ال�سنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
2
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ﺍﻓﺘﺘﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻌﺪﺩ
المنﺘﺪﻯ الﻌالمﻲ لﻠوسطية فﻲ ﻣاليزيا
م .مروان الفاعوري
ب�شم اهلل الرحمن الرحيم احلمد هلل رب العاملني واأف�شل ال�شالة واأزكى الت�شليم على م�شعل الهدى الب�شري النذير. لأن ال�شفوة املثقفة الو�شطية يف عاملنا الإ�شالمي معنية وملزمة اليوم بالت�شدي الفكري والعملي ملدار�ص الغلو ب�شقيه الإ�شالمي والعلماين ،واملثابرة لتجفيف منابع التطرف والغلو من خالل الإميان ب�شرورة اوز ال�شدام احل�شاري اجلاري اليوم بني الثقافات واحل�شارت الإن�شانية ،وتقوية ما يجري من حوار بينها. فقد جاء م�شروع الو�شطية متناغم ًا مع حالة الر�شد والن�ش التي ت�شود الأمة ،واأ�شحى احلديث عن الو�شطية امل�شتنرية والإنطالق بادئها �شام ًال ال�شاحات العربية والإ�شالمية كلها على ال�شعيد الفكري وال�شيا�شي والعمل ،وي�شهم بتعزيز حالة التوافق داخل املجتمعات العربية والإ�شالمية ،وميع طاقات العلماء واملفكرين وال�شا�شة واحلكام بااه النه�شة ،وال ُبعد عن ا�شتزاف الطاقات بال�شراع والكراهية ،ومواجه قوى الغلو والتطرف الفكري داخل العا الإ�شالمي وخارجه ويعيد التوازن بني احلاكم واملحكوم ويثبت من جديد قراءة عادلة للعالقة بني الدين والدولة. ال�شنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
اإ َّن املدر�ضة الو�ضطية اذ تتمتع بدرجة عالية من املرونة الفكرية، ت�ضمح لها بتطوير اأفكارها واآلياتها ،وجتعلها يف حالة تقدم دائمة وتوا�ضل جمدد ومتجدد مع ق�ضايا الع�ضر ،وذلك مقارنة مبثيالتها "املتقوقعة" داخل جدران "املا�ضي" الأمر الذي اأدى اإىل جمودها ال�ضيا�ضي والفكري ،وقلل من فر�س ادماجها يف احلياة املدنية وقبولها من قبل الأنظمة ال�ضيا�ضية كمكون اأ�ضا�ض�ضي للمجتمعات ،هل ميكن النظر لتيارات الو�ضطية الإ�ضالمية بو�ضفها و�ض ً ال مل�ضروع النه�ضة العربية الذي طرحه الآباء املوؤ�ض�ضون اأمثال الأفغاين وحممد عبده ور�ضيد ر�ضا والنور�ضي والبنا.. اإ َّن تيار الو�ضطية ُيعد اإحدى اأ�ضكال "الإحياء" الديني التجديدي"، من خالل اإحداث �ضور التقارب بني الثنائيات ،والتي تراوحت ما بني الأ�ضالة و املعا�ضرة ،الرتاث و التحديث ،التقليد و التجديد، والنطالق من اأر�ضية واقعية ،ر�ضختها عقود "احل�ضاد املر" للخربة العنيفة التي مرت بها التجربة الإ�ضالمية مبختلف اأطيافها على مدار العقود اخلم�ضة املا�ضية ،كما اأنه يعمل على تفادي الإغراق يف الأطروحات "الرومان�ضية" التي عطلت امل�ضروع النه�ضوي الإ�ضالمي يف بدايته النا�ضعة.
3
اإ�شالمية -و�شطية -ف�شلية -م�شتقلة
�إننا يف املنتدى العاملي للو�سطية نلتقى يف م�شروعنا احل�ضاري النه�ضوي الإ�سالمي مع م�شروع الإ�سالم احل�ضاري والذي �أطلقه رئي�س وزراء ماليزيا الأ�ستاذ داتو �سري عبد اهلل �أحمد بدوي ومبادئه الع�شر ،من �أجل ا�ستعادة دور الأمة احل�ضاري ،لتجديد الإ�سالم يف ماليزيا والعامل الإ�سالمي. �إ َّن تيار الو�سطية ينطلق يف ر�سالته املتجددة من ذات املنطلقات والأ�سباب الدافعة للم�شروع احل�ضاري ،ويعرف رئي�س وزراء ماليزيا (الأ�ستاذ عبد اهلل بدوي) م�شروع الإ�سالم احل�ضاري في�صفه ب�أنه" :جهد من �أجل عودة الأمة �إىل منابعها الأ�صيلة ،و�إعطاء الأولوية للقيم واملعاين الإ�سالمية الفا�ضلة لكي توجه احلياة وتر�شدها" ،وحدد الأ�ستاذ عبد اهلل بدوي منطلقات امل�شروع احل�ضاري بقوله�" :إ َّن الإ�سال َم احل�ضاري جاء لنه�ضة وتقدم امل�سلمني يف الألفية الثالثة ،ومن �أجل امل�ساعدة على دجمهم يف االقت�صاد احلديث" .لي�صلح �أن يكون "الرتياق للتطرف والغلو يف الدين" ،وذلك لأنه "ي�شجع على الت�سامح والتفاهم واالعتدال وال�سالم" .ويف بلد متعدد الثقافات والأعراق ف�إ َّن الإ�سالم احل�ضاري يهدف مل�صلحة اجلميع على اختالف عقائدهم و�أديانهم و�أعراقهم، وي�ضيف" :من امل�ؤكد �أننا كم�سلمني يجب �أن نعامل غري امل�سلمني ريا �إىل �أن هذا امل�شروع "�سوف ي�ؤدي �إىل باحل�سنى والإن�صاف" ،م�ش ً االمتياز والتفوق ،و�سيكون م�صد ًرا للفخر واالعتزاز لي�س للم�سلمني وحدهم ،و�إمنا لغري امل�سلمني � ً أي�ضا". ينطلق تيار الو�سطية اليوم �إليكم يف كواملبور لأن م�ساحة عملنا العامل كله ،لذلك نحن اليوم يف ماليزيا ،ماليزيا التاريخ وامل�شروع احل�ضاري الإ�سالمي الأ�صيل ،املنطلق من مبد�أ عاملية الر�سالة املحمدية ،ر�سالة الرحمة املهداة للعاملني ،ر�سالة الت�سامح لتجديد اميان املجتمعات الإ�سالمية والإن�سانية املعا�صرة مببادىء اال�ستقرار وال�سالم والتعاون والتكافل ،والتكاماللتي تعتمد الو�سطية واالعتدال يف منهجاً و�سلوكاً، والتدرج والتي�سري يف التطبيق ،وتوازن بني م�صلحة الفرد وم�صلحة اجلماعة ،وبني متطلبات الروح واملادة ،وبني املثالية والواقعية. ون�ؤمن كتيار للو�سطية بحقيقة التنوع والتعدد ،واال�ستفادة من املنجز احل�ضاري والتجارب الب�شرية النافعة وال�صاحلة ،باعتبار �أ َّن ر�سالتنا الإ�سالمية ر�سالة �إن�سانية� ،آمنت باالختالف اختالف تنوع وتعاون ال اختالف ت�ضاد وتناحر؛ اختالف �إثراء وتطوير ولي�س اختالفاً مكر�ساً للقتل والتدمري.
ال�سنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
�إننا نعرتف بوجود حتديات تعيق حركة النهو�ض احل�ضاري الإ�سالمي املعا�صر ،وهي نف�سها تلك التحديات التي ت�ضمنها امل�شروع املاليزي، فرنف�ض �سيادة تيار اجلمود والتقليد ،وندعو �إىل التجديد واالجتهاد يف حياة الأمة ،ونقف �سداً منيعاً �أمام مفاهيم التطرف الفكري وال�سلوكي، واالنعزال ورف�ض الآخر داخل ج�سد الأمة وخارجها ومن هنا كان لنا اللقاء مع الف و�ستماية طالب ماليزي يدر�سون يف الأردن عرب برنامج تعزيز الو�سطية ليكونوا �أداة الفعل والتوا�صل احل�ضاري يف ماليزيا عرب العامل كله. ف�إ َّن �أهمية التنوير املحمود بو�سطية الإ�سالم ُيف�ضي �إىل فهم �صحيح لل�شريعة على قاعدة الو�سطية واالعتدال (ال �إفراط وال تفريط) ،لأ َّن الو�سطية التي ندعوا �إليها لي�ست التنازل �أو التهاون ،و�إمنا هي ارتباط بالأ�صل وات�صال بالع�صر ،وهي الأقدر على ا�ستيعاب التغري يف الزمان واملكان ،وعر�ض الدين باعتماد املنهج النبوي يف التي�سري والتب�شري. وتيار الو�سطية ُيدرك �أ َّن �إعادة �إحياء منهج الو�سطية واجب على �أبناء �أمتنا يدافعون به عن الإ�سالم وي�صدون الهجمات ال�شر�سة �ضده ،وي�ستنريون بنوره للإ�سهام اجلاد يف بناء احل�ضارة الإن�سانية املعا�صرة ،وهنا ف�إن �سعادتنا ال تو�صف ونحن نعقد يف عا�صمة ماليزيا م�ؤمترنا الأول بعنوان الو�سطية وم�شروع الإ�سالم احل�ضاري املاليزي مب�شاركة نخبة كرمية من علماء ماليزيا ومفكريها ويف رحاب اجلامعة الإ�سالمية العاملية.
4
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ﻭﺳﻄﻴـﺘﻨـﺎ
ﺇنسانية اإلسﻼم د .حممد راتب النابل�شي
ا ّإن الإن�ضانية اإحدى خ�ضائ�س الإ�ضالم الكربى ،اإنها ت�ضغل حيزاً كبرياً يف منطلقاته النظرية ،ويف تطبيقاته العملية ،وقد ربطت بعقائده و�ضعائره ومنهجه واآدابه ربطاً حمكماً ؛ فالإن�ضانية يف الإ�ضالم لي�ضت جمرد اأُ ْمنية �ضاعرية تهفو اإليها ُ بع�س النفو�س ،ولي�ضت فكرة مثالي ًة بع�س الروؤو�س ،ولي�ضت حِ رباً على ورق ّ �ضطرته ُ تتخ َّيلها ُ بع�س الأقالم، اإنها ٌ ركن عقدي ،وواقع تطبيقي ،وثمار يانعة. فمِ ن ثمرات اإن�ضانية الإ�ضالم اليانعة مبداأُ الإخاء الإن�ضاين ،اإنه مبداأ رجلٍ واحد ،وامراأة واحدة، ق َّرره الإ�ضال ُم بنا ًء على ا ّأن الب�ض َر جميعاً اأبنا ُء ُ �ض َّمتهم هذه البن ّو ُة الواحد ُة امل�ضرتكة ،والرح ُم الوا�ضلة ،قال تعاىل: ا�س ا َّت ُقوا َر َّب ُك ُم ا َّلذِ ي َخلَ َق ُك ْم مِ نْ َن ْف ٍ�س َواحِ َد ٍة َو َخلَ َق مِ ْنهَا ( َيا اأَ ُّيهَا ال َّن ُ ريا َون َِ�ضا ًء َوا َّت ُقوا َّ َ اهلل ا َّلذِ ي َت َ�ضا َء ُلو َن ِب ِه َز ْو َجهَا َو َب َّث مِ ْن ُه َما ر َِج ًال َك ِث ً ال ْر َحا َم ِاإ َّن َّ َ َو ْ أَ اهلل َكا َن َعلَ ْي ُك ْم َرقِي ًبا)(الن�ضاء :الآية . )1 والنبي �ضلى اهلل عليه و�ضلم يق ِّرر هذا الإخاء ويوؤ ِّكده كل يوم اأبلغ تاأكيد؛ فقد روى الإمام اأبو داود واأحمد يف م�ضنده َعنْ َز ْيدِ ْب ِن اأَ ْر َق َم َقا َل اهلل َ�ض َّلى َّ ُ اهلل َعلَ ْي ِه َو َ�ض َّل َم َي ُق ُ ول ِيف ُد ُب ِر َ�ض َال ِت ِه (اأَ َنا َ�ضهِي ٌد اأَ َّن َ�ضمِ ْعتُ َنب َِّي َّ ِ ا ْل ِع َبا َد ُك َّل ُه ْم اإِ ْخ َو ٌة). فالنبي �ضلى اهلل عليه و�ضلم يعلن من خالل هذا الدعاء املتكرر الأخوة بني عباد اهلل جميعاً ،ل بني العرب وحدهم ،ول بني امل�ضلمني وحدهم، بل هي اأخوة بني بني الب�ضر جميعاً ،على اختالف اأجنا�ضهم واأعراقهم واألوانهم وطبقاتهم ومللهم ونحلهم ،والب�ضر جميعاً عند اهلل جل جالله منوذجان؛ رجل عرف اهلل ،وان�ضبط مبنهجه ،واأح�ضن اإىل خلقهَ ،ف َ�ض ِل َم و�ضعِد يف الدنيا والآخرة ،ورجل غ َفل عن اهلل ،وتف َّلت من ف�ضقي يف الدنيا والآخرة . منهجه ،واأ�ضاء اإىل خلقه، َ وهذا الإخاء الإن�ضاين يف الإ�ضالم لي�س لال�ضتهالك املحلي ،ول للت�ضليل العاملي ،اإمنا هو حقيقة دينية ل ريب فيها ،تنطلق من اإ�ضقاط لكل املتاألهني يف الأر�س ،الذين طغوا وبغوا . ويزداد هذا الإخاء توثقاً وتاأكداً اإذا اأ�ضيف اإليه عن�ضر الإميان فتجتمع
ال�شنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
الأخوة الدينية اإىل الأخوة الإن�ضانية فتزيدها قوة اإىل قوة ،وملا كان باب الإميان مفتوحاً لكل النا�س ،بال قيد ،ول �ضرط ،ول حتفظ على جن�س اأو لون اأو اإقليم اأو طبقة ،فا ّإن الإخاء الديني املتفرع عن الإميان والعقيدة امل�ضرتكة ل ي�ضعف الإخاء العام بل ي�ضده ويقويه ،فال تناق�س بني الإخاء الب�ضري العام وبني الإخاء الديني الذي ت�ضري اإليه الآية الكرمية ( ِاإ َّ َ منا ْاملُوؤْمِ ُنو َن ِاإ ْخ َو ٌة َفاأَ ْ�ضل ُِحوا َب ْ َ ني اأَ َخ َو ْي ُك ْم)(احلجرات.)10: بل اإن النبي �ضلى اهلل عليه و�ضلم ربط ربطاً حمكماً بني الأخوة الإن�ضانية وبني الإميان ،بل جعلها مِ ن مقوماته ،ف َعنْ اأَ َن ٍ�س َعنْ ال َّنب ِِّي َ�ض َّلى َّ ُ اهلل َعلَ ْي ِه َو َ�ض َّل َم َقا َل َ (:ل ُيوؤْمِ ُن اأَ َح ُد ُك ْم َح َّتى يُحِ َّب ِ ألَخِ ي ِه (يف الإن�ضانية) مَا يُحِ ُّب ِل َن ْف�ضِ هِ)( رواه البخاري ،وم�ضلم). ويف رواية :وحتى يكره له ما يكره لنف�ضه ،وقد ذكر بع�س ُ�ض َّراح احلديث اأن كلمة اأخيه يف احلديث مل ُتقيد ب�ضفة حتدُّ اإطالقها واملُطلق يف الن�ضو�س املحكمة على اإطالقه .اإذاً فالأخوة التي ق�ضدها نبي امل�ضلمني هي الأخوة الإن�ضانية. لقد ط َّبق الإ�ضال ُم هذا الإخاء الرفيع ،واأقام على اأ�ضا�ضه جمتمعاً ربانياً اإن�ضانياً فريداً ،ا�ضمح َّلتْ فيه فوارق اجلن�س واللون والقبيلة والطبقة. ومن ثمرات اإن�ضانية الإ�ضالم اليانعة؛ مبداأ امل�ضاواة الإن�ضانية ،فقد قرره الإ�ضالم ونادى به ،وهو ينطلق من اأن الإ�ضالم يحرتم الإن�ضان ويكرمه من حيث هو اإن�ضان ،ل من اأي حيثية اأخرى ،قال تعاىل ( َيا اأَ ُّيهَا ا�س اإِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ َذ َك ٍر َواأُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ض ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا اإِ َّن ال َّن ُ اهلل اأَ ْت َقا ُك ْم اإِ َّن َّ َ ري)( احلجرات)13 : اأَ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد َّ ِ اهلل َعلِي ٌم َخ ِب ٌ لقد خطب نبي امل�ضلمني يف حجة الوداع خطبة جامعة مانعة ت�ضمنت مبادئ اإن�ضانية �ضيقت يف كلمات �ضهلة �ضائغة ،فلقد ا�ضتوعبت هذه اخلطبة جملة من احلقائق التي يحتاجها العامل ال�ضارد املعذب لري�ضد وي�ضعد ،فمن املبادئ التي انطوت عليها هذه اخلطبة: 1ـ الإن�ضانية مت�ضاوية القيمة يف اأي اإهاب تربز ،على اأية حالة تكون ،و َف ْوق
5
اإ�شالمية -و�شطية -ف�شلية -م�شتقلة
�أيِّ م�ستوى ترتبع َعنْ �أَبِي َن ْ�ض َر َة َقا َلَ :ح َّد َثنِي َمنْ َ�سمِ َع ُخ ْط َب َة َر ُ�سولِ ا�س ، اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم فيِ َو َ�س ِط �أَ َّيا ِم ال َّت ْ�شرِيقِ َف َقا َل ( َيا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ �أَ اَل �إِ َّن َر َّب ُك ْم َواحِ ٌد َ ،و�إِ َّن �أَ َبا ُك ْم َواحِ ٌد � ،أَ اَل اَل َف ْ�ض َل ِل َع َرب ٍِّي َعلَى �أَ ْع َجمِ ٍّي، َو اَل ِل َع َجمِ ٍّي َعلَى َع َرب ٍِّيَ ،و اَل ِ ألَ ْح َم َر َعلَى �أَ ْ�س َودََ ،و اَل �أَ ْ�س َو َد َعلَى �أَ ْح َم َر �إِ اَّل بِال َّت ْق َوىَ ،ف�إِ َّن اللهَّ َ َق ْد َح َّر َم َب ْي َن ُك ْم ِدمَا َء ُك ْم َو�أَ ْم َوا َل ُك ْم َو�أَ ْع َر َ ا�ض ُك ْم). 2ـ النف�س الإن�سانية ما مل تكن م�ؤمنة بربها م�ؤمنة بوعده ووعيده م�ؤمنة ب�أنه يعلم �س َّرها وجهرها ،لأن النف�س الإن�سانية تدور حول �أثرتها ،وال ُتبايل ب�شيء يف �سبيل غايتها ،فرمبا بنت جمدها على �أنقا�ض الآخرين ،وبنت غناها على فقرهم ،وبنت عزها على ذلهم ،بل رمبا بنت حياتها على موتهم ،لذلك قال الر�سول الكرمي يف حجة الوداع (… �إِ َّن ِدمَا َء ُك ْم َو�أَ ْم َوا َل ُك ْم َو َ�أ ْع َر َ ا�ض ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم َح َرا ٌم �إِلىَ َي ْو ِم َت ْل َق ْو َن ُه ُ ،ث َّم َقا َلْ :ا�س َم ُعوا مِ ِّني َتع ُ ِي�شوا � ،أَ اَل اَل َت ْظ ِل ُموا � ،أَ اَل اَل َت ْظ ِل ُموا � ،أَ اَل اَل َت ْظ ِل ُموا، ِ�إ َّن ُه اَل يَحِ ُّل م ُ َال ْامرِئٍ ِ�إ اَّل بِطِ يبِ َن ْف ٍ�س مِ ْن ُه … ). 3ـ واملال قوام احلياة ،وينبغي �أن يكون مُتداو ًال بني كل النا�س ،و�أنه �إذا ولد ُ املال املال من دون جهد حقيقي ي�سهم يف �إعمار الأر�ض ،و�إغناء وحرمت منه الكرثة الكثرية ،عندها احلياة ،جت َّمع يف �أيدٍ قليلة ُ ُ العنف �إال ت�ضطرب احلياة ،ويظهر احلقد ،و ُيلج�أ �إىل العنف ،وال يلد َ العنف ،والربا ُي ْ�سهِم ب�شكل �أو ب�آخر يف هذه النتائج امل�أ�ساوية التي تعود على املجتمع الب�شري بالويالت ،كما يحدث يف هذه الأيام التي �شهدت �سقوط نظام الربا العاملي. 4ـ الن�ساء �شقائق الرجال ،ولأن املر�أة م�ساوية للرجل متاماً من حيث �أنها مكلفة كالرجل بالعقائد والعبادات واملعامالت ،والأخالق وم�ساوية له من حيث ا�ستحقا ُقها الثواب والعقاب ،و�أنها م�ساوية له متاماً يف الت�شريف والتكليف. والنبي �صلى اهلل عليه و�سلم قام جلنازة لرجل يهودي ،فلما �سئل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم عن ذلك قال � :ألي�س �إن�ساناً ،لذلك ع ّد الإ�سالم االعتداء على �أية نف�س اعتداء على الإن�سانية كلها ،كما ع ّد �إنقا َذ �أية نف�س �إحياء للنا�س جميعاً ،وهذا ما قرره القر�آن الكرمي بو�ضوح جلي، الَ ْر ِ�ض َف َك�أَنمَّ َ ا قال احلكيم اخلبري ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْ أ ا�س َجمِ ي ًعا) املائدة .)32 : ا�س َجمِ ي ًعا َو َمنْ �أَ ْح َياهَا َف َك َ�أنمَّ َ ا �أَ ْح َيا ال َّن َ َق َت َل ال َّن َ ومل يكتف الإ�سالم �أن يقرر مبد�أ امل�ساواة نظرياً بل �أكده عملياً بجملة �أحكام وتعاليم ،نقلته من فكرة جمردة �إىل واقع ملمو�س؛ من ذلك العبادات ال�شعائرية التي فر�ضها الإ�سالم ،وجعلها الأركان العملية التي يقوم عليها بنا�ؤه العظيم من ال�صالة والزكاة وال�صيام واحلج.
ال�سنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
ويف م�ساجد الإ�سالم حيث تقام �صالة اجلمعة واجلماعة ت�أخذ امل�ساواة �صورتها العملية ،وتزول كل الفوارق التي مت ِّيز بني النا�س ،ف َمن َ دخ َل امل�سج َد �أَ َّو ًال �أخذ مكانه يف مقدمة ال�صفوف ،و�إن كان �أق َّل النا�س ما ًال، و�أ�ضع َفهم جاهاً ،ومَن ت� َّأخر ح�ضو ُره ت� ّأخر مكا ُنه ،مهما يكن مركزه ،فكل النا�س �سوا�سية �أمام اهلل؛ يف قيامهم ،وقعودهم ،وركوعهم ،و�سجودهم، ر ُّبهم واحد ،وكتا ُبهم واحد ،وقبل ُتهم واحدة ،وحركا ُتهم واحدة ،و�إمامهم واحد. ويف منا�سك احلج تتحقق امل�ساواة ب�شكل �أ�شد ظهوراً ،وتتج�سد جت�سداً تراه العني ،ف�شعرية الإحرام تفر�ض على احلجاج واملعتمرين �أن يتج َّردوا من مالب�سهم العادية ،ويلب�سوا ثياباً بي�ضاء ب�سيطة ،غري خميطة ،وال حميطة� ،أ�شبه ما تكون ب�أكفان املوتى ،ي�ستوي فيها القادر والعاجز ،والغني والفقري ،وامللك واململوك ،ثم ينطلق اجلميع ملبني بهتاف واحد " :لبيك اللهم لبيك". ومن امل�ساواة العملية التي قررها الإ�سالم قو ًال وطبقها فع ً ال امل�ساواة �أمام قانون الإ�سالم و�أحكام ال�شرع. احلرام يف �شريعة الإ�سالم َي َّت�سِ م بال�شمول ِّ واالطراد ،فلي�س هناك �شيء حرام على الأعجمي ،حالل على العربي ،ولي�س هناك �شيء حمظور على امللون ،مباح للأبي�ض ،ولي�س هناك جواز �أو ترخي�ص ،ممنوح لفئة من النا�س ،تقرتف با�سمه ما طوع لها الهوى ،بل لي�س للم�سلم خ�صو�صية جتعل احلرام على غريه حال ًال له ،كال �إن اهلل رب اجلميع ،وال�شرع �سيد اجلميع ،فما �أحل اهلل ب�شريعته فهو حالل للنا�س كافة ،وما ح َّرم فهو حرام على اجلميع كافة �إىل يوم القيامة . ال�سرقة مث ً ال حرام� ،سواء �أكان ال�سارق ينتمي �إىل امل�سلمني� ،أ ْم َال ينتمي، و�سواء �أكان امل�سروق ينتمي �إىل امل�سلمني� ،أم ال ينتمي ،واجلزاء الزم لل�سارق� ،أياً كان ن�سبه �أو مركزه. وكان عمر ر�ضي اهلل عنه � ،إذا �أراد �إنفاذ �أمر ،جمع �أهله وخا�صته ،وقال لهم�( :إين �أمرت النا�س بكذا ونهيتهم عن كذا ،والنا�س كالطري� ،إن مي اهلل ال �أوتَينَ َّ بواحد وقع يف ما نهيت النا�س ر�أوكم وقعتم وقعوا ،وا ُ عنه� ،إال �ضاعفتُ له العقوبة ملكانه مني) ،ويف خالفته ر�ضي اهلل عنه و�أر�ضاه ،جاءه �إىل املدينة جبلة بن �ألأيهم �آخر ملوك الغ�سا�سنة يعلن �إ�سالمه ،ف َر َّحب به عمر �أ�شد الرتحيب ،ويف �أثناء طواف هذا امللك حول الكعبة دا�س بدوي طرف �إزار امللك الغ�ساين ،فيغ�ضب امللك ويلتفت �إىل هذا البدوي في�ضربه ويه�شم �أنفه ،فما كان من هذا البدوي من فزاره �إال �أن توجه �إىل اخلليفة الرا�شد عمر بن اخلطاب �شاكياً ،في�ستدعي
6
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
عمر ر�ضي اهلل عنه امللك الغ�ساين �إىل جمل�سه ويجري بينهما حوار �صيغ على ال�شكل التايل ( :قال عمر :جاءين هذا ال�صباح ،م�شهد يبعث يف النف�س املرارة ،بدويٌّ من فزارة ،بدماء تتظ َّلم بجراح تتك َّلم ، مقلة غارت و�أنف قد ته�شم ،و�س�ألناه ف�ألقى فا ِد َح الوزر عليك ،بيديك � ،أ�صحيح ما ادَّعى هذا الفزاري اجلريح ؟ قال جبلة :ل�ست ممن ينكر، �أو يكتم �شيئاً � ،أنا �أ َّدبتُ الفتى � ،أدركتُ حقي بيدي ،قال عمر � :أيُّ ٍّ حق يا ابن �أيهم ،عند غريي يقهر امل�ست�ضعف العايف ويظلم ،عند غريي جبهة بالإثم والباطل ُت َ لطم ،نزوات اجلاهلية ،ورياح العنجهية ،قد دفناها و�أقمنا فوقها �صرحاً جديداً ،وت�ساوى النا�س �أحراراً لدينا وعبيداً ، �أر�ض الفتى ،البد من �إر�ضائه مازال ظفرك عالقاً بدمائه � ،أو يه�شمن الآن �أنفك ،وتنال ما فعلته كفك ،قال جبلة :كيف ذاك يا �أمري امل�ؤمنني، هو �سوقة و�أنا �صاحب تاج ،كيف تر�ضى �أن يخر النجم �أر�ضاً ،كان وهماً ما م�شى يف خلدي� ،أنني عندك �أقوى و�أعز� ،أنا مرتد �إذا �أكرهتني .قال عمر :عامل نبنيه ،كل �صدع فيه ب�شبا ال�سيف عندك �أقوى و�أعز ،و�أعز النا�س بالعبد بال�صعلوك ت�ساوى). �أما جبلة فلم ي�ستوعب هذا املعنى الكبري يف الإ�سالم ،و َف َّر من املدينة هارباً مرتداً ،ومل يبالِ عمر وال ال�صحابة معه بهذه النتيجة ،لأن ارتداد رجل عن الإ�سالم � ُ أهون بكثري من التهاون يف تطبيق مبد�أ عظيم من مبادئه ،وخ�سارة فرد ال تقا�س بخ�سارة مبد�أ. ومن ثمرات �إن�سانية الإ�سالم اليانعة دعوته �إىل ال�سالم ب�أو�سع معاين هذه الكلمة؛ مبعانيها الفردية واجلماعية ،واملادية والروحية ، والدنيوية والأخروية. ال�سلاَ ِم َو ُيخْ ر ُِج ُه ْم مِ َن قال تعاىل( َيهْدِ ي ِب ِه اللهَّ ُ م َِن ا َّت َب َع ر ِْ�ض َوا َن ُه ُ�س ُب َل َّ ُّ ِيم)(املائدة .)16 : الظ ُل َماتِ �إِلىَ ال ُّنو ِر ِب�إِ ْذ ِن ِه َو َيهْدِ ي ِه ْم �إِلىَ ِ�ص َر ٍ اط م ُْ�س َتق ٍ حب وجوده، � ّإن الإن�سان�،أيَّ �إن�سان ،يف �أي زمان ومكان ،مفطور على ِّ حب ا�ستمرار وجوده ،وعلى حب كمال حب �سالمة وجوده ،وعلى ِّ وعلى ِّ وجوده؛ وبكلمة موجزة :مفطور على حب �سالمته و�سعادته ،وهذان املطلبان الثابتان لدى �أي �إن�سان ال يتحققان �إال حينما يطبق منهج الذي خلقه ،فهو خبري ب�أ�سباب �سالمته و�سعادته. و�أين جند منهج الذي خلقنا ،وهو اخلبري ب�أ�سباب �سالمتنا و�سعادتنا، �إننا جنده يف كتابه العزيز ،و�سنة نبيه الكرمي يف كتاب اهلل الذي ال ي�أتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه ،والذي يهدي للتي هي �أقوم ،وهو هدىً وبيان وموعظة وبرهان ،ونور و�شفاء ،و ِذ ْكر وبالغ ووعد ووعيد، وب�شرى ونذير ،يهدي �إىل احلق ،و�إىل الر�شد ،و�إىل �صراط م�ستقيم، ُيخرج النا�س من الظلمات �إىل النور ب�إذن ربهم �إىل �صراط العزيز ال�سنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
احلميد ،ويحكم بني النا�س فيما اختلفوا فيه ،فيه تبيان لكل �شيء وهو �شفاء ملا يف ال�صدور ،فيه نب�أ ما قبلكم وخرب ما بعدكم ،وحكم ما بينكم؛ من ابتغى الهدى يف غريه �أ�ضله اهلل فهو حبل اهلل املتني ،وهو الذكر احلكيم ،ال ي�شبع منه العلماء ،وال َيخلق عن كرثة الردِّ ،وال تنق�ضي عجائبه ،مَن قال به �صدق ،ومَن حكم به عدل ،ومَن عمل به �أُجر ،ومن دعا �إليه هُ دي �إىل �صراط م�ستقيم ،قال تعاىل( َيهْدِ ي ِب ِه اللهَّ ُ م َِن ا َّت َب َع ال�سلاَ ِم)( املائدة .)16 : ر ِْ�ض َوا َن ُه ُ�س ُب َل َّ عندئذ يهديه اهلل �سبل ال�سالم؛ ب�أو�سع معاين هذه الكلمة ،يهديه �سبل ال�سالم مع نف�سه ،فال ك�آبة ،وال انقبا�ض ،وال �شعور بالذنب ،وال ح�سرة، وال ندم ،وال �سقوط ،ويهديه �سبل ال�سالم مع �أهله ،فال �شقاء وال �شقاق، وال عقوق وال ع�صيان ،وال تفكك وال انهيار ،وال مذمة وال عدوان. ويهديه �سبل ال�سالم مع جمتمعه ،فال عداوة وال بغ�ضاء ،وال �إثم وال عدوان ،وال �إحباط وال �إخفاق ،وال مكر وال كيد. ويهديه �سبل ال�سالم مع ربه ،فال حجاب وال نكو�ص ،وال جفوة وال فتور، النجْ ِ ي َل وال غ�ضب وال �سخط ،قال تعاىل ( َو َل ْو �أَ َّن ُه ْم �أَ َقامُوا ال َّت ْو َرا َة َو ْ إِ َومَا �أُ ْن ِز َل �إِ َل ْي ِه ْم مِ نْ َر ِّب ِه ْم َ أل َك ُلوا مِ نْ َف ْو ِق ِه ْم َومِ نْ تحَ ْ تِ �أَ ْر ُج ِل ِه ْم مِ ْن ُه ْم �أُ َّم ٌة ري مِ ْن ُه ْم َ�سا َء مَا َي ْع َم ُلو َن) (املائدة.)66 : ُم ْق َت ِ�ص َد ٌة َو َك ِث ٌ وماذا عن امل�ستوى الدويل ؟ الأمة التي تطبق منهج اهلل ،يهديها اهلل �سبل ال�سالم ،فيجعلها اهلل م�ستخلفة ،ممكنة� ،آمنة مطمئنة ،قال تعاىل مذ ِّك ًرا بهذه احلقيقةَ ( :و َع َد اللهَّ ُ ا َّلذِ َ ال�صالحِ َ اتِ ين ءَا َم ُنوا مِ ْن ُك ْم َوعَمِ ُلوا َّ َل َي ْ�ستَخْ ِل َف َّن ُه ْم فيِ ْ أَ ين مِ نْ َق ْب ِل ِه ْم َو َل ُي َم ِّك نَ َّ ال ْر ِ�ض َك َما ْا�ستَخْ لَ َف ا َّلذِ َ ن َل ُه ْم دِي َن ُه ُم ا َّلذِ ي ا ْر َت َ�ضى َل ُه ْم َو َل ُي َب ِّد َل َّن ُه ْم مِ نْ َب ْعدِ َخ ْو ِف ِه ْم �أَ ْم ًنا َي ْع ُبدُو َننِي اَل ُي ْ�ش ِر ُكو َن بِي َ�ش ْي ًئا َو َمنْ َك َف َر َب ْع َد َذل َِك َف�أُو َلئ َِك هُ ُم ا ْل َفا�سِ ُقو َن)( النور: .) 55 والأمة التي ال تطبق منهج اهلل يف حياتها تنطبق عليها هذه الآية الكرمية انطبا ًقا كام ً ال ،قال تعاىل( َف َخلَ َف مِ نْ َب ْعدِ هِ ْم َخ ْل ٌف �أَ َ�ضاعُوا ال�صلاَ َة َوا َّت َب ُعوا َّ ال�ش َهوَاتِ َف َ�س ْو َف َي ْل َق ْو َن َغ ًّيا) (مرمي .) 59 : َّ هذا عن �سبل ال�سالم يف القر�آن الكرمي ،فماذا عن �سبل ال�سالم مع اجلريان؟ �إن ال�سالم الذي ُندعَى �إليه نحن حري�صون عليه ،راغبون فيه على �أن يكون �سالماً عاد ًال ،ت�سرتد قبله الأر�ض ،وت�ؤدَّى معه احلقوق وتتوافر فيه الكرامة.
7
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الثقافة السننية وأسسها اإليمانية ال�سنن الإلهية يف عقيدة امل�سلم جزء من ر�ؤية كونية �شاملة متكاملة، مدارها وحمورها الرئي�س "التوحيد" ،امل�ؤ�س�س لر�ؤية كونية متميزة، تعرف بالر�ؤية التوحيدية للعامل ،ر�ؤية �شاملة جلميع جزئيات الكون. �إن الثقافة ال�سننية �صناعة معرفية ،تت�أ�س�س على بحث ودرا�سة مو�ضوعية ثم التحقق العملي ،ف�ض ً ال عن العلمي (النظري) بال�سنن يف جماالت احلياة كلها� ،صعوداً ونكو�صاً ،يف الأمور ال�صغرية كالأمور الكبرية �سواء ب�سواء ،يف احلياة الفردية واحلياة االجتماعية واملجتمعية، بل تتعداها لتكون ثابتة يف كل جماالت احلياة ،فال تعزب عنها الأمم وال�شعوب ،ب�صرف النظر عن تد ّينهم �أو عدم تد ّينهم ،مع مالحظة ما للإميان يف بعث الفعالية ب�أبعادها الإن�سانية يف حياة امل�ؤمن الفردية واالجتماعية. نتوقف يف هذه احللقة عند الأ�سا�س الإمياين لثقافة ال�سننية ،ملا له من دور كبري يف التفكري يف بعث الفعالية الإميانية ،ف�ض ً ال عن ال�سعي العملي ،للتحقق بها ثم حتقيقها بالفعل يف �شعاب احلياة ،فهل ُيرى يف الكون بعنا�صره املادية �أو املعنوية ما يبعث على قبول فو�ضوية �سري الكون ،ف�صغري عنا�صره ككبريها يف الداللة على ان�ضباطها بقوانني اهلل �سبحانه وتعاىل امل�ستودعة فيها. و�إذا �أراد الإن�سان االن�سجام مع الكون ،فلي�س بحاجة غري االن�ضباط بقانون نف�سه (الفطرة) التي ا�ستودعها اهلل �سبحانه وتعاىل فيه من خالل االن�ضباط بقانون اهلل �سبحانه وتعاىل امل�سطور .وبهذا تكون ال�صورة متكاملة متناغمة يتوافق فيها م�ستودع الفطرة مع الكون املنظور والكتاب امل�سطور ،ذلك �أنها ت�صدر عن قرار واحد وقانون واحد؛ فعندما نوفق يف العمل بالقانون امل�سطور ن�أتي الكون املنظور مبا �أمر خالقه �أن ن�أتيه به ،وهذا مبعث فعالية الثقافة ال�سننية وت�أكيد على �أ�سا�سها املعريف الإمياين .فخذ مثال لفظ "الت�سخري" الوارد يف الذكر احلكيم ،و َت َت ّبع متعلقاته يف القر�آن الكرمي ،فتجد �أن مكونات الكون (ال�شم�س ،القمر ،الفلك ،البحر ،الأنهار ،الليل والنهار ،ال�سموات والأر�ض وما فيهما ،اجلبال ،الطري ،الرياح )...ووفق �صريح القر�آن الكرمي ّ م�سخرات بالأمر التكويني الذي جعلها اهلل �سبحانه وتعاىل عليه ،قال تعاىل(�أَلمَ ْ َت َر ْوا �أَ َّن َ ال�س َما َواتِ َومَا فيِ اهلل َ�س َّخ َر َل ُك ْم مَا فيِ َّ ال�سنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
�أ.د .عمار جيدل ا�س َمنْ ُي َجاد ُِل فيِ الأَ ْر ِ�ض َو َ�أ ْ�س َب َغ َعلَ ْي ُك ْم ِن َع َم ُه َظاهِ َر ًة َوبَاطِ َن ًة َومِ َن ال َّن ِ هلل ِب َغيرْ ِ عِ ْل ٍم َو َال هُ دًى َو َال ِك َتابٍ ُم ِنريٍ)(لقمان ،)20:واملتحقق بلفظ ا ِ الت�سخري ،ال ميكن �أن يقدّ�س �أي مظهر من مظاهر الكون من جهة، ومن جهة �أخرى يعمل على التعامل مع الكون بثقافة �سننية ،تفر�ض �أن ي�ستثمر الت�سخري الإلهي للكون ،فيدعى �إىل اكت�شاف قوانني �سريها والإفادة منه ،يف حياته املادية واملعنوية .لهذا كان الإميان القلبي امل�ؤ�س�س على القناعة العقلية� ،أ�سا�ساً لبعث فعالية الثقافة ال�سننية. حمور ال�سنن الإلهية "التوحيد" مبعث فعالية الثقافة ال�سننية يف املتحقق بها الإميان ،مبعنى الثقة واليقني ب�أن ال�سنن لي�ست �إال قوانني اهلل �سبحانه وتعاىل يف اخللق .ذلك �أن ال�سنن الإلهية يف عقيدة امل�سلم جزء من ر�ؤية كونية �شاملة متكاملة، مدارها وحمورها الرئي�س؛ "التوحيد" امل�ؤ�س�س لر�ؤية كونية متم ّيزة، تعرف بالر�ؤية التوحيدية للعامل ،ر�ؤية �شاملة جلميع جزئيات الكون، تنخرط جميعها يف �إطار متكامل ور�ؤية �شاملة متناغمة ،يحكمها التوحيد مدار العقائد والأخالق وال�شرائع كلها ،ر�ؤية ال تنافر بني عنا�صرها ،جتعل الكون بعنا�صره املادية واملعنوية �أ�شبه مبحرك تنبعث عنه نتائج متناغمة وت�صرفات متنا�سقة ت�ؤدي دوراً وظيف ًّيا يق�صد خدمة الإن�سان ،لهذا تراه ي�ستوعب حاجاته املادية؛ ما ينفع النا�س يف معا�شهم املادي ،وحاجاته املعنوية؛ ما ينفع النا�س يف معا�شهم املعنوي، من نحو اجلمال والنظر �إىل جتلي اجلالل ،و�إ�شباع حاجة الأرواح والقلوب �إىل الراحة الروحية ..ف�ض ً ال عن �أن الكون م�صدر العطايا، فهو �إ�ضافة �إىل ذلك مرايا التوحيد ،حتى �صارت عنا�صر الكون �شهوداً كثرية على التعريف باهلل �سبحانه وتعاىل من خالل نظامه املتجلي يف ال�سنن ،والتي نحن ب�صدد بيان �أهميتها الإميانية يف حياة امل�سلم.
8
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
هلل َت ْبدِ ي ً ال)(الفتح� ،)23:أي "م�ضت يف َخلَتْ مِ نْ َق ْب ُل َو َلنْ تجَ ِ َد ل ُِ�س َّن ِة ا ِ كفار الأمم ال�سالفة مع م�ؤمنيها ،ولن جتد ل�سنة اهلل �سبحانه وتعاىل حتوي ً ال� ،أي تغيرياً .وا�ست�شهد يف هذا املقام بقول ابن جرير( :بل ذلك دائم ،للإح�سان جزا�ؤه من الإح�سان ،وللإ�ساءة والكفر العقاب وال َنكال). االن�ضباط يف �سري ال�سنن ،يفر�ض مو�ضوع ًّيا الن�سج على منواله، ا�ستدراراً خلريها وانتفاعاً بال�سنن الآفكة ،تلك التي تكون نهايتها اخل�سران يف الدنيا والآخرة .وهي من هذه الزاوية قابلة لال�ستثمار على وفق جعلها ،ب�شرط حتويل معرفتها �إىل موقف اجتماعي وح�ضاري يف مبا�شرة التغيري. رغم �سري الكون على ال�سنن امل�ضبوطة؛ ف�إن من م�شمول تلك ال�سنن �أن ُتخرق تلك ال�سنن ت�أييداً لنبي .فلي�س غريباً �أن ُيظهر اهلل �سبحانه وتعاىل املعجزات على �أيدي الأنبياء ،ت�أييداً لهم ودلي ً ال على ات�صالهم بامللأ الأعلى .لهذا ن�ؤكد �أن من ال�سنن مبفهومها العام؛ املعجزات املندرجة بدورها يف عادة اهلل �سبحانه وتعاىل يف ت�أييد اهلل �أنبياءه ور�سله عليهم ال�صالة وال�سالم ،بل ويف ت�أييد عباده ال�صاحلني العاملني ،قال تعاىل(�إِنْ َت ْن ُ�ص ُروا َ اهلل َي ْن ُ�ص ْر ُك ْم َو ُي َث ِّبتْ �أَ ْقدَا َم ُك ْم)(حممد.)7: من منطلق خا�صية ربانية ال�سنن� ،أَبعد امل�سل ُم �صفة التقدي�س عن الكون ومكوناته ،ولهذا كان الكون يف عامله املادي واملعنوي قاب ً ال لالكت�شاف ني خالقه ،وهو املعبرّ عنه واملعرفة عند امل�سلم ،ذلك �أنه من�ضبط بقوان ِ مبنطلق التوحيد امل�ؤ�س�س النظري لفكرة الت�سخري .وبهذا يت�أكد عندنا الأ�سا�س الإمياين للثقافة ال�سننية ،وهو مبعث التحقق بال�سنن علم ًّيا والعمل مبقت�ضاها تطبيق ًّيا ،وتي�سرياً لنفث روح الفعالية يف ت�صرفاتنا.
نخل�ص �إىل �أن الكون ي�سري وفق �سنن م�ضبوطة ال تحُ ابي �أحداً على ح�ساب �أحد ،ذلك �أنها ربانية املن�ش�أ واملنبت ،ولهذه امليزة حتررت من �أن تكون �ضد فالن �أو عالن من النا�س ،كما حتررت يف الوقت نف�سه من �أن تتهم بالتح ّيز لبع�ض الب�شر على ح�ساب بع�ض ،بل هي م�ستقلة عن الب�شر يف �أ�صل و�ضعها ويف ا�ستدرار نتائجها واالنتفاع بها يف �شعاب احلياة .فالربانية و�إن كانت �أ�سا�ساً �إميانياً ،ف�إنها مبعث العمل العلمي على تعقلها يف �سريها وكيفيات ا�ستثمار خرياتها ،ودعوة �صريحة �إىل العمل بها ملن َرغب يف النجاح يف الدنيا والفالح يف الآخرة. ال�سنن الإلهية ربانية �سنة اهلل �سبحانه وتعاىل ،قانونه يف تقدير الأ�شياء �إيجاداً وبقا ًء وم�صرياً ،فهو موجدها وهو حامي بقائها و�إليه يعود م�صريها .وقد عبرّ القر�آن الكرمي عن تلك احلقيقة بعنوان "�سنة اهلل"َ ( :فلَنْ تجَ ِ َد هلل تحَ ْ وِي ً هلل َت ْبدِ ي ً ال)(فاطر ،)43:مبعنى �أن ال َو َلنْ تجَ ِ َد ل ُِ�س َّن ِة ا ِ ل ُِ�س َّن ِة ا ِ وا�ضعها هو اهلل �سبحانه وتعاىل ،وهو ربها ممُ ِ دها بعنا�صر الوجود والدميومة �إ�ضافة �إىل امتالك م�صريها ،وبالتايل ال ت�ؤتي ثمارها �إال �إذا جئتها مبا يوافق �سنن اهلل فيها ،بحيث تنال منها بقدر ان�سجامك مع قانون �سريها ،وال مطمع يف نيل نتائج بغري معرفة تلك القوانني ثم متثلها بالفعل يف النظر والتطبيق. وا�ضح من عنوانها "�سنة اهلل" �أنها من و�ضع اهلل �سبحانه وتعاىل ،لي�س للب�شر فيها �أكرث من اكت�شافها ،والن�سج على منوالها ،ال�ستدرار خري الكون ،وتاليف ما كان منها منتِجاً لل�شر دفعاً ل�شر �أو �ضرر. ال�سنة الإلهية هي اخللق ،وهي �صورة من �صوره ،ومنه ي�ستفاد دليل النظام على املنظم (دليل اخللق �أو دليل الكو�سمو�س) ،وال�سنة من حيث كونها كذلك ،تقت�ضي التكرر ،وهي بهذه امليزة قابلة لالكت�شاف ،ذلك ُي�سرة الك�شف ثم اال�ستثمار .ي�شهد لهذا منطوق القر�آن الكرمي، �أنها م ّ َ قال تعاىل( َق ْد َخلَتْ مِ نْ َق ْب ِل ُك ْم ُ�س نَ ٌ ريوا فيِ الأ ْر ِ�ض َفا ْن ُظروا َك ْي َف ن َف�سِ ُ َكا َن عَا ِق َب ُة المْ ُ َك ِّذ ِب َ ني)(�آل عمران .)137 االن�ضباط وفق قواعد ال�س ّنة تقت�ضي االن�ضباط وفق قواعد ،يدل على ذلك تكررها الدال بنف�سه على ان�ضباطها بقواعد رئي�سة ،ال حتيد عنها ،يف و�ضعها العادي امل�ألوف ،ي�سري وفقها الكون ووفقها �أي�ضا يحافظ على وجوده وبقائه، مما ي�سمح حل�ضارتها امل�ؤ�س�سة بالتطور املق�صود ،تقوده �سنن ثابتة، ي�سعى امل�سلم �إىل متثلها واالن�ضباط بها يف ت�صرفاته. هلل ا َّلتِي َق ْد قال جمال الدين القا�سمي يف تف�سري قوله تعاىل(�س َّن َة ا ِ ُ
9
الﺨطاﺏ اإلسﻼﻣﻲ المﻌاﺻر ﺑيﻦ الثاﺑﺖ والمﺘﻐير نور الدين بوكرديد املقدمة من اأهم الق�شايا التي ت�شغل بال كل م�شلم مثقف واع بطبيعة هذا الع�شر وا تعانيه اأمنتا من اأزمات ،وما يرتب�ص به من حتديات فكرية ،ق�شية اخلطاب ،ذلك اأن اخلطاب هو اأداة التبلي والتوا�شل واحلوار ما بني اأبناء الأمة نف�شها ،وبينها وبني الأ الأخرى ،وهذه الأداة هي مقيا�ص ن�ش الأمة ومعيار مقدر ِتها على ممار�شة ذلك التبلي والتوا�شل واحلوار وعلى ِ اإحالل نف�شها املكانة الالئقة بني الأ ،ومن ثم جناحها اأو ف�شلها يف اإقناع الآخرين وقفها ووجهات نظرها يف تلف امل�شائل وال�شوؤون. مكونات اخلطاب الإ�شالمي ميكننا اأن ن ُر َّد مكونات اخلطاب الإ�ضالمي اإىل نوعني :املكون ال�ضرعي وهو ما جاء به الوحي الإلهي من قراآن و�ضنة نبوية �ضحيحة وهو اأ�ضل اخلطاب الإ�ضالمي ومنطلقه ومرجعيته الثابتة الدائمة ،لكونه �ضادراً عن اهلل �ضبحانه الذي اأبدع الوجود كله .واملكون الب�ضري وهو ما فهمه وا�ضتنبطه الب�ضر من الن�ضو�س ال�ضرعية وما نتج عن ذلك فكرا كان اأو فقهاً اأو علوماً واأدباً .لذلك فهو فر ٌع للمكون الأول وموؤ�ض�س منه واإليه. ومبا اأن املك ّون ال�ضرعي قد اأك�ضبه م�ضدره الرباين خ�ضائ�س الربانية وال�ضمول والثبات والتوازن واملرونة وال�ضالحية لكل زمان ومكان، فبا�ضتطاعتنا اأن نكت�ضف مبعايريه ك َّل خلل وا�ضطراب يف واقع احلياة القائم. واإذا كان اخلطاب ،اأي خطاب رهينا للتطوير والتبديل ،دون حتفظ اأو ا�ضرتاط فاإن خطابنا الإ�ضالمي له و�ضعه اخلا�س ،فهو ل يتغري ول يتبدَّل يف جوهره ،اأي يف ثوابته الأ�ضا�ضية املرتكزة على مكونه ال�ضرعي مهما تغري الزمان واملكان وامللتقى ،وبغري هذه الثوابت ،اأو بامل�ضا�س بها ل يكون اإ�ضالميا ،ول ميثل حقيقة الإ�ضالم وخ�ضائ�ضه ،واأما املك ّون الآخر ففيه يكون الجتهاد والتطوير مبا يراعي املخاطبني وظروفهم العامة واخلا�ضة زمانا ومكانا ،يقول الدكتور يو�ضف القر�ضاوي":واإذا كان املحققون من اأئمة الدين وفقهائه قد ق َّرروا اأن الفتوى تتغري بتغري الزمان واملكان واحلال ،والفتوى تتعلق باأحكام ال�ضرع فاإن نف�س هذا املنطق يقول :اإن تغيري الدعوة اأو اخلطاب يتغري بتغري الزمان واملكان والعرف واحلال اأحق واأوىل".
م�شتويات اخلطاب بالنظر اإىل م�ضتويات اخلطاب ومتلقيه جند اأن هناك ف�ضاءات متنوعة ميكن اأن تتناول على م�ضتويني: اأ -الف�ضاء الداخلي اأو املحلي :وفيه يتوجه اخلطاب اإىل فئات متفاوتة، فيما :الطفل وال�ضاب والفتاة واملراأة والرجل ،كل بح�ضب م�ضتواه التعليمي اأو الثقايف ،وبح�ضب موقعه ومهنته وظروفه اخلا�ضة ،وما نالحظه على هذا اخلطاب هو عدم مراعاته اأحيانا طبيعة هذه الفئات وال�ضروط املتطلبة لذلك ،ويتجلى هذا يف مظاهر كثرية منها: -1غياب الروؤية الفكرية املتحدة ،وامل�ضروع الدعوي امل َّوحد ،ومن ثم افتقاد اخلطاب الإ�ضالمي املتفق عليه بني كثري من موؤ�ض�ضات الدعوة ورجالت الفقه وال�ضريعة ،وكذلك غياب الفتوى املتفق عليها يف كثري من الأمور التي تهم الأمة ومت�س �ضوؤون دينها :مثل روؤية الهالل، وحتديد العيدين ،والفوائد امل�ضروفية...الخ. -2تعطيل املوؤ�ض�ضات واملنابر املتخ�ض�ضة واملوؤهلة لتقدمي املعرفة الإ�ضالمية ال�ضحيحة يف بع�س البيئات الإ�ضالمية اأو عرقلتها اأو توظيفها خلدمة املاآرب ال�ضيا�ضية. -3التقوقع داخل مذهب فقهي اأو عقدي ّ معني ،وفر�ضه يف التعليم وو�ضائل الإعالم والثقافة واإ�ضدار الفتاوى الدينية من خالله ،ثم ت�ضدير هذا التوجه املذهبي ال�ضيق اإىل عامة امل�ضلمني يف العامل، مبختلف الو�ضائل والأ�ضاليب. -4الت�ضبث براأي واحد يف امل�ضاألة وم�ضادرة جميع ما عداه من وجهات النظر ،والت�ضبث بالنفراد بالفهم وامل�ضوؤولية عن الدين. -5جتاهل اأولويات الق�ضايا يف التاأليف والكتابة فيما يعالج اأزمات الأمة ويعمل على توحيدها واإ�ضالح ذات البني فيها ،والعمل على التقدم والرقي بها ،وال�ضتغال بدل من ذلك يف بع�س الأو�ضاط الإ�ضالمية بالفنت املذهبية ،واإيقاد نار ال�ضراع والتنابذ والتهامات بالزندقة اأو الف�ضوق اأو التكفري من خالل تاأليف الكتب واملقالت واإ�ضدار الأ�ضرطة والربامج املرئية ال�ضاخنة. -6الت�ضديد والت�ضييق يف فتاوى بع�س العلماء فيما فيه �ضعة وجمال لالجتهاد. -7حتميل الن�ضو�س القراآنية والنبوية غري ما حتتمل واإ�ضاءة فهمها. -8جمابهة بع�س التيارات التي تنتقد الإ�ضالم جمابهة �ضاذجة من دون بيان احلجج املقنعة. -9التاأكيد املبالغ فيه من قبل الكثري من الوعاظ وخطباء امل�ضاجد
10
على مو�ضوعات الرتهيب ب�أ�صناف العذاب الأخروي والتزهيد يف تعمري احلياة والإبداع فيها ،و�إهمال بع�ضهم تناول ق�ضايا املجتمع والإن�سان من معامالت وعالقات و�آداب. -10فراغ كثري من ال�ساحات واملنابر من املتخ�ص�صني القادرين وانكما�شهم على �أنف�سهم نتيجة �أو�ضاع �سيا�سية معينة يف بع�ض البيئات الإ�سالمية و�إ�سناد هذه املهمة �أو تو ِل ّيها من قبل �آخرين غري م�ؤهلني. ب – الف�ضاء اخلارجي �أو العاملي: بالنظر �إىل تلك الأو�ضاع التي عليها اخلطاب الإ�سالمي حملياً� ،أي يف الداخل ،وما ي�سودها من ا�ضطراب وغياب للتخطيط والتعاون، ومن افتقاد –كما تقدم -للر�ؤية ال�شاملة املوحدة والأهداف املوحدة و�إخال�ص العمل هلل �سبحانه ،ف�إن هذا اخلطاب على م�ستوى العامل �ضعيف ومتخلف جدا عن منطق الع�صر و�آلياته ومناهجه ،بل لوال اجلهود القليلة املتناثرة لقلنا �إنه غائب يف �إجازة غري حمدودة عن عامل اليوم ،ومع �صعوبة ت�شخي�ص هذا الو�ضع وحتديد مالحمه ف�إنه ميكن �إدراك املالحظات الآتية: -1على الرغم من امتالك الدول الإ�سالمية عددا من الرثوات الطبيعية الهائلة كالنفط والغاز واحلديد والفو�سفات والنحا�س واليورانيوم... الخ ،والطاقتني ال�شم�سية واملائية ،والرثوات البحرية والزراعية ،وعلى الرغم من تعدادها ال�سكاين الذي يتجاوز املليار و�أربعمائة مليون ،ف�إن ما تخ�ص�صه هذه الدول من �أموال ومن برامج وم�شروعات لتبليغ ر�سالة الإ�سالم �إىل �شعوب العامل و�إنقاذها من ظلمات ال�ضالل يف الدنيا و�سوء امل�صري يف الآخرة ،وللتعبري عن ق�ضايانا يف املعرتك الدويل ،هو �أمر م�ؤ�سف جدا� ،إذا ما قورن مبا حتظى به �سائر املذاهب واحلركات الهدامة من جهود لالنت�شار والتمكني يف العامل. -2احلوار الإ�سالمي امل�سيحي هو �أحد ال�سبل التي حاولت من خاللها عدة منظمات وم�ؤ�س�سات منذ عدة عقود �إي�صال خطابها الإ�سالمي يف عدة ملتقيات معروفة ،وهو امتداد �سنة حميدة لذلك الذي كان يجريه �أ�سالفنا مع �أهل الكتاب عرب ع�صور ال�سيادة الفكرية واحل�ضارية. -3قليلة تلك اجلهود التي اجتهت �إىل �شعوب العامل بخطاب �إ�سالمي علمي ومو�ضوعي وخال�ص لوجه اهلل ومعظم هذه اجلهود فردية وعِ َ�صامية ،وقد باركها اهلل ب�سبب �إخال�ص �أ�صحابها و�أ�شهر مثال يف هذا املجال ما قدمه وقام به الداعية املرحوم�" :أحمد ديدات" يف مناظراته مع �أقطاب امل�سيحية ،وكذلك ما قدمه املفكر الإ�سالمي "وحيد الدين خان" و�آخرون �أ�سهموا بتقدمي �آثار علمية جليلة ب�أكرث من لغة �أجنبية، كلها جديرة ب�إعادة الن�شر يف طبعات متميزة ،ليتم توزيعها يف خمتلف �أنحاء العامل ،وخا�صة غري امل�سلم. -4يعد حادث احلادي ع�شر من �سبتمرب يف نيويورك املعروف منعطفاً بارزاً يف نظر الغرب بخا�صة ويف نظر العامل بعامة �إىل الإ�سالم وامل�سلمني ،وبقدر ما ترتب على هذا احلادث من نتائج وخيمة على الإ�سالم وامل�سلمني ،فقد ح َّفز احلدث كثريا من الأجانب يف خمتلف
بقاع العامل للتعرف على حقيقة هذا الدين الذي تخيلوا �أنه هو كما جزموا –الباعث الأ�سا�سي على ما �أ�سموه بالإرهاب. وال �شك �أن �أثرياء العرب وامل�سلمني الذين ج َّمد الغرب ملياراتهم بعد ذلك احلادث املذكور ،والذين وظفوا �شطرا منها قبل ذلك يف م�شروعات يهوديةَّ ، و�سخروا بع�ضها يف ملذاتهم ال�شخ�صية وهواياتهم املف�ضلة ،كان يف و�سعهم لو �أنهم اتقوا اهلل يف دينهم و�أنف�سهم ،بت�سخري �أكرب و�سائل الإعالم والن�شر العاملية و�شراء كربيات ال�صحف والقنوات الف�ضائية خلدمة اخلطاب الإ�سالمي بكل �أنواعه وم�ستوياته ،و�إبالغ الب�شرية يف كل ديارها ومبختلف لغاتها ر�سالة الهدى واحلق. �أنواع اخلطاب الإ�سالمي انعكا�سا ملا مر ومير ب�أمتنا ظروف غام�ضة وهزات مروعة وم�آ�س م�ؤ�سفة ،وال �سيما بعد حادثة احلادي ع�شر من �سبتمرب تعددت �أنواع اخلطاب الإ�سالمي بخا�صة والعربي عامة ،معربة عن وجهات النظر الر�سمية وغري الر�سمية وممثلة ملختلف التيارات واالنتماءات . و�أما �أنواع اخلطاب التي ميكن ا�ستخال�صها من جمموع املالحظات واملالمح ال�سابق ذكرها فهي الآتية: خطاب الو�سطية الإ�سالمية :الذي متثله مدر�سة الإحياء والتجديدواجلمع بني الأ�صالة واملعا�صرة ومواجهة الأحداث بواقعية ومرونة وحكمة ويت�صدر ه�ؤالء :الدكتور يو�سف القر�ضاوي ،والدكتور حممد عمارة ،وال�شيخ حممد الغزايل ،و�آخرون. خطاب االجتاهات ال�صوفية :الذي يرتكز على التجارب الروحيةوعلم القلوب والت�أمالت وي�صدر عن فرق متعددة ،وي�شوب هذا اخلطاب �شوائب من الدرو�شة واخلرافات واالنحرافات. اخلطاب ال�سلفي الن�صي :وهو ما ي�صدر يف بع�ض البيئات التي تلتزممبذهب معني يتبناه النظام القائم ويوظفه ل�صاحله. خطاب الرف�ض واالحتجاج والعنف والتخريب :ومتثله ن�سبة �ضئيلةمن النا�س ،و�أكرثهم من ال�شباب املغرر بهم من العاطلني واملحبطني يف حياتهم �أو املتعر�ضني للإعتقاالت �أو املفتونني يف ذويهم بالت�صفية، ومعظمهم متحم�سون ومن ذوي ثقافة �سطحية يف ال�شريعة الإ�سالمية. �صور اخلطاب الإ�سالمي �إن للخطاب الإ�سالمي �صورا متعددة بني مقروء وم�سموع ومرئي، وتتمثل يف خطبة اجلمعة والوعظ والإر�شاد وال�صحف واملجالت ال�شرعية والكتب العلمية ،بالإ�ضافة �إىل الأ�شرطة الدينية والأقرا�ص املمغنطة والقنوات امل�سموعة كالإذاعة ،واملرئية كالتلفزيون ملا تقدمه من برامج دينية ،وال�شبكة الدولية للمعلومات "الإنرتنت" ،واللقاءات العلمية والندوات وامل�ؤمترات ،و�أخريا الدراما التي تقدم اخلطاب الإ�سالمي على �شكل م�سل�سالت و�أفالم دينية ،وهي من �أكرث الو�سائل قبو ًال عند النا�س.
11
مقارنة بني اخلطابني العربي والإ�سالمي �إن مدى حركية اخلطاب العربي املعا�صر كما يقول �أحد الدار�سني وا�ستجابته للمتغريات الواقعية والتحوالت احلادثة يف الواقع قليلة �إىل �أن يقرتب اخلطاب من ال�سكون �أو التحرك البطئ خلف الواقع �أو خلف احلركة االجتماعية ،كما �أن االهتمام املبالغ فيه بالتاريخ يكاد ي�ستلب ذلك اخلطاب من واقعه فين�شغل باملا�ضي على ح�ساب احلا�ضر وامل�ستقبل ،وكل ذلك ينطبق على اخلطاب الإ�سالمي �إىل حد كبري ،ولعل ال�سبب يف ذلك �أن اخلطابني ي�شرتكان يف كثري من العوامل والظروف وي�صدران عن مكونات ثقافية و�سيا�سية ونف�سية واحدة تقريبا(.)14 خ�صائ�ص اخلطاب الإ�سالمي الأمثل اخلطاب الإ�سالمي الأمثل ينبغي �أن يت�صف باخل�صائ�ص التالية: ربانية امل�صدر والغاية ،عاملية التوجه� ،إن�سانية املنطلق� ،أخالقية املحتوى ،اقرتان العقل بالروح ،اجلمع بني املثال والواقع والأ�صالة واملعا�صرة واملحلية والعاملية ،التوازن وال�شمول ،االنفتاح ،التخيري، التعدد ،التدافع ،التو�سط ،واالعتدال ،احلوار ،التنوع ،النمو واالطراد، وهو يدعو �إىل االجتهاد وال يتعدى الثوابت ،يتبنى التي�سري يف الفتوى والتب�شري يف الدعوة ،ي�ست�شرف امل�ستقبل وال يتنكر للما�ضي ،ي�ؤمن بال�شورى والرتيث يف اتخاذ القرار ،يدين التخريب والإرهاب ويح�ض على اجلهاد ،ويرف�ض االنغالق والتحجر والتطرف والغلو وي�ؤمن باالختالف واملرونة والت�سامح. وال ريب يف �أن هذا اخلطاب املتكامل الذي نتطلع �إليه بكل هذه اخل�صائ�ص لن يكون له وجود يف دنيا الواقع الراهن ب�سبب ما هي عليه عقلية معظم الذين ميار�سون اخلطاب الإ�سالمي مبختلف �صوره وم�ستوياته الرتبوية والإعالمية وثمرة تن�شئتنا الأ�سرية االجتماعية والثقافية التي ال تزال يف معظمها مثقلة بالكثري من املثالب وملتفتة عن الع�صر. ترى ما الذي يعوقنا عن �أن نتقدم ونرتفع �إىل م�ستوى الع�صر؟ الإجابة وا�ضحة و�ضوح ال�شم�س ويعرفها اجلميع. اخلطاب الإ�سالمي املطلوب و�إ�سرتاتيجية �إعالمه لقد نادى كثري من العلماء واملفكرين والكتاب والدار�سني ب�ضرورة الإ�سراع بتطوير خطابنا الإ�سالمي من واقعه احلايل واالنطالق به من خالل خطة علمية ع�صرية �شاملة وجادة لتحقق له تلك اخل�صائ�ص التي تقدم ذكرها ،وهذا لن يتحقق �إال �إذا �إلتقى عدد كبري من الغيورين امل�شتغلني بق�ضية اخلطاب الإ�سالمي يف الدول الإ�سالمية والعربية ووحدوا جهودهم يف برنامج علمي جاد يلتزم ب�إيجاز التو�صيات الآتية: .1تكوين هيئة �إ�سالمية عليا من رجال الفكر والدعوة امل�شهود لهم بالعلم واجلدية و�إخال�ص العمل هلل ،لت�ضع خططاً وبرامج علمية �شاملة لتطوير اخلطاب الإ�سالمي بكل م�ستوياته و�صوره و�أ�ساليبه،
مبا ميكنه من مواجهة احلا�ضر وامل�ستقبل ،مواجهة واعية ممكنة ويتم هذا �أوال ب�إجراء م�سح �شامل للطاقات القادرة واجلادة ،وثانيا بتوحيد جهود كل امل�ؤ�س�سات العلمية والدعوية الر�سمية وغري الر�سمية. .2حماورة هذه الهيئة العليا للجهات الر�سمية امل�س�ؤولة عن �أجهزة الإعالم والثقافة العربية لإقناعها ب�ضرورة تنقية براجمها من مظاهر امليوعة و�إف�ساد الأخالق ،و�إتاحة الفر�ص الكافية للعلماء واملفكرين املعتدلني لتقدمي الإ�سالم ال�صحيح ،فهذه �أول خطوة جادة للق�ضاء العلمي على جيوب التطرف والإرهاب. .3حماولة هذه الهيئة العليا حماورة �أ�صحاب اخلطاب املتطرف وتعريف النا�س به من خالل و�سائل الإعالم العامة لتوعية ال�شباب بحقيقته وحتذيرهم من عواقب االن�ضمام �إليه ،و�إ�صدار فتاوى مبرجعية م�ؤ�س�سات �إ�سالمية عليا للرد ال�شايف على اخلطاب. .4تخ�صي�ص �أق�سام �أو �شعب يف كليات ال�شريعة للدعوة والإعالم لتخرج متخ�ص�صني يف هذا املجال ،قادرين على �أداء ر�سالتهم مبا متليه م�ستجدات احلياة وتتطلبه مواجهة الع�صر. .5الت�أكيد على مبد�أ الو�سطية واالعتدال كما يراه الإ�سالم وذلك من خالل املقررات الدرا�سية والأن�شطة الثقافية واالجتماعية الرتفيهية، ومن خالل اخلطب اجلمعية. .6االهتمام بتعويد النا�شئة على النقا�ش و�آداب احلوار وح�سن اال�ستماع وقبول االختالف ،وغر�س مبادئ ال�سماحة واملرونة فيهم وذلك عن طريق الرتبية الأ�سرية واملدر�سية. � .7ضرورة قيام احلكومات العربية والإ�سالمية ب�إعادة النظر يف �آليات اخلطاب الديني عامة ،واخلطاب الإعالمي خا�صة ،و�إ�سناد �أمانات هذه املواقع احل�سا�سة �إىل �أهلها املتخ�ص�صني. .8االهتمام بالآداب الإ�سالمية وترجمتها �إىل لغات ال�شعوب الإ�سالمية، وكذلك االهتمام بالأعمال الدرامية التي تخدم الدعوة والق�ضايا الإ�سالمية والعمل على متكينها من مناف�سة دراما العامل املعا�صر. � .9إعداد مو�سوعة �إعالمية �شاملة بكل لغات العامل احلية ،وذلك ب�أقالم طائفة من املتخ�ص�صني امل�سلمني ،لتعرف الباحثني والدار�سني بالإ�سالم احلق ،بدال من اعتمادهم حتى الآن على مو�سوعات امل�ست�شرقني ،ويف الوقت نف�سه ح�صر املو�سوعات والكتب امل�ؤلفة عن الإ�سالم ذات امل�ستوى الرفيع وال�صيت الذائع ،لإعادة ن�شرها وترجمتها �إىل عدة لغات حية وتوزيعها على م�ؤ�س�سات التعليم والبحث العلمي ،وم�ؤ�س�سات الثقافة والإعالم يف كل دول العامل. � .10ضرورة قيام اخلطاب الإ�سالمي املعتدل بالتوا�صل واحلوار مع م�ؤ�س�سات الأمم الأخرى العلمية والثقافية والدينية والرتبوية وال�سيا�سية ،واحلر�ص على متابعة �أن�شطتها وامل�شاركة فيها من خالل كفاءات علمية متمكنة وخمل�صة وواعية.
