الهيئة االستش�ارية للمجلة الإمام ال�صادق املهدي/ال�سودان معايل الدكتور عبد الرحيم العكور /الأردن معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي /الأردن الدكتور حممد طالبي/املغرب الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل/ال�سودان الدكتور عبد الإله ميقاتي /لبنان الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين /اجلزائر الدكتور �سعد الدين العثماين /املغرب الدكتور حممود ال�سرطاوي /الأردن الأ�ستاذ منت�صر الزيات/م�صر
السنة الثامنة :العدد العشرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ /أيلول ٢٠١5م
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الدكتور حممد حب�ش�/سوريا الدكتور حممد الروا�شدة/الأردن الدكتور زيد املحي�سن/الأردن
هيـئـة التـحريـر
تصدر عن
املهند�س مروان الفاعوري الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة الأ�ستاذ الدكتور خالد جرب الدكتور زهاء الدين عبيدات الدكتور �سليمان الرطروط الدكتور علي احلجاحجة
المنتدى العالمي للوسطية
المشرف العام على المجلة الدكتور زهاء الدين عبيدات
تصميم وإخراج ب�����ل�����ال امل����ل���اح
المراسالت املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع
عمان المملكة األردنية الهاشمية ّ - عمان 11941األردن هاتف - 5356329 :فاكس - 5356349:ص.بّ 2141 : E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net
محتويات العدد االفتتاحية و�سطيتنا
مقاالت الو�سطية
درا�سات الو�سطية
فتاوى �إ�سالمية الركن الطبي ر�سائل جامعية �شخ�صيــّة العـــدد واحة الو�سطية
الطائفي ـّة فتنة احلا�ضر وامل�ستقبل الو�ســطيـة مـنـهـج ح ـيـاة الو�سطية املثالية يف معاملة غري امل�سلمني ثقافة املوت �إلى �أين!؟ حقــوق الإن�ســان بيــن الر�ؤيــة الإ�سالميــة والإعالن العاملي حلقوق الإن�سان �أ�ضـوا ٌء علـى العالـم الإ�سالمـي التحديات الثقافية لل�شباب التق�سيم املذهبي والطائفي لل�شرق العربي املقاربة املوريتانيـة ملحاربـة التطـرف و الإرهـاب �أوكلما ا�شتهيت ا�شرتيت !! ثقافة التقريب بني املذاهب حتليل وت�أ�صيل (اجلزء الأول) جوهر العبادة "فا�سـتقم كمـا �أُ ِمــرت" حـب الوطن م�شروعيته وبواعثه واحلاجة �إليه دور املر�أة امل�سلمة يف املجالني اخلريي والفكري اجلهود املبذولة يف الدفاع عن الإ�سالم من ِق َب ِل ال ُّدعاة والعلماء امل�سلمني الو�سطية من خالل �أ�ساليب احلوار يف اخلطاب القر�آين �س�ؤال التدبري والكرامة الإن�سانية ّتطرف املذاهب الأدبية الغربيّة عن الو�سطية الإ�سالميّة حق الكد وال�سعاية للمطلقة يف فقه النوازل احلالة املغربية �أمنوذجا.. املنهج اخلفي و�أثره يف تعزيز الو�سطية واالعتدال �أنت ت�س�أل ونحن جنيب ه ــذا خلــق اللــه الأجل الق�ضائي يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاته يف نظام الق�ضاء ال�شرعي الأردين �أ.د .عبد اللطيف الهميم رئي�س ديوان الوقف ال�سني بالعراق واق ــع الأم ــة مـن ق�صـ�ص العــرب الإدارة عند النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم
بيانات الو�سطية
يف ال�ش�ؤون الإ�سالمية والفكرية (املحلية والإقليمية والدولية)
ن�شاطات الو�سطية
ندوة ثقافة احلوار والتنوع و�أدب االختالف ً املنتدى العاملي للو�سطية يعقد م�ؤمتراً دوليا يف نيجرييا حول (الإ�سالم يف �أفريقيا ومواجهة التطرف والإرهاب) �إفطار ال�صائم ل�صالح طالب املحا�ضر املوريتانية اجتماع املنتدى العاملي للو�سطية مبنظمة التعاون الإ�سالمي يف جدة م�سابقة القر�آن الكرمي باملنتدى العاملي للو�سطية املنتدى العاملي للو�سطية يُك ِّرم ثلة من ُكتاب التجديد بحث التعاون بني (العاملي للو�سطية ) و ( العاملي للفكر الإ�سالمي )
�إ�صدارات املنتدى
قراءة يف نف�سية �إرهابي بوكو حرام يف نيجرييا
الن�شاطات القادمة م�سابقـة العـدد 2
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
العامل الإ�سالمي وخطر الطائف ّية
املهند�س مروان الفاعوري الأ�ستاذ /عبداملحمود � ّأبو �أ.د .جماهد م�صطفى بهجت د .زيد �أحمد املحي�سن
3 4 6 10
�أ.د عبداللـه الكيالنـي
12
ِ �ص ِّديق حممد �إبراهيم
14 17 19 21 23
د.نزار �شموط د�.سليمان الرطروط الأ�ستاذ بن عمر يل د .ي�سرى العرواين �أ .د.عزمي طه ال�سيد �أحمد �أ.د.حممد الق�ضاة الدكتور نوح م�صطفى الفقري د .حممد احلجوي د� .إ�سماعيل ال�سعيدات الدكتور :ثابت �أحمد �أبواحلاج الأ�ستاذ /م�صطفى فاتيحي ق�صاب �أ .د .وليد �إبراهيم ّ املحامي مازن الفاعوري د /جمال نايف الأ�شقر �إ�شراف �أ.د .حممد الق�ضاة
24 29 30 33 36 38 44 46 49 52 58
د.ذيب عبد اهلل
59
�إعداد عبد احلكيم ال�شبول
60
مركز درا�سات الو�سطية
61
الدكتور ذيب عبد اهلل د .زهاء الدين عبيدات د .زهاء الدين عبيدات
62 63 64 66 68 69 71 75 76 79 80 81 82 84
افتتاحية العدد
الطائفيـــّة فتنة الحاضر واملستقبل
املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية تت�صاعد �أل�سنة دخان الفتنة الطائفية يف عاملنا الإ���س�لام��ي وت��وظ��ف توظيفاً خبيثاً من �أعدائنا يف �إعادتنا الى الوراء ق��رون��اً ،بحيث بِتنا نقتل بع�ضاً ب�أيدي بع�ض وب�أموالنا ورجالنا ،وعدونا م�ستمتع بر�ؤية �أكرب انت�صاراته على الأمة دون ان يخو�ض �أية حروب ،و�إذا كان ثمة �أ�سباب لهذه الفتنة فالأ�سباب حا�ضرة يف كل زمان فاملوروثات التاريخية وغياب ثقافة التوافق والتخلف االجتماعي والأمرا�ض الناجتة عن غياب املنظومة الأخالقية واالرتهان الالجنبي �سعياً وراء امل�صالح ال�ضيقة و�إغفال مفهوم الأم��ة الواحدة } َو�إ َِّن َه ِذ ِه �أُ َّمتُ ُك ْم �أُ َّم ًة َو ِ اح َد ًة َو�أَنَا َربُّ ُك ْم ﴾ وبروز ال ُهويات العرقية والدينية َفا َّتقُونِ { واملذهبية على ح�ساب ال ُهويات الوطنية املتعار�ضة م��ع مفهوم الأم���ة وال�شعور بالتهمي�ش وال��ظ��ل��م ك��ل ه���ذه وغ�يره��ا �صواعق تفجري ا�ستخدمها �أ�صحاب
نظرية �صراع احل�ضارات خلو�ض حرب عاملية ثالثة وقودها دم��ا�ؤن��ا وحطامها جماجم �أبنائنا ومدننا وح�ضارتنا ،لقد فقد العراق وح��ده �أك�ثر من مليون من رجاله ون�سائه وفقد خم�سة ماليني طفل الأب �أو الأم عدا املت�شردين واملقتولني يف �سوريا واليمن وغريها.
وهنا ف�إن املنتدى العاملي للو�سطية يدرك خطورة توظيف ال�صراع املذهبي لتفتيت الأمة واال�ستيالء على مقدراتها وم�صادرة قرارها ورهن �إرادتها ل�صالح امل�ستعمر ال����ذي مل ي��خ��رج �أب�����داً من عوا�صمنا بل �أخفى خمالبه خلف قفازات ناعمة وخلف وجوه جميلة مبت�سمة من �أبناء جلدتنا ويتكلمون ب�أل�سنتنا بحيث �أ�ضحى ه�ؤالء على �أبواب جهنم يحرقون �آم���ال الأم���ة و�أح�لام��ه��ا ويدخلوننا يف التيه عقوداً وعقوداً ليطفئوا نور اهلل وي��ح��ارب��وا دع��ات��ه ويعيقوا تقدم �أمتنا مب�شروعها احل�ضاري الذي عليه الأمل يف انقاذ الب�شرية من �شقوتها ودفعها نحو ال�سعادة واحلرية والبناء.
�إن على عقالء الأم��ة والقلب ينزف والعني تدمع واحل��زن ميلأ النفو�س �أن يهبوا ملعاجلة �أ�سباب ه��ذه الفتنة وان يتقدموا ال�صفوف مبيثاق �إ�سالمي جامع ي��ع��زز مفهوم ال��وح��دة ف��وق الفرقة �أو املذهب و�أن مييزوا ال�صفوف من �إتباع الأخن�س بن �شريق الثقفي الذي �أظهر الإ�سالم و�أبطن الكفر وخ��رج من عند ر�سول اهلل فحرق زرع امل�سلمني وعقر ۖ َف َم ْن َّا�س َمن ﴿}قَدْ جَاءَكُم بَ�صَائِرُ مِن َّر ِّب ُك ْم ا ُ حل ُمر ف�أنزل اهلل فيه } َو ِم َن الن ِ َ ِ َ َ َ ُ ۚ َو َما َ�أنَا ۖ َو َم ْن َع ِم َي َف َعلَيْ َها �ص َر َف ِلنَف ِْ�س ِه ب � أ لحْ ْ ْ هِ فيِ يُ ْع ِجبُك ق ْول ُه ا َياة ال ُّدن َيا َويُ�ش ُد ْ َ هّ َ َ ِح ِف ٍ الل َعلَى َما فيِ َقلْب ِِه َو ُه َو �ألَ ُّد خْ ِ يظ{. ﴾ �ص ِام ﴾{َ .علَيْ ُكم ب َ ال َ ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
3
وسـطيتنا
الو�ســطيـة مـنـهـج حــيـاة الأ�ستاذ /عبداملحمود � ّأبو رئي�س فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف ال�سودان
الو�سطية تعني ال�سماحة واالعتدال يف التكليف ،وترك الدين والتكلف فيهّ � ،إن الو�سطية منهج مُ َي ِّكن املغاالة يف ِّ امل�سلم من فهم الأمور فهم ًا �صحيح ًا ،ومن ثم يتعامل معها بوعي ،ففي جمال العقيدة ُيحقق َو ْحدانية اخلالق ،ويف جمال العبادة ُيراعي َمقا�صدها االجتماعية ،ويدرك � ّأن �أ�سا�س الأخالق هو � ْأن تُعامل النا�س كما حُتب �أن ُيعاملوك، ووعي ومنهج الو�سطية يجعل املرء ينظر �إلى الأمور بتوازُن ْ وتكامل . � ّإن معامل الو�سطية تتمثل يف الآتي : �أوال :اجلمع بني الأ�صالة واملعا�صرة ؛ فالو�سطية تلتزم بالأ�صالة كمرجعية ،وال تهمل املعا�صرة كف�ضاء للتطبيق، وتفاعل بني الن�ص والواقع . ثالثا :التوفيق بني علم ال�شريعة املُ َت َم ِّثل يف الأحكام ال�شرعية اخلم�سة،واملبادئ واملقا�صد؛ وبني علم ال َّت ْزكية الذي يخاطب الوجدان لريتقي بالإن�سان �إلى مرحلة التذوق الإمياين . . ث��ان�ي��ا :التميِيز ب�ين ال�ث��واب��ت وامل �ت �غ�يرات؛ ف��الأح�ك��ام ال�شرعية تنق�سم �إل��ى �أ��ص��ول؛ �أحكامها ثابتة؛ تتمثل يف العقائد وال�ع�ب��ادات و�أ� �ص��ول الأخ�ل�اق ،وف��روع وو�سائل، بتغي العلل . �أحكامها ُم َع َّللة و َت َتغيرَّ رُّ رابعا :التوفيق بني ظواهر الن�صو�ص وق��راءة ما وراء الن�صو�ص ،من معاين ت�ستنبط بالت�أمل والتدبر والتفكر . خ��ام���س��ا :االل��ت��زام بالتي�سري يف ال�ف�ت��وى والتب�شري يف ال��دع��وة؛ ف��الأخ��ذ ب��ال� ُّرخ����ص ،وم��راع��اة ال���ض��رورات، وا�ست�صحاب الواقع ،والعرف؛ من الأم��ور التي ينبغي �أن تراعي يف الفتوى . 4
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
م��ع معرفة املكونات الفكرية ،واخللفيات الثقافية، للمخاطب ،واختيار املداخل املنا�سبة تطبيقا ملبد�أ احلكمة املطلوب يف ال��دع��وة ؛ ق��ال تعالى " :ادع �إل��ى �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم بالتي هي �أح�سن " �ساد�سا :مراعاة الواقع :التعاليم الإ�سالمية ال تُط َّبق يف ف��راغ و�إمن��ا يقوم بتطبيقها الإن�سان بكل خ�صائ�صه، ويف واقع تختلف طبيعته من بيئة لأخرى ،لذلك ف�إن منهج الو�سطية يراعي الواقع وي��زاوج بينه وب�ين الواجب على �أ�سا�س قوله � -صلى اهلل عليه و�سلم -لل�سيدة عائ�شة ر�ضي اهلل عنها " :لوﻻ � ّأن قومك حديثوا عهد بالإ�سالم؛ لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد �إبراهيم " مراعاة للواقع . �سابعا :مراعاة ال�ضرورات :الإن�سان خملوق من طني وفيه َق َب ٌ�س من روح اهلل ،ومن خ�صائ�صه العقل واحلرية والإرادة والوجدان ؛ وهذه لديها مطالب �ضرورية لتحقيق �إن�سانية الإن�سان ،ومتكينه من حتقيق وظيفة اال�ستخالف التي خُ لق للقيام بها .قال تعالى " :فليعبدوا رب هذا البيت ال��ذي �أطعمهم من جوع و�آمنهم من خوف " فاحلاجات ال�ضرورية �إهتم بها الإ�سالم و�ش َرع لتلبيتها و�صيانتها، ولي�س هنالك �أمر �ضروري للإن�سان؛ح َّرمه الإ�سالم ،و�إمنا و�ضع �ضوابط �شرعية لإ�شباعه مع مراعاة التوازن بني حاجة الفرد واملحافظة على النظام العام للمجتمع الب�شري . ثامنا :م��راع��اة ال�شورى واحل��ري��ة :احل��ري��ة م��ن �أه��م خ�صائ�ص الإن���س��ان،ول��ذل��ك ح � َّرم الإ� �س�لام الإك� ��راه يف الدين،واحلرية �شرط ملمار�سة ال�شورى التي ت�ضبط النظام االجتماعي ؛ وعليه ف ��إن الو�سطية ُت��ويل �إهتماما كبريا ل�صيانة احلرية حتقيقا لكرامة الإن�سان ومتكينا له من ممار�سة ال�شورى .
تا�سعا� :إن�صاف امل��ر�أة و�إ�شراكها يف كل الأعمال التي تالئم طبيعتها فهي متثل ِّ ال�شق الآخ��ر للإن�سان ،وهي خماطبة كالرجل لتحقيق وظيفة اال�ستخالف بكل جتلياتها؛ تق�سيما للأدوار و�إقامة لر�سالة الإن�سان يف الكون . - ١٠ال َّت�سامح مع الآخر والعمل على �صيانة العي�ش امل�شرتك بني مكونات املجتمع املتنوعة؛ دينيا وثقافيا ،فالتعدد �إرادة �إلهية ،و�ضرورة اجتماعية ،وواقع كوين معي�ش . با�ستيعاب املعامل ال�سابقة تت�ضح املعايري التي مبوجبها ي�صح احلكم كل من يدعي الو�سطية هل هو �صادق �أم يخالف قوله الواقع .فالو�سطية منهج يقوم على العدل والتوازن والتكامل فمن يلتزم بهذا املنهج فهو و�سطي فردا كان �أم جماعة �أم تنظيما و�إال فال .. والتوازن يتحقق بفهم �صحيح الإ�سالم ،وتر�سيخ مبادئه عن طريق املناهج الرتبوية والتعليمية ،وكذلك بتجفيف منابع ال َّتطرف والغلو ومغذّياته االجتماعية والفكرية، ومعاجلة ظاهرة الفقر والأمية والتخلف ،ويتم كل ذلك عرب حتقيق الإ�صالح ال�سيا�سي الذي له ت�أثري كبري على الأمور الأخرى . �إن الفهم ال�صحيح للإ�سالم هو العا�صم من االنحراف عن ال�صراط امل�ستقيم ،وهنا يكون دور العلماء قال النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ": -يحمل هذا العلم من كل خَ َل ٍفُع ُدو ُله َي ْنفُون عنه حَتْريف الغَا ِلني وان ِت َحال املُبطلني وت�أويل اجلاهلني" ٌ و�سلوك قبل ال�شعار، �إن الدين التزا ٌم قبل الدعوة ؛ إ�صالح الباطن قبل الظاهر ،فالذي يدعو ل ّأي �أمر �إن مل و� ُ يكن ُملتزما به يف نف�سه؛ فلن يكون له � ُّأي �أثرٍ على الواقع، ير من ُم َع ِّلم النا�س وم�ؤ ِّدبهم، ف ُم َع ِّلم نف َْ�سه وم�ؤ ِّد ُبها خ� ٌ وثبت بالتجربة �أن �أك�ثر الأ� �ص��وات ارتفاعا بال�شعارات من �أ َق ِّلهم التزاما مب�ضمونها قال تعالى " :يا �أيها الذين �آمنوا لمِ َ تقولون ما ال تفعلون َكبرُ َ َمقْتا عند اهلل �أن تقولوا ما ال تفعلون " �أقول لرافعي ال�شعارات دون التزام؛ �أرفقوا ب�أنف�سكم وبالنا�س ،فال�شريعة لي�ست �شعارات ،وال حدودا وعقوبات فح�سب ،و�إمن��ا هي منهج حياة متكامل ،وبهذا الفهم �أقول � ّإن ال�شريعة لي�ست غائبة كلي ًّا ،فنحن نراعي �أحكام ال�شريعة منذ امليالد ،ونحر�ص على ممار�سة كل �ش�ؤون حياتنا وفق �أحكامها ،وجنتهد يف ذلك حتى املمات. و�أعني بذلك النظام العام ملُجتمع امل�سلمني ،وحتى الدول يف بع�ض ت�شريعاتها ُملتزمة بال�شريعة؛ وال ينفي هذا وجود بع�ض املخالفات الفردية واجلماعية وعلى م�ستوى الدولة ،ولكنها مقارنة مع الغالب الأع��م فهي خمالفات قليلة وتتعاظم َح ْ�سب طبيعتها ونوع مقرتفيها ،وعليه ف�إن
ال�شعار ال�صحيح هو الدعوة لتو�سيع قاعدة تطبيق �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية لت�شمل اجلوانب التي مل تُطبق فيها، ولكن بالتدرج مع مراعاة الواقع . الإ��س�لام دي��ن خ��امت جمع �أ�صول الر�ساالت ال�سابقة، وم��ن � �ش��روط �صالحيته للتطبيق ا�ستجابته ملتطلبات م�ستجدات احلياة ،ومنذ ع�صر ال َّتنْزيل مرورا بكل احلقب �إهتم الفقهاء ب�إبراز مقا�صد الت�شريع؛ حتى � ّأن ال ِع ْز بن عبدال�سالم قال ":كل ت�ص ُّرف �أ َّدى �إلى نقي�ض مق�صوده فهو باطل" ،واج�ت�ه��ادات عمر بن اخلطاب ت�ؤكد ذلك؛ فمنعه �سهم امل�ؤلفة قلوبهم ،ورف�ضه تق�سيم �أرا�ضي العراق، واتخاذه للدواوين ،وغريها؛كل ذلك يندرج يف بند قراءة الن�صو�ص اجلزئية يف َ�ض ْو ِء املقا�صد الكلية ،ويف ع�صر الإنفتاح والعوملة وتدفُّق املعلومات وتقارب الزمان واملكان �صار �إبراز هذا املنهج من �ضرورات الع�صر . َفاعل بني النّ�صو�ص والواقع، �إن الفكر الإ�سالمي هو ت ُ والإ�سالم دعا لهذا التفاعل فالقر�آن كتاب مقروء والكون كتاب منظور ،ومطلوب من امل�سلم قراءة الكتابني ليفهم مق�صد اهلل من ق�صة اخللق ،ور�سالة اال�ستخالف ،فتجديد الفكر الإ��س�لام��ي؛ ه��و تفاعل ب�ين الإ� �س�لام وال��واق��ع عرب الع�صور ،ولكل ع�صر ُم َف ِّكروه ومجُ َ � ِّ�د ُدوه ،والتجديد هو جتديد ال َّت َد ُّين ال جتديد الدين ،وجتديد القراءة للن�صو�ص وفق متطلبات الع�صر ،لتحقيق الت�صالح بني الدين واحلياة . وال�شرع جاء لتنظيم حياة الإن�سان وتوجيهها ملا يحقق �صالحه يف الدنيا والآخ��رة ،والقر�آن نزل لكل النا�س يف كل الع�صور ،وكل �أهل ع�صر مطالبون �أن يقر�أوا القر�آن ك�أنَّه �أُ ْن��زل عليهم مع ا�ستفادتهم من ق��راءات ال�سابقني بتغي الزمان لهم ،وااللتزام بالأ�صول الثابتة التي التتغري رُّ واملكان .وا�ست�صحاب املالئم لع�صرهم من قراءة ال�سلف . ولعل هذا هو معنى قوله تعالى " :تلك �أمة قد خلت لها ما ك�سبت ولكم ما ك�سبتم وال ت�س�ألون عما كانوا يعملون" وقوله � -صلى اهلل عليه و�سلم -عن ال�ق��ر�آن الكرمي ": وال تبلى جدته" � ْأي �إن معارفه ومعانيه ال تتقيد بحدود الزمان واملكان ؛ �إذا فُهم الإ�سالم بهذا املعنى الوا�سع، و�أدرك امل�سلمون �أن معارف القر�آن �أو�سع من حدود املكان وال��زم��ان ،و�أنها متجددة؛ ف��إن ذلك من �ش�أنه �أن يحقق توفيقا بني ثوابت الإ�سالم ومقت�ضيات الع�صر املتجددة. قال تعالى� } :أَلمَ ْ َت� َر َك ْي َف َ�ض َر َب اللهَُّ َم َث ًال َك ِل َم ًة َط ِّي َب ًة ال�س َما ِء ( )24ت ُْ�ؤ ِتي كَ�شَ َج َر ٍة َط ِّي َب ٍة �أَ ْ�ص ُل َها َثاب ٌِت َو َف ْر ُع َها فيِ َّ َّا�س َل َع َّل ُه ْم �أُ ُك َل َها ُك َّل ِح ٍني ِب�إِذْ نِ َر ِّب َها َو َي ْ�ضرِ ُب اللهَُّ الأَ ْمثَالَ ِللن ِ ون{ابراهيم.4-23: َي َتذَ َّك ُر َ ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
5
وسـطيتنا
الو�سطية املثالية يف معاملة غري امل�سلمني �أ.د .جماهد م�صطفى بهجت اجلامعة الإ�سالمية املاليزية UIM
املقدمة: لي�ست الو�سطية جمرد �شعار �أو دعوة نظرية جمردة �أو فكرة حمدودة �ضمن الدين الإ�سالمي ،بل هي قطب الرحى والدعامة الأ�سا�سية واجلوهر الفعال يف ديننا الإ�سالمي، وهي تت�صل ات�صا ًال فعا ًال وترتبط ارتباط ًا وثيق ًا بجوانب الإ�سالم املختلفة عقيدة و�شريعة و�أخالق ًا: ففي العقيدة توحيد اهلل و�إفراده وتنزيهه عن الأنداد واتخاذ ال�صاحبة والولد ،والعبادة والتدين بحيث ال تنعزل العبادة عن الدنيا ،والدنيا ال حتيف على العبادة ،بل جمعت بني الأم��ور بدون �إف��راط �أو تفريط �أو غلو �أو جفاء .1ويف الت�شريع لأنها �ضمن حدود طاقة الإن�سان وحتقق م�صلحته الدنيوية ب�إ�صالح معا�شه ثم معاده } َال ُي َك ِّل ُف اللهُّ َنفْ�س ًا �إِ َّال ُو ْ�س َع َها{ البقرة .286 :ويف الأخ�لاق :لأنها مرتبطة بالعقيدة ،والعقيدة الفا�سدة ت�ؤدي �إلى انحراف الأخالق، والقر�آن الكرمي و�سط يف ذلك بني غالة املثاليني الذين تخيلوا الإن�سان مالك ًا �أو �شبه مالك ،وبني غالة الواقعيني الذين ح�سبوه حيوان ًا �أو كاحليوان ،وه ��ؤالء �أ��س��اءوا به الظن فع ّدوه �شر ًا خال�ص ًا ،وكانت نظرة القر�آن و�سط ًا بني ذلك" ...فالإن�سان كما �ص ّوره القر�آن خملوق مركب فيه العقل وفيه ال�شهوة ،وفيه غريزة احليوان وروحانية املالك ..فيه ا�ستعداده للفجور ا�ستعداده للتقوى ،ومهمته جهاد نف�سه وريا�ضتها حتى تتزكىَ } ."2و َنف ٍْ�س َو َما َ�س َّو َاها َّاها * َو َق ْد * َف�أَ ْل َه َم َها ُف ُجو َر َها َو َت ْق َو َاها * َق ْد �أَ ْف َل َح َمن َزك َ اب َمن َد َّ�س َاها{ ال�شم�س.10 -7 : خَ َ - 1الو�سطية يف القر�آن الكرمي :ال�صالبي �ص .557 - 2امل�صدر ال�سابق �ص .574 6
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وق��وان�ين الأخ�ل�اق يف الإ� �س�لام معروفة فقد ج��اءت ن�صو�ص ك�ث�يرة تخ�ص الإن���س��ان وال�ع�لاق��ات الأ��س��ري��ة، والعالقات بني الأقارب والأرحام ،ويف الآداب واملجامالت واالقت�صاد واملعامالت وغري ذلك ب�شكل متوازن مبا يحقق م�صلحة امل�سلم وم�صلحة �أم�ت��ه ويف مقدمتها مطالبة الإن�سان بالعدل مع عدوه } َو َال َي ْجرِ َم َّن ُك ْم �شَ َن� ُآن َق ْو ٍم َع َلى �أَ َّال َت ْع ِد ُلو ْا ْاع ِد ُلو ْا ُه َو �أَ ْق َر ُب ِلل َّت ْق َوى{ املائدة ،8 :ومل يطلب حمبة عدوه لأن ذلك فوق طاقته مما جاء يف الإجنيل يف ق��ول امل�سيح�" :أحبوا �أع��داءك��م ،من �ضربك على خدك الأمين ف�أدر له الأي�سر" وهو �أمر �شاق على النفو�س ،كما منع الإ�سالم الزيادة يف العقوبة والث�أر بل منح حق مقابلة ال�سيئة مبثلها لقوله تعالى } َو�إِ ْن َعا َق ْبت ُْم َف َعا ِق ُبو ْا بمِ ِ ْثلِ َما ِرين{ النحل.126 : ل�صاب َ ُعو ِق ْبتُم ِب ِه َو َل ِئن َ�صبرَ ْ مُ ْت َل ُه َو خَ يرْ ٌ ِّل َّ قواعد التعامل مع غري امل�سلمني: احلقيقة �إن ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي و��ض��ع ق��واع��د وا�ضحة للب�شرية ،و�أع�ل��ن الإ��س�لام �أن النا�س جميع ًا خلقوا من نف�س واحدة ،وهذا يعني وحدة الأ�صل الإن�ساين قال اهلل َّا�س ا َّتقُو ْا َر َّب ُك ُم ال َِّذي خَ َل َق ُكم ِّمن َّنف ٍْ�س تعالىَ } :يا �أَ ُّي َها الن ُ َو ِاح َد ٍة َوخَ َلقَ ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َب َّث ِم ْن ُه َما ر َِجا ًال َك ِثري ًا َو ِن َ�ساء ون ِب ِه َوالأَ ْر َح َام �إِ َّن اللهّ َ َك َان َع َل ْي ُك ْم َوا َّتقُو ْا اللهّ َ ال َِّذي ت ََ�ساء ُل َ َر ِقيب ًا{ الن�ساء ،1 :والإن�سان مك ّرم يف نظر القر�آن الكرمي، دون النظر �إلى دينه �أو لونه �أو جن�سه ،قال تعالى} :ولقد ك َّرمنا بني �آدم{ الإ�سراء ،70 :وما اختالف الب�شرية يف �ألوانها و�أجنا�سها ولغاتها �إال �آية من الآي��ات الدالة على عظيم قدرة اخلالق تعالى ،قال عز وجلَ } :و ِم ْن �آ َيا ِت ِه خَ ْلقُ
الَ ْر ِ�ض َواخْ تِلاَ ُف �أَل ِْ�س َن ِت ُك ْم َو�أَ ْل َوا ِن ُك ْم ِ�إ َّن فيِ ذَ ِل َك ال�س َما َو ِات َو ْ أ َّ َ آل َي ٍات ِّل ْل َعالمِ ِ َني{الروم.22 : وه��ذا االخ�ت�لاف ال يجوز �أن يكون �سبب ًا يف التنافر والعداوة ،بل بالعك�س يجب �أن يكون �سبب ًا للتعارف والتالقي على اخلري وامل�صلحة امل�شرتكة ،فاهلل تعالى يقولَ }:يا �أَ ُّي َها َّا�س �إِنَّا خَ َل ْقنَا ُكم ِّمن ذَ َكرٍ َو�أُن َثى َو َج َع ْلنَا ُك ْم �شُ ُعوب ًا َو َق َبا ِئ َل الن ُ ِل َت َعا َرفُوا{ احلجرات ،13 :وميزان التفا�ضل الذي و�ضعه القر�آن الكرمي� ،إمنا هو ما يقدمه هذا الإن�سان من خري للإن�سانية كلها مع الإميان احلق باهلل تعالى ،فاهلل يقول: }� َّإن �أكرمكم عند اهلل �أتقاكم{ احلجرات.13 : وال يجرد الإ� �س�لام غ�ير امل�سلمني م��ن ب�شريتهم ،وال الدينِ { البقرة: يجربهم على الإ�سالم لأنه } َال �إِ ْك� َرا َه فيِ ِّ ،256و�إمن��ا نظر �إليهم نظرة الطبيب �إلى املري�ض ،فهم �إن كانوا يرف�ضون دع��وة الإ��س�لام ،مل يقاتلوا امل�سلمني، والقاعدة التي و�ضعها القر�آن يف التعامل مع ه�ؤالء تتمثل ين لمَ ْ ُيقَا ِت ُلو ُك ْم يف قوله تعالى} :لاَ َي ْن َها ُك ُم اللهَُّ َعنِ ال َِّذ َ وه ْم َو ُتق ِْ�س ُطوا الدينِ َولمَ ْ ُيخْ رِ ُجو ُكم ِّمن ِد َيا ِر ُك ْم �أَن َتبرَُّ ُ فيِ ِّ للهَُّ َ للهَّ ين �إِ َل ْيهِ ْم �إِ َّن ا ُي ِح ُّب المُْق ِْ�س ِط َني * �إِنمَّ َا َي ْن َها ُك ُم ا َعنِ ال َِّذ َ الدينِ َو�أَخْ َر ُجو ُكم ِّمن ِد َيا ِر ُك ْم َو َظ َاه ُروا َع َلى َقا َت ُلو ُك ْم فيِ ِّ ُ �إِخْ َراجِ ُك ْم �أَن َت َو َّل ْو ُه ْم َو َمن َي َت َو َّل ُه ْم َف�أ ْو َل ِئ َك ُه ُم َّ ون{ الظالمُِ َ املمتحنة .9-8 :فالآية وا�ضحة يف �أننا نحن امل�سلمني لنا احلرية التامة يف �صلة الآخرين والعدل معهم ومعاملتهم املعاملة الطيبة -و�إن مل ين�ضموا �إلى الإ�سالم-بنا ًء على مبد�أ االحرتام املتبادل ،والعالقات وامل�صالح امل�شرتكة. �إن الأ�سا�س ال��ذي و�ضعه الإ��س�لام يف �إط��ار الت�سامح الديني والتعاي�ش مع الآخرين يعد �صاحل ًا للعمل به يف كل زمان ومكان ،وقد عا�ش امل�سلمون �أتباع الأديان املختلفة كافة �سماوية و�أر�ضية جنب ًا �إلى جنب ،والكل يعي�ش يف حرية دينية �سامية ،وميار�س �سائر �أ�شكال احلياة العلمية واالجتماعية والعملية ،وحتى تويل املنا�صب العليا يف الدولة. طالبنا الإ��س�لام وف��ق �أخالقياته و�سم ّو نظرياته �إلى معاي�شة الأديان الأخرى والت�ساكن معها مهما اختلفت لأن هذا االختالف بني النا�س �أمر حتمي ق�ضى به خالق النا�س حلكمة يعلمها هو جل وعال .فال يوجد �شيء يف الإ�سالم ا�سمه �إل �غ��اء الآخ ��ر ،لأن ه��ذا الآخ��ر �إن���س��ان ل��ه احلقوق الإن�سانية كافة ،ول��و ك��ان خمالف ًا للم�سلمني يف االعتقاد والتدين.3
مثال تطبيقي لتعاي�ش الر�سول مع غري امل�سلمني: ملـّا هاجر النبي الكرمي � إلى املدينة املنورة �أقام حلف ًا مبن ّي ًا على التكاف�ؤ والعدالة بني امل�سلمني واليهود ،ومل ي�أت النبي ليمحو وجود اليهود من املدينة ،و�إمنا اعرتف بدينهم وت��رك لهم حرية ممار�سة �شعائرهم ،ودعاهم �إلى الإ�سالم باحلكمة واملوعظة احل�سنة ،حتى �إنه ورد يف الدينِ { البقرة: �أ�سباب نزول قوله تعالىَ } :ال �إِ ْك � َرا َه فيِ ِّ � ،256أن بع�ض امل�سلمني كان لهم �أوالد يدينون بالديانة اليهودية ،ف��أرادوا �أن يجربوا �أوالدهم على ترك اليهودية واعتناق الإ�سالم ،فنهاهم اهلل يف هذه الآية عن ذلك. ومل يحارب النبي اليهود ب�سبب االختالف معهم يف الدين ،و�إمنا ب�سبب نق�ضهم للمعاهدات التي كانت بينهم وبني امل�سلمني ،ف�ض ًال عن �سعيهم الدائم لت�أليب العرب وامل�شركني �ضد الإ��س�لام ،فاحلرب كانت دفاعية وقائية تو�سعت رقعة الدولة الإ�سالمية زمن بالدرجة الأولى ،وملا ّ النبي كان هناك جمموعة كبرية من القبائل امل�سيحية العربية وبخا�صة يف جنران ،فما كان منه � إال �أن �أقام معهم املعاهدات التي ت�ؤ ّمن لهم حرية املعتقد ،وممار�سة ال�شعائر ،و�صون �أماكن العبادة ،ف�ض ًال عن �ضمان حرية الفكر والتعلم ،فلقد جاء يف معاهدة النبي لأهل جنران: "وال يغري �أ�سقف من �أ�سقفيته ،وال راهب من رهبانيته وال كاهن من كهانته ولي�س عليه دنية" ،وكان له�ؤالء ولغريهم احلرية التامة يف التنقل واحلركة وممار�سة �أي نوع من �أنواع التجارة والن�شاطات االجتماعية ،فهذه هي الأ�س�س التي قام عليها التعاي�ش بني امل�سلمني الأوائل مع غريهم. �شواهد تاريخية قدمي ًا وحديثاً: ويف التاريخ خري مثال عملي و�أع�ظ��م دليل على هذا التعاي�ش بني امل�سلمني والأدي��ان الأخرى فالفتح الإ�سالمي لبالد ال�شام وم�صر كان يف زمن �سيدنا عمر ،وبقي الن�صارى والأقباط فيهما حتى الوقت احلا�ضر ،وامل�سلمون وامل�سيحيون عا�شوا �أرب�ع��ة ع�شر ق��رن� ًا جنب ًا �إل��ى جنب، يتقا�سمون الأفراح والأتراح ،ويواجهون دائم ًا عدو ًا واحد ًا، ويحاربون يف خندق م�شرتك.
- 3نظرات ا�ست�شرافية يف فقه العالقات اإلنسانية بني امل�سلمني وغري امل�سلمني :ح�سن حممد �سفر �ص .7 ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
7
وسـطيتنا َّا�س �أُ َّم ًة ِ واح َد ًة (�أي على دين واحد وعلى منهج واحد) الن َ ون مخُ ْ َت ِل ِف َني �إ َّال َمن َّر ِح� َ�م َر ُّب� َ�ك و ِلذَ ِل َك خَ َل َق ُه ْم{ وال َيزَ ا ُل َ هود ،118 :يقول الطاهر بن عا�شور" :ولكن احلكمة التي �أقيم عليها نظام هذا العامل اقت�ضت �أن يكون نظام عقول الب�شر قابال للتطوح بهم يف م�سلك ال�ضاللة �أو يف م�سلك الهدى على مبلغ ا�ستقامة التفكري والنظر ،وال�سالمة من حجب ال�ضاللة.6"... وي�ستطيع امل�سلم �أن يتعامل مع َمن يعتقد �أنه كافر لأنه يعتقد �أن هذا االختالف واقع مب�شيئة اهلل كما �سبق }و َل ْو �شَ ا َء َر ُّب� َ�ك ل َآم� َ�ن َمن فيِ الأَ ْر��ِ�ض ُكلُّ ُه ْم َج ِميع ًا �أَ َف��أَن� َ�ت ُت ْكرِ ُه َّا�س َح َّتى َي ُكو ُنوا مُ�ؤ ِْم ِن َني {يون�س ،99فاالختالف واقع الن َ مب�شيئة اهلل ،ولإميانه �أن الإ�سالم ك ّرم الإن�سان من حيث هو �إن�سان بغ�ض النظر عن جن�سه �أو دينه �أو لونه �أو لغته �أو �إقليمه �أو طبقته }و َلق َْد َك َّر ْمنَا َب ِني �آ َد َم{ الإ�سراء ،70 :وقد ورد عن النبي � أنه مرت به جنازة فقام واقف ًا احرتام ًا لها فقيل له� :إنها جنازة يهودي فقال �ألي�ست نف�س ًا .7فما �أروع املوقف وما �أروع التعليل نف�سه �ألي�ست نف�س ًا .8 لذلك يقيم الإ��س�لام العالقة بني النا�س جميع ًا على �أ�سا�س العدل جلميع خلق اهلل يهودي ون�صراين وجمو�سي ووثني ،والبد �أن يكون بيننا وبينهم العدل} وال َي ْجرِ َم َّن ُك ْم �شَ َن� ُآن َق � ْو ٍم َع َلى �أَ َّال َت ْع ِد ُلوا ْاع� ِ�د ُل��وا ُه� َو �أَ ْق� � َر ُب ِلل َّت ْق َوى{ املائدة ،8 :وال�شن�آن �شدة البغ�ض �سواء �شدة بغ�ضهم لكم �أو بغ�ضكم لهم ،ال مينع هذا �أن��ك حتكم بالعدل فالعدل مطلوب القر�آن. و�ضع الإ�سالم القواعد التي تنظم العالقة بني الدولة الإ�سالمية والأمة الإ�سالمية وغري امل�سلمني ،9بحيث تكون عالقات طبيعية ،فه�ؤالء يعي�شون يف املجتمع الإ�سالمي
�سجله التاريخ � ّأن التتار عند دخولهم دم�شق ومم��ا ّ �أ�سروا نا�س ًا من امل�سلمني ويهود وامل�سيحيني ،وذهب �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ومعه جماعة من علماء امل�سلمني عند هوالكو يطلبون منه ف� ّ�ك الأ��س��رى فقالوا له يا �شيخ ابن تيمية� :سنطلق لك �سراح امل�سلمني� ،أما اليهود والن�صارى فال ،قال لهم" :ال �أهل ذمتنا قبل �أهل ملتنا ،واهلل ال �أخرج قبل �أن َّ يفك �أ�سر اجلميع" ،4وهكذا فالدفاع عن �أهل الذمة واجب على امل�سلمني حتى قال علماء امل�سلمني� :إن �إيذاء الذمي �أ�شد �إثم ًا من �إي��ذاء امل�سلم ،وغيبة الذمي �أ�ش ُّد يف الإثم من غيبة امل�سلم لأنه معترب ،ك�أنه يعني �إن امل�سلمني هم امل�س�ؤولون عنه. وتذكر هنا كلمة قالها فار�س اخل��وري حديث ًا وهو من رجال الفكر وال�سيا�سة يف �سورية يف احتفال �أقامه امل�سلمون يف اجلامع الأموي �ضد اال�ستعمار الفرن�سي ،وقف خطيب ًا ليعلن على امل�ل�أ�" :إن م�برر وج��ود فرن�سة يف �سورية هو حماية الن�صارى� ،أنا نائب الن�صارى فار�س اخلوري �أطلب احلماية منكم �أيها امل�سلمون ،و�أرف�ضها من فرن�سة".5 و�إذا كانت ه��ذه ال��دع��وات الطائفية واملذهبية ت�سبب يف بع�ض الأحيان �شيئ ًا من �سوء العالقات �أو تعكري �صفو التعاي�ش بني �أبناء الوطن الواحد ،ف�إن امل�سلمني وغريهم يف داخ��ل ب�ل��دان ال�ع��امل الإ��س�لام��ي يعرفون �أه ��داف هذه الدول التي تتدخل بحجة حماية الأقليات ،ويعرف متام ًا امل�سيحيون العرب �أن ال��دول اال�ستعمارية عندما مت ّد يد الدعم لبع�ض الفئات امل�سيحية ال تبتغي من وراء ذلك �إال م�صاحلها اخلا�صة. ات�ساع العقيدة الإ�سالمية للآخر: العقيدة الإ�سالمية تت�سع جلميع النا�س ال تريد �أن تلغي الآخ��ر بل هي تعرتف �أن هناك �آخ��ر ،هناك َمن يخالفها يف العقيدة وال�شريعة وال�سيا�سة ،و�أه��م اخل�لاف��ات هي - 6التحرير والتنوير الطاهر بن عا�شور 348 /11 ،ط الدار التون�سية للن�شر 1984م. اخلالفات العقائدية ،والقر�آن قرر �أن هذا االختالف واقع مب�شيئة اهلل املت�صلة بحكمته ،واحلكمة الإلهية اقت�ضت �أن - 7اجلامع ال�صحيح البخاري� ،أب��و عبد اهلل 107 /2 ،رقم احلديث .1312ط دار ال�شعب ،القاهرة 1987م .اجلامع يكون النا�س خمتلفني يف الدين لأن اهلل �سبحانه وتعالى لو ال�صحيح امل�سمى �صحيح م�سلم بن احلجاج ،58 /3 ،رقم �أراد النا�س �أن يكونوا على دين واحد وعلى نهج واحد خللق احلديث ،2269ط دار اجليل ،بريوت. الإن�سان على غري هذه ال�صورة ،وحرمه العقل والإرادة، وما دام لكل �إن�سان عقله و�إرادته فالبد �أن يتغري النا�س يف - 8راجع نظرة الإ�سالم للتعاي�ش مع غري امل�سلمني ،خال�صة حوار مع الدكتور يو�سف القر�ضاوي �أجراه مرا�سل جريدة الراية اجتاهاتهم الدينية وغري الدينية ،وهذا ما يقرره القر�آن القطرية 1997 /12 /14م. بو�ضوح حيث يقول اهلل تعالى} :و َل� � ْو � َ��ش��ا َء َر ُّب � َ�ك لجَ َ � َع� َ�ل - 4جمموع الفتاوى :ابن تيمية 617 /28حتقيق �أنور الباز ط 3 دار الوفاء 2005م. - 5مواطنون ال ذميون :فهمي هويدي �ص ،54ط 2دار ال�شروق، القاهرة 1990م. 8
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
� - 9ألف الدكتور يو�سف القر�ضاوي كتاب ًا �سماه (غري امل�سلمني يف املجتمع الإ�سالم) وف�ضل هذه الت�سمية بدال من ت�سمية �أهل الذمة -كما يقول -لأن بع�ض النا�س يفهم كلمة ذمة من الذم، مع �أن الذمة تعني العهد وال�ضمان مبعنى �أنهم يف عهد اهلل ور�سوله وجماعة امل�سلمني وحمايتهم.
حتت قاعدة عامة ذكرها الفقهاء هي" :لهم ما لنا وعليهم ما علينا" ،10هذا هو الأ�صل يف التعامل مع غري امل�سلمني، ومنهم اليهود �إال ما اقت�ضاه التميز الديني ،كعطلة يوم ال�سبت لليهود ،فال يجوز �إجبارهم على يوم اجلمعة ،والبد �أن نحرتم ما يقرره دينهم ،واح�ت�رام ما تقرره الأدي��ان والعقائد من الأ�س�س الأول��ى فال نتدخل يف �ش�ؤونهم حتى �أن الإ�سالم بلغ من الت�سامح الذروة بحيث ال يفر�ض عليهم
الأ�شياء التي يح ّرمها الإ�سالم �إذا كانت مباحة عندهم، فمث ًال اخلمر �أم اخلبائث عند امل�سلمني وم��ن الكبائر واملوبقات ،ولكن الإ�سالم يقول لهم :ما دام دينك �أباحها ال حت ّرم ،ويعد اخلمر واخلنزير يف مذهب الإمام �أبي حنيفة م��ا ًال متقوم ًا ،فمن �أتلف خمرا لذمي يهودي �أو ن�صراين فعليه �أن يغرم ثمنها. واحلمد هلل رب العاملني
- 10هذه القاعدة جرت على ل�سان فقهاء احلنف ّية ،وتدلّ عليها عبارات ال�سلف فقهاء املالك ّية وال�شّ افع ّية واحلنابلة .وي�ؤ ّيدها بع�ض الآثار عن ّ علي بن �أبي ٍ طالب �أنّه قال�" :إنمّ ا قبلوا اجلزية لتكون فقد روي عن ّ �أموالهم ك�أموالنا ،ودما�ؤهم كدمائنا".
امل�صادر واملراجع - -
القر�آن الكرمي التحرير والتنوير :الطاهر بن عا�شور ،ط الدار التون�سية للن�شر 1984م. اجلامع ال�صحيح� :أبو عبد اهلل البخاري ،ط دار ال�شعب ،القاهرة 1987م. اجلامع ال�صحيح :م�سلم بن احلجاج ،ط دار اجليل ،بريوت. جمموع الفتاوى :ابن تيمية ،حتقيق �أنور الباز ،ط 3دار الوفاء ،م�صر 2005م. مواطنون ال ذميون :فهمي هويدي ،ط 2دار ال�شروق ،القاهرة 1990م. نظرات ا�ست�شرافية يف فقه العالقات الإن�سانية بني امل�سلمني وغري امل�سلمني :ح�سن حممد �سفر بحث على �شبكة املعلومات الأنرتنت يف � 24ص. نظرة الإ�سالم للتعاي�ش مع غري امل�سلمني ،حوار مع �سماحة الدكتور يو�سف القر�ضاوي �أجراه مرا�سل جريدة الراية القطرية دم�شق يف 1997/12/14م . الو�سطية يف القر�آن الكرمي :علي حممد ال�صالبي ،ط دار النفائ�س ،الأردن1999 ،م.
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
9
مقاالت الوسطية
ثقافة املوت �إلى �أين!؟ د .زيد �أحمد املحي�سن
ت�شهد ال�ساحة العربية والإ�سالمية هذه الأيام متددا ظالميا غري م�سبوق يف تاريخنا العربي والإ�سالمي لثقافة امل��وت وال�تروي��ج لها ،ب��د�أت ه��ذه الثقافة تت�سلل وتتدرج وتت�سع دوائ��ره��ا يوما بعد ي��وم ب��ل �أخ��ذت ه��ذه الثقافة الدخيلة تتحول �إلى �سلوك ومنحى دموي يف �أغلب الأحيان، �أ�سهمت تكنولوجيا الع�صر وو�سائل التوا�صل االجتماعي والإعالم غري املن�ضبط يف تعزيزها بطريقة غري مبا�شرة، فمن الإرهاب الفكري �إلى الإرهاب اجل�سدي ،ومن ثقافة التكفري �إلى ثقافة التفجري . ه��ذه الثقافة وخم��رج��ات�ه��ا كلها ن�ت��اج فكر ظالمي كان يعي�ش يف الكهوف و�أ�صبح الآن يع�ش�ش يف الر�ؤو�س والنفو�س؛ نتيجة جلهل مطبق ابتلينا ب��ه منذ �سنوات اال�ستعمار الأولى الذي �أورثنا تركة اجلهل املعريف و�سلب عقولنا وكل�س فيها التخلف واملر�ض واجلهل والنزاعات، ويف ع�صرنا احلا�ضر زدنا عليها وك ّر�سناها يف م�ؤلفاتنا ودرو�سنا وحما�ضراتنا و�أهملنا احلديث عن ثقافة احلياة والإع�م��ار وبناء الأوط��ان وتعمري الأر���ض وعقل الإن�سان فدمرنا ب�أفعالنا النفو�س و�أحبطنا الهمم و�أمتنا العزائم والعمل وحنطنا يف داخلنا كافة عنا�صر ا�ستنها�ض الذات وعنا�صر تقدم الأمم وتركنا حياتنا الدنيوية جمازا لغرينا يبدع وينجز فيها و�سمحنا لإنف�سنا �أن نعي�ش عالة على الغري و�أن نقتات الفتات م�ستهلكني لكل �شيء وغري منتجني �أو م�سهمني يف احل�ضارة الإن�سانية طمعا بالزهد يف الدنيا وك�سب الآخرة ،والظاهر يف امل�شهد املبكي وامل�ضحك حلالنا �أننا مل نفلح يف الدنيا فلم نك�سبها وال الآخرة و�أ�صبحنا كالغراب الذي �أ�ضاع م�شيته و�أ�صبحنا نعي�ش يف هذا الظالم الدام�س -حا�ضرا دون �أي تبا�شري�أو بريق مل�ستقبل واعد.
احلياة جميلة والأجمل من ذلك �أن نرتك �أثرا �أو منجزا ح�ضاريا يرمز لنا ولهذه الأمة – املو�سومة ب�أنها -خري �أمة �أخرجت للنا�س – تبني العقول وتن�شرالعلم واملعرفة والقيم الإن�سانية النبيلة يف كل �أر���ض وحتت كل �سماء من ت�سامح واعتدال وو�سطية القول والفعل وال�سلوك - ف�أجدادنا الأوائ��ل �شادوا العمران وبنو الإن�سان ون�شروا ثقافة احلب والإخ��اء الإن�ساين قوال وفعال وهم �أ�صحاب مقولة -اخللق عيال اهلل � -أما �أخ لك يف العقيدة �أو �أخ لك يف الإن�سانية – لقد جمعوا القيم الإن�سانية ال�سامية وبنو منها� سلما لل�صعود به نحو الذرى والرقي والتقدم وال�ن�ج��اح و�صنعوا ما�ضيا رائعا م��ا زال ماثال �أمامنا – و�أم��ام واقعنا احل��ايل واملو�شح بال�سواد من خالل تكل�س عقولنا نت�ساءل مبرارة – هل عجز املفكر العربي والإ�سالمي من ا�ستخدام -مب�ضعه اجلراحي – لت�شريح واقعنا الأليم و�إخ��راج العلة التي يف داخلنا والتي تعمل على �إعاقة تقدم �أوطاننا يف العامل العربي والإ�سالمي . � إن هذه الق�ضية هي �ش�أن كل الأوطان -وهي �ضرورة ملحة ولي�ست ترفا فكريا -لإحياء ثقافة احلياة -بدل ثقافة الكراهية -وثقافة الإبداع -بدل ثقافة العجز واخلمول - وثقافة ال�سالم -بدل ثقافة العنف -علينا العمل الآن قبل الغد �أفرادا وم�ؤ�س�سات تعزيز ثقافة احلياة يف جمتمعاتنا – قبل �أن ت�صبح ثقافة املوت والعنف فكرة مقبولة وهي التي ت�سيطر على العقول املتكل�سة من الب�شر بعدها لن تنفع القراءة وال الكتابة لأن الكلمة �ستكون قد ا�ستبدلت بالر�صا�صة – التي تقتل اجلميع دون ر�أفة �أو رحمة ،وهذا ما نرجو �أال نراه يف �أوطاننا ال حا�ضرا وال م�ستقبال لهذا ف�إن �أي ثقافة تعترب املوت فكرة مقبولة يجب العمل على اجها�ضها واعتبارها ميته يف رحم �أمها..
� 10إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
11
مقاالت الوسطية
حقــوق الإن�ســان بيــن الر�ؤيــة الإ�سالميــة والإعالن العاملي حلقوق الإن�سان �أ.د عبداللـه الكيالنـي كلية ال�رشيعة – اجلامعـة الأردنية
احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على �سيدنا حممد،املبعوث رحمة للعاملني وعلى �آله و�صحبه. ميثل الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان ثمرة جهد �إن�ساين مرتاكم لت�أكيد احرتام حق الإن�سان ثم �أتبع باملواثيق الدولية التي خطت خطوات عملية لتقييد الدول بحقوق الإن�سان حيث تعد تلك املواثيق بعد توقيع الدول عليها مبنزلة قوانني وطنية ُملزمة. ومفهوم الإعالن العاملي يختلف عن مفهوم املواثيق الدولية من جهة الإلزام ،فالإعالن لي�س اتفاقا بني دول ومل توقع عليه الدول ليكون قانونا لها لكنه ذو قيمة �أخالقية �أما االتفاق فتوقع عليه الدولة ليكون مبنزلة قانون وميكن �أن ي�ستند �إليه القا�ضي ليحكم مبوجبه بعد مروره بالإجراءات القانونية من �إقرار الربملان للإتفاقية ون�شر ذلك باجلريدة الر�سمية وال�شريعة الإ�سالمية تلتقي مع �أه��دف مواثيق حقوقَ الإن���س��ان يف الإ� �س�لام ب��اح�ترام ح��ق الإن���س��ان حيث كان ب�صرف النظر عن لونه �أو جن�سه ،وي�ؤكد قيمة هذا احلق يف �شرع رب العاملني �،سوا ُء �أكان �صاحب احلق قريب ًا منك �أم بعيد ًا �،إال �أن الروية الإ�سالمية للحقوق ال تتطابق متاما مع الر�ؤية الغربية فمن حيث �أنواع احلقوق كانت املواثيق الدولية مهتمة بحقوق الفرد يف وجه الدولة كحق احلياة وحق التنقل وحق التعبري عن الر�أي وحق العمل ،و ُتق ََ�سم ه��ذه احلقوق �إل��ى �أجيال �أربعة من احلقوق ال�سيا�سية، وامل��دن �ي��ة ،واحل �ق��وق التجمعية ،كحق تكوين نقابات، واحلقوق االجتامعية كاحلق يف ال�ضمان والتعليم واحلقوق البيئية. �أم��ا يف الر�ؤية الإ�سالمية فهناك حق للزوجة بحكم ال�صحبة وهناك حق للجار وهناك حق لكل �إن�سان مبوجب � 12إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
و�صف الإن�سانية ومن املمكن �أن تقدم احل�ضارة الإ�سالمية للمواثيق الدولية مزيدا من احلقوق مما من �ش�أنه �أن يح�سن نوعية الإن�سان وبح�سب الر�ؤية الإ�سالمية ف�إن احرتام حق كل �إن�سان مطلوب �شرع ًا لي�س فقط لأن القانون ي�أمر بذلك بل لأنه حكم رب العاملني �أي�ض ًا قال تعالى مبين ًا ب�شاعة القتل يف تعقيبه على ق�صة قتل �أحد ابني �آدم لأخيهِ } :م ْن �أَ ْجلِ ذَ ِل َك َك َت ْبنَا َع َلى َب ِني �إِ ْ�س َ رائيل َ�أ َّن ُه َم ْن َقت ََل َنفْ�س ًا ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س َ َّا�س َج ِميع ًا َو َم ْن �أ ْح َي َاها �أَ ْو ف ََ�س ٍاد فيِ َْ أ ال ْر ِ�ض َف َك�أَنمَّ َا َقت ََل الن َ َّا�س َج ِميع ًا َو َلق َْد َجا َء ْت ُه ْم ُر ُ�س ُلنَا بِا ْل َب ِّين ِ َات ُث َّم َف َك�أَنمَّ َا �أَ ْح َيا الن َ ُون{(املائدة)32: �إِ َّن َك ِثري ًا ِم ْن ُه ْم َب ْع َد ذَ ِل َك فيِ ْ أ الَ ْر ِ�ض لمَُ ْ�سرِ ف َ ت�أمل يف هذه الآي��ة ،فهي تُبني عظم �إث��م قتل النف�س فاهلل تعالى يقول( َم ْن َقت ََل َنفْ�س ًا ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س �أَ ْو ف ََ�س ٍاد فيِ
الْأَرْ�ضِ فَكَ�أَنمََّا قَتَلَ النَّا�سَ) ومل يف ّرق ال�شارع بني الأنف�س من حيث اللون �أو العرق �أو الدين �أو �أي تباين �آخر ،ومن ه��ذا املعنى ا�ستقت وثيق ُة حقوق الإن�سان ال�صادر ُة من منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي فيما ُيعرف ب�إعالن القاهرة عام 1991مفاهي َمها� ،إذ جاء فيها �:إن الدولَ الأع�ضا َء يف منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي� ،إميان ًا منها باهلل ِ رب العاملني، وت�صديق ًا بر�سالة حممد �-صلى اهلل عليه و�آل��ه و�سلم،- ِ و�إميان ًا ب� َّأن احلقوقَ واحلريات الأ�سا�سي َة يف الإ�سالم جزء من الدين الإ�سالمي ال ميلك �أحد تعطي َلها كلي ًا �أو جزئي ًا، �أو خر َقها �أو جتاه َلها ،و�إن رعاية هذه احلقوق عبادة، العدوان عليها منكر يف الدين ،فما معنى �:إن و�إهما َلها �أو َ رعاية احلق عبادة؟ �أي :اح�ترام حق الآخ��ر لي�س جمرد التزام قانوين ،بل هو عبادة ُيتقرب بها �إلى اهلل تعالى )... ٍ ثم تتابع الوثيقة فتقول :وكل �إن�سان م�س�ؤول عنها مبفرده، والأمة م�س�ؤولة عنها بالت�ضامن. �إن الدول الأع�ضاء يف منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي ت�أ�سي�س ًا على ذلك تعلن ما يلي: املادة الأولى: �أـ الب�شر جميع ًا �أ�سرة واحدة جمعت بينهم العبودية هلل وال�ب�ن� َّوة لآدم ،وجميع النا�س مت�ساوون يف الكرامة الإن�سانية ،ويف امل�س�ؤولية دون متييز بينهم ب�سبب ال ِعرق �أو ال َّلون �أو اللغة �أو الإقليم �أو اجلن�س �أو الإنتماء ال�سيا�سي �أو الو�ضع االجتماعي �أو غري ذلك من التباينات. ب ـ �إن اخللق ك ّلهم عبيد هلل ،و� َّإن �أح َّبهم �إليه �أنفعهم
لعباده ،وال ف�ضل لأحد منهم على �آخر �إال بالتقوى. املادة الثانية: �أ ـ احل �ي��اة ح��ق مكفول لكل �إن�سان ، وع�ل��ى الأف ��راد واملجتمعات وال��دول حماي ُة هذا احلق من كل اعتداء ،وال روح دون مقت�ضى �شرعي. يجوز �إزهاق ٍ ب ـ يحرم اللجوء �إل��ى و�سائل تف�ضي �إل��ى �إفناء النوع الب�شري كلي ًا �أو جزئي ًا. ج ـ املحافظة على ا�ستمرار احلياة الب�شرية �إل��ى ما �شاء اهلل واجب �شرعي ،فال يجوز الإجها�ض دون �ضرورة �شرعية ،وال احليلولة دون الزواج �أو الإخ�صاب �أو الإجناب ب�صورة دائمة بغري هذه ال�ضرورة. املادة الثالثة: �أ ـ يف حالة احلرب �أو املنازعات امل�سلحة ال يجوز قتل َم ْن ال م�شاركة لهم يف القتال كال�شيخ واملر�أة والطفل .وللجريح احل��ق يف �أن ُي��داوى ،وللأ�سري �أن ُيط َعم و ُي���ؤوى و ُيك�سى. ويح ّرم التمثيل بالقتلى .ويجوز ـ من حيث املبد�أ ـ تبادل الأ�سرى وتالقي واجتماع ال َأ�سر التي ف ّرقتها ظروف القتال. ت ـ ال ُيقطع ال�شجر وال ُيت َلف الزرع وال�ضرع ،وال تُخ ّرب املباين واملن�ش�آت للعدو بق�صف �أو ن�سف �أو غري ذلك �إ ّال ل�ضرورة �شرعية مقت�ضية. املادة الرابعة: لكل �إن�سان حرمته بعد موته ، واحلفاظ على �سمعته، وعلى الدولة واملجتمع حماية جثمانه ومدفنه. ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
13
هذا املعاين هي ما ن�صت عليه وثيقة حقوق الإن�سان ال�صادرة من منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي، ِم ْن َف ْه ِمها للتوجيه القر�آين الح�ترام حقوق الإن�سان، العدوان ذلك �أن رعاية هذه احلقوق عبادة ،و�إهما َلها �أو َ عليها منكر يف �شرع اهلل تعالى. وح�ي�ن �أن � ��زل اهلل �أب ��ان ��ا �آدم ع �ل��ى الأر��� ��ض خليف ًة ل ��ه� ،أع� �ط ��اه ال�ت�ع�ل�ي�م��ات ال �ت��ي ت�ع�ي�ن��ه ع �ل��ى �أن يعي�ش �سعيدا وي�ه�ت��دي ل�ط��ري��ق ال�ن�ج��اة } َق ��الَ ْاه � ِب� َ�ط��ا ِم� ْن� َه��ا �دى َج ِميع ًا َب ْع�ضُ ُك ْم ِل َب ْع ٍ�ض َع � ُد ٌّو َف� ِ�إ َّم��ا َي�أْ ِت َي َّن ُك ْم ِم ِّني ُه� ً َف � َم��نِ ا َّت � َب � َع ُه�� َ�د َاي فَ�لا َي��ِ��ض� ُّل َوال َي�شْ قَى{ (ط �ـ��ه)123: } َو َم ْن �أَ ْع َر َ�ض َع ْن ِذ ْكرِ ي َف�إِ َّن َل ُه َم ِعي�شَ ًة َ�ضنْك ًا َون َْح�شُ ُر ُه َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة �أَ ْع َمى{ (طـه)124: ومن هدي رب العاملني �أنه �أر�شد عباده الحرتام حقوق الإن�سان بحيث يعرف الإن�سان حقه وحق الآخ��ري��ن ،فال ي�ضل وال ي�شقى ،لكن الإن�سان يف حلظات من االغ�ترار بالقوة وال�شعور باال�ستغناء عن الآخرين يطغى وين�سى �أمر النا�س �إلى ال�شقاء ربه ،فال يعود يحرتم حق ًا لآخر مبا يقود َ الِن َْ�س َان َل َي ْطغَى{ (العلق)6: كما قال �سبحانه } :كَلاَّ �إِ َّن ْ أ ا�س َت ْغنَى{ (العلق)7: }�أَ ْن َر�آ ُه ْ هذا الغرور على امل�ستوى العاملي �أ�صاب بع�ض الدول يف بدايات القرن املا�ضي ،فانتهكت حقوق الإن�سان ومل تبال احلرب بحرمة ال�شعوب يف �أوطانها فكانت نتيجة ذل��ك َ العاملية الأول��ى ثم احل��رب العاملي َة الثانية التي زاد عدد �ضحاياها عن خم�سني مليون قتيل. ونتيجة لهذا �شعرت ال��دول ب�أهمية �إلتزام دول العامل �أجمع باحرتام حقوق الإن�سان لينعم الإن�سان بال�سالم فال ي�ضل وال ي�شقى ،فال �سلم مع الظلم و�إمنا ال�سلم حيث ي�أخذ كل �صاحب حق حقه ومن هنا اجتمعت الدول ون�صت يف ميثاق الأمم املتحدة ُبعيد احل��رب العاملية الثانية على ت�أكيد اح�ترام حقوق الإن�سان ،ثم جاء الإع�لان العاملي حلقوق الإن�سان ليكون معيار ًا قيميا تلتزم به الدول فجاء فيه: املادة الأولى: -1يولد جميع النا�س �أح��رار ًا مت�ساوين يف الكرامة
واحل�ق��وق ،وق��د وهبوا عق ًال و�ضمري ًا وعليهم �أن يعامل بع�ضهم بع�ض ًا بروح الإخاء. املادة الثالثة :لكل فرد احلق يف احلياة واحلرية و�سالم ِة �شخ�صه. املادة ال�سابعة :كل النا�س �سوا�سية �أمام القانون ولهم احلق يف التمتع بحماية متكافئة دون �أية تفرقة ،كما �أن لهم جميعا احلق يف حماية مت�ساوية �ضد �أي متييز يخل بهذا الإعالن و�ضد �أي حتري�ض على متييز. �إن ما جاء به الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان يف احرتام حق احلياة وعدم التمييز �أمام املحاكم :يتالقى وين�سجم مع ما جاء يف ال�شرع الرباين ،ولهذا الإعالن ق�صة وحكاية فله �آباء و�أبناء :ولد الإعالن العاملي كما تقول وثائق الأمم املتحدة عام ُ 1948بعيد احلرب العاملية الثانية وما خلفته من معاناة �،آبا�ؤه كما يقول امل�ؤرخون الغربيون هم الإعالنات الفرن�سية حلقوق الإن�سان والإعالنات الأمريكية ،ومع هذا ف�إن ال�شرع الإ�سالمي قد �سبق �إليها بل وتفوق عليها يقول الإ�ستاذ عبد العزيز كامل ( ومل تقف احل�ضارة الإ�سالمية عند ال�شعارات والإعالنات كما تفعله املنظمات ال��دول�ي��ة ال�ت��ي ط��امل��ا ن ��ادت بحقوق الإن �� �س��ان ،ب��ل نفذت احل�ضارة الإ�سالمية �شعاراتها و�إعالنتها وحققت امل�ساواة الإن�سانية يف �أرقى �صورها ،و�أعطت الإن�سان حقوقه كاملة غري منقو�صة ( درا�سات يف الفكر ) 249 : �إن ال��دار���س للتاريخ الإن�ساين ي�ستطيع �أن ي��درك �أن الإن�سان يف ظل احل�ضارة الإ�سالمية وجد كرمته و�سعادته لأنها ح�ضارة الإن�سان بحق ،فلي�ست ح�ضارة �شعب خمتار وال ح�ضارة القوة وال ح�ضارة الإن�سان الأبي�ض ،و�إمنا هي ح�ضارة ت�ؤ ّمن كل النا�س ا�ستنادا وت�صديق ًا لقوله تعالى: �اه� ْ�م فيِ ا ْل�َب�رَ ِّ َوا ْل� َب� ْ�ح��رِ } َو َل � َق� ْ�د َك� َّر ْم� َن��ا َب� ِن��ي �آ َد َم َو َح� َم� ْل� َن� ُ َاه ْم ِم َن َّ الط ِّي َب ِ َاه ْم َع َلى َك ِث ٍري ممِ َّ ْن خَ َل ْقنَا ات َوف ََّ�ض ْلن ُ َو َر َز ْقن ُ َتف ِْ�ضي ًال{(اال�سراء)70: ومع هذا القدر ن�ستودعكم َ اهلل تعالى راجني لكم حقوقا �أرقى وحياة طيبة وال�سالم عليكم ورحمة اهلل تعالى وبركاته
� 14إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مقاالت الوسطية
�أ�ضـوا ٌء علـى العالـم الإ�سالمـي
�ألبـانيــا �إعداد ِ�ص ِّديق حممد �إبراهيم
�أ�ضواء الو�سطية تتجه يف هذا العدد �إلى �شبه جزيرة البلقان ،حيث جمهورية �ألبانيا ،والبلقان كلمة تركية تعني ال�سل�سلة اجلبلية املمتدة واملغطاة بالأ�شجار ،وقد طغت الت�سم�سة الرتكية ب�سبب متدد (الإمرباطورية) العثمانية يف تلك املنطقة ،وهي �شبه جزيرة ب�سبب �إحاطتها ب�ستة بحار من جوانبها الثالثة ،فمن اجلنوب الغربي البحر الأيوين والبحر الأرياتيكي ،ومن اجلنوب البحر املتو�سط ومن اجلنوب ال�شرقي بحر �إيجة وبحر مرمرة ،ومن ال�شرق البحر الأ�سود ،ومن ال�شمال �أنهار الدانوب ،وتت�شكل �شبه جزيرة البلقان من اثنتي ع�شرة دولة وهي :كو�سوفو ،والبو�سنة والهر�سك ،و�صربيا ،وبلغاريا ،و�سلوفينيا ،وكرواتيا ،وتركيا ،واجلبل الأ�سود ،واليونان ،ومقدونيا، ورومانيا ،بالإ�ضافة لألبانيا التي نو ُد ت�سليط الأ�ضواء عليها يف هذا العدد ك�أحد �أج��زاء العامل الإ�سالمي ،ف�إلى هناك وبالطبع ف ��إن ُمناخ اجلمهورية الألبانية التي تتمتع �شبه جزيرة البلقان بقطاع نباتي كثيف هو مناخ معتدل ولطيف ،لكنه يختلف يف كل ٍ من املناطق املنخف�ضة الداخلية اختالفا �شا�سعا جمهورية �ألبانيا بني ال�شمال واجلنوب .فهناك �شتاء معتدل يف الأرا�ضي املنخف�ضة ،قد يبلغ يف املتو�سط نحو .C° 7بينما متو�سط �إن �أ�صل ت�سمية �ألبانيا بهذا اال�سم وفقا لبع�ض كتب درج ��ات احل���رارة يف ال�صيف .C° 24ويف الأرا� �ض��ي التاريخ ترجع �إل��ى �أ�صل التيني منت�سبا لإح��دى القبائل املنخف�ضة اجلنوبية ،يبلغ متو�سط درجة احلرارة 5درجات التي قطنت تلك البقعة من الأر�ض يف �أزمان متقدمة وهي مئوية �أعلى طوال العام. قبيلة الإيلريية ،هذه القبيلة هي التي �أطلقت هذا اال�سم وي�ستغل الألبان تعدد �أن��واع النباتات يف تلك املنطقة ثم انت�شر بحكم �سيطرتها على املنطقة فانت�سب �أحفادهم يف الأغرا�ض الطبية مع املحافظة عليها ك�أحد العوامل ال�سم املنطقة ف�سموا �ألبانا ،ودون �إغ��الٍ يف التاريخ ف�إن البيئية التي حتافظ على توازن الطبيعة خا�صة مع التقدم �ألبانيا اليوم تتكون من اثنتي ع�شر �إقليما �إداري��ا وهي ال�صناعي وخملفاته التي ت�شكل �أك�بر خطر على البيئة :ب�يرات ،دي�بر ،دوري����س� ،إلبا�سان ،فيري ،غريوكا�سرت ،النظيفة ال�صاحلة للإن�سان ،وتتوافر يف تلك الغابات كورت�شي ،كوكي�س ،ليزة� ،شكودر ،فلوري ،بالإ�ضافة �إلى بطبيعة احل��ال ث��روة حيوانية �ضخمة ت�ضم :الثدييات، العا�صمة تريانا وهي �أكرب مدنها. مبا فيها الذئاب والدببة واخلنازير الربية وال�شمواة� .أما ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
15
حيوانات الو�شق والقطط الربية وال�صنوبر مارتن والظربان فهي نادرة ،ولكنها باقية على قيد احلياة يف بع�ض �أنحاء البالد. �أما بالن�سبة لل�سكان البالغ عددهم 3.986.952ن�سمة، ف�إنهم يت�شكلون من �إثنيات ثالث :الألبان وهم الن�سبة الأكرب واليونانيني وخليط من الإثنيات الأخرى ،ويتمتعون مبعدالت عمر عالية جدا( � 77.43سنة) ومتو�سط العمر (� 28.9سنة) وهذا املعدل هو الأعلى يف العامل لذا ُيع ُّد م�ؤ�شرا على ن�سبة ال�شباب ببع�ض فئات املجتمع الأخرى. ال�ش�أن الديني : قد ت�أثر املجتمع الألباين ت�أثرا كبريا بحركة اال�ستقالل عن (الإمرباطورية) العثمانية عام 1912م والأنظمة امللكية ثم ال�شيوعية التي تتابعت يف حكم الألبان مبا اتبعته من منهجية يف ف�صل الدين عن الدولة وال��ذي نتج عنه عدم وجود �سمة دينية للدولة �أو ال�شعب بل نظام احلكم علماين مع وجود الديانات املتعددة يف البالد ،كل ذلك �أدى لعدم الإهتمام بالإح�صاء ال�سكاين الفئوي وفقا لإنتماءاتهم الدينية ،لكن تبقى هنالك تقديرات غري م�ؤكدة ق ّدرت عدد امل�سلمني بـ %70والأرثوذك�س %20والكاثوليك %8.9 والربوت�ستانت %0.6والإجنيليون %0.1و�آخ��رون % 0.6 بينما تقول قاعد البيانات امل�سيحية (World Christian )Databaseان حوايل %64من الألبان هم من امل�سلمني وامل�سيحيون %29.8واال�أدريون %5.3والالدينيون %0.7 فيما البهائيون .%0.2 وقد و�صل الإ�سالم �إلى �ألبانيا خالل فرتة احلكم العثماين يف القرن ال��راب��ع ع�شر ،وق��د وج��د مقاومة من الكني�سة الرومانية الكاثولوكية ومع ذلك فقد متدد يف نهاية عم البالد �سلما فتم ت�شييد القرن ال�سابع ع�شر �إلى �أن ّ امل�ؤ�س�سات التعليمية والإدارية والدينية التي تخرجت فيها كبار ال�شخ�صيات يف �شتى املجاالت وعلى ر�أ�سهم حممد علي با�شا م�ؤ�س�س م�صر احلديثة وال�شيخ نا�صر الدين الألباين �إال �أنه توالت عليها الهجمات مرات عديدة وقد كان
�أ�شدها عام 1944م عندما ت�س ّلم نظام احلكم �أنور خوجة والذي تو�شحة بدكتاتورية بغي�ضة ا�ستمرت حتى عام 1991 �أعلن خاللها �ألبانيا �أول دولة ملحدة يف العامل وقد تبع هذا الإعالن هدم كل امل�ؤ�س�سات الدينية التي بلغ عددها 2169 ومنع الن�شاطات الدينية و�سجن العلماء والأئمة امل�سلمني وامل�سيحني و�أعدم كل املقاومني له. جدل ال ُهو ّية الألبانية : كثري ٌة هي الت�صريحات من اجلهات الر�سمية وغري الر�سمية ومن املراقبني لل�ش�ؤون الألبانية عن ُهو ّية الألبان، هل هم م�سيحيون �أم م�سلمون ،لكن جت��اوزا لهذا اجلدل فقد �أر�ست النُظم املتعاقبة على حكم الألبان نظاما �آل يف �آخر �أمره �إلى دولة علمانية لكنها حترتم كل الإنتماءات الدينية بل تكفل لكل فرد احلق يف االعتقاد ومتنع تدري�س املواد الدينية يف املدار�س لكنها ت�سمح للم�ؤ�س�سات الدينية بتدري�س ما ت�شاء من مواد داخل م�ؤ�س�ساتها الدينية ،كما ال مت ِّول �أي جهة دينية لكنها ال متانع من ت�أ�سي�س امل�ؤ�س�سات الدينية بتلقي �أم��وال من دول خارجية �أو ب�إ�شرتاكات من منت�سبيها ،وهذا الو�ضع ال�سائد يف �ألبانيا قد اقرتب من مفهوم مدنية الدولة على عالته ،وهذا احلكم بناء على كفالة احلرية لكافة مواطنيها. وقد ا�ستغل الأتراك يف الع�صر احلا�ضر هذه الأجواء واتبعوا طرقا حديثة يف تقدمي الإ�سالم موظفني خمرجات الثقافة احلديثة وو�سائل التكنولوجيا املتطورة يف جلب �أكرب عدد من ال�شباب الألباين ،بالإ�ضافة �إلى عقد اتفاقيات بني تركيا و�ألبانيا ي�سمح للطرفني بالتبادالت الثقافية والتعليمية والتدريبية ،وقد خلقت هذه الإجراءات جمتمعة جو ًا �صاحلا ميهد الطريق للخطاب الإ�سالمي الذي يراعي عن�صري الزمان واملكان يف طرح ق�ضاياه املحورية. وبعد هذه اجلولة ال�سريعة جدير بالذكر �أن �ألبانيا بعد كل املعاناة التاريخية التي م ّرت بها فقد �أم�ست اليوم الع�ضو الأوروبي الوحيد يف منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي.
امل�صادر :
• الغزو الرببري لألبانيا ،راميوند زيكال ووالت�س �إيفا�سكيف ،خمت�صر تاريخ �ألبانيا ،نيويورك .1994 • "الت�سامح الديني يف تقاليد الألبانيني" ،عنوان حما�ضرة للرئي�س الألباين� ،ألفريد موي�سيو خالل منتدى �أك�سفورد والتي �أكد فيها على م�سيحية ال�شعب الألباين نافيًا �أن تكون �أغلبيته م�سلمة www.zeriislam.com .وهذا الأمر مكان خالف ن�سبة لعدم الإح�صائية الدقيقة من جهة حمايدة . • الهوية امل�سلمة والدولة البلقانية ،هاغ بولتون� ،سهى تاجي-فاروقي ،لندن.1997 • الهوية الوطنية الألبانية والإ�سالم يف حقبة ما بعد العهد ال�شيوعي� ،أيدين بابونا� ،ص .44 • الإ�سالم يف �ألبانيا ،مرياندا فايكر�س� ،أكادميية الدفاع الربيطانية،0082 ، • تاريخ �أ�س�س الإ�سالموفوبيا يف �ألباين �أول�سي ياييخيwww.zeriislami.com ، • منتدى م�سلمي �ألبانيا هو منظمة غري حكومية �أ�س�سها عدد من املثقفني الألبان امل�سلمني عام 2005؛ هدفها بناء �صورة جديدة للإ�سالم وامل�سلمني يف �ألبانيا وحماية حقوق الإن�سان وحماربة العن�صرية والإ�سالموفوبيا .وتتهم دوائر الي�سار ال�سيا�سي يف �ألبانيا �أع�ضاء هذه املنظمة بالأ�صولية الإ�سالمية. • م�سلمو �ألبانيا وتوا�صلهم مع الهوية الدينية� ،ألتني رحيمي .
� 16إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مقاالت الوسطية
التحديات الثقافية لل�شباب
د.نزار �شموط
الثقافة هي ُهوية الأمة و�إطارها وم�ضمونها الفكري، وه��ي �أ�سلوب احلياة ومن��ط التفكري ال��ذي يحدد �سمات الأن�سان ومييزه عن غ�يره ،وه��ي باملح�صلة نتاج الفكر واملادة مع ًا وكل حقبة زمنية ت�شهد متغريات وم�ستجدات حتمل يف طياتها متناق�ضات وط��روح��ات فكرية ومادية تفر�ض على ال�شباب منط ًا ج��دي��د ًا من التغري الفكري و�أ� �س �ل��وب احل��ي��اة ،ب�غ�ي��ة ا��س�ت�ي�ع��اب ه ��ذه امل �ت �غ�يرات . ويف ه��ذا ال��زم��ان ال��ذي تت�سارع فيه الطفرات الفكرية واملعرفية وما �أفرزه هذا الت�سارع من متغريات وم�ستجدات علمية وتكنولوجية �أ ّث��رت على �سلوكات الأف��راد ،وخا�صة ال�شباب الذين هم بطبيعة مرحلة النمو التي يعي�شونها �أكرث ت�أثر ًا مبا يحدث� ،أدى كل هذا �إلى �إت�ساع الهوة بني جيلني :الأول جيل الآباء الذي ما زال ميتلك من الثوابت والقَيم والعادات والأعراف ما يجعلهم �أقل ت�أثر ًا بامل�ستجدات . �أم ��ا ج�ي��ل ال���ش�ب��اب ف�ق��د �أم �� �س��ى ي �ع��اين مب��ا ي�سمى بالهوة املعرفية والرقمية والتقنية وامل�سلكية والقَيمية. مما �أدى �إل��ى �صراع بني ما تعلموه من قيم وم�سلكيات وث ��واب ��ت دي �ن �ي��ة وخ �ل �ق �ي��ة ،وب�ي�ن م ��ا ي �ع��ر���ض وي�ف��ر���ض عليهم م��ن متغريات م�ث�يرة وم�غ��ري��ة ،حتمل يف �شكلها وظ��اه��ره��ا التطور وال�ت�ق��دم والإب� ��داع ،وت��وظ��ف التقنية ب �� �ص��ورة � �ض��اغ �ط��ة ع �ل��ى ك ��ل م ��ا ه ��و ت �ق �ل �ي��دي ،لي�س بال�شكل ،ولكن بامل�ضمون واملحتوى الفكري والثقايف . حتى بات ال�شباب يعي�ش فراغ ًا ثقافي ًا وا�ضح ًا ،وبد�أ انهيار الثقافات الوطنية مقابل ثقافة العوملة الإ�ستهالكية التي ت�سعى �إل��ى تفتيت الثقافات الوطنية ،وتهمي�ش دوره��ا، و�إ�شاعة ثقافة لي�س لها معامل �أو هوية تتغري تبع ًا للم�ستجدات وال�ظ��روف العلمية وال�سيا�سية واالقت�صادية العاملية .
�إن ما يحيط بال�شباب من ف�ضاء ف�ضفا�ض ي�شهد كل يوم الكثري من امل�ستجدات واملتناق�ضات الفكرية واملادية ،وما يتبعها من ت�ضاعف ومنو املعلومات التي �أ�صبحت من �أهم املوارد التنموية التي ت�ضاهي املوارد الطبيعية والب�شرية الأخرى . فقواعد البيانات �أ�صبحت مرجعيات �أ�سا�سية يف احلكم على كثري م��ن الأم ��ور ،وخا�صة فيما يتعلق بالقرارات ال�سيا�سية واالق�ت���ص��ادي��ة واالجتماعية والع�سكرية . يف ظل هذا بات ال�شباب بحاجة �إلى توجيه �سليم تتبناه م�ؤ�س�سة الأ�سرة �أو ًال ،ثم امل�ؤ�س�سة الرتبوية ،والثقافية. فالثقافة ترتبط بالرتبية ارتباط ًا وثيق ًا ،وهي وعاء التعلم ،وهما وج�ه��ان لعملة واح ��دة ،فالتعليم كو�سيلة يهيئ الفرد ال�ستقبال الثقافة وا�ستيعابها وتذويتها فكري ًا واجتماعي ًا ومعرفي ًا ،بحيث حت��دد طباعه و�شخ�صيته، و�سماته املادية ،والروحية ،والفكرية والوجدانية ،وبالتايل ت�شَ كل منط حياته و�سلوكاته التي تعك�س معارفه وق َيمه ومعتقده ،و ُمثله العليا ،والتي هي باملح�صلة النهائية انعكا�س لثقافته ،والتي يعترب احلفاظ عليها من �أكرب و�أخطر التحديات التي تواجه �أمتنا العربية والإ�سالمية يف هذه الآونة وبخا�صة ثقافة ال�شباب. وك��ل �ساعة ورمب��ا �أق��ل ُي�ضخ كم كبري من املعلومات واملثريات ال�سمعية والب�صرية الفا�سدة التي ت�ستهدف يف غالبها �شريحة ال�شباب ،والتي مل تن�ضج لديهم املقومات املعرفية وامل�ه��اري��ة التي تخولهم ال�ق��درة على التحليل وانتقاء الأن�سب ،وبالتايل االجن��راف بالتيارالذي يقنع ال�شاب ،ويتوائم مع �أهوائه واجتاهاته بعيد ًا عن الرقابة والتوجيه ،فالإبهار ال�سمعي والب�صري من خالل الإنرتنت والو�سائل الأخ ��رى يثري الإدراك على ح�ساب ال��وع��ي . ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
17
فالرتكيز على عن�صر الإب �ه��ار ل�ل��إدراك يثري الإنفعال والغريزة ويعطل العمليات العقلية واملعرفية ،مما ي�ؤدي لت�سطيح ال��وع��ي ،ف�أ�صبح ال�شباب يف حالة من الإنبهار الب�صري وال�سمعي وهدر الكثري من الوقت نتيجة لذلك، وكل هذا على ح�ساب تطوير قدراتهم و�إمكاناتهم املعرفية. وه ��ذا جعلهم م�ط�ي��ة �سهله ل�ل�إن �ق �ي��اد ل�ك��ل م��ا ي�ط��رح، وب��ال �ت��ايل ال�ت�خ�ل��ي ع��ن ُه��وي �ت �ه��م ال��دي �ن �ي��ة وال�ث�ق��اف�ي��ة، وتنحي البع�ض نحو ال�ت�ط��رف وامل �غ��االة ،بكل �أ�شكالها و�أل��وان��ه��ا ،اخل�ل�ق�ي��ة وال �ف �ك��ري��ة وال �ع �ق��دي��ة وال�ث�ق��اف�ي��ة .
وهنا ي�أتي �أي�ض ًا دور وزارات الثقافة والتنمية ال�سيا�سية والأوقاف ،والتي حتمل على عاتقها الدور الأكرب يف تر�سيخ ال ُهوية الوطنية والثقافية والدينيه بجميع �أبعادها ،والت�أكيد على تر�سيخ ثقافة وطنية عربية ت�ستند على تعاليم الإ�سالم ال�سمحة ،بعيد ًا عن التطرف وامل�غ��االة ،وذل��ك من خالل برامج توعوية ترقى مل�ستوى ما يطرح عاملي ًا ،والإف��اده من اخل�ب�رات املتقدمة يف ه��ذا امل�ج��ال ،بعيد ًا ع��ن النمطية والتقليديه املتبعة والتي �أ�صبحت م�ستهلكة وال تالقي قبو ًال لدى ال�شباب
� 18إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مقاالت الوسطية
التق�سيم املذهبي والطائفي لل�شرق العربي
د�.سليمان الرطروط
يف نهاية القرن التا�سع ع�شر وبداية القرن الع�شرين ع�م��دت ال ��دول الأوروب��ي��ة ؛ وخ��ا��ص��ة ال�ن��اف��ذة منها �إل��ى �إثارة النعرة القومية يف الأمربطوريات القائمة �آنذاك ؛ فكانت امل�س�ألة ال�شرقية والتي جعلت من الدولة العثمانية تتخلى ع��ن معظم �أرا�ضيها يف �أوروب ��ا ال�شرقية ،حيث ا�ستغلت القومية ال�صربية ،بالإ�ضافة للدين ،كما �أثارت القومية الأرمينية �أي�ض ًا ،وق��د ن�شطت يف تعظيم ودعم ال��داع�ين للقومية العربية ،ومل��ا وق�ع��ت احل��رب العاملية الأولى كانت اخلطوط العري�ضة للتق�سيم �شبه جاهزة . ونتيجة لتلك احلرب كانت الواليات العربية العثمانية حتت �سيطرة ال��دول املحتلة اجلديدة _ فرن�سا وبريطانيا _ وبد ًال من جعل تلك املنطقة حتت والية و�سيادة دولة واح��دة _ كما كانت الوعود لل�شريف ح�سني _ فقد مزقت �إلى دول عدة ،وكان الهدف من التق�سيم م�صالح ق�سم تلك امل�ستعمرين �أو ًال ،ثم امل�ستعمر ال��واح��د ،وق��د ّ الأرا�ضي ح�سب م�صلحته ومبا ي�ضمن ا�ستقراره؛ فف�صل لبنان عن �سوريا ،وف�صل جنوب بالد ال�شام عن �شمالها، ومن املعلوم �أنه عند �إعالن امللك في�صل ا�ستقالل اململكة ال�سورية العربية �أنها كانت ت�ضم جميع ب�لاد ال�شام . ولعل ما مييز ال�شرق العربي �أن��ه املهد لن�ش�أة الديانات ال�سماوية الثالث _ اليهودية وامل�سيحية والإ�سالم _ ؛ والتي انت�شرت يف كافة �أنحاء العامل ،فال�شرق العربي قبلة امل�ؤمنني من الديانات الثالث ،وعلى �أرا�ضيه �أقد�س املقد�سات ،ومن املعلوم �أن عدد �أتباع الديانات الثالث ما يقارب %70من �سكان املعمورة ،فتهوى �أفئدة �أغلب �سكان العامل �إليه؛ ولكل دين من الأديان الثالث مذاهب عدة ؛ �سواء كانت عقدية �أو فقهية ،و�أحيان ًا تتقاطع املذاهب، ولذا ف�إن �أتباع الديانات ومذاهبهم املتعددة متواجدون
يف ال�شرق العربي ،ولعل بالد ال�شام خا�صة هي حا�ضنة جميع تلك امل��ذاه��ب ،وال ي�ك��اد م��ذه��ب م��ن م��ذاه��ب �أي ديانة �إال ول��ه �أتباع يف ب�لاد ال�شام ،ول��ذا ي�صعب ف�صل منطقة معينة لأتباع مذهب وديانة فقط دون غريهم ومع بداية القرن احلادي والع�شرين وبعد مرور مائة عام على التق�سيم ال�سابق والذي كان يعتمد يف جوهره الأول على القومية العربية؛ حيث فُ�صل ال�ع��رب ع��ن ال�ترك والفر�س ،رغم التوافق للغالبية يف الدين والتاريخ امل�شرتك وال �ع��ادات والتقاليد �...إل���خ ،وفر�ضت بينهم احل��دود، وعمل على ت�شويه �صورة كل طرف �أمام الآخر ،بل ر�سمت احلدود داخل ال�شرق العربي ،رغم �أن امل�ستعمر واحد_ فهنالك ح��دود ب�ين لبنان و��س��وري��ا ،وح��دود ب�ين العراق والأردن وفل�سطني ،وم�صر_ وبد�أ يف تكوين ُهوية و�صورة مغايرة لكل دولة .هذا وقد بد�أت تظهر درا�سات جديدة ومتعددة يف مراكز الأبحاث والدرا�سات الغربية _ والتي غالبها مرتبط ب�أجهزة خمابرات تلك الدول _ وتقدم مقرتحات لإعادة تق�سيم املنطقة مرة �أخرى ،وخا�صة بعد حرب اخلليج الأولى والثانية و�أحداث � 11سبتمرب ؛ ولكن باعتماد �أ�س�س جديدة .وقد اعتمدت �أ�سا�س التق�سيمات على م��ا ع��رف بالن�سب �أو ال ��دم �أي القبلية؛ ولكنهم وج��دوا �أن ذل��ك على م��ا يبدو ل��ن يحقق ال �ه��دف؛ ول��ذا اعتمدت بع�ض الدرا�سات التق�سيم على الأ�سا�س املذهبي للمنطقة ،وه��ذا ما ن�شاهده من ال�صراعات الداخلية لدول ال�شرق العربي ،وما �ستتطور له الأحداث م�ستقب ًال . �إن وجود املذاهب الإ�سالمية العقدية واملذهبية يف منطقة ال�شرق لي�س وليد اللحظة ،بل �إن امل��ذاه��ب الإ�سالمية الثالث _ ال�سنة وال�شيعة واخلوارج _ كان منذ القرن الأول الهجري ،ومع القناعة �أن تلك املذاهب يرجع ال�سبب ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
19
والعامل الرئي�س لن�ش�أتها هي ال�سيا�سة واالختالف على �أحقية الإمامة� ،إال �أنها تعاي�شت ب�شكل عام على مدى 14قرن من الزمان ،وهنالك قناعة م�ستقرة يف وجدان قادة و�أتباع كل مذهب �أنه لن يتم الق�ضاء املطلق على �أي مذهب من تلك املذاهب ،ولعله يف �ضوء التقدم البحثي والتطور الت�شريعي ب��د�أت بع�ض القوانني والت�شريعات يف العامل الإ�سالمي يف و�ضع قوانني و�أنظمة ت�شريعية م�ستمدة من ال�شريعة الإ�سالمية ال تقت�صر على مذهب واحد ،وما قانون الأحوال ال�شخ�صية الأردين �إال دليل على ذلك ،والفتاوى ب�ش�أن احلج و�أحكامه يف اململكة العربية ال�سعودية مثال �آخر �أي�ض ًا �...إلخ . �إن اندفاع القادة ال�سيا�سيني يف املنطقة _ �سواء كانوا ق ��ادة ر�سميني �أو �شعبيني _ وراء ال�ع�ن��ف الطائفي واملذهبي ،وحماولة كل منهم ا�ستخدام الدين واملذهب لتكفري الآخر و�إخراجه من امللة لن يزيد املنطقة �إال ت�شرذم ًا و�ضعف ًا ،و�سيذهب ب�ثروات املنطقة ومكت�سباتها ،ويدمر اقت�صادها وبنيتها التحتية ،بالإ�ضافة لقتل الكثري من �أبنائها و�شبابها ،وت�شريد املاليني من �شعوبها يف حروب ال منت�صر وال رابح فيها �إال �أعداء الأمة املرتب�صني بها ال�سوء . وكما يطالب البع�ض بتق�سيم ال��دول القائمة على �أ�سا�س املذاهب الإ�سالمية ؛ ليعلموا �أن هنالك �أي�ض ًا ديانات �أخرى لها وج��ود على الأر���ض ،ولها مذاهب دينية كذلك ،ولذا فمن حقهم عندئذ املطالبة بدولهم املنف�صلة لدياناتهم ومذاهبهم ،وهكذا �سي�صبح ال�شرق العربي مق�سم ًا �إلى دول �صغرية ،عاجزة داخلي ًا وخارجي ًا ،ومتناحرة فيما بينها ملائة ع��ام ق��ادم��ة ،ول��ن يكون اخلا�سر �إال ال�شعوب ال�ع��رب�ي��ة دون غ�يره��م ،وال يخفى وج ��ود دول ��ة الكيان ال�صهيوين على �أر�ض فل�سطني التاريخية� ،سكانها يهودي الديانة ،والتي تعمل النتزاع االع�تراف بيهودية الدولة . �إن امل�س�ؤولية تقع بالدرجة الأول��ى على القادة ال�سيا�سيني لإبطال خمططات الأع��داء لتق�سيم املنطقة على الأ�سا�س
املذهبي ،ثم تقع امل�س�ؤولية على علماء املذاهب الإ�سالمية كافة �أي�ض ًا ،حيث ي�ستخدمهم ال�سا�سة ك�أدوات لتنفيذ امل�آرب واخلطط ؛ وذلك باحلط من قدر املذاهب الأخرى وت�شويه �صورتها ،وانتقاد �أتباعها ،وت�ضخيم اخل�لاف الفرعي، و�أخ�ي�ر ًا بتكفري �أتباعها ،وا�ستحالل دم��اءه��م و�أموالهم و�أعرا�ضهم� .إن اخلالفات يف �أ�سا�سها �سيا�سية ولي�ست عقدية �أو مذهبية فقهية ،وال�سا�سة ي�ستخدمون بع�ض العلماء _ �سواء علموا �أم مل يعلموا _ ك�أدوات رخي�صة لتنفيذ �أجندات وبرامج �سيا�سية داخلية وخارجية بثمن بخ�س ،ولذا فمن امل�أمول من العلماء وهيئاتهم العلمية _ اجلمعيات والروابط والهيئات والكليات واملجامع العلمية �...إلخ _ ت�شكيل وفود من كافة املذاهب الإ�سالمية ملقابلة القادة ال�سيا�سيني؛ للعمل على حقن الدماء ،ونبذ العنف، ووق��ف احل��روب الداخلية القائمة ،والعمل على ترميم �آثار الفنت الداخلية ،وعودة املهجرين والالجئني لبيوتهم وم�ساكنهم ،وال�سعي نحو نه�ضة عمرانية واقت�صادية واعدة ،و�إن �أخطر ما يواجهه ال�شرق العربي التق�سيم على �أ�س�س طائفية ومذهبية ،حيث �ستهلك احل��رث والن�سل . ولتكن هنالك قناعة را�سخة �أن املنت�صر يف تلك الفنت هو خا�سر .ورح��م اهلل املعتمد بن عباد وال��ذي و�ضع قاعدة ذهبية يف املوازنة (لأن �أرعى الإبل عند العرب خري يل من �أن �أرع��ى خنازير ال��روم) .وليعلم اجلميع �أنه ومع انتهاء املعمعة �سوف ي�ستغنى الغرب عنهم جميع ًا؛ القادة والعلماء .وليعلموا كذلك �أن رو�سيا و�إن اكتفت قبل وبعد احلرب العاملية الأولى بن�صيبها يف القوقاز ،ور�ضيت بعد احلرب العاملية الثانية ب��أوروب��ا ال�شرقية ،ومل تزاحم بريطانيا وفرن�سا والغرب على ال�شرق العربي� ،إال �أنها الآن ترغب يف ح�صة مقنعة بال�شرق العربي ،وخا�صة على �ضفاف املتو�سط �أو غريه
� 20إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مقاالت الوسطية
املقاربة املوريتانيـة ملحاربـة التطـرف و الإرهـاب الأ�ستاذ بن عمر يل موريتانيا
موريتانيا جزء من املنظومة املغاربية ،معروفة بفكرها الو�سطي عرب التاريخ ،جتمعها الوحدة الفكرية يف �إطار التكامل واالن�سجام والتعاي�ش ال�سلمي يف املجال العقدي والفقهي وال�سلوكي ويف ظل انتعا�ش التيار ال�سلفي العلمي يف موريتانيا ،واخرتاقه الن�سيج الفكري التقليدي، �شاعت ثقافة التبديع والتكفري يف ال�ساحة الوطنية ف�أ�صبح ال�شباب عر�ضة للت�أثربفكر ال�سلفية القتالية باعتبار ذلك طورا جديدا يف �سياق �أدبيات تكفري ال�صوفية وزوار املقابر. ب��دا التحول ال�سلوكي ال�سلفي ل��دى قلة من ال�شباب حم��دودي املعرفة متـ�أثرين باجلماعة ال�سلفية للدعوة وال�ق�ت��ال يف اجل��زائ��ر ح ��دود ،2005فكانت الأرا� �ض��ي ال�صحراوية ال�شا�سعة ب�ؤرة التن�سيق وحترك اجلماعات الإرهابية با�سم الدين ت��ارة ولتغطية جت��ارة املمنوعات تارة �أخ��رى ،و�شكلت منافذ للت�سلل من الأرا�ضي املالية، واجلزائرية للقيام ب�أعمال �إرهابية يف الإع �ت��داء على اجلي�ش امل��وري�ت��اين ،يف ملغيطي 2007وقتل الفرن�سيني وكمني تورين ،2007والهجوم على مقهى يف نواك�شوط 2008وقتل مواطن �أمريكي 2009واختطاف الرعايا الأ�سبان واقتيادهم �إل��ى قواعد تنظيم القاعدة 2009 وتفخيخ �سيارة يف املنطقة الع�سكرية بالنعمة � ،2010ش ّكلت هذه الأعمال الإجرامية ظاهرة �شاذة مفاجئة لل�ساحة املوريتانية ملناق�ضتها لطبيعة املجتمع املوريتاين،امل�سامل املت�سامح الكرمي ،ولذلك كان من �أولويات فخامة الرئي�س حممد بن عبد العزيز و�ضع خطة وطنية محُ كمة للق�ضاء
على الظاهرة �ضمن التزاماته بتوفري الأمن واال�ستقرار لتهيئة مناخ مالئم للتنمية ورفع التحديات عن ال�سيادة الوطنية ،وتتلخ�ص اخلطة يف الآتي: �أوال :املقاربة الأمنية ،ومل تكن خيارا ملواحهة جماعة معينة ،لأن الإره��اب ظاهرة �أخطبوطية ،ولكن املواجهة كانت �ضرورة حلماية ال�سيادة وتوفري الأم��ن و تتمثل يف الآتي: تعزيز قدرات امل�ؤ�س�سة الع�سكرية بالت�سليح والتنظيم،وتوفري الو�سائل اللوج�ستية �إن�شاء وحدات ع�سكرية متخ�ص�صة بكامل اجلاهزيةملكافة الإرهاب حتديد نقاط العبور الر�سمية على ام�ت��داد احل��دودالوطنية بالطريق البيومرتي يف ت�سجيل الدخول لت�أمني احلدود
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
21
ا�ستحداث قرى و�إن�شاء مقاطعات تتوفر على خمتلفاخلدمات الأمنية يف املناطق ال�شا�سعة من البالد مطاردة فلول الإرهاب �إلى خارج احلدود املوريتانيةثانيا :اجلانب االقت�صيادي واالجتماعي : �إع�لان �سيا�سة مكافحة الفقر وتوفري حوانيت الأم��لملحدودي الدخل ،وفتح جم��ال التكوين املهني ،وخلق فر�ص العمل ،ورعاية ال�شباب .... ا�ستقبال و�إيواء الالجئني املاليني ورعايتهم ،للتخفيفمن م�شاكل التوتر يف املنطقة احلدودية �إ�شاعة احلريات العامة ،وحمايتها لتجنب م�ضاعفاتالكبت ،واال�ضطهاد يف �صناعة التطرف والإرهاب ثالثا :اجلانب القانوين : �سن قانون مكافحة الإره��اب وتعديله يف �سنة 2009 ّلتعزيز فاعليته يف حما�صرة الظاهرة رابعا :اجلانب الفكري والثقايف :وذلك باعتبار �أن (ما يف الر�ؤو�س اليقتلع بالف�ؤو�س ) ،ومتثل ذلك على �سبيل املثال فيما يلي: نظمت احلكومة العديد من امل�ؤمترات الوطنية والإقليميةوالدولية على �أعلى امل�ستويات ملحاربة الإرهاب ،و�إحياء خط الو�سطية. عقد م�ؤمتر وطني حل�شد الإجماع الوطني على مكافحةالإرهاب من طرف جميع الفاعلني ال�سيا�سيني واخلروج مبيثاق ��ش��رف وط�ن��ي ل�ل�أح��زاب ال�سا�سية الأغلبية واملعار�ضة للت�صدي لهذه الظاهرة اجلديدة الغريبة على املجتمع احلوار مع ال�سلفني يف ال�سجون: �شكلت احلكومة �سنة 2010جلنة من العلماء لإجراء حوار يف ال�سجون ،وتت�ألف اللجنة من : �شخ�صيات علمية معروفة ،لها م�صداقية يف ال�ساحةالوطنية �شخ�صيات تتمتع بثقة املعتقلني ،وبع�ضهم �سبق �أن كانوامن مرجعياتهم التقليدية • طريقة احلوار: -عقد جل�سات متهيدية مع ال�سجناء لتحديد نقاط احلوار
عقد اجتماع عام بني اللجنة وال�سجناء للتوجيه العامو�إعالن بدء احلوار ،مت نقله عن طريق و�سائل الإعالم امل�سموعة واملرئية ،عربوا فيه عن مواقفهم علنا �أمام النا�س عقد اجتمات جماعية للمجموعات التي تقاربت وجهاتنظرها ،للتنوير والتوجيه ن�ق��ا��ش��ات مغلقة م��ع الأف� ��راد الأك�ث�ر ت �� �ش��ددا ،لتلينيمواقفهم ،من �أجل �إحلاقهم باملجموعات العامة • �أهم �أفكارهم :تتلخ�ص يف الت�صورات اخلاطئة عن الإ�سالم ،منها: تكفري احلكام بعدم تطبيق اال�شريعة تكفري النظام الدميقراطي وجوب قتال الكفار �أينما كانوا...• نتائج احلوار: تراجع عدد كبري منهم ،وتردد القليل ،و�أ�صرعدد �أقلعلى موقفهم املت�شدد مبنا�سبة �شهر رم�ضان املبارك �أ�صدر رئي�س اجلمهوريةحممد بن عبد العزيز عفوا عن 35منهم ،ممن مت احلكم عليهم �سابقا ،ومن الذين مل يتلب�سوا بجرمية القتل.. تنظيم حفل ر�سمي لإ�ستقبال املفرج عنهم متكينهم بدعم ي�سمح لهم ب�إعادة اندماجهم يف املجتمع• نتائج اخلطة: ت�صحيح الت�صورات اخلاطئة ،لأن احلوار كان فر�صةلإثارة الق�ضايا اجلوهرية يف الفكر الإرهابي ،ا�ستفاد منه من كان يف ال�سجون �أو من هم خارجها تفكيك كافة اخلاليا النائمة ال�سيطرة على الو�ضع الداخلي ،ومطاردة فلول الإرهاب�إلى خارج الرتاب الوطني وت�أمني احلدود م�ساهمة ال�شباب املفرج عنهم يف �إن��ارة ال��ر�أي العامال�شبابي قطع الطريق �أم��ام وج��ود جماعة �إرهابية منظمة يفموريتانيا حتى الآن. واهلل املوفـــق
� 22إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مقاالت الوسطية
�أوكلما ا�شتهيت ا�شرتيت !! د .ي�رسى العرواين
عبارة مد ّوية قالها عمر بن اخلطاب -ر�ضي اهلل عنه �أحد املخت�صني ذكر �أن املفهوم احلقيقي لدور رجل الت�سويق جلابرٍ بن عبد اهلل ال�صحابي اجلليل ،يوم ر�آه يحمل بيده هو �أن يالحقك حتى ي�أخذ �آخر قر�ش متبق يف جيبك ،معتمد ًا�شيئ ًا ،ف�س�أله :ما هذا؟ فقال جابر� :إنه حلم يا �أمري امل�ؤمنني – ،بالطبع -على مهاراته و�إبداعاته يف �سبيل حتقيق ذلك. ا�شتهيته فا�شرتيته ،فقال عمر� :أوكلما ا�شتهيت ا�شرتيت!! والأغ��رب من ذل��ك �أن هناك �سيا�سات ممنهجة تهدف وه��ذه الإ� �ش��ارة م��ن رج��ل كعمر ،حتمل دالالت وا�سعة� ،إلى ن�شر ثقافة اال�ستهالك ،وحتى نتحول – وقد حتولنا� -إلى و�إ�شارات هامة على امل�ستويني الفردي واجلماعي ،و�إن كانت �شعوب م�ستهلكة ،لي�س لل�سواد الأعظم منا ه ٌّم �إال اال�ستهالك هذه العبارة قيلت قبل ما يزيد عن �ألف �سنة فنحن اليوم � أحوج وال�شراء والت�سابق يف الإنفاق واملباهاة والتفاخر يف ذلك ،حتى ما نكون لإدراك مغازيها والعمل مب�ضمونها ،وقد جاء يف حديث ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم( : -عليكم ب�سنتي و�سنة �أم�ست املفا�ضلة لدى الكثريين مبقدار ما ينفقون ال مبقدار ما ع�ضوا عليها بالنواجذ) ينتجون �أو ينجزون ،فالن�ساء وكذا كثري من الرجال يتباهون اخللفاء الرا�شدين املهديني من بعدي ّ ب�أنواع �سياراتهم و�أ�سعارها وما يحملون من �أجهزة خلوية �أو رواه �أبو داود والرتمذي ،وقال :حديث ح�سن �صحيح . فعلى ال�صعيد الفردي ،ال ينبغى موافقة النف�س واالن�سياق مالب�س فاخرة �أو رحالت �سياحية �أو �إقامة امل�آدب وحفالت وراء كل �شهواتها ورغباتها ،فهي من ناحية ممتدة ال تنتهي ،الأف��راح وغريها ،وجت��ذرت هذه العدوى لدى �أبنائنا ف�صار فطبع النف�س الب�شرية الطمع ،فقد جاء يف حديث �أبي عا�صم الآباء ال ي�سمعون منهم �سوى طلبات ال�شراء التي ال تنتهي كم ًا عطاء قال� :سمعت ابن ع ّبا�س -ر�ضي اهلل وال نوع ًا. عن ابن جريج عن ٍ عنهما -يقول� ،سمعت ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم - وتفاقمت امل�شكلة �إل��ى ما هو �أبعد من ذل��ك ،فلم يقف يقول :لو كان البن �آدم واديان من مالٍ البتغى ثالث ًا وال ميلأ ال�شراء عند حدود ما ن�ستطيع ولكن �إلى ما ال ن�ستطيع ،فال ج��وف اب��ن �آدم �إال ال�تراب ويتوب اهلل على من تاب" ،ومن غرابة �أن يقرت�ض البع�ض ليقيم حف ًال �أو م�أدبة �أو يبدل موديل ناحية �أخرى �سلوك النف�س :ح�سب ما اعتادته ،ويف ذلك قال �سيارته �أو يجدد �أثاث بيته ،مباهاة ال حاجة ،وال يح�سب ح�ساب ًا الإمام ال ُب�صريي يف البرُ دة لتبعات ذلك من الوقوع حتت وط�أة الدين وهمه وغمه والعجز والنف�س كالطفل� ،إن ترتكه �شب على عن ال�سداد ،وتعطيل تقدمه احلياتي واملجتمعي. حب الر�ضاع ،و�إن تفطمه ينفطم من هنا ال بد من �إعادة ترتيب �أوراقنا ،و�أن نبني خططنا وامل�شكلة �أن الأمر جتاوز عند الكثريين حدود ما ي�شتهون الفردية واجلماعية ف�أعتقد �أن ال�سنوات العجاف الطويلة التي �إل��ى م��اال ي�شتهون ،وجت��اوزوا بال�شراء ما يريدون �إل��ى ماال مرت بنا كفيلة ب�أن توقظنا من غفلتنا وغفوتنا ،و�أن ن�ساهم يف يريدون ،وجتاوزا حدود الإنفاق املعتدل �إلى الإ�سراف والتبذير �أن نبني للأجيال القادمة ثقافة �إنتاجية ترتقي بهم ،وتعينهم واملبالغة ،وال يقف الأمر عند الطعام وال�شراب بل �إلى كثري على حتمل �أعباء م�ستقبلهم ،على �أم��ل الو�صول �إل��ى حياة من ال�سلع اال�ستهالكية التي ت�ستنزف مقدرات البالد والعباد ،ف�ضلى ،فالأمر يحتاج �إلى جد واجتهاد ،ونحن نعلم �أن التغري ثقافة �سيطرة لهذا حتولت ال�سمة الغالبة لأبناء الأم��ة �إل��ى �سبيله ،من هنا ف�إن يبد�أ ب ��إرادة الإن�سان }�إن اهلل ال يغري ما بقوم حتى يغيرّ وا اال�ستهالك بد ًال من الإنتاج وال�سري يف الدول العربية ت�ستورد الأجهزة وال�سيارات واملنتجات املختلفة ما ب�أنف�سهم{ (الرعد ،... )11 ،وجاءت يف القر�آن الكرمي مبليارات ال��دوالرات على الرغم من عدم احلاجة امللحة لها الدعوة �إلى التخطيط والعمل املمنهج الهادف }�أفمن مي�شي و�إن كانوا يُ�ستدرجون �إلى ا�ستريادها بعد �أن �أغراهم املنتجون مكب ًا على وجهه �أهدى �أمن مي�شي �سوي ًا على �صراط م�ستقيم{ بالتالعب بامل�سميات واملاركات والأ�شكال والأل��وان وغريها( ،امل�ل��ك .....)22،وهو القائل �سبحانه }ف��إذا عزمت فتوكل فال�شركات الكربى ت�سخّ ر �أغلب ميزانياتها للت�سويق ،حتى �أن على اهلل{ (�آل عمران.)159، ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
23
مقاالت الوسطية
ثقافة التقريب بني املذاهب حتليل وت�أ�صيل (اجلزء الأول)
�أ .د.عزمي طه ال�سيد �أحمد �أ�ستاذ الفل�سفة والعقيدة ومناهج البحث
�ستقوم هذه الورقة بتحليل امل�صطلحات الواردة يف عنوانها ،لت�صل من ذلك �إلى ت�أ�سي�س وت�أ�صيل ملفهوم ثقافة التقريب بني املذاهب الإ�سالمية .ومعاجلتنا يف هذه الورقة ،و�إن تعر�ضت لثقافة التقريب بني املذاهب بعامة� ،إال �أن مق�صودها وتركيزها �سيكون على املذاهب يف واقع الأمة العربية والإ�سالمية. نبد�أ بحثنا بتو�ضيح املق�صود بلفظ املذاهب ،ومع �أنه لفظ م�ألوف و�شائع يف التداول بني املتعلمني واملثقفني� ،إال �أن ذلك ال مينع من القيام بتحديد املعنى املق�صود به، لتحقيق �شرط علمي رئي�س هو �شرط الو�ضوح ،هذا ف�ض ًال عن كون املعاجلة �سرتتكز يف جانب رئي�س منها �إلى هذا التحديد ،فنقول: املذاهب جمموعة من النظريات �أو الآراء النظرية والعلمية ،يف جمال من جماالت الفكر �أو احلياة ،تكون يف الغالب مرتابطة ومت�سقة فيما بينها ،ولهذه النظريات �أو الآراء (�أي املذاهب) ممثلون يقولون ب�صوابها ،ويعملون على ن�شرها ب�ين الآخ��ري��ن وال��دف��اع عنها ،وق��د يتجاوز الأمر -يف �ضوء ما هو ممار�س يف الواقع� -إلى التع�صب ل�صواب هذه النظريات �أو الآراء فيعدونها وحدها احلق، وما عداها الباطل �أو اخلط�أ املنحرف عن جادة ال�صواب. يف �ضوء هذا التحديد للمذهب يالحظ املرء ب�سهولة �أن هناك عن�صرين رئي�سني فيه ،هما :وجود نظريات و�آراء يف جمال ما؛ ووجود ممثلني (�أو �أ�صحاب) للمذهب ي�صدقون ب�صوابها ،ويعملون على ن�شرها ويدافعون عنها. واملجاالت التي تخت�ص بها النظريات �أو الآراء يف مذهب ما قد تكون يف واحد من جماالت الفكر النظري� ،أي تكون غاية الآراء (النظرية) يف هذا املجال بيان حقيقة جانب � 24إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
من جوانب من الوجود العديدة؛ فهناك مذهب يف بيان حقيقة الوجود بعامة� ،أو الرتبية �أو ال�سيا�سة �أو االقت�صاد، �إلى �آخر ما هنالك من جماالت للفكر النظري .وقد تكون النظريات �أو الآراء يف مذاهب �أخرى ذات طبيعة عملية مت�صلة باحلياة ،و�أعني باحلياة تعامل الإن�سان مع جوانب الوجود املختلفة ،بع�ضها �أو ك ّلها؛ وتكون غايتها هي العمل والتطبيق والفعل وال�سلوك بعامة ،وقد جتمع بني الغايتني النظرية والعملية ،فطبيعة الأمور �أن املذاهب (العملية) يف احلياة ال تكون يف العادة منف�صلة عن املذاهب (النظرية) يف الفكر ،فاملذاهب العملية تكون مبنية على فكر نظري، ومرتبطة مبذاهب فكرية. ول�ضبط حدود املعاجلة هنا� ،سنقوم بت�صنيف املذاهب يف الفكر واحل �ي��اة �إل��ى ث�لاث��ة �أق �� �س��ام :م��ذاه��ب فكرية عقدية (�إيديولوجية)؛ ومذاهب فقهية �شرعية؛ ومذاهب �سيا�سية .وبالنظر يف الطبيعة الأ�سا�سية الغالبة لكل ق�سم ميكن للناظر مالحظة �أن: املذاهب الفكرية العقدية (الإيديولوجية) ذات طبيعةنظرية غالبة؛ و املذاهب الفقهية ال�شرعية ذات طبيعة عملية غالبة؛ و -املذاهب ال�سيا�سية جتمع بني الطبيعتني النظرية والعلمية.
و�أود �أن �أ�ؤك��د هنا �أن هذا الت�صنيف لطبائع املذاهب هو حتليل يق�صد منه الو�صول �إلى فهم املو�ضوع املطروح للمعاجلة والبحث بالدرجة الأولى ،و�أن املذاهب جميع ًا – يف واقع احلال -متتزج فيها الغايتان والطبيعتان النظرية والعلمية. �أنتقل الآن �إلى تو�ضيح املق�صود بلفظ التقريب ،الوارد يف عنوان هذا املو�ضوع، جمتهد ًا يف بيانه بطريقة �إجرائية ،ف�أقول: التقريب يف املعنى اللغوي �أن تدنو �أ�شياء متباعدة كل واحد منها من الأ�شياء الأخرى بفعل �إرادي مق�صود ،فلي�س التقريب عم ًال طبيعي ًا �آلي ًا يتم دون تدخل فاعل له مريد. والتقريب ب�ين امل��ذاه��ب يعني �أن تدنو ه��ذه املذاهب ويقرتب كل واحد منها من املذاهب الأخ��رى؛ وهذا الدنو �أو االقرتاب – وهو املعنى املراد بيانه -يتم من قبل فاعلني يقومون بفعل التقريب ه��ذا ب� ��إرادة وع��ن ق�صد وا�ضح الأهداف والغايات .ويكون هذا الدنو �أو االقرتاب يف واحد �أو �أكرث من الأمور الآتية: يف النظريات والآراء امل�ؤ�س�سة للمذهب؛ يف الأهداف والغايات التي ي�سعى املذهب لتحقيقها؛ يف الو�سائل والإجراءات التي يتو�سل بها املذهب لتحقيق�أهدافه وغاياته؛ يف احلالة الوجدانية (العواطف واالنفعاالت) لأ�صحاباملذاهب امل�صاحبة لعملية االقتناع ب�صواب النظريات �أو الآراء� ،أو لعملية ن�شرها وتطبيقها والدفاع عنها؛ وهذه احلالة لها جانبان :داخلي موجه نحو املذهب وخارجي موجه نحو املذاهب الأخرى. �أما اللفظ الأخري الوارد يف عنوان املو�ضوع ويحتاج �إلى بيان املق�صود منه� -إذ ي�شكل بيانه يف �سياقه هنا مق�صد البحث -فهو لفظ ثقافة ،وقد �سبق بيانه فيما تقدم ،فنكتفي هنا بالتذكري بتعريفنا للثقافة ،وهو الثقافة (بعامة) معرفة عملية مكت�سبة ،تنطوي على جانب معياري وتتجلى يف �سلوك الأفراد الواعي يف تعاملهم يف احلياة االجتماعية مع الوجود يف �أجزائه املختلفة (اخلالق واملخلوقات). و�أنتقل الآن �إلى تو�ضيح مفهوم الثقافة اخلا�صة مبو�ضوع بحثنا وحتديدها� ،أعني الثقافة املتعلقة بالتقريب بني املذاهب ف�أقول: ثقافة التقريب بني املذاهب هي معرفة عملية مكت�سبة تنطوي على جانب معياري ،وتتجلى يف ال�سلوك الواعي لأ�صحاب املذاهب و�أتباعها يف تعاملهم مع املذاهب الأخرى.
ويف �شرح هذا التحديد ،وتقدمي املزيد من البيان حول حقيقة هذه الثقافة ،نقول: هذه الثقافة معرفة عملية� ،أي �إن هذه الثقافة التي نبحثفيها وعنها هي معلومات �أو ق�ضايا غاياتها العمل والفعل وال�سلوك والتطبيق ،وهي لي�ست جمرد معلومات نظرية غاياتها بيان حقائق الأمور فح�سب ،دون االلتفات �إلى العمل والتطبيق. وه��ي مكت�سبة� ،أي �أن الإن�سان يح�صل عليها بعد �أنكانت غري موجودة لديه ،وهو يكت�سبها ويتعلمها بطرق االكت�ساب والتعلم املختلفة املعروفة :من البيئة والقدوة والأ�ساتذة والكتب وعن طريق احل��وار وغري ذلك من طرق االكت�ساب والتعلم. وتنطوي ه��ذه املعرفة على ج��ان��ب م�ع�ي��اري ،يبني ماينبغي �أن تكون عليه هذه الثقافة اخلا�صة" ،وما ينبغي �أن يكون" ميثل من جهة ال�صورة الأمثل والأكمل التي ن�سعى للو�صول غليها يف تعاملنا مع املذاهب الأخ��رى و�أ�صحابها ،وميثل من جهة �أخرى املعيار الذي نحتكم �إليه ونقي�س يف �ضوئه �سلوكنا الفعلي قرب ًا منه �أو ُبعد ًا، وكما ميثل دافع ًا وحافز ًا داخلي ًا يحركنا �أي�ض ًا لتحقيقه. ومن هنا كانت معرفة هذا اجلانب املعياري الأمثل� ،أمر ًا رئي�سي ًا ويف غاية الأهمية الكت�ساب هذه الثقافة اخلا�صة وجت�سيدها يف �سلوكنا. وهذه املعرفة املتقدم و�صفها ،متامها يف العمل بـها ،كـماقـال القدمـاء" :العلم مبـد�أ العمل والعمل مت��ام العلم" ،ف ��إذا مل تظهر ه��ذه املعرفة وا�ضحة يف �سلوكنا ،ف�إنه ال ميكننا القول �إن لدينا ثقافة خا�صة بالتقريب بني املذاهب. والبد �أن تكون عملنا و�سلوكنا – املتعلق بالتقريب بنياملذاهب -عم ًال واعي ًا� ،أي نقوم به ،ونحن نعرف الغاية املق�صودة من فعله ،ونعرف الطريق واملنهج املو�صل لهذه الغاية ،ونعرف الو�سائل والأدوات التي مبعونتها ن�صل �إل��ى ه��ذه الغاية ،بل ونعرف �أي�ض ًا ما ميكن �أن يعرت�ض طريقنا من �صعوبات وعقبات وم��دى قدرتنا على جتاوزها والتغلب عليها. وبالنظر يف حتديدنا لـ ثقافة التقريب بني املذاهب، والتو�ضيح الذي تاله �آنف ًا ،جند �أن هذه الثقافة اخلا�صة تندرج حتت �أرب�ع��ة من جم��االت الثقافة امل�شار �إليها يف تعريف الثقافة املتقدم ذكره ،وهي: جمال التعامل مع الأفكار�( ،أي النظريات والآراء التيت�شكل القاعدة النظرية للمذاهب). ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
25
مقاالت الوسطية جمال التعامل مع الآخر (�أي الأ�شخا�ص الذين ميثلوناملذاهب الأخرى غري مذهبنا). جمال التعامل مع الو�سائل والأدوات (�أي تلك الأموروالأ�شياء ،املادية وغري املادية التي ي�ستعان بها يف فعل التقريب بني املذاهب). جمال التعامل مع اهلل �سبحانه وتعالى (وذلك لأن تعاملنامع �أي جانب من جوانب الوجود املخلوق ينبغي �أن يكون وفق ًا ملراد اهلل وملا يحبه وير�ضاه �سبحانه وتعالى). و�إذا انتقلنا خطوة �أخرى لبيان هذه املعرفة التي ت�شكل ثقافة التقريب بني املذاهب ،جند املدخل لبيان ذلك فيما �سبق قوله ،وهو �أن هذه الثقافة ت�ستمد من الثقافة اخلا�صة باملجاالت الأربعة الآنفة الذكر (التعامل مع الأفكار ،والآخر، والو�سائل والأدوات ،واهلل �سبحانه وتعالى) ،وذلك لتحقيق هذا التقريب يف الأم��ور الرئي�سة (التي �سبق ذكرها عند حتديدنا ملعنى التقريب بني املذاهب)�( ،أعني :النظريات والآراء ،والأه���داف وال�غ��اي��ات ،والو�سائل والإج� ��راءات، واحلالة الوجدانية). ف�إذا كانت ثقافة التقريب بني املذاهب تُ�ستمد من هذه املجاالت الأربعة ،وكانت املذاهب – كما حددناها يف هذه ال��ورق��ة� -أن��واع� ًا ثالثة (فكرية عقدية ،وفقهية �شرعية، و�سيا�سية) ،ف�إن هذه الثقافة التي نبحث فيها وعنها �سيكون فيها مبادئ عملية م�شرتكة ترجع �إلى هذه املجاالت الأربعة، وم�ب��ادئ �أخ��رى تخ�ص ك��ل ن��وع م��ن �أن ��واع ه��ذه امل��ذاه��ب، وتختلف فيما بينها بح�سب اختالف طبيعة املذهب. وعليه ،ن��رى �أن تو�ضيح ثقافة التقريب بني املذاهب ي�ستلزم بيان هذه املبــادئ امل�شرتكة �أو ًال ،ثم تلك التي تخ�ص كل واحد من �أنواع هذه املذاهب. نبد�أ باحلديث عن ثقافة التقريب بني املذاهب امل�شرتكة لكل �أنواع املذاهب ،فنبد�أ بـ: �أو ًال :ثقافة التقريب بني املذاهب فيما يتعلق بالنظريات والأفكار: النظريات والأفكار التي ت�ؤ�س�س للمذاهب على اختالف �أنواعها� ،إما �أن تكون مبا�شرة من الن�صو�ص املحكمة من ال��وح��ي ال�صادق (نحن هنا نتحدث ع��ن الإ� �س�لام)؛ �أو م�ستمدة من الوحي ال�صادق ب�صورة غري مبا�شرة� ،أي بطريق الفهم واال�ستنباط؛ �أو تكون من االجتهاد العقلي مل�ؤ�س�سي املذهب و�أ�صحابه. وف�ع��ل التقريب ب�ين النظريات والآراء ال�ت��ي ه��ذه م�صادر ا�ستمدادها� ،سيكون �أمر ًا مي�سور ًا �إذا ما عرفت طبيعة كل نوع منها؛ � 26إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
فالأفكار �أو النظريات امل�ستمدة ب�صورة مبا�شرة من ال��وح��ي ال���ص��ادق املحكم (الآي� ��ات املحكمة والأح��ادي��ث املتواترة) ال ينبغي �أن تكون حمل اختالف بني مذاهب امل�سلمني ،ول��و ح��دث خ�لاف حولها ف��إن التذكري بالن�ص املحكم يزيل اخلالف على الفور وي�ؤدي مهمة التقريب ،ومن ي�صر على خمالفة فكرة �أو نظرية عبرّ عنها ن�ص حمكم ب�صورة مبا�شرة ال ت�أويل فيها ،فهو معاند يطلب دلي ًال على طلوع ال�شم�س يف �أثناء النهار ،بل �إن هذه النظريات �أو الأفكار ينبغي جعلها مرجع ًا ومعيار ًا و�ضابط ًا للنظريات والآراء الأخرى؛ والنظريات �أو الأفكار امل�ستمدة من الوحي ال�صادق بطريق الفهم واال�ستنباط ،فهذه ال ب ّد واقع فيها االختالف لأ�سباب عديدة ،معروفة لدار�سي الفقه و�أ�صوله ،بع�ضها يرجع �إل��ى طبيعة الن�صو�ص ،والبع�ض الآخ��ر يرجع �إلى الإن�سان ال��ذي ح��اول الفهم وق��ام باال�ستنباط ،وق��درات النا�س يف هذين الأمرين متفاوتة ،والتقريب يف النظريات والآراء من هذا النوع له فيما نرى -م�ستويان: الأول :تقريب يحققه �ضبط مناهج الفهم واال�ستنباط وحماولة االتفاق عليها من قبل �أ�صحاب املذاهب املختلفة، لأن االتفاق على مناهج �سليمة يف اال�ستنباط يي�سر الو�صول على النتائج نف�سها �أو �إلى نتائج متقاربة؛ والثاين :تقريب يحققه فهم طبيعة النظريات والآراء امل�ستنبطة من الن�صو�ص ،وهي �أنها نظريات و�آراء ال ينظر �إليها من الزاوية املنهجية على انها متثل احلقيقة التامة �أو اليقني القطعي ،و�إمنا هي حقيقة ن�سبية �أو ظن راجح، هذا الفهم بطبيعة هذا النوع من الأفكار يرتتب عليه �أن ال يكون مت�سك �أ�صحاب املذهب بنظرياتهم و�آرائهم التي تندرج حتته على �أنها احلق املطلق الوحيد ،و�أن ما عداها باطل ،و�أن ينظر �إلى �آراء ونظريات املذاهب الأخرى على �أنها ت�ستحق �أن ينظر فيها و�أن تقدر و�أن يجري التحاور معها للت�شارك يف الو�صول �إلى الأ�صوب من الآراء. �أم��ا النظريات �أو الأف�ك��ار التي ت�أتي نتيجة االجتهاد العقلي (غري املت�أثر بن�صو�ص الوحي) ،من قبل �أ�صحاب املذهب ،فهذه �أي�ض ًا يقع فيها االخ�ت�لاف ،فاالجتهادات العقلية تختلف باختالف م�سلمات �أ�صحابها ومقدماتهم من جهة ،ودقة مناهجهم وا�ستدالالتهم من جهة �أخرى، والتقريب بني املذاهب يف هذا النوع من الأفكار له �أي�ض ًا م�ستويان: الأول :تقريب يرجع �إلى �ضبط مناهج اال�ستدالل على ه��ذه الأف�ك��ار ،وه��و �أم��ر يتم ب�ضبط امل�سلمات واملقدمات وب�ضبط خطوات اال�ستدالل و�شروطه؛
والثاين تقريب يحققه الوعي بطبيعة ه��ذا النوع من الآراء ،التي يقر املفكـــرون وعلماء املناهج عموم ًا يف ه��ذا الع�صر ب ��أن ال�صدق واحلق فيها ن�سبي ،وذلك يف �ضوء املتاح لنا من املعلومات امل�ستخدمة مقدمات لال�ستدالل وبالن�سبة له. هذا الفهم لطبيعة هذا النوع من النظريات والأفكار يرتتب عليه �أي�ض ًا �أن نتم�سك يف و�ضع �أف�ك��ارن��ا مبنهج اال�ستدالل ال�سليم ال��ذي ي ��ؤدي �إل��ى تقليل اخل�لاف و�إل��ى التقريب ،كما ي�ؤدي �أي�ض ًا �إلى عدم مت�سك �أ�صحاب املذهب بنظرياتهم و�أفكارهم باعتبارها احلق املطلق ،الأمر الذي ينبغي �أن يلزم عنه من الناحية العملية النظر يف �أفكار املذاهب الأخرى على �أنها حمتملة للحق وال�صواب مثلما �أفكار مذهبنا ،وعدم و�صفها بالباطل دون برهان مبني. ثاني ًا :ثقافة التقريب بني املذاهب فيما يتعلق ب�أ�صحابها و�أتباعها. �أ�صحــاب املذاهـب و�أتباعـها هـم م�سلمـون ،وهم �أخـوة يف الإ�سـالم ،لذلك ينبغي �أن يكون تعاملهم فيما بينهم وفق ًا لتوجيهات الإ�سالم يف تعامل امل�سلمني فيما بينهم ،وهذه التوجيهات ال ب ّد �أن تثمر تقريب ًا بينهم ك�أ�شخا�ص وبالتايل بني املذاهب التي ينت�سبون �إليها. ف�صاحب املذهب حني يتعامل ملتزم ًا ب ��آداب وثقافة الأخ��وة الإ�سالمية مع �أ�صحاب املذاهب الأخ��رى تو�ضيح ًا ملذهبه �أو رد ًا على مذاهب غريه �أو حماور ًا لهم ،ف�إن مثل هذا التعامل امللتزم �سيمنع �أي تباعد وت�شاحن ،ويف املقابل يقرب �أ�صحاب املذاهب من بع�ضهم. �إن �صاحب املذهب حني ينظر �إلى �أخيه �صاحب املذهب الآخ��ر يف �ضوء توجيهات الإ� �س�لام ،م��ن مثل قوله عليه ال�صالة وال�سالم" :امل�سلم �أخو امل�سلم ال ي�سلمه وال يظلمه.. �إلخ" ،وقوله" :امل�سلم من �سلم امل�سلمون من ل�سانه ويده"؛ وحني يلتزم بعدم �إيذاء �أخيه امل�سلم من خالل كيل التهم له كالكفر والزندقة والف�سق والتحقري وم��ا �شابه ذلك، التزام ًا منه بهدي الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم يف مثل قوله" :من كفر م�سلم ًا فقد كفر" ،وقوله" :بح�سب امرئ من ال�شر �أن يحقر �أخاه امل�سلم" ،ف�إنه يف احلقيقة يقوم تلقائي ًا بالتقريب بينه وبني نظريه ،وبالتايل بني مذهبه واملذاهب الأخرى. وخال�صة هذه الثقافة يف هذا العن�صر (التعامل مع
�أ�صحاب املذاهب) هو �أن التقريب بني املذاهب يح�صل ب�صورة عادية وتلقائية� ،إذا كان �أ�صحاب املذاهب ملتزمني بثقافة الأخوة يف الإ�سالم. ثالث ًا :ثقافة التقريب بني املذاهب فيما يتعلق بالو�سائل والأدوات. الو�سيلة هي كل ما ن�ستعني به للو�صول �إلى هدف ما �أو غاية معينة ،فالو�سائل مرتبطة يف اال�ستخدام بالأهداف والغايات؛ �أما الأداة فهي كل ما ن�ستعني به على �إجناز عمل م��ا ،ف��الأداة مرتبطة يف اال�ستخدام بعمل م��ا .والو�سائل والأدوات قد تكون مادية وغري مادية ،كما �أنهما يتداخالن يف اال�ستعمال اللغوي �إذ كالهما ي�ستعان ب��ه ،لكن هذا التداخل ال ينفي تباين مفهوم كل منهما .ونظر ًا ملا بينهما من ت�شابه وتداخل ر�أينا احلديث عنهما حتت عنوان واحد. تتخذ املذاهب -يف العادة -و�سائل �أو �أدوات لتحقيق �أهدافها و�إجن��ازه��ا �أع�م��ال معينة ،مثل :تعليم املذهب، �أو ن�شره� ،أو الدفاع عنه �ضد منتقديه� ،أو غري ذلك من الأه��داف �أو الأعمال ،وقد ن�صنف هذه الو�سائل �أ�صناف ًا، فنقول على �سبيل املثال :و�سائل م�شروعة وغري م�شروعة �أو قانونية وغري قانونية �أو �أخالقية ،وغري �أخالقية �أو �سليمة وغري �سليمة �أو غري ذلك من الت�صنيفات. واملبد�أ العام يف الثقافة الإ�سالمية �أن تكون الو�سيلة �أو الأداة م�شروعة ،كما هي الغاية �أي�ض ًا. �إن ا�ستخدام و�سائل و�أدوات م�شروعة لي�س فيها حرمة �شرعية هو فعل ي�ساهم يف التقريب بني املذاهب ،لأنها و�سائل يقبل بها كل م�سلم وال يعاندها ،ولأنها يف طبيعتها ال�شرعية الإ�سالمية �ستكون �سمحة ،مق ّربة ال من ّفرة �أو مباعدة. �إن اللغة و�سيلة و�أداة يف التعبري عن �أفكارنا ووجداننا وتوا�صلنا ،والتقريب بني املذاهب ي�ستلزم �أن نقدم لغة وخطاب ًا وا�ضح ًا ال غام�ض ًا مبهم ًا ،موحد ًا ال مفرق ًا� ،سمح ًا َّا�س ُح ْ�سن ًا{( :83البقرة) ،ال فظ ًا �أو ح�سن ًاَ } :و ُقو ُلو ْا ِللن ِ قبيح ًا. قد ي�ستخدم املذهب و�سائل الإع�لام املختلفة يف ن�شر املذهب �أو الدفاع عنه �أو غري ذلك ،لكن الإ�سالم يطالب �أ�صحاب هذا املذهب �أن يكون ا�ستخدامهم لهذه الو�سائل، من �صحافة مقروءة �أو م�سموعة �أو مرئية �أو الإنرتنت �أو غريها ،ا�ستخدام ًا من�ضبط ًا ب�ضوابط الإ�سالم الأخالقية ال�شرعية ،وحني يكون الأمر على هذا النحو ف�إن التقريب هو الذي �سيحل مكان التنافر والتباعد. ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
27
وقد ت�ستخدم بع�ض املذاهب و�سائل العنف و�أدوات��ه، فكيف ي�ك��ون ت�ق��ارب ب�ين م��ذاه��ب تتو�سل بالعنف لن�شر مذهبها �أو �إظهار �صوابه؟ �إن ثقافة ال�سماحة والإح�سان والكلمة الطيبة هي التي تق ّرب بني املذاهب. وعلى العموم ،ينبغي على �أ�صحاب املذاهب �أن يقدروا الو�سائل قدرها يف �أنها و�سائل فح�سب ،ي�ستعان بها لتحقيق غايات معينة؛ فاملال و�سيلة �ضرورية يف حياة النا�س ،وقد ي�ستخدمه �أ�صحاب املذاهب ،لكن حني ي�صبح املال غاية يف ذاته ،ف�إن الأم��ور �ستف�سد ال حمالة ،وعندئذ قد تتخذ (امل��ذاه��ب) من الو�سائل والأدوات لتحقيق ه��ذه الغاية (�أعني املال) ما يرتتب عليه من التنافر والتباعـــد والفرقـــة ال�شيء الكــثري، كالر�شوة و�شراء الأقالم والذمم وغري ذلك من مفا�سد. راب�ع� ًا :ثقافة التقريب بني املذاهب فيما يتعلق باهلل �سبحانه وتعالى. اهلل �سبحانه وت �ع��ال��ى خ��ال��ق ك��ل � �ش��يء ،وه��ذا يلزم عنه خ�ضوع كل �شيء وطاعته هلل خالقه ،وذلك هو العبادة ،ومعلوم �أن الغاية التي خلق من �أجلها الإن�سان هي ن�س �إِلاَّ ِل َي ْع ُب ُدونِ { عبادة اهلل وحده } َو َما خَ َلق ُْت الجْ ِ َّن َو ْ إِ ال َ ( :56ال��ذاري��ات)َ } ،و َق َ�ضى َر ُّب� َ�ك َ�أ َّال َت� ْع� ُب� ُدو ْا �إِ َّال �إِ َّي��ا ُه{ ( :23الإ�سراء) ،وهذا يعني �أن كل �سلوك من قول �أو فعل ظاهر �أو باطن ينبغي �أن تكون غايته عبادة اهلل ،ويكون ذلك كذلك �إذا كان تنفيذ ًا لفعل �أمر اهلل به �أو امتناع ًا عن فعل نهى اهلل عنه� ،أي فع ًال لكل ما يحبه اهلل وير�ضاه ،و�أن يكون ذلك الفعل خال�ص ًا لوجه اهلل ال ي�شرك املرء فيه مع اهلل �أحد ًا �أو غر�ض ًا. هذا املعنى العام ينطبق على �أ�صحاب املذاهب يف كل جوانب ن�شاطهم املذهبي : �إن�شاء املذهب وتعليمه ون�شره والدفاع عنه وغري ذلك
من املنا�شط� .إن �أ�صحاب املذاهب حني يلتزمون بتطبيق املفاهيم الإ��س�لام�ي��ة يف تعاملهم م��ع امل��ذاه��ب الأخ��رى و�أ�صحابها -وهي مبادئ معروفة لعامة امل�سلمني املتعلمني- ف�إن النتيجة ال�ضرورية الالزمة عن مثل هذا ال�سلوك هو التقارب فيما بينها �إلى �أق�صى الدرجات بد ًال من التباعد والتنافر والتناحر� .إن مفاهيم مثل الإخال�ص هلل وتوحيده، وتقوى اهلل وخ�شيته ،ومفاهيم الإميان والإح�سان وغريها من املفاهيم الإميانية ،حني يجري االلتزام بها� ،سيكون لها تعجب العقل العادي على م�ستوى التقريب نتائج �إيجابية تثري ّ بني املذاهب ،بل على م�ستوى حياة النا�س وتعامالتهم فيما بينهم بعامة. �إن اهلل �سبحانه وتعالى حني يكون الغاية الق�صوى من �سعينا يف هذه احلياة ،وحني يكون التقرب �إليه بطاعته فيما �أمر به ونهى عنه هو مطلبنا وهدفنا ،ف�إن اخلالفات املذهبية �ستقل �إلى �أدنى درجاتها؛ لأن �أغرا�ض املذاهب و�أهدافها �ستكون �أغرا�ض ًا و�أهداف ًا دنيا �أو جزئية بالن�سبة للغاية الكربى التي يقت�ضيها التعامل مع اهلل �سبحانه وتعالى� ،أي حتقيق العبودية له ،وقد يتنازل �صاحب املذهب عن بع�ض �أه��داف مذهبه �أو يعدلها� ،إذا تبينّ له -وهو املخل�ص هلل يف عبوديته� -أن ه��ذه الأه��داف والأغ��را���ض تتعار�ض مع هذه الغاية الكربى ،وتكون النتيجة �أن تتقارب املذاهب يف �أهدافها ،فيزداد ما بينها من تقارب. وال��ذي نراه هو �أن تطبيق �أ�صحاب املذاهب و�أتباعها لثقافة التعامل مع اهلل هو من �أهم الأم��ور التي ينبغي �أن تت�ضمنها ثقافة التقريب بني املذاهب وتر�سخها من خالل املمار�سة لدى �أتباعها. �أنتقـل بعـد هـذا �إل��ى تو�ضيـح �أبــرز جوانـب ثقافــة التـقريب بني املذاهب التي تخ�ص كل نوع من �أنواع املذاهب (الفكرية العقدية ،والفقهية ال�شرعية ،وال�سيا�سية).
� 28إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مقاالت الوسطية
جوهر العبادة "فا�سـتقم كمـا �أُمِ ــرت" �أ.د.حممد الق�ضاة عميد كلية ال�رشيعة باجلامعة الأردنية �سابقا
�شرعت العبادات لأهداف روحية ونف�سية واجتماعية و�أخالقية و�صحية ،ومل ت�شرع ملجرد اخل�ضوع والطاعة لرب العاملني فح�سب، فقال عز وجل} :يا �أيها النا�س اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون{ ،فالعبادات �شرعت امتثا ًال وطاعة هلل عز وج��ل ،ولرتبية النفو�س ،وتهذيب الأخ�ل�اق ،و�سمو ال��روح ،وتوجيه اجلماعة نحو الكمال واال��س�ت�ق��ام��ة ،وتوثيق ال � ُع��رى االجتماعية وحتقيق التكافل االجتماعي ،و�إزالة الأحقاد ،و�إيجاد التعاون القوي بني �أف��راد املجتمع ،ف�إذا �أخذ جانب من الأحكام ،وق�صر الإن�سان يف االداء الكامل وال�صحيح ،ف��إن ه��ذه الأه��داف ترتفع ،وت�صبح �أ��ش�ك��ا ًال ج��وف��اء ،ال ف��ائ��دة منها ،وال ث��واب لها ،وه��ذا م��ا �صرحت به الن�صو�ص ال�شرعية ،وح � ّذرت من الآف��ات التي حتبط العمل. العبادة نبع فيا�ض مبارك لتقوية نواحي اخلري واجلمال وال�صدق يف فكر الإن�سان و�سلوكه ،وه��و دواء �سحري يُ�صلح �أه��واء النف�س ونزعاتها ال�شريرة فيجعلها �شبيهة باملالئكة ،والإن�سان ال�صايف ال��ذي يتوجه �إل��ى ه��ذا النبع ك��ل ي��وم ع��دة م��رات بالفكر والذكر واملمار�سة هو �إن�سان عازم على ال�سري يف درب " الإن�سان الكامل" وي�ك��ون ق��د ع�ثر على امللج�أ ال��ذي يحفظه م��ن د�سائ�س �شياطني الإن����س واجل��ن� ،إن كثري ًا من الذين تعلقت قلوبهم و�أرواح �ه��م يف ف�ضاء ال روح فيه مي�ضون حياتهم وراء م�سائل نظرية وخيالية، وهي يف حقيقتها �سراب خادع ،وظلمات ال نهاية لها يف بحر جلي. �ص ّور الر�سول الكرمي حالة مر�ضية �شائعة اليوم يف املجتمع ،وت�صدر عن كثري من الأفراد ،وهي حالة �شاذة عن الدين النقي ،بعيدة عن احلق ،تتنافى مع التدين ال�صحيح ،والرتبية الإ�سالمية القومية، يعر�ضها ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -بحوار مفتوح وا�ستنتاج مقنع ،ليقرب �إلى الأذهان حكم ًا �شرعي ًا ،بقيا�سه على حالة مادية معرو�ضة ،ق��ال عليه ال�صالة وال���س�لام� ( :أت ��درون م��ن املفل�س؟ قالوا :املفل�س فينا من ال درهم له وال دينار ،فقال� :إن املفل�س من �أمتي من ي�أتي يوم القيامة ب�صالة و�صيام وزك��اة ،وي�أتي وقد �شتم ه��ذا ،وق��ذف ه��ذا ،و�أك��ل م��ال ه��ذا ،و�ضرب ه��ذا ،فيعطى ه��ذا من ح�سناته ،وه��ذا من ح�سناته ،ف ��إن فنيت ح�سناته قبل �أن يق�ضي ما عليه �أخ��ذ من خطاياهم ،فطرحت عليه ،ثم ُط��رح يف النار).
عر�ض احلديث ال�شريف مناذج متعددة ملا يجري يف حياة امل�سلمني اليوم ،من متزيق الدين ،وح�صر �شعائره يف زاوية امل�سجد ،ويف �إطار العبادة فقط ،وف�صل الدين املهذب عن احلياة والواقع ،وك�أنه ال عالقة له بالأخالق العامة ،وال�سلوك االجتماعي ،والتعامل املايل، فالتدين يف نظر كثري من النا�س ،عالقة بني الإن�سان ورب��ه ،و�أما عالقة الإن�سان باملجتمع وبني جن�سه فتحكمها الأهواء ،والرغبات، واجل�شع والطمع واملادة ،وغفل ه�ؤالء عن قوله تعالى } كربت كلمة تخرج من �أفواههم �إن يقولون �إال كذب ًا{ وك�أن الر�سول الكرمي ينظر �إلى ما �سي�صري �إليه امل�سلمون من انف�صام ال�شخ�صية وف�صل القول عن العمل ،وح�صر العبادة يف زاوية مهملة �أو ميتة ،وفقدان ت�أثريها على احلياة والتعامل املايل مع �ضياع الزمن والوقت وهو �أغلى ر�أ�سمال الإن�سان ،فالإ�سالم دين احلياة ،ونظام املجتمع الفا�ضل ،وهو كل ال يتجز�أ �أنزله اهلل رحمة للعاملني ،ليخرج النا�س من الظلمات �إلى النور. � ّإن �صالة املرء و�صيامه وزكاته ال تنفعه �شيئ ًا �إن مل ي�ستقم قو ًال وفع ًال واعتقاد ًا على �أمر اهلل ،ومل يقف الأمر عند ذلك ،ف�إن ح�سنات من �أ�ساء وظلم غريه لن يبقى منها �شيء� ،إن �أ�ص ّر على ظلمه ،بل �سي�أخذ من �سيئات الآخرين و�أوزار �أعمالهم فتطرح عليه ،وهذا هو املفل�س احلقيقي يف نظر ال�شرع ال�شريف ،وقد جمع احلديث ال�شريف بني حقوق اهلل تعالى يف العبادات ،وبني حقوق العباد يف حفظ الدم واملال والعر�ض ،وقابل بني الأداء والرتك فيهما ،و�أن الإكتفاء ب��أداء حق اهلل تعالى ال يغني عن حق العباد ،وفوق ذلك ف�إن حقوق اهلل تعالى تنفع فيها التوبة املخل�صة والإنابة �إلى اهلل ،قال تعالى } و�إين لغفار ملن تاب و�آمن وعمل �صاحل ًا ثم اهتدى{� ،أما حقوق العباد فالبد من �أدائها بذاتها� ،أو ق�ضائها مبثلها� ،أو �ضمانها بعو�ض لأ�صحابها، و�إال بقيت يف ذمة الإن�سان ،ثم ي�س�أل عنها ويحا�سب ب�سببها ،لهذا ير�شد القر�آن الكرمي �إلى االلتزام بالدين و�أحكامه ،قال تعالى } يا �أيها الذين �آمنوا �أطيعوا اهلل و�أطيعوا الر�سول وال تبطلوا �أعمالكم{ ف�أعظم العبادة هي معرفة اهلل تعالى وحبه و�إفادة النا�س ،وامل�ؤمن ال�صادق هو الذي يبحث عن احلق دائم ًا ويدور معه حيثما دار. ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
29
مقاالت الوسطية
حـب الوطن م�����ش��روع��ي��ت��ه وب��واع��ث��ه واحل���اج���ة �إل��ي��ه الدكتور نوح م�صطفى الفقري
الوطن هو دار الإن�سان وحمل �إقامته ،وهو املكان الذي ي�سكنه ،وينتمي �إليه ،ويحظى فيه بحق العي�ش وا ِمللك الكرمي ،وفيه ي�أمن على نف�سه وماله وعياله ،ويتمتع بحرية احلركة منه و�إليه ذهاب ًا و�إياب ًا ،وال يجد العاجز �إلى غريه ملج�أً و�سبي ًال ،وقد تكون فيه الوالدة والن�ش�أة والطفولة ،وقد يكون فيه قبور الآباء والأجداد ،و�إليه يحمل املواطن �أ�صدق معاين االنتماء والوالء ،وي�ضحي من �أجله ،ويتمنّى العودة �إليه �إن خرج منه ،وهو �إما بلد �أ�صلي، �أو دار هجرة؛ وقد ي�س ّمى يف امل�صطلحات احلديثة بال ُهوية �أو اجلن�سية. ِد َيار ِِه ْم َو�أُ ُ وذوا فيِ َ�سبِي ِلي َو َقا َت ُلوا َو ُق ِت ُلوا َُ أل َك ِّف َر َّن َع ْن ُه ْم وقد تختلف املفاهيم باختالف العقائد ،فمفهوم وطن ُ َ َ�س ِّي َئا ِتهِ ْم َو َ أل ْد ِخ َل َّن ُه ْم َجن ٍ َّات تجَ ْرِ ي ِم ْن حَ ْ ال ْن َها ُر ت ِت َها ْ أ املتد ّين يختلف عن مفهوم الوطن عند الالديني ،كما للهَُّ للهَّ 3 َث َواب ًا ِم ْن ِعن ِْد ا ِ َوا ِعن َْد ُه ُح ْ�س ُن ال َّث َو ِ اب{ ،ولوال يختلف بني الأ�صيل والدخيل ،وللم�سلم نظرة يف تعريف ال��وط��ن؛ فهو � -إ��ض��اف��ة �إل��ى م��ا م � ّر -م�ك��ان تتمكن من النظرة القر�آنية اخلا�صة لدار الإن�سان لمَ ا ن�س َبه و�أ�ضافه ممار�سة دعوتك و�أداء عباداتك فيه بحرية ،ومن هنا كان �إليها. حب الوطن م�شروع ًا يف ال�شريعة الإ�سالمية: � .2شوق النبي � إل��ى وط�ن��ه :ففي احل��دي��ث امل�شهور ُ �دي َر� ِ��ض� َ�ي اهلل َع � ْن � ُه �أ َّن ��ه �سمع �أو ًال� :أدلة م�شروعية حب الوطن :هناك ن�صو�ص نقلية ع��ن عبد اهلل ب��ن ع � ٍّ للهّ َّبي وهو واقف على راحلته مب َّكة يقولَ ( :وا ِ من امل�صدرين ال�شريفني تر�شدنا �إل��ى هذه امل�شروعية ،الن َّ كما �أن هناك �أدلة عقلية وواقعية؛ �ضمن الأ�س�س املقررة� ،إِنّك لخَ َ يرُْ �أَ ْر ِ�ض اللهّ ِ َ ،و�أَ َح ّب �أَ ْر ِ�ض اللهّ ِ �إِ َلى اللهّ ِ َ ،و َل ْوالَ �أَنيّ �أُخْ رِ ْج ُت ِمن ِْك َما خَ َر ْج ُت)4؛ وال بد �أن يكون ق�س ٌم واحلاجات املعتربة؛ منها: من �شوقه � eإل��ى مكة وتع ِّلقه بها �سب ُبه حب الوطن، � .1إ�ضافة النا�س �إل��ى ديارهم يف ال�ق��ر�آن الكرمي :فقد ومل��ا له فيها من ذك��ري��ات تتعلق بدعوته الإ�سالمية؛ �أ�ضاف اهلل تعالى النا�س �إلى ديارهم يف القر�آن الكرمي؛ كاحلجر الذي كان ُي�س ّلم عليه قبل البعثة النبوية؛ فقال �سبحانه يف ال�صحابة املهاجرينِ } :ل ْل ُف َق َرا ِء فقد قال ؛ (�إِنيِّ لأَ ْع��رِ ُف َح َجر ًا بمِ َ َّك َةَ ،ك َان ُي َ�س ِّل ُم ُون ين �أُخْ رِ ُجوا ِم ْن ِد َيار ِِه ْم َو�أَ ْم َوا ِلهِ ْم َي ْب َتغ َ ين ال َِّذ َ المُْ َهاجِ رِ َ َع َل َّي َق ْب َل �أَ ْن �أُ ْب َعثَ � ،إِنيِّ لأَ ْعرِ ُف ُه ال َآن)5؛ قال النووي: َ ف َْ�ض ًال ِم َن اللهَّ ِ َور ِْ�ض َوان ًا َو َي ْن�صُ ُر َ ون اللهَّ َو َر ُ�سو َل ُه �أُو َل ِئ َك (فيه :معجزة له ويف هذا �إثبات التمييز يف بع�ض ال�صا ِد ُق َ ون{1؛ وقال اهلل تعالىُ } :ث َّم �أَ ْنت ُْم َه�ؤُال ِء اجل �م��ادات ،وه��و م��واف��ق لقوله تعالى يف احل�ج��ارة: ُه ُم َّ َ 2 ون فَرِ يق ًا ِم ْن ُك ْم ِم ْن ِد َيار ِِه ْم{ ، ون �أ ْنف َُ�س ُك ْم َوتُخْ رِ ُج َ َت ْق ُت ُل َ ُ � . 3آل عمران .195 �اج � ُروا َو�أخْ ��رِ ُج��وا ِم ْن وق��ال اهلل تعالىَ } :ف��ا َّل� ِ�ذي� َ�ن َه� َ . 1احل�شر .8 � . 2سورة البقرة .85
� 30إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
. 4الرتمذي �أبواب املناقب ،باب ما َجا َء يف ف�ضل من ر�أى النبي و�صحبه. . 5م�سلم :كتاب الف�ضائل ،باب ف�ضل ن�سب النبي وت�سليم احلجر عليه قبل النب ّوة.
} َو ِ�إ َّن ِم ْن َها لمَ َا َي ْهب ُِط ِم ْن خَ �شْ َي ِة ا ِ هلل{ ،6وقوله تعالى: } َو ِ�إ ْن ِم� ْ�ن �شَ ْي ٍء ِ�إ َّال ُي َ�س ِّب ُح ِب� َ�ح� ْم� ِ�د ِه{ ،7ويف هذه الآية ٌ خالف م�شهور ،وال�صحيح� :أنه ي�سبح حقيقة ،ويجعل اهلل تعالى فيه متييز ًا بح�سبه). .3يف وطن امل�سلم مقد�ساته :ميار�س امل�سلم عباداته يف وطنه ،ف َيعرفُه كل مكان ركع فيه �أو �سجد� ،أو ارتفع له منه عمل �صالح؛ وهذا من املقد�سات بال �شك؛ ولذلك ق��ال العلماء :الأر� ��ض التي ك��ان امل�سلم ي�سجد عليها تبكي عليك �إذا مات ،وي�ستدلون بقوله تعالى يف �ش�أن الَ ْر� �ضُ َو َما َكا ُنوا ال�س َما ُء َو ْ أ الكفارَ } :ف َما َب َك ْت َع َل ْيهِ ُم َّ َ ين{ ،8وي�ستدلون �أي�ض ًا مبا رواه �أنَ�س بن َما ِلك ُمن َْظرِ َ للهَّ ر�ضي اهلل عنه؛ �إذ قَالَ :قَالَ َر ُ�س ُ (ما ِم ْن ول ا َ : وباب َينْزِ ُل باب َي ْ�ص َع ُد ِم ْن ُه ع َم ُلهٌُ ، مُ�ؤمنٍ �إ ّال و َل ُه بابانِ ؛ ٌ مات بك َيا علي ِه؛ فذ ِل َك قو ُل ُه ِ }فما َب َك ْت م ْن ُه ِر ْز ُقهُ ،ف�إذا َ 9 ين{ ،ف�إذا كان ال�س َما ُء والأَ ْر�ضُ َوما َكانَوا ُمن َْظرِ َ عليهِ ْم َّ فلم ال يبادله الإن�سان احلب، هذا تعلق املكان بالإن�سانَ ، واملواطنة ،والتعلق به وال�شوق �إليه؟! .4يف الوطن الأحباب� :أما الأحياء ف�أمثلتهم كثرية؛ فالآباء والأج��داد والأحفاد والأخ��وة و�سائر الأقرباء واجلريان والأ�صدقاء. و�أم��ا اجلمادات في�ستغرب �أن ينتابها �شعور احلب �أو الكره؛ لكن احلديث ال�صحيح �أثبت �أن جبل �أحد الذي باملدينة كان يحب امل�سلمني؛ ف َع ْن َقتَا َد َة َ�س ِم ْع ُت �أَن ًَ�سا َر ِ�ض َي (ه��ذَ ا اللهَُّ َع ْن ُه �أَ َّن ال َّنب َِّي بدا له جبل �أح��د؛ فقَالَ َ : َج َب ٌل ُي ِح ُّبنَا َو ُن ِح ُّب ُه) ،10ويدل عليه �أي�ض ًا ما �سبق ذكره يف احلجر الذي �س ّلم عليه ،فهناك �أن�س بني الإن�سان ووطنه؛ قال الغزايل( :الطبع �إذا ر�أى من يع�شقه يف مو�ضع وطال معه �أن�سه فيه ف�إنه يح�س من نف�سه تفرقة بني ذلك املو�ضع وحيطانه وبني �سائر املوا�ضع ولذلك قال ال�شاعر: �أمر على جدار ديار ليلى �أقبل ذا اجلدار وذا اجلدارا وما تلك الديار �شغفن قلبي ولكن حب من �سكن الديارا وقال ابن الرومي منبه ًا على �سبب حب النا�س للأوطان ونعم ما قال: . 6البقرة .74 . 7الإ�سراء .44 . 8الدخان .29 . 9الرتمذي � :أبواب تف�سري القر�آن� ،سورة الدخان. . 10البخاري ،كتاب املغازي ،باب �أُ ُح ٌد ُي ِح ُّبنَا َون ُِح ُّبهُ.
وح ّبب �أوطان الرجال �إليهم م�آرب ق�ضاها ال�شباب هنالكا �إذا ذكروا �أوطانهم ذكرتهم عهود ال�صبا فيها فحنوا لذلكا)11 .5ذكريات الوطن من بواعث حبه :الوطن يف الغالب مكان ال��والدة ،والر�ضاعة ،وم�سقط الر�أ�س ،ومهوى الف�ؤاد؛ ولذلك ت�شتاق النف�س �إليه؛ وفيه ُدور الآب��اء والأج��داد؛ وقبور الأموات منهم ،فيمر الولد على قرب والده وج ّده في�سلم عليه ،ومن الذي يقبل �أن ُيدا�س قرب والده؟! �أو �أن ُيك�سر عظمه ،وك�سر عظم امليت كك�سر عظم احلي، بل �إن الإن�سان لريى الطبيعة والبيئة يف وطنه �أجمل من غريها؛ فريتاح ل�شجرِ ه وحجرِ ه و�سمائه و�أر�ضه ،حتى كواكبه وجنومه؛ قالت عائ�شة -ر�ضي اهلل عنها( :-لوال ال�سما َء مبكان �أقرب الهجر ُة ُ ل�سكنت مكة ،ف�إنيّ مل �أ َر ّ ببلد ّ يطمئن قلبي ٍ قط ما �إلى الأر���ض منها مب ّكة ،ومل ّ اطم� ّأن مب ّكة ،ومل �أ َر القمر مبكان �أح�سن منه).12 ثاني ًا :وجوب الذب عن الوطن والذود عن حيا�ضه :دار الإن�سان وطنه ،وفيه نف�سه ،وول��دهَ ،وم��ن ُ يعول من �أهله، وفيه ماله ،وفيه يقيم �شعائر دينه؛ والذود عن هذه الأ�شياء واجب ،وهو من � ِّ أجل املواطنة احلقة ال�صاحلة؛ وال يغينب عن البال �أنه َمن ُقتل يف �سبيل الدفاع عنها فهو �شهيد؛ فعن ون َما ِل ِه َف ُه َو (م ْن ُق ِت َل ُد َ ّبي قالَ َ : َ�س ِع ِيد بنِ َز ْي ٍد عن الن ّ ون ِدي ِن ِهَ ،ف ُه َو ون َد ِم ِه�َ ،أ ْو ُد َ ون �أَ ْه ِل ِه� ،أَ ْو ُد َ �شَ هِ ي ٌدَ ،و َم ْن ُق ِت َل ُد َ �شَ هِ ي ٌد)13؛ وقدمي ًا قالوا( :ال يحمي البالد �إال �أبنا�ؤها ،وال يكيد لها �إال �أعدا�ؤها)؛ ومن هنا جتب املحافظة على الوطن وما فيه ،ويجب العمل لتقويته و�صالحه؛ ليكون �شوكة يف حلق �أع��دائ��ه ،وليكون عون ًا للم�ست�ضعفني فيه من خالل خرياته ،ومنارة لل�سائرين من خالل نوره ،و�أمن ًا لل�سالكني من خالل قوته ومنعته. و�إذا ت�ه��اون �أب �ن��اء ال��وط��ن يف حماية وطنهم �سقط؛ ف�سرعان ما ي��زول؛ ويح ّل اال�ستعمار ،فتذهب احل�لاوة، وتختفي احلرية ،وتُك�سر امل�شاعر ،وقد تُنتهك الأعرا�ض، وت��د ّن����س املقد�سات ،وت�ضيع املمتلكات ،وت�ه��ون احلياة، ويتمنى الأحياء الوفاة ،وتفتقد الكرامة ،ويبد�أ الندم ،والت حني مندم ،ويبد�أ اللوم حيث ال تنفع املالمة. وقد ب��رزت الكثري من ِ احلكم والأم�ث��ال على �أل�سنة احلكماء؛ فيقولون( :ال رواح من امل��راح)( ،واحلجر يف . 11االقت�صاد يف االعتقاد الغزايل .94 � . 12أخبار مكة للأزرقي ج � 3ص .36 � . 13سنن �أبي داوود ،كتاب ال�سنة ،باب يف قتال الل�صو�ص. ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
31
مقاالت الوسطية مكانه قنطار) ،وغريها ،وقال ال�شاعر: علي عزيز ٌة بالدي و�إِن ْ جارت َّ كرام علي ُ و�أهلي و ِ�إن َ�ضنُّوا َّ ي�ستوجب ثالث ًا :حب الوطن يعني الوالء واالنتماء :كل ذلك ُ االنتماء والوالء الديني ،والوالء ثمرة احلب ،واحلب ي�ستلزم الطاعة ،والطاعة ال ت�ؤتي �أك َلها �إال �إذا اقرتنت باملودة؛ ف�إذا إخال�ص يف العمل ،والتفا َ ين فيه، ت��آزرا واجتمعا �أنتجا ال َ ِ �صرح �شامخ وتعا�ضد املحبون مع �سائر �أركان املجتمع لبناء ٍ من احل�ضارة ،وازدان التاريخ بالذكر الطيب اجلميل.
و�إن الثمرة املرجوة من ال��والء واالنتماء هو ا�ستمرار الأم��ن والأم ��ان ،والأم��ن نعمة ت�ستوجب ال�شكر؛ ق��ال اهلل ِيد َّن ُك ْم َو َل ِئن َك َف ْر مُ ْت تعالىَ } :و�إِذْ َت َ�أذَّ َن َر ُّب ُك ْم َل ِئن �شَ َك ْر مُ ْت لأَز َ "م ْن َ�أ ْ�ص َب َح ِم ْن ُك ْم �إِ َّن َعذَ ابِي لَ�شَ ِدي ٌد{ ،14وقال الر�سول َ وت َي ْو ِم ِهَ ،ف َك َ�أنمّ َا � ِآمن ًا يف ِ�س ْربِه ُم َعافًى يف َج َ�س ِد ِهِ ،عن َْد ُه ُق ُ ِح ْيزَ ْت َل ُه ال ّد ْن َيا" .15 رب العاملني واحلمد هلل ّ � . 14سورة �إبراهيم .7 . 15الرتمذي :كتاب الزهد عن َر ُ�سولِ اهلل باب يف التوكل على اهلل.
� 32إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
دراسات الوسطية
دور املر�أة امل�سلمة يف املجالني اخلريي والفكري د .حممد احلجوي � -أكادميي مغربي
�إن دور امل��ر�أة امل�سلمة يف املجالني اخل�يري والفكري يتم ّثل يف الإ��س�ه��ام يف الأع �م��ال االجتماعية واخل�يري��ة والفكرية ،ويف كل وجوه الرب والإح�سان ،وهو مظهر من املظاهر التي قامت عليها املجتمعات الإ�سالمية منذ القدم� ،أعمال ا�شرتك فيها الرجال والن�ساء معا بدون تفاوت ،لأن املر�أة منذ �أن ح ّررها الإ�سالم من قيود اجلهل والتبعية والتخلف ال��ذي عانت منه يف الع�صر اجلاهلي ،و�أعطاها حريتها ،وح��دد لها حقوقها وواجباتها قد �أ�صبحت مطالبة يف الأحكام ال�شرعية والواجبات الدينية مثل الرجل ،فهي تت�صرف يف �أموالها بحرية ،وتختار وجوه الرب الذي ت�ضع فيه مالها دون ت�ضييق من الرجل ،كما تختار الوجوه التي يزدهر فيها الفكر والثقافة وعمل اخلري والإح�سان الذي ُيكتب لها يف �سجل �أعمالها لتنال به الذكر الطيب يف احلياة الدنيا ور�ضا اهلل يف احلياة الأخرى مثل الرجل . �إن احل��ري��ة يف ��ص��رف امل ��ر�أة ملالها يف ال��وج��وه التي تختارها وحتمل امل�س�ؤولية الكاملة يف �أعمالها واختاراتها يعطيها الأهلية يف �أن تكون ع�ضوا فعاال يف املجتمع ،ويف كل املجاالت االجتماعية والفكرية التي �أباحها لها الإ�سالم، ومنها وجوه الرب والإح�سان والإ�سهام يف تنمية املجتمع، بالقدر الذي ميكنها من ذلك .وقد قامت املر�أة امل�سلمة منذ ب��دء ال��دع��وة الإ�سالمية ب��دوره��ا ال��ري��ادي يف جميع املجاالت التي يكلف بها الرجل ،ب��دءا من ن�شر العقيدة ال�سمحة من تعاليم الكتاب وال�سنة �إلى التدري�س والت�أليف يف العلوم الدينية والأدبية والعلمية ،والقيام بالأن�شطة الثقافية واالجتماعية والعمرانية ،وامل�شاركة يف القرارات ال�سيا�سية وتدبري �ش�ؤون الدولة ،واجلهاد يف �سبيل اهلل،
وتقدمي العون للمجاهدين و�أبناء ال�سبيل ،وممارا�سات الأعمال يف التجارة والتدبري وال�ش�أن االقت�صادي .وكانت جهود املر�أة امل�سلمة بارزة يف كل بالد الإ�سالم يف امل�شرق والغرب الإ�سالمي ،ويف كل �أر�ض انت�شر فيها الإ�سالم� ،إذ مل تتخلف عن القيام بواجبها الديني والعلمي واالجتماعي والفكري والثقايف واجلهادي يف �أي مرحلة من مراحل ال�ت��اري��خ الإ��س�لام��ي ،با�ستثناء مرحلة اال�ستعمار التي عمل فيها على ن�شر اجلهل والتخلف ،ومل يقت�صر ذلك على امل��ر�أة وحدها ،بل �شمل الرجل �أي�ضا ،لأن املخطط اال�ستعماري كان يهدف �إلى الق�ضاء على الإ�سالم دينا وفكرا وثقافة وح�ضارة ،وطم�س معامل الإ�سالم عقيدة وتاريخا وفكرا ،ونهب خ�يرات بالد الإ�سالم ،وا�ستعباد امل�سلمني بكل الو�سائل والطرق ،لي�صبحوا خدما للغرب على املدى البعيد ،فلذلك كان اال�ستعمار ،وما زالت �أفكاره حتى يف ع�صرنا احلا�ضر ت�سري يف ه��ذا االجت��اه ،لكيال ي�ستطيع العامل الإ�سالمي حتقيق نه�ضة �صناعية وتقنية جتعله يتخل�ص من التبعية له � ..إنه خمطط بغي�ض يحر�ص على تطبيقه بجميع ال�سبل ،ويجند له من كل دولة �أتباعا ي�ؤمنون بفكره ،ويعملون على ن�شره. و�إذا كانت هذه املرحلة التاريخية تعد من �أ�شد املراحل �سوداوية يف تاريخ الأم��ة الإ�سالمية ،لأنها عملت على ت�أخري الأمة الإ�سالمية ،والرجوع بها �إلى قرون التخلف، ف�إن مرحلة ازدهار النه�ضة الإ�سالمية التي بد�أت بعدما تخل�صت فيها املجتمعات الإ�سالمية من اال�ستعمار م�شاركة يف هذه ال�صحوة والنه�ضة الإ�سالمية التي تب�شر باخلري لهذه الأمة ،فقد فتح لها املجال على م�صراعيه ،لكي تتعلم وت�شارك يف كل ميدان ميكن �أن ي�سهم يف تنمية املجتمع ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
33
دراسات الوسطية
وتقدمه يف جانب العمران والبناء والتخطيط ،ويف ن�شر الفكر والعلوم الدينية والأدبية والعقلية بالتدري�س والت�أليف واملناظرات والبحث العلمي يف اجلامعات ومراكز البحوث، ويف امل�شاركة يف املجاالت التي كان الرجل مهيمنا عليها ،وال �سيما امليدان ال�صناعي والتقني والتجاري. ونذكر بع�ض ه�ؤالء الن�ساء اللواتي برزن يف هذه امليادين الثقافية واخلريية ،و�أ�صبحن رموزا للف�ضيلة وعمل اخلري يف العامل الإ�سالمي ،ومنهن : • البهاء بنت الأمري عبدالرحمن بن احلكم بن ه�شام بن عبدالرحمن بن معاوية ،توفيت �سنة 305هـ .كانت هذه املر�أة الفا�ضلة عاملة زاهدة عابدة ،و�شديدة الرغبة يف فعل اخلري باملال والفعل احل�سن يف املجتمع ،وق�ضت فرتة من حياتها يف خدمة كتاب اهلل بن�سخه بخط جيد وبارع ،مراعية يف ذلك خط ر�سم حروف القر�آن الكرمي .قال ابن عبدامللك املراك�شي " :وكانت تكتب امل�صاحف وحتب�سها" (.)1 • فاطمة بنت حممد الفهري القريواين املتوفاة �سنة 245هـ هذه املر�أة الفا�ضلة املحبة للخري والعلم ،هي التي �ش ّيدت " جامع القرويني" ال�شهري مبدينة فا�س ،وقد �أ�صبح ه��ذا اجل��ام��ع م��ن �أك�بر اجل��ام�ع��ات الإ�سالمية يف ع�صر ازدهار احل�ضارة الإ�سالمية يف الغرب الإ�سالمي ،وتخرج فيه علماء وفقهاء ورج��ال دول��ة كان لهم الأث��ر الكبري يف ن�شر الثقافة والفكر ،واحلفاظ على املذهب املالكي ،ون�شر الإ�سالم يف جنوب ال�صحراء ،حيث كان املغرب البوابة التي انطلق منها الإ�شعاع الديني والعلمي �إلى �أعماق �إفريقيا، عن طريق ه�ؤالء العلماء ،وعن طريق التجار ( )2وما زال هذا اجلامع �إلى ع�صرنا احلا�ضر يقوم بدوره العلمي. • ال�سيدة جليلة طو�سون � :أوقفت هذه امل��ر�أة يف م�صر عائد 138فدانا لي�صرف على تربية وتعليم الفتيات � 34إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ن�صت يف وقفيتها على تكوينهن يف العلوم اليتيمات ،وقد ّ الدينية وال�شرعية ،وتعليمهن مبادئ احل�ساب والقراءة، وفنون الطبخ واخلياطة ،وكل ما ينا�سب الفتيات(.)3 هذا املوقف الذي �سلكته هذه املر�أة الفا�ضلة يدل على ما بلغته امل��ر�أة امل�سلمة من ُن�ضج ٍ فكري ،ووع��ي مبرحلة التخ ّلف واجلهل التي يجتازها العامل الإ�سالمي ،فجعلها تفكر يف التعليم والرتبية ،باعتبارهما البوابتني لكل تقدم وازدهار للأمم ،وال غرابة يف ذلك ،فاحل�ضارة الإ�سالمية ت�أ�س�ست منذ بدايتها على العلم الذي �أبدع فيه امل�سلمون يف اجلانب النظري والتطبيقي ،وتركوا م�ؤلفات غزيرة يف العلوم الدينية والأدبية والعقلية وبخا�صة الريا�ضيات والهند�سة والطب وعلم التنجيم والفالحة ،ومن هذه العلوم �أ�س�س الغرب ح�ضارته التي ينعم بها يف ع�صرنا احلا�ضر .وكذلك نهجت هذا النهج الأمرية فاطمة ابنة اخلديوي �إ�سماعيل� ،أذ خ�ص�صت ماال كثريا يف وقفيتها لدعم التعليم املدين والتعليم الع�سكري( . )4حيث �شعرت ب�أن الوجهني يف التعليم مكمالن للنه�ضة الإ�سالمية ال�شاملة التي كان يرتقيها العامل الإ�سالمي ،ال �سيما يف تلك املرحلة التي كان يتهي�أ فيها للدخول يف احلداثة فكريا وع�سكريا وتقنيا و�صناعيا. ويبلغ ه��ذا الن�ضج الفكري �أ�سماه يف عمل الأم�يرة فاطمة هامن �أفندي �إ�سماعيل التي �أوقفت جواهرها الثمينة من �أجل ت�شييد مباين اجلامعة الأهلية مب�صر يف مرحلة كان فيها التعليم اجلامعي يف العامل الإ�سالمي حم�صورا على فئة قليلة جدا (.)5 ومعروف �أن هذه اجلامعة كان لها دورا بارزا يف خلق النه�ضة الفكرية والعلمية مب�صر مبناهج حديثة مثل اجلامعات الغربية يف املرحلة التي بد�أت فيها م�صر تتطلع
دراسات الوسطية �إلى التعليم اجلامعي احلديث ،وقد خ ّرجت جمموعة كبرية من الباحثني والأدباء هم الذين �أ�سهموا يف تطوير البحث العلمي يف اجلامعات امل�صرية والعربية . وم��ن الن�ساء م��ن �أوق �ف��ن �أم��وال �ه��ن ل�ت��زوي��ج الفتيات الفقريات واليتيمات ،وتقدمي العون لهن ليتعلمن مهنة حتفظ كرامتهن ،وكل هذا كان ي�سهم يف ا�ستقرار املجتمع، ون�شر الف�ضيلة واخل�ير فيه� ،إذ �صيانة الفتيات ال �سيما اللواتي لي�س لهن من يعولهن ويحميهن من خمالب الفقر وق�سوة الزمان يعد من �أ�سمى الف�ضائل الدينية والإن�سانية والأخالقية ،فاملر�أة ال�صاحلة املتعلمة ركن �أ�سا�سي يف تقدم املجتمعات وا�ستقرارها ،فهي املربية واملعلمة للأجيال. كذلك جند من ه�ؤالء الن�ساء الفا�ضالت من ا�شرتطن يف وقفيتهن �إر�سال الطلبة �إل��ى اخل��ارج لإكمال تعليمهم العايل يف العلوم احلديثة التي تقدمت فيها �أوربا يف القرن التا�سع ع�شر ،وكان العامل الإ�سالمي �آنذاك يف حاجة �إليها لي�ستكمل نه�ضته العلمية والتقنية ،ال �سيما علوم الطب والهند�سة املدنية والع�سكرية ،وعلوم التجارة واالقت�صاد. هذه الوجوه من العمل يف جمال اخلري والإح�سان ،ويف جماالت ثقافية وتربوية تبني �أن املر�أة امل�سلمة كانت واعية بدور الوقف يف النهو�ض باملجتمع الإ�سالمي من الناحية الثقافية والفكرية والعمرانية واالجتماعية ،ويف حفظه من اال�ضطرابات والفنت التي تن�ش�أ ج��راء انت�شار الفقر والتخلف واجلهل كما كان وعيهن عميقا مبا ميكن �أن تقوم به الفتاة املتعلمة يف املجتمع مب�شاركتها الفعالة يف النه�ضة املرتقبة ،ولذلك وجدنا من ي�شرتطن يف وقفيتهن تعليم الفتاة فقط �شعورا منهن ب�أثر التعليم يف توجيه الفتيات للإ�سهام يف النه�ضة احلديثة. واملجتمعات املتقدمة مل حتقق نه�ضتها ال�شاملة يف جميع امليادين �إال ب�إ�شراك املر�أة وجعلها عن�صرا فعاال يف املجتمع، هذا بالإ�ضافة �إلى �أن تعليم املر�أة ي�ساعدها يف تربية الن�شء تربية �سليمة ،والأ�سرة تعد النواة الأولى للمجتمع ،فمنها يبد�أ الإ�صالح والتوجيه والتكوين ،ف�إذا �صلحت املر�أة �صلح املجتمع ،والعك�س �صحيح.
�إن التعليم الهادف ،والرتبية املنتظمة ،وجعل التعاليم الدينية �أ�سا�سا يف التعليم والرتبية ،ي�صون �أخالق املر�أة، ويحفظها من ال�ضياع والت�شرد يف احلاالت التي ال جتد فيها معينا من الأ�سرة وال��زوج واملجتمع � .إن تعلمها الهادف واملوجه ،وتربيتها الدينية وا ُ خللقية ،يدفعها �إلى �سلوك طريق الف�ضائل واملُثل العليا بالبحث عن العمل الذي ي�صون كرامتها ،وال يجعلها مبتذلة و�سلعة رخي�صة يف املجتمع تباع مثل الب�ضائع ،وتُهان عند �أ�صحاب النفو�س الدنيئة .وهذه الأعمال لي�ست غريبة على املجتمع الإ�سالمي الذي حرر املر�أة من قيود اجلهل والتخلف ،وو�ضعها يف مرتبة رفيعة، فقد كانت يف ع�صور ازدهار احل�ضارة الإ�سالمية حا�ضرة يف حلقات العلم والتدري�س والت�أليف واملناظرات العلمية ،وم�شاركة يف امل�شروعات االجتماعية والعمرانية ،ومربية يف بيتها ويف ق�صور اخللفاء والأم��راء ،وطبيبة ومعاجلة يف زمن ال�سلم واحل��رب ،وجماهدة يف �سبيل اهلل ،حينما تتعر�ض دي��ار الإ� �س�لام لالعتداء ؛ والكثري م��ن الرجال العظام يف تاريخ الإ�سالم ن�ش�أوا يف ح�ضن امر�أة علمتهم وحر�صت على تكوينهم ،بعدما فقدوا �آباءهم وهم �صغار، والفقيه العامل الإمام ال�شافعي خري دليل على ما قامت به امل��ر�أة تربية الأبناء تربية �صاحلة وموجهة للف�ضائل بعد فقد الأب ،فقد ن�ش�أ يتيما ورعته �أمه حتى �أ�صبح من �أفذاذ الرجال يف تاريخ الفكر الإ�سالمي. والعامل الإ�سالمي يف املرحلة الراهنة ،ويف �صحوته املباركة ،قد �أع��ادة املكانة للمر�أة يف املجتمع على جميع امل�ستويات ،فهي تتعلم يف اجلامعات ،وتلج التخ�ص�صات الدقيقة ،وت�سهم يف التنمية ال�شاملة بالعمل يف جميع امليادين ،ولو كانت �شاقة وخمت�صة بالرجال .وال ريب �أن هذه اخلطوات مب�شرة بخري عميم لهذه الأمة التي ينبغي �أن حتفظ املر�أة وت�صون كرامتها وتعطيها املكانة الالئقة بها ،وال ن�شك يف �أنها قادرة على �أن يكون لها موقف بارز يف دفع كل اجلهات امل�س�ؤولة يف الدولة �إلى النهج القومي وم�سلك اخل�ير والف�ضيلة ،مثلما فعلت امل��ر�أة قدميا يف ال�شرق والغرب الإ�سالمي .
الهوام�ش
-1الذيل والتكملةِ ، ال�سفر الثامن ،الق�سم الثاين� ،ص.484 -2هذه املر�أة ا�شتهرت �شهرة كبرية يف الغرب الإ�سالمي وال�شرق. -3انظر "�أوقاف الن�ساء .مناذج مل�شاركة املر�أة يف النه�ضة احل�ضارية .درا�سة احلالة امل�صرية يف الن�صف الأول من القرن الع�شرين ،ريهام �أحمد خفاجي �".أوقاف" عدد � 4سنة 203م. -4املرجع ال�سابق. -5املرجع ال�سابق. ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
35
دراسات الوسطية
اجلهود املبذولة يف الدفاع عن الإ�سالم من ِق َب ِل ُّ الدعاة والعلماء امل�سلمني د� .إ�سماعيل ال�سعيدات
احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف خلق اهلل واملر�سلني� ،سيدنا حممد وعلى �آل��ه و�أ�صحابه �أجمعني ،وبعد : ففي ظل الظروف التاريخية امل�ؤملة التي تعي�شها الأمة العربية والإ�سالمية يف ه��ذا الع�صر ،ي�أتي دور ال ُّدعاة والعلماء امل�سلمني يف خمتلف املحافل الدولية والوطنية يف �إبراز �صورة الإ�سالم احلقيقية امل�شرقة ،وتوحيد كلمة امل�سلمني ومواقفهم ؛ ل�صد التحديات املعا�صرة التي تريد تفريق كلمة امل�سلمني ،وتهديد هويتهم ،وتعمل على ت�شويه الدين الإ�سالمي ،والنيل من مقد�ساته ،وللرد على حمالت الت�شويه من ِق َبلِ الذين َي ّدعون االنت�ساب للإ�سالم ويقومون ب�أفعال غري م�س�ؤولة با�سمه. �إن دور ال ُّدعاة يف الدفاع عن الإ�سالم و�إبراز �صورته احلقيقية امل�شرقة يحظى ب�أهمية عظيمة لدى املجتمعات التي تريد ال ُرقي واالزدهار والنهو�ض واال�ستقرار والأمان، فينبغي للدعاة �أن يكونوا لل�شباب القدوة واملثل يف الدين، وال�سلوك ،واخل�ط��اب الرا�شد امل�ستنري ،وعليهم تبنى ق�ضايا ال�شباب وتر�سيخ قيم املواطنة ال�صاحلة ،واالنتماء، وامل�شاركة املجتمعية ،وحب اخلري للنا�س جميع ًا ،والتعاون، واالحت ��اد ،وه��ذه هي م�س�ؤولية جميع م�ؤ�س�سات الدولة الر�سمية وغري الر�سمية. و ُيع ُّد دور الدعاة يف الدفاع عن الإ�سالم و�إبراز �صورته احلقيقية امل�شرقة يف نفو�س النا�س دور عظيمَ ،ف ُه ْم َو َر َث ُة الأنبياء ،وخلفاء الر�سل ،ف�صدق اهلل تعالى �إذ يقول: } َو َم ْن �أَ ْح َ�س ُن َق ْولاً ممِ َّ ْن َد َعا �إِ َلى اللهَّ ِ َو َع ِم َل َ�صالحِ ً ا َوقَالَ �إِ َّن ِني ِم َن المُْ ْ�س ِل ِم َني{ (ف�صلت،الآية ،)33ووظيفة الدعاة � 36إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ه��ي ال��دع��وة �إل��ى اهلل ت�ب��ارك وتعالى بالرفق وال�ل�ين يف التوجيه والتعبري ،واحلكمة واملوعظة احل�سنة يف القول والعمل ،كما قال تعالى } :ا ْد ُع ِ�إ َلى َ�سبِيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�س ُن { ( النحل، من الآية ،)125وقوله تعالى َ } :و َل ْو ُكن َْت ف ًَّظا غَ ِل َ يظ ا ْل َق ْلبِ ال ْن َف�ضُّ وا ِم ْن َح ْو ِل َك{ (� آل عمران ،من الآية ,)159وقال النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم «: -ب�شروا وال تنفروا ،وي�سروا وال تع�سروا»(،)1فعلي الدعاة �أن يت�س ّلحوا بال ِعلم النافع امل�ستنبط من الكتاب وال�سنة وفهم مقا�صدهما ؛ ليكونوا يف دعوتهم على هدى وب�صرية ،كما قال تعالىُ } :ق ْل َه ِذ ِه َ�سبِي ِلي �أَ ْد ُعوا �إِ َلى اللهَّ ِ َع َلى َب ِ�ص َري ٍة �أَنَا َو َمنِ ا َّت َب َع ِني َو ُ�س ْب َح َان اللهَّ ِ َو َما �أَنَا ِم َن المُْ�شْ رِ ِك َني{ ( يو�سف�,آية ،)108وقد �أُمرت الأمة الإ�سالمية مبا �أُمر به ر�سولها � -صلى اهلل عليه و�سلم بالدعوة �إلى اهلل تعالى ،قال تعالى َ } :و ْل َت ُكن ِّمن ُك ْم �أُ َّم ٌةون ِبالمْ َ ْع ُر ِ وف َو َي ْن َه ْو َن َعنِ المُْن َكرِ ون ِ�إ َلى الخْ َ يرْ ِ َو َي�أْ ُم ُر َ َي ْد ُع َ ون { (�آل عمران،الآية ،)104وعليهم َو�أُ ْو َلـ ِئ َك ُه ُم المُْ ْف ِل ُح َ �أن يبد�ؤوا يف جمال الدعوة باملهم فالأهم ،بال�شباب عماد الأمة وم�ستقبلها ،فيبدوا بدعوتهم �إلى التوحيد �أو ًال ،ثم ما يحتاجونه من �أم��ور العبادات واملعامالت والآداب، فيعلموهم �صفة الو�ضوء والغ�سل والتيمم وال�صالة ،و�أحكام الزكاة وال�صوم ،ويبينوا لهم بع�ض املعامالت املحرمة كالربا ،واالحتيال ،والغ�ش يف البيع ،وير�شدوهم �إلى بر الوالدين و�صلة الأرح��ام ،والإح�سان �إل��ى اجل��ار ،و�آداب ال�سالم ،والأكل وال�شرب والنوم ،والوالء واالنتماء للوطن، واملواطنة ال�صادقة ،وال ُهو ّية القومية ،وما يحتاجونه من (� )1صحيح م�سلم ,كتاب اجلهاد وال�سري ,باب يف الأم��ر بالتي�سري وترك التنفري,حديث رقم ,1732ج�/3ص.1358
دراسات الوسطية �أذكار يف بع�ض املنا�سبات ،و ُي ِّ رغبوهم يف اخلري ،و ُيذكروهم بالأجر العظيم والثواب اجلزيل ،والثمار الطيبة يف الدنيا والآخرة ،و ُيحذروهم من ال�شر ،ويذكروا لهم �سوء عاقبته على الفرد واملجتمع ،و ُيو�صوهم باال�ستقامة ،ومالزمة التقوى ،وال�صرب على طاعة اهلل. فالأمة الإ�سالمية حتتاج �إلى من يحفظ لها ُهو ّيتها، ويحمي لها قيمها ،ومبادئها ويرعى مقد�ساتها ،ويحفظ حرمة �شعائرها ،ويهيئ مواطنيها لتحمل م�سئولياتهم والقيام بدورهم كم�سلمني �صاحلني ،وم�ؤمنني موحدين، كما حتتاج تلك الأم��ة �إل��ى من يعيد لها ثقتها يف نف�سها، ويربطها بربها ،ويجدد فيها �أم��ر دينها ،كل ذلك وغريه يتحقق من خالل قيام العلماء والدعاة بدورهم يف خدمة ال�شباب ،والإهتمام بق�ضاياهم الوطنية ،مبا عرفوه من علم وفهم واجتهاد يف ق�ضايا الأمة واملجتمع ،ومبا ُح ِّملوا من م�س�ؤولية جتاه ذلك ،وال �شك �أن دور الدعاة يف الدفاع عن الإ�سالم ُيع ُّد من اجلهود احلديثة التي تعمل على ن�شر الإ�سالم و�إبرازه للنا�س ب�صورته امل�شرقة ال�سمحة القائمة على الت�سامح واالعتدال والو�سطية من املو�ضوعات املهمة التي يجب �أن نوليها عناية كبرية ،ال �سيما يف هذا الوقت الع�صيب الذي تزايدت فيه �أنواع العنف والتطرف والغلو واال�ضطرابات وال�ث��ورات وال�ن��زاع��ات ،وت�ع��ددت ،و�سببها هو البعد عن تعاليم ال�شريعة الإ�سالمية ،وكما نعلم ف�إن الإ�سالم حرم العنف والغلظة وال�شدة يف التوجيه والتعبري ،و�أم��ر بالوالء واالنتماء هلل ،وللدين ،وللوطن ،وللقيادة املطيعة هلل ،والكل متفق �أن هناك حاجة ما�سة يف هذه الأيام �إلى العمل املثمر الذي يدفع عجلة التقدم والإنتاج يف املجتمع ،وميكن القول ب�أن الدور هو اجلهود املبذولة من قبل الدعاة والعلماء امل�سلمني يف الدفاع عن الإ�سالم ك�أحد النماذج احلية للجهود احلديثة يف �إب��راز �صورة الإ�سالم احلقيقة ون�شره للنا�س جميع ًا ،و�أما الدعاة فهم العلماء، وال�شك �أن الدعاة ويف مقدمتهم خطباء املنابر -مبا �آتاهم اهلل تعالى من م�ؤهالت علمية ،وقدرات تربوية –هم �أقدر النا�س و�أج��دره��م بحمل هذه الأم��ان��ة ،وهم ق��دوة للنا�س وعليهم �أن يبتعدوا عن الت�صرفات غري امل�سئولة التي لها دور يف الإ�ساءة �إلى الإ�سالم و�أهله ،بل يجب عليهم �أن يكونوا عون ًا للنا�س يف تطبيق تعاليم الإ�سالم ال�سمحة ،وعليهم �أن يقدموا مناذج �صادقة يف �إبراز �صورة الإ�سالم احلقيقية امل�شرقة ،كما ق��دم ال�صحابة ال�ك��رام ال�صورة امل�شرقة احلقيقية للإ�سالم ،فثبتوا �أمام االبتالءات واملحن التي �أملّت بهم ،فقد تركوا كل �شيء من �أجل الدفاع عن الدين، بل كانوا مثا ًال لبعث الأمل يف نفو�س النا�س لل�صمود والثبات على مبادئ الإ�سالم ال�سمحة ،وقد �أر�شد ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -الدعاة �إلى �ضرورة االلتزام باحللم يف دع��وة النا�س �إل��ى الإ��س�لام(( ،فعن عائ�شة -ر�ضي اهلل عنها� -أنها قالت للنبي � -صلى اهلل عليه و�سلم : -هل �أتى عليك يوم كان �أ�شد من يوم �أح��د ؟ قال :لقد لقيت من قومك ما لقيت ،وكان �أ�شد ما لقيت منهم يوم العقبة� ،إذ عر�ضت نف�سي على ابن عبد ياليل بن عبد كالل ،فلم يجبني �إلى ما �أردت ،فانطلقت و�أنا مهموم على وجهي ،فلم �أ�ستفق
�إال و�أنا بقرن الثعالب ،فرفعت ر�أ�سي ،ف�إذا �أنا ب�سحابة قد �أظلتني ،فنظرت ف�إذا فيها جربيل ،فناداين فقال� :إن اهلل قد �سمع قول قومك لك ،وما ردوا عليك ،وقد بعث اهلل �إليك ملك اجلبال ،لت�أمره مبا �شئت فيهم ،فناداين ملك اجلبال، علي ،ثم قال :يا حممد ،فقال :ذلك فيما �شئت� ،إن ف�سلم ّ �شئت �أن �أطبق عليهم الأخ�شبني؟ فقال النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم : -بل �أرجو �أن ُيخرِ ج اهلل من �أ�صالبهم من يعبد اهلل وحده ،ال ي�شرك به �شيئ ًا )) ( ،)2كما �أر�شد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم -الدعاة �إلى االبتعاد عن العنف يفالدعوة والتوجيه ،فعن �أبي هريرة -ر�ضي اهلل عنه -قال :بال �أعرابي يف امل�سجد ،فقام النا�س �إليه ليقعوا فيه ،قال النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم (( : -دعوه و�أريقوا على بوله �سج ًال من ماء �أو ذنوب ًا من ماء ،ف�إمنا ُبعثتم ُمي�سرين ومل ع�سرين )) (.)3 تُبعثوا ُم ِّ و�أخريا َ ًولي�س �آخر ًا ،وحتى يتحقق املنهج الدعوي ال�سليم يف الدفاع عن الإ�سالم ال بد من التخطيط اجليد لذلك، و�إع��داد برامج توعوية حتقق م�صلحة الأم��ة العامة ،وفق �أحكام ال�شريعة ،وغاياتها ال�سامية ؛ وحتى ال تكون الدعوة طريق ًا �سالكة للمتطرفني ،واملغالني،واملت�شددين،البد �أن يكون الدعاة معتدلني يدعون اهلل على ب�صرية ،مفاتيح للخري ،مغاليق لل�شر ،ي�سعون بكل و�سائل الدعوة لإب��راز �صورة الإ�سالم ال�سمحة امل�شرقة احلقيقية دون ت�شويه، �أو ت�ضليل� ،إل��ى العامل �أجمع ،وبهذا تظهر رحمة الدعاة باملدعوين ،وال�صرب على �أذاه��م ،والتجاوز عن زالتهم، يحر�صون على �إرادة اخل�ير للنا�س جميع ًا ،فهم رحمة للعاملني ,كما كان ر�سول اهلل من قبل. وخال�صة القول� ،إن �آخر ما �أك��دت عليه م�ضامني ر�سالة عمان �ضرورة الإهتمام بالدعاة والعلماء امل�سلمني و�إعطائهم ال��دور املهم يف خدمة الإ�سالم والدفاع عنه، وهذا الدور املهم املتمثل يف الدفاع عن الإ�سالم والرد على ال�شبهات التي تثار حول �سماحته و�إن�سانيته ،يتطلب تفعيل ر�سالة امل�سجد يف مواجهة الغلو ،والت�شدد ،والتطرف، والتكفري ،والتن�سيق بني اجلهود املبذولة من قبل وزارة الأوق��اف يف التوا�صل مع الدعاة والعلماء يف الت�أكيد على �ضرورة �أن تكون املنابر و�سيلة للمحافظة على الدين الذي يعترب من �أهم ال�ضرورات اخلم�س ،والدفاع عنه ،و�إبراز �صورته احلقيقية امل�شرقة للعامل �أجمع ،وه��ذه امل�س�ؤولية املنوطة بالعلماء ،والدعاة ،تتطلب من الوزارة و�ضع خطط حمكمة الختيار العلماء ،والدعاة �أ�صحاب الكفاءات العليا، واملخت�صني يف جم��ال ال��درا��س��ات الإ�سالمية؛ للت�صدي للوعظ ،والإر�شاد ،والدعوة ،وتفعيل دور الدعاة ،والعلماء للقيام بواجبهم التوعوي. (� ( )2صحيح البخاري ,كتاب ب��دء اخللق ,ب��اب �إذا ق��ال �أح��دك��م �آمني واملالئكة يف ال�سماء فوافقت �أحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه � ,ص ,318حديث رقم )3231 (�( )3صحيح البخاري ,كتاب الو�ضوء ,باب �صب املاء على البول يف امل�سجد � ,ص ,36حديث رقم.)20
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
37
دراسات الوسطية
الو�سطية من خالل �أ�ساليب احلوار يف اخلطاب القر�آين الدكتور :ثابت �أحمد �أبواحلاج جامعة مااليا /كواالملبور -ماليزيا
متهيد: ٍ حممد و�آله و�أ�صحابه �أجمعني ...وبعد وال�سالم على نبينا احلمد هلل رب العاملنيّ ، وال�صالة ّ فاملتدبر لكتاب اهلل عز وجل يجد فيه �أ�ساليب متنوعة ،ي�ستخدمها القر�آن الكرمي للو�صول �إلى �إبالغ املدعوين ،والعمل على �إقناعهم بالفكرة املراد الو�صول �إليها ،فتنوع احلوار يف القر�آن الكرمي طبق ًا حلال ال�صديق والعد ّو،ممث ًال إلزام والغل ٍو يف الدعوة ،فخاطب امل�سلم وغري امل�سلم ،وخاطب ّ املدع ّوين من غري � ٍ بذلك �أعلى درجات الو�سطية ،واملتتبع كذلك ل�سرية النبي الدعوية ،يجد �أن احلوار احتدم يف القر�آن الكرمي من �أول مبعثه �إلى نهاية املرحلة املكية ،ثم كانت حماججة �أهل الكتاب } اليهود والن�صارى { يف املرحلة املدنية ،و�سجل القر�آن الكرمي مفرتياتهم كلها مل يكتمها ،وخاطبهم القر�آن الكرمي بكل الطرق؛ لإبعاد زيفهم وهداية عقولهم ،وكان ذلك ب�أ�سلوب ِه املعجز ونظم ِه البديع،والتنوع املوجود يف �أ�ساليب احلوار يجعلها من الأهمية مبكان لدرا�ستها ،ومن ّثم تطبيقها على منهج القر�آن الكرمي ،املنزل من عند اهلل العزيز احلكيم. �أهداف البحث: .1بيان مفهوم �أ�ساليب احلواريف القر�آن الكرمي،و�أنواعها. .2ب �ي��ان م��دى امل��رون��ة والو�سطية يف اخل �ط��اب ال �ق��ر�آين لأ�صناف املدع ّوين. .3بيان اخل�صائ�ص العامة ،والقوالب التي جائت فيها �أ�ساليب احلوار يف القر�آن الكرمي. املبحث الأول� :أ�ساليب احلوار يف اخلطاب القر�آين مفهوم �أ�ساليب احلوار يف اخلطاب القر�آين : طرق املحاورة والنقا�ش و�أ�ساليب البيان التي �سلكها القر�آن الكرمي ،لتفعيل العقل ،و�إقناع املدع ّوين على اختالف �أ�صنافهم ،بالفكرة املراد الو�صول �إليها. فالدعوة الإ�سالمية فري�ض ُة �شرعية ،و�ضرورة وجودية، ولذلك ز ّود القر�آن الدعاة ب�أ�ساليب ،وطرق ًا خمتلفة للحوار � 38إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
لتحقيق ه��ذه الفري�ضة ،وقطف ثمارها ،تقول الدكتورة عائ�شة عبد الرحمن .... " :بد�أ القر�آن الكرمي من �أوا�سط العهد املكي ،يواجههم بالتحدي واملعاجزة ،ح�سم ًا لكل جدلٍ �أو ٍ ريب فيه ،وبرهان ًا قاطع ًا على �إعجازه ،وحج ًة بالغ ًة على من زعموا �أن حممد�-صلى اهلل عليه و�سلم -تق ّوله وافرتاه، �أو �أكتبه من �أ�ساطري الأولني"(.)1 وم��ن الأ�ساليب التي اب��دع ال�ق��ر�آن الكرمي يف حم��اورة خا�ص ًة: املدعوين عام ًة وخ�صومه ّ �أو ًال :القيا�س وهو" �إبانة حكم املذكور مبثل علته يف الآخر"(� ،)2أورد ال�شيء �إلى نظريه. ومثاله� :أن اهلل �سبحانه �أخ�برن��ا باملعاد اجل�سماين ب�ضروب:
دراسات الوسطية بقيا�س �إع ��ادة اخللق على �إخ ��راج ال�ن��ار م��ن ال�شجر الأخ�ضر ،وقد روى احلاكم وغ�يره �أن �أب��ي بن خلف جاء ورم ،ف�أنزل بعظم ففته ،فقال� :أيحيي اهلل هذا بعدما بلي َّ اهللُ } :ق ْل ُي ْحيِي َها ا َّل� ِ�ذي �أَنْ�شَ َ�أ َها �أَ َّولَ َم� َّر ٍة َو ُه� َو ِب ُك ِّل خَ لقٍْ َع ِلي ٌم{ (ي�س ،)79:فدله �سبحانه وتعالى وذكره بقدرته على ذلك برد الن�ش�أة الأخرى �إلى الأولى ،واجلمع بينهما بعلة احل��دوث ،ثم زاد يف احلجاج بقوله } :ا َّل� ِ�ذي َج َع َل ون{ َل ُك ْم ِم َن ال�شَّ َجرِ ْ أ الَخْ َ�ضرِ َن��ا ًرا َف ��إِذَ ا �أَ ْنت ُْم ِم ْن ُه تُو ِق ُد َ (ي�س ،)80:وهذا يف غاية البيان يف رد ال�شيء �إلى نظريه واجلمع بينهما من حيث تبديل الأعرا�ض عليها ،ومثال ُه �أي�ض ًا :وقيا�س الإعادة على �إحياء الأر�ض بعد موتها باملطر الَ ْر��َ�ض َب ْع َد َم ْو ِت َها َوكَذَ ِل َك والنبات ،قال تعالىَ } :و ُي ْحيِي ْ أ ون { (الروم.)19: تُخْ َر ُج َ ثاني ًا :الت�سليم وهو �أن يفر�ض املحال� ،إما منفي ًا �أو م�شروط ًا بحرف االمتناع ،لكون املذكور ممتنع الوقوع المتناع وقوع �شرطه، ثم ي�سلم وقوع ذلك ت�سليم ًا جدلي ًا ،ويدل على عدم فائدة ذلك على تقدير وقوعه ومثاله قوله تعالىَ } :ما اتَّخَ ذَ اللهَُّ ِم ْن َو َل� ٍ�د َو َما َك َان َم َع ُه ِم ْن �إِ َل� ٍه ِ�إ ًذا لَذَ َه َب ُك ُّل ِ�إ َل� ٍ�ه بمِ َ ا ُون{ خَ َلقَ َو َل َعلاَ َب ْع�ضُ ُه ْم َع َلى َب ْع ٍ�ض ُ�س ْب َح َان اللهَّ ِ َع َّما َي ِ�صف َ (امل�ؤمنون .)91:واملعنى لي�س مع اهلل من �إله ،ولو �سلم �أن معه �سبحانه وتعالى �إله ًا ،للزم من ذلك الت�سليم ذهاب كلِ � ٍإله من االثنني مبا خلق ،ولعال بع�ضهم على بع�ض ،فال يتم يف العامل �أمر ،وال ينفذ حكم ،وال تنتظم �أحواله ،والواقع خالف ذلك ،ففر�ض �إلهني ف�صاعدا حمال ملا يلزم من ُه املحال. ثالث ًا :االنتقال. وهو �أن ينتقل امل�ستدل �إلى ا�ستدالل غري الذي كان �آخذ ًا فيه ،لكون اخل�صم مل يفهم وجه الداللة من الأول"(.)3 ومثاله ما جاء يف مناظرة �إبراهيم عليه ال�سالم للملك املتجرب ملا ق��ال ل��هَ } :ر ِّب � َ�ي ا َّل� ِ�ذي ُي ْحيِي َو مُ ِي �ي� ُ�ت { فقال يت { (البقرة ،)258:ثم دعا مبن اجلبار� } :أَنَا �أُ ْحيِي َو ُ�أ ِم ُ وجب عليه القتل ف�أعتقه ،ومن ال يجب عليه فقتله ،فعلم اخلليل �أنه مل يفهم معنى الإحياء والإماتة� ،أو علم ذلك وغالط بهذا الفعل ،فانتقل عليه ال�سالم �إلى ا�ستدالل ال يجد }اجلبار{ ل ُه وجه ًا يتخل�ص به منه .فقالَ } :ف�إِ َّن اللهَّ َ َي�أْ ِتي بِال�شَّ ْم ِ�س ِم َن المْ َ�شْ رِ قِ َف�أْ ِت ِب َها ِم َن المْ َغْرِ ِب{ فانقطع }اجل �ب��ار{ وبهت ومل ميكن ُه �أن ي�ق��ول� :أن��ا �آت��ي بها من امل�شرق. واعرت�ض الفخر ال��رازي ( ت606 :ه �ـ) بقوله" :على �أن هذا انتقال من دليل �إلى دليل� .أي انتقال من الدليل
الأو�ضح الأظهر وهو الإحياء والإماتة� ،إلى الدليل اخلفي الذي ال يكون يف نف�س الأمر قوي ًا كتحريك الأفالك ،ولأن ظاهر االنتقال� ،أن الدليل الأول كان �ضعيف ًا �ساقط ًا فعدل عنه �إلى دليل �أقوى منه ...ثم قال� ... :إن ذلك كان لإي�ضاح الكالم حني مل يفهم النمرود ،فل ُه �أن ينتقل من مثال �إلى �آخ��ر ،فالدليل واح��د وه��و �إث�ب��ات ق��درة اهلل ،ولكنه عليه ال�سالم �أو�ضحه باالنتقال من مثال لآخر")4(. واخل�لا��ص��ة� :أن �إب��راه�ي��م مل يكن دليله الأول �ضعيف ًا ،بل مل يفهم النمرود وجه الداللة فيه واهلل تعالى �أعلم. رابع ًا :املقابلة وتكون بني �أمرين ليعرف �أيهما امل�ؤثر يف عملٍ معني، ف�إذا ثبت �أن الت�أثري ٍ لواحد منهما كان ل ُه ف�ضل التقدمي على غريه. الَ ْر ِ�ض ال�س َما َو ِات َو ْ أ ومن ذلك قوله تعالىُ } :ق ْل َم ْن َر ُّب َّ َ ون ِ أل ْنف ُِ�سهِ ْم ُقلِ اللهَُّ ُق ْل �أَفَاتَّخَ ذْ مُ ْت ِم ْن ُدو ِن ِه �أَ ْو ِل َيا َء لاَ مَ ْي ِل ُك َ الَ ْع َمى َوا ْل َب ِ�ص ُري �أَ ْم َه ْل ت َْ�س َتوِي َن ْف ًعا َولاَ َ�ض ًّرا ُق ْل َه ْل َي ْ�س َتوِي ْ أ ُّ ات َوالنُّو ُر �أَ ْم َج َع ُلوا للِهَّ ِ �شُ َر َكا َء خَ َلقُوا َكخَ ْل ِق ِه َف َت�شَ ا َب َه الظ ُل َم ُ للهَُّ الخْ َ ْلقُ َع َل ْيهِ ْم ُقلِ ا خَ ا ِلقُ ُك ِّل �شَ ْي ٍء َو ُه َو ا ْل َو ِاح ُد ا ْل َق َّها ُر{ (الرعد "،)16:فاملقابلة هنا؛ كانت بني من ال ميلك لنف�سه نفعا وال �ضرا وبني من هو القهار القادر على كل �شيء ،وهو الواحد الأحد الذي ال ي�شبهه �أحد ،وكانت املقابلة كذلك بني الأعمى والب�صري ،الأعمى من ال يب�صر احلقائق وال يدركها ،والب�صري من يعيها ويدركها ،وكذلك بني الظلمة على حقيقتها كانت �أو عتمة النف�س ،وبني النور على حقيقته �أو النور الذي ي�شرق به القلب")5(. فاملقابالت هنا ق�سمت النا�س �إلى فريقني :من �آمن باهلل ربا خالقا وهذا هو املب�صر املدرك للحقائق والواعي بعقله، امل�شرق قلبه امل�ضيء وجهه ،ومن اتخذ من دون اهلل �أولياء و�أندادا فه�ؤالء هم العمي التي ال تعي عقولهم وال مداركهم فاعتمت بذلك نفو�سهم ووجوههم. خام�س ًا ( :التمانع ) قيا�س اخللف وهو �إثبات الأمر ببطالن نقي�ضه ،وذلك لأن النقي�ضني ال يجتمعان ،وال يخلو املحل من �أحدهما ف�إذا وجد �أحدهما منع الآخر. �ان ِفيهِ َما �آَ ِل � َه � ٌة �إِلاَّ اللهَُّ َلف ََ�س َدتَا ق��ال تعالىَ } :ل � ْو َك� َ ُون{ (الأنبياء) 22: ف َُ�س ْب َح َان اللهَّ ِ َر ِّب ا ْل َع ْر ِ�ش َع َّما َي ِ�صف َ وتقرير الدليل لو كان يف ال�سماوات والأر�ض �آلهة غري اهلل لتنازعت الإرادتان بني �سلب و�إيجاب ،وهذا التنازع ي�ؤدي �إلى ف�سادهما لتخالف الإرادت�ين ،فلو �أراد �أحدهما �إحياء ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
39
دراسات الوسطية ج�سم و�أراد الآخر �إماتته ،ف�إما �أن تنفذ �أرادتهما فيتناق�ض ال�ستحالة جتز�ؤ الفعل �إن فر�ض االتفاق� ،أو المتناع اجتماع ال�ضدين �إن فر�ض االختالف ،و�إم��ا �أن ال تنفذ �إرادتهما في�ؤدي �إلى عجزهما� ،أو ال تنفذ �إرادة �أحدهما في�ؤدي �إلى عجزه ،والإل��ه ال يكون عاجز ًا ،فامتنعت الوثنية المتناع الف�ساد فكانت الوحدانية)6(. �ساد�س ًا :التعميم ثم التخ�صي�ص وذل��ك بذكر ق�ضية عامة ،ت ��ؤدي �إل��ى �إث�ب��ات الدعوى ِ امل�ستدل �إل��ى جزئيات الق�ضية، ب�إجمالها ،ثم يتعر�ض فيربهن على �أن كل جزء منها ي�ؤدي �إثبات الدعوى املطلوب �إثباتها� ،أو �إنها يف جمموعها ت�ؤدي �إلى �إثبات الدعوى)7(. ومن ذلك قوله تعايل حكاية على ل�سان مو�سى -عليه ال�سالم -حني �أج��اب فرعونَ } :ق��الَ َر ُّبنَا ا َّل� ِ�ذي �أَ ْع َطى ُك َّل �شَ ْي ٍء خَ ْل َق ُه ُث َّم َه َدى{ (طه ..)50:ثم خ�ص�ص فقال: ال ْر� �َ�ض َم ْه ًدا َو َ�س َل َك َل ُك ْم ِفي َها ُ�سبُلاً }ا َّل� ِ�ذي َج َع َل َل ُك ُم َْ أ ال�س َما ِء َما ًء َف َ�أخْ َر ْجنَا ِب ِه َ�أ ْز َو ًاجا ِم ْن َن َب ٍات �شَ َّتى َو�أَ ْنزَ لَ ِم َن َّ • ُك ُلوا َوا ْر َع� ْوا �أَ ْن َع َام ُك ْم �إِ َّن فيِ ذَ ِل َك َ آلَ َي� ٍ �ات ُِ ألوليِ ال ُّن َهى • ِم ْن َها خَ َل ْقنَا ُك ْم َو ِفي َها ُن ِعي ُد ُك ْم َو ِم ْن َها ُنخْ رِ ُج ُك ْم تَا َر ًة �أُخْ َرى{ (ط��ه ،)55-53:فذكر مو�سى �أو ًال ق�ضية الربوبية و�أن اهلل هو املتف�ضل باخللق والهداية على خلقه ،ثم �أخذ بعد ذلك يذكر جزئيات تعمق معنى الربوبية .بذكر نعم اهلل على فرعون و�أهل م�صر .فاهلل تعالى ب�سط لهم الأر�ض وهي�أها لي�سكنوها ،و�سهل فيها انتقالهم ،و�أن��زل من ال�سماء ما ًء ف�أحيا به الأر�ض و�أخرج منها النبات طعام ًا لهم ولأنعامهم. �سابع ًا :العلة واملعلول وذلك ب�أن يكون وجود بع�ض الأ�شياء علة لوجود ٍ �شيء �آخر ،ومبقدار قوة االرتباط تكون قوة اال�ستدالل. ومثاله يف �آي��ات القتال،ف�إن فيها ال�سبب ال��ذي يربره والدليل الذي يوجبه،قال تعالىَ } :و َقا ِت ُلوا فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ ين * ين ُيقَا ِت ُلو َن ُك ْم َولاَ َت ْع َت ُدوا �إِ َّن اللهَّ َ لاَ ُي ِح ُّب المُْ ْعت َِد َ ال َِّذ َ َ َ وه ْم ِم ْن َح ْيثُ �أخْ َر ُجو ُك ْم وه ْم َو�أخْ رِ ُج ُ وه ْم َح ْيثُ َث ِق ْف ُت ُم ُ َوا ْق ُت ُل ُ َ وه ْم ِعن َْد المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ َر ِام َوا ْل ِف ْت َن ُة �أ�شَ ُّد ِم َن ا ْل َق ْتلِ َولاَ ُتقَا ِت ُل ُ وه ْم كَذَ ِل َك َجزَ ا ُء َح َّتى ُيقَا ِت ُلو ُك ْم ِفي ِه َف��إِ ْن َقا َت ُلو ُك ْم فَا ْق ُت ُل ُ وه ْم ا ْل َكا ِفرِ َ ين * َف�إِنِ ا ْن َت َه ْوا َف ِ�إ َّن اللهَّ َ غَ فُو ٌر َر ِحي ٌم * َو َقا ِت ُل ُ للِهَّ ين ِ َف�إِنِ ا ْن َت َه ْوا َفلاَ ُع ْد َو َان �إِلاَّ الد ُ ون ِف ْت َن ٌة َو َي ُك َ َح َّتى لاَ َت ُك َ ون ِّ َع َلى َّ الظالمِ ِ َني{ (البقرة ،)193-190:فامل�سلمون نهوا عن ابتداء القتال� ،أو قتال املعاهد� ،أو املثلة� ،أو املفاج�أة من غري دع��وة� ،أو قتال الن�ساء وال�شيوخ والأطفال "،وهذا الن�ص الكرمي بيان لل�سبب الذي يربر �أمر اهلل تعالى بالقتال وهو �أمران :االعتداء وفتنة امل�ؤمنني يف دينهم ،ف�إذا زال الأمران فال يكون ثمة مرب ٌر للقتال ،ثم � َّإن هذا االعتداء وتلك الفتنة دليل على وجوب القتال وعلته"(.)8 � 40إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ثامن ًا :املحاكمة العقلية وفيها يعمد القر�آن الكرمي �إلى عر�ض الكالم اخل�صم ثم يكر عليه بالرد املفحم البليغ ،ثم ينتقل �إلى �شبهة �أخرى ليقدمها على ل�سان اخل�صم �أي�ض ًا ،لكنه ما يلبث �أن يعود عليها بالنق�ض ،وهكذا فال منا�ص من �أن يجد اخل�صم نف�سه حما�صر ًا من كل اجتاه عاجز ًا عن الدفاع ،وذلك من غري �شعور منه مب�صادرة حجته .ومن �أبرز هذه النماذج ون * َو َل َد اللهَُّ َو ِ�إ َّن ُه ْم قوله تعالى�} :أَلاَ ِ�إ َّن ُه ْم ِم ْن ِ�إف ِْكهِ ْم َل َيقُو ُل َ ون * �أَ ْ�ص َطفَى ا ْل َبن ِ َات َع َلى ا ْل َب ِن َني * َما َل ُك ْم َك ْي َف َل َك ِاذ ُب َ حَ ْ ني * َف ْ�أ ُتوا ون * �أَفَ�َلااَ َتذَ َّك ُر َ ت ُك ُم َ ون * �أَ ْم َل ُك ْم ُ�س ْل َطا ٌن ُم ِب ٌ ب ِِكتَا ِب ُك ْم �إِ ْن ُك ْنت ُْم َ�صا ِد ِق َني{(({)9ال�صافات،)157-151: قال الزخم�شري ( ت538 :ه �ـ) ..." :وما الأ�ساليب التي وردت عليها الآية الكرمية �إال ناطقة بت�سفيه �أحالم قري�ش، ٍ وتهكم عجيب ،من �أن يخطر وجتهيل نفو�سها ،مع ا�ستهزاء ٍ مثل ذلك على ب��الٍ �أو يح ّدث به نف�س ًا ،ف�ض ًال �أن يجعل ُه معتقد ًا ويتظاهر به مذهب ًا(.)10 تا�سع ًا :الفر�ضيات العقلية فالقر�آن الكرمي وهو يقدم حقائق الوحي ،يتيح للعقل الإن�ساين اختبارها ،كما لو كانت فر�ضيات قابلة لالختبار العقلي ،وهنا يو�صي ال�ق��ر�آن العقل بالقيام بطلب احلق بالفكرة ال�صادقة ،متفرقني :اثنني اثنني ،وواحد ًا واحد ًا، لأن االجتماع عادة ما ي�شو�ش الفكر( ،)11قال تعالىُ } :ق ْل �إِنمَّ َا �أَ ِع ُظ ُك ْم ِب َو ِاح َد ٍة �أَ ْن َت ُقو ُموا للِهَّ ِ َم ْثنَى َو ُف َرا َدى ُث َّم َت َت َف َّك ُروا َما ب َِ�ص ِاح ِب ُك ْم ِم ْن جِ َّن ٍة �إِ ْن ُه َو �إِلاَّ ن َِذي ٌر َل ُك ْم َبينْ َ َي َد ْي َعذَ ٍاب �شَ ِد ٍيد{(�سب�أ ،)46:فالتفكر على هذا النحو يزيل عنهم الغ�شاوة التي جعلتهم ي�صفون الر�سول �-صلى اهلل عليه و�سلم -باجلنون ،وهو �صاحبهم الذي عا�ش بينهم وخربوه وج ّربوه. عا�شر ًا :ق�ص�ص ال�سابقني دعوة القر�آن الكرمي �إلى �إعمال العقل و�أخذ العربة من ق�ص�ص ال�سابقني ،ففي الق�ص�ص القر�آين �إمتا ٌع وت�شويق وا�ستح�ضار للم�شهد ،ودرو�س يف �سنن اهلل يف بقاء املجتمعات وهالكها ،وت�صديق لر�سوله � -صلى اهلل عليه و�سلم ،-وكل ه��ذا بهدف االت�ع��اظ واال�ستم�ساك بحبل اهلل املتني فهو طريق النجاة :قال تعالىَ } :لق َْد َك َان فيِ َق َ�ص ِ�صهِ ْم ِعبرْ َ ٌة الَ ْل َب ِ اب َما َك َان َح ِدي ًثا ُيفْترَ َى َو َل ِك ْن ت َْ�ص ِديقَ ال َِّذي ِ ألُوليِ ْ أ ُون{ َبينْ َ َي َد ْي ِه َو َتف ِْ�ص َيل ُك ِّل �شَ ْي ٍء َو ُه ًدى َو َر ْح َم ًة ِل َق ْو ٍم يُ�ؤ ِْمن َ (يو�سف)111:
دراسات الوسطية حاديَ ع�شر :اال�ستدالل بالتعريف ب�أن ي�ؤخذ من ماهية مو�ضوع القول دليل رد الدعوى ،ومن ذلك �أن ي�ؤخذ من حقيقة الأ�صنام دليل على �أنها ال ت�صلح ون ين ت َْد ُع َ �أن تكون معبود ًا ،ومثاله قوله تعالى�} :إِ َّن ال َِّذ َ ِم ْن ُدونِ اللهَّ ِ َل ْن َيخْ ُلقُوا ُذ َبا ًبا َو َل ِو ْاج َت َم ُعوا َل ُه َو�إِ ْن َي ْ�س ُل ْب ُه ُم اب �شَ ْي ًئا لاَ َي ْ�س َت ْنقِذُ و ُه ِم ْن ُه َ�ض ُع َف َّ وب{ الطا ِل ُب َوالمْ َ ْط ُل ُ ال ُّذ َب ُ (احلجْ � ،)73:أي � َّأن هذ ِه الأ�صنام التي عبدمتوها من دون اهلل ،لن تقدر على خلق ذبابة على �ضعفها و�إن اجتمعت على ذلك فكيف يليق يف العاقل جعلها �آلهة من دون اهلل ؟!. قال القرطبي (ت671 :ه�ـ) رحمه اهلل "...وخ�ص�ص الذباب لأربعة �أمور :ملهانته ،و�ضعفه ،وال�ستقذاره ،وكرثته، ف�إذا كان هذا الذي هو �أ�ضعف احليوان و�أحقره ،ال يقدر من عبدوهم من دون اهلل على خلق مثله ودفع �أذيته ،فكيف يجوز �أن يكونوا �آله ًة معبودين و�أرباب ًا مطاعني؟ وهذا من �أو�ضح احلجة و�أقوى الربهان")12(. ثا َ ين ع�شر :اال�ستدالل ب�آيات الآفاق. وذل��ك بذكر الآي��ات الكونية الدالة على حقيقة خالق الوجود ،وفيها ا�ستنفار للعقل وتوجيهه للهداية ثم القيام بدوره يف حتقيق منهج اهلل ،وعمارة الأر�ض كما �أمر اخلالق ال�س َما َو ِات البارئ .قال تعالىَ } :و َل ِئ ْن َ�سَ�أ ْل َت ُه ْم َم ْن خَ َلقَ َّ ون * َو ْ أ الَ ْر َ�ض َو َ�سخَّ َر ال�شَّ ْم َ�س َوا ْل َق َم َر َل َيقُو ُل َّن اللهَُّ َف�أَنَّى يُ�ؤْ َف ُك َ اللهَُّ َي ْب ُ�س ُط ال ِّرزْقَ لمِ َ ْن َي�شَ ا ُء ِم ْن ِع َبا ِد ِه َو َيق ِْد ُر َل ُه �إِ َّن اللهَّ َ ِب ُك ِّل ال�س َما ِء َما ًء َف�أَ ْح َيا ِب ِه �شَ ْي ٍء َع ِلي ٌم * َو َل ِئ ْن َ�س�أَ ْل َت ُه ْم َم ْن َن َّزلَ ِم َن َّ ْأ الَ ْر َ�ض ِم ْن َب ْع ِد َم ْو ِت َها َل َيقُو ُل َّن اللهَُّ ُقلِ الحْ َ ْم ُد للِهَّ ِ َب ْل �أَ ْكثرَُ ُه ْم ون{ (العنكبوت.)63-61: لاَ َي ْع ِق ُل َ خام�س ع�شر :اال�ستدالل ب�آيات الأنف�س َ ويهدف القر�آن الكرمي من وراء ذلك �إلى ا�ستنفار العقل ملعرفة حقيقة الإن�سان وم�صريه ،حيث �إن النف�س الإن�سانية رب هائل ير�شد �إلى قدرة اخلالق وهدايته)13(. خمت ٌ • قال تعالىَ } :و َم� ْ�ن ُن َع ِّم ْر ُه ُن َن ِّك ْ�س ُه فيِ الخْ َ ْلقِ �أَفَ�َلااَ ون {(ي�س.)68: َي ْع ِق ُل َ الن َْ�س ُان �أَ ْن يُترْ ََك ُ�س ًدى • • وقال تعالى�} :أَ َي ْح َ�س ُب ْ إِ �أَلمَ ْ َي ُك ُن ْط َف ًة ِم ْن َم ِن ٍّي مُ ْينَى • ُث َّم َك َان َع َل َق ًة فَخَ َلقَ ف ََ�س َّوى • الُ ْن َثى • �أَ َل ْي َ�س ذَ ِل َك ِبقَا ِد ٍر َع َلى ف ََج َع َل ِم ْن ُه ال َّز ْو َجينْ ِ الذَّ َك َر َو ْ أ �أَ ْن ُي ْحي َِي المْ َ ْوتَى{ (القيامة.)40-36: َ ثالث ع�شر :اال�ستدالل بالأمثال. باب من �أبواب الت�شبيه، َ�ض ْرب الأمثال يف القر�آن الكرمي ٌ وهي ت�ضرب لتقريب احلقائق ،وتو�ضيح املعاين ،وتقريب الغائب غري املح�سو�س.
و�أمثلته يف القر�آن الكرمي كثرية ومن ذلك قوله تعالى: ا�ضرِ ْب َل ُه ْم َمثَلاً َر ُج َلينْ ِ َج َع ْلنَا ِ ألَ َح ِد ِه َما َج َّن َتينْ ِ ِم ْن �أَ ْعن ٍ َاب } َو ْ َاه َما ِب َنخْ لٍ َو َج َع ْلنَا َب ْي َن ُه َما َز ْر ًع��ا{ (الكهف،)32: َو َح َف ْفن ُ فهذه الق�صة من الأمثلة املو�ضحة التي تثبت كمال �سلطان اهلل ،و�أنه وحده القادر ،وبطالن غرور الإن�سان� ،إزاء قدرة اهلل �سبحانه وتعالى. املبحث الثاين :خ�صائ�ص �أ�ساليب احلوار يف اخلطاب القر�آين. و�إمتام ًا للفائدة ،ال بد من عر�ض ما متيزت به الأ�ساليب احلوار ،والتي �أظهرت عناية القر�آن بالعقل من حيث رفع مكانته ،وتفعيله ،وتوجيهه. �أو ًال� :إي��راد القر�آن الكرمي لهذه الأ�ساليب على عادة العرب دون تعقيدات طرق املتكلمني ،لقوله تعالىَ } :و َما �أَ ْر َ�س ْلنَا ِم ْن َر ُ�سولٍ �إِلاَّ ِب ِل َ�سانِ َق ْو ِم ِه{ (�إبراهيم،)14()4: لذلك ك��ان على طريقة البالغة ال على طريقة املنطق، يقول الأ�ستاذ م�صطفى �صادق الرافعي " :ف�إن الفرق بني الطريقتني� :أن طريق املنطق :ت�أتي على �أو�ضاع و�أقي�سة معروفة ،وم �ك��رورة ،تلزم املخاطب بالعقل ال بال�شعور، وبال�سياق ال باملعنى ،ولذلك تدخلها املكابرة وتت�سع لها املغالطة� ،أم��ا طريقة البالغة :ف�يراد بها حتقيق املعنى، وا�سترباء غايته ،وتنزع ال�شبهة منه ،ف ُي�ستوفى الكالم وتذهب النف�س فيه �أرق��ى مذهب وه��ذا هو الإل��زام الذي توحيه طبيعة املعنى"(.)15 ثاني ًا :خطاب النا�س جميع ًا؛ فالقر�آن خاطب النا�س جميعا يف �أجيال خمتلفة وم�شارب خمتلفة :فمن النا�س م��ن ي�صدق ب��ال�بره��ان ،ومنهم م��ن غلب عليه تع�صب مذهب ديني ،ومنهم من هو �أق��رب �إل��ى الفطرة ،ومنهم العامل ال��ذي ال يقنع �إال بدقيق العلم ،لذلك كان القر�آن احلجة الكربى على النا�س ،على اختالف �أ�صنافهم وتباين �أفهامهم ،وتفاوت مداركهم ،فيجد فيه الكل الغذاء النف�سي واالعتقادي واخللقي والإن�ساين)16(. ثالث ًا :احلذف والإيجاز دون الإ�سهاب املخل ،ومثاله قوله ي�سى ِعن َْد اللهَّ ِ َك َم َثلِ �آَ َد َم خَ َل َق ُه ِم ْن ُت َر ٍاب تعالى� } :إِ َّن َم َث َل ِع َ ون { (�آل عمران ،)59:و�سياق الدليل ُث َّم قَالَ َل ُه ُك ْن َف َي ُك ُ كما يلي� :إن �آدم خلق من غري � ٍأب وال �أم ،وعي�سى خلق من غري �أب ،فلو كان عي�سى �إلها ب�سبب ذلك لكان �آدم �أولى، لكن �آدم لي�س �أبن ًا وال �إله ًا باعرتافكم ،فعي�سى لي�س �أبن ًا وال �إله ًا كذلك وهذه حجة يف الرد على الن�صارى و�إثبات الألوهية هلل وحده)17(. رابع ًا :ا�ستخدام احلجة والربهان ،قال تعالىُ } :ق ْل َه ِذ ِه َ�سبِي ِلي �أَ ْد ُعو �إِ َلى اللهَّ ِ َع َلى َب ِ�ص َري ٍة �أَنَا َو َمنِ ا َّت َب َع ِني{ (ي ��و�� �س ��ف ،)108:وال �ب �� �ص�يرة احل �ج��ة ال��وا� �ض �ح��ة غري ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
41
دراسات الوسطية العمياء( ،)18والتي ت�شعر بقوة حاملها وثباته على احلق وظهور ر�أيه ،وقد توافرت هذه الب�صرية يف جميع الأ�ساليب العقلية يف اخلطاب القر�آين كما مر �سابق ًا. خام�س ًا :ال�ق��ول ال�ل�ين والأ� �س �ل��وب احلكيمالذي يقنع اخل�صم وي�شد ال�سامع ،وي�ستهوي النف�س ،ويكون ت�أثريه كال�صدع ،امتثا ًال لقوله تعالى} :ا ْد ُع ِ�إ َل��ى َ�سبِيلِ َر ِّب� َ�ك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�س ُن ِ�إ َّن ين{ َر َّب َك ُه َو �أَ ْع َل ُم بمِ َ ْن َ�ض َّل َع ْن َ�سبِي ِل ِه َو ُه َو �أَ ْع َل ُم ِبالمُْ ْهت َِد َ َا�ص َد ْع بمِ َ ا تُ�ؤ َْم ُر َو َ�أ ْعرِ ْ�ض (النحل ،)125:وقال تعالى} :ف ْ َعنِ المُْ�شْ رِ ِك َني{ (احلجر.)94: �ساد�س َا :اخلطاب العقلي يف ال�ق��ر�آن الكرمي ال يتجه �إل��ى جمرد الإفحام والإل��زام ولي�س اجل��دل العقلي لأجل اجل��دل ،بل يتجه يف الكثري الغالب �إل��ى �إر��ش��اد القارئني واملدركني ،والأخذ ب�أيديهم �إلى احلق ،وتوجيه النظر �إلى احلقائق ،ودالئ��ل ال�ق��درة يف ال�ك��ون ،ق��ال تعالى�} :أَ َف� َل� ْ�م َّاها َو َما َل َها َاها َو َز َّين َ ال�س َما ِء َف ْو َق ُه ْم َك ْي َف َب َن ْين َ َين ُْظ ُروا �إِ َلى َّ َ َ َ َاها َو�أ ْل َق ْينَا ِفي َها َر َو ِا�س َي َو�أ ْن َب ْتنَا ِم ْن ُف ُر ٍوج• َو ْ أ ال ْر َ�ض َم َد ْدن َ ِفي َها ِم ْن ُك ِّل َز ْو ٍج َبهِ ٍيج • َت ْب ِ�ص َر ًة َو ِذ ْك َرى ِل ُك ِّل َع ْب ٍد ُم ِن ٍ يب{ (ق ،)8-6:فاخلطاب العقلي يف هذه الآي��ات لي�س لإفهام الوثنيني ومنكري التوحيد بل فيه توجيه النظر �إلى الكون وعجائب ال�صنع ودالئل القدرة يف ال�سماء والأر�ض)19(. اخلامتة ال�صاحلات..،وبعد: احلمد هلل الذي بنعمه تتم ّ تناول الباحث مو�ضوع الو�سطية من خالل �أ�ساليب ين ال�ب��اح��ث� :أن �أ�ساليب احل ��وار يف ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي ،وب� ّ احل��وار ه��ي :ف� ّ�ن تفعيل العقل،و�إقناع املدع ّوين بالفكرة امل��راد الو�صول �إليها ،وتناول جمل ًة من �أ�ساليب اخلطاب التي انتهجها القر�آن الكرمي مع املدع ّوين على اختالف م�ستوياتهم وطبائعهم ،وال�ت��ي تثبت و�سطية اخلطاب ين الباحث � ّأن اخلطاب القر�آين ال�ق��ر�آين واع�ت��دال��ه ،وب� ّ امتاز بالأ�سلوب ال�سهل القريب ،و اللينّ ٍ احلكيم،وا�ستخدام • • • • • •
امل�صادر واملراجع
ووجه النا�س نحوكتاب الكون ال�ست�شعار احلجة والربهانّ ، عظمة اخلالق والإميان به ،وحتقيق عمارة الكون. وتو�صل الباحث �إلى جملة من النتائج،ميكن �إجمالها فيما يلي: • ميثل القر�آن الكرمي �أعلى درجات الو�سطية يف �أ�ساليب احلوار التي انتهجها لإي�صال ر�سالته،و�إقناع املدعوين بالفكرة املراد الو�صول �إليها ،فتنوعت �أ�ساليب احلوار �زام التي ا�ستخدمها طبق ًا حلال املدع ّوين من غري �إل� ٍ والغ �ل � ٍو يف ال��دع��وة ،ف�خ��اط��ب امل�سلم وغ�ي�ر امل�سلم، وخاطب ال�صديق والعدو ،والكبري ال�صغري ،واملتعلم واجلاهل ،وراع��ى يف خطاب املدعوين العقل وال�شعور والوجدان،وامل�ستوى الثقايف والبيئي ،ومل ينتهج نهج ًا واحد ًا يف خطابه. فن املحاورة • الأ�ساليب القر�آنية يف اخلطابتع ّلم الداعية ّ والنقا�ش ،وال�صرب يف الدعوة ،وتقبل الآخرين ،وتق ّبل املعارف والعلوم،وبالتايل حتقيق القبول لدى املدع ّوين، وتغيري قناعاتهم،وم�سار حياتهم. • حتى يحقق احلوار �أهدافه فال ب ّد له من م�سلك ي�سري فيه ينقيه م��ن ال�شوائب ،ويجعله �ضمن قالب علمي �سليم ،ولذلك كان ال بد �أن يراعى فيها م�صلحة املجتمع، ب�أ�سلوب علمي حكيم قائم على العلم واملعرفة والتثبت بعيد ًا عن الهوى والعاطفة والتقليد والظن ،يحافظ فيها على �أخالق امل�سلمني و�أعرا�ضهم وكرامتهم ،وبهذه الطريقة فقط تكون احلرية قد ق��ادت املجتمع ملا فيه �صالح دينها ودنياها. ويو�صي الباحث :ب�ضورة عمل درا�سات ميدانية لتفعيل �أ��س��ال�ي��ب احل ��وار يف اخل �ط��اب ال��ق��ر�آين ،مل�ع��رف��ة�آث��اره��ا الإيجابية ،ومعرفة جوانب الق�صور عند الدعاة ،و�سبل جتاوزها. �لام على �سبحان رب��ك ّ رب ال�ع��زة ع ّما ي�صفون ،و��س ُ رب العلمني. املر�سلني ،واحلمد هلل ّ
القر�آن الكرمي. �أبو زهرة ،حممد املعجزة الكربى،دار الفكر العربي ،القاهرة1998 ،م. البوطي ،حممد �سعيد رم�ضان ،منهج تربوي فريد ،مكتبة الفارابي ،دم�شق. البي�ضاوي ،نا�صر الدين� ،أنوار التنزيل و�أ�سرار الت�أويل ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط 1420 ،1هـ1999 -م. اجلرجاين ،علي بن حممد بن احل�سني ،التعريفات} ،حتقيق :د .حممد عبد الرحمن املرع�شلي{ ,دار النفائ�س ،بريوت، ط 1424 ،1هـ2003 -م. الدغ�شي� ،أحمد ،نظرية املعرفة يف القر�آن الكرمي وت�ضميناتها الرتبوية ،دار الفكر ،دم�شق ،ط 2002 ،1م.
� 42إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
دراسات الوسطية • • • •
• • • •
الرافعي ،م�صطفى �صادق� ،إعجاز القر�آن والبالغة النبوية ،املكتبة الع�صرية ،بريوت ،ط1421 ،1هـ2000-م. الزرقاين ،حممد عبد العظيم ،مناهل العرفان ،دار الكتب العلمية ،بريوت1416 ،هـ1996-م. الزرك�شي ،بدر الدين ،الربهان يف علوم القر�آن} ،حتقيق :حممد �أبو الف�ضل �إبراهيم{ ،دار املعرفة ،بريوت. الزخم�شري ،حممود بن عمر ،الك�شاف ،دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت ،ط 1421 ،2هـ2001 -م.
• ال�سيوطي ،جالل الدين ،الإتقان يف علوم القر�آن ،دار اجليل ،بريوت ،ط 1419 ،1هـ1989 -م. • ال�شوكاين ،حممد بن علي ،فتح القدير ،دار الفكر ،بريوت1403 ،هـ1983 -م.
عبد الرحمن ،عائ�شة ،الإعجاز البياين للقر�آن ،دار املعارف. الغزايل� ،أبو حامد ،الق�سطا�س امل�ستقيم} ،تعليق :حممد بيجو{ ،املطبعة العلمية ،دم�شق1413 ،هـ1993-م. فخر الدين ،حممد بن عمر ،التف�سري الكبري } مفاتيح الغيب { ،دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت ،ط 1422 ،4هـ – 2001م. القرطبي ،حممد بن �أحمد ،اجلامع لأحكام القر�آن ،دار الفكر ،بريوت141 ،هـ 1995 -م
الهوام�ش ( )1عائ�شة عبد الرحمن :الإعجاز البياين للقر�آن ،دار املعارف �ص .60 ( )2اجلرجاين ،علي بن حممد بن احل�سني ،التعريفات( ،حتقيق :د .حممد عبد الرحمن املرع�شلي) ,دار النفائ�س ،بريوت، ط 1424 ،1هـ2003 -م�،.ص.261 ( )3اجلرجاين :التعريفات،مرجع �سابق�:ص.96 ( )4الرازي ،التف�سري الكبري :حتقيق :دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت ،لبنان ط (1422هـ2001-م) �ص24-3 ( )5الزرك�شي :الربهان يف علوم القر�آن(،حتقيق :حممد �أبو الف�ضل �إبراهيم) ،دار املعرفة ،بريوت ،لبنان27-22/2، ( )6انظر :الغزايل� ،أبو حامد ،الق�سطا�س امل�ستقيم( ،تعليق :حممد بيجو) ،املطبعة العلمية ،دم�شق1413 ،هـ1993-م-37 ، .40 ()7انظر� :أبو زهرة ،حممد ،املعجزة الكربى ،،دار الفكر العربي ،القاهرة1998 ،م�،ص 260 – 250 ( )8البي�ضاوي ،نا�صر الدين� ،أنوار التنزيل و�أ�سرار الت�أويل،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط 1420 ،1هـ1999 -م-108 /1،. .109 ()9انظر :البوطي ،حممد �سعيد رم�ضان :منهج تربوي فريد ،مكتبة الفارابي ،دم�شق�،ص.25-42 ( )10الزخم�شري ،حممود بن عمر ،الك�شاف ،دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت ،ط 1421 ،2هـ2001 -م. .66/4 ()11انظر :ال�شوكاين :فتح القدير ،بريوت ،دار الفكر1403( ،هـ – 1983م).333-4، ( )12القرطبي :اجلامع لإحكام القر�آن ،دار الفكر -بريوت لبنان1415 ،هـ�،1995-ص90/6 ()13انظر:الدغ�شي� ،أحمد ،نظرية املعرفة يف القر�آن الكرمي وت�ضميناتها الرتبوية ،دار الفكر ،دم�شق ،ط 2002 ،1م�:.ص .248 ( )14انظر :ال�سيوطي ،جالل الدين ،الإتقان يف علوم القر�آن ،دار اجليل ،بريوت ،ط 1419 ،1هـ1989 -م.263 / 2 ،. ()15انظر:الرافعي ،م�صطفى �صادق� ،إعجاز القر�آن والبالغة النبوية ،،ط ،1املكتبة الع�صرية – بريوت1421 ،هـ2000 ،م�.ص 216-215 ( )16انظر� :أبو زهرة ،حممد ،املعجزة الكربى،مرجع �سابق.267-266 : ( )17انظر� :أبو زهرة ،حممد ،املعجزة الكربى،مرجع �سابق270: : ()18انظر :البي�ضاوي� :أنوار النزيل،مرجع �سابق.498 /1 : ( )19انظر� :أبو زهرة ،حممد ،املعجزة الكربى،مرجع �سابق�:ص .275
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
43
دراسات الوسطية
�س�ؤال التدبري والكرامة الإن�سانية الأ�ستاذ /م�صطفى فاتيحي
كلما ملك الإن�سان كرامته ملك توازنه وت�أججت عنده املخاوف الغريزية كاخلوف على الوجود واحلياة وامل�ستقبل والكرامة واحلرية والولد ،وكلما �أمن ف�ضاءه ا�ستطاع �أن يفكر بفطرة �سليمة يف اجتاه االختيار الأك�ثر �صوابا مبا يليق ب�آدميته ك�إن�سان مكلف1. �إن �ضغط الواقع والهم املعي�شي و�إكراهات ت�أمني الإن�سان من �ضروريات احلياة ،والعجز عن توفري م�ستلزمات البقاء واعتيا�ض �سبل العي�ش الكرمي ،كلها مداخل �إلى الفقر القيمي، ف�أي خطاب �أخالقي يعيد االعتبار لإن�سان يف هذه الو�ضعية �إال �إذا ك��ان يتغي جمانفة ال��واق��ع والقفز عليه وممار�سة التنومي والتخدير ،ومن هنا ينطلق �أولئك اللذين يف�سرون ن�ش�أة احلركة ن�ش�أة �أيديولوجية وا�ستغالل الو�ضع امل�أزوم، وا�ستغفال الفئات اله�شة .وهي �أو�ضاع تفرخ التطرف ب�أبعاد و متظهرات خمتلفة ،حيث �إن قانون اال�ستخفاف يبقى م�صدر قلق دائم وتخوف حمتم من حتوالت �أو نقمة امل�ستخف بهم، �أو على العك�س �ضعفهم وقلة حيلتهم عندما يلقون يف وجه الأعداء �أو يطلب منهم ال�صمود يف وقت ال�شدة والبالء� .إن �أخطر ما يف ظاهرة اال�ستخفاف بالإن�سان� ،أنها تغتال عقله وفكره وبالتايل حياته املثلى التي ي�سعى �إلى حتقيقها يف دنياه ويحلم بها يف جميع �أمانيه ،حينها ما الفائدة من العي�ش وقد ماتت تلك الآمال يف النفو�س؟ وما �صور املنتحرين �أو املدمنني �أو املر�ضى النف�سيني يف جمتمعاتنا �إال انعكا�س ال�ستخفاف الآخرين بهم وحتطيمهم تدريجيا وحتويلهم �إلى تراب متحرك يتطاير مع كل رياح العوملة التي تهب على �أوديتنا كل يوم2. �س�ؤال التدبري ومنطق املغالبة �أو امل�شاركة �إن ت�ع�ق��د ���ض��روب احل��ي��اة وت �� �ش��اب��ك ال �ع�لاق��ات و ا�ستفحال الظواهر ال�سلبية وتغول الف�ساد يحتم على احلركة الإ�سالمية اال�شتغال مبنطق امل�شاركة مع خمتلف احل�سا�سيات والأطياف رغم اختالف الطرح الأيديولوجي. لأن امل�شروع النه�ضوي ال ميكن �أن يتحقق دون تعبئة كل طاقات املجتمع والإفادة من كل الكفاءات .والرتكيز على � 44إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
امل�شرتك اجلامع ،وت�ضخم اخلطاب الأخالقي يجهز على �أي حماولة يف هذا ال�صدد .ويدفع باجتاه تكري�س الطرح الذي يف�ضي ب�إمكانية البديل املطلق . هذا الطرح فر�صة �سانحة �أم��ام احلركة الإ�سالمية لالنفتاح على الكفاءات الوطنية املخل�صة التي ال ت�شارك احلركة الإ�سالمية نف�س املرجعية ،ولكنها تتمتع بقدر عال من النزاهة والكفاءة ،وال �شك �أن هذا �سيعو�ض احلركة الإ�سالمية مرحليا عن النق�ص يف الكوادر ،ذلك �أن درو�س التاريخ علمتنا �أنه ال يخلو زمان من �أنا�س �أخيار يجعلون م�صلحة الوطن فوق كل اعتبار .ف�س�ؤال التدبري ي�ستدعي �إ�سناد املنا�صب ح�سب الكفاءات ال ال��والءات ،ذل��ك ما انتقده م�صطفى حجازي يف كتابه الإن�سان املهدور من �أ�شكال الع�صبية القبلية اجلديدة . ”الإ�صالح ال�سيا�سي لي�س ت�أكيدا للذات و�إن�ك��ارا للآخر �أو ت�شديدا على �إرادة املعار�ضة وتنديدا ب ��إرادة ال�سلطة ،كذلك ف�إن الإ�صالح ال�سيا�سي لي�س م�سابقة يف حل املعادالت الريا�ضية ،تتطلب اع�تراف �صاحب احلل ال�صحيح يف نيل اجل��ائ��زة ،فالإ�صالح ال�سيا�سي عملية معقدة مت�شعبة تتداخل فيها امل�صالح وترتاكب حولها الت�صورات �أو تتعالى فوقها الأ�صوات وت�شد ب�أطرافها قوة �سيا�سية �أو اجتماعية متعددة من هنا يتطلب الإ�صالح نف�سا طويال وخطة عمل مديدة وقبل هذا �أو ذاك القدرة على تقدمي حلول للم�شكالت التي تواجه املجتمع مدعومة بدرا�سات منهجية3. ينبه رف�ي��ق حبيب امل�صري ” �إل��ى خ�ط��ورة اجن��رار و�ضع ما بعد اللحظة الثورية �إل��ى الثنائيات الت�صنيفية والإيديولوجيا املنغلقة ،ونفي كل طرف للآخر يف حم�أة �صراع دارويني على الدولة ،م�ؤكدا �أن خروج النا�س يف دول الربيع العربي ،مل يكن على �أ�سا�س ثقايف �أو ح�ضاري ،ومل يكن على �أ�سا�س املوقف من الهوية بل كان خروجهم تعبريا عن موقفهم من طبيعة النظام احلاكم ،وكان ثورة على اال�ستبداد والطغيان 4.
وتعرت�ض هذا االختيار حتديات منها :ما يطرحه ناثان براون قائال ” الأيدولوجيا … ميكن �أن تكون لزجة فهي تخلق ال�شكوك ل��دى املناف�سني والأن�صار على حد �سواء كدليل على عدم الإخال�ص واالنتهازية” .5 وي�ضيف” فقادة احلراك الذين يطلبون من �أن�صارهم �أن ينتظموا وي�ساهموا ويتدفقوا على �أقالم االقرتاع – غالبا مع بع�ض املخاطر ال�شخ�صية – قد يجدون �أنف�سهم عر�ضة �إلى �ضغط داخلي لإظهار منافع حقيقية له�ؤالء الأن�صار. بينما امل�شاركة التي ال جتلب منافع مادية وال تغريات يف ال�سيا�سة العامة قد تثبط القواعد ال�شعبية ،كما �أنها تعر�ض احلركة �إلى خماطر يف خ�ضم التناف�س على جذب الأن�صار، فهي تعر�ض القادة الإ�سالميني �إلى االنتقادات ب�أنهم ن�سوا الدين ل�صالح ال�سيا�سات 6.
من هنا ��ض��رورة اغتنام الفر�صة ملراجعة وت�صحيح البنية الت�صورية الثاوية لدى �أبناء احلركة الإ�سالمية، حيث االن�ط�لاق من ت�صور يكاد ي�صري معتقدا وم�سلمة وهو �أن ”العامل يعي�ش يف حالة فراغ فكري وروحي وقيمي وح�ضاري ،و�أن احلركة الإ�سالمية جاءت لتملأ هذا الفراغ. كذلك تنت�شر بني الإ�سالميني مقولة م��ؤداه��ا �أن العامل يعي�ش فو�ضى فكرية وثقافية و�أن احلركة الإ�سالمية مناط بها ت�صحيح هذه الفو�ضى الفكرية والثقافية وو�ضع الأمور يف ن�صابها ال�صحيح” 7ما من �ش�أنه �أن ير�سخ عند �أبناء احلركة الإ�سالمية ـ يف ال وعيهم ـ � أحقية ممار�سة الو�صاية على النا�س ت�صنيفا و�إدخاال و�إخراجا من الدائرة ،و�إ�صدارا للأحكام املُعدّة ،وهو منزع خطري م�آله التكل�س والت�شرنق و�إنتاج الطائفية وممار�سات الفرقة الناجية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوام�ش
.1حما�ضرة الدين والدولة ،املقرئ الإدري�سي �أبو زيد ،مراك�ش 2012 � .2س�ؤال التدبري ر�ؤية مقا�صدية يف الإ�صالح املدين م�سفر بن علي القحطاين �ص 197ط 2013 – 1ال�شبكة العربية للأبحاث والن�شر. .3احلرية واملواطنة ل�ؤي �صايف �ص 195 � .4أ�سئلة دولة الربيع العربي �سلمان بونعمان �ص 127 .5امل�شاركة ال املغالبة احلركات الإ�سالمية وال�سيا�سة يف العامل العربي ناثان براون ترجمة �سعد حميو ن�شر ال�شبكة العربية للأبحاث �ص 159 .6املرجع ال�سابق �ص 130 .7عبد اهلل النفي�سي �ص 10 ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
45
دراسات الوسطية
ّتطرف املذاهب الأدبية الغربيّة عن الو�سطية الإ�سالميّة ق�صاب �أ .د .وليد �إبراهيم ّ
ارتبطت ن�ش�أة املذاهب الأدبية الغربية بحاالت نف�سية خا�صة، معينة ،وبظروف �سيا�سية واقت�صادية واجتماعية ّ وعك�ست فل�سفة واقع م ّرت به احل�ضارة الغربية ،وقد م ّثل النف�سي، �أغلبها -يف معظم الأحيان – حاالت من الت�أزم ّ وانعدام الإميان واليقني� ،أو جحود �أية ثوابت �أو قطعيات ميكن �أن يفيء �إليها الإن�سان لتك�سبه الراحة والأمان. إن�سان يف هذا الع�صر يف الدين ،والأخالق، لقد �شُ ّكك ال ُ مهب واملُثل ،والقيم الروحية جميعها ،حتى بدا كالري�شة يف ّ الريح. وال�سريالية -داع ًيا يقول ت��زارا – رائ��د الدادائية ّ �إل ��ى ال �ه��دم" :الوطن ،وال�ع��ائ�ل��ة ،و الأخ �ل�اق ،وال �ف� ّ�ن، والدين ،واحلرية ،والأخ ّوة ،كانت قدميا جوا ًبا للحاجات عظمي من الإن�سانية ..ويف يومنا مل يبق منها �إال هيكل ّ تهدميي كبري ينبغي االتفاقات واالعتبارات .هنالك عمل ّ يتم ،ال ب ّد من الكن�س والتنظيف 1". �أن ّ وبدت املذاهب الأدبية الغربية وك�أنها تن�ش�أ ر ّدات �أفعال على �أفكار �سابقة ،رغبة يف جم ّرد التغيري الذي �أ�صبح ُد ْرج��ة( مو�ضة) حتى بدا كل مذهب جديد وك�أنه ينق�ض ما قبله �أو ي�سفهه ويلغيه ؛ ف�إذا ما كان الذي قبله يف اليمني انحاز هو �إلى الي�سار. لقد ك��ان التط ّرف �سمة وا�ضحة يف ك��ل مذهب من والعربي� :إيليا احلاوي� :ص312 الغربي - 1الرمزية وال�سريالية يف ال�شعر ّ ّ
� 46إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
املذاهب الغربية ،و�سرعان ما كان ُيتبينّ عوا ُره ب�سبب هذا التط ّرف ،فتظهر احلاجة �إلى غريه ،فيظهر مذهب جديد يكون ر ّدة فعل على ما �سبقه ،ولذلك يت�سم مثله بالتط ّرف والغلو. يقول عز الدين �إ�سماعيل� " :إن ك ّل مذهب يتط ّرف يف يح�س النا�س فيه ب�أنه لي�س اجتاهه حتى ي�صل �إلى زمن ّ كافيا للتعبري ،ومي�ضون يبحثون عن �أ�سلوب جديد2".. وق��د �ش ّبه عبا�س حممود العقاد – رحمه اهلل – ما ي�س ّمى "املذاهب " بالأزياء والتقليعات ،ونفى �أن يجوز �أن ُيطلق عليها ا�سم مذاهب �أو مدار�س ؛ �إذ ه��ي -يف حب ر�أيه -حركة تغيري " يف الأدب وغريه نابعة من جم ّرد ّ التغيري ،وقد ي�س ّميها بع�ضهم مذاهب ومدار�س ،ولي�ست هي من املذاهب وامل��دار���س يف �شيء ،و�إمن��ا الأح��رى �أن ت�س ّمى بالأزياء واجلدائل العار�ضة " املو�ضات " التي تتغري مع الزمن ،وقد تعود يف �صورة �أخرى بعد فرتة طويلة �أو ق�صرية3".. ثم مي�ضي العقاد قائال " :و�إن هذه الأمواج التي يلغي مما يطلق عليه ا�سم االجتاه يف الأدب بع�ضها ً بع�ضا لي�ست ّ العربي ،وال يف غريه من الآداب العاملية ،ولي�ست هي بالتيار ّ اجل��اري يف جمراه القومي 4"..لأن املدار�س – كما يرى - 2الأدب وفنونه ،عز الدين �إ�سماعيل� :ص45 - 3درا�سات يف املذاهب الأدبية واالجتماعية ؛ عبا�س حممود العقاد �:ص31 - 4ال�سابق� :ص41
العقاد -ينبغي �أن تع ّلم �شي ًئا ،وهذه ال تع ّلم �شي ًئا ،وال حم ّل فيها للتعليم ،ولأن الفنون قواعد ومقايي�س ،وهذه تبطل ك ّل املقايي�س5.. وي ��رى �أن���ور اجل �ن��دي – رح �م��ه اهلل – �أن م��ذاه��ب الغربي التي يحاول بع�ض النقاد حماكمة الأدب الأدب ّ العربي �إليها " لي�ست مذاهب ،و�إمنا هي �أ�سماء ع�صور، ّ كالكال�سيكية ،والرومنتيكية وغريها .وهي تت�صل – يف جمموعها -بتاريخ الأمم التي و�ضعت هذه املذاهب6".. الغربي: الثنائيات يف مذاهب الأدب ّ ب�سبب تلك الظروف والعوامل التي ذكرناها انطلق الفكر الغربي ومدار�سه الأدبية ومناهجه النقدية من ثنائيات ّ حا ّدة مت�صادمة ال يقبل �أحدها الآخر ،وال يعرتف به ،وال يحاول �أن يتعاي�ش معه ،بل يعمل جاهدا على نفيه ؛ وهي لذلك ثنائيات �ضدية عدائية ،ال و�سطية فيها وال اعتدال، بل فيها غلو يف ال��ر�أي ،وتط ّرف يف النظر � .إنها الأحادية التي طبعت – ب�شكل ع��ام – املذاهب الأدب�ي��ة واملناهج النقدية الغربية بطابع ال تخطئه عني الباحث املد ّقق . الفرن�سي ال�شهري وقد �أ�شار �إلى ذلك م�ؤ�س�س التفكيك ّ الغربي لقيامه على هذه ج��اك دري��دا وه��و ينتقد العقل ّ الغربي - الثنائيات ،و�إعطائها �صفة القدا�سة ؛ فالفكر ّ قائم على ثنائية �ض ّدية عدائية يت�أ�س�س عليها ،وال يقوم �إال بهذه الثنائية ،كثنائية العقل /العاطفة .العقل /اجل�سد . الذات /الآخر .امل�شافهة /الكتابة .الرجل /املر�أة .وما �إلى ذلك .و�إن هذا الفكر دائما مينح االمتياز والفوقية للطرف الأول ،ويلقب بالدونية والثانوية الطرف الثاين .وهذا االنحياز للأول على الثاين هو ما ي�س ّميه دريدا" التمركز املنطقي "7 ّ �إن امل��ذاه��ب الأدب �ي��ة الغربية ت�ق��وم ح� ًق��ا على تلك الثنائيات املت�صادمة التي ال تتفق مع الو�سطية الإ�سالمية ؛ �إذ هي ال تقوم على الق�صد واالعتدال ،اللذين هما من �سمات هذه الو�سطية ،بل – فيم �أح�سب -من �سمات �أي فكري قومي. منهج ّ والرومان�س ّية: الكال�سيكية ّ واحدا من خالل وح�سبنا يف هذا املقام �أن ن�ضرب مث ًال ً املقارنة بني مدر�ستني ن�ش�أتا يف �أواخر القرن التا�س َع ع�شر الغربي و�أوائ��ل القرن الع�شرين ،حيث كان جموح الفكر ّ - 5ال�سابق �:ص61 العربي� :أنور اجلندي �:ص81 - 6خ�صائ�ص الأدب ّ أدبي :ميجان الرويلي ،و�سعد البازعي �:ص45 - 7دليل الناقد ال ّ
مما �آل �إليه الأمر بعد ذلك .وهاتان يومذاك �أق ّل بكثري ّ املدر�ستان هما :الكال�سيكية ،والرومان�سية. لقد كانت الرومان�سية ث��ورة عارمة على ك ّل ما كانت ونق�ضا تا ًّما جلميع مبادئها و�أ�صولها تنادي به الكال�سيكيةً ، .وب�سبب هذا التط ّرف يف الثورة ّ �شك بع�ض الدار�سني �أن تكون الرومان�سية مذه ًبا �أو مدر�سة ؛ لأن قواعدها و�أ�صولها مل جت��اوز خمالفة قواعد الكتابة الكال�سيكية ،واخل��روج عليها .ولعلها �أي�ضا – ب�سبب قيامها على املخالفة وحدها – ق ّدمت ت�ص ّورات غري متجان�سة �أحيا ًنا ،بل متناق�ضة يف �أحيان �أخرى. ذكر بول فان تيجم �أن " جيوبرين " كان ي��رى " �أن الرومان�سية تتخذ من الأ�شكال بقدر ما فيها من امل�ؤلفني، و�إنها تفلت من � ّأي تعريف وا�ضح حم ّدد دقيق 8".. وانظر �إلى �أحادية النظرة التي و�سمت ك ًال من هاتني املدر�ستني ،حتى بدتا مدر�ستني متناق�ضتني ،ال �سبيل لتو�سط �أو التقاء بينهما. ع ّدت الرومان�سية الإن�سان وحده منبع القيم جمي ًعا، وجعلته جدي ًرا بعناية الأدب ،وم�ضت تعنى بالفرد عناية فائقة ،وتهتم ب�إبراز فرديته و�شخ�صيته واالختالف الذي مي ّيزه من غريه .و�أ�صبح الرومنتيكي قاد ًرا على طبع �أدبه بطابعه اخلا�ص مبا يعبرّ عنه من عواطف يدفق بها قلبه، و�صور ميوج بها خياله . ويف مقابل هذه العناية بالفرد املتميز كان الكال�سيكيون يعنون بالفرد النموذج ،بالإن�سان عامة. وبينما رف��ع الكال�سيكيون �سلطان العقل واملنطق، جماح وجعلوهما احلكم الأوحد ،حتى راح ُيكبح من �أجلهما ُ املخيلة والعواطف ؛ �أ�صبح الرومنتيكي ح ًرا يف �أن يطلق خلياله العنان ،و�أن ينطلق وراء الالحمدود واملطلق ،وال يحتكم �إال �إلى العاطفة واحلد�س. ك��ان العقل ه��و الهبة ال�ك�برى عند �أ��ص�ح��اب املذهب وال�صواب ،مُوي ّيز بني الكال�سيكي ،وبه وحده ُيعرف احلقّ ّ ّ احل�سن والقبيح ،ونق�ض الرومان�سيون ذلك ،ف�صار اخليال عندهم هو الهبة الكربى ،وقلب الإن�سان وعاطفته �أهم من عقله ومنطقه. ويف ح�ين �أن الكال�سيكية م��ذه��ب يتقيد بالقواعد والتقاليد؛ تبدو الرومان�سية مذه ًبا ينطلق ح ًرا بال قيود، ويفتح املجال وا�س ًعا �أمام الأ�صالة واخللق والإبداع. - 8الرومان�سية يف الأدب الأوروبي :بول فان تيجم21 /1 : ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
47
ويف حني �آمنت الكال�سيكية باملحاكاة والتقليد ؛ ثارت الرومان�سية عليهما ،فلم ت�ؤمن �إال بالإبداع وحده. و�إذا كانت الكال�سيكية تقيم وز ًن��ا كب ًريا لل�شكل ؛ ف�إن تف�ضل العناية بامل�ضمون على العناية بال�شكل الرومان�سية ّ أعم. يف الأكرث ال ّ و�إذا كانت الكال�سيكية تعتقد �أنها و�صلت �إل��ى احل ّد الأعلى يف الإتقان والتم ّيز والكمال ؛ ف�إن الرومان�سية ت�ؤمن ب�أنها نزوع �إلى هذا احل ّد الأعلى وح�سب 9.. وقد بلغ هذا التناق�ض بني الكال�سيكية والرومان�سية ح ّد �أن يرى واحد مثل غوته �أن الفرق بينهما " كالفرق بني ال�سقيم وال�سليم "10 إ�سالمي: و�سطية املنهج ال ّ و�إذا كان التطرف والغلو �سمة ال تخفى يف مذاهب الأدب الغربي؛ ف�� ّإن الو�سطية هي املنهج الذي ندعو �إليه إ�سالمي يف الأدب والنقد، عربي � من �أج��ل �إن�شاء منهج ّ ّ الغربي ومدار�سه املختلفة منهج يتح ّرر من هيمنة الفكر ٍ ّ التي ت�صدر – بطبيعة احلال -عن ت�صورات فكرية وفنية خمالفة لت�صوراتنا الفكرية والفنية. وهذه الو�سطية يف الأدب،تعني عندئذ عدم التفريط أدبي حل�ساب عن�صر بقيمة �أي عن�صر من عنا�صر العمل ال ّ �آخر ،ك�أن نعنى بال�شكل ونهمل امل�ضمون �أو ُنعنى بامل�ضمون ونهمل ال�شّ كل� ،أو �أن نعنى بالعقل و نهمل العاطفة واخليال
�أو العك�س� ،أو نعنى بالقدمي و نهمل احلديث �أو العك�س� ،أوما مما وقعت فيه املذاهب الأدبية الغربية ب�شكل �شابه ذلك ّ خا�ص. ّ �إن هذه الو�سطية العربية الإ�سالمية يف الأدب ت�سعى ٍ عندئذ �إل��ى ا�ستثمار احل�سن املوجود يف ك� ّل عن�صر من عنا�صر العمل الأدب� ّ�ي ،وتوظيفه يف الإب��داع ،ليكون هذا الإبداع خيرّ ً ا �إيجاب ًيا ،فيه املتعة والفائدة ،واجلمال والنفع، واحل�س والوجدان ،وما يخاطب الروح وما يخاطب العقل ّ واجل�سد ،وما يخاطب بني الب�شر يف جميع م�ستوياتهم. و�إن ال�ضابط لأي و�سط ُي�سعى للو�صول �إليه هو �أال يكون م�صادما لأي مبد�أ من مبادئ عندنا – نحن امل�سلمني – ً عقيدتنا� ،أو يق ّد م جماملة لهذا الطرف �أو ذاك لتحقيق م�آرب من نوع ما. وه��ذه الو�سطية التي نن�شدها يف الأدب ه��ي �سبيل الغربي ،كما جتلى مواجهة التطرف الذي قام عليه الفكر ّ ذلك يف مذاهبه الأدبية املختلفة. وهذه الو�سطية هي �سمة الإ�سالم الكربى ،وهي منهج والتم�سك بها – يف ك ّل �أ�صيل فيه� ،إنها من جوهر ال ّدين، ّ التم�سك ال�صحيح بال ّدين، �ش�أن من �ش�ؤون احلياة -يعني ّ والتزام ما �أوجبه اهلل تعالى على عباده من غري زيادة وال نق�صان ،ومن غري تعنّت وت�ش ّدد �أو تفريط و�إفراط.
العربي احلديث :عي�سى يو�سف بالطة �:ص9 - 8 - 9انظر كتاب " الرومنطيقية ومعاملها يف ال�شعر ّ العربي :نا�صر احلاين� :ص07 - 10امل�صطلح يف الأدب ّ
� 48إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
دراسات الوسطية
حق الكد وال�سعاية للمطلقة يف فقه النوازل احلالة املغربية �أمنوذجا.. املحامي مازن الفاعوري
مقدمــة : هذا ُ املقال عبارة عن مقارنة فقهية بني امل�شرقِ واملغربِ العربي ،ولي�ست درا�س ٌة �شرعية ت�أ�صيلي ٌة و�إن كنتُ �أتطلع لأن تكون كذلك ،فما الكد وال�سعاية يف الأع��راف املغربية؟ �إن "الكد وال�سعاية" تعريب للعبارة الأمازيغية "متازالت" ،ومتازالت وفقا للدكتور �إدري�س الفا�سي يف مقال له بعنوان (حق الكد وال�سعاية يف االجتهاد الفقهي املغربي املعا�صر) الذي مت اقتبا�س هذا العنوان منه هو م�صطلح مركب تركيبا مزجيا من كلمة "متارا" وتعني "الكد" ،وهي من الكلمات الأمازيغية التي ت�ستعمل كثريا يف الدارجة املغربية ،وقد ذهبت الراء منها عند الرتكيب املزجي ،وكلمة "�أزل" بك�سر الزاي ،ويعني جرى �أو �سعى() ،فهل للمو�ضوع �صدى يف واقع املر�أة امل�شرقية املعا�صرة ؟ �إن الإ�سالم هو دين اهلل الذي ك ّرم الإن�سان دون متييز بني الذكر والأنثى ،و�أر�سى قاعدة العدل وحقق امل�ساواة يف ا�ستقالل الذمة املالية لكل من اجلن�سني يف الك�سب واجلزاء،ويتبينّ هذا الزعم يف الواقع التطبيقي يف جمال امل�يراث و�أحكامه ويف جمال حقوق الزوجة املتوفى عنها زوجها �أو املطلقة �أو يف احلاالت العامة كما هو احلال يف رد �أموال اليتامى عند بلوغهم �سن الر�شد والتمييز ،كما �شرع الإ�سالم �أبواب التملك لكل من الذكر والأنثى قال تعالى: ون َو ِلل ِّن َ�س�آ ِء } ِّلل ِّر َجالِ نَ�صي ٌِب ممِّ َّ ا َت َر َك ا ْل َوا ِل َدانِ َوالأَ ْق َر ُب َ ون ممِ َّ ا َق َّل ِم ْن ُه �أَ ْو كَثرُ َ يب ممِّ َّ ا َت َر َك ا ْل َوا ِل َدانِ َوالأَ ْق َر ُب َ ن َِ�ص ٌ ن َِ�صيب ًا َّم ْف ُرو�ض ًا{ (الن�ساء )7:وكما هو حق م�شروع يف املال كث ًريا كان �أم قليال فهو مل�ستحقه كب ًريا كان �أم �صغري ذك ًرا كان �أم �أنثى قال تعالىُ ( :ي ِ و�صي ُك ُم اللهَُّ فيِ �أَ ْولاَ ِد ُك ْم) [الن�ساء 11:والولد يطلق على الذكر والأنثى على حد �سواء فكل مولود ولد وله حقه املايل ذك ًرا كان �أو �أنثى قال تعالى:
} َو�آ ُت��و ْا ا ْل َيت ََامى �أَ ْم� َوا َل� ُه� ْ�م َو َال َت َت َب َّد ُلو ْا الخْ َ بِيثَ ب َّ ِالط ِّيبِ �ان ُحوب ًا َكبِري ًا) َو َال َت�أْ ُك ُلو ْا �أَ ْم� َوا َل� ُه� ْ�م �إِ َل��ى �أَ ْم� َوا ِل� ُك� ْ�م ِ�إ َّن � ُه َك� َ (الن�ساء ، )2:وقال تعالىَ } :وا ْب َت ُلو ْا ا ْل َيت ََامى َح َّتى ِ�إذَ ا َب َلغُو ْا ال ِّن َك َاح َف ِ�إ ْن �آن َْ�ست ُْم ِّم ْن ُه ْم ُر�شْ د ًا فَا ْد َف ُعو ْا ِ�إ َل ْيهِ ْم �أَ ْم َوا َل ُه ْم{ (الن�ساء� ،)6:إذا توفرت �شروط الأهلية من بلوغ وعقل ور�شد ،وللمال حرمته ومكانته للذكر كان �أو للأنثى قال �صلى اهلل عليه و�سلم�" :إن دماءكم و �أموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا يف �شهركم هذا يف بلدكم هذا" ،و�إذا كانت ذمة الرجل منف�صلة عن ذمة املر�أة يف التملك فهي كذلك يف الت�صرف ،فللمر�أة قبل الزواج وبعده ذمتها املالية امل�ستقلة ال �سلطان لأب وال لزوج عليها ،فذمتها منف�صلة عن غريها الن الذمة ال تتعدد وال يغري عقد ال��زواج منها �شي ًئا ق��ال تعالىَ } :ف ��إِن ِط�ْبَنْ َ َل ُك ْم َع��ن � َ��ش� ْ�ي ٍء ِّم ْن ُه َنفْ�س ًا َف ُك ُلو ُه َه ِنيئ ًا َّمرِ يئ ًا{ (الن�ساء ،)4:فلها الت�صرف مبح�ض اختيارها هي وال جترب على التخلي عن �أي حق من حقوقها ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
49
دراسات الوسطية املالية قال تعالىَ } :و�آ َت ْيت ُْم ِ�إ ْح َد ُاه َّن ِقن َْطار ًا َف َال َت�أْخُ ذُ و ْا ِم ْن ُه �شَ ْيئ ًا �أَ َت�أْخُ ذُ و َن ُه ُب ْهتَان ًا َو�إِ ْثم ًا ُّمبِين ًا * َو َك ْي َف َت�أْخُ ذُ و َن ُه َو َق ْد �أَف َْ�ضى َب ْع�ضُ ُك ْم �إِ َلى َب ْع ٍ�ض َو�أَخَ ذْ َن ِمن ُكم ِّمي َثاق ًا غَ ِليظ ًا{ (الن�ساء.) 21- 20: لقد جت�سدت هذه املبادئ واملعاين يف ال�سنة ال�شريفة ويف �سلوك ال�سلف ال�صالح ر�ضي اهلل عنهم يقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم" :يا مع�شر الن�ساء ت�صدقن ولو من حليكن" وق��د ت�صدقن وق�ب��ل �صدقاتهن ومل ي�س�أل ومل ي�ستف�صل مم��ا ي��ؤك��د ان�ف��راد امل ��ر�أة يف ذمتها املالية يف امللكية والت�صرف ويف ر�سوخ هذه القيم وو�ضوحها يف نفو�س ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم. وحق الكد وال�سعاية ُيع ُّد من احلقوق املكت�سبة بحكم الأع��راف املغربية حتى �أم�ست اليوم مدرجة يف القوانني املغربية ،وقد حفظت للمر�أة حقوقها من الكد وال�سعي وغ�ي�ره م��ن احل �ق��وق امل���ش��روع��ة ال�ت��ي كفلها لها ال�شرع احلنيف ،وقد مت ت�أ�صيل هذا القانون يف املغرب العربي بناء وا�ستنادا على مظان الرتاث الفقهي الإ�سالمي الذي يعرتف باحلقوق والذمم املالية للجن�سني وخا�صة امل��ر�أة التي كثريا ما ت�ست�ضعف يف املجتمعات املعا�صرة في�ضيع �سعيها وكدها هباء . فحق الكد هو �أن للزوجة احل��ق يف �أخ��ذ ن�صيبها من مال الزوج �إن طلقها �أو تويف عنها ،وهذا الن�صيب ي�سمونه �سعاية املر�أة ،وقد ق�ضى به العديد من الفقهاء امل�سلمني يف �إطار النوازل التي عر�ضت عليهم خا�صة يف املغرب العربي، �إذ قال الفقهاء ان ما ينتجه الزوج يق�سم بينه وبني زوجته ح�سب كد واجتهاد كل واحد منهم ،غري �أن فقهاء النوازل اختلفوا حول �أ�صل هذا احلق. فاملادة 49من مدونة الأ�سرة املغربية لعام 2003م ، تن�ص على ":لكل واحد من الزوجني ذمة مالية م�ستقلة عن ذمة الآخر غري �أنه يجوز لهما يف �إطار تدبري الأموال التي �ستكت�سب �أثناء قيام الزوجية االتفاق على ا�ستثمارها وتوزيعها،ي�ضمن هذا التفاق يف وثيقة م�ستقلة عن عقد الزواج" ،وهذا الن�ص ي�سمح للطرفني بت�ضمني العقد �أي �شروط يتفقان عليها ما دامت ال حترم حال ًال �أو حتلل حرام ًا وهنا يجب الوفاء بها ولي�س فيها خمالفة لل�شرع لقوله �صلى اهلل عليه و�سلم( :امل�سلمون عند �شروطهم �إال �شرط ًا �أحل حرام ًا �أو حرم حال ًال) وعقد الزواج الإ�سالمي يت�سع لي�شمل ال�شروط التي يرغب �أي طرفني يف االتفاق عليها وهو �أمر ال يعار�ضه ال�شرع ي�شرط اتفاق الزوجان على ذلك. � 50إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وهناك من ارج��ع �سند العمل به �إل��ى القر�آن الكرمي، حيث يقول �سبحانه وتعالى }:و�أن لي�س للإن�سان �إال ما �سعى ،يف قول احلق عز من قائل� :أَ ْم لمَ ْ ُي َن َّب�أْ بمِ َ ا فيِ �صُ ُح ِف و�سى َو ِ�إ ْب َر ِاه َيم ال َِّذي َوفَّى �أَلاَّ تَزِ ُر َوا ِز َر ٌة ِو ْز َر �أُخْ َرى َو�أَ ْن ُم َ َ لاَّ ُ ِ ْ لن َْ�سانِ ِ�إ َما َ�س َعى َ .و�أ َّن َ�س ْع َي ُه َ�س ْو َف ُي َرى .ث َّم ُي ْجزَ ا ُه َل ْي َ�س ل ِ إ َ ْ ال ْو َف��ى { النجم ، 41 - 36 :ويف هذه الآية دليل الجْ َ ��زَ ا َء أ وا�ضح على عك�س ما ذهب �إليه .فمما تدل عليه الآي��ة �أن حت�صل عليه على الرغم لكل "�إن�سان" حقه يف �سعيه الذي ّ من �صرف �أغلب املف�سرين املتقدمني معنى حق الإن�سان من �سعيه يف الأعمال التي �سيجزى بها يف الآخ��رة ،لكن كما يقال القر�آن حمال �أوجه والوجه الذي ال يتعار�ض مع الأحكام ال�شرعية ال م�شاحة فيه ،وبناء عليه ف�إن القول بالكد وال�سعاية يف الذمة املالية للزوجني ثابت وال دخل لأحدهما بالآخر �إال بطيب نف�س �أو �شراكة بر�ضاهما. وقد يقال ب�أن الآية ال تدل على هذا املعنى �إال من باب داللة الظاهر يف ا�صطالح احلنفية ،حيث مل ي�سق الكالم يب لأجل هذا املعنى .وحينئذ نتلو قوله تعالىِ } :لل ِّر َجالِ ن َِ�ص ٌ يب ممِ َّ ا ا ْكت ََ�سبنْ َ { (الن�ساء،)32 : ممِ َّ ا ا ْكت ََ�س ُبوا َو ِلل ِّن َ�سا ِء ن َِ�ص ٌ وهي يف غاية الت�أكيد والو�ضوح. ويقول تعالى �أي�ضا" :و�إن �أردمت ا�ستبدال زوج مكان زوج و�آتيتموا �إحداهن قنطارا فال ت�أخذوا منه �شيئا� ،أت�أخذونه بهتانا و�إثما مبينا وكيف ت�أخذونه وقد �أف�ض بع�ضكم �إلى بع�ض و�أخذن منكم ميثاقا غليظا" . ف�إذا ت�أملنا هذه الآيات الكرمية التي يعالج اهلل �سبحانه وتعالى فيها حالة املر�أة التي قطعت �شوطا �أو �أ�شواطا مع زوجها يف درب احلياة الزوجية ،و�شاركته فيها حلو احلياة ومرها ،جند فيها كثريا من املعاين تو�صي بعدم حرمان الزوجة من كدها و�شقاها والتي ت�ستحق الوقوف عندها، قال البي�ضاوي يف تف�سريه لال�ستبدال :و�إن �أردمت ا�ستبدال زوج مكان زوج ،تطليق امر�أة وتزويج �أخرى وقال فيه �صاحب الدر املنثور� :إن كرهت امر�أتك و�أعجبتك غريها فطلقت هذه وتزوجت تلك ،وقال ابن عا�شور يف تف�سريه� :إن مل يكن �سبب للفراق �إال �إرادة ا�ستبدال زوج ب�أخرى ،فيلجئ التي يريد فراقها حتى تخالعه ليجد ماال يعطيه مهرا للتي رغب فيها ،نهى عن �أن ي�أخذوا �شيئا مما �أعطوه �أزواجهم من مهر وغريه ،وكلمة "قنطار" التي تعني كرثة املال املعطى للمر�أة وتعني �أي�ضا �أن هذه الكرثة مباحة �شرعا ،لأن اهلل ال ميثل مبا ال ير�ضي �شرعه مثل احل��رام ،و�أخ�يرا عبارة }�أخ��ذن منكم ميثاقا غليظا{ التي ق��ال املف�سرون فيها �إن املراد بامليثاق الغليظ قوله تعالى} :ف�إم�ساك مبعروف
�أو ت�سريح ب�إح�سان{ ،ويف�سر املحقق ابن عرفة الإح�سان بقوله" :الإح�سان �أال يظلمها يف حقها ،فيقت�ضي الإعطاء وبذل املال �أ�شق على النفو�س من حيث املعا�شرة" . وقد ذهب ال�شافعية واحلنابلة واحلنفية �إلى �أنه يجوز لللزوجة �أن ترجع على زوجها مبا �أنفقت ،قال ابن قدامة يف كتابه "املغني" :وتكون النفقة دينا يف ذمته� ،إال �أن ال�شافعية يرون �أنها ترجع عليه مبا �أنفقت �سوى امل�سكن ،قال زكريا الأن�صاري يف "منهج الطالب" :ف�إن �صربت زوجته بها ك�أن �أنفقت على نف�سها من مالها ،فغري ال�سكن دين عليه ،فال ي�سقط مب�ضي الزمن ،بخالف ال�سكن ،ملا مر �أنه �إمتاع . كما �أن فقه النوازل يف املذهب املالكي اهتم ب�سعاية الزوجة يف الأعمال الباطنة ،كالغزل ،والن�سج ،والطرز، واع�ت�بره��ا م��ن خ�لال م��ا ج��رى ب��ه العمل �أع �م��اال منتجة ت�ستحق الزوجة مقابال عنها ،فجاء يف كتاب النوازل "ب�أن ال �شيء على الزوجة من غ��زل ون�سج وغ�يره ،ف��إن قامت بذلك متطوعة به كان للزوج حق االنتفاع بذلك وبثمنه، و�إن �صرحت باالمتناع عن اخلدمة �إال على وجه ال�شركة يف الغزل والن�سج �أو فيهما معا و�أباح لها زوجها ذلك فال �إ�شكال يف ا�شرتاكهما يف ذلك املعمول� ،أما �إذا �سكتت وقامت بالعمل دون �أن ت�صرح ب�أي وجه من الوجهني قامت به ،هل على وجه التطوع �أم على وجه ال�شركة ،ثم طالبت بعد ذلك بن�صيبها يف ما �أجنزته على �أ�سا�س �أنها قامت بذلك على وجه ال�شركة �أو الرجوع بقيمة العمل ،و�أنكر الزوج ذلك، حلفت �أنها ما غزلت وال ن�سجت �إال لتكون على حظها يف املعمول ،و�إذا حلفت قوم عملها يف الكتان وال�صوف فيكون الثوب بينهما م�شرتكا ،وكذلك الغزل ،هكذا روي عن مالك وابن القا�سم وغريهما . ففكرة الكد وال�سعاية جتد �أ�سا�سها يف املبادئ العامة لل�شريعة الإ�سالمية القائمة على املودة والرحمة ،والتي متت ترجمتها يف واقعه ق�ضى بها �سيدنا عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه حينما ق�ضى يف واقعة عمر بن احل��ارث وحبيبة بنت زري��ق ،حيث ك��ان زوجها ق�صارا يتجر يف الأث��واب، وكانت ت�ساعده يف ترقيمها حتى اكت�سبا ماال كثريا ،فمات عمر وجاء ورثته وا�ستحوذوا على مفاتيح املخازن واقت�سموا املال بينهم ،ف�أقامت عليهم الزوجة حبيبة بنت زريق دعوى وطالبت بعمل يدها و�سعايتها مرتافعة مع ال��ورث��ة �أم��ام
�أم�ير امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب ،ال��ذي ق�ضى بينها وبني الورثة ب�شركة املال وق�سمته �إلى ن�صفني� ،أخذت منه حبيبة الن�صف بال�شركة بالإ�ضافة �إلى ن�صيبها من الإرث كزوجة. اما م�س�ألة حتديد الطبيعة القانونية حلق الكد وال�سعاية مل تلق اهتماما وا�سعا من قبل فقهاء النوازل الذين در�سوا و�أ�س�سوا لهذا احلق وق�ضوا به يف العديد من الق�ضايا التي عر�ضت عليهم ،بل �أنهم �صبوا جل �أوقاتهم يف تنظيم �شروطه وق��واع��ده و�ضمان توافقه مع ال�شرع واالجتهاد، وهذا ما جعلهم يختلفون حول طبيعة ال�سعاية �أو الأموال التي ت�أخذها ال�ساعية ،هل هي على �سبيل الأجرة يف مقابل جهدها املبذول يف تنمية هذه الأموال؟ �أم على �سبيل الكراء؟ �أم ه��ي ح�صة م��ن الأرب ��اح مم��ا يعطيها �صفة ال�شركة؟ وبالت�أمل يف خ�صو�صية حق الكد وال�سعاية والأحكام التي �أ�س�س عليها ،يتبني �أنه: � -1إن حق الكد وال�سعاية يثبت بغ�ض النظر عن وجود تع�سف يف حق الطالق من عدمه. � -2إن حق ال�سعاية يثبت �سواء ترتب عن الطالق �ضرر ام ال ،واحلال �أن ال�ضرر ركن الزم لثبوت امل�س�ؤولية. -3ان املقابل امل�ستحق عن ال�سعاية يقدر بح�سب عمل الزوجة ،وما قدمته من جمهودات وما حتملته من �أعباء لتنمية �أموال الأ�سرة. لنخل�ص يف الأخ ��ر �إل��ى �أن ح��ق ال�ك��د وال�سعاية حق �شخ�صي ،و�أن الكد وال�سعاية لي�ست بدعة حمدثة وال جمرد عرف م�صطنع �أو عادة جرى بها العمل ،و�إمنا هي قاعدة جتد �سندها الواقعي يف ق�ضاء ثاين اخللفاء الرا�شدين عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه ،وتتما�شى مع الفقه املالكي هو الذي يعطي حلق الكد وال�سعاية �أحكام ال�شركة وقد يعني كذلك هذا احلق ما ح�صله الزوجان خالل زواجهما ،مع اعتبار عمل املر�أة املنزيل بانه ذا عائد اقت�صادي فاملكانة يف الأ�سرة لي�ست فقط ملن تدبر الإنفاق و�إمن��ا �أي�ض ًا ملن يرعاه ويدبر �ش�ؤون املنزل وميده باحلميمية واحلنان ويعمل على ا�ستقرارها ،فكل هذه الأ�سانيد تقول ب�شرعية حق الكد وال�سعاية بال�شكل ال�سابق بيانه ،وتكمل بع�ضها البع�ض ،مما جعل الفقهاء املغارية يولونه االجازة والتطبيق.
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
51
دراسات الوسطية
املنهج اخلفي و�أثره يف تعزيز الو�سطية واالعتدال �إعداد :د /جمال نايف الأ�شقر �أ�ستاذ م�ساعد /جامعة البلقاء التطبيقية �سابقا �أ�ستاذ م�ساعد /جامعة �صحار � /سلطنة عمان �سابقا التخ�ص�ص :املناهج وطرائق التدري�س العامة.
مفهوم املنهج اخلفي : يتعلم الطلبة ق ��در ًا ك �ب�ير ًا م��ن امل �ع��ارف واحلقائق واملعلومات واالجتاهات داخل املدر�سة من م�صادر غري املنهج املق�صود �أو املخطط له ( املنهج الدرا�سي الر�سمي). وه��ذا النوع من املناهج يتخذ ع��دة �أ�سماء ولكنها حتت معنى واحد ،فتارة ي�سمى املنهج اخلفي �أو ال�صامت وتارة ي�سمى املنهج امل�سترت �أو ال�ضمني �أو غري الر�سمي� ،أو املنهج املغطى. وال يوجد �إتفاق بني الرتبويني على تعريف دقيق وموحد للمنهج اخلفي �إال �أن هناك اتفاق ًا �ضمني ًا حول مفهوم املنهج اخلفي ال��ذي �سيت�ضح لنا من خ�لال التعريفات الآتية: يو�صف املنهج اخل�ف��ي ب�أنه ":املنهج امل�ت�ك��ون من ال�سلوك والقيم وامل�ع��اين التي ُت��د َّر���س للطلبة بوا�سطة املدر�س �أو املدر�سة من غري تخطيط .ويعرف �أي�ضا ب�أنه: " جمموعة املفاهيم والعمليات العقلية واالجتاهات والقيم وال�سلوكيات التي يكت�سبها املتعلم خارج املنهاج املكتوب بطريقة الت�شرب ودون �إ�شراف وذلك نتيجة تفاعل املتعلم مع زمالئه ومعلميه والإداري�ي�ن يف املدر�سة وم��ن خالل الأن�شطة غ�ير ال�صفية وباملالحظة وال �ق��دوة ( مرعي واحليلة)48 ،2007، ويرى (املو�سى) �أن املنهج اخلفي ميثل القيم والتوجهات التي تظهر يف الن�شاطات واملمار�سات وبع�ض مظاهر ال�سلوك التي يتعر�ض لها الطالب داخل املدر�سة ،مما ال تت�ضمنه املقررات � 52إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الدرا�سية ،وهي التي يت�أثرون بها ويكت�سبونها ب�صورة غري واعية تقريبا ( .املو�سى) 40 ،2000 ، وتتمثل ه��ذه الن�شاطات واملمار�سات يف التوجيهات املبا�شرة التي يتلقاها الطلبة عن طريق املعلمني واملديرين، �أوعن طريق االقتداء به�ؤالء ،كما ت�شمل بع�ض الن�شاطات املبا�شرة الأخ ��رى غ�ير ال�صفية ،كاال�شرطة ال�سمعية والب�صرية �أو املحا�ضرات التوجيهية العامة التي يلقيها بع�ض املحا�ضرين من خ��ارج املدر�سة� ،أو يحدث خارج املدر�سة من ن�شاطات يكون املعلمون طرفا فيها والطالب هدفا لها. ورمبا يكون املنهج اخلفي �أبعد �أثرا يف �صوغ توجهات الطلبة من املناهج الدرا�سية الأكادميية نف�سها ،و�سبب ذلك هو املكانة التي يتمتع بها املدر�س يف نف�س الطالب مما يجعله يثق به ،فيتلقى عنه هذه القيم والتوجهات من غري م�ساءلة يف كثري من الأحيان ،خا�صة حني يكون املعلم على قناعة كبرية مببد�أ معني ،وداعيا ن�شيطا ملا يعتقده. الفوارق بني املنهج الر�سمي واملنهج اخلفي هناك عدة فوارق بني املنهج الر�سمي واملنهج اخلفي ميكن تلخي�صها فيما يلي: - 1املنهج الر�سمي منهج خمطط له وهو منهج مق�صود �أما املنهج اخلفي فهو غري مق�صود. -2ت�أثري املنهج اخلفي يف التلميذ �أو�سع دائرة و�أكرث عمقا والر�سمي �أ�ضيق دائرة و�أقل عمقا. - 3نتائج املنهج اخلفي �أ�سرع انت�شار ًا من املنهج الر�سمي.
-4نتائج املنهج الر�سمي �إيجابيةعلى الأغلب�،أمااملنهج اخلفي فله نتائج �إيجابية و�أخرى �سلبية. – 5يتعلم التلميذ من املنهج اخلفي �أ�شكال التعلم اجلماعي احلقائق بينما يتعلم من املنهج الر�سمي وامل�ه��ارات املق�صودة التي يوليها امل�سئولون االهتمام (عا�شورو�أبوالهيجاء)2004،233، -6يعترب املنهج اخلفي مبثابة جوانب ثابتة ومتغرية للتعليم املدر�سي بعك�س املنهج الر�سمي ،وت��ؤدي هذه اجلوانب �إل��ى �إح��داث التغيري يف �سلوك التالميذ (الإبراهيم، وعبد الرازق.) 1996،120 ، مظاهر و�أمثلة عن املنهج اخلفي 1ـ املنهج اخلفي يف �إطار الأ�سرة: الأ� �س��رة ه��ي �أول جماعة يعي�ش فيها الطفل وي�شعر باالنتماء �إليها ،ويتعلم كيف يتعامل مع الآخرين يف �سعيه لإ�شباع حاجاته ،وتعد الأ�سرة الوحدة االجتماعية البنائية الأ�سا�سية يف املجتمع ،وتن�ش�أ فيها خمتلف التجمعات االجتماعية ،وه��ي امل�سئول الرئي�سي عن تطوير املجتمع وت��وح�ي��ده وتنظيم �سلوك الأف� ��راد مب��ا ي�ت�لاءم والأدوار االجتماعية املحددة وفق ًا للنمط احل�ضاري العام (.نا�صر، )62 ،1996 �إن تعليم الطفل الآداب والأخ�لاق احلميدة،والعادات ال�سليمة هو م�س�ؤولية الوالدين ولي�س م�س�ؤولية املدر�سة وحدها.قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم " :ما نحل وال ٌد ولد ًا �أف�ضل من �أدب ح�سن (".رواه الرتمذي ) �إن التفاعل االجتماعي يف الأ� �س��رة وال�ع�لاق��ات بني �أف��راده��ا،واحل�ي��اة اليومية فيها تعلم الطفل الكثري من ال�سلوكيات ،واخل�ب�رات التي قد ال يتعلمها الفرد �إال يف حميط �أ�سرته ،فهي اجلماعة الأولية التي يخ�ضع الفرد ل�سلطانها ،وت��زوده بالعادات ،والقيم ،وهي �أه��م و�أخطر م�ؤ�س�سات التن�شئة االجتماعية. وميكن �أن نعطي بع�ض الأمثلة لت�أثري الأ�سرة والوالدين بخا�صة على �سلوك الطفل فيما يدخل �ضمن املنهج اخلفي: 1ـ يتعلم الطفل م��ن خ�لال ال�ق��دوة الكثري م��ن ال�ع��ادات والأخ�ل�اق الإيجابية :كال�صدق والأم��ان��ة واملحافظة على ال�صالة وال�صدقة� ...إلخ وذلك من خالل التزام الوالدين مثال بتعاليم الدين ،وقد يتعلم من خالل القدوة �أي�ض ًا عك�س ذلك فيتعلم الكذب و�إهمال العبادات�...إلخ. 2ـ ميكن �أن يتعلم الطفل العنف والق�سوة �إذا عامله الوالدين بق�سوة وا�ضطهاد. 3ـ �إذا �أ�سرف الوالدان يف تدليل �أبنائهم فقد ينتج عن ذلك
الت�سيب وعدم االن�ضباط يف ال�سلوك وعدم القدرة على حتمل امل�س�ؤولية عند الأبناء. 4ـ �إه �م��ال الطفل وع��دم الإه�ت�م��ام مب��ا ي�صدر عنه من �سلوكيات �إيجابية �أو �سلبية يخلق �شخ�صية قلقة مرتددة متخبطة يف �سلوكها. 5ـ ع��دم امل�ساواة بني الأب�ن��اء والتفريق بينهم قد يجعل �شخ�صية الطفل حقودة و�أنانية. 6ـ قد يكت�سب الطفل عادة التدخني �إذا كان �أحد الوالدين �أو كالهما مدخن ًا. -2املنهج اخلفي يف �إطار املدر�سة: ميكن �أن جند املنهج اخلفي فيما يتعلمه الطالب من طبيعة العالقة بني املدير واملعلمني ،و�أ�سلوب تعامل املعلمني مع الطالب ،وعالقة املعلمني مع بع�ضهم البع�ض ،وترتيب الف�صول ونوع الأثاث وو�ضعه يف املدر�سة ،و�أحاديث املعلمني العلمية والثقافية واالجتماعية ،وتوزيع الوقت الدرا�سي، واللوائح والأنظمة والتعليمات التي تطبق عليهم. وم��ن املمكن حتديد بع�ض املظاهر التي متثل املنهج اخلفي يف البيئة املدر�سية ومنها: 1ـ ال�سلوك ال�شخ�صي للمعلم ،وعالقته بالتالميذ ،و�أي�ض ًا مبدير املدر�سة وباملعلمني الآخرين ...فيتعلم التلميذ من طريقة تعامل املعلم معه الكثري من �أمناط ال�سلوك، فقد يتعلم احرتام الآخرين وتقديرهم �إذا عامله املعلم باحرتام وتقدير ،وقد يتعلم ال�سخرية من الآخرين وعدم تقديرهم �إذا عامله املعلم ب�سخرية وازدراء ..وهكذا 2ـ يتعلم التلميذ الت�سيب وعدم االلتزام بالقوانني والأخالق والنظم �إذا كان املعلم مت�ساه ًال مع التالميذ وال يكرتث ب�أخطائهم. 3ـ يتعلم التالميذ الإهمال لآراء الآخرين ومقاطعتهم �إذا كان املعلم يقاطعهم وال يرتك لهم حرية يف التعبري عن �آرائ�ه��م،ويف املقابل قد يتعلم ح�سن الإ�صغاء واحرتام �آراء الآخرين �إذا كان املعلم ي�صغي لتالميذه ويرتك لهم حرية التعبري عن �أفكارهم و�آرائهم و قد يتعلم التعايل والتكرب �إذا عامله املعلم بهذا وقد يتعلم التوا�ضع �إذا عومل به. 4ـ طريقة تناول املناهج املكتوبة لبع�ض امل�سائل قد تكون �ضعيفة �أو خاطئة فت�ؤدي �إل��ى عك�س امل��راد .فقد يقر�أ الطالب م��ن ب�ين ال�سطور معاين ال يق�صدها املنهج املكتوب. 5ـ نظام املدر�سة مبا يت�ضمنه من عدد �ساعات الدوام ،ومن توزيع تلك ال�ساعات ،ومن وجود ف�صل بني اجلن�سني �أو ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
53
دراسات الوسطية اختالط ،ومن �ضبط لنظام الثواب والعقاب �أو ت�س ُّيب فيه.... -6ويقال مثل ذل��ك عن املفارقة بني الأه��داف الرتبوية يج�سد تلك املعلنة ،وب�ين امل�ح�ت��وى ال ��ذي ينبغي �أن ِّ الأهداف. -7البناء املدر�سي مبا يحويه (�أو يفتقده) من م�سجد ومالعب وخم�ت�برات ومكتبة وتدفئة وتهوية ومقاعد مريحة وحجم منا�سب لغرفة ال�صف ولعدد التالميذ ف �ي �ه��ا ،و�أج� �ه ��زة ك�م�ب�ي��وت��ر وق ��اع ��ات ل�ل�م�ح��ا��ض��رات والأن�شطة... 8ـ العالقة بني التلميذ وزمالئه وتفاعله معهم وما ميكن �أن يتعلمه منهم من خالل التقليد �أو الت�أثري و الإقناع. فقد يتعلم التلميذ من زمالئه يف الف�صل عادات طيبة و�إيجابية كالنظافة وح��ب التعلم وال�صدق والأم��ان��ة واحرتام الآخرين� ...إلخ �إذا كان زمال�ؤه ملتزمني بهذه ال�سمات وقد يتعلم الغ�ش والكذب والالمباالة وال�سخرية من الآخرين �إذا كان زمال�ؤه هكذا. 9ـ الأن�شطة التي ي�شرتك فيها التلميذ يف املدر�سة تعلمه الثقة بالنف�س والتعاون وحب العمل وتنظيم الوقت ح�سب طبيعة الن�شاط والدور الذي يلعبه التلميذ فيه. 3ـ جماعة الأقران واملنهج اخلفي: �إن الطفل يحتاج لتكوين جماعة غالب ًاما تكون يف مثل �سنه هم �أ��ص��دق��ا�ؤه و�أق��ران��ه وي�ق��ارن نف�سه بهم ،ويقوم الأق��ران ب��دور فعال يف �إك�ساب الأف��راد �سلوكيات معينة، حيث يتم من خالل تدعيمهم ل�سلوك زمالئهم .فالطفل مع الأقران يدخل يف خربات جديدة تختلف عما ظهر يف حدود الأ�سرة ال�ضيقة ،فمجتمع الأقران يت�صف باالت�ساع ( عمر، ) 124 ،1988 ومن خالل االقتداء واملحاكاة للأقران يتعلم الفرد الكثري من ال�سلوكيات ويكت�سب العديد من االجتاهات فمث ًال: 1ـ يتعلم الطفل م��ن خ�لال حم��اك��اة �أق��ران��ه الكثري من الأخالق وال�سلوكيات االيجابية مثل :ال�صدق والأمانة وااللتزام بالدين� ،إذا انخرط يف جماعة �أق��ران تت�سم بهذه ال�سمات الطيبة. 2ـ �أي�ض ًا من خالل املحاكاة يتعلم الطفل الأخالق والعادات ال�سيئة مثل الغ�ش وتعاطي املخدرات والتدخني والكذب وال�سرقة� ...إلخ. ولذلك فقد حث الإ�سالم على �أهمية االختالط بالرفقاء ال�صاحلني والنهي عن رفقاء ال�سوء. � 54إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
4ـ و�سائل الإعالم و املنهج اخلفي: املق�صود بو�سائل الإع�لام جميع امل�ؤ�س�سات والهيئات احلكومية ،والأهلية التي تن�شر الثقافة للجماهري ،وتعنى بالنواحي الرتبوية كهدف لتكيف الفرد مع اجلماعة ،ومن هذه امل�ؤ�س�سات ال�صحف ،واملجالت ،والإذاعة ،والتلفزيون، و �شبكة املعلومات( الإنرتنت ) على اعتبار �أنها تقدم من املعلومات �أكرث مما يقدم عرب و�سائل الإعالم الأخرى. ومما ال �شك فيه ونحن نعي�ش هذه التطورات املذهلة يف عامل الإعالم واالت�صاالت �أن يلعب الإعالم دور ًا هام ًا وخطري ًا يف الت�أثري على اجتاهات الأفراد و�سلوكياتهم. �إن ت�أثري و�سائل الإعالم يف اجتاهات الأفراد و�أفكارهم كبري وخطري ،ونحن اليوم يف هذا الوقت الذي تطورت فيه و�سائل الإعالم �إلى ٍ حد بعيد جد ًا لنواجه خطر ًا ج�سيم ًا على فكري ي�ستهدف قيمنا و�أخالقنا الإ�سالمية،مع وجود غز ٍو ٍ هذه القيم والأخ�لاق ؛ ف�أ�صبح لزام ًا علينا مواجهة هذا اخلطر وذلك بغر�س القيم واملبادئ ال�صحيحة يف نفو�س �أبنائنا مما ي�ساعدهم على التمييز بني الغث وال�سمني مما يبث عرب الو�سائل الإعالمية املختلفة التي �أ�صبحت يف متناول اجلميع،و�أ�صبح من ال�صعب التحكم فيها �أو منعها. وهنا ي�أتي دور الأ�سرة يف مراقبة الأبناء وتوجيههم وقبل ذلك تربيتهم الرتبية الإميانية التي حتميهم من الت�أثري ال�سيئ لهذه الو�سائل. 5ـ ت�أثري امل�سجد يف �سلوك الأفراد واجتاهاتهم: ي�ؤدي امل�سجد وظيفة حيوية يف حياة الأفراد واجلماعات، وهو م�ؤ�س�سة هامة من م�ؤ�س�سات الرتبية والتعليم ؛ ففي امل�سجد تنطلق الدعوة �إلى التم�سك ب�أهداب الدين ،والقيم اخللقية والروحية ،والتقرب من اهلل �سبحانه وتعالى وهذه تربية �إميانية نحن اليوم يف �أم�س احلاجة للرتكيز عليها. وال بد من الت�أكيد على �أن املتغريات اجلديدة تت�سم بانفتاح هائل لل�شهوات ،و�أبواب الف�ساد املحرمة ،من خالل القنوات الف�ضائية و�شبكة الإنرتنت ،واالنفتاح املتزايد على العامل الآخر. وال يوجد م�ؤ�س�سة ترعى الرتبية الإميانية �أف�ضل من امل�سجد ؛ ذلك �أن امل�سجد فيه اجلو الرباين ال��ذي يلقي بظالله الروحية على الإن�سان ال �سيما �أن امل�سلم يت�صل بامل�سجد خم�س مرات يف اليوم من خالل �صلواته اخلم�س. وميكن �أن يلعب امل�سجد ه��ذا ال��دور م��ن خ�لال :حلقات الذكر ،مراكز حتفيظ القر�آن والندوات واملحا�ضرات�...إلخ 6ـ ت���أث�ي�ر م ��ؤ� �س �� �س��ات �أخ � ��رى يف امل�ج�ت �م��ع ( الأن��دي��ة واجلمعيات)...
مع تطور احلياة ،وتراكم الثقافة ،وتنوعها ظهرت يف املجتمع م�ؤ�س�سات اجتماعية متنوعة مل تعرف من قبل.من بني هذه امل�ؤ�س�سات الأندية مبختلف �أنواعها فهناك �أندية ريا�ضية ،وثقافية ،وعلمية .وعلى الرغم من التخ�ص�ص يف ناحية معينة لهذه الأندية �إال �أننا جند لها اهتمامات يف �ش�ؤون متعددة ،وجندها توفر لأع�ضائها العديد من �ألوان الن�شاطات. و�سائل �ضبط املنهج اخلفي والتقليل من �آثاره ال�سلبية �إن م�شكلة توجيه املنهج اخلفي و�ضبطه واحل��د من �آث��اره ال�سلبية على النا�شئة ت�شكل مهمة لي�ست بالي�سرية على املربني ،ومهما يكن ،ف�إن احلاجة ملحة �إلى �ضرورة الإ� �ش��راف املتوا�صل على الأب�ن��اء وتوجيههم با�ستمرار، واالهتمام مب�صاحلهم ورغباتهم وحاجاتهم ،وقد يتحقق ذلك من خالل التعاون والتن�سيق الهادف واملدرو�س بني املدر�سة واملجتمع املحلي التابعة له ( حمدان.) 38 ،1982 ، �إن ال�سلوكيات اخلاطئة والأفكار املنحرفة واملعلومات املغلوطة ال يتعلمها الطالب على علم ودراية من املدر�سة و�إمنا غالب ًا ما تكون من خالل املنهج اخلفي لأن املنهج الر�سمي املعلن يخ�ضع للتخطيط ،وحمتواه ين�سجم والأهداف العليا التي تن�شدها املدر�سة كما �أنه يخ�ضع للإ�شراف واملتابعة من قبل املعلم و�إدارة املدر�سة والإ�شراف الرتبوي ،وبالتايل ف�إن النتائج التي يحققها املنهج الر�سمي هي نتائج م�ضمونة
ت�صب يف املقا�صد ال�سامية للرتبية� .أما املنهج اخلفي ف�إذا كان بعيد ًا عن الإ�شراف واملتابعة والرقابة ف��إن الطالب يكت�سب من خالله �سلوكيات ومفاهيم وقيم غري مرغوب فيها ،ت�سهم يف ت�شكيل �أمناط �شخ�صيته وبالتايل تنعك�س على �سلوكياته داخل املدر�سة وخارجها. ولكي يقوم املنهجان املعلن واخلفي بدورهما يف �إ�شاعة روح الأمن و�صناعة الوحدة الوطنية وال�سلوك الذي يت�سم بالو�سطية واالعتدال ينبغي اتخاذ العديد من الإجراءات والإحتياطات والتدابريمنها: 1ـ تنمية ال��وازع الديني لدى الطلبة و القائم على التقوى وااللتزام باملبادئ النابعة من العقيدة الإ�سالمية وما حت�ض عليه من �آداب وقيم واجتاهات� ،إ�ضافة �إلى تعميق مفهوم الو�سطية لديهم مبا ميكنهم من فهم دينهم فهما متكامال ومتوازنا و لي�شكل ذلك لديهم املعيار الذي على �أ�سا�سه ي�ضبط الطالب �سلوكه وت�صرفاته ويقبل �أو يرف�ض القيم والأفكار التي يتلقاها من خالل املنهج اخلفي. -2تقوية الإرادة عند الطالب لأن املنهج اخلفي مفتوح ويتطلب االختيار ال�سليم من كل ما يعر�ض عليه واالختيار ال�سليم يتطلب الإرادة القوية. 3ـ الوقاية خري من العالج ،وحماولة �إبعاد الطالب عن املمار�سات التي ت�ؤدي �إلى �إك�سابهم بع�ض ال�سلوكيات والقيم �أو الأفكار غري املرغوب فيها. ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
55
دراسات الوسطية
4ـ ال�ترك�ي��ز �أث �ن��اء املنهج املعلن على امل�ستويات العليا واملتقدمة يف التفكري مثل التحليل والتقييم واحلكم على الأ�شياء لي�ستطيع الطالب عند تعر�ضه للمنهج اخلفي �أن يقيم الأ�شياء ويحكم عليها ومن ثم يختار على ب�صرية بد ًال من الرتكيز على التلقني والتذكر وهي م�ستويات دنيا تعود الطالب على تقبل الأ�شياء على عالتها ودون متحي�ص �أو درا�سة واعية ناقدة. -5الرتكيز يف املدر�سة على مهارات تطوير الذات وبناء ال�شخ�صية وتعزيز الثقة بالنف�س وتقبل النقد واحرتام الآخر وهي مهارات ميكن تدريب طالبنا عليها وتطوير قدراتهم واكت�شاف ذواتهم ليكون الطالب ق��ادر ًا على التعامل ب�إيجابية مع املواقف اجلديدة التي يتعر�ض لها. �-6إذك��اء روح الو�سطية وتبيان �أهمية املنهج الو�سطي , و�أهمية الثبــات عليه وعدم النكو�ص والرتاجع عنه. � 56إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
-7ح�سن اختيار القيادات على اختالف مواقعها يف كل ال�ش�ؤون الدينية واملدنية والع�سكرية و�أن تكون هذه القيادات املختارة من الذين يثبت �أنهم ميثلون فئة الو�سط كما بني ذلك القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية. � -8أال ي�سمح با�ستغالل �أي خا�صية م��ن �أي ن��وع ك��ان يف تر�سيخ �أو ت�أ�صيل �أو بث قيم تخرج عن الو�سطية التي حددها القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية �سواء كان ذلك على املنابر �أو يف قاعات التعليم والتعلم �أو يف الأندية الأدبية والثقافية �أو يف املع�سكرات ونحوه ,كما �أن هذا ينطبق على الذين يحاولون الإق�لال من مكانة الدين والثقافة الأ�صيلة املقرتنة به. � --9أن تلتزم م�ؤ�س�سات الرتبية والتعليم الر�سمية وغري الر�سمية بت�أكيد االن�ت�م��اء الوطني وحتقيق ال��وح��دة الوطنية ,واعتبار �أن �أي نوع من التعامل ال��ذي ي�شكل
متييز ًا �أو تفرقة هو من قبيل االع�ت��داء على الوحدة الوطنية. -10العمل على �إط�لاق تطبيقات و�آليات تنمية مهارات التفكري العلمي واملو�ضوع الإبداعي والنقدي يف خمتلف املمار�سات الرتبوية الر�سمية وغري الر�سمية �سعي ًا لتقوية التفكري االجتماعي ,والتخل�ص من الأفكار التقليدية يف احل��وار واملناق�شة والطرح ,وتقلي�ص ًا خلا�صية ال��ر�أي الأوحد ,والت�سلطية الرتبوية. �إن املناهج اخلفية ذات م�صادر تفوق املناهج املعلنة ويكاد ال يوجد م�صدر واحد ال ت�ستثمره املناهج اخلفية يف �سبيل
تر�سيخ �أو �إ�ضفاء قيم معينة لدى جميع �شرائح املجتمع وفئاته� .إن �أي خلل يف �أي جهاز ر�سمي �أو غري ر�سمي يف الدولة هو م�صدر ملعلومات تبث يف نفو�س النا�شئة وغريهم وت�ترك �أث��ر ًا بين ًا لديهم ي�صعب تغيريه عرب �أ�ساليب املنهج املعلن ,ومن هنا كان �ضروري ًا �أن تتناغم املناهج املعلنة واخلفية ولكن هذا التناغم ال ميكن �أن يحدث على الإط�لاق �إال يف �إط��ار �سيا�سات �إ�صالحية جذرية عامة تكاملية. و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني .
املراجع ـ القر�آن الكرمي. ـ احلديث النبوي ال�شريف. ـ الإبراهيم ،عبد الرحمن ح�سن وعبد الرازق ،طاهر حممد ( .) 1996ت�صميم املناهج وتطويرها :مناذج وتطبيقات. القاهرة :دار النه�ضة العربية. ـ حمدان ،حممد زياد ( .) 1982املنهج� :أ�صوله و�أنواعه ومكوناته .الريا�ض :دار الريا�ض للن�شر والتوزيع. ـ �شحاتة ،ح�سن و�أبو عمرية ،حمبات ( .)1994املعلمون واملتعلمون� :أمناطهم و�سلوكهم و�أدوارهم .ط ،4القاهرة :مكتبة الدار العربية للكتاب. ـ �ضمرة ،عزمي �أحمد ( .) 2002حتليل املناهج وتقوميها ونقدها .بريوت :الوراق للن�شر والتوزيع. ـ عا�شور ،راتب قا�سم و �أبو الهيجاء ،عبد الرحيم عو�ض ( .)2004املنهج بني النظرية والتطبيق .ط ،1عمان :دار امل�سرية للن�شر والتوزيع والطباعة. ـ ع�صفور ،رم�ضان �أحمد عبد ربه ( .) 2002الإ�سالم والعامل بني الت�سامح والتع�صب .القاهرة :مكتبة وهبة. ـ عطا� ،إبراهيم حممد ( .) 1992املناهج بني الأ�صالة واملعا�صرة .القاهرة :مكتبة النه�ضة امل�صرية. ـ عمر ،ماهر حممود (� .)1988سيكولوجية العالقات االجتماعية .ط ،1اال�سكندرية :دار املعرفة اجلامعية. ـ الفتالوي� ،سهيلة حم�سن كاظم وهاليل� ،أحمد ( .) 2006املنهاج التعليمي والتوجه الأيديولوجي .عمان :دار ال�شروق. ـ مرعي ،توفيق �أحمد واحليلة ،حممد حممود ( .)2007املناهج الرتبوية احلديثة :مفاهيمها وعنا�صرها و�أ�س�سها وعملياتها .ط ،5عمان :دار امل�سرية. ـ نا�صر� ،إبراهيم ( .)1996علم االجتماع الرتبوي .ط ،2بريوت :دار اجليل. ـ ن�شوان ،يعقوب ح�سني ( .)2005الرتبية يف الوطن العربي .ط ،1عمان :دار الفرقان للن�شر والتوزيع. ـ الوكيل ،حلمي �أحمد وحممود ،ح�سني ب�شري ( .)1999االجتاهات احلديثة يف تخطيط وتطوير مناهج املرحلة الأولى. القاهرة :دار الفكر العربي. ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
57
فتاوى اسالمية
فتاوى �شرعية �إ�رشاف �أ.د .حممد الق�ضاة
ال�س�ؤال الأول : ما احلكم ال�شرعي يف �أداء الق�سم على فري�ضة احلج، وما الت�أ�صيل ال�شرعي لهذه امل�س�ألة ؟ • ال يخفى على �أحد تزايد عدد احلجاج وهلل احلمد، وم��ن �أ�سباب ه��ذا التزايد ال�صحوة الدينية ل��دى الأم��ة الإ�سالمية ،و�سهولة الو�صول �إلى مكة املكرمة ،فلو ترك الأمر بال تنظيم ملا ا�ستطاعت �ساحات احلرم �أن ت�ستوعب احلجاج ،وبهذا ُيحرم ال�ضعيف ماديا �أو معنويا من �أداء فري�ضة احل��ج ،ويبقى املجال للأقوياء ل�ي��ؤدوا املنا�سك مرات عديدة ،فكان البد من تنظيم هذا الأم��ر ،فاتفقت الدول الإ�سالمية على �أن يكون لكل دولة عددا من احلجاج يتنا�سب مع عدد �سكانها وت��رك لكل دول��ة �أن تنظم هذا الأمر بني مواطنيها. ويف الأردن ُن ِّ�سق الأمر ،بحيث تكون الأولوية ملن تقدمت بهم ال�سن ولأ��ص�ح��اب الأع ��ذار اخلا�صة مم��ن مل ي ��ؤدوا فري�ضة احلج ،وغالبا ما يكون ه�ؤالء ممن جتاوزوا ال�ستني من �أعمارهم ،والب��د من و�سيلة ملعرفة َم� ْ�ن حج َوم� ْ�ن مل يحج ،وقد ارت�أت وزارة الأوقاف يف الأردن �أن يحلف اليمني من �أراد فري�ضة احلج �أنه مل يحج ،وهذا �أمر م�شروع �إذا بنى على ذلك حتقيق م�صلحة �شرعية ،وامل�صلحة هنا �أن ال يحج من �أدى فري�ضة احلج ويحرم من مل يحج ،ومثل هذا ما يفعله القا�ضي من ا�ستحالف املدعي كي ال ت�ضيع احلقوق .واهلل �أعلم. ال�س�ؤال الثاين : ماحكم بيع و�شراء ت�أ�شريات احلج بني النا�س؟ وهل هناك فرق بني من ا�ضطر لذلك �أو من كان و�ضعه املادي جيدا ومن كان غري ذلك؟ • بيع ت�أ�شريات احلج ال يجوز لأن ال�سفارة ال�سعودية متنح بع�ض النا�س ت�أ�شريات ليحجوا من باب املجاملة التي تهتم بها ال�سفارة لإبقاء عالقة طيبة بني ال�سفارة والبلد امل�ضيف ،وهذه الت�أ�شريات ال حت�سب من العدد املخ�ص�ص للدولة امل�ضيفة ،ومن يبيع ت�أ�شرية منحت له فهذا �أي�ضا ال ي�ج��وز ،فالت�أ�شرية املمنوحة يجب �أن تكون على قدر � 58إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
احلاجة ،ومن منحت له �إما �أن ي�ستعملها و�إما �أن يردها �إلى �أ�صحابها� ،أما بيعها فهو من ال�سحت احلرام .واهلل �أعلم. ال�س�ؤال الثالث : ه��ل زي���ارة العيدين تكفي ك�صلة للرحم ؟ وم��ن هم الأرحام اللذين يجب �صلتهم ؟ • ال�ضابط يف حتقيق �صلة الرحم �أن ال يكون الوا�صل قد اعتاد �أن ي�صل رحمه بعدد من الزيارات� ،أو ببع�ض املال والهدايا� ،أو بقدر من االت�صال واملحادثة ثم بعد ذلك يقطع هذا النوع من ال�صلة بالكلية ،فحينئذ يقع هذا القاطع بذنب عظيم ،فقد قال الر�سول " : ال يدخل اجلنة قاطع " متفق عليه ،يعني قاطع رحم. والأرح��ام هم :الأق��ارب من جهة الأب والأم :فيدخل فيهم الأج���داد واجل ��دات والأع �م��ام وال�ع�م��ات والأخ ��وال واخلاالت .واهلل تعالى �أعلم. ال�س�ؤال الرابع : ق��د تقع ال���ردة ع��ن الإ���س�لام م��ن ال���زوج �أو ال��زوج��ة �أو منهما معا ،وقد تكون قبل الدخول �أو بعده ،فما احلكم �إذا وقعت الردة بعد الدخول ؟ • اختلف الفقهاء يف حكم هذا امل�س�ألة على قولني : الأول :ذهب احلنفية واملالكية �إلى �أنه �إذا ارتد امل�سلمبانت منه امر�أته م�سلمة كانت �أو كتابية� ،إذا دخل بها ،ولها كامل املهر ونفقة العدة. الثاين :يرى ال�شافعية واحلنابلة يف �أ�شهر الروايتني�أن العقد موقوف ف�إن تاب ورجع �إلى الإ�سالم مدة العدة عادت �إليه زوجته بدون عقد وال رجعة و�إن مل يتب خالل مدة العدة ف�سخ العقد ،ف�إن تاب بعد ذلك مل يكن له �أن يعود �إليها �إال بعقد ومهر جديدين .وال�ق��ول الثاين هو الراجح واهلل �أعلم.
الركن الطبي
هـــذا خلــق اللــه د.ذيب عبد اهلل ا�ست�شـاري طـب الأطفـال
يقول اهلل عز وجلُ }:ه َو ا َّل ِذي خَ َل َق ُكم ِّمن ُت َر ٍاب ُث َّم ِمن ُن ّْط َف ٍة ُث َّم ِم ْن َع َل َق ٍة ُث َّم ُيخْ رِ ُج ُك ْم ِط ْفلاً ُث َّم ِل َت ْب ُلغُوا �أَ�شُ َّد ُك ْم ُث َّم ِل َت ُكو ُنوا �شُ ُيوخً ا َو ِمن ُكم َّمن ُي َت َو َفّى ِمن َق ْب ُل َو ِل َت ْب ُل ُغوا �أَ َجلاً ون{ (�سورة غافر الآية )67فلنتوقف قليلاً ُّم َ�س ًّمى َو َل َع َّل ُك ْم َت ْع ِق ُل َ عند قوله" :ثم يخرجكم طفل" .فعامل الطفولة فيه الكثري من الأ�سرار ،ومن �آيات اهلل ،لعلنا �أدركنا القليل منها ،ولعل الكثري مل ي�أذن اهلل باكت�شافه بعد. يخرج الطفل من بطن �أم��ه وقبل ذلك هناك هرمون ُيفرز يف الدم يحافظ على بقاء اجلنني يف بطن �أم��ه ،ثم عندما حتني حلظة ال��والدة يتوقف ه��ذا الهرمون ويبد�أ �إفراز هرمون �آخر يعمل على انقبا�ض الرحم ليخرج الطفل معافى �سلي ًما ،فمن الذي �أمر الهرمون الأول �أن يتوقف، ومن الذي �أمر الهرمون الثاين �أن يبد�أ العمل. تخرج �إف���رازات م�صحوبة بقليل م��ن ال��دم م��ن عنق الرحم (عالمة ال��والدة) ون��زول ه��ذه الإف ��رازات ي�ساعد على تو�سع عنق الرحم ويزداد انقبا�ض الرحم وي�أذن اهلل بخروج الطفل من بطن �أمه ،و�أمتنى �أن نلحظ ما ي�أتـي : �إن عظام جمجمة الطفل لي�ست عظمة واح��دة مغلقة مثل الكرة ،ولكنها جمموعة ُعظيمات ،وهي غري ملتحمة ببع�ضها ،ولهذا فوائد عظيمة ،فلو كانت عظمة واحدة �أو كانت ملتحمة ببع�ضها البع�ض ملا �سهل خروج الطفل ،ولكن ق��درة اهلل ع��ز وج��ل (ث��م نخرجكم ط�ف�ًل�اً ) جعلت الأم��ر مي�سو ًرا ،فعند ال��والدة تتداخل فيما بينها في�سهل بذلك خروج الطفل ،ولو كانت وحدة واحدة ملتحمة م ًعا ملا �سهل خروج الطفل ولو خرج �سيكون م�صا ًبا ب�شلل دماغي فال يكرب حجم الدماغ نتيجة نزيف داخل الدماغ �أثناء خروج الر�أ�س �أو لنق�ص الأك�سجني ب�سبب �صعوبة خروج الر�أ�س والوالدة املتع�سرة. ومن فوائد تلك العظيمات وعدم وحدتها ما ي�أتي : �سهولة خ��روج الطفل بطريقة مي�سورة دون ترك �أثر�سلبي على �صحة اجلنني.
تداخل العظيمات عند الوالدة يقلل ال�ضغط على الدماغفيحمي بذلك دماغ الطفل من النزيف الداخلي( .داخل الدماغ). حماية الدماغ من نق�ص الأك�سجني ل�سهولة الوالدة.بعد �أن يخرج الطفل �ساملًا من بطن �أمه ،ولو كانت عظام عظاما ملتحمة م ًعا ملا اجلمجمة عظمة واحدة مثل الكرة �أو ً كربت اجلمجمة وات�سعت وبالتايل ال ينمو وال يكرب الدماغ، و�إن كتبت للطفل احلياة �سيكون م�صا ًبا بال�شلل الدماغي وال ينمو الدماغ وال يكرب حجمه بال�صورة الطبيعية فال ي�ستطيع �أن يتمتع بالقدرات العقلية وال باحلياة الطبيعية ،ولكن من ف�ضل اهلل �أنها عظيمات غري ملتحمة م ًعا ،وكلما كرب الدماغ مت��ددت ه��ذه العظيمات وك�بر حجم اجلمجمة وات�سعت لت�سمح للدماغ �أن ينمو ويكرب وي�أخذ حجمه الطبيعي. و�إننا لنلحظ على �سبيل املثال فتحة يف م�ؤخرة اجلمجة تغلق بعد الوالدة ،ونلحظ كذلك فتحة يف مقدمة اجلمجمة تقري ًبا تغلق بعد عام ون�صف تقري ًبا من عمر الطفل ،بل �إننا نلحظ فراغات يف اجلمجمة بع�ضها يغلق بعد �سن الثامنة ع�شرة من عمر الإن�سان وبع�ضها يغلق بعد �سن ال�ستني من العمر ،ف�سبحان اهلل الذي �أح�سن كل �شيء خلقه! ،و�سبحان الذي �أبدع اخللق! ،ونتذكر هنا قول اهلل عز وجل } :هذا ين ِمن ُدو ِن ِه َبلِ َّ خَ ْلقُ َهّ ِ ون فيِ الظالمُِ َ الل َف�أَ ُرونيِ َماذَ ا خَ َلقَ ا َّل ِذ َ ني { (لقمان)11 َ�ضلاَ لٍ ُّم ِب ٍ فهو �سبحانه وتعالى مبدع اخللق ،وهو اخل ّالق العظيم، ا�س َت ْو َق َد نَا ًرا َف َل َّما وهو العزيز احلكيم } َم َث ُل ُه ْم َك َم َثلِ ا َّل ِذي ْ �أَ َ�ضا َء ْت َما َح ْو َل ُه ذَ َه َب َهُّ الل ِب ُنور ِِه ْم َو َت َر َك ُه ْم فيِ ُظ ُل َم ٍات َاّل ون{ (البقرة)١١٧ : ُي ْب ِ�ص ُر َ ولعلنا نتابع احلديث حول �آيات اهلل عز وجل يف خلق الطفل وكيف ينمو ويرتعرع بعد والدته ،ونتع ّرف على الكثري من الأ�سرار الربانية يف عدد قادم من هذه املجلة الغراء �إن �شاء اهلل.
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
59
رسائل جامعية
الأجل الق�ضائي يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاته يف نظام الق�ضاء ال�شرعي الأردين (ملخ�ص ر�سالة دكتوراه يف الق�ضاء ال�شرعي – كلية ال�شريعة -اجلامعة الأردنية) درا�سة مقارنة �إعداد عبد احلكيم يو�سف بركات ال�شبول �إ�رشاف �أ.د .حممد �أحمد الق�ضاة
ت�أتي �أهمية هذه الدرا�سة يف �أنها (بحثت يف الأجل ال�ضائي يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاته يف نظام الق�ضاء ال�شرعي الأردين ،يف ثالثة ف�صول م�سبوقة بف�صل متهيدي، ج��اء الف�صل الأول فب بيان مفهوم الأج��ل وم�شروعيته وحم��دد لأن��واع��ه ،ث��م ج��اء الف�صالن الأول وال�ث��اين من هذه الدرا�سة باحثني للجانب النظري للأجل الق�ضائي يف الفقه والقانون ،فاخت�ص الف�صل الأول يف بيان وجهة النظر الفقهية والقانونية ملعنى الأج��ل الق�ضائي وبيان م�شروعيته وذكر �شروطه وحتديد مدته ،وتو�ضيح ال�سلطة املخولة يف ا�ستعماله وبيان �صاحب احلق يف طلبه ،وبيان حكم التع�سف يف ا�ستعماله وطلبه . �أما الف�صل الثاين فقد جاء باحثا يف موجبات الت�أجيل الق�ضائي وم�سوغاته يف الفقه الإ�سالمي والقانون ،مبينا
�أن تلك الآجال قد تكون ملا ي�ستوجبه تقدمي الدعوى قبل �إج��راءات الف�صل فيها� ،أو ملا ي�ستوجبه حق اخل�صم يف الإجابة على الدعوى� ،أو ما ي�ستوجبه �أمر �إثبات الدعوى و�إ�صدار احلكم فيها وتنفيذه من �آجال ق�ضائية ترجع �إلى �أطراف الدعوى والقا�ضي الناظر فيها. وجاء الف�صل الثالث باحثا يف تطبيقات الأجل الق�ضائي يف نظام الق�ضاء ال�شرعي الأردين ،جم�سدا ب�صورة عملية وواقعية ملا مت بحثه من جوانب نظرية �سابقة له. ثم خل�صت ه��ذه الدرا�سة �إل��ى جمموعة من النتائج والتو�صيات ،التي �أرجو من اهلل العزيز الكرمي �أن �أكون قد وفقت يف عر�ضها .
� 60إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
واحة الوسطية �شخ�صيــّة العـــدد
�أ.د .عبد اللطيف الهميم
رئي�س ديوان الوقف ال�سني بالعراق ت�شهد ال�ساحة الفكر ّية هذه الأي��ام موجة بل �أم��واج متالطمة ،اختلط فيها ال�سيا�سي بالفكري و الديني بالفل�سفي حتى بات القارئ واملتابع للأحداث يف حري ٍة من �أمره ،ويف ظل هذه الأج��واء اختارت جملة الو�سط ّية لهذا العدد املفكر الإ�سالمي العربي العراقي الأ�ستاذ الدكتور عبدالطيف الهميم ليكون �شخ�ص ّية هذا العدد، وهو اختيار ي�أتي لي�ؤكد �أهم ّية �أعالم الفكر الإ�سالمي يف الت�أ�صيل والتنوير كو�سائل ملحاربة التطرف والإره��اب ال�ل��ذان ميثالن فكرا ظالميا ي�ضاد مقا�صد الإ��س�لام ال�سمحة. ُول��د الأ�ستاذ الدكتور الهميم عام 1952مليالد امل�سيح -عليه ال�سالم -مبدينة الأنبار العراقية لأب عربي �شب فتي ًا للإلتحاق باحللقات م�سلم وقد اندفع بعد �أن ّ العلمية الدينية والثقافية حيث تلقى العلم على يد علماء وم�شايخ مدينة الرمادي التي بد�أها بالقر�آن الكرمي ،ثم التحق بالثانوية العامة ثم اجلامعة حيث تخرج يف كلية الآداب -جامعة بغداد ،بغداد تلك املدينة التي وقفت �شاهدة على ع�صور العلم واملعرفة على امتداد التاريخ العربي الإ�سالمي بل قبل ذلك ُعرفت بغداد والب�صرة كثريا من العلوم واملعارف بحكم موقعها احليوي وامتياز �أبنائها بالنجابة والفطنة وحب املعرفة التي �أخذت منها �شخ�صية هذا العدد احلظ الأوف��ر ،وبعد ح�صوله على ال�شهادة اجلامعية الأولى در�س الهميم الفقه والتف�سري وع�ل��وم احل��دي��ث م��ن �أم�ه��ات الكتب العلمية ،ث��م التحق بجامعة الأزهر ال�شريف بجمهورية م�صر العربية فح�صل على �شهادة املاج�ستري يف ال�شريعة والقانون ثم �شهادة الدكتوراه يف الفل�سفة من معهد الدرا�سات العربية و�شهادة الدكتوراه يف االقت�صاد الإ�سالمي من جامعة بغداد. وق��د ب��رز الهميم يف ح�ق��ول الفكر الإ��س�لام��ي واملعارف الإن�سانية وك�أمنا ي�سري على خطى �سلفه من �آباء و�أجداد ،فهو �سليل عائلة عريقة وممتدة لعبت �أدوارا حمورية ومهمة يف احلياة ال�سيا�سية واالجتماعية يف بالد الرافدين ،وقبل �أدواره االجتماعية فقد كان وما زال له يف الأو�ساط الأكادميية ح�ضورا مميزا حتى �صار موردا لطالب العلم واملعرفة ،كما �أثرى الهميم املكتبات العربية
والإ� �س�لام �ي��ة مب��ؤل�ف��ات �أ�ضاءت دياجر وفتحت مغالق ،و�أب ��رزت خبايا ال���زواي���ا يف ال�ق���ض��اي��ا املركزية للأمة العربية والإ�سالمية ،ويف طليعة م�ؤلفاته : -1الإ�� �ش� �ك ��ال� �ي ��ة ال� �ط ��ائ� �ف� �ي ��ة وح ��دي ��ث الفرقة الناجية. -2اخل � �ل ��اف� � � ��ة: �إ�� �ش� �ك ��ال� �ي ��ة اخل� �ط ��اب ال�سيا�سي الإ�سالمي و�شرعية الدولة الوطنية. � -3إدارة الأزم � ��ة وق��ي��ادة ال �� �ص��راع يف امل���وروث الإ�سالمي املعا�صر. -4منطق �أر�سطو و�أثره يف بنية الفكر الإ�سالمي. -5مو�سوعة �أح��ادي��ث ال�سيا�سة ال�شرعية (�أربعة جملدات) وغري ذلك ما يربو على خم�سني م�ؤلفا وبحثا لأهم الق�ضايا الإن�سانية. ومل يقف ال�ت��أل�ي��ف عائقا �أم ��ام ال��رج��ل للم�شاركة االجتماعية وال�سيا�سية والثقافية ،فقد �شغل من�صب الأمني العام لعلماء ومثقفي العراق ،كما كان رئي�سا لتيار النه�ضة العراقية وع�ضوا مل�ؤمتر ال�صحوة الإ�سالمية وع�ضوا م�شاركا يف م�ؤمتر التقريب بني املذاهب الإ�سالمية بالإ�ضافة لع�ضويته يف املنتدى العاملي للو�سطية ،والذي و ّثق ع�ضويته فيه و�أثبت ح�ضوره ملحافل ومنا�سبات املنتدى ال�سنوية ملا ميثله املنتدى وي�ؤمن به من منهج و�سطي وفكر يجمع امل�سلمني وينادي فيهم بعدم الفرقة وال�شتات والغلو والتطرف� ،شعاره يف ذلك قوله تعالى " :و� ّإن هذه �أمتكم �أم��ة واح��دة " " .وكذلك جعلناكم �أم��ة و�سطا لتكونوا �شهداء على النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا ".
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
61
واحة الوسطية
واقــــع الأمـــة �شعر :الدكتور ذيب عبد اهلل
احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل ،هذه الق�صيدة ت�صوير للواقع ودعوة للت�أمل ولي�س للي�أ�س ،ف�إننا ال ني�أ�س من رحمة اهلل. ت�������ف������� ّرق ال������ن������ا�������س �أه����������������واء و�أح����������زاب����������اً
�أ���ض��ح��ى ال���ه���وى ع��ن��ده��م ُع���رف���اً وحم��راب��ا
�������اب اهلل ي���ج���م���ع���ه���م ن��������ادي��������تُ ع��������� َّل ك�������ت َ ف���م���ا ا����س���ت���ج���اب���وا وظ������� ّل ال����ب��ي�ن ح���ادي���ه���م
�أو ي����رق����ب����وا ب���ي���ن���ه���م ق�����رب�����ى و�أن���������س����اب����ا وا�����س����ت����م����ر�ؤوا ال�������ذل خ�����ذال ًن�����ا و�أو�����ص����اب����ا وف������� ّرق�������ت�������ه�������م ج��������م��������اع ٍ ��������ات و�أل�������ق�������اب�������ا
مل��������ا ت�����ن�����اف�����������س يف ال������دن������ي������ا �أئ����� ّم�����ت�����ه�����م ت����اه����ت م���راك���ب���ه���م يف ال���ب���ح���ر م����ن خ��ب ٍ��ل مل����ا ن��������أى ال����ق����وم ع����ن �أح�����ك�����ام � ِ���ش���ر َع��� ِت���ه���م
ت���ن���او����ش���ت���ه���م ذئ���������اب الأر��������������ض �أ�����س��ل�اب����ا
م������ن ا�����س����ت����ج����ار ب�����ن�����ار ال����ظ����ل����م حت���رق���ه
م�����ن ا�����س����ت����ك����ان حل����ك����م ال����ب����غ����ي ق�����د خ���اب���ا
م�����ن ������س�����ار يف ����س���ن���ة الأع�������������داء ي��ت��ب��ع��ه��م
م�����ن ب�������� ّدل اجل����ل����د يف �إر�����ض����ائ����ه����م ذاب�����ا
� �س��ام��وه ب��ال���س��وط ف ��وق الأر� � ��ض يحرثها
ي����رع����ى اخل�����ن�����ازي�����ر م�����ن �أه�������وال�������ه ����ش���اب���ا �أو ه������ل ي�����ن�����ال ب����ه����ا ح�����ظ�����اً و�إع�����ج�����اب�����ا
ل�������و ك���������ان ي����ع����ل����م م�������ا الأي���������������ام ����ص���ان���ع���ة م�����ا ������س����� ّوف ال�����ت�����وب م�����ن ذن�������ب ت��ع�����شّ ��ق��ه م�����ا خ������ان ع�����ه�����داً م�����ع ال����رح����م����ن ي��ق��ط��ع��ه ال ُي����خ����رج ال����ن����ا� َ����س م����ن ح ٍ �������ال �أ ّ مل ب��ه��م
جت�����ري م�����دى ال����ده����ر يف الآن���������ام دوالب�����ا
ف�����ه�����ل ي������ن������ال ب�����ه�����ا ع�������رف�������ان ����ص���اح���ب���ه���ا
�أوا�������ص������ر ال�����دي�����ن يف الإ�������س���ل��ام جت��م��ع��ن��ا ل�����و �أن �أه��������ل ال�����ق�����رى �أ ّدوا ر����س���ال���ت���ه���م ج��������اءت �إل����ي����ه����م م���ط���اي���ا ال���ف���ت���ح راغ����ب���� ًة
� 62إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ث�����م ان����ت����ه����وا يف زواي����������ا ال����ت����ي����ه �أغ�����راب�����ا
وظ��������ل مي��������رح يف ال����ع���������ص����ي����ان م������ا ت���اب���ا وم��������ا �����س����ع����ى ي���ف�������س���د الأم���������������وال ن���� ّه����اب����ا �إال ك��������ت��������اب ت�����ن�����ا������س�����ي�����ن�����اه �أح������ق������اب������ا ه���ّل���اّ اع���ت�������ص���م���ن���ا ب����ه����ا يف اهلل �أح����ب����اب����ا و�أ������ص�����ب�����ح�����وا ل����ل����ه����دى درب�����������اً و�أ�����س����ب����اب����ا وه������ ّل������ل������ت �أم�������������م ل����ل����غ����ي����ث �إذ �����ص����اب����ا
واحة الوسطية
مـن ق�صـ�ص العــرب
حلـم معن بـن زائـدة د .زهاء الدين عبيدات مدير مركز التدريب والدرا�سات واال�ست�شارات يف املنتدى العاملي للو�سطية
فَجُد يل يا بن ناق�ص ٍة مبالٍ
تذاكر جماعة فيما بينهم �أخبار معن بن زائدة ،وما هو عليه من وفرة احللم ولني اجلانب ،و�أطالوا يف ذلك، عزمت على املـــ�سري ف�إين قد ُ فقام �أعرابي و�آلى على نف�سه �أن يغ�ضبه ،فقالوا � :إن قدرت على �إغ�ضابه فلك مئة بعري ،فانطلق الأعرابي فقال معن � :أعطوه �ألف دينا ٍر .ف�أخذها وقال : �إلى بيته ،وعمد �إلى �شاة له ف�سلخها ثم ارتدى ب�إهابها، ٌ قليل ما �أتيـــــــــــت به و�إين جاعال باطنه ظاهره ،ثم دخل على معن ب�صورته تلك، ووقف �أمامه طافح العينني كاخلليع ،تارة ينظر �إلى لأطمع منك باملال الكثيـــــــــــر الأر�ض وتارة ينظر �إلى ال�سماء ،ثم قال : فثن فقد �أتاك امللك عفواً ِّ �أتذك ُر �إذْ حلافك جل ُد �شا ٍة و�إذ نعالك من جلد البعري ق��ال معن � :أذك��ر ذل��ك وال �أن�ساه يا �أخ��ا ال�ع��رب ،فقال بال عقل و ال ر� ٍأي منيـــــــــــــــــر الأعرابي : فقال معن � :أعطوه �ألف ًا ثاني ًا فتقدم الأعرابي �إليه وقبل ف�سبحان الذي �أعطاك ُملكا يديه ورجليه وقال : وعلمك اجللو�س على ال�سرير ألت اجلود �أن يبقيك ُذخرا � �س ُ فقال معن � :سبحانه وتعالى فما لك يف الربية من نظـــري فقال الأعرابي �شت حيا * على معن يت�سليم الأمري فل�ست ُم�سلما ما ِع ُ ُ فمنك اجلود والإف�ضال حقا مت رددنا عليك ال�سالم ،و�إن تركت فال قال معن � :إن �س ّل َ وفي�ض يديك كالبحر الغزير �ضري عليك. فقال معن � :أعطيناه على هجونا �ألفني ،ف�أعطوه على فقال الأعرابي : علت فداك ،ما مدحنا �أربعة �آالف .فقال الأعرابيُ :ج ُ �س�أرحل عن بالد �أنت فيها فعلت ذلك �إال ملئة بعري ُج ِع َل ْت على �إغ�ضابك .فقال ولو جار الزمان على الفقري فقال معن � :إن �أقمت بنا فعلى الرحب وال�سعة ،و�إن رحلت معن :ال خوف عليك ،ثم �أمر له مبئتي بعريٍ ،ن�صفها عنا فم�صحوبا بال�سالمة. للرهان والن�صف الآخر له ،فان�صرف الأعرابي داعيا فقال الأعرابي وقد �أعياه ِح ُلم معن : �شاكر ًا .
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
63
واحة الوسطية
الإدارة عند النبي حممد د .زهاء الدين عبيدات مدير مركز التدريب والدرا�سات واال�ست�شارات يف املنتدى العاملي للو�سطية
كنت و�صاحبي و�صديقي العزيز �أبو علي نتجاذب �أطراف احلديث عن �سرية امل�صطفى حممد بن عبداهلل �صلى اهلل عليه و�سلم -فقال �أبو علي � :إن غالبية املتحدثني يتحدثون عن �سرية الر�سول � -صلى اهلل عليهو�سلم -ب�شكل عام ،فهل لك يا �صديقي �أن حتدثني عن مالمح الإدارة عند الر�سول حممد � -صلى اهلل عليه قلت � :أجل �س�أحدثك عن بع�ض اجلوانب الإدارية لل�شخ�صية املحمدية� ،إذ �أن توجيهاته الإدارية جتاوزت و�سلم ُ - �أرقى ما و�صلت �إليه الإدارات املعا�صرة واملدار�س الإن�سانية وال�سلوكية يف الإدارة ،والتي تنري لنا ال�سبيل القومي لتحقيق �أف�ضل النتائج ومن هذه اجلوانب يا �أخي العزيز ما ي�أتي: �أو ًال :بناء الإن�سان: ويف بناء الإن�سان حر�ص ر�سول اهلل على �أن يتناول �إن حم �م��د ًا -عليه ال���ص�لاة وال���س�لام � -إه �ت��م يف خ�صائ�ص و�صفات تنتظم يف عقد متكامل ،بحيث يتحول �إدارت��ه للدولة يف جمتمع املدينة ببناء الإن�سان �أكرث من الفرد �إذا حتلى بهذه ال�صفات �إلى �أ�شبه ما يكون مبالك التنظيمات والبنى التنظيمية الأخرى �إذ مل تكن احلاجة مي�شي على الأر�ض مثل: لها قائمة ،ولعل من بع�ض الأمثلة التي تو�ضح �أ�سلوب .1توطيد �صلة ال�ف��رد بربه وتربيته على ع��زة النف�س �إدارة الر�سول � -صلى اهلل عليه و�سلم -وحر�صه على وال�صرب. بناء الإن�سان تركيزه على ال�ضمري الأخالقي يف ال�سلوك، روى م�سلم عن النوا�س بن �سمعان قال� :س�ألت ر�سول اهلل .2التعاون وامل�س�ؤولية ال�شخ�صية والعلم. ُ ّ عن البرِّ والإثم فقال " :الرب ُح�سن اخللق ،والإثم .3احل�ض على العمل و�إعفاف النف�س واملحافظة على الكرامة. ما حاك يف نف�سك وكرهت �أن يطلع عليه النا�س " ،والبرِّ هو جماع �أفعال اخلري ،وع ّرفه الر�سول � -صلى اهلل عليه .4ال�صدق والوفاء. و�سلم -ب�أنه ح�سن اخللق� ،أما الإثم فهو ما يكره �أن يطلع .5العفو وح�سن التعامل. عليه النا�س �إذا حاك يف النف�س ،وهو مقيا�س نبوي دقيق يعتمد على ما حت�س به ال�ضمائر مب�شاعرها الوجدانية .6 .القناعة والعفة. جمتمع امل�سلمني على �أ�سا�س .7التوبة والرجوع �إلى اهلل. وقد �أقام الر�سول التحرر الوجداين وامل�ساواة الإن�سانية والتكافل االجتماعي ثانياً :العالقة بني احلاكم واملحكوم: م�ؤكد ًا �أن ال عبودية لأحد غري اهلل ،و�أن لي�س بني الإن�سان و�ضع ر��س��ول اهلل � -صلى اهلل عيه و�سلم� -أ�سا�س وربه و�سيط ،و�أن اهلل وحده هو مالك امللك ورب الب�شر .العالقة بني احلاكم واملحكومني يف العمل الإداري بقوله: لقد تمَ َ ّكن ر�سول اهلل بح�سن �إدارت��ه وقيادته (�إذا ابتغى الأم�ير الريبة يف النا�س �أف�سدهم) والريبة احلكيمة من جعل الأمة البادية اجلاهلة املتفرقة خري �أمة هي التهمة ،مبعنى �أن الأمري �إذا اتهم رعيته وخامرهم �أخرجت للنا�س ،وقد كان معني الإدارة عند ر�سول اهلل ب�سوء الظن فيهم �أداهم ذلك �إلى ارتكاب ما ظن فيهم م�ستمد ًا من العقيدة الإ�سالمية التي �أن�ش�أت من فف�سدوا ،ويف هذا جماع ال�ضوابط التي تقوم عليها الإدارة احلكيمة. �أ�صحابها قوم ًا يغ�ضبون هلل وير�ضون هلل. � 64إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
واحة الوسطية كما فر�ض على املحكوم واجب الن�صح والتقومي ،وقد حدد ر�سول اهلل � -صلى اله عليه و�سلم� -إطار العالقة التي تربط بني الراعي والرعية وعنا�صر هذه العالقة ليكون احلكم التزام ًا ب�أداء احلقوق. ثالثاً :ا�ستعمال العمال على الأم�صار: م��ن روائ��ع الأمثلة الإداري���ة التي �ضربها ر��س��ول اهلل حتديده الدور الذي يجب ن ينه�ض به الفرد يف قوله: "كلكم راع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته". وكذلك يف نظرته �إل��ى العمل الإداري على �أن��ه �أمانة وم�س�ؤولية على احلاكم� ،إذ تخري ر�سول اهلل عماله من ال�صاحلني و�أويل الدين والعلم فقد �أ�سفر ذلك عن نتائج جيدة هي نتائج ح�سن االختيار يف الإدارة ،فعندما حاول يهود خيرب ر�شوة عبداهلل بن رواح��ه ،وكان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يبعثه كل عام يحر�ص علهيم مترهم ،قال لهم عبداهلل " :يا مع�شر اليهود �إنكم ملن �أبغ�ض خلق اهلل تعالى �إيل ،وما ذاك بحاملي على �أن �أحيف عليكم ،و�أما ما ال�س ْحت و�إنا ال ن�أكلها". عر�ضتم علي من ر�شوة ف�إنها ُ وقد و�ضع ر�سول اهلل القواعد املثلى الختيار موظفي الدولة فتحرى فيمن يلي �أم��ر ًا من �أمور امل�سلمني ِخ َ�صا ًال خم�سة تتم بها �صالحية املر�شح للوالية �ضمان ًا للم�صلحة العامة ،و�أجمل لك يا �أخي �أبا علي تلك ِ اخل َ�صال فيما ي�أتي: • توفر الكفاءة الإدارية: وه��و �شرط ال ي�ستغني عنه وه��و توفر الكفاءة الفنية للإ�ضطالع وال ي�شفع دونه �صالت �شخ�صية من قرابة �أو �صداقة ،ويقول النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم " : -من ويل �أمر امل�سلمني فولى رج ًال وهو يجد من هو �أ�صلح للم�سلمني منه فقد خان اهلل ور�سوله". وقد طلب �أبو ذر الغفاري من النبي � أن ي�ستعمله على بع�ض الأعمال فر�آه غري كفء للوالية ملا لي�س فيه من �ضعف يف الإدارة فلم يجبه �إلى طلبه ،ومل ي�شفع له ما يعلم من ورعه وتقواه وقال له " :يا �أبا ذر �إنك �ضعيف و�إنها �أمانة و�إنها يوم القيامة ِخزِ ي وندامة �إال من �أخذها بحقها و�أدى الذي عليه فيها". • االلتزام بحدود ال�شرع واجتناب ما يخالف الدين: و�ضع النبي لذلك ُ�سنّة حكيمة �أجملها يف قوله: " ال طاعة يف مع�صية اهلل ،و�إمنا الطاعة يف املعروف"، ومن مظاهر االلتزام ال�شرعية وتقوى اهلل ،حتري العدل واجتناب الظلم واملحاباة ،ويقول النبي ( : اتقوا الظلم ف�إن الظلم ظلمات يوم القيامة ).
• االنقطاع للعمل: قال عليه ال�سالم " :من واله اهلل �شيئ ًا من �أمور امل�سلمني، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ،احتجب اهلل دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة ". • التمتع بالثقة والر�ضا من املر�ؤو�سني ومن الرعيه: وقد ر�سم ر�سول اهلل معامل هذا املبد�أ يف قوله" : �أميا رجل �أ ّم قوما وهم له كارهون مل جتز �صالته ". • التحلي بنقاء الذمة وطهارة اليد: لقد حر�ص ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -تنزيه جمتمعه حكام ًا وحمكومني م��ن ع��وام��ل الفتنة ودواع��ي الإغراء ،فال ي�سوغ لويل الأمر ا�ستغالل منا�صبه لالبتزاز والإثراء على ح�ساب امل�صلحة العامة والعدالة االجتماعية. رابعا :الإدارة يف للق�ضاء: لقد �أولى ر�سول اهلل � إدارة الق�ضاء �إهتمام ًا خا�ص ًا لأن مرفق العدل ي�سهم ب�إ�شاعة ال�سالم االجتماعي بني �أفراد املجتمع ،والق�ضاء على �أ�سباب ال�شقاق والعداء بينهم وتوفري الن�صفة يف املعامالت و�إحقاق احلقوق واالنت�صاف من العادين ،وقد تمَ ّيز احلكم الإ�سالمي ب�صفة عامة ب�أن ق�ضاء الأحوال ال�شخ�صية لغري امل�سلمني كان مرتوك ًا لأربابه حتقيق ًا للحرية الدينية يتواله ق�ضاة كل طائفة ليحكموا فيه بح�سب ما تق�ضي به �شرائعهم. وق��د ك��ان عليه ال�سالم حري�ص ًا على تطبيق ح��دود اهلل ي�ضع الرحمة والر�أفة حيث ي�ستوجب احلال ذلك مع احلفاظ على ما لأحكام اهلل وحدوده من قد�سية و�إلزام. وم ��ن �أح �ك��م امل��ب��ادئ ال �ت��ي �أو���ص��ى ب�ه��ا ر� �س��ول اهلل الق�ضاة قوله: " ردوا اخل�صوم كي ي�صطلحوا ،ف�إن ف�صل الق�ضاء ي��ورث ال�ضغائن ،بل �إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يف �أحاديثه ال�شريفة قد �ساهم يف احل��د من اخلالفات بني النا�س ومن ذلك قوله عليه ال�سالم " :ال حتا�سدوا وال تناج�شوا وال تباغ�ضوا." ....... �إل��ى هنا �أعجب �صديقي بحديثي عن �إدارة الر�سول وقال يل :هل هناك جوانب �أخرى ميكن �أن حتدثني عنها؟ قلت :نعم ،فقال� :إذن �إلى جل�سة �أخرى.
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
65
بيانات الوسطية
بيانات الو�سطية
الأمري �سعود الفي�صل يف ذمة اهلل ينعى الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يف عمان
املهند�س مروان الفاعوري وكافة الزمالء يف املنتدى ب�أحر التعازي واملوا�ساة بفقيد الأمة العربية والإ�سالمية
الأمري �سعود الفي�صل
وزير اخلارجية واملبعوث اخلا�ص خلادم احلرمني ال�شريفني وامل�شرف على ال�ش�ؤون اخلارجية يف اململكة ال�سعودية �سائلني املولى عز وجل �أن يتغمده بوا�سع رحمته و�أن يلهم جاللتكم وال�شعب ال�سعودي ال�شقيق جميل ال�صرب وح�سن العزاء.
"�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون" � 66إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
بيانات الوسطية
�أحداث �شبه جزيرة �سيناء َّا�س َج ِمي ًعا{ } َمنْ َق َت َل َنف ًْ�سا ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْ أ َّا�س َج ِمي ًعا َو َمنْ َ�أ ْح َيا َها َف َك َ�أنمَّ َا �أَ ْح َيا الن َ الَ ْر ِ�ض َف َك َ�أنمَّ َا َق َت َل الن َ ندد الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يف عمان بالهجوم الإرهابي الذي �إ�ستهدف نقاط ًا ع�سكرية يف حمافظة �شبه جزيرة �سيناء يف جمهورية م�صر ال�شقيقة ،والذي راح �ضحيته جمموعة من الع�سكريني الأبرياء ،وعبرّ الفاعوري عن �إدانته ال�شديدة ملثل هذه الأعمال الإجرامية اجلبانة والعنف الأعمى الذي مي�س �سالمة و�أمن م�صر ويبث الفتنة و�ضرب الن�سيج الوطني و�إحلاق الأذى مبقدرات الوطن وت�شويه �صورته احل�ضارية بني ال�شعوب ،ويربز ال�سقوط الأخالقي الذي تقرتفه هذه الع�صابات الإرهابية التي ال تراعي حرمات هذا ال�شهر الف�ضيل� ،شهر الرحمة والعبادة. و�إننا �إذ ن�ستنكر ب�شدة وندين هذه الأعمال الإرهابية غري الأخالقية ن�ؤكد براءة الإ�سالم منها مهما كانت �أ�شكالها ومظاهرها وم�صادرها ،ونرتحم على ال�ضحايا الأبرياء ون�أمل �أن ينربي العقالء لوقف �أعمال العنف والعنف امل�ضاد و�شالالت الدماء التي تنزف يف كل �أنحاء م�صر لتبقى واحة للحرية والدميقراطية ،و�أن يلهم ذويهم ال�صرب وال�سلوان ،و�أن يحفظ املولى عز وجل جمهورية م�صر ال�شقيقة و�شعبها من كل مكروه.
ال�شيخ عبداملنعم �أبو زنط يف ذمة اهلل } ُك ُّل َنف ٍْ�س َذ�آ ِئ َق ُة المْ َ ْو ِت َو�إِنمَّ َا ُت َو َّف ْو َن �أُ ُجو َر ُك ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة {
ينعى املنتدى العاملي للو�سطية الداعية والنائب ال�سابق ال�شيخ عبداملنعم �أبوزنط الذي وافته املنية فجر يوم الأحد � 2015/7/26سائلني املولى عز الوجل �أن يتغ ّمده بوا�سع رحمته و�أن يلهم �أهله ال�صرب وال�سلوان (�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون)
الأ�ستاذ الدكتور وهبة الزحيلي يف ذمة اهلل ينعى املنتدى العاملي للو�سطية مبزيد من احلزن والأ�سى فقيد الأمة الإ�سالمية والعربية املفكر الإ�سالمي العربي ال�سوري الأ�ستاذ الدكتور وهبة الزحيلي الذي وافته املنية ليلة الأحد املوافق 2015/8/9بالعا�صمة ال�سورية دم�شق بعد �أن �أ�ضاء امل�شرق واملغرب بعلمه وفكره امل�ستنري الذي هدى ال�ضالني و�أر�شد ال�سالكني ب�إثرائه للمكتبات العربية والإ�سالمية مب�ؤلفاته التي ات�سمت بالو�سطية واالعتدال ك�أمنا يرت�سم نهج النبوة ويخطو خطاها ،و�إذ يتقدم املنتدى العاملي للو�سطية بهذا النعي ي�ستذكر م�شاركة الفقيد و�إ�سهاماته يف املنتدى حيث كان ع�ضواً بارزاً فيه يحمل هم �أمته يف حله وترحاله.
رحم اهلل الزحيلي و�ألهمنا و�آله ال�صرب وال�سلوان "�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون" ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
67
نشاطات الوسطية
ندوة ثقافة احلوار والتنوع و�أدب االختالف
انطلقت �صباح ال�ي��وم ال�سبت امل��واف��ق 2015/8/1 مبقراملنتدى العاملي للو�سطية ندوة ثقافة احلوار والتنوع و�أدب االخ�ت�لاف وال�ت��ي ت��واف��د عليها ع��دد م��ن العلماء واملثقفني والأك��ادمي�ي�ن ل�ي��ؤك��دوا م��ن خ�لال ح�ضورهم املكثف �أهمية مو�ضوع الندوة راجني لها خمرجات جتنب املجتمعات الت�شظي واالنق�سام وحتافظ على وحدة الأمة ووحدة كلمتها. ه��ذا وق��د اف�ت�ت��ح ال �ن��دوة ع�ط��وف��ة امل�ه�ن��د���س م��روان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية مرحب ًا باحل�ضور و� �ش��اك��ر ًا �إي��اه��م ،كما ن��دد يف مطلع كلمته باجلرمية الب�شعة التي ارتكبتها بع�ض اجلماعات اليهودية املتطرفة بحرق الطفل الفل�سطيني ،داعي ًا كل الأطراف للتوحد يف وجه �أي عدوان يواجه الأمة. كما �صرح خ�لال افتتاحه للندوة ع��ن لقاء يجمعه ب�صفته الر�سمية مبنظمة التعاون الإ�سالمي يف الأ�سبوع اجلاري للت�شاور والتفاكر حول الكثري من الق�ضايا الفكرية والإ�سالمية املجتمعية التي حتافظ على وح��دة الأم��ة و ا�ستقرارها ،مف�سح ًا املجال �أمام املحا�ضرين واحلا�ضرين ملو�ضوعات الندوة. هذا وقد تر�أ�س اجلل�سة الأولى الأ�ستاذ الدكتور خالد جرب عميد كلية الآداب بجامعة العلوم الإ�سالمية ،ممهد ًا � 68إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ل�ل�إط��ار املفاهيمي لثقافة احل ��وار وال ��ذي حت��دث فيه الدكتور رائد عكا�شة م�ؤكد ًا للح�ضور العالقة بني الأ�صول الت�أ�سي�سية"القر�آن وال�سنة" والرتاث الذي خ�ضع ويخ�ضع الجتهادات الب�شر. ثم ت�لاه الدكتور �إبراهيم �أب��و عرقوب ال��ذي حتدث حول دور و�سائل الإعالم يف تعزيز ثقافة احلوار م�شري ًا �إلى �أهمية احلوار و�أهدافه و�شروطه ودور دماثة اخللق يف �إجن��اح احل��وار خمتتم ًا بذلك اجلل�سة الأول��ى وبعد ا�سرتاحة ق�صرية توا�صلت �أع�م��ال ال�ن��دوة يف اجلل�سة الثانية التي تر�أ�سها الأ�ستاذ الدكتور �إبراهيم العجلوين ممهد ًا يف مطلعها ل��دور امل�ؤ�س�سات التعليمية يف تعزيز ثقافة احلوار وهذه الورقة التي قدمتها الأ�ستاذة بجامعة العلوم الإ�سالمية الدكتورة ن�سيبة ال�صوا والتي �سبحت عميق ًا حول الأ�س�س الفكرية واحل�ضارية للحوار و�أهميته وال��دواع��ي املعرفية والوطنية واالجتماعية ملثل هذه الندوات ،تالها الأ�ستاذ الدكتور حممد الروا�شدة والذي حتدث ب�شكل مف�صل ومعمق متخذ ًا من املواطنة منوذج ًا وحم�ل� ً لا ل��دور امل�ؤ�س�سات الدينية وعلى ر�أ�سها كليات ال�شريعة ودورها يف ت�صحيح مفاهيم احلوار،كما �أجاب عن بع�ض �أ�سئلة بحثه ومنها� :إلى �أي مدى �أ�سهمت كليات ال�شريعة يف ت�صحيح املفاهيم خدم ًة للمجتمع وتعزيز ًا لقيم ملواطنة ال�صاحلة.
نشاطات الوسطية املنتدى العاملي للو�سطية يعقد م�ؤمتر ًا دولي ًا يف نيجرييا حول
(الإ�سالم يف �أفريقيا ومواجهة التطرف والإرهاب)
عقد املنتدى العاملي للو�سطية م�ؤمتر ُا دولي ًا يف نيجرييا حول الإ�سالم يف �أفريقيا ومواجهة التطرف والإره��اب خالل الفرتة من 2015/8/9-8م يف والية الغو�س ،وتقع جمهورية نيجرييا الفدرالية يف اجلزء الغربي من قارة �أفريقيا ،ويبلغ تعداد �سكانها ( )200-188مليون ن�سمة ، وتبلغ م�ساحتها حوايل � 924ألف كم ،2وتتكون من 37والية بالإ�ضافة �إلى العا�صمة االحتادية (�أبوجا) حيث كانت الغو�س العا�صمة الأولى وعدد �سكانها حوايل ( )20مليون ن�سمة ،وت�شكل والية الغو�س مركز ًا جتاري ًا وخدمي ًا مهم ًا، وتع ُّد اللغة الإجنليزية هي اللغة الر�سمية يف البالد علما ب�أن هناك لغات حملية يف البالد ،وي�شكل امل�سلمون حوايل %55من �سكان ال�ب�لاد ،وامل�سيحيون ح��وايل ،%42وتع ُّد نيجرييا من �أهم الدول الأفريقية من حيث انتاجها للنفط والغاز واملعادن الأخ��رى بالإ�ضافة �إلى خ�صوبة �أرا�ضيها الزراعية التي ي�ستغل منها ما م�ساحته %15من امل�ساحة الكلية للبالد. ونظرا لأهمية موقع نيجرييا ك�إحدى ال��دول التي لها ع�ضوية يف منظمة التعاون الإ�سالمي ويف عدد امل�سلمني
فيها فقد عقد املنتدى العاملي للو�سطية م ��ؤمت��ر ًا دوليا حول الإ�سالم يف �أفريقيا يف مواجهة التطرف والإره��اب خالل الفرتة من 2015/8/9-8م ح�ضر امل�ؤمتر جمموعة م��ن وف��ود ال��دول (ت���ش��اد ،امل�غ��رب ،ال�سنغال ،ال���س��ودان، الأردن ،بوركينافا�سو ،غانا ،بنيني �إ�ضافة �إلى وفود الدولة امل�ست�ضيفة نيجرييا .وعلى مدار يومني ناق�ش امل�ؤمترون جمموعة من الأوراق العلمية ومن خالل �أربعة حماور هي على التوايل : • املد الإ�سالمي يف �أفريقيا :املا�ضي واحلا�ضر. • جذور التطرف الديني والإرهاب يف �أفريقيا. • غياب املنهج الو�سطي � :أ�سبابه و�آثاره. • تطورات م�ستقبلية ملعاجلة التطرف الديني والإرهاب. وقد خرج املنتدى بجموعة من التو�صيات منها : • ي�ؤكد امل�ؤمتر على ان الغلو والتطرف والإرهاب ي�شكل تهديد ًا للإ�ستقرار وال�سلم والأمن للمجتمعات املعا�صرة، الذي يجب مواجهته بكافة الو�سائل وال�سبل لإجتثاثه من العامل.
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
69
نشاطات الوسطية
• •
•
•
•
•
الت�أكيد على الدور العملي لنهج الو�سطية. خماطبة الى ر�ؤ�ساء احلكومات يف الدول الإ�سالمية ومنظمة التعاون الإ�سنالمي لأجل اعتماد م�ساق خا�ص يف اجلامعات ،يدر�س فيه ثقافة الو�سطية والإعتدال وتكليف عدد من العلماء الأج�لاء لإع��داد هذا الكتاب بالتعاون مع املنتدى العاملي للو�سطية. التعاون مع امل�ؤ�س�سات الر�سمية والأهلية يف ال��دول الإ�سالمية من �أجل و�ضع خطة ل�صياغة ا�سرتاتيجية ملحاربة الغلو والتطرف والإره ��اب ،وح��ث احلكومات الر�سمية على تبنيها ودعمها. يو�صي امل�ؤمتر ال��دول الإ�سالمية الإهتمام بال�شباب (ذك ��ور ًا و�إن��اث � ًا) من خ�لال توفري فر�ص العمل لهم، والتعليم من �أجل بناء الإ�ستقرار الأ�سري يف املجتمعات الإ�سالمية كون الأ�سرة هي النواة الأ�سا�سية يف املجتمع اال�سالم وعن�صر ا�ستقراره. ي�ؤكد امل�ؤمترون على �ضرورة العمل اجل��اد من �أجل ت�صويب املفاهيم اخلاطئة عن الإ�سالم والعمل على ت�صويبها عن طريق الوعظ والإر�شاد والن�شر واملطبوعات من خالل املناهج املدر�سية واجلامعية. يو�صي امل���ؤمت��رون ب���ض��رورة ت��دري��ب �أئ �م��ة امل�ساجد واخلطباء على ا�سلوب اخل�ط��اب الإ��س�لام��ي املعتدل امل�ستنري الذي يعرب عن حقيقة الإ�سالم.
• •
• • •
•
يو�صي امل�ؤمترون الى �ضرورة فر�ض رقابة �صارمة على مواقع التوا�صل الإجتماعي وجت��رمي كل من يدعو الى العنف �أو يحر�ض عليه او يدعم الع�صابات الإرهابية. يو�صي امل�ؤمتر تكليف مراكز الدرا�سات والأبحاث يف نيجرييا بالقيام ب ��إج��راء ال��درا��س��ات املعمقة بكيفية مواجهة الفكر املتطرف فكريا وثقافي ًا وقاية وحت�صين ًا لل�شباب من �شروره. يو�صي امل�ؤمتر رئا�سة املنتدى العاملي للو�سطية تكوين جلنة لت�أليف كتاب عن الإ�سالم وامل�سلمني يف افريقيا لتعزيز كافة �أطراف الأمة بحقائقها. يدين امل ��ؤمت��رون كافة �أع�م��ال الإره ��اب التي ت�سعى لزعزعة واال�ستقرار وال�سلم العاملي. يو�صي امل�ؤمتروان ب�ضرورة رفع برقية �شكر �إلى فخامة الرئي�س حممد بخاري رئي�س اجلمهورية النيجريية الفيدرالية على جهوده يف مكافحة الإرهاب والتطرف مع �إرفاق تو�صيات امل�ؤمتر الدويل للإ�ستفادة منها. كما يو�صي امل��ؤمت��رون الى �ضرورة رفع برقية �شكر الى جاللة امللك عبد اهلل الثاين ملك اململكة الأردنية الها�شمية على جهوده املخل�صه يف مكافحة الإره��اب والتطرف والدور الذي يلعبه املنتدى العاملي للو�سطية يف الأردن يف تعزيز وحتقيق الإ�ستقرار وال�سلم يف العامل.
� 70إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
نشاطات الوسطية
�إفطار ال�صائم
ل�صالح طالب املحا�ضر املوريتانية
توا�صلت ن�شاطات املنتدى العاملي للو�سطية فرع موريتانيا بلغ عددهم 150فرد ًا وذلك مبعهد عبداهلل بن عمر للرتبية يف �شهر رم�ضان املبارك ب�إقامة �إفطارات رم�ضانية لطالب والتعليم ،وقد د�أب املنتدى لعقد هذه اللقاءات الرم�ضانية املحاظر املوريتانية اللذين توافدوا �إلى ملتقى الإفطار حيث ال�سنوية يف فروعه املنت�شرة بالعامل اال�سالمي.
العاملي للو�سطية ينظم دورة تدريبية للأئمة واخلطباء يف نيجرييا
نظم مكتب املنتدى العاملي للو�سطية يف نيجرييا ،ممثال يف املركز النيجريي للبحوث النيجريية مبدينة �إي��وو من والية �أُ ْو ُ�س ْن ،دورة تدريب الأئمة والوعاظ واخلطباء حتت عنوان (الفكر الو�سطي املعتدل للأئمة واخلطباء ). وقد �شارك يف ال��دورة مائة وثالثة وع�شرون �شخ�صا من �أئمة وخطباء ودعاة ومديري مدار�س عربية �إ�سالمية ومثقفني م�سلمني وغ�يره��م م��ن ��ش��رائ��ح املجتمع ممن ل�ه��م ن �ف��وذ و�سمعة يف �أو���س��اط امل�سلمني النيجرييني. وقدم عدد من العلماء امل�سلمني حما�ضرات وطرحوا ر�ؤى و�أفكار تدور حول �أهمية الفكر الو�سطي يف الدين والتعاي�ش ال�سلمي مع �أ�صحاب الديانات الأخرى يف املجتمع و�ضرورة نبذ العنف يف الدعوة �إلى اهلل ،كان من اهمها دور االعتدال والو�سطية يف الإ�سالم وخطورة الفهم اخلاطئ واملت�شدد للقر�آن وال�سنة النبوية ،و�أدوات التفاهم مع الآخر ،وموقف الإ�سالم من احرتام النف�س الب�شرية م�سلمة كانت �أو غري م�سلمة .وع�لاوة على املحا�ضرات التي قدمها علماء من �أع�ضاء املنتدى العاملي للو�سطية مكتب نيجرييا ونخبة من الأكادمييني واملثقفني ،مت تخ�صي�ص جل�سة للمناق�شة واملداوالت حول �سبل �إيقاف العنف الذي متار�سه جماعات
مت�شددة تنت�سب �إلى الإ�سالم وهو منها براء . واو��ص��ى امل�شاركون يف ال�ن��دوة ،ب�أهمية تقدير جهود املنتدى العاملي للو�سطية ،الذي يتخذ من الأردن مقر ًا له ،يف ن�شر الفكر الإ�سالمي الو�سطي والقيام بدور ح�ضاري عاملي يف ن�شر قيم ال�سالم واملحبة والعدل بني الب�شرية جمعاء، والتو�صية برفع خطاب �شكر خا�ص للحكومة الأردنية بقيادة جاللة امللك عبد اهلل الثاين بن احل�سني على احت�ضانها لهذا املنتدى الو�سطي ،وتقدير جهود املركز النيجريي للبحوث العربية ،اجلهة املمثلة للمنتدى العاملي للو�سطية يف نيجرييا ،-والإ�شادة ب��دوره الرائد يف متتني العالقات العلمية والثقافية بني نيجرييا وال�ع��امل العربي ،و�شكره ملتابعاته يف تنظيم الدورة ،ا�ضافة الى �ضرورة اال�ستمرار يف تنظيم هذه ال��دورة وتو�سيع دائرة املدعوين للم�شاركة فيها يف امل�ستقبل .واكد امل�شاركون على وجوب تدريب الأئمة والدعاة وتثقيفهم بالق�ضايا الإ�سالمية املعا�صرة ،و�صيانة الفتوى والدعوة من الأدعياء املتطفلني ،كما نددوا بالأعمال الإجرامية ال�صادرة من اجلماعات املتطرفة �أمثال القاعدة وداع�ش وبوكو حرام.
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
71
نشاطات الوسطية
اجتماع املنتدى العاملي للو�سطية مبنظمة التعاون الإ�سالمي يف جدة 2015/8/11
انتهت ي��وم الثالثاء � 2015/8/11أعمال االجتماع املفاهيم واملواقف وفق ًا لتعاليم الإ�سالم احلنيف من ال��ذي عقدته منظمة التعاون الإ�سالمي وال��ذي �شارك خالل اال�ستفادة من خمتلف و�سائل الإعالم امل�سموعة فيه املنتدى العاملي للو�سطية ب�صفته ع�ضو ًا فيها وممث ًال وامل��رئ�ي��ة وال�ب��ث ع�بر �شبكة املعلومات واالت���ص��االت بالأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري والذي الدولية. قدم ورقة عمل بينّ فيها جهود املنتدى العاملي للو�سطية • ال�ت��وا��ص��ل م��ع ال �ق��ادة امل�سلمني و�أ� �ص �ح��اب ال�ق��رار للت�صدي ل�ل�إره��اب والتطرف بكافة �أ�شكاله ومبختلف ال�سيا�سي وذوي الت�أثري القادرين على توجيه الر�أي ال�سبل ،وما �أجن��زه املنتدى من عقد م�ؤمترات ون��دوات العام باحلكمة والكلمة الطيبة مبا يدفعهم �إلى الوقوف ولقاءات ودورات ت�سعى �إلى نبذ الإرهاب والتطرف ون�شر يف ال�صف الإ�سالمي العام ،ويبني لهم مواطن اخلطر الفكر الو�سطي واالعتدال. على الأم��ة وعلى هويتها وم�صاحلها املتنوعة والدور كما تطرق الفاعوري �أثناء ورقته �إلى الو�سائل التي الإيجابي امل�أمول منهم. ي�سلكهااملنتدى لتحقيق �أهدافه بجميع الو�سائل امل�شروعة • طرح املبادرات والتوعية امل�ستمرة بالق�ضايا والأحداث ومنها: املهمة ذات العالقة بالإ�سالم وامل�سلمني واتخاذ املوقف • اخلطاب التثقيفي املبا�شر للم�سلمني بهدف ت�صحيح املنا�سب �إزاء كل منها. � 72إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
نشاطات الوسطية • احل ��وار م��ع ال �ت �ي��ارات الثقافية وامل��ذاه��ب الفكرية • والتجمعات ال�سيا�سية املوجودة يف ال�ساحة الإ�سالمية – �أيا كان توجهها _ حوار ًا يرمي �إلى جتلية موقف الإ�سالم ،والفكر الإ�سالمي ،من جمال �إهتمام كل منها ونطاق عملها. • ال�ت��وا��ص��ل م��ع امل�ن�ظ�م��ات ال��دول �ي��ة وامل�ن�ظ�م��ات غري احلكومية العاملة يف خمتلف جماالت التوعية بق�ضايا الإ�سالم وامل�سلمني يف كل مكان. • • عقد امل�ؤمترات والندوات العلمية ملناق�شة الق�ضايا ذات • العالقة بالإ�سالم وامل�سلمني وبلورة ر�أي عام �إ�سالمي حولها. • ترجمة الأدبيات املعززة للو�سطية من العربية للغات • الأخرى ومن اللغات الأخرى للعربية. • �إ�صدار دورية ُتعبرّ عن الفكر الإ�سالمي املعتدل (جملة • الو�سطية). • �إن�شاء مركز درا�سات الو�سطية و�أبحاثها. • تكوين مكتبة عاملية لأدبيات الو�سطية. كا بينّ املهند�س مروان الفاعوري �أن املنتدى يهتم بالإ�ضافة • �إل��ى الو�صول لغاياته ال�سامية بالإهتمام بالقطاعني الن�سائي وال�شبابي لأنهما عمود املجتمع فالبيت والأم • ال�صاحلة تُن�شيء �شباب الأم��ة ال�سائرين على نهج الو�سطية والدين الإ�سالمي ،لذلك الب��د من تكري�س الوقت للإهتمام بهم. • وعر�ض التطلعات امل�ستقبلية التي يرقى املنتدى لتحقيقها:
اال�ستمرار يف �إق��ام��ة الفعاليات الفكرية والثقافية املختلفة من م�ؤمترات ،ندوات ،حما�ضرات ،ور�ش عمل، �إ� �ص��دار مطبوعات ،توظيف و�سائل الإع�ل�ام خلدمة �أه��داف املنتدى واال�ستفادة من تكنولوجيا املعلومات املرئية من عمليات التوا�صل االجتماعي ون�شر ثقافة الو�سطية وبناء ال�شراكات مع امل�ؤ�س�سات واملنظمات املحلية والإقليمية والدولية. �إن�شاء قناة ف�ضائية لن�شر ثقافة املنهج الو�سطي. �إعداد برامج �إعالمية فكرية ثقافية اجتماعية تنموية تربوية ون�شرها. اال�ستفادة م��ن م�ف��ردات العملية الثقافية (ق�صة، �شعر ،دراما ،م�سرح) يف ن�شر وتعميم ثقافة الو�سطية واالعتدال وتر�سيخ القيم الإن�سانية يف املجتمع. �إب��راز �إ�سهامات املنتدى و�أهميته (حمليا� ،إقليميا، دول �ي��ا) لي�صبح مركز �إ��ش�ع��اع روح��ي وف�ك��ري وثقايف واجتماعي ويف ن�شر ثقافة الو�سطية واالع�ت��دال ونبذ العنف والتطرف. زيادة عدد من فروع املنتدى يف دول العامل الإ�سالمي. تعزيز ا�ستخدام التقنيات احلديثة يف مواكبة التطور والتقدم التكنولوجي من �أجل �سهولة ن�شر مفاهيم املنهج الو�سطي وت�صويب املفاهيم اخلاطئة للإ�سالم. زي��ادة ال�شراكات م��ع املنظمات املحلية ،الإقليمية والدولية.
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
73
نشاطات الوسطية
م�سابقة القر�آن الكرمي باملنتدى العاملي للو�سطية
�أق ��ام امل��رك��ز ال �ق��ر�آين يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة حف ًال لتكرمي �أهل القر�آن من الفائزين بامل�سابقة القر�آنية لل�سنة الرابعة يف �شهر القر�آن �صباح االثنني /26 رم�ضان1436/هـ يف جو مفعم بنفحات ال�شوق خلري ليلة يف �أف�ضل ال�شهور كلها؛ ليلة القدر لننعم ب�سالم هي حتى مطلع الفجر؛ مت افتتاح احلفل بتالوة �آي��ات عطرة من كتاب اهلل الكرمي تالها ال�شاب عامر النقيب؛ ب�صوته ال�شجي ثم تالها كلمة للأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري حتدث فيها عن �أهم التحديات التي يواجهها العامل الإ�سالمي يف هذه احلقبة من الزمن حيث تكالبت الأمم على ال�شعوب امل�سلمة �إبادة و�إق�صاء ،ونوه �إلى �أهمية ت�سليح اجليل بالعلم واملعرفة والتم�سك بكتاب اهلل ملواجهة هذه التحديات ،ال�ستعادة � 74إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الأمة جمدها وعزها و�صدارتها بني الأمم؛ وتقدم الأمني العام بال�شكر لكل من �ساهم يف �إجناح هذا العمل اجلليل؛ من جهات داعمة م��رور ًا بالفا�ضلة امل�شرفة الفنية على امل�سابقة �إنتها ًء بجميع الكوادر الفنية والإدارية والتي كان لها الأثر يف �إجناح امل�سابقة وو�صولها �إلى امل�ستوى الالئق واملرجو. و�أ�شارت �أ� .إميان ال�صفدي –امل�شرفة على امل�سابقة القر�آنية و ع�ضو جلنة امل��ر�أة يف منتدى الو�سطية -يف كلمتها ـ �إلى �أهمية دور الأ�سرة يف �إعداد اجليل ال�صالح احلافظ لكتاب اهلل كما �شكرت �أمهات الفائزين على دوره��ن الرتبوي الإيجابي مع �أبنائهن وحر�صهن على �إعدادهم للحياة مزودين ب�سالح الإميان والعلم. كما ا�ستمع احل�ضور وا�ستمتع ب�سماعهم �أبيات �شعرية
نشاطات الوسطية
من نظم الدكتورة فايزة ال�سكر-ع�ضو جلنة املر�أة – حول القر�آن الكرمي وعظيم بيانه؛ وقد كان لفقرة تيجان الوقار بني احلفظة ومربيهم ب�إ�شراف ال�سيدة وف��اء منر �أث��ر ًا �إيجابي ًا بالغ ًا يف نفو�س احل�ضور� ،ساهم يف دفعهم نحو م�س�ؤولياتهم مع الن�شئ تربية و�إع��داد ًا من خالل القر�آن العظيم؛ تخلل احلفل قراءات متنوعة للفائزين بامل�ستويات الأربعة. ويف اخلتام قام الأمني العام بتوزيع اجلوائز مع �شهادات التقدير على الفائزين ،حيث مت تقدمي ( )125دينار لثالثة فائزين عن امل�ستوى الأول ـ ع�شرة �أجزاء ـ ،و ( )100دينار لأربعة فائزين عن امل�ستوى الثاين ـ خم�سة �أجزاء ـ ،و ()75
دينار لثالثة فائزين عن امل�ستوى الثالث ـ ثالثة �أجزاء ـ ،و ( )50دينار لثالثة فائزين عن امل�ستوى الرابع.جزء عم. باال�ضافة الى تقدمي جوائز تر�ضية للم�شاركني املتميزين الذين ح�صلوا على 95فما ف��وق عن امل�ستويات الأربعة ت�شجيع ًا لهم لال�ستمرار يف طريق القر�آن الكرمي. علم ًا �أن املنتدى د�أب على تنظيم م�سابقة �سنوية يف حفظ ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي لأك�ثر م��ن م�ستوى م��ن حيث عدد الأجزاء وفئات الأعمار امل�ستهدفة ،لإتاحة الفر�صة للجميع حلفظ القر�آن الكرمي ،حيث دخلت م�سابقتنا عامها الرابع يف م�ستوى جديد "� 10أجزاء" لي�ستمر التطوير لن�صل �إلى حفظ القر�آن كام ًال ب�إذن اهلل.
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
75
نشاطات الوسطية
املنتدى العاملي للو�سطية كرم ثلة من ُكتاب التجديد ُي ِّ
�أقامت رابطة كتاب التجديد املنبثقة عن املنتدى العاملي للو�سطية احتفالها اخلام�س لتكرمي كتاب التجديد يف دولة مقر املنتدى بالعا�صمة الأردنية ع ّمان . بد�أ احلفل ب�آيات من الذكر احلكيم تالها القارئ ال�شيخ معروف ال�شريف ثم حت��دث املهند�س م��روان الفاعوري �أمني عام املنتدى العاملي للو�سطية ،يف كلمات افتتاحية جاء فيها : "ما َ العاملي للو�سط َّي ِة ،،يعم ُل جاه ًدا منذ انطالق ِته زال املنتدى ّ واالعتدال يف احليا ِة العا ّمة؛ فك ًرا الأولى ليح ِّققَ معاين الو�سط َّي ِة ِ ا�س ال�سبيلِ ل ُي ِق َيم ب َني ال ّن ِ وثقاف ًة و�سلو ًكا ودعو ًة ،و َي ْج َت ِه ُد يف هذا ّ والعدل واخلري َّية ،وينه�ضُ كا ّف ًة جوه َر املح َّب ِة والأخ � َّو ِة واحلقّ ِ ا�صة ،ويق ِّد ُم العا َّم يف َز َم ِن الأَ َث َر ِة بالإيثا ِر حتّى لو كانَ ب ِه َخ َ�ص َ الح القو ِمي ال ّر�شيدِ يف على ِّ موذج ّ ال�ص ِ اخلا�ص حما ِو ًال تقد َمي ال ّن ِ ع�صر ي�ش ِب ُه ك ُّل ما في ِه �أن يكونَ حفلة جنونٍ كربى :ما ب َني َدما ٍر ٍ ُهنا ،وتخريبٍ ُه َ ناك ،وف ٍنت ك ِق َط ِع الليلِ املُظ ِل ِم بع�ضُ ها َ فوق َبع�ض، وانق�سام و�شر َذ َم ٍة وتع�صُّ بٍ وكراهي ٍة وتط ُّر ٍف و�إرهابٍ ؛ حتّى لقد ٍ احلليم َحريانَ �إذا �أخ َر َج كل َم َت ُه النا�صحة ال�صادقة مل تكد �أ�ص َب َح ُ تراه " واعترب �أن حفل التكرمي منا�سبة "ينبغي لها �أن تكونَ منا�سب َة اجلريحة؛ َ ا َ ذلك لأنّ تكر َمي املجدّدينَ يف جلميع يف هذه الأ ّمة َ � 76إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
حيوي لك ّل �أبناء هذه الأ ّم ِة، إ�سالمي ٌّ الفك ِر وال ّثقاف ِة والعملِ ال ّ بك ّل �أعرا ِقها وطوائ ِفها ومذاه ِبها و�أديا ِنها". وقال "املج ّددونَ باخل ِري وال ّد ُاعونَ �إلي ِه هم �أوتا ُد ال ّث ِ بات على احلقّ ّ ، واملب�شرونَ بالأمل وال ُهدى ،واملم ِّهدُونَ ال�ستعاد ِة هذه الأ ّم ِة إلهي املن ُذو َر يف ّ أمم وعليها". ال�شهو ِد ِّ دو َرها ال َّ احل�ضاري بني ال ِ و�أ�ضاف "�إننا ونحن نكرم اليوم ثلة من �أبناء الأمة وم�ؤ�س�ساتها نعي �أنهم جددوا ويجددوا يف طرائق العمل ومناهج التفكري وفقه الدعوة و�أمناط احلركة وو�سائل التعامل مع التحديات املعا�صرة يف العالقة بني الدعاة واحلركات وال�سالطني ،وبيننا وبني الآخر املختلف معنا يف الفكر �أو املذهب �أو الدين ..وهذا لب اهتمامنا يف �أن يكون التجديد ابتكار ًا و�إبداع ًا يخرج الأمة من واقعها املر الأليم". "ع َلما َء ،وم� َّؤ�س ٍ �سات".. وق��دم الثناء والتقدير للمكرمني ُ جمل�س �أمناء رابطة كتّاب التّجديد و�أع�ضا ِء "ولزمالئي رئي�س ِ بخال�ص االمتنانِ والتّح ّي ِة". املجل�س و�أع�ضاء وكوادر املنتدى ِ ِ ث��م حت��دث م�ع��ايل ال��دك�ت��ور عبدال�سالم ال�ع�ب��ادي رئي�س جمل�س �أمناء رابطة كتاب التجديد و الأمني العام ملجمع الفقه الإ�سالمي ،رئي�س جمل�س امناء رابطة كتاب التجديد ،قال يف كلمة القاها باملنا�سبة "�إننا نتكلم عن النمو والتجدد والتطور،
نشاطات الوسطية
وال نتكلم عن الثبات من ناحية ،كما ال نتكلم عن التغيري من ناحية �أخرى ..وهذا يعني كما هو �ش�أن احلياة الإن�سانية البد �أن يكون هنالك يف هذا الفكر قدر من الثوابت وقدر من املتغريات ،كما هو �ش�أن منو احلياة الإن�سانية وجتددها". وحت��دث ع��ن "الثبات والتطور" ،وق��ال "هذا اجل�م��ع بني الإ�ستقرار والنمو والتجدد �صفة ا�سا�سية م��ن �صفات الفكر الإ�سالمي عرب مراحله املتعددة" ..داعيا �إلى العودة �إلى "هدي من ثوابت الفكر الإ�سالمي ومبادئه الكربى وقواعده الأ�سا�سية، دون غفلة عن ما يحتاج �إلى حتريك وتطوير وجتديد" ..م�شريا �إلى �أن هذا كان املراد من ت�أ�سي�س رابطة كتاب التجديد يف الفكر
اال�سالمي" ..و�أن "االحتفال ال�سنوي" جاء "لي�ؤكد على هذه املعاين الكبرية ،التي حتتاجها االمة �أميا حاجة" ..الفتا �إلى �أن "هذا ال يعني الإن�سالخ من الأ�صول والثوابت� ،إمنا يعني االبقاء عليها مع الإنفتاح على كل مظاهر الإب��داع والتقدم الإن�ساين ان�سجام ًا مع حركة املجتمعات الإن�سانية". ولفت العبادي �إلى �أنه "مما يعيق حركة التجديد اجلمود على مقوالت معينة لي�س لها من دليل مقبول �أو ت�أييد من فهم �سديد، بالإ�ضافة �إلى التع�صب والغلو املذهبي ،وما حققة الغزو الفكرى اخلارجي الذي ا�ستعر من البدايات الأولى لهذا الدين العظيم، و�أخذ يف هذا الع�صر ا�شكا ًال بعيدة يف اال�ستخدام ال�سيئ لأدوات العوملة وو�سائلها ،باال�ضافة �إلى ق�صور وا�ضح يف التعليم والرتبية على م�ستوى الأمة ،وبخا�صة يف جمال التعليم الديني ،بعيد ًا عن اهداف هذا الدين العظيم يف الواقع الإن�ساين". ب��د�أ حفل التكرمي بتكرمي امل�ؤ�س�سات املكرمة نظر ًا لدورها ال��ري��ادي على م�ستوى العامل اال�سالمي بتكرمي منتدى الفكر العربي بعر�ض فيلم تعريفي عن املنتدى و�سلم درع الرابطة لنائب "رئي�س جمل�س امناء املنتدى" لدولة اال�ستاذ طاهر امل�صري رئي�س الوزراء اال�سبق والقى كلمة عرب فيها عن تقديره لهذه املبادرة. ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
77
نشاطات الوسطية
ثم مت تكرمي املعهد العاملي للفكر اال�سالمي بعر�ض فيلم عن املعهد وقد مت ت�سليم درع التكرمي لرئي�س جمل�س امناء املعهد العاملي للفكر اال�سالمي لدكتور عبداحلميد اب��و �سليمان من اململكة العربية ال�سعودية ثم ب��د�أ تكرمي ال�شخ�صيات والعلماء الفائزين باجلائزة بداي ًة مت تكرمي الدكتور عبداللطيف الهميم رئي�س دي��وان الوقف ال�سني العراقي نظر ًا ل��دوره الهام يف ن�شر ثقافة وفكر االعتدال والو�سطية من خالل م�ؤلفاته العديدة يف جمال فكر الو�سطية واالعتدال وثقافة الت�سامح وحماربة االرهاب والتطرف،مت ت�سليم الدرع ثم القى كلمة �شكر فيها القائمني على الرابطة واملنتدى العاملي وبني �أهمية العراق يف العامل اال�سالمي وان بغداد �ستبقى جزء من العامل اال�سالمي. وال�شخ�صية الثانية التي كرمت الدكتور �سلمان العودة الداعية اال�سالمي املعروف من اململكة العربية ال�سعودية بعر�ض فيلم عن م�سريته العلمية والفكرية و�أب��رز ابداعاته واجن��ازات��ه الفكرية وم�ؤلفاته التي انت�شرت يف العامل اال�سالمي ،ويعترب �سلمان العودة رائد ًا من رواد دعاة الو�سطية واالعتدال ونظر ًا لظروف طارئة خارجة عن ارادته مل يتمكن من احل�ضور لالردن فقد �أناب ال�سيد � 78إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
خالد احلقباين من امللحقية الثقافية-ال�سفارة ال�سعودية ال�ستالم اجلائزة التكرميية حيث قدم الدكتور �سلمان فيديو م�سجل �شكر فيه املنتىدى واعتزازه بهذه اجلائزة. ثم مت تكرمي ال�شخ�صية الثالثة وهو الدكتور جا�سم �سلطان مطلق م�شروع النه�ضة بعر�ض فيلم عن م�شروع النه�ضة الذي �أطلقه الدكتور وذلك بعر�ض اهميته الذي يعنى بال�شباب والذي يناق�ش �سبب تخلف االمة عن باقي االمم وت�ضمن الفيلم مبادرته يف االردن بالقاء حما�ضرات حول امل�شروع وت�سلم اجلائزة نيابة عنه الدكتور عبدالرحمن ذاكر لعدم متكنه من احل�ضور يف الزمن املنا�سب للم�شاركة حيث ار�سل فيديو ت�سجيلي من قبله �شاكر ًا فيه الرابطة الختياره كفائز ًا باجلائزة اكر ًا انه �سيقوم بزيارة قريبة للمنتدى. ح�ضر احلفل ح�شد كبري من ال�ضيوف وامل�شاركني من كبار رج��ال الدولة وكبار العلماء بقدر ح��وايل � 400شخ�ص ميثلون خمتلف اطياف املجتمع االردين وامل�ؤ�س�سات الفكرية والثقافية وح�شد كبري من ال�صحفيني حيث مت ت�سجيل ه��ذا اللقاء ببث مبا�شر من قناة اجلزيرة وعدة قنوات ف�ضائية وم�ؤ�س�سات �صحفية �إعالمية حملية ودولية . ثم تناول احل�ضور طعام الع�شاء وجرى بعدها مداوالت بني احل�ضور ت�شيد بهذه الفعالية ودور املنتدى يف اقامتها باعتبارها من ابرز امل�ؤ�س�سات اال�سالمية يف هذا املجال حيث �أن �شهرتها تعدت العامل اال�سالمي وب�أنها منارة فكرية عاملية.
نشاطات الوسطية
بحث التعاون بني (العاملي للو�سطية ) و ( العاملي للفكر الإ�سالمي )
ا�ستقبل الأم�ي�ن ال �ع��ام للمنتدى ال�ع��امل��ي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يف مقر املنتدى �أم�س الأربعاء 2015/8/26رئي�س جمل�س �أمناء املعهد العاملي للفكر الإ�سالمي الدكتورعبداحلميد �أبو �سليمان وقد جرى خالل اللقاء بحث �سبل التعاون بني املعهد واملنتدى يف الق�ضايا الفكرية والثقافية والإن�سانية ،وقد قدم الفاعوري يف بداية اللقاء �إيجازا عن املنتدى العاملي للو�سطية والأعمال التي يقوم بها والأه��داف التي ي�سعى �إل��ى حتقيقها من خالل ت�أ�صيل املنهج الو�سطي واالعتدال و�إب��راز �صورة الإ�سالم احلقيقية فكرا و�سلوكا على ال�صعد كافة كما �أثنى �أبو �سليمان على جهود املنتدى يف املجال التوعوي وتطرق يف
حديثه �إلى التحديات التي تواجه العامل الإ�سالمي و�ضرورة العمل امل�شرتك لإيجاد احللول لهذه امل�شاكل والتحديات من خالل ت�ضافر كافة اجلهود يف بوتقة واحدة نحو حتقيق الهدف الأ�سمى وهو ن�شر ر�سالة الإ�سالم احلنيف و�إبراز ال�صورة احلقيقية لهذا الدين ،وقد قام ال�ضيف بعد ذلك بجولة ا�ستطالعية ملرافق املنتدى و�أبدى �إعجابه بامل�ستوى املتقدم الذي و�صل �إليه املنتدى يف املجال الدعوي والفكري والثقايف وقد ح�ضر اللقاء الدكتور رائد عكا�شة وماجد �أبو غزالة والدكتور خالد اجلرب والدكتور زهاء الدين عبيدات والدكتور زيد املحي�سن.
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
79
إصدارات المنتدى
من �إ�صدارات املنتدى قراءة يف نف�سية �إرهابي �أ�صدر املنتدى العاملي للو�سطية كتيب ًا بعنوان "قراءة يف نف�سية �إرهابي" �ضمن �سل�سلة �إ�صداراته الدورية التنويرية التي حتاول فك اجلمود الفكري الذي وقف بالبع�ض عند اجتهادات ال�سابقني والدوران يف فلك التاريخ مما �شكل م�صدر ًا من م�صادر تلقي �أ�صول �أفكار املتطرفني والغالني ،وحدا بهم حلمل ال�سالح �ضد �أمتهم يف م�شرق الأر�ض ومغربها ،وقد افتتح الكتيب املفكر الإ�سالمي �أبو جرة �سلطاين مبقدمة بينّ من خاللها حرمة الدم الإن�ساين بن�صو�ص الوحي القر�آين "وما كان مل�ؤمن �أن يقتل م�ؤمن ًا اال خط�أ" "ومن يقتل م�ؤمن ًا متعمد ًا فجزا�ؤه جهنم خالد ًا فيها" كما �شخ�ص الدوافع النف�سية والذاتية للإرهابي مقدم ًا مقارب ًة عملية لفهم الظاهرة من �أجل تاليف تعاطف ال�شباب مع هذا الفكر الظالمي املنكفئ ونريانه التي ال تبقي وال تذر بعدما �أثبتت املعاجلات الأمنية حمدوديتها يف مواجهة الظاهرة ت�أتي هذه ال�سل�سلة لت�ش ّكل حلقة من حلقات منتظمة ملعاجلة هذا الوقع امل�أذوم.
� 80إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
إصدارات المنتدى
بوكو حرام يف نيجرييا بوكو حرام يف نيجرييا ،كتيب �أعده املنتدى العاملي للو�سطية فرع نيجرييا مبنا�سبة �أولى م�ؤمتراته الدولية "اال�سالم يف افريقيا ومواجهة التطرف والغلو" املنعقد مبدينة الغ��و���س ، 2015/8/9-8ع� � ّرف فيه الكاتب بحركة بوكوحرام املتطرفة و�أ�سباب تطرفها يف افريقيا واجلرائم الب�شعة التي ارتكبتها و�أثرها على ت�شويه �صورة اال�سالم يف افريقيا ،وقد ركز الكاتب من خالل حتليله على و�سطية اال��س�لام ملخ�ص ًا ال���ض��رورات االن�سانية اخلم�س التي ت�شكل مق�صد ًا من مقا�صد اال�سالم الكربى وهي حفظ الدين والنف�س والعقل والعر�ض واملال. ك�م��ا �شخ�ص ال�ك��ات��ب �أث ��ر ال�غ�ل��و ع�ل��ى املجتمعات اال�سالمية يف افريقيا حا�صر ًا لها يف ارب�ع��ة ا�سباب رئي�سية : � .1ضعف االنتماء الديني لدى ال�شباب. .2امل�شكالت النف�سية واالجتماعية. .3االحباط ب�سبب الفقر والبطالة. .4الأثر ال�سلبي لو�سائل االعالم. وق��د ختم الكاتب مبلخ�ص ح��ول ال�ه��دف م��ن عقد امل�ؤمتر الدويل يف نيجرييا ك�إحدى املعاجلات التي حتارب الفكر املتطرف م��ن خ�لال تو�ضيح مقا�صد ال�شريعة اال�سالمية ومراعاة الواقع.
ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
81
النشاطات القادمة
العامل الإ�سالمي وخطر الطائفيّة حتت هذا العنوان وبالتعاون مع ديوان الوقف ال�سني بالعراق �سيعقد املنتدى العاملي للو�سطية م�ؤمترا دوليا يف �شهر فرباير القادم فكرة امل�ؤمتر :
وال�صرا ِع ،ومنه �إن ما �أ�صاب الأمة من �ألوان ال َّتم ُّزقِ ِّ واملذهبي ،يجب �أن ُي َ نظ َر �إليه يف �إطار الفكري ال َّتمزُّق ّ ّ الأزم��ة الفكرية واملنهجية التي �أ�صابت العقل امل�سلم، و�أ َّد ْت –مع غريها من الإ�صابات� -إلى الفرقة والتمزق يف هذا الزمان .وبغري الوحدة ةاالتفاق ،والتح ِّلي ب�آداب االختالف ،وتوعية العقل امل�سلم لقبول التنوع والتعدد، وتوجيهِ ِه �إيجابي ًا �إلى ثراء الفكر والثقافة ،واال�ستجابة للتحديات ال�ت��ي ت��واج��ه الأم ��ة على اخ �ت�لاف مواقعها وحاالتها ،بد ًال من ال�سقوط يف �سلبيات التع�صب والإدانة يكون جلهود اخلريين من ا�صحاب هذه والتناحر ،فلن َ املذاهب من جناح لتحقيق �أهدافها يف وحدة الأمة و�إزالة م��ا ب�ين فئاتها ِم� ْ�ن وه��ن .لذلك ف �� َّإن املطلوب ه��و ربط �أهداف جهود امل�صلحني امل�ؤمنني بق�ضية وحدة الأمة يف خمتلف م�ستوياتها ،بحيث ي�صبح انتاج هذه اجلهود من عمليات الو�صل والتفاعل واحلوار حلماية ج�سد الأمة من التفكك والتجرئة نتيجة عبث الغالة من املتطرفني. فالوحدة بني امل�سلمني �أولوية كل الأول��وي��ات ،بل هي من الفرائ�ض والواجبات ،فمن �أنكر وحدة امل�سلمني فقد �أنكر �أمر ًا مقطوع ًا به ،ومن كان عمله على �صفة تقدح يف هذه الوحدة وت�شق �صف امل�سلمني وتنال من قوتهم فقد وخالف �شرعة الإ�سالم ،وانحاز ع�صى اهلل -ع َّز وج َّل،- َ الى �صف �أعداء الأمة. ويت�أكد العمل بهذا الأ�صل يف الع�صر احلا�ضر الذي ح� َّ�ل فيه بامل�سلمني من �شدة ال�ضعف وعمق االختالف ريح ُهم ،وانت�شار افكار التطرف والتع�صب ما �أذه� َ�ب َ ةاالرهاب و زرع الكرافية ولغة القتل وثقافة �سغك الدماء والتعب للراي وتكفري االخ��ر فقط الن��ه الأ َّدى بهم �إلى التخلف الفكري والعلمي ،وجعل مقدرات الأمة و�ضروريات حياتها ومق ِّومات وجودها يف �أيدي �أعدائها .ونحن ندرك اليوم � َّأن اال�ستبداد الفكري ،والتع�صب للر�أي ،والطعن والتجريح ب�سبب اختالف الآراء واملذاهب هو من �أكرب �أ�سباب هذا التمزُّق .ولهذا ظهرت فكرة التقريب بني � 82إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الآراء واملذاهب يف الع�صر احلا�ضر ،وكان كل ذلك من نتائج اختالف املذاهب الإ�سالمية. فالواجب على العلماء واملفكرين من جميع املذاهب واملدار�س الفكرية ،الذين لهم خربة وعناية باملو�ضوع، � ْأن ي�ضموا جهودهم؛ من �أجل حتديد الآليات والو�سائل العملية لتنفيذ ا�سرتاتيجية ملكافحة االره ��اب وو�ضع اال�سرتاتيجيات للت�صدي له. ولهذا تدعو امل�ؤ�س�سات والعلماء امل�شاركني يف تنظيم هذا من خمتلف املذاهب الإ�سالمية �إل��ى �إع��داد �أوراق وبحوث علمية
�أهداف امل�ؤمتر:
ويف ال��وق��ت ال��ذي ت�شه ُد الب�شر َّي ُة يف راه ِنها �صعيدي الفكر �أ�سو�أ موج ٍة من ال ّتط ّرف والإره��اب ،على َ �تراب ال� ّداخ�ل� ُّ�ي ،وال ُع ُ املجتمعي، نف واملمار�سة ،ف��االح ُ ّ �ال ال �ع�لاق� ِ واخ��ت�ل ُ �ات ال � ّدول � ّي��ة ،ك�لُّ�ه��ا م�ظ��اه� ُر لهاتني ّ ٍ �صعيد الظاهرتني ،تعي�شُ منطقتُنا �أزم� � ًة ُك�برى على جودي ب�سببِ علو �صوت التطرف والعنف وبروز ظاهرة ُو ّ ال���ص��راع الطائفي وامل��ذه�ب��ي� ،ضمن طيف وا��س��ع من كبع�ض الأفكا ِر يف الأدي��انِ ّ والطوائف الأ�سباب واملظاهر ِ واملذاهب� ،إلى ال ّدواف ِع من ا�ستغالل املوارد االقت�صاد ّية إح�سا�س ُّ االجتماعي� ،إلى اال�ستعما ِر بالظ ِلم واالغرتاب وال ِ ّ واالنق�سامات ّ ِ واال�ستعبا ِد �إلى الإثن ّي ِ الطائف ّية ات العرق ّية ِ احلوادث ال ّتاريخ َّي ِة املثري ِة لغرائز واملذهب َّية ،وا�ستح�ضا ِر ِ ِ �شريعات احلقد واالنتقام ،ح ّتى اجلوانب القانون ّية وال ّت ِ والعالقات ال ّدول َّية. والن ُُّظ ِم حماور امل�ؤمتر
.1مفهوم الطائفية واملذهبية و�إ�شكالية امل�صطلح: �أ ( .املذهبية ،الطائفية ،التُقية ،النوا�صي والرواف�ض، ق�ضية �آل البيت بني ال�سنة وال�شيعة ،الفئة الناجية، الإمام الغائب ،والية الفقيه ،احلاكمية) ب .املذهبية ر�ؤية تاريخية الن�ش�أة واجلذور. .2الإع�لام ودوره يف الق�ضاء على الطائفية وال�صراع امل��ذه �ب��ي /ال �ق �ن��وات الف�ضائية ،م��واق��ع التوا�صل، اليويتوب...
.3الوحدة الإ�سالمية-عنا�صرها �إكراهاتها والتحديات التي تواجه املجتمعات امل�سلمة وكيفية جتاوزها وخطر الطائفية على وحدة الأمة و�إ�ستقرارها �أ� .أدب اخلالف يف املنظور الإ�سالمي ب .مفهوم احلوار يف الإ�سالم-الآليات-والو�سائل ج .ثورات الربيع العربي و�إنعكا�ساتها يف توظيف ال�صراعات ال�سيا�سية ال�ستدعاء الدول املذهبية. د� .صور مقرتحة للعالقات ال�سيا�سية والإجتماعية والثقافية بني ال��دول الإ�سالمية (الكومنولث الإ�سالمية ور�ؤي��ة مالك بن بني) .4دور امل�ؤ�س�سات املختلفة يف احلد من املذهبية والطائفية. -دور تيار الو�سطية يف مكافحة الطائفية واملذهبية
الأح ��زاب واملنظمات واحل��رك��ات الدينية ودوره ��ا يفتر�سيخ م�ب��ادئ ال��وح��دة الإ�سالمية وحم��ارب��ة التفرق والطائفية دور امل�ساجد ودور ال�ع�ب��ادة يف درئ خطر الطائفية(خطب اجلمعة-املحا�ضرات والندوات) دور املدار�س واجلامعات واملعاهد يف حت�صني ال�شبابمن خطر الطائفية دور النخب يف زرع قيم ال��وح��دة وحم��ارب��ة الطائفيةوامل��ذه�ب�ي��ة (امل��راج��ع ال��دي �ن �ي��ة-الأدب��اء-ال �� �ش �ع��راء- املفكرين -م�ؤ�س�سات التقريب بني اتباع املذاهب) .5نحو ميثاق �إ�سالمي بني اتباع املذاهب وخطاب �إ�سالمي جامع. ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
83
م�سابقة العدد
مسابقـة العـدد
�إعداد الدكتورزهـاء الدين عبيـدات مدير مركز التدريب والدرا�سات واال�ست�شارات يف املنتدى العاملـي للو�سطيـة
• تت�ضمن امل�سابقة ع�شرة �أ�سئلة ،يتطلب الأمر الإجابة عنها كاملة ملن �أراد امل�شاركة ،وتر�سل الإجابات بعد تعبئتها على الكوبون املخ�ص�ص يف �أ�سفل ال�صفحة ،و�إر�سالها �إلى عنوان املجلة (�ص.ب1241 : الرمز الربيدي 11941عمان – الأردن ) وذلك قبل تاريخ 2015/11 / 1م • يتم ال�سحب على الإجابات الفائزة بثالثة م�ستويات ،حيث يمُ نح الفائز الأول 150دوالراً ،والفائز الثاين 100دوالراً ،والفائز الثالث 50دوالراً.
ال�س�ؤال الأول :
�إن �أول من اكت�شف الدورة الدموية بني القلب والرئتني وو�صفها و�صفا علميا �صحيحا هو الطبيب العربي : (ج) ابن الهيثم. (ب) ابن �سينا (�أ) ابن النفي�س
ال�س�ؤال الثاين :
�إن �أول من ُلقِّب ب�أمري امل�ؤمنني يف الإ�سالم هو : (�أ) �أبو بكر ر�ضي اهلل عنه (ب) عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه
(ج) عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه.
ال�س�ؤال الثالث :
�أول �سفري يف الإ�سالم هو : (�أ) علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه (ب) �سعد بن �أبي و ّقا�ص ر�ضي اهلل عنه (ج) عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه.
ال�س�ؤال الرابـع :
قائد حركة (نهاوند) هو : (ب) �سعد بن معاذ (�أ) النعمان بن مقرن
(ج) �سعد بن �أبي وقا�ص.
ال�س�ؤال اخلام�س :
قائد جي�ش امل�سلمني يف فتح جزيرة �صقلية هو : (�أ) عقبة بن نافع � 84إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
(ب) �أ�سد بن الفرات
(ج) طارق بن زياد
ال�س�ؤال ال�ساد�س :
القائد الذي بنى القلعة يف القاهرة هو : (ب) نابليون (�أ) �صالح الدين الأيوبي
(ج) اجلرنال غردون
ال�س�ؤال ال�سابع :
�أ�ضخم بناء يف العامل هو : (�أ) الأهرامات امل�صرية
(ب) �سور ال�صني
(ج) منارة الأ�سكندرية.
ال�س�ؤال الثامن :
م�ؤلف كتاب ( ماذا خ�سر العامل بانحطاط امل�سلمني ) هو : (ج) عز الدين بن الأثري (�أ) �أبو احل�سن الندوي (ب) �أبو الأعلى املودوي
ال�س�ؤال التا�سع :
مادة ال�شطة : (�أ) تلهب وحتقن الأوعية الدموية وتو�سعها (ج) تلهب وتقل�ص ال�شرايني ال�صغرية
(ب) تلهب وت�ضيق الأوعية الدموية
ال�س�ؤال العا�رش :
مت اكت�شاف الأ�سربين عام ( )1853بوا�سطة العامل الأملاين : (ج) روبرت كوخ (ب) جريهارت (�أ) �شُرتنر
إجابات مسابقة العدد • • • • •
رمز �إجابة ال�س�ؤال الأول ( ) رمز �إجابة ال�س�ؤال الثاين ( ) رمز �إجابة ال�س�ؤال الثالث ( ) رمز �إجابة ال�س�ؤال الرابع ( ) رمز �إجابة ال�س�ؤال اخلام�س ( )
• • • • •
رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�ساد�س ( ) رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�سابع ( ) رمز �إجابة ال�س�ؤال الثامن ( ) رمز �إجابة ال�س�ؤال التا�سع ( ) رمز �إجابة ال�س�ؤال العا�شر ( )
معلومات المتسابق ا�سم املت�سابق من �أربعة مقاطع رقم الهاتف مع رمز الدولة والبلد العنوان الربيدي
بعد الإجابة على هذا النموذج نرجو تعبئة املعلومات اخلا�صة باملت�سابق كاملة وق�ص النموذج و�إر�ساله �إلى العنوان املُبي ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
85
� 86إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ق�سيمة ا�شرتاك �سنوية البلد
اال�سم /امل�ؤ�س�سة
الهاتف
املدينة
Email: كيفية الدفع نقدا
�شيك
حوالة بنكية
قيمة اال�شرتاك ال�سنوي ( 60دينار ) �أردين الأردن -عمان -اجلبيهة – تلفون - 5356329فاك�س +962 – 6 – 5356349 �ص ب 1241رمز بريدي 11941 P.O.BOX: 2149 AMMAN – 11941 – JORDAN TEL 536329-FAX 5356349-6-962 + Email: mod.inter@yahoo.com Website: www.wasatyea.org
قواعـد و�شـروط الن�شـر يف جملة الو�سطية ي�س ّر �أ�سرة حترير جملة الو�سطية والتي ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية �أن ت�ستقبل م�ساهمات �أ�صحاب القلم من ال ُكتَّاب واملثقفني والباحثني يف �أق�سام الفكر الإ�سالمي والعلوم الإن�سانية واالجتماعية وال�سيا�سية والفكرية والرتبوية ،واملو�ضوعات ذات ال�صلة بامل�شروع احل�ضاري الإ�سالمي الراهن ،وكل ما له �صلة بق�ضايا و�ش�ؤون ال�ساحة الثقافية الإ�سالمية املعا�صرة على وجه العموم.. وترى �أ�سرة التحرير �أن تكون املواد املر�سلة وفق ال�شروط التالية: �أن تراعى يف املادة املر�سلة القواعد املتعارفة يف البحث العلمي من نواحي توثيق امل�صادر واملراجع والن�صو�ص ،واملو�ضوعية واملنهجية يف الكتابة ،واالبتعاد عن الأ�سلوب اخلطابي. ت�ؤكد املجلة على االلتزام بالبحث املو�ضوعي احلر والهادئ ،البعيد عن كل �أ�شكال التهجم �أوامل�سا�س بال�شخ�صيات. �ضرورة و�ضوح لغة البحث وجتنب اتباع الأ�سلوب املعقد وامل�صطلحات الغام�ضة وااللتزام بعمق املعنى ،مع مراعاة اجلوانب الأدبية واجلمالية يف الكتابة. تقرتح املجلة �أن تدور الكتابات والبحوث حول املحاور التالية: درا�سات �إ�سالمية ،الو�سطية واالعتدال ،التطرف والإرهاب ،العنف والالعنف ،احرتام الر�أي الآخر ،حقوق الإن�سان ،العوملة، الفكر والفكر الإ�سالمي ،الإعالم يف الإ�سالم ،علوم قر�آنية ،الإ�سالم وال�سيا�سة....... الآراء الواردة يف املجلة متثل وجهة نظر �أ�صحابها ،وال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي هيئة التحرير. تر�سل الأعمال �إلى امل�شرف العام على املجلة. ترحب المجلة بمساهمات ومشاركات األخوة الكتاب والعلماء والمفكرين. ما ينشر في هذا العدد يعبر عن آراء الكتّاب أنفسهم وال يعكس بالضرورة آراء هيئة التحرير أوسياسة المنتدى. تصدر بموجب المادة السادسة من النظام األساسي للمنتدى العالمي للوسطية. ال�سنة الثامنة :العدد الع�شرون -ذو القعدة ١٤٣6هـ �/أيلول ٢٠١5م
87
� 88إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة