمي يد العون للبلد اجلديد‪.‬‬ ‫التي اعتربها املرحلة الأ�ضعب يف تاريخ ال�ضودان‪ ،‬وذلك ب�ضبب دخول من جهته اأكد ع�ضو املنتدى الأ�ضتاذ الدكتور حممد الق�ضاة خالل‬ ‫خط ال�ضيوعيني والأحزاب بكرثة اآنذاك واأدت اإىل وقوف بع�س اجلهات ادارته للمحا�ضرة اأنه مما ل �ضك فيه اأن ال�ضودان قد تعر�س لهزات‬ ‫اخلارجية ومنها العربية مثل ليبيا بزعامة القذايف لدعم فكرة كبرية وهجمات �ضر�ضة من دول اجلوار حاولت ثني هذا البلد عن‬ ‫النف�ضال حتى ظهور �ضاحب الفكرة املختلفة عن النف�ضال " جون تطلعاته وعالقاته الطيبة التي تربطه بالدول العربية اإل اأنه وقف‬ ‫غرنق " والذي طالب مب�ضاألة احلكم الذاتي داخل ال�ضودان الكبري وقد �ضاخما خا�ضة بعد اأن ا�ضتجابت الإرادة ال�ضودانية لنف�ضال ال�ضودان‬ ‫حيث اأ�ضبح ال�ضودان دولة واجلنوب دولة لكن تظل العالقات املتينة‬ ‫جنح بذلك‪.‬‬ ‫وركز ال�ضفري عثمان نافع يف حديثه على ال�ضتفتاء امل�ضريي يف رابط بينهما‪.‬‬ ‫ال�ضودان والذي جرى يف التا�ضع من يناير و متخ�س عنه ان�ضالخ ويف نهاية املحا�ضرة التي ح�ضرها ما يزيد عن اخلم�ضني �ضخ�ضا وجه‬ ‫اجلنوب عن ال�ضمال وتغيري خريطة القارة الأفريقية‪ ،‬حيث اأف�ضى احل�ضور عددا من الأ�ضئلة لل�ضفري ال�ضوداين متحورت حول م�ضتقبل‬ ‫جنوب ال�ضودان وطبيعة العالقة امل�ضتقبلية التي �ضتكون بينه وبني‬ ‫ال�ضتفتاء اأن ‪ %98‬اأيدوا هذا النف�ضال ليعلن ر�ضميا يف ‪. 2011/7/9‬‬ ‫وحول التوقعات امل�ضتقبلية لطبيعة العالقة التي �ضتكون بني �ضمال الدول الأخرى ومرتكزاته القت�ضادية وحكمه اجلديد‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫الﻔاﻋوﺭﻱ يسﻠﻢ ﺩﺭﻉ المنﺘﺪﻯ لسﻔير اﻷﺭﺩن فﻲ تونﺲ‬ ‫للمنتدى م‪ .‬مروان الفاعوري وع�ضوية كل من اأمني �ضر املنتدى الأ�ضتاذ‬ ‫الدكتور حممد اخلطيب وع�ضوي املنتدى د‪ .‬هايل داود‪ ،‬والأ�ضتاذ‬ ‫الدكتور حممد الق�ضاة بزيارة اإىل ال�ضفارة الأردنية بتون�س‪.‬‬ ‫والتقى الوفد ب�ضعادة ال�ضفري الأردين هناك‪ ،‬حيث قدم املهند�س‬ ‫الفاعوري خالل اللقاء �ضرحا وافيا عن اأهداف املنتدى ون�ضاطاته‬ ‫املتعددة يف عدد من البلدان‪ ،‬وما حققه من اإ�ضهامات يف ن�ضر الفكر‬ ‫الو�ضطي املعتدل داخل الأردن وخارجه‪.‬‬ ‫كما مت التطرق للحديث عن موؤمتر التحولت ال�ضيا�ضية الذي �ضيعقد‬ ‫يف تون�س والذي يعد امتدادا لن�ضاطات املنتدى يف درا�ضة التحولت‬ ‫ال�ضيا�ضية يف العامل العربي بعد الثورات العربية املتتالية‪ ،‬خا�ضة واأن‬ ‫هذا املوؤمتر هو اأول موؤمتر عربي يعقد يف تون�س ويتحدث عن الثورة‪.‬‬ ‫الأمني العام واع�شاء املنتدى وال�شفري الأردين يف �شورة تذكارية‬ ‫على هام�س انعقاد موؤمتر التحولت ال�ضيا�ضية و�ضقوط خطاب العنف ويف نهاية اللقاء قدم الأمني العام الفاعوري درع املنتدى ل�ضعادة ال�ضفري‬ ‫الذي عقد بالتعاون ما بني منتدى العاملي للو�ضطية ومنتدى اجلاحظ تقديرا جلهوده وجهود ال�ضفارة من جهة و�ضاكرا حل�ضن ا�ضتقباله لهم‬ ‫بتون�س‪ ،‬قام وفد من املنتدى العاملي للو�ضطية برئا�ضة الأمني العام من جهة اأخرى‪.‬‬

‫اﻷزﻣة الﻌالمية وتﺄﺛيرﻫا ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘﺼاﺩ اﻷﺭﺩنﻲ‬ ‫ﻣﺤاﺿرﺓ لمنﺘﺪﻯ وسطية السﻠﻂ‬ ‫اأكد اخلبري القت�ضادي زياد الدبا�س م�ضت�ضار بنك اأبو ظبي الوطني‬ ‫اأن الدينار الردين قوي وما زال يحافظ على ا�ضتقراره نتيجة ثقة‬ ‫املواطن فيه كاداة ا�ضتثمارية وو�ضيلة لدخار ودائعه وكذلك ثقته‬ ‫بقدرة القت�ضاد الردين على مواجهة التحديات والتغلب عليها رغم‬ ‫�ضخامتها وتاثريها القوي عليه باعتباره اأقت�ضاد مفتوح على العامل‬ ‫اخلارجي ‪.‬‬ ‫واأ�ضاف الدبا�س خالل حما�ضرته بعنوان " الزمة العاملية وتاأثريها‬ ‫على القت�ضاد الردين" والتي نظمها منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة‬ ‫فرع ال�ضلط وبالتعاون مع مركز مو�ضى ال�ضاكت يف مقر املركز وادارها‬ ‫ابراهيم كلوب مدير املركز اأن الزمة العاليمة كان لها تاثري كبري‬ ‫و�ضلبي يف غالبيته على القت�ضاد الردين لأنه اقت�ضاد مرتبط ب�ضكل‬ ‫وا�ضع بالقت�ضاد العاملي لأننا ن�ضتورد اأكرث مما ن�ضدر وخا�ضة يف قطاع‬

‫اخلبري الدبا�ص يت�شلم درع املنتدى من رئي�ص فرع ال�شلط عربيات‬

‫‪84‬‬


‫الطاقة حيث من املتوقع اأن ت�ضل فاتورة م�ضتورداتنا من النفط لهذا‬ ‫العام حوايل ‪ 4‬مليارات دولر وهذا رقم هائل بالن�ضبة حلجم اقت�ضادنا‬ ‫مما �ضريهق كاهل املوازنة والقت�ضاد ب�ضكل عام ‪.‬‬ ‫واعترب الدبا�س اأن اكرث القطاعات التي تاثرت �ضلبا يف الردن هي العقار‬ ‫وال�ضهم كون معظم ثروات املواطنني ترتكز يف هذين القطاعني م�ضريا‬ ‫اىل اأن �ضوق عمان املايل فقد اأكرث من ‪ 22‬مليار دينار بعد اأن انخف�ضت‬ ‫القيمة ال�ضوقية لال�ضهم فيه من ‪ 41‬مليار عام ‪ 2008‬اىل ‪ 19‬مليار يف‬ ‫العام احلايل كما �ضاهم ا�ضطرار الأجانب الذين ميلكون حوايل ‪50‬‬ ‫‪ %‬من ا�ضهم ال�ضوق ببيع كميات كبرية منها لتوفري �ضيولة لهم بعد‬ ‫تاأثرهم بالزمة العاملية اىل تراجع اأداء ال�ضوق الذي مير يف دورة هبوط‪.‬‬