12
الإ�سالم اليوم
تﺠﺪﺩ الﺨطاﺏ الﺪينﻲ أو سﺆاﻝ المرﺟﻌية اإن التجربة احل�شارية لالإن�شان يف ا�شتلهامه من الدين (الإ�شالم) وتفاعله معه ،والتي تتجلى على امتداد امل�شاحة الزمنية التي تف�شلنا عن بداية تنـزل الوحي ،ورغم انطباعها بالغنى والاء ،لي�شت يف الواقع اإل جزءا ي�شريا من ليات مقدرة الوحي التف�شريية لظواهر احلياة والإن�شان ،بل لقدرته على الفعل يف م�شار الب�شرية واأداء مقا�شده الكى بحف الإن�شان والدين والكون (املف�شلة يف كليات الدين ومقا�شده اخلم�ص). ل ميكن احلديث ب�ضيغة تعميم تتجه اإىل م�ضتويات خطاب الدين كلها دون ا�ضتثناء ،اأو ما ا�ضطلح على ت�ضميته على نطاق وا�ضع بـ"اخلطاب الديني" ،خا�ضة اإذا تعلق الأمر مبطلب التجديد الذي اأ�ضحى مطلباً ملحاً -رغم اتخاذه طابع الإلزام ال�ضادر من خارج منظومة الدين نف�ضه ّ ومتطلباته الذاتية ،-ذلك اأن الدين -اأيّ دين -باعتبار اإطالقية م�ضدره لدى معتنقيه اأ ّول ،كما باعتبار خ�ضائ�س الت�ضليم التي تطبع عالقاتهم به ،ل ميكن اأن يكون جمال مفتوحا للتجديد يف كافة م�ضتوياته. من هنا تنبع اأهمية التاأكيد اأن خطاب التجديد املتجه اإىل الدين لي�س مطروحا عليه بو�ضفه هوية �ضخ�ضية ،بل باعتبار وظيفته املرجعية، فالتجدّد كفعل ذاتي متجاوبٍ مع حاجات حقيقية اإمنا يقع من الدين يف م�ضاحات املرجعية .ول �ضك اأن اأي مرجعية اإل وتت�ضم -بال�ضرورة- ببع�س �ضمات املعتقد الديني ،اإذ ل ميكنها اأن حتقق وظائف املرجعية التي يعتنقها الإن�ضان بو�ضفها منظومة اعتقادية ب�ضكل من الأ�ضكال دون اأن تت�ضم ب�ضمات املعتقد الديني ،وبذلك فاإن املرجعية خا�ضعة حلتمية التجدد الذاتي انطالقا من تلك ال�ضمات. الدين بو�شفه مرجعية متجددة : والدين بتقدميه روؤية معرفية لالإن�ضان ،يز ّوده مبنظومة من القيم والأحكام ذات َمقْدرة تف�ضريية هائلة للظواهر والق�ضايا التي ت�ضغله، اإذ الإ�ضالم -ومنطلقه القراآن -م ّثل ذروة مرحلة الوحي ونقطة فا�ضلة اكتملت فيها ر�ضالة ال�ضماء لالأر�س ،لذا فاإن الأهمية ال�ضتثنائية لهذه النقطة تفر�س التوقف عندها باعتبارها حدثا فا�ضال يف تاريخ الإن�ضان يوؤ َّرخ به ملا بعده ،وبالتايل فاإن جتليات الوحي وتنـ ّزله يف واقع الإن�ضان والعامل- ،وعلى رغم التجربة احل�ضارية البالغة الغِنى لتفاعل العقل والواقع امل�ضلم معه تاريخيا -تتجه بفعاليتها وانفتاحها عرب خط امل�ضتقبل ،وبالتايل فاإن مركز الثقل يف هذا الوعي لي�س يف املرحلة التي تف�ضلنا عن اكتمال نزول الوحي (املا�ضي) ،بل تلك التي تف�ضلنا عن اكتمال وجود الإن�ضان (امل�ضتقبل).
د � .شمري بو دينار
مدير مركز الدرا�شات والبحو الن�شانية والجتماعية /املغرب
اإن التجربة احل�ضارية لالإن�ضان يف ا�ضتلهامه من الدين (الإ�ضالم) وتفاعله معه ،والتي تتجلى على امتداد امل�ضاحة الزمنية التي تف�ضلنا عن بداية تنـزل الوحي ،ورغم انطباعها بالغنى والرثاء ،لي�ضت يف الواقع اإل جزءا ي�ضريا من جتليات مقدرة الوحي التف�ضريية لظواهر احلياة والإن�ضان ،بل لقدرته على الفعل يف م�ضار الب�ضرية واأداء مقا�ضده الكربى بحفظ الإن�ضان والدين والكون (املف�ضلة يف كليات الدين ومقا�ضده اخلم�س). ولعل التحديات ال�ضتثنائية التي اأ�ضبحت تواجه حتقيق تلك املقا�ضد (الأهداف الكربى) �ضارت تقت�ضي من الإن�ضان لزوما العم َل على جتديد قدرته على التعامل مع جوهر الدين ،وزيادة فعالية اأدواته يف التفاعل وال�ضتيعاب وال�ضتنباط وامل�ضاءلة والتف�ضري .غري اأن جتديد القدرة تلك ل ينبغي اأن يفهم باعتباره متجها اإىل جوهر الدين ،اأي م�ضمون ر�ضالته؛ فالتجديد هنا ل عالقة له مطلقا بجوهر تلك الر�ضالة ،اإذ الإميان بالدين من مقت�ضاه الت�ضليم باإطالقية عنا�ضر الهداية والإقناع والت�ضديد فيه ،كما يقول "غوته" عن الإ�ضالم يف "الديوان ال�ضرقي الغربي" اأنه" :اإذا كان الإ�ضالم يعني الت�ضليم هلل فاإننا جميعا نعي�س ومنوت م�ضلمني" .اأما التحدي الواقع اليوم فهو اأن يكون الإن�ضان امل�ضلم اأهال لتتنـ ّزل تلك العنا�ضر يف حياته ،اأو احليلولة دون م�ضار يف الفكر واخلطاب يتحول الإن�ضان امل�ضلم مبقت�ضاه اإىل عن�ضر معيق لذلك اجلوهر املعرب عن مقا�ضد الإ�ضالم ،يف اأن يتحول اإىل خطاب وا�ضح وفعال يوؤدي ر�ضالته اإىل العامل. لقد كانت قدرة الإن�ضان على ا�ضتنطاق مكنونات الوحي عرب م�ضار العالقة بينهما مرتبطة ب�ضيغة بناء الأ�ضئلة التي يطرحها يف عملية
13
م�ساءلته ملعاين الدين ومكامن املعرفة فيه .فالتجديد يف خطاب الدين بهذا املعنى رمبا ظل بعيدا عن بلوغ الأهداف املطروحة اليوم يف جممل اخلطابات البديلة ال�سائدة ،ما مل يتم الرتكيز عربه على �إعادة بناء �س�ؤال الإن�سان للوحي ب�أم َثل �صيغة متاحة ،لتكون مقدرته على اال�ستفادة من ذلك الوحي يف �أمثل م�ستوى متاح ،وهو ما ي�ؤكد خطاب الدين للإن�سان يف الع�صر �أن جمال التجدّد املطلوب رمبا كان َ الذي يعي�ش فيه وكيفية تزويده مبقومات الهداية وال�سداد وال�سعادة، من خالل ح�سن ا�ستنطاق ذلك اخلطاب بال�س�ؤال ال�صائب. معيارية التجدد يف خطاب الدين : هنالك �س�ؤال ينت�صب ملحا كلما طرق مو�ضوع التجدد يف خطاب الدين، ذلك هو �س�ؤال املعيارية ،فما هو املعيار احلاكم لعملية التجدد؟ هل يكون �آراء ومواقف املتتبعني والنقاد؟! �أي �أولئك املعنيني �أ�سا�سا ورمبا ح�صرا بـ"�صورة الدين" ،الذين ي�ؤ�س�سون معايريهم يف بنا ِء �أو م�ساءلة خطاب الدين على"�صورته لدى الغري". ولعل موقف كثري من علماء االجتماع الذين يتابعون جتليات الظاهرة الدينية يف الغرب خا�صة ،ي�شري �إىل عمق الأزمة التي تعاين منها �أطروحة "متتبعي اخلطاب الديني ونقاده" عندما يطرحون ال�س�ؤال املتعلق بالإ�سالم خا�صة ،وهو كيف تكون �أكرب ح�صة من النقد موجهة خلطاب الإ�سالم الذي يتفق علماء االجتماع على �أنه �أكرث الأديان ت�أثريا وفاعلية يف ا�ستيعاب �أي منوذج �إن�ساين �أو اجتماعي ،وا�ستيعابه يف منظومة فكرية و�أخالقية م� َّؤ�س�سة على قيمه املتعالية؟ �إن خطاب الإ�سالم الراهن رغم كل املالحظات التي ميكن قولها عنه يظل يف نظر ه�ؤالء �أحد �أكرث اخلطابات �إقناعا ،بل �إن م�ضمونه املعريف ال يكاد يقارن من حيث حجم الأ�سئلة الوجودية التي يقدم �أجوبة عنها ب�أي خطاب �آخر. واملالحظ �أن �أي خطاب للدين مل يكن ب�إمكانه التجدد يف غياب التزام ذي طبيعة �أخالقية مبق�صد حمدد� ،إذ يف غيابه تقع عملية التجديد يف م�سار عبثي تكون حم�صلته �إفرا َغ اخلطاب من �أي قدرة على الفعل ،ب�أن ي�سقط يف الن�سبية املطلقة والإبهام في�صري �إىل العدمية� ،أو يف التجزيء فيتحول الإ�سالم وخطابه �إىل �أي �شيء �آخر �إال �أن يكون الإ�سالم نف�سه، كما وقع حني طرح البع�ض خطاب "الإ�سالم اال�شرتاكي"� ،أو "الإ�سالم الر�أ�سمايل" ،الذي ازدهر كثريا بعد حالة النجاح اجلزئي الذي حققته التيارات الإ�سالمية على م�ستوى امل�ؤ�س�سات الربملانية يف الدول العربية. �إذن فثمة حاجة �أ�سا�سية لالتفاق ولو يف �شكل ن�سبي على معيارية التجدد يف اخلطاب ،بل ومق�صديته كذلك. �إن غياب االلتزام مبق�صد الدين/املرجعية ي�ؤدي �إىل �أنه بدال من �أن يتجدد خطاب الدين نف�سه ف�إنه يتحول �إىل خطاب ذي طبيعة مغايرة. ومن هنا تت�ضح �أهمية �إدراك ثوابت هذه املرجعية ،وهو املطلب الذي يبدو غري قابل للتح ّقق بغري النظر يف منظومة القيم التي على �أ�سا�سها يتحدد مق�صد اخلطاب ومعايري جتدده ،ليكون االلتزام الأخالقي
مبنظومة القيم احلاكمة معيارا وحمدِّدا لتجدد اخلطاب الديني نف�سه. ففي �ضوء منظومة القيم تتحدد القيمة املركزية �أو العليا يف املرجعية والقيم الثانوية لها .و�إذا كانت القيمة املركزية -على �سبيل املثال -يف اال�شرتاكية هي "امل�ساواة" ،والقيمة املركزية يف الليربالية الر�أ�سمالية هي "احلرية" ،ف�إن التجربة الإ�سالمية قامت بجعل "العدالة" قاعدة التعامل املجتمعي ،لت�أخذ احلرية وامل�ساواة ُبعدهما الإن�ساين يف �إطار العدالة. ولذلك اعترب بع�ض مفكري الإ�سالم املعا�صرين والقدماء على ال�سواء، �أن القيمة العليا فيه هي العدالة� ،إذ -كما قال ابن �أبي الربيع يف �سلوك املالك" :-حتقيق احلرية مبطلقها قد ال ي�ضمن حتقيق العدالة �أو امل�ساواة ،وكذلك حتقيق امل�ساواة و�إطالقها قد ال يعنيان �ضمان احلرية والعدالة� ،أما جعل العدالة القيم َة العليا ف�إنه ي�ضمن حتقيق احلرية وامل�ساواة مبا ال يخل بالعدالة". والواقع �أن عملية ا�ستيعاب القيمة العليا تعني �أن هذه القيمة ت�ؤثر على القيم الأخرى وت�ؤثر على الفهم اخلا�ص ببقية املنظومة القيمية. ولعلنا ب�إدراك قيمة العدل �أو ب�صيغة �أ�شمل "العدالة" كقيمة عليا يف الإ�سالم ندرك مبلغ ما ميكن خلطاب الإ�سالم �أن ي�ؤثره يف واقع عامل يجمع بني تطلع �أبنائه امل�شرتك �إىل العدل ،وبني واقع ظامل يعي�شه ال�ص ُعد ،واقع عرف �أكرث �صور اخللل يف يف �أكرث من جمال وعلى �شتى ُ نظام العدالة مع اكتمال "م�شروع العوملة" الت�أحيدي ،الذي ال يغ ّيب خ�صو�صيات املجتمعات وهويات الأمم فح�سب ،بل كذلك حقوقها يف اال�ستفادة املن�صفة من خريات العامل ،بل من �إمكاناتها الذاتية ،والأهم من ذلك كله تطلعاتها الروحية ومطالبها املعنوية.
14
حﺘﻰ يﺘﺒيﻦ لهﻢ أنﻪ الﺤﻖ
اأ.د.عماد الدين خليل كلية الآداب ،جامعة املو�شل /العراق على مدى اأ�شهر معدودات ي�شهد العا وقائع ومعطيات تف�شح بل�شان احلال واملقال معا عن اإعجاز كتاب اهلل الذي ل ياأتيه الباطل من بني يديه ول من خلفه ،وامل�شداقية املطلقة لتعاليمه وحتذيراته. ع�شرات الكتب ومات البحو قبل ذلك وعلى مدى القرنني الأخريين حتديداً ،جاءت الك�ضوف العلمية وبخا�ضة يف جمالت التاريخ واخلليقة والفيزياء واجليولوجي والكوزمولوجي والبيولوجي واجلغرافيا والت�ضريح وعلم الأج ّنة ،لكي تتطابق ب�ضكل يثري الده�ضة مع اآيات اهلل الب ّينات. وكلنا نذكر ع�ضرات الكتب ،ومئات البحوث التي حتدّثت عن ذلك ،ونذكر متح�ضت ملتابعة ق�ضية العلم والإميان اأو معها املوؤ�ض�ضات والدوائر التي ّ القراآن والعلم احلديث ،والتي قدّمت منظومة من الك�ضوف العلمية واملعرفية املتوافقة مع ما �ضبق واأن اأ�ضار اإليه كتاب اهلل �ضبحانه وتعاىل. وكلنا نذكر -مع هذا وذاك -اجلهد الكبري الذي بذله العامل الفرن�ضي امل�ضهور "موري�س بوكاي" يف كتابه الق ّيم "القراآن الكرمي والتوراة والإجنيل :درا�ضة الكتب املقد�ضة يف �ضوء املعارف احلديثة" ،والذي خل�س فيه -بعد ع�ضرين عاما من البحث املكافح -اإىل اأن ت�ضعة اأع�ضار ما ورد من معطيات معرفية يف التوراة والإجنيل ،ت�ضقط اإذا اأحلناها على الك�ضوف املعرفية احلديثة ،ول مي ّر �ضوى الع�ضر .ويف املقابل فاإن
ع�ضرة اأع�ضار ما ورد يف القراآن الكرمي يتوافق مع هذه الك�ضوف .ويقول الرجل مع ّقبا" :ل ميكن لـ"حممد" على افرتا�س تاأليفه للقراآن اأن يتعامل مع معطيات التوراة والإجنيل يف �ضوء معرفة لن تت�ضكل اإل بعد اأربعة ع�ضر قرنا ،في�ضقط منهما ما ل يتوافق واحلقائق العلمية، ول ي�ضتبقي �ضوى الع�ضر ،اأي�ضا يف �ضوء معرفة �ضتت�ضكل بعده بزمن بعيد ..ل ميكن لرجل كهذا اإل اأن يكون نب ًّيا يتلقى عن م�ضدر علوي مطلق هو اهلل �ضبحانه". التطابق املده�ص الآن ،وعلى مدى اأ�ضهر معدودات ،وعرب ما تتناقله الف�ضائيات �ضباح م�ضاء ،ي�ضهد العامل جملة من الوقائع واملعطيات ،تقدم اإ�ضافات ذات قيمة بالغة لظاهرة ال�ضدق املطلق لآيات اهلل الب ّينات ،وتطابقها املده�س مع الك�ضوف واخلربات املتجددة يف واقع احلياة الب�ضرية على امتدادها يف العامل ك ّله: اأول :انهيار النظام الربوي ،ومعاناة الراأ�ضمالية من الختناقات، وو�ضولها اإىل طرق م�ضدودة. ثانيا :الغزو ال�ضامل لأنفلونزا اخلنازير ،والإعالن عنها وبا ًء عاملياً. ثالثا :احلملة ال�ضاملة التي اأعلنتها رئا�ضة اجلمهورية الفرن�ضية، لت�ضييق اخلناق على ظاهرة �ضرب اخلمر باعتبارها واحدة من اأكرث العوامل املوؤدية اإىل ال�ضرطان. رابعا :حتليل طبـي يجريه عدد من كبار الأطباء ،يوؤكد اأن اخلتان ميثل واحدة من اأكرث و�ضائل املناعة فاعلية �ضد �ضرطان الربو�ضتات. ل اأحد يجادل يف هذا الذي ي�ضهده العامل الآن ،بعد اإذ اأ�ضبح ،مبعطياته وذيوله املتجددة واقعاً ثقي ً ال يفر�س نف�ضه على الإعالم ،وي�ضهده مئات املاليني من النا�س على مدى العامل ك ّله. ما الذي �شبق واأن قاله كتاب اهلل يف الظواهر الأربع؟! اأول :يكفي اأن نتذكر الآيات الب ّينات التي اأعلنت احلرب على الربا، وح ّذرت من تعاطيه ،وقدمت البدائل القت�ضادية املنا�ضبة لتجاوزه وا�ضتئ�ضاله من حياة النا�س ،قال تعاىل (ا َّلذِ َ ين َي ْاأ ُك ُلو َن ال ِّر َبا َل َي ُقومُو َن اإِ َّل َك َما َي ُقو ُم ا َّلذِ ي َي َت َخ َّب ُط ُه َّ ال�ض ْي َط ُان مِ َن ا ْمل َ ِّ�س َذل َِك ِباأَ َّن ُه ْم َقا ُلوا اإِ َّ َ منا ا ْل َب ْي ُع مِ ْث ُل ال ِّر َبا َواأَ َح َّل ُ مي َح ُق ُ اهلل ا ْل ِّر َبا َو ُي ْربِي اهلل ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ال ِّر َبا * َ ْ ال�ض َد َقاتِ )(البقرة( ،)276-275:ا َّت ُقواْ َ اهلل َو َذ ُرواْ مَا َبق َِي مِ َن ال ِّر َبا اإِن َّ َ ْ َ َّ ُ ُ ني)(البقرةَ (،)278:يا اأ ُّيهَا الذِ َ ُكن ُتم ُّموؤْمِ ِن َ ين اآ َم ُنواْ ل َتاأكلواْ ال ِّر َبا اأَ ْ�ض َعافاً ُّم َ�ضا َع َف ًة)(اآل عمرانَ ( ،)130:واأَ ْخذِ هِ ُم ال ِّر َبا َو َق ْد ُنهُواْ َع ْن ُه ري ُب َو َواأَ ْك ِل ِه ْم اأَ ْم َوا َل ال َّن ِ ا�س بِا ْل َباطِ لِ )(الن�ضاءَ ( ،)161:ومَا اآ َت ْي ُتم مِّن ِّرباً ِّل َ ْ ا�س َف َال َي ْر ُبو عِ ن َد اهللِ)(الروم.)39: ِيف اأَ ْموَالِ ال َّن ِ
15
املف�سرون يف املو�ضوع -وهو كثري غزير -نكتفي و�أن نتذكر معها ما قاله ّ منه ب�إ�شارة واحدة قد تغني عن التفا�صيل" :مل يبلغ من تفظيع �أمر �أراد الإ�سالم �إبطاله من �أمور اجلاهلية ما بلغ من تفظيع الربا .وال بلغ من التهديد يف اللفظ واملعنى ما بلغ التهديد يف �أمر الربا ..وهلل احلكمة البالغة .فلقد كانت للربا يف اجلاهلية مفا�سده و�شروره .ولكن اجلوانب ال�شائعة القبيحة من وجهه الكالح ما كانت كلها بادية يف جمتمع اجلاهلية كما بدت اليوم ،وتك�شفت يف عاملنا احلا�ضر ،وال كانت البثور والدمامل يف ذلك الوجه الدميم مك�شوفة كلها كما ك�شفت اليوم يف جمتمعنا احلديث .فهذه احلملة املفزعة البادية يف هذه الآيات على ذلك النظام املقيت ،تتك�شف اليوم حكمتها على �ضوء الواقع الفاجع يف حياة الب�شرية� ،أ�شد مما كانت متك�شفة يف اجلاهلية الأوىل .ويدرك -من يريد �أن يتدبر حكمة اهلل وعظمة هذا الدين وكمال هذا املنهج ودقة هذا النظام -اليوم من هذا كله ما مل يكن يدركه الذين واجهوا هذه الن�صو�ص �أول مرة .و�أمامه اليوم من واقع العامل ما ي�صدّق كل كلمة ت�صديقا حيا مبا�شرا واقعا .والب�شرية ال�ضالة التي ت�أكل الربا وتوكله تن�صب عليها الباليا املاحقة ال�ساحقة من جراء هذا النظام الربوي، يف �أخالقها ودينها و�صحتها واقت�صادها .وتتلقى -حقا -حربا من اهلل ت�صب عليها النقمة والعذاب� ،أفرادا وجماعات ،و�أمما و�شعوبات وهي ال ّ تعترب وال تفيق!")1(. وماذا عن اخلنـزير؟! ثانيا :يكفي �أن نتذكر حتذيرات القر�آن الكرمي من اخلنـزير و�أكل حلمه بقوله تعاىل: ُ (�إِنمَّ َ ا َح َّر َم َعلَ ْي ُك ُم المْ َ ْي َت َة َوال َّد َم َولحَ ْ َم الخْ ِ نـزِي ِر َومَا �أهِ َّل ِب ِه ِل َغيرْ ِ اهللِ) (ح ِّرمَتْ َعلَ ْي ُك ُم المْ َ ْي َت ُة َوا ْل َّد ُم َولحَ ْ ُم الخْ ِ ْنزِي ِر َومَا �أُهِ َّل ِل َغيرْ ِ (البقرةُ ،)173: َ َ َ هلل ِبهِ)(املائدة�( ،)3:إِ َّال �أن َي ُكو َن َم ْي َت ًة �أ ْو دَماً َّم ْ�س ُفوحاً �أ ْو لحَ ْ َم خِ نزِي ٍر ا ِ َف�إِ َّن ُه ر ِْج ٌ�س)(الأنعام.)145: "وامليتة ت�أباها النف�س ال�سليمة وكذلك الدم .ف�ض ً ال على ما �أثبته الطب -بعد فرتة طويلة من حترمي القر�آن والتوراة قبله ب�إذن اهلل- من جتمع امليكروبات واملواد ال�ضارة يف امليتة ويف الدم ..ف�أما اخلنـزير فيجادل فيه الآن قوم .واخلنـزير بذاته منفر للطبع النظيف القومي. ومع هذا فقد حرمه اهلل منذ ذلك الأمد الطويل ليك�شف علم النا�س منذ قليل �أن يف حلمه ودمه و�أمعائه دودة �شديدة اخلطورة (الدودة ال�شريطية وبوي�ضاتها املتك ّي�سة) .ويقول الآن قوم� :إن و�سائل الطهي احلديثة قد تقدمت ،فلم تعد هذه الديدان وبوي�ضاتها م�صدر خطر،
لأن �إبادتها م�ضمونة باحلرارة العالية التي توفرها و�سائل الطهي احلديثة .وين�سى ه�ؤالء النا�س �أن علمهم قد احتاج �إىل قرون طويلة ليك�شف �آفة واحدة .فمن الذي يجزم ب�أن لي�س هناك �آفات �أخرى يف حلم اخلنـزير مل يك�شف بعد عنها؟ �أفال ت�ستحق ال�شريعة التي �سبقت هذا العلم الب�شري بع�شرات القرون �أن نثق بها وندع كلمة الف�صل لها، ونح ّرم ما حرمت ونحلل ما حللت ،وهي من لدن حكيم خبري؟")2(. وها هو العامل ي�شهد اليوم �إعدام مئات الآالف من اخلنازير جتنبا للأنفلونزا التي حتملها ،والتي �أعلن عنها وبا ًء عامليا!.. ثالثا :ويكفي �أن نتذكر -كذلك -حتجيم القر�آن لظاهرة �شرب اخلمر ثم حترميها ب�شكل قاطع بقوله تعاىل ( َي ْ�س�أَ ُلو َن َك ع َِن الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ ِر ُق ْل ا�س َو�إِ ْث ُم ُه َما �أَ ْكبرَ ُ مِ ن َّن ْف ِع ِه َما)(البقرة،)219: ري َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ فِي ِه َما �إِ ْث ٌم َك ِب ٌ ال�ص َ ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ال َة َو�أَن ُت ْم ُ�س َكا َرى َح َّت َى َت ْعلَ ُمواْ مَا ين �آ َم ُنواْ َال َت ْق َر ُبواْ َّ اب َوالأَ ْز َال ُم ر ِْج ٌ�س َت ُقو ُلو َن)(الن�ساء�( ،)43:إِنمَّ َ ا الخْ َ ْم ُر َوالمْ َ ْي�سِ ُر َوالأَ َ ن�ص ُ اج َت ِن ُبو ُه َل َع َّل ُك ْم ُت ْفل ُِحو َن * �إِنمَّ َ ا ُيرِي ُد َّ ِّمنْ َع َملِ َّ ال�ش ْي َط ُان �أَن ال�ش ْي َطانِ َف ْ ُيو ِق َع َب ْي َن ُك ُم ا ْل َعدَا َو َة َوا ْل َب ْغ َ�ضاء فيِ الخْ َ ْم ِر َوالمْ َ ْي�سِ رِ) (املائدة.)91-90: �إن مفا�سدها �-إذن -كثرية مت�شعبة ال يت�سع مقال كهذا للخو�ض يف تفا�صيلها ،ويكفي �أنها رج�س من عمل ال�شيطان ،لكي يتجنبها الإن�سان بفطرته ال�سليمة ..ثم ها هي �إحدى الك�شوف احلديثة ت�شري �إىل �أنها �أحد الأ�سباب امل�ؤكدة لواحد من �أكرث الأمرا�ض خطورة وفتكا: ال�سرطان. رابعا� :أما اخلتان الذي يقي هو الآخر من �أحد �أمناط ال�سرطان ،ف�أمره م�ؤكد يف �سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وتقاليد امل�سلمني على مدار الأماكن والأزمان. وهي لي�ست خامتة املطاف هذه الوقائع الأربع التي �أملح �إليها هذا املقال لي�ست خامتة املطاف وال نهاية التاريخ ..فعرب القرون الأربعة ع�شر تك�شفت بقوة الفكر الب�شري والبحث العلمي ومعطيات الواقع ،ع�شرات احلقائق ومئاتها يف �شتى مفا�صل الكون والعامل والطبيعة والنف�س الإن�سانية واجل�سد الب�شري.. وقرون �أخرى �ستم�ضي لكي تتك�شف حقائق �أخرى ..وهي يف احلالتني جتيء مطابقة ملا �سبق و�أن �أ�شار القر�آن �إليه و�أكد عليه. فقبالة الآية املده�شةَ ( :ب ْل َك َّذ ُبواْ بمِ َا لمَ ْ يُحِ ُ يطواْ ِب ِع ْلمِ ِه َولمَ َّا َي�أْ ِت ِه ْم ال َفاقِ َوفيِ (�سنرُ ِي ِه ْم �آ َيا ِت َنا فيِ ْ آ َت�أْوِي ُلهُ)(يون�س .)39:والآية املعجزة َ �أَن ُف�سِ ِه ْم َح َّتى َي َت َبينَّ َ َل ُه ْم �أَ َّن ُه الحْ َ ُّق �أَ َولمَ ْ َي ْك ِف ِب َر ِّب َك �أَ َّن ُه َعلَى ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َ�شهِيدٌ)(ف�صلت ،)53:يقف املرء خا�شعا �أمام اجلالل الإلهي الذي يهيمن
16
على الكون واحلياة ،ويحكي عن تكوينهما و�صريورتهما وم�صائرهما، ف�إذا بهذا الذي يقوله كتاب اهلل يتوافق ب�شكل مده�ش مع معطيات العقل الب�شري وك�شوف العلم احلديث وخربات الواقع امل�شهود. حماوالت خائبة و�أخرى م�ضادة ومن عجب �أن حماوالت مو�صولة بذلت يف االجتاه املعاك�س الذي ي�ستهدف �إلغاء احل�ضور الإلهي يف الكون واحلياة ونفيه ..فماذا كانت النتيجة؟ خم�سون عاما من اجلهد الالفح يف املعاهد واملختربات العلمية ال�سوفياتية لتمكني الإن�سان من بعث احلياة يف املادة الع�ضوية (الطني الالزب) ،خرج علماء احلياة بعدها وهم ينف�ضون �أيديهم ويعلنون عن ف�شلهم احلا�سم. ومن قبلهم كان "مارك�س" و"انغلز" قد �صاغا يف "املادية الديالكتيكية" نظرية املتغريات الكمية التي تتحول �إىل متغريات نوعية بعيدا عن تدخل قوة �أو �إرادة فوقية ،والتي جاءت املعطيات العلمية الأكرث حداثة لكي تبينّ تهافتها وعجزها ،و"�سخفها الطائ�ش" �إذا ا�ستعملنا عبارة �سوليفان يف "حدود العامل". ويف املقابل يقوم الربوفي�سور الربيطاين "هويل" مب�شاركة بروف�سور هندي يف جامعة كارديف يف �إنكلرتا ،مبحاولة ا�ستغرقت ع�شرين عاما لفح�ص �إمكان تخ ّلق احلياة يف موات الوحل ()Primeval Soup فيما �أ�سمياه حماولة التخ ّلق يف الفراغ (Evolution from ،)Spaceوقاال ب�أنهما بد�آ املحاولة بعقلية احلادية �صرفة ،و�أن الفكرة ال�سائدة يومها هي �أن حتقيق التخ ّلق املذكور هو بن�سبة واحد �إىل ع�شرة يف �أف�ضل االحتماالت .ولكنهما وجدا يف نهاية املطاف �أن الن�سبة ت�ضاعفت وفق �أرقام فلكية ،و�أ�صبحت واحدا �أمامه ع�شرة �أمامها �أربعني �ألف �صفر� ..أي �إن التخ ّلق بدون �إرادة فوقية م�ستحيل ..م�ستحيل ..فما كان منهما �إال �أن يختما بحثهما بف�صل يحمل عنوان اهلل (.)God
حم�ض له القر�آن م�ساحات وا�سعة.. �إبداعية اهلل �سبحانه يف اخللق ،فيما ّ بع�ضها الآخر ي�ؤكد وحدة ال�صنع فوحدانية ال�صانع ،فيما �أ�شار �إليه القر�آن يف ع�شرات املقاطع والآيات.. ن�ص عليه فئة ثالثة حتكي عن ذلك التطابق املده�ش بني ما �سبق و�أن ّ القر�آن ،وبني الك�شوف العلمية يف �أكرث معطياتها حداثة. �إن حتذير القر�آن الكرمي من الربا واخلمر و�أكل حلم اخلنـزير ،وت�أكيد ال�سنة النبوية على اخلتان� ..إن هي �إال جمرد �شواهد وعالمات على الطريق ..وهناك غريها الع�شرات واملئات..
الـهــوامــــــ�ش ( )1يف ظالل القر�آن ،ل�سيد قطب ،الطبعة ال�سابعة والثالثون ،دار ال�شروق ،القاهرة1973-م ،جزء � ،3ص.318: ( )2امل�صدر نف�سه ،جزء � ،3ص.156:
وما هي �إال عالمات على الطريق واحلديث يطول ،ومكتبة العلم والإميان تتلقى يوما بعد يوم �سيال من البحوث والدرا�سات وامل�ؤلفات ،بع�ضها ي�ؤكد بع�شرات ال�شواهد العلمية
17
ﻣـﻘـﺎﻻﺕ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ
حرﻛة فﺘﺢ اﷲ ﻏولﻦ ..ﺇسﻼﻣيون وﻋﺼريون
اأحمد بركات تعاين �ضورة الإ�ضالم يف الذهنية الغربية من العديد من الت�ضوهات ،الكن�ضية ،وولوجه بوابات التنوير واحلداثة ،ونظرته لالإ�ضالم على اأنه نتيجة اخلطاب الأيديولوجي ال�ضدامي الذي ي�ضع الإ�ضالم يف مربع ديانة ما�ضوية تنتمي للع�ضور املظلمة ،فاإن الن�ضف الثاين من القرن العدو الأول واحل�ضارة ال�ضاغطة �ضد املنظومة القيمية الغربية ،ل الع�ضرين حتى اليوم ،قد �ضهد حتول العداء الع�ضكري اإىل ال�ضيا�ضي الذي ج ّند املنظومات الفكرية والآلة الإعالمية ال�ضخمة خلدمة �ضيما بعد اأحداث احلادي ع�ضر من �ضبتمرب. واإذا كان التنافر بني الإ�ضالم واحلداثة اأ�ضي ً ال يف الروؤية والتاريخ اأغرا�ضه يف ت�ضويه الآخر الإ�ضالمي ،واأتت هذه احلمالت املنظمة اأُ ُكلها، الغربي ،خا�ضة بعد جناح العقل الغربي يف التخل�س من الهيمنة بحيث حتول اخلطاب العدائي من خطاب �ضيا�ضي فوقي اإىل م�ضاعر
18
�شعبوية عامة ،مما نال من الأمن والتما�سك االجتماعي الغربي ،وبات ي�ؤرق املنظومة ال�سيا�سية وطروحات املواطنة. وبرغم بع�ض املحاوالت التي تبذل لر�أب ال�صدع االجتماعي ،والعودة �إىل مفاهيم املواطنة الرا�سخة يف املنظومة العلمانية� ،إال �أن تر�سخ هذا اخلطاب يف العقل اجلمعي ،وتوظيف البع�ض له لتحقيق مكا�سب �سيا�سية �أو مادية ،جعل احلاجة م�سي�سة خلطاب �إ�سالمي جديد ،يقدم من خالله الإ�سالم على حقيقته كدين يدعو للحوار ويقبل بالآخر، ويج�سر الهوة بني امل�سلمني وغريهم. الغرب وجد �ضالته وجد الغرب �ضالته يف خطاب �إ�سالمي جديد وحركة عملية مغايرة ،هي غربي الأنا�ضول حركة فتح اهلل غولن ،التي انطلقت على يد قائدها من ّ لتغزو العامل يف كافة اجتاهاته وتوجهاته .حتول ال�شيخ فتح اهلل غولن من جمرد �إمام "ر�سمي" ب�أحد م�ساجد تركيا ،لي�صبح �أحد �أهم رموزها، و�أحد �أبرز القامات يف الفكر الإ�سالمي ،ف�ضال عن كونه نا�شطا يف جماالت اخلدمة العامة والدعوة �إىل ال�سالم واحلوار الديني والثقايف. وجنح ال�شيخ يف الت�أثري يف جيل ب�أكمله على م�ستوى العامل ودفعهم للقيام بدور �إيجابي للدفع قدما بعجلة احلوار من خالل منظومة تربوية و�إعالمية عمالقة تتنت�شر حول العامل. كذلك ي�سعى ال�شيخ عرب كتاباته لتقدمي �أجندة عملية لتطبيق ما يدعو �إليه من �أفكار ،فتتحول من جمرد طروحات نظرية �إىل ميثاق عمل يلتزم به مريدوه وحمبوه داخل احلركة وخارجها ،حتى �صار، بح�سب "دوجال�س فرانتز" ،الكاتب بجريدة نيويورك تاميز�" ،سفريا غري ر�سمي لرتكيا بالواليات املتحدة الأمريكية لتقدمي �صورة معتدلة عن الإ�سالم ،وللدعوة للت�سامح من خالل لقاءاته مع البابا جون بول الثاين ،وغريه من القادة الدينيني وال�سيا�سيني ".وي�ؤكد "فرانتز" على �أن ما حتظى به ر�سالة "غولن" من قبول يف املجتمعات الغربية �إمنا مرده �إىل اختالفها عن ر�ساالت احلركات الإ�سالمية الأخرى التي "تت�سم بال�ضبابية وعدم الو�ضوح". كذلك ي�ؤكد "منعمي حقي"� ،أ�ستاذ الإعالم واالت�صال بجامعة �إندبندنت ببنجالدي�ش� ،أن ""غولن" �شخ�صية بارزة ومقبولة لدى
اجلماهري ،و�إ�ضافة �إىل حما�ضراته وخطبه ،فهو كاتب غزير الإنتاج، حيث تربو م�ؤلفاته على ال�ستني كتابا جميعها عن الإ�سالم ،وهو �صاحب ر�ؤية ت�أخذ ب�أتباعه �إىل �آفاق ال تطالها خميالت غريه من اجلماعات الإ�سالمية ،وهو قادر على خلق نقطة التقاطع بني الإ�سالم والغرب؛ لأنه ي�سعى دائما لإبراز ر�سالة الإ�سالم العاملية خلدمة الإن�سان بغ�ض النظر عن دينه �أو لونه �أو قوميته". بني يدي احلركة ُولد ال�شيخ "حممد فتح اهلل غولن" يف ال�سابع والع�شرين من �شهر �أبريل عام ،1941بقرية "كوروجك" التابعة لق�ضاء "ح�سن قلعة" مبحافظة "�أر�ضروم" برتكيا .كانت ن�ش�أته ن�ش�أة متدينة تغلب عليها النزعة ال�صوفية ،وبد�أ حفظ القر�آن الكرمي وملا يتجاوز الرابعة على يد �أمه ،ال�سيدة "رفيعة خامت". ت�أثر "غولن" يف �صباه بر�سائل النور للفقيه الكردي ال�صويف ال�شيخ "بديع الزمان �سعيد النور�سي" الذي ت�أثر به "غولن" ب�شكل عميق ومبا�شر ،وكان وا�سع االطالع وقطع �أ�شواطا يف قراءة الفل�سفات الغربية وال�شرقية وعلوم ال�سيا�سة والعلوم الطبيعية� ،إ�ضافة �إىل درا�ساته امل�ستفي�ضة يف العلوم ال�شرعية والفكر ال�صويف. بد�أ غولن حياته العملية وهو يف �سن الع�شرين ،حيث عُني �إماما مب�سجد "�أوج �شرفلي" ،وكان ي�ؤثر البيات بامل�سجد على اخلروج لل�شارع �إال لل�ضرورة ك�شكل من �أ�شكال النزوع �إىل حياة التق�شف والزهد وتطهري النف�س� ،أما عمله الدعوي مبعناه الوا�سع فقد انطلق من "�أزميل"، ليطوف بعدها كافة �أنحاء غرب الأنا�ضول يدعو النا�س ،ال �سيما ال�شباب� ،إىل العودة �إىل اهلل والزهد وطلب العلم والعودة �إىل الدين، فالتف حوله النا�س لأ�سلوبه العذب الرقراق ولقدرته على الولوج �إىل القلوب والعقول على ال�سواء (.)1 ويعي�ش اليوم ال�شيخ فتح اهلل غولن ( 70عاما) "مبنفاه االختياري" بوالية بن�سلفانيا الأمريكية بعد بلوغ دعوته طور العاملية ليبلغ بت�أثريه يف النا�س �آفاقاً �أرحب ،وليتخل�ص من القيود التي فر�ضتها عليه امل�ؤ�س�سة العلمانية بوطنه تركيا.
19
بني يدي الدعوة
عن طريق منح من رجال الأعمال الأع�ضاء وامل�ؤيدين) ،متتلك احلركة
�أخذت املرحلة التكوينية للحركة يف بداية �سبعينيات القرن املا�ضي عددا من امل�شروعات وامل�ؤ�س�سات التجارية التي تدر عليها �أرباحا طائلة، �شكال تقليديا� ،إذ مل تتعد �آنذاك جمموعة من املع�سكرات ال�صيفية "من �أبرز هذه امل�شروعات "بنك �آ�سيا" (الذي كان ُيعرف قبل ذلك للنا�شئة يقوم عليها جمموعة من امل�صلني الذين ي�ؤمهم ال�شيخ با�سم "�آ�سيا فاينان�س") ،والذي متتلك جمموعة "كاليك" التابعة مب�سجده مبحافظة �إزمري لتلقني الطالب بع�ض املناهج الدينية� ،إىل ل�شبكة ال�شيخ فتح اهلل غولن الن�صيب الأكرب من �أ�سهمه .كذلك ميتلك جانب املناهج التي يدر�سونها يف امل�ؤ�س�سات التعليمية العلمانية التابعة املنت�سبون للحركة �شركة �أكبولوت ل�صناعة الأن�سجة ،والتي ُتعد ثاين للجمهورية الرتكية.
�أكرب �شركة برتكيا يف هذا املجال" (.)2
ويف نهاية الثمانينيات انتقلت احلركة �إىل طور �آخر ،غري �أنها بقيت يف وي�ؤكد "�سريدارج ي�سيليورت" ،من االحتاد الرتكي لرجال الأعمال� ،أن نف�س الإطار الرتبوي التعليمي وذلك ببناء مدار�س و ُن ُزل للطالب يف احلركة قد لعبت دورا بارزا يف النمو االقت�صادي لرتكيا ،حيث مهدت جميع �أنحاء تركيا ،تبلورت بعدها �أفكار غولن يف �شكل حركة �أ�صبحت الطريق لرجال الأعمال لإقامة العديد من امل�شروعات والتمديد متثل ظاهرة تربوية عاملية تتجاوز �ألف مدر�سة ب�أكرث من 130دولة لأعمالهم يف الأ�سواق النا�شئة ب�إفريقيا و�آ�سيا الو�سطى" .وي�ضيف متتد من كينيا �إىل كازاخ�ستان مروراً ب�أوروبا والواليات املتحدة "ي�سيليورت" �أن " %95من �أع�ضاء احتاد العمال وال�صناعة برتكيا من الأمريكية و�أ�سرتاليا ،ف�ضال عن �ست جامعات برتكيا و�آ�سيا الو�سطى .امل�ؤيدين حلركة غولن". �أما مرحلة العاملية فتزامنت مع انفراط عقد االحتاد ال�سوفيتي عام غولن والعلمانية الأتاتوركية
،1994حيث متددت احلركة عرب م�ؤ�س�ساتها الرتبوية يف دول االحتاد
ال�سوفيتي ال�سابق الناطقة بالرتكية ،لتنطلق منها �إىل �سائر دول بد�أت حركة غولن من رحم تركيا العلمانية ،وبرغم عدم راديكالية البلقان و�أوروبا .ويف نهاية الت�سعينيات ،عرفت احلركة طريقها �إىل احلركة ،وعدم الدعوة لتطبيق ال�شريعة الإ�سالمية يف الف�ضاء العام، الواليات املتحدة الأمريكية يف نهاية ت�سعينيات القرن املا�ضي ،حيث قرر �إال �أنها قد قوبلت بحرب �ضرو�س من قبل امل�ؤ�س�سة العلمانية الرتكية ال�شيخ الإقامة ب�ضيعة ريفية بوالية بن�سلفانيا ليكون �أكرث ت�أثريا يف املعروفة بت�شددها و�إق�صائها الكامل للدين عن احلياة بكافة مناحيها. امل�سرح العاملي.
واعتربت امل�ؤ�س�سة العلمانية احلركة تنظيما راديكاليا ي�سعى للو�صول
برغم كل حمالت الت�شكيك التي د�شن لها العلمانيون الأتاتوركيون عن �إىل مقاعد ال�سلطة والهيمنة على مقاليد احلكم للعودة برتكيا �إىل ما م�صادر متويل احلركة ،والتي تعد واحدة من �أغنى احلركات بالعامل ،قبل ،1923عندما �أعلن م�صطفى كمال �أتاتورك ورفاقه من الع�سكر �إال �أنها متتلك �شبكة �أعمال متنوعة وعاملية .فبح�سب درا�سات حديثة ،قيام جمهورية تركيا على �أ�س�س علمانية ،و"قاموا بالتغيري الكامل حتظى احلركة بت�أييد نحو ع�شرة ماليني من الأع�ضاء واملتعاطفني مع ال�شامل وفق النموذج الأوروبي و�ألغوا الت�شريعات الإ�سالمية ،و�أقروا احلركة ،والذين ينتمون يف �أغلبهم �إىل طبقة رجال الأعمال ،يكر�سون مكانها القانون ال�سوي�سري ،كما �ألغوا احلرف العربي حل�ساب احلرف الالتيني ،و�أجربوا الن�ساء على خلع احلجاب ،و�ألغوا الأذان وال�شعائر ما بني � %5إىل %10من دخولهم لدعم احلركة. وف�ضال عن املدار�س واجلامعات اخلا�صة املنت�شرة حول العامل ،والتي التعبدية ،و�ألزموا من مت�سك بها على �أدائها باللغة الرتكية ليتم لهم ت�ضم نخبة من الطالب الذين ينتمون لعائالت ثرية (تنظم احلركة حمو الثقافة العربية الإ�سالمية عن �آخرها وا�ستبدالها بالقومية برامج خا�صة يف مدار�سها وجامعاتها للطالب الفقراء وغري القادرين الطورانية"(.)3
20
وانتهى الأمر بتوجيه تهمة لل�شيخ عام 1999مبحاولة تقوي�ض الدولة على �أنها البديل الأ�صلح للدين الراديكايل لأنها حركة تطورية حداثية، العلمانية �إثر ت�سجيل له يحث فيه �أتباعه على �أن يتحركوا يف �شرايني بل وت�سعى �إىل منذجتها للحركات الأ�صولية الإ�سالمية وامل�سيحية على النظام من طرف خفي دون �أن ي�شعر بهم �أحد ،و�أن يرتيثوا حتى ال�سواء ،فهي ،و�إن كانت ت�شدد على مركزية القر�آن يف النظرية ال�سيا�سية مي�سكوا بتالبيب ال�سلطة ،و�أن ميتلكوا نا�صية كل امل�ؤ�س�سات الد�ستورية الإ�سالمية لكونه وحيا �إلهيا ال يخ�ضع للتعديل والتطوير وال جتري عليه الأبعاد الزمانية واملكانية ،وترى ب�أن املمار�سة ال�سيا�سية النبوية ال بالدولة� .إال �أن املحكمة قد حكمت غيابيا برباءة ال�شيخ ،بعد �أن ت�أكد لها تتجاوز �أن تكون عمليات ت�أويلية تطورت ،وال تزال ،عرب ما يزيد على 14 العبث الذي �أحلق عن عمد ب�شريط الفيديو ،فف�ضل غولن االنتقال قرنا من الزمان ،وتخ�ضع لأبعاد الزمان واملكان. �إىل الواليات املتحدة الأمريكية حيث يعي�ش اليوم ب�ضيعة ريفية بوالية وهي بذلك ،بح�سب النظرية الغربية ،تتمايز عن النظرية ال�سلفية بن�سلفانيا. التي ت�ستلهم الفكر ال�سيا�سي من بطون التاريخ ،وال جتتهد يف تطويره، كذلك تتداول العديد من الدرا�سات والتقارير العالقة الوطيدة بني كذلك فهي تقدم منوذجا ينبغي �أن يحتذى من احلركات الراديكالية ال�شيخ فتح اهلل غولن وبني الدميقراطيني الإ�صالحيني املنتمني حلزب الدينية يف العامل الغربي ،ولثنائية الأ�صولية الربوت�ستنانتية واحلداثة العدالة والتنمية الإ�سالمي احلاكم ،و�أنها ت�سيطر على قطاعات من العقالنية عند "ماك�س فيرب" ،ومن ثم ،فقد قدم "غولن" ،كم�صلح ال�شرطة والق�ضاء ،حتى �إن �أحد قيادات ال�شرطة قد �أُودع ال�سجن يف اجتماعي متفرد ،الأر�ضية امل�شرتكة التي يقف عليها الدين واحلداثة العام املا�ضي �إثر �إعداده كتابا يتعلق بنفوذ احلركة وعالقتها باحلزب جميعا ،والتي تربط العلوم املادية بالقيم الروحية لأنه يعتقد �أن الغاية احلاكم ،وتكرر الأمر نف�سه يف هذا العام بالقب�ض على �صحفيني النهائية جلميع الأمم هي جتديد ح�ضارة الفرد واملجتمع عرب الفعل لإجرائهما ا�ستق�صاء عن الأمر ذاته. غولن و�أن�سنة الر�أ�سمالية وبرغم كل هذه الأمور ،ف�إن احلركة حتظى بقبول �سيا�سي و�شعبوي يف �أوروبا والواليات املتحدة الأمريكية لقبولها مببادئ العلمانية بوجه عام ،و�إميانها بالدميقراطية الليربالية ك�آلية مثلى لالرتقاء بدول العامل الثالث ،وعدم رف�ضها كلية ملبادئ الر�أ�سمالية التي ت�سعى احلركة لأن�سنتها وتعديلها لت�صبح �أكرث قبوال و�صالحية. وت�ؤمن احلركة �إميانا كامال مبركزية املر�أة ،ال من خالل طروحات امل�ساواة اجلندرية الغربية ،و�إمنا عرب دورها التكاملي مع الرجل يف �إحداث التغريات الكربى .كذلك تنفق احلركة جل �أموالها على م�شروعات عاملية حتظى بالدعم والقبول الغربي من �شاكلة حوار احل�ضارات وحوار الثقافات ،ف�ضال عن امل�شروعات اخلدمية ،ال �سيما يف جمال التعليم والرتبية. وتنظر امل�ؤ�س�سة ال�سيا�سية واملراكز البحثية يف الغرب �إىل حركة "غولن
الأخالقي. ولهذا فال جتد الكاتبة الأمريكية " Jill Carrollجيل كارول" فروقا جوهرية بني الأ�س�س الفكرية عند ال�شيخ "فتح اهلل غولن" وغريه من �أ�صحاب التوجهات الفكرية ،بل والعقدية املختلفة من �شاكلة فيل�سوف الإدراك احل�سي "�إميانويل كانط" وفيل�سوف احلرية "جون ا�ستيوارت مل" وفيل�سوف الوجودية "جان بول �سارتر" ،بل والفال�سفة القدامى يف الغرب وال�شرق على ال�سواء مثل "�أفالطون" الإغريقي و"كونفو�شيو�س" ال�صيني (.)4 �إن ال�صحوة الدينية احل�ضارية ،بح�سب "غولن" ،ال ميكن �أن تتحقق �إال عرب مزاوجة ما و�صلت �إليه احل�ضارة الغربية من تقدم علمي وتقني مع املنظومة الروحية والقيمية الإ�سالمية ،للو�صول بالإن�سان املعا�صر �إىل مدارج الرقي والكمال ،و�إن العامل �صار كالقرية ال�صغرية التي ال مكان فيها مل�شاعر الكراهية والعداء ،و�إن اجلماعات التي تقوم على �أيديولوجيات الإق�صاء وا�سرتاتيجيات التنافر �إمنا تكتب على نف�سها العزلة وال�ضمور.
21
السﻜينة تﺠرﺑة
د� .شلمان بن فهد العودة را يتظاهر املرء بالهدوء ويف اأعماقه براكني من النفعالت والغ�شب التي تو�شك اأن تنفجر! حني يتعر�ص الإن�شان ل�شيء من الإثارة ثم يحاف على هدوئه فهو يت�شف بال�شيطرة على النف�ص" ميلك نف�شه عند الغ�شب ". اأن يكون تعبريه عن انفعالته وم�شاعره متوازن ًا معتد ًل ،يف حالة الر�شا والغ�شب ،واحلب والبغ�ص ،والعداوة وال�شداقة هنا يكون حممود ًا على ل�شان النبيني " كلمة احلق يف الغ�شب والر�شا ". الهدوء الروحاين لي�ص ا�شتعالء على الآخرين ول فوقية ،ول ا�شتثار ًا باخللق الأ�شمى ،واإا هو �شلوك ي�شتلهم منه الآخرون مواقفهم ،وي�شجعهم على ال�شتجابة. هدوء الكلمة واللغة ،وهدوء القلب ،وهدوء املالمح والق�ضمات واجل�ضد. لي�ضت ال�ضالة وحدها ول ال�ضيام اأو احلج ،بل احلياة كلها هي " معبد " يربي امل�ضلم على الن�ضباط حتى مع النف�س ،ويف احلديث َعنْ اأَبِي هُ َر ْي َر َةَ ،قا َل ( َقا َل َر ُج ٌل َ :يا َر ُ�ضو َل اهللِ ،اإِ َّن ُف َ ال َن َة ُي ْذ َك ُر مِ نْ رث ِة َ�ض َ َك ْ َ ريا َنهَا ِبل َِ�ضا ِنهَا، ري اأَ َّنهَا ُتوؤْذِي جِ َ ال ِتهَاَ ،و ِ�ض َيامِ هَاَ ،و َ�ض َد َق ِتهَاَ ،غ ْ َ َقا َل ":هِ َي ِيف ال َّنا ِر )! (رواه اأحمد وابن حبان يف �ضحيحه واحلاكم وقال �ضحيح الإ�ضناد).
الن�ضباط مع النف�س يعني األ ي�ضتجيب املرء ملقت�ضى املوقف بعفوية مت�ضرعة ،من دون اأن يطور اأداءه مع الوقت وي�ضتفيد من جتاربه وجتارب الآخرين. من ال�ضنة اأن متر باملرء حالت اندفاع وحالت �ضعف ( َف ِاإ َّن ِل ُك ِّل عَابِدٍ �ضِ َرة َو ِل ُك ِّل �ضِ َر ٍة َف ْ َ رتة.).. حتى الثورات هي اندفاع يتحول اإىل تكوين حياتي ،وي�ضبح نظاماً ودولة و�ضيا�ضة ،وبطبيعة احلال �ضي�ضعر ب�ضيء من احلرج مع �ضعارات ومواعدات ومبادئ مت التكاء عليها اأول الأمر. وقد ي�ضعر باحلرج من اأتباع اأرادوا من هذا التكوين احلياتي اأكرث مما يجب واأكرث مما ميكن.. احلب نف�ضه قد يبداأ ثورة ثم يتعقلن اإذا مت الزواج ،وقد ي�ضعف اأو يرتاجع اأو ميوت اإذا مل يكن مبنياً على اأ�ضا�س �ضحيح ،اأو اإذا اأ�ضبح اأنانية وا�ضتحواذاً ومطالب. الهدوء يكمن يف جزء من الثانية ما بني املثري الذي �ضنع ال�ضتفزاز وال�ضتجابة وردة الفعل ،وياحلكمة امل�ضطفى -عليه ال�ضالة وال�ضالم- ال�ض ْد َم ِة الأُ َ وىل)( .كما يف ال�ضحيحني من رب عِ ْن َد َّ حني قال َّ (ال�ض ْ ُ حديث اأن�س ر�ضي اهلل عنه).
22
حني تتعامل مع �أي ا�ستفزاز على �أنه " كمرة خفية " و�ضعت لت�سجل نوع وتوقع الأف�ضل كما قيل : ا�ستجابتك ثم تعر�ضها عليك وعلى اجلمهور ،هنا �ستكون �أكرث �إحكاماً فقت لقلبي� ..إن نزا بك نزو ًة للنف�س و�سيطرة عليها ،ومعنى هذا �أن �أي �إن�سان يدري �أن ال�سكينة من اله ِّم؛ �أ ْق ِ�ص ْر� ،أك ُ رث الهول باطله وال�سيطرة على النف�س هي ف�ضيلة �إن�سانية ونبل كبري ،و�أن الطي�ش ا�ستفراغ الطاقة يف العمل الإيجابي النافع لي�س نقي�ضاً للهدوء ،هو واالنفعال ال�سريع غري املدرو�س مثلبة ونق�ص. الوجه الآخر للهدوء ،فاملنجزون عادة ال ت�ستفزهم احلوادث ب�سرعة، حني مير املرء بتجارب احلياة �سيدرك �أنه من ال�سهل �أن يقول ومن لأنهم يراهنون على �إجناز تراكمي طويل ،ولي�س على مفاج�آت �أو �صدف. ال�صعب �أن يعمل وميتثل.. حني يقولون �إن القائد الهادئ هو الذي يتعامل مع الفجائع والنكبات �سيكون مدافعاً بحرارة عن موقف انفعايل مر به ،لأنه ال يجدر به �أن على �أنها �أ�شياء عادية ،فهذا ال يعني �أنه غري مبالٍ ،كال ،و�إمنا هو ي�ست�سلم �أو يف ّوت الأمر ! كاف من الهدوء ميكنه من التفكري والبحث واختيار يحتفظ بقدر ٍ والق�صة بب�ساطة �أنه قد غ�سل يده من املحاولة وقرر �أن ي�سوغ الطبع احللول بعيداً عن �أن يقع يف �أحبولة اخل�صم. الذي هو عليه. وحني نتحدث عن الهدوء ..فلي�س معناه �أن نلغي الطبيعة ال�شخ�صية، الذين ح�صلوا على قدر من الهدوء مل يدركوه خالل فرتة ي�سرية، وال نطم�س العنوانات الأخرى واملواقف املناق�ضة. ولكن عرب تراكم ممتد من املحاوالت والف�شل واخلجل والرتدد كل ما هنالك �أن يقال� :أ�ضف �إىل العناوين اجلميلة املوجودة لديك والإحباط ،ومع كل املعوقات قرروا �أال ت�سقط الراية من �أيديهم ،و�أن عنواناً ا�سمه" ال�سكينة " ،حتاول ا�ستح�ضاره كلما �أملت بك م�شكلة �أو يكرروا املحاولة تلو الأخرى متذرعني بقول احلق -عز وجل ( َوا َّلذِ َ ين دهمتك نازلة� ،أو واجهت موقفاً م�ستفزاً �أو مثرياً ،تذكر فوراً �أن هذا َجا َهدُوا فِي َنا َل َنهْدِ َي َّن ُه ْم ُ�س ُبلَ َنا َو�إِ َّن اللهَّ َ لمَ َ َع المْ ُ ْح�سِ ِن َ ني) (العنكبوت،)69: ً املوقف " م�صمم " خ�صي�صا الختبار �صربك وقدرتك على االن�ضباط، و�أجلموا �أنف�سهم عن البغي والعدوان والظلم متذكرين و�صمة النفاق نعم �إنه "القدر املقدور". ا�ص َم َف َج َر). ملن (�إِ َذا َخ َ من امل�ؤكد �أن الطبع يغلب التطبع ،ف�إذا كان طبعك ي�ساعد على الهدوء فهنا مواطن التقوى ال�صادقة ،وامتحان النفو�س ،وحني عرب اهلل تعاىل ف�أنت جبلت على ما يحبه اهلل ور�سوله كما يف حديث عبد القي�س ،على بقوله�( :أُو َلئ َِك ا َّلذِ َ ين ْام َت َح َن اللهَّ ُ ُق ُلو َب ُه ْم لِل َّت ْق َوى) (احلجرات ،)3:كان �أنه �إن كانت الأخرى ف�إمنا العلم بالتع ّلم ،واحللم بالتح ّلم ،وال�صرب ذلك يف �سورة احلجرات التي ا�شتملت على النهي عن رفع الأ�صوات فوق �صوت النبي ،والنهي عن ترديد الإ�شاعات ،وعن الوقوع يف الأعرا�ض ،بالت�صبرّ ..كما قال �أبو الدرداء. وعن التعيري والتحقري ،وعن ال�سخرية ،وعن �سوء الظن ،وعن لقد حدث يل �أن جترعت مرارات من الأذى كنت �أظن �أنني ال �أحتاجها، ثم تبني يل بعد �سنني ؛ �أنها �أ�سهمت يف �صناعة ذاتي و�إحكام جتربتي االختالف والتقاتل ،وعن العن�صرية واالنت�ساب.. وختمت بالآية الكرميةُ ( :ق ْل لمَ ْ ُت�ؤْمِ ُنوا َو َلكِنْ ُقو ُلوا �أَ ْ�سلَ ْم َنا) وتعويدي على قدر من االحتمال والتجاوز والعفو وقهر الذات على عدم (احلجرات ،)14:فالإميان احلق هو ممار�سة �أخالقية على �أعلى مقابلة ذلك بغري الر�ضا والهدوء وال�سكينة ،وقدرت بف�ضله تعاىل على �أن �أعي�ش حياتي �سعيداً مطمئناً هانئاً ،لقد �أدركت �أن ال�سهام املوجهة ال امل�ستويات ،وان�ضباط يف احلقوق والعالقات. النظرة الإيجابية للأ�شياء واحلوادث من منطلق الإميان بحكمة ت�ضر املرء �إذا مل ت�ضره نف�سه ،بل ت�ساعده على �أن يكون �أقوى و�أر�سخ، اخلالق الذي ال يقع �شيء �إال ب�إذنه يعطي بعداً لقراءة النتائج البعيدة ثم يتدرج �إىل �أن يتعود عليها فتبدو �شيئاً من برنامج احلياة ذاتها و�سنة وح�سن الظن باهلل ،والهدوء يف معاجلة املواقف الغام�ضة واجلديدة مع الوجود ،ثم يرتقي �إىل �أن ي�ستطيع �أن يقتب�س حتى امللحوظات ال�صغرية كمال احلر�ص على الإفادة من الفر�ص واقتنا�صها وح�سن توظيفها� ،أو ي�شرب قطرة من املاء العذب ي�ستخل�صها من ملح �أجاج.
23
ﺑﺤثا ﻋﻦ
المﺸﺘرﻙ ﻣﻊ اﻵﺧريﻦ
ال�شيخ عبد اهلل بن بيه /عا موريتاين اإذا كان عقالء العامل اليوم ي�ضكون من غلبة منهج املواجهة بني احل�ضارات على منهج الت�ضال ،وتهدم اجل�ضور ،فاإن من �ضمن ما يجب اإبرازه، والتاأكيد عليه ،قطعا لنهج ال�ضدام ،هو جالء م�ضرتكات احل�ضارات .وهي اخلطوة التي نتحدث عنها هنا� ،ضمن اأحاديثنا ال�ضابقة عن م�ضكلة التوا�ضل والنقطاع بني احل�ضارة الإ�ضالمية وغريها. يكون خافياً اأو خافتاً اأو قد ُ وهنا نقول اإن من اأ�ضباب هذا الت�ضال احل�ضاري هو اإبراز امل�ضرتك بني الطرفني الذي قد ُ يكون اإطال ُع الطرفني بع�ضهم بع�ضاً عليه ي�ضهِّل عملي َة التوا�ضل والنطالق منه اإىل اآفاق املختلف فيه لت�ضهيل عملية التوا�ضل. ِ ولهذا يجب توظيف امل�شرتك دوائر منها : دائرة القيم الإن�شانيةُّ : ري فكل ِ النا�س يبحثو َن عن العدلِ وال�ضال ِم ويبغ�ضو َن اجلو َر والطغيا َن فما ل ير�ضا ُه لنف�ضِ ه ل ير�ضاه لغريِه ،اإ َّنه ال�ضم ُ الإن�ضا ّ القيم التي يو ُ النا�س ـ كل النا�س ـ فهناك معايري ل يختلف عليها النا�س لأنها ترجع اإىل العقل ؤمن بها ُ ين الذي يجب اأن ننبهه من خالل ِ وهو كما يقول ديكارت اأف�ضل الأ�ضياء توزيعاً بني النا�س ومبادئ الفطرة التي فطر اهلل النا�س عليها وهي امل�ضاألة املعروفة يف الفل�ضفة الإ�ضالمية احل�ضن مِ ن العلو ِم ال�ضروري ِة التِي يخلقها ُ َ اهلل يف الإن�ضان). وح�ضن القبيح بالتح�ضني والتقبيح فقد قا َل القا�ضي عب ُد اجلبار املعتزيل( :اإ َّن قب َح ِ ِ ابن القيم :اإ َّن الأفعا َل ح�ضن ٌة يف نف�ضها اأو قبيحة ،واإن العق َل ُ َ ابن تيمية وتلمي ُذه ُ وقد قال ُ بع�ضها دو َن الآخر. يدرك هذا احل�ضن والقب َح يف ِ وف َو َي ْنهَاهُ ْم ع َِن ْامل ُ ْن َكر ) (الأعراف. )157: فقد قال ابن القيم يف مدارج ال�ضالكني اإ َّن قو َله تعاىل ( َياأْ ُم ُرهُ م ب ِْامل َ ْع ُر ِ ُ َ العقول ال�ضحيح ُة بح�ضنِه ،وينهَى ع َّما ت�ضه ُد بقبحِ ه. الدين الذي جا َء ب ِه ياأم ُر مبا ت�ضه ُد يوؤك ُد اأ َّن هذا ُ واختا َر القو َل باحل�ضن والقبح العقليني الأحناف ،وهو مرويٌّ عن اأبي حنيف َة نف�ضِ ه ،واختا َره اأبو اخلطابِ الكلوذا ِّ التميمي َ من احل�ضن ين واأبو ِ ِّ ُ ومن ال�ضافعي ِة اأبو علي ُ احلنابلةَ ، ال�ضا�ضي الكبري. القفال بن اأبي هرير َة واأبو بكر ُّ هلل َ تعاىل ،وتب َعه الغزا ُّ يل ،ويتداخ ُل يف نظر ِة امل�ضلم َ ني ا َإىل ني ني يف اأفعالِ العبا ِد دو َن اأفعالِ ا ِ والتقبيح العقلي ِ ني القو َل بالتح�ض ِ واختا َر اإما ُم احلرم ِ ِ ُ ري. ري ح ٍّد كب ٍ احل�ضن واخل ُ ُ ٌ وباجلملة :فاإ َّن مَن ُ فالعدل ٌ م�ضرتك ب َ ح�ضن ،واجلو ُر ني الإن�ضاني ِة جمعاء: القيم العق َل ،وهو اأم ٌر ني والتقبيح العقلي ِ يقول بالتح�ض ِ ني يجع ُل ا َ أ�ضا�س ِ ِ قبيح … اإىل اآخر قائمة القيم .فكما قا َل ديكارت(اإ َّن العق َل ه َو ا ُ أح�ضن الأ�ضيا ِء تو ُّزعًا بالت�ضاوي ب َ ني الب�ض ِر كلهم). ٌ ُ ُ ِّ إن�ضاين. والوثيقة الدولية حلقوق الإن�ضان متثل اأه َّم حماول ٍة لتوظيفِ امل�ضرتكِ ال ِ َ َ القيم الدينية :م َع اأ�ضحابِ الر�ضالتِ ال�ضماوي ِة ؟ ْ قل َيا اأه َل الكتابِ تعالوا اإىل كلم ٍة �ضواء بي َننا وبي َنكم؟وقولوا اآمنا بالذي اأنزل اإلينا دائر ُة ِ واأنزل اإليكم واإلهنا واإلهكم واحد ونحن له م�ضلمون؟. ني ُ واحل�ضارة الغربية م�ضيحية كما يرى هنرت ميد قائ ً ال :وح َ امل�ضيحي فاإننا نعني بالن�ضبة للفل�ضفة «التوحيدي» ،فالإميان باإل ٍه واحدٍ يحك ُم نقول: ُّ ُ النا�س جمي ًعا يف ك ِّل مكان. ري الدينِي للغربِ ..وهذ ِه الأوام ُر اأوام ُر الإل ِه �ضامل ٌة أ�ضا�س للتفك ِ تنطبق على ِ الكو َن الذِ ي خل َقه ا ٌ ني مثل هان�س كيو عندما ُ ٌ م�ضرتك ،كما نبه عليه ُ وهذا ال ُ الدين امل�ضيحيني املن�ضف َ يقول :بالن�ضب ِة لليهو ِد وامل�ضيحيني وامل�ضلمني إميان بع�س رجالِ ِ هلل وكلماتِه (بنقل جاك نرينيك �ضرط فاإ َّن الإميا َن يعنِي اأ َّن الإن�ضا َن هنا مع كل ما اأوتي من قوة ومن فكر ملتز ٌم بدونِ قيدٍ اأو ٍ بالت�ضليم والثق ِة با ِ ِ يف حواره مع طارق «هل ميكن اأن نعي�س مع الإ�ضالم؟» (�س. ) 14
24
أﺩﺑياﺕ الﺤواﺭ فﻲ اإلسﻼم هايل عبد املوىل ط�شطو�ص اإن الناظر يف اأدبيات الإ�ضالم ب�ضكل عام يجد من البديهي انه يدعو اإىل الت�ضامح والرفق واللني واحلوار والتنا�ضح ولي�س فيه جمال لل�ضدة والغلظة والعنف والإرهاب والتخويف والرتويع وذلك لأنه دين اهلل العلي العظيم الرحمن الرحيم ،وقد انبثقت دعوة الإ�ضالم من هذا الرحم وقامت على هذه الأ�ض�س ،واأما لفظة احلوار فهي من املُحاورة؛ وهي املُراجعة يف الكالم .وقد ا�ضتخدمت هذه اللفظة يف القران الكرمي يف قوله تعاىل( َق ْد حتا ُو َر ُك َما اإِ َّن َّ َ اهلل َو َّ ُ َ�ضمِ َع َّ ُ اهلل َي ْ�ض َم ُع َ َ اهلل َق ْو َل ا َّلتِي ُ َ ري) (املجادلة )1:واأما الغاية من احلوار فهي اإقام ُة جتا ِد ُل َك ِيف َز ْوجِ هَا َو َت ْ�ض َتكِي اإِ َىل َّ ِ اهلل َ�ضمِ ي ٌع َب ِ�ض ٌ و�ضل اإليها ويف ذلك احلجة ،ودف ُع ال�ضبهة وتو�ضيح وجهات النظر واإزالة اللب�س واللغط ،اإذن هو تعاون من املُتناظرين من اجل معرفة احلقيقة وال َّت ُّ العامل الأذكى العل َم ملن دونه ،وتنبي ِه الأغف َل ال َ أ�ضعف) . يقول احلافظ الذهبي( اإمنا و�ضعت املناظرة لك�ضف احل ِّق ،واإفاد ِة ِ ومن اأ�شول احلوار يف الإ�شالم هو: املرجحة للدعوى . -1تقدمي الأدلة املُثبِتة اأو ِّ � -2ضحة تقدمي النقل يف الأمور املنقولة .ويف هذين الطريقني جاءت القاعدة احلوارية امل�ضهورة ( اإن كنت ناق ًال فال�شحة ،واإن كنت مد ع ّي ًا فالدليل) . -3ويف التنزيل جاء قوله �ضبحانه( ُق ْل هَا ُتوا ُب ْرهَا َن ُك ْم اإِنْ ُك ْن ُت ْم َ�ضا ِد ِق َ ني ) ويف اأكرث من �ضورة (:البقرة ، )111:و(النمل ُ (، )64ق ْل هَا ُتوا ُب ْرهَا َن ُك ْم َه َذا ِذ ْك ُر َمنْ َمع َِي َو ِذ ْك ُر َمنْ َق ْبلِي)(الأنبياءُ (. )24:ق ْل َفاأْ ُتوا بِال َّت ْو َرا ِة َفا ْت ُلوهَا اإِنْ ُك ْن ُت ْم َ�ضا ِد ِق َ ني)(اآل عمران. )93: ومن البديهيات اأي�ضا التج ُّرد ،وق�ضد احلق ،والبعد عن التع�ضب ،واللتزام باآداب احلوار :اإن اإتباع احلق ،وال�ضعي للو�ضول اإليه ،واحلر�س على اللتزام؛ هو الذي يقود احلوار اإىل طريق م�ضتقيم ل عوج فيه ول التواء ،اأو هوى اأو �ضالل .وكذلك لبد من التزام القول احل�ضن ،وجتنب منهج التحدي والإفحام: اإن من اأهم ما يتوجه اإليه املُحاور يف حواره ،التزام ا ُ حل�ضنى يف القول واملجادلة ،حيث يدعونا رب العزة اإىل اللتزام بالقول اللني احل�ضن( ُق ْل ِل ِع َبادِي ا�س ُح ْ�ضناً )(البقرة . )83: َي ُقو ُلوا ا َّلتِي هِ َي اأَ ْح َ�ضن )(الإ�ضراءَ (.)53:و َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّلتِي هِ َي اأَ ْح َ�ضن )(النحلَ (. )125 :و ُقو ُلوا لِل َّن ِ ومن الأدبيات والأخالقيات املهمة يف احلوار هو ح�ضن ال�ضتماع واأدب الإن�ضات وجتنب املقاطعة ،حيث يقول ابن املقفع ( تعل م ُح�شن ال�شتماع كما تتعلم ح�شن الكالم ومن ح�شن ال�شتماع :اإمهال املتكلم حتى ينق�شي حديثه .وقلة التلفت اإىل اجلواب .والإقبال بالوجه. والنظر اإىل املتكلم .والوعي ملا يقول). هذه بع�س اأخالقيات واأ�ضا�ضيات احلوار واآدابه التي على امل�ضلم اأن يراعيها يف حواره مع اإخوانه واأقرانه ورفاقه وزمالئه يف العمل واأهل بيته و�ضول اإىل نتيجة نافعة وحا�ضمة ومفيدة له وملجتمعه ولأمته. عن الراأي
25
اﻷﻣة ﻋﺒر الﺘاﺭيﺦ ﺑيﻦ الﺤواﺭ والﻌنﻒ اأ.د.حممد ار�شيد العقيلي ماذا اأ�شاب امة العروبة والإ�شالم اليوم وماذا دهاها من �ضيكولوجية هذه الأمة لتوؤكد وتزرع يف الوعي والالوعي يف عقول �شروب املحن والكوار حتى اأ�شبحت بنظر خ�شومها من اأجيال واأبناء هذه الأمة وخ�ضومها الذين يرتب�ضون بها الدوائر الداخل واخلارج موطنا ملا ي�شمى تارة بالعنف والإرهاب ،وتارة على ال�ضواء ،اأن لهذه الأمة �ضفات وخ�ضائ�س و�ضيكولوجية معينة
باملقاومة .ماذا دهى العرب وامل�شلمني اليوم حتى اأ�شبحوا حمط اأنظار الداين والقا�شي فيما يتفجر هنا وهناك من عمليات عنف حتى التب�ص الأمر على من اأح�شنوا الظن ا�شي هذه الأمة وحا�شرها ،فاأ�شبح ما يجري �شبة ولعنة يف تاريخ هذه الأمة، بل ويف م�شتقبلها وكاأنها م�شكونة بالعنف والإرهاب ،والبعد عن احلوار وال�شورى ،حتى اأن خ�شوم هذه الأمة ا�شتثمروا ما يجري على ال�شاحتني العربية والإ�شالمية باخللط عمدا بني املقاومة والإرهاب لي�شلوا اإىل "م�ش ّلمة" بان هذه الأمة عاجزة عن التطور والنهو�ص ،وعاجزة عن احلوار والتوا�شل مع الأ وال�شعوب التي تدعي اأنها تقود ركب احل�شارة.
وقد ترتب على هذا الواقع التبا�س الأمر على الراأي العام العاملي وخفيت احلقائق على كثري من �ضعوب هذه املعمورة نظرا ل�ضعف اإعالمنا العربي والإ�ضالمي يف اإي�ضال �ضوت احلقيقة اإىل الراأي العام العاملي ولغات �ضعوب الأر�س عرب الف�ضائيات التي اأ�ضبحت تلعب دورا بارزا يف غ�ضل اأدمغة القريب والبعيد ،العدو وال�ضديق على ال�ضواء من ناحية ،وقوة اإعالم خ�ضوم هذه الأمة يف ت�ضويه �ضورة تاريخنا وحا�ضرنا و�ضد املنافذ اأمام م�ضتقبلنا ،لتظل هذه الأمة تراوح مكانها ول ت�ضتطيع النفالت منه. والأدهى من ذلك والأمر اأن بع�س الدرا�ضات �ضارت توجه اإىل
ا�ضطبغت بها عرب التاريخ ،وي�ضتحيل عليها اأن تنفلت منها لأنها اأ�ضبحت جزءا من ذاتها وتفكريها وكينونتها ،واأنها لذلك جتنح دوما نحو ال�ضتبداد والطغيان يف اأنظمة حكمها ،ونحو تغليب العنف على احلوار. يف العالقة بني احلاكم واملحكوم ،وبني املعار�ضة واأنظمة احلكم يف ما�ضيها وحا�ضرها بل ويف العالقة بني اأفراد الأ�ضرة ،وبني الأفراد واجلماعات داخل املنظومة العربية والإ�ضالمية نف�ضها مما يجعل قدرة الأمة ب�ضبب طبيعتها التي الت�ضقت بها والتي حددت كينونتها و�ضريورتها عاجزة عن التعاي�س اأول مع نف�ضها، والنفتاح اأو احلوار مع الآخر ثانيا فجعلها بالتايل غري موؤهلة مل�ضايرة احل�ضارة والتقدم ،ولن يكون لها ل حا�ضرا ول م�ضتقبال اإ�ضهاما اأو اجنازات ت�ضتحق الذكر ،وعندما ي�ضتقر يف اأذهان بع�س اأجيال هذه الأمة ،وترت�ضخ يف تفكري خ�ضومها ،وتفكري الراأي العام العاملي مثل هذه املفاهيم الظاملة ،اخلاطئة ،فان القناعات �ضوف تتح�ضل لدى الداين والقا�ضي العدو وال�ضديق وحتى املحايد الذي �ضوهت ال�ضورة يف ذهنه من اأن هذه الأمة ت�ضتحق اأن تبقى مكبلة يف الأ�ضفاد من ناحية ،وانه يتوجب اأن تبقى حتت الو�ضاية الدولية بهدف تاأهيلها واإعادة النظر بتغيري طبيعتها
26
و�سيكولوجيتها ,لعلها تتعرف على �أبجديات املدنية واحل�ضارة ،على احلوار والعنف يف تاريخ هذه الأمة اعني ت�سليط ال�ضوء على فتتمكن حينها من االندماج مع الآخر والتعاي�ش معه بعد اقتالع احلرية وال�شورى من جهة واال�ستبداد والطغيان من جهة �أخرى جذور العنف والتطرف من نفو�س �شعوبها ،ليكون لأجيال هذه �سواء كان ذلك يف عالقة احلاكم باملحكوم� ،أو بعالقة �أفراد الأمة الأمة القدرة على احلوار م�ستقبال مع الآخر من ناحية �أخرى.
مع بع�ضهم بع�ضا� ،أو بعالقة الأمة مع غريها من الأمم وهو ما
واجد �أن من واجب كل من عنده الإملام �أو بع�ض الإملام بتاريخ يعرب عنه يف الدميقراطية من �أو�سع �أبوابها ،ولعل ذلك يحمل يف هذه الأمة وطبيعة كينونتها ،وهل فطرتها و�سيكولوجيتها رك ّبت طياته مفاتيح �إعادة �صياغة م�شروع نه�ضوي لهذه الأمة يرتكز وت�أ�صلت على العنف ونبذ احلوار �سواء مع الذات �أو مع الآخر� ،أن على ايجابيات تاريخ الأمة العربية الإ�سالمية ويتفاعل مع واقعها يت�صدى لذلك بهدف اقتالع الت�صورات واملفاهيم اخلاطئة الظاملة وحا�ضرها ،وي�ست�شرف �آفاق م�ستقبلها. من نفو�س خ�صوم هذه الأمة و�أ�صدقائها �سواء كان ذلك مق�صودا �أم غري مق�صود ،وبهدف �إ�صالح الذات ومراجعة حمطات ال�سلب والإيجاب عرب تاريخ هذه الأمة من الداخل قبل �أن تفر�ض علينا القوالب اجلاهزة من اخلارج بدعوى ظاهرها حق وباطنها �سم �سعاف. من هذا املنطلق �أجد لزاما علي وعلى غريي ممن يدعون �أن لديهم بع�ض الإملام بهذه الإ�شكالية �أن يت�صدوا لهذا املو�ضوع بكل مو�ضوعية وعلمية وحياد. و�سوف ابد�أ ذلك بتف�سري ظاهرة العنف والتطرف عامليا ثم اتبعها ب�سل�سلة من احللقات تناق�ش ظاهرة احلوار والعنف عرب تاريخ هذه الأمة ابتداء من العرب قبل الإ�سالم ،ومرورا مبحطات كثرية منذ انبالج فجر الإ�سالم وحتى تاريخنا املعا�صر ،لعل يف الك�شف عن هذه الظاهرة ما مييط اللثام عن كثري من ال�سلبيات وااليجابيات، على �أمل �أن �صناع القرار يف عاملنا العربي والإ�سالمي وكذلك �شعوب هذه الأمة ابتداء من الفرد والأ�سرة وحتى املجتمع يعمقون االيجابيات ويجذرونها وي�ست�أ�صلون ال�سلبيات مما ي�سعفهم ويعينهم يف �إعادة �صياغة حا�ضر هذه الأمة وم�ستقبلها بهدف �سد الطرق و�إغالق املنافذ على خ�صوم هذه الأمة من ناحية واللحاق بالركب العاملي املتقدم من ناحية �أخرى ،ويف ت�سليط الأ�ضواء
27
الﺘساﻣﺢ ﺑيﻦ الﺒﺸر فﻲ ﻣنﻈوﺭ الرسالة المﺤمﺪية غ�شان �شعدون الطائي/العراق ني ُ اهلل الإ�ضالح ،كالهما حري�س على لآخر ،و قبل كل ذلك اأن كالهما قال تعاىل ( و ي �شاأُ لو ن ك ما ذا ُي ن ِف ُقونُ قلِ ا ل ع ف و ك ذ ِل ك ُي ب ُ ات ل علُ ك م ت ت فك ُرون( ) البقرة .)219: ل ُك ُم آ ال ي ِ من اجلميل بل من الت�شامي اأن يتحلى املرء بالت�شامح ،ولكن كما قيل العلم بالتعلم واحللم بالتحمل فال بد لنا من تربية ذاتنا على هذه اخل�شلة التي حتتاج اىل جهد عظيم لإتقانها لأنها بب�شاطه مهارة تكت�شب ولي�شت �شفة تور فالت�شامح هو اأحد مكارم الأخالق و�شمة من �شمات املرء املوؤمن احلاف لدين اهلل. وتعريف الت�شامح ...هي كلمة م�شتقة من مادة �شمح ،وهي يف كل ا�شتقاقاتها تدل على الي�شر وال�شهولة والعفو .ووزن ت�شامح يدل على امل�شاركة ،يعني يتم بني اثنني ،بخالف �شامح التي
فاملوقف الذي يدعونا اإىل الت�ضامح هو :موقف اأبي بكر ر�ضي اهلل
تكون من ِقبل �شخ�ص واحد .
عنه ممن اتهم ابنته عائ�ضةر�ضي اهلل عنها بق�ضية عفافها عندما
يراعي اهلل يف �ضلوكه. وماذا بعد الت�ضامح ؟ �ضيتجنب املخطيء الغلط يف حق الآخرين لأن طلب ال�ضماح لي�س بال�ضهل عل النف�س .و�ضيخرج امل�ضامح بقوة نف�ضية تتعدى رغبة النت�ضار على الذات اإىل ك�ضب الأجر واحل�ضنات . ولت�ضليط ال�ضوء على تعامل امل�ضلمني الأوائل مع من اأخطا بحقهم نطلع على موقف �ضيدنا اأبي بكر ال�ضديق ر�ضي اهلل عنه واأر�ضاه
ما موقفك عندما ياأتي �ضخ�س اأخطاأ يف حقك ويطلب منك �ضامح �ضيدنا ال�ضديق وطلب املغفرة من رب العزة ملن اأ�ضاء اىل فلذة ال�ضماح فت�ضاحمه ؟ كبده وزوجة احلبيب امل�ضطفى �ضلى اهلل عليه و�ضلم متوا�ضعا هلل ا ّإن هذا يعني اأن ال�ضخ�س الأول يحمل بني جنباته نف�ضاً لوامة عز وجل. تخاف اأن تخطيء يف حق اأخ م�ضلم وهذه النف�س هي التي دعته
ال�ضيا�ضي ،فاإن املت�ضارعني قد يكون لهم العذر، اأما على ال�ضعيد ّ
لطلب العفو وال�ضماح ....وماذا يعني موقف الآخر؟ يعني اأنه ولكن حني تاأتي اأجيال اأخرى وحتمل هذه الأحقاد ،ول تفكر حري�س على الت�ضال باإخوانه والتوا�ضل معهم والعفو عن بالت�ضامح ،فهذا يعني اإ�ضرارا على العداوة ،وتاأجيجا لنارها، اأخطائهم وجتاوزها بل ن�ضيان املا�ضي.
وخا�ضة مع ال�ضعوب التي تربطها روابط قو ّية ،وهذا يعني حرمان
هذا املوقف يقوي الأوا�ضر بني ال�ضخ�ضني ،فكالهما يريد ال�ضعبني اأو الدولتني من تعاون مثمر يتجاوز كل عائق.
28
وهنا البد لنا من �أن نعرج على بع�ض ق�ص�ص الت�سامح والعفو عند بيننا تباعدت املبادئ والقيم نكون قد تغلبنا على �شهواتنا وحكمنا املقدرة� ،أ�ضعها �أمام �أنظاركم بهدف العربة والعظة والفائدة:
عقولنا� ،إمنا امل�ؤمنون �إخوة يف كل �شيء ،حب لأخيك ما حتب
-1ق�صة �سيدنا زين العابدين حني ولد له ولد فطلب من جاريته لنف�سك. �أن ت�سخن له ماء ليغ�سل املولود ,فتعرثت اجلارية فانقلب املاء يروى عن �أمري امل�ؤمنني عمر بن العزيز(رحمه اهلل) انه دخل ال�ساخن على املولود ومات ،فغ�ضب �سيدنا زين العابدين فقالت له م�سجدا يف الليل وكان امل�سجد مظلما وكان هناك رجال نائمون اجلارية قوله تعاىل(:والكاظمني الغيظ) فقال (كتمنا) ثم قالت فبينما اخلليفة يتخطاهم وطئ على قدم احد النائمني فقام له ( والعافني عن النا�س) قال (عفونا) ثم قالت ( �إن اهلل يحب الرجل غ�ضباناً وقال لعمر �أ�أنت ؟ املح�سنني) فقال لها اذهبي ف�أنت حرة يا جارية ،هذا �أمنوذج راقٍ
فبكل هدوء رد عليه قائال ال �أنا عمر بن عبدا لعزيز وكان �أحد
للت�سامح الإ�سالمي والعفو عند املقدرة.
رجال عمر يريد �أن يبط�ش بالرجل ف�أوقفه عمر وقال له� :إن
-2الوقفة الثانية ،ما روي عن ق�صة �سيدنا معاوية بن �أبي �سفيان الرجل �س�ألني �إن كنت �أنا ....فقلت له ال �إنني عمر وانتهت الق�ضية وموقفه ال�شديد واحلازم مع ذلك ال�شاعر املثقف ،والذي وقف بهدوء . بجوار �سيدنا علي( كرم اهلل وجهه) وكتب ع�شرات الق�صائد �ضد هذا الأمر وتلك الأمثلة من تاريخنا الإ�سالمي املجيد تعطينا معاوية ،فقب�ض عليه فقال له معاوية ما تراين فاعل بك يا هذا ،درو�سا البد �أن نتذكرها با�ستمرار ونتحلى بها ,لأنها من �صلب فقال له ال�شاعر �سمعت هذا احلديث عن الر�سول �صلى اهلل عليه ديننا احلنيف ،فالت�سامح هو �أ�سلوب متح�ضر ملن يخ�شى اهلل و�سلم (من كانت له يد عند اهلل فليقف فال يقف �إال من عفا) ،هذا ويتم�سك بطاعته لذا نرى �ضرورة �أن يتحلى امل�سلمون اليوم هو الإ�سالم احلقيقي وهذا هو العفو عند املقدرة.
بال�صفح والت�سامح والت�سامي فوق اجلراح لنبقى �أخوة متحابني
-3الوقفة الثالثة :ق�صة الإمام �أحمد بن حنبل (رحمه اهلل ) يف اهلل اله َم لنا �سوى �إر�ضاء اخلالق واعمار الأر�ض التي خلقنا مع اخلليفة املعت�صم باهلل ،بعد �أن عذبه وجلده و�سجنه ،ثم مات لأعمارها وبنائها ولنجعل من �أوطاننا مدر�سة للعفو واملغفرة املعت�صم ،وتوىل بعده املتوكل و�أطلق �سراح ابن حنبل ف�س�أله �أحد والت�سامح ونيل ر�ضا الباري �سبحانه وتعاىل. النا�س قائ ً ال :هل �ساحمت املعت�صم باهلل يا �إمام؟ فقال �أحمد بن حنبل �ساحمته وهو حي فكيف ال �أ�ساحمه وهو ميت ،ثم دخل خلوته فقال له �أحد تالميذه كيف تقول ذلك يا �إمام؟ فقال �أحمد بن حنبل� :أريد �أن �أعلم النا�س الت�سامح ،وهذا �أمنوذج �آخر رائع . �إن كتم الغيظ قدرة ال ي�ستطيع كل �إن�سان فعلها وحتملها و�أي�ضا العفو ،والت�سامح والعفو يعني �أن يتعاىل الإن�سان على اجلراح والآالم وبكل �أ�شكالها و�ضغوطها ،ف�إذا ت�صاعدت املواقف بال�شر
29
الﺤقوﻕ السياسية فﻲ اإلسﻼم الإمام العالمة د.علي جمعة الإ�شالم اإطار وا�شح ميكن تطبيقه يف كل ع�شر ،ولقد متكن امل�شلمون الأوائل من تطبيقه يف الع�شور الأوىل لالإ�شالم مع ب�شاطة املجتمعات وقلة وظائف الدولة ،ومتكن امل�شلمون من تطبيقه مع تعقد املجتمعات وزيادة وظائف الدولة ،ويف ظل هذا الإطار الوا�شح ،كفل الإ�شالم حقوق امل�شلم ال�شيا�شية التي ميكن اأن جنملها يف اأربعة حقوق رئي�شة: ا ً أول :اختيار احلاكم والر�ضا به ،وهو ما كان يعرب عنه يف الرتاث
ين ُي َبا ِي ُعو َن َك اإِ َّ َ الفقهي بـ«البيعة» ،قال تعاىل(اإِ َّن ا َّلذِ َ منا ُي َبا ِي ُعو َن َ هلل َف ْو َق اأَ ْيدِ ي ِه ْم) (الفتح ،)10:كما ذكر اهلل اأمر الن�ضاء يف اهلل َي ُد ا ِ البيعة فقال تعاىل( َيا اأَ ُّيهَا ال َّن ِب ُّي اإِ َذا َجاء ََك املُوؤْمِ َن ُ ات ُي َبا ِي ْع َن َك َعلَى هلل َ�ض ْي ًئا َو َل َي ْ�ض ِر ْق َن َو َل َي ْز ِن َ ني َو َل َي ْق ُت ْل َن اأَ ْولدَهُ نَّ اأَن َّل ُي ْ�ض ِر ْك َن بِا ِ ني ِب ُب ْه َتانٍ َي ْف َرتِي َن ُه َب ْ َ َو َل َياأْ ِت َ ني اأَ ْيدِ يهِنَّ َواأَ ْر ُج ِلهِنَّ َو َل َي ْع ِ�ضي َن َك اهلل ِاإ َّن َ وف َف َبا ِي ْع ُهنَّ َو ْا�ض َت ْغ ِف ْر َل ُهنَّ َ اهلل َغ ُفو ٌر َّرحِ ي ٌم) فِى َم ْع ُر ٍ (املمتحنة ،)12:فاأثبت القراآن الكرمي حق امل�ضلم يف مبايعة احلاكم، واأنه يف هذه احلالة يبايع اهلل عز وجل لتاأكيد اأهمية هذا احلق وقد�ضيته ،كما اأنه �ضاوى بني الرجل واملراأة يف اختيار احلاكم دون متييز بينهما. ثان ًيا :امل�ضاركة العامة يف الق�ضايا التي تخ�س عموم الأمة ،وهو مبداأ ال�ضورى ،وال�ضورى من امل�ضائل التنظيمية الأ�ضا�ضية يف
30
املجتمع فالبد من اجتماع كلمة اأفراد اجلماعة الواحدة للو�ضول اإىل راأي واحد حتى يتم تنفيذه ،ومن هنا ظهرت اأهمية ال�ضورى كو�ضيلة لال�ضتفادة من وجهات النظر املختلفة ،ومن اخلربات املتعددة ،ومن العلوم املتباينة لإنتاج القرار ال�ضليم الذي لبد اأن يكون موافقا ل�ضرع اهلل ،وحمققا مل�ضالح الأمة ،وقد حث الإ�ضالم على مبداأ ال�ضورى بني احلاكم والرعية ،فجعل اهلل عز وجل اأمر ال�ضورى اأ�ضا�ضاً من اأ�ض�س الأمة ،فال�ضورى لي�ضت كلمة بل هي منهج حياة ،قال تعاىل( َف ْاع ُف َع ْن ُه ْم َو ْا�ض َت ْغ ِف ْر َل ُه ْم َو َ�ضا ِو ْرهُ ْم ِيف الأَ ْم ِر َفاإِ َذا هلل اإِ َّن َ اهلل يُحِ ُّب امل ُ َت َو ِّك ِل َ ني) (اآل عمران،)159 : َع َز ْمتَ َف َت َو َّك ْل َعلَى ا ِ وقال تعاىل( َوا َّلذِ َ ال�ضال َة َواأَ ْم ُرهُ ْم ين ْا�ض َت َجا ُبوا ِل َر ِّب ِه ْم َواأَ َقامُوا َّ مما َر َز ْق َناهُ ْم ُين ِف ُقو َن)(ال�ضورى.)38 : ُ�ضو َرى َب ْي َن ُه ْم َو ِ َّ ومل يفرق الدين بني الرجل واملراأة يف ذلك ،فا�ضت�ضار النبي �ضلى اهلل عليه و�ضلم زوجته اأم �ضلمة ،ر�ضي اهلل عنها ،يف موقف ع�ضيب يف �ضلح احلديبية ،بعدما كتب معاهدة ال�ضلح مع امل�ضركني ،وبعدها اأمر امل�ضلمني باأن ينحروا هديهم ويحلقوا لأنهم لن يذهبوا اإىل مكة يف هذا العام فلم يقم منهم اأحد ،فريوي عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه ذلك فيقول(فلما فرغ من ق�ضية الكتاب قال ر�ضول اهلل �ضلى اهلل عليه و�ضلم لأ�ضحابه :قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال :فواهلل ما قام منهم رجل ،حتى قال �ضلى اهلل عليه و�ضلم ذلك
ثالث مرات ،فلما مل يقم منهم �أحد دخل �صلى اهلل عليه و�سلم على �أم �سلمة ،ر�ضي اهلل عنها ،فذكر لها ما لقي من النا�س ،فقالت له �أم �سلمة ر�ضي اهلل عنها :يا نبي اهلل �أحتب ذلك ،اخرج ثم ال تكلم �أحدًا منهم كلمة حتى تنحر ُب ْد َنك وتدعو حالقك فيحلقك ،فخرج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فلم يكلم �أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ،فلما ر�أوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بع�ضهم يحلق بع�ضا)�( .أخرجه الإمام �أحمد). ويف ع�صرنا احلديث مل يعرت�ض علماء الإ�سالم على تر�شيح املر�أة يف املجال�س النيابية ،ومتثيل فئة عري�ضة من ال�شعب وامل�شاركة يف �سن القوانني التنظيمية ،ولقد �أ�صدرت دار الإفتاء امل�صرية الفتوى رقم ٨٥٢ل�سنة ١٩٩٧عن حكم تر�شح وعمل املر�أة ع�ض ًوا مبجل�س النواب �أو ال�شعب ،وخل�صت فيها �إىل �أنه :ال مانع �شرعا من �أن تكون املر�أة ع�ض ًوا باملجال�س النيابية وال�شعبية �إذا ر�ضي النا�س �أن تكون نائبة عنهم متثلهم يف تلك املجال�س ،وتكون موا�صفات هذه املجال�س تتفق وطبيعتها التي ميزها اهلل بها ،و�أن تكون فيها ملتزمة بحدود اهلل و�شرعه ،كما بني اهلل و�أمر يف �شريعة الإ�سالم. ثال ًثا :تويل املنا�صب املهمة يف احلكومة وم�ؤ�س�سات الدولة، ال�س َموَاتِ والوالية �أمانة ،قال تعاىل (�إِ َّنا َع َر ْ�ض َنا الأَمَا َن َة َعلَى َّ ن�س ُان) َوالأَ ْر ِ�ض َوالجْ ِ َبالِ َف�أَ َبينْ َ �أَن َي ْحمِ ْل َنهَا َو َ�أ ْ�ش َف ْق َن مِ ْنهَا َو َح َملَهَا الإِ َ هلل �أَ َال َت ْ�س َت ْعمِ ُلنِي؟ (الأحزاب ،)٧٢:وعن �أَبِي َذ ٍّر َقا َلُ :ق ْلتُ ( َيا َر ُ�سو َل ا ِ َقا َلَ :ف َ�ض َر َب ِب َيدِ ِه َعلَى َم ْن ِك ِبي ُث َّم َقا َلَ « :يا �أَ َبا َذ ٍّر �إِ َّن َك َ�ضع ٌ ِيف َو ِ�إ َّنهَا �أَمَا َن ٌةَ ،و ِ�إ َّنهَا َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة خِ ْزيٌ َو َندَا َم ٌة �إِ َّال َمنْ �أَ َخ َذهَا ب َِح ِّقهَا َو�أَدَّى
راب ًعا :ن�صح احلاكم و�أمره باملعروف ونهيه عن املنكر ،وهي من مهمات الدين ،قال تعاىل ( َو ْل َت ُكن مِّن ُك ْم �أُ َّم ٌة َي ْدعُو َن �إِلىَ ا َ خليرْ ِ وف َو َي ْن َه ْو َن ع َِن املُن َك ِر َو�أُ ْو َلئ َِك هُ ُم امل ُ ْفل ُِحو َن) َو َي�أْ ُم ُرو َن بِامل َ ْع ُر ِ (�آل عمران ،)١٠٤:وقال �سبحانه( ُكن ُت ْم َخيرْ َ �أُ َّم ٍة �أُ ْخر َِجتْ وف َو َت ْن َه ْو َن ع َِن املُن َك ِر َو ُت�ؤْمِ ُنو َن بِاللهَّ ِ) ا�س َت�أْ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ لِل َّن ِ (�آل عمران ،)١١٠:فقرن العقيدة بالأمر باملعروف والنهي عن ِ�ض ع َِن ا َ ُ وقال(خذِ ال َع ْف َو َو�أْ ُم ْر بِا ْل ُع ْر ِف َو�أَ ْعر ْ جلاهِ ِل َ ني) املنكر، (الأعراف ،)١٩٩:وعن عائ�شة ر�ضي اللهّ عنها قالت(�سمعت ر�سول اهلل� ،ص ّلى اهلل عليه و�س ّلم ،يقول :مروا باملعروف وانهوا عن املنكر قبل �أن تدعوا فال ي�ستجاب لكم) (�سنن ابن ماجة) ،وت�ساوت املر�أة مع الرجل يف هذا احلق �أي�ضاً ،ويروي لنا التاريخ الإ�سالمي �أمثلة ت�ؤكد ذلك ،ففي خالفة عمر ر�ضي اهلل عنه ،يروي لنا قتادة فيقول(خرج عمر من امل�سجد ..ف�إذا بامر�أة برزت على ظهر ،ف�سلم عليها عمر فردت عليه ال�سالم ،وقالت :هيهات يا عمر! عهدتك و�أنت ت�سمي عمريا يف �سوق عكاظ ترعى ال�ض�أن بع�صاك ،فلم تذهب الأيام حتى �سميت عمر ،ثم مل تذهب الأيام حتى �سميت �أمري امل�ؤمنني ،فاتق اهلل يف الرعية ،واعلم �أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ،ومن خاف املوت خ�شي الفوت) (راجع الإ�صابة البن حجر). ولعلنا بتلك العنا�صر الأربعة نكون قد �أو�ضحنا يف �إيجاز غري مخُ ِ ٍّل حقوق امل�سلم ال�سيا�سية ،و�أنها مت�ساوية بني الرجل واملر�أة فال متييز بينهما.
ا َّلذِ ي َعلَ ْي ِه فِيهَا) (�أخرجه م�سلم) ،وجاءت �آثار عديدة ت�ؤكد �أن هذا احلق مل يقت�صر على الرجال فقط ،فتولت املر�أة ال�سلطة التنفيذية� ،أو ال�شرطة� ،أو ما ي�سمى يف الرتاث الفقهي الإ�سالمي «احل�سبة» ،كما يجوز للمر�أة �أن تتوىل الق�ضاء على قول بع�ض �أهل العلم من علماء امل�سلمني املعتربين ،فقد ذهب �أبوحنيفة و�أ�صحابه �إىل جواز �أن تلي الن�ساء الق�ضاء فيما يجوز �أن تقبل �شهادتهن فيه وحدهن �أو مع الرجال ؛ لأن يف ال�شهادة معنى الوالية.
31
ﺛقافة وﺁﺩاﺏ الﺤواﺭ فﻲ اإلسﻼم اأ.د .حممد اأحمد ح�شن الق�شاة
خ�ص اهلل �شبحانه وتعاىل الن�شان بنعمتي العقل والل�شان ،ول بد ان ندرك ان ا�ش�ص احلوار ال�شالمي تقوم على مرتكزات تكرميا وتف�شيال له على �شائر املخلوقات ،قال تعاىل" ولقد اهمها: كرمنا بني اآدم " ،وعن طريق الل�شان والعقل ي�شتطيع الن�شان ان -1الميان باهلل والتعامل يف ظل هذا الميان باملثل العليا. يناق�ص اموره ب�شكل اف�شل مع بني جن�شه ،وهو من خالل احلوار -2التحلي بالخالق احلميدة التي جاء بها ال�ضالم ونبذ الع�ضبية ي�شل اىل نقاط اتفاق تكون اجلوامع امل�شرتكة بينه وبني غريه ،املقيتة. كما قد يظل الختالف بينه وبني حماوره قائما ،ويف هذه -3جعل احلق والعدل والن�ضاف هي اأ�ضا�س وهدف كل خطاب بني احلالة ل �شك انه �شيدافع عن ق�شية ويحاور ب�شاأنها ،ومن هنا امل�ضلم وامل�ضلم وبني امل�ضلم وغري امل�ضلم. يقوم الرتابط بني امل�شاورة واملحاورة واملجادلة واملناظرة. -4مراعاة �ضخ�ضية الطرف الآخر يف احلوار.
واحلوار الهادف ل ميكن ان يكون ال بني اطراف متكافئة، جتمعها رغبة م�ضرتكة يف التفاهم ،ول يكون نتيجة �ضغط او ترغيب ،ولذلك كان احلوار اعم من الختالف ومن اجلدل و�ضار له معنى ح�ضاري بعيد عن ال�ضراع ،اذ احلوار كلمة تت�ضع لكل معاين التخاطب وال�ضوؤال واجلواب ،وقد اهتم ال�ضالم اهماما بالغا باحلوار ،وو�ضع ا�ض�س التحاور وتبادل اوجه الراأي ،وانهاء املنازعات بني الفراد واجلماعات عن طريق التفاهم ،ولي�س عن طريق منهج الع�ضبية وال�ضقاق ،يتجلى هذا يف الرجوع اىل ال�ضرية النبوية العطرة ،وتاريخ ال�ضالم ،وعهد النبي �ضلى اهلل عليه و�ضلم ،ومعرفة ال�ضلوب الذي كان ينهجه عليه ال�ضالة وال�ضالم يف تبليغ الدعوة ال�ضالمية اىل النا�س.
-5الحاطة مبو�ضوع احلوار. ويف ثقافتنا ال�ضالمية كذلك ان احلوار يتطلب اول وقبل كل �ضيء العرتاف بوجود الخر املختلف واحرتام حقه يف تبني راأي او موقف او اجتهاد خمتلف فح�ضب ،بل احرتام حقه يف الدفاع عن هذا الراأي او املوقف او الجتهاد ،كان الر�ضول الكرمي يحاور غري املوؤمنني �ضارحا ومبينا ومبلغا ،ولكنهم كانوا ي�ضرون على ان احلق اىل جانبهم ،فح�ضب احلوار معهم على قاعدة قوله تعاىل :واإنا اأو اياكم لعلى هدى او يف �ضالل مبني ،لقد و�ضع نف�ضه يف م�ضتوى من يحاوره تاركا احلكم هلل ،وهو ا�ضمى تعبري عن احرتام حرية الآخر يف الختيار ،وعن احرتام اختياره ،حتى ولو كان على خطاأ، ان احرتام حرية الختيار هنا لي�س احرتاما للخطاأ ،فت�ضفيه وجهة
32
نظر االخر ،وحماولة ا�سقاطها لي�سا الهدف الذي ال يكون احلوار جمديا اال اذا حتقق. ومن املعلوم ان الهدف من احلوار هو الو�صول اىل احلق ،ولي�س جمرد اجلدل لذاته ،مع االقتناع باحلق والو�صول اليه ،ولذلك جند القر�آن العظيم يذم اجلدل العقيم ،وينهى عنه ،كما يهدف احلوار تعريف االخر على وجهة نظر يعرفها ،وحماولة اقتناعه بالتي هي اح�سن ،مبوقف ينكره او يتنكر له ،وهو امر ي�شكل يف حد ذاته احد اهم عنا�صر االحتكاك الفكري ،والتكامل الثقايف، والتدافع احل�ضاري بني النا�س ومن دون ذلك يركد الذهن ،ويفقد التعط�ش اىل املعرفة عود الثقاب الذي يلهبه ،وتتحول م�ساحات الفكر اىل بحريات �آ�سنة ،ويف ذلك يقول القر�آن العظيم :ولوال دفع اهلل النا�س بع�ضهم ببع�ض لف�سدت الأر�ض . ان االختالف بني النا�س ،وما ي�شكل من تدافع ،ي�شكالن احد اهم موجبات ،عدم ف�ساد االر�ض. حاور النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ن�صارى جنران يف بيته يف املدينة املنورة ،واح�سن وفادتهم ،وعندما حان وقت �صالتهم مل يجد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم غ�ضا�ضة يف دعوتهم كما تذكر الروايات اىل اداء �صالتهم ،ان العقيدة اال�سالمية تغر�س يف النف�س الت�سامح واالعتدال ،والقر�آن الكرمي يقول :ال اكراه يف الدين ،والإ�سالم ال ي�ضيق ذرعا ابدا بتنوع االنتماء العقدي ،وال ي�ؤمن بالتمايز العرقي« ،ال ف�ضل لعربي على اعجمي اال بالتقوى» فاذا كان التنوع من طبيعة تكوين املجتمع ،فان احلوار هو الطريق الوحيد الذي ي�ؤدي باالختيار احلر ،وباملحبة اىل الوفاق والتفاهم والوحدة ،ذلك ان البديل عن احلوار هو القطيعة واالنكفاء على الذات ،وتطوير ثقافة احلذر وال�شك والعداء لالخر. ان من مقومات احل�ضارة العربية اال�سالمية احرتام االخر واالنفتاح عليه والتكامل معه ،ولي�س جتاهله او الغا�ؤه او تذويبه، ي�شهد بذلك تعدد االقليات الدينية يف العامل العربي اال�سالمي، وحمافظة هذه االقليات على خ�صائ�صها العن�صرية ،وعلى تراثها العقدي والديني ،وعلى لغاتها وثقافتها اخلا�صة. ان اعرتاف اال�سالم بالآخر ،وحماورته بالتي هي اح�سن ،وقبوله كما هو ،ال يعود بال�ضرورة اىل ت�سامح امل�سلمني بل اىل �سماحة
اال�سالم الدالة على جوهر ال�شريعة اال�سالمية ،علما بان احلوار كال�صداقة ال يولد بال�ضغط وال بالرتغيب ،وي�ؤكد منهج اال�سالم النهي عن اتباع ا�ساليب ال�سفهاء ،وجماراتهم يف ال�سب والت�سفيه ملعتقدات الآخر ،ولكي يبد�أ احلوار الهادف ال بد ان ميتلك اطراف حرية احلركة الفكرية التي ترافقها ثقة الفرد ب�شخ�صيته الفكرية امل�ستقلة ،فال ين�سحق امام االخر وال تت�ضاءل ازاء ذلك ثقته بنف�سه. ولكي يكون احلوار ناجحا ال بد وان يتم يف االجواء الهادئة ،ليبتعد التفكري فيها عن االجواء االنفعالية ،وان اي حوار ي�ستلزم من حيث املبد�أ حتديدا م�سبقا لأمرين �أ�سا�سيني :اولهما :هو التفاهم على ماذا نتحاور ،وثانيهما :هو التفاهم ملذا نتحاور ،وعلى املتحاورين االلتزام بالقول احل�سن ،وجتنب منهج التحدي واالقحام والتع�سف يف احلديث ،وعليهما الر�ضا والقبول بالنتائج التي يتم التو�صل اليها ،مع االلتزام اجلاد بها ،ومبا يرتتب عليها ،هذه هي ثقافة احلوار و�آدابه يف الإ�سالم وهي جت�سد حرية االختيار وحق االختالف.
33
ﺩوﺭ اإلﻋﻼم الﺠﺪيﺪ فﻲ ﺩﺭﺀ ﻣﺨاﻃر الﺘطرﻑ حممد خليفة �شديق ع�شو املنتدى العاملي للو�شطية رئي�ص حترير �شحيفة املحرر ال�شودانية
�شهدت ال�شنوات الأخرية ت�شارع ًا مذه ًال يف حركة الت�شالت و�شيوع تطبيقات منظومة ما عرف بالإعالم اجلديد New mediaكو�شيلة ات�شال جماهريي و�شعت اأمام م�شتخدميها عدد ًا �شخم ًا يتنامى يومي ًا من م�شادر الأخبار واملعلومات املتحررة من قيود الزمان واملكان ،والإعالم اجلديد ي�شم جمموعة تكنولوجيات الت�شال التي تولدت من التزاوج بني الكمبيوتر والو�شائل التقليدية لالإعالم ،وعلى راأ�شها الإنرتنت كاأك و�شيلة اإعالمية لإثارة اجلدل والنقا�ص واأ�شافت اأبعاد ًا اإ�شافية لالت�شال مقارنة بالو�شائل التقليدية الأخرى ،اإىل جانب الو�شائل الأخرى كالت�شالت ال�شلكية والال�شلكية ،والهاتف اجلوال الذي يعد جنم الإعالم اجلديد القادم ،وهو مر�شح لكت�شا ال�شاحة نظر ًا ل�شهولة حمله والو�شول من خالله ،والتطبيقات احلديثة ودخول �شركات الت�شالت يف عملية الإنتاج الإعالمي هو دليل على هذا التحول.
ومع تزايد القاعدة الجتماعية امل�ضتخدمة لالإعالم اجلديد وتو�ضع نطاق النفاذ اإىل و�ضائله لي�ضمل قطاعات وفئات اجتماعية عري�ضة وتخفيف م�ضتوى الرقابة ال�ضيا�ضية على حمتوى املواقع الإلكرتونية على نح ٍو اأدى اإىل غياب النق�ضام املعلوماتي داخل
املجتمع من جهة ،وارتفاع م�ضتوى امل�ضاركة الإلكرتونية من جهة اأخرى ،فقد �ضهل ذلك كله ولوج حملة الأفكار املتطرفة والعنيفة لهذا الو�ضط الرقمي وحماولة ت�ضويق ب�ضاعتهم اإ�ضفريياً بعد اأن ك�ضدت على الأر�س. تع َدّدت الت�ضميات وامل�ضطلحات مل�ضمى الإعالم اجلديد ،فهناك من يطلق عليه اإعالم جديد ،وهناك من ي�ضميه اإعالم اإلكرتوين وعامل رقمي واإعالم مندمج وجمتمع املعلومات وجمتمع املعرفة، ويظل القا�ضم امل�ضرتك بني كل ما�ضبق هو ا�ضتخدامها للتكنولوجيا احلديثة كمحرك اأ�ضا�ضي لتدفق املعلومات. والتغريات احلالية التي تعي�ضها تكنولوجيا الإعالم هي التغريات الرئي�ضة الرابعة من نوعها يف الع�ضر احلديث ،وذلك عقب اخرتاع الطابعة وب�ضكل رئي�س الطابعة البخارية ال�ضريعة والتي جعلت توزيع ال�ضحف واملجالت والكتب للعموم حقيقة واقعة يف عام (1833م) ،ومن بعدها اخرتاع الراديو (1920م) ،ثم التلفزيون (1939م) .التغري الذي ن�ضهده اليوم يعتمد على ا�ضتخدام الكمبيوتر يف اإنتاج وتخزين وتوزيع املعلومات والت�ضلية ،هذه اخلا�ضية وهي عملية توفري م�ضادر املعلومات والت�ضلية لعموم النا�س ب�ضكل مي�ضر وباأ�ضعار منخف�ضة هي يف الواقع خا�ضية م�ضرتكة بني الإعالمني القدمي واجلديد ،الفرق هو اأن الإعالم
34
اجلديد قادر على �إ�ضافة خا�صية جديدة اليوفرها الإعالم القدمي وهي التفاعل () Interactivityوهي قدرة و�سيلة االت�صال اجلديدة على اال�ستجابة حلديث امل�ستخدم متاماً كما يحدث يف عملية املحادثة بني �شخ�صني . ي�ست�أثر الإعالم اجلديد بالكثري من االهتمام من قبل امل�شتغلني بالإعالم ب�صفة عامة و�أ�ساتذة الإعالم ب�شكل خا�ص كمدخل لت�سا�ؤالت عديدة ،منها :هل نعي�ش حالياً مرحلة الإعالم اجلديد؟ �أم �إن غرينا مر بهذه املرحلة مرات عديدة� ،أو �إن الإعالم اجلديد هو انعكا�س حلالة االنقالب يف نظم االت�صال كلها بعد التقاء الكومبيوتر وتكنولوجيا االت�صال؟ ي�شري مفهوم الإعالم اجلديد New mediaبح�سب د .مارتن لي�سرت� Lesterإىل جمموعة تكنولوجيات االت�صال التي تولدت من التزاوج بني الكمبيوتر والو�سائل التقليدية للإعالم ،الطباعة والت�صوير الفوتوغرايف وال�صـوت والفيديو .بينما يعرف عبد القادر بن حممد الإعالم اجلديد ب�أنه :املعلومات والو�سائط التي تنتقل �إلكرتونياً با�ستعمال الإنرتنت �أو �إحدى خدماته(.)1 ميكن القول �أن م�صطلح الإعالم اجلديد Newmediaظهر لي�شري �إىل املحتوى الإعالمي الذي يبث �أو ين�شر عرب الو�سائل الإعالمية التي ي�صعب �إدراجها حتت �أي من الو�سائل التقليدية كال�صحافة والراديو والتلفزيون ،وذلك بفعل التطور التكنولوجي الكبري يف �إنتاج وتوزيع امل�ضامني الإعالمية .كما ميكن تق�سيم الإعالم اجلديد �إىل �أربعة �أق�سام هي)2( : �أ .الإعالم اجلديد القائم على �شبكة الإنرتنت وتطبيقاتها. ب .الإعالم اجلديد القائم على الأجهزة املحمولة ،مبا يف ذلك �أجهزة قراءة الكتب وال�صحف. ج .نوع على من�صة الو�سائل التقليدية مثل الراديو والتلفزيون التي �أ�ضيفت �إليها ميزات جديدة مثل التفاعلية والرقمية واال�ستجابة للطلب. د .الإعالم اجلديد القائم على من�صة الكمبيوتر وي�شمل العرو�ض الب�صرية و�ألعاب الفيديو والكتب الإلكرتونية وغريها. مع الإعالم اجلديد� ،صار املواطن العادي على ا�ستعداد لتقبل وجهة نظر الطرف الآخر� ،سواء يف ف�ضائية عربية �أو غري عربية،
ومناق�شتها ورمبا حتديها .وهذا ميثل بالت�أكيد اجتاها جديداً يف تفكري الإن�سان العربي� ،سببه بالدرجة الأوىل قيام و�سائل االت�صال اجلماهريي العربية اجلديدة بتقدمي وظائف مل يكن االعالم القدمي يوليها العناية الالزمة على امل�ستوى القومي ،من مثل احلوار واملناق�شة والتثقيف ،والتقارب االجتماعي القومي. �أ�سقطت و�سائل الإعالم اجلديدة احلواجز بني ال�شعوب وا�ستعادت الب�شرية ات�صالها امل�ألوف ببع�ضها وانهارت حواجز االقتبا�س والإقتداء واالنتقاء واالنبهار وانطلقت ثورة املعلومات ت�ؤثر فى من يرغب ومن هو م�ستعد دون معوقات �أو تعقيدات لي�صبح هناك حوارات وتفاعالت ال تنتهى ولت�صبح الثقافة الإن�سانية بوتقة ت�صهر كافة الثقافات فى تفاعل ح�ضاري م�ستمر ،و�شهدت املجتمعات العربية تغريات مهمة خالل فرتة زمنية ق�صرية على كافة امل�ستويات الثقافية والإقت�صادية والإجتماعية وال�سيا�سية مما كان له الكثري من الآثار على البنيان املجتمعي والبناء القيمي ،كما كان له الكثري من الآثار والتحوالت الثقافية يف احلياة ويف �أ�شكال ال�سلوك. لكن اخلطورة تظل ماثلة بنوعية الربامج وبامل�ضامني التي حتملها والقيم التي تب�شر بها ،وباب اخلطورة الرئي�س ي�أتي باعتبار ان و�سائل االت�صال االلكرتونية تعزز ال�سطحية وامليل للربامج اخلفيفة والت�سلية وتر�سخ التقاليد ال�شفاهية ،القائمة على القيل والقال والرواية ال�شفوية ،ولي�س القراءة املت�أنية العميقة والتحليلية ،مع تدهور يف اللغة ،حيث ي�ستخدم الكثريون اللغة املحكية وهي خليط من الف�صحى والدارجة واللغات االجنبية �أحياناً .وعليه فان الت�أكيد على �أهمية تطوير �صناعة �إعالمية ذات م�ستوى الئق ترقى بالثقافة اجلماهريية العربية وتواجه حتديات الغزو الثقايف واال�ستعمار االلكرتوين تكون خطوة مهمة ،لكنها بحاجة جلهود اخرى تدعمها. من الوا�ضح �أن تقنيات الإعالم اجلديد قد باتت �سالحاً مهماً و�أداة ممتازة قليلة التكاليف ووا�سعة االنت�شار خللق حوار جمتمعي حول ق�ضايا الوطن واملواطنني وعلى ر�أ�سها تنامي ظاهرة التطرف ،يف ظل �ضعف للتوظيف الأمثل لهذا الإعالم الوليد من قبل الدولة وم�ؤ�س�سات املجتمع وقوى التغيري وامل�ؤ�س�سات املعنية بالتوجيه والإر�شاد.
35
وميكن لو�سائط الإعالم اجلديد �أن ت�سهم يف عالج ظاهرة التطرف وما يتبعها من مظاهر الغلو يف الدين ،والتجايف عن منهج العدل والو�سطية عقيد ًة وقو ًال وعم ً ال ،وذلك بامل�ساهمة يف ن�شر العلم ال�صحيح والق�ضاء على اجلهل �أو حما�صرته ،وهو بيئة التطرف التي يرتعرع فيها ،مع معاجلة الظواهر الفردية باحلكمة والب�صرية الالئقة بها زماناً وواقعاً وحا ًال ،ويت�أتى هذا بالعلماء الرا�سخني ،واحلكماء ذوي العقل والفطنة. وينبغي ال�ستخدام �أمثل للإعالم اجلديد يف الت�صدي لأمر التطرف ال�سعي لتكوين ر�ؤية ت�ساعد امل�س�ؤولني واملنظمني واملمار�سني على اال�ستخدام الأمثل لو�سائل الإعالم اجلديد منعاً للجنوح والتجاوز، وتعبيد كل طرق التعبري التي تتيحها و�سائط الإعالم اجلديد مع الرتكيز على التحلي بالوطنية واملو�ضوعية يف التناول. وتت�أكد كذلك �ضرورة التكامل بني خمتلف الو�سائل الإعالمية القدمية واجلديدة لإحداث التغيري؛ الذي يتطلب و�سيلة م�سموعة ومرئية؛ ومن هنا ف�إحداث التكامل بني الو�سائل املختلفة هو ال�سبيل لنجاح الت�صدي حلمى التكفري ،مع درا�سة اجلوانب النف�سية للجمهور امل�ستهدف ل�ضمان الو�صول ال�سل�س للر�سالة املطلوبة بجانب تكرار الر�سالة. كما البد من معاجلة غياب درا�سات االت�صال املبا�شر واالت�صال ال�شخ�صي باجلماعات وامل�ؤ�س�سات املرجعية التي ينتمي �إليها الفرد و�أ�سرته مثل امل�سجد واملدر�سة واجلامعة وم�ؤ�س�سة العلماء والدعاة وامل�صلحني ومنظمات الدعوة والإر�شاد واملنظمات اخلريية والإن�سانية. والإعالميون علي امل�ستوى العربي واال�سالمي يجب اال تقت�صر وظيفتهم على جمرد الو�ساطة ونقل املعلومات و�إمنا تتو�سع م�س�ؤوليتهم لت�شمل امل�شاركة فى حل م�شكالت املجتمع من خالل طرح احللول غري التقليدية للإ�ستفادة الق�صوى من و�سائط الإعالم اجلديد ونقل جتارب وخربات دول تعاين م�شكالت م�شابهة لظروف وم�شكالت الوطن العربي. ويتحرج الطلب لتفعيل �أدوار م�ؤ�س�سات املجتمع الطوعية يف حل م�شكالت البطالة والإدمان وغريها من امل�شكالت التي تعت�صر ال�شباب العربي فيقع يف حبائل التطرف والتكفري ومن ثم
التفجري؛ والت�أكيد على تفعيل امل�س�ؤولية االجتماعية لرجال الأعمال والقطاع اخلا�ص يف حل م�شكالت املجتمع خا�صة الفقر والبطالة . وميكن اال�ستفادة من تقنيات الإعالم اجلديد يف تنظيم دورات تدريبية متخ�ص�صة يف جمال الكتابة يف مو�ضوعات دح�ض �شبهات التكفري ،والتوا�صل مع العلماء الرا�سخني للتعرف على �أف�ضل ال�سبل ملحاربة ومقارعة التطرف وحججه الواهية وذلك بالرفق واللني والتوجيه والرتبية وح�سن البيان ملن ا�شتبه عليه الأمر �أو �أدلهمت عليه ال�شبهات ،واعتماد �أ�سلوب مقارعة احلجة ودفع ال�شبهة. يجب كذلك ت�سهيل ولوج العلماء والدعاة يف ف�ضاء الإعالم اجلديد� ،إىل جانب �أ�ساتذة اجلامعات والوعاظ واملوجهني لتوجيه النا�س وتربيتهم على احلق واخلري ،ودعوتهم �إليه وحملهم عليه، وبيان الأمور امل�شكلة عليهم �سيما يف م�سائل التطرف و�إي�ضاحها لهم ح�سب تقديرهم للأحوال والأمور. الـهــوامــــــ�ش ( )1عبد القادر بن خالد ،الإعالم اجلديد ..مرحلة جديدة من التناف�س ،مادة عر�ض تقدميي موجودة على الرابط.aek-b.com. www : ( )2عبد القادر بن خالد ،الإعالم اجلديد ..مرحلة جديدة من التناف�س ،مادة عر�ض تقدميي موجودة على الرابط.aek-b.com. www :
36
ﺩﺭﺍﺳـﺎﺕ ﺇﺳـﻼﻣـﻴﺔ
حقوﻕ أﻫﻞ الﺬﻣة فﻲ الﺸريﻌة اإلسﻼﻣية ف�شيلة ال�شيخ د .يو�شف القر�شاوي
جرى العرف الإ�شالمي على ت�شمية املواطنني من غري امل�شلمني يف املجتمع الإ�شالمي با�شم "اأهل الذمة" اأو "الذميني" ،و"الذمة" كلمة معناها العهد وال�شمان والأمان ،واإا �شموا بذلك لأن لهم عهد اهلل وعهد الر�شول ،وعهد جماعة امل�شلمني :اأن يعي�شوا يف حماية الإ�شالم ،ويف كنف املجتمع الإ�شالمي اآمنني مطمنني، فهم يف اأمان امل�شلمني و�شمانهم ،بناء على "عقد الذمة" بينهم وبني اأهل الإ�شالم .فهذه الذمة تعطي اأهلها "من غري امل�شلمني" ما ي�شبه يف ع�شرنا "اجلن�شية" ال�شيا�شية التي تعطيها الدولة لرعاياها ،فيكت�شبون بذلك حقوق املواطنني ويلتزمون بواجباتهم. فالذمي على هذا الأ�ضا�س من "اأهل دار الإ�ضالم" كما يعرب الفقهاء ،اأو من حاملي "اجلن�ضية الإ�ضالمية"كما يعرب املعا�ضرون . وعقد الذمة عقد موؤبد ،يت�ضمن اإقرار غري امل�ضلمني على دينهم ،ومتتعهم بحماية اجلماعة الإ�ضالمية ورعايتها ،ب�ضرط بذلهم "اجلزية" والتزامهم اأحكام القانون الإ�ضالمي يف غري ال�ضئون الدينية ،وبهذا ي�ضريون من اأهل "دار الإ�ضالم". ً فهذا العقد ين�ضئ حقوقا متبادلة لكل من الطرفني :امل�ضلمني واأهل ذمتهم، باإزاء ما عليه من واجبات ،فما احلقوق التي كفلها ال�ضرع لأهل الذمة؟
حــق احلماية القاعدة الأوىل يف معاملة اأهل الذمة يف "دار الإ�ضالم" اأن لهم من احلقوق مثل ما للم�ضلمني ،اإل يف اأمور حمددة م�ضتثناة ،كما اأن عليهم ما على امل�ضلمني من الواجبات اإل ما ا�ضتثني. فاأول هذه احلقوق هو حق متتعهم بحماية الدولة الإ�ضالمية واملجتمع الإ�ضالمي .وهذه احلماية ت�ضمل حمايتهم من كل عدوان خارجي ،ومن كل ظلم داخلي ،حتى ينعموا بالأمان وال�ضتقرار. اأ -احلماية من العتداء اخلارجي اأما احلماية من العتداء اخلارجي ،فيجب لهم ما يجب للم�ضلمني، وعلى الإمام اأو ويل الأمر يف امل�ضلمني ،مبا له من ُ�ضلطة �ضرعية ،وما لديه من قوة ع�ضكرية ،اأن يوفر لهم هذه احلماية ،قال يف "مطالب اأويل النهى" ـ من كتب احلنابلة ـ " :يجب على الإمام حفظ اأهل الذمة ومنع مَن يوؤذيهم ،وفك اأ�ضرهم ،ودفع مَن ق�ضدهم باأذى اإن مل يكونوا بدار حرب ،بل كانوا بدارنا ،ولو كانوا منفردين ببلد". وعلل ذلك باأنهم" :جرت عليهم اأحكام الإ�ضالم وتاأبد عقدهم ،فلزمه ذلك كما يلزمه للم�ضلمني" (مطالب اأويل النهى ج ـ � 2س .)603 - 602 وينقل الإمام القرايف املالكي يف كتابه "الفروق" قول الإمام الظاهري ابن حزم يف كتابه "مراتب الإجماع"" :اإن من كان يف الذمة ،وجاء اأهل
37
احلرب �إىل بالدنا يق�صدونه ،وجب علينا �أن نخرج لقتالهم بالكراع وال�سالح ،ومنوت دون ذلك� ،صوناً ملن هو يف ذمة اهلل تعاىل وذمة ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم ،-ف�إن ت�سليمه دون ذلك �إهمال لعقد الذمة".(الفروق ج ـ � 3ص - 15 - 14الفرق التا�سع ع�شر واملائة) .وحكى يف ذلك �إجماع الأمة .وعلق على ذلك القرايف بقوله" :فعقد ي�ؤدي �إىل �إتالف النفو�س والأموال �-صوناً ملقت�ضاه عن ال�ضياع� -إنه لعظيم"( .نف�س امل�صدر ال�سابق). ومن املواقف التطبيقية لهذا املبد�أ الإ�سالمي ،موقف �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ،حينما تغلب التتار على ال�شام ،وذهب ال�شيخ ليكلم "قطلو�شاه" يف �إطالق الأ�سرى ،ف�سمح القائد الترتي لل�شيخ ب�إطالق �أ�سرى امل�سلمني، و�أبى �أن ي�سمح له ب�إطالق �أهل الذمة ،فما كان من �شيخ الإ�سالم �إال �أن قال :ال نر�ضى �إال بافتكاك جميع الأ�سرى من اليهود والن�صارى ،فهم �أهل ذمتنا ،وال ندع �أ�سرياً ،ال من �أهل الذمة ،وال من �أهل امللة ،فلما ر�أى �إ�صراره وت�شدده �أطلقهم له. ب -احلماية من الظلم الداخلي و�أما احلماية من الظلم الداخلي ،فهو �أمر يوجبه الإ�سالم وي�شدد يف وجوبه ،ويحذر امل�سلمني �أن ميدوا �أيديهم �أو �أل�سنتهم �إىل �أهل الذمة ب�أذى �أو عدوان ،فاهلل تعاىل ال يحب الظاملني وال يهديهم ،بل يعاجلهم بعذابه يف الدنيا� ،أو ي�ؤخر لهم العقاب م�ضاعفاً يف الآخرة. وقد تكاثرت الآيات والأحاديث الواردة يف حترمي الظلم وتقبيحه ،وبيان �آثاره الوخيمة يف الآخرة والأوىل ،وجاءت �أحاديث خا�صة حتذر من ظلم غري امل�سلمني من �أهل العهد والذمة. يقول الر�سول � -صلى اهلل عليه و�سلم " :-من ظلم معاهدًا �أو انتق�صه ح ًقا �أو كلفه فوق طاقته �أو �أخذ منه �شي ًئا بغري طيب نف�س منه ،ف�أنا حجيجه يوم القيامة" (.رواه �أبو داود والبيهقي .انظر :ال�سنن الكربى ج ـ � 5ص .)205 ولهذا كله ا�شتدت عناية امل�سلمني منذ عهد اخللفاء الرا�شدين ،بدفع الظلم عن �أهل الذمة ،وكف الأذى عنهم ،والتحقيق يف كل �شكوى ت�أتي من ِق َبلِهم. كان عمر ر�ضي اهلل عنه ي�س�أل الوافدين عليه من الأقاليم عن حال �أهل الذمة ،خ�شية �أن يكون �أحد من امل�سلمني قد �أف�ضى �إليهم ب�أذى، فيقولون له " :ما نعلم �إال وفاءً" (تاريخ الطربي ج ـ � 4ص � )218أي مبقت�ضى العهد والعقد الذي بينهم وبني امل�سلمني ،وهذا يقت�ضي �أن ك ً ال من الطرفني و َّفى مبا عليه. وعلي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه يقول "�إمنا بذلوا اجلزية لتكون ٌّ �أموالهم ك�أموالنا ،ودما�ؤهم كدمائنا" (املغني ج ـ � 8ص ،445البدائع ج ـ � 7ص 111نق ً ال عن �أحكام الذميني وامل�ست�أمنني �ص .)89 وفقهاء امل�سلمني من جميع املذاهب االجتهادية �ص َّرحوا و�أكدوا ب�أن على امل�سلمني دفع الظلم عن �أهل الذمة واملحافظة عليهم؛ لأن امل�سلمني
حني �أعطوهم الذمة قد التزموا دفع الظلم عنهم ،وهم �صاروا به من �أهل دار الإ�سالم ،بل �ص َّرح بع�ضهم ب�أن ظلم الذمي �أ�شد من ظلم امل�سلم �إث ًما (ذكر ذلك ابن عابدين يف حا�شيته ،وهو مبني على �أن الذمي يف دار الإ�سالم �أ�ضعف �شوكة عادة ،وظلم القوي لل�ضعيف �أعظم يف الإثم). -1حماية الدماء والأبدان وحق احلماية املقرر لأهل الذمة يت�ضمن حماية دمائهم و�أنف�سهم و�أبدانهم ،كما يت�ضمن حماية �أموالهم و�أعرا�ضهم .. فدما�ؤهم و�أنف�سهم مع�صومة باتفاق امل�سلمني ،وقتلهم حرام بالإجماع ؛ يقول الر�سول � -صلى اهلل عليه و�سلم "من قتل معاهدًا مل ير رائحة اجلنة ،و�إن ريحها ليوجد من م�سرية �أربعني عا ًما" (.رواه �أحمد والبخاري يف اجلزية ،والن�سائي وابن ماجة يف الديات من حديث عبد اهلل بن عمرو .واملعاهد كما قال ابن الأثري� :أكرث ما يطلق على �أهل الذمة ،وقد يطلق على غريهم من الكفار �إذا �صوحلوا على ترك احلرب في�ض القدير ج ـ � 6ص .)153ولهذا �أجمع فقهاء الإ�سالم على �أن قتل الذمي كبرية من كبائر املحرمات لهذا الوعيد يف احلديث ولكنهم اختلفوا :هل ُيقتل امل�سلم بالذمي �إذا قتله؟. ذهب جمهور الفقهاء ومنهم ال�شافعي و�أحمد �إىل �أن امل�سلم ال ُيقتل بالذمي م�ستدلني باحلديث ال�صحيح "ال ُيقتل م�سلم بكافر"( ،رواه �أحمد والبخاري والن�سائي و�أبو داود والرتمذي من حديث علي ،كما يف املنتقى و�شرحه .انظر :نيل الأوطار ج ـ � 7ص 15ط .دار اجليل) واحلديث الآخر�" :أال ال ُيقتل م�ؤمن بكافر وال ذو عهد يف عهده" (رواه �أحمد والن�سائي و�أبو داود عن علي � ً أي�ضا ،واحلاكم و�صححه يف املنتقى و�شرحه املرجع ال�سابق). وقد �صح عن عمر بن عبد العزيز� :أنه كتب �إىل بع�ض �أمرائه يف م�سلم قتل ذم ًّيا ،ف�أمره �أن يدفعه �إىل وليه ،ف�إن �شاء قتله ،و�إن �شاء عفا عنه . ف ُد ِف َع �إليه ف�ضرب عنقه ( .امل�صنف لعبد الرزاق ج ـ � 10ص .)102 ،101 قالوا :ولهذا ُيقطع امل�سلم ب�سرقة مال الذمي ،مع �أن �أمر املال �أهون من النف�س ،و�أما قوله � -صلى اهلل عليه و�سلم "ال ُيقتل م�سلم بكافر"، فاملراد بالكافر احلربي ،وبذلك تتفق الن�صو�ص وال تختلف( .يراجع يف ذلك ما كتبه الإمام اجل�صا�ص يف كتابه "�أحكام القر�آن" ج ـ 1باب قتل امل�سلم بالكافر �ص 144 140ط .ا�ستنابول طبعة م�صورة يف بريوت). وهذا هو املذهب الذي اعتمدته اخلالفة العثمانية ونفذته يف �أقاليمها املختلفة منذ عدة قرون� ،إىل �أن هُ دِ مت اخلالفة يف هذا القرن ،ب�سعي �أعداء الإ�سالم. وكما حمى الإ�سالم �أنف�سهم من القتل حمى �أبدانهم من ال�ضرب والتعذيب فال يجوز �إحلاق الأذى ب�أج�سامهم ،ولو ت�أخروا �أو امتنعوا عن �أداء الواجبات املالية املقررة عليهم كاجلزية واخلراج ،هذا مع �أن الإ�سالم ت�شدد كل الت�شدد مع امل�سلمني �إذا منعوا الزكاة.
