العدد 19 من السنة الثامنة

Page 1

‫‪19‬‬

‫املنتدى العاملي للوسطية‬

‫‪1436‬‬

‫‪2015‬‬


‫ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫( هيئة عاملية �إ�سالمية (‬

‫العدد ‪ : 19‬ال�سنة الثامنة‬ ‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬ ‫اإلفتتاحية ‪:‬‬

‫ُ‬ ‫حال �أمة ‪ -‬املهند�س مروان الفاعوري‬

‫‪4‬‬

‫وسطيتنا ‪:‬‬

‫ت�أ�صي ُل ال ِف ْك ِر ال َت ْنويري َلدَى َ‬ ‫اجه ِة ال َتحدِّيات ‪ -‬د‪ .‬حممد خلف بني �سالمة‬ ‫ال�شبَابِ َودَو ُر ال ُعل َما ِء يف ُم َو َ‬ ‫الو�سط ّية ثقافة وفكر و�سلوك ‪� -‬صالح الدين حممد بهاء الدين‬ ‫هذا هو الإ�سالم ‪ -‬اللــواء عدنــان عبيــدات‬ ‫�أهمية مرحلة ال�شباب يف نظر الإ�سالم ‪ -‬د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬ ‫�أهمية العمل املجمعي ودوره يف �أثر م�سرية االقت�صاد الإ�سالمي والبنوك الإ�سالمية ‪� -‬أ ‪ .‬د ‪ .‬عبد ال�سالم العبادي‬

‫‪5‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪14‬‬

‫مقاالت الوسطية ‪:‬‬

‫امل�سلمون بني �شدائد الع�صر وب�شائر الن�صر ‪ -‬د‪ .‬ال�شاهد البو �شيخي‬ ‫املعنى ا ُ‬ ‫حل ُّر نح َو نظر ّية �إن�سان ّية للمعنى ‪ -‬د‪ .‬خالد عبدالر�ؤوف اجلرب‬ ‫الفرق بني الإرهاب واملقاومة امل�شروعة ‪ -‬د‪ .‬يا�سر �أبو ح�سني‬ ‫القرامطة اجلدد وتعيني �أمريين ملكة واملدينة ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬طه جابر العلواين‬ ‫�أ�ضواء على العامل الإ�سالمي ‪�ِ -‬صدّيق حممد ابراهيم‬ ‫التناق�ضات ال�سلوكية واالجتماعية ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫امل�س�ؤولية االجتماعية و ال�سلوك الأخالقي يف عمل امل�صارف الإ�سالمية ‪ -‬د‪ .‬غ�سان الطالب‬ ‫ت�أمالت يف الرتبية النبوية ‪ -‬د‪ .‬ي�سرى العرواين‬ ‫ال �إله �إال اهلل �أ َّم القواعد الكلية ‪� -‬أ‪ .‬حممد باباعمي‬ ‫الإ�سالم واحلث علىالتف ّكر ‪ -‬الدكتور علي حجاحجه‬

‫‪17‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪41‬‬

‫دراسات إسالمية ‪:‬‬

‫الهدي النبوي يف التعامل مع الأزمات ‪ -‬الدكتور �أحمد ال�سعدي‬ ‫دور اال�ستح�سان يف اختيار احلاكم ‪ -‬ال�شيخ عبد الرحيم �صبح‬ ‫ر�سائل النور لبديع الزمان �سعيد النور�سي ‪ -‬د‪ .‬م�أمون فريز جرار‬ ‫عوامل بناء �شخ�صية الإن�سان ‪ -‬د‪ .‬عبد الإله ميقاتي‬ ‫نعمة الأمن ‪ -‬د‪� .‬سليمان الرطروط‬ ‫جتديد اخلطاب الديني العقدي مفهومه ودواعيه و�ضوابطه ‪ -‬د‪�.‬أحمد احلنيطي‬ ‫فتاوى إسالمية ‪:‬‬

‫‪43‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪63‬‬

‫انت ت�س�أل ونحن جنيب ‪� -‬أ‪.‬د‪ .‬حممد احمد الق�ضاة‬

‫‪68‬‬

‫الأ�سرار الربانية يف الر�ضاعة الطبيعية ‪-‬د‪ .‬ذيب عبداهلل‬

‫‪70‬‬

‫�سلطة ويل الأمر يف التعزير و�ضوابطها عند الإمام اجلويني ‪ -‬اعداد الطالب ‪ :‬عبد احلميد هزاع الغيالت‬

‫‪72‬‬

‫احلمد وال�شكر وال�شفاعة ‪ -‬د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬ ‫ال تقهروا الطفولة !‪ -‬د‪� .‬أ�سمهان الطاهر‬

‫‪70‬‬ ‫‪70‬‬

‫الركن الطبي ‪:‬‬

‫رسائل جامعية ‪:‬‬

‫واحة الوسطية ‪:‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪2‬‬


‫لقاءات وحوارات الوسطية ‪:‬‬

‫لقاء مع �سعادة ال�سيد �إح�سان �أزهر حياة‬ ‫حماورة جملة الو�سطية ل�ضيوف م�ؤمتر(دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي(‬ ‫شخصية العدد ‪:‬‬

‫‪72‬‬

‫الأ�ستاذ الدكتور حارث ال�ضاري‬

‫بيانات الوسطية ‪:‬‬

‫بيان �صادر من املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجري م�سجد القديح ‪ -‬باململكة ال�سعودية‬ ‫بيان �صادر من املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجري م�سجد الإمام احل�سني ‪ -‬الدمام‬ ‫بيان �إدانة حول التفجريات والأعمال الإرهابية يف تون�س‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان ي�ستنكر اجلرمية النكراء التي تعر�ض لها طلبة غاري�سا ‪ -‬كينيا‬ ‫�إعالن هام من املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪89‬‬

‫نشاطات الوسطية ‪:‬‬

‫�أ�ساليب عالج التطرف ندوة حوارية ملنتدى الو�سطية يف جر�ش‬ ‫ا�ستقبل الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‪ ‬معايل القا�ضي حمود الهتار وزير الأوقاف الإ�سالمية (ال�سابق( يف اليمن‬ ‫الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يكرم �إعالميني �أردنيني وعربا‬ ‫موقف املنتدى العاملي للو�سطية من الق�ضية اليمنية‬ ‫اختتام �أعمال الربامج التدريبي للأئمة والوعاظ العراقيني‬ ‫تو�صيات امل�ؤمتر الدويل (دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي(‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك كلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت يف ندوة علمية حول دور كليات ال�شريعة يف تعزيز منظومة القيم‬ ‫الأخالقية وحماربة الغلو والتطرف‬ ‫�أع َّد املنتدى العاملي للو�سطية ندوة (خطر الطائفية واملذهبية على وحدة الأمة وا�ستقرارها(‬ ‫َّ‬ ‫نظم منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�أدبا حما�ضرة بعنوان (الرفق و�أثره يف و�سطية الإ�سالم(‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية ‪ -‬فرع اجلزائر يعقد دورة تكوينية بعنوان الو�سطية يف بناء ال�شخ�صية امل�سلمة‬ ‫كلمة �شكر وتقدير من جمهورية نيجرييا حول امل�ؤمتر الدويل الذي عقده املنتدى العاملي للو�سطية باململكة الأردنية الها�شمية‬ ‫�شكر وتقدير من ال�شيخ م�شهود رم�ضان جربيل الكيتوي للمهند�س مروان الفاعوري‬ ‫زيارة الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري �إىل دولة الكويت‬ ‫زيارة ال�شيخ م�شهود رم�ضان جربيل ملقر املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫لقاء حواري ي�ؤكد دور امل�ؤ�س�سات التعليمية يف الت�صدي للإرهاب‬ ‫منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ‪ -‬املركز القر�آين امل�سابقه الرم�ضانية ال�سنوية الرابعة لعام ‪2015‬‬ ‫مقابلة الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري مع �إذاعة حياة �إف �إم‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية ‪ -‬فرع تون�س يعقد ندوة فكرية (ال�شباب والفكر الو�سطي(‬ ‫منتدى الو�سطية يعقد لقاء �صديقات املنتدى بعنوان)املر�أة ‪ :‬طاقة‪ -‬عطاء ‪ -‬وواقع)‬ ‫لقاءات جلنة املر�أة الثقافية يف املحافظات حمافظة م�أدبا‬ ‫ن�شاطات منتدى الفكر والثقافة الو�سطي‬ ‫�أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية يلتقي برئي�س بعثة االحتاد الأوربي يف الأردن‬ ‫الأمني العام للمنتدى يوقع اتفاقية تعاون‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك يف (دورة ‪:‬الر�ؤية امل�شرتكة لتعزيز الت�سامح ونبذ الإرهاب(‬ ‫عقد اجتماع �أمناء رابطة كتاب التجديد‬ ‫علماء ومفكرون يدعون لإيجاد فر�ص عمل لل�شباب وتر�سيخ نهج االعتدال‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية ‪ -‬فرع اليمن يعقد ور�شة تدريبية بعنوان (حتديد �أهداف خطبة اجلمعة مبا يحقق غاياتها يف تعزيز‬ ‫مقا�صد الإ�سالم(‬ ‫�إ�صدارات املنتدى العاملي للو�سطية �سل�سلة الفكر الو�سطي العدد ‪46-45‬‬

‫‪90‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪101‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪103‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪112‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪116‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪118‬‬

‫مسابقة العدد‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪72‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪3‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫ُ‬ ‫َح ُ‬ ‫ـال �أمـّـة‬ ‫املهنـ ـ ــد�س‬ ‫م ــروان الفاعـ ـ ــوري‬ ‫م مِ نْ ُك ِّل‬ ‫ر�سول اهلل‪ُ ( :‬يو�شِ ُك �أَ ْن َتدَاعَى َعلَ ْي ُك ُم الأُ مَ ُ‬ ‫�أُ ُفقٍ َك َما َت َتدَاعَى‬

‫ت�شهد الأمة يف راهنها �أ�سو�أ موج ٍة ا�ستعماري ٍة‬ ‫ت�ستهدف متزيقها وتفكيكها‪ ،‬وتختلف هذه املوجة‬ ‫عن كل �سابقاتها بعمق ا�ستهدافها وت�أثريها و�أدواتها‪،‬‬ ‫فالأعداء هم الأعداء ولكن اخلربات العلمية‬ ‫والبحثية والتكنولوجية يتم �إعمالها جنباً �إىل جنب‪،‬‬ ‫مبوازاة الدبابة والطائرة واملدفع‪.‬‬

‫الأَ َكلَ ُة َعلَى َق ْ�ص َع ِتهَا ‪ُ ،‬ق ْل َنا ‪ :‬مِ نْ ِق َّل ٍة ِب َنا َي ْو َمئِذٍ ؟ َقا َل‬ ‫ال�س ْيلِ ‪،‬‬ ‫‪ :‬ال ‪� ،‬أَ ْن ُتم َي ْو َمئِذٍ َكثِري‪َ ،‬و َل ِك َّن ُك ْم ُغ َثا ٌء َك ُغ َثا ِء َّ‬ ‫َي ْن َز ُع اللهَّ ُ المْ َهَا َب َة مِ نْ ُق ُلوبِ َع ُد ِّو ُك ْم َو َي ْج َع ُل فيِ ُق ُلو ِب ُك ُم‬ ‫ا ْل َوه َ​َن‪ ،‬قِي َل‪َ :‬و َما ا ْل َوه َُن ؟ َقا َل ‪ُ :‬ح ُّب الحْ َ َيا ِة َو َك َراهِ َي ُة‬ ‫المْ َ ْوتِ )‪.‬‬

‫وي�ساعد كل �أولئك نفر من �أمتنا‪ ..‬هم من بني‬ ‫جلدتنا ‪ ،‬يتكلمون ب�أل�سنتنا ‪ ،‬نعرف منهم وننكر‪ ،‬تعب‬ ‫عليهم وا�ستثمر فيهم �أعدا�ؤنا تار ًة با�سم احلرية‬ ‫وتار ًة با�سم العلمانية ومر ًة با�سم حقوق الإن�سان‬ ‫والدميقراطية‪ ،‬يتحركون وفق برامج و�أجندات‬ ‫خارجية‪ ،‬ي�سهمون يف �إنهاك الأمة وتفكيك املجتمعات‬ ‫الإ�سالمية وحماربة كل بارقة �أمل بانعقاد براعم‬ ‫اخلري والنه�ضة يف بالدنا‪ .‬تنفق املليارات وتو�ضع‬ ‫الربامج لل�صد عن �سبيل اهلل وو�أد كل امل�شاريع‬ ‫الإ�صالحية بدعوى �أحكام الطوارئ والو�صاية‬ ‫على ال�شعوب واملبالغة يف برنامج حماربة التطرف‬ ‫وتوظيف هذه احلرب ل�شغل الأمة بنف�سها ولتفكيك‬ ‫كل احلركات املعتدلة التي ُت َ�ش ِّكل جهاز املناعة يف �أهل‬ ‫ال�سنة قلب الأمة وعقلها الرا�شد على مر الزمان‬ ‫واملكان‪ُ ( ،‬يرِيدُو َن ِل ُي ْط ِف ُئوا ُنو َر اللهَّ ِ ِب�أَ ْفوَاهِ ِه ْم َواللهَّ ُ‬ ‫ُمت ُِّم ُنو ِر ِه َو َل ْو َك ِر َه ا ْل َكا ِف ُرو َن)و�صدق‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫�إن دعاه احلكمة يف الأمة منذرون لإ�شاعة الأمل‬ ‫والثقة بني �شبابها وبفك اال�شتباك بني ُح ّكامها‬ ‫وعُلمائها ودُعاتها و�شراء الزمن لإبقاء ال�شموع َو ّ�ضاءة‬ ‫يف ف�ضاء الأمة حتى ي�أذن اهلل بتمام هذا الأمر وكماله‪،‬‬ ‫( َو َي ْو َمئِذٍ َي ْف َر ُح المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن ِب َن ْ�ص ِر اللهَّ ِ)‪ ‬وم�صداقاً لقوله‬ ‫(�صلى اهلل عليه و�سلم)‪ :‬ل َي ْب ُلغن هذا الأمر ما بلغ‬ ‫ال َّليل وال َّنهار‪ ،‬وال يرتك اهلل بيت َم َد ٍر ‪ ‬وال َو َب ٍر‪ � ‬اَّإل‬ ‫�أدخله ُ‬ ‫اهلل هذا الدِّين‪ِ ،‬ب ِع ِّز َعزِي ٍز �أو ِب ُذ ِّل َذليلٍ ‪ ،‬عِ ًّزا ُي ِع ُّز‬ ‫اهلل به الإ�سالم‪ ،‬و ُذ اًّل ُيذِ ُّل اهلل به الكفر‪.‬‬ ‫قال ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪َ : -‬واللهَّ ِ‬ ‫ري ال َّراك ُِب مِ نْ َ�ص ْن َعا َء‬ ‫َل ُي ِت َّمنَّ َه َذا الأَ ْم َر‪َ ،‬ح َّتى َي�سِ َ‬ ‫�إىل َح ْ�ض َر َم ْو َت ال َي َخ ُ‬ ‫اف �إِ َّال اللهَّ َ �أَ ْو ال ِّذ ْئ َب َعلَى َغ َنمِ هِ‪،‬‬ ‫َو َل ِك َّن ُك ْم َت ْ�س َت ْعجِ ُلو َن‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫و�سطيتنا‬

‫د‪ .‬حممد خلف بني �سالمة‬ ‫جامع ُة الريموك‬

‫ُ‬ ‫الف ْك ِر ال َت ْنويري َلدَ ى َ‬ ‫اء‬ ‫ت�‬ ‫ور ُ‬ ‫لم ِ‬ ‫اب َو َد ُ‬ ‫أ�صيل ِ‬ ‫الع َ‬ ‫ال�ش َب ِ‬ ‫هة ال َت ِّ‬ ‫حديات‬ ‫يف ُم َو َ‬ ‫اج ِ‬

‫للب�شرية ال�سعادة فعا�شت يف كنفها قروناً قال تعاىل ‪(:‬وما‬ ‫�أر�سلنا ك �إال رحمة للعاملني)( الأنبياء ‪ )107/‬فالفهم ال�صحيح‬ ‫لل�شريعة يقوم على قاعدة االعتدال والو�سطية ال �إفراط وال‬ ‫تفريط ‪ ،‬ومن هنا تكمن �أهمية التنوير وت�أ�صيل الفكر والذي‬ ‫يعني ات�صال بالع�صر وارتباط بالأ�صل ‪ ،‬وهذا هو منهج علماء‬ ‫الأمة ومفكريها ‪ ،‬ب�صفتهم الأقدر على تقدمي الأ�سلوب الأمثل‬ ‫لعر�ض الدين من خالل املرحلية‪ ،‬لتمكينه يف نفو�س النا�س ومن‬ ‫خالل مد اجل�سور مع الآخر‪ ،‬لتقدمي النموذج الأمثل يف خدمة‬ ‫الب�شرية وتقدمي ال�صورة الأمثل عن الإ�سالم وامل�سلمني من‬ ‫خالل االلتزام بالإ�سالم وممار�سته قو ًال وفع ً‬ ‫ال فالإ�سالم دين‬ ‫نه�ضوي مل ي�شهد يف �أيّ فرتة من فرتاته ذاك ال�صراع املعروف‬ ‫بني الكني�سة والدولة والذي ع َّط َل �أوروبا قروناً طويلة من الزمن‬ ‫كما �أن فال�سفة الإ�سالم الأوائل عند َط ْرحِ هم مل�شاريعهم انطلقوا‬ ‫من القر�آن ودعواته �إىل وجوب ا�ستعمال العقل (�أفال يتدبرون ‪،‬‬ ‫�أفال يعقلون ‪� ،‬أفال يتفكرون) وكان ابن حزم يرى �أن حل �أعقد‬ ‫امل�شاكل ال يكون �إال با�ستخدام العقل فهو ميزة الإن�سان عن �سائر‬ ‫َ‬ ‫املخلوقات كما قدم الفيل�سوف الكبري ابن م�سكوي ِه من خالل‬ ‫كتابه (تهذيب الأخالق ( م�شروعاً تربوياً ي�ؤ�س�س لبناء ر�صني‪،‬‬ ‫كما �أن العقل عند ابن ر�شد كان هو العقل البرُ هاين ال�صارم‪،‬‬ ‫ولي�س العقل اجلديل واخلطابي اللذين قد تلب�سا مبوروث �أ�صبح‬ ‫بحد ذاته عائقاً للعمل التنويري النه�ضوي وعلى �أي حال ف�إذا‬ ‫�أردنا �أن نتحدث عن ت�أ�صيل الفكر التنويري ال ُب َّد من اال�ستيعاب‬ ‫التام للمفاهيم والقيم والإدراك الفكري من خالل درا�سة‬ ‫الق�ضايا امل�ستجدة وامل�سائل املطروحة وذلك لت�سديد امل�ستقبل‬ ‫لدى ال�شباب واالنطالق من �أ�سا�س وا�ضح �صراطه م�ستقيم (و�أن‬ ‫هذا �صراطي م�ستقيماً فاتبعوه وال تتبعوا ال�سبل فتفرق بكم‬ ‫عن �سبيله ذلكم و�صاكم به لعلكم تتقون) ( الأنعام ‪ )153/‬وذلك‬ ‫أم�س احلاجة �إىل �إيجاد منهج عملي يف ال�سلوك‬ ‫لأن ال�شباب ب� ّ‬ ‫الفا�ضل املنطلق من ال ِف ْكر النري بعيداً عن كل امللوثات الفِكر ّية‬ ‫الداخل ّية واخلارجية مع الت�أكيد على دورهم يف بناء وطنهَم‬ ‫من خالل جتارب املا�ضي عند ال�شباب والذين كانوا منارات‬

‫ا َ‬ ‫هلل القائل‪(:‬هُ َو ا َّلذِ ي ُي َن ِّز ُل َعلَى َع ْبدِ ِه �آ َياتٍ َب ِّي َناتٍ‬ ‫حل ْم ُد ا ِ‬ ‫َ‬ ‫اللهَّ‬ ‫ِل ُي ْخر َِج ُك ْم مِ َن ُّ‬ ‫ِب ُك ٌْم لر�ؤوف َرحِ ي ٌم)‬ ‫الظ ُل َماتِ �إِلىَ ال ُّنو ِر َو�إِ َّن‬ ‫(احلديد‪)9 :‬‬ ‫يف �ضوء التطورات ال�سيا�س ّية واالجتما ّعية واالقت�صاد ّية التي‬ ‫ي�شهدها العامل‪ ،‬وما حتمله هذه التطورات من حتديات جاء‬ ‫التطلع بكل ثقة لو�ضع الت�صور احلقيقي لدور العلماء والدعاة‬ ‫لأخذ هذه املتغريات بعني االعتبار مع بيان �سماحة الإ�سالم ‪،‬‬ ‫وعليه فال ُب َّد مِ نْ جهدٍ �صادق لتو�ضيح �صور َة الإ�سال ِم ال َنق ّية‬ ‫َ‬ ‫الدين ال�سمح‪،‬‬ ‫بجوهر الدين والبعيدة عن الفهم املغلوط لهذا‬ ‫بالإ�ضافة �إىل الت�أكيد على قدرات ال�شباب من �أجل الت�صدي‬ ‫لق�ضايا زمانهم بفاعلية‪ ،‬ومواجهة م�شكالت ع�صرهم من‬ ‫خالل ترتيب الأولويات والربامج الواعية والتثقيف الديني‪،‬‬ ‫وال�سيطرة على احلما�سة الدينية ونبذ �أ�سلوب اخلطابة املثرية‬ ‫بدون علم ووعي وهدف وا�ضح فالوعظ ن�شاط علمي متغري‬ ‫ونام يتطلب من الواعظ �أن يكون على ات�صال مبا يدور حوله‬ ‫يف القرية الكون ّية ال�صغرية‪،‬لي�سهم يف حماية وطنه من امل�ؤثرات‬ ‫ال�سلبية اخلارجية خا�صة مع جريان العوملة وع�صر تكنولوجيا‬ ‫املعلومات فما ر�سالة الإ�سالم �إال ر�سالة تت�صف بال�شمول ّية املطلقة‬ ‫اجلامعة بني الروح واملادة‪ ،‬وبني الدنيا والآخرة وبني حاجات‬ ‫الفرد وم�صلحة املجتمع‪ ،‬وما على علماء الدعوة والوعظ �إال �أن‬ ‫يكونوا قادرين على ا�ستيعاب جوهر الإ�سالم وروحه �إذا �أرادوا �أن‬ ‫يقدموا النموذج الأمثل بال تردد �أو خوف‪ .‬لقد و�صف اهلل تعاىل‬ ‫�أمة الإ�سالم بقوله تعاىل (وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا‬ ‫�شهداء على النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا)(البقرة ‪)143/‬‬ ‫ف�ضمانات الو�سط ّية واالعتدال هي العقل والت�سامح واحلوا َر‬ ‫وبدونهما يطغى الإرهاب على احلوا َر والعاطفة على العقل فيقع‬ ‫ال�ض ُ‬ ‫اخللل يف املجتمع كما هو حا�صل يف �أيامنا هذه فيدب َّ‬ ‫عف‬ ‫يف �أو�صال ال ّأمة‪ ،‬وبالتايل تكون ال ُفر�صة مواتية للإنق�ضا�ض‬ ‫عليها من قِبل �أعَدائها فالر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫�أر�سى مبادىء الإ�سالم ال�سمحة على قواعد ثابتة را�سخة �ضمنت‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪5‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫اجليل املتزن املتوازن يف ت�صرفه وقوله وعمله غابت عنه حاالت‬ ‫ُ‬ ‫وال�شك‪ ،‬و�أ�سهم ذلك اجليل يف‬ ‫اال�ضطراب والريبة والرتدد‬ ‫تر�سيخ القيم واملبادىء والأخالق الفا�ضلة‪� ،‬أما عن م�س�ؤولية‬ ‫الدعاة فهم مدعون �إىل �إيجاد الأفكار املعتدلة القائمة على‬ ‫الو�سط ّية واالعتدال لينري دعاة الإ�سالم �أفكار ال�شباب بنور‬ ‫الإميان ليتمكنوا من ال�سري يف االجتاه ال�سليم بكل قوة وعزم‬ ‫مهما ق�ست الظروف و ادلهمت املخاطر فعلى الدعاة م�س�ؤولية‬ ‫�إعادة ال�شباب �إىل طريق التفكري ال�سوي ‪.‬‬ ‫فالدعاة على مر الع�صور هم م�شاعل نور وهداية للب�شرية‪،‬‬ ‫همهم تب�صري النا�س وبناء الإن�سان البناء القومي ليكون بعد‬ ‫ذلك العن�صر الفاعل يف املجتمع قال تعاىل‪:‬‬

‫هداية يف م�شارق الأر�ض ومغاربها مع الرتكيز على �ضرورات‬ ‫احلا�ضر وتطلعات امل�ستقبل وعندما حتدث علماء الغرب عن‬ ‫�ضوابط الفكر التنويري مل يراعوا فيه ف ِْطرة الإن�سان‪ ،‬ولذلك‬ ‫ف�إنّ على ُعلَماء ال ّأمة الإ�سالم ّية �أن يقوموا بو�ضع النموذج‬ ‫إ�سالمي الذي يح َفظ‬ ‫الأمثل ل�ضوابط ال ِف ْكر التنويري ال‬ ‫ّ‬ ‫هُ وية الأمة وح�ضارتها ويكون منوذجاً ملجتمع �إن�ساين كبري ‪،‬‬ ‫وعلى علماء الأمة �أن يقدموا هذا النموذج ليكون �سداً منيعاً‬ ‫�أمام الغزو الثقايف وقادراً على التفاعل الثقايف والذي ينطلق‬ ‫من قاعدة التكاف�ؤ يف الت�أثري‪ ،‬ولعل �أعظم منوذج لهذا هو‬ ‫خالل فرتة احلكم الإ�سالمي للأندل�س حيث كان من ثمرات‬ ‫هذا التفاعل اخلالق �صورة عظيمة للح�ضارة الإن�سانية يف كل‬ ‫ميادين احلياة ‪.‬‬ ‫(و�إذ قال ربك للمالئكة �إين جاعل يف الأر�ض خليفة)‬ ‫�إن التنوير والفكر التنويري غاية يف الأهمية لأنهما ت�أكيد على (البقرة‪)30:‬وبالتايل ف�إن م�س�ؤولية الدعاة نحو ت�أ�صيل الفكر‬ ‫امل�ستقبل والتطور يف الفكر والر�ؤى والإبداع‪ ،‬ولكن ال بد من لدى ال�شباب م�ستندة �إىل كتاب اهلل و�سنة نبيه‪ ،‬وذلك لأن‬ ‫الت�أكيد على �أن التنوير املق�صود هو ما ي�شعر الإن�سان بحقه ال�شعور الديني يف الإن�سان هو �أ�سا�س ا�ستنارة الفكر وتفعيله‪.‬‬ ‫و�أدميته لي ّكون بعد ذلك ر�سالة لها دورها يف ت�أ�صيل اجلذور‬ ‫وزيادة الوعي والتفاعل وت�أكيد الهُوية وال بد من الت�أكيد‬ ‫على �أهمية ال�شباب كمكون �أ�سا�سي يف ج�سم الأمة وال�شباب‬ ‫يف �أي جمتمع هم العمود الفقري الذي ي�شكل عن�صر احلركة‬ ‫يف املجتمع فما نه�ضت �أمة من الأمم �إال على �أكتاف ال�شباب‬ ‫الواعي املنتمي لدينه ووطنه ولقد �أوىل الر�سول ‪�-‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ -‬ال�شباب عناية خا�صة وخ�صهم باخلطاب وكلفهم‬ ‫بقيادة الأمة ومن ذلك عندما �أعد جي�شاً بقيادة �أ�سامة بن زيد‬ ‫رحمه اهلل وهاهو يخاطب ابن عبا�س‬ ‫( يا غالم �إين �أعلمك كلمات ‪ ) ...‬ويقول ملعاذ ( َر�ضي اهلل عنه‪-‬‬ ‫(يا معاذ‪� ،‬أتدري ما حق اهلل على العباد ‪ ) ...‬وغري ذلك من‬ ‫التوجيهات النبوية لل�شباب لتوجيهم نحو اخلري فكان ذلك‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪6‬‬


‫الو�سط ّية ثقافة وفكر و�سلوك‬ ‫�صالح الدين حممد بهاء الدين‬ ‫�إن الو�سطية ثقافة وفكر و�سلوك‪ ،‬ولي�ست �شعارا ونظريات فقط ‪..‬و‬ ‫لكي � ّ‬ ‫أو�ضح �أكرث البد �أن �أ�شري �إىل جملة من امل�سائل لت�سليط ال�ضوء‬ ‫على ت�سل�سل ن�شوء امل�شروع الإرعابي و الإرهابي املعا�صر ‪ ،‬و�أ�شري �إىل‬ ‫مواطن اخللل فينا منذ البداية ‪:‬‬ ‫�أوال‪�:‬إن مفردات من العنف والت�شدد والتجاوزات ح�صلت يف التاريخ‬ ‫وخالل ‪ 14‬قرنا من تاريخ امل�سلمني وتناقلتها الأل�سن والرواة وتبناها‬ ‫بع�ض النا�س لأغرا�ض نفعية وم�صالح �سلطوية‪ ،‬و�أ�صبحت جزءا من‬ ‫الرتاث واتخذت عند البع�ض م�سلكا ونهجا ‪ ،‬وا�ستخدمتها ب�صورة‬ ‫انتقائية بعيدا عن التمحي�ص وموازين اجلرح والتعديل العلمية‬ ‫واملو�ضوعية ‪ ،‬الأمر الذي �أ�صبح بال ًء على الأمة يف ع�صرنا ‪،‬وا�ستغ ّله‬ ‫ال ُغالة واملتطرفون وجعلوه مرجعاً ودلي ً‬ ‫ال على ما ميار�سونها‬ ‫من الأعمال ال�شنيعة واجلرائم الفا�ضحة ‪ ،‬عِ ْل ًما � ّأن الأ�صل هو �أن‬ ‫الرتاث والتاريخ لي�سا مقد�سني ولي�سا مع�صومني و�أن ال ِْع�ص َم َة‬ ‫للأنبياء عليهم ال�سالم يف جمال ر�ساالتهم و�أن غريهم �أيا كانوا‬ ‫لي�سوا مع�صومني و ُي�ؤخذ من كالمهم و�أفعالهم ويرتك‪،‬مع وجود‬ ‫احتمالية االفرتاء والو�ضع يف �أ�صل تلك الروايات ‪،‬كما �أن هذا النقل‬ ‫الآيل و الن�صية يف التعامل مع الأمور والق�ضايا امل�ستجدة �أمر خطري‬ ‫‪،‬ومي�س �صالحية الإ�سالم الدائمة وهدر لكل تلك اجلهود التي‬ ‫بذلها املجتهدون الأعالم واملجددون الكبار عرب القرون و الع�صور‬ ‫ملعاجلة مثل هذه الأحوال ‪ ،‬وال�شك �أن �إهمال كل هذه اجلهود العلمية‬ ‫العمالقة بدعة �سيئة كبرية وانحراف فظيع وخوارجية معا�صرة‬ ‫يجب الوقوف �أمامها وف�ضحها وتبيني احلق واحلقيقة فيها ‪.‬‬ ‫ثانيا‪�:‬إن علماءنا ودعاتنا وقادة احلركات الإ�سالمية عموما ت�أخروا‬ ‫يف االنتباه �إىل ماح�صل من االنحراف يف م�سرية امل�شروع اجلهادي‬ ‫الإ�سالمي ‪ ،‬منذ اندالع ما �سمي باجلهاد الأفغاين ‪ ،‬حيث انطالقه‬ ‫كان �ضمن احلرب �ضد االحتاد ال�سوفيتي وبدعم من الغربيني وعلى‬ ‫ر�أ�سهم �أمريكا وعمالئها يف املنطقة للقيام على االحتاد ال�سوفيتي‬ ‫و حكومة �أفغان�ستان ‪ ،‬فكان طبيعيا �أن ينحرف امل�شروع من �شعاره‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫وعنوانه املعلن �إىل م�شروع فتنة وبالء على الإ�سالم والو�سطية‬ ‫الإ�سالمية ‪..‬وبعد �سقوط احلكومة ال�شيوعية وانت�صار احلركات‬ ‫املجاهدة بد�أت عمليات التناحر والتفتني وانتهت بت�سلط حكومة‬ ‫طالبان املهي�أة �سلفا وتواىل م�سل�سل الفتنة والتالعب مبوازين‬ ‫ال�شرع واختالق �أجواء احلقد والتخلف وت�شويه الدين با�سم الدين‪،‬‬ ‫وو�صل �إىل ت�شكيل منظمة قاعدة وفروعها املنت�شرة من خالل عودة‬ ‫عرب �أفغان �إىل بالدهم‪..‬والبد االعرتاف بجر�أة ب�أن النخبة العلمية‬ ‫والدعوية مل تنتبه �إىل خيوط هذه امل�ؤامرة و�إىل خطورة ه�ؤالء‬ ‫الغالة واملجانني ‪� ،‬أو �أنهم انبهروا با�سم اجلهاد والعاطفة الربيئة‬ ‫التي جمع الكثري منهم وعليه مل يقفوا املوقف امل�س�ؤول واملطلوب‬ ‫يف مراحل ن�شوء وانت�شار هذا امل�شروع التحريفي والت�شويهي وهذه‬ ‫الفتنة العارمة ‪ ،‬بل وقفوا �إما متفرجني �أو ب�صيغة من ال�صيغ‬ ‫م�ساندين بحجة �أنها با�سم الدين و�أنهم �شباب متحم�س و�أنها‬ ‫ن�شاطات �ضد الأنظمة امل�ستبدة و �أنها و ‪...‬وهكذا دخلت املعركة‬ ‫معرتكا جديدا بعد �أحداث ‪� 11‬سبتمرب ‪ 2001‬حيث ا�ستنه�ض الغرب‬ ‫وا�ستغلته املراكز العدائية فيه وبد�أوا بتحجيم املد الإ�سالمي يف‬ ‫الغرب و�ساندوا الأنظمة املوالية لها يف موا�صلة قمعها وا�ستبدادها‬ ‫على احل�ضور الإ�سالمى وحماولة خلطها للأوراق بني احلركات‬ ‫الإ�سالمية الو�سطية وهذه املجاميع املختلقة �أو املنفلتة ‪..‬‬ ‫ثالثا‪:‬حينما ح�صل االحتالل يف �أفغان�ستان بعد تلك الق�صة التي‬ ‫�أ�شرنا �إليها ‪ ،‬ويف العراق بعد تورط النظام البعثي يف االعتداء على‬ ‫دولة الكويت ‪ ،‬وقع الكثري من م�شايخنا و نخبنا ال�سيا�سية والدعوية‬ ‫مع الأ�سف يف خط�أ ا�سرتاتيجي �آخر وهو �أنهم قا�سوا هذا االحتالل‬ ‫على الغزو الأجنبي القدمي على �أر�ض الإ�سالم ودولته ونزلوا كل‬ ‫�أحكام الدفاع واجلهاد الواردة يف تراثنا الفقهي على هذا احلدث‬ ‫اجلديد ‪ ،‬نا�سني �أن هذه �أحكام الدولة وال ميكن القيام بها �إال من‬ ‫خالل دولة ‪ ،‬وكلما �أجزناها يف غياب الدولة و القيادة ال�شرعية‬ ‫يح�صل ماح�صل من الفنت والفو�ضى ‪ ،‬ف�ضال عن م�س�ألة جوهرية‬

‫‪7‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫جنوين وخلل عقدي وا�ستخدام ا�ستخباري �سيء ‪.‬‬ ‫�إنه منهج حتريفي ونوايا انحرافية (قابلية (حاقدة وحا�سدة‬ ‫لكل خري وم�ستنقع لكل �شر وفتنة كبرية على الإ�سالم وم�شروعه‬ ‫احل�ضاري وو�سيلة �سهلة بيد الأعداء لت�شويه �سمعة الإ�سالم‬ ‫والت�شوي�ش على �أهل اخلري فيه ‪..‬والينفع وجود عاطفة بريئة‬ ‫�أو حما�س �صادق يف بع�ضهم لأن اجلهل باحلقيقة والنظرة‬ ‫التكفريية يحوالن دون االنتفاع من كل خري ‪..‬‬ ‫خام�سا‪ :‬الو�سطية باملقابل منهج ا�سرتاتيجي �سليم وهي‬ ‫ال�صفة الدائمة للم�سلمني قال تعاىل ( وكذلك جعلناكم �أمة‬ ‫و�سطا ) وبهذه الو�سطية �صرنا ( خري �أمة �أخرجت للنا�س‬ ‫(وبفقدها نفقد اخلريية ‪ ،‬فالو�سطية فل�سفة وفكر وثقافة‬ ‫‪�،‬إنها �أخالق و�سلوك ومنهجية ونهج وبرنامج �إنها لي�ست �شعارا‬ ‫يرفع �أونظرية يروج لها �أومعاجلة حلالة طارئة عابرة ‪� ،‬إنها‬ ‫(هابلية(متجددة ‪ ،‬قال تعاىل ‪(:‬لإن ب�سطت �إيل يدك لتقتلني‬ ‫ما �أنا ببا�سط يدي �إليك لأقتلك �إين �أخاف اهلل ‪� )..‬إنها الإ�سالم‬ ‫ال�صحيح النابع من كتاب اهلل الكرمي وال�سنة ال�صحيحة لر�سول‬ ‫اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،-‬إنها النهج ال�سليم ال�سوي واملنهجية‬ ‫ال�صحيحة لفهم الإ�سالم وممار�سته دينا و�شريعة وعقيدة‬ ‫وحافظا للقيم الإن�سانية العليا يف احلياة اخلا�صة والعامة على‬ ‫م�ستوى الفرد والأ�سرة واملجتمع ويف كل ع�صر وم�صر وللب�شرية‬ ‫جمعاء‪..‬‬ ‫ف�إىل وقفةعلمية وفكرية �أقوى و�أو�سع من قبل النخبة‬ ‫العلمائية الفا�ضلة‪ ،‬وامل�ؤ�س�سات البحثية و الفكرية النا�شطة‬ ‫‪،‬لتجريد هذه املجاميع املنحرفة من ال�شرعية الدينية ‪ ،‬انقاذا‬ ‫لل�شباب الربئ و ا�ستعادة ل�سمعة الإ�سالم العظيم وخدمة‬ ‫للإن�سانية التي هي �أحوج ما تكون اليوم �إىل الإ�سالم وقيمه‬ ‫ومبادئه ‪...‬‬

‫�أخرى‪� ،‬إن مثل هذه الأعمال الكبرية الميكن �أن تقودها العواطف‬ ‫واحلما�س واحلمية مهما كانت بريئة لأنها عمل العقالء واملخت�صني‬ ‫واملجتهدين البارعني يف فهم ال�شرع والواقع ‪،‬لأن �شبكات اال�ستخبارات‬ ‫الدولية ماهرة يف ا�ستخدام هذه املجاميع يف جماالت م�صاحلها بعيدا‬ ‫عن ال�شعار واالدعاءات كما نراها اليوم ‪..‬مع هذا وذاك �إن هذا‬ ‫االحتالل اجلديد من نوع خا�ص ويجري �ضمن اتفاقات ومواثيق‬ ‫دولية وبتعاون من �أبناء تلك البالد ومعار�ضي النظام احلاكم ويطلب‬ ‫منهم ‪ ،‬فهو م�شروع م�شرتك بني املحتل و�أبناء البلد املحتل والميكن‬ ‫تنزيل �أحكام الغزو القدمي عليه ‪ ،‬عليه يجب �أن يكون الدفاع واملقاومة‬ ‫من نوع خا�ص �أي�ضا وب�أ�ساليب الع�صر و�ضمن حدود املمكن والتكاف�ؤ‬

‫وامل�ستطاع ‪..‬مادامت دولنا قطرية و م�شكلة على النظام احلديث‬ ‫و مادامت املواثيق الدولية واملنظمات الأممية قائمة ومادامت‬ ‫التوافقات واالتفاقات ال�سيا�سية موجودة ومادامت �إمكاناتنا‬ ‫غري متكافئة ومادامت الدولة الإ�سالمية النموذجية غائبة‬ ‫وجميع الأنظمة ب�صورة من ال�صور مرتبطة بالنظام الدويل‬ ‫والدول املحتلة ‪..‬فكيف ي�صبح �أفغان�ستان والعراق �أر�ض اجلهاد‬ ‫وت�صدر لها فتاوى اجلهاد وجتمع لها جماميع من العامل‪ ،‬ومتنع‬ ‫�أهلها من االنخراط يف العملية ال�سيا�سية وامل�ؤ�س�سات احلكومية‬ ‫‪،‬وينتهي الأمر �إىل هذا النزيف وهذا البالء وهذا التدمري وهذه‬ ‫احلرب الطائفية ‪..‬وباتت املنطقة ال�سنية العراقية ميدانا حلرب‬ ‫غري متكافئة و�إىل دمار ودماء وهجرة ون�ش�أت جماعات وفرق‬ ‫متفرقة با�سم املقاومة وتناحرت وتكاثرت وتناثرت و�أ�صبح‬ ‫البطل َ‬ ‫فجر و َي ْنحر �أكرث من الآخر ‪ ،‬ويف هذه‬ ‫من َي َق ُتل َو َي ِّ‬ ‫الأجواء العنيفة الفا�شلة برزت جمموعة �أقدر من الأخريات‬ ‫على تنظيم العالقة مع املخابرات واجلهات ذات امل�صالح وجاءت‬ ‫ببدعة ت�أ�سي�س دولة و�إجراء �أحكام �شرعية بطريقتها اخلا�صة‬ ‫واكت�سبت الدعم الكايف من �أ�سيادها و�سمت نف�سها دولة الإ�سالم‬ ‫يف العراق وال�شام (داع�ش)‪..‬‬ ‫رابعا‪:‬بعد هذا اال�ستعرا�ض نقول‪� :‬إن داع�ش ونظائرها نتيجة‬ ‫مل�سل�سل و�أننا بحاجة ما�سة �إىل ت�شخي�صها وتعريفها ‪ ،‬باخت�صار‬ ‫‪� :‬إن الإرهاب والإرعاب وامل�شروع العنفي حتت �أي ا�سم كان ‪ ،‬فكر‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪8‬‬


‫هذا هو‬ ‫الإ�سالم‬

‫اللــواء عدنــان عبيــدات‬ ‫ع�ضو مركز الدرا�سات اال�سرتاتيجية‬ ‫للقوات امل�سلحة الأردنية‬

‫ومنهجهم‬ ‫ري متعدد‪� ،‬أَهله �أولوا رحمة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مع �أَ َّن الإ�سال َم واح ٌد غ ُ‬ ‫بجهَالة مل َت ْعدَم‬ ‫الو�سطية‪� ،‬إِ َّال �أَ ّن ُج ْع َب َة امل ُ ْغرِ�ضني و من َت ِبعهم َ‬ ‫�أَ ْن ُت ْخ ِر َج للنا�س �ألواناً من التق�سيم والت�صنيف خلامت الديانات‬

‫ع�صرِيّ ‪ ،‬كل ذلك من باب الإيحاء ومن منظور َح ْملِ النا�س على‬ ‫ريهم‪ ،‬بحيث ال تكون للإ�سالم‬ ‫الإ�ستجابة �إىل ما َي ْبتغِي منهم غ ُ‬ ‫في�سهُل الني ُل منهم‪� ،‬أو لزرع الإختالف الذي يف�ضي �إىل‬ ‫�شوكة ْ‬ ‫م�سلم وعد ٍّو كما هو جا ٍر الآن يف‬ ‫النزاع بني م�سلم ٍ‬ ‫وم�سلم �أو بني ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫العديد من �أ�صقاع الدنيا‪.‬‬ ‫و�إذاً َن ْح ُن �أمام حالة متدحرجة من الت�صنيف امل�ستو َرد‪ ،‬فال‬ ‫ب�أ�س يف �إنعا�ش الذاكرة ب�أن تلك احلالة بد�أت بادىء ذي بدء‬ ‫بت�سمية �أ�شخا�ص‪ ،‬غري مرغوبني �أو لي�سوا على املقا�س‪� ،‬أُط ِل َق‬ ‫عليهم م�صطلح (متطرفون)‪ ،‬لتزدا َد اجلرع ُة مع الإنتقال‬ ‫التدريجي من و�صف الأ�شخا�ص �إىل و�صف املعت َقد لي�صب َح‬ ‫ُ‬ ‫و�صف ذلك املعتقد �أو ت�سمي ُته �أو ممار�س ُته �ضرباً من التط ّرف‪:‬‬ ‫دين التطرف ثم َ‬ ‫تط ُّرفاً دينياً ثم َ‬ ‫دين الإرهاب‪ّ � .‬أما نحن فقد‬ ‫َ‬ ‫رينا يف‬ ‫أنف�سنا يف مو�ضع الدفاع َن ْد َر ُ�أ التهمة‪ ،‬و َن ُ‬ ‫ح�ص ُر تفك َ‬ ‫و�ض ْعنا � َ‬

‫ال�سماوية الثالث‪ ،‬ومن تلك الت�صنيفات ما ُ�س ِّم َي بالإ�سالم‬ ‫املعتدل الذي هو م�صطلح ج ّذ ٌاب ‪ -‬بالطبع ‪� -‬إىل جانب م َُ�س َّمياتٍ‬ ‫ُ‬ ‫املو�صوف‬ ‫�أخرى يف قائمة التداول‪ .‬وهكذا قد يبدو‬ ‫( ِب َن ْعتِه بالإعتدال) باعثاً على الإرتياح‪� ،‬أو قد ُي ْف َه ُم منه تلقائياً‬ ‫�أن هناك �أنواعاً من الإ�سالم متباينة‪ .‬و قد ُت�س ِّو ُق �سيكولوجية‬ ‫َ‬ ‫البع�ض لِ�شراء هذا‬ ‫هذه الت�سمية فكرة التق�سيم‪� ،‬أو ت�ستمي ُل‬ ‫الطرا َز املو�سوم بالإعتدال بالإقرار �ضمناً ب�أن هناك �إ�سالماً دو َنه‬ ‫و�إ�سالماً َف ْوقه‪.‬‬ ‫ويف هذا الإختالق جمازفة تنطوي على جمانب ٍة للحق و�إِخفا ٍء‬ ‫ٌ‬ ‫م�صطلحات‬ ‫للواقع‪ ،‬يف الوقت الذي �أخذت ت�شي ُع فيه وترت ّد ُد‬ ‫من ق ِبيل �إ�سالم متط ِّرف‪� ،‬إ�سالم مت�شدِّد‪� ،‬إ�سالم معتدل‪� ،‬إ�سالم تربئة �أنف�سنا ومل نف ّكر يف تعرية �أولئك الذين هم ورا َء الإتهام‪،‬‬ ‫و�سطي‪ ،‬فيما ترت�سخ لدى �أتباع كل �صنف‪ -‬من وجهة نظرهم ‪ -‬ال �سيما �إذا كان الوا�صفون متطرفني �أو كانت لغتهم تنم عن‬ ‫قناعة ب�أنهم على ّ‬ ‫تط ُّرف مق�صود ُبغية الت�شويه والتحري�ض‪.‬‬ ‫حق و�سواهم على باطل‪ .‬ويف‬ ‫مثل هذه البيئة ُتن ُ‬ ‫رث بذو ُر ِّ‬ ‫�أَعَدُّ وا لنا املوازين وغيرّ وا لنا العناوين ثم‬ ‫ال�شقاق‬ ‫بادروا �إىل تغيري املحتوى وامل�ضامني‪.‬‬ ‫وتنمو العداوات وت�صل ح َّد‬ ‫ُك َّنا ُن�س ِّمي �أنف�سنا بالعامل العربي‬ ‫الإحرتاب‪.‬‬ ‫ف�أ�صبحنا ُندعى (بال�شرق‬ ‫رب‬ ‫ولربمّ ا ُيطا ِل ُعنا خمت ُ‬ ‫الأو�سط)‪ ،‬و�ضعوها يف �أفواهنا‬ ‫التكاث ُر البكتريي املن ِت ُج‬ ‫فالتقمناها ور َّددْناها خلفهم لكي‬ ‫للم�صطلحات امل ُ ْغرِ�ضة غيرْ ِ‬ ‫ال تبدو اجلرثوم ُة التي زرعوها‬ ‫الربيئة بت�صنيفات جديدة‬ ‫يف ج�سد العامل العربي مع الت�سمية‬ ‫ يف معر�ض الرتوي�ض‬‫البديلة (ال�شرق الأو�سط) لكي ال تبدو‬ ‫ مِ ن مِ ثل‪� :‬إ�سال ٍم تقليدي‪،‬‬‫كياناً ن�شازاً‪ .‬مل ُن ْبدِ اعرتا�ضاً ومل َي َر ْوا منا‬ ‫�إ�سال ٍم ُم َت َح ِّ�ضرٍ‪� ،‬إ�سال ٍم َمرِنٍ ‪� ،‬إ�سالم‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪9‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫احتجاجاً‪ ،‬ومل ُن ِ�ص ّر على ما ينا�سبنا بل ا َّت َب ْعنا ما ينا�سبهم‪ ،‬فاطم�أ ُّنوا �إىل ان�سياقنا حتى يف ت�سمياتِهم لنا‪َ ،‬ح َملتها بع�ض جامعاتنا‬ ‫ِ�س على ذلك قو ًال وفع ً‬ ‫ال من الأمثلة التي ال ح�صر لها‪ ،‬يف �أح�سن الأحوال ُن ْذ َك ُر يف‬ ‫وبع�ض �شركات طرياننا ودوائرنا ومكتباتنا‪ ،‬و ق ْ‬ ‫معنى يدل على ال ُفرقة مع �أننا منلك ك� ّأمة من مق ِّومات الوحدة ما‬ ‫وطننا العربي الكبري بالتجزئة‪ ،‬و ُن ْع َر ُف ب�أننا ُد َو ٌل عربية‪ ،‬وهو ً‬ ‫رينا على وجه الأر�ض قاطبة‪.‬‬ ‫ال ميلكه غ ُ‬ ‫�أما العامل العربي كت�سمية فتنطوي دالل ُتها على الوحدة لكننا هجرنا الت�سمي َة وامل ُ َ�س َّمى‪ .‬هكذا هم وهكذا نحن‪ ،‬من ينظر �إىل‬ ‫النا�س ما مل يعهدوه من َق ْبل يف ديا ٍر مُ�ستباحة وبال ٍد قد ان�شغلت بنف�سها؛ فهناك ٌ‬ ‫دول‬ ‫�أحوالِنا اليوم يرى ال َع َجب ال ُعجاب؛ يكاب ُد ُ‬ ‫عربية فيها نا ٌر م ُْ�س َتعِرة ودول عربية �أخرى َج ْم ُرها ُم َّتقِد‪ ،‬الإ�سالم فيها م َّتهَم‪ ،‬يفت�شون له عن هُ ِو َّية‪ ،‬حائرون هل يطلقون عليه ا�سماً‬ ‫ي�ستخرجونه من قائمة التداول �أم ينحتون له ا�سماً مبتكراً جديداً ينا�سبهم‪ ،‬لع َّل قادم الأيام ُي ْن ِبى ُء ب�أمر َجلل ُيذ ِّك ُر مبا قاله ذات يوم‪،‬‬ ‫أديب ال�شاعر‪ ،‬ن�ص ُر بن َ�س َّيار‪:‬‬ ‫وايل بني �أم ّية على ُخرا�سان‪،‬‬ ‫ال�سيا�سي املح ّنك‪ ،‬وال ُ‬ ‫ُّ‬

‫�أَرى َو ْ�سط ال َّرما ِد ومِ َ‬ ‫و ُيو�شِ ـ ُـك � ْأن يكـو َن له ِ�ض َرا ُم‬ ‫ي�ض جم ٍر‬ ‫فمتى ن�ستفيق وننف�ض عنا غبار الوهم! ؟‬

‫ال�س ُبلَ َف َت َف َّرقَ ِبك ُْم َع ْن َ�سبِي ِل ِه‬ ‫َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُّ‬ ‫ون‬ ‫�صاك ُْم ِب ِه َل َع َّلك ُْم َت َّت ُق َ‬ ‫َذ ِلك ُْم َو َّ‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪10‬‬


‫�أهمية مرحلة‬ ‫ال�شباب يف نظر‬ ‫الإ�سالم‬

‫�إعداد‪ /‬د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬ ‫مدير مركز درا�سات الو�سطية‬

‫ال�شباب يف كل �أمة ثروتها‪ ،‬وعدة م�ستقبلها‪ ،‬وقد قامت احل�ضارة االت�صاف ب�صفة الداعية الذي يدعو �إىل اخلري‪ ،‬وي�أمر باملعروف‬ ‫الإ�سالمية على �أكتاف ال�شباب ‪ ،‬ولئن كانت احلاجة �إىل ال�شباب وينهى عن املنكر‪.‬‬ ‫يف املا�ضي ملحة‪ ،‬فاحلاجة �إىل ال�شباب وطاقات ال�شباب الفكرية و�إن الدفاع عن الوطن وحترير الأر�ض من العدوان مهمة‬ ‫واجل�سمية واالجتماعية يف وقتنا احلا�ضر �أ�شد �إحلاحاً و�أكرث مقد�سة من مهام الأمة العظيمة التي تريد �أن حتافظ على‬ ‫و�ضوحاً‪.‬‬

‫عزتها وكرامتها وعلى �أجمادها ومقد�ساتها وتنت�سب �إىل تاريخها‬

‫وال�شباب اليوم هم دعامة الإنتاج يف جميع ميادين احلياة وهم وعظمائها‪ ،‬واجلهاد دفاعا عن العقيدة والوطن والقتال يف �سبيل‬ ‫�أغلى ر�أ�س مال للأمة التي تريد �أن ت�صنع لها حا�ضراً زاهراً اهلل ودحر الأعداء وتخلي�ص املقد�سات يحتاج �إىل طاقات وجهود‬ ‫�أقدر على القيام بها �شباب �أ�شداء تدفعهم قوة العقيدة وو�ضوح‬ ‫وم�ستقبال م�شرقاً‪.‬‬ ‫فالإ�صالح االجتماعي يحتاج �إىل طاقة و�صرب ومعاناة وجلد‪ ،‬الر�ؤية �إىل �أن يكون جهادهم كله يف �سبيل اهلل لتكون كلمة اهلل‬ ‫ويحتاج �إىل الفئة الواعية املخل�صة التي تدعو �إىل اخلري دون هي العليا وكلمة الذين كفروا هي ال�سفلى‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪َ (:‬ومَا َل ُك ْم اَل ُت َقا ِت ُلو َن فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ َوالمْ ُ ْ�س َت ْ�ض َع ِف َ‬ ‫ني‬ ‫كلل‪ ،‬وتنهى عن ال�شر ‪.‬‬ ‫ولعمري �إن ال�شباب هم عماد الأمة ‪ ،‬وهم �أقدر النا�س على مِ َن ال ِّر َجالِ َوال ِّن َ�سا ِء َوا ْل ِو ْلدَانِ ا َّلذِ َ‬ ‫ين َي ُقو ُلو َن َر َّب َنا �أَ ْخر ِْج َنا مِ نْ‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪11‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫هذِ ِه ا ْل َق ْر َي ِة َّ‬ ‫الظالمِ ِ �أَهْ ُلهَا َو ْاج َع ْل َل َنا مِ نْ َل ُد ْن َك َو ِل ًّيا َو ْاج َع ْل َل َنا وال�شباب يف نظر الإ�سالم هم عماد رجال الدعوة �إىل اهلل يف‬ ‫ريا) (الن�ساء ‪� ،‬آية ‪ )75 :‬و�إن الإنتاج االقت�صادي الظروف الع�صيبة لأن عملية الدعوة والإ�صالح حتتاجان �إىل‬ ‫مِ نْ َل ُد ْن َك َن ِ�ص ً‬ ‫يف �سائر ميادينه الزراعية وال�صناعية والتجارية يحتاج �إىل طاقة ال�شباب و�صربهم على الأذى‪.‬‬ ‫ال�سواعد القوية‪ ،‬والطاقات ال�شابة املتفجرة التي تزرع الأر�ض قال تعاىل ‪� ( :‬إِ َّن ُه ْم ِف ْت َي ٌة �آ َم ُنوا ِب َر ِّب ِه ْم َو ِز ْد َناهُ ْم هُ دًى)‬ ‫الطيبة‪ ،‬وت�شيد امل�صانع املتطورة وحترك التجارة اخلارجية‪ ( ،‬الكهف ‪� ،‬آية ‪ ) 14:‬فالفتية امل�ؤمنون بربهم والذين زادهم اهلل‬ ‫ويدفعها �إىل العمل املثمر املنتج كفاءة و�إخال�ص‪ ،‬وعلم و�إميان هدى �أقدر على مقارعة الظلم والطغيان‪ ،‬ومواجهة الطواغيت‬ ‫وقوة و�أمانه‪.‬‬ ‫ولو كانت تعم املجتمع ب�أكمله ‪ ...‬قال تعاىل ميدح طالوت‬ ‫وال�شباب ال �شك هم �أقدر فئات الأمة على الإنتاج وعلى دفع الذي �أر�سله اهلل لهداية قومه وقيادتهم ‪َ (:‬و َزا َد ُه َب ْ�س َط ًة فيِ ا ْل ِع ْل ِم‬ ‫عجلة التقدم االقت�صادي للوطن يف طريق التطور والنماء‪َ .‬والجْ ِ ْ�س ِم)‬ ‫والإنتاج العلمي يف �سائر ميادين البحث العلمي و�إن كان يحتاج (البقرة ‪� ،‬آية ‪ (247:‬وقال تعاىل على ل�سان ابنة �شعيب عن �سيدنا‬ ‫�إىل اخلربة الفتية العميقة التي تتوافر يف �أ�ساتذة العلم و�أ�شياخه مو�سى عليه ال�سالم للعمل عنده ( َيا �أَبَتِ ْا�س َت ْ�أجِ ْر ُه ِ�إ َّن َخيرْ َ م َِن‬ ‫المِ ُ‬ ‫ني ((الق�ص�ص ‪� ،‬آية ‪.)26 :‬‬ ‫لرت�شيد ال�شباب وتوجههم �إىل امليادين املثمرة واحللول العملية ْا�س َت ْ�أ َج ْر َت ا ْل َقوِيُّ َْ أ‬ ‫للم�شاكل احلياتية‪� ،‬إال �أن البحث العلمي نف�سه والإنتاج العلمي‪ ،‬ولأمر ما‪ ،‬اقت�ضت حكمة اهلل عز وجل �أن ير�سل الر�سل �إىل‬ ‫بحاجة �إىل طاقة �شابة تقوى على متطلبات هذا البحث من �أقوامهم وهم يف مرحلة ال�شباب والقوة والن�ضج والعطاء ‪،‬‬ ‫فتى قوياً يف �شرخ ال�شباب‬ ‫ال�صرب واملعاناة وال�سهر واملوا�صلة‪ ،‬وغري ذلك من املوا�صفات ف�سيدنا �إبراهيم عليه ال�سال َم كان ً‬ ‫التي �أكرث ما تتوافر يف الطاقات ال�شابة والأعمار الفتية ‪.‬‬

‫وهو يقارع الباطل‪ ،‬وطواغيته والكفر و�أ�صنامه قال تعاىل ‪ :‬على‬

‫�إن هذه اللمحات اخلاطفة ترينا �أهمية ال�شباب يف بناء الأمم ل�سان قوم �إبراهي َم عليه ال�سال َم يف معر�ض احلديث عن حتطيمه‬ ‫و�صروح احل�ضارات ‪ ،‬ولذلك فال�شباب هم عماد الأمة وهم �أمانة الأ�صنام ( َقا ُلوا َ�سمِ ْع َنا َف ًتى َي ْذ ُك ُرهُ ْم ُي َق ُال َل ُه ِ�إ ْب َراهِ ي ُم)‬ ‫يف �أعناق املجتمع والدولة ‪ ...‬ومن هنا تربز �ضرورة التعاون ( االنبياء ‪� ،‬آية ‪ ) 60:‬و�سيدنا يحي َعَليه ال�سال َم ي�ؤتيه اهلل احلكم‬ ‫اب ِب ُق َّو ٍة‬ ‫والتن�سيق بني �أو�ساط الرتبية والتوجيه من م�ؤ�س�سات بيئية �صبيا ليحمل تكاليف الدعوة بقوة( َيا َي ْح َيى ُخذِ ا ْل ِك َت َ‬ ‫وتعليمية ودينية و�إعالمية يف ميادين تربية ال�شباب و�إعدادهم َو�آ َت ْي َنا ُه الحْ ُ ْك َم َ�ص ِب ّياً) ( مرمي ‪� ،‬آية ‪ ) 12 :‬والر�سول حممد‪-‬‬ ‫ووقايتهم من الأخطار التي تهددهم ‪ ،‬والإ�سهام يف حل م�شكالتهم �صلى اهلل عَليه و�سلم‪ -‬خامت الأنبياء واملر�سلني وقدوة املربني‬ ‫وتوجيههم نحو الأف�ضل ‪.‬‬

‫وامل�صلحني ابتعثه اهلل جلت قدرته وهو يف �أوج ال�شباب والذين‬

‫وال يفوتني �أن �أذكر هنا �أن التحدث عن م�شاكل ال�شباب وعالجها �آمنوا باهلل واتبعوا الر�سول يف بداية الدعوة كانوا نحو �أربعني‬ ‫ال يعني بحال التغا�ضي عن �إيجابياتهم �أو االنتقا�ص من فرداً جلهم من ال�شباب رباهم علية ال�صالة وال�سال َم على عينيه‬ ‫مكانتهم ودورهم الفعال يف املجتمع الذي �أملحنا �إليه قبل قليل فانطلقوا ين�شرون الدعوة ويقيمون دولة الإ�سالم ويفتحون‬ ‫‪ ،‬لكن الأمانة العلمية واحلر�ص على طاقة ال�شباب يف الأمة هي �أقطار العامل املعروف يف �أقل من ربع قرن من الزمان وذلك‬ ‫التي تدفع كل خمل�ص �إىل معاجلة مو�ضوع ال�شباب وم�شكالتهم بعد �أن فتحوا قلوبهم ونفو�سهم لدعوة احلق‪ ،‬فامتزجت طاقتا‬ ‫بكل حرفة و�إخال�ص‪ ،‬دون نفاق �أو جماملة يف غري حملها ‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫الإميان وال�شباب و�صنعت املجد الأول لأمة الإ�سالم‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫لقد كان علي بن �أبي طالب – ر�ضي اهلل عنه ‪ -‬عندما �أ�سلم �صبياً مال ال يقدر بثمن ويف هذا ين�صح الر�سول عليه ال�سالم امل�ؤمنني‬ ‫يف الثامنة من عمره وكانت �أ�سماء بنت �أبي بكر‪ -‬ر�ضي اهلل عنهما �أن يغتنموا خم�ساً قبل خم�س منها‪ :‬ال�شباب قبل الهرم وال�صحة‬ ‫ عندما �أ�سلمت يف العا�شرة من عمرها‪ ،‬و�أ�سلم عمر بن اخلطاب قبل ال�سقم ويقول عليه ال�سالم مب�شراً ال�شباب الذين ين�ش�أون‬‫وهو يف حدود الع�شرين وطلحة بن عبيد اهلل وهو ابن �أحد ع�شر يف طاعة اهلل عز وجل ( فعن �أبي هريرة ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫((�س ْب َع ٌة يُظِ ُّل ُه ْم اللهَّ ُ َت َعالىَ فيِ‬ ‫�سنة وم�سعود بن ربيعة وهو ابن �سبع ع�شرة �سنة‪ ،‬وجعفر بن قال النبي ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪َ :-‬‬ ‫�أبي طالب وهو ابن ثماين ع�شرة �سنة‪ ،‬وعثمان بن عفان وهو ظِ ِّل ِه َي ْو َم اَل ظِ َّل �إِ َّال ظِ ُّل ُه �إِمَا ٌم َعد ٌْل‪َ ،‬و َ�ش ٌّاب َن َ�ش�أَ فيِ عِ َبا َد ِة اللهَّ ِ‪َ ،‬و َر ُج ٌل‬ ‫اج َت َم َعا َعلَ ْي ِه َو َت َف َّر َقا‬ ‫ابن ع�شرين �سنة‪ ،‬وقد عني الر�سو َل علية ال�سال َم �أ�سامة بن َق ْل ُب ُه ُم َع َّل ٌق فيِ المْ َ َ�ساجِ دِ ‪َ ،‬و َر ُجلاَ نِ تحَ َ ا َّبا فيِ اللهَّ ِ ْ‬ ‫زيد قائداً جليو�ش امل�سلمني ملقارعة �إمرباطورية الرومان وهو َعلَ ْيهِ‪َ ،‬و َر ُج ٌل َد َع ْت ُه ْام َر�أَ ٌة َذ ُات َم ْن ِ�صبٍ َو َج َمالٍ َف َقا َل‪�ِ :‬إنيِّ �أَ َخ ُ‬ ‫اف‬ ‫يف حدود الثامنة ع�شرة من العمر‪ ،‬وكان يف جي�ش �أ�سامة ال�شاب اللهَّ َ َو َر ُج ٌل َت َ�ص َّد َق ب َِ�ص َد َق ٍة َف�أَ ْخ َفاهَا َح َّتى اَل َت ْعلَ َم �شِ َما ُل ُه مَا ُت ْنف ُِق‬ ‫�شيوخ املهاجرين والأن�صار ‪ ...‬كما �أر�سل عليه ال�سالم معاذ بن يمَ ِي ُن ُه َو َر ُج ٌل َذ َك َر اللهَّ َ َخا ِل ًيا َف َف َ‬ ‫ا�ضتْ َع ْي َناهُ) �صحيح البخاري‬ ‫جبل – ر�ضي اهلل عنه ‪� -‬إىل اليمن قا�ضياً وهو يف ريعان ال�شباب (‪ (440/1‬رقم (‪ ،)1423‬و�صحيح م�سلم (‪ )715/2‬برقم (‪)1031‬‬ ‫وغريهم كثري من فتيان الإ�سالم وفتياته ر�ضي اهلل عنهم جميعاً‪.‬‬ ‫فال�شباب يف نظر الإ�سالم طاقة وثروة‪ ،‬ومرحلة ال�شباب ر�أ�س‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪13‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫�أهمية العمل املجمعي‬ ‫ودوره يف �إثراء م�سرية االقت�صاد‬ ‫الإ�سالمي والبنوك الإ�سالمية‬

‫نائبرئي�سجممعالفقهالإ�سالميالدويل‬ ‫ووزير الأوقاف الأردين ‪� -‬سابقا‬

‫�إن العمل الأ�سا�سي ملجمع الفقه الإ�سالمي هو معرفة احلكم‬ ‫ال�شرعي فيما يعر�ض عليه من ق�ضايا وم�شكالت ‪،‬وبخا�صة‬ ‫امل�ستجد منها ‪ ،‬ف�إذا كان هذا احلكم من�صو�صاً عليه ب�شكل مبا�شر‬ ‫وال�سنة ب ّينه ‪ ،‬و�إذا كان يحتاج �إىل ا�ستنباط وقام‬ ‫يف الكتاب ُ‬ ‫العلماء �سابقاً بذلك در�سه يف املذاهب املتعددة واختار من بني‬ ‫الآراء �أقواها دلي ً‬ ‫ال و�أكرثها حتقيقاً للم�صالح ال�شرعية املعتربة‬ ‫‪ ،‬مبعنى �أن يرجح بني الآراء املتعددة يف امل�س�ألة املطروحة للبحث‬ ‫‪� ،‬أما �إذا كانت امل�س�ألة حادثة �أو جديدة ف�إنه يقوم با�ستنباط حكم‬ ‫�شرعي لها من الأدلة وفق قواعد االجتهاد املعتربة التي ب ّينها‬ ‫علم �أ�صول الفقه ‪ .‬فهذا العلم هو العلم الذي يبحث يف القواعد‬ ‫التي ُتعني املجتهد على ا�ستنباط الأحكام ال�شرعية من �أدلتها‬ ‫التف�صيلية ‪ .‬ومن �أجل االطمئنان على �سالمة هذا االجتهاد‬ ‫كان االجتهاد الذي يجري يف املجمع اجتهاداً جماعياً قائماُ‬ ‫على ت�صوير دقيق للم�سائل املبحوثة ‪ ،‬يقدمه املخت�صون فيها‬ ‫من خالل البحوث والدرا�سات التي يعدها اخلرباء املخت�صون‬ ‫لت�صوير امل�سائل ‪ .‬فـاحلكم على ال�شيء فرع عن ت�صوره ‪ ،‬ثم يقوم‬ ‫العلماء الفقهاء ببحثها بالتف�صيل ال�ستنباط احلكم ال�شرعي لها‬ ‫‪ ،‬ويكتب يف ذلك عدد كبري من البحوث ‪ ،‬ثم تعر�ض هذه البحوث‬ ‫وما قدمه اخلرباء على جمل�س املجمع الذي يحوي �أكرث من‬ ‫�ستني عاملاً من خمتلف دول العامل الإ�سالمي ملناق�شة الأمر من‬ ‫جميع جوانبه على �ضوء ذلك ‪ ،‬لينتهوا بعد ذلك �إىل تقرير احلكم‬ ‫ال�شرعي املعتمد يف امل�س�ألة ح�سب طبيعتها ‪ ،‬وما يحيط بها من‬ ‫ظروف و�أحوال ‪ .‬فهو اجتهاد جماعي عميق ‪ .‬وكل هذه اجلهود‬ ‫يجري عر�ضها فيما بعد يف جملة املجمع مبا يف ذلك البحوث‬ ‫والدرا�سات واملناق�شات التي دارت حولها والقرار الذي و�صل �إليه‬ ‫جمل�س املجمع ‪ .‬وقرار املجل�س ُي�ؤخذ عادة بالإجماع ‪ ،‬و�إذا وجد‬ ‫خالف في�ؤخذ بالأغلبية و ُيبينّ كل ذلك يف جملة املجمع ‪.‬‬ ‫ومن املعلوم �أن االجتهاد هو امل�صدر الرابع من م�صادر احلكم‬ ‫ال�شرعي يف النظر الإ�سالمي ‪ .‬فم�صادر احلكم ال�شرعي هي‬ ‫وال�سنة والإجماع واالجتهاد ‪ ،‬وهي م�صادر الفقه‬ ‫الكتاب‬ ‫ُ‬ ‫الإ�سالمي ‪ .‬ذلك �أن الفقه الإ�سالمي هو نتاج حتكيم �شريعة اهلل‬ ‫�سبحانه يف واقع النا�س و�أحوالهم �إذ هو " العلم بالأحكام ال�شرعية‬ ‫العملية امل�ستمد من �أدلتها التف�صيلية " ‪ .‬فهذا العلم ي�ستنبط‬ ‫وي�ستمد حكم الق�ضايا احلادثة والواقع امل�ستجد من ن�صو�ص‬

‫ال�شريعة باعتبارها ن�صو�صاً كاملة ت�ستوعب الن�شاط الإن�ســاين‬ ‫كله بالبيان واحلكم ‪ .‬قال تعاىل( ا ْل َي ْو َم �أَ ْك َم ْلتُ َل ُك ْم دِي َن ُك ْم َو�أَتمْ َ ْمتُ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم ِن ْع َمتِي َو َر ِ�ضيتُ َل ُك ُم الإِ ْ�س َ‬ ‫ال َم دِي ًنا)(‪ .)1‬وقد حتقق هذا‬ ‫الكمال �سواء �أكان ذلك بالن�ص املبا�شر الوا�ضح على حكم امل�س�ألة‬ ‫كحكم ال�سرقة والقتل ‪� ،‬أو كان ذلك بالن�ص غري املبا�شر مبعنى �أن‬ ‫احلكم يحتاج �إىل ا�ستنباط وا�ستمداد باال�ستعانة بالقواعد التي‬ ‫تعني املجتهد على ا�ستنباط الأحكام ال�ش ــرعية ‪ ،‬وذلك كما جرى‬ ‫يف بحث امل�سائل احلادثة مثل ‪� :‬أطفال الأنابيب ‪ ،‬وموت الدماغ ‪،‬‬ ‫واملعامالت امل�صرفية الإ�سالمية احلديثة ‪ ،‬وهذه القواعد يقوم‬ ‫ببيانها علم �أ�صول الفقه ‪ .‬فالفقه عملية نامية م�ستمرة تواكب‬ ‫احلياة بنموها وا�ستمرارها ‪ ،‬و�إذا جمد الفقه ومل يواكب احلياة‬ ‫بحلوله تعطلت مهمته وانتهى دوره ‪ .‬وواجب العلماء الفقهاء‬ ‫وا�ضح يف هذا املجال ‪.‬‬ ‫واالجتهاد هو بذل الو�سع يف ا�ستنباط احلكم ال�شرعي من‬ ‫وال�سنة ‪ .‬فنحن نعلم �أن‬ ‫الأدلة التف�صيلية الواردة يف الكتاب ُ‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية قد جاءت لتنظيم الواقع الإن�ساين بكل‬ ‫وال�سنة ‪ .‬والإجماع‬ ‫�أبعاده ‪ ،‬وم�صدراها الأ�سا�سيان هما الكتاب ُ‬ ‫اتفاق املجتمعني والعلماء على حكم �شرعي لدليل �أدى �إىل وقوع‬ ‫هذا االتفاق فينظر يف االعتماد �إىل هذا االتفاق دون النظر �إىل‬ ‫عب الفقهاء عن‬ ‫الدليل �إال لأغرا�ض البحث واال�ستق�صاء ‪ .‬وقد رَّ‬ ‫هذا ال�شمول يف �أحكام ال�شريعة بقولهم ‪ :‬ما من �أمر من �أمور‬ ‫العباد �إال وهلل تعاىل فيه حكم ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ ( :‬و َن َّز ْل َنا َعلَ ْي َك‬ ‫اب ِت ْب َيا ًنا ِّل ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َوهُ دًى َو َر ْح َم ًة َو ُب ْ�ش َرى ِل ْل ُم ْ�سلِمِ َ‬ ‫ني ) ( ‪. )2‬‬ ‫ا ْل ِك َت َ‬ ‫و�صور االجتهاد متعددة يقع يف طليعتها القيا�س واال�ستح�سان‬ ‫واال�ست�صالح ‪ .‬وهذه ي�سميها العلماء بامل�صادر التبعية �أي الكتاب‬ ‫وال�سنة ‪ .‬والقيا�س كما يع ّرفه العلماء �إحلاق �أمر مل ي ن�ص على‬ ‫ُ‬ ‫حكمه ب�أمر من�صو�ص على حكمه يف احلكم ال�شرعي الحتاد‬ ‫بينهما يف العلة ‪ ،‬و�أما اال�ستح�سان واال�ست�صالح ف�أ�سا�س بناء‬ ‫احلكم فيهما امل�صلحة ال�شرعية املعتربة ‪ .‬اال�ستح�سان فيه عدول‬ ‫عن حكم النظائر لوجه �أقوى يقت�ضي هذا العدول من م�صلحة‬ ‫موجبة �أو �ضرورة مقت�ضية ‪� ،‬أما اال�ست�صالح فهو بناء احلكم‬ ‫ال�شرعي على مقت�ضى امل�صالح املر�سلة مبا�شرة وهي امل�صالح‬ ‫التي مل يرد عليها ن�ص بعينها �أو بنوعها ‪� ،‬إمنا هي داخلة يف عموم‬ ‫ما جاءت ال�شريعة لرعايته من م�صالح مما يتفق مع مقا�صد‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫�أ ‪ .‬د ‪ .‬عبد ال�سالم العبادي‬

‫‪14‬‬


‫ال�شريعة ‪ .‬فقد بينّ العلماء �أن كل الأحكام ال�شرعية ما �شرعها‬ ‫اهلل ‪.‬‬ ‫�سبحانه عبثاً وال حتكماً ‪� ،‬إمنا �شرعت مل�صالح عائدة على النا�س يف‬ ‫دنياهم و�أخراهم ‪ ،‬حتى فيما يعرف بالأحكام التعبدية ‪ ،‬فما من‬ ‫�شعرية من �شعائر الإ�سالم �إال وبينت لها حكم وفوائده فيها خري‬ ‫النا�س و�صالحهم ‪ ،‬لكنها ال تعلل من الناحية التف�صيلية كما‬ ‫هو معروف لعدم ا�ستقالل العقل ب�إدراك هذه العلل التف�صيلية ‪.‬‬ ‫قال العز بن عبد ال�سالم ‪ ( :‬وقد علمنا من موارد ال�شرع وم�صادره‬ ‫�أن مطلوب ال�شرع �إمنا هو م�صالح العباد يف دينهم ودنياهم )(‪. )3‬‬ ‫وقال ابن قيم اجلوزية ‪ :‬ف�إن ال�شريعة مبناها و�أ�سا�سها على احلكم‬ ‫وم�صالح العباد يف املعا�ش واملعاد ‪ ،‬وهي عدل كلها ‪ ،‬ورحمة كلها‬ ‫‪ ،‬وم�صالح كلها ‪ ،‬وحكمة كلها ‪ ،‬فكل م�س�ألة خرجت عن العدول‬ ‫�إىل اجلور ‪ ،‬وعن الرحمة �إىل �ضدها ‪ ،‬وعن امل�صلحة �إىل املف�سدة‬ ‫‪ ،‬وعن احلكم �إىل العبث ‪ ،‬فلي�ست من ال�شريعة و�إن دخلت فيها‬ ‫بالت�أويل ‪ ،‬فال�شريعة عدل اهلل بني عباده ‪ ،‬ورحمته بني خلقه ‪،‬‬ ‫وظله يف �أر�ضه وحكمته الدالة عليه ‪ ،‬وعلى �صدق ر�سـ ــول اهلل‬ ‫�أمت داللة و�أ�صدقه (‪. )4‬‬ ‫قال الآمدي ‪ ( :‬املق�صود من �شرع احلكم �إما جلب م�صلحة ‪� ،‬أو‬ ‫دفع م�ضرة ‪� ،‬أو جممع الأمرين بالن�سبة �إىل العبد ‪ ،‬لتعاىل الرب‬ ‫عن ال�ضرر واالنتفاع )( ‪. )5‬‬ ‫و�أن التو�سعة والتي�سـ ــري قد قامت ال�شريعة على اعتبارها يف‬ ‫قواعدها ال�ضابطة للأحكام التف�صيلية ‪ ،‬وقد بينّ العلماء �أن‬ ‫" الأمر �إذا �ضاق ات�سـ ــع "‪ ،‬و�أن "ال�ضرورات تبيح املحظورات "‪،‬‬ ‫و�أن "امل�شقة جتلب التي�سري "‪ ،‬و�أن كل هذه القواعد مراعاة يف‬ ‫تف�صيالت الأحكام باعتبارها من قواعد ال�شريعة الأ�سا�سية ‪،‬‬ ‫بل �أن طبيعة ال�شريعة كلها قائمة على مراعاة م�صالح النا�س‬ ‫والتي�سري ورفع احلرج ‪ .‬قال تعاىل ‪َ ( :‬ومَا َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فيِ ال ِّديـ ـ ِـن‬ ‫مِ نْ َح َر ٍج ) ( ‪ ،)6‬وقال ( فيما �أخرجه البخاري ‪� ( :‬إن هذا الدين‬ ‫(‪)7‬‬ ‫ُي�سر ولن ي�شاد الدين �أحد �إال غلبه ف�سددوا وقاربوا واب�شروا )‬

‫لأحكام الفقه الإ�سالمي ‪ ،‬و�أن يكون عارفاً بقواعد علم �أ�صول‬ ‫الفقه ومنهجية ا�ستنباط الأحكام من الأدلة ال�شرعية ‪.‬‬ ‫(‪� )5‬أن يكون متمكناً من اللغة العربية و�أ�ساليبها يف النحو‬ ‫والبالغة ‪.‬‬ ‫(‪� )6‬أن يكون مدركاً حلقائق الوجود ‪ ،‬ومت�صوراً لكل امل�سائل التي‬ ‫يت�صدى لبيان حكمها ‪.‬‬ ‫(‪� )7‬أن يكون عد ًال ‪� ،‬صاحلاً ‪ ،‬ورعاً ‪ ،‬يحر�ص على بيان احلق ‪،‬‬ ‫ملتزماً بال�صدق والأمانة ‪.‬‬ ‫وقد �أ�شارت الآيات الكرمية لهذه ال�شروط ببيان �أن من يلج�أ �إليه‬ ‫ملعرفة احلكم ال�شرعي هم الفقهاء ‪ ،‬و�أهل الذكر ‪ ،‬و�أهل العلم‬ ‫القادرين على اال�ستنباط من �أويل الأمر ‪ .‬قال تعاىل ‪َ ( :‬فلَ ْو َال‬ ‫ِّين َو ِل ُينذِ ُرواْ‬ ‫َن َف َر مِ ن ُك ِّل ِف ْر َق ٍة ِّم ْن ُه ْم َط�آ ِئ َف ٌة ِّل َي َت َف َّقهُواْ فيِ الد ِ‬ ‫َق ْو َم ُه ْم �إِ َذا َر َج ُعواْ �إِ َل ْي ِه ْم َل َع َّل ُه ْم َي ْح َذ ُرو َن )( ‪ ، )8‬وقال �سبحانه ‪:‬‬ ‫ا�س َ�أ ُلواْ �أَهْ َل ال ِّذ ْك ِر ِ�إن ُكن ُت ْم َال َت ْعلَ ُمو َن )(‪ ، ) 9‬وقال عز وجل‪:‬‬ ‫( َف ْ‬ ‫( َو َل ْو َردُّو ُه �إِلىَ ال َّر ُ�سـولِ َو�إِلىَ �أُ ْوليِ الأَ ْم ِر مِ ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫َي ْ�س َتن ِب ُطو َن ُه مِ ْن ُه ْم) (‪. )10‬‬ ‫وجممع الفقه الإ�سالمي الدويل جممع الفقهاء ‪ ،‬فهو �آلية‬ ‫متقدمة ملواجهة الق�ضايا احلادثة وامل�شكالت امل�ستجدة ‪ ،‬لي�س‬ ‫باجتهاد فردي قد يكون قا�صراً �أمام تعقد امل�شكالت وتنوعها‬ ‫و�أمام �ضعف مناهج �إعداد العلماء املو�سوعيني القادرين‬ ‫املتميزين ‪� ،‬إمنا مت اللجوء لالجتهاد اجلماعي �إثراء للم�سرية‬ ‫ومن �أجل التمكني من املواجهة الرا�شدة ‪ ،‬وبالتايل حتقيق دور‬ ‫الفقه الإ�سالمي النامي عن وعي وب�صرية ‪ ،‬ومبا ي�صون امل�سرية‬ ‫من ال�ضعف واالرجتال واالبت�سار ‪.‬‬ ‫من اخلطط امل�ستقبلية للمجمع‬ ‫خدمة لالقت�صاد الإ�سالمي والبنوك الإ�سالمية‬ ‫(‪� )1‬إجناز املو�سوعة الفقهية االقت�صادية ‪ :‬كان جممع الفقه‬ ‫الإ�سالمي قد بد�أ يف تنفيذ م�شروع املو�سوعة الفقهية االقت�صادية‬ ‫بالتعاون مع البنك الإ�سالمي للتنمية ‪ ،‬وقد قطعت بع�ض‬ ‫الأ�شواط يف هذا املجال ‪ ،‬حيث مت و�ضع الت�صور اخلا�ص بها ‪،‬‬ ‫والآفاق التي �ستت�صدى لها ‪ ،‬واملنهج الذي �سوف تعتمده ‪ ،‬ومت‬ ‫اال�ستكتاب يف بع�ض مو�ضوعاتها ( �أكرث من ع�شرة مو�ضوعات‬ ‫مهمة ) ‪ ،‬والنية منعقدة لدى املجمع على التعاون مع البنك‬ ‫الإ�سالمي للتنمية واملعهد الإ�سالمي للبحوث والتدريب التابع‬ ‫له لإجناز هذا امل�شروع ‪ .‬وقد وافق معايل رئي�س البنك الإ�سالمي‬ ‫للتنمية على ت�أليف جلنة م�شرتكة لو�ضع اخلطط واتخاذ‬ ‫الإجراءات الالزمة لإجناز هذا امل�شروع احليوي الكبري ‪.‬‬ ‫(‪ 29‬ا�ستكمال درا�سة الق�ضايا وامل�شكالت االقت�صادية املو�ضوعة‬ ‫على جدول �أعمال املجمع مثل مو�ضوع التورق والتوريق اللذان‬ ‫�س ُيبحثان يف الدورة القادمة للمجمع ( الدورة التا�سعة ع�شرة ) ‪،‬‬