‫ورحب الدبا�س بخطوات ان�ضمام الردن ملجل�س التعاون اخلليجي‬ ‫والذي جاء نتيجة ادراك دول اخلليج اأن ا�ضتقرارهم مرتبط با�ضتقرار‬ ‫الردن ووجود م�ضالح م�ضرتكة بني الطرفني وان هذا الن�ضمام �ضيعود‬ ‫مبنافع كبرية على الطرفني وخا�ضة على القت�ضاد الردين ‪.‬‬ ‫وكان رئي�س منتدى الو�ضطية فرع ال�ضلط احيا عربيات قد اأ�ضار اأن هذه‬ ‫املحا�ضرة تاتي �ضمن الن�ضاطات الهادفة اىل توعية املواطنني والتوا�ضل‬ ‫مع املجتمع املحلي وال�ضتفادة من خربات املغرتبني الردنيني الذين‬ ‫حققوا جناحات كبرية يف بالد الغربية مثل امل�ضت�ضار زياد الدبا�س ويف‬ ‫نهاية اللقاء جرى حوار مو�ضع حول العديد من املوا�ضيع القت�ضادية ‪.‬‬

‫ﻣنﺘﺪﻯ وسطية ﺟرﺵ و نﺪوﺓ حوﻝ نﺸﺄﺓ الﻔﻜر‬ ‫الﺘﻜﻔيرﻱ وﺧطرﻩ ﻋﻠﻰ اﻷﻣة‬

‫لقطات من الندوة‬

‫قال اأ�ضتاذ العقيدة والأديان يف اجلامعة الأردنية وع�ضو منتدى‬ ‫الو�ضطية الأ�ضتاذ الدكتور حممد اخلطيب اأن املجتمع العربي والإ�ضالمي‬ ‫ينق�ضم اإىل ق�ضمني الأول مغال يف نهجه وتفكريه واآخر مغال يف النفالت‬ ‫وترك اأمور الدين‪ ،‬لفتا اإىل اأن الأمة الو�ضط هي اخلرية التي ل تقبل‬ ‫الإفراط اأو التفريط فكالهما ‪.‬‬ ‫واأ�ضاف يف حديثه عن ن�ضاأة الفكر التكفريي واأ�ضباب انت�ضاره يف العامل‬ ‫الإ�ضالمي خالل الندوة التي عقدها منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة‬ ‫فرع جر�س برعاية حمافظ جر�س بعنوان"الفكر التكفريي وخطره على‬ ‫الأمة" ‪ ،‬اأن الفكر التكفريي ظهر يف عهد اخلليفة الرا�ضد علي بن اأبي‬ ‫طالب حيث ظهرت جماعة ان�ضقت عن جي�ضه اآنذاك‪ ،‬وخرجت عن نهج‬ ‫النبوة الرا�ضد وعن دين احلق وباتت تقراأ القراآن وت�ضتوعبه �ضطحيا‪،‬‬ ‫دون فهم ملعناه فتكفر من ت�ضاء وكان اأول من كفروه علي بن اأبي طالب‬ ‫ر�ضي اهلل عنه لفتا اإىل اأن الفكر التكفريي من اأهم اأ�ضباب انق�ضام الأمة‬ ‫وتفريقها و دخول الأعداء لعقول النا�س وقلوبهم‪ ،‬و من اأ�ضباب النفالت‬ ‫احلا�ضل يف وقتنا احلايل و عوامل هدم الأمة‪.‬‬ ‫واأ�ضار اأ�ضتاذ العقيدة والنائب ال�ضابق الدكتور حممد احلاج اإىل اأن لفظ‬ ‫اخلوارج م�ضطلح يطلق على من خرجوا عن اإجماع الأمة الإ�ضالمية‬ ‫وعملت على متزيق �ضف امل�ضلمني وبث اأفكارا تخريبية يف املجتمع‬ ‫الإ�ضالمي فانق�ضمت ل�ضعب واأحزاب فيما بعد‪.‬‬

‫واأ�ضاف اأن من اأبرز اأفكارهم ومعتقداتهم �ضهولة التكفري كما اأن لهم‬ ‫راأي يف التفريق بني ال�ضحابة حيث اأعلنوا براءتهم من ال�ضحابة علي بن‬ ‫اأبي طالب وعثمان بن عفان ومعاوية واحلكم بكفرهم‪ ،‬ولهذا فقد �ضميوا‬ ‫بالنوا�ضب لأنهم نا�ضبوا العداء لعلي وغريه من ال�ضحابة‪.‬‬ ‫واأكد رئي�س فرع منتدى و�ضطية جر�س اأحمد نوا�س القادري على اأهمية‬ ‫الندوة باعتبارها �ضرورية يف حياة امل�ضلمني الذين يعي�ضون منق�ضمني‬ ‫�ضمن فئتني م�ضريا اإىل اأن الفكر التكفريي منهج �ضاع يف اأو�ضاطنا وتلقاه‬ ‫اأعداء الإ�ضالم الذين ر�ضموا �ضيا�ضات احلرب على الدين الإ�ضالمي من‬ ‫خالله ‪.‬‬ ‫ولفت اإىل دور منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة حلمل ر�ضالة الإ�ضالم‬ ‫والذود عنها يف فهمها ال�ضحيح بعيدا عن املغالة والتفريط والتكفري‬ ‫م�ضتعر�ضا فكرة اإن�ضاء منتدى الو�ضطية واأهدافه وروؤيته والر�ضالة‬ ‫التي وجد من اأجلها وي�ضعى لتحقيقها يف خمتلف دول العامل العربي‬ ‫والإ�ضالمي مبا حث اهلل تعاىل ور�ضوله الكرمي‪.‬‬ ‫واأكدت الدكتورة خولة اخلوالدة التي اأدارت الندوة اأن اجلماعات‬ ‫التكفريية والفكر التكفريي ظاهرة لزمت الوجود الإ�ضالمي على مر‬ ‫التاريخ ‪.‬داعية اإىل معرفة الأ�ضول القراآنية التي يقوم عليها التكفري‬ ‫امل�ضروع لأنها امليزان الذي يوزن به‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫ﺑﺤﻀوﺭ وزير اﻷوﻗاﻑ والﺸﺆون اإلسﻼﻣية وﺭﺋيﺲ الﺠاﻣﻌة‬

‫وسطية السﻠﻂ وﺟاﻣﻌة الﺒﻠقاﺀ يﻌقﺪان وﺭشة حوﻝ‬ ‫)) تطوير واﻗﻊ ﺧطﺒة الﺠمﻌة ((‬

‫من اليمني ‪ :‬م‪ .‬الفاعوري ‪ ،‬الوزير العكور ‪ ،‬د‪ .‬الطراونة‬

‫اأكد امللتقى الذي عقده املنتدى العاملي للو�ضطية ان المام م�ضوؤول عن‬ ‫اإعادة ت�ضكيل العقل واعادة تنوير الفكر واعادة النا�س اىل حقيقة الدين‬ ‫وعقيدته ‪.‬‬ ‫كان هذا يف ور�ضة العمل التي نظمها منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة‪/‬‬ ‫ال�ضلط بالتعاون مع جامعة البلقاء التطبيقية ومديرية اأوقاف‬ ‫حمافظة البلقاء بعنوان «تطوير خطبة اجلمعة» واأكدت الور�ضة اأن‬ ‫منهج الإ�ضالم جاء يف اأ�ضله لو�ضع الإن�ضان ال�ضوي عقيدة وخلقاً و�ضلوكاً‬ ‫يف واقع احلياة ونتيجة للهزال وال�ضعف الذي اأ�ضاب الأمة لي�ضيب‬ ‫منرب ر�ضول اهلل من خالل جمموعة من النا�س الذي مل يكونوا على‬ ‫منهج الفكر املعتدل والنظر ال�ضحيح جاءت �ضرورة املناداة باإعداد‬ ‫الأئمة املوؤهلني واخلطباء النابهني ليكونوا قادرين على القيام بهذا‬ ‫العبء الثقيل والر�ضالة اجل�ضيمة التي متثل ر�ضالة الإ�ضالم العظيم‬ ‫‪.‬بد ًل من �ضيطرة خطباء جهلة ين�ضرون التطرف والغلو‬