38
ومل يُجِ ْز الفقهاء يف �أمر الذميني املانعني �أكرث من �أن ُيح َب�سوا ت�أدي ًبا لهم ،بدون �أن ي�صحب احلب�س �أي تعذيب �أو �أ�شغال �شاقة ،ويف ذلك يكتب �أبو يو�سف� :أن حكيم بن ه�شام �أحد ال�صحابة ر�ضي اهلل عنه ر�أى رج ً نا�سا من النبط (�أي يوقفهم حتت حر ال (وهو على حم�ص) ي�ش ِّم�س ً ال�شم�س يف �أداء اجلزية فقال :ما هذا! �سمعت ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -يقول�" :إن اهلل عز وجل ُيع ِّذب الذين يعذبون النا�س يف الدنيا" ،وقد رواه م�سلم يف ال�صحيح ( .اخلراج لأبي يو�سف �ص ،125 وانظر :ال�سنن الكربى للبيهقي ج ـ � 9ص .)205 علي ر�ضي اهلل عنه �إىل بع�ض والته على اخلراج�" :إذا قدمتَ وكتب ٌّ ً ً عليهم فال تبيعن لهم ك�سوة �شتا ًء وال �صيفا ،وال رزقا ي�أكلونه ،وال دابة يعملون عليها ،وال ت�ضربن �أحدًا منهم ً �سوطا واحدًا يف درهم ،وال تقمه على رجله يف طلب درهم ،وال تبع لأحد منهم ع ً َر�ضا (متاعًا) يف �شيء من اخلراج ،ف�إمنا �أُمِ رنا �أن ن�أخذ منهم العفو ،ف�إن �أنت خالفتَ ما �أمرتك به ،ي�أخذك اهلل به دوين ،و�إن بلغني عنك خالف ذلك عزلتك" .قال الوايل� :إذن �أرجع �إليك كما خرجت من عندك! (يعني �أن النا�س ال ُيدفعون �إال بال�شدة) قال :و�إن رجعتَ كما خرجتَ "( .اخلراج لأبي يو�سف �ص ،16 - 15وانظر :ال�سنن الكربى � ً أي�ضا ج ـ � 9ص .)205 -2حماية الأموال ومثل حماية الأنف�س والأبدان حماية الأموال ،هذا مما اتفق عليه امل�سلمون يف جميع املذاهب ،ويف جميع الأقطار ،وخمتلف الع�صور. روى �أبو يو�سف يف "اخلراج" ما جاء يف عهد النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم -لأهل جنران" :ولنجران وحا�شيتها جوار اهلل ،وذمة حممد النبي ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -على �أموالهم وملتهم و ِب َيعهم ،وكل ما حتت �أيديهم من قليل �أو كثري( ." ...اخلراج �ص .)72 ويف عهد عمر �إىل �أبي عبيدة بن اجلراح ر�ضي اهلل عنهما �أن" :امنع امل�سلمني من ظلمهم والإ�ضرار بهم ،و�أكل �أموالهم �إال بحلها" .وقد م َّر بنا قول علي -ر�ضي اهلل عنه �" -إمنا بذلوا اجلزية لتكون دما�ؤهم كدمائنا، و�أموالهم ك�أموالنا" وعلى هذا ا�ستقر عمل امل�سلمني طوال الع�صور. ف َمن �سرق مال ذمي ُقطعت يده ،ومَن غ�صبه ُع ِّزر ،و�أعيد املال �إىل �صاحبه، ومَن ا�ستدان من ذمي فعليه �أن يق�ضي دينه ،ف�إن مطله وهو غني حب�سه احلاكم حتى ي�ؤدي ما عليه� ،ش�أنه يف ذلك �ش�أن امل�سلم وال فرق. وبلغ من رعاية الإ�سالم حلرمة �أموالهم وممتلكاتهم �أنه يحرتم ما يعدونه -ح�سب دينهم -ما ًال و�إن مل يكن ما ًال يف نظر امل�سلمني. فاخلمر واخلنزير ال يعتربان عند امل�سلمني ما ًال مُت َق َّو ًما ،ومَن �أتلف مل�سلم خم ًرا �أو خنزي ًرا ال غرامة عليه وال ت�أديب ،بل هو مثاب م�أجور على ذلك ،لأنه ُيغيرِّ منك ًرا يف دينه ،يجب عليه تغيريه �أو ي�ستحب ،ح�سب ا�ستطاعته ،وال يجوز للم�سلم �أن ميتلك هذين ال�شيئني ال لنف�سه وال ليبيعها للغري. �أما اخلمر واخلنزير �إذا ملكهما غري امل�سلم ،فهما ماالن عنده ،بل من
�أنف�س الأموال ،كما قال فقهاء احلنفية ،فمن �أتلفهما على الذمي ُغ ِّر َم قيمتهما( .اختلف الفقهاء يف ذلك ،والذي ذكر هو مذهب احلنفية). -3حماية الأعرا�ض ويحمي الإ�سالم عِ ر�ض الذمي وكرامته ،كما يحمي عِ ر�ض امل�سلم وكرامته ،فال يجوز لأحد �أن ي�سبه �أو يتهمه بالباطل� ،أو ي�شنع عليه بالكذب� ،أو يغتابه ،ويذكره مبا يكره ،يف نف�سه� ،أو ن�سبه� ،أو َخ ْلقِه� ،أو ُخ ُلقه �أو غري ذلك مما يتعلق به. يقول الفقيه الأ�صويل املالكي �شهاب الدين القرايف يف كتاب "الفروق": "�إن عقد الذمة يوجب لهم حقو ًقا علينا ،لأنهم يف جوارنا ويف خفارتنا (حمايتنا) وذمتنا وذمة اهلل تعاىل ،وذمة ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم ،-ودين الإ�سالم ،فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة �سوء �أو غيبة، فقد �ض َّيع ذمة اهلل ،وذمة ر�سوله � -صلى اهلل عليه و�سلم ،-وذمة دين الإ�سالم" (.الفروق ج ـ � 3ص 14الفرق التا�سع ع�شر واملائة). ويف الدر املختار -من كتب احلنفية " :-يجب كف الأذى عن الذمي وحترم غيبته كامل�سلم". ويعلق العالمة ابن عابدين على ذلك بقوله :لأنه بعقد الذمة وجب له ما لنا ،ف�إذا حرمت غيبة امل�سلم حرمت غيبته ،بل قالوا� :إن ظلم الذمي �أ�شد ( .الدر املختار وحا�شية ابن عابدين عليه ج ـ � 3ص 246 - 244ط .ا�ستانبول). -4الت�أمني عند العجز وال�شيخوخة والفقر و�أكرث من ذلك �أن الإ�سالم �ضمن لغري امل�سلمني يف ظل دولته ،كفالة املعي�شة املالئمة لهم وملن يعولونه ،لأنهم رعية للدولة امل�سلمة وهي م�سئولة عن كل رعاياها ،قال ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم :- "كلكم راع وكل راع م�سئول عن رعيته" ( .متفق عليه من حديث ابن عمر).وهذا ما م�ضت به ُ�س َّنة الرا�شدين ومَن بعدهم. ففي عقد الذمة الذي كتبه خالد بن الوليد لأهل احلرية بالعراق، وكانوا من الن�صارى" :وجعلت لهم� ،أميا �شيخ �ضعف عن العمل� ،أو �أ�صابته �آفة من الآفات� ،أو كان غن ًّيا فافتقر و�صار �أهل دينه يت�صدقون عليه ،طرحت جزيته وعِ يل من بيت مال امل�سلمني هو وعياله" (. .رواه ال�صدِّيق، �أبو يو�سف يف "اخلراج" �ص )144وكان هذا يف عهد �أبي بكر ِّ ال�صدِّيق ومل وبح�ضرة عدد كبري من ال�صحابة ،وقد كتب خالد به �إىل ِّ ينكر عليه �أحد ،ومثل هذا ُي َعد �إجماعًا. ور�أى عمر بن اخلطاب ً �شيخا يهود ًيا ي�س�أل النا�س ،ف�س�أله عن ذلك، فعرف �أن ال�شيخوخة واحلاجة �أجل�أتاه �إىل ذلك ،ف�أخذه وذهب به �إىل خازن بيت مال امل�سلمني ،و�أمره �أن يفر�ض له ولأمثاله من بيت املال ما يكفيهم وي�صلح �ش�أنهم ،وقال يف ذلك :ما �أن�صفناه �إذ �أخذنا منه اجلزية �شا ًبا ،ثم نخذله عند الهرم! (امل�صدر ال�سابق �ص .)126 وعند مقدم ِه "اجلابية" من �أر�ض دم�شق َم َّر يف طريقه بقوم جمذومني من الن�صارى ،ف�أمر �أن يعطوا من ال�صدقات ،و�أن يجرى عليهم القوت
39
(البالذري يف فتوح البلدان �ص 177ط .بريوت)� ،أي تتوىل الدولة القيام بطعامهم وم�ؤونتهم ب�صفة منتظمة. ً وبهذا تقرر ال�ضمان االجتماعي يف الإ�سالم ،باعتباره "مبد�أ عا ًما" ي�شمل �أبناء املجتمع جمي ًعا ،م�سلمني وغري م�سلمني ،وال يجوز �أن يبقى يف املجتمع امل�سلم �إن�سان حمروم من الطعام �أو الك�سوة �أو امل�أوى �أو العالج ،ف�إن دفع ال�ضرر عنه واجب ديني ،م�سل ًما كان �أو ذم ًيا. وذكر الإمام النووي يف "املنهاج" �أن من فرو�ض الكفاية :دفع �ضرر امل�سلمني كك�سوة عار� ،أو �إطعام جائع �إذا مل يندفع بزكاة وبيت مال. وو�ضح العالمة �شم�س الدين الرملي ال�شافعي يف "نهاية املحتاج �إىل �شرح املنهاج" �أن �أهل الذمة كامل�سلمني يف ذلك ،فدفع ال�ضرر عنهم واجب. ثم بحث ال�شيخ الرملي رحمه اهلل يف حتديد معنى دفع ال�ضرر فقال: "وهل املراد بدفع �ضرر مَن ذكر ،ما ي�سد الرمق �أو الكفاية؟ قوالن، �أ�صحهما ثانيهما ؛ فيجب يف الك�سوة ما ي�سرت كل البدن على ح�سب ما يليق باحلال من �شتاء و�صيف ،ويلحق بالطعام والك�سوة ما يف معناهما، ك�أجرة طبيب ،وثمن دواء ،وخادم منقطع ..كما هو وا�ضح". قال" :ومما يندفع به �ضرر امل�سلمني والذميني فك �أ�سراهم" .نهاية (املحتاج �إىل �شرح املنهاج للرملي ج ـ � 8ص 46كتاب "ال�سري"). حرية التدين ويحمي الإ�سالم فيما يحميه من حقوق �أهل الذمة حق احلرية ،و�أول هذه احلريات :حرية االعتقاد والتعبد ،فلكل ذي دين دينه ومذهبه ،ال ُيجرب على تركه �إىل غريه ،وال ُي�ضغط عليه ليتحول منه �إىل الإ�سالم. و�أ�سا�س هذا احلق قوله تعاىل اَ ِّين َق ْد َت َبينَّ َ ال ُّر ْ�ش ُد مِ َن (ل �إِ ْك َرا َه فيِ الد ِ ا ْل َغ ِّي َف َمنْ َي ْك ُف ْر ب َّ ِالط ُاغوتِ َو ُي�ؤْمِ نْ بِاللهَّ ِ َف َقدِ ْا�س َت ْم َ�س َك بِا ْل ُع ْر َو ِة ا ْل ُو ْث َقى ِ�صا َم َلهَا َواللهَّ ُ َ�سمِ ي ٌع َعلِي ٌم ) (البقرة )256 :وقوله �سبحانه ( َو َل ْو اَل ا ْنف َ ا�س َح َّتى َ�شا َء َر ُّب َك َ آلم ََن َمنْ فيِ ْ أ الَ ْر ِ�ض ُك ُّل ُه ْم َجمِ ي ًعا �أَ َف�أَنْتَ ُت ْك ِر ُه ال َّن َ َي ُكو ُنوا ُم�ؤْمِ ِن َ ني )(يون�س.)99 : قال ابن كثري يف تف�سري الآية الأوىل� :أي ال ُتكرِهوا �أحدًا على الدخول يف دين الإ�سالم ،ف�إنه َبينِّ وا�ضح ،جلي دالئله وبراهينه ،ال يحتاج �إىل �أن يكره �أحد على الدخول فيه. و�سبب نزول الآية كما ذكر املف�سرون يبني جان ًبا من �إعجاز هذا الدين، فقد رووا عن ابن عبا�س قال :كانت املر�أة تكون مقالة -قليلة الن�سل- فتجعل على نف�سها �إن عا�ش لها ولد �أن ُت َه ِّودَه (كان يفعل ذلك ن�ساء الأن�صار يف اجلاهلية) فلما �أُجليت بنو الن�ضري كان فيهم من �أبناء الأن�صار ،فقال �آبا�ؤهم :ال ندع �أبناءنا (يعنون :ال ندعهم يعتنقون اليهودية) ف�أنزل اهلل عز وجل �آية (ال �إكراه يف الدين)( .ن�سبه ابن كثري �إىل ابن جرير ،قال" :قد رواه �أبو داود والن�سائي وابن �أبي حامت وابن حيان يف �صحيحه وهكذا ذكر جماهد و�سعيد بن جبري وال�شعبي واحل�سن الب�صري وغريهم �أنها نزلت يف ذلك " . .تف�سري ابن كثري ج ـ � 1ص .)310
فرغم �أن حماوالت الإكراه كانت من �آباء يريدون حماية �أبنائهم من التبعية لأعدائهم املحاربني الذين يخالفونهم يف دينهم وقوميتهم، ورغم الظروف اخلا�صة التي دخل بها الأبناء دين اليهودية وهم �صغار، ورغم ما كان ي�سود العامل كله حينذاك من موجات التعب واال�ضطهاد للمخالفني يف املذهب ،ف�ض ً ال عن الدين ،كما كان يف مذهب الدولة الرومانية التي خيرَّ ت رعاياها حي ًنا بني التن�صر والقتل ،فلما تبنت املذهب "امللكاين" �أقامت املذابح لكل مَن ال يدين به من امل�سيحيني من العاقبة وغريهم. رغم كل هذا ،رف�ض القر�آن الإكراه ،بل مَن هداه اهلل و�شرح �صدره ون َّور ب�صريته دخل فيه على ب ِّينة ،ومَن �أعمى اهلل قلبه ،وختم على �سمعه وب�صره ،ف�إنه ال يفيده الدخول يف الدين مُك َرهًا مق�صورا ـ كما قال ابن كثريـ .فالإميان عند امل�سلمني لي�س جمرد كلمة ُتلفظ بالل�سان �أو طقو�س ُت�ؤدَّى بالأبدان ،بل �أ�سا�سه �إقرار القلب و�إذعانه وت�سليمه. ولهذا مل يعرف التاريخ �شع ًبا م�سل ًما حاول �إجبار �أهل الذمة على الإ�سالم ،كما �أقر بذلك امل�ؤرخون الغربيون �أنف�سهم. وكذلك �صان الإ�سالم لغري امل�سلمني معابدهم ورعى حرمة �شعائرهم، بل جعل القر�آن من �أ�سباب الإذن يف القتال حماية حرية العبادة ،وذلك يف قوله تعاىل ( �أُ ِذ َن ِل َّلذِ َ ين ُي َقا َت ُلو َن ِب�أَ َّن ُه ْم ُظ ِل ُموا َو�إِ َّن اللهَّ َ َعلَى َن ْ�صرِهِ ْم َل َقدِ ي ٌر ا َّلذِ َ ين �أُ ْخر ُِجوا مِ نْ ِد َيارِهِ ْم ِب َغيرْ ِ َح ٍّق �إِ اَّل �أَنْ َي ُقو ُلوا َر ُّب َنا اللهَّ ُ َو َل ْو اَل ا�س َب ْع َ�ض ُه ْم ِب َب ْع ٍ�ض َل ُه ِّدمَتْ َ�صوَامِ ُع َو ِب َي ٌع َو َ�صلَ َو ٌات َوم ََ�ساجِ ُد َد ْف ُع اللهَّ ِ ال َّن َ ريا َو َل َي ْن ُ�ص َر َّن اللهَّ ُ َمنْ َي ْن ُ�ص ُر ُه �إِ َّن اللهَّ َ َل َقوِيٌّ َعزِي ٌز) ُي ْذ َك ُر فِيهَا ْا�س ُم اللهَّ ِ َك ِث ً (احلج.)40 - 39 : وقد ر�أينا كيف ا�شتمل عهد النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم � -إىل �أهل جنران� ،أن لهم جوار اهلل وذمة ر�سوله على �أموالهم وم َّلتهم و ِب َيعهم. ويف عهد عمر بن اخلطاب �إىل �أهل �إيلياء (القد�س) ن�ص على ُحريتهم الدينية ،وحرمة معابدهم و�شعائرهم" :هذا ما �أعطى عبد اهلل عمر �أمري امل�ؤمنني �أهل �إيلياء من الأمان� :أعطاهم �أما ًنا لأنف�سهم و�أموالهم وكنائ�سهم و�صلبانهم و�سائر م َّلتها ،ال ُت�سكن كنائ�سهم ،وال ُتهدم وال ينتق�ص منها ،وال من حيزها ،وال من �صليبها ،وال من �شيء من �أموالهم ،وال ُيكرهون على دينهم ،وال ُي�ضار �أحد منهم .وال ي�سكن ب�إيلياء معهم �أحد من اليهود " . .كما رواه الطربي ( .تاريخ الطربي ط .دار املعارف مب�صر ج ـ � 3ص .)609 ويف عهد خالد بن الوليد لأهل عانات" :ولهم �أن ي�ضربوا نواقي�سهم يف �أي �ساعة �شاءوا من ليل �أو نهار� ،إال يف �أوقات ال�صالة ،و�أن يخرجوا ال�صلبان يف �أيام عيدهم" (.اخلراج لأبي يو�سف �ص .)146 وكل ما يطلبه الإ�سالم من غري امل�سلمني �أن يراعوا م�شاعر امل�سلمني، وحرمة دينهم ،فال يظهروا �شعائرهم و�صلبانهم يف الأم�صار الإ�سالمية، ُ وال يحدثوا كني�سة يف مدينة �إ�سالمية مل يكن لهم فيها كني�سة من قبل، وذلك ملا يف الإظهار والإحداث من حتدي ال�شعور الإ�سالمي مما قد ي�ؤدي �إىل فتنة وا�ضطراب.
40
على �أن من فقهاء امل�سلمني مَن �أجاز لأهل الذمة �إن�شاء الكنائ�س وال ِب َيع وغريها من املعابد يف الأم�صار الإ�سالمية ،ويف البالد التي فتحها امل�سلمون عنوة� ،أي �أن �أهلها حاربوا امل�سلمني ومل ي�سلموا لهم �إال بحد ال�سيف �إذا �أذن لهم �إمام امل�سلمني بذلك ،بناء على م�صلحة ر�أها ،ما دام الإ�سالم يقرهم على عقائدهم. وقد ذهب �إىل ذلك الزيدية والإمام ابن القا�سم من �أ�صحاب مالك (انظر� :أحكام الذميني وامل�ست�أمنني �ص .)99 - 96 ويبدو �أن العمل جرى على هذا يف تاريخ امل�سلمني ،وذلك منذ عهد مبكر ،فقد ُبنِيت يف م�صر عدة كنائ�س يف القرن الأول الهجري ،مثل كني�سة "مار مرق�ص" بالإ�سكندرية ما بني ( 56 - 39هـ) .كما ُبنِيت �أول كني�سة بالف�سطاط يف حارة الروم ،يف والية م�سلمة بن خملد على م�صر بني عامي ( 68 - 47هـ ) كما �سمح عبد العزيز بن مروان حني �أن�ش�أ مدينة "حلوان" ببناء كني�سة فيها ،و�سمح كذلك لبع�ض الأ�ساقفة ببناء ديرين. وهناك �أمثلة �أخرى كثرية ،وقد ذكر امل�ؤرخ املقريزي يف كتابه "اخلِطط" �أمثلة عديدة ،ثم ختم حديثه بقوله :وجميع كنائ�س القاهرة املذكورة حمدَثة يف الإ�سالم بال خالف (انظر :الإ�سالم و�أهل الذمة للدكتور علي ح�سني اخلربوطلي �ص ،139و�أي�ضاً" :الدعوة �إىل الإ�سالم" ت�أليف توما�س .و � .أرنولد �ص 86 - 84ط .ثالثة .ترجمة د .ح�سن �إبراهيم وزميليه). �أما يف القرى واملوا�ضع التي لي�ست من �أم�صار امل�سلمني فال يمُ نعون من �إظهار �شعائرهم الدينية وجتديد كنائ�سهم القدمية وبناء ما تدعو حاجتهم �إىل بنائه ،نظ ًرا لتكاثر عددهم. وهذا الت�سامح مع املخالفني يف الدين من قوم قامت حياتهم كلها على الدين ،ومت لهم به الن�صر والغلبة� ،أمر مل ُيعهد يف تاريخ الديانات، وهذا ما �شهد به الغربيون �أنف�سهم. يقول العالمة الفرن�سي جو�ستاف لوبون" :ر�أينا من �آي القر�آن التي ذكرناها �آن ًفا �أن م�ساحمة حممد لليهود والن�صارى كانت عظيمة �إىل الغاية ،و�أنه مل يقل مبثلها م�ؤ�س�سو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية والن�صرانية على وجه اخل�صو�ص ،و�سرنى كيف �سار خلفا�ؤه على �سنته" وقد اعرتف بذلك الت�سامح بع�ض علماء �أوروبا املرتابون �أو امل�ؤمنون القليلون الذين �أمعنوا النظر يف تاريخ العرب ،والعبارات الآتية التي �أقتطفها من كتب الكثريين منهم تثبت �أن ر�أينا يف هذه امل�س�ألة لي�س خا�صا بنا .قال روبرت�سن يف كتابه "تاريخ �شارلكن"�" :إن امل�سلمني ً وحدهم الذين جمعوا بني الغرية لدينهم وروح الت�سامح نحو �أتباع الأديان الأخرى و�أنهم مع امت�شاقهم احل�سام ن�ش ًرا لدينهم ،تركوا مَن مل يرغبوا فيه �أحرا ًرا يف التم�سك بتعاليمهم الدينية" ( .حا�شية من �صفحة 128من كتاب "ح�ضارة العرب" جلو�ستاف لوبون)
حرية العمل والك�سب لغري امل�سلمني حرية العمل والك�سب ،بالتعاقد مع غريهم� ،أو بالعمل حل�ساب �أنف�سهم ،ومزاولة ما يختارون من املهن احلرة ،ومبا�شرة ما يريدون من �ألوان الن�شاط االقت�صادي� ،ش�أنهم يف ذلك �ش�أن امل�سلمني. فقد قرر الفقهاء �أن �أهل الذمة يف البيوع والتجارات و�سائر العقود واملعامالت املالية كامل�سلمني ،ومل ي�ستثنوا من ذلك �إال عقد الربا ،ف�إنه حمرم عليهم كامل�سلمني وقد ُروِي �أن النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم - كتب �إىل جمو�س هجر�" :إما �أن تذروا الربا �أو ت�أذنوا بحرب من اهلل ور�سوله". كما مينع �أهل الذمة من بيع اخلمور واخلنازير يف �أم�صار امل�سلمني، وفتح احلانات فيها ل�شرب اخلمر وت�سهيل تداولها �أو �إدخالها �إىل �أم�صار امل�سلمني على وجه ال�شهرة والظهور ،ولو كان ذلك ال�ستمتاعهم اخلا�ص� ،سدًا لذريعة الف�ساد و�إغال ًقا لباب الفتنة. وفيما عدا هذه الأمور املحدودة ،يتمتع الذميون بتمام حريتهم ،يف حل َرف املختلفة .وهذا ما جرى عليه مبا�شرة التجارات وال�صناعات وا ِ الأمر ،ونطق به تاريخ امل�سلمني يف َ�ش َّتى الأزمان .وكادت بع�ض املهن تكون مق�صورة عليهم كال�صريفة وال�صيدلة وغريها .وا�ستمر ذلك �إىل وقت قريب يف كثري من بالد الإ�سالم .وقد جمعوا من وراء ذلك ثروات طائلة معفاة من الزكاة ومن كل �ضريبة �إال اجلزية ،وهي �ضريبة على الأ�شخا�ص القادرين على حمل ال�سالح ،كما �سي�أتي ،وهي مقدار جد زهيد. قال �آدم ميتز" :ومل يكن يف الت�شريع الإ�سالمي ما يغلق دون �أهل الذمة �أي باب من �أبواب الأعمال ،وكانت قدمهم را�سخة يف ال�صنائع التي تدر الأرباح الوافرة ،فكانوا �صيارفة وجتا ًرا و�أ�صحاب �ضياع و�أطباء ،بل �إن �أهل الذمة نظموا �أنف�سهم ،بحيث كان معظم ال�صيارفة اجلهابذة يف ال�شام مث ً ال يهودًا .على حني كان �أكرث الأطباء والكتبة ن�صارى . وكان رئي�س الن�صارى ببغداد هو طبيب اخلليفة ،وكان ر�ؤ�ساء اليهود وجهابذتهم عنده " (احل�ضارة الإ�سالمية يف القرن الرابع الهجري" للأ�ستاذ �آدم ميتز �أ�ستاذ اللغات ال�شرقية بجامعة "بازل" ب�سوي�سرا . ترجمة الأ�ستاذ حممد عبدالهادي �أبو ريدة الطبعة الرابعة ،ف�صل: "اليهود والن�صارى" ج� 1ص.)86 تويل وظائف الدولة ولأهل الذمة احلق يف تويل وظائف الدولة كامل�سلمني � .إال ما غلب عليه ال�صبغة الدينية كالإمامة ورئا�سة الدولة والقيادة يف اجلي�ش ،والق�ضاء بني امل�سلمني ،والوالية على ال�صدقات ونحو ذلك. فالإمامة �أو اخلالفة ريا�سة عامة يف الدين والدنيا ،خالفة عن النبي - �صلى اهلل عليه و�سلم -وال يجوز �أن يخلف النبي يف ذلك �إال م�سلم ،وال يعقل �أن ينفذ �أحكام الإ�سالم ويرعاها �إال م�سلم. وقيادة اجلي�ش لي�ست عم ً ال مدن ًيا �صر ًفا ،بل هي عمل من �أعمال العبادة يف الإ�سالم �إذ اجلهاد يف قمة العبادات الإ�سالمية.
41
والق�ضاء �إمنا هو حكم بال�شريعة الإ�سالمية ،وال يطلب من غري امل�سلم �أن يحكم مبا ال ي�ؤمن به. ومثل ذلك الوالية على ال�صدقات ونحوها من الوظائف الدينية. وماعدا ذلك من وظائف الدولة يجوز �إ�سناده �إىل �أهل الذمة �إذا حتققت فيهم ال�شروط التي ال بد منها من الكفاية والأمانة والإخال�ص للدولة .بخالف احلاقدين الذين تدل الدالئل على بغ�ض م�ستحكم منهم للم�سلمني ،كالذين قال اهلل فيهم ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا اَل َت َّتخِ ُذوا ب َِطا َن ًة مِ نْ دُو ِن ُك ْم اَل َي�أْ ُلو َن ُك ْم َخ َب اًال َودُّوا مَا َع ِن ُّت ْم َق ْد َبدَتِ ا ْل َب ْغ َ�ضا ُء مِ نْ �أَ ْفوَاهِ ِه ْم َومَا ُتخْ فِي ُ�صدُو ُرهُ ْم َ�أ ْكبرَ ُ َق ْد َب َّي َّنا َل ُك ُم ْالآيَاتِ �إِنْ ُك ْن ُت ْم َت ْع ِق ُلو َن) (�آل عمران.)118 : وقد بلغ الت�سامح بامل�سلمني �أن �صرح فقهاء كبار -مثل املاوردي يف "الأحكام ال�سلطانية" -بجواز تقليد الذمي "وزارة التنفيذ" .ووزير التنفيذ هو الذي يبلغ �أوامر الإمام ويقوم بتنفيذها ومي�ضي ما ي�صدر عنه من �أحكام. وهذا بخالف "وزارة التفوي�ض" التي يكل فيها الإمام �إىل الوزير تدبري الأمور ال�سيا�سية والإدارية واالقت�صادية مبا يراه. وقد توىل الوزارة يف زمن العبا�سيني بع�ض الن�صارى �أكرث من مرة، منهم ن�صر بن هارون �سنة 369هـ ،وعي�سى بن ن�سطور�س �سنة 380هـ .وقبل ذلك كان ملعاوية بن �أبي �سفيان كاتب ن�صراين ا�سمه �سرجون. وقد بلغ ت�سامح امل�سلمني يف هذا الأمر �أحيا ًنا �إىل حد املبالغة واجلور على حقوق امل�سلمني ،مما جعل امل�سلمني يف بع�ض الع�صور ،ي�شكون من ت�سلط اليهود والن�صارى عليهم بغري حق. وقد قال امل�ؤرخ الغربي �آدم ميتز يف كتابه "احل�ضارة الإ�سالمية يف القرن الرابع الهجري" (اجلزء الأول �ص" :)105من الأمور التي نعجب لها كرثة عدد العمال (الوالة وكبار املوظفني) واملت�صرفني غري امل�سلمني يف الدولة الإ�سالمية ،فك�أن الن�صارى هم الذين يحكمون امل�سلمني يف بالد الإ�سالم وال�شكوى من حتكيم �أهل الذمة يف �أب�شار امل�سلمني �شكوى قدمية". يقول �أحد ال�شعراء امل�صريني (هو احل�سن بن خاقان ،كما يف "ح�سن املحا�ضرة" لل�سيوطي � 2ص 117وانظر احل�ضارة الإ�سالمية لآدم ميتز (ج� 1ص )118يف يهود ع�صره و�سيطرتهم على حكامه: يهود هذا الزمان قد بلغــوا غاية �آمالهم وقد ملكـوا املجد فيهم واملال عندهمــو ومنهم امل�ست�شار وامللك يا �أهل م�صر� ،إين ن�صحتُ لكم تهودوا قد تهود الفلك �سجله التاريخ من ذلك ما �سارت عليه الدولة العثمانية يف و�آخر ما َّ ريا من وظائفها املهمة واحل�سا�سة �إىل عهدها الأخري بحيث �أ�سندت كث ً رعاياها من غري امل�سلمني ،ممن ال ي�ألونها خبا ًال ،وجعلت �أكرث �سفرائها ووكالئها يف بالد الأجانب من الن�صارى. و�صايا نبوية ب�أقباط م�صر خا�صة و�أما �أقباط م�صر فلهم �ش�أن خا�ص ومنزلة متميزة ،فقد �أو�صى بهم
ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -و�صية خا�صة ،يعيها عقل كل م�سلم وي�ضعها يف ال�سويداء من قلبه. فقد روت �أم امل�ؤمنني �أم �سلمة ر�ضي اهلل عنها �أن ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم � -أو�صى عند وفاته فقال" :اهلل يف قبط م�صر ،ف�إنكم �ستظهرون عليهم ،ويكونون لكم عدة و�أعوا ًنا يف �سبيل اهلل" (�أورده الهيثمي يف جممع الزوائد ج� 10ص ،62وقال :رواه الطرباين ورجاله رجال ال�صحيح). وقد �ص َّد َق الواقع التاريخي ما نب�أ به الر�سول � -صلى اهلل عليه و�سلم ،فقد رحب الأقباط بامل�سلمني الفاحتني ،وفتحوا لهم �صدورهم ،رغم�أن الروم الذين كانوا يحكمونهم كانوا ن�صارى مثلهم ،ودخل الأقباط أفواجا ،حتى �إن بع�ض والة بني �أمية فر�ض اجلزية على مَن يف دين اهلل � ً �أ�سلم منهم ،لكرثة من اعتنق الإ�سالم. م�صر بوابة الإ�سالم �إىل �إفريقيا كلها ،وغدا �أهلها ُعدَّة و�أعوا ًنا يف �سبيل اهلل. وعن �أبي ذر ر�ضي اهلل عنه �أن ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -قال: "�إنكم �ستفتحون � ً ريا، أر�ضا ُيذكر فيها القرياط ،فا�ستو�صوا ب�أهلها خ ً ف�إن لهم ذمة ورح ًما". ويف رواية�" :إنكم �ستفتحون م�صر ،وهي �أر�ض ي�سمى فيها القرياط (القرياط :جزء من �أجزاء الدرهم والدينار وغريهما ،وكان �أهل م�صر يكرثون من ا�ستعماله والتكلم به ،بل هم ال يزالون كذلك بالن�سبة ً قرياطا)، للم�ساحة وال�صاغة وغريها ،وكل �شيء قابل لأن يق�سم �إىل 24 ف�إذا فتحتموها ف�أح�سنوا �إىل �أهلها ،ف�إن لهم ذمة ورح ًما"� ،أو قال" :ذمة و�صه ًرا" (احلديث بروايتيه يف �صحيح م�سلم رقم ( ،)2543باب و�صية النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم -ب�أهل م�صر ،ويف م�سند �أحمد ( ج� 5ص.)174 قال العلماء :الرحم التي لهم :كون هاجر �أم �إ�سماعيل عليه ال�سالم منهم ،وال�صهر :كون مارية �أم �إبراهيم ابن ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -منهم( .ذكر ذلك النووي يف ريا�ض ال�صاحلني :حديث ()334 ط .املكتب الإ�سالمي). وال غرو �أن ذكر الإمام النووي هذا احلديث يف كتابه "ريا�ض ال�صاحلني" يف باب" :بر الوالدين و�صلة الأرحام" �إ�شارة �إىل هذه الرحم التي �أمر اهلل ور�سوله بها �أن تو�صل بني امل�سلمني وبني �أهل م�صر ،حتى قبل �أن ي�سلموا. وعن كعب بن مالك الأن�صاري قال� :سمعتُ ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه ريا ،ف�إن لهم دماً و�سلم -يقول�" :إذا ُفتِحت م�صر فا�ستو�صوا بالقبط خ ً ورح ًما" .ويف رواية�" :إن لهم ذمة ورح ًما" يعني �أن �أم �إ�سماعيل منهم �(.أورده الهيثمي ج ـ � 10ص ،62وقال :رواه الطرباين ب�إ�سنادين ورجال �أحدهما رجال ال�صحيح ،كما رواه احلاكم بالرواية الثانية و�صححه على �شرط ال�شيخني ووافقه الذهبي ج ـ � 2ص ،753وعند الزهري: "الرحم" ب�أن �أم �إ�سماعيل منهم).
42
والر�سول يجعل للقبط هنا من احلقوق �أكرث مما لغريهم ،فلهم الذمة �أي عهد اهلل ور�سوله وعهد جماعة امل�سلمني وهو عهد جدير �أن ُيرعَى و ُي�صان .ولهم رحم ودم وقرابة لي�ست لغريهم ،فقد كانت هاجر �أم �إ�سماعيل �أبي العرب امل�ستعربة منهم بالإ�ضافة �إىل مارية القبطية التي �أجنب منها عليه ال�صالة وال�سالم ابنه �إبراهيم. �ضمانات الوفاء بهذه احلقوق لقد قررت ال�شريعة الإ�سالمية لغري امل�سلمني كل تلك احلقوق ،وكفلت لهم كل تلك احلريات ،وزادت على ذلك بت�أكيد الو�صية بح�سن معاملتهم ومعا�شرتهم بالتي هي �أح�سن. ولكن مَن الذي ي�ضمن الوفاء بتنفيذ هذه احلقوق ،وحتقيق هذه ريا ما تقف حاج ًزا دون الو�صايا؟ وبخا�صة �أن املخالفة يف الدين كث ً ذلك؟ وهذا الكالم حق و�صدق بالنظر �إىل الد�ساتري الأر�ضية والقوانني الو�ضعية التي تن�ص على امل�ساواة بني املواطنني يف احلقوق والواجبات، ربا على ورق ،لغلبة الأهواء والع�صبيات ،التي مل ت�ستطع ثم تظل ح ً القوانني �أن تنت�صر عليها؛ لأن ال�شعب ال ي�شعر بقد�سيتها ،وال ي�ؤمن يف قرارة نف�سه بوجوب اخل�ضوع لها واالنقياد حلكمها. �ضمان العقيدة �أما ال�شريعة الإ�سالمية فهي �شريعة اهلل وقانون ال�سماء ،الذي ال تبديل لكلماته ،وال جور يف �أحكامه ،وال يتم الإميان �إال بطاعته ،والر�ضا به . قال تعاىل ( َومَا َكا َن لمِ ُ�ؤْمِ ٍن َو اَل ُم�ؤْمِ َن ٍة �إِ َذا َق َ�ضى اللهَّ ُ َو َر ُ�سو ُل ُه �أَ ْم ًرا �أَنْ َي ُكو َن َل ُه ُم الخْ ِ يرَ َ ُة مِ نْ �أَ ْمرِهِ ْم َو َمنْ َي ْع ِ�ص اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َف َق ْد َ�ض َّل َ�ضلاَ اًل ُمبِي ًنا )(الأحزاب.)36 : ولهذا يحر�ص كل م�سلم يتم�سك بدينه على تنفيذ �أحكام هذه ال�شريعة وو�صاياها ،لري�ضي ربه وينال ثوابه ،ال مينعه من ذلك عواطف القرابة واملودَّة ،وال م�شاعر العداوة وال�شن�آن ..قال تعاىلَ (:يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا ُكو ُنوا َقوَّامِ َ ني بِا ْلق ِْ�س ِط ُ�ش َهدَا َء للِهَّ ِ َو َل ْو َعلَى �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَ ِو ا ْل َوا ِل َد ْي ِن ريا َفاللهَّ ُ �أَ ْولىَ ِب ِه َما فَلاَ َت َّت ِب ُعوا ا ْل َه َوى�أنَْ َ الَ ْق َر ِب َ َو ْ أ ني �إِنْ َي ُكنْ َغ ِن ًّيا �أ ْو َف ِق ً َ للهَّ َ ريا ) َت ْعدِ ُلوا َو�إِنْ َت ْل ُووا �أ ْو ُت ْعر ُِ�ضوا َف�إِ َّن ا َكا َن بمِ َا َت ْع َم ُلو َن َخ ِب ً (الن�ساء.)135 : للِهَّ َ َ َّ ُ وقال �سبحانه وتعاىل( َيا �أ ُّيهَا الذِ َ ين �آ َم ُنوا كو ُنوا قوَّامِ َ ني ِ ُ�ش َهدَا َء َ َ اَّ ُ ُ َ ْ َ بِا ْلق ِْ�س ِط َو اَل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن� ُآن َق ْو ٍم َعلى �أل ت ْعدِ لوا ْاعدِ لوا هُ َو �أق َر ُب ري بمِ َا َت ْع َم ُلو َن ) (املائدة.)8 : لِل َّت ْق َوى َوا َّت ُقوا اللهَّ َ �إِ َّن اللهَّ َ َخ ِب ٌ �ضمان املجتمع امل�سلم واملجتمع الإ�سالمي م�سئول بالت�ضامن عن تنفيذ ال�شريعة ،وتطبيق ق�صر بع�ض �أحكامها يف كل الأمور ،ومنها ما يتعلق بغري امل�سلمني ؛ ف�إذا َّ النا�س �أو انحرف �أو جار وتعدى ،وجد يف املجتمع مَن يرده �إىل احلق، وي�أمره باملعروف ،وينهاه عن املنكر ،ويقف بجانب املظلوم املعتدَى عليه، ولو كان خمال ًفا له يف الدين.
قد يوجد هذا كله دون �أن ي�شكو الذمي �إىل �أحد ،وقد ي�شكو ما وقع عليه من ظلم ،فيجد مَن ي�سمع ل�شكواه ،وين�صفه من ظامله ،مهما يكن مركزه ومكانه يف دنيا النا�س. فله �أن ي�شكو �إىل الوايل �أو احلاكم املحلي ،فيجد عنده ال ُن�صفة واحلماية ،ف�إن مل ين�صفه فله �أن يلج�أ �إىل مَن هو فوقه ؛ �إىل خليفة امل�سلمني و�أمري امل�ؤمنني ،فيجد عنده ال�ضمان والأمان ،حتى لو كانت الق�ضية بينه وبني اخلليفة نف�سه ،ف�إنه يجد ال�ضمان لدى الق�ضاء َّعى عليه ،ولو كان �أكرب امل�ستقل العادل ،الذي له حق حماكمة �أي ُمد ً ر�أ�س يف الدولة (اخلليفة)! و�ضمان �آخر :عند الفقهاء ،الذين هم حماة ال�شريعة ،وموجهو الر�أي العام. و�ضمان �أعم و�أ�شمل يتمثل يف "ال�ضمري الإ�سالمي" العام ،الذي �صنعته عقيدة الإ�سالم وتربية الإ�سالم ،وتقاليد الإ�سالم. والتاريخ الإ�سالمي مليء بالوقائع التي تدل على التزام املجتمع الإ�سالمي بحماية �أهل الذمة من كل ظلم مي�س حقوقهم املقررة� ،أو حرماتهم امل�صونة� ،أو حرياتهم املكفولة. ف�إذا كان الظلم من �أحد �أفراد امل�سلمني �إىل ذمي ،ف�إن وايل الإقليم �سرعان ما ين�صفه ويرفع الظلم عنه ،مبجرد �شكواه �أو علمه بق�ضيته من �أي طريق. وقد �شكا �أحد رهبان الن�صارى يف م�صر �إىل الوايل �أحمد بن طولون �أحد ق َّواده ،لأنه ظلمه و�أخذ منه مبل ًغا من املال بغري حق ،فما كان من ابن طولون �إال �أن �أح�ضر هذا القائد و�أ َّنبه وع َّزره و�أخذ منه املال ،ورده �إىل الن�صراين .وقال له :لو ادعيتَ عليه �أ�ضعاف هذا املبلغ لألزمته به، وفتح بابه لكل متظلم من �أهل الذمة ،ولو كان امل�شكو من كبار الق َّواد وموظفي الدولة. و�إن كان الظلم واق ًعا من الوايل نف�سه �أو من ذويه وحا�شيته ؛ ف�إن �إمام امل�سلمني وخليفتهم هو الذي يتوىل ردعه ورد احلق �إىل �أهله. و�أ�شهر الأمثلة على ذلك ق�صة القبطي مع عمرو بن العا�ص وايل م�صر ؛ حيث �ضرب ابن عمرو ابن القبطي بال�سوط وقال له� :أنا ابن الأكرمني! فما كان من القبطي �إال �أن ذهب �إىل �أمري امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب يف املدينة و�شكا �إليه ،فا�ستدعى اخلليفة عمرو بن العا�ص وابنه ،و�أعطى ال�سوط البن القبطي وقال له :ا�ضرب ابن الأكرمني، فلما انتهى من �ضربه التفت �إليه عمر وقال له� :أدرها على �صلعة عمرو ف�إمنا �ضربك ب�سلطانه ،فقال القبطي� :إمنا �ضربتُ مَن �ضربني .ثم التفت عمر �إىل عمرو وقال كلمته ال�شهرية" :يا عمرو ،متى ا�ستعبدمت النا�س وقد ولدتهم �أمهاتهم �أحرا ًرا"؟. ومما ي�ستحق الت�سجيل يف هذه الق�صة� :أن النا�س قد �شعروا بكرامتهم و�إن�سانيتهم يف ظل الإ�سالم ،حتى �إن لطمة ُي َ لطمها �أحدهم بغري حق، ي�ستنكرها وي�ستقبحها ،وقد كانت تقع �آالف مثل هذه احلادثة وما هو �أكرب منها يف عهد الرومان وغريهم ،فال يحرك بها �أحد ر� ًأ�سا ،ولكن �شعور الفرد بحقه وكرامته يف كنف الدولة الإ�سالمية جعل املظلوم
43
يركب امل�شاق ،ويتج�شم وعثاء ال�سفر الطويل من م�صر �إىل املدينة املن َّورة ،واثقاً ب�أن حقه لن ي�ضيع ،و�أن �شكاته �ستجد �أذ ًنا �صاغية. و�إذا مل ي�صل �أمر الذمي �إىل اخلليفة� ،أو كان اخلليفة نف�سه على طريقة واليه ،ف�إن الر�أي العام الإ�سالمي الذي يتمثل يف فقهاء امل�سلمني ،ويف املتدينني كافة يقف بجوار املظلوم من �أهل الذمة وي�سانده. ومن الأمثلة البارزة على ذلك :موقف الإمام الأوزاعي من الوايل العبا�سي يف زمنه ،عندما �أجلى قو ًما من �أهل الذمة من جبل لبنان، خلروج فريق منهم على عامل اخلراج .وكان الوايل هذا �أحد �أقارب علي بن عبد اهلل بن عبا�س .فكتب �إليه اخلليفة وع�صبته ،وهو �صالح بن ٍّ الأوزاعي ر�سالة طويلة ،كان مما قال فيها" :فكيف ت�ؤخذ عامة بذنوب خا�صة ،حتى ُيخ َرجوا من ديارهم و�أموالهم؟ وحكم اهلل تعاىل (�أَ اَّل َت ِز ُر َوا ِز َر ٌة ِو ْز َر �أُ ْخ َرى)(النجم ،)38 :وهو �أحق ما وقف عنده واقتدى به . و�أحق الو�صايا �أن حتفظ وترعى و�صية ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم. ومل يعرف تاريخ امل�سلمني ظل ًما وقع على �أهل الذمة وا�ستمر طوي َ ال، فقد كان الر�أي العام والفقهاء معه دائ ًما �ضد الظلمة واملنحرفني، و�سرعان ما يعود احلق �إىل ن�صابه. �أخذ الوليد بن عبد امللك كني�سة "يوحنا" من الن�صارى ،و�أدخلها يف امل�سجد .فلما ْا�ستُخْ ل َِف عمر بن عبد العزيز �شكا الن�صارى �إليه ما فعل الوليد بهم يف كني�ستهم ،فكتب �إىل عامله برد ما زاده يف امل�سجد عليهم، لوال �أنهم ترا�ضوا مع الوايل على �أ�سا�س �أن ُيع َّو�ضوا مبا ير�ضيهم ( .فتوح البلدان �ص .) 172 171وق�صة هذه الكني�سة كما يحكيها البالذري �أن خلفاء بني �أمية منذ عهد معاوية ،ثم عبد امللك ،حاولوا �أن ي�سرت�ضوا الن�صارى ليزيدوا م�ساحتها يف امل�سجد الأموي ،وا�سرت�ضوهم عنها، فرف�ضوا ،ويف �أيام الوليد ،جمعهم وبذل لهم ما ًال عظي ًما على �أن يعطوه �إياها ف�أبوا ،فقال :لئن مل تفعلوا لأهدمنها فقال بع�ضهم :يا �أمري امل�ؤمنني� ،إن مَن هدم كني�سة ُجنَّ و�أ�صابته عاهة! ف�أغ�ضبه قولهم ،ودعا مبعول وجعل يهدم بع�ض حيطانها بيده ،ثم جمع الفعلة والنقا�ضني، فهدموها .و�أدخلها يف امل�سجد ،فلما ْا�ستُخْ لِف عمر بن عبد العزيز �شكا �إليه الن�صارى ما فعل بهم الوليد يف كني�ستهم .فكتب �إىل عامله ي�أمره برد ما زاده يف امل�سجد عليهم! (�أي بهدمه و�إعادته كني�سة) فكره �أهل دم�شق ذلك وقالوا :نهدم م�سجدنا بعد �أن �أ َّذ َّنا فيه و�صلينا دبر نبيه وفيهم يومئذ �سليمان بن حبيب املحاربي وغريه من الفقهاء و�أقبلوا على الن�صارى ي�سرت�ضونهم .ف�س�ألوهم �أن يعطوا جميع كنائ�س الغوطة التي �أُخذت عنوة (�أي عند الفتح) و�صارت يف �أيدي امل�سلمني ،على �أن ي�صفحوا عن كني�سة يوحنا ،ومي�سكوا عن املطالبة بها ،فر�ضوا بذلك و�أعجبهم .فكتب بذلك �إىل عمر ف�سره و�أم�ضاه. و�أجلى الوليد بن يزيد مَن كان بقرب�ص من الذميني ،و�أر�سلهم �إىل
ال�شام خمافة حملة الروم ،ورغم �أنه مل يفعل ذلك �إال حماية للدولة، ً واحتياطا لها يف نظره ،فقد غ�ضب عليه الفقهاء وعامة امل�سلمني وا�ستعظموا ذلك منه .فلما جاء يزيد بن الوليد وردَّهم �إىل قرب�ص، ا�ستح�سنه امل�سلمون ،وعدوه من العدل وذكروه يف مناقبه .كما يروي ذلك امل�ؤرخ البالذري( .نف�س املرجع �ص .)214 ومن مفاخر النظام الإ�سالمي ما منحه من ُ�سلطة وا�ستقالل للق�ضاء، ففي رحاب الق�ضاء الإ�سالمي احلق ،يجد املظلوم واملغبون �-أ ّياً كان دينه وجن�سه -ال�ضمان والأمان ،لينت�صف من ظامله ،وي�أخذ حقه من غا�صبه، ولو كان هو �أمري امل�ؤمنني بهيبته و�سلطانه. ويف تاريخ الق�ضاء الإ�سالمي �أمثلة ووقائع كثرية وقف فيها ال�سلطان �أو َّعى عليه ،ويف كثري منها كان احلكم اخلليفة �أمام القا�ضي ُمدَّع ًيا �أو ُمد ً على اخلليفة �أو ال�سلطان ل�صالح فرد من �أفراد ال�شعب ،ال حول له وال طول ،ونكتفي هنا مبثال واحد له داللته الوا�ضحة يف مو�ضوعنا. �سقطت درع �أمري امل�ؤمنني علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه ،فوجدها عند رجل ن�صراين فاخت�صما �إىل القا�ضي �شريح .قال علي :الدرع درعي ،ومل �أبع ومل �أهب .ف�س�أل القا�ضي ذلك الن�صراين يف ما يقول �أمري امل�ؤمنني ،فقال الن�صراين :ما الدرع �إال درعي ،وما �أمري امل�ؤمنني عندي بكاذب. فالتفت �شريح �إىل علي ي�س�أله:يا �أمري امل�ؤمنني ،هل لك من ب ِّينة؟ ف�ضحك علي وقال� :أ�صاب �شريح ،ما يل ب ِّينة .وق�ضى �شريح للن�صراين علي بخالف ذلك . بالدرع ،لأنه �صاحب اليد عليها ،ومل تقم بينة ّ ف�أخذها هذا الرجل وم�ضى ،ومل مي�ش خطوات ،حتى عاد يقول� :أما �إين �أ�شهد �أن هذه �أحكام �أنبياء! �أمري امل�ؤمنني يدينني �إىل قا�ضيه فيق�ضي يل عليه! �أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل و�أن حممدًا ر�سول اهلل ،الدرع درعك يا �أمري امل�ؤمنني ،اتبعت اجلي�ش و�أنت منطلق من �صفني ،فخرجت من بعريك الأورق. فقال علي ر�ضي اهلل عنه� :أما �إذ �أ�سلمت فهي لك! (البداية والنهاية البن كثري ج ـ � 8ص .)5 - 4 وهي واقعة تغني عن كل تعليق. من كتاب "غري امل�سلمني يف املجتمع الإ�سالمي" لف�ضيلة العالمة ال�شيخيو�سف القر�ضاوي ،الطبعة الثالثة -مكتبة وهبة 1992 *لال�ستزادة حول ر�أي ال�شيخ يف م�س�ألة "تويل غري امل�سلم رئا�سة الدولة" ميكن مطالعة ذلك يف كتابه (الدين وال�سيا�سة..ت�أ�صيل ورد �شبهات) موقع القر�ضاوي2011-1-4:
44
الﺠﺬوﺭ الﻔﻜرية ﻻنﺤراﻑ ﺟماﻋاﺕ الﻐﻠو اأ.د .عبد النا�شر اأبو الب�شل/الأردن
ل �شك يف اأن البحث يف اجلذور الفكرية للتطرف وع�شر امل�شالك، مت�شعب امل�شائل ،كثري التفريعات خا�شة يف هذ ِه الأيام التي تعددت فيها املناه والأفكار والفرق واجلماعات ،بل وانق�شمت كثري منها اإىل جماعات وتيارات تلفة ،ثم ن�شبت كثري من الأعمال هنا وهناك اإىل اأُنا�ص م�شلمني ،ون�شبت اأقوال وموؤلفات واأحكام اإىل الإ�شالم وامل�شلمني ،يف ظل �شراع دويل عاملي حموره يف كثري من مناطق العا بالد وجمتمعات م�شلمة ،فما كاد العا الإ�شالمي ي�شحو من تناق�شات و�شراعات القرن الع�شرين امليالدي الذي انتهى اإىل تق�شيم ذلك العا اإىل دول ومعات متعددة ،تعاين م�شكالت اقت�شادية واجتماعية و�شيا�شية حتى بداأ القرن احلادي والع�شرون ب�شراعات وحروب جديدة، وبو�شائل اأحد،ومناه اأعمق تاأثريايف نف�شية اجليل ال�شابق واحلايل والالحق. ومنذ ع�ضرات ال�ضنني ،وال�ضباب واملفكرون ينظرون اإىل واقعهم واإىل اأحكام دينهم؛ فتظهر املفارقات وتبداأ مرحلة من احلريةوالت�ضاوؤل، ثم تظهر بعدها الأفكار التي يرونها طريقاً للخال�س من ماأزق واأزمة «الواقع» ،ولهذا نرى التاأرجح والختالف والتعار�س بني تلك التيارات والجتاهات. وقبل احلديث عن اجلذور والأ�ضباب التي اأدت اإىل "التطرف" و"النحراف"؛ ل بد من الإ�ضارة اإىل اأن امل�ضطلحات امل�ضتخدمة حالياً من مثل "الإرهاب" و"التكفري" وقبل ذلك كان امل�ضتهر وامل�ضتعمل م�ضطلحات "التطرف الديني" و " الأ�ضولية" و" الت�ضدد الإ�ضالمي"
ثم اأ�ضبحنا ن�ضمع اليوم م�ضطلحات جديدة مل تكن قد دخلت اإىل القامو�س ال�ضيا�ضي الذي يتناول التطرف ونرى اأن كثريا من هذه امل�ضطلحات ل تخدم الق�ضية الإ�ضالمية على الإطالق؛ بل توؤدي على العك�س من ذلك اإىل تاأجيج ال�ضراع ،واإىل املزيد من النق�ضامات والنحرافات عن الطريق ال�ضحيح،الذي نوؤثر اأن ن�ضميه طريق «الو�ضطية الإ�ضالمية» ،فالأ�ضل املقي�س عليهِ ،واملعيار الذي نزن ب ِه الأفعال والت�ضرفات اإمنا هو «الو�ضطية» التي جاء بها وطبقها الر�ضول امل�ضطفى �-ضلى اهلل عليه و�ضلم -و�ضحابته الكرام ،وهي التي تق�ضدها الآيات الكرمية ،قول ُه �ضبحانه( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم اأُ َّم ًة َو َ�ض ًطا ِل َت ُكو ُنوا ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�ض ُ ول َعلَ ْي ُك ْم َ�ضهِيدًا َومَا َج َع ْل َنا ا ْل ِق ْبلَ َة ُ�ض َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ ممنْ َي ْن َقل ُِب َعلَى َع ِق َب ْي ِه ا َّلتِي ُكنْتَ َعلَ ْيهَا اإِ َّل ِل َن ْعلَ َم َمنْ َي َّت ِب ُع ال َّر ُ�ضو َل ِ َّ اهلل َومَا َكا َن َّ ُ ين َهدَى َّ ُ ري ًة اإِ َّل َعلَى ا َّلذِ َ اهلل ِل ُي ِ�ضي َع اإِميَا َن ُك ْم َواإِنْ َكا َنتْ َل َك ِب َ اإِ َّن َّ َ ا�س َل َرء ٌ ُوف َرحِ ي ٌم )(البقرة ،)143:وقوله �ضبحانه( ُق ْل هَذِ ِه اهلل بِال َّن ِ اهلل َومَا اأَ َنا ري ٍة اأَ َنا َوم َِن ا َّت َب َعنِي َو ُ�ض ْب َحا َن َّ ِ َ�ضبِيلِي اأَ ْدعُو اإِ َىل َّ ِ اهلل َعلَى َب ِ�ض َ مِ َن ْامل ُ ْ�ض ِر ِك َ ني )(يو�ضف.)108: ِاحل ْك َم ِة َوا ْمل َ ْوعِ َظ ِة ْ َ احل َ�ض َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم وقوله �ضبحانه( ا ْد ُع اإِ َىل َ�ضبِيلِ َر ِّب َك ب ْ ِ مبنْ َ�ض َّل َعنْ َ�ضبِي ِل ِه َوهُ َو اأَ ْعلَ ُم بِا َّلتِي هِ َي اأَ ْح َ�ض ُن اإِ َّن َر َّب َك هُ َو اأَ ْعلَ ُم ِ َ ب ِْامل ُ ْه َتدِ َ ين ) (النحل.)125: فالآية الأوىل اأ�ضارت اإىل �ضمة الو�ضطية التي تت�ضف بها الأمة لكي ت�ضتحق مقام ال�ضهادة على النا�س ،وال�ضاهد ي�ضرتط فيه العدالة ،ومن مل يت�ضف بالعدالة ل يحق ل ُه اأن يكون �ضاهداً ،والعدل هم اخليار، واخليار هم املرتبعون على القمة يف :القيم والأخالق والعلم ،والعمل.