‫و�أما عن ال�ضوابط ال�شرعية لالجتهاد يف الق�ضايا النازلة التي‬ ‫ت�صيب الأمة ومن له حق االجتهاد ‪ ،‬ف�إن ال�ضوابط ال�شرعية‬ ‫لالجتهاد تعرف مما قرره العلماء من �شروط ‪ .‬فقد بني العلماء‬ ‫�أن �شروط االجتهاد ت�شمل ‪:‬‬ ‫(‪� )1‬أن يكون م�سلماً ‪ ،‬بالغاً ‪ ،‬عاق ً‬ ‫ال ‪.‬‬ ‫(‪� )2‬أن يكون فاهماًَ ملعاين القر�آن الكرمية و�ألفاظه ‪ ،‬عاملاً‬ ‫مبقا�صده ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(‪� )3‬أن يكون مدركا للأحاديث النبوية ال�شريفة ‪ ،‬من حيث املنت‬ ‫وال�سند وال�صحة واحل�سن ‪.‬‬ ‫(‪� )4‬أن يكون جمتهداً ‪ .‬ويتجلى ذلك ب�أن يكون دار�ساً وم�ستوعباً و�إعادة بحث بع�ض تف�صيالت مو�ضوع تغري قيمة العملة‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪15‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫على �ضوء ما مت من قرارات ودرا�سات �سابقة ‪ ،‬وبع�ض الق�ضايا‬ ‫االقت�صادية التي �أجل املجمع بحثها يف دورات �سابقة مثل احلول‬ ‫املقرتحة ملوجهة الت�ضخم ‪ ،‬وم�شكلة املت�أخرات يف امل�ؤ�س�سات املالية‬ ‫الإ�سالمية ‪ ،‬وبحث العديد من الق�ضايا التي حتتاج �إىل بحث‬ ‫يف جماالت االقت�صاد الإ�سالمي والبنوك الإ�سالمية مثل دور‬ ‫الرقابة ال�شرعية و�آلياتها يف البنوك الإ�سالمية ‪ ،‬والكثري من‬ ‫ق�ضايا التعامل يف البور�صات املحلية والعاملية ‪.‬‬ ‫(‪� )3‬إحياء بع�ض كتب الرتاث الوثيقة ال�صلة مبو�ضوعات‬ ‫االقت�صاد الإ�سالمي ‪.‬‬ ‫(‪� )4‬إثراء م�سرية البحث يف االقت�صاد الإ�سالمي عن طريق‬ ‫الرتحيب بالبحوث االقت�صادية التي �سوف تن�شر يف جملة‬ ‫البحوث والدرا�سات الفقهية التي �ست�صدر عن املجمع قريباً ‪.‬‬ ‫(‪ )5‬االهتمام من خالل هذه املجلة بالدرا�سات النقدية‬

‫(‪� )8‬إبراز النظرية الإ�سالمية االقت�صادية ب�شمولية ودقة‬ ‫ومو�ضوعية لتو�ضع بني يدي الباحثني ومتخذي القرار يف‬ ‫العامل ‪ ،‬لأن ت�أ�صيل املبادئ الإ�سالمية والقواعد الكلية يف‬ ‫االقت�صاد الإ�سالمي بات �ضرورة ملحة للتعريف باملذهب �أو‬ ‫النظام االقت�صادي الإ�سالمي �أمام ما يجري من بحث �صادق‬ ‫عن معاجلات متميزة للم�شكالت االقت�صادية للب�شرية ‪ ،.‬ولتكون‬ ‫معامل هذه النظرية مطروحة ب�شمولية على �ساحة املعاجلات‬ ‫الدولية لهذه امل�شكالت ‪ .‬وقد ظهرت احلاجة ملحة لهذا الأمر‬ ‫على �ضوء ما جرى يف الأزمة االقت�صادية امللحة التي يعاين منها‬ ‫العامل يف هذه الأيام ‪.‬‬ ‫(‪ )9‬ا�ستكمال م�شروع ت�أهيل املخت�صني يف االقت�صاد الو�ضعي‬ ‫من حملة املاج�ستري والدكتوراه يف علوم ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫والذي كان قد بدء به املعهد الإ�سالمي للبحوث والتدريب‬

‫والتحليلية ملا يكتب يف االقت�صاد الإ�سالمي لالطمئنان على‬ ‫�أ�صالة البحوث وجدتها �إثراء مل�سرية االقت�صاد الإ�سالمي بعيداً‬ ‫عن التكرار ‪ ،‬والتو�سع الأفقي دون التو�سع العمودي العميق يف‬ ‫البحث وتعدد عمليات النقل من الدرا�سات ال�سابقة بل واالعتداء‬ ‫عليها دون جتديد �أو ابتكار ‪.‬‬ ‫(‪� )6‬ضرورة التن�سيق والتكامل مع اجلهات العاملة يف جمال‬ ‫البحث يف االقت�صاد الإ�سالمي والبنوك الإ�سالمية وبخا�صة يف‬ ‫جمال عقد الندوات وامل�ؤمترات العلمية لتكون نتائجها وما تئول‬ ‫�إليه ‪ ،‬متهيداً ال�ست�صدار قرارات جممعية ‪.‬‬ ‫(‪ )7‬االهتمام بو�ضع م�شروعات قوانني يف املجاالت االقت�صادية‬ ‫والبنكية املتعددة ‪ ،‬لتو�ضع بني يدي متخذي القرار يف العامل‬ ‫الإ�سالمي ‪ ،‬لإثراء م�سرية التوجه نحو تطبيق مبادئ االقت�صاد‬ ‫الإ�سالمي وتبني البنوك الإ�سالمية فيها مثل م�شروع قانون‬ ‫للبنوك الإ�سالمية ‪ ،‬وم�شروع نظام للرقابة ال�شرعية ‪ ،‬وم�شروع‬ ‫قانون للأدوات املالية الإ�سالمية ‪.‬‬

‫قبل �سنوات وكان يل �شرف امل�شاركة فيه ‪ ،‬وهو م�شروع �ضروري‬ ‫لإعداد باحثني يف االقت�صاد الإ�سالمي يت�صفون بتكامل املعرفة‬ ‫يف جمايل االقت�صاد الإ�سالمي واالقت�صاد الو�ضعي ‪.‬‬ ‫واهلل �سبحانه املوفق‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪16‬‬

‫(‪ )1‬املائدة ‪. 3 :‬‬ ‫(‪ )2‬النحل ‪. 89 :‬‬ ‫(‪ )3‬قواعد الأحكام ‪. 27/1 :‬‬ ‫(‪� )4‬إعالم املوقعني ‪. 15 ، 14/3 :‬‬ ‫(‪� )5‬إحكام الأحكام ‪. 69/3 :‬‬ ‫(‪ )6‬احلج ‪. 78 :‬‬ ‫(‪� )7‬صحيح البخاري ‪. 23/1 :‬‬ ‫(‪)8‬التوبة ‪. 122 :‬‬ ‫(‪)9‬الأنبياء ‪. 7 :‬‬ ‫(‪)10‬الن�ساء ‪. 83 :‬‬


‫مقاالت الو�سطية‬

‫د‪ .‬ال�شاهد البو �شيخي‬

‫امل�سلمون بني �شدائد الع�صر وب�شائر الن�صر‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم ‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم على �سيدنا حممد‬ ‫و�آله‪ ،‬وال حول وال قوة �إال باهلل العلي العظيم‪ ،‬ربنا �آتنا من لدنك‬ ‫رحمة وهيئ لنا من �أمرنا ر�شدا‪ ،‬اللهم افتح لنا �أبواب الرحمة‬ ‫و�أنطقنا باحلكمة واجعلنا من الرا�شدين ف�ضال منك ونعمة‪ ،‬اللهم‬ ‫انفعنا مبا علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما‪ ،‬اللهم اجعلنا �أول‬ ‫العاملني مبا نعلم من كتابك و�سنة نبيك‬ ‫�أما بعد ‪،،‬‬ ‫فالأثمان تابعة جلودة ال�سلع‪ ،‬فيمكن تلخي�ص هذا املو�ضوع يف‬ ‫كلمتني‪ :‬ال بد من الثمن لأي �سلعة‪ ،‬ومبا �أن �سلعة اهلل اجلنة فثمنها‬ ‫غال جدا‪ ،‬لأن اجلنة هي م�ستقر الرحمة‪ ،‬قال ر�سول اهلل ‪�-‬صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ‪� -‬إن اهلل خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة ف�أم�سك‬ ‫عنده ت�سعا وت�سعني رحمة و�أر�سل يف خلقه كلهم رحمة واحدة (رواه‬ ‫البخاري)‪ ،‬فبق�سمة واحدة يرتاحم جميع اخلالئق منذ كانت‬ ‫الدنيا حتى تفنى‪ ،‬جميع مظاهر الرحمة التي ترى يف عالقة الآباء‬ ‫بالأبناء‪ ،‬يف عالقة امل�ؤمنني ببع�ضهم بع�ضا‪ ،‬يف عالقة الكائنات‬ ‫الوالد بولده‪ ،‬والوالدة بولدها‪ ،‬يف عالقة جميع الكائنات‪ ،‬جميع‬ ‫مظاهر الرحمة والر�أفة واحلنان كلها تدخل يف ق�سمة واحدة‪ ،‬وهي‬ ‫م َلى �صفة الرحمن( َو َر ْح َم ِتي َو ِ�س َع ْت ُك َّل َ�ش ْيءٍ )‬ ‫جَ ْ‬ ‫َ‬ ‫(الأعراف ‪ ،)156 :‬وت�سعة وت�سعني للرحيم ( َف َ�س�أ ْك ُت ُب َها ِل َّل ِذينَ‬ ‫َي َّت ُقونَ )(الأعراف ‪� ،)156 :‬شاع بني النا�س �أن اهلل رحمان الدنيا‬ ‫ورحيم الآخرة وذلك له �شواهده ومنها هذا‪ ،‬الرحيم ل�شدة‬ ‫الرحمة‪ ،‬والرحمن ل�سعتها‪ ،‬يدخل فيها جميع اخلالئق كفارا كانوا‬ ‫�أم م�ؤمنني‪� ،‬أحياء كانوا �أم غري �أحياء‪� ،‬أم جمادات‪ ،‬ورحمته و�سعت‬ ‫كل �شيء‪� ،‬أما ا�سمه الرحيم‪ ،‬فهو للمومنني ( ِبالمْ ُ�ؤ ِْم ِن َني َر ُ�ؤ ٌ‬ ‫وف َّر ِحي ٌم)‬ ‫(التوبة ‪ ،)128 :‬تلك الرحمة �أين تتجلى �أ�سا�سا؟ يف اجلنة‪ ،‬وفيما‬ ‫�أعد اهلل لأهل اجلنة‪ِّ ( ،‬ل َّل ِذينَ �أَ ْح َ�س ُنو ْا الحْ ُ ْ�س َنى َو ِز َيا َد ٌة)(يون�س ‪:‬‬ ‫‪َ ( ،)26‬و َلدَ ْي َنا َم ِزيدٌ)‪(..‬ق ‪ )35 :‬وكل ذلك من رحمته تعاىل‪ ،‬هذا‬ ‫الثواب العظيم جدا‪ ،‬الذي نقي�س الغائب فيه على ال�شاهد‪ ،‬نقي�س‬ ‫ما ال نرى مبا نرى‪ ،‬وهذه ق�سمة واحدة اجلميع غارق فيها‪ .‬رحم‬ ‫�شي فذكري‬ ‫علي من اهلل يف كل ّ‬ ‫اهلل القائل‪ :‬ت�أملت يف نعم كرثت ّ‬ ‫لها وكذا �شكرها‪،‬و�إن مل ّ‬ ‫يوف فمنه �إ ّ‬ ‫يل‪ ،‬وها �أنا يف بحرها غارق‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫ومن ثم غريك والكل ّيف ‪ ،‬ف�أنت م َن ْنت‪،‬و�أنت ذكرت‪ ،‬و�أنت �شكرت‪،‬‬ ‫فغريك � ّأي �سبحانك ال �إله �إال �أنت‪ ،‬الق�سمة الواحدة من املئة من‬ ‫رحمة اهلل قد غرق فيها جميع اخلالئق‪ ،‬لأن جميع اخلالئق مما‬ ‫نعلم ومما ال نعلم هو يف رحمة اهلل‪ ،‬ومن ثم فالفرح �أ�سا�سا بف�ضل‬ ‫اهلل وبرحمته ( ُق ْل ِب َف ْ�ض ِل اللهّ ِ َو ِب َر ْح َم ِت ِه َف ِب َذ ِل َك َف ْل َي ْف َر ُحو ْا هُ َو َخيرْ ٌ‬ ‫ممِّ َّ ا َي ْج َم ُعونَ ) (يون�س ‪ ،)58 :‬لن يدخل �أحدكم اجلنة بعمله‪ ،‬قالوا‬ ‫وال �أنت يا ر�سول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬وال �أنا �إال �أن يتغمدين اهلل برحمته‬ ‫وف�ضله (رواه �أحمد) ومن تغمده برحمته َو َف ّقه �إىل فعل ما يوجب‬ ‫رحمته �سبحانه وتعاىل( ِت ْل ُك ُم الجْ َ َّن ُة �أُو ِر ْث ُت ُموهَ ا بمِ َ ا ُكنت ُْم َت ْع َم ُلونَ )‬ ‫(الأعراف ‪ .)43 :‬ف�إذا ِق ْ�سنا الت�سع والت�سعني بواحدة التي ن�شاهد‪،‬‬ ‫فكيف هي هذه الرحمة؟ يف و�صف ر�سول اهلل لرحمة اجلنة �أعددت‬ ‫لعبادي ال�صاحلني ما ال عني ر�أت وال �أذن �سمعت وال خطر على‬ ‫قلب ب�شر (رواه البخاري)‪ ،‬ف�إذن هذه ال�سلعة عظيمة ال�ش�أن جدا‪،‬‬ ‫�شيء ال يتخيله الذهن حتى �إذا �أراد تخيله ال ي�ستطيع تخيله‪ ،‬فال‬ ‫بد �أن يكون ثمنه كذلك مرتفعا‪ ،‬ال بد �أن يكون عاليا �أال �إن �سلعة‬ ‫اهلل غالية‪� ،‬أال �إن �سلعة اهلل اجلنة (رواه الرتمذي)‪ ،‬فامل�ؤمنون ما‬ ‫كان يحركهم وال يحركهم ولن يحركهم حق التحريك �إال مثل هذه‬ ‫ال�سلعة فهم عن الدنيا معر�ضون وفيها زاهدون‪ ،‬لأنها فانية بكل ما‬ ‫فيها فكيف ميكن التعويل على �شيء فيها؟ فال تعويل ال على �صحة‬ ‫وال على مال‪ ،‬وال على ولد‪ ،‬وال على �أي �شيء على الإطالق‪� ،‬إذ كل‬ ‫فان‪ ،‬ف�إذن توكل على احلي الذي ال ميوت‪ ،‬البد‬ ‫ما فيها زائل هالك ٍ‬ ‫من ثمن يكافىء الـ ُم ْثمن‪ ،‬يكافئ ال�سلعة التي �ست�شرتى‪ ،‬ومبا �أن‬ ‫هذه ال�سلعة هي اجلنة فتحتاج �إذن �إىل ثمن باهظ‪ ،‬ولكنه �أي�ضا‬ ‫ي�سري على من ي�سره اهلل عليه‪ ،‬يف احلديث ال�صحيح الذي تعرفونه‬ ‫�أن معاذ بن جبل قال لر�سول اهلل ‪� : :‬أخربين بعمل يدخلني اجلنة‬ ‫ويباعدين عن النار قال‪ :‬لقد �س�ألت عن عظيم‪ ،‬ولكنه ي�سري على‬ ‫من ي�سره اهلل عليه(رواه الرتمذي)‪ .‬فاللهم ي�سره علينا تي�سريا‪،‬‬ ‫وي�سره لنا تي�سريا‪ .‬اللهم ال �سهل �إال ما جعلته �سهال و�أنت جتعل‬ ‫احلزن �إذا �شئت �سهال‪ .‬الوعد باجلنة �أول الب�شائر �إن الب�شائر‬ ‫بالن�سبة للم�ؤمنني كثرية جدا فيها العام وفيها اخلا�ص وفيها‬ ‫القريب وفيها البعيد‪ ،‬و�أعظمها ب�شرى اجلنة‪ ،‬وب�شرى ر�ضوان‬

‫‪17‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬فاهلل وعد امل�ؤمنني بالن�صر وجعله حقا عليه‬ ‫( َو َكانَ َح ًّقا َع َل ْي َنا َن ْ�ص ُر المْ ُ�ؤ ِْم ِننيَ)(الروم‪ )47:‬وقال (�إن تن�صروا‬ ‫اهلل ين�صركم((حممد‪ )7:‬يف �أي حلظة تاريخية‪ ،‬يف �أي بيئة‪ ،‬يف‬ ‫ن�ص ْر ُك ْم َو ُي َث ِّب ْت‬ ‫َن�ص ُروا اللهَّ َ َي ُ‬ ‫�أي و�سط ( َيا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا �إِن ت ُ‬ ‫�أَ ْقدَ َام ُك ْم )(حممد‪� ،)7 :‬إذا مل جتد جواب ال�شرط فاعلم �أن‬ ‫ال�شرط فيه خلل‪� ،‬أما جواب ال�شرط فال ميكن �أن يتطرق �إليه خلل‬ ‫مع وجود ال�شرط‪ .‬ف�إذا ر�أينا يف اخلارج ما مل يعجبنا‪ ،‬فلنت�أمل‬ ‫جميعا قول اهلل تعاىل‪�( :‬أَ َولمَ َّا �أَ َ�صا َب ْت ُكم ُّم ِ�صي َب ٌة َق ْد �أَ َ�ص ْبتُم ِّم ْث َل ْي َها‬ ‫ُق ْلت ُْم �أَ َّنى هَ َذا ُق ْل هُ َو ِمنْ ِع ِند �أَ ْن ُف ِ�س ُك ْم)(�آل عمران ‪ )165 :‬لي�س‬ ‫من جن�س خارجي‪ ،‬لي�س من اليهود وال من الن�صارى كما يحدث‬ ‫عادة يف التحليل لأو�ضاع و�أحوال امل�سلمني‪ ،‬والباليا التي حتيط‬ ‫بهم وت�صيبهم‪ ،‬الكل ال �أ�صل له‪ ،‬التعليل والتحليل ال�صحيح هو‬ ‫التحليل القر�آين ال�سني وهو دائما داخلي‪ ،‬وما �أ�صاب امل�سلمني يف‬ ‫ال�سرية النبوية مبا ك�سبت �أيديهم‪ ،‬ما �أ�صابهم �شيء ال يف �أحد‪ ،‬وال‬ ‫يف حنيـن‪ ...‬وال يف �أي وقت �إال مبا ك�سبت �أيديهم‪ ،‬وذلك لظروف‬ ‫عظيمة تنبني على ذلك‪ ،‬فالرتبية بالأخطاء هي وجه من وجوه‬ ‫الرتبية العظيمة‪ ،‬لأن الإن�سان قبل �أن ي�صيبه جزاء اخلط�أ‪ ،‬يكون‬ ‫�ساهيا وال ي�صحو �إال بعد نزول ال�صفعة‪� ،‬إذ ذاك يتهي�أ نف�سيا‬ ‫للتلقي‪ ،‬قبل ذلك ال يكون مهيئا‪ ،‬لوحاولت �أن تعلمه وتفقهه و�أن‬ ‫تر�شده ال ي�سمع‪� ،‬صحيح كما قال ‪( :‬وال�سعيد من وعظ بغريه)(رواه‬ ‫م�سلم) ولكن هذه درجة عالية ومن �أجلها ُق َّ�ص الق�ص�ص ( َل َق ْد َكانَ‬ ‫اب)(يو�سف ‪ُ )111 :‬ق�ص لل�سعداء‬ ‫فيِ َق َ�ص ِ�صهِ ْم ِعبرْ َ ٌة ِّ ألُ ْوليِ الأَ ْل َب ِ‬ ‫ن�س�أل اهلل تعاىل �أن يجعلنا منهم بف�ضله وكرمه‪ -‬لأن يف الق�ص�ص‬‫ويف غري الق�ص�ص‪ ،‬من �أمور الكون التي ُي َف َّك ُر فيها‪ ،‬فيها ما يكفي‬ ‫للداللة والإر�شاد‪ ،‬لكن ملن كان فيه ما يلزم من اال�ستعداد‪� ،‬أما �إذا‬ ‫مل يكن ذلك اال�ستعداد ف�إنه ال بد من تهييء ظروف اال�ستعداد‬ ‫ب�أ�شكال من ال�صفع وال�ضرب والركل وما �أ�شبه‪ ،‬تتجلى ب�أ�شكال‬ ‫خمتلفة لتُهيئ اجلو للتلقي‪ .‬م�صائب امل�سلمني يف القرنني الأخريين‬ ‫بني العدل والف�ضل �إن ما حدث للم�سلمني ب�صفة عامة يف القرنني‬ ‫الأخريين هو من النقم التي يف طيها كثري من النعم‪ ،‬هي نقم فيها‬ ‫عدل اهلل وفيها ف�ضل اهلل‪ .‬فيها عدل اهلل �سبحانه وتعاىل ( َو َما‬ ‫َر ُّب َك ِب َظلاَّ ٍم ِّل ْل َع ِب ِيد)(ف�صلت ‪ )46 :‬لأن ما �أ�صابنا فيها كان على‬ ‫ال�سنة ( َو َما �أَ َ�صا َب ُكم ِّمن ُّم ِ�صي َب ٍة بمِ َ ا َك َ�س َب ْت َ�أ ْي ِدي ُك ْم)‬ ‫(ال�شورى‪ ،)30 :‬فظاهرة اال�ستعمار جملة يف العامل الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ظاهرة طغيان الأعداء وعلوهم يف الأر�ض الآن بالقيا�س �إىل‬ ‫امل�سلمني كل ذلك مبا ك�سبت �أيدينا‪ ،‬ال لأن الأعداء ح�سن حالهم‪،‬‬ ‫وال لأن اهلل ر�ضي عنهم‪ ،‬ال‪� ،‬أبدا مازالوا م�ضروبا عليهم الذلة‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫وامل�سكنة‪ ،‬ولكن مبا �أن الذين كلفوا بحمل الأمانة ووكل �إليهم �أمر‬ ‫ال�شهادة على النا�س‪ ،‬ما حملوا الأمانة حق حملها‪ ،‬بل فرطوا فيها‪،‬‬ ‫و�أخلدوا �إىل الأر�ض‪ ،‬واتبعوا هواهم فابتالهم اهلل ب�أ�شكال من‬ ‫االبتالءات �أحطها و�أقذرها هذا الأخري‪ ،‬هو�أن يبتلوا بالذين �ضربت‬ ‫عليهم الذلة وامل�سكنة وباءوا بغ�ضب من اهلل وال يكون هذا �إال نتيجة‬ ‫مقت عظيم‪ ،‬و�أقول فيه عدل اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬وفيه ف�ضل اهلل‪،‬‬ ‫ومن ذلك الف�ضل هذا الوجه الثاين للأمر‪ ،‬وهو�أن هذا ال�سكر‬ ‫بالدنيا ال �سبيل �إىل �إيقاظ امل�سلمني منه �إال مبثل هذه ال�صواعق‬ ‫املحرقة‪� ،‬إال مبثل هاته الكوارث‪ ،‬لأنه لوال مثل هاته ال�صواعق ما‬ ‫ا�ستطعنا �أن ن�ستيقظ‪ ،‬وما كان ما ي�سمى اليوم بال�صحوة الإ�سالمية‬ ‫التي نرجو�أن تر�شد و�أن تت�سع و�أن ميكن اهلل لها يف الأر�ض بجوده‬ ‫وكرمه‪ .‬وعود اهلل م�شروطة خم�صو�صة اهلل وعد‪ ،‬ووعده �صادق‪،‬‬ ‫ولكنه ما وعد �إال نوعية خم�صو�صة‪� ،‬إذ مل يعد �إال ب�شرط‪ ،‬ما وعد اهلل‬ ‫وعدا �إال م�شروطا‪ ،‬وعوده كما قلت بالن�صر العام‪� ،‬أوبالتخ�صي�ص‬ ‫ن�ص ُر ُر ُ�س َل َنا َوا َّل ِذينَ � َآم ُنوا فيِ الحْ َ َيا ِة‬ ‫بالن�صر يف الدنيا مثل ( �إِ َّنا َل َن ُ‬ ‫ال ُّد ْن َيا)(غافر ‪ ( )51 :‬والذين �آمنوا حتى ولو مل يكن الر�سل فيِ‬ ‫الَ ْ�ش َهادُ((غافر ‪ (51 :‬يف احلياة الدنيا‬ ‫وم ْ أ‬ ‫الحْ َ َيا ِة ال ُّد ْن َيا َو َي ْو َم َي ُق ُ‬ ‫بالتحديد‪،‬وبـ)�إن) و)لنن�صر) كلها توكيدات ثم جمع هذا الأمر يف‬ ‫�صورة ال�سنة املا�ضية الكونية يف �سورة الأنبياء ‪ ( 105 :‬ولقد كتبنا‬ ‫يف الزبور من بعد الذكر �أن الأر�ض يرثها عبادي ال�صاحلون) �سواء‬ ‫كانت الأر�ض مبعنى �صغري كما ذهب بع�ض العلماء ب�أنها مبعنى‬ ‫فل�سطني فقط ( َيا َق ْو ِم ا ْد ُخ ُلوا الأَ ْر َ�ض املُ َق َّد َ�س َة ا َّل ِتي َكت َ​َب اللهّ ُ َل ُك ْم‬ ‫َو َال َت ْر َت ُّدوا َع َلى �أَ ْد َبا ِر ُك ْم َفتَن َق ِل ُبوا َخ ِا�س ِرينَ )(املائدة ‪� ،)21 :‬أوكانت‬ ‫الأر�ض هي هذه الدنيا‪ ،‬الكرة الأر�ضية كلها‪� ،‬أوكانت الأر�ض هي‬ ‫الَ ْر َ�ض َن َت َب َّو�أُ‬ ‫اجلنة ( َو َقا ُلوا الحْ َ ْم ُد للِهَّ ِ ا َّل ِذي َ�صدَ َق َنا َو ْعدَ ُه َو�أَ ْو َر َث َنا ْ أ‬ ‫ِمنَ َ‬ ‫اجل َّن ِة َح ْيثُ َن َ�شاء َف ِن ْع َم �أَ ْج ُر ا ْل َع ِام ِلنيَ)(الزمر ‪ ....)74 :‬املعاين‬ ‫ال يوجد لها خم�ص�ص يف الآية وال داعي للتخ�صي�ص‪ ،‬بل ما جاء‬ ‫من الآيات بعد ما جاء مو�ضحا لأ�شكال الأر�ض‪ ،‬فهي �سابقة على‬ ‫الأوىل‪ ،‬و�سابقة على الثانية‪ ،‬و�سابقة على الثالثة‪ .‬فاهلل وعد يف‬ ‫الذكر الأول‪ ،‬ووعد يف الزبور‪ ،‬ووعد فيما جاء مما نزل من الكتب‪،‬‬ ‫وحتى يف نزول الكتاب كله وهوالقر�آن‪ ،‬وعد ب�أن الأر�ض يرثها عباد‬ ‫اهلل ال�صاحلون‪ ،‬ال الأر�ض مبعنى فل�سطني‪ ،‬وال الأر�ض مبعنى الكرة‬ ‫الأر�ضية‪ ،‬وال الأر�ض مبعنى اجلنة‪ ،‬ال �أر�ض النبوات التي كرث فيها‬ ‫الأنبياء‪ ،‬وال الأر�ض مثل الأر�ض املباركة‪ ،‬وال الأر�ض مبعنى اجلنة‬ ‫نف�سها التي ي�ؤول �إليها ال�صادقون‪ ،‬كل ذلك‪ ،‬قال اهلل عز وجل فيه ‪:‬‬ ‫( َو َل َق ْد َك َت ْب َنا‪((..‬الأنبياء ‪ (105 :‬هذا �أمر قد ُكتب وفرغ منه‪ ،‬ولكن‬ ‫ال�شرط دائما حا�ضر(عبادي ال�صاحلون)‪( .‬عبادي)‪ ،‬يا �أيها‬

‫‪18‬‬


‫الأحبة‪� ،‬إن هذه اللفظة لي�ست عادية فتنبهوا لها جميعا‪ -‬لفظة عبد‬ ‫اهلل ‪ -‬لي�ست لفظة عادية‪ ،‬لفظة فيها كثري من الأهمية واخلطورة‪،‬‬ ‫فاهلل �سبحانه حني �أراد �أن ميدح حممدا �سماه عبد اهلل (�سبحان‬ ‫الذي �أ�سرى بعبده)(الإ�سراء ‪ ،)1 :‬كان يف �أعلى الدرجات فارتقى‬ ‫يف مقام العبودية فا�ستحق ‪-‬لفظ عبد اهلل‪-‬‬ ‫(�سبحان الذي �أ�سرى بعبده)(الإ�سراء ‪ )1 :‬ما قال بر�سوله‪ ،‬وال‬ ‫قال بنبيه‪ ،‬بل قال بعبده‪�(،‬إن الأر�ض يرثها عبادي( فلفظة عبادي‪،‬‬ ‫عبيدي �أي�ضا فيها �سر‪ ،‬لأن هناك العبادة باال�ضطرار‪ ،‬وهناك‬ ‫ولي�س‬ ‫َ‬ ‫العبادة باالختيار‪ ،‬وعادة لفظ)العبيد) الغالب‪ ،‬يف بع�ض ال�سياقات‬ ‫الَ ْر ِ�ض �إِ اَّل‬ ‫ال�س َما َو ِات َو ْ أ‬ ‫يذهب �إىل العبادة باال�ضطرار (�إِن ُك ُّل َمن فيِ َّ‬ ‫�آ ِتي ال َّر ْح َم ِن َع ْبدً ا)(مرمي ‪ )93 :‬ولكن العابد هلل باالختيار هوالذي‬ ‫جعل من نف�سه عبدا‪ ،‬هواختار من نف�سه �أن يكون عبدا هلل‪ ،‬هوعبد‬ ‫هلل بطبيعة احلال‪ ،‬ولكن مبعنى االختيار جعل نف�سه عبدا هلل‪ ،‬عبد‬ ‫اهلل هذا يجمع على العباد‪ ،‬على عباد اهلل‪ ،‬وعباد الرحمن‪ ،‬لي�س‬ ‫وعبيد الرحمن‪ ،‬هذا من (العبادة) ولي�س من (العبدية)‪ ،‬دعك من‬ ‫كثري من التعقيدات يف ال�شرح‪ ،‬بب�ساطة �أن جتعل من نف�سك عبدا‬ ‫هلل باختيارك وانتهى املو�ضوع‪� ،‬إذا جعلت من نف�سك باختيارك عبدا‬ ‫هلل ف�أنت عابد هلل‪ ،‬و�أنت من ه�ؤالء (عبادي) الذين يرثون (يرثها‬ ‫عبادي( زائد �شرط �آخر (ال�صاحلون) هذا مزيد من البيان‬ ‫و�إال فعباد اهلل فيها كل �شيء‪ ،‬متاما مثل حني يقول اهلل �سبحانه‬ ‫وتعاىل‪ ،‬اهلل‪ ،‬ثم ي�أتي بعد ذلك بالأ�سماء احل�سنى‪ ،‬وكلها م�ضمنة‬ ‫يف اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬فعباد اهلل فيهم �صفات كثرية‪ ،‬خل�ص تلك‬ ‫ال�صفات هاهنا يف (ال�صاحلني) (يرثها عبادي ال�صاحلون( فمن‬ ‫ات َل ُن ْد ِخ َل َّن ُه ْم فيِ‬ ‫ال�صالحِ َ ِ‬ ‫هم ال�صاحلون؟ ( َوا َّل ِذينَ � َآم ُنوا َو َعمِ ُلوا َّ‬ ‫ال�صالحِ ِ ني)(العنكبوت ‪ )9 :‬فال�صاحلون هم الذين �آمنوا وعملوا‬ ‫َّ‬ ‫ال�صاحلات‪ ،‬والباقيات ال�صاحلات هي كل �شيء‪ ،‬وهي جميع‬ ‫الأعمال‪ ،‬فهذا الوعد كبري وعام وكوين‪ ،‬لكن يحتاج �إىل �شرطني‪:‬‬ ‫‪� (1‬شرط الإميان‪� (2 .‬شرط ال�صالح والأهلية‪ .‬ال�صالح يف هذه‬ ‫الأمة متمثل �أ�سا�سا يف �إ�صالحها للنا�س‪ ،‬لأنها �أخرجت �أ�سا�سا‬ ‫للنا�س‪ .‬ثم الب�شرى يف الآخرة باجلنة وردت يف �أماكن �أخرى‬ ‫(�أَال �إِنَّ �أَ ْو ِل َياء اللهّ ِ َال َخ ْو ٌف َع َل ْيهِ ْم َو َال هُ ْم َي ْحزَ ُنونَ ا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا َو َكا ُنو ْا‬ ‫َي َّت ُقونَ ل ُه ُم ا ْل ُب ْ�ش َرى فيِ الحْ َ يا ِة ال ُّد ْن َيا وَفيِ ال ِآخ َرة)(يون�س‪)64 -62:‬‬ ‫ويف �سورة ال�صف كما �سمعتم جاءت الب�شرى َ (و َب ِّ�ش ِر المْ ُ ؤْ� ِم ِننيَ)‬ ‫(ال�صف ‪ ،)13 :‬حني ت�سمعون لفظ (امل�ؤمنني) يف القر�آن م�ستقال‬ ‫عن �أي �شرط‪ ،‬فاعلموا علم اليقني �أن ما �سواه يدخل فيه‪ ،‬ما ي�أتي‬ ‫بعده كله داخل فيه‪ ،‬لو قال اهلل تعاىل ( والع�صر �إن الإن�سان لفي‬ ‫خ�سر �إال الذين �آمنوا )(�سورة الع�صر) فقط و�سكت فاعلم علم‬ ‫اليقني انه داخل فيها (وعملوا ال�صاحلات وتوا�صوا باحلق وتوا�صوا‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫بال�صرب((�سورة الع�صر( كل ذلك داخل فيه‪ ،‬حني يذكر الإميان‬ ‫وحده فهو ي�شمل العمل‪ ،‬لأنه ال يت�صور �إميان بدون عمل‪� ،‬إمنا وقع‬ ‫الف�صل بينهما يف �أذهان النا�س ويف عقل املتكلمني‪� ،‬أي الذين‬ ‫ا�شتغلوا ب�صناعة التوحيد‪ ،‬ال ب�صناعة الإميان‪� ،‬إذ كان ر�سول اهلل‬ ‫م�شتغال بالإميان‪ ،‬هوميار�س الإميان ويتكلم بالإميان وعن الإميان‬ ‫ويف �أهل الإميان‪ ،‬وجاء النا�س بعد وتكلموا يف التوحيد وتكلموا‬ ‫يف الكالم‪ ،‬وبقي الكالم مع الكالم‪ ،‬و�صارت الأمة �إىل ما �صارت‬ ‫�إليه‪ .‬فالإميان يف القر�آن الكرمي ي�ستلزم العمل �إلزاما‪ ،‬ي�ستلزم‬ ‫العمل ال�صالح‪� ،‬إال �أنه نظرا �إىل �أن النا�س يحتاجون دائما �إىل‬ ‫مزيد من البيان والتكرار‪ ...‬فاهلل �سبحانه وتعاىل بني وو�ضح‬ ‫حتى قطع احلجة‪ ،‬ومن �أجل ذلك �أر�سل الر�سل‪ ،‬و�ضرب الأمثال‪،‬‬ ‫ا�س َع َلى اللهّ ِ ُح َّج ٌة‬ ‫وق�ص الق�ص�ص‪ ،‬بينَّ كل �شيء ( ِل َئ َّال َي ُكونَ ِلل َّن ِ‬ ‫َب ْعدَ ال ُّر ُ�س ِل)(الن�ساء ‪ )165 :‬و�ضح الأمور‪ ،‬و�أقام احلجة بالر�سل‬ ‫باعتبارهم يعطون املثل الب�شري للتطبيق ال�شرعي‪ ،‬تراه �أمامك‬ ‫ماثال مي�شي على رجليه‪،‬هاهومطبق‪ ،‬وتطبيقه له ال من جهة كونه‬ ‫ر�سوال‪ ،‬و�إمنا من جهة كونه ب�شرا‪ ،‬مبعنى �أنه �أطاق ذلك وهوب�شر‪،‬‬ ‫مل يطبقه لأن فيه قوة خا�صة جاءته وهوملك‪،‬ال‪ ،‬و�إال ما �صار قدوة‬ ‫للنا�س( َل َق ْد َكانَ َل ُك ْم فيِ َر ُ�س ِول اللهَّ ِ �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة)‬ ‫(الأحزاب ‪ ، (21 :‬لأنه فعل ما يفعله الب�شر ويطيقه الب�شر‪ ،‬واهلل‬ ‫كلف الب�شر مبا يف و�سعهم ( َال ُي َك ِّل ُف اللهّ ُ َنف ًْ�سا �إِ َّال ُو ْ�س َع َها)‬ ‫(البقرة‪ .(286 :‬مقا�صد �سنة ال َف نْت واالبتالء وعالقتها بال�شدائد‬ ‫والب�شائر الب�شائر كثرية ووعد اهلل عظيم للم�ؤمنني يف �أي فرتة ويف‬ ‫�أي مرحلة‪ ،‬ولكن تلك الوعود جميعا ال نفاد لها‪ ،‬ولن تكون �إال �إذا‬ ‫وجدت �شروطها و�أثمنتها‪ ،‬عندما ندخل �إىل الثمن يبتدئ املفهوم‬ ‫الآخر وهوالذي يبتدئ بقوله تعاىل يف �آيات مت الكالم عنها‪ ،‬بعد‬ ‫�أعوذ باهلل من ال�شيطان الرجيم ب�سم اهلل الرحمن الرحيم (�أمل‬ ‫ا�س َ �أنْ ُيترْ َ ُكوا �أَنْ َي ُقو ُلوا � َآم َّنا َوهُ ْم ال ُي ْف َت ُنونَ ‪َ ،‬و َل َق ْد َف َت َّنا‬ ‫�أَ َح ِ�س َب ال َّن ُ‬ ‫ا َّل ِذينَ ِمنْ َق ْبلِهِ ْم َف َل َي ْع َل َمنَّ اللهَّ ُ ا َّل ِذينَ َ�صدَ ُقوا َو َل َي ْع َل َمنَّ ا ْل َك ِاذ ِبنيَ)‬ ‫(العنكبوت ‪ ،)2 -1 :‬وال َف نْت يف العربية ‪ :‬و�ضع املعدن ‪-‬الذهب‬ ‫�أوالف�ضة‪ -‬على النار ال�شديدة حتى يذوب وتطفوال�شوائب في�صفى‬ ‫من تلك ال�شوائب ويبقى املعدن �إما ذهبا خال�صا‪� ،‬أوف�ضة خال�صة‪.‬‬ ‫ف�إذن امل�ؤمن فيه �شوائب قبل ت�صفيته بالفنت‪ ،‬فالفنت �ضروري و�سنة‬

‫ما�ضية‪ ،‬وبه يتميز النا�س‪ ،‬الإميان ما �أ�شبهه مبنحة ربانية يعطاه النا�س‬ ‫الذين �أكرمهم اهلل بنعمة الإميان دون �سابق عمل‪ ،‬ت�صور �أن �أبا عنده‬ ‫�أبناء متعددون �أعطاهم دفعة واحدة مثال قدر ًا من املال لكل واحد ثم‬ ‫قال لهم اذهبوا‪ ،‬ت�صرفوا‪ ،‬بع�ضهم منى ذلك املال‪ ،‬بع�ضهم �أكله من‬ ‫ليلته قامر به‪ ،‬بع�ضهم تل ّهى عنه حتى �سرق منه‪ ،‬فكذلك النا�س ‪-‬وهلل‬ ‫املثل الأعلى‪ -‬مينحون الإميان‪ ،‬ومينحون القدر ال�ضروري الذي �إن منوه‬ ‫زكت نفو�سهم وو�صلوا �إىل �أعلى الدرجات م�صداقا لقوله تعاىل( ‏‏ َي ْر َف ِع‬

‫‪19‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫اللهَّ ُ ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا ِمن ُك ْم َوا َّل ِذينَ �أُوتُوا ا ْل ِع ْل َم َد َر َج ٍات‏( بالتزكية والتنمية‪،‬‬ ‫ولكن هناك نا�س ال يزكون ذلك وال ينمونه فيتناق�ص حتى يذهب‪ ،‬ن�س�أل‬ ‫اهلل العافية‪ ،‬فكم من نا�س كانوا م�ؤمنني فكفروا وارتدوا‪ ،‬ه�ؤالء كانوا‬ ‫حتى يف زمن ر�سول اهلل ‪ ،‬وقع هذا‪ ،‬ويف كل زمان يقع هذا وميكن �أن‬ ‫يقع‪ ،‬و�إن �أي نعمة هي يف احلقيقة يف �أ�صلها منحة‪�،‬أنظر �إىل قوله تعاىل‬ ‫( َو َل ْو اَل َف ْ�ض ُل اللهَّ ِ َع َل ْي ُك ْم َو َر ْح َم ُت ُه َما َز َكا ِمن ُكم ِّمنْ �أَ َحدٍ �أَ َبدً ا َو َل ِكنَّ اللهَّ َ‬ ‫ُيزَ ِّكي َمن َي َ�شاء)(النور ‪ )21 :‬ولذلك قال ر�سول اهلل اللهم �آت نف�سي‬ ‫تقواها وزكها �أنت خري من زكاها �أنت وليها وموالها(رواه م�سلم( رغم‬ ‫اب َمن د ََّ�ساهَ ا)‬ ‫�أنه قال لنا( َق ْد �أَ ْف َل َح َمن َز َّكاهَ ا َو َق ْد َخ َ‬ ‫(ال�شم�س ‪ )10 -9 :‬و�أنه �أعطانا نحن الت�صرف‪ ،‬ولكن التوفيق منه‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪ ،‬ف�أي نعمة هي يف �أ�صلها منحة‪ ،‬وحتتاج �إىل تنمية‬ ‫�أي�ضا‪ ،‬بالتزكية‪ ،‬وبالزكاة تربو النعمة وتزداد‪� (،‬أَ ْم َح ِ�س ْبت ُْم َ�أن ت َْد ُخ ُلو ْا‬ ‫الجْ َ َّن َة َولمَ َّا َي�أْ ِت ُكم َّم َث ُل ا َّل ِذينَ َخ َل ْو ْا ِمن َق ْب ِل ُكم َّم َّ�س ْت ُه ُم ا ْل َب�أْ َ�ساء َو َّ‬ ‫ال�ض َّراء‬ ‫ول ال َّر ُ�س ُ‬ ‫َو ُز ْل ِز ُلو ْا َحتَّى َي ُق ُ‬ ‫ول َوا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا َم َع ُه َمتَى َن ْ�ص ُر اللهّ ِ �أَال ِ�إنَّ َن ْ�ص َر‬ ‫يب)‬ ‫اللهّ ِ َق ِر ٌ‬ ‫(البقرة ‪ )214 :‬مثل الزلزلة التي حتدث عنها القر�آن (هُ َنا ِل َك ا ْب ُت ِل َي‬ ‫المْ ُ�ؤ ِْم ُنونَ َو ُز ْل ِز ُلوا ِز ْلزَ اًال َ�ش ِديدً ا)(الأحزاب ‪ )11 :‬زلزلت القلوب زلزالها‬ ‫من �شدة الرعب‪ ،‬من �شدة الهول‪ ،‬من �شدة ال�ضيق‪ ،‬ولكن مع الإميان‬ ‫القوي تثبت واهلل املث ِّبت‪ ،‬فاللهم ثبت قلوبنا بالقول الثابت يف احلياة‬ ‫الدنيا ويف الآخرة ( ُي َث ِّبتُ اللهّ ُ ا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا ِبا ْل َق ْو ِل ال َّثا ِب ِت فيِ الحْ َ َيا ِة‬ ‫ال ُّد ْن َيا وَفيِ ال ِآخ َر ِة((�إبراهيم ‪�( .)27 :‬أَ ْم َح ِ�س ْبت ُْم �أَن ت َْد ُخ ُلو ْا الجْ َ َّن َة)‬ ‫هذه التي حتدثنا عنها �أن فيها ت�سع ًا وت�سعني ق�سم مثل الرحمة التي‬ ‫ر�أينا منوذجا واحدا منها‪ ،‬والتي نح�س مبا ال نهاية بالتعبري الريا�ضي‬ ‫يف ت�ص ّور �سعة هذه الرحمة وعظمة هذه الرحمة املوجودة يف الكون الآن‬ ‫وهي جمرد ق�سمة‪�( .‬أَ ْم َح ِ�س ْبت ُْم َ�أن ت َْد ُخ ُلو ْا الجْ َ َّن َة َولمَ َّا َي�أْ ِت ُكم َّم َث ُل ا َّل ِذينَ‬ ‫ول ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ال�ض َّراء َو ُز ْل ِز ُلو ْا َحتَّى َي ُق ُ‬ ‫َخ َل ْو ْا ِمن َق ْب ِل ُكم َّم َّ�س ْت ُه ُم ا ْل َب�أْ َ�ساء َو َّ‬ ‫ول‬ ‫يب )‬ ‫َوا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا َم َع ُه َمتَى َن ْ�ص ُر اللهّ ِ �أَال �إِنَّ َن ْ�ص َر اللهّ ِ َق ِر ٌ‬ ‫(البقرة ‪ ،)214 :‬حتى �إذا ا�ستي�أ�س الر�سل وظنوا �أنهم قد كذبوا‬ ‫جاءهم ن�صرنا)(يو�سف ‪ )110 :‬ا�شتدي �أزمة تنفرجي‪ ،‬ف�إذن �سنة‬ ‫البالء �سنة كونية حياتية قال اهلل تعاىل ‪َ :‬‬ ‫(خ َلقَ المْ َ ْوتَ َوالحْ َ َيا َة((امللك‬ ‫‪ (2 :‬ثم �أَلحْ ق (ليبلوكم)(امللك ‪ )2 :‬الفتنة لي�ست فقط باحلياة‪ ،‬بل‬ ‫حتى باملوت ( َو َن ْب ُلو ُكم ِب َّ‬ ‫ال�ش ِّر َوالخْ َ يرْ ِ ِف ْت َن ًة َو ِ�إ َل ْي َنا ُت ْر َج ُعونَ ((الأنبياء ‪:‬‬ ‫‪ )35‬نحن يف البالء فالإن�سان حني يكون يف عافية يظن �أنه يف نعمة‬ ‫و�أنه غري مبتلى‪ ،‬بل هو مبتلى �إذ ذاك‪ ،‬حني يكون مبتلى بتلك العافية‬ ‫هل ي�شكر نعمة اهلل �أوال ي�شكر؟ وهاهنا نقطة �أح�سبها يف غاية الأهمية‬ ‫لأن اهلل �أ�س�س الأمر على البالء‪ ،‬و�أ�س�سه على نْ‬ ‫الفت‪ ،‬وذلك الفنت على‬ ‫�أ�سا�سه تكون ال ُّرتَب عند اهلل وتكون الرتب يف الدنيا‪ ،‬تكون الرتب عند‬ ‫اهلل ( ِل ْل ُف َق َراء المْ ُ َه ِاج ِرينَ ا َّل ِذينَ �أُخْ ِر ُجوا ِمن ِديار ِ​ِه ْم َو�أَ ْم َوالِهِ ْم َي ْب َت ُغونَ‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ال�صا ِد ُقونَ )‬ ‫َف ْ�ضلاً ِّمنَ اللهَّ ِ َور ِْ�ض َوا ًنا َو َي ُ‬ ‫ن�ص ُرونَ اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه �أُ ْو َل ِئ َك هُ ُم َّ‬ ‫(احل�شر ‪ )8 :‬وو�سام ال�صدق �أعلى و�سام‪ ،‬ولذلك طلب اهلل من جميع‬ ‫امل�ؤمنني �أن يكونوا مع ه�ؤالء ( َيا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا ا َّت ُقو ْا اللهّ َ َو ُكو ُنو ْا َم َع‬ ‫ال�صا ِد ِقنيَ((التوبة ‪ (119 :‬فن�س�أل اهلل �أن يجعلنا من ال�صادقني ومع‬ ‫َّ‬ ‫ال�صادقني بف�ضله وكرمه‪ .‬ب�صفة عامة �سنة البالء هذه التي تقوم على‬ ‫الفنت‪ ،‬والفنت الذي ي�ؤدي �إىل ميز اخلبيث من الطيب‪ ،‬و�إن يف امل�ؤمنني‬ ‫كما قال ال�صحابة بعد نزول الآية‪ ،‬قالوا ما كنا نظن �أنه يوجد خبيث‬ ‫وطيب يف امل�ؤمنني ( َّما َكانَ اللهّ ُ ِل َي َذ َر المْ ُ�ؤ ِْم ِن َني َع َلى َم�آ �أَنت ُْم َع َل ْي ِه َحت َ​َّى‬ ‫يمَ ِ يزَ الخْ َ ِبيثَ ِمنَ َّ‬ ‫الط ِّي ِب َو َما َكانَ اللهّ ُ ِل ُي ْط ِل َع ُك ْم َع َلى ا ْل َغ ْي ِب)(�آل عمران‬ ‫‪ ،)179 :‬ف�إذن كما عرب ر�سول اهلل ‪� :‬إنك امر�ؤ فيك جاهلية (رواه‬ ‫البخاري( فينا جاهلية‪ ،‬فينا جوانب خبيثة‪ ،‬فينا جوانب غري �صاحلة‪،‬‬ ‫فينا خبيث وطيب‪ ،‬واخلبث يحتاج �إىل نار الفنت حلرقه يف الدنيا ر�أفة‬ ‫بامل�ؤمن حتى ال يحرق يف الآخرة‪ ،‬لأن كل خبيث يف امل�ؤمن بعد لقيا اهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل ال بد من �أن حترقه النار �إال �أن ي�شاء اهلل �شيئا بف�ضله‬ ‫(�سلاَ ٌم‬ ‫ال�سنة العادية �أنه ال يدخل اجلنة �إال من يقال له َ‬ ‫وكرمه‪� ،‬أما ُّ‬ ‫َع َل ْي ُك ْم ِط ْبت ُْم َفا ْد ُخ ُلوهَ ا َخا ِل ِدينَ )(الزمر ‪� )73 :‬إن اهلل طيب ال يقبل �إال‬ ‫(�سلاَ ٌم‬ ‫طيبا وال يدخل داره دار ال�سالم �إال الطيبون‪� ،‬أولئك يقال لهم َ‬ ‫َع َل ْي ُك ْم ِط ْبت ُْم َفا ْد ُخ ُلوهَ ا َخا ِل ِدينَ ) �أما قبل �أن تطيبوا فال دخول‪� ،‬أما �إذا‬ ‫وجد يف امل�ؤمن جوانب طيبة وجوانب خبيثة‪ ،‬فال يخلو من �أمرين‪� - :‬إما‬ ‫أ�شكال‪ ،‬اهلل يختارها‪ - .‬و�إما �أنه ي�ؤخر‬ ‫�أنه يف هذه الدنيا ينقى بالفنت ب� ٍ‬ ‫ذلك �إىل يوم القيامة وينقى بعذاب جهنم �أو بعفو اهلل ثم يدخل اجلنة‬ ‫بعد‪ .‬لكن ال بد �أن يطهر ال بد �أن يطيب �إن اهلل طيب ال يقبل �إال طيبا‪،‬‬ ‫فن�س�أل اهلل عز وجل �أن يجعلنا من الطيبني ومع الطيبني‪ ،‬ومن الذين‬ ‫(ط ْبت ُْم َفا ْد ُخ ُلوهَ ا َخا ِل ِدينَ ( بف�ضله وكرمه‪ .‬هذا الفنت �ضروري‬ ‫يقال له ِ‬ ‫يف عملية الت�صنيف هنا‪ ،‬وعملية الت�صنيف هنالك‪� .‬إنه رحمة بامل�ؤمنني‪،‬‬ ‫تنقية ل�صفوفهم‪ ،‬وتنقية لقلوبهم‪ ،‬وتزكية لأرواحهم‪ ،‬وتقوية لهم �أي�ضا‪،‬‬ ‫لأنهم كلما طابوا خفت �أرواحهم فخفت �أج�سامهم‪ ،‬لأن الأ�شباح يف‬ ‫يد الأرواح‪ ،‬ملاذا يح�س الإن�سان بالثقل �إذا طلب منه �أن يجاهد مباله‪،‬‬ ‫(ما‬ ‫�أوطلب منه �أن يجاهد بوقته‪� ،‬أويجاهد بنف�سه؟ ملاذا ي�شعر بالثقل؟ َ‬ ‫َل ُك ْم ِ�إ َذا ِق َيل َل ُك ُم ان ِف ُرو ْا فيِ َ�س ِب ِيل اللهّ ِ ا َّثا َق ْلت ُْم ِ�إلىَ الأَ ْر ِ�ض)(التوبة ‪)38 :‬‬ ‫هذا الثقل �سببه ما يف النف�س مما لي�س بطيب‪ ،‬فالروح حني تزكو تخف‬ ‫وت�صبح فعال كالطائر‪� ،‬سهل عليها �أن تطري �إىل اهلل �سبحانه عز وجل‪،‬‬ ‫حني قال للأن�صار (�إنكم لتكرثون عند الفزع وتقلون عند الطمع) مل‬ ‫هذا؟ ذلك ب�سبب �أنهم ربطوا �أنف�سهم بالآخرة‪،‬تكرثون عند الفزع لأن‬ ‫فيه البالء‪ ،‬هذا جمال البالء‪ ،‬جمال الفنت‪ ،‬فك�أنهم يرغبون فيما عند‬ ‫اهلل مما تكره النف�س (وحفت اجلنة باملكاره) اجلنة حتيط بها املكاره‬ ‫من كل مكان‪ ،‬فهم يرغبون يف ذلك‪� ،‬أما حني يكون الأمر �أمرا دنيويا‬ ‫خال�صا فال طمع‪ ،‬و�أنتم تعلمون �أن العربة بالغالب‪ ،‬احلكم للغالب‪،‬‬

‫‪20‬‬


‫فيهم فالن لي�س منهم‪ ،‬قال‪( : :‬هم القوم ال ي�شقى بهم جلي�سهم(‬ ‫(رواه م�سلم) و�إن كان لي�س بذاك‪ ،‬فما دام مع الأغلبية ال�صاحلة فال‬ ‫ب�أ�س‪ ،‬لذلك نقول اللهم اجعلنا من ال�صادقني ومع ال�صادقني‪ ،‬ن�س�أل‬ ‫اهلل التوفيق‪� .‬إ�ضافة �إىل هذا ف�إن هذا الفنت له �صورتان‪� - :‬صورة وهي‬ ‫�أن العبد تنزل عليه الباليا نزوال‪ - .‬و�صورة �أنه هويطلبها‪ ،‬والباليا فيها‬ ‫�أنواع‪ ،‬فيها ما يطلب وفيها ماال يطلب‪ ،‬نحن ال نطلب املر�ض مثال (�إذا‬ ‫�س�ألتم اهلل ف�أ�سالوه العافية ( ال نطلب اخل�سارة‪ ...‬نوع من البالء يطلب‪،‬‬ ‫و�أمرنا �أن نطلبه كبالء اجلهاد بجميع �صوره طلب منا �أن نطلبه وهو‬ ‫بالء‪ ،‬اال�ست�شهاد‪� ،‬أعلى �صور اجلهاد‪ ،‬ف�أن جتاهد نف�سك يف ذات اهلل‪،‬‬ ‫و�أن جتاهد �شهوتك‪ ،‬و�أن جتاهد ولدك‪ ،‬و�أن جتاهد جتارتك‪...‬وجتاهد‬ ‫وجتاهد حتى جتاهد بروحك التي بني جنبيك يف �سبيل اهلل وتعطيها‬ ‫را�ضيا يف �سبيل اهلل وابتغاء مر�ضاة اهلل‪� ،‬إن قدمت هذا برغبة منك يف‬ ‫ذلك‪ ،‬عو�ضك النوع الآخر‪ ،‬و�إال طهرت بالنوع الآخر‪ ،‬واهلل الذي يختار‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪ ،‬فقد يختار من هذا وهذا‪ ،‬وقد يختار من هذا دون هذا‬ ‫( َو َر ُّب َك َيخْ ُلقُ َما َي َ�شاء َو َيخْ تَا ُر َما َكانَ َل ُه ُم الخْ ِ يرَ َ ُة)‬ ‫(الق�ص�ص ‪ ،)68 :‬لكن �إن ت�أملنا حال ال�صحابة‪� ،‬إن ت�أملنا عددا‬ ‫من الأحوال جند �أن الإن�سان بف�ضل اهلل تعاىل �إن �صدق اهلل ور�سوله‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫و�أخل�ص‪ ،‬وال يكون ذلك �إال ببذل‪ ،‬لي�س ال�صدق �أمرا نف�سيا خال�صا‬ ‫وكفى‪ ،‬ال‪ ،‬ال�صدق دليله يف اجلهاد‪ ،‬دليله يف الواقع‪ ،‬يف الت�ضحية‪� ،‬إن‬ ‫حدث ذلك اهلل يدفع بذلك �إذاية �أخرى من نوع �آخر‪ ،‬احلديث الذي‬ ‫رواه الإمام الرتمذي عن �أبي هريرة ‪( :‬وما يزال البالء بالعبد امل�ؤمن‬ ‫وامل�ؤمنة حتى يلقى اهلل وما عليه خطيئة( حتى يطيب‪ ،‬ي�صري طيبا‪،‬‬ ‫يعني قد تهي�أ متاما ال�ستقبال املالئكة له‪ ،‬فيقال له (�سالم عليكم‬ ‫طبتم فادخلوها خالدين)‪ .‬خــال�صــة فالق�صد �إذن �أن نكون عبيدا هلل‬ ‫باالختيار‪ ،‬ال عبيدا له باال�ضطرار و�أن نختار نحن �أن نقدم ما �أعطانا‬ ‫هورا�ضني برغبة منا بدل �أن ينتزع ذلك منا ا�ضطرارا وكرها وهو‬ ‫يجرنا �إىل اهلل عز وجل كما قال (عجب ربك من قوم يقادون �إىل اجلنة‬ ‫بال�سال�سل)(رواه �آبو داود عن �أبي هريرة ) يعني يجرنا �إليه جرا‪� ،‬إىل‬ ‫ر�ضوانه‪ ،‬ولكن حني مل ن�سارع �إليه ون�سارع يف اخلريات‪ ،‬ون�سابق �إليها �إذ‬ ‫ذاك جرنا �إليه بطريقة �أخرى‪ ،‬حني �أراد بنا اخلري �سبحانه عز وجل‪،‬‬ ‫وال �أعلم �شخ�صيا ‪-‬ويف حدود علمي‪ -‬يف ال�صيغ التي ا�ستعملها ر�سول‬ ‫اهلل يف �أمر الإ�صابة واخلري ال �أعلم �إال �صيغتني‪ - :‬من يرد اهلل به خريا‬ ‫يفقهه يف الدين‪ - .‬ومن يرد اهلل به خريا ي�صب منه‪ .‬فهما متكافئتان‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫املعنى ُ‬ ‫احل ُّر‬ ‫نح َو نظر ّية �إن�سان ّية‬ ‫للمعنى‬

‫د‪ .‬خالد عبدالر�ؤوف اجلرب‬

‫عميد ك ّليّة الآداب والعلوم الإن�سانية‬ ‫جامعة العلوم الإ�سالم ّية العامل ّية‬

‫ُي ُ‬ ‫�سيد‬ ‫لتحقيق امل�ش ُروع ال‬ ‫بيل الأوىل‬ ‫حاول الباحثُ تقد َمي �صور ٍة ِ�ش ْب ِه ُم ْ�ستَق�صا ٍة لثالث ِة‬ ‫إ�سالمي‪ ،‬وتجَ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وال�س ِ‬ ‫ِ‬ ‫مو�ضوعات ال ُكبرْ َ ى‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫َّ�صل ُ‬ ‫عات؛ � ْأي َر ْف ِ�ض ِف ْك َر ِة َق ْ�ص ِر‬ ‫�ص‪ ،‬والمْ َ ْع َنى‪ .‬ال ُّر�ؤى والتّطلُّعات‪ ،‬والت ِ‬ ‫ّمهيد لإجنا ِز التّو ُّق ِ‬ ‫مت ٍ‬ ‫بع�ضها ِب َبع�ض؛ َتدُور يف محِ ْ َو َرين ا ْث َنني هُ ما‪ :‬ال ّن ُّ‬ ‫واحدَ ٍة منها‪.‬‬ ‫غ َري �أنّ‬ ‫اجلام َع ب َني هذ ْي ِن امل ِْح َو َر ِين هُ و املُتل ِّقي‪ /‬التّل ّقي؛ ولذلك كانَ ِ�ص َف ِة الإ�سالم َّي ِة على ِج َه ٍة ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلام ُع هو ال ّركيزَ ة الأ�سا�س َّي َة التي اتَّك� ْأت عليها املقال ُة‪ ،‬فك�أ ّنها‬ ‫هذا ِ‬ ‫لقد �أ ّدى ك ٌّل من الإق�صا ِء وال َق ْ�ص ِر َد ْو ًرا �أ�سا�س ًّيا يف َر ْ�س ِم‬ ‫ا�ستنباط ا َمل ْع َنى‪ّ ،‬ثم‬ ‫�ص‪ ،‬و�آل َّي َت ُه يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫إنتاج ال ّن ّ‬ ‫تعالج َد ْو َر املتل ِّقي يف � ِ‬ ‫عا�شتْها املجتَمعات الإ�سالم ّية قد ًميا‪ ،‬وما تَزالُ‬ ‫َمعالمِ ال ِف ْت َنة التي َ‬ ‫إنتاج ا َمل ْع َنى‪.‬‬ ‫دو َر ُه يف � ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫هام املخ َت ِل ِف‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫آخ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫ري‬ ‫تكف‬ ‫؛‬ ‫ري‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ا‪:‬‬ ‫ث‬ ‫حدي‬ ‫ها‬ ‫تعي�ش‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬

‫روق واال ْب ِتدا ِع‪ .‬وهي ذاتُها ال ِف ْت َن ُة التي‬ ‫ب�س َم ٍة َقد تحُ ْ َم ُد �آثا ُرها؛ بال َّزندَ َقة والإلحْ ا ِد والمْ ُ ِ‬ ‫جامع � َآخ ُر َي ِ�س ُم هذه املو�ضوع َة ِ‬ ‫و َث َّمة ِ‬ ‫َ‬ ‫ذلك لأنّ هذه املقال َة ات َ‬ ‫(مبفهومها املج َّرد( على َمدار ُع�صو ٍر َطوي َلة‪،‬‬ ‫طاقات الأ ّمة‬ ‫العربي الترُّ ا ِث ِّي جَما َلها � ْأهدَ َرت‬ ‫َّخذت من ال ِفكر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ح�ص َرت معاجلتُها الأ�سا�س َّي ُة يف امل�صاد ِر التي َكما � ْأهدَ َرت ِد َماء كث ٍري من املُف ِّكرينَ والباح ِثني عن ا َملعنى (ا ُ‬ ‫حل ِّر)‬ ‫الز َّم ِن َّي‪ ،‬فكانَ � ِأن ا ْن َ‬ ‫تمُ ِّث ُل هذا الترُّ َ‬ ‫املق�صو ِر‬ ‫ّمان وا َمل ِ‬ ‫�ص؛ املع َنى غ ِري امل�صبو ِغ ِب�أ َث َري الز ِ‬ ‫كان‪ ،‬وال ُ‬ ‫اث ب�صور ٍة تكا ُد تَكونُ �شامل ًة‪ ،‬وهي م�صاد ُر تتن َّو ُع لل ّن ّ‬ ‫نقد َّي ٍة وبالغ َّي ٍة و ِف ْقهِ ّية وتف�سري َّي ٍة وتاريخ َّي ٍة وفل�سف َّية‪ ،‬على ما تُو ِّف ُره َمعارِف املتل ِّقي من ُف َر ِ�ص ال َف ْه ِم يف ُحدو ِدها و�أُ ُط ِرها‬ ‫ب َني م�صاد َر ِ‬

‫والط ُر ِق ّ‬ ‫هادات ُّ‬ ‫وائف وال ِف َر ِق‪ ،‬ال ّذو ِق َّي ِة والعقل َّي ِة وال ُلغو َّي ِة وال ِع ْلمِ َّية‪.‬‬ ‫والط ِ‬ ‫وتتع َّد ُد َوفْقَ تع ُّد ِد الآراء واالج ِت ِ‬ ‫إبا�ض َّية‪ ،‬ومن اع ِتزال َّي ٍة و�صو ِف َّية‪،‬‬ ‫و�س ِّن َّي ٍة ِ‬ ‫و�شي ِع َّي ٍة و� ِ‬ ‫من � ْأ�ش َعر َّي ٍة ُ‬ ‫تجَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِمنْ هُ نا‪ِ ،‬من ال ّرغ َبة يف ا ُو ِز ِف ْتنة الإق�صا ِء والق ْ�ص ِر؛ ِمن‬ ‫ّخذت‬ ‫وفل�سف َّي ٍة َعقْالن َّي ٍة �إىل فل�سف َّي ٍة �إ�شراق َّية‪ .‬لك َّنها –املقالة‪ -‬ات ْ‬ ‫محُ ا َولة ت ِّ‬ ‫احلقي َق ِة َ‬ ‫الك َ‬ ‫واحلقِّ‬ ‫ِّعاءات بام ِت ِ‬ ‫زاعم واالد ِ‬ ‫َخطي ُك ِّل ا َمل ِ‬ ‫ّجديد‬ ‫العربي ال‬ ‫اث‬ ‫إحداث �شيءٍ من الت ِ‬ ‫إ�سالمي ُم ْن َط َل ًقا ل ِ‬ ‫منَ الترُّ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ�سليم ب�أنّ الآراء‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫(؛‬ ‫ر‬ ‫حل‬ ‫(ا‬ ‫ى‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫�شاف‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫وا‬ ‫‪،‬‬ ‫ني‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫أ�سي�س الفكريِّ لنظر َّي ٍة‬ ‫يف ر�ؤي ِت ِه ملو�ضوع ِة املعنى‪� ،‬ساعي ًة �إىل ال ّت� ِ‬ ‫َ‬ ‫وتتقاط َع‪،‬‬ ‫هام –و�إنْ تَخْ َت ِل ْف– يمُ ْ كنُ لها �أنْ َتتَوا َزى‬ ‫والأ ْفكار والأ ْف َ‬ ‫يف املعنى (ا ُ‬ ‫أعراق‬ ‫كان وال ِ‬ ‫ّمان وا َمل ِ‬ ‫حل ِّر)‪ ،‬متجاوز ًة ُحدو َد الز ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وتتنا�س َج وتتوا�ش َج‪ ،‬دُونَ �أنْ َيكون � ٌّأي ِمنها –‬ ‫وتتنافى وتتدا َب َر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َّ�صنيفات الأُخرى‪.‬‬ ‫والت‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫حيح الأ ْو َحدَ ‪ِ ...‬من هُ نا كانت‬ ‫ال�ص‬ ‫أو‬ ‫�‬ ‫َ‪،‬‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫ى‬ ‫ن‬ ‫املع‬ ‫و‬ ‫–‬ ‫ة‬ ‫رور‬ ‫بال�ض‬ ‫هُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫فر�ض َ‬ ‫خا�ض َع ًة َ‬ ‫هج الذي َ‬ ‫أ�سا�سي‪ :‬ال َف ْه ُم َ�صحي ٌح ما‬ ‫ل�ش ْر ٍط‬ ‫تان هذه الوجه ُة ِ‬ ‫مثل التّنا ُول الذي �أ ْب َر َزتْه الف ْق َر ِ‬ ‫ولمَ ي ُكن ال ّن ُ‬ ‫مو�ضوعي � ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫�ص َوفْقَ‬ ‫تر�س ِيخ َر ْف ِ�ض‬ ‫ن�ص ِ‬ ‫املتقدِّ َم ِ‬ ‫باط ًّيا؛ لك ّنه ن ْه ٌج َي ْ�س َعى �إىل ِ‬ ‫تان َن ْه ًجا اع ِت ِ‬ ‫ظاه ٌر َي ْر ُف ُ�ضهُ‪ ،‬وما َ‬ ‫َ‬ ‫دام لمَ ْ َي ِر ْد ٌّ‬ ‫دام ممِ ّ ا يح َتمِ ُله ال ّن ُّ‬ ‫املنظوم ِة اللغو ّي ِة ِ�ش ْب ِه ال ّن ِاجزَ ة‪.‬‬ ‫الواحدَ ة‪ ،‬و�إىل‬ ‫اجل َه ِة ِ‬ ‫الإ ْق�صاء لأيِّ ر� ٍأي �أو ِج َه ٍة �أو ِفر َق ٍة �أو اتجِّ ا ٍه من ِ‬ ‫َ‬ ‫جت�سيد ِفكر ِة �أنّ هذه الآرا َء وال ِف َر َق واالتجِّ‬ ‫اهات �إنمّ ا هي �إ�سالم َّية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫إ�سالم‪َ ،‬وم َعهُ‪ ،‬وبعدَ ُظهورِه‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫–ق‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫العرب‬ ‫ة‬ ‫احل�ضار‬ ‫زت‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ار‬ ‫َّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫بع�ضها من‬ ‫يف �أ�صو ِلها‪ ،‬و�أنّ من غ ِري املُ ْن ِ�صف َوال‬ ‫املو�ضوعي ا�س ِت ْثنا َء ِ‬ ‫ِّ‬ ‫�ص َ‬ ‫قبل‬ ‫يف ال ّن ِ‬ ‫�ص‪َ ،‬وم ْعنا ُه‪ .‬فال ّن ُّ‬ ‫ا�س– �إىل ُر ْك َن ِني َر ِكي َنينْ ِ هُ ما‪ :‬ال ّن ُّ‬ ‫و�ص َلت �إلي ِه‪ ،‬وا َملو ِق ُع الذي‬ ‫ِ�ص َفة الإ�سالم َّية َمهما َي ُكن ال َف ْه ُم الذي َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫إ�سالم كانَ ِ�ش ْع َر ال َع َرب و� ْأ�سجا َع الك َه َن ِة وال َع ّرا ِفنيَ‪ ،‬ف�ضال عن‬ ‫ال ِ‬ ‫َ‬ ‫انط َل َقت منهُ‪ّ ،‬‬ ‫والطريقُ الذي َ�س َل َك ْت ُه يف ُمعالجَ َ ة ا َمل ْع َنى‪ :‬الق�ض َّي ِة‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪22‬‬


‫إجنيل‪َ ،‬‬ ‫الواحد‪،‬‬ ‫واح ٍد‪ ،‬ممِ ّ ا ترا ُه يف �إطار املذهَ ب‬ ‫ِ‬ ‫ن�ص ِ‬ ‫�صو�ص �أخرى فيهِ م كالتّورا ِة وال ِ‬ ‫ُ�شيو ِع ُن ٍ‬ ‫ذلك لأنّ قبا ِئ َل امل�ستنبطة من ٍّ‬ ‫الواحدَ ة‪ ،‬ف�ض ًال عن ُمثو ِله ب َني ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملذاهب‬ ‫وائف‬ ‫والطائ َفة‬ ‫إ�سالم هُ و‬ ‫الط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب�أعيا ِنها كانت َت َه َّودَت �أو َت َن َّ�ص َرت‪ .‬وال ّن ُّ‬ ‫�ص بعدَ ال ِ‬ ‫بوي ّ‬ ‫ال�ش ُ‬ ‫ريف‪ ،‬مع ُموازا ِة املتعدِّ دَة؟؟‬ ‫الت‬ ‫ّ�شريعي‪ :‬القر�آنُ الكر ُمي واحلديثُ ال ّن ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫�ص‪ .‬وقد َ�سعى‬ ‫ال ّن ِ‬ ‫�صو�ص الأخرى من ِ�ش ْع ٍر ون ٍرث وغ ِريهما لهذا ال ّن ّ‬ ‫***‬ ‫خراج ما يف ال ّن ِّ�ص من‬ ‫امل�سلمونَ –وما زالوا َي ْ�س َع ْونَ – حثي ًثا ال�س ِت ِ‬ ‫وتعليمات و�أُ ُط ٍر يمُ كنُ �أنْ ُت َنز َ​َّل على َ‬ ‫احلياة الواقع َّي ِة ا َمل ِعي�ش ِة‬ ‫قواعدَ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ري من ال ّنا�س‪ ،‬لع َّلها تمَ ُ ُّت �إىل ما َنحنُ يف‬ ‫َث َّم َة َقول ٌة ير ِّددُها كث ٌ‬ ‫�ص الفر َد وما ُ‬ ‫على م�ستَويا ِتها املتعدِّ دَة‪� ،‬سوا ٌء منها ما ُ‬ ‫�ص‬ ‫يخ ُّ‬ ‫يخ ُّ‬ ‫اجلماعة (الأ ّمة واملجتَمع(‪َّ .‬‬ ‫َ‬ ‫القواعد‬ ‫ولعل الترّ كيزَ الأك َرب يف هذه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يخ�ص الفردَ‪ ،‬ولهذا ما له من عالق ٍة وثيق ٍة‬ ‫امل�ستنبط ِة كانَ ّ‬ ‫مما ُّ‬ ‫عيم اخلالد‪ ،‬ف�ض ًال عن‬ ‫بال ّرغب ِة يف ال ّنجا ِة الأُخْ َرو َّي ِة والفو ِز بال ّن ِ‬

‫تلك هي َق ْو َل ُة‪�( :‬إنّ القر�آنَ �صال ٌح ِّ‬ ‫ب�سبيل َو ِثيق؛ َ‬ ‫مان‬ ‫َ�صدَ ِده‬ ‫لكل َز ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كان(‪.‬‬ ‫َوم ٍ‬

‫تو�ضيح هذا امل�س َل ِك‪ ،‬و ُي�ضي ُء هذه ال َق ْو َل َة‪،‬‬ ‫و َث َّم َة ما ُي ِع ُني على‬ ‫ِ‬ ‫نف�س ِه‪َ ،‬‬ ‫جت�سدُه �آياتُ‬ ‫بع�ض �أجزاء ال ّن ِّ�ص ِ‬ ‫وهو من ِ‬ ‫وذلك هُ و ما ِّ‬ ‫يا�سي للمجتَمع واالقت�صا ِد‬ ‫ّنظيم ّ‬ ‫ال�س ِّ‬ ‫ا ِّت�صا ِله يف ج ْوهَ ره بق�ض َّي ِة الت ِ‬ ‫حلا يف كلِّ‬ ‫الإعجا ِز العلمِ ِّي و�أ�شباهُ ها‪ ،‬ممِ ّ ا َي ِج ُد له تف�س ًريا �صا ً‬ ‫ال�سالط ُني واملُ ُ‬ ‫وا ُ‬ ‫لوك‬ ‫حل ْكم‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬ ‫اجلانب الذي ا�ستَوىل عليه ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هم �إىل �أ ُف ٍق‬ ‫ف‬ ‫وال‬ ‫ى‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫مل‬ ‫با‬ ‫د‬ ‫دا‬ ‫ت‬ ‫ام‬ ‫ة‬ ‫الواح‬ ‫ة‬ ‫ه‬ ‫اجل‬ ‫من‬ ‫وهو‬ ‫‪،‬‬ ‫مان‬ ‫ز‬ ‫ٌ‬ ‫دَ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حل ّك ُام بعدَ ا ُ‬ ‫وا ُ‬ ‫خل َلفاء الأربع ِة‪ ،‬وا�ست�أ َث ُروا بمِ َ ن ُي َن ِّظرونَ فيه لآرا ِئهم‬ ‫أمك َن ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫أزم َن ٍة و� ِ‬ ‫جديد‪ ،‬وت�أكي ٌد لل َمعنى‪ ،‬بل للمعاين التي ُفهِ َمت من ُه يف � ِ‬ ‫احلا�س َمة‪.‬‬ ‫وتوجها ِتهم‬ ‫ِ‬ ‫ورغبا ِتهم ُّ‬ ‫�أُخْ َرى‪� ،‬أو ُق ْل‪ :‬ال َي ْن ِفيها يف � ِّ‬ ‫اجل َهة الأُخْ َرى‪.‬‬ ‫أقل التَقا ِد ِير‪ِ ،‬منَ ِ‬ ‫�ص هو امل�صدَ ر ال ْأ�ص َل يف التّ�شريع؛ الذي هُ و‬ ‫و�إذا كانَ ال ّن ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ِّقُ‬ ‫كامنٌ يف‪:‬‬ ‫�إنّ الذي ُيحق ُبغ َيتَنا ِ‬ ‫القواعد والأحكام والقوان ِني ُّ‬ ‫مار�سة‬ ‫منظوم ُة‬ ‫ِ‬ ‫وال�شروط الفقه ّية لمِ ُ َ‬ ‫احليا ِة الإن�سان ّية ِ�ضمنَ ال ُّر�ؤ َي ِة ّ‬ ‫فهم ال ّن ِّ�ص‬ ‫(ال�شرع َّية)‪ ،‬فقد كانَ ُ‬ ‫لتحقيق ذلك‪ .‬من هُ نا َع ِلقَ العق ُْل‬ ‫– ِلزَ ًاما‪ -‬هُ و الو�سيل َة الأ�سا�س َّي َة‬ ‫ِ‬ ‫ناج ٌز ُم ْك َتمِ ٌل‬ ‫ال‬ ‫إ�سالمي يف دائر ٍة ُمغل َق ٍة هي دائر ُة ال ّن ِّ�ص الذي هُ و ِ‬ ‫ُّ‬ ‫العقل ُكلُّه من�صر ًفا �إىل‬ ‫تاج و ُم ْكت ٍَف ِبذا ِته‪ ،‬ف�أ�ص َبح ُج ْه ُد ِ‬ ‫غ ُري محُ ٍ‬

‫ُم َ‬ ‫الفهم هُ و ال ْأ�ص ُل يف حت ُّقق‬ ‫�ص من � ِ‬ ‫أجل َفهمِ ه؛ ولأنّ هذا َ‬ ‫عاجلة ال ّن ّ‬ ‫نتيج ٍة خطري ٍة � ْأ�ض َحت من ُم َ�س َّلمات هذا العقل؛ وهي �إ ّما ال ّنجا ُة‬ ‫َ‬ ‫وال َفو ُز‪ ،‬و�إ ّما ا ُ‬ ‫ّع�صب لل ّر�أي‪،‬‬ ‫خل�سرانُ املُبنيُ‪ ،‬فقد ظه َرت �آ َف ُة الت ُّ‬ ‫ّ�شكيك يف ال ّنوايا‪ ،‬ومن َث ّم ت ِب َعها‬ ‫هام والت ِ‬ ‫وت ِب َعتْها �آ َف ُة ال ّرف�ض واال ِّت ِ‬ ‫روق‪.‬‬ ‫التّكف ُري وال َّر ْم ُي بال ّزندَ قة والإحلا ِد وال َه ْر َطق ِة والمْ ُ ِ‬ ‫ري َم َع ُه ِوم ْث ُله‪َ ،‬ب َرز �إىل ال ُوجو ِد َ‬ ‫واجلمي ُع‬ ‫هذا ُكلُّه‪ ،‬وغ ُري ُه كث ٌ‬ ‫الف يف �أمر‬ ‫احلديث ال ّنبويِّ‬ ‫ِ‬ ‫اخل ِ‬ ‫�ص َنف َْ�س ُه –�إ ّال ما كانَ من ِ‬ ‫ُيعا ِل ُج ال ّن َّ‬ ‫بع�ضه لأ ّنه مو�ضوع‪ ،‬و�أمر‬ ‫وتوثي ِقه‬ ‫وت�صحيحه وت�ضعي ِف ِه و َر ْف ِ�ض ِ‬ ‫ِ‬ ‫هوم‪ ،‬وتع ُّد ِد ا َملعاين‬ ‫َج ْر ِح ُروا ِت ِه ِ‬ ‫وتعديلِهِ م– َفما َمعنى اخْ ِ‬ ‫تالف ال ُف ِ‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪23‬‬

‫الفاه ِم‬ ‫‪�1 .1‬أنّ َف ْه َم َم ْع َنى ال ّن ِّ�ص يت�أ َّث ُر ‪ -‬ال محَ ال َة ‪ -‬بزَ ِ‬ ‫مان ِ‬ ‫َومكا ِنه؛ �أي ب َع ْ�ص ِره وبي َئ ِته‪.‬‬ ‫‪�2 .2‬أنّ اخ ِت َ‬ ‫الفاهمِ َني وبيئا ِتهم يقو ُد ‪َ -‬ع ْق ًال ال‬ ‫الف ُع�صور ِ‬ ‫الف ا َملعانيِ التي َفهِ ُموها من ال ّن ِّ�ص‪.‬‬ ‫ُح ْك ًما ‪� -‬إىل اخ ِت ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اختالف‬ ‫املو�صوف يف الفقر ِة (‪ (2‬املتقدِّ َمة‬ ‫االختالف‬ ‫‪�3 .3‬أنّ‬ ‫خ�ضع ّ‬ ‫مو�ضوعي مقبو ٌل طالمَ ا َ‬ ‫لل�ش ْر َط ِني ال َل َذ ْي ِن‬ ‫طبيعي‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫تق َّدما �آن ًفا‪.‬‬ ‫يتج�س ُد‬ ‫ّمان‬ ‫‪�4 .4‬أنّ‬ ‫ِ‬ ‫مفهوم الز ِ‬ ‫واملكان يف َك ِ‬ ‫َ‬ ‫المنا هذا ك ِّله �إنمّ ا َّ‬ ‫املنظوم َت ِني املعرف َّي ِة والقِيمِ َّي ِة ّ‬ ‫ال�شامل َت ِني للمجتَمع‬ ‫يف‬ ‫َ‬ ‫أر�ض‪َ ،‬‬ ‫ين يف َ‬ ‫الإن�سا ِّ‬ ‫وتلك احلق َب ِة من‬ ‫تلك ال ّرق َعة من ال ِ‬ ‫تاريخ ال ُوجو ِد الإن�سا ِّ‬ ‫ين‪.‬‬ ‫ِ‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫ويج�س ُد ُ‬ ‫خال�صا من ّ‬ ‫ر�سول اهلل �ص ّلى اهلل عليه و�س َّل َم هذا‬ ‫الكامنَ‬ ‫‪�5 .5‬أنّ هذا املتقدِّ َم ُك َّل ُه ي�ؤ ِّك ُد حقيق ًة واحد ًة‪� :‬إنّ املع َنى ِ‬ ‫ً‬ ‫ال�شوائب‪ِّ ،‬‬ ‫يف ال ّن ِّ�ص �إنمّ ا هُ و ا َمل ْع َنى (ا ُ‬ ‫حل ُّر(‪ ،‬و�إنّ ا َملعاين املتعدِّ َد َة ا َمل ْن َحى‪ ،‬وال ّر ُ‬ ‫بع�ض وجو ِه القراءات‪.‬‬ ‫العلم يف ِ‬ ‫ا�سخونَ يف ِ‬ ‫ُ‬ ‫الفاهم َني و�أ ْز ِم َن ِتهم و� ْأم ِك َن ِتهم �إنمّ ا‬ ‫التي‬ ‫تختلف ِب َح َ�سب ِ‬ ‫ي�ص ُل �إلي ِه من‬ ‫ُح ِّر َّي ُة ال ِ‬ ‫إن�سان (املتل ِّقي(‪ً � ،‬إذا‪ ،‬هي بمِ قدا ِر ما ِ‬ ‫عان ( ُم َق َّيدَ ة(‪.‬‬ ‫هي َم ٍ‬ ‫إن�سان ا ُ‬ ‫ُح ِّر َّي ِة ا َملع َنى‪ .‬بعبار ٍة �أُخرى‪� :‬إنّ ن�سب َة ا ُ‬ ‫حل ِّر‬ ‫حل ِّر َّي ِة يف ال ِ‬ ‫م�ساوي ٌة‪ُ /‬موازي ٌة ل ِن ْ�س َب ِة ا ُ‬ ‫حل ِّر َّي ِة يف ا َملع َنى؛ فمقدا ُر ما يتحقَّقُ‬ ‫***‬ ‫بالفهم من ا َمل ْع َنى ا ُ‬ ‫الفاه ُم من ُح ِّر َّية‪.‬‬ ‫حل ِّر هُ و مقدا ُر ما يتم َّت ُع ب ِه ِ‬ ‫ِ‬ ‫–قبل ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ�ضحي ا ُ‬ ‫كل �شيءٍ – يف ُح ِّر َّي ِة ال َفهم‪،‬‬ ‫حل ِّر َّي ُة كامن ًة‬ ‫بهذا ت ِ‬

‫الكام ِن بال ُق َّوة‬ ‫الحي ِ‬ ‫تَوار َد الفال�س َف ُة على ِ‬ ‫ا�صط َ‬ ‫لو�ص ِف‬ ‫(‪ ،(Potential‬واملتح ِّق ِق بال ِف ْع ِل (‪ ،(Actual‬وذلك ْ‬ ‫واال�ستنباط‬ ‫باعا‪ :‬ح ِّر َّية التّفك ِري‬ ‫ِ‬ ‫وح ِّر َّي ِة ال ِفك َرة‪ ،‬و ِت ً‬ ‫وح ِّر َّي ِة ا َملعنى‪ُ ،‬‬ ‫فالكامنُ هُ و املوجو ُد بال ُق ّوة‪ ،‬واملتحقِّقُ هُ و‬ ‫واملوجودات‪،‬‬ ‫ال ُوجو ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حلدو ِد التي ت ِّ‬ ‫وابط وا ُ‬ ‫ين �إذا كانَ ا َمل ُ‬ ‫ُنظ ُم االج ِتما َع الإن�سا َّ‬ ‫ّ‬ ‫جال‬ ‫وال�ض ِ‬ ‫املوجو ُد بال ِف ْع ِل؛ وميكنُ لنا َت ْن ُ‬ ‫الح ِني –بال‬ ‫زيل هذ ْي ِن‬ ‫ِ‬ ‫اال�صط َ‬ ‫عان مق َّيد ٍة‬ ‫�ص‪ ،‬بمِ ا يح َتمِ ُله من َم ٍ‬ ‫يحد ُ​ُث في ِه هذا ُكلُّ ُه هُ و ال ّن ّ‬ ‫الذي ْ‬ ‫َت َر ُّد ٍد– على ا َمل ْع َنى (ا ُ‬ ‫حل ِّر( واملع َنى (امل َق َّيد(‪.‬‬ ‫يف �إطا ِر املع َنى ا ُ‬ ‫حل ّر‪.‬‬

‫ا َملعنى (ا ُ‬ ‫حل ُّر( هُ و املع َنى املوجو ُد يف ال ّن ِّ�ص بال ُق َّو ِة؛ هُ و املعنى‬ ‫ا َمل ْع َنى (ا ُ‬ ‫مثل قو ِله تعاىل‪:‬‬ ‫�صو�ص ِ‬ ‫م َّ�س ٌد تمَ ًاما يف ُن ٍ‬ ‫حل ُّر( جُ َ‬ ‫رط الإن�سا ِّ‬ ‫ين؛ �إ ّن ُه ُك َر ٌة ُمكتمِ َل ٌة مت َت ِل ُك � َ‬ ‫املتح ِّر ُر من ّ‬ ‫أو�صاف‬ ‫ال�ش ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اهلل‬ ‫ى‬ ‫ق�ض‬ ‫إذا‬ ‫�‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ؤم‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫وال‬ ‫ن‬ ‫ؤم‬ ‫�‬ ‫مل‬ ‫(وما‬ ‫ور�سو ُله �أم ًرا �أنْ َي ُكونَ‬ ‫كانَ‬ ‫ُ ِ ٍ‬ ‫ٍِ‬ ‫ُ‬ ‫ّمام ُك َّلها؛ هُ و املع َنى املِثا ُّ‬ ‫موذج ُّي) الذي ُيحقِّقُ‬ ‫يل (ال َن ِ‬ ‫االك ِت ِ‬ ‫مال والت ِ‬ ‫اخليرَ َ ُة من � ْأم ِر ِهم(‪ِ ،‬وم ْث ِل‪( :‬ما �أتا ُك ُم ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َف ُخ ُذو ُه وما‬ ‫ل ُه ُم ِ‬ ‫ال ّن َّ�ص بن�سب ِة ‪ ،%100‬فهو‪ً � ،‬إذا‪ %100 ،‬من املعنى الذي يح َتمِ ُله‬ ‫كامنٌ يف م ْث ِل قو ِله علي ِه‬ ‫َنها ُك ْم عن ُه فا ْن َت ُهوا(‪� .‬أ ّما امل ْع َنى املق َّي ُد ف ُهو ِ‬ ‫�ص؛ �أو َّ‬ ‫الطاق ُة الك ِّل َّي ُة لل ّن ِّ�ص‪.‬‬ ‫ال ّن ُّ‬ ‫الم‪( :‬ال ُي�ص ِّلينَ َّ � َأح ٌد من ُكم ال َع ْ�ص َر �إ ّال يف َب ِني ُق َر َ‬ ‫يظ َة(‪ ،‬فق َّيدَ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫ّ‬ ‫و�ص ُلوا؛‬ ‫عل؛ هُ و ِق ْ�س ٌم من ال ّن ِ‬ ‫الع�ص َر حتّى َ‬ ‫ا�س (ال) ب َك ْو ِنها ناه َي ًة َف َل ْم ُي�صلُّوا ْ‬ ‫واملع َنى (املق َّيدُ( – ُق َبا َل َة ما تق َّد َم– هُ و املوجو ُد بال ِف ِ‬ ‫حل ِّر(؛ هُ و وق َّيدَ ال َآخ ُرونَ (ال) ب َك ْو ِنها نا ِف َي ًة على ال ِب َ�شا َر ِة‪َ ،‬‬ ‫يج�سدُها ف ْه ُم املتل ِّقي من ا َمل ْع َنى (ا ُ‬ ‫ال�صال ِة‬ ‫وخ ُ�شوا َف ْوتَ ّ‬ ‫ال ِّن�س َب ُة املئو َّي ُة التي ِّ‬ ‫الم ّ‬ ‫رط الإن�سا ِّ‬ ‫اخلا�ض ُع ّ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫هجا‬ ‫َ‬ ‫الطر َف ِني ُك ًّال بمِ ا َفهِ َم؛ �أ َق َّر ا َمل ْع َن َيينْ ِ‬ ‫ف�ص َّل ْوا‪ ،‬و�أ َق َّر عليه ّ‬ ‫لل�ش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َزما ًنا ومكا ًنا‪� ،‬أو ُق ْل‪ِ :‬‬ ‫معر َف ًة َوم ْن ً‬ ‫�ص‪ ،‬وبمِ ا ا ْن َت َميا �إىل المْ َ ْع َنى (ا ُ‬ ‫عاجل ِة ال ّن ِّ�ص ومحُ ا َو َر ِته لمِ ُ َّد ٍة ت َُط ُ‬ ‫يف ُم َ‬ ‫حل ِّر( الذي‬ ‫ْ�ص ُر؛ تتع َّد ُد م ّر ٍات املُ َق َّيدَ ِين بمِ ا ْاح َت َمل ُهما ال ّن ُّ‬ ‫ول �أو تق ُ‬ ‫�صال ِبه م َّر ًة َي ِتيم ًة‪� .‬إ ّنه ُجز ٌء من ال ُك َرة‪� :‬أرا َد ُه هُ و‪.‬‬ ‫�أو ُتق َْ�ص ُر على جُم َّر ِد اال ِّت ِ‬ ‫مر َكزُها؛ محُ ُ‬ ‫يطها؛ �شريح ٌة منها؛ ُك َر ٌة ُجزئ َّي ٌة منها؛ تَ�شوي ٌه ل ُك َرو َّي ِتها‬ ‫وا َمل ْع َنى (ا ُ‬ ‫مثل قو ِله‬ ‫نان ما ِث ِ‬ ‫كام ِ‬ ‫ونظ ُري ُه (املُق َّيدُ( ِ‬ ‫حل ُّر( ِ‬ ‫الن يف ِ‬ ‫�شريح ٍة ُطول َّي ٍة �أو َع ْر ِ�ض َّي ٍة منها؛ ن�س َب ٌة ترتا َو ُح ب َني ‪ %1‬و‪%99‬‬ ‫باج ِتزا ِء َ‬ ‫تعاىل‪َ ( :‬فال ور ِّب َك ال ُي� ِؤم ُنونَ حتّى ُي َح ِّك َ‬ ‫موك يف ما َ�ش َج َر بي َن ُهم ُث ّم ال‬ ‫منه؛ لك ّنه ّ‬ ‫بال�ضرور ِة ال يكونُ ‪ %0‬وال يكونُ ‪ .%100‬ف�إذا م َّث َل ن�سب َة ‪%0‬‬ ‫َي ِجدُوا يف �أن ُف ِ�سهِ م ح َر ًجا ممِ ّ ا َ‬ ‫ق�ض ْيتَ و ُي َ�س ِّل ُموا ت�س ِليما(‪ :‬ق�ضا�ؤُه بي َن ُهم‬ ‫املفهوم خار ٌج �أل َب َّت َة عن ُحدو ِد ال ّن ِّ�ص‪ ،‬و�إذا م َّث َل‬ ‫فذلك دا ٌّل على �أنّ‬ ‫َ‬ ‫حل ُّر(‪ ،‬وما َ�ش َج َر بي َن ُهم هُ و ا َملعانيِ املق َّيدَ ُة ‪ ...‬هُ و االخ ِت ُ‬ ‫هُ و ا َمل ْع َنى (ا ُ‬ ‫الف‬ ‫ن�سب َة ‪َ %100‬‬ ‫خا�ضع َّ‬ ‫رط‬ ‫فذلك دا ٌّل على �أ ّنه من َف ْه ِم َمن هُ و غ ُري‬ ‫لل�ش ِ‬ ‫ٍ‬ ‫والتّع ُّد ُد يف االتجِّ‬ ‫عات وال ُّر�ؤَى والأفكا ِر واملْ ُف ُهوم‪.‬‬ ‫اهات وال َّنزَ ِ‬ ‫ِ‬

‫إن�سان (ا ُ‬ ‫الإن�سا ِّ‬ ‫حل ِّر( باملُ ْط َل ِق‪،‬‬ ‫كان؛ �أي �إ ّنه َف ْه ُم ال ِ‬ ‫مان وا َمل ِ‬ ‫ين يف الزَ ِ‬ ‫ا َملعنى (ا ُ‬ ‫حل ُّر(؛ غ ُري املق َّي ِد َ‬ ‫وم الذي تع َّل َم املع َنى‬ ‫كان‪ِ ،‬بهذا‬ ‫ّمان وا َمل ِ‬ ‫ب�ش ْر َطي الز ِ‬ ‫�أو ُق ْل‪ :‬هُ و َف ُ‬ ‫املع�ص ُ‬ ‫هم العق ِْل اخلا ِل ِ�ص‪ .‬وهذا هُ و ُ‬ ‫هاما‪� ،‬أو ا�ستد ً‬ ‫الذي �أرا َد ُه‬ ‫الواح ِد‪ ،‬بمِ ا تمُ َ ِّث ُل ا َملعاين املق َّيدَ ُة‬ ‫هم‪َ ،‬م ْع ًنى تق ُّد ِم ٌّي من‬ ‫اجلانب ِ‬ ‫ِ‬ ‫�صاحب ال ّن ِّ�ص‪� :‬إ ّما َو ْح ًيا‪� ،‬أو �إ ْل ً‬ ‫ُ‬ ‫الال عقل ًّيا ال َف ِ‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪24‬‬


‫وت‬ ‫م�س ُلو ًبا من ُن ُع ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اوالت ل َفهْمِ ه وال ِ‬ ‫إم�ساك ِبه‪ ،‬وتجُ ِّ�س ُد ُك ُّل محَ ا َو َل ٍة ِل َفهْمِ ه ع َرب َمت َّثال َق ْو َل �أبي ِف ٍ‬ ‫ُكلُّها محَ‬ ‫را�س م ْق ُلو ًبا ُم َف َّر ًغا من َف ْحوا ُه‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫مال ُك ِّلها‪ ،‬ح َني َ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫أمامها‬ ‫الز ِ‬ ‫اجل ِ‬ ‫ّمان ت َْطوي ًرا وام ِتدادًا للمتقدِّ ِم من َمعا ِنيه املق َّيدَ ة؛ هُ و � َ‬ ‫دا ِئ ًما وهي ت َْ�س َعى ورا َءه‪� .‬أ ّما املع َنى املق َّي ُد فيت َو َّ�س ُع با�س ِت ْمرارٍ‪ ،‬و ُي َه َّذ ُب‬ ‫ال�ص ْد ُر دُونَ العالمَ ِنيَ‪� ،‬أو ال َقب‬ ‫ا�س الت َو ُّ�س َـط ِع ْندَ نا َل َنا َّ‬ ‫و َن ْحنُ �أُ َن ٌ‬ ‫با�س ِتمرار‪ ،‬و ُي ُ‬ ‫�ضاف �إلي ِه �أو ُي ْح َذ ُف من ُه با�س ِتمرار؛ �سع ًيا لل ُو�صول ِبه‬ ‫مال‪ ،‬ل ُي ْ�ص ِب َح ا َمل ْع َنى ا ُ‬ ‫مال واالك ِت ِ‬ ‫�إىل غا َي ِة ال ّنهاي ِة يف ال َك ِ‬ ‫و�ض َّد الإن�سان َّي ِة‬ ‫اهان يت َ​َح َّر ِ‬ ‫حل َّر ذا َتهُ‪ ،‬وهُ ما اتجِّ ِ‬ ‫املنط ِق وال َعق ِْل‪ِ ،‬‬ ‫كان ِ�ض َّد ِ‬ ‫ات ال ِف ْك ِر َو َم َ�سا ِر َ‬ ‫َومعا ِنيها ال ّنبي َل ِة َ‬ ‫أهل الفق ِه‪.‬‬ ‫�صو�ص َظ ِّن َّي ُة ال ّدالل ِة يف ِ‬ ‫الح � ِ‬ ‫احلياة؛‬ ‫وهذا ما تمُ َ ِّث ُله ال ُّن ُ‬ ‫و�ض َّد ُم ْقت َ​َ�ض َي ِ‬ ‫اجلمِ ي َلة‪ِ ،‬‬ ‫ا�صط ِ‬ ‫ومعر َفتَه وطري َق َة تفك ِريه و ُن ُظ َم‬ ‫هذا ُيري ُد َح ْب َ�س ال ِ‬ ‫إن�سان َ‬ ‫وع ْق َله ِ‬ ‫�ص‬ ‫ناج ٌز متقدِّ ٌم من‬ ‫ِ‬ ‫وهُ و ِ‬ ‫ج�سدَ ُه ال ّن ُّ‬ ‫اجلانب ال َآخر‪ ،‬بمِ ا َّ‬ ‫وع ْ�ص ٍر ما‪َ ،‬‬ ‫رير‬ ‫َحيا ِته يف َم ٍ‬ ‫كان ّما َ‬ ‫وذاك َي َّد ِعي ال ّرغ َب َة يف تحَ ِ‬ ‫�صو�ص قط ِع َّي ُة ال ّدالل ِة‬ ‫ُم ْك َتمِ ًال يف‬ ‫ِ‬ ‫ع�صره الأ ّول‪ ،‬وهذا ما مت ِّث ُله ال ُّن ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫إن�سان ُمطلقا من القيو ِد ّ‬ ‫وابط كلها؛ بل ُيري ُد �أنْ َي ْج َعل‬ ‫ال ِ‬ ‫وال�ض ِ‬ ‫ا�صطالحات الفقهاء � ً‬ ‫أي�ضا‪.‬‬ ‫وفق‬ ‫ِ‬ ‫على ِ‬ ‫اخلا�ص ِة ِبه يف ُ�ص ُع ِد َ‬ ‫قَ‬ ‫احليا ِة‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫وخا‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫نف�س‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫�صا‬ ‫ه‬ ‫نف�س‬ ‫منْ‬ ‫مِ‬ ‫َِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِ‬ ‫َّ‬ ‫ا َمل ْع َنى (ا ُ‬ ‫�ص‪ ،‬واملع َنى الإن�سان َّي ِة ُك ِّلها‪.‬‬ ‫حل ُّر( ب�صور ٍة �أُخْ رى هُ و َم ْع َنى ال ّن ّ‬ ‫�ص؛ ولع َّل م�شك َلتَنا ال ُكبرْ َ ى يف‬ ‫بال�صور ِة ِ‬ ‫نف�سها هُ و َف ْه ُم ال ّن ّ‬ ‫(املق َّيدُ( ُّ‬ ‫َ‬ ‫ّاريخ الإن�سانيِ ِّ ‪،‬‬ ‫وهُ ما‪ ،‬كذلك‪ ،‬اتجِّ ِ‬ ‫اهان خار َِج ِان على ح َر َك ِة الت ِ‬ ‫إ�سالمي ما ِث َل ٌة يف ا َ‬ ‫�ص و َفهْمِ ه؛‬ ‫العربي ال‬ ‫ال ِفكر‬ ‫خل ْل ِط ب َني َم ْع َنى ال ّن ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّاريخ‬ ‫ومنها على فاعل ّي ِة ال ُوجو ِد الإن�سانيِ ِب ُر َّم ِت ِه‪ :‬هذا ُي َعطل ح َركة الت ِ‬ ‫�صو�ص التي َد َّل ْت على ُف ُه ِوم ال ّناظرينَ في ِه‪،‬‬ ‫ب َني ال ّن ِّ�ص ِ‬ ‫نف�س ِه وال ُّن ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال�ساع ِة‪،‬‬ ‫يام‬ ‫ق‬ ‫ّى‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫اخل‬ ‫ة‬ ‫حيا‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ثا‬ ‫ة‬ ‫ْط‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫يف‬ ‫ها‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُِْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َ ْ َ محِ ْ َ‬ ‫ِ ِ ّ‬ ‫أحيان كث َري ٍة‪ ،‬وهذا ما ترا ُه عندَ‬ ‫حتّى �إ ّنها � ْأ�ض َحت َبديل ًة عن ُه يف � ٍ‬ ‫َ‬ ‫فج َع َلها‬ ‫وذاك ُي ْل ِغي التّاريخَ ُك َّل ُه وا ِق ًفا ع ْندَ ُحدو ِد نق َْط ٍة هُ و اب َتدَ َعها َ‬ ‫املتع�صب َني ملذاه ِبهِ م ُ‬ ‫وط ُر ِقهم َ‬ ‫وطوائفِهِ م‪� .‬إنّ َ‬ ‫بع�ض ه�ؤالء ْاغ َت َن ْوا‬ ‫ِّ‬ ‫ّاريخ‪.‬‬ ‫ِنها َي َة الت ِ‬ ‫هوم ُف َقهاء مذاه ِبهِ م ُ‬ ‫وع َلما ِئهم‬ ‫و�شيوخهم ُ‬ ‫بال ُّن ِ‬ ‫�صو�ص التي مت ِّث ُل ُف َ‬ ‫ُواج ُه َ‬ ‫بع�ض ُهم ب�آ َي ٍة ُقر�آنية‪� ،‬أو‬ ‫لل ّن ِّ�ص َع ِن ال ّن ِّ�ص ِ‬ ‫نف�سه‪ ،‬ولهذا ح َني ت ِ‬ ‫إمام مذهَ ِبه �أو َ�ش ْي ِخه التي‬ ‫ٍ‬ ‫بحديث ٍ‬ ‫�شريف‪ ،‬تَرا ُه يك ِّر ُر كال َب َّبغا ِء ُج َم َل � ِ‬ ‫قال ُ‬ ‫ِقي َل ْت َ‬ ‫ر�س ُ‬ ‫ال�س ِنني‪ُ .‬‬ ‫اهلل َ‬ ‫تقول لهُ‪َ :‬‬ ‫هلل‪ ،‬وهو‬ ‫ول ا ِ‬ ‫قبل ِم ِ‬ ‫ئات ِّ‬ ‫وقال ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال فال ٌن َ‬ ‫يقول‪َ :‬‬ ‫وقال ع ّالن!‬ ‫ّ‬ ‫والطا َّم ُة ال ُكربى تبرْ ُ ُز ِع ْندَ نا يف اتجِّ اهَ ِني خمتل َف ِني ُمت�ضا َّد ِين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِكالهُ ما َن ِق ُ‬ ‫كا�س ٌّي‬ ‫ي�ض ال َآخر‪،‬‬ ‫نف�سه يف � ٍآن م ًعا‪َ � :‬أحدُهما ار ِت ِ‬ ‫ونقي�ض ِ‬ ‫ُي َق ِّي ُد ا َمل ْع َنى (ا ُ‬ ‫حل َّر( تمَ ًاما ِب َع ْ�ص ِر ال ّن ِّ�ص الأ ّو ِل َوما َي ِلي ِه‪َ :‬ظ ِّن ّي‬ ‫ع�صر‬ ‫ال ّدالل ِة و َق ْط ِع ّيها‪ ،‬وال َآخ ُر ُي ِري ُد تحَ ري َر ا َمل ْع َنى ُم ْط َل ًقا ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ال ّن ِّ�ص‪ْ :‬‬ ‫قط ِع ّي ال ّدالل ِة وظ ِّن ّيها‪.‬‬ ‫اهان �أ ْز َرى ك ٌّل من ُهما بال َآخر‪ ،‬و ِب َنف ِْ�س ِه‪ ،‬و�أ ْز َريا َم ًعا‬ ‫هُ ما اتجّ ِ‬ ‫ال�س َ‬ ‫بال ّن ِّ�ص‪ ،‬وبا َمل ْع َنى � ً‬ ‫بيل على ُك ِّل ال ُف ُه ِوم والآراء‬ ‫أي�ضا‪ ،‬و َق َطعا ّ‬ ‫هات التي و َق َعت يف املنط َق ِة ال ُو ْ�س َطى ما ب ْي َن ُهما ‪ ...‬وك�أ ّن ُهما‬ ‫ّوج ِ‬ ‫والت ُّ‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪25‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫الفرق بني الإرهاب‬ ‫واملقاومة امل�شروعة‬

‫د‪ .‬يا�سر �أبو ح�سني‬

‫ي�شن الغرب حملة �إعالمية �شر�سة على الإ�سالم يهدف من‬ ‫خاللها �إىل خلط املفاهيم‪ ،‬لت�شويه �صورته ال�سمحة املبنية على‬ ‫املحبة والت�سامح‪ ،‬ذلك �أنه عجز عن مواجهته ودح�ض حقائقه‬ ‫ال�ساطعة ك�سطوع ال�شم�س يف رابعة النهار‪ ،‬وقد وجد الغرب‬ ‫�ضالته يف اخللط بني مفهومي املقاومة امل�شروعة للمعتدي وبني‬ ‫الإرهاب ‪ ،‬م�ستغال �أمور �سهلت له مهمته يف ت�شويه الإ�سالم من‬ ‫�أهمها‪:‬‬ ‫‪� -1‬ضعف الآدلة الإعالمية للم�سلمني غري القادرة على �إي�صال‬ ‫حقائق الإ�سالم ال�صحيحة �إىل الغربيني‪.‬‬ ‫‪ -2‬قلة عدد املنربين من �أبناء الإ�سالم للدفاع عن دينهم‬ ‫وتو�ضيح احلقائق‪.‬‬ ‫‪ -3‬الهزمية النف�سية لدى كثري من العلماء ودعاة وقادة امل�سلمني‬ ‫وعامتهم ‪ ،‬هذه الهزمية النف�سية التي جعلت �أ�صحابها يقفون‬ ‫متفرجني على دينهم وهو يكال له التهم الزائفة دون �أن يحركوا‬ ‫�ساكنا‪.‬‬ ‫‪ -4‬وهو الأهم املادة الإعالمية الد�سمة التي يقدمها غالة‬ ‫امل�سلمني ومتطرفيهم ب�أعمالهم املت�شددة املنافية جلوهر ورح‬ ‫الإ�سالم القائم على الت�سامح واملحبة وقبول الآخر‪.‬‬ ‫�إن اخللط بني هذين املفهومني �أدى �إىل ر�سم �صورة منطية‬ ‫للإ�سالم قائمة على التطرف والت�شدد والقتل ‪ ،‬فا�صبحت �صورة‬ ‫امل�سلم يف عني الغربيني متمثلة ب�أعرابي مزواج يحمل ال�سالح‪،‬‬ ‫وي�شتهي الن�ساء ويرف�ض �أي خمالف لر�أيه ‪.‬‬ ‫� ّإن املق�صود من الإرهاب هو االعتداء على النا�س وترويعهم‪ ،‬وهذا‬ ‫حمرم �شرعاً‪ ،‬حيث اعتربه العلماء ب�أ ّنه �إف�ساد يف الأر�ض ي�ستحق‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫فاعله �أن يطبق عليه ح ّد احلرابة الوارد يف قوله تعاىل ( �إِنمَّ َ ا‬ ‫َج َزا ُء ا َّلذِ َ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َف َ�سادًا‬ ‫ين ُي َحا ِر ُبو َن اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َو َي ْ�س َع ْو َن فيِ ْ أ‬ ‫�أَ ْن ُي َق َّت ُلوا �أَ ْو ُي َ�ص َّل ُبوا �أَ ْو ُت َق َّط َع �أَ ْيدِ ي ِه ْم َو�أَ ْر ُج ُل ُه ْم مِ نْ خِ لاَ ٍف َ �أ ْو‬ ‫الَخِ َر ِة َع َذ ٌاب‬ ‫الَ ْر ِ�ض َذل َِك َل ُه ْم خِ ْزيٌ فيِ الدُّ ْن َيا َو َل ُه ْم فيِ ْ آ‬ ‫ُي ْن َف ْوا مِ َن ْ أ‬ ‫عَظِ ي ٌم((املائدة ‪ ،((33 :‬واملنهي عنه يف قوله تعاىل ( َو اَل ُت ْف�سِ دُوا‬ ‫الَ ْر�ض َب ْعد �إِ ْ�صلاَ حهَا ( ‪.‬‬ ‫فيِ ْ أ‬ ‫�أما املقاومة امل�شروعة فقد باركتها ال�شريعة الإ�سالمية باعتبارها‬ ‫رد للظلم والعدوان حيث قال تعاىل ( َف َم ِن ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم َف ْاع َتدُوا‬ ‫َعلَ ْي ِه بمِ ِ ْثلِ مَا ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم َوا َّت ُقوا اللهَّ َ َو ْاعلَ ُموا �أَ َّن اللهَّ َ َم َع‬ ‫المْ ُ َّت ِق َ‬ ‫ني ((البقرة ‪ ،( 154 :‬وقال تعاىل (�أذن للذين يقاتلون ب�أنهم‬ ‫ظلموا و�إن اهلل على ن�صرهم لقدير(‬ ‫وقال عليه ال�سالم " اذا اعتدى على �شرب من �أر�ض امل�سلمني‬ ‫�أ�صبح اجلهاد فر�ض عني على كل م�سلم وم�سلمة "‪.‬‬ ‫لذا ينبغي �أن ال نقع يف اخللط بني الإرهاب الذي متار�سه‬ ‫احلركات املتطرفة با�سم الدين وبني ما تقوم به حركات التحرر‬ ‫يف مقاومة قوى الظلم والعدوان‪ ،‬ويظهر هذا الفرق يف الآتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬املقاومة يف الإ�سالم حمكومة ب�ضوابط �شرعية �أهمها‪:‬‬ ‫التفريق بني املحارب من جهة وبني الذمي وامل�ست�أمن من جهة‬ ‫�أخرى ‪ ،‬ومنها عدم قتل الأطفال �أو الن�ساء �أو ال�شيوخ �أو قطع‬ ‫الأ�شجار �أو االعتداء على بيوت العبادة‪ ،‬فهي مقاومة للمعتدي‬ ‫ولي�ست اعتداء على البالد والعباد‪� ،‬أما الإرهاب فال دين وال‬ ‫�ضوابط له ينظر للآخر على �أنه عدو يجب قتله دون متييز بني‬ ‫حمارب وغري حمارب ‪� ،‬أو مراعاة لبكاء طفل �أو �صرخة امر�أة ‪� ،‬أو‬ ‫النظر �إىل حرمة دور العبادة ‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫‪ -2‬املقاومة امل�شروعة تنتهي عند انتهاء موجباتها و�أ�سبابها ‪� ،‬أما‬ ‫الإرهاب فال ّحدود له �سوى ا�شباع نزوات ورغبات الإرهابيني ‪.‬‬ ‫‪ -3‬املقاومة امل�شروعة نبيلة حتى يف و�سائلها فهي ترف�ض مبد�أ‬ ‫(الغاية تربر الو�سيلة( لذا جتدها ال تلج�أ �إىل �أ�سلحة الدمار‬ ‫ال�شامل لأنها ترى �أن �ضررها �أكرب من نفعها‪� ،‬أما الإرهاب‬ ‫فيت�سابق �أ�صحابه �إىل البحث عن هذه الأ�سلحة ال�ستخدامها يف‬ ‫ترويع النا�س وقتلهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬املقاومة امل�شروعة حترتم وتراعي �شعور النا�س فال تن�شر‬ ‫مناظر القتل‪ ،‬لكي ال تخيف الآمنني منهم‪� ،‬أما الإرهاب‬ ‫فيبدع �أتباعه يف ا�ستغالل الآلة الإعالمية وو�سائل التوا�صل‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫االجتماعي لن�شر �صور قطع الر�ؤو�س وحرق الأ�سرى دومنا رادع‬ ‫من �ضمائرهمامليتة‪.‬‬ ‫ويف النهاية ال ب ّد من الإجابة عن بع�ض الأ�سئلة لرنى من‬ ‫هو الإرهابي احلقيقي‪ ،‬ملاذا يعترب امل�سلم الذي يدافع عن دينه‬ ‫و�أر�ضه وعر�ضه �إرهابي؟ وال يعترب قتلة الأطفال امل�سلمني‬ ‫يف بورما �إرهابيني؟ ملاذا مل يعترب قتل ال�صرب للم�سلمني‬ ‫البو�سنيني �إرهابا؟ ملاذا ال جتي�ش اجليو�ش �ضد جرائم ال�صهاينة‬ ‫يف فل�سطني �ألي�ست تلك اجلرائم �إرهابا؟‬

‫‪27‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫القرامطة اجلدد‬ ‫وتعيني‬ ‫�أمريين ملكة واملدينة‬

‫�أ‪.‬د‪ /‬طه جابر العلواين‬

‫ريا ملكة و�آخر للمدينة من‬ ‫�أعلنت داع�ش �أ َّنها قد عينت �أم ً‬ ‫رجالها‪ ،‬وقد ذ َّكرين ذلك بالقرامطة ودولتهم‪ ،‬وذهابهم �إىل‬ ‫مكة‪ ،‬و�سرقتهم للحجر الأ�سود الذي مل ي�ستطع امل�سلمون �أن‬ ‫ي�ستعيدوه منهم �إال بعد اثنني وع�شرين عا ًما‪.‬‬ ‫يتعامل النا�س مع داع�ش اليوم على �أ َّنها حركة حديثة ن�ش�أت يف‬ ‫ظل ظروف التمزق يف كل من العراق و�سوريا‪ ،‬التي قد تكون‬ ‫نبهت �أذهان بع�ض ال�شباب �إىل �أ َّن يف مقدورهم يف ظل التمزق‬ ‫ال�سائد واملنتظر �أن ينف�سوا عن رغباتهم ويتجاوزوا حاالت‬ ‫االحتقان ال�سائدة يف املنطقة منذ قيام دولة �إ�سرائيل فيها‪،‬‬ ‫وخو�ض احلروب معهًا يف كل ع�شر �سنوات �أو ثمان‪ ،‬ومل �أجد من‬ ‫التفت �إىل �أ َّن ظاهرة داع�ش لها جذور تاريخ َّية و�سوابق يف ذات‬ ‫املناطق التي ت�أ�س�ست فيها داع�ش املعا�صرة‪ ،‬مع �أ َّن االرتباط بني‬ ‫تلك اجلذور والداع�ش َّية املعا�صرة ارتباط ال يخفى على باحث‬ ‫مت�أمل‪.‬‬ ‫�أذكر �أ َّنني قر�أت منذ ما يزيد عن خم�سني عا ًما رواية علي �أحمد‬ ‫باكثري (الثائر الأحمر(‪ ،‬ومل يكن الثائر الأحمر �سوى حمدان‬ ‫قرمط �أحد م�ؤ�س�سي احلركة القرمط َّية يف جنوب العراق‪،‬‬ ‫والبحرين‪ ،‬و�سلمية يف ال�شام‪ ،‬وما �إليها‪ .‬وحني قامت داع�ش‬ ‫ريا مما‬ ‫املعا�صرة �أخذت ت�ستدعي يف ذاكرتي تلك الرواية‪ ،‬وكث ً‬ ‫قر�أته يف امللل والنحل‪ ،‬وتاريخ الفرق عن القرامطة‪ ،‬ووجدت‬ ‫�شبهًا عج ًيبا بني ت�صرفات القرامطة املا�ضني وداع�ش والقرامطة‬ ‫اجلدد‪ ،‬وحني ذبحوا �سبعمائة �شا ًبا يف الرقة واملناطق املحيطة بها‬ ‫بعد �أن عاهدوا على املحافظة على حياتهم‪ ،‬وتكرر ذلك مع قبائل‬ ‫عرب َّية �سن َّية �أخرى؛ ت�أ َّكد لدي �أ َّن ه�ؤالء الذين توهم البع�ض عن‬ ‫جهل وقلة دراية بتاريخ املنطقة �أ َّنهم من ال�س َّنة والعرب فكانوا‬ ‫ي�ستغربون كيف يقتلون ما يقرب من �أربعمائة �إمام من �أئمة‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫امل�ساجد يف العراق‪ ،‬ويحرقون م�ساجد‪ ،‬ويختارون من القبائل‬ ‫العرب َّية الباقية يف الأنبار ومدنها خرية �شباب تلك القبائل‪،‬‬ ‫ذبحا بال�سكاكني لكيال تقوم لتلك القبائل قائمة وهم‬ ‫يقتلوهم ً‬ ‫يرون �أمامهم بلدًا ممز ًقا‪ ،‬ال حكومة فيه وال جي�ش‪ ،‬وقد �صار‬ ‫نه ًبا لقادة املل�شيات والع�صابات والتجمعات املختلفة‪ ،‬ت�أ َّكد لدي‬ ‫�أ َّننا �أمام قرامطة جدد‪� ،‬أ�ضافوا �إىل خربة القرامطة املا�ضني‬ ‫خا�صة يف عهد �ستالني‪.‬‬ ‫الكثري من تراث ال�شيوع َّية احلمراء‪َّ ،‬‬ ‫�إ َّن منطقة انت�شارهم والتكوين العقلي والنف�سي لديهم تكوين‬ ‫قرمطي‪ ،‬فالقرامطة مل يعلنوا عن �أنف�سهم �أ َّنهم �شيوعيون �أو‬ ‫ا�شرتاكيون كما ذكر علي �أحمد باكثري حني عنون ر�سالته بالثائر‬ ‫الأحمر‪ ،‬و�إنمَّ ا كانوا يتبنون � اً‬ ‫أقوال متطرفة من �أحزاب املعار�ضة‬ ‫اخلفية منها والظاهرة التي كانت يف تاريخنا تنتمي �أو تدعي‬ ‫االنتماء �صد ًقا �أو كذ ًبا ل�شيعة �آل البيت‪ ،‬وما كانوا �شيعة وال �سنة‬ ‫بل كانوا قرامطة فقط‪ ،‬حقدوا على الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬يبغ�ضون‬ ‫كل ما ميت للإ�سالم ب�صلة‪ ،‬قتل النا�س عندهم �أهون من قتل‬ ‫القوار�ض‪ ،‬ال يفرقون يف القتل بني دين و�آخر‪ ،‬وال مذهب ومذهب‪،‬‬ ‫وال ت�أخذهم ر�أفة ب�أحد؛ ولذلك فقد �أعطوا لأنف�سهم احلق فيما‬ ‫م�ضى �أن يغزوا مكة ويرتكبوا من اجلرائم الفظيعة يف احلرم‬ ‫ما ال ي�ستطع �أن يرتكبه �إبلي�س نف�سه‪ ،‬فقتلوا احلجيج‪ ،‬والكثري‬ ‫من �أهل مكة‪ ،‬و�سبوا ن�ساءهم وذراريهم‪ ،‬واغت�صبوا �أموالهم‪،‬‬ ‫و�أرادوا نق�ض الكعبة‪ ،‬وا�ستطاعوا �أن ي�أخذوا احلجر الأ�سود‬ ‫منها وي�سرقوه وينقلونه لإحدى القرى التي ي�سيطرون عليها‬ ‫يف البحرين‪ ،‬وذلك يف عام (‪317‬ﻫ(‪ .‬ومل يعيدوه �إال بعد اثنني‬ ‫وع�شرين عا ًما‪ ،‬عام (‪339‬ﻫ( حني بعث احلاكم ب�أمر اهلل الفاطمي‬ ‫للقرامطة بر�سالة‪ .‬بعد �أن انتزع القرامطة احلجر الأ�سود من‬ ‫الكعبة‪ .‬و�أر�سل اخلليفة الفاطمي املهدي العلوي ر�سالة تهديد‬

‫‪28‬‬


‫�إىل �أبو طاهر القرمطى ي�أمره برد احلجر الأ�سود �إىل الكعبة‪،‬‬ ‫وكتب عبيد اهلل املهدي يف ر�سالته �إىل �أبو طاهر القرمطي يحذره‬ ‫�أ َّنه �إن مل َي ُرد �أموال �أهل م ّكة التي �سرقها و�إرجاع احلجر الأ�سود‬ ‫�إىل مكانه وو�ضع �ستار الكعبة عليها جم ّددًا ف�إ َّنه �سي�أتيه بجي�ش‬ ‫ال ِق َب َل له به‪ .‬و�أذعن القرامطة للتهديد‪ ،‬و�أعادوا مو�سم احلج‪،‬‬ ‫بعد تعطيله ملدة تقارب االثنني وع�شرين �سنة‪ ،‬و�أعادوا احلجر‬ ‫الأ�سود‪.‬‬ ‫�إ َّن داع�ش اليوم ت�شبه يف تكوينها ون�ش�أتها والعنف الذي تتبناه‬ ‫احلركة القرمطية‪ ،‬وحني نبحث عن اجلذور التي �أدت �إىل‬ ‫قيام حركة القرامطة القدمية ميكن �أن نتخذ منها م�ؤ�شرات‬ ‫للظروف التي عا�شت بها تلك الأقاليم �سوريا والعراق وم�صر‬ ‫والبحرين واحلجاز لتمتد تلك احلركة البائ�سة ال�شريرة يف تلك‬ ‫الفراغات‪ ،‬وت�ستويل على ما ا�ستولت عليه من �أرا�ض‪ ،‬وت�سفك‬ ‫الدماء احلرام يف احلل ويف احلرم‪ ،‬وت�ستبيح من امل�سلمني مثل‬ ‫ما كان ي�ستبيحه �أعدا�ؤهم منهم من تتار و�صليبيني و�أمثالهم‪.‬‬ ‫وفكر القرامطة كان يقوم على جانبني جانب خيايل قد ي�ستعني‬ ‫قادة القرامطة لإمنائه واثرائه باملخدرات‪ ،‬من ح�شي�ش و�سواه‪،‬‬ ‫وجانب �آخر ير�سمونه هم يف �أذهاب �أتباعهم ليكونوا جنودًا‬ ‫مطيعني‪ ،‬ال يع�صونهم يف �أوامرهم‪ ،‬وهذا الفكر ال تعرفه �سائر‬ ‫املذاهب الإ�سالم َّية وال الأديان‪ ،‬وال ال�شرائع‪ ،‬حتى حينما يقتن�ص‬ ‫�شياطينهم بع�ض الأقوال من هنا �أو من هناك؛ ولذلك ف�إ َّن من‬ ‫يريد مكافحتهم بجد وهزميتهم البد له من و�ضع ا�سرتاتيجية‬ ‫طويلة املدى ت�ستلهم التاريخ وت�أخذ منه الدرو�س والعرب‪ ،‬وت�سد‬ ‫املنافذ وجتفف املنابع‪ ،‬التي وجدت يف التاريخ و�سمحت بقيام هذه‬ ‫احلركة‪ ،‬وانت�شارها يف تلك املرحلة التاريخ َّية‪ ،‬والنظر يف واقع‬ ‫العرب وامل�سلمني اليوم ملعرفة الثغرات التي ا�ستغلها ال�شياطني‬ ‫امل�ؤ�س�سون لداع�ش والقائمون عليها‪ ،‬وكيف �سخروا �أولئك‬ ‫ال�شباب وحولوهم �إىل وحو�ش كا�سرة يف �أ�شكال ب�شر‪ ،‬قد ان�سلخوا‬ ‫من االنت�ساب �إىل الب�شر منذ البداية‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫�أ َّما الربط بني الإرهاب املعا�صر وبني تلك احلقبة التاريخ َّية‬ ‫فينبغي �أن يكون دقي ًقا جدًا‪ ،‬لكي ال يدخل ال�ساعون للق�ضاء على‬ ‫هذه الفتنة و�إنهاء وجود هذا التيار يف متاهات �أخرى‪ ،‬فنحن‬ ‫�أمام فئة �شيطان َّية ماكرة ا�ستفادت من جتارب تاريخ َّية وجتارب‬ ‫معا�صرة‪ ،‬فال ي�ستهان بها وال يجري جتاوزها واالن�شغال ب�سواها‬ ‫وال تتخذ �إجراءات قد تو�سع قواعدها‪ ،‬ومتنحها روافد قد تعزز‬ ‫من قوتها‪ ،‬بل البد من العمل على ح�صرها يف دوائر جغراف َّية‬ ‫حمددة ثم التعامل معها يف تلك الدوائر‪ ،‬لكي يق�ضى عليها وعلى‬ ‫منابعها مرة واحدة‪ ،‬فال ي�سمح �أن تقوم لها قائمة‪� ،‬أو تخلف من‬ ‫ورائها تنظي ًما يحمل مثل �أمرا�ضها وعنفها‪ ،‬وال�شر املتف�شي يف‬ ‫عقول وقلوب �أبنائها‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫واهلل من وراء الق�صد‪.‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫�أ�ضواء على العامل‬ ‫الإ�سالمي‬

‫�إعداد ‪�ِ /‬ص ّديق حممد ابراهيم‬

‫كنا يف العدد ال�سابق يف القارة الآ�سيو ّية حيث (ميامنار(‬ ‫وم�أ�ساتها‪،‬ويف هذا العدد �أ�ضوا�ؤنا تتجه نحو القارة العجوز (�أفريقيا(‬ ‫لنقف على �أعتاب جزءٍ من �أجزاء الأمة الإ�سالمية التي نبحث يف مالمح‬ ‫تاريخ‬ ‫وحدتها ‪ ،‬ولرنى كيف تكون للإن�سان كبوة و�صحوة من خالل ٍ‬ ‫وجه النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم( �صحابته الكرام �إىل‬ ‫ُم�ضيء حني ّ‬ ‫احلب�شة وا�صاف ًا ملكها بالعدل ‪ ،‬ومل يكن يومها يعرف النجا�شي النبي‬ ‫اخلامت �إمنا كان �إبراهيمي ًا على �شريعة امل�سيح (عليه ال�سالم(‪ ،‬وقد �آوى‬ ‫امل�سلمني وانت�صر لهم ‪ ،‬تلك هي �سمة الإن�سان هناك على الرغم من‬ ‫ت�أخر القارة عن الركب والتطور الذي انتظم عامل اليوم ‪ .‬ف�إىل جمهورية‬ ‫تنزانيا االحتادية (ماهية اجلمهورية وماهيات �أهلها(‬ ‫تنزانيا دولة �أفريقية رائعة اجلمال تقع يف اجلزء اجلنوبي ال�شرقي‬ ‫لأفريقيا حتدها من ال�شمال كينيا و �أوغندا ومن الغرب رواندا وبوروندي‬ ‫والكنغو ومن اجلنوب زامبيا وميالوي وموزمبيق ومن ال�شرق املحيط‬ ‫الهندي ‪ ،‬وهي �إحدى دول حو�ض النيل ( م�صر‪ ،‬ال�سودان‪ ،‬جنوب‬ ‫ال�سودان‪� ،‬إثيوبيا‪� ،‬إرتريا‪ ،‬كينيا ‪� ،‬أوغند ‪ ،‬تنزانيا ‪ ،‬بوروندي‪ ،‬رواندا‪،‬‬ ‫الكنقو ( ‪ ،‬وقد تك ّونت تنزانيا من �إحتاد دولتي تنجانيقا وزجنبار بعد‬ ‫ا�ستقاللهما من الإحتالل الربيطاين والربتقايل يف عامي ‪1961‬م و‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪1964‬م لتقوم اجلمهورية الإحتادية التي تبلغ م�ساحتها ‪945.203‬كم‪2‬‬ ‫بعدد �سكان ‪49‬مليون و‪�25‬ألف ن�سمة وفق ًا لآخر تعداد للأمم املتحدة ‪،‬‬ ‫وتتوزع هذه الأعداد على ‪ 26‬منطقة رئي�سية عبارة عن واليات �إدارية‬ ‫كانت تدار من العا�صمة دار ال�سالم ثم دودما‪.‬‬

‫جغرافية تنزانيا ‪:‬‬

‫�أرا�ضيها م�سطحة م�ستوية وبها �أرفع قمة جبلية بالقارة الأفريقية‬ ‫وهي قمة جبل (كمنجارو( الذي يقع يف احلدود ال�شمالية ال�شرقية‬ ‫لتنزانيا بارتفاع ‪5895‬م ‪،‬‬ ‫ومن ت�ضاري�سها الطبيعية بحرية فكتوريا ثاين �أ�ضخم بحرية يف العامل‬ ‫بعد بحرية قزوين(يف غرب �آ�سيا والتي تطل عليها رو�سيا و�إيران‬ ‫و�أزربيجان وتركمان�ستان وكازخ�ستان( تلي فكتوريا تنجانيقا �أعمق‬ ‫البحريات الأفريقية ‪ ،‬وال حاجة للحديث عن املوارد الطبيعية لتنزانيا‬ ‫�أو �أي دولة يف القارة الأفريقية ‪ ،‬فقد بات معلوما متتع تلك القارة العجوز‬ ‫باملوارد الطبيعية بكرث ٍة الفتة من �أخ�شاب الغابات الطبيعية ب�أنواعها‬ ‫ودرجاتها وثرواتها احليوانية ال�ضخمة التي تتقدمها الفيلة والأ�سود‬ ‫والغزالن وغريها بالإ�ضافة �إىل الأملا�س والذهب والفحم احلجري‬ ‫واحلديد والق�صدير والفو�سفات وغريها من مواد �صاحلة للإ�ستثمار ‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫التنوع الديني ‪:‬‬

‫* التنوع العرقي واللغوي والديني‬ ‫التنوع العرقي ‪ :‬على الزائر لتنزانيا �أن يقف على �آية من �آيات اهلل‬ ‫هناك ؛ تتمثل يف �إختالف الأل�سنة و�إن تقاربت الألوان‪ ،‬فقد قال اهلل‬ ‫ال�س َما َو ِات َو ْ أَ‬ ‫ال ْر ِ�ض َواخْ ِتلاَ ُف �أَ ْل ِ�س َن ِت ُك ْم َو�أَ ْل َوا ِن ُك ْم‬ ‫تعاىل ‪َ (:‬و ِمنْ �آ َيا ِت ِه َخ ْلقُ َّ‬ ‫ِ�إنَّ فيِ َذ ِل َك َ آل َي ٍات ِل ْل َعالمِ ِنيَ) (�سورةالروم‪ ) ٢٢ :‬حيث ت�ضم تنزانيا ‪120‬‬ ‫أ�صول زجنية وحامية ‪ ،‬و�أخرى هندية‬ ‫عرق ًا خمتلفا ينحدرون من � ٍ‬ ‫وباك�ستانية وعربية و�أوربية ‪ ،‬و�أكرب تلك املجموعات العرقية ‪ :‬ال�سوكوما‬ ‫والنيام واليزي ‪ ،‬و�أ�شهر قبائلها قبيلة املا�ساي ‪ ،‬كما توجد قبيلة‬ ‫البا�شنجا وماكونزي و�سوكوما و�سومبو وزارمو و�شاما وتيتا وهيهي التي‬ ‫ينت�شر و�سطها الإ�سالم كما هو احلال عند جمموعات اجلوجو والياو ‪،‬‬ ‫�إال �أن ذلك التنوع العرقي مل ي�شكل خطرا على وحدة البالد و�أمن �أهلها‬ ‫كما حدث جلاراتها رواندة يف مذبحتها العرقية ال�شهرية عام ‪1994‬م‬ ‫بني الهوتو والتوت�سي‪.‬‬

‫يف التقرير الذي �أعدته رابط العامل الإ�سالمي يف ‪2012/10/20‬م‬ ‫حول الأقليات يف العامل مل يذكر التقرير تنزانيا لأن الإح�صاءات‬ ‫املعتمدة ت�شري �إىل �أن امل�سلمني ي�شكلون ‪ %70‬من عدد ال�سكان و‪%3‬‬ ‫ديانات �أخرى (م�سيحية و وثنية ( وقد دخل الإ�سالم تنزانيا يف وقت‬ ‫مبكر بف�ضل التجارة التي كانت للعرب يف تلك املنطقة منذ القرن الأول‬ ‫الهجري ‪ ،‬وقد �أ�س�سوا كثريا من الإمارات مث �إمارة المو يف ال�ساحل‬ ‫ال�شرقي و�إمارة ماندي ‪ ،‬وقد دهم الإ�ستعمار الربتقايل تلك الإمارات‬ ‫فدمرها ودخل يف �صدام مع القوة الإ�سالمية العمانية التي ا�ستطاعت‬ ‫�أن تق�ضي على النفوذ الربتقايل عام ‪1740‬م ومل تنقطع �صلت الإ�سالم‬ ‫بتلك املنطقة حتى الآن ‪ ،‬حيث يقف املجل�س الإ�سالمي التنزاين الذي‬ ‫مت ت�أ�سي�سه عام ‪1387‬هـ ويقوم بالإ�شراف على امل�ساجد واملدار�س‬ ‫الإ�سالمية ‪ ،‬ومركز احلرمني الإ�سالمي يف دار ال�سالم والذي مت‬ ‫ت�أ�سي�سه عام ‪1397‬هـ نتيجة عالقات اململكة العربية ال�سعودية بتنزانيا‬ ‫‪ ،‬وهنالك العديد من اجلمعيات والهيئات الإ�سالمية غري �أنها تعاين من‬ ‫نق�ص يف عدد املدار�س واملدر�سني خا�صة يف الثقافة الدينية ‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫التنوع اللغوي ‪:‬‬ ‫كغريها من بلدان �أفريقيا تتنوع اللغة يف تنزانيا تبعا للتنوع العرقي‬ ‫الذي حتياه املنطقة ‪� ،‬إال �أن معظم ال�سكان يتحدثون لغة البانتو على‬ ‫الرغم من �أن اللغة الر�سمية هي اللغة ال�سواحلية املعروفة ل�شرائح‬ ‫وا�سعة من ال�سكان وهي عباره عن مزيج من لغات �أفريقيا القدمية‬ ‫واللغة العربية ‪� ،‬إىل جانب اللغة الإجنليزية بالإ�ضافة �إىل اللغة العربية‬ ‫التي يتحدثها بع�ض ال�سكان ب�سبب �إعتناق الدين الإ�سالمي وب�سبب‬ ‫وجود بع�ض الأقليات العربية التي و�صلت لتلك املنطق يف القرن الأول‬ ‫الهجري و�أ�صبحت ت�ش ّكل جزءا من الن�سيج املجتمعي لتنزانيا ‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪31‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫التناق�ضات‬ ‫ال�سلوكية واالجتماعية‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫عميد كلية ال�شريعة اجلامعة الأردنية �سابقاً‬

‫التفريط يف الدين‪ ،‬والتق�صري يف �أحكامه‪ ،‬ينتج عنه كثري‬ ‫من الأمرا�ض االجتماعية وال�سلوكية التي تع�ش�ش بني النا�س‪،‬‬ ‫وتفتك بهم‪ ،‬وتعطي �صورة �سيئة عن امل�سلمني‪ ،‬وتنفر النا�س‬ ‫منهم‪ ،‬وتدفع غري امل�سلمني يف ال�شك يف الإ�سالم نف�سه‪ ،‬ويف‬ ‫�صالحيته لإ�صالح الفرد واملجتمع‪ ،‬ويتخذ �أعداء الإ�سالم من‬ ‫هذه الأمرا�ض �أ�سلحة للهدم‪ ،‬وبراثن للطعن‪.‬‬ ‫وتظهر هذه التناق�ضات والأمرا�ض على بع�ض املتدينني‪،‬‬ ‫الذين يعتزون بانت�سابهم للإ�سالم‪ ،‬والتزامهم اجلزئي ب�أحكامه‪،‬‬ ‫وتطبيقهم لبع�ض تعاليمه‪ ،‬وقد يحملون على غريهم بالتق�صري‪،‬‬ ‫ولكنهم ال يقدمون لهم املثل الطيب‪ ،‬والأمنوذج ال�صحيح يف‬ ‫معرفة �أحكام ال�شريعة‪ ،‬و�أثر الدين عليهم �إيجاباً‪ ،‬بل قد ت�ؤدي‬ ‫املقارنة يف بع�ض الأحيان لتف�ضيل غري املتدين على املتدين من‬ ‫حيث الظاهر‪ ،‬ملا يظهر على املتدين من ظواهر مر�ضية مزمنة‪،‬‬ ‫وتناق�ضات �سلوكية يف نف�سه و�شخ�صيته‪� ،‬أو يف تربيته وبيته‪،‬‬ ‫و�أ�سرته‪� ،‬أو يف تعامله مع غريه �أخالقياً و�سلوكياً ومالياً‪� ،‬سواء‬ ‫يف جمال العقيدة والفكر‪ ،‬كاملفهوم اخلاطئ عن الق�ضاء والقدر‪،‬‬ ‫والتق�صري يف الأخذ بالأ�سباب مع االعتماد على املغيبات وخوارق‬ ‫العادات وبع�ض الأوهام واخلرافات‪� ،‬أم يف جمال العبادات التي ال‬ ‫حتقق معناها‪ ،‬وال تنتج �أهدافها‪� ،‬أم يف جمال الأحوال ال�شخ�صية‬ ‫و�أحكام الأ�سرة‪ ،‬ك�سوء تعاملة مع الزوجة‪ ،‬وقطع �صلة الرحم‪� ،‬أو‬ ‫عند الطالق واالفرتاق ومعاملة الأوالد‪� ،‬أو يف املجامالت التي‬ ‫تخرج عن حدود اخللق والدين‪.‬‬ ‫ومن العجيب والغريب �أن هذه التناق�ضات والأمرا�ض التي‬ ‫تنتاب الأفراد �أو املجتمع‪� ،‬أو التي يثريها اجلدل والنقا�ش‬ ‫لي�ست من الدين ال�صحيح‪ ،‬و�أن الإ�سالم منها بريء‪ ،‬بل حذر‬ ‫من وقوعها‪ ،‬وحاربها‪ ،‬وهدد مرتكبيها‪ ،‬وق�ضى على جذورها‪،‬‬ ‫وذلك يف ن�صو�ص �شرعية �صريحة ال حتتاج �إىل اجتهاد �أو ت�أويل‪،‬‬ ‫و�إمنا تتعط�ش �إىل التنفيذ والتطبيق‪ ،‬وااللتزام ال�صحيح باملنهج‬ ‫القومي‪ ،‬ومثال ذلك �أداء العبادات‪ ،‬فبع�ض النا�س يواظب على‬ ‫القيام بها‪ ،‬و�إعالنها‪ ،‬بل واالفتخار بها‪،‬والتباهي والتم�سك‬ ‫بها‪ ،‬واحلر�ص على االت�صاف ب�ألقابها يف انحاء املجتمع‪ ،‬ولكن‬ ‫�صاحبها يقت�صر على ذلك‪ ،‬ويحدد الدين والتدين بها‪ ،‬ويطلق‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫بعد ذلك العنان لنف�سه‪ ،‬فال يجد حرجاً �أن ي�سري وراء �شهواته‬ ‫وغرائزه‪ ،‬وينغم�س يف املحرمات ويتجاوز املقد�سات الدينية‪ ،‬ف�إذا‬ ‫ق�ضى وطره‪ ،‬وحان وقت العبادة لب�س جلبابها‪ ،‬وارتدى رداءها‪،‬‬ ‫وغرق يف مظاهرها‪ ،‬وك� ّأن الإ�سالم ثوب ُيلب�س للمنا�سبات‪َ ،‬و ُيخلع‬ ‫بعدها‪.‬‬ ‫ومن �صور التناق�ضات ال�سلوكية واالجتماعية التي تلوكها‬ ‫الأل�سنة‪ ،‬كمن يبني امل�ساجد‪ ،‬وي�شارك يف اجلمعيات اخلريية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬ويف نف�س الوقت يغرق يف الربا واالحتكار والغ�ش‪،‬‬ ‫وكاملر�أة التي تلب�س احلجاب ال�شرعي ثم تتجمل بجميع �أنواع‬ ‫الزينة يف كل مكان‪ ،‬وكالرجل الذي ميار�س ال�شعائر ثم ي�شرب‬ ‫اخلمر‪ ،‬ويقلد �أعداء الدين يف العادات وال�سلوك‪ ،‬وهذا كله ميثل‬ ‫متزيقاً للدين‪،‬من جهة‪ ،‬و�صوراً متنافرة يف ال�سلوك‪ ،‬وتناق�ضات‬ ‫فكرية و�سلوكية واجتماعية من جهة �أخرى‪ ،‬وقد يزداد الأمر‬ ‫�سوءا مع �أنا�س ي�ؤدي العبادات الإ�سالمية‪ ،‬ثم يتخلى عن غريها‪،‬‬ ‫في�سلخ من الدين ما ي�شاء‪ ،‬ومبا يتفق مع ذوقه و�أهوائه وميوله‪،‬‬ ‫ويدير ظهره ملا ي�شاء‪ ،‬وبع�ضهم يقول للنا�س‪� ،‬إنه م�سلم متمدن‪،‬‬ ‫�أو م�سلم معا�صر‪� ،‬أو م�سلم مت�سامح‪� ،‬أو م�سلم متطور‪ ،‬وال يدري‬ ‫�أنه �أ�ضاع �شخ�صيته‪ ،‬وفقد البو�صلة الهادية يف حياته‪ ،‬وعا�ش‬ ‫عمره يف ازدواجية ل�شخ�صيته‪،‬ف�أ�صبح مكان الهزء وال�سخرية‬ ‫وال�ضياع‪ ،‬و�صدق اهلل العظيم‪ ):‬ف�إنها ال تعمى الأب�صار ولكن‬ ‫تعمى القلوب التي يف ال�صدور (‪.‬‬ ‫لي�س الإ�سالم جمرد �شعار ولقب‪ ،‬وال يقت�صر دوره على �أداء‬ ‫العبادات والفرائ�ض فح�سب‪ ،‬بل امل�سلم احلقيقي هو الذي‬ ‫يردعه �إ�سالمه عن الظلم والعدوان‪ ،‬و�سوء الأخالق مع غريه‪،‬‬ ‫�سواء كان بيده �أم بل�سانه‪ ،‬ويجتنب ما نهى اهلل عنه من املفا�سد‬ ‫واملحظورات‪ ،‬ثم يدفعه �إميانه �إىل احلفاظ على �أموال الآخرين‬ ‫و�أعرا�ضهم ودمائهم‪ ،‬ليحب لهم ما يحب لنف�سه‪ ،‬ويكره لهم ما‬ ‫يكره لنف�سه‪ ،‬قال عليه ال�صالة وال�سالم‪ ):‬ال ي�ؤمن �أحدكم حتى‬ ‫يحب لأخيه ما يحب لنف�سه)‪ ،‬ل ّأن الإ�سالم �إميان بالقلب‪ ،‬ونطق‬ ‫بالل�سان‪ ،‬وتطبيق عملي باجلوارح‪ ،‬والتزام �شرعي يف خمتلف‬ ‫جوانب احلياة‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫امل�س�ؤولية االجتماعية‬ ‫و ال�سلوك الأخالقي يف عمل‬ ‫امل�صارف الإ�سالمية‬

‫د‪ .‬غ�سان الطالب‬

‫تعمل امل�صارف الإ�سالمية وفق �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية يتحقق �ضمن ال�ضوابط ال�شرعية يف تنمية ر�أ�س املال حيث من‬ ‫يف معامالتها املالية وهذا م�سوغ وجودها كبديل للنظام امل�صريف املعلوم �أن العائد هنا غري م�ضمون ومبني على عن�صر املخاطرة‬ ‫التقليدي الذي يقوم على �أ�سا�س �سعر الفائدة‪ ,‬ولهذا ف�إن املبادئ على العك�س من البنوك التقليدية يكون العائد على ر�أ�س املال‬ ‫التي و�ضعت كم�سوغ لوجودها تفر�ض عليها عدم تقدمي �أي نوع م�ضمون من خالل �سعر الفائدة املعلوم م�سبقا عند طلب‬ ‫من التمويل للم�شاريع التي تخالف ال�شريعة الإ�سالمية �أو �إنتاج التمويل‪ ،‬وحتى ي�ساهم امل�شروع يف حتقيق تنمية اقت�صادية يجب‬ ‫�أي �سلعة حمرمة �أو ميكن �أن تلحق ال�ضرر باملجتمع وعليه ف�إنها �أن يحقق قيمة م�ضافة �إىل الدخل القومي �إ�ضافة �إىل كفاءة‬ ‫ملزمة بنهج ال�سلوك الإ�سالمي واملق�صود هنا بال�سلوك االلتزام وح�سن ا�ستغالل املوارد االقت�صادية املتاحة وهذا بالنتيجة ي�ؤدي‬ ‫بكل املعاير الأخالقية التي وردت يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬و�أقرها �إىل امل�ساهمة يف حتقيق اال�ستقرار االقت�صادي املن�شود‪.‬‬ ‫�أما الأهمية االجتماعية فهي تتمثل يف كون البنك الإ�سالمي‬

‫القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية مثل عدم االحتكار وعدم ا�ستغالل‬

‫حاجيات النا�س و�ضروريات املجتمع وعدم التبذير والإ�سراف لي�س م�ؤ�س�سة هدفها حتقيق الربح فقط بل ت�سعى �إىل تقدمي‬ ‫وعدم حجب الزكاة التي هي مبثابة ال�ضريبة ال�شرعية وما �شابه خدمات اجتماعية من �ش�أنها �أن تعزز املناخ االجتماعي ال�سليم‬ ‫وتعمق القيم الأخالقية مثل ال�صدق والأمانة يف املعامالت وفق‬

‫ذلك‪.‬‬

‫وهنا تتجلى القيم الأخالقية يف االقت�صاد الإ�سالمي والتي ال�ضوابط الأخالقية وال�شرعية والتي توظف القوة الكامنة يف‬ ‫تنعك�س �إيجابا على املجتمع �أخالقيا واجتماعيا واقت�صاديا‪ ،‬الإن�سان نحو العملية الإنتاجية وبالنتيجة ت�ساهم يف زيادة دخل‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�إن �أي ن�شاط ا�ستثماري للم�صارف الإ�سالمية يجب �أن الفرد وزيادة الدخل القومي ومن ثم تقليل معدل البطالة تلك‬ ‫يرتبط بالقيم ال�شرعية والأخالقية مثل حتقيق مبد�أ العدالة الآفة التي ت�ؤدي �إىل العديد من امل�شاكل االجتماعية وما �إىل ذلك‬ ‫وال�صدق والأمانة واالبتعاد عن كل ما هو م�ضر وذو �أثر �سلبي ‪.‬واليوم �أمام احلاجة االقت�صادية التي تربز لتقدمي التمويل‬ ‫على املجتمع‪ ،‬مبعنى �أي م�شروع يتقدم بطلب متويل من امل�صرف مل�شاريع تنموية ت�ساهم يف حتريك عجلة االقت�صاد الوطني ف�إن‬ ‫الإ�سالمي ينظر لطلبه �ضمن هذه ال�ضوابط و املعايري قبل م�صارفناالإ�سالمية مطالبة بتطوير معايري التمويل املوجه‬ ‫النظر �إىل حجم العائد املتوقع الذي ميكن �أن يحققه من هذا �إىل اال�ستثمار اجلاد مبا يتالءم مع �أولويات التنمية االقت�صادية‬ ‫امل�شروع‪ ،‬وطاملا �أن امل�صارف الإ�سالمية هي م�ؤ�س�سات ت�ؤدي دورا امللتزمة بالثوابت الأخالقية وال�شرعية وامل�ساهمة الفاعلة يف‬ ‫مهما يف التنمية االقت�صادية من خالل قدرتها على توفري دعم الدرا�سات والأبحاث العلمية التي ت�ساهم يف تعزيز جتربتها‬ ‫التمويل الالزم الذي ي�ساعد على تنفيذها‪ ،‬ف�إنها �أي البنوك امل�صرفية وتطويرها خ�صو�صا بعد �أن بدا لنا وا�ضحا الإهتمام‬ ‫تنظر لأي م�شروع اقت�صادي من زاويتني الأوىل وهي الأهمية العاملي بال�صريفة الإ�سالمية وو�سائل مواجهتها للأزمة‬ ‫االقت�صادية لهذا امل�شروع‪ ،‬والثانية الأهمية االجتماعية كذلك‪ ،‬املالية العاملية‪ ،‬وهنا يكمن م�ضمون الر�سالة و�سر النجاح‪.‬‬ ‫ونعني بالأهمية االقت�صادية العائد االقت�صادي الذي ميكن �أن‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪33‬‬

‫تعترب امل�س�ؤولية االجتماعية املقرتنة بامل�س�ؤلية الأخالقية‬ ‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫واحدة من �أهم املبادئ التي ا�ستمدت منها امل�صارف الإ�سالمية واقت�صاديا‪ .‬ونق�صد باال�ستثمار يف الإن�سان �إعطاء الأولوية‬ ‫�شرعيتها كونها حتمل ر�سالة اقت�صادية و�أخالقية ملتزمة لالهتمام باجليل النا�شئ ومنحه فر�ص التعليم والرعاية‬ ‫ب�أحكام ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬وهي كذلك ُتعد �إحدى اخلدمات ال�صحية وكل م�ستلزمات التكوين العلمي واملهني حتى يكون‬ ‫التي ت�ؤديها يف خدمة املجتمع من جانب امل�ساهمة يف التنمية قادرا على حتمل امل�س�ؤولية‪ ،‬ومع انت�شار الفقر وتنوع احتياجات‬ ‫االقت�صادية ملا لها من دور يف التقليل من عبء الفقر وحت�سني احلياة‪ ،‬جند العديد من �أبناء الوطن الذين تتوفر لديهم‬ ‫الظروف املعي�شية للفئات املحتاجة وتوفري ما �أمكن من فر�ص القدرات الذهنية ال يجدون الفر�ص لتبني قدراتهم وا�ستثمارها‬ ‫العمل‪ ،‬وهذا هو م�ضمون الر�سالة الإ�سالمية والأخالقية حتى ت�سهم يف تطور احلياة االقت�صادية واالجتماعية لبلدهم‪،‬‬ ‫املعلنة يف برامج هذه امل�صارف‪ ،‬فال�شريعة الإ�سالمية تنظر �إىل عندها يكون الوطن هو اخلا�سر الأكرب؛ حيث �سيكونون عبئا‬ ‫الهدف االقت�صادي واالجتماعي على �أنه واجب �إن�ساين و�إمياين على املجتمع بدل �أن يكونوا �أداة للنهو�ض به‪ ,‬ومما ال�شك فيه �أن‬ ‫يخلو من الظلم واال�ستغالل وي�صب يف م�صلحة املجتمع مبا امل�صارف الإ�سالمية هي م�ؤ�س�سات ربحية ت�سعى �إىل حتقيق الربح‬ ‫يحقق الأمن واال�ستقرار والعدالة ‪ ,‬وال ن�ستثني من امل�س�ؤولية كونها م�ؤ�س�سات ا�ستثمارية ذات طابع اقت�صادي واجتماعي تعمل‬ ‫االجتماعية والأخالقية االهتمام بالإن�سان كهدف من �أهداف على توظيف مدخرات املجتمع ور�ؤو�س الأموال التي تبحث عن‬ ‫م�س�ؤولية امل�صارف االجتماعية جتاه املجتمع ‪ ,‬و ميكننا القول اال�ستثمار وفق �أ�س�س و�ضوابط متيزها عن تلك الأ�س�س املتبعة يف‬ ‫�إن اال�ستثمار يف الإن�سان يعد �أف�ضل �أنواع اال�ستثمار لأنه امل�صارف التقليدية وخا�صة يف عملية الرتاكم الر�أ�سمايل لديها‬ ‫الأ�سا�س ال�صحيح وال�سليم لبناء جمتمع �صالح وقوي اجتماعيا املعتمد على �سعر الفائدة فقط لهذا ف�إن الربح الذي ت�سعى‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪34‬‬


‫�إليه امل�صارف الإ�سالمية هو ربح م�شروع وهدف منطقي عندما الأري���اف البعي���دة ع���ن املرك���ز حت���ى ت�ص���ل �إىل املدخ���رات غ�ي�ر‬ ‫يقرتن بالهدف االجتماعي ذي البعد الأخالقي والروحي بحيث الفاعل���ة يف احلي���اة االقت�صادي���ة وتعم���ل كذل���ك على ن�ش���ر الوعي‬ ‫ينعك�س �إيجابا على خمتلف نواحي احلياة يف املجتمع الإ�سالمي امل�ص���ريف الإ�سالم���ي يف ه���ذه املناط���ق لت�ساهم يف حتقي���ق التنمية‬ ‫�إن الر�سالة االجتماعية النابعة من امل�س�ؤولية الأخالقية لهذه االقت�صادي���ة يف جمتمعاته���م وه���ذا يتطل���ب �إن�ش���اء ف���روع جديدة‬ ‫امل�صارف ميكن �أن ت�ؤدي دوراً فاع ً‬ ‫ال كذلك يف حتقيق معدالت ربح‬ ‫يف املناط���ق الت���ي ال تتواف���ر به���ا خدم���ة امل�ص���ارف الإ�سالمي���ة‪.‬‬ ‫�أف�ضل للم�صرف عندما يكون هنالك بيئة اجتماعية واقت�صادية‬ ‫•�إعطاء �أهمية للقر�ض احل�سن ونقرتح هنا �إن�شاء �صناديق خا�صة‬ ‫�سليمة وعندما ت�ساهم يف حتقيق تنمية للمجتمع وتخفف من‬ ‫للقر����ض احل�س���ن لدى ه���ذه امل�صارف وذلك لتحقي���ق �أهداف ذات‬ ‫الأعباء املعي�شية لأفراده خا�صة و�أن الأ�صول املالية املتاحة لهذه‬ ‫امل�صارف تفوق ‪ 2‬ترليون دوالر حتى عام ‪ 2014‬وفروعها موزعة طابع اجتماعي مثل م�ساعدة الطلبة املتفوقني على �إكمال درا�ستهم‬ ‫على �أنحاء عديدة من العامل ‪� ،‬إال �أنه يوجد بع�ض امل�آخذ على وم�ساعدة الراغبني يف الزواج �أو يف حاالت العالج وما �شابه ذلك‪.‬‬ ‫هذه امل�صارف يف عدم �إعطائها الأهمية املطلوبة لتفعيل الدور "•الإهتم���ام بالبح���ث العلم���ي وتق���دمي الدع���م املنا�س���ب ل���ه‪.‬‬ ‫االجتماعي لها مع �إقرارنا ب�أنه ملجرد تو�سعها وانت�شارها الكبري •العم���ل‬ ‫هو بحد ذاته خدمة اجتماعية يرتتب عليها م�س�ؤولية كبرية ال���زكاة والتكف���ل ب�إدارته���ا خدم���ة للمجتم���ع‪.‬‬ ‫ومنتظرة من هذه امل�صارف‪ ،‬ولدينا القناعة �أن هذه امل�صارف كم���ا �أن هن���اك العدي���د م���ن املجاالت الت���ي تعترب مناف���ذ للخدمة‬ ‫عل���ى‬

‫ميكن �أن تقدم خدمات اجتماعية �أف�ضل ‪.‬‬

‫ونوعي���ة متمي���زة م���ن خ�ل�ال تفعي���ل دوره���ا يف النواح���ي الآتي���ة‪:‬‬ ‫•االهتم���ام بتموي���ل امل�شروع���ات ال�صغ�ي�رة واملتو�سط���ة كونه���ا‬

‫�إن�ش���اء‬

‫�صنادي���ق‬

‫خا�ص���ة‬

‫ب�أم���وال‬

‫االجتماعي���ة والتي لي����س من ال�سهل ح�صرها ميكن للم�صارف �أن‬ ‫ت�ؤك���د دورها ور�سالتها االجتماعية م���ن خاللها ونحن على يقني‬ ‫م���ن �أن الإرادة متوف���رة والإمكاني���ات متاح���ة ‪ ....‬فعندما تتحقق‬

‫مت����س �أه���م �شريح���ة اجتماعي���ة وتعم���ل عل���ى �إيج���اد فر����ص‬ ‫عم���ل وزي���ادة دخ���ل بع����ض الأُ�س���ر يف املجتم���ع الإ�سالم���ي‪ .‬الأهداف االجتماعية ن�صل �إىل اال�ستقرار ال�سيا�سي واالقت�صادي‬ ‫•رب���ط التط���ور يف ال�صناع���ة املالي���ة الإ�سالمي���ة م���ع اجلان���ب والعي����ش الآم���ن لأف���راد املجتم���ع وبالت���ايل ف����إن املجتم���ع ب���دوره‬ ‫االجتماع���ي حت���ى يتحق���ق العائ���د االجتماع���ي املرج���و منه���ا‪ .‬يحر�ص كذلك على املحافظة على جتربته امل�صرفية التي تن�سجم‬ ‫•العم���ل على �إي�ص���ال اخلدمة امل�صرفي���ة الإ�سالمية �إىل مناطق مع فل�سفته العقائدية وعمادها مبادئ ال�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪35‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫ت�أمالت يف الرتبية‬ ‫النبوية‬ ‫�سبحانك اللهم ما �أعظمك‪� ،‬أن بعثت فينا حممداً �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم هادياً وداعياً �إىل احلق‪ ،‬وخ�ص�صته ب�صفات ال يجاريه‬ ‫فيها �أحد‪ ،‬وقلت �سبحانك بحق نبيك‪( :‬و�إنك لعلى خلق عظيم)‬ ‫(القلم(‪ ،)5‬ويكفينا �شرفاً �أن يكون نبينا من �صفوة خلقك ويكون‬ ‫هذا و�صفه‪ ،‬كما جاء على ل�سان عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‬ ‫( كان ُخلقه القر�آن) ‪� ،‬إنه املربي الأول الذي جمع جوانب الرتبية‬ ‫كلها بخالف �أي نهج تربوي و�ضعي‪ ،‬ومل تخل �أية خطة تربوية‬ ‫من جوانب ق�صور ومكامن خلل مهما �أحكمت‪ ،‬تركز على جانب‬ ‫وتغفل جوانب‪ ،‬وقد تركز على فئة �أو تهتم بجن�س �أو لون �أو‬ ‫طبقة على ح�ساب فئة �أو جن�س �أو طبقة �أخرى‪ ،‬ثم حتاول �إ�صالح‬ ‫ما قد فاتها بعد فوات الأوان‪ .‬وهكذا‪� ،‬إىل �أن تتهاوى وتت�آكل‬ ‫القيم واملبادىء والروابط القومية ‪ ،‬بعدها تبد�أ الرحلة �إ�صالح‬ ‫اجلزئيات ‪� ،‬أما الكليات من املبادىء والقيم ال�سليمة فتكون‬ ‫حينها �صعبة املنال‪ .‬لهذا �سنعر�ض تاليا لبع�ض من خ�صائ�ص‬ ‫الرتبية النبوية‪:‬‬ ‫و�ضوح الهدف ‪:‬‬ ‫يعاين كثري من الآباء واملربني يف هذا الزمان من حرية وقلق‬ ‫جتاه امل�سلك الواجب اتباعه يف الرتبية ‪ ،‬و�إذا ما تعمقت يف بحث‬ ‫الأ�سباب‪� -‬أ�سباب احلرية والقلق‪ -‬وجدت �أن على ر�أ�سها‪ ،‬غياب‬ ‫الهدف الوا�ضح الذي ي�صبو كل لتحقيقه‪ ،‬لكن النهج النبوي ج ّد‬ ‫خمتلف‪� ،‬إذ هو وا�ضح الأهداف والغايات التي يريد الو�صول �إليها‬ ‫بكافة �أبناء الأمة ومنها ‪:‬‬ ‫ بناء جمتمع متما�سك ‪ :‬من خالل تقوية الروابط والعالقات‬‫فيما بني �أع�ضاءه وتوثيقها ‪ ،‬حيث قال �صلى اهلل عليه و�سلم ‪:‬‬ ‫( مثل امل�ؤمنني يف توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل اجل�سد ‪،‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫د‪ .‬ي�سرى العرواين‬

‫�إذا ا�شتكى منه ع�ضو ‪ ،‬تداعى له �سائر اجل�سد بال�سهر واحلمى )‪.‬‬ ‫ حفظ احلقوق ‪ :‬بحيث و�ضع حدودا على اجلميع االلتزام بها‬‫حفظا حلقوقه وحقوق غريه‪ ،‬فقال �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ ( :‬حق‬ ‫امل�سلم على امل�سلم �ست ‪ ،‬قيل ما هن يا ر�سول اهلل ؟ قال ‪� :‬إذا لقيته‬ ‫ف�سلم عليه ‪ ،‬و�إذا دعاك ف�أجبه‪ ،‬و�إذا ا�ستن�صحك فان�صح له‪ ،‬و�إذا‬ ‫عط�س فحمد اهلل ف�ش ّمته‪ ،‬و�إذا مر�ض فعده‪ ،‬و�إذا مات فاتبعه) ‪.‬‬ ‫( رواه م�سلم يف �صحيحه )‪ .‬ويف احلديث‪ ( :‬ال يحل مال امرىء‬ ‫م�سلم �إال بطيب نف�س منه)‪.‬‬ ‫ احلفاظ على العبادات‪ :‬ومن احلديث الذي رواه عمر بن‬‫اخلطاب ر�ضي اهلل عنه ومما قال فيه‪ ( :‬بينما نحن جلو�س‬ ‫عند ر�سول اهلل ذات يوم �إذ طلع علينا رجل �شديد بيا�ض الثياب‬ ‫�شديد �سواد ال�شعر ‪ ،‬ال يرى عليه �أثر ال�سفر ‪ .....‬فقال ياحممد‪:‬‬ ‫�أخربين عن الإ�سالم ‪ ..‬ف�أخربين عن الإميان ‪ ....‬ف�أخربين عن‬ ‫الإح�سان ‪ ...‬ف�أخربين عن ال�ساعة ‪ – ...‬والر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم يجيب‪ ، -‬ثم انطلق ‪ ،‬فلبثت مليا ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬يا عمر‪� ،‬أتدري‬ ‫من ال�سائل ؟ ‪ ....‬ف�إنه جربيل �أتاكم يعلمكم دينكم )‪( .‬رواه‬ ‫م�سلم)‪.‬‬ ‫ الت�أكيد على مكانة الأمة ‪ :‬يقول اهلل تعاىل‪( :‬كنتم خري‬‫�أمة �أخرجت للنا�س ت�أمرون باملعروف وتنهون عن املنكر‪....‬‬ ‫الآية)‪�( .‬آل عمران(‪ .)110‬ويف احلديث الذي يرويه ابن م�سعود‪:‬‬ ‫(من جل�س �إىل غني فت�ضع�ضع له ذهب ثلثا دينه)‪.‬‬ ‫ مراعاة امل�شاعر والأحا�سي�س‪ :‬فقد قال �صلى اهلل عليه‬‫و�سلم‪ ( :‬ال يحل مل�سلم �أن يروع م�سلماً)‪.‬‬ ‫احلكمة يف الرتبية ‪:‬‬ ‫يقول احلق جل وعال ( ادع �إىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة‬ ‫احل�سنة وجادلهم بالتي هي �أح�سن)‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫ات�سم �أ�سلوب ر�سول اهلل باحلكمة واالتزان واال�ستناد �إىل املنطق‬ ‫بعيداً عن احلدة واالنفعال وردود الأفعال‪ .‬فقد �ضرب لنا �أروع‬ ‫مثل يف احلكمة عندما جاءه �شاب وطلب �أن ياذن له بالزنى‪ ،‬ف�أنكر‬ ‫عليه ال�صحابة القول وعنفوه‪ ،‬ولكن جتلت احلكمة يف تعامل‬ ‫ر�سول اهلل معه‪� ،‬إذ �أدنى ال�شباب منه وبد�أ يحاوره ‪� ..‬أتر�ضاه لأمك‬ ‫‪..‬لأختك‪ ..‬لعمتك ‪ ..‬وعدد عليه املحارم ‪ ..‬وال�شاب يقول‪ :‬ال‪..‬‬ ‫ور�سول اهلل يقول ‪ :‬وكذلك النا�س ال ير�ضونه ملحارمهم‪ ،‬ثم و�ضع‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يده على �صدر ال�شاب‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫اللهم طهر قلبه وح�صن فرجه ( فقال ال�شاب ‪ :‬واهلل ما رفع‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يده عن �صدري وعلى الأر�ض‬ ‫ىل من ر�سول اهلل و�أكره �إ ّ‬ ‫�أحب �إ ّ‬ ‫يل من الزنا‪.‬‬ ‫العدل وامل�ساواة‪:‬‬ ‫قال تعاىل ‪ ( :‬يا �أيها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر و�أنثى وجعلناكم‬ ‫�شعوباً وقبائل لتعارفوا �إن �أكرمكم عند اهلل �أتقاكم �إن اهلل عليم‬ ‫خبري ( احلجرات (‪.)13‬‬ ‫وعندما �أراد ال�صحابة �أن ي�شفعوا يف حدٍ من حدود اهلل لدى‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم حني �سرقت املر�أة املخزومية‪،‬‬ ‫فغ�ضب ر�سول اهلل وقال‪�( :‬إمنا �أهلك الذين من قبلكم �أنهم كانوا‬ ‫�إذا �سرق فيهم ال�شريف تركوه‪ ،‬و�إذا �سرق فيهم ال�ضعيف �أقاموا‬ ‫عليه احلد‪ ،‬و�أمي اهلل ‪ :‬لو �أن فاطمة بنت حممد �سرقت لقطعت‬ ‫يدها)‬ ‫ال�شمولية ‪:‬‬ ‫من خ�صائ�ص الرتبية النبوية �أنها جاءت �شاملة لرتبية �أمة‬ ‫ب�أكملها‪ ،‬ولكافة الأزمنة وملختلف الأمكنة ولكل �شرائح املجتمع‪،‬‬ ‫ون�ستدل على ذلك بحديث ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫(كلكم راع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته)‪.‬‬ ‫التنويع يف الأ�ساليب‪:‬‬ ‫مل يكن النهج النبوي منطياً‪ ،‬لكنه يت�ضمن تنويعاً يف الأ�ساليب‪،‬‬ ‫فعندما يكون التوجيه للأطفال‪ ،‬يعتمد الأ�سلوب املب�سط املبا�شر‬ ‫( يا غالم ‪� ،‬سم اهلل ‪ ،‬وكل بيمينك ‪ ،‬وكل مما يليك)‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫الرتغيب والتي�سري ‪:‬‬ ‫كان ميازح ال�صغار‪� ،‬إذ قال لأحدهم‪ ( :‬يا ذا الأذنني )‪.‬‬ ‫( رواه ابن �أبي الدنيا يف العيال‪ ،494/1،‬وح�سنه الألباين يف‬ ‫�صحيح اجلامع) ‪ ،‬وقال ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما‪( :‬ملا قدم‬ ‫ر�سول اهلل مكه ا�ستقبله �أغيلمة بني عبد املطلب فحمل واحدا‬ ‫بني يديه و�آخر خلفه)‪.‬‬ ‫احرتام الآخرين ‪:‬‬ ‫يقوم النهج النبوي على احرتام الآخرين‪� ،‬سواء كانوا �صغارا �أم‬ ‫كبارا رجاال �أم ن�ساء �أفرادا �أم جماعات ‪ ،‬فكان �إن �أراد �أن يقوم‬ ‫م�سلكا �أو يع ّقب على ت�صرف خمالف ‪ ،‬يقول وال يق�سو ويعظ وال‬ ‫يحدد‪ ،‬ك�أن يقول‪ ( :‬ما بال �أقوام ي�صنعون كذا)‪.‬‬ ‫الب�ساطة والو�ضوح‪:‬‬ ‫تقول ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪ ( :‬ما خري ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم بني �أمرين �إال اختار �أي�سرهماما مل يكن �إثما‪،‬‬ ‫ف�إن كان �إثما كان �أبعد النا�س عنه‪ ،‬وما انتقم لنف�سه �إال �أن تنتهك‬ ‫حرمة اهلل فينتقم هلل بها)‪.‬‬ ‫هذا غي�ض من في�ض التوجيه النبوي املتفرد بنهج تربوي قومي ‪،‬‬ ‫يتجاوز كل هنات وق�صور الأ�ساليب الرتبوية الو�ضعية التي مهما‬ ‫�أحكمت ف�إنها ال تكاد تخرج من حفرة حتى تهوي يف واد �سحيق‪،‬‬ ‫وال خمل�ص لها من هذا كله �إال االلتزام بكتاب اهلل ‪ ،‬و�سنة نبيه‬ ‫الذي ال ينطق عن الهوى‪ ،‬ف�صالة ربي و�سالمه عليك يا�سيد‬ ‫اخللق ونبي احلق‪ ،‬وجمعنا اهلل بك يف الفردو�س الأعلى ‪� ،‬إنه ويل‬ ‫ذلك والقادر عليه ‪.‬‬

‫‪37‬‬

‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫ال �إله �إال اهلل‬ ‫� َّأم القواعد الكلية‬

‫حممد باباعمي‬

‫حقيقة املعرفة‪ ،‬و�أ�صل الوجود‬

‫كنت منت�ش ًّيا م�سرو ًرا‪� ،‬أق ِّلب �صفحات (بذور الر�شد) يف‬ ‫ال�شبكة العنكبوتية‪ ،‬بن�شوة العابد وروح اجلنديِّ ‪� ،‬أ�صوغ (�أ�سئلة‬ ‫و�إ�شكاالت) تارة‪ ،‬و�أ�ستنبط (القواعد الكلية) تارة‪ ،‬ثم � ِأ�صل‬ ‫الفكرة بالواقع (ت�شغيال وتفعيال) تارة �أخرى؛ ك�أين يف احل�ضرة‬ ‫القد�سية‪� ،‬أ�ستمع و�أن�صت ل�سيد الأنام حمم َّد وهو يرتمن بالقر�آن‬ ‫ًّ‬ ‫غ�ضا طر ًّيا‪ ،‬ين�ساب زالال �سل�سبيال مِ ن �شفتيه املباركتني‪ ،‬جميع‬ ‫ما حويل ومَن حويل يف عداد الال�شعور‪...‬مل يبق من (الوجود)‬ ‫يف �أعماق (وجداين) �إ َّال ّ (كالم اهلل احلكيم)‪ ،‬بل ما بقي �شيء‬ ‫ُيذكر �إ َّال (هو) �سبحانه‪ُّ :‬‬ ‫(كل �شيء هالك �إ َّال وجهه)‪( ،‬ويبقى‬ ‫وجه ربك ذو اجلالل والإكرام ‪).‬مع بدايات �سورة طه‪ ،‬جل�ستُ‬ ‫ُ�صبحا‪� ،‬أحفِر حفرا خفي ًفا رفي ًقا‪ ،‬من ِّقبا عن (القواعد الكلية)‬ ‫لفقه احل�ضارة‪ ،‬امل�صاغة يف (القر�آن الكرمي)‪ ،‬مما يعالج (�س�ؤال‬ ‫الأزمة) املحورِي يف (منوذج الر�شد)‪( :‬حركية الفكر والفعل)؛‬ ‫وانتهيت يف الآيات وال�سطور الأوىل من ال�سورة الطيبة‪� ،‬إىل قوله‬ ‫ج َّل �ش�أنه‪( :‬اهلل ال �إله �إ َّال هو‪ ،‬له الأ�سماء احل�سنى‪...).‬جمدت‬ ‫�أو�صايل‪ ،‬اغرورقت عيني‪ ،‬تباط�أ تنف�سي‪ ،‬ت�ش َّنج ِّ‬ ‫خمي‪� ،‬سرت‬ ‫ق�شعريرة يف عروقي‪ ...‬ثم �س�ألت نف�سي‪ ،‬متع ِّلما ال جمادال‪ ،‬ولقد‬ ‫كان �صوت الأذان العثماين ي�صدح من ك ِّل مكان حويل‪�( :‬أ�شهد �أن‬ ‫ال �إله �إال اهلل‪� ،‬أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل‪ ...‬ال �إله �إال اهلل) �س�ألت هذه‬ ‫جنبي‪:‬‬ ‫النف�س التي بني َّ‬ ‫أ�سجلها على �أنها كذلك؟ لع َّلها‬ ‫هل هذه قاعدة كلية؟ وب�أي اعتبار � ِّ‬ ‫من قبيل امل�س َّلمات والبديهيات العقلية؟ �أو لع َّلها ت�ص َّنف �ضمن‬ ‫املبادئ والعقائد؟ �أو �أ َّن لها ا�سما وت�صنيفا �آخر غري الذي اعتدناه‬ ‫يف �سياق الدر�س احل�ضاري؟‬ ‫علي متالحقة‪ ،‬ك�أنها الغيث وابال‪ ،‬غري �أنها قبل‬ ‫�أ�سئلة تن َّزل َّ‬ ‫إدراكي‪ ،‬اقتحمت �صور القلب‬ ‫�أن جتد اجلواب‬ ‫العقلي املعر َّيف ال َّ‬ ‫َّ‬ ‫والروح والوجدان‪ ،‬فعمِ لت عمل املبيد لك ِّل ال�شوائب النف�سية‪،‬‬ ‫ثم عمِ لت عمل ِّ‬ ‫املعطر جلنبات الدار‪ :‬غرفة غرفة‪ ،‬مرتا مرتا‪،‬‬ ‫�شربا �شربا‪ ...‬فلم تغادر هذه النفحات �سويداء قلبي‪ ،‬وما كان لها‬ ‫علي من (عوارف املعارف) ما ال يقدر‬ ‫�أن تغادر‪� ،‬إ َّال وقد �أفا�ضت َّ‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫الل�سان وال القلم على و�صفه‪ ،‬بله تف�سريه و�شرحه‪.‬‬ ‫ثم جاء دور العقل‪ ،‬ليبحث عن (العالقة) بني (ال �إله �إال اهلل)‬ ‫والوجو ِد من حوله‪ ،‬بل و)الوجودِ) يف خم ِّيلته وذهنِه وِجهة الأزل‬ ‫من هنالك‪ ...‬نحو الأبد �إىل هنالك‪ ...‬ثم انتقل منها �إىل �سرب‬ ‫حقيقة (العالقة) بني (ال �إله �إال اهلل) و)املعرفةِ) بجميع �أنواعها‬ ‫و�أ�شكالها‪ ،‬وموا�ضيعها ومناهجها‪ ،‬البارح َة واليوم وغدا‪ ،‬مِ ن يوم‬ ‫�أ�شغل �آدم عليه ال�سالم عقله‪� ،‬إىل يو ٍم متوت فيه �آخر (فكرة) يف عقل‬ ‫�إن�سانٍ ‪( :‬ويقولون متى هذا الوعد �إن كنتم �صادقني‪ ،‬ما ينظرون‬ ‫يخ�صمون‪ ،‬فال ي�ستطيعون‬ ‫�إ َّال �صيحة واحدة ت�أخذهم وهم‬ ‫ِّ‬ ‫تو�صية وال �إىل �أهلهم يرجعون‪).‬غري �أ َّن بداية امل�شوار كانت مع‬ ‫القر�آن الكرمي نف�سِ ه‪ ،‬باعتباره (وجودا ومعرفة)‪� ،‬أو �إن �شئت‬ ‫فقل‪( :‬هو وجود بلبا�س املعرفة)‪ ،‬و)هي معرفة بروح الوجود)‪.‬‬ ‫فتت َّبعتُ (ال �إله �إال اهلل) (لفظا ومعنى) يف �آياته املباركات‪ ،‬ومل‬ ‫�أتل �آية واحدة‪ ،‬من فاحتة كالم اهلل �إىل خامتته‪ ،‬خلت من عالقة‬ ‫بـ)ال �إله اهلل)‪( :‬ت�صريحا) �أو (تلميحا)‪( ،‬ا�ستلزاما) �أو (اقت�ضاء)‪،‬‬ ‫(عالقة �سببية)‪� ،‬أو (�شرطية)‪� ،‬أو (تراتبية)‪� ،‬أو (تالزمية)‪� ...‬إىل‬ ‫غريها من العالقات التي ال ح�صر لها‪ ،‬وهي تتجاوز حدود َّ‬ ‫املنظر‬ ‫له يف (منطق اللغة)‪ ،‬ويف (لغة املنطق)‪� ،‬إىل (ما ال يدرك) من‬ ‫ُ‬ ‫واحلقيقة‪)...‬خذ �أيَّ �آية تريد‪ ،‬و�أيَّ �سورة ت�شاء‪،‬‬ ‫(منطق الوجود‬ ‫و�أيَّ مقطع تقرتح‪ ...‬ثم ا�س�أل‪ :‬ما (عالقة) ما �أنا ب�صدده بـ)ال‬ ‫�إله �إال اهلل)؛ جتد �أمامك ً‬ ‫جي�شا من احلقائق التي ال تخطئها �إ َّال‬ ‫العني امل�ص َّرة على العمى‪ ،‬وال ُ‬ ‫ال�صمم‪ ،‬والعق ُل‬ ‫أذن امل�ص ِّممة على َّ‬ ‫الذي تو َّقف عن �أداء مه َّمته الفطرية‪ ،‬والقلب الذي ال يفقه به‬ ‫�صاحبه �شي ًئا‪...‬‬ ‫ولقد تتبعت ما ورد لفظا وعبارة ب�صيغة (ال �إله �إال اهلل) يف كتاب‬ ‫يف�سر العلم والعمل‪ ،‬ويح ِّرك الفكر‬ ‫اهلل العزيز‪ ،‬فوجدت �أنه ِّ‬ ‫والفعل؛ ولقد ارتبط بجميع �سياقات اخللق والوجود‪ ،‬من الأزل‬ ‫�إىل الأبد‪ ،‬عامل ال�شهادة وعامل الغيب* ‪:‬ارتبط ب�صفات اهلل‬ ‫�سبحانه‪ :‬الإل ِه الواحد‪ ،‬الرحمن الرحيم‪( :‬و�إلهكم �إله واحد‬ ‫‪ ،‬ال �إله �إال هو الرحمن الرحيم *‪).‬وبحياة اهلل تعاىل الذاتية‪،‬‬

‫‪38‬‬


‫وبقيوميته ومُلكه وعلمه ج َّل مقامه‪( :‬اهلل ال �إله �إال هو احلي‬ ‫القيوم‪...).‬‬ ‫*وبالت�صوير يف الأرحام و�أ�سباب اخللق‪ ،‬وطالق ِة م�شيئته و�إرادته‬ ‫تعاىل‪ ،‬ثم بعزته وحكمه وحكمته �سبحانه‪( :‬هو الذي ي�ص ِّوركم‬ ‫يف الأرحام كيف ي�شاء‪ ،‬ال �إله �إال هو العزيز احلكيم* ‪).‬وبحقيقة‬ ‫�شهادة اهلل عن نف�سه وهو العليم‪ ،‬و�شهادة مالئكته على �إثره‪ ،‬ثم‬ ‫�شهادة �أويل العلم‪ ،‬الذين مل يغلفوا �أ�سماعهم وقلوبهم بغ�شاوة‬ ‫الظلم والغرور‪�( :‬شهد اهلل �أنه ال �إله �إال هو واملالئكة و�أولوا‬ ‫العلم‪ ،‬قائما بالق�سط ‪ ،‬ال �إله �إال هو العزيز احلكيم‪(.‬‬ ‫و)ال �إله �إال اهلل) هي التف�سري الوحيد ل�شرعية القيامة‪ ،‬ذلك‬‫�أ َّنه تعاىل هو �أ�صدق ال�صادقني‪ ،‬وكالمه �أ�صدق الكالم‪( :‬اهلل ال‬ ‫�إله �إال هو‪ ،‬ليجمع َّنكم �إىل يوم القيامة ال ريب فيه‪ ،‬ومن �أ�صدق‬ ‫من اهلل حديثا)‪ .‬ولو �أ َّن خرب القيامة ورد من غري هذا ال�سبيل لمَ ا‬ ‫كان �أهال �أن يلتفت �إليه‪ ،‬ولكن �أنى ذلك؟‬ ‫و)ال �إله �إال اهلل) تهدي ٌد مبا�شر ملن �أنكرها وتع َّلق بالتثليث‪،‬‬‫وفيها توعُّ د ملن متادى يف الكفر وقول الزور‪( :‬لقد كفر الذين‬ ‫قالوا �إ َّن اهلل ثالث ثالثة‪ ،‬وما من �إله �إال �إله واحد‪ ،‬و�إن مل ينتهوا‬ ‫ليم�سن الذين كفروا منهم عذاب �أليم‪).‬‬ ‫عما يقولون‪َّ ،‬‬ ‫و�إذا ما �س�ألت‪( :‬من خلق اخللق؟)‪ ،‬ثم �س�ألت‪( :‬من هو �أهل‬‫لأن ُيعبد؟)‪ ،‬ثم �س�ألت‪( :‬من الوكيل على �أ�شياء الوجود ك ِّلها‪:‬‬ ‫�إن�سها وج ِّنها‪ ،‬حيوانها ونباتها ومادتها‪ ...‬وك ِّل ما يعلمه العقل‬ ‫�أو ال يعلمه من الأعرا�ض واجلواهر؟) �إن �أنت �س�ألت هذه الأ�سئلة‬ ‫ذهن‪ ،‬بن َّية الإميان والعمل ال�صالح‪ ،‬ال لغر�ض احلفظ‬ ‫يف �صفاء ٍ‬ ‫املجرد �أو املماراة واملباهاة‪� ،‬إن �س�ألت ف�ستجد اجلواب يف‪( :‬ذلكم‬ ‫اهلل ربكم‪ ،‬ال �إله �إال هو‪ ،‬خالق ك ِّل �شيء فاعبدوه‪ ،‬وهو على ك ِّل‬ ‫�شيء وكيل‪.‬‬ ‫اخلطاب �س ِّي َد املر�سلني حم َّمدٍ عليه ال�صالة‬ ‫يخ�ص‬ ‫)ولقد‬‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وال�سالم‪ ،‬ثم يع َّمم على مَن اقتفى �أثره واتبع نهجه‪ ،‬فت�أتي‬ ‫(ال �إله �إال اهلل) مث ِّبتة على احلق‪ ،‬داعمة يف مواجهة ال�شرك‬ ‫والإعرا�ض عن امل�شركني‪( :‬اتبع ما �أوحي �إليك من ربك ‪ ،‬ال �إله‬ ‫�إال هو‪ ،‬و�أعر�ض عن امل�شركني*‪).‬و�إذا ما حتيرَّ النا�س يف �صدق‬ ‫الوحي‪ ،‬ويف �أحق َّية النب َّوة والنبي‪ ،‬ويف البحث عن م�ساحة ر�سالة‬ ‫أمي عليه ال�سالم‪� :‬أهي لقومه وبني جلدته وكفى؟ �أم هي‬ ‫النبي ال ِّ‬ ‫للنا�س كافة وللب�شر جميعا؟ و�إذا ما تف َّننوا يف اال�ستدالل على‬ ‫�صدق الر�سالة ب�صدق الر�سول‪ ،‬وابتغوا �إميانهم تبعا لإميانه؛‬ ‫ف�إ َّن الآية ت�أتي نا�صعة �صداحة‪( :‬قل يا �أيها النا�س �إين ر�سول‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫اهلل �إليكم جميعا‪ ،‬الذي له ملك ال�سماوات والأر�ض ال �إله �إ َّال هو‪،‬‬ ‫أمي الذي ي�ؤمن باهلل‬ ‫يحيي ومييت‪ ،‬ف�آمنوا باهلل ور�سوله النبي ال ِّ‬ ‫وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون‪).‬‬ ‫*ولقد ُيعر�ض الكثريون‪ ،‬وقد يتو َّلون عن الإن�صات لداعي‬ ‫التوحيد والهداية‪ ،‬هنا ي�أتي دور االحت�ساب والتوكل على اهلل‬ ‫وحده‪( :‬ف�إن تو َّلوا فقل ح�سبي اهلل ال �إله �إال هو‪ ،‬عليه تو َّكلت‬ ‫رب العر�ش العظيم‪).‬‬ ‫وهو ُّ‬ ‫رتفني ُّ‬ ‫*ومن عجائب تاريخ الأمم والنب َّوات‪ ،‬وتاريخ امل َ‬ ‫والطغاة‪،‬‬ ‫�أ َّن الواحد منهم �إذا حت َّقق من الهالك‪ ،‬ور�آه ر�أي العني‪ ،‬عاد‬ ‫�إىل املرتكز‪ ،‬وفهم �ساعتها معنى الوجود ومعنى احلياة‪ ،‬بعد‬ ‫فواة الأوان‪ ،‬فهذا فرعون قالها ناق�صة غري مكتملة‪ ،‬قالها فلم‬ ‫تنفعه؛ لأنه مل يتلفظ بها م�ؤمنا و�إمنا خمادعا جاحدا كعادته‪:‬‬ ‫(وجاوزنا ببني �إ�سرائيل البحر‪ ،‬ف�أتبعهم فرعون وجنوده بغيا‬ ‫وعَدوا‪ ،‬حتى �إذا �أدركه الغرق قال‪� :‬آمنت �أنه ال �إله �إال الذي �آمنت‬ ‫به بنو �إ�سرائيل‪ ،‬و�أنا من امل�سلمني)‪ .‬ولقد �أجيب ب�صريح العبارة‪:‬‬ ‫(�آالن وقد ع�صيت قبل‪ ،‬وكنت من املف�سدين‪).‬‬ ‫*وجمي ُع الر�سل‪ ،‬بال ا�ستثناء‪ ،‬مِ ن لدن �آدم عليه ال�سالم‪� ،‬إىل خري‬ ‫الربية حممد عليه ال�صالة وال�سالم‪ ،‬جمي ُعهم حام حول حمى‬ ‫(ال �إله �إال اهلل)‪ ،‬ودندن حولها‪ ،‬فلم يحدث �أن دعا واح ٌد منهم‪،‬‬ ‫مهما عال �ش�أنه‪� ،‬إىل نف�سه �أو �إىل خملوق غريه‪ُّ ،‬‬ ‫كل الأنبياء بال‬ ‫ا�ستثناء‪( :‬وما �أر�سلنا من قبلك من ر�سول �إال نوحي �إليه �أنه ال‬ ‫�إله �إال �أنا فاعبدون*‪).‬ومثال ذلك ذو النون‪ ،‬يون�س عليه ال�سالم‪،‬‬ ‫الذي التقمه احلوت وهو مليم‪ ،‬ولوال (ال �إله �إال اهلل) ت�سبيحا‬ ‫وا�ستغفارا‪ ،‬للبث يف بطنه �إىل يوم يبعثون‪( :‬وذا النون �إذ ذهب‬ ‫مُغا�ضبا فظنَّ �أن لن نقدر عليه‪ ،‬فنادى يف الظلمات‪� :‬أن ال �إله‬ ‫�إال �أنت‪� ،‬سبحانك �إين كنت من الظاملني) ولقد جاءت اال�ستجابة‬ ‫عاجلة‪ ،‬وجاء معها وعد من اهلل تعاىل – هدية من ال�سماء –‬ ‫�أ َّن من قالها م�ؤمنا موقنا حمت�سبا‪ ،‬يف �أيِّ ظلمة كان‪ :‬مادي ٍة �أو‬ ‫معنوية‪ ،‬ظلم ِة اجلهل‪� ،‬أو ظلمة ال�شهوة‪� ،‬أو ظلمة اله ِّم‪� ،‬أو ظلمة‬ ‫ينجيه‬ ‫الظلم‪� ،‬أو ظلمة الفتنة‪ ...‬من يقلها ب�شروطها و�أركانها‪ِّ ،‬‬ ‫اهلل تعاىل وعدًا منه‪ ،‬واهلل ال يخلف وعده‪ ،‬غري �أ َّن تكرارها‬ ‫بالل�سان بارد ًة ال يغيرِّ من الواقع �شيئا‪( :‬فا�ستجبنا له‪ ،‬وجنيناه‬ ‫من الغ ِّم‪ ،‬وكذلك ننجي امل�ؤمنني(‬ ‫)ال �إله �إال اهلل) ِّ‬ ‫تلخ�ص �صفات اهلل الكمالية �صفة �صفة‪ ،‬وتنفي‬ ‫عنه ما ال يجوز يف ح ِّقه‪ ،‬وتعلو بالذكر �إىل مقام (الإجابة) ثمر ًة‬ ‫ملقام (اال�ستجابة)‪( :‬هو اهلل الذي ال �إله �إال هو‪ ،‬عامل الغيب‬

‫‪39‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫وال�شهادة‪ ،‬هو الرحمن الرحيم‪ ،‬هو اهلل الذي ال �إله �إال هو‪ :‬امللك‬ ‫القدو�س ال�سالم امل�ؤمن املهيمن العزيز اجلبار املتكرب‪� ،‬سبحان‬ ‫اهلل عما ي�شركون(‪).‬ما دام الأمر ما ُذكِر‪ ،‬وما دام ُّ‬ ‫احلق م�شكاته‬ ‫(ال �إله �إال اهلل)‪ ،‬وما دامت دنيا اليوم جت ِّرع امل�سلمني ك�ؤو�س الذل‬ ‫والهزمية واخلذالن‪ ،‬مرير ًة حنظ ً‬ ‫ال ُغ�ص�صا‪ ...‬ما دام احلال هكذا‪،‬‬ ‫ف�إ َّن العودة الكاملة‪ ،‬باملنهج الكامل‪ ،‬واليقني احلقيق‪ ،‬والإميان‬ ‫ال�صادق‪� ...‬إىل ح�صن (ال �إله �إال اهلل) بات �إجرا ًء م�ستعجال‬ ‫عاجال‪ ،‬ف�أيُّ تباط�ؤ �أو تلك�ؤ �سيطيل عمر الأزمة واملحنة �إىل �أمد‪:‬‬ ‫(رب امل�شرق‬ ‫(اهلل ال �إله �إال هو‪ ،‬وعلى اهلل فليتوكل امل�ؤمنون)‪ُّ ،‬‬ ‫واملغرب‪ ،‬ال �إله �إال هو فاتخذه وكيال‬ ‫)على اهلل توكلنا‪ ،‬ح�سبنا اهلل‪ ،‬ونعم الوكيل‪�...‬ألي�ست (ال �إله �إال‬ ‫اهلل) بهذه الأبعاد‪ ،‬وبغريها مما مل ي�سعه املقال‪ ،‬ولن ي�سعه �أيُّ‬

‫خا�صة ٍّ‬ ‫بفن دون �آخ َر‪ ،‬فال هي قاعدة عقدية وكفى‪ ،‬وال هي‬ ‫هي َّ‬ ‫قاعدة فقهية فقط‪ ،‬وال هي قاعدة ح�ضارية لي�س �إ َّال‪� ...‬إمنا هي‬ ‫قاعدة القواعد‪ ،‬و�أ�صل القواعد‪ ،‬و�أ�س القواعد‪( :‬فاعلم �أنه ال �إله‬ ‫�إال اهلل)‪( ،‬هو اهلل الذي ال �إله �إال هو‪ ،‬عامل الغيب وال�شهادة هو‬ ‫الرحمن الرحيم* ‪�).‬ألقيت �سمعي برهة‪ ،‬و�إذا بي �أ�سمع ما حويل‬ ‫يردِّد من�شدا �سمفونية (ال �إله �إال اهلل)‪ :‬تـُمريات على الطاولة‪،‬‬ ‫ك�أ�س ماء مبا حوى‪� ،‬ساعة اليد حول مع�صمي‪ ،‬قلمي الأزرق‬ ‫املزرك�ش‪� ،‬أثاث ال�صالون الأرجواين‪� ،‬أ�ش َّعة ال�شم�س املت�سللة �إىل‬ ‫مقعدي‪ ،‬حممل امل�صحف اخل�شبي‪� ...‬أح�شائي ود َّقات قلبي‪...‬‬ ‫ال�سماء الزرقاء من فوقي‪ ،‬طائر النور�س بعيدًا يباهي ال�سحب‬ ‫املف َّرقة اللطيفة‪...‬هو مهرجان للتهليل والت�سبيح‪ ...‬مل �أ�شهد له‬ ‫مثيل من قبل‪ ...‬ال حرم اهلل منه م�سلما‪...‬‬

‫مقال‪ ،‬حلقيق ِة (‪ ...‬ما نفدت كلمات اهلل)‪� ،‬ألي�ست هي (�أ ُّم القواعد فما كان مني �إ َّال �أن نويتُ ‪ ،‬و�سعيتُ ‪ ،‬ثم التحقتُ بالركب مرتمنا‪:‬‬ ‫الكلية) لفقه احل�ضارة‪ ،‬بل لفقه الوجود‪ ،‬ولفقه املعرفة‪ ،‬ولأيٍّ (ال �إله �إال �أنت‪� ،‬سبحانك‪ ...‬ال �إله �إال �أنت‪� ،‬سبحانك‪ ...‬ال �إله �إال‬ ‫فقه �آخر مما نفقه ومما ال نفقه؟ ولذا �ص َّح �أن نطلق عليها �صفة �أنت‪� ،‬سبحانك �إين كنت من الظاملني‪).‬‬ ‫(�أ ِّم القواعد) دون تخ�صي�ص وال تقييد؛ فـ)ال �إله �إال اهلل) ال‬ ‫تقت�صر على جانب دون �آخر من مك ِّونات احلياة ومقدراتها‪ ،‬وال‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪40‬‬


‫الإ�سالم واحلث‬ ‫ّ‬ ‫علىالتفكر‬ ‫ن�شطت العلوم احلديثة يف الآونة الأخرية يف الدعوة �إىل التفكر‬ ‫واحلث عليه‪ ،‬باعتباره و�سيلة لتن�شيط العقل وا�ستنهاظ طاقاته‬ ‫وبالتايل ا�ستنهاظ الطاقات الب�شرية عموماً‪ ،‬وعُقدت يف �سبيل‬ ‫ذلك امل�ؤمترات ُ‬ ‫وط ّورت املناهج و�أقيمت املدار�س التي تعنى‬ ‫الدكتور علي حجاحجه‬ ‫بذلك الت�صافه باحلداثة ‪ ،‬وكدعوة للتغيري عن م�ألوف احلياة‬ ‫الَ ْلبَابِ ا َّلذِ ين َ َي ْذ ُك ُرو َن اللهَّ َ ِق َيا ًما َو ُق ُعودًا َو َعلَى ُج ُنو ِب ِه ْم‬ ‫االعتيادية والتدري�س التقليدي �إعما ًال للعقل وتن�شيطاً للذهن ِّلأُوليِ ْ أ‬ ‫متهيداً لفتح �آفاق جديدة يح ّلق العقل من خاللها‪.‬‬ ‫َاخلَقْتَ َه َذا بَاطِ لاً‬ ‫الَ ْر ِ�ض َر َّب َنا م َ‬ ‫ال�س َما َواتِ َو ْ أ‬ ‫َو َي َت َف َّك ُرو َن فيِ َخ ْلقِ َّ‬ ‫اب ال َّنا ِر ) ( ال عمران ‪)191 - 190 :‬وجاء يف‬ ‫و�أمام هذا كله‪� ،‬أظن �أنه مل ي�أت �أحد منهم بجديد ب�إعتبار الدعوة ُ�س ْب َحا َن َك َف ِق َنا َع َذ َ‬ ‫مطروحة للجميع �صغاراً وكباراً‪ ،‬رجا ًال ون�سا ًء‪ ،‬متعلمني وغري �سورة عب�س ‪َ ( ،‬ف ْل َي ْن ُظر ِْالإِ ْن ُ‬ ‫�سان �إِلىَ َط َعامِ ه( (عب�س‪ ،)24:‬وكذا‬ ‫م ُخ ِل َق)(الطارق‪)5:‬‬ ‫ِال ْن َ�س ُان مِ َّ‬ ‫متعلمني‪ ،‬على ل�سان اخلالق �سبحانه يف كتابه الكرمي غري مرة‪ ،‬الأمر يف �سورة الطارق‪َ ( ،‬ف ْل َي ْن ُظر ْ إِ‬ ‫ِل َياتٍ ( َوفيِ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَفَلاَ ُت ْب ِ�ص ُرو َن)(�سورةالذاريات‪)21:‬‬ ‫ال�س َما َوات ِ َو ْ أَ‬ ‫ال ْر ِ�ض َو ْاخ ِتلاَ ِف ال َّل ْيلِ َوال َّنهَار َ آ‬ ‫( ِ�إ َّن فيِ َخ ْلقِ َّ‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪41‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫ففي ذلك حث على التفكر الذي يفتح الأبواب �أمام التفكر يف كل يمَ ُ ُّرو َن َعلَ ْيهَا َوهُ ْم َع ْنهَا ُم ْعر ُِ�ضو َن((�سورة يو�سف‪)105 :‬‬ ‫�شيء‪ ،‬يف خلق ال�سماوات والأر�ض وتداور الليل والنهار والطعام‬ ‫‪ -3‬قيام العبد بواجب �شكر ربه على عظيم نعمه‪� ،‬شكر قلبي‬ ‫الذي تناوله ومكوناته وم�صادره وطعمه و�أ�شكاله وفوائده‬ ‫باعرتافه بف�ضل اهلل و�إح�سانه �إليه �سواء كانت هذه النعم يف‬ ‫وكذلك ال�شراب على اختالفه فاملاء واللنب‪ ،‬والع�صائر مهما‬ ‫نف�سه �أو يف الكون عموماً‪ ،‬و�شكر باجلوارح من خالل التقرب‬ ‫اختلفت فهي من ثمار �شتى خمتلفة الأ�شكال والألوان والطعم‬ ‫�إىل اهلل تعاىل ب�أداء الفرائ�ض والعبادات من �صالة و�صيام وحج‬ ‫رغم �أنها نبتت يف ذات الرتبة التي حتتوي على ذات العنا�صر‬ ‫و�صدقة وغريها‪.‬‬ ‫والأمالح واملياه‪ ،‬والذي يعتاد على التف ّكر‪ ،‬ال تكاد متر به معلومة‬ ‫وميح�صها ف ُي�سقِط العديد منها مما ال يقبله ‪ -4‬التفكر‪ ،‬من �صفات العلماء‪ ،‬فمنها يبد�أ التفكري الإبداعي‪،‬‬ ‫�إال ويقف عندها‬ ‫ّ‬ ‫العقل‪� ،‬أو ال يتوافق مع املنطق‪ ،‬في�صدق فيه‪( :‬ل�ست باخلب وال واخلروج عن م�ألوف احلياة االعتيادية �سواء يف جانب احلياة‬ ‫اخلب يخدعني)‪ .‬وهذا ما دفع ذلك ال�صحابي �أن يقول لأ�صحابه‪ :‬االجتماعية �أو الوظيفية‪ ،‬واالخرتاع‪ ،‬وما و�صلت الأمم املتقدمة‬ ‫�أخرجوا بنا �إىل ال�سوق لننظر �إىل الإبل كيف خلقت‪ ،‬مت�أثراً بقول �إىل ما و�صلت �إليه �إال من خالل �إعمال فكر �أبنائها فنجحوا على‬ ‫ال�س َما ِء خمتلف الأ�صعدة االقت�صادية والعلمية والتقنية وال�سيا�سية‬ ‫اهلل تعاىل‪�( :‬أَفَلاَ َي ْن ُظ ُرو َن �إِلىَ ْ إِ‬ ‫البِلِ َك ْي َف ُخ ِل َقتْ * َو�إِلىَ َّ‬ ‫أر�ض َك ْيف َ ُ�سطِ َحتْ ) وغريها‪.‬‬ ‫َك ْيف َ ُر ِف َعتْ * َو�إِلىَ الجْ ِ َبالِ َك ْي َف ُن ِ�ص َبتْ و�إىل ال ِ‬ ‫(�سورةالغا�شية‪)19-18-17:‬‬ ‫‪ -5‬التف ّكر يه ّذب النف�س‪ ،‬ويزيدها توا�ضعاً وثقة‪ ،‬ويرفع �سو ّية‬ ‫و�إذا ما ّ‬ ‫وطن الإن�سان نف�سه على (التف ّكر( جنى �إثر ذلك ثماراً العقل ويزيد ح�صيلته ك ّماً ونوعاً‪ ،‬وي�سعى النا�س �إىل جمال�سة‬ ‫جمال�س له �ضالته‪،‬‬ ‫�صاحبه لينهلوا من معينه‪ ،‬فيجد كل‬ ‫ومناف َع �شتى‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ف�أحاديثه خمتارة ثر ّية بليغة ال مكرورة وال ممجوجة‪.‬‬ ‫‪ - 1‬تزداد معرفة العبد بربه‪ ،‬وعظيم �صنعه‪ ،‬وروعة اتقانه‪،‬‬ ‫و�شمول �إدراكه و�إحاطته‪ ،‬ود ّقة �إدارته لهذا الكون ال�شا�سع بكل كما �أنه يتوجب علينا كمربني وم�س�ؤولني و�آباء �أن نعزز لدى‬ ‫الن�شء ف�ضيلة التفكر من حتفيز الأبناء والطالب واملر�ؤو�سني‬ ‫مكوناته‪.‬‬ ‫وغريهم من �أبناء املجتمع‪ ،‬من خالل �إجراء النقا�شات الهادفة‬ ‫وعليه يزداد قرب العبد من ربه ويعظم اخلوف يف قلبه‪ ،‬وتزداد‬ ‫البناءة‪ ،‬وجل�سات الع�صف الذهني التي ت�ستهدف توليد الأفكار‬ ‫ً‬ ‫ثقته بخالقه‪ ،‬ويهابه يف كل حركاته و�سكناته‪ ،‬في�أتي راغبا كل وا�ستنطاق العقل‪ ،‬حتى ت�ألف النفو�س هذه العبادة وت�صبح نهجاً‬ ‫ما �أمر به �سبحانه‪ ،‬ويجتنب را�ضياً كل ما نهى عنه‪ ،‬وبالتايل‬ ‫و�سلوك حياة‪.‬‬ ‫اال�ستقامة على النهج القومي الذي �أمر اهلل به‪ ،‬وجاء به �سيد‬ ‫اخللق �أجمعني (�أَ َف َمنْ يمَ ْ�شِ ي ُم ِك ًّبا َعلَى َو ْج ِه ِه �أَهْ دَى �أَ َّمنْ يمَ ْ�شِ ي وال بد هنا من الوقوف عند التفريق بني التفكري والتف ّكر‪ ،‬فقد‬ ‫وردت كلمة ف َّكر يف القر�آن الكرمي يف قوله تعاىل ‪�( :‬إنه ف ّكر‬ ‫ِيم ((�سورةامللك‪)22 :‬‬ ‫َ�س ِو ًّيا َعلَى ِ�ص َر ٍ‬ ‫اط م ُْ�س َتق ٍ‬ ‫املعني بالآيات ح�سب جمهوراملف�سرين‬ ‫‪ -2‬زيادة تقوى العبد لربه‪ ،‬وااللتزام بالفرائ�ض والنوافل وقدّر(يف �سورة املدثر ‪ ،‬فك�أن ُ‬ ‫قد�ألقى(بالفكرة) دون متهّل �أوحتليل ولوتف ّكر وت�أمل لعلم‬ ‫الَ ْر ِ�ض َو ْاخ ِتلاَ ِف ال َّل ْيلِ َوال َّنهَار َ آ‬ ‫ال�س َما َوات ِ َو ْ أ‬ ‫ِل َياتٍ‬ ‫(�إِ َّن فيِ َخ ْلقِ َّ‬ ‫�أن فكره لي�س �صائباً‪،‬لهذاكان التف ّكر يف القر�آن الكرمي ولي�س‬ ‫ِّ ألُوليِ ْ أ‬ ‫الَ ْلبَابِ ا َّلذِ ين َ َي ْذ ُك ُرو َن اللهَّ َ ِق َيا ًما َو ُق ُعودًا َو َعلَى ُج ُنو ِب ِه ْم‬ ‫لاً الفكرهو �شرطا النتفاع بالآيات القر�آنية �أوالكونية‪ ،‬وتعني كلمة‬ ‫الَ ْر ِ�ض َر َّب َنا م َ‬ ‫ال�س َما َواتِ َو ْ أ‬ ‫َاخلَقْتَ َه َذا بَاطِ‬ ‫َو َي َت َف َّك ُرو َن فيِ َخ ْلقِ َّ‬ ‫َ (ف ّكر) يف الأمر‪ :‬مبالغة يف َف َك َر‪ ،‬وف ّكر يف امل�شكلة‪� :‬أَعمل عقله فيها‬ ‫اب ال َّنارِ((�سورة �آل عمران‪ ،)191 - 190 :‬وقال‬ ‫ُ�س ْب َحا َن َك َف ِق َنا َع َذ َ‬ ‫ري‪� :‬إعمال العقل يف م�شكلة‬ ‫ّ‬ ‫ليتو�ص َل �إىل ح ّلها‪ .‬فهو مف ّكر‪ .‬وال ّتفك ُ‬ ‫َ َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ َِ�ص َّلى اللهَّ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم‪� :‬إِ َّن اللهَّ َ َقا َل َمنْ عَادَى ليِ َو ِل ًّيا‬ ‫للتو�صل �إىل ح ّلها‪ ،‬والفك ُر‪� :‬إعمال العقل يف املعلوم للو�صول �إىل‬ ‫َف َق ْد �آ َذ ْن ُت ُه ِبالحْ َ ْرب ِ َومَا َت َق َّرب َ �إِليَ َّ َع ْبدِ ي ب َِ�ش ْي ٍء �أَ َح َّب �إِليَ َّ ممِ َّ ا‬ ‫معرفة املجهول‪ ( .‬املعجم الو�سيط )(‪)2-1‬‬ ‫ا ْفترَ َ ْ�ضتُ َعلَ ْي ِه َومَا َي َز ُال َع ْبدِ ي َي َت َق َّرب ُ ِ�إليَ َّ بِال َّن َوافِلِ َح َّتى �أُحِ َّب ُه‬ ‫َف�إِ َذا�أَ ْح َب ْب ُت ُه ُك ْنت ُ َ�س ْم َع ُه ا َّلذِ ي َي ْ�س َمع ُ ِبهِ‪()....‬البخاري عن �أبي واهلل �أ�س�أل �أن يجعلني و�إياكم ممن يعبدون اهلل حق عبادته‪،‬‬ ‫وي�شكرونه بقلوبهم وجوارحهم على �آالئه التي ال تعد وال حت�صى‪،‬‬ ‫هريرة)‬ ‫�إنه ويل ذلك والقادر عليه‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬ ‫التف ّكر عبادة قلبية يتق ّرب بها العبد خلالقه‪ ،‬ف�أمر اهلل عباده بها‪،‬‬ ‫الَ ْر ِ�ض‬ ‫ال�س َما َواتِ َو ْ أ‬ ‫وذ ّم من تركها وغفل عنها ( َو َك�أَ ِّينْ مِ نْ �آ َي ٍة فيِ َّ‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪42‬‬


‫درا�سات الو�سطية‬

‫الدكتور �أحمد ال�سعدي‬

‫الهدي النبوي يف التعامل مع الأزمات‬ ‫جعل اهلل احلياة ذات وجهني ‪ٌ ،‬ت ْق ِب ُل حيناً و ُتد ِب ُر حينا ‪ ،‬ومن عملي منه �صلى اهلل عليه و �س َّلم للتوجيهات القر�آنية النظر َّية ‪،‬‬ ‫�إدبارها ما يلقاه الإن�سان من م�صائب وما يقع فيه من �أزمات ‪� ،‬أي للكت ِّيب املع ِّرف الذي �أنزله ال�صانع ج َّل و عال‪.‬‬ ‫غري �أ َّنه �سبحانه مِ ن عد ِل ِه و رحمتِه َخلَ َق الإن�سا َن و ز َّوده بفطر ٍة كلنا يعلم حادثة الإفك ‪ ،‬و هي �أزمة �شديدة �أ�صابت بيت النبوة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫�سليمة ‪ ،‬ثم �أنزله له كتابا هاديا ور�سوال يبني غاياته و ما خفي و لعلي �أقف �سريعاً على �أهم �أحداثها ‪ ،‬فقد كانت ال�سيدة عائ�شة‬ ‫منه ‪ .‬فالعاقل ك َّلما واجهته م�شكلة رجع �إىل ال�صانع و ما ب َّينه يف مع ر�سول اهلل يف غزوة غزاها ‪ ،‬فلما �أراد العودة كانت يف حاجتها‬ ‫كتابه ‪ ،‬وعاد �إىل اخلبري و ما �شرحه من بيانه‪.‬‬ ‫‪ ،‬ثم فقدت عِ ْقدَها ‪ ،‬فبحثت عنه‪ ،‬فلما عادت وجدت القوم قد‬ ‫و �إذا كانت الأزمة يف اللغة هي ال�شدَّة و ال�ضيق ‪ ،‬ف�إ َّن معناها �ساروا ‪ ،‬فانتظرت �أن يفقدوها فريجعوا �إليها فغلبتها عينها و‬ ‫ال�سلَمِ ُّي َق ْد َع َّر َ�س مِ نْ‬ ‫اال�صطالحي يف علم الإدارة يخ�ص�صها ملفهوم �أ�ضيق ‪ ،‬وهو نامت ‪ ،‬قالت ‪َ ( :‬و َكا َن َ�ص ْف َو ُان ْب ُن المْ ُ َع َّطلِ ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما نحاول هنا احلديث فيه ‪ ،‬لكن �سنحدد املفهوم ب�شكل �أكرث َو َرا ِء الجْ َ ْي ِ�ش ‪ ،‬فا َّدل َج ف�أ ْ�ص َب َح عِ ْن َد َم ْن ِزليِ ‪ ،‬ف َر�أى َ�س َوا َد ِ�إ ْن َ�سانٍ‬ ‫ِا�سترِ ْ َجاعِ ِه حِ َ‬ ‫و�ضوحاً ‪ ،‬فالأزمة التي نعنيها هي حالة يواجهها �صاحب القرار َنائ ٍِم ‪َ ،‬ف�أَ َتانيِ َف َع َر َفنِي حِ َ‬ ‫ني‬ ‫ا�س َت ْي َق ْظتُ ب ْ‬ ‫ني َر�آنيِ ‪َ ،‬ف ْ‬ ‫( يف بلد �أو م�ؤ�س�سة �أو جماعة �أو �أ�سرة ‪ ( ..‬تتعقد فيها الأمور َع َر َفنِي ‪َ ،‬ف َخ َّم ْر ُت َو ْجهِي بِجِ ْل َبابِي ‪َ ،‬و َواللهَّ ِ مَا ُي َك ِّل ُمنِي َك ِل َم ًة َو اَل‬ ‫ب�شكل مفاجئ ‪ ،‬فيفقد معها القدرة على ال�سيطرة عليها �أو على َ�سمِ ْعتُ مِ ْن ُه َك ِل َم ًة َغيرْ َ ْا�سترِ ْ َجاعِ ِه ‪َ ،‬ح َّتى �أَ َنا َخ َراحِ لَ َت ُه ‪َ ،‬فوَطِ َئ َعلَى‬ ‫نتائجها امل�ستقبلية ‪� .‬أي �أ َّن الأزمة حلظة حرجة يواجهها �صاحب يَدِ هَا ‪َ ،‬ف َر ِك ْب ُتهَا ‪َ ،‬فا ْن َطلَ َق َي ُقو ُد ب َِي ال َّراحِ لَ َة َح َّتى �أَ َت ْي َنا الجْ َ ْي َ�ش ‪،‬‬ ‫القرار ‪ ،‬ي�صعب عليه اتخاذ قرار حيالها على النحو املعتاد ‪ ،‬و َف َهلَ َك َمنْ َهلَ َك فيِ َ�ش�أْنيِ ‪َ ،‬و َكا َن ا َّلذِ ي َت َولىَّ ِكبرْ َ ُه َع ْب ُد اللهَّ ِ ْب ُن �أُ َب ٍّي‬ ‫ت�ضعه يف م�أزق القدرة على االختيار و احل�سم يف القرارات ‪ .‬و ا ْب ُن َ�س ُلو َل ‪َ ،‬ف َقدِ ْم َنا المْ َدِ ي َن َة َف ْ‬ ‫ا�ش َت َك ْيتُ حِ َ‬ ‫ني َقدِ ْم َنا المْ َدِ ي َن َة َ�ش ْه ًرا‬ ‫ا�س ُيف ُ‬ ‫ال ْفكِ َو اَل �أَ ْ�ش ُع ُر ب َِ�ش ْي ٍء مِ نْ َذل َِك ‪،‬‬ ‫ِي�ضو َن فيِ َق ْولِ �أَهْ لِ ِْ إ‬ ‫هذا امل�أزق ي�ضغط عليه ب�شدة التخاذ قرار يخ ِّفف عنه ال�ضغوط َوال َّن ُ‬ ‫َوهُ َو َيرِي ُبنِي فيِ َو َجعِي �أَنيِّ اَل �أَ ْعر ُِف مِ نْ َر ُ�سولِ اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه‬ ‫النف�سية الناجمة عن وجود هذه احلالة املقلقة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لن نطيل يف احلديث العلمي على طريقة املتخ�ص�صني يف علم َو َ�س َّل َم ال ُّل ْط َف ا َّلذِ ي ُكنْتُ �أ َرى مِ ْن ُه حِ َ‬ ‫ني �أ ْ�ش َتكِي‪(.‬‬ ‫الإدارة و معاجلة الأزمات ‪ .‬لكن و ب�سبب ما ح َّل ببلدنا احلبيب ثم �إنها ـ ر�ضي اهلل عنها ـ علمت مبا ا َّتهمها به املنافق عبد اهلل بن‬ ‫�سوريا ‪ ،‬و ما تواىل عليها من م�شكالت ناجمة عن �أزمة مل يعرف �أبي بن �سلول من الزنا مع �صفوان ر�ضي اهلل عنه فا�ست�أ َذ َنتْ ر�سو َل‬ ‫أتي �أهلَها فلما حتدَّثت مع �أمها علمت بانت�شار اخلرب‬ ‫العالمَ املعا�صر لها نظرياً ‪ ،‬ف�إنني �س�أ�ستعجل احلديث عن موقف ا ِ‬ ‫هلل �أن ت� َ‬ ‫النبي الهادي يف مواجهة الأزمات ‪� ،‬إذ الأزمة طارئ ينتاب ال�صنعة بني النا�س فق�ضت ليل َتها باكي ًة ‪ ،‬قالت ‪َ ( :‬و َدعَا َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫اللهَّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َعل َِّي ْب َن �أبِي َطالِبٍ َو�أ َ�سا َم َة ْب َن َز ْيدٍ حِ َ‬ ‫ني ْا�س َت ْل َب َث‬ ‫‪ ،‬و النبي �صلى اهلل عليه و �س َّلم هو اخلبري املر�سل من عند‬ ‫ريهُ َما فيِ ِف َراقِ �أَهْ ِل ِه ‪َ ،‬ف َ�أ َّما �أُ َ�سا َم ُة ْب ُن َز ْيدٍ َف�أَ َ�شا َر‬ ‫ال�صانع ‪ ،‬و مِ ن َث َّم �س�أختار موقفني من مواقفه �صلى اهلل عليه و ا ْل َو ْح ُي َي ْ�س َت�شِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫اللهَّ‬ ‫َ‬ ‫خا�صة ‪ ،‬و الثاين يواجه فيه �أزم ًة َعلَى َر ُ�سولِ اللهَّ ِ َ�ص َّلى َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم بِا َّلذِ ي َي ْعلَ ُم مِ نْ َب َرا َء ِة �أهْ ِل ِه ‪،‬‬ ‫�س َّلم �أحدهما يواجه فيه �أزمة َّ‬ ‫عا َّمة ؛ لأبينِّ من خاللهما خربته يف التعامل مع هذا الطارئ ‪َ ،‬وبِا َّلذِ ي َي ْعلَ ُم فيِ َن ْف�سِ ِه َل ُه ْم مِ نْ ا ْل ُو ِّد ‪َ ،‬ف َقا َل ‪َ :‬يا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ هُ ْم �أَهْ ُل َك‬ ‫لتكون هذه اخلربة هي املر�شد لنا جتاه ما نواجه من الأحداث َو اَل َن ْعلَ ُم ِ�إ اَّل َخيرْ ً ا ‪َ .‬و�أَ َّما َعل ُِّي ْب ُن �أَبِي َطالِبٍ َف َقا َل ‪ :‬لمَ ْ ُي َ�ض ِّي ْق اللهَّ ُ‬ ‫ري ‪َ ،‬و�إِ ْن َت ْ�س�أَ ْل الجْ َ ا ِر َي َة َت ْ�ص ُد ْق َك ‪َ .‬قا َلتْ‬ ‫اجل�سام التي تتج َّلى يف �أزمتنا التي طال عمرها و ازدادت على َعلَ ْي َك ‪َ ،‬وال ِّن َ�سا ُء �سِ َواهَا َك ِث ٌ‬ ‫النا�س �سلب َّياتها ‪ .‬علماً ب�أ َّن املوقفني ـ كما �سرنى ـ �إمنا هما تنفيذ ‪َ :‬ف َدعَا َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َبرِي َر َة ‪َ ،‬ف َقا َل ‪�( :‬أَيْ َبرِي َر ُة‬ ‫ه َْل َر�أَ ْيتِ مِ نْ َ�ش ْي ٍء َيرِي ُبكِ مِ نْ عَائ َِ�ش َة) ؟ َقا َلتْ َل ُه َبرِي َر ُة ‪َ :‬وا َّلذِ ي‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪43‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫َب َع َث َك ِبالحْ َ ِّق �إِ ْن َر�أَ ْيتُ َعلَ ْيهَا �أَ ْم ًرا َق ُّط �أَ ْغمِ ُ�ص ُه َعلَ ْيهَا �أَكْثرَ َ مِ نْ َ�أ َّنهَا مبا�شرة بها ‪ ،‬لكنَّ‬ ‫النبي الكرمي ا�ست�شارهم ملا يعرف من خربتهم‬ ‫َّ‬ ‫ني �أَهْ ِلهَا ‪َ ،‬ف َت�أْتِي الدَّاجِ ُن َف َت أ�ْ ُك ُلهُ‪ .‬يف التعامل مع مثل هذه الأزمات �أو لقربهم من طريف العالقة‬ ‫ال�س ِّن ‪َ ،‬ت َنا ُم َعنْ عَجِ ِ‬ ‫َجا ِر َي ٌة َحدِ ي َث ُة ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ا�س َت ْع َذ َر مِ نْ فيها‪.‬‬ ‫اللهَّ‬ ‫َف َقا َم َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َعلَى المْ ِ ْنبرَ ِ ‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َع ْبدِ اللهَّ ِ ْب ِن �أُ َب ٍّي ْب ِن َ�س ُلو َل ‪َ ،‬ف َقا َل َر ُ�س ُ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم و�إىل جانب هذه اال�ستعانة كانت ال�شورى حا�ضرة عند تع ُّلق هذه‬ ‫ َوهُ َو َعلَى المْ ِ ْنبرَ ِ ‪َ (:-‬يا َم ْع َ�ش َر المْ ُ ْ�سلِمِ َ‬‫ني ‪َ ،‬منْ َي ْعذِ ُرنيِ مِ نْ َر ُجلٍ الأزمة بال�ش�أن العام ‪ ،‬فقد �أ�شار ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �س َّلم‬ ‫َق ْد َبلَ َغ �أَ َذا ُه فيِ �أَهْ لِ َب ْيتِي؟ َف َواللهَّ ِ مَا َع ِل ْمتُ َعلَى �أَهْ لِي �إِ اَّل َخيرْ ً ا ‪� ،‬إىل الرجل الذي �أ�ساء لأهله ‪ ،‬و بينَّ �أ َّنه لن يحكم فيه حكماً ال‬ ‫َو َل َق ْد َذ َك ُروا َر ُجلاً مَا َع ِل ْمتُ َعلَ ْي ِه �إِ اَّل َخيرْ ً ا ‪َ ،‬ومَا َكا َن َيد ُْخ ُل َعلَى يكون امل�سلمون م�ؤيدين له ‪ ،‬فالطبيعة اال�ستبدادية عاجزة متاماً‬ ‫�أَهْ لِي �إِ اَّل َمعِي) ‪َ .‬ف َقا َم َ�س ْع ُد ْب ُن ُم َعا ٍذ َْ أ‬ ‫ال ْن َ�صارِيُّ َف َقا َل ‪� :‬أَ َنا �أَ ْعذِ ُر َك عن التعامل مع الأزمة ‪ ،‬و �إنمَّ ا ُّ‬ ‫حتل الأزمات بالتعاون و الت�شاور‬ ‫مِ ْن ُه َيا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ ‪� ،‬إِ ْن َكا َن مِ نْ ْالأَ ْو ِ�س َ�ض َر ْب َنا ُع ُن َق ُه ‪َ ،‬و ِ�إ ْن َكا َن مِ نْ و عدم اال�ستبداد بالر�أي �أو االعتداد بالق َّوة على ح�ساب الفكر‪.‬‬ ‫�إِ ْخ َوا ِن َنا الخْ َ ْز َر ِج �أَ َم ْر َت َنا َف َف َع ْل َنا �أَ ْم َر َك ‪َ .‬ف َقام �سع ُد ب ُن عباد َة ‪-‬وهُ و‬ ‫َ َ ْ ْ ُ َ َ َ َ ومع �أ َّن الأزمة كان و ْق ُعها �شديداً ‪� ،‬إال �أ َّنه �صلى اهلل عليه و �س َّلم‬ ‫اج َت َهلَ ْت ُه الحْ َ مِ َّي ُة – َف َقا َل‬ ‫َ�س ِّي ُد الخْ َ ْز َر ِج ‪َ ،‬و َكا َن َر ُجلاً َ�صالحِ ً ا ‪َ ،‬و َلكِنْ ْ‬ ‫مل يخرج عن طبيعته املتوازنة ‪� ،‬سعى ملحاولة �إدارة الأزمة ثم‬ ‫ل َِ�س ْعدِ ْب ِن ُم َعا ٍذ ‪َ :‬ك َذ ْبتَ َل َع ْم ُر اللهَّ ِ ‪ ،‬اَل َت ْق ُت ُل ُه َو اَل َت ْقدِ ُر َعلَى َق ْت ِل ِه ‪.‬‬ ‫جتاوزها و الق�ضاء على �آثارها ‪ ،‬كل ذلك بالهدوء و احلكمة ‪،‬‬ ‫َف َقا َم �أُ َ�س ْي ُد ْب ُن ُح َ�ضيرْ ٍ ‪َ -‬وهُ َو ا ْب ُن َع ِّم َ�س ْعدِ ْب ِن ُم َعا ٍذ – َف َقا َل لِ�سعدِ‬ ‫َ ْ و من �أخطر ما يواجه �صاحب القرار عند ح�صول الأزمة عدم‬ ‫ْب ِن ُع َبا َد َة ‪َ :‬ك َذ ْبتَ َل َع ْم ُر اللهَّ ِ ‪َ ،‬ل َن ْق ُتلَ َّن ُه ‪َ ،‬ف�إِ َّن َك ُم َناف ٌِق تجُ َ اد ُِل عنْ‬ ‫َ قدرته على �ضبط م�شاعره و ت�صرفاته ‪ ،‬لكنَّ النبي �صلى اهلل‬ ‫المْ ُ َنا ِف ِق َ‬ ‫الَ ْو ُ�س َوالخْ َ ْز َر ُج َح َّتى ه َُّموا �أَ ْن َي ْق َت ِت ُلوا‬ ‫ني ‪َ .‬ف َثا َر الحْ َ َّيانِ ْ أ‬ ‫عليه و �س َّلم مل ُيخبرِ ال�سيدة عائ�شة بامل�شكلة طيلة �إقامتها عنده‬ ‫ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َقا ِئ ٌم َعلَى المْ ِ ْنبرَ ِ ‪َ ،‬فلَ ْم َي َز ْل َر ُ�س ُ‬ ‫َو َر ُ�س ُ‬ ‫ول‬ ‫‪ ،‬غاية ما كان منه تغيرُّ ٌ يف ظاهر معامالته ي�شري �إىل وجود‬ ‫ُ‬ ‫اللهَّ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم ُي َخ ِّف ُ�ض ُه ْم َح َّتى َ�س َك ُتوا َو َ�س َكتَ ‪ ،‬وب َكيتُ‬ ‫اللهَّ ِ َ�ص َّلى‬ ‫َ َ ْ م�شكلة ما دون �أن يف�صح عن حجمها و خطورتها ‪ ،‬فك�أ َّنه ُيع ِّلم‬ ‫َي ْومِ ي َذل َِك اَل َي ْر َق�أُ ليِ د َْم ٌع َو اَل �أَ ْك َتحِ ُل ِب َن ْو ٍم … ثم جاءها ر�س ُ‬ ‫ول‬ ‫َ ُ َ النا�س يف الأزمات �أن ي�ضبطوا �أع�صابهم قدر ا�ستطاعتهم ‪ ،‬و �أن‬ ‫اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم ‪َ ،‬ف َ�س َّل َم ُث َّم َجلَ َ�س ‪َ ،‬ف َت َ�ش َّه َد ُث َّم َقا َل ‪�( :‬أما‬ ‫خمطط لها‪.‬‬ ‫َّ يحذروا من ردات الفعل التي تكون ارجتال َّية و غري‬ ‫ٍ‬ ‫َب ْع ُد َيا عَائ َِ�ش ُة ؛ َف ِ�إ َّن ُه َق ْد َبلَ َغنِي َع ْنكِ َك َذا َو َك َذا ‪َ ،‬ف ِ�إ ْن ُك ْنتِ َبرِي َئ ًة‬ ‫ا�س َت ْغ ِفرِي اللهَّ َ َو ُتوبِي �إِ َل ْي ِه و�إنمَّ ا منبع �ضبط الأع�صاب تربية النف�س على ال�صرب ‪ ،‬و عدم‬ ‫َف َ�سيُبرَ ِّ ُئكِ اللهَّ ُ ‪َ ،‬و�إِ ْن ُك ْنتِ �أَلمْ َ ْمتِ ِب َذ ْنبٍ َف ْ‬ ‫اب اللهَّ ُ َعلَ ْيهِ) … فقالت التعجل يف احلكم �أو ال َّت�ص ُّرف ‪ ،‬فال�صرب مفتاح الفرج ‪ ،‬و قد انتظر‬ ‫اب َت َ‬ ‫؛ َف�إِ َّن ا ْل َع ْب َد �إِ َذا ْاعترَ َ َف ِب َذ ْنبٍ ُث َّم َت َ‬ ‫ر�ضي اهلل عنها ‪� :‬إِنيِّ َواللهَّ ِ َل َق ْد َع َر ْفتُ �أَ َّن ُك ْم َق ْد َ�سمِ ْع ُت ْم ِب َه َذا َح َّتى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فرتة ـ مع كونها فرتة ع�صيبة ـ‬ ‫ْا�س َت َق َّر فيِ ُن ُفو�سِ ُك ْم ‪َ ،‬و َ�ص َّد ْق ُت ْم ِبهِ‪َ ،‬ف�إِ ْن ُق ْلتُ َل ُك ْم �إِنيِّ َبرِي َئ ٌة ‪َ -‬واللهَّ ُ نزول الوحي �أو فرجاً �إله َّياً ـ كما �أ�شارت ال�سيدة عائ�شة يف احلديث‬ ‫َي ْعلَ ُم �أَنيِّ َبرِي َئ ٌة – اَل ُت َ�ص ِّد ُقونيِ ِب َذل َِك ‪َ ،‬و َلئِنْ ْاعترَ َ ْفتُ َل ُك ْم ِب�أَ ْمرٍ ـ ‪ ،‬وعندما طال انتظاره ا�ست�شار و ا�ستعان ‪ ،‬و لك َّنه مع ا�ست�شارته و‬ ‫ َواللهَّ ُ َي ْعلَ ُم �أَنيِّ َبرِي َئ ٌة – َل ُت َ�ص ِّد ُقو َننِي ‪َ ،‬و�إِنيِّ َواللهَّ ِ مَا �أَجِ ُد ليِ ما �أ�شري به عليه مل ي�ستعجل القرار ‪ ،‬فقد كانت الت�ؤدة و الرت ُّيث‬‫يل َواللهَّ ُ المْ ُ ْ�س َت َع ُان وتقليب الأمر �سمة بارزة يف تعامله مع الأزمة مع طبيعة الظرف‬ ‫و�س َف ‪َ ( :‬ف َ�صبرْ ٌ َجمِ ٌ‬ ‫َو َل ُك ْم َم َثلاً �إِ اَّل َك َما َقا َل �أَ ُبو ُي ُ‬ ‫َعلَى مَا َت ِ�ص ُفو َن ( ‪ .‬ثم نزل الوحي برباءتها ف َقا َل �صلى اهلل عليه ـ من جانب ـ و النظرة االجتماع َّية املعروفة �آنذاك ـ من جانب‬ ‫�آخر ‪ .‬فقد جاءت فر�صة لأعداء الإ�سالم لي�ستغلوها يف الطعن يف‬ ‫و �س َّلم ‪�(:‬أَ ْب�شِ رِي َيا عَائ َِ�ش ُة ‪� ،‬أَ َّما اللهَّ ُ َف َق ْد َب َّر�أَكِ ) ‪ .‬احلديث…‬ ‫عر�ض ر�سول اهلل و الكالم يف طهارة �أهله لكنَّ ال�صرب كان �سالحه‬ ‫وقد �سردت هذا القدر من احلديث ؛ لرنى كيف تعامل ُ‬ ‫ر�سول اهلل‬ ‫الناجع �صلى اهلل عليه و �س َّلم يف مواجهتهم‪.‬‬ ‫مع هذه الأزمة التي �أ�صابت �أ�سرته ‪ ،‬و�أحدثت �أزم ًة على م�ستوى‬ ‫حيث كادت �أن تثري فتنة بني الأن�صار �أنف�سِ هم ‪ .‬وما ويف قوله تعاىل ‪ ) :‬ال حت�سبوه �ش َّراً لكم بل هو خري لكم ) تعقيباً‬ ‫املجتمع ك ِّله ُ‬ ‫الو�سائل التي ا َّتبعها �إ َّبان الأزمة ريثما �أزاح البيان الإلهي هذه على احلادثة دليل على موقف �إ�سالمي ثابت جتاه الأزمات ‪،‬‬ ‫الغ َّمة ‪ .‬و لع َّل �أول خطوة ظهرت يف تعامله �صلى اهلل عليه و فاملحنة تنطوي يف داخلها على منحة ‪ ،‬و الأزمة در�س و عربة ‪،‬‬ ‫�س َّلم مع هذه الأزمة ا�ست�شارته لأ�صحابه ‪� ،‬أو ما ميكن �أن نعبرِّ و العامة يقولون ‪ :‬ما �أ�صابك فلم يك�سر ظهرك يكون ق َّوة لك‪.‬‬ ‫عنه بـ‪ ) :‬اال�ستعانة بذوي اخلربة ) ‪ ،‬و هذا �شيء خمتلف متاماً �أزمة �أخرى واجهها �صلوات اهلل و �سالماته عليه ‪ ،‬لكن ذات طبيعة‬ ‫عن ال�شورى �أو ما ي�س َّمى اليوم بالدميقراطية ‪ ،‬ذلك �أ َّن امل�س�ألة خمتلفة ‪� ،‬إذ كانت �أزمة متع ِّلقة بال�ش�أن العام ‪ ،‬و فيها احلاجة‬ ‫يف �أ�سا�سها م�س�ألة َّ‬ ‫خا�صة مل يكن له�ؤالء ال�صحابة �أي عالقة �إىل ال�سيا�سة و �إدارة ال�صراع و التعامل مع عدو اخلارج ‪ ،‬و قد‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪44‬‬


‫َّ‬ ‫تخطاها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �س َّلم بحكمته كما هو �ش�أنه‬ ‫اخلا�صة ففي غزوة اخلندق حو�صر امل�سلمون من كل‬ ‫مع الأزمة‬ ‫َّ‬ ‫ني ِب َّلة ن ْق ُ‬ ‫مكان ‪ ،‬و زاد الط َ‬ ‫�ض اليهود لعهدهم مع امل�سلمني ‪ ،‬فغدا‬ ‫امل�سلمون حما�صرين من الداخل و اخلارج‪.‬‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و �س َّلم بالتفكري يف املخارج من هذه‬ ‫هنا بد�أ ُّ‬ ‫الأزمة التي �أحدقت بامل�سلمني و كانت ـ لوال عناية اهلل ـ ميكن �أن‬ ‫ت�ست�أ�صل �ش�أفتهم ‪ .‬فاقرتح ح ً‬ ‫ال �سيا�سياً يفاو�ض به بع�ض َمنْ‬ ‫حا�صروا امل�سلمني ‪ ،‬لريدَّهم عن ت�ألبهم مع غريهم من العرب ‪ ،‬ثم‬ ‫ا�ست�شار �أ�صحابه يف ذلك ‪� ،‬إذ بعث �إىل عيينة بن ح�صن‪ ،‬واحلارث‬ ‫بن عوف املري‪ ،‬وهما قائدا غطفان‪ ،‬و�أعطاهما ثلث ثمار املدينة‬ ‫على �أن يرجعا مبن معهما عنه وعن �أ�صحابه ‪ ،‬فلما �أراد ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم �أن يفعل ذلك بعث �إىل ال�سعدين فذكر لهما‬ ‫ذلك وا�ست�شارهما فيه‪ ،‬فقاال‪ :‬يا ر�سول اهلل �أم ًرا حتبه فن�صنعه ‪،‬‬ ‫�أم �شي ًئا �أمرك اهلل به ال بد لنا من العمل به‪� ،‬أم �شي ًئا ت�صنعه لنا؟‬ ‫فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪ :‬بل �شيء �أ�صنعه لكم‪ ،‬واهلل ما‬ ‫�أ�صنع ذلك �إال لأين ر�أيت العرب رمتكم عن قو�س واحدة‪،‬‬ ‫وكالبوكم من كل جانب‪ ،‬ف�أردت �أن �أك�سر عنكم من �شوكتهم‪.‬‬ ‫فقال له �سعد بن معاذ‪ :‬يا ر�سول اهلل قد كنا وه�ؤالء على ال�شرك‬ ‫باهلل وعبادة الأوثان ال نعبد اهلل‪ ،‬وال نعرفه‪ ،‬وهم ال يطمعون‬ ‫�أن ي�أكلوا منها ثمرة واحدة �إال قِرى �أو بي ًعا‪� ،‬أفحني �أكرمنا اهلل‬ ‫بالإ�سالم‪ ،‬وهدانا له‪ ،‬و�أعزنا بك‪ ،‬وبه‪ ،‬نعطيهم �أموالنا؟ ما لنا‬ ‫بهذا من حاجة واهلل ال نعطيهم �إال ال�سيف حتى يحكم بيننا‬ ‫وبينهم ‪ .‬فقال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪� :‬أنت وذاك‪.‬‬

‫من الأخطاء خاللها ‪ .‬لذا جنده ير�سل اثنني من قادة الأن�صار‬ ‫لي�ستطلعوا اخلرب و يو�صيهما قائ ً‬ ‫ال ‪�( :‬إن علمتما خرياً ف�أذيعا)‬ ‫�أي‪� :‬إن كان الأمر �أن القوم على عهدهم فان�شروا ذلك بني النا�س‬ ‫؛ لتثبت القلوب‪( ،‬و�إن كان غري ذلك؛ فاحلنوا يل حلناً ال يعرفه‬ ‫غريي( �أي‪ :‬قولوا قو ًال لي�س �صريحاً ال يفقهه �سواي؛ حتى ال‬ ‫ينت�شر اخلرب فيكون فا َّتاً يف ع�ضد الأ َّمة‪ ،‬فلما ت�أكدوا من غدرهم‬ ‫�أ�س ُّروا لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �س َّلم ‪ ،‬فقال‪�( :‬أب�شروا‪ ،‬اهلل‬ ‫�أكرب!)فكان ذلك رفعاً ملعنويات امل�سلمني على الرغم من الأخطار‬ ‫املحدقة بهم‪.‬‬ ‫إعالمي مهم جداً يف التعامل مع‬ ‫�إ َّن هذا التعام َل مع الأداء ال‬ ‫ِّ‬ ‫الأزمات ال �سيما العا َّمة منها ‪ ،‬فالأخبار التي تقوي العزمية و‬ ‫ت�شحذ الهمم يجب �أن تن�شر بني النا�س بكل و�سيلة ممكنة ‪ ،‬دون‬ ‫�أن يكون فيها كذب �أو اختالق ‪� ،‬أ َّما ما يبعث على القنوط فال‬ ‫ينبغي ن�شره ‪ ،‬بل على العك�س ينبغي �أن يقوم الإعالم بالتخفيف‬ ‫من �أثره �إن كان قد ت�س َّرب �إىل بع�ض النا�س ‪ .‬و هذا ُّ‬ ‫يدل على‬ ‫وجوب مت ُّكن �صاحب القرار �أيام الأزمات من التح ُّكم بالإعالم‬ ‫و�إدارة �أدواته قدر امل�ستطاع ‪� ،‬أو على الأقل حماولة الت�أثري فيه‬ ‫ل�صاحله دون �أن ُيغيرِّ من احلقائق �أو يكذب على النا�س ‪ .‬ومن‬ ‫هنا جاء البيان القر�آين ناهياً عن ن�شر الأخبار التي ت�ؤثر على‬ ‫نف�سية الأمة ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ ( :‬و�إِ َذا َجاءَهُ ْم �أَ ْم ٌر مِ َن الأَ ْم ِن َ�أ ِو الخْ َ ْو ِف‬ ‫�أَ َذاعُوا ِب ِه َو َل ْو َردُّو ُه ِ�إلىَ ال َّر ُ�سولِ َو ِ�إلىَ �أُ ْوليِ الأَ ْم ِر مِ ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين َي ْ�س َت ْن ِب ُطو َن ُه مِ ْن ُه ْم )‪.‬‬

‫هذه بع�ض معامل التعامل النبوي مع الأزمات ‪ ،‬و املواقف التي‬ ‫لقد كانت اخلطوة الأوىل حماولة التخفيف من �أثر الأزمة على ذكرتها مازال فيها ما ميكن �أن ي�ستفاد منه ‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال عن غريها‬ ‫امل�سلمني ‪ ،‬ثم تال ذلك ال�شورى ‪ ،‬و هي هنا �ألزم منها هناك ( �أي من املواقف ‪ ،‬لكن ح�سبنا ـ و املقام ي�ضيق عن الإطالة ـ ما تقدَّم ‪ ،‬و‬ ‫يف الأزمات‬ ‫َّ‬ ‫اخلا�صة التي ال تت�صل ب�سبب مبا�شرٍ بال�ش�أن العام ) ‪ ،‬اهلل يقول احل َّق و هو يهدي ال�سبيل‪.‬‬ ‫و مل يرتدد �صلى اهلل عليه و �س َّلم حلظة يف اال�ستجابة لل�شورى‪ ،‬و‬ ‫�أن يرتاجع ع َّما �شرع فيه فمق�صود احلاكم العدل م�صلحة الأمة‬ ‫‪ ،‬ف�إن ر�أى اجتهاده ال يحقق م�صلحتها فال يتوانى حلظة عن‬ ‫اال�ستجابة ملا ي�شري به عليه حكما�ؤها‪.‬‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و �س َّلم نق�ض يهود بني قريظة‬ ‫وحني بلغ َّ‬ ‫لعهدهم معه ‪ ،‬و حتالفهم مع العرب الذين حا�صروا املدينة ‪،‬‬ ‫�أعطى درو�ساً مهمة يف التعامل مع الأزمات حال احتدامها ‪،‬‬ ‫فلم يقبل اخلرب على عواهنه‪ ،‬بل �أراد �أن يتث َّبت من الأمر �أو ًال‬ ‫‪ ،‬و هنا تربز حكمته يف التعامل الهادئ مع الأزمات ‪ ،‬فالتث ُّبت‬ ‫من الأخبار ‪ ،‬و التعامل معها وفق القواعد الالزمة يف التحقق‬ ‫منها �شرط مهم لنجاح التعامل مع الأزمة و حماولة التقليل‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪45‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫دور اال�ستح�سان يف اختيار‬ ‫احلاكم‬ ‫�إن من املالحظ يف الع�صور املت�أخرة ‪� ،‬أن طريقة اختيار احلاكم‬ ‫رغم خطورتها و�أهميتها تتم بطريقة غري �شرعية يف �أغلب‬ ‫البالد الإ�سالمية‪� ،‬إما عن طريق التوريث �أو عن طريق القهر‬ ‫والغلبة من خالل االنقالبات الع�سكرية ‪� ،‬أو ما ي�سمى بالطريقة‬ ‫الدميقراطية من خالل االنتخابات ‪ ،‬والأخرية هذه عدها كثري‬ ‫من العلماء املعا�صرين ‪� ،‬أنها طريقة غري �شرعية ‪ ,‬ملا ي�شوبها من‬ ‫تزوير وتالعب ‪ ،‬وتف�ضي يف بع�ض الأحيان �إىل قتل النا�س ‪ ،‬فال‬ ‫ت�أتي بالثمار املرجوة منها ‪ ,‬فينتخب النا�س َمنْ هو غري ُكف ٍء‬ ‫لهذا املن�صب العظيم ‪ ,‬ملا ميتلك من قوة ت�أثري يف جمتمعه ‪� ،‬أما‬ ‫ب�أمواله ‪� ،‬أو �سلطته ‪� ،‬أو عالقاته ‪� ،‬أو طائفته �أو حزبه فيو�سد‬ ‫الأمر �إىل غري �أهله من خالل رعاع النا�س والدهماء منهم‪.‬‬ ‫و�إذا كنا قر�أنا يف كتب الفقه وال�سيا�سة ال�شرعية‪� ,‬أن �إمامة النا�س‬ ‫توكل �إىل الأمة ‪ ،‬فاملق�صود �أن الأمة متثل مبن ير�ضونه من �أهل‬ ‫احلل والعقد من رجالها وكبارائها‪.‬‬ ‫فهذه الطرق غري ال�شرعية املتبعة يف ع�صرنا احلايل �أفرزت‬ ‫قيادات �أودت بالأمة �إىل مهالك الردى ‪ ،‬ولو �ألقينا نظرة على‬ ‫الطرق التي كان ين�صب من خاللها احلكام يف الع�صر الأول‬ ‫لوجدنا طرقاً متنوعة بح�سب املكان والزمان واحلال ‪ ،‬لكنها مل‬ ‫تخرج عن الهدي القر�آين الذي جاء به الوحي‪.‬‬ ‫و�أبرز هذه الطرق ‪:‬‬ ‫‪ُ .1‬ي َن َّ�صب الإمام بعد �إتفاق �أهل احلل والعقد على توليته‪ ،‬وهذه‬ ‫هي الطريقة التي ُن ِّ�ص َب بها �أبا بكر ال�صديق اخلليفة الأول‬ ‫لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫‪ .2‬والية العهد ‪ :‬هو �أن يعهد اخلليفة �أو الإمام الذي ي�شغل‬ ‫املن�صب لآخر باخلالفة ‪ ،‬كما فعل �أبو بكر بتولية عمر بن‬ ‫اخلطاب ور�ضيه �أهل احلل والعقد‪.‬‬ ‫‪� .3‬أن يختار جمموعة ينتخبوا �أحدهم لهذا املن�صب العظيم ‪ ،‬كما‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ال�شيخ عبد الرحيم �صبح‬

‫فعل عمر بن اخلطاب حني اختار ال�ستة الأعالم من ال�صحابة‬ ‫فاختاروا عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪� .4‬أن يختار �أهل احلل والعقد من خالل الت�شاور واالجتهاد من‬ ‫يرونه منا�سباً لهذا املن�صب دون اتفاق بالإجماع وال والية عهد‬ ‫ممن �سبقه ‪ ,‬ف�إذا نال ر�أي الأعم الأغلب من �أهل امل�شورة والر�أي‬ ‫ثبتت له الإمامة كا�ستخالف علي ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬وميكن اعتبار‬ ‫هذه الطرق مبجملها من قبيل ال�شورى لأنهم ال يبايعونه �إال‬ ‫بعد الت�شاور والر�ضى به‪.‬‬ ‫‪ .5‬وهناك طريقة �أخرى اعتربها علما�ؤنا يف بع�ض احلاالت وهي‬ ‫تويل ال�سلطة بالقهر والغلبة‪.‬‬ ‫قال ابن جنيم ‪ :‬قال علما�ؤنا وال�سلطان ي�صري �سلطاناً ب�أمرين‬ ‫باملبايعة معه ‪ ,‬ويعترب يف املبايعة �أ�شرافهم و�أعيانهم ‪ ,‬والثاين �أن‬ ‫ينفذ حكمه يف رعيته خوفاً من قهره وجربوته ‪ ,‬ف�إن بايعه النا�س‬ ‫ومل ينفذ حكمه فيهم لعجزه عن قهرهم ال ي�صري �سلطاناً‬ ‫باملبايعة فجاز �إن كان له قه ٌر وغلبة ‪ .‬وال ينعزل لأنه لو انعزل‬ ‫ي�صري �سلطاناً بالقهر والغلبة فال يفيد ‪ ,‬و�إن مل يكن له قهر‬ ‫وغلبة ينعزل ‪1.‬‬ ‫�إن طريقة اختيار احلاكم‪� ،‬أو من�صب الإمامة الكربى كما ي�سميها‬ ‫الفقهاء لي�ست توقيفية ‪ ,‬ومل يرد ن�ص قطعي من كتاب �أو �سنة‬ ‫يحدد فيها الأ�سلوب الذي من خالله يختار احلاكم ‪ ,‬وعليه تكون‬ ‫هذه الطريقة وفق عملية اجتهادية بحته‪.‬‬ ‫ف�إذا كانت هناك طرق �أخرى غري التي �أتينا على ذكرها �آنفاً‪,‬‬ ‫ميكن تطبيقها ‪ ,‬وت�أتي ثمارها من اختيار ال�شخ�ص املنا�سب لهذا‬ ‫املن�صب فال �ضري ‪ ,‬على �أن تكون من�ضبطة ب�ضوابط ال�شريعة‬ ‫وي�ستح�سنها علماء الأمة وقادتها‪.‬‬ ‫من هنا ندرك �أهمية اال�ستح�سان يف اختيار احلاكم وتوليته‬ ‫فالر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم نهج طريقة يف تن�صيب اخلليفة‬