‫وبينت الور�ضة اأن خطبة اجلمعة هي فن يف اختيار املوقف واختيار‬ ‫العبارة وهي علم يف معرفه ال�ضريعة وان عقل اخلطيب يجب ان يكون‬ ‫على قواعد علمية �ضحيحة فيزن اخلطيب مبيزات ال�ضرع والعقل‬ ‫فال ي�ضح ان تكون عقليته عامية خرافية ل تنتمي اىل حقيقة الدين‬ ‫وو�ضطيته ‪.‬‬ ‫واأكد اأمني عام املنتدى العاملي للو�ضطية املهند�س مروان الفاعوري على‬ ‫اأن خطبة اجلمعة هي و�ضيلة مهمة لن�ضر الفكار ال�ضحيحة والقيم‬ ‫الراقية يف كل طبقات املجتمع وفئاته حيث انها ل تخت�س باحد دون‬ ‫احد ولطبقة دون طبقة فجميع امل�ضلني ي�ضتمعون اليها وهي فر�ضة‬ ‫للخطيب متكررة ي�ضتطيع بها نقل ر�ضائله والتاثري على هذا اجلمهور‬ ‫الكبري الذي ياأتي باختياره ‪.‬‬ ‫وا�ضاف ان تطوير خطبة اجلمعة وتفعيل دورها يف املجتمع واخلروج بها‬ ‫عن دائرة الرتابة م�ضووؤلية جماعية من القائمني على �ضوؤون امل�ضاجد‬

‫‪86‬‬


‫وبالتحديد وزارة االوقاف والتي ال بد لها من املتابعة اجلادة وامل�ستمرة الدعوة �إىل اهلل وتبليغ ر�سالته حيث على اخلطيب االلتزام بهدى النبي‬ ‫للخطباء وعقد الدورات وامل�ؤمترات لالرتقاء بهم وبتب�صريهم باهمية �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬واحلكمة واملوعظة احل�سنة‪ ،‬ومراعاة �أحوال‬ ‫اخلطبة داعيا يف الوقت ذاته �إىل �ضرورة توظيفها خلدمة الإ�سالم املخاطبني واختالف مداركهم وعدم الإطالة بوقت اخلطبة مراعاة‬ ‫وامل�سلمني وتعزيز وحدة الأمة ونبذ العنف و�أن يكون و�سيلة للتوا�صل لأحوال امل�صلني‪ ،‬وعدم الوقوف على املنرب لي�شهر ع�صاه ويجرح النا�س‬ ‫مع الآخرين واحلوار واحلب للتدليل على �أهمية الو�سطية وتعزيز ب�أ�سمائهم وق�ص�صهم ملخالفته لهدى ر�سول اهلل وغريها من املهام‬ ‫مفهومها بني النا�س ‪.‬‬ ‫الواجب اتباعها لتفادي الوقوع يف �أخطاء ج�سيمة‪.‬‬ ‫�أما رئي�س جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور اخليف الطراونة قال يف حني �أ�شار مدير �أوقاف البلقاء د‪.‬عو�ض الفواعري يف حديثه عن واقع‬ ‫�أن ما ن�شهده اليوم �صورة خمتلفة خلطبة اجلمعة ا�سلوبا وم�ضمونا خطبة اجلمعة ومدى �أهمية الر�سالة التي ت�ؤديها و�آثارها على حياة‬ ‫و�صورة مماثلة خلطيبها على �صعيد املو�ضوع والتناول ويلحظ املتتبع امل�سلمني ملا متدهم ب�أ�سمى معاين الإميان وتوجه �سلوكهم و�أفكارهم‬ ‫لهذا االمر تناول بع�ض اخلطباء مو�ضوعات بعيدة عن اهتمامات وتغذي فيهم عوامل اخلري وال�صالح وتبعدهم عن ارتكاب املعا�صي‬ ‫حياتنا اليومية وم�ستقبلنا وال تن�سجم مع روح الع�صر وما طر�أ على والآثام‪.‬‬ ‫املجتمع االن�ساين من تطوير وتغيري يف �ضوء التقدم العلمي والفكري‪.‬‬ ‫كما تطرق للحديث عن �شروط وجوب و�صحة ال�صالة و�أركان خطبة‬ ‫و�أكد على �ضرورة ت�أهيل ه�ؤالء اخلطباء وتعميق ثقافتهم وتو�سيعها‬ ‫اجلمعة و�سننها‪ ،‬م�شريا يف الوقت ذاته �إىل �ضرورة �أن يتحلى اخلطيب‬ ‫وتنوعها وتلبية متطلبات احلياة والنا�س يف �ضوء تعاليم ديننا‬ ‫باملظهر الالئق الذي يتنا�سب مع عظم الر�سالة التي ي�ؤديها ومهابة‬ ‫اال�سالمي الذي دعا اىل حرية الفكر والتنوير واهتم بتجديد الوعي‬ ‫املنرب و�سفارته للحبيب امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫وعني بالبحث والتفكري العلمي املنطقي املدرو�س م�شريا يف الوقت ذاته‬ ‫�أما مفتي حمافظة البلقاء الدكتور هاين خليل عابد فقد حتدث بدوره‬ ‫على �أن اجلامعة ب�صدد �إ�ستحداث تخ�ص�ص يف جمال الوعظ والإر�شاد يف‬ ‫عن موا�صفات اخلطيب الناجح حيث �أكد على �ضرورة اهتمام اخلطيب‬ ‫كلية عجلون اجلامعية وت�سعى �إىل �إعتماده وو�ضع برناجمه ومتطلباته‬ ‫بالإخال�ص هلل تعاىل واتقانه مهارة قراءة القر�آن الكرمي وحر�صه على‬ ‫الأكادميية والفنية واملنهجية املحكمة ليخدم املجتمع وت�أتي خمرجاته‬ ‫ايراد الأحاديث ال�صحيحة والإ�شارة مل�صدرها وتعريف النا�س ب�أمور‬ ‫من خرية اخلطباء واملر�شدين والوعاظ ليكونوا مب�ستوى الطموح‬ ‫دينهم والتزامه باللغة العربية مبتعدا يف الوقت ذاته عن الإطالة‬ ‫امل�أمول فكراً وثقافة و�أدا ًء ومتكناً من اللغة العربية وعلومها املختلفة ‪.‬‬ ‫وبني رئي�س املنتدى يف ال�سلط �أحيا عربيات يف كلمته �أهمية هذه الور�شة باخلطبة وعن الألفاظ الوعرة غري املفهومة وغريها من الأمور التي‬ ‫والتي تعترب خطوة رائدة على طريق النهو�ض بخطبة اجلمعة لت�ؤدي وجب على اخلطيب الإلتزام بها ليحقق بذلك موا�صفات النجاح ‪.‬‬ ‫ر�سالتها احل�ضارية كر�سالة عاملية جتمع بني مبادئ العدل وامل�ساواة �أما �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية الدكتور هايل الداود فقد‬ ‫والو�سطية والرحمة وتنوير النا�س يف الق�ضايا ال�شرعية وم�ستجدات حتدث عن كيفية ا�صالح وتطوير خطبة اجلمعة مبا يتنا�سب مع ديننا‬ ‫الإ�سالمي ومعاجلة �أي خلل يوجد لتظل خطبة اجلمعة ت�ؤدي ذات‬ ‫احلياة ‪.‬‬ ‫وناق�شت الور�شة التي �شارك فيها نخبة من علماء الدين و�أ�ساتذة الر�سالة التي وجدت من �أجلها‪.‬‬ ‫ال�شريعة يف اجلامعات الأردنية عددا من املحاور ذات ال�ش�أن حيث وح�ضر اللقاء مفتي حمافظة البلقاء ال�شيخ �أمني الكيالين وعدد من‬ ‫تطرق عميد كلية ال�شريعة الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة يف ورقته ال�شخ�صيات الإ�سالمية وال�سيا�سية والأكادميية وعدد كبري من اخلطباء‬ ‫بعنوان" امل�شكالت التي تواجه خطبة اجلمعة" �إىل امل�س�ؤولية التي تقع من كافة �أنحاء املحافظة زاد عددهم عن ‪ 180‬خطيباً‪ ،‬ثم تناولوا طعام‬ ‫على كاهل اخلطيب جتاه �إلقائه للخطبة‪ ،‬خا�صة و�أنها من �أهم و�سائل الغداء الذي ختم به اللقاء‪.‬‬

‫‪87‬‬


‫اﻷﺩﺏ الساﺧر وﺩوﺭﻩ فﻲ اإلﺻﻼﺡ ‪ /‬ﻣﺤاﺿرﺓ لﻠﻜاتﺒان‬ ‫ﻏيﺸان و الزﻋﺒﻲ‬

‫الكاتبان و�شورة تذكارية مع �شباب الهي‪‬ة‬

‫ا�ضتعر�س الكاتبان يو�ضف غي�ضان واأحمد ح�ضن الزعبي ن�ضاأة الأدب‬ ‫ال�ضاخر يف الأردن منذ بداياته وحتى وقتنا احلا�ضر‪ ،‬واأبرز كتابه‪،‬‬ ‫والتحديات التي تواجهه والر�ضالة املن�ضودة من خالله‪.‬‬ ‫وقال خالل املحا�ضرة التي نظمها منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة‬ ‫مبقره بعمان حول" دور الأدب ال�ضاخر يف الإ�ضالح" اأن الكتابة ال�ضاخرة‬ ‫هي �ضالح ال�ضعفاء منذ وجد الإن�ضان‪ ،‬يعرب الفرد من خاللها عن هموم‬ ‫وغ�ضب وانتقاد الآخرين ممن هم غري قادرين على التعبري عن اأوجاعهم‪،‬‬ ‫فتكون كـ" ف�ضة غل" لهم خوفا من الوقوع بالإحباط اأو الإ�ضابة باجلنون‪،‬‬ ‫كما اأنها من الفنون املحفوفة بالتحديات ال�ضعبة وعلى الكاتب اأن يظل‬ ‫حري�ضا وحذرا يف اي�ضال فكرته من خالل كتاباته من جهة‪ ،‬مع بقاء تلك‬ ‫الكتابات يافعة متجددة من جهة اأخرى‪.‬‬ ‫واأ�ضافا اإىل اأن الكتابة ال�ضاخرة الأردنية متتاز باجلدية‪ ،‬والت�ضيي�س‪،‬‬ ‫واجلذرية‪ ،‬واأكرث حرية مقارنة بالكتابات ال�ضاخرة يف الدول الأخرى‪،‬‬ ‫ي�ضاف لها ميزة اأخرى من خالل احرتاف املراأة لهذا الفن كالكاتبة هند‬ ‫خليفات ومي ال�ضريف‪.‬‬ ‫واأ�ضار الكاتبان اأنه ل يوجد عالقة ودية بني الكاتب ال�ضاخر واحلكومات‪،‬‬ ‫فهما يف نقي�س دائم‪ ،‬موؤكدان يف ذات الوقت على اأهمية املطالبة بالإ�ضالح‬ ‫من خالل الكتابات واحلركات الحتجاجية‪.‬‬ ‫وبني الكاتب يو�ضف غي�ضان اأن الأدب ال�ضاخر ياأخذ منحى واحدا‪ ،‬ويحتاج‬ ‫للمزيد من احلرارة لإي�ضال الفكرة دون ار�ضاء جهة معينة على ح�ضاب‬ ‫الأخرى‪ ،‬لفتا يف الوقت ذاته اأن الكتابة ال�ضاخرة واإن كانت �ضاخرة اإل اأنها‬ ‫من اأكرث املواد جدية يف �ضحفنا الأردنية‪.‬‬ ‫وحول ما اإذا كان الأدب ال�ضاخر موهبة اأم اكت�ضابا فقد قال غي�ضان ان الكتابة‬ ‫ال�ضاخرة قد تكون موهبة حيث لبد من وجود بذرة �ضخرية لدى الكاتب‬ ‫اإل انها يف الوقت ذاته حتتاج ملزيد من الرتكيز لتنمو تلك البذرة وت�ضتمر ‪.‬‬

