19
املنتدى العاملي للوسطية
1436
2015
ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية
( هيئة عاملية �إ�سالمية (
العدد : 19ال�سنة الثامنة �شعبان 1436هـ /حزيران 2015م اإلفتتاحية :
ُ حال �أمة -املهند�س مروان الفاعوري
4
وسطيتنا :
ت�أ�صي ُل ال ِف ْك ِر ال َت ْنويري َلدَى َ اجه ِة ال َتحدِّيات -د .حممد خلف بني �سالمة ال�شبَابِ َودَو ُر ال ُعل َما ِء يف ُم َو َ الو�سط ّية ثقافة وفكر و�سلوك � -صالح الدين حممد بهاء الدين هذا هو الإ�سالم -اللــواء عدنــان عبيــدات �أهمية مرحلة ال�شباب يف نظر الإ�سالم -د .زهاء الدين عبيدات �أهمية العمل املجمعي ودوره يف �أثر م�سرية االقت�صاد الإ�سالمي والبنوك الإ�سالمية � -أ .د .عبد ال�سالم العبادي
5 7 9 11 14
مقاالت الوسطية :
امل�سلمون بني �شدائد الع�صر وب�شائر الن�صر -د .ال�شاهد البو �شيخي املعنى ا ُ حل ُّر نح َو نظر ّية �إن�سان ّية للمعنى -د .خالد عبدالر�ؤوف اجلرب الفرق بني الإرهاب واملقاومة امل�شروعة -د .يا�سر �أبو ح�سني القرامطة اجلدد وتعيني �أمريين ملكة واملدينة � -أ.د .طه جابر العلواين �أ�ضواء على العامل الإ�سالمي �ِ -صدّيق حممد ابراهيم التناق�ضات ال�سلوكية واالجتماعية � -أ.د .حممد �أحمد الق�ضاة امل�س�ؤولية االجتماعية و ال�سلوك الأخالقي يف عمل امل�صارف الإ�سالمية -د .غ�سان الطالب ت�أمالت يف الرتبية النبوية -د .ي�سرى العرواين ال �إله �إال اهلل �أ َّم القواعد الكلية � -أ .حممد باباعمي الإ�سالم واحلث علىالتف ّكر -الدكتور علي حجاحجه
17 22 26 28 30 32 33 36 38 41
دراسات إسالمية :
الهدي النبوي يف التعامل مع الأزمات -الدكتور �أحمد ال�سعدي دور اال�ستح�سان يف اختيار احلاكم -ال�شيخ عبد الرحيم �صبح ر�سائل النور لبديع الزمان �سعيد النور�سي -د .م�أمون فريز جرار عوامل بناء �شخ�صية الإن�سان -د .عبد الإله ميقاتي نعمة الأمن -د� .سليمان الرطروط جتديد اخلطاب الديني العقدي مفهومه ودواعيه و�ضوابطه -د�.أحمد احلنيطي فتاوى إسالمية :
43 46 50 54 59 63
انت ت�س�أل ونحن جنيب � -أ.د .حممد احمد الق�ضاة
68
الأ�سرار الربانية يف الر�ضاعة الطبيعية -د .ذيب عبداهلل
70
�سلطة ويل الأمر يف التعزير و�ضوابطها عند الإمام اجلويني -اعداد الطالب :عبد احلميد هزاع الغيالت
72
احلمد وال�شكر وال�شفاعة -د .زهاء الدين عبيدات ال تقهروا الطفولة ! -د� .أ�سمهان الطاهر
70 70
الركن الطبي :
رسائل جامعية :
واحة الوسطية :
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
2
لقاءات وحوارات الوسطية :
لقاء مع �سعادة ال�سيد �إح�سان �أزهر حياة حماورة جملة الو�سطية ل�ضيوف م�ؤمتر(دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي( شخصية العدد :
72
الأ�ستاذ الدكتور حارث ال�ضاري
بيانات الوسطية :
بيان �صادر من املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجري م�سجد القديح -باململكة ال�سعودية بيان �صادر من املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجري م�سجد الإمام احل�سني -الدمام بيان �إدانة حول التفجريات والأعمال الإرهابية يف تون�س املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان ي�ستنكر اجلرمية النكراء التي تعر�ض لها طلبة غاري�سا -كينيا �إعالن هام من املنتدى العاملي للو�سطية
85 86 87 88 89
نشاطات الوسطية :
�أ�ساليب عالج التطرف ندوة حوارية ملنتدى الو�سطية يف جر�ش ا�ستقبل الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية معايل القا�ضي حمود الهتار وزير الأوقاف الإ�سالمية (ال�سابق( يف اليمن الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يكرم �إعالميني �أردنيني وعربا موقف املنتدى العاملي للو�سطية من الق�ضية اليمنية اختتام �أعمال الربامج التدريبي للأئمة والوعاظ العراقيني تو�صيات امل�ؤمتر الدويل (دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي( املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك كلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت يف ندوة علمية حول دور كليات ال�شريعة يف تعزيز منظومة القيم الأخالقية وحماربة الغلو والتطرف �أع َّد املنتدى العاملي للو�سطية ندوة (خطر الطائفية واملذهبية على وحدة الأمة وا�ستقرارها( َّ نظم منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�أدبا حما�ضرة بعنوان (الرفق و�أثره يف و�سطية الإ�سالم( املنتدى العاملي للو�سطية -فرع اجلزائر يعقد دورة تكوينية بعنوان الو�سطية يف بناء ال�شخ�صية امل�سلمة كلمة �شكر وتقدير من جمهورية نيجرييا حول امل�ؤمتر الدويل الذي عقده املنتدى العاملي للو�سطية باململكة الأردنية الها�شمية �شكر وتقدير من ال�شيخ م�شهود رم�ضان جربيل الكيتوي للمهند�س مروان الفاعوري زيارة الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري �إىل دولة الكويت زيارة ال�شيخ م�شهود رم�ضان جربيل ملقر املنتدى العاملي للو�سطية لقاء حواري ي�ؤكد دور امل�ؤ�س�سات التعليمية يف الت�صدي للإرهاب منتدى الو�سطية للفكر والثقافة -املركز القر�آين امل�سابقه الرم�ضانية ال�سنوية الرابعة لعام 2015 مقابلة الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري مع �إذاعة حياة �إف �إم املنتدى العاملي للو�سطية -فرع تون�س يعقد ندوة فكرية (ال�شباب والفكر الو�سطي( منتدى الو�سطية يعقد لقاء �صديقات املنتدى بعنوان)املر�أة :طاقة -عطاء -وواقع) لقاءات جلنة املر�أة الثقافية يف املحافظات حمافظة م�أدبا ن�شاطات منتدى الفكر والثقافة الو�سطي �أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية يلتقي برئي�س بعثة االحتاد الأوربي يف الأردن الأمني العام للمنتدى يوقع اتفاقية تعاون املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك يف (دورة :الر�ؤية امل�شرتكة لتعزيز الت�سامح ونبذ الإرهاب( عقد اجتماع �أمناء رابطة كتاب التجديد علماء ومفكرون يدعون لإيجاد فر�ص عمل لل�شباب وتر�سيخ نهج االعتدال املنتدى العاملي للو�سطية -فرع اليمن يعقد ور�شة تدريبية بعنوان (حتديد �أهداف خطبة اجلمعة مبا يحقق غاياتها يف تعزيز مقا�صد الإ�سالم( �إ�صدارات املنتدى العاملي للو�سطية �سل�سلة الفكر الو�سطي العدد 46-45
90 91 92 93 94 95 98 99 101 102 103 104 105 105 106 108 109 110 111 112 113 114 114 115 115 116 117 117 118
مسابقة العدد
العدد - 19ال�سنة الثامنة
72 72
3
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
ُ َح ُ ـال �أمـّـة املهنـ ـ ــد�س م ــروان الفاعـ ـ ــوري م مِ نْ ُك ِّل ر�سول اهللُ ( :يو�شِ ُك �أَ ْن َتدَاعَى َعلَ ْي ُك ُم الأُ مَ ُ �أُ ُفقٍ َك َما َت َتدَاعَى
ت�شهد الأمة يف راهنها �أ�سو�أ موج ٍة ا�ستعماري ٍة ت�ستهدف متزيقها وتفكيكها ،وتختلف هذه املوجة عن كل �سابقاتها بعمق ا�ستهدافها وت�أثريها و�أدواتها، فالأعداء هم الأعداء ولكن اخلربات العلمية والبحثية والتكنولوجية يتم �إعمالها جنباً �إىل جنب، مبوازاة الدبابة والطائرة واملدفع.
الأَ َكلَ ُة َعلَى َق ْ�ص َع ِتهَا ُ ،ق ْل َنا :مِ نْ ِق َّل ٍة ِب َنا َي ْو َمئِذٍ ؟ َقا َل ال�س ْيلِ ، :ال � ،أَ ْن ُتم َي ْو َمئِذٍ َكثِريَ ،و َل ِك َّن ُك ْم ُغ َثا ٌء َك ُغ َثا ِء َّ َي ْن َز ُع اللهَّ ُ المْ َهَا َب َة مِ نْ ُق ُلوبِ َع ُد ِّو ُك ْم َو َي ْج َع ُل فيِ ُق ُلو ِب ُك ُم ا ْل َوه ََن ،قِي َلَ :و َما ا ْل َوه َُن ؟ َقا َل ُ :ح ُّب الحْ َ َيا ِة َو َك َراهِ َي ُة المْ َ ْوتِ ).
وي�ساعد كل �أولئك نفر من �أمتنا ..هم من بني جلدتنا ،يتكلمون ب�أل�سنتنا ،نعرف منهم وننكر ،تعب عليهم وا�ستثمر فيهم �أعدا�ؤنا تار ًة با�سم احلرية وتار ًة با�سم العلمانية ومر ًة با�سم حقوق الإن�سان والدميقراطية ،يتحركون وفق برامج و�أجندات خارجية ،ي�سهمون يف �إنهاك الأمة وتفكيك املجتمعات الإ�سالمية وحماربة كل بارقة �أمل بانعقاد براعم اخلري والنه�ضة يف بالدنا .تنفق املليارات وتو�ضع الربامج لل�صد عن �سبيل اهلل وو�أد كل امل�شاريع الإ�صالحية بدعوى �أحكام الطوارئ والو�صاية على ال�شعوب واملبالغة يف برنامج حماربة التطرف وتوظيف هذه احلرب ل�شغل الأمة بنف�سها ولتفكيك كل احلركات املعتدلة التي ُت َ�ش ِّكل جهاز املناعة يف �أهل ال�سنة قلب الأمة وعقلها الرا�شد على مر الزمان واملكانُ ( ،يرِيدُو َن ِل ُي ْط ِف ُئوا ُنو َر اللهَّ ِ ِب�أَ ْفوَاهِ ِه ْم َواللهَّ ُ ُمت ُِّم ُنو ِر ِه َو َل ْو َك ِر َه ا ْل َكا ِف ُرو َن)و�صدق �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
�إن دعاه احلكمة يف الأمة منذرون لإ�شاعة الأمل والثقة بني �شبابها وبفك اال�شتباك بني ُح ّكامها وعُلمائها ودُعاتها و�شراء الزمن لإبقاء ال�شموع َو ّ�ضاءة يف ف�ضاء الأمة حتى ي�أذن اهلل بتمام هذا الأمر وكماله، ( َو َي ْو َمئِذٍ َي ْف َر ُح المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن ِب َن ْ�ص ِر اللهَّ ِ) وم�صداقاً لقوله (�صلى اهلل عليه و�سلم) :ل َي ْب ُلغن هذا الأمر ما بلغ ال َّليل وال َّنهار ،وال يرتك اهلل بيت َم َد ٍر وال َو َب ٍر � اَّإل �أدخله ُ اهلل هذا الدِّينِ ،ب ِع ِّز َعزِي ٍز �أو ِب ُذ ِّل َذليلٍ ،عِ ًّزا ُي ِع ُّز اهلل به الإ�سالم ،و ُذ اًّل ُيذِ ُّل اهلل به الكفر. قال ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلمَ : -واللهَّ ِ ري ال َّراك ُِب مِ نْ َ�ص ْن َعا َء َل ُي ِت َّمنَّ َه َذا الأَ ْم َرَ ،ح َّتى َي�سِ َ �إىل َح ْ�ض َر َم ْو َت ال َي َخ ُ اف �إِ َّال اللهَّ َ �أَ ْو ال ِّذ ْئ َب َعلَى َغ َنمِ هِ، َو َل ِك َّن ُك ْم َت ْ�س َت ْعجِ ُلو َن.
4
و�سطيتنا
د .حممد خلف بني �سالمة جامع ُة الريموك
ُ الف ْك ِر ال َت ْنويري َلدَ ى َ اء ت� ور ُ لم ِ اب َو َد ُ أ�صيل ِ الع َ ال�ش َب ِ هة ال َت ِّ حديات يف ُم َو َ اج ِ
للب�شرية ال�سعادة فعا�شت يف كنفها قروناً قال تعاىل (:وما �أر�سلنا ك �إال رحمة للعاملني)( الأنبياء )107/فالفهم ال�صحيح لل�شريعة يقوم على قاعدة االعتدال والو�سطية ال �إفراط وال تفريط ،ومن هنا تكمن �أهمية التنوير وت�أ�صيل الفكر والذي يعني ات�صال بالع�صر وارتباط بالأ�صل ،وهذا هو منهج علماء الأمة ومفكريها ،ب�صفتهم الأقدر على تقدمي الأ�سلوب الأمثل لعر�ض الدين من خالل املرحلية ،لتمكينه يف نفو�س النا�س ومن خالل مد اجل�سور مع الآخر ،لتقدمي النموذج الأمثل يف خدمة الب�شرية وتقدمي ال�صورة الأمثل عن الإ�سالم وامل�سلمني من خالل االلتزام بالإ�سالم وممار�سته قو ًال وفع ً ال فالإ�سالم دين نه�ضوي مل ي�شهد يف �أيّ فرتة من فرتاته ذاك ال�صراع املعروف بني الكني�سة والدولة والذي ع َّط َل �أوروبا قروناً طويلة من الزمن كما �أن فال�سفة الإ�سالم الأوائل عند َط ْرحِ هم مل�شاريعهم انطلقوا من القر�آن ودعواته �إىل وجوب ا�ستعمال العقل (�أفال يتدبرون ، �أفال يعقلون � ،أفال يتفكرون) وكان ابن حزم يرى �أن حل �أعقد امل�شاكل ال يكون �إال با�ستخدام العقل فهو ميزة الإن�سان عن �سائر َ املخلوقات كما قدم الفيل�سوف الكبري ابن م�سكوي ِه من خالل كتابه (تهذيب الأخالق ( م�شروعاً تربوياً ي�ؤ�س�س لبناء ر�صني، كما �أن العقل عند ابن ر�شد كان هو العقل البرُ هاين ال�صارم، ولي�س العقل اجلديل واخلطابي اللذين قد تلب�سا مبوروث �أ�صبح بحد ذاته عائقاً للعمل التنويري النه�ضوي وعلى �أي حال ف�إذا �أردنا �أن نتحدث عن ت�أ�صيل الفكر التنويري ال ُب َّد من اال�ستيعاب التام للمفاهيم والقيم والإدراك الفكري من خالل درا�سة الق�ضايا امل�ستجدة وامل�سائل املطروحة وذلك لت�سديد امل�ستقبل لدى ال�شباب واالنطالق من �أ�سا�س وا�ضح �صراطه م�ستقيم (و�أن هذا �صراطي م�ستقيماً فاتبعوه وال تتبعوا ال�سبل فتفرق بكم عن �سبيله ذلكم و�صاكم به لعلكم تتقون) ( الأنعام )153/وذلك أم�س احلاجة �إىل �إيجاد منهج عملي يف ال�سلوك لأن ال�شباب ب� ّ الفا�ضل املنطلق من ال ِف ْكر النري بعيداً عن كل امللوثات الفِكر ّية الداخل ّية واخلارجية مع الت�أكيد على دورهم يف بناء وطنهَم من خالل جتارب املا�ضي عند ال�شباب والذين كانوا منارات
ا َ هلل القائل(:هُ َو ا َّلذِ ي ُي َن ِّز ُل َعلَى َع ْبدِ ِه �آ َياتٍ َب ِّي َناتٍ حل ْم ُد ا ِ َ اللهَّ ِل ُي ْخر َِج ُك ْم مِ َن ُّ ِب ُك ٌْم لر�ؤوف َرحِ ي ٌم) الظ ُل َماتِ �إِلىَ ال ُّنو ِر َو�إِ َّن (احلديد)9 : يف �ضوء التطورات ال�سيا�س ّية واالجتما ّعية واالقت�صاد ّية التي ي�شهدها العامل ،وما حتمله هذه التطورات من حتديات جاء التطلع بكل ثقة لو�ضع الت�صور احلقيقي لدور العلماء والدعاة لأخذ هذه املتغريات بعني االعتبار مع بيان �سماحة الإ�سالم ، وعليه فال ُب َّد مِ نْ جهدٍ �صادق لتو�ضيح �صور َة الإ�سال ِم ال َنق ّية َ الدين ال�سمح، بجوهر الدين والبعيدة عن الفهم املغلوط لهذا بالإ�ضافة �إىل الت�أكيد على قدرات ال�شباب من �أجل الت�صدي لق�ضايا زمانهم بفاعلية ،ومواجهة م�شكالت ع�صرهم من خالل ترتيب الأولويات والربامج الواعية والتثقيف الديني، وال�سيطرة على احلما�سة الدينية ونبذ �أ�سلوب اخلطابة املثرية بدون علم ووعي وهدف وا�ضح فالوعظ ن�شاط علمي متغري ونام يتطلب من الواعظ �أن يكون على ات�صال مبا يدور حوله يف القرية الكون ّية ال�صغرية،لي�سهم يف حماية وطنه من امل�ؤثرات ال�سلبية اخلارجية خا�صة مع جريان العوملة وع�صر تكنولوجيا املعلومات فما ر�سالة الإ�سالم �إال ر�سالة تت�صف بال�شمول ّية املطلقة اجلامعة بني الروح واملادة ،وبني الدنيا والآخرة وبني حاجات الفرد وم�صلحة املجتمع ،وما على علماء الدعوة والوعظ �إال �أن يكونوا قادرين على ا�ستيعاب جوهر الإ�سالم وروحه �إذا �أرادوا �أن يقدموا النموذج الأمثل بال تردد �أو خوف .لقد و�صف اهلل تعاىل �أمة الإ�سالم بقوله تعاىل (وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا �شهداء على النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا)(البقرة )143/ ف�ضمانات الو�سط ّية واالعتدال هي العقل والت�سامح واحلوا َر وبدونهما يطغى الإرهاب على احلوا َر والعاطفة على العقل فيقع ال�ض ُ اخللل يف املجتمع كما هو حا�صل يف �أيامنا هذه فيدب َّ عف يف �أو�صال ال ّأمة ،وبالتايل تكون ال ُفر�صة مواتية للإنق�ضا�ض عليها من قِبل �أعَدائها فالر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم �أر�سى مبادىء الإ�سالم ال�سمحة على قواعد ثابتة را�سخة �ضمنت العدد - 19ال�سنة الثامنة
5
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
اجليل املتزن املتوازن يف ت�صرفه وقوله وعمله غابت عنه حاالت ُ وال�شك ،و�أ�سهم ذلك اجليل يف اال�ضطراب والريبة والرتدد تر�سيخ القيم واملبادىء والأخالق الفا�ضلة� ،أما عن م�س�ؤولية الدعاة فهم مدعون �إىل �إيجاد الأفكار املعتدلة القائمة على الو�سط ّية واالعتدال لينري دعاة الإ�سالم �أفكار ال�شباب بنور الإميان ليتمكنوا من ال�سري يف االجتاه ال�سليم بكل قوة وعزم مهما ق�ست الظروف و ادلهمت املخاطر فعلى الدعاة م�س�ؤولية �إعادة ال�شباب �إىل طريق التفكري ال�سوي . فالدعاة على مر الع�صور هم م�شاعل نور وهداية للب�شرية، همهم تب�صري النا�س وبناء الإن�سان البناء القومي ليكون بعد ذلك العن�صر الفاعل يف املجتمع قال تعاىل:
هداية يف م�شارق الأر�ض ومغاربها مع الرتكيز على �ضرورات احلا�ضر وتطلعات امل�ستقبل وعندما حتدث علماء الغرب عن �ضوابط الفكر التنويري مل يراعوا فيه ف ِْطرة الإن�سان ،ولذلك ف�إنّ على ُعلَماء ال ّأمة الإ�سالم ّية �أن يقوموا بو�ضع النموذج إ�سالمي الذي يح َفظ الأمثل ل�ضوابط ال ِف ْكر التنويري ال ّ هُ وية الأمة وح�ضارتها ويكون منوذجاً ملجتمع �إن�ساين كبري ، وعلى علماء الأمة �أن يقدموا هذا النموذج ليكون �سداً منيعاً �أمام الغزو الثقايف وقادراً على التفاعل الثقايف والذي ينطلق من قاعدة التكاف�ؤ يف الت�أثري ،ولعل �أعظم منوذج لهذا هو خالل فرتة احلكم الإ�سالمي للأندل�س حيث كان من ثمرات هذا التفاعل اخلالق �صورة عظيمة للح�ضارة الإن�سانية يف كل ميادين احلياة . (و�إذ قال ربك للمالئكة �إين جاعل يف الأر�ض خليفة) �إن التنوير والفكر التنويري غاية يف الأهمية لأنهما ت�أكيد على (البقرة)30:وبالتايل ف�إن م�س�ؤولية الدعاة نحو ت�أ�صيل الفكر امل�ستقبل والتطور يف الفكر والر�ؤى والإبداع ،ولكن ال بد من لدى ال�شباب م�ستندة �إىل كتاب اهلل و�سنة نبيه ،وذلك لأن الت�أكيد على �أن التنوير املق�صود هو ما ي�شعر الإن�سان بحقه ال�شعور الديني يف الإن�سان هو �أ�سا�س ا�ستنارة الفكر وتفعيله. و�أدميته لي ّكون بعد ذلك ر�سالة لها دورها يف ت�أ�صيل اجلذور وزيادة الوعي والتفاعل وت�أكيد الهُوية وال بد من الت�أكيد على �أهمية ال�شباب كمكون �أ�سا�سي يف ج�سم الأمة وال�شباب يف �أي جمتمع هم العمود الفقري الذي ي�شكل عن�صر احلركة يف املجتمع فما نه�ضت �أمة من الأمم �إال على �أكتاف ال�شباب الواعي املنتمي لدينه ووطنه ولقد �أوىل الر�سول �-صلى اهلل عليه و�سلم -ال�شباب عناية خا�صة وخ�صهم باخلطاب وكلفهم بقيادة الأمة ومن ذلك عندما �أعد جي�شاً بقيادة �أ�سامة بن زيد رحمه اهلل وهاهو يخاطب ابن عبا�س ( يا غالم �إين �أعلمك كلمات ) ...ويقول ملعاذ ( َر�ضي اهلل عنه- (يا معاذ� ،أتدري ما حق اهلل على العباد ) ...وغري ذلك من التوجيهات النبوية لل�شباب لتوجيهم نحو اخلري فكان ذلك
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
6
الو�سط ّية ثقافة وفكر و�سلوك �صالح الدين حممد بهاء الدين �إن الو�سطية ثقافة وفكر و�سلوك ،ولي�ست �شعارا ونظريات فقط ..و لكي � ّ أو�ضح �أكرث البد �أن �أ�شري �إىل جملة من امل�سائل لت�سليط ال�ضوء على ت�سل�سل ن�شوء امل�شروع الإرعابي و الإرهابي املعا�صر ،و�أ�شري �إىل مواطن اخللل فينا منذ البداية : �أوال�:إن مفردات من العنف والت�شدد والتجاوزات ح�صلت يف التاريخ وخالل 14قرنا من تاريخ امل�سلمني وتناقلتها الأل�سن والرواة وتبناها بع�ض النا�س لأغرا�ض نفعية وم�صالح �سلطوية ،و�أ�صبحت جزءا من الرتاث واتخذت عند البع�ض م�سلكا ونهجا ،وا�ستخدمتها ب�صورة انتقائية بعيدا عن التمحي�ص وموازين اجلرح والتعديل العلمية واملو�ضوعية ،الأمر الذي �أ�صبح بال ًء على الأمة يف ع�صرنا ،وا�ستغ ّله ال ُغالة واملتطرفون وجعلوه مرجعاً ودلي ً ال على ما ميار�سونها من الأعمال ال�شنيعة واجلرائم الفا�ضحة ،عِ ْل ًما � ّأن الأ�صل هو �أن الرتاث والتاريخ لي�سا مقد�سني ولي�سا مع�صومني و�أن ال ِْع�ص َم َة للأنبياء عليهم ال�سالم يف جمال ر�ساالتهم و�أن غريهم �أيا كانوا لي�سوا مع�صومني و ُي�ؤخذ من كالمهم و�أفعالهم ويرتك،مع وجود احتمالية االفرتاء والو�ضع يف �أ�صل تلك الروايات ،كما �أن هذا النقل الآيل و الن�صية يف التعامل مع الأمور والق�ضايا امل�ستجدة �أمر خطري ،ومي�س �صالحية الإ�سالم الدائمة وهدر لكل تلك اجلهود التي بذلها املجتهدون الأعالم واملجددون الكبار عرب القرون و الع�صور ملعاجلة مثل هذه الأحوال ،وال�شك �أن �إهمال كل هذه اجلهود العلمية العمالقة بدعة �سيئة كبرية وانحراف فظيع وخوارجية معا�صرة يجب الوقوف �أمامها وف�ضحها وتبيني احلق واحلقيقة فيها . ثانيا�:إن علماءنا ودعاتنا وقادة احلركات الإ�سالمية عموما ت�أخروا يف االنتباه �إىل ماح�صل من االنحراف يف م�سرية امل�شروع اجلهادي الإ�سالمي ،منذ اندالع ما �سمي باجلهاد الأفغاين ،حيث انطالقه كان �ضمن احلرب �ضد االحتاد ال�سوفيتي وبدعم من الغربيني وعلى ر�أ�سهم �أمريكا وعمالئها يف املنطقة للقيام على االحتاد ال�سوفيتي و حكومة �أفغان�ستان ،فكان طبيعيا �أن ينحرف امل�شروع من �شعاره العدد - 19ال�سنة الثامنة
وعنوانه املعلن �إىل م�شروع فتنة وبالء على الإ�سالم والو�سطية الإ�سالمية ..وبعد �سقوط احلكومة ال�شيوعية وانت�صار احلركات املجاهدة بد�أت عمليات التناحر والتفتني وانتهت بت�سلط حكومة طالبان املهي�أة �سلفا وتواىل م�سل�سل الفتنة والتالعب مبوازين ال�شرع واختالق �أجواء احلقد والتخلف وت�شويه الدين با�سم الدين، وو�صل �إىل ت�شكيل منظمة قاعدة وفروعها املنت�شرة من خالل عودة عرب �أفغان �إىل بالدهم..والبد االعرتاف بجر�أة ب�أن النخبة العلمية والدعوية مل تنتبه �إىل خيوط هذه امل�ؤامرة و�إىل خطورة ه�ؤالء الغالة واملجانني � ،أو �أنهم انبهروا با�سم اجلهاد والعاطفة الربيئة التي جمع الكثري منهم وعليه مل يقفوا املوقف امل�س�ؤول واملطلوب يف مراحل ن�شوء وانت�شار هذا امل�شروع التحريفي والت�شويهي وهذه الفتنة العارمة ،بل وقفوا �إما متفرجني �أو ب�صيغة من ال�صيغ م�ساندين بحجة �أنها با�سم الدين و�أنهم �شباب متحم�س و�أنها ن�شاطات �ضد الأنظمة امل�ستبدة و �أنها و ...وهكذا دخلت املعركة معرتكا جديدا بعد �أحداث � 11سبتمرب 2001حيث ا�ستنه�ض الغرب وا�ستغلته املراكز العدائية فيه وبد�أوا بتحجيم املد الإ�سالمي يف الغرب و�ساندوا الأنظمة املوالية لها يف موا�صلة قمعها وا�ستبدادها على احل�ضور الإ�سالمى وحماولة خلطها للأوراق بني احلركات الإ�سالمية الو�سطية وهذه املجاميع املختلقة �أو املنفلتة .. ثالثا:حينما ح�صل االحتالل يف �أفغان�ستان بعد تلك الق�صة التي �أ�شرنا �إليها ،ويف العراق بعد تورط النظام البعثي يف االعتداء على دولة الكويت ،وقع الكثري من م�شايخنا و نخبنا ال�سيا�سية والدعوية مع الأ�سف يف خط�أ ا�سرتاتيجي �آخر وهو �أنهم قا�سوا هذا االحتالل على الغزو الأجنبي القدمي على �أر�ض الإ�سالم ودولته ونزلوا كل �أحكام الدفاع واجلهاد الواردة يف تراثنا الفقهي على هذا احلدث اجلديد ،نا�سني �أن هذه �أحكام الدولة وال ميكن القيام بها �إال من خالل دولة ،وكلما �أجزناها يف غياب الدولة و القيادة ال�شرعية يح�صل ماح�صل من الفنت والفو�ضى ،ف�ضال عن م�س�ألة جوهرية
7
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
جنوين وخلل عقدي وا�ستخدام ا�ستخباري �سيء . �إنه منهج حتريفي ونوايا انحرافية (قابلية (حاقدة وحا�سدة لكل خري وم�ستنقع لكل �شر وفتنة كبرية على الإ�سالم وم�شروعه احل�ضاري وو�سيلة �سهلة بيد الأعداء لت�شويه �سمعة الإ�سالم والت�شوي�ش على �أهل اخلري فيه ..والينفع وجود عاطفة بريئة �أو حما�س �صادق يف بع�ضهم لأن اجلهل باحلقيقة والنظرة التكفريية يحوالن دون االنتفاع من كل خري .. خام�سا :الو�سطية باملقابل منهج ا�سرتاتيجي �سليم وهي ال�صفة الدائمة للم�سلمني قال تعاىل ( وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا ) وبهذه الو�سطية �صرنا ( خري �أمة �أخرجت للنا�س (وبفقدها نفقد اخلريية ،فالو�سطية فل�سفة وفكر وثقافة �،إنها �أخالق و�سلوك ومنهجية ونهج وبرنامج �إنها لي�ست �شعارا يرفع �أونظرية يروج لها �أومعاجلة حلالة طارئة عابرة � ،إنها (هابلية(متجددة ،قال تعاىل (:لإن ب�سطت �إيل يدك لتقتلني ما �أنا ببا�سط يدي �إليك لأقتلك �إين �أخاف اهلل � )..إنها الإ�سالم ال�صحيح النابع من كتاب اهلل الكرمي وال�سنة ال�صحيحة لر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم� ،-إنها النهج ال�سليم ال�سوي واملنهجية ال�صحيحة لفهم الإ�سالم وممار�سته دينا و�شريعة وعقيدة وحافظا للقيم الإن�سانية العليا يف احلياة اخلا�صة والعامة على م�ستوى الفرد والأ�سرة واملجتمع ويف كل ع�صر وم�صر وللب�شرية جمعاء.. ف�إىل وقفةعلمية وفكرية �أقوى و�أو�سع من قبل النخبة العلمائية الفا�ضلة ،وامل�ؤ�س�سات البحثية و الفكرية النا�شطة ،لتجريد هذه املجاميع املنحرفة من ال�شرعية الدينية ،انقاذا لل�شباب الربئ و ا�ستعادة ل�سمعة الإ�سالم العظيم وخدمة للإن�سانية التي هي �أحوج ما تكون اليوم �إىل الإ�سالم وقيمه ومبادئه ...
�أخرى� ،إن مثل هذه الأعمال الكبرية الميكن �أن تقودها العواطف واحلما�س واحلمية مهما كانت بريئة لأنها عمل العقالء واملخت�صني واملجتهدين البارعني يف فهم ال�شرع والواقع ،لأن �شبكات اال�ستخبارات الدولية ماهرة يف ا�ستخدام هذه املجاميع يف جماالت م�صاحلها بعيدا عن ال�شعار واالدعاءات كما نراها اليوم ..مع هذا وذاك �إن هذا االحتالل اجلديد من نوع خا�ص ويجري �ضمن اتفاقات ومواثيق دولية وبتعاون من �أبناء تلك البالد ومعار�ضي النظام احلاكم ويطلب منهم ،فهو م�شروع م�شرتك بني املحتل و�أبناء البلد املحتل والميكن تنزيل �أحكام الغزو القدمي عليه ،عليه يجب �أن يكون الدفاع واملقاومة من نوع خا�ص �أي�ضا وب�أ�ساليب الع�صر و�ضمن حدود املمكن والتكاف�ؤ
وامل�ستطاع ..مادامت دولنا قطرية و م�شكلة على النظام احلديث و مادامت املواثيق الدولية واملنظمات الأممية قائمة ومادامت التوافقات واالتفاقات ال�سيا�سية موجودة ومادامت �إمكاناتنا غري متكافئة ومادامت الدولة الإ�سالمية النموذجية غائبة وجميع الأنظمة ب�صورة من ال�صور مرتبطة بالنظام الدويل والدول املحتلة ..فكيف ي�صبح �أفغان�ستان والعراق �أر�ض اجلهاد وت�صدر لها فتاوى اجلهاد وجتمع لها جماميع من العامل ،ومتنع �أهلها من االنخراط يف العملية ال�سيا�سية وامل�ؤ�س�سات احلكومية ،وينتهي الأمر �إىل هذا النزيف وهذا البالء وهذا التدمري وهذه احلرب الطائفية ..وباتت املنطقة ال�سنية العراقية ميدانا حلرب غري متكافئة و�إىل دمار ودماء وهجرة ون�ش�أت جماعات وفرق متفرقة با�سم املقاومة وتناحرت وتكاثرت وتناثرت و�أ�صبح البطل َ فجر و َي ْنحر �أكرث من الآخر ،ويف هذه من َي َق ُتل َو َي ِّ الأجواء العنيفة الفا�شلة برزت جمموعة �أقدر من الأخريات على تنظيم العالقة مع املخابرات واجلهات ذات امل�صالح وجاءت ببدعة ت�أ�سي�س دولة و�إجراء �أحكام �شرعية بطريقتها اخلا�صة واكت�سبت الدعم الكايف من �أ�سيادها و�سمت نف�سها دولة الإ�سالم يف العراق وال�شام (داع�ش).. رابعا:بعد هذا اال�ستعرا�ض نقول� :إن داع�ش ونظائرها نتيجة مل�سل�سل و�أننا بحاجة ما�سة �إىل ت�شخي�صها وتعريفها ،باخت�صار � :إن الإرهاب والإرعاب وامل�شروع العنفي حتت �أي ا�سم كان ،فكر �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
8
هذا هو الإ�سالم
اللــواء عدنــان عبيــدات ع�ضو مركز الدرا�سات اال�سرتاتيجية للقوات امل�سلحة الأردنية
ومنهجهم ري متعدد� ،أَهله �أولوا رحمة، ُ مع �أَ َّن الإ�سال َم واح ٌد غ ُ بجهَالة مل َت ْعدَم الو�سطية� ،إِ َّال �أَ ّن ُج ْع َب َة امل ُ ْغرِ�ضني و من َت ِبعهم َ �أَ ْن ُت ْخ ِر َج للنا�س �ألواناً من التق�سيم والت�صنيف خلامت الديانات
ع�صرِيّ ،كل ذلك من باب الإيحاء ومن منظور َح ْملِ النا�س على ريهم ،بحيث ال تكون للإ�سالم الإ�ستجابة �إىل ما َي ْبتغِي منهم غ ُ في�سهُل الني ُل منهم� ،أو لزرع الإختالف الذي يف�ضي �إىل �شوكة ْ م�سلم وعد ٍّو كما هو جا ٍر الآن يف النزاع بني م�سلم ٍ وم�سلم �أو بني ٍ ٍ العديد من �أ�صقاع الدنيا. و�إذاً َن ْح ُن �أمام حالة متدحرجة من الت�صنيف امل�ستو َرد ،فال ب�أ�س يف �إنعا�ش الذاكرة ب�أن تلك احلالة بد�أت بادىء ذي بدء بت�سمية �أ�شخا�ص ،غري مرغوبني �أو لي�سوا على املقا�س� ،أُط ِل َق عليهم م�صطلح (متطرفون) ،لتزدا َد اجلرع ُة مع الإنتقال التدريجي من و�صف الأ�شخا�ص �إىل و�صف املعت َقد لي�صب َح ُ و�صف ذلك املعتقد �أو ت�سمي ُته �أو ممار�س ُته �ضرباً من التط ّرف: دين التطرف ثم َ تط ُّرفاً دينياً ثم َ دين الإرهابّ � .أما نحن فقد َ رينا يف أنف�سنا يف مو�ضع الدفاع َن ْد َر ُ�أ التهمة ،و َن ُ ح�ص ُر تفك َ و�ض ْعنا � َ
ال�سماوية الثالث ،ومن تلك الت�صنيفات ما ُ�س ِّم َي بالإ�سالم املعتدل الذي هو م�صطلح ج ّذ ٌاب -بالطبع � -إىل جانب م َُ�س َّمياتٍ ُ املو�صوف �أخرى يف قائمة التداول .وهكذا قد يبدو ( ِب َن ْعتِه بالإعتدال) باعثاً على الإرتياح� ،أو قد ُي ْف َه ُم منه تلقائياً �أن هناك �أنواعاً من الإ�سالم متباينة .و قد ُت�س ِّو ُق �سيكولوجية َ البع�ض لِ�شراء هذا هذه الت�سمية فكرة التق�سيم� ،أو ت�ستمي ُل الطرا َز املو�سوم بالإعتدال بالإقرار �ضمناً ب�أن هناك �إ�سالماً دو َنه و�إ�سالماً َف ْوقه. ويف هذا الإختالق جمازفة تنطوي على جمانب ٍة للحق و�إِخفا ٍء ٌ م�صطلحات للواقع ،يف الوقت الذي �أخذت ت�شي ُع فيه وترت ّد ُد من ق ِبيل �إ�سالم متط ِّرف� ،إ�سالم مت�شدِّد� ،إ�سالم معتدل� ،إ�سالم تربئة �أنف�سنا ومل نف ّكر يف تعرية �أولئك الذين هم ورا َء الإتهام، و�سطي ،فيما ترت�سخ لدى �أتباع كل �صنف -من وجهة نظرهم -ال �سيما �إذا كان الوا�صفون متطرفني �أو كانت لغتهم تنم عن قناعة ب�أنهم على ّ تط ُّرف مق�صود ُبغية الت�شويه والتحري�ض. حق و�سواهم على باطل .ويف مثل هذه البيئة ُتن ُ رث بذو ُر ِّ �أَعَدُّ وا لنا املوازين وغيرّ وا لنا العناوين ثم ال�شقاق بادروا �إىل تغيري املحتوى وامل�ضامني. وتنمو العداوات وت�صل ح َّد ُك َّنا ُن�س ِّمي �أنف�سنا بالعامل العربي الإحرتاب. ف�أ�صبحنا ُندعى (بال�شرق رب ولربمّ ا ُيطا ِل ُعنا خمت ُ الأو�سط) ،و�ضعوها يف �أفواهنا التكاث ُر البكتريي املن ِت ُج فالتقمناها ور َّددْناها خلفهم لكي للم�صطلحات امل ُ ْغرِ�ضة غيرْ ِ ال تبدو اجلرثوم ُة التي زرعوها الربيئة بت�صنيفات جديدة يف ج�سد العامل العربي مع الت�سمية يف معر�ض الرتوي�ضالبديلة (ال�شرق الأو�سط) لكي ال تبدو مِ ن مِ ثل� :إ�سال ٍم تقليدي،كياناً ن�شازاً .مل ُن ْبدِ اعرتا�ضاً ومل َي َر ْوا منا �إ�سال ٍم ُم َت َح ِّ�ضرٍ� ،إ�سال ٍم َمرِنٍ � ،إ�سالم العدد - 19ال�سنة الثامنة
9
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
احتجاجاً ،ومل ُن ِ�ص ّر على ما ينا�سبنا بل ا َّت َب ْعنا ما ينا�سبهم ،فاطم�أ ُّنوا �إىل ان�سياقنا حتى يف ت�سمياتِهم لناَ ،ح َملتها بع�ض جامعاتنا ِ�س على ذلك قو ًال وفع ً ال من الأمثلة التي ال ح�صر لها ،يف �أح�سن الأحوال ُن ْذ َك ُر يف وبع�ض �شركات طرياننا ودوائرنا ومكتباتنا ،و ق ْ معنى يدل على ال ُفرقة مع �أننا منلك ك� ّأمة من مق ِّومات الوحدة ما وطننا العربي الكبري بالتجزئة ،و ُن ْع َر ُف ب�أننا ُد َو ٌل عربية ،وهو ً رينا على وجه الأر�ض قاطبة. ال ميلكه غ ُ �أما العامل العربي كت�سمية فتنطوي دالل ُتها على الوحدة لكننا هجرنا الت�سمي َة وامل ُ َ�س َّمى .هكذا هم وهكذا نحن ،من ينظر �إىل النا�س ما مل يعهدوه من َق ْبل يف ديا ٍر مُ�ستباحة وبال ٍد قد ان�شغلت بنف�سها؛ فهناك ٌ دول �أحوالِنا اليوم يرى ال َع َجب ال ُعجاب؛ يكاب ُد ُ عربية فيها نا ٌر م ُْ�س َتعِرة ودول عربية �أخرى َج ْم ُرها ُم َّتقِد ،الإ�سالم فيها م َّتهَم ،يفت�شون له عن هُ ِو َّية ،حائرون هل يطلقون عليه ا�سماً ي�ستخرجونه من قائمة التداول �أم ينحتون له ا�سماً مبتكراً جديداً ينا�سبهم ،لع َّل قادم الأيام ُي ْن ِبى ُء ب�أمر َجلل ُيذ ِّك ُر مبا قاله ذات يوم، أديب ال�شاعر ،ن�ص ُر بن َ�س َّيار: وايل بني �أم ّية على ُخرا�سان، ال�سيا�سي املح ّنك ،وال ُ ُّ
�أَرى َو ْ�سط ال َّرما ِد ومِ َ و ُيو�شِ ـ ُـك � ْأن يكـو َن له ِ�ض َرا ُم ي�ض جم ٍر فمتى ن�ستفيق وننف�ض عنا غبار الوهم! ؟
ال�س ُبلَ َف َت َف َّرقَ ِبك ُْم َع ْن َ�سبِي ِل ِه َو اَل َت َّت ِب ُعوا ُّ ون �صاك ُْم ِب ِه َل َع َّلك ُْم َت َّت ُق َ َذ ِلك ُْم َو َّ
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
10
�أهمية مرحلة ال�شباب يف نظر الإ�سالم
�إعداد /د .زهاء الدين عبيدات مدير مركز درا�سات الو�سطية
ال�شباب يف كل �أمة ثروتها ،وعدة م�ستقبلها ،وقد قامت احل�ضارة االت�صاف ب�صفة الداعية الذي يدعو �إىل اخلري ،وي�أمر باملعروف الإ�سالمية على �أكتاف ال�شباب ،ولئن كانت احلاجة �إىل ال�شباب وينهى عن املنكر. يف املا�ضي ملحة ،فاحلاجة �إىل ال�شباب وطاقات ال�شباب الفكرية و�إن الدفاع عن الوطن وحترير الأر�ض من العدوان مهمة واجل�سمية واالجتماعية يف وقتنا احلا�ضر �أ�شد �إحلاحاً و�أكرث مقد�سة من مهام الأمة العظيمة التي تريد �أن حتافظ على و�ضوحاً.
عزتها وكرامتها وعلى �أجمادها ومقد�ساتها وتنت�سب �إىل تاريخها
وال�شباب اليوم هم دعامة الإنتاج يف جميع ميادين احلياة وهم وعظمائها ،واجلهاد دفاعا عن العقيدة والوطن والقتال يف �سبيل �أغلى ر�أ�س مال للأمة التي تريد �أن ت�صنع لها حا�ضراً زاهراً اهلل ودحر الأعداء وتخلي�ص املقد�سات يحتاج �إىل طاقات وجهود �أقدر على القيام بها �شباب �أ�شداء تدفعهم قوة العقيدة وو�ضوح وم�ستقبال م�شرقاً. فالإ�صالح االجتماعي يحتاج �إىل طاقة و�صرب ومعاناة وجلد ،الر�ؤية �إىل �أن يكون جهادهم كله يف �سبيل اهلل لتكون كلمة اهلل ويحتاج �إىل الفئة الواعية املخل�صة التي تدعو �إىل اخلري دون هي العليا وكلمة الذين كفروا هي ال�سفلى. قال تعاىلَ (:ومَا َل ُك ْم اَل ُت َقا ِت ُلو َن فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ َوالمْ ُ ْ�س َت ْ�ض َع ِف َ ني كلل ،وتنهى عن ال�شر . ولعمري �إن ال�شباب هم عماد الأمة ،وهم �أقدر النا�س على مِ َن ال ِّر َجالِ َوال ِّن َ�سا ِء َوا ْل ِو ْلدَانِ ا َّلذِ َ ين َي ُقو ُلو َن َر َّب َنا �أَ ْخر ِْج َنا مِ نْ
العدد - 19ال�سنة الثامنة
11
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
هذِ ِه ا ْل َق ْر َي ِة َّ الظالمِ ِ �أَهْ ُلهَا َو ْاج َع ْل َل َنا مِ نْ َل ُد ْن َك َو ِل ًّيا َو ْاج َع ْل َل َنا وال�شباب يف نظر الإ�سالم هم عماد رجال الدعوة �إىل اهلل يف ريا) (الن�ساء � ،آية )75 :و�إن الإنتاج االقت�صادي الظروف الع�صيبة لأن عملية الدعوة والإ�صالح حتتاجان �إىل مِ نْ َل ُد ْن َك َن ِ�ص ً يف �سائر ميادينه الزراعية وال�صناعية والتجارية يحتاج �إىل طاقة ال�شباب و�صربهم على الأذى. ال�سواعد القوية ،والطاقات ال�شابة املتفجرة التي تزرع الأر�ض قال تعاىل � ( :إِ َّن ُه ْم ِف ْت َي ٌة �آ َم ُنوا ِب َر ِّب ِه ْم َو ِز ْد َناهُ ْم هُ دًى) الطيبة ،وت�شيد امل�صانع املتطورة وحترك التجارة اخلارجية ( ،الكهف � ،آية ) 14:فالفتية امل�ؤمنون بربهم والذين زادهم اهلل ويدفعها �إىل العمل املثمر املنتج كفاءة و�إخال�ص ،وعلم و�إميان هدى �أقدر على مقارعة الظلم والطغيان ،ومواجهة الطواغيت وقوة و�أمانه. ولو كانت تعم املجتمع ب�أكمله ...قال تعاىل ميدح طالوت وال�شباب ال �شك هم �أقدر فئات الأمة على الإنتاج وعلى دفع الذي �أر�سله اهلل لهداية قومه وقيادتهم َ (:و َزا َد ُه َب ْ�س َط ًة فيِ ا ْل ِع ْل ِم عجلة التقدم االقت�صادي للوطن يف طريق التطور والنماءَ .والجْ ِ ْ�س ِم) والإنتاج العلمي يف �سائر ميادين البحث العلمي و�إن كان يحتاج (البقرة � ،آية (247:وقال تعاىل على ل�سان ابنة �شعيب عن �سيدنا �إىل اخلربة الفتية العميقة التي تتوافر يف �أ�ساتذة العلم و�أ�شياخه مو�سى عليه ال�سالم للعمل عنده ( َيا �أَبَتِ ْا�س َت ْ�أجِ ْر ُه ِ�إ َّن َخيرْ َ م َِن المِ ُ ني ((الق�ص�ص � ،آية .)26 : لرت�شيد ال�شباب وتوجههم �إىل امليادين املثمرة واحللول العملية ْا�س َت ْ�أ َج ْر َت ا ْل َقوِيُّ َْ أ للم�شاكل احلياتية� ،إال �أن البحث العلمي نف�سه والإنتاج العلمي ،ولأمر ما ،اقت�ضت حكمة اهلل عز وجل �أن ير�سل الر�سل �إىل بحاجة �إىل طاقة �شابة تقوى على متطلبات هذا البحث من �أقوامهم وهم يف مرحلة ال�شباب والقوة والن�ضج والعطاء ، فتى قوياً يف �شرخ ال�شباب ال�صرب واملعاناة وال�سهر واملوا�صلة ،وغري ذلك من املوا�صفات ف�سيدنا �إبراهيم عليه ال�سال َم كان ً التي �أكرث ما تتوافر يف الطاقات ال�شابة والأعمار الفتية .
وهو يقارع الباطل ،وطواغيته والكفر و�أ�صنامه قال تعاىل :على
�إن هذه اللمحات اخلاطفة ترينا �أهمية ال�شباب يف بناء الأمم ل�سان قوم �إبراهي َم عليه ال�سال َم يف معر�ض احلديث عن حتطيمه و�صروح احل�ضارات ،ولذلك فال�شباب هم عماد الأمة وهم �أمانة الأ�صنام ( َقا ُلوا َ�سمِ ْع َنا َف ًتى َي ْذ ُك ُرهُ ْم ُي َق ُال َل ُه ِ�إ ْب َراهِ ي ُم) يف �أعناق املجتمع والدولة ...ومن هنا تربز �ضرورة التعاون ( االنبياء � ،آية ) 60:و�سيدنا يحي َعَليه ال�سال َم ي�ؤتيه اهلل احلكم اب ِب ُق َّو ٍة والتن�سيق بني �أو�ساط الرتبية والتوجيه من م�ؤ�س�سات بيئية �صبيا ليحمل تكاليف الدعوة بقوة( َيا َي ْح َيى ُخذِ ا ْل ِك َت َ وتعليمية ودينية و�إعالمية يف ميادين تربية ال�شباب و�إعدادهم َو�آ َت ْي َنا ُه الحْ ُ ْك َم َ�ص ِب ّياً) ( مرمي � ،آية ) 12 :والر�سول حممد- ووقايتهم من الأخطار التي تهددهم ،والإ�سهام يف حل م�شكالتهم �صلى اهلل عَليه و�سلم -خامت الأنبياء واملر�سلني وقدوة املربني وتوجيههم نحو الأف�ضل .
وامل�صلحني ابتعثه اهلل جلت قدرته وهو يف �أوج ال�شباب والذين
وال يفوتني �أن �أذكر هنا �أن التحدث عن م�شاكل ال�شباب وعالجها �آمنوا باهلل واتبعوا الر�سول يف بداية الدعوة كانوا نحو �أربعني ال يعني بحال التغا�ضي عن �إيجابياتهم �أو االنتقا�ص من فرداً جلهم من ال�شباب رباهم علية ال�صالة وال�سال َم على عينيه مكانتهم ودورهم الفعال يف املجتمع الذي �أملحنا �إليه قبل قليل فانطلقوا ين�شرون الدعوة ويقيمون دولة الإ�سالم ويفتحون ،لكن الأمانة العلمية واحلر�ص على طاقة ال�شباب يف الأمة هي �أقطار العامل املعروف يف �أقل من ربع قرن من الزمان وذلك التي تدفع كل خمل�ص �إىل معاجلة مو�ضوع ال�شباب وم�شكالتهم بعد �أن فتحوا قلوبهم ونفو�سهم لدعوة احلق ،فامتزجت طاقتا بكل حرفة و�إخال�ص ،دون نفاق �أو جماملة يف غري حملها . �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الإميان وال�شباب و�صنعت املجد الأول لأمة الإ�سالم.
12
لقد كان علي بن �أبي طالب – ر�ضي اهلل عنه -عندما �أ�سلم �صبياً مال ال يقدر بثمن ويف هذا ين�صح الر�سول عليه ال�سالم امل�ؤمنني يف الثامنة من عمره وكانت �أ�سماء بنت �أبي بكر -ر�ضي اهلل عنهما �أن يغتنموا خم�ساً قبل خم�س منها :ال�شباب قبل الهرم وال�صحة عندما �أ�سلمت يف العا�شرة من عمرها ،و�أ�سلم عمر بن اخلطاب قبل ال�سقم ويقول عليه ال�سالم مب�شراً ال�شباب الذين ين�ش�أونوهو يف حدود الع�شرين وطلحة بن عبيد اهلل وهو ابن �أحد ع�شر يف طاعة اهلل عز وجل ( فعن �أبي هريرة -ر�ضي اهلل عنه -قال: ((�س ْب َع ٌة يُظِ ُّل ُه ْم اللهَّ ُ َت َعالىَ فيِ �سنة وم�سعود بن ربيعة وهو ابن �سبع ع�شرة �سنة ،وجعفر بن قال النبي �-صلى اهلل عليه و�سلم َ :- �أبي طالب وهو ابن ثماين ع�شرة �سنة ،وعثمان بن عفان وهو ظِ ِّل ِه َي ْو َم اَل ظِ َّل �إِ َّال ظِ ُّل ُه �إِمَا ٌم َعد ٌْلَ ،و َ�ش ٌّاب َن َ�ش�أَ فيِ عِ َبا َد ِة اللهَّ َِ ،و َر ُج ٌل اج َت َم َعا َعلَ ْي ِه َو َت َف َّر َقا ابن ع�شرين �سنة ،وقد عني الر�سو َل علية ال�سال َم �أ�سامة بن َق ْل ُب ُه ُم َع َّل ٌق فيِ المْ َ َ�ساجِ دِ َ ،و َر ُجلاَ نِ تحَ َ ا َّبا فيِ اللهَّ ِ ْ زيد قائداً جليو�ش امل�سلمني ملقارعة �إمرباطورية الرومان وهو َعلَ ْيهَِ ،و َر ُج ٌل َد َع ْت ُه ْام َر�أَ ٌة َذ ُات َم ْن ِ�صبٍ َو َج َمالٍ َف َقا َل�ِ :إنيِّ �أَ َخ ُ اف يف حدود الثامنة ع�شرة من العمر ،وكان يف جي�ش �أ�سامة ال�شاب اللهَّ َ َو َر ُج ٌل َت َ�ص َّد َق ب َِ�ص َد َق ٍة َف�أَ ْخ َفاهَا َح َّتى اَل َت ْعلَ َم �شِ َما ُل ُه مَا ُت ْنف ُِق �شيوخ املهاجرين والأن�صار ...كما �أر�سل عليه ال�سالم معاذ بن يمَ ِي ُن ُه َو َر ُج ٌل َذ َك َر اللهَّ َ َخا ِل ًيا َف َف َ ا�ضتْ َع ْي َناهُ) �صحيح البخاري جبل – ر�ضي اهلل عنه � -إىل اليمن قا�ضياً وهو يف ريعان ال�شباب ( (440/1رقم ( ،)1423و�صحيح م�سلم ( )715/2برقم ()1031 وغريهم كثري من فتيان الإ�سالم وفتياته ر�ضي اهلل عنهم جميعاً. فال�شباب يف نظر الإ�سالم طاقة وثروة ،ومرحلة ال�شباب ر�أ�س
العدد - 19ال�سنة الثامنة
13
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
�أهمية العمل املجمعي ودوره يف �إثراء م�سرية االقت�صاد الإ�سالمي والبنوك الإ�سالمية
نائبرئي�سجممعالفقهالإ�سالميالدويل ووزير الأوقاف الأردين � -سابقا
�إن العمل الأ�سا�سي ملجمع الفقه الإ�سالمي هو معرفة احلكم ال�شرعي فيما يعر�ض عليه من ق�ضايا وم�شكالت ،وبخا�صة امل�ستجد منها ،ف�إذا كان هذا احلكم من�صو�صاً عليه ب�شكل مبا�شر وال�سنة ب ّينه ،و�إذا كان يحتاج �إىل ا�ستنباط وقام يف الكتاب ُ العلماء �سابقاً بذلك در�سه يف املذاهب املتعددة واختار من بني الآراء �أقواها دلي ً ال و�أكرثها حتقيقاً للم�صالح ال�شرعية املعتربة ،مبعنى �أن يرجح بني الآراء املتعددة يف امل�س�ألة املطروحة للبحث � ،أما �إذا كانت امل�س�ألة حادثة �أو جديدة ف�إنه يقوم با�ستنباط حكم �شرعي لها من الأدلة وفق قواعد االجتهاد املعتربة التي ب ّينها علم �أ�صول الفقه .فهذا العلم هو العلم الذي يبحث يف القواعد التي ُتعني املجتهد على ا�ستنباط الأحكام ال�شرعية من �أدلتها التف�صيلية .ومن �أجل االطمئنان على �سالمة هذا االجتهاد كان االجتهاد الذي يجري يف املجمع اجتهاداً جماعياً قائماُ على ت�صوير دقيق للم�سائل املبحوثة ،يقدمه املخت�صون فيها من خالل البحوث والدرا�سات التي يعدها اخلرباء املخت�صون لت�صوير امل�سائل .فـاحلكم على ال�شيء فرع عن ت�صوره ،ثم يقوم العلماء الفقهاء ببحثها بالتف�صيل ال�ستنباط احلكم ال�شرعي لها ،ويكتب يف ذلك عدد كبري من البحوث ،ثم تعر�ض هذه البحوث وما قدمه اخلرباء على جمل�س املجمع الذي يحوي �أكرث من �ستني عاملاً من خمتلف دول العامل الإ�سالمي ملناق�شة الأمر من جميع جوانبه على �ضوء ذلك ،لينتهوا بعد ذلك �إىل تقرير احلكم ال�شرعي املعتمد يف امل�س�ألة ح�سب طبيعتها ،وما يحيط بها من ظروف و�أحوال .فهو اجتهاد جماعي عميق .وكل هذه اجلهود يجري عر�ضها فيما بعد يف جملة املجمع مبا يف ذلك البحوث والدرا�سات واملناق�شات التي دارت حولها والقرار الذي و�صل �إليه جمل�س املجمع .وقرار املجل�س ُي�ؤخذ عادة بالإجماع ،و�إذا وجد خالف في�ؤخذ بالأغلبية و ُيبينّ كل ذلك يف جملة املجمع . ومن املعلوم �أن االجتهاد هو امل�صدر الرابع من م�صادر احلكم ال�شرعي يف النظر الإ�سالمي .فم�صادر احلكم ال�شرعي هي وال�سنة والإجماع واالجتهاد ،وهي م�صادر الفقه الكتاب ُ الإ�سالمي .ذلك �أن الفقه الإ�سالمي هو نتاج حتكيم �شريعة اهلل �سبحانه يف واقع النا�س و�أحوالهم �إذ هو " العلم بالأحكام ال�شرعية العملية امل�ستمد من �أدلتها التف�صيلية " .فهذا العلم ي�ستنبط وي�ستمد حكم الق�ضايا احلادثة والواقع امل�ستجد من ن�صو�ص
ال�شريعة باعتبارها ن�صو�صاً كاملة ت�ستوعب الن�شاط الإن�ســاين كله بالبيان واحلكم .قال تعاىل( ا ْل َي ْو َم �أَ ْك َم ْلتُ َل ُك ْم دِي َن ُك ْم َو�أَتمْ َ ْمتُ َعلَ ْي ُك ْم ِن ْع َمتِي َو َر ِ�ضيتُ َل ُك ُم الإِ ْ�س َ ال َم دِي ًنا)( .)1وقد حتقق هذا الكمال �سواء �أكان ذلك بالن�ص املبا�شر الوا�ضح على حكم امل�س�ألة كحكم ال�سرقة والقتل � ،أو كان ذلك بالن�ص غري املبا�شر مبعنى �أن احلكم يحتاج �إىل ا�ستنباط وا�ستمداد باال�ستعانة بالقواعد التي تعني املجتهد على ا�ستنباط الأحكام ال�ش ــرعية ،وذلك كما جرى يف بحث امل�سائل احلادثة مثل � :أطفال الأنابيب ،وموت الدماغ ، واملعامالت امل�صرفية الإ�سالمية احلديثة ،وهذه القواعد يقوم ببيانها علم �أ�صول الفقه .فالفقه عملية نامية م�ستمرة تواكب احلياة بنموها وا�ستمرارها ،و�إذا جمد الفقه ومل يواكب احلياة بحلوله تعطلت مهمته وانتهى دوره .وواجب العلماء الفقهاء وا�ضح يف هذا املجال . واالجتهاد هو بذل الو�سع يف ا�ستنباط احلكم ال�شرعي من وال�سنة .فنحن نعلم �أن الأدلة التف�صيلية الواردة يف الكتاب ُ ال�شريعة الإ�سالمية قد جاءت لتنظيم الواقع الإن�ساين بكل وال�سنة .والإجماع �أبعاده ،وم�صدراها الأ�سا�سيان هما الكتاب ُ اتفاق املجتمعني والعلماء على حكم �شرعي لدليل �أدى �إىل وقوع هذا االتفاق فينظر يف االعتماد �إىل هذا االتفاق دون النظر �إىل عب الفقهاء عن الدليل �إال لأغرا�ض البحث واال�ستق�صاء .وقد رَّ هذا ال�شمول يف �أحكام ال�شريعة بقولهم :ما من �أمر من �أمور العباد �إال وهلل تعاىل فيه حكم ،قال تعاىل َ ( :و َن َّز ْل َنا َعلَ ْي َك اب ِت ْب َيا ًنا ِّل ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َوهُ دًى َو َر ْح َم ًة َو ُب ْ�ش َرى ِل ْل ُم ْ�سلِمِ َ ني ) ( . )2 ا ْل ِك َت َ و�صور االجتهاد متعددة يقع يف طليعتها القيا�س واال�ستح�سان واال�ست�صالح .وهذه ي�سميها العلماء بامل�صادر التبعية �أي الكتاب وال�سنة .والقيا�س كما يع ّرفه العلماء �إحلاق �أمر مل ي ن�ص على ُ حكمه ب�أمر من�صو�ص على حكمه يف احلكم ال�شرعي الحتاد بينهما يف العلة ،و�أما اال�ستح�سان واال�ست�صالح ف�أ�سا�س بناء احلكم فيهما امل�صلحة ال�شرعية املعتربة .اال�ستح�سان فيه عدول عن حكم النظائر لوجه �أقوى يقت�ضي هذا العدول من م�صلحة موجبة �أو �ضرورة مقت�ضية � ،أما اال�ست�صالح فهو بناء احلكم ال�شرعي على مقت�ضى امل�صالح املر�سلة مبا�شرة وهي امل�صالح التي مل يرد عليها ن�ص بعينها �أو بنوعها � ،إمنا هي داخلة يف عموم ما جاءت ال�شريعة لرعايته من م�صالح مما يتفق مع مقا�صد
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
�أ .د .عبد ال�سالم العبادي
14
ال�شريعة .فقد بينّ العلماء �أن كل الأحكام ال�شرعية ما �شرعها اهلل . �سبحانه عبثاً وال حتكماً � ،إمنا �شرعت مل�صالح عائدة على النا�س يف دنياهم و�أخراهم ،حتى فيما يعرف بالأحكام التعبدية ،فما من �شعرية من �شعائر الإ�سالم �إال وبينت لها حكم وفوائده فيها خري النا�س و�صالحهم ،لكنها ال تعلل من الناحية التف�صيلية كما هو معروف لعدم ا�ستقالل العقل ب�إدراك هذه العلل التف�صيلية . قال العز بن عبد ال�سالم ( :وقد علمنا من موارد ال�شرع وم�صادره �أن مطلوب ال�شرع �إمنا هو م�صالح العباد يف دينهم ودنياهم )(. )3 وقال ابن قيم اجلوزية :ف�إن ال�شريعة مبناها و�أ�سا�سها على احلكم وم�صالح العباد يف املعا�ش واملعاد ،وهي عدل كلها ،ورحمة كلها ،وم�صالح كلها ،وحكمة كلها ،فكل م�س�ألة خرجت عن العدول �إىل اجلور ،وعن الرحمة �إىل �ضدها ،وعن امل�صلحة �إىل املف�سدة ،وعن احلكم �إىل العبث ،فلي�ست من ال�شريعة و�إن دخلت فيها بالت�أويل ،فال�شريعة عدل اهلل بني عباده ،ورحمته بني خلقه ، وظله يف �أر�ضه وحكمته الدالة عليه ،وعلى �صدق ر�سـ ــول اهلل �أمت داللة و�أ�صدقه (. )4 قال الآمدي ( :املق�صود من �شرع احلكم �إما جلب م�صلحة � ،أو دفع م�ضرة � ،أو جممع الأمرين بالن�سبة �إىل العبد ،لتعاىل الرب عن ال�ضرر واالنتفاع )( . )5 و�أن التو�سعة والتي�سـ ــري قد قامت ال�شريعة على اعتبارها يف قواعدها ال�ضابطة للأحكام التف�صيلية ،وقد بينّ العلماء �أن " الأمر �إذا �ضاق ات�سـ ــع " ،و�أن "ال�ضرورات تبيح املحظورات "، و�أن "امل�شقة جتلب التي�سري " ،و�أن كل هذه القواعد مراعاة يف تف�صيالت الأحكام باعتبارها من قواعد ال�شريعة الأ�سا�سية ، بل �أن طبيعة ال�شريعة كلها قائمة على مراعاة م�صالح النا�س والتي�سري ورفع احلرج .قال تعاىل َ ( :ومَا َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فيِ ال ِّديـ ـ ِـن مِ نْ َح َر ٍج ) ( ،)6وقال ( فيما �أخرجه البخاري � ( :إن هذا الدين ()7 ُي�سر ولن ي�شاد الدين �أحد �إال غلبه ف�سددوا وقاربوا واب�شروا )
لأحكام الفقه الإ�سالمي ،و�أن يكون عارفاً بقواعد علم �أ�صول الفقه ومنهجية ا�ستنباط الأحكام من الأدلة ال�شرعية . (� )5أن يكون متمكناً من اللغة العربية و�أ�ساليبها يف النحو والبالغة . (� )6أن يكون مدركاً حلقائق الوجود ،ومت�صوراً لكل امل�سائل التي يت�صدى لبيان حكمها . (� )7أن يكون عد ًال � ،صاحلاً ،ورعاً ،يحر�ص على بيان احلق ، ملتزماً بال�صدق والأمانة . وقد �أ�شارت الآيات الكرمية لهذه ال�شروط ببيان �أن من يلج�أ �إليه ملعرفة احلكم ال�شرعي هم الفقهاء ،و�أهل الذكر ،و�أهل العلم القادرين على اال�ستنباط من �أويل الأمر .قال تعاىل َ ( :فلَ ْو َال ِّين َو ِل ُينذِ ُرواْ َن َف َر مِ ن ُك ِّل ِف ْر َق ٍة ِّم ْن ُه ْم َط�آ ِئ َف ٌة ِّل َي َت َف َّقهُواْ فيِ الد ِ َق ْو َم ُه ْم �إِ َذا َر َج ُعواْ �إِ َل ْي ِه ْم َل َع َّل ُه ْم َي ْح َذ ُرو َن )( ، )8وقال �سبحانه : ا�س َ�أ ُلواْ �أَهْ َل ال ِّذ ْك ِر ِ�إن ُكن ُت ْم َال َت ْعلَ ُمو َن )( ، ) 9وقال عز وجل: ( َف ْ ( َو َل ْو َردُّو ُه �إِلىَ ال َّر ُ�سـولِ َو�إِلىَ �أُ ْوليِ الأَ ْم ِر مِ ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه ا َّلذِ َ ين َي ْ�س َتن ِب ُطو َن ُه مِ ْن ُه ْم) (. )10 وجممع الفقه الإ�سالمي الدويل جممع الفقهاء ،فهو �آلية متقدمة ملواجهة الق�ضايا احلادثة وامل�شكالت امل�ستجدة ،لي�س باجتهاد فردي قد يكون قا�صراً �أمام تعقد امل�شكالت وتنوعها و�أمام �ضعف مناهج �إعداد العلماء املو�سوعيني القادرين املتميزين � ،إمنا مت اللجوء لالجتهاد اجلماعي �إثراء للم�سرية ومن �أجل التمكني من املواجهة الرا�شدة ،وبالتايل حتقيق دور الفقه الإ�سالمي النامي عن وعي وب�صرية ،ومبا ي�صون امل�سرية من ال�ضعف واالرجتال واالبت�سار . من اخلطط امل�ستقبلية للمجمع خدمة لالقت�صاد الإ�سالمي والبنوك الإ�سالمية (� )1إجناز املو�سوعة الفقهية االقت�صادية :كان جممع الفقه الإ�سالمي قد بد�أ يف تنفيذ م�شروع املو�سوعة الفقهية االقت�صادية بالتعاون مع البنك الإ�سالمي للتنمية ،وقد قطعت بع�ض الأ�شواط يف هذا املجال ،حيث مت و�ضع الت�صور اخلا�ص بها ، والآفاق التي �ستت�صدى لها ،واملنهج الذي �سوف تعتمده ،ومت اال�ستكتاب يف بع�ض مو�ضوعاتها ( �أكرث من ع�شرة مو�ضوعات مهمة ) ،والنية منعقدة لدى املجمع على التعاون مع البنك الإ�سالمي للتنمية واملعهد الإ�سالمي للبحوث والتدريب التابع له لإجناز هذا امل�شروع .وقد وافق معايل رئي�س البنك الإ�سالمي للتنمية على ت�أليف جلنة م�شرتكة لو�ضع اخلطط واتخاذ الإجراءات الالزمة لإجناز هذا امل�شروع احليوي الكبري . ( 29ا�ستكمال درا�سة الق�ضايا وامل�شكالت االقت�صادية املو�ضوعة على جدول �أعمال املجمع مثل مو�ضوع التورق والتوريق اللذان �س ُيبحثان يف الدورة القادمة للمجمع ( الدورة التا�سعة ع�شرة ) ،
و�أما عن ال�ضوابط ال�شرعية لالجتهاد يف الق�ضايا النازلة التي ت�صيب الأمة ومن له حق االجتهاد ،ف�إن ال�ضوابط ال�شرعية لالجتهاد تعرف مما قرره العلماء من �شروط .فقد بني العلماء �أن �شروط االجتهاد ت�شمل : (� )1أن يكون م�سلماً ،بالغاً ،عاق ً ال . (� )2أن يكون فاهماًَ ملعاين القر�آن الكرمية و�ألفاظه ،عاملاً مبقا�صده . ً (� )3أن يكون مدركا للأحاديث النبوية ال�شريفة ،من حيث املنت وال�سند وال�صحة واحل�سن . (� )4أن يكون جمتهداً .ويتجلى ذلك ب�أن يكون دار�ساً وم�ستوعباً و�إعادة بحث بع�ض تف�صيالت مو�ضوع تغري قيمة العملة العدد - 19ال�سنة الثامنة
15
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
على �ضوء ما مت من قرارات ودرا�سات �سابقة ،وبع�ض الق�ضايا االقت�صادية التي �أجل املجمع بحثها يف دورات �سابقة مثل احلول املقرتحة ملوجهة الت�ضخم ،وم�شكلة املت�أخرات يف امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية ،وبحث العديد من الق�ضايا التي حتتاج �إىل بحث يف جماالت االقت�صاد الإ�سالمي والبنوك الإ�سالمية مثل دور الرقابة ال�شرعية و�آلياتها يف البنوك الإ�سالمية ،والكثري من ق�ضايا التعامل يف البور�صات املحلية والعاملية . (� )3إحياء بع�ض كتب الرتاث الوثيقة ال�صلة مبو�ضوعات االقت�صاد الإ�سالمي . (� )4إثراء م�سرية البحث يف االقت�صاد الإ�سالمي عن طريق الرتحيب بالبحوث االقت�صادية التي �سوف تن�شر يف جملة البحوث والدرا�سات الفقهية التي �ست�صدر عن املجمع قريباً . ( )5االهتمام من خالل هذه املجلة بالدرا�سات النقدية
(� )8إبراز النظرية الإ�سالمية االقت�صادية ب�شمولية ودقة ومو�ضوعية لتو�ضع بني يدي الباحثني ومتخذي القرار يف العامل ،لأن ت�أ�صيل املبادئ الإ�سالمية والقواعد الكلية يف االقت�صاد الإ�سالمي بات �ضرورة ملحة للتعريف باملذهب �أو النظام االقت�صادي الإ�سالمي �أمام ما يجري من بحث �صادق عن معاجلات متميزة للم�شكالت االقت�صادية للب�شرية ،.ولتكون معامل هذه النظرية مطروحة ب�شمولية على �ساحة املعاجلات الدولية لهذه امل�شكالت .وقد ظهرت احلاجة ملحة لهذا الأمر على �ضوء ما جرى يف الأزمة االقت�صادية امللحة التي يعاين منها العامل يف هذه الأيام . ( )9ا�ستكمال م�شروع ت�أهيل املخت�صني يف االقت�صاد الو�ضعي من حملة املاج�ستري والدكتوراه يف علوم ال�شريعة الإ�سالمية والذي كان قد بدء به املعهد الإ�سالمي للبحوث والتدريب
والتحليلية ملا يكتب يف االقت�صاد الإ�سالمي لالطمئنان على �أ�صالة البحوث وجدتها �إثراء مل�سرية االقت�صاد الإ�سالمي بعيداً عن التكرار ،والتو�سع الأفقي دون التو�سع العمودي العميق يف البحث وتعدد عمليات النقل من الدرا�سات ال�سابقة بل واالعتداء عليها دون جتديد �أو ابتكار . (� )6ضرورة التن�سيق والتكامل مع اجلهات العاملة يف جمال البحث يف االقت�صاد الإ�سالمي والبنوك الإ�سالمية وبخا�صة يف جمال عقد الندوات وامل�ؤمترات العلمية لتكون نتائجها وما تئول �إليه ،متهيداً ال�ست�صدار قرارات جممعية . ( )7االهتمام بو�ضع م�شروعات قوانني يف املجاالت االقت�صادية والبنكية املتعددة ،لتو�ضع بني يدي متخذي القرار يف العامل الإ�سالمي ،لإثراء م�سرية التوجه نحو تطبيق مبادئ االقت�صاد الإ�سالمي وتبني البنوك الإ�سالمية فيها مثل م�شروع قانون للبنوك الإ�سالمية ،وم�شروع نظام للرقابة ال�شرعية ،وم�شروع قانون للأدوات املالية الإ�سالمية .