‫‪46‬‬


‫‪ ,‬وخالفه فيها �أ�صحابه من بعده تبعاً للم�صلحة ‪ ,‬فهو مل يعني‬ ‫خليف ًة له ومل ين�ص على �أحدٍ ‪ ,‬و�إن كان قد حاول �أن يلفت النا�س‬ ‫�إىل �أبي بكر لكن بالإ�شارة ولي�س بالعبارة ال�صريحة ‪ ،‬وهنا طبق‬ ‫مبد�أ ال�شورى خري تطبيق ملا بايعوا �أبا بكر يف ال�سقيفة و�صار‬ ‫الت�صويت عليه علنياً ‪ ,‬ومل ين�ص الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫على �أحد لعلمه �أن النا�س لن يختلفوا يف �أحقية �أبي بكر لأ�سباب‬ ‫منها‪:‬‬ ‫‪� .1‬أنه قال لهم علناً الأئمة من قري�ش‪.‬‬ ‫‪� .2‬سماه القر�آن الكرمي الأتقى‪( :‬و�سيجنبها الأتقى)‬ ‫�سورة الليل �آية‪17 :‬‬ ‫فلن يداين �أبا بكر يف الف�ضل �أحد من ال�صحابة مهما كان ‪ ,‬ف�إذا‬ ‫ب�شخ�ص �أوىل منه ف�أميانه‬ ‫طرح ا�سمه كمر�شح لن يعرت�ض اح ٌد‬ ‫ٍ‬ ‫ب�إميان الأمة كلها‪.‬‬ ‫فلما ح�ضرت الوفاة �أبا بكر كتب بتعينّ عمر ر�ضي اهلل عنه خليفة‬ ‫لكنه طبق مبد�أ ال�شورى بالت�صويت ال�سري ‪ ,‬فكان ال ي�سمح‬ ‫لأكرث من واحد يدخل عليه ليزوره يف مر�ضه في�س�أله �سراً عن‬ ‫ر�أيه يف عمر ويقول نعم ما اخرتت‪.‬‬ ‫وقد �أورد �أبن �سعد‪� :‬أن �أبا بكر ال�صديق ملا ا�ستعز به دعا عبد‬ ‫الرحمن بن عوف فقال ‪� :‬أخربين عن عمر بن اخلطاب ‪ ،‬فقال‬ ‫عبد الرحمن ‪ :‬ما ت�س�ألني عن �أمر �إال و�أنت �أعلم به مني ‪ ،‬فقال‬ ‫�أبو بكر ‪ :‬و�إن ‪ ،‬فقال عبد الرحمن ‪ :‬هو واهلل �أف�ضل من ر�أيك فيه‬ ‫‪ ،‬ثم دعا عثمان بن عفان فقال ‪� :‬أخربين عن عمر ‪ ،‬فقال ‪� :‬أنت‬ ‫�أخربنا به ‪ ،‬فقال ‪ :‬على ذلك يا �أبا عبد اهلل ‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬اللهم‬ ‫علمي به �أن �سريرته خري من عالنيته ‪ ،‬و�أنه لي�س فينا مثله ‪،‬‬ ‫فقال �أبو بكر ‪ :‬يرحمك اهلل ‪ ،‬واهلل لو تركته ما عدوتك‪ ،‬و�شاور‬ ‫معهما �سعيد بن زيد �أبا الأعور و�أ�سيد بن احل�ضري وغريهما من‬ ‫املهاجرين والأن�صار ‪ ،‬فقال �أ�سيد ‪ :‬اللهم �أعلمه اخلرية بعدك ‪،‬‬ ‫ير�ضى للر�ضى ‪ ،‬وي�سخط لل�سخط ‪ ،‬الذي ي�سر خري من الذي‬ ‫يعلن ‪ ،‬ومل يل هذا الأمر �أحد �أقوى عليه منه‪.‬‬ ‫فلما �أخذ ر�أي �أكابر القوم منهم �أعلن كتابه بتن�صيبه بعده ‪،‬‬ ‫فلم يعرت�ض �أحد لأنهم وافقوه �سراً فكان ت�صويتاً �سرياً ‪ ،‬وقد‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫ا�ستح�سن �أبو بكر ر�ضي اهلل عنه اختيار عمر ر�ضي اهلل عنه بعده‬ ‫لأنه ر�أى �أن العرب ارتدت بعد وفاة الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم و�أعادهم بحزم وبالقوة الع�سكرية ‪ ,‬ومل ي َر �أ�شد ب�أ�ساً من‬ ‫عمر حتى ال يتكرر الأمر‪ ،‬لأنه لو تكرر لأ�صبح �أ�شد خطورة من‬ ‫ال�سابق‪ ،‬لأن الدولة الإ�سالمية �أيامه كرث �أعدا�ؤها من الفر�س‬ ‫والروم ب�سبب تو�سع الفتوحات فال بد من �شخ�ص حازم يعني‬ ‫لهذا املن�صب العظيم وير�ضاه النا�س‪.‬‬ ‫وقد �أورد ابن �سعد اعرتا�ض بع�ض ال�صحابة على تولية عمر‬ ‫ل�شدته لكن �أبا بكر ر�ضي اهلل عنه علم �أن املقام يحتاج �إىل ال�شديد‬ ‫الختالط النا�س بعد الفتوحات ودخل الإ�سالم من كل الأجنا�س‬ ‫قال ‪ :‬ما �أنت قائل لربك �إذا �س�ألك عن ا�ستخالفك عمر علينا‬ ‫وقد ترى غلظته ؟ فقال �أبو بكر ‪� :‬أجل�سوين ‪� ،‬أباهلل تخوفوين ؟‬ ‫خاب من تزود من �أمركم بظلم ‪� ،‬أقول ‪ :‬اللهم ا�ستخلفت عليهم‬ ‫خري �أهلك ‪� ،‬أبلغ ما قلت لك من وراءك ‪ ،‬ثم ا�ضطجع ودعا عثمان‬ ‫بن عفان ر�ضي اهلل عنه فقال ‪ :‬اكتب ‪ :‬ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫‪ ،‬هذا ما عهد �أبو بكر بن �أبي قحافة يف �آخر عهده بالدنيا خارجا‬ ‫منها ‪ ،‬وعند �أول عهده بالآخرة داخال فيها ‪ ،‬حيث ي�ؤمن الكافر‬ ‫‪ ،‬ويوقن الفاجر ‪ ،‬وي�صدق الكاذب ‪� ،‬إين ا�ستخلفت عليكم بعدي‬ ‫عمر بن اخلطاب فا�سمعوا له و�أطيعوا‪.‬‬ ‫والذي يراه الباحث �أن �أبا بكر ال�صديق ر�ضي اهلل عنه لو فتح‬ ‫باب الت�صويت العلني الن�شغلوا باخلالفات على اخلليفة وت�شتت‬ ‫الأمة ‪ .‬وكان القيا�س يقت�ضي �أن يتقدم كل من �أراد الرت�شيح ويتم‬ ‫الت�صويت العلني واحلكم للأغلب ‪ ,‬لكن قد ير�سو الت�صويت على‬ ‫هني لني لي�س عنده �شدة عمر وب�أ�سه فت�ضيع الدولة ‪ ,‬وعثمان‬ ‫بن عفان كان حا�ضراً يف الذهن وهو �ألني من عمر ‪ ،‬ف�إن عمر كان‬ ‫�أغلظ من ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فكان من امل�صلحة‬ ‫اختيار الأ�شد يف هذا الظرف بينما حتمت امل�صلحة اختيار الأتقى‬ ‫يف �أبي بكر‪.‬‬ ‫وعندما طعن عمر كانت الزعامة يتنازعها �أ�شخا�ص متعددون‬ ‫وهناك خالف بني ال�صحابة على �أيهم الأف�ضل ‪ ،‬فمنهم من‬ ‫يف�ضل عثمان ومنهم من يرى علياً ‪ ,‬وتعدد الكبار جعل من‬

‫‪47‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫ال�صعوبة �أن يفعل عمر كفعل �أبي بكر ر�ضي اهلل عنه في�ستخدم‬ ‫الت�صويت ال�سري لأنه �سيجد �آراء متعددة و�أ�شخا�صاً خمتلفني‬ ‫يف تقدمي بع�ضهم على بع�ض ‪ ,‬و�أراد بع�ض ال�صحابة منه �أن‬ ‫ي�ستخلف كما �أ�ستخلف �أبي بكر لكنه مل يفعل‪.‬‬ ‫جاء يف �صحيح م�سلم ما ن�صه ‪� ,‬أن عمر بن اخلطاب‪ ،‬خطب يوم‬ ‫اجلمعة‪ ،‬فذكر نبي اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وذكر �أبا بكر قال‪:‬‬ ‫�إين ر�أيت ك�أن ديكا نقرين ثالث نقرات‪ ،‬و�إين ال �أراه �إال ح�ضور‬ ‫�أجلي‪ ،‬و�إن �أقواما ي�أمرونني �أن �أ�ستخلف‪ ،‬و�إن اهلل مل يكن لي�ضيع‬ ‫دينه‪ ،‬وال خالفته‪ ،‬وال الذي بعث به نبيه �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬ ‫ف�إن عجل بي �أمر‪ ،‬فاخلالفة �شورى بني ه�ؤالء ال�ستة ‪ ،‬الذين‬ ‫تويف ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وهو عنهم را�ض‪ ،‬و�إين قد‬ ‫علمت �أن �أقواما يطعنون يف هذا الأمر‪� ،‬أنا �ضربتهم بيدي هذه‬ ‫على الإ�سالم‪ ،‬ف�إن فعلوا ذلك ف�أولئك �أعداء اهلل‪ ،‬الكفرة ُ‬ ‫ال�ضالل‬ ‫‪.‬‬ ‫وبلغه �أن قوماً يخو�ضون يف �أمر الإمامة يريدون �إخراجها عن‬ ‫جميع ال�ستة و�أخربه بذلك عبد الرحمن وغريه ‪ ,‬فقام يف النا�س‬ ‫خطيباً بف�ضلهم و�أخربهم �أن الأمر ال يعدوهم و�أنه فيهم ‪ ...‬وقد‬ ‫كانوا قالوا لعمر �إال تعهد فقال ‪� :‬إن �أعهد فقد عهد من هو خري‬ ‫ري مني يعني‬ ‫مني يعني �أبا بكر و�إن �أترك فقد ترك من هو خ ٌ‬ ‫ر�سول اهلل‪.‬‬ ‫ويعلق الباقالين على اختيار عمر لل�ستة بقوله ‪� :‬أن الرباهني‬ ‫الوا�ضحة دلت على �صوابه وت�سديد ر�أيه و�شدة احتياطه للأمة ‪,‬‬ ‫لأنه كان له �أن يعهد �إىل واحدٍ منهم فلما ترجح الأمر يف نف�سه‬ ‫و�أ�شكل عليه ومل يرد �صالح على �أيهم يكون �أكرث وخاف هرجاً‬ ‫وف�ساداً بعده وعلم �أنهم �أفا�ضل الأمة ‪ ...‬وهذا غاية ما يكون من‬ ‫االحتياط للأمة وح�سم مادة الفتنة و�إطماع من طمع يف هذا‬ ‫الأمر من غري �أهله‪.‬‬ ‫ومن املالحظ هنا �أنه عني جمل�ساً لل�شورى ميكن ت�سميته جمل�ساً‬ ‫تخ�ص�صياً �أو ا�ست�شارياً ولي�س جمل�ساً �شعبياً ‪ ،‬فلم ي�سمح لغريهم‬ ‫الرت�شح فيه ‪ ،‬و�إمنا جعله مغلقاً على ال�ستة ‪،‬والقيا�س يقت�ضي �أن‬ ‫يكون حق الرت�شيح لهذا املجل�س مفتوحاً لكنه ا�ستح�سن غلقه‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫لأنه لو ترك مفتوحاً ف�إن االختالف �سيكون �شديداً بني امل�سلمني‬ ‫‪ ،‬لأن املجتمع يف �أيامه اختلط به م�سلمون جدد ممن مل يرت�سخ‬ ‫الإميان يف قلوبهم‪.‬‬ ‫فطبقة املوايل امل�سلمني رمبا كان منهم زنادقة يخفون زندقتهم‬ ‫مثل الذي طعنه‪� -‬أبو ل�ؤل�ؤة و�سيده الهرمزان ‪ -‬وه�ؤالء املوايل‬ ‫بح�سب الظاهر م�سلمون ويحق لهم الت�صويت بال�شورى الختيار‬ ‫احلاكم‪ ،‬لكن لعدم الثقة الكاملة يف �أغلبهم �أُغل َق املجل�س على‬ ‫�أف�ضل امل�أمونني ‪ ،‬وقد تغريت طريقة الت�صويت بح�سب م�صلحة‬ ‫النا�س والأف�ضل لهم ‪ ،‬وهذا ا�ستح�سان بامل�صلحة من عمر ر�ضي‬ ‫اهلل عنه‪.‬‬ ‫�أما بعد الفتنة التي اجتاحت دار اخلالفة وقتل فيها عثمان بن‬ ‫عفان ر�ضي اهلل عنه فقد �ضيعت ‪ ،‬الأمور وانفلتت على امل�سلمني‬ ‫‪ ،‬فلم ي�ستطيعوا العودة �إىل طريقة ال�شورى لأن الأمة �سالت‬ ‫دما�ؤها ب�أيدي بع�ضهم ‪ ,‬واقتتلوا و�أ�صبح من ال�صعب جداً �أن‬ ‫يلتحموا من جديد ف�صار �إىل اال�ستح�سان بال�ضرورة ‪ ،‬وال�ضرورة‬ ‫حتتم وجود حاكم �أو خليفة ودولة فانتقلوا �إىل نظام االختيار �أو‬ ‫والية العهد‪.‬‬ ‫فقد روى �أبو بكر اخلالل ب�إ�سناد �إىل حممد بن احلنفية قال ‪:‬‬ ‫كنت مع علي �إذ �أتاه ٌ‬ ‫رجل فقال ‪� :‬إن �أمري امل�ؤمنني مقتول ال�ساعة‬ ‫علي وقمت معه ف�أخذت بو�سطه تخوفاً‬ ‫–يعني عثمان‪ , -‬فقام ٌ‬ ‫عليه ‪ ,‬فقال يل ‪َ :‬خل ال �أم لك ‪ ,‬فانطلق حتى �أتى الدار وقد قتل‬ ‫الرجل ‪ ,‬فرجع علي ف�أتى داره ‪ ,‬فدخل عليه النا�س فقالوا ‪� :‬إن‬ ‫هذا الرجل قد قتل والبد للنا�س من خليفة ‪ ,‬وال نعلم �أحداً �أحق‬ ‫بها منك ‪ ,‬قال ‪� :‬إن �أبيتم علي ف�إن بيعتي ال تكون �سراً ‪ ,‬ولكن‬ ‫�أخرجوا �إىل امل�سجد ‪ ,‬فمن �شاء �أن يبايعني بايعني ‪ ,‬قال ‪ :‬فخرج‬ ‫�إىل امل�سجد فبايعه النا�س‪.‬‬ ‫و�إن املتتبع للأحداث التي حلقت بالأمة بعد مقتل عثمان بن‬ ‫عفان ر�ضي اهلل عنه فر�ضت عليهم جواز الفرقة بعد الوحدة ‪,‬‬ ‫وتعدد الأمراء �أو احلاكم مع �أن ال�سنة حترم ذلك وتوجب �ضرب‬ ‫عنق احلاكم الثاين كما يف ال�صحيح ‪ ،‬لكن ال�ضرورة �أجازت قيام‬ ‫دولة لعلي يف احلجاز والعراق ‪ ,‬ودولة ملعاوية يف ال�شام ‪ ,‬وكما‬

‫‪48‬‬


‫حتمت ال�ضرورة قيام دولة الأندل�س الأموية مع الدولة العبا�سية‬ ‫‪ ,‬وقوله تعاىل ‪ :‬و( َو�إِ ْن َطا ِئ َف َتانِ مِ َن المْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني ا ْق َت َت ُلوا َف�أَ ْ�صل ُِحوا‬ ‫الُ ْخ َرى َف َقا ِت ُلوا ا َّلتِي َت ْبغِي َح َّتى‬ ‫َب ْي َن ُه َما َف�إِ ْن َب َغتْ �إِ ْحدَاهُ َما َعلَى ْ أ‬ ‫َتفِي َء �إِلىَ �أَ ْم ِر اللهَّ ِ ( (احلجرات‪ (9 :‬هذا يعني وجود ثالث دول‬ ‫للم�سلمني �أو �أكرث يف �آن واحد لهما جيو�ش و�سالح ومنعة ‪ ,‬ف�إن‬ ‫ح�صل القتال بني االثنتني توجب على الآخرين الإ�صالح �أو‬ ‫القتال بح�سب اقت�ضاء احلال ‪ ,‬ومع هذا �سماهم بامل�ؤمنني‪.‬‬ ‫ومن باب اال�ستح�سان لل�ضرورة �أجاز العلماء خالفة املتغلب ‪،‬‬ ‫�أي بالقوة والقهر – االنقالب الع�سكري‪ -‬واحل�صول على احلكم‬ ‫لغر�ض نظام الإ�سالم بح�سب ر�ؤية املتغلب ‪ ,‬وكان احل�سني ر�ضي‬ ‫اهلل عنه قد فعل ذلك و�إن مل يح�صل على احلكم‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫ومن باب اال�ستح�سان بال�ضرورة وجب تعيني من يقيم احلدود‬ ‫�إذا مل توجد دولة وقا�ضي‪.‬‬ ‫قال الرازي ‪� :‬إذا فقد الإمام فلي�س لآحاد النا�س �إقامة هذه‬ ‫احلدود بل الأوىل �أن يعينوا واحداً من ال�صاحلني ليقوم به قال‬ ‫علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه‪ :‬البد للنا�س من �إمارة برة‬ ‫كانت �أو فاجرة ‪,‬فقيل ‪ :‬يا �أمري امل�ؤمنني هذه الربة قد عرفناها‬ ‫فما بال الفاجرة ‪ ,‬فقال ‪ :‬يقام بها احلدود ‪ ,‬وت�ؤمن بها ال�سبل ‪,‬‬ ‫ويجاهد بها العدو ‪ ,‬ويق�سم بها الفيء‪.‬‬ ‫وهذا كله ا�ستح�سان بال�ضرورة و�إال فالأ�صل املنع ‪ ،‬وتولية �أهل‬ ‫التقوى ال حميد عنها‪.‬‬

‫‪49‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫ر�سائل النور لبديع‬ ‫الزمان �سعيد النور�سي‬

‫د‪ .‬م�أمون فريز جرار‬

‫قا�سم ال�صاحلي من العراق‪ ،‬وقد ترجمت الر�سائل يف بيئة‬ ‫مدخل تعريفي‬ ‫مما يثري ا�ستغرابي كلما حدثت �أحدا عن ر�سائل النور يف �إخوانية ‪ ،‬وواكب الرتجمة و�أعان عليها عدد من كبار الإخوان‬ ‫بالدنا العربية غياب املعرفة عنها ‪ ،‬ورمبا اجلهل التام بها عند يف العراق‪ ،‬ولكن اال�ستفادة منها حتى يف بلد الرتجمة بقيت‬ ‫كثري منهم ‪ ،‬وال �أعني بذلك �أنا�سا من عامة النا�س فقط بل حمدودة‪.‬‬ ‫ي�شمل ذلك علماء ودعاة و�أ�ساتذة جامعات يفرت�ض �أنهم على و�أن�ش�أ طالب النور الأتراك يف القاهرة دار �سوزلر لن�شر ر�سائل‬ ‫اطالع على جهود الدعاة يف خمتلف بالد الإ�سالم‪ .‬وحني نتحدث النور املرتجمة �إىل العربية ون�شر ما ي�ؤلف عنها‪ ،‬منذ �أكرث من‬ ‫عن بديع الزمان �سعيد النور�سي ور�سائل النور ال نتحدث عن ربع قرن‪ ،‬وت�شارك هذه الدار يف معار�ض الكتب العربية ‪.‬‬ ‫حركة �إ�سالمية يف مكان بعيد عنا بل عن تركيا القريبة منا ‪،‬‬ ‫ومن امل�ؤ�س�سات املتميزة يف خدمة ر�سائل النور التي ت�سهم‬ ‫ونتحدث عن عامل معا�صر تويف يف عام ‪ ، 1960‬وعن ر�سائل‬ ‫بالتعريف بها ورعاية الأن�شطة الأكادميية حولها م�ؤ�س�سة‬ ‫النور التي ترجمت �إىل اللغة العربية ‪ ،‬و�أقيمت حولها م�ؤمترات‬ ‫�إ�سطنبول للثقافة والعلوم ‪ ،‬ومن �أن�شطتها �أنها عقدت منذ‬ ‫وندوات يف تركيا ويف البالد العربية نف�سها ‪ ،‬و�شارك فيها عدد‬ ‫�أول ندوة دولية نظمتها يف عام ‪ 1991‬حتى عام ‪ 2013‬ع�شرة‬ ‫كبري من �أ�ساتذة اجلامعات العربية ‪ ،‬وكتبوا بحوثا وكتبا حولها‪،‬‬ ‫م�ؤمترات عاملية يف تركيا‪ ،‬يف كل ثالث �سنوات م�ؤمتر �شارك فيها‬ ‫ومع ذلك فما زال العارفون بر�سائل النور وم�ؤلفها قلة‪ .‬و�أجد‬ ‫باحثون من خمتلف البالد باللغات الثالث ‪ :‬العربية والرتكية‬ ‫لدى عدد غري قليل ممن �أحدثهم عن الر�سائل وبديع الزمان‬ ‫والإجنليزية‪ .‬وعقدت ع�شرات امل�ؤمترات والندوات يف م�شارق‬ ‫نوعا من الده�شة ب�سبب غياب املعلومات لديهم‪.‬‬ ‫الأر�ض ومغاربها يف �أكرث من �أربعني دولة منها املغرب واليمن‬ ‫مل يق�صر طالب النور يف تركيا يف التعريف بالر�سائل وبالأ�ستاذ‬ ‫و�إيران والأردن ولبنان وم�صر واجلزائر وال�سودان وجنوب‬ ‫�سعيد النور�سي ‪ ،‬فمنذ وقت مبكر ويف زمن الأ�ستاذ نف�سه �أر�سل‬ ‫�أفريقيا وت�شاد والنيجر‪ ،‬و�إيطاليا و�أملانيا و�إجنلرتا والواليات‬ ‫الأ�ستاذ بع�ض هذه الر�سائل �إىل عدد من البالد العربية ‪ ،‬و�أخ�ص‬ ‫املتحدة وكندا والبو�سنة والهر�سك وبلغاريا و�أ�سرتاليا وماليزيا‬ ‫منها ما كتبه بالعربية ومنها ‪ :‬تف�سري �إ�شارات الإعجاز يف مظان‬ ‫والهند ‪ .‬كما تنظم م�ؤ�س�سة �إ�سطنبول للثقافة والعلوم منذ عام‬ ‫‪ ،‬خ�ص�ص طالبه �أحمد الإيجاز واملثنوي العربي النوري و�أوفد‬ ‫‪ 2009‬م�ؤمترا دوليا �سنويا للأكادمييني ال�شباب الذين ينجزون‬ ‫رم�ضان لي�شرف على التعريف بالر�سائل يف بالد العرب ‪ ،‬ف�أر�سله‬ ‫�أطروحات املاج�ستري والدكتوراه يف مو�ضوع ر�سائل النور وبديع‬ ‫�إىل العراق وا�ستقر بها �سنوات طويلة ‪ ،‬وكان يكتب عن الر�سائل‬ ‫الزمان ويكون كل م�ؤمتر منها يف ق�سمني ‪ :‬واحد خا�ص باللغة‬ ‫يف املجالت وال�صحف ‪ ،‬و�أ�صدر كتيبات م�ستلة من ر�سائل النور‪،‬‬ ‫العربية و�آخر باللغة الإجنليزية‪.‬‬ ‫ون�شر منها وعنها يف جملة الرتبية الإ�سالمية العراقية‪.‬‬ ‫ويف �سنة ‪� 2010‬أ�صدرت م�ؤ�س�سة �إ�سطنبول للثقافة والعلوم‬ ‫( انظر‪ :‬ال�شهود الأواخر ج ‪� 3‬ص ‪ (198‬ويف العراق ولدت ونفذت‬ ‫جملة ف�صلية �أكادميية حم ّكمة باللغة العربية حتت ا�سم (النور‬ ‫فكرة ترجمة الر�سائل �إىل العربية التي توالها الأ�ستاذ �إح�سان‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪50‬‬


‫للدرا�سات احل�ضارية والفكرية)‪ ،‬وامل�ؤ�س�سة تنوي �أن ت�صدر جملة‬ ‫جديدة بنف�س املعايري باللغة الرتكية‪.‬‬ ‫بعد هذه اللمحة عن اجلهود املبذولة يف التعريف بر�سائل النور‬ ‫ن�س�أل �أين اخللل؟ وملاذا ت�أخرنا يف معرفة ر�سائل النور واال�ستفادة‬ ‫منها؟‬ ‫يبدو �أن كثريا من العلماء والباحثني العرب الذين عرفوا ر�سائل‬ ‫النور وكتبوا عنها وح�ضروا م�ؤمتراتها تعاملوا معها تعامال‬ ‫بحثيا �أكادمييا ‪ ،‬ومل يتذوقوا حالوة الإميان من خاللها‪،‬مبعنى‬ ‫�آخر �أنهم كانوا باحثني يف ر�سائل النور ومل يتحولوا �إىل ( طالب‬ ‫نور(‪.‬‬

‫هذا تفاخرا بل �شكرا هلل ‪ ،‬وحفزا للهمم للإقبال على الر�سائل‬ ‫واال�ستفادة من �أنوارها واالنغما�س فيها ‪.‬‬ ‫لقد عرفت ر�سائل النور منذ �أكرث من خم�س ع�شرة �سنة ‪ ،‬من‬ ‫خالل م�ؤمتر عقد عام ‪ 1997‬يف عمان بالتعاون بني م�ؤ�س�سة‬ ‫�إ�سطنبول للثقافة والعلوم واملعهد العاملي للفكر الإ�سالمي‬ ‫وجمعية البحوث والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬و�أقولها �صراحة �إن‬ ‫هذا امل�ؤمتر مل يرتك يف نف�سي كبري �أثر ‪ ،‬ومل يفتح الأبواب‬ ‫والنوافذ يل على ر�سائل النور‪ ،‬ومع �أنني ح�صلت على بع�ض‬ ‫ر�سائل النور التي �أهديت �إيل ف�إنني مل �أقر�أها ! ومن ف�ضل اهلل‬ ‫�أن �صلتي مبرتجم الر�سائل الأ�ستاذ �إح�سان قا�سم ال�صاحلي‬

‫وال �أعني بهذا التعبري املعنى التنظيمي بل املعنى الإمياين على‬ ‫امل�ستوى الفردي‪ .‬فر�سائل النور حتدث العجائب الإميانية يف‬ ‫نفو�س من يقبلون عليها‬ ‫وحتدثا بنعمة اهلل �أقول �إن ال�سنوات الع�شر الأخرية �شهدت حتوال‬ ‫�إيجابيا ‪ ،‬مل يبلغ املطلوب لكنه حقق تطورا مهما بالتعريف‬ ‫بر�سائل النور‪ ،‬وال �أجد حرجا يف هذا املقال التعريفي بر�سائل‬ ‫النور �أن �أحتدث بنعمة اهلل علي يف خدمة ر�سائل النور ‪ ،‬فال �أقول‬

‫ا�ستمرت بعد هذا امل�ؤمتر ‪ ،‬فالتقينا يف املغرب مرتني ومتت‬ ‫لقاءات �أخرى يف م�صر‪ ،‬ولكن ال�صلة احلقيقية يل بر�سائل‬ ‫النور بد�أت منذ ‪ 2005‬حيث بد�أت �أقر�أ الر�سائل و�أتذوقها ‪ ،‬ويف‬ ‫عام ‪ 2006‬ح�ضرت م�ؤمترا عن ر�سائل النور يف القاهرة والتقيت‬ ‫الأ�ستاذ �إح�سان قا�سم ومما قلته له ‪� :‬س�أوفر ر�سائل النور للقراء‬ ‫يف الأردن من خالل دا ر الن�شر التي �أن�ش�أتها ‪ ،‬فقال يل الأ�ستاذ‬ ‫�إح�سان كلمة حفزتني لالقرتاب �أكرث من ر�سائل النور ‪� :‬أريدك‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪51‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫�أن تقر�أ الر�سائل وتكتب عنها‪ ،‬وهكذا كان وهلل احلمد‪ ،‬فقدمت‬ ‫برناجما يف �إذاعة حياة عر�ضت فيه مقتطفات من ر�سائل النور ‪،‬‬ ‫وبد�أت بالكتابة عن الر�سائل يف زاوية �أ�سبوعية يف �صفحة الفكر‬ ‫الإ�سالمي يف جريدة الد�ستور يف كل يوم جمعة ‪ ،‬وكذلك �أعددت‬ ‫برنامج طريق النور يف �إذاعة القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫وقد �أكرمني اهلل بتحقق دعوة دعوتها يف م�ؤمتر ح�ضرته يف‬ ‫القاهرة حول ر�سائل النور عام ‪ 2009‬قلت يف تلك الدعوة ‪ :‬اللهم‬ ‫كما ي�سرت لإح�سان قا�سم ال�صاحلي ترجمة ر�سائل النور �إىل‬ ‫العربية ي�سر يل ت�سجيلها ب�صوتي‪ ،‬وهلل احلمد فقد مت ذلك يف‬ ‫عام ‪ 2011‬بعد ق�ضاء �سنة ون�صف يف ت�سجيل الر�سائل مبجلداتها‬ ‫الت�سعة التي تزيد عن خم�سة �آالف �صفحة‪.‬‬ ‫وخطوت بعد ذلك خطوة �أخرى لتقريب الر�سائل من النا�س‬ ‫وتعريفهم بها فبد�أت منذ عام ‪ 2011‬يف �شهر رم�ضان با�ستخال�ص‬ ‫فقرات من اجلزء الأول من الر�سائل الذي عنوانه ‪ :‬الكلمات ‪،‬‬ ‫ون�شرتها حتت عنوان ‪( :‬الل�ؤل�ؤ واملرجان من حكم بديع الزمان‬ ‫�سعيد النور�سي (‪ ،‬وملا انتهيت منه �صدر يف كتاب بالعنوان نف�سه ‪،‬‬ ‫وقد طبعته دار امل�أمون يف عمان ودار �سوزلر يف القاهرة ‪،‬واجلزء‬ ‫الثاين امل�ستخل�ص من اجلزء الثاين من الر�سائل امل�سمى ‪:‬‬ ‫املكتوبات جاهز للإ�صدار ب�إذن اهلل ‪ ،‬وبد�أت باجلزء الثالث‬ ‫اللمعات ‪ ،‬وع�سى اهلل �أن يعني على �إمتام م�شروعي با�ستخال�ص‬ ‫احلكم النور�سية من الأجزاء كلها‪.‬‬ ‫بعد هذا من حق القارئ �أن ي�س�أل ‪ :‬وما ر�سائل النور؟ وما قيمتها‬ ‫؟ وما �أثرها؟‬ ‫ر�سائل النور هي تراث للعامل املجدد بديع الزمان �سعيد النور�سي‬ ‫‪ ،‬الذي ولد يف عام ‪ 1877‬يف قرية نور�س التي ن�سب �إليها وتقع‬ ‫قرب مدينة بتلي�س يف �شرق تركيا وهي منطقة يغلب عليها‬ ‫الكرد‪ ،‬وقد حقق بع�ض امل�ؤرخني ن�سب الأ�ستاذ النور�سي فتبني‬ ‫�أنه ح�سيني من جهة الأم ح�سني من جهة الأب ينت�سب �إىل ال�شيخ‬ ‫عبد القادر الكيالين‪ ،‬وكان من عباقرة الزمان حتى لقبه �أحد‬ ‫�شيوخه ‪ :‬بديع الزمان ‪ ،‬وكان مدركا لطبيعة الع�صر مطلعا‬ ‫على علومه ‪ ،‬و�أدرك �أمرا�ض امل�سلمني و�سعى �إىل �إ�صالحها ففي‬ ‫مرحلة �شبابه ومن ذلك �إ�صالح التعليم يف العامل الإ�سالمي‬ ‫ب�إدخال العلوم احلديثة يف مناهج املدار�س الدينية و�إدخال العلوم‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫الدينية يف مناهج املدار�س احلديثة ‪ ،‬كما �شخ�ص �أمرا�ض الأمة‬ ‫الإ�سالمية يف خطبة �ألقاها عام ‪ 1911‬يف امل�سجد الأموي بدم�شق‬ ‫عرفت باخلطبة ال�شامية‪ ،‬وخا�ض احلرب �ضد الرو�س والأرمن‬ ‫يف احلرب العاملية الأوىل وجرح و�أ�سر يف رو�سيا ‪ ،‬وملا رجع من‬ ‫الأ�سر بعد �أكرث من عامني لقي التكرمي من الدولة و�صار ع�ضوا‬ ‫يف دار احلكمة الإ�سالمية �أعلى هيئة دينية يف الدولة العثمانية‬ ‫‪ ،‬ثم دخل يف �أزمة روحية حولت وجهته وجعلته ي�سعى �إىل �إحياء‬ ‫الإميان ليواجه ما قامت به اجلمهورية من حمالت �ضد الإ�سالم‬ ‫يف تركيا‪.‬‬ ‫وكانت ثمرة ذلك التحول ظهور ر�سائل النور املكونة من ت�سعة‬ ‫�أجزاء‪ ،‬تزيد �صفحاتها عن خم�سة �آالف �صفحة‪ ،‬ولكل جزء منها‬ ‫ا�سم خا�ص به وهي ‪ :‬الكلمات واملكتوبات واللمعات وال�شعاعات ‪،‬‬ ‫واملالحق و�إ�شارات الإعجاز يف مظان الإيجاز ‪ ،‬واملثنوي العربي‬ ‫النوري ‪،‬و�صيقل الإ�سالم وال�سرية الذاتية ‪ .‬وقد كانت ر�سائل‬ ‫النور الو�سيلة الفعالة التي واجهت خمططات الدولة العلمانية‬ ‫مل�سح الإ�سالم من احلياة ونزع الإميان من القلوب‪ .‬ومما يذكر �أن‬ ‫ر�سائل النور بقيت تكتب بخط اليد على مدى ربع قرن من عام‬ ‫‪ 1927‬حتى عام ‪ 1950‬حتى بلغ ما كتب منها �ستمئة �ألف ن�سخة‬ ‫انت�شرت يف �أنحاء تركيا‪ ،‬وكان لها �أثر كبري يف �إحياء الإميان يف‬ ‫قلوب الأتراك و�صد احلمالت العلمانية التكفريية‪ ،‬وكان لطالب‬ ‫النور �أثر يف �إ�سقاط حزب ال�شعب اجلمهوري يف انتخابات عام‬ ‫‪ 1950‬مما �أدى �إىل جناح احلزب الدميوقراطي الذي خفف‬ ‫ال�ضغط عن دعاة الإ�سالم‪.‬‬ ‫وملزيد من البيان حلقيقة ر�سائل النور وبيان ما هي �أذكر ما ورد‬ ‫يف الر�سائل نف�سها‪ ،‬ومن ذلك قول الأ�ستاذ النور�سي ‪�):‬إن ر�سائل‬ ‫النور برهان باهر للقر�آن الكرمي‪ ،‬وتف�سري قيم له‪ ،‬وهي ملعة‬ ‫براقة من ملعات �إعجازه املعنوي‪ ،‬ور�شحة من ر�شحات ذلك البحر‪،‬‬ ‫و�شعاع من تلك ال�شم�س‪ ،‬وحقيقة ملهمة من كنز علم احلقيقة‪،‬‬ ‫وترجمة معنوية نابعة من فيو�ضاته‪..‬‬ ‫�إن ر�سائل النور لي�ست كامل�ؤلفات الأخرى التي ت�ستقي معلوماتها‬ ‫من م�صادر متعددة من العلوم والفنون‪ ،‬فال م�صدر لها �سوى‬ ‫القر�آن‪ ،‬وال �أ�ستاذ لها �إ ّال القر�آن‪ ،‬وال ترجع �إ ّال �إىل القر�آن‪ ..‬ومل‬ ‫يكن عند امل�ؤلف �أي كتاب �آخر حني ت�أليفها‪ ،‬فهي ملهمة مبا�شرة‬

‫‪52‬‬


‫من في�ض القر�آن الكرمي‪ ،‬وتنزل من �سماء القر�آن ومن جنوم‬ ‫�آياته الكرمية‪( )...‬املالحق �ص‪(221 -220:‬‬ ‫(�إن هذه الر�سائل البالغة مائة وثالثني ر�سالة هي بذاتها تف�سري‬ ‫ق ّيم للآيات الفرقانية‪� ،‬إذ �إنها تك�شف عن نكاتها الدقيقة و�أنوارها‬ ‫الزاهية‪( ).‬الكلمات ‪( 517‬‬ ‫ويبني الأ�ستاذ النور�سي �أن هناك نوعني للتف�سري ويبني يف‬ ‫�أيهما ت�صنف ر�سائل النور‪:‬‬ ‫( �إن ر�سائل النور تف�سري ق ّيم وحقيقي للقر�آن الكرمي‪ .‬لقد كررنا‬ ‫هذا الكالم‪ .‬وخطر الآن للقلب بيان حقيقته وذلك لعدم و�ضوح‬ ‫معناه احلقيقى‪.‬‬ ‫التف�سري نوعان‪ :‬الأول‪ :‬التفا�سري املعروفة التي تبني وتو�ضح‬ ‫وتثبت معاين عبارات القر�آن الكرمي وجمله وكلماته‪.‬‬ ‫الق�سم الثاين من التف�سري‪ :‬هو �إي�ضاح وبيان و�إثبات احلقائق‬ ‫الإميانية للقر�آن الكرمي‪� ،‬إثباتاً مدعماً باحلجج الر�صينة‬ ‫والرباهني الوا�ضحة‪ .‬ولهذا الق�سم �أهمية كبرية جداً‪�.‬أما‬ ‫التفا�سري املعروفة واملتداولة ف�إنها تتناول هذا النوع الأخري من‬ ‫التف�سري تناو ًال جمم ً‬ ‫ال �أحياناً‪� .‬إ ّال �أن ر�سائل النور اتخذت هذا‬ ‫الق�سم �أ�سا�ساً لها مبا�شرة‪ .‬فهي تف�سري معنوي للقر�آن الكرمي‬ ‫بحيث تلزم �أعتى الفال�سفة وت�سكتهم‪�().‬سرية ذاتية ‪( 428‬‬ ‫و�أما قيمة الر�سائل ف�إنها ج�سر بني القارئ وجتليات الأ�سماء‬ ‫احل�سنى يف الوجود ‪ ،‬تفتح له نوافذ التفكر والتدبر للقر�آن‬ ‫الكرمي ولكل ما تقع عليه حوا�سه لي�صبح كل �شيء نافذة على‬ ‫�آيات اهلل يزداد بها القلب يقينا والعقل اقتناعا ويح�س الإن�سان‬ ‫بذلك حقيقة ذلك البيت احلكيم من ال�شعر ‪:‬‬ ‫ويف كل �شيء له �آية تدل على �أنه واحد‪ ،‬وال بد من التنبيه‬ ‫�إىل �أمر يقع فيه كثري ممن ينظر يف ر�سائل النور نظرة عجلى‬ ‫فيظن �أنها كتاب يف الت�صوف ‪ ،‬ولو متهل يف احلكم ‪ ،‬وكلف نف�سه‬ ‫االقرتاب من الر�سائل وحقق معرفته بها لوجد �أن الر�سائل‬ ‫ت�صنف نف�سها بعيدا عن الت�صوف مع �أنها حتقق ثمراته املتمثلة‬ ‫بالتخلية والتحلية والتزكية ولكن من غري ( طقو�سه) فال‬ ‫�شيخ يف طريق ر�سائل النور ‪ ،‬ف�شيخ طالب النور ر�سائل النور‬ ‫التي ا�ستمدت �أنوارها من القر�آن الكرمي والتي حتقق ما �أ�سماه‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫الأ�ستاذ النور�سي الوالية الكربى والية ال�صحابة من غري مرور‬ ‫على برزخ الطريقة ال�صوفية ‪ ،‬ومن الأقوال الواردة يف ر�سائل‬ ‫النور عن موقف الر�سائل من الت�صوف ‪�( :‬إن م�سلك ر�سائل‬ ‫النور لي�س م�سلك الطريقة ال�صوفية بل هو م�سلك احلقيقة‪،‬‬ ‫فهو م�سلك مقتب�س من نور م�سلك ال�صحابة الكرام ر�ضوان اهلل‬ ‫تعاىل عليهم �أجمعني‪.‬‬ ‫�إن هذا الزمان لي�س زمان الطريقة ال�صوفية بل زمان �إنقاذ‬ ‫الإميان‪ .‬وهلل احلمد ف�إن ر�سائل النور قد �أجنزت وما تزال تنجز‬ ‫هذه املهمة ويف �أ �صعب الظروف) ( �سرية ذاتية ‪(369‬‬ ‫(نعم‪ ،‬ال ميكن دخول اجلنة من دون �إميان‪ ،‬بينما يدخلها‬ ‫الكثريون جداً دون ت�صوف‪ .‬فالإن�سان ال ميكن �أن يعي�ش دون‬ ‫خبز‪ ،‬بينما ميكنه العي�ش دون فاكهة فالت�صوف فاكهة واحلقائق‬ ‫الإ�سالمية خبز) (املكتوبات ‪(27‬‬ ‫هذا �إن ما �أوردته يف مقايل هذا �شذرات �أرجو �أن تكون كا�شفة‬ ‫لبع�ض مالمح ر�سائل النور ع�سى �أن تتبعها مقاالت �أخرى‬ ‫نبحر من خاللها يف بحر �أنوار الر�سائل ‪ ،‬وع�سى �أن تكون حافزة‬ ‫للقراء الكرام للإقبال عليها والإفادة منها‪ .‬وملزيد من الفائدة‬ ‫�أ�ضع بني يدي القراء مواقع على الإنرتنت ميكن من خاللها‬ ‫االطالع على‬ ‫ر�سائل النور وما كتب حولها من درا�سات ‪ ،‬ومن هذه املواقع‪:‬‬ ‫‪/http://www.resailinnur.com‬‬ ‫‪/http://www.nafizatalnoor.com‬‬ ‫وهذان موقعان للت�سجيل ال�صوتي للر�سائل‬ ‫‪https://mega.co.nz/#F!eIQHQRpQ!oN‬‬ ‫‪dBvG8YJVFzedj-4qiCnw‬‬ ‫‪/http://www.nur.org/ar‬‬ ‫املراجع ‪:‬‬ ‫ ‪-‬ال�شهود الأواخر‪� ،‬شهادات وم�شاهدات عن بديع الزمان‬ ‫�سعيد النور�سي ‪ ،‬ت�أليف جنم الدين �شاهيرن ‪ ،‬ترجمةم�أمون‬ ‫ر�شيد عاكف‪ ،‬دار �سوزلر للن�شر ‪ ،‬ط‪ ، 1‬القاهرة ‪2012‬‬ ‫ ‪-‬ر�سائل النور ت�أليف بديع الزمان �سعيد النور�سي‬ ‫‪ ،‬ترجمة �إح�سان قا�سم ال�صاحلي ‪�:‬سرية ذاتية‪،‬املالحق‪،‬‬ ‫الكلمات‪،‬دار �سوزلر للن�شر ‪ ،‬القاهرة‬

‫‪53‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫عوامل بناء �شخ�صية‬ ‫الإن�سان‬

‫د‪ .‬عبد الإله ميقاتي‬

‫يكرث احلديث يف الآونة الأخرية‪ ،‬عن الغلو والإرهاب‪ ،‬وعن‬ ‫�إنت�شار الفكر املتطرف وال�سلوك املواكب له بني �صفوف ال�شباب‬ ‫خ�صو�صاً‪ ،‬الذي ي�أخذ �أحياناً وللأ�سف الطابع الديني‪ ،‬وينعك�س‬ ‫نقمة على املجتمع وما ينتج عن ذلك من ممار�سات �أ�صبحت‬ ‫تق ّو�ض دعائم اال�ستقرار يف العامل عموماً‪،‬ويف املنطقتني العربية‬ ‫والإ�سالمية‪.‬‬ ‫ولكي ندرك �أ�سباب �إنت�شار هذه الظاهرة‪ ،‬علينا �أن نبحث يف‬ ‫العوامل امل�ؤثرة يف بناء �شخ�صية الإن�سان يف فكره و�سلوكه‪.‬‬ ‫وبنتيجة البحث‪ ،‬وجدنا �أنها تنق�سم �إىل عدة حماور‪ ،‬تتفاعل‬ ‫فيما بينها‪ ،‬لتك ّون هذا الفكر وهذا ال�سلوك‪.‬‬ ‫‪ - 1‬عامل الوراثة‪ .‬يلعب هذا العامل دوراً مهماً على الأخ�ص‬ ‫يف �شكل وق�سمات املولود جلهة الوجه والطول والعينني وبع�ض‬ ‫املوا�صفات الأخرى يف اجل�سم‪ .‬كما �أنه يلعب دوراً يف �سلوكه‬ ‫نبي اهلل نوح عليه‬ ‫وذكائه‪ .‬ويق ّر الإ�سالم ذلك من خالل دعاء ّ‬ ‫ال�سالم‪ ،‬حيث يدعو ربه قائ ً‬ ‫ال‪ ...( :‬رب ال تذر على الأر�ض من‬ ‫الكافرين دياراً‪� .‬إنك �إن تذرهم ي�ضلوا عبادك وال يلدوا �إال فاجراً‬ ‫كفارا) (نوح‪ )27 - 26‬ويقول النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬ ‫نا�صحاً املقدمني على الزواج‪( :‬تزوجوا يف احلِجر ال�صالح‪ ،‬ف�إن‬ ‫د�سا�س) (رواه �أن�س بن مالك يف ذخرية احلفاظ ‪.)2/21407‬‬ ‫العرق ّ‬ ‫وي�ؤكد العامل الريا�ضي الربيطاين فران�سي�س غالتون على الدور‬ ‫الكبري للوراثة يف الذكاء‪� ،‬إذ ر�أى �أنه يوجد بني �أقارب ال�شخ�صيات‬ ‫املتفوقة عقلياً‪ ،‬التي در�سها‪ ،‬عدد من الأ�شخا�ص املتفوقني عقلياً‪،‬‬ ‫�أكرب بكثري مما ميكن �أن يعزى �إىل امل�صادفة وحدها‪ ،‬ويعزو ذلك‬ ‫�إىل اخلاليا اجلينية التي يولدون وهم مزودون بها‪ .‬ال �شك يف �أن‬ ‫دورهذا العامل يبقى خارج �إمكانية التدخل فيه �أو الت�أثري عليه‪.‬‬ ‫‪ -2‬عامل الأ�سرة‪ :‬تلعب الأ�سرة دوراً مهماً جداً يف تنمية‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫قدرات الطفل‪ ،‬لأن الولد فيها يبد�أ بالتفاعل الإجتماعي‪ ،‬وفيها‬ ‫يتعلم ممار�سة اال�ستقالل ال�شخ�صي‪ .‬ولقد ح ّذر العلماء من‬ ‫بع�ض �أمناط الرتبية الأ�سرية التي تعوق الإبداع‪ ،‬ومنها النمط‬ ‫الديكتاتوري املت�سلط‪ ،‬الذي يت�صف بالق�سوة والت�سلط‪ ،‬وفر�ض‬ ‫الطاعة العمياء‪ ،‬مع عدم اال�ستماع �إىل الأبناء‪ ،‬وعدم احرتام‬ ‫�آرائهم‪ .‬ومن �أهم نتائج هذا النمط‪� ،‬أن ين�ش�أ الأبناء �ضعفاء يف‬ ‫مواجهة املتغريات‪ ،‬وتق ّل قدراتهم الإبداعية‪ ،‬خ�صو�صاً و� ّأن‬ ‫الإبداع غالباً ما يتج ّلى عند الطفل يف �سنني عمره الأوىل حتى‬ ‫التا�سعة عموماً‪ ،‬وباملقابل‪ ،‬ف� ّإن النمط الذي يت�صف بالت�سامح‬ ‫ال�شديد‪ ،‬الذي ي�صل �إىل حد التدليل‪ ،‬غالباً ما ينتج عنه �أبناء‬ ‫ي ّت�سمون بالف�شل واالنحراف‪ .‬كما � ّأن التفرقة يف معاملة الأبناء‪،‬‬ ‫كالإهتمام املفرط بالطفل البكر مث ً‬ ‫ال‪ ،‬غالباً ما يبعث عند‬ ‫الآخرين القلق والرتدد يف �إتخاذ القرارات‪ .‬وينبغي الت�أكيد يف‬ ‫هذا املجال على دور الأم‪ ،‬حتديداً‪ ،‬يف الرتبية الأ�سرية‪ .‬يقول‬ ‫�أمري ال�شعراء �أحمد �شوقي‪:‬‬ ‫الأم مدر�سة �إذا �أعددتها �أعددت �شعب ًا طيب الأعراق‬ ‫ف�إعداد الأم لرتبية �أوالدها تربية �صاحلة قومية‪ ،‬تتما�شى‬ ‫مع احلداثة وتتم�سك بالأ�صالة هو الطريق �إىل �إعداد ال ّأمة‬ ‫واملجتمع والقادة‪،‬ليلعبوا دورهم يف م�سرية تقدّم احل�ضارة‬ ‫الإن�سانية واملجتمعات الب�شرية‪ .‬ولكن وللأ�سف ال�شديد‪ ،‬ف� ّإن دور‬ ‫الأم يرتاجع كثرياً يف الع�صر احلديث‪ ،‬مع نزول املر�أة �إىل ميدان‬ ‫العمل‪ ،‬لت�شارك الرجل يف ك�سب قوت معي�شة العائلة‪ ،‬في�ضيق‬ ‫بذلك الوقت الذي تق�ضيه الأم مع �أطفالها‪ ،‬وينعك�س ذلك �سلباً‬ ‫على تربية الأوالد‪.‬‬ ‫‪ -3‬امل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية‪( .‬املدر�سة واجلامعة)‬

‫‪54‬‬


‫هذه امل�ؤ�س�سات هي الأكرث فعالية وت�أثرياً يف تكوين العقل‬ ‫الب�شري‪ ،‬لأنها ت�ستمر لفرتة طويلة من الزمن‪ ،‬منذ دخول‬ ‫الطفل �إىل دور احل�ضانة‪ ،‬وتبقى معه حلني تخرجه من اجلامعة‬ ‫�إىل �سوق العمل‪ ،‬وتنتقل به من مرحلة �إىل مرحلة‪ ،‬ينمو فيها‬ ‫العقل‪ ،‬وتكت�سب فيها العلوم واملعارف‪ ،‬وتن�ش�أ فيها ال�صحبة‬ ‫والزمالة‪ ،‬وتربز فيها املواهب‪ ،‬وتتفجر الطاقات‪،‬كما يجب �أن‬ ‫تكون فيها الرتبية والتوجيه‪ ،‬وكل ذلك ي�ستمر �ضمن برامج‬ ‫ومناهج متوا�صلة ومتدرجة‪� ،‬أعدّها خرباء متخ�ص�صون يف عاملي‬ ‫الرتبية والتعليم‪ ،‬وفق طرائق تربوية وتعليمية حتظى بالتطوير‬ ‫امل�ستمر‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬كان الإهتمام الأكرب يف العامل املتح�ضر‪،‬‬ ‫بامل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية‪� ،‬إهتماماً يفوق الإهتمام‬ ‫بامل�ؤ�س�سات الأخرى‪ .‬ومن هذا املنطلق �أي�ضاً‪ ،‬وجب �أن تتما�شى‬ ‫فل�سفة الرتبية والتعليم يف هذه امل�ؤ�س�سات‪ ،‬مع عقيدة املجتمع‬ ‫ومبادئه الوطنية‪ ،‬و�أهدافه وقيمه‪ ،‬حتى يتحقق التكامل‪ ،‬يف‬ ‫�شخ�صية الأجيال الذين يقع على عاتقهم بناء امل�ستقبل‪.‬‬ ‫و�أ�ضرب مثا ًال على ذلك ما جرى يف اليابان بعد احلرب العاملية‬ ‫عليها‪ ،‬فقد �أدخلت �إىل براجمها التعليمية‪ ،‬مادة �إلزامية‪ ،‬يف جميع‬ ‫مراحل التعليم وهي ‪� Moral Education‬أي (الرتبية‬ ‫على القيم) وهي مبنية على ثالثة حماور هي‪( :‬القيم الإن�سانية‬ ‫– الإخال�ص للوطن – وحب الأمرباطور) هذه الأقانيم الثالثة‬ ‫كانت كافية لتنه�ض باليابان من دمار احلرب �إىل م�صاف الدول‬ ‫املتقدمة ب�سرعة قيا�سية‪.‬‬ ‫ولعل يف م�سرية التعليم عند العرب التي بد�أت مع ظهور الإ�سالم‬ ‫احلنيف‪ ،‬و�إ�ستمرت خلم�سة قرون ونيف‪ ،‬خري مثال على دور‬ ‫الرتبية والتعليم يف �صقل مهارات الإن�سان و�إحراز التقدم‬ ‫الكبري يف م�سرية احل�ضارة الإن�سانية عموماً‪ .‬وهي الفرتة التي‬ ‫ك ّر�ست العرب وامل�سلمني �سادة العامل وبناة احل�ضارة فيه‪ .‬ف�أ�صبح‬ ‫علما�ؤهم منارات م�ضيئة يف تاريخ العلوم‪ ،‬و�أ�صبحت م�ؤلفاتهم‬ ‫مراجع �أ�سا�سية ال ب ّد لكل طالب علم �أن ينهل منها‪ ،‬و�شهد لهم‬ ‫العامل ك ّله‪ ،‬ب�أنهم امل�ؤ�س�سون احلقيقيون لعلوم الطبيعة‪ ،‬وكانوا‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫�أ�سا�ساً للنه�ضة الأوروبية يف غري ميدان‪( .‬يراجع كتابنا‪ :‬م�سرية‬ ‫التعلم‪ ،‬عند العرب)‬ ‫وللأ�سف ال�شديد‪ ،‬ف�إن الدور الرتبوي يف املدر�سة واجلامعة‬ ‫يرتاجع يف معظم هذه امل�ؤ�س�سات لي�س على �صعيد الوطن �أو‬ ‫املنطقة فح�سب‪ ،‬بل على �صعيد العامل عموماً‪ ،‬لت�صبح هذه‬ ‫امل�ؤ�س�سات تعليمية فقط‪ ،‬حتر�ص على �أف�ضل ن�سب جناح طالبها‬ ‫يف الإمتحانات وال�شهادات الر�سمية‪ .‬و�أ�صبحت الرتبية ال حتظى‬ ‫�سوى باجلزء الي�سري من الوقت املتبقي خارج العملية التعليمية‬ ‫البحتة‪.‬‬ ‫‪ -4‬البيئة املحيطة‪ :‬وهي البيئة احلا�ضنة للفرد‪ ،‬وهي ت�شمل‬ ‫الأحزاب ال�سيا�سية‪ ،‬واجلمعيات الثقافية الإجتماعية‪ ،‬والأندية‬ ‫الريا�ضية والك�شفية‪ ،‬والو�سط الديني (امل�سجد �أو الكني�سة)‪،‬‬ ‫والإلتزام العقائدي وممار�سة الطقو�س الدينية والعبادات ومدى‬ ‫تعويد الأوالد على ذلك‪ .‬كما ت�شمل البيئة اجلغرافية‪ ،‬القروية‬ ‫�أو املُدنية‪ ،‬والو�ضع املادي عند الأهل‪ ،‬وت�شمل �أي�ضاً امل�ستوى‬ ‫ال�سلوكي والنف�سي عند الأ�صدقاء‪ .‬وقد ورد يف احلديث ال�شريف‬ ‫حول ت�أثري ال�صحبة والأ�صدقاء يف قوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫(�إمنا مثل اجللي�س ال�صالح واجللي�س ال�سوء‪ ،‬كحامل امل�سك‪،‬‬ ‫ونافخ الكري‪ ،‬فحامل امل�سك �إما �أن يحذيك و�إما �أن جتد فيه ريحاً‬ ‫طيبة) (رواه �أبو مو�سى الأ�شعري‪� .‬صحيح البخاري – ‪ )5534‬كما‬ ‫يقول عليه ال�صالة وال�سالم‪( :‬الرجل على دين خليله‪ ،‬فلينظر‬ ‫�أحدكم من يخالل) (رواه �أبو هريرة – �سنن �أبي داود – ‪ )4833‬‬ ‫ويقول املثل ال�شائع‪( :‬قل يل من تعا�شر �أقل لك من �أنت)‪.‬‬ ‫ال �شك �أن هذا العامل يبقى خارج الت�أثري املبا�شر‪ ،‬خ�صو�صاً �إذا‬ ‫ترك الأهل احلبل على الغارب يف متابعة �أبنائهم‪ ،‬كيف يق�ضون‬ ‫يغ�ص بكرثة هذه امل�ؤ�س�سات‬ ‫�أوقات فراغهم ومع من‪ .‬فاملجتمع ّ‬ ‫التي تختلف فيما بينها‪ ،‬يف العقيدة‪ ،‬والر�ؤية والر�سالة والأهداف‪،‬‬ ‫والتي تتناف�س فيما بينها يف �إ�ستقطاب امل�ؤيدين واملحازبني‬ ‫واملنت�سبني‪� ،‬ضاربة على �أوتار الغريزة تارة‪� ،‬أو الإنتماء الطائفي‬ ‫تارة �أخرى‪� ،‬أو غري ذلك‪ .‬وت�سعى بكل ما �أوتيت من جهد ودعاية‬ ‫وت�سويق‪ ،‬لن�شر �أهدافها‪.‬‬

‫‪55‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫عامل الإعالم ‪،‬و�أهمه القنوات الف�ضائية املتنوعة‪ ،‬التي �إقتحمت‬ ‫البيوت بدون �إ�ستئذان‪ ،‬ويف كل الأوقات‪ ،‬والتي تعتمد يف بثها‬ ‫التلفزيوين على �سيا�سة الغزو التجاري‪ ،‬وتهدف �إىل حتقيق‬ ‫الأرباح املادية و�أحياناً �إىل ن�شر فكرٍ معني‪ ،‬بعيداً عن م�س�ؤولية‬ ‫الرقابة الذاتية والعقالنية‪ ،‬وعلى بث املعلومات واملعارف‪،‬‬ ‫والربامج املتنوعة التي تبثها‪ ،‬ونوعيتها وحمتواها وفحواها‬ ‫و�أهدافها‪ .‬وهي مبجملها ت�ؤثر ب�شكل مبا�شر على امل�شاهد‪،‬‬ ‫وتتحكم يف توجهاته مبا لها من ت�أثري ثقايف وفكري و�إجتماعي‬ ‫و�سيا�سي وديني وغريه‪ .‬وقد �أ�صبحت هذه القنوات الف�ضائية‪،‬‬ ‫�شريكاً م�ساهماً يف تربية النا�شئة‪ .‬فهي تخاطب ال�صغري والكبري‬ ‫من خالل براجمها املتنوعة جداً‪ ،‬والتي يتم �إخراجها وفق‬ ‫مناذج حديثة ومتقدمة يف العر�ض واملخاطبة‪ ،‬ف�إ�ستطاعت �أن‬ ‫ت�ست�أثر بالعديد من العقول والعواطف‪ ،‬خ�صو�صاً عند النا�شئة‬ ‫املوجه واملر�شد‪.‬‬ ‫ف�إ�ست�سلمت لها بال مقاومة تذكر‪ ،‬و�أ�صبحت لها ّ‬ ‫بل و�أ�صبحت تتحكم يف برنامج الأ�سرة‪ ،‬وتق ّرر لها وللأطفال‬ ‫مواعيد املذاكرة والنوم والطعام وال�شراب وفقاً للربامج التي‬ ‫يتابعونها‪.‬‬ ‫يذكر الرئي�س علي عزت بيجوفيت�ش‪ ،‬الرئي�س ال�سابق للبو�سنة‪،‬‬ ‫يف كتابه (الإ�سالم بني ال�شرق والغرب)‪� ،‬أن (التلفزيون له‬ ‫دوره املحزن‪ .‬وقد �أذيعت نتيجة لدرا�سة �إ�ستمرت �ست �سنوات‪،‬‬ ‫كان مو�ضوعها العنف يف برامج التلفزيون‪ ،‬وعما �إذا كانت هذه‬ ‫الربامج ت�سبب العنف يف احلياة (وقد �إنتهت الدرا�سة �سنة ‪.)1977‬‬ ‫ويقول فيها وليان بل�سون‪� :‬إن الإجابة للأ�سف بالإيجاب‪ .‬وقد‬ ‫�أجرى �أحدهم ح�سبة فوجد �أن الطفل الأمريكي العادي ي�شاهد‬ ‫‪� 18‬ألف جرمية قتل على التلفزيون قبل �أن ينتهي من مدر�سته‬ ‫الثانوية)‪ .‬وي�ضيف بيجوفيت�ش قائ ً‬ ‫ال (�أن�ش�أ الرئي�س الأمريكي‬ ‫جلنة لل�صحة العقلية �إ�ستمر عملها ع�شر �سنوات ون�شرت‬ ‫تقريرها يف عام ‪ ،1977‬وقد �إكت�شفت اللجنة �أن م�شكالت من هذا‬ ‫النوع �أ�سو�أ مما كان متوقعاً‪ ،‬و�أن ثلث ال�سكان على الأقل كانوا‬ ‫يعانون من �آثار �إ�ضطرابات عاطفية خطرية‪ .‬ويف درا�سة للمعهد‬ ‫القومي لل�صحة العقلية يف ال�سنة نف�سها‪ ،‬تبني �أن �أكرث من ‪1,3‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫مليون �أمريكي عوجلوا من �إ�ضطرابات عقلية خمتلفة‪ .‬ووجد‬ ‫�أن ثمانية ماليني طفل �أمريكي من ‪ 54‬مليوناً كانوا يحتاجون‬ ‫مل�ساعدات ب�سبب �صعوبات نف�سية‪ ،‬و�أن ع�شرة ماليني على الأقل‬ ‫من النا�س عانوا من م�شكالت ب�سبب �إ�ستهالك اخلمور‪ ،‬بينما زاد‬ ‫عدد مدمني الهرويني �أكرث من ن�صف مليون)‪.‬‬ ‫ويبقى هذا العامل امل�ؤثر ب�شكل كبري يف تكوين فكر و�سلوك‬ ‫الإن�سان‪ ،‬خارج ال�سيطرة �أو الت�أثري املبا�شر عليه �إذا مل يتدخل‬ ‫الأهل يف مراقبة الربامج التي ي�شاهدها الأطفال منذ نعومة‬ ‫�أظافرهم‪.‬‬ ‫‪ - 5‬و�سائل التوا�صل االجتماعي والألعاب الإلكرتونية‪.‬‬ ‫ال �شك يف �أن و�سائل التوا�صل الإجتماعي هي و�سيلة من و�سائل‬ ‫الإعالم على �شبكة الإنرتنت‪ ،‬التي �إنت�شرت �إنت�شاراً �سريعاً‬ ‫ووا�سعاً جداً حتى �أ�صبح امل�شاركون فيها باملليارات‪ ،‬من جميع‬ ‫الأعمار‪ ،‬وخ�صو�صاً ال�شباب‪ .‬وهي منرب مفتوح للجميع‪ ،‬وعلى‬ ‫كافة امل�ستويات واملجاالت ال�سيا�سية والإجتماعية والإقت�صادية‬ ‫والفنية والدينية والريا�ضية وغريها‪ ،‬وهي من �أجنح و�أهم‬ ‫و�سائل الإ�ستقطاب‪ ،‬وخطورتها �أنها �أداة فعالة جداً بيد من‬ ‫ي�ستخدمها ‪ .‬فهي نعمة وخري وف�ضيلة ملن ي�ستعملها ب�أهداف‬ ‫�سوية �سليمة وب�شكل �صحيح ويراعي فيها مواطن احلق واخلري‪.‬‬ ‫وهي نقمة و�شر كبري ملن ي�سيء �إ�ستخدامها‪ ،‬وي�ستعملها يف غري‬ ‫وجه احلق واخلري‪ .‬ذلك �أن هذه الو�سائل لي�ست �سوى �أدوات‬ ‫متطورة‪ ،‬تقود �إىل اخلري‪ ،‬كما تقود �إىل ال�شر‪ .‬وهي بالتايل‬ ‫ت�ساعد يف ن�شر الثقافة والفكر والأخالق واملبادئ ال�سامية‪،‬‬ ‫والقيم والعلوم الإن�سانية وغريها‪ ،‬وبالتايل ت�ساهم يف دورها هذا‬ ‫يف بناء احل�ضارة الإن�سانية يف م�سار �سليم وا�سع الإنت�شار وعلى‬ ‫طريق اخلري‪ .‬كما ميكن من خاللها ن�شر الرذيلة والعن�صرية‬ ‫الذميمة‪ ،‬والعلوم واملعارف املدمرة والإحتكار الإقت�صادي‬ ‫املجحف‪ ،‬والفكر املتطرف والعنف والإرهاب وما ي�ؤدي �إىل هدم‬ ‫وتقوي�ض احل�ضارة الإن�سانية عموماً‪ ،‬على طريق ال�شر‪ .‬وكل‬ ‫ذلك يتم ب�سرعة قيا�سية و�إنت�شار على �أو�سع نطاق‪ .‬وقد �أثبتت‬ ‫بع�ض الدرا�سات‪� ،‬إىل �أن ن�سبة �إ�ستعمال �شبكة الإنرتنت يف العامل‬

‫‪56‬‬


‫يف �أمور م�ضرة وغري مفيدة‪ ،‬قد بلغت الـ‪� % 70‬أو يزيد‪ .‬وال �شك‬ ‫ب�أن مواقع العنف والإباحية ومنتديات اللهو املفرط‪ ،‬وال�سباب‬ ‫وال�شتائم واملكائد وغريها قد �أخذت حيزاً كبرياً على هذه ال�شبكة‪.‬‬ ‫وقد ن ّبه الباحثون خلطورة �إدمان ال�شباب وخا�صة الأطفال‬ ‫لأجهزة التكنولوجيا احلديثة على �إختالفها‪،‬‬ ‫من كومبيوتر و�آيباد‪ ،‬وهواتف ذكية‪ ،‬مربوطة ب�شبكة الإنرتنت‪،‬‬ ‫ملا ت�سببه من �إنعزالية و�إنطواء عن املجتمع القريب‪ ،‬وخلق هوة‬ ‫كبرية بينه وبني حميطهم الإجتماعي‪ ،‬حيث يتكون لهم �أ�صدقاء‬ ‫�إفرتا�ضيني‪ ،‬قد يكونوا خمتلفني عن واقعهم احلقيقي‪ .‬ومما‬ ‫يزيد يف خطورة هذا التوا�صل �أنه يتمتع بخ�صو�صية بالغة‪ ،‬بعيدة‬ ‫كل البعد عن �أية رقابة من الأهل �أو من املربني‪.‬‬ ‫�أما الألعاب الإلكرتونية فهي تهدد الأطفال واملراهقني ‪ -‬كلما‬ ‫زادت كمية الوقت الذي يق�ضونه �أمامها – بالعزلة عن النا�س‪،‬‬ ‫وباملعاناة من القلق والإكتئاب واملخاوف الإجتماعية‪ .‬وقد �أجريت‬ ‫درا�سات علمية و�إح�صائية حول �إدمان �ألعاب الفيديو‪ ،‬ف َث ُبتَ �أنها‬ ‫حتولت �إىل م�شكلة �سلوكية خطرية وكبرية‪ ،‬و�أنها �أ�صبحت ت�شكل‬ ‫مر�ضاً يف حد ذاتها‪ ،‬وخ�صو�صاً �ألعاب العنف للأطفال‪� .‬أما بقية‬ ‫الألعاب‪ ،‬فهي نوع من �ألعاب الع�صر احلديث‪ ،‬التي ال ميكن‬ ‫حرمان الأطفال من ممار�ستها‪ ،‬مع الإعتدال وحتديد الوقت‬ ‫الذي يق�ضيه الطفل يف ممار�ستها‪ ،‬بالتوازي مع بقية الأن�شطة‬ ‫الأخرى‪ ،‬ريا�ضية كانت �أم �إجتماعية‪ .‬وقد ح ّثت املفو�ضية‬ ‫الأوروبية الدول الأع�ضاء يف الإحتاد الأوروبي‪ ،‬على مناق�شة‬ ‫التو�صل �إىل ميثاق طوعي لل�سلوك اخلا�ص ب�ألعاب الفيديو‬ ‫العنيفة‪ ،‬وذلك بغر�ض حماية الأطفال‪ .‬وقد ذكرت �صحيفة‬ ‫(تايبيه تاميز) التايوانية يف عددها ال�صادر ‪ 18‬كانون الثاين لهذا‬ ‫العام‪� ،‬أن �شاباً تايوانياً‪ ،‬يبلغ من العمر ‪ 32‬عاماً فارق احلياة‪ ،‬بعد‬ ‫�أن �أم�ضى ثالثة �أيام متوا�صلة‪ ،‬وهو يلعب يف مقهى للإنرتنت‬ ‫يف جنوب جزيرة (كاوه�سيونغ)‪ .‬وح�سب رواية �أحد العاملني يف‬ ‫املقهى‪ ،‬ف�إن ال�شاب املتويف كان مدمناً على �ألعاب الفيديو لدرجة‬ ‫�أنه كان يلعب لأيام متتالية‪ .‬حيث �أنه كان يف كثري من الأحيان‬ ‫ي�ضطر للنوم يف كر�سيه‪� ،‬أو يلقي ر�أ�سه على الطاولة عندما كان‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫ي�شعر بالتعب‪ ،‬ال�شيء الذي جعل زبائن املقهى يظنون للوهلة‬ ‫الأوىل �أنه نائم‪ ،‬قبل �أن يالحظ �أحد العاملني باملقهى‪� ،‬أنه مل‬ ‫يعد يتنف�س‪ ،‬فتم نقله على وجه ال�سرعة �إىل امل�ست�شفى حيث‬ ‫�أعلنت وفاته‪.‬‬ ‫و�أكد التقرير الطبي �أنه تويف �إثر �سكتة قلبية ناجمة عن جلو�سه‬ ‫املط ّول �أمام الكومبيوتر‪.‬‬ ‫خال�صة‪ .‬مع هذا العر�ض ال�سريع للعوامل امل�ؤثرة يف بناء‬ ‫�شخ�صية الفرد‪� ،‬أخل�ص �إىل القول �إىل �أنها جمتمعة ت�شرتك يف‬ ‫تكوين العقل الب�شري وال�سلوك الإن�ساين الذي يتمتع به الإن�سان‬ ‫وميار�س ن�شاطه العلمي والعملي والإجتماعي يف املجتمع‪ .‬وهذه‬ ‫امل�ؤثرات‪ ،‬ال تعمل يف عزلة عن بع�ضها البع�ض‪ ،‬و�إمنا هي يف‬ ‫حالة تفاعل م�ستمر ومتوا�صل‪ .‬فمث ً‬ ‫ال حني يقال �أن خا�صية ما‪،‬‬ ‫�أو �سمة موروثة مثل الذكاء‪ ،‬ف�إن ذلك ال يعني �أبداً �أنها لي�ست‬ ‫خا�ضعة للتعديل �أو التغيري حتت ت�أثري العوامل الأخرى مثل‬ ‫الأ�سرة �أو املدر�سة �أو اجلامعة �أو البيئة احلا�ضنة �أو غري ذلك‪.‬‬ ‫فاجلينات املختلفة تتباين فيما بينها �إىل حدٍ كبري يف �إ�ستجابتها‬ ‫للظروف البيئية املحيطة بها‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬ال بد من الرتبية على ثقافة الو�سطية والإعتدال‪،‬‬ ‫وعلى ثقافة ن�شر ال�سالم والإنفتاح على الآخر‪ ،‬يف مواجهة‬ ‫الفكر املتطرف‪ ،‬والإرهاب امل�ست�شري‪ .‬وهذا يتطلب �إعداداً�سليماً‬ ‫ومتوا�ص ً‬ ‫ال للنا�شئة‪ ،‬الذين هم بناة امل�ستقبل‪ ،‬قطباه‬ ‫الأ�سا�سيان‪:‬الأ�سرة وامل�ؤ�س�سات الرتبوية‪� .‬أما باقي العوامل‪ ،‬فهي‬ ‫يف معظمها قد تف�سد �أكرث مما ت�صلح‪ ،‬وهي تبقى خارج �إمكانية‬ ‫الت�أثري املبا�شر‪ ،‬نظراً لتنوعها‪ ،‬وتعددها وخ�صو�صيتها والتي ال‬ ‫تخ�ضع لرقابة معينة‪ * .‬الرتبية الأ�سرية‪ ،‬وحتديداً �إعداد‬ ‫الأم �إعداداً تربوياً حديثاً يتما�شى مع متطلبات الع�صر وملواجهة‬ ‫حتدياته الكثرية وعلى خمتلف اجلبهات‪ .‬كما �أنه من ال�ضروري‬ ‫�أن ي�شكل الوالدان قدوة ح�سنة لأبنائهم يف القول والعمل‪ ،‬و�أن‬ ‫يع ّودوا �أبناءهم على �إجتناب املحرمات واملوبقات‪،‬وعلى احلوار‬ ‫باحل�سنى واملناق�شة املبنية على الثقة واملحبة‪ ،‬والربهان واحلجة‪،‬‬ ‫وكذلك �إعتماد التوازن يف كل الأمور مبا فيها التوازن يف الإنفاق‪،‬‬

‫‪57‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫والتوازن بني م�صادر املعرفة الثالث‪ :‬الوحي والعقل واحل�س‪،‬‬ ‫والإبتعاد عن الغلو واملبالغة يف جميع الأمور‪ ،‬والإعتدال يف‬ ‫ال�سلوك والتم�سك بالعدالة و�أولها امل�ساواة بني الأوالد‪� .‬أ�ضرب‬ ‫على ذلك مثا ًال ما يجري يف ماليزيا‪ ،‬حيث تقيم الدولة دورات‬ ‫ت�أهيلية �إلزامية للقادمني على الزواج ت�ستمر ملدة ثالثة �أ�شهر‪،‬‬ ‫ويتلقى فيها الزوجان �أ�صول ومبادئ احلياة الزوجية التي هم‬ ‫قادمون عليها مبا فيها �أ�صول تربية الأوالد‪ .‬ويعطى الإذن‬ ‫بالزواج فقط ملن ينجح يف هذه الدورات‪.‬‬ ‫ امل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية (املدار�س واجلامعات(‪ .‬ال يجوز‬‫�أن يقت�صر دور امل�ؤ�س�سات الرتبوية على الت�أهيل العلمي واملعريف‬ ‫فقط‪ ،‬بل يجب �أن يتعداه �إىل بناء التوازن الفكري والإعتدال‬ ‫ال�سلوكي‪ ،‬ومنهجية التفكري‪ ،‬ون�شر ثقافة الو�سطية‪ ،‬والقيام‬ ‫بالتطبيقات املنا�سبة لكل ذلك‪ ،‬حتى يت�س ّنى �إعداد �أجيال م�ؤمنة‬ ‫بثقافة ال�سالم‪ ،‬وتكون قادرة على جمابهة الأفكار املتطرفة‪.‬‬ ‫ �إن جناح امل�ؤ�س�سات الرتبوية يجب �أن يهدف �أي�ضاً �إىل بناء‬‫ال�شخ�صية امل�ؤهلة علمياً‪ ،‬وامل�ؤمنة بربها‪ ،‬وامللتزمة بدينها‪،‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫واملخل�صة لوطنها والنا�شطة يف جمتمعها‪ ،‬واملنفتحة على‬ ‫الآخر‪ ،‬والقادرة على نقد الفكر املتطرف واملتع�صب‪ ،‬والراف�ضة‬ ‫للإنغالق والتقليد الأعمى‪ ،‬وامللتزمة ب�أدب النقد والإختالف‬ ‫و�أهمية احلوار باحل�سنى‪ .‬وليتحقق ذلك ال بد من �إ�شراك جميع‬ ‫مكونات العملية الرتبوية يف هذه الأهداف‪ .‬وهذه املكونات هي‬ ‫العقيدة والقيم‪ ،‬واملعلم‪ ،‬والربامج واملناهج التعليمية‪ ،‬والإدارة‬ ‫الرتبوية‪ ،‬والطالب الذي ي�شكل حمور العملية الرتبوية‪.‬‬ ‫ �إن درا�سة هذه العوامل امل�ؤثرة يف بناء �شخ�صية الإن�سان‪،‬‬‫والرتكيز على هذين العاملني الأ�سا�سيني (اللذين هما الأ�سرة‬ ‫وامل�ؤ�س�سات الرتبوية( وو�ضع الربامج املنا�سبة لهما‪ ،‬و�إقامة‬ ‫دورات الت�أهيل للقائمنب عليها‪ ،‬ت�ساعد يف مواجهة �سلبيات‬ ‫العوامل الأخرى التي ذكرناها‪ ،‬وبالتايل ت�ساعد يف الت�صدي‪،‬‬ ‫وحماربة الغلو والإرهاب واحل ّد من �إنت�شار الفكر املتطرف‪،‬‬ ‫ون�شر ثقافة ال�سالم‪ ،‬وخ�صو�صاً بني �صفوف ال�شباب الذين هم‬ ‫�أمل امل�ستقبل وبناته‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫نعمة الأمن‬

‫الدكتور‪� /‬سليمان الرطروط‬

‫الأمن لغة ‪� :‬ضد اخلوف ‪ ،‬و�آمن به ‪� :‬صدقه ‪ ،‬وامل�ست�أمن‪ :‬حيث تنتقل اخلربات والعلوم واملنافع ما بني ال�شعوب والأمم‪ ،‬يف‬ ‫امل�ستجري لي�أمن على نف�سه وماله وعر�ضه ‪� .‬أما يف اال�صطالح جو من التعاون والتبادل الأممي الكبري؛ مبا يعود عليهم بالنفع‬ ‫فيمكن تعريفها ب�أنها‪ :‬الإجراءات التي تتخذها جهة ما‪-‬دولة والفائدة‪ .‬وال ميكن لتلك املنافع من االنتقال والتبادل بني‬ ‫�أو غريها ‪-‬لت�أمني وحماية �أفرادها ومن�ش�آتها وم�صاحلها الأمم وال�شعوب دون �إنت�شار جو ال�سلم واال�ستقرار الأممي‪ ،‬بحيث‬ ‫من الإعتداء والعبث من الآخرين‪ .‬وهذه الإجراءات ت�ضمن تكون �أجواء الثقة واالحرتام املتبادل هي الأجواء ال�سائدة بني‬ ‫ال�شعوب والأمم‪� ،‬أما يف �أجواء احلروب والإ�ضرابات فال تتحقق‬ ‫اال�ستقرار والط�أنينة والهدوء‪.‬‬ ‫وقد اتفقت الكتب ال�سماوية الثالث وب�شكل عام على �أن الإن�سان امل�صالح واملنافع بني الدول وال�شعوب واجلماعات‪.‬‬ ‫خليفة اهلل يف الأر�ض؛ لعمارتها‪ ،‬والعمل ال�ستدامة احلياة فيها‪ ،‬ولذا ف�إن الإ�سالم يدعو لل�سلم والهدوء‪ ،‬وال ي�أمر بالعنف وال�شدة‬ ‫كما وتتوافق الديانات على حرمة القتل و�سفك الدماء‪ ،‬وعلى والق�سوة‪ ،‬وال يهدد النا�س يف �أمنهم وا�ستقرارهم‪ ،‬ومل يثبت‬ ‫وجوب احرتام الإن�سان لإخوته الآخرين من الب�شر؛ فال ينتهك تاريخياً �أن الإ�سالم و�أهله هم من بدءوا ب�شن احلروب والغزوات؛‬ ‫�أعرا�ضهم‪ ،‬وال ي�سلب �أموالهم‪ ،‬وال يعتدي على حرماتهم‪ .‬و�إذا �سواء يف عهد النبوة �أو يف عهد اخلالفة الرا�شدة‪ ،‬بل �إن الآيات‬ ‫كانت تلك الو�صايا واملبادئ متفق عليها لدى الديانات‪ ،‬فهي الناطقة ‪ ،‬والآحاديث النبوية كلها تدعو لل�سلم والأمن‪ ،‬وحتث‬ ‫ِل�س ْل ِم‬ ‫�أي�ضاً مما ال يتعار�ض مع �أي مبد�أ و�ضعي كذلك؛ ولذا ف�إن امل�ؤمنني على الإلتزام به‪ ،‬قال تعاىل ‪َ (( :‬و�إِن َج َن ُحواْ ل َّ‬ ‫ال�سمِ ي ُع ا ْل َعلِي ُم )‪َ (61‬و�إِن ُيرِيدُواْ‬ ‫احلفاظ على �أ�سا�سيات احلياة واحرتامها من املبادئ امل�ستقرة يف َف ْ‬ ‫اج َن ْح َلهَا َو َت َو َّك ْل َعلَى اللهّ ِ �إِ َّن ُه هُ َو َّ‬ ‫ذات الإن�سان ووجدانه الداخلي‪ ،‬ومما يرتتب عليه انت�شار ال�سالم �أَن َي ْخ َدع َ‬ ‫ُوك َف ِ�إ َّن َح ْ�س َب َك اللهّ ُ هُ َو ا َّلذِ يَ �أَ َّيد َ​َك ِب َن ْ�ص ِر ِه َو ِبالمْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني‬ ‫)‪َ (62‬و�أَ َّل َف َبينْ َ ُق ُلو ِب ِه ْم َل ْو �أَن َفقْتَ مَا فيِ الأَ ْر ِ�ض َجمِ يعاً َّما �أَ َّل َفتْ‬ ‫واالطمئنان وال�سكينة‪.‬‬ ‫ونالحظ �أن التعارف والتوا�صل االجتماعي بني النا�س ‪-‬على َبينْ َ ُق ُلو ِب ِه ْم َو َلـ ِكنَّ اللهّ َ �أَ َّل َف َب ْي َن ُه ْم �إِ َّن ُه َعزِي ٌز َحكِي ٌم )‪ (63‬الأنفال)‬ ‫اختالف �أديانهم و�شعوبهم‪ ،‬وعلى تعدد �أل�سنتهم و�ألوانهم‪ ،-‬وملا عُر�ض على ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪-‬ال�صلح يف‬ ‫هو من املقا�صد الرئي�سة للإ�سالم ودعوته‪ ،‬واهلل �سبحانه احلديبية ‪� ،‬أبرم ال�صلح ‪ ،‬والتزم به‪ ،‬رغم بع�ض ال�شروط القا�سية‬ ‫ا�س �إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ َذ َكرٍ َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم واملجحفة والتي كان ظاهرها ل�صالح كفار قري�ش‪ ،‬ورغم معار�ضة‬ ‫يقول‪َ (( :‬يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِ َّن �أَ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد اللهَّ ِ �أَ ْت َقا ُك ْم �إِ َّن اللهَّ َ َعلِي ٌم بع�ض ال�صحابة ‪-‬ر�ضوان اهلل عليهم ‪-‬لل�صلح‪� ،‬إال �أن ر�سول اهلل‬ ‫ري)( احلجرات ‪ ، )13‬و�سينتج عن ذلك التعارف والتوا�صل �أنفذه؛ لتوجيه اهلل له‪ ،‬ولعلمه �سبحانه �أن انت�شار الإ�سالم ‪،‬‬ ‫َخ ِب ٌ‬ ‫تبادل للم�صالح واملنافع واخلربات واملهارات‪ ،‬و�سي�ؤدي للتكامل وب�سط رقعة نفوذه‪� ،‬سيكون معظمه يف ظل ال�سلم والأمان؛ ولذا‬ ‫االقت�صادي‪ ،‬ولل�سعي نحو التطوير‪ ،‬والإفادة مما لدى الآخرين‪ ،‬كان �أكرث و�أقوى انت�شار للإ�سالم يف �أجواء ال�سالم‪� ،‬أما يف ظل‬ ‫وقد حتقق ذلك يف املا�ضي ‪ ،‬وما زال م�ستمراً يف الوقت احلا�ضر‪ ،‬احلروب والغزوات فكان انت�شاره حمددواً مقارنة بانت�شاره يف ظل‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪59‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫ال�سالم‪ .‬ولقد �سميت ال�سورة التي حتدثت عن �صلح احلديبية احلج بالإ�ضافة للقدرة املادية واجل�سدية‪ ،‬حتقق الأمن‪ ،‬وهو ما‬ ‫ب�سورة الفتح‪ ،‬بل �إن اهلل يف �آياته جعل من �صلح احلديبية ينعدم يف ظل العنف واحلرب‪ ،‬والأمثلة كثرية ‪ ،‬ولذا فالأمن‬ ‫فتحاً للدعوة‪ ،‬وباباً وا�سعاً لن�شر الإ�سالم ((�إِ َّنا َف َت ْح َنا َل َك َف ْت ًحا وال�سكينة عن�صر �أ�سا�سي لتحقق الكثري من �أحكام الإ�سالم ‪.‬‬ ‫ُّم ِبي ًنا* ِل َي ْغ ِف َر َل َك اللهَّ ُ مَا َت َق َّد َم مِ ن َذن ِب َك َومَا َت�أَ َّخ َر َو ُي ِت َّم ِن ْع َم َت ُه ولداللة على �أهمية الأمن و�ضرورته للحياة؛ ف�إن �إبراهيم ‪-‬عليه‬ ‫َعلَ ْي َك َو َيهْدِ َي َك ِ�ص َر ً‬ ‫ن�ص َر َك اللهَّ ُ َن ْ�ص ًرا َعزِي ًزا*هُ َو ال�سالم ‪-‬عندما �أمره اهلل ‪�-‬سبحانه ‪-‬برتك زوجته هاجر وولدها‬ ‫اطا ُّم ْ�س َتقِي ًما* َو َي ُ‬ ‫ال�سكِي َن َة فيِ ُق ُلوبِ المْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني ِل َي ْزدَادُوا �إِميَا ًنا َّم َع �إِميَا ِن ِه ْم �إ�سماعيل يف مكة ‪ ،‬كان من دعائه البارز بالأمن للبيت احلرام‬ ‫ا َّلذِ ي �أَن َز َل َّ‬ ‫ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض َو َكا َن اللهَّ ُ َعلِي ًما َحكِي ًما)‬ ‫(( َو�إِ ْذ َقا َل �إِ ْب َراهِ ي ُم َر ِّب ْاج َع ْل ه َذا َبلَدًا �آمِ ًنا َوا ْر ُز ْق َ�أهْ لَ ُه مِ َن‬ ‫َوللِهَّ ِ ُج ُنو ُد َّ‬ ‫( الفتح ‪) 4- 1‬؛ ولذا فلقد كان �صلح احلديبية فتحاً مبيناً للدعوة ال َّث َم َراتِ َمنْ �آم َ​َن مِ ْن ُه ْم بِاللهَّ ِ َوا ْل َي ْو ِم ْالآخِ ِر َقا َل َو َمنْ َك َف َر َف�أُ َم ِّت ُع ُه‬ ‫ري(( (البقرة ‪(126‬‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬حيث �سادت �أجواء ال�سالم واال�ستقرار �أرجاء اجلزيرة َق ِليلاً ُث َّم �أَ ْ�ض َط ُّر ُه �إِلىَ َع َذابِ ال َّنا ِر َو ِب ْئ َ�س المْ َ ِ�ص ُ‬ ‫العربية؛ مما دعا لن�شر الإ�سالم خارج اجلزيرة‪ ،‬ويف داخلها كذلك فالأمن �أو ًال يف دعاء �أبي الأنبياء ‪-‬عليهم ال�سالم‪ ،-‬فبدون الأمن‬ ‫بوا�سطة الر�سل والدعاة‪.‬‬

‫ال ميكن �أن تتحقق �أي م�صلحة كانت‪ ،‬وال ميكن للحياة �أن تكون‬

‫وهكذا ف�إن انت�شار الإ�سالم دائماً وغالباً ما يكون يف �أجواء يف ذلك املكان‪ .‬و�إن الفو�ضى واال�ضطراب و�إنعدام الأمن ال ميكن‬ ‫اال�ستقرار والطم�أنينة ‪ ،‬لأن الإميان ال يقبل �إال عن ر�ضى قلبي له �أن ي�أت بخري �أبداً‪ .‬وقد امنت اهلل �سبحانه على �أهل مكة قبل‬ ‫‪ ،‬فال يكون اعتناق الإ�سالم �إال عن ر�ضى وحب‪ ،‬ودون �إجبار �أو �إ�سالمهم ‪ ،‬ب�أن جعل لهم مكة حرماً �آمناً ‪-‬رغم كفرهم ‪ -‬ومما‬ ‫�إكراه ‪ ،‬وما ال�شعوب الكثرية التي اعتنقت الإ�سالم دون اللجوء حتقق من ذلك الأمن �أن ثمرات الأر�ض جميعاً جتبى لبلدهم‪،‬‬ ‫�إىل احلروب �إال خري �شاهد على ذلك؛ فال�شعوب امل�سلمة يف جنوب و�أن مكة مق�صد النا�س للحج للعبادة ‪ ،‬وكما �أنها مق�صدهم‬ ‫�شرق �أ�سيا‪ ،‬وغريها من البالد الأ�سيوية‪ ،‬والإفريقية والتي كذلك لق�ضاء منافع لهم‪ ،‬وقد انعك�س �أثر الأمن على �أهل مكة‬ ‫دخلها الإ�سالم بالكلمة ‪ ،‬ودون ا�ستخدام للقوة واجليو�ش‪ ،‬دليل بزيادة و�سعة الرزق‪ ،‬رغم �أن مكة غري ذات زرع ‪ ،‬وجاء الأمن‬ ‫على تف�ضيل الإ�سالم لل�سلم والأمن‪ ،‬و�أن عدد امل�سلمني الآن يف ا�ستجابة لدعاء �إبراهيم ‪-‬عليه ال�سالم ‪-‬حيث جعل اهلل مكة‬ ‫العامل ممن دخلت بلدانهم الإ�سالم دون قتالهم والإ�سالم يعترب �آمنة مطمئنة‪ ،‬يحرم فيها القتال والنزاع‪ ،‬ويحرم فيها الفو�ضى‬ ‫((ليلاَ ِف ُق َر ْي ٍ�ش (‪� (1‬إِيلاَ ِف ِه ْم ر ِْحلَ َة ِّ‬ ‫ال�ص ْيفِ‬ ‫ال�ش َتاء َو َّ‬ ‫�أن �أجواء الأمن واال�ستقرار هي الأ�صل ‪ ،‬و�أن احلرب والعداوة والإرهاب ِ إِ‬ ‫بني النا�س هي الطارئ واال�ستثناء ؛ لأن الكثري من العبادات (‪َ (2‬ف ْل َي ْع ُبدُوا َر َّب َه َذا ا ْل َب ْيتِ (‪ (3‬ا َّلذِ ي �أَ ْط َع َمهُم مِّن ُجو ٍع َو�آ َم َنهُم‬ ‫يف الإ�سالم ال ميكن حتقيقها �إال يف الأجواء الآمنة وامل�ستقرة‪ِّ ،‬منْ َخ ْو ٍف )(قري�ش ) ولداللة على �أن الأ�صل هو ال�سكينة والأمن‬ ‫فكيف للمرء امل�سلم �أن ينطق بال�شهادتني مث ً‬ ‫ال يف بلد ما ‪� ،‬إذا كانت ؛ ف�إن اهلل �سبحانه وتعاىل جعل اخلوف واال�ضراب والفو�ضى‬ ‫احلرب والعداوة هي ال�سائدة بني �أهل ذلك البلد وامل�سلمني‪ ،‬بل وعدم الأمن من االبتالء للم�ؤمنني؛ فقال‪َ ( :‬و َل َن ْب ُل َو َّن ُك ْم ب َِ�ش ْي ٍء‬ ‫‪ ‬الَ ْم َوالِ َو ْ أ‬ ‫كيف للمرء �أن ي�ؤدي ال�صالة يف �أجواء احلرب والعنف والإرهاب‪ ،‬مِ َن الخْ َ ْو ِف َوالجْ ُ و ِع َو َن ْق ٍ�ص مِ َن ْ أ‬ ‫الَ ْن ُف ِ�س َوال َّث َم َراتِ‬ ‫ال�صا ِبر َ‬ ‫ِين) (البقرة ‪ ، )155:‬فالأ�صل يف حياة امل�ؤمن هو‬ ‫واحلج كذلك هل ميكن الذهاب وال�سعي نحو بيت اهلل احلرام يف َو َب ِّ�ش ِر َّ‬ ‫ظل احلروب ‪ ،‬وانعدام الأمن واال�ستقرار‪ ،‬ومن �شروط وجوب اال�ستقرار والإطمئنان وال�سكينة ولي�س اخلوف‪ ،‬لأنه طارئ ‪،‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪60‬‬


‫وهو �إبتالء ‪ ،‬وعلى املرء امل�سلم العمل على مكافحته والتخل�ص تراعوا ‪ ،‬مل تراعوا )( �أي ال تخافوا ‪ ،‬رواه الرتمذي )‪.‬‬ ‫منه‪ ،‬والعمل وال�سعي لنقي�ضه‪ ،‬وهو اال�ستقرار والهدوء‪ ،‬وال�سلم‪ .‬ويف �سبيل العمل لتحقيق الأمن الداخلي واخلارجي للمجتمع ؛‬ ‫و�إن من يدعون �أن الأ�صل هو اخلوف واالبتالء �إمنا يناق�ضون ف�إن اهلل �سبحانه �أمرنا ب�إعداد العدة والقوة املختلفة واملتنوعة‪،‬‬ ‫احلقيقة‪ .‬وهذا نبي اهلل يو�سف ‪-‬عليه ال�سالم ‪-‬ملا دخل �أبوه نبي وح�سب قدرتنا و�إمكاناتنا‪ ،‬وتلك القوة تتنوع من زمن لآخر‪ ،‬فما‬ ‫اهلل يعقوب ‪-‬عليه ال�سالم ‪-‬و�أبنا�ؤه م�صر؛ ف�إن يو�سف ‪-‬عليه ي�صلح كقوة يف وقت ما قد ال ي�صلح يف وقت �آخر‪ ،‬وهذا الإعداد‬ ‫و�س َف �آ َوى �إِ َل ْي ِه َ�أ َب َو ْي ِه من قبيل اجلاهزية القتالية؛ لإخافة الأعداء واملرتب�صني بالأمة‬ ‫ال�سالم ‪-‬قال لهم ‪َ (( :‬فلَ َّما د َ​َخ ُلوا َعلَى ُي ُ‬ ‫َو َقا َل اد ُْخ ُلوا مِ ْ�ص َر �إِن َ�شا َء اللهَّ ُ �آمِ ِن َ‬ ‫ني ) (يو�سف‪ ، )99 :‬فالأمن ‪ ،‬واحلاقدين عليها‪ ،‬ومن الطامعني يف مكت�سباتها وثرواتها‬ ‫هو الأ�سا�س لال�ستقرار‪ ،‬و�إدامة احلياة الهانئة‪.‬‬ ‫�أي�ضاً؛ لدفع �شرورهم‪ ،‬وحماوالتهم النيل منها ؛ ولذا جاء الأمر‬ ‫وقد ورد يف احلديث ال�شريف الإ�شارة والبيان لأهمية الأمن ‪ ،‬بالإعداد واال�ستعداد ر�سالة للأعداء حتى ال يخالط عقولهم‬ ‫وعظم �ش�أنه؛ فقال ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪َ ) :-‬منْ التفكري باالعتداء على امل�سلمني ودولتهم‪ ،‬ولو مل نتجهز لكانت‬ ‫�أَ ْ�ص َب َح مِ ْن ُك ْم �آمِ ًنا فيِ �سِ ْر ِب ِه ‪ُ ،‬م َعا ًفى فيِ َج َ�سدِ ِه ‪ ،‬عِ ْن َد ُه َط َعا ُم َي ْومِ ِه ‪ ،‬الأمة لقمة �سائغة يف فم �أعدائها ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ (( :‬و�أَعِ دُّ وا َل ُه ْم مَا‬ ‫َف َك�أَنمَّ َ ا حِ ي َزتْ َل ُه الدُّ ْن َيا)(رواه الرتمذي)‬ ‫اط الخْ َ ْيلِ ُت ْرهِ ُبو َن ِب ِه َع ُد َّو اللهَّ ِ َو َع ُد َّو ُك ْم‬ ‫ْا�س َت َط ْع ُت ْم مِ نْ ُق َّو ٍة َومِ نْ ِر َب ِ‬ ‫فهذه الأمور الثالثة املهمة للحياة و�إدامتها؛ الأمن ‪ ،‬وال�صحة َو� َآخر َ‬ ‫ِين مِ نْ دُو ِن ِه ْم اَل َت ْعلَ ُمو َن ُه ُم اللهَّ ُ َي ْعلَ ُم ُه ْم َومَا ُت ْن ِف ُقوا مِ نْ َ�ش ْي ٍء‬ ‫والعافية‪ ،‬والقوت‪ ،‬و�إذا فقدت واحدة منها ال تتحقق احلياة فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ ُي َو َّف �إِ َل ْي ُك ْم َو�أَ ْن ُت ْم اَل ُت ْظلَ ُمو َن(( الأنفال ‪)60‬‬ ‫ال�سعيدة الراغدة‪ ،‬ولعل يف تقدمي الأمن على احلاجات الباقية‬ ‫فوائد الأمن ‪:‬‬

‫للداللة على عظم �أهميته لها‪.‬‬

‫ولعل من �أهم واجبات احلاكم والدولة بكل م�ؤ�س�ساتها‪ ،‬توفري للأمن فوائد كثرية؛ تنعك�س على الفرد واجلماعة ‪ ،‬ولعل من‬ ‫املتطلبات الثالثة ال�سابقة للمواطنني جميعاً؛ �أال وهي ‪ :‬الأمن �أبرز و�أهم فوائد الأمن ما ي�أتي ‪:‬‬ ‫وال�صحة والطعام‪ ،‬وهي احلاجات الأ�سا�سية حلياة النا�س‪ ،‬والتي ‪ -1‬املحافظة على الأرواح والأعرا�ض واملمتلكات ‪ :‬فعند �إنعدام‬ ‫ال ميكن للنا�س التغا�ضي عنها‪ ،‬وقد ورد يف احلديث �أن �أهل املدينة اال�ستقرار‪ ،‬وانت�شار الفو�ضى‪ ،‬يلغى تطبيق الأحكام ال�شرعية‬ ‫�سمعوا �صوتاً خميفاً يف الليل‪ ،‬فخرج ر�سول اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه ‪ ،‬والقوانني املرعية‪ ،‬فتزهق الأرواح دون حق‪ ،‬وبوجه غري‬ ‫و�سلم ‪-‬م�سرعاً جلهة ال�صوت‪ ،‬ممتطياً فر�ساً دون �سرج‪ ،‬ومتقلداً م�شروع‪ ،‬بل يكون القتل لأب�سط ال�شبهات والقرائن‪ ،‬وقد يقتل‬ ‫�سيفه‪ ،‬فلم يجد �شيئاً ‪ ،‬فرجع وطم�أن النا�س الذين خرجوا املرء وال يدري مل قتل؟ ويف الوقت احلا�ضر ويف ظل الفو�ضى‬ ‫نحو ال�صوت؛‪ ‬فعن‪� ‬أن�س بن مالك‪ ‬قال‪ ‬كان ر�سول اهلل ‪�-‬صلى واال�ضطراب ُي�ستهدف الآمنون من املدنيني وغريهم بالق�صف‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪� -‬أح�سن النا�س‪ ،‬وكان �أجود ‪ ‬النا�س ‪،‬ولقد فزع الع�شوائي ‪ ،‬والذي ينتج عنه الكثري من القتلى الأبرياء‪� ،‬سواء‬ ‫�أهل‪ ‬املدينة‪ ‬ذات ليلة؛ فانطلق نا�س قبل ال�صوت‪ ،‬فتلقاهم ر�سول من الن�ساء والأطفال‪ ،‬وكبار ال�سن‪ .‬ويف ظل التقاتل والفو�ضى‬ ‫اهلل ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬راجعاً ‪ ،‬وقد �سبقهم �إىل ال�صوت‪ ،‬وهو واحلروب تهجر العائالت ‪ ،‬وتتعر�ض الأعرا�ض للأذى اللفظي‬ ‫على فر�س‪ ‬لأبي طلحة‪ ‬عري يف عنقه ال�سيف‪ ،‬وهو يقول‪ :‬مل والفعلي‪ ،‬وما حوادث االغت�صاب �أثناء احلروب والفو�ضى‪� ،‬إال‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪61‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫�شواهد على الآثار املدمرة لكرامة الإن�سان وقيمه ودينه‪ ،‬ولعل وتتال�شى الباطلة‪.‬‬ ‫ما �سيرتكه ذلك االنتهاك للأعرا�ض من �آثار نف�سية ال ميكن ‪ - 5‬ا�ضمحالل الأفكار املتطرفة ‪ :‬يف ظل �أجواء اال�ستقرار‬ ‫طم�سه وتنا�سيه‪ .‬و�أما املمتلكات املنقولة وغري املنقولة والتي وال�سكينة ت�ضمحل الأفكار املتطرفة‪ ،‬و�آراء الغالة‪ ،‬لأن الأر�ض‬ ‫ق�ضى �أ�صحابها ال�سنوات الطوال للعمل وال�سعي المتالكها اخل�صبة للأفكار املتطرفة هي الأجواء امل�شحونة وامل�ضطربة‪،‬‬ ‫فما هي �إال حلظات وت�صبح عدماً‪ ،‬فكم من غني و�صاحب ف�ضل �أما يف املجتمع الآمن فيمكن مناق�شة تلك الأفكار بهدوء وروية ‪،‬‬ ‫و�سعة يف الرزق �أ�صبح نتيجة للفو�ضى واال�ضطراب معدماً فقرياً والعمل على نق�ض دعائمها باحلجة والربهان والعقل واملنطق‪،‬‬ ‫ولكن يف جو الفو�ضى وانعدام ال�سلم تكون الكلمة واحلجة‬

‫يتكفف النا�س ‪.‬‬

‫‪� - 2‬إن الأمن واالطمئنان يجعل من املجتمع هادئاً م�ستقراً ‪ ،‬مما ل�صاحب ال�سالح‪ ،‬فهو من يفر�ض ر�أيه وحجته‪ .‬ومما يتولد عن‬ ‫ينعك�س على النا�س باال�ستقرار والراحة النف�سية‪� ،‬أما الفو�ضى �أجواء الأمن واال�ستقرار �أي�ضاً انت�شار الأفكار ال�سليمة والأفكار‬ ‫واحلروب وعدم اال�ستقرار ف�سينتج عنه اال�ضراب‪ ،‬وانت�شار املعتدلة‪ ،‬لأنها تخاطب العقل والقلب دون خوف �أو �إكراه �أو‬ ‫الأمرا�ض النف�سية والع�صبية‪ ،‬ويولد ال�شعور باخلوف من كل �إرهاب‪.‬‬ ‫�شيء‪ ،‬ويجعل املرء يف حرية و�سلوك م�ضطرب‪ ،‬ال يثق ب�أحد‪ ،‬وال‬ ‫ي�شعر مب�ستقبل �آمن وم�ستقر‪.‬‬ ‫‪ - 3‬يعم اخلري والرخاء ‪� :‬إن من الآثار املبا�شرة وال�سريعة لنعمة‬ ‫الأمن �أن ينت�شر ويعم اخلري على املجتمعات الآمنة‪ ،‬حيث ي�سعى‬ ‫كل �أفراد املجتمع للعمل‪ ،‬وتنمية وتعظيم املقدرات‪ ،‬والبناء‬ ‫والعمارة‪ ،‬مما يزيد من الأعمال‪ ،‬وتتحقق املكا�سب ‪ ،‬فيعم الرخاء‬ ‫املجتمع بكل مكوناته‪ .‬فتكرث وتتنوع الأعمال‪ ،‬وتزدداد املداخيل‬ ‫للنا�س‪ ،‬وي�صبح لدى النا�س فائ�ض يف دخلهم‪ ،‬فت�ستقر حياتهم‪.‬‬ ‫‪- 4‬يزدهر االنتاج ‪ :‬يف ظل الأجواء الآمنة وامل�ستقرة يزداد االنتاج‬ ‫الزراعي وال�صناعي ؛ فاملزارع يحر�ص على فالحة �أر�ضه وتنوع‬ ‫�إنتاجه‪ ،‬بينما مينعه اال�ضراب من ا�ستغالل �أر�ضه‪ ،‬ويت�شكك يف‬ ‫كيفية ت�صريف �إنتاجه‪ ،‬وال يجد يداً عاملة لتعزيز �إنتاجه‪ ،‬وال‬ ‫ي�أمن على حم�صوالته من النهب وال�سرقة‪ ،‬وكل ذلك وغريه‬ ‫ينتفي مع وجود الأجواء الآمنة‪ .‬وكذلك �صاحب ال�صناعة الذي‬ ‫ي�سعى يف �أجواء الأمن واال�ستقرار �إىل تنويع وزيادة منتوجاته‪،‬‬ ‫والعمل على ت�صديرها للخارج بعد اكتفاء الأ�سواق املحلية منها‪،‬‬ ‫مما �سينعك�س �إيجاباً على ال�صناعة‪ ،‬فيزيد عدد الأيدي العاملة ‪،‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪62‬‬


‫جتديد اخلطاب الديني العقدي‬ ‫مفهومه ودواعيه و�ضوابطه‬ ‫مفهوم التجديد لغة‪:‬‬

‫د‪�.‬أحمد احلنيطي‬ ‫ب‪ -‬املحور الثاين‪ :‬قمع البدع واملحدثات‪ ،‬وتعرية �أهلها‬

‫)اجلدُّ وهو القطع‪ ...‬وقولهم ثوب جديد‪ ،‬ك� ّأن نا�سجه قطعه و�إعالن احلرب عليهم وتنقية الإ�سالم مما علق عليه من‬ ‫الآن هذا هو الأ�صل‪ ،‬ثم �سمي كل �شيء مل ت�أت عليه الأيام �أمور اجلاهلية‪ ،‬والعودة به �إىل ما كان عليه زمن الر�سول‬ ‫جديداً ولذلك ي�سمى الليل والنهار اجلديدين والأجدَين؛ و�صحابته الكرام‪.‬‬ ‫قال املناوي(‪) :)6‬يجدد لها دينها‪� :‬أي يبني ال�سنة من البدعة‪،‬‬ ‫لأن كل واحد منهما �إذا جاء فهو جديد((‪.)1‬‬ ‫وجدَّده وا�ستجدَه �أي ويكرث العلم‪ ،‬وين�صر �أهله‪ ،‬ويك�سر �أهل البدعة ويذلهم((‪.)7‬‬ ‫وجتدَّد ال�شيء‪� :‬صار جديداً‪ .‬و�أجدَّه َ‬ ‫ويقول العظيم �أبادي(‪ )8‬يف عون املعبود‪� ،‬شرح �سنن �أبي داود‪:‬‬ ‫�صريه جديداً((‪.)2‬‬ ‫�إن التجديد يف �أ�صله اللغوي يبعث يف الذهن ت�صوراً جتتمع )التجديد‪� :‬إحياء ما اندر�س من العمل بالكتاب وال�سنة‪،‬‬ ‫فيه ثالثة معانٍ مت�صلة ال ميكن ف�صل �أحدها عن الآخر والأمر مبقت�ضاهما و�إماتة ما ظهر من البدع واملحدثات((‪.)9‬‬ ‫وي�ستلزم كل واحد منها معنى الآخر‪.‬‬

‫ولعلة بهذا املعنى ال يح�سن �أن يكون يف �أيامنا هذه‪ ،‬فاملطلوب‬

‫ّ‬ ‫التلطف ولني اجلانب مع عدم اخلجل يف بيان احلق‪ ،‬فاملناوي‬ ‫�أولهما‪� :‬أن ال�شيء املجدد قد كان يف �أول الأمر موجوداً وقائماً‬ ‫�شدّد يف كالمه على �أهل البدع‪ ،‬ولكن العظيم �أبادي كان‬ ‫وللنا�س به عهد‪.‬‬

‫وثانيهما‪� :‬أن هذا ال�شيء �أتت عليه الأيام ف�أ�صابه ال ِبلى و�صار معتد ًال‪� .‬سيما �أنه يختلف النا�س يف مفهوم البدعة وطرق‬ ‫�إنكارها‪.‬‬ ‫قدمياً َخلِقاً‪.‬‬ ‫وثالثهما‪� :‬أن ذلك ال�شيء قد �أعيد �إىل مثل احلالة التي كان ويذكر ال�سيوطي(‪ )10‬يف اجلامع ال�صغري �أن‪) :‬املراد بتجديد‬ ‫الدين‪ ،‬جتديد هدايته وبيان حقيقته‪ ،‬ونفي ما يعر�ض لأهله‬ ‫عليها قبل �أن يبلى ويخلق((‪.)3‬‬ ‫�أما ا�صطالحاً‪:‬‬

‫من البدع والغلو فيه‪� ،‬أو الفتور يف �إقامته‪ ،‬ومراعاة م�صالح‬

‫فقد تنوعت عبارات العلماء يف تعريف التجديد‪ ،‬وتعددت اخللق‪ ،‬و�سنن االجتماع والعمران يف �شريعته((‪.)11‬‬ ‫فالتجديد لي�س معناه تغيري طبيعة القدمي‪� ،‬أو اال�ستعا�ضة‬ ‫�صيغهم لكنها مل تخرج عن حماور ثالثة‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬املحور الأول‪� :‬إحياء ما انطم�س‪ ،‬واندر�س من معامل ال�سنن عنه ب�شيء �آخر م�ستحدث مبتكر‪ ،‬فهذا لي�س من التجديد يف‬ ‫�شيء‪...‬‬ ‫ون�شرها بني النا�س‪ ،‬وحمل النا�س على العمل بها‪.‬‬ ‫قال العلقمي(‪) :)4‬معنى التجديد‪� :‬إحياء ما اندر�س من ثم يقول‪ :‬وال يعني جتديده �إظهار طبعة جديدة منه‪ ،‬بل‬ ‫يعني العودة به �إىل حيث كان يف عهد الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫العمل من الكتاب وال�سنة والأمر مبقت�ضاهما((‪.)5‬‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪63‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫قال تعاىل‪َّ ( :‬ما َكا َن محُ َ َّم ٌد �أَ َبا �أَ َحدٍ مِّن ِّر َجا ِل ُك ْم َو َلكِن َّر ُ�سو َل‬ ‫و�سلم و�صحابته ومن تبعهم ب�إح�سان((‪.)12‬‬ ‫ج‪ -‬املحور الثالث‪ :‬تنزيل الأحكام ال�شرعية على ما يج ّد من اللهَّ ِ َو َخاتمَ َ ال َّن ِب ِّي َ‬ ‫ني((‪ )16‬وقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪) :‬و�أنا‬ ‫وقائع و�أحداث ومعاجلتها معاجلة نابعة من هدى الوحي‪:‬‬

‫خامت النبيني((‪ )17‬وقال �أي�ضاً‪) :‬ال نبي بعدي((‪.)18‬‬

‫كما هو معلوم‪) :‬لي�س املراد باالجتهاد والتجديد الإلغاء فال�شريعة الإ�سالمية ممتدة �إىل قيام ال�ساعة وهي املر�ضية‬ ‫والتبديل وجتاوز الن�ص‪ ،‬و�إمنا املراد‪ :‬هو الفهم اجلديد عند اهلل تعاىل وال تقبل الن�سخ وال التبديل حتى يرث اهلل‬ ‫القومي للن�ص‪ ،‬فهماً يهدي امل�سلم ملعاجلة م�شكالته وق�ضايا الأر�ض ومن عليها‪.‬‬ ‫واقفة يف كل ع�صر يعي�شه‪ ،‬معاجلة نابعة من هدي الوحي((‪ .)13‬فكان ال بد من التجديد لأمرين‪:‬‬ ‫فيكون بعد ذلك التجديد له �أ�صالة مقرتنة باملعا�صرة‪ .‬كما الأول‪ :‬لأن ن�صو�ص ال�شريعة حمدودة واحلوادث التي تقع‬ ‫نالحظ من خالل هذه التعريفات �أن كل املحاوالت التي ممدودة‪:‬‬ ‫تهدف �إىل تطويع الدين وجعله م�ساملاً للجاهلية‪ ،‬وم�سايراً )فلأن الوقائع يف الوجود ال تنح�صر‪ ،‬فال ي�صح دخولها حتت‬ ‫ملا فر�ضته قوى الكفر ب�سطوتها من �أعراف وقيم غريبة الأدلة املنح�صرة‪ ،‬ولذلك احتيج �إىل فتح باب االجتهاد من‬ ‫ومنكرة‪ ،‬حتت �شعار التجديد والتطوير والإ�صالح لي�ست من القيا�س وغريه‪ ،‬فال بد من حدوث وقائع ال تكون من�صو�صاً‬ ‫التجديد يف �شيء((‪.)14‬‬

‫على حكمها‪ ،‬وال يوجد للأوليني فيها اجتهاد‪ ،‬وعند ذلك‬

‫(وكل حماولة للبرت �أو الإ�ضافة �أو التحوير هي خروج عن ف�إما �أن يرتك النا�س فيها مع �أهوائهم‪� ،‬أو ينظر فيها بغري‬ ‫وتهجم على اجتهاد �شرعي‪ ،‬وهو �أي�ضاً اتباع للهوى‪ ،‬وهو معنى تعطيل‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬وافرتاء على اهلل‪ ،‬وافتئات على النا�س ّ‬ ‫احلق بغري علم‪.‬‬

‫التكليف لزوماً‪ ،‬وهو م�ؤ ٍد �إىل تكليف ماال يطاق ف�إذن ال بد‬

‫وبهذا يكون تغيري الدين ال جتديد الدين حيث �إن معنى من االجتهاد يف كل زمان‪ ،‬لأن الوقائع ال تخت�ص بزمان دون‬ ‫التغيري كما �أ�شار اجلرجاين‪( :‬هو �إحداث �شيء مل يكن زمان((‪.)19‬‬ ‫قبله(‪.)15‬‬

‫ويقول املناوي معل ً‬ ‫ال بعثة اهلل للمجدد ر�أ�س كل قرن‪) :‬لأنه‬

‫دواعي جتديد اخلطاب الديني العقدي‬

‫�سبحانه ملا جعل امل�صطفى خامتة الأنبياء والر�سل‪ ،‬اقت�ضت‬

‫�أو ًال‪ :‬اخللود والدميومة للإ�سالم �سبب يف حاجته للتجديد‪ :‬حكمة امللك العالم‪ ،‬ظهور قرم(‪ )20‬من الأعالم يف غرة كل‬ ‫كانت �شرائع الأنبياء ال�سابقني ل�سيدنا حممد خ ين�سخ املت�أخر قرن‪ ،‬ليقوم ب�أعباء احلوادث �إجرا ًء لهذه الأمة مع علمائها‬ ‫منها املتقدم‪ ،‬وكان النبي الالحق يجدد ما انطم�س من معامل جمرى بني �إ�سرائيل مع �أنبيائها((‪.)21‬‬ ‫الدين ال�سابق وكان ت�صويب ت�صرفات الب�شر وتقومي ما اعوج �أما الثاين‪ :‬فل ّأن تقادم الزمان و ُبعد النا�س عن م�صدر‬ ‫يف حياتهم يتم عرب وحي ال�سماء‪ ،‬ولكن اهلل �شاء �أن يختم الوحي ي�ؤدي بدوره �إىل اندثار كثري من معامل الدين‪ ،‬وكرثة‬ ‫الأنبياء مبحمد خ و�أن تكون �شريعته خامتة ال�شرائع‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫الف�ساد‪ ،‬وات�ساع رقعة االنحراف‪ ،‬وتف�شي البدع وال�ضالالت‪،‬‬

‫‪64‬‬


‫عندها ت�صبح احلاجة ملحة �إىل بعثة املجددين‪ ،‬وبروز وبالرغم من �أن الإ�سالم بن�صو�صه الأ�صلية‪ ،‬كتاباً و�سن ًة‪،‬‬ ‫قيادات تعمل على �إظهار الإ�سالم وتقدميه كما �أنزله اهلل حمفوظ بحفظ اهلل‪� ،‬إال �أن ذلك‪� ،‬إمنا يتم ويتحقق بهمم‬ ‫وتزيل ما علق به من �أ�شياء دخيلة حتول دون تفاعل الإن�سان العلماء الربانيني‪ ،‬وجهودهم‪ ،‬وت�ضحياتهم‪ ،‬وهذا ما حدث‬ ‫مع الوحي وحتيي ما اندر�س من معامله و�أحكامه‪.‬‬ ‫بالفعل‪ ،‬فقد حظي القر�آن الكرمي بعناية بالغة من امل�سلمني‬ ‫ثالثاً‪ :‬ما يحمل اخلطاب الإ�سالمي من خ�صائ�ص جتعله كتابة يف ال�سطور وحفظاً يف ال�صدور‪.‬‬ ‫يلزم التجديد‬ ‫�أ‪ .‬و�أما ال�سنة النبوية فقد تتابع ال�صحابة على نقلها بدقة‬ ‫ولقد �أ�شار غري واحد من علماء ومفكري الإ�سالم �إىل هذه و�أمانة‪ ،‬وتبعهم يف ذلك التابعون وتابعوهم وبذلوا جهوداً‬ ‫اخل�صائ�ص مثل �سيد قطب ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يف كتابه (خ�صائ�ص �ضخمة يف جمع كل ما �أثر عن النبي خ من قول �أو فعل �أو‬ ‫الت�صور الإ�سالمي) والقر�ضاوي يف كتابه (اخل�صائ�ص تقرير‪.‬‬ ‫العامة للإ�سالم)‪.‬‬ ‫�إذن فكل اجلهود التي بذلت وتبذل حلفظ ن�صو�ص الدين‬ ‫وهذه اخل�صائ�ص هي‪:‬‬

‫الأ�صلية من ال�ضياع ومن االختالط بغريها تعد من‬

‫‪ -‬الربانية‪ .‬‬

‫‪ -‬الإن�سانية‪.‬‬

‫التجديد‪.‬‬

‫‪ -‬ال�شمول‪ .‬‬

‫‪ -‬الو�سطية‪.‬‬

‫ب‪ -‬نقل املعاين ال�صحيحة للن�صو�ص و�إحياء الفهم ال�سليم‬

‫‪ -‬الواقعية‪ .‬‬

‫‪ -‬الو�ضوح‪.‬‬

‫لها‪:‬‬

‫�ضوابط التجديد‬ ‫�أ‪ -‬احلفاظ على ن�صو�ص الدين الأ�صلية �صحيحة نقية‪:‬‬

‫ف�سر لأمته معاين القر�آن‬ ‫مما ال �شك فيه �أن ر�سول اهلل خ ّ‬ ‫الكرمي وبينها بياناً تاماً �شافياً‪ ،‬قال تعاىل‪َ ( :‬و�أَن َز ْل َنا �إِ َل ْي َك‬

‫ا�س َما ُن ِّز َل �إِ َل ْي ِه ْم َو َل َع َّل ُه ْم َي َت َف َّك ُرون)(‪،)24‬‬ ‫وال بقاء لدين دون حفظ ن�صو�صه‪ ،‬وما حرفت الأديان ال ِّذ ْك َر ِل ُت َبينِّ َ لِل َّن ِ‬ ‫ال�سابقة على الإ�سالم‪ ،‬وانحرفت على ال�صراط امل�ستقيم وقال‪َ ( :‬و َما َعلَى ال َّر ُ�سولِ �إِ َّال ا ْل َب َ‬ ‫ال ُغ المْ ُ ِبني) (‪.)25‬‬ ‫�إال ب�سبب �ضياع �أ�صولها‪ ،‬وتق�صري �أتباع تلك الديانات يف وقد تلقى �صحابة ر�سول اهلل خ معاين القر�آن الكرمي من‬ ‫حفظها‪ ،‬والتوثق من نقلها‪.‬‬

‫ر�سول اهلل كما تلقوا �ألفاظه‪ ،‬وكذلك الأحاديث‪� ،‬إذ املق�صود‬

‫والقر�آن قد تكفل اهلل بحفظه‪ ،‬حيث قال �سبحانه‪�( :‬إِ َّنا َن ْح ُن من الألفاظ معانيها‪ ،‬ومن غري املعقول �أن يكون خطاب‬ ‫(‪)22‬‬ ‫َن َّز ْل َنا ال ِّذ ْك َر َو�إِ َّنا َل ُه لحَ َ اف ُِظون) ‪ ،‬وحفظ القر�آن ي�ستلزم اهلل ور�سوله لهم مبا ال يفهمونه‪ ،‬وعليه ي�صبح فهم القر�آن‬ ‫حفظ ال�سنة‪ ،‬لأنها بيان للقر�آن كما قال تبارك وتعاىل‪ :‬وال�سنة بفهم ال�صحابة وتلقي معاين الن�صو�ص منهم‪ ،‬من‬ ‫ا�س َما ُن ِّز َل �إِ َل ْي ِه ْم )(‪.)23‬‬ ‫( َو�أَن َز ْل َنا �إِ َل ْي َك ال ِّذ ْك َر ِل ُت َبينِّ َ لِل َّن ِ‬ ‫الأمور التي يتحتم لزومها‪ ،‬خا�صة و�أن ن�صو�ص الوحي كانت‬ ‫)� ّأما ال�سنة فقد تكفل اهلل بحفظها �أي�ضاً‪ ،‬لأن تكفله بحفظ بلغة خطابهم اليومية‪ ،‬وقد عاي�شوا �أ�سباب نزولها‪ ،‬واجل ّو‬ ‫القر�آن ي�ستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو ال�سنة‪ ،‬وحفظ ل�سانه املحيط بها‪ ،‬وبادروا �إىل العمل بها‪ ،‬وتفاعلت نفو�سهم معها‪،‬‬ ‫وهو العربية‪� ،‬إذ املق�صود بقاء احلجة قائمة‪ ،‬والهداية باقية‪ .‬لأنها م�ست �أدق امل�سائل يف حياتهم‪ ،‬وواكبت خمتلف ظروفهم‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪65‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫و�أحوالهم‪ ،‬كل ذلك يجعل فهمهم للن�صو�ص جزءاً ال يتجز�أ ويعني االنحراف الأول‪ :‬ن�شوء اعتقادات وت�صورات عن الدين‬ ‫من الدين‪ ،‬والإعرا�ض عن فهمهم اتباعاً لغري �سبيل على خالف احلق الذي �أنزله اهلل و�أراده‪.‬‬ ‫امل�ؤمنني(‪.)26‬‬

‫�أما االنحراف الثاين فيعني‪ :‬بقاء االعتقاد �صحيحاً‪ ،‬لكن‬

‫لأ ّنه �إذا ُتركت الن�صو�ص لأفهام النا�س وعقولهم‪ ،‬فال يبعد �أن ال�سلوك والعمل يخالف االعتقاد والت�صور‪.‬‬ ‫تتعدد �أ�شكال الدين نظراً الختالف العقول والأفهام‪ ،‬وت�أثرها االنحراف االعتقادي ب�أنه مر�ض ال�شبهة‪ ،‬وعن االنحراف‬ ‫بعوامل الزمان واملكان والبيئة والثقافة والأهواء والنزعات‪ ،‬ال�سلوكي ب�أنه مر�ض ال�شهوة‪�) .‬إن القلب يعرت�ضه مر�ضان‬ ‫لذلك يالحظ � ّأن اجلهود التي بذلت لتحريف ن�صو�ص يتواردان عليه �إذا ا�ستحكما فيه كان موته وهالكه‪ ،‬وهما‬ ‫الكتاب وال�سنة قد باءت كلها بالف�شل‪ ،‬لأنهما حمفوظان مر�ض ال�شهوات ومر�ض ال�شبهات‪ ،‬هذان �أ�صل داء اخللق �إال‬ ‫بحفظ اهلل تعاىل‪ ،‬و�إمنا جنح ما جنح منها يف جمال حتريف من عافاه اهلل((‪.)28‬‬ ‫معاين الن�صو�ص و�إخراجها عن دالالتها ب�أنواع من الت�أويل وانحراف ال�شبهة �أخطر و�أعظم من االنحراف النا�شئ‬ ‫وطرق الفهم(‪ .)27‬ف�إحياء منهج ال�صحابة ومن تبعهم ب�إح�سان عن ال�شهوة‪) ،‬والفتنة نوعان‪ :‬فتنة ال�شبهات‪ ،‬وهي �أعظم‬ ‫يف تلقي الإ�سالم وفهمه وتطبيقه‪ ،‬والعناية بتوثيق املنقول الفتنتني‪ ،‬وفتنة ال�شهوات(‪ ،‬ثم قال‪) :‬وهذه الفتنة ‪-‬فتنة‬ ‫عنهم يف هذا الباب‪ ،‬من �أهم جماالت جتديد الدين‪.‬‬

‫ال�شبهات‪ -‬م�آلها �إىل الكفر والنفاق‪ ،‬وهي فتنة �أهل البدع‪،‬‬

‫ج‪ -‬االجتهاد يف الأمور امل�ستجدة‪ ،‬و�إيجاد احللول لها‪:‬‬

‫على ح�سب مراتب بدعهم‪ ،‬فجميعهم �إمنا ابتدعوا من فتنة‬

‫لأنه �إذا كان الإ�سالم هو دين اهلل اخلالد �إىل قيام ال�ساعة‪ ،‬ال�شبهات التي ا�شتبه عليهم فيها احلق بالباطل‪ ،‬والهدى‬ ‫ال�شامل لكل زمان ومكان ولكل �إن�سان‪ ،‬ون�صو�صه حمدودة بال�ضالل((‪.)29‬‬ ‫بينما احلوادث وامل�ستجدات ممدودة‪ ،‬فال بد �إذن من حتمية لذلك كانت عناية املجددين بت�صحيح االنحراف النا�شئ‬ ‫فتح باب االجتهاد لإنزال الن�صو�ص املحدودة على احلوادث عن ال�شبهات �أعظم و�أ�شد‪ ،‬و�إن �شمل جتديدهم و�إ�صالحهم‬ ‫املمدودة‪ ،‬و�إيجاد احللول الإ�سالمية املنا�سبة ملا يطر�أ على االنحراف يف ال�سلوك والأعمال �أي�ضاً‪.‬‬ ‫النا�س من م�شكالت‪ ،‬و�إال وقع النا�س يف حرج و�ضيق نتيجة هـ ‪ -‬حماية الدين والدفاع عنه واجلهاد يف �سبيله‪:‬‬ ‫بعدهم عن �أحكام ربهم‪ ،‬و�ساغ لأعداء الدين و�أ�صحاب وذلك ل ّأن �إعادة الدين �إىل �أ�صوله‪ ،‬و�صيانته من عبث‬ ‫النوايا اخلبيثة والنفو�س املري�ضة‪ ،‬اتهام الإ�سالم باجلمود العابثني وحتريف املنحرفني‪ ،‬وحماية العاملني به احلاملني‬ ‫والرجعية‪ ،‬وعدم ال�صالحية لكل زمان ومكان‪.‬‬

‫للوائه يحتاج �إىل قوة وب�أ�س‪.‬‬

‫د‪ -‬ت�صحيح االنحرافات‪:‬‬ ‫والواقع �أن االنحراف عن الدين على �شكلني‪:‬‬

‫ل ّأن قوام الدين‪ :‬كتاب للهداية‪ ،‬و�سيف للن�صرة‪ ،‬كما قال‬ ‫اب‬ ‫تعاىل‪َ ( :‬ل َق ْد �أَ ْر َ�س ْل َنا ُر ُ�سلَ َنا بِا ْل َب ِّي َناتِ َو َ�أن َز ْل َنا َم َع ُه ُم ا ْل ِك َت َ‬

‫ال�شكل الأول‪ :‬انحراف يف املفاهيم والقيم‪.‬‬

‫ا�س بِا ْلق ِْ�س ِط َو�أَن َز ْل َنا الحْ َ دِ ي َد فِي ِه َب�أْ ٌ�س َ�شدِ ي ٌد‬ ‫َوالمْ ِي َزا َن ِل َي ُقو َم ال َّن ُ‬

‫وال�شكل الثاين‪ :‬انحراف يف ال�سلوك والعمل‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪66‬‬


‫ن�ص ُر ُه َو ُر ُ�سلَ ُه بِا ْل َغ ْيبِ (‪.)30‬‬ ‫َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ‬ ‫ا�س َو ِل َي ْعلَ َم اللهَّ ُ َمن َي ُ‬ ‫يقول ابن تيمية رحمه اهلل‪) :‬ف�أخرب �أنه �أر�سل الر�سل و�أنزل‬ ‫الكتاب وامليزان لأجل قيام النا�س بالق�سط‪� ،‬أنه �أنزل احلديد‬ ‫الذي ين�صر هذا احلق‪ ،‬فالكتاب يهدي وال�سيف ين�صر‪ ،‬كما‬ ‫قال من قال من ال�سلف‪� :‬صنفان �إذا �صلحوا �صلح النا�س‪:‬‬ ‫الأمراء والعلماء((‪.)31‬‬ ‫فكل من يبذل جهداً يف ميدانٍ من هذه امليداين اخلم�سة‬ ‫املتقدمة فله من التجديد ن�صيب‪ ،‬وبقدر ما تتعدد امليادين‬ ‫التي يخو�ض املجدد غمارها بقدر ما تعظم رتبته يف‬ ‫التجديد‪ ،‬و�أكمل املجددين من �شمل جتديده امليادين كلها‬ ‫كعمر بن عبد العزيز رحمه اهلل‪.‬‬

‫الهوام�ش ‪:‬‬ ‫(‪ )1‬ابن فار�س‪ ،‬ت‪ 395 :‬هـ‪ ،‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد ال�سالم‬ ‫هارون‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪ ،409-408‬ط‪ 1411 ،1‬ه‍‪1991-‬م‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الإفريقي‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬ت‪ 711 :‬هـ‪ ،‬ل�سان العرب‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪ ،202‬ط‪،3‬‬ ‫‪1413‬ه‍‪1993-‬م‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬وم�ؤ�س�سة التاريخ العربي‪،‬‬ ‫بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬ ‫(‪� )3‬سعيد‪ ،‬ب�سطامي حممد‪ ،‬مفهوم جتديد الدين‪ ،‬ط‪� ،1‬ص‪1405 ،15-14‬‬ ‫ه‍‪1984-‬م‪ ،‬دار الدعوة‪ ،‬الكويت‪.‬‬ ‫(‪ )4‬هو حممد بن عبد الرحمن بن علي بن �أبي بكر العلقمي‪� ،‬شم�س‬ ‫الدين‪ ،‬فقيه �شافعي عارف باحلديث‪ ،‬من بيوتات العلم يف القاهرة‪ ،‬كان‬ ‫من تالمذة اجلالل ال�سيوطي‪ ،‬له م�ؤلفات �أ�شهرها‪ :‬الكوكب املنري ب�شرح‬ ‫اجلامع ال�صغري ت‪969:‬هـ‪ ،‬الزركي االعالم‪ ،‬ج‪� ،6‬ص‪.195‬‬ ‫(‪� )5‬أبو الطيب العظيم �أبادي (ت‪1405 :‬هـ( عون املعبود �شرح �سنن �أبي داود‬ ‫مع �شرح احلافظ ابن القيم اجلوزية‪،‬حتقيق عبد الرحمن حممد عثمان‪،‬‬ ‫ج‪� ،11‬ص‪ ،386‬النا�شر حممد عبد املح�سن �صاحب املكتبة ال�سلفية باملدينة‬ ‫املنورة‪ ،‬ط‪1389 ،2‬هـ ـ ‪1969‬م‪.‬‬ ‫(‪ )6‬هو حممد عبد الر�ؤوف املناوي القاهري ال�شافعي‪ ،‬له م�صنفات كثرية‪،‬‬ ‫منها‪ :‬في�ض القدير �شرح اجلامع ال�صغري‪ ،‬و�شرح ال�شمائل للرتمذي‪،‬‬ ‫ت‪1031:‬هـ‪ ،‬الزركلي‪ ،‬الأعالم‪ ،‬ج‪� ،6‬ص‪ ،204‬خري الدين الزركلي‪ ،‬رتبه‪:‬‬ ‫زهري ظاظا‪ ،‬دار الأرقم بن �أبي الأرقم‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫(‪ )7‬املناوي‪ ،‬حممد عبدالر�ؤوف‪ ،‬في�ض القدير �شرح اجلامع ال�صغري‪،‬‬ ‫�ضبطه و�صححه‪� :‬أحمد عبد ال�سالم‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪ ،307‬ط‪1415 ،1‬هـ‪1994-‬م‪ ،‬دار‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫(‪ )8‬هو حممد �شم�س احلق العظيم �أبادي الهندي‪ ،‬ابو الطيب‪ ،‬حمدث‪،‬‬ ‫�أ�شهر كتبه عون املعبود �شرح �سنن �أبي داود ت‪1857:‬م‪ ،‬كحالة‪ ،‬عمر ر�ضا‪،‬‬ ‫ت‪1405:‬هـ‪ ،‬معجم امل�ؤلفني‪ ،‬ج‪� ،3‬ص‪ ،346‬ط‪1414 ،1‬هـ‪ ،1993-‬بريوت‪.‬‬ ‫(‪� )9‬أبو الطيب العظيم �أبادي‪ ،‬عون املعبود‪� ،‬شرح �سنن �أبي داود ج‪� ،11‬ص‪.391‬‬ ‫(‪ )10‬هو احلافظ امل�ؤرخ الأديب امل�صري‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن �أبي‬ ‫بكر ال�سيوطي‪ ،‬تتلمذ على يد جماعة من العلماء‪ ،‬منهم احلافظ ابن حجر‬ ‫الع�سقالين‪ ،‬كان يحفظ مائتي �ألف حديثاً‪ ،‬و�أ َّلف حوايل �ستمائة م�صنف‪،‬‬ ‫وقد اعتزل النا�س حني بلغ الأربعني‪ ،‬و�أ ّلف يف عزلته �أكرث كتبه‪ ،‬كانت ن�ش�أته‬ ‫يف القاهرة وتويف بها �سنة (‪911‬هـ ‪1505 -‬م(‪ ،‬الزركلي الأعالم‪ ،‬ج‪� ،3‬ص‪.301‬‬ ‫(‪ )11‬الوعي‪ ،‬العدد ‪ ،129‬مقال بعنوان )معنى جتديد الدين(‪� ،‬ص‪.25‬‬ ‫(‪ )12‬القر�ضاوي‪ ،‬يو�سف‪ ،‬من �أجل �صحوة را�شدة جتدد الدين وتنه�ض‬ ‫بالدنيا‪� ،‬ص‪ ،28‬ط‪1408 ،1‬هـ‪1988-‬م‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫(‪ )13‬ح�سنة‪ ،‬عمر عبيد‪ ،‬االجتهاد للتجديد �سيل الوراثة احل�ضارية‪� ،‬ص‪.20‬‬ ‫(‪� )14‬أمامة‪ ،‬عدنان حممد‪ ،‬التجديد يف الفكر الإ�سالمي‪� ،‬ص ‪.19‬‬ ‫(‪ )15‬اجلرجاين‪816-740 ،‬هـ‪1340 ،‬م‪1413-‬م‪ ،‬هو علي بن حممد بن علي‪،‬‬ ‫املعروف بال�شريف اجلرجاين‪ ،‬الفيل�سوف من كبار العلماء بالعربية ولد‬ ‫يف تاكو (قرب ا�سرتاباد( ودر�س يف �شرياز‪ ،‬وله نحو ‪ 50‬كتاباً‪ ،‬الزركلي‪،‬‬ ‫الأعالم‪ ،‬ج‪� ،5‬ص‪.7‬‬ ‫(‪� )16‬سورة الأحزاب‪ ،‬الآية‪.40 :‬‬ ‫(‪ )17‬البخاري‪ ،‬حممد بن �إ�سماعيل‪� ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب املناقب‪ ،‬باب‬ ‫خامت النبيني برقم ‪ 3271‬وم�سلم‪� ،‬أبو احل�سني م�سلم بن احلجاج‪ ،‬برقم‬ ‫‪.2610‬‬ ‫(‪ )18‬البخاري‪ ،‬كتاب �أحاديث الأنبياء‪ ،‬باب ما ذكر عن بني �إ�سرائيل برقم‬ ‫‪ 3196‬وم�سلم‪ ،‬كتاب ف�ضائل ال�صحابة‪ ،‬باب ف�ضائل علي بن �أبي طالب برقم‬ ‫‪.4418‬‬ ‫(‪ )19‬ال�شاطبي‪� ،‬إبراهيم بن مو�سى‪ ،‬املوافقات يف �أ�صول ال�شريعة‪ ،‬ج‪،40‬‬ ‫�ص‪ ،104‬ط ‪1975‬م‪.‬‬ ‫(‪ )20‬القرم من الرجال‪ :‬ال�سيد املعظم‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬ل�سان العرب‪.‬‬ ‫(‪ )21‬املناوي‪ ،‬في�ض القدير‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪.14‬‬ ‫(‪� )22‬سورة احلجر‪ ،‬الآية‪.9 :‬‬ ‫(‪� )23‬سورة النحل‪ ،‬الآية‪.44 :‬‬ ‫(‪� )24‬سورة النحل‪ ،‬الآية‪.44 :‬‬ ‫(‪� )25‬سورة النور‪ ،‬الآية‪.54 :‬‬ ‫(‪� )26‬سالم‪� ،‬أحمد‪ ،‬ما �أنا عليه و�أ�صحابي‪� ،‬ص‪- ،96‬بت�صرف‪ ،-‬ط‪1415 ،1‬هـ‪-‬‬ ‫‪1995‬م‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫(‪ )27‬القي�سي‪ ،‬مروان‪ ،‬معامل الهدى‪� ،‬ص‪.108‬‬ ‫(‪ )28‬ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حممد بن �أبي بكر‪ ،‬مفتاح دار ال�سعادة ومنثور والية‬ ‫العمر والإرادة‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪ ،110‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪,.‬‬ ‫(‪ )29‬ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حممد بن �أبي بكر‪� ،‬إغاثة اللهفان من مكائد‬ ‫ال�شيطان‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حامد الفقي‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪ ،165‬مكتبة املعارف‪،‬‬ ‫الريا�ض‪ ،‬ال�سعودية‪.‬‬ ‫(‪� )30‬سورة احلديد‪ ،‬الآية‪.25 :‬‬ ‫(‪ )31‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬ج‪� ،18‬ص‪.185‬‬

‫‪67‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫فتاوى �شرعية‬ ‫�إ�شراف‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد الق�ضاة‬ ‫ هل يجوز للورثة �أخذ �أموال الت�أمني على احلياة بعد‬‫وفاة الوالد �أم ال؟‬ ‫�إذا كانت ال�شركة التي يعمل فيها املوظف هي التي �أمنت على‬ ‫حياته وكانت تدفع �أق�ساط الت�أمني ؛ فال مانع �شرعاً من �أخذ ما‬ ‫يتح�صل من �أموال الت�أمني بعد وفاة املوظف‪� .‬أما �إذا كان املوظف‬ ‫هو الذي �أمن على حياته ‪ ،‬وقام بدفع �أق�ساط الت�أمني ؛ فيجوز‬ ‫للورثة �أن ي�أخذوا مقدار الأق�ساط التي دفعها مورثهم ‪ ،‬و�أما‬ ‫باقي املبلغ فيتخل�صون منه بتوزيعه على الفقراء وامل�ساكني ؛‬ ‫لأنه مال حرام ولهم الأجر على ذلك‪ .‬واهلل تعاىل �أعلم‪.‬‬ ‫ كنت قد �سجلت ار�ض ًا با�سم �أحد �أبنائي وعمره الآن ‪14‬‬‫�سنة على �سبيل الهبة‪ ،‬و�أريد �أن �أعود يف هبتي له و�أرجع‬ ‫الأر�ض �إىل ملكيتي‪ ،‬حيث �إنني ال �أريد �أن �أظلم بقية‬ ‫�إخوانه فهل يجيز ال�شرع يل ذلك؟‬ ‫الت�سوية بني الأبناء يف الأعطية م�ستحبة ‪ ،‬ويكره للأب �أن‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫يهب لأحد من �أوالده �أكرث مما يهب لغريه �سواء يف ذلك الذكر‬ ‫والأنثى لقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪(:‬اتقوا اهلل واعدلوا‬ ‫بني �أوالدكم) متفق عليه‪ ،‬وحمل كراهة ذلك �إن ا�ستوت حاجاتهم‬ ‫بخالف ما �إذا اختلفت النتفاء املحذور‪.‬ويجوز للوالد �أن يرجع يف‬ ‫خ�ص بها بع�ض �أوالده من �أجل حتقيق العدل وامل�ساوا‬ ‫هبته التي ّ‬ ‫بينهم‪ .‬قال ابن حجر الهيتمي‪(:‬ف�إن ف�ضل البع�ض �أعطى‬ ‫الآخرين ما يح�صل به العدل‪ ،‬و�إال رجع ندباً) حتفة املحتاج على‬ ‫�شرع املنهاج‪ ،‬واهلل تعاىل �أعلم‪.‬‬ ‫ مات ان�سان هو تارك لل�صالة ومل يحج‪ ،‬هل يجوز �أن يحج‬‫عنه �أوالده؟‬ ‫تارك ال�صالة ذنبه عظيم جداً‪ ،‬وموقفه بني يدي اهلل موقف‬ ‫ع�صيب‪ ،‬ويكفي �أن نذكر �أن �أهل النار عندما ي�س�ألون‪ ( :‬مَا َ�سلَ َك ُك ْم‬ ‫فيِ َ�س َق َر )‪ ،‬يقولون‪:‬‬ ‫ني )‪َ (43‬ولمَ ْ َن ُك ُن ْط ِع ُم المْ ِْ�س ِك َ‬ ‫( َقا ُلوا لمَ ْ َن ُك مِ َن المْ ُ َ�ص ِّل َ‬ ‫ني )‪َ (44‬و ُك َّنا‬ ‫َن ُخ ُ‬ ‫و�ض َم َع الخْ َ ائ ِ​ِ�ض َ‬ ‫ِّين )‪َ (46‬ح َّتى‬ ‫ني )‪َ (45‬و ُك َّنا ُن َك ِّذ ُب ِب َي ْو ِم الد ِ‬ ‫�أَ َتا َنا ا ْل َي ِق ُ‬ ‫ني) املدثر ‪ ، 47-42‬ويقول اهلل تعاىل بعدها‪َ ( :‬ف َما‬ ‫َتن َف ُع ُه ْم َ�ش َفا َع ُة َّ‬ ‫ال�شا ِف ِع َ‬ ‫ني( املدثر‪ )48‬وهذا ال خالف فيه بني‬

‫‪68‬‬


‫�أهل الإ�سالم ‪ ،‬ولكن ال نحكم بكفره ما مل يكن قد ترك ال�صالة‬ ‫جحوداً لها �أو ا�ستخفافاً بحقها‪.‬وعلى ذلك‪ ،‬يجب على الورثة �أن‬ ‫ُيخرجوا من تركته من يحج عنه‪� ،‬أو يحج عنه �أحدهم‪ -‬بعد �أن‬ ‫يكون الوارث قد حج عن نف�سه‪ -‬كما هو احلال يف كل م�سلم مات‬ ‫‪ ،‬وقد وجب عليه احلج ومل يحج‪ ،‬ونرجو �أن ي�صله ثوابه �إن مات‬ ‫على الإميان‪ .‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫ هل ي�ستطيع املعتمر �أن ي�ؤدي �أكرث من عمرة يف رحلة‬‫واحدة‪� ،‬سواء عنه �أو عن والده (حيث يعاين والده من‬ ‫عدة م�شاكل �صحية( ونحن نعلم ب�أن مدة رحلة العمرة‬ ‫املنظمة من قبل ال�شركات الأردنية تزيد عن ع�شرة �أيام‬ ‫بقليل‪ .‬وجزاكم اهلل خري ًا؟‪.‬‬ ‫للمعتمر �أن ي�ؤدي �أكرث من عمره يف رحلة واحده‪� ،‬سواء عنه �أو‬ ‫عن والده املري�ض الذي ال ي�ستطيع العمرة بنف�سه وال يرجى‬ ‫�شفا�ؤه‪ ،‬ذلك بعد �أن يكون قد اعتمر عن نف�سه؛ بل �إن تكرار‬ ‫العمرة من ف�ضائل الأعمال‪ ،‬وقد قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪(:‬العمرة �إىل العمرة كفارة ملا بينهما( رواه م�سلم‪ .‬وال�شرط‬ ‫الوحيد ل�صحة الإحرام بالعمرة الثانية ملن هو يف داخل مكة �أن‬ ‫يخرج �إىل �أقرب احل ّل‪ ،‬كالتنعيم مث ً‬ ‫ال‪ ،‬فقد اعتمرت عائ�شة ر�ضي‬ ‫اهلل عنها يف حجة الوداع عمرتني يف �أقل من ع�شرين يوماً‪ ،‬عمرة‬ ‫وهي داخلة من املدينة‪ ،‬وعمرة �أمرها النبي �صلى اهلل علية و�سلم‬ ‫�أن حترم بها من التنعيم‪ .‬عن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها �أن النبي‬ ‫�صلى اهلل علية و�سلم بعث معها �أخاها عبد الرحمن ف�أعمرها من‬

‫اهلل عليه و�سلم �أعمر عائ�شة منها‪ ،‬وهي �أقرب احلل �إىل البيت‪,‬‬ ‫ف�إن �أخط�أه ذلك فمن احلديبية؛ لأن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫�صلى بها‪ ,‬و�أف�ضلها من اجلعرانة‪ ،‬وبعدها يف الف�ضيلة التنعيم‪،‬‬ ‫ثم احلديبية‪ ،‬كما ن�ص عليه‪ ,‬واتفق الأ�صحاب على الت�صريح‬ ‫بهذا يف كل الطرق‪ ،‬وال خالف يف �شيء منه ( انتهى‪ ( .‬املجموع‬ ‫(‪ ، )211/7‬وانظر‪ ( :‬املحتاج مغني ) (‪)229/2‬‬ ‫بل ن�ص ابن قدامة رحمه اهلل على نفي اخلالف يف جواز عمرة‬ ‫مَن كان مبكة مِ ن �أهلها �أو القادمني عليها‪ ،‬فقال‪ ( :‬كل من كان‬ ‫مبكة فهي ميقاته للحج‪ ،‬و�إن �أراد العمرة ِف َمن احلل‪ ،‬ال نعلم يف‬ ‫هذا خالفاً‪ ،‬ولذلك �أمر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم عبد الرحمن‬ ‫�أن ي ِّعمر عائ�شة من التنعيم ( انتهى‪ ( .‬املغني ) (‪)11/3‬‬ ‫ولذلك يجوز تكرار العمرة �أكرث من مرة يف ال�سفرة الواحدة‪،‬‬ ‫طاملا مل ي�أت ن�ص باملنع من ذلك‪ ،‬وقد �أجازه عامة العلماء‪.‬واهلل‬ ‫تعاىل �أعلم‪.‬‬ ‫ ‬

‫التنعيم‪ .‬متفق عليه‪ .‬يقول الإمام النووي رحمه اهلل‪�( :‬إذا كان‬ ‫مبكة م�ستوطنا �أو عابر �سبيل و�أراد العمرة فميقاته �أدنى احلل‪,‬‬ ‫ن�ص عليه ال�شافعي‪ ،‬واتفق عليه الأ�صحاب‪ ,‬قال �أ�صحابنا‪ :‬يكفيه‬ ‫احل�صول يف احلل ولو بخطوة واحدة من �أي اجلهات كان جهات‬ ‫احلل‪ ,‬هذا هو امليقات الواجب‪ .‬و�أما امل�ستحب فقال ال�شافعي يف‬ ‫املخت�صر‪� :‬أحب �أن يعتمر من اجلعرانة؛ لأن النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم اعتمر منها‪ ،‬ف�إن �أخط�أه منها فمن التنعيم؛ لأن النبي �صلى‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪69‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫الركن الطبي‬ ‫�أ�ضعاف يف �أطفال الر�ضاعة اال�صطناعية زيادة عنها يف �أطفال‬ ‫الر�ضاعة الطبيعية يف ال�شهور الثالثة الأوىل من عمر الطفل‪.‬‬ ‫ولقد ثبت �أن الر�ضاعة الطبيعية حتمي من مر�ض‬ ‫( النيكروتايزجن انتريو كواليت�س) وهو مر�ض ي�صيب غ�شاء‬ ‫املعدة والأمعاء بالتهاب �شديد ي�ؤدي �إىل جفاف حاد وي�ضر‬ ‫بالكلى وهو مر�ض خطري جداً وكثرياً ما ي�ؤدي �إىل الوفاة‪.‬‬ ‫ويف الر�ضاعة الطبيعية نادرا ما ي�صاب الطفل بالتهاب غ�شاء‬ ‫املعدة والأمعاء ال�شديد الذي ي�ؤدي �إىل جفاف حاد‪.‬‬

‫الأ�سرار الربانية يف‬ ‫الر�ضاعة الطبيعية‬ ‫اجلزء الثاين‬

‫الدكتور ‪ /‬ذيب عبداهلل‬ ‫ا�ست�شاري طب الأطفال‬ ‫قبل �شهر نقلت �إلينا و�سائل الإعالم املختلفة العربية منها‬ ‫والأجنبية اكت�شافا علميا جديدا مفاده �أن الأطفال الذين ر�ضعوا‬ ‫من �أمهاتهم �أكرث ذكا ًء عندما يكربون من �أقرانهم الذين ر�ضعوا‬ ‫ا�صطناعيا‪ ،‬ولكن هذة املعلومة معروفة منذ زمن لي�س بالقريب‬ ‫وقد ذكرت يف كتب طب الأطفال �سابقا وعلى �سبيل املثال ال‬ ‫احل�صر كتاب �أ�سرار الأطفال مل�ؤلفه ( ريت�شرد بولني) (�ص‪)362‬‬ ‫وقد �أتيت على ذكرها يف كتابي (الأ�سرار الربانية يف الر�ضاعة‬ ‫الطبيعية)(�ص‪ )14‬عام ‪ ،2004‬وقدميا قال علماء امل�سلمني �إن من‬ ‫بركة العلم �أن يعزل العلم لأهله‪.‬‬ ‫وعموما ف�إن حليب الأم فيه الوقاية من كثري من الأمرا�ض‬ ‫ودالئل ذلك تزداد كل يوم‪ ،‬فما �أكرث تلك الأمرا�ض التي يقي‬ ‫حليب الأم الطفل منها‪ ،‬وتاليا نذكر بع�ضها‪:‬‬ ‫‪� -1‬إلتهاب غ�شاء املعدة والأمعاء‪:‬‬ ‫الذي ي�ؤدي �إىل القيئ والإ�سهال وارتفاع درجة احلرارة وهو‬ ‫مر�ض خطري ي�ؤدي �إىل ن�سبة عالية من الوفايات يف الدول‬ ‫النامية‪ ،‬والر�ضاعة الطبيعية يف البالد احلارة ملدة ‪� 6‬أ�شهر تعترب‬ ‫منقذة للأطفال وقد تكون زجاجة الر�ضاعة اال�صطناعية قاتلة‬ ‫يف تلك البالد لعدم توفر العناية الكافية لأدوات الر�ضاعة ولقلة‬ ‫املوارد املادية وعدم القدرة على �شراء الغذاء املنا�سب للطفل‪.‬‬ ‫وقد �أجريت يف ال�صني درا�سة �شملت خم�سة ع�شر قري ًة‪ ،‬فوجدت‬ ‫ن�سبة الوفيات يف هذة القرى نتيجة الإ�سهاالت ال�شديدة ثالثة‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪ -2‬الأمرا�ض التنف�سية‪:‬‬ ‫من عناية اهلل ورحمته �أن يكون الطفل والذي ير�ضع من‬ ‫�أمه �أقل عر�ضة للر�شوحات و�إلتهاب الق�صبات و�إلتهاب الرئتني‬ ‫و�سائر الأمرا�ض التي ت�صيب اجلهاز التنف�سي‪ ،‬ون�سبة الأطفال‬ ‫الذين يعانون �إلتهاب الرئة يف الر�ضاعة اال�صطناعية (‪)%1,87‬‬ ‫بينما هي (‪ )% .,15‬يف �أطفال الر�ضاعه الطبيعية‪.‬‬ ‫والأطفال الذين ي�صابون ب�إلتهاب اجلهاز التنف�سي ممن‬ ‫ير�ضعون ا�صطناعيا �أكرث عر�ضة للوفاة �أربعة �أ�ضعاف من �أولئك‬ ‫الذين ير�ضوعون طبيعيا عندما ي�صابون بنف�س الإلتهاب‪.‬‬ ‫وحليب الأم بعد الوالدة (اللبا) �أو ما ي�سمى ( بالكل�سرتوم) فيه‬ ‫م�ضادات للأمرا�ض التنف�سية كما ذكرنا يف العدد ال�سابق من‬ ‫جملة الو�سطية الغراء‪.‬‬ ‫ولقد عاجلتُ طفلة تبلغ من العمر خم�سة �أيام �أ�صيبت ب�إلتهاب‬ ‫رئوي �شديد و�صعوبة يف التنف�س �أدخلت امل�ست�شفى بحالة طارئة‬ ‫فطلبت من �أمها �أن تعطينا من حليبها وكنا نعطي الطفلة هذا‬ ‫احلليب تدريجيا بوا�سطة (�سرجن) مبعدل ع�شرة ملمرتات كل‬ ‫�ساعة وقد حت�سنت ب�سرعة‪.‬‬ ‫‪� - 3‬إلتهابات الأذن‪:‬‬ ‫الأطفال الذين ر�ضعوا من الأم ملدة �أحدى ع�شر �شهراً �أقل عر�ضة‬ ‫لإلتهاب الأذن‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫�أما �أمرا�ض الأذن ال�شديدة وامل�صحوبة بفقدان ال�سمع فهي‬ ‫ع�شرة �أ�ضعاف عند من ر�ضعوا ا�صطناعياً �أكرث من �أولئك الذين‬ ‫ر�ضعوا طبيعيا يف ال�شهر الأول كلما طالت الر�ضاعة الطبيعية‬ ‫كلما قل تعر�ض الطفل لأمرا�ض الأذن املزمنة‪ ،‬و�أقلهم عر�ضة‬ ‫لذلك من ر�ضع من �أمه �أكرث من �سنة ( فانظر حكمة الباري‬ ‫�سبحانه وتعاىل يف جعل الر�ضاعة من الأم ملدة عامني)‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الأطفال الذين ير�ضعون من الأم �أقل عر�ضة من‬ ‫ت�سمم الدم وحمو�ضة الدم‪.‬‬

‫احل�سا�سية ب�سبب حليب البقر‪ ،‬وهناك مواد �أخرى يف حليب‬ ‫البقر ت�سبب احل�سا�سية لدى الأطفال‪ ،‬بينما يف حليب االم توجد‬ ‫مادة ت�سمى (�آي جي �آ( (‪ )I.G.A‬حتمي الطفل من ذلك‪.‬‬ ‫والأكزميا وهي مر�ض جلدي موجود عند �أطفال الر�ضاعة‬ ‫اال�صطناعية �سبعة �أ�ضعاف �أكرث من الذين ير�ضعون من‬ ‫�أمهاتهم‪.‬‬ ‫‪ - 9‬الأمرا�ض النف�سية مثل الك�آبة عند الكرب �أقل عند‬ ‫�أولئك الذين ر�ضعوا طبيعي ًا‬

‫‪ - 5‬حليب الأم يجعل الأطفال �أقل عر�ضة لأمرا�ض الفم‬ ‫والأ�سنان (كاحلمو والفطريات)‪.‬‬ ‫‪ - 6‬حليب الأم يحوي مادة ت�شجع منو البكترييا النافعة‬ ‫واملوجودة يف �أمعاء الطفل والتي ت�سمى (الكتو ب�سيل�ص)‪،‬‬ ‫والبكترييا النافعة تثبط منو البكترييا ال�ضارة ولذلك حتمي‬ ‫الطفل من كثري من الأمرا�ض‪.‬‬ ‫‪ - 7‬حليب الأم يحمي الطفل من املوت املفاجئ والغري‬ ‫مف�سر(�سببه غري معروف)‪.‬‬ ‫‪ - 8‬حليب البقر يحوي مادة (البيتاالكتوكلوبيولن) والتي‬ ‫يخلو منها حليب الأم‪ ،‬وهذه املادة كثرياً ما ت�سبب ح�سا�سية‬ ‫للأطفال‪ ،‬ففي �أمريكا (‪ )%1‬من الأطفال �سنويا ي�صابون بهذة‬

‫‪ - 10‬وكما بينا يف بداية هذا املقال‪ ،‬ف�إن من ر�ضعوا من‬ ‫�أمهاتهم يكونون عند الكرب �أكرث ذكاءاَ و�أقل عر�ضة لل�سمنة و�أقل‬ ‫عر�ضة لت�صلب ال�شرايني و�أقل عر�ضة لت�سو�س الأ�سنان فتبارك‬ ‫اهلل رب العاملني‪.‬‬ ‫‪ - 11‬و�أطفال الر�ضاعة الطبيعية �أقل عر�ضة للتقرحات‬ ‫حول ال�شرج و�أقل عر�ضة الن�سداد الأمعاء‪.‬‬ ‫ولعلنا �إن �شاءاهلل ن�ستطيع �أن نلقي املزيد من ال�ضوء حول‬ ‫الأ�سرار الربانية يف الر�ضاعة الطبيعية والأ�سرار املذهلة يف‬ ‫حليب الأم‪ ،‬وال ي�سعنا �إال �أن نقول دائما‪( :‬هذا خلق اهلل ف�أروين‬ ‫ماذا خلق الذين من دونه)‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪71‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫ر�سائل جامعية‬

‫�سلطة ويل الأمر يف‬ ‫التعزير و�ضوابطها عند‬ ‫الإمام اجلويني‬ ‫درا�سة فقهية مقارنة‬ ‫اعداد الطالب ‪ :‬عبد احلميد هزاع الغيالت‬ ‫ا�شراف اال�ستاذ الدكتور حممد احمد الق�ضاة‬ ‫ملخ�ص الر�سالة ‪:‬‬ ‫�إن اجلرائم يف الفقه الإ�سالمي تنق�سم �إىل ثالثة �أق�سام‪ ،‬جرائم‬ ‫احلدود‪ ،‬وجرائم الق�صا�ص والديه‪ ،‬وجرائم التعزيز‪ ،‬وجعلت‬ ‫ال�شريعة لكل جرمية عقوبة خا�صة بها ال يجوز لويل الأمر �أن‬ ‫يخرج عنها ‪،‬ولكن الق�سم الثالث من اجلرائم (التعزيز) فقد‬ ‫جرى الت�شريع اجلنائي الإ�سالمي �أن ال يفر�ض لكل جرمية من‬ ‫جرائم التعزير عقوبة معينة ‪،‬لأن تقييد ويل الأمر يف عقوبة‬ ‫معينة مينع العقوبة �أن ت�ؤدي وظيفتها‪ ،‬ويجعل العقوبة غري‬ ‫عادلة يف كثري من الأحوال ‪ ،‬لأن ظروف اجلرائم واملجرمني‬ ‫تختلف اختالفاً بيناً وما قد ي�صلح جمرماً بعينه قد يف�سد �آخر‬ ‫وما يردع �شخ�صاً عن جرميته قد اليردع غريه‪ .‬ومن �أجل هذا‬ ‫و�ضعت ال�شريعة جلرائم التعازير عقوبات متعددة خمتلفة هي‬ ‫جمموعة كاملة من العقوبات تت�سل�سل من �أب�سط العقوبات‬ ‫�إىل �أ�شدها وتركت لويل الأمر �أن يختار من بينها العقوبة التي‬ ‫يراها كفيلة بت�أديب اجلاين وا�ست�صالحه وبحماية اجلماعة من‬ ‫الإجرام‪.‬‬ ‫�إن العقوبات يف الفقه الإ�سالمي تتدرج من العقوبة الأ�شد �إىل‬ ‫اخللف على ح�سب الأق�سام الثالثة �سالفة الذكر‪ ،‬في�شرتط يف‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫العقوبة �أن تكون متنا�سبة مع اجلرمية ما �أمكن ‪،‬و�أن تكون رادعة‬ ‫‪،‬و�أن ال تتجاوز حد االعتدال ‪،‬فال يعاقب على اجلرم ال�صغري‬ ‫بالعقاب لكبري ‪.‬‬ ‫ولذلك مت بحمد اهلل يف هذه الأطروحة �ضبط العقوبات‬ ‫التعزيرية بحيث ال تبلغ مبالغ احلدود والق�صا�ص‪ ،‬فاحلدود‬ ‫ثابتة ال تتغري بتغري الأزمنة والأمكنة وكذلك عقوبة الق�صا�ص‬ ‫والدية‪ ،‬و�أي�ضاً عقوبة التعزير فال يجوز �أن تبلغ مبالغ احلدود‬ ‫والق�صا�ص ‪ ،‬ولذا يجب �أن ن�ستبعد عقوبة الإعدام من نطاق‬ ‫العقوبات التعزيرية‪.‬‬ ‫�إن �سلطة ويل الأمر يف تطبيق العقوبات التعزيرية لي�ست‬ ‫�سلطة مطلقة ولي�ست �سلطة حتكمية بل هي �سلطة مقيدة كل‬ ‫التقييد ب�أوامر ال�شرع‪ ،‬ت�سعى لتحقيق العدل وامل�ساواة بني النا�س‬ ‫بحيث يكون �ضابط التجرمي هو نوع اجلرمية وظروف اجلاين‬ ‫و�أحواله بغ�ض النظر عن لونه �أو جن�سه �أو دينه �أو ن�سبه �أو مركزه‬ ‫االجتماعي ‪.‬‬ ‫�إن �سلطة ويل الأمر يف العقاب التعزيري يجب �أن تكون ناجعة يف‬ ‫الق�ضاء على الف�ساد و�إزالة هذه الأدران من ج�سم املجتمع امل�سلم‬ ‫لكي يكون نقياً �سليماً و�أن يكون الهدف الرئي�س من هذا العقاب‬ ‫هو حتقيق م�صلحة الأمن للأمة لكي ي�سود الر�ضا والطم�أنينة‬ ‫بني �أفراد املجتمع امل�سلم‪.‬‬ ‫ويرتتب على ذلك �أن لويل الأمر يف تطبيق العقوبات التعزيرية‬ ‫�سلطة وا�سعة فله �أن يزيد يف العقوبة وله �أن ينق�ص منها وله �أن‬ ‫يعفو �إن كان يف العفو م�صلحة للجاين وللمجتمع ‪،‬ولئن يخطئ‬ ‫ويل الأمر يف العفو خري من �أن يخطئ يف العقوبة‪.‬‬ ‫وال�شريعة الإ�سالمية يف النواحي اجلنائية وخا�صة العقوبات‬ ‫التعزيرية �صاحلة للتطبيق يف كل زمان ومكان‪ ،‬و�إن تطبيق هذه‬ ‫ال�شريعة على وجهها ال�صحيح قد �أغنى امل�سلمني عن غريهم من‬ ‫الأمم وقامت ب�سد حاجاتهم على �أكمل وجه‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫واحة الو�سطية‬

‫احلمد وال�شكر‬ ‫وال�شفاعة‬ ‫(اختيار الدكتور زهاء الدين عبيدات)‬

‫هناك فرق بني احلمد وال�شكر‪ :‬فاحلمد يت�ضمن املدح والثناء على املحمود بذكر حما�سنه �سواء كان �إح�سانا �إىل احلامد �أو مل يكن‪،‬‬ ‫وال�شكر ال يكون �إال على �إح�سان امل�شكور‪ ،‬فمن هذا الوجه احلمد �أعم من ال�شكر لأنه يكون على املحا�سن والإح�سان‪ ،‬ف�إن اهلل يحمد‬ ‫على ما له من الأ�سماء احل�سنى‪ ،‬وما خلقه يف الآخرة والأوىل‪ ،‬ولهذا قال‪( :‬وقل احلمد هلل الذي مل يتخذ ولداً ومل يكن له �شريك‬ ‫يف امللك ومل يكن له ويل من الذل وكربه تكبرياً) (الإ�سراء‪ ،)111:‬وقال‪ ( :‬احلمد هلل الذي خلق ال�سموات والأر�ض) (الأنعام‪� ،)1:‬إىل‬ ‫غري ذلك من الآيات‪.‬‬

‫قال عبد الرحيم الربعي‪:‬‬ ‫لك احلمد يا م�ستوجب احلمد دائما على كل حال حمد فان لدائم‬ ‫ملعروفك املعروف يا ذا املراحم‬ ‫و�سبح ــان ــك الله ــم ت�سبيح �شـ ــاك ـ ـ ــر‬ ‫قال عمر الأن�سي‪:‬‬ ‫لك احلمد يا م�ستوجب احلمد والثنا ويا من بنا فقر له وله الغنى‬ ‫وكان لنا يف بابك الأمن واملنى‬ ‫�إليك التج�أنا يف ال�شدائد فامنحت‬ ‫قال حممود الوراق‪:‬‬ ‫لعزة ملك �أو علو مكان‬ ‫فلو كان ي�ستغني عن ال�شكر �سيد‬ ‫فقال ا�شكروا يل �أيها الثقالن‬ ‫ملا �أمر اهلل العباد ب�شكره‬ ‫من كتاب (�أبيات من احلكم واملواعظ وال�شواهد والأمثال)‬ ‫القا�ضي �إ�سماعيل بن �أحمد العن�سي دار عمار‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪73‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫ال تقهروا الطفولة !‬

‫د‪� .‬أ�سمهان الطاهر‬ ‫اخلوف على �شخ�صيتهم م�ستقب ً‬ ‫ال ‪ ،‬والأكرث �إيالماً ه�ؤالء‬ ‫الأطفال الذين يعي�شون هذه الظروف وهذه احلرب ما هو‬ ‫م�ستقبلهم النف�سي والإن�ساين واالجتماعي‪ ،‬هل من جميب؟!‬ ‫�أما �آن للدماء �أن حتقن ؟‪� ،‬أما �آن للأمة �أن تخمد بركان العنف‬ ‫الثائر؟! �ألي�س من حق الطفولة �أن ت�شعر بالفرح بد ًال من‬ ‫اخلوف؟‪� ،‬ألي�س من حقهم �أن يعي�شوا الطفولة كما يجب �أن‬ ‫ُتعا�ش؟‪.‬‬

‫تنبهت الأم على �صوت طفلها ذي الع�شر �سنوات وهو ي�صرخ‬ ‫ب�صوت عال خائفاً‪� ،‬أمي �أين �أنت؟!‬ ‫كان الفزع واخلوف ميتلكان كيانه‪ ،‬ه ّد�أت الأم من روعه و�س�ألته‬ ‫ملاذا ت�صرخ ومما �أنت خائف؟ قال الطفل ب�صوت مرجتف �أخاف‬ ‫�أن �أفقدك �أمي! تكرر ذلك عدة مرات ف�أدركت الأم �أن طفلها‬ ‫الذي يتابع مع والده القنوات الف�ضائية التي تعر�ض الأحداث‬ ‫ال�سيا�سية املحيطة قد اختزن يف ذاكرته كمية من اخلوف �سببها‬ ‫�أما �آن للطفل الفل�سطيني املهجر �أن يقطف زيتون بالده؟‪،‬‬ ‫احلقيقي ر�ؤية الدم والقتل والدمار والفقد الذي نراه ب�شكل‬ ‫يومي‪ ،‬وال�س�ؤال الذي البد من طرحه هنا‪ ،‬كم عدد الأطفال والطفل ال�سوري متى �سيحمل القنديل يف حارات ال�شام‬ ‫الذين �سيختزنون يف داخلهم مثل هذا اخلوف‪ ،‬وما ت�أثري هذا القدمية ويغني للعيد؟‪ ،‬وتلك الطفلة التي فقدت‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪74‬‬


‫عائلتها يف احلرب هل �ست�ستطيع �أن حتت�ضن دميتها وتعطيها حناناً فقدته هي؟ َمنْ �سيم�سح دمعتها عن وجنتيها!‬ ‫�أما �آن للطفل العراقي �أن يهلل وهو يت�سلق نخيل العراق العايل املثمر؟‪� ،‬أما �آن للطفل اليمني �أن ي�شعر‬ ‫بال�سعادة يف بالده اليمن ال�سعيد؟‪� ،‬أما �آن للطفل الليبي �أن ي�شارك �أطفال العامل بالألعاب الإلكرتونية‬ ‫املختلفة؟‪� ،‬أما �آن للأطفال �أن يعجنوا طني الأر�ض ب�إيديهم ال�صغرية لي�شعروا بطاقة الأر�ض وفرحها؟‪.‬‬ ‫كم من اخلوف اختزنتم يف قلوبكم يا �أطفال العامل العربي؟!‬ ‫هل يا ترى �ستدركون يوماً معنى فرح الطفولة؟‪،‬متى �سرتون قو�س قزح وا�ضحاً دون دخان؟‪ ،‬ومتى �سرتفعون‬ ‫طائراتكم الورقية امللونة اجلميلة الزاهية لتحلق عالياً يف ال�سماء؟‪ ،‬ما زلت �أذكر حديث �أحد ال�شباب اليافعني عندما‬ ‫حدثني عن طفل عمره ثالثة ع�شرة عاماً حينما �أفاق من نومه على �صوت قنابل بعرثت �ألعابه‪ ،‬وبع�ضاً من �أحالمه‪،‬‬ ‫لكنها مل تبعرث �إرادته‪ ،‬جاء �إىل الأردن تاركاً ذكرياته هناك‪� ،‬آم ً‬ ‫ال بالعودة لتلك الذكريات يف يوم قريب‪ ،‬وما زال‬ ‫ينتظر العودة‪ .‬هل تعلمون ما الذي قاله �أطفال العامل عندما �سمعوا تلك احلكايات؟ �صرخوا بعلو ال�صوت‪،‬ال تقهروا‬ ‫الطفولة!‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪75‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫لقاء حواري مع �سفري‬ ‫اجلمهورية الباك�ستانية يف عمان‬

‫لقاء مع �سعادة ال�سيد‬ ‫�إح�سان �أزهر حياة‬

‫عبيدات مع �سعادة �سفري جمهورية باك�ستان‬ ‫اال�سالمية يوم احتفال ال�سفارة للت�ضامن‬ ‫مع ال�شعب الك�شمريي امل�سلم يوم‬ ‫‪2015/2/7‬‬

‫كان ملجلة الو�سطية والتي ت�صدر عن املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية هذا اللقاء الذي مت مع �سعادة �سفري جمهورية‬ ‫باك�ستان اال�سالمة الذي �أ�شرف على �إعداده الدكتور‬ ‫زهاء الدين عبيدات مدير مركز الو�سطية للدرا�سات يف‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية والدكتور زيد �أحمد املحي�سن‬ ‫املن�سق العام للعالقات اخلارجية والتعاون الدويل ‪.‬‬ ‫تعريف خمت�صر ‪:‬‬ ‫جمهورية باك�ستان الإ�سالمية‪ ،‬دولة تقع يف غرب �آ�سيا يبلغ عدد‬ ‫�سكانها حوايل ‪ 180‬مليون ن�سمة وم�ساحتها حوايل (‪(796095‬‬ ‫كم مربع‪ ،‬معظم ال�سكان يدينون بالإ�سالم وكلمة باك�ستان‬ ‫باللغة الأوردية تعني ( الأر�ض الطاهرة‪ ،‬الأر�ض النقية( ويحد‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫باك�ستان من اجلنوب بحر العرب وخليج عمان ومن الغرب �أيران‬ ‫و�أفغان�ستان ومن ال�شرق الهند ومن ال�شمال ال�شرقي ال�صني‪،‬‬ ‫وعا�صمة باك�ستان مدينة �أ�سالم �أباد ومن �أ�شهر املدن �إ�ضافة‬ ‫�إىل العا�صمة �أ�سالم �أباد كرات�شي‪ ،‬الهور‪ ،‬بي�شاور‪ ،‬كويتا‪ ،‬حيدر‬ ‫�أباد‪ ،‬في�صل �أباد‪ ،‬ملتان‪ ،‬و�أزاد ك�شمري‪ ،‬قلقيت‪ ،‬وغريها من املدن‬ ‫املنت�شرة يف �أقاليم البالد والباك�ستان دولة زراعية و�صناعية‬ ‫ونظرا لتعدد الأقاليم املناخية فقد تعددت �أنواع املحا�صيل‬ ‫الزراعية وتتميز باك�ستان بجمال الطبيعة من �سهول وجبال‬ ‫و�صحارى ومدن جماورة للبحار والأنهار والبحريات‪.‬‬ ‫وترتبط باك�ستان بعالقات تاريخية مع الدول العربية ومن‬ ‫�أجل �إلقاء ال�ضوء على العالقات الأردنية الباك�ستانية ‪ ،‬حيث‬ ‫بد�أ احلوار بالتعرف على �سفري جمهورية باك�ستان الإ�سالمية يف‬ ‫ع ّمان اجلرنال املتقاعد ال�سيد �إح�سان �أزهر حياة وهو متخرج يف‬ ‫جامعة الدفاع الباك�ستاين يف �إ�سالم �أباد وهو متزوج‪.‬‬ ‫ولدى �س�ؤالنا عن �إنطباعاته عن الأردن ؟‬ ‫�أجاب ال�سفري �إح�سان‪:‬‬ ‫لقد �أمتمت عام ون�صف العام يف الأردن حتى الآن وعلى الرغم من‬ ‫عمق العالقات ال�سيا�سية والع�سكرية بني البلدين ووجود تبادل‬ ‫منتظم للزيارات بني امل�س�ؤولني مل ت�سنح يل الفر�صة لزيارة هذا‬ ‫البلد اجلميل قبل الآن‪.‬‬ ‫�أنا وزوجتي نتحدث مع �أقاربنا و�أ�صدقائنا ب�أن الأردن قد عا�ش‬ ‫فينا‪ ،‬لقد �سنحت لنا الفر�صة لل�سفر خارج باك�ستان ولكن‬ ‫�أ�صدقكم القول نحن مل جند بلد خارج منطقتنا �أعطى لنا‬ ‫الكثري من راحة البال والطم�أنينة واملودة مثل الأردن‪ ،‬نحن نحب‬ ‫الأردن كثريا وال�شيئ الذي �أثار �إعجابنا هو ال�شعب الأردين‪ ،‬لقد‬ ‫وجدنا ال�شعب الأردين متعلم‪ ،‬منفتح وكرمي وم�ضياف للغاية‪،‬‬ ‫لقد �أ�صبح لدينا �صداقات كثرية مع العديد من �أبناء ال�شعب‬ ‫الأردين والذين �سنفتقدهم عندما نغادر �إىل بالدنا �إىل جانب‬ ‫ذلك الأردن بلد جميل فالطق�س والبيئة رائعان متاما‪ .‬وميكن �أن‬ ‫نق�ضي بقية حياتنا فيه‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫‪� .2‬سعادة ال�سفري‪ ،‬كيف تنظر �إىل العالقات الأردنية‬ ‫الباك�ستانية؟ وكيف �سيتم تطورها على امل�ستوى الر�سمي‬ ‫وال�شعبي ؟‬ ‫باك�ستان والأردن لهما عالقات تاريخية وطويلة وعميقة مبنية‬ ‫على �أ�س�س التفاهم املتبادل يف كافة الق�ضايا التي تواجه العامل‬ ‫ب�أ�سره هذه العالقات جزءا ال يتجز�أ من التاريخ ورعايتها‬ ‫من قبل قيادة و�شعوب البلدين لتكون متينه ب�سبب التبادلية‬ ‫والقوا�سم امل�شرتكه مل�صاحلنا‪ ،‬و�أرى �أن العالقه تنمو من قوية‬ ‫�إىل متينة و�أكرث متانة ‪ ،‬باك�ستان والأردن يدعم كل منهما الآخر‬ ‫يف العديد من املنتديات واملنابر العاملية وهذا دليل على عالقات‬ ‫الأخوة بيننا‪ ،‬ومع ذلك نحن بحاجه �إىل موا�صلة العمل لتعزيز‬ ‫هذه العالقات وخا�صة يف جمال التجارة والتبادل التجاري‪ ،‬يف‬ ‫الوقت الذي لدينا عالقات �سيا�سية وع�سكرية قوية مع الأردن‬ ‫‪،‬هناك الكثري من العمل الذي يتعني علينا القيام به لتعزيز‬ ‫التجارة بيننا‪ .‬باك�ستان لديها موارد هائلة والقدرة على �أن ت�صبح‬ ‫�شريكا جتاريا رئي�سيا للأردن‪.‬‬ ‫ون�سعى للرتكيز على هذه امل�س�أله ونحن نعقد �آمال كبرية على‬ ‫خمرجات االجتماع الوزاري امل�شرتك بني الأردن وباك�ستان والذي‬ ‫من املقرر عقده يف �أبريل ‪� 2015‬إن �شاء اهلل‪ .‬لدينا حاليا كما كان‬ ‫يف ال�سابق العديد من الطلبة الأردنيني يدر�سون يف الكليات‬ ‫املهنية يف باك�ستان الذين هم �أداة على امل�ستوى ال�شعبي لزيادة‬ ‫التفاعل بني البلدين‪ ،‬لقد اقرتحت تبادل منتظم لل�صحفيني‬ ‫بني البلدين لريو ب�أنف�سهم ما لدى كل طرف ما ميكن �أن يقدمه‬ ‫و�إبراز �صورة البلدين‪.‬‬ ‫بلدنا لديها الكثري لتقدمه من حيث ال�سياحة‪ ،‬والأردن هي‬ ‫�أر�ض الأنبياء والتاريخ منذ زمن �سحيق‪ ،‬بينما تفتخر باك�ستان‬ ‫بتاريخها وجمال الطبيعة الهائل الذي لديها وهي مناطق‬ ‫اجلذب ال�سياحي الطبيعي ونحن بحاجة �إىل ت�سويق هذا املجال‬ ‫بي�سر و�سهولة من خالل تي�سري �إجراءات ال�سفر واالنتقال بحيث‬ ‫يخلق قدر �أكرب من التفاعل على امل�ستوى ال�شعبي وي�صبح ممكنا‪.‬‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪� .3‬سعادة ال�سفري‪ :‬تعد باك�ستان من الدول الإ�سالمية‬ ‫الكربى التي يح�سب لها ح�ساب ح�ساب على امل�ستوى‬ ‫الإقليمي والدويل‪ ،‬فما هو الدور الذي تلعبه باك�ستان يف‬ ‫ا�ستقرار ال�سلم العاملي؟‬ ‫باك�ستان هي بلد لأكرث من ‪ 180‬مليون ن�سمه وهي قوة اقت�صادية‬ ‫يف حد ذاتها ومتجهه لتكون اقت�صاديا من الدول النامية يف‬ ‫العامل‪ .‬ولديها نظام �سيا�سي دميقراطي م�ستقر‪ ،‬لديها مقاعد‬ ‫ممتازة للتعليم وو�سائل �إعالم فعالة وقوات م�سلحة على م�ستوى‬ ‫عايل من الكفاءة واالقتدار‪ ،‬وال�سيا�سة اخلارجية ناب�ضة باحلياة‪،‬‬ ‫باك�ستان لديها جغرافيا مبوقع ا�سرتاتيجي هام جدا والتي‬ ‫الميكن جتاهلها �أو جتاوزها وكانت �سيا�سة باك�ستان دائما تعزيز‬ ‫ال�سالم يف املنطقة والعديد من املبادرات يف الواقع يف العامل التي‬ ‫اتخذناها يف هذا ال�صدد اال�ستقرار ميكن �ضمانه من خالل‬ ‫كونها دولة قوية من داخلها ومع اقت�صاد قوي باك�ستان ترغب‬ ‫يف ال�سالم مع جريانها وتعزيز الروابط ملا فيه خري �أكرب ل�شعبها‬ ‫ورغم �أرجحية هذه احلقيقة فهي والتزال موجودة يف �إقليم �أو‬ ‫منطقة م�ضطربة‪.‬‬ ‫‪�.4‬سعادة ال�سفري ق�ضية ك�شمري م�ضى عليها �أكرث من �ست‬ ‫و�ستني عام ًا وما زالت هذه الق�ضية مل تراوح مكانها‪،‬‬ ‫بر�أيكم ماهي املعيقات التي تقف �أمام حق تقرير امل�صري‬ ‫لل�شعب الك�شمريي امل�سلم؟‬ ‫اجلواب‪:‬‬ ‫ك�شمري هي الق�ضية القريبة من وجدان وقلوب وعقول ال�شعب‬ ‫الباك�ستاين وهي حتظى بالدعم املعنوي الدائم لن�ضال ال�شعب‬ ‫الك�شمريي ‪،‬كما قد تكون على علم �أنه �صدر تكليف من جمل�س‬ ‫الأمم املتحده لل�شعب الك�شمريي لكي يقوم مبمار�سة (حق تقرير‬ ‫امل�صري) ‪.‬لذا ندا�ؤنا ب�سيط جداً يحتاج العامل �إىل االعرتاف‬ ‫وال�سماح لل�شعب الك�شمريي �أن يقرر م�ستقبله بنف�سه‪ ،‬يتعني‬ ‫على العامل �أن يعى هذه احلقيقة يف حالة �أنهم ي�ؤمنون يف �سيادة‬ ‫ميثاق الأمم املتحدة لت�سوية النزاع‪.‬‬

‫‪77‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫�سعادة ال�سفري‪ :‬دولة باك�ستان تتعر�ض للتطرف والإرهاب‬ ‫من وجهة نظر �سعادتكم ماهي �أ�سباب التطرف يف العامل‬ ‫واحللول الناجحة؟‬ ‫اليوجد بلد يف العامل يعاين من خطر الإرهاب بقدر ما تعاين‬ ‫باك�ستان ‪،‬لقد فقدنا �ستني �ألف �شخ�ص يف هذا املجال من‬ ‫الع�سكريني واملدنيني ومع ذلك ف�إن عزميتنا وجهودنا التي قمنا‬ ‫بها هي مثا ًال يحتذى به‪ .‬باك�ستان �أوت �أكرث من خم�سة ماليني‬ ‫الجئ �أفغاين وت�ستمر الآن يف �إيواء �أكرث من مليوين الجئ‬ ‫�أفغاين �أ�سباب التطرف والإرهاب يف و�سطنا كثرية ولكن للأ�سف‬ ‫هو ا�ستغالل ديننا اجلميل ‪.‬‬ ‫�إن الذي يبعث على القلق ويحزين االفتقار �إىل التعليم اجليد‪،‬‬ ‫والعدالة والت�شرد والتفرقة والتجي�ش ال�سيا�سي هي بع�ض‬ ‫من �أ�سباب انت�شار هذه اخلطر وتهديد العامل وخا�صة العامل‬ ‫الإ�سالمي يحتاج �إىل توحيد �صفوفه ملحاربة هذا اخلطر والرد‬ ‫الع�سكري على الإرهاب �ضرورة ومرغوب فيه وت�أتي اجلهة‬ ‫الأيدولوجية التي عليها �أن ت�أخذ املعركة �إىل املغرر بهم دينيا ‪ ،‬ال‬ ‫دين يف العامل يعلم العنف ‪ ،‬وجيل ال�شباب يجب �أن يتم �إفهامهم‬ ‫قيم الإ�سالم ال�سمحة فهم �أجيال امل�ستقبل كما علينا الرتفع عن‬ ‫امل�صالح ال�ضيقة و�إدانة الفكر املتطرف يف كل الو�سائل لتحقيق‬

‫ال�سالم والهدوء‪.‬‬ ‫الإرهابيون يك�سبون القوة من خالل ا�ستغالل الق�ضايا العالقة‬ ‫الطويلة التي تواجه العامل الإ�سالمي والتي مل حتل حتى الآن‬ ‫مثل الق�ضية الفل�سطينية وك�شمري كذلك وعدم اال�ستقرار يف‬ ‫بع�ض البلدان الإ�سالمية الأخرى ‪.‬‬ ‫ينبغي �أن ننظر ب�شكل جماعي اليجاد حلول لهذه امل�شاكل بحيث‬ ‫ال تبقى ق�ضية �إيذاء امل�سلمني ذريعة‪.‬‬ ‫ويف نهاية املطاف الأردن �سي�ستمر ليكون واحة لال�ستقرار يف هذا‬ ‫الإقليم امل�ضطرب مع عبء هائل على موارده وخ�صو�صاً ب�سبب‬ ‫و�ضع الالجئني حتى الآن‪.‬‬ ‫فالأردن ما يزال يقوم بواجبه الأخالقي جتاه ه�ؤالء والذي‬ ‫ي�ؤكد على طابعها ال�شهم هذا ميكن �أن يكون لدى الدول التي‬ ‫لديها قيادة منقطعة النظري قادرة على اتخاذ القرارات احلكيمة‬ ‫يف مثل هذه الظروف‪ .‬ال�صعبة بكل ت�صرب وروية وكلمة (لقد‬ ‫�أنعم اهلل على الأردن يف هذا ال�صدد بقيادة جاللة امللك هو القائد‬ ‫املثايل يف ظل الظروف التي تعاين منها البالد والأمة وميكن �أن‬ ‫لبلده �أن يفخر حقاً به والآخرين باعتباره منوذجاً يحتذى به يف‬ ‫العامل ( دعائي �أن يبقى الأردن مثا ًال ومنوذجاً يحتذى ول�شعبها‬ ‫دوام االزدهار وحتقيق ما ي�صبوا �إليه حتت قيادة وتوجيهات‬ ‫�صاحب اجلاللة امللك عبداهلل الثاين بن احل�سني‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪78‬‬


‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫حماورة جملة الو�سطية ل�ضيوف م�ؤمتر‬ ‫(دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي)‬ ‫املنعقد يف عمان بتاريخ ‪2015/3/15-14‬‬

‫الدكتور �صالح الدين اجلعفراوي‬ ‫من مواليد مدينة الإ�سكندرية عام‪1954‬م‬ ‫�أمني عام �إحتاد املنظمات الإ�سالمية يف �أروبا ‪1996-1986‬‬ ‫الأمني العام امل�ساعد للمجل�س العاملي للدعوة الإ�سالمية ‪2008 -2001‬‬ ‫ممثل منظمة الإي�سي�سكو يف �أوربا ‪ 2001‬حتى الآن‬ ‫دكتور �صالح الدين‪ ،‬مرحباً بك يف َع ّمان �ضيفاً عزيزاً على اململكة الأردن ّية الها�شم ّية ويف رِحاب هذا امل�ؤمتر الدويل الذي يعقده‬ ‫ظروف دولي ٍة و�إقليمي ٍة بالغة التعقيد ‪ ،‬تبحث فيه الأمة ب�أ�سرها عن حلولٍ ناجعة من مفكريها وعلمائها ‪،‬‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يف‬ ‫ٍ‬ ‫وبدورنا نحن يف جملة الو�سطية نتطلع ل�سماع ر�أيكم و�إقرتاحاتكم التي ال �شك �أنها ل ُت�سهم يف احللول عرب تالقح الأفكار وت�شابكها ‪.‬‬ ‫فما مدى تقييمكم لهذا امل�ؤمتر ومالحظاتكم حوله ب�شكلٍ عام ؟‬ ‫املواد املُقدَّمة وتنوع ال�ضيوف ب�ستوى عالٍ جداُ ف�أفادوا كل امل�شاهدين داخل القاعة وعرب و�سائل الإعالم التي كان لها ح�ضوراً مميزاً‪،‬‬ ‫وجتارب متعددة؛ وهذا يُعدُّ من امل�ؤمترات الناجحة جداً ؛ لأنه ا�ست�ضاف �شخ�صياتٍ من �أماكن‬ ‫وتلك الفائدة مت ّثلت يف معلوماتٍ‬ ‫َ‬ ‫ملتهبة وهي �أماكن ذاقت الإرهاب والتطرف و�أعتقد �أنهم �أجدر َمنْ ي�ستطيع و�صف الظاهرة وو�ضع الت�ص ّور ال�صحيح واحلقيقي لها ‪.‬‬ ‫نعم ‪ ،‬دكتور هل ب�إمكانك تلخي�ص �أبرز �إيجابيات و�سلبيات هذا امل�ؤمتر؟‬ ‫الإيجابيات ما �سلف ذِكره ‪ ،‬وما من �سلبيات �إال �أنني �أمتنى تكاتف كافة م�ؤ�س�سات املجتمع املدين وامل�ؤ�س�سات الر�سمية حتى ال‬ ‫طرف خارج ال�سرب‪ .‬بالإ�ضافة �إىل الإهتمام ب�أهم امل�ؤ�س�سات مثل م�ؤ�س�سات الرتبية بكافة �أنواعها ومراتبها وت�أهيل املُعلمني‬ ‫يغ ِّرد ُكل ٍ‬ ‫واملربيني حتى ال يخرجوا لنا جيال مم�سوخاً ؛ لأن ما يقدمونه ينعك�س على املجتمع ب�أ�سره �إيجاباً �أو �سلباً ‪.‬‬ ‫دكتور‪� ،‬أ�س�س املنتدى من �أجل �أمن املجتمعات من خالل حماربة التطرف والغلو والإرهاب والدعوة للإعتدل والو�سطية ‪ ،‬هل من‬ ‫�إقرتاحات لتطوير عمله الفكري ؟‬ ‫�أعلم �أن له فروعاً يف بع�ض الدول ‪ ،‬لكن العامل كله بحاج ٍة ما�سة ملنهج الو�سطية ف�أقرتح �أن يتمدد املنتدى يف كافة دول العامل ل ُيقيم‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪79‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫دورات لي�ست لعامة النا�س بل مل�ؤ�س�سات الرتبية و�أئمة امل�ساجد وامل�ؤ�س�سات الثقافية للنهو�ض مب�ستواهم الذي �سينعك�س على الأجيال‬ ‫‪ .‬كما �أقرتح و�ضع �إ�سرتاتيجية تعاون بني املنتدى وامل�ؤ�س�سات الإقليمية والدولية ‪.‬‬ ‫‪ ..‬دكتور بعد انق�ضاء يومني ُخ�ص�صت لأعمال امل�ؤمتر ُ‬ ‫وطرحت فيه �أوراق متنوعة �س ُيطلق امل�ؤمترون نداء َع ّمان ملناه�ضة الإرهاب‬ ‫وا�ستنها�ض الأمة ‪ ،‬كيف تع ّلق ؟‬ ‫ُ‬ ‫ح�ضرت نداءات كثرية مثل نداء برلني ونداء فران�سي�سكو ور�سالة ع ّمان وبيان القاهرة وبيان ا�ستانبول ‪ ،‬فما نرجوه �أن يخرج هذا‬ ‫النداء م�صحوبا بخطة عمل ُتن ّفذ على �أر�ض الواقع ‪ ،‬كما كنتُ �أرجو �أن ُت�شارك بع�ض امل�ؤ�س�سات التي لها ثقل يف املنطقة مثل م�ؤ�س�سة‬ ‫الأزهر ال�شريف وغريه من امل�ؤ�س�سات لنقل التجارب وتبادلها ‪.‬‬ ‫ُ�شكراً جزي ً‬ ‫ال دكتور على ّ‬ ‫تف�ضلكم بالإجابة عن ت�سا�ؤالت جملة الو�سطية والتي ال �شك �أنها �سترثي مادتها ‪ ،‬كما �أمتنى لكم �إقامة طيبة‬ ‫يف اململكة وعودا �آمناً على �أمل لقائكم يف �ساح ٍة �أخرى من �ساحات الفكر الو�سطي‪.‬‬

‫(‪ (2‬الدكتور �سعد الدين العثماين‬ ‫ من مواليد اململكة املغربية عام ‪1956‬م‬‫ الأمني العام حلزب العدالة والتنمية ‪2008-2004‬م‬‫ ع�ضو الربملان املغربي ‪2011-1997‬م‬‫ ع�ضو جمل�س ال�شورى ووزير ال�ش�ؤون اخلارجية والتعاون الدويل ‪.‬‬‫مرحباً بكم دكتور يف رحاب هذا امل�ؤمتر ‪ ،‬جملة الو�سطية ت�ستغل وجودكم يف ع ّمان للإفادة من �أفكاركم ومالحظاتكم حول الق�ضايا‬ ‫الراهنة ‪ ،‬فما درجة تقييمكم لهذا امل�ؤمتر ومالحظاتكم حوله ب�شكلٍ عام ؟‬ ‫هذا امل�ؤمتر انعقد يف الوقت املنا�سب مع تزايد حتديات العنف والإرهاب يف املنطقة وخماطر ذلك ت�شويه �صورة الإ�سالم ‪ ،‬فاجتماع‬ ‫علماء ومفكري الأمة للت�شاور والتداول يف ُ�سبل بث خطاب الو�سطية ومنهج الو�سطية بني �شباب الأمة �أمرا �ضروريا ‪ ،‬اجلزء الثاين‬ ‫من �س�ؤالك �أنا الحظتُ �أن امل�شاركني وامل�ؤمترين قاموا بت�شريح عدد من الق�ضايا املرتبطة بالت�شدد والعنف والوقوف على عدد من‬ ‫الأ�سباب واقرتاح حلوال ومقاربات ملعاجلتها وهو بطبيعة احلال حلقة من حلقات فهو م�ؤمتر واحد من عدد من الفعاليات التي تنظم‬ ‫يف خمتلف دول العامل الإ�سالمي ‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪80‬‬


‫دكتور‪ ،‬ما الذي ميكن �أن تقرتح ُه لتطوير العمل الفكري لتيار الو�سط ّية ملواجهة الفِرق اخلارجة عن الدين احلنيف ؟‬ ‫�أظن �أن املنتدى العاملي للو�سطية ميكن �أن يقوم بدو ِر كبري يف معاجلة الإختالالت الفكرية التي ت�ؤدي �إىل الغلو والعنف فيكون بذلك‬ ‫عامال م�ساعدا يف الوقاية منها‪ ،‬من ال�ضروري �أوال جرد تلك الإختالالت الفكرية وترتيبها ح�سب الأولويات وا�ستكتاب العلماء‬ ‫واملفكريني وعقد الندوات للمناق�شة واملعاجلة ‪ .‬فيكون املنتدى بذلك مركز �إ�شعاع فكري يبث منهج الو�سطية يف الأمة ‪.‬‬ ‫ُ�شكراً جزي ً‬ ‫ال دكتــور ‪�ُ ،‬شكراً �أخي ‪.‬‬

‫الدكتور �أبو جرة عبداهلل ال�سلطاين‬ ‫ من مواليد اجلمهورية اجلزائرية عام ‪1954‬م‬‫ رئي�س جمل�س ال�شورى الوطني حلركة املجتمع الإ�سالمي ‪1994 -1980‬‬‫ وزير العمل واحلماية االجتماعية ‪2001-2000‬‬‫ نائب بالربملان عام ‪2002‬‬‫ وزير دولة يف احلكومة اجلزائرية �سنة ‪2004‬م‬‫دكتور ‪ ،‬ما درجة انطباعكم عن هذا امل�ؤمتر من الناحية العلمية وتقييمكم جلهود املنتدى يف �إجناح انعقاده ‪ ،‬وهل من �إيجابيات‬ ‫و�سلبيات ميكن ذكرها ؟‬ ‫مت ّيز هذا امل�ؤمتر عن غريه مبيزتني هامتني ‪:‬‬ ‫‪ .1‬مُ�شاركة جهات ر�سمية مهمة بكلمات مهمة جعلت للو�سطية �إطارا ر�سميا ‪.‬‬ ‫‪ .2‬تنوع اجلن�سيات امل�شاركة مما ن ّوع الأفكار والأطروحات و�أثرى النقا�ش ‪.‬‬ ‫لذلك كانت جل�سات مهمة ومميزة وثرية جدا ومفيدة يف تبادل اخلربات ‪ ،‬كما متيزت املادة العلمية يف حماوره بقيمة ت�شكل �إ�ضافة‬ ‫ملثله من امل�ؤمترات ‪ ،‬ومن �أهم �إيجابياته ‪ ،‬االتفاق على �أن التنديد وال�شجب وحده ال يكفي بل البد من االنتقال �إىل مرحلة و�ضع‬ ‫الربامج واملقاربات العلمية امليدانية ‪� ،‬إال �أن النقا�ش مل ي�أخذ حقه كامال ‪ ،‬وو�صينا يف امل�ؤمترات املقبلة �أن ُتعطى م�ساحة �أو�سع للنقا�ش‬ ‫و�إعطاء فر�صة لل�شباب ‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪81‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫دكتور‪ ،‬هل من مالحظات واقرتاحات ميكن �إبدا�ؤها لتطوير العمل الفكري لتيار الو�سطية ملواجهة الفرق اخلارجة عن الدين‬ ‫احلنيف ؟‬ ‫�أهم طريقة عملية المت�صا�ص تدفقهم هي ا�ستدراجهم �إىل احلوار عن طريق �إر�سال العلماء الذين يثق فيهم كل ف�صيل ‪ ،‬فهناك من‬ ‫لهم ثقة بعلماء دون �آخرين ‪ ،‬واخلطوة الأوىل مهمة جدا لإجال�سهم على طاولة احلوار ‪.‬‬ ‫ما الذي تقرتحه دكتور على العامل الإ�سالمي للقيام به على م�ستوى احلكومات ومنظمات املجتمع املدين للت�صدي للفكر املتطرف؟‬ ‫�أربع خطوات بحاجة ل�شرح وتف�صيل وهي ‪:‬‬ ‫‪ .1‬تنويع الو�سائط املتدخلة يف معاجلة الظاهرة مع مركزية القرار حتى ال تت�شتت اجلهود وت�صب كلها يف مق�صد واحد وهو جتفيف‬ ‫املنابع ‪.‬‬ ‫‪ .2‬اال�ستعانة بذوي املتطرفيني لدفع �أبناءهم �إىل مراجعة �أنف�سهم جتاه جمتمعهم ‪.‬‬ ‫‪ .3‬عدم تو�سيع دائرة املكافحة �أو الت�صدي من الأفراد �إىل الأ�سر والأقارب لقوله تعاىل ‪( :‬وال تزر وازرة وزر �أخرى(‪.‬‬ ‫‪ .4‬اال�ستفادة من جتارب دول وجمتمعات ابتليت بهذا الداء وحماولة تكثيف اخلطط والربامج املحلية ب�شعار (لكل قطر �إرهاب ولكل‬ ‫دولة طرائق املعاجلة(‪.‬‬ ‫�شكرا جزيال دكتور على تف�ضلكم ‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪82‬‬


‫�شخ�صيـــة العــــــدد‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حارث ال�ضاري‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪83‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫د‪ .‬حارث ال�ضاري(‪� )2015 -1941‬أمني عام هيئة علماء‬ ‫امل�سلمني يف العراق‬ ‫ُولد ال�ضاري يف بغداد عام ‪1941‬م ودر�س مبدار�س الفلوجة ثم انتقل‬

‫للدار�سة بالأزهر ال�شريف بجمهورية م�صر العربية عام ‪1962‬م حيث‬ ‫تخ�ص�ص يف التف�سري وعلوم احلديث ثم التحق بربامج الدرا�سات‬ ‫العليا ق�سم التف�سري حيث ح�صل على املاج�ستري عام ‪1969‬م ثم‬ ‫املاج�ستري يف احلديث عام ‪1971‬ثم الدكتوراه التي كانت بعنوان‬ ‫( الإمام الزهري و�أثره يف ال�سنة( عام ‪1978‬م ‪ ،‬وقد عمل مدر�سا‬ ‫خالل فرتة طلبه للعلم بكلية الإمام الأعظم التي انتقلت بعد تغري‬ ‫ا�سمها �إىل كلية ال�شريعة ‪ ،‬كما د ّر�س يف املعهد العايل لإعداد‬ ‫الأئمة واخلطباء ‪ ،‬وكلية ال�شريعة بجامعة الريموك يف اململكة‬ ‫الأردنية الها�شمية ‪1997‬م ‪ ،‬وكلية الدرا�سات الإ�سالمية والعربية‬ ‫بدبي‪2000‬م ‪ ،‬فجامعة عجمان يف الفجرية بدولة الإمارات العربية‬ ‫املتحدة ‪2002‬م ‪ ،‬وقد خ ّلف ال�ضاري عند رحيله �إرثا علميا ق ّيما‬ ‫�أثرى به املكتبة الإ�سالمية ‪ ،‬من تلك الت�أليفات ‪:‬‬

‫ال�سالم االجتماعي بني مكونات القبائل والع�شائر املجاورة ‪ ،‬فقد‬ ‫ا�شتهر بالإ�صالح بني النا�س ‪ ،‬ذلك الإ�صالح الذي اتخذ منه منهجا‬ ‫يعتمد عليه يف حل امل�شكالت بتغليب الرتا�ضي والتنازل وال�صلح ثم‬ ‫ت�سوية اخلالفات ‪.‬‬ ‫ويف معرتك الإ�صالح مل يقف ال�ضاري عند الع�شرية �أو القبيلة ‪،‬‬ ‫و�إمنا �إمتد عمله الإ�صالحي ليحمل هم الوطن ب�أكمله وبكل مكوناته‬ ‫العرقية واملذهبية ‪ ،‬ذلك الهم الذي حرمه طيب العي�ش يف بالده‬ ‫خا�صة بعد �أن �صدرت يف حقه مذكرة توقيف من احلكومة العراقية‬ ‫عام ‪2006‬م ا�ضطر بعدها للبقاء يف اململكة الأردنية الها�شمية التي‬ ‫احت�ضنته بحق اجلوار وبوطنيته وبدعوته الدائمة لتوحيد ال�شعب‬ ‫العراقي لينعم ويت�ساواى يف ظالل الوطنية ‪ ،‬وبعد �إيواء اململكة‬ ‫له ظلت الق�ضايا الوطنية هي �أول �أولوياته وهمه الأكرب بل مل‬ ‫تن�سيه الق�ضايا الإ�سالمية والعربية الأخرى وعلى ر�أ�سها الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية وال�سورية واليمنية والليبية ففيها كلها كانت له مواقف‬ ‫ات�سمت بالو�سطية والعمق املعريف‪.‬‬

‫‪ -1‬الإمام الزهري و�أثره يف ال�سنة – مكتبة ب�شار ‪� ،‬أهم املواقف يف حياته‪:‬‬

‫املو�صل‪1985‬م‪.‬‬ ‫وقفات م�ش ِّرفة �أبت‬ ‫وقف ال�ضاري جتاه ق�ضايا �أمته املركزية‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -2‬القر�آن الكرمي تالوته ومعانيه(لل�صف ال�ساد�س احلياد عن جادة ال�صواب وعن الو�سطية التي دعا �إليها الإ�سالم‬ ‫الإعدادي‪1983‬م)‪.‬‬ ‫يف �صريح ن�صو�صه ‪ ،‬فرف�ض الطائفية البغي�ضة واملذهبية والتقليد‬ ‫الأعمى ‪ ،‬كما التزم املنهج الرباين يف االعتدال الذي يرف�ض الوك�س‬ ‫‪ -3‬علم اجلرح والتعديل ‪.‬‬ ‫وال�شطط برف�ضه الدخول يف غلو الفئات التكفريية التي تك ّفر �سائر‬ ‫‪ -4‬الإ�سناد عند املحدثني ‪.‬‬ ‫امل�سلمني وت�ستحل دماءهم و�أموالهم فخ ّلد ا�سمه بني علماء و�أعالم‬ ‫‪ -5‬الإدراج يف احلديث ‪.‬‬ ‫الأمة الإ�سالمية ‪ ،‬وقد كانت وفاته يف مار�س ‪2015‬م باجلمهورية‬ ‫‪ -6‬الكتب ال�ستة ومكانتها عند امل�سلمني ‪.‬‬ ‫الرتكية فتم نقل جثمانه �إىل اململكة حيث ُ�ش ّيعة يف جنازة مهيبة‬ ‫‪� -7‬أبو هريرة الداعية ‪.‬‬ ‫�إىل مقربة �سحاب جنوب العا�صمة ع ّمان ‪،‬‬ ‫‪ -8‬وحدة الأمة وو�سائل املحافظة عليها ‪.‬‬

‫�أما يف اجلانب الإجتماعي فلم ينح�صر ال�ضاري يف امل�ؤ�س�سات‬ ‫الأكادميية و�إمنا كان عن�صرا فاعال يف جمتمعه ومتفاعال معه ‪ ،‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫ع�ضد هذا اجلانب ودعمه هو �أنه �سليل ع�شري ٍة عريقة ومتجذرة يف‬ ‫املجتمع العراقي و هي ع�شرية زوبع العربية املعروفة واملتفرعة من‬ ‫قبيلة �شمر ‪ ،‬بكل ذلك تعينّ عليه �أن يلعب دورا بل �أدوارا مهم ًة يف‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫�أال رحم اهلل ال�شيخ حارث ال�ضاري‬ ‫وا�سكنه اهلل ف�سيح جنانه‬

‫‪84‬‬


‫بيانات الو�سطية‬ ‫بيان �صادر من املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجري م�سجد‬ ‫القديح ‪ -‬باململكة ال�سعودية‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية يدين وي�شجب اجلرمية املروعة والإرهابية التي وقعت يوم اجلمعة املا�ضي يف م�سجد علي بن �أبي‬ ‫طالب‪ /‬القديح يف مدينة القطيف يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ونتج عنها ع�شرات القتلى واجلرحى الأبرياء الذين كانوا يف‬ ‫بيت اهلل ي�ؤدون �صالة اجلمعة وال ذنب لهم وال قوة وهم �أبرياء وعزل‪.‬‬ ‫‪� ‬إن هذا الفعل الإجرامي ال�شنيع هو عمل يندى له جبني الإن�سانية والفطرة ال�سوية وهو خارج بالت�أكيد عن الإ�سالم ومبادئه‬ ‫ال�سمحة التي حترم القتل و�سفك الدماء فكيف بتفجري امل�ساجد ودور العبادة‪ ،‬فالإ�سالم براء من �أعمالهم و�سلوكياتهم التي‬ ‫تنم عن حقد موجهة لكافة امل�سلمني مبختلف مذاهبهم وهو عمل ينايف تعاليم الإ�سالم الداعية �إىل احلوار والت�سامح وعدم‬ ‫التكفري‪.‬‬ ‫‪� ‬إن هذا احلادث الب�شع من �ش�أنه تعزيز الطائفية والفرقة لي�س يف اململكة العربية ال�سعودية بل والعامل الإ�سالمي وي�سهل‬ ‫انت�شار ال�صراع واحلروب يف كافة �أرجاء املنطقة خدمة لأعدائنا‪ ،‬نتقدم ب�أحر العزاء �إىل اململكة العربية ال�سعودية ملكاً‬ ‫وحكومة و�شعباً و�إىل �أ�سر ال�ضحايا مت�ضرعني �إىل اهلل ان يتغمدهم برحمتهم ويلهم �أهلهم ال�صرب وال�سلوان‪ ،‬و�صدق اهلل‬ ‫العظيم �إذ يقول‪:‬‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا‪ ) ‬‬ ‫(‪َ ‬منْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َف َك َ�أنمَّ َ ا َق َت َل ال َّن َ‬ ‫‪ ‬املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫‪ ‬الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪85‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫بيان �صادر من املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجري م�سجد‬ ‫الإمام احل�سني ‪ -‬الدمام‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا )(�صدق اهلل العظيم)‪.‬‬ ‫قال تعاىل ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ َْ أ‬ ‫ال ْر ِ�ض َف َك أ�َنمَّ َ ا َق َت َل ال َّن َ‬

‫�إن املنتدى العاملي للو�سطية يدين وي�شجب اجلرمية الإرهابية الب�شعة واملروعة و التي وقعت داخل م�سجد الإمام احل�سني يف مدينة‬ ‫الدمام باململكة العربية ال�سعودية يوم اجلمعة ‪ 2015/5/25‬والتي خ ّلفت عدد من القتلى واجلرحى الأبرياء الذين كانوا ي�ؤدون �صلواتهم‬ ‫يف بيت اهلل‪ ،‬عزل ال حول لهم وال قوة‪.‬‬ ‫�إن هذا العمل الإجرامي ال�شنيع والب�شع اخلارج عن الإ�سالم ومبادئه ال�سمحة الميكن �أن تنفذه �إال � ٍأيد �آثمة خرجت عن حدود الدين‬ ‫وال�شريعة والتي حترم القتل و�سفك الدماء فكيف بتفجري امل�ساجد ودور العبادة فالإ�سالم بريء من �أعمالهم و�سلوكياتهم اخل�سي�سة التي‬ ‫تنم عن حقد وكراهية موجه لكافة امل�سلمني مبختلف مذاهبهم وهو عمل ينايف تعاليم الإ�سالم الداعية لل�سلم واحلوار والت�سامح وعدم‬ ‫التكفيري‪.‬‬ ‫وما هذا احلادث �إال عمل من �ش�أنه تعزيز الطائفية والفرقة لي�س يف اململكة العربية ال�سعودية فقط بل العامل الإ�سالمي ب�أكمله ويهدف �إىل‬ ‫ن�شر ال�صراع واخلالفات يف �أرجاء املنطقة خدمة لأعداء الأمة الإ�سالمية وت�شويه �صورة الإ�سالم ال�سمحة‪ ،‬و�إننا �إذ نتقدم ب�أحر العزاء‬ ‫�إىل اململكة العربية ال�سعودية ملك ًا وحكومة و�شعب ًا و�إىل ذوي ال�ضحايا ن�س�أل اهلل العلي القدير �أن يتغمدهم بوا�سع رحمته ويلهم �أهلهم‬ ‫ال�صرب وال�سلوان‪.‬‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪86‬‬


‫بيان �إدانة حول التفجريات والأعمال الإرهابية‬ ‫يف تون�س‬

‫توا�صلت �أعمال التطرف والإرهاب بنريانه احلارقة يف �ضرب العامل بلهيبه امل�ستعر والذي �ضرب يف هذه املرة �إحدى املتاحف الوطنية‬ ‫التون�سية م�ستهدفاً ال�سياح حيث �أوقع ع�شرين قتي ً‬ ‫ال �أجنبياً واثنني من التون�سيني يف ب�شاعة يندى لها جبني الإن�سانية وت�ستنكرها‬ ‫كل الأديان والأعراف والفطرة ال�سوية والقيم الإن�سانية وي�أتي هذا العمل يف �إطار �إجها�ض الأمن وال�سلم املجتمعي وي�ؤدي �إىل تفكيك‬ ‫�أوا�صر الوحدة واملحبة وال�سالم بني ال�شعوب ‪،‬وبناء عليه ف�إن املنتدى العاملي للو�سطية يدين هذا العمل الإرهابي اجلبان ويدعو‬ ‫ال�سلطات التون�سية املبا�شرة يف �أعمال التحقيق اجلاد للقب�ض على اجلناة املجرمني وتقدميهم للعدالة كما يدعو العامل �أجمع �إىل‬ ‫م�ؤازرة ال�شعب التون�سي يف ت�صديه للإرهاب وم�ساعدته ل�سلوك نهج الو�سطية واالعتدال الذي يحقن الدماء وي�صون كرامة الإن�سان‬ ‫‪.‬‬ ‫نقدم �أحر التعازي لل�شعب التون�سي و�إىل �أهل ال�ضحايا متمنني لتون�س اخل�ضراء �أن تبقى قوية ع�صية على الغادرين اخلونة ‪.‬‬

‫( َو هَّ ُ‬ ‫ا�س ال َي ْعلَ ُمو َن )‬ ‫الل َغال ٌِب َعلَى �أَ ْم ِر ِه َو َلك َِّن �أَكْثرَ َ ال َّن ِ‬ ‫( َو َ�س َي ْعلَ ُم ا َّلذِ َ‬ ‫ين َظلَ ُموا �أَيَّ ُمن َقلَبٍ َين َق ِل ُبو َن)‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪87‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان‬ ‫ي�ستنكر اجلرمية النكراء التي تعر�ض لها طلبة‬ ‫غاري�سا ‪ -‬كينيا‬ ‫‪ ‬يدين املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان اجلرمية الب�شعة التي تعر�ض لها طلبة جامعة غاري�سا يف كينيا اخلمي�س املا�ضي املوافق‬ ‫‪2015/04/02‬م والذي راح �ضحيتها نحو (‪� )150‬شخ�صاً من الطلبة الأبرياء‪� ،‬إ�ضافة �إىل جرح الع�شرات غالبيتهم من طالب اجلامعة‪.‬‬ ‫‪ ‬ويعلن املنتدى العاملي عن ت�ضامنه مع ال�شعب الكيني ال�صديق وتعازيه احلارة لأ�سر ال�ضحايا الذين �سقطوا ج َّراء اجلرمية‬ ‫الإرهابية النكراء والتي ال تقرها الأديان وال الأخالق وال القيم الإن�سانية النبيلة‪.‬‬ ‫‪ ‬ويدعو املجتمع الدويل ومنظمات املجتمع املدين �إىل تكاتف اجلهود والوقوف �صفاً واحداً �ضد �آفة التطرف التي �أ�صبحت تهدد‬ ‫اال�ستقرار وال�سلم العاملي‪.‬‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪88‬‬


‫خرب ه خرب‬ ‫خ‬ ‫ه‬ ‫خ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ام‬ ‫رب‬ ‫رب ه‬ ‫ا‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫دا‬ ‫خ‬ ‫جدا‬ ‫جدا‬ ‫رب‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫خ‬ ‫خ‬ ‫مج‬ ‫رب‬ ‫خرب‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫رب‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫هام‬ ‫خ‬ ‫مج‬ ‫خ‬ ‫خ‬ ‫ج‬ ‫د‬ ‫خ‬ ‫جدا‬ ‫ا‬ ‫رب‬ ‫د‬ ‫رب‬ ‫ا رب ها‬ ‫هام‬ ‫رب ه‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫هام‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ج‬ ‫دا‬ ‫خرب‬ ‫دا‬ ‫دا‬ ‫جدا‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫خ‬ ‫يعلن م ج‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫رب‬ ‫العاملي للو�سطية لي�س له‬ ‫املنتدى‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫الكرمي‬ ‫للجمهور‬ ‫للو�سطية‬ ‫العاملي‬ ‫املنتدى‬ ‫رب ها‬ ‫خ‬ ‫هام‬ ‫خرب‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫رب‬ ‫ا‬ ‫ج‬ ‫دا‬ ‫دا‬ ‫هام ج رب ها‬ ‫مج‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ج‬ ‫د‬ ‫آخر‪� ،‬إمنا خهوداهيئة فكرية �إ�سالمية عاملية‬ ‫عالقة بحزب الو�سط الإ�سالمي �أو �أي حزب � ا‬ ‫خ‬ ‫رب‬ ‫خ‬ ‫خرب‬ ‫خرب‬ ‫هام ج رب ها‬ ‫رب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫�صياغة امل�شروع‬ ‫ت�سعى �‬ ‫م�ستنرية‬ ‫ذات ر�سالة فكرية‬ ‫يفداحياة الأمة و�داإعادة جدا‬ ‫إىل التجديدم ج‬ ‫مج‬ ‫جدا‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫خ‬ ‫خ‬ ‫رب‬ ‫رب‬ ‫خ‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫النه�ضوي الإ�سالمي رب‬ ‫منهاخالل امتالك و�سائل علمية وواقعية هام‬ ‫جتديدية ت�سهم يف �إنتاج‬ ‫مج‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫جدا‬ ‫جدا‬

‫�إعالن هام من املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية‬

‫خطاب �إ�سالمي م�ستنري ويعتمد على الفهم ال�سليم للإ�سالم وقيمه وت�شريعاته ويتخذ‬ ‫خ‬ ‫خرب‬ ‫رب‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫إ�سالمية‪.‬‬ ‫وله فروعخيفربالعديد من العوا�صم العربية وا مل‬ ‫اممن‬ ‫العا�صمة عمانخمقراً له‪،‬خ‬ ‫جدا خرب‬ ‫رب‬ ‫رب‬ ‫جدا‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫خ‬ ‫هام‬ ‫م جدا هام ج خرب‬ ‫مج‬ ‫رب‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ام‬ ‫علماً ب�أن رئي�س املنتدى العامليا هو‬ ‫جدا‬ ‫جدا‬ ‫خ‬

‫خ‬

‫خ‬

‫خ‬

‫رب‬

‫�سماحة ا ه‬ ‫رب‬ ‫رب‬ ‫لا‬ ‫رب ه‬ ‫ا‬ ‫إمام ال�صادق املهدي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫ج‬ ‫جدا‬ ‫ج‬ ‫جدا‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫رب‬ ‫رب ها‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫العام‬ ‫واخل‬ ‫ام‬ ‫ربأمني خ‬ ‫جدا‬ ‫ها‬ ‫جدا‬ ‫خرب‬ ‫رب ه‬ ‫خرب‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫هام‬ ‫هام‬ ‫أجالءدامن كافة بقاع العامل الإ�سالمي‪.‬‬ ‫وي�ضم‬ ‫العلماء ال م ج‬ ‫جمموعة من جدا‬ ‫ج‬ ‫ج‬ ‫دا‬ ‫دا‬ ‫خ‬ ‫خ‬ ‫رب ها‬ ‫م‬ ‫رب‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫دا‬ ‫م‬ ‫جد‬ ‫ا‬ ‫خ‬ ‫خرب‬ ‫رب‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ام‬ ‫جدا‬ ‫جدا‬ ‫خ‬

‫رب‬ ‫هام‬

‫خ‬ ‫خ‬

‫رب‬ ‫هام‬

‫رب‬ ‫هام‬

‫جدا‬

‫جدا‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫خ‬ ‫رب ها‬

‫م‬

‫‪89‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬

‫جدا‬

‫جدا‬


‫ن�شاطات الو�سطية‬ ‫�أ�ساليب عالج التطرف‬ ‫ندوة حوارية ملنتدى‬ ‫الو�سطية يف جر�ش‬ ‫يف غمرة احتفاالت اململكة الأردنية بذكرى معركة الكرامة‬ ‫اخلالده �أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع جر�ش ندوة‬ ‫حوارية حول �أ�ساليب عالج التطرف ويف بداية اللقاء �أكد رئي�س‬ ‫املنتدى على �أن عالج الإرهاب يكون من خالل تكاثف جهود الدعاة‬ ‫واملعلمني والعلماء وهيئات املجتمع املدين و�أكد �أننا يف منتدى‬ ‫الو�سطية ن�أخذ على عاتقنا ن�شر منهج الو�سطية واالعتدال يف‬ ‫املجتمع ومند �أيدينا �إىل كل اخلريين يف هذا البلد من م�ؤ�س�سات‬ ‫و�أفراد وهيئات �إىل امل�ساعدة والدعم للنهو�ض بالأمة من خالل‬ ‫العمل املخل�ص اجلاد وذلك لأننا منر مبرحلة حرجه وح�سا�سة‬ ‫تتطلب العمل اجلماعي ‪ .‬وبهذه املنا�سبة ا�ست�ضفنا جمموعة خرية‬ ‫من الدعاة والأكادمييني واحلزبيني وهيئات املجتمع املدين ‪,‬‬ ‫وقد كانت البداية لف�ضيلة ال�شيخ علي القادري الذي �أكد �أن‬ ‫احلرب على الإرهاب لي�ست حربا على جماعة و�إمنا هي حرب‬ ‫على فكر منحرف وعليه ف�إن العالج يكون من خالل احرتام‬ ‫العلماء والدعوة �إىل اهلل على بينة وعلم مبقا�صد ال�شريعة‬ ‫وتعرية االنحراف يف فهمهم للإ�سالم ور�سالته تلك الر�سالة‬ ‫التي جاءت حلماية الإن�سان وحفظ النف�س الب�شرية ‪ ,‬و�أكد‬ ‫على �أنه بالعلم والإرادة والإدارة ومواجهة حجج املتطرفني‬ ‫باحلج الدامغة ف�إننا نتغلب على الإرهاب وعلى كل فرد‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫�أن يقوم بالواجب الذي عليه لأنه حما�سب �إذا ق�صر فيه ‪ .‬‬ ‫و�أكد الأ�ستاذ �أحمد عقيلي وهو مدير مدر�سة ثانوية على �أن‬ ‫العالج يكون من خالل القدوة ال�صاحلة ومن خالل �ضرورة‬ ‫االهتمام باملناهج الدرا�سية املدر�سية واجلامعية وت�ضمينها‬ ‫جمموعات القيم وال�سلوكيات التي حتافظ على املجتمع‪.‬‬ ‫�أما الأ�ستاذ �أحمد العتوم وهو مدرب يف وزارة الرتبية فقد �أكد على‬ ‫�أن �أ�سا�س التطرف والغلو يعود �إىل عدم التوازن وانتهاك حقوق‬ ‫الأفراد والفقر الذي يدفع مبجموعة من الأفراد �إىل االنحراف‬ ‫عن الدين احلق وااللتحاق بالإرهابيني والعالج يكون من خالل‬ ‫تفعيل دور دائم ومركز للإعالم وذلك ملواجهة الفكر املتطرف‪.‬‬ ‫وحتدث احلاج ر�ضوان بني م�صطفى وهو ع�ضو اجلبهة الأردنية‬ ‫املوحده والذي دعا �إىل توحيد وتطوير اخلطاب الديني وتفعيل‬ ‫دور وزارة الأوقاف والدعاة لتو�ضيح الإرهاب ‪ ,‬وحتدث حول ن�سبة‬ ‫البطالة يف املجتمع والفقر وهو ما يدفع جزء من ال�شباب �إىل‬ ‫التطرف ‪ ,‬وختم قوله ب�أن جاللة امللك املعظم دعا �إىل منهاج درا�سي‬ ‫للطالب ير�سم لهم حياتهم ليكونوا �أ�شخا�ص منتجني يف املجتمع‪.‬‬ ‫�أما ال�شيخ �صالح بني م�صطفى فقد �أكد على �أن التيار ال�سلفي‬ ‫اجلهادي يف الأردن �أدان هذا الفكر املنحرف املتطرف على اعتبار‬ ‫�أن هذا املنهج ال ميثل الإ�سالم احلق ودعا �إىل عمل مراجعات‬ ‫دينية مع هذه اجلماعات من خالل علماء متخ�ص�صني وذكر‬ ‫جتربة م�صر الناجحة يف هذا اخل�صو�ص والتي �ستثمر يف عودة‬ ‫ه�ؤالء الأفراد �إىل الفكر الو�سطي والفهم ال�صحيح للإ�سالم‪.‬‬ ‫وقد ح�ضر اللقاء جمموعة من الطالب والذين طالبوا �أن يقوم‬ ‫املنتدى مبزيد من هذه اللقاءات يف املدار�س ‪.‬‬

‫‪90‬‬


‫ا�ستقبل املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يف مكتبه‪ ‬معايل‬ ‫القا�ضي حمود الهتار وزير الأوقاف الإ�سالمية (ال�سابق) يف اليمن‪ ‬و�أحد ال�شخ�صيات‬ ‫الإ�سالمية البارزة يف اليمن‪.‬‬

‫‪ ‬وخالل اللقاء ا�ستمع الوزير ل�شرح وايف عن املنتدى العاملي للو�سطية والن�شاطات والفعاليات التي يقوم بها و�آخرها امل�ؤمتر‬ ‫الدويل الذي عقده املنتدى خــالل الفرتة من ‪2015/03/15-14‬م (‪ ‬دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق الإ�ستقرار‬ ‫وال�سلم العاملي)‪.‬‬ ‫‪ ‬وقد �أثنى على اجلهود املبذولة وبامل�ستوى الرفيع الذي و�صل �إليه املنتدى‪ ،‬وقد ح�ضر اللقاء معايل الدكتور عبد ال�سالم‬ ‫العبادي وزير الأوقاف الأردين الأ�سبق ‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪91‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫يكرم �إعالميني �أردنيني وعربا‬

‫قام املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية‪ ‬بتكرمي ثلة من الإعالميني املحليني والعرب الذين‬ ‫�شاركوا يف تغطية فعاليات امل�ؤمتر الدويل الذي عقد يف ع ّمان‬ ‫خالل الفرتة من ‪ 2015 / 3 / 15 - 14‬مب�شاركة �أكرث من ‪ 20‬دولة‬ ‫وح�ضور �أكرث من ‪� 150‬شخ�صية من جامعات عربية واالحتاد‬ ‫العاملي جلمعية علماء امل�سلمني وامل�ؤ�س�سات وقادة وعلماء من‬ ‫حركات �سيا�سية و�أحزاب وازنة علي ال�ساحة الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫قال �أمني عام املنتدي يف حفل التكرمي الذي �شرف بح�ضور‬ ‫وزير الأوقاف اليمني ال�سابق معايل ‪ /‬د ‪.‬حمود الهتار والدكتور‬ ‫زيد املحي�سن املن�سق العام للعالقات اخلارجية والتعاون الدويل‬ ‫واال�ستاذ �شاكر اجلوهري رئي�س جمعية ال�صحافة الإلكرتونية‬ ‫الأردنية وح�ضور من الفقهاء �أ�ساتذة رجال الدين والقانون‬ ‫م�شيدا بدور الإعالميني ‪ :‬التلفزيون الأردين والإذاعة الأردنية‬ ‫وقناة اجلزيرة وال�صحافة العربية والإلكرتونية وما تركة من‬ ‫�صدى كبري ومن تغطية �إعالمية تعدت داخل الأردن وتعدت‬ ‫حدود الوطن العربي �إيل التغطية العاملية حتي و�صلت �إيل و�سائل‬ ‫الإعالم الرتكية والربيطانية والإيرانية والرو�سية مما كان له‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫�أثر كبري يف جناح امل�ؤمتر وحتقيق �أهدافه على كافة الأ�صعدة ‪.‬‬ ‫هذا اللقاء هو جزء من التعاون والتوا�صل واالنحياز لأمتنا‬ ‫العربية خا�صة يف الظرف الذي تتعر�ض له من خطر ما �سمي‬ ‫بالهجمة اال�ستعمارية والفنت الطائفية التي تهدد بتفتيت‬ ‫�أو�صال الأمة وما يتعر�ض لة ديننا الو�سطي من اتهامات باطلة‬ ‫ال متت �إيل ديننا وفكرنا الو�سطي ب�أي �صلة معربا يف كلمتة �أن‬ ‫الإ�سالم هو دين الرحمة واملودة والت�سامح ‪.‬‬ ‫ويف نهاية احلفل قام الفاعوري بتقدمي دروع التكرمي‬ ‫للإعالميني تعبريا عن جهودهم يف التغطية الإعالمية املميزة‬ ‫التي رافقت امل�ؤمتر علي مدار يومني ‪.‬‬ ‫وكان من بني الذين �شملهم التكرمي حممد العمر مدير اذاعة‬ ‫القران الكرمي و الدكتور ن�سيم �أبو خ�ضري امل�شرف علي الربامج‬ ‫الدينية يف التلفزيون الأردين ‪ .‬والأ�ستاذ �شاكر اجلوهري رئي�س‬ ‫جمعية ال�صحافة الإلكرتونية الأردنية ‪ ,‬وقناة اجلزيرة مبا�شر‬ ‫‪ ,‬وجريدة الد�ستور الأردنية ورندا جميل من وكالة كليوباترا‬ ‫للأنباء و�إعالميني و�صحافيني �أردنيني‪.‬‬

‫‪92‬‬


‫موقف املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫من الق�ضية اليمنية ‪2015/3/28‬‬

‫‪� ‬إن ما يحدث اليوم يف املنطقة من انعدام التوافق على وحدة الأمة و�صورتها بفتح املجال حلركات الإرهاب يف عاملنا على �أو�سع �أبوابه‪ ،‬ما مل يتم‬ ‫�ضمان حرية التعاي�ش ال�سلمي يف �إطار التعددية الدينية واملذهبية والفكرية والقومية ويف ظل حقوق مدنية مت�ساوية لكافة املكونات ويف �إطار‬ ‫حل االختالفات بو�سائل مدنية تعتمد احلوار والرتا�ضي الوطني �سبي ً‬ ‫ال و�سيادة حكم القانون منهجاً قومياً‪.‬‬ ‫�إن ذلك ي�شكل �أكرب تفجري وتهديد وتبديد لوحدة الأمة الإ�سالمية ب�شكل مبا�شر فنحن �أمه نادها ربها بقوله ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا اد ُْخ ُلوا فيِ‬ ‫ال�س ْل ِم َكا َّف ًة(‪َ ( ،‬و�إِنْ َطا ِئ َف َتانِ مِ َن المْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني ا ْق َت َت ُلوا َف�أَ ْ�صل ُِحوا َب ْي َن ُه َما َف ِ�إنْ َب َغتْ ِ�إ ْحدَاهُ َما َعلَى الأُ ْخ َرى َف َقا ِت ُلوا ا َّلتِي َت ْبغِي َح َّتى َتفِي َء �إِلىَ �أَ ْم ِر اللهَّ ِ‪.( ‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪� ‬إن دوائر العنف والتطرف باتت تت�سع يف بلداننا نتيجة ا�ستمرار نزاعات داخلية لها امتدادات �إقليمية وحتالفات دولية‪ ،‬وما مل يتم احتوا�ؤها‬

‫‪ ‬بالو�سائل ال�سلمية واحلوار ف�إنها �ستجر املنطقة ب�أ�سرها �إىل مواجهات �إقليمية ثم دولية مدمرة جتعل الأعداء اال�سرتاتيجيني يحققون‬ ‫لأنف�سهم ن�صراً بال حرب‪ ،‬يجنون ثمار اجليل الذكي الرابع من احلروب‪.‬‬ ‫‪ ‬وما مل يقم قادة الأمة باحتواء املوقف ف�إن تداعياته �ستقودنا �إىل �إ�شعال جمرات تاريخية ب�إمكانات تكنولوجية حديثة يجعل الأمة تدمر‬ ‫نف�سها بنف�سها‪ ،‬ويعلو فيها �صوت التطرف والإرهاب وي�صدق حينها فينا قول ربنا ( ُيخْ ِر ُبو َن ُب ُيو َتهُم ِب�أَ ْيدِ ي ِه ْم(‪َ ( ،‬كا َّلتِي َن َق َ�ضتْ َغ ْز َلهَا مِ نْ َب ْعدِ‬ ‫ُق َّو ٍة �أَ ْن َكا ًثا)‪..‬‬ ‫‪� ‬إننا ن�أ�سف �أ�شد الأ�سف لهذا امل�شهد الدامي الذي نراه يف اليمن والعراق و�سوريا‪ ‬وليبيا وندعو حكماء الأمة يف كل ُقطر للتنادي مل�ؤمترات‬ ‫�إ�سالمية جامعة جاده تن�شد الوفاق على �أ�س�س واقعية عادلة دون هيمنة طرف على طرف‪ ،‬ودون فر�ض مذهب على مذهب ودون ا�ستغاللٍ‬ ‫لب�سط الهيمنة وت�صدير امل�شروع‪.‬‬ ‫‪ ‬وندعو املكونات الثالث امل�شرتكة يف املرجعية الإ�سالمية يف دول اجلوار‪ ‬العربية والإيرانية والرتكية‪ ‬لإبرام اتفاق ينزع فتيل الطائفية وتلتزم‬ ‫�أطرافها بالتعاي�ش ال�سلمي‪ ،‬والتكافل الأمني واحلفاظ على امل�صالح امل�شرتكة امل�شروعة للأطراف‪.‬‬ ‫ون�ؤذن يف �أمتنا‪:‬‬ ‫هذا‪� :‬أو‪ .........‬الطوفان‪.‬‬ ‫و�صدق اهلل العظيم ( َوا َّت ُقوا ِف ْت َنة اَل ُت ِ�صيبنَ ا َّلذِ َ‬ ‫ا�صة)‬ ‫ين َظلَ ُموا مِ ْن ُك ْم َخ َّ‬

‫‪ ‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫الأمني العام‬ ‫‪ ‬م‪ .‬مروان الفاعوري‬

‫‪93‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫اختتام �أعمال الربامج التدريبي للأئمة‬ ‫والوعاظ العراقيني‬ ‫اختتمت �أعمال الدورة التدريبية اخلا�صة بالأئمة والوعاظ العراقيني يف املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان اليوم الثالثاء‬ ‫‪ 2015/5/5‬وذلك بعد ثالث حما�ضرات قدمها كل من الدكتور زهاءالدين عبيدات والذي حتدث فيها عن القدوة وال�صفات‬ ‫الأ�سا�سية للخطيب الناجح والدكتور عبدالفتاح ال�سمان الذي حتدث عن فن الت�أثري الإعالمي للخطيب والداعية وعن‬ ‫الو�سطية ت�أ�صيلها ال�شرعي ودور اخلطيب يف تعزيزها والدكتور علي احلجاحجة يف حما�ضرة عن اعداد اخلطابة وفقاً‬ ‫الحتياجات املجتمع ودرجة ا�ستفادة اخلطيب من تكنولوجيا الع�صر‪ ،‬واال�ستاذ خالد ح�سنني يف حما�ضرة عن واقع اخلطاب‬ ‫الوعظي ‪ ،‬وقد قام املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية بت�سليم ال�شهادات للخريجني الذين‬ ‫�أنهوا يومني من التدريب املكثف حتت �شعار (الو�سطية يف اخلطاب الدعوي على هدى الر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫)ومن اجلدير بالذكر �أن املنتدى يقوم بعقد دورات تدريبية م�ستمرة لربامج متنوعة ي�شرف عليها مدربني و�أ�ساتذة لهم‬ ‫خرباتهم العلمية والعملية الطويلة يف هذا املجال‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪94‬‬


‫تو�صيات امل�ؤمتر الدويل‬ ‫(دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي)‬ ‫الذي عقد يومي ال�سبت والأحد ‪ 2015/3/15-14‬باملركز الثقايف امللكي‬

‫تو�صيات امل�ؤمتر‬ ‫امللكي‬ ‫املركز الثقايف ّ‬ ‫يف �إطار ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية وحتقيقاً لأهدافه التي �أن�شيء من �أجلها وهي بيان حقيقة الإ�سالم القائمة على الو�سطية‬

‫واالعتدال والرحمة ي�أتي تنظيم هذا امل�ؤمتر الدويل يف الفرتة من‪2015/03/15-14‬م‪ ‬يف عمان‪ -‬اململكة الأردنية الها�شمية الذي �إهتم‬ ‫ببيان الو�سطية ودورها يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي كما حر�ص على �إبراز خطر التطرف والعنف والإرهاب‬ ‫الذي ي�ستنزف طاقات و�إمكانات العامل الإ�سالمي و�إظهار حقيقة الإ�سالم وعدله ورحمته يف التعامل مع جميع مكونات الأمة على‬ ‫اختالف �أديانها ومذاهبها احرتاماً لكرامة الإن�سان وذاته‪ ،‬انتهى �إىل اعتماد التو�صيات الآتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬ي�ؤكد امل�ؤمترون على �أن الغلو والتطرف والإرهاب كل ذلك ي�شكل تهديداً م�ستمراً ‪ ‬لل�سلم والأمن واال�ستقرار جلميع البلدان وال�شعوب‪،‬‬ ‫ويجب �إدانتهما والت�صدي لهما ب�صورة �شاملة‪ ،‬من خالل اعتماد �إ�سرتاتيجية �شاملة وفاعلة وموحدة وبجهد دويل منظم بحيث ي�شرف‬ ‫عليها جمل�س حكماء يتم تعيينه على م�ستوى العامل الإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪ -2‬يتفق امل�ؤمترون على �أن الإرهاب ينتهك متتع الفرد باحلقوق الأ�سا�سية للإن�سان‪ .‬فالتطرف لي�س له دين معني �أو جن�س �أو جن�سية‬ ‫�أو منطقة جغرافية حمددة‪ ،‬وينبغي الت�أكيد على �أن �أي حماولة لربط التطرف والعنف والإرهاب ب�أي دين �ست�ساعد يف حقيقة الأمر‬ ‫الإرهابيني للو�صول �إىل �أهدافهم امل�شبوهة‪.‬‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪95‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫‪ -3‬ي�شيد امل�ؤمتر بنداء عمان والذي �أطلقه دولة الإمام ال�صادق‬ ‫املهدي مبنا�سبة انعقاد هذا امل�ؤمتر والذي يدين التطرف ويحث‬ ‫على وحدة الأمة والتم�سك مببادئ الو�سطية‪.‬‬ ‫‪ -4‬ي�سجل امل�ؤمتر بالتقدير واالمتنان اجلهود املبذولة ملحاربة‬ ‫الإرهاب كاملبادرة العربية والإ�سالمية ومبادرة خادم احلرمني‬ ‫ال�شريفني امللك �سلمان بن عبد العزيز يف بالغ مكة املكرمة‪ ،‬وكلمة‬ ‫�سواء‪ ،‬و�أ�سبوع الوئام بني الأديان‪.‬‬ ‫‪ -5‬يو�صي امل�ؤمتر احلكومات العربية والإ�سالمية االهتمام بال�شباب‬ ‫وبال�شرائح الفقرية واملهم�شة والعمل على تطبيق فاعل لفري�ضة‬ ‫الزكاة الركن الثالث يف الإ�سالم‪ ،‬من خالل �سيا�سة وطنية للت�شغيل‬ ‫والت�أهيل والتكوين امل�ستمر‪ ،‬وحماربة الأمية والفقر واجلهل‪ ،‬ون�شر‬ ‫القيم والأخالق الفا�ضلة حت�صينا �ضد الغلو والتطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫‪ -6‬يو�صي امل�ؤمتر امل�ؤ�س�سات الرتبوية التعليمية يف الأقطار‬ ‫الإ�سالمية بت�ضمني املفاهيم التعليمية اخلا�صة ملحاربة الإرهاب‬ ‫يف املناهج؛ وتدري�س الرتبية الإ�سالمية‪ ،‬وتر�سيخ االنتماء الوطني‬ ‫لدى النا�شئة من الطفولة املبكرة‪ ،‬ون�شر ثقافة الو�سطية واالعتدال‬ ‫واحلوار و�أدب االختالف وقبول الآخر‪ ،‬وت�صحيح مفاهيم الطالب‬ ‫يف ق�ضايا التكفري واجلهاد والوالء والرباء‪ ،‬وبيان حقوق وواجبات‬ ‫الوالة والعلماء‪ ،‬والرد على الأفكار املنحرفة التي تثريها الفئات‬ ‫ال�ضالة‪ ،‬وذلك من خالل املناهج الدرا�سية والأن�شطة الال�صفية‪.‬‬ ‫‪� -7‬أبدى امل�ؤمترون قلقاً عميقاً �إزاء تنامي التع�صب واال�ضطهاد‬ ‫�ضد امل�سلمني؛ ومما ي�ؤدي �إىل ت�صاعد حدة الإ�سالم فوبيا‪ ،‬مما‬ ‫ي�شكل انتهاكا حلقوق الإن�سان اخلا�صة بامل�سلمني وكرامتهم‪،‬‬ ‫مما يولد �إرهاباً م�ضاداً‪ ،‬الأمر الذي يفر�ض على و�سائل الإعالم‬ ‫واالت�صال املعا�صرة وال�سادة ال�سفراء الأجانب يف العامل العربي‬ ‫والإ�سالمي و�سفراء الدول العربية والإ�سالمية يف اخلارج بذل‬ ‫اجلهود احلقيقة للتوعية ب�ضرورة عدم اخللط بني الإرهاب‬ ‫والدين وبني ه�ؤالء الإرهابني والإ�سالم كدين‪.‬‬ ‫‪ -8‬ينا�شد امل�ؤمتر و�سائل الإعالم العاملية التعرف على حقيقة‬ ‫الإ�سالم باعتباره ديناً �سماوياً عامليا ت�سوده قيم الرحمة واملحبة‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫وال�سالم والعدالة واحلرية والت�سامح والتعاي�ش امل�شرتك مع‬ ‫الآخر‪ ،‬وجتنب الت�شويه املتعمد ل�صورة الإ�سالم‪ ،‬ورف�ض الإ�ساءة‬ ‫�إىل دين الإ�سالم ونبيه ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪.-‬‬ ‫‪ -9‬ي�ؤكد امل�ؤمتر �أن الإرهاب ي�شمل �إرهاب الأفراد واجلماعات‬ ‫والدول منوهاً �أن املقاومة امل�شروعة لالحتالل والغزو الأجنبي‬ ‫بالو�سائل امل�شروعة التدخل يف م�سمى الإرهاب‪.‬‬ ‫‪ -10‬ي�ؤكد امل�ؤمترون �أنه ال بد من البحث ب�شكل عميق يف الأ�سباب‬ ‫الفكرية والثقافية واالجتماعية وال�سيا�سية واالقت�صادية لأ�سباب‬ ‫العنف والتطرف والإرهاب من �أجل معاجلتها‪ ،‬كي ال يقت�صر الأمر‬ ‫على الإدانة �أو احلديث عن الآثار والنتائج فح�سب‪.‬‬ ‫‪ -11‬يو�صي امل�ؤمترون بدعم جهود الإ�صالح الوطني املبذولة من‬ ‫قبل البلدان كافة بهدف تو�سيع امل�شاركة ال�سيا�سية والتعددية‪،‬‬ ‫وحتقيق التنمية امل�ستدامة‪ ،‬والتو�صل �إىل توازن اجتماعي وتعزيز‬ ‫دور منظمات املجتمع املدين؛ بغية الت�صدي للظروف التي تعزز‬ ‫العنف والتطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫‪ -12‬يدعو امل�ؤمتر امل�ؤ�س�سات الدينية الإ�سالمية لتفعيل دورها‪ ،‬يف‬ ‫حماربة الغلو والتطرف والإرهاب والعمل على �إبراز �صورة الإ�سالم‬ ‫ال�سمحة التي يدعو اىل املحبة والتعاي�ش امل�شرتك و�ضرورة حتييد‬ ‫هذه امل�ؤ�س�سات ودور الإفتاء عن التوظيف ال�سيا�سي وال�صراعات‬ ‫ال�سيا�سية لتكون �أداة جامعة للأمة‪.‬‬ ‫‪ -13‬ي�ؤكد امل�ؤمتر على دور الأ�سرة امل�سلمة وم�س�ؤولية املر�أة بالذات‬ ‫يف تربية الأبناء والقيام بدورها يف تربية الأبناء على ثقافة احلوار‬ ‫وقبول الآخر‪ ،‬وتوجيههم وحتذيرهم من رفقة ال�سوء‪ ،‬وينا�شد‬ ‫امل�ؤمتر الدول الإ�سالمية اتخاذ ما يلزم من �إجراءات فنية حلماية‬ ‫الأجيال مما تن�شره و�سائل الإت�صال املعا�صرة‪.‬‬ ‫‪ -14‬يو�صي امل�ؤمترون بعقد لقاءات تن�سيقية بني كافة اجلهات‬ ‫املتخ�ص�صة يف الأمة الإ�سالمية‪ ،‬لو�ضع خطط عملية تت�صدى‬ ‫للفكر املنحرف وتكوين وفود من العلماء واملتخ�ص�صني لزيارة‬ ‫البلدان املت�ضررة من الإرهاب‪ ،‬ومقابلة م�س�ؤوليها‪ ،‬و�شرح الر�ؤية‬ ‫الإ�سالمية حول عالج هذه الظاهرة مع �أهمية التعاون مع‬

‫‪96‬‬


‫اجلامعات الإ�سالمية ومراكز البحوث من �أجل �ضبط املفاهيم‬ ‫امللتب�سة وتفكيكها القناع ال�شباب وفق ت�أ�صيل �شرعي مقنع ‪.‬‬ ‫‪ -15‬يدعو امل�ؤمترون امل�ؤ�س�سات الإعالمية العربية والإ�سالمية‬ ‫�إىل مواجهة انت�شار املنابر الإعالمية املحلية والإقليمية التي ‪ ‬تبث‬ ‫ر�سائل حت�ض على التطرف والكراهية وت�سيء �إىل و�سطية الإ�سالم‬ ‫وتقدمي بدائل على م�ستوى عاملي ملخاطبة العقل الإن�ساين وخا�صة‬ ‫الغربي والآ�سيوي‪ ،‬والإفريقي حلقيقة الإ�سالم‪.‬‬ ‫‪ -16‬يو�صي امل�ؤمتر ب�إدانة االعتداءات الإرهابية التي تقوم بها‬ ‫�سلطات االحتالل ال�صهيونية ‪ ‬يف الأرا�ضي الفل�سطينية‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫يف القد�س ال�شريف‪ ،‬والتي ت�ستهدف الإن�سان الفل�سطيني امل�سلم‬ ‫وامل�سيحي على حد �سواء‪ ،‬كما ت�ستهدف امل�ساجد والكنائ�س وخا�صة‬ ‫امل�سجد الأق�صى الذي بارك اهلل حوله‪ ،‬وينا�شد املجتمعون املجتمع‬ ‫الدويل التدخل بفاعلية وم�س�ؤولية لو�ضع حد لهذه االعتداءات‬ ‫الآثمة و�إحالة مرتكبيها �إىل حمكمتي العدل واجلنايات الدوليتني‬ ‫باعتبار ذلك �سبباً هاماً من �أ�سباب �إ�شعال املنطقة و�إذكاء التطرف‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫‪ -17‬ي�ؤكد امل�ؤمتر على �أن الإ�سالم يقر بالتعددية والتنوع‬ ‫واالختالف بني بني الب�شر وهذا من �سنن الكون ويدعو �إىل التعاون‬ ‫والتعاي�ش بني الأمم وقبول الآخر‪ ،‬وي�ؤكد امل�ؤمترون على �أ َّن‬ ‫امل�سلمني وامل�سيحيني يف ال�شرقِ هم �إخو ٌة‪ ،‬ينتمون م ًعا �إىل ح�ضار ٍة‬ ‫واحد ٍة و�أم ٍة �إمياني ٍة واحدةٍ‪.‬‬ ‫‪ -18‬ي�ؤكد امل�ؤمتر �أن من واجب الدول واحلكومات والأنظمة العمل‬ ‫على دعم امل�ؤ�س�سات الفكرية والثقافية التي تن�شر منهج الو�سطية‬ ‫يف العامل دعماً معنوياً ومادياً لال�ستمرار يف �أداء ر�سالتها و�ضرورة‬ ‫حتييد عمل هذه امل�ؤ�س�سات عن ال�صراعات ال�سيا�سية واحلزبية‬ ‫لتكون �أداة جمع �أبناء الأمة‪.‬‬ ‫‪ -19‬يو�صي امل�ؤمتر املنظمات الدولية املعنية مبكافحة الإرهاب على‬ ‫�صوره املختلفة و�أ�شكاله املتعددة التعامل مبوازين عادلة مع كافة‬ ‫الق�ضايا الدولية وجتنب التعامل مبعايري مزدوجة مع امل�سلمني‬ ‫وق�ضاياهم العادلة والت�صدي للإرهاب بجميع �صوره و�أ�شكاله �ضد‬ ‫املدنيني العزل‪ ،‬واتخاذ التدابري الالزمة �ضد الدول واجلماعات‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫والأفراد املتورطة يف �إمداد اجلماعات الإرهابية مادياً ومعنوياً‪.‬‬ ‫‪ -20‬ويف �إطار التعاون مع منظمة التعاون الإ�سالمي نقرتح �إن�شاء‬ ‫وحدة يف منظمة التعاون الإ�سالمي للتن�سيق والتعاون بني املنظمات‬ ‫وامل�ؤ�س�سات العاملة يف جمال الو�سطية وحماربة الإرهاب عو�ضاً عن‬ ‫تكون جهود فردية م�شتته‪ ،‬و�إن�شاء وحده بحثية للمجمع الفقهي‬ ‫الدويل لتقدمي بحوث وجهود علمية يف هذا املجال ي�أخذ بجميع‬ ‫العلوم احلديثة والتقليدية لفهم هذه الظاهرة‪.‬‬ ‫‪� -21‬إن�شاء وحدة لتدريب العاملني يف هذا املجال حتى تكون اجلهود‬ ‫علمية من�ضبطة وي�ستح�سن التعاون مع مركز احلوار الدويل يف‬ ‫فينا‪ ،‬واقرتاح عقد اجتماع دوري تقوم به منظمة التعاون ملتابعة‬ ‫اجلهود املبذولة يف الو�سطية وحماربة الإرهاب‪.‬‬ ‫‪ -22‬يدعو امل�ؤمتر �أن ت�صدر الأمم املتحدة ت�شريعاً ملزماً ُيجرم‬ ‫ازدراء الأديان والأنبياء والر�سل والكتب املقد�سة ملا يف ذلك من �آثار‬ ‫�إيجابية يف وقف ثقافة الكراهية والعنف وحت�سني العالقات بني‬ ‫ال�شعوب والأمم‪.‬‬ ‫‪ -23‬يو�صي امل�ؤمترون برفع برقية �شكر وامتنان جلاللة امللك عبد‬ ‫اهلل الثاين ملك اململكة الأردنية الها�شمية لعقد هذا امل�ؤمتر يف‬ ‫رحاب العا�صمة الأردنية – ع ّمان‪ -‬و جهوده يف التعريف لل�صورة‬ ‫احلقيقة امل�شرقة للإ�سالم وبيان خطر االرهاب على ال�شعوب‬ ‫والبلدان واالوطان و�سبل معاجلته‪.‬‬ ‫ختاماً يتقدم املنتدى العاملي للو�سطية بال�شكر اجلزيل �إىل جميع‬ ‫امل�شاركني يف امل�ؤمتر و�إىل جميع اجلهات الراعية والداعمة لأعمال‬ ‫املنتدى كافة وجميع �سائل الإعالم و�إىل كل الأفراد وامل�ؤ�س�سات التي‬ ‫�ساهمت ب�إجناح هذه التظاهرة الفكرية‪.‬‬

‫‪97‬‬

‫و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك كلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت يف ندوة‬ ‫علمية حول دور كليات ال�شريعة يف تعزيز منظومة القيم الأخالقية وحماربة‬ ‫الغلو والتطرف‬

‫ب�شراكة بني املنتدى العاملي للو�سطية وكلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت وحتت عنوان‪ :‬دور كليات ال�شريعة يف تعزيز منظومة القيم‬ ‫الأخالقية وحماربة الغلو والتطرف �أقيمت الندوة العلمية يوم الأحد املوافق ‪ 2015/5/3‬برعاية كرمية من رئي�س جامعة �آل البيت وقد‬ ‫حتدث املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية �ضيف ال�شرف يف هذه الندوة عن دور الو�سطية يف ن�شر مبادئ‬ ‫االعتدال والت�سامح ونبذ الغلو والتطرف والعنف وقال‪:‬‬ ‫�إن الغلو والتطرف لي�س من ديننا احلنيف �إذ �أن ديننا يدعو �إىل االعتدال والو�سطية يف جميع جماالت احلياة و�أن هذه اجلماعات املتطرفة‬ ‫واملغالية لي�ست من �صنع الإ�سالم احلنيف‪ ،‬وفد حتدث بعد ذلك عميد كلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت �أ‪.‬د‪ .‬ان�س ابو عطا‪ ،‬و�أ�شاد بالدور‬ ‫الذي يقوم به املنتدى يف ن�شر مبادئ الو�سطية والربامج التوعوية التي يقوم بها‪ ،‬و�شارك يف الندوة والتي عقدت على مدار جل�ستني كل‬ ‫من‪ :‬الباحث الأ�ستاذ الدكتور ح�سن �أبو هنية والذي حتدث عن اجلذور التاريخية للحركات املتطرفة احلديثة ‪ ،‬كما حتدث الإعالمي‬ ‫مروان �شحادة عن دور احلرب الإلكرتونية يف معاجلة التطرف والغلو‪.‬‬ ‫ويف اجلل�سة الثانية حتدث كل من معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي (وزير الأوقاف ال�سابق( عن دور كليات ال�شريعة يف تعزيز القيم‬ ‫الأخالقية‪ ،‬كما حتدث الدكتور بهجت احلبا�شنة عن التطرف بني املفهوم الإ�سالمي واملفهوم الغربي‪ ،‬وكان عميد كلية ال�شريعة الدكتور‬ ‫�أن�س �أبو عطا قد �أدار اجلل�سة الأوىل وقد ح�ضر االحتفال عدد كبري من طلبة كلية ال�شريعة والدرا�سني يف جامعة �آل البيت‪ ،‬ويف نهاية‬ ‫االحتفال ت�سلم املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى درع جامعة �آل البيت تقديرا جلهوده يف بناء ال�شراكة ما بني املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وكلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت‪ .‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪98‬‬


‫ندوة‬ ‫(خطر الطائفية واملذهبية على وحدة الأمة وا�ستقرارها)‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت املوافق ‪ 2015/4/25‬ندوة‪( ‬خطر الطائفية واملذهبية على وحدة الأمة وا�ستقرارها) ويف بداية‬ ‫الندوة رحب املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية بامل�شاركني واحل�ضور الكرام وبني �أن الغاية من هذه‬ ‫الندوة هو بيان اخلطر يف اال�ستغالل اخلاطئ لالختالف بني املذاهب وتعدداتها ‪.‬‬ ‫وو�ضح الفاعوري �أن هنالك من اختلت له بع�ض املفاهيم الأ�سا�سية والتي ن�ستند عليها مثل قوله تعاىل) َو ْاع َت ِ�ص ُموا ب َِح ْبلِ اللهَّ ِ َجمِ ي ًعا َو اَل‬ ‫َت َف َّر ُقوا َوا ْذ ُك ُروا ِن ْع َمتَ اللهَّ ِ َعلَ ْي ُك ْم �إِ ْذ ُك ْن ُت ْم �أَ ْعدَا ًء َف�أَ َّل َف َبينْ َ ُق ُلو ِب ُك ْم َف�أَ ْ�ص َب ْح ُت ْم ِب ِن ْع َم ِت ِه �إِ ْخ َوا ًنا َو ُك ْن ُت ْم َعلَى َ�ش َفا ُح ْف َر ٍة مِ َن ال َّنا ِر َف�أَ ْن َق َذ ُك ْم مِ ْنهَا‬ ‫َك َذل َِك ُي َبينِّ ُ اللهَّ ُ َل ُك ْم �آ َيا ِت ِه َل َع َّل ُك ْم َت ْه َتدُو َن) فهذا املفهموم اخلاطئ اختلت �أهدافه لدى بع�ض امل�سلمني ف�أ�صبح �سبباً لبع�ض مظاهر الفرقة‬ ‫وا�صبحنا نرتجم التعددية بالنزاع واحلروب ف�أ�صبحت �أمتنا مهددة ومنكفئة على واقعها‪.‬‬ ‫تر�أ�س اجلل�سة الأوىل وزير الأوقاف ال�سابق معايل الأ�ستاذ عبدالرحيم العكور الذي بني �أن ديننا هو دين التعددية ودين الي�سر والت�سامح‬ ‫وقبول الآخر‪.‬‬ ‫وقد حتدث الأ�ستاذ الدكتور عبد امللك ال�سعدي من العراق عن توظيف التنوع املذهبي والفقهي وتعزيز وحدة الأمة وطرق الوقاية من‬ ‫الطائفية واملذهبية)‬ ‫و�أكد ال�سعدي من �أنه من ف�ضل اهلل وي�سر الإ�سالم مل ينزل اهلل تف�سرياً للقر�آن والر�سول مل يف�سره �إمنا ف�سر �شيئاً ي�سرياً وكذلك الأمر‬ ‫لأحاديث الر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬وذلك لأن اللغة العربية لغة وا�سعة املعاين فرتك الأمر للأمة هي التي ت�ستنبط وتفهم من‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪99‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫كال امل�صدرين (القر�آن وال�سنة) فهذا من رحمة اهلل لأنه لو ف�سر‬ ‫القر�آن لوقعنا يف حرج لأنه ينبغي �أن نلتزم مبا ف�سر فهذا جعل من‬ ‫القر�آن وال�سنة ثروة عالية يف الفقه الإ�سالمي لذلك فالأمة مل تقع‬ ‫يف حرج ‪.‬‬ ‫وبني ال�سعدي �أن �إرادة اهلل تعاىل �شاءت �أن تربز مذاهب �إ�سالمية يف‬ ‫هذا املجال وهذه مل تكن عبئاً بل كانت من �أجل �إي�صال الفكر الذي‬ ‫مت ا�ستنباطه من القر�آن وال�سنة �إىل الأمة وو�ضح �أن اهلل تعاىل خلق‬ ‫الأمم باختالفها لهدف واحد هو االلتزام بدين اهلل وطاعته‪.‬‬ ‫كما ق�سم الدكتور ال�سعدي االختالف �إىل ق�سمني ‪:‬‬ ‫اختالف مذموم‪ :‬هو الذي يفرق الأمة ومن ذلك االختالف يف‬ ‫العقيدة والأمور املقطوع فيها يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫اختالف حممود‪:‬هو الذي ال ي�سعى �إىل التفرقة بني الأمة وهو خالف‬ ‫جتمع نهايته �إىل طاعة اهلل ور�سوله وتوحيد الأمة ال تفريقها‪.‬‬ ‫كما ق�سم الدكتور عبدامللك ال�سعدي االختالف يف تعددية املذاهب �إىل‬ ‫ق�سمني‪:‬‬ ‫من ال يعرتف باملذاهب بل فقط يتخذون مبرجعية الكتاب وال�سنة ‪.‬‬ ‫ق�سم اتخذوا من املذاهب و�سيلة مفرقة ل�صفوف امل�سلمني كالذين‬ ‫اتخذوا املذاهب للتفرقة ال�سيا�سية ‪.‬‬ ‫وقد حتدث الأ�ستاذ الدكتور علي حمافظة عن(اجلذور التاريخية‬ ‫للطائفية واملذهبية (‬ ‫يف بداية كلمته قال �أن‪ ‬يف الإ�سالم اليوم فرعان رئي�سيان‪ :‬ال�سنة‬ ‫وال�شيعة‪ ،‬ال خالف بينهما يف العبادة وامل�سائل الدينية اجلوهرية‪،‬‬ ‫ويت�شابهان يف كثري من خ�صائ�صهما الأ�سا�سية‪ .‬ولكنهما يختلفان يف‬ ‫النظر �إىل التاريخ املبكر للإ�سالم ويف تف�سريهما له‪ .‬ينظر �أهل ال�سنة‬ ‫واجلماعة �إىل الإ�سالم على �أنه م�شروع �سيا�سي مقد�س فتح با�سم اهلل‬ ‫معظم بقاع العامل القدمي يف �آ�سيا و�إفريقيا و�أجزاء من �أوروبا‪ .‬وجاء‬ ‫للب�شرية بالدين واملعرفة والنظام‪� .‬أما ال�شيعة فريون �أن فتوحات‬ ‫الإ�سالم لي�ست مهمة‪ ،‬و�إمنا املهم الطريقة التي عامل بها الفاحتون‬ ‫امل�سلمون رعاياهم‪ ،‬ومدى �إخال�ص ه�ؤالء الفاحتني لدين اهلل‪.‬‬ ‫اجلل�سة الثانية ‪:‬‬ ‫يف بداية اجلل�سة الثانية والتي تر�أ�سها الأ�ستاذ الدكتور �أن�س �أبو‬ ‫عطا عميد كلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت حتدث ف�ضيلة الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور حمدي مراد فقال � ّأن امل�شكلة لي�ست يف وجود الطائفة �أو‬ ‫املذهب و�إمنا امل�شكلة حني تتحول الطائفة �إىل طائفية واملذهب �إىل‬ ‫مذهبية �أي �إىل حالة من التقدي�س للذات والتحقري للآخر �إىل درجة‬ ‫ت�صل �إىل الإق�صاء فالإبادة والتطهري التدريجي �أكان عرقياً �أم دينياً‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪� ....‬أم طائفياً �أم مذهبياً ‪....‬‬ ‫م�ؤكداً �أننا ‪ ‬ن�ستطيع القول ب� ّأن الطائفية بذلك ت�شكل حالة غري‬ ‫�إن�سانية وال ح�ضارية وبالت�أكيد غري �إ�سالمية لأنها تقوم على �أ�سا�س‬ ‫الإثارة للع�صبية القبلية املد ّمرة يف حني تقف املذاهب يف الأ�صل‬ ‫على تنوع الفهم والإجتهاد وم�سارات الفكر والفقه و�إثرائه و� ّأن ذلك‬ ‫من التعددّية املحمودة التي ت�ساهم يف تطور وتقدّم املجتمع ويبقى‬ ‫منهجها حوارياً �إيجابياً على الأغلب ومن �ش ّذ ف�إن ذلك ال ي�ؤثر على‬ ‫نتائج هذه امل�سارات املذهبية يف �إيجابياتها املذكورة وهذه هي احلقيقة‬ ‫التي حفلت بها م�سرية املذاهب الإ�سالمية عرب تاريخنا الإ�سالمي‬ ‫الطويل ف�ش ّتان بني ع�صبية الطوائف ونتائجها الوخيمة و�أفكار‬ ‫املذاهب و�أبعادها ال�سليمة‪.‬من هنا ف�إن الطائفية احلاقدة واملذهبية‬ ‫املقيتة ت�ش ّكل خطراً داهماً على املجتمعات يق�ض م�ضاجع وحدتها‬ ‫وين�سف ا�ستقرارها ‪.‬‬ ‫ثم حتدث الدكتور �سعدون الزبيدي وهو �سيا�سي خم�ضرم من‬ ‫جمهورية العراق حول م�شكلة الطائفية يف العراق م�ؤكداً على �أن‬ ‫اخلالف هو خالف �سيا�سي يق�صد منه تعميق الفرقة يف املجتمع‬ ‫�ضارباً مث ًُ‬ ‫ال على وحدة املجتمع العراقي قبل ظهور الطائفية املقيتة‬ ‫بكرثة امل�صراحة بني ال�شيعة وال�سنة لكن اخلالفات ال�سيا�سية �أدت‬ ‫�إىل متزيق ن�سيج املجتمع العراقي‪ ،‬وتطرق �إىل دور الغرب يف �إذكاء‬ ‫الطائفية لت�سهيل حتقيق م�آربه يف الأمة الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫من جانبه قال الأ�ستاذ الدكتور حممد ال�شريفني من كلية ال�شريعة‬ ‫يف جامعة �آل البيت �أن عوامل وحدة الأمة كثرية ومتعددة منها القر�آن‬ ‫الكرمي لذى يجب على جميع الطوائف التوحد‪ ،‬عازياً �أ�سباب ال�صراع‬ ‫املذهبي �إىل ما يلي‪:‬‬ ‫‪ .1‬ا�صطحاب التاريخ حيث �أن البع�ض م�شحون ب�أحداث التاريخ‬ ‫ويحاكم الطرف الآخر على �أ�سا�سها ‪.‬‬ ‫‪.2‬ال�سيا�سية حيث �إن كثري من ال�سا�سني ي�ستغلون الطائفية خلدمة‬ ‫�أغرا�ضهم ال�سيا�سية ‪.‬‬ ‫املنازعات االقت�صادية التي تتغلف بالطائفية لتحقيق �أغرا�ض‬ ‫اقت�صادية ‪.‬‬ ‫وقال �أن احلل هو الدعوة باحلكمة واملوعظة احل�سنة ‪.‬‬ ‫ويف نهاية الندوة دار نقا�ش بني املحا�ضرين واحل�ضور طرح فيها‬ ‫العديد من الأ�سئلة التي متت الإجابة علنها من قبل املحا�ضرين ‪.‬‬

‫‪100‬‬


‫َّ‬ ‫نظم منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�أدبا حما�ضرة‬ ‫بعنوان‬ ‫(الرفق و�أثره يف و�سطية الإ�سالم)‬ ‫َّ‬ ‫نظم منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�أدبا يوم الثالثاء‪2015/04/21 :‬م‪ ،‬حما�ضرة بعنوان‪ :‬الرفق و�أثره يف و�سطية الإ�سالم‪ .‬‬ ‫بد�أ املحا�ضر الدكتور �سليمان اخلواطره املحا�ضرة بتعريف الرفق بقوله‪ :‬الرفق؛ �ضدُّ العنف‪ ،‬وقد َر َف َق به‪ .‬ويقال �أي�ضاً‪� :‬أَ ْر َف ْق ُتهُ‪� ،‬أي‬ ‫َن َف ْع ُتهُ‪ ،‬واملعاين الكثرية للرفق تدل على طبيعة املعاملة للجميع بالرفق ولني اجلانب والتوا�ضع والو�سطية واالعتدال‪ ،‬بال ت�شدد وال‬ ‫غلظة وال غلو وال تطرف بغ�ض النظر عن اختالف الأ�شخا�ص يف اجلن�س والدين واالنتماء للمذاهب والفرق واجلماعات املختلفة‪.‬‬ ‫فالرفق مطلوب يف معاملة امل�سلم للم�سلم وغري امل�سلم كذلك‪ ،‬لأن اهلل عز وجل عندما �أنزل هذا الدين على الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم �أمره باللني والرفق والرحمة يف املعاملة والدعوة‪ ،‬و�أن هذا الدين دين العدل والرفق والر�أفة والرحمة‪ ،‬ولي�س دين الغلو‬ ‫والتطرف والغلظة فقال تعاىل‪( :‬ا ْد ُع ِ�إلىَ َ�س ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْوعِ َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح َ�س ُن ِ�إ َّن َر َّب َك هُ َو �أَ ْعلَ ُم بمِ َ نْ َ�ض َّل‬ ‫َعنْ َ�س ِبي ِل ِه َوهُ َو �أَ ْعلَ ُم ِبالمْ ُ ْه َتدِ َ‬ ‫ين) (النحل‪).125:‬‬ ‫وتتجلى هذه املعاين يف الرفق بالدعوة �إىل اهلل تعاىل؛ (لأنها دعوة �إىل �سبيل اهلل لي�ست ل�شخ�ص الداعي وال لقومه‪ ،‬فلي�س للداعي‬ ‫فالإ�سالم من دعوته �إال �أنه ي�ؤدي واجبه هلل‪ ،‬ال ف�ضل يتحدث به ال على الدعوة وال على من يهتدون به‪ ،‬و�أجره بعد ذلك على اهلل‬ ‫تعاىل)‪ ،‬فهذا هو منهج الإ�سالم يف الدعوة‪ ،‬منهج الو�سطية واالعتدال‪ ،‬منهج الر�أي وقبول الآخر ما مل يخالف �أ�صول الإ�سالم‬ ‫وقواعده‪ ،‬منهج ارت�ضاه اهلل عز وجل لدينه‪.‬‬ ‫و�سطي ال غلو فيه وال تنطع وال تطرف وال تق�صري ال ترهيب وال تخويف وال �إرهاب‪ ،‬منهج الو�سط والعدل‬ ‫فالإ�سالم كمنهج حياة‬ ‫ٌّ‬ ‫يقبل احلوار واملجادلة بالتي هي �أح�سن من �أجل الو�صول �إىل احلق والعدل والطريق امل�ستقيم بال �إكراه �أو �إجبار �أو تنكيل بالآخر‬ ‫املخالف يف العقيدة والدين واملنهج‪ ،‬هذا املنهج الذي ر�سمه لنا ر�سول اهلل �صل اهلل عليه و�سلم بقوله‪�( :‬إ َّن هَذا الد َ‬ ‫ِّين ُي ْ�س ٌر) ا ْل ُي ْ�س ُر‪:‬‬ ‫ِ�ض ّد ال ُع ْ�سرِ‪� (.‬أرا َد �أ َّنه َ�سه ٌْل َ�س ْم ٌح َقلِي ُل ال َّت ْ�شدِ يد‪) .‬‬ ‫لذا جاء منتدى الو�سطية لبيان هذا املنهج وظهاره للجميع والدعوة �إليه والعمل على ن�شره ‪ ،‬كمنهج حياة يقوم على الرفق والعدل‬ ‫والت�سامح وقبول الآخر‪ ،‬والعي�ش يف �سالم و�أمن على هذه الأر�ض‪ .‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪101‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫املنتدى العاملي للو�سطية ‪ -‬فرع اجلزائر يعقد دورة تكوينية بعنوان‬ ‫الو�سطية يف بناء ال�شخ�صية امل�سلمة‬

‫‪ ‬يف �إطار ‪ ‬برناجمه ال�سنوي ل�سنة ‪ ، 2015‬عقد املنتدى العاملي للو�سطية ( فرع اجلزائر ‪ ‬و بالتن�سيق مع االحتاد العام الطالبي احلر‬

‫جلامعة م�ستغامن ‪ ،‬دورة تكوينية حتت عنوان ‪ :‬الو�سطية يف بناء ال�شخ�صية امل�سلمة وذلك يوم اجلمعة‪ 13 ‬مار�س ‪ 2015‬ن بجامعة‬ ‫عبد احلميد بن بادي�س مبدينة م�ستغامن ‪ .‬و بح�ضور القيادات الطالبية من الطلبة و الطالبات ‪� ،‬أطر الدورة عدد من امل�شايخ الدعاة‬ ‫و الأ�ساتذة ‪.‬‬

‫و قد تطرق رئي�س فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف الدورة التدريبية �إىل الو�سطية يف بناء ال�شخ�صية ذاكرا بع�ض املحاور‬ ‫منها الآتي ‪:‬‬ ‫ مفهوم الو�سطية و مرجعيتها ‪.‬‬‫‪� ‬أ�س�س بناء ال�شخ�صية و املتمثلة يف ‪ :‬القيم العليا لل�شخ�صية الو�سطية الر�ؤية الوا�ضحة‪ ‬االعتقاد الذاتي يف قيم الو�سطية ‪.‬‬ ‫املعامل و الأ�س�س يف بناء ال�شخ�صية الو�سطية و املتمثلة يف ‪ :‬التخطيط املتوازن ‪ ،‬حتمل امل�س�ؤولية ‪ ،‬قوة التنفيذ ‪ ،‬التقييم و التعديل ‪،‬‬ ‫التنمية الذاتية ‪ ،‬االت�صال الفعال ‪ ،‬اال�ستفادة من التحديات ‪� ،‬إدارة الوقت ‪ ،‬العمل على �إجناح الآخرين ‪.‬‬

‫ حتديات يف طريق بناء ال�شخ�صية الو�سطية ‪.‬‬‫كما حتدث القيم الروحية لل�شخ�صية القيادية ‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل املحا�ضرات التي ت�ضمت ور�ش متخ�ص�صة حول املهارات القيادية للطالب اجلامعي على هام�ش الدورة‬ ‫و قد متيزت الدورة التكوينية مب�شاركة ‪ 50‬طالبا و طالبة من قيادات العمل الطالبي الذين تفاعلوا ب�شكل رائع مع خمتلف فقرات‬ ‫الدورة ‪ ،‬و مت تكرمي امل�شاركني بهدايا رمزية‪. ‬‬ ‫كما عرف امللتقى بع�ض الدعاة امل�شاركني ومن بينهم �سعيد احمد برتا�سي عن حما�ضرة القيم الروحية لل�شخ�صية الفية‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪102‬‬


‫كلمة �شكر وتقدير من جمهورية نيجرييا‬ ‫حول امل�ؤمتر الدويل الذي عقده املنتدى العاملي للو�سطية باململكة الأردنية‬ ‫الها�شمية‬ ‫من الدكتور �سراج الدين بالل لأمني عام املنتدى‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪� ,‬أما بعد‪:‬‬ ‫وال�سلم العاملي) الذي ّ‬ ‫نظمه‬ ‫في�سرين �أن �أقدم �إثر جناح امل�ؤمتر الدويل حول‪):‬دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار ِّ‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية‪ ,‬ي�س ّرين �أن �أقدم �شكري وتقديري لهذا املنتدى الذي قام‪ ‬بجهود م�شكورة بن�شر الو�سطية يف �أنحاء املعمورة‬ ‫والذي �أتاح لنا فر�صة امل�شاركة يف ذلك امل�ؤمتر‪.‬‬ ‫�إن ع ْقد مثل هذا امل�ؤمتر يف هذه الدولة الكرمية (الأردن( ويف تلكم الظروف ال�صعبة التي تعي�شها الأمة َل ّ‬ ‫يدل على حر�ص حكومة‬ ‫وخا�صة يف ظ ّل ما تعي�شه الأمة الإ�سالمية من ت�شويه متع َّمد ل�صورة‬ ‫الأردن على ا�ستتباب الأمن واال�ستقرار يف كافة �أنحاء العامل‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫الإ�سالم و�أهله‪ ,‬وحماولة �أعدائه ر ْب َط الإرهاب بديننا احلنيف‪.‬‬ ‫و�إن لهذا امل�ؤمتر الذي هو جزء من جهود املنتدى العاملي للو�سطية �أهم ّية كبرية يف تو�ضيح عناية الإ�سالم بال�سالم وكذلك بيان‪ ‬دور‬ ‫الإ�سالم و�أهله يف‪ ‬حتقيق هذا ال�سالم واال�ستقرار ومكافحة الإرهاب‪ ,‬كما يت�ضح للعامل �أن الو�سطية من �أبرز خ�صائ�ص الإ�سالم‪ ،‬و�أنها‬ ‫تظهر وا�ضح ًة وجل ّي ًة يف العبادات وال�شعائر‪ ,‬ويف الأخالق ويف الت�شريع‪ -‬كما ذكر �ضيوف امل�ؤمتر يف البحوث املقدمة‪.‬‬ ‫لذلك ف�إن احلقيقة التي ال ينكرها �أحد �أن ْا�ستِباَب الأمن واال�ستقرار �أُ ْمني ٌة يتمناها العامل ك ُّله‪ ,‬وامل�سلمون على وجه اخل�صو�ص؛ �إذ �إن‬ ‫�أداء �شعائر الدين ح َّق الأداء ال يكون �إال مع اال�ستقرار والأمن‪ .‬لذلك ال يع ّد من نافلة القول الت�أكيد على �ضرورة التعاون مع �أمثال‬ ‫هذا املنتدى املبارك‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫�أ�س�أل اهلل تعاىل �أن ين�صر الإ�سالم وامل�سلمني ويعيد �شباب الإ�سالم �إىل الفهم الدقيق لدينهم‪.‬‬ ‫و�إين �أفيدكم عل ًما ب�أن الفكرة و�صلت‪ ،‬و�أطمئنكم بن�شر الر�سالة الو�سطية يف دولتنا نيجرييا عامة ويف حوزتنا التعليمية خا�صة‪�( .‬إن‬ ‫�شاء اهلل تعاىل)‪.‬‬

‫كما �أ�شكر جمددا املنتدى العاملي للو�سطية على هذا امل�ؤمتر املبارك وهذه‬ ‫ال�ضيافة‪� ,‬أ�س�أل اهلل تعاىل �أن يجزي القائمني عليه كل خري‪.‬‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬ ‫د‪� .‬سراج الدين بن بالل الأ�سرع‬ ‫مدير �أكادميية عناية اهلل العاملية‪-‬نيجرييا‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪103‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫�شكر وتقدير من ال�شيخ م�شهود رم�ضان جربيل الكيتوي‬ ‫للمهند�س مروان الفاعوري‬ ‫ح�ضرة الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬ ‫كان �شكري لف�ضيلتك مثل �شكر الرو�ض للمطر وال�سارى للقمر ‪،‬فلو كان لل�شكر �شخ�ص يدركه الب�صر ويح�صله النظر ل�صورته‬ ‫�أح�سن ت�صوير ‪،‬وقررته �أحكم تقدير‪،‬حتى يراه ف�ضيلتك بالعني كما ت�سمعه وتقر�أه ‪،‬فتعلم �أين �شاكر ل�سعيك نحو الإ�سالم وامل�سلمني‪،‬‬ ‫وذاكر ل�صنعك نحو ن�شر هذا الدين احلنيف على العقيدة والو�سطية‪.‬‬ ‫ومهما حاولت �أداء ال�شكر والتقدير لف�ضيلتك ‪،‬ف�إين �أ�شعر �أنك زدت على ذلك من املكارم و الف�ضائل‪،‬فب�أي ل�سان �أ�شكر‪ ،‬و�أ�شهد ب�أنك‬ ‫الكرمي ابن الكرمي ‪،‬وعلى كل حال ف�شكرك �ساطع‪،‬وثنا�ؤك �شائع والل�سان بتقديرك طائع ‪.‬‬ ‫�أ�س�أل اهلل �سبحانه وتعاىل �أن يعلي ذكرك ويتوىل �شكرك ويبلغك مق�صودك يف ت�أ�سي�س املنتدى العاملي للو�سطية �إنه نعم املوىل ونعم‬ ‫الن�صري وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫ال�شيخ الإمام م�شهود رم�ضان جربيل الكيتوي‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬ ‫كان �شكري لف�ضيلتك مثل �شكر الرو�ض للمطر ال�ساري للقمر ‪ ،‬فلو كان لل�شكر �شخ�ص يدركه الب�صر ويح�صله النظر ‪،‬‬ ‫ل�ص ّورته اح�سن ت�صوير ‪ ،‬وقدرته �أحكم تقدير ‪ ،‬حتى يراه ف�ضيلتك بالعني كما ت�سمعه وتقر�أه ‪ ،‬فتعلم �أين �شاكر ل�سعيك نحو‬ ‫الإ�سالم وامل�سلمني ‪ ،‬وذاكر ل�صنعك نحو ن�شر هذا الدين احلنيف على العقيدة الو�سطية ‪.‬‬ ‫ومهما حاولت �أداء ال�شكر والتقدير لف�ضيلتك ‪ ،‬ف�إين �أ�شعر �أنك زدت على ذلك من املكارم والف�ضائل ‪ ،‬فب�أي ل�سان �آ�شكر ‪� ،‬أ�شهد‬ ‫ب�أنك الكرمي ابن الكرمي ‪ ،‬وعلى كل حال ف�شكرك له �ساطع وثنا�ؤك �شائع ةالل�سان بتقديرك طالع ‪.‬‬ ‫�أ�س�أل اهلل �سبحانه وتعاىل �أن يعلي ذكرك ويتوىل �شكرك ويبلغك مق�صودك يف ت�أ�سي�س املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫�إنه نعم املوىل ونعم الن�صري ‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪104‬‬


‫زيارة الأمني العام للمنتدى‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري �إىل دولة الكويت‬ ‫قام املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية بزيارة �إىل دولة الكويت للتباحث مع امل�ؤ�س�سات الر�سمية‬ ‫واملراكز الإ�سالمية بهدف بحث العالقات التي تهم املنتدى وتن�شيط التعاون مع هذه املراكز وامل�ؤ�س�سات يف جمال ن�شر ر�سالة املنتدى‬ ‫التي تهدف �إىل حتقيق االعتدال والو�سطية و�إقامة الفعاليات امل�شرتكة‪.‬‬

‫زيارة ال�شيخ م�شهود رم�ضان جربيل ملقر املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية‬ ‫قام ال�شيخ م�شهود رم�ضان جربيل بزيارة مقر املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان والتقى بالأمني العام املهند�س مروان الفاعوري وعدد‬

‫من �أع�ضاء املنتدى وناق�ش مع �إدارة املنتدى عدداً من الأمور املتعلقة ب�أحوال الإ�سالم وامل�سلمني يف نيجرييا وال�شيخ م�شهود جربيل ينتمي‬ ‫�إىل قبيلة اليوربا وهي من القبائل الرئي�سية يف نيجرييا‪� ،‬أخذ ال�شيخ م�شهود القر�آن الكرمي عن والده الأمري �إدري�س لأنه كان حمباً للعلم‬ ‫والعلماء‪-‬وقد �أحلق ابنه ال�شيخ م�شهود ب�أحد بيوت العلماء حيث جمال�س العلم ومن هنا ت�أدب االبن ب�أدب الإ�سالم ونهل علومه ال�صافية‬ ‫ال�صحيحة وتزود ب�شئ من مباديء العلوم ال�شرعية ‪ ،‬وملا �أنهى درا�سته للقر�آن ومباديء العلوم ال�شرعية مل يكتف والده مبا نال االبن من‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪105‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫هذه العلوم بل �أحب البنه البار الزيادة ومن هنا �أحلقه مبركز التعليم العربي الإ�سالمي مبدينة (�أغيغي‪ -‬الغو�س‪ -‬نيجرييا) وذلك يف �شهر‬ ‫يناير �سنة ‪1963‬م املوافق �أول �شهر رم�ضان �سنة ‪ 1383‬للهجرة ‪ ،‬وكان ال�شيخ م�شهود مثا ًال رائعاً يقتدى به يف حت�صيل العلوم ال�شرعية وقدوة‬ ‫�صاحلة يقتدى به يف التفاين خلدمة العلم والعلماء وب�صفة خا�صة �شيخه ومربيه �شيخ الإ�سالم �آدم عبداهلل الألوري الذي ظل يتتلمذ على‬ ‫يديه ويخدمه مدة ‪� 34‬سنة الأمر الذي جعله من ال�شخ�صية املوثوقة لدى ال�شيخ �آدم عبداهلل الإلوري ويتمتع ال�شيخ م�شهود جربيل بالأخالق‬ ‫العالية والتوا�ضع العظيم و�شهد على ذلك القا�صي والداين من طلبة العلم والعلماء كما �أن له خطباً منربية م�شهورة حيث كان الإمام الأكرب‬ ‫مل�سجد مركزه بالإ�ضافة �إىل املحا�ضرات الإ�سالمية التي �ألقاها يف نيجرييا ويف بلدان متعددة يف �إفريقيا و�أمريكا و�آ�سيا وقد �أ�س�س ال�شيخ‬ ‫م�شهود مركز (ال�سالم للتعليم العربي الإ�سالمي( بـ (�أجوكورو‪ -‬والية الغو�س) وله م�ؤلفات عديدة يف الفقه والعقيدة واملعامالت الإ�سالمية‬ ‫وزار بع�ض البلدان العربية والإ�سالمية مثل جمهورية م�صر وليبيا و�سوريا وتون�س ولبنان وال�سعودية وغريها وذلك للتثقيف والتوعية‬ ‫وامل�شاركةيفالدوراتوامل�ؤمتراتالدولية‪� ،‬سدداهللخطاهووفقهخلدمةالإ�سالموالعلمو�أبقاهذخراًللم�سلمني‪ .‬‬

‫لقاء حواري ي�ؤكد دور امل�ؤ�س�سات التعليمية‬ ‫يف الت�صدي للإرهاب‬

‫قال م�شاركون يف اللقاء احلواري الذي نظمة مركز بوابة احلرية حلقوق الإن�سان بالتعاون مع هيئة �شباب الو�سطية بعنوان ( دور اجلامعات‬ ‫يف الت�صدي للإرهاب ( �إن املجتمع الأردين يرف�ض التطرف والغلو ويكر�س العدل وامل�ساواة ك�أ�سلوب حياة يقود �إىل الت�سامح واملحبة وال�سالم‬ ‫واحرتام الآخر‪.‬‬ ‫و دعا امل�شاركون ‪� ‬إىل �أهمية العناية واالهتمام بال�شباب و�أن يكون لهم دور فاعل يف تعزيز قيم التوا�صل واملحبة بني �أبناء املجتمع والرتكيز على‬ ‫ثقافة احرتام الآخر والر�أي والر�أي الآخر ‪.‬‬ ‫و قال وزير التنمية ال�سيا�سية ال�سابق �أ�ستاذ علم االجتماع‪ ‬الدكتور �صربي الربيحات �إن العنف �شكل من �أ�شكال ال�سلوك الإن�ساين‪ ٬‬ذلك �أن‬ ‫الأفراد يف املجتمع)يت�شربون)الثقافة التى يتعامل بها جمتمعهم م�ؤكدا �أن امل�ؤ�س�سات التعليمية‪ ‬عليها و�ضع برامج تخاطب �سلوك الطالب‬ ‫بالإ�ضافه �إىل تطوير اجلوانب التعليمية بال�شكل املنا�سب و خ�صو�صا فيما يتعلق بالنمو االجتماعي للأفراد ‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪106‬‬


‫و �أ�ضاف الدكتور الربيحات �أن العنف ما هو �إال حماولة لفر�ض‬ ‫الإرادة ب�أ�شكال متعددة على كافة الكائنات الب�شرية ‪ ٬‬و�أن احلل‬ ‫يكمن يف تعميم ثقافة التقبل والإميان ب�أن الإن�سان قيمة وجتنب‬ ‫ال�سخرية به والتهكم عليه واحلد من م�ستوى اال�ستفزاز داعيا‬ ‫�إىل �إدماج طلبة اجلامعات يف برامج تهتم بالأبعاد الأخرى‬ ‫لل�شخ�صية و ا�شراكهم يف برامج ت�ساعدهم ماديا بحيث تكون‬ ‫مدرة للدخل ي�ستغلونها يف �أوقات فراغهم ‪.‬‬ ‫و �أكد رئي�س املجل�س الأعلى لل�شباب الدكتور �سامي املجايل‬ ‫على الدور الذي يقوم به املجل�س من خالل ت�ضمني خططه‬ ‫ال�سنوية ملديرياته والأندية واملراكز ال�شبابية والهيئات ال�شبابية‬ ‫ومع�سكرات احل�سني لتنفيذ عدة م�شاريع وبرامج و�أن�شطة هادفة‬ ‫ن�سعى من خاللها لتعزيز ثقافة احلوار ونبذ العنف والتطرف‬ ‫والإرهاب بكل �أ�شكاله‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف الدكتور املجايل ‪ :‬ال�شباب هم �أمل الوطن وم�ستقبله‬ ‫الناب�ض م�شريا �إىل �أن املجل�س يقوم بتنفيذ خططه وبراجمه‬ ‫اال�سرتاتيجية التي و�ضعها وتعنى بال�شباب وبحث كافة‬ ‫ق�ضاياهم املتغرية خا�صة فيما يتعلق بالعنف والغلو والتطرف‬ ‫والإرهاب مو�ضحا �أن املجل�س قد نفذ خالل ال�سنوات املا�ضية‬ ‫حتت عنوان الفكر التنويري الهادف �إىل تب�صري ال�شباب بحقيقة‬ ‫الإرهاب والتطرف و�أن الدين الإ�سالمي هو دين و�سطية وت�سامح‬ ‫واحرتام كرامة ‪.‬‬ ‫و دعا النا�شط االجتماعي يحى عربيات اجلامعات �إىل القيام‬ ‫بدورها الفاعل يف مواجهة التطرف والدعوة للو�سطية‬ ‫واالعتدال والتعبري عن �صورة الإ�سالم احلقيقة بعد �أن ظهرت‬ ‫ُ‬ ‫بع�ض التنظيمات واجلماعات التكفريية (تلك التي مييزها‬ ‫اجله ُل‪ ،‬وي�سيط ُر على عقولها ثقافة املوت و�سفك الدماء دون �أن‬

‫احلكيمة يلعب الدور الأكرب يف تر�سيخ مبادئ الت�سامح الإن�ساين‬ ‫م�شريا �إىل �أن املركز ي�سعى من خالل براجمه �إىل تعزيز الفكر‬ ‫الو�سطي و نبذ العنف و عدم الغلو و التطرف ‪.‬‬ ‫و �أ�ضاف �أبو رمان ‪� :‬إن احرتام كرامة الإن�سان و�صونها ورعايتها‬ ‫و�إيجاد ال�سبل التي تقود �إىل التفاهم واحلوار بني الأديان ي�شكل‬ ‫ذلك بعدا يف الثقافة العاملية م�شرية �إىل �أن الأردن ج�سد الوئام‬ ‫والعي�ش امل�شرتك بني كل املكونات‪.‬‬

‫ت�أخذ بعني االعتبار منهج الإ�سالم القومي كدين يت�سم بالرحمة‬ ‫والإن�سانية واخلري للب�شرية جمعاء‪.‬‬ ‫و قال رئي�س مركز بوابة احلرية حلقوق الإن�سان عبد الفا�ضل‬ ‫�أبو رمان �أن الأردن وبف�ضل قيادة جاللة امللك عبد اهلل الثاين‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪107‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ‪ -‬املركز القر�آين‬ ‫امل�سابقه الرم�ضانية ال�سنوية الرابعة لعام ‪2015‬‬

‫�أطلق املركز امل�سابقة القر�آنية الرم�ضانية ال�سنوية الرابعة ‪ 2015‬وذلك �ضمن ال�شروط التالية‪:‬‬ ‫امل�ستوى‬

‫الأجزاء املطلوبة‬

‫الفئات العمرية‬

‫موعد امل�سابقة‬

‫امل�ستوى الأول ‪:‬‬ ‫‪ ‬ع�شرة �أجزاء‬

‫مفتوح ح�سب اختيار املت�سابق �شرط تتابع الأجزاء الع�شرة‬

‫للجن�سني‬ ‫من ‪ 20‬فما فوق‬

‫ال�سبت ‪2015/6/27‬‬

‫امل�ستوى الثاين ‪:‬‬ ‫خم�سة �أجزاء‬

‫الأجزاء ‪(5-1( :‬‬ ‫من الفاحتة – ‪� 147‬سورة الن�ساء‬

‫للجن�سني‬ ‫من ‪�20-15‬سنة‬

‫الأحد ‪2015/6/28‬‬

‫امل�ستوى الثالث ‪:‬‬ ‫‪ ‬ثالثة �أجزاء‬

‫الأجزاء ‪( 25-24-23( :‬‬ ‫ال�سور ‪ ( :‬من �أول ي�س – �آخر اجلاثية(‬

‫للجن�سني‬ ‫من ‪�15-10‬سنة‬

‫الإثنني ‪2015/6/29‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬ ‫امل�ستوى الرابع ‪:‬‬ ‫‪ ‬جزء واحد (‪(30‬‬

‫للجن�سني‬ ‫‪� 10‬سنوات فما دون‬

‫جزء ع ّم كام ً‬ ‫ال‬

‫الثالثاء ‪2015/6/30‬‬

‫‪ ‬‬ ‫عنا�صر التقييم للم�سابقة‬ ‫‪ ‬‬

‫احلفظ‬

‫ ‪ ‬يح�صل الفائز ب�أحد املراكز الثالثة الأوىل للم�ستوى الأول على ‪ 125‬دينار‬‫‪ -‬يح�صل الفائز ب�أحد املراكز الثالثة الأوىل للم�ستوى الثالث على ‪ 75‬دينار‬

‫ترتيل و�أحكام التجويد‬

‫معاين املفردات‬

‫ يح�صل الفائز ب�أحد املراكز الثالثة الأوىل للم�ستوى الثاين على ‪ 100‬دينار‬‫‪ -‬يح�صل الفائز ب�أحد املراكز الثالثة الأوىل للم�ستوى الرابع على ‪ 50‬دينار‬

‫كما و�سيتم تكرمي الفائزين يف حفل يقام لهذه الغاية الإثنني املوافق ‪ 2015/7/13‬وذلك يف متام ال�ساعة احلادية ع�شرة �صباحاً يف مقر املنتدى‬ ‫للراغبني بامل�شاركة يرجى االت�صال على الرقم‪ 5356329 ‬ما بني التا�سعة �صباحاً والثالثة بعد الظهر علماً ب�أن �آخر موعد للت�سجيل يوم اخلمي�س ‪ 2015/6/4‬‬

‫مالحظة ‪� :‬أن ال يكون املت�سابق قد فاز �سابقاً بنف�س امل�ستوى �أو �أقل منه ***‬ ‫يرجى اح�ضار وثيقة اثبات �شخ�صية(هوية �شخ�صية او دفرت عائلة( يف يوم االمتحان‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪108‬‬

‫مالحظة ‪ :‬يتحمل الطالب كامل نفقات موا�صالته‬


‫مقابلة الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري مع‬

‫�إذاعة حياة �إف �إم‬ ‫�أجرى الأمني العام للمنتدى املهند�س‪ /‬مروان الفاعوري مقابلة مع �إذاعة حياة �إف �إم يوم الأحد ‪ 2015/3/10‬وذلك للتعريف والإعالن‬ ‫عن امل�ؤمتر الدويل الذي �سيعقده املنتدى العاملي للو�سطية يومي ‪14‬و‪ 15‬من ال�شهر احلايل بعنوان)دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب‬ ‫وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي) ‪.‬‬ ‫و�أكد املهند�س مروان من خالل �إجابته عن العديد من الأ�سئلة �أن الهدف الأول منذ ت�أ�سي�س املنتدى هو �إبراز ال�صورة امل�شرقة للدين‬ ‫الإ�سالمي ونفي جميع التهم والأعمال الإرهابية التي �أ�صبحت مرتبطة به‬ ‫و�صرح الأمني العام �أن امل�ؤمتر الدويل الذي �سيعقد يف املركز الثقايف امللكي ي�سعى لتحقيق العديد من الأهداف ومنها‪:‬‬ ‫مراجعة الربامج واملناهج الرتبوية والتعليمية واخلطاب الديني مبا يعزز املنهج الو�سطي يف التفكري وال�سلوك‪.‬‬ ‫‪ -1‬و�ضع �إ�سرتاتيجية �شاملة ملواجهة الإرهاب والتطرف‬ ‫‪ -2‬ت�شارك فيها امل�ؤ�س�سات الر�سمية والأهلية والعلماء واملثقفني‪ ،‬واعتمادها وعدم االكتفاء باملعاجلات الأمنية‪.‬‬ ‫‪ -3‬دعم امل�ؤ�س�سات الدعوية والدينية التي تعمل على ن�شر منهج الو�سطية يف العامل‪ -‬دعماً معنوياً ومادياً‪ -‬لال�ستمرار يف ر�سالتها‬ ‫الدعوية ال�سامية و�ضرورة حتييد عمل هذه امل�ؤ�س�سات عن ال�صراعات ال�سيا�سية واحلزبية لتكون �أداة جمع لأبناء الأمة ‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪109‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫املنتدى العاملي للو�سطية ‪ -‬فرع تون�س يعقد ندوة فكرية‬ ‫(ال�شباب والفكر الو�سطي(‬

‫ّ‬ ‫معاذ)‪ ‬ندوة)ال�شباب والفكر ال َو�سطي)‪ ‬حا�ضر ها الأ�ستاذ زهري‬ ‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية فرع تون�س ‪ ‬باال�شرتاك مع جمعية (�سعد بن‬ ‫�إ�سماعيل يف مداخلة حول ( الإ�سالم ال�سيا�سي وعالقته بالدميقراطية‪ .‬وحدد مداخلته يف نقطتني ‪-:‬حدود الإ�سالم ال�سيا�سي‪ ،‬ووظيفته‪.‬‬ ‫و �أ�ش���ار �إىل �ض���ررة احلدي���ث عن احلركات الإ�سالمية باعتبار ‪ ‬تعدد خطاباتها‪ ،‬معتربا تعدد اخلطاب الدعوي لدى هذه احلركات التي‬ ‫ت�أرجحت ‪ ‬بني ‪ ‬الوهاب ّية و ال�سنو�س ّية والإخوانية ‪ ‬مو�ضحا الفرق بينهما يف ال�سياق احل�ضاري الذي ن�ش�أت فيه‪ .‬ففي حني‪� ‬أن الوهاب ّية‬ ‫بدوية ‪ ،‬كانت ال�سنو�سية مدنية ح�ضارية نظرا للأ�صول الأندل�سية‪ .‬وت�ساءل عن �إ�شكالية ال�س�ؤال النه�ضوي ‪:‬ملاذا تخلف امل�سلمون و تقدم‬ ‫الغرب؟ معتربا حركة الإخوان امل�سلمني يف م�صر حماولة ف ّذة لعي�ش احلداثة الإ�سالمية والع�صر‪ .‬مبينا تنقل اخلطاب الإ�سالمي �إىل‬ ‫مرحلة اخلطاب املعومل الذي ي�ستهدف الفئات ال�شباب ّية ‪ .‬فال ‪ ‬جمال لقيام دميقراطية تقوم على اخليار احلر �إذا ما �ألغي هذا املكون‬ ‫وهذا ما اقتنع به الغرب نف�سه ل�صد الإرهاب والتطرف والغلو يف الدّين ‪.‬لكن الإ�سالم ال�سيا�سي‪ ،‬ح�سب ر�أيه‪ ،‬ظاهرة لها بداية ونهاية‬ ‫ال�ساجنة للدين لذلك كان هذا املكون خارج الدولة‬ ‫ومرتبطة بوظيفة تاريخية و�سيا�سية معينة‪ .‬عرف �صدامات مع الدولة يف �إطار الدولة ّ‬ ‫يف ظروف ثورية ‪� ,‬سنة ‪ 2011‬مثال يف تون�س ‪ .‬معتربا �أن ‪ ‬بنية النظام اال�ستبدادي ثالثية ‪ :‬دولة‪+‬جمتمع‪ +‬زعيم(قوة فوق القانون( ‪.‬‬ ‫و �أعل���ى مراح���ل الإ�س�ل�ام ال�سيا�س���ي ه���ي العدال���ة والتنمي���ة كفك���رة ومطل���ب بتق ّل����ص العن�ص���ر الأيديولوج���ي اجتاه���ا‬ ‫لتحقي���ق كوني���ة القي���م ‪ ,‬بتخلي����ص احلري���ة م���ن اللربالي���ة ‪ ,‬و العروب���ة م���ن القومي���ة ‪ ،‬فالإ�س�ل�ام ال�سيا�س���ي يف تون����س مل‬ ‫يرت���ق بع���د �إىل مرحل���ة العدال���ة والتنمي���ة ومعه���ا ت�أ�سي����س دميقراطي���ة فعلي���ة‪.‬و يف خت���ام ‪ ‬قول���ه اعت�ب�ر �أن الديقراطي���ة‬ ‫النا�شئ���ة يف تون����س الب���د �أن تبتع���د ع���ن املراوح���ة ب�ي�ن النظ���ام الق���دمي واجلدي���د و ت ّتخ���ذ التجدي���د �أ�سا�س���ا له���ا‪.‬‬ ‫فالره���ان الي���وم قائ���م عل���ى الوع���ي بثقاف���ة احلرية والع���دل االجتماعي يف اجت���اه دميقراطي���ة ت�شارك ّية‪� .‬أم���ا مداخل���ة الدكتور حم ّمد‬ ‫الرحم���وين‪ ،‬ا�ست���اذ احل�ض���ارة باجلامع���ة التون�سي���ة ‪ ،‬فكان���ت بعن���وان ‪ ( ‬الإ�س�ل�ام م�ش�ت�ركا‪ ‬مقارب���ة ‪ ‬لغوي���ة ( ‪ ‬فق���د ذه���ب فيه���ا �إىل‬ ‫الت�أ�صي���ل اللغ���وي مل���ادة (�ش���رك) يف الق���ر�آن وعي���ون املعاج���م اللغوي���ة واملدون���ة ال�شعرية العربي���ة وقد خل����ص �إىل �أن ( ����ش ر ك ) تعني‬ ‫كذل���ك و�سط‪-‬ع���دل‪� -‬س���اوى كم���ا ق���دم خمتل���ف املع���اين للو�سطي���ة (و ����س ط( وعدي���د امل�صطلح���ات الأخ���رى يف عالقته���ا مبفه���وم‬ ‫الو�سطي���ة ‪.‬كم���ا �أ�ش���ار �إىل م�صطل���ح التع���ارف مبا فيه م���ن معنى �إيجاد وح���دة �سيا�سية جتم���ع كل النا�س مبختلف �أعراقه���م و�أفكارهم‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪110‬‬


‫‪.‬فالإ�س�ل�ام يف ال�سي���اق الق���ر�آين ي�شري �إىل كونية املبادئ الإ�سالمية التي ت�ضفي معنى الوحدة على الأديان (وحدة املبادئ والأ�صول الإن�سانية(‬ ‫وال�ضرر كان حني القطع مع مفهوم ال�صفاء يف الدين‪ .‬فالدين واحد وال�شريعة تتفرق ‪ ,‬فالبد البحث عن امل�شرتك مع الغري وهنا يتجلى الدين‬ ‫يف بعده املقا�صدي قاطع مع فكر الهُوية و االنغالق‪ .‬مداخلة الدكتور ب�شري العبيدي رئي�س املر�صد الأوربي للغة العربية‪ ‬بفرن�سا ( (الو�سطية‬ ‫بني اجلمود واجلحود )‪ ،‬فقد ‪ ‬تناولت مفهوم الو�سطية من بعدها الكوين الإن�ساين والر�ؤية �إىل‪ ‬الوجود‪ .‬فر�أى املحا�ضر ‪� ‬أن الأمة الإ�سالمية‬ ‫تخلفت عن واجبها يف �أن تكون (الأمة الو�سط) فكان ماكان من خراب يف الإن�سانية‪ .‬و�سبب ذلك �أن مفهوم الو�سطية كان غائبا‪ .‬فالو�سطية لها‬ ‫مفه���وم اجلم���ال كم���ا لها مفهوم العدل‪ .‬وحني تغ�ي�رت موازين القوى العاملية‪ ،‬كان من اخلط�أ �أن منركز الأ�شكال عند الغرب الذي مل يعد بتلك‬ ‫الأهمي���ة يف الع���امل خا�ص���ة اقت�صادي���ا‪ .‬ت�شكو الو�سطية‪ -‬ح�سب ر�أيه – من م�شكلتني �أ�سا�سيتني‪ :‬م�شكلة اجلمود وم�شكلة ‪ ‬اجلحود ‪،‬واعترب �أن كل‬ ‫التج���ارب الناجح���ة كان للدي���ن فيه���ا جدوى ‪ .‬عانت الأمة جم���ودا فكريا فكانت طباعة امل�صحف ‪ ‬حمرمة مثال �إىل ح���دود القرن الع�شرين رغم‬ ‫ا�ستك�شاف الطباعة منذ القرن ال�ساد�س ع�شر ميالديا‪ .‬وكل حماوالت التجديد كانت مرفو�ضة ‪ ‬وما زالت تطرح نقا�شات‪ ،‬حتى اليوم‪ ،‬بخ�صو�ص‬ ‫ق�ضاي���ا غ�ي�ر جمدي���ة مرهق���ة للعقل وم�ضيع���ة للوقت ومتاه���ة للفكر عاك�سة اجلم���ود يف الفكر‪،‬ف�صار الع���رب ال يتخيلون وجوده���م دون الغرب‬ ‫الذي���ن يطرح���ون ب�ش�أن���ه م�سائ���ل مغالي���ة ‪ ‬و�ص���اروا ه���م �أ�سا�س���ا خ���ارج نط���اق التاري���خ رغ���م الرنج�سي���ة الزائ���دة عن���د العرب���ي وعاطفيت���ه‪� .‬أم���ا‬ ‫اجلح���ود ‪ ‬فيتجل���ى يف ‪ ‬الذوب���ان الت���ام يف الفل�سف���ة الغربي���ة و التع�صب له���ا نتيجة االنبه���ار بالآخر (الغالب) ال���ذي يهرول املغل���وب لالقتداء به‬ ‫يف امللب����س وامل����أكل وامل�ش���رب والعادات والنحل والتقاليد –ح�سب اب���ن خلدون‪ -‬وهي مدعاة لن�ش�أة الغلو والتع�صب‪� .‬أ�ش���ار الدكتور �إىل درا�سة عن‬ ‫الواقع العربي من منظور علم النف�س اجلماعي م�شريا �إىل (عاطفية) العربي اليوم خالفا للعقالنية التي يدعو �إليها املنهج الفكري القر�آين ‪.‬‬ ‫كما �أ�شار �إىل التهور يف طرح ق�ضايا التاريخ والهُوية ‪ .‬و�سبيل التغيري ‪ ‬البد �أن تكون بالعقل والعلم ‪ ‬ودرا�سة املوا�ضيع العملية التي من �ش�أنها ان‬ ‫حتيل �إىل التغيري ال تلك التي تخلق الوعي الديني املزيف‪ .‬كان البد من االبتعاد عن الت�صنيفات والت�سميات التي من �ش�أنها التفريق والتمركز‬ ‫و التع�صب يف االنتماء‪ .‬فح�سب ادغار موران الفيل�سوف الفرن�سي ( �إذا حلت الثقة بيننا �سوف لن ن�ضطر �إىل و�ضع حدود يف حرية الر�أي ‪ .‬‬

‫منتدى الو�سطية يعقد لقاء �صديقات املنتدى‬ ‫بعنوان)املر�أة ‪ :‬طاقة‪ -‬عطاء ‪ -‬وواقع)‬

‫(املر�أة طاقة‪ ،‬عطاء وواقع) مو�ضوع اللقاء الدوري الثقايف ل�صديقات منتدى الو�سطية للفكر والثقافة_جلنة املر�أة؛ والذي مت يوم ال�سبت‬ ‫املوافق ‪� 2015/4/4‬إ�ستهلته الدكتورة فايزة ال�سكر_ ع�ضو الهيئة الإدارية يف منتدى الو�سطية وع�ضو جلنة املر�أة _ بكلمة ترحيبية تناولت‬ ‫فيها �إجنازات جلنة املر�أة وما تقوم به من ن�شاطات ثقافية توعوية ت�ستهدف املر�أة من خالل الدورات التدريبية والندوات واملحا�ضرات املنوعة‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل �إطالق امل�سابقات املختلفة منها (حفظ القر�آن الكرمي ونظم ال�شعر للنا�شئة‪.)....‬‬ ‫‪ ‬ثم حتدثت الدكتورة نوال �شرار_امل�ست�شارة القانونية ملركز الأمان للتوافق الأ�سري_عن نظرة الإ�سالم ال�شمولية ل�شخ�صية املر�أة من حيث �أ�صل‬ ‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪111‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫خلقها والطاقة العظيمة التي زودها اهلل تعاىل بها لبقاء النوع الإن�ساين ورعايته و�إعمار الكون وخدمة الب�شرية وما ترتب عليه من عطاء دائم يف جميع‬ ‫جماالت احلياة و�أهمها تن�شئة الأجيال ال�سوية خلدمة ورقي املجتمع؛ كما تعر�ضت ملا تعانيه املر�أة يف واقعها من تناق�ضات و�ضياع لهويتها بني الت�شدد‬ ‫حيناً والتماهي والتفريط �أحياناً �أخرى وما يقع عليها نتيجة ذلك من ظلم وم�صادرة لبع�ض حقوقها‪.‬‬ ‫‪ ‬كما حتدثت ال�سيدة ماجدة عكوب_امل�ست�شارة الأ�سرية يف مركز الأمان للتوافق الأ�سري_عن قدرات املر�أة الالمتناهية يف العطاء وما تواجهه من‬ ‫�إجحاف و�إ�ساءة جمتمعية م�ؤكدة �أن يف ذلك �إ�ساءة للمجتمع ب�أ�سره‪.‬‬ ‫‪ ‬كما �أ�شارت لأهم الإختالفات يف طبيعة تكوين كل من الرجل واملر�أة و�أن املغزى من ذلك هو التكامل والتوافق ولي�س التنافر والعداء؛ مبينة �أن القوى‬ ‫الكامنة يف املر�أة ت�ؤهلها للمزيد من العطاء �إذا �ساندها املجتمع يف �إزالة العوائق وتقليل العقبات‪.‬‬ ‫‪ ‬م�سك اخلتام كان تعقيباً من احل�ضور ونقا�ش حول حماور العر�ض �أدارته الدكتورة فايزة ال�سكر_ع�ضو الهيئة الإدارية يف منتدى الو�سطية وع�ضو‬ ‫جلنة املر�أة_ و�إنتهى اللقاء مبطالبات عديدة من احل�ضور بتكرار مثل هذه اللقاءات الثقافية‪.‬‬

‫لقاءات جلنة املر�أة الثقافية يف املحافظات‬ ‫حمافظة م�أدبا‬

‫بدعوة من ال�سيدة �أ�سماء رواحنة_رئي�سة جمعية املر�أة الريفية ومديرة مدر�سة �أ�سماء بنت �أبي بكر_�إنطلق وفد من جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية‬ ‫للفكر والثقافة‪ ،‬االثنني املوافق ‪� 2015/4/6‬ضم ال�سيدة �سو�سن املومني_رئي�سة قطاع املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة_والدكتورة نوال‬ ‫�شرار_امل�ست�شارة القانونية ملركز الأمان للتوافق الأ�سري_وال�سيدة ماجدة عكوب_امل�ست�شارة الأ�سرية يف مركز الأمان للتوافق الأ�سري_�إىل بلدة‬ ‫مليح_حمافظة م�أدبا_يف مركز الأمرية ب�سمة للخدمات االجتماعية للإلتقاء بنخبة من �سيدات املنطقة و�إلقاء حما�ضرة بعنوان (املر�أة بني مكانتها‬ ‫بالإ�سالم والواقع(‪ .‬حتدثت فيها الدكتورة نوال �شرار_امل�ست�شارة القانونية ملركز الأمان للتوافق الأ�سري_عن نظرة الإ�سالم ال�شمولية ل�شخ�صية‬ ‫املر�أة ‪ ‬منذ بدء التكوين وحتى ال�شيخوخة والوفاء‪ ،‬مارة بجميع �أدوارها –بنتاً وزوجة و�أم‪ -‬واملكانة العظيمة التي و�ضعها فيها الإ�سالم يف كل مرحلة‪،‬‬ ‫وما زودها اهلل تعاىل به من طاقة لإعمار الكون وخدمة الب�شرية وما ترتب عليه من عطاء دائم يف جميع جماالت احلياة و�أهمها تن�شئة الأجيال ال�سوية‬ ‫خلدمة ورقي املجتمع‪ .‬كما حتدثت ال�سيدة ماجدة عكوب_امل�ست�شارة الأ�سرية يف مركز الأمان للتوافق الأ�سري_عن قدرات املر�أة الالمتناهية يف‬ ‫العطاء وما تواجهه من �إجحاف و�إ�ساءة جمتمعية م�ؤكدة �أن يف ذلك �إ�ساءة للمجتمع ب�أ�سره‪ .‬‬ ‫‪ ‬كما �أ�شارت لأهم الإختالفات يف طبيعة تكوين كل من الرجل واملر�أة و�أن املغزى من ذلك هو التكامل والتوافق ولي�س التنافر والعداء؛ مبينة �أن القوى‬ ‫الكامنة يف املر�أة ت�ؤهلها للمزيد من العطاء �إذا �ساندها املجتمع يف �إزالة العوائق وتقليل العقبات‪ .‬‬ ‫كما �أ�شارت �إىل املنهج الإ�سالمي الذي �أ�س�س لتما�سك الأ�سرة والتكامل بني الزوجني لتن�شئة الأجيال امل�ستقبلية‪.‬‬ ‫وقد كان مل�شاركة ال�سيدات احل�ضور يف احلوار واملناق�شة دور كبري يف �إثراء املو�ضوع‪ .‬ح�ضر اللقاء ال�سيدة متام البواريد_رئي�سة املركز_ وعدد كبري‬ ‫من �سيدات املنطقة‪.‬‬ ‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪112‬‬


‫ن�شاطات منتدى الفكر والثقافة الو�سطي‬

‫�ضمن �أن�شطة منتدى الفكر والثقافة الو�سطي ويف يوم الأربعاء املوافق ‪ 2015/4/29‬ا�ست�ضافت مدر�سة �صافوط الثانوية‬ ‫للبنات الدكتور زهاءالدين �أحمد عبيدات مدير مركز الدرا�سات يف املنتدى العاملي للو�سطية يف ور�شة عمل بعنوان)طرق‬ ‫املذاكرة اجليدة وكيفية اال�ستعداد المتحانات الثانوية)‪.‬‬ ‫�إذ قدم املدرب يف بداية الور�شة فيلماً ق�صرياً عن دور املنتدى العاملي للو�سطية يف مواجهة التطرف والإرهاب وحتقيق‬ ‫اال�ستقرار وال�سلم العاملي وبعد ذلك قدم تعريفاً موجزاً عن املنتدى العاملي للو�سطية ور�سالته ور�ؤيته و�أهدافه ومنطلقاته ‪.‬‬ ‫ومن ثم بد�أ بعمل الور�شة التي ح�ضرها طالبات املدر�سة يف املرحلة الثانوية وخا�صة طالبات ال�صف الثاين الثانوي و �أع�ضاء‬ ‫الهيئة التدري�سية يف املدر�سة ويف نهاية الور�شة �شكرت مديرة املدر�سة الأ�ستاذة مها ع�صفور املدرب ومنتدى الفكر والثقافة‬ ‫على جهوده يف �إبراز الو�سطية واالعتدال يف املجتمع الأردين وغريه من املجتمعات العربية والإ�سالمية وعلى ما يقدمه‬ ‫من خدمات خمتلفة للمجتمع الأردين يف جميع جوانب احلياة املختلفة وتعبرياً عن تقديرها ملا قام به الدكتور زهاءالدين‬ ‫عبيدات قدمت مديرة املدر�سة �شهادة �شكر وتقدير للدكتور زهاءالدين عبيدات على ما قدمه من معلومات قيمة للمعلمات‬ ‫والطالبات يف كيفية املذاكرة واال�ستعداد المتحان الثانوية‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪113‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫�أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫يلتقي برئي�س بعثة االحتاد الأوربي يف الأردن‬

‫قام املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية بزيارة اليوم الثالثاء املوافق ‪� 02015/4/28‬إىل رئي�س بعثة االحتاد‬ ‫الأوربي يف عمان والتقى مع ال�سفرية الدكتورة ي�ؤانا فرونيت�سكا‪ ‬رئي�سة البعثة وخالل اللقاء قدم املهند�س الفاعوري �إيجازاً عن املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية والن�شاطات والفعاليات التي يقوم بها وبحث �إىل جانب ذلك �سبل تعزيز التعاون ما بني املنتدى واالحتاد الأوربي يف املو�ضوعات‬ ‫امل�شرتكة والتي تهم اجلانبني مثل ق�ضايا ال�شباب واملر�أة والتطرف وتعزيز منظومة القيم الإن�سانية لدى الن�شئ‪.‬‬ ‫‪ ‬وقد ح�ضر اللقاء كل من الدكتور زهاءالدين عبيدات مدير مركز الدرا�سات واال�ست�شارات والتدريب والدكتور زيد �أحمد املحي�سن من�سق عام‬ ‫العالقات اخلارجية والتعاون الدويل‪.‬‬

‫الأمني العام للمنتدى يوقع اتفاقية تعاون‬

‫على هام�ش امل�ؤمتر الدويل)دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي) الذي عقده املنتدى العاملي للو�سطية مت‬ ‫توقيع اتفاقية تعاون بني املنتدى العاملي للو�سطية وبني جمعية ال�سالم الإ�سالمية العاملية واملركز النيجريي للبحوث العربية وذلك لتوثيق‬ ‫التعاون بني املنتدى وهاتني امل�ؤ�س�ستني يف جمال ن�شر الو�سطية واالعتدال و�إجراء البحوث والدرا�سات يف هذا املجال ‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪114‬‬


‫املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك يف (دورة ‪:‬الر�ؤية امل�شرتكة لتعزيز الت�سامح‬ ‫ونبذ الإرهاب(‬ ‫�شارك ‪ ‬املنتدى العاملي للو�سطية يف‪� ‬أعمال الدورة الثانية والأربعني ملجل�س وزراء خارجية منظمة التعاون الإ�سالمي (دورة‪ :‬الر�ؤية امل�شرتكة لتعزيز‬ ‫الت�سامح ونبذ الإرهاب(‪ ‬والتي انعقدت يف دولة الكويت ‪ ‬خالل يومي ‪ 27‬و‪ 28‬من مايو ‪ 2015‬وقد مثل املنتدى وفد مكون من الأمني العام للمنتدى‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري ومدير العالقات اخلارجية الدكتور زيد �أحمد املحي�سن ‪..‬‬ ‫وقد ناق�شت الدورة عدة ق�ضايا منها �أو�ضاع العامل الإ�سالمي و‪ ‬ال�سبل الكفيلة لو�ضع ا�سرتاتيجية فعالة ملكافحة الإرهاب والتطرف والإ�سالموفوبيا‪.‬‬

‫عقد اجتماع �أمناء رابطة كتاب التجديد‬ ‫عقد اجتماع �أمناء رابطة كتاب التجديد لقاءه الأول يوم ال�سبت املوافق ‪ 2015/5/30‬ال�ساعة الثانية ع�شر يف مقر املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية وبح�ضور كافة الأع�ضاء وت�ضمن االجتماع ‪:‬‬ ‫كلمة ترحيبية من قبل الدكتور خالد جرب �أمني �سر الرابطة ‪.‬‬ ‫كلمة ترحيبية من قبل املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العلمي للو�سطية حيث قدم �إيجازاً عن املنتدى العاملي للو�سطية من حيث‬ ‫الأهداف والو�سائل ‪ ‬والن�شاطات والفعاليات التي يقوم بها ‪.‬‬ ‫بعد ذلك دار نقا�ش مو�سع حول مفهوم التجديد و�ضوابطه وحقوله حيث قدم الدكتور عبدال�سالم العبادي ت�صوراً لهذا املفهوم بعد ذلك جرى انتخاب‬ ‫كل من التالية �أ�سما�ؤهم‪.‬‬ ‫معايل الدكتور عبدال�سالم العبادي (رئي�ساً للرابطة)‪.‬‬ ‫�سعادة الدكتور يعقوب نا�صر الدين (نائب الرئي�س)‬ ‫وجرى االتفاق على �أن يكون اللقاء القادم قبل �شهر رم�ضان املبارك‪.‬‬ ‫الدكتور خالد جرب (�أميناً لل�سر)‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪115‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫علماء ومفكرون يدعون لإيجاد فر�ص عمل لل�شباب‬ ‫وتر�سيخ نهج االعتدال ‪ 2015/3/17‬وذلك يف لقائهم يف ديوان ال�شيخ �صالح _ بعمان‬

‫دعا بع�ض علماء ومفكري الأمة الإ�سالمية ‪� ،‬إىل �ضرورة حت�صني املجتمعات من الفكر املنحرف واملتطرف‪ ،‬وتوفري م�ساحات لل�شباب يف‬ ‫العمل‪ ،‬وتن�شئة عقولهم على منهجية االعتدال واالنفتاح على الثقافات‪ .‬و�أكد رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية رئي�س وزراء ال�سودان الأ�سبق‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‪ ،‬ان االختالل احلاد يف توزيع الرثوة والدخل يف املنطقة مع �أعداد ال�شباب الكبرية وازدياد ن�سب الفقر والبطالة يعطي‬ ‫تيارات االحتجاج والتظلم ذخرية كبرية ت�سهم يف دعم �أ�ساليب العنف ما مل يطبق برنامج تنموي ذو مقا�صد عدالة اجتماعية‪ .‬وقال خالل‬ ‫احلفل الذي �أقيم يف ديوان ال�شيخ مروان �شوقي �صالح يف ع ّمان‪ ،‬تكرميا للعلماء امل�شاركني يف م�ؤمتر ‘دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب‬ ‫وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي‪� ،‬أن ثمة عوامل ا�ستقطاب ي�شعلها الغالة والغزاة ملقا�صدهم‪ ،‬متثلت باال�ستقطاب احلاد بني اعتقاد ديني‬ ‫وفكر علماين حمزن‪ .‬وبينّ الإمام املهدي‪� ،‬أنه �إذا كان �أو�سط الأمور يف املا�ضي خياراً من اخليارات فهو اليوم �ضرورة ال�ضرورات‪ ،‬ما ي�ستدعي‬ ‫ت�شخي�صا مو�ضوعيا للحالة‪ ،‬لإ�صدار نداء ي�ستنه�ض الأمة‪ .‬ووجه الأمني العام لالحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني الدكتور علي قره داغي‪ ،‬نداء‬ ‫�إىل الأمة با�سم االحتاد‪ ،‬للتم�سك بالوحدة والإ�صالح ال�شامل الذي يحقق العدل وي�صون الكرامة الإن�سانية‪ ،‬وي�أخذ ب�أ�سباب القوة وبذل كل ما‬ ‫ميكن‪ ،‬لعك�س �صورة الإ�سالم احلقيقية‪ .‬من جهته‪� ،‬أكد املفكر اال�سالمي الدكتور حمدي مراد‪� ،‬أهمية احلوار يف التعامل مع الق�ضايا الكبرية‬ ‫واحل�سا�سة‪ ،‬بغية الو�صول �إىل �أر�ضية م�شرتكة يلتقي عليها اجلميع‪ ،‬م�شريا �إىل �أن احلالة الراهنة ت�ستدعي منا ر�ص ال�صفوف والوقوف اىل‬ ‫جانب الوطن يف مواجهة التحديات الراهنة �ضمن جبهة داخلية قوية ومتما�سكة‪ .‬وحتدث يف االجتماع عدد من احل�ضور‪ ،‬حول �أهمية الت�صدي‬ ‫للتطرف‪ ،‬وحت�صني املجتمع من الفكر املنحرف‪ ،‬بالتوعية ون�شر �صورة الإ�سالمية احلقة‪ ،‬باعتبارها م�س�ؤولية اجلميع‪ .‬وح�ضر م�أدبة الع�شاء‬ ‫التي �أقامها ال�شيخ �صالح للعلماء الذين ميثلون خمتلف الدول الإ�سالمية‪ ،‬عدد من ال�شخ�صيات ال�سيا�سية والإعالمية‪ ،‬و�شيوخ ووجهاء‬ ‫وممثلي م�ؤ�س�سات املجتمع املدين‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪116‬‬


‫املنتدى العاملي للو�سطية ‪ -‬فرع اليمن‬ ‫يعقد ور�شة تدريبية بعنوان‬ ‫(حتديد �أهداف خطبة اجلمعة مبا يحقق غاياتها يف تعزيز مقا�صد الإ�سالم(‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية – فرع اليمن ‪ ‬ور�شة تدريية بعنوان (حتديد �أهداف خطبة اجلمعة مبا يحقق غاياتها يف تعزيز مقا�صد الإ�س ــالم) والتي‬ ‫�أقيمت على مدار يومي ال�سبت والأحد املوافق ‪14‬و‪15‬من ال�شهر احلايل حيث ناق�ش ‪ ‬املحا�ضر الدكتور �شوقي القا�ضي ‪ ‬عدة نقاط تتعلق بخطبة اجلمعة‬ ‫وهي‪ .1 :‬فوائد حتديد �أهداف خطبة اجلمعة‪� .2 .‬شروط ومهارة �صياغة �أهداف خطبة اجلمعة‪ .3 .‬واقع حتديد �أهداف خطبة اجلمعة‪.‬‬ ‫‪ .4‬نتائج و�آثار غياب حتديد �أهداف خطبة اجلمعة‪� .5 .‬أمناط من اخلطباء الذين ال يحددون خلطبهم �أهدافاً وا�ضحة‪� .6 .‬أهم عوامل حتديد �أهداف‬ ‫خطبة اجلمعة‪ .7 .‬مقا�صد وغايات خطبة اجلمعة‪ .8 .‬مكونات �أهداف خطبة اجلمعة‪ .9 .‬متارين ومناذج ل�صياغة �أهداف خطبة اجلمعة‪.‬‬ ‫‪ . 10‬ميثاق �شرف بني اخلطباء ب�ش�أن (االهتمام بخطبة اجلمعة ‪ ،‬وجودة اختيار و�إعداد موا�ضيعها ‪ ،‬وحتديد �أهدافها مبا يحقق غاياتها يف تعزيز مقا�صد‬ ‫الإ�سالم)‪ .11 .‬خطط و�أن�شطة لتعزيز مهارة (حتديد �أهداف خطبة اجلمعة)‪.‬‬

‫�إ�صدارات املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫�سل�سلة الفكر الو�سطي العدد ‪46-45‬‬ ‫ا�ستمراراً من‪ ‬املنتدى العاملي للو�سطية يف ن�شر ثقافة ديننا احلنيف مت �إ�صدار الأعداد اجلديدة‪ ‬ل�سل�سلة الفكر الو�سطي العدد ‪ 46-45‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪117‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬


‫مساب‬

‫قة العدد‬

‫‪118‬‬

‫مسابقة‬ ‫العدد‬ ‫�إعداد ‪ :‬د‪ .‬زهاء الدين عبيدات و د‪ .‬علي خلف حجاحجة‬ ‫تت�ضمن امل�سابقة �ستة �أ�سئلة متنوعة‪ ،‬يتطلب الأمر الإجابة عنها كاملة ملن �أراد امل�شاركة‪ ،‬وتر�سل الإجابات بعد تعبئتها على الكوبون‬ ‫املخ�ص�ص يف �أ�سفل ال�صفحة‪ ،‬و�إر�سالها �إىل عنوان املجلة ( �ص‪.‬ب ‪ 2149:‬الرمز الربيدي‪11941‬عمان‪-‬الأردن) وذلك قبل تاريخ‬ ‫‪2015 / 10 / 1‬‬ ‫• يتم ال�سحب على الإجابات الفائزة بثالثة م�ستويات‪ ،‬حيث مينح الفائز الأول ‪ 150‬دوالر ًا‪ ،‬الفائز الثاين ‪100‬‬ ‫دوالر ًا‪ ،‬الفائز الثالث ‪ 50‬دوالر ًا‪.‬‬ ‫ال�ســ�ؤال الأول‪:‬‬ ‫نفذت اخلوارج �أو�سع عملية اغتيال يف مطلع ن�شوء الدولة الإ�سالمية‪ ،‬من الذين مت قتلهم على �أيديهم ‪:‬‬ ‫ج‪ .‬عمرو بن العا�ص ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫ب‪ .‬علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫�أ‪ .‬عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الثاين‪:‬‬ ‫ك�شمري والية �إ�سالمية منذ فجر التاريخ كان فتحها يف ‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬ع���ام ‪ 157‬هج���ري يف عه���د اخلليف���ة العبا�س���ي اب���ي جعف���ر املن�ص���ور‪ .‬ب‪ .‬ع���ام ‪ 170‬هج���ري يف عه���د اخلليف���ة ه���ارون الر�شي���د‪.‬‬ ‫ج‪ .‬عام ‪ 218‬هجري يف عهد اخلليفة املعت�صم‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الثالث‪:‬‬ ‫حدثت ق�صة الإفك يف �إحدى الغزوات الآتية‪:‬‬ ‫ج‪ .‬املريبع‪.‬‬ ‫ب‪ .‬اخلندق‪.‬‬ ‫�أ‪ .‬م�ؤتة‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الرابع‪:‬‬ ‫فرقة �ضالة �أ�صحابها ال ي�صلون اجلمعة وال يتم�سكون بطهارة ال�صالة ويرون �أن ال�صالة عبارة عن �أ�سماء خم�سة هم‬ ‫( علي‪،‬ح�سن‪،‬ح�سني‪،‬حم�سن‪ ،‬فاطمة( هذه الفرقة هي‪:‬‬ ‫ج‪ .‬الأزارقة‪.‬‬ ‫ب‪ .‬الن�صريية(العلويون(‬ ‫�أ‪ .‬املرجئة‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال اخلام�س‪:‬‬ ‫الزالقة معركة م�شهورة وقعت يف بالد الأندل�س �شمال قرطبة كان قائدها‪:‬‬ ‫ج‪ .‬عبدالرحمن الغافقي‪.‬‬ ‫ب‪ .‬يو�سف بن تا�شفيني‪.‬‬ ‫�أ‪ .‬قتيبة بن م�سلم الباهلي‪.‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪118‬‬


‫ال�س�ؤال ال�ساد�س ‪:‬‬ ‫�أمري الرماة على جبل �أحد وا�ست�شهد يف تلك املوقعة‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬حمزة بن عبداملطلب ر�ضي اهلل عنه‪ .‬ب‪ .‬عمر بن اجلموح ر�ضي اهلل عنه‪ .‬ج‪ .‬عبداهلل بن النعمان ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال ال�سابع ‪:‬‬ ‫من هو �أ�شقى الأولني ؟و من هو �أ�شقى الآخرين ؟‬ ‫ال�س�ؤال الثامن ‪:‬‬ ‫ما هو �أول م�سجد بناه امل�سلمون ؟‬ ‫ال�س�ؤال التا�سع‪:‬‬ ‫من �أول من عدا بفر�سه يف �سبيل اهلل ؟‬ ‫ال�س�ؤال العا�شر‪:‬‬ ‫معنى كلمة الو�ضوء (بفتح الواو ( هو ‪:‬‬

‫إجابات مسابقة العدد‬ ‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال الأول‪ • ) ( :‬رمز �إجابة ال�س�ؤال الثاين‪ • ) (:‬رمز �إجابة ال�س�ؤال الثالث‪) (:‬‬ ‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال الرابع‪ • ) ( :‬رمز �إجابة ال�س�ؤال اخلام�س‪ • ) ( :‬رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�ساد�س‪) (:‬‬ ‫ �إجابة ال�س�ؤال ال�سابع هي‪.......................................................................... :‬‬‫ �إجابة ال�س�ؤال الثامن هي ‪.......................................................................... :‬‬‫ �إجابة ال�س�ؤال التا�سع هي ‪..........................................................................:‬‬‫‪� -‬إجابة ال�س�ؤال العا�شر هي ‪..........................................................................:‬‬

‫معلومات المتسابق‬ ‫ا�سم املت�سابق من �أربعة مقاطع‪............................................................................... :‬‬ ‫رقم الهاتف مع رمز الدولة والبلد‪........................................................................... :‬‬ ‫العنوان الربيدي‪........................................................................................... :‬‬

‫** بعد الإجابة على هذا النموذج نرجو تعبئة املعلومات اخلا�صة باملت�سابق كاملة وق�ص النموذج و�إر�ساله �إىل العنوان املبني يف ال�صفحة التالية‪.‬‬

‫العدد‪ - 19‬ال�سنة الثامنة‬

‫‪119‬‬

‫�شعبان ‪ 1436‬هـ ‪ /‬حزيران ‪2015‬م‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.