‫الزميل اخلوالدة يتو�شط غي�شان والزعبي‬

‫واأ�ضاف اأن الكاتب ال�ضاخر غري م�ضطر ل�ضتخدام اأية وثائق اأو م�ضتندات‬ ‫لإي�ضال فكرة معينة اأو م�ضكلة ما‪ ،‬لكن عند الكتابة عليه ال�ضتناد على‬ ‫الكثري من الآراء لكثري من الأ�ضخا�س ممن ميتلكون وثائق واأدلة معينة‪.‬‬ ‫يف حني اأ�ضار الكاتب اأحمد الزعبي اأن الكاتب ال�ضاخر يف �ضراع م�ضتمر‬ ‫مع الرقيب ويف حماولت دائمة للتخل�س من مق�ضه‪ ،‬اإل اأن املهم هو امرار‬ ‫الفكرة اأكرث منه م�ضطلح ‪ ،‬لهذا ميكن لتمرير الفكرة من خالل �ضرد‬ ‫ق�ضة اجتماعية ابطالها اأنا�س ب�ضطاء‪ ،‬اإل اأن املواطن الأردين �ضاحب ذكاء‬ ‫مميز وقادر يف الوقت ذاته على فك ال�ضيفرة التي تفلت من يدي الرقيب‬ ‫اأما بالن�ضبة لل�ضباب والإ�ضالح فقال الزعبي اأن الكاتب ال�ضاخر هو‬ ‫الأكرث مبا�ضرة وتاأثريا بفئة ال�ضباب من خالل كتاباته التي من املفرت�س‬ ‫اأن تكون �ضل�ضة ووا�ضحة ومفهومة من حيث الفكرة وامل�ضطلحات‪.‬‬ ‫واأ�ضاف اأن هناك قفزات كبرية بوعي ال�ضباب ودورهم يف الإ�ضالح‬ ‫والتغيري الأمر الذي ينم عن ثقافة �ضيا�ضية يتمتع بها �ضبابنا‪ ،‬معربا عن‬ ‫فرحه مبا يقدمه ال�ضباب من خالل الإعت�ضامات التي خرجت وال�ضعارات‬ ‫املبهرة التي ينادون بها باأ�ضلوب �ضاخر ينم عن موهبة حقيقية لديهم‬ ‫واح�ضا�س عميق مبا يح�ضل حولهم‪ ،‬ولفتا يف الوقت ذاته وبالن�ضبة له اأنه‬ ‫قد �ضارك يف عدد من تلك الإعت�ضامات‪ ،‬اإل اأن كتاباته ال�ضاخرة وطرحه‬ ‫لالأفكار من وجهة نظره اأهم من وجوده وم�ضاركته بامليدان‪.‬‬ ‫ويف نهاية اللقاء الذي اأداره حمزة اخلوالدة وح�ضره نخبة من رجال‬ ‫و�ضيدات املجتمع من خمتلف القطاعات بالإ�ضافة لن�ضبة كبرية من‬ ‫ال�ضباب وال�ضابات من هيئة �ضباب الو�ضطية‪� ،‬ضلم الأمني العام للمنتدى‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري دروع املنتدى للكاتبني تقديرا لهما ولإ�ضهامهما‬ ‫احلقيقي يف اإي�ضال ر�ضالة الآخرين من خالل الفن الذي تاألقا فيه‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫الﻌنﻒ المﺠﺘمﻌﻲ فﻲ المﺪاﺭﺱ ‪ /‬وﺭشة لﻠﻌالمﻲ‬ ‫لﻠوسطية ووزاﺭﺓ الﺘرﺑية والﺘﻌﻠيﻢ‬ ‫والتعليم املختلفة يف املحافظة‪.‬‬ ‫حيث حتدثت الدكتورة نوال �ضرار يف ورقتها " اأ�ضباب العنف املدر�ضي"‬ ‫عن اأ�ضباب العنف ومظاهره ونتائجه والو�ضائل الكفيلة للحد منه‬ ‫‪ ،‬وبينت تعريفا للعنف املدر�ضي ارتكز على الواقع الرتبوي ومقارنته‬ ‫بفرتات زمنية متعاقبة ‪ ،‬كما ابرزت الدكتورة �ضرار دور الإعالم ورفقاء‬ ‫ال�ضوء يف العنف املدر�ضي م�ضرية يف الوقت ذاته غلى تق�ضري املوؤ�ض�ضات‬ ‫الرتبوية يف الت�ضدي بفاعلية لهذه الظاهرة ‪.‬‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�ضطية بالتعاون مع وزارة الرتبية والتعليم‬ ‫الأردنية ور�ضتي عمل يف اأقليمي الو�ضط وال�ضمال حول "ظاهرة‬ ‫العنف املجتمعي يف املدار�س" وذلك يومي الثالثاء والأربعاء املوافق‬ ‫‪. 2011/5/4-3‬‬ ‫ويف الور�ضة الأوىل التي عقدت يف نادي املعلمني يف حمافظة العا�ضمة و‬ ‫ح�ضرها ‪ 60‬طالبا وم�ضوؤول من مديريات الرتبية والتعليم يف حمافظات‬ ‫عمان والزرقاء ومادبا والبلقاء ‪ ،‬اأ�ضار املهند�س ب�ضام اأبو الن�ضر من‬ ‫املنتدى العاملي للو�ضطية يف ورقته بعنوان" املواطنة والنتماء واأثرهما‬ ‫يف مقاومة العنف املجتمعي " اإىل اأ�ضباب العنف املجتمعي يف الأردن‬ ‫ومدى �ضيوع هذه الظاهرة يف ال�ضنوات الع�ضر الأخرية ب�ضكل متزايد‬ ‫‪ ،‬مبينا اأن التم�ضك بالقيم الوطنية والجتماعية والأخالق التي التزم‬ ‫بها ال�ضلف ال�ضالح مما هو متاأ�ضل يف ديننا وتقاليدنا يحمينا من‬ ‫العنف والكراهية‪.‬‬ ‫وبني املهند�س اأبو الن�ضر اأهمية قيم احلوار والت�ضامح بدل من التنافر‬ ‫والتباغ�س من خالل اإعادة النظر يف املناهج املدر�ضية واخلطط‬ ‫الرتبوية وايجاد فر�س عمل مت�ضاوية بني فئة ال�ضباب وتر�ضيخ قيم‬ ‫النتماء واملواطنة للوطن والقائد‪.‬‬ ‫م�شاركون يف الور�شة‬ ‫ويف ورقة م�ضرتكة بني كل من اأ�ضتاذي ال�ضريعة يف اجلامعة الأردنية‬ ‫الدكتور حممد الريان والدكتور عبد اهلل ال�ضيفي بعنوان" العنف‪ ..‬ويف ورقته املعنونة بـ" اأثر العامل الديني يف احلد من العنف املجتمعي"‬ ‫واأ�ضبابه" واأثر التدين يف احلد منه‪ ،‬ومب�ضاركة طلبة ال�ضف العا�ضر اأعاد الدكتور عبد اهلل ال�ضيفي اإىل الأذهان الن�ضو�س الدينية التي‬ ‫�ضكلت اأ�ضا�ضا يف التعامل بني اأفراد املجتمع بكافة فئاتهم العمرية‬ ‫وثقافاتهم‪ ،‬كما اأظهر دور �ضلوك القائد واملدير والإمام واملعلم يف‬ ‫التاأثري الإيجابي على الن�سء‪.‬‬ ‫ويف اخلتام قدم املهند�س ب�ضام اأبو الن�ضر من املنتدى العاملي للو�ضطية‬ ‫يف ورقته "املواطنة والنتماء واأثرهما يف مقاومة العنف املجتمعي"‬ ‫ت�ضورا عن اأثر املواطنة يف احلد من العنف املجتمعي داعيا اإىل حوار‬ ‫وطني ي�ضمل ال�ضرائح الجتماعية الأوىل بالرعاية ‪ .‬وبني اأن اجلامعات‬ ‫هي حوا�ضر علم ومعرفة ل اأماكن للكراهية والإق�ضاء ‪.‬‬ ‫ودعا املهند�س اأبو الن�ضر يف حوار م�ضرتك اإىل الت�ضالح مع الآخر‬ ‫من اليمني ‪ :‬د‪ .‬ال�شيفي ‪ ،‬م‪ .‬ابو الن�شر ‪ ،‬د‪� .‬شرار‬ ‫وحماورته واإعادة قيم املجتمع الإيجابية التي تاآكلت مع الثورة‬ ‫والأول الثانوي حيث مت توزيعهم يف جمموعات‪ ،‬فقد مت تعريف العنف املعلوماتية و�ضيوع ال�ضتهالكية بني اأفراد املجتمع‪.‬‬ ‫وذكر �ضوره واأ�ضبابه والعوامل التي ت�ضاعد يف احلد منه‪ ،‬وبينا وبالتوافق وقد مت تقدمي فيلم ت�ضجيلي اأنتجه املنتدى العاملي للو�ضطية بعنوان"‬ ‫مع احل�ضور اأن الأ�ضكال املختلفة للعنف ج�ضديا ولفظيا ونف�ضيا ت�ضيع بال هوية" يتحدث عن الإرهاب و�ضرورة احلد منه‪ ،‬كما يتطرق لآراء‬ ‫يف جمتمعنا ب�ضكل متزايد وت�ضكل خطرا على منظومة القيم والأخالق عدد من رموز الو�ضطية يف الوطن العربي وموقفهم من الإرهاب‬ ‫يف املجتمع‪ ،‬وقدم كل من الدكتور الريان والدكتور ال�ضيفي تو�ضيات م�ضتندين براأيهم اإىل الفكر الإ�ضالمي املت�ضامح ‪.‬‬ ‫كما قدم كل من الدكتورة نوال �ضرار واملهند�س ب�ضام اأبو الن�ضر تعريفا‬ ‫عديدة للحد من هذه الظاهرة يف املدار�س ‪.‬‬ ‫ويف يوم الأربعاء املوافق ‪ 2011/5/4‬عقدت ور�ضة اأخرى يف نادي املعلمني خمت�ضرا عن املنتدى العاملي للو�ضطية واأهدافه الداخلية واخلارجية‬ ‫مبحافظة اربد ومب�ضاركة ‪ 60‬طالبا ومعلما من مديريات الرتبية وفروعه يف الوطن العربي‪.‬‬ ‫ال�شنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫‪89‬‬

‫اإ�شالمية ‪ -‬و�شطية ‪ -‬ف�شلية ‪ -‬م�شتقلة‬


‫ﺩوﺭ المرأﺓ فﻲ الﺘﻐيير‪ /‬وﺭشة تﺪﺭيﺒية تﻌقﺪﻫا لﺠنة‬ ‫المرأﺓ فﻲ لواﺀ ﺫيﺒان ﺑماﺩﺑا‬

‫جانب من الور�شة‬

‫يف اإطار جولت جلنة املراأة يف منتدى الو�ضطية يف حمافظات اململكة‬ ‫للو�ضول للمراة يف الأرياف‪ ،‬بهدف ن�ضر وتعزيز منهج الفكر الو�ضطي‬ ‫لديها يف تناول ق�ضاياها ومن خالل توعية املراأة وتثقيفها حول قدرتها‬ ‫يف التغيري واإ�ضالح املجتمع ونه�ضة الأمة‪ ،‬عقدت جلنة املراأة يف منتدى‬ ‫الو�ضطية للفكر والثقافة ور�ضة تدريبية بعنوان " دور املراأة يف التغيري"‬ ‫وذلك يوم ال�ضبت املوافق ‪ 2011/5/7‬يف لواء ذيبان مبحافظة مادبا‪.‬‬ ‫ويف بداية الور�ضة رحبت رئي�ضة جلنة املراأة ال�ضيدة �ضو�ضن املومني‬ ‫باحل�ضور املوؤلف من ‪� 100‬ضيدة ونا�ضطة يف العمل الإن�ضاين‪ ،‬ثم تطرقت‬ ‫للحديث عن اللجنة من خالل التعريف بها و باأهميتها واهتماماتها‬ ‫ب�ضوؤون املراأة املتنوعة‪.‬‬ ‫يف حني تناولت رئي�ضة جلنة املراأة ‪ /‬فرع مادبا النا�ضطة اأ�ضماء الرواحنة‬ ‫احلديث عن مفهوم العمل التطوعي وجمالته ومعيقاته ‪ ،‬واأكدت على‬ ‫التمكني القت�ضادي للمراأة‪.‬‬

‫ال�شنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫وعقبت على كالمها ع�ضو املنتدى ال�ضيدة رويداء ريالت حيث ذكرت‬ ‫مناذج م�ضيئة من التاريخ الإ�ضالمي يف عهد الر�ضول �ضلى اهلل عليه‬ ‫و�ضلم تدل على دور املراأة التطوعي يف جميع املجالت واقرار الر�ضول‬ ‫�ضلى اهلل عليه و�ضلم بذلك ثم �ضربت اأمثلة لأنواع من العمل التطوعي‬ ‫من املمكن قيام املراأة بها يف وقتنا احلايل‪.‬‬ ‫اأما الدكتورة نوال �ضرار فقد ركزت يف ورقتها "دور املراأة يف بناء الأ�ضرة"‬ ‫على دور املراأة يف الأ�ضرة اأما واأختا وبنتا‪ ،‬واأهمية هذا الدور يف بناء اأ�ضرة‬ ‫�ضاحلة ت�ضاهم يف بناء املجتمع‪.‬‬ ‫ويف نهاية الور�ضة دار حوار مو�ضع بني اجلمهور واأع�ضاء اللجنة (ال�ضيدة‬ ‫�ضو�ضن املومني وال�ضيدة رويداء ريالت والدكتورة نوال �ضرار والنا�ضطة‬ ‫اأ�ضماء الرواحنة) حول ما طرح يف الور�ضة من ق�ضايا تتعلق باملراأة‪،‬‬ ‫مطالبات يف الوقت ذاته ب�ضرورة تكرار مثل هذه الور�س التي ت�ضاهم يف‬ ‫زيادة وعي املراأة بق�ضاياها ومتكينها املعريف والقت�ضادي‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫اإ�شالمية ‪ -‬و�شطية ‪ -‬ف�شلية ‪ -‬م�شتقلة‬


‫الﻔاﻋوﺭﻱ يﻠﺒﻲ ﺩﻋوﺓ ﺭاﺑطة الﻌالﻢ اإلسﻼﻣﻲ‬ ‫لﻠمﺸاﺭﻛة ﺑمﺆتمر‬ ‫» الﻌالﻢ اإلسﻼﻣﻲ ‪ ..‬المﺸﻜﻼﺕ والﺤﻠوﻝ «‬

‫م‪ .‬الفاعوري‬

‫بدعوة من رابطة العامل الإ�ضالمي وحتت رعاية خادم احلرمني‬ ‫ال�ضريفني ‪� ،‬ضارك الأمني العام للمنتدى العاملي للو�ضطية املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري يف املوؤمتر الإ�ضالمي العاملي الذي عقدته الرابطة‬ ‫بعنوان" العامل الإ�ضالمي ‪...‬امل�ضكالت واحللول" وذلك يف الفرتة ما‬ ‫بني ‪ 2011/7/25-23‬يف مكة املكرمة وناق�س املوؤمتر خالل جل�ضاته اأهم‬ ‫م�ضاكل العامل الإ�ضالمي كم�ضكلة اجلهل بحقيقة الإ�ضالم‪ ،‬والفرقة‪،‬‬ ‫وا�ضتغالل الأعداء للطائفية‪ ،‬والأو�ضاع القت�ضادية والجتماعية‪،‬‬ ‫وتاأثري التيارات الدخيلة على املجتمعات امل�ضلمة‪ ،‬واأهم احللول‬ ‫املقرتحة‪ ،‬كما تطرق ملفهوم احلوار يف املجتمعات واأثره يف معاجلة‬ ‫امل�ضكالت‪ ،‬وعر�س الأمنوذج الإ�ضالمي يف اإ�ضالح املجتمع ومنهج‬ ‫الإ�ضالم يف درء الفنت وغريه ‪.‬‬ ‫و قد خرج املوؤمتر الذي �ضارك فيه نخبة من العلماء واملثقفني‬ ‫وامل�ضئولني عن منظمات ومراكز اإ�ضالمية من خمتلف اأنحاء العامل‬ ‫بجملة من التو�ضيات اأهمها دعوة رابطة العامل الإ�ضالمي اإىل اإعداد‬ ‫ميثاق عمل اإ�ضالمي‪ ،‬يعالج التحديات الداخلية واخلارجية التي‬ ‫تواجهها الأمة الإ�ضالمية‪ ،‬وتكامل اجلهود الر�ضمية وال�ضعبية يف الأمة‬ ‫الإ�ضالمية وتعاونها والتن�ضيق بينها‪ ،‬يف خمتلف املجالت‪ ،‬وخا�ض ًة‬ ‫الدعوة والتعريف بالإ�ضالم‪ ،‬والإعالم‪ ،‬واحلوار‪ ،‬والأعمال اخلريية‪.‬‬ ‫ال�شنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫كما �ضدد املوؤمتر على �ضرورة تعريف الأجيال ال�ضابة بالإ�ضالم‬ ‫وحقائقه‪ ،‬وتوفري الو�ضائل املعينة على فهم مقا�ضده‪ ،‬ودعم املوؤ�ض�ضات‬ ‫املع ّرفة بالإ�ضالم‪ ،‬وحثها على عر�ضه بطريقة ت�ضهم يف حل م�ضكالت‬ ‫الع�ضر وم�ضتجداته‪ ،‬والتن�ضيق بينها يف و�ضع اخلطط التي تعالج‬ ‫الق�ضور يف فهم الإ�ضالم‪ ،‬وتت�ضدى لالفرتاءات املثارة حوله من خالل‬ ‫وعي امل�ضلمني بوجوب التحاكم اإىل �ضرع اهلل ‪.‬‬ ‫واأكد املوؤمتر على مواجهة الغلو الفكري والنحراف العقدي باحلوار‬ ‫الب َّناء و حتكيم ال�ضرع واللتزام به‪ ،‬واإقامة العدل‪ ،‬واحلر�س على‬ ‫الرعية‪ ،‬وال�ضهر على حرا�ضة حقوقهم وتاأمني م�ضاحلهم‪.‬‬ ‫ودعا الدول الإ�ضالمية‪ ،‬وجامعة الدول العربية‪ ،‬ومنظمة التعاون‬ ‫الإ�ضالمي‪ ،‬واملوؤ�ض�ضات الدولية اإىل القيام بواجبهم يف درء الفنت‪،‬‬ ‫وما فيها من قتل وتعذيب وتهجري‪ ،‬ومراعاة قادة الدول الإ�ضالمية‬ ‫و�ضعوبها ملقا�ضد ال�ضريعة يف �ضيانة الدين والنف�س واملال‪ ،‬واللتزام مبا‬ ‫قررته من حقوق لالإن�ضان‪ ،‬ناهيك عن قيام العلماء مب�ضوؤولياتهم جتاه‬ ‫بلدانهم و�ضعوبهم؛ وتعريف امل�ضلمني مبا يقت�ضيه �ضرع اهلل القومي من‬ ‫حقوق وواجبات‪،‬و تعاون العلماء مع احلكام امل�ضلمني يف اإ�ضالح اأنظمة‬ ‫الدول الإ�ضالمية‪ ،‬واتخاذ الو�ضائل املنا�ضبة لتحقيق التنمية ال�ضاملة‬ ‫وغريها من التو�ضيات املهمة‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫اإ�شالمية ‪ -‬و�شطية ‪ -‬ف�شلية ‪ -‬م�شتقلة‬


‫تﻜريﻢ ﻛﺘاﺏ الﺘﺠﺪيﺪ‬

‫الﺼاﺩﻕ المهﺪﻱ يﺤاﺿر فﻲ حﻔﻞ ﺇفطاﺭ الﻌالمﻲ لﻠوسطية‬ ‫ويﻜرم الﻌثمانﻲ وﻣوﺭو‬ ‫و�ضف الأمني العام حلزب الأمة ال�ضوداين رئي�س املنتدى العاملي‬ ‫للو�ضطية المام ال�ضادق املهدي غياب خطط بديلة لدى ال�ضعوب بـ "‬ ‫فقر الدم الفكري"‪.‬‬ ‫واأ�ضاف يف املحا�ضرة التي األقاها خالل حفل الإفطار الذي اأقامه‬ ‫املنتدى العاملي للو�ضطية م�ضاء الأربعاء املوافق ‪ 2011/8/17‬يف مدينة‬ ‫احل�ضني لل�ضباب اأن " ثمة فقر دم فكري عند ال�ضعوب يحدد ما هو‬ ‫البديل املطلوب وما هو العمل والتدابري ل�ضد الثغرات فيما يتعلق‬ ‫بالبديل امل�ضهود " ‪ ،‬مبدياً ت�ضاءله عن البديل الذي تن�ضده ال�ضعوب‬ ‫ب�ضورة قاطعة والذي ميكن ان يكون العالج ال�ضايف فقال " ال�ضلطات‬ ‫القائمة �ضارت مرفو�ضة ولكن ما هو البديل الذي نن�ضده وهنالك ما‬ ‫ميكن اأن ن�ضميه فقر دم فكري يحدد ما هو املطلوب وما هو العمل؟"‪.‬‬ ‫وحتدث الإمام ال�ضادق اأمام نخبة من ال�ضيا�ضيني ورجال الدين والعالم‬ ‫بح�ضور المني العام ملنتدى الو�ضطية املهند�س مروان الفاعوري عن‬ ‫اأ�ضباب الثورات العربية مو�ضحاً اأن لها ا�ضبابا مو�ضوعية واخرى ذاتية‬ ‫‪ ،‬م�ضدداً على اأن الف�ضاد وال�ضتبداد والبطالة والتبعية املُذلة والإن�ضداد‬ ‫يف الأفق بني احلاكم واملحكوم يف عامل �ضار النا�س فيه يقد�ضون احلرية‬ ‫وال�ضفافية والعدالة والقانون كلها تعد ا�ضبابا مو�ضوعية لندلع مثل‬ ‫هذه الثورات‪.‬‬ ‫واثنى املهدي يف املحا�ضرة التي حملت عنوان (معامل الفجر العربي‬ ‫اجلديد) وهو عنوان كتاب األفه موؤخراً على من ا�ضماهم " طالئع‬ ‫ال�ضباب" التي اكت�ضفت و�ضائل حديثة للتعبري عن ذاتها اأبرزها "تويرت"‬ ‫و "في�س بوك" و " يوتيوب" ‪ ،‬يف وقت كان التعبري احلركي ي�ضكل درعاً‬ ‫واقياً للثورات دعمه درعا اعالميا فيما �ضكل الراأي العام الدويل درعاً‬ ‫دولياً‪.‬‬

‫ال�شنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫‪92‬‬

‫اإ�شالمية ‪ -‬و�شطية ‪ -‬ف�شلية ‪ -‬م�شتقلة‬


‫وحول الثورات العربية املح اىل ا�ستقتال ال�شهيد حممد البوعزيزي بعد وتطرق اىل �شعارات ترفع لكنها ال تطبق بل �أنه يتحقق عك�سها وقال‬ ‫�أن �شعر بحالة الإحباط لكن من بعده قد فتح الباب وك�سر حاجز اخلوف "هذا ما حدث يف بالدي " ‪ ،‬وعن وجود االيدولوجيات يف اخلطاب‬ ‫اال�سالمي نوه �إىل �أنه يوجد تياران موجودان االول متمثل يف طالبان‬ ‫وبد�أت الثورة يف تون�س ومن ثم م�صر حيث اندفعت اىل الواجهة‪.‬‬ ‫وا�ضاف �أن هناك تفاوتا يف طبيعة كل بلد من حيث املفاج�أة واال�ستعداد‬ ‫للتحول والتغيري فقال " غاب عن�صر املفاج�أة واختلفت ردات الفعل‬ ‫واختلف رد القوات امل�سلحة و الرتكيبة ال�سكانية واختلفت العوامل‬ ‫والتدخالت االقليمية والدولية مما حرم ثورات الحقة بال�سرعة‬ ‫وال�سهولة املطلوبة التي نتجت عنها ثورات اخرى"‪.‬‬ ‫وا�ستدرك بالقول لكي ال يحبط الثورات القائمة " ال ُبد من �صنعاء‬ ‫و�إن طال ال�سفر ‪ ،‬و�إن حدثت تعقيدات لكن حكم الفرد �إىل زوال الن‬ ‫ذلك يتماهى مع مثلنا وحركة التاريخ " ‪ ،‬منتقداً من يقف اىل جانب‬ ‫االنظمة امل�ستبدة "بفكرة حاكمة واعالم م�ضلل و�أمن ال يراعي ذمة‬ ‫والتي قهرت بها ال�شعوب ومن هنا خلق االحتقان"‪.‬‬ ‫وحول الدميقراطية ومتثلها يف العامل العربي واال�سالمي �أو�ضح انه‬ ‫الميكن للدميقراطية اال�ستدامة مامل ترتافق مع حتوالت تعالج‬ ‫م�شاكل الفقر والبطالة والف�ساد‪ ،‬م�ؤكدا ان تطبيق الدميقراطية بوجود‬ ‫تلك امل�شاكل �ستوجه النا�س نحو حركات تق�ضي على ال�سلم االجتماعي‪،‬‬ ‫كون الدميقراطية مع توازناتها �شرط لأي حركات �إ�صالحية‪.‬‬ ‫ودلل املهدي على اهمية التكتالت ال�سيا�سية مابني الدول العربية‬ ‫وهو مت�شدد ويريد �أن ي�ستن�سخ املا�ضي وتيار اردوغان يبني توجهه‬ ‫يف ظل العلمانية ‪ .‬وحول اختالف الفرق اال�سالمية‪ ،‬قال �إن املدار�س‬ ‫الفكرية لو جتردت من بع�ض الظروف املذهبية فرنى ان كل امل�سلمني‬ ‫اهل �سنة باعتبار االتباع و�شيعة يف حب ر�سول اهلل و�صوفية باعتبار ان‬ ‫احكام اال�سالم م�ستمدة من جذور روحية‪.‬‬ ‫وعلى هام�ش املحا�ضرة كرمت رابطة ك ّتاب التجديد املنبثقة عن املنتدى‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين والدكتور حممد مورو مل�ساهمتهما‬ ‫واال�سالمية‪ ،‬لتقوية مواقفها‪ ،‬م�ستعر�ضا منوذج الواليات املتحدة يف اعمال جتديدية يف جمال الفكر والثقافة ‪ ،‬فيما كان عريف حفل‬ ‫االمريكية واالحتاد االوروبي والهند وال�صني‪ ،‬وما حققته تلك الدول الزميل الكاتب ح�سني الروا�شدة الذي قدم �شذرات من الكلمات وحتدث‬ ‫عن الو�سطية واالعتدال يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫من تقدم يف �شتى املجاالت‪.‬‬

‫ال�سنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫‪93‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫فﻲ نﺪوﺓ ﻣﻌالﻢ الﻔﺠر الﺠﺪيﺪ‬

‫ﻣﺸاﺭﻛون ‪ :‬اإلﺻﻼﺡ السياسﻲ فﻲ اﻷﺭﺩن والمﻐرﺏ‬ ‫يمثﻞ نماﺫﺝ الﺤﻜﻢ الراشﺪﺓ فﻲ الﺘﻐيير نﺤو اﻷفﻀﻞ‬