قبل �سنوات وكان يل �شرف امل�شاركة فيه ،وهو م�شروع �ضروري لإعداد باحثني يف االقت�صاد الإ�سالمي يت�صفون بتكامل املعرفة يف جمايل االقت�صاد الإ�سالمي واالقت�صاد الو�ضعي . واهلل �سبحانه املوفق
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
16
( )1املائدة . 3 : ( )2النحل . 89 : ( )3قواعد الأحكام . 27/1 : (� )4إعالم املوقعني . 15 ، 14/3 : (� )5إحكام الأحكام . 69/3 : ( )6احلج . 78 : (� )7صحيح البخاري . 23/1 : ()8التوبة . 122 : ()9الأنبياء . 7 : ()10الن�ساء . 83 :
مقاالت الو�سطية
د .ال�شاهد البو �شيخي
امل�سلمون بني �شدائد الع�صر وب�شائر الن�صر ب�سم اهلل الرحمن الرحيم ،و�صلى اهلل و�سلم على �سيدنا حممد و�آله ،وال حول وال قوة �إال باهلل العلي العظيم ،ربنا �آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من �أمرنا ر�شدا ،اللهم افتح لنا �أبواب الرحمة و�أنطقنا باحلكمة واجعلنا من الرا�شدين ف�ضال منك ونعمة ،اللهم انفعنا مبا علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما ،اللهم اجعلنا �أول العاملني مبا نعلم من كتابك و�سنة نبيك �أما بعد ،، فالأثمان تابعة جلودة ال�سلع ،فيمكن تلخي�ص هذا املو�ضوع يف كلمتني :ال بد من الثمن لأي �سلعة ،ومبا �أن �سلعة اهلل اجلنة فثمنها غال جدا ،لأن اجلنة هي م�ستقر الرحمة ،قال ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم � -إن اهلل خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة ف�أم�سك عنده ت�سعا وت�سعني رحمة و�أر�سل يف خلقه كلهم رحمة واحدة (رواه البخاري) ،فبق�سمة واحدة يرتاحم جميع اخلالئق منذ كانت الدنيا حتى تفنى ،جميع مظاهر الرحمة التي ترى يف عالقة الآباء بالأبناء ،يف عالقة امل�ؤمنني ببع�ضهم بع�ضا ،يف عالقة الكائنات الوالد بولده ،والوالدة بولدها ،يف عالقة جميع الكائنات ،جميع مظاهر الرحمة والر�أفة واحلنان كلها تدخل يف ق�سمة واحدة ،وهي م َلى �صفة الرحمن( َو َر ْح َم ِتي َو ِ�س َع ْت ُك َّل َ�ش ْيءٍ ) جَ ْ َ (الأعراف ،)156 :وت�سعة وت�سعني للرحيم ( َف َ�س�أ ْك ُت ُب َها ِل َّل ِذينَ َي َّت ُقونَ )(الأعراف � ،)156 :شاع بني النا�س �أن اهلل رحمان الدنيا ورحيم الآخرة وذلك له �شواهده ومنها هذا ،الرحيم ل�شدة الرحمة ،والرحمن ل�سعتها ،يدخل فيها جميع اخلالئق كفارا كانوا �أم م�ؤمنني� ،أحياء كانوا �أم غري �أحياء� ،أم جمادات ،ورحمته و�سعت كل �شيء� ،أما ا�سمه الرحيم ،فهو للمومنني ( ِبالمْ ُ�ؤ ِْم ِن َني َر ُ�ؤ ٌ وف َّر ِحي ٌم) (التوبة ،)128 :تلك الرحمة �أين تتجلى �أ�سا�سا؟ يف اجلنة ،وفيما �أعد اهلل لأهل اجلنةِّ ( ،ل َّل ِذينَ �أَ ْح َ�س ُنو ْا الحْ ُ ْ�س َنى َو ِز َيا َد ٌة)(يون�س : َ ( ،)26و َلدَ ْي َنا َم ِزيدٌ)(..ق )35 :وكل ذلك من رحمته تعاىل ،هذا الثواب العظيم جدا ،الذي نقي�س الغائب فيه على ال�شاهد ،نقي�س ما ال نرى مبا نرى ،وهذه ق�سمة واحدة اجلميع غارق فيها .رحم �شي فذكري علي من اهلل يف كل ّ اهلل القائل :ت�أملت يف نعم كرثت ّ لها وكذا �شكرها،و�إن مل ّ يوف فمنه �إ ّ يل ،وها �أنا يف بحرها غارق العدد - 19ال�سنة الثامنة
ومن ثم غريك والكل ّيف ،ف�أنت م َن ْنت،و�أنت ذكرت ،و�أنت �شكرت، فغريك � ّأي �سبحانك ال �إله �إال �أنت ،الق�سمة الواحدة من املئة من رحمة اهلل قد غرق فيها جميع اخلالئق ،لأن جميع اخلالئق مما نعلم ومما ال نعلم هو يف رحمة اهلل ،ومن ثم فالفرح �أ�سا�سا بف�ضل اهلل وبرحمته ( ُق ْل ِب َف ْ�ض ِل اللهّ ِ َو ِب َر ْح َم ِت ِه َف ِب َذ ِل َك َف ْل َي ْف َر ُحو ْا هُ َو َخيرْ ٌ ممِّ َّ ا َي ْج َم ُعونَ ) (يون�س ،)58 :لن يدخل �أحدكم اجلنة بعمله ،قالوا وال �أنت يا ر�سول اهلل ،قال :وال �أنا �إال �أن يتغمدين اهلل برحمته وف�ضله (رواه �أحمد) ومن تغمده برحمته َو َف ّقه �إىل فعل ما يوجب رحمته �سبحانه وتعاىل( ِت ْل ُك ُم الجْ َ َّن ُة �أُو ِر ْث ُت ُموهَ ا بمِ َ ا ُكنت ُْم َت ْع َم ُلونَ ) (الأعراف .)43 :ف�إذا ِق ْ�سنا الت�سع والت�سعني بواحدة التي ن�شاهد، فكيف هي هذه الرحمة؟ يف و�صف ر�سول اهلل لرحمة اجلنة �أعددت لعبادي ال�صاحلني ما ال عني ر�أت وال �أذن �سمعت وال خطر على قلب ب�شر (رواه البخاري) ،ف�إذن هذه ال�سلعة عظيمة ال�ش�أن جدا، �شيء ال يتخيله الذهن حتى �إذا �أراد تخيله ال ي�ستطيع تخيله ،فال بد �أن يكون ثمنه كذلك مرتفعا ،ال بد �أن يكون عاليا �أال �إن �سلعة اهلل غالية� ،أال �إن �سلعة اهلل اجلنة (رواه الرتمذي) ،فامل�ؤمنون ما كان يحركهم وال يحركهم ولن يحركهم حق التحريك �إال مثل هذه ال�سلعة فهم عن الدنيا معر�ضون وفيها زاهدون ،لأنها فانية بكل ما فيها فكيف ميكن التعويل على �شيء فيها؟ فال تعويل ال على �صحة وال على مال ،وال على ولد ،وال على �أي �شيء على الإطالق� ،إذ كل فان ،ف�إذن توكل على احلي الذي ال ميوت ،البد ما فيها زائل هالك ٍ من ثمن يكافىء الـ ُم ْثمن ،يكافئ ال�سلعة التي �ست�شرتى ،ومبا �أن هذه ال�سلعة هي اجلنة فتحتاج �إذن �إىل ثمن باهظ ،ولكنه �أي�ضا ي�سري على من ي�سره اهلل عليه ،يف احلديث ال�صحيح الذي تعرفونه �أن معاذ بن جبل قال لر�سول اهلل � : :أخربين بعمل يدخلني اجلنة ويباعدين عن النار قال :لقد �س�ألت عن عظيم ،ولكنه ي�سري على من ي�سره اهلل عليه(رواه الرتمذي) .فاللهم ي�سره علينا تي�سريا، وي�سره لنا تي�سريا .اللهم ال �سهل �إال ما جعلته �سهال و�أنت جتعل احلزن �إذا �شئت �سهال .الوعد باجلنة �أول الب�شائر �إن الب�شائر بالن�سبة للم�ؤمنني كثرية جدا فيها العام وفيها اخلا�ص وفيها القريب وفيها البعيد ،و�أعظمها ب�شرى اجلنة ،وب�شرى ر�ضوان
17
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
اهلل �سبحانه وتعاىل ،فاهلل وعد امل�ؤمنني بالن�صر وجعله حقا عليه ( َو َكانَ َح ًّقا َع َل ْي َنا َن ْ�ص ُر المْ ُ�ؤ ِْم ِننيَ)(الروم )47:وقال (�إن تن�صروا اهلل ين�صركم((حممد )7:يف �أي حلظة تاريخية ،يف �أي بيئة ،يف ن�ص ْر ُك ْم َو ُي َث ِّب ْت َن�ص ُروا اللهَّ َ َي ُ �أي و�سط ( َيا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا �إِن ت ُ �أَ ْقدَ َام ُك ْم )(حممد� ،)7 :إذا مل جتد جواب ال�شرط فاعلم �أن ال�شرط فيه خلل� ،أما جواب ال�شرط فال ميكن �أن يتطرق �إليه خلل مع وجود ال�شرط .ف�إذا ر�أينا يف اخلارج ما مل يعجبنا ،فلنت�أمل جميعا قول اهلل تعاىل�( :أَ َولمَ َّا �أَ َ�صا َب ْت ُكم ُّم ِ�صي َب ٌة َق ْد �أَ َ�ص ْبتُم ِّم ْث َل ْي َها ُق ْلت ُْم �أَ َّنى هَ َذا ُق ْل هُ َو ِمنْ ِع ِند �أَ ْن ُف ِ�س ُك ْم)(�آل عمران )165 :لي�س من جن�س خارجي ،لي�س من اليهود وال من الن�صارى كما يحدث عادة يف التحليل لأو�ضاع و�أحوال امل�سلمني ،والباليا التي حتيط بهم وت�صيبهم ،الكل ال �أ�صل له ،التعليل والتحليل ال�صحيح هو التحليل القر�آين ال�سني وهو دائما داخلي ،وما �أ�صاب امل�سلمني يف ال�سرية النبوية مبا ك�سبت �أيديهم ،ما �أ�صابهم �شيء ال يف �أحد ،وال يف حنيـن ...وال يف �أي وقت �إال مبا ك�سبت �أيديهم ،وذلك لظروف عظيمة تنبني على ذلك ،فالرتبية بالأخطاء هي وجه من وجوه الرتبية العظيمة ،لأن الإن�سان قبل �أن ي�صيبه جزاء اخلط�أ ،يكون �ساهيا وال ي�صحو �إال بعد نزول ال�صفعة� ،إذ ذاك يتهي�أ نف�سيا للتلقي ،قبل ذلك ال يكون مهيئا ،لوحاولت �أن تعلمه وتفقهه و�أن تر�شده ال ي�سمع� ،صحيح كما قال ( :وال�سعيد من وعظ بغريه)(رواه م�سلم) ولكن هذه درجة عالية ومن �أجلها ُق َّ�ص الق�ص�ص ( َل َق ْد َكانَ اب)(يو�سف ُ )111 :ق�ص لل�سعداء فيِ َق َ�ص ِ�صهِ ْم ِعبرْ َ ٌة ِّ ألُ ْوليِ الأَ ْل َب ِ ن�س�أل اهلل تعاىل �أن يجعلنا منهم بف�ضله وكرمه -لأن يف الق�ص�صويف غري الق�ص�ص ،من �أمور الكون التي ُي َف َّك ُر فيها ،فيها ما يكفي للداللة والإر�شاد ،لكن ملن كان فيه ما يلزم من اال�ستعداد� ،أما �إذا مل يكن ذلك اال�ستعداد ف�إنه ال بد من تهييء ظروف اال�ستعداد ب�أ�شكال من ال�صفع وال�ضرب والركل وما �أ�شبه ،تتجلى ب�أ�شكال خمتلفة لتُهيئ اجلو للتلقي .م�صائب امل�سلمني يف القرنني الأخريين بني العدل والف�ضل �إن ما حدث للم�سلمني ب�صفة عامة يف القرنني الأخريين هو من النقم التي يف طيها كثري من النعم ،هي نقم فيها عدل اهلل وفيها ف�ضل اهلل .فيها عدل اهلل �سبحانه وتعاىل ( َو َما َر ُّب َك ِب َظلاَّ ٍم ِّل ْل َع ِب ِيد)(ف�صلت )46 :لأن ما �أ�صابنا فيها كان على ال�سنة ( َو َما �أَ َ�صا َب ُكم ِّمن ُّم ِ�صي َب ٍة بمِ َ ا َك َ�س َب ْت َ�أ ْي ِدي ُك ْم) (ال�شورى ،)30 :فظاهرة اال�ستعمار جملة يف العامل الإ�سالمي، ظاهرة طغيان الأعداء وعلوهم يف الأر�ض الآن بالقيا�س �إىل امل�سلمني كل ذلك مبا ك�سبت �أيدينا ،ال لأن الأعداء ح�سن حالهم، وال لأن اهلل ر�ضي عنهم ،ال� ،أبدا مازالوا م�ضروبا عليهم الذلة
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وامل�سكنة ،ولكن مبا �أن الذين كلفوا بحمل الأمانة ووكل �إليهم �أمر ال�شهادة على النا�س ،ما حملوا الأمانة حق حملها ،بل فرطوا فيها، و�أخلدوا �إىل الأر�ض ،واتبعوا هواهم فابتالهم اهلل ب�أ�شكال من االبتالءات �أحطها و�أقذرها هذا الأخري ،هو�أن يبتلوا بالذين �ضربت عليهم الذلة وامل�سكنة وباءوا بغ�ضب من اهلل وال يكون هذا �إال نتيجة مقت عظيم ،و�أقول فيه عدل اهلل �سبحانه وتعاىل ،وفيه ف�ضل اهلل، ومن ذلك الف�ضل هذا الوجه الثاين للأمر ،وهو�أن هذا ال�سكر بالدنيا ال �سبيل �إىل �إيقاظ امل�سلمني منه �إال مبثل هذه ال�صواعق املحرقة� ،إال مبثل هاته الكوارث ،لأنه لوال مثل هاته ال�صواعق ما ا�ستطعنا �أن ن�ستيقظ ،وما كان ما ي�سمى اليوم بال�صحوة الإ�سالمية التي نرجو�أن تر�شد و�أن تت�سع و�أن ميكن اهلل لها يف الأر�ض بجوده وكرمه .وعود اهلل م�شروطة خم�صو�صة اهلل وعد ،ووعده �صادق، ولكنه ما وعد �إال نوعية خم�صو�صة� ،إذ مل يعد �إال ب�شرط ،ما وعد اهلل وعدا �إال م�شروطا ،وعوده كما قلت بالن�صر العام� ،أوبالتخ�صي�ص ن�ص ُر ُر ُ�س َل َنا َوا َّل ِذينَ � َآم ُنوا فيِ الحْ َ َيا ِة بالن�صر يف الدنيا مثل ( �إِ َّنا َل َن ُ ال ُّد ْن َيا)(غافر ( )51 :والذين �آمنوا حتى ولو مل يكن الر�سل فيِ الَ ْ�ش َهادُ((غافر (51 :يف احلياة الدنيا وم ْ أ الحْ َ َيا ِة ال ُّد ْن َيا َو َي ْو َم َي ُق ُ بالتحديد،وبـ)�إن) و)لنن�صر) كلها توكيدات ثم جمع هذا الأمر يف �صورة ال�سنة املا�ضية الكونية يف �سورة الأنبياء ( 105 :ولقد كتبنا يف الزبور من بعد الذكر �أن الأر�ض يرثها عبادي ال�صاحلون) �سواء كانت الأر�ض مبعنى �صغري كما ذهب بع�ض العلماء ب�أنها مبعنى فل�سطني فقط ( َيا َق ْو ِم ا ْد ُخ ُلوا الأَ ْر َ�ض املُ َق َّد َ�س َة ا َّل ِتي َكت ََب اللهّ ُ َل ُك ْم َو َال َت ْر َت ُّدوا َع َلى �أَ ْد َبا ِر ُك ْم َفتَن َق ِل ُبوا َخ ِا�س ِرينَ )(املائدة � ،)21 :أوكانت الأر�ض هي هذه الدنيا ،الكرة الأر�ضية كلها� ،أوكانت الأر�ض هي الَ ْر َ�ض َن َت َب َّو�أُ اجلنة ( َو َقا ُلوا الحْ َ ْم ُد للِهَّ ِ ا َّل ِذي َ�صدَ َق َنا َو ْعدَ ُه َو�أَ ْو َر َث َنا ْ أ ِمنَ َ اجل َّن ِة َح ْيثُ َن َ�شاء َف ِن ْع َم �أَ ْج ُر ا ْل َع ِام ِلنيَ)(الزمر ....)74 :املعاين ال يوجد لها خم�ص�ص يف الآية وال داعي للتخ�صي�ص ،بل ما جاء من الآيات بعد ما جاء مو�ضحا لأ�شكال الأر�ض ،فهي �سابقة على الأوىل ،و�سابقة على الثانية ،و�سابقة على الثالثة .فاهلل وعد يف الذكر الأول ،ووعد يف الزبور ،ووعد فيما جاء مما نزل من الكتب، وحتى يف نزول الكتاب كله وهوالقر�آن ،وعد ب�أن الأر�ض يرثها عباد اهلل ال�صاحلون ،ال الأر�ض مبعنى فل�سطني ،وال الأر�ض مبعنى الكرة الأر�ضية ،وال الأر�ض مبعنى اجلنة ،ال �أر�ض النبوات التي كرث فيها الأنبياء ،وال الأر�ض مثل الأر�ض املباركة ،وال الأر�ض مبعنى اجلنة نف�سها التي ي�ؤول �إليها ال�صادقون ،كل ذلك ،قال اهلل عز وجل فيه : ( َو َل َق ْد َك َت ْب َنا((..الأنبياء (105 :هذا �أمر قد ُكتب وفرغ منه ،ولكن ال�شرط دائما حا�ضر(عبادي ال�صاحلون)( .عبادي) ،يا �أيها
18
الأحبة� ،إن هذه اللفظة لي�ست عادية فتنبهوا لها جميعا -لفظة عبد اهلل -لي�ست لفظة عادية ،لفظة فيها كثري من الأهمية واخلطورة، فاهلل �سبحانه حني �أراد �أن ميدح حممدا �سماه عبد اهلل (�سبحان الذي �أ�سرى بعبده)(الإ�سراء ،)1 :كان يف �أعلى الدرجات فارتقى يف مقام العبودية فا�ستحق -لفظ عبد اهلل- (�سبحان الذي �أ�سرى بعبده)(الإ�سراء )1 :ما قال بر�سوله ،وال قال بنبيه ،بل قال بعبده�(،إن الأر�ض يرثها عبادي( فلفظة عبادي، عبيدي �أي�ضا فيها �سر ،لأن هناك العبادة باال�ضطرار ،وهناك ولي�س َ العبادة باالختيار ،وعادة لفظ)العبيد) الغالب ،يف بع�ض ال�سياقات الَ ْر ِ�ض �إِ اَّل ال�س َما َو ِات َو ْ أ يذهب �إىل العبادة باال�ضطرار (�إِن ُك ُّل َمن فيِ َّ �آ ِتي ال َّر ْح َم ِن َع ْبدً ا)(مرمي )93 :ولكن العابد هلل باالختيار هوالذي جعل من نف�سه عبدا ،هواختار من نف�سه �أن يكون عبدا هلل ،هوعبد هلل بطبيعة احلال ،ولكن مبعنى االختيار جعل نف�سه عبدا هلل ،عبد اهلل هذا يجمع على العباد ،على عباد اهلل ،وعباد الرحمن ،لي�س وعبيد الرحمن ،هذا من (العبادة) ولي�س من (العبدية) ،دعك من كثري من التعقيدات يف ال�شرح ،بب�ساطة �أن جتعل من نف�سك عبدا هلل باختيارك وانتهى املو�ضوع� ،إذا جعلت من نف�سك باختيارك عبدا هلل ف�أنت عابد هلل ،و�أنت من ه�ؤالء (عبادي) الذين يرثون (يرثها عبادي( زائد �شرط �آخر (ال�صاحلون) هذا مزيد من البيان و�إال فعباد اهلل فيها كل �شيء ،متاما مثل حني يقول اهلل �سبحانه وتعاىل ،اهلل ،ثم ي�أتي بعد ذلك بالأ�سماء احل�سنى ،وكلها م�ضمنة يف اهلل �سبحانه وتعاىل ،فعباد اهلل فيهم �صفات كثرية ،خل�ص تلك ال�صفات هاهنا يف (ال�صاحلني) (يرثها عبادي ال�صاحلون( فمن ات َل ُن ْد ِخ َل َّن ُه ْم فيِ ال�صالحِ َ ِ هم ال�صاحلون؟ ( َوا َّل ِذينَ � َآم ُنوا َو َعمِ ُلوا َّ ال�صالحِ ِ ني)(العنكبوت )9 :فال�صاحلون هم الذين �آمنوا وعملوا َّ ال�صاحلات ،والباقيات ال�صاحلات هي كل �شيء ،وهي جميع الأعمال ،فهذا الوعد كبري وعام وكوين ،لكن يحتاج �إىل �شرطني: � (1شرط الإميان� (2 .شرط ال�صالح والأهلية .ال�صالح يف هذه الأمة متمثل �أ�سا�سا يف �إ�صالحها للنا�س ،لأنها �أخرجت �أ�سا�سا للنا�س .ثم الب�شرى يف الآخرة باجلنة وردت يف �أماكن �أخرى (�أَال �إِنَّ �أَ ْو ِل َياء اللهّ ِ َال َخ ْو ٌف َع َل ْيهِ ْم َو َال هُ ْم َي ْحزَ ُنونَ ا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا َو َكا ُنو ْا َي َّت ُقونَ ل ُه ُم ا ْل ُب ْ�ش َرى فيِ الحْ َ يا ِة ال ُّد ْن َيا وَفيِ ال ِآخ َرة)(يون�س)64 -62: ويف �سورة ال�صف كما �سمعتم جاءت الب�شرى َ (و َب ِّ�ش ِر المْ ُ ؤْ� ِم ِننيَ) (ال�صف ،)13 :حني ت�سمعون لفظ (امل�ؤمنني) يف القر�آن م�ستقال عن �أي �شرط ،فاعلموا علم اليقني �أن ما �سواه يدخل فيه ،ما ي�أتي بعده كله داخل فيه ،لو قال اهلل تعاىل ( والع�صر �إن الإن�سان لفي خ�سر �إال الذين �آمنوا )(�سورة الع�صر) فقط و�سكت فاعلم علم اليقني انه داخل فيها (وعملوا ال�صاحلات وتوا�صوا باحلق وتوا�صوا العدد - 19ال�سنة الثامنة
بال�صرب((�سورة الع�صر( كل ذلك داخل فيه ،حني يذكر الإميان وحده فهو ي�شمل العمل ،لأنه ال يت�صور �إميان بدون عمل� ،إمنا وقع الف�صل بينهما يف �أذهان النا�س ويف عقل املتكلمني� ،أي الذين ا�شتغلوا ب�صناعة التوحيد ،ال ب�صناعة الإميان� ،إذ كان ر�سول اهلل م�شتغال بالإميان ،هوميار�س الإميان ويتكلم بالإميان وعن الإميان ويف �أهل الإميان ،وجاء النا�س بعد وتكلموا يف التوحيد وتكلموا يف الكالم ،وبقي الكالم مع الكالم ،و�صارت الأمة �إىل ما �صارت �إليه .فالإميان يف القر�آن الكرمي ي�ستلزم العمل �إلزاما ،ي�ستلزم العمل ال�صالح� ،إال �أنه نظرا �إىل �أن النا�س يحتاجون دائما �إىل مزيد من البيان والتكرار ...فاهلل �سبحانه وتعاىل بني وو�ضح حتى قطع احلجة ،ومن �أجل ذلك �أر�سل الر�سل ،و�ضرب الأمثال، ا�س َع َلى اللهّ ِ ُح َّج ٌة وق�ص الق�ص�ص ،بينَّ كل �شيء ( ِل َئ َّال َي ُكونَ ِلل َّن ِ َب ْعدَ ال ُّر ُ�س ِل)(الن�ساء )165 :و�ضح الأمور ،و�أقام احلجة بالر�سل باعتبارهم يعطون املثل الب�شري للتطبيق ال�شرعي ،تراه �أمامك ماثال مي�شي على رجليه،هاهومطبق ،وتطبيقه له ال من جهة كونه ر�سوال ،و�إمنا من جهة كونه ب�شرا ،مبعنى �أنه �أطاق ذلك وهوب�شر، مل يطبقه لأن فيه قوة خا�صة جاءته وهوملك،ال ،و�إال ما �صار قدوة للنا�س( َل َق ْد َكانَ َل ُك ْم فيِ َر ُ�س ِول اللهَّ ِ �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة) (الأحزاب ، (21 :لأنه فعل ما يفعله الب�شر ويطيقه الب�شر ،واهلل كلف الب�شر مبا يف و�سعهم ( َال ُي َك ِّل ُف اللهّ ُ َنف ًْ�سا �إِ َّال ُو ْ�س َع َها) (البقرة .(286 :مقا�صد �سنة ال َف نْت واالبتالء وعالقتها بال�شدائد والب�شائر الب�شائر كثرية ووعد اهلل عظيم للم�ؤمنني يف �أي فرتة ويف �أي مرحلة ،ولكن تلك الوعود جميعا ال نفاد لها ،ولن تكون �إال �إذا وجدت �شروطها و�أثمنتها ،عندما ندخل �إىل الثمن يبتدئ املفهوم الآخر وهوالذي يبتدئ بقوله تعاىل يف �آيات مت الكالم عنها ،بعد �أعوذ باهلل من ال�شيطان الرجيم ب�سم اهلل الرحمن الرحيم (�أمل ا�س َ �أنْ ُيترْ َ ُكوا �أَنْ َي ُقو ُلوا � َآم َّنا َوهُ ْم ال ُي ْف َت ُنونَ َ ،و َل َق ْد َف َت َّنا �أَ َح ِ�س َب ال َّن ُ ا َّل ِذينَ ِمنْ َق ْبلِهِ ْم َف َل َي ْع َل َمنَّ اللهَّ ُ ا َّل ِذينَ َ�صدَ ُقوا َو َل َي ْع َل َمنَّ ا ْل َك ِاذ ِبنيَ) (العنكبوت ،)2 -1 :وال َف نْت يف العربية :و�ضع املعدن -الذهب �أوالف�ضة -على النار ال�شديدة حتى يذوب وتطفوال�شوائب في�صفى من تلك ال�شوائب ويبقى املعدن �إما ذهبا خال�صا� ،أوف�ضة خال�صة. ف�إذن امل�ؤمن فيه �شوائب قبل ت�صفيته بالفنت ،فالفنت �ضروري و�سنة
ما�ضية ،وبه يتميز النا�س ،الإميان ما �أ�شبهه مبنحة ربانية يعطاه النا�س الذين �أكرمهم اهلل بنعمة الإميان دون �سابق عمل ،ت�صور �أن �أبا عنده �أبناء متعددون �أعطاهم دفعة واحدة مثال قدر ًا من املال لكل واحد ثم قال لهم اذهبوا ،ت�صرفوا ،بع�ضهم منى ذلك املال ،بع�ضهم �أكله من ليلته قامر به ،بع�ضهم تل ّهى عنه حتى �سرق منه ،فكذلك النا�س -وهلل املثل الأعلى -مينحون الإميان ،ومينحون القدر ال�ضروري الذي �إن منوه زكت نفو�سهم وو�صلوا �إىل �أعلى الدرجات م�صداقا لقوله تعاىل( َي ْر َف ِع
19
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
اللهَّ ُ ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا ِمن ُك ْم َوا َّل ِذينَ �أُوتُوا ا ْل ِع ْل َم َد َر َج ٍات( بالتزكية والتنمية، ولكن هناك نا�س ال يزكون ذلك وال ينمونه فيتناق�ص حتى يذهب ،ن�س�أل اهلل العافية ،فكم من نا�س كانوا م�ؤمنني فكفروا وارتدوا ،ه�ؤالء كانوا حتى يف زمن ر�سول اهلل ،وقع هذا ،ويف كل زمان يقع هذا وميكن �أن يقع ،و�إن �أي نعمة هي يف احلقيقة يف �أ�صلها منحة�،أنظر �إىل قوله تعاىل ( َو َل ْو اَل َف ْ�ض ُل اللهَّ ِ َع َل ْي ُك ْم َو َر ْح َم ُت ُه َما َز َكا ِمن ُكم ِّمنْ �أَ َحدٍ �أَ َبدً ا َو َل ِكنَّ اللهَّ َ ُيزَ ِّكي َمن َي َ�شاء)(النور )21 :ولذلك قال ر�سول اهلل اللهم �آت نف�سي تقواها وزكها �أنت خري من زكاها �أنت وليها وموالها(رواه م�سلم( رغم اب َمن د ََّ�ساهَ ا) �أنه قال لنا( َق ْد �أَ ْف َل َح َمن َز َّكاهَ ا َو َق ْد َخ َ (ال�شم�س )10 -9 :و�أنه �أعطانا نحن الت�صرف ،ولكن التوفيق منه �سبحانه وتعاىل ،ف�أي نعمة هي يف �أ�صلها منحة ،وحتتاج �إىل تنمية �أي�ضا ،بالتزكية ،وبالزكاة تربو النعمة وتزداد� (،أَ ْم َح ِ�س ْبت ُْم َ�أن ت َْد ُخ ُلو ْا الجْ َ َّن َة َولمَ َّا َي�أْ ِت ُكم َّم َث ُل ا َّل ِذينَ َخ َل ْو ْا ِمن َق ْب ِل ُكم َّم َّ�س ْت ُه ُم ا ْل َب�أْ َ�ساء َو َّ ال�ض َّراء ول ال َّر ُ�س ُ َو ُز ْل ِز ُلو ْا َحتَّى َي ُق ُ ول َوا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا َم َع ُه َمتَى َن ْ�ص ُر اللهّ ِ �أَال ِ�إنَّ َن ْ�ص َر يب) اللهّ ِ َق ِر ٌ (البقرة )214 :مثل الزلزلة التي حتدث عنها القر�آن (هُ َنا ِل َك ا ْب ُت ِل َي المْ ُ�ؤ ِْم ُنونَ َو ُز ْل ِز ُلوا ِز ْلزَ اًال َ�ش ِديدً ا)(الأحزاب )11 :زلزلت القلوب زلزالها من �شدة الرعب ،من �شدة الهول ،من �شدة ال�ضيق ،ولكن مع الإميان القوي تثبت واهلل املث ِّبت ،فاللهم ثبت قلوبنا بالقول الثابت يف احلياة الدنيا ويف الآخرة ( ُي َث ِّبتُ اللهّ ُ ا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا ِبا ْل َق ْو ِل ال َّثا ِب ِت فيِ الحْ َ َيا ِة ال ُّد ْن َيا وَفيِ ال ِآخ َر ِة((�إبراهيم �( .)27 :أَ ْم َح ِ�س ْبت ُْم �أَن ت َْد ُخ ُلو ْا الجْ َ َّن َة) هذه التي حتدثنا عنها �أن فيها ت�سع ًا وت�سعني ق�سم مثل الرحمة التي ر�أينا منوذجا واحدا منها ،والتي نح�س مبا ال نهاية بالتعبري الريا�ضي يف ت�ص ّور �سعة هذه الرحمة وعظمة هذه الرحمة املوجودة يف الكون الآن وهي جمرد ق�سمة�( .أَ ْم َح ِ�س ْبت ُْم َ�أن ت َْد ُخ ُلو ْا الجْ َ َّن َة َولمَ َّا َي�أْ ِت ُكم َّم َث ُل ا َّل ِذينَ ول ال َّر ُ�س ُ ال�ض َّراء َو ُز ْل ِز ُلو ْا َحتَّى َي ُق ُ َخ َل ْو ْا ِمن َق ْب ِل ُكم َّم َّ�س ْت ُه ُم ا ْل َب�أْ َ�ساء َو َّ ول يب ) َوا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا َم َع ُه َمتَى َن ْ�ص ُر اللهّ ِ �أَال �إِنَّ َن ْ�ص َر اللهّ ِ َق ِر ٌ (البقرة ،)214 :حتى �إذا ا�ستي�أ�س الر�سل وظنوا �أنهم قد كذبوا جاءهم ن�صرنا)(يو�سف )110 :ا�شتدي �أزمة تنفرجي ،ف�إذن �سنة البالء �سنة كونية حياتية قال اهلل تعاىل َ : (خ َلقَ المْ َ ْوتَ َوالحْ َ َيا َة((امللك (2 :ثم �أَلحْ ق (ليبلوكم)(امللك )2 :الفتنة لي�ست فقط باحلياة ،بل حتى باملوت ( َو َن ْب ُلو ُكم ِب َّ ال�ش ِّر َوالخْ َ يرْ ِ ِف ْت َن ًة َو ِ�إ َل ْي َنا ُت ْر َج ُعونَ ((الأنبياء : )35نحن يف البالء فالإن�سان حني يكون يف عافية يظن �أنه يف نعمة و�أنه غري مبتلى ،بل هو مبتلى �إذ ذاك ،حني يكون مبتلى بتلك العافية هل ي�شكر نعمة اهلل �أوال ي�شكر؟ وهاهنا نقطة �أح�سبها يف غاية الأهمية لأن اهلل �أ�س�س الأمر على البالء ،و�أ�س�سه على نْ الفت ،وذلك الفنت على �أ�سا�سه تكون ال ُّرتَب عند اهلل وتكون الرتب يف الدنيا ،تكون الرتب عند اهلل ( ِل ْل ُف َق َراء المْ ُ َه ِاج ِرينَ ا َّل ِذينَ �أُخْ ِر ُجوا ِمن ِديار ِِه ْم َو�أَ ْم َوالِهِ ْم َي ْب َت ُغونَ �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ال�صا ِد ُقونَ ) َف ْ�ضلاً ِّمنَ اللهَّ ِ َور ِْ�ض َوا ًنا َو َي ُ ن�ص ُرونَ اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه �أُ ْو َل ِئ َك هُ ُم َّ (احل�شر )8 :وو�سام ال�صدق �أعلى و�سام ،ولذلك طلب اهلل من جميع امل�ؤمنني �أن يكونوا مع ه�ؤالء ( َيا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنو ْا ا َّت ُقو ْا اللهّ َ َو ُكو ُنو ْا َم َع ال�صا ِد ِقنيَ((التوبة (119 :فن�س�أل اهلل �أن يجعلنا من ال�صادقني ومع َّ ال�صادقني بف�ضله وكرمه .ب�صفة عامة �سنة البالء هذه التي تقوم على الفنت ،والفنت الذي ي�ؤدي �إىل ميز اخلبيث من الطيب ،و�إن يف امل�ؤمنني كما قال ال�صحابة بعد نزول الآية ،قالوا ما كنا نظن �أنه يوجد خبيث وطيب يف امل�ؤمنني ( َّما َكانَ اللهّ ُ ِل َي َذ َر المْ ُ�ؤ ِْم ِن َني َع َلى َم�آ �أَنت ُْم َع َل ْي ِه َحت ََّى يمَ ِ يزَ الخْ َ ِبيثَ ِمنَ َّ الط ِّي ِب َو َما َكانَ اللهّ ُ ِل ُي ْط ِل َع ُك ْم َع َلى ا ْل َغ ْي ِب)(�آل عمران ،)179 :ف�إذن كما عرب ر�سول اهلل � :إنك امر�ؤ فيك جاهلية (رواه البخاري( فينا جاهلية ،فينا جوانب خبيثة ،فينا جوانب غري �صاحلة، فينا خبيث وطيب ،واخلبث يحتاج �إىل نار الفنت حلرقه يف الدنيا ر�أفة بامل�ؤمن حتى ال يحرق يف الآخرة ،لأن كل خبيث يف امل�ؤمن بعد لقيا اهلل �سبحانه وتعاىل ال بد من �أن حترقه النار �إال �أن ي�شاء اهلل �شيئا بف�ضله (�سلاَ ٌم ال�سنة العادية �أنه ال يدخل اجلنة �إال من يقال له َ وكرمه� ،أما ُّ َع َل ْي ُك ْم ِط ْبت ُْم َفا ْد ُخ ُلوهَ ا َخا ِل ِدينَ )(الزمر � )73 :إن اهلل طيب ال يقبل �إال (�سلاَ ٌم طيبا وال يدخل داره دار ال�سالم �إال الطيبون� ،أولئك يقال لهم َ َع َل ْي ُك ْم ِط ْبت ُْم َفا ْد ُخ ُلوهَ ا َخا ِل ِدينَ ) �أما قبل �أن تطيبوا فال دخول� ،أما �إذا وجد يف امل�ؤمن جوانب طيبة وجوانب خبيثة ،فال يخلو من �أمرين� - :إما أ�شكال ،اهلل يختارها - .و�إما �أنه ي�ؤخر �أنه يف هذه الدنيا ينقى بالفنت ب� ٍ ذلك �إىل يوم القيامة وينقى بعذاب جهنم �أو بعفو اهلل ثم يدخل اجلنة بعد .لكن ال بد �أن يطهر ال بد �أن يطيب �إن اهلل طيب ال يقبل �إال طيبا، فن�س�أل اهلل عز وجل �أن يجعلنا من الطيبني ومع الطيبني ،ومن الذين (ط ْبت ُْم َفا ْد ُخ ُلوهَ ا َخا ِل ِدينَ ( بف�ضله وكرمه .هذا الفنت �ضروري يقال له ِ يف عملية الت�صنيف هنا ،وعملية الت�صنيف هنالك� .إنه رحمة بامل�ؤمنني، تنقية ل�صفوفهم ،وتنقية لقلوبهم ،وتزكية لأرواحهم ،وتقوية لهم �أي�ضا، لأنهم كلما طابوا خفت �أرواحهم فخفت �أج�سامهم ،لأن الأ�شباح يف يد الأرواح ،ملاذا يح�س الإن�سان بالثقل �إذا طلب منه �أن يجاهد مباله، (ما �أوطلب منه �أن يجاهد بوقته� ،أويجاهد بنف�سه؟ ملاذا ي�شعر بالثقل؟ َ َل ُك ْم ِ�إ َذا ِق َيل َل ُك ُم ان ِف ُرو ْا فيِ َ�س ِب ِيل اللهّ ِ ا َّثا َق ْلت ُْم ِ�إلىَ الأَ ْر ِ�ض)(التوبة )38 : هذا الثقل �سببه ما يف النف�س مما لي�س بطيب ،فالروح حني تزكو تخف وت�صبح فعال كالطائر� ،سهل عليها �أن تطري �إىل اهلل �سبحانه عز وجل، حني قال للأن�صار (�إنكم لتكرثون عند الفزع وتقلون عند الطمع) مل هذا؟ ذلك ب�سبب �أنهم ربطوا �أنف�سهم بالآخرة،تكرثون عند الفزع لأن فيه البالء ،هذا جمال البالء ،جمال الفنت ،فك�أنهم يرغبون فيما عند اهلل مما تكره النف�س (وحفت اجلنة باملكاره) اجلنة حتيط بها املكاره من كل مكان ،فهم يرغبون يف ذلك� ،أما حني يكون الأمر �أمرا دنيويا خال�صا فال طمع ،و�أنتم تعلمون �أن العربة بالغالب ،احلكم للغالب،
20
فيهم فالن لي�س منهم ،قال( : :هم القوم ال ي�شقى بهم جلي�سهم( (رواه م�سلم) و�إن كان لي�س بذاك ،فما دام مع الأغلبية ال�صاحلة فال ب�أ�س ،لذلك نقول اللهم اجعلنا من ال�صادقني ومع ال�صادقني ،ن�س�أل اهلل التوفيق� .إ�ضافة �إىل هذا ف�إن هذا الفنت له �صورتان� - :صورة وهي �أن العبد تنزل عليه الباليا نزوال - .و�صورة �أنه هويطلبها ،والباليا فيها �أنواع ،فيها ما يطلب وفيها ماال يطلب ،نحن ال نطلب املر�ض مثال (�إذا �س�ألتم اهلل ف�أ�سالوه العافية ( ال نطلب اخل�سارة ...نوع من البالء يطلب، و�أمرنا �أن نطلبه كبالء اجلهاد بجميع �صوره طلب منا �أن نطلبه وهو بالء ،اال�ست�شهاد� ،أعلى �صور اجلهاد ،ف�أن جتاهد نف�سك يف ذات اهلل، و�أن جتاهد �شهوتك ،و�أن جتاهد ولدك ،و�أن جتاهد جتارتك...وجتاهد وجتاهد حتى جتاهد بروحك التي بني جنبيك يف �سبيل اهلل وتعطيها را�ضيا يف �سبيل اهلل وابتغاء مر�ضاة اهلل� ،إن قدمت هذا برغبة منك يف ذلك ،عو�ضك النوع الآخر ،و�إال طهرت بالنوع الآخر ،واهلل الذي يختار �سبحانه وتعاىل ،فقد يختار من هذا وهذا ،وقد يختار من هذا دون هذا ( َو َر ُّب َك َيخْ ُلقُ َما َي َ�شاء َو َيخْ تَا ُر َما َكانَ َل ُه ُم الخْ ِ يرَ َ ُة) (الق�ص�ص ،)68 :لكن �إن ت�أملنا حال ال�صحابة� ،إن ت�أملنا عددا من الأحوال جند �أن الإن�سان بف�ضل اهلل تعاىل �إن �صدق اهلل ور�سوله
العدد - 19ال�سنة الثامنة
و�أخل�ص ،وال يكون ذلك �إال ببذل ،لي�س ال�صدق �أمرا نف�سيا خال�صا وكفى ،ال ،ال�صدق دليله يف اجلهاد ،دليله يف الواقع ،يف الت�ضحية� ،إن حدث ذلك اهلل يدفع بذلك �إذاية �أخرى من نوع �آخر ،احلديث الذي رواه الإمام الرتمذي عن �أبي هريرة ( :وما يزال البالء بالعبد امل�ؤمن وامل�ؤمنة حتى يلقى اهلل وما عليه خطيئة( حتى يطيب ،ي�صري طيبا، يعني قد تهي�أ متاما ال�ستقبال املالئكة له ،فيقال له (�سالم عليكم طبتم فادخلوها خالدين) .خــال�صــة فالق�صد �إذن �أن نكون عبيدا هلل باالختيار ،ال عبيدا له باال�ضطرار و�أن نختار نحن �أن نقدم ما �أعطانا هورا�ضني برغبة منا بدل �أن ينتزع ذلك منا ا�ضطرارا وكرها وهو يجرنا �إىل اهلل عز وجل كما قال (عجب ربك من قوم يقادون �إىل اجلنة بال�سال�سل)(رواه �آبو داود عن �أبي هريرة ) يعني يجرنا �إليه جرا� ،إىل ر�ضوانه ،ولكن حني مل ن�سارع �إليه ون�سارع يف اخلريات ،ون�سابق �إليها �إذ ذاك جرنا �إليه بطريقة �أخرى ،حني �أراد بنا اخلري �سبحانه عز وجل، وال �أعلم �شخ�صيا -ويف حدود علمي -يف ال�صيغ التي ا�ستعملها ر�سول اهلل يف �أمر الإ�صابة واخلري ال �أعلم �إال �صيغتني - :من يرد اهلل به خريا يفقهه يف الدين - .ومن يرد اهلل به خريا ي�صب منه .فهما متكافئتان.
21
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
املعنى ُ احل ُّر نح َو نظر ّية �إن�سان ّية للمعنى
د .خالد عبدالر�ؤوف اجلرب
عميد ك ّليّة الآداب والعلوم الإن�سانية جامعة العلوم الإ�سالم ّية العامل ّية
ُي ُ �سيد لتحقيق امل�ش ُروع ال بيل الأوىل حاول الباحثُ تقد َمي �صور ٍة ِ�ش ْب ِه ُم ْ�ستَق�صا ٍة لثالث ِة إ�سالمي ،وتجَ ِ ٍ وال�س ِ ِ مو�ضوعات ال ُكبرْ َ ىّ ، ّ َّ�صل ُ عات؛ � ْأي َر ْف ِ�ض ِف ْك َر ِة َق ْ�ص ِر �ص ،والمْ َ ْع َنى .ال ُّر�ؤى والتّطلُّعات ،والت ِ ّمهيد لإجنا ِز التّو ُّق ِ مت ٍ بع�ضها ِب َبع�ض؛ َتدُور يف محِ ْ َو َرين ا ْث َنني هُ ما :ال ّن ُّ واحدَ ٍة منها. غ َري �أنّ اجلام َع ب َني هذ ْي ِن امل ِْح َو َر ِين هُ و املُتل ِّقي /التّل ّقي؛ ولذلك كانَ ِ�ص َف ِة الإ�سالم َّي ِة على ِج َه ٍة ِ ِ اجلام ُع هو ال ّركيزَ ة الأ�سا�س َّي َة التي اتَّك� ْأت عليها املقال ُة ،فك�أ ّنها هذا ِ لقد �أ ّدى ك ٌّل من الإق�صا ِء وال َق ْ�ص ِر َد ْو ًرا �أ�سا�س ًّيا يف َر ْ�س ِم ا�ستنباط ا َمل ْع َنىّ ،ثم �ص ،و�آل َّي َت ُه يف ِ ُ إنتاج ال ّن ّ تعالج َد ْو َر املتل ِّقي يف � ِ عا�شتْها املجتَمعات الإ�سالم ّية قد ًميا ،وما تَزالُ َمعالمِ ال ِف ْت َنة التي َ إنتاج ا َمل ْع َنى. دو َر ُه يف � ِ َ ً ْ ُ َ َ ِّ ّ هام املخ َت ِل ِف ت وا ، ر آخ ل ف ر ط ري تكف ؛ ري ف ك ت ال ة ن ت ف ا: ث حدي ها تعي�ش ْ ٍ ِ ِ ِ َ ِ َ ِ
روق واال ْب ِتدا ِع .وهي ذاتُها ال ِف ْت َن ُة التي ب�س َم ٍة َقد تحُ ْ َم ُد �آثا ُرها؛ بال َّزندَ َقة والإلحْ ا ِد والمْ ُ ِ جامع � َآخ ُر َي ِ�س ُم هذه املو�ضوع َة ِ و َث َّمة ِ َ ذلك لأنّ هذه املقال َة ات َ (مبفهومها املج َّرد( على َمدار ُع�صو ٍر َطوي َلة، طاقات الأ ّمة العربي الترُّ ا ِث ِّي جَما َلها � ْأهدَ َرت َّخذت من ال ِفكر ِ ِ ِّ ح�ص َرت معاجلتُها الأ�سا�س َّي ُة يف امل�صاد ِر التي َكما � ْأهدَ َرت ِد َماء كث ٍري من املُف ِّكرينَ والباح ِثني عن ا َملعنى (ا ُ حل ِّر) الز َّم ِن َّي ،فكانَ � ِأن ا ْن َ تمُ ِّث ُل هذا الترُّ َ املق�صو ِر ّمان وا َمل ِ �ص؛ املع َنى غ ِري امل�صبو ِغ ِب�أ َث َري الز ِ كان ،وال ُ اث ب�صور ٍة تكا ُد تَكونُ �شامل ًة ،وهي م�صاد ُر تتن َّو ُع لل ّن ّ نقد َّي ٍة وبالغ َّي ٍة و ِف ْقهِ ّية وتف�سري َّي ٍة وتاريخ َّي ٍة وفل�سف َّية ،على ما تُو ِّف ُره َمعارِف املتل ِّقي من ُف َر ِ�ص ال َف ْه ِم يف ُحدو ِدها و�أُ ُط ِرها ب َني م�صاد َر ِ
والط ُر ِق ّ هادات ُّ وائف وال ِف َر ِق ،ال ّذو ِق َّي ِة والعقل َّي ِة وال ُلغو َّي ِة وال ِع ْلمِ َّية. والط ِ وتتع َّد ُد َوفْقَ تع ُّد ِد الآراء واالج ِت ِ إبا�ض َّية ،ومن اع ِتزال َّي ٍة و�صو ِف َّية، و�س ِّن َّي ٍة ِ و�شي ِع َّي ٍة و� ِ من � ْأ�ش َعر َّي ٍة ُ تجَ َ َ ِمنْ هُ ناِ ،من ال ّرغ َبة يف ا ُو ِز ِف ْتنة الإق�صا ِء والق ْ�ص ِر؛ ِمن ّخذت وفل�سف َّي ٍة َعقْالن َّي ٍة �إىل فل�سف َّي ٍة �إ�شراق َّية .لك َّنها –املقالة -ات ْ محُ ا َولة ت ِّ احلقي َق ِة َ الك َ واحلقِّ ِّعاءات بام ِت ِ زاعم واالد ِ َخطي ُك ِّل ا َمل ِ ّجديد العربي ال اث إحداث �شيءٍ من الت ِ إ�سالمي ُم ْن َط َل ًقا ل ِ منَ الترُّ ِ ِّ ِّ ْ َ ُ ُ َ ْ َ َ ّ�سليم ب�أنّ الآراء ت ال ن م (؛ ر حل (ا ى ن ع مل ا �شاف ت ك وا ، ني ق ل ط مل ا ِ ِ ِ ِ ِّ ْ ِ أ�سي�س الفكريِّ لنظر َّي ٍة يف ر�ؤي ِت ِه ملو�ضوع ِة املعنى� ،ساعي ًة �إىل ال ّت� ِ َ وتتقاط َع، هام –و�إنْ تَخْ َت ِل ْف– يمُ ْ كنُ لها �أنْ َتتَوا َزى والأ ْفكار والأ ْف َ يف املعنى (ا ُ أعراق كان وال ِ ّمان وا َمل ِ حل ِّر) ،متجاوز ًة ُحدو َد الز ِ ُ َ َ وتتنا�س َج وتتوا�ش َج ،دُونَ �أنْ َيكون � ٌّأي ِمنها – وتتنافى وتتدا َب َر، َ َّ�صنيفات الأُخرى. والت ِ ُ َ ّ حيح الأ ْو َحدَ ِ ...من هُ نا كانت ال�ص أو � َ، د ا ر مل ا ى ن املع و – ة رور بال�ض هُ ِ ّ َ َ فر�ض َ خا�ض َع ًة َ هج الذي َ أ�سا�سي :ال َف ْه ُم َ�صحي ٌح ما ل�ش ْر ٍط تان هذه الوجه ُة ِ مثل التّنا ُول الذي �أ ْب َر َزتْه الف ْق َر ِ ولمَ ي ُكن ال ّن ُ مو�ضوعي � ٍّ ٍّ �ص َوفْقَ تر�س ِيخ َر ْف ِ�ض ن�ص ِ املتقدِّ َم ِ باط ًّيا؛ لك ّنه ن ْه ٌج َي ْ�س َعى �إىل ِ تان َن ْه ًجا اع ِت ِ ظاه ٌر َي ْر ُف ُ�ضهُ ،وما َ َ دام لمَ ْ َي ِر ْد ٌّ دام ممِ ّ ا يح َتمِ ُله ال ّن ُّ املنظوم ِة اللغو ّي ِة ِ�ش ْب ِه ال ّن ِاجزَ ة. الواحدَ ة ،و�إىل اجل َه ِة ِ الإ ْق�صاء لأيِّ ر� ٍأي �أو ِج َه ٍة �أو ِفر َق ٍة �أو اتجِّ ا ٍه من ِ َ جت�سيد ِفكر ِة �أنّ هذه الآرا َء وال ِف َر َق واالتجِّ اهات �إنمّ ا هي �إ�سالم َّية ِ ِ َ َ ُ ُ َ إ�سالمَ ،وم َعهُ ،وبعدَ ُظهورِه ل ا ل ب –ق ة ي العرب ة احل�ضار زت ك ت ار َّ ْ ِ بع�ضها من يف �أ�صو ِلها ،و�أنّ من غ ِري املُ ْن ِ�صف َوال املو�ضوعي ا�س ِت ْثنا َء ِ ِّ �ص َ قبل يف ال ّن ِ �صَ ،وم ْعنا ُه .فال ّن ُّ ا�س– �إىل ُر ْك َن ِني َر ِكي َنينْ ِ هُ ما :ال ّن ُّ و�ص َلت �إلي ِه ،وا َملو ِق ُع الذي ِ�ص َفة الإ�سالم َّية َمهما َي ُكن ال َف ْه ُم الذي َ ً َ إ�سالم كانَ ِ�ش ْع َر ال َع َرب و� ْأ�سجا َع الك َه َن ِة وال َع ّرا ِفنيَ ،ف�ضال عن ال ِ َ انط َل َقت منهُّ ، والطريقُ الذي َ�س َل َك ْت ُه يف ُمعالجَ َ ة ا َمل ْع َنى :الق�ض َّي ِة
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
22
إجنيلَ ، الواحد، واح ٍد ،ممِ ّ ا ترا ُه يف �إطار املذهَ ب ِ ن�ص ِ �صو�ص �أخرى فيهِ م كالتّورا ِة وال ِ ُ�شيو ِع ُن ٍ ذلك لأنّ قبا ِئ َل امل�ستنبطة من ٍّ الواحدَ ة ،ف�ض ًال عن ُمثو ِله ب َني ّ ّ واملذاهب وائف والطائ َفة إ�سالم هُ و الط ِ ِ ِ ب�أعيا ِنها كانت َت َه َّودَت �أو َت َن َّ�ص َرت .وال ّن ُّ �ص بعدَ ال ِ بوي ّ ال�ش ُ ريف ،مع ُموازا ِة املتعدِّ دَة؟؟ الت ّ�شريعي :القر�آنُ الكر ُمي واحلديثُ ال ّن ُّ ُّ �ص .وقد َ�سعى ال ّن ِ �صو�ص الأخرى من ِ�ش ْع ٍر ون ٍرث وغ ِريهما لهذا ال ّن ّ *** خراج ما يف ال ّن ِّ�ص من امل�سلمونَ –وما زالوا َي ْ�س َع ْونَ – حثي ًثا ال�س ِت ِ وتعليمات و�أُ ُط ٍر يمُ كنُ �أنْ ُت َنز ََّل على َ احلياة الواقع َّي ِة ا َمل ِعي�ش ِة قواعدَ ٍ ِ ري من ال ّنا�س ،لع َّلها تمَ ُ ُّت �إىل ما َنحنُ يف َث َّم َة َقول ٌة ير ِّددُها كث ٌ �ص الفر َد وما ُ على م�ستَويا ِتها املتعدِّ دَة� ،سوا ٌء منها ما ُ �ص يخ ُّ يخ ُّ اجلماعة (الأ ّمة واملجتَمع(َّ . َ القواعد ولعل الترّ كيزَ الأك َرب يف هذه ِ َ يخ�ص الفردَ ،ولهذا ما له من عالق ٍة وثيق ٍة امل�ستنبط ِة كانَ ّ مما ُّ عيم اخلالد ،ف�ض ًال عن بال ّرغب ِة يف ال ّنجا ِة الأُخْ َرو َّي ِة والفو ِز بال ّن ِ
تلك هي َق ْو َل ُة�( :إنّ القر�آنَ �صال ٌح ِّ ب�سبيل َو ِثيق؛ َ مان َ�صدَ ِده لكل َز ٍ ٍ كان(. َوم ٍ
تو�ضيح هذا امل�س َل ِك ،و ُي�ضي ُء هذه ال َق ْو َل َة، و َث َّم َة ما ُي ِع ُني على ِ نف�س ِهَ ، جت�سدُه �آياتُ بع�ض �أجزاء ال ّن ِّ�ص ِ وهو من ِ وذلك هُ و ما ِّ يا�سي للمجتَمع واالقت�صا ِد ّنظيم ّ ال�س ِّ ا ِّت�صا ِله يف ج ْوهَ ره بق�ض َّي ِة الت ِ حلا يف كلِّ الإعجا ِز العلمِ ِّي و�أ�شباهُ ها ،ممِ ّ ا َي ِج ُد له تف�س ًريا �صا ً ال�سالط ُني واملُ ُ وا ُ لوك حل ْكم ،وهو ُ اجلانب الذي ا�ستَوىل عليه ّ َ َ َ َ هم �إىل �أ ُف ٍق ف وال ى ن ع مل با د دا ت ام ة الواح ة ه اجل من وهو ، مان ز ٌ دَ ٍ ِ ِ َ ِ ِ حل ّك ُام بعدَ ا ُ وا ُ خل َلفاء الأربع ِة ،وا�ست�أ َث ُروا بمِ َ ن ُي َن ِّظرونَ فيه لآرا ِئهم أمك َن ٍة ٍ أزم َن ٍة و� ِ جديد ،وت�أكي ٌد لل َمعنى ،بل للمعاين التي ُفهِ َمت من ُه يف � ِ احلا�س َمة. وتوجها ِتهم ِ ورغبا ِتهم ُّ �أُخْ َرى� ،أو ُق ْل :ال َي ْن ِفيها يف � ِّ اجل َهة الأُخْ َرى. أقل التَقا ِد ِيرِ ،منَ ِ �ص هو امل�صدَ ر ال ْأ�ص َل يف التّ�شريع؛ الذي هُ و و�إذا كانَ ال ّن ُّ ْ ِّقُ كامنٌ يف: �إنّ الذي ُيحق ُبغ َيتَنا ِ القواعد والأحكام والقوان ِني ُّ مار�سة منظوم ُة ِ وال�شروط الفقه ّية لمِ ُ َ احليا ِة الإن�سان ّية ِ�ضمنَ ال ُّر�ؤ َي ِة ّ فهم ال ّن ِّ�ص (ال�شرع َّية) ،فقد كانَ ُ لتحقيق ذلك .من هُ نا َع ِلقَ العق ُْل – ِلزَ ًاما -هُ و الو�سيل َة الأ�سا�س َّي َة ِ ناج ٌز ُم ْك َتمِ ٌل ال إ�سالمي يف دائر ٍة ُمغل َق ٍة هي دائر ُة ال ّن ِّ�ص الذي هُ و ِ ُّ العقل ُكلُّه من�صر ًفا �إىل تاج و ُم ْكت ٍَف ِبذا ِته ،ف�أ�ص َبح ُج ْه ُد ِ غ ُري محُ ٍ
ُم َ الفهم هُ و ال ْأ�ص ُل يف حت ُّقق �ص من � ِ أجل َفهمِ ه؛ ولأنّ هذا َ عاجلة ال ّن ّ نتيج ٍة خطري ٍة � ْأ�ض َحت من ُم َ�س َّلمات هذا العقل؛ وهي �إ ّما ال ّنجا ُة َ وال َفو ُز ،و�إ ّما ا ُ ّع�صب لل ّر�أي، خل�سرانُ املُبنيُ ،فقد ظه َرت �آ َف ُة الت ُّ ّ�شكيك يف ال ّنوايا ،ومن َث ّم ت ِب َعها هام والت ِ وت ِب َعتْها �آ َف ُة ال ّرف�ض واال ِّت ِ روق. التّكف ُري وال َّر ْم ُي بال ّزندَ قة والإحلا ِد وال َه ْر َطق ِة والمْ ُ ِ ري َم َع ُه ِوم ْث ُلهَ ،ب َرز �إىل ال ُوجو ِد َ واجلمي ُع هذا ُكلُّه ،وغ ُري ُه كث ٌ الف يف �أمر احلديث ال ّنبويِّ ِ اخل ِ �ص َنف َْ�س ُه –�إ ّال ما كانَ من ِ ُيعا ِل ُج ال ّن َّ بع�ضه لأ ّنه مو�ضوع ،و�أمر وتوثي ِقه وت�صحيحه وت�ضعي ِف ِه و َر ْف ِ�ض ِ ِ هوم ،وتع ُّد ِد ا َملعاين َج ْر ِح ُروا ِت ِه ِ وتعديلِهِ م– َفما َمعنى اخْ ِ تالف ال ُف ِ العدد - 19ال�سنة الثامنة
23
الفاه ِم �1 .1أنّ َف ْه َم َم ْع َنى ال ّن ِّ�ص يت�أ َّث ُر -ال محَ ال َة -بزَ ِ مان ِ َومكا ِنه؛ �أي ب َع ْ�ص ِره وبي َئ ِته. �2 .2أنّ اخ ِت َ الفاهمِ َني وبيئا ِتهم يقو ُد َ -ع ْق ًال ال الف ُع�صور ِ الف ا َملعانيِ التي َفهِ ُموها من ال ّن ِّ�ص. ُح ْك ًما � -إىل اخ ِت ِ ٌ َ َ اختالف املو�صوف يف الفقر ِة ( (2املتقدِّ َمة االختالف �3 .3أنّ خ�ضع ّ مو�ضوعي مقبو ٌل طالمَ ا َ لل�ش ْر َط ِني ال َل َذ ْي ِن طبيعي ٌّ ٌّ تق َّدما �آن ًفا. يتج�س ُد ّمان �4 .4أنّ ِ مفهوم الز ِ واملكان يف َك ِ َ المنا هذا ك ِّله �إنمّ ا َّ املنظوم َت ِني املعرف َّي ِة والقِيمِ َّي ِة ّ ال�شامل َت ِني للمجتَمع يف َ أر�ضَ ، ين يف َ الإن�سا ِّ وتلك احلق َب ِة من تلك ال ّرق َعة من ال ِ تاريخ ال ُوجو ِد الإن�سا ِّ ين. ِ
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
ويج�س ُد ُ خال�صا من ّ ر�سول اهلل �ص ّلى اهلل عليه و�س َّل َم هذا الكامنَ �5 .5أنّ هذا املتقدِّ َم ُك َّل ُه ي�ؤ ِّك ُد حقيق ًة واحد ًة� :إنّ املع َنى ِ ً ال�شوائبِّ ، يف ال ّن ِّ�ص �إنمّ ا هُ و ا َمل ْع َنى (ا ُ حل ُّر( ،و�إنّ ا َملعاين املتعدِّ َد َة ا َمل ْن َحى ،وال ّر ُ بع�ض وجو ِه القراءات. العلم يف ِ ا�سخونَ يف ِ ُ الفاهم َني و�أ ْز ِم َن ِتهم و� ْأم ِك َن ِتهم �إنمّ ا التي تختلف ِب َح َ�سب ِ ي�ص ُل �إلي ِه من ُح ِّر َّي ُة ال ِ إن�سان (املتل ِّقي(ً � ،إذا ،هي بمِ قدا ِر ما ِ عان ( ُم َق َّيدَ ة(. هي َم ٍ إن�سان ا ُ ُح ِّر َّي ِة ا َملع َنى .بعبار ٍة �أُخرى� :إنّ ن�سب َة ا ُ حل ِّر حل ِّر َّي ِة يف ال ِ م�ساوي ٌةُ /موازي ٌة ل ِن ْ�س َب ِة ا ُ حل ِّر َّي ِة يف ا َملع َنى؛ فمقدا ُر ما يتحقَّقُ *** بالفهم من ا َمل ْع َنى ا ُ الفاه ُم من ُح ِّر َّية. حل ِّر هُ و مقدا ُر ما يتم َّت ُع ب ِه ِ ِ –قبل ِّ َ ُ�ضحي ا ُ كل �شيءٍ – يف ُح ِّر َّي ِة ال َفهم، حل ِّر َّي ُة كامن ًة بهذا ت ِ
الكام ِن بال ُق َّوة الحي ِ تَوار َد الفال�س َف ُة على ِ ا�صط َ لو�ص ِف ( ،(Potentialواملتح ِّق ِق بال ِف ْع ِل ( ،(Actualوذلك ْ واال�ستنباط باعا :ح ِّر َّية التّفك ِري ِ وح ِّر َّي ِة ال ِفك َرة ،و ِت ً وح ِّر َّي ِة ا َملعنىُ ، فالكامنُ هُ و املوجو ُد بال ُق ّوة ،واملتحقِّقُ هُ و واملوجودات، ال ُوجو ِد ِ ِ حلدو ِد التي ت ِّ وابط وا ُ ين �إذا كانَ ا َمل ُ ُنظ ُم االج ِتما َع الإن�سا َّ ّ جال وال�ض ِ املوجو ُد بال ِف ْع ِل؛ وميكنُ لنا َت ْن ُ الح ِني –بال زيل هذ ْي ِن ِ اال�صط َ عان مق َّيد ٍة �ص ،بمِ ا يح َتمِ ُله من َم ٍ يحد ُُث في ِه هذا ُكلُّ ُه هُ و ال ّن ّ الذي ْ َت َر ُّد ٍد– على ا َمل ْع َنى (ا ُ حل ِّر( واملع َنى (امل َق َّيد(. يف �إطا ِر املع َنى ا ُ حل ّر.
ا َملعنى (ا ُ حل ُّر( هُ و املع َنى املوجو ُد يف ال ّن ِّ�ص بال ُق َّو ِة؛ هُ و املعنى ا َمل ْع َنى (ا ُ مثل قو ِله تعاىل: �صو�ص ِ م َّ�س ٌد تمَ ًاما يف ُن ٍ حل ُّر( جُ َ رط الإن�سا ِّ ين؛ �إ ّن ُه ُك َر ٌة ُمكتمِ َل ٌة مت َت ِل ُك � َ املتح ِّر ُر من ّ أو�صاف ال�ش ِ ُ َ َ اهلل ى ق�ض إذا � ة ن ؤم � م وال ن ؤم � مل (وما ور�سو ُله �أم ًرا �أنْ َي ُكونَ كانَ ُ ِ ٍ ٍِ ُ ّمام ُك َّلها؛ هُ و املع َنى املِثا ُّ موذج ُّي) الذي ُيحقِّقُ يل (ال َن ِ االك ِت ِ مال والت ِ اخليرَ َ ُة من � ْأم ِر ِهم(ِ ،وم ْث ِل( :ما �أتا ُك ُم ال َّر ُ�س ُ ول َف ُخ ُذو ُه وما ل ُه ُم ِ ال ّن َّ�ص بن�سب ِة ،%100فهوً � ،إذا %100 ،من املعنى الذي يح َتمِ ُله كامنٌ يف م ْث ِل قو ِله علي ِه َنها ُك ْم عن ُه فا ْن َت ُهوا(� .أ ّما امل ْع َنى املق َّي ُد ف ُهو ِ �ص؛ �أو َّ الطاق ُة الك ِّل َّي ُة لل ّن ِّ�ص. ال ّن ُّ الم( :ال ُي�ص ِّلينَ َّ � َأح ٌد من ُكم ال َع ْ�ص َر �إ ّال يف َب ِني ُق َر َ يظ َة( ،فق َّيدَ ال�س ُ ّ و�ص ُلوا؛ عل؛ هُ و ِق ْ�س ٌم من ال ّن ِ الع�ص َر حتّى َ ا�س (ال) ب َك ْو ِنها ناه َي ًة َف َل ْم ُي�صلُّوا ْ واملع َنى (املق َّيدُ( – ُق َبا َل َة ما تق َّد َم– هُ و املوجو ُد بال ِف ِ حل ِّر(؛ هُ و وق َّيدَ ال َآخ ُرونَ (ال) ب َك ْو ِنها نا ِف َي ًة على ال ِب َ�شا َر ِةَ ، يج�سدُها ف ْه ُم املتل ِّقي من ا َمل ْع َنى (ا ُ ال�صال ِة وخ ُ�شوا َف ْوتَ ّ ال ِّن�س َب ُة املئو َّي ُة التي ِّ الم ّ رط الإن�سا ِّ اخلا�ض ُع ّ ال�س ُ هجا َ الطر َف ِني ُك ًّال بمِ ا َفهِ َم؛ �أ َق َّر ا َمل ْع َن َيينْ ِ ف�ص َّل ْوا ،و�أ َق َّر عليه ّ لل�ش ِ ِ ين َزما ًنا ومكا ًنا� ،أو ُق ْلِ : معر َف ًة َوم ْن ً �ص ،وبمِ ا ا ْن َت َميا �إىل المْ َ ْع َنى (ا ُ عاجل ِة ال ّن ِّ�ص ومحُ ا َو َر ِته لمِ ُ َّد ٍة ت َُط ُ يف ُم َ حل ِّر( الذي ْ�ص ُر؛ تتع َّد ُد م ّر ٍات املُ َق َّيدَ ِين بمِ ا ْاح َت َمل ُهما ال ّن ُّ ول �أو تق ُ �صال ِبه م َّر ًة َي ِتيم ًة� .إ ّنه ُجز ٌء من ال ُك َرة� :أرا َد ُه هُ و. �أو ُتق َْ�ص ُر على جُم َّر ِد اال ِّت ِ مر َكزُها؛ محُ ُ يطها؛ �شريح ٌة منها؛ ُك َر ٌة ُجزئ َّي ٌة منها؛ تَ�شوي ٌه ل ُك َرو َّي ِتها وا َمل ْع َنى (ا ُ مثل قو ِله نان ما ِث ِ كام ِ ونظ ُري ُه (املُق َّيدُ( ِ حل ُّر( ِ الن يف ِ �شريح ٍة ُطول َّي ٍة �أو َع ْر ِ�ض َّي ٍة منها؛ ن�س َب ٌة ترتا َو ُح ب َني %1و%99 باج ِتزا ِء َ تعاىلَ ( :فال ور ِّب َك ال ُي� ِؤم ُنونَ حتّى ُي َح ِّك َ موك يف ما َ�ش َج َر بي َن ُهم ُث ّم ال منه؛ لك ّنه ّ بال�ضرور ِة ال يكونُ %0وال يكونُ .%100ف�إذا م َّث َل ن�سب َة %0 َي ِجدُوا يف �أن ُف ِ�سهِ م ح َر ًجا ممِ ّ ا َ ق�ض ْيتَ و ُي َ�س ِّل ُموا ت�س ِليما( :ق�ضا�ؤُه بي َن ُهم املفهوم خار ٌج �أل َب َّت َة عن ُحدو ِد ال ّن ِّ�ص ،و�إذا م َّث َل فذلك دا ٌّل على �أنّ َ حل ُّر( ،وما َ�ش َج َر بي َن ُهم هُ و ا َملعانيِ املق َّيدَ ُة ...هُ و االخ ِت ُ هُ و ا َمل ْع َنى (ا ُ الف ن�سب َة َ %100 خا�ضع َّ رط فذلك دا ٌّل على �أ ّنه من َف ْه ِم َمن هُ و غ ُري لل�ش ِ ٍ والتّع ُّد ُد يف االتجِّ عات وال ُّر�ؤَى والأفكا ِر واملْ ُف ُهوم. اهات وال َّنزَ ِ ِ
إن�سان (ا ُ الإن�سا ِّ حل ِّر( باملُ ْط َل ِق، كان؛ �أي �إ ّنه َف ْه ُم ال ِ مان وا َمل ِ ين يف الزَ ِ ا َملعنى (ا ُ حل ُّر(؛ غ ُري املق َّي ِد َ وم الذي تع َّل َم املع َنى كانِ ،بهذا ّمان وا َمل ِ ب�ش ْر َطي الز ِ �أو ُق ْل :هُ و َف ُ املع�ص ُ هم العق ِْل اخلا ِل ِ�ص .وهذا هُ و ُ هاما� ،أو ا�ستد ً الذي �أرا َد ُه الواح ِد ،بمِ ا تمُ َ ِّث ُل ا َملعاين املق َّيدَ ُة همَ ،م ْع ًنى تق ُّد ِم ٌّي من اجلانب ِ ِ �صاحب ال ّن ِّ�ص� :إ ّما َو ْح ًيا� ،أو �إ ْل ً ُ الال عقل ًّيا ال َف ِ
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
24
وت م�س ُلو ًبا من ُن ُع ِ ٍ اوالت ل َفهْمِ ه وال ِ إم�ساك ِبه ،وتجُ ِّ�س ُد ُك ُّل محَ ا َو َل ٍة ِل َفهْمِ ه ع َرب َمت َّثال َق ْو َل �أبي ِف ٍ ُكلُّها محَ را�س م ْق ُلو ًبا ُم َف َّر ًغا من َف ْحوا ُهْ ، َ مال ُك ِّلها ،ح َني َ قال: أمامها الز ِ اجل ِ ّمان ت َْطوي ًرا وام ِتدادًا للمتقدِّ ِم من َمعا ِنيه املق َّيدَ ة؛ هُ و � َ دا ِئ ًما وهي ت َْ�س َعى ورا َءه� .أ ّما املع َنى املق َّي ُد فيت َو َّ�س ُع با�س ِت ْمرارٍ ،و ُي َه َّذ ُب ال�ص ْد ُر دُونَ العالمَ ِنيَ� ،أو ال َقب ا�س الت َو ُّ�س َـط ِع ْندَ نا َل َنا َّ و َن ْحنُ �أُ َن ٌ با�س ِتمرار ،و ُي ُ �ضاف �إلي ِه �أو ُي ْح َذ ُف من ُه با�س ِتمرار؛ �سع ًيا لل ُو�صول ِبه مال ،ل ُي ْ�ص ِب َح ا َمل ْع َنى ا ُ مال واالك ِت ِ �إىل غا َي ِة ال ّنهاي ِة يف ال َك ِ و�ض َّد الإن�سان َّي ِة اهان يت ََح َّر ِ حل َّر ذا َتهُ ،وهُ ما اتجِّ ِ املنط ِق وال َعق ِْلِ ، كان ِ�ض َّد ِ ات ال ِف ْك ِر َو َم َ�سا ِر َ َومعا ِنيها ال ّنبي َل ِة َ أهل الفق ِه. �صو�ص َظ ِّن َّي ُة ال ّدالل ِة يف ِ الح � ِ احلياة؛ وهذا ما تمُ َ ِّث ُله ال ُّن ُ و�ض َّد ُم ْقت ََ�ض َي ِ اجلمِ ي َلةِ ، ا�صط ِ ومعر َفتَه وطري َق َة تفك ِريه و ُن ُظ َم هذا ُيري ُد َح ْب َ�س ال ِ إن�سان َ وع ْق َله ِ �ص ناج ٌز متقدِّ ٌم من ِ وهُ و ِ ج�سدَ ُه ال ّن ُّ اجلانب ال َآخر ،بمِ ا َّ وع ْ�ص ٍر ماَ ، رير َحيا ِته يف َم ٍ كان ّما َ وذاك َي َّد ِعي ال ّرغ َب َة يف تحَ ِ �صو�ص قط ِع َّي ُة ال ّدالل ِة ُم ْك َتمِ ًال يف ِ ع�صره الأ ّول ،وهذا ما مت ِّث ُله ال ُّن ُ ِّ ْ ُ َ ُ ً إن�سان ُمطلقا من القيو ِد ّ وابط كلها؛ بل ُيري ُد �أنْ َي ْج َعل ال ِ وال�ض ِ ا�صطالحات الفقهاء � ً أي�ضا. وفق ِ على ِ اخلا�ص ِة ِبه يف ُ�ص ُع ِد َ قَ احليا ِة ه ي ق ل وخا ، ه نف�س ع ن �صا ه نف�س منْ مِ َِ ِ ِ ِ ِ َِ َّ ا َمل ْع َنى (ا ُ �ص ،واملع َنى الإن�سان َّي ِة ُك ِّلها. حل ُّر( ب�صور ٍة �أُخْ رى هُ و َم ْع َنى ال ّن ّ �ص؛ ولع َّل م�شك َلتَنا ال ُكبرْ َ ى يف بال�صور ِة ِ نف�سها هُ و َف ْه ُم ال ّن ّ (املق َّيدُ( ُّ َ ّاريخ الإن�سانيِ ِّ ، وهُ ما ،كذلك ،اتجِّ ِ اهان خار َِج ِان على ح َر َك ِة الت ِ إ�سالمي ما ِث َل ٌة يف ا َ �ص و َفهْمِ ه؛ العربي ال ال ِفكر خل ْل ِط ب َني َم ْع َنى ال ّن ّ ِّ ّ ِّ ُ ِّ َ َ ّاريخ ومنها على فاعل ّي ِة ال ُوجو ِد الإن�سانيِ ِب ُر َّم ِت ِه :هذا ُي َعطل ح َركة الت ِ �صو�ص التي َد َّل ْت على ُف ُه ِوم ال ّناظرينَ في ِه، ب َني ال ّن ِّ�ص ِ نف�س ِه وال ُّن ِ َ ُ ُ ْ ُ َ ال�ساع ِة، يام ق ّى ت ح ق ل اخل ة حيا ر و ها ل ع ج ي ة ت ب ثا ة ْط ق ن يف ها ف ق و ي و ٍ ٍ ُِْ ِ ِ ِ َ ْ َ محِ ْ َ ِ ِ ّ أحيان كث َري ٍة ،وهذا ما ترا ُه عندَ حتّى �إ ّنها � ْأ�ض َحت َبديل ًة عن ُه يف � ٍ َ فج َع َلها وذاك ُي ْل ِغي التّاريخَ ُك َّل ُه وا ِق ًفا ع ْندَ ُحدو ِد نق َْط ٍة هُ و اب َتدَ َعها َ املتع�صب َني ملذاه ِبهِ م ُ وط ُر ِقهم َ وطوائفِهِ م� .إنّ َ بع�ض ه�ؤالء ْاغ َت َن ْوا ِّ ّاريخ. ِنها َي َة الت ِ هوم ُف َقهاء مذاه ِبهِ م ُ وع َلما ِئهم و�شيوخهم ُ بال ُّن ِ �صو�ص التي مت ِّث ُل ُف َ ُواج ُه َ بع�ض ُهم ب�آ َي ٍة ُقر�آنية� ،أو لل ّن ِّ�ص َع ِن ال ّن ِّ�ص ِ نف�سه ،ولهذا ح َني ت ِ إمام مذهَ ِبه �أو َ�ش ْي ِخه التي ٍ بحديث ٍ �شريف ،تَرا ُه يك ِّر ُر كال َب َّبغا ِء ُج َم َل � ِ قال ُ ِقي َل ْت َ ر�س ُ ال�س ِننيُ . اهلل َ تقول لهَُ : هلل ،وهو ول ا ِ قبل ِم ِ ئات ِّ وقال ُ ُ قال فال ٌن َ يقولَ : وقال ع ّالن! ّ والطا َّم ُة ال ُكربى تبرْ ُ ُز ِع ْندَ نا يف اتجِّ اهَ ِني خمتل َف ِني ُمت�ضا َّد ِين، ُ ِكالهُ ما َن ِق ُ كا�س ٌّي ي�ض ال َآخر، نف�سه يف � ٍآن م ًعاَ � :أحدُهما ار ِت ِ ونقي�ض ِ ُي َق ِّي ُد ا َمل ْع َنى (ا ُ حل َّر( تمَ ًاما ِب َع ْ�ص ِر ال ّن ِّ�ص الأ ّو ِل َوما َي ِلي ِهَ :ظ ِّن ّي ع�صر ال ّدالل ِة و َق ْط ِع ّيها ،وال َآخ ُر ُي ِري ُد تحَ ري َر ا َمل ْع َنى ُم ْط َل ًقا ِمن ِ ال ّن ِّ�صْ : قط ِع ّي ال ّدالل ِة وظ ِّن ّيها. اهان �أ ْز َرى ك ٌّل من ُهما بال َآخر ،و ِب َنف ِْ�س ِه ،و�أ ْز َريا َم ًعا هُ ما اتجّ ِ ال�س َ بال ّن ِّ�ص ،وبا َمل ْع َنى � ً بيل على ُك ِّل ال ُف ُه ِوم والآراء أي�ضا ،و َق َطعا ّ هات التي و َق َعت يف املنط َق ِة ال ُو ْ�س َطى ما ب ْي َن ُهما ...وك�أ ّن ُهما ّوج ِ والت ُّ العدد - 19ال�سنة الثامنة
25
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
الفرق بني الإرهاب واملقاومة امل�شروعة
د .يا�سر �أبو ح�سني
ي�شن الغرب حملة �إعالمية �شر�سة على الإ�سالم يهدف من خاللها �إىل خلط املفاهيم ،لت�شويه �صورته ال�سمحة املبنية على املحبة والت�سامح ،ذلك �أنه عجز عن مواجهته ودح�ض حقائقه ال�ساطعة ك�سطوع ال�شم�س يف رابعة النهار ،وقد وجد الغرب �ضالته يف اخللط بني مفهومي املقاومة امل�شروعة للمعتدي وبني الإرهاب ،م�ستغال �أمور �سهلت له مهمته يف ت�شويه الإ�سالم من �أهمها: � -1ضعف الآدلة الإعالمية للم�سلمني غري القادرة على �إي�صال حقائق الإ�سالم ال�صحيحة �إىل الغربيني. -2قلة عدد املنربين من �أبناء الإ�سالم للدفاع عن دينهم وتو�ضيح احلقائق. -3الهزمية النف�سية لدى كثري من العلماء ودعاة وقادة امل�سلمني وعامتهم ،هذه الهزمية النف�سية التي جعلت �أ�صحابها يقفون متفرجني على دينهم وهو يكال له التهم الزائفة دون �أن يحركوا �ساكنا. -4وهو الأهم املادة الإعالمية الد�سمة التي يقدمها غالة امل�سلمني ومتطرفيهم ب�أعمالهم املت�شددة املنافية جلوهر ورح الإ�سالم القائم على الت�سامح واملحبة وقبول الآخر. �إن اخللط بني هذين املفهومني �أدى �إىل ر�سم �صورة منطية للإ�سالم قائمة على التطرف والت�شدد والقتل ،فا�صبحت �صورة امل�سلم يف عني الغربيني متمثلة ب�أعرابي مزواج يحمل ال�سالح، وي�شتهي الن�ساء ويرف�ض �أي خمالف لر�أيه . � ّإن املق�صود من الإرهاب هو االعتداء على النا�س وترويعهم ،وهذا حمرم �شرعاً ،حيث اعتربه العلماء ب�أ ّنه �إف�ساد يف الأر�ض ي�ستحق
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
فاعله �أن يطبق عليه ح ّد احلرابة الوارد يف قوله تعاىل ( �إِنمَّ َ ا َج َزا ُء ا َّلذِ َ الَ ْر ِ�ض َف َ�سادًا ين ُي َحا ِر ُبو َن اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َو َي ْ�س َع ْو َن فيِ ْ أ �أَ ْن ُي َق َّت ُلوا �أَ ْو ُي َ�ص َّل ُبوا �أَ ْو ُت َق َّط َع �أَ ْيدِ ي ِه ْم َو�أَ ْر ُج ُل ُه ْم مِ نْ خِ لاَ ٍف َ �أ ْو الَخِ َر ِة َع َذ ٌاب الَ ْر ِ�ض َذل َِك َل ُه ْم خِ ْزيٌ فيِ الدُّ ْن َيا َو َل ُه ْم فيِ ْ آ ُي ْن َف ْوا مِ َن ْ أ عَظِ ي ٌم((املائدة ،((33 :واملنهي عنه يف قوله تعاىل ( َو اَل ُت ْف�سِ دُوا الَ ْر�ض َب ْعد �إِ ْ�صلاَ حهَا ( . فيِ ْ أ �أما املقاومة امل�شروعة فقد باركتها ال�شريعة الإ�سالمية باعتبارها رد للظلم والعدوان حيث قال تعاىل ( َف َم ِن ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم َف ْاع َتدُوا َعلَ ْي ِه بمِ ِ ْثلِ مَا ْاع َتدَى َعلَ ْي ُك ْم َوا َّت ُقوا اللهَّ َ َو ْاعلَ ُموا �أَ َّن اللهَّ َ َم َع المْ ُ َّت ِق َ ني ((البقرة ،( 154 :وقال تعاىل (�أذن للذين يقاتلون ب�أنهم ظلموا و�إن اهلل على ن�صرهم لقدير( وقال عليه ال�سالم " اذا اعتدى على �شرب من �أر�ض امل�سلمني �أ�صبح اجلهاد فر�ض عني على كل م�سلم وم�سلمة ". لذا ينبغي �أن ال نقع يف اخللط بني الإرهاب الذي متار�سه احلركات املتطرفة با�سم الدين وبني ما تقوم به حركات التحرر يف مقاومة قوى الظلم والعدوان ،ويظهر هذا الفرق يف الآتي: -1املقاومة يف الإ�سالم حمكومة ب�ضوابط �شرعية �أهمها: التفريق بني املحارب من جهة وبني الذمي وامل�ست�أمن من جهة �أخرى ،ومنها عدم قتل الأطفال �أو الن�ساء �أو ال�شيوخ �أو قطع الأ�شجار �أو االعتداء على بيوت العبادة ،فهي مقاومة للمعتدي ولي�ست اعتداء على البالد والعباد� ،أما الإرهاب فال دين وال �ضوابط له ينظر للآخر على �أنه عدو يجب قتله دون متييز بني حمارب وغري حمارب � ،أو مراعاة لبكاء طفل �أو �صرخة امر�أة � ،أو النظر �إىل حرمة دور العبادة .
26
-2املقاومة امل�شروعة تنتهي عند انتهاء موجباتها و�أ�سبابها � ،أما الإرهاب فال ّحدود له �سوى ا�شباع نزوات ورغبات الإرهابيني . -3املقاومة امل�شروعة نبيلة حتى يف و�سائلها فهي ترف�ض مبد�أ (الغاية تربر الو�سيلة( لذا جتدها ال تلج�أ �إىل �أ�سلحة الدمار ال�شامل لأنها ترى �أن �ضررها �أكرب من نفعها� ،أما الإرهاب فيت�سابق �أ�صحابه �إىل البحث عن هذه الأ�سلحة ال�ستخدامها يف ترويع النا�س وقتلهم. -4املقاومة امل�شروعة حترتم وتراعي �شعور النا�س فال تن�شر مناظر القتل ،لكي ال تخيف الآمنني منهم� ،أما الإرهاب فيبدع �أتباعه يف ا�ستغالل الآلة الإعالمية وو�سائل التوا�صل
العدد - 19ال�سنة الثامنة
االجتماعي لن�شر �صور قطع الر�ؤو�س وحرق الأ�سرى دومنا رادع من �ضمائرهمامليتة. ويف النهاية ال ب ّد من الإجابة عن بع�ض الأ�سئلة لرنى من هو الإرهابي احلقيقي ،ملاذا يعترب امل�سلم الذي يدافع عن دينه و�أر�ضه وعر�ضه �إرهابي؟ وال يعترب قتلة الأطفال امل�سلمني يف بورما �إرهابيني؟ ملاذا مل يعترب قتل ال�صرب للم�سلمني البو�سنيني �إرهابا؟ ملاذا ال جتي�ش اجليو�ش �ضد جرائم ال�صهاينة يف فل�سطني �ألي�ست تلك اجلرائم �إرهابا؟
27
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
القرامطة اجلدد وتعيني �أمريين ملكة واملدينة
�أ.د /طه جابر العلواين
ريا ملكة و�آخر للمدينة من �أعلنت داع�ش �أ َّنها قد عينت �أم ً رجالها ،وقد ذ َّكرين ذلك بالقرامطة ودولتهم ،وذهابهم �إىل مكة ،و�سرقتهم للحجر الأ�سود الذي مل ي�ستطع امل�سلمون �أن ي�ستعيدوه منهم �إال بعد اثنني وع�شرين عا ًما. يتعامل النا�س مع داع�ش اليوم على �أ َّنها حركة حديثة ن�ش�أت يف ظل ظروف التمزق يف كل من العراق و�سوريا ،التي قد تكون نبهت �أذهان بع�ض ال�شباب �إىل �أ َّن يف مقدورهم يف ظل التمزق ال�سائد واملنتظر �أن ينف�سوا عن رغباتهم ويتجاوزوا حاالت االحتقان ال�سائدة يف املنطقة منذ قيام دولة �إ�سرائيل فيها، وخو�ض احلروب معهًا يف كل ع�شر �سنوات �أو ثمان ،ومل �أجد من التفت �إىل �أ َّن ظاهرة داع�ش لها جذور تاريخ َّية و�سوابق يف ذات املناطق التي ت�أ�س�ست فيها داع�ش املعا�صرة ،مع �أ َّن االرتباط بني تلك اجلذور والداع�ش َّية املعا�صرة ارتباط ال يخفى على باحث مت�أمل. �أذكر �أ َّنني قر�أت منذ ما يزيد عن خم�سني عا ًما رواية علي �أحمد باكثري (الثائر الأحمر( ،ومل يكن الثائر الأحمر �سوى حمدان قرمط �أحد م�ؤ�س�سي احلركة القرمط َّية يف جنوب العراق، والبحرين ،و�سلمية يف ال�شام ،وما �إليها .وحني قامت داع�ش ريا مما املعا�صرة �أخذت ت�ستدعي يف ذاكرتي تلك الرواية ،وكث ً قر�أته يف امللل والنحل ،وتاريخ الفرق عن القرامطة ،ووجدت �شبهًا عج ًيبا بني ت�صرفات القرامطة املا�ضني وداع�ش والقرامطة اجلدد ،وحني ذبحوا �سبعمائة �شا ًبا يف الرقة واملناطق املحيطة بها بعد �أن عاهدوا على املحافظة على حياتهم ،وتكرر ذلك مع قبائل عرب َّية �سن َّية �أخرى؛ ت�أ َّكد لدي �أ َّن ه�ؤالء الذين توهم البع�ض عن جهل وقلة دراية بتاريخ املنطقة �أ َّنهم من ال�س َّنة والعرب فكانوا ي�ستغربون كيف يقتلون ما يقرب من �أربعمائة �إمام من �أئمة �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
امل�ساجد يف العراق ،ويحرقون م�ساجد ،ويختارون من القبائل العرب َّية الباقية يف الأنبار ومدنها خرية �شباب تلك القبائل، ذبحا بال�سكاكني لكيال تقوم لتلك القبائل قائمة وهم يقتلوهم ً يرون �أمامهم بلدًا ممز ًقا ،ال حكومة فيه وال جي�ش ،وقد �صار نه ًبا لقادة املل�شيات والع�صابات والتجمعات املختلفة ،ت�أ َّكد لدي �أ َّننا �أمام قرامطة جدد� ،أ�ضافوا �إىل خربة القرامطة املا�ضني خا�صة يف عهد �ستالني. الكثري من تراث ال�شيوع َّية احلمراءَّ ، �إ َّن منطقة انت�شارهم والتكوين العقلي والنف�سي لديهم تكوين قرمطي ،فالقرامطة مل يعلنوا عن �أنف�سهم �أ َّنهم �شيوعيون �أو ا�شرتاكيون كما ذكر علي �أحمد باكثري حني عنون ر�سالته بالثائر الأحمر ،و�إنمَّ ا كانوا يتبنون � اً أقوال متطرفة من �أحزاب املعار�ضة اخلفية منها والظاهرة التي كانت يف تاريخنا تنتمي �أو تدعي االنتماء �صد ًقا �أو كذ ًبا ل�شيعة �آل البيت ،وما كانوا �شيعة وال �سنة بل كانوا قرامطة فقط ،حقدوا على الإ�سالم وامل�سلمني ،يبغ�ضون كل ما ميت للإ�سالم ب�صلة ،قتل النا�س عندهم �أهون من قتل القوار�ض ،ال يفرقون يف القتل بني دين و�آخر ،وال مذهب ومذهب، وال ت�أخذهم ر�أفة ب�أحد؛ ولذلك فقد �أعطوا لأنف�سهم احلق فيما م�ضى �أن يغزوا مكة ويرتكبوا من اجلرائم الفظيعة يف احلرم ما ال ي�ستطع �أن يرتكبه �إبلي�س نف�سه ،فقتلوا احلجيج ،والكثري من �أهل مكة ،و�سبوا ن�ساءهم وذراريهم ،واغت�صبوا �أموالهم، و�أرادوا نق�ض الكعبة ،وا�ستطاعوا �أن ي�أخذوا احلجر الأ�سود منها وي�سرقوه وينقلونه لإحدى القرى التي ي�سيطرون عليها يف البحرين ،وذلك يف عام (317ﻫ( .ومل يعيدوه �إال بعد اثنني وع�شرين عا ًما ،عام (339ﻫ( حني بعث احلاكم ب�أمر اهلل الفاطمي للقرامطة بر�سالة .بعد �أن انتزع القرامطة احلجر الأ�سود من الكعبة .و�أر�سل اخلليفة الفاطمي املهدي العلوي ر�سالة تهديد
28
�إىل �أبو طاهر القرمطى ي�أمره برد احلجر الأ�سود �إىل الكعبة، وكتب عبيد اهلل املهدي يف ر�سالته �إىل �أبو طاهر القرمطي يحذره �أ َّنه �إن مل َي ُرد �أموال �أهل م ّكة التي �سرقها و�إرجاع احلجر الأ�سود �إىل مكانه وو�ضع �ستار الكعبة عليها جم ّددًا ف�إ َّنه �سي�أتيه بجي�ش ال ِق َب َل له به .و�أذعن القرامطة للتهديد ،و�أعادوا مو�سم احلج، بعد تعطيله ملدة تقارب االثنني وع�شرين �سنة ،و�أعادوا احلجر الأ�سود. �إ َّن داع�ش اليوم ت�شبه يف تكوينها ون�ش�أتها والعنف الذي تتبناه احلركة القرمطية ،وحني نبحث عن اجلذور التي �أدت �إىل قيام حركة القرامطة القدمية ميكن �أن نتخذ منها م�ؤ�شرات للظروف التي عا�شت بها تلك الأقاليم �سوريا والعراق وم�صر والبحرين واحلجاز لتمتد تلك احلركة البائ�سة ال�شريرة يف تلك الفراغات ،وت�ستويل على ما ا�ستولت عليه من �أرا�ض ،وت�سفك الدماء احلرام يف احلل ويف احلرم ،وت�ستبيح من امل�سلمني مثل ما كان ي�ستبيحه �أعدا�ؤهم منهم من تتار و�صليبيني و�أمثالهم. وفكر القرامطة كان يقوم على جانبني جانب خيايل قد ي�ستعني قادة القرامطة لإمنائه واثرائه باملخدرات ،من ح�شي�ش و�سواه، وجانب �آخر ير�سمونه هم يف �أذهاب �أتباعهم ليكونوا جنودًا مطيعني ،ال يع�صونهم يف �أوامرهم ،وهذا الفكر ال تعرفه �سائر املذاهب الإ�سالم َّية وال الأديان ،وال ال�شرائع ،حتى حينما يقتن�ص �شياطينهم بع�ض الأقوال من هنا �أو من هناك؛ ولذلك ف�إ َّن من يريد مكافحتهم بجد وهزميتهم البد له من و�ضع ا�سرتاتيجية طويلة املدى ت�ستلهم التاريخ وت�أخذ منه الدرو�س والعرب ،وت�سد املنافذ وجتفف املنابع ،التي وجدت يف التاريخ و�سمحت بقيام هذه احلركة ،وانت�شارها يف تلك املرحلة التاريخ َّية ،والنظر يف واقع العرب وامل�سلمني اليوم ملعرفة الثغرات التي ا�ستغلها ال�شياطني امل�ؤ�س�سون لداع�ش والقائمون عليها ،وكيف �سخروا �أولئك ال�شباب وحولوهم �إىل وحو�ش كا�سرة يف �أ�شكال ب�شر ،قد ان�سلخوا من االنت�ساب �إىل الب�شر منذ البداية.
العدد - 19ال�سنة الثامنة
�أ َّما الربط بني الإرهاب املعا�صر وبني تلك احلقبة التاريخ َّية فينبغي �أن يكون دقي ًقا جدًا ،لكي ال يدخل ال�ساعون للق�ضاء على هذه الفتنة و�إنهاء وجود هذا التيار يف متاهات �أخرى ،فنحن �أمام فئة �شيطان َّية ماكرة ا�ستفادت من جتارب تاريخ َّية وجتارب معا�صرة ،فال ي�ستهان بها وال يجري جتاوزها واالن�شغال ب�سواها وال تتخذ �إجراءات قد تو�سع قواعدها ،ومتنحها روافد قد تعزز من قوتها ،بل البد من العمل على ح�صرها يف دوائر جغراف َّية حمددة ثم التعامل معها يف تلك الدوائر ،لكي يق�ضى عليها وعلى منابعها مرة واحدة ،فال ي�سمح �أن تقوم لها قائمة� ،أو تخلف من ورائها تنظي ًما يحمل مثل �أمرا�ضها وعنفها ،وال�شر املتف�شي يف عقول وقلوب �أبنائها.
29
واهلل من وراء الق�صد.
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
�أ�ضواء على العامل الإ�سالمي
�إعداد �ِ /ص ّديق حممد ابراهيم
كنا يف العدد ال�سابق يف القارة الآ�سيو ّية حيث (ميامنار( وم�أ�ساتها،ويف هذا العدد �أ�ضوا�ؤنا تتجه نحو القارة العجوز (�أفريقيا( لنقف على �أعتاب جزءٍ من �أجزاء الأمة الإ�سالمية التي نبحث يف مالمح تاريخ وحدتها ،ولرنى كيف تكون للإن�سان كبوة و�صحوة من خالل ٍ وجه النبي (�صلى اهلل عليه و�سلم( �صحابته الكرام �إىل ُم�ضيء حني ّ احلب�شة وا�صاف ًا ملكها بالعدل ،ومل يكن يومها يعرف النجا�شي النبي اخلامت �إمنا كان �إبراهيمي ًا على �شريعة امل�سيح (عليه ال�سالم( ،وقد �آوى امل�سلمني وانت�صر لهم ،تلك هي �سمة الإن�سان هناك على الرغم من ت�أخر القارة عن الركب والتطور الذي انتظم عامل اليوم .ف�إىل جمهورية تنزانيا االحتادية (ماهية اجلمهورية وماهيات �أهلها( تنزانيا دولة �أفريقية رائعة اجلمال تقع يف اجلزء اجلنوبي ال�شرقي لأفريقيا حتدها من ال�شمال كينيا و �أوغندا ومن الغرب رواندا وبوروندي والكنغو ومن اجلنوب زامبيا وميالوي وموزمبيق ومن ال�شرق املحيط الهندي ،وهي �إحدى دول حو�ض النيل ( م�صر ،ال�سودان ،جنوب ال�سودان� ،إثيوبيا� ،إرتريا ،كينيا � ،أوغند ،تنزانيا ،بوروندي ،رواندا، الكنقو ( ،وقد تك ّونت تنزانيا من �إحتاد دولتي تنجانيقا وزجنبار بعد ا�ستقاللهما من الإحتالل الربيطاين والربتقايل يف عامي 1961م و
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
1964م لتقوم اجلمهورية الإحتادية التي تبلغ م�ساحتها 945.203كم2 بعدد �سكان 49مليون و�25ألف ن�سمة وفق ًا لآخر تعداد للأمم املتحدة ، وتتوزع هذه الأعداد على 26منطقة رئي�سية عبارة عن واليات �إدارية كانت تدار من العا�صمة دار ال�سالم ثم دودما.
جغرافية تنزانيا :
�أرا�ضيها م�سطحة م�ستوية وبها �أرفع قمة جبلية بالقارة الأفريقية وهي قمة جبل (كمنجارو( الذي يقع يف احلدود ال�شمالية ال�شرقية لتنزانيا بارتفاع 5895م ، ومن ت�ضاري�سها الطبيعية بحرية فكتوريا ثاين �أ�ضخم بحرية يف العامل بعد بحرية قزوين(يف غرب �آ�سيا والتي تطل عليها رو�سيا و�إيران و�أزربيجان وتركمان�ستان وكازخ�ستان( تلي فكتوريا تنجانيقا �أعمق البحريات الأفريقية ،وال حاجة للحديث عن املوارد الطبيعية لتنزانيا �أو �أي دولة يف القارة الأفريقية ،فقد بات معلوما متتع تلك القارة العجوز باملوارد الطبيعية بكرث ٍة الفتة من �أخ�شاب الغابات الطبيعية ب�أنواعها ودرجاتها وثرواتها احليوانية ال�ضخمة التي تتقدمها الفيلة والأ�سود والغزالن وغريها بالإ�ضافة �إىل الأملا�س والذهب والفحم احلجري واحلديد والق�صدير والفو�سفات وغريها من مواد �صاحلة للإ�ستثمار .
30
التنوع الديني :
* التنوع العرقي واللغوي والديني التنوع العرقي :على الزائر لتنزانيا �أن يقف على �آية من �آيات اهلل هناك ؛ تتمثل يف �إختالف الأل�سنة و�إن تقاربت الألوان ،فقد قال اهلل ال�س َما َو ِات َو ْ أَ ال ْر ِ�ض َواخْ ِتلاَ ُف �أَ ْل ِ�س َن ِت ُك ْم َو�أَ ْل َوا ِن ُك ْم تعاىل َ (:و ِمنْ �آ َيا ِت ِه َخ ْلقُ َّ ِ�إنَّ فيِ َذ ِل َك َ آل َي ٍات ِل ْل َعالمِ ِنيَ) (�سورةالروم ) ٢٢ :حيث ت�ضم تنزانيا 120 أ�صول زجنية وحامية ،و�أخرى هندية عرق ًا خمتلفا ينحدرون من � ٍ وباك�ستانية وعربية و�أوربية ،و�أكرب تلك املجموعات العرقية :ال�سوكوما والنيام واليزي ،و�أ�شهر قبائلها قبيلة املا�ساي ،كما توجد قبيلة البا�شنجا وماكونزي و�سوكوما و�سومبو وزارمو و�شاما وتيتا وهيهي التي ينت�شر و�سطها الإ�سالم كما هو احلال عند جمموعات اجلوجو والياو ، �إال �أن ذلك التنوع العرقي مل ي�شكل خطرا على وحدة البالد و�أمن �أهلها كما حدث جلاراتها رواندة يف مذبحتها العرقية ال�شهرية عام 1994م بني الهوتو والتوت�سي.
يف التقرير الذي �أعدته رابط العامل الإ�سالمي يف 2012/10/20م حول الأقليات يف العامل مل يذكر التقرير تنزانيا لأن الإح�صاءات املعتمدة ت�شري �إىل �أن امل�سلمني ي�شكلون %70من عدد ال�سكان و%3 ديانات �أخرى (م�سيحية و وثنية ( وقد دخل الإ�سالم تنزانيا يف وقت مبكر بف�ضل التجارة التي كانت للعرب يف تلك املنطقة منذ القرن الأول الهجري ،وقد �أ�س�سوا كثريا من الإمارات مث �إمارة المو يف ال�ساحل ال�شرقي و�إمارة ماندي ،وقد دهم الإ�ستعمار الربتقايل تلك الإمارات فدمرها ودخل يف �صدام مع القوة الإ�سالمية العمانية التي ا�ستطاعت �أن تق�ضي على النفوذ الربتقايل عام 1740م ومل تنقطع �صلت الإ�سالم بتلك املنطقة حتى الآن ،حيث يقف املجل�س الإ�سالمي التنزاين الذي مت ت�أ�سي�سه عام 1387هـ ويقوم بالإ�شراف على امل�ساجد واملدار�س الإ�سالمية ،ومركز احلرمني الإ�سالمي يف دار ال�سالم والذي مت ت�أ�سي�سه عام 1397هـ نتيجة عالقات اململكة العربية ال�سعودية بتنزانيا ،وهنالك العديد من اجلمعيات والهيئات الإ�سالمية غري �أنها تعاين من نق�ص يف عدد املدار�س واملدر�سني خا�صة يف الثقافة الدينية . ٍ
التنوع اللغوي : كغريها من بلدان �أفريقيا تتنوع اللغة يف تنزانيا تبعا للتنوع العرقي الذي حتياه املنطقة � ،إال �أن معظم ال�سكان يتحدثون لغة البانتو على الرغم من �أن اللغة الر�سمية هي اللغة ال�سواحلية املعروفة ل�شرائح وا�سعة من ال�سكان وهي عباره عن مزيج من لغات �أفريقيا القدمية واللغة العربية � ،إىل جانب اللغة الإجنليزية بالإ�ضافة �إىل اللغة العربية التي يتحدثها بع�ض ال�سكان ب�سبب �إعتناق الدين الإ�سالمي وب�سبب وجود بع�ض الأقليات العربية التي و�صلت لتلك املنطق يف القرن الأول الهجري و�أ�صبحت ت�ش ّكل جزءا من الن�سيج املجتمعي لتنزانيا .
العدد - 19ال�سنة الثامنة
31
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
التناق�ضات ال�سلوكية واالجتماعية
�أ.د .حممد �أحمد الق�ضاة عميد كلية ال�شريعة اجلامعة الأردنية �سابقاً
التفريط يف الدين ،والتق�صري يف �أحكامه ،ينتج عنه كثري من الأمرا�ض االجتماعية وال�سلوكية التي تع�ش�ش بني النا�س، وتفتك بهم ،وتعطي �صورة �سيئة عن امل�سلمني ،وتنفر النا�س منهم ،وتدفع غري امل�سلمني يف ال�شك يف الإ�سالم نف�سه ،ويف �صالحيته لإ�صالح الفرد واملجتمع ،ويتخذ �أعداء الإ�سالم من هذه الأمرا�ض �أ�سلحة للهدم ،وبراثن للطعن. وتظهر هذه التناق�ضات والأمرا�ض على بع�ض املتدينني، الذين يعتزون بانت�سابهم للإ�سالم ،والتزامهم اجلزئي ب�أحكامه، وتطبيقهم لبع�ض تعاليمه ،وقد يحملون على غريهم بالتق�صري، ولكنهم ال يقدمون لهم املثل الطيب ،والأمنوذج ال�صحيح يف معرفة �أحكام ال�شريعة ،و�أثر الدين عليهم �إيجاباً ،بل قد ت�ؤدي املقارنة يف بع�ض الأحيان لتف�ضيل غري املتدين على املتدين من حيث الظاهر ،ملا يظهر على املتدين من ظواهر مر�ضية مزمنة، وتناق�ضات �سلوكية يف نف�سه و�شخ�صيته� ،أو يف تربيته وبيته، و�أ�سرته� ،أو يف تعامله مع غريه �أخالقياً و�سلوكياً ومالياً� ،سواء يف جمال العقيدة والفكر ،كاملفهوم اخلاطئ عن الق�ضاء والقدر، والتق�صري يف الأخذ بالأ�سباب مع االعتماد على املغيبات وخوارق العادات وبع�ض الأوهام واخلرافات� ،أم يف جمال العبادات التي ال حتقق معناها ،وال تنتج �أهدافها� ،أم يف جمال الأحوال ال�شخ�صية و�أحكام الأ�سرة ،ك�سوء تعاملة مع الزوجة ،وقطع �صلة الرحم� ،أو عند الطالق واالفرتاق ومعاملة الأوالد� ،أو يف املجامالت التي تخرج عن حدود اخللق والدين. ومن العجيب والغريب �أن هذه التناق�ضات والأمرا�ض التي تنتاب الأفراد �أو املجتمع� ،أو التي يثريها اجلدل والنقا�ش لي�ست من الدين ال�صحيح ،و�أن الإ�سالم منها بريء ،بل حذر من وقوعها ،وحاربها ،وهدد مرتكبيها ،وق�ضى على جذورها، وذلك يف ن�صو�ص �شرعية �صريحة ال حتتاج �إىل اجتهاد �أو ت�أويل، و�إمنا تتعط�ش �إىل التنفيذ والتطبيق ،وااللتزام ال�صحيح باملنهج القومي ،ومثال ذلك �أداء العبادات ،فبع�ض النا�س يواظب على القيام بها ،و�إعالنها ،بل واالفتخار بها،والتباهي والتم�سك بها ،واحلر�ص على االت�صاف ب�ألقابها يف انحاء املجتمع ،ولكن �صاحبها يقت�صر على ذلك ،ويحدد الدين والتدين بها ،ويطلق �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
بعد ذلك العنان لنف�سه ،فال يجد حرجاً �أن ي�سري وراء �شهواته وغرائزه ،وينغم�س يف املحرمات ويتجاوز املقد�سات الدينية ،ف�إذا ق�ضى وطره ،وحان وقت العبادة لب�س جلبابها ،وارتدى رداءها، وغرق يف مظاهرها ،وك� ّأن الإ�سالم ثوب ُيلب�س للمنا�سباتَ ،و ُيخلع بعدها. ومن �صور التناق�ضات ال�سلوكية واالجتماعية التي تلوكها الأل�سنة ،كمن يبني امل�ساجد ،وي�شارك يف اجلمعيات اخلريية واالجتماعية ،ويف نف�س الوقت يغرق يف الربا واالحتكار والغ�ش، وكاملر�أة التي تلب�س احلجاب ال�شرعي ثم تتجمل بجميع �أنواع الزينة يف كل مكان ،وكالرجل الذي ميار�س ال�شعائر ثم ي�شرب اخلمر ،ويقلد �أعداء الدين يف العادات وال�سلوك ،وهذا كله ميثل متزيقاً للدين،من جهة ،و�صوراً متنافرة يف ال�سلوك ،وتناق�ضات فكرية و�سلوكية واجتماعية من جهة �أخرى ،وقد يزداد الأمر �سوءا مع �أنا�س ي�ؤدي العبادات الإ�سالمية ،ثم يتخلى عن غريها، في�سلخ من الدين ما ي�شاء ،ومبا يتفق مع ذوقه و�أهوائه وميوله، ويدير ظهره ملا ي�شاء ،وبع�ضهم يقول للنا�س� ،إنه م�سلم متمدن، �أو م�سلم معا�صر� ،أو م�سلم مت�سامح� ،أو م�سلم متطور ،وال يدري �أنه �أ�ضاع �شخ�صيته ،وفقد البو�صلة الهادية يف حياته ،وعا�ش عمره يف ازدواجية ل�شخ�صيته،ف�أ�صبح مكان الهزء وال�سخرية وال�ضياع ،و�صدق اهلل العظيم ):ف�إنها ال تعمى الأب�صار ولكن تعمى القلوب التي يف ال�صدور (. لي�س الإ�سالم جمرد �شعار ولقب ،وال يقت�صر دوره على �أداء العبادات والفرائ�ض فح�سب ،بل امل�سلم احلقيقي هو الذي يردعه �إ�سالمه عن الظلم والعدوان ،و�سوء الأخالق مع غريه، �سواء كان بيده �أم بل�سانه ،ويجتنب ما نهى اهلل عنه من املفا�سد واملحظورات ،ثم يدفعه �إميانه �إىل احلفاظ على �أموال الآخرين و�أعرا�ضهم ودمائهم ،ليحب لهم ما يحب لنف�سه ،ويكره لهم ما يكره لنف�سه ،قال عليه ال�صالة وال�سالم ):ال ي�ؤمن �أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنف�سه) ،ل ّأن الإ�سالم �إميان بالقلب ،ونطق بالل�سان ،وتطبيق عملي باجلوارح ،والتزام �شرعي يف خمتلف جوانب احلياة.
32
امل�س�ؤولية االجتماعية و ال�سلوك الأخالقي يف عمل امل�صارف الإ�سالمية
د .غ�سان الطالب
تعمل امل�صارف الإ�سالمية وفق �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية يتحقق �ضمن ال�ضوابط ال�شرعية يف تنمية ر�أ�س املال حيث من يف معامالتها املالية وهذا م�سوغ وجودها كبديل للنظام امل�صريف املعلوم �أن العائد هنا غري م�ضمون ومبني على عن�صر املخاطرة التقليدي الذي يقوم على �أ�سا�س �سعر الفائدة ,ولهذا ف�إن املبادئ على العك�س من البنوك التقليدية يكون العائد على ر�أ�س املال التي و�ضعت كم�سوغ لوجودها تفر�ض عليها عدم تقدمي �أي نوع م�ضمون من خالل �سعر الفائدة املعلوم م�سبقا عند طلب من التمويل للم�شاريع التي تخالف ال�شريعة الإ�سالمية �أو �إنتاج التمويل ،وحتى ي�ساهم امل�شروع يف حتقيق تنمية اقت�صادية يجب �أي �سلعة حمرمة �أو ميكن �أن تلحق ال�ضرر باملجتمع وعليه ف�إنها �أن يحقق قيمة م�ضافة �إىل الدخل القومي �إ�ضافة �إىل كفاءة ملزمة بنهج ال�سلوك الإ�سالمي واملق�صود هنا بال�سلوك االلتزام وح�سن ا�ستغالل املوارد االقت�صادية املتاحة وهذا بالنتيجة ي�ؤدي بكل املعاير الأخالقية التي وردت يف ال�شريعة الإ�سالمية ،و�أقرها �إىل امل�ساهمة يف حتقيق اال�ستقرار االقت�صادي املن�شود. �أما الأهمية االجتماعية فهي تتمثل يف كون البنك الإ�سالمي
القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية مثل عدم االحتكار وعدم ا�ستغالل
حاجيات النا�س و�ضروريات املجتمع وعدم التبذير والإ�سراف لي�س م�ؤ�س�سة هدفها حتقيق الربح فقط بل ت�سعى �إىل تقدمي وعدم حجب الزكاة التي هي مبثابة ال�ضريبة ال�شرعية وما �شابه خدمات اجتماعية من �ش�أنها �أن تعزز املناخ االجتماعي ال�سليم وتعمق القيم الأخالقية مثل ال�صدق والأمانة يف املعامالت وفق
ذلك.
وهنا تتجلى القيم الأخالقية يف االقت�صاد الإ�سالمي والتي ال�ضوابط الأخالقية وال�شرعية والتي توظف القوة الكامنة يف تنعك�س �إيجابا على املجتمع �أخالقيا واجتماعيا واقت�صاديا ،الإن�سان نحو العملية الإنتاجية وبالنتيجة ت�ساهم يف زيادة دخل وعليه ،ف�إن �أي ن�شاط ا�ستثماري للم�صارف الإ�سالمية يجب �أن الفرد وزيادة الدخل القومي ومن ثم تقليل معدل البطالة تلك يرتبط بالقيم ال�شرعية والأخالقية مثل حتقيق مبد�أ العدالة الآفة التي ت�ؤدي �إىل العديد من امل�شاكل االجتماعية وما �إىل ذلك وال�صدق والأمانة واالبتعاد عن كل ما هو م�ضر وذو �أثر �سلبي .واليوم �أمام احلاجة االقت�صادية التي تربز لتقدمي التمويل على املجتمع ،مبعنى �أي م�شروع يتقدم بطلب متويل من امل�صرف مل�شاريع تنموية ت�ساهم يف حتريك عجلة االقت�صاد الوطني ف�إن الإ�سالمي ينظر لطلبه �ضمن هذه ال�ضوابط و املعايري قبل م�صارفناالإ�سالمية مطالبة بتطوير معايري التمويل املوجه النظر �إىل حجم العائد املتوقع الذي ميكن �أن يحققه من هذا �إىل اال�ستثمار اجلاد مبا يتالءم مع �أولويات التنمية االقت�صادية امل�شروع ،وطاملا �أن امل�صارف الإ�سالمية هي م�ؤ�س�سات ت�ؤدي دورا امللتزمة بالثوابت الأخالقية وال�شرعية وامل�ساهمة الفاعلة يف مهما يف التنمية االقت�صادية من خالل قدرتها على توفري دعم الدرا�سات والأبحاث العلمية التي ت�ساهم يف تعزيز جتربتها التمويل الالزم الذي ي�ساعد على تنفيذها ،ف�إنها �أي البنوك امل�صرفية وتطويرها خ�صو�صا بعد �أن بدا لنا وا�ضحا الإهتمام تنظر لأي م�شروع اقت�صادي من زاويتني الأوىل وهي الأهمية العاملي بال�صريفة الإ�سالمية وو�سائل مواجهتها للأزمة االقت�صادية لهذا امل�شروع ،والثانية الأهمية االجتماعية كذلك ،املالية العاملية ،وهنا يكمن م�ضمون الر�سالة و�سر النجاح. ونعني بالأهمية االقت�صادية العائد االقت�صادي الذي ميكن �أن العدد - 19ال�سنة الثامنة
33
تعترب امل�س�ؤولية االجتماعية املقرتنة بامل�س�ؤلية الأخالقية �شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
واحدة من �أهم املبادئ التي ا�ستمدت منها امل�صارف الإ�سالمية واقت�صاديا .ونق�صد باال�ستثمار يف الإن�سان �إعطاء الأولوية �شرعيتها كونها حتمل ر�سالة اقت�صادية و�أخالقية ملتزمة لالهتمام باجليل النا�شئ ومنحه فر�ص التعليم والرعاية ب�أحكام ال�شريعة الإ�سالمية ،وهي كذلك ُتعد �إحدى اخلدمات ال�صحية وكل م�ستلزمات التكوين العلمي واملهني حتى يكون التي ت�ؤديها يف خدمة املجتمع من جانب امل�ساهمة يف التنمية قادرا على حتمل امل�س�ؤولية ،ومع انت�شار الفقر وتنوع احتياجات االقت�صادية ملا لها من دور يف التقليل من عبء الفقر وحت�سني احلياة ،جند العديد من �أبناء الوطن الذين تتوفر لديهم الظروف املعي�شية للفئات املحتاجة وتوفري ما �أمكن من فر�ص القدرات الذهنية ال يجدون الفر�ص لتبني قدراتهم وا�ستثمارها العمل ،وهذا هو م�ضمون الر�سالة الإ�سالمية والأخالقية حتى ت�سهم يف تطور احلياة االقت�صادية واالجتماعية لبلدهم، املعلنة يف برامج هذه امل�صارف ،فال�شريعة الإ�سالمية تنظر �إىل عندها يكون الوطن هو اخلا�سر الأكرب؛ حيث �سيكونون عبئا الهدف االقت�صادي واالجتماعي على �أنه واجب �إن�ساين و�إمياين على املجتمع بدل �أن يكونوا �أداة للنهو�ض به ,ومما ال�شك فيه �أن يخلو من الظلم واال�ستغالل وي�صب يف م�صلحة املجتمع مبا امل�صارف الإ�سالمية هي م�ؤ�س�سات ربحية ت�سعى �إىل حتقيق الربح يحقق الأمن واال�ستقرار والعدالة ,وال ن�ستثني من امل�س�ؤولية كونها م�ؤ�س�سات ا�ستثمارية ذات طابع اقت�صادي واجتماعي تعمل االجتماعية والأخالقية االهتمام بالإن�سان كهدف من �أهداف على توظيف مدخرات املجتمع ور�ؤو�س الأموال التي تبحث عن م�س�ؤولية امل�صارف االجتماعية جتاه املجتمع ,و ميكننا القول اال�ستثمار وفق �أ�س�س و�ضوابط متيزها عن تلك الأ�س�س املتبعة يف �إن اال�ستثمار يف الإن�سان يعد �أف�ضل �أنواع اال�ستثمار لأنه امل�صارف التقليدية وخا�صة يف عملية الرتاكم الر�أ�سمايل لديها الأ�سا�س ال�صحيح وال�سليم لبناء جمتمع �صالح وقوي اجتماعيا املعتمد على �سعر الفائدة فقط لهذا ف�إن الربح الذي ت�سعى
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
34
�إليه امل�صارف الإ�سالمية هو ربح م�شروع وهدف منطقي عندما الأري���اف البعي���دة ع���ن املرك���ز حت���ى ت�ص���ل �إىل املدخ���رات غ�ي�ر يقرتن بالهدف االجتماعي ذي البعد الأخالقي والروحي بحيث الفاعل���ة يف احلي���اة االقت�صادي���ة وتعم���ل كذل���ك على ن�ش���ر الوعي ينعك�س �إيجابا على خمتلف نواحي احلياة يف املجتمع الإ�سالمي امل�ص���ريف الإ�سالم���ي يف ه���ذه املناط���ق لت�ساهم يف حتقي���ق التنمية �إن الر�سالة االجتماعية النابعة من امل�س�ؤولية الأخالقية لهذه االقت�صادي���ة يف جمتمعاته���م وه���ذا يتطل���ب �إن�ش���اء ف���روع جديدة امل�صارف ميكن �أن ت�ؤدي دوراً فاع ً ال كذلك يف حتقيق معدالت ربح يف املناط���ق الت���ي ال تتواف���ر به���ا خدم���ة امل�ص���ارف الإ�سالمي���ة. �أف�ضل للم�صرف عندما يكون هنالك بيئة اجتماعية واقت�صادية •�إعطاء �أهمية للقر�ض احل�سن ونقرتح هنا �إن�شاء �صناديق خا�صة �سليمة وعندما ت�ساهم يف حتقيق تنمية للمجتمع وتخفف من للقر����ض احل�س���ن لدى ه���ذه امل�صارف وذلك لتحقي���ق �أهداف ذات الأعباء املعي�شية لأفراده خا�صة و�أن الأ�صول املالية املتاحة لهذه امل�صارف تفوق 2ترليون دوالر حتى عام 2014وفروعها موزعة طابع اجتماعي مثل م�ساعدة الطلبة املتفوقني على �إكمال درا�ستهم على �أنحاء عديدة من العامل � ،إال �أنه يوجد بع�ض امل�آخذ على وم�ساعدة الراغبني يف الزواج �أو يف حاالت العالج وما �شابه ذلك. هذه امل�صارف يف عدم �إعطائها الأهمية املطلوبة لتفعيل الدور "•الإهتم���ام بالبح���ث العلم���ي وتق���دمي الدع���م املنا�س���ب ل���ه. االجتماعي لها مع �إقرارنا ب�أنه ملجرد تو�سعها وانت�شارها الكبري •العم���ل هو بحد ذاته خدمة اجتماعية يرتتب عليها م�س�ؤولية كبرية ال���زكاة والتكف���ل ب�إدارته���ا خدم���ة للمجتم���ع. ومنتظرة من هذه امل�صارف ،ولدينا القناعة �أن هذه امل�صارف كم���ا �أن هن���اك العدي���د م���ن املجاالت الت���ي تعترب مناف���ذ للخدمة عل���ى
ميكن �أن تقدم خدمات اجتماعية �أف�ضل .
ونوعي���ة متمي���زة م���ن خ�ل�ال تفعي���ل دوره���ا يف النواح���ي الآتي���ة: •االهتم���ام بتموي���ل امل�شروع���ات ال�صغ�ي�رة واملتو�سط���ة كونه���ا
�إن�ش���اء
�صنادي���ق
خا�ص���ة
ب�أم���وال
االجتماعي���ة والتي لي����س من ال�سهل ح�صرها ميكن للم�صارف �أن ت�ؤك���د دورها ور�سالتها االجتماعية م���ن خاللها ونحن على يقني م���ن �أن الإرادة متوف���رة والإمكاني���ات متاح���ة ....فعندما تتحقق
مت����س �أه���م �شريح���ة اجتماعي���ة وتعم���ل عل���ى �إيج���اد فر����ص عم���ل وزي���ادة دخ���ل بع����ض الأُ�س���ر يف املجتم���ع الإ�سالم���ي .الأهداف االجتماعية ن�صل �إىل اال�ستقرار ال�سيا�سي واالقت�صادي •رب���ط التط���ور يف ال�صناع���ة املالي���ة الإ�سالمي���ة م���ع اجلان���ب والعي����ش الآم���ن لأف���راد املجتم���ع وبالت���ايل ف����إن املجتم���ع ب���دوره االجتماع���ي حت���ى يتحق���ق العائ���د االجتماع���ي املرج���و منه���ا .يحر�ص كذلك على املحافظة على جتربته امل�صرفية التي تن�سجم •العم���ل على �إي�ص���ال اخلدمة امل�صرفي���ة الإ�سالمية �إىل مناطق مع فل�سفته العقائدية وعمادها مبادئ ال�شريعة الإ�سالمية.
العدد - 19ال�سنة الثامنة
35
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
ت�أمالت يف الرتبية النبوية �سبحانك اللهم ما �أعظمك� ،أن بعثت فينا حممداً �صلى اهلل عليه و�سلم هادياً وداعياً �إىل احلق ،وخ�ص�صته ب�صفات ال يجاريه فيها �أحد ،وقلت �سبحانك بحق نبيك( :و�إنك لعلى خلق عظيم) (القلم( ،)5ويكفينا �شرفاً �أن يكون نبينا من �صفوة خلقك ويكون هذا و�صفه ،كما جاء على ل�سان عائ�شة ر�ضي اهلل عنها ( كان ُخلقه القر�آن) � ،إنه املربي الأول الذي جمع جوانب الرتبية كلها بخالف �أي نهج تربوي و�ضعي ،ومل تخل �أية خطة تربوية من جوانب ق�صور ومكامن خلل مهما �أحكمت ،تركز على جانب وتغفل جوانب ،وقد تركز على فئة �أو تهتم بجن�س �أو لون �أو طبقة على ح�ساب فئة �أو جن�س �أو طبقة �أخرى ،ثم حتاول �إ�صالح ما قد فاتها بعد فوات الأوان .وهكذا� ،إىل �أن تتهاوى وتت�آكل القيم واملبادىء والروابط القومية ،بعدها تبد�أ الرحلة �إ�صالح اجلزئيات � ،أما الكليات من املبادىء والقيم ال�سليمة فتكون حينها �صعبة املنال .لهذا �سنعر�ض تاليا لبع�ض من خ�صائ�ص الرتبية النبوية: و�ضوح الهدف : يعاين كثري من الآباء واملربني يف هذا الزمان من حرية وقلق جتاه امل�سلك الواجب اتباعه يف الرتبية ،و�إذا ما تعمقت يف بحث الأ�سباب� -أ�سباب احلرية والقلق -وجدت �أن على ر�أ�سها ،غياب الهدف الوا�ضح الذي ي�صبو كل لتحقيقه ،لكن النهج النبوي ج ّد خمتلف� ،إذ هو وا�ضح الأهداف والغايات التي يريد الو�صول �إليها بكافة �أبناء الأمة ومنها : بناء جمتمع متما�سك :من خالل تقوية الروابط والعالقاتفيما بني �أع�ضاءه وتوثيقها ،حيث قال �صلى اهلل عليه و�سلم : ( مثل امل�ؤمنني يف توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل اجل�سد ،
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
د .ي�سرى العرواين
�إذا ا�شتكى منه ع�ضو ،تداعى له �سائر اجل�سد بال�سهر واحلمى ). حفظ احلقوق :بحيث و�ضع حدودا على اجلميع االلتزام بهاحفظا حلقوقه وحقوق غريه ،فقال �صلى اهلل عليه و�سلم ( :حق امل�سلم على امل�سلم �ست ،قيل ما هن يا ر�سول اهلل ؟ قال � :إذا لقيته ف�سلم عليه ،و�إذا دعاك ف�أجبه ،و�إذا ا�ستن�صحك فان�صح له ،و�إذا عط�س فحمد اهلل ف�ش ّمته ،و�إذا مر�ض فعده ،و�إذا مات فاتبعه) . ( رواه م�سلم يف �صحيحه ) .ويف احلديث ( :ال يحل مال امرىء م�سلم �إال بطيب نف�س منه). احلفاظ على العبادات :ومن احلديث الذي رواه عمر بناخلطاب ر�ضي اهلل عنه ومما قال فيه ( :بينما نحن جلو�س عند ر�سول اهلل ذات يوم �إذ طلع علينا رجل �شديد بيا�ض الثياب �شديد �سواد ال�شعر ،ال يرى عليه �أثر ال�سفر .....فقال ياحممد: �أخربين عن الإ�سالم ..ف�أخربين عن الإميان ....ف�أخربين عن الإح�سان ...ف�أخربين عن ال�ساعة – ...والر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يجيب ، -ثم انطلق ،فلبثت مليا ،ثم قال :يا عمر� ،أتدري من ال�سائل ؟ ....ف�إنه جربيل �أتاكم يعلمكم دينكم )( .رواه م�سلم). الت�أكيد على مكانة الأمة :يقول اهلل تعاىل( :كنتم خري�أمة �أخرجت للنا�س ت�أمرون باملعروف وتنهون عن املنكر.... الآية)�( .آل عمران( .)110ويف احلديث الذي يرويه ابن م�سعود: (من جل�س �إىل غني فت�ضع�ضع له ذهب ثلثا دينه). مراعاة امل�شاعر والأحا�سي�س :فقد قال �صلى اهلل عليهو�سلم ( :ال يحل مل�سلم �أن يروع م�سلماً). احلكمة يف الرتبية : يقول احلق جل وعال ( ادع �إىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم بالتي هي �أح�سن).
36
ات�سم �أ�سلوب ر�سول اهلل باحلكمة واالتزان واال�ستناد �إىل املنطق بعيداً عن احلدة واالنفعال وردود الأفعال .فقد �ضرب لنا �أروع مثل يف احلكمة عندما جاءه �شاب وطلب �أن ياذن له بالزنى ،ف�أنكر عليه ال�صحابة القول وعنفوه ،ولكن جتلت احلكمة يف تعامل ر�سول اهلل معه� ،إذ �أدنى ال�شباب منه وبد�أ يحاوره � ..أتر�ضاه لأمك ..لأختك ..لعمتك ..وعدد عليه املحارم ..وال�شاب يقول :ال.. ور�سول اهلل يقول :وكذلك النا�س ال ير�ضونه ملحارمهم ،ثم و�ضع ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يده على �صدر ال�شاب ،وقال : اللهم طهر قلبه وح�صن فرجه ( فقال ال�شاب :واهلل ما رفع ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يده عن �صدري وعلى الأر�ض ىل من ر�سول اهلل و�أكره �إ ّ �أحب �إ ّ يل من الزنا. العدل وامل�ساواة: قال تعاىل ( :يا �أيها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر و�أنثى وجعلناكم �شعوباً وقبائل لتعارفوا �إن �أكرمكم عند اهلل �أتقاكم �إن اهلل عليم خبري ( احلجرات (.)13 وعندما �أراد ال�صحابة �أن ي�شفعوا يف حدٍ من حدود اهلل لدى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم حني �سرقت املر�أة املخزومية، فغ�ضب ر�سول اهلل وقال�( :إمنا �أهلك الذين من قبلكم �أنهم كانوا �إذا �سرق فيهم ال�شريف تركوه ،و�إذا �سرق فيهم ال�ضعيف �أقاموا عليه احلد ،و�أمي اهلل :لو �أن فاطمة بنت حممد �سرقت لقطعت يدها) ال�شمولية : من خ�صائ�ص الرتبية النبوية �أنها جاءت �شاملة لرتبية �أمة ب�أكملها ،ولكافة الأزمنة وملختلف الأمكنة ولكل �شرائح املجتمع، ون�ستدل على ذلك بحديث ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم: (كلكم راع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته). التنويع يف الأ�ساليب: مل يكن النهج النبوي منطياً ،لكنه يت�ضمن تنويعاً يف الأ�ساليب، فعندما يكون التوجيه للأطفال ،يعتمد الأ�سلوب املب�سط املبا�شر ( يا غالم � ،سم اهلل ،وكل بيمينك ،وكل مما يليك).
العدد - 19ال�سنة الثامنة
الرتغيب والتي�سري : كان ميازح ال�صغار� ،إذ قال لأحدهم ( :يا ذا الأذنني ). ( رواه ابن �أبي الدنيا يف العيال ،494/1،وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع) ،وقال ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما( :ملا قدم ر�سول اهلل مكه ا�ستقبله �أغيلمة بني عبد املطلب فحمل واحدا بني يديه و�آخر خلفه). احرتام الآخرين : يقوم النهج النبوي على احرتام الآخرين� ،سواء كانوا �صغارا �أم كبارا رجاال �أم ن�ساء �أفرادا �أم جماعات ،فكان �إن �أراد �أن يقوم م�سلكا �أو يع ّقب على ت�صرف خمالف ،يقول وال يق�سو ويعظ وال يحدد ،ك�أن يقول ( :ما بال �أقوام ي�صنعون كذا). الب�ساطة والو�ضوح: تقول ال�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها ( :ما خري ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بني �أمرين �إال اختار �أي�سرهماما مل يكن �إثما، ف�إن كان �إثما كان �أبعد النا�س عنه ،وما انتقم لنف�سه �إال �أن تنتهك حرمة اهلل فينتقم هلل بها). هذا غي�ض من في�ض التوجيه النبوي املتفرد بنهج تربوي قومي ، يتجاوز كل هنات وق�صور الأ�ساليب الرتبوية الو�ضعية التي مهما �أحكمت ف�إنها ال تكاد تخرج من حفرة حتى تهوي يف واد �سحيق، وال خمل�ص لها من هذا كله �إال االلتزام بكتاب اهلل ،و�سنة نبيه الذي ال ينطق عن الهوى ،ف�صالة ربي و�سالمه عليك يا�سيد اخللق ونبي احلق ،وجمعنا اهلل بك يف الفردو�س الأعلى � ،إنه ويل ذلك والقادر عليه .
37
واحلمد هلل رب العاملني.
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
ال �إله �إال اهلل � َّأم القواعد الكلية
حممد باباعمي
حقيقة املعرفة ،و�أ�صل الوجود
كنت منت�ش ًّيا م�سرو ًرا� ،أق ِّلب �صفحات (بذور الر�شد) يف ال�شبكة العنكبوتية ،بن�شوة العابد وروح اجلنديِّ � ،أ�صوغ (�أ�سئلة و�إ�شكاالت) تارة ،و�أ�ستنبط (القواعد الكلية) تارة ،ثم � ِأ�صل الفكرة بالواقع (ت�شغيال وتفعيال) تارة �أخرى؛ ك�أين يف احل�ضرة القد�سية� ،أ�ستمع و�أن�صت ل�سيد الأنام حمم َّد وهو يرتمن بالقر�آن ًّ غ�ضا طر ًّيا ،ين�ساب زالال �سل�سبيال مِ ن �شفتيه املباركتني ،جميع ما حويل ومَن حويل يف عداد الال�شعور...مل يبق من (الوجود) يف �أعماق (وجداين) �إ َّال ّ (كالم اهلل احلكيم) ،بل ما بقي �شيء ُيذكر �إ َّال (هو) �سبحانهُّ : (كل �شيء هالك �إ َّال وجهه)( ،ويبقى وجه ربك ذو اجلالل والإكرام ).مع بدايات �سورة طه ،جل�ستُ ُ�صبحا� ،أحفِر حفرا خفي ًفا رفي ًقا ،من ِّقبا عن (القواعد الكلية) لفقه احل�ضارة ،امل�صاغة يف (القر�آن الكرمي) ،مما يعالج (�س�ؤال الأزمة) املحورِي يف (منوذج الر�شد)( :حركية الفكر والفعل)؛ وانتهيت يف الآيات وال�سطور الأوىل من ال�سورة الطيبة� ،إىل قوله ج َّل �ش�أنه( :اهلل ال �إله �إ َّال هو ،له الأ�سماء احل�سنى...).جمدت �أو�صايل ،اغرورقت عيني ،تباط�أ تنف�سي ،ت�ش َّنج ِّ خمي� ،سرت ق�شعريرة يف عروقي ...ثم �س�ألت نف�سي ،متع ِّلما ال جمادال ،ولقد كان �صوت الأذان العثماين ي�صدح من ك ِّل مكان حويل�( :أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل� ،أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل ...ال �إله �إال اهلل) �س�ألت هذه جنبي: النف�س التي بني َّ أ�سجلها على �أنها كذلك؟ لع َّلها هل هذه قاعدة كلية؟ وب�أي اعتبار � ِّ من قبيل امل�س َّلمات والبديهيات العقلية؟ �أو لع َّلها ت�ص َّنف �ضمن املبادئ والعقائد؟ �أو �أ َّن لها ا�سما وت�صنيفا �آخر غري الذي اعتدناه يف �سياق الدر�س احل�ضاري؟ علي متالحقة ،ك�أنها الغيث وابال ،غري �أنها قبل �أ�سئلة تن َّزل َّ إدراكي ،اقتحمت �صور القلب �أن جتد اجلواب العقلي املعر َّيف ال َّ َّ والروح والوجدان ،فعمِ لت عمل املبيد لك ِّل ال�شوائب النف�سية، ثم عمِ لت عمل ِّ املعطر جلنبات الدار :غرفة غرفة ،مرتا مرتا، �شربا �شربا ...فلم تغادر هذه النفحات �سويداء قلبي ،وما كان لها علي من (عوارف املعارف) ما ال يقدر �أن تغادر� ،إ َّال وقد �أفا�ضت َّ �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الل�سان وال القلم على و�صفه ،بله تف�سريه و�شرحه. ثم جاء دور العقل ،ليبحث عن (العالقة) بني (ال �إله �إال اهلل) والوجو ِد من حوله ،بل و)الوجودِ) يف خم ِّيلته وذهنِه وِجهة الأزل من هنالك ...نحو الأبد �إىل هنالك ...ثم انتقل منها �إىل �سرب حقيقة (العالقة) بني (ال �إله �إال اهلل) و)املعرفةِ) بجميع �أنواعها و�أ�شكالها ،وموا�ضيعها ومناهجها ،البارح َة واليوم وغدا ،مِ ن يوم �أ�شغل �آدم عليه ال�سالم عقله� ،إىل يو ٍم متوت فيه �آخر (فكرة) يف عقل �إن�سانٍ ( :ويقولون متى هذا الوعد �إن كنتم �صادقني ،ما ينظرون يخ�صمون ،فال ي�ستطيعون �إ َّال �صيحة واحدة ت�أخذهم وهم ِّ تو�صية وال �إىل �أهلهم يرجعون).غري �أ َّن بداية امل�شوار كانت مع القر�آن الكرمي نف�سِ ه ،باعتباره (وجودا ومعرفة)� ،أو �إن �شئت فقل( :هو وجود بلبا�س املعرفة) ،و)هي معرفة بروح الوجود). فتت َّبعتُ (ال �إله �إال اهلل) (لفظا ومعنى) يف �آياته املباركات ،ومل �أتل �آية واحدة ،من فاحتة كالم اهلل �إىل خامتته ،خلت من عالقة بـ)ال �إله اهلل)( :ت�صريحا) �أو (تلميحا)( ،ا�ستلزاما) �أو (اقت�ضاء)، (عالقة �سببية)� ،أو (�شرطية)� ،أو (تراتبية)� ،أو (تالزمية)� ...إىل غريها من العالقات التي ال ح�صر لها ،وهي تتجاوز حدود َّ املنظر له يف (منطق اللغة) ،ويف (لغة املنطق)� ،إىل (ما ال يدرك) من ُ واحلقيقة)...خذ �أيَّ �آية تريد ،و�أيَّ �سورة ت�شاء، (منطق الوجود و�أيَّ مقطع تقرتح ...ثم ا�س�أل :ما (عالقة) ما �أنا ب�صدده بـ)ال �إله �إال اهلل)؛ جتد �أمامك ً جي�شا من احلقائق التي ال تخطئها �إ َّال العني امل�ص َّرة على العمى ،وال ُ ال�صمم ،والعق ُل أذن امل�ص ِّممة على َّ الذي تو َّقف عن �أداء مه َّمته الفطرية ،والقلب الذي ال يفقه به �صاحبه �شي ًئا... ولقد تتبعت ما ورد لفظا وعبارة ب�صيغة (ال �إله �إال اهلل) يف كتاب يف�سر العلم والعمل ،ويح ِّرك الفكر اهلل العزيز ،فوجدت �أنه ِّ والفعل؛ ولقد ارتبط بجميع �سياقات اخللق والوجود ،من الأزل �إىل الأبد ،عامل ال�شهادة وعامل الغيب* :ارتبط ب�صفات اهلل �سبحانه :الإل ِه الواحد ،الرحمن الرحيم( :و�إلهكم �إله واحد ،ال �إله �إال هو الرحمن الرحيم *).وبحياة اهلل تعاىل الذاتية،
38
وبقيوميته ومُلكه وعلمه ج َّل مقامه( :اهلل ال �إله �إال هو احلي القيوم...). *وبالت�صوير يف الأرحام و�أ�سباب اخللق ،وطالق ِة م�شيئته و�إرادته تعاىل ،ثم بعزته وحكمه وحكمته �سبحانه( :هو الذي ي�ص ِّوركم يف الأرحام كيف ي�شاء ،ال �إله �إال هو العزيز احلكيم* ).وبحقيقة �شهادة اهلل عن نف�سه وهو العليم ،و�شهادة مالئكته على �إثره ،ثم �شهادة �أويل العلم ،الذين مل يغلفوا �أ�سماعهم وقلوبهم بغ�شاوة الظلم والغرور�( :شهد اهلل �أنه ال �إله �إال هو واملالئكة و�أولوا العلم ،قائما بالق�سط ،ال �إله �إال هو العزيز احلكيم(. و)ال �إله �إال اهلل) هي التف�سري الوحيد ل�شرعية القيامة ،ذلك�أ َّنه تعاىل هو �أ�صدق ال�صادقني ،وكالمه �أ�صدق الكالم( :اهلل ال �إله �إال هو ،ليجمع َّنكم �إىل يوم القيامة ال ريب فيه ،ومن �أ�صدق من اهلل حديثا) .ولو �أ َّن خرب القيامة ورد من غري هذا ال�سبيل لمَ ا كان �أهال �أن يلتفت �إليه ،ولكن �أنى ذلك؟ و)ال �إله �إال اهلل) تهدي ٌد مبا�شر ملن �أنكرها وتع َّلق بالتثليث،وفيها توعُّ د ملن متادى يف الكفر وقول الزور( :لقد كفر الذين قالوا �إ َّن اهلل ثالث ثالثة ،وما من �إله �إال �إله واحد ،و�إن مل ينتهوا ليم�سن الذين كفروا منهم عذاب �أليم). عما يقولونَّ ، و�إذا ما �س�ألت( :من خلق اخللق؟) ،ثم �س�ألت( :من هو �أهللأن ُيعبد؟) ،ثم �س�ألت( :من الوكيل على �أ�شياء الوجود ك ِّلها: �إن�سها وج ِّنها ،حيوانها ونباتها ومادتها ...وك ِّل ما يعلمه العقل �أو ال يعلمه من الأعرا�ض واجلواهر؟) �إن �أنت �س�ألت هذه الأ�سئلة ذهن ،بن َّية الإميان والعمل ال�صالح ،ال لغر�ض احلفظ يف �صفاء ٍ املجرد �أو املماراة واملباهاة� ،إن �س�ألت ف�ستجد اجلواب يف( :ذلكم اهلل ربكم ،ال �إله �إال هو ،خالق ك ِّل �شيء فاعبدوه ،وهو على ك ِّل �شيء وكيل. اخلطاب �س ِّي َد املر�سلني حم َّمدٍ عليه ال�صالة يخ�ص )ولقدُ ُّ وال�سالم ،ثم يع َّمم على مَن اقتفى �أثره واتبع نهجه ،فت�أتي (ال �إله �إال اهلل) مث ِّبتة على احلق ،داعمة يف مواجهة ال�شرك والإعرا�ض عن امل�شركني( :اتبع ما �أوحي �إليك من ربك ،ال �إله �إال هو ،و�أعر�ض عن امل�شركني*).و�إذا ما حتيرَّ النا�س يف �صدق الوحي ،ويف �أحق َّية النب َّوة والنبي ،ويف البحث عن م�ساحة ر�سالة أمي عليه ال�سالم� :أهي لقومه وبني جلدته وكفى؟ �أم هي النبي ال ِّ للنا�س كافة وللب�شر جميعا؟ و�إذا ما تف َّننوا يف اال�ستدالل على �صدق الر�سالة ب�صدق الر�سول ،وابتغوا �إميانهم تبعا لإميانه؛ ف�إ َّن الآية ت�أتي نا�صعة �صداحة( :قل يا �أيها النا�س �إين ر�سول العدد - 19ال�سنة الثامنة
اهلل �إليكم جميعا ،الذي له ملك ال�سماوات والأر�ض ال �إله �إ َّال هو، أمي الذي ي�ؤمن باهلل يحيي ومييت ،ف�آمنوا باهلل ور�سوله النبي ال ِّ وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون). *ولقد ُيعر�ض الكثريون ،وقد يتو َّلون عن الإن�صات لداعي التوحيد والهداية ،هنا ي�أتي دور االحت�ساب والتوكل على اهلل وحده( :ف�إن تو َّلوا فقل ح�سبي اهلل ال �إله �إال هو ،عليه تو َّكلت رب العر�ش العظيم). وهو ُّ رتفني ُّ *ومن عجائب تاريخ الأمم والنب َّوات ،وتاريخ امل َ والطغاة، �أ َّن الواحد منهم �إذا حت َّقق من الهالك ،ور�آه ر�أي العني ،عاد �إىل املرتكز ،وفهم �ساعتها معنى الوجود ومعنى احلياة ،بعد فواة الأوان ،فهذا فرعون قالها ناق�صة غري مكتملة ،قالها فلم تنفعه؛ لأنه مل يتلفظ بها م�ؤمنا و�إمنا خمادعا جاحدا كعادته: (وجاوزنا ببني �إ�سرائيل البحر ،ف�أتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعَدوا ،حتى �إذا �أدركه الغرق قال� :آمنت �أنه ال �إله �إال الذي �آمنت به بنو �إ�سرائيل ،و�أنا من امل�سلمني) .ولقد �أجيب ب�صريح العبارة: (�آالن وقد ع�صيت قبل ،وكنت من املف�سدين). *وجمي ُع الر�سل ،بال ا�ستثناء ،مِ ن لدن �آدم عليه ال�سالم� ،إىل خري الربية حممد عليه ال�صالة وال�سالم ،جمي ُعهم حام حول حمى (ال �إله �إال اهلل) ،ودندن حولها ،فلم يحدث �أن دعا واح ٌد منهم، مهما عال �ش�أنه� ،إىل نف�سه �أو �إىل خملوق غريهُّ ، كل الأنبياء بال ا�ستثناء( :وما �أر�سلنا من قبلك من ر�سول �إال نوحي �إليه �أنه ال �إله �إال �أنا فاعبدون*).ومثال ذلك ذو النون ،يون�س عليه ال�سالم، الذي التقمه احلوت وهو مليم ،ولوال (ال �إله �إال اهلل) ت�سبيحا وا�ستغفارا ،للبث يف بطنه �إىل يوم يبعثون( :وذا النون �إذ ذهب مُغا�ضبا فظنَّ �أن لن نقدر عليه ،فنادى يف الظلمات� :أن ال �إله �إال �أنت� ،سبحانك �إين كنت من الظاملني) ولقد جاءت اال�ستجابة عاجلة ،وجاء معها وعد من اهلل تعاىل – هدية من ال�سماء – �أ َّن من قالها م�ؤمنا موقنا حمت�سبا ،يف �أيِّ ظلمة كان :مادي ٍة �أو معنوية ،ظلم ِة اجلهل� ،أو ظلمة ال�شهوة� ،أو ظلمة اله ِّم� ،أو ظلمة ينجيه الظلم� ،أو ظلمة الفتنة ...من يقلها ب�شروطها و�أركانهاِّ ، اهلل تعاىل وعدًا منه ،واهلل ال يخلف وعده ،غري �أ َّن تكرارها بالل�سان بارد ًة ال يغيرِّ من الواقع �شيئا( :فا�ستجبنا له ،وجنيناه من الغ ِّم ،وكذلك ننجي امل�ؤمنني( )ال �إله �إال اهلل) ِّ تلخ�ص �صفات اهلل الكمالية �صفة �صفة ،وتنفي عنه ما ال يجوز يف ح ِّقه ،وتعلو بالذكر �إىل مقام (الإجابة) ثمر ًة ملقام (اال�ستجابة)( :هو اهلل الذي ال �إله �إال هو ،عامل الغيب
39
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
وال�شهادة ،هو الرحمن الرحيم ،هو اهلل الذي ال �إله �إال هو :امللك القدو�س ال�سالم امل�ؤمن املهيمن العزيز اجلبار املتكرب� ،سبحان اهلل عما ي�شركون().ما دام الأمر ما ُذكِر ،وما دام ُّ احلق م�شكاته (ال �إله �إال اهلل) ،وما دامت دنيا اليوم جت ِّرع امل�سلمني ك�ؤو�س الذل والهزمية واخلذالن ،مرير ًة حنظ ً ال ُغ�ص�صا ...ما دام احلال هكذا، ف�إ َّن العودة الكاملة ،باملنهج الكامل ،واليقني احلقيق ،والإميان ال�صادق� ...إىل ح�صن (ال �إله �إال اهلل) بات �إجرا ًء م�ستعجال عاجال ،ف�أيُّ تباط�ؤ �أو تلك�ؤ �سيطيل عمر الأزمة واملحنة �إىل �أمد: (رب امل�شرق (اهلل ال �إله �إال هو ،وعلى اهلل فليتوكل امل�ؤمنون)ُّ ، واملغرب ،ال �إله �إال هو فاتخذه وكيال )على اهلل توكلنا ،ح�سبنا اهلل ،ونعم الوكيل�...ألي�ست (ال �إله �إال اهلل) بهذه الأبعاد ،وبغريها مما مل ي�سعه املقال ،ولن ي�سعه �أيُّ
خا�صة ٍّ بفن دون �آخ َر ،فال هي قاعدة عقدية وكفى ،وال هي هي َّ قاعدة فقهية فقط ،وال هي قاعدة ح�ضارية لي�س �إ َّال� ...إمنا هي قاعدة القواعد ،و�أ�صل القواعد ،و�أ�س القواعد( :فاعلم �أنه ال �إله �إال اهلل)( ،هو اهلل الذي ال �إله �إال هو ،عامل الغيب وال�شهادة هو الرحمن الرحيم* �).ألقيت �سمعي برهة ،و�إذا بي �أ�سمع ما حويل يردِّد من�شدا �سمفونية (ال �إله �إال اهلل) :تـُمريات على الطاولة، ك�أ�س ماء مبا حوى� ،ساعة اليد حول مع�صمي ،قلمي الأزرق املزرك�ش� ،أثاث ال�صالون الأرجواين� ،أ�ش َّعة ال�شم�س املت�سللة �إىل مقعدي ،حممل امل�صحف اخل�شبي� ...أح�شائي ود َّقات قلبي... ال�سماء الزرقاء من فوقي ،طائر النور�س بعيدًا يباهي ال�سحب املف َّرقة اللطيفة...هو مهرجان للتهليل والت�سبيح ...مل �أ�شهد له مثيل من قبل ...ال حرم اهلل منه م�سلما...
مقال ،حلقيق ِة ( ...ما نفدت كلمات اهلل)� ،ألي�ست هي (�أ ُّم القواعد فما كان مني �إ َّال �أن نويتُ ،و�سعيتُ ،ثم التحقتُ بالركب مرتمنا: الكلية) لفقه احل�ضارة ،بل لفقه الوجود ،ولفقه املعرفة ،ولأيٍّ (ال �إله �إال �أنت� ،سبحانك ...ال �إله �إال �أنت� ،سبحانك ...ال �إله �إال فقه �آخر مما نفقه ومما ال نفقه؟ ولذا �ص َّح �أن نطلق عليها �صفة �أنت� ،سبحانك �إين كنت من الظاملني). (�أ ِّم القواعد) دون تخ�صي�ص وال تقييد؛ فـ)ال �إله �إال اهلل) ال تقت�صر على جانب دون �آخر من مك ِّونات احلياة ومقدراتها ،وال
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
40
الإ�سالم واحلث ّ علىالتفكر ن�شطت العلوم احلديثة يف الآونة الأخرية يف الدعوة �إىل التفكر واحلث عليه ،باعتباره و�سيلة لتن�شيط العقل وا�ستنهاظ طاقاته وبالتايل ا�ستنهاظ الطاقات الب�شرية عموماً ،وعُقدت يف �سبيل ذلك امل�ؤمترات ُ وط ّورت املناهج و�أقيمت املدار�س التي تعنى الدكتور علي حجاحجه بذلك الت�صافه باحلداثة ،وكدعوة للتغيري عن م�ألوف احلياة الَ ْلبَابِ ا َّلذِ ين َ َي ْذ ُك ُرو َن اللهَّ َ ِق َيا ًما َو ُق ُعودًا َو َعلَى ُج ُنو ِب ِه ْم االعتيادية والتدري�س التقليدي �إعما ًال للعقل وتن�شيطاً للذهن ِّلأُوليِ ْ أ متهيداً لفتح �آفاق جديدة يح ّلق العقل من خاللها. َاخلَقْتَ َه َذا بَاطِ لاً الَ ْر ِ�ض َر َّب َنا م َ ال�س َما َواتِ َو ْ أ َو َي َت َف َّك ُرو َن فيِ َخ ْلقِ َّ اب ال َّنا ِر ) ( ال عمران )191 - 190 :وجاء يف و�أمام هذا كله� ،أظن �أنه مل ي�أت �أحد منهم بجديد ب�إعتبار الدعوة ُ�س ْب َحا َن َك َف ِق َنا َع َذ َ مطروحة للجميع �صغاراً وكباراً ،رجا ًال ون�سا ًء ،متعلمني وغري �سورة عب�س َ ( ،ف ْل َي ْن ُظر ِْالإِ ْن ُ �سان �إِلىَ َط َعامِ ه( (عب�س ،)24:وكذا م ُخ ِل َق)(الطارق)5: ِال ْن َ�س ُان مِ َّ متعلمني ،على ل�سان اخلالق �سبحانه يف كتابه الكرمي غري مرة ،الأمر يف �سورة الطارقَ ( ،ف ْل َي ْن ُظر ْ إِ ِل َياتٍ ( َوفيِ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَفَلاَ ُت ْب ِ�ص ُرو َن)(�سورةالذاريات)21: ال�س َما َوات ِ َو ْ أَ ال ْر ِ�ض َو ْاخ ِتلاَ ِف ال َّل ْيلِ َوال َّنهَار َ آ ( ِ�إ َّن فيِ َخ ْلقِ َّ العدد - 19ال�سنة الثامنة
41
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
ففي ذلك حث على التفكر الذي يفتح الأبواب �أمام التفكر يف كل يمَ ُ ُّرو َن َعلَ ْيهَا َوهُ ْم َع ْنهَا ُم ْعر ُِ�ضو َن((�سورة يو�سف)105 : �شيء ،يف خلق ال�سماوات والأر�ض وتداور الليل والنهار والطعام -3قيام العبد بواجب �شكر ربه على عظيم نعمه� ،شكر قلبي الذي تناوله ومكوناته وم�صادره وطعمه و�أ�شكاله وفوائده باعرتافه بف�ضل اهلل و�إح�سانه �إليه �سواء كانت هذه النعم يف وكذلك ال�شراب على اختالفه فاملاء واللنب ،والع�صائر مهما نف�سه �أو يف الكون عموماً ،و�شكر باجلوارح من خالل التقرب اختلفت فهي من ثمار �شتى خمتلفة الأ�شكال والألوان والطعم �إىل اهلل تعاىل ب�أداء الفرائ�ض والعبادات من �صالة و�صيام وحج رغم �أنها نبتت يف ذات الرتبة التي حتتوي على ذات العنا�صر و�صدقة وغريها. والأمالح واملياه ،والذي يعتاد على التف ّكر ،ال تكاد متر به معلومة وميح�صها ف ُي�سقِط العديد منها مما ال يقبله -4التفكر ،من �صفات العلماء ،فمنها يبد�أ التفكري الإبداعي، �إال ويقف عندها ّ العقل� ،أو ال يتوافق مع املنطق ،في�صدق فيه( :ل�ست باخلب وال واخلروج عن م�ألوف احلياة االعتيادية �سواء يف جانب احلياة اخلب يخدعني) .وهذا ما دفع ذلك ال�صحابي �أن يقول لأ�صحابه :االجتماعية �أو الوظيفية ،واالخرتاع ،وما و�صلت الأمم املتقدمة �أخرجوا بنا �إىل ال�سوق لننظر �إىل الإبل كيف خلقت ،مت�أثراً بقول �إىل ما و�صلت �إليه �إال من خالل �إعمال فكر �أبنائها فنجحوا على ال�س َما ِء خمتلف الأ�صعدة االقت�صادية والعلمية والتقنية وال�سيا�سية اهلل تعاىل�( :أَفَلاَ َي ْن ُظ ُرو َن �إِلىَ ْ إِ البِلِ َك ْي َف ُخ ِل َقتْ * َو�إِلىَ َّ أر�ض َك ْيف َ ُ�سطِ َحتْ ) وغريها. َك ْيف َ ُر ِف َعتْ * َو�إِلىَ الجْ ِ َبالِ َك ْي َف ُن ِ�ص َبتْ و�إىل ال ِ (�سورةالغا�شية)19-18-17: -5التف ّكر يه ّذب النف�س ،ويزيدها توا�ضعاً وثقة ،ويرفع �سو ّية و�إذا ما ّ وطن الإن�سان نف�سه على (التف ّكر( جنى �إثر ذلك ثماراً العقل ويزيد ح�صيلته ك ّماً ونوعاً ،وي�سعى النا�س �إىل جمال�سة جمال�س له �ضالته، �صاحبه لينهلوا من معينه ،فيجد كل ومناف َع �شتى ،منها: ٍ ف�أحاديثه خمتارة ثر ّية بليغة ال مكرورة وال ممجوجة. - 1تزداد معرفة العبد بربه ،وعظيم �صنعه ،وروعة اتقانه، و�شمول �إدراكه و�إحاطته ،ود ّقة �إدارته لهذا الكون ال�شا�سع بكل كما �أنه يتوجب علينا كمربني وم�س�ؤولني و�آباء �أن نعزز لدى الن�شء ف�ضيلة التفكر من حتفيز الأبناء والطالب واملر�ؤو�سني مكوناته. وغريهم من �أبناء املجتمع ،من خالل �إجراء النقا�شات الهادفة وعليه يزداد قرب العبد من ربه ويعظم اخلوف يف قلبه ،وتزداد البناءة ،وجل�سات الع�صف الذهني التي ت�ستهدف توليد الأفكار ً ثقته بخالقه ،ويهابه يف كل حركاته و�سكناته ،في�أتي راغبا كل وا�ستنطاق العقل ،حتى ت�ألف النفو�س هذه العبادة وت�صبح نهجاً ما �أمر به �سبحانه ،ويجتنب را�ضياً كل ما نهى عنه ،وبالتايل و�سلوك حياة. اال�ستقامة على النهج القومي الذي �أمر اهلل به ،وجاء به �سيد اخللق �أجمعني (�أَ َف َمنْ يمَ ْ�شِ ي ُم ِك ًّبا َعلَى َو ْج ِه ِه �أَهْ دَى �أَ َّمنْ يمَ ْ�شِ ي وال بد هنا من الوقوف عند التفريق بني التفكري والتف ّكر ،فقد وردت كلمة ف َّكر يف القر�آن الكرمي يف قوله تعاىل �( :إنه ف ّكر ِيم ((�سورةامللك)22 : َ�س ِو ًّيا َعلَى ِ�ص َر ٍ اط م ُْ�س َتق ٍ املعني بالآيات ح�سب جمهوراملف�سرين -2زيادة تقوى العبد لربه ،وااللتزام بالفرائ�ض والنوافل وقدّر(يف �سورة املدثر ،فك�أن ُ قد�ألقى(بالفكرة) دون متهّل �أوحتليل ولوتف ّكر وت�أمل لعلم الَ ْر ِ�ض َو ْاخ ِتلاَ ِف ال َّل ْيلِ َوال َّنهَار َ آ ال�س َما َوات ِ َو ْ أ ِل َياتٍ (�إِ َّن فيِ َخ ْلقِ َّ �أن فكره لي�س �صائباً،لهذاكان التف ّكر يف القر�آن الكرمي ولي�س ِّ ألُوليِ ْ أ الَ ْلبَابِ ا َّلذِ ين َ َي ْذ ُك ُرو َن اللهَّ َ ِق َيا ًما َو ُق ُعودًا َو َعلَى ُج ُنو ِب ِه ْم لاً الفكرهو �شرطا النتفاع بالآيات القر�آنية �أوالكونية ،وتعني كلمة الَ ْر ِ�ض َر َّب َنا م َ ال�س َما َواتِ َو ْ أ َاخلَقْتَ َه َذا بَاطِ َو َي َت َف َّك ُرو َن فيِ َخ ْلقِ َّ َ (ف ّكر) يف الأمر :مبالغة يف َف َك َر ،وف ّكر يف امل�شكلة� :أَعمل عقله فيها اب ال َّنارِ((�سورة �آل عمران ،)191 - 190 :وقال ُ�س ْب َحا َن َك َف ِق َنا َع َذ َ ري� :إعمال العقل يف م�شكلة ّ ليتو�ص َل �إىل ح ّلها .فهو مف ّكر .وال ّتفك ُ َ َر ُ�س ُ ول اللهَّ َِ�ص َّلى اللهَّ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم� :إِ َّن اللهَّ َ َقا َل َمنْ عَادَى ليِ َو ِل ًّيا للتو�صل �إىل ح ّلها ،والفك ُر� :إعمال العقل يف املعلوم للو�صول �إىل َف َق ْد �آ َذ ْن ُت ُه ِبالحْ َ ْرب ِ َومَا َت َق َّرب َ �إِليَ َّ َع ْبدِ ي ب َِ�ش ْي ٍء �أَ َح َّب �إِليَ َّ ممِ َّ ا معرفة املجهول ( .املعجم الو�سيط )()2-1 ا ْفترَ َ ْ�ضتُ َعلَ ْي ِه َومَا َي َز ُال َع ْبدِ ي َي َت َق َّرب ُ ِ�إليَ َّ بِال َّن َوافِلِ َح َّتى �أُحِ َّب ُه َف�إِ َذا�أَ ْح َب ْب ُت ُه ُك ْنت ُ َ�س ْم َع ُه ا َّلذِ ي َي ْ�س َمع ُ ِبهِ()....البخاري عن �أبي واهلل �أ�س�أل �أن يجعلني و�إياكم ممن يعبدون اهلل حق عبادته، وي�شكرونه بقلوبهم وجوارحهم على �آالئه التي ال تعد وال حت�صى، هريرة) �إنه ويل ذلك والقادر عليه ،واحلمد هلل رب العاملني. التف ّكر عبادة قلبية يتق ّرب بها العبد خلالقه ،ف�أمر اهلل عباده بها، الَ ْر ِ�ض ال�س َما َواتِ َو ْ أ وذ ّم من تركها وغفل عنها ( َو َك�أَ ِّينْ مِ نْ �آ َي ٍة فيِ َّ �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
42
درا�سات الو�سطية
الدكتور �أحمد ال�سعدي
الهدي النبوي يف التعامل مع الأزمات جعل اهلل احلياة ذات وجهني ٌ ،ت ْق ِب ُل حيناً و ُتد ِب ُر حينا ،ومن عملي منه �صلى اهلل عليه و �س َّلم للتوجيهات القر�آنية النظر َّية ، �إدبارها ما يلقاه الإن�سان من م�صائب وما يقع فيه من �أزمات � ،أي للكت ِّيب املع ِّرف الذي �أنزله ال�صانع ج َّل و عال. غري �أ َّنه �سبحانه مِ ن عد ِل ِه و رحمتِه َخلَ َق الإن�سا َن و ز َّوده بفطر ٍة كلنا يعلم حادثة الإفك ،و هي �أزمة �شديدة �أ�صابت بيت النبوة ، ً ً ً �سليمة ،ثم �أنزله له كتابا هاديا ور�سوال يبني غاياته و ما خفي و لعلي �أقف �سريعاً على �أهم �أحداثها ،فقد كانت ال�سيدة عائ�شة منه .فالعاقل ك َّلما واجهته م�شكلة رجع �إىل ال�صانع و ما ب َّينه يف مع ر�سول اهلل يف غزوة غزاها ،فلما �أراد العودة كانت يف حاجتها كتابه ،وعاد �إىل اخلبري و ما �شرحه من بيانه. ،ثم فقدت عِ ْقدَها ،فبحثت عنه ،فلما عادت وجدت القوم قد و �إذا كانت الأزمة يف اللغة هي ال�شدَّة و ال�ضيق ،ف�إ َّن معناها �ساروا ،فانتظرت �أن يفقدوها فريجعوا �إليها فغلبتها عينها و ال�سلَمِ ُّي َق ْد َع َّر َ�س مِ نْ اال�صطالحي يف علم الإدارة يخ�ص�صها ملفهوم �أ�ضيق ،وهو نامت ،قالت َ ( :و َكا َن َ�ص ْف َو ُان ْب ُن المْ ُ َع َّطلِ ُّ َّ َ َ َ َ َ َ ما نحاول هنا احلديث فيه ،لكن �سنحدد املفهوم ب�شكل �أكرث َو َرا ِء الجْ َ ْي ِ�ش ،فا َّدل َج ف�أ ْ�ص َب َح عِ ْن َد َم ْن ِزليِ ،ف َر�أى َ�س َوا َد ِ�إ ْن َ�سانٍ ِا�سترِ ْ َجاعِ ِه حِ َ و�ضوحاً ،فالأزمة التي نعنيها هي حالة يواجهها �صاحب القرار َنائ ٍِم َ ،ف�أَ َتانيِ َف َع َر َفنِي حِ َ ني ا�س َت ْي َق ْظتُ ب ْ ني َر�آنيِ َ ،ف ْ ( يف بلد �أو م�ؤ�س�سة �أو جماعة �أو �أ�سرة ( ..تتعقد فيها الأمور َع َر َفنِي َ ،ف َخ َّم ْر ُت َو ْجهِي بِجِ ْل َبابِي َ ،و َواللهَّ ِ مَا ُي َك ِّل ُمنِي َك ِل َم ًة َو اَل ب�شكل مفاجئ ،فيفقد معها القدرة على ال�سيطرة عليها �أو على َ�سمِ ْعتُ مِ ْن ُه َك ِل َم ًة َغيرْ َ ْا�سترِ ْ َجاعِ ِه َ ،ح َّتى �أَ َنا َخ َراحِ لَ َت ُه َ ،فوَطِ َئ َعلَى نتائجها امل�ستقبلية � .أي �أ َّن الأزمة حلظة حرجة يواجهها �صاحب يَدِ هَا َ ،ف َر ِك ْب ُتهَا َ ،فا ْن َطلَ َق َي ُقو ُد ب َِي ال َّراحِ لَ َة َح َّتى �أَ َت ْي َنا الجْ َ ْي َ�ش ، القرار ،ي�صعب عليه اتخاذ قرار حيالها على النحو املعتاد ،و َف َهلَ َك َمنْ َهلَ َك فيِ َ�ش�أْنيِ َ ،و َكا َن ا َّلذِ ي َت َولىَّ ِكبرْ َ ُه َع ْب ُد اللهَّ ِ ْب ُن �أُ َب ٍّي ت�ضعه يف م�أزق القدرة على االختيار و احل�سم يف القرارات .و ا ْب ُن َ�س ُلو َل َ ،ف َقدِ ْم َنا المْ َدِ ي َن َة َف ْ ا�ش َت َك ْيتُ حِ َ ني َقدِ ْم َنا المْ َدِ ي َن َة َ�ش ْه ًرا ا�س ُيف ُ ال ْفكِ َو اَل �أَ ْ�ش ُع ُر ب َِ�ش ْي ٍء مِ نْ َذل َِك ، ِي�ضو َن فيِ َق ْولِ �أَهْ لِ ِْ إ هذا امل�أزق ي�ضغط عليه ب�شدة التخاذ قرار يخ ِّفف عنه ال�ضغوط َوال َّن ُ َوهُ َو َيرِي ُبنِي فيِ َو َجعِي �أَنيِّ اَل �أَ ْعر ُِف مِ نْ َر ُ�سولِ اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه النف�سية الناجمة عن وجود هذه احلالة املقلقة. َ َ لن نطيل يف احلديث العلمي على طريقة املتخ�ص�صني يف علم َو َ�س َّل َم ال ُّل ْط َف ا َّلذِ ي ُكنْتُ �أ َرى مِ ْن ُه حِ َ ني �أ ْ�ش َتكِي(. الإدارة و معاجلة الأزمات .لكن و ب�سبب ما ح َّل ببلدنا احلبيب ثم �إنها ـ ر�ضي اهلل عنها ـ علمت مبا ا َّتهمها به املنافق عبد اهلل بن �سوريا ،و ما تواىل عليها من م�شكالت ناجمة عن �أزمة مل يعرف �أبي بن �سلول من الزنا مع �صفوان ر�ضي اهلل عنه فا�ست�أ َذ َنتْ ر�سو َل أتي �أهلَها فلما حتدَّثت مع �أمها علمت بانت�شار اخلرب العالمَ املعا�صر لها نظرياً ،ف�إنني �س�أ�ستعجل احلديث عن موقف ا ِ هلل �أن ت� َ النبي الهادي يف مواجهة الأزمات � ،إذ الأزمة طارئ ينتاب ال�صنعة بني النا�س فق�ضت ليل َتها باكي ًة ،قالت َ ( :و َدعَا َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى ِّ ُ اللهَّ ُ َ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َعل َِّي ْب َن �أبِي َطالِبٍ َو�أ َ�سا َم َة ْب َن َز ْيدٍ حِ َ ني ْا�س َت ْل َب َث ،و النبي �صلى اهلل عليه و �س َّلم هو اخلبري املر�سل من عند ريهُ َما فيِ ِف َراقِ �أَهْ ِل ِه َ ،ف َ�أ َّما �أُ َ�سا َم ُة ْب ُن َز ْيدٍ َف�أَ َ�شا َر ال�صانع ،و مِ ن َث َّم �س�أختار موقفني من مواقفه �صلى اهلل عليه و ا ْل َو ْح ُي َي ْ�س َت�شِ ُ ُ اللهَّ َ خا�صة ،و الثاين يواجه فيه �أزم ًة َعلَى َر ُ�سولِ اللهَّ ِ َ�ص َّلى َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم بِا َّلذِ ي َي ْعلَ ُم مِ نْ َب َرا َء ِة �أهْ ِل ِه ، �س َّلم �أحدهما يواجه فيه �أزمة َّ عا َّمة ؛ لأبينِّ من خاللهما خربته يف التعامل مع هذا الطارئ َ ،وبِا َّلذِ ي َي ْعلَ ُم فيِ َن ْف�سِ ِه َل ُه ْم مِ نْ ا ْل ُو ِّد َ ،ف َقا َل َ :يا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ هُ ْم �أَهْ ُل َك لتكون هذه اخلربة هي املر�شد لنا جتاه ما نواجه من الأحداث َو اَل َن ْعلَ ُم ِ�إ اَّل َخيرْ ً ا َ .و�أَ َّما َعل ُِّي ْب ُن �أَبِي َطالِبٍ َف َقا َل :لمَ ْ ُي َ�ض ِّي ْق اللهَّ ُ ري َ ،و�إِ ْن َت ْ�س�أَ ْل الجْ َ ا ِر َي َة َت ْ�ص ُد ْق َك َ .قا َلتْ اجل�سام التي تتج َّلى يف �أزمتنا التي طال عمرها و ازدادت على َعلَ ْي َك َ ،وال ِّن َ�سا ُء �سِ َواهَا َك ِث ٌ النا�س �سلب َّياتها .علماً ب�أ َّن املوقفني ـ كما �سرنى ـ �إمنا هما تنفيذ َ :ف َدعَا َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َبرِي َر َة َ ،ف َقا َل �( :أَيْ َبرِي َر ُة ه َْل َر�أَ ْيتِ مِ نْ َ�ش ْي ٍء َيرِي ُبكِ مِ نْ عَائ َِ�ش َة) ؟ َقا َلتْ َل ُه َبرِي َر ُة َ :وا َّلذِ ي العدد - 19ال�سنة الثامنة
43
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
َب َع َث َك ِبالحْ َ ِّق �إِ ْن َر�أَ ْيتُ َعلَ ْيهَا �أَ ْم ًرا َق ُّط �أَ ْغمِ ُ�ص ُه َعلَ ْيهَا �أَكْثرَ َ مِ نْ َ�أ َّنهَا مبا�شرة بها ،لكنَّ النبي الكرمي ا�ست�شارهم ملا يعرف من خربتهم َّ ني �أَهْ ِلهَا َ ،ف َت�أْتِي الدَّاجِ ُن َف َت أ�ْ ُك ُلهُ .يف التعامل مع مثل هذه الأزمات �أو لقربهم من طريف العالقة ال�س ِّن َ ،ت َنا ُم َعنْ عَجِ ِ َجا ِر َي ٌة َحدِ ي َث ُة ِّ ُ ا�س َت ْع َذ َر مِ نْ فيها. اللهَّ َف َقا َم َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َعلَى المْ ِ ْنبرَ ِ َ ،ف ْ َع ْبدِ اللهَّ ِ ْب ِن �أُ َب ٍّي ْب ِن َ�س ُلو َل َ ،ف َقا َل َر ُ�س ُ ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم و�إىل جانب هذه اال�ستعانة كانت ال�شورى حا�ضرة عند تع ُّلق هذه َوهُ َو َعلَى المْ ِ ْنبرَ ِ َ (:-يا َم ْع َ�ش َر المْ ُ ْ�سلِمِ َني َ ،منْ َي ْعذِ ُرنيِ مِ نْ َر ُجلٍ الأزمة بال�ش�أن العام ،فقد �أ�شار ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �س َّلم َق ْد َبلَ َغ �أَ َذا ُه فيِ �أَهْ لِ َب ْيتِي؟ َف َواللهَّ ِ مَا َع ِل ْمتُ َعلَى �أَهْ لِي �إِ اَّل َخيرْ ً ا � ،إىل الرجل الذي �أ�ساء لأهله ،و بينَّ �أ َّنه لن يحكم فيه حكماً ال َو َل َق ْد َذ َك ُروا َر ُجلاً مَا َع ِل ْمتُ َعلَ ْي ِه �إِ اَّل َخيرْ ً ا َ ،ومَا َكا َن َيد ُْخ ُل َعلَى يكون امل�سلمون م�ؤيدين له ،فالطبيعة اال�ستبدادية عاجزة متاماً �أَهْ لِي �إِ اَّل َمعِي) َ .ف َقا َم َ�س ْع ُد ْب ُن ُم َعا ٍذ َْ أ ال ْن َ�صارِيُّ َف َقا َل � :أَ َنا �أَ ْعذِ ُر َك عن التعامل مع الأزمة ،و �إنمَّ ا ُّ حتل الأزمات بالتعاون و الت�شاور مِ ْن ُه َيا َر ُ�سو َل اللهَّ ِ � ،إِ ْن َكا َن مِ نْ ْالأَ ْو ِ�س َ�ض َر ْب َنا ُع ُن َق ُه َ ،و ِ�إ ْن َكا َن مِ نْ و عدم اال�ستبداد بالر�أي �أو االعتداد بالق َّوة على ح�ساب الفكر. �إِ ْخ َوا ِن َنا الخْ َ ْز َر ِج �أَ َم ْر َت َنا َف َف َع ْل َنا �أَ ْم َر َك َ .ف َقام �سع ُد ب ُن عباد َة -وهُ و َ َ ْ ْ ُ َ َ َ َ ومع �أ َّن الأزمة كان و ْق ُعها �شديداً � ،إال �أ َّنه �صلى اهلل عليه و �س َّلم اج َت َهلَ ْت ُه الحْ َ مِ َّي ُة – َف َقا َل َ�س ِّي ُد الخْ َ ْز َر ِج َ ،و َكا َن َر ُجلاً َ�صالحِ ً ا َ ،و َلكِنْ ْ مل يخرج عن طبيعته املتوازنة � ،سعى ملحاولة �إدارة الأزمة ثم ل َِ�س ْعدِ ْب ِن ُم َعا ٍذ َ :ك َذ ْبتَ َل َع ْم ُر اللهَّ ِ ،اَل َت ْق ُت ُل ُه َو اَل َت ْقدِ ُر َعلَى َق ْت ِل ِه . جتاوزها و الق�ضاء على �آثارها ،كل ذلك بالهدوء و احلكمة ، َف َقا َم �أُ َ�س ْي ُد ْب ُن ُح َ�ضيرْ ٍ َ -وهُ َو ا ْب ُن َع ِّم َ�س ْعدِ ْب ِن ُم َعا ٍذ – َف َقا َل لِ�سعدِ َ ْ و من �أخطر ما يواجه �صاحب القرار عند ح�صول الأزمة عدم ْب ِن ُع َبا َد َة َ :ك َذ ْبتَ َل َع ْم ُر اللهَّ ِ َ ،ل َن ْق ُتلَ َّن ُه َ ،ف�إِ َّن َك ُم َناف ٌِق تجُ َ اد ُِل عنْ َ قدرته على �ضبط م�شاعره و ت�صرفاته ،لكنَّ النبي �صلى اهلل المْ ُ َنا ِف ِق َ الَ ْو ُ�س َوالخْ َ ْز َر ُج َح َّتى ه َُّموا �أَ ْن َي ْق َت ِت ُلوا ني َ .ف َثا َر الحْ َ َّيانِ ْ أ عليه و �س َّلم مل ُيخبرِ ال�سيدة عائ�شة بامل�شكلة طيلة �إقامتها عنده ول اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َقا ِئ ٌم َعلَى المْ ِ ْنبرَ ِ َ ،فلَ ْم َي َز ْل َر ُ�س ُ َو َر ُ�س ُ ول ،غاية ما كان منه تغيرُّ ٌ يف ظاهر معامالته ي�شري �إىل وجود ُ اللهَّ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم ُي َخ ِّف ُ�ض ُه ْم َح َّتى َ�س َك ُتوا َو َ�س َكتَ ،وب َكيتُ اللهَّ ِ َ�ص َّلى َ َ ْ م�شكلة ما دون �أن يف�صح عن حجمها و خطورتها ،فك�أ َّنه ُيع ِّلم َي ْومِ ي َذل َِك اَل َي ْر َق�أُ ليِ د َْم ٌع َو اَل �أَ ْك َتحِ ُل ِب َن ْو ٍم … ثم جاءها ر�س ُ ول َ ُ َ النا�س يف الأزمات �أن ي�ضبطوا �أع�صابهم قدر ا�ستطاعتهم ،و �أن اللهَّ ِ َ�ص َّلى اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َ�س َّل َم َ ،ف َ�س َّل َم ُث َّم َجلَ َ�س َ ،ف َت َ�ش َّه َد ُث َّم َقا َل �( :أما خمطط لها. َّ يحذروا من ردات الفعل التي تكون ارجتال َّية و غري ٍ َب ْع ُد َيا عَائ َِ�ش ُة ؛ َف ِ�إ َّن ُه َق ْد َبلَ َغنِي َع ْنكِ َك َذا َو َك َذا َ ،ف ِ�إ ْن ُك ْنتِ َبرِي َئ ًة ا�س َت ْغ ِفرِي اللهَّ َ َو ُتوبِي �إِ َل ْي ِه و�إنمَّ ا منبع �ضبط الأع�صاب تربية النف�س على ال�صرب ،و عدم َف َ�سيُبرَ ِّ ُئكِ اللهَّ ُ َ ،و�إِ ْن ُك ْنتِ �أَلمْ َ ْمتِ ِب َذ ْنبٍ َف ْ اب اللهَّ ُ َعلَ ْيهِ) … فقالت التعجل يف احلكم �أو ال َّت�ص ُّرف ،فال�صرب مفتاح الفرج ،و قد انتظر اب َت َ ؛ َف�إِ َّن ا ْل َع ْب َد �إِ َذا ْاعترَ َ َف ِب َذ ْنبٍ ُث َّم َت َ ر�ضي اهلل عنها � :إِنيِّ َواللهَّ ِ َل َق ْد َع َر ْفتُ �أَ َّن ُك ْم َق ْد َ�سمِ ْع ُت ْم ِب َه َذا َح َّتى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فرتة ـ مع كونها فرتة ع�صيبة ـ ْا�س َت َق َّر فيِ ُن ُفو�سِ ُك ْم َ ،و َ�ص َّد ْق ُت ْم ِبهَِ ،ف�إِ ْن ُق ْلتُ َل ُك ْم �إِنيِّ َبرِي َئ ٌة َ -واللهَّ ُ نزول الوحي �أو فرجاً �إله َّياً ـ كما �أ�شارت ال�سيدة عائ�شة يف احلديث َي ْعلَ ُم �أَنيِّ َبرِي َئ ٌة – اَل ُت َ�ص ِّد ُقونيِ ِب َذل َِك َ ،و َلئِنْ ْاعترَ َ ْفتُ َل ُك ْم ِب�أَ ْمرٍ ـ ،وعندما طال انتظاره ا�ست�شار و ا�ستعان ،و لك َّنه مع ا�ست�شارته و َواللهَّ ُ َي ْعلَ ُم �أَنيِّ َبرِي َئ ٌة – َل ُت َ�ص ِّد ُقو َننِي َ ،و�إِنيِّ َواللهَّ ِ مَا �أَجِ ُد ليِ ما �أ�شري به عليه مل ي�ستعجل القرار ،فقد كانت الت�ؤدة و الرت ُّيثيل َواللهَّ ُ المْ ُ ْ�س َت َع ُان وتقليب الأمر �سمة بارزة يف تعامله مع الأزمة مع طبيعة الظرف و�س َف َ ( :ف َ�صبرْ ٌ َجمِ ٌ َو َل ُك ْم َم َثلاً �إِ اَّل َك َما َقا َل �أَ ُبو ُي ُ َعلَى مَا َت ِ�ص ُفو َن ( .ثم نزل الوحي برباءتها ف َقا َل �صلى اهلل عليه ـ من جانب ـ و النظرة االجتماع َّية املعروفة �آنذاك ـ من جانب �آخر .فقد جاءت فر�صة لأعداء الإ�سالم لي�ستغلوها يف الطعن يف و �س َّلم �(:أَ ْب�شِ رِي َيا عَائ َِ�ش ُة � ،أَ َّما اللهَّ ُ َف َق ْد َب َّر�أَكِ ) .احلديث… عر�ض ر�سول اهلل و الكالم يف طهارة �أهله لكنَّ ال�صرب كان �سالحه وقد �سردت هذا القدر من احلديث ؛ لرنى كيف تعامل ُ ر�سول اهلل الناجع �صلى اهلل عليه و �س َّلم يف مواجهتهم. مع هذه الأزمة التي �أ�صابت �أ�سرته ،و�أحدثت �أزم ًة على م�ستوى حيث كادت �أن تثري فتنة بني الأن�صار �أنف�سِ هم .وما ويف قوله تعاىل ) :ال حت�سبوه �ش َّراً لكم بل هو خري لكم ) تعقيباً املجتمع ك ِّله ُ الو�سائل التي ا َّتبعها �إ َّبان الأزمة ريثما �أزاح البيان الإلهي هذه على احلادثة دليل على موقف �إ�سالمي ثابت جتاه الأزمات ، الغ َّمة .و لع َّل �أول خطوة ظهرت يف تعامله �صلى اهلل عليه و فاملحنة تنطوي يف داخلها على منحة ،و الأزمة در�س و عربة ، �س َّلم مع هذه الأزمة ا�ست�شارته لأ�صحابه � ،أو ما ميكن �أن نعبرِّ و العامة يقولون :ما �أ�صابك فلم يك�سر ظهرك يكون ق َّوة لك. عنه بـ ) :اال�ستعانة بذوي اخلربة ) ،و هذا �شيء خمتلف متاماً �أزمة �أخرى واجهها �صلوات اهلل و �سالماته عليه ،لكن ذات طبيعة عن ال�شورى �أو ما ي�س َّمى اليوم بالدميقراطية ،ذلك �أ َّن امل�س�ألة خمتلفة � ،إذ كانت �أزمة متع ِّلقة بال�ش�أن العام ،و فيها احلاجة يف �أ�سا�سها م�س�ألة َّ خا�صة مل يكن له�ؤالء ال�صحابة �أي عالقة �إىل ال�سيا�سة و �إدارة ال�صراع و التعامل مع عدو اخلارج ،و قد �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
44
َّ تخطاها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �س َّلم بحكمته كما هو �ش�أنه اخلا�صة ففي غزوة اخلندق حو�صر امل�سلمون من كل مع الأزمة َّ ني ِب َّلة ن ْق ُ مكان ،و زاد الط َ �ض اليهود لعهدهم مع امل�سلمني ،فغدا امل�سلمون حما�صرين من الداخل و اخلارج. النبي �صلى اهلل عليه و �س َّلم بالتفكري يف املخارج من هذه هنا بد�أ ُّ الأزمة التي �أحدقت بامل�سلمني و كانت ـ لوال عناية اهلل ـ ميكن �أن ت�ست�أ�صل �ش�أفتهم .فاقرتح ح ً ال �سيا�سياً يفاو�ض به بع�ض َمنْ حا�صروا امل�سلمني ،لريدَّهم عن ت�ألبهم مع غريهم من العرب ،ثم ا�ست�شار �أ�صحابه يف ذلك � ،إذ بعث �إىل عيينة بن ح�صن ،واحلارث بن عوف املري ،وهما قائدا غطفان ،و�أعطاهما ثلث ثمار املدينة على �أن يرجعا مبن معهما عنه وعن �أ�صحابه ،فلما �أراد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �أن يفعل ذلك بعث �إىل ال�سعدين فذكر لهما ذلك وا�ست�شارهما فيه ،فقاال :يا ر�سول اهلل �أم ًرا حتبه فن�صنعه ، �أم �شي ًئا �أمرك اهلل به ال بد لنا من العمل به� ،أم �شي ًئا ت�صنعه لنا؟ فقال �صلى اهلل عليه و�سلم :بل �شيء �أ�صنعه لكم ،واهلل ما �أ�صنع ذلك �إال لأين ر�أيت العرب رمتكم عن قو�س واحدة، وكالبوكم من كل جانب ،ف�أردت �أن �أك�سر عنكم من �شوكتهم. فقال له �سعد بن معاذ :يا ر�سول اهلل قد كنا وه�ؤالء على ال�شرك باهلل وعبادة الأوثان ال نعبد اهلل ،وال نعرفه ،وهم ال يطمعون �أن ي�أكلوا منها ثمرة واحدة �إال قِرى �أو بي ًعا� ،أفحني �أكرمنا اهلل بالإ�سالم ،وهدانا له ،و�أعزنا بك ،وبه ،نعطيهم �أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة واهلل ال نعطيهم �إال ال�سيف حتى يحكم بيننا وبينهم .فقال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم� :أنت وذاك.
من الأخطاء خاللها .لذا جنده ير�سل اثنني من قادة الأن�صار لي�ستطلعوا اخلرب و يو�صيهما قائ ً ال �( :إن علمتما خرياً ف�أذيعا) �أي� :إن كان الأمر �أن القوم على عهدهم فان�شروا ذلك بني النا�س ؛ لتثبت القلوب( ،و�إن كان غري ذلك؛ فاحلنوا يل حلناً ال يعرفه غريي( �أي :قولوا قو ًال لي�س �صريحاً ال يفقهه �سواي؛ حتى ال ينت�شر اخلرب فيكون فا َّتاً يف ع�ضد الأ َّمة ،فلما ت�أكدوا من غدرهم �أ�س ُّروا لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و �س َّلم ،فقال�( :أب�شروا ،اهلل �أكرب!)فكان ذلك رفعاً ملعنويات امل�سلمني على الرغم من الأخطار املحدقة بهم. إعالمي مهم جداً يف التعامل مع �إ َّن هذا التعام َل مع الأداء ال ِّ الأزمات ال �سيما العا َّمة منها ،فالأخبار التي تقوي العزمية و ت�شحذ الهمم يجب �أن تن�شر بني النا�س بكل و�سيلة ممكنة ،دون �أن يكون فيها كذب �أو اختالق � ،أ َّما ما يبعث على القنوط فال ينبغي ن�شره ،بل على العك�س ينبغي �أن يقوم الإعالم بالتخفيف من �أثره �إن كان قد ت�س َّرب �إىل بع�ض النا�س .و هذا ُّ يدل على وجوب مت ُّكن �صاحب القرار �أيام الأزمات من التح ُّكم بالإعالم و�إدارة �أدواته قدر امل�ستطاع � ،أو على الأقل حماولة الت�أثري فيه ل�صاحله دون �أن ُيغيرِّ من احلقائق �أو يكذب على النا�س .ومن هنا جاء البيان القر�آين ناهياً عن ن�شر الأخبار التي ت�ؤثر على نف�سية الأمة ،قال تعاىل َ ( :و�إِ َذا َجاءَهُ ْم �أَ ْم ٌر مِ َن الأَ ْم ِن َ�أ ِو الخْ َ ْو ِف �أَ َذاعُوا ِب ِه َو َل ْو َردُّو ُه ِ�إلىَ ال َّر ُ�سولِ َو ِ�إلىَ �أُ ْوليِ الأَ ْم ِر مِ ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه ا َّلذِ َ ين َي ْ�س َت ْن ِب ُطو َن ُه مِ ْن ُه ْم ).