45
والآية الثانية حتدد �أ�سا�س الدعوة وهو «الب�صرية» والثالثة حتدد مناهج و�أ�ساليب الدعوة بـ :احلكمة ،املوعظة احل�سنة ،املجادلة بالتي هي �أح�سن. ف�إذا كانت امل�س�ألة مرتبطة باملو�ضوع والعلم والفكر فاملعيار هو الو�سطية، والب�صرية ،واحلكمة ،و�إذا كانت امل�س�ألة مرتبطة بالت�صرفات فاملعيار هو احلكمة ،واملوعظة احل�سنة ،واملجادلة بالتي هي �أح�سن ،والو�سطية يف الت�صرفات. ومن هنا نقول ب�أن « الو�سطية» مبا تت�ضمن من مبادىء و�أ�صول وقواعد و�سمات متثل الإطار العام ل�سلوك امل�سلم وفكره ،وب�إطاللة على م�ضامني الو�سطية نرى �أمام ــنا:ال�سماحة ،اخلريية ،احلكمة، العلم ،الب�صرية ،املوعظة احل�سنة ،املجادلة بالتي هي �أح�سن ،االجتهاد، التجديد ،اجلهاد،ال�سداد ،الرحمة ،القوة يف احلق ،الإذعان للحق، جلب امل�صلحة ،دفع املف�سدة ،الإ�صالح ،القيم العليا ،االلتزام ،النظام، الن�صيحة ،االن�ضباط ،التقوى ،الإخال�ص ،اال�ستقامة ،العدل ،الرب،.... البذل ،الكرم واجلود� ....إلخ وهذ ِه املبادئ ،وهذه املعاين ،وهذه ال�صفات وال�سمات واملميزات كما نرى متثل «الإ�سالم» من خالل ما ورد يف القر�آن وال�سنة ال�صحيحة ،وهو الإ�سالم الذي طبقه الر�سول امل�صطفى �صلوات اهلل و�سالمه علي ِه ،و من ثم �سار على نهج ِه الرعيل الأول ،ثم بد�أ االنحراف �شيئاً ف�شيئاً؛ حتى و�صلت الفرق واجلماعات �إىل ما و�صلت �إليه من متزيق للأمة ،وتبديد لوحدتها ،و�إذا نظرنا �إىل امل�صادر الإ�سالمية جند م�صطلحات متعددة تدل على حاالت معينة من حاالت تخالف الو�سطية ،نظراً خل�صو�صية ال�سبب؛ فمث ً ال جند م�صطلح « الغلو» و « االبتداع» و«التنطع». فمما ورد عن الر�سول �صلى اهلل عليه و�آله و�صحبه و�سلم يف هذا املقام قوله�« :إياكم والغلو يف الدين ف�إمنا �أهلك من كان قبلكم الغلو يف الدين» 2وقوله �صلى اهلل عليه و�سلم «هلك املتنطعون» ،3قالها ثالثاً وقوله «من �أحدث يف �أمرنا هذا ما لي�س فيه فهو رد».4 اجلذور الفكرية لالنحراف قبل احلديث عن جذور االنحراف ،البد من تقرير م�سائل �أولية متفق عليها؛ حتى اليقع اخللط ب�سببها ،خا�صة �أن ال�صورة االعالمية التي تعر�ض عن اال�سالم يف بع�ض الدول واملجتمعات �أ�صبحت تنفر النا�س من التدين ،مع �أن امل�شكلة التكمن يف التدين و�إمنا يف" فقه التدين"، وكما ن�شكو من االنحراف يف هذا اجلانب؛ البد �أن ن�شري �إىل االنحراف والغلو والتطرف يف جانب «عدم التدين» ،ومن هنا ننبه اىل امل�سائل الأ�سا�سية التالية: • �إن التدين احلق وااللتزام ب�شرائع الإ�سالم دون �إفراط �أو تفريط ال يعد غلواً وال انحرافاً وال تطرفاً ،وال يجوز بحال ان يو�صف الإن�سان بالتطرف ملجرد �أنه اطلق حليته �أو التزم بال�صلوات �أو�أداء الزكاة �أو�صيام رم�ضان� ،أو �أن املر�أة التزمت باحلجاب� ،أو غري ذلك من
عالمات التدين...التي يقوم بها كثري بل معظم امل�سلمني دون �أن يخطر ببال �أحد �أي من م�سائل االنحراف التي نتحدث عنها. • �إن امليزان الذي ينبغي �أن توزن ب َه الت�صرفات �أو يحكم من خالل النظر فيه �إمنا هو ميزان ال�شرع املتمثل بالكتاب وال�سنة وما انبنى عليهما من اجتهاد من�ضبط. • �إن من امل�سائل املتفق عليها بني العلماء عدم الإنكار يف امل�سائل املختلف فيها اختالفاً له وجه من احلجه واال�ستدالل؛ كما �أن الآراء الفقهية لعلماء الأمة يجب �أن حتظى باالحرتام والتقدير� ،ضمن دائرة �أدب اخلالف التي كانت �سائدة بني العلماء على مر الع�صور. ً • �إن �إنكار ظاهرة ما من الظواهر املخالفة لل�شرع ال يعد غلوا وال انحرافاً؛ �إذا التزم « املنكر» قواعد احلكمة واملوعظة احل�سنة ،ومل يخرج عن ال�شروط وال�ضوابط التي و�ضعها علماء الأمة. • احلديث عن انحراف وغلو من�سوب �إىل " التدين " �أو " امللتزمني دينياً" يجب �أن يعقبه حديث عن انحراف وغلو م�ضاد ،ي�صدر"�ضد الدين" وين�شر املفا�سد وال�شرور ،لأن من �أ�سباب كثري من االنحرافات لدى ال�شباب اجتماع احلرية والتناق�ض بني او�ضاع املجتمعات اال�سالمية مقارنة مبا يراه ممثال لر�أي ال�شرع مع ال�سكوت وعدم انكار املفا�سد واالنحرافات االخرى ،وهنا ينتقل من "داعية �إ�صالح" باحلكمة واملوعظة احل�سنة� ،إىل قا�ض وجمتهد يحكم دون معقب ،بر�أي منفرد مل ي�صدر عن ر�أي و�شورى.5 فاالنحراف عن املنهج ال�صحيح الذي علمه الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم لل�صحابة له جذور فكرية �أدت �إىل حلول منهج جديد مغاير للمنهج اال�صيل ،يف بع�ض املواقع ،حتى �أ�صبح هذا اجلديد هو املنهج يف نظرهم ،وهذا "املنهج اجلديد" هو منهج موهوم؛ لأنه مغاير لل�صواب بانحرافه عن املنهج ،و�سبب االنحراف يف املنهج كما �أ�سلفنا �إما عدم العلم (اجلهل) �أو توهم العلم واخلط�أ يف الفهم� ،أو ردة فعل لظروف بيئية معينة ،ومهما حاولنا ا�ستق�صاء جذور االنحراف فلن نتعدى املنهجية اخلط�أ التي نتجت عن عدة �أ�سباب جنملها فيما يلي وينطبق على ه�ؤالء ِالَ ْخ َ�سر َ ِين �أَ ْع َم اًال) املنحرفني يف الفكر قوله �سبحانه( ُق ْل ه َْل ُن َن ِّب ُئ ُك ْم ب ْ أ ا َّلذِ َ ين َ�ض َّل َ�س ْع ُي ُه ْم فيِ الحْ َ َيا ِة الدُّ ْن َيا َوهُ ْم َي ْح َ�س ُبو َن �أَ َّن ُه ْم ُي ْح�سِ ُنو َن ُ�ص ْن ًعا) (الكهف)103،104 : �أوال:اجلهل :وهذا ال�سبب ميثل قا�سماً م�شرتكاً لدى خمتلف الأ�شخا�ص الذن ينحرفون عن منهاج الر�سول (�صلى اهلل علي ِه و�سلم)، حيث �أن اجلاهل بالأحكام و�أ�صولها وا�ستنباطها �ستكون �أحكامه اتفاقية ع�شوائية يفهم كما ي�شاء ،ويعتقد كما يفهم،دون « ب�صرية» ودون �أ�سا�س متني من العلم يقف عليهِ؛ ولهذا ترى كثرياً منهم يعود عن ر�أيه �إذا بني له احلق ،ومت تو�ضيح امل�س�ألة حمل البحث. وم�شكلة اجلهل هذه حتدث عنها الر�سول (�صلى اهلل عليه و�سلم) حينما قال�« :إن اهلل ال يقب�ض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد (ويف رواية من
46
�صدور العلماء) ولكن يقب�ض العلم بقب�ض العلماء حتى �إذا مل يبق عامل اتخذ النا�س ر�ؤو�سا جهاال ف�سئلوا ف�أفتوا بغري علم ف�ضلوا و�أ�ضلوا». 6 �إن املعاجلة الناجعة لهذا اجلذر ولهذا ال�سبب �إمنا تتم بالعلم ،وب�إعادة املكانة للعلم ال�شرعي ال�صحيح ،وللعلماء املوثوق بعلمهم ودينهم ،كما البد من �أن نعيد طريقة احللقات العلمية يف امل�ساجد واملنتديات حتى ال يذهب ال�شباب �إىل �أولئك اجلهال ويرتبوا على �أيديهم...فالفراغ من حلقات العلم البد من ملئه ،ف�إن ملئ باخلري وباملنهجية ال�سليمة يف طلب العلم؛ كانت النتائج طيبة ،و�إذا ترك ،ملئ باجلهل والفو�ضى، وتربع اجلهال املتعاملون على كر�سي اال�ستاذية يف املكان الفارغ. ومما يتفرع عن م�س�ألة اجلهل ،اجلهل بعلم �أ�صول اال�ستنباط ،وعلم الفتوى ،واملقا�صد،وعلوم القر�آن واحلديث ،و�أ�صول اللغة العربية،وعلوم املعاين والبالغة ،ومن هنا جند �أن كثرياً من الذين ينحرفون عن اجلادة اولئك الذين يف�سرون القر�آن واحلديث على وفق مقدرتهم الذاتية غري املبنية على علوم «الآلة» �أي علوم اال�ستنباط التي ت�ؤهل ال�شخ�ص للتعامل مع الأ�صلني الكتاب وال�سنة. وكثري من ال�شباب �إذا قر�أ القر�آن وحده دون مرب ومعلم ،ودون فقه ا�سا�سيات التعامل مع القر�آن وال�سنة؛ خرج با�ستنباطات غريبة عجيبة �أخذها مبا�شرة من ظاهر الآيات دون �سلوك طريق اال�ستنباط املعروفة ب�ضوابطها و�شروطها لدى العلماء... ثانيا :الهوى والرغبات واملطالب ال�شخ�صية ،ويتفرع عنهاُ :التع�صب للر�أي ،وعدم قبول الآخرين ،واتخاذ موقف ما دون اال�ستناد اىل دليل، �أو منهج؛ �إال ردة الفعل جتاه هيئات� ،أو �أ�شخا�ص �أواتخاذ موقف �ضد جهة �أو جماعة ما ،و�أحيانا يكون املوقف جتاه االهل �أو اال�سرة مثال. فالهوى يعمي ويغلق العقل والقلب والب�صر؛ فال يرى �إال بعينه ،ويريد منع النا�س من �أن يروا غري مايراه. ثالثا :الفهم اخلط�أ �أو ف�ساد الت�صور ال�صحيح:ويتفرع عن هذا الأ�صل الكبري م�سائل متعددة،كلها ت�صب يف باب االنحراف عن منهج الو�سطية�،أهمها: �أ ) الإعرا�ض عن الطيبات مما �أحل اهلل؛ كمن يحرم على نف�س ِه الزواج، ومن يرتك الطعام �إال النزر الي�سري ،ومن ي�صوم كل يوم ،ويف هذا الباب جند التوجيهات النبوية قد جاءت منذ البداية ليغلق الباب على كل من ت�سول ل ُه نف�سه� ،أو يفكر يف اخرتاع طريق للعبادة يظن �أنه �سيفعل �أف�ضل مما كان عليه النبي �صلى اهلل عليه و�سلموا الدليل على ذلك ما جاء يف احلديث ال�شريف �أنه جاء ثالثة رهط �إىل بيوت �أزواج النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ي�س�ألون عن عبادة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم فلما �أخربوا ك�أنهم تقالوها فقالوا و�أين نحن من النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،قد غفر اهلل له ما تقدم من ذنبه وما ت�أخر ،قال �أحدهم �أما �أنا ف�إين �أ�صلي الليل �أبدا .وقال �آخر انا �أ�صوم الدهر وال �أفطر ،وقال �آخر
�أنا �أعتزل الن�ساء فال �أتزوج �أبداً ،فجاء ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فقال �أنتم الذين قلتم كذا وكذا� ،أما واهلل �إين لأخ�شاكم هلل و�أتقاكم له لكني �أ�صوم و�أفطر و�أ�صلي و�أرقد و�أتزوج الن�ساء فمن رغب عن �سنتي فلي�س مني».7 �إن ال�شاهد يف قول ِه �صلى اهلل علي ِه و�سلم « فمن رغب عن �سنتي فلي�س مني ،ليقول لهم� :إن عملكم هذا ميثل انحرافاً عن طريق النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،ومن يظن �أنه �سيقدم عبادة �أو �سيعمل �أف�ضل من النبي فهو فا�سد الت�صور ،خمطىء يف الفهم ،وعمله ميثل انحرافاً عن الطريق امل�ستقيم. وه�ؤالء ال�صحابة الذين ورد ذكرهم يف احلديث كانوا خمل�صني ومق�صدهم التقرب �إىل اهلل ولي�س من م�آربهم الإ�ساءة �أو االنحراف ولكن بيان الر�سول لهم كان م�صححاً مل�سريتهم. ب) التزام الت�شديد دائماً لظن على نف�س ِه �أن ُه �أكرث قبو ًال عند اهلل ،وهنا يرى كثري ممن ال علم عندهم بروح ال�شريعة و�سنة امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم �أن التحرمي �أو الت�شديد يعني « االلتزام» ويعني « العلم» وهنا ي�أتي توجيه الر�سول الذي ورد وا�ستفا�ض من منهج ِه «�أن ُه ما خيرّ ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بني �أمرين �إال �أخذ �أي�سرهما ما مل يكن �إثما ف�إن كان �إثما كان �أبعد النا�س منه».8 وهو القائل « ي�سروا وال تع�سروا ،ب�شروا وال تنفروا».9 وهو القائل :هلك املتنطعون .....قالها ثالثاً»10... وهو القائل �صلى اهلل عليه و�سلم « ال ت�شددوا على �أنف�سكم ف�إن قوماً �شددوا على �أنف�سهم ف�شدد اهلل عليهم »..ويف رواية «ال ت�شددوا على �أنف�سكم في�شدد عليكم ف�إن قوما �شددوا على �أنف�سهم ف�شدد عليهم، فتلك بقاياهم يف ال�صوامع والديارات».11 وهو القائل« �إن الدين ي�سر ولن ي�شاد الدين �أحد �إال غلبه ف�سددوا وقاربوا و�أب�شروا» .12 ج) اخللط بني امل�صطلحات والأحكام مما يقت�ضي التفرقه بينهما :فعلى �سبيل املثال لفظ «الكفر» ورد يف القر�آن وال�سنة ول ُه �أكرث من معنى ف�إذا حمل اللفظ على نوع واحد يف جميع حاالت ورود ِه كان ذلك م�ؤدياً �إىل االنحراف يف الفهم وهو انحراف عن املنهج. ف�إذا �أخذنا قول ُه �صلى اهلل عليه و�سلم «�سباب امل�سلم ف�سوق وقتال ُه كفر» وحملنا اللفظ على الكفر مبعنى ترك الإ�سالم �إىل غري دين �أو �إىل دين �آخر ،يكون �أي نزاع بني امل�سلمني – مع القول مبنعه -م�ؤدياً �إىل تكفريهم ،وهنا ي�أتي املنهج ليحدد ال�صواب يف الفهم؛ فهناك �آية تتحدث عن القتال بني امل�سلمني وهي « و�إن طائفتان من امل�ؤمنني اقتتلوا ف�أ�صلحوا بينهما». فالقر�آن �سماهم « م�ؤمنني» ومل ينزع عنهم �صفة الإ�سالم بل الإميان، والآية يف هذه احلالة تعار�ض احلديث – ظاهرياً -فكيف يجمع بينهما ؟؟ يجمع بينهما ب�أن يكون لفظ الكفر الوارد يف احلديث ال يق�صد من ُه
47
الإخراج من الدين �أو الكفر الأكرب وبهذا ال يحكم على ه�ؤالء بالكفر �إعماال لن�ص القر�آن.13 واخللط بني امل�صطلحات هو الذي �أوقع اخلوارج قدمياً يف فتنة التكفري وهو الذي يعود اليوم �إىل ال�ساحة من جديد. د ) ومما يتفرع عن الفهم اخلط�أ تناول الأحكام من القر�آن مبا�شرة دون فهم لقواعد �أُ�صول اال�ستنباط و�آليات التعامل مع الن�صو�ص ،تلك القواعد والآليات التي فهمها كبار ال�صحابة وفقها�ؤهم. جذور التكفري من املعلوم يف تاريخ الفرق واملذاهب �أن «فئة اخلوارج» هي التي تبنت يف فكرها ق�ضية تكفري النا�س بعد الفتنة التي حدثت يف خالفة �سيدنا علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عن ُه وبالتحديد بعد معركة �صفني حينما �أعلنت فكرة « التحكيم» و�أعلنت النتيجة بني �أبي مو�سى الأ�شعري وعمرو بن العا�ص ،حيث ظهر فريق من امل�ؤيدين ل�سيدنا علي وكانوا يف �صفه ف�أعلنوا مقولتهم «ال حكم �إال هلل» فانقلبوا من م�ؤيدين �إىل �أعداء و�شكلوا خطراً على �سيدنا علي بل وعلى الأمة �أكرث من خطر اخلالف واالقتتال نف�سه؛ حيث قالوا بتكفري جمع من ال�صحابة بدءاً بعثمان وعلي واحلكمني ....وغريهم... فاخلوارج فهموا ور�أوا �أن حتكيم الرجال يف دين اهلل كفر ،وخلطوا بني امل�صطلحات وفهموا من قوله تعاىل(هُ َو ا َّلذِ ي َخلَ َق ُك ْم َفمِ ْن ُك ْم َكا ِف ٌر ري)(التغابن ،)2:وقوله �سبحانه َومِ ْن ُك ْم ُم�ؤْمِ ٌن َواللهَّ ُ بمِ َا َت ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ (ا ْل َي ْو َم �أُحِ َّل َل ُك ُم َّ الط ِّي َب ُ ات َو َط َعا ُم ا َّلذِ َ اب حِ ٌّل َل ُك ْم َو َط َعا ُم ُك ْم ين �أُو ُتوا ا ْل ِك َت َ ات مِ َن المْ ُ�ؤْمِ َناتِ َوالمْ ُ ْح َ�ص َن ُ حِ ٌّل َل ُه ْم َوالمْ ُ ْح َ�ص َن ُ ات مِ َن ا َّلذِ َ اب ين �أُو ُتوا ا ْل ِك َت َ ُ ني َغيرْ َ م َُ�سافِحِ َ مِ نْ َق ْب ِل ُك ْم �إِ َذا �آ َت ْي ُت ُموهُ نَّ �أ ُجو َرهُ نَّ محُ ْ ِ�ص ِن َ ني َو اَل ِالميَانِ َف َق ْد َحب َِط َع َم ُل ُه َوهُ َو فيِ ْالآخِ َر ِة مِ َن ُم َّتخِ ذِ ي �أَ ْخدَانٍ َو َمنْ َي ْك ُف ْر ب ْ إِ الخْ َ ا�سِ ر َ ِين )( املائدة.) 120 : �أن النا�س ق�سمان م�ؤمن وكافر ،والكافر قد حبط عمله و�سلب عنه و�صف الإميان ،فهو و امل�شرك �سواء ،وبهذا يكون كل مرتكب ملع�صية كافراً،ال فرق بني مع�صية و�أخرى ،وال بني و�صف كفر و�آخر. ولنرتك مناق�شة تلك اال�ستدالالت حلرب الأمة عبد اهلل بن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما حيث روت لنا امل�صادر الإ�سالمية مناظرة وقعت بينه وبني اخلوارج ،وكانت نتيجة املناظرة �أن رجع منهم �ألفان وتركوا ما هم عليه من فكر منحرف وبقيت بقيتهم. مناظرة عبد اهلل بن عبا�س عن عبا�س قال ملا اجتمعت احلرورية ،يخرجون على علي ،قال :جعل ي�أتيه الرجل فيقول :يا امري امل�ؤمنني القوم خارجون عليك :قال: دعوهم حتى يخرجوا .فلما كان ذات يوم ،قلت :يا امري امل�ؤمنني� ،أبرد بال�صالة ،فال تفتني حتى �آتى القوم. قال :فدخل عليهم وهم قائلون(من القيلولة وقت الظهر) ،ف�إذا هم
م�سهمة وجوههم من ال�سهر ،وقد �أثر ال�سجود يف جباههم ،ك�أن �أيديهم ثفن الإبل؛ عليهم قم�ص مرح�ضة. فقالوا :ما جاء بك يا ابن عبا�س ،وما هذ ِه احللة عليك ؟ قال :قلت :ما تعيبون مني ،فلقد ر�أيت ر�سول اهلل �صلى عليه و�سلم �أح�سن ما يكون من ثياب اليمنية :قال .ثم قر�أت هذه الآية( ُق ْل َمنْ َح َّر َم زِي َن َة اللهَّ ِ ا َّلتِي �أَ ْخ َر َج ِل ِع َبا ِد ِه َو َّ الط ِّي َباتِ مِ َن ال ِّر ْزقِ ُق ْل هِ َي ِل َّلذِ َ ين اليَاتِ ِل َق ْو ٍم �آ َم ُنوا فيِ الحْ َ َيا ِة الدُّ ْن َيا َخال َِ�ص ًة َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َك َذل َِك ُن َف ِّ�ص ُل ْ آ َي ْعلَ ُمو َن )(الأعراف.)32: فقالوا ما جاء بك ؟؟ فقال :جئتكم من عند ا�صحاب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ولي�س فيكم منهم احد ،14ومن عند ابن عم الر�سول وعليهم نزل القر�آن وهم اعلم بت�أويله ،جئت لأبلغكم عنهم و�أبلغهم عنكم. قال بع�ضهم :ال تخا�صموا قري�شاً ،ف�إن اهلل يقول « بل هم قوم خ�صمون» فقال بع�ضهم :بلى فلنكلمه. قال :فكلمني منهم رجالن �أو ثالثة ،قال :قلت :ماذا نقمتم عليه؟ قالوا :ثالثاً ،قلت :ما هن ؟ قالوا :حكم الرجال يف �أمر اهلل ،قال :قلت هذه واحدة ،وماذا �أي�ضاً ؟؟ قالوا :ف�إنه قاتل ومل ي�سب ومل يغنم ،فلئن كانوا م�ؤمنني ما حل قتالهم ،ولئن كانوا كافرين لقد حل قتالهم و�سبيهم. قال :قلت :وماذا �أي�ضاً ؟؟ قالوا:وحما نف�سه من �أمري امل�ؤمنني ،ف�إن مل يكن �أمري امل�ؤمنني فهو �أمري الكافرين ؟ قال :قلت� :أر�أيتكم �إن �أتيتم من كتاب اهلل و�سنة ر�سوله ما ينق�ض قولكم هذا� ،أترجعون؟ قالوا :ومالنا ال نرجع ؟؟ َ قال :قلت� « :أما حكم الرجال يف �أمر اهلل ،ف�إن اهلل قال يف كتابه ( َيا �أ ُّيهَا ا َّلذِ َ ال�ص ْي َد َو�أَ ْن ُت ْم ُح ُر ٌم َو َمنْ َق َتلَ ُه مِ ْن ُك ْم ُم َت َع ِّمدًا َف َج َزا ٌء ين �آ َم ُنوا اَل َت ْق ُت ُلوا َّ مِ ْث ُل مَا َق َت َل مِ َن ال َّن َع ِم َي ْح ُك ُم ِب ِه َذ َوا َعدْلٍ مِ ْن ُك ْم )(املائدة.)95: ف�صري اهلل ذلك �إىل حكم الرجال ،فن�شدتكم اهلل �أتعلمون حكم الرجال يف دماء امل�سلمني و�إ�صالح ذات بينهم �أف�ضل� ،أو يف حكم �أرنب ثمنه ربع درهم ،ويف ب�ضع �إمر�أة... قالوا :بلى ،هذا �أف�ضل.. قال� :أخرجت من هذه ؟ قالوا :نعم. قال :فما قولكم ،قاتل ومل ي�سب ومل يغنم� ،أفت�س ْبون �أمكم عائ�شة؟ ف�إن قلتم ن�سبيها ،فن�ستحل منها ما ن�ستحل من غريها ،فقد كفرمت ،و�إن قلتم لي�س ب�أمنا ،فقد كفرمت ،ف�أنتم ترددون بني �ضا ّلتني� .أخرجت من هذه ؟ قالوا :بلى.. قال :و�أما قولكم ،حما نف�سه من �إمرة امل�ؤمنني ،ف�أنا �آتيكم مبن تر�ضون بهِ� ،إن نبي اهلل يوم احلديبية حني �صالح �أبا �سفيان و�سهيل ابن عمرو، قال ر�سول اهلل اكتب يا علي :هذا ما �صالح عليه ر�سول اهلل ،فقال �أبو
48
�سفيان و�سهيل بن عمرو :ما نعلم �أنك ر�سول اهلل ،ولو نعلم �أنك ر�سول اهلل ما قاتلناك ،قال ر�سول اهلل :اللهم �إنك تعلم �أين ر�سولك ،امح يا علي واكتب :هذا ما ا�صطلح عليه حممد بن عبد اهلل و�أبو �سفيان و�سهيل بن عمرو ..قال :فرجع منهم الفان .وبقي بقيتهم ،فخرجوا، فقتلوا اجمعون. وبتحليل املناظرة هذ ِه واملناظرات الأخرى التي �سجلها علماء االمة وم�ؤرخوها بني علماء الأمة وعلى ر�أ�سهم ابن عبا�س وغريه مع اخلوارج ن�ستنبط امل�سائل الآتية: • �إن م�شكلة « اخلوارج» كانت عائدة �إىل �سوء فهم الن�صو�ص وتنزيلها على الواقع بوقائعه وم�ستجداته. • �إن اخلط�أ يف فهم وتناول الأحكام من م�صادرها يت�سل�سل �إىل �أخطاء متعددة يجر بع�ضها �إىل بع�ض �إىل نهاية �شديدة الأثر على الأمة تتمثل ب�إ�صدار الأحكام بالتكفري و�إهدار الدم واملال. • �إن الفكر املنحرف ال يعالج �إال بالفكر ال�صحيح وب�أ�سلوب احلوار واملناظرة فمعظم ه�ؤالء �أ�صحاب « نيات ح�سنة» و«عبادة والتزام» وزهد. • من ال�ضروري �أن ال ميكن من املناظرة وطرح الفكر املواجه �إال للعلماء الرا�سخني ،فابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما منوذج واقعي ملا مت من مناظرات ،وكذلك عمر بن عبد العزيز وغريهم...... وهذا الطريق ،طريق احلوار ،وفتح �أبواب العلم ال�شرعي ال�صحيح للموثوق بعلمهم ودينهم هو الطريق ال�صحيح الذي يعيد الر�شد ملن انحرف يف الفكر مع �إخال�ص النية والن�صح للأمة وهذا الأمر املجرب قدمياً هو املجرب حديثاً وقد ذكر عدد من العلماء املعا�صرين...الذين ت�صدوا ملناظرة �شباب يتبنون �أفكار تكفري احلكام والنا�س والعلماء ذكروا ما يخ�ص جمابهة الفكر املنحرف بالفكر ال�صحيح و�ضرورة العلم ال�شرعي للمواجهة. رابعا :احلرية الفكرية والتناق�ض الذي يعي�شه عدد من �شباب الأمة، وال �شك يف �أن الأحداث الكبرية واملتالحقة ال تخرج عن كونها فتناً توقع يف احلرية ،فالذين انحرفوا يف ال�سابق كانت الفنت اكرب من عقولهم وتفكريهم ،واليوم �أي�ضاً من ينظر �إىل الواقع ويقارنه مبا يعلم عن املبادىء الإ�سالمية والنظم الإ�سالمية يقع يف احلرية ،فمناهج التعليم ال ت�ساعد على بناء منهجية تفكري �سليمة نحو الأحداث والوقائع ،وال بناء عقل متوازن يعمل على تفعيل فكر الدعوة واالمر باملعروف والنهي عن املنكر وفق �ضوابطه ال�شرعية. خام�سا :ي�ضاف �إىل ما �سبق �شيوع ظاهرة انعدام �أو �ضعف الثقة بالعلماء �أو بكثري ممن يظهرون على ال�ساحة خا�صة من يتخذ طابع «الر�سمية» وهنا تقع امل�شكلة الكربى حيث يفقد ال�شباب التوجيه �إال من �أنف�سهم؛ وهم ال خربة وال درايه عندهم بالعلم �أو احلياة ،فتقع الكارثة ويتولد االنحراف.
مع �أن الواقع ي�شري �أي�ضا �إىل منو فكر خا�ص يتوىل �إ�سقاط رموز االمة من العلماء والدعاة والقادة واحلكام على مدار التاريخ القدمي واملعا�صر ،بدعوى النقد تارة ،وبدعوى احلر�ص تارة �أخرى؛ والنتيجة غياب القدوة والنموذج املحتذى حيث مل يبق من يلج�أون �إليه �إال �أ�صحاب الفكر املنحرف� ،أو االنقالب �إىل فكر راف�ض لكل �شيء ،ولي�س بعد هذا من تطرف وانحراف ومتزق وحرية مردية. �ساد�سا :وتزيد امل�شكلة الفكرية تعقيداً �إذا �أ�ضفنا م�س�ألة ال�صراع بني النظم احلاكمة وال�شباب املتدين �أو غري املتدين ،خا�صة �إذا ا�ستعمل «العنف» �أو التوجيه ال�سلبي غري املوزون امل�ؤدي �إىل عك�س املراد ،حيث تتولد « نزعة للعنف والتكفري» كردة فعل مبا�شرة بنيت هذه النزعة �أونبتت من �سوء الفهم وانعدام الثقة وازدياد الفجوة بني ه�ؤالء واحلكام �أو العلماء ،فيكون العنف مولداً لتيار راف�ض للمجتمع ب�أ�سره ،وهنا نقول ب�أن عدم احلكمة يف التعامل مع �أ�صحاب هذا الفكر ميهد الطريق لدعاة الفكر املنحرف لكي يبذروا بذورهم يف بيئة خ�صبة و�أر�ض مهي�أة لنمو الفكر واعتناقه والدفاع عنه... وهنا نذكر ب�أن عنا�صر ال�صورة امل�شكلة ملعادلة االنحراف الناجت عن هذا ال�سبب تتكامل �إذا وجدت خمالفات و�أعمال ظاهرة خمالفة لل�شرع مع العنف واالق�صاء وانعدام الثقة ووجود بذور لفكر منحرف يف جو من فقدان العلماء املوثوق بهم وبعلمهم وخلقهم و�سريتهم.. وبدون ن�شر العلم و�إعادة الثقة بني ال�شباب والعلماء واحلكام ومد ج�سور التوا�صل واحلوار والتعامل باحلكمة واملوعظة احل�سنة ومقابلة احلجة باحلجة ومعاجلة م�شكالت ال�شباب املختلفة واحلر�ص على عدم املجاهرة باملخالفات يف خمتلف الو�سائل لن تكون هناك حما�صرة لالنحراف والغلو بل زيادة االنحراف هي املتوقعة ال �سمح اهلل. الـهــوامــــــ�ش • ال �أريد �أن �أطلق م�صطلح املذاهب لئال يختلط باحلديث عن املذاهب الإ�سالمية املعروفة كاحلنفي وال�شافعي وغريها ..لأن اختالف املذاهب من باب اختالف التنوع ال اختالف الت�ضاد. • �صحيح ابن حبان ج�/9ص.183 • �صحيح م�سلم ج� /4ص.2055 • �صحيح البخاري ج� /2ص .959 • انظر :القر�ضاوي� :ست عالمات للتطرف .مقال من�شور يف كتاب العربي الرابع ع�شر � /1987ص.63 • �صحيح البخاري ج� /1ص .50 • �صحيح البخاري ج� /5ص .1949 • �صحيح البخاري ج� /3ص .1306 • �صحيح م�سلم ج� /3ص� ،1359صحيح البخاري ج� /1ص.38 • �صحيح م�سلم ج� /4ص .2055 • الأحاديث املختارة للمقد�سي ج� /6ص .174 • �صحيح البخاري ج� /1ص .23 • د .نعمان ال�ساواين :التكفري ،دار املنارة جدة� ،1984 ،ص .63 • هذا دليل على �أن ه�ؤالء الذين انحرفوا مل يتخرجوا يف مدر�سة امل�صطفى �صلي اهلل عليه و�سلم.
49
الوسطية واﻻﻋﺘﺪاﻝ فﻲ النﻈام القانونﻲ اإلسﻼﻣﻲ ) الﻌقوﺑة فﻲ اإلسﻼم ( الﺠزﺀ الثالﺚ املحامي مازن الفاعوري
�شلك الإ�شالم منهج ًا متميز ًا يف تطبيق العقوبة وا�شتيفائها اعتمادا على الغاية من ت�شريعها وهي اأن تقوم يف جوهرها على حتقيق م�شلحة العباد يف الدنيا والآخرة وما فيه من تهذيب نف�ص املجرم وتقو اعوجاجه وذلك بتعزيز الوازع الإمياين وتطهري املجتمع من دواعي اجلرمية وتوفري �شرورات احلياة وحاجياتها ،فلي�ص من احلكمة ال�شروع يف تطبيق نظام العقوبات قبل ا�شتكمال بناء الأنظمة الإ�شالمية وا�شتقرار الت�شريع الإ�شالمي التكامل ،فالإ�شالم يهدف اإىل اإن�شاء حياة فا�شلة ياأمن فيها الأفراد على اأنف�شهم واأعرا�شهم واأموالهم وحرياتهم عن طريق تر�شيخ قواعد الإميان وما يحقق منفعتهم ول يهدف اإىل اإيقاع الأذى ون�شر الرعب واخلوف . العدالة يف تطبيق العقوبة جند العتدال وا�ضحاً يف نظام العقوبات يف الإ�ضالم ،ذلك اأن العقوبة يف الإ�ضالم على قدر اجلرمية ،فال يعاقب اإن�ضان على جرمية معينة بعقوبة ل تتنا�ضب واجلرمية التي ارتكبها ،ول تتغري العقوبة من �ضخ�س اإىل اآخر كما كان عليه النا�س يف اجلاهلية حيث كانوا يعاقبون ال�ضعيف ،ويرتكون ال�ضريف من النا�س دون عقوبة ،ودعت ال�ضريعة
الإ�ضالمية امل�ضلم اإىل العفو عن اجلرائم التي فيها جمال للعفو ،فقال اهلل تعاىل ( َو َمنْ ُق ِت َل م َْظ ُلو ًما َف َق ْد َج َع ْل َنا ِل َو ِل ِّي ِه ُ�ض ْل َطا ًنا َف َال ُي ْ�ضر ِْف ِيف ا ْل َق ْتلِ )(�ضورة الإ�ضراء ) 33:ودعت كذلك اإىل الت�ضامح بني النا�س والعفو عن اجلرائم ،التي تخ�ضهم ،كجرائم القتل ،اإما اأن تكون متعلقة بحق اهلل تعاىل كجرائم احلدود فال عفو فيها . الإ�ضالم جاء ليحقق العدل وينفي الظلم واأكرث ما يتجلى العدل يف تطبيق الأحكام ال�ضرعية املتعلقة بالعقوبات حتى لو كان الأمر يخ�س غري امل�ضلمني قال تعاىلَ (:و َل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ض َناآَ ُن َق ْو ٍم اأَنْ َ�ضدُّ و ُك ْم ع َِن ا ْمل َ ْ�ضجِ دِ ْ َ رب َوال َّت ْق َوى )(املائدة . )8: احل َرا ِم اأَنْ َت ْع َتدُوا َو َت َعا َو ُنوا َعلَى ا ْل ِ ِّ مظاهر العدالة يف العقوبة لت�ضتثني ال�ضريعة اأحداً يف اإقامة احلد ،حاكماً كان اأو حمكوماً م�ضوؤو ًل و�ضيعاً اأو �ضريفاً. -1تفر�س ال�ضريعة الق�ضا�س القائم على املماثلة يف اجلناية ،ول ميلك احلاكم اأو القا�ضي اإ�ضقاط الق�ضا�س قال تعاىل ( َف َم ِن ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم مب ْثلِ مَا ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم ) (البقرة )194 :ولقد روي يف كتب َف ْاع َتدُوا َعلَ ْي ِه ِ ِ ال�ضري اأن اأعرابياً ا�ضتكى اإىل عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه جبلة بن الأيهم اأحد �ضيوخ قبائل العرب من بني غ�ضان ،لطمه وهو يطوف حول
50
الكعبة فحكم عمر ر�ضي اهلل عنه على جبلة �أن يلطمه الأعرابي كما لطمه ،فعجب جبلة �أ�شد العجب فطلب �إمهاله �إىل الغد ثم فر هارباً ملتحقاً بالروم وارتد عن دينه و�أ�صبح ن�صرانياً. الرحمة يف تطبيق العقوبة لقد كتب اهلل على نف�سه الرحمة ،وطلب من عباده �أن ي�سلكوا م�سلك الرحمة يف كل �شيء؛ قال تعاىل ( َومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ اك ِ�إ اَّل َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ ني ) ( الأنبياء )107 :ومن مظاهر الرحمة يف العقوبة ما ي�أتي : -1حتقيق الرحمة باملجتمع عامة وللجاين خا�صة :بالرغم مما ت�سببه العقوبة من �أمل باجلاين �إال �أن يف ذلك حتقيق الرحمة باملجتمع عامة من جهة؛ وحتقيق الرحمة للجاين من جهة �أخرى لأنها تق�صد �إ�صالحه وردعه؛ و�أن يعمد �إىل التوبة و�أن ي�سارع يف العودة �إىل جمتمعه فاع ً ال خمل�صاَ وم�ساعدته والأخذ بيده �إىل الطريق امل�ستقيم . -2عدم اجلمع على املجرم بني عقوبتني � :إذا ارتكب جرائم عدة يرتتب عليها حدود متعددة تطبق عليه العقوبة الأ�شد . � -3إ�سقاط العقوبة بال�شبهة :قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم: (�إدر�أوا احلدود عن امل�سلمني ما ا�ستطعتم ف�إن كان له خمرج فخلوا �سبيله ف�إن الإمام �أن تخطيء يف العفو خري من �أن يخطيء يف العقوبة) ( رواه الرتمذي ). -4مراعاة الو�ضع ال�صحي للمجرم : ا -مراعاة �إن كان املجرم مري�ض ًا �أو به �أذى . ب -مراعاة و�ضع املر�أة �إن كانت حام ًال . ج – مراعاة الوقت يف تطبيق العقوبة من حر �أو برد . د -مراعاة و�ضع ال�سوط فال ي�ؤدي �إىل الهالك . �إقرار مبد�أ العفو يف الق�صا�ص؛ و�إقرار مبد�أ البدل بالرجوع �إىل الدية؛ �إذا عفا الويل عن الق�صا�ص كما �أقرت ال�شريعة �أن تكون الدية على العاقلة – ع�شرية الرجل وع�صبته بحيث يتم توزيع العبء حتى �إذا كان فقرياً ال ي�ؤدي ذلك �إىل �إغراقه بالدين املرهق وبه �إقرار مبد�أ التعاون املتبادل بني الأقرباء وما يرتتب على ذلك من جملة �آثار نافعة وطيبة على املجتمع ب�أكمله . مراعاة الق�صد اجلرمي لدى اجلاين :تفرق ال�شريعة يف العقوبة بح�سب الق�صد فال ي�ستوي املتعمد واملخطئ يف ميزان ال�شرع ا�ستنادا �إىل قول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم�( :إمنا الأعمال بالنيات) ( رواه البخاري ) . �أما هذه العقوبات ،فال يجوز �أن توقع �إال َّباملجرم ،لأن معنى كونها زواجر �أن ينزجر النا�س عن اجلرمية � ،أي ميتنعوا عن ارتكابها �،أما عقوبة الدنيا فقد بينها اهلل يف القر�آن واحلديث جمملة ومف�صلة.
وجعل الدولة هي التي تقوم بها فعقوبة الإ�سالم التي بني �إيقاعها على املجرم يف الدنيا يقوم بها الإمام �أو نائبه �أي تقوم بها الدولة الإ�سالمية بتنفيذ حدود اهلل وما دون احلدود من التعزير والكفارات. �إن عقوبة الدنيا من احلاكم على ذنب معني ت�سقط عقوبة الآخرة ،ولذلك كان كثري من امل�سلمني ي�أتون �إىل ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فيقرون باجلرائم التي فعلوها ليوقع عليهم احلد يف الدنيا حتى ي�سقط عنهم عذاب اهلل يوم القيامة فيحتملون �آالم احلد والق�صا�ص يف الدنيا لأنه �أهون من عذاب الآخرة. اجللد يف حدود ال�شريعة الإ�سالمية عقوبة فعالة و مل يرد يف ال�شريعة العقوبة ب�أكرث من مائة جلدة ففي الآية الثانية من �سورة عقوبة زنا غري املح�صن مائة جلدة ،ويف الآية الرابعة منها عقوبة القذف ثمانون جلدة ،ويف ال�سنة املطهرة حديث ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم: (ال يجلد فوق ع�شرة �أ�سواط �إال يف حد من حدود اهلل). ويعاقب القر�آن عقاباً رادعاً على �ست جرائم فح�سب ،و�إن كان ي�ستنكر ويذم جرائم �أخرى عديدة ،مبيناً �سوء عاقبتها الوخيمة ،وما ينتظر مرتكبيها من جزاء يف الدار الآخرة ،ابتدا ًء من املي�سر والقمار ،و�أكل اخلنزير ،واالرتداد عن الإ�سالم �أما تلك اجلرائم املوبقة ال�ست التي يعاقب عليها يف الدنيا ،فهي: �أو ًال :القتل العمد. ثانيا :قطع الطريق وال�سلب والنهب علن ًا. ثالث ًا :اخليانة العظمى. رابع ًا :قذف املح�صنات. خام�س ًا :الزنا . �ساد�س ًا :ال�سرقة ل�شيء ذي �ش�أن. وقد ن�ص القر�آن على �أن القتل عقوبة اجلرائم الثالث الأوىل� ،أما اجلرمية اخلام�سة فقد د�أب الفقهاء التقليديون املتزمتون على تربير قتل مرتكبها وذلك بالرجم �إذا توافرت ظروف ومالب�سات معينة حتتم عندهم ذلك. �أما جزاء ال�سرقة ذات ال�ش�أن فهو قطع اليد اليمنى ثم الي�سرى �إذا مل يرتدع ال�سارق ،وك ّر َر ال�سرقة ،من هذا ترى �أن القر�آن ال يحوي يف هذا ال�صدد �سوى موا ّد قليل ٍة جداً يف احلدود �أو العقوبات اجلنائية ،و�أقل من ذلك بكثري ما يتعلق باملحاكمات اجلنائية ،هذا الو�ضع يكفل احلرية الالزمة لل�شريعة الإ�سالمية لتكون �إن�سانية تراعي الواقع الفعلي للب�شر ،بوا�سطة تطبيق �أحكام القانون اجلنائي ال�شديدة ال�صرامة مع ِ�صر ،مما يوفر املجال الف�سيح �سقوط تلك الأحكام يف مدة �شديدة الق َ الكايف لل�شريعة لتخفيف ق�سوة العقوبات التي يفر�ضها القر�آن. وال �شك �أن القر�آن يطلب ما ي�ستحيل حتقيقه لتوقيع العقوبة
51
اخلطرية يف حالة الزنا� ،إذ �أ ّنى للمتهم �أن ي�أتي ب�أربعة �شهود ممن تر�ضى �شهادتهم من العدول الرجال لي�ؤيدوا دعواه ،مع خماطرة �أولئك ال�شهود بتعر�ضهم للجلد ،بل و�أحياناً للقتل ،لدى بع�ض الفقهاء الذين يقي�سون عقوبة ال�شاهد الكاذب الذي يرمي املح�صنات دون دليل بعظم جرم الزنا ذاته وما يرونه من عقوبة ذلك باملوت ،ويكفي لذلك �أن يثبت كذب واحد من ال�شهود الأربعة. ولئن كان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قد انتهج الت�سامح الكرمي، و�أكد ذلك و�أقره اخلليفة عم ُر بن اخلطاب � .أما بالن�سبة لقطع يد ال�سا ِر َق ُة َفا ْق َط ُعوا �أَ ْيدِ َي ُه َما َج َزا ًء بمِ َا َك َ�س َبا ال�سار ُِق َو َّ ال�سارق وال�سارقةَ (،و َّ َن َك اًال مِ َن اللهَّ ِ َواللهَّ ُ َعزِي ٌز َحكِي ٌم )( املائدة.)38: �إن امل�سلم يرى يف العقوبات التي ن�ص عليها القر�آن حدوداً حدها اهلل �سبحانه بحكمته الإلهية ،و�إن مل ي�ستطع العقل الب�شري دائماً �أن يفقه احلكمة منها ،و�أن تلك احلدود لي�ست نوعاً من الو�صايا ملن �شاء �أن يعمل بها� ،أو �أن ال يعمل بها. �آثار تطبيق عقوبة الق�صا�ص � -1إر�ضاء �أولياء املقتول و�إذهاب غيظهم و�إخماد الفنت :قال �شيخ الإ�سالم :قال العلماء� :إن �أولياء املقتول تغلي قلوبهم بالغيظ حتى ي�ؤثروا �أن يقتلوا القات َل و�أولياءه ،ورمبا مل ير�ضوا بقتل القاتل بل يقتلون كثرياً من �أ�صحاب القاتل ،وقد ي�ستعظمون قت َل القاتل لكونه عظيماً �أ�شرف من املقتول فيف�ضي ذلك �إىل �أن �أولياء املقتول يقتلون من قدروا عليه من �أولياء القاتل ،ورمبا حالف ه�ؤالء قوماً وا�ستعانوا بهم فيف�ضي �إىل الفنت والعداوات العظيمة ،فكتب اهلل علينا الق�صا�ص وهو امل�ساواة واملعادلة يف القتلى ،و�أخرب �أن فيه حيا ًة ،ف�إنه يحقن د َم غري القاتل من �أوالء الرجلني. َ ْ ُ ا�ص ِ�ص ِ -2ردع من يريد القتل وحفظ النفو�س قال تعاىلَ (:ولك ْم فيِ الق َ َح َيا ٌة َيا �أُوليِ ْ أَ ال ْلبَابِ َل َع َّل ُك ْم َت َّت ُقو َن ) (البقرة.)179: قال �أبو العالية :جعل اهلل الق�صا�ص حيا ًة فكم من رجل يريد �أن يقتل فتمنعه خمافة �أن ُيقتل ،وقال ابن كثري :ويف الكتب املتقدمة( :القتل �أنفى للقتل) ،فجاءت هذه العبارة يف القر�آن �أف�صح و�أبلغ و�أوجز . ال�شبهات التي �أثارها �أعداء الإ�سالم حول احلدود ال�شرعية والرد عليها ال�شبهة الأوىل :قالوا� :إن �إقامة احلدود فيها �ضرب من الق�سوة التي تتنافى مع الإن�سانية الرحيمة التي ت�ساير املدنية احلديثة واحل�ضارة الراقية. واجلواب� :إن كل عقوبة ال بد �أن يكون فيها مظهر ق�سوة �أياً كانت ،حتى �ضرب الرجل لولده تهذيباً وت�أديباً له فيه نوع من الق�سوة ،لأن العقوبة �إن مل ت�شتمل على الق�سوة ف�أي �أثر لها يف الزجر والردع ،ثم �إن الذي دعا �إىل تلك الق�سوة املزعومة هو �أمر �أ�شدُّ منها ق�سوة ،ولو تركنا العقوبة القا�سية بزعمهم لوقعنا يف �أمر �أق�سى من العقوبة. ومثل الق�سوة التي ت�شتمل عليها احلدود كمثل الطبيب الذي ي�ست�أ�صل
من ج�سم �أخيه الإن�سان جزءاً من �أجزائه �أو ع�ضواً من �أع�ضائه ،وهل ي�ستطيع �أن ميار�س هذا العمل �إال �صاحب قلب قوي ،ولكنها ق�سوة هي الرحمة بعينها ،خا�صة �إذا قي�ست مبا يرتتب على تركها وبقاء الع�ضو املري�ض ونار الأمل تتوهج وت�ست�شري وتتزايد يف ج�سم املري�ض. ال�شبهة الثانية :قالوا� :إن �إقامة احل ِّد تقت�ضي �إزهاقاً للأرواح وتقطيعاً للأطراف ،وبذلك تفقد الب�شرية كثرياً من الطاقات والقوى، َّ واملقطعون الذين كانوا ي�سهمون يف الإنتاج وينت�شر فيها امل�ش َّوهون والعمل. واجلواب� :إن القتل وتقطيع الأطراف يف احلدود �إمنا يكون يف حاالت �ضيقة حم�صورة؛ وهو �إزهاق لنفو�س �شريرة ال تعمل وال تنتج ،بل �إنها تعطل العمل والإنتاج وت�ضيع على العاملني املنتجني ثمرات �أعمالهم و�إنتاجهم؛ ثم �إن �إزهاق روح واحدة �أو قطع طرف واحد يف احلدود ي�ؤدي �إىل حفظ مئات الأرواح و�آالف الأطراف �سليمة طاهرة عاملة منتجة ثم �إننا ال نالحظ امل�ش َّوهني يكرثون يف البالد التي تقيم احلدود ،بل يكونون فيها �أقل منهم يف غريها بل الأمر بالعك�س من ذلك متاماً؛ ف�إن احلدود �إذا مل تقم على املجرمني املعتدين كرث امل�شوهون واملعاقون من جراء اعتداءات املجرمني الذين يجدون متنف�ساً و�سنداً عند من ينظر �إليهم نظرة العطف والرحمة واحلنان ،وبذلك ت�ضيع حقوق املعتدى عليهم ،و ُتهدر كرامتهم ولي�س بعد ذلك للمجرمني حد ينتهون �إليه. ال�شبهة الثالثة :قالوا� :إن يف �إقامة احلدود �سلباً حلق احلياة وهو حق مقدَ�س ال يجوز لأحد �أن ي�سلبه ،فكيف ي�سوغ حلاكم �أن ي�سلب حمكوماً حق احلياة؟! واجلواب� :إن ال�شارع احلكيم؛ الذي منح حق احلياة وقدَّ�سه؛ وجعل الدماء والأموال والأعرا�ض حم َّرمة بني النا�س هو الذي �أ َّكد ذلك التقدي�س واالحرتام ب�إقامة احلدود ،واملحدود الذي ا�ستحق الرجم �أو القتل هو الذي جنى على نف�سه لأنه مل يحرتم حق غريه وعلى نف�سها جنت براق�ش ،ولو �أنه احرتم ح َّق احلياة يف غريه حلفظ له حق احلياة يف نف�سه ،وقد قرر اهلل تعاىل يف كتبه ال�سابقة ويف القر�آن الكرمي( �أَ َّن ُه ا�س َجمِ ي ًعا َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْ أ الَ ْر ِ�ض َف َك َ�أنمَّ َ ا َق َت َل ال َّن َ ( املائدة .)32:فاملعتدي على حق احلياة يف غريه يعدُّ معتدياً على ح ِّق احلياة يف نف�سه. ال�شبهة الرابعة :قالوا� :إن �إقامة احلدود تقهق ٌر بالإن�سانية الراقية وانتكا�س بها ورجعة �إىل عهود الظالم الدام�س والقرون الو�سطى. واجلواب� :إن العاقل ال يزن القول بالبقعة التي جاء منها؛ وال بالزمان الذي قيل فيه؛ �أو نقل منه ،لكن امليزان الذي تق َّوم به الأقوال والقوانني هو ميزان احلق والعدل .والعاقل ن�صري احلق ونا�شد للحكمة �أنى وجدها وعلى �أي ل�سان ويف �أي مكان �أو زمان ،على �أن هذا الت�شريع �أنزله اهلل من ال�سماء رحم ًة و�شفقة لأهل الأر�ض كما ينزل غيثه الذي يحيي به الأر�ض� ،إن جميء ذلك الت�شريع على ل�سان نبي �أمي من �صحراء العرب يف القرون الو�سطى كل ذلك �آية و�إعجاز ودليل �صدق على �أنه ت�شريع من حكيم خبري على ل�سان نبي ُبعث رحمة للعاملني.
52
الﻌنﻒ المﺪﺭسﻲ
أسﺒاﺑﻪ وﺁﺛاﺭﻩ وﻋﻼﺟﻪ د .نوال اأ�شعد �شرار
املقدمة اأ�شبح ملفهوم العنف حيز كبري يف حياتنا فاأ�شبح هذا املفهوم يقتحم جمال تفكرينا و�شمعنا واأب�شارنا ليل نهار واأ�شبحنا ن�شمع كثري ًا عن العنف الأ�شري والعنف املدر�شي والعنف �شد املراأة والعنف الديني وغريها من امل�شطلحات التي تندرج حتت هذا املفهوم ،ورغم الإجنازات العظيمة التي ت�شهدها ال�شاحة الإن�شانية املدنية على كافة ال�شعد ،ورغم التطورات الهائلة يف التفكري والذوق وال�شلوك الإن�شاين ا يالئم هذه املدنية والتح�شر ،ورغم ما ي�شاهده اجلميع من حجم الأ�شرار التي عانتها الإن�شانية جراء اعتماد العنف كاأداة للتخاطب ،اإل اأننا ما زلنا ن�شهد يف غياب املنه الرباين والأخالقي بع�ص اجلهات ت�شتعمل العنف و�شيلة للخطاب واحلياة ،و�شيادة منه العنف يف تعاطي بني الب�شر جلميع املعامالت واملمار�شات. ولو ت�شفحنا اأوراق التاريخ لوجدنا هذا املفهوم �شفة مالزمة لبني الب�شر على امل�شتوى الفردي واجلماعي ،باأ�شاليب واأ�شكال تلفة تختلف باختالف التقدم التكنولوجي والفكري الذي و�شل اإليه الإن�شان ،فنجده متمث ًال بالتهديد والقتل والإيذاء وال�شتهزاء واحلط من قيمة الآخرين وال�شتعالء وال�شيطرة واحلرب النف�شية وغريها من الو�شائل. والجتاه نحو العنف جنده يف حميط �ضلوكات بع�س الأفراد ،كما جنده يف حميط �ضلوكات بع�س اجلماعات يف املجتمع الواحد ،كما يوجد
يف حميط املجتمعات الب�ضرية ،وهو يوجد يف خمتلف الأوقات ،وقد تزداد ن�ضبة العنف يف جمتمع معني اأو تنق�س ،كما تختلف قوته من جمتمع اإىل جمتمع ومن زمن اإىل زمن ،وقد تكون �ضور التعبري عن العنف عديدة ومتباينة لأن النا�س خمتلفون ومتباينون ،كما اأن النا�س يعي�ضون يف ظل مناخات ثقافية و�ضيا�ضية واقت�ضادية خمتلفة. ومما يوؤ�ضف له اأن ين�ضحب مفهوم العنف على املوؤ�ض�ضات الرتبوية التي من �ضاأنها تهذيب ا ُ خللق وتقوميه واأخ�س بالذكر املدر�ضة ،اإذ تعترب املدر�ضة اإحدى و�ضائط التن�ضئة الإجتماعية والتي اأوكل اإليها املجتمع م�ضوؤولية حتويل اأهدافه وفق فل�ضفة تربوية متفق عليها اإىل عادات �ضلوكية توؤمن النمو املتكامل وال�ضليم للطلبة اإىل جانب عمليات التوافق والتكيف والإعداد للم�ضتقبل ،ومن خالل املدر�ضة يت�ضكل اأي�ضاً وعي الإن�ضان الجتماعي وال�ضيا�ضي ،ويكت�ضب الطالب املهارات والقدرات ملزاولة ن�ضاطه القت�ضادي بل واأكرث من ذلك يت�ضكل من خالل التعليم اأبرز مالمح املجتمع وتتحد مكانته يف ال�ضلـّم احل�ضاري .وت�ضعى املدر�ضة جاهدة لتحقيق ذلك من خالل و�ضائل تربوية قائمة على اأ�ض�س معرفية ونف�ضية. فهل العنف الذي ميار�س داخل مدار�ضنا �ضواء من قبل املعلمني جتاه الطلبة اأومن قبل الطلبة جتاه املعلمني ،اأو من قبل الطلبة جتاه بع�ضهم البع�س ي�ضهم يف حتقيق هذه الأهداف؟؟ ٌ نقي�س للرتبية فهو يهدر الكرامة الإن�ضانية ،لأنه يقوم اإن العنف هو علي تهمي�س الآخر وت�ضغريه واحلط من قيمته الإن�ضانية التي كرمها
53
اهلل تعاىل ،وبالتايل يولد �إح�سا�ساً بعدم الثقة وتدين م�ستوى الذات وتكوين مفهوم �سلبي جتاه الذات والآخرين ،والعنف الذي يمُ ار�س جتاه الطالب ال يتما�شى مع �أب�سط حقوقه وهو حرية التعبري عن الذات لأن العنف يقمع هذا احلق حتت �شعار الرتبية ،وكذلك العنف الذي يمُ ار�س جتاه املعلم من بع�ض الطلبة �أو�أوليائهم ف�إنه ال يتما�شى مع �أب�سط حقوق املعلم من الإحرتام والتقدير وي�شعره بالغنب الأمر الذي يقلل من عطائه وهو الذي نذر نف�سه لتعليم وتربية الأجيال. علماً �أن جميع الديانات ال�سماوية �أكدت على �ضرورة قيام احلياة الإن�سانية على الر�أفة والرحمة والرفق واالبتعاد عن العنف ،كما دعت �إىل ذلك القوانني الو�ضعية وم�ؤ�س�سات حقوق الإن�سان وخلطورته اعتمد العامل يوم 11/25من كل عام يوم �ضد العنف ،ذلك �أن العنف يعد امتهاناً للكرامة االن�سانية وخروجاً وخرقاً لكل ال�شرائع ال�سماوية واملواثيق الدولية ،وهو كذلك هدراً حلقوق الإن�سان عامة التي �ضمنتها املدونات القانونية. ويظهر العنف املدر�سي يف خمتلف القطاعات الرتبوية بغ�ض النظر عن الطبقة والدين والثقافة �أو البلد وتخلفه وتقدمه ،وكثرياً ما تتنوع دوافع العنف ،هذا و�إن تعددت تعاريف العنف �إال �أنها تعني معنى واحداً هو ا�ستخدام القوة املادية �أو املعنوية �ضد الآخر ترتتب عليه �أخطار عظيمة. ومن �أخطر نتائج العنف املدر�سي �أنه املقدمة احلتمية للعنف اجلامعي الذي بات ي�شكل تهديداً حقيقياً لأمن املجتمع ،الأمر الذي فر�ض درا�سة ظاهرة العنف املدر�سي ب�أ�شكاله و�أ�سبابه املختلفة لتوعية و�إ�شاعة الوعي الوطني العام للتو�صل �إىل احللول املنا�سبة. مفهوم العنف لغة وا�صطالح ًا العنف يف اللغة هو اخلرق يف الأمر وقلة الرفق به كما قال ابن منظور،وهو عند �أبي هالل الع�سكري "الت�شديد يف التو�صل �إىل املطلوب"� ،أما عند الطريحي فهو "ال�شدة وامل�شقة" وعند حممد قلعجي "معاجلة الأمور بال�شدة والغلظة" وبالإجمال ف�إنه يف جميع املعاجم اللغوية �ضد الرفق. �أما ا�صطالح ًا :فهو "الفعل القائم على �سلوك عنيف ينجم عنهالإيذاء �أو املعاناة اجل�سدية �أوالنف�سية �أو اجلن�سية"� ،أو هو "احلرمان من احلياة الكرمية واحلرية يف احلياة العامة �أو اخلا�صة" ،وقيل هو "ا�ستخدام القوة �أو ال�سلطة عمداً بالتهديد �أو بالفعل �ضد الذات �أو �ضد الغري �أو �ضد �شخ�ص �آخر �أو �ضد فئة �أو طائفة ،مما ي�ؤدي �إىل �إ�صابة �أو
وفاة �أو �أذية نف�سية �أو اختالل يف النماء" ،وبتعريف �آخرهو" :كل فعل ميار�س من طرف جماعة �أو فرد �ضد �أفراد �آخرين عن طريق التعنيف ال وهو ٌ قو ًال �أو فع ً فعل عنيف يج�سد القوة املادية �أو املعنوية". "�سلوك �أو ٌ ٌ فعل يت�سم بالعدوانية ي�صدر عن طرف ويعرف �أي�ضاً ب�أنهقد يكون فرداً �أو جماعة �أو طبقة اجتماعية �أو دولة بهدف ا�ستغالل طرف �آخر يف �إطار عالقة قوة غري متكافئة اقت�صادية �أو اجتماعية �أو �سيا�سية بهدف �إحداث �أ�ضرار مادية �أو معنوية �أو نف�سية لفرد �أو جماعة �أو طبقة اجتماعية �أو دولة" . �إذن فالعنف يت�ضمن عدم االعرتاف بالآخر وي�صاحبه الإيذاء باليد �أو بالل�سان �أي بالفعل بالكلمة ،وهو يت�ضمن ثالثة عنا�صر :الكراهية – التهمي�ش – حذف الآخر. والعنف �سلوك غري �سوي نظرا للقوة امل�ستخدمة فيه والتي تن�شر املخاوف والأ�ضرار التي ترتك �أثراً م�ؤملاً على الأفراد يف النواحي االجتماعية والنف�سية واالقت�صادية التي ي�صعب عالجها يف وقت ق�صري ،ومن ثم ف�إنه يدمر �أمن الأفراد و�أمان املجتمع .وهناك العديد من التعاريف التي تدل كرثتها �أنه ظاهرة عاملية ال تخ�ص ال�شرق دون الغرب و�إن بد�أ بالغرب. اخل�صائ�ص العامة التي يت�صف بها العنف ٌ �سلوك ال اجتماعي كثرياً ما يتعار�ض مع قيم املجتمع .1العنف والقوانني الر�سمية العامة فيه. .2العنف قد يكون مادياً وقد يكون معنوياً مثل �إحلاق الأذى النف�سي �أو املعنوي بالآخرين. .3العنف يتجه نحو مو�ضو ٍع خارجي قد يكون فرداً �أو جماعات �أو قد يكون نحو ممتلكاتٍ عام ٍة �أو خا�صة. .4العنف يهدف �إىل �إحلاق ال�ضرر �أو الأذى باملو�ضوع الذي يتجه �إليه. وال ميكن درا�سة ظاهرة العنف دون الإ�شارة �إىل بع�ض املفاهيم التي تتداخل معها مثال العدوان ،الغ�ضب ،القوة ،الإيذاء � .إذ يالحظ �أن العنف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقوة والغ�ضب والعدوان والإيذاء. �أما العنف املدر�سي فهو:العنف املدر�سي الذي مي�س الناحية الرتبوية فيعرف ب�أنه "جمموع ال�سلوكيات العدائية يف ال�ساحة املدر�سية �أكانت يف الأق�سام �أو خارج املحيط املدر�سي ب�شتى ال�سلوكيات من �سب و �شتم و غريهما" �أما من الناحية املادية فهو العنف على الو�سائل و املعدات مثل التخريب و التك�سري داخل احلجرات.....الخ " ،ويف ر�أيي �أن �أ�شمل التعاريف ب�أنه
54
"جمموع ال�سلوك غري املقبول اجتماعياً بحيث ي�ؤثر على النظام العام للمدر�سة يقع على املعلم والطالب وي�ؤدي �إىل نتائج �سلبية فيما يتعلق بالتح�صيل الدرا�سي ،وال�سلوك ال�شخ�صي وينق�سم �إىل ق�سمني :عنف مادي كال�ضرب وامل�شاجرة والإعتداء على املمتلكات والتخريب داخل املدر�سة والكتابة على اجلدران ،وعنف معنوي كال�سخرية والإ�ستهزاء وال�شتم والع�صيان و�إثارة الفو�ضى". �أ�سباب العنف ولكل منها ميكن تق�سيم الأ�سباب الرئي�سة �إىل �سبعة �أ�سباب ٍ فروع: �أو ًال� :أ�سباب تعود �إىل الأ�سرة والتن�شئة الرتبوية تعترب الأ�سرة امل�صدر الأ�سا�سي للعنف املدر�سي فال�سنوات الأوىل من حياة الطفل هي ال�سنوات التي حتدد الإطار العام لل�شخ�صية الإن�سانية ،وحيث �أن املنطقة تعاين ال�صراع والعنف ال�سيا�سي والع�سكري على مدى �أجيال عديدة فقد انتقلت �آثار ذلك على الأ�سرة وبالتايل �أ�صبحت ال�شدة والق�سوة تتغلغل يف ن�سيج وتوجهات التن�شئة االجتماعية للأ�سرة يف تربيتها لأطفالها هذا �إذا كنا ب�صدد احلديث عن ال�شدة والق�سوة والعنف من منظور املوروث الثقايف. �أما ب�صدد احلا�ضر واملا�ضي القريب فنحن ب�صدد �أبٍ ال ي�ستطيع توفري متطلبات احلاجات الأ�سا�سية يعاي�ش التوتر وال�ضغط ،و�أم عاجزة الحول لها وال قوة ،ترى �أعز ما متلك يتعر�ض للخطر كل يوم ،كل هذا ينعك�س على الطفل بطريقة �أو ب�أخرى ،والطفل هنا ي�شعر بكل ذلك ويح�س �أن م�صدر القوة لديه وهو والده عاجز دائم ال�شكوى. ويتعر�ض الطفل خالل ذلك للإهمال والتهمي�ش وعدم �إح�سا�سه بالدفء العاطفي ،هذا بالإ�ضافة لل�شجار الدائم وعادة ما يرى �أن والده يلج�أ حلل م�شكالته ب�أ�سلوب عنيف ،ومبا �أن ال�سلوك لي�س نتاجاً فقط للحالة الراهنة بل هو حم�صلة خلربات وم�شاعر و�أحا�سي�س وم�ؤثرات بيئية ونف�سية واجتماعية �سابقة وحا�ضرة �إذن فالطفل ينقل كل ذلك �إىل املدر�سة ليحدث بعد ذلك التفاعل بني العوامل ال�سابقة واحلالية ليتولد عنه �سلوك الطفل املدر�سي العنيف. هذا �إ�ضاف ًة �إىل ت�شجيع بع�ض الأ�سر �أبنائهم على مبد�أ "من �ضربك فا�ضربه". ثاني ًا� :أ�سباب تخ�ص امل�ؤ�س�سة الرتبوية نف�سها (املدر�سة) طريقة ت�صميم امل�ؤ�س�سة ،وازدحام ال�صفوف ،ونق�ص املرافق ال�ضرورية ،وانعداماخلدمات. � -إدارة مدر�سية ت�سلطية.
�ضيق املكان حيث �أن امل�ساحة املحدودة تولد التوتر النف�سي والإحتكاكالبدين . �إهمال الوقت املخ�ص�ص حل�ص�ص الأن�شطة البدنية ،مما يعمل علىكبت الطاقات البدنية وت�صريفها عرب العنف اجل�سدي. عدم توافر الأن�شطة الالمنهجية املتعددة والتي ت�شبع خمتلفالهوايات وامليول. ا�ستخدام الأ�سلوب التقليدي يف التدري�س ( تقييد حركة الطلبة يفاحل�صة ،احلفظ والت�سميع ،عدم توافر الأن�شطة ،الطالب متلقي فقط، ا�ستخدام العقاب كو�سيلة تربوية وغريها من الأ�ساليب التقليدية. وجود مدر�سة يف منطقة مهملة �أوحدودية �أو حماطة بو�سط �إجتماعيمفكك. عدم وجود فريق عمل متخ�ص�ص يعمل على درا�سة ظاهرة العنفوالتعامل معها ب�شكل خمطط. ثالث ًا� :أ�سباب خا�صة باملعلمني كرثة الغياب يف �أو�ساط املعلمني نظام اال�ستبدال بالأ�ساتذة املتغيبني (�إ�شغال احل�ص�ص) ،مما يف�سحاملجال اىل اخلروج عن النظام يف ال�صف . عدم مراعاة الفروق الفردية بني الطلبة. -ق�سوة املعلمني وا�ستخدامهم العقاب ك�شتم الطلبة واال�ستهزاء بهم . ممار�سة العنف من قبل املعلمني �أمام الطلبة �سواء جتاه بع�ضهمالبع�ض �أو جتاه الطلبة. طرق التقومي املتبعة التي ال تعطي فر�صة للجميع بالتعلم والنجاحبل تولد �أحياناً املناف�سة ال�سلبية والإحباط والعدوان. عدم ال�سماح للطالب بالتعبري عن م�شاعره فغالباً ما يقوم املعلمونب�إذالل الطالب و�إهانته �إذا �أظهر غ�ضبه. الرتكيز على جوانب ال�ضعف عند الطالب والإكثار من انتقاده. وجود م�سافة كبرية بني املعلم والطالب ،حيث ال ي�ستطيع حماورته �أونقا�شه حول عالماته �أو عدم ر�ضاه عن املادة. املعلم ب�شكل عام يعي�ش ظروفا اجتماعية تتميز بال�صعوبة احلياتية،�إ�ضافة �إىل الهموم وامل�شكالت اليومية التي جتعله غري قادر على التحكم بالعملية الرتبوية � ,إذ يتعر�ض لال�ستثارة ال�سريعة واالنفجارات الع�صبية �أمام الطلبة . �إن الفكرة ال�سائدة �سابقاً �أن املعلم املت�سلط هو الذي يتحقق لديهم�ستوى الكفاءة العلمية الرتبوية معا� ،أدت �إىل اتباع بع�ض املعلمني هذه ال�صورة اخلاطئة عن املعلم.
55
رابع ًا� :أ�سباب خا�صة بالطلبة طبيعة التن�شئة والبيئة االجتماعية. التعوي�ض عن الف�شل الذي يتعر�ض له الطالب يف املدر�سة واحلياةالإجتماعية وا�ستمرار الإحباط لفرتة طويلة. الوقوع حتت ت�أثري املخدرات. رغبة الطالب يف لفت الأنظار اليه. عدم ال�شعور باحرتام وتقدير الآخرين وفقدان الأمن والعقابالبدين القا�سي. التعبري عن م�شاعر الغرية والتناف�س ال�سلبي مع الطلبة املتفوقنيواملرفهني. رف�ض الطالب من قبل زمالئه مما يثري غ�ضبه و�سخطه عليهم. االختالط برفاق ال�سوء والت�أثرب�أفالم وم�سل�سالت العنف . تعزيز �سلوك العنف من قبل الطلبة فالطالب الذي ميار�س العنفوي�شجعه الطلبة على ذلك قد مييل �إىل تبني هذا ال�سلوك خ�صو�صاً يف ظل عدم املحا�سبة �أو تعديل ال�سلوك. خام�س ًا� :أ�سباب تنظيمية غياب القوانني واللوائح التنظيمية والتي حتكم عمل امل�ؤ�س�ساتالرتبوية ،وت�ساهل املدر�سة يف اتخاذ الإجراءات النظامية �ضد الطلبة العدوانيني. غياب اللجان الت�أديبية والرقابية. �ضعف التوا�صل والتعاون بني جمال�س �أولياء الأمور و�إدارة املدر�سة. عدم و�ضوح القواعد وال�ضوابط التي حتدد قواعد ال�سلوك املرغوبوال�سلوك غري املرغوب ب�شكل وا�ضح انعدام وجود رجال �أمن بامل�ؤ�س�سات الرتبوية �أو نق�ص كفاءتهم �أو عدمكفايتهم �إن وجدوا مقارنة باحلجم املنوط بامل�ؤ�س�سة والطلبة. �ساد�س ًا� :أ�سباب تتعلق باملجتمع �ضعف الوازع الديني لدى بع�ض �أفراد املجتمع ومنهم الطلبةواملدر�سون. طبيعة املجتمع الأبوي وال�سلطوي :رغم �أن جمتمعنا مير يف مرحلةانتقالية� ،إال �أننا نرى جذور املجتمع املبني على ال�سلطة الأبوية ما زالت م�سيطرة .فرنى على �سبيل املثال �أن ا�ستخدام العنف من قبل الأخ الكبري �أو املدر�س هو �أمر مباح فيكون الطالب عنيفاً عندما يتواجد يف جمتمع يعترب العنف �سلوكاً ممكناً ،م�سموحاً ومتفقاً عليه. جمتمع حت�صيلي :يف كثري من الأحيان نحرتم الطالب الناجح فقطوال نعطي �أهمية وكياناً للطالب الفا�شل تعليمياً �أوالطالب الذي ال
يتجاوب معنا .فالإحباط هو الدافع الرئي�سي من وراء العنف� ،إذ �أنه بوا�سطة العنف يتمكن الفرد الذي ي�شعر بالعجز � ،أن يثبت قدراته اخلا�صة .فكثرياً ما نرى �أن العنف ناجت عن املناف�سة والغرية .كذلك ف�إن الطالب الذي يعاقب من قبل معلمه با�ستمرار يبحث عن مو�ضوع (�شخ�ص) ميكنه �أن ي�صب غ�ضبه عليه. �سابع ًا� :أ�سباب تتعلق بو�سائل الإعالم وما تعر�ضه من م�شاهد عنف و�إثارة �سواء بالأفالم وامل�سل�سالت و�أفالم الكرتون والفديوكليب �أو بالأخبار والأفالم الوثائقية والريا�ضة العنيفة كامل�صارعة ،مما يولد عند الطالب كبت وتفجري طاقة تظهر بالعنف املدر�سي بني الطلبة بع�ضهم ببع�ض وبينهم وبني املعلمني. وهذا ال�سبب ي�ؤكده ا�ستطالع �أجرته جملة "املعرفة" ملعرفة مدى ت�أثري الإعالم يف تغذية ال�سلوك العدواين عند الطلبة �إذ جاءت النتيجة من وجهة نظر املعلمني �أن %50منهم �أو�ضح ان �أ�سباب عنف الطلبة يعود �إىل الأفالم املثرية والعنيفة .وذهب نحو %22من املعلمني اىل ان الأ�سرة �أحد �أ�سباب ظهور العنف بني الطلبة ،وذكر %2من املعلمني �أن للبيئة املدر�سية �أهمية يف معاجلة عنف الطلبة. موقف الإ�سالم من العنف ترف�ض ال�شرائع ال�سماوية وخا�ص ًة الإ�سالم العنف بدليل القر�آن وال�سنة التي جاءت ن�صو�صهما جت ّرم العنف ،قال تعلى" :ولو كنت فظاً غليظ القلب النف�ضوا من حولك" وقال �أي�ضاً" :ادعوا �إىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة" ،وقوله عليه ال�سالم�" :إن اهلل ٌ رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما ال يعطي على العنف وما ال يعطي على ما �سواه". فالإ�سالم يتعامل مع مفهوم العنف والعقاب على �أنهما مفهومني منف�صلني وخمتلفني ،فينبذ العنف ويدعو �إىل الرفق والعطف والت�سامح ومقابلة ال�سيئة باحل�سنة حيث يقول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم�" :صل من قطعك ،و�أح�سن �إىل من �أ�ساء �إليك ،وقل احلق ولو على نف�سك ،عد من ال يعودك ،و�أهد ملن ال يهدي لك" ،ويقول �أي�ضاً" :اتق اهلل حيثما كنت و�أتبع ال�سيئة احل�سنة متحها ،وخالق النا�س بخلق ح�سن" ،وفيما يتعلق بالعنف الكالمي فالإ�سالم يرف�ضه رف�ضاً وا�ضح من قاطعاً ويطالب بعدم الإ�ستهزاء والإ�ستهتار بالآخرين ،وهذا ٌ قوله تعاىل ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا اَل َي ْ�س َخ ْر َق ْو ٌم مِ نْ َق ْو ٍم ع ََ�سى �أَنْ َي ُكو ُنوا َخيرْ ً ا مِ ْن ُه ْم َو اَل ن َِ�سا ٌء مِ نْ ن َِ�سا ٍء ع ََ�سى �أَنْ َي ُكنَّ َخيرْ ً ا مِ ْن ُهنَّ َو اَل َت ْلمِ ُزوا ِال ْل َقابِ ِب ْئ َ�س اِال ْ�س ُم ا ْل ُف ُ�س ُ الميَانِ َو َمنْ لمَ ْ �أَ ْن ُف َ�س ُك ْم َو اَل َت َنا َب ُزوا ب َْ أ وق َب ْع َد ْ إِ َي ُت ْب َف�أُو َلئ َِك هُ ُم َّ الظالمِ ُو َن)( احلجرات.)11:
56
�آثار و�أ�ضرار العنف ً متفاوتة يف للعنف �آثا ٌر على جميع �أطراف العنف تظهر املجاالت التالية: �أو ًال :املجال النف�سي ال�سلوكي تتمثل الآثار النف�سية ال�سلبية املنعك�سة على الطالب املعنـّف بـ ِ: .1العنف امل�ضاد :فلكل فعل رد فعل ويكون ذلك �إما بالعنف على م�صدر العنف نف�سه �أو على طفل �آخر �أو يف �صورة حتطيم الأثاث املدر�سي . .2الكذب :حيث مييل الطالب للكذب كهروب من موقف التعنيف. .3املخاوف :اخلوف من املعلم ،اخلوف من املدر�سة ،خماوف ليلية. .4الع�صبية والتوتر الزائد الناجت عن عدم �إح�سا�سه بالأمان النف�سي. .5ت�شتت االنتباه وعدم القدرة على الرتكيز. .6اللجوء �إيل احليل الال�شعورية ،مثل التمار�ض وال�صداع واملغ�ص لرغبته يف عدم الذهاب للمدر�سة . .7تكوين مفهوم �سلبي جتاه الذات وجتاه الآخرين. .8العديد من امل�شكالت :التبول الال�إرادي ،واالنطواء ،وم�شاعر الإكتئاب ،واللجلجة . .9تهديد الأمن النف�سي للطفل ي�ؤدي �إيل الق�ضاء على فر�صة التفكري احلر والعمل اخلالق. �أما الآثار النف�سية ال�سلبية املنعك�سة على املعلم املعنـّف فتتمثل بـِ: ال�شعور بامتهان قيمته وكرامته كمعلم ،وكراهية النا�س ملهنة التعليم واالبتعاد عنها ،كما ي�صبح �أكرث توتراً و�سريع الغ�ضب. ثاني ُا :املجال التعليمي تنعك�س الآثار التعليمية ال�سلبية على الطالب املعنـّف بتدين م�ستوى التح�صيل الدرا�سي ،والت�سرب والهروب من املدر�سة ،والت�أخر عن الدوام، وال�شعور بكره املدر�سة واملعلمني وكل ما له عالقة بالعملية التعليمية. بينما تنعك�س الآثار التعليمية ال�سلبية على املعلم املعنـّف بعدم الإخال�ص يف العمل والتهرب من الدوام الر�سمي واالن�شغال بعمل �آخر. لقد �أثبتت العديد من الأبحاث ب�أن هناك �أثاراً �سيئة لعملية االعتداءات على الطلبة •دور العاملني يف جمال التوجية والإر�شاد وحقوق الإن�سان لللحد من ظاهرة �سلوك العنف : يقوم العاملون يف هذا املجال بالعديد من الفعاليات والأن�شطة للتخفيف من هذا ال�سلوك �سواء لدى املعلمني �أو الطلبة �أو الأهايل جتاه �أبنائهم ومن هذه الفعاليات والأن�شطة :
.1امل�شاركة يف ت�شكيل برملان الطلبة كتج�سيد واقعي لفكرة الدميوقراطية والتعبري عن الر�أي وامل�شاركة يف �صنع القرارات خ�صو�صاً التي تتعلق ب�ش�ؤونهم. .2تفعيل برنامج الو�ساطة الطالبية باعتباره و�سيلة تربوية يف �إ�شراك الطلبة يف حل م�شكالتهم دون �إح�سا�سهم ب�ضغوط الكبار . .3تنفيذ العديد من املخيمات ال�صيفية والإ�شراف عليها والتي من �ضمن �أهدافها التفريغ الإنفعايل عن طريق الأن�شطة احلركية والر�سم والتمثيل والفنون ال�شعبية والتي ت�سهم يف خف�ض العدوانية بالإ�ضافة �إىل �أن�شطة متنوعة ذات �صلة مبفاهيم حقوق الإن�سان . ركن .4تنفيذ العديد من املعار�ض واملهرجانات والتي حتتوي علي ٍ �أ�سا�سي خا�ص بحقوق الطفل �سواء من حيث الفقرات التي تقدم �أو املج�سمات والر�سومات التي تعرب عن حقوق الطفل وكذلك الفقرات التي حتتوي علي م�ضمون توجيهي �إر�شادي لبع�ض الق�ضايا التي تهم الطفل. � .5إنتاج املجالت التي تت�ضمن الكثري من املو�ضوعات ذات العالقة بحقوق الإن�سان والتوجيه والإر�شاد. .6التن�سيق مع امل�ؤ�س�سات غري احلكومية التي تعمل يف جمال حقوق الإن�سان والدعم النف�سي الإجتماعي مل�ساعدة الأطفال يف هذا املجال . .7توزيع الن�شرات واملل�صقات اخلا�صة بحقوق الطفل. .8توزيع الن�شرات اخلا�صة بالآثار املرتتبة على ا�ستخدام العقاب والعنف جتاه الطلبة والو�سائل البديلة للعقاب والعنف . .9تنفيذ العديد من امل�سابقات التي تتناول مو�ضوعات حقوق الطفل والتوجيه والإر�شاد.
57
الﺘﺪيﻦ والﺘﺤﻀر ،نﺤو تواﺻﻞ ﺇيﺠاﺑﻲ د .عبد الرزاق ُوورقية /املغرب
اإن نزول الإن�ضان على هذه الأر�س مل يكن عبثا ،واإمنا كان ملق�ضد اأ�ضمى وهو عبادة اهلل �ضبحانه وتعاىل .ومفهوم "العبادة" مل يكن يف اأ�ضله �ضيقا كما يعتقد بع�س النا�س ،واإمنا ي�ضمل جميع حركات املكلفني و�ضكناتهم بحيث ت�ضبح داخلة يف قانون المتثال هلل تعاىل ،ومن ذلك تعترب عمارة الأر�س من �ضلب الأعمال التعبدية .لذلك فالتكرمي لالإن�ضان بجميع اأنواعه كان -اأ�ضال -من اأجل حتقيق هذه الغاية ،اإل اأنه مع مرور القرون املتطاولة ن�ضي الإن�ضان املق�ضد من خلقه ،وغابت عنه احلكمة من وجوده ،فكانت ذلك جمال منا�ضبا لبعثة الأنبياء ،وتقيي�س ال�ضاحلني واحلكماء من اأجل تنبيه النا�س اإىل املق�ضد من خلقهم .ويف الع�ضر احلديث ملا تطورت احل�ضارة الإن�ضانية ماديا ،وبلغت �ضاأوا عظيما اختلف النا�س يف النظر اإليها ،حيث ظهر فريقان على طريف نقي�س اأحدهما ،وهو من ظاهرية الفهم للن�ضو�س الدينية :ذهب اإىل اأن هذه احل�ضارة وما يتعلق بها من حتديث وتط ّور مُعار�س للدين ومناف لقيمه ،والفريق الثاين ،هم بع�س اأدعياء احلداثة :ذهبوا اإىل اأن التدين و�ضف معرقل للح�ضارة ،وبرروا نظرتهم للمو�ضوع بت�ضرفاتِ طائفة حم�ضوبة على الدين ،من الذين اأ�ضاءوا فهم الدين ومقا�ضده ،فن�ضاأت عن ذلك معارك فكرية بني فريقني عظيمني يف الأمة على مدى قرنني من الزمان تقريبا منذ ظهور النه�ضة احل�ضارية الأوروبية الأوىل. واآناء هذا اجلدال الفكري مت تداول م�ضطلحات ي�ضدم بع�ضها البع�س كالتح�ضر والتدين ،واحلداثة والرجعية ،والتفتح والتزمت ...اإلخ، وا�ضتمرت النقا�ضات ال�ضف�ضطائية دون جدوى ،و�ضيعت اأزمانا وجهودا واأقالما من غري طائل ب�ضبب اإ�ضكال مفتعل ،اأو ب�ضبب عدم حترير حمل النـزاع .ولو اأن الفريقني احتكما اإىل الفهم ال�ضحيح للدين والتاريخ والواقع والعقل ملا ا�ضطرا اإىل هذه املنازلة الفارغة ،ولك�ضبا �ضروط التقدم ،ولرتقت الأمة مرتقى عظيما ،ولكن هوؤلء وهوؤلء احتكموا اإىل جمرد التع�ضب والأغرا�س وقبلوا بجدوى النـزاع ،فلم يفرتوا عن
اإحياء اإ�ضكاله كلما �ضعت الأمة للنهو�س والتقدم ،معرقلني �ضريها بقوة اأكرث من حجم امل�ضكل اأ�ضال الذي وقع ب�ضاأنه اخلالف. ويف هذه ال�ضطور يليق بنا اإثارة املو�ضوع ل لنعيد اإحياء املعارك القدمية ،واإمنا لفتح الآفاق اأمام نظرة م�ضتقبلية جديدة تدفع مب�ضرية الأمة احل�ضارية اإىل الأمام دون تعرث� ،ضاعية نحو ال�ضهود ،غري ملتفتة ل�ضفا�ضف اخلواطر ،ول لعوادي الدهر ،ملتم�ضة الطريق الو�ضط للنظر اإىل اأمور الدين والدنيا .من هذا املنطلق نحاول حترير حمل النـزاع، بتف�ضري م�ضطلحاتِ ؛ التح�ضر واحل�ضارة ،والدين والتدين ،متتبعني يف ذلك من�ضاأ خ�ضائ�س التقدم وعالقتها بالدين ،وكا�ضفني النقاب عن الوهم الواقع يف امل�ضاألة ،وعن الفرق بني التح�ضر واأدعيائه وبني الدين و�ضوء فهم الدين ،م�ضتندين اإىل التاريخ واأهله ،والواقع ومقت�ضياته، ون�ضو�س الوحي ومقا�ضدها ،موجهني كل هذه الفروق والتدقيقات نحو تطوير نظرة اإيجابية للمو�ضوع وباهلل التوفيق. مفهوم التدين يطلق الدين يف كتب اللغة عموما على ما يلي :العادة ،والعبادة ،الطاعة، اجلزاء ،الق�ضاء ،املجازاة ،احل�ضاب ،احلكم ،الإكراه ،الإح�ضان ،احلال، الداء ،ال�ضرية ،الورع ،ال�ضتيالء ،ال�ضلطان ،امللك ،الذل ،العز ،اخل�ضوع، الإ�ضالم ،التوحيد ،كل ما يتعبد به ..اإلخ .وتتوزع هذه املعاين اللغوية على ح�ضب ما ت�ضاف اإليه لفظة الدين ،فبالن�ضبة هلل عز وجل تعني القهر وال�ضلطان والعظمة والعزة وكل ما يدور يف فلك هذه املعاين من التعظيم ،ويكون الدين بالن�ضبة للفرد املتدين اخل�ضوع والنقياد ملن دان له ،ويكون املعنى بالن�ضبة لقولنا "دان بكذا" :ال�ضريعة والقانون الذي التزم به املتدين والتزم بال�ضري على قواعده وهو املتعبد به. ويف ال�ضطالح ع َّرف علماء امل�ضلمني الدين بتعريفات كثرية اأ�ضهرها واأجمعها هو اأن الدين "و�ضع اإلهي ي�ضوق ذوي العقول باختيارهم
58
املحمود �إىل اخلري بالذات" ،وهو ما ي�صلحهم يف معا�شهم ومعادهم. ف�إن الو�ضع الإلهي-هنا -هو الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء عليهم ال�سالم .والتدين -بناء على هذا التعريف -هو التزام هذه الأحكام وال�سعي لتحقيق مقا�صدها يف الأر�ض .و�سالمة التدين ترتكب من �أمرين �أحدهما :الفهم ال�صحيح لهذه الأحكام ،وثانيهما :االتباع ال�سليم لهذه الأحكام الإلهية وبتجرد كامل من الأهواء الذاتية. فطرية التدين ُ الفِطرة بالك�سر اخللقة �أي الطبيعة التي �صور عليها اهلل تعاىل اخللق يف الأ�صل قبل طروء التغريات الواقعية عليه .فالإن�سان قبل وقوع امل�ؤثرات اخلارجية عليه متدين بطبعه ،حيث الدين كان مالزما له منذ القدمي و�إىل ع�صرنا احلايل .وبالرغم من ظهور بع�ض الثقافات الالدينية يف الع�صر احلديث ما زال �أربعة �أخما�س من �سكان العامل متدينني ب�صورة عملية .ويدل على فطرية التدين �أدلة نقلية و�أخرى عقلية .فمن الأدلة النقلية: هلل ا َّلتِي َف َط َر ّين َحنِي ًفا ف ِْط َر َة ا ِ قول اهلل عز وجل ( َف�أَ ِق ْم َو ْجه ََك ل ِ ِلد ِ الد ُ ا�س هلل َذل َِك ِ ا�س َعلَ ْيهَا َال َت ْبدِ ي َل لخِ َ ْلقِ ا ِ ّين ا ْل َق ِّي ُم َو َلكِنَّ �أَكْثرَ َ ال َّن ِ ال َّن َ َ َال َي ْعلَ ُمو َن)(الروم )30:مبعنى اتب ْع فطرة اهلل� ،أي خِ لقة اهلل التـي خلق عليها الب�شر وهي الدين ال�صحيح .وقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم: ُّ "كل مولو ٍد يو َلد علـى الفطرة" ،معناه �أن اهلل فطر اخللق على الإميان به والفطر ُة منه احلالة ،كاجلِ ل�سة وال ِّركبة ،واملعنى �أنه يولد على نوع من اجلب ّلة والطبع املته ّيئ لقبول الدّين ،فلو ُترك عليها ال�ستمر على لزومها ومل يفارقها �إىل غريها ،و�إمنا َي ْعدل عنه من َي ْعدل لآفة من �آفات الب�شر والتقليد .وقيل :معناه ُّ كل مولو ٍد يولد على معرفة اهلل تعالـى ،والإقرار به ،فال جتد �أحدا �إال وهو ُي ِق ّر ب�أن له �صانعا ،و�إن �س ّماه بغري ا�سمه ،ولو ع َبد معه غريه. واحلديث الذي �أخرجه الإمام �أحمد عن �أبي بن كعب يف قول اهلل عز وجل ( َو�إِ ْذ �أَ َخ َذ َر ُّب َك مِ نْ َبنِي �آ َد َم مِ نْ ُظهُورِهِ ْم ُذ ِّر َّي َت ُه ْم َو َ�أ ْ�ش َهدَهُ ْم َعلَى �أَ ْن ُف�سِ ِه ْم)(الأعراف ،)172:قال :جمعهم فجعلهم �أرواحا ،ثم �صورهم فا�ستنطقهم فتكلموا ،ثم �أخذ عليهم العهد وامليثاق ( َو َ�أ ْ�ش َهدَهُ ْم َعلَى �أَ ْن ُف�سِ هِم �أَ َل ْ�ستُ ِب َر ِّب ُك ْم)(الأعراف ،)172:قال :ف�إين �أُ�شهد عليكم ال�سمواتِ ال�سب َع والأر�ضني ال�سبع و�أ�شهد عليكم �أباكم �آدم عليه ال�سالم �أن تقولوا يوم القيامة مل نعلم بهذا ،اعلموا �أنه ال �إله غريي ،وال رب غريي ،فال ت�شركوا بي �شيئا� ،إين �س�أر�سل �إليكم ر�سلي يذ ّكرونكم عهدي وميثاقي و�أنزل عليكم كتبي ،قالوا� :شهدنا ب�أنك ربنا و�إلهنا ال رب لنا غريك ،ف�أقروا بذلك". �أما الأدلة العقلية فتتلخ�ص يف �أمرين �أحدهما :قدم التدين يف �أغلب احل�ضارات الإن�سانية ،والثاين :ا�ستمرار التدين يف �أغلب الب�شر ومالزمته للتفكري وال�سلوك الب�شريني. و�إذا ثبتت فطرية التدين ف�إنه من امل�ستحيل �إقناع الب�شر بالفراغ
الروحي والعبث والالمعنى ،لذلك باءت جميع حماوالت الالدينيني بالف�شل عند عزمهم هدم عقائد الأديان لكون هذه الأخرية تدعمها الفطرة الإن�سانية ،وما يدعون �إليه متجه الطبيعة الب�شرية .من هنا وكما �سوف نرى لن ت�ستغني احل�ضارة الإن�سانية عن دعم الفطرة الدينية لتوجهاتها. مفهوم التح�ضر وعنا�صره بالرغم من التطور احل�ضاري الذي �شهده الإن�سان بقي مفهوم احل�ضارة من املفاهيم التي يتع�سر التدقيق يف معناها :وقد حاول الكثري من علماء احل�ضارة البحث يف حمددات مو�ضوعية للتح�ضر والتي ت�سمح ب�إطالق لفظ احل�ضارة على �سلوك جمتمع ما ،ويف بحثهم هذا تو�صلوا �إىل عدة �أنواع من العنا�صر التي بتوفرها ميكن احلديث عن احل�ضارة. -1التعقد والتمدن :بالن�سبة ملعيار التعقد ميكن القول �أن املجتمع املتح�ضر هو املجتمع الذي بلغ درجة من التعقيد واالختالف بني �أجزائه و�أع�ضائه بناء على مهام و�أن�شطة ،مما يجعل حجم هذا املجتمع يتجاوز اخللية االجتماعية الب�سيطة مثل الع�شرية �أو القبيلة. وبالن�سبة للتمدن �أو التعمري ،ف�إن التمدن (�أي ت�شكل املدن وتكاثر البنيان والتعمري) معيار حمدد للح�ضارة وهو من منازعها كما عند ابن خلدون .وعند الأركيولوجي الربيطاين "جوردون ت�شيلد" .التمدن لي�س هو منطلق احل�ضارات فح�سب ،و�إمنا هو الرمز والنتيجة .فبناء على هذا املعيار منيز بني ح�ضارة ما قبل التمدن ،والتي مل ت�أخذ منحاها احلقيقي �إال بعد ظهور املدن� ،إذ احل�ضارة بح�سب هذا املنظور و�إن ظهرت قدميا فلم تت�ضح معاملها �إال مع ظهور الأ�شكال الأوىل من مدن ما بني النهرين "ميزوبوتامي" ،ثم تتابع التمدن يف الع�صر الربونزي منطلقا من ثالثة معاقل هي امليزوبوتامي ،وهي ما بني نهري دجلة والفرات، وحو�ض النيل ،وحو�ض نهر الهندو�س .وح�سب جوردون ت�شيلد فمعيار التمدن ي�شمل املعايري الأخرى� ،إال �أنه يبقى �أو�ضحها لأنه يف املدن ميكن جتميع اجلهود ،وتر�سيخ البنيات االجتماعية والأن�شطة املتخ�ص�صة التي تتيح الفر�صة لالخرتاعات والتطورات التقنية والفكرية. -2معيار التقنيات :حيث يعترب التطور التقني معيارا حمددا ملعنى احل�ضارة عند الكثري من امل�ؤرخني ،وال�سيما املتخ�ص�صني يف التاريخ القدمي ،حيث اتخذوا هذا املعيار قاعدة لت�صنيفاتهم� ،إذ ات�ضح لديهم �أن الإن�سان ا�ستعمل املعدات املخرتعة وفق ترتيب معني من احلجر املنحوت �إىل احلجر امل�صقول ،و�صوال �إىل املعادن والفلزات ،ومن جهة �أخرى وب�صورة ترتيبية كانت البداية برتبية املوا�شي ثم الفالحة ثم ا�ستعمال الطاقة املائية الهيدروليكية ،و�صوال �إىل ال�صناعة� .إال �أن ا�ستعمال التقنيات ال ي�أخذ معناه احل�ضاري �إال �إذا و�ضع يف نظام اجتماعي يعك�س توجهه االقت�صادي ،فمن جهة تطور الفالحة �أنتج نظام امللكية الذي �أدى بدوره �إىل ال�صراع بني الطبقات ح�سب مارك�س و�أجنلز والتي تعد عندهم العن�صر املحرك للح�ضارة والتاريخ.
59
-3معيار العوامل الفكرية واملعرفية :والتطور التقني بدوره عموما هو نتيجة للتطور الفكري واملعريف .ويعترب ظهور املعارف والعلوم والفنون والكتابة ،ال�سمة الأ�سا�سية لأغلب احل�ضارات الكربى امل�شهورة .ففي هذه احل�ضارات ظهرت علوم الهند�سة والريا�ضيات والفلك وباقي الفنون .فمن هنا يتحدد معنى احل�ضارة بتوفر هذه الأن�شطة الفكرية واملعرفية. -4املعيار الديني :وهو الأ�صل يف هذه املعايري كلها ،فاملالحظ �أي�ضا �أن �أغلب احل�ضارات الكربى ارتبطت بالدين ،بل �إن التمدن الذي هو �أ�سا�س احل�ضارة قام حول املعبد كرمز مقد�س يجتمع فيه النا�س ،وي�ستقرون وين�شطون جتاريا حوله .ومن ثم �ساد عند كثري من علماء احل�ضارات ت�صنيف احل�ضارات الإن�سانية بناء على املعيار الديني ،فيقولون ح�ضارة م�سيحية ،ح�ضارة �إ�سالمية ...حيث كان للدين الأثر الكبري يف قيام ح�ضارات كربى يف التاريخ وا�ستمرارها على مدى �آالف ال�سنني ،لأن الدين ميتلك �أهم مقوم لذلك ،وهو القيم واملبادئ �أو الفكرة الدينية على حد قول احلكيم مالك بن نبي. وجممل القول� :إن م�صطلح احل�ضارة ي�ستعمل لأداء معنيني اثنني �أحدهما :نظري يتوجه �إىل القيم واملبادئ واملعتقدات والأفكار التي حتدد منط تلك احل�ضارة ،وت�صبح هذه القيم ميزتها الأ�سا�سية ،وهنا تلتقي احل�ضارة مع الثقافة كما ذهب �إىل ذلك ثلة من �أهل االخت�صا�ص، وهنا �أي�ضا يربز �أثر الدين يف �صنع الفكرة امل�ؤ�س�سة واملحر�ضة على البناء احل�ضاري .وثانيهما :معنى عملي ،ويق�صد به منط احلياة التي يحياها الفرد واملجتمع ،وال�سيما يف بعدها املادي العمراين ،وهنا ترتادف احل�ضارة مع املدنية. خ�صائ�ص التح�ضر �إن التح�ضر بو�صفه �سلوكا عاما و�شامال ،وظاهرة ت�صنف بح�سبها الأمم البد و�أن يتجلى يف الواقع ،متميزا بخ�صائ�ص يخت�ص بها .وعرب النظر يف التاريخ وم�سار الأمم يف تطورها ورقيها ميكن ا�ستنتاج جمموعة من ال�سمات البارزة للتح�ضر ،منها: الك�سبية� :إن التح�ضر �أمر ك�سبي ولي�س �شيئا جبليا ،و�إن كانت املهيئات للتح�ضر جبلية يف الإن�سان مبقت�ضى قوله تعاىلَ ( :و َع َّل َم �آ َد َم الأَ ْ�س َما َء ُك َّلهَا)(البقرة� )31:أي �أ�صول العلوم كلها التي بنيت عليها احل�ضارة و�شيد على �أ�سا�سها العمران. اال�شرتاك بني الأمم :مبعنى �أن احل�ضارة الإن�سانية هي نتاج جهود و�إ�سهامات جميع الأمم .فكل �أمة �أدلت بدلوها يف ت�شييد �صرحها من خالل علم من العلوم �أو فن من الفنون �أو اخرتاع �أو اكت�شاف ،ومل تقم احل�ضارة الب�شرية من فراغ ،و�إمنا هي نتيجة تراكم قرون من النا�س من خمتلف الأجنا�س ومن خمتلف بقاع الأر�ض .و�إىل هذه القاعدة ذهب �أغلب علماء احل�ضارة ،حتى قالت امل�ست�شرقة الأملانية املن�صفة زيغريد هونكه" :ب�ساط احل�ضارة ب�ساط ن�سجته وتن�سجه �أيد كثرية،
وكلها تهبه طاقتها وكلها ت�ستحق الثناء والتقدير" ،وقال �أحد احلكماء: "�إن علم العالمَ مبثوث يف العالمَ بني جميع من يف العال" .وعلى هذا ال ت�صح دعوى التفرد بالإجناز احل�ضاري التي �صدرت يف بع�ض مراحل الع�صر احلديث من لدن بع�ض م�ؤرخي الفرتة اال�ستعمارية ،حيث مبقت�ضاه �صنفت الأمم �إىل مبدعة و�أخرى م�ستهلكة متوح�شة. التداولية :فالتح�ضر دول بني املجتمعات الب�شرية� ،إذ ينتقل بني الأمم بح�سب ا�ستعدادها ،وقابليتها ملقوماته ومقت�ضياته .ف�أميا �أمة نه�ضت ونف�ضت غبار التخلف عن طريقها ا�ستطاعت �أن تك�سب دورها وموقعها بني الأمم املتح�ضرة� ،إذ لي�س التح�ضر والتخلف �أمرين جربيني دائمني ،فكم من ح�ضارة كانت �شاخمة وانهارت �إىل احل�ضي�ض وكم من �أمة متخلفة نه�ض �أبنا�ؤها وارتفعت �إىل م�صاف الرقي ،والتطور .وهنا ي�سقط ادعاء �أي جمموعة ب�شرية االنفراد بالتح�ضر ،فقد تدور الدائرة وت�ضعف مقدرات �أفرادها عن العطاء وي�سلب منها ذلك التقدم �إىل �أجل غري م�سمى. التطبع :للتح�ضر �أو�صاف تت�صف بها الأمة املتح�ضرة حتى ت�صطبغ بها ،وت�صبح مبثابة طبائع ل�صيقة بها متيز تقدمها على غريها من الأمم املتخلفة .فالتح�ضر مبا هو و�ضع �إيجابي له طبائعه الإيجابية، كالعلم والنظام واحلوار والعمران والنظافة واحلفاظ على البيئة، وح�سن ا�ستعمال املوارد الطبيعية والأمن والعدل وال�سالم.وقد متر القرون املتطاولة وتعرف تلك الأمة بتلك املكارم .ويف مقابل التح�ضر ي�أتي النقي�ض له "التخلف" ،الذي هو و�ضع �سلبي له خ�صائ�صه ال�سلبية ،حيث يعرف بعالمات التقهقر واالنهيار وفقدان القيم واجلهل والفو�ضى والتظامل والتهالك والعنف والتدمري والقذارة ...وقد متر �أزمان طويلة وال تنفك �أمة عن هذه العالمات حتى تعرف بها. التح�ضر والتدين :تقارب املقا�صد وتكامل الو�سائل فبعد تعريف الدين وبيان فطريته ،وحتديد مفهوم التح�ضر وجرد خ�صائ�صه ،ي�سوغ احلديث عن �إمكانية التوا�صل بني الطرفني .وذلك ي�ستقيم �أمره على م�ستوى املقا�صد والو�سائل امل�ؤدية �إليها ،وال�سيما �إذا علمنا �أن لكل من الدين واحل�ضارة مقا�صد يتوق لتحقيقها حكماء الب�شر .وعند �إجالة النظر يف منطلق الدين ويف م�ساعي احل�ضارة الب�شرية ،جند �أن هناك تقاربا بني ما جاء به الأنبياء كمقا�صد ل�شرائعهم املوحى بها ،وبني ما انتهت �إليه العقول الراجحة من �أ�صحاب احلكمة واملعرفة .فال�شرائع من جهة ال تناق�ض ق�ضايا العقول ،والعقول ال�سليمة ال ترف�ض ال�شرائع ،فيو�شك �أن تتحد املقا�صد العمرانية وتتكامل الو�سائل والطرائق لتحقيقها. فمن جهة تقارب املقا�صد بني التدين والتح�ضر يتجلى الأمر عند الك�شف عن مقا�صد كل واحد من الطرفني على حدة .فبالن�سبة للدين ال�صحيح بو�صفه �أحكاما و�شرائع تنظم حياة الب�شر يف هذا الكون مل ي�أت �إال مل�صلحة الب�شر ،حيث ن�صت ال�شرائع ال�سماوية على �أن املق�صود
60
من �أحكامها �صالح اخللق وعمارة الأر�ض وحماربة الف�ساد وال�ضرر. وهذه الغايات هي ما عرب عنها علماء الأ�صول مبقا�صد ال�شريعة من اخللق ،يقول الإمام الغزايل" :نعني بامل�صلحة املحافظة على مق�صود ال�شرع ،ومق�صود ال�شرع من اخللق خم�سة ،وهو �أن يحفظ عليهم دينهم ونف�سهم وعقلهم ون�سلهم ومالهم .فكل ما يت�ضمن حفظ هذه الأ�صول اخلم�سة فهو م�صلحة ،وكل ما يفوت هذه الأ�صول فهو مف�سدة ودفعها م�صلحة". وهذه املقا�صد الدينية من االجتماع الإن�ساين كما هو وا�ضح ت�ؤول �إىل حفظ خم�س �ضروريات "الدين والنف�س والعقل والن�سل واملال" ،بها تتحقق ال�سعادة الب�شرية الدنيوية والأخروية .يقول الإمام ال�شاطبي: "ف�أما ال�ضرورية فمعناها �أنها البد منها يف قيام م�صالح الدين والدنيا، بحيث �إذا فقدت مل جتر م�صالح الدنيا على ا�ستقامة ،بل على ف�ساد وتهارج وفوت حياة ويف الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع باخل�سران املبني". �أما بالن�سبة ملقا�صد الب�شرية من التح�ضر فقد ذهب اجلمهور من عقالء الب�شر ،من فال�سفة وحكماء ورجال العلم املنظرين لالجتماع الب�شري� ،إىل �أن املق�صود الذي يطمح �إليه الإن�سان يف اجتماعه ومدنيته يحوم دائما حول حتقيق ال�سعادة الب�شرية ،با�ستيفاء الرغبات واحلاجات املعقولة واملمكنة للب�شر .وهذا مذهب �أغلب حمبي احلكمة بدءا من �أوائل احلكماء والفال�سفة ك�أفالطون يف جمهوريته ،والفارابي يف مدينته الفا�ضلة ،وابن �سينا يف �سيا�سته املدنية ...انتهاء بالع�صر احلديث حيث نادى جمع غفري من علماء ومفكرين بتوجيه احل�ضارة نحو حتقيق ال�سعادة الب�شرية .وا�ستمر الأمر على ذلك يف ع�صرنا احلايل �إذ ال يختلف �أهل الفكر يف �ضرورة تر�شيد التح�ضر والتقدم نحو �إ�سعاد الب�شر .وكثري من ه�ؤالء حاولوا حتديد معايري حمددة لهذه ال�سعادة ،وعموما تدور �آرا�ؤهم على حتقيق الأمن وال�سالم والكفاية وجميع مقومات ا�ستمرار الوجود الإن�ساين املادي والروحي... ويتح�صل من هذا �أن هناك اتفاقا بني الأنبياء واحلكماء على ال�سعي �إىل حتقيق ال�سعادة الإن�سانية ،فالأنبياء دعوا من خالل ما جاءوا به من �شرائع �إىل �إ�صالح حال الب�شرية باحلفاظ على القيم النبيلة والأخالق الفا�ضلة ،وعلى ر�أ�سها تلك الكليات اخلم�س ال�ضرورية .واحلكماء دعوا يف نظرياتهم �أي�ضا �إىل مدن فا�ضلة ي�سودها الأمن وال�سالم والعدل. ومن جهة تكامل الو�سائل امل�ؤدية �إىل هذه املقا�صد فيمكن القول �إنه �إذا تقرر احتاد وت�شابه الأهداف ،فالو�سائل قد تختلف بني الأديان ال�سماوية نف�سها و�إن احتدت عقائدها ،كما تختلف بني احلكماء واملفكرين .وذلك �أمر طبيعي لكون هذه الو�سائل ما هي �إال �إجراءات عملية تخ�ضع �إىل التقديرات الزمنية امل�شخ�صة حيث يختلف ذلك بح�سب الظروف والأحوال .ولئن كان اختالفها بني الدين ورجال احلكمة لي�س اختالف ت�ضاد وتناف� ،إمنا هو اختالف تكامل .ف�إنه مثال �إذا ن�ص الدين على حت�سني و�سائل وتقبيح و�سائل �أخرى جند يف الغالب �أن هناك تواط�ؤا
بني �أهل الفكر ومنظري احل�ضارات الإن�سانية على ما يقارب نف�س الت�صنيف .لذلك يف الغالب مل تخرج مواثيق حقوق الإن�سان والقوانني املدنية واجلنائية عما تقرر من مبادئ يف الدين كالإقرار مثال بحرية الإن�سان ،وحقوقه املادية واملعنوية .وكذا وجوب الوفاء بالعقود وحترمي التظامل وقبح اجلرائم ،كالقتل وال�سرقة واالغت�صاب والتعذيب �إىل غري ذلك من �أمور عليها قامت املدنية املعا�صرة. نحو تدين �صحيح وحت�ضر �إيجابي حتاول طائفة من �أهل الفهم التب�سيطي للدين ،البحث يف ن�صو�ص الوحي للعثور على ما به يعار�ضون بع�ض مقت�ضيات احل�ضارة ،بدعوى خمالفتها ملا يرونه �أحكاما دينية وخروجها عن ال�شريعة بالكلية، ممثلني ببع�ض اجلزئيات التي مل ي�أخذوا بها �ضمن �إطارها املقا�صدي الت�شريعي ،كبع�ض ما ورد يف النحت والت�صاوير والزخرفة وبع�ض �أنواع اللبا�س وبع�ض الآالت التكنولوجية وغري ذلك مما ال ي�ستقيم �شاهدا على ما يقولون ،بل قد يكون مرده �إىل بع�ض الفهوم البدوية للدين التي قد تكون وليدة بيئة معينة بعيدة عن فهم الدين من جهة وعن �إدراك عمق احل�ضارة من جهة �أخرى. وهذا الفهم ال�شاذ لهذه الطائفة قد يكون حجة عند �أولئك املتطرفني يف اجلانب الآخر ،الراف�ضني للتعامل مع الدين ب�شكل �إيجابي؛ �إال �أنه ويف �ضوء ما �سبق ميكن التعقيب على الطائفة الأوىل با�ستقراء ن�صو�ص الوحي والنظر �إليها يف �ضوء مقا�صد ال�شريعة الكلية .فالذي يتتبع ن�صو�ص القر�آن الكرمي يعرث على كثري من الأوامر واملندوبات لأجل دعم م�سرية الإن�سان نحو عمارة الأر�ض ،وح�سن ا�ستثمار م�سخرات الكون ،وحماية الأر�ض من الف�ساد بعد الإ�صالح ،والنهي عن الظلم واالعتداء �إىل غري هذا من �أمر بالف�ضائل ونهي عن الرذائل ،حتى قال الإمام العز بن عبد ال�سالم" :وال�شريعة كلها م�صالح� ،إما تدر�أ مفا�سد �أو جتلب م�صالح .ف�إذا �سمعت اهلل يقولَ ( :يا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا) فت�أمل و�صيته بعد ندائه ،فال جتد �إال خريا يحثك عليه �أو �شرا يزجرك عنه �أو جمعا بني احلث والزجر". وميكن التعقيب على الطائفة الثانية ب�أن الدين ال ي�ؤخذ من جمموعة ب�شرية قليلة تدعيه ،و�إمنا ي�ؤخذ من م�صادره الأ�صلية ،يف �ضوء قواعده اخلا�صة ،كما ال ميكن الت�سليم بلزومية التقدم يف حالة التخلي عن الدين ،و�إمنا قد يح�صل العك�س .فكما �أ�سلفنا فالدين يعد من �أهم املعطيات وال�شروط امل�ؤ�س�سة لأوىل احل�ضارات ولأكربها �أي�ضا ،وما زال الدين معينا ال ين�ضب للقيم واملثل العليا لأغلبية �سكان العامل، حتى قال �أحد علماء احل�ضارة املحدثني�" :إن الدين ي�ستجيب حلاجة عميقة يف الإن�سان ،ولو �شئنا �أن نعرب عن هذا مب�صطلحات الفل�سفة الوجودية لقلنا� :إنها احلاجة لقوة الوجود التي تهزم الالوجود الذي نلقاه ونعانيه يف جتارب املوت ،والعذاب والإخفاق والظلم والإثم وفقدان
61
املعنى .ولو �شئنا �أن نعرب بلغة ب�سيطة م�ألوفة لقلنا� :إن الدين ي�ستطيع �أن ميدنا باملعنى الأخري للحياة ،مب�صدر وجودنا وغايته� ،أي بالإجابة عن ال�س�ؤالني اخلالدين ،من �أين ،و�إىل �أين؟ وهو ي�ستطيع �أن ي�ضمن لنا قيما عالية ومعايري غري م�شروطة� ،أي علة م�س�ؤوليتنا والهدف منها .والأديان حري�صة على �سعادة الإن�سان ،وذلك بتقدمي التوجه الديني الأ�سا�سي �أي ال�سند والعون والأمل ،ومنحنا الكرامة الإن�سانية واحلرية الإن�سانية ،واحلقوق الإن�سانية� ،أي الأ�سا�س الذي يرتكز عليه العمق النهائي". و�إذا ات�ضحت ا�ستحالة االنف�صال بني الدين و التح�ضر ،فدعوتنا قائمة من جهة لأجل فهم الدين فهما �صحيحا يتم به نفع الب�شرية لتحقيق مقت�ضى قوله تعاىلَ ( :ومَا �أَ ْر َ�س ْل َن َ اك ِ�إ َّال َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َ ني)(الأنبياء،)107: حيث مل يقل "عنتا وال م�ضرة للعاملني" ،ومن جهة ثانية ينبغي توجيه احل�ضارة الإن�سانية �إىل احلفاظ على القيم النبيلة ،والتعامل ب�إيجابية مع الأخالق الفا�ضلة .ف�إنها �سر ا�ستمرارها وتوازنها ،وانعدامُها ي�ؤدي �إىل خرابها وخراب العمران بعبارة العالمة ابن خلدون. �أعظم الإجنازات احل�ضارية ذات منطلق ديني �إن املعيار الديني يف ت�شكيل املبادئ والقيم التي تبنى عليها ح�ضارة ما� ،أمر مقرر ب�شواهد التاريخ والواقع ،بل وحتى املنجزات املادية للح�ضارة كانت عرب التاريخ ت�ستلهم من الدين وت�سرت�شد به يف ت�شييد �صروحها .فباال�ستقراء عرب �آثار الأمم ومتاحفها ،جند �أعظم املباين هي للم�ساجد والكنائ�س (�أي �أماكن العبادة) .و�أنف�س التحف الفنية هي ما تركه نبي �أو ر�سول �أو حكيم �أو راهب (�أي رجل دين)� ،أو فنان �أجنزه لغر�ض ديني ،و�أكرث من هذا تعترب املخطوطات الدينية املحفوظة يف اخلزانات العاملية �أعظم �إرث ثقايف وح�ضاري خملد يف التاريخ ،حتى �إنه ما عرفنا الكتابة و اللغات �إال بالكتب املقد�سة ،بل و�أعظم من ذلك هو �أن الإ�شكاليات الوجودية ذات الأثر يف تطوير علوم الفلك والهند�سة واجلغرافيا ...انطلقت من احللقات الدينية .ومن هناك يتبني �أنه من ال�صعب قبول تنكر �أدعياء احلداثة للإ�سهام الديني يف بناء ما تتمتع به الإن�سانية اليوم من مقومات االجتماع الب�شري ال�سعيد. نحو تو�أمة التح�ضر والتدين �إذا تقرر �أنْ لي�س هناك تعار�ض بني التح�ضر والتدين يف حقيقة الأمر، و�إمنا التعار�ض نا�شئ عن الأفكار امل�سبقة لبع�ض النا�س نتيجة �سوء فهم للن�ص �أو الواقع ،ف�إننا وبناء على معطيات معرفية وتاريخية وح�ضارية ميكن اخللو�ص �إىل وجود تالزم بني الدين والتح�ضر منذ القدمي، ويع�سر الف�صل بينهما .وكل من �سعى �إىل فر�ض التعار�ض بينهما وقع يف خلط عظيم ،وورط جمتمعه يف �صراعات ال تنتهي ،تنجم عنها جراحات ال تلتئم قد ت�سوق الأمة �إىل مدارك التخلف.
ومن منظور م�ستقبلي :فبدل �أن ن�سعى �إىل �إثبات الفروق والهوات بني الدين واحل�ضارة ،ف�إنه يليق بالأمة بجميع �أفرادها االنخراط يف تو�أمة �إيجابية بني التدين والتح�ضر من خاللها ت�صبح احل�ضارة خادمة للمقا�صد النبيلة للدين ،وي�صبح التدين عمال �إيجابيا ومغنيا مل�سار تطور احل�ضارة .فكما ال يخفى �أن التح�ضر دون مبادئ و�أخالق يو�شك �أن ي�ؤدي �إىل اخلراب ،و�أن التدين دون عمارة الأر�ض تدين ناق�ص ،خمل بر�سالة الإن�سان فوق هذه الأر�ض ،فحتى ولو كان الظرف �شديدا كقيام ال�ساعة �أَمَرالدين بغر�س الأ�شجار واحلفاظ على العمران، م�صداقا للحديث ال�شريف�" :إن قامت ال�ساعة ويف يد �أحدكم ف�سيلة، ف�إن ا�ستطاع �أن ال يقوم حتى يغر�سها فليغر�سها" (رواه الإمام �أحمد). فكل ما يريده الدين من احل�ضارة هو احلفاظ على القيم الإن�سانية النبيلة املجملة يف مقا�صد ال�شريعة ال�ضرورية .وكل ما تطلبه احل�ضارة من الدين هو �أن يكون عن�صرا �إيجابيا ،داعما لتطورها وا�ستمرارها ،وهذا حا�صل بالن�سبة للدين الإ�سالمي حيث النظر �إىل الكون من منظور الت�سخري ،و�أكل الطيبات من الرزق ،والتعاون على الرب والتقوى� .إذ ر�سخ الإ�سالم بذلك جلمالية رائعة تربط كتاب اهلل امل�سطور بكتابه املن�شور ،بعيدا عن غرائز ال�صراع والتفكك والعبث. وختاما يجوز لنا القول �إن الإ�سالم بو�صفه ،الدين ال�سماوي ،البالغَ �إلينا كتابه باملعجزة والتواتر ،مل يكن �أبدا يف يوم من الأيام معرقال للفعل احل�ضاري ،بل بالعك�س من ذلك كان مُن�شئا حل�ضارة م�ستقلة بذاتها ابتد�أت بالأمر بالتعلم "اقر�أ" ،وا�ستمرت ب�أوامر االعتبار يف الكون والتفكر والتعلم واحلجة واحلكمة .و�ساهمت من جانبها يف تطور احل�ضارة الإن�سانية ،وقد �شهد بهذا العقالء من النا�س �شرقا وغربا ومن لدن جميع الأمم. لذلك ال يليق بامل�سلمني اليوم االلتفات �إىل دعاوى التعار�ض والت�ضاد املفتعلة بني الدين والرقي الإن�ساين احل�ضاري ،ف�إن االن�شغال بذلك �ضرب من التفاهة وال�سفاهة الفارغة .و�إذا تقرر هذا وبانت حجته، ف�إننا ن�سجل �أن هناك وعيا متناميا لدى فئة عري�ضة من امل�سلمني، ا�ستطاعوا اجلمع بني الأوامر الدينية واملتطلبات احل�ضارية ف�أ�صبح عندهم التحقق الكامل ملفهوم "التدين احل�ضاري" ،حيث اجتمعت فيهم مقا�صد الدين ومقت�ضيات احل�ضارة ،ف�إن كانوا يف الدين فهم الواقفون عند �أمره من حيث االلتزام بالأوامر واالجتناب للنواهي. و�إن كانوا يف احل�ضارة فهم �أهلها الأ�صالء ،من حيث الذكاء واخلدمة والنظام والتمكن البارع من الأخذ ب�أ�سباب التح�ضر دون �إخالل باملقا�صد الإن�سانية النبيلة من ت�سامح وكرم ونظافة ورحمة .ذلك هو املنهج الو�سط الذي يجمع حما�سن الأ�شياء ،وينمي اجلوانب الإيجابية �أينما كانت ،ويتقي املفا�سد يف �أي جهة كانت. تلك �أمة الو�سط التي ن�ص عليها القر�آن جامعة بني اخلريية يف املعا�ش واملعاد ،تغر�س الف�سيلة وال�ساعة قائمة ،ال يثنيها عن البناء خطورة املوقف ،وال م�شاك�سة امل�شاك�سني.
62
ﻧﺸـﺎﻃـﺎﺕ ﺍﻟـﻮﺳـﻄﻴـﺔ شهر أياﺭ 2011م الوسطية -قدم املنتدى العاملي للو�ضطية اىل خادم احلرمني ال�ضريفني امللك عبداهلل بن عبد العزيز درع املنتدى وذلك تقديرا جلهود جاللته يف خدمة ال�ضالم وامل�ضلمني ولدوره الكبري يف ن�ضر ر�ضالة ال�ضالم احلقيقية التي تقوم على الت�ضامح والعدالة والو�ضطية ،وت�ضلم الدرع نيابة عن امللك عبداهلل �ضمو وزير اخلارجية المري �ضعود الفي�ضل وذلك خالل ا�ضتقباله لوفد املنتدى الذي يرتاأ�ضه الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري ،وبحث الوفد خالل اللقاء �ضبل تعزيز التعاون والتوا�ضل مع املوؤ�ض�ضات ال�ضعودية لال�ضتمرار يف تقدمي ماهو اف�ضل خلدمة الدين، وا�ضاد �ضمو المري باجلهود التي يبذلها املنتدى والن�ضاطات التي يقوم بها يف الأردن والعامل لتعميق الفكر الو�ضطي لفتا اإىل اأن املنتدى اأ�ضبح معلما فكريا وثقافيا عامليا مهما حيث اأ�ضبح حاجة ملحة لالأمة خا�ضة يف هذه الظروف الذي تتعاىل فيها اأ�ضوات الغلو والتطرف ،وا�ضتعر�س الفاعوري ابرز الن�ضاطات والجنازات التي حققها املنتدى خالل ال�ضنوات املا�ضية م�ضتعر�ضا ابرز الندوات واملوؤمترات الدولية التي نظمها يف عدد كبري من الدول العربية والإ�ضالمية والعاملية والتي تناولت معظم الق�ضايا التي تهم الأمة مب�ضاركة مفكرين وعلماء من جميع دول العامل. الوسطية -اأكد منت�ضر الزيات رئي�س املنتدى العاملي للو�ضطية يف م�ضر اأن الفتنة الطائفية م�ضكلة خطرية ميكن اأن تع�ضف باأمن وا�ضتقرار م�ضر ،م�ضريا اإىل اأن امل�ضريني تعودوا على روح التدين والت�ضامح بني طوائف املجتمع. وقال الزيات ،خالل ندوة بعنوان (الطائفية وخطرها على املجتمع) يف م�ضجد رابعة العدوية مبدينة ن�ضر اأننا بحاجة اإىل النظر بعمق يف م�ضاألة الفتنة الطائفية من اأجل ا�ضتقرار الوطن. واأو�ضح الزيات اأن الفتنة الطائفية كانت لها عدة مراحل بداأت منذ اأوائل الثمانينيات باأحداث الزاوية احلمراء ،ثم حادثة الك�ضح يف �ضعيد م�ضر ،واأ�ضبحت اأزمات تتالحق الآن. ومن جانبه قال خالد ال�ضريف اأمني املنتدى والذي اأدار احلوار يف الندوة اإن الإ�ضالم يرف�س الطائفية والعتداء على الآخرين ب�ضبب ديانتهم وقد �ضاوى القراآن بني امل�ضاجد والكنائ�س واملعابد من حيث حرمة العتداء اأو الهدم.
وبني اأن امل�ضريني كانوا اأذلة يف ظل قانون الطوارئ ،واأذلة حتت قهر وا�ضتبداد نظام الرئي�س املخلوع ح�ضني مبارك فاأعز اهلل ال�ضعب امل�ضري بثورة 25يناير واأكرمهم بزوال وخلع مبارك. و�ضدد ال�ضريف على اأهمية ا�ضتغالل الثورة يف توحيد اأبناء ال�ضعب امل�ضري من م�ضلمني واأقباط والتاآزر والتكافل والعمل لبناء نه�ضة املجتمع ،واأن الر�ضول اهلل �ضلى اهلل عليه و�ضلم اأطلق بندا د�ضتوريا بحرمة معاداة اأهل الذمة من الأقباط وغريهم. واأكد اأن التاريخ حافل بال�ضالم والتعاي�س بني اأبناء الأمة من امل�ضلمني والأقباط ،م�ضريا اإىل اأنه لي�س من التدين اإثارة الفنت الطائفية اأو العن�ضرية فما وقع من اأحداث دامية يف اإمبابة. اأما الدكتور عبد الآخر حماد مفتي اجلماعة الإ�ضالمية فقال اإن الثورة امل�ضرية نعمة من اهلل ،حيث ا�ضرتدت الأمة حريتها وكرامتها، لفتاً اإىل اأن الإ�ضالم عامل غري امل�ضلمني بالرحمة والعدل. وذكر حماد اأن عمرو بن العا�س عندما دخل م�ضر فا ترك الأقباط من اأهل م�ضر على دينهم ومل يجرب اأهل على الدخول يف الإ�ضالم .مما يدل على �ضماحة وعدل الإ�ضالم يف التعامل مع الآخرين. واأ�ضار اإىل اأن الأقباط يف م�ضر كانوا م�ضطهدين يف ع�ضر الدولة البيزنطية ،حيث قتل البيزنطيني اأعداد كبرية منهم ملخافتهم يف العقيدة ،واأن الإ�ضالم حافظ على الكنائ�س وكفل حرية العقيدة لغري امل�ضلمني. اأما ال�ضيخ عبد اخلالق ح�ضن ال�ضريف القيادي يف جماعة الإخوان امل�ضلمني ذكر اأن الإ�ضالم دين العدل والرحمة ول ي�ضلح اأن يخرج منه نزعة طائفية. واأو�ضح ح�ضن اأن اأوروبا والدولة ال�ضهيونية هي التي �ضدرت للعامل العريف اأفكار الفرقة الطائفية ،م�ضريا اإىل اأن الإ�ضالم ل مي�س الديانات الأخرى. واأ�ضار اإىل اأن نظام مبارك هم من �ضنعوا الفتنة الطائفية يف املجتمع امل�ضريـ م�ضددا على اأن الفتنة اأ�ضد خطرا على املجتمع ،وان الإ�ضالم ل يعرف الطائفية ول يقبلها. الوسطية � -ضارك عدد من اأع�ضاء املنتدى العاملي للو�ضطية يف الحتفال الذي اأقامته مدر�ضة تبنا الأ�ضا�ضية برعاية مدير الرتبية والتعليم يف مديرية تربية الكورة وبدعوة من مدر�ضة تبنا الأ�ضا�ضية ،واأ�ضار املتحدثان الدكتور هايل الداود واملهند�س ب�ضام اأبو الن�ضر اإىل اأهمية احلفاظ على اأمن الوطن واملواطن وا�ضتقراره وازدهاره منوهني اإىل اأهمية دور اجلميع يف بناء الوطن. الوسطية �-ضارك وفد ممثل عن قطاع املراأة يف منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة وي�ضم كل من رئي�ضة جلنة املراأة يف منتدى الو�ضطية ال�ضيدة �ضو�ضن املومني ورئي�ضة هيئة �ضباب الو�ضطية ال�ضيدة رويداء ريالت
63
وع�ضوتي املنتدى الدكتورة نوال �شرار والدكتورة ماهرة جويحان يف ور�شة العمل التي نظمتها جامعة فيالدلفيا برعاية رئي�س جمل�س �أمناء اجلامعة العني ليلى �شرف حول (املر�أة والإعالم :نظرة م�ستقبلية) وذلك يوم الثالثاء 2011/5/23يف مدرج كلية التمري�ض يف اجلامعة . الوسطية � -ضمن فعاليات برنامج قارئ النه�ضة لهيئة �شباب الو�سطية نظم الطالب م�صعب �شديد لقاء يف عمادة �ش�ؤون الطلبة يف جامعة العلوم والتكنولوجيا يوم الأحد ،2011/5/8حيث مت خالل اللقاء مناق�شة كتاب "لي�س من الإ�سالم" للم�ؤلف حممد الغزايل بح�ضور الدكتور عاي�ش لبابنة من جامعة الريموك. الوسطية � -أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة/فرع ال�سلط ندوة حوارية حول دور الأ�سرة يف تربية الن�شء على االعتدال والو�سطية ، ودور الأ�سرة يف حماربة العنف املجتمعي ،حتدث فيها الدكتور عو�ض الفاعوري مدير �أوقاف البلقاء والدكتور جمال ال�سفرتي ،ويف بداية اللقاء الذي �أدارته الداعية رويداء رياالت �أكد �أحيا عربيات رئي�س املنتدى على �أهمية هذه اللقاءات التي تتما�شى والواقع املحلي ،وعلى �أهمية تفاعل الرتبية والتعليم مع هيئات املجتمع املدين ون�شر فكر الت�سامح والإخاء بني �أبناء املجتمع وخا�صة فئة ال�شباب. الوسطية � -شارك رئي�س منتدى الو�سطية /فرع مادبا الدكتور �صالح اخلواطرة يف اللقاء الذي نظمته جمعية ال�شابات امل�سيحيات حول التعاي�ش الإ�سالمي امل�سيحي وبرعاية اجلمعية الأمريكية للتعاون الدويل ،يف حمافظة م�أدبا وذلك يوم الثالثاء ، 2011/4/26حيث حتدث الدكتور اخلواطرة يف اللقاء الذي ح�ضره حمافظ مادبا عن املفهوم الإ�سالمي للتعاي�ش والت�سامح ،وبني حر�ص الإ�سالم منذ بدايته على بث روح التعاي�ش والرحمة بني النا�س من خالل قوله تعاىل " وما �أر�سلناك �إال رحمة للعاملني" ومن خالل الهدي النبوي " :اخللق كلهم عيال اهلل و�أحب اخللق �إىل اهلل �أنفعهم لعياله". الوسطية � -أكدت مدربة التنمية الب�شرية �سولني عبد احلميد �أن فئة ال�شباب هي الأكرث ا�ستهدافا وتعاطيا للمواد املخدرة. وا�ستعر�ضت يف الور�شة التدريبية التي نظمتها جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يوم الأربعاء 2011/5/4بعنوان" �أنقذوهم من املخدرات" �إح�صائية �أعدتها الأمم املتحدة ت�شري �إىل �أن الفئة العمرية ما بني 20و 30هي الأكرث تعاطيا للمخدرات وبن�سبة ، %51و�أن قطاع العاطلني عن العمل يليه موظفو القطاع اخلا�ص هي ال�شرائح الأكرث اجنرافا يف هذا التيار املدمر ،كما �أنه ومن حيث احلالة االجتماعية ف�إن فئة العازبني قد احتلت املراتب العليا. وقدمت الأ�ستاذة �سولني يف بداية الور�شة التي تهدف �إىل تدريب املر�أة وبث الوعي لديها و لدى جيل ال�شباب من �آفة املخدرات حفظا ورعاية للأ�سر والأبناء من االنحراف ،و�شاركت فيها نخبة من �سيدات و�أع�ضاء من خمتلف القطاعات تعريفا لغويا ونف�سيا وقانونيا للمادة املخدرة .
شهر حزيران 2011م الوسطية -على هام�ش �أعمال م�ؤمتر التحوالت ال�سيا�سية يف تون�س، قام وفد من املنتدى العاملي للو�سطية برئا�سة الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري وع�ضوية الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة والدكتور هايل الداود والدكتور حممد اخلطيب والأ�ستاذ منت�صر الزيات بلقاء ال�شيخ را�شد الغنو�شي رئي�س حركة النه�ضة يف تون�س ،وقد مت خالل اللقاء احلديث حول امل�ستجدات على ال�ساحة التون�سية والأخطار التي تهدد ثورة ال�شعب التون�سي .وقد هن�أ الوفد ال�شيخ الغنو�شي بثورة ال�شعب التون�سي وبعودته �ساملا لبلده تون�س ال�شقيق بعد غربة دامت �سنوات طويلة. الوسطية -تلقى ع�ضو املنتدى العاملي الأ�ستاذ ح�سني الروا�شدة ر�سالة �شكر من حركة جمتمع ال�سلم يف اجلزائر لقاء م�شاركته يف فعاليات امللتقى الثامن مل�ؤ�س�س احلركة ال�شيخ حمفوظ النحناح والذي عقد يف العا�صمة اجلزائرية �أيام 2011/6/18-16بعنوان" م�ستقبل الوطن العربي يف ظل التحوالت اجلديدة" ،وجاء يف الر�سالة �أن ح�ضور الأ�ستاذ الروا�شدة قد �أ�ضفى على امللتقى مل�سة جمالية خا�صة �ساهمت يف اجناحه وعمقت من �أوا�صر التعاون امل�شرتك ،وفتحت �صفحة جديدة من العالقات امل�ستقبلية ،يتم ا�ستثمارها مبا يحقق من اجنازات كربى تن�شد لها الب�شرية. الوسطية � -صدر العدد الثاين من ال�سنة الرابعة ملجلة الو�سطية ،املجلة الإ�سالمية الف�صلية امل�ستقلة التي ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية، وت�ضمنت املجلة يف طياتها جمموعة من الدرا�سات والأبحاث واملقاالت ملجموعة من العلماء والكتاب املتخ�ص�صني يف الفكر الإ�سالمي والعلوم الإن�سانية واالجتماعية وال�سيا�سية والفكرية والرتبوية ،واحتوت على عدد من الدرا�سات الإ�سالمية املتميزة لكتاب و مثقفني ،تناولت يف �سطورها ق�ضايا املر�أة واخلطاب الإ�سالمي والإرهاب ومفهوم الو�سطية واحلوار احل�ضاري ،كما احتوت على �سل�سلة مميزة من املقاالت الهادفة يف ال�ش�أن الو�سطي الإ�سالمي واحلوار احل�ضاري والت�شدد والإرهاب، ا�ضافة اىل باقة متنوعة من الأخبار و الن�شاطات التي �أقامها املنتدى خالل الأ�شهر املا�ضية . الوسطية -نظم منتدى الو�سطية عددا من ور�ش العمل ملحاربة العنف ب�أنواعه كافة ،و�أكدت ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية رئي�سة مركز العالقات الأ�سرية التابع ملنتدى و�سطية اربد الدكتورة نوال �شرار �أن �أ�سا�س نبذ العنف االلتزام باملنهج الو�سطي ،وقالت النا�شطة يف �ش�ؤون الأ�سرة املحامية �شرار �أنه بالرغم من الإجنازات العظيمة التي ت�شهدها ال�ساحة الإن�سانية املدنية على كافة الأ�صعدة ،ورغم التطورات الهائلة يف التفكري وال�سلوك الإن�ساين مبا يالئم املدنية والتح�ضر� ،إال �أن العنف ال يزال اللغة ال�سائدة يف العامل ،و�أداة التخاطب بني املجتمعات ،و�أ�شارت
64
�إىل �أن غياب تطبيق املنهج الرباين والأخالقي ،ووجود عوامل اقت�صادية ونف�سية واجتماعية قد زاد من حدة �سيادة العنف بني املجتمعات ،الفتة �إىل حر�ص املنتدى العاملي للو�سطية ملجابهة تلك الآفة التي تتغلغل بني �أو�ساطنا ،وال�سعي للحد منها ب�شتى الطرق ،من خالل الر�سالة التي ي�سعى دائما لتعزيزها ون�شرها برت�سيخ الفكر الو�سطي ون�شره ليكون �أول الطريق يف نبذ العنف ب�أنواعه . الوسطية � -أقام منتدى و�سطية اربد يف مقره يوم ال�سبت 2011/6/11 احتفاال مبنا�سبة الأعياد الوطنية ت�ضمن فعاليات متنوعة ،حتدث فيها مدير املركز الإ�سالمي يف اربد الدكتور عمر النوافلة ،كما �أكد رئي�س منتدى و�سطية اربد يو�سف امللكاوي �أن م�سرية العطاء تبد�أ منذ عهد امللك امل�ؤ�س�س �إىل عهد امللك عبد اهلل الثاين الذي جعل الأردن قطعة من اجلنة وجعل ال�شعب الأردين مقدرا بني ال�شعوب العربية.
شهر تموز 2011م الوسطية -بدعوة من املركز العاملي للتجديد والرت�شيد بلندن واملركز العاملي للو�سطية بدولة الكويت غادر الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يوم الأحد � 2011/7/ 3إىل املغرب للم�شاركة بور�شة علمية بعنوان" االجتهاد بتحقيق املناط :فقه الواقع والتوقع" ،والتي عقدت يومي 2011/7/5-4يف الرباط /اململكة املغربية ،وهدفت الور�شة �إىل ا�ستك�شاف الإمكانات العظيمة لل�شريعة حكما وقيما يف التعامل مع واقع متغري ،وا�ستح�ضار اكراهات الواقع الإن�ساين لت�أ�صيل التعامل مع �أنواع امل�شكالت املعا�صرة. الوسطية -عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�صر حما�ضرة للدكتور عمر عبد الكايف بعنوان "القد�س يف قلب الثورات العربية" وذلك يوم الثالثاء املوافق 2011/7/5يف م�سجد رابعة العدوية ،وتعد هذه املحا�ضرة هي الأويل للدكتور عبد الكايف يف م�صر بعد انقطاع دام 12عاما. الوسطية � -أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع اربد حما�ضرة بعنوان" التدخني و�أ�ضراره االجتماعية وال�صحية والدينية" يف مقر املنتدى ب�إربد ،حتدث يف املحا�ضرة �إمام وخطيب من �أوقاف اربد ال�شيخ عثمان �أبو �سرايا حيث �أ�شار �أن التدخني هو �سبب فناء عمر الإن�سان الذي �سي�س�أل عنه يوم احل�ساب فيما �أفناه ،و�أن اهلل قد �أعطى الإن�سان عقال يجعله قادرا على التفكري مبا يفيده ومبا ي�ضره ،و�أن الإن�سان العاقل عليه االمتناع عن كل ما ي�ضر اجل�سم ويف مقدمة الأ�شياء التدخني ،امل�شرف من تربية اربد الأوىل الدكتور تي�سري �سعيدين بني الأثر الرتبوي على م�ضار التدخني حيث �أ�شار �أن التدخني ي�ؤدي لتفتيت وحدة اجلماعة ،و�أن الإن�سان املدخن ينفر منه الآخرون ل�سلوكه
ورائحته الكريهة ،ومن ال�صعب التعامل معه لتوتره وع�صبيته ب�سبب التدخني. الوسطية � -أقام منتدى و�سطية اربد يف مقره احتفاال مبنا�سبة ذكرى الإ�سراء واملعراج ت�ضمن فعاليات متنوعة ،وحتدث رئي�س منتدى و�سطية اربد يو�سف امللكاوي يف كلمته عن احلمالت الإعالمية التي كانت �ضد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�أنها باطلة وال �صحة لها، وقد �صرب الر�سول الكرمي على تلك الإ�شاعات فجاءت حادثة الإ�سراء واملعراج تكرميا من اهلل �سبحانه وتعاىل لر�سوله حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ورفع الظلم عنه. الوسطية -عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع مادبا يوم الثالثاء املوافق 2011/7/5ندوة بعنوان" ا�ستغالل طاقات ال�شباب خالل العطلة ال�صيفية" ،حتدث يف الندوة التي عقدت يف مقر املنتدى كل من د�.صالح اخلواطرة وال�شيخ جمال ال�سفرتي ،حيث دار احلديث حول �شوارعنا التي متتليء بال�شباب �أثناء العطلة مما يزيد من ن�سبة امل�شاكل والعنف ،ومت التنويه �إىل �ضرورة وجود مراكز �صيفية ونوادي ثقافية وريا�ضية وقر�آنية وفكرية من جهة ،للم�س�ؤولية الكبرية التي تتحملها مراكز رعاية ال�شباب من جهة �أخرى� ،إ�ضافة �إىل الدور املهم الذي يقوم به منتدى الو�سطية يف حمافظات اململكة يف هذا ال�صعيد . الو�سطية -عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع مادبا يوم ال�سبت 2011/7/16ندوة بعنوان " الفكر التكفريي وخطره على املجتمع" حتدث فيها كل من مدير �أوقاف مادبا الدكتور �سليمان �شيحان ود�.أحمد احلاليبة فيما �أدار الندوة ال�شيخ جمال ال�سفرتي ،وتطرق الدكتور �سليمان �شيحان يف املحا�ضرة التي عقدت يف مقر املنتدى مبادبا للحديث عن خطورة الفكر التكفريي و�أثره ال�سلبي على املجتمع الفتا �إىل �أن التكفري �سي�ؤدي �إىل التفجري والذي �سي�ؤدي يف النهاية �إىل التدمري ،من جهته �أ�شار الدكتور �أحمد احلاليبة �أن العلة واملر�ض لي�ست يف �أنظمة احلكم ،و�إمنا يف الفكر الذي يحمله ه�ؤالء النفر من املت�شددين قائال �أن وظيفة الدعاة اليوم �إخراج النا�س من الكفر �إىل الإ�سالم فهل ينقلب دورهم لإخراج النا�س من الإ�سالم �إىل الكفر ،وقد ح�ضر الندوة عدد من الأئمة واخلطباء والدعاة �إ�ضافة غلى عدد من �شباب املنتدى واملجتمع املحلي. الوسطية -نظم منتدى الو�سطية للفكر والثقافة /ال�سلط بالتعاون مع مركز مو�سى ال�ساكت الثقايف يوم ال�سبت 2011/7/30احتفالية خا�صة مبنا�سبة قدوم �شهر رم�ضان املبارك بعنوان "كيف ن�ستقبل رم�ضان" �شارك فيها الدكتور عبداهلل ال�صيفي رئي�س ق�سم الفقه باجلامعة الأردنية وف�ضيلة الدكتور هاين العابد مفتى املحافظة ،وت�ضمنت االحتفالية عر�ضا م�سرحيا وتوزيع ام�ساكيه �شهر رم�ضان.