‫لقطات من الندوة‬

‫اأ�ضاد مفكرون اإ�ضالميون بالتعديالت الد�ضتورية الأردنية التي تدعو‬ ‫اىل حتقيق التوازن بني الدولة واملجتمع‪.‬‬ ‫واأكدوا خالل الندوة التي نظمها املنتدى العاملي للو�ضطية اخلمي�س‬ ‫املوافق ‪ 2011/8/18‬املركز الثقايف امللكي اأن الإ�ضالح ال�ضيا�ضي امل�ضتمر‬ ‫يف الأردن واملغرب ميثل مناذج احلكم الرا�ضدة واملتميزة يف التغيري نحو‬ ‫الأف�ضل التي ت�ضهده ال�ضاحة العربية‪.‬‬ ‫وقالوا اأن هناك قوا�ضم م�ضرتكة للثورات العربية ت�ضتند على‬ ‫التطلعات الوطنية والدينية والقومية وتطوير العالقات البينية بني‬ ‫الدول العربية واإقامة عالقة تعتمد على الندية ل التبعية مع الدول‬ ‫الأجنبية‪ .‬وارجع املفكر الإ�ضالمي امل�ضري الدكتور حممد مورو جذور‬ ‫الثورات العربية اإىل الأ�ضباب املو�ضوعية والذاتية مبينا اأن الأ�ضباب‬ ‫املو�ضوعية منها تتمثل بالف�ضاد واختالل معايري العدالة والنغالق‬ ‫ال�ضيا�ضي وتزوير ارادة ال�ضعوب يف النتخابات وقمع وقهر للراأي العام‬ ‫وانك�ضار للكرامة والعزة العربية والإ�ضالمية‪.‬‬ ‫وقال اأن املعايري الذاتية كانت عدم وجود قوى قادرة على ترجمة‬ ‫الغ�ضب ال�ضعبي من عوامل اخللل وغياب هذه القوى اأدى اإىل موا�ضلة‬ ‫ال�شنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫ال�ضمت اإ�ضافة اإىل اأن القوى ال�ضيا�ضية العربية افتقدت اىل اخليال‬ ‫ملعرفة ان النظام العربي كان �ضعيفا لأنه مل يعد له اأ�ضباب وجود يف‬ ‫اجلوانب القت�ضادية والجتماعية وال�ضيا�ضية‪.‬‬ ‫ولفت د‪.‬حممد املورو اإىل اأن ال�ضلطة العربية كانت ملقاة على قارعة‬ ‫الطريق تنتظر من يلتقطها والقوى الدولية التي تقودها الوليات‬ ‫املتحدة الأمريكية غري قادرة على التدخل لأنها يف ا�ضعف حالتها‬ ‫ولأنها تريد اأنظمة م�ضتقرة باأي ثمن ‪ ،‬واأوروبا م�ضلحتها وقف الهجرة‬ ‫اليها من الدول الأفريقية‪.‬‬ ‫وقال اأن النظام الراأ�ضمايل �ضبب ويالت كثرية لأنظمة احلكم عربيا‬ ‫وعامليا وبات العامل ينتظر نظام دويل جديد يخل�ضه من غياب العدالة‬ ‫الجتماعية والقت�ضادية وال�ضيا�ضية ليكون طرح البديل النظام‬ ‫الإ�ضالمي لمتالكه اجلوانب النظرية واملمار�ضة العملية للخال�س من‬ ‫هذه الويالت التي �ضيطرت على املجتمعات التي ا�ضتبدت فيها اأنظمتها‬ ‫يف اجلوانب القت�ضادية والجتماعية وال�ضيا�ضية موؤكدا اأن العاملية‬ ‫الإ�ضالمية حتقق احلرية وت�ضاهم بدحر اأنظمة ال�ضتكبار‪.‬‬ ‫واأ�ضاف املورو اندلعت الثورات العربية ب�ضبب النت�ضار الكبري للف�ضاد‬

‫‪94‬‬

‫اإ�شالمية ‪ -‬و�شطية ‪ -‬ف�شلية ‪ -‬م�شتقلة‬


‫و�سطوة اال�ستبداد وت�آكل الطبقة الو�سطى يف املجتمعات العربية‪.‬‬ ‫و�أ�شاد الأمني العام ال�سابق حلزب العدالة والتنمية املغربي الدكتور‬ ‫�سعد الدين العثماين نائب رئي�س جمل�س النواب بالتطور الذاتي‬ ‫وامل�ستمر والإ�صالح ال�سيا�سي الذي ي�شهده الأردن واملغرب والتعديالت‬ ‫الد�ستورية الرائدة نحو الدميقراطية معتربا �إياهما من الأنظمة‬ ‫العربية التي ا�ستجابت ملتطلبات املرحلة باعتبارهما من الأنظمة‬ ‫الدميقراطية يف العامل العربي‪.‬‬ ‫ونوه �إىل �أن غياب التوازن بني الدولة واملجتمع كان من احد �أ�سباب‬ ‫الثورات العربية م�ؤكدا فقدان معادلة التوازن يف ال�سيا�سة العربية‬ ‫املتمثل يف ا�ستبداد الدولة وتدخلها يف كل �ش�ؤون حياة املواطن التي‬ ‫�أ�صبحت خانقة للإن�سان ب�سبب غياب م�ؤ�س�سات املجتمع املدين عن‬ ‫مراقبة الدولة لفرتات طويلة لي�أتي هذا االنفجار جملجال من قبل‬ ‫جمتمعاتها‪.‬‬ ‫وقال �أ‪.‬د‪�.‬سعد الدين العثماين �أن النظام الإ�سالمي يرتكز على‬ ‫حمورية التوازن بني الدولة واملجتمع حيث كانت هناك ا�ستقاللية‬ ‫للمجتمع يف التعليم وال�صحة والق�ضاء واملياه والزراعة وكانت مهمة‬ ‫الدولة تنح�صر يف الدفاع والأمن ووظائف �أخرى تتعلق بحماية‬ ‫احلريات وامن املواطن‪.‬‬ ‫و�أو�ضح �أن تدخل الدولة يف حياة املواطن واالعتداء على كرامته‬ ‫وحرياته وحرماته والظلم االجتماعي الفاح�ش والإذالل الكبري �إ�ضافة‬ ‫�إىل �إهدار الكرامة وال�ضغط الكبري على النا�س �أدى �إىل انفجار هذه‬ ‫الثورات مبينا �أن ال�شباب كانوا �أكرث النا�س ت�ضررا وعذابا وي�أ�سا مما‬ ‫دعاهم لقيادة عملية التغيري‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف العثماين �أن الت�أثري لهذه الأنظمة العربية يختلف من دولة‬ ‫�إىل �أخرى ح�سب �إيقاع هذه العالقة فالنظام الذي ميتلك درجة من‬ ‫االنفتاح على امل�ستوى ال�سيا�سي واالقت�صادي واالجتماعي كان ت�أثره‬ ‫اقل من غريه بكثري‪.‬‬ ‫و�أكد رئي�س وزراء ال�سودان الأ�سبق رئي�س املنتدى الإ�سالمي العاملي‬ ‫للو�سطية الإمام ال�صادق املهدي ان نظام حكم الفرد املطلق قد انتهى‬ ‫ولن يعود مبينا ان العامل العربي ي�شهد وحدة ثقافية ووجدانية‬ ‫وتطلعات م�شرتكة‪.‬‬ ‫و�أ�شار �إىل العوامل امل�شرتكة التي تربط وجدانيات العامل العربي يف‬ ‫التم�سك بالعالقات العربية البينية املبنية على �أ�سا�س وحدوي‪ ،‬وقيام‬

‫ال�سنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫عالقات مع العامل الغربي على �أ�سا�س الندية ال التبعية وال�سالم على‬ ‫�أ�سا�س العدل ال الظلم والإجحاف‪.‬‬ ‫و�أكد املهدي على �أن الأهداف العربية تنطلق من مبادئ الإ�سالم‬ ‫مرجحا جناح الثورات العربية رغم كل عوامل القوى امل�ضادة لها الن‬ ‫�سحر الطغيان قد بطل مفعوله وبد�أ يتح�س�س ج�سمه م�شريا �إىل �أن‬ ‫�أنظمة احلكم يف اليمن وليبيا حتولت اىل الفردية املطلقة لهذا فقدت‬ ‫�شرعيتها وان جناح الثورات يف هذه البلدان بالن�صر �سيكلفها ثمنا‬ ‫باهظا كما �أنها �أعطت مل�ؤ�س�سة «الناتو» دورا حتريريا‪.‬‬ ‫و�أكد �أن �أنظمة احلكم يف الأردن واملغرب امللكية هي �أكرث ا�ستنارة‬ ‫وا�ستجابة للتغريات و�أكرث ا�ستقرارا لأنها ت�ستند �إىل �شرعية ها�شمية‬ ‫وفيها جتمعات مدنية متطورة وتتجه �إىل نهج ملكيات د�ستورية‬ ‫حقيقية توفق بني الوالء للعر�ش والوالء ل�سلطة ال�شعب والتي تقدم‬ ‫منطا حقيقيا و�أمنوذجا يحتذى‪ ،‬والأنظمة التي ت�صمد هي التي‬ ‫ت�ستطيع املزاوجة بني �سلطة ال�شعب والعر�ش‪.‬‬ ‫و�أ�شار املهدي �إىل �أن �أنظمة احلكم يف دول اخلليج العربي فيها حت�صني‬ ‫ن�سبي من رياح التغيري التي ي�شهدها العامل العربي ب�سبب الوفرة‬ ‫النفطية وعليها االقتداء بالنموذج الأردين واملغربي يف �إدارة احلكم‬ ‫ملعاجلة التناق�ضات‪.‬‬ ‫وقال �إذا ف�شلت الثورات العربية من حتقيق �أهدافها ف�أنها لن تعود �إىل‬ ‫املربع الأول مهما كلفها الأمر‪.‬‬

‫‪95‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ال�سنة الرابعة ‪ :‬العدد الثالث ‪� -‬شوال ‪ 1432‬هـ ‪ /‬ايلول ‪2011‬م‬

‫‪96‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.