هذه بع�ض معامل التعامل النبوي مع الأزمات ،و املواقف التي لقد كانت اخلطوة الأوىل حماولة التخفيف من �أثر الأزمة على ذكرتها مازال فيها ما ميكن �أن ي�ستفاد منه ،ف�ض ً ال عن غريها امل�سلمني ،ثم تال ذلك ال�شورى ،و هي هنا �ألزم منها هناك ( �أي من املواقف ،لكن ح�سبنا ـ و املقام ي�ضيق عن الإطالة ـ ما تقدَّم ،و يف الأزمات َّ اخلا�صة التي ال تت�صل ب�سبب مبا�شرٍ بال�ش�أن العام ) ،اهلل يقول احل َّق و هو يهدي ال�سبيل. و مل يرتدد �صلى اهلل عليه و �س َّلم حلظة يف اال�ستجابة لل�شورى ،و �أن يرتاجع ع َّما �شرع فيه فمق�صود احلاكم العدل م�صلحة الأمة ،ف�إن ر�أى اجتهاده ال يحقق م�صلحتها فال يتوانى حلظة عن اال�ستجابة ملا ي�شري به عليه حكما�ؤها. النبي �صلى اهلل عليه و �س َّلم نق�ض يهود بني قريظة وحني بلغ َّ لعهدهم معه ،و حتالفهم مع العرب الذين حا�صروا املدينة ، �أعطى درو�ساً مهمة يف التعامل مع الأزمات حال احتدامها ، فلم يقبل اخلرب على عواهنه ،بل �أراد �أن يتث َّبت من الأمر �أو ًال ،و هنا تربز حكمته يف التعامل الهادئ مع الأزمات ،فالتث ُّبت من الأخبار ،و التعامل معها وفق القواعد الالزمة يف التحقق منها �شرط مهم لنجاح التعامل مع الأزمة و حماولة التقليل العدد - 19ال�سنة الثامنة
45
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
دور اال�ستح�سان يف اختيار احلاكم �إن من املالحظ يف الع�صور املت�أخرة � ،أن طريقة اختيار احلاكم رغم خطورتها و�أهميتها تتم بطريقة غري �شرعية يف �أغلب البالد الإ�سالمية� ،إما عن طريق التوريث �أو عن طريق القهر والغلبة من خالل االنقالبات الع�سكرية � ،أو ما ي�سمى بالطريقة الدميقراطية من خالل االنتخابات ،والأخرية هذه عدها كثري من العلماء املعا�صرين � ،أنها طريقة غري �شرعية ,ملا ي�شوبها من تزوير وتالعب ،وتف�ضي يف بع�ض الأحيان �إىل قتل النا�س ،فال ت�أتي بالثمار املرجوة منها ,فينتخب النا�س َمنْ هو غري ُكف ٍء لهذا املن�صب العظيم ,ملا ميتلك من قوة ت�أثري يف جمتمعه � ،أما ب�أمواله � ،أو �سلطته � ،أو عالقاته � ،أو طائفته �أو حزبه فيو�سد الأمر �إىل غري �أهله من خالل رعاع النا�س والدهماء منهم. و�إذا كنا قر�أنا يف كتب الفقه وال�سيا�سة ال�شرعية� ,أن �إمامة النا�س توكل �إىل الأمة ،فاملق�صود �أن الأمة متثل مبن ير�ضونه من �أهل احلل والعقد من رجالها وكبارائها. فهذه الطرق غري ال�شرعية املتبعة يف ع�صرنا احلايل �أفرزت قيادات �أودت بالأمة �إىل مهالك الردى ،ولو �ألقينا نظرة على الطرق التي كان ين�صب من خاللها احلكام يف الع�صر الأول لوجدنا طرقاً متنوعة بح�سب املكان والزمان واحلال ،لكنها مل تخرج عن الهدي القر�آين الذي جاء به الوحي. و�أبرز هذه الطرق : ُ .1ي َن َّ�صب الإمام بعد �إتفاق �أهل احلل والعقد على توليته ،وهذه هي الطريقة التي ُن ِّ�ص َب بها �أبا بكر ال�صديق اخلليفة الأول لر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم. .2والية العهد :هو �أن يعهد اخلليفة �أو الإمام الذي ي�شغل املن�صب لآخر باخلالفة ،كما فعل �أبو بكر بتولية عمر بن اخلطاب ور�ضيه �أهل احلل والعقد. � .3أن يختار جمموعة ينتخبوا �أحدهم لهذا املن�صب العظيم ،كما
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ال�شيخ عبد الرحيم �صبح
فعل عمر بن اخلطاب حني اختار ال�ستة الأعالم من ال�صحابة فاختاروا عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه. � .4أن يختار �أهل احلل والعقد من خالل الت�شاور واالجتهاد من يرونه منا�سباً لهذا املن�صب دون اتفاق بالإجماع وال والية عهد ممن �سبقه ,ف�إذا نال ر�أي الأعم الأغلب من �أهل امل�شورة والر�أي ثبتت له الإمامة كا�ستخالف علي ر�ضي اهلل عنه ،وميكن اعتبار هذه الطرق مبجملها من قبيل ال�شورى لأنهم ال يبايعونه �إال بعد الت�شاور والر�ضى به. .5وهناك طريقة �أخرى اعتربها علما�ؤنا يف بع�ض احلاالت وهي تويل ال�سلطة بالقهر والغلبة. قال ابن جنيم :قال علما�ؤنا وال�سلطان ي�صري �سلطاناً ب�أمرين باملبايعة معه ,ويعترب يف املبايعة �أ�شرافهم و�أعيانهم ,والثاين �أن ينفذ حكمه يف رعيته خوفاً من قهره وجربوته ,ف�إن بايعه النا�س ومل ينفذ حكمه فيهم لعجزه عن قهرهم ال ي�صري �سلطاناً باملبايعة فجاز �إن كان له قه ٌر وغلبة .وال ينعزل لأنه لو انعزل ي�صري �سلطاناً بالقهر والغلبة فال يفيد ,و�إن مل يكن له قهر وغلبة ينعزل 1. �إن طريقة اختيار احلاكم� ،أو من�صب الإمامة الكربى كما ي�سميها الفقهاء لي�ست توقيفية ,ومل يرد ن�ص قطعي من كتاب �أو �سنة يحدد فيها الأ�سلوب الذي من خالله يختار احلاكم ,وعليه تكون هذه الطريقة وفق عملية اجتهادية بحته. ف�إذا كانت هناك طرق �أخرى غري التي �أتينا على ذكرها �آنفاً, ميكن تطبيقها ,وت�أتي ثمارها من اختيار ال�شخ�ص املنا�سب لهذا املن�صب فال �ضري ,على �أن تكون من�ضبطة ب�ضوابط ال�شريعة وي�ستح�سنها علماء الأمة وقادتها. من هنا ندرك �أهمية اال�ستح�سان يف اختيار احلاكم وتوليته فالر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم نهج طريقة يف تن�صيب اخلليفة
46
,وخالفه فيها �أ�صحابه من بعده تبعاً للم�صلحة ,فهو مل يعني خليف ًة له ومل ين�ص على �أحدٍ ,و�إن كان قد حاول �أن يلفت النا�س �إىل �أبي بكر لكن بالإ�شارة ولي�س بالعبارة ال�صريحة ،وهنا طبق مبد�أ ال�شورى خري تطبيق ملا بايعوا �أبا بكر يف ال�سقيفة و�صار الت�صويت عليه علنياً ,ومل ين�ص الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم على �أحد لعلمه �أن النا�س لن يختلفوا يف �أحقية �أبي بكر لأ�سباب منها: � .1أنه قال لهم علناً الأئمة من قري�ش. � .2سماه القر�آن الكرمي الأتقى( :و�سيجنبها الأتقى) �سورة الليل �آية17 : فلن يداين �أبا بكر يف الف�ضل �أحد من ال�صحابة مهما كان ,ف�إذا ب�شخ�ص �أوىل منه ف�أميانه طرح ا�سمه كمر�شح لن يعرت�ض اح ٌد ٍ ب�إميان الأمة كلها. فلما ح�ضرت الوفاة �أبا بكر كتب بتعينّ عمر ر�ضي اهلل عنه خليفة لكنه طبق مبد�أ ال�شورى بالت�صويت ال�سري ,فكان ال ي�سمح لأكرث من واحد يدخل عليه ليزوره يف مر�ضه في�س�أله �سراً عن ر�أيه يف عمر ويقول نعم ما اخرتت. وقد �أورد �أبن �سعد� :أن �أبا بكر ال�صديق ملا ا�ستعز به دعا عبد الرحمن بن عوف فقال � :أخربين عن عمر بن اخلطاب ،فقال عبد الرحمن :ما ت�س�ألني عن �أمر �إال و�أنت �أعلم به مني ،فقال �أبو بكر :و�إن ،فقال عبد الرحمن :هو واهلل �أف�ضل من ر�أيك فيه ،ثم دعا عثمان بن عفان فقال � :أخربين عن عمر ،فقال � :أنت �أخربنا به ،فقال :على ذلك يا �أبا عبد اهلل ،فقال عثمان :اللهم علمي به �أن �سريرته خري من عالنيته ،و�أنه لي�س فينا مثله ، فقال �أبو بكر :يرحمك اهلل ،واهلل لو تركته ما عدوتك ،و�شاور معهما �سعيد بن زيد �أبا الأعور و�أ�سيد بن احل�ضري وغريهما من املهاجرين والأن�صار ،فقال �أ�سيد :اللهم �أعلمه اخلرية بعدك ، ير�ضى للر�ضى ،وي�سخط لل�سخط ،الذي ي�سر خري من الذي يعلن ،ومل يل هذا الأمر �أحد �أقوى عليه منه. فلما �أخذ ر�أي �أكابر القوم منهم �أعلن كتابه بتن�صيبه بعده ، فلم يعرت�ض �أحد لأنهم وافقوه �سراً فكان ت�صويتاً �سرياً ،وقد العدد - 19ال�سنة الثامنة
ا�ستح�سن �أبو بكر ر�ضي اهلل عنه اختيار عمر ر�ضي اهلل عنه بعده لأنه ر�أى �أن العرب ارتدت بعد وفاة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم و�أعادهم بحزم وبالقوة الع�سكرية ,ومل ي َر �أ�شد ب�أ�ساً من عمر حتى ال يتكرر الأمر ،لأنه لو تكرر لأ�صبح �أ�شد خطورة من ال�سابق ،لأن الدولة الإ�سالمية �أيامه كرث �أعدا�ؤها من الفر�س والروم ب�سبب تو�سع الفتوحات فال بد من �شخ�ص حازم يعني لهذا املن�صب العظيم وير�ضاه النا�س. وقد �أورد ابن �سعد اعرتا�ض بع�ض ال�صحابة على تولية عمر ل�شدته لكن �أبا بكر ر�ضي اهلل عنه علم �أن املقام يحتاج �إىل ال�شديد الختالط النا�س بعد الفتوحات ودخل الإ�سالم من كل الأجنا�س قال :ما �أنت قائل لربك �إذا �س�ألك عن ا�ستخالفك عمر علينا وقد ترى غلظته ؟ فقال �أبو بكر � :أجل�سوين � ،أباهلل تخوفوين ؟ خاب من تزود من �أمركم بظلم � ،أقول :اللهم ا�ستخلفت عليهم خري �أهلك � ،أبلغ ما قلت لك من وراءك ،ثم ا�ضطجع ودعا عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه فقال :اكتب :ب�سم اهلل الرحمن الرحيم ،هذا ما عهد �أبو بكر بن �أبي قحافة يف �آخر عهده بالدنيا خارجا منها ،وعند �أول عهده بالآخرة داخال فيها ،حيث ي�ؤمن الكافر ،ويوقن الفاجر ،وي�صدق الكاذب � ،إين ا�ستخلفت عليكم بعدي عمر بن اخلطاب فا�سمعوا له و�أطيعوا. والذي يراه الباحث �أن �أبا بكر ال�صديق ر�ضي اهلل عنه لو فتح باب الت�صويت العلني الن�شغلوا باخلالفات على اخلليفة وت�شتت الأمة .وكان القيا�س يقت�ضي �أن يتقدم كل من �أراد الرت�شيح ويتم الت�صويت العلني واحلكم للأغلب ,لكن قد ير�سو الت�صويت على هني لني لي�س عنده �شدة عمر وب�أ�سه فت�ضيع الدولة ,وعثمان بن عفان كان حا�ضراً يف الذهن وهو �ألني من عمر ،ف�إن عمر كان �أغلظ من ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم فكان من امل�صلحة اختيار الأ�شد يف هذا الظرف بينما حتمت امل�صلحة اختيار الأتقى يف �أبي بكر. وعندما طعن عمر كانت الزعامة يتنازعها �أ�شخا�ص متعددون وهناك خالف بني ال�صحابة على �أيهم الأف�ضل ،فمنهم من يف�ضل عثمان ومنهم من يرى علياً ,وتعدد الكبار جعل من
47
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
ال�صعوبة �أن يفعل عمر كفعل �أبي بكر ر�ضي اهلل عنه في�ستخدم الت�صويت ال�سري لأنه �سيجد �آراء متعددة و�أ�شخا�صاً خمتلفني يف تقدمي بع�ضهم على بع�ض ,و�أراد بع�ض ال�صحابة منه �أن ي�ستخلف كما �أ�ستخلف �أبي بكر لكنه مل يفعل. جاء يف �صحيح م�سلم ما ن�صه � ,أن عمر بن اخلطاب ،خطب يوم اجلمعة ،فذكر نبي اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،وذكر �أبا بكر قال: �إين ر�أيت ك�أن ديكا نقرين ثالث نقرات ،و�إين ال �أراه �إال ح�ضور �أجلي ،و�إن �أقواما ي�أمرونني �أن �أ�ستخلف ،و�إن اهلل مل يكن لي�ضيع دينه ،وال خالفته ،وال الذي بعث به نبيه �صلى اهلل عليه و�سلم، ف�إن عجل بي �أمر ،فاخلالفة �شورى بني ه�ؤالء ال�ستة ،الذين تويف ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وهو عنهم را�ض ،و�إين قد علمت �أن �أقواما يطعنون يف هذا الأمر� ،أنا �ضربتهم بيدي هذه على الإ�سالم ،ف�إن فعلوا ذلك ف�أولئك �أعداء اهلل ،الكفرة ُ ال�ضالل . وبلغه �أن قوماً يخو�ضون يف �أمر الإمامة يريدون �إخراجها عن جميع ال�ستة و�أخربه بذلك عبد الرحمن وغريه ,فقام يف النا�س خطيباً بف�ضلهم و�أخربهم �أن الأمر ال يعدوهم و�أنه فيهم ...وقد كانوا قالوا لعمر �إال تعهد فقال � :إن �أعهد فقد عهد من هو خري ري مني يعني مني يعني �أبا بكر و�إن �أترك فقد ترك من هو خ ٌ ر�سول اهلل. ويعلق الباقالين على اختيار عمر لل�ستة بقوله � :أن الرباهني الوا�ضحة دلت على �صوابه وت�سديد ر�أيه و�شدة احتياطه للأمة , لأنه كان له �أن يعهد �إىل واحدٍ منهم فلما ترجح الأمر يف نف�سه و�أ�شكل عليه ومل يرد �صالح على �أيهم يكون �أكرث وخاف هرجاً وف�ساداً بعده وعلم �أنهم �أفا�ضل الأمة ...وهذا غاية ما يكون من االحتياط للأمة وح�سم مادة الفتنة و�إطماع من طمع يف هذا الأمر من غري �أهله. ومن املالحظ هنا �أنه عني جمل�ساً لل�شورى ميكن ت�سميته جمل�ساً تخ�ص�صياً �أو ا�ست�شارياً ولي�س جمل�ساً �شعبياً ،فلم ي�سمح لغريهم الرت�شح فيه ،و�إمنا جعله مغلقاً على ال�ستة ،والقيا�س يقت�ضي �أن يكون حق الرت�شيح لهذا املجل�س مفتوحاً لكنه ا�ستح�سن غلقه
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
لأنه لو ترك مفتوحاً ف�إن االختالف �سيكون �شديداً بني امل�سلمني ،لأن املجتمع يف �أيامه اختلط به م�سلمون جدد ممن مل يرت�سخ الإميان يف قلوبهم. فطبقة املوايل امل�سلمني رمبا كان منهم زنادقة يخفون زندقتهم مثل الذي طعنه� -أبو ل�ؤل�ؤة و�سيده الهرمزان -وه�ؤالء املوايل بح�سب الظاهر م�سلمون ويحق لهم الت�صويت بال�شورى الختيار احلاكم ،لكن لعدم الثقة الكاملة يف �أغلبهم �أُغل َق املجل�س على �أف�ضل امل�أمونني ،وقد تغريت طريقة الت�صويت بح�سب م�صلحة النا�س والأف�ضل لهم ،وهذا ا�ستح�سان بامل�صلحة من عمر ر�ضي اهلل عنه. �أما بعد الفتنة التي اجتاحت دار اخلالفة وقتل فيها عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه فقد �ضيعت ،الأمور وانفلتت على امل�سلمني ،فلم ي�ستطيعوا العودة �إىل طريقة ال�شورى لأن الأمة �سالت دما�ؤها ب�أيدي بع�ضهم ,واقتتلوا و�أ�صبح من ال�صعب جداً �أن يلتحموا من جديد ف�صار �إىل اال�ستح�سان بال�ضرورة ،وال�ضرورة حتتم وجود حاكم �أو خليفة ودولة فانتقلوا �إىل نظام االختيار �أو والية العهد. فقد روى �أبو بكر اخلالل ب�إ�سناد �إىل حممد بن احلنفية قال : كنت مع علي �إذ �أتاه ٌ رجل فقال � :إن �أمري امل�ؤمنني مقتول ال�ساعة علي وقمت معه ف�أخذت بو�سطه تخوفاً –يعني عثمان , -فقام ٌ عليه ,فقال يل َ :خل ال �أم لك ,فانطلق حتى �أتى الدار وقد قتل الرجل ,فرجع علي ف�أتى داره ,فدخل عليه النا�س فقالوا � :إن هذا الرجل قد قتل والبد للنا�س من خليفة ,وال نعلم �أحداً �أحق بها منك ,قال � :إن �أبيتم علي ف�إن بيعتي ال تكون �سراً ,ولكن �أخرجوا �إىل امل�سجد ,فمن �شاء �أن يبايعني بايعني ,قال :فخرج �إىل امل�سجد فبايعه النا�س. و�إن املتتبع للأحداث التي حلقت بالأمة بعد مقتل عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه فر�ضت عليهم جواز الفرقة بعد الوحدة , وتعدد الأمراء �أو احلاكم مع �أن ال�سنة حترم ذلك وتوجب �ضرب عنق احلاكم الثاين كما يف ال�صحيح ،لكن ال�ضرورة �أجازت قيام دولة لعلي يف احلجاز والعراق ,ودولة ملعاوية يف ال�شام ,وكما
48
حتمت ال�ضرورة قيام دولة الأندل�س الأموية مع الدولة العبا�سية ,وقوله تعاىل :و( َو�إِ ْن َطا ِئ َف َتانِ مِ َن المْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني ا ْق َت َت ُلوا َف�أَ ْ�صل ُِحوا الُ ْخ َرى َف َقا ِت ُلوا ا َّلتِي َت ْبغِي َح َّتى َب ْي َن ُه َما َف�إِ ْن َب َغتْ �إِ ْحدَاهُ َما َعلَى ْ أ َتفِي َء �إِلىَ �أَ ْم ِر اللهَّ ِ ( (احلجرات (9 :هذا يعني وجود ثالث دول للم�سلمني �أو �أكرث يف �آن واحد لهما جيو�ش و�سالح ومنعة ,ف�إن ح�صل القتال بني االثنتني توجب على الآخرين الإ�صالح �أو القتال بح�سب اقت�ضاء احلال ,ومع هذا �سماهم بامل�ؤمنني. ومن باب اال�ستح�سان لل�ضرورة �أجاز العلماء خالفة املتغلب ، �أي بالقوة والقهر – االنقالب الع�سكري -واحل�صول على احلكم لغر�ض نظام الإ�سالم بح�سب ر�ؤية املتغلب ,وكان احل�سني ر�ضي اهلل عنه قد فعل ذلك و�إن مل يح�صل على احلكم.
العدد - 19ال�سنة الثامنة
ومن باب اال�ستح�سان بال�ضرورة وجب تعيني من يقيم احلدود �إذا مل توجد دولة وقا�ضي. قال الرازي � :إذا فقد الإمام فلي�س لآحاد النا�س �إقامة هذه احلدود بل الأوىل �أن يعينوا واحداً من ال�صاحلني ليقوم به قال علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه :البد للنا�س من �إمارة برة كانت �أو فاجرة ,فقيل :يا �أمري امل�ؤمنني هذه الربة قد عرفناها فما بال الفاجرة ,فقال :يقام بها احلدود ,وت�ؤمن بها ال�سبل , ويجاهد بها العدو ,ويق�سم بها الفيء. وهذا كله ا�ستح�سان بال�ضرورة و�إال فالأ�صل املنع ،وتولية �أهل التقوى ال حميد عنها.
49
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
ر�سائل النور لبديع الزمان �سعيد النور�سي
د .م�أمون فريز جرار
قا�سم ال�صاحلي من العراق ،وقد ترجمت الر�سائل يف بيئة مدخل تعريفي مما يثري ا�ستغرابي كلما حدثت �أحدا عن ر�سائل النور يف �إخوانية ،وواكب الرتجمة و�أعان عليها عدد من كبار الإخوان بالدنا العربية غياب املعرفة عنها ،ورمبا اجلهل التام بها عند يف العراق ،ولكن اال�ستفادة منها حتى يف بلد الرتجمة بقيت كثري منهم ،وال �أعني بذلك �أنا�سا من عامة النا�س فقط بل حمدودة. ي�شمل ذلك علماء ودعاة و�أ�ساتذة جامعات يفرت�ض �أنهم على و�أن�ش�أ طالب النور الأتراك يف القاهرة دار �سوزلر لن�شر ر�سائل اطالع على جهود الدعاة يف خمتلف بالد الإ�سالم .وحني نتحدث النور املرتجمة �إىل العربية ون�شر ما ي�ؤلف عنها ،منذ �أكرث من عن بديع الزمان �سعيد النور�سي ور�سائل النور ال نتحدث عن ربع قرن ،وت�شارك هذه الدار يف معار�ض الكتب العربية . حركة �إ�سالمية يف مكان بعيد عنا بل عن تركيا القريبة منا ، ومن امل�ؤ�س�سات املتميزة يف خدمة ر�سائل النور التي ت�سهم ونتحدث عن عامل معا�صر تويف يف عام ، 1960وعن ر�سائل بالتعريف بها ورعاية الأن�شطة الأكادميية حولها م�ؤ�س�سة النور التي ترجمت �إىل اللغة العربية ،و�أقيمت حولها م�ؤمترات �إ�سطنبول للثقافة والعلوم ،ومن �أن�شطتها �أنها عقدت منذ وندوات يف تركيا ويف البالد العربية نف�سها ،و�شارك فيها عدد �أول ندوة دولية نظمتها يف عام 1991حتى عام 2013ع�شرة كبري من �أ�ساتذة اجلامعات العربية ،وكتبوا بحوثا وكتبا حولها، م�ؤمترات عاملية يف تركيا ،يف كل ثالث �سنوات م�ؤمتر �شارك فيها ومع ذلك فما زال العارفون بر�سائل النور وم�ؤلفها قلة .و�أجد باحثون من خمتلف البالد باللغات الثالث :العربية والرتكية لدى عدد غري قليل ممن �أحدثهم عن الر�سائل وبديع الزمان والإجنليزية .وعقدت ع�شرات امل�ؤمترات والندوات يف م�شارق نوعا من الده�شة ب�سبب غياب املعلومات لديهم. الأر�ض ومغاربها يف �أكرث من �أربعني دولة منها املغرب واليمن مل يق�صر طالب النور يف تركيا يف التعريف بالر�سائل وبالأ�ستاذ و�إيران والأردن ولبنان وم�صر واجلزائر وال�سودان وجنوب �سعيد النور�سي ،فمنذ وقت مبكر ويف زمن الأ�ستاذ نف�سه �أر�سل �أفريقيا وت�شاد والنيجر ،و�إيطاليا و�أملانيا و�إجنلرتا والواليات الأ�ستاذ بع�ض هذه الر�سائل �إىل عدد من البالد العربية ،و�أخ�ص املتحدة وكندا والبو�سنة والهر�سك وبلغاريا و�أ�سرتاليا وماليزيا منها ما كتبه بالعربية ومنها :تف�سري �إ�شارات الإعجاز يف مظان والهند .كما تنظم م�ؤ�س�سة �إ�سطنبول للثقافة والعلوم منذ عام ،خ�ص�ص طالبه �أحمد الإيجاز واملثنوي العربي النوري و�أوفد 2009م�ؤمترا دوليا �سنويا للأكادمييني ال�شباب الذين ينجزون رم�ضان لي�شرف على التعريف بالر�سائل يف بالد العرب ،ف�أر�سله �أطروحات املاج�ستري والدكتوراه يف مو�ضوع ر�سائل النور وبديع �إىل العراق وا�ستقر بها �سنوات طويلة ،وكان يكتب عن الر�سائل الزمان ويكون كل م�ؤمتر منها يف ق�سمني :واحد خا�ص باللغة يف املجالت وال�صحف ،و�أ�صدر كتيبات م�ستلة من ر�سائل النور، العربية و�آخر باللغة الإجنليزية. ون�شر منها وعنها يف جملة الرتبية الإ�سالمية العراقية. ويف �سنة � 2010أ�صدرت م�ؤ�س�سة �إ�سطنبول للثقافة والعلوم ( انظر :ال�شهود الأواخر ج � 3ص (198ويف العراق ولدت ونفذت جملة ف�صلية �أكادميية حم ّكمة باللغة العربية حتت ا�سم (النور فكرة ترجمة الر�سائل �إىل العربية التي توالها الأ�ستاذ �إح�سان �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
50
للدرا�سات احل�ضارية والفكرية) ،وامل�ؤ�س�سة تنوي �أن ت�صدر جملة جديدة بنف�س املعايري باللغة الرتكية. بعد هذه اللمحة عن اجلهود املبذولة يف التعريف بر�سائل النور ن�س�أل �أين اخللل؟ وملاذا ت�أخرنا يف معرفة ر�سائل النور واال�ستفادة منها؟ يبدو �أن كثريا من العلماء والباحثني العرب الذين عرفوا ر�سائل النور وكتبوا عنها وح�ضروا م�ؤمتراتها تعاملوا معها تعامال بحثيا �أكادمييا ،ومل يتذوقوا حالوة الإميان من خاللها،مبعنى �آخر �أنهم كانوا باحثني يف ر�سائل النور ومل يتحولوا �إىل ( طالب نور(.
هذا تفاخرا بل �شكرا هلل ،وحفزا للهمم للإقبال على الر�سائل واال�ستفادة من �أنوارها واالنغما�س فيها . لقد عرفت ر�سائل النور منذ �أكرث من خم�س ع�شرة �سنة ،من خالل م�ؤمتر عقد عام 1997يف عمان بالتعاون بني م�ؤ�س�سة �إ�سطنبول للثقافة والعلوم واملعهد العاملي للفكر الإ�سالمي وجمعية البحوث والدرا�سات الإ�سالمية ،و�أقولها �صراحة �إن هذا امل�ؤمتر مل يرتك يف نف�سي كبري �أثر ،ومل يفتح الأبواب والنوافذ يل على ر�سائل النور ،ومع �أنني ح�صلت على بع�ض ر�سائل النور التي �أهديت �إيل ف�إنني مل �أقر�أها ! ومن ف�ضل اهلل �أن �صلتي مبرتجم الر�سائل الأ�ستاذ �إح�سان قا�سم ال�صاحلي
وال �أعني بهذا التعبري املعنى التنظيمي بل املعنى الإمياين على امل�ستوى الفردي .فر�سائل النور حتدث العجائب الإميانية يف نفو�س من يقبلون عليها وحتدثا بنعمة اهلل �أقول �إن ال�سنوات الع�شر الأخرية �شهدت حتوال �إيجابيا ،مل يبلغ املطلوب لكنه حقق تطورا مهما بالتعريف بر�سائل النور ،وال �أجد حرجا يف هذا املقال التعريفي بر�سائل النور �أن �أحتدث بنعمة اهلل علي يف خدمة ر�سائل النور ،فال �أقول
ا�ستمرت بعد هذا امل�ؤمتر ،فالتقينا يف املغرب مرتني ومتت لقاءات �أخرى يف م�صر ،ولكن ال�صلة احلقيقية يل بر�سائل النور بد�أت منذ 2005حيث بد�أت �أقر�أ الر�سائل و�أتذوقها ،ويف عام 2006ح�ضرت م�ؤمترا عن ر�سائل النور يف القاهرة والتقيت الأ�ستاذ �إح�سان قا�سم ومما قلته له � :س�أوفر ر�سائل النور للقراء يف الأردن من خالل دا ر الن�شر التي �أن�ش�أتها ،فقال يل الأ�ستاذ �إح�سان كلمة حفزتني لالقرتاب �أكرث من ر�سائل النور � :أريدك
العدد - 19ال�سنة الثامنة
51
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
�أن تقر�أ الر�سائل وتكتب عنها ،وهكذا كان وهلل احلمد ،فقدمت برناجما يف �إذاعة حياة عر�ضت فيه مقتطفات من ر�سائل النور ، وبد�أت بالكتابة عن الر�سائل يف زاوية �أ�سبوعية يف �صفحة الفكر الإ�سالمي يف جريدة الد�ستور يف كل يوم جمعة ،وكذلك �أعددت برنامج طريق النور يف �إذاعة القر�آن الكرمي. وقد �أكرمني اهلل بتحقق دعوة دعوتها يف م�ؤمتر ح�ضرته يف القاهرة حول ر�سائل النور عام 2009قلت يف تلك الدعوة :اللهم كما ي�سرت لإح�سان قا�سم ال�صاحلي ترجمة ر�سائل النور �إىل العربية ي�سر يل ت�سجيلها ب�صوتي ،وهلل احلمد فقد مت ذلك يف عام 2011بعد ق�ضاء �سنة ون�صف يف ت�سجيل الر�سائل مبجلداتها الت�سعة التي تزيد عن خم�سة �آالف �صفحة. وخطوت بعد ذلك خطوة �أخرى لتقريب الر�سائل من النا�س وتعريفهم بها فبد�أت منذ عام 2011يف �شهر رم�ضان با�ستخال�ص فقرات من اجلزء الأول من الر�سائل الذي عنوانه :الكلمات ، ون�شرتها حتت عنوان ( :الل�ؤل�ؤ واملرجان من حكم بديع الزمان �سعيد النور�سي ( ،وملا انتهيت منه �صدر يف كتاب بالعنوان نف�سه ، وقد طبعته دار امل�أمون يف عمان ودار �سوزلر يف القاهرة ،واجلزء الثاين امل�ستخل�ص من اجلزء الثاين من الر�سائل امل�سمى : املكتوبات جاهز للإ�صدار ب�إذن اهلل ،وبد�أت باجلزء الثالث اللمعات ،وع�سى اهلل �أن يعني على �إمتام م�شروعي با�ستخال�ص احلكم النور�سية من الأجزاء كلها. بعد هذا من حق القارئ �أن ي�س�أل :وما ر�سائل النور؟ وما قيمتها ؟ وما �أثرها؟ ر�سائل النور هي تراث للعامل املجدد بديع الزمان �سعيد النور�سي ،الذي ولد يف عام 1877يف قرية نور�س التي ن�سب �إليها وتقع قرب مدينة بتلي�س يف �شرق تركيا وهي منطقة يغلب عليها الكرد ،وقد حقق بع�ض امل�ؤرخني ن�سب الأ�ستاذ النور�سي فتبني �أنه ح�سيني من جهة الأم ح�سني من جهة الأب ينت�سب �إىل ال�شيخ عبد القادر الكيالين ،وكان من عباقرة الزمان حتى لقبه �أحد �شيوخه :بديع الزمان ،وكان مدركا لطبيعة الع�صر مطلعا على علومه ،و�أدرك �أمرا�ض امل�سلمني و�سعى �إىل �إ�صالحها ففي مرحلة �شبابه ومن ذلك �إ�صالح التعليم يف العامل الإ�سالمي ب�إدخال العلوم احلديثة يف مناهج املدار�س الدينية و�إدخال العلوم
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الدينية يف مناهج املدار�س احلديثة ،كما �شخ�ص �أمرا�ض الأمة الإ�سالمية يف خطبة �ألقاها عام 1911يف امل�سجد الأموي بدم�شق عرفت باخلطبة ال�شامية ،وخا�ض احلرب �ضد الرو�س والأرمن يف احلرب العاملية الأوىل وجرح و�أ�سر يف رو�سيا ،وملا رجع من الأ�سر بعد �أكرث من عامني لقي التكرمي من الدولة و�صار ع�ضوا يف دار احلكمة الإ�سالمية �أعلى هيئة دينية يف الدولة العثمانية ،ثم دخل يف �أزمة روحية حولت وجهته وجعلته ي�سعى �إىل �إحياء الإميان ليواجه ما قامت به اجلمهورية من حمالت �ضد الإ�سالم يف تركيا. وكانت ثمرة ذلك التحول ظهور ر�سائل النور املكونة من ت�سعة �أجزاء ،تزيد �صفحاتها عن خم�سة �آالف �صفحة ،ولكل جزء منها ا�سم خا�ص به وهي :الكلمات واملكتوبات واللمعات وال�شعاعات ، واملالحق و�إ�شارات الإعجاز يف مظان الإيجاز ،واملثنوي العربي النوري ،و�صيقل الإ�سالم وال�سرية الذاتية .وقد كانت ر�سائل النور الو�سيلة الفعالة التي واجهت خمططات الدولة العلمانية مل�سح الإ�سالم من احلياة ونزع الإميان من القلوب .ومما يذكر �أن ر�سائل النور بقيت تكتب بخط اليد على مدى ربع قرن من عام 1927حتى عام 1950حتى بلغ ما كتب منها �ستمئة �ألف ن�سخة انت�شرت يف �أنحاء تركيا ،وكان لها �أثر كبري يف �إحياء الإميان يف قلوب الأتراك و�صد احلمالت العلمانية التكفريية ،وكان لطالب النور �أثر يف �إ�سقاط حزب ال�شعب اجلمهوري يف انتخابات عام 1950مما �أدى �إىل جناح احلزب الدميوقراطي الذي خفف ال�ضغط عن دعاة الإ�سالم. وملزيد من البيان حلقيقة ر�سائل النور وبيان ما هي �أذكر ما ورد يف الر�سائل نف�سها ،ومن ذلك قول الأ�ستاذ النور�سي �):إن ر�سائل النور برهان باهر للقر�آن الكرمي ،وتف�سري قيم له ،وهي ملعة براقة من ملعات �إعجازه املعنوي ،ور�شحة من ر�شحات ذلك البحر، و�شعاع من تلك ال�شم�س ،وحقيقة ملهمة من كنز علم احلقيقة، وترجمة معنوية نابعة من فيو�ضاته.. �إن ر�سائل النور لي�ست كامل�ؤلفات الأخرى التي ت�ستقي معلوماتها من م�صادر متعددة من العلوم والفنون ،فال م�صدر لها �سوى القر�آن ،وال �أ�ستاذ لها �إ ّال القر�آن ،وال ترجع �إ ّال �إىل القر�آن ..ومل يكن عند امل�ؤلف �أي كتاب �آخر حني ت�أليفها ،فهي ملهمة مبا�شرة
52
من في�ض القر�آن الكرمي ،وتنزل من �سماء القر�آن ومن جنوم �آياته الكرمية( )...املالحق �ص(221 -220: (�إن هذه الر�سائل البالغة مائة وثالثني ر�سالة هي بذاتها تف�سري ق ّيم للآيات الفرقانية� ،إذ �إنها تك�شف عن نكاتها الدقيقة و�أنوارها الزاهية( ).الكلمات ( 517 ويبني الأ�ستاذ النور�سي �أن هناك نوعني للتف�سري ويبني يف �أيهما ت�صنف ر�سائل النور: ( �إن ر�سائل النور تف�سري ق ّيم وحقيقي للقر�آن الكرمي .لقد كررنا هذا الكالم .وخطر الآن للقلب بيان حقيقته وذلك لعدم و�ضوح معناه احلقيقى. التف�سري نوعان :الأول :التفا�سري املعروفة التي تبني وتو�ضح وتثبت معاين عبارات القر�آن الكرمي وجمله وكلماته. الق�سم الثاين من التف�سري :هو �إي�ضاح وبيان و�إثبات احلقائق الإميانية للقر�آن الكرمي� ،إثباتاً مدعماً باحلجج الر�صينة والرباهني الوا�ضحة .ولهذا الق�سم �أهمية كبرية جداً�.أما التفا�سري املعروفة واملتداولة ف�إنها تتناول هذا النوع الأخري من التف�سري تناو ًال جمم ً ال �أحياناً� .إ ّال �أن ر�سائل النور اتخذت هذا الق�سم �أ�سا�ساً لها مبا�شرة .فهي تف�سري معنوي للقر�آن الكرمي بحيث تلزم �أعتى الفال�سفة وت�سكتهم�().سرية ذاتية ( 428 و�أما قيمة الر�سائل ف�إنها ج�سر بني القارئ وجتليات الأ�سماء احل�سنى يف الوجود ،تفتح له نوافذ التفكر والتدبر للقر�آن الكرمي ولكل ما تقع عليه حوا�سه لي�صبح كل �شيء نافذة على �آيات اهلل يزداد بها القلب يقينا والعقل اقتناعا ويح�س الإن�سان بذلك حقيقة ذلك البيت احلكيم من ال�شعر : ويف كل �شيء له �آية تدل على �أنه واحد ،وال بد من التنبيه �إىل �أمر يقع فيه كثري ممن ينظر يف ر�سائل النور نظرة عجلى فيظن �أنها كتاب يف الت�صوف ،ولو متهل يف احلكم ،وكلف نف�سه االقرتاب من الر�سائل وحقق معرفته بها لوجد �أن الر�سائل ت�صنف نف�سها بعيدا عن الت�صوف مع �أنها حتقق ثمراته املتمثلة بالتخلية والتحلية والتزكية ولكن من غري ( طقو�سه) فال �شيخ يف طريق ر�سائل النور ،ف�شيخ طالب النور ر�سائل النور التي ا�ستمدت �أنوارها من القر�آن الكرمي والتي حتقق ما �أ�سماه العدد - 19ال�سنة الثامنة
الأ�ستاذ النور�سي الوالية الكربى والية ال�صحابة من غري مرور على برزخ الطريقة ال�صوفية ،ومن الأقوال الواردة يف ر�سائل النور عن موقف الر�سائل من الت�صوف �( :إن م�سلك ر�سائل النور لي�س م�سلك الطريقة ال�صوفية بل هو م�سلك احلقيقة، فهو م�سلك مقتب�س من نور م�سلك ال�صحابة الكرام ر�ضوان اهلل تعاىل عليهم �أجمعني. �إن هذا الزمان لي�س زمان الطريقة ال�صوفية بل زمان �إنقاذ الإميان .وهلل احلمد ف�إن ر�سائل النور قد �أجنزت وما تزال تنجز هذه املهمة ويف �أ �صعب الظروف) ( �سرية ذاتية (369 (نعم ،ال ميكن دخول اجلنة من دون �إميان ،بينما يدخلها الكثريون جداً دون ت�صوف .فالإن�سان ال ميكن �أن يعي�ش دون خبز ،بينما ميكنه العي�ش دون فاكهة فالت�صوف فاكهة واحلقائق الإ�سالمية خبز) (املكتوبات (27 هذا �إن ما �أوردته يف مقايل هذا �شذرات �أرجو �أن تكون كا�شفة لبع�ض مالمح ر�سائل النور ع�سى �أن تتبعها مقاالت �أخرى نبحر من خاللها يف بحر �أنوار الر�سائل ،وع�سى �أن تكون حافزة للقراء الكرام للإقبال عليها والإفادة منها .وملزيد من الفائدة �أ�ضع بني يدي القراء مواقع على الإنرتنت ميكن من خاللها االطالع على ر�سائل النور وما كتب حولها من درا�سات ،ومن هذه املواقع: /http://www.resailinnur.com /http://www.nafizatalnoor.com وهذان موقعان للت�سجيل ال�صوتي للر�سائل https://mega.co.nz/#F!eIQHQRpQ!oN dBvG8YJVFzedj-4qiCnw /http://www.nur.org/ar املراجع : -ال�شهود الأواخر� ،شهادات وم�شاهدات عن بديع الزمان �سعيد النور�سي ،ت�أليف جنم الدين �شاهيرن ،ترجمةم�أمون ر�شيد عاكف ،دار �سوزلر للن�شر ،ط ، 1القاهرة 2012 -ر�سائل النور ت�أليف بديع الزمان �سعيد النور�سي ،ترجمة �إح�سان قا�سم ال�صاحلي �:سرية ذاتية،املالحق، الكلمات،دار �سوزلر للن�شر ،القاهرة
53
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
عوامل بناء �شخ�صية الإن�سان
د .عبد الإله ميقاتي
يكرث احلديث يف الآونة الأخرية ،عن الغلو والإرهاب ،وعن �إنت�شار الفكر املتطرف وال�سلوك املواكب له بني �صفوف ال�شباب خ�صو�صاً ،الذي ي�أخذ �أحياناً وللأ�سف الطابع الديني ،وينعك�س نقمة على املجتمع وما ينتج عن ذلك من ممار�سات �أ�صبحت تق ّو�ض دعائم اال�ستقرار يف العامل عموماً،ويف املنطقتني العربية والإ�سالمية. ولكي ندرك �أ�سباب �إنت�شار هذه الظاهرة ،علينا �أن نبحث يف العوامل امل�ؤثرة يف بناء �شخ�صية الإن�سان يف فكره و�سلوكه. وبنتيجة البحث ،وجدنا �أنها تنق�سم �إىل عدة حماور ،تتفاعل فيما بينها ،لتك ّون هذا الفكر وهذا ال�سلوك. - 1عامل الوراثة .يلعب هذا العامل دوراً مهماً على الأخ�ص يف �شكل وق�سمات املولود جلهة الوجه والطول والعينني وبع�ض املوا�صفات الأخرى يف اجل�سم .كما �أنه يلعب دوراً يف �سلوكه نبي اهلل نوح عليه وذكائه .ويق ّر الإ�سالم ذلك من خالل دعاء ّ ال�سالم ،حيث يدعو ربه قائ ً ال ...( :رب ال تذر على الأر�ض من الكافرين دياراً� .إنك �إن تذرهم ي�ضلوا عبادك وال يلدوا �إال فاجراً كفارا) (نوح )27 - 26ويقول النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم، نا�صحاً املقدمني على الزواج( :تزوجوا يف احلِجر ال�صالح ،ف�إن د�سا�س) (رواه �أن�س بن مالك يف ذخرية احلفاظ .)2/21407 العرق ّ وي�ؤكد العامل الريا�ضي الربيطاين فران�سي�س غالتون على الدور الكبري للوراثة يف الذكاء� ،إذ ر�أى �أنه يوجد بني �أقارب ال�شخ�صيات املتفوقة عقلياً ،التي در�سها ،عدد من الأ�شخا�ص املتفوقني عقلياً، �أكرب بكثري مما ميكن �أن يعزى �إىل امل�صادفة وحدها ،ويعزو ذلك �إىل اخلاليا اجلينية التي يولدون وهم مزودون بها .ال �شك يف �أن دورهذا العامل يبقى خارج �إمكانية التدخل فيه �أو الت�أثري عليه. -2عامل الأ�سرة :تلعب الأ�سرة دوراً مهماً جداً يف تنمية �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
قدرات الطفل ،لأن الولد فيها يبد�أ بالتفاعل الإجتماعي ،وفيها يتعلم ممار�سة اال�ستقالل ال�شخ�صي .ولقد ح ّذر العلماء من بع�ض �أمناط الرتبية الأ�سرية التي تعوق الإبداع ،ومنها النمط الديكتاتوري املت�سلط ،الذي يت�صف بالق�سوة والت�سلط ،وفر�ض الطاعة العمياء ،مع عدم اال�ستماع �إىل الأبناء ،وعدم احرتام �آرائهم .ومن �أهم نتائج هذا النمط� ،أن ين�ش�أ الأبناء �ضعفاء يف مواجهة املتغريات ،وتق ّل قدراتهم الإبداعية ،خ�صو�صاً و� ّأن الإبداع غالباً ما يتج ّلى عند الطفل يف �سنني عمره الأوىل حتى التا�سعة عموماً ،وباملقابل ،ف� ّإن النمط الذي يت�صف بالت�سامح ال�شديد ،الذي ي�صل �إىل حد التدليل ،غالباً ما ينتج عنه �أبناء ي ّت�سمون بالف�شل واالنحراف .كما � ّأن التفرقة يف معاملة الأبناء، كالإهتمام املفرط بالطفل البكر مث ً ال ،غالباً ما يبعث عند الآخرين القلق والرتدد يف �إتخاذ القرارات .وينبغي الت�أكيد يف هذا املجال على دور الأم ،حتديداً ،يف الرتبية الأ�سرية .يقول �أمري ال�شعراء �أحمد �شوقي: الأم مدر�سة �إذا �أعددتها �أعددت �شعب ًا طيب الأعراق ف�إعداد الأم لرتبية �أوالدها تربية �صاحلة قومية ،تتما�شى مع احلداثة وتتم�سك بالأ�صالة هو الطريق �إىل �إعداد ال ّأمة واملجتمع والقادة،ليلعبوا دورهم يف م�سرية تقدّم احل�ضارة الإن�سانية واملجتمعات الب�شرية .ولكن وللأ�سف ال�شديد ،ف� ّإن دور الأم يرتاجع كثرياً يف الع�صر احلديث ،مع نزول املر�أة �إىل ميدان العمل ،لت�شارك الرجل يف ك�سب قوت معي�شة العائلة ،في�ضيق بذلك الوقت الذي تق�ضيه الأم مع �أطفالها ،وينعك�س ذلك �سلباً على تربية الأوالد. -3امل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية( .املدر�سة واجلامعة)
54
هذه امل�ؤ�س�سات هي الأكرث فعالية وت�أثرياً يف تكوين العقل الب�شري ،لأنها ت�ستمر لفرتة طويلة من الزمن ،منذ دخول الطفل �إىل دور احل�ضانة ،وتبقى معه حلني تخرجه من اجلامعة �إىل �سوق العمل ،وتنتقل به من مرحلة �إىل مرحلة ،ينمو فيها العقل ،وتكت�سب فيها العلوم واملعارف ،وتن�ش�أ فيها ال�صحبة والزمالة ،وتربز فيها املواهب ،وتتفجر الطاقات،كما يجب �أن تكون فيها الرتبية والتوجيه ،وكل ذلك ي�ستمر �ضمن برامج ومناهج متوا�صلة ومتدرجة� ،أعدّها خرباء متخ�ص�صون يف عاملي الرتبية والتعليم ،وفق طرائق تربوية وتعليمية حتظى بالتطوير امل�ستمر. ومن هذا املنطلق ،كان الإهتمام الأكرب يف العامل املتح�ضر، بامل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية� ،إهتماماً يفوق الإهتمام بامل�ؤ�س�سات الأخرى .ومن هذا املنطلق �أي�ضاً ،وجب �أن تتما�شى فل�سفة الرتبية والتعليم يف هذه امل�ؤ�س�سات ،مع عقيدة املجتمع ومبادئه الوطنية ،و�أهدافه وقيمه ،حتى يتحقق التكامل ،يف �شخ�صية الأجيال الذين يقع على عاتقهم بناء امل�ستقبل. و�أ�ضرب مثا ًال على ذلك ما جرى يف اليابان بعد احلرب العاملية عليها ،فقد �أدخلت �إىل براجمها التعليمية ،مادة �إلزامية ،يف جميع مراحل التعليم وهي � Moral Educationأي (الرتبية على القيم) وهي مبنية على ثالثة حماور هي( :القيم الإن�سانية – الإخال�ص للوطن – وحب الأمرباطور) هذه الأقانيم الثالثة كانت كافية لتنه�ض باليابان من دمار احلرب �إىل م�صاف الدول املتقدمة ب�سرعة قيا�سية. ولعل يف م�سرية التعليم عند العرب التي بد�أت مع ظهور الإ�سالم احلنيف ،و�إ�ستمرت خلم�سة قرون ونيف ،خري مثال على دور الرتبية والتعليم يف �صقل مهارات الإن�سان و�إحراز التقدم الكبري يف م�سرية احل�ضارة الإن�سانية عموماً .وهي الفرتة التي ك ّر�ست العرب وامل�سلمني �سادة العامل وبناة احل�ضارة فيه .ف�أ�صبح علما�ؤهم منارات م�ضيئة يف تاريخ العلوم ،و�أ�صبحت م�ؤلفاتهم مراجع �أ�سا�سية ال ب ّد لكل طالب علم �أن ينهل منها ،و�شهد لهم العامل ك ّله ،ب�أنهم امل�ؤ�س�سون احلقيقيون لعلوم الطبيعة ،وكانوا العدد - 19ال�سنة الثامنة
�أ�سا�ساً للنه�ضة الأوروبية يف غري ميدان( .يراجع كتابنا :م�سرية التعلم ،عند العرب) وللأ�سف ال�شديد ،ف�إن الدور الرتبوي يف املدر�سة واجلامعة يرتاجع يف معظم هذه امل�ؤ�س�سات لي�س على �صعيد الوطن �أو املنطقة فح�سب ،بل على �صعيد العامل عموماً ،لت�صبح هذه امل�ؤ�س�سات تعليمية فقط ،حتر�ص على �أف�ضل ن�سب جناح طالبها يف الإمتحانات وال�شهادات الر�سمية .و�أ�صبحت الرتبية ال حتظى �سوى باجلزء الي�سري من الوقت املتبقي خارج العملية التعليمية البحتة. -4البيئة املحيطة :وهي البيئة احلا�ضنة للفرد ،وهي ت�شمل الأحزاب ال�سيا�سية ،واجلمعيات الثقافية الإجتماعية ،والأندية الريا�ضية والك�شفية ،والو�سط الديني (امل�سجد �أو الكني�سة)، والإلتزام العقائدي وممار�سة الطقو�س الدينية والعبادات ومدى تعويد الأوالد على ذلك .كما ت�شمل البيئة اجلغرافية ،القروية �أو املُدنية ،والو�ضع املادي عند الأهل ،وت�شمل �أي�ضاً امل�ستوى ال�سلوكي والنف�سي عند الأ�صدقاء .وقد ورد يف احلديث ال�شريف حول ت�أثري ال�صحبة والأ�صدقاء يف قوله �صلى اهلل عليه و�سلم: (�إمنا مثل اجللي�س ال�صالح واجللي�س ال�سوء ،كحامل امل�سك، ونافخ الكري ،فحامل امل�سك �إما �أن يحذيك و�إما �أن جتد فيه ريحاً طيبة) (رواه �أبو مو�سى الأ�شعري� .صحيح البخاري – )5534كما يقول عليه ال�صالة وال�سالم( :الرجل على دين خليله ،فلينظر �أحدكم من يخالل) (رواه �أبو هريرة – �سنن �أبي داود – )4833 ويقول املثل ال�شائع( :قل يل من تعا�شر �أقل لك من �أنت). ال �شك �أن هذا العامل يبقى خارج الت�أثري املبا�شر ،خ�صو�صاً �إذا ترك الأهل احلبل على الغارب يف متابعة �أبنائهم ،كيف يق�ضون يغ�ص بكرثة هذه امل�ؤ�س�سات �أوقات فراغهم ومع من .فاملجتمع ّ التي تختلف فيما بينها ،يف العقيدة ،والر�ؤية والر�سالة والأهداف، والتي تتناف�س فيما بينها يف �إ�ستقطاب امل�ؤيدين واملحازبني واملنت�سبني� ،ضاربة على �أوتار الغريزة تارة� ،أو الإنتماء الطائفي تارة �أخرى� ،أو غري ذلك .وت�سعى بكل ما �أوتيت من جهد ودعاية وت�سويق ،لن�شر �أهدافها.
55
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
عامل الإعالم ،و�أهمه القنوات الف�ضائية املتنوعة ،التي �إقتحمت البيوت بدون �إ�ستئذان ،ويف كل الأوقات ،والتي تعتمد يف بثها التلفزيوين على �سيا�سة الغزو التجاري ،وتهدف �إىل حتقيق الأرباح املادية و�أحياناً �إىل ن�شر فكرٍ معني ،بعيداً عن م�س�ؤولية الرقابة الذاتية والعقالنية ،وعلى بث املعلومات واملعارف، والربامج املتنوعة التي تبثها ،ونوعيتها وحمتواها وفحواها و�أهدافها .وهي مبجملها ت�ؤثر ب�شكل مبا�شر على امل�شاهد، وتتحكم يف توجهاته مبا لها من ت�أثري ثقايف وفكري و�إجتماعي و�سيا�سي وديني وغريه .وقد �أ�صبحت هذه القنوات الف�ضائية، �شريكاً م�ساهماً يف تربية النا�شئة .فهي تخاطب ال�صغري والكبري من خالل براجمها املتنوعة جداً ،والتي يتم �إخراجها وفق مناذج حديثة ومتقدمة يف العر�ض واملخاطبة ،ف�إ�ستطاعت �أن ت�ست�أثر بالعديد من العقول والعواطف ،خ�صو�صاً عند النا�شئة املوجه واملر�شد. ف�إ�ست�سلمت لها بال مقاومة تذكر ،و�أ�صبحت لها ّ بل و�أ�صبحت تتحكم يف برنامج الأ�سرة ،وتق ّرر لها وللأطفال مواعيد املذاكرة والنوم والطعام وال�شراب وفقاً للربامج التي يتابعونها. يذكر الرئي�س علي عزت بيجوفيت�ش ،الرئي�س ال�سابق للبو�سنة، يف كتابه (الإ�سالم بني ال�شرق والغرب)� ،أن (التلفزيون له دوره املحزن .وقد �أذيعت نتيجة لدرا�سة �إ�ستمرت �ست �سنوات، كان مو�ضوعها العنف يف برامج التلفزيون ،وعما �إذا كانت هذه الربامج ت�سبب العنف يف احلياة (وقد �إنتهت الدرا�سة �سنة .)1977 ويقول فيها وليان بل�سون� :إن الإجابة للأ�سف بالإيجاب .وقد �أجرى �أحدهم ح�سبة فوجد �أن الطفل الأمريكي العادي ي�شاهد � 18ألف جرمية قتل على التلفزيون قبل �أن ينتهي من مدر�سته الثانوية) .وي�ضيف بيجوفيت�ش قائ ً ال (�أن�ش�أ الرئي�س الأمريكي جلنة لل�صحة العقلية �إ�ستمر عملها ع�شر �سنوات ون�شرت تقريرها يف عام ،1977وقد �إكت�شفت اللجنة �أن م�شكالت من هذا النوع �أ�سو�أ مما كان متوقعاً ،و�أن ثلث ال�سكان على الأقل كانوا يعانون من �آثار �إ�ضطرابات عاطفية خطرية .ويف درا�سة للمعهد القومي لل�صحة العقلية يف ال�سنة نف�سها ،تبني �أن �أكرث من 1,3 �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مليون �أمريكي عوجلوا من �إ�ضطرابات عقلية خمتلفة .ووجد �أن ثمانية ماليني طفل �أمريكي من 54مليوناً كانوا يحتاجون مل�ساعدات ب�سبب �صعوبات نف�سية ،و�أن ع�شرة ماليني على الأقل من النا�س عانوا من م�شكالت ب�سبب �إ�ستهالك اخلمور ،بينما زاد عدد مدمني الهرويني �أكرث من ن�صف مليون). ويبقى هذا العامل امل�ؤثر ب�شكل كبري يف تكوين فكر و�سلوك الإن�سان ،خارج ال�سيطرة �أو الت�أثري املبا�شر عليه �إذا مل يتدخل الأهل يف مراقبة الربامج التي ي�شاهدها الأطفال منذ نعومة �أظافرهم. - 5و�سائل التوا�صل االجتماعي والألعاب الإلكرتونية. ال �شك يف �أن و�سائل التوا�صل الإجتماعي هي و�سيلة من و�سائل الإعالم على �شبكة الإنرتنت ،التي �إنت�شرت �إنت�شاراً �سريعاً ووا�سعاً جداً حتى �أ�صبح امل�شاركون فيها باملليارات ،من جميع الأعمار ،وخ�صو�صاً ال�شباب .وهي منرب مفتوح للجميع ،وعلى كافة امل�ستويات واملجاالت ال�سيا�سية والإجتماعية والإقت�صادية والفنية والدينية والريا�ضية وغريها ،وهي من �أجنح و�أهم و�سائل الإ�ستقطاب ،وخطورتها �أنها �أداة فعالة جداً بيد من ي�ستخدمها .فهي نعمة وخري وف�ضيلة ملن ي�ستعملها ب�أهداف �سوية �سليمة وب�شكل �صحيح ويراعي فيها مواطن احلق واخلري. وهي نقمة و�شر كبري ملن ي�سيء �إ�ستخدامها ،وي�ستعملها يف غري وجه احلق واخلري .ذلك �أن هذه الو�سائل لي�ست �سوى �أدوات متطورة ،تقود �إىل اخلري ،كما تقود �إىل ال�شر .وهي بالتايل ت�ساعد يف ن�شر الثقافة والفكر والأخالق واملبادئ ال�سامية، والقيم والعلوم الإن�سانية وغريها ،وبالتايل ت�ساهم يف دورها هذا يف بناء احل�ضارة الإن�سانية يف م�سار �سليم وا�سع الإنت�شار وعلى طريق اخلري .كما ميكن من خاللها ن�شر الرذيلة والعن�صرية الذميمة ،والعلوم واملعارف املدمرة والإحتكار الإقت�صادي املجحف ،والفكر املتطرف والعنف والإرهاب وما ي�ؤدي �إىل هدم وتقوي�ض احل�ضارة الإن�سانية عموماً ،على طريق ال�شر .وكل ذلك يتم ب�سرعة قيا�سية و�إنت�شار على �أو�سع نطاق .وقد �أثبتت بع�ض الدرا�سات� ،إىل �أن ن�سبة �إ�ستعمال �شبكة الإنرتنت يف العامل
56
يف �أمور م�ضرة وغري مفيدة ،قد بلغت الـ� % 70أو يزيد .وال �شك ب�أن مواقع العنف والإباحية ومنتديات اللهو املفرط ،وال�سباب وال�شتائم واملكائد وغريها قد �أخذت حيزاً كبرياً على هذه ال�شبكة. وقد ن ّبه الباحثون خلطورة �إدمان ال�شباب وخا�صة الأطفال لأجهزة التكنولوجيا احلديثة على �إختالفها، من كومبيوتر و�آيباد ،وهواتف ذكية ،مربوطة ب�شبكة الإنرتنت، ملا ت�سببه من �إنعزالية و�إنطواء عن املجتمع القريب ،وخلق هوة كبرية بينه وبني حميطهم الإجتماعي ،حيث يتكون لهم �أ�صدقاء �إفرتا�ضيني ،قد يكونوا خمتلفني عن واقعهم احلقيقي .ومما يزيد يف خطورة هذا التوا�صل �أنه يتمتع بخ�صو�صية بالغة ،بعيدة كل البعد عن �أية رقابة من الأهل �أو من املربني. �أما الألعاب الإلكرتونية فهي تهدد الأطفال واملراهقني -كلما زادت كمية الوقت الذي يق�ضونه �أمامها – بالعزلة عن النا�س، وباملعاناة من القلق والإكتئاب واملخاوف الإجتماعية .وقد �أجريت درا�سات علمية و�إح�صائية حول �إدمان �ألعاب الفيديو ،ف َث ُبتَ �أنها حتولت �إىل م�شكلة �سلوكية خطرية وكبرية ،و�أنها �أ�صبحت ت�شكل مر�ضاً يف حد ذاتها ،وخ�صو�صاً �ألعاب العنف للأطفال� .أما بقية الألعاب ،فهي نوع من �ألعاب الع�صر احلديث ،التي ال ميكن حرمان الأطفال من ممار�ستها ،مع الإعتدال وحتديد الوقت الذي يق�ضيه الطفل يف ممار�ستها ،بالتوازي مع بقية الأن�شطة الأخرى ،ريا�ضية كانت �أم �إجتماعية .وقد ح ّثت املفو�ضية الأوروبية الدول الأع�ضاء يف الإحتاد الأوروبي ،على مناق�شة التو�صل �إىل ميثاق طوعي لل�سلوك اخلا�ص ب�ألعاب الفيديو العنيفة ،وذلك بغر�ض حماية الأطفال .وقد ذكرت �صحيفة (تايبيه تاميز) التايوانية يف عددها ال�صادر 18كانون الثاين لهذا العام� ،أن �شاباً تايوانياً ،يبلغ من العمر 32عاماً فارق احلياة ،بعد �أن �أم�ضى ثالثة �أيام متوا�صلة ،وهو يلعب يف مقهى للإنرتنت يف جنوب جزيرة (كاوه�سيونغ) .وح�سب رواية �أحد العاملني يف املقهى ،ف�إن ال�شاب املتويف كان مدمناً على �ألعاب الفيديو لدرجة �أنه كان يلعب لأيام متتالية .حيث �أنه كان يف كثري من الأحيان ي�ضطر للنوم يف كر�سيه� ،أو يلقي ر�أ�سه على الطاولة عندما كان العدد - 19ال�سنة الثامنة
ي�شعر بالتعب ،ال�شيء الذي جعل زبائن املقهى يظنون للوهلة الأوىل �أنه نائم ،قبل �أن يالحظ �أحد العاملني باملقهى� ،أنه مل يعد يتنف�س ،فتم نقله على وجه ال�سرعة �إىل امل�ست�شفى حيث �أعلنت وفاته. و�أكد التقرير الطبي �أنه تويف �إثر �سكتة قلبية ناجمة عن جلو�سه املط ّول �أمام الكومبيوتر. خال�صة .مع هذا العر�ض ال�سريع للعوامل امل�ؤثرة يف بناء �شخ�صية الفرد� ،أخل�ص �إىل القول �إىل �أنها جمتمعة ت�شرتك يف تكوين العقل الب�شري وال�سلوك الإن�ساين الذي يتمتع به الإن�سان وميار�س ن�شاطه العلمي والعملي والإجتماعي يف املجتمع .وهذه امل�ؤثرات ،ال تعمل يف عزلة عن بع�ضها البع�ض ،و�إمنا هي يف حالة تفاعل م�ستمر ومتوا�صل .فمث ً ال حني يقال �أن خا�صية ما، �أو �سمة موروثة مثل الذكاء ،ف�إن ذلك ال يعني �أبداً �أنها لي�ست خا�ضعة للتعديل �أو التغيري حتت ت�أثري العوامل الأخرى مثل الأ�سرة �أو املدر�سة �أو اجلامعة �أو البيئة احلا�ضنة �أو غري ذلك. فاجلينات املختلفة تتباين فيما بينها �إىل حدٍ كبري يف �إ�ستجابتها للظروف البيئية املحيطة بها. لذلك ،ال بد من الرتبية على ثقافة الو�سطية والإعتدال، وعلى ثقافة ن�شر ال�سالم والإنفتاح على الآخر ،يف مواجهة الفكر املتطرف ،والإرهاب امل�ست�شري .وهذا يتطلب �إعداداً�سليماً ومتوا�ص ً ال للنا�شئة ،الذين هم بناة امل�ستقبل ،قطباه الأ�سا�سيان:الأ�سرة وامل�ؤ�س�سات الرتبوية� .أما باقي العوامل ،فهي يف معظمها قد تف�سد �أكرث مما ت�صلح ،وهي تبقى خارج �إمكانية الت�أثري املبا�شر ،نظراً لتنوعها ،وتعددها وخ�صو�صيتها والتي ال تخ�ضع لرقابة معينة * .الرتبية الأ�سرية ،وحتديداً �إعداد الأم �إعداداً تربوياً حديثاً يتما�شى مع متطلبات الع�صر وملواجهة حتدياته الكثرية وعلى خمتلف اجلبهات .كما �أنه من ال�ضروري �أن ي�شكل الوالدان قدوة ح�سنة لأبنائهم يف القول والعمل ،و�أن يع ّودوا �أبناءهم على �إجتناب املحرمات واملوبقات،وعلى احلوار باحل�سنى واملناق�شة املبنية على الثقة واملحبة ،والربهان واحلجة، وكذلك �إعتماد التوازن يف كل الأمور مبا فيها التوازن يف الإنفاق،
57
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
والتوازن بني م�صادر املعرفة الثالث :الوحي والعقل واحل�س، والإبتعاد عن الغلو واملبالغة يف جميع الأمور ،والإعتدال يف ال�سلوك والتم�سك بالعدالة و�أولها امل�ساواة بني الأوالد� .أ�ضرب على ذلك مثا ًال ما يجري يف ماليزيا ،حيث تقيم الدولة دورات ت�أهيلية �إلزامية للقادمني على الزواج ت�ستمر ملدة ثالثة �أ�شهر، ويتلقى فيها الزوجان �أ�صول ومبادئ احلياة الزوجية التي هم قادمون عليها مبا فيها �أ�صول تربية الأوالد .ويعطى الإذن بالزواج فقط ملن ينجح يف هذه الدورات. امل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية (املدار�س واجلامعات( .ال يجوز�أن يقت�صر دور امل�ؤ�س�سات الرتبوية على الت�أهيل العلمي واملعريف فقط ،بل يجب �أن يتعداه �إىل بناء التوازن الفكري والإعتدال ال�سلوكي ،ومنهجية التفكري ،ون�شر ثقافة الو�سطية ،والقيام بالتطبيقات املنا�سبة لكل ذلك ،حتى يت�س ّنى �إعداد �أجيال م�ؤمنة بثقافة ال�سالم ،وتكون قادرة على جمابهة الأفكار املتطرفة. �إن جناح امل�ؤ�س�سات الرتبوية يجب �أن يهدف �أي�ضاً �إىل بناءال�شخ�صية امل�ؤهلة علمياً ،وامل�ؤمنة بربها ،وامللتزمة بدينها،
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
واملخل�صة لوطنها والنا�شطة يف جمتمعها ،واملنفتحة على الآخر ،والقادرة على نقد الفكر املتطرف واملتع�صب ،والراف�ضة للإنغالق والتقليد الأعمى ،وامللتزمة ب�أدب النقد والإختالف و�أهمية احلوار باحل�سنى .وليتحقق ذلك ال بد من �إ�شراك جميع مكونات العملية الرتبوية يف هذه الأهداف .وهذه املكونات هي العقيدة والقيم ،واملعلم ،والربامج واملناهج التعليمية ،والإدارة الرتبوية ،والطالب الذي ي�شكل حمور العملية الرتبوية. �إن درا�سة هذه العوامل امل�ؤثرة يف بناء �شخ�صية الإن�سان،والرتكيز على هذين العاملني الأ�سا�سيني (اللذين هما الأ�سرة وامل�ؤ�س�سات الرتبوية( وو�ضع الربامج املنا�سبة لهما ،و�إقامة دورات الت�أهيل للقائمنب عليها ،ت�ساعد يف مواجهة �سلبيات العوامل الأخرى التي ذكرناها ،وبالتايل ت�ساعد يف الت�صدي، وحماربة الغلو والإرهاب واحل ّد من �إنت�شار الفكر املتطرف، ون�شر ثقافة ال�سالم ،وخ�صو�صاً بني �صفوف ال�شباب الذين هم �أمل امل�ستقبل وبناته.
58
نعمة الأمن
الدكتور� /سليمان الرطروط
الأمن لغة � :ضد اخلوف ،و�آمن به � :صدقه ،وامل�ست�أمن :حيث تنتقل اخلربات والعلوم واملنافع ما بني ال�شعوب والأمم ،يف امل�ستجري لي�أمن على نف�سه وماله وعر�ضه � .أما يف اال�صطالح جو من التعاون والتبادل الأممي الكبري؛ مبا يعود عليهم بالنفع فيمكن تعريفها ب�أنها :الإجراءات التي تتخذها جهة ما-دولة والفائدة .وال ميكن لتلك املنافع من االنتقال والتبادل بني �أو غريها -لت�أمني وحماية �أفرادها ومن�ش�آتها وم�صاحلها الأمم وال�شعوب دون �إنت�شار جو ال�سلم واال�ستقرار الأممي ،بحيث من الإعتداء والعبث من الآخرين .وهذه الإجراءات ت�ضمن تكون �أجواء الثقة واالحرتام املتبادل هي الأجواء ال�سائدة بني ال�شعوب والأمم� ،أما يف �أجواء احلروب والإ�ضرابات فال تتحقق اال�ستقرار والط�أنينة والهدوء. وقد اتفقت الكتب ال�سماوية الثالث وب�شكل عام على �أن الإن�سان امل�صالح واملنافع بني الدول وال�شعوب واجلماعات. خليفة اهلل يف الأر�ض؛ لعمارتها ،والعمل ال�ستدامة احلياة فيها ،ولذا ف�إن الإ�سالم يدعو لل�سلم والهدوء ،وال ي�أمر بالعنف وال�شدة كما وتتوافق الديانات على حرمة القتل و�سفك الدماء ،وعلى والق�سوة ،وال يهدد النا�س يف �أمنهم وا�ستقرارهم ،ومل يثبت وجوب احرتام الإن�سان لإخوته الآخرين من الب�شر؛ فال ينتهك تاريخياً �أن الإ�سالم و�أهله هم من بدءوا ب�شن احلروب والغزوات؛ �أعرا�ضهم ،وال ي�سلب �أموالهم ،وال يعتدي على حرماتهم .و�إذا �سواء يف عهد النبوة �أو يف عهد اخلالفة الرا�شدة ،بل �إن الآيات كانت تلك الو�صايا واملبادئ متفق عليها لدى الديانات ،فهي الناطقة ،والآحاديث النبوية كلها تدعو لل�سلم والأمن ،وحتث ِل�س ْل ِم �أي�ضاً مما ال يتعار�ض مع �أي مبد�أ و�ضعي كذلك؛ ولذا ف�إن امل�ؤمنني على الإلتزام به ،قال تعاىل َ (( :و�إِن َج َن ُحواْ ل َّ ال�سمِ ي ُع ا ْل َعلِي ُم )َ (61و�إِن ُيرِيدُواْ احلفاظ على �أ�سا�سيات احلياة واحرتامها من املبادئ امل�ستقرة يف َف ْ اج َن ْح َلهَا َو َت َو َّك ْل َعلَى اللهّ ِ �إِ َّن ُه هُ َو َّ ذات الإن�سان ووجدانه الداخلي ،ومما يرتتب عليه انت�شار ال�سالم �أَن َي ْخ َدع َ ُوك َف ِ�إ َّن َح ْ�س َب َك اللهّ ُ هُ َو ا َّلذِ يَ �أَ َّيد ََك ِب َن ْ�ص ِر ِه َو ِبالمْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني )َ (62و�أَ َّل َف َبينْ َ ُق ُلو ِب ِه ْم َل ْو �أَن َفقْتَ مَا فيِ الأَ ْر ِ�ض َجمِ يعاً َّما �أَ َّل َفتْ واالطمئنان وال�سكينة. ونالحظ �أن التعارف والتوا�صل االجتماعي بني النا�س -على َبينْ َ ُق ُلو ِب ِه ْم َو َلـ ِكنَّ اللهّ َ �أَ َّل َف َب ْي َن ُه ْم �إِ َّن ُه َعزِي ٌز َحكِي ٌم ) (63الأنفال) اختالف �أديانهم و�شعوبهم ،وعلى تعدد �أل�سنتهم و�ألوانهم ،-وملا عُر�ض على ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم -ال�صلح يف هو من املقا�صد الرئي�سة للإ�سالم ودعوته ،واهلل �سبحانه احلديبية � ،أبرم ال�صلح ،والتزم به ،رغم بع�ض ال�شروط القا�سية ا�س �إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ َذ َكرٍ َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم واملجحفة والتي كان ظاهرها ل�صالح كفار قري�ش ،ورغم معار�ضة يقولَ (( :يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا �إِ َّن �أَ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد اللهَّ ِ �أَ ْت َقا ُك ْم �إِ َّن اللهَّ َ َعلِي ٌم بع�ض ال�صحابة -ر�ضوان اهلل عليهم -لل�صلح� ،إال �أن ر�سول اهلل ري)( احلجرات ، )13و�سينتج عن ذلك التعارف والتوا�صل �أنفذه؛ لتوجيه اهلل له ،ولعلمه �سبحانه �أن انت�شار الإ�سالم ، َخ ِب ٌ تبادل للم�صالح واملنافع واخلربات واملهارات ،و�سي�ؤدي للتكامل وب�سط رقعة نفوذه� ،سيكون معظمه يف ظل ال�سلم والأمان؛ ولذا االقت�صادي ،ولل�سعي نحو التطوير ،والإفادة مما لدى الآخرين ،كان �أكرث و�أقوى انت�شار للإ�سالم يف �أجواء ال�سالم� ،أما يف ظل وقد حتقق ذلك يف املا�ضي ،وما زال م�ستمراً يف الوقت احلا�ضر ،احلروب والغزوات فكان انت�شاره حمددواً مقارنة بانت�شاره يف ظل العدد - 19ال�سنة الثامنة
59
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
ال�سالم .ولقد �سميت ال�سورة التي حتدثت عن �صلح احلديبية احلج بالإ�ضافة للقدرة املادية واجل�سدية ،حتقق الأمن ،وهو ما ب�سورة الفتح ،بل �إن اهلل يف �آياته جعل من �صلح احلديبية ينعدم يف ظل العنف واحلرب ،والأمثلة كثرية ،ولذا فالأمن فتحاً للدعوة ،وباباً وا�سعاً لن�شر الإ�سالم ((�إِ َّنا َف َت ْح َنا َل َك َف ْت ًحا وال�سكينة عن�صر �أ�سا�سي لتحقق الكثري من �أحكام الإ�سالم . ُّم ِبي ًنا* ِل َي ْغ ِف َر َل َك اللهَّ ُ مَا َت َق َّد َم مِ ن َذن ِب َك َومَا َت�أَ َّخ َر َو ُي ِت َّم ِن ْع َم َت ُه ولداللة على �أهمية الأمن و�ضرورته للحياة؛ ف�إن �إبراهيم -عليه َعلَ ْي َك َو َيهْدِ َي َك ِ�ص َر ً ن�ص َر َك اللهَّ ُ َن ْ�ص ًرا َعزِي ًزا*هُ َو ال�سالم -عندما �أمره اهلل �-سبحانه -برتك زوجته هاجر وولدها اطا ُّم ْ�س َتقِي ًما* َو َي ُ ال�سكِي َن َة فيِ ُق ُلوبِ المْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني ِل َي ْزدَادُوا �إِميَا ًنا َّم َع �إِميَا ِن ِه ْم �إ�سماعيل يف مكة ،كان من دعائه البارز بالأمن للبيت احلرام ا َّلذِ ي �أَن َز َل َّ ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر ِ�ض َو َكا َن اللهَّ ُ َعلِي ًما َحكِي ًما) (( َو�إِ ْذ َقا َل �إِ ْب َراهِ ي ُم َر ِّب ْاج َع ْل ه َذا َبلَدًا �آمِ ًنا َوا ْر ُز ْق َ�أهْ لَ ُه مِ َن َوللِهَّ ِ ُج ُنو ُد َّ ( الفتح ) 4- 1؛ ولذا فلقد كان �صلح احلديبية فتحاً مبيناً للدعوة ال َّث َم َراتِ َمنْ �آم ََن مِ ْن ُه ْم بِاللهَّ ِ َوا ْل َي ْو ِم ْالآخِ ِر َقا َل َو َمنْ َك َف َر َف�أُ َم ِّت ُع ُه ري(( (البقرة (126 الإ�سالمية ،حيث �سادت �أجواء ال�سالم واال�ستقرار �أرجاء اجلزيرة َق ِليلاً ُث َّم �أَ ْ�ض َط ُّر ُه �إِلىَ َع َذابِ ال َّنا ِر َو ِب ْئ َ�س المْ َ ِ�ص ُ العربية؛ مما دعا لن�شر الإ�سالم خارج اجلزيرة ،ويف داخلها كذلك فالأمن �أو ًال يف دعاء �أبي الأنبياء -عليهم ال�سالم ،-فبدون الأمن بوا�سطة الر�سل والدعاة.
ال ميكن �أن تتحقق �أي م�صلحة كانت ،وال ميكن للحياة �أن تكون
وهكذا ف�إن انت�شار الإ�سالم دائماً وغالباً ما يكون يف �أجواء يف ذلك املكان .و�إن الفو�ضى واال�ضطراب و�إنعدام الأمن ال ميكن اال�ستقرار والطم�أنينة ،لأن الإميان ال يقبل �إال عن ر�ضى قلبي له �أن ي�أت بخري �أبداً .وقد امنت اهلل �سبحانه على �أهل مكة قبل ،فال يكون اعتناق الإ�سالم �إال عن ر�ضى وحب ،ودون �إجبار �أو �إ�سالمهم ،ب�أن جعل لهم مكة حرماً �آمناً -رغم كفرهم -ومما �إكراه ،وما ال�شعوب الكثرية التي اعتنقت الإ�سالم دون اللجوء حتقق من ذلك الأمن �أن ثمرات الأر�ض جميعاً جتبى لبلدهم، �إىل احلروب �إال خري �شاهد على ذلك؛ فال�شعوب امل�سلمة يف جنوب و�أن مكة مق�صد النا�س للحج للعبادة ،وكما �أنها مق�صدهم �شرق �أ�سيا ،وغريها من البالد الأ�سيوية ،والإفريقية والتي كذلك لق�ضاء منافع لهم ،وقد انعك�س �أثر الأمن على �أهل مكة دخلها الإ�سالم بالكلمة ،ودون ا�ستخدام للقوة واجليو�ش ،دليل بزيادة و�سعة الرزق ،رغم �أن مكة غري ذات زرع ،وجاء الأمن على تف�ضيل الإ�سالم لل�سلم والأمن ،و�أن عدد امل�سلمني الآن يف ا�ستجابة لدعاء �إبراهيم -عليه ال�سالم -حيث جعل اهلل مكة العامل ممن دخلت بلدانهم الإ�سالم دون قتالهم والإ�سالم يعترب �آمنة مطمئنة ،يحرم فيها القتال والنزاع ،ويحرم فيها الفو�ضى ((ليلاَ ِف ُق َر ْي ٍ�ش (� (1إِيلاَ ِف ِه ْم ر ِْحلَ َة ِّ ال�ص ْيفِ ال�ش َتاء َو َّ �أن �أجواء الأمن واال�ستقرار هي الأ�صل ،و�أن احلرب والعداوة والإرهاب ِ إِ بني النا�س هي الطارئ واال�ستثناء ؛ لأن الكثري من العبادات (َ (2ف ْل َي ْع ُبدُوا َر َّب َه َذا ا ْل َب ْيتِ ( (3ا َّلذِ ي �أَ ْط َع َمهُم مِّن ُجو ٍع َو�آ َم َنهُم يف الإ�سالم ال ميكن حتقيقها �إال يف الأجواء الآمنة وامل�ستقرةِّ ،منْ َخ ْو ٍف )(قري�ش ) ولداللة على �أن الأ�صل هو ال�سكينة والأمن فكيف للمرء امل�سلم �أن ينطق بال�شهادتني مث ً ال يف بلد ما � ،إذا كانت ؛ ف�إن اهلل �سبحانه وتعاىل جعل اخلوف واال�ضراب والفو�ضى احلرب والعداوة هي ال�سائدة بني �أهل ذلك البلد وامل�سلمني ،بل وعدم الأمن من االبتالء للم�ؤمنني؛ فقالَ ( :و َل َن ْب ُل َو َّن ُك ْم ب َِ�ش ْي ٍء الَ ْم َوالِ َو ْ أ كيف للمرء �أن ي�ؤدي ال�صالة يف �أجواء احلرب والعنف والإرهاب ،مِ َن الخْ َ ْو ِف َوالجْ ُ و ِع َو َن ْق ٍ�ص مِ َن ْ أ الَ ْن ُف ِ�س َوال َّث َم َراتِ ال�صا ِبر َ ِين) (البقرة ، )155:فالأ�صل يف حياة امل�ؤمن هو واحلج كذلك هل ميكن الذهاب وال�سعي نحو بيت اهلل احلرام يف َو َب ِّ�ش ِر َّ ظل احلروب ،وانعدام الأمن واال�ستقرار ،ومن �شروط وجوب اال�ستقرار والإطمئنان وال�سكينة ولي�س اخلوف ،لأنه طارئ ، �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
60
وهو �إبتالء ،وعلى املرء امل�سلم العمل على مكافحته والتخل�ص تراعوا ،مل تراعوا )( �أي ال تخافوا ،رواه الرتمذي ). منه ،والعمل وال�سعي لنقي�ضه ،وهو اال�ستقرار والهدوء ،وال�سلم .ويف �سبيل العمل لتحقيق الأمن الداخلي واخلارجي للمجتمع ؛ و�إن من يدعون �أن الأ�صل هو اخلوف واالبتالء �إمنا يناق�ضون ف�إن اهلل �سبحانه �أمرنا ب�إعداد العدة والقوة املختلفة واملتنوعة، احلقيقة .وهذا نبي اهلل يو�سف -عليه ال�سالم -ملا دخل �أبوه نبي وح�سب قدرتنا و�إمكاناتنا ،وتلك القوة تتنوع من زمن لآخر ،فما اهلل يعقوب -عليه ال�سالم -و�أبنا�ؤه م�صر؛ ف�إن يو�سف -عليه ي�صلح كقوة يف وقت ما قد ال ي�صلح يف وقت �آخر ،وهذا الإعداد و�س َف �آ َوى �إِ َل ْي ِه َ�أ َب َو ْي ِه من قبيل اجلاهزية القتالية؛ لإخافة الأعداء واملرتب�صني بالأمة ال�سالم -قال لهم َ (( :فلَ َّما د ََخ ُلوا َعلَى ُي ُ َو َقا َل اد ُْخ ُلوا مِ ْ�ص َر �إِن َ�شا َء اللهَّ ُ �آمِ ِن َ ني ) (يو�سف ، )99 :فالأمن ،واحلاقدين عليها ،ومن الطامعني يف مكت�سباتها وثرواتها هو الأ�سا�س لال�ستقرار ،و�إدامة احلياة الهانئة. �أي�ضاً؛ لدفع �شرورهم ،وحماوالتهم النيل منها ؛ ولذا جاء الأمر وقد ورد يف احلديث ال�شريف الإ�شارة والبيان لأهمية الأمن ،بالإعداد واال�ستعداد ر�سالة للأعداء حتى ال يخالط عقولهم وعظم �ش�أنه؛ فقال ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم َ ) :-منْ التفكري باالعتداء على امل�سلمني ودولتهم ،ولو مل نتجهز لكانت �أَ ْ�ص َب َح مِ ْن ُك ْم �آمِ ًنا فيِ �سِ ْر ِب ِه ُ ،م َعا ًفى فيِ َج َ�سدِ ِه ،عِ ْن َد ُه َط َعا ُم َي ْومِ ِه ،الأمة لقمة �سائغة يف فم �أعدائها ،قال تعاىل َ (( :و�أَعِ دُّ وا َل ُه ْم مَا َف َك�أَنمَّ َ ا حِ ي َزتْ َل ُه الدُّ ْن َيا)(رواه الرتمذي) اط الخْ َ ْيلِ ُت ْرهِ ُبو َن ِب ِه َع ُد َّو اللهَّ ِ َو َع ُد َّو ُك ْم ْا�س َت َط ْع ُت ْم مِ نْ ُق َّو ٍة َومِ نْ ِر َب ِ فهذه الأمور الثالثة املهمة للحياة و�إدامتها؛ الأمن ،وال�صحة َو� َآخر َ ِين مِ نْ دُو ِن ِه ْم اَل َت ْعلَ ُمو َن ُه ُم اللهَّ ُ َي ْعلَ ُم ُه ْم َومَا ُت ْن ِف ُقوا مِ نْ َ�ش ْي ٍء والعافية ،والقوت ،و�إذا فقدت واحدة منها ال تتحقق احلياة فيِ َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ ُي َو َّف �إِ َل ْي ُك ْم َو�أَ ْن ُت ْم اَل ُت ْظلَ ُمو َن(( الأنفال )60 ال�سعيدة الراغدة ،ولعل يف تقدمي الأمن على احلاجات الباقية فوائد الأمن :
للداللة على عظم �أهميته لها.
ولعل من �أهم واجبات احلاكم والدولة بكل م�ؤ�س�ساتها ،توفري للأمن فوائد كثرية؛ تنعك�س على الفرد واجلماعة ،ولعل من املتطلبات الثالثة ال�سابقة للمواطنني جميعاً؛ �أال وهي :الأمن �أبرز و�أهم فوائد الأمن ما ي�أتي : وال�صحة والطعام ،وهي احلاجات الأ�سا�سية حلياة النا�س ،والتي -1املحافظة على الأرواح والأعرا�ض واملمتلكات :فعند �إنعدام ال ميكن للنا�س التغا�ضي عنها ،وقد ورد يف احلديث �أن �أهل املدينة اال�ستقرار ،وانت�شار الفو�ضى ،يلغى تطبيق الأحكام ال�شرعية �سمعوا �صوتاً خميفاً يف الليل ،فخرج ر�سول اهلل �-صلى اهلل عليه ،والقوانني املرعية ،فتزهق الأرواح دون حق ،وبوجه غري و�سلم -م�سرعاً جلهة ال�صوت ،ممتطياً فر�ساً دون �سرج ،ومتقلداً م�شروع ،بل يكون القتل لأب�سط ال�شبهات والقرائن ،وقد يقتل �سيفه ،فلم يجد �شيئاً ،فرجع وطم�أن النا�س الذين خرجوا املرء وال يدري مل قتل؟ ويف الوقت احلا�ضر ويف ظل الفو�ضى نحو ال�صوت؛ فعن� أن�س بن مالك قال كان ر�سول اهلل �-صلى واال�ضطراب ُي�ستهدف الآمنون من املدنيني وغريهم بالق�صف اهلل عليه و�سلم� -أح�سن النا�س ،وكان �أجود النا�س ،ولقد فزع الع�شوائي ،والذي ينتج عنه الكثري من القتلى الأبرياء� ،سواء �أهل املدينة ذات ليلة؛ فانطلق نا�س قبل ال�صوت ،فتلقاهم ر�سول من الن�ساء والأطفال ،وكبار ال�سن .ويف ظل التقاتل والفو�ضى اهلل �-صلى اهلل عليه و�سلم-راجعاً ،وقد �سبقهم �إىل ال�صوت ،وهو واحلروب تهجر العائالت ،وتتعر�ض الأعرا�ض للأذى اللفظي على فر�س لأبي طلحة عري يف عنقه ال�سيف ،وهو يقول :مل والفعلي ،وما حوادث االغت�صاب �أثناء احلروب والفو�ضى� ،إال العدد - 19ال�سنة الثامنة
61
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
�شواهد على الآثار املدمرة لكرامة الإن�سان وقيمه ودينه ،ولعل وتتال�شى الباطلة. ما �سيرتكه ذلك االنتهاك للأعرا�ض من �آثار نف�سية ال ميكن - 5ا�ضمحالل الأفكار املتطرفة :يف ظل �أجواء اال�ستقرار طم�سه وتنا�سيه .و�أما املمتلكات املنقولة وغري املنقولة والتي وال�سكينة ت�ضمحل الأفكار املتطرفة ،و�آراء الغالة ،لأن الأر�ض ق�ضى �أ�صحابها ال�سنوات الطوال للعمل وال�سعي المتالكها اخل�صبة للأفكار املتطرفة هي الأجواء امل�شحونة وامل�ضطربة، فما هي �إال حلظات وت�صبح عدماً ،فكم من غني و�صاحب ف�ضل �أما يف املجتمع الآمن فيمكن مناق�شة تلك الأفكار بهدوء وروية ، و�سعة يف الرزق �أ�صبح نتيجة للفو�ضى واال�ضطراب معدماً فقرياً والعمل على نق�ض دعائمها باحلجة والربهان والعقل واملنطق، ولكن يف جو الفو�ضى وانعدام ال�سلم تكون الكلمة واحلجة
يتكفف النا�س .
� - 2إن الأمن واالطمئنان يجعل من املجتمع هادئاً م�ستقراً ،مما ل�صاحب ال�سالح ،فهو من يفر�ض ر�أيه وحجته .ومما يتولد عن ينعك�س على النا�س باال�ستقرار والراحة النف�سية� ،أما الفو�ضى �أجواء الأمن واال�ستقرار �أي�ضاً انت�شار الأفكار ال�سليمة والأفكار واحلروب وعدم اال�ستقرار ف�سينتج عنه اال�ضراب ،وانت�شار املعتدلة ،لأنها تخاطب العقل والقلب دون خوف �أو �إكراه �أو الأمرا�ض النف�سية والع�صبية ،ويولد ال�شعور باخلوف من كل �إرهاب. �شيء ،ويجعل املرء يف حرية و�سلوك م�ضطرب ،ال يثق ب�أحد ،وال ي�شعر مب�ستقبل �آمن وم�ستقر. - 3يعم اخلري والرخاء � :إن من الآثار املبا�شرة وال�سريعة لنعمة الأمن �أن ينت�شر ويعم اخلري على املجتمعات الآمنة ،حيث ي�سعى كل �أفراد املجتمع للعمل ،وتنمية وتعظيم املقدرات ،والبناء والعمارة ،مما يزيد من الأعمال ،وتتحقق املكا�سب ،فيعم الرخاء املجتمع بكل مكوناته .فتكرث وتتنوع الأعمال ،وتزدداد املداخيل للنا�س ،وي�صبح لدى النا�س فائ�ض يف دخلهم ،فت�ستقر حياتهم. - 4يزدهر االنتاج :يف ظل الأجواء الآمنة وامل�ستقرة يزداد االنتاج الزراعي وال�صناعي ؛ فاملزارع يحر�ص على فالحة �أر�ضه وتنوع �إنتاجه ،بينما مينعه اال�ضراب من ا�ستغالل �أر�ضه ،ويت�شكك يف كيفية ت�صريف �إنتاجه ،وال يجد يداً عاملة لتعزيز �إنتاجه ،وال ي�أمن على حم�صوالته من النهب وال�سرقة ،وكل ذلك وغريه ينتفي مع وجود الأجواء الآمنة .وكذلك �صاحب ال�صناعة الذي ي�سعى يف �أجواء الأمن واال�ستقرار �إىل تنويع وزيادة منتوجاته، والعمل على ت�صديرها للخارج بعد اكتفاء الأ�سواق املحلية منها، مما �سينعك�س �إيجاباً على ال�صناعة ،فيزيد عدد الأيدي العاملة ، �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
62
جتديد اخلطاب الديني العقدي مفهومه ودواعيه و�ضوابطه مفهوم التجديد لغة:
د�.أحمد احلنيطي ب -املحور الثاين :قمع البدع واملحدثات ،وتعرية �أهلها
)اجلدُّ وهو القطع ...وقولهم ثوب جديد ،ك� ّأن نا�سجه قطعه و�إعالن احلرب عليهم وتنقية الإ�سالم مما علق عليه من الآن هذا هو الأ�صل ،ثم �سمي كل �شيء مل ت�أت عليه الأيام �أمور اجلاهلية ،والعودة به �إىل ما كان عليه زمن الر�سول جديداً ولذلك ي�سمى الليل والنهار اجلديدين والأجدَين؛ و�صحابته الكرام. قال املناوي() :)6يجدد لها دينها� :أي يبني ال�سنة من البدعة، لأن كل واحد منهما �إذا جاء فهو جديد((.)1 وجدَّده وا�ستجدَه �أي ويكرث العلم ،وين�صر �أهله ،ويك�سر �أهل البدعة ويذلهم((.)7 وجتدَّد ال�شيء� :صار جديداً .و�أجدَّه َ ويقول العظيم �أبادي( )8يف عون املعبود� ،شرح �سنن �أبي داود: �صريه جديداً((.)2 �إن التجديد يف �أ�صله اللغوي يبعث يف الذهن ت�صوراً جتتمع )التجديد� :إحياء ما اندر�س من العمل بالكتاب وال�سنة، فيه ثالثة معانٍ مت�صلة ال ميكن ف�صل �أحدها عن الآخر والأمر مبقت�ضاهما و�إماتة ما ظهر من البدع واملحدثات((.)9 وي�ستلزم كل واحد منها معنى الآخر.
ولعلة بهذا املعنى ال يح�سن �أن يكون يف �أيامنا هذه ،فاملطلوب
ّ التلطف ولني اجلانب مع عدم اخلجل يف بيان احلق ،فاملناوي �أولهما� :أن ال�شيء املجدد قد كان يف �أول الأمر موجوداً وقائماً �شدّد يف كالمه على �أهل البدع ،ولكن العظيم �أبادي كان وللنا�س به عهد.
وثانيهما� :أن هذا ال�شيء �أتت عليه الأيام ف�أ�صابه ال ِبلى و�صار معتد ًال� .سيما �أنه يختلف النا�س يف مفهوم البدعة وطرق �إنكارها. قدمياً َخلِقاً. وثالثهما� :أن ذلك ال�شيء قد �أعيد �إىل مثل احلالة التي كان ويذكر ال�سيوطي( )10يف اجلامع ال�صغري �أن) :املراد بتجديد الدين ،جتديد هدايته وبيان حقيقته ،ونفي ما يعر�ض لأهله عليها قبل �أن يبلى ويخلق((.)3 �أما ا�صطالحاً:
من البدع والغلو فيه� ،أو الفتور يف �إقامته ،ومراعاة م�صالح
فقد تنوعت عبارات العلماء يف تعريف التجديد ،وتعددت اخللق ،و�سنن االجتماع والعمران يف �شريعته((.)11 فالتجديد لي�س معناه تغيري طبيعة القدمي� ،أو اال�ستعا�ضة �صيغهم لكنها مل تخرج عن حماور ثالثة: �أ -املحور الأول� :إحياء ما انطم�س ،واندر�س من معامل ال�سنن عنه ب�شيء �آخر م�ستحدث مبتكر ،فهذا لي�س من التجديد يف �شيء... ون�شرها بني النا�س ،وحمل النا�س على العمل بها. قال العلقمي() :)4معنى التجديد� :إحياء ما اندر�س من ثم يقول :وال يعني جتديده �إظهار طبعة جديدة منه ،بل يعني العودة به �إىل حيث كان يف عهد الر�سول �صلى اهلل عليه العمل من الكتاب وال�سنة والأمر مبقت�ضاهما((.)5 العدد - 19ال�سنة الثامنة
63
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
قال تعاىلَّ ( :ما َكا َن محُ َ َّم ٌد �أَ َبا �أَ َحدٍ مِّن ِّر َجا ِل ُك ْم َو َلكِن َّر ُ�سو َل و�سلم و�صحابته ومن تبعهم ب�إح�سان((.)12 ج -املحور الثالث :تنزيل الأحكام ال�شرعية على ما يج ّد من اللهَّ ِ َو َخاتمَ َ ال َّن ِب ِّي َ ني(( )16وقال �صلى اهلل عليه و�سلم) :و�أنا وقائع و�أحداث ومعاجلتها معاجلة نابعة من هدى الوحي:
خامت النبيني(( )17وقال �أي�ضاً) :ال نبي بعدي((.)18
كما هو معلوم) :لي�س املراد باالجتهاد والتجديد الإلغاء فال�شريعة الإ�سالمية ممتدة �إىل قيام ال�ساعة وهي املر�ضية والتبديل وجتاوز الن�ص ،و�إمنا املراد :هو الفهم اجلديد عند اهلل تعاىل وال تقبل الن�سخ وال التبديل حتى يرث اهلل القومي للن�ص ،فهماً يهدي امل�سلم ملعاجلة م�شكالته وق�ضايا الأر�ض ومن عليها. واقفة يف كل ع�صر يعي�شه ،معاجلة نابعة من هدي الوحي(( .)13فكان ال بد من التجديد لأمرين: فيكون بعد ذلك التجديد له �أ�صالة مقرتنة باملعا�صرة .كما الأول :لأن ن�صو�ص ال�شريعة حمدودة واحلوادث التي تقع نالحظ من خالل هذه التعريفات �أن كل املحاوالت التي ممدودة: تهدف �إىل تطويع الدين وجعله م�ساملاً للجاهلية ،وم�سايراً )فلأن الوقائع يف الوجود ال تنح�صر ،فال ي�صح دخولها حتت ملا فر�ضته قوى الكفر ب�سطوتها من �أعراف وقيم غريبة الأدلة املنح�صرة ،ولذلك احتيج �إىل فتح باب االجتهاد من ومنكرة ،حتت �شعار التجديد والتطوير والإ�صالح لي�ست من القيا�س وغريه ،فال بد من حدوث وقائع ال تكون من�صو�صاً التجديد يف �شيء((.)14
على حكمها ،وال يوجد للأوليني فيها اجتهاد ،وعند ذلك
(وكل حماولة للبرت �أو الإ�ضافة �أو التحوير هي خروج عن ف�إما �أن يرتك النا�س فيها مع �أهوائهم� ،أو ينظر فيها بغري وتهجم على اجتهاد �شرعي ،وهو �أي�ضاً اتباع للهوى ،وهو معنى تعطيل الإ�سالم ،وافرتاء على اهلل ،وافتئات على النا�س ّ احلق بغري علم.
التكليف لزوماً ،وهو م�ؤ ٍد �إىل تكليف ماال يطاق ف�إذن ال بد
وبهذا يكون تغيري الدين ال جتديد الدين حيث �إن معنى من االجتهاد يف كل زمان ،لأن الوقائع ال تخت�ص بزمان دون التغيري كما �أ�شار اجلرجاين( :هو �إحداث �شيء مل يكن زمان((.)19 قبله(.)15
ويقول املناوي معل ً ال بعثة اهلل للمجدد ر�أ�س كل قرن) :لأنه
دواعي جتديد اخلطاب الديني العقدي
�سبحانه ملا جعل امل�صطفى خامتة الأنبياء والر�سل ،اقت�ضت
�أو ًال :اخللود والدميومة للإ�سالم �سبب يف حاجته للتجديد :حكمة امللك العالم ،ظهور قرم( )20من الأعالم يف غرة كل كانت �شرائع الأنبياء ال�سابقني ل�سيدنا حممد خ ين�سخ املت�أخر قرن ،ليقوم ب�أعباء احلوادث �إجرا ًء لهذه الأمة مع علمائها منها املتقدم ،وكان النبي الالحق يجدد ما انطم�س من معامل جمرى بني �إ�سرائيل مع �أنبيائها((.)21 الدين ال�سابق وكان ت�صويب ت�صرفات الب�شر وتقومي ما اعوج �أما الثاين :فل ّأن تقادم الزمان و ُبعد النا�س عن م�صدر يف حياتهم يتم عرب وحي ال�سماء ،ولكن اهلل �شاء �أن يختم الوحي ي�ؤدي بدوره �إىل اندثار كثري من معامل الدين ،وكرثة الأنبياء مبحمد خ و�أن تكون �شريعته خامتة ال�شرائع. �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الف�ساد ،وات�ساع رقعة االنحراف ،وتف�شي البدع وال�ضالالت،
64
عندها ت�صبح احلاجة ملحة �إىل بعثة املجددين ،وبروز وبالرغم من �أن الإ�سالم بن�صو�صه الأ�صلية ،كتاباً و�سن ًة، قيادات تعمل على �إظهار الإ�سالم وتقدميه كما �أنزله اهلل حمفوظ بحفظ اهلل� ،إال �أن ذلك� ،إمنا يتم ويتحقق بهمم وتزيل ما علق به من �أ�شياء دخيلة حتول دون تفاعل الإن�سان العلماء الربانيني ،وجهودهم ،وت�ضحياتهم ،وهذا ما حدث مع الوحي وحتيي ما اندر�س من معامله و�أحكامه. بالفعل ،فقد حظي القر�آن الكرمي بعناية بالغة من امل�سلمني ثالثاً :ما يحمل اخلطاب الإ�سالمي من خ�صائ�ص جتعله كتابة يف ال�سطور وحفظاً يف ال�صدور. يلزم التجديد �أ .و�أما ال�سنة النبوية فقد تتابع ال�صحابة على نقلها بدقة ولقد �أ�شار غري واحد من علماء ومفكري الإ�سالم �إىل هذه و�أمانة ،وتبعهم يف ذلك التابعون وتابعوهم وبذلوا جهوداً اخل�صائ�ص مثل �سيد قطب -رحمه اهلل -يف كتابه (خ�صائ�ص �ضخمة يف جمع كل ما �أثر عن النبي خ من قول �أو فعل �أو الت�صور الإ�سالمي) والقر�ضاوي يف كتابه (اخل�صائ�ص تقرير. العامة للإ�سالم). �إذن فكل اجلهود التي بذلت وتبذل حلفظ ن�صو�ص الدين وهذه اخل�صائ�ص هي:
الأ�صلية من ال�ضياع ومن االختالط بغريها تعد من
-الربانية .
-الإن�سانية.
التجديد.
-ال�شمول .
-الو�سطية.
ب -نقل املعاين ال�صحيحة للن�صو�ص و�إحياء الفهم ال�سليم
-الواقعية .
-الو�ضوح.
لها:
�ضوابط التجديد �أ -احلفاظ على ن�صو�ص الدين الأ�صلية �صحيحة نقية:
ف�سر لأمته معاين القر�آن مما ال �شك فيه �أن ر�سول اهلل خ ّ الكرمي وبينها بياناً تاماً �شافياً ،قال تعاىلَ ( :و�أَن َز ْل َنا �إِ َل ْي َك
ا�س َما ُن ِّز َل �إِ َل ْي ِه ْم َو َل َع َّل ُه ْم َي َت َف َّك ُرون)(،)24 وال بقاء لدين دون حفظ ن�صو�صه ،وما حرفت الأديان ال ِّذ ْك َر ِل ُت َبينِّ َ لِل َّن ِ ال�سابقة على الإ�سالم ،وانحرفت على ال�صراط امل�ستقيم وقالَ ( :و َما َعلَى ال َّر ُ�سولِ �إِ َّال ا ْل َب َ ال ُغ المْ ُ ِبني) (.)25 �إال ب�سبب �ضياع �أ�صولها ،وتق�صري �أتباع تلك الديانات يف وقد تلقى �صحابة ر�سول اهلل خ معاين القر�آن الكرمي من حفظها ،والتوثق من نقلها.
ر�سول اهلل كما تلقوا �ألفاظه ،وكذلك الأحاديث� ،إذ املق�صود
والقر�آن قد تكفل اهلل بحفظه ،حيث قال �سبحانه�( :إِ َّنا َن ْح ُن من الألفاظ معانيها ،ومن غري املعقول �أن يكون خطاب ()22 َن َّز ْل َنا ال ِّذ ْك َر َو�إِ َّنا َل ُه لحَ َ اف ُِظون) ،وحفظ القر�آن ي�ستلزم اهلل ور�سوله لهم مبا ال يفهمونه ،وعليه ي�صبح فهم القر�آن حفظ ال�سنة ،لأنها بيان للقر�آن كما قال تبارك وتعاىل :وال�سنة بفهم ال�صحابة وتلقي معاين الن�صو�ص منهم ،من ا�س َما ُن ِّز َل �إِ َل ْي ِه ْم )(.)23 ( َو�أَن َز ْل َنا �إِ َل ْي َك ال ِّذ ْك َر ِل ُت َبينِّ َ لِل َّن ِ الأمور التي يتحتم لزومها ،خا�صة و�أن ن�صو�ص الوحي كانت )� ّأما ال�سنة فقد تكفل اهلل بحفظها �أي�ضاً ،لأن تكفله بحفظ بلغة خطابهم اليومية ،وقد عاي�شوا �أ�سباب نزولها ،واجل ّو القر�آن ي�ستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو ال�سنة ،وحفظ ل�سانه املحيط بها ،وبادروا �إىل العمل بها ،وتفاعلت نفو�سهم معها، وهو العربية� ،إذ املق�صود بقاء احلجة قائمة ،والهداية باقية .لأنها م�ست �أدق امل�سائل يف حياتهم ،وواكبت خمتلف ظروفهم العدد - 19ال�سنة الثامنة
65
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
و�أحوالهم ،كل ذلك يجعل فهمهم للن�صو�ص جزءاً ال يتجز�أ ويعني االنحراف الأول :ن�شوء اعتقادات وت�صورات عن الدين من الدين ،والإعرا�ض عن فهمهم اتباعاً لغري �سبيل على خالف احلق الذي �أنزله اهلل و�أراده. امل�ؤمنني(.)26
�أما االنحراف الثاين فيعني :بقاء االعتقاد �صحيحاً ،لكن
لأ ّنه �إذا ُتركت الن�صو�ص لأفهام النا�س وعقولهم ،فال يبعد �أن ال�سلوك والعمل يخالف االعتقاد والت�صور. تتعدد �أ�شكال الدين نظراً الختالف العقول والأفهام ،وت�أثرها االنحراف االعتقادي ب�أنه مر�ض ال�شبهة ،وعن االنحراف بعوامل الزمان واملكان والبيئة والثقافة والأهواء والنزعات ،ال�سلوكي ب�أنه مر�ض ال�شهوة�) .إن القلب يعرت�ضه مر�ضان لذلك يالحظ � ّأن اجلهود التي بذلت لتحريف ن�صو�ص يتواردان عليه �إذا ا�ستحكما فيه كان موته وهالكه ،وهما الكتاب وال�سنة قد باءت كلها بالف�شل ،لأنهما حمفوظان مر�ض ال�شهوات ومر�ض ال�شبهات ،هذان �أ�صل داء اخللق �إال بحفظ اهلل تعاىل ،و�إمنا جنح ما جنح منها يف جمال حتريف من عافاه اهلل((.)28 معاين الن�صو�ص و�إخراجها عن دالالتها ب�أنواع من الت�أويل وانحراف ال�شبهة �أخطر و�أعظم من االنحراف النا�شئ وطرق الفهم( .)27ف�إحياء منهج ال�صحابة ومن تبعهم ب�إح�سان عن ال�شهوة) ،والفتنة نوعان :فتنة ال�شبهات ،وهي �أعظم يف تلقي الإ�سالم وفهمه وتطبيقه ،والعناية بتوثيق املنقول الفتنتني ،وفتنة ال�شهوات( ،ثم قال) :وهذه الفتنة -فتنة عنهم يف هذا الباب ،من �أهم جماالت جتديد الدين.
ال�شبهات -م�آلها �إىل الكفر والنفاق ،وهي فتنة �أهل البدع،
ج -االجتهاد يف الأمور امل�ستجدة ،و�إيجاد احللول لها:
على ح�سب مراتب بدعهم ،فجميعهم �إمنا ابتدعوا من فتنة
لأنه �إذا كان الإ�سالم هو دين اهلل اخلالد �إىل قيام ال�ساعة ،ال�شبهات التي ا�شتبه عليهم فيها احلق بالباطل ،والهدى ال�شامل لكل زمان ومكان ولكل �إن�سان ،ون�صو�صه حمدودة بال�ضالل((.)29 بينما احلوادث وامل�ستجدات ممدودة ،فال بد �إذن من حتمية لذلك كانت عناية املجددين بت�صحيح االنحراف النا�شئ فتح باب االجتهاد لإنزال الن�صو�ص املحدودة على احلوادث عن ال�شبهات �أعظم و�أ�شد ،و�إن �شمل جتديدهم و�إ�صالحهم املمدودة ،و�إيجاد احللول الإ�سالمية املنا�سبة ملا يطر�أ على االنحراف يف ال�سلوك والأعمال �أي�ضاً. النا�س من م�شكالت ،و�إال وقع النا�س يف حرج و�ضيق نتيجة هـ -حماية الدين والدفاع عنه واجلهاد يف �سبيله: بعدهم عن �أحكام ربهم ،و�ساغ لأعداء الدين و�أ�صحاب وذلك ل ّأن �إعادة الدين �إىل �أ�صوله ،و�صيانته من عبث النوايا اخلبيثة والنفو�س املري�ضة ،اتهام الإ�سالم باجلمود العابثني وحتريف املنحرفني ،وحماية العاملني به احلاملني والرجعية ،وعدم ال�صالحية لكل زمان ومكان.
للوائه يحتاج �إىل قوة وب�أ�س.
د -ت�صحيح االنحرافات: والواقع �أن االنحراف عن الدين على �شكلني:
ل ّأن قوام الدين :كتاب للهداية ،و�سيف للن�صرة ،كما قال اب تعاىلَ ( :ل َق ْد �أَ ْر َ�س ْل َنا ُر ُ�سلَ َنا بِا ْل َب ِّي َناتِ َو َ�أن َز ْل َنا َم َع ُه ُم ا ْل ِك َت َ
ال�شكل الأول :انحراف يف املفاهيم والقيم.
ا�س بِا ْلق ِْ�س ِط َو�أَن َز ْل َنا الحْ َ دِ ي َد فِي ِه َب�أْ ٌ�س َ�شدِ ي ٌد َوالمْ ِي َزا َن ِل َي ُقو َم ال َّن ُ
وال�شكل الثاين :انحراف يف ال�سلوك والعمل. �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
66
ن�ص ُر ُه َو ُر ُ�سلَ ُه بِا ْل َغ ْيبِ (.)30 َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِ ا�س َو ِل َي ْعلَ َم اللهَّ ُ َمن َي ُ يقول ابن تيمية رحمه اهلل) :ف�أخرب �أنه �أر�سل الر�سل و�أنزل الكتاب وامليزان لأجل قيام النا�س بالق�سط� ،أنه �أنزل احلديد الذي ين�صر هذا احلق ،فالكتاب يهدي وال�سيف ين�صر ،كما قال من قال من ال�سلف� :صنفان �إذا �صلحوا �صلح النا�س: الأمراء والعلماء((.)31 فكل من يبذل جهداً يف ميدانٍ من هذه امليداين اخلم�سة املتقدمة فله من التجديد ن�صيب ،وبقدر ما تتعدد امليادين التي يخو�ض املجدد غمارها بقدر ما تعظم رتبته يف التجديد ،و�أكمل املجددين من �شمل جتديده امليادين كلها كعمر بن عبد العزيز رحمه اهلل.
الهوام�ش : ( )1ابن فار�س ،ت 395 :هـ ،معجم مقايي�س اللغة ،حتقيق :عبد ال�سالم هارون ،ج� ،1ص ،409-408ط 1411 ،1ه1991-م ،دار اجليل ،بريوت. ( )2الإفريقي ،ابن منظور ،ت 711 :هـ ،ل�سان العرب ،ج� ،2ص ،202ط،3 1413ه1993-م ،دار �إحياء الرتاث العربي ،وم�ؤ�س�سة التاريخ العربي، بريوت-لبنان. (� )3سعيد ،ب�سطامي حممد ،مفهوم جتديد الدين ،ط� ،1ص1405 ،15-14 ه1984-م ،دار الدعوة ،الكويت. ( )4هو حممد بن عبد الرحمن بن علي بن �أبي بكر العلقمي� ،شم�س الدين ،فقيه �شافعي عارف باحلديث ،من بيوتات العلم يف القاهرة ،كان من تالمذة اجلالل ال�سيوطي ،له م�ؤلفات �أ�شهرها :الكوكب املنري ب�شرح اجلامع ال�صغري ت969:هـ ،الزركي االعالم ،ج� ،6ص.195 (� )5أبو الطيب العظيم �أبادي (ت1405 :هـ( عون املعبود �شرح �سنن �أبي داود مع �شرح احلافظ ابن القيم اجلوزية،حتقيق عبد الرحمن حممد عثمان، ج� ،11ص ،386النا�شر حممد عبد املح�سن �صاحب املكتبة ال�سلفية باملدينة املنورة ،ط1389 ،2هـ ـ 1969م. ( )6هو حممد عبد الر�ؤوف املناوي القاهري ال�شافعي ،له م�صنفات كثرية، منها :في�ض القدير �شرح اجلامع ال�صغري ،و�شرح ال�شمائل للرتمذي، ت1031:هـ ،الزركلي ،الأعالم ،ج� ،6ص ،204خري الدين الزركلي ،رتبه: زهري ظاظا ،دار الأرقم بن �أبي الأرقم ،لبنان. ( )7املناوي ،حممد عبدالر�ؤوف ،في�ض القدير �شرح اجلامع ال�صغري، �ضبطه و�صححه� :أحمد عبد ال�سالم ،ج� ،2ص ،307ط1415 ،1هـ1994-م ،دار العدد - 19ال�سنة الثامنة
الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان. ( )8هو حممد �شم�س احلق العظيم �أبادي الهندي ،ابو الطيب ،حمدث، �أ�شهر كتبه عون املعبود �شرح �سنن �أبي داود ت1857:م ،كحالة ،عمر ر�ضا، ت1405:هـ ،معجم امل�ؤلفني ،ج� ،3ص ،346ط1414 ،1هـ ،1993-بريوت. (� )9أبو الطيب العظيم �أبادي ،عون املعبود� ،شرح �سنن �أبي داود ج� ،11ص.391 ( )10هو احلافظ امل�ؤرخ الأديب امل�صري ،جالل الدين عبد الرحمن بن �أبي بكر ال�سيوطي ،تتلمذ على يد جماعة من العلماء ،منهم احلافظ ابن حجر الع�سقالين ،كان يحفظ مائتي �ألف حديثاً ،و�أ َّلف حوايل �ستمائة م�صنف، وقد اعتزل النا�س حني بلغ الأربعني ،و�أ ّلف يف عزلته �أكرث كتبه ،كانت ن�ش�أته يف القاهرة وتويف بها �سنة (911هـ 1505 -م( ،الزركلي الأعالم ،ج� ،3ص.301 ( )11الوعي ،العدد ،129مقال بعنوان )معنى جتديد الدين(� ،ص.25 ( )12القر�ضاوي ،يو�سف ،من �أجل �صحوة را�شدة جتدد الدين وتنه�ض بالدنيا� ،ص ،28ط1408 ،1هـ1988-م ،املكتب الإ�سالمي ،بريوت. ( )13ح�سنة ،عمر عبيد ،االجتهاد للتجديد �سيل الوراثة احل�ضارية� ،ص.20 (� )14أمامة ،عدنان حممد ،التجديد يف الفكر الإ�سالمي� ،ص .19 ( )15اجلرجاين816-740 ،هـ1340 ،م1413-م ،هو علي بن حممد بن علي، املعروف بال�شريف اجلرجاين ،الفيل�سوف من كبار العلماء بالعربية ولد يف تاكو (قرب ا�سرتاباد( ودر�س يف �شرياز ،وله نحو 50كتاباً ،الزركلي، الأعالم ،ج� ،5ص.7 (� )16سورة الأحزاب ،الآية.40 : ( )17البخاري ،حممد بن �إ�سماعيل� ،صحيح البخاري ،كتاب املناقب ،باب خامت النبيني برقم 3271وم�سلم� ،أبو احل�سني م�سلم بن احلجاج ،برقم .2610 ( )18البخاري ،كتاب �أحاديث الأنبياء ،باب ما ذكر عن بني �إ�سرائيل برقم 3196وم�سلم ،كتاب ف�ضائل ال�صحابة ،باب ف�ضائل علي بن �أبي طالب برقم .4418 ( )19ال�شاطبي� ،إبراهيم بن مو�سى ،املوافقات يف �أ�صول ال�شريعة ،ج،40 �ص ،104ط 1975م. ( )20القرم من الرجال :ال�سيد املعظم ،ابن منظور ،ل�سان العرب. ( )21املناوي ،في�ض القدير ،ج� ،1ص.14 (� )22سورة احلجر ،الآية.9 : (� )23سورة النحل ،الآية.44 : (� )24سورة النحل ،الآية.44 : (� )25سورة النور ،الآية.54 : (� )26سالم� ،أحمد ،ما �أنا عليه و�أ�صحابي� ،ص- ،96بت�صرف ،-ط1415 ،1هـ- 1995م ،دار ابن حزم ،بريوت ،لبنان. ( )27القي�سي ،مروان ،معامل الهدى� ،ص.108 ( )28ابن قيم اجلوزية ،حممد بن �أبي بكر ،مفتاح دار ال�سعادة ومنثور والية العمر والإرادة ،ج� ،1ص ،110دار الكتب العلمية ،بريوت,. ( )29ابن قيم اجلوزية ،حممد بن �أبي بكر� ،إغاثة اللهفان من مكائد ال�شيطان ،حتقيق :حممد حامد الفقي ،ج� ،2ص ،165مكتبة املعارف، الريا�ض ،ال�سعودية. (� )30سورة احلديد ،الآية.25 : ( )31ابن تيمية ،جمموع الفتاوى ،ج� ،18ص.185
67
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
فتاوى �شرعية �إ�شراف �أ.د .حممد الق�ضاة هل يجوز للورثة �أخذ �أموال الت�أمني على احلياة بعدوفاة الوالد �أم ال؟ �إذا كانت ال�شركة التي يعمل فيها املوظف هي التي �أمنت على حياته وكانت تدفع �أق�ساط الت�أمني ؛ فال مانع �شرعاً من �أخذ ما يتح�صل من �أموال الت�أمني بعد وفاة املوظف� .أما �إذا كان املوظف هو الذي �أمن على حياته ،وقام بدفع �أق�ساط الت�أمني ؛ فيجوز للورثة �أن ي�أخذوا مقدار الأق�ساط التي دفعها مورثهم ،و�أما باقي املبلغ فيتخل�صون منه بتوزيعه على الفقراء وامل�ساكني ؛ لأنه مال حرام ولهم الأجر على ذلك .واهلل تعاىل �أعلم. كنت قد �سجلت ار�ض ًا با�سم �أحد �أبنائي وعمره الآن 14�سنة على �سبيل الهبة ،و�أريد �أن �أعود يف هبتي له و�أرجع الأر�ض �إىل ملكيتي ،حيث �إنني ال �أريد �أن �أظلم بقية �إخوانه فهل يجيز ال�شرع يل ذلك؟ الت�سوية بني الأبناء يف الأعطية م�ستحبة ،ويكره للأب �أن �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
يهب لأحد من �أوالده �أكرث مما يهب لغريه �سواء يف ذلك الذكر والأنثى لقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم(:اتقوا اهلل واعدلوا بني �أوالدكم) متفق عليه ،وحمل كراهة ذلك �إن ا�ستوت حاجاتهم بخالف ما �إذا اختلفت النتفاء املحذور.ويجوز للوالد �أن يرجع يف خ�ص بها بع�ض �أوالده من �أجل حتقيق العدل وامل�ساوا هبته التي ّ بينهم .قال ابن حجر الهيتمي(:ف�إن ف�ضل البع�ض �أعطى الآخرين ما يح�صل به العدل ،و�إال رجع ندباً) حتفة املحتاج على �شرع املنهاج ،واهلل تعاىل �أعلم. مات ان�سان هو تارك لل�صالة ومل يحج ،هل يجوز �أن يحجعنه �أوالده؟ تارك ال�صالة ذنبه عظيم جداً ،وموقفه بني يدي اهلل موقف ع�صيب ،ويكفي �أن نذكر �أن �أهل النار عندما ي�س�ألون ( :مَا َ�سلَ َك ُك ْم فيِ َ�س َق َر ) ،يقولون: ني )َ (43ولمَ ْ َن ُك ُن ْط ِع ُم المْ ِْ�س ِك َ ( َقا ُلوا لمَ ْ َن ُك مِ َن المْ ُ َ�ص ِّل َ ني )َ (44و ُك َّنا َن ُخ ُ و�ض َم َع الخْ َ ائ ِِ�ض َ ِّين )َ (46ح َّتى ني )َ (45و ُك َّنا ُن َك ِّذ ُب ِب َي ْو ِم الد ِ �أَ َتا َنا ا ْل َي ِق ُ ني) املدثر ، 47-42ويقول اهلل تعاىل بعدهاَ ( :ف َما َتن َف ُع ُه ْم َ�ش َفا َع ُة َّ ال�شا ِف ِع َ ني( املدثر )48وهذا ال خالف فيه بني
68
�أهل الإ�سالم ،ولكن ال نحكم بكفره ما مل يكن قد ترك ال�صالة جحوداً لها �أو ا�ستخفافاً بحقها.وعلى ذلك ،يجب على الورثة �أن ُيخرجوا من تركته من يحج عنه� ،أو يحج عنه �أحدهم -بعد �أن يكون الوارث قد حج عن نف�سه -كما هو احلال يف كل م�سلم مات ،وقد وجب عليه احلج ومل يحج ،ونرجو �أن ي�صله ثوابه �إن مات على الإميان .واهلل �أعلم. هل ي�ستطيع املعتمر �أن ي�ؤدي �أكرث من عمرة يف رحلةواحدة� ،سواء عنه �أو عن والده (حيث يعاين والده من عدة م�شاكل �صحية( ونحن نعلم ب�أن مدة رحلة العمرة املنظمة من قبل ال�شركات الأردنية تزيد عن ع�شرة �أيام بقليل .وجزاكم اهلل خري ًا؟. للمعتمر �أن ي�ؤدي �أكرث من عمره يف رحلة واحده� ،سواء عنه �أو عن والده املري�ض الذي ال ي�ستطيع العمرة بنف�سه وال يرجى �شفا�ؤه ،ذلك بعد �أن يكون قد اعتمر عن نف�سه؛ بل �إن تكرار العمرة من ف�ضائل الأعمال ،وقد قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم(:العمرة �إىل العمرة كفارة ملا بينهما( رواه م�سلم .وال�شرط الوحيد ل�صحة الإحرام بالعمرة الثانية ملن هو يف داخل مكة �أن يخرج �إىل �أقرب احل ّل ،كالتنعيم مث ً ال ،فقد اعتمرت عائ�شة ر�ضي اهلل عنها يف حجة الوداع عمرتني يف �أقل من ع�شرين يوماً ،عمرة وهي داخلة من املدينة ،وعمرة �أمرها النبي �صلى اهلل علية و�سلم �أن حترم بها من التنعيم .عن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها �أن النبي �صلى اهلل علية و�سلم بعث معها �أخاها عبد الرحمن ف�أعمرها من
اهلل عليه و�سلم �أعمر عائ�شة منها ،وهي �أقرب احلل �إىل البيت, ف�إن �أخط�أه ذلك فمن احلديبية؛ لأن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �صلى بها ,و�أف�ضلها من اجلعرانة ،وبعدها يف الف�ضيلة التنعيم، ثم احلديبية ،كما ن�ص عليه ,واتفق الأ�صحاب على الت�صريح بهذا يف كل الطرق ،وال خالف يف �شيء منه ( انتهى ( .املجموع ( ، )211/7وانظر ( :املحتاج مغني ) ()229/2 بل ن�ص ابن قدامة رحمه اهلل على نفي اخلالف يف جواز عمرة مَن كان مبكة مِ ن �أهلها �أو القادمني عليها ،فقال ( :كل من كان مبكة فهي ميقاته للحج ،و�إن �أراد العمرة ِف َمن احلل ،ال نعلم يف هذا خالفاً ،ولذلك �أمر النبي �صلى اهلل عليه و�سلم عبد الرحمن �أن ي ِّعمر عائ�شة من التنعيم ( انتهى ( .املغني ) ()11/3 ولذلك يجوز تكرار العمرة �أكرث من مرة يف ال�سفرة الواحدة، طاملا مل ي�أت ن�ص باملنع من ذلك ،وقد �أجازه عامة العلماء.واهلل تعاىل �أعلم.
التنعيم .متفق عليه .يقول الإمام النووي رحمه اهلل�( :إذا كان مبكة م�ستوطنا �أو عابر �سبيل و�أراد العمرة فميقاته �أدنى احلل, ن�ص عليه ال�شافعي ،واتفق عليه الأ�صحاب ,قال �أ�صحابنا :يكفيه احل�صول يف احلل ولو بخطوة واحدة من �أي اجلهات كان جهات احلل ,هذا هو امليقات الواجب .و�أما امل�ستحب فقال ال�شافعي يف املخت�صر� :أحب �أن يعتمر من اجلعرانة؛ لأن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم اعتمر منها ،ف�إن �أخط�أه منها فمن التنعيم؛ لأن النبي �صلى
العدد - 19ال�سنة الثامنة
69
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
الركن الطبي �أ�ضعاف يف �أطفال الر�ضاعة اال�صطناعية زيادة عنها يف �أطفال الر�ضاعة الطبيعية يف ال�شهور الثالثة الأوىل من عمر الطفل. ولقد ثبت �أن الر�ضاعة الطبيعية حتمي من مر�ض ( النيكروتايزجن انتريو كواليت�س) وهو مر�ض ي�صيب غ�شاء املعدة والأمعاء بالتهاب �شديد ي�ؤدي �إىل جفاف حاد وي�ضر بالكلى وهو مر�ض خطري جداً وكثرياً ما ي�ؤدي �إىل الوفاة. ويف الر�ضاعة الطبيعية نادرا ما ي�صاب الطفل بالتهاب غ�شاء املعدة والأمعاء ال�شديد الذي ي�ؤدي �إىل جفاف حاد.
الأ�سرار الربانية يف الر�ضاعة الطبيعية اجلزء الثاين
الدكتور /ذيب عبداهلل ا�ست�شاري طب الأطفال قبل �شهر نقلت �إلينا و�سائل الإعالم املختلفة العربية منها والأجنبية اكت�شافا علميا جديدا مفاده �أن الأطفال الذين ر�ضعوا من �أمهاتهم �أكرث ذكا ًء عندما يكربون من �أقرانهم الذين ر�ضعوا ا�صطناعيا ،ولكن هذة املعلومة معروفة منذ زمن لي�س بالقريب وقد ذكرت يف كتب طب الأطفال �سابقا وعلى �سبيل املثال ال احل�صر كتاب �أ�سرار الأطفال مل�ؤلفه ( ريت�شرد بولني) (�ص)362 وقد �أتيت على ذكرها يف كتابي (الأ�سرار الربانية يف الر�ضاعة الطبيعية)(�ص )14عام ،2004وقدميا قال علماء امل�سلمني �إن من بركة العلم �أن يعزل العلم لأهله. وعموما ف�إن حليب الأم فيه الوقاية من كثري من الأمرا�ض ودالئل ذلك تزداد كل يوم ،فما �أكرث تلك الأمرا�ض التي يقي حليب الأم الطفل منها ،وتاليا نذكر بع�ضها: � -1إلتهاب غ�شاء املعدة والأمعاء: الذي ي�ؤدي �إىل القيئ والإ�سهال وارتفاع درجة احلرارة وهو مر�ض خطري ي�ؤدي �إىل ن�سبة عالية من الوفايات يف الدول النامية ،والر�ضاعة الطبيعية يف البالد احلارة ملدة � 6أ�شهر تعترب منقذة للأطفال وقد تكون زجاجة الر�ضاعة اال�صطناعية قاتلة يف تلك البالد لعدم توفر العناية الكافية لأدوات الر�ضاعة ولقلة املوارد املادية وعدم القدرة على �شراء الغذاء املنا�سب للطفل. وقد �أجريت يف ال�صني درا�سة �شملت خم�سة ع�شر قري ًة ،فوجدت ن�سبة الوفيات يف هذة القرى نتيجة الإ�سهاالت ال�شديدة ثالثة �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
-2الأمرا�ض التنف�سية: من عناية اهلل ورحمته �أن يكون الطفل والذي ير�ضع من �أمه �أقل عر�ضة للر�شوحات و�إلتهاب الق�صبات و�إلتهاب الرئتني و�سائر الأمرا�ض التي ت�صيب اجلهاز التنف�سي ،ون�سبة الأطفال الذين يعانون �إلتهاب الرئة يف الر�ضاعة اال�صطناعية ()%1,87 بينما هي ( )% .,15يف �أطفال الر�ضاعه الطبيعية. والأطفال الذين ي�صابون ب�إلتهاب اجلهاز التنف�سي ممن ير�ضعون ا�صطناعيا �أكرث عر�ضة للوفاة �أربعة �أ�ضعاف من �أولئك الذين ير�ضوعون طبيعيا عندما ي�صابون بنف�س الإلتهاب. وحليب الأم بعد الوالدة (اللبا) �أو ما ي�سمى ( بالكل�سرتوم) فيه م�ضادات للأمرا�ض التنف�سية كما ذكرنا يف العدد ال�سابق من جملة الو�سطية الغراء. ولقد عاجلتُ طفلة تبلغ من العمر خم�سة �أيام �أ�صيبت ب�إلتهاب رئوي �شديد و�صعوبة يف التنف�س �أدخلت امل�ست�شفى بحالة طارئة فطلبت من �أمها �أن تعطينا من حليبها وكنا نعطي الطفلة هذا احلليب تدريجيا بوا�سطة (�سرجن) مبعدل ع�شرة ملمرتات كل �ساعة وقد حت�سنت ب�سرعة. � - 3إلتهابات الأذن: الأطفال الذين ر�ضعوا من الأم ملدة �أحدى ع�شر �شهراً �أقل عر�ضة لإلتهاب الأذن.
70
�أما �أمرا�ض الأذن ال�شديدة وامل�صحوبة بفقدان ال�سمع فهي ع�شرة �أ�ضعاف عند من ر�ضعوا ا�صطناعياً �أكرث من �أولئك الذين ر�ضعوا طبيعيا يف ال�شهر الأول كلما طالت الر�ضاعة الطبيعية كلما قل تعر�ض الطفل لأمرا�ض الأذن املزمنة ،و�أقلهم عر�ضة لذلك من ر�ضع من �أمه �أكرث من �سنة ( فانظر حكمة الباري �سبحانه وتعاىل يف جعل الر�ضاعة من الأم ملدة عامني). - 4الأطفال الذين ير�ضعون من الأم �أقل عر�ضة من ت�سمم الدم وحمو�ضة الدم.
احل�سا�سية ب�سبب حليب البقر ،وهناك مواد �أخرى يف حليب البقر ت�سبب احل�سا�سية لدى الأطفال ،بينما يف حليب االم توجد مادة ت�سمى (�آي جي �آ( ( )I.G.Aحتمي الطفل من ذلك. والأكزميا وهي مر�ض جلدي موجود عند �أطفال الر�ضاعة اال�صطناعية �سبعة �أ�ضعاف �أكرث من الذين ير�ضعون من �أمهاتهم. - 9الأمرا�ض النف�سية مثل الك�آبة عند الكرب �أقل عند �أولئك الذين ر�ضعوا طبيعي ًا
- 5حليب الأم يجعل الأطفال �أقل عر�ضة لأمرا�ض الفم والأ�سنان (كاحلمو والفطريات). - 6حليب الأم يحوي مادة ت�شجع منو البكترييا النافعة واملوجودة يف �أمعاء الطفل والتي ت�سمى (الكتو ب�سيل�ص)، والبكترييا النافعة تثبط منو البكترييا ال�ضارة ولذلك حتمي الطفل من كثري من الأمرا�ض. - 7حليب الأم يحمي الطفل من املوت املفاجئ والغري مف�سر(�سببه غري معروف). - 8حليب البقر يحوي مادة (البيتاالكتوكلوبيولن) والتي يخلو منها حليب الأم ،وهذه املادة كثرياً ما ت�سبب ح�سا�سية للأطفال ،ففي �أمريكا ( )%1من الأطفال �سنويا ي�صابون بهذة
- 10وكما بينا يف بداية هذا املقال ،ف�إن من ر�ضعوا من �أمهاتهم يكونون عند الكرب �أكرث ذكاءاَ و�أقل عر�ضة لل�سمنة و�أقل عر�ضة لت�صلب ال�شرايني و�أقل عر�ضة لت�سو�س الأ�سنان فتبارك اهلل رب العاملني. - 11و�أطفال الر�ضاعة الطبيعية �أقل عر�ضة للتقرحات حول ال�شرج و�أقل عر�ضة الن�سداد الأمعاء. ولعلنا �إن �شاءاهلل ن�ستطيع �أن نلقي املزيد من ال�ضوء حول الأ�سرار الربانية يف الر�ضاعة الطبيعية والأ�سرار املذهلة يف حليب الأم ،وال ي�سعنا �إال �أن نقول دائما( :هذا خلق اهلل ف�أروين ماذا خلق الذين من دونه).
العدد - 19ال�سنة الثامنة
71
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
ر�سائل جامعية
�سلطة ويل الأمر يف التعزير و�ضوابطها عند الإمام اجلويني درا�سة فقهية مقارنة اعداد الطالب :عبد احلميد هزاع الغيالت ا�شراف اال�ستاذ الدكتور حممد احمد الق�ضاة ملخ�ص الر�سالة : �إن اجلرائم يف الفقه الإ�سالمي تنق�سم �إىل ثالثة �أق�سام ،جرائم احلدود ،وجرائم الق�صا�ص والديه ،وجرائم التعزيز ،وجعلت ال�شريعة لكل جرمية عقوبة خا�صة بها ال يجوز لويل الأمر �أن يخرج عنها ،ولكن الق�سم الثالث من اجلرائم (التعزيز) فقد جرى الت�شريع اجلنائي الإ�سالمي �أن ال يفر�ض لكل جرمية من جرائم التعزير عقوبة معينة ،لأن تقييد ويل الأمر يف عقوبة معينة مينع العقوبة �أن ت�ؤدي وظيفتها ،ويجعل العقوبة غري عادلة يف كثري من الأحوال ،لأن ظروف اجلرائم واملجرمني تختلف اختالفاً بيناً وما قد ي�صلح جمرماً بعينه قد يف�سد �آخر وما يردع �شخ�صاً عن جرميته قد اليردع غريه .ومن �أجل هذا و�ضعت ال�شريعة جلرائم التعازير عقوبات متعددة خمتلفة هي جمموعة كاملة من العقوبات تت�سل�سل من �أب�سط العقوبات �إىل �أ�شدها وتركت لويل الأمر �أن يختار من بينها العقوبة التي يراها كفيلة بت�أديب اجلاين وا�ست�صالحه وبحماية اجلماعة من الإجرام. �إن العقوبات يف الفقه الإ�سالمي تتدرج من العقوبة الأ�شد �إىل اخللف على ح�سب الأق�سام الثالثة �سالفة الذكر ،في�شرتط يف �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
العقوبة �أن تكون متنا�سبة مع اجلرمية ما �أمكن ،و�أن تكون رادعة ،و�أن ال تتجاوز حد االعتدال ،فال يعاقب على اجلرم ال�صغري بالعقاب لكبري . ولذلك مت بحمد اهلل يف هذه الأطروحة �ضبط العقوبات التعزيرية بحيث ال تبلغ مبالغ احلدود والق�صا�ص ،فاحلدود ثابتة ال تتغري بتغري الأزمنة والأمكنة وكذلك عقوبة الق�صا�ص والدية ،و�أي�ضاً عقوبة التعزير فال يجوز �أن تبلغ مبالغ احلدود والق�صا�ص ،ولذا يجب �أن ن�ستبعد عقوبة الإعدام من نطاق العقوبات التعزيرية. �إن �سلطة ويل الأمر يف تطبيق العقوبات التعزيرية لي�ست �سلطة مطلقة ولي�ست �سلطة حتكمية بل هي �سلطة مقيدة كل التقييد ب�أوامر ال�شرع ،ت�سعى لتحقيق العدل وامل�ساواة بني النا�س بحيث يكون �ضابط التجرمي هو نوع اجلرمية وظروف اجلاين و�أحواله بغ�ض النظر عن لونه �أو جن�سه �أو دينه �أو ن�سبه �أو مركزه االجتماعي . �إن �سلطة ويل الأمر يف العقاب التعزيري يجب �أن تكون ناجعة يف الق�ضاء على الف�ساد و�إزالة هذه الأدران من ج�سم املجتمع امل�سلم لكي يكون نقياً �سليماً و�أن يكون الهدف الرئي�س من هذا العقاب هو حتقيق م�صلحة الأمن للأمة لكي ي�سود الر�ضا والطم�أنينة بني �أفراد املجتمع امل�سلم. ويرتتب على ذلك �أن لويل الأمر يف تطبيق العقوبات التعزيرية �سلطة وا�سعة فله �أن يزيد يف العقوبة وله �أن ينق�ص منها وله �أن يعفو �إن كان يف العفو م�صلحة للجاين وللمجتمع ،ولئن يخطئ ويل الأمر يف العفو خري من �أن يخطئ يف العقوبة. وال�شريعة الإ�سالمية يف النواحي اجلنائية وخا�صة العقوبات التعزيرية �صاحلة للتطبيق يف كل زمان ومكان ،و�إن تطبيق هذه ال�شريعة على وجهها ال�صحيح قد �أغنى امل�سلمني عن غريهم من الأمم وقامت ب�سد حاجاتهم على �أكمل وجه.
72
واحة الو�سطية
احلمد وال�شكر وال�شفاعة (اختيار الدكتور زهاء الدين عبيدات)
هناك فرق بني احلمد وال�شكر :فاحلمد يت�ضمن املدح والثناء على املحمود بذكر حما�سنه �سواء كان �إح�سانا �إىل احلامد �أو مل يكن، وال�شكر ال يكون �إال على �إح�سان امل�شكور ،فمن هذا الوجه احلمد �أعم من ال�شكر لأنه يكون على املحا�سن والإح�سان ،ف�إن اهلل يحمد على ما له من الأ�سماء احل�سنى ،وما خلقه يف الآخرة والأوىل ،ولهذا قال( :وقل احلمد هلل الذي مل يتخذ ولداً ومل يكن له �شريك يف امللك ومل يكن له ويل من الذل وكربه تكبرياً) (الإ�سراء ،)111:وقال ( :احلمد هلل الذي خلق ال�سموات والأر�ض) (الأنعام� ،)1:إىل غري ذلك من الآيات.
قال عبد الرحيم الربعي: لك احلمد يا م�ستوجب احلمد دائما على كل حال حمد فان لدائم ملعروفك املعروف يا ذا املراحم و�سبح ــان ــك الله ــم ت�سبيح �شـ ــاك ـ ـ ــر قال عمر الأن�سي: لك احلمد يا م�ستوجب احلمد والثنا ويا من بنا فقر له وله الغنى وكان لنا يف بابك الأمن واملنى �إليك التج�أنا يف ال�شدائد فامنحت قال حممود الوراق: لعزة ملك �أو علو مكان فلو كان ي�ستغني عن ال�شكر �سيد فقال ا�شكروا يل �أيها الثقالن ملا �أمر اهلل العباد ب�شكره من كتاب (�أبيات من احلكم واملواعظ وال�شواهد والأمثال) القا�ضي �إ�سماعيل بن �أحمد العن�سي دار عمار
العدد - 19ال�سنة الثامنة
73
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
ال تقهروا الطفولة !
د� .أ�سمهان الطاهر اخلوف على �شخ�صيتهم م�ستقب ً ال ،والأكرث �إيالماً ه�ؤالء الأطفال الذين يعي�شون هذه الظروف وهذه احلرب ما هو م�ستقبلهم النف�سي والإن�ساين واالجتماعي ،هل من جميب؟! �أما �آن للدماء �أن حتقن ؟� ،أما �آن للأمة �أن تخمد بركان العنف الثائر؟! �ألي�س من حق الطفولة �أن ت�شعر بالفرح بد ًال من اخلوف؟� ،ألي�س من حقهم �أن يعي�شوا الطفولة كما يجب �أن ُتعا�ش؟.
تنبهت الأم على �صوت طفلها ذي الع�شر �سنوات وهو ي�صرخ ب�صوت عال خائفاً� ،أمي �أين �أنت؟! كان الفزع واخلوف ميتلكان كيانه ،ه ّد�أت الأم من روعه و�س�ألته ملاذا ت�صرخ ومما �أنت خائف؟ قال الطفل ب�صوت مرجتف �أخاف �أن �أفقدك �أمي! تكرر ذلك عدة مرات ف�أدركت الأم �أن طفلها الذي يتابع مع والده القنوات الف�ضائية التي تعر�ض الأحداث ال�سيا�سية املحيطة قد اختزن يف ذاكرته كمية من اخلوف �سببها �أما �آن للطفل الفل�سطيني املهجر �أن يقطف زيتون بالده؟، احلقيقي ر�ؤية الدم والقتل والدمار والفقد الذي نراه ب�شكل يومي ،وال�س�ؤال الذي البد من طرحه هنا ،كم عدد الأطفال والطفل ال�سوري متى �سيحمل القنديل يف حارات ال�شام الذين �سيختزنون يف داخلهم مثل هذا اخلوف ،وما ت�أثري هذا القدمية ويغني للعيد؟ ،وتلك الطفلة التي فقدت
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
74
عائلتها يف احلرب هل �ست�ستطيع �أن حتت�ضن دميتها وتعطيها حناناً فقدته هي؟ َمنْ �سيم�سح دمعتها عن وجنتيها! �أما �آن للطفل العراقي �أن يهلل وهو يت�سلق نخيل العراق العايل املثمر؟� ،أما �آن للطفل اليمني �أن ي�شعر بال�سعادة يف بالده اليمن ال�سعيد؟� ،أما �آن للطفل الليبي �أن ي�شارك �أطفال العامل بالألعاب الإلكرتونية املختلفة؟� ،أما �آن للأطفال �أن يعجنوا طني الأر�ض ب�إيديهم ال�صغرية لي�شعروا بطاقة الأر�ض وفرحها؟. كم من اخلوف اختزنتم يف قلوبكم يا �أطفال العامل العربي؟! هل يا ترى �ستدركون يوماً معنى فرح الطفولة؟،متى �سرتون قو�س قزح وا�ضحاً دون دخان؟ ،ومتى �سرتفعون طائراتكم الورقية امللونة اجلميلة الزاهية لتحلق عالياً يف ال�سماء؟ ،ما زلت �أذكر حديث �أحد ال�شباب اليافعني عندما حدثني عن طفل عمره ثالثة ع�شرة عاماً حينما �أفاق من نومه على �صوت قنابل بعرثت �ألعابه ،وبع�ضاً من �أحالمه، لكنها مل تبعرث �إرادته ،جاء �إىل الأردن تاركاً ذكرياته هناك� ،آم ً ال بالعودة لتلك الذكريات يف يوم قريب ،وما زال ينتظر العودة .هل تعلمون ما الذي قاله �أطفال العامل عندما �سمعوا تلك احلكايات؟ �صرخوا بعلو ال�صوت،ال تقهروا الطفولة!
العدد - 19ال�سنة الثامنة
75
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
لقاء حواري مع �سفري اجلمهورية الباك�ستانية يف عمان
لقاء مع �سعادة ال�سيد �إح�سان �أزهر حياة
عبيدات مع �سعادة �سفري جمهورية باك�ستان اال�سالمية يوم احتفال ال�سفارة للت�ضامن مع ال�شعب الك�شمريي امل�سلم يوم 2015/2/7
كان ملجلة الو�سطية والتي ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية هذا اللقاء الذي مت مع �سعادة �سفري جمهورية باك�ستان اال�سالمة الذي �أ�شرف على �إعداده الدكتور زهاء الدين عبيدات مدير مركز الو�سطية للدرا�سات يف املنتدى العاملي للو�سطية والدكتور زيد �أحمد املحي�سن املن�سق العام للعالقات اخلارجية والتعاون الدويل . تعريف خمت�صر : جمهورية باك�ستان الإ�سالمية ،دولة تقع يف غرب �آ�سيا يبلغ عدد �سكانها حوايل 180مليون ن�سمة وم�ساحتها حوايل ((796095 كم مربع ،معظم ال�سكان يدينون بالإ�سالم وكلمة باك�ستان باللغة الأوردية تعني ( الأر�ض الطاهرة ،الأر�ض النقية( ويحد �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
باك�ستان من اجلنوب بحر العرب وخليج عمان ومن الغرب �أيران و�أفغان�ستان ومن ال�شرق الهند ومن ال�شمال ال�شرقي ال�صني، وعا�صمة باك�ستان مدينة �أ�سالم �أباد ومن �أ�شهر املدن �إ�ضافة �إىل العا�صمة �أ�سالم �أباد كرات�شي ،الهور ،بي�شاور ،كويتا ،حيدر �أباد ،في�صل �أباد ،ملتان ،و�أزاد ك�شمري ،قلقيت ،وغريها من املدن املنت�شرة يف �أقاليم البالد والباك�ستان دولة زراعية و�صناعية ونظرا لتعدد الأقاليم املناخية فقد تعددت �أنواع املحا�صيل الزراعية وتتميز باك�ستان بجمال الطبيعة من �سهول وجبال و�صحارى ومدن جماورة للبحار والأنهار والبحريات. وترتبط باك�ستان بعالقات تاريخية مع الدول العربية ومن �أجل �إلقاء ال�ضوء على العالقات الأردنية الباك�ستانية ،حيث بد�أ احلوار بالتعرف على �سفري جمهورية باك�ستان الإ�سالمية يف ع ّمان اجلرنال املتقاعد ال�سيد �إح�سان �أزهر حياة وهو متخرج يف جامعة الدفاع الباك�ستاين يف �إ�سالم �أباد وهو متزوج. ولدى �س�ؤالنا عن �إنطباعاته عن الأردن ؟ �أجاب ال�سفري �إح�سان: لقد �أمتمت عام ون�صف العام يف الأردن حتى الآن وعلى الرغم من عمق العالقات ال�سيا�سية والع�سكرية بني البلدين ووجود تبادل منتظم للزيارات بني امل�س�ؤولني مل ت�سنح يل الفر�صة لزيارة هذا البلد اجلميل قبل الآن. �أنا وزوجتي نتحدث مع �أقاربنا و�أ�صدقائنا ب�أن الأردن قد عا�ش فينا ،لقد �سنحت لنا الفر�صة لل�سفر خارج باك�ستان ولكن �أ�صدقكم القول نحن مل جند بلد خارج منطقتنا �أعطى لنا الكثري من راحة البال والطم�أنينة واملودة مثل الأردن ،نحن نحب الأردن كثريا وال�شيئ الذي �أثار �إعجابنا هو ال�شعب الأردين ،لقد وجدنا ال�شعب الأردين متعلم ،منفتح وكرمي وم�ضياف للغاية، لقد �أ�صبح لدينا �صداقات كثرية مع العديد من �أبناء ال�شعب الأردين والذين �سنفتقدهم عندما نغادر �إىل بالدنا �إىل جانب ذلك الأردن بلد جميل فالطق�س والبيئة رائعان متاما .وميكن �أن نق�ضي بقية حياتنا فيه.
76
� .2سعادة ال�سفري ،كيف تنظر �إىل العالقات الأردنية الباك�ستانية؟ وكيف �سيتم تطورها على امل�ستوى الر�سمي وال�شعبي ؟ باك�ستان والأردن لهما عالقات تاريخية وطويلة وعميقة مبنية على �أ�س�س التفاهم املتبادل يف كافة الق�ضايا التي تواجه العامل ب�أ�سره هذه العالقات جزءا ال يتجز�أ من التاريخ ورعايتها من قبل قيادة و�شعوب البلدين لتكون متينه ب�سبب التبادلية والقوا�سم امل�شرتكه مل�صاحلنا ،و�أرى �أن العالقه تنمو من قوية �إىل متينة و�أكرث متانة ،باك�ستان والأردن يدعم كل منهما الآخر يف العديد من املنتديات واملنابر العاملية وهذا دليل على عالقات الأخوة بيننا ،ومع ذلك نحن بحاجه �إىل موا�صلة العمل لتعزيز هذه العالقات وخا�صة يف جمال التجارة والتبادل التجاري ،يف الوقت الذي لدينا عالقات �سيا�سية وع�سكرية قوية مع الأردن ،هناك الكثري من العمل الذي يتعني علينا القيام به لتعزيز التجارة بيننا .باك�ستان لديها موارد هائلة والقدرة على �أن ت�صبح �شريكا جتاريا رئي�سيا للأردن. ون�سعى للرتكيز على هذه امل�س�أله ونحن نعقد �آمال كبرية على خمرجات االجتماع الوزاري امل�شرتك بني الأردن وباك�ستان والذي من املقرر عقده يف �أبريل � 2015إن �شاء اهلل .لدينا حاليا كما كان يف ال�سابق العديد من الطلبة الأردنيني يدر�سون يف الكليات املهنية يف باك�ستان الذين هم �أداة على امل�ستوى ال�شعبي لزيادة التفاعل بني البلدين ،لقد اقرتحت تبادل منتظم لل�صحفيني بني البلدين لريو ب�أنف�سهم ما لدى كل طرف ما ميكن �أن يقدمه و�إبراز �صورة البلدين. بلدنا لديها الكثري لتقدمه من حيث ال�سياحة ،والأردن هي �أر�ض الأنبياء والتاريخ منذ زمن �سحيق ،بينما تفتخر باك�ستان بتاريخها وجمال الطبيعة الهائل الذي لديها وهي مناطق اجلذب ال�سياحي الطبيعي ونحن بحاجة �إىل ت�سويق هذا املجال بي�سر و�سهولة من خالل تي�سري �إجراءات ال�سفر واالنتقال بحيث يخلق قدر �أكرب من التفاعل على امل�ستوى ال�شعبي وي�صبح ممكنا. العدد - 19ال�سنة الثامنة
� .3سعادة ال�سفري :تعد باك�ستان من الدول الإ�سالمية الكربى التي يح�سب لها ح�ساب ح�ساب على امل�ستوى الإقليمي والدويل ،فما هو الدور الذي تلعبه باك�ستان يف ا�ستقرار ال�سلم العاملي؟ باك�ستان هي بلد لأكرث من 180مليون ن�سمه وهي قوة اقت�صادية يف حد ذاتها ومتجهه لتكون اقت�صاديا من الدول النامية يف العامل .ولديها نظام �سيا�سي دميقراطي م�ستقر ،لديها مقاعد ممتازة للتعليم وو�سائل �إعالم فعالة وقوات م�سلحة على م�ستوى عايل من الكفاءة واالقتدار ،وال�سيا�سة اخلارجية ناب�ضة باحلياة، باك�ستان لديها جغرافيا مبوقع ا�سرتاتيجي هام جدا والتي الميكن جتاهلها �أو جتاوزها وكانت �سيا�سة باك�ستان دائما تعزيز ال�سالم يف املنطقة والعديد من املبادرات يف الواقع يف العامل التي اتخذناها يف هذا ال�صدد اال�ستقرار ميكن �ضمانه من خالل كونها دولة قوية من داخلها ومع اقت�صاد قوي باك�ستان ترغب يف ال�سالم مع جريانها وتعزيز الروابط ملا فيه خري �أكرب ل�شعبها ورغم �أرجحية هذه احلقيقة فهي والتزال موجودة يف �إقليم �أو منطقة م�ضطربة. �.4سعادة ال�سفري ق�ضية ك�شمري م�ضى عليها �أكرث من �ست و�ستني عام ًا وما زالت هذه الق�ضية مل تراوح مكانها، بر�أيكم ماهي املعيقات التي تقف �أمام حق تقرير امل�صري لل�شعب الك�شمريي امل�سلم؟ اجلواب: ك�شمري هي الق�ضية القريبة من وجدان وقلوب وعقول ال�شعب الباك�ستاين وهي حتظى بالدعم املعنوي الدائم لن�ضال ال�شعب الك�شمريي ،كما قد تكون على علم �أنه �صدر تكليف من جمل�س الأمم املتحده لل�شعب الك�شمريي لكي يقوم مبمار�سة (حق تقرير امل�صري) .لذا ندا�ؤنا ب�سيط جداً يحتاج العامل �إىل االعرتاف وال�سماح لل�شعب الك�شمريي �أن يقرر م�ستقبله بنف�سه ،يتعني على العامل �أن يعى هذه احلقيقة يف حالة �أنهم ي�ؤمنون يف �سيادة ميثاق الأمم املتحدة لت�سوية النزاع.
77
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
�سعادة ال�سفري :دولة باك�ستان تتعر�ض للتطرف والإرهاب من وجهة نظر �سعادتكم ماهي �أ�سباب التطرف يف العامل واحللول الناجحة؟ اليوجد بلد يف العامل يعاين من خطر الإرهاب بقدر ما تعاين باك�ستان ،لقد فقدنا �ستني �ألف �شخ�ص يف هذا املجال من الع�سكريني واملدنيني ومع ذلك ف�إن عزميتنا وجهودنا التي قمنا بها هي مثا ًال يحتذى به .باك�ستان �أوت �أكرث من خم�سة ماليني الجئ �أفغاين وت�ستمر الآن يف �إيواء �أكرث من مليوين الجئ �أفغاين �أ�سباب التطرف والإرهاب يف و�سطنا كثرية ولكن للأ�سف هو ا�ستغالل ديننا اجلميل . �إن الذي يبعث على القلق ويحزين االفتقار �إىل التعليم اجليد، والعدالة والت�شرد والتفرقة والتجي�ش ال�سيا�سي هي بع�ض من �أ�سباب انت�شار هذه اخلطر وتهديد العامل وخا�صة العامل الإ�سالمي يحتاج �إىل توحيد �صفوفه ملحاربة هذا اخلطر والرد الع�سكري على الإرهاب �ضرورة ومرغوب فيه وت�أتي اجلهة الأيدولوجية التي عليها �أن ت�أخذ املعركة �إىل املغرر بهم دينيا ،ال دين يف العامل يعلم العنف ،وجيل ال�شباب يجب �أن يتم �إفهامهم قيم الإ�سالم ال�سمحة فهم �أجيال امل�ستقبل كما علينا الرتفع عن امل�صالح ال�ضيقة و�إدانة الفكر املتطرف يف كل الو�سائل لتحقيق
ال�سالم والهدوء. الإرهابيون يك�سبون القوة من خالل ا�ستغالل الق�ضايا العالقة الطويلة التي تواجه العامل الإ�سالمي والتي مل حتل حتى الآن مثل الق�ضية الفل�سطينية وك�شمري كذلك وعدم اال�ستقرار يف بع�ض البلدان الإ�سالمية الأخرى . ينبغي �أن ننظر ب�شكل جماعي اليجاد حلول لهذه امل�شاكل بحيث ال تبقى ق�ضية �إيذاء امل�سلمني ذريعة. ويف نهاية املطاف الأردن �سي�ستمر ليكون واحة لال�ستقرار يف هذا الإقليم امل�ضطرب مع عبء هائل على موارده وخ�صو�صاً ب�سبب و�ضع الالجئني حتى الآن. فالأردن ما يزال يقوم بواجبه الأخالقي جتاه ه�ؤالء والذي ي�ؤكد على طابعها ال�شهم هذا ميكن �أن يكون لدى الدول التي لديها قيادة منقطعة النظري قادرة على اتخاذ القرارات احلكيمة يف مثل هذه الظروف .ال�صعبة بكل ت�صرب وروية وكلمة (لقد �أنعم اهلل على الأردن يف هذا ال�صدد بقيادة جاللة امللك هو القائد املثايل يف ظل الظروف التي تعاين منها البالد والأمة وميكن �أن لبلده �أن يفخر حقاً به والآخرين باعتباره منوذجاً يحتذى به يف العامل ( دعائي �أن يبقى الأردن مثا ًال ومنوذجاً يحتذى ول�شعبها دوام االزدهار وحتقيق ما ي�صبوا �إليه حتت قيادة وتوجيهات �صاحب اجلاللة امللك عبداهلل الثاين بن احل�سني.
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
78
ب�سم اهلل الرحمن الرحيم
حماورة جملة الو�سطية ل�ضيوف م�ؤمتر (دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي) املنعقد يف عمان بتاريخ 2015/3/15-14
الدكتور �صالح الدين اجلعفراوي من مواليد مدينة الإ�سكندرية عام1954م �أمني عام �إحتاد املنظمات الإ�سالمية يف �أروبا 1996-1986 الأمني العام امل�ساعد للمجل�س العاملي للدعوة الإ�سالمية 2008 -2001 ممثل منظمة الإي�سي�سكو يف �أوربا 2001حتى الآن دكتور �صالح الدين ،مرحباً بك يف َع ّمان �ضيفاً عزيزاً على اململكة الأردن ّية الها�شم ّية ويف رِحاب هذا امل�ؤمتر الدويل الذي يعقده ظروف دولي ٍة و�إقليمي ٍة بالغة التعقيد ،تبحث فيه الأمة ب�أ�سرها عن حلولٍ ناجعة من مفكريها وعلمائها ، املنتدى العاملي للو�سطية يف ٍ وبدورنا نحن يف جملة الو�سطية نتطلع ل�سماع ر�أيكم و�إقرتاحاتكم التي ال �شك �أنها ل ُت�سهم يف احللول عرب تالقح الأفكار وت�شابكها . فما مدى تقييمكم لهذا امل�ؤمتر ومالحظاتكم حوله ب�شكلٍ عام ؟ املواد املُقدَّمة وتنوع ال�ضيوف ب�ستوى عالٍ جداُ ف�أفادوا كل امل�شاهدين داخل القاعة وعرب و�سائل الإعالم التي كان لها ح�ضوراً مميزاً، وجتارب متعددة؛ وهذا يُعدُّ من امل�ؤمترات الناجحة جداً ؛ لأنه ا�ست�ضاف �شخ�صياتٍ من �أماكن وتلك الفائدة مت ّثلت يف معلوماتٍ َ ملتهبة وهي �أماكن ذاقت الإرهاب والتطرف و�أعتقد �أنهم �أجدر َمنْ ي�ستطيع و�صف الظاهرة وو�ضع الت�ص ّور ال�صحيح واحلقيقي لها . نعم ،دكتور هل ب�إمكانك تلخي�ص �أبرز �إيجابيات و�سلبيات هذا امل�ؤمتر؟ الإيجابيات ما �سلف ذِكره ،وما من �سلبيات �إال �أنني �أمتنى تكاتف كافة م�ؤ�س�سات املجتمع املدين وامل�ؤ�س�سات الر�سمية حتى ال طرف خارج ال�سرب .بالإ�ضافة �إىل الإهتمام ب�أهم امل�ؤ�س�سات مثل م�ؤ�س�سات الرتبية بكافة �أنواعها ومراتبها وت�أهيل املُعلمني يغ ِّرد ُكل ٍ واملربيني حتى ال يخرجوا لنا جيال مم�سوخاً ؛ لأن ما يقدمونه ينعك�س على املجتمع ب�أ�سره �إيجاباً �أو �سلباً . دكتور� ،أ�س�س املنتدى من �أجل �أمن املجتمعات من خالل حماربة التطرف والغلو والإرهاب والدعوة للإعتدل والو�سطية ،هل من �إقرتاحات لتطوير عمله الفكري ؟ �أعلم �أن له فروعاً يف بع�ض الدول ،لكن العامل كله بحاج ٍة ما�سة ملنهج الو�سطية ف�أقرتح �أن يتمدد املنتدى يف كافة دول العامل ل ُيقيم العدد - 19ال�سنة الثامنة
79
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
دورات لي�ست لعامة النا�س بل مل�ؤ�س�سات الرتبية و�أئمة امل�ساجد وامل�ؤ�س�سات الثقافية للنهو�ض مب�ستواهم الذي �سينعك�س على الأجيال .كما �أقرتح و�ضع �إ�سرتاتيجية تعاون بني املنتدى وامل�ؤ�س�سات الإقليمية والدولية . ..دكتور بعد انق�ضاء يومني ُخ�ص�صت لأعمال امل�ؤمتر ُ وطرحت فيه �أوراق متنوعة �س ُيطلق امل�ؤمترون نداء َع ّمان ملناه�ضة الإرهاب وا�ستنها�ض الأمة ،كيف تع ّلق ؟ ُ ح�ضرت نداءات كثرية مثل نداء برلني ونداء فران�سي�سكو ور�سالة ع ّمان وبيان القاهرة وبيان ا�ستانبول ،فما نرجوه �أن يخرج هذا النداء م�صحوبا بخطة عمل ُتن ّفذ على �أر�ض الواقع ،كما كنتُ �أرجو �أن ُت�شارك بع�ض امل�ؤ�س�سات التي لها ثقل يف املنطقة مثل م�ؤ�س�سة الأزهر ال�شريف وغريه من امل�ؤ�س�سات لنقل التجارب وتبادلها . ُ�شكراً جزي ً ال دكتور على ّ تف�ضلكم بالإجابة عن ت�سا�ؤالت جملة الو�سطية والتي ال �شك �أنها �سترثي مادتها ،كما �أمتنى لكم �إقامة طيبة يف اململكة وعودا �آمناً على �أمل لقائكم يف �ساح ٍة �أخرى من �ساحات الفكر الو�سطي.
( (2الدكتور �سعد الدين العثماين من مواليد اململكة املغربية عام 1956م الأمني العام حلزب العدالة والتنمية 2008-2004م ع�ضو الربملان املغربي 2011-1997م ع�ضو جمل�س ال�شورى ووزير ال�ش�ؤون اخلارجية والتعاون الدويل .مرحباً بكم دكتور يف رحاب هذا امل�ؤمتر ،جملة الو�سطية ت�ستغل وجودكم يف ع ّمان للإفادة من �أفكاركم ومالحظاتكم حول الق�ضايا الراهنة ،فما درجة تقييمكم لهذا امل�ؤمتر ومالحظاتكم حوله ب�شكلٍ عام ؟ هذا امل�ؤمتر انعقد يف الوقت املنا�سب مع تزايد حتديات العنف والإرهاب يف املنطقة وخماطر ذلك ت�شويه �صورة الإ�سالم ،فاجتماع علماء ومفكري الأمة للت�شاور والتداول يف ُ�سبل بث خطاب الو�سطية ومنهج الو�سطية بني �شباب الأمة �أمرا �ضروريا ،اجلزء الثاين من �س�ؤالك �أنا الحظتُ �أن امل�شاركني وامل�ؤمترين قاموا بت�شريح عدد من الق�ضايا املرتبطة بالت�شدد والعنف والوقوف على عدد من الأ�سباب واقرتاح حلوال ومقاربات ملعاجلتها وهو بطبيعة احلال حلقة من حلقات فهو م�ؤمتر واحد من عدد من الفعاليات التي تنظم يف خمتلف دول العامل الإ�سالمي . �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
80
دكتور ،ما الذي ميكن �أن تقرتح ُه لتطوير العمل الفكري لتيار الو�سط ّية ملواجهة الفِرق اخلارجة عن الدين احلنيف ؟ �أظن �أن املنتدى العاملي للو�سطية ميكن �أن يقوم بدو ِر كبري يف معاجلة الإختالالت الفكرية التي ت�ؤدي �إىل الغلو والعنف فيكون بذلك عامال م�ساعدا يف الوقاية منها ،من ال�ضروري �أوال جرد تلك الإختالالت الفكرية وترتيبها ح�سب الأولويات وا�ستكتاب العلماء واملفكريني وعقد الندوات للمناق�شة واملعاجلة .فيكون املنتدى بذلك مركز �إ�شعاع فكري يبث منهج الو�سطية يف الأمة . ُ�شكراً جزي ً ال دكتــور �ُ ،شكراً �أخي .
الدكتور �أبو جرة عبداهلل ال�سلطاين من مواليد اجلمهورية اجلزائرية عام 1954م رئي�س جمل�س ال�شورى الوطني حلركة املجتمع الإ�سالمي 1994 -1980 وزير العمل واحلماية االجتماعية 2001-2000 نائب بالربملان عام 2002 وزير دولة يف احلكومة اجلزائرية �سنة 2004مدكتور ،ما درجة انطباعكم عن هذا امل�ؤمتر من الناحية العلمية وتقييمكم جلهود املنتدى يف �إجناح انعقاده ،وهل من �إيجابيات و�سلبيات ميكن ذكرها ؟ مت ّيز هذا امل�ؤمتر عن غريه مبيزتني هامتني : .1مُ�شاركة جهات ر�سمية مهمة بكلمات مهمة جعلت للو�سطية �إطارا ر�سميا . .2تنوع اجلن�سيات امل�شاركة مما ن ّوع الأفكار والأطروحات و�أثرى النقا�ش . لذلك كانت جل�سات مهمة ومميزة وثرية جدا ومفيدة يف تبادل اخلربات ،كما متيزت املادة العلمية يف حماوره بقيمة ت�شكل �إ�ضافة ملثله من امل�ؤمترات ،ومن �أهم �إيجابياته ،االتفاق على �أن التنديد وال�شجب وحده ال يكفي بل البد من االنتقال �إىل مرحلة و�ضع الربامج واملقاربات العلمية امليدانية � ،إال �أن النقا�ش مل ي�أخذ حقه كامال ،وو�صينا يف امل�ؤمترات املقبلة �أن ُتعطى م�ساحة �أو�سع للنقا�ش و�إعطاء فر�صة لل�شباب .
العدد - 19ال�سنة الثامنة
81
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
دكتور ،هل من مالحظات واقرتاحات ميكن �إبدا�ؤها لتطوير العمل الفكري لتيار الو�سطية ملواجهة الفرق اخلارجة عن الدين احلنيف ؟ �أهم طريقة عملية المت�صا�ص تدفقهم هي ا�ستدراجهم �إىل احلوار عن طريق �إر�سال العلماء الذين يثق فيهم كل ف�صيل ،فهناك من لهم ثقة بعلماء دون �آخرين ،واخلطوة الأوىل مهمة جدا لإجال�سهم على طاولة احلوار . ما الذي تقرتحه دكتور على العامل الإ�سالمي للقيام به على م�ستوى احلكومات ومنظمات املجتمع املدين للت�صدي للفكر املتطرف؟ �أربع خطوات بحاجة ل�شرح وتف�صيل وهي : .1تنويع الو�سائط املتدخلة يف معاجلة الظاهرة مع مركزية القرار حتى ال تت�شتت اجلهود وت�صب كلها يف مق�صد واحد وهو جتفيف املنابع . .2اال�ستعانة بذوي املتطرفيني لدفع �أبناءهم �إىل مراجعة �أنف�سهم جتاه جمتمعهم . .3عدم تو�سيع دائرة املكافحة �أو الت�صدي من الأفراد �إىل الأ�سر والأقارب لقوله تعاىل ( :وال تزر وازرة وزر �أخرى(. .4اال�ستفادة من جتارب دول وجمتمعات ابتليت بهذا الداء وحماولة تكثيف اخلطط والربامج املحلية ب�شعار (لكل قطر �إرهاب ولكل دولة طرائق املعاجلة(. �شكرا جزيال دكتور على تف�ضلكم .
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
82
�شخ�صيـــة العــــــدد الأ�ستاذ الدكتور حارث ال�ضاري
العدد - 19ال�سنة الثامنة
83
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
د .حارث ال�ضاري(� )2015 -1941أمني عام هيئة علماء امل�سلمني يف العراق ُولد ال�ضاري يف بغداد عام 1941م ودر�س مبدار�س الفلوجة ثم انتقل
للدار�سة بالأزهر ال�شريف بجمهورية م�صر العربية عام 1962م حيث تخ�ص�ص يف التف�سري وعلوم احلديث ثم التحق بربامج الدرا�سات العليا ق�سم التف�سري حيث ح�صل على املاج�ستري عام 1969م ثم املاج�ستري يف احلديث عام 1971ثم الدكتوراه التي كانت بعنوان ( الإمام الزهري و�أثره يف ال�سنة( عام 1978م ،وقد عمل مدر�سا خالل فرتة طلبه للعلم بكلية الإمام الأعظم التي انتقلت بعد تغري ا�سمها �إىل كلية ال�شريعة ،كما د ّر�س يف املعهد العايل لإعداد الأئمة واخلطباء ،وكلية ال�شريعة بجامعة الريموك يف اململكة الأردنية الها�شمية 1997م ،وكلية الدرا�سات الإ�سالمية والعربية بدبي2000م ،فجامعة عجمان يف الفجرية بدولة الإمارات العربية املتحدة 2002م ،وقد خ ّلف ال�ضاري عند رحيله �إرثا علميا ق ّيما �أثرى به املكتبة الإ�سالمية ،من تلك الت�أليفات :
ال�سالم االجتماعي بني مكونات القبائل والع�شائر املجاورة ،فقد ا�شتهر بالإ�صالح بني النا�س ،ذلك الإ�صالح الذي اتخذ منه منهجا يعتمد عليه يف حل امل�شكالت بتغليب الرتا�ضي والتنازل وال�صلح ثم ت�سوية اخلالفات . ويف معرتك الإ�صالح مل يقف ال�ضاري عند الع�شرية �أو القبيلة ، و�إمنا �إمتد عمله الإ�صالحي ليحمل هم الوطن ب�أكمله وبكل مكوناته العرقية واملذهبية ،ذلك الهم الذي حرمه طيب العي�ش يف بالده خا�صة بعد �أن �صدرت يف حقه مذكرة توقيف من احلكومة العراقية عام 2006م ا�ضطر بعدها للبقاء يف اململكة الأردنية الها�شمية التي احت�ضنته بحق اجلوار وبوطنيته وبدعوته الدائمة لتوحيد ال�شعب العراقي لينعم ويت�ساواى يف ظالل الوطنية ،وبعد �إيواء اململكة له ظلت الق�ضايا الوطنية هي �أول �أولوياته وهمه الأكرب بل مل تن�سيه الق�ضايا الإ�سالمية والعربية الأخرى وعلى ر�أ�سها الق�ضية الفل�سطينية وال�سورية واليمنية والليبية ففيها كلها كانت له مواقف ات�سمت بالو�سطية والعمق املعريف.
-1الإمام الزهري و�أثره يف ال�سنة – مكتبة ب�شار � ،أهم املواقف يف حياته:
املو�صل1985م. وقفات م�ش ِّرفة �أبت وقف ال�ضاري جتاه ق�ضايا �أمته املركزية ٍ -2القر�آن الكرمي تالوته ومعانيه(لل�صف ال�ساد�س احلياد عن جادة ال�صواب وعن الو�سطية التي دعا �إليها الإ�سالم الإعدادي1983م). يف �صريح ن�صو�صه ،فرف�ض الطائفية البغي�ضة واملذهبية والتقليد الأعمى ،كما التزم املنهج الرباين يف االعتدال الذي يرف�ض الوك�س -3علم اجلرح والتعديل . وال�شطط برف�ضه الدخول يف غلو الفئات التكفريية التي تك ّفر �سائر -4الإ�سناد عند املحدثني . امل�سلمني وت�ستحل دماءهم و�أموالهم فخ ّلد ا�سمه بني علماء و�أعالم -5الإدراج يف احلديث . الأمة الإ�سالمية ،وقد كانت وفاته يف مار�س 2015م باجلمهورية -6الكتب ال�ستة ومكانتها عند امل�سلمني . الرتكية فتم نقل جثمانه �إىل اململكة حيث ُ�ش ّيعة يف جنازة مهيبة � -7أبو هريرة الداعية . �إىل مقربة �سحاب جنوب العا�صمة ع ّمان ، -8وحدة الأمة وو�سائل املحافظة عليها .
�أما يف اجلانب الإجتماعي فلم ينح�صر ال�ضاري يف امل�ؤ�س�سات الأكادميية و�إمنا كان عن�صرا فاعال يف جمتمعه ومتفاعال معه ،وقد ّ ع�ضد هذا اجلانب ودعمه هو �أنه �سليل ع�شري ٍة عريقة ومتجذرة يف املجتمع العراقي و هي ع�شرية زوبع العربية املعروفة واملتفرعة من قبيلة �شمر ،بكل ذلك تعينّ عليه �أن يلعب دورا بل �أدوارا مهم ًة يف �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
�أال رحم اهلل ال�شيخ حارث ال�ضاري وا�سكنه اهلل ف�سيح جنانه
84
بيانات الو�سطية بيان �صادر من املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجري م�سجد القديح -باململكة ال�سعودية
املنتدى العاملي للو�سطية يدين وي�شجب اجلرمية املروعة والإرهابية التي وقعت يوم اجلمعة املا�ضي يف م�سجد علي بن �أبي طالب /القديح يف مدينة القطيف يف اململكة العربية ال�سعودية ،ونتج عنها ع�شرات القتلى واجلرحى الأبرياء الذين كانوا يف بيت اهلل ي�ؤدون �صالة اجلمعة وال ذنب لهم وال قوة وهم �أبرياء وعزل. � إن هذا الفعل الإجرامي ال�شنيع هو عمل يندى له جبني الإن�سانية والفطرة ال�سوية وهو خارج بالت�أكيد عن الإ�سالم ومبادئه ال�سمحة التي حترم القتل و�سفك الدماء فكيف بتفجري امل�ساجد ودور العبادة ،فالإ�سالم براء من �أعمالهم و�سلوكياتهم التي تنم عن حقد موجهة لكافة امل�سلمني مبختلف مذاهبهم وهو عمل ينايف تعاليم الإ�سالم الداعية �إىل احلوار والت�سامح وعدم التكفري. � إن هذا احلادث الب�شع من �ش�أنه تعزيز الطائفية والفرقة لي�س يف اململكة العربية ال�سعودية بل والعامل الإ�سالمي وي�سهل انت�شار ال�صراع واحلروب يف كافة �أرجاء املنطقة خدمة لأعدائنا ،نتقدم ب�أحر العزاء �إىل اململكة العربية ال�سعودية ملكاً وحكومة و�شعباً و�إىل �أ�سر ال�ضحايا مت�ضرعني �إىل اهلل ان يتغمدهم برحمتهم ويلهم �أهلهم ال�صرب وال�سلوان ،و�صدق اهلل العظيم �إذ يقول: ا�س َجمِ ي ًعا ) (َ منْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْ أ الَ ْر ِ�ض َف َك َ�أنمَّ َ ا َق َت َل ال َّن َ املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية العدد - 19ال�سنة الثامنة
85
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
بيان �صادر من املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجري م�سجد الإمام احل�سني -الدمام ا�س َجمِ ي ًعا )(�صدق اهلل العظيم). قال تعاىل ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغيرْ ِ َن ْف ٍ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ َْ أ ال ْر ِ�ض َف َك أ�َنمَّ َ ا َق َت َل ال َّن َ
�إن املنتدى العاملي للو�سطية يدين وي�شجب اجلرمية الإرهابية الب�شعة واملروعة و التي وقعت داخل م�سجد الإمام احل�سني يف مدينة الدمام باململكة العربية ال�سعودية يوم اجلمعة 2015/5/25والتي خ ّلفت عدد من القتلى واجلرحى الأبرياء الذين كانوا ي�ؤدون �صلواتهم يف بيت اهلل ،عزل ال حول لهم وال قوة. �إن هذا العمل الإجرامي ال�شنيع والب�شع اخلارج عن الإ�سالم ومبادئه ال�سمحة الميكن �أن تنفذه �إال � ٍأيد �آثمة خرجت عن حدود الدين وال�شريعة والتي حترم القتل و�سفك الدماء فكيف بتفجري امل�ساجد ودور العبادة فالإ�سالم بريء من �أعمالهم و�سلوكياتهم اخل�سي�سة التي تنم عن حقد وكراهية موجه لكافة امل�سلمني مبختلف مذاهبهم وهو عمل ينايف تعاليم الإ�سالم الداعية لل�سلم واحلوار والت�سامح وعدم التكفيري. وما هذا احلادث �إال عمل من �ش�أنه تعزيز الطائفية والفرقة لي�س يف اململكة العربية ال�سعودية فقط بل العامل الإ�سالمي ب�أكمله ويهدف �إىل ن�شر ال�صراع واخلالفات يف �أرجاء املنطقة خدمة لأعداء الأمة الإ�سالمية وت�شويه �صورة الإ�سالم ال�سمحة ،و�إننا �إذ نتقدم ب�أحر العزاء �إىل اململكة العربية ال�سعودية ملك ًا وحكومة و�شعب ًا و�إىل ذوي ال�ضحايا ن�س�أل اهلل العلي القدير �أن يتغمدهم بوا�سع رحمته ويلهم �أهلهم ال�صرب وال�سلوان.
املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
86
بيان �إدانة حول التفجريات والأعمال الإرهابية يف تون�س
توا�صلت �أعمال التطرف والإرهاب بنريانه احلارقة يف �ضرب العامل بلهيبه امل�ستعر والذي �ضرب يف هذه املرة �إحدى املتاحف الوطنية التون�سية م�ستهدفاً ال�سياح حيث �أوقع ع�شرين قتي ً ال �أجنبياً واثنني من التون�سيني يف ب�شاعة يندى لها جبني الإن�سانية وت�ستنكرها كل الأديان والأعراف والفطرة ال�سوية والقيم الإن�سانية وي�أتي هذا العمل يف �إطار �إجها�ض الأمن وال�سلم املجتمعي وي�ؤدي �إىل تفكيك �أوا�صر الوحدة واملحبة وال�سالم بني ال�شعوب ،وبناء عليه ف�إن املنتدى العاملي للو�سطية يدين هذا العمل الإرهابي اجلبان ويدعو ال�سلطات التون�سية املبا�شرة يف �أعمال التحقيق اجلاد للقب�ض على اجلناة املجرمني وتقدميهم للعدالة كما يدعو العامل �أجمع �إىل م�ؤازرة ال�شعب التون�سي يف ت�صديه للإرهاب وم�ساعدته ل�سلوك نهج الو�سطية واالعتدال الذي يحقن الدماء وي�صون كرامة الإن�سان . نقدم �أحر التعازي لل�شعب التون�سي و�إىل �أهل ال�ضحايا متمنني لتون�س اخل�ضراء �أن تبقى قوية ع�صية على الغادرين اخلونة .
( َو هَّ ُ ا�س ال َي ْعلَ ُمو َن ) الل َغال ٌِب َعلَى �أَ ْم ِر ِه َو َلك َِّن �أَكْثرَ َ ال َّن ِ ( َو َ�س َي ْعلَ ُم ا َّلذِ َ ين َظلَ ُموا �أَيَّ ُمن َقلَبٍ َين َق ِل ُبو َن)
املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية العدد - 19ال�سنة الثامنة
87
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان ي�ستنكر اجلرمية النكراء التي تعر�ض لها طلبة غاري�سا -كينيا يدين املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان اجلرمية الب�شعة التي تعر�ض لها طلبة جامعة غاري�سا يف كينيا اخلمي�س املا�ضي املوافق 2015/04/02م والذي راح �ضحيتها نحو (� )150شخ�صاً من الطلبة الأبرياء� ،إ�ضافة �إىل جرح الع�شرات غالبيتهم من طالب اجلامعة. ويعلن املنتدى العاملي عن ت�ضامنه مع ال�شعب الكيني ال�صديق وتعازيه احلارة لأ�سر ال�ضحايا الذين �سقطوا ج َّراء اجلرمية الإرهابية النكراء والتي ال تقرها الأديان وال الأخالق وال القيم الإن�سانية النبيلة. ويدعو املجتمع الدويل ومنظمات املجتمع املدين �إىل تكاتف اجلهود والوقوف �صفاً واحداً �ضد �آفة التطرف التي �أ�صبحت تهدد اال�ستقرار وال�سلم العاملي.
املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
88
خرب ه خرب خ ه خ ا م ام رب رب ه ا ج ه ج ا م د ا م دا خ جدا جدا رب ه ا خ خ مج رب خرب د ا رب ه ه ا ا م هام خ مج خ خ ج د خ جدا ا رب د رب ا رب ها هام رب ه ا م هام ج م ج ج دا خرب دا دا جدا ه ا خ يعلن م ج خ د ا رب العاملي للو�سطية لي�س له املنتدى أن � ب الكرمي للجمهور للو�سطية العاملي املنتدى رب ها خ هام خرب م خ ه ج رب ا ج دا دا هام ج رب ها مج م د ا ج د آخر� ،إمنا خهوداهيئة فكرية �إ�سالمية عاملية عالقة بحزب الو�سط الإ�سالمي �أو �أي حزب � ا خ رب خ خرب خرب هام ج رب ها رب م ه ه ا ا ه ا م �صياغة امل�شروع ت�سعى � م�ستنرية ذات ر�سالة فكرية يفداحياة الأمة و�داإعادة جدا إىل التجديدم ج مج جدا د ا خ خ رب رب خ ه ا النه�ضوي الإ�سالمي رب منهاخالل امتالك و�سائل علمية وواقعية هام جتديدية ت�سهم يف �إنتاج مج د م ا جدا جدا
�إعالن هام من املنتدى العاملي للو�سطية
خطاب �إ�سالمي م�ستنري ويعتمد على الفهم ال�سليم للإ�سالم وقيمه وت�شريعاته ويتخذ خ خرب رب ه ا ه إ�سالمية. وله فروعخيفربالعديد من العوا�صم العربية وا مل اممن العا�صمة عمانخمقراً له،خ جدا خرب رب رب جدا ه ه ا ا خ هام م جدا هام ج خرب مج رب ج ه د ا ا ه د د م ا ام علماً ب�أن رئي�س املنتدى العامليا هو جدا جدا خ
خ
خ
خ
رب
�سماحة ا ه رب رب لا رب ه ا إمام ال�صادق املهدي م ه ه ا ا م خ م م خ ج جدا ج جدا د د رب رب ها ا ا م ه املهند�س مروان الفاعوري العام واخل ام ربأمني خ جدا ها جدا خرب رب ه خرب ا م هام هام أجالءدامن كافة بقاع العامل الإ�سالمي. وي�ضم العلماء ال م ج جمموعة من جدا ج ج دا دا خ خ رب ها م رب ج ه ا دا م جد ا خ خرب رب ه ا ه م ام جدا جدا خ
رب هام
خ خ
رب هام
رب هام
جدا
جدا
العدد - 19ال�سنة الثامنة
خ رب ها
م
89
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
جدا
جدا
ن�شاطات الو�سطية �أ�ساليب عالج التطرف ندوة حوارية ملنتدى الو�سطية يف جر�ش يف غمرة احتفاالت اململكة الأردنية بذكرى معركة الكرامة اخلالده �أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع جر�ش ندوة حوارية حول �أ�ساليب عالج التطرف ويف بداية اللقاء �أكد رئي�س املنتدى على �أن عالج الإرهاب يكون من خالل تكاثف جهود الدعاة واملعلمني والعلماء وهيئات املجتمع املدين و�أكد �أننا يف منتدى الو�سطية ن�أخذ على عاتقنا ن�شر منهج الو�سطية واالعتدال يف املجتمع ومند �أيدينا �إىل كل اخلريين يف هذا البلد من م�ؤ�س�سات و�أفراد وهيئات �إىل امل�ساعدة والدعم للنهو�ض بالأمة من خالل العمل املخل�ص اجلاد وذلك لأننا منر مبرحلة حرجه وح�سا�سة تتطلب العمل اجلماعي .وبهذه املنا�سبة ا�ست�ضفنا جمموعة خرية من الدعاة والأكادمييني واحلزبيني وهيئات املجتمع املدين , وقد كانت البداية لف�ضيلة ال�شيخ علي القادري الذي �أكد �أن احلرب على الإرهاب لي�ست حربا على جماعة و�إمنا هي حرب على فكر منحرف وعليه ف�إن العالج يكون من خالل احرتام العلماء والدعوة �إىل اهلل على بينة وعلم مبقا�صد ال�شريعة وتعرية االنحراف يف فهمهم للإ�سالم ور�سالته تلك الر�سالة التي جاءت حلماية الإن�سان وحفظ النف�س الب�شرية ,و�أكد على �أنه بالعلم والإرادة والإدارة ومواجهة حجج املتطرفني باحلج الدامغة ف�إننا نتغلب على الإرهاب وعلى كل فرد
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
�أن يقوم بالواجب الذي عليه لأنه حما�سب �إذا ق�صر فيه . و�أكد الأ�ستاذ �أحمد عقيلي وهو مدير مدر�سة ثانوية على �أن العالج يكون من خالل القدوة ال�صاحلة ومن خالل �ضرورة االهتمام باملناهج الدرا�سية املدر�سية واجلامعية وت�ضمينها جمموعات القيم وال�سلوكيات التي حتافظ على املجتمع. �أما الأ�ستاذ �أحمد العتوم وهو مدرب يف وزارة الرتبية فقد �أكد على �أن �أ�سا�س التطرف والغلو يعود �إىل عدم التوازن وانتهاك حقوق الأفراد والفقر الذي يدفع مبجموعة من الأفراد �إىل االنحراف عن الدين احلق وااللتحاق بالإرهابيني والعالج يكون من خالل تفعيل دور دائم ومركز للإعالم وذلك ملواجهة الفكر املتطرف. وحتدث احلاج ر�ضوان بني م�صطفى وهو ع�ضو اجلبهة الأردنية املوحده والذي دعا �إىل توحيد وتطوير اخلطاب الديني وتفعيل دور وزارة الأوقاف والدعاة لتو�ضيح الإرهاب ,وحتدث حول ن�سبة البطالة يف املجتمع والفقر وهو ما يدفع جزء من ال�شباب �إىل التطرف ,وختم قوله ب�أن جاللة امللك املعظم دعا �إىل منهاج درا�سي للطالب ير�سم لهم حياتهم ليكونوا �أ�شخا�ص منتجني يف املجتمع. �أما ال�شيخ �صالح بني م�صطفى فقد �أكد على �أن التيار ال�سلفي اجلهادي يف الأردن �أدان هذا الفكر املنحرف املتطرف على اعتبار �أن هذا املنهج ال ميثل الإ�سالم احلق ودعا �إىل عمل مراجعات دينية مع هذه اجلماعات من خالل علماء متخ�ص�صني وذكر جتربة م�صر الناجحة يف هذا اخل�صو�ص والتي �ستثمر يف عودة ه�ؤالء الأفراد �إىل الفكر الو�سطي والفهم ال�صحيح للإ�سالم. وقد ح�ضر اللقاء جمموعة من الطالب والذين طالبوا �أن يقوم املنتدى مبزيد من هذه اللقاءات يف املدار�س .
90
ا�ستقبل املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يف مكتبه معايل القا�ضي حمود الهتار وزير الأوقاف الإ�سالمية (ال�سابق) يف اليمن و�أحد ال�شخ�صيات الإ�سالمية البارزة يف اليمن.
وخالل اللقاء ا�ستمع الوزير ل�شرح وايف عن املنتدى العاملي للو�سطية والن�شاطات والفعاليات التي يقوم بها و�آخرها امل�ؤمتر الدويل الذي عقده املنتدى خــالل الفرتة من 2015/03/15-14م ( دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق الإ�ستقرار وال�سلم العاملي). وقد �أثنى على اجلهود املبذولة وبامل�ستوى الرفيع الذي و�صل �إليه املنتدى ،وقد ح�ضر اللقاء معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي وزير الأوقاف الأردين الأ�سبق .
العدد - 19ال�سنة الثامنة
91
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يكرم �إعالميني �أردنيني وعربا
قام املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية بتكرمي ثلة من الإعالميني املحليني والعرب الذين �شاركوا يف تغطية فعاليات امل�ؤمتر الدويل الذي عقد يف ع ّمان خالل الفرتة من 2015 / 3 / 15 - 14مب�شاركة �أكرث من 20دولة وح�ضور �أكرث من � 150شخ�صية من جامعات عربية واالحتاد العاملي جلمعية علماء امل�سلمني وامل�ؤ�س�سات وقادة وعلماء من حركات �سيا�سية و�أحزاب وازنة علي ال�ساحة الإ�سالمية . قال �أمني عام املنتدي يف حفل التكرمي الذي �شرف بح�ضور وزير الأوقاف اليمني ال�سابق معايل /د .حمود الهتار والدكتور زيد املحي�سن املن�سق العام للعالقات اخلارجية والتعاون الدويل واال�ستاذ �شاكر اجلوهري رئي�س جمعية ال�صحافة الإلكرتونية الأردنية وح�ضور من الفقهاء �أ�ساتذة رجال الدين والقانون م�شيدا بدور الإعالميني :التلفزيون الأردين والإذاعة الأردنية وقناة اجلزيرة وال�صحافة العربية والإلكرتونية وما تركة من �صدى كبري ومن تغطية �إعالمية تعدت داخل الأردن وتعدت حدود الوطن العربي �إيل التغطية العاملية حتي و�صلت �إيل و�سائل الإعالم الرتكية والربيطانية والإيرانية والرو�سية مما كان له
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
�أثر كبري يف جناح امل�ؤمتر وحتقيق �أهدافه على كافة الأ�صعدة . هذا اللقاء هو جزء من التعاون والتوا�صل واالنحياز لأمتنا العربية خا�صة يف الظرف الذي تتعر�ض له من خطر ما �سمي بالهجمة اال�ستعمارية والفنت الطائفية التي تهدد بتفتيت �أو�صال الأمة وما يتعر�ض لة ديننا الو�سطي من اتهامات باطلة ال متت �إيل ديننا وفكرنا الو�سطي ب�أي �صلة معربا يف كلمتة �أن الإ�سالم هو دين الرحمة واملودة والت�سامح . ويف نهاية احلفل قام الفاعوري بتقدمي دروع التكرمي للإعالميني تعبريا عن جهودهم يف التغطية الإعالمية املميزة التي رافقت امل�ؤمتر علي مدار يومني . وكان من بني الذين �شملهم التكرمي حممد العمر مدير اذاعة القران الكرمي و الدكتور ن�سيم �أبو خ�ضري امل�شرف علي الربامج الدينية يف التلفزيون الأردين .والأ�ستاذ �شاكر اجلوهري رئي�س جمعية ال�صحافة الإلكرتونية الأردنية ,وقناة اجلزيرة مبا�شر ,وجريدة الد�ستور الأردنية ورندا جميل من وكالة كليوباترا للأنباء و�إعالميني و�صحافيني �أردنيني.
92
موقف املنتدى العاملي للو�سطية من الق�ضية اليمنية 2015/3/28
� إن ما يحدث اليوم يف املنطقة من انعدام التوافق على وحدة الأمة و�صورتها بفتح املجال حلركات الإرهاب يف عاملنا على �أو�سع �أبوابه ،ما مل يتم �ضمان حرية التعاي�ش ال�سلمي يف �إطار التعددية الدينية واملذهبية والفكرية والقومية ويف ظل حقوق مدنية مت�ساوية لكافة املكونات ويف �إطار حل االختالفات بو�سائل مدنية تعتمد احلوار والرتا�ضي الوطني �سبي ً ال و�سيادة حكم القانون منهجاً قومياً. �إن ذلك ي�شكل �أكرب تفجري وتهديد وتبديد لوحدة الأمة الإ�سالمية ب�شكل مبا�شر فنحن �أمه نادها ربها بقوله ( َيا �أَ ُّيهَا ا َّلذِ َ ين �آ َم ُنوا اد ُْخ ُلوا فيِ ال�س ْل ِم َكا َّف ًة(َ ( ،و�إِنْ َطا ِئ َف َتانِ مِ َن المْ ُ�ؤْمِ ِن َ ني ا ْق َت َت ُلوا َف�أَ ْ�صل ُِحوا َب ْي َن ُه َما َف ِ�إنْ َب َغتْ ِ�إ ْحدَاهُ َما َعلَى الأُ ْخ َرى َف َقا ِت ُلوا ا َّلتِي َت ْبغِي َح َّتى َتفِي َء �إِلىَ �أَ ْم ِر اللهَّ ِ.( ِّ � إن دوائر العنف والتطرف باتت تت�سع يف بلداننا نتيجة ا�ستمرار نزاعات داخلية لها امتدادات �إقليمية وحتالفات دولية ،وما مل يتم احتوا�ؤها
بالو�سائل ال�سلمية واحلوار ف�إنها �ستجر املنطقة ب�أ�سرها �إىل مواجهات �إقليمية ثم دولية مدمرة جتعل الأعداء اال�سرتاتيجيني يحققون لأنف�سهم ن�صراً بال حرب ،يجنون ثمار اجليل الذكي الرابع من احلروب. وما مل يقم قادة الأمة باحتواء املوقف ف�إن تداعياته �ستقودنا �إىل �إ�شعال جمرات تاريخية ب�إمكانات تكنولوجية حديثة يجعل الأمة تدمر نف�سها بنف�سها ،ويعلو فيها �صوت التطرف والإرهاب وي�صدق حينها فينا قول ربنا ( ُيخْ ِر ُبو َن ُب ُيو َتهُم ِب�أَ ْيدِ ي ِه ْم(َ ( ،كا َّلتِي َن َق َ�ضتْ َغ ْز َلهَا مِ نْ َب ْعدِ ُق َّو ٍة �أَ ْن َكا ًثا).. � إننا ن�أ�سف �أ�شد الأ�سف لهذا امل�شهد الدامي الذي نراه يف اليمن والعراق و�سوريا وليبيا وندعو حكماء الأمة يف كل ُقطر للتنادي مل�ؤمترات �إ�سالمية جامعة جاده تن�شد الوفاق على �أ�س�س واقعية عادلة دون هيمنة طرف على طرف ،ودون فر�ض مذهب على مذهب ودون ا�ستغاللٍ لب�سط الهيمنة وت�صدير امل�شروع. وندعو املكونات الثالث امل�شرتكة يف املرجعية الإ�سالمية يف دول اجلوار العربية والإيرانية والرتكية لإبرام اتفاق ينزع فتيل الطائفية وتلتزم �أطرافها بالتعاي�ش ال�سلمي ،والتكافل الأمني واحلفاظ على امل�صالح امل�شرتكة امل�شروعة للأطراف. ون�ؤذن يف �أمتنا: هذا� :أو .........الطوفان. و�صدق اهلل العظيم ( َوا َّت ُقوا ِف ْت َنة اَل ُت ِ�صيبنَ ا َّلذِ َ ا�صة) ين َظلَ ُموا مِ ْن ُك ْم َخ َّ
العدد - 19ال�سنة الثامنة
الأمني العام م .مروان الفاعوري
93
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
اختتام �أعمال الربامج التدريبي للأئمة والوعاظ العراقيني اختتمت �أعمال الدورة التدريبية اخلا�صة بالأئمة والوعاظ العراقيني يف املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان اليوم الثالثاء 2015/5/5وذلك بعد ثالث حما�ضرات قدمها كل من الدكتور زهاءالدين عبيدات والذي حتدث فيها عن القدوة وال�صفات الأ�سا�سية للخطيب الناجح والدكتور عبدالفتاح ال�سمان الذي حتدث عن فن الت�أثري الإعالمي للخطيب والداعية وعن الو�سطية ت�أ�صيلها ال�شرعي ودور اخلطيب يف تعزيزها والدكتور علي احلجاحجة يف حما�ضرة عن اعداد اخلطابة وفقاً الحتياجات املجتمع ودرجة ا�ستفادة اخلطيب من تكنولوجيا الع�صر ،واال�ستاذ خالد ح�سنني يف حما�ضرة عن واقع اخلطاب الوعظي ،وقد قام املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية بت�سليم ال�شهادات للخريجني الذين �أنهوا يومني من التدريب املكثف حتت �شعار (الو�سطية يف اخلطاب الدعوي على هدى الر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم )ومن اجلدير بالذكر �أن املنتدى يقوم بعقد دورات تدريبية م�ستمرة لربامج متنوعة ي�شرف عليها مدربني و�أ�ساتذة لهم خرباتهم العلمية والعملية الطويلة يف هذا املجال.
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
94
تو�صيات امل�ؤمتر الدويل (دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي) الذي عقد يومي ال�سبت والأحد 2015/3/15-14باملركز الثقايف امللكي
تو�صيات امل�ؤمتر امللكي املركز الثقايف ّ يف �إطار ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية وحتقيقاً لأهدافه التي �أن�شيء من �أجلها وهي بيان حقيقة الإ�سالم القائمة على الو�سطية
واالعتدال والرحمة ي�أتي تنظيم هذا امل�ؤمتر الدويل يف الفرتة من2015/03/15-14م يف عمان -اململكة الأردنية الها�شمية الذي �إهتم ببيان الو�سطية ودورها يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي كما حر�ص على �إبراز خطر التطرف والعنف والإرهاب الذي ي�ستنزف طاقات و�إمكانات العامل الإ�سالمي و�إظهار حقيقة الإ�سالم وعدله ورحمته يف التعامل مع جميع مكونات الأمة على اختالف �أديانها ومذاهبها احرتاماً لكرامة الإن�سان وذاته ،انتهى �إىل اعتماد التو�صيات الآتية: -1ي�ؤكد امل�ؤمترون على �أن الغلو والتطرف والإرهاب كل ذلك ي�شكل تهديداً م�ستمراً لل�سلم والأمن واال�ستقرار جلميع البلدان وال�شعوب، ويجب �إدانتهما والت�صدي لهما ب�صورة �شاملة ،من خالل اعتماد �إ�سرتاتيجية �شاملة وفاعلة وموحدة وبجهد دويل منظم بحيث ي�شرف عليها جمل�س حكماء يتم تعيينه على م�ستوى العامل الإ�سالمي. -2يتفق امل�ؤمترون على �أن الإرهاب ينتهك متتع الفرد باحلقوق الأ�سا�سية للإن�سان .فالتطرف لي�س له دين معني �أو جن�س �أو جن�سية �أو منطقة جغرافية حمددة ،وينبغي الت�أكيد على �أن �أي حماولة لربط التطرف والعنف والإرهاب ب�أي دين �ست�ساعد يف حقيقة الأمر الإرهابيني للو�صول �إىل �أهدافهم امل�شبوهة. العدد - 19ال�سنة الثامنة
95
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
-3ي�شيد امل�ؤمتر بنداء عمان والذي �أطلقه دولة الإمام ال�صادق املهدي مبنا�سبة انعقاد هذا امل�ؤمتر والذي يدين التطرف ويحث على وحدة الأمة والتم�سك مببادئ الو�سطية. -4ي�سجل امل�ؤمتر بالتقدير واالمتنان اجلهود املبذولة ملحاربة الإرهاب كاملبادرة العربية والإ�سالمية ومبادرة خادم احلرمني ال�شريفني امللك �سلمان بن عبد العزيز يف بالغ مكة املكرمة ،وكلمة �سواء ،و�أ�سبوع الوئام بني الأديان. -5يو�صي امل�ؤمتر احلكومات العربية والإ�سالمية االهتمام بال�شباب وبال�شرائح الفقرية واملهم�شة والعمل على تطبيق فاعل لفري�ضة الزكاة الركن الثالث يف الإ�سالم ،من خالل �سيا�سة وطنية للت�شغيل والت�أهيل والتكوين امل�ستمر ،وحماربة الأمية والفقر واجلهل ،ون�شر القيم والأخالق الفا�ضلة حت�صينا �ضد الغلو والتطرف والإرهاب. -6يو�صي امل�ؤمتر امل�ؤ�س�سات الرتبوية التعليمية يف الأقطار الإ�سالمية بت�ضمني املفاهيم التعليمية اخلا�صة ملحاربة الإرهاب يف املناهج؛ وتدري�س الرتبية الإ�سالمية ،وتر�سيخ االنتماء الوطني لدى النا�شئة من الطفولة املبكرة ،ون�شر ثقافة الو�سطية واالعتدال واحلوار و�أدب االختالف وقبول الآخر ،وت�صحيح مفاهيم الطالب يف ق�ضايا التكفري واجلهاد والوالء والرباء ،وبيان حقوق وواجبات الوالة والعلماء ،والرد على الأفكار املنحرفة التي تثريها الفئات ال�ضالة ،وذلك من خالل املناهج الدرا�سية والأن�شطة الال�صفية. � -7أبدى امل�ؤمترون قلقاً عميقاً �إزاء تنامي التع�صب واال�ضطهاد �ضد امل�سلمني؛ ومما ي�ؤدي �إىل ت�صاعد حدة الإ�سالم فوبيا ،مما ي�شكل انتهاكا حلقوق الإن�سان اخلا�صة بامل�سلمني وكرامتهم، مما يولد �إرهاباً م�ضاداً ،الأمر الذي يفر�ض على و�سائل الإعالم واالت�صال املعا�صرة وال�سادة ال�سفراء الأجانب يف العامل العربي والإ�سالمي و�سفراء الدول العربية والإ�سالمية يف اخلارج بذل اجلهود احلقيقة للتوعية ب�ضرورة عدم اخللط بني الإرهاب والدين وبني ه�ؤالء الإرهابني والإ�سالم كدين. -8ينا�شد امل�ؤمتر و�سائل الإعالم العاملية التعرف على حقيقة الإ�سالم باعتباره ديناً �سماوياً عامليا ت�سوده قيم الرحمة واملحبة
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وال�سالم والعدالة واحلرية والت�سامح والتعاي�ش امل�شرتك مع الآخر ،وجتنب الت�شويه املتعمد ل�صورة الإ�سالم ،ورف�ض الإ�ساءة �إىل دين الإ�سالم ونبيه � -صلى اهلل عليه و�سلم.- -9ي�ؤكد امل�ؤمتر �أن الإرهاب ي�شمل �إرهاب الأفراد واجلماعات والدول منوهاً �أن املقاومة امل�شروعة لالحتالل والغزو الأجنبي بالو�سائل امل�شروعة التدخل يف م�سمى الإرهاب. -10ي�ؤكد امل�ؤمترون �أنه ال بد من البحث ب�شكل عميق يف الأ�سباب الفكرية والثقافية واالجتماعية وال�سيا�سية واالقت�صادية لأ�سباب العنف والتطرف والإرهاب من �أجل معاجلتها ،كي ال يقت�صر الأمر على الإدانة �أو احلديث عن الآثار والنتائج فح�سب. -11يو�صي امل�ؤمترون بدعم جهود الإ�صالح الوطني املبذولة من قبل البلدان كافة بهدف تو�سيع امل�شاركة ال�سيا�سية والتعددية، وحتقيق التنمية امل�ستدامة ،والتو�صل �إىل توازن اجتماعي وتعزيز دور منظمات املجتمع املدين؛ بغية الت�صدي للظروف التي تعزز العنف والتطرف والإرهاب. -12يدعو امل�ؤمتر امل�ؤ�س�سات الدينية الإ�سالمية لتفعيل دورها ،يف حماربة الغلو والتطرف والإرهاب والعمل على �إبراز �صورة الإ�سالم ال�سمحة التي يدعو اىل املحبة والتعاي�ش امل�شرتك و�ضرورة حتييد هذه امل�ؤ�س�سات ودور الإفتاء عن التوظيف ال�سيا�سي وال�صراعات ال�سيا�سية لتكون �أداة جامعة للأمة. -13ي�ؤكد امل�ؤمتر على دور الأ�سرة امل�سلمة وم�س�ؤولية املر�أة بالذات يف تربية الأبناء والقيام بدورها يف تربية الأبناء على ثقافة احلوار وقبول الآخر ،وتوجيههم وحتذيرهم من رفقة ال�سوء ،وينا�شد امل�ؤمتر الدول الإ�سالمية اتخاذ ما يلزم من �إجراءات فنية حلماية الأجيال مما تن�شره و�سائل الإت�صال املعا�صرة. -14يو�صي امل�ؤمترون بعقد لقاءات تن�سيقية بني كافة اجلهات املتخ�ص�صة يف الأمة الإ�سالمية ،لو�ضع خطط عملية تت�صدى للفكر املنحرف وتكوين وفود من العلماء واملتخ�ص�صني لزيارة البلدان املت�ضررة من الإرهاب ،ومقابلة م�س�ؤوليها ،و�شرح الر�ؤية الإ�سالمية حول عالج هذه الظاهرة مع �أهمية التعاون مع
96
اجلامعات الإ�سالمية ومراكز البحوث من �أجل �ضبط املفاهيم امللتب�سة وتفكيكها القناع ال�شباب وفق ت�أ�صيل �شرعي مقنع . -15يدعو امل�ؤمترون امل�ؤ�س�سات الإعالمية العربية والإ�سالمية �إىل مواجهة انت�شار املنابر الإعالمية املحلية والإقليمية التي تبث ر�سائل حت�ض على التطرف والكراهية وت�سيء �إىل و�سطية الإ�سالم وتقدمي بدائل على م�ستوى عاملي ملخاطبة العقل الإن�ساين وخا�صة الغربي والآ�سيوي ،والإفريقي حلقيقة الإ�سالم. -16يو�صي امل�ؤمتر ب�إدانة االعتداءات الإرهابية التي تقوم بها �سلطات االحتالل ال�صهيونية يف الأرا�ضي الفل�سطينية ،وبخا�صة يف القد�س ال�شريف ،والتي ت�ستهدف الإن�سان الفل�سطيني امل�سلم وامل�سيحي على حد �سواء ،كما ت�ستهدف امل�ساجد والكنائ�س وخا�صة امل�سجد الأق�صى الذي بارك اهلل حوله ،وينا�شد املجتمعون املجتمع الدويل التدخل بفاعلية وم�س�ؤولية لو�ضع حد لهذه االعتداءات الآثمة و�إحالة مرتكبيها �إىل حمكمتي العدل واجلنايات الدوليتني باعتبار ذلك �سبباً هاماً من �أ�سباب �إ�شعال املنطقة و�إذكاء التطرف فيها. -17ي�ؤكد امل�ؤمتر على �أن الإ�سالم يقر بالتعددية والتنوع واالختالف بني بني الب�شر وهذا من �سنن الكون ويدعو �إىل التعاون والتعاي�ش بني الأمم وقبول الآخر ،وي�ؤكد امل�ؤمترون على �أ َّن امل�سلمني وامل�سيحيني يف ال�شرقِ هم �إخو ٌة ،ينتمون م ًعا �إىل ح�ضار ٍة واحد ٍة و�أم ٍة �إمياني ٍة واحدةٍ. -18ي�ؤكد امل�ؤمتر �أن من واجب الدول واحلكومات والأنظمة العمل على دعم امل�ؤ�س�سات الفكرية والثقافية التي تن�شر منهج الو�سطية يف العامل دعماً معنوياً ومادياً لال�ستمرار يف �أداء ر�سالتها و�ضرورة حتييد عمل هذه امل�ؤ�س�سات عن ال�صراعات ال�سيا�سية واحلزبية لتكون �أداة جمع �أبناء الأمة. -19يو�صي امل�ؤمتر املنظمات الدولية املعنية مبكافحة الإرهاب على �صوره املختلفة و�أ�شكاله املتعددة التعامل مبوازين عادلة مع كافة الق�ضايا الدولية وجتنب التعامل مبعايري مزدوجة مع امل�سلمني وق�ضاياهم العادلة والت�صدي للإرهاب بجميع �صوره و�أ�شكاله �ضد املدنيني العزل ،واتخاذ التدابري الالزمة �ضد الدول واجلماعات
العدد - 19ال�سنة الثامنة
والأفراد املتورطة يف �إمداد اجلماعات الإرهابية مادياً ومعنوياً. -20ويف �إطار التعاون مع منظمة التعاون الإ�سالمي نقرتح �إن�شاء وحدة يف منظمة التعاون الإ�سالمي للتن�سيق والتعاون بني املنظمات وامل�ؤ�س�سات العاملة يف جمال الو�سطية وحماربة الإرهاب عو�ضاً عن تكون جهود فردية م�شتته ،و�إن�شاء وحده بحثية للمجمع الفقهي الدويل لتقدمي بحوث وجهود علمية يف هذا املجال ي�أخذ بجميع العلوم احلديثة والتقليدية لفهم هذه الظاهرة. � -21إن�شاء وحدة لتدريب العاملني يف هذا املجال حتى تكون اجلهود علمية من�ضبطة وي�ستح�سن التعاون مع مركز احلوار الدويل يف فينا ،واقرتاح عقد اجتماع دوري تقوم به منظمة التعاون ملتابعة اجلهود املبذولة يف الو�سطية وحماربة الإرهاب. -22يدعو امل�ؤمتر �أن ت�صدر الأمم املتحدة ت�شريعاً ملزماً ُيجرم ازدراء الأديان والأنبياء والر�سل والكتب املقد�سة ملا يف ذلك من �آثار �إيجابية يف وقف ثقافة الكراهية والعنف وحت�سني العالقات بني ال�شعوب والأمم. -23يو�صي امل�ؤمترون برفع برقية �شكر وامتنان جلاللة امللك عبد اهلل الثاين ملك اململكة الأردنية الها�شمية لعقد هذا امل�ؤمتر يف رحاب العا�صمة الأردنية – ع ّمان -و جهوده يف التعريف لل�صورة احلقيقة امل�شرقة للإ�سالم وبيان خطر االرهاب على ال�شعوب والبلدان واالوطان و�سبل معاجلته. ختاماً يتقدم املنتدى العاملي للو�سطية بال�شكر اجلزيل �إىل جميع امل�شاركني يف امل�ؤمتر و�إىل جميع اجلهات الراعية والداعمة لأعمال املنتدى كافة وجميع �سائل الإعالم و�إىل كل الأفراد وامل�ؤ�س�سات التي �ساهمت ب�إجناح هذه التظاهرة الفكرية.
97
و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك كلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت يف ندوة علمية حول دور كليات ال�شريعة يف تعزيز منظومة القيم الأخالقية وحماربة الغلو والتطرف
ب�شراكة بني املنتدى العاملي للو�سطية وكلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت وحتت عنوان :دور كليات ال�شريعة يف تعزيز منظومة القيم الأخالقية وحماربة الغلو والتطرف �أقيمت الندوة العلمية يوم الأحد املوافق 2015/5/3برعاية كرمية من رئي�س جامعة �آل البيت وقد حتدث املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية �ضيف ال�شرف يف هذه الندوة عن دور الو�سطية يف ن�شر مبادئ االعتدال والت�سامح ونبذ الغلو والتطرف والعنف وقال: �إن الغلو والتطرف لي�س من ديننا احلنيف �إذ �أن ديننا يدعو �إىل االعتدال والو�سطية يف جميع جماالت احلياة و�أن هذه اجلماعات املتطرفة واملغالية لي�ست من �صنع الإ�سالم احلنيف ،وفد حتدث بعد ذلك عميد كلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت �أ.د .ان�س ابو عطا ،و�أ�شاد بالدور الذي يقوم به املنتدى يف ن�شر مبادئ الو�سطية والربامج التوعوية التي يقوم بها ،و�شارك يف الندوة والتي عقدت على مدار جل�ستني كل من :الباحث الأ�ستاذ الدكتور ح�سن �أبو هنية والذي حتدث عن اجلذور التاريخية للحركات املتطرفة احلديثة ،كما حتدث الإعالمي مروان �شحادة عن دور احلرب الإلكرتونية يف معاجلة التطرف والغلو. ويف اجلل�سة الثانية حتدث كل من معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي (وزير الأوقاف ال�سابق( عن دور كليات ال�شريعة يف تعزيز القيم الأخالقية ،كما حتدث الدكتور بهجت احلبا�شنة عن التطرف بني املفهوم الإ�سالمي واملفهوم الغربي ،وكان عميد كلية ال�شريعة الدكتور �أن�س �أبو عطا قد �أدار اجلل�سة الأوىل وقد ح�ضر االحتفال عدد كبري من طلبة كلية ال�شريعة والدرا�سني يف جامعة �آل البيت ،ويف نهاية االحتفال ت�سلم املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى درع جامعة �آل البيت تقديرا جلهوده يف بناء ال�شراكة ما بني املنتدى العاملي للو�سطية وكلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت .
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
98
ندوة (خطر الطائفية واملذهبية على وحدة الأمة وا�ستقرارها)
عقد املنتدى العاملي للو�سطية يوم ال�سبت املوافق 2015/4/25ندوة( خطر الطائفية واملذهبية على وحدة الأمة وا�ستقرارها) ويف بداية الندوة رحب املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية بامل�شاركني واحل�ضور الكرام وبني �أن الغاية من هذه الندوة هو بيان اخلطر يف اال�ستغالل اخلاطئ لالختالف بني املذاهب وتعدداتها . وو�ضح الفاعوري �أن هنالك من اختلت له بع�ض املفاهيم الأ�سا�سية والتي ن�ستند عليها مثل قوله تعاىل) َو ْاع َت ِ�ص ُموا ب َِح ْبلِ اللهَّ ِ َجمِ ي ًعا َو اَل َت َف َّر ُقوا َوا ْذ ُك ُروا ِن ْع َمتَ اللهَّ ِ َعلَ ْي ُك ْم �إِ ْذ ُك ْن ُت ْم �أَ ْعدَا ًء َف�أَ َّل َف َبينْ َ ُق ُلو ِب ُك ْم َف�أَ ْ�ص َب ْح ُت ْم ِب ِن ْع َم ِت ِه �إِ ْخ َوا ًنا َو ُك ْن ُت ْم َعلَى َ�ش َفا ُح ْف َر ٍة مِ َن ال َّنا ِر َف�أَ ْن َق َذ ُك ْم مِ ْنهَا َك َذل َِك ُي َبينِّ ُ اللهَّ ُ َل ُك ْم �آ َيا ِت ِه َل َع َّل ُك ْم َت ْه َتدُو َن) فهذا املفهموم اخلاطئ اختلت �أهدافه لدى بع�ض امل�سلمني ف�أ�صبح �سبباً لبع�ض مظاهر الفرقة وا�صبحنا نرتجم التعددية بالنزاع واحلروب ف�أ�صبحت �أمتنا مهددة ومنكفئة على واقعها. تر�أ�س اجلل�سة الأوىل وزير الأوقاف ال�سابق معايل الأ�ستاذ عبدالرحيم العكور الذي بني �أن ديننا هو دين التعددية ودين الي�سر والت�سامح وقبول الآخر. وقد حتدث الأ�ستاذ الدكتور عبد امللك ال�سعدي من العراق عن توظيف التنوع املذهبي والفقهي وتعزيز وحدة الأمة وطرق الوقاية من الطائفية واملذهبية) و�أكد ال�سعدي من �أنه من ف�ضل اهلل وي�سر الإ�سالم مل ينزل اهلل تف�سرياً للقر�آن والر�سول مل يف�سره �إمنا ف�سر �شيئاً ي�سرياً وكذلك الأمر لأحاديث الر�سول � -صلى اهلل عليه و�سلم -وذلك لأن اللغة العربية لغة وا�سعة املعاين فرتك الأمر للأمة هي التي ت�ستنبط وتفهم من العدد - 19ال�سنة الثامنة
99
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
كال امل�صدرين (القر�آن وال�سنة) فهذا من رحمة اهلل لأنه لو ف�سر القر�آن لوقعنا يف حرج لأنه ينبغي �أن نلتزم مبا ف�سر فهذا جعل من القر�آن وال�سنة ثروة عالية يف الفقه الإ�سالمي لذلك فالأمة مل تقع يف حرج . وبني ال�سعدي �أن �إرادة اهلل تعاىل �شاءت �أن تربز مذاهب �إ�سالمية يف هذا املجال وهذه مل تكن عبئاً بل كانت من �أجل �إي�صال الفكر الذي مت ا�ستنباطه من القر�آن وال�سنة �إىل الأمة وو�ضح �أن اهلل تعاىل خلق الأمم باختالفها لهدف واحد هو االلتزام بدين اهلل وطاعته. كما ق�سم الدكتور ال�سعدي االختالف �إىل ق�سمني : اختالف مذموم :هو الذي يفرق الأمة ومن ذلك االختالف يف العقيدة والأمور املقطوع فيها يف الإ�سالم. اختالف حممود:هو الذي ال ي�سعى �إىل التفرقة بني الأمة وهو خالف جتمع نهايته �إىل طاعة اهلل ور�سوله وتوحيد الأمة ال تفريقها. كما ق�سم الدكتور عبدامللك ال�سعدي االختالف يف تعددية املذاهب �إىل ق�سمني: من ال يعرتف باملذاهب بل فقط يتخذون مبرجعية الكتاب وال�سنة . ق�سم اتخذوا من املذاهب و�سيلة مفرقة ل�صفوف امل�سلمني كالذين اتخذوا املذاهب للتفرقة ال�سيا�سية . وقد حتدث الأ�ستاذ الدكتور علي حمافظة عن(اجلذور التاريخية للطائفية واملذهبية ( يف بداية كلمته قال �أن يف الإ�سالم اليوم فرعان رئي�سيان :ال�سنة وال�شيعة ،ال خالف بينهما يف العبادة وامل�سائل الدينية اجلوهرية، ويت�شابهان يف كثري من خ�صائ�صهما الأ�سا�سية .ولكنهما يختلفان يف النظر �إىل التاريخ املبكر للإ�سالم ويف تف�سريهما له .ينظر �أهل ال�سنة واجلماعة �إىل الإ�سالم على �أنه م�شروع �سيا�سي مقد�س فتح با�سم اهلل معظم بقاع العامل القدمي يف �آ�سيا و�إفريقيا و�أجزاء من �أوروبا .وجاء للب�شرية بالدين واملعرفة والنظام� .أما ال�شيعة فريون �أن فتوحات الإ�سالم لي�ست مهمة ،و�إمنا املهم الطريقة التي عامل بها الفاحتون امل�سلمون رعاياهم ،ومدى �إخال�ص ه�ؤالء الفاحتني لدين اهلل. اجلل�سة الثانية : يف بداية اجلل�سة الثانية والتي تر�أ�سها الأ�ستاذ الدكتور �أن�س �أبو عطا عميد كلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت حتدث ف�ضيلة الأ�ستاذ الدكتور حمدي مراد فقال � ّأن امل�شكلة لي�ست يف وجود الطائفة �أو املذهب و�إمنا امل�شكلة حني تتحول الطائفة �إىل طائفية واملذهب �إىل مذهبية �أي �إىل حالة من التقدي�س للذات والتحقري للآخر �إىل درجة ت�صل �إىل الإق�صاء فالإبادة والتطهري التدريجي �أكان عرقياً �أم دينياً �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
� ....أم طائفياً �أم مذهبياً .... م�ؤكداً �أننا ن�ستطيع القول ب� ّأن الطائفية بذلك ت�شكل حالة غري �إن�سانية وال ح�ضارية وبالت�أكيد غري �إ�سالمية لأنها تقوم على �أ�سا�س الإثارة للع�صبية القبلية املد ّمرة يف حني تقف املذاهب يف الأ�صل على تنوع الفهم والإجتهاد وم�سارات الفكر والفقه و�إثرائه و� ّأن ذلك من التعددّية املحمودة التي ت�ساهم يف تطور وتقدّم املجتمع ويبقى منهجها حوارياً �إيجابياً على الأغلب ومن �ش ّذ ف�إن ذلك ال ي�ؤثر على نتائج هذه امل�سارات املذهبية يف �إيجابياتها املذكورة وهذه هي احلقيقة التي حفلت بها م�سرية املذاهب الإ�سالمية عرب تاريخنا الإ�سالمي الطويل ف�ش ّتان بني ع�صبية الطوائف ونتائجها الوخيمة و�أفكار املذاهب و�أبعادها ال�سليمة.من هنا ف�إن الطائفية احلاقدة واملذهبية املقيتة ت�ش ّكل خطراً داهماً على املجتمعات يق�ض م�ضاجع وحدتها وين�سف ا�ستقرارها . ثم حتدث الدكتور �سعدون الزبيدي وهو �سيا�سي خم�ضرم من جمهورية العراق حول م�شكلة الطائفية يف العراق م�ؤكداً على �أن اخلالف هو خالف �سيا�سي يق�صد منه تعميق الفرقة يف املجتمع �ضارباً مث ًُ ال على وحدة املجتمع العراقي قبل ظهور الطائفية املقيتة بكرثة امل�صراحة بني ال�شيعة وال�سنة لكن اخلالفات ال�سيا�سية �أدت �إىل متزيق ن�سيج املجتمع العراقي ،وتطرق �إىل دور الغرب يف �إذكاء الطائفية لت�سهيل حتقيق م�آربه يف الأمة الإ�سالمية . من جانبه قال الأ�ستاذ الدكتور حممد ال�شريفني من كلية ال�شريعة يف جامعة �آل البيت �أن عوامل وحدة الأمة كثرية ومتعددة منها القر�آن الكرمي لذى يجب على جميع الطوائف التوحد ،عازياً �أ�سباب ال�صراع املذهبي �إىل ما يلي: .1ا�صطحاب التاريخ حيث �أن البع�ض م�شحون ب�أحداث التاريخ ويحاكم الطرف الآخر على �أ�سا�سها . .2ال�سيا�سية حيث �إن كثري من ال�سا�سني ي�ستغلون الطائفية خلدمة �أغرا�ضهم ال�سيا�سية . املنازعات االقت�صادية التي تتغلف بالطائفية لتحقيق �أغرا�ض اقت�صادية . وقال �أن احلل هو الدعوة باحلكمة واملوعظة احل�سنة . ويف نهاية الندوة دار نقا�ش بني املحا�ضرين واحل�ضور طرح فيها العديد من الأ�سئلة التي متت الإجابة علنها من قبل املحا�ضرين .
100
َّ نظم منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�أدبا حما�ضرة بعنوان (الرفق و�أثره يف و�سطية الإ�سالم) َّ نظم منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�أدبا يوم الثالثاء2015/04/21 :م ،حما�ضرة بعنوان :الرفق و�أثره يف و�سطية الإ�سالم . بد�أ املحا�ضر الدكتور �سليمان اخلواطره املحا�ضرة بتعريف الرفق بقوله :الرفق؛ �ضدُّ العنف ،وقد َر َف َق به .ويقال �أي�ضاً� :أَ ْر َف ْق ُتهُ� ،أي َن َف ْع ُتهُ ،واملعاين الكثرية للرفق تدل على طبيعة املعاملة للجميع بالرفق ولني اجلانب والتوا�ضع والو�سطية واالعتدال ،بال ت�شدد وال غلظة وال غلو وال تطرف بغ�ض النظر عن اختالف الأ�شخا�ص يف اجلن�س والدين واالنتماء للمذاهب والفرق واجلماعات املختلفة. فالرفق مطلوب يف معاملة امل�سلم للم�سلم وغري امل�سلم كذلك ،لأن اهلل عز وجل عندما �أنزل هذا الدين على الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �أمره باللني والرفق والرحمة يف املعاملة والدعوة ،و�أن هذا الدين دين العدل والرفق والر�أفة والرحمة ،ولي�س دين الغلو والتطرف والغلظة فقال تعاىل( :ا ْد ُع ِ�إلىَ َ�س ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْوعِ َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح َ�س ُن ِ�إ َّن َر َّب َك هُ َو �أَ ْعلَ ُم بمِ َ نْ َ�ض َّل َعنْ َ�س ِبي ِل ِه َوهُ َو �أَ ْعلَ ُم ِبالمْ ُ ْه َتدِ َ ين) (النحل).125: وتتجلى هذه املعاين يف الرفق بالدعوة �إىل اهلل تعاىل؛ (لأنها دعوة �إىل �سبيل اهلل لي�ست ل�شخ�ص الداعي وال لقومه ،فلي�س للداعي فالإ�سالم من دعوته �إال �أنه ي�ؤدي واجبه هلل ،ال ف�ضل يتحدث به ال على الدعوة وال على من يهتدون به ،و�أجره بعد ذلك على اهلل تعاىل) ،فهذا هو منهج الإ�سالم يف الدعوة ،منهج الو�سطية واالعتدال ،منهج الر�أي وقبول الآخر ما مل يخالف �أ�صول الإ�سالم وقواعده ،منهج ارت�ضاه اهلل عز وجل لدينه. و�سطي ال غلو فيه وال تنطع وال تطرف وال تق�صري ال ترهيب وال تخويف وال �إرهاب ،منهج الو�سط والعدل فالإ�سالم كمنهج حياة ٌّ يقبل احلوار واملجادلة بالتي هي �أح�سن من �أجل الو�صول �إىل احلق والعدل والطريق امل�ستقيم بال �إكراه �أو �إجبار �أو تنكيل بالآخر املخالف يف العقيدة والدين واملنهج ،هذا املنهج الذي ر�سمه لنا ر�سول اهلل �صل اهلل عليه و�سلم بقوله�( :إ َّن هَذا الد َ ِّين ُي ْ�س ٌر) ا ْل ُي ْ�س ُر: ِ�ض ّد ال ُع ْ�سرِ� (.أرا َد �أ َّنه َ�سه ٌْل َ�س ْم ٌح َقلِي ُل ال َّت ْ�شدِ يد) . لذا جاء منتدى الو�سطية لبيان هذا املنهج وظهاره للجميع والدعوة �إليه والعمل على ن�شره ،كمنهج حياة يقوم على الرفق والعدل والت�سامح وقبول الآخر ،والعي�ش يف �سالم و�أمن على هذه الأر�ض .
العدد - 19ال�سنة الثامنة
101
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
املنتدى العاملي للو�سطية -فرع اجلزائر يعقد دورة تكوينية بعنوان الو�سطية يف بناء ال�شخ�صية امل�سلمة
يف �إطار برناجمه ال�سنوي ل�سنة ، 2015عقد املنتدى العاملي للو�سطية ( فرع اجلزائر و بالتن�سيق مع االحتاد العام الطالبي احلر
جلامعة م�ستغامن ،دورة تكوينية حتت عنوان :الو�سطية يف بناء ال�شخ�صية امل�سلمة وذلك يوم اجلمعة 13 مار�س 2015ن بجامعة عبد احلميد بن بادي�س مبدينة م�ستغامن .و بح�ضور القيادات الطالبية من الطلبة و الطالبات � ،أطر الدورة عدد من امل�شايخ الدعاة و الأ�ساتذة .
و قد تطرق رئي�س فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف الدورة التدريبية �إىل الو�سطية يف بناء ال�شخ�صية ذاكرا بع�ض املحاور منها الآتي : مفهوم الو�سطية و مرجعيتها .� أ�س�س بناء ال�شخ�صية و املتمثلة يف :القيم العليا لل�شخ�صية الو�سطية الر�ؤية الوا�ضحة االعتقاد الذاتي يف قيم الو�سطية . املعامل و الأ�س�س يف بناء ال�شخ�صية الو�سطية و املتمثلة يف :التخطيط املتوازن ،حتمل امل�س�ؤولية ،قوة التنفيذ ،التقييم و التعديل ، التنمية الذاتية ،االت�صال الفعال ،اال�ستفادة من التحديات � ،إدارة الوقت ،العمل على �إجناح الآخرين .
حتديات يف طريق بناء ال�شخ�صية الو�سطية .كما حتدث القيم الروحية لل�شخ�صية القيادية . �إ�ضافة �إىل املحا�ضرات التي ت�ضمت ور�ش متخ�ص�صة حول املهارات القيادية للطالب اجلامعي على هام�ش الدورة و قد متيزت الدورة التكوينية مب�شاركة 50طالبا و طالبة من قيادات العمل الطالبي الذين تفاعلوا ب�شكل رائع مع خمتلف فقرات الدورة ،و مت تكرمي امل�شاركني بهدايا رمزية. كما عرف امللتقى بع�ض الدعاة امل�شاركني ومن بينهم �سعيد احمد برتا�سي عن حما�ضرة القيم الروحية لل�شخ�صية الفية �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
102
كلمة �شكر وتقدير من جمهورية نيجرييا حول امل�ؤمتر الدويل الذي عقده املنتدى العاملي للو�سطية باململكة الأردنية الها�شمية من الدكتور �سراج الدين بالل لأمني عام املنتدى ب�سم اهلل الرحمن الرحيم احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني� ,أما بعد: وال�سلم العاملي) الذي ّ نظمه في�سرين �أن �أقدم �إثر جناح امل�ؤمتر الدويل حول):دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار ِّ املنتدى العاملي للو�سطية ,ي�س ّرين �أن �أقدم �شكري وتقديري لهذا املنتدى الذي قام بجهود م�شكورة بن�شر الو�سطية يف �أنحاء املعمورة والذي �أتاح لنا فر�صة امل�شاركة يف ذلك امل�ؤمتر. �إن ع ْقد مثل هذا امل�ؤمتر يف هذه الدولة الكرمية (الأردن( ويف تلكم الظروف ال�صعبة التي تعي�شها الأمة َل ّ يدل على حر�ص حكومة وخا�صة يف ظ ّل ما تعي�شه الأمة الإ�سالمية من ت�شويه متع َّمد ل�صورة الأردن على ا�ستتباب الأمن واال�ستقرار يف كافة �أنحاء العامل, ّ الإ�سالم و�أهله ,وحماولة �أعدائه ر ْب َط الإرهاب بديننا احلنيف. و�إن لهذا امل�ؤمتر الذي هو جزء من جهود املنتدى العاملي للو�سطية �أهم ّية كبرية يف تو�ضيح عناية الإ�سالم بال�سالم وكذلك بيان دور الإ�سالم و�أهله يف حتقيق هذا ال�سالم واال�ستقرار ومكافحة الإرهاب ,كما يت�ضح للعامل �أن الو�سطية من �أبرز خ�صائ�ص الإ�سالم ،و�أنها تظهر وا�ضح ًة وجل ّي ًة يف العبادات وال�شعائر ,ويف الأخالق ويف الت�شريع -كما ذكر �ضيوف امل�ؤمتر يف البحوث املقدمة. لذلك ف�إن احلقيقة التي ال ينكرها �أحد �أن ْا�ستِباَب الأمن واال�ستقرار �أُ ْمني ٌة يتمناها العامل ك ُّله ,وامل�سلمون على وجه اخل�صو�ص؛ �إذ �إن �أداء �شعائر الدين ح َّق الأداء ال يكون �إال مع اال�ستقرار والأمن .لذلك ال يع ّد من نافلة القول الت�أكيد على �ضرورة التعاون مع �أمثال هذا املنتدى املبارك. �أ�س�أل اهلل تعاىل �أن ين�صر الإ�سالم وامل�سلمني ويعيد �شباب الإ�سالم �إىل الفهم الدقيق لدينهم. و�إين �أفيدكم عل ًما ب�أن الفكرة و�صلت ،و�أطمئنكم بن�شر الر�سالة الو�سطية يف دولتنا نيجرييا عامة ويف حوزتنا التعليمية خا�صة�( .إن �شاء اهلل تعاىل).
كما �أ�شكر جمددا املنتدى العاملي للو�سطية على هذا امل�ؤمتر املبارك وهذه ال�ضيافة� ,أ�س�أل اهلل تعاىل �أن يجزي القائمني عليه كل خري. وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته. د� .سراج الدين بن بالل الأ�سرع مدير �أكادميية عناية اهلل العاملية-نيجرييا العدد - 19ال�سنة الثامنة
103
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
�شكر وتقدير من ال�شيخ م�شهود رم�ضان جربيل الكيتوي للمهند�س مروان الفاعوري ح�ضرة الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته كان �شكري لف�ضيلتك مثل �شكر الرو�ض للمطر وال�سارى للقمر ،فلو كان لل�شكر �شخ�ص يدركه الب�صر ويح�صله النظر ل�صورته �أح�سن ت�صوير ،وقررته �أحكم تقدير،حتى يراه ف�ضيلتك بالعني كما ت�سمعه وتقر�أه ،فتعلم �أين �شاكر ل�سعيك نحو الإ�سالم وامل�سلمني، وذاكر ل�صنعك نحو ن�شر هذا الدين احلنيف على العقيدة والو�سطية. ومهما حاولت �أداء ال�شكر والتقدير لف�ضيلتك ،ف�إين �أ�شعر �أنك زدت على ذلك من املكارم و الف�ضائل،فب�أي ل�سان �أ�شكر ،و�أ�شهد ب�أنك الكرمي ابن الكرمي ،وعلى كل حال ف�شكرك �ساطع،وثنا�ؤك �شائع والل�سان بتقديرك طائع . �أ�س�أل اهلل �سبحانه وتعاىل �أن يعلي ذكرك ويتوىل �شكرك ويبلغك مق�صودك يف ت�أ�سي�س املنتدى العاملي للو�سطية �إنه نعم املوىل ونعم الن�صري وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
ال�شيخ الإمام م�شهود رم�ضان جربيل الكيتوي املهند�س مروان الفاعوري ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته كان �شكري لف�ضيلتك مثل �شكر الرو�ض للمطر ال�ساري للقمر ،فلو كان لل�شكر �شخ�ص يدركه الب�صر ويح�صله النظر ، ل�ص ّورته اح�سن ت�صوير ،وقدرته �أحكم تقدير ،حتى يراه ف�ضيلتك بالعني كما ت�سمعه وتقر�أه ،فتعلم �أين �شاكر ل�سعيك نحو الإ�سالم وامل�سلمني ،وذاكر ل�صنعك نحو ن�شر هذا الدين احلنيف على العقيدة الو�سطية . ومهما حاولت �أداء ال�شكر والتقدير لف�ضيلتك ،ف�إين �أ�شعر �أنك زدت على ذلك من املكارم والف�ضائل ،فب�أي ل�سان �آ�شكر � ،أ�شهد ب�أنك الكرمي ابن الكرمي ،وعلى كل حال ف�شكرك له �ساطع وثنا�ؤك �شائع ةالل�سان بتقديرك طالع . �أ�س�أل اهلل �سبحانه وتعاىل �أن يعلي ذكرك ويتوىل �شكرك ويبلغك مق�صودك يف ت�أ�سي�س املنتدى العاملي للو�سطية
�إنه نعم املوىل ونعم الن�صري .
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
104
زيارة الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري �إىل دولة الكويت قام املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية بزيارة �إىل دولة الكويت للتباحث مع امل�ؤ�س�سات الر�سمية واملراكز الإ�سالمية بهدف بحث العالقات التي تهم املنتدى وتن�شيط التعاون مع هذه املراكز وامل�ؤ�س�سات يف جمال ن�شر ر�سالة املنتدى التي تهدف �إىل حتقيق االعتدال والو�سطية و�إقامة الفعاليات امل�شرتكة.
زيارة ال�شيخ م�شهود رم�ضان جربيل ملقر املنتدى العاملي للو�سطية قام ال�شيخ م�شهود رم�ضان جربيل بزيارة مقر املنتدى العاملي للو�سطية يف عمان والتقى بالأمني العام املهند�س مروان الفاعوري وعدد
من �أع�ضاء املنتدى وناق�ش مع �إدارة املنتدى عدداً من الأمور املتعلقة ب�أحوال الإ�سالم وامل�سلمني يف نيجرييا وال�شيخ م�شهود جربيل ينتمي �إىل قبيلة اليوربا وهي من القبائل الرئي�سية يف نيجرييا� ،أخذ ال�شيخ م�شهود القر�آن الكرمي عن والده الأمري �إدري�س لأنه كان حمباً للعلم والعلماء-وقد �أحلق ابنه ال�شيخ م�شهود ب�أحد بيوت العلماء حيث جمال�س العلم ومن هنا ت�أدب االبن ب�أدب الإ�سالم ونهل علومه ال�صافية ال�صحيحة وتزود ب�شئ من مباديء العلوم ال�شرعية ،وملا �أنهى درا�سته للقر�آن ومباديء العلوم ال�شرعية مل يكتف والده مبا نال االبن من العدد - 19ال�سنة الثامنة
105
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
هذه العلوم بل �أحب البنه البار الزيادة ومن هنا �أحلقه مبركز التعليم العربي الإ�سالمي مبدينة (�أغيغي -الغو�س -نيجرييا) وذلك يف �شهر يناير �سنة 1963م املوافق �أول �شهر رم�ضان �سنة 1383للهجرة ،وكان ال�شيخ م�شهود مثا ًال رائعاً يقتدى به يف حت�صيل العلوم ال�شرعية وقدوة �صاحلة يقتدى به يف التفاين خلدمة العلم والعلماء وب�صفة خا�صة �شيخه ومربيه �شيخ الإ�سالم �آدم عبداهلل الألوري الذي ظل يتتلمذ على يديه ويخدمه مدة � 34سنة الأمر الذي جعله من ال�شخ�صية املوثوقة لدى ال�شيخ �آدم عبداهلل الإلوري ويتمتع ال�شيخ م�شهود جربيل بالأخالق العالية والتوا�ضع العظيم و�شهد على ذلك القا�صي والداين من طلبة العلم والعلماء كما �أن له خطباً منربية م�شهورة حيث كان الإمام الأكرب مل�سجد مركزه بالإ�ضافة �إىل املحا�ضرات الإ�سالمية التي �ألقاها يف نيجرييا ويف بلدان متعددة يف �إفريقيا و�أمريكا و�آ�سيا وقد �أ�س�س ال�شيخ م�شهود مركز (ال�سالم للتعليم العربي الإ�سالمي( بـ (�أجوكورو -والية الغو�س) وله م�ؤلفات عديدة يف الفقه والعقيدة واملعامالت الإ�سالمية وزار بع�ض البلدان العربية والإ�سالمية مثل جمهورية م�صر وليبيا و�سوريا وتون�س ولبنان وال�سعودية وغريها وذلك للتثقيف والتوعية وامل�شاركةيفالدوراتوامل�ؤمتراتالدولية� ،سدداهللخطاهووفقهخلدمةالإ�سالموالعلمو�أبقاهذخراًللم�سلمني .
لقاء حواري ي�ؤكد دور امل�ؤ�س�سات التعليمية يف الت�صدي للإرهاب
قال م�شاركون يف اللقاء احلواري الذي نظمة مركز بوابة احلرية حلقوق الإن�سان بالتعاون مع هيئة �شباب الو�سطية بعنوان ( دور اجلامعات يف الت�صدي للإرهاب ( �إن املجتمع الأردين يرف�ض التطرف والغلو ويكر�س العدل وامل�ساواة ك�أ�سلوب حياة يقود �إىل الت�سامح واملحبة وال�سالم واحرتام الآخر. و دعا امل�شاركون � إىل �أهمية العناية واالهتمام بال�شباب و�أن يكون لهم دور فاعل يف تعزيز قيم التوا�صل واملحبة بني �أبناء املجتمع والرتكيز على ثقافة احرتام الآخر والر�أي والر�أي الآخر . و قال وزير التنمية ال�سيا�سية ال�سابق �أ�ستاذ علم االجتماع الدكتور �صربي الربيحات �إن العنف �شكل من �أ�شكال ال�سلوك الإن�ساين ٬ذلك �أن الأفراد يف املجتمع)يت�شربون)الثقافة التى يتعامل بها جمتمعهم م�ؤكدا �أن امل�ؤ�س�سات التعليمية عليها و�ضع برامج تخاطب �سلوك الطالب بالإ�ضافه �إىل تطوير اجلوانب التعليمية بال�شكل املنا�سب و خ�صو�صا فيما يتعلق بالنمو االجتماعي للأفراد . �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
106
و �أ�ضاف الدكتور الربيحات �أن العنف ما هو �إال حماولة لفر�ض الإرادة ب�أ�شكال متعددة على كافة الكائنات الب�شرية ٬و�أن احلل يكمن يف تعميم ثقافة التقبل والإميان ب�أن الإن�سان قيمة وجتنب ال�سخرية به والتهكم عليه واحلد من م�ستوى اال�ستفزاز داعيا �إىل �إدماج طلبة اجلامعات يف برامج تهتم بالأبعاد الأخرى لل�شخ�صية و ا�شراكهم يف برامج ت�ساعدهم ماديا بحيث تكون مدرة للدخل ي�ستغلونها يف �أوقات فراغهم . و �أكد رئي�س املجل�س الأعلى لل�شباب الدكتور �سامي املجايل على الدور الذي يقوم به املجل�س من خالل ت�ضمني خططه ال�سنوية ملديرياته والأندية واملراكز ال�شبابية والهيئات ال�شبابية ومع�سكرات احل�سني لتنفيذ عدة م�شاريع وبرامج و�أن�شطة هادفة ن�سعى من خاللها لتعزيز ثقافة احلوار ونبذ العنف والتطرف والإرهاب بكل �أ�شكاله. و�أ�ضاف الدكتور املجايل :ال�شباب هم �أمل الوطن وم�ستقبله الناب�ض م�شريا �إىل �أن املجل�س يقوم بتنفيذ خططه وبراجمه اال�سرتاتيجية التي و�ضعها وتعنى بال�شباب وبحث كافة ق�ضاياهم املتغرية خا�صة فيما يتعلق بالعنف والغلو والتطرف والإرهاب مو�ضحا �أن املجل�س قد نفذ خالل ال�سنوات املا�ضية حتت عنوان الفكر التنويري الهادف �إىل تب�صري ال�شباب بحقيقة الإرهاب والتطرف و�أن الدين الإ�سالمي هو دين و�سطية وت�سامح واحرتام كرامة . و دعا النا�شط االجتماعي يحى عربيات اجلامعات �إىل القيام بدورها الفاعل يف مواجهة التطرف والدعوة للو�سطية واالعتدال والتعبري عن �صورة الإ�سالم احلقيقة بعد �أن ظهرت ُ بع�ض التنظيمات واجلماعات التكفريية (تلك التي مييزها اجله ُل ،وي�سيط ُر على عقولها ثقافة املوت و�سفك الدماء دون �أن
احلكيمة يلعب الدور الأكرب يف تر�سيخ مبادئ الت�سامح الإن�ساين م�شريا �إىل �أن املركز ي�سعى من خالل براجمه �إىل تعزيز الفكر الو�سطي و نبذ العنف و عدم الغلو و التطرف . و �أ�ضاف �أبو رمان � :إن احرتام كرامة الإن�سان و�صونها ورعايتها و�إيجاد ال�سبل التي تقود �إىل التفاهم واحلوار بني الأديان ي�شكل ذلك بعدا يف الثقافة العاملية م�شرية �إىل �أن الأردن ج�سد الوئام والعي�ش امل�شرتك بني كل املكونات.
ت�أخذ بعني االعتبار منهج الإ�سالم القومي كدين يت�سم بالرحمة والإن�سانية واخلري للب�شرية جمعاء. و قال رئي�س مركز بوابة احلرية حلقوق الإن�سان عبد الفا�ضل �أبو رمان �أن الأردن وبف�ضل قيادة جاللة امللك عبد اهلل الثاين
العدد - 19ال�سنة الثامنة
107
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
منتدى الو�سطية للفكر والثقافة -املركز القر�آين امل�سابقه الرم�ضانية ال�سنوية الرابعة لعام 2015
�أطلق املركز امل�سابقة القر�آنية الرم�ضانية ال�سنوية الرابعة 2015وذلك �ضمن ال�شروط التالية: امل�ستوى
الأجزاء املطلوبة
الفئات العمرية
موعد امل�سابقة
امل�ستوى الأول : ع�شرة �أجزاء
مفتوح ح�سب اختيار املت�سابق �شرط تتابع الأجزاء الع�شرة
للجن�سني من 20فما فوق
ال�سبت 2015/6/27
امل�ستوى الثاين : خم�سة �أجزاء
الأجزاء (5-1( : من الفاحتة – � 147سورة الن�ساء
للجن�سني من �20-15سنة
الأحد 2015/6/28
امل�ستوى الثالث : ثالثة �أجزاء
الأجزاء ( 25-24-23( : ال�سور ( :من �أول ي�س – �آخر اجلاثية(
للجن�سني من �15-10سنة
الإثنني 2015/6/29
امل�ستوى الرابع : جزء واحد ((30
للجن�سني � 10سنوات فما دون
جزء ع ّم كام ً ال
الثالثاء 2015/6/30
عنا�صر التقييم للم�سابقة
احلفظ
يح�صل الفائز ب�أحد املراكز الثالثة الأوىل للم�ستوى الأول على 125دينار -يح�صل الفائز ب�أحد املراكز الثالثة الأوىل للم�ستوى الثالث على 75دينار
ترتيل و�أحكام التجويد
معاين املفردات
يح�صل الفائز ب�أحد املراكز الثالثة الأوىل للم�ستوى الثاين على 100دينار -يح�صل الفائز ب�أحد املراكز الثالثة الأوىل للم�ستوى الرابع على 50دينار
كما و�سيتم تكرمي الفائزين يف حفل يقام لهذه الغاية الإثنني املوافق 2015/7/13وذلك يف متام ال�ساعة احلادية ع�شرة �صباحاً يف مقر املنتدى للراغبني بامل�شاركة يرجى االت�صال على الرقم 5356329 ما بني التا�سعة �صباحاً والثالثة بعد الظهر علماً ب�أن �آخر موعد للت�سجيل يوم اخلمي�س 2015/6/4
مالحظة � :أن ال يكون املت�سابق قد فاز �سابقاً بنف�س امل�ستوى �أو �أقل منه *** يرجى اح�ضار وثيقة اثبات �شخ�صية(هوية �شخ�صية او دفرت عائلة( يف يوم االمتحان �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
108
مالحظة :يتحمل الطالب كامل نفقات موا�صالته
مقابلة الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري مع
�إذاعة حياة �إف �إم �أجرى الأمني العام للمنتدى املهند�س /مروان الفاعوري مقابلة مع �إذاعة حياة �إف �إم يوم الأحد 2015/3/10وذلك للتعريف والإعالن عن امل�ؤمتر الدويل الذي �سيعقده املنتدى العاملي للو�سطية يومي 14و 15من ال�شهر احلايل بعنوان)دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي) . و�أكد املهند�س مروان من خالل �إجابته عن العديد من الأ�سئلة �أن الهدف الأول منذ ت�أ�سي�س املنتدى هو �إبراز ال�صورة امل�شرقة للدين الإ�سالمي ونفي جميع التهم والأعمال الإرهابية التي �أ�صبحت مرتبطة به و�صرح الأمني العام �أن امل�ؤمتر الدويل الذي �سيعقد يف املركز الثقايف امللكي ي�سعى لتحقيق العديد من الأهداف ومنها: مراجعة الربامج واملناهج الرتبوية والتعليمية واخلطاب الديني مبا يعزز املنهج الو�سطي يف التفكري وال�سلوك. -1و�ضع �إ�سرتاتيجية �شاملة ملواجهة الإرهاب والتطرف -2ت�شارك فيها امل�ؤ�س�سات الر�سمية والأهلية والعلماء واملثقفني ،واعتمادها وعدم االكتفاء باملعاجلات الأمنية. -3دعم امل�ؤ�س�سات الدعوية والدينية التي تعمل على ن�شر منهج الو�سطية يف العامل -دعماً معنوياً ومادياً -لال�ستمرار يف ر�سالتها الدعوية ال�سامية و�ضرورة حتييد عمل هذه امل�ؤ�س�سات عن ال�صراعات ال�سيا�سية واحلزبية لتكون �أداة جمع لأبناء الأمة .
العدد - 19ال�سنة الثامنة
109
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
املنتدى العاملي للو�سطية -فرع تون�س يعقد ندوة فكرية (ال�شباب والفكر الو�سطي(
ّ معاذ) ندوة)ال�شباب والفكر ال َو�سطي) حا�ضر ها الأ�ستاذ زهري عقد املنتدى العاملي للو�سطية فرع تون�س باال�شرتاك مع جمعية (�سعد بن �إ�سماعيل يف مداخلة حول ( الإ�سالم ال�سيا�سي وعالقته بالدميقراطية .وحدد مداخلته يف نقطتني -:حدود الإ�سالم ال�سيا�سي ،ووظيفته. و �أ�ش���ار �إىل �ض���ررة احلدي���ث عن احلركات الإ�سالمية باعتبار تعدد خطاباتها ،معتربا تعدد اخلطاب الدعوي لدى هذه احلركات التي ت�أرجحت بني الوهاب ّية و ال�سنو�س ّية والإخوانية مو�ضحا الفرق بينهما يف ال�سياق احل�ضاري الذي ن�ش�أت فيه .ففي حني� أن الوهاب ّية بدوية ،كانت ال�سنو�سية مدنية ح�ضارية نظرا للأ�صول الأندل�سية .وت�ساءل عن �إ�شكالية ال�س�ؤال النه�ضوي :ملاذا تخلف امل�سلمون و تقدم الغرب؟ معتربا حركة الإخوان امل�سلمني يف م�صر حماولة ف ّذة لعي�ش احلداثة الإ�سالمية والع�صر .مبينا تنقل اخلطاب الإ�سالمي �إىل مرحلة اخلطاب املعومل الذي ي�ستهدف الفئات ال�شباب ّية .فال جمال لقيام دميقراطية تقوم على اخليار احلر �إذا ما �ألغي هذا املكون وهذا ما اقتنع به الغرب نف�سه ل�صد الإرهاب والتطرف والغلو يف الدّين .لكن الإ�سالم ال�سيا�سي ،ح�سب ر�أيه ،ظاهرة لها بداية ونهاية ال�ساجنة للدين لذلك كان هذا املكون خارج الدولة ومرتبطة بوظيفة تاريخية و�سيا�سية معينة .عرف �صدامات مع الدولة يف �إطار الدولة ّ يف ظروف ثورية � ,سنة 2011مثال يف تون�س .معتربا �أن بنية النظام اال�ستبدادي ثالثية :دولة+جمتمع +زعيم(قوة فوق القانون( . و �أعل���ى مراح���ل الإ�س�ل�ام ال�سيا�س���ي ه���ي العدال���ة والتنمي���ة كفك���رة ومطل���ب بتق ّل����ص العن�ص���ر الأيديولوج���ي اجتاه���ا لتحقي���ق كوني���ة القي���م ,بتخلي����ص احلري���ة م���ن اللربالي���ة ,و العروب���ة م���ن القومي���ة ،فالإ�س�ل�ام ال�سيا�س���ي يف تون����س مل يرت���ق بع���د �إىل مرحل���ة العدال���ة والتنمي���ة ومعه���ا ت�أ�سي����س دميقراطي���ة فعلي���ة.و يف خت���ام قول���ه اعت�ب�ر �أن الديقراطي���ة النا�شئ���ة يف تون����س الب���د �أن تبتع���د ع���ن املراوح���ة ب�ي�ن النظ���ام الق���دمي واجلدي���د و ت ّتخ���ذ التجدي���د �أ�سا�س���ا له���ا. فالره���ان الي���وم قائ���م عل���ى الوع���ي بثقاف���ة احلرية والع���دل االجتماعي يف اجت���اه دميقراطي���ة ت�شارك ّية� .أم���ا مداخل���ة الدكتور حم ّمد الرحم���وين ،ا�ست���اذ احل�ض���ارة باجلامع���ة التون�سي���ة ،فكان���ت بعن���وان ( الإ�س�ل�ام م�ش�ت�ركا مقارب���ة لغوي���ة ( فق���د ذه���ب فيه���ا �إىل الت�أ�صي���ل اللغ���وي مل���ادة (�ش���رك) يف الق���ر�آن وعي���ون املعاج���م اللغوي���ة واملدون���ة ال�شعرية العربي���ة وقد خل����ص �إىل �أن ( ����ش ر ك ) تعني كذل���ك و�سط-ع���دل� -س���اوى كم���ا ق���دم خمتل���ف املع���اين للو�سطي���ة (و ����س ط( وعدي���د امل�صطلح���ات الأخ���رى يف عالقته���ا مبفه���وم الو�سطي���ة .كم���ا �أ�ش���ار �إىل م�صطل���ح التع���ارف مبا فيه م���ن معنى �إيجاد وح���دة �سيا�سية جتم���ع كل النا�س مبختلف �أعراقه���م و�أفكارهم �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
110
.فالإ�س�ل�ام يف ال�سي���اق الق���ر�آين ي�شري �إىل كونية املبادئ الإ�سالمية التي ت�ضفي معنى الوحدة على الأديان (وحدة املبادئ والأ�صول الإن�سانية( وال�ضرر كان حني القطع مع مفهوم ال�صفاء يف الدين .فالدين واحد وال�شريعة تتفرق ,فالبد البحث عن امل�شرتك مع الغري وهنا يتجلى الدين يف بعده املقا�صدي قاطع مع فكر الهُوية و االنغالق .مداخلة الدكتور ب�شري العبيدي رئي�س املر�صد الأوربي للغة العربية بفرن�سا ( (الو�سطية بني اجلمود واجلحود ) ،فقد تناولت مفهوم الو�سطية من بعدها الكوين الإن�ساين والر�ؤية �إىل الوجود .فر�أى املحا�ضر � أن الأمة الإ�سالمية تخلفت عن واجبها يف �أن تكون (الأمة الو�سط) فكان ماكان من خراب يف الإن�سانية .و�سبب ذلك �أن مفهوم الو�سطية كان غائبا .فالو�سطية لها مفه���وم اجلم���ال كم���ا لها مفهوم العدل .وحني تغ�ي�رت موازين القوى العاملية ،كان من اخلط�أ �أن منركز الأ�شكال عند الغرب الذي مل يعد بتلك الأهمي���ة يف الع���امل خا�ص���ة اقت�صادي���ا .ت�شكو الو�سطية -ح�سب ر�أيه – من م�شكلتني �أ�سا�سيتني :م�شكلة اجلمود وم�شكلة اجلحود ،واعترب �أن كل التج���ارب الناجح���ة كان للدي���ن فيه���ا جدوى .عانت الأمة جم���ودا فكريا فكانت طباعة امل�صحف حمرمة مثال �إىل ح���دود القرن الع�شرين رغم ا�ستك�شاف الطباعة منذ القرن ال�ساد�س ع�شر ميالديا .وكل حماوالت التجديد كانت مرفو�ضة وما زالت تطرح نقا�شات ،حتى اليوم ،بخ�صو�ص ق�ضاي���ا غ�ي�ر جمدي���ة مرهق���ة للعقل وم�ضيع���ة للوقت ومتاه���ة للفكر عاك�سة اجلم���ود يف الفكر،ف�صار الع���رب ال يتخيلون وجوده���م دون الغرب الذي���ن يطرح���ون ب�ش�أن���ه م�سائ���ل مغالي���ة و�ص���اروا ه���م �أ�سا�س���ا خ���ارج نط���اق التاري���خ رغ���م الرنج�سي���ة الزائ���دة عن���د العرب���ي وعاطفيت���ه� .أم���ا اجلح���ود فيتجل���ى يف الذوب���ان الت���ام يف الفل�سف���ة الغربي���ة و التع�صب له���ا نتيجة االنبه���ار بالآخر (الغالب) ال���ذي يهرول املغل���وب لالقتداء به يف امللب����س وامل����أكل وامل�ش���رب والعادات والنحل والتقاليد –ح�سب اب���ن خلدون -وهي مدعاة لن�ش�أة الغلو والتع�صب� .أ�ش���ار الدكتور �إىل درا�سة عن الواقع العربي من منظور علم النف�س اجلماعي م�شريا �إىل (عاطفية) العربي اليوم خالفا للعقالنية التي يدعو �إليها املنهج الفكري القر�آين . كما �أ�شار �إىل التهور يف طرح ق�ضايا التاريخ والهُوية .و�سبيل التغيري البد �أن تكون بالعقل والعلم ودرا�سة املوا�ضيع العملية التي من �ش�أنها ان حتيل �إىل التغيري ال تلك التي تخلق الوعي الديني املزيف .كان البد من االبتعاد عن الت�صنيفات والت�سميات التي من �ش�أنها التفريق والتمركز و التع�صب يف االنتماء .فح�سب ادغار موران الفيل�سوف الفرن�سي ( �إذا حلت الثقة بيننا �سوف لن ن�ضطر �إىل و�ضع حدود يف حرية الر�أي .
منتدى الو�سطية يعقد لقاء �صديقات املنتدى بعنوان)املر�أة :طاقة -عطاء -وواقع)
(املر�أة طاقة ،عطاء وواقع) مو�ضوع اللقاء الدوري الثقايف ل�صديقات منتدى الو�سطية للفكر والثقافة_جلنة املر�أة؛ والذي مت يوم ال�سبت املوافق � 2015/4/4إ�ستهلته الدكتورة فايزة ال�سكر_ ع�ضو الهيئة الإدارية يف منتدى الو�سطية وع�ضو جلنة املر�أة _ بكلمة ترحيبية تناولت فيها �إجنازات جلنة املر�أة وما تقوم به من ن�شاطات ثقافية توعوية ت�ستهدف املر�أة من خالل الدورات التدريبية والندوات واملحا�ضرات املنوعة، بالإ�ضافة �إىل �إطالق امل�سابقات املختلفة منها (حفظ القر�آن الكرمي ونظم ال�شعر للنا�شئة.).... ثم حتدثت الدكتورة نوال �شرار_امل�ست�شارة القانونية ملركز الأمان للتوافق الأ�سري_عن نظرة الإ�سالم ال�شمولية ل�شخ�صية املر�أة من حيث �أ�صل العدد - 19ال�سنة الثامنة
111
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
خلقها والطاقة العظيمة التي زودها اهلل تعاىل بها لبقاء النوع الإن�ساين ورعايته و�إعمار الكون وخدمة الب�شرية وما ترتب عليه من عطاء دائم يف جميع جماالت احلياة و�أهمها تن�شئة الأجيال ال�سوية خلدمة ورقي املجتمع؛ كما تعر�ضت ملا تعانيه املر�أة يف واقعها من تناق�ضات و�ضياع لهويتها بني الت�شدد حيناً والتماهي والتفريط �أحياناً �أخرى وما يقع عليها نتيجة ذلك من ظلم وم�صادرة لبع�ض حقوقها. كما حتدثت ال�سيدة ماجدة عكوب_امل�ست�شارة الأ�سرية يف مركز الأمان للتوافق الأ�سري_عن قدرات املر�أة الالمتناهية يف العطاء وما تواجهه من �إجحاف و�إ�ساءة جمتمعية م�ؤكدة �أن يف ذلك �إ�ساءة للمجتمع ب�أ�سره. كما �أ�شارت لأهم الإختالفات يف طبيعة تكوين كل من الرجل واملر�أة و�أن املغزى من ذلك هو التكامل والتوافق ولي�س التنافر والعداء؛ مبينة �أن القوى الكامنة يف املر�أة ت�ؤهلها للمزيد من العطاء �إذا �ساندها املجتمع يف �إزالة العوائق وتقليل العقبات. م�سك اخلتام كان تعقيباً من احل�ضور ونقا�ش حول حماور العر�ض �أدارته الدكتورة فايزة ال�سكر_ع�ضو الهيئة الإدارية يف منتدى الو�سطية وع�ضو جلنة املر�أة_ و�إنتهى اللقاء مبطالبات عديدة من احل�ضور بتكرار مثل هذه اللقاءات الثقافية.
لقاءات جلنة املر�أة الثقافية يف املحافظات حمافظة م�أدبا
بدعوة من ال�سيدة �أ�سماء رواحنة_رئي�سة جمعية املر�أة الريفية ومديرة مدر�سة �أ�سماء بنت �أبي بكر_�إنطلق وفد من جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ،االثنني املوافق � 2015/4/6ضم ال�سيدة �سو�سن املومني_رئي�سة قطاع املر�أة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة_والدكتورة نوال �شرار_امل�ست�شارة القانونية ملركز الأمان للتوافق الأ�سري_وال�سيدة ماجدة عكوب_امل�ست�شارة الأ�سرية يف مركز الأمان للتوافق الأ�سري_�إىل بلدة مليح_حمافظة م�أدبا_يف مركز الأمرية ب�سمة للخدمات االجتماعية للإلتقاء بنخبة من �سيدات املنطقة و�إلقاء حما�ضرة بعنوان (املر�أة بني مكانتها بالإ�سالم والواقع( .حتدثت فيها الدكتورة نوال �شرار_امل�ست�شارة القانونية ملركز الأمان للتوافق الأ�سري_عن نظرة الإ�سالم ال�شمولية ل�شخ�صية املر�أة منذ بدء التكوين وحتى ال�شيخوخة والوفاء ،مارة بجميع �أدوارها –بنتاً وزوجة و�أم -واملكانة العظيمة التي و�ضعها فيها الإ�سالم يف كل مرحلة، وما زودها اهلل تعاىل به من طاقة لإعمار الكون وخدمة الب�شرية وما ترتب عليه من عطاء دائم يف جميع جماالت احلياة و�أهمها تن�شئة الأجيال ال�سوية خلدمة ورقي املجتمع .كما حتدثت ال�سيدة ماجدة عكوب_امل�ست�شارة الأ�سرية يف مركز الأمان للتوافق الأ�سري_عن قدرات املر�أة الالمتناهية يف العطاء وما تواجهه من �إجحاف و�إ�ساءة جمتمعية م�ؤكدة �أن يف ذلك �إ�ساءة للمجتمع ب�أ�سره . كما �أ�شارت لأهم الإختالفات يف طبيعة تكوين كل من الرجل واملر�أة و�أن املغزى من ذلك هو التكامل والتوافق ولي�س التنافر والعداء؛ مبينة �أن القوى الكامنة يف املر�أة ت�ؤهلها للمزيد من العطاء �إذا �ساندها املجتمع يف �إزالة العوائق وتقليل العقبات . كما �أ�شارت �إىل املنهج الإ�سالمي الذي �أ�س�س لتما�سك الأ�سرة والتكامل بني الزوجني لتن�شئة الأجيال امل�ستقبلية. وقد كان مل�شاركة ال�سيدات احل�ضور يف احلوار واملناق�شة دور كبري يف �إثراء املو�ضوع .ح�ضر اللقاء ال�سيدة متام البواريد_رئي�سة املركز_ وعدد كبري من �سيدات املنطقة. �إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
112
ن�شاطات منتدى الفكر والثقافة الو�سطي
�ضمن �أن�شطة منتدى الفكر والثقافة الو�سطي ويف يوم الأربعاء املوافق 2015/4/29ا�ست�ضافت مدر�سة �صافوط الثانوية للبنات الدكتور زهاءالدين �أحمد عبيدات مدير مركز الدرا�سات يف املنتدى العاملي للو�سطية يف ور�شة عمل بعنوان)طرق املذاكرة اجليدة وكيفية اال�ستعداد المتحانات الثانوية). �إذ قدم املدرب يف بداية الور�شة فيلماً ق�صرياً عن دور املنتدى العاملي للو�سطية يف مواجهة التطرف والإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي وبعد ذلك قدم تعريفاً موجزاً عن املنتدى العاملي للو�سطية ور�سالته ور�ؤيته و�أهدافه ومنطلقاته . ومن ثم بد�أ بعمل الور�شة التي ح�ضرها طالبات املدر�سة يف املرحلة الثانوية وخا�صة طالبات ال�صف الثاين الثانوي و �أع�ضاء الهيئة التدري�سية يف املدر�سة ويف نهاية الور�شة �شكرت مديرة املدر�سة الأ�ستاذة مها ع�صفور املدرب ومنتدى الفكر والثقافة على جهوده يف �إبراز الو�سطية واالعتدال يف املجتمع الأردين وغريه من املجتمعات العربية والإ�سالمية وعلى ما يقدمه من خدمات خمتلفة للمجتمع الأردين يف جميع جوانب احلياة املختلفة وتعبرياً عن تقديرها ملا قام به الدكتور زهاءالدين عبيدات قدمت مديرة املدر�سة �شهادة �شكر وتقدير للدكتور زهاءالدين عبيدات على ما قدمه من معلومات قيمة للمعلمات والطالبات يف كيفية املذاكرة واال�ستعداد المتحان الثانوية.
العدد - 19ال�سنة الثامنة
113
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
�أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية يلتقي برئي�س بعثة االحتاد الأوربي يف الأردن
قام املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية بزيارة اليوم الثالثاء املوافق � 02015/4/28إىل رئي�س بعثة االحتاد الأوربي يف عمان والتقى مع ال�سفرية الدكتورة ي�ؤانا فرونيت�سكا رئي�سة البعثة وخالل اللقاء قدم املهند�س الفاعوري �إيجازاً عن املنتدى العاملي للو�سطية والن�شاطات والفعاليات التي يقوم بها وبحث �إىل جانب ذلك �سبل تعزيز التعاون ما بني املنتدى واالحتاد الأوربي يف املو�ضوعات امل�شرتكة والتي تهم اجلانبني مثل ق�ضايا ال�شباب واملر�أة والتطرف وتعزيز منظومة القيم الإن�سانية لدى الن�شئ. وقد ح�ضر اللقاء كل من الدكتور زهاءالدين عبيدات مدير مركز الدرا�سات واال�ست�شارات والتدريب والدكتور زيد �أحمد املحي�سن من�سق عام العالقات اخلارجية والتعاون الدويل.
الأمني العام للمنتدى يوقع اتفاقية تعاون
على هام�ش امل�ؤمتر الدويل)دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي) الذي عقده املنتدى العاملي للو�سطية مت توقيع اتفاقية تعاون بني املنتدى العاملي للو�سطية وبني جمعية ال�سالم الإ�سالمية العاملية واملركز النيجريي للبحوث العربية وذلك لتوثيق التعاون بني املنتدى وهاتني امل�ؤ�س�ستني يف جمال ن�شر الو�سطية واالعتدال و�إجراء البحوث والدرا�سات يف هذا املجال .
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
114
املنتدى العاملي للو�سطية ي�شارك يف (دورة :الر�ؤية امل�شرتكة لتعزيز الت�سامح ونبذ الإرهاب( �شارك املنتدى العاملي للو�سطية يف� أعمال الدورة الثانية والأربعني ملجل�س وزراء خارجية منظمة التعاون الإ�سالمي (دورة :الر�ؤية امل�شرتكة لتعزيز الت�سامح ونبذ الإرهاب( والتي انعقدت يف دولة الكويت خالل يومي 27و 28من مايو 2015وقد مثل املنتدى وفد مكون من الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري ومدير العالقات اخلارجية الدكتور زيد �أحمد املحي�سن .. وقد ناق�شت الدورة عدة ق�ضايا منها �أو�ضاع العامل الإ�سالمي و ال�سبل الكفيلة لو�ضع ا�سرتاتيجية فعالة ملكافحة الإرهاب والتطرف والإ�سالموفوبيا.
عقد اجتماع �أمناء رابطة كتاب التجديد عقد اجتماع �أمناء رابطة كتاب التجديد لقاءه الأول يوم ال�سبت املوافق 2015/5/30ال�ساعة الثانية ع�شر يف مقر املنتدى العاملي للو�سطية وبح�ضور كافة الأع�ضاء وت�ضمن االجتماع : كلمة ترحيبية من قبل الدكتور خالد جرب �أمني �سر الرابطة . كلمة ترحيبية من قبل املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العلمي للو�سطية حيث قدم �إيجازاً عن املنتدى العاملي للو�سطية من حيث الأهداف والو�سائل والن�شاطات والفعاليات التي يقوم بها . بعد ذلك دار نقا�ش مو�سع حول مفهوم التجديد و�ضوابطه وحقوله حيث قدم الدكتور عبدال�سالم العبادي ت�صوراً لهذا املفهوم بعد ذلك جرى انتخاب كل من التالية �أ�سما�ؤهم. معايل الدكتور عبدال�سالم العبادي (رئي�ساً للرابطة). �سعادة الدكتور يعقوب نا�صر الدين (نائب الرئي�س) وجرى االتفاق على �أن يكون اللقاء القادم قبل �شهر رم�ضان املبارك. الدكتور خالد جرب (�أميناً لل�سر).
العدد - 19ال�سنة الثامنة
115
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
علماء ومفكرون يدعون لإيجاد فر�ص عمل لل�شباب وتر�سيخ نهج االعتدال 2015/3/17وذلك يف لقائهم يف ديوان ال�شيخ �صالح _ بعمان
دعا بع�ض علماء ومفكري الأمة الإ�سالمية � ،إىل �ضرورة حت�صني املجتمعات من الفكر املنحرف واملتطرف ،وتوفري م�ساحات لل�شباب يف العمل ،وتن�شئة عقولهم على منهجية االعتدال واالنفتاح على الثقافات .و�أكد رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية رئي�س وزراء ال�سودان الأ�سبق الإمام ال�صادق املهدي ،ان االختالل احلاد يف توزيع الرثوة والدخل يف املنطقة مع �أعداد ال�شباب الكبرية وازدياد ن�سب الفقر والبطالة يعطي تيارات االحتجاج والتظلم ذخرية كبرية ت�سهم يف دعم �أ�ساليب العنف ما مل يطبق برنامج تنموي ذو مقا�صد عدالة اجتماعية .وقال خالل احلفل الذي �أقيم يف ديوان ال�شيخ مروان �شوقي �صالح يف ع ّمان ،تكرميا للعلماء امل�شاركني يف م�ؤمتر ‘دور الو�سطية يف مواجهة الإرهاب وحتقيق اال�ستقرار وال�سلم العاملي� ،أن ثمة عوامل ا�ستقطاب ي�شعلها الغالة والغزاة ملقا�صدهم ،متثلت باال�ستقطاب احلاد بني اعتقاد ديني وفكر علماين حمزن .وبينّ الإمام املهدي� ،أنه �إذا كان �أو�سط الأمور يف املا�ضي خياراً من اخليارات فهو اليوم �ضرورة ال�ضرورات ،ما ي�ستدعي ت�شخي�صا مو�ضوعيا للحالة ،لإ�صدار نداء ي�ستنه�ض الأمة .ووجه الأمني العام لالحتاد العاملي لعلماء امل�سلمني الدكتور علي قره داغي ،نداء �إىل الأمة با�سم االحتاد ،للتم�سك بالوحدة والإ�صالح ال�شامل الذي يحقق العدل وي�صون الكرامة الإن�سانية ،وي�أخذ ب�أ�سباب القوة وبذل كل ما ميكن ،لعك�س �صورة الإ�سالم احلقيقية .من جهته� ،أكد املفكر اال�سالمي الدكتور حمدي مراد� ،أهمية احلوار يف التعامل مع الق�ضايا الكبرية واحل�سا�سة ،بغية الو�صول �إىل �أر�ضية م�شرتكة يلتقي عليها اجلميع ،م�شريا �إىل �أن احلالة الراهنة ت�ستدعي منا ر�ص ال�صفوف والوقوف اىل جانب الوطن يف مواجهة التحديات الراهنة �ضمن جبهة داخلية قوية ومتما�سكة .وحتدث يف االجتماع عدد من احل�ضور ،حول �أهمية الت�صدي للتطرف ،وحت�صني املجتمع من الفكر املنحرف ،بالتوعية ون�شر �صورة الإ�سالمية احلقة ،باعتبارها م�س�ؤولية اجلميع .وح�ضر م�أدبة الع�شاء التي �أقامها ال�شيخ �صالح للعلماء الذين ميثلون خمتلف الدول الإ�سالمية ،عدد من ال�شخ�صيات ال�سيا�سية والإعالمية ،و�شيوخ ووجهاء وممثلي م�ؤ�س�سات املجتمع املدين.
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
116
املنتدى العاملي للو�سطية -فرع اليمن يعقد ور�شة تدريبية بعنوان (حتديد �أهداف خطبة اجلمعة مبا يحقق غاياتها يف تعزيز مقا�صد الإ�سالم(
عقد املنتدى العاملي للو�سطية – فرع اليمن ور�شة تدريية بعنوان (حتديد �أهداف خطبة اجلمعة مبا يحقق غاياتها يف تعزيز مقا�صد الإ�س ــالم) والتي �أقيمت على مدار يومي ال�سبت والأحد املوافق 14و15من ال�شهر احلايل حيث ناق�ش املحا�ضر الدكتور �شوقي القا�ضي عدة نقاط تتعلق بخطبة اجلمعة وهي .1 :فوائد حتديد �أهداف خطبة اجلمعة� .2 .شروط ومهارة �صياغة �أهداف خطبة اجلمعة .3 .واقع حتديد �أهداف خطبة اجلمعة. .4نتائج و�آثار غياب حتديد �أهداف خطبة اجلمعة� .5 .أمناط من اخلطباء الذين ال يحددون خلطبهم �أهدافاً وا�ضحة� .6 .أهم عوامل حتديد �أهداف خطبة اجلمعة .7 .مقا�صد وغايات خطبة اجلمعة .8 .مكونات �أهداف خطبة اجلمعة .9 .متارين ومناذج ل�صياغة �أهداف خطبة اجلمعة. . 10ميثاق �شرف بني اخلطباء ب�ش�أن (االهتمام بخطبة اجلمعة ،وجودة اختيار و�إعداد موا�ضيعها ،وحتديد �أهدافها مبا يحقق غاياتها يف تعزيز مقا�صد الإ�سالم) .11 .خطط و�أن�شطة لتعزيز مهارة (حتديد �أهداف خطبة اجلمعة).
�إ�صدارات املنتدى العاملي للو�سطية
�سل�سلة الفكر الو�سطي العدد 46-45 ا�ستمراراً من املنتدى العاملي للو�سطية يف ن�شر ثقافة ديننا احلنيف مت �إ�صدار الأعداد اجلديدة ل�سل�سلة الفكر الو�سطي العدد 46-45
العدد - 19ال�سنة الثامنة
117
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م
مساب
قة العدد
118
مسابقة العدد �إعداد :د .زهاء الدين عبيدات و د .علي خلف حجاحجة تت�ضمن امل�سابقة �ستة �أ�سئلة متنوعة ،يتطلب الأمر الإجابة عنها كاملة ملن �أراد امل�شاركة ،وتر�سل الإجابات بعد تعبئتها على الكوبون املخ�ص�ص يف �أ�سفل ال�صفحة ،و�إر�سالها �إىل عنوان املجلة ( �ص.ب 2149:الرمز الربيدي11941عمان-الأردن) وذلك قبل تاريخ 2015 / 10 / 1 • يتم ال�سحب على الإجابات الفائزة بثالثة م�ستويات ،حيث مينح الفائز الأول 150دوالر ًا ،الفائز الثاين 100 دوالر ًا ،الفائز الثالث 50دوالر ًا. ال�ســ�ؤال الأول: نفذت اخلوارج �أو�سع عملية اغتيال يف مطلع ن�شوء الدولة الإ�سالمية ،من الذين مت قتلهم على �أيديهم : ج .عمرو بن العا�ص ر�ضي اهلل عنه. ب .علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه. �أ .عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه. ال�س�ؤال الثاين: ك�شمري والية �إ�سالمية منذ فجر التاريخ كان فتحها يف : �أ .ع���ام 157هج���ري يف عه���د اخلليف���ة العبا�س���ي اب���ي جعف���ر املن�ص���ور .ب .ع���ام 170هج���ري يف عه���د اخلليف���ة ه���ارون الر�شي���د. ج .عام 218هجري يف عهد اخلليفة املعت�صم. ال�س�ؤال الثالث: حدثت ق�صة الإفك يف �إحدى الغزوات الآتية: ج .املريبع. ب .اخلندق. �أ .م�ؤتة. ال�س�ؤال الرابع: فرقة �ضالة �أ�صحابها ال ي�صلون اجلمعة وال يتم�سكون بطهارة ال�صالة ويرون �أن ال�صالة عبارة عن �أ�سماء خم�سة هم ( علي،ح�سن،ح�سني،حم�سن ،فاطمة( هذه الفرقة هي: ج .الأزارقة. ب .الن�صريية(العلويون( �أ .املرجئة. ال�س�ؤال اخلام�س: الزالقة معركة م�شهورة وقعت يف بالد الأندل�س �شمال قرطبة كان قائدها: ج .عبدالرحمن الغافقي. ب .يو�سف بن تا�شفيني. �أ .قتيبة بن م�سلم الباهلي.
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
118
ال�س�ؤال ال�ساد�س : �أمري الرماة على جبل �أحد وا�ست�شهد يف تلك املوقعة: �أ .حمزة بن عبداملطلب ر�ضي اهلل عنه .ب .عمر بن اجلموح ر�ضي اهلل عنه .ج .عبداهلل بن النعمان ر�ضي اهلل عنه. ال�س�ؤال ال�سابع : من هو �أ�شقى الأولني ؟و من هو �أ�شقى الآخرين ؟ ال�س�ؤال الثامن : ما هو �أول م�سجد بناه امل�سلمون ؟ ال�س�ؤال التا�سع: من �أول من عدا بفر�سه يف �سبيل اهلل ؟ ال�س�ؤال العا�شر: معنى كلمة الو�ضوء (بفتح الواو ( هو :
إجابات مسابقة العدد • رمز �إجابة ال�س�ؤال الأول • ) ( :رمز �إجابة ال�س�ؤال الثاين • ) (:رمز �إجابة ال�س�ؤال الثالث) (: • رمز �إجابة ال�س�ؤال الرابع • ) ( :رمز �إجابة ال�س�ؤال اخلام�س • ) ( :رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�ساد�س) (: �إجابة ال�س�ؤال ال�سابع هي.......................................................................... : �إجابة ال�س�ؤال الثامن هي .......................................................................... : �إجابة ال�س�ؤال التا�سع هي ..........................................................................:� -إجابة ال�س�ؤال العا�شر هي ..........................................................................:
معلومات المتسابق ا�سم املت�سابق من �أربعة مقاطع............................................................................... : رقم الهاتف مع رمز الدولة والبلد........................................................................... : العنوان الربيدي........................................................................................... :
** بعد الإجابة على هذا النموذج نرجو تعبئة املعلومات اخلا�صة باملت�سابق كاملة وق�ص النموذج و�إر�ساله �إىل العنوان املبني يف ال�صفحة التالية.
العدد - 19ال�سنة الثامنة
119
�شعبان 1436هـ /حزيران 2015م