العدد الثاني السنة الثالثة

Page 1

‫الهيئة االستشارية للمجلة‬ ‫الإم� � � � � ��ام ال� � ��� � �ص � ��ادق امل � � �ه� � ��دي‪ /‬ال � �� � �س� ��ودان‬ ‫ال� ��دك � �ت� ��ور ع� �ب ��د احل� �ل� �ي ��م ع ��وي� �� ��س ‪ /‬م �� �ص��ر‬ ‫ال � ��دك� � �ت � ��ور وه� � �ب � ��ة ال� ��زح � �ي � �ل� ��ي ‪� �� /‬س ��وري ��ا‬ ‫ال� � ��دك � � �ت� � ��ور حم� � �م � ��د ط� �ل��اب� � ��ي ‪ /‬امل� � �غ � ��رب‬ ‫ال��دك�ت��ور م�صطفى عثمان ا�سماعيل ‪ /‬ال�سودان‬ ‫ال� ��دك � �ت� ��ور ع� � �ب � ��دالإل � ��ه م� �ي� �ق ��ات ��ي ‪ /‬ل �ب �ن��ان‬ ‫ال ��دك� �ت ��ور � �س �ع��د ال���دي���ن ال��ع��ث��م��اين ‪ /‬امل��غ��رب‬ ‫ال���دك� �ت���ور حم� �م���ود ال � �� � �س� ��رط� ��اوي ‪ /‬االردن‬ ‫ال � ��دك� � �ت � ��ور حم � �م� ��د احل�ل��اي�� �ق� ��ة ‪ /‬االردن‬ ‫اال� � � �س � � �ت� � ��اذ م� �ن� �ت� ��� �ص ��ر ال� � � ��زي� � � ��ات‪ /‬م�����ص��ر‬

‫هيـئـة التـحريـر‬ ‫امل�� � �ه�� � �ن� � ��د�� � ��س م� � � � � � � � ��روان ال� � � �ف�� � ��اع�� � ��وري‬ ‫ال�� � � � ��دك� � � � � �ت�� � � � ��ور حم� � � � �م � � � ��د اخل � � �ط � � �ي� � ��ب‬ ‫اال�� �س� �ت���اذ ال���دك� �ت���ور حم� �م ��د اح� �م ��د ال �ق �� �ض��اة‬

‫الس�نة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جم�ادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيس�ان ‪٢٠١٠‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫تصدر عن‬ ‫املنتدى العاملي للوسطية‬

‫ال � ��دك� � �ت � ��ور ه� ��اي� ��ل ع� �ب���د احل� �ف� �ي���ظ داوود‬ ‫ال�� � � ��دك� � � � �ت�� � � ��ور ي � � ��ا�� � � �س� �ي ��ن امل� � �ق�� ��و�� � �س�� ��ي‬ ‫الأ� � � � � �س � � � � �ت� � � � ��اذ ج � � � �م� � � ��ال ال� � ��� � �س� � �ف � ��رت � ��ي‬

‫املشرف العام على املجلة‬ ‫الأ���س��ت��اذ ال��دك��ت��ور حم��م��د �أح��م��د الق�ضاة‬

‫تصميم وإخراج‬ ‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬

‫عمان‬ ‫اململكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬ ‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 2149 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@wasatyea.org _ _- moderation assembly@yahoo.com‬‬ ‫‪Web Site: www.wasatyea.org‬‬


‫محتويات العدد‬

‫االفتتاحية‬ ‫و�سطيتنا‬

‫مقاالت الو�سطية‬

‫درا�سات‬ ‫ف�ضاء املر�أة‬ ‫ق�صائد �شعرية‬ ‫مقابالت الو�سطية‬ ‫ن�شاطات الو�سطية‬ ‫م�ؤمتر الو�سطية‬ ‫بيانات الو�سطية‬ ‫�أخبار الو�سطية‬ ‫‪2‬‬

‫ال�سالح الناعم‬ ‫ي�س�ألونك عن الو�سطية‬ ‫اإلمام الصادق املهدي‬ ‫الو�سطية م�شروع الأمة احل�ضاري‬ ‫الدكتور احمد نوفل‬ ‫حرية الر�أي والفكر والتعبري يف الإ�سالم‬ ‫األستاذ شوقي القاضي‬ ‫حقائق مهمة حول مفهوم الو�سطية‬ ‫األستاذ عبد اآلخر حماد‬ ‫الأقنية التي ت�صنع لنف�سها الإرهاب‬ ‫الدكتور محمد سعيد البوطي‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫الدكتور محمد طالبي‬ ‫الو�سطية يف لغة العرب‬ ‫األستاذ مصطفى الشوبكي‬ ‫الو�سطية منهج حياة وتربية م�ستمرة‬ ‫الدكتور عبد اإلله ميقاتي‬ ‫الكنائ�س امل�سيحية العربية يف دائرة اخلطر ال�صهيوين‬ ‫الدكتور محمد رحال‬ ‫الأق�صى يف خطر وال �صالح له‬ ‫األستاذ إياد احمد‬ ‫حممد �صلى اهلل عليه و�سلم يف �ضمري العامل‬ ‫الدكتور محمد حبش‬ ‫ما عالقة الإ�سالم بالعلوم احلديثة؟‬ ‫الدكتور مفتاح بن مسعودة‬ ‫اليوم اخلليل وغدا القد�س‬ ‫الدكتور عبدا لله معروف‬ ‫ال�شباب عماد الأمة و�سر نه�ضتها‬ ‫األستاذ صهيب الزيباري‬ ‫امل�سلمون والإ�سالم يف �ألبانيا يف القرن احلادي والع�شرين‬ ‫الدكتور محمد نعمان جالل‬ ‫املال وال�سيا�سة هل هي املعادلة امل�ستحيلة؟‬ ‫الدكتور وائل ميرزا‬ ‫من هم امل�سلمون املعتدلون؟‬ ‫األستاذ طارق رمضان‬ ‫كبري مفت�شي فريق مكافحة الإرهاب يف لندن‪� -‬سلمان ر�شدي �سبب �إ�سالمي‬ ‫كيف ي�ستفيد العامل العربي من العامل الإ�سالمي يف جتديد اخلطاب الديني الدكتور سعد الدين العثماني‬ ‫فقه الإمام ال�شافعي ‪ ..‬رحالته العلمية و�أثرها يف �إنت�شار مذهبه األستاذ الدكتور محمد القضاة‬ ‫حقوق الإن�سان يف الإ�سالم‬ ‫الدكتور محمد راتب النابلسي‬ ‫من فقه الإئتالف‬ ‫الشيخ سلمان العودة‬ ‫مظاهر التدين يف الأردن‬ ‫األستاذة هيام ضمرة‬ ‫فقه املر�أة امل�سلمة و التجديد‬ ‫الدكتورة نوال شرار‬ ‫املر�أة يف القر�آن الكرمي‬ ‫األستاذة عطاف عقدة‬ ‫مواهب الأبناء بني االكت�شاف والرعاية‬ ‫األستاذة نردين أبو نبعة‬ ‫أحمد شوقي‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ولد الهدى‬ ‫األستاذة هبة عياد‬ ‫ ‬ ‫�أين منا الإبداع‬ ‫لقاء خا�ص مع وزير الأوقاف الأردين معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي‬ ‫لقاء خا�ص مع ع�ضو املجل�س الوطني اجلزائري الدكتور عا�شوري عبد الرزاق‬ ‫تقرير حول �إجنازات منتدى الو�سطية عن �شهر كانون الثاين ‪2010‬م‬ ‫تقرير حول �إجنازات منتدى الو�سطية عن �شهر �شباط ‪2010‬م‬ ‫تقرير حول �إجنازات منتدى الو�سطية عن �شهر �آذار ‪2010‬م‬ ‫امل�ؤمتر الدويل ال�سابع « الو�سطية الإ�سالمية ‪ -‬املفهوم ‪ -‬التحديات ‪ -‬الأدوار»‬ ‫بيان نعي ف�ضيلة الدكتور حممد �سيد طنطاوي‬ ‫بيان حول التفجريات الدامية يف العراق‬ ‫بيان تهنئة ف�ضيلة الدكتور احمد حممد الطيب �شيخ الأزهر‬ ‫�إفتتاح الفرع ال�ساد�س للمنتدى العاملي للو�سطية يف اليمن‬ ‫الندوة الدولية الثالثة لرت�سيخ الفكر الو�سطي يف العامل الإ�سالمي واجلزائر‬ ‫�سل�سة من الندوات يقيمها منتدى الو�سطية حول دور م�ؤ�س�سات املجتمع املدين يف ن�شر الفكر الو�سطي‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫املهندس مروان الفاعوري‬

‫‪3‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪94‬‬


‫افتتاحية العدد‬

‫السالح الناعم‬

‫إن م��ب��رر وج���ود ه��ذه األم���ة أنها‬

‫الوسطية‪ ،‬ال��ذي البد أن يراعيه في‬ ‫كل شؤون حياته فيحرص على اإللتزام‬ ‫به إلعطاء الناس كل الناس حقوقها‪،‬‬ ‫س��واء ك��ان ه��ذا احل��ق ل��ك أو عليك‪،‬‬ ‫وس��واء ك��ان خصمك مسلماً أو غير‬ ‫مسلم‪ ،‬ولذلك نحن ننشط باإلنتشار‬ ‫في كل بقاع العالم اإلسالمي للقيام‬ ‫بهذا الواجب وهذه املسؤولية‪.‬‬

‫دين الله‪ ،‬بل هي ميزان عدل لألمة‬

‫إن��ن��ا ن��دع��و ال��ن��خ��ب امل���ؤث���رة لكي‬ ‫ينشط كل واح��د منهم ضمن دائرته‬ ‫لتوضيح هذه الرسالة العظيمة‪ ،‬التي‬ ‫هي رسالة العدل واحل��ق التي نعمل‬ ‫على إرس��ائ��ه��ا ف��ي مجتمعاتنا حتى‬ ‫نحدث نوعاً من املصاحلة احلقيقية‬ ‫ب�ين أب��ن��اء األم���ة‪ ،‬ألن مجتمعاتنا لن‬ ‫تنهض إذا بقينا متفرقني ونعاني من‬ ‫التفكك واالحتراب الداخلي ‪.‬‬

‫أرست ميزان العدل للبشرية من خالل‬ ‫وسطيتها وخيريتها‪ ،‬فالوسطية ميزان‬

‫نهديه لإلنسانية في كل مكان‪ ،‬ميزان‬ ‫يقوم على العدل والتوازن يعيش فيه‬

‫كل إنسان بأمن وسالم ‪ ،‬إنها ليست‬ ‫ح��زب��ا ي��ض��اف إل���ى ب��ق��ي��ة األح����زاب‪،‬‬

‫وليست بدعة أو طريقة جديدة في‬ ‫ع��ل��ى ص��ع��ي��د األف�����راد واجلماعات‪،‬‬

‫فالفرد يلتزمها عندما ينفق‪ ،‬فيبتعد‬

‫عن إالسراف أو التقتيير « والذين إذا‬

‫أنفقوا لم يسرفوا ول��م يقتروا وكان‬ ‫ب�ين ذل��ك ق��وام��ا»(ال��ف��رق��ان اي��ة ‪)67‬‬

‫وكذلك في عالقاتنا باآلخر كل اآلخر‬

‫الذي نختلف معه في الرأي أو العرق‬ ‫أو امل��ذه��ب أو ال��دي��ن النقصيه وال‬

‫نظلمه أونصادر حقه « وإن��ا و إياكم‬ ‫لعلى هدى أو في ضال ل مبني» (سبأ‬

‫‪.)24‬‬

‫فتفسير وجودنا كمنهج وسطي‬

‫وخاصة في ه��ذا الوقت بالذات هو‬

‫أننا نريد أن نذكر أبناء أمتنا فنهدي‬ ‫كل واح��د س��واء أك��ان ف��ردا أو عضوا‬

‫ف��ي ح���زب أو رج���ل دول���ة م��وظ��ف��ا أو‬ ‫إماما أو طبيبا أو مهندسا ‪ ،‬أب��اً او‬ ‫أماً‪ ،‬نهديه منهاج احلق والعدل وهو‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية‬

‫هذه املعاني اجلميلة والقيم الرائعة‬ ‫هي قيم اإلسالم التي جعلت كثيراً من‬ ‫التجار ومالييناً من الناس يسلمون في‬ ‫أدنى شرق آسيا‪ ،‬دون أن يروا سيفا‬ ‫أو بارجة‪ ،‬بل رأوا أخالقا ورجاالً كانوا‬ ‫مصاحف متشي على األرض‪ ،‬عندها‬ ‫إقتنعوا ب��أن ه��ذا ال��دي��ن يستحق أن‬ ‫إن امل��ؤس��س��ات الثقافية لها دور تتبعه البشرية وتسير في ركابه‪.‬‬ ‫كبير ف��ي إرس���اء قيم اخلير واحملبة‬ ‫إن امل��راك��ز وامل��ؤس��س��ات والنخب‬ ‫واإليجابية‪ ،‬قال تعالى « وال تستوي الثقافية تعنى بأخطر صناعة وحتمل‬ ‫احلسنة وال السيئة إدف��ع بالتي هي أن��ع��م س�ل�اح‪ ،‬وه��و ح��رك��ة ال��وع��ي في‬ ‫أح��س��ن « (ف��ص��ل��ت آي���ة ‪ ،)34‬وقال املجتمعات‪ ،‬لذلك نحن ف��ي املنتدى‬ ‫تعالى «قل للذين آمنوا يغفروا للذين ال��ع��امل��ي للوسطية أح��ي��ان��ا ك��ث��ي��رة ال‬ ‫ال يرجون أيام الله « (اجلاثية آية ‪ ،)14‬ن��خ��اط��ب م��ج��ام��ي��ع وال ج��م��اه��ي��ر بل‬ ‫وقال تعالى «وال تسبوا الذين يدعون ن��خ��اط��ب ن��خ��ب��ا م���ن امل��ث��ق��ف�ين‪ ،‬ألننا‬ ‫من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير معنيون بالتأثير في الناس من خالل‬ ‫علم»(األنعام آية ‪.)108‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪3‬‬


‫ه��ذه النخب‪ ،‬وال��رس��ول عليه السالم في بداية الدعوة اإلسالم دين رحمة وأخوة وليس دين قتل وتدمير‪.‬‬ ‫حرص على أن يهدي للبشرية نخبة تقود حركة التغيير‬ ‫نريد خلطابنا الثقافي أن يصل إلى اجلاليات األجنبية‬ ‫في املجتمع‪ ،‬فالنخبة املفكرة العاملة هي التي تقود التغيير في العالم اإلسالمي لتوضيح الصورة اجلميلة لإلسالم‪،‬‬ ‫في املجتمعات‪ ،‬وهذه النخب ال تزيد عن واحد باملائة‪ ،‬نريده أن يصل إلى السفارات الغربية وإلى الرأي العام‬ ‫والرسول عليه السالم أكد على ذلك عندما قال « الناس وم��راك��ز ال���دراس���ات‪ ،‬ه��ذا ال��س�لاح ال��ن��اع��م اخلفيف ال‬ ‫كإبل املائة التكاد جتد فيهم راحلة « لذلك أنتم الرواحل يستهان به‪ ،‬فما جرى من تغيير وحتول في املوقف الدولي‬ ‫التي نع ّول عليها في حمل ه ّم خدمة رسالة النبي عليه جت��اه قضايانا ومنها رف��ض سياسة إس��رائ��ي��ل ف��ي ظلم‬ ‫الصالة والسالم‪ ،‬هذا النبي الذي ح ّملنا أمانة عظيمة وحصار أهل غزة‪ ،‬كان نتيجة جهود كبيرة ودؤوب��ة جدا‬ ‫عندما قال « والله ليبلغن هذا األمر ما بلغ الليل والنهار»‪ ،‬من قبل العقالء واملفكرين بحوارهم مع املؤسسات الغربية‬ ‫الصحابة فهموا هذا احلديث فهما صحيحا‪ ،‬أما نحن واألوروبية واألمريكية‪ ،‬لكن ليس احل��وار املهزوز الذي‬ ‫ففرحنا واسترخينا عندما سمعنا ه��ذا احل��دي��ث‪ ،‬لكن يخشى أن يتهم‪،‬وإمنا حوار الواثق بقضيته وعدالتها ‪.‬‬ ‫الدعاة الذين ميلكون قلوبا رقيقة‪ ،‬يفهمون على رسول‬ ‫املؤسسات الثقافية لديها مهام كبيرة جدا من أبرزها‪،‬‬ ‫الله ويبكون عندما يسمعون ه��ذا احل��دي��ث‪ ،‬ألن��ه يلقي أن ت��ك��ون ب��رام��ج��ه��ا مستندة إل���ى مرجعية األم���ة وهي‬ ‫مسؤولية كبيرة على املفكرين وعلى أصحاب املسؤولية اإلسالم‪ ،‬وأن ال تسرف في البرامج الترفيهية التي تبعد‬ ‫في املراكز الثقافية والتربوية واملؤسسات أن تكون لهم األم��ة والشباب عن دينهم‪ ،‬وتلحقهم بالنموذج الغربي‪،‬‬ ‫رسالة يحملون ه ّم هذا الدين ليال ونهارا‪ ،‬هذامنطوق وم��ن مهامها أيضا احلفاظ على وح��دة األم��ة ومحاربة‬ ‫احلديث فيه تكليف فيه مهمة عظيمة يجب أن يسير النزاعات الداخلية‪.‬‬ ‫لها اإلنسان كل طاقاته ويبذل في سبيلها املال والوقت‬ ‫ومن القضايا التي يجب أن تعنى بها املؤسسات الثقافية‬ ‫واجلهد والعمر‪ ،‬ليبلغ هذا الدين مداه ‪ ،‬وإال كيف سيبلغ قضية التجديد م��ن خ�لال ب��رام��ج ومفكرين متنورين‬ ‫الدين ما بلغ الليل والنهار ونحن في بيوتنا منغمسون في يتصدون ملشكالت العصر فيجترحون احللول املناسبة‬ ‫التي تراعي تغير الزمان واملكان‪،‬‬ ‫ملذاتنا‪.‬‬ ‫كما أن من مهام ه��ذه املؤسسات احلفاظ على أمن‬ ‫نحن بحاجة إل��ى أن نفهم حديث رس��ول الله عليه‬ ‫السالم ونفهم القران الكرمي فهما جديدا ونوصله إلى األمة وعدم تسويق التطرف والغلو محركا للفنت الداخلية‬ ‫ال��ن��اس باسلوب رقيق فيه ح��ب ودفء وم���ودة‪ ،‬لنعمق وإشاعة الفوضى أواإلشتباك اإلجتماعي او العقائدي بني‬ ‫منظومة احل��وار ونؤثر في صنّاع القرار ونصل به الى أبناء الوطن الواحد‪ ،‬ومن واجب هذه املؤسسات تعزيز‬ ‫م��ؤس��س��ات اإلع��ل��ام‪ ،‬إن اإلب��ت��ع��اد ع��ن م��راك��ز التأثير العمل الثقافي املشترك بني املؤسسات لكي تقوم بدورها‬ ‫اإلع�لام��ي بحجة أنها صحافة ف��اس��دة‪ ،‬قد ضيع علينا وتنجز أهدافها‪ ،‬فالعمل املشترك ظاهرة إيجابية تعزز‬ ‫مساحات وساحات إننا نريد الصحفي املسلم أن يكون األهداف وتعظم النتائج‪ ،‬وتسرع عجلة التنمية وصناعة‬ ‫في الصحافة ليكون هناك إعالم نظيف‪ ،‬نريد ملؤسسات املعرفة وتوطؤها ألبناء األم��ة‪ ،‬على أس��اس من الوعي‬ ‫املجتمع املدني أن تكون مشحونة بالعقليات اإلسالمية بقضايا حقوق اإلنسان وثقافة املواطنة‪.‬‬ ‫إن املثقفني هم العلماء والعلماء ورثة األنبياء‪ ،‬فلننظر‬ ‫النظيفة‪ ،‬نريد ان نصل إل��ى اجل��ه��ات التي تعمل على‬ ‫حتجيم العمل اإلسالمي وتتهمه باإلرهاب‪ ،‬لنقول لهم أن أي مهمة جليلة نحن بصددها‪.‬‬

‫ ‬

‫‪4‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وسطيتنا‬ ‫يسألونك عن الوسطية‬

‫بقلم ‪ :‬الإمام ال�صادق املهدي‬

‫الوسطية مشروع األمة احلضاري‬

‫الدكتور‪ :‬احمد نوفل‬

‫حرية الرأي والفكر والتعبير في اإلسالم‬ ‫بقلم الأ�ستاذ ‪� :‬شوقي القا�ضي‬

‫حقائق مهمة حول مفهوم الوسطية‬

‫وسطية اإلسالم ليست وسطية حسابية‬

‫الأ�ستاذ عبد الآخر حماد‬

‫األقنية التي تصنع لنفسها اإلرهاب‬

‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �سعيد رم�ضان البوطي‬

‫امل��ن��ت��دى ال��ع��امل��ي ل��ل��وس��ط��ي��ة‬

‫بقلم‪ :‬الدكتور حممد طالبي‬

‫ال��وس��ط��ي��ة ف���ي ل��غ��ة ال��ع��رب‬

‫الأ�ستاذ‪ :‬م�صطفى ال�شوبكي‬

‫الوسط ّية منهج حياة وتربية مستم ّرة‬

‫بقلم‪ :‬الدكتور عبدالإله ميقاتي‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪5‬‬


‫وسطيتنا‬

‫يسألونك عن الوسطية‬ ‫بقلم ‪:‬الإمام ال�صادق املهدي‪ -‬ال�سودان‬

‫احلسيات طرفان ووسط‪ ،‬فإذا أمسك بأحد‬ ‫لكل شيء في‬ ‫ّ‬ ‫الطرفني مال اآلخر‪ ،‬وإذا أمسك بالوسط إعتدل الطرفان‪.‬‬ ‫هذا املفهوم نقل من احلسيات إلى املعنويات‪ ،‬ففي تناول‬ ‫األم ��ور ي��راد اإلف ��راط أي جت��اوز ال�ق��در م��ن األم ��ور‪ ،‬ويراد‬ ‫التفريط أي التقصير‪ ،‬وب�ين اإلف ��راط والتفريط يكون‬ ‫التوسط‪ ،‬إذن الوسطية ه��ي املنهج ال��وس��ط ب�ين اإلفراط‬ ‫والتفريط‪ .‬وص��ف اإلس�لام نفسه بالوسطية في كل أمره‬ ‫وهو كذلك ـ اإلسالم يقوم على توفيق لطيف بني الالهوت‬ ‫والناسوت‪ ،‬أي بني الوحي والعقل‪ .‬ومن النحل ما هو فرداني‬ ‫ومنها ما هو جماعي‪ ،‬ويقوم اإلسالم على توفيق لطيف بني‬ ‫الفردانية واجلماعية‪ ،‬وفي األخالق يقوم اإلسالم على أن‬ ‫خير األمور أوسطها‪ ،‬آيات كتاب الله تنطق بهذه الوسطية‬ ‫ف��ي القضايا املختلفة وتصف بها أم��ة اإلس�ل�ام ( َو َكذ َِل َك‬ ‫َج َع ْلن َُاك ْم ُأ َّم� ً�ة َو َس� ً�ط��ا)‪ .‬الوسطية هي نسيج اإلس�لام وهي‬ ‫منهجه‪ ،‬فماذا تقول الوسطية في أمر أهم القضايا التي‬ ‫تواجه املسلم اليوم؟‬

‫املبادئ واألحكام فصارت ملزمة للكافة‪ .‬وقال املعطلون إن‬ ‫الزمن قد جتاوز رسالة اإلسالم‪ ،‬ولكي ننهض فإن علينا أن‬ ‫نتمسك باحلضارة احلديثة ألنها متثل مستقبل اإلنسانية‪،‬‬ ‫املوقف الوسطي الصحيح هو أن القطعي‪ ،‬ورودا وداللة من‬ ‫حقائق الوحي ملزم للكافة ولكن بعض مفردات الوحي ظنية‬ ‫الورود كما في أغلب السنة وبعضها ظنية الداللة كما في‬ ‫القرآن والسنة‪ .‬ونصوص الوحي نفسها توجب على الناس‬ ‫تدبرها معتبرين املقاصد ومستخدمني احلكمة‪ ،‬والعقل‪،‬‬ ‫واملنفعة‪ ،‬واإللهام‪ ،‬والسياسة الشرعية‪ ،‬ما ميكننا من التوفيق‬ ‫بني التزامنا بقطعيات الوحي واستصحاب املستجدات‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬التعامل مع الوافد من اخلارج‬ ‫املنكفئون يرون أن هدينا يشمل كل شيء وأنه قائم بذاته‬ ‫ال يحتاج لسواه‪ .‬واملستلبون يرون عكس ذلك متاما‪ ،‬ولكن‬ ‫املوقف الوسطي السليم هو أن كتابنا املسطور نفسه وسنة‬ ‫النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يؤكدان وج��ود إخ��اء إنساني‬ ‫وإخاء كتابي يفتح باب مقارنة ومقاربة‪ ،‬ويؤكدان أن الكون‬ ‫الس َما َو ِ‬ ‫ات‬ ‫نفسه كتاب منشور أودعه الله سننا‪َ ( :‬و َما َخل َ ْقنَا َّ‬ ‫ض َو َما بَيْنَ ُه َما ِإ َّال بِالحْ َ قِّ ) واإلنسانية مكلفة باكتشاف‬ ‫َواألَ ْر َ‬ ‫تلك السنن ملعرفتها وتسخيرها‪ .‬وأنه تكليف لإلنسان كل‬ ‫اإلنسان مهما اختلفت ملله ونحله وينبغي تبادل املعرفة بها‬ ‫وبوسائل تسخيرها بني الناس أجمعني‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إختالفات أهل القبلة‬ ‫فيما يلي أبينّ اجلواب متناوال أهم تسع قضايا‪.‬‬ ‫واقع احلال هو أن أهل القبلة مختلفون فرقا ومذاهب‬ ‫أوال‪ :‬التعامل مع الوافد من املاضي‬ ‫واج��ت��ه��ادات‪ .‬بعض أه��ل القبلة ينطلق م��ن ع��ب��ارة الفرقة‬ ‫الوافد من املاضي قسمان وحي وإجتهاد بشري في فهم الناجية ويدعيها لنفسه ومن نصوص قرآنية معينة يخرجها‬ ‫نصوصه‪ .‬قال املقلدون إن السلف قد إنبروا لنصوص الوحي م��ن سياقها وعلى أساسها يصدر أح��ك��ام التكفير للفرق‬ ‫وبوسائل اإلجتهاد الصحيحة من قياس وإجماع إستنبطوا واملذاهب األخرى‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫اختالفات أهل القبلة نوعان‪ :‬نوع إختالف إجتهادي له ما‬ ‫يبرره‪ ،‬واختالف إجتهادي قائم على سوء الفهم‪ ،‬هذا النوع‬ ‫عبارة إرهاب ترجمة غير صحيحة للمعنى‪ ،‬والصحيح هو‬ ‫ينبغي أن يجري فيه ح��وار جاد لتوسيع دائ��رة الوفاق‪ .‬ونوع‬ ‫اإلرع��اب‪ ،‬العنف في اإلس�لام له ضوابط هي أن يوجه ضد‬ ‫من اختالف يصعب جتاوزه‪ ،‬هذا النوع ينبغي أن يعذر اجلميع‬ ‫إرعاب‬ ‫بعضهم فيما إختلفوا فيه‪ ،‬الواجب على علماء األمة ومفكريها الظلم والعدوان وأال يطول األبرياء‪ ،‬اإلسالم براء من‬ ‫ٍ‬ ‫خال من هذه الضوابط‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إجالء هذه األمور وإصدار نداء املهتدين املؤسس إلخائهم‪.‬‬ ‫ثامنا‪ :‬العلمانية‬ ‫رابعا‪ :‬املوقف من اإلصالح السياسي‬ ‫سابعا‪ :‬اإلرهاب‬

‫ال����ش����ورى ه���ي دمي��ق��راط��ي��ة م��رت��ب��ط��ة ب��س��ق��ف شرعي‪.‬‬ ‫والدميقراطية هي شورى مرتبطة مبؤسسات تضبطها واإلثنان‬ ‫يتفقان على أربعة مبادئ‪ :‬املشاركة ‪ ،‬املساءلة ‪ ،‬الشفافية‪،‬‬ ‫وسيادة حكم القانون‪ ،‬هذه املبادئ هي املطلوبة للحكم الراشد‪،‬‬ ‫والوسطية تؤمن باحلكم الراشد وتعمل لتحقيقه بحيث تصير‬ ‫النظم امللكية ملكية دستورية والنظم اجلمهورية جمهورية‬ ‫دميقراطية‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬اإلصالح االقتصادي‬

‫العلمانية إشتقاق على غير قياس من العالم وهي نحلة‬ ‫ترى أن احلقيقة مستمدة من عالم الشهادة وحده أي العالم‬ ‫الزماني املكاني‪ ،‬العلمانية بهذا الفهم تناقض الدين‪ ،‬ولكن‬ ‫التجربة زحزحت العلمانية من هذا الفهم املتعدي‪ .‬العلمانية‬ ‫املعتدلة تلتقي مع الوسطية في كفالة حرية االدي��ان‪ ،‬وكفالة‬ ‫حقوق املواطنة للكافة‪ ،‬والتناوب السلمي على السلطة عبر‬ ‫انتخابات حرة‪.‬‬ ‫تاسعا‪ :‬العوملة‬

‫التنمية البشرية التي حتقق منوا إقتصاديا وتوفيرا للخدمات‬ ‫العوملة متثل حلقة جديدة من إجناز اإلنسان نتيجة لثورة‬ ‫اإلجتماعية وتوزيعا عادال للثروة هدف إسالمي مثلما هو هدف‬ ‫إنساني والوسطية تتطلع لها وتعمل على حتقيقها‪.‬‬ ‫املعلومات واالت��ص��االت وال��س��وق احل��ر‪ ،‬ولكن ف��ي الظروف‬ ‫احلالية ف��ي العالم ف��إن ال��ق��وة اإلقتصادية واإلستراتيجية‬ ‫سادسا‪ :‬العالقة مع اآلخر احمللي والدولي‬ ‫اإلس��ل�ام ي��ع��ت��رف ب��ال��ت��ع��ددي��ة ال��دي��ن��ي��ة وال��دول��ي��ة‪ ،‬والفهم واإلعالمية ج ّيرت العوملة لصالح الواليات املتحدة فصيرتها‬ ‫الهجومي املقترن بجهاد الطلب فهم إنتقائي ألحكام اإلسالم أمركة‪ ،‬الوسطية توجب التعامل اإليجابي مع العوملة واإلحتماء‬ ‫(ال ينْها ُكم اللَّ ُه عنِ ا َّلذِ ين لَم ي َقا ِتلُو ُكم فِ ي الدِّينِ ولَم يخْ رِ جو ُكم من األمركة واحلرص على اخلصوصية الثقافية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ ْ ُ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫هكذا ف��إن منهج الوسطية يسعفنا في التعامل مع هذه‬ ‫ِّمن دِ يَارِ ُك ْم أَن تَ َب ُّرو ُه ْم َوتُق ِْس ُطوا ِإلَيْهِ ْم إ َِّن اللَّ َه يُ ِح ُّب المْ ُق ِْس ِطنيَ)‪،‬‬ ‫واإلسالم يوجب اإللتزام بالعهود مهما إختلفت العقائد‪ ،‬قال القضايا املهمة وغيرها والنتيجة دعوة للتحرر من التقليد‪ ،‬ومن‬ ‫تعالى‪( :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) «املائدة‪ »1-‬دون االستالب‪ ،‬ومن الهيمنة األجنبية‪ ،‬ومن احلكم اإلستبدادي‪.‬‬ ‫تفرقة بني مسلم أو غير مسلم‪ ،‬واجبنا التسامح والتعايش مع‬ ‫ه��ذا امل��وق��ف ال��واض��ح ل��م مينع آخ��ري��ن ج�� ّي��روا الوسطية‬ ‫امللل األخرى على أساس املعاملة باملثل‪ ،‬كما أن علينا التعاون‬ ‫مع الدول امللتزمة بالعدالة والسالم‪ ،‬ولكن املعتدين واحملتلني لصالح قبول اإلستبداد داخليا وه��ذه الوسطية السلطانية‪،‬‬ ‫فإن الواجب الديني والقانوني هو التصدي لهم « أُذِ َن ِللَّذِ ي َن ولصالح التعايش مع اإلحتالل والهيمنة هذه هي الوسطية‬ ‫اإلستسالمية وكالهما إنحراف بالوسطية عن مقاصدها‪.‬‬ ‫صرِ ِه ْم لَقَدِ ي ٌر»‬ ‫يُ َقاتَلُو َن ِب َأ َّن ُه ْم ُظ ِل ُموا َوإ َِّن اللَّ َه َعلَى نَ ْ‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪7‬‬


‫وسطيتنا‬

‫ال��وس �ط �ي��ة م��ش��روع األم� ��ة احلضاري‬

‫الدكتور‪ :‬احمد نوفل‬ ‫كلية ال�شريعة ‪ -‬اجلامعة الأردنية‬

‫الوسطية ليست توليفة أو توافقية بني مذاهب وإنتقا ًء‬ ‫منها‪ ،‬وال ه��ي امل��ت��وس��ط ب�ين ال��ط��رف�ين أون��ق��ي��ض�ين‪ ،‬وإمنا‬ ‫فكر أصيل وطبيعة عميقة في هذا الدين‪ ،‬الوسطية هي‬ ‫البحبوحة والسعة والتيسير ونفي التشدد والتخلص من‬ ‫التطرف والبعد عن الغلو والتنطع في الدين‪ ،‬والتخفف من‬ ‫حرفية الفهم ومواربة العقل‪ ،‬إنها مطابقة الفطرة والفطرة‬ ‫هي الدين‪ ،‬فالوسطية هي الدين والفطرة وحسن التطبيق‬ ‫وحسن التعامل معهما‪ ،‬إنها بحبوحة الطريق والتطبيق‬ ‫واليوم أعتقد أنه البد لألمة من مشروع نهوض‪ ،‬ومشروع‬ ‫والفسحة التي تتسع لكل السالكني السابقني وأصحاب النهوض ال بد أن يكون محددا واضحا موزع األدوار ‪ ،‬مندفع‬ ‫اليمني وحتى الذين هم ألنفسهم يظلمون‪ ،‬أخذا بيدهم إلى فيه كل حامل أمانة في حمل أمانته بثقة وقوة وإرادة صلبة‬ ‫التغيير والتحسني‪.‬‬ ‫وعنفوان‪ ،‬فالزمن متأخر‪ ،‬واللحاق بالركب يحتاج إلى همة‬ ‫واملشروع اي مشروع هو اجلهد املشترك الذي يبدأ بذرة وتشمير‪.‬‬ ‫ثم يتنامى ليستغرق مساحة املكان كلها‪.‬‬ ‫مشروع النهوض ال يكون بالتركيز على الصغائر واستهالك‬ ‫واحل���راك والنهوض‪ ،‬وامل��ش��روع ال��ذي اشتغل فيه املجتمع‬ ‫املدني فتحقق بالوحدة‪ ،‬وحقق هو ال��وح��دة‪ ،‬وك��ان رمزها‬ ‫وعنوانها‪ ،‬ه��و م��ش��روع املسجد اجل��ام��ع ث��م اب��ت��دأ مشروع‬ ‫التآخي والتكافل اإلجتماعي‪ .‬ثم مشروع اإلعداد والتهيئة‬ ‫للمواجهة مع األع��داء‪ ،‬فأجنزت إنتصارات متتابعة إنتهت‬ ‫بفتح مكة‪ ،‬لتبتدئ املشروعات العاملية في املراسالت ثم‬ ‫احلمالت التي أرادت تأمني الدعاة فكانت تبوك‪.‬‬

‫إن امل���ش���روع ه���و ت��ل��م��س ح��اج��ة األم����ة وت��ق��س��ي��م هذه الطاقة فيها‪ ،‬وال يكون بتكبير الهدف فوق طاقات املنفذين‪،‬‬ ‫اإلحتياجات إل��ى مجهودات تنجز تباعا حتى ينجز جملة وإمنا يكون بتوزيع املهام وبذل اجلهد ومواصلة الليل بالنهار‬ ‫العمل‪ ،‬لتبدأ األمة مشروعا جديدا‪ ،‬فال توقف عن العمل عمال حتى ينجز الهدف‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وهذا املشروع ينبغي أن يكون شامال للدين كله ولألمة كلها‪،‬‬ ‫وطاقات الفرد برمتها في الصعد كلها‪ ،‬السياسية والعسكرية‬ ‫والثقافية واألدبية واإلجتماعية‪.‬‬ ‫النهوض هو اليقظة واإلستعداد وحشد الطاقات‪ ،‬واإلرتقاء‬ ‫وحسن توظيف القدرات‪ ،‬وحسن توظيف الوقت‪ ،‬إنه اإلستغالل‬ ‫األمثل ملا أودع في اإلنسان من طاقة‪ ،‬وفي األرض من عطاء‪،‬‬ ‫وفي الوقت من إمكانية إجناز‪ ،‬وفي التعاون والتنسيق من قوة‬ ‫وقدرة‪ ،‬إنه إعالء بنيان الدين وبنيان األمة صعدا ُ إلى ما قدر‬ ‫الله من إجناز وحتسني وترقي وتطور‪ ،‬إنه حمل األعباء وأداء‬ ‫الواجبات والقيام باملهمات وحتقيق عزة األمة وكرامتها‪ ،‬وقهر‬ ‫الصعوبات والعقبات وتذليل املعوقات‪.‬‬

‫للمشروع النهضوي النجاح والتوفيق‪ ،‬وال جناح إال مع الوسطية‪،‬‬ ‫فكم من محاوالت للنهوض أو اجلهاد أو طرد املستعمر‪ ،‬إنتهجت‬ ‫الغلو والتطرف فما حققت إال مزيدا من إنتكاس األمة وجتذر‬ ‫املستعمر‪ ،‬وال داعي لضرب األمثال وحتديد املقال فاألمور‬ ‫أوضح من أن حتتاج إلى مثل ذلك‪.‬‬ ‫إن هذا العدو قد تسلل إلى أدق أماكننا‪ ،‬بنعومة وتدرج‪،‬‬ ‫وب���ذات الطريقة تسلل إل��ى ال��ع��ال��م فأحكم قبضته عليه‪،‬‬ ‫والتطرف والغلو سيحشد األع���داء ويجند األج��ن��اد ضدنا‪،‬‬ ‫واملطلوب احلكمة في إيقاظ األمة‪ ،‬واحلكمة في مقارعة عدو‬ ‫األمة‪.‬‬

‫أما رأيت إلى نهج املصطفى صلى الله عليه وسلم مبا وجهه‬ ‫واحل��ض��ارة هي اإلجن��از اإلنساني واإلجتماعي واألممي ربه من إعتماد منهج الرحمة‪ ،‬مصداقا لقول املولى “ وما‬ ‫على صعيد القيم والعالقات واإلب��داع امل��ادي‪ ،‬أو كما يقول أرسلناك إال رحمة للعاملني” “ فبما رحمة من الله لنت لهم”‪.‬‬ ‫مالك بن نبي “ إنها ثمرة اإلنسان والوقت والكون أو األرض‬ ‫صحيح وحق ما يقال أن أوطاننا إستعمرت وأن ثرواتنا قد‬ ‫بتعبيره” ‪ ،‬وإن التعطل احلضاري للمسلمني أصاب اإلنسانية نهبت وأن حقوقنا قد غصبت وأن مقدساتنا قد هددت‪ ،‬ومع‬ ‫كلها ب��اجل��دب وال��ب��وار‪ ،‬ناهيك عما أص��اب األم��ة م��ن تشوه كل هذا فإن اجلراحة املطلوبة منا ما هي إال جزء من رحمتنا‬ ‫وانتقاص حقوق وانتهاك حرمات وعدوان على املقدسات ‪ ،‬بل بهذه اإلنسانية‪ ،‬يجب أال ننسى دورنا في املجتمع ورحمتنا‪،‬‬ ‫إن اإلسالم ذاته ّ‬ ‫مسه من وراء تخلفنا احلضاري وتراجع دورنا لن نكون ص��ورة عن العدو‪ ،‬ومثلنا األعلى النبي الكرمي‪ ،‬ثم‬ ‫األذى ب��أن أس��يء فهمه وحكم عليه باألحكام اجل��ائ��رة‪ ،‬كل الصديق ثم الصحب الكرام‪ ،‬مرورا بصالح الدين وتوقفاً في‬ ‫ذلك جراء تخلفنا فكان لزاما وجوب اخلروج من هذا التعطل مدرسته احلضارية األخالقية العظيمة‪.‬‬ ‫احلضاري وبأسرع وقت مستطاع‪.‬‬ ‫إنه املجاهد العظيم الذي حرر املقدسات ولكنه في ذات‬ ‫لقد عانت البشرية من الغلو والتطرف ما عانت‪ ،‬والغلو ليس‬ ‫حكرا على أحد وليس أحد من األمم منه مبنجاة‪ ،‬فهو مرض‬ ‫يصيب األمم كلها‪ ،‬كما تصيب األمراض الناس جميعا‪ ،‬وكما‬ ‫عمل البشر على التخلص من األمراض العضوية واملتوطنة في‬ ‫البيئات عليهم أن يعملوا على التخلص من هذا الداء العضال‬ ‫وامل��رض املزمن قبل اإلنتشار واإلستفحال‪ ،‬والوسطية هي‬ ‫احلل والعالج والشفاء واإلكسير الفعال‪.‬‬

‫الوقت القائد األخ�لاق��ي العظيم ال��ذي أعطى الدنيا أغلى‬ ‫ال��دروس في زمانه وإلى هذا الزمان وآخر الزمان‪ ،‬من كان‬ ‫يتصور وهو الذي نسي اإلبتسام ألجل القدس أن يكون موقفه‬ ‫من الصليبيني هذا املوقف‪ ،‬لقد نسي العالم كثيراً من القادة‬ ‫لكن ذاكرة العالم شرقه وغربه لن تنس صالح الدين وما ذاك‬ ‫إال لرفعة القيم األخالقية‪ ،‬وسمو النفسية‪ ،‬املنبثق كل ذلك من‬ ‫املنهج الوسط‪.‬‬

‫إن ما تعيشه األم��ة من ظ��رف إستثنائي قد يوحي بفعل‬ ‫الوسطية ممتدة في الزمن‪ ،‬الغاية منها هي إصالح األرض‬ ‫متطرف كحل ملشكلتنا‪ ،‬والعكس ه��و الصحيح‪ ،‬إننا نريد التي هي املسجد الكبير لعبادة الله‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪9‬‬


‫وسطيتنا‬

‫حرية الرأي والفكر والتعبير في اإلسالم‬ ‫بقلم الأ�ستاذ ‪� :‬شوقي القا�ضي‬ ‫ع�ضو جمل�س النواب اليمني‬

‫اط ُل مِ ن بَينْ ِ يَ َديْهِ‬ ‫تأملت كتاب الله الذي { لاَ يَ ْأتِيهِ الْبَ ِ‬ ‫َولاَ مِ ْن َخلْفِ هِ تنزي ٌل ِّم ْن َحكِ ٍيم َحمِ ٍيد} (‪42‬فصلت)‪ ،‬فلم أجد‬ ‫صاحب رأي وفكر اعتقده أو ع ّبَر‬ ‫حالة واح��دة ُق ِت َل فيها‬ ‫ُ‬ ‫عنه‪ ،‬مهما ك��ان ه��ذا ال��رأي ‪ ،‬وأ ّيَ���اً كانت تلك الفكرة ‪ ،‬بل‬ ‫بلغت بعض األفكار واألقوال مبلغاً حكم الله عليها (بالكفر)‬ ‫وتوعد أصحابها بالعقاب يوم القيامة ـ وليس‬ ‫و(الضالل)‬ ‫َّ‬ ‫في الدنيا ـ لكنه سبحانه وتعالى لم يأذن أو يأمر أو يحكم‬ ‫بقتل صاحبها أو سجنه أو معاقبته ‪ ،‬كأولئك الذين قال الله‬ ‫عنهم { يَ ْح َذ ُر المْ ُنَافِ قُو َن أَن تُنَ َّز َل َعلَيْهِ ْم ُسو َرةٌ تُنَ ِّبئُ ُه ْم بمِ َ ا فِ ي‬ ‫استَ ْهزِ ئُوا ْ إ َِّن اللّ َه ُمخْ رِ ٌج َّما تحَ ْ َذ ُرو َن َولَئِن َس َألْتَ ُه ْم‬ ‫ُقلُوبِهِ م ُقلِ ْ‬ ‫وض َونَل ْ َع ُب ُق ْل أَبِاللّهِ َوآيَاتِهِ َو َر ُسولِهِ ُكنتُ ْم‬ ‫لَيَقُولُ َّن ِإنمَّ َ ا ُكنَّا نَخُ ُ‬ ‫ميا ِن ُك ْم إِن َّن ْع ُ‬ ‫ف َعن‬ ‫ت َْستَ ْهزِ ئُو َن الَ تَ ْعتَذِ ُروا ْ َق ْد َك َف ْر مُت بَ ْع َد ِإ َ‬ ‫ني } (‪ 64‬ـ ‪66‬‬ ‫َطآ ِئ َف ٍة ِّمن ُك ْم نُ َع ِّذ ْب َطآ ِئ َف ًة ِب َأ َّن ُه ْم َكانُوا ْ ُم ْجرِ مِ َ‬ ‫التوبة) ‪ ،‬وجاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله‬ ‫سب‬ ‫وصحبه وسلم من يستأذن بقتل أحدهم عندما بالغ في ّ‬ ‫رسول الله واإلستهزاء به مبلغاً‪ ،‬فرد عليه الصالة والسالم‬ ‫{بل ترفق به وحتسن إليه } ‪ ،‬وكان ر ُّد القرآن على أصحاب‬ ‫األفكار املخطئة واآلراء املنحرفة التي َع َّبر عنها قوم وصفوا‬ ‫بالنفاق هو ر ُّد احلجة باحلجة والشبهة باحلقيقة والبرهان‪،‬‬ ‫{ َومِ نْ ُه ُم ا َّلذِ ي َن يُ ْؤ ُذو َن ال َّنب َِّي َو ِيقُولُو َن ُه َو أ ُ ُذ ٌن ُق ْل أ ُ ُذ ُن َخيْ ٍر َّل ُك ْم‬ ‫ني َو َر ْح َم ٌة ِّللَّذِ ي َن آ َمنُوا ْ مِ ن ُك ْم َوا َّلذِ ي َن‬ ‫يُؤْمِ ُن بِاللّهِ َويُؤْمِ ُن ِلل ْ ُمؤْمِ ِن َ‬ ‫اب أَلِي ٌم} (‪ 61‬التوبة)‪ ،‬حتى يوم أن‬ ‫يُ ْؤ ُذو َن َر ُسو َل اللّهِ لَ ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫َش َّن املنافقون حملة حتريض واستهزاء بالنبي عليه الصالة‬ ‫والسالم وأصحابه بوصف الله تبارك وتعالى‪ُ { :‬ه ُم ا َّلذِ ي َن‬ ‫ضوا‬ ‫يَقُولُو َن لاَ تُنفِ قُوا َعلَى َم�� ْن ِعن َد َر ُس��ولِ اللَّهِ َحتَّى يَن َف ُّ‬ ‫‪10‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الس َما َو ِ‬ ‫ني لاَ يَ ْف َق ُهو َن‬ ‫ات َوالأْ َ ْر ِ‬ ‫ض َولَكِ َّن المْ ُنَافِ قِ َ‬ ‫َو ِللَّهِ َخزَا ِئ ُن َّ‬ ‫يَقُولُو َن لَئِن َّر َج ْعنَا ِإلَى المْ َدِ ينَةِ لَيُخْ رِ َج َّن الأْ َ َعُّ��ز مِ نْ َها الأْ َ َذ َّل‬ ‫ني لاَ يَ ْعل َ ُمونَ}‬ ‫ني َولَكِ َّن المْ ُنَافِ قِ َ‬ ‫َو ِللَّهِ الْعِ َّزةُ َو ِل َر ُسولِهِ َو ِلل ْ ُمؤْمِ ِن َ‬ ‫(‪ 8‬املنافقون)‪ ،‬دعا الله رسوله واملؤمنني إلى حوارهم والرفق‬ ‫بهم بقوله تعالى‪{ :‬أُولَـئ َ‬ ‫ِك ا َّلذِ ي َن يَ ْعل َ ُم اللّ ُه َما فِ ي ُقلُوبِهِ ْم‬ ‫ض َعنْ ُه ْم َو ِع ْظ ُه ْم َو ُقل َّل ُه ْم فِ ي أَنف ُِسهِ ْم َق ْوالً بَلِيغاً }‬ ‫َف َأ ْعرِ ْ‬ ‫( ‪ 63‬النساء)‪ ،‬هذا هو دين الله مع األفكار واآلراء واملعتقدات‬ ‫أ َّياً كانت ما لم تدفع أصحابها إلى ممارسة أفعال وجرائم‬ ‫تخرج عن القانون العام وتقلق السكينة العامة وتهدد السلم‬ ‫واألم��ن اإلجتماعي فتنهب األم��وال وتسفك الدماء وتهتك‬ ‫األعراض‪.‬‬ ‫وصلتني عبر اإلمييل فتوى منسوبة ألحد املشايخ ( أحتفظ‬ ‫بإسمه حتى أتأكد ) مفادها أ َّن ( من إستحل اإلختالط بني‬ ‫الرجال والنساء ‪ ،‬فهو مستحل للمحرمات وهو بذلك كافر‬ ‫ومرتد ‪ ،‬فيُع َّرف وتقام احلجة عليه فإن رجع وإال وجب قتله‬ ‫‪ ،‬ألنه مكذب أو غير ملتزم بأحكام الشريعة ) إنتهت فتواه‬ ‫كما أرسلت لي‪.‬‬ ‫وبعيداً عن شخص املفتي وإسمه فإن مثل هذه الفتاوى‬ ‫كثيرة جداً متتلئ بها املطويات والكتيبات وأشرطة الكاست‬ ‫والسيديهات ‪ ،‬فتاوى متشنجة ال متت للعلم الشرعي املنبثق‬ ‫م��ن كتاب الله وصحيح سنة رس��ول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم بصلة ‪ ،‬وال ملقاصد الشرع ومنطق الشريعة بقربى‬ ‫أو معروف ‪ ،‬وبقليل من التفسير للفتوى أعاله يتبني الغلو‬ ‫واإلرهاب والتطرف في تقدمي الشريعة للناس ‪ ،‬فمن استحل‬ ‫اإلختالط ( أي من قال أن اإلختالط جائز ومباح ‪ ،‬حتى‬


‫لو اشترط اإلل��ت��زام بأحكام الشريعة وآداب اإلس�لام ‪ ،‬فهو من يخالفهم أو ال ينضوي حتت عباءاتهم‪ ،‬ولنا أن نهمس في‬ ‫بنظر هذه الفتوى قد استحل اإلختالط ‪ ،‬واستحل كل املوبقات آذان هؤالء أي مستقبل تبشرونا به وأي واقع ستصنعونه إن‬ ‫واجلرائم التي نسبها املفتي ـ أعاله ـ ملستحل اإلختالط ‪ ،‬ومن‬ ‫حكمتم الناس وتربعتم على أنظمتهم وحكوماتهم ومنكم هؤالء‬ ‫ثَ َّم فهو ـ بنظر الفتوى أعاله ـ كافر ومرتد ومكذب بالشريعة‬ ‫وم��ن ثَ��م ( وج��ب قتله ) هكذا ب��دم ب��ارد تقطع رقبته ‪ ،‬ألنه (اجلزَّارين) الذين يتهيأون إلقامة املسالخ ونصب املشانق‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫يرى ولو مجتهدا بأن اإلختالط امللتزم بآداب وأحكام الشريعة‬ ‫أيها القوم ‪ ..‬فكروا وحاوروا وناقشوا فلكل مجتهد نصيب ‪،‬‬ ‫حالل وجائز‪.‬‬ ‫ومن اجتهد فأصاب فله أجران ‪ ،‬ومن اجتهد فأخطأ فله أجر‬

‫واستمعنا خلطيب يهدد صحافياً نشر مقاطع من قصة (صنعاء ‪ ،‬وما دمنا نفكر ونتحاور فسنصل إلى الصواب‪ ،‬وما دمنا نفكر‬ ‫مدينة مفتوحة ) فثار عليه القوم وكان مما قاله خطيبنا‪ :‬أتركوا‬ ‫فإننا سنحل مشاكلنا وسننهض بأمتنا ‪ ،‬وال خوف من التفكير ‪،‬‬ ‫هذا الكافر املرتد لنا سنقطع رقبته وسنقطعه إرباً إرباً ) !! وال‬ ‫زالت كلمات أحد مشايخنا الكبار ـ رحمه الله ـ جتلجل في أحد إمنا اخلوف من التكفير‪ ،‬وإن األفكار ال تقومها وال تعدلها وال‬ ‫مساجد صنعاء وهو يُن َِّطق املصلني بعده ذاك اليمني ( نقسم بالله تصوبها بل وال تهزمها وال تدحرها إال األفكار‪ ،‬وليس هناك‬ ‫العظيم أن ال يقر لنا قرار حتى يشنق هذا الكافر وتقطع رقبته من بيئة خصبة تنمو فيها األفكار املنحرفة أفضل من بيئة‬ ‫في ميدان التحرير ) كل هذا ألنه سمح بنشر قصة فيها ما الكبت واملنع واإلقصاء ‪ ،‬وإن الذين ميارسون الوصاية على‬ ‫يعتبره البعض مسيئاً للدين‪.‬‬ ‫تفكير الناس ‪ ،‬ويحرضون على قتل املخالفني وقطع رقابهم‬ ‫إننا بحاجة اليوم إلى ( محتسبني ) ضد فتاوى قطع الرقاب هم أنفسهم من يهيئ ظروف نشر الضالالت ‪ ،‬وهم أنفسهم من‬ ‫واحملرضني على قتل املخالفني واملخطئني وحتى املتعمدين‬ ‫يستعدي الناس على الدين والتدين ‪ ،‬وهم أنفسهم من يشارك‬ ‫من أصحاب اآلراء واألفكار ‪ ،‬وبحاجة إلى تناصح وترشيد‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ألصحاب هذه الفتاوى‪ ،‬الذين انحرفوا برسالتهم الهادية إلى في جرمية تخلف األمة واملجتمع { َوأن َزلنَا ِإليْك الذك َر ِلتُبَينِّ َ‬ ‫َّاس َما نُ ِّز َل ِإلَيْهِ ْم َولَ َعلَّ ُه ْم يَتَ َف َّك ُرو َن } (‪ 44‬النحل)‪.‬‬ ‫إشعال احلروب ونشر ثقافة القتل والكراهية واألحقاد ضد كل لِلن ِ‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪11‬‬


‫وسطيتنا‬

‫حقائق مهمة حول مفهوم الوسطية‬

‫وسطية اإلسالم ليست وسطية حسابية‬ ‫الأ�ستاذ عبد الآخر حماد‬

‫في علم اإلحصاء املعاصر توجد عدة طرق لتحديد القيمة‬ ‫املتوسطة في مجتمع م��ا‪ ،‬أو ما يسمى مبقاييس النزعة‬ ‫املركزية ‪ ،‬ومن أهم تلك الطرق الوسط احلسابي والوسيط‬ ‫واملنوال‪ ،‬فالوسط احلسابي هو ناجت قسمة مجموع القيم‬ ‫على عددها ‪ ،‬والوسيط هو القيمة التي تقسم املجتمع إلى‬ ‫قسمني بحيث يكون ما قبلها مساوياً ملا بعدها‪ ،‬واملنوال هو‬ ‫القيمة األكثر شيوعاً في املجتمع ‪ ،‬فإذا أراد مدرس مث ً‬ ‫ال‬ ‫أن يحصل على الوسط احلسابي لدرجات تالميذه فإنه‬ ‫يجمع الدرجات التي حصل عليها التالميذ ثم يقسم ذلك‬ ‫املجموع على عدد التالميذ‪ ،‬وإذا أراد أن يعرف الوسيط‬ ‫فإنه يرتب الدرجات التي حصل عليها التالميذ تصاعدياً‬ ‫أو تنازلياً وتكون الدرجة التي في الوسط هي الوسيط‪ ،‬وإذا‬ ‫أراد أن يعرف املنوال فإنه يبحث عن الدرجة التي تكررت‬ ‫أكثر من غيرها في درج��ات التالميذ فتكون هي املنوال ‪.‬‬ ‫وكثير من الناس يظنون أن وسطية اإلس�لام هي من قبيل‬ ‫تلك املقاييس اإلحصائية‪ ،‬وليس األمر كما يظنون‪ ،‬فليست‬ ‫الوسطية اإلس�لام��ي��ة وس��ط��اً حسابياً مبعنى أنها حتتوي‬ ‫على نسبة متساوية من كل من الطرفني‪ ،‬كما أنها ليست‬ ‫وسيطاً مبعنى أنها تبعد بنفس املسافة عن كل من الطرفني‬ ‫؛وه���ي ك��ذل��ك ليست م��ن��واالً مبعنى أن��ه��ا ليست محاولة‬ ‫‪12‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫إلرض��اء الناس والبحث عن الفكرة األكثر رواج��اً بينهم ‪.‬‬ ‫فنحن نعلم مث ً‬ ‫ال أن أهل السنة واجلماعة وسط في باب‬ ‫الصفات بني املشبهة الذين غالوا في إثبات صفات املولى‬ ‫ع��ز وج��ل حتى شبهوه باملخلوقني ‪ ،‬واملعطلة ال��ذي��ن نفوا‬ ‫صفاته تعالى فراراً من التشبيه بزعمهم‪ ،‬ومع ذلك فمسافة‬ ‫ما بني أهل السنة وأهل التعطيل أبعد من مسافة ما بني أهل‬ ‫السنة وأهل التشبيه‪ ،‬قال في شرح الطحاوية ‪ ( :‬وشبهة‬ ‫النفي أردأ من شبهة التشبيه‪ ،‬فإن شبهة النفي رد وتكذيب‬ ‫ملا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم‪،‬وشبهة التشبيه غلو‬ ‫ومجاوزة للحد فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم )‪.‬‬ ‫(شرح الطحاوية البن أبي العز ص ‪.)259 :‬‬ ‫وفي واقعنا املعاصر كان يقال دائماً إن اإلس�لام وسط‬ ‫ف��ي ب���اب امل���ال واإلق��ت��ص��اد ب�ين ال��رأس��م��ال��ي��ة والشيوعية‪،‬‬ ‫وم���ع ذل���ك ف��ال��رأس��م��ال��ي��ة م���ع ف��س��اده��ا وض�لال��ه��ا أقرب‬ ‫منهجاً إل���ى اإلس��ل�ام م��ن ال��ش��ي��وع��ي��ة‪ ،‬وال ي��ص��ح أن يقال‬ ‫إن اإلس��ل�ام ي��ق��ف ف��ي املنتصف مت��ام��اً ب�ين الرأسمالية‬ ‫والشيوعية ‪ ،‬أو أنه يلتقي مع كل منهما بنسبة متساوية‪.‬‬ ‫وه��ا هنا مثال من األق��وال املعاصرة يصلح دلي ً‬ ‫ال على ما‬ ‫أق��ول‪ ،‬وه��و ما أفتى به بعض املعاصرين من أن��ه ال بأس‬ ‫مبصافحة الرجل للمرأة األجنبية ‪ ،‬ولكن عليه أال يطيل في‬


‫مدة املصافحة ‪ ،‬وهو يعتبر ذلك وسطاً بني التحرمي املطلق‬ ‫واإلب��اح��ة املطلقة ‪ ،‬وه��ذه الوسطية ه��ي فيما أرى وسطية‬ ‫باملعنى احلسابي وليست وسطية باملعنى الشرعي ‪ ،‬وذلك أن‬ ‫األدلة الشرعية قد جاءت دالة على حترمي مس الرجل للمرأة‬ ‫األجنبية‪ ،‬كما في قوله صلى الله عليه وسلم‪( :‬إني ال أصافح‬ ‫النساء) أخرجه النسائي (‪ ، )149/7‬بنحوه كلهم من حديث‬ ‫أميمة بنت رقيقة ‪ ،‬وصححه إبن حبان في صحيحه ( ‪)4553‬‬ ‫مست يد رسول‬ ‫‪ ،‬وقالت عائشة – رضي الله عنها ‪( -‬والله ما َّ‬ ‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يد إمرأة قط‪ ،‬غير أنه بايعهن‬ ‫بالكالم) رواه البخاري (‪ ،)4891‬وعن معقل بن يسار رضي‬ ‫الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ( :‬ألن يطعن في‬ ‫رأس أحدكم مبِ خْ يَط من حديد خير له من أن ميس امرأة‬ ‫الحتل له) واحلديث أخرجه الطبراني في الكبير (‪،)211/20‬‬ ‫وأورده الشيخ األلباني في السلسلة وعزاه للروياني في مسنده‬ ‫وقال بعد أن ساق إسناده ‪ (( :‬وهذا سند جيد‪ ،‬رجاله كلهم‬ ‫ثقات من رج��ال الشيخني غير ش��داد بن سعيد فمن رجال‬ ‫مسلم وحده‪ ،‬وفيه كالم يسير ال ينزل به حديثه عن احلسن))‪.‬‬ ‫ومن أدلة التحرمي كذلك أنه إذا كان الله تعالى أمر بغض‬ ‫البصر ‪ ،‬فإن اللمس واملصافحة أشد من النظر ‪ ،‬قال اإلمام‬ ‫النووي رحمه الله في كتاب األذكار‬ ‫ص���ف���ح���ة( ‪ (( )228‬وق�����د ق�����ال أص���ح���اب���ن���ا‪ :‬ك����ل من‬ ‫ح������رم ال���ن���ظ���ر إل����ي����ه ح������رم م����س����ه‪ ،‬ب�����ل امل������س أش���������د)) ‪.‬‬ ‫وقد اتفق األئمة األربعة وغيرهم على حترمي مصافحة‬ ‫امل���رأة األجنبية إال أن بعضهم إستثنى مصافحة العجوز‬ ‫ال��ت��ي ال تشتهى ‪ ،‬أم��ا ال��ش��اب��ة فقد اتفقت أق���وال املذاهب‬ ‫األرب����ع����ة ع��ل��ى امل���ن���ع م���ن م��س��ه��ا إال ل����ض����رورة كالتطبيب‬ ‫وخ��ل��ع ض����رس ون���ح���وه إن ل���م ي��وج��د م���ن ت��ق��وم ب��ذل��ك من‬ ‫النساء‪ ،‬وإليك نتف من أق��وال امل��ذاه��ب األرب��ع��ة في ذل��ك ‪:‬‬ ‫فمن أقوال احلنفية ما جاء في الهداية شرح البداية (‪)83/4‬‬ ‫‪ (( :‬وال يحل له – أي للرجل األجنبي ‪ -‬أن ميس وجهها وال كفيها‬ ‫وإن كان يأمن الشهوة لقيام احملرم وانعدام الضرورة والبلوى )) ‪.‬‬

‫ومن أقوال الشافعية ما نقلناه عن األذكار لإلمام النووي‬ ‫وقريب منه قوله في املجموع ( ‪ (( :)635/4‬وقد قال أصحابنا‪:‬‬ ‫كل من حرم النظر إليه حرم مسه‪ ،‬وقد يحل النظر مع حترمي‬ ‫امل��س ؛ ف��إن��ه يحل النظر إل��ى األجنبية ف��ي البيع والشراء‬ ‫واألخذ والعطاء ونحوها وال يجوز مسها في شيء من ذلك ))‪.‬‬ ‫وأما مذهب اإلمام أحمد فقد جاء في اآلداب الشرعية البن‬ ‫مفلح (‪(( : )246/2‬قال محمد بن عبد الله بن مهران ‪ :‬إن أبا‬ ‫عبد الله ـ يعني اإلمام أحمد ـ سئل عن الرجل يصافح املرأة ‪,‬‬ ‫قال ‪ :‬ال ‪ ,‬وش ّدد فيه ج ًدا‪ ,‬قلت ‪ :‬يصافح بثوبه ‪ ,‬قال‪ :‬ال))‪.‬‬ ‫ومن أمثلة الوسطية احلسابية أيضاً القول بأنه إذا كانت‬ ‫امل��ص��اف��ح��ة بغير ش��ه��وة ج���ازت وإال ح��رم��ت ‪ ،‬وه���ذا القول‬ ‫كسابقه ليس عليه دليل ‪ ،‬بل عموم األدلة قاض باملنع املطلق‪،‬‬ ‫وق��د امتنع ال��رس��ول صلى ال��ل��ه عليه وس��ل��م ع��ن مصافحة‬ ‫النساء مع أن��ه أتقى اخللق وأخشاهم لله‪ ،‬فليس ملن دونه‬ ‫أن يصافح مدعياً أنه طاهر القلب سليم النية ‪ .‬والله أعلم‬ ‫وبهذا يظهر لنا خطأ من قال من أهل العلم املعاصرين‬ ‫إنه يعتبر من قلة ((الذوق)) أن يدخل على جماعة من النساء‬ ‫والرجال فيصافح الرجال ويترك النساء ‪ ،‬ونحن نقول إنه ال‬ ‫أدب أفضل مما ج��اءت به شريعة الله تعالى ‪ ،‬فالشرع هو‬ ‫احلكم وه��و ال��ذي يحدد ما ينبغي وم��ا ال ينبغي ال أعراف‬ ‫الناس وأمزجتهم ‪ ،‬وما أحسن ما قاله الدكتور البوطي في‬ ‫هذه القضية ‪ ،‬إذ ذكر أنه ال يعلم خالفاً بني علماء املسلمني في‬ ‫حرمة مالمسة الرجل لبشرة امرأة أجنبية عنه إال لضرورة‪ ،‬ثم‬ ‫قال ‪ (( :‬وليس من الضرورة شيوع العرف مبصافحة النساء‪،‬‬ ‫كما قد يتوهم بعض الناس فليس للعرف سلطان في تغيير‬ ‫األحكام الثابتة بالكتاب والسنة ))‪( .‬فقه السيرة ص‪.)415 :‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪13‬‬


‫وسطيتنا‬

‫األقنية التي تصنع لنفسها اإلرهاب‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �سعيد رم�ضان البوطي ‪� -‬سوريا‬

‫لم أتردد يوماً ما في أن إشعال وقود اإلحتكاكات الطائفية‬ ‫أخطر ما ميكن أن يزهق وحدة األم��ة‪ ،‬وأن يحشو ضمائر‬ ‫أفرادها وفئاتها بدخان الضغينة واألحقاد‪ ،‬لرمبا كان علي‬ ‫أن أوض��ح املعنى امل��راد بـ(اإلحتكاكات الطائفية) قبل أن‬ ‫أمضي في بيان هذا اخلطر‪ ،‬الذي يجب أن نكون جميعاً على‬ ‫ب ّينة منه‪ ،‬إن املراد به تسليط مشاعر العصبية الدينية أداة‬ ‫إنتقاص‪ ،‬ومن ثم سالح هجوم على ذوي املذاهب واإلنتماءات‬ ‫الدينية األخ��رى‪ .‬وكلمة (العصبية) تعني اإلستجابة حلظ‬ ‫وانطالقاً من هذا اليقني اإلمياني‪ ،‬الذي يجب أن يصطبغ‬ ‫النفس‪ ،‬بدالً من اإلنقياد حلكم العقل وضوابطه‪.‬‬ ‫به كل مسلم صادق وعى حقيقة إسالمه‪ ،‬يتبني لنا املنهج‬ ‫إن إستخدام العصبية الدينية أدا ًة في هذا املضمار‪ ،‬شيء الذى ينبغي أن ينضبط به كل من ألزم نفسه بواجب التعريف‬ ‫يح ّذر منه الدين ود ّيانه قبل كل شيء‪ ،‬فهو في حقيقته خروج باإلسالم والدعوة إليه‪.‬‬ ‫على الدين ذاته‪ ،‬وإن بدا لدى النظرة السطحية أنه خدمة‬ ‫بصرنا ب��ه كتاب الله ع��ز وج��ل‪ ،‬وسار‬ ‫إن��ه املنهج ال��ذي ّ‬ ‫للدين ودف��اع عنه‪ ،‬وهذا التحذير هو امل��راد باإلستثناء في عليه محمد‪ ،‬صلى ال��ل��ه عليه وس��ل��م‪ ،‬م��ن إس��ت��ث��ارة العقل‬ ‫قوله تعالى‪( :‬وال جتادلوا أهل الكتاب إال بالتي هي أحسن)‪ ،‬اإلنساني للوقوف على الدالئل‪ ،‬التي تدعو إلى اإلميان بالله‬ ‫وهو املراد مبا أماله القرآن على الرسول‪ ،‬فى مجال محاورته ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخ��ر‪ ،‬واجل��زاء الذي أعده‬ ‫مع أهل الكتاب‪ ،‬بأن يقول لهم‪( :‬وإ ّنا وإياكم لعلى هدى أو الله للمصلحني واملفسدين من عباده‪ ،‬دون أي جتريح أو‬ ‫في ضالل مبني) «سبأ ‪ ،»24 -‬وبأن يقول لهم‪..( :‬إن كان تسفيه ملن قادته العصبية إلى اإلعراض‪ ،‬وإلى إيثار ما درج‬ ‫للرحمن ول ُد فأنا أول العابدين)‪ ،‬أي سأسبقكم عندئذ إلى عليه اآلب��اء واألج���داد‪ ،‬وإن في الطريقة التي استقبل بها‬ ‫عبادته‪.‬‬ ‫رسول الله وفد نصارى جنران وأنزلهم ضيوفاً فى مسجده‬ ‫ديناً سماوياً آخ��ر‪ ،‬وإمن��ا هو الدين اجلامع ال��ذي يحتضن‬ ‫ضرورة اإلميان بنبوة سائر الرسل واألنبياء الذين خلوا من‬ ‫قبل‪ ،‬ويتبنّى ض��رورة اإلمي��ان بكل ما بُعثوا به من صحف‬ ‫وكتب‪ ،‬وفي مقدمتها اإلمي��ان بنبوة ورسالة كل من سيدنا‬ ‫موسى وسيدنا عيسى عليهما الصالة والسالم‪ ،‬ومبا بُعث به‬ ‫كل منهما‪ ،‬بل إن اإلميان بالقرآن ال يتم إال باإلميان بذلك‬ ‫كله‪.‬‬

‫ثم إن العقيدة اإلسالمية بح ّد ذاتها‪ ،‬ال تترك في نفس جتسيداً لهذا املنهج القرآني‪ ،‬ومنوذجاً أخالقياً رائعاً‪ ،‬يدعو‬ ‫املسلم ثغرة تتدخل منها مشاعر العصبية الدينية ضد أهل املسلمني جميعاً إلى إتباعه واإلقتداء به في ذلك في كل‬ ‫الكتاب‪ ،‬إذ إن اإلس�لام ليس ديناً سماوياً يقارع أو ينافس زمان ومكان‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وإنضباطاً بهذا املنهج القرآني والنبوي األمثل‪ ،‬كان املسلمون مع أهل الكتاب على كلمة سواء‪ ،‬الذي نال موافقة أكثر من‬ ‫وال يزالون إلى اليوم‪ ،‬يحصرون نشاطاتهم الدعوية في مجال ثالثمائة شخصية أمريكية بارزة من قادة الطائفة اإلجنيلية‪،‬‬ ‫التعريف باإلسالم والدعوة إليه‪ ،‬ضمن دائرة ال يتجاوزونها‪،‬‬ ‫ال في عقائده وشرائعه في رسالة مفتوحة نشرت في صحيفة نيويورك تاميز في‬ ‫هي الكشف عن حقيقة اإلسالم ممث ً‬ ‫وأخالقه‪ ،‬سواء مت ذلك في ندوات أو مؤمترات أو محاضرات‪ ،‬غضون شهر نوفمبر من عام ‪.٢٠٠٧‬‬ ‫أو جندت لذلك أقنية تليفزيونية أو إذاعات مسموعة‪.‬‬ ‫إننا بهذه اإلستجابة ملا يأمرنا به قرآننا املنزّل من عند الله‪،‬‬ ‫أج��ل ف��أن��ا ال أع��ل��م أن ف��ي املسلمني م��ن س��خّ ��روا منابر‬ ‫نغلق باب التطرف واإلرهاب في وجوه الواجلني إليه‪ ،‬ونغرس‬ ‫الدعوة إلى اإلسالم‪ ،‬أياً كان نوع هذه املنابر‪ ،‬لتسفيه أفكار‬ ‫الكتابيني والنيل من عقائدهم ووض��ع إجنيلهم حتت مجهر في أفئدتهم زهور الود ورياحني التواصل والقربى بدالً مما قد‬ ‫الهجوم والنقد‪ ،‬ورسم اخلطط املصطنعة إلجلاء النصارى إلى يتسرب إليها من مشاعر الضغينة والبغضاء‪،‬‬ ‫اإلفتتان عن نصرانيتهم‪ ،‬أو إلجلاء اليهود إلى اإلفتتان عن‬ ‫ً‬ ‫يلح أول��ئ��ك ال��ذي��ن يطلقون زفرات‬ ‫أن‬ ‫ا‬ ‫عجيب‬ ‫أليس‬ ‫لكن‬ ‫ّ‬ ‫يهوديتهم‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬إنني ال أعلم إلى هذه الساعة أن في املسلمني في أحقادهم علينا‪ ،‬نحن املسلمني‪ ،‬من خالل كاميراتهم املص ِّورة‬

‫عصرنا ه��ذا أو من قبل‪ ،‬من س��خّ ��روا أجهزة ال��دع��وة‪ ،‬على وضمن جدرانهم األربعة‪ ،‬على فتح أبواب التطرف واإلرهاب‬ ‫اختالفها‪ ،‬لشيء من هذا القبيل‪ ،‬وكيف يتأتى لهم التورط‬ ‫سدها‬ ‫املشرعة إليهم‪ ،‬في الوقت الذي نسعى فيه نحن إلى ّ‬ ‫فى ه��ذا اجل��ن��وح‪ ،‬وه��م جميعاً مشبعون بالقاعدة الشرعية‬ ‫القائلة‪( :‬أال ال يُ ْفتَتنَ َّ نصراني عن نصرانيته‪ ،‬وال يهودي عن في وجه من يريدون إقتحامها إليهم؟ أليس عجيباً أن ننسج‬ ‫يهوديته)‪.‬‬ ‫بأخالقنا التي يوصينا بها قرآننا حصن الوقاية لهم ضد‬

‫وباجلملة ف��إن ت��اري��خ األنشطة اإلسالمية ال��دع��وي��ة‪ ،‬لم املشاعر املهتاجة‪ ،‬ثم ننظر وإذا بهم ميزقون النسيج كله‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مت���ا َرس فيه ي��وم��ا م��ا األع��م��ا ُل التبشيرية على النحو الذي ويهدمون احلصن من سائر أطرافه‪ ،‬مؤثرين شراء اإلرهاب‬ ‫هو معروف اليوم‪ ،‬بل لقد ك��ان التبشير‪ ،‬وال ي��زال‪ ،‬بأبعاده‬ ‫ومضامينه املعروفة وميزانياته الكبيرة املذهلة‪ ،‬ومبا يبثه من بلواعج الضغائن واألحقاد‪.‬‬ ‫هجوم مقذع ونقد الذع‪ ،‬من مزايا األنشطة املسيحية اليوم‬ ‫إذن م��ن ه��م ال��ذي��ن يصنعون اإلره���اب ث��م ي��ص�� ّدرون��ه إلى‬ ‫وقبل اليوم‪ ،‬ومن خصائصها التي ال حتسد عليها‪.‬‬ ‫أنفسهم وإلى إخوانهم؟ أليسوا أولئك القابعني في أوكارهم‬ ‫إن املسلمني على ال��رغ��م م��ن أنهم ميلكون م��ن الوسائل‬ ‫في قبرص ونحوها‪ ،‬املنفّسني عن أحقادهم بالهجوم على‬ ‫يحصنون بها عقائدهم‪ ،‬ما ال ميلكه‬ ‫العلمية والفكرية التى‬ ‫ّ‬ ‫اآلخ���رون‪ ،‬ف��إن إسالمهم مينعهم م��ن أن يتخذوا براهينهم كتاب الله وبتكذيب رسول الله؟‬ ‫العلمية واملنطقية أسلحة يقارعون بها ما هو معروف من‬ ‫أم��ا نحن املسلمني الذين أكرمهم الله ب��اإلخ�لاص لدينه‬ ‫أسلحة التبشير مما ال نريد اخلوض فيه‪.‬‬ ‫وص��دق العبودية لذاته‪ ،‬فلسوف نظل عند قول الله تعالى‪:‬‬ ‫إن قرآننا ال يسمح لنا‪ ،‬في كل األح��وال‪ ،‬أن نقابل السوء‬ ‫مبثله‪ .‬ول��ذا فلسوف نظل نأخذ أنفسنا بقانونه األخالقي (وال تستوى احلسنة وال السيئة‪ ،‬إدفع بالتى هى أحسن)‪،‬‬ ‫القائل‪( :‬أال ال يُ ْفتَتنَ َّ نصراني عن نصرانيته‪ ،‬وال يهودي عن‬ ‫سنقوم بهذا املبدأ األخالقي الذى يدعونا إليه كتاب الله‪،‬‬ ‫يهوديته)‪ ،‬ولسوف يظل شعارنا الذي لن نتخلى عنه امليثاق‬ ‫الذى أجمع وو ّقع عليه أكثر من ثالثمائة عالم من كبار علماء والذى أخذ علينا به امليثاق الذى قبلناه وو ّقعنا عليه‪ ،‬ما وسعنا‬ ‫املسلمني‪ ،‬واملتضمن امل��ن��اداة ب��ض��رورة حب اجل��ار والتالقى ذلك‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪15‬‬


‫وسطيتنا‬

‫امل��ن��ت��دى ال��ع��امل��ي ل��ل��وس��ط��ي��ة‬ ‫الدكتور حممد طالبي ‪ -‬مفكر مغربي‬

‫‪ ‬أو ًال‪ :‬املنتدى رسالة عاملية‬ ‫م��ا ه��ي رس��ال��ة ه���ذا امل��ن��ت��دى وم���ا ه��ي طبيعة عمله؟‬ ‫هل أخذ بعني اإلعتبار خصوص ّيات البيئات اإلسالمية املتنوعة؟‬ ‫ه��ل ي��راع��ي منتدى ال��وس��ط��ي��ة ف��ي ك��ل قطر م��ن األقطار‬ ‫خصوصية ذل��ك القطر السياسية والثقافية واملذهبية ؟‬ ‫إلى غير ذلك من األسئلة املشروعة‪.‬‬ ‫ل��ق��د اس��ت��خ��ل��ص��ت م���ن ق����راءت����ي ل��ل��وث��ي��ق��ة التوجيهية‬ ‫ل���ل���م���ن���ت���دى ال���ع���امل���ي ل���ل���وس���ط���ي���ة أن َم����ه����ا ّم����ه احليوية‬ ‫���ددة‪ ،‬أذك�����ر م��ن��ه��ا أرب����� َع م��� َه���ام ك���ب���رى وص��ع��ب��ة هي‪:‬‬ ‫م���ت���ع ّ‬ ‫‪ ‬‬ ‫املهمة األولى‪ :‬املساهمة في احلوار احلضاري‪:‬‬ ‫هي املساهمة على املديني املتوسط و البعيد‪ ،‬في فتح أبواب‬ ‫احلوار والتعارف بني احلضارة اإلسالمية واحلضارة الغربية‪.‬‬ ‫بتعبير آخر املساهمة في تخفيف الصدام احلضاري اجلاري‬ ‫اليوم بني الثقافتني واحلضارتني‪ ،‬و احل��وار في تقديري هو‬ ‫محاجة وتبادل ليس احلوار هو اجللوس إلى طاولة مستديرة‬ ‫ّ‬ ‫احلجة والبرهان فحسب‪ ،‬بل إن احلوار‬ ‫لتبادل‬ ‫مؤمتر‪،‬‬ ‫في‬ ‫أو‬ ‫ّ‬ ‫األس��اس��ي ه��و إقتناء املنتجات احلضارية الصاحلة لنهضة‬ ‫األمم‪ ،‬كالدميقراطية الغربية بالنسبة إلى املسلمني الغارقني‬ ‫ف��ي اإلس��ت��ب��داد‪ ،‬والقيم األخ�لاق��ي��ة اإلس�لام��ي��ة بالنسبة إلى‬ ‫الغرب الغارق في املجاعة الروحية‪ ،‬بسبب شيوع ثقافة اإلحلاد‬ ‫ملحة إلى‬ ‫والشهوة في ربوعه‪ .‬احلضارات جمعاء في حاجة ّ‬ ‫‪16‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫احلوار بدل الصدام‪ ،‬كونها في حاجة ماسة إلى حتقيق ثالث‬ ‫قضايا حيوية‪ :‬الرخاء والهناء والبقاء‪ .‬رخاء ما ّدي في مقابل‬ ‫فقر يجثم على صدر ‪ %80‬من س ّكان العالم‪ ،‬وهناء روحي ونفسي‬ ‫روحي في نفسية أغلبية سكان العالم‬ ‫في مقابل شقاء وتعس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ووجدانهم‪ ،‬وعلى رأسهم سكان الغرب‪ .‬تعس مصدره قنوط‬ ‫ويأس يدفعانهم إلى إدمان املخدرات واإلنتحار واجلرمية‪.‬‬ ‫البشرية أيضاً في حاجة إلى البقاء بعد الدمار الذي‬ ‫أصاب ويصيب البيئة الطبيعية‪ .‬لقد غ ّيب اإلنسان مبدأي‬ ‫التوافق والتوازن مع الطبيعة‪ ،‬يضاف إلى ذلك انتشار أسلحة‬ ‫مما يه ّدد بالفناء‬ ‫الدمار الشامل وعقيدة الدمار الشامل معاً‪ّ ،‬‬ ‫وإنقراض احلياة على سطح كوكبنا األرض‪.‬‬ ‫املهمة الثانية‪ :‬املساهمة في حتقيق التصالح مع الذات‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬أي تصالح أبناء احلوض احلضاري اإلسالمي بعضهم مع‬ ‫بعض‪ .‬فنحن أ ّمة واحدة بالعقيدة أو بالثقافة وعلى الرغم من‬ ‫تعدد املذاهب الفقهية و العقائدية عند املسلمني‪ ،‬جتمعهم‪ ‬قبلة‬ ‫وحج واحد‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫ونبي واحد ّ‬ ‫واحدة وقرآن واحد ّ‬ ‫تعدد ديانات هذه األمة من مسلمني وأهل كتاب‪ ،‬فال ّكل مسلمون‬ ‫بالثقافة‪ ،‬فالوحدة قائمة بالعقيدة والثقافة واملصير التاريخي‬ ‫لهذه األمة‪ ،‬ك ّل هذا يدعونا إلى ضرورة املصاحلة الشاملة‪.‬‬ ‫‪ ‬تبدأ ه���ذه امل��ص��احل��ة داخ����ل ك��� ّل ق��ط��ر م��ن أق��ط��ار األ ّم����ة‪،‬‬ ‫مصاحلة ب�ين ك�� ّل الوطنيني س��واء ك��ان��وا مسلمني علمانيني‬ ‫أو م��س��ل��م�ين إس�لام��ي�ين أو ط���وائ َ‬ ‫���ف وأع����راق����اً وح ّكاماً‪.‬‬


‫‪ ‬فالعوملة طوفان إستعماري جديد‪ ،‬إذا لم نتصالح مع ذاتنا ونل ّم‬ ‫شملنا‪ ،‬فإن الطوفان سيجرف ك ّل الطوائف والتيارات واملذاهب‬ ‫واألح����زاب‪ ،‬وسيسلب احل�� ّك��ام م��ا تبقّى لهم م��ن س��ي��ادة على‬ ‫صناعة القرار الوطني‪ ،‬وسيجرف األ ّم��ة برمتها ال ق�� ّدر الله‪.‬‬ ‫إن املنتدى العاملي للوسطية يريد املساهمة ولو بذ ّرة في صياغة‬ ‫اجلواب عن هذا التحدي أو التهديد احلضاري الضخم‪ ،‬قال‬ ‫اص��بِ�� ُروا ْ إ َِّن‬ ‫تعالى (( َوالَ تَ��نَ��ا َز ُع��وا ْ َفتَف َْشلُوا ْ َوتَ�� ْذ َه َ‬ ‫��ب رِ ُ‬ ‫يح ُك ْم َو ْ‬ ‫الصابِرِ ي َن)) (‪ )46‬األنفال‪ ،‬في تقديري إ ّن التصالح‬ ‫اللّ َه َم َع َّ‬ ‫الراشد والتاريخي‪ ،‬هو تسوية تاريخية بني احلداثة املستنيرة‬ ‫واإلس��ل��ام‪ ،‬ت��س��وي��ة ي��ت�� ّم فيها ال��ت��رك��ي��ب احمل��ك��م ب�ين اإلسالم‬ ‫ومخزونه التاريخي واحلداثة املستنيرة ومخزونها الدميقراطي‪،‬‬ ‫تركيب يتح ّول إلى أسلوب عيش ومنط حياة للدولة واألمة م ًعا‪.‬‬ ‫املهمة الثالثة‪ :‬املساهمة في احل��وار لتجفيف مصادر الغل ّو‬ ‫ّ‬ ‫العلماني‪:‬‬ ‫اإلسالمي و‬ ‫ّ‬ ‫تعيش أمتنا اإلسالمية تهديدات كبرى‪ :‬غ��زاة من اخل��ارج و‬ ‫طغاة في الداخل وغالة في الداخل واخل��ارج‪ ،‬فالعالقة بني هذه‬ ‫امل��دارس على املستوى العقائدي ‪ ‬واأليديولوجي تبدو متصادمة‪،‬‬ ‫لكن عالقتها على مستويينْ آخرين هي عالقة حتالف إستراتيجي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فعلى املستوى السياسي‪ٌّ ،‬‬ ‫كل من املدرسة الغربية الغازية‪ ،‬ومدرسة‬ ‫اإلس��ت��ب��داد احمل��لّ��ي��ة‪ ،‬وم��درس��ة اإلستئصال العلمانية‪ ،‬ومدرسة‬ ‫التط ّرف اإلسالمية أجمعت ٌّ‬ ‫كل بأسلوبها‪ ،‬على تكفير الدميقراطية‬ ‫سلمي ومدني لتداول السلطة في بالد املسلمني‪ ،‬رفضها‬ ‫كأسلوب‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اإلسالمي املتط ّرف زاعما حرصه على الشريعة‪ ،‬ورفضها العلماني‬ ‫اإلستئصالي األجنبي واحمللي‪ ،‬زاعماً كذباً أنه حارسا الدميقراطية‬ ‫احلقيقي‪ ،‬إن الصفوة املثقفة التي حتمل فكر الوسطية في عاملنا‬ ‫اإلسالمي ملزمة‪ ،‬اليوم‪ ،‬بالتص ّدي الفكري والعلمي ملدارس الغل ّو‬ ‫لكن الوسطية‬ ‫بشقيه اإلسالمي والعلماني‪ ،‬وباملثابرة على ذلك‪ّ .‬‬ ‫تُلزمنا بعدم اإلنخراط في املقاربة األمنية لتجفيف منابع التط ّرف‬ ‫ويفجر ينابيع جديدة له وليس‬ ‫والغلو‪ ،‬إلقتناعنا بأ ّن ذلك يف ّرخ الغل ّو ّ‬ ‫العكس‪.‬‬ ‫املهمة ال��راب�ع��ة‪ :‬املساهمة ف��ي التنمية الشاملة ف��ي بالد‬ ‫املسلمني و تصحيح مسار حضارة الغرب‪:‬‬ ‫لقد كان الغرب يسيطر على ‪ %84.5‬من اإلنتاج الصناعي‬ ‫العاملي سنة ‪ ،1928‬أما اليوم فال يسيطر إال على حوالي ‪%54‬‬ ‫منه‪ ،‬إ ّنه بدء هجرة احلضارة والعمران املا ّدي نحو الشرق‪ ،‬نحو‬ ‫يتوجب علينا‬ ‫الصني الكونفوشيوسية وبعض الدول اإلسالمية‪ّ .‬‬ ‫وعي بدء هذه الهجرة‪ ،‬وعلى فكر الوسطية املساهمة في بناء هذا‬ ‫الوعي التاريخي واحلضاري عند األ ّمة وعند الطبقة املثقفة‪،‬‬ ‫حتى نتدخّ ل كأ ّمة واعية وقادرة على الفعل وهذا يدخل في باب‬ ‫التنمية الفكرية الثقافية‪ ،‬وهي وظيفة هذا املنتدى‪ ،‬إن شاء الله‪.‬‬

‫فإن مدرسة‬ ‫وحتى نضمن لنا موقعاً في اخلريطة التاريخية‪ّ ،‬‬ ‫الوسطية معن ّية بإصالح حضارة الغرب‪ ،‬والتعاون مع الغرب‬ ‫لعالج نفسه من كل خلل قد يتس ّبب في سقوط هذا العمران‬ ‫مادي‪،‬‬ ‫روحي ال‬ ‫امل��ا ّدي الهائل‪ ،‬فخلل حضارة الغرب العميق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وق��د تساعد وسطية اإلس�ل�ام على ذل��ك اإلص�ل�اح البنيوي‬ ‫حلضارة الغرب‪ ،‬فالتقدم امل��ادي امل��ت��وازن للبشرية مصلحة‬ ‫إنسانية مرسلة‪ ،‬لذلك أ ّكد مؤسسو املنتدى العاملي للوسطية‬ ‫كونه نادياً فكرياً ذا طبيعة إستراتيجيه ال منظمة سياسية أو‬ ‫حزبية دولية‪ ،‬جوهر منهج الوسطية هو احلكمة واملسؤولية ال‬ ‫العبث والتهور‪.‬‬ ‫املنتدى رسالة عاملية تراعي البيئات احمللية‬ ‫تشمل رس��ال��ة امل��ن��ت��دى ال��ع��امل��ي للوسطية ب�لاد املسلمني‬ ‫واألقلّيات املسلمة في ك ّل بلدان العالم‪ ،‬لكن يستحيل تبليغ‬ ‫رسالة الوسطية بغير اعتماد « فقه الواقع» للبيئات احمللية‪،‬‬ ‫وستبقى هذه الرسالة بال معنى إذا هي جتاهلت اخلصائص‬ ‫إن بيئة الساحات اإلسالمية في جنوب‬ ‫احمللية لك ّل بيئة‪ّ ،‬‬ ‫شرق آسيا وأندونيسيا وماليزيا والفيليبني‪ ،‬تختلف كثيراً عن‬ ‫بيئات املسلمني في دول قلب آسيا الوسط‪ ،‬مثل كازاخستان‬ ‫وأوزبكستان‪ ،‬وأفغانستان وباكستان وغيرها‪ ،‬وهذه كلّها قد‬ ‫تختلف عن بيئات املسلمني في قلب إفريقيا‪ ،‬مثل نيجريا‬ ‫أن البيئة العربية‪ ،‬بخصائصها‪،‬‬ ‫والنيجر وتشاد وغيرها‪ .‬كما ّ‬ ‫قد تختلف ع ّما ذكرناه من بيئات إسالمية‪ ،‬كل هذه البيئات‬ ‫تختلف عن أحوال املسلمني‪ ،‬كأقلية مقيمة في الغرب‪ ،‬وهذه‬ ‫األقلية ستختلف بالتأكيد في أحوالها عن األقليات املسلمة في‬ ‫الشرق‪ ،‬في الهند والصني الشيوعية وما جاورهما إ ًذا فالشرط‬ ‫في قيام الوسطية العاملية مراعاة خرائط البيئات احمللّ ّية‪.‬‬ ‫وال معنى لعاملية أهداف املنتدى إذا هي ذابت في خصوصيات‬ ‫البيئة احمللية من غير القدرة على إدراك املشترك‪ ‬الكوني‪،‬‬ ‫في ط ّيات ك ّل هذه اخلصوصيات‪ ،‬هذا املشترك‪ ‬الكوني ليس‬ ‫أكثر من القيم اإلنسانية التي تتفاعل مع اإلسالم كدين وسطي‬ ‫في كل شيء‪ ،‬إن رسالة الوسطية في املغرب كنموذج لتنوع‬ ‫البيئات احمللية‪ ،‬ستراعي في تقديري ثالث خرائط كبرى‪:‬‬ ‫اخلريطة الدينية واخلريطة املذهبية واخلريطة السياسية‪.‬‬ ‫أو ًال‪ :‬خصوصية دينية منسجمة‪:‬‬ ‫خاصية من خصائص املغرب العربي اإلسالمي‪ ،‬هي أ ّننا‬ ‫أه ّم ّ‬ ‫تتعدى‬ ‫شعب مسلم‪ ،‬بنسبة تتعدى ‪ .%98‬فنسبة اليهود‪ ،‬كأقلية‪ ،‬ال ّ‬ ‫تتعدى ‪ %1‬وهم ليسوا أقلية‪ ،‬بل‬ ‫‪ ،%0.25‬أما نسبة النصارى فال ّ‬ ‫جالية مقيمة باملغرب‪ ،‬فهذا االنسجام املطلق في الدين‪ ،‬عند‬ ‫املغاربة‪ ،‬يش ّكل قوة هائلة‪ ‬و فرصة معتبرة لرسالة الوسطية‪.‬‬ ‫‪ ‬فاملغاربة على هذا الدين العظيم منذ أربعة عشر قرناً من‬ ‫الزمان‪ ،‬ومع ذلك فالوسطية‪ ،‬كدين ومنهج إسالمي أصيل‪،‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪17‬‬


‫ملا يخدم نهضة أمة اإلس�لام من جديد‪ ،‬وحتقيق املصاحلة‬ ‫لكن منهج الوسطية‬ ‫مع الذات داخل املجتمعات اإلسالمية‪ّ ،‬‬ ‫في املغرب ج��ا ّد أيضاً في احلفاظ على إنسجام املجتمع‪،‬‬ ‫باحلفاظ على سنّيته و مالكيته معاً‪ ،‬فحقّ األجيال القادمة‬ ‫في املغرب العربي اإلسالمي في اإلستقرار واألمن بعيداً عن‬ ‫الفنت واحل��روب األهلية املذهبية‪ ،‬واج��ب على جيل املغاربة‬ ‫إن منهج الوسطية ج��ا ّد ف��ي ت��ف��ادي املشهد املرعب‬ ‫ال��ي��وم‪ّ ،‬‬ ‫للحرب الطائفية الطاحنة بني الشيعة والسنّة في العراق‬ ‫اليوم‪ ،‬إ ّننا ال نريد حتى أن نتصور مذابح العاصمة بغداد‬ ‫الطائفية م��ك�� ّررة ف��ي ع��واص��م امل��غ��رب ال��ع��رب��ي اإلسالمي‪،‬‬ ‫ف��ي منتصف ه���ذا ال��ق��رن و م��ا ي��ل��ي��ه‪ ،‬إن���ه ل��ك��اب��وس حقاً‪.‬‬ ‫‪ ‬وما دامت الوسطية حريصة على التصالح مع ال��ذات فهي‬ ‫تسد ب��اب ال��ذرائ��ع على املقبل من احل��روب األهلية كتفادي‬ ‫ّ‬ ‫التش ّيع ف��ي ع��ال��م ال��س�� ّن��ة‪ ،‬وال��ت��س�ّن�نّ ف��ي ع��ال��م الشيعة‪ ،‬فال‬ ‫ضرورة لدعوة أهل الشيعة‪ ،‬في إيران أو غيرها‪ ،‬إلى املذهب‬ ‫السني وال ض��رورة لدعوة أهل السنة في املغرب وغيره إلى‬ ‫امل��ذه��ب الشيعي‪ ،‬ف��ذل��ك م��ن حكمة الوسطية واالعتدال‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬خصوصية مذهبية سياسية منسجمة‪:‬‬

‫تدعونا إلى ضرورة اإلنفتاح على باقي الديانات من أهل الكتاب‬ ‫أي من‬ ‫وغيرهم ّ‬ ‫ألن احلقيقة والعدل هما ضالة املسلم‪ ،‬ففي ّ‬ ‫العقائد والثقافات‪ ‬واحلضارات وجدها أخذ بها ورعاها‪ ،‬فمن‬ ‫أكثر امللفّات املشتركة بني الديانات اليوم‪ .‬هي ملفّات حوار‬ ‫فالتعدي على الشعوب اآلمنة اليوم‪ ،‬من طرف‬ ‫حقيقي بينها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الغزاة‪ّ ،‬‬ ‫ملف ترفضه أكثر من ديانة‪ ،‬يرفضه املسلم واملسيحي‬ ‫والتعدي على األخالق النبيلة‬ ‫والهندوسي والبوذي و غيرهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قضية ترفضها أكثر من ديانة وفلسفة كذلك‪ ،‬كإدمان املخدرات‬ ‫وتعاطيها وإجهاض النفس البريئة‪ ،‬وال��زواج املثلي‪ ،‬وتعاطي‬ ‫اجلرمية املنظمة وغير املنظمة وتبييض األموال وغيرها من‬ ‫امللفّات األخالقية التي توجب احلوار والتعارف بني الديانات‬ ‫إن احل���وار اجل���ا ّد ب�ين ك�� ّل األحواض‬ ‫والعقائد والفلسفات‪ّ ،‬‬ ‫احلضارية الكبرى امللتزم بإنقاذ العمران البشري من الضالل‬ ‫الروحي والفقر امل��ادي وخطر اإلنتحار اجلماعي هو احل ّل‪.‬‬ ‫إن منهج الوسطية املنفتح في املغرب جا ّد أيضاً في احلفاظ‬ ‫ّ‬ ‫على إنسجام املجتمع املغربي ف��ي عقيدته الدينية‪ .‬نحن‬ ‫نرفض أن نتحول إل��ى ط��وائ��ف دينية متناحرة‪ ،‬ف��ي حروب‬ ‫أهلية م��د ّم��رة‪ ،‬كما ح��دث سابقاً بني املسلمني و املسيحيني‬ ‫في لبنان‪ ،‬أو ما حدث سابقا‪ ً،‬و قد يحدث اليوم من جديد‪،‬‬ ‫بني املسلمني واملسيحيني في السودان؛ وكما حدث باألمس‬ ‫ويحدث اليوم في الهند بني املسلمني والهندوس‪ ،‬فحقّ أجيال‬ ‫املغرب العربي اإلسالمي القادمة في اإلستقرار واألمن من‬ ‫إن منهج‬ ‫احلروب األهلية أمانة في عنق جيل املغاربيني اليوم‪ّ ،‬‬ ‫وم��ع ك��ون شعب املغرب مالكي املذهب الفقهي وأشعري‬ ‫الوسطية جا ّد في احلفاظ على إسالمية املجتمع و الدولة في‬ ‫املغرب اإلسالمي‪.‬‬ ‫ال��ع��ق��ي��دة‪ ،‬ف��ه��و م��ل��ك��ي ال��ن��ظ��ام ال��س��ي��اس��ي‪ ،‬امل��ل��ك��ي��ة كشكل‬ ‫ثاني ًا‪ :‬خصوصية مذهبية فقهية منسجمة‪:‬‬ ‫للنظام السياسي باملغرب ليست أم��راً ط��ارئ��اً‪ ،‬فاملخزن(‪)1‬‬ ‫إلى جانب إنسجام الشعب املغربي واملغاربي في عقيدته كمصطلح تاريخي للملكية‪ ،‬يعود إلى أكثر من ‪ 13‬قرناً من‬ ‫الدينية وهي اإلسالم‪ ،‬فهو أيضاً منسجم في مذهبه الفقهي‪ ،‬ال��زم��ان‪ ،‬ون��ظ��ام ال��دول��ة ه��ذا حاضر عند املغاربة حتى في‬ ‫فاملغرب العربي اإلس�لام��ي مجتمع س�� ّن��ي‪ ،‬م��ن أه��ل السنّة أفراحهم حيث يلقّبون العريس بالسلطان‪ ‬ونائب العريس‬ ‫واجلماعة‪ ،‬وعلى املذهب املالكي‪ ،‬مند القرن احل��ادي عشر‬ ‫ب���ال���وزي���ر‪((،‬روح���وه أي���ا إس�ل�ام روح���و م���والي ال��س��ل��ط��ان)) ‪.‬‬ ‫امليالدي‪ ،‬فال وجود فيه للفرق اإلسالمية املنشقّة عن األمة‪،‬‬ ‫كفرقة اخلوارج وفرقة الشيعة‪ ،‬وهذا يزيد من قوة وإنسجام ‪ ‬بالفعل‪ ،‬امللكية هي حلمة املجتمع املغربي وضامنة األمن‬ ‫املجتمع في هذه املنطقة من العالم اإلسالمي‪ ،‬بل ال وجود واإلستقرار فيه‪.‬‬ ‫لباقي املذاهب الفقهية السنّية األخ��رى‪ ،‬كاملذهب الشافعي‬ ‫احلمد لله‪ ،‬اليوم أصبح الك ّل ملكيني‪ ،‬مبن فيهم غالة‬ ‫أو احلنبلي أو احلنفي‪ ،‬لكن مع ذلك‪ ،‬فالوسطية منهج يدعو‬ ‫إلى اإلنفتاح على ك ّل املذاهب الفقهية اإلسالمية‪ ،‬والبحث اليسار ّيني‪ ،‬وهذا من رحمة الله على هذا البلد‪ .‬أما احلرص‬ ‫عن ضالة املجتمع املسلم في ك ّل هذه املذاهب‪ ،‬وضالته هي على هذه امللكية في املغرب فهو عنوان الوسطية في الفكر‬ ‫إستخراج‪ ‬الكنوز املشتركة بني ه��ذه امل��ذاه��ب و تسخيرها السياسي عند املغاربة‪.‬‬

‫ ‬

‫ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ����������ـ‬ ‫(‪ )1‬املخزن‪ :‬مرادف ملصطلح الدولة‪ ،‬كان يطلق قدمياً منذ ميالد الدولة بعدالفتح اإلسالمي على األجهزة اإلدارية للسلطة‬ ‫املركزية باملغرب حتى مجيء االستعمار حيث اختفى كمصطلح رسمي للدولة في الدستور حتى اآلن‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وسطيتنا‬

‫الوسطية في لغة العرب‬ ‫الأ�ستاذ‪ :‬م�صطفى ال�شوبكي ‪ -‬الأردن‬ ‫ق��ال تعالى ‪َ { :‬والَ تجَ ْ �� َع�� ْل يَ�� َد َك َم ْغلُولَ ًة ِإلَ��ى ُعنُقِ َك َوالَ‬ ‫الوسطية في لغة العرب مثل (ال��وس��ط) مبعنى العدل‬ ‫تَبْ ُس ْط َها ُك َّل الْ َب ْس ِط َفتَ ْق ُع َد َملُو ًما َّم ْح ُسو ًرا} (اإلسراء‪.)29:‬‬ ‫واخليار‪ ،‬قال زهير بن أبي سلمى‪:‬‬ ‫وقوله مادحاً عباده املؤمنني‪َ { :‬وا َِّل��ذي�� َن ِإ َذا أَن َفقُوا لَ ْم‬ ‫هم وسط يرضي االنام بحكمهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يُ ْسرِ ُفوا َول ْم يَ ْقتُ ُروا َوكا َن بَينْ َ َذلِك ق َوا ًما}‪ (.‬الفرقان‪.)67:‬‬ ‫إذا نزلت إحدى الليالي مبعظم‬ ‫وحني ننظر في اآليات املكية واملدنية نرى انها تدعو الى‬ ‫وبهذا املعنى ورد قول الله تعالى‪َ { :‬قا َل أَ ْو َس ُط ُه ْم أَلَ ْم أَ ُقل‬ ‫اإلعتدال في األكل والشرب وتنهي عن اإلسراف وتنكر من‬ ‫َّل ُك ْم لَ ْوال ت َُس ِّب ُحو َن } (القلم‪.)28:‬‬ ‫يحرم على نفسه الطيبات والزينة‪ ،‬قال تعالى‪ { :‬يَا بَنِي آ َد َم‬ ‫وقال الشيخ محمد رشيد رضا – رحمه الله‪:‬‬ ‫خُ ُذوا ْ زِ ينَتَ ُك ْم ِعن َد ُك ِّل َم ْس ِج ٍد و ُكلُوا ْ َو ْ‬ ‫اش َربُوا ْ َوالَ ت ُْسرِ ُفوا ْ ِإ َّن ُه‬ ‫ني ُق ْل َم ْن َح َّر َم زِ ينَ َة اللّهِ ا َّلت َِي أَخْ َر َج لِعِ بَادِ ِه‬ ‫( إن الوسط هو العدل‪ .‬وذلك أن الزيادة على املطلوب الَ يُ ِح ُّب المْ ُ ْسرِ فِ َ‬ ‫في األم��ر إف��راط‪ ،‬والنقص عنه تفريط‪ ،‬وكل من اإلفراط َوالْ َّط ِّيبَ ِ‬ ‫ات مِ َن ال ِّرزْقِ ُق ْل ِهي ِللَّذِ ي َن آ َمنُوا ْ فِ ي الحْ َ يَا ِة ال ُّدنْيَا‬ ‫ِص ًة يَ�� ْو َم الْقِ يَا َمةِ َك َذل َ‬ ‫ص ُل اآليَ ِ‬ ‫��ات ِل َق ْو ٍم يَ ْعل َ ُمونَ}‬ ‫ِك نُ َف ِّ‬ ‫والتفريط ميل عن اجلاده القومية فهو شر ومزموم‪ .‬فاخليار َخال َ‬ ‫(االعراف‪.)32-31 :‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫هو الوسط بني طرفي االمر‪ ،‬أي املتوسط بينهما)‬ ‫ه��ذا ه��و منهج ال��ق��رآن ف��ي التمتع بالطيبات ومقاومة‬ ‫والوسطية ضد الغلو‪ -‬وه��و م��ج��اوزة احل��د‪ -‬يقال غال‬ ‫السعر يغلو غ�لاء‪ ،‬إذا ارتفع وغال الرجل غلواً‪ :‬إذا جاوز الغلو‪ .‬وأما أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تدعو‬ ‫الى الوسطية وع��دم الغلو فكثيرة‪ ،‬فيها قوله صلوات الله‬ ‫حده‪ ،‬فاملراد به إذن‪ :‬مجاوزة احلد بأن يزداد في الشيء في‬ ‫وسالمه عليه‪ « :‬إياكم والغلو في الدين‪ ،‬فإمنا أهلك من كان‬ ‫حمده أو ذمه على ما يستحق‪ ،‬وهكذا يكون الوسط‪ :‬ما يقع‬ ‫قبلكم‪ ،‬الغلو في الدين»(‪ )2‬مراد مبن قبلنا في هذا احلديث‪:‬‬ ‫بني الغالي واجلافي‪ ،‬وبتعبير آخر هو الوسط بني اإلفراط‬ ‫أهل األديان السابقة‪ ،‬وبخاصة أهل الكتاب‪ ،‬وعلى األخص‬ ‫والتفريط‪.‬‬ ‫النصارى‪ ،‬ونهي النبي عن الغلو في الدين و أنواع الغلو كلها‬ ‫الوسطية أو اإلعتدال في القران والسنة‪.‬‬ ‫في اإلعتقاد واألعمال‪...‬‬ ‫دعا القرآن احلكيم والرسول الكرمي صلوات الله وسالمه‬ ‫وقوله‪« :‬هلك املتنطعون‪،‬هلك املتنطعون‪ ،‬هلك املتنطعون»(‪)3‬‬ ‫عليه املسلم ال��ى الوسطية واإلع��ت��دال ف��ي أم���وره الدينية ملتنطعون في احلديث‪ :‬هم املتعمقون‪ ،‬املجاوزون احلدود في‬ ‫والدنيوية‪ ،‬فال إفراط وال تفريط‪.‬‬ ‫أقوالهم وأعمالهم‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪19‬‬


‫األمة الوسط‪:‬‬ ‫فيقولون ما أتانا من نذير‪ ،‬فيقول من يشهد لك؟ فيقول محمد‬ ‫وصف الله سبحانه وتعالى األم��ة اإلسالمية بأنها األمة وأمته‪ ،‬فيشهدون أنه قد بلغ ‪ .‬ويكون الرسول عليكم شهيدا؟‬ ‫الوسط ‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬و َك َذل َ‬ ‫ِك َج َعلْنَا ُك ْم أ ُ َّم ًة َو َس ًطا ِّلتَ ُكونُوا ْ ُش َه َداء قوله‪ -‬جل ذكره‪َ {:-‬و َك َذل َ‬ ‫ِك َج َعلْنَا ُك ْم أ ُ َّم ًة َو َس ًطا ِّلتَ ُكونُوا ْ ُش َه َداء‬ ‫(‪)5‬‬ ‫َّاس َويَ ُكو َن ال َّر ُسو ُل َعلَيْ ُك ْم َشهِ ي ًدا}(البقرة‪.)143‬‬ ‫َعلَى الن ِ‬ ‫َّاس َويَ ُكو َن ال َّر ُسو ُل َعلَيْ ُك ْم َشهِ ي ًدا}‬ ‫َعلَى الن ِ‬ ‫قال ابن كثير في تفسير هذه اآلي��ة ‪ :‬والوسط‪« :‬اخليار‬ ‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ ( :‬يجيء النبي يوم القيامة‬ ‫واألج����ود كما ي��ق��ال‪ :‬ق��ري��ش أوس���ط ال��ع��رب نسباً وداراً أي‬ ‫ومعه الرجالن وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم‪ :‬هل‬ ‫(‪)4‬‬ ‫خيرها» ‪0‬‬ ‫بلغكم هذا؟ فيقولون‪:‬ال ‪ ،‬فيقال له‪ :‬هل بلغت قومك؟ فيقول‬ ‫وجاء هذا الوصف لألمة املسلمة – ايضا لتوسط أمتنا في‬ ‫نعم فيقال‪ :‬من يشهد لك فيقول محمد وأمته‪ ،‬فيدعى محمد‬ ‫الدين‪ .‬فلم يكن فيها غلو كغلو النصارى بسيدنا عيسى عليه‬ ‫السالم ‪ ،‬حتى جعلوه إبناً لإلله‪ ،‬ولم يقصروا كتقصير اليهود‪ ،‬وأمته فيقول نعم‪ ،‬فيقال لهم ‪ :‬هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون‬ ‫الذين حرفوا توراتهم وبدلوا فيها وقتلوا من قتلوا من أنبيائهم‪ ،‬نعم ‪ ،‬فيقال‪ :‬وم��ا علمكم؟ فيقولون جاءنا نبينا صلى الله‬ ‫أما األمة اإلسالمية فهي األمة الوسط التي حتمدها األمم عليه وسلم‪ -‬فأخبرنا أن الرسل بلغوا‪ ،‬فذلك قوله عز وجل‪-‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫وتعترف لها بالفضل‪ ،‬هي األمة التي حتمل أكمل الشرائع هي { َو َك َذل َ‬ ‫ِك َج َعلْنَا ُك ْم أ ُ َّم ًة َو َس ًطا}‬ ‫األم��ة احلكم بني األمم‪ ،‬تقيم موازين العدل بني األمم كلها‬ ‫قال اإلمام الكرماني يوصي العلماء بالتزام الوسطية‪:‬‬ ‫وتزن كل أمر مبيزان القسط‪ ،‬هي األمة التي تستطيع أن تؤثر‬ ‫من تتبع دين اإلسالم‪ ،‬وجد قواعده أصوالً وفروعاً كلها في‬ ‫بعقائد الناس وأخالقهم‪.‬‬ ‫ومن هنا تتبني مهمتها في الوجود‪ ،‬ولكن ال بد ألمة الوسط جانب الوسط وقال وهب بن منبه‪:‬‬ ‫من ميزان يضبطها ويوجهها دائماً التوجيه السوي‪ ،‬ويأتي‬ ‫( إن لكل شيء طرفني ووسطاً‪ ،‬فإذا أمسكت بأحد الطرفني‬ ‫الرسول الكرمي محمد صلوات الله وسالمه عليه‪ ،‬ليكون هذا‬ ‫مال اآلخ��ر‪ ،‬وإذا أمسكت بالوسط إعتدل الطرفان فعليكم‬ ‫املوجه ألمته‪ ،‬يوجهها دائماً الى الطريق السوي ‪ ،‬إنها األمة‬ ‫باألوساط من األشياء)‪.‬‬ ‫الوسط‪ ،‬وقد ورد في تفسير اآلية ما رواه أبو سعيد اخلدري‬ ‫رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫اللهم وفقنا التباع سبيلك الذي ترضاه‪ .‬وصلى الله على‬ ‫( يدعى نوح يوم القيامة‪ ،‬فيقول‪ :‬لبيك وسعديك يارب‪ ،‬سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعني واحلمد لله الذي‬ ‫فيقول ه��ل بلغت‪ ،‬ف��ي��ق��ول‪ :‬ن��ع��م‪ ،‬فيقال ألم��ت��ه‪ :‬ه��ل بلغكم؟ بنعمته تتم الصاحلات‪.‬‬

‫ ‬ ‫الهوامش واملراجع‬

‫____________________________________‬ ‫‪ -1‬تفسير املنار ‪ .4/2‬للشيخ محمد رشيد رضا‪ .‬مكتبة القاهرة‪/‬مصر‪.‬‬ ‫‪ -2‬رواه ابن ماجه في كتاب املناسك ( باب قدر حصي الرمي) ‪ 1008/2‬رقم ‪.3029‬‬ ‫‪ -3‬رواه مسلم في كتاب العلم ( باب‪ :‬هلك املتنطعون‪2055/4‬رقم ‪.)2670‬‬ ‫‪ -4‬تفسير ابن كثير‪.396/1‬‬ ‫‪ -5‬رواه البخاري مع الفتح في كتاب التفسير باب‪( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا)‪.‬‬ ‫‪-6‬راه اإلمام أحمد وإسناده على شرطيهما والنسائي في الكبرى حديث وهو حديث صحيح‪ .‬رقم ‪.11007‬‬

‫‪20‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وسطيتنا‬

‫الوسط ّية منهج حياة وتربية مستم ّرة‬ ‫الدكتور عبدالإله ميقاتي ‪ -‬لبنان‬ ‫وال��وس��ط�� ّي��ة ه��ي منهج ح��ي��اة أل ّن��ه��ا ت��دع��و إل���ى التوازن‬ ‫واإلعتدال بني الدين والدنيا‪ ،‬وبني املا ّدية واملثال ّية‪ ،‬وبني حقّ‬ ‫الفرد وحقّ اجلماعة‪ ،‬وبني ح ّرية الفرد وحقوق اآلخرين‪،‬‬ ‫فال يطغى طرف على طرف‪ ،‬وال جهة على أخ��رى‪ ،‬بل من‬ ‫كل طرف مبقدار‪.‬‬

‫الوسطي في هذه‬ ‫يكثر احلديث عن الوسط ّية والفكر‬ ‫ّ‬ ‫واإلسالمي‪ ،‬وتختلط املفاهيم عند‬ ‫العربي‬ ‫األيام في عاملنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كثير من الناس‪ ،‬حتى عند بعض املسؤولني في الدول العرب ّية‬ ‫واإلسالم ّية‪ ،‬فمنهم من يرى فيها سياسة الالموقف‪ ،‬ومنهم‬ ‫طعم أو رائحة‪ ،‬ومنهم من يفتّش‬ ‫من يرى أنها بال ٍ‬ ‫لون أو ٍ‬ ‫السياسي‪ ،‬ومنهم من يراها فقط في الدين‬ ‫عن مضمونها‬ ‫ّ‬ ‫والوسط ّية في السلوك‪ ،‬فضيلة بني رذيلتني‪ ،‬كالشجاعة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫الذل‬ ‫وسط بني‬ ‫وسط بني الته ّور واجل�بن‪ ،‬والتواضع‬ ‫والعبادات‪ .‬وكل واحد من هؤالء‪ ،‬يدور في حلقة واحدة يريد فهي‬ ‫لها أن تخدم مصلحته وموقفه‪ ،‬وموقعه‪.‬‬ ‫والتك ّبر‪ ،‬والق ّوة بني الضعف واإلرهاب‪ ،‬واالقتصاد بني البخل‬ ‫أشتقّ مصطلح الوسطية من كلمة “وسط”‪ ،‬وهي غال ًبا ما واإلسراف‪ ،‬والرفق واللني بني الضعف والعنف‪ ،‬واملداراة بني‬ ‫تستعمل للداللة على النوع أوالك ّم أوالزمان أواملكان‪ ،‬وهذا املداهنة والتشهير‪ ،‬واإلسرار بالنصيحة وسط بني السكوت‬ ‫هو املعنى املا ّد ّي املباشر لكلمة «الوسط»‪.‬‬ ‫عن احلقّ والفضيحة‪ .‬وكال الطرفني منبوذ ٌ ومرفوض‪.‬‬ ‫أ ّما «الوسط» كصفة من صفات األمة التي ذكرها القرآن‬ ‫الكرمي في وصفه ّ‬ ‫األم َة اإلسالمية في اآلية الكرمية‪{:‬وكذلك‬ ‫ً‬ ‫وسطا لتكونوا شهداء على الناس} (البقرة ‪-‬‬ ‫جعلناكم أ ّمة‬ ‫‪ ، )143‬فهي التي تكون في املنهج والفكر والسلوك واملمارسة‬ ‫والسياسة واإلدارة واالقتصاد والقضاء واإلع�لام والتربية‬ ‫وغير ذلك‪.‬‬

‫وه��ي‪ ،‬كما يقول اب��ن ق ّيم اجل��وز ّي��ة‪« :‬صفة لأل ّمة بأ ّنها‬ ‫تبقى دائ ًما في إطار احلقّ والعدالة‪ ،‬فال تتع ّداهما‪ ،‬وهي‬ ‫جتري وراء احلقّ عند أ ّية طائفة‪ ،‬فتأخذه وال تعاديها بسبب‬ ‫ما عندها من الباطل‪ ،‬وتضيف احلقّ الذي تقتبسه من هنا‬ ‫وهنالك إلى شخص ّيتها‪ ،‬ويكون صاحبها كاحلاكم العادل‬ ‫الذي يشهد على الطائفتني وميتحن احلقّ بينهما»‪.‬‬

‫والوسط ّية في اإلقتصاد‪ ،‬تدعو إلى تطوير مفهوم الرأسمال ّية‬ ‫اإلجتماع ّية‪ ،‬القائم على مبدأ ضمان احل��ر ّي��ة اإلقتصاد ّية‬ ‫والعدالة اإلجتماع ّية‪ ،‬وتأمني الكفاية‪ ،‬واحل��اج��ات املشبعة‬ ‫للمواطنني‪ ،‬وهي وسط بني اإلس��راف والتقتير {والذين إذا‬ ‫أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا‪ ،‬وكان بني ذلك قواما} (الفرقان‬ ‫ ‪ .)67‬وهي ترتكز على من ّو وازده��ار الطبقة الوسطى في‬‫املجتمع‪ ،‬التي يد ّل حجمها على مقدار العدالة االجتماعية فيه‪،‬‬ ‫كما أ ّن حجم الطبقة الوسطى هو دائماً ّ‬ ‫املؤشر على اإلستقرار‬ ‫والسياسي في املجتمع‪ ،‬وكلّما إتسعت هذه الطبقة‬ ‫اإلقتصادي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وإنتشرت إزداد بعده من الفقر واحلرمان والتط ّرف واإلحتقان‪،‬‬ ‫ولذلك فالوسط ّية في اإلقتصاد تنطلق من تنمية الفرد وقدراته‬ ‫إلى تنمية املجتمع واقتصاده‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪21‬‬


‫والوسط ّية في املمارسة الدين ّية‪ ،‬تكون في اإللتزام باألصول اإلختالف في الفروع واجلزئ ّيات‪ ،‬مع اإللتزام بأدب احلوار‬ ‫والثوابت التزا ًما‬ ‫أن «نتعاون في‬ ‫صحيحا ال لَبس فيه وال غموض‪ ،‬وتقبل ومبدأ أ ّنه “في النقاش تولد احلقيقة”‪ ،‬ومبدأ ّ‬ ‫ً‬ ‫اإلخ��ت�لاف ف��ي ال��ف��روع واجل��زئ�� ّي��ات‪ .‬ف�لا تقبل اإلف����راط أو ما إتفقنا عليه ويعذر بعضنا ً‬ ‫بعضا في ما إختلفنا حوله»‪.‬‬ ‫التفريط‪ ،‬أو الغل ّو أو التقصير‪ ،‬ألنها الصراط املستقيم‪ ،‬الذي‬ ‫“ألن اإلصالح عمو ّما ينطلق‬ ‫والوسط ّية تكون في اإلصالح‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫خطه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم‪ ،‬كما ورد في احلديث من وجهات نظر قد تكون متضاربة” ‪ -‬كما يقول الرئيس سليم‬ ‫ال��ن��ب ّ‬ ‫��وي الشريف ال��ذي ي��روي��ه اب��ن ماجه حيث ي��ق��ول‪“ :‬كنّا احلص في مؤمتر‪“ :‬الوسط ّية مشروع االنسا ّنية احلضاري”‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫“ويصح‬ ‫عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فخط خطا‪ ،‬وخط خطني ال��ذي عقد ف��ي طرابلس ف��ي ‪- 2008/4/13-11‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلقتصادي‬ ‫السياسي كما على اإلصالح‬ ‫عن ميينه‪ ،‬وخط خطني عن يساره‪ ،‬ثم وضع يده في اخلط هذا على اإلصالح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫{وأن هذا‬ ‫األوسط‪ ،‬وقال‪“ :‬هذا سبيل الله” ثم تال هذه اآلية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫والثقافي وغيره‪ .‬فال يستحيل مشروع اإلصالح‪،‬‬ ‫واإلجتماعي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫برنامجا تغيير ًيا‪ ،‬برسم التنفيذ عمل ًيا‪ ،‬إال‬ ‫صراطي مستقي ًما‪ ،‬فاتبعوه وال تتبعوا السبل فتف ّرق بكم عن في هذه امليادين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سبيله} (األنعام‪.)153 :‬‬ ‫باإلتّفاق بني أصحاب اآلراء املتباينة على خطوات عمل ّية‪،‬‬ ‫والوسط ّية في اإلدارة تدعو إلى الشفافية‪ ،‬وحتارب الفساد تترجم عمل ّية اإلص�لاح على أرض الواقع‪ .‬فاإلصالح‪ ،‬على‬ ‫جدلي‪ ،‬يستوجب النقاش‪ ،‬ويطلب‬ ‫وتنادي بالالمركزية اإلدارية على أسس علم ّية وحديثة‪ .‬كما املستويات كا ّفة‪ ،‬موضوع‬ ‫ّ‬ ‫تدعو إل��ى اإلمن��اء امل��ت��وازن بال متييز أو تفرقة بني منطقة‬ ‫صيغ مشتركة للحلول املطروحة‪.‬‬ ‫التوصل إل��ى توافق على‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وأخرى أو جماعة وأخرى‪.‬‬ ‫فالوسط ّية يفترض أن تكون رائ��د املتحاورين ح��ول قضايا‬ ‫والوسطية ف��ي القضاء‪ ،‬ه��ي العدالة التي ال تعني أب ًدا اإلصالح‪ ،‬وإّال ملا كان إصالح”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التوسط بني الظالم واملظلوم‪ ،‬وهي مالذ ٌ آمن لكل صاحب‬ ‫والوسط ّية‪ ،‬في اإلعالم‪ ،‬هي التي تسعى إلى نقل احلقيقة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ح��قّ ‪ ،‬واملرجتى لكل مظلوم‪ ،‬وهي تؤمن بإستقالل ّية القضاء وال��واق��ع إل��ى ال��ن��اس ب�لا زي���ادة أو نقصان‪ ،‬وتخاطب العقل‬ ‫وتدعو إلى نزاهته وجت ّرده عن ك ّل امليول واأله��واء‪ ،‬وحترص والفكر‪ ،‬وترفض مخاطبة الغرائز وإثارة النعرات‪ ،‬وهي تدعو‬ ‫على عدالته‪ ،‬وهي «العقل الراجح الذي يبحث عن العدالة» إل��ى تنمية العقل‪ ،‬وطلب العلم وص���والً إل��ى املعرفة‪ ،‬لتكون‬ ‫كما قال النائب روبير غامن رئيس جلنة اإلدارة والعدل في الشهادة على الناس‪ -‬كما ورد في اآلي��ة الكرمية‪“ :‬لتكونوا‬ ‫النيابي‬ ‫املجلس‬ ‫اللبناني أمام مؤمتر “دور وسائل االعالم في شهداء على الناس” – عن علم ومعرفة وعدل ودراية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعزيز ثقافة الوسط ّية” الذي أقامه منتدى الوسط ّية في لبنان‬ ‫ثبات في األه��داف ومرونة في‬ ‫والوسط ّية‪ ،‬في أساسها‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫في ‪ 20‬و‪ /21‬شباط‪ .2009 /‬وكما ش ّبهها ً‬ ‫أيضا بالقاضي الوسائل‪ ،‬ومالئم ٌة بني أخذ العبر من املاضي‪ ،‬والتعاطي مع‬ ‫الذي يحكم بالعدل بني امل ّدعي العام الذي يريد إنزال أقصى الواقع بإيجاب ّية واستشراف للمستقبل‪ ،‬ولذلك فهي‪ ،‬كما يقول‬ ‫العقوبات باملتهم واحملامي الذي يريد البراءة له‪.‬‬ ‫الرئيس جنيب ميقاتي‪“ :‬الوسط ّية فعل إرادة طوع ّية‪ ،‬وليست‬ ‫وال��وس��ط�� ّي��ة ف��ي الفكر أي ً‬ ‫��ض��ا‪ ،‬ي��ق��ول املفكر ت��وم��اس كول م��ن��اورة لتجنّب اإلص��ط��ف��اف أو اإلن���زالق ف��ي موقع الاللون‬ ‫��ري وهو ال��ذي ي��دور في حلقة والالقرار” إ ّنها فعل إرادة ينطلق من النفس وال��ذات بفضل‬ ‫ّ‬ ‫إن التفكير نوعان‪ ،‬تفكير دائ ّ‬ ‫واحدة‪ ،‬وتفكير منفتح يفسح املجال إلستنباط معارف جديدة‪ .‬التربية والتهذيب املستم ّرين‪.‬‬ ‫والوسط ّية في الفكر هي شك ٌل من أشكال التفكير املنفتح‪،‬‬ ‫وإذا تخ ّيلنا املجتمع على شكل دائ��رةٍ يتوزّع املتخاصمون‬ ‫ال��ذي يفسح املجال إلستنباط املعارف الكونية‪ ،‬التي تشكل على أط��راف��ه��ا ضمن مجموعات مختلفة‪ ،‬ميكننا أن نرى‬ ‫وتتوسط بني احللقات والدوائر‬ ‫احلقيقة العلم ّية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مسافة واحدةٍ من اجلميع‪.‬‬ ‫املتعددة‪ ،‬الوسط ّية في مركز الدائرة‪ ،‬على‬ ‫وتسعى لبناء املستقبل على أسس من الواقعية واملوضوعية‪ ،‬وتتمتّع بتفكير منفتح في ك ّل االجتاهات‪ ،‬تحُ قُّ ما تراه صائ ًبا‬ ‫أل ّنها صلة الوصل بني األصل والعصر‪ ،‬كما هي صلة الوصل‬ ‫وصحيحا عند هذا الطرف أو ذاك‪ ،‬وتنكر الباطل عندهم‬ ‫ً‬ ‫بني األطراف واإلنفتاح على اجلميع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تسفيه أو عدوان‪ .‬فالشهادة على األطراف املتخاصمة هي‬ ‫بال‬

‫والوسط ّية في السياسة هي املصاحلة الوطن ّية‪ ،‬وهي املساواة‬ ‫بني جميع املواطنني في احلقوق والواجبات‪ ،‬واحلر ّيات‪ ،‬وهي‬ ‫مشروع الدولة العادلة التي تعطي ك ّل ذي حقٍّ حقّه‪ ،‬وتضع‬ ‫مؤسسات الدولة‬ ‫الرجل املناسب في املكان املناسب‪ ،‬لتكون‬ ‫ّ‬ ‫في خدمة املواطنني جمي ًعا بال استثناء أو متييز‪ .‬وهي تدعو‬ ‫العسكري‬ ‫وإذا أخذت أجواء اخلصام بني األطراف الطاب َع‬ ‫ّ‬ ‫إلى تثبيت األمن ونشر اإلستقرار‪ .‬وهي تؤمن‬ ‫بالتعددية وحقّ‬ ‫ّ‬ ‫يرجح‪.‬‬ ‫واألمني ّ‬ ‫فإن طرف الدائرة األقوى عسكر ًّيا ّ‬ ‫ّ‬ ‫مبثابة حكم القاضي ال��ذي يحكم بالعدل بني املتخاصمني‪.‬‬ ‫وهي تستوجب التواصل اإليجابي مع اجلميع‪ ،‬للوقوف على‬ ‫حقائق األم��ور‪ ،‬واملشاركة في تسيير شؤون الدولة‪ ،‬والعيش‬ ‫الواحد حتت سقف الوطن‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫أ ّما إذا كانت أجواء اخلصام بني األطراف ضمن مؤسسات حيث يقف على طرفي الدائرة طبقتا األغنياء والفقراء‪ ،‬ك ّل‬ ‫ال���دول���ة‪ ،‬ف���إن األرج��ح�� ّي��ة ت��ك��ون ل��ط��رف األك��ث��ري��ة ف��ي هذه منهما في جانب‪ .‬وفي الوسط الطبقة الوسطى‪.‬‬ ‫املؤسسات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وإذا كانت الطبقة الوسطى‪ ،‬تش ّكل األكثرية في املجتمع‪،‬‬ ‫اإلقتصادي‪.‬‬ ‫أ ّما إذا كان التراشق إعالم ًّيا‪ ،‬فالتأرجح يكون بني الطرفني‪ ،‬كان اإلستقرار واإلزدهار سمة من سمات الوضع‬ ‫ّ‬ ‫وتصريح مضا ّد‪،‬‬ ‫بني تصريح‬ ‫أن الطبقة الوسطى ه��ي األك��ث��ر اهتما ًما‬ ‫ٍ‬ ‫وخطاب من هنا ور ٍّد من هناك‪ .‬يضاف إل��ى ذل��ك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وإذا كانت األوضاع تستدعي احلشو َد الشعبية في الشوارع‪ ،‬بإستقرار وتطوير االقتصاد عموماً‪ ،‬أل ّنها تريد أن تك ّرس‬ ‫ّ‬ ‫منطقة ملصاحلة هذا الفريق‪ ،‬وفي منطقة املكاسب التي حقّقتها وحتافظ عليها‪ ،‬وترفع من مستواها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فاملبارزة تكون في‬ ‫بينما تعمل طبقة الفقراء على تغيير األوض���اع‪ ،‬رغبة في‬ ‫أخرى لذاك الفريق‪ ،‬وهكذا دواليك‪...‬‬ ‫احلصول على حدود الكفاية من العيش‪.‬‬ ‫استقرار واضح‪،‬‬ ‫إن دائرة املجتمع تكون في حالة عدم‬ ‫ٍ‬ ‫أي‪ّ ،‬‬ ‫خالصة القول‪ ،‬ليست الوسطية‪ ،‬موق ًفا حيا ّد ًيا بني حقّ‬ ‫وتأرجح مستم ّر‪ ،‬وفي هذه األجواء اخلصام ّية‪ ،‬تنال الوسط ّية‬ ‫ٍ‬ ‫نصيبها م��ن التراشق م��ن ك�لا الطرفني‪ ،‬كونها ف��ي الوسط وباطل‪ ،‬أو بني فضيلة ورذيلة‪ ،‬وهي ً‬ ‫أيضا ليست موق ًفا توفيق ًيا‬ ‫بينهما‪ ،‬فيغيب عن الساحة خطاب العقل‪ ،‬ويحل محله خطاب ثال ًثا يؤ ّلف بينهما‪ ،‬فيأخذ عناصر من هذه‪ ،‬وعناصر من تلك‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫توليفة مر ّكبة‪ .‬سماتها العامة تتمثل في‬ ‫الغريزة الذي يرتكز على العصبية البعيدة ك ّل البعد عن التوازن ويجمع بينهما في‬ ‫ّ‬ ‫اإلعتدال واإلستقامة واخلير ّية واليسر ورفع احلرج والعدل‪،‬‬ ‫واالعتدال‪.‬‬ ‫وامل��وازن��ة بني اإلمكان ّيات والواجبات‪ ،‬بني الواقع واملرجتى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لذلك‪ ،‬كان على الوسط ّية الصمود في وجه العواصف أ ّوال‪ ،‬وهي عامل االستقرار في الوطن‪ .‬ولذلك فهي اخليار املستم ّر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وكلما ازدادت مساحتها ومناعتها أثرت إيجا ًبا في استقرار في املجتمع التع ّددي على أكثر من صعيد‪ ،‬وه��ي تستوجب‬ ‫دائرة املجتمع‪.‬‬ ‫منفتحا‪ ،‬لكي تتح ّول إلى‬ ‫تربي ًة مستم ّرة‪ ،‬وإراد ًه عاقلة‪ ،‬وفك ًرا‬ ‫ً‬ ‫وأسلوب في التفكير‪ ،‬والعمل والتحليل‪.‬‬ ‫وخير دليل على ذلك هو الوضع االقتصادي في دائرة املجتمع‪ ،‬منهج حياة‬ ‫ٍ‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪23‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫الكنائس املسيحية العربية‬ ‫في دائرة اخلطر الصهيوني‬ ‫الدكتور حممد رحال ‪ -‬ال�سويد‬ ‫‪ ‬أجزم أن اكثر الطوائف مظلومية في بلدان الشرق العربي‬ ‫املسلم هم أبناء الطائفة املسيحية العربية‪ ،‬وما أقوله ليس‬ ‫إدعاء‪ ،‬وإمنا هو روي التاريخ وواقع اإلحصائيات على األرض‪،‬‬ ‫ومما يؤسف له أن هذا الظلم ينسب دائما الى العروبة تارة‪،‬‬ ‫وإلى اإلسالم في غالب األحوال‪ ،‬وأمام رمي العرب واإلسالم‬ ‫بهذا اإلتهام‪ ،‬والذي يأتي الى بالدنا مستوردا عبر احلدود‪،‬‬ ‫وأمام خجل أبناء العروبة واإلسالم عن الرد‪ ،‬فقد كان دحض‬ ‫ه��ذه اإلتهامات كثيرا ما يأتي عبر املتنورين من أبناء هذه‬ ‫الطائفة ال��ك��رمي��ة وال��ذي��ن ع��اش��وا إخ���وة وج��ي��ران��ا متحابني‬ ‫الى جانبنا‪ ،‬وأديرتهم التاريخية وكنائسهم وقراهم اجلميلة‬ ‫والثقافة العربية التي حملوها وكانوا روادها دليل على تعايش‬ ‫طويل عمره مئآت السنني من الود ‪.‬‬ ‫ومع إشتعال املنطقة طوال وعرضا باإلختالفات املذهبية‬ ‫املستوردة‪ ،‬فقد بقي املسيحيون عبر هذا التاريخ في منأى عن‬ ‫تلك الصراعات العاصفة ومع ذلك فإن عوامل شرر األذى لم‬ ‫يأتهم يوما من املسلمني‪ ،‬وإمنا كان غربيا خارجيا‪ ،‬ومن أمم‬ ‫ا ّدعت احلضارة‪ ،‬وا ّدعت حمل راية التسامح واحلب املسيحي‪،‬‬ ‫ومت ّثل ذلك في مراحل ثالث‪ ،‬كان أولها احلروب التي شنتها‬ ‫اإلمبراطورية البيزنطية من أجل فرض رأيها الكنسي على‬ ‫رع��اي��ا ال��ش��رق ورهبانها ‪ ‬والتي ب��دأت منذ املجمع الكنسي‬ ‫األول في نيقية عام ‪ 325‬والتي إنتهت إلى رفض آراء أريوس‬ ‫وأتباعه والذين قالوا برب واحد أحد‪ ‬أزلي للكون وأن املسيح‬ ‫بشر مخلوق‪ ،‬وحرقت كتب اريوس وطورد اتباعه‪ ،‬ثم طاردت‬ ‫السلطة البيزنطية بعد ذل��ك رهبان الشرق والذين سعدوا‬ ‫بالفتح العربي اإلسالمي إلى درجة أطلق الرهبان العرب على‬ ‫عمر بن اخلطاب اسم الفاروق بالسريانية أي املخلص‪ ،‬وكذلك‬ ‫‪24‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫شمل ه��ذا اخل�لاص الكنيسة القبطية ف��ي مصر وشعبها‪،‬‬ ‫وكان االضطهاد الثاني على يد الصليبيني والذين نهبوا كل‬ ‫الكنائس الشرقية باعتبارها مصادر للشرك والهرطقة‪ ،‬ولعل‬ ‫أسوأ ما متر به الكنائس من حروب منظمة هي التي نعايشها‬ ‫اليوم والتي ب��دأت جذورها منذ عام ‪ 1860‬في جبل لبنان‪،‬‬ ‫حيث تسكن تلك املنطقة غالبية مسيحيي لبنان من الطائفة‬ ‫املارونية ‪.‬‬ ‫‪ ‬ومع أن لبنان بطبقاته املتنوعة شهد قيادة طليعية للثقافة‬ ‫العربية املبكرة احلديثة والتي كانت بواكيرها على يد رجال‬ ‫فكر مسيحيني بسبب انتشار امل��دارس في ربوع جبل لبنان‪،‬‬ ‫إال أن تلك الثقافة لم تكن من أج��ل إيجاد ثقافة مسيحية‬ ‫فئوية طائفية‪ ،‬وإمنا كانت ثقافة عربية حديثة رفعت من ِشان‬ ‫الثقافة العربية احلديثة املعاصرة‪ ،‬وعندما يعد رجال الثقافة‬ ‫العربية‪ ،‬فإننا نحصي أكثر من نصف العدد اإلجمالي من‬ ‫املثقفني العرب واألدب���اء والشعراء من لبنان أو ممن تخرج‬ ‫من مدارس لبنان‪ ،‬هذا البلد الصغير الذي كانت فيه املطابع‬ ‫العربية قبل أي بلدعربي اخر‪ ،‬وكان قادة األحزاب اللبنانية‬ ‫املسيحية وبالرغم من اإلنتماء الديني املسيحي فإن اإلنتماء‬ ‫إلى الوسط العربي هو اإلنتماء السائد‪ ،‬وأن يسمي أحد أركان‬ ‫األح���زاب املسيحية‪ ‬ولديه أم�ين وبشير‪ ،‬وهما اس��م��ان من‬ ‫أسماء محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فهذا دليل واضح للعقلية‬ ‫املسيحية العربية والتي متازجت بعقليتها مع الثقافة العربية‬ ‫واإلسالمية وتعشقت بها‪ ،‬وكان املسيحيون العرب املهاجرون‬ ‫األوائل للبلدان األوروبية واألمريكية هم املدافعني عن العروبة‬ ‫واإلس�لام‪ ،‬وجبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وميخائيل‬ ‫نعيمة وغيرهم كثيرون شهود على ذلك‪ ،‬وقدم الكثير منهم‬ ‫روحه رخيصة من أجل حترير األرض‬ ‫ش���رك���اء ف���ي ال����دم م���ع ش���ه���داء ال��ت��ح��ري��ر األوائ������ل‪ ،‬وكان‬


‫السياسيون منهم ومن أبرزهم شيخ السياسة العربية فارس‬ ‫اخل��وري اللبناني األص��ل وال��ذي اختاره شعب سورية املسلم‬ ‫وزي��را لألوقاف في بعض سنوات حكمه‪ ،‬وه��ذا الوضع في‬ ‫لبنان وسورية ال يختلف أبدا عن أشباهه في أنحاء املشرق‬ ‫العربي واإلسالمي‪ ،‬ومن يذهب إلى القرى املسيحية في بالد‬ ‫الشام والعراق يحس بهذا اإلئتالف ‪.‬‬ ‫‪ ‬لم يسجل التاريخ الطويل يوما عدوانا من تلك القرى على‬ ‫جبرانها او عدوانا من الطرف اآلخر عليها‪ ،‬وهذا األمر هو‬ ‫عني الشيء في مصر والتي يوحد النيل الواحد‪ ‬وعلى ضفتيه‬ ‫بني شعب واحد مكون من مسلمني وأقباط ‪.‬‬ ‫‪ ‬حكماء آل صهيون األشكناز(عشق ناز) والذين هم من اصل‬ ‫تتاري خزري وثني متصوف والذين متكنوا من إحتالل الدين‬ ‫اليهودي وشطره الى أقسام‪ ،‬والذين متكنوا من السيطرة على‬ ‫الفكر اليهودي وحتويله إل��ى فكر صهيوني يخدم األغراض‬ ‫الشريرة حلكماء الرعيل األول للفكر الصهيوني االكثر شراَ‪،‬‬ ‫هؤالء الشياطني واالبالسة متكنوا من االنتشار في إمبراطوريات‬ ‫العالم األوروب���ي والسيطرة عليه فكريا وماليا وإعالميا ثم‬ ‫السيطرة عليه دينيا‪ ،‬متكنوا إيضا وفي نفس الوقت من القفز‬ ‫على أجزاء كبيرة من مواقع النفوذ في األمة اإلسالمية منذ‬ ‫قرون وشق الدين اإلسالمي إلى فرق مختلفة يسيطرون على‬ ‫قممها مع اإلدعاء أنهم من ساللة طاهرة وشريفة تقود العالم‬ ‫اإلسالمي إلى حروب طاحنة وتطحن رحاها أبناء الرحم الواحد‬ ‫وتشيع بهم قتال وتدميرا وبأسماء وحروب وشعارات مقدسة‪،‬‬ ‫نفس تلك العصابة الشريرة حتاول وعلى مدى قرنني من الزمن‬ ‫تفكيك الكنائس الشرقية وتفتيتها والولوج فيها‪ ،‬وحرب اإلفناء‬ ‫املباشرة على يد أعوان الشر األمريكي الصهيوني في العراق‬ ‫ممثال مبيليشيات الشر الصهيوني األسود وميثل وجها واضحا‬ ‫لهذه احلروب التي يراد منها استئصال الشرق من مسيحييه‬ ‫والتخلص منهم وإفناؤهم أو تشريدهم ونسب هذا التشريد‬ ‫للعروبة واإلسالم‪ ،‬والعروبة واإلسالم يلعنان كل من متتد يده‬ ‫بشر أو سوء الى إخوة وجيران لنا ‪.‬‬

‫في مصر أهم العقبات أمام محاوالت حتطيم وصهينة الكنيسة‬ ‫القبطية وأتباعها وجرها الى تبعية الكنائس االوروبية والتي‬ ‫عشعش الفكر الصهيوني وباض فيها وفرخ‪ ،‬وكان قبله مكرم‬ ‫عبيد من أبرز رجاالت النضال والوحدة في مصر‪،‬وبرز آباء‬ ‫الكنيسة في فلسطني احملتلة كعناوين بارزة في صمود حقيقي‬ ‫ومشرف ومن أبرز روادها األب الدكتورعطا الله حنا واملطران‬ ‫كبوجي وغيرهم كثيرون ممن وقفوا باجسادهم مباشرة أمام‬ ‫آلة الشر الصهيوني‪.‬‬ ‫‪ ‬إن التسامح الكبير في الشرق بني املسلمني واملسيحيني لم‬ ‫يعكره اإل تدخل الغرب املتصهني في شؤوننا الداخلية‪ ،‬وهاهي‬ ‫بيوت ال��ع��ب��ادة ف��ي شرقنا املتسامح لكال الطرفني تتقارب‬ ‫وتتجاور وه��ي متتلئ بالعباد م��ن الطرفني‪ ،‬ومعهم يتجاور‬ ‫ويتحاور األئمة والرهبان‪ ،‬فالكنائس في دمشق وحلب وبيروت‬ ‫وبغداد وطهران والقاهرة جتاور املآذن في مشاهد يفتقدها‬ ‫الغرب ومدعو احلضارة والذين حرموا املسلمني حتى من‬ ‫مجرد بناء مسجد أو مئذنة‪ ،‬وحتى من تذوق الطعام احلالل‬ ‫أو وض��ع قطعة قماش تغطي ال���رأس‪ ،‬وم��ا يحصل في هذه‬ ‫األي��ام من إقتتال ومحن وإشعال حروب وفنت وضغائن يعود‬ ‫بأغلبه الى سياسات المتثل روح أمتنا من كال اجلانبني‪ ،‬وإمنا‬ ‫متثل سياسة حكام إرتهنوا ورهنوا األمة ملشروع صهيوني هم‬ ‫أهم أدواته ‪.‬‬

‫‪ ‬إن متاسك‪ ‬وصمود الشرق املسيحي العربي أمام اإلجتياح‬ ‫الصهيوني هو مفخرة لنا جميعا‪ ،‬وهو هدف صهيوني جنح‬ ‫ف��ي إب��ع��اد قسم كبير‪ ‬منهم وذل��ك ف��ي مخطط إلف��ن��اء هذه‬ ‫القلة املتماسكة في وجه الصهيونية‪ ،‬ومع هذا اإلبعاد والنفي‬ ‫لهذه اجلالية فقد بقيت في غالبيتها جالية متمسكة بعادإتها‬ ‫وتقاليدها معتزة بانتمائها االصيل ممثلة بجالية محترمة‬ ‫‪ ‬ولقد ساهم صمود شخصيات دينية ووطنية مسيحية في ومثقفة‪ ،‬في وق��ت إنسلخ فيه الكثيرون من أبناء أمتنا عن‬ ‫إفشال هذا املخطط الصهيوني و مثل بابا الكنيسة القبطية أصالتهم‪ ،‬وارتضوا أن يكونوا أدالء للغرب الجتياح بالدهم ‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪25‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫األقصى في خطر وال صالح له‬ ‫الأ�ستاذ اياد احمد ‪ -‬العراق‬ ‫يحتل املسجد األقصى مكانة سامية في قلوب املسلمني‬ ‫أينما كانوا‪ ،‬فهو أولى القبلتني وثاني املسجدين وثالث احلرمني‬ ‫تشد اليها الرحال‪،‬‬ ‫الشريفني‪ ،‬وأح��د املساجد الثالثة التي‬ ‫ّ‬ ‫وال��ص�لاة فيه ت��ع��دل خمسمائة ص�ل�اة‪ ،‬وف��ي أكنافه ترابط‬ ‫الطائفة املنصورة كما ورد في األحاديث الشريفة‪ ،‬وارتبط‬ ‫باملسجد احلرام ارتباطا وثيقا في رحلة اإلسراء العظيمة التي‬ ‫{سبْ َحا َن ا َّلذِ ي أَ ْس َرى‬ ‫أشار اليها القران الكرمي بقوله تعالى‪ُ :‬‬ ‫َ‬ ‫ِب َعبْدِ ِه لَيْ ً‬ ‫ال مِ َن امل َ ْس ِجدِ ا َ‬ ‫صى ا َّلذِ ي بَا َر ْكنَا‬ ‫رام الى امل َ ِ‬ ‫سجدِ األ ْق َ‬ ‫حل ِ‬ ‫السمِ ي ُع البَ ِصير } اإلسراء‪.1 /‬‬ ‫َح ْولَ ُه ِلنُرِ يَ ُه مِ ْن آيا ِتنَا ِإ َّن ُه ُه َو َّ‬ ‫‪ ‬لقد وضع الله ع ّز ج ّل بهذه اآلية الكرمية وهذه الوثيقة الربانية‬ ‫مسؤولية رعاية ه��ذا املسجد وحمايته في أعناق املسلمني‬ ‫واستأمنهم عليه‪ ،‬ألنهم هم وحدهم ورث��ة رس��االت األنبياء‬ ‫ويؤمنون بجميع أنبياء الله ورسله وكتبه وال يفرقون بني أحد‬ ‫منهم‪ ،‬وصارت هذه الوثيقة آية تتلى آناء الليل وأطراف النهار‬ ‫في أرجاء املعمورة مذ ّكرة املسلمني مبسؤوليتهم العظيمة جتاه‬ ‫ّ‬ ‫ومحذرة إياهم من نسيان هذه املسؤولية‪.‬‬ ‫األقصى وما حوله‬ ‫فال عجب أن يعيش األقصى في شعور وضمير املسلم أينما‬ ‫ح ّل ون��زل‪ ،‬وال عجب أن تكون مشكلة فلسطني ذاتها قضية‬ ‫كل مسلم على وجه األرض عربيا كان أو غير عربي‪ ،‬ومهما‬ ‫حاولت ق��وى التآمر العاملية إختزالها وحتويلها من قضية‬ ‫إسالمية كبرى الى قضية عربية أو قضية إقليمية أو مجرد‬ ‫قضية للفلسطينيني وحدهم‪ ،‬فإن املسجد األقصى سيبقى هو‬ ‫الرباط الذي يربط املسلمني أينما كانوا بهذه األرض املباركة‪.‬‬ ‫وتأتي احملاوالت االسرائيلية األخيرة لتدنيس املسجد وإفتتاح‬ ‫ما يسمى (كنيس اخل��راب) لتعيد األقصى الى ذاكرة املسلم‬ ‫وال��ى واجهة األح��داث‪ ،‬ولتؤكد من جديد النية املب ّيتة لهذا‬ ‫الكيان الغاصب على هدم هذا املوقع املبارك وبناء (الهيكل‬ ‫‪26‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ال��ث��ال��ث) امل��زع��وم على أن��ق��اض��ه‪ ،‬وليدخل اإلع��ت��داء اجلديد‬ ‫ض��م��ن سلسلة اإلع����ت����داءات االس��رائ��ي��ل��ي��ة امل��ت��واص��ل��ة على‬ ‫املسجد األق��ص��ى منذ احتالله ف��ي ع��ام ‪ 1967‬حيث بدأت‬ ‫احلفريات واألن��ف��اق بحجة البحث عن آث��ار هيكل سليمان‪.‬‬ ‫ولعل محاوالت اإلع��ت��داء والتخطيط لعمليات احلفر بدأت‬ ‫قبل ذل��ك ال��ت��اري��خ بكثير‪ ،‬ألن التخطيط الغتصاب احلرم‬ ‫ب���دأ م��ع دع���م بريطانيا االس��ت��ع��م��اري��ة للحركة الصهيونية‬ ‫حال قيامها أواخ��ر القرن التاسع عشر‪ ،‬وقد تولى “باركر”‬ ‫البريطاني عام ‪ 1911‬رئاسة بعثة بريطانية إلجراء حفريات‬ ‫ف��ي منطقة احل����رم‪ ،‬وف��ل��س��ط�ين ال ت���زال ج���زءا م��ن الدولة‬ ‫العثمانية‪ ،‬ولكن عمليات البعثة أخفقت نتيجة رد الفعل احمللي‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬وإث��ارة القضية في مجلس املبعوث العثماني‪.‬‬ ‫أما اآلن واألقصى أسير بني أيديهم‪ ،‬وقادة العرب صامتون‪،‬‬ ‫ومنظمة اليونسكو تقف مكتوفة األي��دي ال حول لها وال قوة‬ ‫وال تستطيع اإلعتراض كما اعترضت على هدم متاثيل بوذا‪،‬‬ ‫وال��ق��وة العظمى ف��ي العالم تقف خلفهم‪ .‬فكيف ال يحاول‬ ‫الصهاينة فعل ك��ل م��ا م��ن شأنه التعجيل بهدم األقصى؟!‬ ‫متبعني ف��ي ذل��ك سياسة اخل��ط��وة خطوة والنفس الطويل‪،‬‬ ‫فهم ال يقبلون على اخلطوة التالية حتى يقوموا بقياس ردود‬ ‫األفعال جتاه اخلطوة التي سبقتها‪ ،‬فإن رأوا أن ردود األفعال‬ ‫قوية يتوقفون حتى تهدأ األم��ور ويخططون للخطوة املقبلة‬ ‫في صمت وهدوء‪ ،‬أما إذا رأوا أن ردود األفعال هزيلة فإنهم‬ ‫ميضون في مخططاتهم حتى حتقيق أهدافهم الشيطانية‪.‬‬ ‫وقد أطلق العديد من املهتمني بشؤون األقصى صيحات اإلنذار‬ ‫من اخلطر احمل��دق بهذا املوقع املبارك ويعتبرون أن هدمه‬ ‫أصبح مجرد مسألة وقت بسبب األنفاق العديدة التي حفرتها‬ ‫قوات اإلحتالل حتت أساساته‪ ،‬ولكن هذه الصيحات يبدو أنها‬


‫صيحة في واد ونفخة في رماد ولم جتد آذانا صاغية حتى االن‪.‬‬ ‫أما عن قصة الكنيس اجلديد واملسمى كنيس اخل��راب (ها‬ ‫حوربا) الذي‪ ‬يفتتحه اليهود املتطرفون بجوار املسجد األقصى‬ ‫على أنقاض ح��ارة (الشرف اإلسالمية) التي قام الصهاينة‬ ‫بتحويلها إلى ما تسمى ح��ارة اليهود بعد أن هدمت وبدلت‬ ‫معاملها‪ ،‬فهي تعود الى نبوءة مزعومة أطلقها حاخام بولندي‪.‬‬ ‫ويعود تاريخ الكنيس حسب الرواية اليهودية إلى القرن الثامن‬ ‫عشر امليالدي حيث قدمت مجموعة من اليهود بلغ تعدادهم‬ ‫على خالف من ‪ 300‬إلى ‪ 1000‬شخص من بولندا في ‪ 14‬أكتوبر‬ ‫‪ 1700‬م ‪ ،‬وقاموا بجمع أموال طائلة لرشوة بعض عمال الدولة‬ ‫العثمانية حتى يقوموا ببناء معبد حوربا على أنقاض معبد‬ ‫قدمي حسب زعمهم ‪ ،‬ولكن بشكل اكبر وأوسع ومت البناء للمعبد‬ ‫الذي لم يكن يعرف باسم اخلراب بعد‪ ،‬إال أن عدم دفع مبلغ‬ ‫الرشوة والديون الباهظة على تلك اجلماعة وارتفاع تكاليف‬ ‫البناء أدى الى عدم اكتمال البناء وبالتالي مصادرة وهدم املبنى‬ ‫من جديد في ‪ 1721‬وظل املعبد خرابا طيلة ‪ 89‬عاما ولذلك‬ ‫سمي بكنيس اخلراب نسبة للخرابة التي أحدثها هدم املعبد‪.‬‬ ‫فى تلك األثناء قام احلاخام الصهيوني‪ ،‬البولندي اجلنسية‬ ‫«إيليا بن شلومو زملان»‪ ،‬املعروف باسم «جاؤون فيلنا»‪ ،‬بزيارة‬ ‫ملدينة ال��ق��دس وتنبأ خ�لال زي��ارت��ه ب��أن بناء هيكل سليمان‬ ‫سيكون فى النصف الثاني من الشهر الثالث من عام ‪2010‬‬ ‫بعد االنتهاء من بناء كنيس «ه��ا حوربا» فى مدينة القدس‬ ‫ال��ق��دمي��ة‪ ،‬م���ؤك���داً أن ذل���ك ال��ك��ن��ي��س سيبنى ث��م ي��ه��دم مرة‬ ‫أخ��رى ثم يعاد بناؤه للمرة الثالثة والتي أك��د أنها ستحمل‬ ‫لليهود اإلذن ببناء هيكل سليمان ال��ث��ال��ث‪ ،‬حسب زعمه‪.‬‬ ‫لم تكن تلك النبوءة مجرد ك�لام‪ ،‬ولكنها ص��ارت عقيدة فى‬ ‫نفوس آل صهيون‪ ،‬ففي عام ‪ ،1808‬وصل القدس عدد من‬ ‫تالميذ «ج��اؤون فيلنا» وح��اول��وا إع��ادة بناء الكنيس‪ ،‬إال أن‬ ‫السلطات العثمانية منعت ذل��ك‪ ،‬حماية للعرب الذين كانوا‬ ‫يسكنون فى األرض احمليطة بالكنيس املهدم‪ .‬إال أن اليهود‬ ‫انتهزوا وقوع زل��زال عام ‪ 1834‬وطالبوا مجدداً ببناء كنيس‬ ‫«ها حوربا» وقاموا بجمع تبرعات لبناء كنيسهم من كل يهود‬ ‫العالم‪ ،‬وبعد سبع سنوات اكتمل بناء الكنيس فى عام ‪.1864‬‬ ‫وظ��ل الكنيس على حاله حتى ‪ 1948/5/25‬عندما حاصر‬ ‫اجليش األردن���ي بقيادة عبد الله التل مجموعة م��ن قوات‬ ‫ال��ه��اج��ان��ا وط��ل��ب م���ن ال��ص��ل��ي��ب األح���م���ر أن ي��خ��رج جميع‬ ‫املتمركزين داخل كنيس حوربا حتى ال تقوم القوات األردنية‬ ‫ب��ق��ص��ف ال��ك��ن��ي��س‪ ،‬فيستغل ال��ص��ه��اي��ن��ة ال��ك��ن��ي��س كمعسكر‬ ‫ح��رب��ي ورف��ض��ت ق���وات الهاجانا اخل���روج م��ن الكنيس وفي‬ ‫‪ 1948/5/26‬أع��ط��ى عبد ال��ل��ه ال��ت��ل ق���وات الهاجانا مهلة‬ ‫‪ 12‬س��اع��ة للخروج وإال يقصف الكنيس وبالفعل مت هدم‬

‫الكنيس ف��ي ال��ي��وم التالي ‪ ،‬حتى ال يظل ذري��ع��ة لعصابات‬ ‫الهاجانا بالتمركز فيه واعتباره معسكراً بدالً من دار عبادة‪.‬‬ ‫بعد أن إح��ت��ل الصهاينة مدينة ال��ق��دس ع��ام ‪ 1967‬بدأت‬ ‫تظهر املطالبات بإعادة بناء كنيس حوربا من جديد‪ ،‬إال أن‬ ‫حاخامات الدولة إكتفوا ببناء قوس تذكاري لهذا الكنيس‪.‬‬ ‫ظهرت فكرة إع��ادة إحياء بناء كنيس (حوربا اخلراب)‪ ‬من‬ ‫جديد في بداية عام ‪ ، 2000‬إال أن املشروع أقر في بدايات‬ ‫العام ‪ ،2001‬وبالفعل ب��دأت شركة (تطوير احلي اليهودي)‬ ‫ببناء الكنيس على أن يتم إفتتاح الكنيس يوم ‪.2010/3/15‬‬ ‫وه��ك��ذا ميضي الصهاينة ف��ي سياساتهم لتحقيق حلمهم‬ ‫ببناء الهيكل الثالث على أنقاض احل��رم القدسي الشريف‪،‬‬ ‫وي��واص��ل��ون م��ح��اوالت��ه��م ع��ام��ا بعد ع���ام‪ ،‬وي��خ��ط��ون خطوات‬ ‫وئ��ي��دة لتحقيق هدفهم‪ ،‬ويبقى الفلسطينيون لوحدهم في‬ ‫س��اح��ة امل��واج��ه��ة متحملني ع���بء ال��دف��اع ع��ن املقدسات‪..‬‬ ‫ف��������ه��������ل م�����������ن إس��������ت��������ف��������اق��������ة ق��������ب��������ل األوان؟‪..‬‬ ‫لقد كانت األمة االسالمية في فترة احلروب الصليبية تعيش‬ ‫حالة شبيهة مبا هي عليها اليوم من تفرق وتنازع وتقاعس عن‬ ‫اجلهاد‪ ،‬فهيأ الله لها قائدا مسلما كرديا هو الناصر (صالح‬ ‫الدين األي��وب��ي)‪ ،‬ال��ذي أكمل مسيرة املجاهد العظيم امللك‬ ‫العادل (نورالدين زنكي) ووحد صفوف املسلمني ول ّم شملهم‬ ‫وقادهم في مالحم اجلهاد الكبرى ضد الصليبيني بعد استغاثة‬ ‫شجية جاءته من شاعر على لسان األقصى السليب تقول‪:‬‬ ‫ي���ـ���ـ���ا أي���ـ���ه���ا امل���ـ���ـ���ل���ك الــذي‬ ‫ـس‬ ‫مل��ـ��ع��ـ��ال��ـ��م ال ُ‬ ‫��ص��ـ��ل��ـ��ب��ـ��ان ن ّك ْ‬

‫ج������ـ������اءت إل����ي����ـ����ـ����ك ظ��ل�ام���� ٌة‬

‫س‬ ‫تشــكو م��ن البيــت املقـ ّـد ْ‬

‫ك������ل امل����س����ـ����ـ����اج����د ُط���� ّه����ـ����رت‬

‫���س‬ ‫وأن��ـ��ـ��ا ع��ل��ـ��ـ��ى ش��ـ��رف��ي أُد ّن���ـ ْ‬

‫فلم يهنأ رحمه الله بنوم وال راحة وال طعام حتى حرر القدس‬ ‫وأعادها الى جسد األمة‪ ..‬وكم من استغاثة تنطلق اليوم على‬ ‫لسان املسجد األسير‪ ،‬ومن أف��واه النساء الثكالى واألطفال‬ ‫اليتّم والشيوخ الر ّكع في فلسطني‪ ،‬فال أحد يستجيب لها‪..‬‬ ‫ملء أفواه الصبايا اليت ِّـم‬ ‫ُر ّب وامعتصماه انطلقت‪ ‬‬ ‫املعتصم‬ ‫لم تالمس نخوة‬ ‫المسـت أسمـاعهـم لكنها ‬ ‫ِ‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪27‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫محمد صلى الله عليه وسلم‬ ‫في ضمير العالم‬ ‫الدكتور حممد حب�ش ‪� -‬سوريا‬ ‫ما لم يقله اإلعالم العاملي بعد اإلساءات املتكررة للرسول‬ ‫الكرمي فهو مواقف العلماء واحلكماء من مختلف بقاع األرض‬ ‫في بيان رسالة النبي الكرمي وعطائه وكفاحه وجهاده وما‬ ‫أجنزه للبشرية من خير وفضل‪.‬‬

‫ورمبا ال يتعني علينا إنتظار ذلك فاإلعالم الغربي عموماً‬ ‫مبني على اإلث��ارة وألج��ل ذل��ك فإنه ال يبدي إهتماماً كافياً‬ ‫بالقضايا الوقورة الهادئة التي ال تصلح للمانشيتات العريضة‬ ‫املثيرة على صفحات اجلرائد األولى‪.‬‏‬

‫أم��ا الفيلسوف البريطاني ج��ورج برنادشو فقد حتدث‬ ‫بإكبار عن النبي الكرمي فقال‪( :‬لقد درست محمداً بإعتباره‬ ‫رج ً‬ ‫ال مدهشاً‪ ،‬فرأيته بعيداً عن مخاصمة املسيح‪ ,‬بل يجب أن‬ ‫يدعى منقذ اإلنسانية ‪ ,‬وأوروبا بدأت في العصر الراهن تفهم‬ ‫عقيدة التوحيد ‪ ,‬ورمب��ا ذهبت إلى أبعد من ذل��ك‪ ،‬فتعترف‬ ‫ب��ق��درة ه���ذه ال��ع��ق��ي��دة ع��ل��ى ح��ل مشكالتها بطريقة جتلب‬ ‫السالم والسعادة ! فبهذه ال��روح يجب أن تفهموا نبوءتي)‪.‬‏‬

‫(إذا حكمنا على العظمة مبا كان للعظيم من أثر في الناس‪،‬‬ ‫رمبا كان تفسير ذلك ما نراه في هذا املوسم بالذات من قلنا إن محمداً رسول املسلمني أعظم عظماء التاريخ ‪ ،‬فقد‬ ‫شهر املولد بحيث تزدان الشوارع والساحات كما لم يكن من كبح جماح التعصب واخل��راف��ات ‪ ،‬وأق��ام ديناً واضحاً قوياً‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قبل‪ ،‬وتشهد املدن السورية على سبيل املثال عرسا حقيقيا من استطاع أن يبقى إل��ى يومنا ه��ذا ق��وة ذات خطر عظيم)‪.‬‏‬ ‫الزينة والبهجة واحملبة‪ ،‬في رغبة مباشرة باإلعالن عن الوفاء‬ ‫للنبي الكرمي وإعالن مزيد من احلب في مواجهة ما تنشره‬ ‫(ل���م ي��س��ج��ل ال��ت��اري��خ أن رج ً‬ ‫��ل�ا واح�����داً‪ ،‬س���وى محمد‪،‬‬ ‫الصحافة الغربية من اإلسالموفوبيا‪.‬‏‬ ‫ك����ان ص���اح���ب رس���ال���ة وب���ان���ي أم�����ة‪ ،‬وم���ؤس���س دول�����ة هذه‬ ‫كثيرون حتدثوا في الغرب عن النبي الكرمي وفاء جلهاده ال��ث�لاث��ة ال���ت���ي ق����ام ب��ه��ا م��ح��م��د‪ ،‬ك���ان���ت وح�����دة متالحمة‪،‬‬ ‫وكفاحه‪ ،‬وفي قائمة طويلة ميكنك أن تقرأ لتولستوي وبرناردشو وك���ان ال��دي��ن ه��و ال��ق��وة ال��ت��ي ت��وح��ده��ا على م��دى التاريخ)‪.‬‏‬ ‫ونلسون مانديال وغوته وتوينبي وال مارتني وفولتير وتوينبي‬ ‫وغوستاف لوبون وبوشكني مواقف كثيرة في ذكر مجد النبي الكرمي‏‪.‬‬ ‫وف���ي ال���والي���ات امل��ت��ح��دة األم��ري��ك��ي��ة ك��ت��ب م��اي��ك��ل هارت‬ ‫يقول تولستوي احلكيم والشاعر الروسي الكبير‪( :‬يكفي ك��ت��اب��ه ال��ش��ه��ي��ر‪ :‬امل��ائ��ة األوائ����ل وحت���دث ف��ي��ه ع��ن أه���م مائة‬ ‫محمداً فخراً أن��ه خلص أم��ة من مخالب شياطني العادات رج��ل في التاريخ‪ ،‬في قائمة تضم علماء وخبراء وفالسفة‬ ‫الذميمة وف��ت��ح على وج��وه��ه��م ط��ري��ق ال��رق��ي وال��ت��ق��دم‪ ,‬وان وأنبياء وفاحتني وأباطرة وحني قصد ترتيب األسماء اختار‬ ‫شريعة محمد ستسود العالم إلنسجامها مع العقل واحلكمة )‏ داروي��ن في املرتبة العشرين وأينشتاين في املرتبة العاشرة‬ ‫ويقول جوته الفيلسوف االمل��ان��ي وأب��رز شعرائها ‪ ( :‬إننا والو تسي مكتشف ال���ورق ف��ي السابعة وجوتنبرج مخترع‬ ‫أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه ال��ط��ب��اع��ة ف��ي ال��س��ادس��ة وك��ون��ف��وش��ي��وس حكيم ال��ص�ين في‬ ‫محمد وس��وف ال يتقدم عليه اح��د‪ ,‬وق��د بحثت في التاريخ اخلامسة وب��وذا حكيم الهند في الرابعة والسيد املسيح في‬ ‫ع��ن مثل أع��ل��ى ل��ه��ذا اإلن��س��ان فوجدته ف��ي النبي محمد)‪.‬‏ الثالثة ونيوتن مكتشف اجلاذبية عماد الفيزياء احلديثة في‬

‫‪28‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫املرتبة الثانية‪ ،‬ولكنه لم يتردد أب��داً في منح املرتبة األولى‬ ‫بني سائر رجال التاريخ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‏‬ ‫ول����م ي��ك��ن م��وق��ف��ه ه����ذا ت��ع��ص��ب��ا ُ جل��م��اع��ة أو تاريخ‬ ‫أو م��ل��ة أو س���واه���ا وإمن����ا ك���ان ت��ك��ري��س��اً حل��ق��ي��ق��ة تاريخية‬ ‫س���ي���درك���ه���ا ك�����ل م�����ن درس ب���ح���ي���اد ت�����اري�����خ ال���ب���ش���ري���ة‪.‬‏‬ ‫ولكن صيحة مايكل ه��ارت مجرد نشاط ف���ردي‪ ،‬ومع‬ ‫دخ��ول العالم األخضر فإن إمكانية إج��راء إستفتاء جماعي‬ ‫أصبحت أقرب مناالً‪ ،‬وهنا أود أن أضيف جتربة فريدة قام‬ ‫بها السيد بيل غيتس‪ ,‬من منا لم يسمع ببيل غيتس الذي يتربع‬ ‫منذ نحو عشر سنوات على قمة أغنياء العالم ومشاهيره‪،‬‬ ‫وه��و بكل تأكيد غير متهم ب��االن��ح��ي��از إل��ى القيم الروحية‬ ‫وه��و ع��اك��ف ف��ي أس���واق ال��ب��زن��س والتنافس احمل��م��وم فيها‪.‬‏‬ ‫في يوم ‪ 2001 /1 /1‬ومع دخ��ول األلفية اجلديدة كتب‬ ‫بيل غيتس س��ؤاالً واضحاً على موقعه االلكتروني ‪msnbc‬‬ ‫وكانت صيغة السؤال‪ :‬من هو أهم رجل في التاريخ؟ ووضع‬ ‫بيل غيتس ثالثني اسماً ليختار القراء منها اسماً واحداً‪.‬‏‬ ‫ك����ان امل���وق���ع ب��ال��ل��غ��ة االن��ك��ل��ي��زي��ة وف����ي م���وق���ع أمريكي‬ ‫إع�لام��ي وجت����اري‪ ،‬ف��ي وق���ت ل��م ي��ك��ن اإلن��ت��رن��ت ق��د أصبح‬ ‫شائعاً في البالد العربية واإلسالمية مما يعني أن معظم‬ ‫امل��ش��ارك�ين ف��ي زي��ارت��ه وال��ت��ص��وي��ت فيه ك��ان��وا م��ن الغربيني‬ ‫أو الصينيني واليابانيني‪ ،‬وال ش��ك أن قلة م��ن ال��ع��رب هي‬ ‫التي كانت قد دخلت عالم االنترنت‪ ،‬فماذا كانت النتيجة؟‬ ‫ظل السؤال مطروحاً على املوقع إلى غاية ‪2001 /4 /1‬‬ ‫وبعد ستة عشر شهراً كانت النتيجة مفاجئة للمراقبني إذ‬ ‫اخ��ت��ار ‪ %84‬م��ن امل�لاي�ين ال��ذي��ن دخ��ل��وا التصويت أن يقولوا‬ ‫إن أهم رجل في التاريخ هو محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‏‬ ‫لم تقم بهذه الدراسة رابطة العالم اإلسالمي وال األزهر‬ ‫الشريف وال مركز الدراسات اإلسالمية إنها بإمتياز جهود‬ ‫أمريكية محضة‪ ،‬وغ��ال��ب امل��ش��ارك�ين فيها م��ن غير العرب‬ ‫واملسلمني‪ ،‬ولكن بدون أدنى شك فإن ما أدى إليه إجتهادهم ال‬ ‫يختلف في شيء عما يؤدي إليه أي بحث سليم عن احلقيقة‪.‬‏‬

‫هذا العالم مليء بالنوايا الطيبة‪ ،‬والشرفاء في األرض‬ ‫من كل ملة ودي��ن ول��ون يدركون متاماً ما ال��ذي أجن��زه النبي‬ ‫ال��ك��رمي ف��ي األرض‪ ,‬وم���ا م��ع��ن��ى رس��ال��ت��ه ال��ك��ب��ي��رة “اخللق‬ ‫كلهم ع��ي��ال ال��ل��ه وأح���ب اخل��ل��ق إل���ى ال��ل��ه أنفعهم لعياله”‪.‬‏‬ ‫ف��ي زي���ارة لألسقف األم��ري��ك��ي ب��ول شتيرن إل��ى دمشق‬ ‫مطلع التسعينيات‪ ,‬التقيناه في مسجد أبي النور حيث قال‪:‬‬ ‫لقد حتدثت لألمريكيني مطوالً عن الرسول الكرمي محمد‪,‬‬ ‫وقلت لهم‪ :‬إننا نؤمن بأنبياء كثيرين آمن على أيديهم قرية‬ ‫أو قبيلة أو أس��رة واح���دة‪ ,‬وأنبياء آم��ن على أيديهم عشرة‬ ‫أش��خ��اص أو خمسة‪ ,‬وأن��ب��ي��اء ل��م ي��ؤم��ن على أي��دي��ه��م أحد‪,‬‬ ‫ف��إذا ك��ان محمد ال��ذي أنقذ ملياراً ونصف مليار من عبادة‬ ‫احل��ج��ر إل���ى ع��ب��ادة ال��ل��ه ل��ي��س ب��ن��ب��ي‪ ,‬ف��م��ن ه��و ال��ن��ب��ي إذن؟‬ ‫هناك طريقتان لتقدمي اإلسالم للعالم‪ :‬األولى أن تقدمه‬ ‫على هيئة جيوش وخيول تثير نقع غبار األرض‪ ,‬وحتمل صيحات‬ ‫املواجهة وتستدعي للنزال والسنان‪ ,‬وت��رى في العالم عدوا‬ ‫مفترضاً تتعني مواجهته‪ ,‬وال نحتاج إلى كبير ذكاء حتى ندرك‬ ‫كيف ستكون ردة فعل العالم جتاه تهديد من هذا النوع‪ ،‬وهناك‬ ‫طريقة أخرى شرحها القرآن الكرمي بقوله تعالى «أدع إلى سبيل‬ ‫ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة» وهي بكل تأكيد استطاعت‬ ‫أن تفعل األعاجيب في عصر السيف والغزو والفتوح فما بالك‬ ‫بعصر الكلمة واملوعظة احلسنة ووسائل اإلعالم املذهلة‪« ،‬ادفع‬ ‫بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»‪.‬‏‬ ‫هناك رسالة أخرى للمولد النبوي وهي إكتشاف أصدقائنا‬ ‫ف��ي ال��ع��ال��م‪ ،‬فهل منتلك البرنامج امل��ن��اس��ب الك��ت��ش��اف هذا‬ ‫الرصيد الهائل من احلب لرسول الله في العالم؟ وتوظيفه‬ ‫بالتالي لصناعة اإلخاء اإلنساني وإصالح ما بني العرب وبني‬ ‫العالم؟‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪29‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫ما هي عالقة اإلسالم‬ ‫بالعلوم احلديثة؟‬ ‫الدكتور مفتاح بن م�سعودة ‪ -‬ليبيا‬ ‫احلمد لله رب العاملني ال��ذي أكرمنا واصطفانا من أمة طريق معلم البشرية صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫مدحها بقوله تعالى‪ُ :‬‬ ‫َّاس}‬ ‫{ك� ْن��تُ � ْ�م خَ � ْي� َر ُأ َّم � ٍ�ة ُأ ْخ� ِ�ر َج� ْ�ت ِللن ِ‬ ‫إن ال��ق��رآن الكرمي هو كتاب هداية وإع��ج��از وليس كتاب‬ ‫�ض��ا َن ا َّل� ِ�ذي ُأ ْن� ِ�ز َل ِف ِيه الْقُ ْرآنُ‬ ‫(آل ع��م��ران‪ )110-‬ونصلي ونسلم ون��ب��ارك على م��ن مدحه نظريات يقول تعالى{شَ ْه ُر َر َم� َ‬ ‫املولى وأثنى عليه بقوله‪َ { :‬و َما أَ ْر َس ْلن َ لاَّ‬ ‫َاك ِإ َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ نيَ} ُه � ً�دى} (ال��ب��ق��رة‪ ،)158-‬وي��ق��ول ت��ع��ال��ى{ َو َك�أَ ِّي� ْ�ن ِم� ْ�ن آ َي� ٍ�ة ِفي‬ ‫(األنبياء‪.)107-‬‬ ‫ي�� ُّ�رونَ َع َل ْي َها َو ُه � ْ�م َع ْن َها ُم ْع ِر ُضونَ}‬ ‫ال� َّ�س� َ�م��ا َو ِات َوالأْ َ ْر ِض مَ ُ‬ ‫ج ّل الذي بعث الرسول رحيماً‪ ،‬ليرد عنا في امليعاد جحيماً (يوسف‪ )57-‬واآلية هي الشيء العجيب‪.‬‬ ‫يا أيها الراجون منه شفاعة صلوا عليه وسلموا تسليماً اللهم‬ ‫ال نستطيع إخ��راج ما في القرآن من احلقائق واألسرار‬ ‫صلي وسلم وب��ارك عليه وعلى آله وآصحابه الغر امليامني‪ ،‬الربانية إال إذا قرأناه بالتدبر يقول تعالى {أَ َفَل�اَ� َي َت َد َّب ُرونَ‬ ‫مبناسبة مولد الرحمة املهداة‪ ،‬مولد سيد املعلمني وأستاذ‬ ‫وب أَقْ فَا ُل َها}(محمد‪ ،)24 -‬أم على قلوب‬ ‫الْقُ ْرآنَ أَ ْم َع َلى ُق ُل ٍ‬ ‫ُ‬ ‫املتعلمني الذي أنزل عليه القرآن يأمره بالقراءة وعلمه ما لم أقفالها أي مغطاة ال يصل إليها شيء من معاني القرآن قال‬ ‫يعلم وأمره بأن يذكر العالم بالعلم في جميع ميادين احلياة‪ .‬أحد علماء التصوف سيدي احلسن البصري “تفقدوا احلالوة‬ ‫ّ‬ ‫إن فضل العلم عند ال��ل��ه عظيم ي��ق��ول تعالى {ق��ل هل في ثالث‪ :‬قراءة القرآن والصالة والذكر فإن لم جتدوها فإن‬ ‫يستوي ال��ذي��ن يعلمون وال��ذي��ن ال يعلمون}‪ ،‬وي��ق��ول عليه الباب مغلق”‪.‬‬ ‫الصالة والسالم‪ “ :‬تعلموا العلم وعلموه الناس وتعلموا الوقار‬ ‫والسكينة وتواضعوا بني يدي من تتلقون منه العلم”‪.‬‬ ‫أو ًال‪ :‬قراءة القرآن الكرمي واحلالوة في ذلك التدبر‪.‬‬ ‫ليس املقصود بالعلم في اآلية الشريفة واحلديث الشريف‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الصالة واحلالوة فيها اخلشوع‪.‬‬ ‫العلم الشرعي فقط وإمنا هو جزء من العلوم اإللهية‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬الذكر واحلالوة فيه االطمئنانية‪.‬‬ ‫ال يوجد علم م��ن علوم الدنيا إال وف��ي كتاب الله يقول‬

‫تعالى{ما فرطنا في الكتاب من شيء} والشيء يطلق على كل‬ ‫موجود‪ ،‬إن اإلسالم هو دين العلم بدليل أول سورة نزلت على‬ ‫املعلم األول واألعظم سورة إقرأ{علم االنسان ما لم يعلم}‪،‬‬ ‫يجب أن نذ ّكر علماء الغرب بليلة نزول القرآن ليتأكد لهم أن‬ ‫ال��ذي علمهم العلوم التي بني أيديهم هو الله عز وج��ل عن‬ ‫‪30‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫مررنا بقول احلق {وأنزلنا احلديد فيه بأس شديد ومنافع‬ ‫للناس} لو تدبرنا هذه اآليات لتأكد لنا أن املولى هدانا إلى‬ ‫{ه َو ال َِّذي َج َع َل َل ُك ُم الأْ َ ْر َ‬ ‫ض‬ ‫علوم الصناعة‪ ،‬مررنا بقول احلق ُ‬ ‫ام ُشوا ِفي َمن َِاك ِب َها َو ُك� ُل��وا ِم� ْ�ن ِر ْز ِق� ِ�ه َو ِإ َل � ْي� ِ�ه النُّ ُشو ُر}‬ ‫َذ ُل �ولاً َف ْ‬ ‫(امللك‪ ،)15-‬لو تدبرنا هذه اآليات لتأكد لنا أن املولى هدانا‬


‫إلى علوم اجليولوجيا وما في باطن األرض من اخليرات‪.‬‬ ‫�اس �أَ ُل��وا أَ ْه� َ�ل ال��ذِّ كْ � ِ�ر ِإ ْن‬ ‫املولى إليها في كتابه حيث ق��ال { َف� ْ‬ ‫مررنا بقول احلق { ويكتب ما قدموا وآثارهم}‪ ،‬لو تدبرنا ُك ْنتُ ْم لاَ َت ْع َل ُمو َن } ويقول تعالى{ َو َر َف ْعنَا َب ْع َض ُه ْم َف ْوقَ َب ْع ٍض‬ ‫ما‬ ‫َد َر َج ٍ‬ ‫ات ِل َيتَّ ِخ َذ َب ْع ُض ُه ْم َب ْع ًضا ُس ْخ ِر ًّيا َو َر ْح َم ُت َر ِّب َك خَ ْي ٌر مِ َّ‬ ‫هذه اآلية لتأكد لنا أن املولى هدانا الى علوم األثار ‪.‬‬ ‫َي ْج َم ُعونَ}‬ ‫وب} (الرعد‪-‬‬ ‫مررنا بقول احلق { أَلاَ ِب ِذكْ ِر ال َّل ِه َت ْط َم ِئ ُّن الْقُ ُل ُ‬ ‫أي مبعنى الدكتور يُسخّ ر خلدمة غيره من طبقات املجتمع‬ ‫‪ ،)28‬لو تدبرنا هذه اآلية لتأكد لنا أن املولى هدانا الى علوم‬ ‫النفس‪ ،‬وبكل اختصار وعلى سبيل الذكر ال احلصر هناك وكذلك في بقية التخصصات‪ ،‬يقول صلى الله عليه وسلم‬ ‫َال “اختالف أمتي رحمة” إن صح هذا احلديث عن املصطفى‬ ‫آية جامعة لكل العلوم وهي قوله تعالى‪َ { :‬والخْ َ � ْي� َ�ل َوال ِْبغ َ‬ ‫وها َو ِزين ًَة َو َي ْخ ُلقُ َما لاَ َت ْع َل ُمونَ} ( النحل‪ ،)8 -‬عليه السالم ال يقصد به اخل�لاف في الدين والتنازع في‬ ‫َوالحْ َ ِمي َر ِلت َْر َك ُب َ‬ ‫لو تدبرنا هذه اآلية وقمنا بتوضيحها ألمة محمد صلى الله املسائل اخلالفية وال اجل��دال العقيم‪ ،‬يقول صلى الله عليه‬ ‫وسلم “ إذا غضب الله على ق��وم إبتالهم باجلدال وتركوا‬ ‫عليه وسلم فلن جتد من يستغرب ظهور العلوم العصرية‪.‬‬ ‫أن نعمة تسخير الكون للبشرية نعمة العمل “ وإمنا املقصود باخلالف تنوع التخصصات وإختالف‬ ‫ومن القرآن يتضح لنا ّ‬ ‫عظيمة يقول تعالى‪ُ { :‬سب َحا َن ال َِّذي َس َّخ َر َلنَا هذَا َو َما ُكنَّا َلهُ املجاالت التي كل منها مسخر خلدمة اآلخر‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُم ْق ِر ِننيَ} (الزخرف‪ )13-‬سخر لنا األرض والشمس واجلبال‬ ‫وأما بخصوص إنشاء معاهد اللغات فقد هدانا إلى ذلك‬ ‫والرياح كلها قوية جبارة لوال تسخير املولى لها ال يستطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله‪ “ :‬من تعلم لغة قوم أمن‬ ‫اإلنسان اإلستفادة منها‪.‬‬ ‫مكرهم” وفي رواية “ أمن شرهم”‪.‬‬ ‫الس َما َو ِات َو َما ِفي الأْ َ ْر ِض‬ ‫ويقول تعالى{ َو َس َّخ َر َل ُك ْم َما ِفي َّ‬ ‫ات ِل َق ْو ٍم َي َتفَكَّ ُرونَ } (اجلاثية –‬ ‫يعا ِمنْهُ ِإنَّ ِفي َذ ِل َك لآَ َي ٍ‬ ‫َج ِم ً‬ ‫‪ )13‬سخر لنا األنعام احليوانات كلها قوية لوال تذليل املولى‬ ‫لها ال يستطيع اإلنسان أن يستفيد منها‪.‬‬ ‫إن اآلي��ات املنظورة هي من اآلي��ات املسطورة في القرآن‬ ‫وأم��ا بخصوص التخصيصات العلمية املتنوعة فقد هدانا‬

‫ولألسف الشديد كل علم من العلوم املختلفة يسأل فيه‬ ‫أهله املختصون إال الفُتيا في الدين فإنه يفتي فيها كل من‬ ‫ودب وكما قيل أن معنى الفُتيا هي التوقيع عن الله‪ ،‬قال‬ ‫هب ّ‬ ‫ّ‬ ‫عبد الله بن مسعود “ من أفتى الناس في كل ما يستفتونه‬ ‫فهو مجنون” وعن ابن عينيه قال “ أجسر الناس على الفُتيا‬ ‫أقلهم علما”‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪31‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫اليوم اخلليل‪ ..‬غدا القدس‬ ‫الدكتور عبداهلل معروف‬ ‫�أ�ستاذ درا�سات بيت املقد�س‪ /‬م�س�ؤول االعالم ال�سابق يف امل�سجد االق�صى‬ ‫كما توقع املطلعون وامللمون بقضية املسجد األقصى املبارك‬ ‫واملقدسات في فلسطني عموماً‪ ..‬أعلنت قوات اإلحتالل ضم‬ ‫املسجد اإلبراهيمي في اخلليل ومسجد بالل في بيت حلم‬ ‫لقائمة ما يسمى (التراث اليهودي)‪ ،‬وبذلك إنتهى الفصل قبل‬ ‫األخير من عملية إنهاء الوجود اإلسالمي في هذه األماكن‬ ‫املقدسة‪ ،‬والتي بدأت منذ سنوات وبنفس طويل‪ .‬وهنا أقول‬ ‫الفصل قبل األخير ألن ما سيحدث اآلن بحسب التوقعات أن‬ ‫سلطات اإلحتالل ستبقي للمسلمني إمكانية الدخول إلى هذه‬ ‫األماكن املقدسة فتر ًة معينة على إعتبار إقناع ال��رأي العام‬ ‫بأن هذه العملية ليست إال مجرد إجراء شكلي ولم يؤثر على‬ ‫إمكانية الصالة وإقامة الشعائر في هذه املساجد املقدسة‪،‬‬ ‫وذلك على أمل أن تظهر أصوات قد عهدناها دائماً تنادي بأن‬ ‫ال حاجة النتفاضة الشعب الفلسطيني واملسلمني في العالم كله‬ ‫أو الغضب لهذه العملية اخلطيرة وذلك ألن الوجود اإلسالمي‬ ‫في هذه املساجد ما زال مكفوالً‪ ،‬وقد تظهر أيضاً نفس هذه‬ ‫األصوات تنادي بأن يصلي املسلمون في هذه األماكن ويتركوا‬ ‫النضال السياسي الستعادة هذه األماكن ألصحاب التوجه‬ ‫السياسي ال��ذي سيرفع القضايا ويستعني باملجتمع الدولي‬ ‫ويفضح املمارسات الصهيونية في العالم كله بحيث تنكشف‬ ‫املؤامرات للمجتمع الدولي الذي لن يقبل بهذا وسيكون ذلك‬ ‫إنتصاراً سياسياً للفلسطينيني في وجه كيان اإلحتالل‪.‬‬ ‫ه��ذا السيناريو عودتنا عليه ه��ذه األص���وات‪ ..‬ول��ن أتعب‬ ‫قلمي هنا ب��ال��رد عليها ألننا عهدنا فيها ال��ت��خ��اذل وتقدمي‬ ‫م��ص��احل��ه��ا امل��رت��ب��ط��ة ب��احمل��ت��ل أص ً‬ ‫��ل�ا ع��ل��ى م��ص��ل��ح��ة هذه‬ ‫‪32‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫األم��ة ومقدساتها‪ .‬وليس لي إال أن أح��ذر أبناء أمتنا سواء‬ ‫داخ���ل فلسطني أو امل��س��ل��م�ين ف��ي ال��ع��ال��م ك��ل��ه وأه��ي��ب بهم‬ ‫أن يقلبوا القنوات الفضائية عند ظهور ه��ؤالء اليائسني‪.‬‬ ‫وال يلتفتوا ألص���وات يائسة أخ���رى ق��د تقلل م��ن أث��ر هذه‬ ‫العملية وت��ق��ول إن تضخيمها واحل��دي��ث عنها مجرد عبث‪.‬‬ ‫إن م��ا ح��دث ف��ي املسجد اإلبراهيمي ب��ال��ذات (ويلحق‬ ‫ب��ه مسجد ب�لال بالتأكيد) ل��ه دالالت كبيرة وخطيرة تثبت‬ ‫ما ينادي به املطلعون على قضية املسجد األقصى املبارك‬ ‫من توجه قوات اإلحتالل الصهيوني لتقسيمه وإقتطاع جزء‬ ‫منه لصالح قضية املعبد‪ ،‬ويبني أن ما يحدث في املسجد‬ ‫اإلبراهيمي اآلن مجرد ‘بروفة’ وتدريب عملي ملا سيحدث‬ ‫ف��ي املسجد األق��ص��ى امل��ب��ارك إن بقي ال��وض��ع على م��ا هو‬ ‫عليه‪ .‬ولنبدأ القصة من بدايتها لنرى نفس السيناريو في‬ ‫القدس أيضاً وأرج��و من القارئ أن يتصور أح��داث القصة‬ ‫التالية في املسجد األقصى املبارك مع أن مسرحها اخلليل‪.‬‬ ‫مت إحتالل املسجد اإلبراهيمي في اخلليل عام ‪،1967‬‬ ‫وهو نفس العام الذي مت فيه إحتالل املسجد األقصى املبارك‬ ‫وشرقي مدينة القدس‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت كانت قوات اإلحتالل‬ ‫حتاول الدخول إلى منطقة املسجد اإلبراهيمي بأي شكل وبأي‬ ‫طريقة‪ ،‬فبدأت بإحتالل اجلدار اخلارجي للمسجد اإلبراهيمي‬ ‫في الناحية الشرقية واجلنوبية‪ ،‬وبعد تكاثر املتطرفني اليهود‬ ‫في املكان بدأت ترتيبات إدخالهم إلى املسجد اإلبراهيمي إلى‬ ‫جانب املسلمني بحيث يصلي كل طرف منهم صالته‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك بدأت املطالبة بتخصيص أوقات يسمح فيها للصهاينة‬


‫باالنفراد داخل املسجد اإلبراهيمي أوقاتاً محددة‪ ،‬ومبعنى أق��رب في مسجد ب�لال الواقع في بيت حلم نظراً لظروفه‬ ‫آخر‪ :‬إقتطاع زمني لصالح اليهود‪ ،‬واستمر األمر على ذلك األصعب من املسجد اإلبراهيمي‪.‬‬ ‫حتى سمحت ق��وات اإلح��ت�لال ألف���راد املتطرفني الصهاينة‬ ‫هذا هو السيناريو الذي يتم اآلن تنفيذه ال تخطيطه فقط‬ ‫بدخول املسجد اإلبراهيمي بأسلحتهم ‘دفاعاً عن أنفسهم’ في‬ ‫ً في املسجد األقصى املبارك‪ ،‬فاألقصى مر باملرحلة األولى وهي‬ ‫وجه املسلمني‪ .‬وكان التطور اخلطير لهذه الترتيبات متمثال‬ ‫في مجزرة املسجد اإلبراهيمي عام ‪ 1994‬على يد اإلرهابي إحتالل الفضاء اخلارجي له منذ عام ‪ ،1967‬ومير اآلن في أواخر‬ ‫املتطرف باروخ غولدشتاين ‘الذي اعتبره املتطرفون الصهاينة املرحلة الثانية وهي تخصيص األوقات الصباحية لصالة اليهود‬ ‫شهيداً قديساً بعد أن قتله املصلون املسلمون في ذلك اليوم’‪ .‬في رحابه بأعداد كبيرة‪ ،‬وهو على أعتاب املرحلة الثالثة التي‬ ‫ولم تكن هذه املجزرة إال جزءاً من االستراتيجية الصهيونية قد حتدث قريباً وهي تقسيم ساحات املسجد األقصى املبارك‬ ‫للسيطرة على املسجد اإلبراهيمي‪ ،‬وذلك بدليل نتيجة املجزرة بني املسلمني واليهود واقتطاع جزء قد يكون صغيراً في البداية‬ ‫التي كانت عكس املفترض‪ ،‬فبدالً من معاقبة املتطرفني اليهود من ساحات املسجد لصالح اجلماعات اليهودية املتطرفة‪.‬‬ ‫مبنعهم من دخول املكان‪ ،‬فوجئ العالم كله بقوات اإلحتالل‬ ‫تكافئ املتطرفني اليهود باقتطاع جزء من املصلى املرواني‬ ‫ون��ح��ن هنا ال ن���روج ل�لأم��ر ول��ك��ن ن��ق��ول إن على األمة‬ ‫وتخصيصه لليهود فقط‪ ،‬األم��ر ال��ذي مت تطويقه م��ن قبل أن ال تنتظر حتى يحدث هذا األمر لتقوم وتنتفض قلي ً‬ ‫ال ثم‬ ‫جهات كثيرة كان منها لألسف جهات فلسطينية‪ ،‬خاصة أن متوت القضية كما حدث سابقاً مع املسجد اإلبراهيمي‪ ،‬ولكن‬ ‫عملية السالم في ذلك الوقت كانت متر في أوج مراحلها‪ .‬املسؤولية تكمن في منع هذا األمر من احلدوث أص ً‬ ‫ال‪ ،‬وهنا‬ ‫وخالل السنوات الالحقة بدأ التضييق على املصلني املسلمني‬ ‫يتكامل الرسمي مع الشعبي‪ ،‬فالرسمي عليه أن يرسل رسائل‬ ‫في املسجد اإلبراهيمي يشتد أكثر متجلياً في منع املسلمني‬ ‫شديدة اللهجة إلى قوات اإلحتالل بأن األمر سيعود إلى ما‬ ‫من دخول املسجد في األعياد اليهودية وما أكثرها)‪ ،‬وباملقابل‬ ‫كان عليه ق ـ ــبل مؤمتر مدريد عام ‪ 1992‬في حال املساس‬ ‫إبقاء الوضع على ما هو عليه في أعياد املسلمني‪ ،‬ووصل‬ ‫األمر إلى إغالق املسجد اإلبراهيمي في وجه املسلمني األيام بأي جزء من ساحات املسجد األقصى املبارك (وليس مجرد‬ ‫والليالي ذات العدد‪ ،‬وها قد حان وقت إع�لان املكان تراثاً قبة الصخرة أو اجلامع القبلي)‪ ،‬والشعوب عليها التحرك‬ ‫يهودياً مع ‘وعد’ صهيوني رسمي ‪ -‬تناقلته وسائل اإلعالم ‪ -‬اآلن إلرس��ال رسائل شديدة ج��داً إلى كيان اإلحتالل توضح‬ ‫بعدم املساس بحقوق العبادة لدى املسلمني‪ .‬وهذا املتوقع في له أن الشعوب لن تسمح ب��أي شكل ب��أن يحدث أي تقسيم‬ ‫هذه احلالة على األقل في البداية كما حدث عند اإلقتطاع لألقصى‪ ..‬وعلى اإلع�لام أن يساهم في ه��ذه املرحلة بقوة‬ ‫ب��زرع وتأكيد هوية املسجد األقصى املبارك احلقيقية لدى‬ ‫عام ‪.1994‬‬ ‫وملن ال يعلم أبعاد اإلعالن الصهيوني األخير أقول‪ :‬إن أبناء أمتنا‪ ..‬فاألقصى ليس مجرد قبة الصخرة أو اجلامع‬ ‫هذا اإلع�لان يعني انقالب الوضع في املسجد اإلبراهيمي القبلي‪ ،‬وإمنا هو كل الساحات بأشجارها ومصلياتها وقبابها‬ ‫رسمياً ألول مرة منذ اإلحتالل الصليبي للخليل قبل حوالي وآبارها ومحاريبها ومدارسها ومصاطبها وبوائكها وكل ما‬ ‫ألف عام‪ ،‬فبدالً من أن يكون هذا املكان مسجداً حقاً للمسلمني فيها (وال��ذي اسمه احلقيقي املسجد األقصى ال ما يسمى‬ ‫يصلي فيه اليهود دون حق في ملكيته (منذ اإلحتالل عام خط ًأ احلرم القدسي)‪ ،‬واقتطاع أي جزء من الساحات أو حتى‬ ‫‪ ،)1967‬أصبح املكان بهذا اإلعالن كنيساً يهودياً كام ً‬ ‫ال يسمح إسقاط شجرة منه كما حدث العام املاضي يعني فعلياً إقتطاع‬ ‫فيه للمسلمني بإقامة شعائرهم بإعتبار ذلك ‘تفض ً‬ ‫ال’ و’م َّن ًة’ جزء من األقصى املبارك واإلعتداء عليه كله‪.‬‬ ‫من اليهود ال بإعتباره حقاً للمسلمني‪ ،‬وه��ذا اإلع�لان ميكن‬ ‫اليهود من اعتبار املسلمني أصحاب املكان في احلقيقة مجرد‬ ‫األمر وصل إلى تطور كبير وخطير‪ ،‬واألمة كلها اليوم على‬ ‫رعايا يسمح لهم بالصالة في املكان دون اعتراف لهم بحقهم‬ ‫فيه‪ ،‬ويفتح هذا الباب لإلحتالل بحقه في منع املسلمني من احملك‪ ،‬وستكون النتيجة عامة شاملة لألمة كلها ال واحداً أو‬ ‫الصالة في هذا املكان في حال مخالفة القوانني التي تضعها جه ًة منها فقط‪ ،‬وهنا أتذكر شخصاً اتصل ببرنامج تلفزيوني‬ ‫قوات اإلحتالل‪ ،‬وهو ما سيحدث في املستقبل القريب خالل كنت أشارك فيه وسأل‪( :‬من الذي سيحاسب يوم القيامة عن‬ ‫السنوات القليلة املقبلة إن بقي الوضع على ما هو عليه وينتهي ما يحدث للمسجد األقصى امل��ب��ارك؟) فكان اجل��واب الذي‬ ‫بإخراج املسلمني نهائياً من املسجد اإلبراهيمي‪ ،‬وهذه احلالة أكرره لكل من يقرأ هذه السطور‪ :‬أنـت‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪33‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫الشباب عماد األمة وسر نهضتها‬ ‫الأ�ستاذ �صهيب الزيباري ‪ -‬العراق‬ ‫استضاف الدعوة اإلسالمية في بيته ثالثة عشر عاماً كاملة‬ ‫في مكة‪ ،‬كان يبلغ من العمر عند إسالمه ستة عشر عاماً‪،‬‬ ‫وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه رجل املناقب التي ال حصر‬ ‫لها‪ ،‬ك��ان يبلغ م��ن العمر عند إس�لام��ه عشرة أع���وام فقط‪.‬‬ ‫‪ ‬فهؤالء وغيرهم من الصحابة الشباب كانوا ممن يُدافعون‬ ‫عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعن العقيدة السمحة‪،‬‬ ‫والدين القومي‪ ،‬وقد جاء في األثر”أوصيكم بالشباب خيراً‬ ‫ن قلوباً‪ ،‬وق��د بعثني الله باحلنيفية‬ ‫فإنهم أرقُّ أف��ئ��دةٍ ‪ ،‬وأل�ي ُ‬ ‫السمحة‪ ،‬فحالفني الشباب‪ ،‬وخالفني الشيوخ”‪ ،‬فالشباب‬ ‫بقلب‬ ‫هم الذين ثبتوا كاجلبال الرواسي أمام الفنت‪ ،‬وواجهوا ٍ‬ ‫���روب االض��ط��ه��ادِ‬ ‫والتعذيب واحلِ ْرمان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ثابت ال يتزعزع ض َ‬ ‫ِ‬ ‫بأوراحهم وأموالهم‬ ‫وتركوا الديا َر‪ ،‬وهجروا األوطانَ‪ ،‬وجادوا‬ ‫في سبيل نصر ِة اإلسالم‪ ،‬وساحوا في األرض شرقاً وغربا‪ً،‬‬ ‫جنوباً وشماالً‪ ،‬لنشرِ رسالة الله وهديه في ربوع العاملني‪ ،‬غير‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مبالني مبا يالقونه من ٍ‬ ‫وغربة ما دام في سبيل‬ ‫ومشقة‬ ‫عنت‬ ‫دين الله‪ ،‬وإخ��راج البشرية من عبادة العباد إلى عبادة الله‬ ‫الواحد األحد‪ ،‬ومن َج ْور األديان إلى َع ْدل اإلسالم‪ ،‬ومن ال ِّرق‬ ‫واحلرمان إلى احلر َّية والعِ زَّة والكرامة‪ ،‬وقبورهم شاهدة ‪ -‬في‬ ‫ُك ِّل أرجاء املعمورة ‪ -‬على ِص ْدقِ ما نقول‪ ،‬وقد وصفهم الله جل‬ ‫ص َد ُقوا َما‬ ‫وعال في كتابه العزيز‪ ،‬بقوله‪« :‬مِ َن املُؤْمِ ِن َ‬ ‫ني رِ َجا ٌل َ‬ ‫اه ُدوا الل َه َعلَيْهِ َفمِ نْ ُه ْم َم ْن َق َ‬ ‫ضى نَ ْحبَ ُه َومِ نْ ُه ْم َم ْن يَنْت َِظ ُر َو َما‬ ‫َع َ‬ ‫بَ َّدلُوا تَبْدِ ي ً‬ ‫ال”(األحزاب‪.)23:‬‬

‫وروحها الوثاب‪ ،‬ودم ُعها املهراق‪،‬‬ ‫الشباب س ُّر نهضةِ األمم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫حركة‬ ‫وقلبها النابض‪ ،‬ومظه ُر حيويتها وقوتها‪ ،‬وهم وقو ُد ُك ِّل‬ ‫إصالح َّية‪ ،‬وهم رم ٌز الفداء والتضحية‪ ،‬وحماةُ ِح َمى الوطنِ‬ ‫فبهمتهم تقو ُم املشاريع العِ ْمالقة‪ ،‬وبفكرهم الن ِّير‪،‬‬ ‫واأل ُ َّم���ة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫تتقدم‬ ‫املتواصل ‪ -‬في حتصيل العلم واملعرفة ‪-‬‬ ‫وس َهرهم‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫بركب األمم‬ ‫األُ َّم��ة‪ ،‬وتلتح ُق‬ ‫ِ‬ ‫املتحضرة واملتق ِّدمة في مضمارِ‬ ‫العلم والتكنولوجيا‪ ،‬وبق َّوة سواعدهم‪ ،‬وتآلف قلوبهم نواج ُه‬ ‫التحديات‪ ،‬فبهم نستطي ُع أن نحافِ َظ على استقاللِ الوطن‬ ‫القلوب والعقول من الفنت‪ ،‬حتى يعيش‬ ‫واستقراره‪ ،‬ونط ِّهر‬ ‫َ‬ ‫الناس في رخاء وسعادةٍ واطمئنان‪ .‬يقول احد الصاحلني ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫“إمنا تنج ُح الفكرة إذا ق��وي اإلمي��ان بها‪ ،‬وتوفر اإلخالص‬ ‫في سبيلها‪ ،‬وازدادت احلماسة لها‪ ،‬ووجد االستعداد الذي‬ ‫يحم ُل على التضحية والعمل لتحقيقها”‪ .‬وتكاد تكون هذه‬ ‫األركان األربعة‪ :‬اإلميان‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬واحلماسة‪ ،‬والعمل من‬ ‫وأساس‬ ‫القلب الذكي‪،‬‬ ‫خصائص الشباب‪ .‬ألن أساس اإلميان‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫��اس احلماسةِ الشعو ُر القوي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اإلخ�لاص الفؤا ُد النقي‪ ،‬وأس ُ‬ ‫وأساس العملِ العز ُم الفتي‪ ،‬وهذه كلّها ال تكون إال للشباب»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬وإذا م��ا ن��ظ��رن��ا إل���ى ت��اري��خ��ن��ا ل��وج��دن��ا أن ُج َّ‬ ‫���ل صحابة‬ ‫الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬كانوا من الشباب‪ ،‬فالزبير‬ ‫بن العوام رضي الله عنه حواري رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم كان يبلغ من العمر وقت إسالمه خمسة عشرة عاماً‪،‬‬ ‫وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أحد الفرسان املشهود‬ ‫لهم بالكفاءة والشجاعة واإلق��دام‪ ،‬والذي لقبه الرسول عليه‬ ‫ً‬ ‫حتمل‬ ‫�ين‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫��‬ ‫ب‬ ‫��ا‬ ‫ش‬ ‫��س�لام‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫عليه‬ ‫��ف‬ ‫س‬ ‫��و‬ ‫ي‬ ‫��ه‬ ‫ل‬ ‫��‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫���ان‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫الصالة والسالم بـطلحة اخلير كان عمره عند إسالمه ستة‬ ‫َّ‬ ‫��ض��ل السجن على‬ ‫عشر عاماً‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الصحابي التشريد‪ ،‬وال���� ِّرق‪ ،‬وال��س��ج��ن‪ ،‬حتى أن��ه ف َّ‬ ‫بجبني ناصع‪،‬‬ ‫جميع مغريات الدنيا الزائفة‪ ،‬وانتصر عليها‬ ‫املجاب الدعوة‪ ،‬والعظيم األثر‪ ،‬كان عمره عند إسالمه سبعة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عشرة ع��ام��اً‪ ،‬واألرق���م بن أب��ي األرق��م رض��ي الله عنه الذي‬ ‫وقلب مطمئن باإلميان واليقني‪ ،‬وحافظ على عفافه وطهارته‬ ‫ٍ‬ ‫‪34‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وم���روءت���ه‪ ،‬وت��ر ّف��ع ع��ن ال��رذي��ل��ة واخل��ي��ان��ة‪ ،‬وع���� َّوض ال��ل��ه له‬ ‫َ‬ ‫أضعاف ذل��ك‪ ،‬وجعل ُه سبباً إلنقاذ مصر‪ ،‬وغيرها من املدن‬ ‫من خطر ال َق ْح ِط واملجاعةِ وال َي َباس‪ ،‬ثم أصبح سيد مصر‬ ‫املؤمتن‪ ،‬وعزيزها املطاع‪ .‬وكذلك أصحاب الكهف فكانوا ثلة‬ ‫مباركة من الشباب املؤمن‪ ،‬ممن آمنوا بوحدانية الله‪ ،‬وكفروا‬ ‫بالطواغيت والظلمة الذين جعلوا الناس أذالء أرقاء‪ ،‬وعباداً‬ ‫لهم من دون الله‪ ،‬وجعلوا من أنفسهم أنداداً لله الواحد الق َّهار‪،‬‬ ‫ولكن أولئك الفتية الطاهرين داسوا على كبريائهم‪ ،‬ومت َّردوا‬ ‫على غطرستهم‪ ،‬وأرجعوهم إلى آدميتهم‪ ،‬ولقنوهم درساً في‬ ‫فجن جنونهم‪ ،‬وحاولوا الفتك بهم‪ ،‬ولكن‬ ‫العقيدة والتوحيد‪،‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫الله حماهم بحمايته‪ ،‬فانخذل اجلبابرة‪ ،‬وعباد املال واجلاه‬ ‫والسلطة‪ ،‬وانتصر الفتية املؤمنون‪ ،‬ممن خلد الله ذكرهم في‬ ‫كتاب كرمي‪ ،‬يُتلى إلى يوم الدين‪ ،‬بقوله” ِإ َّن ُه ْم فِ تْ َي ٌة آ َمنُوا ِب َر ِّبهِ ْم‬ ‫ٍ‬ ‫َوزِ ْدنَا ُه ْم ُه ًدى»(الكهف‪.)13/18 :‬‬ ‫أ َّما األُ َّمة التي تخلّت عن شبابها‪ ،‬وسلّمتهم ملصيرهم احملتوم‪،‬‬ ‫ولم تهت ّم بهم‪ ،‬بل جعلتهم آل ًة بأيدي العابثني‪ ،‬وسلّمتهم إلى‬ ‫الذئاب اجلائعة‪ ،‬وه َّيأت لهم الوسائل الهابطة واملضللة التي‬ ‫جت ُّرهم إلى املفاسدِ احملققة‪ ،‬بوساطة املسلسالت الفاسدة‪،‬‬ ‫واألفالم اخلليعة‪ ،‬التي تعرض فيها املرأة شبه عارية‪ ،‬بدون‬ ‫رادع من قانون أو أخالق‪ ،‬وجعلتهن مصيدة‬ ‫وازع من ضمير‪ ،‬أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألولئك الشباب احليارى‪ ،‬فانساقوا وراء إشباع شهواتهم بشتى‬ ‫الطرق‪ ،‬ثم التسكع على الطرقات‪ ،‬وتناول أن��واع املسكرات‬ ‫واملخدرات‪ ،‬والتع ُّرض ألنواع اجلرائم‪ ،‬والهجرة إلى دول الغرب‬ ‫وأوروبا‪ ،‬والرجوع إلى أوطانهم مبفاسدهم دون محاسنهم‪ ،‬وقد‬ ‫آملني كثيراً عندما قرأت إحصائية في صحيفة (كوردستان‬ ‫رابورت) في عددها (‪ ،)572‬والصادر في ‪2009/1/22‬م‪ ،‬خبر‬ ‫هجرة (‪ )1826‬شاباً كردياً في مدينة متواضعة سكانياً‪ ،‬وهي‬ ‫مدينة (جمجمال) وضواحيها‪ ،‬وفي مدة سنة واح��دة فقط‪،‬‬ ‫وهي سنة (‪ ،)2008‬هذا في مدينة (جمجمال) وحدها‪ !..‬ترى‬ ‫ماذا يكون احلال في املدن والقصبات األخرى في كردستان‬ ‫ِ‬ ‫السنوات املنصرمة وإلى‬ ‫في هذه السنة نفسها‪..‬؟! ناهيك عن‬ ‫اآلن‪ ،‬علماً أن اإلحصائ َّية األولى التي نُ ِش َرت في (كردستان‬

‫راب����ورت) ق��ام��ت بها منظمة (احت���اد الشباب الدميقراطي‬ ‫الكردستاني) في جمجمال‪ ،‬وفي تاريخ ‪2008/1/1‬م‪ ،‬وإلى‬ ‫‪2008/12/31‬م‪ ،‬وحول هذه الظاهرة أ ّكد (آرام شيخ عزيز)‬ ‫رئيس هذه املنظمة‪ ،‬قائ ً‬ ‫ال‪“ :‬لقد قمنا بهذه اإلحصائية عندما‬ ‫أحسسنا أن هجرة الشباب قد زادت ب��ص��ورةٍ ملحوظة في‬ ‫جمجمال وضواحيها‪ ،‬ولهذه الظاهرة أسباب ماد َّية ومعنو َّية‪،‬‬ ‫أشخاص يقومون بتهريب الناس عبر احلدود‬ ‫ويقف من ورائها‬ ‫ٌ‬ ‫أحيان‬ ‫ٍ‬ ‫طرق شاقة ووعرة‪ ،‬وفي‬ ‫بصورةٍ غير قانون َّية‪ ،‬ومن خالل ٍ‬ ‫ً‬ ‫كثيرة ميوتون في الطريق جوعاً وعطشا‪ ،‬أو يغرقون في عرض‬ ‫البحر‪ ،‬ورغم هذه املخاطر املميتة جند الشباب مص ِّرين على‬ ‫الهجرة نحو خارج البالد”‪.‬‬ ‫وه��ذه ال��ظ��اه��رة الكارثية التي ت��واج��ه شبابنا تعود إلى‬ ‫جملة عوامل من أه ِّمها احلاجة إل��ى م��ورد مالي‪ ،‬وصعوبة‬ ‫التعيني في الوظائف بعد تخ ُّرجهم‪ ،‬وتأخير زواجهم لضعف‬ ‫إمكانياتهم امل��اد َّي��ة‪ ،‬واستحالة حصولهم على ٍ‬ ‫بيت للسكن‪،‬‬ ‫وعدم توفير املستلزمات واخلدمات الضرور َّية من ماء ووقود‬ ‫وكهرباء‪ .‬وقد نشرت صحيفة (آرسته) أيضاً في عددها (‪)26‬‬ ‫وال��ص��ادر في ‪2009/4/18‬م‪ ،‬أن (‪ )8000‬ثمانية آالف من‬ ‫الشباب غادروا البالد في سنة (‪)2008‬م‪ .‬والسبب يعو ُد كما‬ ‫ٍ‬ ‫مشكالت سياس َّية‪ ،‬وإقتصاد َّية‪،‬‬ ‫أ ّكد معد التقرير‪ ،‬إلى وجود‬ ‫وإجتماع َّية‪ ،‬وتربو َّية‪...‬إلخ‪ ،‬وقال‪ :‬إن العبء األكبر يق ُع على‬ ‫عاتقِ احلكومة‪ ،‬ألنها لم تستطع أن حت ِّق َق طموحات الشباب‪!..‬‬ ‫‪ ‬فهذه األرقام واإلحصائيات مخيفة جداً‪ ،‬بل هي كارثة‪ ،‬وإن‬ ‫عدة عوامِ ل جديرة باإلشارة‬ ‫د ّلت على شيء فإمنا تد ُّل على َّ‬ ‫إليها‪ ،‬والوقوف عليها‪ ،‬ومعاجلتها من قبل اجلميع‪ ،‬وخاصة‬ ‫وبتعاون من جميع الهيئات واألح��زاب‪ ،‬ومنظمات‬ ‫ٍ‬ ‫احلكومة‪،‬‬ ‫املجتمع امل��دن��ي‪ ،‬واألس���ات���ذة املختصني ف��ي ع��ل��م اإلجتماع‬ ‫والسياسة والقانون‪ ،‬للقيام بدراسةِ الوضع من جميع اجلهات‪،‬‬ ‫��اب وامل��س�� ِّب��ب��ات‪ ،‬وبأقصى س��رع ٍ��ة ممكنة‪ ،‬بغية‬ ‫وب��ي��ان األس��ب ِ‬ ‫معاجلتها‪ ،‬ووض��ع احللول املناسبة لها‪ ،‬لتفادي هذا الوضع‬ ‫ال أم عاج ً‬ ‫الكارثي املد ِّمر‪ ،‬الذي ي��ؤ ِّدي ‪ -‬آج ً‬ ‫ال ‪ -‬إلى تهدمي‬ ‫وانهيار البنية التحتية في كردستان‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪35‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫املسلمون واإلسالم في ألبانيا‬ ‫في القرن احلادي والعشرين‬ ‫الدكتور حممد نعمان جالل‬ ‫عاش املسلمون في ألبانيا عبر العصور في حالة ما بني‬ ‫املد واجلزر منذ فتحت الدولة العثمانية شبه جزيرة البلقان‬ ‫في القرن اخلامس عشر‪ ،‬ونشرت اإلسالم في تلك البقعة من‬ ‫جنوب شرق أوروبا‪ ،‬وظلت ألبانيا حتى العام ‪ 1912‬مرتبطة‬ ‫بالدولة العثمانية بصورة أو بأخرى وشكل املسلمون الغالبية‬ ‫العظمى من السكان‪ ،‬ولكن بعد إستقاللها حت��ول كثير من‬ ‫املسلمني العتناق املسيحية حتت ضغط الظروف واملستجدات‬ ‫املرتبطة بتراجع قوة الدولة العثمانية‪ ،‬ومن ثم تراجع اإلسالم‬ ‫لصالح املد التبشيري املسيحي في تلك املنطقة‪ ،‬إذا أخذنا‬ ‫في احلسبان أن أوروب��ا كانت ق��ارة مسيحية منذ أن اعتنق‬ ‫اإلمبراطور الروماني قسطنطني العظيم املسيحية في العام‬ ‫‪ 313‬بعد امليالد وتبعته الشعوب األوروبية بعد ذلك بل وبعض‬ ‫الشعوب في مناطق أخ��رى‪ ،‬عندما ظهرت حركات التبشير‬ ‫املسيحي قبل وأثناء وبعد املد االستعماري األوروبي‪ ،‬والكشوف‬ ‫اجلغرافية ولكن شبه جزيرة البلقان التي كانت معقال لإلسالم‬ ‫باعتبارها تخوما تقليدية لإلمبراطورية العثمانية حلوالي‬ ‫خمسة ق��رون‪ ،‬قد تراجع فيها اإلس�لام تباعا عبر استقالل‬ ‫دول شبه جزيرة البلقان واستعادة تاريخها املسيحي التقليدي‬ ‫وف��ي معظم احل��االت ك��ان امل��د املسيحي شبه سلمي‪ ،‬مبعنى‬ ‫إستخدامه أدوات القوة الناعمة من اإلغ��راءات االقتصادية‪،‬‬ ‫واخل��دم��ات الصحية والتعليمية‪ ،‬واألع��م��ال اخليرية‪ ،‬وذلك‬ ‫باإلضافة للضغوط برفض توليهم املناصب ما لم يعتنقوا‬ ‫املسيحية‪ .‬وهذا ما تعرض له املسلمون في كثير من مناطق‬ ‫شبه جزيرة البلقان‪ ،‬وفي عدد من دول أوروبا الشرقية بعد‬ ‫استقاللها عن الدولة العثمانية وانهيار اإلمبراطورية العثمانية‬ ‫وإلغاء اخلالفة العثمانية بعد احل��رب العاملية األول��ى وقيام‬ ‫دولة تركيا احلديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ولكن دولة واحدة ظلت صامدة بأغلبية إسالمية هي ألبانيا‬ ‫التي أصبحت دولة مستقلة رغم خضوعها للحكم الشيوعي‬ ‫حتى إنهيار هذا احلكم في العام ‪ 1990‬وحتولت ألبانيا إلى نظام‬ ‫رأسمالي على منط أوروبا الغربية‪ ،‬وهنا نشطت اإلرساليات‬ ‫التبشيرية وبخاصة الكاثوليكية واألرث��وذك��س��ي��ة‪ ،‬ومارست‬ ‫ضغوطها على املسلمني األلبان وعلى وجه اخلصوص الذين‬ ‫هاجروا حتت ضغط العوز االقتصادي إلى إيطاليا واليونان‪،‬‬ ‫فقد أصبح من املتعذر بل شبه املستحيل أن يجدوا عمال أو‬ ‫تصريحا بالعمل واإلقامة في هاتني الدولتني ما لم يعتنقوا‬ ‫املسيحية‪ .‬وأم��ا بالنسبة للمسلمني في ألبانيا نفسها فإن‬ ‫اإلرساليات التبشيرية نشطت منذ سقوط احلكم الشيوعي‬ ‫ووج��دت في املسلمني األل��ب��ان لقمة سائغة‪ ،‬فمعظم شباب‬ ‫األلبان الذي نشأ وترعرع في ظل احلكم الشيوعي ال يعرف‬ ‫شيئا عن اإلس�لام سوى أن آب��اءه أو أج��داده كانوا مسلمني‪،‬‬ ‫ونظرا لعدم اعتراف احلكم الشيوعي باألديان بوجه عام فلم‬ ‫يكن هناك من مفر سوى جتاهل اجلميع ملفهوم الدين بإعتباره‬ ‫كما قال كارل ماركس أفيون الشعوب‪ .‬ولكن أدى إنهيار النظام‬ ‫الشيوعي في ألبانيا وحتولها لليبرالية الغربية والرأسمالية‬ ‫إلى عودة نشاط اإلرساليات من دول أوروبا الغربية وخاصة‬ ‫من الواليات املتحدة للتبشير باملسيحية حتت نفس اإلغراءات‬ ‫املادية واإلقتصادية وأمكنها حتويل ما بني ‪ %20-10‬من سكان‬ ‫ألبانيا املسلمني إلى املسيحية وتراجع عدد املسلمني الذين‬ ‫كانوا ميثلون حسب تعداد العام ‪ 1937‬ما يقارب من ‪%70‬‬ ‫من السكان إلى ما دون ‪ %50‬من السكان‪ ،‬ولكن املشكلة أنه‬ ‫ال يوجد إحصاء محدد ملعتنقي األديان‪ ،‬ولكن حسب إحصاء‬ ‫وكالة املخابرات األميركية يشير إلى أن عدد سكان ألبانيا‬ ‫‪ 3.6‬مليون نسمة وأن غير املؤمنني باألديان ميثلون ‪%65.7‬‬


‫واملسيحيني األرثوذكس ‪ %10.3‬واملسلمني ‪ %9.4‬والرومان‬ ‫الكاثوليك ‪ %8‬ثم هناك أقليات أخ��رى صغيرة‪ ،‬وم��ن ناحية‬ ‫أخ��رى تشير مصادر قاعدة املعلومات املسيحية على شبكة‬ ‫اإلنترنت ب��أن ع��دد املسلمني حوالي ‪ %64‬واملسيحيني ‪%30‬‬ ‫والباقني الدينيون وبهائيون‪ ،‬ويعيش األلبان اآلن حتت وطأة‬ ‫التخلف االقتصادي وضغوط الفقر والبطالة واجلهل الثقافي‬ ‫واألمية وعدم معرفة الكثير عن مبادئ اإلسالم‪.‬‬ ‫وقد علمت من أحد النشطاء األلبان أن النفوذ األميركي‬ ‫خاصة واألوروب���ي عامة في ت��زاي��د‪ ،‬وأن��ه يدعم اإلرساليات‬ ‫التبشيرية بقوة ويطارد أي نشاط أو إحياء لإلسالم‪ ،‬حتى‬ ‫أنه بعد حوادث ‪ 11‬سبتمبر‪ /‬أيلول‪ 2001‬قام بطرد جمعيات‬ ‫خيرية إسالمية من السعودية وغيرها من الدول اإلسالمية‬ ‫كانت تساعد املسلمني في ألبانيا‪ .‬وأوضح ذلك الناشط أن‬ ‫املسلمني في ألبانيا اآلن أصبحوا في حالة شديدة من البؤس‬ ‫والفقر واإله��م��ال ال��ع��امل��ي‪ ،‬وخ��اص��ة م��ن ال���دول اإلسالمية‪،‬‬ ‫وعرضة أمام املؤثرات التبشيرية لدفعهم للتخلي عن اإلسالم‪،‬‬ ‫وإعتناق املسيحية‪ ،‬ألن الفكر والعقلية األوروب��ي��ة ال تتقبل‬ ‫وج��ود دول��ة إسالمية في أوروب��ا‪ ،‬وت��رى في املسلمني تهديدا‬ ‫لثقافتها وحضارتها‪ ،‬وأضاف محدثي بأن ذلك ميارس على‬ ‫املسلمني في كوسوفو وفي البوسنة بهدف أن ينسوا اإلسالم‬ ‫ويصبحوا بال عقيدة دينية حتى لو لم يعتنقوا املسيحية حتى‬ ‫ميكنهم أن يتعايشوا وهذا هو أسوأ حالة يتعرض له مسلمو‬ ‫ألبانيا‪ .‬وتساءل محدثي أليس في الدول اإلسالمية وخاصة‬ ‫منطقة اخلليج واألزه���ر في مصر من يستطيع أن يتحرك‬ ‫بعقالنية ملساندة املسلمني ف��ي ألبانيا ف��ي التعريف بأمر‬ ‫دينهم ومساعدتهم في بناء مساجد‪ ،‬ولكنه استدرك قائال إنه‬ ‫يتمنى لو حدثت مثل هذه املساعدات‪ ،‬أال تكون على حساب‬ ‫الفكر اإلسالمي املعتدل الذي ساد لقرون في ألبانيا‪ ،‬مبعنى‬ ‫أال يكون الثمن هو حتويلهم إلى هذا املذهب اإلسالمي أو‬ ‫ذاك‪ ،‬وإمنا تقدم املساعدات بال شروط‪ ،‬فاملسلمون األلبان‬ ‫على حد قوله يحرصون على اإلع��ت��دال‪ ،‬وليسوا في حاجة‬ ‫للفكر املتطرف س��واء م��ن القاعدة أو غيرها م��ن املذاهب‬ ‫التي تتصارع في الدول اإلسالمية ويقتل بعضها بعضا حتت‬ ‫املسميات الطائفية‪.‬‬

‫رداً على إستفسار منّي أوض��ح محدثي أن احلكومة في‬ ‫ألبانيا بعد سقوط الشيوعية تضم مسلمني ولكنهم يعتنقون‬ ‫الفكرة العلمانية بسلبية ال��دول��ة بالنسبة ل�لأدي��ان‪ ،‬ولكنها‬ ‫حتت تأثير النفوذ الغربي والضغوط األميركية تترك املجال‬ ‫مفتوحا لنشاط اإلرساليات التبشيرية في حني أنها تضيق‬ ‫على املساعدات للمسلمني بدعوى التطرف واإلرهاب‪ .‬وأبدى‬ ‫املتحدث شكوكه حول جدوى اللجوء حملكمة حقوق اإلنسان‬ ‫األوروبية ملنع اإلرساليات التبشيرية من ممارسة ضغوطها‬ ‫على املسلمني األلبان وحتويلهم للمسيحية على أساس املفهوم‬ ‫العام بحرية إعتناق األديان من ناحية ومن ناحية أخرى أكد‬ ‫أنها سياسة أوروبية متفق عليها وشعرت منه بنوع من اليأس‬ ‫واإلحباط الشديد‪.‬‬ ‫لقد رجاني هذا الناشط األلباني أن أساعده في التعريف‬ ‫مبشكلة املسلمني ف��ي ب�ل�اده وم��أزق��ه��م ل��ع��ل وع��س��ى بعض‬ ‫أصحاب النوايا الطيبة يساعدونهم وكرر أنه يدعو ملساعدة‬ ‫غير مشروطة باعتناق مذاهب الدولة التي تقدم املساعدات‪،‬‬ ‫وأن يتركوهم في إسالمهم البسيط املعتدل الذي يرغب في‬ ‫التعايش في قارة أوروبا بعيدا عن اإلجتاهات املتشددة التي‬ ‫لن جتلب لهم إال مزيدا من املعاناة واآلالم‪ .‬فوعدته بكتابة‬ ‫مقال يوضح هذه احلالة ومن هنا نبعت فكرة هذا املقال الذي‬ ‫أطرحه على القراء الكرام وأهل اخلير والبر واإلحسان‪ ،‬ولعلنا‬ ‫نشير إلى اآلية الكرمية «قول معروف ومغفرة خير من صدقة‬ ‫يتبعها أذى» (سورة البقرة اآلية ‪.)263‬‬ ‫وختاما نقول إن هذا الناشط املسلم األلباني الذي التقيت‬ ‫به في مؤمتر مراكز الفكر للدول اإلسالمية الذي عقد في‬ ‫اسطنبول من ‪ 30-28‬يناير‪ /‬كانون الثاني ‪ 2010‬هو السيد‬ ‫‪ ،Olsi JAZXHI‬حيث كان مدعوا لتمثيل منظمته في املؤمتر‬ ‫وهي املنتدى اإلسالمي األلباني ‪،The Muslim Forum of Albania‬‬ ‫والتي يعمل مستشارا لها‪ ،‬وموقعها على اإلنترنت‬ ‫‪،www.forumimusliman.org‬‬ ‫والبريد اإللكتروني ‪.olsi@rocketmail.com‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪37‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫املال والسياسة‪..‬‬ ‫هل هي املعادلة املستحيلة؟‬ ‫الدكتور وائل مريزا‬ ‫“األرجح أن من يرى امل��ال على أنه كل شيء سيفعل أي هذا العالم‪.‬‬ ‫شيء من أجل حتصيل املال”‪ .‬هذه العبارة التي قالها (بنجامني‬ ‫فاليونان على سبيل املثال تشهد أزم�� ًة داخلية تتصاعد‬ ‫فرانكلني) أحد اآلباء املؤسسني ألمريكا تلخص العالقة بني باستمرار هذه األيام‪ .‬خالل العام املاضي‪ ،‬قدم رئيس الوزراء‬ ‫املال والسياسة في هذا العصر‪.‬‬ ‫احلالي جورج باباندريو وحزبه وعوداً كثيرة للشعب اليوناني‬ ‫عاشت بريطانيا أياماً من اجلدل خالل األسبوع املاضي‪.‬‬ ‫فقد تبني أن عدداً كبيراً من نواب البرملان البريطاني (أساؤوا)‬ ‫إستخدام مخصصاتهم املالية‪ .‬يأتي اللجوء إلى تلك الكلمة‬ ‫طبعاً لتجنّب استعمال الكلمة احلقيقية‪ ،‬وهي أنهم (سرقوا)‬ ‫من مال الشعب‪.‬‬

‫بشكل مبالغ فيه‪،‬‬ ‫وما حصل هو أن أولئك النواب ص ّرحوا‬ ‫ٍ‬ ‫وأحياناً‬ ‫ٍ‬ ‫بدرجة مهولة‪ ،‬عن مصاريف مختلفة تتعلق بخدمات‬ ‫أغراض إحتاجوا شراءها‪.‬‬ ‫ُق ّدمت لهم أو‬ ‫ٍ‬ ‫املضحك املبكي أن رئيس ال��وزراء احلالي غ��وردون براون‬ ‫والسابق توني بلير ورئيس حزب احملافظني املعارض ديفيد‬ ‫كاميرون والناطق باسم مجلس العموم وغيرهم من كبار النواب‬ ‫رب‬ ‫كانوا من ضمن هؤالء‪ ..‬وهذا يذكرنا ببيت الشعر “إذا كان ُّ‬ ‫االبيت بالدف ضاربا”‪ .‬لكن األغ��رب أن اإلع�لام البريطاني‬ ‫طرح (إحتمال) قيام الشرطة بتحقيق قضائي في املوضوع‪ ،‬ثم‬ ‫مالبث احلديث فيه أن إختفى خالل بضعة أيام‪ .‬واألغلب أن‬ ‫األمر سيتوقف عند إلزام النواب احملترمني بإعادة املبالغ التي‬ ‫أخذوها سهواً عن غير قصد‪..‬‬

‫خالل احلملة اإلنتخابية قبل وصول احلزب اإلشتراكي إلى‬ ‫السلطة في أكتوبر املاضي عام ‪2009‬م‪ .‬وبعد أن وجد الرجل‬ ‫نفسه في مقعد احلكم فقط‪ ،‬ع��رف أن العجز االقتصادي‬ ‫ُ‬ ‫ضعف ماأعلنته احلكومة السابقة!‪..‬‬ ‫لبالده هو في احلقيقة‬ ‫ويبدو أن األرقام التي رأتها احلكومة اجلديدة كانت مخيفة‬ ‫ٍ‬ ‫درجة إضطرت معها إلى اإلعتذار عن إمكانية الوفاء بكل‬ ‫إلى‬ ‫ً‬ ‫تلك الوعود‪ .‬فلم يكن من اجلماهير طبعا إال أن ب��دأت في‬ ‫اإلضرابات والنزول إلى الشوارع‪.‬‬

‫لكن مشكلة ال��ي��ون��ان م��ع امل��ال والسياسة ليست داخلي ًة‬ ‫يشن عليها م��ؤخ��راً حمل ًة‬ ‫فقط‪ .‬ذل��ك أن اإلحت��اد األوروب���ي‬ ‫ّ‬ ‫شعواء بسبب أزمتها اإلقتصادية التي تؤثر سلباً على عملة‬ ‫اليورو‪ .‬إذ اكتشف األوروب��ي��ون أن بعض الساسة اليونانيني‬ ‫أوحوا منذ سنوات إلى البيروقراطيني في اجلهات املختصة‬ ‫بـ (فبركة) األرق��ام اإلقتصادية لبالدهم‪ ،‬بحيث تبدو أفضل‬ ‫مما هي عليه في احلقيقة‪ ،‬وتكون منسجم ًة مع املقاييس التي‬ ‫وضعها اإلحت��اد األوروب���ي ليصبح أي بلد في أوروب��ا عضواً‬ ‫من أعضائه!‪ ..‬والظاهر حتى اآلن من التقارير اإلعالمية‬ ‫والسياسية أن هذا هو ماحصل حقاً‪ .‬وأن أحد الدول املؤسسة‬ ‫لذلك اإلحتاد صار عضواً فيه‪ ..‬بالتزوير‪.‬‬

‫إذا كان هذا هو الوضع في مهد الدميقراطية املعاصرة‪،‬‬ ‫بل وفي أ ّم البرملانات‪ ،‬فال عجب أن يتساءل املرء عن أزمة‬ ‫بات وكأنه القاعدة‬ ‫حد أن األمر َ‬ ‫األمثلة األخرى كثيرةٌ إلى ّ‬ ‫العالقة (املشبوهة) على ال��دوام بني املال والسياسية‪ .‬وهي ول��ي��س ال��ش��ذوذ‪ ،‬ففي إيطاليا ت��ن��وء حكومة رئ��ي��س الوزراء‬ ‫مكان آخر من بيرلسكوني حت��ت ثقل شبهات ودع����اوى قضائية لها أو ٌل‬ ‫ٍ‬ ‫مكان حتى تظهر في‬ ‫ٍ‬ ‫أزم ٌة التكاد تختفي في‬ ‫‪38‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وليس لها آخر‪ .‬وأغربُها التحقيق األخير الذي تداولته بعض نوعها‪ ،‬وأنه سيعتمد فقط على التمويل املباشر مببالغ صغيرة‬ ‫الصحف اإليطالية بأن حادثة اإلعتداء التي تع ّرض لها الرجل من عامة الناس‪ .‬ورغم أن هذا حصل فع ً‬ ‫ال‪ .‬ورغم أن أوباما‬ ‫منذ أسابيع هي في احلقيقة مسرحي ٌة ُمد ّبرة‪ ،‬الهدف منها‬ ‫جنح في أن يخلق حمل ًة انتخابية شعبي ًة ليس لها مثيل‪ ،‬وأن‬ ‫رف ُع شعبيته التي انخفضت بسبب تلك الشبهات والدعاوى‬ ‫ينجح بواسطة دعمها املباشر‪ ،‬وأن يطرح من خاللها منوذجاً‬ ‫القضائية على وجه التحديد‪.‬‬ ‫العجب أن دي��غ��ول ق��ال ذات مرة‪”:‬لقد ب��دأت أوق��ن بأن غير مسبوق‪ .‬ورغ��م أن��ه ص�� ّرح برغبته ف��ي معاجلة مسألة‬ ‫السياسية ج ّ‬ ‫��دي�� ٌة إل���ى درج���ة أن���ه ل��م ي��ع��د ب��اإلم��ك��ان تركها متويل اإلنتخابات املعقّدة‪ .‬إال أن التعامل مع هذه القضية‬ ‫للسياسيني”‪..‬‬ ‫سيكون حتدياً كبيراً آخر على الئحة التحديات التي يواجهها‬ ‫ٍ‬ ‫بجدية أكبر هو أن كل هذه‬ ‫مايدعو إلى التفكير باملسألة‬ ‫وسيواجهها الرجل خالل السنوات املقبلة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫األحداث جتري في أوروبا التي كانت دائما أقل عرضة لهذه‬ ‫الفضائح من أمريكا‪ .‬فطبيعة النظام السياسي في الواليات‬ ‫خ�لاص��ة ال��ق��ول أن ع�لاق��ة امل���ال بالسياسة ب��ات��ت عالق ًة‬ ‫املتحدة جعل البالد تسقط حتت تأثيرات املال السلبية منذ َم َرض ّي ًة أشبه بالسرطان الذي يستشري في املجتمعات من‬ ‫عقود طويلة ألسباب ع��دي��دة‪ ،‬من أهمها ال��دور اإلستثنائي‬ ‫للمال في احلمالت اإلنتخابية الطويلة‪ ،‬والتي صارت مكلف ًة مشرق األرض إلى مغربها‪ .‬ومبا أن وجود املال ووجود السياسة‬ ‫بات من احلقائق التي الميكن إلغاؤها‪ ،‬فقد‬ ‫في واقع البشر َ‬ ‫بشكل جنوني في السنوات األخيرة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إجابات لألسئلة الكبرى‬ ‫لهذا قد ال تكون غريبة تلك املقوالت التي خلّ َد السياس َة يكون من املستحيل احلصول على‬ ‫ب��ه��ا ال��رئ��ي ُ‬ ‫��س األم��ري��ك��ي ال��س��اب��ق رون���ال���د ري��غ��ان ح�ين قال التي تطرحها العالقة بينهما في فضائهما املشترك‪ ..‬ويصبح‬ ‫جنحت فهناك جوائز‬ ‫مرة‪”:‬السياسة ليست مهن ًة سيئة‪ .‬إذا‬ ‫َ‬ ‫املطلوب البحثُ عن تلك اإلجابات في فضاءٍ آخر‪.‬‬ ‫كثيرة‪ ،‬أما إذا فضحت نفسك فيمكنك دائماً أن تكتب كتاباً”‪.‬‬ ‫وقال مر ًة أخرى‪”:‬يُفترض بالسياسة أن تكون ثاني أقدم مهنة‬ ‫املشكلة أن السياسة وأهلها خلقوا قناع ًة بني الناس باتت‬ ‫في التاريخ‪ ،‬ولكنني بدأت أدرك أنها تُشاب ُه إلى ٍ‬ ‫حد كبير أقدم‬ ‫َ من املسلّمات‪ ،‬وتؤك ُد بأن فضاء األخالق واملثل واملبادىء والقيم‬ ‫مهنة”!‪..‬‬ ‫قريب أو بعيد‪ .‬كانت هذه (ضربة‬ ‫العالقة له بهذا املوضوع من ٍ‬ ‫من هنا‪ ،‬إستهزأ الكثيرون بإعالن املرشح ب��اراك أوباما‪،‬‬ ‫نفق مظلم تتكاثر‬ ‫قبل أن يصبح رئيساً‪ ،‬مع بداية احلملة االنتخابية أنه لن يأخذ معلم) كما يقولون‪ ،‬لكنها أدخلت البشرية في ٍ‬ ‫تبرعات من جماعات املصالح اخلاصة أو (اللوبيات) أياً كان فيه األسئلة وتندر اإلجابات‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪39‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫من هم املسلمون املعتدلون؟‬ ‫الأ�ستاذ طارق رم�ضان‬ ‫ترجمة‪ :‬خرية طهريي‬ ‫يعد موضوع اإلعتدال بوجه عام من املواضيع التي حتظى‬ ‫بأهمية كبيرة نتيجة حلداثة تناوله وليس حلداثته ألن ما يجهله‬ ‫البعض هو أن دين اإلسالم منذ أن نزلت الرسالة احملمدية‬ ‫كان قائما على اإلعتدال والوسطية “وجعلناكم أمة وسطا”‪،‬‬ ‫وبالتالي فإن هذا املبدأ غير مرتبط بأي ظروف وال أحداث‬ ‫تغير الزمن فعليا‪ ،‬ولكن التكوين الفكري واألطر املرجعية‬ ‫معينة بل قام عليه وارتبط به وجود اإلسالم‪.‬‬ ‫وامل��ؤه�لات التبسيطية واملبسطة تبقى حاضرة بشدة في‬ ‫وعن هذا املفهوم وبروزه جاء مقال املفكر طارق رمضان‪ ،‬ال��ن��ق��اش��ات ال��ف��ك��ري��ة وال��س��ي��اس��ي��ة واإلع�لام��ي��ة ف��ي العصر‬ ‫وه��و دك��ت��ور وأس��ت��اذ محاضر س��وي��س��ري ف��ي ع��ل��وم اإلسالم احلالي‪ .‬ع َّم نتكلم عادة؟ عن املمارسات الدينية؟ عن املواقف‬ ‫بأوكسفورد‪ ,‬بريطانيا وجامعة فرايبورغ سويسرا‪ ،‬ول��د في السياسية؟ عن العالقة بالعنف؟ عن العالقة بالغرب؟‪ ،‬إن ما‬ ‫سويسرا في ال��س��ادس والعشرين من أغسطس ع��ام ‪ 1962‬مييز اجلدل املعاصر حول اإلسالم واملسلمني هو هذا اإلرتباك‬ ‫وهو حفيد مؤسس جماعة اإلخوان املسلمني حسن البنا وجنل العام حول األوام��ر ألنه‪ ،‬كما يقال‪ ،‬إن اإلس�لام ال يفرق بني‬ ‫الدكتور سعيد رمضان سكرتير البنا والذي توفي في ‪ 1995‬الدين والسياسة‪ ،‬وبالتالي لدينا كل املؤهالت العامة بدون‬ ‫وهو أحد القيادات اإلسالمية في أوروبا‪.‬‬ ‫متييز بني املفاهيم واملمارسات الدينية للمواقف السياسية‪.‬‬ ‫تبلورت فكرة اإلعتدال فعليا بعد أحداث ‪ 11‬أيلول ‪ 2001‬إن النظرة املبسطة عن “العالم اإلسالمي” تؤدي إلى جتاهل‬ ‫في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وجتنبا لفكرة الرفض الكلي املبادئ األساسية للتصنيف احمل��دد للمجاالت ذات املصدر‬ ‫للمسلمني برمتهم‪ ،‬ظهرت احملاولة إليجاد فكرة “املسلمني الالهوتي والقانوني من جهة‪ ،‬والعلوم اإلجتماعية والسياسية‬ ‫املعتدلني” الذين لديهم الفعالية والقدرة على أن ينأوا بأنفسهم من جهة أخرى‪.‬‬ ‫وينتقدوا سلوكات “املسلمني املتطرفني” أو “األصوليني” أو‬ ‫‪ ‬إن املوضوع معقد مما يستدعي حصر األسئلة اآلتية‪ ،‬ويجب‬ ‫“اإلسالميني”‪ ،‬مما إستوجب إنشاء معسكرين‪“ :‬املسلمون أوال دراسة املسألة من وجهة نظر دينية‪ :‬هل يوجد إعتدال‬ ‫اجليدون” و”املسلمون السيئون”‪ ،‬أي من نسميه من جهة يعارض املمارسة الدينية املتطرفة للمسلمني؟ كيف ميكننا‬ ‫“املعتدلون” أو “الليبراليون” أو “الالئكيون” ‪...‬إل��خ‪ ،‬ومن تصنيف اإلجتاهات املختلفة التي يتم التعبير عنها في إطار‬ ‫نسميهم م��ن ج��ه��ة ث��ان��ي��ة “األصوليون” أو “املتطرفون” اإلسالم؟ ماذا عن مواقفها السياسية جتاه بعضها البعض؟‬ ‫أو”اإلسالميون” ‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫على مستوى عاملي‪ ،‬م��اذ ميكننا أن نستفيد من اإلجتاهات‬ ‫إن هذا التصنيف ليس باجلديد إذ شهدناه إبان السيطرة املختلفة في الغرب؟ إن تسلسل وطبيعة هذه األسئلة تسمح‬ ‫البريطانية والفرنسية أو الهولندية نهاية القرن التاسع عشر لنا بتوضيح املسألة املتعلقة باملسلمني املعتدلني‪ ،‬وسنعمل على‬ ‫وب��داي��ة ال��ق��رن العشرين‪ ،‬التي كانت تقدم املسلمني حسب مناقشتها فيما يأتي‪:‬‬ ‫العالقة الثنائية‪ :‬حيث يوجد اجليدون والسيئون‪ ،‬فاجليدون‬ ‫هم من يتواطأون ويتضامنون مع القوى اإلستعمارية‪ ،‬أما‬ ‫اآلخ��رون املقاومون دينيا أو ثقافيا أو سياسيا فهم ُم َقـ َّيمون‬ ‫سلبيا بأنهم “اآلخر” و”اخلطر”‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫إن امل��م��ارس��ة املعتدلة للدين جت��د ج��ذوره��ا ف��ي التاريخ‬ ‫اإلس�لام��ي منذ البداية‪ .‬ففي ال��ق��رآن والسنن النبوية التي‬ ‫ترافقها‪ ،‬جند أن املسلمني كانوا مدعوين لإلعتدال في كل‬ ‫ممارساتهم الدينية لقوله تعالى‪« :‬يريد الله بكم اليسر وال يريد‬ ‫بكم العسر» وقوله صلى الله عليه وسلم‪« :‬يسروا وال تعسروا»‬ ‫ومن تطبيقات ذلك الترخيص بعدم الصوم أثناء السفر وذلك‬ ‫حتى ال يكلف املسلمون ف��وق طاقتهم‪ .‬وبهذا ومنذ البداية‬ ‫جند أن معظم العلماء قد فهموا معنى وص��ف املسلمني بـ‬ ‫«األمة الوسط»‪ .‬وسرعان ما أصبح هناك إجتاهان في طبيعة‬ ‫املمارسة‪ :‬من يطبقون الدين بحرفيته بغض النظر عن مفهومه‬ ‫أو سياقه وهم ما يسمون بـ «أهل العزم»‪ ،‬وأولئك الذين يأخذون‬ ‫بالرخص ومرونة املمارسة الدينية حسب املفهوم اإلجتماعي‬ ‫وه��م «أه��ل ال��رخ��ص»‪ ،‬وه��م يأخذون بعني اإلعتبار في ذلك‬ ‫باحلاجة وض��رورة العصر‪ .‬إن الغالبية العظمى من العلماء‬ ‫املسلمني سواء أكانوا في العالم اإلسالمي أم الغربي‪ ،‬ومهما‬ ‫كانت إجتاهاتهم‪ ،‬يحبذون إتباع اإلعتدال في تطبيق الدين‪.‬‬ ‫وبالرغم من أنهم يكونون صارمني في املبادئ األساسية إال‬ ‫أنهم يقترحون تعديالت تتوافق مع العصر والبيئة‪ ،‬وبدون شك‬ ‫يعد ذلك أول سوء فهم ملفهوم اإلعتدال‪.‬‬ ‫جند في املجتمعات الغربية مبا فيها أمريكا‪ ،‬املمارسات‬ ‫الدينية شبه غائبة‪ ،‬ويكون بذلك املسلمون املعتدلون هم من‬ ‫يشربون اخلمر وميارسون شعائرهم الدينية على طريقتهم‬ ‫أو بطريقة غير مرئية‪ .‬إن التواريخ واملرجعيات ليست نفسها‬ ‫وبالتالي ف��إن مفهوم اإلع��ت��دال ينظر إليه حسب كل مرجع‬ ‫كوني‪.‬‬

‫إن ما يدعو إلى القلق فعال‪ ،‬ويجعل من مسألة التصنيف‬ ‫معقدة‪ ،‬هو وجود مجموعات إصالحية‪ ،‬عقالنية أو باطنية‬ ‫التي تطور‪ ،‬على املستوى الداخلي‪ ،‬نفس اإلجت��اه العقائدي‬ ‫جتاه إخوانهم من خالل نزع شرعيتهم وانتمائهم من خالل‬ ‫أحكام قطعية‪ .‬وكما نرى فإن اإلعتدال ال يعبر عنه في إطار‬ ‫الغرب أو غير املسلمني فقط‪.‬‬ ‫من الضروري اإلعتراف وإحترام التفسيرات اإلسالمية‬ ‫ألنها السبيل الوحيد للحوار ما بني املجتمعات الذي يعد اليوم‬ ‫ضرورة البد منها‪.‬‬ ‫إن حتليل امل��واق��ف السياسية جت��ع��ل األم���ور ت��ب��دو أكثر‬ ‫تعقيدا وتثير الكثير من اإللتباس‪ ،‬فعلى من نتكلم‪ ،‬وع َّم نتكلم‬ ‫حتديدا؟ إن موضوع اإلع��ت��دال السياسي هو مسألة ذاتية‪،‬‬ ‫ومثال أفغانستان هو عرضي‪ ،‬فنفس األشخاص الذين كنا‬ ‫نصفهم باملقاومة إبان اإلحتالل الروسي هم اليوم يوصفون‬ ‫باإلرهابيني ألنهم يواجهون اإلحتالل األمريكي‪ -‬البريطاني‪.‬‬ ‫إذا كان الكل يتفق على إدانة األعمال اإلرهابية التي تستهدف‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية أو الدار البيضاء أو بالي أو ع ّمان‬ ‫أو مدريد أو لندن‪ ،‬فماذا عن املقاومة العراقية أو األفغانية‬ ‫أو الفلسطينية جتاه اإلحتالل الذي يعد غير مشروع؟ هل في‬ ‫هذا اإلطار نعتبر املتطرفني هم من يقاومون‪ ،‬واملعتدلني هم‬ ‫من يقبلون وجود القوات األمريكية أو البريطانية أو الروسية‬ ‫أو اإلسرائيلية؟ أو وصف املعارضني كمتطرفني أو إرهابيني‬ ‫من قبل بعض األنظمة اإلستبدادية؟ فمن يقرر وبنا ًء على‬ ‫ماذا؟‪.‬‬ ‫أنا شخصيا كنت محل هذا النوع من التقييم النسبي‪ .‬لقد‬ ‫متت إستضافتي في ‪ 2003‬لدى وزارة اخلارجية األمريكية ومت‬ ‫تقدميي على أنني مسلم «منفتح» و»معتدل»‪ .‬وبعد حوالي سنة‬ ‫وفي عهد رئاسة بوش‪ ،‬حولتني إنتقاداتي للسياسة األمريكية‬ ‫في العراق وفلسطني إلى داعم لإلرهاب وصدر إثرها قرار‬ ‫مبنعي من دخ��ول الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬ست سنوات‬ ‫فيما بعد‪ ،‬سقطت هذه اإلتهامات واعتبرت إدارة أوباما أن‬ ‫آرائي ال تشكل أي خطر بل تعد ضرورية فيما يتعلق باإلسالم‪،‬‬ ‫وأستطيع من جديد الدخول إلى األراضي األمريكية‪.‬‬

‫يجب أال ننكر أن��ه م��ن ب�ين مختلف ال��ت��ي��ارات اإلسالمية‬ ‫(احل��رف��ي��ة‪ ،‬التقليدية‪ ،‬اإلص�لاح��ي��ة‪ ،‬ال��ع��ق�لان��ي��ة‪ ،‬الباطنية‬ ‫والسياسية البحتة)‪ ،‬توجد أيضا تفسيرات عقائدية مفرطة‪.‬‬ ‫وبالطبع فإنه في التيارات احلرفية والتقليدية والسياسية‬ ‫جند تفسيرات مغلقة تعزز اآلراء القانونية والتي تأخذ بعني‬ ‫اإلعتبار املفاهيم التاريخية واإلجتماعية س��واء أك��ان على‬ ‫املستوى الثقافي‪ ،‬أم على مستوى العالقات اإلنسانية واملتعلقة‬ ‫باملرأة أو تلك املرتبطة بالعالقة بغير املسلم‪ .‬وفي هذا اإلطار‬ ‫جند أن بعض اجلماعات تدعو املسلمني إلى عدم التعامل‬ ‫ما هو ضروري للطرح ليس فقط اإلعتدال السياسي ولكن‬ ‫مع املسيحيني أو اليهود أو امللحدين‪ ،‬بل وتدعوهم في بعض أيضا اخللط بني امل��ج��االت الدينية والسياسية التي جتعل‬ ‫األحيان إلى رفضهم أو سلوك العداء جتاههم‪.‬‬ ‫من التحليل أكثر عشوائية‪ .‬إن اإلعتدال الديني ال عالقة له‬ ‫على املستوى الداخلي جند أن بعض هذه األقليات تنتقد باإلعتدال السياسي‪ ،‬وه��ذا األم��ر يطرح بعض اخللط لدى‬ ‫اإلجتاهات اإلسالمية األخرى وتذهب إلى التشكيك في طابعها الغرب‪ ،‬وجند هنا أن مزيدا من الدراسات تعد إلزمة لتوضيح‬ ‫املواقف الدينية والسياسية املوجودة‪.‬‬ ‫اإلسالمي وفي إميانها وفي ممارستها للشعائر الدينية‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪41‬‬


‫‪ ‬تشكل العالقة بالغرب عنصراً مهماً في تقييم املواقف‬ ‫الدينية والسياسية للمسلمني املعاصرين‪ ،‬فإذا كان في إعتقاد‬ ‫املجموعات املتطرفة العنيفة أن العالقة مع الغرب تنحصر في‬ ‫جانب املعارضة والعالقة مع القوة الدينية والسياسية والثقافية‬ ‫واإلقتصادية‪ ،‬فإن الغالبية املسلمة سواء على مستوى العالم أو‬ ‫وهنا نرى أنه عندما تتم إدانة املجموعات املتطرفة التي‬ ‫على مستوى املجتمعات الغربية تعترف بإجنازات املجتمعات‬ ‫الغربية مع تبنيها حقها في أن تقرر لنفسها مالمح هويتها ترتكب جرائم في حق املدنيني واألب��ري��اء‪ ،‬فإنه يجب تأطير‬ ‫املواقف السياسية حتى ال يتم تبسيط التحليالت والنتائج‬ ‫وممارساتها وآمالها الروحية‪.‬‬ ‫التي من أمثلتها بان «املعتدلون» هو من يدعموننا أو يجمعوننا‬ ‫غير أن اإلنتقاد والرفض املوجه إلى الغرب هو مرتبط أساساً‬ ‫واآلخ���رون ه��م أصوليون أو إسالميون متطرفون‪ .‬إن هذه‬ ‫برفض لعالقة الهيمنة السياسية واإلقتصادية والثقافية‪ ،‬إذ أن‬ ‫اإلعتبارات هي أيديولوجية وت��ؤدي إلى إلتباسات ال تسمح‬ ‫موجهة في املجتمعات ذات األغلبية‬ ‫الدين دائما قوة طبيعية ِ‬ ‫بفهم طبيعة التحديات السياسية بشكل أساسي والتحديات‬ ‫املسلمة‪ ،‬كما يتعلق اإلنتقاد والرفض إضافة إلى ذلك بوضع‬ ‫يد الغربي على السياسة واإلقتصاد واالتنقاضات املشهودة اإلقتصادية‪ .‬وهذا ما يكمن وراء خطاب « صراع احلضارات»‬ ‫ال��ذي يتعارض من الناحية الدينية والثقافية مع الكيانات‬ ‫في الدعم الغربي لألنظمة اإلستبدادية واألكثر فسادا‪.‬‬ ‫املتواجدة والتي ال تعبر عن أي تطلعات للعدالة أو احلرية‬ ‫إن اخلطاب اإلسالمي البحت هو في معظمه معتدل في‬ ‫‪ .‬في ه��ذا املضمار يجب على أولئك الذين يدافعون بقوة‬ ‫مواجهة الغرب هذا جنده حتى في صفوف احلركات اإلسالمية‬ ‫عن الوسطية الدينية (والذين ميثلون األغلبية املسلمة) أن‬ ‫من ماليزيا إلى املغرب مرورا باحلكومة التركية احلالية التي‬ ‫يسمعوا صوتهم بشكل أكثر «راديكالية» حتى ميكنهم حتقيق‪،‬‬ ‫تسعى من خالله إلى اإللتحاق باإلحتاد األوروبي‪.‬‬ ‫في شروط مالئمة‪ ،‬التشابه في القيم األخالقية وكذلك في‬ ‫‪ ‬وهنا نشير إلى أنه حسب وجهة النظر الغربية‪ ،‬املسلم‬ ‫طبيعة العالقات بني القوى السياسية واإلقتصادية املتباينة‬ ‫املعتدل هو املسلم غير املرئي أو املسلم الذي يشبه هذا املجتمع‬ ‫بشكل كبير‪.‬‬ ‫أو من يقبل بهيمنته‪ .‬إن مثل هذا املنطق أو اإلستنتاج ال يتيح‬ ‫يجب على ه��ؤالء إسماع أصواتهم وتوضيح أن الوسطية‬ ‫فهم آلية املجتمعات ذات الغالبية املسلمة واملجتمعات احمللية‬ ‫التي نشأت في الغرب‪ ،‬وهي متعددة ومعقدة‪ ،‬إذ يوجد جدل الدينية بإمكانها اإلنسجام مع راديكالية اخلطاب السياسي‬ ‫ديني بحت ( من حيث فلسفة الشريعة وأسسها) حول مفهوم غير العنيف والدميوقراطي‪ ،‬املناهض للهيمنة واإلستغالل‬ ‫الوسطية الذي البد من فهمه على نطاقه الواسع‪ ،‬فهو يسمح والظلم بجميع أشكاله‪.‬‬ ‫باستيعاب مختلف التحديات على مستوى اجلداالت الداخلية‬ ‫بني مختلف اإلجتاهات واألحكام اإلقصائية وأحيانا العقائدية‬ ‫في التيارات املنفتحة شكليا‪ .‬إن إتباع هذا النهج يساعد على‬ ‫معاجلة القضايا السياسية مع أقل حتيز أو سذاجة‪.‬‬

‫ ‬

‫‪42‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫كبير مفتشي فريق مكافحة اإلرهاب‬ ‫في لندن ‪ ..‬سلمان رشدي سبب إسالمي‬ ‫رب ض��ارة لإلسالم جتلب إليه محبني ومسلمني جددا‪،‬‬ ‫قول تؤكده جتارب عديدة من بينها جتربة العقيد البريطاني‬ ‫ريتشارد فيرلي ال��ذي دفعته كتابات الكاتب الهندي سلمان‬ ‫رشدي املسيئة لإلسالم إلى إعتناق اإلسالم ثم إنشاء رابطة‬ ‫للشرطيني املسلمني جنحت في الفوز مبكاسب عديدة‪ ،‬ليس‬ ‫فقط لهم‪ ،‬بل أيضا للمساجني املسلمني‪.‬‬ ‫وفي حوار مع صحيفة «الشرق األوس��ط» اللندنية نشرته‬ ‫السبت ‪ 2010-2-13‬عاد كبير مفتشي فريق مكافحة اإلرهاب‬ ‫البريطانية بذاكرته إلى يوم ‪ 19‬أغسطس ‪ ،1993‬اليوم الذي‬ ‫ّ‬ ‫ض مِ َها ًدا َوالجْ ِ َبا َل أَ ْوتَا ًدا» (النبأ)‪.‬‬ ‫سطر «التاريخ الفاصل في حياتي‪ ..‬وعرفت فيه طعم اإلميان (األنبياء)‪« ،‬أَلَ ْم نجَ ْ َعلِ األَ ْر َ‬ ‫وصفاء النفس»؛ ألنه أول يوم يصبح فيه مسلما‪.‬‬ ‫وأض���اف‪« :‬ه��ذه اآلي��ات التي تتحدث بعمق عن اإلنفجار‬ ‫وعن دافعه إلى إعتناق اإلس�لام ق��ال‪“ :‬بعد ص��دور كتاب‬ ‫العظيم ومتدد الكون ومهمة اجلبال في احلفاظ على الكرة‬ ‫آيات شيطانية لسلمان رشدي (املتهم بأنه أساء فيه للرسول‬ ‫األرضية قلبت حياتي رأسا على عقب‪ ،‬وفتحت قلبي للهداية‬ ‫ال��ك��رمي) إض��ط��ررت أن أق��رأ ‪ -‬كجزء م��ن مهام عملي‪ -‬في‬ ‫والنور‪ ،‬فال ميكن ألي كتاب بشري أن يكشف هذه احلقائق‬ ‫القرآن الكرمي ألفهم أسباب الهجوم عليه وخ��روج املسلمني‬ ‫قبل ‪1400‬عام‪ ،‬وقادني هذا إلى التعمق في قراءة جزء كامل‬ ‫في مظاهرات ضده”‪ ،‬خاصة أن رش��دي جلأ إلى بريطانيا‬ ‫من القرآن كل ليلة‪ ،‬وط��وال رحلتي معه تدفقت إكتشافات‬ ‫حلمايته من فتوى إيرانية بإهدار دمه‪.‬‬ ‫مماثلة على عقلي وروحي»‪.‬‬ ‫“وخالل قراءتي صادفتني ‪ 3‬آيات من القرآن كان ال ميكن‬ ‫واس��ت��م��رت مسيرة ال��ض��اب��ط البريطاني ف��ي إستكشاف‬ ‫علي مرور الكرام‪ ..‬فأنا درست علم اجليولوجيا في‬ ‫أن متر َّ‬ ‫جامعة إكستر البريطانية‪ ،‬وأه��وى التعمق في العلوم‪ ،‬وهذه القرآن عامني قبل أن ينطق بالشهادة‪ ،‬ت��ردد خاللهما على‬ ‫اآليات الثالث التي تتحدث عن حقائق علمية لم تكن معروفة املركز اإلسالمي في منطقة “ريجنت بارك” بوسط لندن‪،‬‬ ‫أب��دا وق��ت ن��زول ال��ق��رآن‪ ،‬ول��م يكن لها تفسير إال أن وراءها للسؤال عما يجهله أو يصعب عليه فهمه‪ ،‬حتى اقتنع عقله‬ ‫ق��درة إلهية ال شك”‪ .‬واآلي��ات الثالث التي يقصدها فيرلي واطمئن قلبه ونطق لسانه بالشهادتني أمام عدد من مشايخ‬ ‫وس ُعونَ» (الذاريات)‪« ،‬أَ َو لَ ْم املسجد املركزي ويوسف إسالم‪ ،‬الداعية املسلم حاليا ومطرب‬ ‫َاها ِب َأيْ ٍد َو ِإ َّنا لمَ ُ ِ‬ ‫الس َما َء بَنَيْن َ‬ ‫هي‪َ « :‬و َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الس َما َو ِ‬ ‫ات َواأل ْر َ‬ ‫ض كانَتَا َرتْ ًقا َف َفتَ ْقنَا ُه َما» البوب املسيحي سابقا‪ .‬‬ ‫يَ َر ا َّلذِ ي َن ك َف ُروا أ َّن َّ‬ ‫ريتشارد فيرلي اثناء تأديتة ملناسك العمرة‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪43‬‬


‫رابطة املسلمني‬ ‫إعتناق ريتشارد فيرلي لإلسالم ومحبته له دفعاه إلى أن‬ ‫يقدم ما يقدر عليه من خدمات لزمالئه املسلمني في الشرطة‬ ‫البريطانية‪ ،‬فأسس في عام ‪ 2000‬رابطة للشرطيني املسلمني‬ ‫بعد أن تلفت حوله في شرطة ميتروبوليتان بلندن ولم يجد إال‬ ‫رابطة للشرطيني املسيحيني‪ ،‬وأخرى للشرطيني السيخ‪ ،‬رغم‬ ‫وج��ود العشرات من الضباط املسلمني يصل عددهم حاليا‬ ‫إلى نحو ‪ 2000‬شرطي‪ ،‬منهم ‪ 400‬في شرطة ميتروبوليتان‬ ‫وحدها‪.‬‬ ‫وأوض��ح فيرلي قائال‪« :‬فكرت في إنشاء الرابطة ألنني‬ ‫وجدت أن الشرطيني املسلمني ال يتلقون الدعم الذي يساوي‬ ‫ما يتلقاه زمالؤهم من ديانات أخرى؛ فقررت أنا وزميل لي‬ ‫اسمه محمد معروف من أصول باكستانية أن ننشئ الرابطة‪،‬‬ ‫فظهرت للنور في عام ‪ 2000‬وأنا رئيسها ومعروف سكرتيرها‪،‬‬ ‫وأطلقنا لها موقعا على اإلنترنت لتتمكن من توصيل صوتها إلى‬ ‫أصحاب القرار في وزارة الداخلية واحلكومة البريطانية»‪.‬‬

‫كما لفت الضابط البريطاني املسلم إل��ى أن زي��ادة عدد‬ ‫الضباط املسلمني في دوائر الشرطة البريطانية‪ ،‬وتنظيمهم‬ ‫في كيان الرابطة‪ ،‬التي يرأسها حاليا زهير أحمد‪ ،‬إنعكس‬ ‫على املساجني املسلمني أيضا‪« :‬فإذا ما جاء إلينا مسجونون‬ ‫مسلمون فإننا نتعامل معهم بطريقة مدنية للغاية‪ ،‬نتأكد من‬ ‫وجود سجادة للصالة ونسخة من القرآن ملن يطلبهما‪ ،‬وكذلك‬ ‫نحرص على أشياء أخرى خاصة بالعقيدة‪ ،‬مثل تقدمي الطعام‬ ‫احلالل لهم‪ ..‬وهذه األشياء متيزنا في الوقت الراهن ولم تكن‬ ‫موجودة قبل ‪ 10‬سنوات»‪.‬‬ ‫ول��م يعتنق أح��د من أس��رة ريتشارد فيرلي اإلس�لام حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬إال أنه يقول إنه يعيش في أسرة مسيحية «متفاهمة»‬ ‫فيما بينها‪ ،‬لم تعترض على حتوله إل��ى اإلس�ل�ام‪ ،‬باستثناء‬ ‫والدته املسيحية امللتزمة التي عارضته في البداية‪.‬‬

‫وزوجة فيرلي مدرسة‪ ،‬ولديه ولدان يبلغان ‪ 19‬و‪ 21‬عاما‬ ‫من العمر يدرسان الفيزياء والهندسة امليكانيكية في جامعتي‬ ‫وبالفعل أثمرت ه��ذه اجلهود‪“ :‬لقد سمحوا للشرطيات أكسفورد وساري‪.‬‬ ‫والالفت أن ريتشارد فيرلي رفض إختيار إسم عربي بدال‬ ‫املسلمات ب��ارت��داء احل��ج��اب اإلس�لام��ي بعد جت���ارب كثيرة‬ ‫الختيار حجاب عملي ال يعوق عملهن‪ ،‬ومت تخصيص أماكن من اسمه البريطاني كما يفعل كثير من املسلمني اجلدد‪“ :‬في‬ ‫علي اسم راشد ألنه‬ ‫للصالة‪ ،‬وسمحت إدارة الشرطة لنا بتناول وجبة اإلفطار في مسجد لندن املركزي كان الكثيرون يطلق َّ‬ ‫رمضان في وقتها احملدد‪ ،‬وتأدية صالة العيد‪ ،‬واحتساب يوم يشبه إلى حد ما اسم ريتشارد‪ ،‬وكان األمر مضحكا إلى حد‬ ‫العيد إجازة رسمية”‪.‬‬ ‫ما”‪.‬‬

‫ ‬

‫‪44‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫دراسات إسالمية‬

‫كيف يستفيد العالم العربي من العالم‬ ‫اإلسالمي في جتديد اخلطاب الديني‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‬

‫يعتبر جتديد اخلطاب اإلس�لام��ي مطلبا دينيا وضرورة‬ ‫واقعية ملحة‪ ،‬فهو شرط جوهري في عبور الفجوة الواسعة‬ ‫التي تفصل العالم العربي واإلسالمي عن العالم املتقدم‪.‬‬ ‫وحت �ت��اج م�ق��ارب��ة ج �ه��ود ال�ت�ج��دي��د ف��ي املنطقة العربية‬ ‫إل � ��ى أرب� � ��ع م� �ق ��دم ��ات أس���اس� �ي���ة‪ ،‬ن���وج���زه���ا ف��ي��م��ا يلي‪: ‬‬ ‫‪ -1‬البد من التأكيد على تنوع اخلطاب الديني اإلسالمي ليس‬ ‫فقط من بلد إلى آخر ولكن داخ��ل كل بلد‪ ،‬فهو ليس ً‬ ‫منطا‬ ‫واح�� ًدا يصدق عليه حكم عام‪ ،‬وإمنا هو أطياف مختلفة من‬ ‫الرؤى واملواقف‪ .‬واجلهود التجديدية ضمنها كثيرة ومتنوعة‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن��ه من املؤكد أن هناك تفاعال بني الفكر وال��واق��ع‪ ،‬وال‬ ‫ميكن دراسة أحدهما مبعزل عن اآلخر‪ .‬وبالتالي فإن هناك‬ ‫ع��وام��ل ومحركات تؤثر ف��ي الفكر وت��ط��ورات��ه‪ ،‬وه��ي عوامل‬ ‫من الواقع اإلجتماعي والسياسي‪ ،‬ومن التأثيرات احمليطة‪.‬‬ ‫ول��ذل��ك ف��إن ت��ط��ورات جتديد اخل��ط��اب الديني ال ميكن أن‬ ‫ت��درس وحتلل بعيدا عن الواقع العام وتفاعالته وتأثيراته‪.‬‬ ‫‪ -3‬إنه على الرغم من أن جهود جتديد اخلطاب اإلسالمي‬ ‫تبقى دائ��م��ا ف��ي حاجة إل��ى تطوير‪ ،‬إال أن صعوبة التجدد‬ ‫تنسحب أيضا في العالم العربي على مختلف اإلجتاهات‬ ‫ال��ف��ك��ري��ة واإلج��ت��م��اع��ي��ة وال��س��ي��اس��ي��ة األخ�����رى‪ ،‬يشهد على‬ ‫ذلك تعاملها احلرفي مع األفكار ال��واف��دة‪ ،‬وضعف تأثيرها‬ ‫ف��ي املجتمع وضعف إسهامها ف��ي تغيير سلوكياته وفكره‪،‬‬ ‫إض��اف��ة إل���ى امل��م��ارس��ات غ��ي��ر ال��دمي��ق��راط��ي��ة ال��ت��ي سادتها‬ ‫وع���ج���زه���ا ع����ن ن���س���ج ع��ل�اق����ات ص��ح��ي��ة م����ع اجلماهير‪،‬‬ ‫والطبيعة اإلستبدادية لألنظمة التي أقامتها في املنطقة‪.‬‬ ‫‪ -4‬فيما يتعلق بتجديد اخلطاب الديني في العالم اإلسالمي غير‬ ‫العربي‪ ،‬يالحظ أنه على الرغم من وجود محاوالت جتديدية‬

‫في عدة بلدان إسالمية انتهت إلى جت��ارب تنموية وجتارب‬ ‫دميقراطية ناجحة نسبيا كما هو الشأن في جتربة بعض بلدان‬ ‫جنوب شرق آسيا اإلسالمية‪ ،‬لكن أسئلة عديدة تطرح بصددها‪.‬‬ ‫فهل تلك النهضة مرتبطة بتجديد اخلطاب الديني‪ ،‬وهل هذا‬ ‫التجديد هو مدخلها األساس؟ وملاذا لم تتحول تلك التجارب‬ ‫إل��ى قاطرة تنسج على منوالها ال��دول اإلسالمية األخرى؟‬ ‫ومن الواضح أنه حتى في حال صحة فرضية وجود جتديد‬ ‫في اخلطاب الديني في تلك البلدان‪ ،‬فإنه لم يصل إلى درجة‬ ‫يصبح معها حامال لقوة جذب ذاتية أو محركا حلركة جتديد‬ ‫في الفكر الديني على مستوى العالم اإلسالمي كله مبا في‬ ‫ذلك العالم العربي‪ .‬وبالتالي يبدو من املفيد التساؤل عن مدى‬ ‫صواب فكرة منوذجية الفكر اإلسالمي غير العربي في مجال‬ ‫التجديد الديني بالذات وجعله معيارا يتم من خالله مساءلة‬ ‫جتارب جتديد الفكر الديني في العالم العربي‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪45‬‬


‫تبعا لذلك يبدو أن إشكالية جتديد الفكر الديني تبقى‬ ‫إشكالية إسالمية وليس مجرد إشكالية عربية‪ ،‬إذ يستوي في‬ ‫ذلك الفكر الديني اإلسالمي العربي والفكر الديني اإلسالمي‬ ‫غير العربي‪ .‬وف��ي كلتا احلالتني ميكن أن نسجل أن��ه على‬ ‫الرغم من امل��وج��ات التجديدية املتواصلة للخطاب الديني‬ ‫اإلسالمي سواء في العالم العربي أو اإلسالمي عموما‪ ،‬إال‬ ‫أنها لم تستطع أن جتعل ذل��ك ثقافة ل��دى عموم املسلمني‪.‬‬ ‫وال أن جتد بعض اجلهود التجديدية الناجحة في اخلطاب‬ ‫اإلسالمي غير العربي صداها الكامل في العالم العربي أو أن‬ ‫تكتسب قوة جاذبة في اخلطاب الديني العربي‪ ،‬والعكس أيضا‬ ‫صحيح‪ .‬وهذا يبني أننا أمام مشكلة ثقافية بنيوية ذات صلة‬ ‫بالعقل اإلسالمي املعاصر وليس بالعقل اإلسالمي العربي‪،‬‬ ‫مشكلة بنيوية تتغذى مبجموعة م��ن ال��ش��روط واملعطيات‬ ‫الثقافية واإلجتماعية والتاريخية في العالم اإلسالمي‪ ،‬جعلت‬ ‫كثيرا من التطورات واإلبداعات الفكرية ومحاوالت جتديد‬ ‫اخلطاب الديني تبقى محصورة بني النخب من جهة‪ ،‬ولم‬ ‫تستطع في عمومها أن تكتسب قوة جذب جتعلها تنتقل من‬ ‫السياق اإلسالمي إلى السياق العربي أو العكس‪.‬‬ ‫عوامل إعاقة التجديد‬ ‫إن اإلجابات التي من األولى مالمستها إذن هي عن أسئلة‬ ‫مثل ملاذا بقيت التطورات الفكرية في مجال اخلطاب الديني‬ ‫محصورة في بعض النخب؟ ملاذا تستمر كثير من التفسيرات‬ ‫واإلجتهادات الدينية املتشددة في تأثيرها على الناس؟ ملاذا‬ ‫بقيت حركة التالقح الفكري بني العقل اإلسالمي غير العربي‬ ‫والعقل اإلسالمي العربي دون املستوى املطلوب ؟‬ ‫إن العوامل وراء ذلك في رأيي تتلخص في أربعة أمور‪: ‬‬ ‫‪ 1‬ـ التركيز اإلستعماري الذي تعيشه املنطقة منذ قرنني من‬ ‫الزمان تقريبا‪ ،‬وما زالت تعيشه‪ ،‬وهو تركيز إنتهى باقتطاع‬ ‫جزء من األمة وإنشاء كيان صهيوني فوقه‪ .‬ثم إرتكبت على‬ ‫مدى عقود من الزمان مجازر متتالية ضد الشعب الفلسطيني‬ ‫تشذ عن ال��وص��ف‪ .‬ومت إحتالل القدس الشريف واملسجد‬ ‫األقصى وإستمرت محاوالت تهويده والتهديد بهدمه‪ ،‬مع ما‬ ‫له من مكانة دينية ورمزية عند املسلمني‪ .‬وميكن أن نالحظ أنه‬ ‫بوقوع العدوان األمريكي األخير على العراق في مارس ‪2003‬‬ ‫بلغ عدد احل��روب التي شهدتها املنطقة طيلة الستني عاما‬ ‫األخيرة‪ ،‬ثماني حروب شاركت فيها مباشرة قوى دولية‪ .‬يضاف‬ ‫إليها مثلها من احلروب األهلية التي لبعض األطراف الدولية‬ ‫فيها دور وتأثير‪ .‬وهكذا تكون املنطقة قد شهدت حوالي ست‬ ‫عشرة حربا‪ ،‬مبعدل حرب كل نحو أربع سنوات تقريبا‪ .‬وهذه‬ ‫الوضعية ال توفر اإلستقرار الضروري لتوجيه طاقاتها للبناء‬ ‫السياسي واإلقتصادي‪ ،‬وال للبناء الفكري واحلضاري‪ ،‬بل هيأت‬ ‫‪46‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ظروف ردود فعل قاسية للدفاع عن النفس وعن احلقوق‪ ،‬وفق‬ ‫منطق ديناميكية الشعوب في الدفاع عن نفسها وعن وجودها‪.‬‬ ‫إن نقاط التماس والتوتر الكبرى تكون فيها عموما ردود الفعل‬ ‫والعواطف اجلياشة سيدة امل��ي��دان‪ ،‬ويتراجع الفكر الهادئ‬ ‫العميق‪ .‬وهذا ما جعل التأكيد على الهوية في املنطقة العربية‬ ‫خيارا جماهيريا ونخبويا طاغيا‪ .‬ودفع اخلطاب اإلسالمي‬ ‫ليعطي األولوية ملواضيع املقاومة وحماية حقوق األمة على‬ ‫حساب التجديد الفكري واحلضاري‪ ،‬وينشغل تبعا لذلك عن‬ ‫جتديد اخلطاب الديني‪ .‬ومما يعزز هذا التوجه أن اإلسالم‬ ‫كان باستمرار عنصر صمود وتعبئة ضد مختلف محاوالت‬ ‫الهيمنة والظلم والطغيان‪ .‬ولذلك يرى الدكتور محمد عابد‬ ‫اجل��اب��ري على سبيل املثال أن «احل��رص على الهيمنة على‬ ‫عصب احلياة في اإلقتصاد العاملي (النفط)‪ ،‬دفع ويدفع بكثير‬ ‫من احملللني الغربيني إلى بناء سيناريوهات عدوانية متاماً‬ ‫تتجه مباشرة وبكل صراحة‪ ،‬إلى «اإلسالم»‪ ،‬ال بوصفه مجرد‬ ‫دين‪ ،‬بل لكونه عنصر تعبئة ميكن أن يوظف ضد الهيمنة التي‬ ‫ميارسها الغرب اقتصادياً وثقافياً» ‪.‬‬ ‫لسنا جنادل في أن املقاومة حق مشروع وأمر واجب‬ ‫مطلوب‪ ،‬لكن إهمال التجديد الفكري والفقهي عنصر نقص‬ ‫كبير‪ .‬فخطاب املقاومة ال يكتمل إال إذا ترافق بتجديد فكري‬ ‫يؤمن من إخ��ت��راق ثقافة عنصر اإلنحطاط وثقافة التبعية‬ ‫وضياع الهوية‪ .‬وال يكفي في سبيل ذلك التوسل بآليات الدفاع‬ ‫الذاتي‪ ،‬ولكن أيضا ال بد من إعتماد آليات اإلبداع والتجاوز‬ ‫واإلستشراف والتثاقف احلضاري في إطار مرجعية اإلسالم‬ ‫وأحكامه ومقاصده‪ .‬لكن قساوة التحديات التي واجهتها املنطقة‪،‬‬ ‫حروبا وعنفا‪ ،‬حالت دون ال��ت��وازن بني احلفاظ على الهوية‬ ‫وجتديدها‪ ،‬وبني مقاومة اإلستعمار واإلستفادة من حضارته‪.‬‬ ‫يضاف إلى هذا التحدي اإلستعماري حتدي العوملة‪ ،‬فمع‬ ‫ضمور تأثير التوجهات الفكرية السياسية األخرى في الشارع‬ ‫العربي‪ ،‬أضحى التوجه اإلسالمي هو املالذ الذي يلجأ إليه‬ ‫والذي يشكل رد فعل جدي على الهيمنة الثقافية واالقتصادية‬ ‫والسياسية الغربية منذ إنهيار اإلحتاد السوفياتي‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ س �ي �ط��رة األن �ظ �م��ة ال�ش�م��ول�ي��ة وامل��ن��ت��ه��ك��ة للحريات‬ ‫ال���ف���ردي���ة واجل���م���اع���ي���ة‪ ،‬وه����ي ال���ت���ي ت��ع��ام��ل��ت م���ع شعوبها‬ ‫ع��م��وم��ا‪ ،‬وم��ع اإلجت��اه��ات اإلس�لام��ي��ة على وج��ه اخلصوص‬ ‫ب��إق��ص��اء وح�����رب جت���اوزت���ه���ا أح��ي��ان��ا إل����ى م��ح��ارب��ة الدين‬ ‫وشعائره‪ .‬لقد ك��ان لهذا املنحى نتيجتان أساسيتان هما‪: ‬‬ ‫ـ إنشغال النخب العربية بالصراع على السلطة وتهميش‬ ‫ال��ط��اق��ات وال���ك���ف���اءات وم��ؤس��س��ات امل��ج��ت��م��ع ب��س��ب��ب مأزق‬ ‫ال��ش��رع��ي��ة ال���ذي ك��ان��ت ت��واج��ه��ه أغ��ل��ب األن��ظ��م��ة‪ .‬ون��ت��ج عن‬ ‫ذل��ك ت��ره��ل ال��ق��وى السياسية واس��ت��ش��راء ال��ف��س��اد اإلداري‬ ‫وامل���ال���ي وه���در ال��ط��اق��ات وت��ف��اق��م امل��ش��ك�لات اإلجتماعية‪،‬‬


‫وه��ي كلها ت��ؤدي إل��ى الم��ب��االة أوس��ع الشرائح من املواطنني‬ ‫واستياء شعبي واس��ع من األوض��اع الفاسدة‪ ،‬وبالتالي عدم‬ ‫تعبئة املجتمع للمشاركة ف��ي م��ع��رك��ة ال��ن��ه��وض والتنمية‪.‬‬ ‫ـ انشغال الفكر اإلسالمي عموما بتحديات الوجود‪ ،‬بدال‬ ‫من االنشغال بهموم النهضة الفكرية‪ .‬فتولد لدى بعض تياراته‬ ‫منهج إتسم بالتوجس واملواجهة والصدام‪ ،‬منهج ينظر بسلبية‬ ‫إلى التحاور أو التعاون مع مؤسسات أو جهات رسمية طلباً‬ ‫جللب مصلحة أو درء مفسدة‪ .‬وق��د ك��ان نصيب األس��د في‬ ‫ذلك للدول العربية بينما وجدنا أن الدول اإلسالمية اآلسيوية‬ ‫لم تشهد في الغالب ذلك املستوى من احلرب الشرسة على‬ ‫احلركات اإلسالمية من قبل أنظمة محلية‪ ،‬ويالتالي تهيأت‬ ‫فيها شروط أفضل لتجارب جتديدية وإن كانت لم ترتق إلى‬ ‫مستوى أن تكون لها اجلاذبية املذكورة لتلعب دور القاطرة‬ ‫وتكون منوذجا لباقي الدول اإلسالمية العربية وغير العربية‪.‬‬ ‫ونظن أن النظام السياسي املغلق في املنطقة العربية جعلها‬ ‫أقل تأثراً مبوجة اإلصالحات السياسية واملد الدميقراطي‬ ‫وال��ت��ط��ور اإلج��ت��م��اع��ي م��ن كثير م��ن مناطق ال��ع��ال��م الثالث‪.‬‬ ‫ومن الشواهد على دور النظام السياسي العربي في إعاقة‬ ‫تطور املجتمع وعدم إرتباط ذلك مباشرة باخلطاب الديني‪،‬‬ ‫أن في إسرائيل حركات أصولية يهودية عديدة أكثر تقليدية‬ ‫من أغلب احلركات اإلسالمية‪ ،‬ورغم ذلك فإن إسرائيل دولة‬ ‫عصرية‪ ،‬والدول العربية في عمومها دول متخلفة‪ ،‬أو قل تأدبا‬ ‫من دول العالم الثالث؟ فمن الذي يكرس التقليدية منطا في‬ ‫التفكير وفي العالقات‪ ،‬ويجعلها مسيطرة وسائدة؟ أال يتحمل‬ ‫النظام السياسي العربي املغلق املسؤولية الكبرى في ذلك؟‬ ‫إن اخل�لاص��ة ال �ت��ي ن��ري��د اإلن �ت �ه��اء إل��ي��ه��ا ه��ي أن���ه على‬ ‫ال��رغ��م م��ن أن جت��دي��د اخل��ط��اب ال��دي��ن��ي ع��ام��ل رئيسي في‬ ‫جتديد احلياة السياسية واإلجتماعية‪ ،‬إال أن حتقيق جتديد‬ ‫اخلطاب الديني بنفسه يستلزم إصالحا سياسيا يشمل إرساء‬ ‫دميقراطية تؤمن بالتعددية وحتمي احلريات الفردية والعامة‪.‬‬ ‫ولذلك فإن إنتشار اإلستبداد ومنطق احلزب الواحد شجع‬ ‫على إنغالق احلياة الثقافية والفكرية عموما‪ ،‬وأسهم بالتالي‬ ‫في محدودية األفق التجديدي في الفقه والفكر اإلسالميني‬ ‫واسعي اإلنتشار‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ سيادة الفكر التقليدي لدى مختلف املدارس الفكرية‬ ‫في املجتمعات العربية‪ .‬فاخلطاب الديني ليس هو اخلطاب‬ ‫الوحيد الذي يتصف عندنا بالتقليدية‪ ،‬وليس هو الوحيد الذي‬ ‫تنتابه أفكار وميوالت تتسم بالتعصب واخل��روج عن قواعد‬ ‫املنطق والعقلنة‪ .‬كما أنه ليس وح��ده احملتاج إلى التجديد‪.‬‬ ‫وم��ن الواضح أن��ه يتعذر أن يبرز التجديد في اخلطاب في‬ ‫ظل بنيات فكرية وثقافية معيقة مكرسة ألكثر التوجهات‬ ‫وامل��م��ارس��ات تقليدية‪ .‬فبروز خطاب أو مدرسة فكرية ذي‬

‫م��واص��ف��ات معينة ال يتم مب��ج��رد وج���ود إرادة ل��دى ف��رد أو‬ ‫جماعة‪ ،‬ب��ل إن السياقني االجتماعي والسياسي محددان‬ ‫أساسيان لذلك‪ .‬وإن جتديد اخلطاب الديني لن يؤتي ثماره‬ ‫امل��رج��وة ب��دون إص�لاح ثقافي مجتمعي ينطلق م��ن اإلميان‬ ‫بنسبية املعارف واآلراء‪ ،‬وبحقوق البشر في احلوار واملساءلة‪،‬‬ ‫وه��و م��ا يعني إن��ت��ش��ار ثقافة إجتماعية سياسية جديدة‪.‬‬ ‫وهذه الفكرة قريبة مما أكده كثير من املفكرين ومن بينهم‬ ‫ناعوم تشومسكي من أن الرقابة الذاتية أكثر فاعلية وتأثيرا‬ ‫من رقابة احلاكم الدكتاتور‪ .‬وقد الحظ تشومسكي ذلك وهو‬ ‫يحلل أسباب ضعف اإلنتقادات املوجهة حلرب فيتنام لسنوات‬ ‫طويلة‪ .‬وب�ين كيف أن امل��ن��اخ الثقافي ال��ع��ام وتأثير وسائل‬ ‫اإلعالم جعال الفرد األمريكي خاضعا ملا يسميه تشومسكي‪، ‬‬ ‫حدود الفكر الذي ميكن أن يفكر فيه ‪ .‬وهكذا فإن املطالبة‬ ‫بتجديد اخلطاب الديني في وسط تعيش فيه أنواع اخلطابات‬ ‫األخرى اجلمود والتقليدية شيء غير موضوعي وال منصف‪.‬‬ ‫إن احلركات اإلسالمية بنت واقعها ومحيطها‪ ،‬وهي تخضع‬ ‫على العموم للمناخ الثقافي السائد‪ .‬وبدل أن تضطلع بدور‬ ‫ريادي وحترري على املستوى الفكري والثقافي واإلجتماعي‬ ‫كما هو مفروض في احلركات اإلسالمية‪ ،‬وكما كانت الدعوة‬ ‫اإلسالمية في العصر النبوي حركة حتررية وسابقة على عصرها‬ ‫ومحيطها‪ ،‬وجدنا أن بعضها بقي صدى ألوضاع التخلف التي‬ ‫تعيشها بلدانها‪ ،‬وغدت توجهاتها وإجتهاداتها متتص كثيرا من‬ ‫املسبقات والقيم الثقافية واإلجتماعية السائدة‪ .‬وصارت تقرأ‬ ‫اإلسالم من خالل ذلك كله بدل أن تقرأ تلك القيم والتقاليد‬ ‫انطالقا من أحكام اإلسالم ومقاصده‪ .‬وبذلك صارت جزءا ال‬ ‫يتجزأ من واقع التخلف بل من أهم مسبقاته‪ ،‬وفي ذلك تستوي‬ ‫البالد اإلسالمية العربية والبالد اإلسالمية غير العربية‪.‬‬ ‫واملقارنة بالدول املماثلة التي حققت في العالم املعاصر‬ ‫نهضتها توضح بجالء أين يكمن اخللل‪ .‬فهذه كوريا وضعت‬ ‫أقدامها على مسار التحديث بعد قيام مصر الناصرية بفترة‪،‬‬ ‫وها هي اليوم متقدمة عليها على أكثر من صعيد‪ .‬فقد جنحت‬ ‫في حوالي ربع قرن من الزمان في تغيير وضعها املادى وظروفها‬ ‫اإلقتصادية واإلنسانية واإلجتماعية من النقيض إلى النقيض‪.‬‬ ‫واليابان إنطلقت في مجال إعادة بناء نفسها بداية القرن‬ ‫املاضي وهي آنذاك في مستوى مقارب لبعض الدول العربية‪،‬‬ ‫وقد خطت خطوات أضحت بها واحدة من القوى االقتصادية‬ ‫العاملية‪ .‬وفي كلتا التجربتني كان اإلنسان هو محور التغيير‬ ‫وه��و الرأسمال األكبر في التنمية املستدامة‪ .‬لقد استورد‬ ‫العرب التكنولوجيا احلديثة كما استوردتها الدولتان‪ ،‬وفي‬ ‫فترة مقاربة‪ ،‬لكن ذلك لم يصاحبه في الدول العربية إستيعاب‬ ‫جيد للتكنولوجيا وال حتول التحديث إلى ثقافة في املجتمع‪.‬‬ ‫خالصة هذه النقطة هي أن جتديد اخلطاب الديني ال يتم‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪47‬‬


‫إال في وسط يعيش حركة جتديد فكري واجتماعي حاضن‪،‬‬ ‫وإن سيادة الفكر التقليدي في املدارس الفكرية األخرى عامل‬ ‫إعاقة إضافي‪.‬‬ ‫ما العمل؟‬ ‫أيا كانت اإلستدراكات املنهجية واملعرفية على مقولة‬ ‫دور جت��دي��د اخل��ط��اب ال��دي��ن��ي ف��ي نهضة ال���دول اآلسيوية‬ ‫امل��ع��اص��رة‪ ،‬ف��إن احل��اج��ة ماسة لتستفيد ال���دول العربية من‬ ‫العالم اإلسالمي غير العربي‪ .‬ونقترح لذلك األمور التالية‪: ‬‬ ‫‪ 1‬ـ التواصل اللغوي‪ : ‬إذا كانت بعض البالد اإلسالمية غير‬ ‫العربية اليوم تقدم مؤشرات على أنه من املمكن أن تتحول إلى‬ ‫قاطرة من قاطرات النهضة اإلسالمية احلديثة‪ ،‬ورمبا تؤثر‬ ‫إيجابا على البالد العربية واإلسالمية األخرى‪ ،‬فإن أكبر عائق‬ ‫في ذلك يبقى هو التواصل اللغوي‪ .‬وفي هذا الصدد ميكن‬ ‫أن يكون إعادة االعتبار إلى اللغة العربية كلغة للعلم والثقافة‬ ‫واإلبداع والتواصل بني املسلمني في نظرنا من أهم العوامل‬ ‫التي ستخلق ديناميكية جتديدية تفاعلية بني بلدان العالم‬ ‫اإلسالمي حتى يسري أي إبداع جتديدي على مستوى اخلطاب‬ ‫الديني أو غيره بني املسلمني ويتحقق التالقح بينهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ال�ع�ل��م واملعرفة‪ : ‬ف��ال��ع��ال��م ل��م ي��ت��ق��دم ول���ن ي��ت��ق��دم دون‬ ‫املعرفة وان��ت��ش��اره��ا‪ ،‬وج���ودة التعليم والبحث العلمي‪ .‬تلك‬ ‫حقيقة أثبتها تاريخ البشرية احلديث منذ أكثر من قرنني‬ ‫م��ن ال��زم��ان على األق���ل‪ ،‬منذ ال��ث��ورة الصناعية ف��ي أوروبا‬ ‫م�����رورا ب���ث���ورة امل��ي��ج��ي ف���ي ال��ي��اب��ان ف���ي ال��ث��ل��ث األخ���ي���ر من‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬وص��وال إل��ى ث��ورة املعلومات املعاصرة‪.‬‬

‫إن جتربة ماليزيا التي يراها الكثيرون ناجحة بدأت بقرار‬ ‫إصالح التعليم‪ ،‬ومنها انطلقت إلى ما أجنزته من مساهمة‬ ‫عاملية ف��ي التنمية‪ .‬وه��ن��اك ب��ل��دان كثيرة ب��دأت التغيير من‬ ‫التعليم‪ ،‬بل إن بعضها كلما واجهه حتد جلأ إلى التعليم‪ ،‬يقيمه‬ ‫ويقومه‪ .‬ولعل من األمثلة على ذلك التقرير الشهير الذي صدر‬ ‫في الواليات املتحدة بعد جناح اإلحتاد السوفيتي في وسط‬ ‫الستينيات من القرن املاضي إلرسال رجل إلى الفضاء‪ ،‬وهو‬ ‫تقرير أثار اإلنتباه إلي ضرورة جتديد التعليم‪ .‬وما زالت بعض‬ ‫البالد املتقدمة مثل بريطانيا تتحدث برامجها السياسية عن‬ ‫ض���رورة إح���داث نقلة نوعية ف��ي التعليم‪ .‬وه��ذه النقلة في‬ ‫التعليم هي التي ميكن أن جتعل اإلستفادة من جهود جتديد‬ ‫اخلطاب الديني مثمرة مؤثرة في الثقافة اإلجتماعية السائدة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ الدراسة املكثفة للتجارب الناجحة‪ : ‬فالباحثون العرب‬ ‫واملراكز البحثية العربية مطالبون باإلكثار من األبحاث العلمية‬ ‫الرصينة واملوثقة عن التجارب الناجحة في العالم اإلسالمي‪،‬‬ ‫وبشكل خاص في مجال التجديد الديني‪ .‬ومن املالحظ أن‬ ‫الدراسات باللغة العربية عن تلك التجارب دون املستوى املطلوب‪،‬‬ ‫كما وكيفا‪ ،‬باملقارنة مع ما يصدر من ذلك في اللغات األخرى‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ال�� �ت�� �ب� ��ادل ال� �ث� �ق���اف���ي وال� �ع� �ل� �م���ي ب��ي��ن اجل���ام���ع���ات‬ ‫م����ن ال����ط����رف��ي�ن‪ ،‬ب���ت���ب���ادل ال���ب���اح���ث�ي�ن وال���ط���ل���ب���ة واإلن����ت����اج‬ ‫ال����ث����ق����اف����ي وال�����ف�����ك�����ري وع�����ق�����د ال�������ن�������دوات امل���ش���ت���رك���ة‪.‬‬ ‫وبعد‪...‬‬ ‫ل��ي��س جت��دي��د اخل��ط��اب ال��دي��ن��ي إال ج���زءا م��ن مشروع‬ ‫جتديدي إجتماعي يهم اخلطاب السائد مبختلف أصنافه‪.‬‬ ‫وإن الدرس املستفاد من التجارب اآلسيوية هو أن التجديد‬ ‫مشروع مجتمعي يتداخل فيه الديني بالسياسي والثقافي‬ ‫والتنموي‪ ،‬وإال فهو جتديد يراوح مكانه‪.‬‬

‫ ‬

‫‪48‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫من أعالم الفكر الوسطي‬

‫دراسات إسالمية‬

‫فقه اإلمام الشافعي رحمه الله‬ ‫رحالته العلمية وأثرها في إنتشار مذهبه‬ ‫املقدمة‪:‬‬ ‫ال�ب��اح�ث��ون ف��ي شخصية اإلم ��ام الشافعي رح�م��ه الله‬ ‫يتحيرون في بحث جوانبه الفكرية‪ ،‬فهو أديب رائق العبارة‪،‬‬ ‫وشاعر مبدع ذو بيان يشد األس�م��اع‪ ،‬ويجلب األل�ب��اب‪ ،‬وفي‬ ‫جانب آخ��ر ي��راه الباحثون فقيه ًا ب��ارع� ًا‪ ،‬قد س��ادت مدرسته‬ ‫فقهاء ال �ع��راق وفقهاء م�ص��ر‪ ،‬حتى عقد ل��واء اإلم��ام��ة في‬ ‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬وقيض الله له من األصحاب واألتباع من‬ ‫شرحوا مذهبه‪ ،‬ورفعوا رايته‪ ،‬وتواصلوا على مدار التاريخ منذ‬ ‫أسس مذهبه حتى هذا اليوم‪ ،‬فإن شئت وصفه أديب ًا وشاعر ًا‬ ‫وفقيه ًا‪.‬‬ ‫وقد برز اإلم��ام الشافعي رحمه الله في الثقافة العربية‬ ‫واإلسالمية‪ ،‬بجانب إبداع لم يعرف قبله‪ ،‬وهو تأسيسه علم‬ ‫«أصول الفقه» ضمنه في كتاب «الرسالة»‪.‬‬ ‫فالشافعي ق��د وض��ع ع�ل��م أص ��ول ال�ف�ق��ه لتنظيم‬ ‫ ‬ ‫العالقة بني العقل والنقل‪ ،‬حتى ال يكون فهم النص اإللهي‬ ‫ك ًأل مباح ًا من غير ح��دود‪ ،‬ومن غير آداب للفهم‪ ،‬فكان علم‬ ‫أصول الفقه هو تلك اآلداب‪ ،‬وهو عاصم للعقل من الهوى‪،‬‬ ‫وهو علم وضع قواعده‪ ،‬وصاغه لغاية دينية‪ ،‬وهي الترابط بني‬ ‫فهم العقل وما يتضمنه الوحي‪.‬‬

‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة‬ ‫اجلامعة االردنية ‪ /‬كلية ال�شريعة‬

‫هذا‪ ،‬وقد جعلت الدراسة في ثالثة مباحث‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬اإلمام الشافعي (مولده ونشأته) ‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬رحالته العلمية واملراحل التي مر بها‪.‬‬

‫وكان اإلم��ام الشافعي رحمه الله إلى جانب علمه الغزير‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أثر اإلمام الشافعي رحمه الله في انتشار‬ ‫وفقهه الواسع ال��ذي ي��دل على اجتهاده وجت��دي��ده‪ ،‬ك��ان إلى‬ ‫مذهبه‪ ،‬وفيه أربعة مطالب‪:‬‬ ‫جانب ذل��ك صاحب شخصية خلقية رائ�ع��ة م��ؤث��رة‪ ،‬جعلته‬ ‫املطلب األول‪ :‬أثره في علم أصول الفقه‪.‬‬ ‫في مقام القدوة التي يقتدي بها العلماء‪ ،‬وقد كان لإلمام‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أثره في تالميذه‪.‬‬ ‫الشافعي رحمه الله األثر الطيب في تالميذه ومن خالطوه‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬أثره في إثراء املكتبة اإلسالمية‪.‬‬ ‫حتى نقل مذهبه للقاصي والداني‪ ،‬وقد أزال الفجوة بني أهل‬ ‫ال��رأي وأه��ل احلديث مبا وهبه الله من علم وحكمة ونظر‬ ‫امل��ط��ل��ب ال���راب���ع‪ :‬أث����ره ف��ي إزال����ة ال��ف��ج��وة ب�ين احملدثني‬ ‫والفقهاء‪.‬‬ ‫ثاقب‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪49‬‬


‫املبحث األول‪ :‬اإلمام الشافعي (مولده ونشأته)‬ ‫املطلب األول‪ :‬مولده ونسبه‪:‬‬ ‫علم من أعالم الفقه اإلسالمي‪ ،‬وعبقري من أملع عباقرة‬ ‫العلم واملعرفة‪ ،‬ومثل رائع للشباب الكادح الطموح‪ ،‬هو محمد‬ ‫بن إدريس بن العباس بن شافع بن السائب القرشي‪ ،‬ينسب‬ ‫إلى جده شافع وينتهي نسبه إلى عبد مناف بن قصي‪ ،‬حيث‬ ‫يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم في ج��ده عبد مناف‪،‬‬ ‫وقد لقي جده شافع النبي صلى الله عليه وسلم ونال شرف‬ ‫صحبته‪ ،‬وكذلك جده السائب‪.‬‬ ‫كانت مكة املكرمة موطن أس��رة الشافعي رحمه الله‪ ،‬إال‬ ‫أن والده إدريس هاجر إلى فلسطني ومعه زوجه أم الشافعي‬ ‫وهي مينية من األزد حلاجة أجلأته إلى ذلك‪ ،‬وفي غزة إحدى‬ ‫مدن فلسطني الشهيرة ولد الشافعي رضي الله عنه عام ‪150‬‬ ‫من الهجرة‪ ،‬يوم مات أبو حنيفة رحمه الله‪ ،‬وبعد والدته بقليل‬ ‫توفي والده‪ ،‬وقامت أمه بحضانته وتربيته خير قيام‪.1‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬نشأته‪:‬‬ ‫وملا بلغ من العمر سنتني حملته أمه إلى مكة املكرمة‬ ‫لينشأ بني قومه وعشيرته‪ ،‬وفي أم القرى تلقى تعليمه حيث‬ ‫ابتدأ بحفظ القرآن الكرمي‪ ،‬وقد لقي من العناء واجلهد في‬ ‫املراحل األولى من تعليمه ومع ذلك صبر لعلو همته ومضاء‬ ‫عزميته‪ ،‬وقد قال الشافعي عن نفسه‪ »:‬كنت يتيماً في حجر‬ ‫أم��ي‪ ،‬ول��م يكن لها م���ال»‪ ،‬ومل��ا أسلموه إل��ى املعلم‪ ،‬م��ا كانوا‬ ‫يجدون األجرة التي يتقاضاها املعلم من أمثاله‪ ،‬فكان يقصر‬ ‫في تعليمه‪ ،‬وكان الشافعي ذكياً يحفظ كل ما يسمعه ثم يعلمه‬ ‫للصبيان في حلقة معلمه‪ ،‬فنظر املعلم فوجد الشافعي يكفيه‬ ‫من أمر الصبيان أكثر من األجرة التي كان يطمع فيها‪ ،‬فترك‬ ‫طلب األجرة منه‪ ،‬وإستمر على هذه احلالة حتى حفظ القرآن‬ ‫الكرمي‪ ،‬ويروى عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال‪ :‬ملا ختمت‬ ‫القرآن الكرمي دخلت املسجد احل��رام فكنت أجالس العلماء‬ ‫وأكتب في العظم وأحفظ احلديث‪ ،‬فإذا كثر طرحته في جرة‬ ‫عظيمة‪ ،‬وكان ألمي جرار فمألتها‪ ،‬مما كنت أكتب عليه‪ ،‬ثم إني‬ ‫خرجت من مكة ولزمت هذي ً‬ ‫ال في البادية أتعلم كالمها‪ ،‬وآخذ‬ ‫طبعها‪ ،‬وكانت أفصح العرب‪ ،‬فبقيت فيهم أرح��ل برحيلهم‪،‬‬ ‫وأن��زل بنزولهم‪ ،‬فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد األشعار‪،‬‬ ‫وأذكر اآلداب واألخباروأيام العرب‪ ،‬قال الشافعي رحمه الله‪:‬‬ ‫خرجت أطلب النحو واألدب‪ ،‬فلقيني مسلم بن خالد‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫فتى‪ :‬من أين أنت؟ قلت‪ :‬من أهل مكة‪ ،‬قال‪ :‬وأين منزلك بها؟‬ ‫قلت‪ :‬بشعب اخليف‪ ،‬قال‪ :‬من أي قبيلة أنت؟ قلت‪ :‬من ولد‬ ‫عبد مناف‪ ،‬قال‪ :‬بخ بخ‪ ،‬لقد شرفك الله في الدنيا واآلخرة‪،‬‬ ‫أال جعلت فهمك هذا الفقه‪ ،‬فكان أحسن بك‪2‬؟‬ ‫‪ -1‬مناقب الشافعي ‪ /‬البيهقي ‪ 175 /1‬حتقيق أحمد صقر ‪،‬دار التراث‬

‫‪ -2‬االمام الشافعي ‪/‬مصطفى عبد الرزاق ص ـ‪ 38‬وما بعدها‬ ‫االمام الشافعي ‪ /‬احمد العربي ص ‪،17-15‬‬ ‫الشافعي اإلمام األديب محمد إبراهيم الفيومي ص ـ‪20-19‬‬

‫‪50‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫املبحث الثاني‪ :‬رحالته العلمية‪:‬‬ ‫مرت رحالته العلمية في مراحل متنوعة‪:‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬املرحلة األولى‪:‬‬ ‫حفظ اإلمام الشافعي املوطأ لإلمام مالك رحمه الله قبل‬ ‫أن يذهب إليه‪ ،‬روى املزني عن الشافعي رحمهما الله قوله‪»:‬‬ ‫حفظت القرآن وأنا ابن سبع‪ ،‬وحفظت املوطأ وأنا ابن عشر‪،‬‬ ‫وأقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها»‪،‬‬ ‫وجتمع الروايات على أنه كان يطلب الشعر واألدب‪ ،‬ثم حتول‬ ‫إل��ى الفقه‪ ،‬وأول من لقي من الفقهاء يقرأ عليه هو مسلم‬ ‫بن خالد الزجني رحمه الله‪ ،‬فقد برز فقيهاً نابغة ومفسراً‬ ‫بارعاً‪ ،‬خبيراً بالعربية وهو غ�لام‪ ،‬حتى كان الفقيه سفيان‬ ‫بن عيينه‪ ،‬إذا جاءه شيء من التفسير أو الفتيا‪ ،‬التفت إلى‬ ‫الشافعي فقال‪ :‬سلوا هذا الغالم‪ ،‬وشيخ احلرم املكي مسلم‬ ‫بن خالد الزجني‪ ،‬أول معلم للشافعي‪ ،‬أذن له بالفتيا وهو ابن‬ ‫خمس عشرة سنة‪ ،‬وقال له‪ »:‬أفت يا أبا عبدالله فقد آن لك‬ ‫أن تفتي»‪ ،‬وفي هذه املرحلة وهو مبكة املكرمة كتب حديث‬ ‫ابن عينية‪ ،‬محدث احلرم املكي‪ ،‬وأخذ الفقه عن مفتي مكة‬ ‫املكرمة مسلم بن خالد الزجني‪ ،‬ولم ينقطع عن معرفة العربية‬ ‫والتفقه بها في احلاضرة والبادية‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬املرحلة الثانية‪:‬‬ ‫رح��ل اإلم��ام الشافعي إل��ى املدينة امل��ن��ورة ليلتقي باإلمام‬ ‫مالك رحمه الله وليأخذ عنه العلم‪ ،‬وقد كانت املدينة املنورة‬ ‫حاضرة الصحابة الكرام‪ ،‬فإن الرسول الكرمي عليه الصالة‬ ‫والسالم بعد رجوعه من حنني ترك فيها نحو إثني عشر ألف‬ ‫صحابي‪ ،‬لبث منهم فيها نحو عشرة اآلف‪ ،‬ثم ماتوا بها‪ ،‬فأهل‬ ‫املدينة املنورة أعرف الناس بحديث الرسول صلى الله عليه‬ ‫وسلم وأعلم بقوله وعمله‪ ،‬وقد قال اإلمام مالك رحمه الله‪»:‬‬ ‫إذا جاوز احلديث احلرتني ضعفت شجاعته»‪ ،‬وقد كان العلماء‬ ‫واحملدثون يشدون الرحال إلى املدينة املنورة‪ ،‬يعرضون ما‬ ‫يعلمون‪ ،‬ويصححون ويزدادون علماً‪ ،‬ولرحلة اإلمام الشافعي‬ ‫رحمه الله إلى املدينة قصة طريفة معروفة يتجلى فيها جالل‬ ‫العلم والعلماء‪ ،‬قال اإلمام الشافعي‪ »:‬خرجت من مكة فلزمت‬ ‫هذي ً‬ ‫ال في البادية‪ ،‬اتعلم كالمها وآخذ طبعها‪ ،‬وكانت أفصح‬ ‫العرب‪ ،‬قال‪ :‬فبقيت فيهم سبع عشرة سنة‪ ،‬أرحل برحيلهم‪،‬‬ ‫وأن��زل بنزولهم‪ ،‬فلما رجعت إل��ى مكة املكرمة جعلت أنشد‬ ‫األشعار‪ ،‬وأذكر اآلداب واألخبار وأيام العرب‪ ،‬فمر بي رجل‬ ‫من الزبيريني من بني عميس‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا أبا عبدالله‪ ،‬عز‬ ‫علي أمر ال يكون مع هذه اللغة وهذه الفصاحة والذكاء فقه‬ ‫فتكون قد سدت أهل زمانك‪ ،‬فقلت‪ :‬من بقي نقصد؟ فقال‬ ‫لي‪ :‬مالك بن أنس سيد املسلمني يومئذ»‪ ،‬قال‪ :‬فوقع بقلبي‪،‬‬ ‫فعمدت إلى املوطأ‪ ،‬فاستعرته من رجل مبكة‪ ،‬فحفظته في‬


‫تسع ليال ظ��اه��راً» ق��ال‪ »:‬ثم دخلت إل��ى مكة وأخ��ذت كتابه‬ ‫إلى والي املدينة‪ ،‬وإلى مالك بن أنس»‪ ،‬قال‪ »:‬فقدمت املدينة‬ ‫فأبلغت الكتاب إلى الوالي‪ ،‬فلما أن قرأ الكتاب قال‪ :‬يا فتى‬ ‫إن مشيي من جوف املدينة إلى جوف مكة حافياً راج ً‬ ‫ال أهون‬ ‫علي من املشي إلى باب مالك بن أنس‪ ،‬فلست أرى الذل حتى‬ ‫أقف ببابه‪ ،‬فقلت‪ :‬أصلح الله األمير‪ ،‬إن رأى األمير يوجه‬ ‫إليه ليحضر‪ ،‬قال‪ :‬هيهات ليت أني إذا ركبت أنا ومن معي‬ ‫وأصابنا من تراب العقيق نلنا بعض حاجتنا»‪ ،‬قال‪ »:‬فواعدته‬ ‫العصر» وركبنا جميعاً‪ ،‬فوالله لكان كما قال‪ ،‬لقد أصابنا من‬ ‫تراب العقيق»‪ ،‬قال‪ :‬فتقدم رجل فقرع الباب‪ ،‬فخرجت إلينا‬ ‫جارية سوداء‪ ،‬فقال لها األمير‪ »:‬قولي لغنب مالك إني بالباب»‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فدخلت‪ ،‬فأبطأت‪ ،‬ثم خرجت فقالت‪ :‬إن موالي يقرئك‬ ‫السالم ويقول‪ :‬إن كانت مسألة فارفعها في رقعة‪ ،‬يخرج إليك‬ ‫اجلواب‪ ،‬وإن كان للحديث فقد عرفت يوم املجلس فانصرف‪،‬‬ ‫فقال لها‪ :‬قولي له‪ :‬إن معي كتاباً من والي مكة إليه في حاجة‬ ‫مهمة‪ ،‬قال‪ :‬فدخلت وخرجت وفي يدها كرسي فوضعته‪ ،‬ثم‬ ‫إذا أنا مبالك قد خرج وعليه املهابة والوقار‪ ،‬وهو شيخ طويل‪،‬‬ ‫مسنون اللحية‪ ،‬فجلس وهو متطلس‪ ،‬فرفع إليه الوالي الكتاب‪،‬‬ ‫فبلغ إلى هذا‪ »:‬إن هذا رجل من أمره وحاله‪...‬فتحدثه وتفعل‬ ‫وتصنع»‪ ،‬رمى الكتاب من يده‪ ،‬ثم قال‪ :‬سبحان الله أو صار‬ ‫علم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ بالرسائل؟ قال‪»:‬‬ ‫فرأيت ال��وال��ي وق��د تهيبه أن يكلمه‪ ،‬فتقدمت إليه‪ ،‬وقلت‪:‬‬ ‫أصلحك الله إني رجل مطلبي‪ ،‬ومن حالتي وقصتي‪ ...‬فلما‬ ‫أن سمع كالمي نظر إلي ساعة‪ ،‬وكانت ملالك فراسة‪ ،‬فقال‬ ‫لي‪ :‬ما اسمك؟ قلت‪ :‬محمد‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا محمد‪ ،‬اتق الله‬ ‫واجتنب املعاصي‪ ،‬فإنه سيكون لك شأن من الشأن‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫نعم وكرامة‪ ،‬إذا كان غد جتيء ويجيء من يقرأ لك» قال ‪:‬‬ ‫فقلت ‪:‬أنا أقوم بالقراءة «‪،‬قال ‪ « :‬فغدوت عليه‪ ،‬وابتدأت أن‬ ‫آقرأه ظاهراً ‪،‬والكتاب في يدي ‪،‬فكلما تهيبت مالكاً وأردت‬ ‫أن أقطع ‪،‬أعجبه حسن قراءتي وإعرابي ‪،‬فيقول ‪ :‬يا فتى زد‬ ‫‪،‬حتى قرأته في أيام يسيره ‪،‬ثم أقمت باملدينة حتى توفي مالك‬ ‫بن أن��س رحمه الله « أي سنة ‪179‬ه��ـ وك��ان عمر الشافعي‬ ‫رحمه الله تسعاً وعشرين سنة ‪.‬‬ ‫ويالحظ أن عمر الشافعي رحمه الله ‪ ،‬حني رحل مالك‬ ‫رحمه الله ‪،‬نحو سبع وعشرين سنة ‪،‬والظاهر أنه لم يأخذ‬ ‫عن مالك املوطأ‪ ،‬بل أخذ كل ما عند مالك من حديث وفقه‬ ‫واجتهاد وفتاوى عن الصحابة والتابعني‪ ،‬وأخذ عنه ما بناه‬ ‫عليه من عمل أهل املدينة ‪،‬ولم يدع اإلمام الشافعي شيخاً من‬ ‫شيوخ املدينة إال أخذ عنه وجمع علمه وال شك في أن علم‬ ‫املدينة‪ ،‬وباألخص علم اإلمام مالك‪ ،‬قد مأل نفس الشافعي‬ ‫علماً وثقة وفهماً ‪،‬وكان يقول ‪ »:‬اذا جاء األثر فمالك النجم‪،‬‬ ‫وإذا جاء احلديث عن مالك فشد به يديك « ويقول عن كتاب‬ ‫املوطأ ‪ »:‬ما في األرض كتاب أكثر صواباً من موطأ مالك «‪.‬‬

‫املطلب الثالث ‪:‬املرحلة الثالثة ‪ :‬رحلته إلى اليمن ‪:‬‬ ‫روى احلميدي عن الشافعي رحمه الله ‪،‬قصة ذهابه إلى‬ ‫اليمن ‪،‬فقال ‪ « :‬قدم والي على اليمن ‪،‬هو حمد البربري ‪،‬إلى‬ ‫مكة ‪،‬فكلمه بعض القرشيني أن أصحبه ‪،‬ولم يكن مع أمي ما‬ ‫تعطيني أجتمل به فرهنت داراً ‪،‬فتحملت معه ‪،‬فلما قدمنا‬ ‫عملت له على عمل فحمدت فيه فزادني « ‪،‬والظاهر أنه عمل‬ ‫في أحد الدواوين املتعلقة بالقضاء موضع فهمه واختصاصه‪،‬‬ ‫وقد بذل جهداً حمدت فيه واشتهر بني الناس ‪،‬فزاد له الوالي‬ ‫في عمله ‪،‬وبهذا إشتهر حتى جاوزت شهرته اليمن إلى مكة ‪.‬‬ ‫قال الشافعي ثم تولى والي��ة جن��ران وبها بنو احل��ارث بن‬ ‫عبد امل��دان وموالي ثقيف ‪،‬وك��ان الوالي اذا أتاهم صانعوه ‪،‬‬ ‫ف��أرادون��ي على ذلك ‪،‬فلم يجدوا ذلك عندي ‪،‬وتظلم عندي‬ ‫ناس كثير ‪،‬فجمعتهم وقلت ‪ :‬إجمعوا لي سبعة يكون من عدلوه‬ ‫عدالً ‪،‬ومن جرحوه مجروحاً ‪،‬ففعلوا ‪،‬فجلست وأمرت بتقدمي‬ ‫اخلصوم ‪،‬وأجلست السبعة حولي ‪،‬فإذا شهد الشاهد إلتفت‬ ‫إليهم فعملت بتعديلهم أو جتريحهم ‪ ،‬ولم أزل حتى أتيت على‬ ‫جميع الظالمات ‪،‬فلما إنتهيت ‪،‬جعلت أحكم وأسجل ‪،‬فلما‬ ‫رأوا ذلك قالوا ‪:‬هذه الضياع ليست لنا ‪،‬وإمنا هي ملنصور بن‬ ‫املهدي ‪،‬فقلت للكاتب ‪ »:‬أكتب وأق ّر املذكورين أن الضيعة التي‬ ‫باق‬ ‫حكمت عليه فيها ليست له ‪،‬وإمنا هي ملنصور ‪ ،‬ومنصور ٍ‬ ‫على حجته ‪،‬فيها إن كانت « ‪ ،‬قال ‪ :‬فاجتمعوا وخرجوا إلى مكة‬ ‫وعملوا في أمري ‪،‬حتى حملت إلى العراق « ‪ ،‬وتتفق الروايات‬ ‫على أن القوم ائتمروا به وأرادوا به شراً ‪ ،‬ألنه أقام حني واليته‬ ‫العدل ‪،‬وأخذ احلقوق ألصحابها ‪،‬وكف أيدي املعتدين ‪،‬فحمل‬ ‫الشافعي إلى العراق عاصمة اخلالفة ‪ ،‬بتهمة اخلروج على‬ ‫الدولة مع بعض العلويني املتهمني بذلك ‪.‬‬ ‫املطلب الرابع ‪:‬املرحلة الرابعة ‪ :‬رحلته إلى العراق ‪:‬‬ ‫حمل الشافعي رحمه الله سنة ‪184‬هـ إلى العراق ‪،‬فقد أوثقه‬ ‫والي مكه واليمن «حماد البربري» في احلديد بتهمة اخلروج‬ ‫على نظام ال��دول��ة ‪،‬فلما وص��ل بغداد ‪،‬قيل له ‪ :‬ال��زم الباب‬ ‫‪،‬يقول الشافعي « فنظرت فإذا أنا ال بد لي من اإلختالف إلى‬ ‫بعض أولئك ‪،‬وكان محمد بن احلسن جيد املنزلة‪ ،‬فاختلفت‬ ‫إليه ولزمته وكتبت كتبه وعرفت أقوال الفقهاء‪ ،‬وكان إذا قام‬ ‫ناظرت أصحابه»‪ ،‬إغتنم الشافعي رحمه الله فرصة بقائه‬ ‫في بغداد‪ ،‬وانصرف يتزود من العلم‪ ،‬ويطلع على كل جديد‬ ‫من مذاهب أهل ال��رأي‪ ،‬وقد نفذت النفقة منه ألنه صرف‬ ‫املال في كتابة كتب محمد بن احلسن رحمه الله‪ ،‬وبفضل الله‬ ‫وصدق وصبر الشافعي رحمه الله فرج الله عنه محنته‪ ،‬وقد‬ ‫حتدث عن هذه الفترة املفزعة بقوله‪ »:‬جئت يوماً إلى محمد‬ ‫بن احلسن‪ ،‬وأنا من أكثر الناس هماً وغماً من سخط أمير‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪51‬‬


‫املؤمنني‪ ،‬وزادي قد نفد‪ ،‬فلما أن جلست‪ ،‬أقبل محمد يطعن‬ ‫على أهل املدينة‪ ،‬فقلت‪ :‬إن طعنت على البلد فإنها مهبط‬ ‫الوحي‪ ،‬ومهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإن طعنت‬ ‫على أهلها‪ ،‬فهم أبو بكر وعمر واملهاجرون واألنصار‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫معاذ الله أن أطعن عليهم‪ ،‬وإمنا أطعن في حكم من أحكامه‪،‬‬ ‫فذكر الشاهد وال��ي��م�ين» ث��م ق���ال‪ »:‬ورج��ل م��ن ورائ���ي يكتب‬ ‫ألفاظي وأنا ال أعلم‪ ،‬فأدخله على هارون وقرأه عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫هرثمة بن أع�ين‪ ،‬أمير ومن القادة الشجعان‪ ،‬وك��ان الرشيد‬ ‫متكئاً فاستوى جالساً‪ ،‬فقال‪ :‬أعد‪ ،‬فأعاده عليه‪ ،‬فقال‪ :‬صدق‬ ‫الله ورسوله‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪ »:‬تعلموا من قريش‬ ‫وال تعلموها‪ ،‬وقدموا قريشاً وال تؤخروها»‪ ،‬ما أنكر أن يكون‬ ‫محمد بن إدري��س أعلم من محمد بن احلسن‪ ،‬قال‪ :‬فرضي‬ ‫عني‪ ،‬وأمر لي بخمسمائة دينار فخرج هرثمة‪ ،‬فقال لي‪ :‬قد‬ ‫آمر لك بخمسمائة دينار وقد أضفنا إليه مثله»‪.‬‬ ‫مكث اإلمام الشافعي رحمه الله مدة طويلة في بغداد وقد‬ ‫تكون حتى وفاة محمد بن احلسن عام ‪189‬هـ‪ ،‬وبعدها غادرها‬ ‫إلى مكة املكرمة بعد أن ترك أثراً ال يزول في نفوس املوافقني‬ ‫واملخالفني‪ ،‬حتى أجمعوا على الشهادة برجحان عقله وفهمه‬ ‫وسرعة بديهته‪.‬‬ ‫املطلب اخلامس‪:‬املرحلة اخلامسة‪ :‬عودته إلى مكة املكرمة‪:‬‬

‫وهذا ما دعا حافظ العراق اإلمام عبد الرحمن بن مهدي‬ ‫أن يكتب إلى اإلمام الشافعي رحمه الله وهو مبكة يطلب منه‬ ‫فيه أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن‪ ،‬ويجمع مقبول األخبار‬ ‫فيه‪ ،‬وحجة اإلج��م��اع‪ ،‬وب��ي��ان الناسخ وامل��ن��س��وخ م��ن القرآن‬ ‫والسنة‪ ،‬فوضع له كتاب الرسالة‪.‬‬ ‫املطلب السادس‪:‬املرحلة السادسة‪ :‬عودته الثانية إلى بغداد‪:‬‬ ‫رحل اإلمام الشافعي مختاراً إلى بغداد سنة ‪165‬هـ وكانت‬ ‫أخصب رحلة وأنفعها واستمرت ملدة سنتني‪ ،‬وسبب رحلته‬ ‫علمية بحتة‪ ،‬وق��د سبقته إل��ى بغداد شهرته الكبيرة‪ ،‬بثها‬ ‫كبار احملدثني والفقهاء كأحمد بن حنبل‪ ،‬واسحاق بن راهوية‪،‬‬ ‫وعبد الرحمن بن مهدي الذي ّ‬ ‫ألف له الشافعي كتاب الرسالة‬ ‫وق��د ن��زل حني أت��ى بغداد على الزعفراني وقيل على بشر‬ ‫املريسي‪.‬‬ ‫قصد اإلمام الشافعي رحمه الله اجلامع الغربي في بغداد‪،‬‬ ‫وعقد حلقته العلمية وب��دأ يعرض أصوله وق��واع��ده وفقهه‪،‬‬ ‫فاجتمع له املتعلمون والعلماء‪ ،‬وقد امتحن في علمه‪ ،‬ومن‬ ‫العلماء ال��ذي��ن ح��ض��روا أب��و ث��ور‪ ،‬وحسني الكرابيسي‪ ،‬قال‬ ‫أبو ثور‪ »:‬ملا ورد الشافعي العراق‪ ،‬وجاءني احلسني بن علي‬ ‫الكرابيسي وكان يختلف معي إلى أهل الرأي‪ ،‬فقال لي‪ :‬ورد‬ ‫رجل من أصحاب احلديث يتفقه‪ ،‬قم بنا نسخر منه‪ ،‬فذهبنا‬ ‫إليه‪ ،‬فسأله احلسني عن مسألة‪ ،‬فلم ي��زل يقول‪ :‬ق��ال الله‬ ‫وقال رسول الله‪ ،‬حتى أظلم علينا البيت‪ ،‬فتركنا ما كنا فيه‬ ‫واتبعناه»‪ ،‬واستمرت حلقته في اجلامع الغربي‪ ،‬وكانت من‬ ‫احللقات املميزة ألنه أتى العلماء بفقه مؤيد بالكتاب الكرمي‬ ‫ومدعم بالسنة الشريفة‪ ،‬قال اإلمام أحمد بن حنبل‪ »:‬كانت‬ ‫أقضيتنا في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع‪ ،‬حتى رأينا‬ ‫الشافعي فكان أفقه الناس في كتاب الله وفي سنة رسول‬ ‫الله»‪.‬‬

‫ع��اد الشافعي رحمه الله إل��ى مكة املكرمة‪ ،‬وق��د أنقذه‬ ‫الله من محنته‪ ،‬وعاد معه العلم الوفير من أهل الرأي من فقيه‬ ‫بغداد محمد بن احلسن رحمه الله‪ ،‬وقد إجتمع للشافعي علم‬ ‫احلجاز وعلم أهل الرأي في الفقه والقياس واإلستنباط‪ ،‬وشرع‬ ‫في مكة النظر في أصول املذاهب وفروعها‪ ،‬وقد إنتصر للحق‬ ‫ولدين الله‪ ،‬ولم يتعصب ملذهب من املذاهب‪ ،‬وقد أصل األصول‪،‬‬ ‫وقعد القواعد‪ ،‬وقبض على ناحية اإلجتهاد‪ ،‬واتخذ له حلقة في‬ ‫املسجد احلرام اجتمع حوله من العلماء وذوي املكانة العلمية‬ ‫يستمعون له‪ ،‬حتى مأل عقولهم‪ ،‬وشهدوا له بالتفوق والفهم‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أثر اإلمام الشافعي رحمه الله في انتشار‬ ‫ورجاحة العقل‪ ،‬وعمق اإلستنباط‪ ،‬وم��ن ه��ؤالء اإلم��ام أحمد‬ ‫مذهبه‬ ‫بن حنبل رحمه الله قدم حاجاً إلى مكة املكرمة‪ ،‬وإستمع إلى‬ ‫يتجلى أثر اإلمام الشافعي في إنتشار مذهبه في املطالب‬ ‫حلقات كبار العلماء‪ ،‬ولفت نظره اإلمام الشافعي رحمه الله في‬ ‫اآلتية‪:‬‬ ‫حلقته‪ ،‬وقد عرفه في العراق‪ ،‬ورأى فيه فهماً ثاقباً لكتاب الله‬ ‫املطلب األول‪ :‬أثره في علم األصول‪.‬‬ ‫وسنة رسوله األمني‪ ،‬وسمع منه أصوالً وقواعد لم يسمعها من‬ ‫قبل‪ ،‬وقد الزم حلقة اإلمام الشافعي رحمه الله‪ ،‬روى اسحاق‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أثره في تالميذه‪.‬‬ ‫بن راهويه قال‪ :‬كنت مع أحمد مبكة‪ ،‬فقال لي‪ :‬تعال حتى أريك‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬أثره في إثراء املكتبة اإلسالمية‪.‬‬ ‫رج ً‬ ‫ال لم تر عيناك مثله‪ ،‬فأراني الشافعي»‪ ،‬ولعل حلقة اإلمام‬ ‫امل��ط��ل��ب ال���راب���ع‪ :‬أث����ره ف��ي إزال����ة ال��ف��ج��وة ب�ين احملدثني‬ ‫الشافعي رحمه الله طغت على كل حلقة علمية مبناظرتها وما‬ ‫يثار فيها من مباحث‪ ،‬وك��ان محط أسئلة السائلني ثم يجيب والفقهاء‪.‬‬ ‫عنها بأحسن اجل���واب‪ ،‬وم��ع ه��ذا العلم الوفير ما ك��ان له أن‬ ‫املطلب األول‪ :‬أثره في علم األصول‪:‬‬ ‫ينقطع عن مجالس ابن عيينة‪ ،‬شيخه القدمي‪ ،‬ومحدث احلرم‪،‬‬ ‫أدرك اإلم���ام الشافعي أن املسلم ال���ذي ال يتمتع‬ ‫ ‬ ‫وكان أبن عيينة يثق بعلم الشافعي وفقهه‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫نعرف اخلصوص والعموم حتى ورد الشافعي»‪ ،‬ويقول إبن‬ ‫خلدون في املقدمة‪ »:‬وكان أول من كتب فيه أي في علم أصول‬ ‫الفقه اإلمام الشافعي رحمه الله‪ ،‬أملى فيه رسالته املشهورة‬ ‫تكلم فيها في األوامر والنواهي‪ ،‬والبيان واخلبر‪ ،‬وحكم العلة‬ ‫املنصوصة من القياس»‪.‬‬

‫بأصول فكرية ال يستطيع أن ميتلك القيمة احلقيقية ليكون‬ ‫فقيهاً‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن أن يكون مجتهداً‪ ،‬وأدرك اإلمام الشافعي أن‬ ‫األمة ليس لديها أصولها التشريعية والفقهية واملعرفية‪ ،‬والتي‬ ‫ليس لديها موازينها العقلية والنفسية ليست إال أمة ضائعة‪،‬‬ ‫ولهذا جنده يكرس حياته من أجل وضع القواعد واملوازين‬ ‫وال��ش��روط لفهم الكتاب والسنة باعتبارهما أس��اس احلياة‬ ‫والباحثون في هذا الشأن من الغربيني ي��رون في اإلمام‬ ‫اإلسالمية ومصدر بقائها وعزتها‪.‬‬ ‫الشافعي واضعاً ألصول الفقه‪ ،‬يقول»جولد زير» في مقالته‬ ‫إن أول من أب��رز علم أص��ول الفقه إلى الوجود هواإلمام في كلمة «فقه» في دائ��رة املعارف اإلسالمية‪ »:‬أظهر مزايا‬ ‫الشافعي رحمه الله‪ ،‬ولم يثبت أن أحداً سبق اإلمام الشافعي محمد بن إدريس الشافعي أنه وضع نظام اإلستنباط الشرعي‬ ‫من أص��ول الفقه‪ ،‬وح��دد مجال كل أص��ل من ه��ذه األصول‪،‬‬ ‫في إبراز هذا العلم إلى الوجود‪.‬‬ ‫ويقرر الباحثون أنه حتى عصر ظهور اإلمام الشافعي لم وقد ابتدع في»رسالته» نظاماً للقياس العقلي ال��ذي ينبغي‬ ‫تكن القواعد األصولية قد استقرت بعد‪ ،‬وأصبحت واضحة‪ ،‬الرجوع إليه في التشريع‪ ،‬من غير إخالل مبا للكتاب والسنة‬ ‫وإمن��ا ك��ان امل��وج��ود كثيراً م��ن املسائل الفقهية وتفريعاتها‪ ،‬من الشأن املقدم‪ ،‬ورتب اإلستنباط من هذه األصول‪ ،‬ووضع‬ ‫القواعد الستعمالها بعدما كان جزافا»‪ ،‬وقد ال يكون بعيداً‬ ‫وكانت املناقشات واملناظرات بني العلماء جتري على أساس‬ ‫من القواعد والضوابط الواضحة في أذهانهم‪ ،‬وإن كانوا لم عن غرض اإلمام الشافعي رحمه الله في وضع»أصول الفقه»‬ ‫يجمعوها وينظموها على هيئة علم له شكله وتقسيماته وهي أن يقرب الشقة بني أهل الرأي وأهل احلديث‪ ،‬وميهد للوحدة‬ ‫الصورة التي استقرت أخيراً بعمل اإلمام الشافعي في تدوين التي دعا إليها اإلسالم‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أثره في تالميذه‪:‬‬ ‫هذا العلم‪.‬‬ ‫تتلمذ على يد اإلم��ام الشافعي رحمه الله رج��ال كثر في‬ ‫وملا كان كتاب «الرسالة» أول كتاب صنفه اإلمام الشافعي‬ ‫في علم أص��ول الفقه‪ ،‬فقد علق عليه األستاذ» أحمد أمني فنون متعددة من العلم واملعرفة‪ ،‬وكان يقول‪ »:‬ال ينبغي ألحد‬ ‫« بقوله‪ »:‬وأعلم أن اإلم��ام الشافعي رض��ي الله عنه صنف أن يسكن بلدة ليس فيها عالم وال طبيب»‪.‬‬ ‫كتاب الرسالة ببغداد‪ ،‬وملا رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب‬ ‫حدث الربيع بن سليمان‪ ،‬ق��ال‪ :‬كان الشافعي رحمه الله‬ ‫الرسالة‪ ،‬وفي كل منهما علم كثير‪،‬والناس وإن أطنبوا بعد ذلك يجلس ف��ي حلقته إذا صلى الصبح‪ ،‬فيجيئه أه��ل القرآن‪،‬‬ ‫في علم أصول الفقه‪ ،‬إال أنهم كلهم عيال على اإلمام الشافعي ف��إذا طلعت الشمس ق��ام��وا‪ ،‬وج��اء أه��ل احل��دي��ث فيسألونه‬ ‫فيه‪ ،‬ألنه هو الذي فتح هذا الباب والسبق ملن سبقه»‪ ،‬وقد تفسير معانيه‪ ،‬فإذا ارتفعت الشمس‪ ،‬قاموا‪ ،‬فاستوت احللقة‬ ‫رتب اإلمام الشافعي أبواب أصول الفقه‪ ،‬وميز بعض أقسامه للمذاكرة والنظر‪ ،‬ف��إذا ارتفع الضحى‪ ،‬تفرقوا‪ ،‬وج��اء أهل‬ ‫من بعض‪ ،‬وشرح مراتبها في القوة والضعف‪ ،‬وروي أن عبد العربية وال��ع��روض والنحو وال��ش��ع��ر‪ ،‬ف�لا ي��زال��ون إل��ى قرب‬ ‫الرحمن بن مهدي إلتمس من اإلمام الشافعي وهو شاب أن إنتصاف النهار‪ ،‬ثم ينصرف رضي الله عنه‪.‬‬ ‫يضع له كتاباً يذكر فيه‪ :‬شرائط اإلستدالل بالقرآن والسنة‪،‬‬ ‫وقد سجل اإلم��ام الشافعي جناحات باهرة في عدد من‬ ‫واإلجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬وبيان الناسخ واملنسوخ‪ ،‬ومراتب العموم‬ ‫واخلصوص‪ ،‬فوضع الشافعي رحمه الله»الرسالة» وبعثها إليه‪ ،‬امل��ج��االت‪ ،‬ففي امل��ج��ال ال��ت��رب��وي‪ ،‬غ��رس ف��ي نفوس تالميذه‬ ‫فلما قرأها عبد الرحمن بن مهدي قال‪ :‬ما أظن الله عزوجل إجتاهات إيجابية كان لها أثرها في تنشيط الفكر اإلسالمي‪،‬‬ ‫خلق مثل هذا الرجل ثم قال‪ »:‬وأعلم أن نسبة الشافعي رحمه وم��ن أب��رز ه��ذه اإلجت��اه��ات‪ ،‬حب التجديد واإلبتكار‪ ،‬وعدم‬ ‫الله إلى علم األصول كنسبة «إرسطاليس» إلى علم املنطق‪ ،‬الوقوف عند حد معني من املعرفة (التعلم املستمر) ووضع‬ ‫بينهم وبني اجلمود الفكري حاجزاً كثيفاً‪.‬‬ ‫وكنسبة اخلليل بن أحمد إلى علم العروض‪.‬‬ ‫وغرس اإلمام الشافعي في عقول تالميذه أن آراءه ليست‬ ‫ويقول بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي املتوفى سنة‬ ‫‪794‬ه��ـ في كتابه في أص��ول الفقه‪ ،‬املسمى بالبحر احمليط ه��ي احل��ق املطلق األب����دي‪ ،‬وإمن���ا احل��ق املطلق األب���دي هو‬ ‫«فصل»‪ :‬الشافعي رحمه الله أول من صنف في أصول الفقه‪ ،‬نصوص الكتاب العظيم والسنة الشريفة‪.‬‬ ‫ف��اإلب��داع يجب أن ينبثق من فهمها واستيعاب معانيها‪،‬‬ ‫صنف فيه كتاب الرسالة‪ ،‬وكتاب أحكام القرآن‪ ،‬واختالف‬ ‫احل��دي��ث‪ ،‬وإب��ط��ال اإلستحسان‪ ،‬وكتاب جماع العلم‪ ،‬وكتاب وك��ذل��ك استيعاب ال��ظ��روف احلياتية التي يعيشها الناس‪،‬‬ ‫القياس‪ ،‬وق��ال اإلم��ام أحمد بن حنبل رحمه ال��ل��ه‪ »:‬لم نكن وأفهم تالميذه أن الفقه أشبه بالكائن احلي يتجدد مع الزمن‪،‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪53‬‬


‫ومما ال شك فيه أن املكتبة اإلسالمية زخرت بإنتاج علمي‬ ‫وينمو مع حركة احلياة‪ ،‬مستهدياً بأصول الوحي اإللهي‪ ،‬ومن‬ ‫عباراته اللطيفة ألحد تالميذه « عليك بالفقه‪ ،‬فإنه كالتفاح ضخم‪ ،‬في فقه اإلم��ام الشافعي رحمه الله‪ ،‬زاد في حجم‬ ‫التراث احلضاري اإلسالمي‪ ،‬وساعد على استمراره وبقائه‪.‬‬ ‫الشامي يحمل من عامه»‪.‬‬ ‫وقد كان لتالميذه وأصحابه آث��ار واسعة في نشر العلوم‬ ‫اإلسالمية بعامة‪ ،‬ونشر مذهبه بخاصة‪ ،‬وقد ساعد نشاطهم‬ ‫العلمي على دعم النهضة واحلركة العلمية في العالم اإلسالمي‪،‬‬ ‫في عصورهم التي وجدوا فيها‪ ،‬ومن هؤالء العلماء‪:‬‬ ‫الكرابيسي‪ ،‬الفقيه البغدادي‪ ،‬أبو علي احلسن بن علي‪،‬‬ ‫املتوفى عام ‪256‬هـ‪ ،‬وله تصانيف كثيرة في الفقه واألصول‪.‬‬ ‫املزني املصري‪ ،‬أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى ‪ ،‬املتوفى‬ ‫ع��ام ‪264‬ه���ـ‪ ،‬وم��ن كتبه املعتمدة عند الشافعية‪ :‬املختصر‬ ‫الصغير‪ ،‬واجلامع الصغير‪ ،‬واجلامع الكبير‪.‬‬ ‫البويطي‪ ،‬أبو يعقوب يوسف بن يحيى‪ ،‬من بويط قرية في‬ ‫صعيد مصر‪ ،‬توفي عام‪231‬هـ‪ ،‬ومن كتبه‪ :‬املختصر الكبير‪،‬‬ ‫واملختصر الصغير‪ ،‬والفرائض‪.‬‬ ‫ابن سريج‪ ،‬حامل لواء الشافعية في زمانه‪ ،‬وعنه انتشر فقه‬ ‫الشافعية‪ ،‬توفي عام ‪206‬هـ‪.‬‬ ‫الزعفراني‪ ،‬احلسن الصباح‪ ،‬توفي عام ‪260‬ه��ـ‪ ،‬وهو من‬ ‫تالميذه في العراق‪.‬‬ ‫احلميدي أبو بكر‪ ،‬توفي عام ‪219‬هـ‪ ،‬وهو من تالميذه في‬ ‫مكة املكرمة‪.‬‬ ‫أبو اسحاق إبراهيم بن عبدالله بن العباس‪ ،‬املتوفى عام‬ ‫‪237‬هـ‪ ،‬وهو من تالميذه في مكة املكرمة‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬أثره في إثراء املكتبة اإلسالمية‪:‬‬ ‫لم يعرف إلمام قبل الشافعي رحمه الله‪ ،‬من املؤلفات في‬ ‫األصول والفروع والفقه وأدلته‪ ،‬بل في التفسير واألدب‪ ،‬ما‬ ‫عرف لإلمام الشافعي رحمه الله كثر ًة وإبدعاً وبراع ًة وإحكاماً‪،‬‬ ‫يقول ابن زوالق‪ :‬صنف الشافعي نحواً من مائتي جزء‪.‬‬ ‫وقد كتب الله ملؤلفاته اخلطوة والقبول‪ ،‬فتناقلها العلماء‪،‬‬ ‫ورغبوا في كتابتها وسماعها‪ ،‬وتنافسوا في اقتنائها‪ ،‬وكان‬ ‫اإلم��ام أحمد بن حنبل رحمه الله يقول في فضل الشافعي‬ ‫على العلماء‪ »:‬ما أحد مس محبرة وال قلماً‪ ،‬إال وللشافعي في‬ ‫عنقه منة»‪.‬‬ ‫وم��ن ك��ت��ب��ه‪»:‬احل��ج��ة» وف��ي��ه مذهبه ال��ق��دمي‪« ،‬والرسالة»‬ ‫و»اخ���ت�ل�اف احل���دي���ث» ‪»،‬وص���ف���ة األم����ر وال��ن��ه��ي»‪« ،‬وإبطال‬ ‫اإلس��ت��س��ح��س��ان» وم���وض���وع ه���ذه ال��ك��ت��ب األص�����ول‪« ،‬واألم»‬ ‫وموضوعه الفقه‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫وقد عرف التاريخ اإلسالمي آالف الكتب‪ ،‬التي ألفت في‬ ‫املذهب الشافعي‪ ،‬والتي منها املبسوطات ومنها املختصرات‪،‬‬ ‫ومنها امل��ت��ون‪ ،‬ومنها ال��ش��روح‪ ،‬ومنها احل��واش��ي‪ ،‬ومنها كتب‬ ‫التربية والتعليم وكتب األخ�لاق‪ ،‬ومنها كتب الفتاوى‪ ،‬وكتب‬ ‫األص���ول‪ ،‬وم��ا زال عطاء ه��ذا امل��ذه��ب مستمراً ف��ي ك��ل بلد‬ ‫وقطر‪.‬‬ ‫ل��م ي��ك��ن ف��ق��ه اإلم����ام ال��ش��اف��ع��ي رح��م��ه ال��ل��ه م��ل��ك��اً لعلماء‬ ‫املذهب‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل كان وال يزال ملكاً للعلماء املسلمني في‬ ‫كل أقطارهم‪ ،‬وفي كل عصورهم‪ ،‬وعلى إختالف مذاهبهم‬ ‫الفقهية‪ ،‬ومناهجهم في التفكير‪ ،‬فهو فقه ثمني‪ ،‬ليس فقط‬ ‫لعلماء املذهب‪ ،‬بل لكل العلماء‪ ،‬مما ساعدهم على حتقيق‬ ‫النجاحات الباهرة‪ ،‬في تقدمي احللول التشريعية لكل ما واجه‬ ‫املجتمعات اإلسالمية من مشكالت‪.‬‬ ‫امل�ط�ل��ب ال ��راب ��ع‪ :‬أث���ره ف��ي إزال� ��ة ال �ف �ج��وة ب�ين احملدثني‬ ‫والفقهاء‪:‬‬ ‫وكان لإلمام الشافعي أثر كبير في تضييق الفجوة بني أهل‬ ‫ال��رأي وأهل احلديث‪ ،‬وقد ظهر اإلم��ام الشافعي واألم��ر من‬ ‫نهضة الدراسة الفقهية في بالد اإلس�لام‪ ،‬نهضة ترمي إلى‬ ‫الوفاء باحلاجة العملية في دولة تريد أن جتعل أحكام الشرع‬ ‫دستوراً لها‪ ،‬ومن إنقسام الفقهاء إلى أهل رأي يعتمدون في‬ ‫نهضتهم على سرعة أفهامهم‪ ،‬ونفاد عقولهم‪ ،‬وقوتهم في‬ ‫اجلدل‪ ،‬وأهل حديث يعتمدون على السنن واآلثار‪ ،‬وال يأخذون‬ ‫من الرأي إال مبا تدعو إليه الضرورة‪.‬‬ ‫ك��ان أه��ل ال���رأي يعيبون أص��ح��اب احل��دي��ث ب��اإلك��ث��ار من‬ ‫الروايات‪ ،‬الذي هو مظنة لقلة التدبر والفهم‪ ،‬حكى عن أبي‬ ‫يوسف ق��ال‪ :‬سألني األعمش عن مسألة‪ ،‬وأن��ا وهو ال غير‪،‬‬ ‫فأجبته‪ ،‬فقال لي‪ :‬من أين قلت هذا يا يعقوب؟ فقلت‪ :‬باحلديث‬ ‫الذي حدثتني أنت؟ فقال‪ :‬يا يعقوب إني ألحفظ هذا احلديث‬ ‫من قبل أن يجتمع أبواك‪ ،‬ما عرفت تأويله إلى اآلن»‪.‬‬ ‫فأصحاب احلديث كانوا حافظني ألخبار رسول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬إال أنهم كانوا عاجزين عن النظر واجلدل‪،‬‬ ‫وكلما أورد عليهم أحد من أصحاب ال��رأي س��ؤاالً أو اشكاالً‬ ‫سقط في أيديهم متحيرين‪ ،‬هم ضعاف في اإلستنباط وفي‬ ‫القدرة على دفع املطاعن والشبهات عن احلديث‪.‬‬ ‫وكان أهل احلديث يعيبون أهل الرأي‪ ،‬بأنهم يأخذون في‬ ‫دينهم بالظن‪ ،‬وأنهم ليسوا للسنة أنصاراً‪ ،‬وال هم فيها مبتثبتني‪،‬‬ ‫فإن أصحاب أبي حنيفة يقدمون القياس اجللي على خبر‬ ‫الواحد‪ ،‬وهم يقبلون املراسيل واملجاهيل‪ ،‬أي احلديث املرسل‬ ‫الذي أسنده التابعي أو تابع التابعي إلى النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬من غير أن يذكر الصحابي الذي روى احلديث‪ ،‬أما‬ ‫املجاهيل فهم مجهولوا احلال من الرواة‪ ،‬ثم ال يقبلون احلديث‬


‫الصحيح إذا كان مخالفاً للقياس‪ ،‬وال يقبلونه في الواقعة التي‬ ‫تعم فيها البلوى‪.‬‬ ‫كانت احلال على ما ذكرنا حني جاء اإلمام الشافعي رحمه‬ ‫الله‪ ،‬وقد تفقه الشافعي أول ما تفقه على أهل احلديث من‬ ‫علماء مكة‪ ،‬كمسلم بن خالد الزجني‪ ،‬وسفيان بن عيينة‪ ،‬ثم‬ ‫ذهب إلى إمام أهل احلديث» مالك بن أنس» في املدينة املنورة‬ ‫فلزمه‪ ،‬ولقى من عطفه وعلمه وفضله ما جعله يحبه ويجله‬ ‫حتى قال عنه‪ »:‬إذا ذكر العلماء فمالك النجم وما من أحد أمن‬ ‫علي من مالك بن أنس»‪ ،‬ومع ذلك فنشأة الشافعي لم تكن من‬ ‫ّ‬ ‫كل وجه نشأة أهل احلديث‪ ،‬وال إستعداده استعدادهم‪.‬‬ ‫ومل��ا ذه��ب الشافعي رحمه الله إل��ى العراق إسترعى نظره‬ ‫حتامل أهل الرأي على أستاذه مالك وعلى مذهبه‪ ،‬وكان أهل‬ ‫الرأي أقوى سنداً وأعظم جاهاً مبالهم من املكانة عند اخللفاء‪،‬‬ ‫وبتوليهم شؤون القضاء‪ ،‬ذلك إلى أنهم أوسع حيلة في اجلدل من‬ ‫أهل احلديث وأنفذ بياناً‪ ،‬وقد رويت لنا مناذج من دفاع الشافعي‬ ‫رحمه الله عن مالك ومذهبه‪ ،‬عن محمد بن احلكم قال‪ :‬سمعت‬ ‫الشافعي يقول‪ »:‬قال لي محمد بن احلسن‪ :‬صاحبنا أعلم من‬ ‫صاحبكم‪ ،‬يعني» أب��ا حنيفة ومالكاً»‪ ،‬وم��ا ك��ان على صاحبكم‬ ‫أن يتكلم‪ ،‬وما كان لصاحبنا أن يسكت‪ ،‬ق��ال‪ :‬فغضبت وقلت‪:‬‬ ‫نشدتك الله من كان أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مالك أو أبو حنيفة؟‪ ،‬قال‪ :‬مالك‪ ،‬لكن صاحبنا أقيس‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫نعم ومالك أعلم بكتاب الله تعالى‪ ،‬وناسخه ومنسوخه‪ ،‬وسنة‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي حنيفة‪ ،‬فمن كان أعلم‬ ‫بكتاب الله وسنة رسوله كان أولى بالكالم»‪.‬‬ ‫وكان هذا احلجاج عن مذهب مالك‪ ،‬في قدوم الشافعي‬ ‫إل��ى العراق أول م��رة‪ ،‬وأق��ام الشافعي في العراق زمناً غير‬ ‫قصير‪ ،‬ودرس فيه كتب محمد بن احلسن وغيره من أهل‬ ‫ال��رأي فيما درس في العراق‪ ،‬والزم محمد بن احلسن‪ ،‬ورد‬ ‫على بعض أقواله وآرائه نصيراً ألهل السنة‪.‬‬ ‫وال شك أن الشافعي في ذلك العهد كان متأثراً مبذهب أهل‬ ‫احلديث‪ ،‬ومتأثراً مبالزمة عالم دار الهجرة‪ ،‬فهل كان يدافع عن‬ ‫مذهبه بدافع حميته ألستاذه وأنصار أستاذه املستضعفني‪.‬‬

‫املصادر واملراجع‪:‬‬

‫ ‬

‫أبو زهرة‪ ،‬محمد‪ :‬أصول الفقه_ طبع دار الفكر العربي‪.‬‬

‫اسماعيل‪ ،‬شعبان محمد‪ :‬أص��ول الفقه‪ ،‬تاريخه ورجاله_طبع دار املريخ‬ ‫بالرياض سنة ‪1401‬هـ‪.‬‬

‫بغدادي‪ ،‬أحمد بن ثابت اخلطيب‪ :‬تاريخ بغداد_ طبع دار الكتاب العربي‬ ‫ بيروت‪.‬‬‫البيهقي‪ ،‬مناقب الشافعي‪.‬‬

‫احلجوي‪ ،‬محمد بن احلسن‪ :‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬طبع‬ ‫إدارة املعارف بالرباط سنة ‪1340‬هـ‪.‬‬ ‫اجلندي‪ ،‬عبد احلليم‪ :‬اإلمام الشافعي‪ :‬ناصر السنة وواضع األصول‪.‬‬

‫احلموي‪ ،‬ياقوت‪ :‬معجم األدباء ‪ -‬طبع مكتبة عيسى البابي احللبي‪.‬‬

‫اخلضري‪ ،‬محمد‪ ،‬تاريخ التشريع اإلسالمي‪.‬‬

‫وك��ان اإلم���ام أحمد ي��ق��ول‪ :‬الشافعي فيلسوف ف��ي أربعة‬ ‫أشياء‪ :‬في اللغة‪ ،‬واختالف الناس‪ ،‬واملعاني‪ ،‬والفقه‪ ،‬وقد حاول‬ ‫الشافعي‪ :‬أن يجمع أصول اإلستنباط الفقهي وقواعدها علماً‬ ‫ممتازاً‪ ،‬وأن يجعل الفقه تطبيقاً لقواعد هذا العلم‪ ،‬وبهذا‬ ‫ميتاز مذهب الشافعي رحمه الله عن مذهب أهل العراق وأهل‬ ‫احلجاز‪.‬‬ ‫املطلب اخلامس‪ :‬املرتكزات الرئيسية في إنتشار مذهب‬ ‫الشافعي رحمه الله‪:‬‬ ‫إعتمد املذهب الشافعي في انتشاره الواسع في العاملني‬ ‫العربي واإلسالمي على جملة من املرتكزات وهي‪:‬‬ ‫قوة شخصية اإلم��ام الشافعي رحمه الله‪ ،‬وقدراته العقلية‬ ‫والعلمية واألدبية‪ ،‬وتأثيره العميق في تالميذه‪ ،‬وعلماء عصره‪.‬‬ ‫الطريق املعتدلة التي اختطها اإلمام الشافعي رحمه الله‬ ‫في مسيرته العلمية وذلك بجمعه اإلهتمام بالسنة الشريفة‪،‬‬ ‫وعدم إسقاط العمل بالقياس‪.‬‬ ‫الرحالت العلمية املتواصلة‪ ،‬والعالقات الفكرية والثقافية‬ ‫األصيلة التي أقامها مع علماء عصره‪.‬‬ ‫النشاط العلمي املتميز الذي أبداه تالميذ اإلمام الشافعي‬ ‫الذين أخذوا العلم عنه مباشر ًة‪ ،‬وإتباع مذهبه فيما بعد‪ ،‬في‬ ‫حركة التعليم والتأليف والتوجيه‪.‬‬ ‫العالقات الصادقة التي أقامها أتباع مذهب اإلمام الشافعي‬ ‫وعلماؤه‪ ،‬خالل العصور املختلفة‪ ،‬مع بعض القادة واحلكام‪.‬‬ ‫ن��ع��م ك���ان ألص��ح��اب اإلم����ام ال��ش��اف��ع��ي وت�لام��ي��ذه وعلماء‬ ‫املذهب‪ ،‬أث��ر كبير في انتشار مذهبه‪ ،‬فقد نبغ في مذهبه‬ ‫علماء مجددون أنتجوا ثروة ضخمة من املؤلفات في العلوم‬ ‫اللغوية والعقلية‪ ،‬والتربوية‪ ،‬والفقهية‪ ،‬واألص��ول��ي��ة‪ ،‬وعلوم‬ ‫احلديث‪ ،‬وقد أبدى كثير منهم براعة فائقة في القضاء واإلفتاء‬ ‫واإلم��ام��ة والتدريس وال��وع��ظ‪ ،‬وك��ان لهم ال��دور العظيم في‬ ‫مقاومة الهجمات العدوانية على األمتني العربية واإلسالمية‬ ‫عبر تاريخها الطويل‪.‬‬

‫السبكي‪ ،‬تاج الدين عبد الوهاب‪ :‬طبقات الشافعية الكبرى‪.‬‬

‫الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس‪ :‬األم‪.‬‬

‫الشافعي‪ ،‬محمد بن إدري��س‪ :‬الرسالة ‪ -‬حتقيق أحمد شاكر_ طبع دار‬ ‫الكتب العلمية في بيروت‪.‬‬

‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪ :‬مقدمة ابن خلدون ‪ -‬طبع دار الكتاب‬ ‫اللبناني سنة ‪1979‬م‪.‬‬ ‫ابن حزم‪ ،‬جمهرة أنساب العرب‪.‬‬

‫الدقر‪ ،‬عبد الغني‪ :‬اإلمام الشافعي فقيه السنة األكبر‪.‬‬

‫القرطبي‪ ،‬ابن عبد البر النمري‪ :‬اإلنتقاء في فضائل الثالثة االئمة الفقهاء‪.‬‬

‫نحراوي‪ ،‬أحمد عبد السالم اإلندونيسي‪ :‬اإلمام الشافعي في مذهبيه القدمي‬ ‫واجلديد ‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪55‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫حقوق اإلنسان في االسالم‬

‫الدكتور حممد راتب النابل�سي ‪� -‬سوريا‬

‫اإلنسان ال يفتأ يستمع إلى األخبار حول حقوق اإلنسان‪ ،‬قطعياً‪ ،‬ال جند صوناً لهذا احلق كما جنده في اإلسالم‪ ،‬دققوا‬ ‫وأن ه��ذه الدولة ال حتترم حقوق اإلن��س��ان‪ ،‬وأن تلك الدولة في هذه اآلية ‪:‬‬ ‫تُعا َقب ألنها ال حتترم حقوق اإلنسان‪ ،‬وكأن حقوق اإلنسان‬ ‫ِس َرائِي َل أَ َّن ُه َمن َقتَ َل نَفْساً‬ ‫{مِ ْن أَ ْجلِ َذل َ‬ ‫ِك َكتَبْنَا َعلَى بَنِي إ ْ‬ ‫َّاس َجمِ يعاً‬ ‫إجناز عاملي كبير‪ ،‬والذي يؤلم أشد األلم أن أجهل الناس مبا ِب َغيْرِ نَف ٍْس أَ ْو َف َس ٍاد فِ ي األَ ْر ِ‬ ‫ض َف َك َأنمَّ َ ا َقتَ َل الن َ‬ ‫َّاس َجمِ يعاً َولَ َق ْد َجاءتْ ُه ْم ُر ُسلُنَا‬ ‫في اإلسالم من حقوق لإلنسان هم املسلمون‪ ،‬يتبجحون بحقوق َو َم ْن أَ ْحيَ َ‬ ‫اها َف َك َأنمَّ َ ا أَ ْحيَا الن َ‬ ‫َات ثُ َّم إ َِّن َكثِيراً ِّمنْ ُهم بَ ْع َد َذل َ‬ ‫اإلنسان وفي الدين اإلسالمي من صيانة حقوق اإلنسان ما ال بِال َب ِّين ِ‬ ‫ض لمَ ُ ْسرِ ُفو َن }‬ ‫ِك فِ ي األَ ْر ِ‬ ‫ً‬ ‫يصدق‪ ،‬لذلك هذه الكلمة كثيرا ما نستمع إليها في األخبار ا(ملائدة‪)32‬‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬صون حقوق اإلنسان‪ ،‬رعاية حقوق اإلنسان ‪.‬‬ ‫‪ ‬حقوق اإلنسان متعددة منها ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ حق احلياة ‪:‬‬ ‫أيها اإلخوة الكرام ‪ :‬أول حق من حقوق اإلنسان هو ‪ :‬حق‬ ‫احلياة‪ ،‬فاحلياة هبة الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وقد أجمعت جميع‬ ‫الشرائع واألديان على تقديس حق احلياة واحترامه وحفظه‬ ‫ورع��اي��ت��ه‪ ،‬وبالتالي ح�� ّرم��ت اإلع��ت��داء على صاحبه حترمياً‬

‫‪56‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫حق احلياة مصون ألعلى درجة في اإلسالم ‪:‬‬

‫اإلن��س��ان بنيان ال��ل��ه‪ ،‬وملعون م��ن ه��دم بنيان الله‪،‬‬ ‫ ‬ ‫يظل املسلم بخير ما لم يسفك دماً‪ ،‬أما أن تُغتَصب ثالثمئة‬ ‫وخمسون أل��ف فتاة في البوسنة‪ ،‬وأم��ا ما يفعله ه��ؤالء مبا‬ ‫يسمى بالتطهير العرقي‪ ،‬ليس هذا انتهاك حلقوق اإلنسان ؟‬ ‫هل جتدون نصاً يرعى حق احلياة كهذا النص ؟ هل جتدون‬ ‫نصاً في الكون كله يرعى حق احلياة كقوله صلى الله عليه‬


‫وسلم ‪:‬‬

‫(( يظل املسلم بخير ما لم يسفك دماً )) «ورد في األثر»‬

‫أما احلق اخلاص دية مسلّمة إلى أهله ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ احلق العام ‪:‬‬

‫أما احلق العام كما أنه أزهق نفساً مؤمن ًة في مجتمع مؤمن‬ ‫وهذه آية أخرى ‪:‬‬ ‫{ َو َمن يَ ْقتُ ْل مؤْمِ ناً متَع ِّمداً َف َجزَآ ُؤهُ ج َه َّنم َخالِداً فِ ي َها َو َغ ِضب فعطل مصالح املؤمنني بقتل هذا اإلنسان خط ًأ فينبغي أن‬ ‫َ‬ ‫ُّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫يدخل إلى مجتمع املؤمنني نفساً مؤمن ًة يعتقها لتكون فدي ًة له‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اللّ ُه َعلَيْهِ َولَ َعنَ ُه َوأ َع َّد ل ُه َعذابا َع ِظيما }(النساء‪)93‬‬ ‫أو دي ًة له نظير احلق العام ‪.‬‬ ‫ش��يء ال يصدق من يقتل مؤمناً متعمداً‪ ،‬ف��ج��زاؤه جهنم‬ ‫حالياً ال يوجد عبيد فرادى‪ ،‬يوجد أمم مستعبدة لذلك البد‬ ‫خالداً فيها‪ ،‬وإليكم آية ثالثة ‪:‬‬ ‫من صيام شهرين متتابعني‪ ،‬إذا اإلنسان قتل إنساناً خط ًأ في‬ ‫اص َح َياةٌ يَاْ أُول ِْي األَلْ َب ِ َ َّ ُ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫{ َولَ ُك ْم فِ ي الْقِ َ‬ ‫اب ل َعلك ْم ت َّتقُو َن } حادث سير فالبد من أن يقدم إلى أهله دية كاملة وال بد من‬ ‫(البقرة‪)179‬‬ ‫أن يصوم شهرين متتابعني‪ ،‬هذا حق احلياة في اإلسالم ‪.‬‬ ‫حق احلياة مصون في اإلسالم في أعلى درجة‪ ،‬الذي يقتل‬ ‫مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها‪ ،‬الذي يقتل نفساً بغير‬ ‫ٍ‬ ‫فساد في األرض فكأمنا قتل الناس جميعاً ‪.‬‬ ‫نفس أو‬

‫‪ ‬‬

‫حقوق اإلنسان في اإلسالم معلنة بآيات من‬ ‫كتاب الله ‪:‬‬

‫‪ ‬‬ ‫حينما تستمعون إل��ى ح��ق��وق اإلن��س��ان ينبغي أن تعتزوا‬ ‫القصاص في القتل ‪:‬‬ ‫بإسالمكم‪ ،‬حقوق اإلن��س��ان أعلنت ف��ي ع��ام أل��ف وتسعمئة‬ ‫وثمانية وأربعني عقب احلرب العاملية الثانية‪ ،‬بعد أن قتلت‬ ‫بأحكام الفقه‪ ،‬القصاص ف��ي القتل يتساوى فيه جميع‬ ‫ٍ‬ ‫ثالثة وستني مليون إنسان‪ ،‬عدا املشوهني‪،‬‬ ‫احلرب أكثر من‬ ‫الناس‪ ،‬فيقتل العالم باجلاهل‪ ،‬شخص يحمل أعلى شهادة في‬ ‫ٍ‬ ‫ثالثة‬ ‫انتهت احل��رب العاملية الثانية مبجموع قتلى يساوي‬ ‫العالم (بورد) قتل إنساناً جاه ً‬ ‫ال أمياً‪ ،‬الذي يحمل أعلى شهادة‬ ‫وستني مليون إنسان‪ ،‬ودمرت كل شيء ‪.‬‬ ‫في العالم يُقتل بهذا اجلاهل‪ ،‬ألنه إعتدى على حق احلياة ‪.‬‬ ‫عقب هذه احلرب أعلنت حقوق اإلنسان في العاشر من‬ ‫يُقتل الشريف بالوضيع‪ ،‬ولو كان من أرقى أسرة‪ ،‬ولو أنها‬ ‫كانون األول عام ألف و تسعمئة وثمانية وأربعني‪ ،‬بينما حقوق‬ ‫منسوبة‪ ،‬لو حدثت جرمية قتل يقتل الشريف بالوضيع ‪.‬‬ ‫اإلنسان في اإلس�لام معلنة بآيات من كتاب الله قبل ألف و‬ ‫ً‬ ‫يُقتل العاقل باملجنون‪ ،‬عاقل قتل مجنونا يقتل العاقل أربعمئة عام ‪.‬‬ ‫باملجنون ‪.‬‬ ‫يُقتل الكبير بالصغير‪ ،‬يُقتل الرجل ب��امل��رأة‪ ،‬يُقتل املسلم‬ ‫بغير املسلم‪ ،‬هكذا بالفقه‪ ،‬هل هناك من حق للحياة أعلى‬ ‫من هذا؟‬

‫‪ ‬من مستلزمات حق احلياة ‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ تأمني األرزاق ‪:‬‬

‫الفقهاء قالوا ‪ :‬مِ ��ن رعاية حقوق اإلنسان وال سيما حق‬ ‫احلياة تأمني األرزاق‪ ،‬وحماية املنتجات‪ ،‬وعقاب احملتكرين‪،‬‬ ‫‪ ‬أحكام القتل اخلطأ ‪:‬‬ ‫ألن حق احلياة من لوازمه تأمني الطعام وال��ش��راب‪ ،‬كل من‬ ‫واآلن إليكم حكم ما دون القتل‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫يحتكر الطعام يعاقب ف��ي الدنيا ويعاقب ف��ي اآلخ���رة ألنه‬ ‫ْس بِال َّنف ِْس َوالْ َعينْ َ بِالْ َعينْ ِ َواألَ َ‬ ‫نف ضعضع قضية حق احلياة‪ ،‬من لوازم حق احلياة أن يأكل هذا‬ ‫{ َو َكتَبْنَا َعلَيْهِ ْم فِ ي َها أَ َّن ال َّنف َ‬ ‫بِاألَ ِ‬ ‫اص َف َمن اإلنسان‪ ،‬لسيدنا أبي ذر كلمة رائعة ‪ :‬إذا جاع املسلم فليس‬ ‫ِالسنِّ َوالجْ ُ ُ��رو َح قِ َ‬ ‫الس َّن ب ِّ‬ ‫نف َواألُ ُذ َن بِ��األُ ُذنِ َو ِّ‬ ‫ص ٌ‬ ‫َص َّد َق ِبهِ َف ُه َو َكفَّا َرةٌ َّل ُه َو َمن َّل ْم يَ ْح ُكم بمِ َ ا أن َز َل اللّ ُه َفأُ ْولَـئ َ‬ ‫ِك ألحد مال‪ ،‬يجب أن يوزع الطعام بني املسلمني‪ ،‬من لوازم حق‬ ‫ت َ‬ ‫َّ‬ ‫احلياة أن تؤمن للناس حياتهم األساسية ‪.‬‬ ‫ُه ُم الظالمِ ُو َن } (املائدة‪)45‬‬

‫سيدنا عمر قال ألحد والته ‪ :‬ماذا تفعل إذا جاءك‬ ‫‪ ‬‬ ‫أما القتل باخلطأ‪ ،‬فإن ُقتل شخص خط ًأ فال بد من رعاية الناس بسارق أو ناهب‪ ،‬قال الوالي ‪ :‬أقطع يده‪ ،‬فقال عمر‬ ‫‪ :‬إذاً إذا جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع‬ ‫حق عام وحق خاص ‪.‬‬ ‫يدك‪ ،‬إن الله قد استخلفنا على خلقه لنسد جوعتهم‪ ،‬ونستر‬ ‫‪ 1‬ـ احلق اخلاص ‪:‬‬ ‫عورتهم‪ ،‬ونوفر لهم حرفتهم‪ ،‬فإن وفرنا لهم ذلك تقاضيناهم‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪57‬‬


‫شكرها‪ ،‬إن هذه األيدي خلقت لتعمل فإذا لم جتد في الطاعة فإن قامت فخذهم بالبينة‪ ،‬فإن لم تقم فادعهم إلى اإلقرار‬ ‫عم ً‬ ‫ال التمست في املعصية أعماالً‪ ،‬فاشغلها بالطاعة قبل أن فإن أقروا فخذهم بإقرارهم‪ ،‬فإن لم يقروا فادعهم إلى حلف‬ ‫اليمني‪ ،‬فإن حلفوا فأطلق سراحهم‪ ،‬و أمي الله ألن يلقوا الله‬ ‫تشغلك في املعصية ‪.‬‬ ‫حق احلياة من فروعه حق تأمني األرزاق‪ ،‬وأي دعوة إلى بخيانتهم أهون من أن ألقى الله بدمائهم ‪.‬‬ ‫الله ينبغي أن ترافقها دعوة إلى العمل دعوة إلى كسب الرزق‪،‬‬ ‫دع��وة إل��ى الكفاية‪ ،‬ألن اإلنسان كما ق��ال سيدنا علي ‪ :‬كاد‬ ‫‪ ‬حق احلياة ليس ملك ًا لإلنسان بل اإلنسان ملك‬ ‫الفقر أن يكون كفراً‪ ،‬وطلب احلالل فريضة بعد الفريضة ‪ .‬املسلمني ‪:‬‬

‫وإني أرى الرجل ليس له عمل يسقط من عيني ‪.‬‬ ‫وبعد ‪ :‬فإن اإلنسان إذا مرض مرضاً خطيراً ولم يعالج‬ ‫‪ 2‬ـ حق الدفاع عن النفس و العرض و املال و الدين ‪:‬‬ ‫نفسه ميوت عاصياً صوناً حلق احلياة‪ ،‬وإنسان نام على سطح‬ ‫بال سور يحيط بالسطح فسقط ودقت رقبته ميوت عاصيا‪ً،‬‬ ‫ومن مستلزمات حق احلياة إباحة حق الدفاع عن النفس‬ ‫وعن العرض وعن املال وعن الدين‪ ،‬حق الدفاع عن النفس إنسان ركب ناق ًة حروناً ودقت رقبته ميوت عاصياً والنبي أبى‬ ‫م��ش��روع‪ ،‬بالقضاء بنصوص واضحة ‪ :‬إذا اإلن��س��ان هاجمه أن يصلي عليه‪ ،‬قال ‪ :‬من كانت ناقته حروناً فال يركبها ‪.‬‬ ‫أحد الصحابة أراد أن يكسب شرف اجلهاد ركب ناق ًة حروناً‬ ‫إنسان ليقتله فسبقه وقتله يعد هذا القتل دفاعاً عن النفس‪،‬‬ ‫هذا حق مشروع من لوازم حق احلياة ‪.‬‬ ‫فرمته من على ظهرها ودقت رقبته فمات‪ ،‬أبى النبي أن يصلي‬ ‫م��ن ل���وازم ح��ق احل��ي��اة ت��أم�ين ال��ط��ع��ام وال��ش��راب واملأوى عليه‪ ،‬يقاس عليها اآلن مركبة درجة عاشرة‪ ،‬مكابحها متآكلة‪،‬‬ ‫وال��ك��س��اء ه���ذه أس��اس��ي��ات‪ ،‬م��ن ل����وازم ح��ق احل��ي��اة أن تبيح ميكانيكها تعبان‪ ،‬والسفر طويل ف��إذا جرى له ح��ادث ميوت‬ ‫لإلنسان حق الدفاع عن النفس وعن العرض وعن املال‪ ،‬وهذه هذا اإلنسان عاصياً‪ ،‬صوناً حلق احلياة‪ ،‬ألن حق احلياة ليس‬ ‫مقاصد الشريعة اخلمسة‪ ،‬الدين‪ ،‬النفس‪ ،‬العرض‪ ،‬العقل‪ ،‬ملكك بل أنت ملك املسلمني‪ ،‬وأنت ملك أسرتك وأنت ملك من‬ ‫املال‪ ،‬يقتضي حق احلياة كما قلنا قبل قليل حترمي اإلعتداء تعول‪ ،‬هذه كلها أحكام فقهية‪ ،‬أرأيتم إلى هذا احلق ‪.‬‬ ‫على النفس‪ ،‬حترمي التمثيل في القتلى ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫بعض األحكام الشرعية املتعلقة بحق احلياة ‪:‬‬

‫ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له ‪ :‬مثل بهم يا‬ ‫رسول الله ( يعني قتلى الكفار)‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬ ‫هل تصدق أن تناول الطعام والشراب من أجل صون احلياة‬ ‫ال أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً ‪.‬‬ ‫ف��رض عني على كل إنسان‪ ،‬لو أن إنساناً ت��رك أك��ل الطعام‬ ‫‪ ‬‬ ‫والشراب فهذا الصوم حتى املوت انتحار ‪.‬‬

‫‪ ‬حترمي القتل بغير حق ‪:‬‬ ‫أيضاً إذا أصابك مرض ولم تعالج نفسك متوت عاصياً‪ ،‬إذا‬ ‫أهملت صحتك فإنك تعصي الله عز وجل‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫التمثيل في اجلثة إعتداء على حق احلياة ‪.‬‬ ‫{ َوأَنفِ قُوا ْ فِ ي َسبِيلِ اللّهِ َوالَ تُلْقُوا ْ ِب َأيْدِ ي ُك ْم ِإلَ��ى ال َّت ْهل ُ َكةِ‬ ‫حت��رمي امل��ب��ارزة ب�ين شخصني ف��ي غير احل��ق‪ ،‬املصارعة‬ ‫احلرة التي تنتهي بقتل أحد املتصارعني هذه محرمة شرعاً َوأَ ْح ِسنُ َوا ْ إ َِّن اللّ َه يُ ِح ُّب المْحُ ْ ِس ِننيَ}(البقرة‪)195‬‬ ‫ألنها ع��دوان على حق احلياة‪ ،‬هذه جرمية يصارعه إلى أن‬ ‫اإلعتداء على اجلنني محرم صوناً حلق احلياة‪ ،‬حتى إن‬ ‫يرديه قتي ً‬ ‫ال‪ ،‬ثم يقال ‪ :‬أخذ بطولة العالم ‪ .‬شيء مضحك‪ ،‬معظم العلماء قالوا ‪ :‬إن البويضة إذا تلقحت من احليوان‬ ‫هذا محرم بالشرع ألنه عدوان على حق احلياة‬ ‫املنوي يحرم إسقاطها ولو ألول حلظة ‪.‬‬

‫حترمي اإلذن بالقتل‪ ،‬قال يا أمير املؤمنني ‪ :‬إن أناساً قد‬ ‫اغتصبوا ماالً ليس لهم ولست أقدر على استخراجه منهم إال‬ ‫أن أمسهم بالعذاب‪ ،‬فإن أذنت لي فعلت‪ ،‬قال ‪ :‬يا سبحان الله‪،‬‬ ‫أتستأذنني بتعذيب بشر‪ ،‬وهل أكون لك حصناً من عذاب الله‪،‬‬ ‫وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله أقم عليهم البينة‬

‫‪58‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫هناك فتوى ضعيفة أنه خالل األربعني يوماً األولى يجوز‬ ‫إسقاط اجلنني‪ ،‬لكن أكثر العلماء قالوا أنه ال يجوز‪ ،‬ألن هذه‬ ‫البويضة عندما تلقحت أصبحت كائناً حياً وبدأ االنقسام فلو‬ ‫ّ‬ ‫مت اإلسقاط في هذه الفترة فهذا عدوان على حق احلياة ‪.‬‬ ‫ه��ذه بعض األح��ك��ام الشرعية املتعلقة بحق احل��ي��اة‪ ،‬إذا‬


‫أحدكم سمع في األخبار يتحدثون عن حقوق اإلنسان‪ ،‬فليعلم‬ ‫أن حقوق اإلنسان مصونة في أعلى درجة في اإلسالم‪ ،‬لكن‬ ‫موضوع التطبيق شيء آخر‪ ،‬نسعى إلى تطبيق هذا‪ ،‬ال تربط‬ ‫اإلسالم بالواقع‪ ،‬افهم اإلسالم نقياً وحاول أن جتعل الواقع‬ ‫يرتقي إلى مستوى اإلسالم‪ ،‬قد ال جند هذا في الواقع ولكن‬ ‫حق احلياة في اإلس�لام مصون في أعلى درج��ة من درجات‬ ‫الصون ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ حق الكرامة اإلنسانية ‪:‬‬ ‫‪ ‬احلق الثاني حق الكرامة اإلنسانية‪ ،‬اإلنسان مكرم قال‬ ‫تعالى ‪:‬‬

‫اإلسالم كيف حفظ حق الكرامة !!) قال ‪ :‬لست ممن يكتم أو‬ ‫أرض‬ ‫ينكر شياً‪ ،‬أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي‪ ،‬فقال له ‪ِ :‬‬ ‫الفتى البد من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه‪ ،‬أو يهشمن‬ ‫اآلن أنفك وتنال ما فعلته كفك‪ ،‬قال ‪ :‬كيف ذاك يا أمير ؟ هو‬ ‫سوقة وأنا عرش وت��اج‪ ،‬كيف ترضى أن يخر النجم أرض��اً ؟‬ ‫قال ‪ :‬نزوات اجلاهلية هذه ورياح العنجهية قد دفناها وأقمنا‬ ‫فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس لدينا أح��راراً وعبيداً‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز‪،‬‬ ‫أنا مرتد إذا أكرهتني‪ ،‬قال ‪ :‬عنق املرتد بالسيف حتز‪ ،‬عالم‬ ‫نبنيه كل صدع فيه بشبا السيف يداوى‪ ،‬وأعز الناس بالعبد‬ ‫بالصعلوك تساوى ‪.‬‬ ‫‪ ‬االستقامة و اإلحسان سبب الكرامة ‪ :‬‬

‫{ َولَ َق ْد َك َّر ْمنَا بَنِي آ َد َم َو َح َملْنَا ُه ْم فِ ي الْ َب ِّر َوالْ َب ْحرِ َو َر َز ْقنَا ُهم‬ ‫ِير ممِّ َّ ْ��ن َخل َ ْقنَا تَف ِْضي ً‬ ‫ِّم َن َّ‬ ‫حق الكرامة‪ ،‬كل إنسان له احلق أن يتمتع بأعلى درجة من‬ ‫الط ِّي َب ِ‬ ‫ال }‬ ‫ات َو َف َّضلْنَا ُه ْم َعلَى َكث ٍ‬ ‫الكرامة وفي القرآن الكرمي آية كرمية فيها قانون الكرامة ‪:‬‬ ‫(اإلسراء‪)70‬‬ ‫وه ُه ْم َقتَ ٌر َوالَ‬ ‫اإلنسان يحيا بالطعام و الشراب و حتيا نفسه بالتكرمي‪،‬‬ ‫{ ِّللَّذِ ي َن أَ ْح َسنُوا ْ الحْ ُ ْسنَى َوزِ يَا َدةٌ َوالَ يَ ْر َه ُق ُو ُج َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أما اإلذالل والقهر واإلهانة فهذا محرم‪ ،‬النبي عليه الصالة ذِ َّل ٌة أ ْولَـئ َ‬ ‫اب الجْ َ نَّةِ ُه ْم فِ ي َها َخا ِل ُدو َن }(يونس‪)26‬‬ ‫ص َح ُ‬ ‫ِك أ ْ‬ ‫و السالم نهى عن ضرب الوجه ألنه موضع كرامة اإلنسان‪،‬‬ ‫الكرامة سببها اإلستقامة واإلح��س��ان‪ ،‬وكل إنسان بعمله‬ ‫و الشيء الثابت في علم النفس أن اإلنسان يأكل و يشرب فإذا كان متقناً يرفع رأسه‪ ،‬أقول لكم هذه الكلمة أيها اإلخوة ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫تخش أحداً‪ ،‬ارفع‬ ‫حفاظا على حياة الفرد و يتزوج حفاظا على النوع و يؤكد ذاته كن نظيفاً‪ ،‬وكن واضحاً‪ ،‬وكن مستقيماً‪ ،‬وال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حفاظا على الذكر‪ ،‬فاإلنسان عنده حاجة أساسية جدا بعد رأسك يا أخي ال تمُ َ ِّو ْت علينا ديننا‪ ،‬إنسان كان ميشي مطأطئ‬ ‫أن يأكل ويشرب‪ ،‬ويقضي حاجاته األخرى‪ ،‬هو بحاجة إلى أن ال��رأس ع�لاه عمر ب��ال��درة وق��ال له ‪ :‬ارف��ع رأس��ك فاإلسالم‬ ‫يكون ذا شأن في املجتمع‪ ،‬حق الكرامة‪ ،‬وقد يأتي هذا الشأن‬ ‫عزيز‪.‬‬ ‫من إتقان عمله‪ ،‬قد يأتي هذا الشأن من إميانه‪ ،‬من طلبه‬ ‫أما عندما تأكل ماالً حراماً تطأطئ الرأس‪ ،‬وتق ّبل األقدام‪،‬‬ ‫للعلم‪ ،‬ومن تعليمه العلم‪ ،‬من أعماله الصاحلة‪ ،‬وقد يأتي هذا‬ ‫الشأن من إي��ذاء الناس‪ ،‬شر الناس من اتقاه الناس مخافة واإلنسان يضعف مركزه عندما يرتكب إثماً‪ ،‬أما إذا كان طائعاً‬ ‫ش��ره‪ ،‬فهو جلهله يبحث عن تأكيد ذات��ه بطريق ق��ذر‪ ،‬الذي لله ينبغي أن يكون راف��ع ال���رأس‪ ،‬ال ينبغي للمؤمن أن يذل‬ ‫يؤذي الناس ويشعرهم أنه مخيف‪ ،‬وأنه بإمكانه أن يزعجهم نفسه‪.‬‬ ‫هذا إنسان يؤكد ذاته بطريق شيطاني‪ ،‬أما املؤمن فيؤكد ذاته‬ ‫ابتغوا احلوائج بعزة األنفس فإن األمور جتري باملقادير‪،‬‬ ‫عن طريق معرفة الله ومعرفة منهجه والعمل بطاعته‪ ،‬وخدمة وسيدنا عمر ب��ن اخل��ط��اب عندما استدعى إب��ن ع��م��رو بن‬ ‫خلقه‪ ،‬وطلب العلم‪ ،‬وتعليم العلم‪ ،‬هناك آالف األبواب ترقى العاص من مصر ألنه ضرب مواطناً من مصر بغير حق‪ ،‬قال‬ ‫بها وتؤكد ذاتك وحتقق الهدف األساسي من وجودك ‪.‬‬ ‫له ‪ :‬إض��رب إب��ن األك��رم�ين‪ ،‬ق��ال كلمته املشهورة التي تكتب‬ ‫مبداد من ذهب‪ ،‬متى استعبدمت الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬ ‫‪ ‬‬ ‫أحراراً ‪.‬‬

‫حق الكرامة حق جلميع املسلمني ‪:‬‬

‫‪ ‬على اإلنسان أن يحترم كرامة اآلخرين و حقوقهم ‪:‬‬

‫ح��ق ال��ك��رام��ة ح��ق جلميع امل��ؤم��ن�ين‪ ،‬جلميع بني البشر‪،‬‬ ‫ح��ق ال��ك��رام��ة اإلن��س��ان��ي��ة‪ ،‬أن��ت ف��ي م��ك��ان عملك وعندك‬ ‫سيدنا عمر حينما داس أعرابي من ف��زارة طرف رداء ملك‬ ‫من ملوك الغساسنة في أثناء الطواف‪ ،‬التفت امللك وضربه موظفون م��رؤوس��ون حاسبهم‪ ،‬ناقشهم‪ ،‬ح��اوره��م‪ ،‬ب�ين لهم‬ ‫ضرب ًة هشمت أنفه‪ ،‬البدوي شكاه إلى عمر فاستدعاه عمر‪ ،‬خطأهم لكن ال ينبغي أن تهينهم‪ ،‬ال ينبغي أن تذلهم‪ ،‬أنا أقول‬ ‫قال ‪ :‬أصحيح ما ادعى هذا الفزاري اجلريح ؟ (انظروا إلى لكم أيها اإلخوة ‪ :‬اإلنسان أحد رجلني إما مسلم أو عنصري‪،‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪59‬‬


‫العنصري يعتز ببيئته‪ ،‬بقبيلته‪ ،‬بعشيرته‪ ،‬بطائفته‪ ،‬مبكانته‪،‬‬ ‫مباله‪ ،‬مبنصبه‪ ،‬هذا الذي يعتز بشيء وينظر إلى الناس من‬ ‫علو ويحتقر الناس من دونه فهذا إنسان عنصري وهذه أكبر‬ ‫تهمة في عصرنا احلاضر‪ ،‬أن يكون اإلنسان عنصرياً‪ ،‬مستعلياً‬ ‫على اآلخرين ‪.‬‬

‫تبدأ حرية اآلخرين ‪ .‬أنا ال أستطيع أن أفسد املجتمع بإسم‬ ‫احلرية‪ ،‬أفتح نادياً ليلياً بإسم احلرية‪ ،‬أجعل امل��رأة متشي‬ ‫وكأنها عارية بإسم احلرية‪ ،‬هذا فهم خاطئ للحرية‪ ،‬هذا فهم‬ ‫مشوه‪ ،‬الشيء الذي شرعه الله عز وجل فوق اجلميع‪ ،‬نحن‬ ‫نتحرك وفق منهج الله عز وجل ‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫علي ذبحها يا‬ ‫كانوا في سفر وعندهم شاة‪ ،‬فقال أحدهم ّ‬ ‫رس��ول الله‪ ،‬وق��ال الثاني ‪ :‬وعلي سلخها‪ ،‬أما الثالث ‪ :‬علي‬ ‫التفكير من لوازم حرية اإلعتقاد ‪:‬‬ ‫وعلي جمع احلطب‪ ،‬أمعقول هذا ؟ نحن‬ ‫طبخها‪ ،‬فقال النبي ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫التفكير من لوازم حرية اإلعتقاد‪ ،‬حرية اإلعتقاد مصونة‬ ‫نكفيك ذلك‪ ،‬قال ‪ :‬ال‪ ،‬أعلم أنكم تكفونني ولكن الله يكره أن‬ ‫لقوله تعالى ‪:‬‬ ‫يرى عبده متميزاً عن أقرانه ‪.‬‬ ‫{الَ ِإ ْك�� َراهَ فِ ي الدِّينِ َقد َّت َبينَّ َ ال ُّر ْش ُد مِ َن الْ َغ ِّي َف َم ْن يَ ْك ُف ْر‬ ‫أول حق ‪ :‬حق احلياة‪ ،‬واحلق الثاني ‪ :‬حق الكرامة أذكر هذا‬ ‫استَ ْم َس َك بِ��الْ�� ُع�� ْر َو ِة الْ ُوثْ َق َى الَ‬ ‫ب َّ‬ ‫ِالطا ُغ ِ‬ ‫وت َويُ��ؤْمِ ��ن بِاللّهِ َفقَدِ ْ‬ ‫لئال تؤخذون إن استمعتم إلى األخبار وأن بلداً ما ال يحترم‬ ‫صا َم لَ َها َواللّ ُه َسمِ ي ٌع َعلِي ٌم }(البقرة‪)256‬‬ ‫حقوق اإلن��س��ان‪ ،‬فاعلموا أن��ه ما من دي��ن على وج��ه األرض انفِ َ‬ ‫والتفكير احلر من لوازم حرية اإلعتقاد‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫احترم حقوق اإلنسان كاإلسالم‪ ،‬حقوق اإلنسان معروفة في‬ ‫اإلسالم قبل ألف وأربعمئة عام ‪.‬‬ ‫{ ُقلِ ُ‬ ‫الس َما َو ِ‬ ‫ات‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ض َو َما تُ ْغنِي اآليَ ُ‬ ‫انظ ُروا ْ َما َذا فِ ي َّ‬ ‫َوال ُّن ُذ ُر َعن َق ْو ٍم َّال يُؤْمِ نُو َن }(يونس‪)101‬‬ ‫‪ 3‬ـ حق احلرية ‪:‬‬ ‫‪ ‬أما حق احلرية ‪ :‬فأوالً حرية اإلعتقاد‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬

‫{الَ ِإ ْك�� َراهَ فِ ي الدِّينِ َقد َّت َبينَّ َ ال ُّر ْش ُد مِ َن الْ َغ ِّي َف َم ْن يَ ْك ُف ْر‬ ‫استَ ْم َس َك بِ��الْ�� ُع�� ْر َو ِة الْ ُوثْ َق َى الَ‬ ‫ب َّ‬ ‫ِالطا ُغ ِ‬ ‫وت َويُ��ؤْمِ ��ن بِاللّهِ َفقَدِ ْ‬ ‫صا َم لَ َها َواللّ ُه َسمِ ي ٌع َعلِي ٌم }(البقرة‪)256‬‬ ‫انفِ َ‬ ‫حرية اإلعتقاد ‪:‬‬ ‫حرية اإلعتقاد مصونة في الدين‪ ،‬لكن وأنت في مجتمع‬ ‫مسلم اعتقد ما شئت لكن لن تستطيع أن تفعل شيئاً خالف‬ ‫منهج الله‪ ،‬يوجد نقطة دقيقة جداً‪ ،‬احلرية يفهمها اآلخرون‬ ‫في الطرف اآلخر في مجتمع الغرب أن تفعل ما تشاء‪ ،‬ولو‬ ‫أدت هذه احلرية إلى إفساد املجتمع‪ ،‬لكنه في اإلسالم هناك‬ ‫تشريع من عند خالق الكون‪ ،‬هذا التشريع مصون‪ ،‬يعني هذه‬ ‫املرأة التي متشي في الطريق تظهر كل مفاتنها وتفسد شباب‬ ‫املسلمني عملها ه��ذا ليس حري ًة‪ ،‬ه��ذا ممنوع‪ ،‬هي ح��رة أن‬ ‫تفعل في بيتها ما تشاء لكنها ليست حرة في الطريق ‪.‬‬

‫فهل ع��ن��دك ب��ره��ان على ش��ري��ك‪ ،‬اإلس�ل�ام حينما ق��ال ‪:‬‬ ‫ال إك��راه في الدين صان حرية اإلعتقاد‪ ،‬وحينما دعانا إلى‬ ‫التفكير أعطانا لوازم حرية اإلعتقاد‪ ،‬وحلكمة بالغة أن أحداً‬ ‫في األرض ال يستطيع أن يطلع على ما في رأس��ك‪ ،‬وهذه‬ ‫أعظم حرية‪ ،‬قولك قد يكون مراقباً‪ ،‬أما تفكيرك غير مراقب‪،‬‬ ‫إعتقادك غير مراقب‪ ،‬لك أن تعتقد ما تشاء‪ ،‬فإذا إنسان أكره‬ ‫وقلبه مطمئن في اإلميان فهو عند الله مؤمن‪.‬‬ ‫‪ ‬دعوة الله اإلنسان إلى التفكير و البرهان ‪:‬‬ ‫تصور أنك في املجتمع لو اعتقدت بخالف ما يعتقد هؤالء‬ ‫لقتلوك فرضاً‪ ،‬فهل يستطيع هؤالء أن يطلعوا على إعتقادك‬ ‫؟ ال ‪ .‬أبداً‪ ،‬كفل الله لك حرية اإلعتقاد‪ ،‬ودعاك إلى التفكير‬ ‫والبرهان قال تعالى ‪:‬‬ ‫{ َوالَ تَق ُ‬ ‫ص َر َوالْ ُف َؤا َد‬ ‫الس ْم َع َوالْ َب َ‬ ‫ْف َما لَيْ َ‬ ‫س لَ َك ِبهِ ِعل ْ ٌم إ َِّن َّ‬ ‫ُك ُّل أُولـئ َ‬ ‫ِك َكا َن َعنْ ُه َم ْس ُؤوالً}(اإلسراء‪)36‬‬

‫أعطاك سمعاً وبصراً‪ ،‬نوافذ للعالم اخلارجي‪ ،‬أعطاك قوة‬ ‫إدراكية‪ ،‬قوة محاكمة‪ ،‬اتخ ْذ قراراً واعتق ْد وال تعبأ بأحد‪ ،‬بل‬ ‫إن التعبير عن الرأي مصون في اإلسالم‪ ،‬الدعوة إلى الله قال‬ ‫تعالى ‪:‬‬

‫سمعت عن امرأة في مركبة عامة في سفر‪ ،‬سائق املركبة‬ ‫وضع شريطاً من األغاني الساقطة التي قلما توضع‪ ،‬وقفت‬ ‫إم��رأة ملتزمة وقالت للسائق أوق��ف هذه املسجلة‪ ،‬ألن هذه‬ ‫املركبة ملك كل الراكبني‪ ،‬هذا الشريط تسمعه في بيتك فقط‪،‬‬ ‫{ َولْتَ ُكن ِّمن ُك ْم أ ُ َّم ٌة يَ ْد ُعو َن ِإلَى الخْ َ يْرِ َويَ ْأ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫هذه املركبة فيها شابات وشباب‪ ،‬هذا الغناء تسمعه وأنت في‬ ‫وف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بيتك ‪.‬‬ ‫ِحو َن }(آل عمران‪)104‬‬ ‫َويَنْ َه ْو َن َعنِ المْ ُنكرِ َوأ ْولـئِك ُه ُم المْ ُ ْفل ُ‬ ‫اإلنسان في اإلس�لام حر لكن هذه احلرية تنتهي حينما‬

‫‪60‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫هذه الالم الم األمر‪ ،‬ولتكن منكم أمة‪ ،‬معنى هذا أن اإلسالم‬


‫صان حرية اإلعتقاد‪ ،‬ودعا إلى التفكير احلر‪ ،‬وأمر بالتعبير تأتي على تفاصيل الشريعة انظر إلى عقيدة هذا اإلنسان‬ ‫احلر ‪.‬‬ ‫لعله لم يؤمن بعد بالله‪ ،‬لعله لم يؤمن باآلخرة‪ ،‬كيف حتاسبه‬ ‫على صورة في بيته‪ ،‬أو على عصفور‪ ،‬أو على شيء من فروع‬ ‫‪ ‬‬ ‫الشريعة ال من أصولها ‪.‬‬ ‫صون اإلسالم حلرية اإلعتقاد و دعوته إلى التفكير احلر ‪:‬‬ ‫‪ 4‬ـ حق العمل ‪:‬‬ ‫أنت حر فكر تفكيراً حراً وع ّبر تعبيراً حراً‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫وبعد أن ذكرت حرية اإلعتقاد‪ ،‬أذكر ‪ :‬حق العمـل‪ ،‬إخواننا‬ ‫{ا ْد ُع ِإلِى َسبِيلِ َر ِّب َك بِالحْ ِ ْك َمةِ َوالمْ َ ْو ِع َظةِ الحْ َ َسنَةِ َو َجادِ لْ ُهم‬ ‫الكرام قبل قليل ذكرت نصاً لسيدنا عمر‪ ،‬هل تعتقدون أن‬ ‫بِا َّلتِي ِه َي أَ ْح َس ُن إ َِّن َر َّب َك ُه َو أَ ْعل َ ُم بمِ َ ن َ‬ ‫ض َّل َعن َسبِيلِهِ َو ُه َو‬ ‫هناك نصاً أوضح من هذا النص ؟‬ ‫أَ ْعل َ ُم ِبالمْ ُ ْهتَدِ ي َن }ا(لنحل‪)125‬‬ ‫سيدنا عمر قال ألحد والته ‪ :‬ماذا تفعل إذا جاءك الناس‬ ‫رج��ل واع��ظ دخ��ل على ملك ق��ال له ‪ :‬سأعظك و أغلظ‬ ‫عليك‪ ،‬قال له ‪ :‬و ِلم الغلظة يا أخي ؟ لقد أرسل الله من هو بسارق أو ناهب ؟ قال ‪ :‬أقطع يده‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬إذاً إذا جاءني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خير منك إلى من هو شر مني ؛ أرسل موسى إلى فرعون‪ ،‬ال من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك‪ ،‬معنى هذا‬ ‫أن أكبر مرض اجتماعي هو البطالة‪ ،‬وفي زماننا هناك بيانات‬ ‫أنت موسى وال أنا فرعون‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫االنتخابات في أمريكا وأوروب��ا وأول موضوع يعاجله املرشح‬ ‫{ َف ُقولاَ لَ ُه َق ْوالً َّل ِّيناً َّل َعلَّ ُه يَتَ َذ َّك ُر أَ ْو يَخْ َشى }طه‪44‬‬ ‫للفوز باالنتخابات موضوع البطالة‪ ،‬يقول لك ‪ :‬في بريطانيا‬ ‫حرية اإلعتقاد مصونة في اإلس�لام ال إك��راه في الدين‪ ،‬أربعة ماليني إنسان عاطل‪ ،‬في أمريكا عشرة ماليني‪ ،‬شيء‬ ‫والدعوة إلى التفكير قال تعالى ‪:‬‬ ‫مخيف إنسان بال عمل يصبح كتلة شر‪.‬‬ ‫{ ُقلِ ُ‬ ‫الس َما َو ِ‬ ‫ات‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ض َو َما تُ ْغنِي اآليَ ُ‬ ‫انظ ُروا ْ َما َذا فِ ي َّ‬ ‫مرة أخ من إخواننا سألني فقال ‪ :‬عندي معمل وال يوجد‬ ‫َوال ُّن ُذ ُر َعن َق ْو ٍم َّال يُؤْمِ نُو َن }(يونس‪)101‬‬ ‫ربح أبداً وعندي ثمانون عام ً‬ ‫ٍ‬ ‫مكتف واحلمد لله ميكن‬ ‫ال‪ ،‬وأنا‬

‫‪ ‬حرية التعبير مصونة ف��ي اإلس�ل�ام ب�ش��رط إدراك فقه أن أنفق مهما امتد بي العمر وعندي ما يكفيني‪ ،‬يفكر هذا‬ ‫األخ بإغالق هذا املعمل‪ ،‬فكان جوابي له ‪ :‬هل تظن أن الربح‬ ‫األولويات ‪:‬‬ ‫حرية التعبير وقول ما فيه اخلير مصونة في اإلسالم قال الوفير ما يفيض لديك آخ��ر العام ؟ أن��ت إذا أمنت لهؤالء‬ ‫العمال الثمانني رزقهم ورزق أسرهم فهذا أكبر رب��ح‪ ،‬أنت‬ ‫تعالى ‪:‬‬ ‫مهيئ ثمانني فرصة عمل‪ ،‬باالقتصاد يقولون املشروع الفالني‬ ‫{ َولْتَ ُكن ِّمن ُك ْم أ ُ َّم ٌة يَ ْد ُعو َن ِإلَى الخْ َ يْرِ َويَ ْأ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫وف يهيئ ألف فرصة عمل مث ً‬ ‫ال‪ ،‬فبقدر ما يهيئ من فرص عمل‬ ‫َويَنْ َه ْو َن َعنِ المْ ُن َكرِ َوأ ُ ْولَـئ َ‬ ‫ِحو َن }(آل عمران‪)104‬‬ ‫ِك ُه ُم المْ ُ ْفل ُ‬ ‫يكون نفعه ‪.‬‬ ‫ولكن ‪:‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ه��ن��اك دع���اة إل���ى ال��ل��ه ل��ي��س��وا ع��ل��ى إدراك عميق بفقه‬ ‫تأمني فرص عمل للشباب شيء عظيم في اإلسالم ‪:‬‬ ‫األولويات‪ ،‬كأن يدخل شخص إلى بيت‪ ،‬لعل أهل هذا البيت‬ ‫الشاب عندما يكون له عمل مهما كان دخله قلي ً‬ ‫ال صار‬ ‫ال يصلون‪ ،‬لعل أهل هذا البيت ال يلتزمون باحلجاب‪ ،‬نساؤهم‬ ‫لسن محجبات‪ ،‬لعل دخ َل صاحب البيت دخ ٌل حرام‪ ،‬مع كل له أم��ل في أن ي��ت��زوج‪ ،‬وق��د يشتري أرض��اً خ��ارج دمشق في‬ ‫هذه السلبيات رأى عصفوراً حبيساً فقال ‪ :‬هذا حرام‪ ،‬قبل بستان ويعمر بها غرفة‪ ،‬عنده دخ��ل‪ ،‬يستأجر بيتاً سياحياً‬ ‫هذا العصفور هناك أشياء كثيرة‪ ،‬هناك أشياء كثيرة جداً فال يدفع ثالثة آالف ويبقى معه ثالثة‪ ،‬صار له أمل‪ ،‬هذا شاب في‬ ‫بد أن تبدأ باألولويات‪ ،‬كنت أض��رب مث ً‬ ‫ال وأك��رره ‪ :‬تصوروا أول حياته والطرق كلها مغلقة مشكلة بل جحيم‪ ،‬ال تتصور إذا‬ ‫قلب‪ ،‬ج��اءه مريض يعاني من أزم��ة قلبية حادة كان شخص معه مبلغ من املال ووضعه في البنك وأخذ فائدته‬ ‫طبيباً ج��را َح ٍ‬ ‫وهو بحاجة ماسة إلى فتح قلبه فوراً‪ ،‬نظر هذا الطبيب إلى أهو مرتاح ؟ ال‪ ،‬ضميره متعب‪ ،‬بينما إنسان أسس مشروعاً‬ ‫أظافره فإذا هي طويلة فترك قلبه وقص أظافره‪ ،‬هل هذا يحتاج إلى عشر موظفني‪ ،‬هذا أَ َّم َن عشر فرص عمل‪ ،‬هذا‬ ‫الطبيب يفهم حكمة األولويات ؟ إن دعوت إلى الله فقبل أن عمل صالح‪ ،‬أنت أمنت عشر فرص عمل‪ ،‬عشرة أسر يعيشون‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪61‬‬


‫من هذا العمل‪ ،‬صار ربحك ليس الربح امل��ادي الذي تتأمله‬ ‫ربحك تأمني فرص عمل للناس ‪.‬‬ ‫إخواننا الكرام ‪ :‬موضوع تأمني فرص عمل للناس شيء‬ ‫جليل وعظيم‪ ،‬ملاذا حرم الله الربا ؟ ألن الربا أساسه املال‬ ‫يلد املال‪ ،‬أما األعمال التجارية والصناعية فأساسها األعمال‬ ‫تلد امل��ال‪ ،‬األعمال حتتاج إل��ى أي ٍ��د عاملة‪ ،‬العمل الصناعي‬ ‫يحتاج إلى عمال‪ ،‬العمل التجاري يحتاج إلى موظفني‪ ،‬أحياناً‬ ‫يستخدم اإلن��س��ان مئة شخص أو مئتي شخص بشكل غير‬ ‫مباشر‪ ،‬ال بد من نقل البضاعة ولها هناك مكاتب نقل‪ ،‬وال بد‬ ‫من املراسالت وهناك بائعون للقرطاسية‪ ،‬احلسابات هناك‬ ‫محاسبون‪ ،‬ترى مؤسسة جتارية متواضعة جداً مئة شخص‬ ‫يعملون من خاللها‪ ،‬األعمال عندما تلد املال فالناس جميعاً‬ ‫ينتعشون فمن كان صاحب معمل أو مؤسسة وعنده موظفون‬ ‫فهذا عمل عظيم ربح أم لم يربح‪ ،‬ربحك احلقيقي أنك قد‬ ‫أمنت فرص عمل للناس ليعيشون بكرامة ‪.‬‬

‫حق العمل حق أساسي لكل إنسان ‪:‬‬ ‫من عامل الناس وصبر على أذاهم خير ممن لم يعاملهم‪،‬‬ ‫فإذا جاءه ملك املوت يقول ‪ :‬ماذا فعلت ؟ ستموت قرير العني‬ ‫لذلك قال تعالى ‪:‬‬ ‫ض َذلُو ًال َفا ْم ُشوا فِ ي َمنَاكِ ِب َها َو ُكلُوا‬ ‫{ ُه َو ا َّلذِ ي َج َع َل لَ ُك ُم الأْ َ ْر َ‬ ‫مِ ن ِّرزْقِ هِ َو ِإلَيْهِ الن ُ​ُّشو ُر }(امللك‪)15‬‬

‫حق العمل حق أساسي‪ ،‬لذلك وصف الله سبحانه األنبياء‬ ‫بأنهم يأكلون الطعام وميشون في األسواق حياتهم ليست ذاتية‬ ‫بل هي متوقفة على تناولهم الطعام‪ ،‬وتأمني طعامهم متوقف‬ ‫على بذلهم للجهد‪ ،‬يعمل فيكسب فيأكل‪ ،‬إذاً بشر ‪.‬‬ ‫‪ ‬اإلسالم ال ُيعرف من واقع املسلمني يعرف من مصادره‬ ‫األصيلة ‪ :‬‬

‫يؤملني أش��د األل���م‪ ،‬أن مسلماً يجهل دينه ويعتز بأفكار‬ ‫مستوردة‪ ،‬ويزهو بها ويتباهى بها‪ ،‬وهذا املوضوع خير شاهد‪،‬‬ ‫يعتز بعض املسلمني أن حقوق اإلنسان إجناز حضاري‪ ،‬دينك‬ ‫قبل ألف وأربعمئة عام جاء بحقوق لإلنسان ما وصل إليها‬ ‫العالم بأجمعه ‪.‬‬

‫يحكم على املسلمني من أعمالهم‪ ،‬فالن أعماله سيئة‪ ،‬اإلسالم‬ ‫ال يُ��ع��رف م��ن واق���ع املسلمني ي��ع��رف م��ن م��ص��ادره األصيلة‬ ‫املؤصلة من الكتاب والسنة‪ ،‬ومهمتنا أن نرقى بالواقع إلى‬ ‫مستوى اإلسالم الصحيح‪ ‬هناك أخطاء كبيرة جداً‪ ،‬هناك من‬ ‫يحاول أن يقرب اإلسالم من الواقع‪ ،‬بعض األخطاء في كسب‬ ‫امل��ال‪ ،‬في إنفاق امل��ال‪ ،‬في االخ��ت�لاط‪ ،‬في تقاليد األجانب‪،‬‬ ‫نحاول أن نبحث عن نصوص تبني صحة ما نفعل هذا سلوك‬ ‫مضحك‪ ،‬تريد أن تنزل باإلسالم من صفائه ومن نقائه ومن‬ ‫سموه إلى وحل الواقع‪ ‬العكس هو الصحيح أن ترقى بالواقع‬ ‫إلى مستوى اإلس�لام‪ ،‬اآلن حالياً ظهر تفكير انتهى إلى أن‬ ‫االختالط مباح‪ ،‬الربا مباح‪ ،‬املرأة لها أن تظهر أمام أبيها كما‬ ‫خلقها الله‪ ،‬ق��راءات معاصرة‪ ،‬شيء مضحك نريد أن جنعل‬ ‫من الواقع املتفلت اإلباحي ديناً‪ ،‬هذه عملية ضالة ‪ :‬تفجير‬ ‫الدين من داخله أجل يحاولون تفجير الدين من داخله‪ ،‬ذلك‬ ‫هو الضالل البعيد ‪.‬‬ ‫‪ ‬على املسلم أن يعتز بدينه و أال يكون عالة عليه ‪:‬‬ ‫األص��ح أن نسمو بالواقع إلى مستوى اإلس�لام الصحيح‪،‬‬ ‫واألص���ح م��ن ه��ذا أال نفهم اإلس�ل�ام م��ن واق��ع املسلمني‪ ،‬أن‬ ‫نفهمه من مصادره املؤصلة‪ ،‬ه��ذا هو اإلس�لام‪ ،‬ه��ذه حقوق‬ ‫اإلنسان في اإلسالم‪ ،‬أما أن تكون مطبقة أو غير مطبقة فهذا‬ ‫موضوع آخ��ر‪ ،‬نرجو أن تصير مطبقة ونسعى إلى تطبيقها‬ ‫تطبيقاً كام ً‬ ‫ال‪ ،‬ونفعل كل شيء من أجل تطبيقها‪ ،‬أما أن نتهم‬ ‫املجتمعات اإلسالمية بأن اإلس�لام ال يرعى حقوق اإلنسان‬ ‫فهذا ك�لام غير صحيح‪ ،‬اإلس�لام رع��ى حقوق اإلن��س��ان إلى‬ ‫أعلى درجة ‪.‬‬ ‫أرجو الله سبحانه وتعالى أن يتنور املسلمون‪ ،‬وأن يكونوا‬ ‫في املستوى الذي أراده��م الله فيه‪ ،‬وأن يعتزوا بدينهم وأال‬ ‫يكونوا عالة على ثقافات تأتينا من الغرب‪ ،‬رجل اسمه ديل‬ ‫كارينجي‪ ،‬ألف كتاباً ‪ :‬كيف تؤثر في الناس وتكسب األصدقاء‬ ‫ف��أول طبعة كانت خمسة ماليني نسخة‪ ،‬وهو كتاب مشهور‬ ‫ج��داً‪ ،‬ج��اء عالم من مصر وأخ��ذ قواعد ه��ذا الكتاب وجاء‬ ‫بقواعد من الكتاب والسنة أبلغ مما في ذلك الكتاب‪ ،‬نحن‬ ‫الفتقارنا للعلم نعتقد أنه كتاب رائع جداً‪ ،‬كيف تؤثر في الناس‬ ‫وتكسب األصدقاء‪.‬‬

‫لكن ال تفهم حقيقة اإلنسان املسلم من واقع املسلمني‪ ،‬هذا‬ ‫العاقل من يُ َذ ِّكر اآلخرين بحسناتهم و إيجابياتهم ثم يبني‬ ‫خطأ كبير‪ ،‬احلقيقة أن قلة قليلة من املتنورين يستطيعون أن‬ ‫يفهموا الدين من مصادره وينابيعه األصيلة‪ ،‬العوام يفهمون لهم خطأهم ‪:‬‬ ‫أضرب لكم مث ً‬ ‫الدين من ممارسات املسلمني وهذا غلط كبير‪ ،‬أكثر الناس‬ ‫ال صغيراً‪ ،‬الذين يعملون في مراكز قيادية‪،‬‬

‫‪62‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫مدير معمل‪ ،‬مدير مستشفى مث ً‬ ‫ال‪ ،‬مدير مدرسة‪ ،‬رب أسرة‪ ،‬وفي سنة نبينا‪ ،‬قواعد‪ ،‬أنت أمام دين عظيم منهج كامل‪ ،‬منهج‬ ‫صاحب متجر‪ ،‬يستخدم موظفني ف��إذا املوظف أخطأ ماذا يدخل إلى التفاصيل ‪.‬‬ ‫عليه أن يفعل ؟ قال عليه أن يذكره بإيجابياته وحسناته أوالً‬ ‫اإلسالم دين علينا االعتزاز به ألنه من عند خالق األكوان‪:‬‬ ‫ثم يبني له خطأه‪ ،‬حينما ذكر له ميزاته وإيجابياته اطمأن‬ ‫إنسان يسافر أحياناً ثم يطرق أهله عائداً من سفره لي ً‬ ‫ال‬ ‫هذا املوظف إلى أن رب العمل منصف يعرف قيمة أمانتي‬ ‫الزوجة في عمل املنزل طيلة النهار ومتعبة‪ ،‬وال يُعجبه وضعها‪،‬‬ ‫وإخالصي وخبرتي‪ ،‬لكن هناك تأخر يومي‪ ،‬فقال له أنا أعلم‬ ‫ما جاء النبي من سفر إال وأقام بظاهر املدينة يوماً حتى يعلم‬ ‫بأنك أمني ومخلص ومتفوق لكن هذا التأخر مزعج أريد أن‬ ‫كل النساء أن أزواجهن ع��ادوا من سفرهم‪ ،‬فتستعد تنظف‬ ‫أعاجله أنا وإي��اك‪ ،‬هذا أكمل سلوك في إدارة املوظفني‪ ،‬أن‬ ‫أوالده���ا وتعتني بنفسها‪ ،‬وتتزين لتبدو لزوجها في أحسن‬ ‫ً‬ ‫تبني لهم ميزاتهم أوال ثم تذكرهم بأخطائهم‪ ،‬مؤلف الكتاب مظهر‪ ،‬فإذا دخل الزوج من سفر ينبغي أن يرى شيئاً حسناً‪،‬‬ ‫الذي ر ّد على كتاب ديل كارينجي قال ‪ :‬دخل أحد أصحاب من ينتبه إلى هذه القضايا ؟ يوجد أشياء تفصيلية حتى في‬ ‫رسول الله املسجد وقد بدأ النبي بالصالة فلحرصه على أداء العالقات الزوجية ال تصدق من منهج رسول الله‪ ،‬فنحن نقلد‬ ‫الصالة مع رسول الله وعلى أال تفوته ركعة مع رسول الله‪ ،‬األجانب ونستورد عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان‬ ‫أحدث في املسجد جلب ًة وضجيجاً ليتمكن من تدارك الركعة تتناقض مع تقاليدنا وإسالمنا‪ ،‬ونزهو بها‪ ،‬ونتباهى بها‪،‬‬ ‫مع النبي‪ ،‬فلما انتهى النبي من صالته قال له عليه الصالة وننسى أن لنا ديناً عظيماً ‪.‬‬ ‫والسالم برقة بالغة ‪:‬‬ ‫أردت من هذا ال��درس‪ ،‬هذا احمل��ور‪ ،‬وأال تنخدع بكل ذي‬ ‫((‪ ...‬زَا َد َك اللَّ ُه ِح ْر ً‬ ‫صا َوال تَ ُع ْد )) «أخرجه البخاري عن بريق فتحسبه ذهباً‪ ،‬بل اعتز بإسالمك‪ ،‬فأنت تدين بدين من‬ ‫أبي بكرة»‪.‬‬ ‫عند خالق الكون‪ ،‬كماله مطلق قال تعالى ‪:‬‬ ‫َع َّد هذه اجللبة والضجيج من حرصه على أداء الصالة مع‬ ‫رسول الله‪ ،‬هذه هي امليزة‪ ،‬ثم نهاه عن أن يعود إليها فقال ‪:‬‬ ‫وال تعد‪ ،‬فالكتاب الذي ألفه بعض علماء مصر رد على كتاب‬ ‫كارينجي أعلى رد‪ ،‬يعني كل قاعدة جئت بها هي في كتإبنا‬

‫ِس ا َّلذِ ي َن َك َف ُروا ْ مِ ن دِ ي ِن ُك ْم َف َ‬ ‫ال تَخْ َش ْو ُه ْم َواخْ َش ْونِ‬ ‫{الْيَ ْو َم يَئ َ‬ ‫يت لَ ُك ُم‬ ‫الْيَ ْو َم أَ ْك َمل ْ ُت لَ ُك ْم دِ ينَ ُك ْم َوأَتمْ َ ْم ُت َعلَيْ ُك ْم ِن ْع َمتِي َو َر ِض ُ‬ ‫ا ِإل ْس َ‬ ‫ص ٍة َغيْ َر ُمت َ​َجان ٍِف لإِّ ِ ثْ ٍم َف ِإ َّن‬ ‫ال َم دِ يناً َف َمنِ ْ‬ ‫اض ُط َّر فِ ي َمخْ َم َ‬ ‫اللّ َه َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم } (املائدة‪)3‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪63‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫من فقه االئتالف‬ ‫يعيش العالم اإلسالمي اليوم على قمم احلضارة واملدنية‪،‬‬ ‫ولكنه يعيش أيضاً في ظل أعتى احلروب القِ يمية الطاحنة‪.‬‬ ‫كان اإلسالم بقوته واملسلمون بضعفهم أول مستهدف في‬ ‫أن الناظر يعجب كيف يكون هذا بني تلك‬ ‫هذه احل��رب‪ ،‬إ ّال َّ‬ ‫القوى الضخمة وما يُواجههم من إمكانات ضئيلة باملقياس‬ ‫البشري‪ ،‬ولكن ما أن ينظر إلى الكفة األخرى فيدرك جانب‬ ‫إن املسلمني وإن لم ميلكوا العتاد والقوة‬ ‫القوة عند املسلمني‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫فإ َّنهم ميلكون رصيداً هائال من القيم التي ع��ادة ما تَ ْرج ُح‬ ‫بكفة امليزان‪.‬‬ ‫من هنا كان العمل اإلسالمي يترب ُع على كرسي القيادة في‬ ‫الصف اإلسالمي‪ ،‬فال عجب أن تعقد اللقاءات واملؤمترات‬ ‫للتباحث في هذا الشأن‪ ،‬ومن الوعي والسبق أن يكون محور‬ ‫التباحث ح��ول سبل اإلت��ف��اق وع��وام��ل اإلف��ت��راق ف��ي العمل‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫أساس‬ ‫العمل اإلسالمي ‪ -‬كغيره من األعمال ‪ -‬قائ ٌم على‬ ‫ٍ‬ ‫بشري يعتريهِ ما يعتري أعمال البشر من القصور والتقصير‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فاعلة فيما‬ ‫خطوات‬ ‫ومع أن العمل اإلسالمي قد خطى‬ ‫تفرض مزيداً من التأمل‬ ‫أن التحديات املعاصرة‬ ‫ُ‬ ‫مضى‪ ،‬إ َّال َّ‬ ‫وإعادة النظر مر ًة بعد مرة‪.‬‬ ‫العالم ال��ي��وم مبؤسساته السياسية واإلقتصادية يسعى‬ ‫حثيثاً نحو التكتل والتجمع‪ ،‬ولو على أدنى مستوى من دواعي‬ ‫الشراكة والعوملة‪ ،‬أبرز مظاهر هذا التكتل‪ ،‬وسنة الله الكونية‬ ‫ٌ‬ ‫ضعف وخور‪ ،‬وقد كان يقا ُل الكثرة‬ ‫أن اإلجتماع قو ًة والفرقة‬ ‫َّ‬ ‫تغلب الشجاعة‪ ،‬وأولى الناس باإلجتماع أهل احلق ليبلغوا ما‬ ‫بواجب الرسل الذين احتدت‬ ‫أُم��روا به من البالغ‪ ،‬وليقوموا‬ ‫ِ‬ ‫كلمتهم (( َو َما أَ ْر َسلْنَا مِ ْن َقبْل َ‬ ‫ول ِإلاَّ نُ ِ‬ ‫وحي ِإلَيْهِ أَ َّن ُه ال‬ ‫ِك مِ ْن َر ُس ٍ‬ ‫اعبُ ُدونِ )) (األنبياء‪. )25:‬‬ ‫ِإلَ َه ِإلاَّ أَنَا َف ْ‬ ‫وهم أبناء لعائالت أبوهم واحد وأمهاتهم شتى‪.‬‬ ‫وه���ذا اإلج��م��اع واالج��ت��م��اع ال��ع��امل��ي على اإلس��ل�ام‪ ،‬وهذه‬ ‫جلمع الشتات‬ ‫الفريات املتواليةِ على املسلمني وقيمهم‪ ،‬فرص ًة‬ ‫ِ‬ ‫‪64‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ف�ضيلة ال�شيخ �سلمان العودة ‪-‬ال�سعودية‬ ‫ُ‬ ‫تقتلك تقويك‪.‬‬ ‫أن الفري َة التي ال‬ ‫ووحدة الصف‪ ،‬إذ َّ‬ ‫وقد كانت اآلما ُل تول ُد من أرحام اآلمال‪ ،‬وقد قال الله فيما‬ ‫أنزل على عبده‪:‬‬ ‫(( َف ِإ َّن َم َع الْ ُع ْسرِ يُ ْسراً إ َِّن َم َع الْ ُع ْسرِ يُ ْسراً)) (الشرح‪،)5،6 :‬‬ ‫فجعل اليسر قرين العسر‪ ،‬ولن يغلب عسر يسرين‪.‬‬ ‫إن الدارس لتاريخ األمم والشعوب يرى أنها مرت بنوبات‬ ‫َّ‬ ‫فتور وركود‪ ،‬لكنها ما أن تتحد على ٍ‬ ‫كلمة سواء‪ ،‬حتى تستعيد‬ ‫عافيتها وعزها‪.‬‬ ‫تأبي الرماح إذا اجتمعن تكسرا‬ ‫وإذا إفترقن تكس ـ ـ ـ ــرت آح ــادا‬ ‫وامل���ش���روع���ات ال��ن��ه��ض��وي��ة ه���ي أب��ن��ي�� ٌة ض��خ��م��ة ال تتقيد‬ ‫إنسان واحد‪ ،‬بل وال حتى ٍ‬ ‫بلد واحد‪ ،‬فما لم‬ ‫ٍ‬ ‫مبحدوديةِ عمر‬ ‫تُعت َمد استراتيجية إكمالِ ما بدئ وحتسني ما أُنشئ‪ ،‬فستظ ُل‬ ‫محاوالت مبعثرةٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أي ظرف‪.‬‬ ‫آيلة للسقوط في ِّ‬ ‫وحينما تتقاطع املشروعات اإلسالمية تتحو ُل مع الزمن‬ ‫اخلصم‬ ‫مهام البناء إلى مهام إنتهاز الفرص‪ ،‬لإلجهاز على‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬ ‫ُّ‬ ‫خاسر في هذه املعركةِ القيم التي بُنيت‬ ‫واإلطاحة به‪ ،‬وأول‬ ‫ٍ‬ ‫عليها تلك املشروعات‪ ،‬أ َّما إذا تآلفت وتصاحلت قام البنيان‬ ‫الشامخ وصارت أم َة البنيان املرصوص‪.‬‬ ‫ولقد حثَّ الشار ُع على اإلجتماع ونب َذ الفرقة واخلصام‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تلحظ هذا املعنى بجالء؛ فالصالةُ‬ ‫ففي شعائرِ الدين الظاهر ِة‬


‫واحلج والصوم واجلمعة والعيدان وغيرها قامت على اإلجتماع‬ ‫والتوحد‪.‬‬ ‫لزوم طاعةِ من والهُ الل ُه األمر‪ ،‬ورت َ​َّب على‬ ‫وحثَّ الشار ُع على ِ‬ ‫َّ‬ ‫أشد التحذير من شقِ هذه العصا‪ ،‬بل‬ ‫وحذر‬ ‫الطاعة أج��راً‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫من مات مفارقاً للجماعةِ مات ميت ًة جاهلية‪ ،‬أما إذا اشتدت‬ ‫الكروب وضاقت السب ُل فتأكد هذه الدعوة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أن الله أكد في سورة األنفال التي كان إبن عباس‪-‬‬ ‫أال ترى َّ‬ ‫بدر أكد فيها على اإلجتماع‪،‬‬ ‫رضي الله عنه‪ -‬يقول‪ :‬تلك سورةُ ٍ‬ ‫(( يَ ْس َألونَ َك َعنِ الأْ َنْ َفالِ ُقلِ الأْ َنْ َفا ُل ِللَّهِ َوال َّر ُسولِ َفا َّتقُوا اللَّ َه‬ ‫ات بَيْ ِن ُك ْم َوأَ ِطي ُعوا اللَّ َه َو َر ُسولَ ُه ِإ ْن ُكنْتُ ْم ُمؤْمِ ِننيَ))‬ ‫ِحوا َذ َ‬ ‫صل ُ‬ ‫َوأَ ْ‬ ‫(األنفال‪. )1:‬‬ ‫(( يَا أَ ُّي َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا ِإ َذا لَقِ يتُ ْم فِ ئَ ًة َفاثْبُتُوا َوا ْذ ُك ُ��روا اللَّ َه‬ ‫ِحو َن َوأَ ِطي ُعوا اللَّ َه َو َر ُسولَ ُه َوال تَنَا َز ُعوا َفتَف َْشلُوا‬ ‫َكثِيراً لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفل ُ‬ ‫الصابِرِ ي َن)) (األنفال‪:‬‬ ‫َوتَ ْذ َه َب رِ ُ‬ ‫اص ِب ُروا إ َِّن اللَّ َه َم َع َّ‬ ‫يح ُك ْم َو ْ‬ ‫‪.)47,46‬‬ ‫وكان من أو َل املشروعات احملمدية في املدينة‪ ،‬املؤآخاةُ التي‬ ‫جتاوزت حدود احلياة إلى املوت‪ ،‬فكان التوارثُ بني اإلخو ِة في‬ ‫الله مشروعاً ثم نسخ‪.‬‬ ‫عمل قام به محمد‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في‬ ‫وكان أول ٍ‬ ‫املدينة بنا َء املسجد؛ ليكون املركز اإلسالمي الذي ينطل ُق منه‬ ‫إشعا َع النور والهدى‪.‬‬ ‫إن التكتالت البشرية ‪ -‬أياً ما كانت ‪ -‬فهي تتمحو ُر حول‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫قاعدةٍ‬ ‫من املسلمات التي ال تقبل اجلدل‪ ،‬والل ُه تعالى ملا أم َر‬ ‫ِحبْلِ اللَّهِ‬ ‫باالعتصام أم َر بأن يكو َن ذلك بحبله (( َو ْ‬ ‫اعت َِص ُموا ب َ‬ ‫َجمِ يعاً َوال تَ َف َّر ُقوا )) (آل عمران‪ :‬من اآلية‪. )103‬‬ ‫وأشد من تُلهبهِ نا َر الفرقة واالفتراق‪ ،‬هم األتباع‪ ،‬وهؤالءِ‬ ‫َّ‬ ‫هم السوا ُد األعظم‪ ،‬وهم القيمة الفاعلة في أممهم‪.‬‬ ‫بد من معرفةِ‬ ‫وفي سبيل حتقيقِ هذا التوافق وتنميتهِ ‪ ،‬ال َّ‬ ‫دواعي اإلفتراقِ ‪ ،‬ووضع اليد عليها‪ ،‬فصرف الدواء إمنا يكون‬ ‫بعد تشخيص الداء‪ .‬ومعرفتنا لألسباب هي في ذات الوقت‬ ‫عالج؛ ألننا متى ما شئنا أن نخلي الساقية من املاء فلنبادر‬ ‫إلى ما مي ّدها فنوقفه‪.‬‬ ‫والتجر ُد لله من احلظوظ والشهوات‪ ،‬خاص ًة ما خفي منها‪،‬‬ ‫كحب الترؤس والظهور‪ ،‬من أعمقِ األسس في هذا الشأن‪،‬‬ ‫فلم مينع عمر وكبار الصحابةِ رضوان الله عليهم أن يراجعوا‬ ‫احلق ملا استبان لهم على لسان أبي بكر‪ -‬رضي الله عنه‪،-‬‬ ‫بدر‪ ،‬وأمر الله باإلصالح ثنَّى ذلك‬ ‫وملَّا اختلف الصحابة في ٍ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫بصفات املؤمنني (( ِإنمَّ َ ��ا المْ ُؤْمِ نُو َن ا َّلذِ ي َن ِإ َذا ذُكِ َ��ر الل ُه َو ِجل ْت‬ ‫مياناً َو َعلَى َر ِّبهِ ْم يَتَ َو َّكلُو َن‬ ‫ُقلُوبُ ُه ْم َو ِإ َذا تُ ِل َي ْت َعلَيْهِ ْم آيَاتُ ُه زَا َدتْ ُه ْم ِإ َ‬ ‫الصالةَ َوممِ َّ ا َر َز ْقنَا ُه ْم يُنْفِ قُونَ)) (األنفال‪. )3:‬‬ ‫ا َّلذِ ي َن يُقِ ي ُمو َن َّ‬ ‫ُ‬ ‫يشترط فيه مطل ُق التوافقُ‪،‬‬ ‫والوالءِ والبراء عق ٌد شرعي ال‬ ‫سمى الطائفتني املقتتلتني باسم اإلميان‪ ،‬ثُ َّم أعقب تلك‬ ‫فالله َّ‬ ‫اآلي��ةِ باألمر باإلصالح بني اإلخ��وة املؤمنني‪ ،‬وأمر ُهنا أيضاً‬ ‫بالتقوى‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫خالف حول مسائ َل‬ ‫املسبب لإلفتراق‪،‬‬ ‫اخلالف‬ ‫إن كثيراً من‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬

‫نظر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قابلة لألخذ‬ ‫يس ُع اخلالف فيها‪ ،‬وال تع ُد أن تكون‬ ‫وجهات ٍ‬ ‫أحيان‬ ‫ٍ‬ ‫احلماس املفرط لإلجتهادات يُ��ؤدي في‬ ‫وال��رد‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫شقاق وفرقة‪.‬‬ ‫كثيرةٍ إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بد في سبيلِ توحيدِ‬ ‫علمية‬ ‫قيادات‬ ‫الصف من وجود‬ ‫وال َّ‬ ‫َّ‬ ‫بنفوس‬ ‫محط ث��ق ٍ��ة‪ ،‬فينفت ُل منها املختلفون‬ ‫راش���دة‪ ،‬ت��ك��و ُن‬ ‫ٍ‬ ‫مرضية‪.‬‬ ‫أ ُّيها اإلخ��وة‪ :‬إ َّنه إذا لم ميكن التوافق فال أقل من السير‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متوازية‪ ،‬إن لم تتفق فال أقل من أن ال تتقاطع‪،‬‬ ‫خطوط‬ ‫في‬ ‫َّ‬ ‫وقاعدة الشريعة العامة أن ُه ال واجب مع العجز‪ ،‬وأن التكليف‬ ‫بقدر الوسع‪.‬‬ ‫إن إث��ارةَ فقه االئتالف على مستوى املؤسسات واألفراد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫بأمس‬ ‫ضروريات العمل اإلسالمي‪ ،‬ونح ُن اليوم‬ ‫أم ٌر بات من‬ ‫ِ‬ ‫احلاجة إلى تداولِ هذا الفقه وبكثافة‪.‬‬ ‫وإن الذي بيني وبني بني أخي‬ ‫َّ‬ ‫وبني بني عمي ملختلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف جداً‬ ‫وفرت حلومهم‬ ‫فإن أكلوا حلمي‬ ‫ُ‬ ‫وإن نهشوا عرضي وفرت لهم عرضاً‬ ‫القدمي عليهم‬ ‫وال أحم ُل احلق َد‬ ‫ِ‬ ‫القوم من يحمل احلقدا‬ ‫وليس رئيس‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بد من التفكير‬ ‫واقع اجليلِ‬ ‫وهنا أم ٌر مه ٌم إذ ال َّ‬ ‫بجدية في ِ‬ ‫الصاعد حيال فقه التوافق واإلختالف‪ ،‬حتى ال تتكرر األخطاء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملشروعات جادة قامت على‬ ‫وال نزال بحمد الله نرى مناذج‬ ‫اإلحتاد‪ ،‬فأفلحت في مسيرتها‪ ،‬وجنت ثما َر زرعها‪.‬‬ ‫بد في هذا الصدد من تأملِ هدي القرآن والسنة في‬ ‫وال َّ‬ ‫ٍ‬ ‫األمر بالعدل مع الصديق والعدو‪ ،‬ومن قراءةٍ‬ ‫متأنية في السير ِة‬ ‫النبويةِ‬ ‫وتراجم السلف‪ ،‬وهدي العلماء في اإلئتالف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫إن ال��ع��دل سم ٌة مم��ي��زةٌ لشريعتنا‪ ،‬ع��اش ف��ي كنفها الب ُّر‬ ‫والفاج ُر‪ ،‬واملسل ُم والكاف ُر‪ ،‬كل ه��ؤالءِ بالعدل يُحكمون وال‬ ‫يُظلمون‪ ،‬حتى وإن أبغضنا الكافر فنح ُن م��أم��ورون بالعدل‬ ‫معه‪ ،‬ذلك توجي ُه ربنا في كتابه العزيز‪َ (( :‬وال يَ ْجرِ َم َّن ُك ْم َشنَآ ُن‬ ‫اعدِ لُوا ُه َو أَ ْق َر ُب لِل َّت ْق َوى )) (املائدة‪ :‬من‬ ‫َق ْو ٍم َعلَى أَلاَّ تَ ْعدِ لُوا ْ‬ ‫اآلية‪. )8‬‬ ‫ق��ال اب��ن تيمية‪ -‬رحمه الله‪ : -‬وه��ذه اآلي��ة نزلت بسبب‬ ‫البغض الذي‬ ‫بغض مأمو ٌر به‪ ،‬فإذا كان‬ ‫بغضهم للكفار‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫هي صاحب ُه أن يظلم من أبغضه‪ ،‬فكيف في‬ ‫أم َر الل ُه به قد نُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫وشبهة أو بهوى نفس ؟ فهو أح��قُّ أن ال‬ ‫بتأويل‬ ‫مسلم‬ ‫بغض‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يُظلم‪ ،‬بل يُعدل عليه (‪.)1‬‬ ‫لقد فاق املسلمون في تاريخنا املجيد غيرهم في العدل‪،‬‬ ‫وجت��اوزوا بعدلهم أهل امللة من املسلمني إلى أهل الذمة من‬ ‫اليهود والنصارى‪.‬‬ ‫أن عمر بن عبد العزيز‪ -‬رحمه الله‪ -‬كتب إلى واليهِ‬ ‫ويُذكر َّ‬ ‫على البصرة يقول له‪“ :‬ثم انظر من قِ َبلك من أهل الذمة قد‬ ‫املكاسب‪ ،‬فأجرِ عليه من‬ ‫َكبُرت ِسنُّه‪ ،‬وضعفت قوته وو ّلت عنه‬ ‫ُ‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪65‬‬


‫أن أمي َر املؤمنني أنفسنا ونظلم غيرنا بتصنيف هذا‪ ،‬وجتريح ذاك‪ ،‬واتهام ثالث‬ ‫بيت مال املسلمني ما يصلح ُه وذلك أ َّن ُه بلغني َّ‬ ‫ُ‬ ‫بشيخ من أهلِ الذمةِ يسأل على‬ ‫ِ‬ ‫الكاسب األول‬ ‫نفر من املسلمني‪،‬‬ ‫أبواب وإشعال معارك وهمية بني ٍ‬ ‫عم َر‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬م ّر ٍ‬ ‫ُ‬ ‫شبيبتك‬ ‫في‬ ‫اجلزية‬ ‫منك‬ ‫أخذنا‬ ‫َّا‬ ‫ن‬ ‫الناس فقال‪ :‬ما أنصفناك إن ك‬ ‫ِ‬ ‫واألخ��ي��ر منها هم األع���داء املتر ِّبصون واخل��اس��ر األكبر هم‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ثم ض ّيعناك في كِ برك‪ ،‬ثم أجري من ِ‬ ‫بيت املال ما يصلحه” ‪ .‬املعتدون الفاقدون للعدل واإلنصاف‪.‬‬ ‫إن من مظاهر العدل قبول احلقِّ ممن جاء به‪ ،‬فالعبرةُ بالقولِ‬ ‫َّ‬ ‫وإن كانت اخلسارة تع ُّم والفتنة تقع على املسلمني! وأين‬ ‫قصةِ‬ ‫عنه‪-‬‬ ‫الله‬ ‫رضي‬ ‫هريرة‪-‬‬ ‫أبي‬ ‫مع‬ ‫الشيطان‬ ‫وفي‬ ‫بالقائل‪،‬‬ ‫ال‬ ‫نح ُن من هذا املوقف البديع والعدلِ حتى مع غير املسلمني‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫حني وكل ُه الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫العملي‪ ،‬فهو حني‬ ‫بحفظ زكاة رمضان‪ ،‬يقدمه لنا شي ُخ اإلسالم ابن تيمية بسلوكه‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫آية‬ ‫يقرأ‬ ‫أن‬ ‫مه‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫حتى‬ ‫ومجيءِ الشيطان إليه أكث َر من م��رة‪،‬‬ ‫سعى بإطالق س��راح أس��رى املسلمني من التتار أص�� َّر كذلك‬ ‫ً‬ ‫الكرسي إذا أوى إلى فراشه‪ ،‬وأ َّن ُه بذلك يكو ُن محفوظا من اللهِ على إط�لاق س��راح املأسورين من أه��ل الذمة قائ ً‬ ‫ال ملسؤول‬ ‫وال يقربه شيطا ٌن حتى يصبح‪ ،‬في هذه القصة َّ‬ ‫صدق الرسول‪ -‬التتر‪ “ :‬بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬القول وإن صد َر من الشيطان‪ ،‬حيثُ قال‪:‬‬ ‫أهل ذ َمتنا‪ ،‬فإنا نف ُّكهم وال ند ُع أسيراً ال من أهل امللَّة وال من‬ ‫((أما إ َّنه قد صدقك وهو كذوب)) (‪.)3‬‬ ‫أهل الذمة” (‪. )7‬‬ ‫ومن فقه هذا احلديث وفوائده ‪ -‬كما قال ابن حجر رحمه‬ ‫َ‬ ‫أنصف هذا العال ُم الر ّباني وعد َل مع غير املسلمني‪،‬‬ ‫فإذا‬ ‫إن احلكمة قد يتلقّاها الفاج ُر فال ينتفع بها‪ ،‬وتؤخ ُذ‬ ‫الله ‪َّ : -‬‬ ‫وكان سبباً ّ‬ ‫لفك أسرهم‪ ،‬فماذا يقو ُل من يسعى للوقيعة بإخوانه‬ ‫وإن الكاف َر قد يصد ُق ببعض ما يصد ُق به‬ ‫عنه فينتف ُع بها‪َّ ،‬‬ ‫بشكل أو بآخر؟‬ ‫الض َّر لهم‬ ‫املسلمني ويتمنّى ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫وبأن الك ّذاب قد يص ُد ُق (‪.)4‬‬ ‫املؤمن‪ ،‬وال يكون بذلك مؤمناً‪َّ ،‬‬ ‫إن من قواعد اإلئتالف إنصاف عامة املسلمني وخاصتهم‪..‬‬ ‫وفي هذا الصدد يُذك ُر من وصايا ابن مسعود‪ -‬رضي الله‬ ‫مما فكيف السبي ُل لهذا اإلنصاف؟‬ ‫ٍ‬ ‫لرجل قال له‪ :‬أوصني‬ ‫عنه‪ -‬قوله‬ ‫ٍ‬ ‫بكلمات جوامع‪ ،‬فكان َّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫بحقٍّ‬ ‫ا‬ ‫بعيد‬ ‫كان‬ ‫وإن‬ ‫منه‬ ‫ل‬ ‫فأقب‬ ‫أتاك‬ ‫ومن‬ ‫قال‪:‬‬ ‫أن‬ ‫أوصاهُ به‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إن مما ال شك فيه أن املسلمني ‪ -‬قدميا وحديثا ‪ -‬يتفاوتون‬ ‫ً (‪)5‬‬ ‫ً‬ ‫بغيضاً‪ ،‬ومن أتاك بالباطلِ فأر ُد ْده وإن كان قريبا حبيبا ‪.‬‬ ‫في مراتب اإلمي��ان‪ ،‬فهناك من هم في ال��ذروة من اإلميان‪،‬‬ ‫إننا حني نفق ُد هذا امليزا َن في قبول احلقِّ قد نرفض حقاً‪ ،‬و ُهناك من ُهم في أدنى درجات اإلمي��ان‪ ،‬وهناك طائف ٌة في‬ ‫شخص نبغضه أو ال نهواه‪ ،‬أو ال نرتضي منهج ُه ال��وس��ط ب�ين ه���ؤالءِ وأول��ئ��ك‪ ،‬ولكن اجلميع جتمعهم رابط ُة‬ ‫أل َّنه جا َء من‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫بأن قبول احلق الذي جاء به ال يعني موافقته اإلس�لام‪ ،‬وحسابهم على الله‪ ،‬وما لم يخرج املسلم من امللة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل عام‪ ،‬علما َّ‬ ‫ُ‬ ‫يخطئ فيه‪ ،‬وقد يضطرنا‬ ‫في كل شيء‪ ،‬وال الرضى عنه فيما‬ ‫فإن ل ُه حقاً في املواال ِة على قدر إميانه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫هذا اخللل في العدلِ إلى قبول احلقّ ورفض الباطل‪ ،‬لقبول‬ ‫وما من ٍ‬ ‫أن الفرقة الناجية من خير ِة املسلمني‪،‬‬ ‫شك كذلك َّ‬ ‫رفضنا‬ ‫بأن‬ ‫ز ّلة خطأٍ من‬ ‫ِ‬ ‫شخص نحبه‪ ،‬ونرتضي منهجهِ علماً َّ‬ ‫وه��م أه��� ُل السنة واجل��م��اع��ة ال��ذي��ن ق��ال��وا وع��م��ل��وا بالكتاب‬ ‫لهذه الز َّلة واخلطأ منه‪ ،‬ال يعني بغض ُه وال اإلنتقاص من قدره‪،‬‬ ‫والسنة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وال رفض بقية احلقِّ الذي جاء به‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ولكن دائرةَ املؤمنني تتس ُع لتشمل غي َر الفرقة الناجية من‬ ‫إ َّنه العدل الذي ينبغي أن نأخذ أنفسنا به‪ ،‬ونتمنى بهِ أن‬ ‫يجري الله احلقَّ على ألسنتنا وألسنة خصومنا‪ ،‬وكم هو عظيم ُعصاة املسلمني‪ ،‬ومن وجد عندهم نوع إنحراف لكنهم في‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫نص عليه الشي ُخ ابن تيمية‪ -‬رحمه‬ ‫الشافعي‪ -‬رحمه الله‪ -‬حني قال‪( :‬ما ناظرت أحداً إ َّال دائرة اإلسالم‪ ،‬وهذا ما َّ‬ ‫اإلما ُم‬ ‫ُّ‬ ‫أجرِ احلقّ على قلبه ولسانه‪ ،‬فإن كان احلقُّ معي الله‪ -‬حني قال‪« :‬وإذا قال املؤمن ‪َ (( :‬ر َّبنَا ْ‬ ‫اغفِ ْر لَنَا َولإِ ِ خْ َوا ِننَا‬ ‫قلت‪ ،‬الله ّم‬ ‫ُ‬ ‫(‪)6‬‬ ‫ميانِ )) (احلشر‪ :‬من اآلية‪. )10‬‬ ‫ا َّلذِ ي َن َسبَقُونَا بِالأْ ِ َ‬ ‫اتبعني‪ ،‬وإن كان احلقُّ معه اتبعته) ‪.‬‬ ‫يقصد كل من سبق ُه من ق��رونِ األمة باإلميان‪ ،‬وإن‬ ‫ ‬ ‫وأين هذا يا مسلمون ممن يتمنون إنحراف خصومهم‪ ،‬أو‬ ‫يرمون مخالفيهم بالباطل‪ ،‬ويتهمونهم وينفّرون الناس منهم كان قد أخطأ في تأويلِ تأ ّوله فخالف السنة‪ ،‬أو أذنب ذنبا‪ً،‬‬ ‫وهم مسلمون‪ ،‬بل قد يكونون علماء‪ ،‬وقد يكون ما معهم من فإ َّن ُه من إخوانه الذين سبقوهُ باإلميان‪ ،‬فيدخ ُل في العموم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فرقة إ َّال‬ ‫يتالعب وإن كان من اإلثنتني والسبعني فرق ًة‪ ،‬فإ َّن ُه ما من‬ ‫احلق أكثر من خصومهم‪ ،‬فإلى الله املشتكى‪ ،‬وكم‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وذنب‪،‬‬ ‫يخطئ هؤالء وينسفون وفيها خل ٌق كثي ٌر ليسوا كفارا‪ ،‬بل مؤمنون فيهم ضالل‬ ‫الشيطان أحياناً ببعض احملبني‪ ،‬وكم‬ ‫ٌ‬ ‫(‪)8‬‬ ‫قواعد العدل وهم يحسبون أ َّنهم يحسنون صنعاً‪ ،‬وكم نظلم يستحقون به الوعيد كما يستحقه عصاةُ املؤمنني» ‪.‬‬

‫املصادر واملراجع‬

‫ ‬

‫‪ -1‬منهاج السنة‪.127/5 :‬‬ ‫‪ -2‬أحكام أهل الذمة البن القيم‪ ،‬حتقيق صبحي الصالح ‪.38/1‬‬ ‫‪ -3‬رواه البخاري برقم ‪.2311‬‬ ‫‪ -4‬الفتح ‪ 616/4‬ح ‪.2311‬‬ ‫‪66‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫‪ -5‬األحكام في أص��ول األحكام البن ح��زم‪ ،586/4 :‬عن كتاب‬ ‫“فقه االئتالف” محمود اخلزندار ص‪.98‬‬ ‫‪ -6‬عن فقه االئتالف ص‪.104‬‬ ‫‪ -7‬حياة شيخ اإلسالم‪ ،‬محمد بهجت البيطار ص‪ ،15‬عن الرسالة‬ ‫القبرصية‪ ،‬فقه االئتالف‪.47 :‬‬ ‫‪ -8‬منهاج السنة‪ 241 ،240/5 :‬عن فقه االئتالف‪.186 :‬‬


‫ف��ض��اء ال��م��رأة‬

‫اال�ستاذة هيام ف�ؤاد �ضمره‬ ‫مقدمة عامة‬

‫مظاهر التدين في األردن‬ ‫نسوية أسبوعية داخ��ل املنازل لنشر الوعي الديني بأصول‬ ‫الشريعة حسب مقتضياتها السليمة‪ ،‬وسعت وزارة األوقاف‬ ‫بتوفير وظ��ائ��ف خلريجي كلية الشريعة ف��ي املساجد وفي‬ ‫الوزارة‪ ‬مبهمة دعاة وأئمة‪ ،‬كما مت إصدار صحف ومجالت‬ ‫ذات صبغة فكرية إسالمية‪ ،‬فكان هذا التوجه على شموله‬ ‫فاحتة الوعي الديني وإع��ادة إسباغ صفة التدين ثانية على‬ ‫املجتمع األردني‪ ،‬حيث الفطرة أعادته إلى مظاهر تدينه قبل‬ ‫أن ميعن اخلوض في وحل التغريب ويبتعد كثيراً عن هويته‪،‬‬ ‫فحدث ما عرف بالصحوة الدينية اجلديدة‪ ،‬إستطاعت خالل‬ ‫العقدين املاضيني فرض الواقع اجلديد على احلياة العامة‬ ‫واألوساط اإلجتماعية املختلفة الغنية منها والفقيرة على حد‬ ‫سواء‪ ،‬املدنية والقروية دون استثناء‪ ،‬وتفاعلت دور املساجد‬ ‫في احلركة التوعوية الدينية وكان دورها التنويري مؤثراً‪.‬‬

‫‪ ‬خالل فترة الربع األخير من القرن العشرين املنصرم‬ ‫حدث تراجع واضح في مظاهر التدين داخل املجتمع األردني‬ ‫احمل��اف��ظ على نطاق العاصمة حت��دي��داً‪ ،‬واخترقت مظاهر‬ ‫التغريب مجتمع عمان بقوة‪ ،‬كما تراجع اإللتزام بالعبادات‬ ‫جه ً‬ ‫ال على نطاق املجتمع القروي‪ ،‬وحدوث مثل هذا األمر في‬ ‫املجتمع احملافظ من الطبيعي أن يقابله إعتراض وامتعاض‪،‬‬ ‫ثم التصدي بالوسائل اإليجابية املدروسة واملضمونة النتائج‪،‬‬ ‫فانتفض بعض الصاحلني الواعني في شؤون دينهم ودنياهم‪،‬‬ ‫مواجهني ضعف الوعي في الثقافة الدينية واملمارسات غير‬ ‫الشرعية‪ ،‬فواجهوا زي التغريب بداية بتصميم زي إسالمي‬ ‫يحتكم ف��ي تصميمه على م��ا ج��اء ف��ي الشريعة اإلسالمية‬ ‫وال��س��ن��ة النبوية الشريفة‪ ،‬وح�ين س���ارت ف��ي ش���وارع عمان‬ ‫أربع من النسوة شامخات بالزي اإلسالمي الحقتهم العيون‬ ‫‪ ‬بيد أن وزارة األوقاف إستطاعت لعب دور متميز في نشر‬ ‫مستغربة والدهشة تعقد ألسنتهم‪ ،‬ورمبا قابله الناس بداية وعي ديني حكيم ومتوازن‪ ،‬موثوق وموثق‪ ،‬من خالل إشرافها‬ ‫باإلستهزاء وعدم التقبل ‪.‬‬ ‫على األم��ور املتعلقة بالدين والشريعة‪ُ ،‬متنبهة لألمور التي‬ ‫‪ ‬هؤالء النسوة كن زوجات لرجال إتخذوا قرارهم مع أنفسهم كانت تستجد مع واق��ع إنتشار التدين على أنواعه ودرجاته‬ ‫ومع مجموعة أخرى مؤمنة كانوا عازمني على إحداث التغيير وت��دخ��ل أص��اب��ع املستغلني لصالح م���آرب بعيدة ع��ن الواقع‬ ‫في املجتمع األردني‪ ‬وإعادته لعرين الوعي الديني من خالل التعبدي مستغلني صغر أعمار الشباب وخلوص نواياهم مع‬ ‫عدة وسائل توصل للهدف املنشود‪ ،‬فارتبط‪ ‬قرارهم احلكيم اخلالق‪ ،‬حيث تزايد عدد املساجد في البلد وتوزعت أماكنها‬ ‫في مطالبة اجلهات الرسمية بإنشاء كلية جامعية للشريعة على كل األحياء والقرى واحملافظات‪ ،‬وفتحت آفاقاً لتوظيف‬ ‫اإلسالمية والفقه وأصول الدين واستجابت اجلهات الرسمية الدعاة والداعيات في مساجدها‪ ،‬وفتحت قاعات املساجد‬ ‫بسرعة‪ ،‬وصاحب ذلك إفتتاح مراكز حتفيظ القرآن الكرمي ل��ل��درس واحمل���اض���رات وحتفيظ ال��ق��رآن وال��ت��ج��وي��د وأحكام‬ ‫وأصول التجويد‪ ،‬وافتتاح مدرسة أهلية ذات توجه إسالمي‪ ،‬الصالة والدين‪ ،‬وحتول املسجد ٍ‬ ‫لناد ثقافي ديني وترفيهي‬ ‫وتأسيس جمعيات ومؤسسات تعني باجلوانب اإلجتماعية من لتعزيز ممارسات احلياة اإلسالمية على كافة املناحي والصعد‬ ‫الوجهة الشرعية الصحيحة‪ ،‬ولم تستثن اجلهود من افتتاح وف��ق قيم اإلس�لام الصحيحة‪ ،‬وعقدت ال���دورات والندوات‬ ‫ري��اض لألطفال ذات توجه ت��رب��وي إس�لام��ي سليم‪ ،‬وتولت واملؤمترات‪ ،‬واستضافت وزارة األوقاف كبار علماء األمة في‬ ‫خ��ري��ج��ات كلية الشريعة م��ن ال��ب��ن��ات ف��ي عقد اجتماعات الربوع األردنية وعقدت لهم احملاضرات والندوات العلمية‪،‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪67‬‬


‫وكان من أبرز املشاهدات ذلك اإلهتمام اخلاص من صاحب‬ ‫اجلاللة امللك عبدالله بن احلسني الثاني ومن قبله جاللة امللك‬ ‫الراحل احلسني بن طالل رحمه الله بتوفير كافة املجاالت‬ ‫التي تعزز املعرفة السليمة في جانب الوعي الديني السليم‬ ‫وفق الرؤية اإلسالمية السليمة ‪.‬‬ ‫ولعب التطور التكنولوجي دوراً رائ��دا إلى جانب اإلعالم‬ ‫املكتوب واملسموع في نشر الوعي الديني وتقريب الثقافة‬ ‫الدينية‪ ،‬فقد فتحت الفضائيات آفاقاً ممتازة في بث البرامج‬ ‫التوعوية الدينية وجذبت أعداداً هائلة من املشاهدين تؤكده‬ ‫تلك امل��ؤش��رات التي جت��ذب أع���داداً كبيرة من احلضور إلى‬ ‫احمل��اض��رات املعقودة للشخصيات الدينية اإلعالمية ذات‬ ‫ال��ك��اري��زم��ا امل��ت��م��ي��زة ال��ت��ي أض��ح��ت م��ش��ه��ورة تستقطب ج ّل‬ ‫مستمعيها من النساء مما يؤكد وعي امل��رأة وتعطشها لفهم‬ ‫دينها ‪.‬‬ ‫‪ ‬فيما لم تغفل وزارة الثقافة عن دور الثقافة بأشكالها‬ ‫في بلورة الوعي املتكامل وتوفير الكتاب وافتتاح املكتبات‬ ‫وتقدمي الدعم املالي للدراسات بعمومها مبا فيها الدينية‪ ،‬مما‬ ‫أوجد فكراً واقعياً وعملياً من شأنه أن يدعم النهوض بالفكر‬ ‫اإلسالمي نفسه‪.‬‬

‫ميل املجتمع بشكل طبيعي وفطري نحو اإللتزام‪ ‬والتدين‪،‬‬ ‫وقد بات مالحظاً صدوح أصوات تسجيالت مقرئي القرآن‬ ‫من احمل��ال التجارية وتاكسيات األج��رة خللق حالة إم��ا من‬ ‫ظاهرة بالتدين جلذب هذه الفئة‪ ،‬أو من التفاؤل والتبرك‬ ‫امل ُ َ‬ ‫جللب الرزق‪ ،‬أو إنعكاس حلالة تدين حقيقية من جانبهم‪.‬‬ ‫وال تفتأ أذن��ك تلتقط العبارات اإلسالمية التي يتداولها‬ ‫عادة املتدينون كمثل السالم اإلسالمي ( السالم عليكم ورحمة‬ ‫الله وبركاته) و ( بارك الله بك) (جزاك الله خيراً) (ليحفظك‬ ‫الله ) ‪..‬الخ وترددها النساء بشكل تلقائي أصبح مرتبطاً بحالة‬ ‫تدينهم كموجبات للتدين‪.‬‬ ‫إغ�لاق احمل��ال التجارية في موعد الصالة وتعليق البيع‬ ‫خاللها‪ ،‬إمتالء املساجد باملصلني وفي مؤخرة املسجد مصلى‬ ‫النساء مستقطباً املصليات كلها مظاهر واضحة على غلبة‬ ‫التدين في املجتمع األردني‪.‬‬ ‫‪ ‬وبات مألوفاً سفر النساء مجموعات ألداء مناسك العمرة‪،‬‬ ‫خاصة مع توفر الطرق املأمونة واملركبات القوية واآلمنة‪،‬‬ ‫والرحالت املنظمة التي تؤمن املنام والطعام ورحالت التسوق‪،‬‬ ‫كما تؤمن املنامة اآلمنة ‪.‬‬ ‫‪ ‬ويظل هناك سؤال يفرض ذاته ونحن نتلمس تفاوت أشكال‬ ‫التدين ووج��ود مظاهر لألم احملجبة التي تسير إلى جانبها‬ ‫إبنتها غير احملجبة‪ ،‬أو لألب املتدين وال ميلك حجته لتقريب‬ ‫فكر بناته نحو التدين‪ ،‬ما الثغرة التي حدثت هنا لظهور مثل‬ ‫هذا التناقض بني جيلني من نفس األسرة؟‬

‫كما لعبت اجلامعات األردن��ي��ة دوره��ا الفاعل في تشكيل‬ ‫الوعي اجلمعي الديني في املجتمع األردني فاألنشطة الثقافية‬ ‫الدينية إضافة لكليات الشريعة ونشاط طالباتها على املستوى‬ ‫الفردي قد أفرد مجاالً رحباً لتثبيت حالة من الوعي الديني‬ ‫وظهور مظاهر تدين واضحة على الفتيات خاصة‪ ،‬وجتاوز‬ ‫يجمع احمل��ل��ل��ون النفسيون ع��ل��ى ال����رأي ال��ق��ائ��ل أن جيل‬ ‫تعمق البعض في هذه املظاهر إلى درجة تقبل إرتداء النقاب‬ ‫الشباب من البنات غالباً ما يسقط بني ناري احلالة املتدينة‬ ‫تشبهاً بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫عند األهل مع عدم إمتالكهم آليات زرع القناعة في عقول‬ ‫‪ ‬مظاهر التدين في املجتمع النسائي ‪ ‬‬ ‫األبناء‪ ،‬وانبهار الشابات باملعروض من املدهشات في املوضة‬ ‫اليوم وأنت تتحرك في شوارع عمان تشهد حالة من التوهج واإلعالم‪ ،‬ووسائل الترفيه املتنوعة‪ ،‬وتيسير الوسائل املتوفرة‬ ‫الديني تسطع وسط أمواج الناس‪ ،‬تتحرك‪ ‬بدرجات متفاوتة لرحالت الترفيه وبرامجها ورخصها‪ ،‬ثم اإلعجاب مبذيعات‬ ‫من مظاهر اإللتزام والتدين وكلها منخرطة بانصهار بالغ مع التلفزيون والفنانات وإتخاذهن خطأ قدوة‪ ،‬والبرامج الشبابية‬ ‫متطلبات احلياة وحاجاتها املعيشية‪ ،‬لتسجل إنطباعك األول املتحررة واملختلطة ومالبس املوضة التي تلغي وجود احملتشم‬ ‫باحلضور الطاغي ملظاهر التدين لدى النساء فهناك احملجبة في األس���واق‪ ،‬وه��و جانب ال يستهان بقوة تأثيره وسيطرته‬ ‫حجاباً متكام ً‬ ‫ال باجللباب وغ��ط��اء ال���رأس‪ ،‬وه��ن��اك املنقبة على عقول اجليل الشاب‪ ،‬ناهيك عن تأثير األغاني والفيديو‬ ‫املتشحة بالسواد ال تكاد ت��رى منها شيئاً‪ ،‬وهناك امللتزمة والعبارات املتداولة فيها‪.‬‬ ‫التي ترتدي اللباس الغربي الساتر وتغطي الرأس‪ ،‬وتلك التي‬ ‫فهناك من متيل عاطفياً نحو التدين بحكم الفطرة دون‬ ‫ترتدي أزياء املوضة املتحررة بكل صرعاتها وجرأة ما تظهره أن تصل قناعاتها ملستوى تثبت عندها الفكرة وتترسخ بشكل‬ ‫من جسد امل��رأة وشعرها وزينتها وه��ذه امل��رأة رغم وجودها جيد‪ ،‬وهو ما يجعلها أم��ام الكم الهائل من املغريات إما أن‬ ‫ً‬ ‫ورغم أنها تشكل تعدادا غير قليل أكثرهن من الشابات إال تتخلى عن حجابها أو مت��ارس تصرفات غير الئقة وليست‬ ‫أنها خارج دراستنا وبحثنا‪.‬‬ ‫مالئمة مع زيها اإلس�لام��ي‪ ،‬فتحدث مثل ه��ذه التناقضات‬ ‫هذا اخلليط من درجات التدين املتفاوتة وتعدادها الكبير وسواها مما يتعدى الشكليات ليدخل عرين املمارسات‪ ،‬وهنا‬ ‫الذي يكاد يتجاوز نصف تعداد النساء في اململكة يؤكد حالة ال بد أن جند أنفسنا من��ارس مزيداً من التساؤل حول تلك‬

‫‪68‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫هناك عامل يعتبر أساسياً في العالقة مع ميل الفتاة نحو‬ ‫التأثيرات التي يشتغل عليها آالف الداعني واملتطوعني في‬ ‫واع وسليم‪.‬‬ ‫التدين مع عدم توفر القناعة بأركانها‪ ،‬وهي احلالة اإلقتصادية‬ ‫التوعية الدينية لفرض واقع تديني ٍ‬ ‫إلى أي مدى استطاعت هذه احلمالت زرع القناعات ل�لأس��رة واض��ط��رار الفتاة الفقيرة إختيار ال��زي اإلسالمي‬ ‫‪ ‬‬ ‫الصحيحة واملكينة في عقول الفتيات الشابات؟ ‪..‬‬ ‫لهدف ترشيد اإلنفاق املالي كونه يوفر عليها احلاجة حليازة‬ ‫‪ ‬وإلى أي عمق استطاعت التوعية الدينية الغور والرسوخ مجموعة من األلبسة‪ ،‬فتختار ال��زي اإلسالمي طوعاً على‬ ‫في قناعة الشابات؟‪..‬‬ ‫سبيل التوفير وليس على سبيل القناعة به دينياً‪.‬‬ ‫‪ ‬ثم هل هناك عوامل أخ��رى مؤثرة نفسياً أو إجتماعياً‬ ‫وهكذا ن��رى أن التدين في األردن في عمومه املجتمعي‬ ‫جتعل الفتيات حتديداً يقفن على حافة التأرجح بني التدين وفي خصوصه النسائي على حد سواء يتباين في درجاته وفي‬ ‫والتغريب فيمسكن بأطراف كليهما؟‬ ‫ممارساته وفي مظاهره بني التدين املتوازن السليم كما جاء‬ ‫في الواقع استطاعت حركة التوعية أن تنتقل من اإلسلوب وصفه في القرآن الكرمي وكما وضحه رسول الله صلى الله‬ ‫ً‬ ‫املباشر املستفز أحيانا إلى اإلسلوب العلمي املدعم بالدراسات عليه وسلم‪ ،‬والتدين املتزمت حد املبالغة في التضييق‪ ،‬ثم الفئة‬ ‫وجتاربها‪ ،‬واإلتكاء على علم البرمجة العصبية وعلوم إختراق التي تتخذ مظاهر التدين شك ً‬ ‫ال دون ممارسة تطبيقية ملتزمة‪،‬‬ ‫العقل اإلنساني والتأثير على القناعات‪ ،‬وانتهاج مبدأ القدوة‬ ‫واالقناع الناعم‪ ،‬وكان لهذا اإلسلوب أثره الكبير في التحول وهذا التباين لألسف يحدث حالة من التقسيم املجتمعي على‬ ‫إلى الوعي الديني قناعة ومتسكاً‪ ،‬وبالطبع يرتبط النجاح مستوى العالقات الشخصية‪ ،‬فنرى املتزمتات ال يختلطن إال‬ ‫ف��ي ال��وص��ول لهذه النتيجة استعداد الفتاة وانفتاح عقلها مع نظيراتهن الالتي متاثلهن في مستوى املمارسة الدينية‪،‬‬ ‫لإلستيعاب والتقبل‪ ،‬ث��م امل��ؤث��رات البيئية وال��وس��ط الذي وكذلك احلال يحدث مع كل فئة على حدة مما يصنع فجوة‬ ‫تتحرك ضمنه ومدى تأثيره إرتباط الفتاة باجلهة الداعية‪ ،‬خطيرة بني أفراد املجتمع يباعد العالقات ويباعد التوجهات‬ ‫ومدى قدرة الداعية إلستقطابها‪ ،‬ثم مدى قدرة الداعية على ويحقن النفوس‪ ،‬فكل فئة ستنظر نحو الفئة األخرى بدونية‪،‬‬ ‫توصيل املعلومة وأسلوب توصيلها هو ما يجعل رسوخ القناعة بينما يرتفع تقديرها لذاتها عمن سواها‪ ،‬وانتشار مثل هذا‬ ‫يكون في العمق املناسب والوعي املناسب‪.‬‬ ‫الواقع له سلبياته على املدى الطويل وله عواقبه التي يجب أن‬ ‫ً‬ ‫وهناك عومل مؤثرة تختلف في درجاتها تبعا لألجواء تأخذ حقها من الدارسني وجهود اإلجتماعيني ورجال الدين‬ ‫احمليطة باملرأة ذاتها‪ ،‬فيأتي تأثيرها على الفتيات الشابات‬ ‫الواعني‪.‬‬ ‫خاصة وجتعلهن م��ت��رددات ب�ين قناعتني‪ ،‬فالبيئة احمليطة‬ ‫ثم إن حتول هذه الفئات إلى مجموعات مستقلة بذاتها لها‬ ‫ووجود األكثرية املتدينة أو غير املتدينة‪ ‬وتأثير قوة جذبها هو‬ ‫ما يجعل هذه الفئة تقف على حافة الـتأرجح بني اإللتزام والال خصوصية بحد ذاتها سيشكل جماعات متقوقعة على هذه‬ ‫إلتزام‪ ..‬ثم يأتي التدخل من األهل أو من البيئة املجتمعية في الذات تنمو فيما بينها أفكار خاصة تتخذ جانب السلب أو‬ ‫حمايتها من ثقافة التغريب‪ ،‬وتقبلها أو رفضها ميل الفتاة اإليجاب تبعاً حملددات الواقع الفكري الذي تتبناه عن قناعة‬ ‫نحو التغريب‪ ،‬ومدى اإللتزام بالعادات والتقاليد‪ ،‬ثم في حالة‬ ‫راسخة‪ ،‬وهنا يكون األمر أكثر تعقيداً في املمارسة احلياتية‬ ‫وجود معاندة من األهل أنفسهم مليول الفتاة نحو التدين بحكم‬ ‫املجتمعية‪.‬‬ ‫انخراط األسرة في البيئة املتغربة إما لضعف في العقيدة‪ ،‬أو‬ ‫وعلى ه��ذا فمهمة وزارة األوق��اف تتسع إل��ى ح��دود أكثر‬ ‫ملصالح مادية أو معنوية‪ ،‬أو جلهل متأصل إلى درجة تغييب‬ ‫الضمير املرتبط بالدين والعقيدة‪ ،‬كل هذه العوامل تشكل قوة وعياً في توجيه املجتمع للتدين املتوازن واملتزن وترسيخ فكر‬ ‫ضاغطة تعمل على تعطيل العقل أو جزء منه رغبة باإلنحياز الوسطية من خالل أنشطتها املتنوعة واستضافتها للمتنورين‬ ‫نحو طبيعة البيئة احمليطة والعادات التي متارسها وحدود من أهل العلم‪ ‬والوعي الديني‪ ،‬وتخريج وعاظ على مستوى‬ ‫قناعاتها اجلمعية‪ ،‬وبالتالي هذا احلال يخلق وجود فئة من‬ ‫املسؤولية‪ ‬ألهمية الدور املناط‪ ‬بهم في هذا اجلانب‪ ،‬واتخاذ‬ ‫الفتيات قد ترتدين الزي اإلسالمي ظاهرياً ولكنهن ال يعملن‬ ‫بقيم اإلس�لام ممارسة وبشكل كامل‪ ،‬أو تعملن بجزء منها القوانني املناسبة التي حتفظ على املجتمع سالمته وسالمة‬ ‫إنتقائياً‪ ،‬وهذه الفئة ال شك أنها متتلك خاصية وهنة فنراها املمارسات العقائدية على كل املستويات وتوازنها‪ ،‬وإجراء‬ ‫ق��ادرة على التخلي عن التدين أو التخلي عن التغريب تبعاً دراس��ات التقييم بني فترة زمنية وأخ��رى ليتسنى لها اتخاذ‬ ‫للحظ‪.‬‬ ‫وسائل التصحيح في حينه‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪69‬‬


‫ف��ض��اء ال��م��رأة‬

‫فقه املرأة املسلمة والتجديد‬ ‫الدكتورة نوال �أ�سعد �شرار‬ ‫بذل علماء األم��ة من السلف الصالح جهوداً عظيمة في‬ ‫إرساء قواعد الفقه اإلسالمي واستنباط أحكامه ليستوعب‬ ‫جميع مناحي احلياة ويجيب على تساؤالت الفرد املسلم ويلبي‬ ‫حاجات الذكر واألنثى على السواء‪.‬‬ ‫والفقه في اللغة هو مطلق الفهم‪ ،‬قال تعالى‪»:‬واحلل عقدة‬ ‫من لساني يفقهوا قولي» طه‪ ،28-27 /‬وأما اصطالحاً‪ :‬فهو‬ ‫معرفة األحكام العملية الفرعية من أدلتها التفصيلية‪ ،‬وقد‬ ‫بدأ الفقه ‪ -‬حلاجة الناس إليه – مع بزوغ الدعوة اإلسالمية‪،‬‬ ‫إذ مكث الرسول صلى الله عليه وسلم بني ظهراني الصحابة‬ ‫يفقههم ويجيب على اسئلتهم والقرآن ينزل‪ ،‬وملا ُقبِض الرسول‬ ‫صلى الله عليه وسلم حمل راية الفقه أصحابه وبعض أمهات‬ ‫املؤمنني ‪ -‬رضي الله عنهن ‪ -‬التي كانت كل واحدة منهن تشكل‬ ‫مدرسة علمية تأسيسية لها منهجها الذي تتلمذ عليه عدد من‬ ‫الصحابة مثل عائشة وأم سلمة وحفصة رضي الله عنهن‪،‬‬ ‫ومن الصحابة برز عمر بن اخلطاب بإجتهاداته التي سبقت‬ ‫عصره‪ ،‬ثم حمل الراية التابعون وتابعو التابعني حتى أوصلوها‬ ‫إلى الفقهاء األربعة الذين أسسوا مذاهب أهل السنة التي‬ ‫حملت أسمائهم‪ ،‬ثم تعمقت هذه املذاهب ومتحور كثي ٌر من‬ ‫الفقهاء حول نصوص أئمتهم فظهر التعصب واجلمود ومن ثم‬ ‫ٍ‬ ‫وإنتعاش متاشياً مع طبيعة‬ ‫جمود‬ ‫اإلنتعاش‪ ،‬وظل الفقه بني‬ ‫ٍ‬ ‫احلياة اإلجتماعية التي عاشها املسلمون في كل عصر‪ ،‬ودائماً‬ ‫ك��ان الناس بحاجة ماسة لهذا العلم ألن به يُ��ع�� َرف احلالل‬ ‫واحل��رام وهو أساس التشريع والقضاء والفتوى‪ ،‬ولذا ميتاز‬ ‫عن غيره من العلوم الشرعية بقدرته على التجديد والنماء‪.‬‬ ‫فالتجديد سنة إلهية شرعية في هذا الدين احلنيف‪ ،‬تعمل‬ ‫على بعث وإحياء ما إندس من الدين‪ ،‬وتصبغ اإلجتهاد بصبغة‬ ‫عصره‪ ،‬فالتجديد ال ينافي األصالة واحملافظة على ثوابت‬ ‫الدين بل يتناغم معها‪ ،‬إذا األصالة ال تعني اإلنكفاء على كل‬ ‫قدمي ورفض اجلديد ألن ذلك إغالق لباب اإلجتهاد الذي البد‬ ‫منه في كل زم��ان‪ ،‬وباملقابل فإن التجديد ال يعني بحال من‬ ‫األحوال إختراع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد أو رفض القدمي‪ ،‬فالقرآن الكرمي‬ ‫فقه‬ ‫‪70‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫غير أسلوبه ما بني املكي واملدني‪ ،‬وكذلك نبوءة رسول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم في احلديث الذي قال فيه‪« :‬إن الله يبعث لهذه‬ ‫األمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها «‪ ،‬فهذه‬ ‫بشارة بأن األمة اإلسالمية ال تخلو من املجددين‪ ،‬كما احتوى‬ ‫شرعي مهم وهو تكليف املؤهلني من األمة‬ ‫جانب‬ ‫احلديث على‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أن ي��ؤدوا دوره��م في التجديد حسب متطلبات العصر‪ ،‬هذا‬ ‫باإلضافة إلى أن من أهم خصائص الشريعة اإلسالمية الثبات‬ ‫واملرونة‪ ،‬الثبات في األصول والقطعيات واملرونة في الفروع‬ ‫والظنيات‪ ،‬وه��ي مساح ٌة واس��ع�� ٌة مفتوح ٌة للتجديد في كل‬ ‫وقت‪ ،‬فاألصالة إذن هي املمارسة الواعية التي تعني التمسك‬ ‫بالثوابت والتجديد باملتغيرات حسب احلاجة إذ ال ينكر تغير‬ ‫األحكام بتغير األزمان‪ ،‬شريطة أن يكون دافع التجديد الرغبة‬ ‫في التحسني ال مجرد اإلنتقاد واإلنتقاص والسخرية من‬ ‫القدمي والتظاهر بالتقدم والرقي ومجاراة الغير‪.‬‬ ‫واقع فقه املرأة املسلمة‬ ‫أم��ا بخصوص فقه امل��رأة في إجتهادات الفقهاء والفقه‬ ‫املُ��د َّون من السلف الصالح جند فيه إختالط سنن العادات‬ ‫بسنن العبادات‪ ،‬بل إن بعضه غلب عليه الطابع اإلجتماعي‬ ‫لألعراف السائدة واجلائرة التي جاء اإلسالم حملاربتها‪ ،‬أو‬ ‫متتزج أحياناً بالسلوك اإلجتماعي املغلوط‪ ،‬خاصة أن جميع‬ ‫من إجتهد وأفتى في فقه امل��رأة فقهاء أجالء (ذك��ور) غابت‬ ‫عنهم أحياناً خصوصية امل���رأة ف��ي فهم النص املبني عليه‬ ‫احلكم‪ ،‬أو غابت عنهم مناسبة النص وسياقه أو بنوا احلكم‬ ‫على فهم مغلوط للنص وهو ما جعل أم املؤمنني عائشة رضي‬ ‫الله عنها تعترض على رواي��ة عدة أحاديث في استدراكاتها‬ ‫على رواي��ات بعض الصحابة رض��ي الله عنهم‪ ،‬كإعتراضها‬ ‫على حديث قطع ال��ص�لاة ب��امل��رأة واحل��م��ار والكلب األسود‬ ‫فقالت‪« :‬شبهتمونا باحلمير والكالب‪ ،‬والله لقد رأيت رسول‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا على السرير بينه وبني‬ ‫القبلة‪ ،‬مضطجعة‪ ،‬فتبدو لي احلاجة فأكره أن أجلس فأوذي‬ ‫رس��ول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأنسل من عند رجليه»‬


‫أخرجه الشيخان‪ ،‬مما جعل بعض أحكام فقه امل��رأة املدون‬ ‫ال يجيب على تساؤالت املرأة املعاصرة وما تعيشه من نوازل‬ ‫ومستجدات‪ ،‬وال يلبي متطلبات واقعها فأصبح جتديد هذا‬ ‫إنكار جلهود‬ ‫الفقه أم ٌر الز ٌم ليتناسب مع واقع املرأة ‪ -‬دون‬ ‫ٍ‬ ‫علماء السلف الصالح وإظهار مكانتهم العلمية الفائقة بل جعل‬ ‫أحكامهم وإجتهاداتهم منطلقاً للتجديد وأساس لبناء فقه واقع‬ ‫املرأة املعاش حسب املقترحات التالية‪:‬‬ ‫قيام املجامع الفقهية خصوصاً ومجتهدي األم��ة عموماً‬ ‫مب��راج��ع��ة ال��ت��راث الفقهي اخل���اص ب��امل��رأة م��راج��ع�� ًة دقيق ًة‬ ‫لالستفادة منه والبناء عليه‪.‬‬ ‫مراجعة متون وأسانيد األحاديث التي استدل بها العلماء‬ ‫وبنوا عليها الكثير من األحكام واملناسبات التي قيلت فيها‪.‬‬ ‫تنزيل احلكم الشرعي لفقه املرأة على الواقع املعاش مع‬ ‫احلرص على إظهار احلكمة الشرعية للحكم ملا لها من تأثير‬ ‫وقبول نفسي باإلضافة للشرعي‪.‬‬ ‫دراسة العرف السائد في الفترة التي صدرت فيها فتاوى‬ ‫امل���رأة والتخفيف ق��در املستطاع م��ن اإلعتماد على مسائل‬ ‫اإلج��م��اع ملخالفتها ل�لأع��راف السائدة في زماننا‪ ،‬إذ يعتبر‬ ‫العرف مصدراً من مصادر التشريع إذا لم يخالف نصاً شرعياً‬ ‫صريحاً‪.‬‬ ‫تقصي املعلومات الطبية واالقتصادية والسياسية املتوفرة‬ ‫في فترات الفقه املدون والتي ساهمت في اجتهادات الفقهاء‬ ‫لتأثيرها على دقة األحكام ومثالها حتديد مدة احلمل الشرعية‬ ‫التي بنيت على العرف والعلم النظري‪ ،‬فذكر بعض الفقهاء أن‬ ‫أقصى مدة حمل شرعية هي أرب��ع سنوات األم��ر ال��ذي يعد‬ ‫مخالفاً ملا توصل إليه العلم احلديث‪.‬‬ ‫بأسلوب يتناسب ومتطلبات‬ ‫إع��ادة تدوين الفقه الشرعي‬ ‫ٍ‬ ‫العصر بلغة بسيطة ميسرة لتقريب الفقه من أفهام الناس‬ ‫حتى تفهمه امل��رأة بجميع مستوياتها العلمية‪ ،‬إذ أن من حق‬ ‫املرأة أن تستوعب فقهها‪.‬‬ ‫إي��ج��اد “احللول” األح��ك��ام املناسبة ملستجدات العصر‬ ‫اخل��اص��ة ب��امل��رأة مب��ا ال يتعارض م��ع ث��واب��ت اإلس�ل�ام ويقف‬ ‫ص��ام��داً أم��ام التيارات الفكرية املعارضة خاص ًة أن هناك‬ ‫مجموعة كبيرة من النوازل تدخل في تفصيالت حياة املرأة‬ ‫اليومية كاألبحاث اخلاصة بالعقم‪ ،‬وطفل األنابيب‪ ،‬وتأجير‬ ‫األرحام واستئصالها‪ ،‬ومثله دخول املرأة ميادين مختلفة من‬ ‫العمل وغيرها من املستجدات‪.‬‬ ‫استخدام معارف العصر وعلومه في الترجيح بني أقوال‬ ‫الفقهاء للتخفيف بني االختالفات واإلستفادة مما توصل إليه‬ ‫علماء العصر الثقات‪ ،‬وما أصدرته املجامع الفقهية‪،‬والفقهاء‬ ‫من فتاوى‪.‬‬ ‫محاولة التخفيف من مسائل الفقه في األمور التي ال وجود‬ ‫لها في العصر احلديث والتي بنيت على أع��راف اجتماعية‬ ‫سابقة وانتهى العمل بها وهي كثيرة في فقه املرأة املدونة‪.‬‬ ‫ربط جزيئات الفقه مبقاصد الشريعة الكلية‪ ،‬فاإلسالم ٌّ‬ ‫كل‬

‫ال يتجزأ ومثال ذلك األحكام الفقهية التي تثار حولها الكثير‬ ‫من الشبهات والتحديات كميراث املرأة وشهادتها وديتها في‬ ‫القتل اخلطأ وتوليها الوالية العظمى والقوامة وغيرها‪...‬‬ ‫حتويل املقادير الشرعية في فقه املرأة كزكاة احللي مث ً‬ ‫ال‬ ‫إلى مقادير معاصرة تفهمها جميع النساء‪.‬‬ ‫التأكيد على املصلحة املعتبرة شرعاً واحلذر من الوقوع في‬ ‫املصالح املتوهمة وهي الغلو في اعتبار املصلحة على حساب‬ ‫النص‪.‬‬ ‫مبررات التجديد‬ ‫التغييرات الهائلة باحلياة املعاصرة والتقدم امل��ادي في‬ ‫جميع مجاالتها أف���رزت الكثير م��ن القضايا واملستجدات‬ ‫املتعلقة بحياة املرأة املسلمة مما وضعها في مواجهة حتديات‬ ‫لم تعرفها في أزمنة الفقه املدون‪.‬‬ ‫سيطرة أمن��اط احلياة الغربية وأعرافها بفعل التيارات‬ ‫العلمانية املتغربة الداعية إلى التحلل من القيم اإلسالمية‬ ‫ومبادئه وانبهار بعض النساء بظاهر حياة امل���رأة الغربية‬ ‫ومحاولة تقليدها‪.‬‬ ‫بعض جوانب الواقع املعاصر املتخلفة واملتشبثة بالكثير من‬ ‫األعراف والتقاليد البالية املنسوبة لإلسالم‪ ،‬واإلسالم منها‬ ‫براء‪.‬‬ ‫اجل��ه��ل وغ��ي��اب ال��وع��ي عند بعض النساء املسلمات في‬ ‫ال��وق��ت ال��راه��ن‪ ،‬األم���ر ال���ذي ال يقل خ��ط��ورة ع��ن األعراف‬ ‫اجلائرة التي بني عليها الفقه في بعض العصور‪ ،‬مما جعل‬ ‫اخلطاب النسوي املعاصر بعيداً عن روح الشريعة اإلسالمية‬ ‫فهو إما ترديد ملصطلحات خاصة باملجتمع الغربي‪ ،‬أو مرتبط‬ ‫مبوروث اجتماعي‪.‬‬ ‫احلملة الشرسة التي تواجهها املرأة املسلمة وكثرة التيارات‬ ‫الفكرية املعادية لإلسالم داخل العالم اإلسالمي وخارجه‪.‬‬ ‫سد الطريق أمام احلاقدين الذين يحاولون النيل من مكانة‬ ‫املرأة في اإلسالم معتمدين على مسائل من املوروث الفقهي‬ ‫املخالف لروح الشريعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫نخلص مما سبق إلى أن فقه املرأة املسلمة اليوم بحاجة‬ ‫ماسة إل��ى جتديد ومعاجلة فقهية ج��ادة م��ن جميع فقهاء‬ ‫األمة مع ضرورة حفظ مكانة وإحترام فقهاء السلف الصالح‬ ‫الذين بذلوا قصارى جهدهم لتوريثنا هذا الكنز العظيم مما‬ ‫يعني أن تتحمل املجامع الفقهية مسؤولية جتديد وإعادة‬ ‫تدوين فقه املرأة املسلمة بلغة العصر وأن ال يظل دور املرأة‬ ‫املسلمة غائباً عن املساهمة في صياغة فقهها فهي األعلم في‬ ‫بعض خصوصياتها ال سيما أن الكثير من النساء مؤهالت‬ ‫لذلك‪ ،‬مع التأكيد على وجوب توافر شروط وصفات املجتهد‬ ‫املجدد وأن يضع في اعتباره أن الفقه اإلسالمي اتبا ٌع للنص‬ ‫الصحيح وليس ابتداعاً أو تأوي ً‬ ‫ال له مبا يناسب الهوى والبعد‬ ‫عن الغلو والتفريط بالتزام االعتدال الذي أمرت به الشريعة‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪71‬‬


‫ف��ض��اء ال��م��رأة‬

‫املرأة فـي القرآن الكرمي‬ ‫الأ�ستاذة عطاف قا�سم عقده‬ ‫املرأة هي موضع اهتمام القرآن العظيم‪ ،‬بإعتباره الدستور‬ ‫اخلالد احلي‪ ،‬الذي قدم لإلنسان نظاما شامال يتكفل حياته‬ ‫في جميع مجاالتها بالتشريع والتنظيم‪ ،‬وامل���رأة بإعتبارها‬ ‫إنسانا مك ّرما وموجودا يحمل أمانة السماء‪ ،‬كما في املوجودات‬ ‫املسؤولة في واقع احلياة‪ ،‬وقد حظيت املرأة بإهتمام القرآن‪،‬‬ ‫ونال احلديث عنها مساحة واسعة منه‪ ،‬بل واألكثر من ذلك نرى‬ ‫القرآن العظيم قد خصص سورة كاملة للحديث عن النساء‪،‬‬ ‫إلشتمالها على كثير من املفاهيم‪ ،‬واألحكام الشرعية بالنساء‪،‬‬ ‫وقد عالج وأصلح القرآن الكرمي الكثير من أخطاء العصور‬ ‫الغابرة‪ ،‬فالعصور القدمية كانت قائمة على تركيز الفواصل‬ ‫بني الرجل واملرأة‪ ،‬مع التأكيد على إثارة النقاط السلبية لدى‬ ‫امل��رأة بشكل غير واقعي‪ ،‬فلم ينظر إليها من موقع التكامل‬ ‫الذاتي الذي يجمع بني الروح والعقل في اإلطار اإلنساني‪ ،‬بل‬ ‫كان ما هناك أنهم نظروا اليها كأنثى وكأداة للمتعة فحسب‪،‬‬ ‫وهذا املوقف السيئ يتمثل باألسى واأللم والشعور بالنقص‪،‬‬ ‫كما عبر القرآن الكرمي عن ذلك في قوله عز وجل» وإذا بشر‬ ‫احدهم باالنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم‪ ،‬يتوارى من القوم‬ ‫من سوء ما بشر به أميسكه على هون ام يدسه في التراب أال‬ ‫ساء ما يحكمون «‪.‬‬ ‫أراد اإلس�ل�ام للمرأة أن تكون إنسانة وإم���رأة‪ ،‬كما أراد‬ ‫ل��ل��رج��ل أن ي��ك��ون إن��س��ان��ا ورج��ل�ا‪ ،‬ف��ف��ي ال��ق��رآن ن��وع��ان من‬ ‫األحكام‪ ،‬فهناك أحكام عامة تشمل الرجل وامل��رأة معا‪ ،‬كما‬ ‫ف��ي قضايا الكفر واإلمي����ان‪ ،‬واألخ��ل�اق وامل��ع��ام�لات املالية‬ ‫والعالقات احلياتية‪ ،‬وجوانب التربية والسياسة فيما يدخل‬ ‫ف��ي عمق املسؤولية العامة ل�لإن��س��ان‪ ،‬وب��ذل��ك ك��ان��ت حركة‬ ‫املسؤولية ممتدة في شخصية املرأة وحياتها‪ ،‬وفي مثل هذا‬ ‫املجال نرى القرآن الكرمي يتحدث عن الثواب ال��ذي ينتظر‬ ‫‪72‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫املؤمنني وامل��ؤم��ن��ات ف��ي اآلخ���رة‪ ،‬وع��ن العقاب ال��ذي ينتظر‬ ‫الكافرين والكافرات واملنافقني واملنافقات في الدنيا واآلخرة‬ ‫م��ن دون ف��رق ب�ين ال��رج��ل وامل���رأة ف��ي خصوصيات العقاب‬ ‫وال���ث���واب‪ ،‬مم��ا ي��وح��ي ب���أن وع���ي امل��س��ؤول��ي��ة لديهما واحد‪.‬‬ ‫وهناك أحكام خاصة في القرآن الكرمي والتي تخص كال‬ ‫من الذكر واألنثى‪ ،‬وتتناول توزيع املسؤوليات في احلياة بحسب‬ ‫الدور الذي أعده الله لكل منهما سواء في واقعهما داخل احلياة‬ ‫الزوجية‪ ،‬أو مواقع احلياة األخرى في إطار احلكم والقضاء‬ ‫والشهادة‪ ،‬حيث أعطى للمرأة مكانة خاصة من إثبات احلق‪،‬‬ ‫وذلك بإثبات موقعها من الشهادة‪ ،‬وهي شهادة إمرأتني برجل‪،‬‬ ‫وقد يثار في هذا املجال إشكال في التشكيك في شخصية‬ ‫املرأة واإلنتقاص من إتزانها الفكري مقابل اإلمتالء العاطفي‪،‬‬ ‫ولكن هذا ال يعني نقصا ذاتيا في املستوى العقلي لها‪ ،‬بل كل‬ ‫ما يعنيه هو اإلحتياط للعدالة فيما تدفع إليه العاطفة من‬ ‫اإلنسياق وراء األوضاع املأساوية والعاطفية‪ ،‬األمر الذي يؤدي‬ ‫الى اإلخ�لال بالتوازن في املوقف في صدق الشهادة‪ ،‬وهذا‬ ‫ما أشار إليه القرآن الكرمي في اآلية التي عرضت للشهادة‬ ‫في قوله تعالى» ان تضل احداهما فتذكر احداهما االخرى»‪.‬‬ ‫ومن األحكام اخلاصة في القرآن العظيم أنه جعل للمرأة‬ ‫احل��ق فيما متلك م��ن م��ال‪ ،‬ف�لا ح��ق ألح��د أن يقهرها على‬ ‫ما ال تريده‪ ،‬وال مجال لالنتقاص من شخصيتها احلقوقية‪،‬‬ ‫كما في قوله تعالى «وآتوا النساء صدقاتهن نحلة‪ ،‬فإن طنب‬ ‫لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مرئيا‪ ،‬ولو اننا تتبعنا‬ ‫األي��ات الكرمية لوجدنا أن ال��ق��رآن الكرمي قد أول��ى إعتناء‬ ‫خاصاً باملرأة في كثير من مراحل حياتها‪ ،‬فقد اعتنى بها‬ ‫وه��ي بنت ف��ي بيت أبيها‪ ،‬وع��ال��ج ك��ل م��ا ك��ان ش���اذا وبعيدا‬ ‫عن اإلنسانية‪ ،‬وح��ذر من كثير من التصرفات السيئة التي‬ ‫كنت تعامل بها البنت منذ والدتها وحتى زواجها‪ ،‬كما اعتنى‬


‫القرآن الكرمي باملرأة وهي أخت ترتبط مع األس��رة بروابط‬ ‫النسل التي تربط باقي أف��راد األس��رة باملرأة والرجل وبني‬ ‫عالقة االخ��وة القائمة في االس��رة‪ ،‬وم��دى ما متلكه األخت‬ ‫من عاطفة جتاه أخيها‪ ،‬كما في قوله تعالى في قصة أخت‬ ‫موسى عليه السالم» وقالت ألخته قصيه فبصرت عن جنب‬ ‫وه��م ال ي��ش��ع��رون‪ ،‬وح��رم��ن��ا عليه امل��راض��ع م��ن قبل فقالت‬ ‫هل أدلكم على اه��ل بيت يكفلونه لكم وه��م له ناصحون» ‪.‬‬ ‫والقرآن الكرمي يتابع حياة املرأة في مرحلة من مراحل‬ ‫حياتها وهي مرحلة الزوجية ووضع لها احلقوق والواجبات‬ ‫التي تتمتع بها في ظل هذا اإلط��ار‪ ،‬فتحدث عن العالقات‬ ‫وفصل حدودها الشرعية‪ ،‬ثم أعطى لهذه العالقة‬ ‫الزوجية‬ ‫ّ‬ ‫قيمتها على أساس من كرامة املرأة والرجل ومصلحتها حفاظا‬ ‫على سالمة ونقاء العالقة وحيويتها‪ ،‬وانطالقا من الطبيعة‬ ‫اخل��اص��ة لكل منهما‪ ،‬فجعل للرجل حقوقا كحق الطاعة‬ ‫والقوامة وغيرهما‪ ،‬كما جعل للمرأة حقوقا‪ ،‬كحق النفقة‪،‬‬ ‫واملهر‪ ،‬واملعاشرة باملعروف وغيرها وقد حدد القرآن الكرمي‬ ‫للرجل املؤمن حدود العالقة اإلنسانية اإلسالمية التي تربطه‬ ‫ب��امل��رأة ف��ي اجل��ان��ب امل���ادي م��ن اإلل��ت��زام��ات املالية ف��ي إطار‬ ‫الرابطة الزوجية‪ ،‬فال يكون ضعف املرأة أساسا حلرمانها من‬ ‫حقها‪ ،‬ومسوغا الضطهادها‪ ،‬خالفا ملا فرضه الله لها‪ ،‬وبني‬ ‫القرآن الكرمي خط عالقة الرجل بزوجته من حيث املعاملة‪،‬‬

‫وهي‪(:‬املعاشرة باملعروف) وهي تتمثل في احترام امل��رأة في‬ ‫مشاعرها وعواطفها‪ ،‬وشخصيتها املستقلة كإنسانة محترمة‬ ‫في إرادتها وتفكيرها‪ ،‬فيما إختصره القرآن الكرمي من كلمتي‬ ‫(املودة والرحمة) اللتني توحيان بالعاطفة الزوجية العميقة‪،‬‬ ‫وباإلحترام املتبادل للظروف احمليطة بالطرفني‪ ،‬وه��ذا هو‬ ‫الذي يحفظ للحياة الزوجية حيويتها وإنسانيتها‪ ،‬فهي تعمل‬ ‫على أن جتعل تفاعال بني الشخصيتني من خ�لال التفاهم‬ ‫وال��ت��ع��اون اللذين ي��ؤدي��ان ال��ى اإلنسجام الفكري والنفسي‪.‬‬ ‫ولشدة حرص القرآن الكرمي على املرأة واهتمامه بها‪،‬‬ ‫ن��راه ينتقل بنا ليطلعنا على مرحلة من مراحل امل��رأة وهي‬ ‫مرحلة األمومة‪ ،‬ومدى ما متلكه األم من عاطفة جتاه أطفالها‬ ‫والتي توجها بها الله وخصها دون الرجال‪ ،‬ولذلك جعل الله‬ ‫تعالى كرامة خاصة لألم دون األب‪ ،‬حيث ورد في احلديث‬ ‫الشريف ‪«:‬اجلنة حتت اقدام االمهات»‪ ،‬هذا غيض من فيض‬ ‫أورده ال��ق��رآن الكرمي تكرميا وإحسانا للمرأة‪ ،‬وق��د خصت‬ ‫السنة الشريفة امل��رأة بالتكرمي والفضل‪ ،‬أفبعد هذه املكانة‬ ‫واملنزلة العظيمة للمرأة يأتي أقزام البشر المتهان كرامتها‪ ،‬أو‬ ‫التصدي على حقوقها املادية واملعنوية‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪73‬‬


‫ف��ض��اء ال��م��رأة‬

‫مواهب األبناء بني اإلكتشاف والرعاية‬ ‫الأ�ستاذة نردين �أبو نبعة‬ ‫هل نقتل مواهب أبنائنا ؟ هل تضاءلت لدينا الرغبة في تقتل الكثير من املواهب‪ ،‬فاملواهب كنز ثمني مدفون وعلينا‬ ‫رعايتهم وإكتشافهم ؟ هل رعاية املواهب حاجة دينية وقومية كأمهات وآب���اء أن نبحث ونستخرج ه��ذه امل��واه��ب ونقدرها‬ ‫قبل أن تكون حاجة ذاتية ؟وهل رعاية املواهب طريق من طرق ونعمل على تنميتها لتكون سبباً في تفوق األمة وإنتصارها ‪.‬‬ ‫التحرير والتفوق ألمة اإلسالم ؟‬ ‫ومن الطرق الرائعة الكتشاف املواهب (تشجيع الطفل على‬ ‫في احلقيقة فكرة البحث عن املواهب ورعايتها‪ ,‬لم تغب‬ ‫عن ذهن الرسول صلى الله عليه وسلم مع إنشغاله بتأسيس القراءة )‪ ،‬فالقراءة هي أسهل طريق الكتشاف إمكانات الطفل‬ ‫الدولة وتسيير اجليوش‪ ،‬فقد رأى في أبي بكر الصديق موهبة وطموحه ومن ثم يسهل توجيهه الى األسلوب األمثل لتنمية‬ ‫إجتماعية أال وهي معرفة بطون القبائل واألنساب ورأى في املواهب ورعايتها‪ ،‬فقراءة القصة والقراءة بشكل عام تخرج‬ ‫علي بن أبي طالب موهبة (الشجاعة واجلرأة وقوة البأس ) املتواري وتكشف طاقات النبوغ ونتلمس من خاللها جوانب‬ ‫فتركه لينام في فراشه يوم الهجرة‪ ،‬وفي املقابل عندما عرض القوة واإليجابية فننميها ونعمل على إظهارها ‪.‬‬ ‫عليه زيد بن ثابث ليكون في صفوف اجليش املسلم مقات ً‬ ‫ال‬ ‫ومن األساليب املثلى لرعاية مواهب أبنائنا أيضاً (تنمية‬ ‫رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم لصغر سنه وضعف‬ ‫جسمه ‪,‬ورأى فيه شيئاً آخر وموهبة رائعة أال وهي موهبة مهارة إبداء الرأي والتعبير عن الذات )‪ ،‬فقد سئل أحد علماء‬ ‫احلفظ‪ ،‬فأعجب النبي به وقال «يازيد تعلم لي كتاب اليهود الفيزياء الذين فازوا بجائزة نوبل‪ ،‬ملاذا اختار أن يكون فيزيائياً‬ ‫يعني لغتهم فإني والله ال آمن اليهود على كتابتهم»‪ ،‬ويقول زيد ؟ فقال «إن أمه هي التي صنعت منه ذلك ’فلم تكن تسأله حني‬ ‫بن ثابت رضي الله عنه «تعلمت كتابتهم وما مرت بي خمس عودته من املدرسة ماذا درست اليوم ولكنها كانت تسأله ماهي‬ ‫عشرة ليلة حتى حذقته فكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه‬ ‫األسئلة اجليدة التي سألتها اليوم ؟»‬ ‫وأجيب عنه إذا كتب»‪ ،‬فكان أحد كتبة الوحي ومترجماً خاصاً‬ ‫وهذا رسول الله أتى بشراب فشرب منه وعن ميينه غالم‬ ‫للرسول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫ليس هذا فحسب بل رأى رسول صلى الله عليه وسلم في أصغر القوم‪ ،‬وعن يساره أشياخ‪ ،‬فقال للغالم «أت��أذن لي أن‬ ‫نعيم بن مسعود الغطفاني موهبة التمثيل‪ ،‬فلعب دوراً مميزاً أعطي هؤالء فقال الغالم ‪:‬والله يارسول الله ال أؤثر بنصيبي‬ ‫وكان ممث ً‬ ‫ال بارعاً إستطاع أن يشق التحالف بني األحزاب من منك أح��د اً‪ ،‬فوضعه الرسول في ي��ده «‪ ،‬وه��ذا إن دل على‬ ‫جهة وبني قريظة من جهة أخرى وبذلك أنقذ املسلمني من شيء فهو يدل على تقدير الرسول واحترامه لألطفال‪ ،‬وهذا‬ ‫خطر محدق وارتدت دائرة السوء عليهم ‪.‬‬ ‫يظهر جلياً في ثقة الغالم برسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ومن خالل ما سبق يتبني لنا أمران ‪:‬‬

‫وشجاعته في حواره معه ‪.‬‬

‫األمر األول ‪.....‬أن كل شخص يحمل موهبة واحدة على‬ ‫يالله م��ا أحوجنا إلع���ادة صياغة أساليب تعاملنا مع‬ ‫األقل ‪.‬‬ ‫أبنائنا‪.‬‬ ‫األمر الثاني ‪....‬أن املوهبة متسعة الدائرة فهناك مواهب‬ ‫وم��ا أح��وج��ن��ا لتنظيم دورات تأهيلية وت��ط��وي��ري��ة لآلباء‬ ‫(معرفية‪،‬وبدنية واجتماعية وقيادية ومتثيلية وخطابيه‪..‬ألخ)‬ ‫ومن اخلطأ مبكان أن نحصر دائرة املوهبة في الرسم والشعر واألمهات ملعرفة الطرق املناسبة الكتشاف املواهب واألسلوب‬ ‫والقصة أو باملتفوق حتصيلياً‪ ،‬فهذه النظرة األحادية للموهبة األمثل للتعامل معها وتنميتها وتوظيفها خلدمة األمة والدين‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ ‬


‫قصائد ش��عرية‬

‫قصيدة «ولد الهدى»‬ ‫أمير الشعراء ‪:‬أحمد شوقي‬ ‫ول�������������د ال����������ه����������دى ف�������ال�������ك�������ائ�������ن�������ات ض�����ي�����اء‬

‫وف�����������������م ال���������������زم���������������ان ت�������ب�������س�������م وس���������ن���������اء‬

‫ال������������������������روح وامل����������ل���������أ امل������ل�����ائ������������ك ح������ول������ه‬

‫ل���������ل���������دي���������ن وال�����������دن�����������ي�����������ا ب�������������ه ب���������ش���������راء‬

‫وال���������ع���������رش ي������زه������و واحل�������ظ�������ي�������رة ت�����زده�����ي‬

‫وامل�������ن�������ت�������ه�������ى وال��������������س��������������درة ال������ع������ص������م������اء‬

‫وال���������وح���������ي ي�����ق�����ط�����ر س�����ل�����س��ل��ا م��������ن سلسل‬

‫وال������������ل������������وح وال��������ق��������ل��������م ال��������ب��������دي��������ع رواء‬

‫ي���������ا خ������ي������ر م���������ن ج������������اء ال�����������وج�����������ود حت���ي���ة‬

‫م�������ن م�����رس�����ل��ي��ن إل���������ى ال�������ه�������دى ب�������ك ج���������اؤوا‬

‫ب����������ك ب�������ش�������ر ال��������ل��������ه ال��������س��������م��������اء ف�����زي�����ن�����ت‬

‫وت��������وض��������ع��������ت م�������س�������ك�������اً ب����������ك ال�������غ�������ب�������راء‬

‫ي������������وم ي�����ت�����ي�����ه ع������ل������ى ال����������زم����������ان ص����ب����اح����ه‬

‫وم���������������������س���������������������اؤه مب����������ح����������م����������د وض������������������اء‬

‫ي��������وح��������ي إل��������ي��������ك ال���������ن���������ور ف���������ي ظ����ل����م����ائ����ه‬

‫م�������ت�������ت�������اب�������ع�������ا جت��������ل��������ى ب������������ه ال������ظ������ل������م������اء‬

‫واآلي ت���������ت���������رى واخل�����������������������������وارق ج������م������ ًة‬

‫ج�����������ب�����������ري�����������ل‬

‫غ����������������داء‬

‫دي���������������������ن ي���������ش���������ي���������د آي���������������������ة ف����������������ي آي�����������ة‬

‫ل�������ب�������ن�������ائ�������ه ال���������������س���������������ورات واألض�����������������������واء‬

‫احل������������ق ف������ي������ه ه���������و األس�����������������اس وك�������ي�������ف ال‬

‫وال��������������ل��������������ه ج��������������ل ج������ل�����ال������������ه ال���������ب���������نّ���������اء‬

‫ب�������ك ي�������ا اب���������ن ع�����ب�����دال�����ل�����ه ق������ام������ت سمحة‬

‫ب���������احل���������ق م�����������ن م�������ل�������ل ال�����������ه�����������دى غ�������������� ّراء‬

‫ب�����ن�����ي�����ت ع�����ل�����ى ال�����ت�����وح�����ي�����د وه����������و حقيقة‬

‫ن�����������������ادى ب�������ه�������ا س�����������ق�����������راط وال��������ق��������دم��������اء‬

‫وم������ش������ى ع�����ل�����ى وج����������ه ال���������زم���������ان ب����ن����وره����ا‬

‫ك���������ه���������ان وادي ال�������ن�������ي�������ل وال��������ع��������رف��������اء‬

‫ال���������ل���������ه ف��������������وق اخل���������ل���������ق ف������ي������ه������ا وح�����������ده‬

‫وال�������������ن�������������اس حت������������ت ل���������وائ���������ه���������ا أك��������ف��������اء‬

‫وال�������������دي�������������ن ي�������س�������ر واخل������ل������اف�������������ة ب����ي����ع����ة‬

‫واألم�������������������ر ش����������������ورى واحل�����������ق�����������وق ق�����ض�����اء‬

‫االش������������ت������������راك������������ي������������ون أن�����������������ت أم�������ام�������ه�������م‬

‫ل��������������وال دع���������������������اوي ال�����������ق�����������وم وال��������غ��������ل��������واء‬

‫ط������ف������رة‬

‫وأخ���������������ف م���������ن ب������ع������ض ال���������������������دواء ال������������داء‬

‫احل�����������������رب ف�����������ي ح�����������ق ل���������دي���������ك ش�����ري�����ع�����ة‬

‫وم�������������ن ال��������س��������م��������وم ال��������ن��������اق��������ع��������ات دواء‬

‫وال�������������ب������������� ّر ع����������ن����������دك ذم���������������ة وف�������ري�������ض�������ة‬

‫ال م�������������� ّن��������������ة مم�����������ن�����������وح�����������ة وج�����������ب�����������اء‬

‫ج����������������اءت ف����������وح����������دت ال������������زك������������اة س����ب����ي����ل����ه‬

‫ح������ت������ى إل������ت������ق������ى ال��������ك��������رم��������اء وال������ب������خ���ل��اء‬

‫أن����ص����ف����ت أه��������ل ال����ف����ق����ر م������ن أه��������ل الغنى‬

‫ف�������ال�������ك�������ل ف�����������ي ح�����������ق احل�����������ي�����������اة س�����������واء‬

‫داوي����������������������ت‬

‫م��������ت��������ئ��������دا‬

‫وداووا‬

‫رواح‬

‫ب�����������ه�����������ا‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪75‬‬


‫ي�������ا م�������ن ل�������ه األخ�������ل������اق م�������ا ت������ه������وى ال����ع��ل�ا‬

‫م��������ن��������ه��������ا وم��������اي��������ت��������ع��������ش��������ق ال���������ك���������ب���������راء‬

‫زان�������ت�������ك ف�������ي اخل������ل������ق ال�����ع�����ظ�����ي�����م ش����م����ائ����ل‬

‫ي����������غ����������رى ب��������ه��������ن وي������������ول������������ع ال��������ك��������رم��������اء‬

‫وإذا س�������خ�������وت ب�����ل�����غ�����ت ب��������اجل��������ود امل��������دى‬

‫وف��������ع��������ل��������ت م������������ا ال ت�������ف�������ع�������ل األن��������������������واء‬

‫وإذاع�����������������ف�����������������وت ف�������������ق�������������ادرا وم����������ق����������درا‬

‫ال ي�������س�������ت�������ه���ي���ن ب���������ع���������ف���������وك اجل���������ه����ل����اء‬

‫أب‬

‫ه�������������ذان ف��������ي ال�������دن�������ي�������ا ه������م������ا ال������رح������م������اء‬

‫وإذا خ������ط������ب������ت ف������ل������ل������م������ن������اب������ر ه�����������زّة‬

‫ت����������ع����������رو ال�����������ن�����������دي ول��������ل��������ق��������ل��������وب ب������ك������اء‬

‫وإذا أخ���������������ذت ال������ع������ه������د أو أع����ط����ي����ت����ه‬

‫ف�������ج�������م�������ي�������ع ع�����������ه�����������دك ذم�����������������ة ووف�����������������اء‬

‫ي���������ا م���������ن ل���������ه ع������������ ّز ال������ش������ف������اع������ة وح���������ده‬

‫وه������������������و امل����������������ن����������������زّه م������������ال������������ه ش������ف������ع������اء‬

‫ل�������ي ف�������ي م�����دي�����ح�����ك ي�������ا رس������������ول ع�����رائ�����س‬

‫ت���������ي��������� ّم���������ن ف���������ي���������ك وش����������اق����������ه����������ن ج����ل����اء‬

‫������������ن احل���������س���������ان ف������������إن ق�����ب�����ل�����ت ت����ك����رم����ا‬ ‫ه ّ‬

‫ف���������م���������ه���������وره���������ن ش���������ف���������اع���������ة ح������س������ن������اء‬

‫م��������ا ج������ئ������ت ب�������اب�������ك م��������ادح��������ا ب��������ل داع������ي������ا‬

‫وم������������������ن امل�������������دي�������������ح ت�����������ض�����������رع ودع������������������اء‬

‫أدع��������������وك ع�������ن ق������وم������ي ال������ض������ع������اف ألزم�������ة‬

‫ف�����������ي م������ث������ل������ه������ا ي������ل������ق������ى ع������ل������ي������ك رج�����������اء‬

‫وإذا‬

‫رح���������م���������ت‬

‫ف���������أن���������ت‬

‫أم‬

‫أو‬

‫ ‬

‫‪76‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫قصائد ش��عرية‬

‫أين منا اإلبداع‬

‫هبة عياد‬

‫س�������ك�������ن ال����������ب����������رق ف��������اه��������دئ��������ي ي����������ا ري����������اح‬

‫ع��������اص��������ف ال����������ب����������رق أث������ق������ل������ت������ه اجل�������������راح‬

‫م��������������ال ع�����������ن ص���������ه���������وة اجل���������������������واد ج�����������واد‬

‫ع������������رب������������ي وف������������������ي ي������������دي������������ه ال������������رم������������اح‬

‫ه������ل ه��������دى ال����ن����س����ر م������ن ش�����م�����وخ ال����ت����ح����دي‬

‫أم ط���������������وت ه��������م��������ه ال���������ن���������س���������ور ري�����������اح‬

‫أي��������������ن م�����������ن روع�����������������ة ال�������ك�������ت�������اب�������ة ف����ي����ض‬

‫وم���������������ع���������������ان م���������������ن ال������������ب������������ي������������ان م�����ل����اح‬

‫أي����������������ن ع��������ي��������ن��������اك وال���������ك���������ت���������اب���������ة ق����ف����ر‬

‫أي������������ن م�����ن�����ه�����ا ال�������ن�������زي�������ف أي������������ن اجل������������راح‬

‫ه����������ل ع�������ل�������ى ال�������غ�������ص�������ن ب������ل������ب������ل ف����ي����غ����ن����ي‬

‫أم ع�������ل�������ى ال�������غ�������ص�������ن م��������ص��������رة ون�������������واح‬

‫أي������������ن ف���������رس���������ان ع������ص������رن������ا ق���������د ت������ول������وا‬

‫وأراح����������������������������وا أق����ل���ام��������ه��������م ث�����������م راح��������������وا‬

‫س������ق������ط ال������ف������ك������ر ف���������ي ال�����������ف�����������راغ ف�����ه�����ذا‬

‫ع����������ب����������ث ض�������������ائ�������������ع وه�������������������������ذا ص��������ي��������اح‬

‫وت����������ب����������دت ك�������ت�������اب�������ة ال�������ب�������ع�������ض رم�����������������زا ً‬

‫ف����������امل����������ض����������ام�����ي����ن‪ ‬ب�����������اه�����������ت�����������ات ك�����ل����اح‬

‫أي��������������ن م�������ن�������ا اإلب������������������������داع ح�����ي�����ن ت��������������وارى‬

‫م������ب������دع������ون������ا وامل���������ب���������دع���������ون اس�������ت�������راح�������وا‬

‫أي��������������ن ع�������ي�������ن�������اك وال������������������������رؤى ق������ائ������م������ات‬

‫أي������������ن م�����ن�����ه�����ا ال������س������ن������ا وأي��������������ن ال�����ص�����ب�����اح‬

‫ي����������ا ش������ه������ي������د ال��������ك��������ف��������اح م����������������اذا ع����ل����ي����ن����ا‬

‫إن ش�������ك�������ون�������ا ف�������ه�������ل ع������ل������ي������ن������ا ج������ن������اح‬

‫ه�������������������ذه ح�������������������ال ال�������������ع�������������روب�������������ة ع�����ج�����ز‬

‫وه�����������������������������������زال وع������������������ث������������������رة وك������������س������������اح‬

‫ت���������������اه م�����������ن أم��������س��������ه��������ا ال�����������ث�����������رى ب������ه������اء‬

‫ف����������ك����������أن ال�����������ت�����������اري�����������خ ك����������������ذب ص������������راح‬

‫أي�����������������ن امل�����������ع�����������ز أي�����������������ن إب�����������������ن وق�������������اص‬

‫أي����������������������ن ال�������������ول�������������ي�������������د أي����������������������ن ص�����ل�����اح‬

‫أي�������������ن ع�������ي�������ن�������اك واجل������������م������������وع اخ�������ت���ل���اف‬

‫ال ات������������ف������������اق وال ع�������ل�������ي�������ه ان�������ف�������ت�������اح‬

‫وامل����������������وازي����������������ن ف�����������ي األدمي اخ�������ت���ل���ال‬

‫وح������������ق������������وق ال���������ش���������ع���������وب ن��������ه��������ب م������ب������اح‬

‫وال�������ض�������م�������ي�������ر ال������ض������م������ي������ر ن�������������وم ع����م����ي����ق‬

‫وث�����������������رى األرض س���������رق���������ة واج�������ت�������ي�������اح‬

‫�����������������د وج�������������زر‬ ‫ه�����������������ذه احل���������������������ال ب������ي������ن م‬ ‫ّ‬

‫وال��������������ق��������������واف��������������ي ح��������دي��������ث��������ه��������ن ب��������������راح‬

‫ف��������اب��������ق ف���������ي ع��������ال��������م ال������ك������ت������اب������ة ن������س������راً‬

‫ب��������ي��������ن ك����������ف����������ي����������ه ن���������������اش���������������ب ج�����������������راح‬

‫ق����������د ي��������ك��������ون اخل����������ل����������ود ل������ل������ح������ر ح�����ل�����م�����اً‬

‫ب����������ل ه����������و اخل����������ل����������د ل�����ل�����ش�����ه�����ي�����د وش����������اح‬

‫ ‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪77‬‬


‫مقابالت الوسطية‬

‫لقاء خاص مع وزير األوقاف األردني‬

‫معالي الدكتور عبد السالم العبادي‬

‫حوار ‪ :‬يا�سر ابو ح�سني‬

‫التن�س��يق م�س��تمر‬ ‫ب�ين وزارة االوقاف‬ ‫واملنت��دى العامل��ي‬ ‫للو�سطية يف �سبيل‬ ‫ن�ش��ر الفكر الو�سطي‬ ‫معالي األستاذ الدكتور عبد السالم العبادي‬

‫حرصا من املنتدى العاملي للوسطية على إدامة‬ ‫أواص� ��ر ال �ت �ع��اون ب�ي�ن��ه وب�ي�ن امل��ؤس �س��ات احلكومية‬ ‫واألهلية‪ ،‬في سبيل توضيح صورة اإلسالم الصحيحة‬ ‫القائمة على احمل�ب��ة واإلع �ت��دال والتسامح ‪ ،‬فقد‬ ‫إلتقينا مبعالي وزي��ر األوق��اف الدكتور عبد السالم‬ ‫العبادي‪ ،‬في حديث صريح حول مفهوم الوسطية‬ ‫ودور وزارة االوقاف في نشر هذا املفهوم ‪.‬‬

‫• ما هو دور وزارة األوقاف في نشر الفكر الوسطي؟‬ ‫احلمد لله رب العاملني وأصلي وأسلّم على رسوله الكرمي‬ ‫وعلى آله وصحبه الطيبني الطاهرين‪.‬‬ ‫ال��ذي يرسم سياسة ه��ذه ال���وزارة ويحدد أهدافها هو‬ ‫قانونها‪ ،‬فقد نص قانون وزارة األوقاف على أهدافها بشكل‬ ‫واضح‪ ،‬وحملها مسؤولية التعريف باإلسالم على أساس من‬ ‫اإلعتدال والوسطية‪ ،‬والوسطية صفة أساسية في اإلسالم‬ ‫قال تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على‬ ‫‪78‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الناس ويكون ال��رس��ول عليكم شهيدا)‪ ،‬فبداهة التعريف‬ ‫باإلسالم يعني اإللتزام مببادئ الوسطية التي إتصف بها هذا‬ ‫الدين العظيم‪ ،‬والوسطية تعني املوقف املعتدل املتوازن بني‬ ‫مكونات احلياة اإلنسانية‪ ،‬وهذا أمر يحرص خطباؤنا ووعاظنا‬ ‫عليه من خالل منظومة متكاملة من دروس الوعظ وخطب‬ ‫اجلمعة‪ ،‬وحترص عليه الوزارة على إبرازه في نشراتها وكتبها‬ ‫ومؤمتراتها وندواتها‪ ،‬وحترص عليه ال��وزارة في توجيهاتها‬ ‫ملشاركيها في امل��ؤمت��رات العاملية‪ ،‬وه��ذا يتجلى أيضا في‬ ‫موسم احلج من خالل ما يركز عليه الوعاظ واملرشدون في‬ ‫هذا املوسم‪ ،‬فالوسطية منهج متكامل نلتزم به ونركز عليه على‬ ‫مستوى التعاون مع اجلهات الدولية املهتمة بهذا األمر‪ ،‬والذي‬ ‫ميثل املنتدى العاملي للوسطية أحد املؤسسات الكبيرة التي‬ ‫يجري تنسيق وتعاون مستمر بني الوزارة وبينها‪ ،‬نحن بحاجة‬ ‫إلى هذا الفكر نتيجة وجود اإلفراط والتفريط ليس رد فعل‬ ‫وإمنا شعوراً بالواجب وإدراكا حلجم التحديات‪ ،‬فيالحظ في‬ ‫احلداثة غير املنضبطة حالة من التفلت والدعوة للخروج‬ ‫على النصوص بحجة املصلحة وبحجة اإلنسجام مع العصر‪،‬‬ ‫ويالحظ في اجلانب اآلخر التشدد والتطرف ومحاولة فرض‬ ‫أفكار التدرك حقائق هذا الدين إدراكا صحيحا بالقوة وأساليب‬ ‫ميا تنديد ‪.‬‬ ‫القمع‪ ،‬وهذا أمر اليجوز وقد نددت به الشريعة أ ّ‬


‫واملستوى الثالث يعلّم التالوة لآلخرين بشكل سليم‪ ،‬وبحمد‬ ‫الله أصبحت دور القرآن تخ ّرج حفظة لكتاب الله على مستوى‬ ‫عال‪ ،‬ويوجد مراكز حتفيظ القرآن الصيفية التي تخرج حفظة‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب الله‪ ،‬ووزارة األوقاف لها عدد من املدارس الشرعية التي‬ ‫تقدم اإلسالم في صورته الوسطية املعتدلة ‪.‬‬

‫ر�سالة عمان تقوم على‬ ‫مبادىء الو�سطية والإعتدال‬

‫• ما هو دور وزارة األوقاف في إعداد خطباء املساجد فكريا‬ ‫وثقافيا ؟‬

‫ما هو دور الهاشميني في نشر الفكر الوسطي ؟‬ ‫كنت قد ألقيت محاضرة في أحد املؤمترات التي عقدها‬ ‫املنتدى العاملي عن دور الهاشميني في خدمة اإلس�لام‪ ،‬وقد‬ ‫استعرضت في تلك احملاضرة مسيرة طويلة للهاشميني في‬ ‫خدمة الدين العظيم وم��ب��ادىء الوسطية‪ ،‬ب��دءا من تأسيس‬ ‫أن دين الدولة الرسمي‬ ‫اململكة‪ ،‬ومرورا بدستورها الذي يعتبر ّ‬ ‫هو اإلس�لام‪ ،‬ولقد كانت اململكة س ّباقة في عملية اإللتزام‬ ‫الشرعي‪ ،‬ولقد جتلى هذا اإلمر بشكل واضح في عهد جاللة‬ ‫امللك عبدالله بن احلسني املعظم من خ�لال إص��دار رسالة‬ ‫عمان هذه الرسالة التي متثل رؤية شمولية تقوم على مبادىء‬ ‫الوسطية واإلع��ت��دال‪ ،‬واحل���رص على ال���رأي وال���رأي اآلخر‬ ‫واملعاملة املتسامحة املتميزة لغير املسلمني‪ ،‬كل هذا يؤكد على‬ ‫أن هذه الرسالة تقدم اإلسالم بشكل شامل وتبرز وسطيته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهذا املنهج لم يبق مجرد مقوالت بل أدخل إلى مناهج التربية‬ ‫والتعليم ومناهج التربية الوطنية في اجلامعات‪ ،‬فأصبحت‬ ‫عملية الوسطية منهاجاً يد ّرس ويوجه إليه اجليل‪ .‬و ملمثليات‬ ‫اإلردن ف��ي اخل���ارج دور كبير ف��ي إب���راز دور رس��ال��ة عمان‪،‬‬ ‫وصاحب اجلاللة يحرص في لقاءاته الدولية على التذكير‬ ‫برسالة عمان ودورها في التعريف بهذا الدين العظيم‪.‬‬ ‫• ماهو دور التعليم الشرعي ودور القرآن الكرمي في إعداد‬ ‫جيل يحمل الفكر الوسطي ؟‬ ‫وزارة األوق��اف بنت بنية تعليمية شمولية في إع��داد دور‬ ‫ال��ق��رآن م��ن خ�لال ب��ن��اء منهج ي��ق��وم على ث�لاث��ة مستويات‪،‬‬ ‫املستوى األول يعرف التالوة ويفهم قدر من األحكام الشرعية‬ ‫الضرورية‪ ،‬واملستوى الثاني يتقن التالوة ويعرف فقه التالوة‪،‬‬

‫وضعت وزارة األوق��اف منظومة متكاملة للتعامل مع هذا‬ ‫املوضوع‪ ،‬فال بد أوال أن يكون اخلطيب مؤه ً‬ ‫ال شرعيا وعلى‬ ‫قدر من الثقافة الشرعية‪ ،‬ونقوم بإعداد تأهيل واسع للخطباء‬ ‫من خالل ورشات عمل يجري تنظيمها ليدخلها جميع اخلطباء‪،‬‬ ‫وهذه الورشات ستحرص على التحرك في عدة محاور‪ ،‬أولها‬ ‫فنّية إع���داد اخلطبة م��ن حيث عناصرها‪ ،‬واإلس��ت��ف��ادة من‬ ‫وسائل العصر في ذلك‪ ،‬وسنركز على تقييم أداء اخلطيب من‬ ‫خالل التغذية الراجعة‪ ،‬واحملور الثاني هو التعريف مبجموعة‬ ‫كبيرة من اخلطب النموذجية التي قامت ال��وزارة بإعدادها‬ ‫حيث أختيرت موضوعات عديدة في حوالي ثمانني خطبة‬ ‫ويجري اآلن إعداد ستني خطبة أخرى لتغطي كل آفاق احلياة‬ ‫كعقائد اإلس�لام وعباداته‪ ،‬وأم��ور احلياة امللحة‪ ،‬واملشكالت‬ ‫التي يتعرض لها املجتمع مثل امل��خ��درات وح���وادث السير‪،‬‬ ‫إلى غير ذلك من القضايا التي ينبغي أن يكون للخطيب دور‬ ‫في توضيحها‪ ،‬أما احملور الثالث في ورشات العمل سيكون‬ ‫محور التعريف بالتحديات الفكرية وخاصة الفكر املتطرف‬ ‫وما سببه للجيل من نكسات‪ ،‬وسنقدم الدراسات التي متكن‬ ‫اخلطيب من إقناع اآلخرين ومواجهة أي شبهات من خالل‬ ‫منطق يقوم على احلجة والبرهان والدليل الشرعي ‪.‬‬ ‫• هل من كلمة توجهونها جليل الشباب ؟‬ ‫إن‬ ‫نر ّكز على ما ر ّكز عليه صاحب اجلاللة وهو التعليم‪ّ ،‬‬ ‫بناء ه��ذا اجليل يقتضي بناء معرفة علمية سليمة شاملة‪،‬‬ ‫فالبد لهذا اجليل أن يعرف الدين على حقيقته‪ ،‬وأن يكون‬ ‫مل ّما بجميع ما يتعلق بشؤون حياته‪ ،‬ويجب على الشباب أن‬ ‫يتصل بالعلماء مباشرة ألخذ املعرفة ‪.‬‬

‫ ‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪79‬‬


‫مقابالت الوسطية‬ ‫لقاء خاص مع عضو املجلس الوطني اجلزائري‬

‫الدكتور عاشوري عبد الرزاق‬ ‫حوار ‪ :‬يا�سر ابو ح�سني‬

‫يج��ب �إيج��اد امل�س��احات‬ ‫امل�ش�تركة الت��ي ته��دف �إىل‬ ‫حتقيق املقا�ص��د الكربى للأمة‬ ‫الدكتور عاشوري عبد الرزاق‬ ‫• كيف تنظرون إل��ى مفهوم الوسطية ال��ذي ي�ن��ادي به‬ ‫• هل ترون اجلزائر بحاجة إلى الفكر الوسطي في هذا‬ ‫املنتدى العاملي للوسطية ؟‬ ‫الوقت بالذات ؟‬ ‫إن مفهوم الوسطية الذي ينادي به املنتدى من وحي الدين‬ ‫اإلسالمي األصيل املتفتح ال��ذي يعمل على تثبيت املبادىء‬ ‫األساسية لألمة األسالمية الواضحة في منطلقاتها واملتفق‬ ‫عليها بوحي القرآن الكرمي والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬وفي نفس‬ ‫الوقت يحث على إيجاد املساحات املشتركة التي تهدف الى‬ ‫حتقيق املقاصد الكبرى لألمة بعيدا‪ ،‬عن اخلالفات الضيقة‬ ‫واألراء السطحية البسيطة في أطروحاتها‪ ،‬إنها وسطية‬ ‫حقة تبني الفكر املتميز في عمقه والشخصية املتوازنة بكل‬ ‫أبعادها‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫إن اجلزائر كباقي األوطان العربية واإلسالمية والدولية‬ ‫في حاجة الى الفكر الوسطي في الوقت احلاضر أكثر من‬ ‫اي وقت‪ ،‬فإذا كانت اجلزائر في حاجة له بغية جتاوز األزمة‬ ‫التي مرت بها خالل العشرية الدموية السابقة‪ ،‬فهي تبقى‬ ‫في حاجة إليه بغية احلفاظ على ما حققته من إستقرار‬ ‫وتعايش سلمي بني كل األطراف واألفكار وهذا ما جسدته‬ ‫امل��ص��احل��ة الوطنية التي آم��ن بها الشعب وذاق طعمها‪،‬‬ ‫وأي تراجع عنها سوف يولد خسارة كبيرة للوطن‪ ،‬بل إن‬ ‫الفكر الوسطي الذي حمله مجموعة من الدعاة املخلصني‬


‫العمل الذي يشتغل به ويعمل من أجله بوضوح ودقة‪ ،‬وهذا‬ ‫يتجلى من خالل األعمال التي يقوم بها وامللتقيات واملؤمترات‬ ‫التي ينظمها‪ ،‬إنه مشروع حضاري قابل للتطور والنجاح أكثر‪.‬‬

‫املنت��دى العامل��ي للو�سطية‬ ‫م�ش��روع ح�ض��اري ناج��ح‬

‫• هل لكم بكلمة أخيرة لق ّراء املجلة ؟‬

‫وأص��ب��ح واق��ع��اً معاشاً ال ميكن التراجع عنه ال م��ن طرف‬ ‫األفراد وال اجلماعات وال احلركات وال حتى السلطة‪ ،‬ألن‬ ‫نتائجه المسها اجلميع إن على مستوى السلطة أو املعارضة‪،‬‬ ‫بل نسعى ال��ى أن يصبح الفكر الوسطي هو ال��رائ��د وهو‬ ‫الثقافة السائدة في وطننا املفدى ‪.‬‬ ‫• كيف تق ّيمون جتربة املنتدى العاملي للوسطية في نشر‬ ‫الفكر الوسطي ؟‬ ‫املنتدى العاملي للوسطية جتربة من التجارب في العشرية‬ ‫األولى من االلفية الثالثة‪ ،‬في رحاب الفكر اإلسالمي املعاصر‬ ‫املعتدل الذي تبناه الكثير من املفكرين السابقني واحلاليني‬ ‫منهم‪ ،‬مالك بن نبي‪ ،‬محمد الغزالي‪ ،‬الشيخ محفوظ نحناح‬ ‫رحمة الله عليهم جميعا‪ ،‬لقد حدد املنتدى بشكل أكثر إطار‬

‫علينا أن نشجع ك��ل ف��رد وك��ل مجموعة فاعلة ج��ادة في‬ ‫أطروحاتها وأعمالها‪ ،‬بعيدا ع��ن ال��دخ��ول ف��ي الصراعات‬ ‫الهامشية التي ال تأتي بأي نتيجة لصالح الفرد واملجموعة‪،‬‬ ‫عليكم باملساهمة اإليجابية في إجناح أي مشروع دعوي يعمل‬ ‫م��ن أج��ل إي��ص��ال رس��ال��ة النبوة ورس��ال��ة اخللفاء الراشدين‬ ‫والتابعني‪ ،‬ولكن باسلوب حضاري وفكر وسطي متميز‪ ،‬كما‬ ‫يعمل املنتدى العاملي للوسطية من إج��ل إشاعة ه��ذا الفكر‬ ‫في وسط أبناء امتنا‪ ،‬أملنا أن نلتقي مع مجموع أبناء أمتنا‬ ‫في رح��اب الفكر اإلسالمي املعاصر والعمل املتميز والفكر‬ ‫الوسطي‪ ،‬متنياتي اخلالصة لطاقم املجلة وق ّرائها بالنجاح‬ ‫واملزيد من العمل املتميز الصادق الهادف‪ ،‬وبارك الله فيكم‬ ‫جميعا ‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪81‬‬


‫نشاطات الوسطية‬ ‫تقرير حول إنجازات منتدى الوسطية‬ ‫عن شهر كانون الثاني ‪ 2010‬م‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للوسطية بالتعاون مع‬ ‫مجلة ح��راء التركية في املركز الثقافي امللكي ي��وم السبت‬ ‫‪ 2010/1/16‬ندوة بعنوان «رؤى معاصرة لإلصالح ودورها في‬ ‫تعزيز السالم العاملي‪ ،‬جتربة فتح الله كولن أمنوذجا»‪ ،‬وقال‬ ‫رئيس املنتدى العاملي للوسطية رئيس حزب األمة السوداني‬ ‫الصادق املهدي في اجللسة اإلفتتاحية أن املصلح فتح الله‬ ‫كولن ساهم بتجربة ثرية حتاشت النزاع على السلطة وركزت‬ ‫على كسب العقول والقلوب وبسط اخل��دم��ات اإلجتماعية‬ ‫وتشبيك املصالح احلياتية للناس‪ ،‬وأش��ار ال��ى ان التجربة‬ ‫الكولونية وما م ّهد إليها من إجتهادات جتد ترحيبا وتقديرا‬ ‫ألسباب أهمها اجلهاد الذي هو ذروة سنام اإلسالم واقترن‬ ‫في كثير من األذهان بالقتال‪ ،‬لكنه أوسع ويشمل جهاد النفس‬ ‫واجلهاد املدني ‪.‬‬ ‫م��ن جانبه ق��ال رئيس ال��وف��د التركي امل��ش��ارك مصطفى‬ ‫أوزج����ان أن ال��س��ي��رة ال��ن��ب��وي��ة ال��ش��ري��ف��ة ح��ل أس��اس��ي لكافة‬ ‫مشكالتنا‪ ،‬وهي الفترة التي سعدت بها األرض حيث إحتوت‬ ‫على حلول لكل املشاكل التي تواجهها‪ ،‬واصفا الرسول الكرمي‬ ‫صلوات الله عليه وسلم بإن األرض هي مسجده واملدينة املنورة‬ ‫محرابه التي ألقى منها خطبا لكل اإلنسانية‪،‬وتناول أوزجان‬ ‫القبول الروسي لألفكار اإلسالمية التي تنطلق من التعليم‬ ‫كأساس لتحقيق الرؤى اإلسالمية احلقيقية للبشرية‪ ،‬إنطالقا‬ ‫من الفطرة واجلوهر التي هي في إعماق البشرية جمعاء التي‬ ‫تؤمن باخلير‪.‬‬ ‫وأشاد أمني عام املنتدى املهندس مروان الفاعوري بالتجربة‬ ‫التركية التي قادها فتح الله كولن إلقامة صرح للروح يكون بناء‬ ‫شامخا ترتوي منه اإلنسانية‪ ،‬مؤكدا في الوقت ذاته بأن قوة‬ ‫االميان مبدلول الكلمة لدى كولن تعبير عن الصدق األبهى مع‬ ‫الله والذات في استلهام املشاعر اإلنسانية‪ ،‬وقال إنه قرأ واقع‬ ‫أمته وأمعن النظر فيه‪ ،‬فأيقن أنه ال بد من والدة جديدة لهذه‬ ‫األمة‪ ،‬تستعيد بها نهضتها وتعود بها الى سابق عزها‪ ،‬بعد أن‬ ‫ضحى املسلمون بدينهم (مصدر عزتهم) في سبيل دنياهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأضاف أن اجلديد لدى الداعية اإلسالمي كولن أنه قرأ ملياً‬ ‫واقع العالم كله واختط لنفسه منهجاً قدم فيه أولوية اإلصالح‬ ‫اإلجتماعي والتربوي واإلقتصادي على الصراع السياسي‪،‬‬ ‫فلم يستنزف جهده في الصراع السياسي كأولوية وهدف كما‬ ‫استنزف كثيرون في جتاربهم املريرة طاقاتهم وطاقات أمتهم‪،‬‬ ‫مما أدى الى إنفراط العقد السياسي لألمة وإضعافها عند‬ ‫‪82‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫مواجهة التحديات‪.‬‬ ‫وحت��دث رئيس جامعة صنعاء الدكتور خالد الطميم عن‬ ‫جتربة كولن الذي استطاع أن ينهج منهجا علميا مميزا بحيث‬ ‫د ّرس النظرية اإلسالمية الصاحلة لكل زمان ومكان متجردا‬ ‫من اإلنغالق واإلنكفاء‪ ،‬وتطرق إلى فلسفته في إفهام الدين‬ ‫اإلس�لام��ي الصحيح للبشرية م��ن خ�لال امل����دارس النوعية‬ ‫التي انشأها داخل وخ��ارج تركيا بحيث انفتحوا على الدول‬ ‫اإلسالمية وغير اإلسالمية إلق��ن��اع العالم أنها ق���ادرة على‬ ‫اإلبداع واإلنتاج العلمي»‪ .‬وختم كلمته باإلشارة الى أن التجربة‬ ‫الكولونية لم تنظر نظرة أنانية بل شمولية للشعوب اإلسالمية‬ ‫التي وجد أن لديها إبداعا حقيقيا ميكن أن يحدث التغيير‪،‬‬ ‫مبينا أن الدين اإلسالمي أنقى االديان وأفضلها غير أننا لم‬ ‫ند ّرس ديننا كما هو بل إجتهنا الى القشور في حني أن الغرب‬ ‫إجته الى اجلوهر‪.‬‬ ‫الداعية اإلسالمي الدكتور محمد راتب النابلسي أكد على‬ ‫أهمية الدعوة التركية التي سماها بالدعوة الصادقة ألنها‬ ‫إستطاعت أن تقنع الطرف األخر بالدين اإلسالمي وفلسفته‬ ‫في احل��ي��اة‪ ،‬وأض��اف ال��ى أن معنى اجلهاد ال��ذي يقفز الى‬ ‫الذهن هو القتال غير أن ثمة جهاد دعوي وجهاد النفس‪ ،‬وإذا‬ ‫جنحنا في ذلك فإننا سننجح في اجلهاد القتالي‪.‬‬ ‫وعقد املشاركون في الندوة أرب��ع جلسات عمل‪ ،‬ناقشت‬ ‫جوانب مهمة من جتربة فتح الله كولن اإلصالحية حيث شهدت‬ ‫اجللسة التي ترأسها وزي��ر األوق���اف وال��ش��ؤون واملقدسات‬ ‫اإلسالمية الدكتورعبد السالم العبادي أوراق عمل حول (فتح‬ ‫الله كولن‪ ...‬الشخصية والرؤية) للدكتور نوزاد صواش ‪ /‬تركيا‪،‬‬ ‫و(معرفة التاريخ واحداث النهضة من منظور فتح الله كولن)‪،‬‬ ‫للدكتور سليمان عشراتي‪ /‬اجلزائر‪ ،‬و(الرؤية التربوية عند‬ ‫فتح الله كولن)‪ ،‬للدكتور سمير بودينار‪/‬املغرب‪ ،‬و(الوسطية‬ ‫في فكر فتح الله كولن) للدكتور األحمدي أبو النور ‪ /‬وزير‬ ‫األوقاف السابق في جمهورية مصر العربية‪.‬‬ ‫وناقشت اجللسة الثانية من الندوة التي ترأسها األستاذ‬ ‫فهد أبوالعثم من األردن أوراق عمل (أولويات اإلص�لاح بني‬ ‫مدرسة فتح الله كولن والتيارات اإلسالمية املعاصرة) للدكتور‬ ‫موفق دعبول ‪ /‬سوريا‪ ،‬و(املراحل السبع في حتويل املعرفة‬ ‫إلى سلوك عند فتح الله كولن) للدكتور محمد بن موسى بابا‬ ‫عمي ‪ /‬اجل��زائ��ر‪ ،‬و(منهج فتح الله كولن في ق��راءة السيرة‬ ‫النبوية) للدكتور مأمون جرار ‪ /‬األردن‪.‬‬


‫نشاطات الوسطية‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للوسطية محاضرة يوم‬ ‫األحد ‪ 2010/1/17‬بعنوان(دور التجديد في حركة اإلصالح)‬ ‫أل��ق��اه��ا ال��داع��ي��ة اإلس�لام��ي ال��دك��ت��ور محمد رات���ب محمد‬ ‫النابلسي ‪ ،‬وتطرق الداعية في احملاضرة وبحضور عدد كبير‬ ‫من اجلمهورجتاوز األل��ف من مختلف الفئات واألعمار إلى‬ ‫مفهوم الصالة ‪ ،‬وأض��اف أن الصالة يتقبلها الله من عبده‬ ‫الذي تواضع له ولم يصر على املعصية وأطعم اجلائع وآوى‬ ‫الغريب وغيرها من األعمال الصاحلة التي نادى بها إسالمنا‪،‬‬ ‫م��وردا في الوقت ذاته عددا من اآلي��ات الكرمية واألحاديث‬ ‫النبوية الشريفة والقصص والعبر اإلميانية التي تدلل على‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫ولفت النابلسي في حديثه إل��ى األمي��ان وح�لاوت��ه وكيف‬ ‫يستطيع اإلنسان املسلم أن يتلذذ به من خالل أمور يقوم بها‬ ‫منها أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممن س��واه‪ ،‬وأن يحب‬ ‫املرء ما يحبه الله ‪.‬‬ ‫وفي رده على سؤال أحد احلاضرين حول مفهومه اخلاص‬ ‫ملعنى الوسطية قال بأن من معاني الوسطية القوة والكمال‬ ‫واإلعتدال‪ ،‬فالله سبحانه وتعالى جعل ديننا اإلسالمي مبنياً‬ ‫على عقائد وعبادات ومعامالت وأخالق‪ ،‬والوسطية أن يرتوي‬ ‫املؤمن من كل جانب‪ ،‬ال أن يأخذ من شيء على حساب آخر‪،‬‬ ‫فإن إكتفى بجانب وترك اآلخر كان هذا اإلنسان متطرفاً‪.‬‬ ‫وفي نهاية حديثه وجه الداعية النابلسي رسالة للشباب‬ ‫الذين يريدون التغيير وال يستطيعون حيث قال بأن الله ال‬ ‫يكلف نفسا إال وسعها‪ ،‬فالدين فردي وإجتماعي ومن طبقه‬ ‫كفرد فهو محاسب ع��ن نفسه وم��ن طبقه كمجتمع بأكمله‬ ‫فاملجتمع محاسب عن نفسه‪ ،‬وحتى نصل للتغيير علينا تطبيق‬ ‫منهج الله في حياتنا سواء كان في أنفسنا أو بيوتنا أو عملنا‬ ‫وغيرها الكثير من مناحي احلياة‪.‬‬ ‫الوسطية ‪-‬ضمن سلسلة احملاضرات التي يعقدها املنتدى‬ ‫العاملي للوسطية بالتعاون مع جمعية مجددون اخليرية التنموية‪،‬‬ ‫ألقى الطبيب واملستشار النفسي الدكتور عبد الرحمن الذاكر‬ ‫محاضرة بعنوان “الطابور السادس”‪.‬‬ ‫واستهل الدكتور الذاكر محاضرته التي عقدت يوم السبت‬ ‫‪ 2010/1/9‬في املركز الثقافي امللكي بتعريف شامل ملفهوم‬ ‫الطابور السادس وأن��ه عبارة عن أن��اس يخدمون العدو من‬ ‫دون قصد‪.‬‬ ‫وأضاف أن هناك أربعة أسباب وراء ظهور هذه الفئة من‬ ‫الناس مدعماً لها ببعض األمثلة الواقعية من احلياة أولها‬ ‫التربية البعيدة عن تعزيز القيم واملنسلخة عن غرس مفاهيم‬ ‫الهدف والهوية والغاية‪ ،‬وثانيها التعليم في املسجد واملدرسة‬ ‫واجلامعة حيث أن التعليم أصبح يخرج أناساً كأجهزة إلكترونية‬ ‫مليئة باملعلومات لكنها بعيدة عن األخالق والقيم‪ ،‬وثالثها سوق‬ ‫العمل فقد انتشرت البطالة املقنعة‪ ،‬وأصبح املوظف يعمل‬ ‫فقط من أجل جمع املال متناسياً قيمة البناء واإلستخالف‬ ‫في األرض‪ ،‬إلى جانب اإلنبهار بالنجاح “الغربي”‪ ،‬وأخيرا‬ ‫اإلغتراب وفكرة “الفردوس املستعار”‪.‬‬

‫الوسطية ‪-‬عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة فرع‬ ‫إربد يوم السبت املوافق ‪ 2010/1/23‬في مقره ندوة بعنوان‬ ‫“إهتمام اإلسالم بالبيئة”‪.‬‬ ‫وقال رئيس فرع إربد األستاذ يوسف امللكاوي إن املنتدى‬ ‫بفكره املعتدل والوسطي يتناول كافة القضايا التي تهم األمة‬ ‫واألفراد ومن هذه القضايا نظرة اإلسالم املعتدلة واملتوازنة‬ ‫إلى البيئة والتي أكد فيها على ضرورة إيجاد بيئة نظيفة ألن‬ ‫النظافة من اإلميان‪.‬‬ ‫م��ن جهته ق��ال ال��دك��ت��ور أح��م��د بني س�لام��ة أن اإلسالم‬ ‫سبق جميع األنظمة في تأكيده على املفهوم الواسع للبيئة‬ ‫واحملافظة عليها وأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء بقدر‬ ‫وتوازن وحكمة مشيرا إلى أن هناك نوعني من التلوث البيئي‬ ‫هما املادي واملعنوي ‪.‬‬ ‫مدير بيئة محافظة إربد املهندس خلف العقله حتدث في‬ ‫كلمته عن عناصر البيئة األساسية وعالقتها بالتوزيع السكاني‬ ‫في األردن وقدم شرحا مفصال عن ما تخلفه املواد البالستيكية‬ ‫واملبيدات الكيماوية واألسمدة العضوية من أضرار كبيرة على‬ ‫البيئة‪ ،‬مؤكدا في الوقت ذات��ه على ض��رورة احملافظة على‬ ‫الغابات التي تساعد على تنقية الهواء امللوث الفتا إلى دور‬ ‫امل��رأة واملنظمات غير احلكومية في مجال احملافظة على‬ ‫البيئة‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة فرع أربد‬ ‫يوم الثالثاء املوافق ‪ 2010/1/5‬محاضرة بعنوان “الوسطية‬ ‫واإلع��ت��دال والتعايش الديني” ألقاها رئ��ي��س ف��رع املنتدى‬ ‫األستاذ يوسف ملكاوي‪.‬‬ ‫وبدأ رئيس فرع إربد يوسف ملكاوي كلمته في احملاضرة‬ ‫التي عقدت ف��ي ن��ادي حطني باملنشية ‪/‬الشونة الشمالية‬ ‫بحضور ع��دد من أبناء احملافظة ووجهائها‪ ،‬باحلديث عن‬ ‫الوسطية معرفا إياها بأنها األفضل‪ ،‬وأنها العقالنية واإلعتدال‬ ‫فال إفراط وال تفريط وال غلو وال تقصير‪ ،‬حيث أن الوسطية‬ ‫هي في كل ش��يء في السلوك والشعائر واإلن��ف��اق والقضاء‬ ‫والزمان وغيرها الكثير من األمور‪ ،‬مستشهدا في الوقت ذاته‬ ‫بذكر عدد من اآلي��ات القرآنية واألحاديث النبوية الشريفة‬ ‫التي تؤكد على ما ذكر سابقا‪.‬‬ ‫وأضاف بأن التسامح والتعايش الديني أمر ضروري وأن‬ ‫حقيقة التعايش يجب أن تقوم على مبدأ احلوار اإليجابي بني‬ ‫األفراد والذي ينم عن اإلحترام املتبادل ‪.‬‬ ‫وأشارامللكاوي إلى أن تاريخ املسلمني حافل بهذا التعايش‬ ‫وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم مليئة باألمثلة ضاربا‬ ‫أروعها عندما هاجر رس��ول الله عليه الصالة والسالم إلى‬ ‫املدينة املنورة فكانت املؤاخاة بني املهاجرين واألنصار‪ ،‬حيث‬ ‫نصت الوثيقة التي أبرمت فيما بينهم على الكثير من احلقوق‬ ‫والواجبات التي كفلت لكال الطرفني احلياة اآلمنة املستقرة‪،‬‬ ‫وتطرق إلى أن اإلسالم قد ح ّرم التكفير ملا له من آثار سلبية‬ ‫على املجتمع وعلى األفراد متطرقا ألسباب ظهوره والنتائج‬ ‫املترتبة عليه في ذات الوقت‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪83‬‬


‫نشاطات الوسطية‬ ‫تقرير حول إنجازات منتدى الوسطية عن شهر شباط ‪2010‬م‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد في مقر الوسطية للفكر والثقافة بعمان‬ ‫إجتماع لرؤساء فروع منتدى الوسطية برئاسة األستاذ الدكتور‬ ‫محمد اخلطيب‪ ،‬وبحضور كل من يوسف ملكاوي رئيس فرع‬ ‫إربد‪ ،‬والدكتور إبراهيم جت رئيس فرع الرمثا‪ ،‬والدكتور صالح‬ ‫اخلواطرة رئيس فرع مأدبا‪ ،‬وغسان حميمات رئيس فرع الكرك‪،‬‬ ‫و مليس العتوم رئيسة فرع جرش‪ ،‬ومت في اإلجتماع الذي عقد‬ ‫يوم السبت املوافق ‪ 2010/2/13‬إقرار خطة للنشاطات السنوية‬ ‫للفروع‪ ،‬واإلتفاق على قيام جميع الفروع بعمل يوم طبي مجاني‬ ‫للمواطنني كل في مناطقهم‪ ،‬وكذلك يوم للمعاقني سمعيا بالتعاون‬ ‫مع اجلمعية األردنية للسمع والنطق باإلضافة إلى عمل تطوعي‬ ‫إجتماعي يقام مبناسبة عيد اإلستقالل في كل منطقة‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬إلتقى األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية‬ ‫املهندس م��روان الفاعوري بالسيد علي أبو بكر عضو املكتب‬ ‫السياسي حلزب اإلحتاد اإلسالمي الكردستاني ووزير الدولة‬ ‫األسبق في حكومة إقليم كردستان‪ ،‬يوم السبت ‪2010/2/27‬‬ ‫في مقر املنتدى العاملي في عمان‪ ،‬ودار احلديث ح��ول رغبة‬ ‫الضيف في التعرف على أنشطة املنتدى العاملي‪ ،‬ورغبته في‬ ‫أن يكون هنالك تعاون مشترك بني اجلانبني‪ ،‬وتطرق احلديث‬ ‫إلى القضية الكردية وحق األكراد في املطالبة بحقوقهم كاملة‪،‬‬ ‫كبقية شعوب االرض‪ ،‬وق��د أب��دى الضيف إعجابه بإجنازات‬ ‫املنتدى العاملي للوسطية‪ ،‬واتفاقه مع ما ميثله املنتدى العاملي‬ ‫من توجهات فكرية وسطية تسهم في إنقاذ االم��ة اإلسالمية‬ ‫من براثن التطرف‪ ،‬وشكر الضيف املنتدى العاملي للوسطية‬ ‫على استضافته للطالب األك��راد الدارسني في جامعة العلوم‬ ‫اإلسالمية ‪.‬‬ ‫م��ن جانبه رح��ب املهندس م���روان ال��ف��اع��وري األم�ين العام‬ ‫للمنتدى العاملي للوسطية بالضيف الكرمي ‪ ،‬مؤكداً على حق‬ ‫الشعب الكردي في السعي للحصول على كامل حقوقه‪ ،‬وتأكيده‬ ‫على أن ه��ذا الشعب م�� ّر في املاضي بظلم مجحف‪ ،‬وأن��ه آن‬ ‫األوان أن يحصل على كافة حقوقه ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬مبناسبة ذكرى املولد النبوي الشريف عقدت‬ ‫جلنة امل���رأة ف��ي منتدى الوسطية للفكر والثقافة محاضرة‬ ‫للداعية اإلسالمية خولة عابدين‪ ،‬تناولت فيها قصة سيدة كان‬ ‫لها األثر العميق في نفس وحياة رسول الله وأمة اإلسالم جميعا‬ ‫أال وهي خير نساء أهل اجلنة السيدة خديجة رضي الله عنها‪،‬‬ ‫بدأت عضو منتدى الوسطية السيدة رويدة رياالت احملاضرة‬ ‫التي عقدت يوم اخلميس املوافق ‪ 2010/2/25‬بكلمة رحبت‬ ‫فيها باحلضور الكرمي و بالداعية عابدين مقدمة نبذة مختصرة‬ ‫عن السيرة العملية لها‪ ،‬و حتدثت الداعية عابدين عن نشأة‬ ‫السيدة خديجة ونسبها وصفاتها احلميدة التي كانت تتحلى بها‬ ‫حيث كانت تلقب بالطاهرة العفيفة العاقلة احلكيمة‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬شارك منتدى الوسطية للفكر والثقافة فرع إربد‬ ‫في برنامج احلوار الذي نظمه املجلس األعلى للشباب بالتعاون‬ ‫مع مديرية شباب جرش ومديرية األندية والهيئات الشبابية‬ ‫‪84‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫بعنوان «التعايش الديني ‪ ،‬اإلسالم دين الوسطية واإلعتدال»‪،‬‬ ‫وذلك يوم السبت املوافق ‪ 2010/2/20‬في نادي جرش الرياضي‬ ‫‪ ،‬مبشاركة األندية الشبابية في محافظات الشمال والبادية‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى وسطية إربد يوم اخلميس املوافق‬ ‫‪ 2010/2/11‬محاضرة بعنوان مضامني رسالة عمان‪ ،‬وقال‬ ‫رئيس فرع إربد يوسف ملكاوي أن رسالة عمان ب ّينت أن األصل‬ ‫في اإلس�لام هوالسالم‪ ،‬واحل��رب ال تكون إال للضرورة و أن‬ ‫اإلسالم ال يقاتل غير املسلمني إال إذا حاربوا دعوته واعتدوا‬ ‫على أرضه‪ ،‬وأضاف أن أهداف احلرب عند غير املسلمني هي‬ ‫أهداف عبثية أما اإلسالم فأهدافه نبيلة‪ ،‬مفرقا في الوقت ذاته‬ ‫بني مفاهيم اإلرهاب واجلهاد‪ ،‬و أشارالدكتور فكري الدويري‬ ‫من جامعة إربد األهلية في كلمته إلى بعض القيم التي أكدت‬ ‫عليها رسالة عمان ومنها حقوق اإلنسان والسالم والوسطية‬ ‫واإلع��ت��دال و قيم ال��ع��دل واإلن��ص��اف مستذكرا بعض اآليات‬ ‫القرآنية و األحاديث النبوية املتعلقة بذلك‪ ،‬من جهتها حتدثت‬ ‫األستاذة عواطف الشوبكي في الندوة التي أدارتها عن الوسطية‬ ‫مبعناها الشامل مردفة في ذات الوقت محاور رسالة عمان‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬إحتفا ًء بعيد ميالد جاللة امللك عبد الله الثاني‬ ‫عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة ف��رع إرب���د‪ ،‬محاضرة‬ ‫بعنوان(دور البلديات في تنمية املجتمع احمللي) ‪،‬وقال رئيس‬ ‫بلدية الوسطية عماد العزام في كلمته التي ألقاها بحضور عدد‬ ‫كبير من أهالي بلدة الوسطية ومحافظة إرب��د‪ ،‬أن البلديات‬ ‫تعتبر الصورة األساسية التي تعبر عن املشاركة الشعبية ومدى‬ ‫مساهمة املواطن في تنمية املجتمع احمللي من خالل رؤساء‬ ‫وأعضاء املجلس البلدي املنتخب من الشعب وه��ذا يع ّبر عن‬ ‫درج��ة عالية م��ن النهج الدميقراطي ال��ذي انتهجته القيادة‬ ‫الهاشمية الرشيدة‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬ألقى فضيلة الشيخ جمال السفرتي عضو‬ ‫املنتدى العاملي للوسطية محاضرة بعنوان (القدس في عيون‬ ‫الهاشميني) وذل��ك في قاعة امل��رح��وم املهندس أحمد قطيش‬ ‫األزايدة في محافظة مأدبا يوم السبت ‪2010/2/6‬م ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬ص��در م��ؤخ��را ع��ن املنتدى العاملي للوسطية‬ ‫العدد األول من السنة الثالثة ملجلة الوسطية‪ ،‬املجلة اإلسالمية‬ ‫املستقلة التي تصدر بشكل دوري وتضم باقة مميزة من املقاالت‬ ‫والدراسات اإلسالمية والتي تعنى بالغالب بالوسطية اإلسالمية‬ ‫والفكر املعتدل‪.‬‬ ‫تصدر غالف هذا العدد عناوين بارزة للندوة الدولية‬ ‫وقد ّ‬ ‫التركية‪ ،‬التي عقدت الشهر املاضي بالتعاون مع مجلة حراء‬ ‫التركية بعنوان” رؤى معاصرة لإلصالح اإلسالمي ودورها في‬ ‫تعزيز السالم العاملي”‪ ،‬تستعرض التجربة التركية في اإلصالح‬ ‫متمثلة بتجربة فتح الله كولن كنموذج لها‪ ،‬وق��د ش��ارك في‬ ‫الورشة الدولية نخبة كبيرة من األساتذة واألكادمييني كل في‬ ‫مجاله يتناول من خالل مشاركته مشاهداته وانطباعاته حول‬ ‫جتربة فتح الله كولن‪.‬‬

‫ ‬


‫نشاطات الوسطية‬ ‫تقرير حول إنجازات منتدى الوسطية عن شهر آذار ‪2010‬م‬ ‫الوسطية ‪ -‬إفتتح املنتدى العاملي للوسطية ي��وم اخلميس‬ ‫‪ 2010/3/4‬فرعه العربي السادس في العاصمة اليمنية صنعاء‬ ‫ضمن فعالية إحتفالية أقيمت حتت شعار «دور اخلطاب الوسطي‬ ‫في نهضة األمة»‪.‬‬ ‫وقال األمني العام ملنتدى الوسطية املهندس م��روان الفاعوري‬ ‫في كلمته خالل اإلفتتاح الذي حضره ما يزيد عن (‪ )150‬شخصية‬ ‫سياسية وفكرية‪ ،‬أن املنتدى العاملي للوسطية يدعوإلى نهج النبوة‬ ‫القائم على العدل وحت ّري الصواب واملصلحة العامة والدفاع عن‬ ‫احلقوق دون إفراط أو تفريط والبعد عن أشكال ومناهج التطرف‬ ‫والغلو خدمة لعقيدة األمة ومستقبلها‪.‬‬ ‫وق��ال ال��ف��اع��وري أن الوسطية منهج ت��راض وطني ب�ين فئات‬ ‫املجتمع الواحد ينبع من الثقة بالله ودينه ورسوله ونصرة املظلوم‬ ‫ضد الظالم‪ ،‬الفتا في الوقت ذات��ه إلى دور اليمن وما قدمه من‬ ‫أمنوذج طيب في جتاوز األزمات والصراعات بالفكر املستنير بني‬ ‫أبنائه ونضوجهم السياسي والفكري مبا مكنهم من استشراف‬ ‫مخاطر قوى التطرف ومشاريعها التدميرية لكل مقومات احلياة‪.‬‬ ‫من جهته أك��د معالي وزي��ر األوق��اف واإلرش���اد اليمني فضيلة‬ ‫القاضي حمود الهتّار أن الوسطية مطلب األم��ة اإلسالمية وأن‬ ‫اليمن سيظل م��درس��ة الوسطية رغ��م م��ح��اوالت وس��ائ��ل اإلعالم‬ ‫استغالل بعض امل��واق��ف واألح���داث ل�لإس��اءة لليمن‪ ،‬كما حتدث‬ ‫الدكتور أحمد نوفل وبينّ الدور الكبير الذي يقع على عاتق األمة‬ ‫اليوم في تقدمي اإلس�لام بصورته احلقيقية الناصعة بعيدا عن‬ ‫تأويل الغالني وحتريف احملرفني املف ّرطني‪ ،‬كما قام كل من األستاذ‬ ‫منتصر ال��زي��ات والدكتور محمد حبش بتقدمي تعريف باملنتدى‬ ‫العاملي تأسيسا وفكريا وأه��داف��ه في إرس��اء فكر مستنير يحمل‬ ‫مقومات النهوض باألمة ويقوم على أدب اإلختالف واحترام الرأي‬ ‫اآلخر والتمسك بأدب اإلعتدال واجلدال بالتي هي أحسن‪.‬‬ ‫وق��د ج��رى تشكيل هيئة إداري���ة لفرع املنتدى باليمن برئاسة‬ ‫الدكتور داود احلدابي‪ ،‬والدكتور عبد السالم املجيدي نائبا له‪،‬‬ ‫والدكتورأحمد الدغشي ناطقا إعالميا‪ ،‬والدكتور محمد احملجري‬ ‫أمينا للسر‪ ،‬وك��ل من الدكتور شوقي القاضي و الدكتور أحمد‬ ‫الدغشي و الدكتور فؤاد البنا و الدكتورة ألفت الدبعي و السيد‬ ‫وض��اح عاطف والدكتورة إبتسام الظفري والسيدة ثريا العمري‬ ‫أعضاء فيه‪ ،‬ويعتبر فرع املنتدى العاملي في اليمن إضافة جديدة‬ ‫لفروع املنتدى في مصر والسودان واملغرب ولبنان والعراق والهند‬ ‫واألردن حيث املقر الرئيسي‪.‬‬ ‫من جانبه أكد األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية املهندس‬ ‫مروان الفاعوري أن املخطط اليهودي يهدف منذ األزل إلى سرقة‬ ‫التاريخ العربي وحت��دي��دا الفلسطيني‪ .‬وأض��اف خ�لال مشاركته‬ ‫ببرنامج قضايا ساخنة والذي بثته القناة الفضائية الصناعية يوم‬ ‫الثالثاء املوافق ‪ 2010/3/23‬حتت عنوان” القدس والتحديات‬ ‫الراهنة” أن املمارسات التي تنتهجها السياسة اإلسرائيلية تشير‬ ‫إلى أن مستقبل القدس يكتنفه الغموض‪ ،‬ودعا الفاعوري في الندوة‬ ‫التي أدارها األستاذ سالمة محاسنة وبحضور معالي السيد نصوح‬

‫املجالي إلى وحدة الصف الفلسطيني وخاصة القادة للوقوف صفا‬ ‫واح��دا أم��ام ه��ذه التهديدات ‪ ،‬مناشدا في الوقت ذات��ه املجتمع‬ ‫الدولي بضرورة مؤازرة ونصرة القدس وأهلها‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للوسطية يوم اجلمعة املوافق‬ ‫‪ 2010 /3/26‬في فندق األوركيدا ندوته الدولية مبشاركة خمسة‬ ‫عشر عاملا ومفكرا من اجلزائر واملغرب العربي إضافة إلى األردن‪،‬‬ ‫و ّبني أمني عام املنتدى املهندس مروان الفاعوري في كلمته التي‬ ‫ألقاها في اجللسة اإلفتتاحية للندوة التي استمرت فعالياتها ملدة‬ ‫يومني أن الوسطية ليست إختراعا مصنوعا أو وصفة أجنبية‬ ‫تخديرية تبحث عن األسهل واألرخ���ص بل هي من صميم ديننا‬ ‫اإلسالمي احلنيف ‪.‬‬ ‫من جهته إستعرض أستاذ الشريعة في اجلامعة األردنية الدكتور‬ ‫هايل الداوود مفاهيم مصطلح الوسطية‪ ،‬مبينا أن مشروع الوسطية‬ ‫يعني العدالة واجل���ودة واألف��ض��ل في كل ش��يء وال يعني املنطقة‬ ‫الوسطى التي تربط بني طرفني أو يقسم احلق نصفني ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬من أجل إنطالقة جديدة وكبيرة للمنتدى العاملي‬ ‫للوسطية فقد انتقل إلى مقره اجلديد الدائم الكائن في (مجمع‬ ‫كركاس سنتر) في شارع امللكة رانيا العبدالله قرب ما يعرف باشارة‬ ‫الدوريات اخلارجية ‪،‬وقال االمني العام املهندس مروان الفاعوري‬ ‫في تصريح له أن املقر اجلديد مؤهل لتنظيم أنشطة املنتدى وزيادة‬ ‫فعالياته وأثره في املجتمع األردني واملجتمعات العربية واإلسالمية‬ ‫‪،‬ويضم املقر اجلديد جميع القطاعات التي تتفرع عن املنتدى‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬مبناسبة ذكرى املولد النبوي الشريف وبالتعاون‬ ‫مع ديوان الوقف السني أقام املنتدى العاملي للوسطية فرع األنبار‬ ‫إحتفالية كبرى بهذه املناسبة شاركنا فيها من خالل فرقة اإلنشاد‬ ‫لشباب فرع األنباروتنظيم اإلحتفالية ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬مبناسبة اإلنتخابات التشريعية في العراق أصدر‬ ‫املنتدى العاملي للوسطية فرع األنبار مطوية تتحدث عن اإلنتخابات‬ ‫والشروط الواجب توافرها باملرشحني من حيث األمانة واإلخالص‬ ‫والكفاءة ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬قدم الهالل األحمر العراقي فرع االنبار الشكر‬ ‫والتقدير لفرع املنتدى العاملي ملا قدمه الفرع من محاضرات‬ ‫وندوات لكوادرهم وورش عمل في الفكر الوسطي وحتصني املجتمع‬ ‫والشباب من خطر التكفير والغلو ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة‪ /‬السلط‬ ‫السبت امل��واف��ق ‪2010/03/13‬م ن���دوة ب��ع��ن��وان» دور املؤسسات‬ ‫التربوية واإلرش��ادي��ة ومؤسسات املجتمع امل��دن��ي ف��ي تعزيز قيم‬ ‫املواطنة ومواجهة التطرف واإلنغالق»‪.‬‬ ‫وناقشت الندوة على إمتداد جلستيها التي عقدت في مركز موسى‬ ‫الساكت بحضور جمهور كبير من املهتمني و عدد من املسؤولني في‬ ‫محافظة البلقاء أهمية نشر فكر الوسطية واإلعتدال وبيان مخاطر‬ ‫التطرف والغلو على اإلسالم واملجتمع األردني ومجابهته من خالل‬ ‫املؤسسات التربوية واإلرشادية بشتى أنواعها‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪85‬‬


‫مؤتمر الوسطية‬ ‫المؤتمر الدولي السابع للوسطية‬ ‫صنعاء ‪2010/5/20-19‬م‬ ‫يعقد املنتدى العاملي للوسطية مؤمتره السابع‬ ‫حت��ت ع �ن��وان ” ال��وس�ط�ي��ة اإلس�لام �ي��ة‪ :‬املفهوم‬ ‫–التحديات ‪ -‬األدوار” وذل ��ك ف��ي العاصمة‬ ‫ال�ي�م�ن�ي��ة ص�ن�ع��اء ‪ ،‬ب �ت��اري��خ ‪2010/5/20-19‬م‬ ‫‪ ،‬مب �ش��ارك��ة ال �ع �ش��رات م��ن ال�ع�ل�م��اء واملفكرين‬ ‫اإلسالميني البارزين من مختلف البالد العربية‬ ‫واإلسالمية ‪.‬‬

‫أهداف المؤتمر‬

‫ التعريف مبفهوم الوسطية اإلسالمية‬‫ بيان أه��م التحديات التي ت��واج��ه العمل في‬‫مجال نشر الفكر الوسطي‬ ‫ إبراز دور الوسطية في محاربة الفكر املتطرف‬‫ بيان آليات نشر الفكر الوسطي في املجتمعات‬‫اإلسالمية‬

‫برنامج مؤمتر‬ ‫الوسطية اإلسالمية‪ :‬املفهوم‪ ،‬التحديات‪ ،‬األدوار‬ ‫مؤمتر صنعاء ‪2010/05/20-19‬م‬

‫برنامج املؤمتر‪:‬‬ ‫اليوم األول‪:‬‬ ‫اليوم األول‪ :‬األربعاء ‪2010/5/19‬م‬ ‫‪10.00-9.00‬‬ ‫حفل اإلفتتاح‬ ‫السالم اجلمهوري‬

‫كلمة دولة اإلمام الصادق املهدي‪ /‬رئيس املنتدى العاملي‪.‬‬ ‫كلمة األستاذ الدكتور زغلول النجار‪.‬‬ ‫كلمة رئيس املنتدى ‪ /‬ف��رع اليمن‪ :‬أ‪.‬د‪ /‬داود عبد امللك‬ ‫احلدابي‪.‬‬ ‫كلمة راعي احلفل‪.‬‬ ‫استراحة‪10.30 -10 :‬‬

‫القرآن الكرمي‬

‫اليوم األول‪ :‬األربعاء ‪2010/5/19‬م‬ ‫اجللسة األولى‪12.30-10.30 :‬‬ ‫رئيس اجللسة‪ :‬أ ‪ .‬د‪ /.‬عبد العزيز املقال‬ ‫احملور‬

‫املفاهيم‬

‫األوراق‬

‫مقدم األوراق‬

‫‪-1‬مدخل إلى الوسطية قراءة حضارية‬

‫د‪ .‬محمد حبش‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪-2‬مفهوم الوسطية‪ ،‬ومالمحها في الفكر اإلسالمي‬

‫د‪.‬محمد طالبي‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪-3‬مفاهيم الفكر الوسطي في مواجهة طرائق التفكير املتطرف‪.‬‬

‫د‪ .‬عدنان زرزور‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫النقـ ــاش‬

‫استراحة ‪ +‬صالة الظهر‪12.30-12.00 :‬‬ ‫‪86‬‬

‫الزمن‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫احملدد‬

‫‪ 30‬دقيقة‬


‫مؤتمر الوسطية‬ ‫اليوم األول‪ :‬األربعاء ‪2010/5/19‬م _ اجللسة الثانية‪ _2.30 -12.30 :‬رئيس اجللسة‪ :‬األستاذ‪ /‬أحمد األصبحي‬ ‫احملور‬

‫التحديات‬

‫األوراق‬

‫الزمن‬

‫مقدم األوراق‬

‫احملدد‬

‫‪-1‬التحديات التي تواجه تيار اإلعتدال‪.‬‬

‫د‪ .‬سعد الدين العثماني‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪–2‬التحديات التي تواجه الوسطية‪ :‬عمل املرأة األعالمي أمنوذجاً‬

‫د‪ .‬أحمد الدغشي‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪-3‬إشكال القراءة اجلزئية في مواجهة اخلطاب الوسطي‪.‬‬

‫د‪.‬فؤاد البنا‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪-4‬عناصر اخلطاب الوسطي وضوابطه‬

‫د‪ .‬محمد القضاة‬

‫‪ 20‬دقيقة‬ ‫‪ 30‬دقيقة‬

‫النقـ ــاش‬

‫فترة الغذاء‪3.00-2.30 :‬‬ ‫اليوم الثـــاني‪ :‬اخلميس ‪2010/5/20‬م _ اجللسة األولى‪ _ 11.00-9.00 :‬رئيس اجللسة ‪ :‬األستاذ ‪ /‬شوقي القاضي‬ ‫احملور‬

‫األدوار‬

‫مقدم األوراق‬

‫األوراق‬

‫الزمن‬ ‫احملدد‬

‫‪-1‬دور تيار الوسطية في نهضة األمة‪.‬‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪–2‬اخلطاب الوسطي ودوره في ترشيد الصحوة اإلسالمية‪.‬‬

‫د‪ .‬عوض القرني‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪-3‬اخلطاب الوسطي في العالقة مع اآلخر‪.‬‬

‫د‪.‬نبيل شبيب‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪-4‬دور الوسطية في تعزيز وحدة األمة‬

‫د‪ .‬أحمد نوفل‬

‫‪ 20‬دقيقة‬ ‫‪ 30‬دقيقة‬

‫النقـ ــاش‬

‫استراحة‪11.00-10.30 :‬‬ ‫اليوم الثـــاني‪ :‬اخلميس ‪2010/5/20‬م _ اجللسة الثانية‪ _ 1.00-11.30 :‬رئيس اجللسة‪ :‬األستاذ ‪ /‬علي مقبول األهدل‬ ‫احملور‬

‫األدوار‬

‫مقدم األوراق‬

‫األوراق‬

‫الزمن‬ ‫احملدد‬

‫‪ -1‬دور املؤسسات التعليمية في النهضة‪.‬‬

‫د‪ .‬داود احلدابي‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪ -2‬الوسطية مرتكزات وآفاق‬

‫د‪ .‬محمد الرواشدة‬

‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪ -3‬أدب االختالف ودوره في ترسيخ مفاهيم الوسطية‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد السالم‬

‫‪ -4‬دور الوسطية في تعزيز األمن واإلستقرار في العالم‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الله النسور‬

‫النقـ ــاش‬

‫املجيدي‬

‫‪ 20‬دقيقة‬ ‫‪ 20‬دقيقة‬

‫‪ 30‬دقيقة‬

‫اجللسة اخلتامية وإقرار التوصيات‬

‫الوفد األردني املشارك في املؤمتر‬ ‫املهندس مروان الفاعوري‬ ‫الدكتور عبدالله النسور‬ ‫الدكتور محمد اخلطيب‬ ‫الدكتور محمد القضاة‬

‫الدكتور احمد نوفل‬

‫الدكتور محمد الرواشدة‬ ‫الدكتور محمد احلاج‬

‫الدكتورة نوال شرار‬

‫الدكتورة جميلة الرفاعي‬ ‫االستاذ احملامي مازن الفاعوري‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪87‬‬


‫بيـانـات المنتدى‬

‫نعي �شيخ الأزهر ف�ضيلة العامل‬

‫الدكتور حممد �سيد طنطاوي‬ ‫قال تعالى «يا أيتها النفس املطمئنة‪ ،‬إرجعي الى ربك‬ ‫راضية مرضية‪ ،‬فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي» صدق‬ ‫الله العظيم‬

‫أعتبر شخصية مهمة في أوساط كثير من املسلمني حول‬ ‫ينعى املنتدى العاملي للوسطية إلى العالم اإلسالمي فضيلة العالم‪ ،‬إضافة أن فناويه كان لها تأثير كبير‪ ،‬كما أعتبر عالم‬ ‫العالم الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ األزهر الشريف دين معتدالً‪ ،‬مناص ًرا لقضايا املرأة ‪ ،‬وهو مجتهد متفوق طوال‬ ‫الذي وافته املنية على أرض اململكة العربية السعودية ‪.‬‬ ‫مشواره التعليمي‪ .‬تولى الكثير من املناصب القيادية الدينية ‪،‬‬ ‫وإن املنتدى العاملي إذ يحتسب فضيلة الدكتور طنطاوي وله تفسير لكثير من سور القرآن‪.‬‬ ‫عند ربه‪ ،‬ليرجو الله أن يتغمده بواسع رحمته‪ ،‬وأن يلهم أهله‬ ‫وتالميذه الصبر والسلوان ‪.‬‬ ‫إنّا لله وإنا اليه راجعون‬ ‫نبذة عن حياة شيخ األزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي‬ ‫ولد طنطاوي في ‪ 28‬من أكتوبر‪ /‬تشرين األول ‪ 1928‬في‬ ‫قرية سليم الشرقية محافظة سوهاج‪ ،‬وهو حاصل على درجة‬ ‫الدكتواره في تفسير القرآن والسنة من جامعة األزه��ر عام‬ ‫‪.1966‬‬ ‫في عام ‪ 1960‬عني إماماً باألوقاف فظل ثماني سنوات‬ ‫يعمل باإلمامة متنقال من مسجد إلى آخر يعظ الناس‪ ،‬مت‬ ‫تعيينه في اإلفتاء مفتياً للديار املصرية في ‪1986/10/26‬‬ ‫وظل مفتياً عشر سنوات‪.‬‬ ‫ومنذ عام ‪ 1996‬شغل طنطاوي منصب شيخ مؤسسة األزهر‬ ‫املؤسسة السنية البارزة‪ ،‬والتي تعد من أهم املؤسسات الدينية‬ ‫في مصر والعالم اإلسالمي‪ ،‬وإحدى املرجعيات البارزة للسنة‬ ‫الذين يشكلون غالبية املسلمني في العالم‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫أهم مؤلفات شيخ األزهر‬

‫• التفسير الوسيط للقرآن الكرمي خمسة عشر مجلدا‬ ‫"‬ ‫• القصة في القرآن الكرمي “مجلدان”‬ ‫"‬ ‫• أدب احلوار في اإلسالم‬ ‫"‬ ‫• اإلجتهاد في األحكام الشرعية‬ ‫"‬ ‫• معامالت البنوك وأحكامها الشرعية‬ ‫"‬ ‫• جوامع الدعاء من القرآن والسنة‬ ‫"‬ ‫• أحكام احلج والعمرة‬ ‫"‬ ‫• الصوم املقبول‬ ‫"‬ ‫• كلمة عن تنظيم األسرة‬ ‫"‬ ‫• فتاوى شرعية‬ ‫"‬ ‫• املرأة في اإلسالم‬ ‫"‬ ‫• عشرون سؤاالً وجواباً‬ ‫"‬ ‫• حديث القرآن عن العواطف اإلنسانية‬ ‫"‬ ‫• اإلشاعات الكاذبة وكيف حاربها اإلسالم‬ ‫"‬ ‫• الفقه امليسر‬ ‫"‬


‫بيـانـات المنتدى‬

‫بيان �صادر عن املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫حول التفجريات الدامية يف العراق‬ ‫يدين املنتدى العاملي للوسطية التفجيرات الدامية التي‬ ‫وقعت في بغداد مدينة السالم‪ ،‬والتي حصدت أرواح العشرات‬ ‫من األبرياء الذين الذنب لهم ‪.‬‬

‫ف�ضيلة الأ�ستاذ الدكتور �أحمد حممد‬

‫إن املنتدى العاملي اذ يحتسب هؤالء الشهداء عند ربهم ‪،‬‬ ‫فإنه يع ّبر عن أسفه العميق للحالة التي وصلت اليها أمتنا‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬هذه احلالة التي ال تغيظ عدواً وال تسر صديقاً‪.‬‬

‫الطيب �شيخ الأزهر حفظه اهلل ورعاه‬

‫إن اجلهل املترسخ في عقول البعض مبقاصد اإلسالم‬ ‫ومفاهيمه العظيمة‪ ،‬يدفعه إل��ى التفسير اخل��اط��ىء آليات‬ ‫اجلهاد واإلستشهاد‪ ،‬فيرى في قتل االطفال والنساء ورجال‬ ‫االمن الذين يحافظون على استقرار البالد اإلسالمية ‪ ،‬يرى‬ ‫في قتلهم باباً من ابواب اجلهاد‪ ،‬وأي جهاد يكون من خالل‬ ‫انتهاك احلرمات وترويع األبرياء‪ ،‬والعظيم في عليائه يقول‬ ‫« َو َم ْن يَ ْقتُ ْل ُمؤْمِ نًا ُمتَ َع ِّم ًدا َف َجزَا ُؤهُ َج َه َّن ُم َخا ِل ًدا فِ ي َها َو َغ ِض َب‬ ‫اللَّ ُه َعلَيْهِ َولَ َعنَ ُه َوأَ َع َّد لَ ُه َع َذا ًبا َع ِظي ًما» صدق الله العظيم‬

‫لقد تلقينا في املنتدى العاملي للوسطية بكل فخر واعتزاز‬ ‫وتقدير نبأ تعيني فضيلتكم شيخاً لألزهر‪ ،‬داعني العلي القدير‬ ‫لفضيلتكم ال��س��داد والتوفيق ف��ي ه��ذه املهمة اجلليلة خدمة‬ ‫لإلسالم واملسلمني في مصر والعالم‪ ،‬وتعزيز الدور التاريخي‬ ‫ل�لأزه��ر م��ن خ�لال علمه ومكانته الدينية والعلمية وتاريخه‬ ‫احلافل باإلجنازات‪.‬‬

‫إن أصحاب العقول املنغلقة الذين ما زالوا يعيشون في‬ ‫عصور الظلمة والتخلف‪ ،‬ليسوا وحدهم من يقف خلف هذه‬ ‫التفجيرات ‪ ،‬بل إن بعض القوى واألحزاب التي تخاف على‬ ‫مصاحلها ووج��وده��ا من السقوط وال���زوال‪ ،‬واملدعومة من‬ ‫اخلارج تسعى الى خلق فوضى وخلط األوراق ‪ ،‬وتقلب الطاولة‬ ‫على اجلميع‪ ،‬لتعيد العراق الى مربع البداية ونقطة الصفر ‪،‬‬ ‫فهي تنادي بالدميقراطية ما دامت هذه الدميقراطية تخدم‬ ‫مصاحلها ومصالح الدول التي تقف من خلفها ‪ ،‬وهي على‬ ‫استعداد لإلنقالب عليها إذا رأت فيها تهديدا لسيطرتها على‬ ‫احلكم‪.‬‬ ‫إننا نرى أن تغليب املصالح الشخصية أو احلزبية على‬ ‫مصلحة العراق هو خطأ جسيم ‪ ،‬سيدفع أصحابه ثمنه‪ ،‬إلن‬ ‫الشعب العراقي شعب قد تخطى مرحلة التبعية للغير‪ ،‬باجتاه‬ ‫اإلستقالل بقراراته بعيدا عن أي توجيهات أو هيمنة ‪.‬‬ ‫إننا نناشد جميع الفرقاء واألحزاب السياسية في الساحة‬ ‫العراقية‪ ،‬أن يعودوا الى احلوار الهادىء الرصني البعيد عن‬ ‫التعصب ليكون ذلك مدخال الى سد الطريثق على املتطرفني‬ ‫واإلرهابيني الذين يريدون الشر بالعراق وأهله‪.‬‬

‫وملا عرف عن فضيلتكم من علم راسخ‪ ،‬وثقافة واسعة وفكر‬ ‫مستنير وان��ف��ت��اح على الثقافات وال��دي��ان��ات ب�ين احلضارات‬ ‫والشعوب ف��ي العالم ‪ ،‬وإسهاماتكم ف��ي رس��م ُسبل التفاهم‬ ‫والتقارب بني الشعوب إنطالقاً من إميانكم مببدأ احل��وار مع‬ ‫اآلخر‪ .‬ووسطية واعتدال في املنهج والسلوك وهو ما يضاعف‬ ‫بأن األزهر الشريف حتت قيادتكم سيظل منبراً لكل‬ ‫من ثقتنا َّ‬ ‫املسلمني فى مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬ومحطة مضيئة مضافة‬ ‫إلجنازاتكم اإلنسانية والعلمية‪ ،‬وإشراقة جديدة للمسلمني في‬ ‫كل بقاع املعمورة الذين يتطلعون للخير والتعاون واحملبة‪ ،‬وم ّد‬ ‫جسور األمل إليصال رسالة اإلسالم السمحة لكل املتعطشني‬ ‫والتقدم في ربوع‬ ‫للعدل والتسامح اإلنساني ورسالة السالم‬ ‫َّ‬ ‫املعمورة‪.‬‬ ‫وفي اخلتام ندعو الله أن يوفق فضيلتكم الستعادة مكانة‬ ‫هذا الصرح العظيم‪ ،‬وأن يكألكم برعايته املباركة في هذه املهمة‬ ‫الكبيرة خلدمة اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وليكن الله معكم فى حمل‬ ‫األمانة واملسؤولية اجلسيمة‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪89‬‬


‫أخــبار الوسطية‬

‫إفتت��اح الف��رع الس��ادس للمنت��دى العامل��ي ف��ي اليم��ن‬

‫إفتتح املنتدى العاملي للوسطية يوم اخلميس ‪2010/3/4‬‬ ‫فرعه العربي السادس في العاصمة اليمنية صنعاء ضمن‬ ‫فعالية إحتفالية أقيمت حتت شعار «دور اخلطاب الوسطي‬ ‫في نهضة األمة»‪.‬‬ ‫وق���ال األم�ي�ن ال��ع��ام مل��ن��ت��دى ال��وس��ط��ي��ة امل��ه��ن��دس مروان‬ ‫الفاعوري في كلمته خالل اإلفتتاح الذي حضره ما يزيد عن‬ ‫(‪ )150‬شخصية سياسية وفكرية‪ ،‬أن املنتدى العاملي للوسطية‬ ‫ي��دع��وإل��ى نهج النبوة القائم على ال��ع��دل وحت���ري الصواب‬ ‫واملصلحة العامة والدفاع عن احلقوق دون إفراط أو تفريط‬ ‫والبعد عن أشكال ومناهج التطرف والغلو خدمة لعقيدة األمة‬ ‫ومستقبلها‪.‬‬ ‫وأشار إلى أن الوسطية ليست تيارا جديدا فهي من صميم‬ ‫الدين اإلسالمي وأصيلة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله‬ ‫صلى الله عليه وسلم فكرا وممارسة‪ ،‬مؤكدا في الوقت ذاته‬ ‫بأنها ليست إال ت��ي��ارا للتفاعل احل��ض��اري ‪ ،‬يؤمن باحلوار‬ ‫املفتوح مع الذات باجتاه تعزيز املصاحلة الوطنية بني أبناء‬ ‫الوطن الواحد ومع اآلخرين في إطار الوحدة اإلنسانية‪.‬‬ ‫وقال الفاعوري إن الوسطية منهج تراض وطني بني فئات‬ ‫املجتمع الواحد ينبع من الثقة بالله ودينه ورسوله ونصرة‬ ‫املظلوم ضد الظالم‪ ،‬الفتا في الوقت ذاته إلى دور اليمن وما‬ ‫قدمه من أمنوذج طيب في جتاوز األزمات والصراعات بالفكر‬ ‫املستنير بني أبنائه ونضوجهم السياسي والفكري مبا مكنهم‬ ‫من إستشراف مخاطر قوى التطرف ومشاريعها التدميرية‬ ‫لكل مقومات احلياة‪.‬‬ ‫من جهته أكد معالي وزير األوقاف واإلرشاد اليمني فضيلة‬ ‫القاضي حمود الهتار أن الوسطية مطلب األمة اإلسالمية وأن‬ ‫اليمن سيظل مدرسة الوسطية رغم محاوالت وسائل اإلعالم‬ ‫إستغالل بعض املواقف واألحداث لإلساءة لليمن‪.‬‬ ‫وأض��اف في كلمته التي ألقاها ب��أن هناك تطرفا دينيا‬ ‫وتطرفا ال دينيا م��وج��وداً في العالم كله داعيا جميع أبناء‬ ‫األم��ة العمل إل��ى وق��ف كل التصرفات الطائشة التي تلحق‬ ‫‪90‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الضرر باألمة نتيجة املفاهيم والتصرفات اخلاطئة التي ال‬ ‫يقل ضررها عن املخططات واألعمال املعادية خاصة وأنها‬ ‫تقدم اإلسالم بغير الصورة التي أنزله الله تعالى‪ ،‬كما دعا إلى‬ ‫اإلجتاه في مخاطبة اآلخر بلغة اإلعتدال التي تظهر صورة‬ ‫اإلسالم النقية وسماحته‪.‬‬ ‫من جانبه حتدث الدكتور أحمد نوفل وبينّ الدور الكبير‬ ‫الذي يقع على عاتق األمة اليوم في تقدمي اإلسالم بصورته‬ ‫احلقيقية الناصعة بعيدا عن تأويل الغالني وحتريف احملرفني‬ ‫املفرطني‪.‬‬ ‫كما قام كل من األستاذ منتصر الزيات والدكتور محمد‬ ‫حبش بتقدمي تعريف باملنتدى العاملي تأسيسا وفكريا وأهدافه‬ ‫في إرساء فكر مستنير يحمل مقومات النهوض باألمة ويقوم‬ ‫على أدب اإلختالف واحترام ال��رأي اآلخ��ر والتمسك بأدب‬ ‫اإلعتدال واجلدال بالتي هي أحسن‪.‬‬ ‫وقد جرى تشكيل هيئة إدارية لفرع املنتدى باليمن برئاسة‬ ‫الدكتور داود احلدابي‪ ،‬والدكتور عبد السالم املجيدي نائبا‬ ‫له‪ ،‬والدكتورأحمد الدغشي ناطقا إعالميا‪ ،‬والدكتور محمد‬ ‫احملجري أمينا للسر‪ ،‬وكل من الدكتور شوقي القاضي والدكتور‬ ‫أحمد الدغشي والدكتور فؤاد البنا والدكتورة ألفت الدبعي و‬ ‫السيد وضاح عاطف والدكتورة إبتسام الظفري والسيدة‬


‫أخــبار الوسطية‬

‫ثريا العمري أعضاء فيه ‪.‬‬ ‫ويعتبر فرع املنتدى العاملي في اليمن إضافة جديدة لفروع‬ ‫املنتدى في مصر والسودان واملغرب ولبنان والعراق والهند‬ ‫واألردن حيث املقر الرئيسي‪.‬‬ ‫وفيما يلي تقرير مفصل ع��ن ه��ذه ال��زي��ارة ال�ت��ي تكللت‬ ‫بافتتاح فرع املنتدى العاملي للوسطية في العاصمة اليمنية‬ ‫صنعاء ‪.‬‬ ‫الوصول يوم الثالثاء ‪ 2010/03/2‬مساء حيث َّ‬ ‫مت اإلستقبال‬ ‫رسمياً في قاعة كبار الزوار‪.‬‬ ‫صباح ي��وم األرب��ع��اء ‪ 2010/03/3‬ق��ام الوفد املؤلف من‬ ‫املهندس م���روان ال��ف��اع��وري واألس��ت��اذ ال��دك��ت��ور أح��م��د نوفل‬ ‫واألستاذ الدكتور محمد اخلطيب و األستاذ الدكتور هايل‬ ‫داود بزيارة إلى مكتب معالي وزير األوقاف اليمني (القاضي‬ ‫حمود الهتار)‪ ،‬حيث ج��رى لقاء و ّدي بني الطرفني‪ ،‬وجرى‬ ‫حديث مسهب عن أهم أهداف ونشاطات املنتدى‪ ،‬وضرورة‬ ‫فتح ف��رع للمنتدى في اليمن‪ ،‬حيث أك��د الوزير على أهمية‬ ‫ذلك واستعداد احلكومة اليمنية لتقدمي كافة أشكال الدعم‬ ‫إلجناح الفرع‪.‬‬ ‫ق��ام الوفد ب��زي��ارة إل��ى جامعة صنعاء حيث كانت جترى‬ ‫فعالية في اجلامعة مبناسبة عيد املولد النبوي باإلشتراك مع‬ ‫مجلة حراء التركية‪ ،‬حيث أقيم معرض عن األمانات املقدسة‬ ‫واملتمثلة ببعض أثار الرسول ‪.‬‬ ‫قام الوفد بزيارة إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا ومستشفى‬ ‫اجلامعة حيث ّ‬ ‫اطلع على هذه التجربة الرائدة‪.‬‬ ‫صباح ي��وم اخلميس أقيمت فعالية إط�لاق وإش��ه��ار فرع‬ ‫املنتدى في اليمن حيث كانت جلسة اإلفتتاح برعاية وزير‬ ‫األوقاف‪ ،‬حتدث فيها كل من املهندس مروان الفاعوري األمني‬ ‫العام للمنتدى ووزير األوقاف اليمني ‪.‬‬ ‫أقيمت ندوة حتدث فيها الدكتور أحمد نوفل والدكتور محمد‬ ‫حبش واألستاذ منتصر الزيات واملهندس م��روان الفاعوري‬ ‫وأجاب املشاركون عن جميع األسئلة‪ ،‬وقد َّ‬ ‫مت تسجيل اإلفتتاح‬ ‫وأعمال الندوة من قبل العديد من الفضائيات‪ ،‬وحضر جلسة‬ ‫اإلفتتاح وأعمال الندوة ما يزيد عن (‪ )120‬شخصية سياسية‬ ‫وفكرية‪ ،‬وفي نهاية حفل اإلط�لاق تقدم العشرات من أبناء‬

‫اليمن بطلبات اإلنتساب إلى الفرع اجلديد للمنتدى‪.‬‬

‫مساء يوم اخلميس عقدت ندوة في جامع الصالح حتدث‬ ‫فيها الدكتور أحمد نوفل والدكتور محمد حبش عنوانها (دور‬ ‫الوسطية في نهضة األم��ة)‪ ،‬حيث َّ‬ ‫مت بثها مباشرة عبر قناة‬ ‫اإلميان‪.‬‬ ‫وف��ي ال��ي��وم الثالث ل��ل��زي��ارة (اجلمعة ‪ )2010/03/5‬قام‬ ‫الدكتور أحمد نوفل بإلقاء خطبة اجلمعة في مسجد الصالح‬ ‫مصل‪ ،‬ومت‬ ‫حيث حضر الصالة ما يزيد عن عشرين أل��ف‬ ‫ٍ‬ ‫بثها عبر القناة اليمنية الفضائية وحضرها الرئيس علي عبد‬ ‫الله صالح‪ ،‬وك��ان عنوانها االخ��وة اإلسالمية ونبذ اخلالف‬ ‫والصراع‪ ،‬وقد لقيت اخلطبة ترحيباً حاراً من جميع احلاضرين‬ ‫واألوساط اإلعالمية اليمنية‪.‬‬

‫تخلل ه���ذه ال���زي���ارة ال��ع��دي��د م��ن ال��ل��ق��اءات التلفزيونية‬ ‫والصحفية‪ ،‬وشارك فيها املهندس مروان الفاعوري والدكتور‬ ‫محمد حبش واألستاذ منتصر الزيات والدكتور هايل داود‬ ‫والدكتور محمد اخلطيب وبثت في القناة الفضائية اليمنية‪،‬‬ ‫وقناة (سهيل) وقناة (السعيد)‪.‬‬ ‫على هامش إط�لاق ف��رع املنتدى فقد َّ‬ ‫مت تكليف السادة‬ ‫التالية أسماؤهم بأعمال الهيئة اإلداري��ة للفترة التأسيسية‬ ‫املقبلة‪:‬‬ ‫رئيساً‪.‬‬ ‫ ‬ ‫الدكتور داود احلدابي‬ ‫الدكتور عبد السالم املجيدي ‬

‫الدكتور محمد احملجري ‬ ‫ ‬ ‫الدكتور شوقي القاضي‬

‫ ‬ ‫الدكتور أحمد الدغشي‬ ‫ ‬ ‫الدكتور فؤاد البنا‬ ‫ ‬ ‫الدكتورة ألفت الدبعي‬ ‫ ‬ ‫السيد وضاح عاطف‬

‫الدكتورة إبتسام الظفري ‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫السيدة ثريا العمري‬

‫نائباً للرئيس‪.‬‬ ‫أميناً للسر‪.‬‬ ‫عضواً‪.‬‬ ‫عضواً‪.‬‬ ‫عضواً‪.‬‬ ‫عضواً‪.‬‬ ‫عضواً‪.‬‬ ‫عضواً‪.‬‬

‫عضواً‪.‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪91‬‬


‫أخــبار الوسطية‬

‫الندوة الدولية الثالثة « ترسيخ الفكر الوسطي في العالم‬ ‫اإلسالمي ‪ -‬اجلزائر» عمان ‪2010/03/27-26‬م‬

‫عقد املنتدى العاملي للوسطية ندوة دولية للمشاركني من‬ ‫اجلمهورية اجلزائرية وعددهم خمسة عشر مشاركاً في فندق‬ ‫األوركيدا‪ ،‬وذلك بتاريخ ‪2010/3/27-26‬م ‪.‬‬ ‫في البداية رحب الدكتور هايل داود عضو املكتب التنفيذي‬ ‫بالضيوف وأكد على أن الهدف من عقد هذه الندوة هو التشاور‬ ‫والتناصح ب�ين أب��ن��اء األم��ة اإلس�لام��ي��ة‪ ،‬ث��م حت��دث املهندس‬ ‫مروان الفاعوري األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية مرحباً‬ ‫بالضيوف مبيناً أن الفكر الوسطي هو منهج الرسول صلى الله‬ ‫عليه وسلم وأن األمة بحاجة إلى مثل هذا الفكر لتزيل عنها‬ ‫ثم جرى نقاش بني املشاركني حول مفهوم الوسطية وتباينت‬ ‫ما لصق بها من صفات اإلرهاب والتطرف التي ألصقها بعض‬ ‫اآلراء حول هذا املفهوم‪ ،‬فمنهم من رأى أنه يجب أن ال يقيد‬ ‫مدعي العلم الذين فهموا اإلس�لام فهماً متشدداً‪ ،‬ثم بدأت‬ ‫ّ‬ ‫مبفهوم معني‪ ،‬ومنهم من رأى أن الوسطية تعني اإلعتدال‬ ‫فعاليات الندوة‬ ‫ومنهم من رأى أن مفهوم الوسطية حديث ظهر نتيجة رد فعل‬ ‫ورقة العمل االولى ‪ :‬مقدمة من الدكتور هايل داود بعنوان» على التطرف واإلرهاب وأنه ينبغي اإلستمرار في هذا املنهج‬ ‫مفهوم الوسطية ومضامينها»‬ ‫وحتويله إلى فعل بدالً من ردة فعل‪.‬‬ ‫متحورت حول النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ .‬بينّ أن الوسطية ليست حزباً وال تنظيماً بل فكر ومنهج‬‫ورق��ة العمل الثانية‪ :‬مقدمة من الدكتور محمد طالبي‬ ‫املغرب‪ ،‬بعنوان» التجليات احلضارية والواقعية للوسطية»‬‫مستمد من القرآن الكرمي والسنة النبوية الشريفة‪.‬‬ ‫ بينّ أن التطرف اإلسالمي هو الطارئ على منهج األمة‬‫اإلسالمية‪.‬‬

‫حتدث فيها عن األمور التالية‪:‬‬

‫ بينّ سبب إنهيار العمران في العصور الوسطى بسبب‬‫ أكد على أهمية التشاور للخروج بنتيجة وهي زراعة بذور تشدد الكنيسة ورفضها للعلم‪.‬‬‫ ض��رب مثاالً على اإلف���راط والتفريط ل��دى الغرب في‬‫الوسطية في اجلزائر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫العصور الوسطى حيث ب�ّي�نّ أن الكنيسة فرطت في العقل‬ ‫ بينّ أن تيار التطرف يخدم أعداء األمة‪.‬‬‫فرفضت كل ما توصل إليه العلم إذا كان ال يوافق توجهاتها‪.‬‬ ‫ متنى أن يكون افتتاح ف��رع املنتدى ف��ي اجل��زائ��ر عما‬‫من جهة أخ��رى أك��د على أن احل��داث��ة رفضت أي شيء‬ ‫قريب‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫أخــبار الوسطية‬ ‫ال يدرك بالعقل فهي أفرطت في إستخدام العقل مما أدى‬ ‫ورق� ��ة ال �ع �م��ل اخل��ام �س��ة‪ :‬م �ق��دم��ة م��ن ال��دك �ت��ور محمد‬ ‫إل��ى إنتشار الفكر امل��ادي‪ ،‬بعكس اإلس�لام ال��ذي توسط في اخلطيب بعنوان « آليات نشر الفكر الوسطي في املجتمعات‬ ‫األمور فلم يف ّرط في األمور الدينية ولم يهمل العقل بل جعله االسالمية»‬ ‫مناط التكليف‪ ،‬ثم دار نقاش عام حول ما طرج في الورقة من‬ ‫ت��ط��رق فيها إل��ى أه��م األم���ور ال��ت��ي ينبغي حل��ام��ل الفكر‬ ‫أفكار‪.‬‬ ‫الوسطي أن يهتم بها ومنها على سبيل املثال اإلهتمام بالتجديد‬ ‫ورق��ة العمل الثالثة ‪ :‬مقدمة م��ن ال��دك�ت��ور أحمد نوفل‬ ‫بعنوان» الوسطية مشروع األمة احلضاري»‬

‫حتدث فيها عن أهمية الفكر الوسطي في النهوض باألمة‬ ‫وحتقيق مشروعها احلضاري ال��ذي يرتقي بها إلى مصاف‬ ‫األمم‪ ،‬وبني أن الوسطية ليست مجرد فكرة نظرية بل هي‬ ‫سلوك يظهر في جميع مناحي احلياة ودون إستثناء‪.‬‬

‫واإلهتمام بخطب اجلمعة وتأهيل اخلطباء ليكونوا على سوية‬ ‫عالية من الفهم واإلدراك‪ ،‬واإلبتعاد عن التكفير‪ ،‬وجمع األمة‬ ‫على كلمة واح��دة واإلبتعاد عن األم��ور التي تفرقها‪ ،‬ثم دار‬ ‫نقاش بني الدكتور محمد اخلطيب وبني احلضور حول هذه‬ ‫اآلليات وكيفية تفعيلها للوصول إلى نشر الفكر الوسطي بني‬ ‫أبناء األمة‪.‬‬

‫ورقة العمل السادسة مقدمة من املهندس مروان الفاعوري‬ ‫ورقة العمل الرابعة ‪:‬مقدمة من الدكتور محمد حبش بعنوان‬ ‫بعنوان ‪ ( :‬املنتدى العاملي للوسطية الفكرة واملضمون )‬ ‫( رؤية تيار الوسطية في معاجلة الصراعات الداخلية )‬ ‫ر ّكز فيها على ضرورة التمسك باالسالم كمنهج حياة ‪ ،‬وأكد‬ ‫حيث بينّ أن الصراعات داخل الدولة النبوية لم يحلها‬ ‫على أن فكرة الوسطية هي األقرب واألنسب للدعوة ‪ ،‬ون ّبه‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيف والعنف بل بالتسامح( إلى أهمية البعد عن التكفير ‪ ،‬وأهمية إحترام اخلصائص‬ ‫حتى ال يُقال أن محمداً يقتل أصحابه)‪ ،‬بل كان الرفق واللني الناجتة عن التنوع بني االفراد واجلماعات والشعوب‪ ،‬وقال‬ ‫وال��ه��دوء طريقاً حل��ل ال��ص��راع��ات‪ ،‬وذك���ر أن ق��اع��دة إعذار املهندس مروان إن نشر احملبة بني الناس يسهل إيصال الفكر‬ ‫املخالف هي قاعدة نبوية وقاعدة فقهية‪ ،‬والوسطية حتمل الوسطي إلى عقولهم ‪ ،‬وأنه البد من التعاون والتكامل إلجناح‬ ‫م��ش��روع الوسطية ‪ّ ،‬وع���رج على أهمية صياغة الشخصية‬ ‫رسالة إعذار املخالفني فهي رسالة جامعة للجميع‪.‬‬ ‫اإلسالمية املتوازنة بدون إفراط أو تفريط‬

‫وأك��د على أن ثقافة أهل السنة واجلماعة تقوم على‬ ‫ورق��ة العمل السابعة مقدمة ‪ :‬من األس�ت��اذ ط��ارق هادي‬ ‫إحترام التنوع في اآلراء واألفكار والتعدد حتى في اجلانب بعنوان ( حتفيز لغة اخلطاب في نشر الوسطية )‬ ‫السياسي‪ ،‬وكذلك على الوفاقية واإلح��ت��رام وسعة الصدر‬ ‫دع��ا فيها األستاذ ط��ارق ه��ادي إل��ى حتفيز لغة اخلطاب‬ ‫الختالف الرأي‪ ،‬وأن منهج الوسطية يقوم على إحترام اخلالف‬ ‫لتحقيق أعلى املردودات ‪ ،‬ور ّكز على أهمية أن تكون الوسطية‬ ‫ورفض التعصب أوحل الصراعات بالعنف والقتل‪.‬‬ ‫مظلة للجميع ‪ ،‬ومنهجاً يقاوم منهج التطرف والغلو ‪ ،‬وتطرق‬ ‫وقال إن تيار الوسطية يرفض ظاهرة التطرف‪ ،‬ويسعى إل��ى أن دراس��ة شخصية املدعو ومخاطبتها مبا يناسبها ‪،‬‬ ‫إل��ى فتح أب��واب احل��وار مع اآلخ��ر‪ ،‬س��واء ك��ان اآلخ��ر أنظمة جتعل من إيصال فكر الوسطية له أمرا سهال ‪ ،‬وأنه البد من‬ ‫الدعوة الفردية واختيار أفضل الطرق للوصول إلى الناس ‪،‬‬ ‫سياسية أم تيارات فكرية إنطالقاً من املنهج النبوي في الدعوة‬ ‫مع مراعاة حاجات املخاطب النفسية والعقلية واإلجتماعية ‪،‬‬ ‫واألحاديث النبوية الشريفة الداعية إلى التسامح والهدوء في‬ ‫وقد رافق كالم األستاذ طارق هادي عرض كمبيوتر يظهر فيه‬ ‫حل اخلالفات ورفض إقامة جسور العداء والدماء بني أبناء‬ ‫أفضل الطرق للدعوة ‪.‬‬ ‫األمة الواحدة مسلمني كانوا أو غير مسلمني‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪93‬‬


‫سلسلة من الندوات يقيمها منتدى الوسطية للفكر والثقافة‬

‫عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة سلسلة من الندوات‬ ‫حول دور مؤسسات املجتمع املدني في نشر الفكر الوسطي‪،‬‬ ‫ح��ي��ث أك���د احمل���اض���رون ع��ل��ى ض����رورة ال��ت��ع��اون ب�ين جميع‬ ‫املؤسسات في سبيل نشر الفكر الوسطي‪ ،‬وإظ��ه��ار الدين‬ ‫االسالمي بصورته الصحيحة ‪.‬‬

‫في حني أشار عضو املنتدى العاملي وأستاذ كلية الشريعة‬ ‫في اجلامعة األردنية الدكتور هايل داود في ورقته التي حملت‬ ‫عنوان «دور املؤسسات التربوية في نشر الفكر الوسطي»‬ ‫أهمية دور الشباب في املجتمع مقترحاً في ذات الوقت ضرورة‬ ‫تقدمي عدد من التوصيات العملية للمسؤولني لألخذ بها مبا‬ ‫يساعد هذه املؤسسات ألداء دورها التربوي في املجتمع‪.‬‬

‫ال�ن��دوة األول��ى أقامها املنتدى في مدينة السلط حتت‬ ‫ع �ن��وان‪« :‬م��ؤس�س��ات املجتمع امل��دن��ي ودوره ��ا ف��ي تعزيز فكر‬ ‫أم���ا ف��ي اجل��ل��س��ة ال��ث��ان��ي��ة وال��ت��ي أداره����ا ال��س��ي��د موسى‬ ‫الوسطية وقيم املواطنة»»‬ ‫احلياري فقد أك��د املهندس م��روان الفاعوري األم�ين العام‬ ‫عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة‪ /‬السلط السبت للمنتدى العاملي للوسطية في ورقته التي قدمها بعنوان» دور‬ ‫املوافق ‪2010/03/13‬م ندوة بعنوان» دور املؤسسات التربوية املؤسسات الثقافية في تعزيز قيم املواطنة ومواجهة التطرف‬ ‫واإلرشادية ومؤسسات املجتمع املدني في تعزيز قيم املواطنة واإلنغالق» على ضرورة التفاعل بني املؤسسات الثقافية غير‬ ‫الرسمية واملؤسسات الرسمية لتعزيز قيم املواطنة وحض‬ ‫ومواجهة التطرف واإلنغالق»‪.‬‬ ‫على اللجوء إلى احلوار والتفاهم وتعزيز القواسم املشتركة‬ ‫وناقشت ال��ن��دوة على إم��ت��داد جلستيها التي عقدت في‬ ‫بهدف املساهمة في تعزيز األمن الوطني القائم على الدعوة‬ ‫مركز موسى الساكت بحضور جمهور كبير من املهتمني و‬ ‫إلى اإلعتدال ونبذ التطرف والغلو‪.‬‬ ‫ع��دد من املسؤولني في محافظة البلقاء أهمية نشر فكر‬ ‫وأشار أمني سر املنتدى العاملي للوسطية الدكتور محمد‬ ‫الوسطية واإلع��ت��دال وب��ي��ان مخاطر التطرف والغلو على‬ ‫اإلس�لام واملجتمع األردن��ي ومجابهته من خ�لال املؤسسات اخلطيب في ورقته عن «اآلليات التي يتبعها منتدى الوسطية‬ ‫بهدف نشر وتعزيز الفكر الوسطي» من خالل عقد ندوات‬ ‫التربوية واإلرشادية بشتى أنواعها‪.‬‬ ‫وحتدث الدكتور وائل عربيات في اجللسة األول��ى والتي دولية في العاملني العربي واإلس�لام��ي لترسيخ ه��ذه القيم‪،‬‬ ‫أدارها الدكتور هايل داود ‪ ،‬حيث بني من خالل ورقته التي وبناء جسور من التفاهم مع هذه الشعوب من منطلق الدعوة‬ ‫قدمها بعنوان «دور املؤسسات الدينية في تعزيز قيم املواطنة للتسامح وإتباع الطرق العملية في تعميق هذه املفاهيم‪،‬‬

‫وفي نهاية الندوة التي عقدت ضمن نشاطات املنتدى لعقد‬ ‫ومواجهة التطرف واإلن��غ�لاق « مخاطر التطرف وأسبابه‬ ‫وط��رق معاجلته‪ .‬متطرقا إلى دور وزارة األوق��اف في كافة ندوات شاملة في مختلف محافظات اململكة تأكيداً لدور املنتدى‬ ‫مناحي املجتمع‪ ،‬وإلى رسالة عمان كجزء من حركة اإلصالح في التواصل مع كافة املواطنني في اململكة‪ ،‬جرى نقاش عام حول‬ ‫الندوة مت فيه اإلجابة على كثير من إستفسارات احلضور‪.‬‬ ‫الديني والسياسي‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫رح���ب فيها باحلاضرين‬ ‫للفكر وال��ث��ق��اف��ة كلمة ترحيبية ‪ّ ،‬‬ ‫وشكرهم على مشاركتهم ‪ ،‬وب�ّي�نّ دور املنتدى في نشر قيم‬ ‫اإلعتدال والتسامح والوسطية‪ ،‬داخل األردن وخارجه واآلليات‬ ‫التي يتبعها املنتدى في سبيل ذلك‪.‬‬ ‫بعد ذلك بدأت جلسات الندوة على النحو التالي ‪:‬‬ ‫اجللسة األولى ‪:‬‬ ‫كانت برئاسة الدكتور صالح اخلواطرة‪ ،‬ومشاركة العني‬ ‫نوال الفاعوري‪ ،‬والدكتور سليمان شيحان مدير أوقاف مأدبا‪،‬‬ ‫حيث تناولت الدكتورة نوال الفاعوري دور املؤسسات التربوية‬ ‫في نشر الفكر الوسطي ‪ ،‬وبينت أهمية دور املدرسة واملعلم‬ ‫بشكل خاص لنشر هذا الفكر الذي ينبغي أن يحمله املربي‬ ‫ليتمكن من نقله إلى طالبه‪.‬‬

‫ال �ن��دوة ال�ث��ان�ي��ة أق��ام�ه��ا امل�ن�ت��دى ف��ي م��دي�ن��ة م��أدب��ا حتت‬ ‫عنوان‪«:‬دور املؤسسات الدينية والتربوية والثقافية في نشر‬ ‫الفكر الوسطي»‬

‫من جانبه تناول الدكتور سليمان شيحان دور املؤسسات‬ ‫الدينية في نشر الفكر الوسطي حيث أك��د أهمية املسجد‬ ‫وم��راك��ز حتفيظ ال��ق��ران‪ ،‬وامل��راك��ز الثقافية اإلسالمية على‬ ‫أداء هذه الرسالة العظيمة ونشر الفكر الوسطي في نفوس‬ ‫املسلمني‪.‬‬ ‫اجللسة الثانية ‪:‬‬ ‫كانت برئاسة الشيخ جمال السفرتي ومشاركة املهندس‬ ‫مروان الفاعوري واألستاذ الدكتور محمد القضاة‪ ،‬حيث تناول‬ ‫املهندس الفاعوري دور املؤسسات الثقافية في مواجهة فكر‬ ‫الغلو والتطرف واستبداله بفكر الوسطية واإلع��ت��دال‪ ،‬على‬ ‫صعيد األفراد واجلماعات والدول‪ ،‬وأهمية تعظيم قيم احلوار‬ ‫بني الشباب بشكل خاص واملجتمع بشكل عام ‪.‬‬

‫عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة بتاريخ ‪2010/4/3‬م‬ ‫ندوة حول دور املؤسسات الدينية والتربوية والثقافية في نشر‬ ‫الفكر الوسطي في مدينة مأدبا ‪ ،‬وذل��ك في قاعة املرحوم‬ ‫أحمد قطيش األزايدة‪ ،‬وقد حضر رئيس بلدية مأدبا الكبرى‬ ‫األستاذ عارف الرواجيح ‪ ،‬وفضيلة مدير أوقاف مأدبا الدكتور‬ ‫سليمان شيحان ‪ ،‬وسعادة العني نوال الفاعوري ‪ ،‬ومن طرف‬ ‫املنتدى حضر املهندس م��روان الفاعوري وفضيلة األستاذ‬ ‫ثم تناول اإلستاذ الدكتور محمد القضاة اآلليات التي يتبعها‬ ‫الدكتور محمد القضاة احملاضر في كلية الشريعة في اجلامعة‬ ‫منتدى الوسطية في نشر وتعزيز الفكر الوسطي‪ ،‬من خالل‬ ‫االردنية ‪ ،‬وعدد غفير من املهتمني جتاوز ‪ 120‬شخصاً ‪.‬‬ ‫نشر ثقافة الوعي واإلنفتاح على اآلخر ضمن ثوابت الدين‬ ‫في البداية ألقى الدكتور صالح اخل��واط��رة رئيس فرع‬ ‫منتدى الوسطية في مأدبا‪ ،‬كلمة رحب فيها بالضيوف ‪ ،‬ثم احلنيف‪.‬‬ ‫ألقى السيد عارف الرواجيح رئيس بلدية مأدبا الكبرى كلمة‬ ‫اثنى فيها على املنتدى ونشاطاته‪ ،‬وأب��دى استعداده للدعم‬ ‫وف��ي نهاية الندوة ج��رى ح��وار واس��ع مع اجلمهور وجهت‬ ‫واملؤازرة في سبيل إعالء شأن هذا الوطن ونشر قيم الوسطية من خالله أسئلة كثيرة تتعلق باملنتدى والعدوان على العالم‬ ‫واإلعتدال فيه ‪.‬‬ ‫اإلسالمي وسبل مواجهته‪ ،‬وأنواع التطرف التي يتصدى لها‬ ‫ثم ألقى املهندس مروان الفاعوري رئيس منتدى الوسطية املنتدى ودور األئمة واملربني في حتصني الشباب ‪.‬‬

‫ ‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثاني ‪-‬جمادى األولى‪١٤٣١‬هـ ‪/‬نيسان ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪95‬‬


‫ق�سيمة ا�شرتاك �سنوية‬ ‫البلد‬

‫ ‬ ‫اال�سم ‪ /‬امل�ؤ�س�سة‬

‫الهاتف‬

‫ ‬ ‫املدينة‬

‫‪Email:‬‬ ‫كيفية الدفع‬ ‫نقدا ‬

‫�شيك ‬

‫ ‬

‫حوالة بنكية ‬

‫قيمة اال�شرتام ال�سنوي ( ‪ 60‬دينار ) اردين‬ ‫الأردن ‪ -‬عمان ‪ -‬اجلبيهة – تلفون ‪- 5356329‬فاك�س ‪+962 – 6 – 5356349‬‬ ‫�ص ب ‪ 2149‬رمز بريدي ‪11941‬‬ ‫‪P.O.BOX : 2149 AMMAN – 11941 – JORDAN TEL 536329-FAX 5356349-6-962 +‬‬ ‫‪Email: mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪moderation_assembly@yahoo.com‬‬ ‫‪Website: www.wasatyea.org‬‬

‫قواعـد و�شـروط الن�شـر يف جملة الو�سطية‬ ‫يس ّر أسرة حترير مجلة الوسطية والتي تصدر عن املنتدى العاملي للوسطية أن تستقبل مساهمات أصحاب القلم من ال ُكتَّاب‬ ‫واملثقفني والباحثني في أقسام الفكر اإلسالمي والعلوم اإلنسانية واالجتماعية والسياسية والفكرية والتربوية‪ ،‬واملوضوعات‬ ‫ذات الصلة باملشروع احلضاري اإلسالمي الراهن‪ ،‬وكل ما له صلة بقضايا وشؤون الساحة الثقافية اإلسالمية املعاصرة على‬ ‫وجه العموم‪..‬‬ ‫وترى أسرة التحرير أن تكون املواد املرسلة وفق الشروط التالية‪:‬‬ ‫أن تراعى في املادة املرسلة القواعد املتعارفة في البحث العلمي من نواحي توثيق املصادر واملراجع والنصوص‪ ،‬واملوضوعية‬ ‫واملنهجية في الكتابة‪ ،‬واالبتعاد عن األسلوب اخلطابي‪.‬‬ ‫تؤكد املجلة على االلتزام بالبحث املوضوعي احلر والهادئ‪ ،‬البعيد عن كل أشكال التهجم أو املساس بالشخصيات‪.‬‬ ‫ضرورة وضوح لغة البحث وجتنب اتباع األسلوب املعقد واملصطلحات الغامضة وااللتزام بعمق املعنى‪ ،‬مع مراعاة اجلوانب‬ ‫األدبية واجلمالية في الكتابة‪.‬‬ ‫تقترح املجلة أن تدور الكتابات والبحوث حول احملاور التالية‪:‬‬ ‫دراسات إسالمية‪ ،‬الوسطية واالعتدال‪ ،‬التطرف واالرهاب‪ ،‬العنف والالعنف‪ ،‬احترام الرأي اآلخر‪ ،‬حقوق اإلنسان‪ ،‬العوملة‪،‬‬ ‫الفكر والفكر اإلسالمي‪ ،‬اإلعالم في اإلسالم‪ ،‬علوم قرآنية‪ ،‬اإلسالم والسياسة‪.......‬‬ ‫الآراء الواردة يف املجلة متثل وجهة نظر �أ�صحابها‪ ،‬وال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي هيئة التحرير‪.‬‬ ‫تر�سل الأعمال �إىل امل�شرف العام على املجلة‪.‬‬ ‫ترحب املجلة مبساهمات ومشاركات األخوة الكتاب والعلماء واملفكرين‪.‬‬ ‫ما ينشر في هذا العدد يعبر عن آراء الكتّاب أنفسهم وال يعكس بالضرورة آراء هيئة التحرير أو سياسة املنتدى‪.‬‬ ‫تصدر مبوجب املادة السادسة من النظام األساسي للمنتدى العاملي للوسطية‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.