65
ﻣـﻘـﺎﺑـﻼﺕ ﺍﻟـﻮﺳـﻄﻴـﺔ فﻲ حواﺭﻩ ﻣﻊ »الﺪسﺘوﺭ«
الﻔاﻋوﺭﻱ» :الﻌالمﻲ لﻠوسطية« يسﻌﻰ إلﻋاﺩﺓ ﺻياﻏة المﺸروﻉ النهﻀوﻱ اإلسﻼﻣﻲ قال اأمني عام املنتدى العاملي للو�شطية املهند�ص مروان الفاعوري اأن املنتدى هية فكرية اإ�شالمية عاملية تتخذ من عمان مقر ًا لها وت�شعى اإىل التجديد يف حياة الأمة واإعادة �شياغة امل�شروع النه�شوي الإ�شالمي. واأ�شار يف مقابلة مع "الد�شتور" اإىل انه مت اإطالق رابطة كتاب التجديد يف حزيران من العام املا�شي بالقاهرة بادرة من املنتدى العاملي للو�شطية و�شاركة نحو اأربعني مفكرا وكاتبا من ت�شع دول عربية ..وتهدف الرابطة اإىل رعاية كتاب التجديد والتنوير يف الأمة واإحياء م�شادر ال�شريعة املعتة والنبذ املطلق لكل خطاب تكفريي مهما كانت مراته والتاأكيد على رف�ص بيانات التكفري التي ت�شدرها جهات دينية واأفراد وفتح احلوارات مع الغرب بهدف بناء اجل�شور ورفع العوائق التي حتول دون تقد� شورة �شحيحة عن الإ�شالم. وقال اأن الأمة الإ�شالمية تعي�ص اأربعة تهديدات كى يف نظرنا هي كلها مدار�ص غلو وتطرف ،الأول تهديد ميار�شه الغزاة من اخلارج على اأوطاننا ،والثاين تهديد ميار�شه الطغاة يف الداخل على حق الأمة يف ممار�شة ال�شلطة ال�شيا�شية ،والثالث ميار�شه غالة الفكر يف الداخل واخلارج من املدر�شتني الإ�شالمية والعلمانية ،والرابع تهديد ال�شتات فنحن مليار ون�شف ولكنها اأ�شتات ..وفيما يلي الن�ص املقابلة.. الد�شتور :بداية هل لك اأن تعرفنا نتدى الو�شطية؟ املنتدى هيئة فكرية اإ�ضالمية عاملية تتخذ من عمان مقراً لهاوت�ضعى اإىل التجديد يف حياة الأمة واإعادة �ضياغة امل�ضروع النه�ضوي الإ�ضالمي ،من خالل امتالك و�ضائل عملية وواقعية جتديدية يف اإنتاج خطاب اإ�ضالمي م�ضتنري ،يهدف اإىل تعميم الفهم ال�ضليم لالإ�ضالم
م.مروان الفاعوري وقيمه وت�ضريعاته ،وي�ضم املنتدى يف ع�ضويته نخبة من العلماء وقادة الفكر الإ�ضالمي من املوؤمنني باأ َّن تيار العتدال هو التيار الأ�ضيل يف الأمة ،وهو تيار امل�ضتقبل وطوق النجاة. الد�شتور :كيف مت تاأ�شي�ص املنتدى وهل له عالقة باحلكومة الأردنية؟ ّمت توقيع اتفاقية تاأ�ضي�س املنتدى العاملي للو�ضطية مع حكومة اململكة الأردنية الها�ضمية لتكون عمان مقراً له ،ووقع التفاقية وزير اخلارجية ممثل احلكومة الأردنية ،والأمني العام للمنتدى بح�ضور اأع�ضاء املكتب التنفيذي للمنتدى وهم :الإمام ال�ضادق املهدي /ال�ضودان ،الأ�ضتاذ حممد طالبي /املغرب ،الدكتور حممد حب�س �/ضوريا ،الأ�ضتاذ منت�ضر
66
الزيات /م�صر ،والدكتور حممد اخلطيب /الأردن ،ون�صت الوثيقة على �أن يكون مقر املنتدى العاملي يف عمان ،و ُمنح املنتدى �شخ�صية اعتبارية ذات ا�ستقالل مايل و�إداري. الد�ستور :ما هي ر�سالة ور�ؤية املنتدى العاملي للو�سطية؟ ر�سالته عمل �إ�سالمي جمدد ومتجدد يف خدمة الدين ،عامل عادلمتوازن عرب تر�سيخ التدين يف �إطار العقيدة الإ�سالمية ال�سمحة، والإ�سهام يف ت�أ�سي�س ح�ضارة �إن�سانية عادلة يف نهجها ،متوازنة يف م�سريتها ،غايتها املثلى حفظ النظام الكوين�.أما ر�ؤيته فهي ت�أكيد وت�أ�صيل منهج الو�سطية واالعتدال ،و�إبراز �صورة الإ�سالم احلقيقية فكراً وثقافة و�سلوكاً على ال�صعد كلها ،ون�شر ر�سالة االعتدال يف فهم الإ�سالم ديناً وح�ضارة وتعميم الهوية الفكرية والثقافية لإن�سانية الإ�سالم ّ وبث روح الت�سامح واحلوار الإن�ساين انطالقا من و�سطية الإ�سالم ،ورف�ضاً ملفاهيم التطرف والغلو بكل �صوره ومفرداته. الد�ستور :ملاذا املنتدى العاملي للو�سطية؟ من نعمة اهلل على هذه الأمة وت�شريفه لها �أن جعلها �أمة و�سطاً خياراًعدو ًال ..قال تعاىل" َو َك َذ ًل َك َج َع ْل َنا ُك ْم �أُ َّم ًة َو َ�س ًطا"(البقرة .)143 :فهي خري الأمم التي �أخرجت ثم ا�صطفى اهلل �سبحانه وتعاىل لها ر�سو ًال من خيارها و�أو�سطها ن�سباً ومكانة فبعثه فيها نبياً ور�سو ًال. َّ ولكن نف ّر من الأمة يف الع�صر احلا�ضر ابتعد عن منهج االعتدال والتو�سط الذي ر�سمه القر�آن الكرمي ومار�سه يف احلياة �سيد املر�سلني، ف�إ َّن املتدبر يف الواقع الذي تعي�شه الأمة اليوم يرى �أ َّن بع�ض امل�سلمني قد غال و�أفرط يف الغلو ،وهناك من ف ّرط وجفا ،و�أ�ضاع معامل الدين و�أ�صول العقيدة ،مما �أدى �إىل �ضياع امل�سلمني بني تيارين ،تيار الإحلاق والتغريب ،وتيار التطرف والتكفري. �صحح املنهج وتقود وبني ه�ؤالء و�أولئك وقفت فئة تقتفي الأثر ،و ُت ّ النا�س �إىل ال�صراط امل�ستقيم ،ينفون عن هذا الدين غلو الغالني، وانتحال املبطلني ،وتفريط الك�ساىل ،ودعاوى املرجفني الزائفني. فو�سط هذا الواقع امل�ؤمل ،واال�ضطراب املهلك ،ت�شتد احلاجة �إىل �إر�شاد الأمة �إىل ال�صراط امل�ستقيم ،واملنهج الو�سط القومي لإنقاذها من كبوتها و�إيقاظها من رقدتها ،وتذكري الدعاة وامل�صلحني. الد�ستور :ما هي مرتكزات املنتدى؟ يرتكز املنتدى العاملي للو�سطية يف عمله وتخطيطه على جمموعةمن املبادئ واملنطلقات من �أبرزها الإ�سهام يف حتقيق الت�صالح مع الذات �أي ت�صالح �أبناء احلو�ض احل�ضاري الإ�سالمي مع بع�ضهم والإ�سهام يف احلوار املبني على موازين ال�شرع والعقل والواقع ،وجتفيف م�صادر الغلو والإ�سهام يف احلوار بني احل�ضارات وت�صاحلها والتقائها على الثوابت الإن�سانية امل�شرتكة والإ�سهام يف التنمية ال�شاملة يف بالد امل�سلمني وت�صحيح م�سار ح�ضارة الغرب.
الد�ستور :كيف تنظرون �إىل واقع الأمة الإ�سالمية؟ الأمة الإ�سالمية تعي�ش �أربعة تهديدات كربى يف نظرنا هي كلهامدار�س غلو وتطرف ،الأول تهديد ميار�سه الغزاة من اخلارج على �أوطاننا .والثاين تهديد ميار�سه الطغاة يف الداخل على حق الأمة يف ممار�سة ال�سلطة ال�سيا�سية والثالث ميار�سه غالة الفكر يف الداخل واخلارج من املدر�ستني الإ�سالمية والعلمانية .والرابع تهديد ال�شتات فنحن مليار ون�صف ولكنها �أ�شتات .الد�ستور� :إذن ما هو املطلوب؟ �إ َّن ال�صفوة املثقفة الو�سطية يف عاملنا الإ�سالمي ملزمة اليومبالت�صدي الفكري والعملي ملدار�س الغلو ب�شقيه الإ�سالمي والعلماين، واملثابرة على ذلك بعيداً عن املقاربة الأمنية ،لتجفيف منابع التطرف والغلو ،لقناعتنا ب�أ َّن االقت�صار على املعاجلة الأمنية يفرخ الغلو ويفجر ينابيع جديدة له ولي�س العك�س حيث ي�ؤمن املنتدى ب�ضرورة جتاوز ال�صدام احل�ضاري اجلاري اليوم بني الثقافات واحل�ضارت الإن�سانية، وتقوية ما يجري من حوار بينها. الد�ستور :لقد �أن�ش�أمت رابطة كتاب التجديد يف م�صر العام املا�ضي هال حدثتنا عنها؟ انطلقت الرابطة يف حزيران من العام املا�ضي يف القاهرة مببادرة مناملنتدى العاملي للو�سطية ومب�شاركة نحو �أربعني مفكرا وكاتبا من ت�سع دول عربية كالإمام ال�صادق املهدي من ال�سودان واحمد ها�شم والدكتور عبد احلليم عوي�س واحمد �أبو املجد وحممد ها�شم والدكتور احمد �شوقي دنيا وحممد مورو من م�صر و�سعيد العثماين والطيب ابوعزة من املغرب و�شوقي القا�ضي وحميد باعلوي وجا�سم �سلطان من اليمن وحممد االحمري وزكي ميالد ونواف القدميي من ال�سعودية ومروان الفاعوري وحممد �أبو رمان والدكتور احمد نوفل من الأردن. وتهدف الرابطة غاىل رعاية كتاب التجديد والتنوير يف الأمة و�إحياء م�صادر ال�شريعة املعتربة والنبذ املطلق لكل خطاب تكفريي مهما كانت مربراته والت�أكيد على رف�ض بيانات التكفري التي ت�صدرها جهات دينية و�إفراد وفتح احلوارات مع الغرب بهدف بناء اجل�سور ورفع العوائق التي حتول دون تقدمي �صورة �صحيحة عن الإ�سالم. الد�ستور :ماذا يعني احلوار ملنتدى الو�سطية؟ احلوار الناجح هو الذي يهدف �إىل تبادل املنتجات احل�ضاريةال�صاحلة لنه�ضة الأمم ،ك�آليات الدميقراطية الغربية بالن�سبة للم�سلمني الغارقني يف اال�ستبداد ،والقيم ا ُ خللقية الإ�سالمية بالن�سبة للغرب الغارق يف املجاعة الروحية ،فاحل�ضارات جمعاء بحاجة ملحة ا�س ً �إ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم ًمنْ َذ َك ْر للحوار بدل ال�صدام .قـال تـعـاىلَ ( :يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ َو�أُ ْن َثى َ ،و َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ًئ َل ًل َت َعا َر ُفوا �إً َّن َ�أ ْك َر َم ُك ْم ًع ْن َد هَّ ً الل َ�أ ْت َقا ُك ْم �إً َّن هَّ َ ري)(احلجرات� .)13:إ َّن الإن�سانية جمعاء بحاجة للحوار الل َع ًلي ّم َخ ًب ّ لتحقيق ثالث مقا�صد كربى :البقاء والرخاء والهناء ل�سكان الأر�ض.
67
الد�ستور :ماذا يعني الفكر والثقافة للمنتدى؟ ي�ؤمن املنتدى العاملي للو�سطية بان التنمية الفكرية الثقافية عن�صر�أ�سا�سي للنه�ضة الإ�سالمية الرائدة واحل�ضارة الإن�سانية الرا�شدة.. ويعترب هذه التنمية وظيفة من وظائف ر�سالته العاملية �إن �شاء اهلل حتى ن�ضمن لنا موقعاً يف اخلريطة التاريخية امل�ستقبلية. الد�ستور :ما هي التطلعات امل�ستقبلية للمنتدى؟ يف الواقع تطلعاتنا كثرية وعديدة �إال �أن من �أبرزها الت�أ�سي�س والبناءالعتماد منهجية للعقل اال�سرتاتيجي لدى �أبناء الأمة ،وال�سعي لتخريج مفكرين ا�سرتاتيجيني يف كافة �أقطار العامل الإ�سالمي وت�شكيل جلنة علمية تكون مهمتها جمع جميع الأدبيات والأبحاث التي طرحت حول الو�سطية واالعتدال وملفات خمتلفة وو�ضع خطة لتوزيعها على اجلاليات الإ�سالمية و�إطالق حملة ت�صحيح مفاهيم حقوق الإن�سان يف الإ�سالم ،وحقوق املر�أة يف الأحوال ال�شخ�صية ،وبيان دور املر�أة امل�سلمة املعا�صرة يف حركة النه�ضة الإ�سالمية. والتعاون مع الفنانني العرب وامل�سلمني يف �إنتاج م�سل�سالت و�أفالم تخدم املنهج الو�سطي و�إخراج جمموعة من الأفالم التلفزيونية وال�سينمائية التي تتناول ق�ضايا التطرف والإرهاب ،وتر�سيخ مفاهيم الو�سطية واالعتدال و�سماحة الإ�سالم و�إن�سانيته ،لنقل ال�صورة ال�صحيحة عن الإ�سالم و�أهله. كما نتطلع �إىل ت�أ�سي�س برامج درا�سية موجهة خلدمة البحث العلمي، حتى تلعب دوراً �أ�سا�سياً يف �صياغة الفكر العلمي وبناء مناهج تعالج الإ�شكاالت املعا�صرة وتبني املبدعني واملخرتعني والعلماء واملفكرين يف العامل العربي والإ�سالمي لال�ستفادة من علومهم وجتاربهم برعاية ( )100متفوق من ه�ؤالء املبدعني واملتفوقني و�إن�شاء حمطة ف�ضائية (الو�سطية) و�إن�شاء حمطة �إذاعية كذلك با�سم �صوت الو�سط. وتعزيز دور ال�صحافة وال�سينما والتلفزيون يف ن�شر قيم وفكر االعتدال والو�سطية وو�ضع منهاج للو�سطية يتم تدري�سه يف كليات املجتمع واجلامعات الأردنية كمتطلب �إجباري و�إطالق �صحيفة الو�سطية (�صحيفة �أ�سبوعية) تنطق بل�سان املنتدى لن�شر مبادئ وقيم الو�سطية واالعتدال يف املجتمع الأردين ،و�أي�ضا �إن�شاء مركز درا�سات الو�سطية و�أبحاثها وتكوين مكتبة عاملية لأدبيات الو�سطية. ونتطلع �أي�ضا �إىل توثيق عُرى التوا�صل والتعاون مع اجلاليات العربية والإ�سالمية يف �أوروبا و�أمريكا لن�شر قيم التوا�صل واالعتدال يف املجتمعات الغربية ،ولدرا�سة �أحوال هذه اجلاليات وطرق تفعيل اندماجها يف جمتمعاتنا وو�سائل اال�ستفادة منها لرفد النه�ضة يف العامل العربي والإ�سالمي من خالل عقد امل�ؤمترات والندوات امل�شرتكة. الد�ستور :ما هي �أهم منجزات ون�شاطات املنتدى؟ -عقد املنتدى �سل�سلة من امل�ؤمترات الدولية حيث عقد م�ؤمتره الدويل
الأول يف عمان عام 2004حتت رعاية جاللة امللك عبد اهلل الثاين بعنوان (و�سطية الإ�سالم بني الفكر واملمار�سة) مب�شاركة �أكرث من ()50 �شخ�صية �إ�سالمية عاملية من املفكرين والعلماء ..وهدف �إىل تعريف الو�سطية الإ�سالمية ،و�أطلق �إعالن عمان للو�سطية .كما عقد املنتدى م�ؤمتره الدويل الثاين يف عمان حتت الرعاية امللكية ال�سامية بعنوان (الدور العملي لتيار الو�سطية يف الإ�صالح ونه�ضة الأمة) ..وهدف �إىل جتديد ال�سياق العملي للإ�صالح وتوحيد جهود العاملني للإ�سالم يف هذا املجال. وامل�ؤمتر الثالث يف عمان حتت الرعاية امللكية ال�سامية بعنوان (نحو �إ�سهام عربي �إ�سالمي يف احل�ضارة الإن�سانية املعا�صرة) عام � 2007شارك فيه �أكرث من (� )90شخ�صية �إ�سالمية عاملية ُ ،قدمت خالله حوايل ( )50ورقة عمل و�أطلق امل�شاركون يف ختامه (�إعالن ر�سالة عمان للحوار احل�ضاري) .وجاء امل�ؤمتر رداً عملياً على �أحداث � 11سبتمرب ، و�أ َّن للم�سلمني �إ�سهاماً ح�ضارياً راقياً. وعقد الرابع يف عمان بعنوان (نحو م�شروع نه�ضوي �إ�سالمي) عام م 2008و�شارك يف امل�ؤمتر �أكرث من (� )120شخ�صية �إ�سالمية عاملية ُ ،قدمت خالله �أكرث من ( )50ورقة وهدف �إىل بلورة م�شروع يجمع طاقات الأمة كلها. وامل�ؤمتر اخلام�س يف عمان برعاية �سمو الأمري غازي بن حممد بعنوان (ق�ضايا املر�أة يف املجتمعات الإ�سالمية وحتديات الع�صر) عام 2009م. و�شارك يف امل�ؤمتر �أكرث من (� )50شخ�صية �إ�سالمية عاملية وجاء امل�ؤمتر ت�أ�صي ً ال خلطاب ن�سوي معا�صر ُيواجه دعاة التطرف والتفريط. عقد املنتدى م�ؤمتره الدويل ال�ساد�س (القد�س ..دين وتاريخ) برعاية وزير الثقافة ..و�أكد �أ َّن تيار الو�سطية ينحاز دائماً لق�ضايا الأمة العربية والإ�سالمية. يف حني عقد م�ؤمتره الدويل ال�سابع (الو�سطية الإ�سالمية ..املفهوم ،التحديات ،الأدوار) يف اجلمهورية اليمنية � -صنعاء عام 2010م. مب�شاركة �أكرث من (� )60شخ�صية فكرية �إ�سالمية عاملية وجاء امل�ؤمتر دعوة لتعزيز التوافق باعتبار الو�سطية عن�صر�أ �أ�سا�سياً لوحدة الأمة ، و�إبراز دور تيار الو�سطية يف معاجلة ظواهر ال ُغلو والتطرف .ويف ختام امل�ؤمتر �أُطلق (�إعالن �صنعاء للو�سطية). عقد املنتدى م�ؤمتره الدويل الثامن (دور الو�سطية يف ا�ستقرار ونه�ضة الباك�ستان) يف الباك�ستان عام 2010مب�شاركة �أكرث من (� )130شخ�صية فكرية �إ�سالمية عاملية ..وجاء امل�ؤمتر دعوة لتعزيز مفاهيم الو�سطية يف املجتمعات الإ�سالمية ،و�إبراز دور تيار الو�سطية يف معاجلة ظواهر ال ُغلو والتطرف يف العامل الإ�سالمي وباك�ستان خا�صة .كما مت عقد املنتدى م�ؤمتر (الواقع الديني يف الأردن) يف ع ّمان بالتعاون مع كلية ال�شريعة -اجلامعة الأردنية �أواخر العام املا�ضي مب�شاركة �أكرث من ()50
68
�شخ�صية فكرية �إ�سالمية �أردنية ..وجاء امل�ؤمتر للتعريف بتاريخ الأديان يف الأردن ،و�إبراز دور امل�ؤ�س�سات الدينية يف خمتلف جماالت احلياة يف الأردن ،وو�صف واقع التعددية الدينية يف الأردن ،و�إبراز دور الدين يف تعزيز االعتدال والت�سامح يف خمتلف جماالت احلياة والتعريف بواقع احلريات الدينية وامل�ساهمة يف تعزيزها. وعقد املنتدى م�ؤمتره الدويل التا�سع (منهج الو�سطية ودورها يف احلفاظ على ال�سلم االجتماعي) يف اجلزائر 2010م ،مب�شاركة �أكرث من (� )85شخ�صية فكرية �إ�سالمية عاملية ،وجاء امل�ؤمتر دعوة لتعزيز مفاهيم ال�سلم االجتماعي عرب بوابة الو�سطية يف املجتمعات املعا�صرة ، و�إبراز دور تيار الو�سطية يف معاجلة ظواهر ال ُغلو والتطرف يف اجلزائر خا�صة ،واملغرب العربي عامة وهناك الكثري من امل�ؤمترات العديدة كما عقد املنتدى �سل�سلة من الندوات واملحا�ضرات ال�شهرية التي �ألقاها نخبة من رجال الفكر وال�سيا�سة ،من �أهمها :حما�ضرة ل�سماحة الإمام ال�صادق املهدي رئي�س وزراء ال�سودان الأ�سبق ،رئي�س حزب الأمة ال�سوداين بعنوان "التطرف و�أثره على م�شروع نه�ضة الأمة"و�أخرى قدمها الدكتور �سعد الدين العثماين بعنوان "م�ستقبل تيار الو�سطية " .و�شارك الدكتور حممد راتب النابل�سي يف �سل�سلة من املحا�ضرات حول الو�سطية واالعتدال .كما �شارك الداعية عمرو خالد يف �سل�سلة من املحا�ضرات حول ال�شباب والو�سطية ،والنهو�ض بالأمة .وقدم الدكتور �سليم احل�ص رئي�س وزراء لبنان ال�سابق ،حما�ضرة حول الأو�ضاع ال�سيا�سية يف املنطقة .والداعية �أ�سماء عبد املجيد الزنداين":دور اخلطاب الو�سطي يف تفنيد ال�شبهات التي ُتثار حول املر�أة " .وعقد املنتدى ندوات ملجموعة من الدعاة يف عدد من املدن الأردنية منهم: الدكتور عمر عبد الكايف ،الدكتور �أحمد الكبي�سي ،الأ�ستاذ منت�صر الزيات ،الأ�ستاذ حممد طالبي. الد�ستور :هل ي�صدر املنتدى جملة �أو ي�ساهم يف ا�صدار مطبوعات ذات عالقة؟ ي�صدر املنتدى العاملي للو�سطية جملة دورية ف�صلية با�سم (الو�سطية)منذ عام م ،2007انطالقا من ر�ؤية املنتدى العاملي يف ن�شر ر�سالة االعتدال والو�سطية ،والتعريف بالإ�سالم ب�صورته ال�سمحة امللتزمة واملنفتحة على الع�صر واملرتبطة بالأ�صل ،ولتكون منرباً للتوا�صل بني املنتدى وحميطه العربي والإ�سالمي و ُي�ساهم يف مقاالتها و�أفكارها جمموعة من �أبرز العلماء واملفكرين الذين ي�ؤمنون بر�سالة املنتدى و�أهدافه. كما قام بطباعـة �أوراق العمـل املقدمـة للم�ؤمتـر الدويل الأول والثاين والثالث والرابع واخلام�س يف جملـدات( :و�سطية الإ�سالم بني الفكر املمار�سة) و (الدور العملي لتيار الو�سطية يف الإ�صالح ونه�ضة الأمة)
و(نحو �إ�سهام عربي �إ�سالمي يف احل�ضارة الإن�سانية املعا�صرة) و (نحو م�شروع نه�ضوي �إ�سالمي) و (ق�ضايا املر�أة يف املجتمعات الإ�سالمية وحتديات الع�صر)� ،إ�ضافة �إىل طباعة �سل�سة كتيبات تعنى بالفكر الو�سطي :منها الو�سطية ال�سيا�سية� :أ.د حممد �سليم الع َّوا .والو�سطية الإ�سالمية مدخل �إىل احلوار احل�ضاري� :أ .د عدنان حممد زرزور. ومن مالمح الو�سطية الإ�سالمية :د .ع�صام الب�شري .وو�سائل معاجلة الإرهاب من منظور �شرعي� :أ.د حممد الق�ضاة ،ود .هايل داود.وغريها الكثري لت�صل �إىل ما يقارب 35كتابا. الد�ستور :هل يوجد فروع للمنتدى خارج الأردن؟ هناك فروع للمنتدى العاملي للو�سطية يف املغرب ،م�صر ،ال�سودان،اليمن ،بغداد ،الأنبار ،كرد�ستان العراق ،الهند ،والباك�ستان ،واجلزائر. ويتعاون املنتدى مع منتدى الو�سطية يف لبنان ،ومع مركز الدرا�سات الإ�سالمية يف دم�شق .و َّ مت افتتاح ( )10فروع للمنتدى يف الأردن ،من �أبرزها ت�أ�سي�س ملتقى �شباب الو�سطية ،والذي ُيعنى بتفعيل طاقات ال�شباب يف �إطار ن�شر الفكر الو�سطي على كافة الأ�صعدة والن�شاطات. و�إطالق قطاع املر�أة يف املنتدى بهدف تن�شيط دور القطاع الن�سائي يف املنتدى ليكون رديفا ملنتدى �شباب الو�سطية لتحقيق �أهداف ور�سالة املنتدى والتي ت�ؤمن ب�أهمية دور املر�أة .ومت تد�شني املوقع الإلكرتوين للمنتدى و�إ�شهاره عاملياً ومتابعته �أوال ب�أول ،ليكون الواجهة الإلكرتونية لن�شاطات املنتدى و�أخباره ولرت�سيخ منهج الو�سطية واالعتدال، ومناق�شة الفكر الدخيل واملنحرف. الد�ستور :هل ميار�س املنتدى عم ًال �سيا�سي ًا؟ نحن نتحدث بالأولويات احلقيقية للإ�صالح وتعزيز منظومة البناءاالجتماعي والفكري وال�سيا�سي للمجتمعات الإ�سالمية وبالتايل قد يدخل يف اهتمام املنتدى احلديث بالق�ضايا ال�سيا�سية فيما يتعلق بالإ�صالح وتعزيز احلريات والبيئة الهادئة الآمنة التي ت�شكل اجلو الطبيعي لعمل تيار الو�سطية بعيدا عن التطرف وجميع �أ�شكال الغلو والتطرف العلماين �أو الإ�سالمي. الد�ستور :هناك ن�شاطات عديدة واجنازات وا�ضحة للمنتدى كيف تغطون ذلك ماديا؟ املنتدى يتلقى دعما �سنويا ثابتا من وزارة الثقافة حتت بند دعمالهيئات الثقافية �إ�ضافة �إىل دعم بع�ض البنوك وامل�ؤ�س�سات الكربى خا�صة البنك العربي الإ�سالمي حيث يوجد يف موازنة هذه ال�شركات بند دعم الن�شاطات الثقافية وهنا ا�سمحويل �أن ا�ستغل هذه الفر�صة لأعرب عن تقديري و�شكري لهذه امل�ؤ�س�سات.
69
فﻲ حواﺭﻩ ﻣﻊ ) الوسطية (
ﺑﻦ سيﺪﻱ ﻣﺼطﻔﻰ :الﺘطرﻑ وﺑاﻝ وﻋﻠينا ﻣقاوﻣﺘﻪ ﻋمﻠي ﹰا وفﻜري ﹰا وﻋقﺪي ﹰا حاوره :يا�شر اأبو ح�شني
اأكد م�شت�شار الوزير املوريتاين الأول ا�شلم بن �شيدي م�شطفى اأن التطرف وبال حل على الفكر الإن�شاين والدين الإ�شالمي، وعوامل وجوده متوفرة يف كثري من البلدان العربية ،ومن بينها موريتانيا ،ويجب مقاومته عملي ُا وفكري ُا وعقدي ُا يف بالدنا العربية والإ�شالمية. واأ�شاف يف حديثه ملجلة " الو�شطية" اأن م�شوؤولية كى تقع على عاتق العلماء واملفكرين ملجابهة هذا الفكر الذي يهدد ومن بينها موريتانيا ،والطرق التي ُيقاوم بها عملياُ وفكرياُ وعقدياُ يف جمتمعاتنا و�شعوبنا ،من خالل بث فكر الو�شطية والعتدال يف خمتلف البالدُ ،يقاوم بها اأي�ضاً يف موريتانيا ،وقد عُقدت ندوات كثرية ومهمة يف البالد من اأجل مقاومة هذا الفكر ،ومن اأجل العودة اإىل املجتمع و تعزيزه بني فاته وحتديدا فة ال�شباب. الو�ضطية احلقة ،ومن اأجل اإ�ضالم معتدل قومي. الوسطية -البلدان العربية والإ�شالمية منذ فجر التاريخ وفيما يلي ن�ص املقابلة..... خرجت علماء طاولوا عنان ال�شماء يف العلم مثل �شيدي ّ الوسطية -من املعروف اأن فكر تنظيم القاعدة له امتداد يف عبداهلل والفقيه يحيى وغريهم ..فما هو دور العلماء يف وقتنا القرن الأفريقي ،فهل يوجد امتداد لهذا الفكر يف موريتانيا؟ احلا�شر يف توجيه ال�شباب ،وتوجيه ال�شعب املوريتاين ب�شكل خا�ص؟ وكيف يتم معاجلته اإن وجد؟ اإ َّن فكر التطرف قد ل ينجو منه اأي بلد ،فهو ظاهرة عامة و�ضاملة -العلماء املوريتانيون كغريهم من علماء العامل الإ�ضالمي يقومونباأداء ر�ضالتهم على اأكمل وجه ويف كل الظروف والأحوال ،فهم ُيوجهون لكل زمان ومكان ،وملقاومته نحن بحاجة للتم�ضك يف ديننا الإ�ضالمي، ال�ضباب ،وير�ضمون ويخططون كافة اأمناط الأن�ضطة التي توجه وملجهود �ضخم من قبل علمائنا ومفكرينا ،وموريتانيا من الدول املجتمع ب�ضفة عامة وال�ضباب ب�ضفة خا�ضة ،فال�ضباب هو حلمة البلد العربية والإ�ضالمية التي و�ضل لها هذا الفكر متاما كما و�ضل لكثري وهم قوته وطاقته ،وهناك الكثري من املوؤ�ض�ضات التي يقوم عليها من البالد ،ويتم مقاومته مقاومة قوية على امل�ضتوى الفكري ،والعلمي العلماء لن�ضر هذا التوجه ،فهناك روابط العلماء ،وروابط الأئمة ،و والأمني ،لأن هذا الفكر وبال حل على التاريخ الإن�ضاين ،والدين منتديات متخ�ض�ضة ي�ضرف العلماء من خاللها على توجيه ال�ضباب الإ�ضالمي ،وعوامل وجوده متوفرة يف كثري من البلدان العربية ،من خالل عقد الندوات واملحا�ضرات وغريها من الن�ضاطات .
70
ﻣسﺘﺸاﺭ ﺭﺋيﺲ الﺠمهوﺭية الموﺭيﺘانية اإلسﻼﻣية فﻲ لقاﺀ ﺧاﺹ ﻣﻊ ) الوسطية (
ﻣوﺭيﺘانيا تمﺪ ﺫﺭاﻋيها لﻜﻞ الراﻏﺒيﻦ فﻲ نﺸر فﻜر الوسطية حاوره :يا�شر اأبو ح�شني
اأكد م�شت�شار رئي�ص اجلمهورية املوريتانية الإ�شالمية حممد املختار اأن هناك اآفاق واعدة يف التعاون امل�شرتك ما بني اجلمهورية املوريتانية واملنتدى العاملي للو�شطية . واأ�شاف يف حواره ملجلة" الو�شطية" اأن موريتانيا �شاحة علمية متد ذراعيها لكل الراغبني للتعاون يف ن�شر اخلري ،ل �شيما مع من يبذلون ق�شارى جهدهم يف �شبيل ن�شر فكر العتدال والو�شطية ونبذ التطرف ومكافحة الإرهاب ،لفتا يف حديثه اأن املنتدى العامل احلق هو العاملي للو�شطية يبذل جمهودا ي�شكر عليه يف �شبيل ن�شر ر�شالة وقد اهتم العلماء كثرياً ببيان هذا املنهج املعتدل ،واإ َن ِ الذي يحمل النا�س على املنهج الو�ضط ،تلك هي الو�ضطية التي ت�ضلح الو�شطية من خالل اجنازاته ون�شاطاته التي حققت نتائ لكل الزمان والأمكنة لأنها من عند اهلل �ضبحانه وتعاىل ،وما دامت من ملمو�شة. عنده �ضبحانه وتعاىل فهي �ضاحلة لكل اأمة ومطلوبة يف كل بلد. الوسطية -كيف تقيمون دور املنتدى العاملي للو�شطية يف ن�شر وفيما يلي ن�ص املقابلة..... هذا الفكر؟ حقيقة نحن حديثي العهد يف التعرف على املنتدى العاملي للو�ضطيةالوسطية -كيف تعرفون الو�شطية ،وهل الو�شطية يف الأردن والدور املهام الذي يوؤديه يف ن�ضر تلك الر�ضالة ،كما اأننا اطلعنا على تختلف عنها يف موريتانيا؟ اأم اأن للو�شطية معنى واحد ي�شلح بع�س الإجنازات التي حققها املنتدى من موؤمترات وطبيعة الق�ضايا جلميع البالد؟ التي نوق�ضت فيها ،وقد كانت على درجة كبرية من ال�ضواب يف معاجلة الو�ضطية هي العتدال ،والتو�ضط بني طريف الإفراط والتفريط ،الفكر املتطرف ،و ن�ضر مفهوم العتدال والو�ضطية بح�ضب ما ّ اطلعنا لب الدعوة الإ�ضالمية ،وهي �ضاحلة لكل بلد فال غلو ول تق�ضري ،فهي ّ عليه �ضواء اأكانت مرئية اأم كانت مقروءة. ومطلوبة اأي�ضا لكل بلد ،لأ َّن الإ�ضالم جاء ملخالفة الهوى واإلزام النف�س الوسطية -ما هي اآفاق التعاون بينكم وبني املنتدى؟ بهذا املنهج الو�ضطي املعتدل ،الذي هو خمالف لهوى النف�س ،كما يقول موريتانيا �ضاحة علمية متد ذراعيها لكل اخلريين والراغبني يفالعلماء ،فالنف�س دائماً تتفلت اإىل اأحد الطرفني لوجود هواها فيه، ن�ضر اخلري ،ل �ضيما مع من يقومون بهذا املجهود الكبري يف مكافحة والإ�ضالم جاء لريد هذه النف�س اإىل املنهج الو�ضطي ،وبالتايل فاإ َّن التكليف فكر الإرهاب والغلو والتطرف ،ون�ضر قيم العتدال والت�ضامح ،لأن من حيث هو تكليفه هو دعوة ملخالفة الهوى واللتزام بهذا املنهج املعتدل موريتانيا تقوم اأي�ضاً بجهود �ضخم يف هذا املجال ،ولهذا اأرى اأنه �ضيكون الذي هو خمالف للهوى املتفلت دائماً اإىل الإفراط والتفريط ،واملطلوب هناك اآفاق واعدة للتعاون ما بني موريتانيا واملنتدى العاملي للو�ضطية هو التو�ضط يف كل اأمر كان من عبادة اأو اإنفاق اأو �ضم ما �ضئت ،حتى يف باإذنه تعاىل. الفكر والتعامل مع الآخر� ،ضواء كان عدوا اأم �ضديقا.
71
ﻣﺆﺗﻤـﺮﺍﺕ ﺍﻟـﻮﺳـﻄﻴـﺔ أوﻝ ﻣﺆتمر ﻋرﺑﻲ يﻌقﺪ فﻲ تونﺲ يﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ الثوﺭﺓ
»الﺘﺤوﻻﺕ السياسية فﻲ الﻌالﻢ الﻌرﺑﻲ وسقوﻁ ﺧطاﺏ الﻌنﻒ« ﻣﺆتمر يﻌقﺪﻩ الﻌالمﻲ لﻠوسطية و ﻣنﺘﺪﻯ الﺠاحﻆ
جانب من احدى جل�شات املوؤمتر
مب�ضاركة نخبة من املفكرين والباحثني من عدة بلدان عربية واإ�ضالمية ،انطلقت يوم اجلمعة املوافق 2011/6/3بالعا�ضمة التون�ضية فعاليات املوؤمتر الدويل الذي عقده املنتدى العاملي للو�ضطية بالتعاون مع منتدى اجلاحظ يف تون�س حول "التحولت ال�ضيا�ضية يف العامل العربي و�ضقوط خطاب العنف" . واأكد املوؤمتر الذي ا�ضتمرت فعالياته ملدة يومني اإىل اأن عقد موؤمتر اإ�ضالمي من الأمور املمكن حتقيقها لي�ضاغ من خالله مفاهيم اإ�ضالمية لدولة دميقراطية مدنية يعي�س فيها النا�س يف مواطنة يت�ضاوى فيها اجلميع يف ظل احلرية والعدالة وامل�ضاواة.
وخل�س املوؤمتر اإىل اإن املوؤمترين الأول الذي عقد يف القاهرة بالتعاون مع منتدى و�ضطية م�ضر بعنوان " النه�ضة على �ضوء التحولت ال�ضيا�ضية يف العامل العربي/م�ضر وتون�س منوذجاً" ،و املوؤمتر الذي عقد يف تون�س ا�ضتطاعا قراءة التجارب بعناية من قبل املفكرين والعلماء من �ضتى اأنحاء العامل العربي والإ�ضالمي لفتا اإىل اأن جممل اأوراقهم حتدثت عن م�ضتقبل العامل العربي يف ظل الثورات املتتالية بالإ�ضافة اإىل جدوى الو�ضائل ال�ضلمية يف التغيري بعد �ضقوط خطاب العنف الذي يقف من ورائه تنظيم القاعدة.
72
و�أ�شار الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية مروان الفاعوري يف كلمته التي �ألقاها يف جل�سة االفتتاح �أن التغريات ال�سيا�سية ال�سلمية التي جتري حاليا يف العامل العربي ،والتي من �ش�أنها �أن ت�شكل خريطة �سيا�سية جديدة ،جاءت لت�ؤكد على "�سقوط خطاب العنف والتطرف، الذي �سيطر على املنطقة طيلة العقدين ال�سابقني ،و�إف�شال فكر الت�شدد وعدم قبول الآخر ،لتحل حمل ذلك ثورة االعتدال والكرامة". و�أ�ضاف �أن فكر االعتدال ،الذي �أ�صبح يتبناه ال�شباب العربي يف حتركاته للمطالبة بالإ�صالح ،من �ش�أنه �أن ي�ساعد على �إبراز مقومات الدين الإ�سالمي باعتباره "دين الرحمة وقبول الآخر" ،م�شددا على �ضرورة
�صاحب كلمة ( هرمنا ) وم�شاركة مميزة � ،أ .املرزوقي
نبذ العنف والتطرف واالبتعاد عن اجلماعات التي متار�سه ،والعمل على �إنتاج خطاب يقوم على االعتدال واحلوار. وناق�ش امل�شاركون عددا من املحاور املرتبطة مب�ستقبل الفكر الإ�صالحي يف ظل التحوالت التي ي�شهدها العامل العربي ،ودور ال�شباب يف الإ�صالح والتغيري ومفهوم الدولة املدنية ومتغريات اخلطاب الإ�سالمي ،من خالل مناق�شة جمموعة من الأوراق مت مناق�شتها خالل جل�سات امل�ؤمتر حول كيف يكون اخلطاب الإ�سالمي بعد جناح ثورتي تون�س وم�صر؟ وكيف يتعامل الإ�سالميون مع حتديات التحول الدميقراطي ؟ ،وكيف ميكن �أن يكون م�ستقبل الدولة املدنية يف العامل العربي يف ظل مرجعية �إ�سالمية. وحتدث يف هذه املوا�ضيع ثلة من العلماء وعدد من احلركات والأحزاب الإ�سالمية كحركة النه�ضة يف تون�س وحزب العدالة يف املغرب وحركة جمتمع ال�سلم يف اجلزائر، وتطرق الدكتور حممد اخلطيب من منتدى الو�سطية /الأردن يف ورقته حول دور الدين يف التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي
م.الفاعوري يتو�سط امل�شاركني يف احدى اجلل�سات
للحديث عن دور الدين يف �ساحات التغيري و�أثره على ال�شباب الذين طالبوا بالتغيري وما الذي يريده النا�س من الدين .يف حني حتدث الدكتور هايل الداود يف ورقته عن جتربة حزب الو�سط الإ�سالمي يف الأردن وحتديات التحول الدميقراطي� ،أما الدكتور حممد الق�ضاة فقد تناول مو�ضوع �سقوط خطاب العنف و�صعود خطاب التغيري ال�سلمي �إىل مفاهيم النا�س. من اجلدير ذكره �أن م�ؤمتر التحوالت ال�سيا�سية يف العامل العربي و�سقوط خطاب العنف هو �أول م�ؤمتر عربي يعقد يف تون�س يتحدث عن الثورة ،وي�أتي انعقاده امتدادا لن�شاطات املنتدى يف درا�سة التحوالت
امل�شاركون يف �صورة تذكارية
ال�سيا�سية يف العامل العربي بعد الثورات العربية املتتالية ،وهذه التحوالت القائمة على اخلطاب ال�سلمي باعتبار �أن خطاب العنف الذي امتد يف العقدين املا�ضيني قد انتهى لغري رجعة ،حيث �أثبتت هذه الثورات �أن التغيري ال�سلمي ممكن ح�صوله يف البالد العربية.
73
ﺑمﺸاﺭﻛة وزير اﻷوﻗاﻑ الﻌﻜوﺭ ...وﺑالﺘﻌاون ﻣﻊ المﻌهﺪ الﻌالمﻲ لﻠوحﺪﺓ اإلسﻼﻣية
الﻌالمﻲ لﻠوسطية يﻌقﺪ ﻣﺆتمرﻩ )) المنهﺞ الوسطﻲ وﺩوﺭﻩ فﻲ اإلﺻﻼﺡ والﺘنمية (( فﻲ ﻣاليزيا
من اليمني :اأ .الزيات ،اأ .ابو �شوق ،وزير الوقاف العكور
اأكد امل�ضاركون يف موؤمتر "املنهج الو�ضطي ودوره يف الإ�ضالح والتنمية" الذي عقده املنتدى العاملي للو�ضطية بالتعاون مع املعهد العاملي للوحدة الإ�ضالمية على �ضرورة تر�ضيخ مفهوم الو�ضطية الإ�ضالمية على ال�ضعيدين الإ�ضالمي والعاملي لتبليغ ر�ضالة الإ�ضالم الإن�ضانية والتعريف بها بني الأمم وال�ضعوب. ودعا امل�ضاركون يف املوؤمتر الذي عقد يوم الثنني 2011/7/18يف العا�ضمة املاليزية كوالملبور مب�ضاركة وزير الأوقاف وال�ضوؤون واملقد�ضات الإ�ضالمية عبد الرحيم العكور و رئي�س وزراء ماليزيا ال�ضابق د .مهاتري حممد ورئي�س املنتدى العاملي للو�ضطية الإمام ال�ضادق املهدي والأمني العام للمنتدى العاملي للو�ضطية املهند�س مروان الفاعوري اإىل الدعوة العلمية لتعزيز قيم احلرية والعدالة وحقوق الإن�ضان كافة والدفاع عنها بو�ضفها ركيزة من ركائز الإ�ضالم ،والت�ضامح واحلوار ونبذ العنف بني الأمم وال�ضعوب عن طريق تو�ضيع دائرة التوا�ضل واحلوار مع
نخبة من امل�شاركني يف املوؤمتر
الآخر ومراجعة الأدبيات التي تتبناها احلركات الإ�ضالمية املتطرفة التي تدعو اإىل العنف ونبذ احلوار مع الآخر . واأكدوا يف املوؤمتر الذي ا�ضتمرت جل�ضاته ليوم واحد اإىل تعزيز دور املراأة امل�ضلمة يف بناء املجتمع من خالل اإ�ضهامها يف الن�ضاطات املختلفة والدعوة اإىل كفالة حقوق املجموعات الوطنية ذات التمايز الثقايف والإثني والديني واملذهبي التي توفرها البيئة الإ�ضالمية الرحبة واملت�ضاحمة وامل�ضتوعبة لتحقيق التحول الدميقراطي القائم على التداول ال�ضلمي لل�ضلطة وتر�ضيخ قيم الدميقراطية واحلرية والعدالة وامل�ضاواة ،والتاأكيد على بناء منظومة فكرية متكاملة تعتمد الروؤية الو�ضطية وت�ضمل مناحي احلياة الإن�ضانية. ودعا املوؤمتر اإىل توحيد قوى الأمة ،مبختلف مذاهبها واجتاهاتها وتوحيد جهود العلماء ومواقفهم الفكرية والعلمية يف ق�ضايا الأمة الكربى ،لتواجه التحديات �ضفا واحدا وحترمي تكفري امل�ضلم من اتباع
74
املذاهب الثمانية املعتمدة ،والعمل على �إن�شاء مر�صد جلمع الفتاوى الإ�سالمية على احت�ضان هذا امل�ؤمتر و العمل على �إجناحه من جهة، اجلامعة للأمة من منظور الو�سطية واالعتدال والعمل على ن�شرها .ودورهما يف ن�شر وتقدمي الفكر الإ�سالمي النيرّ للعامل �أجمع. و ثمن امل�شاركون الدور املهم الذي يقوم به املنتدى العاملي للو�سطية و وكان امل�ؤمتر قد ناق�ش يف جل�ساته عدة حماور ذات ال�صلة بالفكر �ضرورة تو�سيع �أن�شطته يف البلدان الإ�سالمية ،عن طريق �إن�شاء العديد الو�سطي من خالل تعزيزه وبيان دوره احلقيقي يف الإ�صالح يف جميع
م .الفاعوري ي�سلم درع املنتدى للدكتورة ما�شطة ابراهيم
الأمني العام للمنتدى م .مروان الفاعوري
من الأفرع التي ميكن �أن تتبنى املنهج الو�سطي وت�سهم يف ن�شره بني قطاعات املجتمع املختلفة ،داعني اىل ان�شاء فرع للو�سطية يف كواالملبور بالتعاون مع اجلامعة الإ�سالمية العاملية مباليزيا وامل�ؤ�س�سات املاليزية الأخرى ذات ال�صلة مبو�ضوع الو�سطية. وكان الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري قد �أ�شار يف كلمته التي �ألقاها يف جل�سة االفتتاح �إىل م�شروع الو�سطية ومميزاته و مدى مالءمة هذا الفكر للع�صر احلديث ،حيث عرف الو�سطية التي تهدف لتطوير الأفكار والآليات واالبتعاد عن اجلمود
املجاالت �إ�ضافة �إىل بيان �أهمية وماهية الإ�صالح املطلوب ومرجعيته و�ضرورته و�آفاقه ،كما تطرق حلوار احل�ضارات ودورها يف الإ�صالح والتنمية � ،أ�ضف �إىل ذلك ال�شباب والو�سطية الإ�سالمية ،واملنهج الو�سطي يف الإ�صالح االجتماعي وال�سيا�سي ،ودور الو�سطية يف تنمية ماليزيا منوذجا. يذكر ب�أن امل�ؤمتر الذي عقدت جل�ساته يف املعهد العاملي للفكر واحل�ضارة الإ�سالمية �شارك فيه عدد من ال�شخ�صيات منهم الدكتور �أحمد �أبو �شوك مدير املعهد العاملي للوحدة الإ�سالمية ونائب رئي�س اجلامعة
رئي�س املنتدى العاملي االمام ال�صادق املهدي
امل�شاركون يف �صورة تذكارية
الفكري واالنفتاح على املجتمعات العاملية بالإ�ضافة �إىل ت�أ�سي�س م�شروع للنه�ضة و�إحياء للتجديد الديني لبناء امل�شروع احل�ضاري الذي يدافع عن الأمة املتم�سك بثوابت العقيدة � ،شاكرا يف الوقت ذاته املجهود الذي بذل من قبل اجلامعة العاملية الإ�سالمية و املعهد العاملي للوحدة
العاملية الإ�سالمية الدكتور ح�سن �أحمد �إبراهيم والأ�ستاذة الدكتورة زيلخة قمر الدين والدكتور حممد كمال ح�سن ورئي�س الربملان االندوني�سي ال�سابق الدكتور هداية نور وحيد والدكتور داود احلدابي رئي�س منتدى الو�سطية يف اليمن والأ�ستاذ منت�صر الزيات رئي�س منتدى و�سطية م�صر وغريهم من العلماء واملفكرين
75
ﺑـﻴـﺎﻧـﺎﺕ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ الﻌالمﻲ لﻠوسطية يسﺘنﻜر تﻔﺠيراﺕ النرويﺞ ا�ضتنكر املنتدى العاملي للو�ضطية التفجري الإرهابي الب�ضع الذي ا�ضتهدف حياة املواطنني الأبرياء الآمنني يف العا�ضمة الرنويجية اأو�ضلو ،والذي اأودى بحياة ع�ضرات الأبرياء بني قتيل وجريح ،ويف الوقت الذي يدين فيه املنتدى هذا العمل الإجرامي الإرهابي الب�ضع ،يوؤكد على اأن جميع الديانات ال�ضماوية ترف�س وحترم اأعمال من �ضاأنها اإراقة الدماء اأو العتداء على حقوق وحياة الآخرين . وعليه فا ّإن املنتدى يدعو كافة الأمم ومن كافة الديانات ملواجهة هذه الفئات اخلارجة على القانون ل�ضبط النف�س وتبني لغة احلوار و�ضو ًل اإىل جتاوز الت�ضوهات والختالفات الفكرية لدى هذه الفئات ال�ضالة . ومن هنا فا ّإن املنتدى ليوؤكد من جديد على وجوب انتهاج كافة اأتباع الديانات ال�ضماوية �ضبل الو�ضطية والعتدال ،علماً باأن لغة العنف والتطرف مرفو�ضة �ضرعاً يف ديننا الإ�ضالمي لقوله تعاىل ( َمنْ الَ ْر ِ�س َف َك َاأ َّ َ ا�س َجمِ ي ًعا) ري َن ْف ٍ�س اأَ ْو َف َ�ضا ٍد ِيف ْ أ َق َت َل َن ْف ً�ضا ِب َغ ْ ِ منا َق َت َل ال َّن َ (املائدة)32:
ويف اخلتام فاإن املنتدى العاملي للو�ضطية يحذر من انت�ضار هذه الفئات، وظهورها باأعمال اإجرامية ب�ضعة بني الفينة والأخرى ،والتي اأ�ضبحت ت�ضكل خطراً على جميع املجتمعات ،ويوؤكد على �ضرورة درا�ضتها كظاهرة �ضلبية بحاجة للعالج ال�ضريع .
تعبريية
....و يﺪيﻦ تﻔﺠيراﺕ الﺠزاﺋر اأدان املنتدى العاملي للو�ضطية يف بيان اأ�ضدره الأعمال الإجرامية التي ارتكبت بحق الدماء الربيئة من اأبناء ال�ضعب اجلزائري ال�ضقيق. ويرجعوا اإىل �ضوابهم ،فهذه الأعمال تتنافى مع اأب�ضط قواعد الدين، ودعا املنتدى تلك اجلماعات الإرهابية يف بيانه اتقاء اهلل يف اأنف�ضهم واأمتهم واأوطانهم و�ضرورة العودة ل�ضوابهم لأن ما يقومون به من الذي يحرم �ضفك الدم امل�ضلم اإل باحلق ،قال تعاىل (و َمنْ َق َت َل َن ْف ً�ضا ري َن ْف ٍ�س اأَ ْو َف َ�ضا ٍد ِيف َْالأ ْر ِ�س َف َكاأَ َّ َ ا�س َجمِ ي ًعا )(املائدة.)32: ِب َغ ْ ِ منا َق َت َل ال َّن َ اأعمال تتنافى مع اأخالق وقيم ال�ضريعة الإ�ضالمية ال�ضمحة. وفيما يلي ن�س البيان..... ببالغ احلزن والأمل تلقى املنتدى العاملي للو�ضطية نباأ التفجريات الإرهابية التي ا�ضتهدفت اأحد مراكز ال�ضرطة يف اجلزائر ال�ضقيقة. اإن املنتدى يدين باأ�ضد عبارات الإدانة وي�ضجب وي�ضتنكر هذه الأعمال الإجرامية الب�ضعة التي اأدت اإىل �ضفك الدماء الربيئة والتي �ضتجعل من املجتمعات الإ�ضالمية م�ضرحاً لالإرهاب و�ضاحات للتطرف للعابثني باأمن الأمة وا�ضتقرارها وفرقتها ون�ضر الختالف والنق�ضام بني اأبناء ال�ضعب الواحد ويقو�ضون اأمن املجتمعات الإ�ضالمية مبثل هذه الأعمال الإرهابية اجلبانة. اإننا نذكر هوؤلء الغافلني اأن يتقوا اهلل يف اأنف�ضهم واأمتهم واأوطانهم
تعبريية
76
...و يطالﺐ ) الﻔيﻔا( ﺑالﻌﺪوﻝ ﻋﻦ ﻗراﺭ ﻣنﻊ الﻔريﻖ اإليرانﻲ ﻣﻦ ﺩﺧوﻝ المﻠﻌﺐ ﺑسﺒﺐ الﺤﺠاﺏ طالب املنتدى العاملي للو�ضطية منظمة الفيفا ب�ضرورة العدول عن القرار الذي اتخذته بحق منع الفريق الن�ضائي الإيراين من دخول امللعب ب�ضبب لبا�س الالعبات الإيرانيات القائم على احلجاب.
تعبريية
وا�ضتهجن العاملي يف بيان اأ�ضدره هذا الت�ضرف الذي يدل دللة وا�ضحة على اأن القائمني على املنظمة ينطلقون من منطلقات عقائدية
و�ضيا�ضية بعيدة كل البعد عن اأهداف وغايات هذه املنظمة ،ويف ما يلي ن�س البيان..... لقد تلقى املنتدى العاملي للو�ضطية خرب منع ( الفيفا) للفريق الن�ضائي الإيراين من دخول امللعب ب�ضبب لبا�س الالعبات الإيرانيات القائم على احلجاب وتغطية الراأ�س بكل ا�ضتغراب وا�ضتهجان. اإذ اأن منظمة الفيفا لي�س من عملها املنوط بها اإل الإجراءات املتعلقة بامللعب و�ضروطه والتزام الالعبني بذلك ،وهذا كله ل يتعلق مطلقاً بعقائد الالعبني ولبا�ضهم ما دام ل يوؤثر على اللعب يف داخل امللعب. اإن ما قامت به منظمة الفيفا يدل دللة وا�ضحة اأن القائمني عليها ينطلقون من منطلقات عقائدية و�ضيا�ضية بعيدة كل البعد عن اأهداف وغايات هذه املنظمة. اإن املنتدى العاملي للو�ضطية يطالب هذه املنظمة اإلغاء قرارها اجلائر، كما يطالب الدول العربية والإ�ضالمية اأن ل تقف موقف املتفرج اأمام هذا التدخل ال�ضافر بعقائد النا�س وت�ضرفاتهم البعيدة كل البعد عن الريا�ضة وهي التي قامت من اأجل توحيد الأمم ولي�س العمل على تق�ضيمها.
...و يهنﻲﺀ الﺸﻌﺐ الﻠيﺒﻲ ﺑانﺘﺼاﺭ الثوﺭﺓ الﻠيﺒية بعث املنتدى العاملي للو�ضطية يف بيان �ضدر عنه اأجمل التهاين والتربيكات لل�ضعب الليبي مبنا�ضبة انت�ضار الثورة الليبية ،وحترير العا�ضمة الليبية ،ودحر الظلم وال�ضتبداد الذي كان يخيم ،لي�ضتعيدوا بذلك كرامة واإن�ضانية ليبيا و�ضعبه الأبي ،لفتا يف الوقت ذاته اأن هذا النت�ضار ما هو اإل انت�ضار لالأمة جمعاء. وفيما يلي ن�س البيان.... اإن املنتدى العاملي للو�ضطية وهو يتلقى اأخبار النت�ضار العظيم للثوار بتحريرهم للعا�ضمة الأبية طرابل�س ،اإذ يبعث لل�ضعب الليبي ال�ضقيق بخال�س التهاين والتربيكات بعد اأن منّ اهلل عليه بدحر الظلم وال�ضتبداد وا�ضتعادة حريته وكرامته من جديد بعد اأن هيمن عليه حكم قمعي ا�ضتبدادي مدة اأربعة عقود. اإننا ونحن نهنئ اأنف�ضنا ونهنئ ال�ضعب الليبي ال�ضقيق ،لنوؤكد على �ضرورة اأن يكون الهدف الأول والأهم بناء دولة مدنية دميقراطية حترتم الإن�ضان وتوؤكد على �ضيادة القانون ال�ضامن حلريات املواطنني. اإن هذا النت�ضار العظيم لل�ضعب الليبي ال�ضقيق دليل �ضاطع اأن ال�ضتبداد
تعبريية
اإىل زوال واأن الظلم ل ميكن اأن ي�ضتمر وليكون در�ضاً لكل احلكام العرب امل�ضتبدين الذين ما زالوا ي�ضومون �ضعوبهم األواناً خمتلفة من القتل والعتقال وتدمري العباد والبالد. حمى اهلل ال�ضعب الليبي وجمع كلمته واأعاد عليه �ضهر رم�ضان القادم وقد حتققت اأمانيه وعاد اإليه ال�ضتقرار والأمان.
77
...و يﺪيﻦ تﻔﺠيراﺕ ﻣسﺠﺪ أم القرﻯ فﻲ ﺑﻐﺪاﺩ
تعبريية
�ضجب املنتدى العاملي للو�ضطية يف بيان اأ�ضدره اجلرمية الب�ضعة التي اإ�ضتهدفت جموع امل�ضلني يف م�ضجد اأم القرى ببغداد وم�ضاجد اأخرى ، واأدت اإىل ا�ضت�ضهاد ما يزيد عن ثالثني �ضهيداً ،وعلى راأ�ضهم النائب ال�ضهيد خالد الفهداوي ع�ضو املنتدى العاملي للو�ضطية وعدد كبري من الأطفال . وو�ضف البيان تلك العمليات الإرهابية بالعمل الإجرامي اجلبان من الدرجة الأوىل ،م�ضريا يف الوقت ذاته اأن مقدار ما و�ضل اإليه منفذوه من فكر اإجرامي بعيد كل البعد عن الدين والقيم والأخالق. وفيما يلي ن�س البيان.... اإن املنتدى العاملي للو�ضطية وقد هاله ب�ضاعة اجلرمية التي ا�ضتهدفت جموع امل�ضلني يف م�ضجد اأم القرى ببغداد وم�ضاجد اأخرى ،واأدت اإىل ا�ضت�ضهاد ما يزيد عن ثالثني �ضهيداً وعلى راأ�ضهم النائب ال�ضهيد خالد الفهداوي ع�ضو املنتدى العاملي للو�ضطية وعدد كبري من الأطفال ،اإذ يعلن �ضجبه وا�ضتنكاره لهذا العمل الإجرامي اجلبان ،والذي يدل على مقدار ما و�ضل اإليه منفذوه من فكر اإجرامي بعيد كل البعد عن الدين والقيم والأخالق ،ل يراعون يف اأمتهم ( اإ ًل ول ذمة) ،ول يراعون حرمة �ضهر رم�ضان املبارك ،ول حرمة بيوت اهلل ،ول حرمة دماء امل�ضلمني والتي جعلها ر�ضول اهلل �ضلى اهلل عليه و�ضلم ت�ضاوي حرمة بيت اهلل احلرام بل اأكرث منه.
لقد كان اأهل اجلاهلية وامل�ضركون يراعون حرمة الأ�ضهر احلرم في�ضعون اأ�ضلحتهم ويحرمون على اأنف�ضهم قتل النا�س وترويعهم ،فاأي اإميان واأي اإ�ضالم يحمل هوؤلء يف قلوبهم عندما قتلوا امل�ضلمني و�ضفكوا دماوؤهم؟. اإن هذا العمل الإجرامي ي�ضتدعي من كل املخل�ضني لهذه الأمة اأن يتداعوا اإىل موؤمتر اإ�ضالمي ي�ضم نخبة من علماء امل�ضلمني املخل�ضني ليعلن احلقيقة ويظهر �ضريرة هوؤلء اخلوارج الذين �ضاروا اأداة لأعداء الأمة با�ضم الدين ،والدين منهم براء. اإن الو�ضطية اإذ تفقد علماً كبرياً من اأعالمها لتوؤكد للنا�س كافة اأن طريقها هو الطريق الأ�ضعب لأنه طريق الر�ضل وامل�ضلحني الذي ل يقبل امليل عن احلق ،وتعاهد اهلل اأنها باقية ثابته على ال�ضراط امل�ضتقيم وهي تعلم علم اليقني اأنها عندما اختارت هذا الطريق فاإمنا اختارت م�ضاريع �ضهداء يدافعون عن هذا الدين يدفعون عنه حتريف الغالني وانتحال املبطلني. اإن املنتدى العاملي للو�ضطية وهو يتلقى هذا النباأ املفجع يبعث بتعازيه احلارة اإىل اإخواننا يف العراق ،واإىل رئي�س الوقف ال�ضني الدكتور اأحمد عبد الغفور ال�ضامرائي راجني اهلل اأن يتغمد ال�ضهداء بوا�ضع رحمته واأن يلهم اأهلهم ال�ضرب وال�ضلوان ،واإنا هلل واإنا اليه راجعون.
78
الﻌالمﻲ لﻠوسطية يﺤﺘسﺐ ﻋنﺪ اﷲ ﻋﻀو المنﺘﺪﻯ الﺸهيﺪ ﺧالﺪ الﻔهﺪاوﻱ
احت�شب املنتدى العاملي للو�شطية يف نعي �شدر عنه ،ع�شو املنتدى النائب ال�شهيد خالد الفهداوي ،الذي ا�شت�شهد يف التفجري الإجرامي الذي اإ�شتهدف جموع امل�شلني يف م�شجد اأم القرى ببغداد ،واأدى اإىل ا�شت�شهاد ما يزيد عن ثالثني �شهيد ًا وعلى راأ�شهم النائب ال�شهيد خالد الفهداوي. وفيما يلي ن�ص النعي.... اإن العني لتدمع ،واإن القلب ليحزن واإ ّنا على فراقك يا خالد ملحزونون، ففي ظلمة الليل احلالك الذي ح ّل على العراق الأبي واأرخى �ضدوله الثقيلة ،اإخرتت طريقاً وعراً مليئاً بالأ�ضواك ل يقبله املتطرفون ول يقبله الأعداء ،وهو طريق الإ�ضالم ال�ضحيح ،منهج النبوة واخلالفة الرا�ضدة الذي جعل من هذه الأمة خري اأمة اأخرجت للنا�س لأنها الأمة الو�ضط التي ل تقبل الت�ضدد ول التطرف ،ول تقبل التفريط والنفالت ،وترف�س قتل النا�س وترويعهم وا�ضتباحة دمائهم. لقد بقيت على العهد منذ اأن بداأ الليل احلالك ميتد على �ضوارع بغداد، مل يثنيك تهديد املجرمني ول ا�ضتفزازهم. لقد فزت يا خالد باجلنة -باإذن اهلل -واأنت بني جموع امل�ضلمني توؤدي �ضالة الرتاويح يف ليلة التا�ضع والع�ضرين من رم�ضان تدعو اهلل اأن يحمي العراقيني ويوحد �ضفوفهم فاإذا مبجرم مل يراع حرمة بيت اهلل، ول حرمة دماء امل�ضلمني ،ول حرمة �ضهر رم�ضان املبارك يقتلك ويقتل اإخواناّ لك ،اأمل يعلم اأن امل�ضركني يف اجلاهلية كانوا ي�ضعون اأ�ضلحتهم مهابة لهذه الأ�ضهر احلرم فال يقتلون اأو يقاتلون ،اأي اإميان واأي دين يدين به هوؤلء القتلة؟ لقد ان�ضممت يا خالد اإىل ثلة من ال�ضهداء الأوائل الذين كانوا زمالئك يف هذا النهج.....حارث العبيدي وعبد العليم ال�ضعدي وغريهم، فم�ضابنا اليوم جلل يف رحيلك يا خالد ول نقول اإل ( اإ ّنا هلل واإ ّنا اإليه راجعون) ودعاوؤنا اأن يتقبلك اهلل مع ال�ضهداء وال�ضديقني ،واأن يلهم اأهلك وحمبيك ال�ضرب وال�ضلوان ول حول ول قوة اإل باهلل.
نﺒﺬﺓ ﻋطرﺓ ﻋﻦ حياﺓ الﻔقيﺪ هو د .خــالـد �ضـليمـان حمود الفهداوي ،من مواليد العراق /النبار/الرمادي – ،1968حا�ضل على الدكتوراه من اجلامعة الإ�ضالمية – كلية ال�ضريعة والقانون� ،ضيا�ضة �ضرعية – بغداد – . 2002 د ّر�س يف كلية الرتبية – جامعة النبار وكلية الإمام الأعظم ،وكذلك د ّر�س يف اجلامعات الإماراتية ،واأ�ضرف على عدد من الر�ضائل اجلامعية كما ناق�س عدداً منها يف جامعات خمتلفة واآخر من�ضب �ضغله نائبا يف جملـ�س النـواب العراقـي . اأ ّلف ون�ضر خم�ضة ع�ضر كتاباً ،واأربعة و�ضتني بحثاً علمياًوا�ضرتاتيجياً يف كربيات دور الن�ضر واملجالت املحكمة يف الدول العربية والإ�ضالمية والعاملية . ا�ضرتك يف اأكرث من اأربعني موؤمتراً وندوة علمية و�ضيا�ضيةواإ�ضرتاتيجية يف العراق وخارجه واألقى فيها بحوثاً واأوراق عمل تخ�ض�ضية كما ا�ضرتك يف اأربع ع�ضرة دورة وور�ضة عمل. �ضارك بفاعلية وحتى وافته املنية يف تر�ضيخ مفاهيم جتربةالتعاي�س والوئام الوطني يف العراق ،وهو من دعاة احلوار احل�ضاري والديني ومن موؤ�ض�ضي م�ضروع الو�ضطية والعتدال يف العراق عمل ب�ضكل فاعل يف تعزيز دولة املواطنة واملوؤ�ض�ضات وتر�ضيخ امل�ضاحلة والوحدة يف املجتمع العراقي وبناء ال�ضلم الأهلي ودولة الكفاءات والتداول ال�ضلمي لل�ضلطة. �ضارك بفاعلية يف مفا�ضل التجربة العراقية الدميقراطيةاحلا�ضرة ،من د�ضتورية وانتخابية و�ضيا�ضية ومنهجية وثقافية. �ضحت عائلته بخم�ضة وع�ضرين �ضهيدا يف املعركة املفتوحة �ضدالإرهاب والتكفري ،ولديها مفقودين اثنني كما هدم الإرهابيون عدد من بيوت العائلة يف الرمادي.
79
ﺿـﻴـﻮﻑ ﺍﻟﻤـﻨـﺘـﺪﻯ السﻔير السوﺩانﻲ يﺸيﺪ ﺑﺠهوﺩ المنﺘﺪﻯ فﻲ تﻌزيز الﻔﻜر الوسطﻲ اأ�ضاد ال�ضفري ال�ضوداين لدى اململكة الأردنية الها�ضمية ال�ضيد عثمان يف العامل العربي و�ضقوط خطاب العنف" ،كما مت بحث �ضبل التعاون نافع اأحمد باجلهود التي يبذلها املنتدى العاملي للو�ضطية من خالل امل�ضرتك بني اجلانبني خالل املرحلة املقبلة. اجنازاته من موؤمترات وندوات واإ�ضدارات من �ضاأنها ن�ضر وتعزيز الفكر الو�ضطي املعتدل. كان ذلك خالل زيارته ملقر املنتدى العاملي حيث كان يف ا�ضتقباله الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري والأ�ضتاذ الدكتور اأحمد نوفل. وقد مت خالل الزيارة بحث اأوجه التعاون ما بني املنتدى العاملي وجمهورية ال�ضودان ،حيث ا�ضتعر�س الفاعوري اأهم ن�ضاطات املنتدى يف جميع اأنحاء العامل الإ�ضالمي والتي قامت على ن�ضر وتعزيز الفكر الو�ضطي املعتدل كان اآخرها املوؤمتر الدويل الذي عقد يف تون�س بالتعاون مع منتدى اجلاحظ بعنوان "موؤمتر التحولت ال�ضيا�ضية
الﻔاﻋوﺭﻱ يسﺘقﺒﻞ وفﺪ ﻫيﺌة ﻋﻠماﺀ الﻌراﻕ
...و وفﺪ ﻣوﺭيﺘانﻲ
قام وفد ممثل عن هيئة علماء العراق و ي�ضم رئي�س جمل�س علماء الأنبار د.ثامر ظاهر الع�ضايف ومدير اأوقاف الأنبار ال�ضيخ عبد اهلل جالل خملف يوم الأربعاء املوافق 2011/7/27بزيارة اإىل مقر املنتدى العاملي للو�ضطية حيث كان يف ا�ضتقباله الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري . ومت خالل اللقاء بحث �ضبل التعاون امل�ضرتك لن�ضر مبادئ الو�ضطية ونبذ العنف والتفرقة والغلو ،وتعزيز دور املنتدى يف العراق ومدى اإ�ضهامه يف ن�ضر و تر�ضيخ الفكر الو�ضطي هناك.
بحث اأمني عام املنتدى العاملي للو�ضطية املهند�س مروان الفاعوري مع م�ضت�ضار رئي�س اجلمهورية املوريتانية حممد املختار وم�ضت�ضار الوزير الأول ا�ضلم بن �ضيدي م�ضطفى اوجه التعاون وتعزيزها بني املنتدى واملوؤ�ض�ضات املوريتانية خا�ضة فيما يتعلق بتنظيم الندوات واملوؤمترات وال�ضتمرار يف تقدمي ماهو اأف�ضل خلدمة الدين وتبادل اخلربات. واكد الفاعوري على اهمية التعاون وزيادة التن�ضيق لن�ضر الثقافة الو�ضطية ونبذ التطرف والعنف لعك�س ال�ضورة احلقيقية وامل�ضرقة لال�ضالم .
80
ﻧـﺴـﺎﺀ ﻣﺼـﻠـﺤــﺎﺕ
ﻣﻠﻚ حﻔنﻲ ناﺻﻒ
د .ماهرة جويحان
لقد اأحببت اأن اأكتب يف هذا الباب ملا له من اأهمية يف دور الن�ضاء امل�ضلمات اللواتي كان لهن الأثر الكبري يف تاريخ الإ�ضالم والب�ضرية ،لكي يقتدي بهن ومنهن :ال�ضيدة ملك حفني نا�ضف ،امراأة م�ضلمة متدينة ، ولقد اخرتتها لأنها و�ضطية التفكري يف خطاباتها وكتاباتها بني اأفكار املتزمتني واملتطرفني . بداأت حياتها يف التعليم يف املدار�س الأمريية ،بعد اأن در�ضت يف املدار�س ال�ضنية يف القاهرة فكانت تطوف على منازل قريتها لتحث البنات على التعليم ،وكانت تتحلى باأخالق �ضامية ،و�ضريرة �ضافية ،ونف�س اأبية، مثابرة على العمل يف اإ�ضالح حال الأمهات وال�ضيدات ،فكانت قدوة يف العمل يف بيت زوجها حيث ل ترتكه ،اإىل الغرباء والعمل يف تربية املراأة بحيث تبا�ضر من اأعمال الرجال ما ل يتنافى مع ال�ضرع الإ�ضالمي. يف �ضنة 1911قدمت للموؤمتر امل�ضري تقريرا كافيا �ضمنته اآراءها املفيدة يف ر�ضائل ترقية املراأة امل�ضلمة ،فاأعجب باأفكارها كل من كان يف املوؤمتر ،ومن اأهم اأعمالها :تاأ�ضي�س الإحتاد الن�ضائي التهذيبي ،واأ�ض�ضت اأي�ضا يف بيتها مدر�ضة لتعليم التمري�س مبنا�ضبة احلرب العاملية الأوىل، حيث حاكت بيدها مائة بدلة للهالل الأحمر امل�ضري ،وقد اأعجبت بها الكثري من كاتبات الغرب حيث اعرتفن باأن لها القدرة على ت�ضحيح الكثري من الأخطاء لديهن عن الإ�ضالم ومنهن الكاتبة " �ضرلوت كمرون" والكاتبة الأمريكية " اإليزابيث كوبر". عملت ال�ضيدة ملك بال�ضيا�ضة وال�ضعر ولها عدة موؤلفات وكتب منها" املقارنة بني املراأة امل�ضلمة ال�ضرقية واملراأة املتمدنة الغربية " واأي�ضا " حقوق املراأة يف الإ�ضالم" ،ومن اآرائها يف الرتبية: -1عدم اإر�ضال الأطفال اإىل املدر�ضة وهم �ضغار ،حيث ل يفقهون معنى
املدر�ضة ،واإر�ضالهم خ�ضارة فادحة بالإ�ضافة اإىل اأنهم لن ي�ضتفيدوا �ضيئا واإذا كان ل بد من اإر�ضالهم ففي �ضفوف خا�ضة مثل �ضف الب�ضتان ويكون الدر�س مزيج من التعليم والريا�ضة. -2من اآرائها اأي�ضا منع الفتيات املراهقات بالختالط بال�ضبان ،لأن هذا الختالط غائب عنه دور الأهل ،والفتاة يف هذه ال�ضن تطلب احلرية وحتب اأن تخرج لكن على الأم اأن تراقب ،لأن احلرية املطلقة م�ضرة للفتاة يف هذه ال�ضن. لقد ظلت تكتب وتخطب نا�ضدة الإ�ضالح للمراأة امل�ضلمة ،وكانت الوحيدة التي تتكلم ب�ضجاعة وكفاءة وتفوق ومل ينل منها �ضيئا انتقاد الناقدين. كانت حمبة لدينها ولوطنها ،تعمل جاهدة على رفع م�ضتوى التعليم وتعريف املراأة بحقوقها كما وردت يف ال�ضريعة الإ�ضالمية ،ت�ضاعد الفقراء وجتمع لهم املال وتوؤ�ض�س دورا لالأيتام . توفيت رحمها اهلل �ضنة 1918تاركة اأثرا كبريا يف نف�س كل امراأة عربية وم�ضلمة حتتذي به لتكملة الطريق يف رفع م�ضتوى املراأة امل�ضلمة للو�ضول اإىل مراكز �ضنع القرار لكي نبني جمتمعا م�ضلما راقيا مليئا بامل�ضلحات والعاملات والعبقريات.
81
ﺇﺻﺪﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻯ ) القﺪﺱ ﺩيﻦ وتاﺭيﺦ ( ﻛﺘاﺏ يﺼﺪﺭ ﻋﻦ الﻌالمﻲ لﻠوسطية يﻀﻢ ﺑاﻗة ﻣﻦ الﺪﺭاساﺕ تﻌنﻰ ﺑالمﺪينة المقﺪسة �ضدر موؤخرا عن منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة كتاب" القد�س دين وتاريخ" ،الذي يوثق اأوراق العمل املقدمة للموؤمتر الدويل ال�ضاد�س والذي عقده املنتدى يف عمان 20900/11/12-11يف فندق الرويال وذلك مبنا�ضبة اختيار مدينة القد�س مدينة للثقافة العربية يف ذات العام. اأن �ضدور مثل هذا الكتاب هو جزء من الواجب نحو املدينة املقد�ضة هذا الواجب الذي يوقد يف الوجدان ق�ضية الأمة ويوجه اأ�ضواقنا لهذه املدينة الطيبة ،كما اأن املعركة الثقافية هي املقدمة الأ�ضا�س لكل معركة ناجحة ظافرة ،حيث اأن الأق�ضى خ�ضو�ضا واملدينة املقد�ضة على وجه العموم حتتاج من الأمة اليوم اإىل �ضحوة تنقذ وت�ضتدرك ما بقى من بقية بعدما عبث احلقد والتطرف بهوية املدينة �ضكانا وتراثا وعمرانا ودينا. وي�ضم الكتاب يف حماوره اخلم�س نبذة عامة لروؤية واأهداف وبرنامج املوؤمتر واأ�ضماء امل�ضاركني فيه ،بالإ�ضافة لكلمات حفل الفتتاح التي األقيت من قبل الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري ،ورئي�س املنتدى العاملي دولة الإمام ال�ضادق املهدي و�ضماحة الإمام عكرمة �ضربي خطيب امل�ضجد الأق�ضى ،والأ�ضتاذ حممد �ضبيح ممثل الأمني العام جلامعة الدول العربية والدكتور ع�ضام الب�ضري من ال�ضودان. كما يحتوي على عدد من الدرا�ضات والأبحاث واأوراق العمل لعلماء ومفكرين من خمتلف الدول العربية والإ�ضالمية ممن �ضاركوا يف موؤمتر القد�س دين وتاريخ ،منها " دور الها�ضميني يف اأعمار بيت املقد�س" لالأ�ضتاذ عبد اهلل كنعان ،و" تهويد القد�س ..حقائق الدين واأوهام ال�ضيا�ضة" للدكتور ح�ضن خاطر ،و"ح�ضارة القد�س الإ�ضالمية يف مواجهة الهجمة ال�ضهيونية" لالأ�ضتاذ الدكتور عبد احلليم عوي�س ،واأي�ضا "دور الإعالم يف خدمة الق�ضية
الفل�ضطينية" للدكتور حممد حب�س وغريها الكثري من الدرا�ضات الهامة واملتميزة ،بالإ�ضافة للتو�ضيات التي خل�س لها املوؤمتر والتي من اأبرزها الإ�ضادة بدور اململكة الأردنية الها�ضمية قيادة وحكومة و�ضعبا يف حماية القد�س ودعم �ضموده.
82
ﺃﺧـﺒــﺎﺭ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ السﻔير السوﺩانﻲ يﺤاﺿر فﻲ الوسطية حوﻝ واﻗﻊ السوﺩان ﺑﻌﺪ اﻻنﻔﺼاﻝ بني ال�ضفري ال�ضوداين يف الأردن عثمان نافع حمد م�ضطفى يف ال�ضودان وجنوبه خا�ضة مع وجود بع�س الدول التي حتاول تغذية املحا�ضرة التي األقاها يوم ال�ضبت املوافق 2011/7/16بعنوان" ال�ضودان الفجوة بني اجلهتني قال ال�ضفري اأن الدولة الوليدة �ضتواجه عددا من بعد انف�ضال اجلنوب الواقع واملاآل" اأهم املفا�ضل التاريخية التي مرت التحديات الكبرية وباعرتاف الغرب ممن �ضجعوها على فكرة النف�ضال، حيث م�ضاكل الفقر والأمية ، على الدولة ال�ضودانية منذ كما اأن اقت�ضادها لن ميكنها بداية ال�ضتعمار الربيطاين من اأن ت�ضتقل عن �ضمال وحتى النتيجة املوؤملة ملا اآلت له ال�ضودان الأمر الذي �ضيوؤدي ال�ضودان حيث اجلنوب اأ�ضبح اإىل تدخل بع�س القوى واقعا وال�ضمال اأ�ضبح واقعا اخلارجية ،ومن امل�ضتح�ضن لفتا اإىل اأن اجلهة التي بذرت بجنوب ال�ضودان عدم فتح البذرة الأ�ضا�ضية لنف�ضال جبهة عداوة مع ال�ضمال بل جنوب ال�ضودان هي ال�ضتعمار على العك�س من ال�ضروري الربيطاين الذي احتلها عام اإقامة عالقات طيبة ،1899والذي �ضلط ب�ضراذمه للوقوف بجانبها وت�ضبح على ال�ضودان واأهله يف �ضبيل قادرة على اإدارة دفة حكمها. ال�ضيطرة عليه وامتالك وياأمل ال�ضفري ال�ضوداين خرياته. يف نهاية املحا�ضرة اأن تتغلب وعرج يف املحا�ضرة التي عقدت دولة اجلنوب على كل يف مقر املنتدى بح�ضور نخبة جانب من املحا�شرة امل�ضاعب التي من املمكن اأن من ال�ضخ�ضيات الأكادميية والإعالمية على املراحل املهمة التي مرت بها دولة ال�ضودان وطالبت تتعر�س لها خالل هذه الفرتة موؤكدا يف الوقت ذاته على اإعالن الرئي�س بالنف�ضال مركزا يف الوقت ذاته على مرحلة الزعيم " جعفر النمريي" ال�ضوداين ا�ضتعداده التام للم�ضاعدة وتقدمي يد العون للبلد اجلديد. التي اعتربها املرحلة الأ�ضعب يف تاريخ ال�ضودان ،وذلك ب�ضبب دخول من جهته اأكد ع�ضو املنتدى الأ�ضتاذ الدكتور حممد الق�ضاة خالل خط ال�ضيوعيني والأحزاب بكرثة اآنذاك واأدت اإىل وقوف بع�س اجلهات ادارته للمحا�ضرة اأنه مما ل �ضك فيه اأن ال�ضودان قد تعر�س لهزات اخلارجية ومنها العربية مثل ليبيا بزعامة القذايف لدعم فكرة كبرية وهجمات �ضر�ضة من دول اجلوار حاولت ثني هذا البلد عن النف�ضال حتى ظهور �ضاحب الفكرة املختلفة عن النف�ضال " جون تطلعاته وعالقاته الطيبة التي تربطه بالدول العربية اإل اأنه وقف غرنق " والذي طالب مب�ضاألة احلكم الذاتي داخل ال�ضودان الكبري وقد �ضاخما خا�ضة بعد اأن ا�ضتجابت الإرادة ال�ضودانية لنف�ضال ال�ضودان حيث اأ�ضبح ال�ضودان دولة واجلنوب دولة لكن تظل العالقات املتينة جنح بذلك. وركز ال�ضفري عثمان نافع يف حديثه على ال�ضتفتاء امل�ضريي يف رابط بينهما. ال�ضودان والذي جرى يف التا�ضع من يناير و متخ�س عنه ان�ضالخ ويف نهاية املحا�ضرة التي ح�ضرها ما يزيد عن اخلم�ضني �ضخ�ضا وجه اجلنوب عن ال�ضمال وتغيري خريطة القارة الأفريقية ،حيث اأف�ضى احل�ضور عددا من الأ�ضئلة لل�ضفري ال�ضوداين متحورت حول م�ضتقبل جنوب ال�ضودان وطبيعة العالقة امل�ضتقبلية التي �ضتكون بينه وبني ال�ضتفتاء اأن %98اأيدوا هذا النف�ضال ليعلن ر�ضميا يف . 2011/7/9 وحول التوقعات امل�ضتقبلية لطبيعة العالقة التي �ضتكون بني �ضمال الدول الأخرى ومرتكزاته القت�ضادية وحكمه اجلديد.
83
الﻔاﻋوﺭﻱ يسﻠﻢ ﺩﺭﻉ المنﺘﺪﻯ لسﻔير اﻷﺭﺩن فﻲ تونﺲ للمنتدى م .مروان الفاعوري وع�ضوية كل من اأمني �ضر املنتدى الأ�ضتاذ الدكتور حممد اخلطيب وع�ضوي املنتدى د .هايل داود ،والأ�ضتاذ الدكتور حممد الق�ضاة بزيارة اإىل ال�ضفارة الأردنية بتون�س. والتقى الوفد ب�ضعادة ال�ضفري الأردين هناك ،حيث قدم املهند�س الفاعوري خالل اللقاء �ضرحا وافيا عن اأهداف املنتدى ون�ضاطاته املتعددة يف عدد من البلدان ،وما حققه من اإ�ضهامات يف ن�ضر الفكر الو�ضطي املعتدل داخل الأردن وخارجه. كما مت التطرق للحديث عن موؤمتر التحولت ال�ضيا�ضية الذي �ضيعقد يف تون�س والذي يعد امتدادا لن�ضاطات املنتدى يف درا�ضة التحولت ال�ضيا�ضية يف العامل العربي بعد الثورات العربية املتتالية ،خا�ضة واأن هذا املوؤمتر هو اأول موؤمتر عربي يعقد يف تون�س ويتحدث عن الثورة. الأمني العام واع�شاء املنتدى وال�شفري الأردين يف �شورة تذكارية على هام�س انعقاد موؤمتر التحولت ال�ضيا�ضية و�ضقوط خطاب العنف ويف نهاية اللقاء قدم الأمني العام الفاعوري درع املنتدى ل�ضعادة ال�ضفري الذي عقد بالتعاون ما بني منتدى العاملي للو�ضطية ومنتدى اجلاحظ تقديرا جلهوده وجهود ال�ضفارة من جهة و�ضاكرا حل�ضن ا�ضتقباله لهم بتون�س ،قام وفد من املنتدى العاملي للو�ضطية برئا�ضة الأمني العام من جهة اأخرى.
اﻷزﻣة الﻌالمية وتﺄﺛيرﻫا ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘﺼاﺩ اﻷﺭﺩنﻲ ﻣﺤاﺿرﺓ لمنﺘﺪﻯ وسطية السﻠﻂ اأكد اخلبري القت�ضادي زياد الدبا�س م�ضت�ضار بنك اأبو ظبي الوطني اأن الدينار الردين قوي وما زال يحافظ على ا�ضتقراره نتيجة ثقة املواطن فيه كاداة ا�ضتثمارية وو�ضيلة لدخار ودائعه وكذلك ثقته بقدرة القت�ضاد الردين على مواجهة التحديات والتغلب عليها رغم �ضخامتها وتاثريها القوي عليه باعتباره اأقت�ضاد مفتوح على العامل اخلارجي . واأ�ضاف الدبا�س خالل حما�ضرته بعنوان " الزمة العاملية وتاأثريها على القت�ضاد الردين" والتي نظمها منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة فرع ال�ضلط وبالتعاون مع مركز مو�ضى ال�ضاكت يف مقر املركز وادارها ابراهيم كلوب مدير املركز اأن الزمة العاليمة كان لها تاثري كبري و�ضلبي يف غالبيته على القت�ضاد الردين لأنه اقت�ضاد مرتبط ب�ضكل وا�ضع بالقت�ضاد العاملي لأننا ن�ضتورد اأكرث مما ن�ضدر وخا�ضة يف قطاع
اخلبري الدبا�ص يت�شلم درع املنتدى من رئي�ص فرع ال�شلط عربيات
84
الطاقة حيث من املتوقع اأن ت�ضل فاتورة م�ضتورداتنا من النفط لهذا العام حوايل 4مليارات دولر وهذا رقم هائل بالن�ضبة حلجم اقت�ضادنا مما �ضريهق كاهل املوازنة والقت�ضاد ب�ضكل عام . واعترب الدبا�س اأن اكرث القطاعات التي تاثرت �ضلبا يف الردن هي العقار وال�ضهم كون معظم ثروات املواطنني ترتكز يف هذين القطاعني م�ضريا اىل اأن �ضوق عمان املايل فقد اأكرث من 22مليار دينار بعد اأن انخف�ضت القيمة ال�ضوقية لال�ضهم فيه من 41مليار عام 2008اىل 19مليار يف العام احلايل كما �ضاهم ا�ضطرار الأجانب الذين ميلكون حوايل 50 %من ا�ضهم ال�ضوق ببيع كميات كبرية منها لتوفري �ضيولة لهم بعد تاأثرهم بالزمة العاملية اىل تراجع اأداء ال�ضوق الذي مير يف دورة هبوط.
ورحب الدبا�س بخطوات ان�ضمام الردن ملجل�س التعاون اخلليجي والذي جاء نتيجة ادراك دول اخلليج اأن ا�ضتقرارهم مرتبط با�ضتقرار الردن ووجود م�ضالح م�ضرتكة بني الطرفني وان هذا الن�ضمام �ضيعود مبنافع كبرية على الطرفني وخا�ضة على القت�ضاد الردين . وكان رئي�س منتدى الو�ضطية فرع ال�ضلط احيا عربيات قد اأ�ضار اأن هذه املحا�ضرة تاتي �ضمن الن�ضاطات الهادفة اىل توعية املواطنني والتوا�ضل مع املجتمع املحلي وال�ضتفادة من خربات املغرتبني الردنيني الذين حققوا جناحات كبرية يف بالد الغربية مثل امل�ضت�ضار زياد الدبا�س ويف نهاية اللقاء جرى حوار مو�ضع حول العديد من املوا�ضيع القت�ضادية .
ﻣنﺘﺪﻯ وسطية ﺟرﺵ و نﺪوﺓ حوﻝ نﺸﺄﺓ الﻔﻜر الﺘﻜﻔيرﻱ وﺧطرﻩ ﻋﻠﻰ اﻷﻣة
لقطات من الندوة
قال اأ�ضتاذ العقيدة والأديان يف اجلامعة الأردنية وع�ضو منتدى الو�ضطية الأ�ضتاذ الدكتور حممد اخلطيب اأن املجتمع العربي والإ�ضالمي ينق�ضم اإىل ق�ضمني الأول مغال يف نهجه وتفكريه واآخر مغال يف النفالت وترك اأمور الدين ،لفتا اإىل اأن الأمة الو�ضط هي اخلرية التي ل تقبل الإفراط اأو التفريط فكالهما . واأ�ضاف يف حديثه عن ن�ضاأة الفكر التكفريي واأ�ضباب انت�ضاره يف العامل الإ�ضالمي خالل الندوة التي عقدها منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة فرع جر�س برعاية حمافظ جر�س بعنوان"الفكر التكفريي وخطره على الأمة" ،اأن الفكر التكفريي ظهر يف عهد اخلليفة الرا�ضد علي بن اأبي طالب حيث ظهرت جماعة ان�ضقت عن جي�ضه اآنذاك ،وخرجت عن نهج النبوة الرا�ضد وعن دين احلق وباتت تقراأ القراآن وت�ضتوعبه �ضطحيا، دون فهم ملعناه فتكفر من ت�ضاء وكان اأول من كفروه علي بن اأبي طالب ر�ضي اهلل عنه لفتا اإىل اأن الفكر التكفريي من اأهم اأ�ضباب انق�ضام الأمة وتفريقها و دخول الأعداء لعقول النا�س وقلوبهم ،و من اأ�ضباب النفالت احلا�ضل يف وقتنا احلايل و عوامل هدم الأمة. واأ�ضار اأ�ضتاذ العقيدة والنائب ال�ضابق الدكتور حممد احلاج اإىل اأن لفظ اخلوارج م�ضطلح يطلق على من خرجوا عن اإجماع الأمة الإ�ضالمية وعملت على متزيق �ضف امل�ضلمني وبث اأفكارا تخريبية يف املجتمع الإ�ضالمي فانق�ضمت ل�ضعب واأحزاب فيما بعد.
واأ�ضاف اأن من اأبرز اأفكارهم ومعتقداتهم �ضهولة التكفري كما اأن لهم راأي يف التفريق بني ال�ضحابة حيث اأعلنوا براءتهم من ال�ضحابة علي بن اأبي طالب وعثمان بن عفان ومعاوية واحلكم بكفرهم ،ولهذا فقد �ضميوا بالنوا�ضب لأنهم نا�ضبوا العداء لعلي وغريه من ال�ضحابة. واأكد رئي�س فرع منتدى و�ضطية جر�س اأحمد نوا�س القادري على اأهمية الندوة باعتبارها �ضرورية يف حياة امل�ضلمني الذين يعي�ضون منق�ضمني �ضمن فئتني م�ضريا اإىل اأن الفكر التكفريي منهج �ضاع يف اأو�ضاطنا وتلقاه اأعداء الإ�ضالم الذين ر�ضموا �ضيا�ضات احلرب على الدين الإ�ضالمي من خالله . ولفت اإىل دور منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة حلمل ر�ضالة الإ�ضالم والذود عنها يف فهمها ال�ضحيح بعيدا عن املغالة والتفريط والتكفري م�ضتعر�ضا فكرة اإن�ضاء منتدى الو�ضطية واأهدافه وروؤيته والر�ضالة التي وجد من اأجلها وي�ضعى لتحقيقها يف خمتلف دول العامل العربي والإ�ضالمي مبا حث اهلل تعاىل ور�ضوله الكرمي. واأكدت الدكتورة خولة اخلوالدة التي اأدارت الندوة اأن اجلماعات التكفريية والفكر التكفريي ظاهرة لزمت الوجود الإ�ضالمي على مر التاريخ .داعية اإىل معرفة الأ�ضول القراآنية التي يقوم عليها التكفري امل�ضروع لأنها امليزان الذي يوزن به.
85
ﺑﺤﻀوﺭ وزير اﻷوﻗاﻑ والﺸﺆون اإلسﻼﻣية وﺭﺋيﺲ الﺠاﻣﻌة
وسطية السﻠﻂ وﺟاﻣﻌة الﺒﻠقاﺀ يﻌقﺪان وﺭشة حوﻝ )) تطوير واﻗﻊ ﺧطﺒة الﺠمﻌة ((
من اليمني :م .الفاعوري ،الوزير العكور ،د .الطراونة
اأكد امللتقى الذي عقده املنتدى العاملي للو�ضطية ان المام م�ضوؤول عن اإعادة ت�ضكيل العقل واعادة تنوير الفكر واعادة النا�س اىل حقيقة الدين وعقيدته . كان هذا يف ور�ضة العمل التي نظمها منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة/ ال�ضلط بالتعاون مع جامعة البلقاء التطبيقية ومديرية اأوقاف حمافظة البلقاء بعنوان «تطوير خطبة اجلمعة» واأكدت الور�ضة اأن منهج الإ�ضالم جاء يف اأ�ضله لو�ضع الإن�ضان ال�ضوي عقيدة وخلقاً و�ضلوكاً يف واقع احلياة ونتيجة للهزال وال�ضعف الذي اأ�ضاب الأمة لي�ضيب منرب ر�ضول اهلل من خالل جمموعة من النا�س الذي مل يكونوا على منهج الفكر املعتدل والنظر ال�ضحيح جاءت �ضرورة املناداة باإعداد الأئمة املوؤهلني واخلطباء النابهني ليكونوا قادرين على القيام بهذا العبء الثقيل والر�ضالة اجل�ضيمة التي متثل ر�ضالة الإ�ضالم العظيم .بد ًل من �ضيطرة خطباء جهلة ين�ضرون التطرف والغلو
وبينت الور�ضة اأن خطبة اجلمعة هي فن يف اختيار املوقف واختيار العبارة وهي علم يف معرفه ال�ضريعة وان عقل اخلطيب يجب ان يكون على قواعد علمية �ضحيحة فيزن اخلطيب مبيزات ال�ضرع والعقل فال ي�ضح ان تكون عقليته عامية خرافية ل تنتمي اىل حقيقة الدين وو�ضطيته . واأكد اأمني عام املنتدى العاملي للو�ضطية املهند�س مروان الفاعوري على اأن خطبة اجلمعة هي و�ضيلة مهمة لن�ضر الفكار ال�ضحيحة والقيم الراقية يف كل طبقات املجتمع وفئاته حيث انها ل تخت�س باحد دون احد ولطبقة دون طبقة فجميع امل�ضلني ي�ضتمعون اليها وهي فر�ضة للخطيب متكررة ي�ضتطيع بها نقل ر�ضائله والتاثري على هذا اجلمهور الكبري الذي ياأتي باختياره . وا�ضاف ان تطوير خطبة اجلمعة وتفعيل دورها يف املجتمع واخلروج بها عن دائرة الرتابة م�ضووؤلية جماعية من القائمني على �ضوؤون امل�ضاجد
86
وبالتحديد وزارة االوقاف والتي ال بد لها من املتابعة اجلادة وامل�ستمرة الدعوة �إىل اهلل وتبليغ ر�سالته حيث على اخلطيب االلتزام بهدى النبي للخطباء وعقد الدورات وامل�ؤمترات لالرتقاء بهم وبتب�صريهم باهمية �صلى اهلل عليه و�سلم ،واحلكمة واملوعظة احل�سنة ،ومراعاة �أحوال اخلطبة داعيا يف الوقت ذاته �إىل �ضرورة توظيفها خلدمة الإ�سالم املخاطبني واختالف مداركهم وعدم الإطالة بوقت اخلطبة مراعاة وامل�سلمني وتعزيز وحدة الأمة ونبذ العنف و�أن يكون و�سيلة للتوا�صل لأحوال امل�صلني ،وعدم الوقوف على املنرب لي�شهر ع�صاه ويجرح النا�س مع الآخرين واحلوار واحلب للتدليل على �أهمية الو�سطية وتعزيز ب�أ�سمائهم وق�ص�صهم ملخالفته لهدى ر�سول اهلل وغريها من املهام مفهومها بني النا�س . الواجب اتباعها لتفادي الوقوع يف �أخطاء ج�سيمة. �أما رئي�س جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور اخليف الطراونة قال يف حني �أ�شار مدير �أوقاف البلقاء د.عو�ض الفواعري يف حديثه عن واقع �أن ما ن�شهده اليوم �صورة خمتلفة خلطبة اجلمعة ا�سلوبا وم�ضمونا خطبة اجلمعة ومدى �أهمية الر�سالة التي ت�ؤديها و�آثارها على حياة و�صورة مماثلة خلطيبها على �صعيد املو�ضوع والتناول ويلحظ املتتبع امل�سلمني ملا متدهم ب�أ�سمى معاين الإميان وتوجه �سلوكهم و�أفكارهم لهذا االمر تناول بع�ض اخلطباء مو�ضوعات بعيدة عن اهتمامات وتغذي فيهم عوامل اخلري وال�صالح وتبعدهم عن ارتكاب املعا�صي حياتنا اليومية وم�ستقبلنا وال تن�سجم مع روح الع�صر وما طر�أ على والآثام. املجتمع االن�ساين من تطوير وتغيري يف �ضوء التقدم العلمي والفكري. كما تطرق للحديث عن �شروط وجوب و�صحة ال�صالة و�أركان خطبة و�أكد على �ضرورة ت�أهيل ه�ؤالء اخلطباء وتعميق ثقافتهم وتو�سيعها اجلمعة و�سننها ،م�شريا يف الوقت ذاته �إىل �ضرورة �أن يتحلى اخلطيب وتنوعها وتلبية متطلبات احلياة والنا�س يف �ضوء تعاليم ديننا باملظهر الالئق الذي يتنا�سب مع عظم الر�سالة التي ي�ؤديها ومهابة اال�سالمي الذي دعا اىل حرية الفكر والتنوير واهتم بتجديد الوعي املنرب و�سفارته للحبيب امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم. وعني بالبحث والتفكري العلمي املنطقي املدرو�س م�شريا يف الوقت ذاته �أما مفتي حمافظة البلقاء الدكتور هاين خليل عابد فقد حتدث بدوره على �أن اجلامعة ب�صدد �إ�ستحداث تخ�ص�ص يف جمال الوعظ والإر�شاد يف عن موا�صفات اخلطيب الناجح حيث �أكد على �ضرورة اهتمام اخلطيب كلية عجلون اجلامعية وت�سعى �إىل �إعتماده وو�ضع برناجمه ومتطلباته بالإخال�ص هلل تعاىل واتقانه مهارة قراءة القر�آن الكرمي وحر�صه على الأكادميية والفنية واملنهجية املحكمة ليخدم املجتمع وت�أتي خمرجاته ايراد الأحاديث ال�صحيحة والإ�شارة مل�صدرها وتعريف النا�س ب�أمور من خرية اخلطباء واملر�شدين والوعاظ ليكونوا مب�ستوى الطموح دينهم والتزامه باللغة العربية مبتعدا يف الوقت ذاته عن الإطالة امل�أمول فكراً وثقافة و�أدا ًء ومتكناً من اللغة العربية وعلومها املختلفة . وبني رئي�س املنتدى يف ال�سلط �أحيا عربيات يف كلمته �أهمية هذه الور�شة باخلطبة وعن الألفاظ الوعرة غري املفهومة وغريها من الأمور التي والتي تعترب خطوة رائدة على طريق النهو�ض بخطبة اجلمعة لت�ؤدي وجب على اخلطيب الإلتزام بها ليحقق بذلك موا�صفات النجاح . ر�سالتها احل�ضارية كر�سالة عاملية جتمع بني مبادئ العدل وامل�ساواة �أما �أ�ستاذ ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية الدكتور هايل الداود فقد والو�سطية والرحمة وتنوير النا�س يف الق�ضايا ال�شرعية وم�ستجدات حتدث عن كيفية ا�صالح وتطوير خطبة اجلمعة مبا يتنا�سب مع ديننا الإ�سالمي ومعاجلة �أي خلل يوجد لتظل خطبة اجلمعة ت�ؤدي ذات احلياة . وناق�شت الور�شة التي �شارك فيها نخبة من علماء الدين و�أ�ساتذة الر�سالة التي وجدت من �أجلها. ال�شريعة يف اجلامعات الأردنية عددا من املحاور ذات ال�ش�أن حيث وح�ضر اللقاء مفتي حمافظة البلقاء ال�شيخ �أمني الكيالين وعدد من تطرق عميد كلية ال�شريعة الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة يف ورقته ال�شخ�صيات الإ�سالمية وال�سيا�سية والأكادميية وعدد كبري من اخلطباء بعنوان" امل�شكالت التي تواجه خطبة اجلمعة" �إىل امل�س�ؤولية التي تقع من كافة �أنحاء املحافظة زاد عددهم عن 180خطيباً ،ثم تناولوا طعام على كاهل اخلطيب جتاه �إلقائه للخطبة ،خا�صة و�أنها من �أهم و�سائل الغداء الذي ختم به اللقاء.
87
اﻷﺩﺏ الساﺧر وﺩوﺭﻩ فﻲ اإلﺻﻼﺡ /ﻣﺤاﺿرﺓ لﻠﻜاتﺒان ﻏيﺸان و الزﻋﺒﻲ
الكاتبان و�شورة تذكارية مع �شباب الهية
ا�ضتعر�س الكاتبان يو�ضف غي�ضان واأحمد ح�ضن الزعبي ن�ضاأة الأدب ال�ضاخر يف الأردن منذ بداياته وحتى وقتنا احلا�ضر ،واأبرز كتابه، والتحديات التي تواجهه والر�ضالة املن�ضودة من خالله. وقال خالل املحا�ضرة التي نظمها منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة مبقره بعمان حول" دور الأدب ال�ضاخر يف الإ�ضالح" اأن الكتابة ال�ضاخرة هي �ضالح ال�ضعفاء منذ وجد الإن�ضان ،يعرب الفرد من خاللها عن هموم وغ�ضب وانتقاد الآخرين ممن هم غري قادرين على التعبري عن اأوجاعهم، فتكون كـ" ف�ضة غل" لهم خوفا من الوقوع بالإحباط اأو الإ�ضابة باجلنون، كما اأنها من الفنون املحفوفة بالتحديات ال�ضعبة وعلى الكاتب اأن يظل حري�ضا وحذرا يف اي�ضال فكرته من خالل كتاباته من جهة ،مع بقاء تلك الكتابات يافعة متجددة من جهة اأخرى. واأ�ضافا اإىل اأن الكتابة ال�ضاخرة الأردنية متتاز باجلدية ،والت�ضيي�س، واجلذرية ،واأكرث حرية مقارنة بالكتابات ال�ضاخرة يف الدول الأخرى، ي�ضاف لها ميزة اأخرى من خالل احرتاف املراأة لهذا الفن كالكاتبة هند خليفات ومي ال�ضريف. واأ�ضار الكاتبان اأنه ل يوجد عالقة ودية بني الكاتب ال�ضاخر واحلكومات، فهما يف نقي�س دائم ،موؤكدان يف ذات الوقت على اأهمية املطالبة بالإ�ضالح من خالل الكتابات واحلركات الحتجاجية. وبني الكاتب يو�ضف غي�ضان اأن الأدب ال�ضاخر ياأخذ منحى واحدا ،ويحتاج للمزيد من احلرارة لإي�ضال الفكرة دون ار�ضاء جهة معينة على ح�ضاب الأخرى ،لفتا يف الوقت ذاته اأن الكتابة ال�ضاخرة واإن كانت �ضاخرة اإل اأنها من اأكرث املواد جدية يف �ضحفنا الأردنية. وحول ما اإذا كان الأدب ال�ضاخر موهبة اأم اكت�ضابا فقد قال غي�ضان ان الكتابة ال�ضاخرة قد تكون موهبة حيث لبد من وجود بذرة �ضخرية لدى الكاتب اإل انها يف الوقت ذاته حتتاج ملزيد من الرتكيز لتنمو تلك البذرة وت�ضتمر .
الزميل اخلوالدة يتو�شط غي�شان والزعبي
واأ�ضاف اأن الكاتب ال�ضاخر غري م�ضطر ل�ضتخدام اأية وثائق اأو م�ضتندات لإي�ضال فكرة معينة اأو م�ضكلة ما ،لكن عند الكتابة عليه ال�ضتناد على الكثري من الآراء لكثري من الأ�ضخا�س ممن ميتلكون وثائق واأدلة معينة. يف حني اأ�ضار الكاتب اأحمد الزعبي اأن الكاتب ال�ضاخر يف �ضراع م�ضتمر مع الرقيب ويف حماولت دائمة للتخل�س من مق�ضه ،اإل اأن املهم هو امرار الفكرة اأكرث منه م�ضطلح ،لهذا ميكن لتمرير الفكرة من خالل �ضرد ق�ضة اجتماعية ابطالها اأنا�س ب�ضطاء ،اإل اأن املواطن الأردين �ضاحب ذكاء مميز وقادر يف الوقت ذاته على فك ال�ضيفرة التي تفلت من يدي الرقيب اأما بالن�ضبة لل�ضباب والإ�ضالح فقال الزعبي اأن الكاتب ال�ضاخر هو الأكرث مبا�ضرة وتاأثريا بفئة ال�ضباب من خالل كتاباته التي من املفرت�س اأن تكون �ضل�ضة ووا�ضحة ومفهومة من حيث الفكرة وامل�ضطلحات. واأ�ضاف اأن هناك قفزات كبرية بوعي ال�ضباب ودورهم يف الإ�ضالح والتغيري الأمر الذي ينم عن ثقافة �ضيا�ضية يتمتع بها �ضبابنا ،معربا عن فرحه مبا يقدمه ال�ضباب من خالل الإعت�ضامات التي خرجت وال�ضعارات املبهرة التي ينادون بها باأ�ضلوب �ضاخر ينم عن موهبة حقيقية لديهم واح�ضا�س عميق مبا يح�ضل حولهم ،ولفتا يف الوقت ذاته وبالن�ضبة له اأنه قد �ضارك يف عدد من تلك الإعت�ضامات ،اإل اأن كتاباته ال�ضاخرة وطرحه لالأفكار من وجهة نظره اأهم من وجوده وم�ضاركته بامليدان. ويف نهاية اللقاء الذي اأداره حمزة اخلوالدة وح�ضره نخبة من رجال و�ضيدات املجتمع من خمتلف القطاعات بالإ�ضافة لن�ضبة كبرية من ال�ضباب وال�ضابات من هيئة �ضباب الو�ضطية� ،ضلم الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري دروع املنتدى للكاتبني تقديرا لهما ولإ�ضهامهما احلقيقي يف اإي�ضال ر�ضالة الآخرين من خالل الفن الذي تاألقا فيه.
88
الﻌنﻒ المﺠﺘمﻌﻲ فﻲ المﺪاﺭﺱ /وﺭشة لﻠﻌالمﻲ لﻠوسطية ووزاﺭﺓ الﺘرﺑية والﺘﻌﻠيﻢ والتعليم املختلفة يف املحافظة. حيث حتدثت الدكتورة نوال �ضرار يف ورقتها " اأ�ضباب العنف املدر�ضي" عن اأ�ضباب العنف ومظاهره ونتائجه والو�ضائل الكفيلة للحد منه ،وبينت تعريفا للعنف املدر�ضي ارتكز على الواقع الرتبوي ومقارنته بفرتات زمنية متعاقبة ،كما ابرزت الدكتورة �ضرار دور الإعالم ورفقاء ال�ضوء يف العنف املدر�ضي م�ضرية يف الوقت ذاته غلى تق�ضري املوؤ�ض�ضات الرتبوية يف الت�ضدي بفاعلية لهذه الظاهرة .
عقد املنتدى العاملي للو�ضطية بالتعاون مع وزارة الرتبية والتعليم الأردنية ور�ضتي عمل يف اأقليمي الو�ضط وال�ضمال حول "ظاهرة العنف املجتمعي يف املدار�س" وذلك يومي الثالثاء والأربعاء املوافق . 2011/5/4-3 ويف الور�ضة الأوىل التي عقدت يف نادي املعلمني يف حمافظة العا�ضمة و ح�ضرها 60طالبا وم�ضوؤول من مديريات الرتبية والتعليم يف حمافظات عمان والزرقاء ومادبا والبلقاء ،اأ�ضار املهند�س ب�ضام اأبو الن�ضر من املنتدى العاملي للو�ضطية يف ورقته بعنوان" املواطنة والنتماء واأثرهما يف مقاومة العنف املجتمعي " اإىل اأ�ضباب العنف املجتمعي يف الأردن ومدى �ضيوع هذه الظاهرة يف ال�ضنوات الع�ضر الأخرية ب�ضكل متزايد ،مبينا اأن التم�ضك بالقيم الوطنية والجتماعية والأخالق التي التزم بها ال�ضلف ال�ضالح مما هو متاأ�ضل يف ديننا وتقاليدنا يحمينا من العنف والكراهية. وبني املهند�س اأبو الن�ضر اأهمية قيم احلوار والت�ضامح بدل من التنافر والتباغ�س من خالل اإعادة النظر يف املناهج املدر�ضية واخلطط الرتبوية وايجاد فر�س عمل مت�ضاوية بني فئة ال�ضباب وتر�ضيخ قيم النتماء واملواطنة للوطن والقائد. م�شاركون يف الور�شة ويف ورقة م�ضرتكة بني كل من اأ�ضتاذي ال�ضريعة يف اجلامعة الأردنية الدكتور حممد الريان والدكتور عبد اهلل ال�ضيفي بعنوان" العنف ..ويف ورقته املعنونة بـ" اأثر العامل الديني يف احلد من العنف املجتمعي" واأ�ضبابه" واأثر التدين يف احلد منه ،ومب�ضاركة طلبة ال�ضف العا�ضر اأعاد الدكتور عبد اهلل ال�ضيفي اإىل الأذهان الن�ضو�س الدينية التي �ضكلت اأ�ضا�ضا يف التعامل بني اأفراد املجتمع بكافة فئاتهم العمرية وثقافاتهم ،كما اأظهر دور �ضلوك القائد واملدير والإمام واملعلم يف التاأثري الإيجابي على الن�سء. ويف اخلتام قدم املهند�س ب�ضام اأبو الن�ضر من املنتدى العاملي للو�ضطية يف ورقته "املواطنة والنتماء واأثرهما يف مقاومة العنف املجتمعي" ت�ضورا عن اأثر املواطنة يف احلد من العنف املجتمعي داعيا اإىل حوار وطني ي�ضمل ال�ضرائح الجتماعية الأوىل بالرعاية .وبني اأن اجلامعات هي حوا�ضر علم ومعرفة ل اأماكن للكراهية والإق�ضاء . ودعا املهند�س اأبو الن�ضر يف حوار م�ضرتك اإىل الت�ضالح مع الآخر من اليمني :د .ال�شيفي ،م .ابو الن�شر ،د� .شرار وحماورته واإعادة قيم املجتمع الإيجابية التي تاآكلت مع الثورة والأول الثانوي حيث مت توزيعهم يف جمموعات ،فقد مت تعريف العنف املعلوماتية و�ضيوع ال�ضتهالكية بني اأفراد املجتمع. وذكر �ضوره واأ�ضبابه والعوامل التي ت�ضاعد يف احلد منه ،وبينا وبالتوافق وقد مت تقدمي فيلم ت�ضجيلي اأنتجه املنتدى العاملي للو�ضطية بعنوان" مع احل�ضور اأن الأ�ضكال املختلفة للعنف ج�ضديا ولفظيا ونف�ضيا ت�ضيع بال هوية" يتحدث عن الإرهاب و�ضرورة احلد منه ،كما يتطرق لآراء يف جمتمعنا ب�ضكل متزايد وت�ضكل خطرا على منظومة القيم والأخالق عدد من رموز الو�ضطية يف الوطن العربي وموقفهم من الإرهاب يف املجتمع ،وقدم كل من الدكتور الريان والدكتور ال�ضيفي تو�ضيات م�ضتندين براأيهم اإىل الفكر الإ�ضالمي املت�ضامح . كما قدم كل من الدكتورة نوال �ضرار واملهند�س ب�ضام اأبو الن�ضر تعريفا عديدة للحد من هذه الظاهرة يف املدار�س . ويف يوم الأربعاء املوافق 2011/5/4عقدت ور�ضة اأخرى يف نادي املعلمني خمت�ضرا عن املنتدى العاملي للو�ضطية واأهدافه الداخلية واخلارجية مبحافظة اربد ومب�ضاركة 60طالبا ومعلما من مديريات الرتبية وفروعه يف الوطن العربي. ال�شنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
89
اإ�شالمية -و�شطية -ف�شلية -م�شتقلة
ﺩوﺭ المرأﺓ فﻲ الﺘﻐيير /وﺭشة تﺪﺭيﺒية تﻌقﺪﻫا لﺠنة المرأﺓ فﻲ لواﺀ ﺫيﺒان ﺑماﺩﺑا
جانب من الور�شة
يف اإطار جولت جلنة املراأة يف منتدى الو�ضطية يف حمافظات اململكة للو�ضول للمراة يف الأرياف ،بهدف ن�ضر وتعزيز منهج الفكر الو�ضطي لديها يف تناول ق�ضاياها ومن خالل توعية املراأة وتثقيفها حول قدرتها يف التغيري واإ�ضالح املجتمع ونه�ضة الأمة ،عقدت جلنة املراأة يف منتدى الو�ضطية للفكر والثقافة ور�ضة تدريبية بعنوان " دور املراأة يف التغيري" وذلك يوم ال�ضبت املوافق 2011/5/7يف لواء ذيبان مبحافظة مادبا. ويف بداية الور�ضة رحبت رئي�ضة جلنة املراأة ال�ضيدة �ضو�ضن املومني باحل�ضور املوؤلف من � 100ضيدة ونا�ضطة يف العمل الإن�ضاين ،ثم تطرقت للحديث عن اللجنة من خالل التعريف بها و باأهميتها واهتماماتها ب�ضوؤون املراأة املتنوعة. يف حني تناولت رئي�ضة جلنة املراأة /فرع مادبا النا�ضطة اأ�ضماء الرواحنة احلديث عن مفهوم العمل التطوعي وجمالته ومعيقاته ،واأكدت على التمكني القت�ضادي للمراأة.
ال�شنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
وعقبت على كالمها ع�ضو املنتدى ال�ضيدة رويداء ريالت حيث ذكرت مناذج م�ضيئة من التاريخ الإ�ضالمي يف عهد الر�ضول �ضلى اهلل عليه و�ضلم تدل على دور املراأة التطوعي يف جميع املجالت واقرار الر�ضول �ضلى اهلل عليه و�ضلم بذلك ثم �ضربت اأمثلة لأنواع من العمل التطوعي من املمكن قيام املراأة بها يف وقتنا احلايل. اأما الدكتورة نوال �ضرار فقد ركزت يف ورقتها "دور املراأة يف بناء الأ�ضرة" على دور املراأة يف الأ�ضرة اأما واأختا وبنتا ،واأهمية هذا الدور يف بناء اأ�ضرة �ضاحلة ت�ضاهم يف بناء املجتمع. ويف نهاية الور�ضة دار حوار مو�ضع بني اجلمهور واأع�ضاء اللجنة (ال�ضيدة �ضو�ضن املومني وال�ضيدة رويداء ريالت والدكتورة نوال �ضرار والنا�ضطة اأ�ضماء الرواحنة) حول ما طرح يف الور�ضة من ق�ضايا تتعلق باملراأة، مطالبات يف الوقت ذاته ب�ضرورة تكرار مثل هذه الور�س التي ت�ضاهم يف زيادة وعي املراأة بق�ضاياها ومتكينها املعريف والقت�ضادي.
90
اإ�شالمية -و�شطية -ف�شلية -م�شتقلة
الﻔاﻋوﺭﻱ يﻠﺒﻲ ﺩﻋوﺓ ﺭاﺑطة الﻌالﻢ اإلسﻼﻣﻲ لﻠمﺸاﺭﻛة ﺑمﺆتمر » الﻌالﻢ اإلسﻼﻣﻲ ..المﺸﻜﻼﺕ والﺤﻠوﻝ «
م .الفاعوري
بدعوة من رابطة العامل الإ�ضالمي وحتت رعاية خادم احلرمني ال�ضريفني � ،ضارك الأمني العام للمنتدى العاملي للو�ضطية املهند�س مروان الفاعوري يف املوؤمتر الإ�ضالمي العاملي الذي عقدته الرابطة بعنوان" العامل الإ�ضالمي ...امل�ضكالت واحللول" وذلك يف الفرتة ما بني 2011/7/25-23يف مكة املكرمة وناق�س املوؤمتر خالل جل�ضاته اأهم م�ضاكل العامل الإ�ضالمي كم�ضكلة اجلهل بحقيقة الإ�ضالم ،والفرقة، وا�ضتغالل الأعداء للطائفية ،والأو�ضاع القت�ضادية والجتماعية، وتاأثري التيارات الدخيلة على املجتمعات امل�ضلمة ،واأهم احللول املقرتحة ،كما تطرق ملفهوم احلوار يف املجتمعات واأثره يف معاجلة امل�ضكالت ،وعر�س الأمنوذج الإ�ضالمي يف اإ�ضالح املجتمع ومنهج الإ�ضالم يف درء الفنت وغريه . و قد خرج املوؤمتر الذي �ضارك فيه نخبة من العلماء واملثقفني وامل�ضئولني عن منظمات ومراكز اإ�ضالمية من خمتلف اأنحاء العامل بجملة من التو�ضيات اأهمها دعوة رابطة العامل الإ�ضالمي اإىل اإعداد ميثاق عمل اإ�ضالمي ،يعالج التحديات الداخلية واخلارجية التي تواجهها الأمة الإ�ضالمية ،وتكامل اجلهود الر�ضمية وال�ضعبية يف الأمة الإ�ضالمية وتعاونها والتن�ضيق بينها ،يف خمتلف املجالت ،وخا�ض ًة الدعوة والتعريف بالإ�ضالم ،والإعالم ،واحلوار ،والأعمال اخلريية. ال�شنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
كما �ضدد املوؤمتر على �ضرورة تعريف الأجيال ال�ضابة بالإ�ضالم وحقائقه ،وتوفري الو�ضائل املعينة على فهم مقا�ضده ،ودعم املوؤ�ض�ضات املع ّرفة بالإ�ضالم ،وحثها على عر�ضه بطريقة ت�ضهم يف حل م�ضكالت الع�ضر وم�ضتجداته ،والتن�ضيق بينها يف و�ضع اخلطط التي تعالج الق�ضور يف فهم الإ�ضالم ،وتت�ضدى لالفرتاءات املثارة حوله من خالل وعي امل�ضلمني بوجوب التحاكم اإىل �ضرع اهلل . واأكد املوؤمتر على مواجهة الغلو الفكري والنحراف العقدي باحلوار الب َّناء و حتكيم ال�ضرع واللتزام به ،واإقامة العدل ،واحلر�س على الرعية ،وال�ضهر على حرا�ضة حقوقهم وتاأمني م�ضاحلهم. ودعا الدول الإ�ضالمية ،وجامعة الدول العربية ،ومنظمة التعاون الإ�ضالمي ،واملوؤ�ض�ضات الدولية اإىل القيام بواجبهم يف درء الفنت، وما فيها من قتل وتعذيب وتهجري ،ومراعاة قادة الدول الإ�ضالمية و�ضعوبها ملقا�ضد ال�ضريعة يف �ضيانة الدين والنف�س واملال ،واللتزام مبا قررته من حقوق لالإن�ضان ،ناهيك عن قيام العلماء مب�ضوؤولياتهم جتاه بلدانهم و�ضعوبهم؛ وتعريف امل�ضلمني مبا يقت�ضيه �ضرع اهلل القومي من حقوق وواجبات،و تعاون العلماء مع احلكام امل�ضلمني يف اإ�ضالح اأنظمة الدول الإ�ضالمية ،واتخاذ الو�ضائل املنا�ضبة لتحقيق التنمية ال�ضاملة وغريها من التو�ضيات املهمة.
91
اإ�شالمية -و�شطية -ف�شلية -م�شتقلة
تﻜريﻢ ﻛﺘاﺏ الﺘﺠﺪيﺪ
الﺼاﺩﻕ المهﺪﻱ يﺤاﺿر فﻲ حﻔﻞ ﺇفطاﺭ الﻌالمﻲ لﻠوسطية ويﻜرم الﻌثمانﻲ وﻣوﺭو و�ضف الأمني العام حلزب الأمة ال�ضوداين رئي�س املنتدى العاملي للو�ضطية المام ال�ضادق املهدي غياب خطط بديلة لدى ال�ضعوب بـ " فقر الدم الفكري". واأ�ضاف يف املحا�ضرة التي األقاها خالل حفل الإفطار الذي اأقامه املنتدى العاملي للو�ضطية م�ضاء الأربعاء املوافق 2011/8/17يف مدينة احل�ضني لل�ضباب اأن " ثمة فقر دم فكري عند ال�ضعوب يحدد ما هو البديل املطلوب وما هو العمل والتدابري ل�ضد الثغرات فيما يتعلق بالبديل امل�ضهود " ،مبدياً ت�ضاءله عن البديل الذي تن�ضده ال�ضعوب ب�ضورة قاطعة والذي ميكن ان يكون العالج ال�ضايف فقال " ال�ضلطات القائمة �ضارت مرفو�ضة ولكن ما هو البديل الذي نن�ضده وهنالك ما ميكن اأن ن�ضميه فقر دم فكري يحدد ما هو املطلوب وما هو العمل؟". وحتدث الإمام ال�ضادق اأمام نخبة من ال�ضيا�ضيني ورجال الدين والعالم بح�ضور المني العام ملنتدى الو�ضطية املهند�س مروان الفاعوري عن اأ�ضباب الثورات العربية مو�ضحاً اأن لها ا�ضبابا مو�ضوعية واخرى ذاتية ،م�ضدداً على اأن الف�ضاد وال�ضتبداد والبطالة والتبعية املُذلة والإن�ضداد يف الأفق بني احلاكم واملحكوم يف عامل �ضار النا�س فيه يقد�ضون احلرية وال�ضفافية والعدالة والقانون كلها تعد ا�ضبابا مو�ضوعية لندلع مثل هذه الثورات. واثنى املهدي يف املحا�ضرة التي حملت عنوان (معامل الفجر العربي اجلديد) وهو عنوان كتاب األفه موؤخراً على من ا�ضماهم " طالئع ال�ضباب" التي اكت�ضفت و�ضائل حديثة للتعبري عن ذاتها اأبرزها "تويرت" و "في�س بوك" و " يوتيوب" ،يف وقت كان التعبري احلركي ي�ضكل درعاً واقياً للثورات دعمه درعا اعالميا فيما �ضكل الراأي العام الدويل درعاً دولياً.
ال�شنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
92
اإ�شالمية -و�شطية -ف�شلية -م�شتقلة
وحول الثورات العربية املح اىل ا�ستقتال ال�شهيد حممد البوعزيزي بعد وتطرق اىل �شعارات ترفع لكنها ال تطبق بل �أنه يتحقق عك�سها وقال �أن �شعر بحالة الإحباط لكن من بعده قد فتح الباب وك�سر حاجز اخلوف "هذا ما حدث يف بالدي " ،وعن وجود االيدولوجيات يف اخلطاب اال�سالمي نوه �إىل �أنه يوجد تياران موجودان االول متمثل يف طالبان وبد�أت الثورة يف تون�س ومن ثم م�صر حيث اندفعت اىل الواجهة. وا�ضاف �أن هناك تفاوتا يف طبيعة كل بلد من حيث املفاج�أة واال�ستعداد للتحول والتغيري فقال " غاب عن�صر املفاج�أة واختلفت ردات الفعل واختلف رد القوات امل�سلحة و الرتكيبة ال�سكانية واختلفت العوامل والتدخالت االقليمية والدولية مما حرم ثورات الحقة بال�سرعة وال�سهولة املطلوبة التي نتجت عنها ثورات اخرى". وا�ستدرك بالقول لكي ال يحبط الثورات القائمة " ال ُبد من �صنعاء و�إن طال ال�سفر ،و�إن حدثت تعقيدات لكن حكم الفرد �إىل زوال الن ذلك يتماهى مع مثلنا وحركة التاريخ " ،منتقداً من يقف اىل جانب االنظمة امل�ستبدة "بفكرة حاكمة واعالم م�ضلل و�أمن ال يراعي ذمة والتي قهرت بها ال�شعوب ومن هنا خلق االحتقان". وحول الدميقراطية ومتثلها يف العامل العربي واال�سالمي �أو�ضح انه الميكن للدميقراطية اال�ستدامة مامل ترتافق مع حتوالت تعالج م�شاكل الفقر والبطالة والف�ساد ،م�ؤكدا ان تطبيق الدميقراطية بوجود تلك امل�شاكل �ستوجه النا�س نحو حركات تق�ضي على ال�سلم االجتماعي، كون الدميقراطية مع توازناتها �شرط لأي حركات �إ�صالحية. ودلل املهدي على اهمية التكتالت ال�سيا�سية مابني الدول العربية وهو مت�شدد ويريد �أن ي�ستن�سخ املا�ضي وتيار اردوغان يبني توجهه يف ظل العلمانية .وحول اختالف الفرق اال�سالمية ،قال �إن املدار�س الفكرية لو جتردت من بع�ض الظروف املذهبية فرنى ان كل امل�سلمني اهل �سنة باعتبار االتباع و�شيعة يف حب ر�سول اهلل و�صوفية باعتبار ان احكام اال�سالم م�ستمدة من جذور روحية. وعلى هام�ش املحا�ضرة كرمت رابطة ك ّتاب التجديد املنبثقة عن املنتدى الدكتور �سعد الدين العثماين والدكتور حممد مورو مل�ساهمتهما واال�سالمية ،لتقوية مواقفها ،م�ستعر�ضا منوذج الواليات املتحدة يف اعمال جتديدية يف جمال الفكر والثقافة ،فيما كان عريف حفل االمريكية واالحتاد االوروبي والهند وال�صني ،وما حققته تلك الدول الزميل الكاتب ح�سني الروا�شدة الذي قدم �شذرات من الكلمات وحتدث عن الو�سطية واالعتدال يف الإ�سالم. من تقدم يف �شتى املجاالت.
ال�سنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
93
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
فﻲ نﺪوﺓ ﻣﻌالﻢ الﻔﺠر الﺠﺪيﺪ
ﻣﺸاﺭﻛون :اإلﺻﻼﺡ السياسﻲ فﻲ اﻷﺭﺩن والمﻐرﺏ يمثﻞ نماﺫﺝ الﺤﻜﻢ الراشﺪﺓ فﻲ الﺘﻐيير نﺤو اﻷفﻀﻞ
لقطات من الندوة
اأ�ضاد مفكرون اإ�ضالميون بالتعديالت الد�ضتورية الأردنية التي تدعو اىل حتقيق التوازن بني الدولة واملجتمع. واأكدوا خالل الندوة التي نظمها املنتدى العاملي للو�ضطية اخلمي�س املوافق 2011/8/18املركز الثقايف امللكي اأن الإ�ضالح ال�ضيا�ضي امل�ضتمر يف الأردن واملغرب ميثل مناذج احلكم الرا�ضدة واملتميزة يف التغيري نحو الأف�ضل التي ت�ضهده ال�ضاحة العربية. وقالوا اأن هناك قوا�ضم م�ضرتكة للثورات العربية ت�ضتند على التطلعات الوطنية والدينية والقومية وتطوير العالقات البينية بني الدول العربية واإقامة عالقة تعتمد على الندية ل التبعية مع الدول الأجنبية .وارجع املفكر الإ�ضالمي امل�ضري الدكتور حممد مورو جذور الثورات العربية اإىل الأ�ضباب املو�ضوعية والذاتية مبينا اأن الأ�ضباب املو�ضوعية منها تتمثل بالف�ضاد واختالل معايري العدالة والنغالق ال�ضيا�ضي وتزوير ارادة ال�ضعوب يف النتخابات وقمع وقهر للراأي العام وانك�ضار للكرامة والعزة العربية والإ�ضالمية. وقال اأن املعايري الذاتية كانت عدم وجود قوى قادرة على ترجمة الغ�ضب ال�ضعبي من عوامل اخللل وغياب هذه القوى اأدى اإىل موا�ضلة ال�شنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
ال�ضمت اإ�ضافة اإىل اأن القوى ال�ضيا�ضية العربية افتقدت اىل اخليال ملعرفة ان النظام العربي كان �ضعيفا لأنه مل يعد له اأ�ضباب وجود يف اجلوانب القت�ضادية والجتماعية وال�ضيا�ضية. ولفت د.حممد املورو اإىل اأن ال�ضلطة العربية كانت ملقاة على قارعة الطريق تنتظر من يلتقطها والقوى الدولية التي تقودها الوليات املتحدة الأمريكية غري قادرة على التدخل لأنها يف ا�ضعف حالتها ولأنها تريد اأنظمة م�ضتقرة باأي ثمن ،واأوروبا م�ضلحتها وقف الهجرة اليها من الدول الأفريقية. وقال اأن النظام الراأ�ضمايل �ضبب ويالت كثرية لأنظمة احلكم عربيا وعامليا وبات العامل ينتظر نظام دويل جديد يخل�ضه من غياب العدالة الجتماعية والقت�ضادية وال�ضيا�ضية ليكون طرح البديل النظام الإ�ضالمي لمتالكه اجلوانب النظرية واملمار�ضة العملية للخال�س من هذه الويالت التي �ضيطرت على املجتمعات التي ا�ضتبدت فيها اأنظمتها يف اجلوانب القت�ضادية والجتماعية وال�ضيا�ضية موؤكدا اأن العاملية الإ�ضالمية حتقق احلرية وت�ضاهم بدحر اأنظمة ال�ضتكبار. واأ�ضاف املورو اندلعت الثورات العربية ب�ضبب النت�ضار الكبري للف�ضاد
94
اإ�شالمية -و�شطية -ف�شلية -م�شتقلة
و�سطوة اال�ستبداد وت�آكل الطبقة الو�سطى يف املجتمعات العربية. و�أ�شاد الأمني العام ال�سابق حلزب العدالة والتنمية املغربي الدكتور �سعد الدين العثماين نائب رئي�س جمل�س النواب بالتطور الذاتي وامل�ستمر والإ�صالح ال�سيا�سي الذي ي�شهده الأردن واملغرب والتعديالت الد�ستورية الرائدة نحو الدميقراطية معتربا �إياهما من الأنظمة العربية التي ا�ستجابت ملتطلبات املرحلة باعتبارهما من الأنظمة الدميقراطية يف العامل العربي. ونوه �إىل �أن غياب التوازن بني الدولة واملجتمع كان من احد �أ�سباب الثورات العربية م�ؤكدا فقدان معادلة التوازن يف ال�سيا�سة العربية املتمثل يف ا�ستبداد الدولة وتدخلها يف كل �ش�ؤون حياة املواطن التي �أ�صبحت خانقة للإن�سان ب�سبب غياب م�ؤ�س�سات املجتمع املدين عن مراقبة الدولة لفرتات طويلة لي�أتي هذا االنفجار جملجال من قبل جمتمعاتها. وقال �أ.د�.سعد الدين العثماين �أن النظام الإ�سالمي يرتكز على حمورية التوازن بني الدولة واملجتمع حيث كانت هناك ا�ستقاللية للمجتمع يف التعليم وال�صحة والق�ضاء واملياه والزراعة وكانت مهمة الدولة تنح�صر يف الدفاع والأمن ووظائف �أخرى تتعلق بحماية احلريات وامن املواطن. و�أو�ضح �أن تدخل الدولة يف حياة املواطن واالعتداء على كرامته وحرياته وحرماته والظلم االجتماعي الفاح�ش والإذالل الكبري �إ�ضافة �إىل �إهدار الكرامة وال�ضغط الكبري على النا�س �أدى �إىل انفجار هذه الثورات مبينا �أن ال�شباب كانوا �أكرث النا�س ت�ضررا وعذابا وي�أ�سا مما دعاهم لقيادة عملية التغيري. و�أ�ضاف العثماين �أن الت�أثري لهذه الأنظمة العربية يختلف من دولة �إىل �أخرى ح�سب �إيقاع هذه العالقة فالنظام الذي ميتلك درجة من االنفتاح على امل�ستوى ال�سيا�سي واالقت�صادي واالجتماعي كان ت�أثره اقل من غريه بكثري. و�أكد رئي�س وزراء ال�سودان الأ�سبق رئي�س املنتدى الإ�سالمي العاملي للو�سطية الإمام ال�صادق املهدي ان نظام حكم الفرد املطلق قد انتهى ولن يعود مبينا ان العامل العربي ي�شهد وحدة ثقافية ووجدانية وتطلعات م�شرتكة. و�أ�شار �إىل العوامل امل�شرتكة التي تربط وجدانيات العامل العربي يف التم�سك بالعالقات العربية البينية املبنية على �أ�سا�س وحدوي ،وقيام
ال�سنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
عالقات مع العامل الغربي على �أ�سا�س الندية ال التبعية وال�سالم على �أ�سا�س العدل ال الظلم والإجحاف. و�أكد املهدي على �أن الأهداف العربية تنطلق من مبادئ الإ�سالم مرجحا جناح الثورات العربية رغم كل عوامل القوى امل�ضادة لها الن �سحر الطغيان قد بطل مفعوله وبد�أ يتح�س�س ج�سمه م�شريا �إىل �أن �أنظمة احلكم يف اليمن وليبيا حتولت اىل الفردية املطلقة لهذا فقدت �شرعيتها وان جناح الثورات يف هذه البلدان بالن�صر �سيكلفها ثمنا باهظا كما �أنها �أعطت مل�ؤ�س�سة «الناتو» دورا حتريريا. و�أكد �أن �أنظمة احلكم يف الأردن واملغرب امللكية هي �أكرث ا�ستنارة وا�ستجابة للتغريات و�أكرث ا�ستقرارا لأنها ت�ستند �إىل �شرعية ها�شمية وفيها جتمعات مدنية متطورة وتتجه �إىل نهج ملكيات د�ستورية حقيقية توفق بني الوالء للعر�ش والوالء ل�سلطة ال�شعب والتي تقدم منطا حقيقيا و�أمنوذجا يحتذى ،والأنظمة التي ت�صمد هي التي ت�ستطيع املزاوجة بني �سلطة ال�شعب والعر�ش. و�أ�شار املهدي �إىل �أن �أنظمة احلكم يف دول اخلليج العربي فيها حت�صني ن�سبي من رياح التغيري التي ي�شهدها العامل العربي ب�سبب الوفرة النفطية وعليها االقتداء بالنموذج الأردين واملغربي يف �إدارة احلكم ملعاجلة التناق�ضات. وقال �إذا ف�شلت الثورات العربية من حتقيق �أهدافها ف�أنها لن تعود �إىل املربع الأول مهما كلفها الأمر.
95
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ال�سنة الرابعة :العدد الثالث � -شوال 1432هـ /ايلول 2011م
96
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة