العدد العشرين من السنة الثامنة

Page 1

‫الهيئة االستش�ارية للمجلة‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‪/‬ال�سودان‬ ‫معايل الدكتور عبد الرحيم العكور‪ /‬الأردن‬ ‫معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي‪ /‬الأردن‬ ‫الدكتور حممد طالبي‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل‪/‬ال�سودان‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‪ /‬لبنان‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين‪ /‬اجلزائر‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‪ /‬املغرب‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‪ /‬الأردن‬ ‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‪/‬م�صر‬

‫السنة الثامنة‪ :‬العدد العشرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الدكتور حممد حب�ش‪�/‬سوريا‬ ‫الدكتور حممد الروا�شدة‪/‬الأردن‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‪/‬الأردن‬

‫هيـئـة التـحريـر‬

‫تصدر عن‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور خالد جرب‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬ ‫الدكتور �سليمان الرطروط‬ ‫الدكتور علي احلجاحجة‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‬

‫المشرف العام على المجلة‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬

‫تصميم وإخراج‬ ‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬

‫المراسالت‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع‬

‫عمان‬ ‫المملكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬ ‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 2141 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net‬‬


‫محتويات العدد‬ ‫االفتتاحية‬ ‫و�سطيتنا‬

‫مقاالت الو�سطية‬

‫درا�سات الو�سطية‬

‫فتاوى �إ�سالمية‬ ‫الركن الطبي‬ ‫ر�سائل جامعية‬ ‫�شخ�صيــّة العـــدد‬ ‫واحة الو�سطية‬

‫الطائفي ـّة فتنة احلا�ضر وامل�ستقبل‬ ‫الو�ســطيـة مـنـهـج ح ـيـاة‬ ‫الو�سطية املثالية يف معاملة غري امل�سلمني‬ ‫ثقافة املوت �إلى �أين!؟‬ ‫حقــوق الإن�ســان بيــن الر�ؤيــة الإ�سالميــة والإعالن العاملي حلقوق الإن�سان‬ ‫�أ�ضـوا ٌء علـى العالـم الإ�سالمـي‬ ‫التحديات الثقافية لل�شباب‬ ‫التق�سيم املذهبي والطائفي لل�شرق العربي‬ ‫املقاربة املوريتانيـة ملحاربـة التطـرف و الإرهـاب‬ ‫�أوكلما ا�شتهيت ا�شرتيت !!‬ ‫ثقافة التقريب بني املذاهب‬ ‫حتليل وت�أ�صيل (اجلزء الأول)‬ ‫جوهر العبادة "فا�سـتقم كمـا �أُ ِمــرت"‬ ‫حـب الوطن م�شروعيته وبواعثه واحلاجة �إليه‬ ‫دور املر�أة امل�سلمة يف املجالني اخلريي والفكري‬ ‫اجلهود املبذولة يف الدفاع عن الإ�سالم من ِق َب ِل ال ُّدعاة والعلماء امل�سلمني‬ ‫الو�سطية من خالل �أ�ساليب احلوار يف اخلطاب القر�آين‬ ‫�س�ؤال التدبري والكرامة الإن�سانية‬ ‫ّتطرف املذاهب الأدبية الغربيّة‬ ‫عن الو�سطية الإ�سالميّة‬ ‫حق الكد وال�سعاية للمطلقة يف فقه النوازل‬ ‫احلالة املغربية �أمنوذجا‪..‬‬ ‫املنهج اخلفي و�أثره يف تعزيز الو�سطية واالعتدال‬ ‫�أنت ت�س�أل ونحن جنيب‬ ‫ه ــذا خلــق اللــه‬ ‫الأجل الق�ضائي يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاته‬ ‫يف نظام الق�ضاء ال�شرعي الأردين‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬عبد اللطيف الهميم‬ ‫رئي�س ديوان الوقف ال�سني بالعراق‬ ‫واق ــع الأم ــة‬ ‫مـن ق�صـ�ص العــرب‬ ‫الإدارة عند النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬

‫بيانات الو�سطية‬

‫يف ال�ش�ؤون الإ�سالمية والفكرية (املحلية والإقليمية والدولية)‬

‫ن�شاطات الو�سطية‬

‫ندوة ثقافة احلوار والتنوع و�أدب االختالف‬ ‫ً‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يعقد م�ؤمتراً دوليا يف نيجرييا حول‬ ‫(الإ�سالم يف �أفريقيا ومواجهة التطرف والإرهاب)‬ ‫�إفطار ال�صائم ل�صالح طالب املحا�ضر املوريتانية‬ ‫اجتماع املنتدى العاملي للو�سطية مبنظمة التعاون الإ�سالمي يف جدة‬ ‫م�سابقة القر�آن الكرمي باملنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يُك ِّرم ثلة من ُكتاب التجديد‬ ‫بحث التعاون بني (العاملي للو�سطية ) و ( العاملي للفكر الإ�سالمي )‬

‫�إ�صدارات املنتدى‬

‫قراءة يف نف�سية �إرهابي‬ ‫بوكو حرام يف نيجرييا‬

‫الن�شاطات القادمة‬ ‫م�سابقـة العـدد‬ ‫‪2‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫العامل الإ�سالمي وخطر الطائف ّية‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأ�ستاذ‪ /‬عبداملحمود � ّأبو‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬جماهد م�صطفى بهجت‬ ‫د‪ .‬زيد �أحمد املحي�سن‬

‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪10‬‬

‫�أ‪.‬د عبداللـه الكيالنـي‬

‫‪12‬‬

‫ِ‬ ‫�ص ِّديق حممد �إبراهيم‬

‫‪14‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪23‬‬

‫د‪.‬نزار �شموط‬ ‫د‪�.‬سليمان الرطروط‬ ‫الأ�ستاذ بن عمر يل‬ ‫د‪ .‬ي�سرى العرواين‬ ‫�أ‪ .‬د‪.‬عزمي طه ال�سيد �أحمد‬ ‫�أ‪.‬د‪.‬حممد الق�ضاة‬ ‫الدكتور نوح م�صطفى الفقري‬ ‫د‪ .‬حممد احلجوي‬ ‫د‪� .‬إ�سماعيل ال�سعيدات‬ ‫الدكتور‪ :‬ثابت �أحمد �أبواحلاج‬ ‫الأ�ستاذ ‪ /‬م�صطفى فاتيحي‬ ‫ق�صاب‬ ‫�أ‪ .‬د‪ .‬وليد �إبراهيم‬ ‫ّ‬ ‫املحامي مازن الفاعوري‬ ‫د‪ /‬جمال نايف الأ�شقر‬ ‫�إ�شراف �أ‪.‬د‪ .‬حممد الق�ضاة‬

‫‪24‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪58‬‬

‫د‪.‬ذيب عبد اهلل‬

‫‪59‬‬

‫�إعداد عبد احلكيم ال�شبول‬

‫‪60‬‬

‫مركز درا�سات الو�سطية‬

‫‪61‬‬

‫الدكتور ذيب عبد اهلل‬ ‫د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬ ‫د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬

‫‪62‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪84‬‬


‫افتتاحية العدد‬

‫الطائفيـــّة‬ ‫فتنة الحاضر واملستقبل‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫تت�صاعد �أل�سنة دخان الفتنة الطائفية‬ ‫يف عاملنا الإ���س�لام��ي وت��وظ��ف توظيفاً‬ ‫خبيثاً من �أعدائنا يف �إعادتنا الى الوراء‬ ‫ق��رون��اً‪ ،‬بحيث بِتنا نقتل بع�ضاً ب�أيدي‬ ‫بع�ض وب�أموالنا ورجالنا‪ ،‬وعدونا م�ستمتع‬ ‫بر�ؤية �أكرب انت�صاراته على الأمة دون ان‬ ‫يخو�ض �أية حروب ‪ ،‬و�إذا كان ثمة �أ�سباب‬ ‫لهذه الفتنة فالأ�سباب حا�ضرة يف كل‬ ‫زمان فاملوروثات التاريخية وغياب ثقافة‬ ‫التوافق والتخلف االجتماعي والأمرا�ض‬ ‫الناجتة عن غياب املنظومة الأخالقية‬ ‫واالرتهان الالجنبي �سعياً وراء امل�صالح‬ ‫ال�ضيقة و�إغفال مفهوم الأم��ة الواحدة‬ ‫} َو�إ َِّن َه ِذ ِه �أُ َّمتُ ُك ْم �أُ َّم ًة َو ِ‬ ‫اح َد ًة َو�أَنَا َربُّ ُك ْم‬ ‫﴾ وبروز ال ُهويات العرقية والدينية‬ ‫َفا َّتقُونِ {‬ ‫واملذهبية على ح�ساب ال ُهويات الوطنية‬ ‫املتعار�ضة م��ع مفهوم الأم���ة وال�شعور‬ ‫بالتهمي�ش وال��ظ��ل��م ك��ل ه���ذه وغ�يره��ا‬ ‫�صواعق تفجري ا�ستخدمها �أ�صحاب‬

‫نظرية �صراع احل�ضارات خلو�ض حرب‬ ‫عاملية ثالثة وقودها دم��ا�ؤن��ا وحطامها‬ ‫جماجم �أبنائنا ومدننا وح�ضارتنا‪ ،‬لقد‬ ‫فقد العراق وح��ده �أك�ثر من مليون من‬ ‫رجاله ون�سائه وفقد خم�سة ماليني طفل‬ ‫الأب �أو الأم عدا املت�شردين واملقتولني يف‬ ‫�سوريا واليمن وغريها‪.‬‬

‫وهنا ف�إن املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫يدرك خطورة توظيف ال�صراع املذهبي‬ ‫لتفتيت الأمة واال�ستيالء على مقدراتها‬ ‫وم�صادرة قرارها ورهن �إرادتها ل�صالح‬ ‫امل�ستعمر ال����ذي مل ي��خ��رج �أب�����داً من‬ ‫عوا�صمنا بل �أخفى خمالبه خلف قفازات‬ ‫ناعمة وخلف وجوه جميلة مبت�سمة من‬ ‫�أبناء جلدتنا ويتكلمون ب�أل�سنتنا بحيث‬ ‫�أ�ضحى ه�ؤالء على �أبواب جهنم يحرقون‬ ‫�آم���ال الأم���ة و�أح�لام��ه��ا ويدخلوننا يف‬ ‫التيه عقوداً وعقوداً ليطفئوا نور اهلل‬ ‫وي��ح��ارب��وا دع��ات��ه ويعيقوا تقدم �أمتنا‬ ‫مب�شروعها احل�ضاري الذي عليه الأمل‬ ‫يف انقاذ الب�شرية من �شقوتها ودفعها‬ ‫نحو ال�سعادة واحلرية والبناء‪.‬‬

‫�إن على عقالء الأم��ة والقلب ينزف‬ ‫والعني تدمع واحل��زن ميلأ النفو�س �أن‬ ‫يهبوا ملعاجلة �أ�سباب ه��ذه الفتنة وان‬ ‫يتقدموا ال�صفوف مبيثاق �إ�سالمي جامع‬ ‫ي��ع��زز مفهوم ال��وح��دة ف��وق الفرقة �أو‬ ‫املذهب و�أن مييزوا ال�صفوف من �إتباع‬ ‫الأخن�س بن �شريق الثقفي الذي �أظهر‬ ‫الإ�سالم و�أبطن الكفر وخ��رج من عند‬ ‫ر�سول اهلل فحرق زرع امل�سلمني وعقر‬ ‫ۖ َف َم ْن‬ ‫َّا�س َمن ﴿}قَدْ جَاءَكُم بَ�صَائِرُ مِن َّر ِّب ُك ْم‬ ‫ا ُ‬ ‫حل ُمر ف�أنزل اهلل فيه } َو ِم َن الن ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۚ َو َما َ�أنَا‬ ‫ۖ َو َم ْن َع ِم َي َف َعلَيْ َها‬ ‫�ص َر َف ِلنَف ِْ�س ِه‬ ‫ب‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫لحْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫هِ‬ ‫فيِ‬ ‫يُ ْع ِجبُك ق ْول ُه‬ ‫ا َياة ال ُّدن َيا َويُ�ش ُد ْ َ‬ ‫هّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِح ِف ٍ‬ ‫الل َعلَى َما فيِ َقلْب ِ​ِه َو ُه َو �ألَ ُّد خْ ِ‬ ‫يظ{‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫�ص ِام‬ ‫﴾{‪َ .‬علَيْ ُكم ب َ‬ ‫ال َ‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪3‬‬


‫وسـطيتنا‬

‫الو�ســطيـة مـنـهـج حــيـاة‬ ‫الأ�ستاذ‪ /‬عبداملحمود � ّأبو‬ ‫رئي�س فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف ال�سودان‬

‫الو�سطية تعني ال�سماحة واالعتدال يف التكليف‪ ،‬وترك‬ ‫الدين والتكلف فيه‪ّ � ،‬إن الو�سطية منهج مُ َي ِّكن‬ ‫املغاالة يف ِّ‬ ‫امل�سلم من فهم الأمور فهم ًا �صحيح ًا‪ ،‬ومن ثم يتعامل معها‬ ‫بوعي‪ ،‬ففي جمال العقيدة ُيحقق َو ْحدانية اخلالق‪ ،‬ويف‬ ‫جمال العبادة ُيراعي َمقا�صدها االجتماعية‪ ،‬ويدرك � ّأن‬ ‫�أ�سا�س الأخالق هو � ْأن تُعامل النا�س كما حُتب �أن ُيعاملوك‪،‬‬ ‫ووعي‬ ‫ومنهج الو�سطية يجعل املرء ينظر �إلى الأمور بتوازُن ْ‬ ‫وتكامل ‪ .‬‬ ‫� ّإن معامل الو�سطية تتمثل يف الآتي ‪ :‬‬ ‫�أوال‪ :‬اجلمع بني الأ�صالة واملعا�صرة ؛ فالو�سطية ‪ ‬تلتزم‬ ‫بالأ�صالة كمرجعية‪ ،‬وال تهمل املعا�صرة كف�ضاء للتطبيق‪،‬‬ ‫وتفاعل بني الن�ص والواقع‪ .‬‬ ‫ثالثا‪ :‬التوفيق بني علم ال�شريعة املُ َت َم ِّثل يف الأحكام‬ ‫ال�شرعية اخلم�سة‪،‬واملبادئ واملقا�صد؛ وبني علم ال َّت ْزكية‬ ‫الذي يخاطب الوجدان لريتقي بالإن�سان �إلى مرحلة التذوق‬ ‫الإمياين‪ . .‬‬ ‫ث��ان�ي��ا‪ :‬التميِيز ب�ين ال�ث��واب��ت وامل �ت �غ�يرات؛ ف��الأح�ك��ام‬ ‫ال�شرعية تنق�سم �إل��ى �أ��ص��ول؛ �أحكامها ثابتة؛ تتمثل يف‬ ‫العقائد وال�ع�ب��ادات و�أ� �ص��ول الأخ�ل�اق‪ ،‬وف��روع وو�سائل‪،‬‬ ‫بتغي العلل‪ .‬‬ ‫�أحكامها ُم َع َّللة و َت َتغيرَّ رُّ‬ ‫رابعا‪ :‬التوفيق بني ظواهر الن�صو�ص وق��راءة ما وراء‬ ‫الن�صو�ص‪ ،‬من معاين ت�ستنبط بالت�أمل والتدبر والتفكر‪ .‬‬ ‫خ��ام���س��ا‪ :‬االل��ت��زام بالتي�سري يف ال�ف�ت��وى والتب�شري‬ ‫يف ال��دع��وة؛ ف��الأخ��ذ ب��ال� ُّرخ����ص‪ ،‬وم��راع��اة ال���ض��رورات‪،‬‬ ‫وا�ست�صحاب الواقع‪ ،‬والعرف؛ من الأم��ور التي ينبغي �أن‬ ‫تراعي يف الفتوى ‪ .‬‬ ‫‪4‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫م��ع معرفة املكونات الفكرية‪ ،‬واخللفيات الثقافية‪،‬‬ ‫للمخاطب‪ ،‬واختيار املداخل املنا�سبة تطبيقا ملبد�أ احلكمة‬ ‫املطلوب يف ال��دع��وة ؛ ق��ال تعالى‪ " :‬ادع �إل��ى �سبيل ربك‬ ‫باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم بالتي هي �أح�سن "‬ ‫�ساد�سا‪ :‬مراعاة الواقع‪ :‬التعاليم الإ�سالمية ال تُط َّبق‬ ‫يف ف��راغ و�إمن��ا يقوم بتطبيقها الإن�سان بكل خ�صائ�صه‪،‬‬ ‫ويف واقع تختلف طبيعته من بيئة لأخرى‪ ،‬لذلك ف�إن منهج‬ ‫الو�سطية يراعي الواقع وي��زاوج بينه وب�ين الواجب على‬ ‫�أ�سا�س قوله ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬لل�سيدة عائ�شة ر�ضي‬ ‫اهلل عنها‪ " :‬لوﻻ � ّأن قومك حديثوا عهد بالإ�سالم؛ لهدمت‬ ‫الكعبة وبنيتها على قواعد �إبراهيم " مراعاة للواقع‪ .‬‬ ‫�سابعا‪ :‬مراعاة ال�ضرورات‪ :‬الإن�سان خملوق من طني‬ ‫وفيه َق َب ٌ�س من روح اهلل‪ ،‬ومن خ�صائ�صه العقل واحلرية‬ ‫والإرادة والوجدان ؛ وهذه لديها مطالب �ضرورية لتحقيق‬ ‫�إن�سانية الإن�سان‪ ،‬ومتكينه من حتقيق وظيفة اال�ستخالف‬ ‫التي خُ لق للقيام بها ‪ .‬قال تعالى‪ " :‬فليعبدوا رب هذا البيت‬ ‫ال��ذي �أطعمهم من جوع و�آمنهم من خوف " فاحلاجات‬ ‫ال�ضرورية �إهتم بها الإ�سالم و�ش َرع لتلبيتها و�صيانتها‪،‬‬ ‫ولي�س هنالك �أمر �ضروري للإن�سان؛ح َّرمه الإ�سالم‪ ،‬و�إمنا‬ ‫و�ضع �ضوابط �شرعية لإ�شباعه مع مراعاة التوازن بني حاجة‬ ‫الفرد واملحافظة على النظام العام للمجتمع الب�شري‪ .‬‬ ‫ثامنا‪ :‬م��راع��اة ال�شورى واحل��ري��ة‪ :‬احل��ري��ة م��ن �أه��م‬ ‫خ�صائ�ص الإن���س��ان‪،‬ول��ذل��ك ح � َّرم الإ� �س�لام الإك� ��راه يف‬ ‫الدين‪،‬واحلرية �شرط ملمار�سة ال�شورى التي ت�ضبط النظام‬ ‫االجتماعي ؛ وعليه ف ��إن الو�سطية ُت��ويل �إهتماما كبريا‬ ‫ل�صيانة احلرية حتقيقا لكرامة الإن�سان ومتكينا له من‬ ‫ممار�سة ال�شورى ‪ .‬‬


‫تا�سعا‪� :‬إن�صاف امل��ر�أة و�إ�شراكها يف كل الأعمال التي‬ ‫تالئم طبيعتها فهي متثل ِّ‬ ‫ال�شق الآخ��ر للإن�سان‪ ،‬وهي‬ ‫خماطبة كالرجل لتحقيق وظيفة اال�ستخالف بكل جتلياتها؛‬ ‫تق�سيما للأدوار و�إقامة لر�سالة الإن�سان يف الكون‪ .‬‬ ‫‪ - ١٠‬ال َّت�سامح مع الآخر والعمل على �صيانة العي�ش امل�شرتك‬ ‫بني مكونات املجتمع املتنوعة؛ دينيا وثقافيا‪ ،‬فالتعدد‬ ‫�إرادة �إلهية‪ ،‬و�ضرورة اجتماعية‪ ،‬وواقع كوين معي�ش‪ .‬‬ ‫با�ستيعاب املعامل ال�سابقة تت�ضح املعايري التي مبوجبها‬ ‫ي�صح احلكم كل من يدعي الو�سطية هل هو �صادق �أم‬ ‫يخالف قوله الواقع ‪ .‬فالو�سطية‪ ‬منهج يقوم على العدل‬ ‫والتوازن والتكامل فمن يلتزم بهذا املنهج فهو و�سطي فردا‬ ‫كان �أم جماعة �أم تنظيما و�إال فال‪ ..‬‬ ‫والتوازن يتحقق بفهم �صحيح الإ�سالم‪ ،‬وتر�سيخ مبادئه‬ ‫عن طريق املناهج الرتبوية والتعليمية‪ ،‬وكذلك بتجفيف‬ ‫منابع ال َّتطرف والغلو ومغذّياته االجتماعية والفكرية‪،‬‬ ‫ومعاجلة ظاهرة الفقر والأمية والتخلف‪ ،‬ويتم كل ذلك عرب‬ ‫حتقيق الإ�صالح ال�سيا�سي الذي له ت�أثري كبري على الأمور‬ ‫الأخرى‪ .‬‬ ‫�إن الفهم ال�صحيح للإ�سالم هو العا�صم من االنحراف‬ ‫عن ال�صراط امل�ستقيم‪ ،‬وهنا يكون دور العلماء قال النبي‬ ‫ �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ": -‬يحمل هذا العلم من كل خَ َل ٍف‬‫ُع ُدو ُله َي ْنفُون عنه حَتْريف الغَا ِلني وان ِت َحال املُبطلني وت�أويل‬ ‫اجلاهلني" ‪ ‬‬ ‫ٌ‬ ‫و�سلوك قبل ال�شعار‪،‬‬ ‫�إن الدين التزا ٌم قبل الدعوة ؛‬ ‫إ�صالح الباطن قبل الظاهر‪ ،‬فالذي يدعو ل ّأي �أمر �إن مل‬ ‫و� ُ‬ ‫يكن ُملتزما به يف نف�سه؛ فلن يكون له � ُّأي �أثرٍ على الواقع‪،‬‬ ‫ير من ُم َع ِّلم النا�س وم�ؤ ِّدبهم‪،‬‬ ‫ف ُم َع ِّلم نف َْ�سه وم�ؤ ِّد ُبها خ� ٌ‬ ‫وثبت بالتجربة �أن �أك�ثر الأ� �ص��وات ارتفاعا بال�شعارات‬ ‫من �أ َق ِّلهم التزاما مب�ضمونها قال تعالى‪ " :‬يا �أيها الذين‬ ‫�آمنوا لمِ َ تقولون ما ال تفعلون َكبرُ َ َمقْتا عند اهلل �أن تقولوا‬ ‫ما ال تفعلون " �أقول لرافعي ال�شعارات دون التزام؛ �أرفقوا‬ ‫ب�أنف�سكم وبالنا�س‪ ،‬فال�شريعة لي�ست �شعارات‪ ،‬وال حدودا‬ ‫وعقوبات فح�سب‪ ،‬و�إمن��ا هي منهج حياة متكامل‪ ،‬وبهذا‬ ‫الفهم �أقول � ّإن ال�شريعة لي�ست غائبة كلي ًّا‪ ،‬فنحن نراعي‬ ‫�أحكام ال�شريعة منذ امليالد‪ ،‬ونحر�ص على ممار�سة كل‬ ‫�ش�ؤون حياتنا وفق �أحكامها‪ ،‬وجنتهد يف ذلك حتى املمات‪.‬‬ ‫و�أعني بذلك النظام العام ملُجتمع امل�سلمني‪ ،‬وحتى الدول‬ ‫يف بع�ض ت�شريعاتها ُملتزمة بال�شريعة؛ وال ينفي هذا‬ ‫وجود بع�ض املخالفات الفردية واجلماعية وعلى م�ستوى‬ ‫الدولة‪ ،‬ولكنها مقارنة مع الغالب الأع��م فهي خمالفات‬ ‫قليلة وتتعاظم َح ْ�سب طبيعتها ونوع مقرتفيها‪ ،‬وعليه ف�إن‬

‫ال�شعار ال�صحيح هو الدعوة لتو�سيع قاعدة تطبيق �أحكام‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية لت�شمل اجلوانب التي مل تُطبق فيها‪،‬‬ ‫ولكن بالتدرج مع مراعاة الواقع ‪ .‬‬ ‫الإ��س�لام دي��ن خ��امت جمع �أ�صول الر�ساالت ال�سابقة‪،‬‬ ‫وم��ن � �ش��روط �صالحيته للتطبيق ا�ستجابته ملتطلبات‬ ‫م�ستجدات احلياة‪ ،‬ومنذ ع�صر ال َّتنْزيل مرورا بكل احلقب‬ ‫�إهتم الفقهاء ب�إبراز مقا�صد الت�شريع؛ حتى � ّأن ال ِع ْز بن‬ ‫عبدال�سالم قال ‪":‬كل ت�ص ُّرف �أ َّدى �إلى نقي�ض مق�صوده‬ ‫فهو باطل"‪ ،‬واج�ت�ه��ادات عمر بن اخلطاب ت�ؤكد ذلك؛‬ ‫فمنعه �سهم امل�ؤلفة قلوبهم‪ ،‬ورف�ضه تق�سيم �أرا�ضي العراق‪،‬‬ ‫واتخاذه للدواوين‪ ،‬وغريها؛كل ذلك يندرج يف بند قراءة‬ ‫الن�صو�ص اجلزئية يف َ�ض ْو ِء املقا�صد الكلية‪ ،‬ويف ع�صر‬ ‫الإنفتاح والعوملة وتدفُّق املعلومات وتقارب الزمان واملكان‬ ‫�صار �إبراز هذا املنهج من �ضرورات الع�صر‪ .‬‬ ‫َفاعل بني النّ�صو�ص والواقع‪،‬‬ ‫�إن الفكر الإ�سالمي هو ت ُ‬ ‫والإ�سالم دعا لهذا التفاعل فالقر�آن كتاب مقروء والكون‬ ‫كتاب منظور‪ ،‬ومطلوب من امل�سلم قراءة الكتابني ليفهم‬ ‫مق�صد اهلل من ق�صة اخللق‪ ،‬ور�سالة اال�ستخالف‪ ،‬فتجديد‬ ‫الفكر الإ��س�لام��ي؛ ه��و تفاعل ب�ين الإ� �س�لام وال��واق��ع عرب‬ ‫الع�صور‪ ،‬ولكل ع�صر ُم َف ِّكروه ومجُ َ � ِّ�د ُدوه‪ ،‬والتجديد هو‬ ‫جتديد ال َّت َد ُّين ال جتديد الدين‪ ،‬وجتديد القراءة للن�صو�ص‬ ‫وفق متطلبات الع�صر‪ ،‬لتحقيق الت�صالح بني الدين واحلياة‪ .‬‬ ‫وال�شرع جاء لتنظيم حياة الإن�سان وتوجيهها ملا يحقق‬ ‫�صالحه يف الدنيا والآخ��رة‪ ،‬والقر�آن نزل ‪ ‬لكل النا�س يف‬ ‫كل الع�صور‪ ،‬وكل �أهل ع�صر مطالبون �أن يقر�أوا القر�آن‬ ‫ك�أنَّه �أُ ْن��زل عليهم مع ا�ستفادتهم من ق��راءات ال�سابقني‬ ‫بتغي الزمان‬ ‫لهم‪ ،‬وااللتزام بالأ�صول الثابتة التي التتغري رُّ‬ ‫واملكان‪ .‬وا�ست�صحاب املالئم لع�صرهم من قراءة ال�سلف‪ .‬‬ ‫ولعل هذا هو معنى قوله تعالى‪ " :‬تلك �أمة قد خلت لها‬ ‫ما ك�سبت ولكم ما ك�سبتم وال ت�س�ألون عما كانوا يعملون"‬ ‫وقوله ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬عن ال�ق��ر�آن الكرمي ‪":‬‬ ‫وال تبلى جدته" � ْأي �إن معارفه ومعانيه ال تتقيد بحدود‬ ‫الزمان واملكان ؛ �إذا فُهم الإ�سالم بهذا املعنى الوا�سع‪،‬‬ ‫و�أدرك امل�سلمون �أن معارف القر�آن �أو�سع من حدود املكان‬ ‫وال��زم��ان‪ ،‬و�أنها متجددة؛ ف��إن ذلك من �ش�أنه �أن يحقق‬ ‫توفيقا بني ثوابت الإ�سالم ومقت�ضيات الع�صر املتجددة‪.‬‬ ‫قال تعالى‪� } :‬أَلمَ ْ َت� َر َك ْي َف َ�ض َر َب اللهَُّ َم َث ًال َك ِل َم ًة َط ِّي َب ًة‬ ‫ال�س َما ِء (‪ )24‬ت ُْ�ؤ ِتي‬ ‫كَ�شَ َج َر ٍة َط ِّي َب ٍة �أَ ْ�ص ُل َها َثاب ٌِت َو َف ْر ُع َها فيِ َّ‬ ‫َّا�س َل َع َّل ُه ْم‬ ‫�أُ ُك َل َها ُك َّل ِح ٍني ِب�إِذْ نِ َر ِّب َها َو َي ْ�ضرِ ُب اللهَُّ الأَ ْمثَالَ ِللن ِ‬ ‫ون{ابراهيم‪.4-23:‬‬ ‫َي َتذَ َّك ُر َ‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪5‬‬


‫وسـطيتنا‬

‫الو�سطية املثالية يف معاملة غري امل�سلمني‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬جماهد م�صطفى بهجت‬ ‫اجلامعة الإ�سالمية املاليزية ‪UIM‬‬

‫املقدمة‪:‬‬ ‫لي�ست الو�سطية جمرد �شعار �أو دعوة نظرية جمردة �أو‬ ‫فكرة حمدودة �ضمن الدين الإ�سالمي‪ ،‬بل هي قطب الرحى‬ ‫والدعامة الأ�سا�سية واجلوهر الفعال يف ديننا الإ�سالمي‪،‬‬ ‫وهي تت�صل ات�صا ًال فعا ًال وترتبط ارتباط ًا وثيق ًا بجوانب‬ ‫الإ�سالم املختلفة عقيدة و�شريعة و�أخالق ًا‪:‬‬ ‫ففي العقيدة توحيد اهلل و�إفراده وتنزيهه عن الأنداد‬ ‫واتخاذ ال�صاحبة والولد‪ ،‬والعبادة والتدين بحيث ال تنعزل‬ ‫العبادة عن الدنيا‪ ،‬والدنيا ال حتيف على العبادة‪ ،‬بل جمعت‬ ‫بني الأم��ور بدون �إف��راط �أو تفريط �أو غلو �أو جفاء‪ .1‬ويف‬ ‫الت�شريع لأنها �ضمن حدود طاقة الإن�سان وحتقق م�صلحته‬ ‫الدنيوية ب�إ�صالح معا�شه ثم معاده } َال ُي َك ِّل ُف اللهُّ َنفْ�س ًا‬ ‫�إِ َّال ُو ْ�س َع َها{ البقرة‪ .286 :‬ويف الأخ�لاق‪ :‬لأنها مرتبطة‬ ‫بالعقيدة‪ ،‬والعقيدة الفا�سدة ت�ؤدي �إلى انحراف الأخالق‪،‬‬ ‫والقر�آن الكرمي و�سط يف ذلك بني غالة املثاليني الذين‬ ‫تخيلوا الإن�سان مالك ًا �أو �شبه مالك‪ ،‬وبني غالة الواقعيني‬ ‫الذين ح�سبوه حيوان ًا �أو كاحليوان‪ ،‬وه ��ؤالء �أ��س��اءوا به‬ ‫الظن فع ّدوه �شر ًا خال�ص ًا‪ ،‬وكانت نظرة القر�آن و�سط ًا‬ ‫بني ذلك‪" ...‬فالإن�سان كما �ص ّوره القر�آن خملوق مركب‬ ‫فيه العقل وفيه ال�شهوة‪ ،‬وفيه غريزة احليوان وروحانية‬ ‫املالك‪ ..‬فيه ا�ستعداده للفجور ا�ستعداده للتقوى‪ ،‬ومهمته‬ ‫جهاد نف�سه وريا�ضتها حتى تتزكى‪َ } ."2‬و َنف ٍْ�س َو َما َ�س َّو َاها‬ ‫َّاها * َو َق ْد‬ ‫* َف�أَ ْل َه َم َها ُف ُجو َر َها َو َت ْق َو َاها * َق ْد �أَ ْف َل َح َمن َزك َ‬ ‫اب َمن َد َّ�س َاها{ ال�شم�س‪.10 -7 :‬‬ ‫خَ َ‬ ‫‪ - 1‬الو�سطية يف القر�آن الكرمي‪ :‬ال�صالبي �ص ‪.557‬‬ ‫‪ - 2‬امل�صدر ال�سابق �ص ‪.574‬‬ ‫‪6‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫وق��وان�ين الأخ�ل�اق يف الإ� �س�لام معروفة فقد ج��اءت‬ ‫ن�صو�ص ك�ث�يرة تخ�ص الإن���س��ان وال�ع�لاق��ات الأ��س��ري��ة‪،‬‬ ‫والعالقات بني الأقارب والأرحام‪ ،‬ويف الآداب واملجامالت‬ ‫واالقت�صاد واملعامالت وغري ذلك ب�شكل متوازن مبا يحقق‬ ‫م�صلحة امل�سلم وم�صلحة �أم�ت��ه ويف مقدمتها مطالبة‬ ‫الإن�سان بالعدل مع عدوه } َو َال َي ْجرِ َم َّن ُك ْم �شَ َن� ُآن َق ْو ٍم َع َلى‬ ‫�أَ َّال َت ْع ِد ُلو ْا ْاع ِد ُلو ْا ُه َو �أَ ْق َر ُب ِلل َّت ْق َوى{ املائدة‪ ،8 :‬ومل يطلب‬ ‫حمبة عدوه لأن ذلك فوق طاقته مما جاء يف الإجنيل يف‬ ‫ق��ول امل�سيح‪�" :‬أحبوا �أع��داءك��م‪ ،‬من �ضربك على خدك‬ ‫الأمين ف�أدر له الأي�سر" وهو �أمر �شاق على النفو�س‪ ،‬كما‬ ‫منع الإ�سالم الزيادة يف العقوبة والث�أر بل منح حق مقابلة‬ ‫ال�سيئة مبثلها لقوله تعالى } َو�إِ ْن َعا َق ْبت ُْم َف َعا ِق ُبو ْا بمِ ِ ْثلِ َما‬ ‫ِرين{ النحل‪.126 :‬‬ ‫ل�صاب َ‬ ‫ُعو ِق ْبتُم ِب ِه َو َل ِئن َ�صبرَ ْ مُ ْت َل ُه َو خَ يرْ ٌ ِّل َّ‬ ‫قواعد التعامل مع غري امل�سلمني‪:‬‬ ‫احلقيقة �إن ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي و��ض��ع ق��واع��د وا�ضحة‬ ‫للب�شرية‪ ،‬و�أع�ل��ن الإ��س�لام �أن النا�س جميع ًا خلقوا من‬ ‫نف�س واحدة‪ ،‬وهذا يعني وحدة الأ�صل الإن�ساين قال اهلل‬ ‫َّا�س ا َّتقُو ْا َر َّب ُك ُم ال َِّذي خَ َل َق ُكم ِّمن َّنف ٍْ�س‬ ‫تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها الن ُ‬ ‫َو ِاح َد ٍة َوخَ َلقَ ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َب َّث ِم ْن ُه َما ر َِجا ًال َك ِثري ًا َو ِن َ�ساء‬ ‫ون ِب ِه َوالأَ ْر َح َام �إِ َّن اللهّ َ َك َان َع َل ْي ُك ْم‬ ‫َوا َّتقُو ْا اللهّ َ ال َِّذي ت َ​َ�ساء ُل َ‬ ‫َر ِقيب ًا{ الن�ساء‪ ،1 :‬والإن�سان‪ ‬مك ّرم يف نظر القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫دون النظر �إلى دينه �أو لونه �أو جن�سه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ولقد‬ ‫ك َّرمنا بني �آدم{ الإ�سراء‪ ،70 :‬وما اختالف الب�شرية يف‬ ‫�ألوانها و�أجنا�سها ولغاتها �إال �آية من الآي��ات الدالة على‬ ‫عظيم قدرة اخلالق تعالى‪ ،‬قال عز وجل‪َ } :‬و ِم ْن �آ َيا ِت ِه خَ ْلقُ‬


‫الَ ْر ِ�ض َواخْ تِلاَ ُف �أَل ِْ�س َن ِت ُك ْم َو�أَ ْل َوا ِن ُك ْم ِ�إ َّن فيِ ذَ ِل َك‬ ‫ال�س َما َو ِات َو ْ أ‬ ‫َّ‬ ‫َ آل َي ٍات ِّل ْل َعالمِ ِ َني{الروم‪.22 :‬‬ ‫وه��ذا االخ�ت�لاف ال يجوز �أن يكون �سبب ًا يف التنافر‬ ‫والعداوة‪ ،‬بل بالعك�س يجب �أن يكون �سبب ًا للتعارف والتالقي‬ ‫على اخلري وامل�صلحة امل�شرتكة‪ ،‬فاهلل تعالى يقول‪َ }:‬يا �أَ ُّي َها‬ ‫َّا�س �إِنَّا خَ َل ْقنَا ُكم ِّمن ذَ َكرٍ َو�أُن َثى َو َج َع ْلنَا ُك ْم �شُ ُعوب ًا َو َق َبا ِئ َل‬ ‫الن ُ‬ ‫ِل َت َعا َرفُوا{ احلجرات‪ ،13 :‬وميزان التفا�ضل الذي و�ضعه‬ ‫القر�آن الكرمي‪� ،‬إمنا هو ما يقدمه هذا الإن�سان من خري‬ ‫للإن�سانية كلها مع الإميان احلق باهلل تعالى‪ ،‬فاهلل يقول‪:‬‬ ‫}� َّإن �أكرمكم عند اهلل �أتقاكم{ احلجرات‪.13 :‬‬ ‫وال يجرد الإ� �س�لام غ�ير امل�سلمني م��ن ب�شريتهم‪ ،‬وال‬ ‫الدينِ { البقرة‪:‬‬ ‫يجربهم على الإ�سالم لأنه } َال �إِ ْك� َرا َه فيِ ِّ‬ ‫‪ ،256‬و�إمن��ا نظر �إليهم نظرة الطبيب �إلى املري�ض‪ ،‬فهم‬ ‫�إن كانوا يرف�ضون دع��وة الإ��س�لام‪ ،‬مل يقاتلوا امل�سلمني‪،‬‬ ‫والقاعدة التي و�ضعها القر�آن يف التعامل مع ه�ؤالء تتمثل‬ ‫ين لمَ ْ ُيقَا ِت ُلو ُك ْم‬ ‫يف قوله تعالى‪} :‬لاَ َي ْن َها ُك ُم اللهَُّ َعنِ ال َِّذ َ‬ ‫وه ْم َو ُتق ِْ�س ُطوا‬ ‫الدينِ َولمَ ْ ُيخْ رِ ُجو ُكم ِّمن ِد َيا ِر ُك ْم �أَن َتبرَُّ ُ‬ ‫فيِ ِّ‬ ‫للهَُّ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫ين‬ ‫�إِ َل ْيهِ ْم �إِ َّن ا ُي ِح ُّب المُْق ِْ�س ِط َني * �إِنمَّ َا َي ْن َها ُك ُم ا َعنِ ال َِّذ َ‬ ‫الدينِ َو�أَخْ َر ُجو ُكم ِّمن ِد َيا ِر ُك ْم َو َظ َاه ُروا َع َلى‬ ‫َقا َت ُلو ُك ْم فيِ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫�إِخْ َراجِ ُك ْم �أَن َت َو َّل ْو ُه ْم َو َمن َي َت َو َّل ُه ْم َف�أ ْو َل ِئ َك ُه ُم َّ‬ ‫ون{‬ ‫الظالمُِ َ‬ ‫املمتحنة‪ .9-8 :‬فالآية وا�ضحة يف �أننا نحن امل�سلمني لنا‬ ‫احلرية التامة يف �صلة الآخرين والعدل معهم ومعاملتهم‬ ‫املعاملة الطيبة ‪ -‬و�إن مل ين�ضموا �إلى الإ�سالم‪-‬بنا ًء على‬ ‫مبد�أ االحرتام املتبادل‪ ،‬والعالقات وامل�صالح امل�شرتكة‪.‬‬ ‫�إن الأ�سا�س ال��ذي و�ضعه الإ��س�لام يف �إط��ار الت�سامح‬ ‫الديني والتعاي�ش مع الآخرين يعد �صاحل ًا للعمل به يف كل‬ ‫زمان ومكان‪ ،‬وقد عا�ش امل�سلمون �أتباع الأديان املختلفة كافة‬ ‫�سماوية و�أر�ضية جنب ًا �إلى جنب‪ ،‬والكل يعي�ش يف حرية دينية‬ ‫�سامية‪ ،‬وميار�س �سائر �أ�شكال احلياة العلمية واالجتماعية‬ ‫والعملية‪ ،‬وحتى تويل املنا�صب العليا يف الدولة‪.‬‬ ‫طالبنا الإ��س�لام وف��ق �أخالقياته و�سم ّو نظرياته �إلى‬ ‫معاي�شة الأديان الأخرى والت�ساكن معها مهما اختلفت لأن‬ ‫هذا االختالف بني النا�س �أمر حتمي ق�ضى به خالق النا�س‬ ‫حلكمة يعلمها هو جل وعال‪ .‬فال يوجد �شيء يف الإ�سالم‬ ‫ا�سمه �إل �غ��اء الآخ ��ر‪ ،‬لأن ه��ذا الآخ��ر �إن���س��ان ل��ه احلقوق‬ ‫الإن�سانية كافة‪ ،‬ول��و ك��ان خمالف ًا للم�سلمني يف االعتقاد‬ ‫والتدين‪.3‬‬

‫مثال تطبيقي لتعاي�ش الر�سول ‪ ‬مع غري امل�سلمني‪:‬‬ ‫ملـّا هاجر النبي الكرمي ‪� ‬إلى املدينة املنورة �أقام حلف ًا‬ ‫مبن ّي ًا على التكاف�ؤ والعدالة بني امل�سلمني واليهود‪ ،‬ومل ي�أت‬ ‫النبي ‪ ‬ليمحو وجود اليهود من املدينة‪ ،‬و�إمنا اعرتف‬ ‫بدينهم وت��رك لهم حرية ممار�سة �شعائرهم‪ ،‬ودعاهم‬ ‫�إلى الإ�سالم باحلكمة واملوعظة احل�سنة‪ ،‬حتى �إنه ورد يف‬ ‫الدينِ { البقرة‪:‬‬ ‫�أ�سباب نزول قوله تعالى‪َ } :‬ال �إِ ْك � َرا َه فيِ ِّ‬ ‫‪� ،256‬أن بع�ض امل�سلمني كان لهم �أوالد يدينون بالديانة‬ ‫اليهودية‪ ،‬ف��أرادوا �أن يجربوا �أوالدهم على ترك اليهودية‬ ‫واعتناق الإ�سالم‪ ،‬فنهاهم اهلل يف هذه الآية عن ذلك‪.‬‬ ‫ومل يحارب النبي ‪ ‬اليهود ب�سبب االختالف معهم يف‬ ‫الدين‪ ،‬و�إمنا ب�سبب نق�ضهم للمعاهدات التي كانت بينهم‬ ‫وبني امل�سلمني‪ ،‬ف�ض ًال عن �سعيهم الدائم لت�أليب العرب‬ ‫وامل�شركني �ضد الإ��س�لام‪ ،‬فاحلرب كانت دفاعية وقائية‬ ‫تو�سعت رقعة الدولة الإ�سالمية زمن‬ ‫بالدرجة الأولى‪ ،‬وملا ّ‬ ‫النبي ‪ ‬كان هناك جمموعة كبرية من القبائل امل�سيحية‬ ‫العربية وبخا�صة يف جنران‪ ،‬فما كان منه ‪� ‬إال �أن �أقام‬ ‫معهم املعاهدات التي ت�ؤ ّمن لهم حرية املعتقد‪ ،‬وممار�سة‬ ‫ال�شعائر‪ ،‬و�صون �أماكن العبادة‪ ،‬ف�ض ًال عن �ضمان حرية‬ ‫الفكر والتعلم‪ ،‬فلقد جاء يف معاهدة النبي لأهل جنران‪:‬‬ ‫"وال يغري �أ�سقف من �أ�سقفيته‪ ،‬وال راهب من رهبانيته وال‬ ‫كاهن من كهانته ولي�س عليه دنية"‪ ،‬وكان له�ؤالء ولغريهم‬ ‫احلرية التامة يف التنقل واحلركة وممار�سة �أي نوع من‬ ‫�أنواع التجارة والن�شاطات االجتماعية‪ ،‬فهذه هي الأ�س�س‬ ‫التي قام عليها التعاي�ش بني امل�سلمني الأوائل مع غريهم‪.‬‬ ‫�شواهد تاريخية قدمي ًا وحديثاً‪:‬‬ ‫ويف التاريخ خري مثال عملي و�أع�ظ��م دليل على هذا‬ ‫التعاي�ش بني امل�سلمني والأدي��ان الأخرى فالفتح الإ�سالمي‬ ‫لبالد ال�شام وم�صر كان يف زمن �سيدنا عمر ‪ ،‬وبقي‬ ‫الن�صارى والأقباط فيهما حتى الوقت احلا�ضر‪ ،‬وامل�سلمون‬ ‫وامل�سيحيون عا�شوا �أرب�ع��ة ع�شر ق��رن� ًا جنب ًا �إل��ى جنب‪،‬‬ ‫يتقا�سمون الأفراح والأتراح‪ ،‬ويواجهون دائم ًا عدو ًا واحد ًا‪،‬‬ ‫ويحاربون يف خندق م�شرتك‪.‬‬

‫‪ - 3‬نظرات ا�ست�شرافية يف فقه العالقات اإلنسانية بني‬ ‫امل�سلمني وغري امل�سلمني‪ :‬ح�سن حممد �سفر �ص ‪.7‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪7‬‬


‫وسـطيتنا‬ ‫َّا�س �أُ َّم ًة ِ‬ ‫واح َد ًة (�أي على دين واحد وعلى منهج واحد)‬ ‫الن َ‬ ‫ون مخُ ْ َت ِل ِف َني �إ َّال َمن َّر ِح� َ�م َر ُّب� َ�ك و ِلذَ ِل َك خَ َل َق ُه ْم{‬ ‫وال َيزَ ا ُل َ‬ ‫هود‪ ،118 :‬يقول الطاهر بن عا�شور‪" :‬ولكن احلكمة التي‬ ‫�أقيم عليها نظام هذا العامل اقت�ضت �أن يكون نظام عقول‬ ‫الب�شر قابال للتطوح بهم يف م�سلك ال�ضاللة �أو يف م�سلك‬ ‫الهدى على مبلغ ا�ستقامة التفكري والنظر‪ ،‬وال�سالمة من‬ ‫حجب ال�ضاللة‪.6"...‬‬ ‫وي�ستطيع امل�سلم �أن يتعامل مع َمن يعتقد �أنه كافر لأنه‬ ‫يعتقد �أن هذا االختالف واقع مب�شيئة اهلل كما �سبق }و َل ْو‬ ‫�شَ ا َء َر ُّب� َ�ك ل َآم� َ�ن َمن فيِ الأَ ْر��ِ�ض ُكلُّ ُه ْم َج ِميع ًا �أَ َف��أَن� َ�ت ُت ْكرِ ُه‬ ‫َّا�س َح َّتى َي ُكو ُنوا مُ�ؤ ِْم ِن َني {يون�س‪ ،99‬فاالختالف واقع‬ ‫الن َ‬ ‫مب�شيئة اهلل‪ ،‬ولإميانه �أن الإ�سالم ك ّرم الإن�سان من حيث‬ ‫هو �إن�سان بغ�ض النظر عن جن�سه �أو دينه �أو لونه �أو لغته �أو‬ ‫�إقليمه �أو طبقته }و َلق َْد َك َّر ْمنَا َب ِني �آ َد َم{ الإ�سراء‪ ،70 :‬وقد‬ ‫ورد عن النبي ‪� ‬أنه مرت به جنازة فقام واقف ًا احرتام ًا‬ ‫لها فقيل له‪� :‬إنها جنازة يهودي فقال �ألي�ست نف�س ًا ‪ .7‬فما‬ ‫�أروع املوقف وما �أروع التعليل نف�سه �ألي�ست نف�س ًا ‪.8‬‬ ‫لذلك يقيم الإ��س�لام العالقة بني النا�س جميع ًا على‬ ‫�أ�سا�س العدل جلميع خلق اهلل يهودي ون�صراين وجمو�سي‬ ‫ووثني‪ ،‬والبد �أن يكون بيننا وبينهم العدل} وال َي ْجرِ َم َّن ُك ْم‬ ‫�شَ َن� ُآن َق � ْو ٍم َع َلى �أَ َّال َت ْع ِد ُلوا ْاع� ِ�د ُل��وا ُه� َو �أَ ْق� � َر ُب ِلل َّت ْق َوى{‬ ‫املائدة‪ ،8 :‬وال�شن�آن �شدة البغ�ض �سواء �شدة بغ�ضهم لكم‬ ‫�أو بغ�ضكم لهم‪ ،‬ال مينع هذا �أن��ك حتكم بالعدل فالعدل‬ ‫مطلوب القر�آن‪.‬‬ ‫و�ضع الإ�سالم القواعد التي تنظم العالقة بني الدولة‬ ‫الإ�سالمية والأمة الإ�سالمية وغري امل�سلمني‪ ،9‬بحيث تكون‬ ‫عالقات طبيعية‪ ،‬فه�ؤالء يعي�شون يف املجتمع الإ�سالمي‬

‫�سجله التاريخ � ّأن التتار عند دخولهم دم�شق‬ ‫ومم��ا ّ‬ ‫�أ�سروا نا�س ًا من امل�سلمني ويهود وامل�سيحيني‪ ،‬وذهب �شيخ‬ ‫الإ�سالم ابن تيمية ومعه جماعة من علماء امل�سلمني عند‬ ‫هوالكو يطلبون منه ف� ّ�ك الأ��س��رى فقالوا له يا �شيخ ابن‬ ‫تيمية‪� :‬سنطلق لك �سراح امل�سلمني‪� ،‬أما اليهود والن�صارى‬ ‫فال‪ ،‬قال لهم‪" :‬ال �أهل ذمتنا قبل �أهل ملتنا‪ ،‬واهلل ال �أخرج‬ ‫قبل �أن َّ‬ ‫يفك �أ�سر اجلميع"‪ ،4‬وهكذا فالدفاع عن �أهل الذمة‬ ‫واجب على امل�سلمني حتى قال علماء امل�سلمني‪� :‬إن �إيذاء‬ ‫الذمي �أ�شد �إثم ًا من �إي��ذاء امل�سلم‪ ،‬وغيبة الذمي �أ�ش ُّد يف‬ ‫الإثم من غيبة امل�سلم لأنه معترب‪ ،‬ك�أنه يعني �إن امل�سلمني‬ ‫هم امل�س�ؤولون عنه‪.‬‬ ‫وتذكر هنا كلمة قالها فار�س اخل��وري حديث ًا وهو من‬ ‫رجال الفكر وال�سيا�سة يف �سورية يف احتفال �أقامه امل�سلمون‬ ‫يف اجلامع الأموي �ضد اال�ستعمار الفرن�سي‪ ،‬وقف خطيب ًا‬ ‫ليعلن على امل�ل�أ‪�" :‬إن م�برر وج��ود فرن�سة يف �سورية هو‬ ‫حماية الن�صارى‪� ،‬أنا نائب الن�صارى فار�س اخلوري �أطلب‬ ‫احلماية منكم �أيها امل�سلمون‪ ،‬و�أرف�ضها من فرن�سة"‪.5‬‬ ‫و�إذا كانت ه��ذه ال��دع��وات الطائفية واملذهبية ت�سبب‬ ‫يف بع�ض الأحيان �شيئ ًا من �سوء العالقات �أو تعكري �صفو‬ ‫التعاي�ش بني �أبناء الوطن الواحد‪ ،‬ف�إن امل�سلمني وغريهم‬ ‫يف داخ��ل ب�ل��دان ال�ع��امل الإ��س�لام��ي يعرفون �أه ��داف هذه‬ ‫الدول التي تتدخل بحجة حماية الأقليات‪ ،‬ويعرف متام ًا‬ ‫امل�سيحيون العرب �أن ال��دول اال�ستعمارية عندما مت ّد يد‬ ‫الدعم لبع�ض الفئات امل�سيحية ال تبتغي من وراء ذلك �إال‬ ‫م�صاحلها اخلا�صة‪.‬‬ ‫ات�ساع العقيدة الإ�سالمية للآخر‪:‬‬ ‫العقيدة الإ�سالمية تت�سع جلميع النا�س ال تريد �أن تلغي‬ ‫الآخ��ر بل هي تعرتف �أن هناك �آخ��ر‪ ،‬هناك َمن يخالفها‬ ‫يف العقيدة وال�شريعة وال�سيا�سة‪ ،‬و�أه��م اخل�لاف��ات هي ‪ - 6‬التحرير والتنوير الطاهر بن عا�شور‪ 348 /11 ،‬ط الدار‬ ‫التون�سية للن�شر ‪1984‬م‪.‬‬ ‫اخلالفات العقائدية‪ ،‬والقر�آن قرر �أن هذا االختالف واقع‬ ‫مب�شيئة اهلل املت�صلة بحكمته‪ ،‬واحلكمة الإلهية اقت�ضت �أن ‪ - 7‬اجلامع ال�صحيح البخاري‪� ،‬أب��و عبد اهلل‪ 107 /2 ،‬رقم‬ ‫احلديث ‪ .1312‬ط دار ال�شعب‪ ،‬القاهرة ‪1987‬م‪ .‬اجلامع‬ ‫يكون النا�س خمتلفني يف الدين لأن اهلل �سبحانه وتعالى لو‬ ‫ال�صحيح امل�سمى �صحيح م�سلم بن احلجاج‪ ،58 /3 ،‬رقم‬ ‫�أراد النا�س �أن يكونوا على دين واحد وعلى نهج واحد خللق‬ ‫احلديث ‪ ،2269‬ط دار اجليل‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫الإن�سان على غري هذه ال�صورة‪ ،‬وحرمه العقل والإرادة‪،‬‬ ‫وما دام لكل �إن�سان عقله و�إرادته فالبد �أن يتغري النا�س يف ‪ - 8‬راجع نظرة الإ�سالم للتعاي�ش مع غري امل�سلمني‪ ،‬خال�صة حوار‬ ‫مع الدكتور يو�سف القر�ضاوي �أجراه مرا�سل جريدة الراية‬ ‫اجتاهاتهم الدينية وغري الدينية‪ ،‬وهذا ما يقرره القر�آن‬ ‫القطرية ‪1997 /12 /14‬م‪.‬‬ ‫بو�ضوح حيث يقول اهلل تعالى‪} :‬و َل� � ْو � َ��ش��ا َء َر ُّب � َ�ك لجَ َ � َع� َ�ل‬ ‫‪ - 4‬جمموع الفتاوى‪ :‬ابن تيمية ‪ 617 /28‬حتقيق �أنور الباز ط ‪3‬‬ ‫دار الوفاء ‪2005‬م‪.‬‬ ‫‪ - 5‬مواطنون ال ذميون‪ :‬فهمي هويدي �ص ‪ ،54‬ط ‪ 2‬دار ال�شروق‪،‬‬ ‫القاهرة ‪ 1990‬م‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪� - 9‬ألف الدكتور يو�سف القر�ضاوي كتاب ًا �سماه (غري امل�سلمني‬ ‫يف املجتمع الإ�سالم) وف�ضل هذه الت�سمية بدال من ت�سمية �أهل‬ ‫الذمة‪ -‬كما يقول‪ -‬لأن بع�ض النا�س يفهم كلمة ذمة من الذم‪،‬‬ ‫مع �أن الذمة تعني العهد وال�ضمان مبعنى �أنهم يف عهد اهلل‬ ‫ور�سوله وجماعة امل�سلمني وحمايتهم‪.‬‬


‫حتت قاعدة عامة ذكرها الفقهاء هي‪" :‬لهم ما لنا وعليهم‬ ‫ما علينا"‪ ،10‬هذا هو الأ�صل يف التعامل مع غري امل�سلمني‪،‬‬ ‫ومنهم اليهود �إال ما اقت�ضاه التميز الديني‪ ،‬كعطلة يوم‬ ‫ال�سبت لليهود‪ ،‬فال يجوز �إجبارهم على يوم اجلمعة‪ ،‬والبد‬ ‫�أن نحرتم ما يقرره دينهم‪ ،‬واح�ت�رام ما تقرره الأدي��ان‬ ‫والعقائد من الأ�س�س الأول��ى فال نتدخل يف �ش�ؤونهم حتى‬ ‫�أن الإ�سالم بلغ من الت�سامح الذروة بحيث ال يفر�ض عليهم‬

‫الأ�شياء التي يح ّرمها الإ�سالم �إذا كانت مباحة عندهم‪،‬‬ ‫فمث ًال اخلمر �أم اخلبائث عند امل�سلمني وم��ن الكبائر‬ ‫واملوبقات‪ ،‬ولكن الإ�سالم يقول لهم‪ :‬ما دام دينك �أباحها ال‬ ‫حت ّرم‪ ،‬ويعد اخلمر واخلنزير يف مذهب الإمام �أبي حنيفة‬ ‫م��ا ًال متقوم ًا‪ ،‬فمن �أتلف خمرا لذمي يهودي �أو ن�صراين‬ ‫فعليه �أن يغرم ثمنها‪.‬‬ ‫واحلمد هلل رب العاملني‬

‫‪ - 10‬هذه القاعدة جرت على ل�سان فقهاء احلنف ّية‪ ،‬وتدلّ عليها عبارات‬ ‫ال�سلف‬ ‫فقهاء املالك ّية وال�شّ افع ّية واحلنابلة‪ .‬وي�ؤ ّيدها بع�ض الآثار عن ّ‬ ‫علي بن �أبي ٍ‬ ‫طالب �أنّه قال‪�" :‬إنمّ ا قبلوا اجلزية لتكون‬ ‫فقد روي عن ّ‬ ‫�أموالهم ك�أموالنا‪ ،‬ودما�ؤهم كدمائنا"‪.‬‬

‫امل�صادر واملراجع‬ ‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫‪ -‬‬

‫ ‬

‫القر�آن الكرمي‬ ‫التحرير والتنوير‪ :‬الطاهر بن عا�شور‪ ،‬ط الدار التون�سية للن�شر ‪1984‬م‪.‬‬ ‫اجلامع ال�صحيح‪� :‬أبو عبد اهلل البخاري‪ ،‬ط دار ال�شعب‪ ،‬القاهرة ‪1987‬م‪.‬‬ ‫اجلامع ال�صحيح‪ :‬م�سلم بن احلجاج‪ ،‬ط دار اجليل‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫جمموع الفتاوى‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬حتقيق �أنور الباز‪ ،‬ط ‪ 3‬دار الوفاء‪ ،‬م�صر ‪2005‬م‪.‬‬ ‫مواطنون ال ذميون‪ :‬فهمي هويدي‪ ،‬ط ‪ 2‬دار ال�شروق‪ ،‬القاهرة ‪ 1990‬م‪.‬‬ ‫نظرات ا�ست�شرافية يف فقه العالقات الإن�سانية بني امل�سلمني وغري امل�سلمني‪ :‬ح�سن حممد �سفر بحث على �شبكة املعلومات الأنرتنت‬ ‫يف ‪� 24‬ص‪.‬‬ ‫نظرة الإ�سالم للتعاي�ش مع غري امل�سلمني‪ ،‬حوار مع �سماحة الدكتور يو�سف القر�ضاوي �أجراه مرا�سل جريدة الراية القطرية دم�شق‬ ‫يف ‪1997/12/14‬م‪ .‬‬ ‫الو�سطية يف القر�آن الكرمي‪ :‬علي حممد ال�صالبي‪ ،‬ط دار النفائ�س‪ ،‬الأردن‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪9‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫ثقافة املوت �إلى �أين!؟‬ ‫د‪ .‬زيد �أحمد املحي�سن‬

‫ت�شهد ال�ساحة العربية والإ�سالمية هذه الأيام متددا‬ ‫ظالميا غري م�سبوق يف تاريخنا العربي والإ�سالمي لثقافة‬ ‫امل��وت وال�تروي��ج لها‪ ،‬ب��د�أت ه��ذه الثقافة تت�سلل وتتدرج‬ ‫وتت�سع دوائ��ره��ا يوما بعد ي��وم ب��ل �أخ��ذت ه��ذه الثقافة‬ ‫الدخيلة تتحول �إلى �سلوك ومنحى دموي يف �أغلب الأحيان‪،‬‬ ‫�أ�سهمت تكنولوجيا الع�صر وو�سائل التوا�صل االجتماعي‬ ‫والإعالم غري املن�ضبط يف تعزيزها بطريقة غري مبا�شرة‪،‬‬ ‫فمن الإرهاب الفكري �إلى الإرهاب اجل�سدي‪ ،‬ومن ثقافة‬ ‫التكفري �إلى ثقافة التفجري ‪.‬‬ ‫‪ ‬ه��ذه الثقافة وخم��رج��ات�ه��ا كلها ن�ت��اج فكر ظالمي‬ ‫كان يعي�ش يف الكهوف و�أ�صبح الآن يع�ش�ش يف الر�ؤو�س‬ ‫والنفو�س؛ نتيجة جلهل مطبق ابتلينا ب��ه منذ �سنوات‬ ‫اال�ستعمار الأولى الذي �أورثنا تركة اجلهل املعريف و�سلب‬ ‫عقولنا وكل�س فيها التخلف واملر�ض واجلهل والنزاعات‪،‬‬ ‫ويف ع�صرنا‪ ‬احلا�ضر زدنا عليها وك ّر�سناها‪ ‬يف م�ؤلفاتنا‬ ‫ودرو�سنا وحما�ضراتنا و�أهملنا احلديث عن ثقافة احلياة‬ ‫والإع�م��ار وبناء الأوط��ان وتعمري الأر���ض وعقل الإن�سان‬ ‫فدمرنا‪ ‬ب�أفعالنا النفو�س‪ ‬و�أحبطنا الهمم و�أمتنا العزائم‬ ‫والعمل وحنطنا يف داخلنا كافة عنا�صر ا�ستنها�ض الذات‬ ‫وعنا�صر تقدم الأمم وتركنا حياتنا الدنيوية‪ ‬جمازا لغرينا‬ ‫يبدع وينجز فيها و�سمحنا لإنف�سنا �أن نعي�ش عالة على‬ ‫الغري و�أن نقتات الفتات م�ستهلكني لكل �شيء وغري منتجني‬ ‫�أو م�سهمني يف احل�ضارة الإن�سانية‪ ‬طمعا بالزهد يف الدنيا‬ ‫وك�سب الآخرة‪ ،‬والظاهر يف امل�شهد املبكي وامل�ضحك حلالنا‬ ‫�أننا مل نفلح يف الدنيا فلم نك�سبها‪ ‬وال الآخرة و�أ�صبحنا‬ ‫كالغراب الذي �أ�ضاع م�شيته و�أ�صبحنا نعي�ش‪ ‬يف هذا الظالم‪ ‬‬ ‫الدام�س‪ -‬حا�ضرا دون �أي تبا�شري�أو بريق مل�ستقبل واعد‪.‬‬

‫‪ ‬احلياة جميلة والأجمل من ذلك �أن نرتك �أثرا �أو منجزا‬ ‫ح�ضاريا يرمز لنا ولهذه الأمة –‪ ‬املو�سومة ب�أنها ‪ -‬خري‬ ‫�أمة �أخرجت للنا�س – تبني العقول وتن�شرالعلم واملعرفة‬ ‫والقيم الإن�سانية النبيلة‪ ‬يف كل �أر���ض وحتت كل �سماء‬ ‫من ت�سامح واعتدال وو�سطية القول والفعل وال�سلوك ‪ -‬‬ ‫ف�أجدادنا الأوائ��ل �شادوا العمران وبنو الإن�سان ون�شروا‬ ‫ثقافة احلب والإخ��اء الإن�ساين قوال وفعال وهم �أ�صحاب‬ ‫مقولة ‪ -‬اخللق عيال اهلل ‪� -‬أما �أخ لك يف العقيدة �أو �أخ‬ ‫لك يف الإن�سانية – لقد جمعوا القيم الإن�سانية ال�سامية‬ ‫وبنو منها‪� ‬سلما لل�صعود به نحو الذرى والرقي والتقدم‬ ‫وال�ن�ج��اح و�صنعوا ما�ضيا رائعا‪ ‬م��ا زال ماثال �أمامنا‬ ‫– و�أم��ام واقعنا احل��ايل واملو�شح بال�سواد من خالل‬ ‫تكل�س عقولنا نت�ساءل مبرارة – هل عجز املفكر العربي‬ ‫والإ�سالمي من ا�ستخدام‪ -‬مب�ضعه اجلراحي – لت�شريح‬ ‫واقعنا الأليم و�إخ��راج العلة التي يف داخلنا والتي تعمل‬ ‫على �إعاقة تقدم �أوطاننا يف العامل العربي والإ�سالمي ‪.‬‬ ‫‪� ‬إن هذه الق�ضية هي �ش�أن كل الأوطان ‪ -‬وهي �ضرورة ملحة‬ ‫ولي�ست ترفا فكريا ‪ -‬لإحياء ثقافة احلياة ‪ -‬بدل ثقافة‬ ‫الكراهية ‪ -‬وثقافة الإبداع‪ -‬بدل ثقافة العجز واخلمول ‪-‬‬ ‫وثقافة ال�سالم ‪ -‬بدل ثقافة العنف ‪ -‬علينا العمل الآن قبل‬ ‫الغد �أفرادا وم�ؤ�س�سات تعزيز ثقافة احلياة يف جمتمعاتنا‬ ‫– قبل �أن ت�صبح ثقافة املوت والعنف فكرة مقبولة وهي‬ ‫التي ت�سيطر على العقول املتكل�سة من الب�شر بعدها لن‬ ‫تنفع القراءة وال الكتابة لأن الكلمة �ستكون قد ا�ستبدلت‬ ‫بالر�صا�صة – التي تقتل اجلميع دون ر�أفة �أو رحمة‪ ،‬وهذا‬ ‫ما نرجو �أال نراه يف �أوطاننا ال حا�ضرا وال م�ستقبال‪ ‬لهذا‬ ‫ف�إن �أي ثقافة تعترب املوت فكرة مقبولة يجب العمل على‬ ‫اجها�ضها واعتبارها ميته يف رحم �أمها‪..‬‬

‫ ‬

‫‪� 10‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪11‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫حقــوق الإن�ســان بيــن الر�ؤيــة الإ�سالميــة‬ ‫والإعالن العاملي حلقوق الإن�سان‬ ‫�أ‪.‬د عبداللـه الكيالنـي‬ ‫كلية ال�رشيعة – اجلامعـة الأردنية‬

‫احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على �سيدنا حممد‪،‬املبعوث رحمة للعاملني وعلى �آله و�صحبه‪.‬‬ ‫ميثل الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان ثمرة جهد �إن�ساين مرتاكم لت�أكيد احرتام حق الإن�سان ثم �أتبع باملواثيق‬ ‫الدولية التي خطت خطوات عملية لتقييد الدول بحقوق الإن�سان حيث تعد تلك املواثيق بعد توقيع الدول عليها‬ ‫مبنزلة قوانني وطنية ُملزمة‪.‬‬ ‫ومفهوم الإعالن العاملي يختلف عن مفهوم املواثيق الدولية من جهة الإلزام‪ ،‬فالإعالن لي�س اتفاقا بني دول ومل‬ ‫توقع عليه الدول ليكون قانونا لها لكنه ذو قيمة �أخالقية �أما االتفاق فتوقع عليه الدولة ليكون مبنزلة قانون وميكن‬ ‫�أن ي�ستند �إليه القا�ضي ليحكم مبوجبه بعد مروره بالإجراءات القانونية من �إقرار الربملان للإتفاقية ون�شر ذلك‬ ‫باجلريدة الر�سمية‬ ‫وال�شريعة الإ�سالمية تلتقي مع �أه��دف مواثيق حقوقَ‬ ‫الإن���س��ان يف الإ� �س�لام ب��اح�ترام ح��ق الإن���س��ان حيث كان‬ ‫ب�صرف النظر عن لونه �أو جن�سه ‪،‬وي�ؤكد قيمة هذا احلق‬ ‫يف �شرع رب العاملني ‪�،‬سوا ُء �أكان �صاحب احلق قريب ًا منك‬ ‫�أم بعيد ًا ‪�،‬إال �أن الروية الإ�سالمية للحقوق ال تتطابق متاما‬ ‫مع الر�ؤية الغربية فمن حيث �أنواع احلقوق كانت املواثيق‬ ‫الدولية مهتمة بحقوق الفرد يف وجه الدولة كحق احلياة‬ ‫وحق التنقل وحق التعبري عن الر�أي وحق العمل‪ ،‬و ُتق َ​َ�سم‬ ‫ه��ذه احلقوق �إل��ى �أجيال �أربعة من احلقوق ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وامل��دن �ي��ة‪ ،‬واحل �ق��وق التجمعية‪ ،‬كحق تكوين نقابات‪،‬‬ ‫واحلقوق االجتامعية كاحلق يف ال�ضمان والتعليم واحلقوق‬ ‫البيئية‪.‬‬ ‫�أم��ا يف الر�ؤية الإ�سالمية فهناك حق للزوجة بحكم‬ ‫ال�صحبة وهناك حق للجار وهناك حق لكل �إن�سان مبوجب‬ ‫‪� 12‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫و�صف الإن�سانية ومن املمكن �أن تقدم احل�ضارة الإ�سالمية‬ ‫للمواثيق الدولية مزيدا من احلقوق مما من �ش�أنه �أن‬ ‫يح�سن نوعية الإن�سان‬ ‫وبح�سب الر�ؤية الإ�سالمية ف�إن احرتام حق كل �إن�سان‬ ‫مطلوب �شرع ًا لي�س فقط لأن القانون ي�أمر بذلك بل لأنه‬ ‫حكم رب العاملني �أي�ض ًا قال تعالى مبين ًا ب�شاعة القتل يف‬ ‫تعقيبه على ق�صة قتل �أحد ابني �آدم لأخيه‪ِ } :‬م ْن �أَ ْجلِ‬ ‫ذَ ِل َك َك َت ْبنَا َع َلى َب ِني �إِ ْ�س َ‬ ‫رائيل َ�أ َّن ُه َم ْن َقت َ​َل َنفْ�س ًا ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س‬ ‫َ‬ ‫َّا�س َج ِميع ًا َو َم ْن �أ ْح َي َاها‬ ‫�أَ ْو ف َ​َ�س ٍاد فيِ َْ أ‬ ‫ال ْر ِ�ض َف َك�أَنمَّ َا َقت َ​َل الن َ‬ ‫َّا�س َج ِميع ًا َو َلق َْد َجا َء ْت ُه ْم ُر ُ�س ُلنَا بِا ْل َب ِّين ِ‬ ‫َات ُث َّم‬ ‫َف َك�أَنمَّ َا �أَ ْح َيا الن َ‬ ‫ُون{(املائدة‪)32:‬‬ ‫�إِ َّن َك ِثري ًا ِم ْن ُه ْم َب ْع َد ذَ ِل َك فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض لمَُ ْ�سرِ ف َ‬ ‫ت�أمل يف هذه الآي��ة‪ ،‬فهي تُبني عظم �إث��م قتل النف�س‬ ‫فاهلل تعالى يقول( َم ْن َقت َ​َل َنفْ�س ًا ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س �أَ ْو ف َ​َ�س ٍاد فيِ‬


‫الْأَرْ�ضِ فَكَ�أَنمََّا قَتَلَ النَّا�سَ) ومل يف ّرق ال�شارع بني الأنف�س‬ ‫من حيث اللون �أو العرق �أو الدين �أو �أي تباين �آخر‪ ،‬ومن‬ ‫ه��ذا املعنى ا�ستقت وثيق ُة حقوق الإن�سان ال�صادر ُة من‬ ‫منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي فيما ُيعرف ب�إعالن القاهرة‬ ‫عام ‪ 1991‬مفاهي َمها‪� ،‬إذ جاء فيها ‪�:‬إن الدولَ الأع�ضا َء يف‬ ‫منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪� ،‬إميان ًا منها باهلل ِ‬ ‫رب العاملني‪،‬‬ ‫وت�صديق ًا بر�سالة حممد ‪�-‬صلى اهلل عليه و�آل��ه و�سلم‪،-‬‬ ‫ِ‬ ‫و�إميان ًا ب� َّأن احلقوقَ‬ ‫واحلريات الأ�سا�سي َة يف الإ�سالم جزء‬ ‫من الدين الإ�سالمي ال ميلك �أحد تعطي َلها كلي ًا �أو جزئي ًا‪،‬‬ ‫�أو خر َقها �أو جتاه َلها‪ ،‬و�إن رعاية هذه احلقوق عبادة‪،‬‬ ‫العدوان عليها منكر يف الدين‪ ،‬فما معنى ‪�:‬إن‬ ‫و�إهما َلها �أو‬ ‫َ‬ ‫رعاية احلق عبادة؟ �أي‪ :‬اح�ترام حق الآخ��ر لي�س جمرد‬ ‫التزام قانوين‪ ،‬بل هو عبادة ُيتقرب بها �إلى اهلل تعالى ‪)...‬‬ ‫ٍ‬ ‫ثم تتابع الوثيقة فتقول‪ :‬وكل �إن�سان م�س�ؤول عنها مبفرده‪،‬‬ ‫والأمة م�س�ؤولة عنها بالت�ضامن‪.‬‬ ‫�إن الدول الأع�ضاء يف منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي ت�أ�سي�س ًا‬ ‫على ذلك تعلن ما يلي‪:‬‬ ‫املادة الأولى‪:‬‬ ‫�أـ الب�شر جميع ًا �أ�سرة واحدة جمعت بينهم العبودية‬ ‫هلل وال�ب�ن� َّوة لآدم‪ ،‬وجميع النا�س مت�ساوون يف الكرامة‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬ويف امل�س�ؤولية دون متييز بينهم ب�سبب ال ِعرق �أو‬ ‫ال َّلون �أو اللغة �أو الإقليم �أو اجلن�س �أو الإنتماء ال�سيا�سي �أو‬ ‫الو�ضع االجتماعي �أو غري ذلك من التباينات‪.‬‬ ‫ب ـ �إن اخللق ك ّلهم عبيد هلل‪ ،‬و� َّإن �أح َّبهم �إليه �أنفعهم‬

‫لعباده‪ ،‬وال ف�ضل لأحد منهم على �آخر �إال بالتقوى‪.‬‬ ‫املادة الثانية‪:‬‬ ‫�أ ـ احل �ي��اة ح��ق مكفول لكل �إن�سان‪ ، ‬وع�ل��ى الأف ��راد‬ ‫واملجتمعات وال��دول حماي ُة هذا احلق من كل اعتداء‪ ،‬وال‬ ‫روح دون مقت�ضى �شرعي‪.‬‬ ‫يجوز �إزهاق ٍ‬ ‫ب ـ يحرم اللجوء �إل��ى و�سائل تف�ضي �إل��ى �إفناء النوع‬ ‫الب�شري كلي ًا �أو جزئي ًا‪.‬‬ ‫ج ـ املحافظة على ا�ستمرار احلياة الب�شرية �إل��ى ما‬ ‫�شاء اهلل واجب �شرعي‪ ،‬فال يجوز الإجها�ض دون �ضرورة‬ ‫�شرعية‪ ،‬وال احليلولة دون الزواج �أو الإخ�صاب �أو الإجناب‬ ‫ب�صورة دائمة بغري هذه ال�ضرورة‪.‬‬ ‫املادة الثالثة‪:‬‬ ‫�أ ـ يف حالة احلرب �أو املنازعات امل�سلحة ال يجوز قتل َم ْن‬ ‫ال م�شاركة لهم يف القتال كال�شيخ واملر�أة والطفل‪ .‬وللجريح‬ ‫احل��ق يف �أن ُي��داوى‪ ،‬وللأ�سري �أن ُيط َعم و ُي���ؤوى و ُيك�سى‪.‬‬ ‫ويح ّرم التمثيل بالقتلى‪ .‬ويجوز ـ من حيث املبد�أ ـ تبادل‬ ‫الأ�سرى وتالقي واجتماع ال َأ�سر التي ف ّرقتها ظروف القتال‪.‬‬ ‫ت ـ ال ُيقطع ال�شجر وال ُيت َلف الزرع وال�ضرع‪ ،‬وال تُخ ّرب‬ ‫املباين واملن�ش�آت للعدو بق�صف �أو ن�سف �أو غري ذلك �إ ّال‬ ‫ل�ضرورة �شرعية مقت�ضية‪.‬‬ ‫املادة الرابعة‪:‬‬ ‫لكل �إن�سان حرمته بعد موته‪ ، ‬واحلفاظ على �سمعته‪،‬‬ ‫وعلى الدولة واملجتمع حماية جثمانه ومدفنه‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪13‬‬


‫هذا املعاين هي ما ن�صت عليه وثيقة حقوق الإن�سان‬ ‫ال�صادرة من منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ِم ْن َف ْه ِمها للتوجيه القر�آين الح�ترام حقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫العدوان‬ ‫ذلك �أن رعاية هذه احلقوق عبادة‪ ،‬و�إهما َلها �أو‬ ‫َ‬ ‫عليها منكر يف �شرع اهلل تعالى‪.‬‬ ‫وح�ي�ن �أن � ��زل اهلل �أب ��ان ��ا �آدم ع �ل��ى الأر��� ��ض خليف ًة‬ ‫ل ��ه‪� ،‬أع� �ط ��اه ال�ت�ع�ل�ي�م��ات ال �ت��ي ت�ع�ي�ن��ه ع �ل��ى �أن يعي�ش‬ ‫�سعيدا وي�ه�ت��دي ل�ط��ري��ق ال�ن�ج��اة } َق ��الَ ْاه � ِب� َ�ط��ا ِم� ْن� َه��ا‬ ‫�دى‬ ‫َج ِميع ًا َب ْع�ضُ ُك ْم ِل َب ْع ٍ�ض َع � ُد ٌّو َف� ِ�إ َّم��ا َي�أْ ِت َي َّن ُك ْم ِم ِّني ُه� ً‬ ‫َف � َم��نِ ا َّت � َب � َع ُه�� َ�د َاي فَ�لا َي��ِ��ض� ُّل َوال َي�شْ قَى{ (ط �ـ��ه‪)123:‬‬ ‫} َو َم ْن �أَ ْع َر َ�ض َع ْن ِذ ْكرِ ي َف�إِ َّن َل ُه َم ِعي�شَ ًة َ�ضنْك ًا َون َْح�شُ ُر ُه َي ْو َم‬ ‫ا ْل ِق َي َام ِة �أَ ْع َمى{ (طـه‪)124:‬‬ ‫ومن هدي رب العاملني �أنه �أر�شد عباده الحرتام حقوق‬ ‫الإن�سان بحيث يعرف الإن�سان حقه وحق الآخ��ري��ن‪ ،‬فال‬ ‫ي�ضل وال ي�شقى ‪،‬لكن الإن�سان يف حلظات من االغ�ترار‬ ‫بالقوة وال�شعور باال�ستغناء عن الآخرين يطغى وين�سى �أمر‬ ‫النا�س �إلى ال�شقاء‬ ‫ربه‪ ،‬فال يعود يحرتم حق ًا لآخر مبا يقود َ‬ ‫الِن َْ�س َان َل َي ْطغَى{ (العلق‪)6:‬‬ ‫كما قال �سبحانه‪ } :‬كَلاَّ �إِ َّن ْ أ‬ ‫ا�س َت ْغنَى{ (العلق‪)7:‬‬ ‫}�أَ ْن َر�آ ُه ْ‬ ‫هذا الغرور على امل�ستوى العاملي �أ�صاب بع�ض الدول يف‬ ‫بدايات القرن املا�ضي‪ ،‬فانتهكت حقوق الإن�سان ومل تبال‬ ‫احلرب‬ ‫بحرمة ال�شعوب يف �أوطانها فكانت نتيجة ذل��ك‬ ‫َ‬ ‫العاملية الأول��ى ثم احل��رب العاملي َة الثانية التي زاد عدد‬ ‫�ضحاياها عن خم�سني مليون قتيل‪.‬‬ ‫ونتيجة لهذا �شعرت ال��دول ب�أهمية �إلتزام دول العامل‬ ‫�أجمع باحرتام حقوق الإن�سان لينعم الإن�سان بال�سالم فال‬ ‫ي�ضل وال ي�شقى‪ ،‬فال �سلم مع الظلم و�إمنا ال�سلم حيث ي�أخذ‬ ‫كل �صاحب حق حقه‬ ‫ومن هنا اجتمعت الدول ون�صت يف ميثاق الأمم املتحدة‬ ‫ُبعيد احل��رب العاملية الثانية على ت�أكيد اح�ترام حقوق‬ ‫الإن�سان‪ ،‬ثم جاء الإع�لان العاملي حلقوق الإن�سان ليكون‬ ‫معيار ًا قيميا تلتزم به الدول فجاء فيه‪:‬‬ ‫املادة الأولى‪:‬‬ ‫‪ -1‬يولد جميع النا�س �أح��رار ًا مت�ساوين يف الكرامة‬

‫واحل�ق��وق‪ ،‬وق��د وهبوا عق ًال و�ضمري ًا وعليهم �أن يعامل‬ ‫بع�ضهم بع�ض ًا بروح الإخاء‪.‬‬ ‫املادة الثالثة‪ :‬لكل فرد احلق يف احلياة واحلرية و�سالم ِة‬ ‫�شخ�صه‪.‬‬ ‫املادة ال�سابعة‪ :‬كل النا�س �سوا�سية �أمام القانون ولهم‬ ‫احلق يف التمتع بحماية متكافئة دون �أية تفرقة‪ ،‬كما �أن لهم‬ ‫جميعا احلق يف حماية مت�ساوية �ضد �أي متييز يخل بهذا‬ ‫الإعالن و�ضد �أي حتري�ض على متييز‪.‬‬ ‫�إن ما جاء به الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان يف احرتام‬ ‫حق احلياة وعدم التمييز �أمام املحاكم ‪ :‬يتالقى وين�سجم‬ ‫مع ما جاء يف ال�شرع الرباين ‪،‬ولهذا الإعالن ق�صة وحكاية‬ ‫فله �آباء و�أبناء ‪ :‬ولد الإعالن العاملي كما تقول وثائق الأمم‬ ‫املتحدة عام ‪ُ 1948‬بعيد احلرب العاملية الثانية وما خلفته‬ ‫من معاناة ‪�،‬آبا�ؤه كما يقول امل�ؤرخون الغربيون هم الإعالنات‬ ‫الفرن�سية حلقوق الإن�سان والإعالنات الأمريكية‪ ،‬ومع هذا‬ ‫ف�إن ال�شرع الإ�سالمي قد �سبق �إليها بل وتفوق عليها‬ ‫يقول الإ�ستاذ عبد العزيز كامل ( ومل تقف احل�ضارة‬ ‫الإ�سالمية عند ال�شعارات والإعالنات كما تفعله املنظمات‬ ‫ال��دول�ي��ة ال�ت��ي ط��امل��ا ن ��ادت بحقوق الإن �� �س��ان‪ ،‬ب��ل نفذت‬ ‫احل�ضارة الإ�سالمية �شعاراتها و�إعالنتها وحققت امل�ساواة‬ ‫الإن�سانية يف �أرقى �صورها‪ ،‬و�أعطت الإن�سان حقوقه كاملة‬ ‫غري منقو�صة ( درا�سات يف الفكر ‪) 249 :‬‬ ‫�إن ال��دار���س للتاريخ الإن�ساين ي�ستطيع �أن ي��درك �أن‬ ‫الإن�سان يف ظل احل�ضارة الإ�سالمية وجد كرمته و�سعادته‬ ‫لأنها ح�ضارة الإن�سان بحق‪ ،‬فلي�ست ح�ضارة �شعب خمتار‬ ‫وال ح�ضارة القوة وال ح�ضارة الإن�سان الأبي�ض‪ ،‬و�إمنا هي‬ ‫ح�ضارة ت�ؤ ّمن كل النا�س ا�ستنادا وت�صديق ًا لقوله تعالى‪:‬‬ ‫�اه� ْ�م فيِ ا ْل�َب�رَ ِّ َوا ْل� َب� ْ�ح��رِ‬ ‫} َو َل � َق� ْ�د َك� َّر ْم� َن��ا َب� ِن��ي �آ َد َم َو َح� َم� ْل� َن� ُ‬ ‫َاه ْم ِم َن َّ‬ ‫الط ِّي َب ِ‬ ‫َاه ْم َع َلى َك ِث ٍري ممِ َّ ْن خَ َل ْقنَا‬ ‫ات َوف ََّ�ض ْلن ُ‬ ‫َو َر َز ْقن ُ‬ ‫َتف ِْ�ضي ًال{(اال�سراء‪)70:‬‬ ‫ومع هذا القدر ن�ستودعكم َ‬ ‫اهلل تعالى راجني لكم حقوقا‬ ‫�أرقى وحياة طيبة وال�سالم عليكم ورحمة اهلل تعالى وبركاته‬

‫ ‬

‫‪� 14‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫�أ�ضـوا ٌء علـى العالـم الإ�سالمـي‬

‫�ألبـانيــا‬ ‫�إعداد ِ�ص ِّديق حممد �إبراهيم‬

‫�أ�ضواء الو�سطية تتجه يف هذا العدد �إلى �شبه جزيرة البلقان‪ ،‬حيث جمهورية �ألبانيا‪ ،‬والبلقان‬ ‫كلمة تركية تعني ال�سل�سلة اجلبلية املمتدة واملغطاة بالأ�شجار‪ ،‬وقد طغت الت�سم�سة الرتكية ب�سبب‬ ‫متدد (الإمرباطورية) العثمانية يف تلك املنطقة‪ ،‬وهي �شبه جزيرة ب�سبب �إحاطتها ب�ستة بحار‬ ‫من جوانبها الثالثة‪ ،‬فمن اجلنوب الغربي البحر الأيوين والبحر الأرياتيكي‪ ،‬ومن اجلنوب البحر‬ ‫املتو�سط ومن اجلنوب ال�شرقي بحر �إيجة وبحر مرمرة‪ ،‬ومن ال�شرق البحر الأ�سود‪ ،‬ومن ال�شمال‬ ‫�أنهار الدانوب‪ ،‬وتت�شكل �شبه جزيرة البلقان من اثنتي ع�شرة دولة وهي ‪ :‬كو�سوفو‪ ،‬والبو�سنة‬ ‫والهر�سك‪ ،‬و�صربيا‪ ،‬وبلغاريا‪ ،‬و�سلوفينيا‪ ،‬وكرواتيا‪ ،‬وتركيا‪ ،‬واجلبل الأ�سود‪ ،‬واليونان‪ ،‬ومقدونيا‪،‬‬ ‫ورومانيا‪ ،‬بالإ�ضافة لألبانيا التي نو ُد ت�سليط الأ�ضواء عليها يف هذا العدد ك�أحد �أج��زاء العامل‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬ف�إلى هناك‬ ‫وبالطبع ف ��إن ُمناخ اجلمهورية الألبانية التي تتمتع‬ ‫�شبه جزيرة البلقان‬ ‫بقطاع نباتي كثيف هو مناخ معتدل ولطيف‪ ،‬لكنه يختلف‬ ‫يف كل ٍ من املناطق املنخف�ضة الداخلية اختالفا �شا�سعا‬ ‫جمهورية �ألبانيا‬ ‫بني ال�شمال واجلنوب‪ .‬فهناك �شتاء معتدل يف الأرا�ضي‬ ‫املنخف�ضة‪ ،‬قد يبلغ يف املتو�سط نحو ‪ .C° 7‬بينما متو�سط‬ ‫�إن �أ�صل ت�سمية �ألبانيا بهذا اال�سم وفقا لبع�ض كتب درج ��ات احل���رارة يف ال�صيف ‪ .C° 24‬ويف الأرا� �ض��ي‬ ‫التاريخ ترجع �إل��ى �أ�صل التيني منت�سبا لإح��دى القبائل املنخف�ضة اجلنوبية‪ ،‬يبلغ متو�سط درجة احلرارة ‪ 5‬درجات‬ ‫التي قطنت تلك البقعة من الأر�ض يف �أزمان متقدمة وهي مئوية �أعلى طوال العام‪.‬‬ ‫قبيلة الإيلريية‪ ،‬هذه القبيلة هي التي �أطلقت هذا اال�سم‬ ‫وي�ستغل الألبان تعدد �أن��واع النباتات يف تلك املنطقة‬ ‫ثم انت�شر بحكم �سيطرتها على املنطقة فانت�سب �أحفادهم يف الأغرا�ض الطبية مع املحافظة عليها ك�أحد العوامل‬ ‫ال�سم املنطقة ف�سموا �ألبانا‪ ،‬ودون �إغ��الٍ يف التاريخ ف�إن البيئية التي حتافظ على توازن الطبيعة خا�صة مع التقدم‬ ‫�ألبانيا اليوم تتكون من اثنتي ع�شر �إقليما �إداري��ا وهي ال�صناعي وخملفاته التي ت�شكل �أك�بر خطر على البيئة‬ ‫‪ :‬ب�يرات‪ ،‬دي�بر‪ ،‬دوري����س‪� ،‬إلبا�سان‪ ،‬فيري‪ ،‬غريوكا�سرت‪ ،‬النظيفة ال�صاحلة للإن�سان‪ ،‬وتتوافر يف تلك الغابات‬ ‫كورت�شي‪ ،‬كوكي�س‪ ،‬ليزة‪� ،‬شكودر‪ ،‬فلوري‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى بطبيعة احل��ال ث��روة حيوانية �ضخمة ت�ضم ‪ :‬الثدييات‪،‬‬ ‫العا�صمة تريانا وهي �أكرب مدنها‪.‬‬ ‫مبا فيها الذئاب والدببة واخلنازير الربية وال�شمواة‪� .‬أما‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪15‬‬


‫حيوانات الو�شق والقطط الربية وال�صنوبر مارتن والظربان‬ ‫فهي نادرة‪ ،‬ولكنها باقية على قيد احلياة يف بع�ض �أنحاء‬ ‫البالد‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة لل�سكان البالغ عددهم ‪ 3.986.952‬ن�سمة‪،‬‬ ‫ف�إنهم يت�شكلون من �إثنيات ثالث ‪ :‬الألبان وهم الن�سبة‬ ‫الأكرب واليونانيني وخليط من الإثنيات الأخرى‪ ،‬ويتمتعون‬ ‫مبعدالت عمر عالية جدا( ‪� 77.43‬سنة) ومتو�سط العمر‬ ‫(‪� 28.9‬سنة) وهذا املعدل هو الأعلى يف العامل لذا ُيع ُّد‬ ‫م�ؤ�شرا على ن�سبة ال�شباب ببع�ض فئات املجتمع الأخرى‪.‬‬ ‫ال�ش�أن الديني ‪:‬‬ ‫قد ت�أثر املجتمع الألباين ت�أثرا كبريا بحركة اال�ستقالل‬ ‫عن (الإمرباطورية) العثمانية عام ‪1912‬م والأنظمة امللكية‬ ‫ثم ال�شيوعية التي تتابعت يف حكم الألبان مبا اتبعته من‬ ‫منهجية يف ف�صل الدين عن الدولة وال��ذي نتج عنه عدم‬ ‫وجود �سمة دينية للدولة �أو ال�شعب بل نظام احلكم علماين‬ ‫مع وجود الديانات املتعددة يف البالد‪ ،‬كل ذلك �أدى لعدم‬ ‫الإهتمام بالإح�صاء ال�سكاين الفئوي وفقا لإنتماءاتهم‬ ‫الدينية‪ ،‬لكن تبقى هنالك تقديرات غري م�ؤكدة ق ّدرت‬ ‫عدد امل�سلمني بـ ‪ %70‬والأرثوذك�س ‪ %20‬والكاثوليك ‪%8.9‬‬ ‫والربوت�ستانت ‪ %0.6‬والإجنيليون ‪ %0.1‬و�آخ��رون ‪% 0.6‬‬ ‫بينما تقول قاعد البيانات امل�سيحية (‪World Christian‬‬ ‫‪ )Database‬ان حوايل ‪ %64‬من الألبان هم من امل�سلمني‬ ‫وامل�سيحيون ‪ %29.8‬واال�أدريون ‪ %5.3‬والالدينيون ‪%0.7‬‬ ‫فيما البهائيون ‪.%0.2‬‬ ‫وقد و�صل الإ�سالم �إلى �ألبانيا خالل فرتة احلكم‬ ‫العثماين يف القرن ال��راب��ع ع�شر‪ ،‬وق��د وج��د مقاومة من‬ ‫الكني�سة الرومانية الكاثولوكية ومع ذلك فقد متدد يف نهاية‬ ‫عم البالد �سلما فتم ت�شييد‬ ‫القرن ال�سابع ع�شر �إلى �أن ّ‬ ‫امل�ؤ�س�سات التعليمية والإدارية والدينية التي تخرجت فيها‬ ‫كبار ال�شخ�صيات يف �شتى املجاالت وعلى ر�أ�سهم حممد‬ ‫علي با�شا م�ؤ�س�س م�صر احلديثة وال�شيخ نا�صر الدين‬ ‫الألباين �إال �أنه توالت عليها الهجمات مرات عديدة وقد كان‬

‫�أ�شدها عام ‪1944‬م عندما ت�س ّلم نظام احلكم �أنور خوجة‬ ‫والذي تو�شحة بدكتاتورية بغي�ضة ا�ستمرت حتى عام ‪1991‬‬ ‫�أعلن خاللها �ألبانيا �أول دولة ملحدة يف العامل وقد تبع هذا‬ ‫الإعالن هدم كل امل�ؤ�س�سات الدينية التي بلغ عددها ‪2169‬‬ ‫ومنع الن�شاطات الدينية و�سجن العلماء والأئمة امل�سلمني‬ ‫وامل�سيحني و�أعدم كل املقاومني له‪.‬‬ ‫جدل ال ُهو ّية الألبانية ‪:‬‬ ‫كثري ٌة هي الت�صريحات من اجلهات الر�سمية وغري‬ ‫الر�سمية ومن املراقبني لل�ش�ؤون الألبانية عن ُهو ّية الألبان‪،‬‬ ‫هل هم م�سيحيون �أم م�سلمون‪ ،‬لكن جت��اوزا لهذا اجلدل‬ ‫فقد �أر�ست النُظم املتعاقبة على حكم الألبان نظاما �آل يف‬ ‫�آخر �أمره �إلى دولة علمانية لكنها حترتم كل الإنتماءات‬ ‫الدينية بل تكفل لكل فرد احلق يف االعتقاد ومتنع تدري�س‬ ‫املواد الدينية يف املدار�س لكنها ت�سمح للم�ؤ�س�سات الدينية‬ ‫بتدري�س ما ت�شاء من مواد داخل م�ؤ�س�ساتها الدينية‪ ،‬كما ال‬ ‫مت ِّول �أي جهة دينية لكنها ال متانع من ت�أ�سي�س امل�ؤ�س�سات‬ ‫الدينية بتلقي �أم��وال من دول خارجية �أو ب�إ�شرتاكات من‬ ‫منت�سبيها‪ ،‬وهذا الو�ضع ال�سائد يف �ألبانيا قد اقرتب من‬ ‫مفهوم مدنية الدولة على عالته‪ ،‬وهذا احلكم بناء على‬ ‫كفالة احلرية لكافة مواطنيها‪.‬‬ ‫وقد ا�ستغل الأتراك يف الع�صر احلا�ضر هذه الأجواء‬ ‫واتبعوا طرقا حديثة يف تقدمي الإ�سالم موظفني خمرجات‬ ‫الثقافة احلديثة وو�سائل التكنولوجيا املتطورة يف جلب �أكرب‬ ‫عدد من ال�شباب الألباين‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى عقد اتفاقيات‬ ‫بني تركيا و�ألبانيا ي�سمح للطرفني بالتبادالت الثقافية‬ ‫والتعليمية والتدريبية‪ ،‬وقد خلقت هذه الإجراءات جمتمعة‬ ‫جو ًا �صاحلا ميهد الطريق للخطاب الإ�سالمي الذي يراعي‬ ‫عن�صري الزمان واملكان يف طرح ق�ضاياه املحورية‪.‬‬ ‫وبعد هذه اجلولة ال�سريعة جدير بالذكر �أن �ألبانيا بعد‬ ‫كل املعاناة التاريخية التي م ّرت بها فقد �أم�ست اليوم الع�ضو‬ ‫الأوروبي الوحيد يف‪ ‬منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪.‬‬

‫ ‬

‫امل�صادر ‪:‬‬

‫• الغزو الرببري لألبانيا‪ ،‬راميوند زيكال ووالت�س �إيفا�سكيف‪ ،‬خمت�صر تاريخ �ألبانيا‪ ،‬نيويورك ‪.1994‬‬ ‫• "الت�سامح الديني يف تقاليد الألبانيني"‪ ،‬عنوان حما�ضرة للرئي�س الألباين‪� ،‬ألفريد موي�سيو خالل منتدى �أك�سفورد والتي �أكد فيها على م�سيحية‬ ‫ال�شعب الألباين نافيًا �أن تكون �أغلبيته م�سلمة‪ www.zeriislam.com .‬وهذا الأمر مكان خالف ن�سبة لعدم الإح�صائية الدقيقة من جهة حمايدة‪ .‬‬ ‫• الهوية امل�سلمة والدولة البلقانية‪ ،‬هاغ بولتون‪� ،‬سهى تاجي‪-‬فاروقي‪ ،‬لندن‪.1997‬‬ ‫• الهوية الوطنية الألبانية والإ�سالم يف حقبة ما بعد العهد ال�شيوعي‪� ،‬أيدين بابونا‪� ،‬ص ‪.44‬‬ ‫• الإ�سالم يف �ألبانيا‪ ،‬مرياندا فايكر�س‪� ،‬أكادميية الدفاع الربيطانية‪،0082 ،‬‬ ‫• تاريخ �أ�س�س الإ�سالموفوبيا يف �ألباين �أول�سي ياييخي‪www.zeriislami.com ،‬‬ ‫• منتدى م�سلمي �ألبانيا هو منظمة غري حكومية �أ�س�سها عدد من املثقفني الألبان امل�سلمني عام ‪2005‬؛ هدفها بناء �صورة جديدة للإ�سالم وامل�سلمني‬ ‫يف �ألبانيا وحماية حقوق الإن�سان وحماربة العن�صرية والإ�سالموفوبيا‪ .‬وتتهم دوائر الي�سار ال�سيا�سي يف �ألبانيا �أع�ضاء هذه املنظمة بالأ�صولية الإ�سالمية‪.‬‬ ‫• م�سلمو �ألبانيا وتوا�صلهم مع الهوية الدينية‪� ،‬ألتني رحيمي‪ .‬‬

‫‪� 16‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫التحديات الثقافية لل�شباب‬

‫د‪.‬نزار �شموط‬

‫الثقافة هي ُهوية الأمة و�إطارها وم�ضمونها الفكري‪،‬‬ ‫وه��ي �أ�سلوب احلياة ومن��ط التفكري ال��ذي يحدد �سمات‬ ‫الأن�سان ومييزه عن غ�يره‪ ،‬وه��ي باملح�صلة نتاج الفكر‬ ‫واملادة مع ًا وكل حقبة زمنية ت�شهد متغريات وم�ستجدات‬ ‫حتمل يف طياتها متناق�ضات وط��روح��ات فكرية ومادية‬ ‫تفر�ض على ال�شباب منط ًا ج��دي��د ًا من التغري الفكري‬ ‫و�أ� �س �ل��وب احل��ي��اة‪ ،‬ب�غ�ي��ة ا��س�ت�ي�ع��اب ه ��ذه امل �ت �غ�يرات ‪ .‬‬ ‫ويف ه��ذا ال��زم��ان ال��ذي تت�سارع فيه الطفرات الفكرية‬ ‫واملعرفية وما �أفرزه هذا الت�سارع من متغريات وم�ستجدات‬ ‫علمية وتكنولوجية �أ ّث��رت على �سلوكات الأف��راد‪ ،‬وخا�صة‬ ‫ال�شباب الذين هم بطبيعة مرحلة النمو التي يعي�شونها �أكرث‬ ‫ت�أثر ًا مبا يحدث‪� ،‬أدى كل هذا �إلى �إت�ساع الهوة بني جيلني‬ ‫‪ :‬الأول جيل الآباء الذي ما زال ميتلك من الثوابت والقَيم‬ ‫والعادات والأعراف ما يجعلهم �أقل ت�أثر ًا بامل�ستجدات ‪ .‬‬ ‫�أم ��ا ج�ي��ل ال���ش�ب��اب ف�ق��د �أم �� �س��ى ي �ع��اين مب��ا ي�سمى‬ ‫بالهوة املعرفية والرقمية والتقنية وامل�سلكية والقَيمية‪.‬‬ ‫مما �أدى �إل��ى �صراع بني ما تعلموه من قيم وم�سلكيات‬ ‫وث ��واب ��ت دي �ن �ي��ة وخ �ل �ق �ي��ة‪ ،‬وب�ي�ن م ��ا ي �ع��ر���ض وي�ف��ر���ض‬ ‫عليهم م��ن متغريات م�ث�يرة وم�غ��ري��ة‪ ،‬حتمل يف �شكلها‬ ‫وظ��اه��ره��ا التطور وال�ت�ق��دم والإب� ��داع‪ ،‬وت��وظ��ف التقنية‬ ‫ب �� �ص��ورة � �ض��اغ �ط��ة ع �ل��ى ك ��ل م ��ا ه ��و ت �ق �ل �ي��دي‪ ،‬لي�س‬ ‫بال�شكل‪ ،‬ولكن بامل�ضمون واملحتوى الفكري والثقايف ‪.‬‬ ‫حتى بات ال�شباب يعي�ش فراغ ًا ثقافي ًا وا�ضح ًا‪ ،‬وبد�أ انهيار‬ ‫الثقافات الوطنية مقابل ثقافة العوملة الإ�ستهالكية التي‬ ‫ت�سعى �إل��ى تفتيت الثقافات الوطنية‪ ،‬وتهمي�ش دوره��ا‪،‬‬ ‫و�إ�شاعة ثقافة لي�س لها معامل �أو هوية تتغري تبع ًا للم�ستجدات‬ ‫وال�ظ��روف العلمية وال�سيا�سية واالقت�صادية العاملية ‪ .‬‬

‫�إن ما يحيط بال�شباب من ف�ضاء ف�ضفا�ض ي�شهد كل يوم الكثري‬ ‫من امل�ستجدات واملتناق�ضات الفكرية واملادية‪ ،‬وما يتبعها‬ ‫من ت�ضاعف ومنو املعلومات التي �أ�صبحت من �أهم املوارد‬ ‫التنموية التي ت�ضاهي املوارد الطبيعية والب�شرية الأخرى ‪.‬‬ ‫فقواعد البيانات �أ�صبحت مرجعيات �أ�سا�سية يف احلكم‬ ‫على كثري م��ن الأم ��ور‪ ،‬وخا�صة فيما يتعلق بالقرارات‬ ‫ال�سيا�سية واالق�ت���ص��ادي��ة واالجتماعية والع�سكرية ‪ .‬‬ ‫يف ظل هذا بات ال�شباب بحاجة �إلى توجيه �سليم تتبناه‬ ‫م�ؤ�س�سة الأ�سرة �أو ًال‪ ،‬ثم امل�ؤ�س�سة الرتبوية‪ ،‬والثقافية‪.‬‬ ‫فالثقافة ترتبط بالرتبية ارتباط ًا وثيق ًا‪ ،‬وهي وعاء‬ ‫التعلم‪ ،‬وهما وج�ه��ان لعملة واح ��دة‪ ،‬فالتعليم كو�سيلة‬ ‫يهيئ الفرد ال�ستقبال الثقافة وا�ستيعابها وتذويتها فكري ًا‬ ‫واجتماعي ًا ومعرفي ًا‪ ،‬بحيث حت��دد طباعه و�شخ�صيته‪،‬‬ ‫و�سماته املادية‪ ،‬والروحية‪ ،‬والفكرية والوجدانية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ت�شَ كل منط حياته و�سلوكاته التي تعك�س معارفه وق َيمه‬ ‫ومعتقده‪ ،‬و ُمثله العليا‪ ،‬والتي هي باملح�صلة النهائية‬ ‫انعكا�س لثقافته‪ ،‬والتي يعترب احلفاظ عليها من �أكرب‬ ‫و�أخطر التحديات التي تواجه �أمتنا العربية والإ�سالمية يف‬ ‫هذه الآونة وبخا�صة ثقافة ال�شباب‪.‬‬ ‫وك��ل �ساعة ورمب��ا �أق��ل ُي�ضخ كم كبري من املعلومات‬ ‫واملثريات ال�سمعية والب�صرية الفا�سدة التي ت�ستهدف يف‬ ‫غالبها �شريحة ال�شباب‪ ،‬والتي مل تن�ضج لديهم املقومات‬ ‫املعرفية وامل�ه��اري��ة التي تخولهم ال�ق��درة على التحليل‬ ‫وانتقاء الأن�سب‪ ،‬وبالتايل االجن��راف بالتيارالذي يقنع‬ ‫ال�شاب‪ ،‬ويتوائم مع �أهوائه واجتاهاته بعيد ًا عن الرقابة‬ ‫والتوجيه‪ ،‬فالإبهار ال�سمعي والب�صري من خالل الإنرتنت‬ ‫والو�سائل الأخ ��رى يثري الإدراك على ح�ساب ال��وع��ي ‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪17‬‬


‫فالرتكيز على عن�صر الإب �ه��ار ل�ل��إدراك يثري الإنفعال‬ ‫والغريزة ويعطل العمليات العقلية واملعرفية‪ ،‬مما ي�ؤدي‬ ‫لت�سطيح ال��وع��ي‪ ،‬ف�أ�صبح ال�شباب يف حالة من الإنبهار‬ ‫الب�صري وال�سمعي وهدر الكثري من الوقت نتيجة لذلك‪،‬‬ ‫وكل هذا على ح�ساب تطوير قدراتهم و�إمكاناتهم املعرفية‪.‬‬ ‫وه ��ذا جعلهم م�ط�ي��ة �سهله ل�ل�إن �ق �ي��اد ل�ك��ل م��ا ي�ط��رح‪،‬‬ ‫وب��ال �ت��ايل ال�ت�خ�ل��ي ع��ن ُه��وي �ت �ه��م ال��دي �ن �ي��ة وال�ث�ق��اف�ي��ة‪،‬‬ ‫وتنحي البع�ض نحو ال�ت�ط��رف وامل �غ��االة‪ ،‬بكل �أ�شكالها‬ ‫و�أل��وان��ه��ا‪ ،‬اخل�ل�ق�ي��ة وال �ف �ك��ري��ة وال �ع �ق��دي��ة وال�ث�ق��اف�ي��ة ‪.‬‬

‫وهنا ي�أتي �أي�ض ًا دور وزارات الثقافة والتنمية ال�سيا�سية‬ ‫والأوقاف‪ ،‬والتي حتمل على عاتقها الدور الأكرب يف تر�سيخ‬ ‫ال ُهوية الوطنية والثقافية والدينيه بجميع �أبعادها‪ ،‬والت�أكيد‬ ‫على تر�سيخ ثقافة وطنية عربية ت�ستند على تعاليم الإ�سالم‬ ‫ال�سمحة‪ ،‬بعيد ًا عن التطرف وامل�غ��االة‪ ،‬وذل��ك من خالل‬ ‫برامج توعوية ترقى مل�ستوى ما يطرح عاملي ًا‪ ،‬والإف��اده من‬ ‫اخل�ب�رات املتقدمة يف ه��ذا امل�ج��ال‪ ،‬بعيد ًا ع��ن النمطية‬ ‫والتقليديه املتبعة والتي �أ�صبحت م�ستهلكة وال تالقي قبو ًال‬ ‫لدى ال�شباب‪ ‬‬

‫ ‬ ‫‪� 18‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫التق�سيم املذهبي والطائفي لل�شرق العربي‬

‫د‪�.‬سليمان الرطروط‬

‫يف نهاية القرن التا�سع ع�شر وبداية القرن الع�شرين‬ ‫ع�م��دت ال ��دول الأوروب��ي��ة ؛ وخ��ا��ص��ة ال�ن��اف��ذة منها �إل��ى‬ ‫�إثارة النعرة القومية يف الأمربطوريات القائمة �آنذاك ؛‬ ‫فكانت امل�س�ألة ال�شرقية والتي جعلت من الدولة العثمانية‬ ‫تتخلى ع��ن معظم �أرا�ضيها يف �أوروب ��ا ال�شرقية‪ ،‬حيث‬ ‫ا�ستغلت القومية ال�صربية‪ ،‬بالإ�ضافة للدين‪ ،‬كما �أثارت‬ ‫القومية الأرمينية �أي�ض ًا‪ ،‬وق��د ن�شطت يف تعظيم ودعم‬ ‫ال��داع�ين للقومية العربية‪ ،‬ومل��ا وق�ع��ت احل��رب العاملية‬ ‫الأولى كانت اخلطوط العري�ضة للتق�سيم �شبه جاهزة ‪ .‬‬ ‫ونتيجة لتلك احلرب كانت الواليات العربية العثمانية حتت‬ ‫�سيطرة ال��دول املحتلة اجلديدة _ فرن�سا وبريطانيا‬ ‫_ وبد ًال من جعل تلك املنطقة حتت والية و�سيادة دولة‬ ‫واح��دة _ كما كانت الوعود لل�شريف ح�سني _ فقد‬ ‫مزقت �إلى دول عدة‪ ،‬وكان الهدف من التق�سيم م�صالح‬ ‫ق�سم تلك‬ ‫امل�ستعمرين �أو ًال‪ ،‬ثم امل�ستعمر ال��واح��د‪ ،‬وق��د ّ‬ ‫الأرا�ضي ح�سب م�صلحته ومبا ي�ضمن ا�ستقراره؛ فف�صل‬ ‫لبنان عن �سوريا‪ ،‬وف�صل جنوب بالد ال�شام عن �شمالها‪،‬‬ ‫ومن املعلوم �أنه عند �إعالن امللك في�صل ا�ستقالل اململكة‬ ‫ال�سورية العربية �أنها كانت ت�ضم جميع ب�لاد ال�شام‪ .‬‬ ‫ولعل ما مييز ال�شرق العربي �أن��ه املهد لن�ش�أة الديانات‬ ‫ال�سماوية الثالث _ اليهودية وامل�سيحية والإ�سالم _‬ ‫؛ والتي انت�شرت يف كافة �أنحاء العامل‪ ،‬فال�شرق العربي‬ ‫قبلة امل�ؤمنني من الديانات الثالث‪ ،‬وعلى �أرا�ضيه �أقد�س‬ ‫املقد�سات‪ ،‬ومن املعلوم �أن عدد �أتباع الديانات الثالث ما‬ ‫يقارب ‪ %70‬من �سكان املعمورة‪ ،‬فتهوى �أفئدة �أغلب �سكان‬ ‫العامل �إليه؛ ولكل دين من الأديان الثالث مذاهب عدة ؛‬ ‫�سواء كانت عقدية �أو فقهية‪ ،‬و�أحيان ًا تتقاطع املذاهب‪،‬‬ ‫ولذا ف�إن �أتباع الديانات ومذاهبهم املتعددة متواجدون‬

‫يف ال�شرق العربي‪ ،‬ولعل بالد ال�شام خا�صة هي حا�ضنة‬ ‫جميع تلك امل��ذاه��ب‪ ،‬وال ي�ك��اد م��ذه��ب م��ن م��ذاه��ب �أي‬ ‫ديانة �إال ول��ه �أتباع يف ب�لاد ال�شام‪ ،‬ول��ذا ي�صعب ف�صل‬ ‫منطقة معينة لأتباع مذهب وديانة فقط دون غريهم‪ ‬‬ ‫ومع بداية القرن احلادي والع�شرين وبعد مرور مائة عام‬ ‫على التق�سيم ال�سابق والذي كان يعتمد يف جوهره الأول‬ ‫على القومية العربية؛ حيث فُ�صل ال�ع��رب ع��ن ال�ترك‬ ‫والفر�س‪ ،‬رغم التوافق للغالبية يف الدين والتاريخ امل�شرتك‬ ‫وال �ع��ادات والتقاليد ‪�...‬إل���خ‪ ،‬وفر�ضت بينهم احل��دود‪،‬‬ ‫وعمل على ت�شويه �صورة كل طرف �أمام الآخر‪ ،‬بل ر�سمت‬ ‫احلدود داخل ال�شرق العربي‪ ،‬رغم �أن امل�ستعمر واحد_‬ ‫فهنالك ح��دود ب�ين لبنان و��س��وري��ا‪ ،‬وح��دود ب�ين العراق‬ ‫والأردن وفل�سطني‪ ،‬وم�صر_ وبد�أ يف تكوين ُهوية و�صورة‬ ‫مغايرة لكل دولة‪ .‬هذا وقد بد�أت تظهر درا�سات جديدة‬ ‫ومتعددة يف مراكز الأبحاث والدرا�سات الغربية _ والتي‬ ‫غالبها مرتبط ب�أجهزة خمابرات تلك الدول _ وتقدم‬ ‫مقرتحات لإعادة تق�سيم املنطقة مرة �أخرى‪ ،‬وخا�صة بعد‬ ‫حرب اخلليج الأولى والثانية و�أحداث ‪� 11‬سبتمرب ؛ ولكن‬ ‫باعتماد �أ�س�س جديدة‪ .‬وقد اعتمدت �أ�سا�س التق�سيمات‬ ‫على م��ا ع��رف بالن�سب �أو ال ��دم �أي القبلية؛ ولكنهم‬ ‫وج��دوا �أن ذل��ك على م��ا يبدو ل��ن يحقق ال �ه��دف؛ ول��ذا‬ ‫اعتمدت بع�ض الدرا�سات التق�سيم على الأ�سا�س املذهبي‬ ‫للمنطقة‪ ،‬وه��ذا ما ن�شاهده من ال�صراعات الداخلية‬ ‫لدول ال�شرق العربي‪ ،‬وما �ستتطور له الأحداث م�ستقب ًال‪ .‬‬ ‫�إن وجود املذاهب الإ�سالمية العقدية واملذهبية يف منطقة‬ ‫ال�شرق لي�س وليد اللحظة‪ ،‬بل �إن امل��ذاه��ب الإ�سالمية‬ ‫الثالث _ ال�سنة وال�شيعة واخلوارج _ كان منذ القرن‬ ‫الأول الهجري‪ ،‬ومع القناعة �أن تلك املذاهب يرجع ال�سبب‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪19‬‬


‫والعامل الرئي�س لن�ش�أتها هي ال�سيا�سة واالختالف على‬ ‫�أحقية الإمامة‪� ،‬إال �أنها تعاي�شت ب�شكل عام على مدى ‪ 14‬قرن‬ ‫من الزمان‪ ،‬وهنالك قناعة م�ستقرة يف وجدان قادة و�أتباع‬ ‫كل مذهب �أنه لن يتم الق�ضاء املطلق على �أي مذهب من تلك‬ ‫املذاهب‪ ،‬ولعله يف �ضوء التقدم البحثي والتطور الت�شريعي‬ ‫ب��د�أت بع�ض القوانني والت�شريعات يف العامل الإ�سالمي‬ ‫يف و�ضع قوانني و�أنظمة ت�شريعية م�ستمدة من ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية ال تقت�صر على مذهب واحد‪ ،‬وما قانون الأحوال‬ ‫ال�شخ�صية الأردين �إال دليل على ذلك‪ ،‬والفتاوى ب�ش�أن احلج‬ ‫و�أحكامه يف اململكة العربية ال�سعودية مثال �آخر �أي�ض ًا ‪�...‬إلخ ‪ .‬‬ ‫�إن اندفاع القادة ال�سيا�سيني يف املنطقة _ �سواء كانوا‬ ‫ق ��ادة ر�سميني �أو �شعبيني _ وراء ال�ع�ن��ف الطائفي‬ ‫واملذهبي‪ ،‬وحماولة كل منهم ا�ستخدام الدين واملذهب‬ ‫لتكفري الآخر و�إخراجه من امللة لن يزيد املنطقة �إال ت�شرذم ًا‬ ‫و�ضعف ًا‪ ،‬و�سيذهب ب�ثروات املنطقة ومكت�سباتها‪ ،‬ويدمر‬ ‫اقت�صادها وبنيتها التحتية‪ ،‬بالإ�ضافة لقتل الكثري من‬ ‫�أبنائها و�شبابها‪ ،‬وت�شريد املاليني من �شعوبها يف حروب ال‬ ‫منت�صر وال رابح فيها �إال �أعداء الأمة املرتب�صني بها ال�سوء‪ .‬‬ ‫وكما يطالب البع�ض بتق�سيم ال��دول القائمة على �أ�سا�س‬ ‫املذاهب الإ�سالمية ؛ ليعلموا �أن هنالك �أي�ض ًا ديانات �أخرى‬ ‫لها وج��ود على الأر���ض‪ ،‬ولها مذاهب دينية كذلك‪ ،‬ولذا‬ ‫فمن حقهم عندئذ املطالبة بدولهم املنف�صلة لدياناتهم‬ ‫ومذاهبهم‪ ،‬وهكذا �سي�صبح ال�شرق العربي مق�سم ًا �إلى‬ ‫دول �صغرية‪ ،‬عاجزة داخلي ًا وخارجي ًا‪ ،‬ومتناحرة فيما‬ ‫بينها ملائة ع��ام ق��ادم��ة‪ ،‬ول��ن يكون اخلا�سر �إال ال�شعوب‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة دون غ�يره��م‪ ،‬وال يخفى وج ��ود دول ��ة الكيان‬ ‫ال�صهيوين على �أر�ض فل�سطني التاريخية‪� ،‬سكانها يهودي‬ ‫الديانة‪ ،‬والتي تعمل النتزاع االع�تراف بيهودية الدولة‪ .‬‬ ‫�إن امل�س�ؤولية تقع بالدرجة الأول��ى على القادة ال�سيا�سيني‬ ‫لإبطال خمططات الأع��داء لتق�سيم املنطقة على الأ�سا�س‬

‫املذهبي‪ ،‬ثم تقع امل�س�ؤولية على علماء املذاهب الإ�سالمية‬ ‫كافة �أي�ض ًا‪ ،‬حيث ي�ستخدمهم ال�سا�سة ك�أدوات لتنفيذ امل�آرب‬ ‫واخلطط ؛ وذلك باحلط من قدر املذاهب الأخرى وت�شويه‬ ‫�صورتها‪ ،‬وانتقاد �أتباعها‪ ،‬وت�ضخيم اخل�لاف الفرعي‪،‬‬ ‫و�أخ�ي�ر ًا بتكفري �أتباعها‪ ،‬وا�ستحالل دم��اءه��م و�أموالهم‬ ‫و�أعرا�ضهم‪� .‬إن اخلالفات يف �أ�سا�سها �سيا�سية ولي�ست‬ ‫عقدية �أو مذهبية فقهية‪ ،‬وال�سا�سة ي�ستخدمون بع�ض‬ ‫العلماء _ �سواء علموا �أم مل يعلموا _ ك�أدوات رخي�صة‬ ‫لتنفيذ �أجندات وبرامج �سيا�سية داخلية وخارجية بثمن‬ ‫بخ�س‪ ،‬ولذا فمن امل�أمول من العلماء وهيئاتهم العلمية _‬ ‫اجلمعيات والروابط والهيئات والكليات واملجامع العلمية‬ ‫‪�...‬إلخ _ ت�شكيل وفود من كافة املذاهب الإ�سالمية ملقابلة‬ ‫القادة ال�سيا�سيني؛ للعمل على حقن الدماء‪ ،‬ونبذ العنف‪،‬‬ ‫ووق��ف احل��روب الداخلية القائمة‪ ،‬والعمل على ترميم‬ ‫�آثار الفنت الداخلية‪ ،‬وعودة املهجرين والالجئني لبيوتهم‬ ‫وم�ساكنهم‪ ،‬وال�سعي نحو نه�ضة عمرانية واقت�صادية‬ ‫واعدة‪ ،‬و�إن �أخطر ما يواجهه ال�شرق العربي التق�سيم على‬ ‫�أ�س�س طائفية ومذهبية‪ ،‬حيث �ستهلك احل��رث والن�سل‪ .‬‬ ‫ولتكن هنالك قناعة را�سخة �أن املنت�صر يف تلك الفنت هو‬ ‫خا�سر‪ .‬ورح��م اهلل املعتمد بن عباد وال��ذي و�ضع قاعدة‬ ‫ذهبية يف املوازنة (لأن �أرعى الإبل عند العرب خري يل من‬ ‫�أن �أرع��ى خنازير ال��روم)‪ .‬وليعلم اجلميع �أنه ومع انتهاء‬ ‫املعمعة �سوف ي�ستغنى الغرب عنهم جميع ًا؛ القادة والعلماء‬ ‫‪ .‬وليعلموا كذلك �أن رو�سيا و�إن اكتفت قبل وبعد احلرب‬ ‫العاملية الأولى بن�صيبها يف القوقاز‪ ،‬ور�ضيت بعد احلرب‬ ‫العاملية الثانية ب��أوروب��ا ال�شرقية‪ ،‬ومل تزاحم بريطانيا‬ ‫وفرن�سا والغرب على ال�شرق العربي‪� ،‬إال �أنها الآن ترغب‬ ‫يف ح�صة مقنعة بال�شرق العربي‪ ،‬وخا�صة على �ضفاف‬ ‫املتو�سط �أو غريه‬

‫ ‬

‫‪� 20‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫املقاربة املوريتانيـة‬ ‫ملحاربـة التطـرف و الإرهـاب‬ ‫الأ�ستاذ بن عمر يل‬ ‫موريتانيا‬

‫موريتانيا جزء من املنظومة املغاربية‪ ،‬معروفة بفكرها الو�سطي عرب التاريخ‪ ،‬جتمعها‬ ‫الوحدة الفكرية يف �إطار التكامل واالن�سجام والتعاي�ش ال�سلمي يف املجال العقدي والفقهي‬ ‫وال�سلوكي‬ ‫ويف ظل انتعا�ش التيار ال�سلفي العلمي يف موريتانيا‪ ،‬واخرتاقه الن�سيج الفكري التقليدي‪،‬‬ ‫�شاعت ثقافة التبديع والتكفري يف ال�ساحة الوطنية ف�أ�صبح ال�شباب عر�ضة للت�أثربفكر ال�سلفية‬ ‫القتالية باعتبار ذلك طورا جديدا يف �سياق �أدبيات تكفري ال�صوفية وزوار املقابر‪.‬‬ ‫ب��دا التحول ال�سلوكي ال�سلفي ل��دى قلة من ال�شباب‬ ‫حم��دودي املعرفة متـ�أثرين باجلماعة ال�سلفية للدعوة‬ ‫وال�ق�ت��ال يف اجل��زائ��ر ح ��دود ‪ ،2005‬فكانت الأرا� �ض��ي‬ ‫ال�صحراوية ال�شا�سعة ب�ؤرة التن�سيق وحترك اجلماعات‬ ‫الإرهابية با�سم الدين ت��ارة ولتغطية جت��ارة املمنوعات‬ ‫تارة �أخ��رى‪ ،‬و�شكلت منافذ للت�سلل من الأرا�ضي املالية‪،‬‬ ‫واجلزائرية للقيام ب�أعمال �إرهابية يف الإع �ت��داء على‬ ‫اجلي�ش امل��وري�ت��اين‪ ،‬يف ملغيطي ‪ 2007‬وقتل الفرن�سيني‬ ‫وكمني تورين ‪ ،2007‬والهجوم على مقهى يف نواك�شوط‬ ‫‪ 2008‬وقتل مواطن �أمريكي ‪ 2009‬واختطاف الرعايا‬ ‫الأ�سبان واقتيادهم �إل��ى قواعد تنظيم القاعدة ‪2009‬‬ ‫وتفخيخ �سيارة يف املنطقة الع�سكرية بالنعمة ‪� ،2010‬ش ّكلت‬ ‫هذه الأعمال الإجرامية ظاهرة �شاذة مفاجئة لل�ساحة‬ ‫املوريتانية ملناق�ضتها لطبيعة املجتمع املوريتاين‪،‬امل�سامل‬ ‫املت�سامح الكرمي‪ ،‬ولذلك كان من �أولويات فخامة الرئي�س‬ ‫حممد بن عبد العزيز و�ضع خطة وطنية محُ كمة للق�ضاء‬

‫على الظاهرة �ضمن التزاماته بتوفري الأمن واال�ستقرار‬ ‫لتهيئة مناخ مالئم للتنمية ورفع التحديات عن ال�سيادة‬ ‫الوطنية‪ ،‬وتتلخ�ص اخلطة يف الآتي‪:‬‬ ‫�أوال ‪ :‬املقاربة الأمنية‪ ،‬ومل تكن خيارا ملواحهة جماعة‬ ‫معينة‪ ،‬لأن الإره��اب ظاهرة �أخطبوطية‪ ،‬ولكن املواجهة‬ ‫كانت �ضرورة حلماية ال�سيادة وتوفري الأم��ن و تتمثل يف‬ ‫الآتي‪:‬‬ ‫ تعزيز قدرات امل�ؤ�س�سة الع�سكرية بالت�سليح والتنظيم‪،‬‬‫وتوفري الو�سائل اللوج�ستية‬ ‫ �إن�شاء وحدات ع�سكرية متخ�ص�صة بكامل اجلاهزية‬‫ملكافة الإرهاب‬ ‫ حتديد نقاط العبور الر�سمية على ام�ت��داد احل��دود‬‫الوطنية بالطريق البيومرتي يف ت�سجيل الدخول لت�أمني‬ ‫احلدود‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪21‬‬


‫ ا�ستحداث قرى و�إن�شاء مقاطعات تتوفر على خمتلف‬‫اخلدمات الأمنية يف املناطق ال�شا�سعة من البالد‬ ‫ مطاردة فلول الإرهاب �إلى خارج احلدود املوريتانية‬‫ثانيا‪ :‬اجلانب االقت�صيادي واالجتماعي ‪:‬‬ ‫ �إع�لان �سيا�سة مكافحة الفقر وتوفري حوانيت الأم��ل‬‫ملحدودي الدخل‪ ،‬وفتح جم��ال التكوين املهني‪ ،‬وخلق‬ ‫فر�ص العمل‪ ،‬ورعاية ال�شباب ‪....‬‬ ‫ ا�ستقبال و�إيواء الالجئني املاليني ورعايتهم‪ ،‬للتخفيف‬‫من م�شاكل التوتر يف املنطقة احلدودية‬ ‫ �إ�شاعة احلريات العامة‪ ،‬وحمايتها لتجنب م�ضاعفات‬‫الكبت‪ ،‬واال�ضطهاد يف �صناعة التطرف والإرهاب‬ ‫ثالثا‪ :‬اجلانب القانوين ‪:‬‬ ‫�سن قانون مكافحة الإره��اب وتعديله يف �سنة ‪2009‬‬ ‫ ّ‬‫لتعزيز فاعليته يف حما�صرة الظاهرة‬ ‫رابعا ‪ :‬اجلانب الفكري والثقايف ‪ :‬وذلك باعتبار �أن‬ ‫(ما يف الر�ؤو�س اليقتلع بالف�ؤو�س )‪ ،‬ومتثل ذلك على �سبيل‬ ‫املثال فيما يلي‪:‬‬ ‫ نظمت احلكومة العديد من امل�ؤمترات الوطنية والإقليمية‬‫والدولية على �أعلى امل�ستويات ملحاربة الإرهاب‪ ،‬و�إحياء‬ ‫خط الو�سطية‪.‬‬ ‫ عقد م�ؤمتر وطني حل�شد الإجماع الوطني على مكافحة‬‫الإرهاب من طرف جميع الفاعلني ال�سيا�سيني واخلروج‬ ‫مبيثاق ��ش��رف وط�ن��ي ل�ل�أح��زاب ال�سا�سية الأغلبية‬ ‫واملعار�ضة للت�صدي لهذه الظاهرة اجلديدة الغريبة‬ ‫على املجتمع‬ ‫احلوار مع ال�سلفني يف ال�سجون‪:‬‬ ‫�شكلت احلكومة �سنة ‪ 2010‬جلنة من العلماء لإجراء‬ ‫حوار يف ال�سجون‪ ،‬وتت�ألف اللجنة من ‪:‬‬ ‫ �شخ�صيات علمية معروفة‪ ،‬لها م�صداقية يف ال�ساحة‬‫الوطنية‬ ‫ �شخ�صيات تتمتع بثقة املعتقلني‪ ،‬وبع�ضهم �سبق �أن كانوا‬‫من مرجعياتهم التقليدية‬ ‫• طريقة احلوار‪:‬‬ ‫‪ -‬عقد جل�سات متهيدية مع ال�سجناء لتحديد نقاط احلوار‬

‫ عقد اجتماع عام بني اللجنة وال�سجناء للتوجيه العام‬‫و�إعالن بدء احلوار‪ ،‬مت نقله عن طريق و�سائل الإعالم‬ ‫امل�سموعة واملرئية‪ ،‬عربوا فيه عن مواقفهم علنا �أمام‬ ‫النا�س‬ ‫ عقد اجتمات جماعية للمجموعات التي تقاربت وجهات‬‫نظرها‪ ،‬للتنوير والتوجيه‬ ‫ ن�ق��ا��ش��ات مغلقة م��ع الأف� ��راد الأك�ث�ر ت �� �ش��ددا‪ ،‬لتليني‬‫مواقفهم‪ ،‬من �أجل �إحلاقهم باملجموعات العامة‬ ‫• �أهم �أفكارهم ‪ :‬تتلخ�ص يف الت�صورات اخلاطئة عن‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ تكفري احلكام بعدم تطبيق اال�شريعة‬‫ تكفري النظام الدميقراطي‬‫ وجوب قتال الكفار �أينما كانوا‪...‬‬‫• نتائج احلوار‪:‬‬ ‫ تراجع عدد كبري منهم‪ ،‬وتردد القليل‪ ،‬و�أ�صرعدد �أقل‬‫على موقفهم املت�شدد‬ ‫ مبنا�سبة �شهر رم�ضان املبارك �أ�صدر رئي�س اجلمهورية‬‫حممد بن عبد العزيز عفوا عن ‪ 35‬منهم‪ ،‬ممن مت‬ ‫احلكم عليهم �سابقا‪ ،‬ومن الذين مل يتلب�سوا بجرمية‬ ‫القتل‪..‬‬ ‫ تنظيم حفل ر�سمي لإ�ستقبال املفرج عنهم‬‫ متكينهم بدعم ي�سمح لهم ب�إعادة اندماجهم يف املجتمع‬‫• نتائج اخلطة‪:‬‬ ‫ ت�صحيح الت�صورات اخلاطئة‪ ،‬لأن احلوار كان فر�صة‬‫لإثارة الق�ضايا اجلوهرية يف الفكر الإرهابي‪ ،‬ا�ستفاد‬ ‫منه من كان يف ال�سجون �أو من هم خارجها‬ ‫ تفكيك كافة اخلاليا النائمة‬‫ ال�سيطرة على الو�ضع الداخلي‪ ،‬ومطاردة فلول الإرهاب‬‫�إلى خارج الرتاب الوطني وت�أمني احلدود‬ ‫ م�ساهمة ال�شباب املفرج عنهم يف �إن��ارة ال��ر�أي العام‬‫ال�شبابي‬ ‫ قطع الطريق �أم��ام وج��ود جماعة �إرهابية منظمة يف‬‫موريتانيا حتى الآن‪.‬‬ ‫واهلل املوفـــق‬

‫ ‬ ‫‪� 22‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫�أوكلما ا�شتهيت ا�شرتيت !!‬ ‫د‪ .‬ي�رسى العرواين‬

‫عبارة مد ّوية قالها عمر بن اخلطاب ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه �أحد املخت�صني ذكر �أن املفهوم احلقيقي لدور رجل الت�سويق‬ ‫ جلابرٍ بن عبد اهلل ال�صحابي اجلليل‪ ،‬يوم ر�آه يحمل بيده هو �أن يالحقك حتى ي�أخذ �آخر قر�ش متبق يف جيبك‪ ،‬معتمد ًا‬‫�شيئ ًا‪ ،‬ف�س�أله‪ :‬ما هذا؟ فقال جابر‪� :‬إنه حلم يا �أمري امل�ؤمنني‪ – ،‬بالطبع‪ -‬على مهاراته و�إبداعاته يف �سبيل حتقيق ذلك‪.‬‬ ‫ا�شتهيته فا�شرتيته‪ ،‬فقال عمر‪� :‬أوكلما ا�شتهيت ا�شرتيت!!‬ ‫والأغ��رب من ذل��ك �أن هناك �سيا�سات ممنهجة تهدف‬ ‫وه��ذه الإ� �ش��ارة م��ن رج��ل كعمر‪ ،‬حتمل دالالت وا�سعة‪� ،‬إلى ن�شر ثقافة اال�ستهالك‪ ،‬وحتى نتحول – وقد حتولنا‪� -‬إلى‬ ‫و�إ�شارات هامة على امل�ستويني الفردي واجلماعي‪ ،‬و�إن كانت �شعوب م�ستهلكة‪ ،‬لي�س لل�سواد الأعظم منا ه ٌّم �إال اال�ستهالك‬ ‫هذه العبارة قيلت قبل ما يزيد عن �ألف �سنة فنحن اليوم �‬ ‫أحوج وال�شراء والت�سابق يف الإنفاق واملباهاة والتفاخر يف ذلك‪ ،‬حتى‬ ‫ما نكون لإدراك مغازيها والعمل مب�ضمونها‪ ،‬وقد جاء يف حديث‬ ‫ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪( : -‬عليكم ب�سنتي و�سنة �أم�ست املفا�ضلة لدى الكثريين مبقدار ما ينفقون ال مبقدار ما‬ ‫ع�ضوا عليها بالنواجذ) ينتجون �أو ينجزون‪ ،‬فالن�ساء وكذا كثري من الرجال يتباهون‬ ‫اخللفاء الرا�شدين املهديني من بعدي ّ‬ ‫ب�أنواع �سياراتهم و�أ�سعارها وما يحملون من �أجهزة خلوية �أو‬ ‫رواه �أبو داود والرتمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث ح�سن �صحيح‪ .‬‬ ‫فعلى ال�صعيد الفردي‪ ،‬ال ينبغى موافقة النف�س واالن�سياق مالب�س فاخرة �أو رحالت �سياحية �أو �إقامة امل�آدب وحفالت‬ ‫وراء كل �شهواتها ورغباتها‪ ،‬فهي من ناحية ممتدة ال تنتهي‪ ،‬الأف��راح وغريها‪ ،‬وجت��ذرت هذه العدوى لدى �أبنائنا ف�صار‬ ‫فطبع النف�س الب�شرية الطمع‪ ،‬فقد جاء يف حديث �أبي عا�صم الآباء ال ي�سمعون منهم �سوى طلبات ال�شراء التي ال تنتهي كم ًا‬ ‫عطاء قال‪� :‬سمعت ابن ع ّبا�س ‪ -‬ر�ضي اهلل وال نوع ًا‪.‬‬ ‫عن ابن جريج عن ٍ‬ ‫عنهما ‪ -‬يقول‪� ،‬سمعت ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪-‬‬ ‫وتفاقمت امل�شكلة �إل��ى ما هو �أبعد من ذل��ك‪ ،‬فلم يقف‬ ‫يقول‪ :‬لو كان البن �آدم واديان من مالٍ البتغى ثالث ًا وال ميلأ ال�شراء عند حدود ما ن�ستطيع ولكن �إلى ما ال ن�ستطيع‪ ،‬فال‬ ‫ج��وف اب��ن �آدم �إال ال�تراب ويتوب اهلل على من تاب"‪ ،‬ومن غرابة �أن يقرت�ض البع�ض ليقيم حف ًال �أو م�أدبة �أو يبدل موديل‬ ‫ناحية �أخرى �سلوك‬ ‫النف�س ‪:‬ح�سب ما اعتادته‪ ،‬ويف ذلك قال �سيارته �أو يجدد �أثاث بيته‪ ،‬مباهاة ال حاجة‪ ،‬وال يح�سب ح�ساب ًا‬ ‫الإمام ال ُب�صريي يف البرُ دة‬ ‫لتبعات ذلك من الوقوع حتت وط�أة الدين وهمه وغمه والعجز‬ ‫والنف�س كالطفل‪� ،‬إن ترتكه �شب على‬ ‫عن ال�سداد‪ ،‬وتعطيل تقدمه احلياتي واملجتمعي‪.‬‬ ‫حب الر�ضاع‪ ،‬و�إن تفطمه ينفطم‬ ‫من هنا ال بد من �إعادة ترتيب �أوراقنا‪ ،‬و�أن نبني خططنا‬ ‫وامل�شكلة �أن الأمر جتاوز عند الكثريين حدود ما ي�شتهون الفردية واجلماعية ف�أعتقد �أن ال�سنوات العجاف الطويلة التي‬ ‫�إل��ى م��اال ي�شتهون‪ ،‬وجت��اوزوا بال�شراء ما يريدون �إل��ى ماال مرت بنا كفيلة ب�أن توقظنا من غفلتنا وغفوتنا‪ ،‬و�أن ن�ساهم يف‬ ‫يريدون‪ ،‬وجتاوزا حدود الإنفاق املعتدل �إلى الإ�سراف والتبذير �أن نبني للأجيال القادمة ثقافة �إنتاجية ترتقي بهم‪ ،‬وتعينهم‬ ‫واملبالغة‪ ،‬وال يقف الأمر عند الطعام وال�شراب بل �إلى كثري على حتمل �أعباء م�ستقبلهم‪ ،‬على �أم��ل الو�صول �إل��ى حياة‬ ‫من ال�سلع اال�ستهالكية التي ت�ستنزف مقدرات البالد‬ ‫والعباد‪ ،‬ف�ضلى‪ ،‬فالأمر يحتاج �إلى جد واجتهاد‪ ،‬ونحن نعلم �أن التغري‬ ‫ثقافة‬ ‫�سيطرة‬ ‫لهذا حتولت ال�سمة الغالبة لأبناء الأم��ة �إل��ى‬ ‫�سبيله‪ ،‬من هنا ف�إن يبد�أ ب ��إرادة الإن�سان }�إن اهلل ال يغري ما بقوم حتى يغيرّ وا‬ ‫اال�ستهالك بد ًال من الإنتاج وال�سري يف‬ ‫الدول العربية ت�ستورد الأجهزة وال�سيارات واملنتجات املختلفة ما ب�أنف�سهم{ (الرعد‪ ،... )11 ،‬وجاءت يف القر�آن الكرمي‬ ‫مبليارات ال��دوالرات على الرغم من عدم احلاجة امللحة لها الدعوة �إلى التخطيط والعمل املمنهج الهادف }�أفمن مي�شي‬ ‫و�إن كانوا يُ�ستدرجون �إلى ا�ستريادها بعد �أن �أغراهم املنتجون مكب ًا على وجهه �أهدى �أمن مي�شي �سوي ًا على �صراط م�ستقيم{‬ ‫بالتالعب بامل�سميات واملاركات والأ�شكال والأل��وان وغريها‪( ،‬امل�ل��ك‪ .....)22،‬وهو القائل �سبحانه }ف��إذا عزمت فتوكل‬ ‫فال�شركات الكربى ت�سخّ ر �أغلب ميزانياتها للت�سويق‪ ،‬حتى �أن على اهلل{ (�آل عمران‪.)159،‬‬ ‫ ‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪23‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫ثقافة التقريب بني املذاهب‬ ‫حتليل وت�أ�صيل‬ ‫(اجلزء الأول)‬

‫�أ‪ .‬د‪.‬عزمي طه ال�سيد �أحمد‬ ‫�أ�ستاذ الفل�سفة والعقيدة ومناهج البحث‬

‫�ستقوم هذه الورقة بتحليل امل�صطلحات الواردة يف عنوانها‪ ،‬لت�صل من ذلك‬ ‫�إلى ت�أ�سي�س وت�أ�صيل ملفهوم ثقافة التقريب بني املذاهب الإ�سالمية‪ .‬ومعاجلتنا يف‬ ‫هذه الورقة‪ ،‬و�إن تعر�ضت لثقافة التقريب بني املذاهب بعامة‪� ،‬إال �أن مق�صودها‬ ‫وتركيزها �سيكون على املذاهب يف واقع الأمة العربية والإ�سالمية‪.‬‬ ‫نبد�أ بحثنا بتو�ضيح املق�صود بلفظ املذاهب‪ ،‬ومع �أنه‬ ‫لفظ م�ألوف و�شائع يف التداول بني املتعلمني واملثقفني‪� ،‬إال‬ ‫�أن ذلك ال مينع من القيام بتحديد املعنى املق�صود به‪،‬‬ ‫لتحقيق �شرط علمي رئي�س هو �شرط الو�ضوح‪ ،‬هذا ف�ض ًال‬ ‫عن كون املعاجلة �سرتتكز يف جانب رئي�س منها �إلى هذا‬ ‫التحديد‪ ،‬فنقول‪:‬‬ ‫املذاهب جمموعة من النظريات �أو الآراء النظرية‬ ‫والعلمية‪ ،‬يف جمال من جماالت الفكر �أو احلياة‪ ،‬تكون يف‬ ‫الغالب مرتابطة ومت�سقة فيما بينها‪ ،‬ولهذه النظريات �أو‬ ‫الآراء (�أي املذاهب) ممثلون يقولون ب�صوابها‪ ،‬ويعملون‬ ‫على ن�شرها ب�ين الآخ��ري��ن وال��دف��اع عنها‪ ،‬وق��د يتجاوز‬ ‫الأمر‪ -‬يف �ضوء ما هو ممار�س يف الواقع‪� -‬إلى التع�صب‬ ‫ل�صواب هذه النظريات �أو الآراء فيعدونها وحدها احلق‪،‬‬ ‫وما عداها الباطل �أو اخلط�أ املنحرف عن جادة ال�صواب‪.‬‬ ‫يف �ضوء هذا التحديد للمذهب يالحظ املرء ب�سهولة �أن‬ ‫هناك عن�صرين رئي�سني فيه‪ ،‬هما‪ :‬وجود نظريات و�آراء يف‬ ‫جمال ما؛ ووجود ممثلني (�أو �أ�صحاب) للمذهب ي�صدقون‬ ‫ب�صوابها‪ ،‬ويعملون على ن�شرها ويدافعون عنها‪.‬‬ ‫واملجاالت التي تخت�ص بها النظريات �أو الآراء يف مذهب‬ ‫ما قد تكون يف واحد من جماالت الفكر النظري‪� ،‬أي تكون‬ ‫غاية الآراء (النظرية) يف هذا املجال بيان حقيقة جانب‬ ‫‪� 24‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫من جوانب من الوجود العديدة؛ فهناك مذهب يف بيان‬ ‫حقيقة الوجود بعامة‪� ،‬أو الرتبية �أو ال�سيا�سة �أو االقت�صاد‪،‬‬ ‫�إلى �آخر ما هنالك من جماالت للفكر النظري‪ .‬وقد تكون‬ ‫النظريات �أو الآراء يف مذاهب �أخرى ذات طبيعة عملية‬ ‫مت�صلة باحلياة‪ ،‬و�أعني باحلياة تعامل الإن�سان مع جوانب‬ ‫الوجود املختلفة‪ ،‬بع�ضها �أو ك ّلها؛ وتكون غايتها هي العمل‬ ‫والتطبيق والفعل وال�سلوك بعامة‪ ،‬وقد جتمع بني الغايتني‬ ‫النظرية والعملية‪ ،‬فطبيعة الأمور �أن املذاهب (العملية) يف‬ ‫احلياة ال تكون يف العادة منف�صلة عن املذاهب (النظرية)‬ ‫يف الفكر‪ ،‬فاملذاهب العملية تكون مبنية على فكر نظري‪،‬‬ ‫ومرتبطة مبذاهب فكرية‪.‬‬ ‫ول�ضبط حدود املعاجلة هنا‪� ،‬سنقوم بت�صنيف املذاهب‬ ‫يف الفكر واحل �ي��اة �إل��ى ث�لاث��ة �أق �� �س��ام‪ :‬م��ذاه��ب فكرية‬ ‫عقدية (�إيديولوجية)؛ ومذاهب فقهية �شرعية؛ ومذاهب‬ ‫�سيا�سية‪ .‬وبالنظر يف الطبيعة الأ�سا�سية الغالبة لكل ق�سم‬ ‫ميكن للناظر مالحظة �أن‪:‬‬ ‫ املذاهب الفكرية العقدية (الإيديولوجية) ذات طبيعة‬‫نظرية غالبة؛ و‬ ‫ املذاهب الفقهية ال�شرعية ذات طبيعة عملية غالبة؛ و‬‫‪ -‬املذاهب ال�سيا�سية جتمع بني الطبيعتني النظرية والعلمية‪.‬‬


‫و�أود �أن �أ�ؤك��د هنا �أن هذا الت�صنيف لطبائع املذاهب‬ ‫هو حتليل يق�صد منه الو�صول �إلى فهم املو�ضوع املطروح‬ ‫للمعاجلة والبحث بالدرجة الأولى‪ ،‬و�أن املذاهب جميع ًا –‬ ‫يف واقع احلال‪ -‬متتزج فيها الغايتان والطبيعتان النظرية‬ ‫والعلمية‪.‬‬ ‫�أنتقل الآن �إلى تو�ضيح املق�صود بلفظ التقريب‪ ،‬الوارد‬ ‫يف عنوان هذا املو�ضوع‪،‬‬ ‫جمتهد ًا يف بيانه بطريقة �إجرائية‪ ،‬ف�أقول‪:‬‬ ‫التقريب يف املعنى اللغوي �أن تدنو �أ�شياء متباعدة كل‬ ‫واحد منها من الأ�شياء الأخرى بفعل �إرادي مق�صود‪ ،‬فلي�س‬ ‫التقريب عم ًال طبيعي ًا �آلي ًا يتم دون تدخل فاعل له مريد‪.‬‬ ‫والتقريب ب�ين امل��ذاه��ب يعني �أن تدنو ه��ذه املذاهب‬ ‫ويقرتب كل واحد منها من املذاهب الأخ��رى؛ وهذا الدنو‬ ‫�أو االقرتاب – وهو املعنى املراد بيانه‪ -‬يتم من قبل فاعلني‬ ‫يقومون بفعل التقريب ه��ذا ب� ��إرادة وع��ن ق�صد وا�ضح‬ ‫الأهداف والغايات‪ .‬ويكون هذا الدنو �أو االقرتاب يف واحد‬ ‫�أو �أكرث من الأمور الآتية‪:‬‬ ‫ يف النظريات والآراء امل�ؤ�س�سة للمذهب؛‬‫ يف الأهداف والغايات التي ي�سعى املذهب لتحقيقها؛‬‫ يف الو�سائل والإجراءات التي يتو�سل بها املذهب لتحقيق‬‫�أهدافه وغاياته؛‬ ‫ يف احلالة الوجدانية (العواطف واالنفعاالت) لأ�صحاب‬‫املذاهب امل�صاحبة لعملية االقتناع ب�صواب النظريات �أو‬ ‫الآراء‪� ،‬أو لعملية ن�شرها وتطبيقها والدفاع عنها؛ وهذه‬ ‫احلالة لها جانبان‪ :‬داخلي موجه نحو املذهب وخارجي‬ ‫موجه نحو املذاهب الأخرى‪.‬‬ ‫�أما اللفظ الأخري الوارد يف عنوان املو�ضوع ويحتاج �إلى‬ ‫بيان املق�صود منه‪� -‬إذ ي�شكل بيانه يف �سياقه هنا مق�صد‬ ‫البحث‪ -‬فهو لفظ ثقافة‪ ،‬وقد �سبق بيانه فيما تقدم‪ ،‬فنكتفي‬ ‫هنا بالتذكري بتعريفنا للثقافة‪ ،‬وهو الثقافة (بعامة) معرفة‬ ‫عملية مكت�سبة‪ ،‬تنطوي على جانب معياري وتتجلى يف‬ ‫�سلوك الأفراد الواعي يف تعاملهم يف احلياة االجتماعية مع‬ ‫الوجود يف �أجزائه املختلفة (اخلالق واملخلوقات)‪.‬‬ ‫و�أنتقل الآن �إلى تو�ضيح مفهوم الثقافة اخلا�صة مبو�ضوع‬ ‫بحثنا وحتديدها‪� ،‬أعني الثقافة املتعلقة بالتقريب بني‬ ‫املذاهب ف�أقول‪:‬‬ ‫ثقافة التقريب بني املذاهب هي معرفة عملية مكت�سبة‬ ‫تنطوي على جانب معياري‪ ،‬وتتجلى يف ال�سلوك الواعي‬ ‫لأ�صحاب املذاهب و�أتباعها يف تعاملهم مع املذاهب الأخرى‪.‬‬

‫ويف �شرح هذا التحديد‪ ،‬وتقدمي املزيد من البيان حول‬ ‫حقيقة هذه الثقافة‪ ،‬نقول‪:‬‬ ‫ هذه الثقافة معرفة عملية‪� ،‬أي �إن هذه الثقافة التي نبحث‬‫فيها وعنها هي معلومات �أو ق�ضايا غاياتها العمل والفعل‬ ‫وال�سلوك والتطبيق‪ ،‬وهي لي�ست جمرد معلومات نظرية‬ ‫غاياتها بيان حقائق الأمور فح�سب‪ ،‬دون االلتفات �إلى‬ ‫العمل والتطبيق‪.‬‬ ‫ وه��ي مكت�سبة‪� ،‬أي �أن الإن�سان يح�صل عليها بعد �أن‬‫كانت غري موجودة لديه‪ ،‬وهو يكت�سبها ويتعلمها بطرق‬ ‫االكت�ساب والتعلم املختلفة املعروفة‪ :‬من البيئة والقدوة‬ ‫والأ�ساتذة والكتب وعن طريق احل��وار وغري ذلك من‬ ‫طرق االكت�ساب والتعلم‪.‬‬ ‫ وتنطوي ه��ذه املعرفة على ج��ان��ب م�ع�ي��اري‪ ،‬يبني ما‬‫ينبغي �أن تكون عليه هذه الثقافة اخلا�صة‪" ،‬وما ينبغي‬ ‫�أن يكون" ميثل من جهة ال�صورة الأمثل والأكمل التي‬ ‫ن�سعى للو�صول غليها يف تعاملنا مع املذاهب الأخ��رى‬ ‫و�أ�صحابها‪ ،‬وميثل من جهة �أخرى املعيار الذي نحتكم‬ ‫�إليه ونقي�س يف �ضوئه �سلوكنا الفعلي قرب ًا منه �أو ُبعد ًا‪،‬‬ ‫وكما ميثل دافع ًا وحافز ًا داخلي ًا يحركنا �أي�ض ًا لتحقيقه‪.‬‬ ‫ومن هنا كانت معرفة هذا اجلانب املعياري الأمثل‪� ،‬أمر ًا‬ ‫رئي�سي ًا ويف غاية الأهمية الكت�ساب هذه الثقافة اخلا�صة‬ ‫وجت�سيدها يف �سلوكنا‪.‬‬ ‫ وهذه املعرفة املتقدم و�صفها‪ ،‬متامها يف العمل بـها‪ ،‬كـما‬‫قـال القدمـاء‪" :‬العلم مبـد�أ‬ ‫العمل والعمل مت��ام العلم"‪ ،‬ف ��إذا مل تظهر ه��ذه املعرفة‬ ‫وا�ضحة يف �سلوكنا‪ ،‬ف�إنه ال ميكننا القول �إن لدينا ثقافة‬ ‫خا�صة بالتقريب بني املذاهب‪.‬‬ ‫ والبد �أن تكون عملنا و�سلوكنا – املتعلق بالتقريب بني‬‫املذاهب‪ -‬عم ًال واعي ًا‪� ،‬أي نقوم به‪ ،‬ونحن نعرف الغاية‬ ‫املق�صودة من فعله‪ ،‬ونعرف الطريق واملنهج املو�صل‬ ‫لهذه الغاية‪ ،‬ونعرف الو�سائل والأدوات التي مبعونتها‬ ‫ن�صل �إل��ى ه��ذه الغاية‪ ،‬بل ونعرف �أي�ض ًا ما ميكن �أن‬ ‫يعرت�ض طريقنا من �صعوبات وعقبات وم��دى قدرتنا‬ ‫على جتاوزها والتغلب عليها‪.‬‬ ‫وبالنظر يف حتديدنا لـ ثقافة التقريب بني املذاهب‪،‬‬ ‫والتو�ضيح الذي تاله �آنف ًا‪ ،‬جند �أن هذه الثقافة اخلا�صة‬ ‫تندرج حتت �أرب�ع��ة من جم��االت الثقافة امل�شار �إليها يف‬ ‫تعريف الثقافة املتقدم ذكره‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ جمال التعامل مع الأفكار‪�( ،‬أي النظريات والآراء التي‬‫ت�شكل القاعدة النظرية للمذاهب)‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪25‬‬


‫مقاالت الوسطية‬ ‫ جمال التعامل مع الآخر (�أي الأ�شخا�ص الذين ميثلون‬‫املذاهب الأخرى غري مذهبنا)‪.‬‬ ‫ جمال التعامل مع الو�سائل والأدوات (�أي تلك الأمور‬‫والأ�شياء‪ ،‬املادية وغري املادية التي ي�ستعان بها يف فعل‬ ‫التقريب بني املذاهب)‪.‬‬ ‫ جمال التعامل مع اهلل �سبحانه وتعالى (وذلك لأن تعاملنا‬‫مع �أي جانب من جوانب الوجود املخلوق ينبغي �أن يكون‬ ‫وفق ًا ملراد اهلل وملا يحبه وير�ضاه �سبحانه وتعالى)‪.‬‬ ‫و�إذا انتقلنا خطوة �أخرى لبيان هذه املعرفة التي ت�شكل‬ ‫ثقافة التقريب بني املذاهب‪ ،‬جند املدخل لبيان ذلك فيما‬ ‫�سبق قوله‪ ،‬وهو �أن هذه الثقافة ت�ستمد من الثقافة اخلا�صة‬ ‫باملجاالت الأربعة الآنفة الذكر (التعامل مع الأفكار‪ ،‬والآخر‪،‬‬ ‫والو�سائل والأدوات‪ ،‬واهلل �سبحانه وتعالى)‪ ،‬وذلك لتحقيق‬ ‫هذا التقريب يف الأم��ور الرئي�سة (التي �سبق ذكرها عند‬ ‫حتديدنا ملعنى التقريب بني املذاهب)‪�( ،‬أعني‪ :‬النظريات‬ ‫والآراء‪ ،‬والأه���داف وال�غ��اي��ات‪ ،‬والو�سائل والإج� ��راءات‪،‬‬ ‫واحلالة الوجدانية)‪.‬‬ ‫ف�إذا كانت ثقافة التقريب بني املذاهب تُ�ستمد من هذه‬ ‫املجاالت الأربعة‪ ،‬وكانت املذاهب – كما حددناها يف هذه‬ ‫ال��ورق��ة‪� -‬أن��واع� ًا ثالثة (فكرية عقدية‪ ،‬وفقهية �شرعية‪،‬‬ ‫و�سيا�سية)‪ ،‬ف�إن هذه الثقافة التي نبحث فيها وعنها �سيكون‬ ‫فيها مبادئ عملية م�شرتكة ترجع �إلى هذه املجاالت الأربعة‪،‬‬ ‫وم�ب��ادئ �أخ��رى تخ�ص ك��ل ن��وع م��ن �أن ��واع ه��ذه امل��ذاه��ب‪،‬‬ ‫وتختلف فيما بينها بح�سب اختالف طبيعة املذهب‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬ن��رى �أن تو�ضيح ثقافة التقريب بني املذاهب‬ ‫ي�ستلزم بيان هذه املبــادئ‬ ‫امل�شرتكة �أو ًال‪ ،‬ثم تلك التي تخ�ص كل واحد من �أنواع‬ ‫هذه املذاهب‪.‬‬ ‫نبد�أ باحلديث عن ثقافة التقريب بني املذاهب امل�شرتكة‬ ‫لكل �أنواع املذاهب‪ ،‬فنبد�أ بـ‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬ثقافة التقريب بني املذاهب فيما يتعلق بالنظريات‬ ‫والأفكار‪:‬‬ ‫النظريات والأفكار التي ت�ؤ�س�س للمذاهب على اختالف‬ ‫�أنواعها‪� ،‬إما �أن تكون مبا�شرة من الن�صو�ص املحكمة من‬ ‫ال��وح��ي ال�صادق (نحن هنا نتحدث ع��ن الإ� �س�لام)؛ �أو‬ ‫م�ستمدة من الوحي ال�صادق ب�صورة غري مبا�شرة‪� ،‬أي‬ ‫بطريق الفهم واال�ستنباط؛ �أو تكون من االجتهاد العقلي‬ ‫مل�ؤ�س�سي املذهب و�أ�صحابه‪.‬‬ ‫وف�ع��ل التقريب ب�ين النظريات والآراء ال�ت��ي ه��ذه م�صادر‬ ‫ا�ستمدادها‪� ،‬سيكون �أمر ًا مي�سور ًا �إذا ما عرفت طبيعة كل نوع منها؛‬ ‫‪� 26‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫فالأفكار �أو النظريات امل�ستمدة ب�صورة مبا�شرة من‬ ‫ال��وح��ي ال���ص��ادق املحكم (الآي� ��ات املحكمة والأح��ادي��ث‬ ‫املتواترة) ال ينبغي �أن تكون حمل اختالف بني مذاهب‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬ول��و ح��دث خ�لاف حولها ف��إن التذكري بالن�ص‬ ‫املحكم يزيل اخلالف على الفور وي�ؤدي مهمة التقريب‪ ،‬ومن‬ ‫ي�صر على خمالفة فكرة �أو نظرية عبرّ عنها ن�ص حمكم‬ ‫ب�صورة مبا�شرة ال ت�أويل فيها‪ ،‬فهو معاند يطلب دلي ًال على‬ ‫طلوع ال�شم�س يف �أثناء النهار‪ ،‬بل �إن هذه النظريات �أو‬ ‫الأفكار ينبغي جعلها مرجع ًا ومعيار ًا و�ضابط ًا للنظريات‬ ‫والآراء الأخرى؛‬ ‫والنظريات �أو الأفكار امل�ستمدة من الوحي ال�صادق‬ ‫بطريق الفهم واال�ستنباط‪ ،‬فهذه ال ب ّد واقع فيها االختالف‬ ‫لأ�سباب عديدة‪ ،‬معروفة لدار�سي الفقه و�أ�صوله‪ ،‬بع�ضها‬ ‫يرجع �إل��ى طبيعة الن�صو�ص‪ ،‬والبع�ض الآخ��ر يرجع �إلى‬ ‫الإن�سان ال��ذي ح��اول الفهم وق��ام باال�ستنباط‪ ،‬وق��درات‬ ‫النا�س يف هذين الأمرين متفاوتة‪ ،‬والتقريب يف النظريات‬ ‫والآراء من هذا النوع له فيما نرى‪ -‬م�ستويان‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬تقريب يحققه �ضبط مناهج الفهم واال�ستنباط‬ ‫وحماولة االتفاق عليها من قبل �أ�صحاب املذاهب املختلفة‪،‬‬ ‫لأن االتفاق على مناهج �سليمة يف اال�ستنباط يي�سر الو�صول‬ ‫على النتائج نف�سها �أو �إلى نتائج متقاربة؛‬ ‫والثاين‪ :‬تقريب يحققه فهم طبيعة النظريات والآراء‬ ‫امل�ستنبطة من الن�صو�ص‪ ،‬وهي �أنها نظريات و�آراء ال ينظر‬ ‫�إليها من الزاوية املنهجية على انها متثل احلقيقة التامة‬ ‫�أو اليقني القطعي‪ ،‬و�إمنا هي حقيقة ن�سبية �أو ظن راجح‪،‬‬ ‫هذا الفهم بطبيعة هذا النوع من الأفكار يرتتب عليه �أن‬ ‫ال يكون مت�سك �أ�صحاب املذهب بنظرياتهم و�آرائهم التي‬ ‫تندرج حتته على �أنها احلق املطلق الوحيد‪ ،‬و�أن ما عداها‬ ‫باطل‪ ،‬و�أن ينظر �إلى �آراء ونظريات املذاهب الأخرى على‬ ‫�أنها ت�ستحق �أن ينظر فيها و�أن تقدر و�أن يجري التحاور‬ ‫معها للت�شارك يف الو�صول �إلى الأ�صوب من الآراء‪.‬‬ ‫�أم��ا النظريات �أو الأف�ك��ار التي ت�أتي نتيجة االجتهاد‬ ‫العقلي (غري املت�أثر بن�صو�ص الوحي)‪ ،‬من قبل �أ�صحاب‬ ‫املذهب‪ ،‬فهذه �أي�ض ًا يقع فيها االخ�ت�لاف‪ ،‬فاالجتهادات‬ ‫العقلية تختلف باختالف م�سلمات �أ�صحابها ومقدماتهم‬ ‫من جهة‪ ،‬ودقة مناهجهم وا�ستدالالتهم من جهة �أخرى‪،‬‬ ‫والتقريب بني املذاهب يف هذا النوع من الأفكار له �أي�ض ًا‬ ‫م�ستويان‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬تقريب يرجع �إلى �ضبط مناهج اال�ستدالل على‬ ‫ه��ذه الأف�ك��ار‪ ،‬وه��و �أم��ر يتم ب�ضبط امل�سلمات واملقدمات‬ ‫وب�ضبط خطوات اال�ستدالل و�شروطه؛‬


‫والثاين تقريب يحققه الوعي بطبيعة ه��ذا النوع من‬ ‫الآراء‪ ،‬التي يقر املفكـــرون‬ ‫وعلماء املناهج عموم ًا يف ه��ذا الع�صر ب ��أن ال�صدق‬ ‫واحلق فيها ن�سبي‪ ،‬وذلك يف �ضوء املتاح لنا من املعلومات‬ ‫امل�ستخدمة مقدمات لال�ستدالل وبالن�سبة له‪.‬‬ ‫هذا الفهم لطبيعة هذا النوع من النظريات والأفكار‬ ‫يرتتب عليه �أي�ض ًا �أن نتم�سك يف و�ضع �أف�ك��ارن��ا مبنهج‬ ‫اال�ستدالل ال�سليم ال��ذي ي ��ؤدي �إل��ى تقليل اخل�لاف و�إل��ى‬ ‫التقريب‪ ،‬كما ي�ؤدي �أي�ض ًا �إلى عدم مت�سك �أ�صحاب املذهب‬ ‫بنظرياتهم و�أفكارهم باعتبارها احلق املطلق‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫ينبغي �أن يلزم عنه من الناحية العملية النظر يف �أفكار‬ ‫املذاهب الأخرى على �أنها حمتملة للحق وال�صواب مثلما‬ ‫�أفكار مذهبنا‪ ،‬وعدم و�صفها بالباطل دون برهان مبني‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ثقافة التقريب بني املذاهب فيما يتعلق ب�أ�صحابها‬ ‫و�أتباعها‪.‬‬ ‫�أ�صحــاب املذاهـب و�أتباعـها هـم م�سلمـون‪ ،‬وهم �أخـوة‬ ‫يف الإ�سـالم‪ ،‬لذلك‬ ‫ينبغي �أن يكون تعاملهم فيما بينهم وفق ًا لتوجيهات‬ ‫الإ�سالم يف تعامل امل�سلمني فيما بينهم‪ ،‬وهذه التوجيهات‬ ‫ال ب ّد �أن تثمر تقريب ًا بينهم ك�أ�شخا�ص وبالتايل بني املذاهب‬ ‫التي ينت�سبون �إليها‪.‬‬ ‫ف�صاحب املذهب حني يتعامل ملتزم ًا ب ��آداب وثقافة‬ ‫الأخ��وة الإ�سالمية مع �أ�صحاب املذاهب الأخ��رى تو�ضيح ًا‬ ‫ملذهبه �أو رد ًا على مذاهب غريه �أو حماور ًا لهم‪ ،‬ف�إن مثل‬ ‫هذا التعامل امللتزم �سيمنع �أي تباعد وت�شاحن‪ ،‬ويف املقابل‬ ‫يقرب �أ�صحاب املذاهب من بع�ضهم‪.‬‬ ‫�إن �صاحب املذهب حني ينظر �إلى �أخيه �صاحب املذهب‬ ‫الآخ��ر يف �ضوء توجيهات الإ� �س�لام‪ ،‬م��ن مثل قوله عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم‪" :‬امل�سلم �أخو امل�سلم ال ي�سلمه وال يظلمه‪..‬‬ ‫�إلخ"‪ ،‬وقوله‪" :‬امل�سلم من �سلم امل�سلمون من ل�سانه ويده"؛‬ ‫وحني يلتزم بعدم �إيذاء �أخيه امل�سلم من خالل كيل التهم‬ ‫له كالكفر والزندقة والف�سق والتحقري وم��ا �شابه ذلك‪،‬‬ ‫التزام ًا منه بهدي الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم يف مثل‬ ‫قوله‪" :‬من كفر م�سلم ًا فقد كفر"‪ ،‬وقوله‪" :‬بح�سب امرئ‬ ‫من ال�شر �أن يحقر �أخاه امل�سلم"‪ ،‬ف�إنه يف احلقيقة يقوم‬ ‫تلقائي ًا بالتقريب بينه وبني نظريه‪ ،‬وبالتايل بني مذهبه‬ ‫واملذاهب الأخرى‪.‬‬ ‫وخال�صة هذه الثقافة يف هذا العن�صر (التعامل مع‬

‫�أ�صحاب املذاهب) هو �أن التقريب بني املذاهب يح�صل‬ ‫ب�صورة عادية وتلقائية‪� ،‬إذا كان �أ�صحاب املذاهب ملتزمني‬ ‫بثقافة الأخوة يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ثقافة التقريب بني املذاهب فيما يتعلق بالو�سائل‬ ‫والأدوات‪.‬‬ ‫الو�سيلة هي كل ما ن�ستعني به للو�صول �إلى هدف ما �أو‬ ‫غاية معينة‪ ،‬فالو�سائل مرتبطة يف اال�ستخدام بالأهداف‬ ‫والغايات؛ �أما الأداة فهي كل ما ن�ستعني به على �إجناز عمل‬ ‫م��ا‪ ،‬ف��الأداة مرتبطة يف اال�ستخدام بعمل م��ا‪ .‬والو�سائل‬ ‫والأدوات قد تكون مادية وغري مادية‪ ،‬كما �أنهما يتداخالن‬ ‫يف اال�ستعمال اللغوي �إذ كالهما ي�ستعان ب��ه‪ ،‬لكن هذا‬ ‫التداخل ال ينفي تباين مفهوم كل منهما‪ .‬ونظر ًا ملا بينهما‬ ‫من ت�شابه وتداخل ر�أينا احلديث عنهما حتت عنوان واحد‪.‬‬ ‫تتخذ املذاهب ‪-‬يف العادة‪ -‬و�سائل �أو �أدوات لتحقيق‬ ‫�أهدافها و�إجن��ازه��ا �أع�م��ال معينة‪ ،‬مثل‪ :‬تعليم املذهب‪،‬‬ ‫�أو ن�شره‪� ،‬أو الدفاع عنه �ضد منتقديه‪� ،‬أو غري ذلك من‬ ‫الأه��داف �أو الأعمال‪ ،‬وقد ن�صنف هذه الو�سائل �أ�صناف ًا‪،‬‬ ‫فنقول على �سبيل املثال‪ :‬و�سائل م�شروعة وغري م�شروعة �أو‬ ‫قانونية وغري قانونية �أو �أخالقية‪ ،‬وغري �أخالقية �أو �سليمة‬ ‫وغري �سليمة �أو غري ذلك من الت�صنيفات‪.‬‬ ‫واملبد�أ العام يف الثقافة الإ�سالمية �أن تكون الو�سيلة �أو‬ ‫الأداة م�شروعة‪ ،‬كما‬ ‫هي الغاية �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫�إن ا�ستخدام و�سائل و�أدوات م�شروعة لي�س فيها حرمة �شرعية‬ ‫هو فعل ي�ساهم يف التقريب بني املذاهب‪ ،‬لأنها و�سائل يقبل بها كل‬ ‫م�سلم وال يعاندها‪ ،‬ولأنها يف طبيعتها ال�شرعية الإ�سالمية �ستكون‬ ‫�سمحة‪ ،‬مق ّربة ال من ّفرة �أو مباعدة‪.‬‬ ‫�إن اللغة و�سيلة و�أداة يف التعبري عن �أفكارنا ووجداننا‬ ‫وتوا�صلنا‪ ،‬والتقريب بني املذاهب ي�ستلزم �أن نقدم لغة‬ ‫وخطاب ًا وا�ضح ًا ال غام�ض ًا مبهم ًا‪ ،‬موحد ًا ال مفرق ًا‪� ،‬سمح ًا‬ ‫َّا�س ُح ْ�سن ًا{(‪ :83‬البقرة)‪ ،‬ال فظ ًا �أو‬ ‫ح�سن ًا‪َ } :‬و ُقو ُلو ْا ِللن ِ‬ ‫قبيح ًا‪.‬‬ ‫قد ي�ستخدم املذهب و�سائل الإع�لام املختلفة يف ن�شر‬ ‫املذهب �أو الدفاع عنه �أو غري ذلك‪ ،‬لكن الإ�سالم يطالب‬ ‫�أ�صحاب هذا املذهب �أن يكون ا�ستخدامهم لهذه الو�سائل‪،‬‬ ‫من �صحافة مقروءة �أو م�سموعة �أو مرئية �أو الإنرتنت �أو‬ ‫غريها‪ ،‬ا�ستخدام ًا من�ضبط ًا ب�ضوابط الإ�سالم الأخالقية‬ ‫ال�شرعية‪ ،‬وحني يكون الأمر على هذا النحو ف�إن التقريب‬ ‫هو الذي �سيحل مكان التنافر والتباعد‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪27‬‬


‫وقد ت�ستخدم بع�ض املذاهب و�سائل العنف و�أدوات��ه‪،‬‬ ‫فكيف ي�ك��ون ت�ق��ارب ب�ين م��ذاه��ب تتو�سل بالعنف لن�شر‬ ‫مذهبها �أو �إظهار �صوابه؟ �إن ثقافة ال�سماحة والإح�سان‬ ‫والكلمة الطيبة هي التي تق ّرب بني املذاهب‪.‬‬ ‫وعلى العموم‪ ،‬ينبغي على �أ�صحاب املذاهب �أن يقدروا‬ ‫الو�سائل قدرها يف �أنها و�سائل فح�سب‪ ،‬ي�ستعان بها لتحقيق‬ ‫غايات معينة؛ فاملال و�سيلة �ضرورية يف حياة النا�س‪ ،‬وقد‬ ‫ي�ستخدمه �أ�صحاب املذاهب‪ ،‬لكن حني ي�صبح املال غاية‬ ‫يف ذاته‪ ،‬ف�إن الأم��ور �ستف�سد ال حمالة‪ ،‬وعندئذ قد تتخذ‬ ‫(امل��ذاه��ب) من الو�سائل والأدوات لتحقيق ه��ذه الغاية‬ ‫(�أعني املال) ما يرتتب عليه من التنافر والتباعـــد والفرقـــة‬ ‫ال�شيء الكــثري‪،‬‬ ‫كالر�شوة و�شراء الأقالم والذمم وغري ذلك من مفا�سد‪.‬‬ ‫راب�ع� ًا‪ :‬ثقافة التقريب بني املذاهب فيما يتعلق باهلل‬ ‫�سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ اهلل �سبحانه وت �ع��ال��ى خ��ال��ق ك��ل � �ش��يء‪ ،‬وه��ذا‬ ‫يلزم عنه خ�ضوع كل �شيء وطاعته هلل خالقه‪ ،‬وذلك هو‬ ‫العبادة‪ ،‬ومعلوم �أن الغاية التي خلق من �أجلها الإن�سان هي‬ ‫ن�س �إِلاَّ ِل َي ْع ُب ُدونِ {‬ ‫عبادة اهلل وحده } َو َما خَ َلق ُْت الجْ ِ َّن َو ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫(‪ :56‬ال��ذاري��ات)‪َ } ،‬و َق َ�ضى َر ُّب� َ�ك َ�أ َّال َت� ْع� ُب� ُدو ْا �إِ َّال �إِ َّي��ا ُه{‬ ‫(‪ :23‬الإ�سراء)‪ ،‬وهذا يعني �أن كل �سلوك من قول �أو فعل‬ ‫ظاهر �أو باطن ينبغي �أن تكون غايته عبادة اهلل‪ ،‬ويكون‬ ‫ذلك كذلك �إذا كان تنفيذ ًا لفعل �أمر اهلل به �أو امتناع ًا عن‬ ‫فعل نهى اهلل عنه‪� ،‬أي فع ًال لكل ما يحبه اهلل وير�ضاه‪ ،‬و�أن‬ ‫يكون ذلك الفعل خال�ص ًا لوجه اهلل ال ي�شرك املرء فيه مع‬ ‫اهلل �أحد ًا �أو غر�ض ًا‪.‬‬ ‫هذا املعنى العام ينطبق على �أ�صحاب املذاهب يف كل‬ ‫جوانب ن�شاطهم املذهبي ‪:‬‬ ‫�إن�شاء املذهب وتعليمه ون�شره والدفاع عنه وغري ذلك‬

‫من املنا�شط‪� .‬إن �أ�صحاب املذاهب حني يلتزمون بتطبيق‬ ‫املفاهيم الإ��س�لام�ي��ة يف تعاملهم م��ع امل��ذاه��ب الأخ��رى‬ ‫و�أ�صحابها ‪-‬وهي مبادئ معروفة لعامة امل�سلمني املتعلمني‪-‬‬ ‫ف�إن النتيجة ال�ضرورية الالزمة عن مثل هذا ال�سلوك هو‬ ‫التقارب فيما بينها �إلى �أق�صى الدرجات بد ًال من التباعد‬ ‫والتنافر والتناحر‪� .‬إن مفاهيم مثل الإخال�ص هلل وتوحيده‪،‬‬ ‫وتقوى اهلل وخ�شيته‪ ،‬ومفاهيم الإميان والإح�سان وغريها‬ ‫من املفاهيم الإميانية‪ ،‬حني يجري االلتزام بها‪� ،‬سيكون لها‬ ‫تعجب العقل العادي على م�ستوى التقريب‬ ‫نتائج �إيجابية تثري ّ‬ ‫بني املذاهب‪ ،‬بل على م�ستوى حياة النا�س وتعامالتهم فيما‬ ‫بينهم بعامة‪.‬‬ ‫�إن اهلل �سبحانه وتعالى حني يكون الغاية الق�صوى من‬ ‫�سعينا يف هذه احلياة‪ ،‬وحني يكون التقرب �إليه بطاعته‬ ‫فيما �أمر به ونهى عنه هو مطلبنا وهدفنا‪ ،‬ف�إن اخلالفات‬ ‫املذهبية �ستقل �إلى �أدنى درجاتها؛ لأن �أغرا�ض املذاهب‬ ‫و�أهدافها �ستكون �أغرا�ض ًا و�أهداف ًا دنيا �أو جزئية بالن�سبة‬ ‫للغاية الكربى التي يقت�ضيها التعامل مع اهلل �سبحانه‬ ‫وتعالى‪� ،‬أي حتقيق العبودية له‪ ،‬وقد يتنازل �صاحب املذهب‬ ‫عن بع�ض �أه��داف مذهبه �أو يعدلها‪� ،‬إذا تبينّ له ‪-‬وهو‬ ‫املخل�ص هلل يف عبوديته‪� -‬أن ه��ذه الأه��داف والأغ��را���ض‬ ‫تتعار�ض مع هذه الغاية الكربى‪ ،‬وتكون النتيجة �أن تتقارب‬ ‫املذاهب يف �أهدافها‪ ،‬فيزداد ما بينها من تقارب‪.‬‬ ‫وال��ذي نراه هو �أن تطبيق �أ�صحاب املذاهب و�أتباعها‬ ‫لثقافة التعامل مع اهلل هو من �أهم الأم��ور التي ينبغي �أن‬ ‫تت�ضمنها ثقافة التقريب بني املذاهب وتر�سخها من خالل‬ ‫املمار�سة لدى �أتباعها‪.‬‬ ‫�أنتقـل بعـد هـذا �إل��ى تو�ضيـح �أبــرز جوانـب ثقافــة‬ ‫التـقريب بني املذاهب التي تخ�ص كل نوع من �أنواع املذاهب‬ ‫(الفكرية العقدية‪ ،‬والفقهية ال�شرعية‪ ،‬وال�سيا�سية)‪.‬‬

‫ ‬

‫‪� 28‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫جوهر العبادة‬ ‫"فا�سـتقم كمـا �أُمِ ــرت"‬ ‫�أ‪.‬د‪.‬حممد الق�ضاة‬ ‫عميد كلية ال�رشيعة باجلامعة الأردنية �سابقا‬

‫�شرعت العبادات لأهداف روحية ونف�سية واجتماعية و�أخالقية‬ ‫و�صحية‪ ،‬ومل ت�شرع ملجرد اخل�ضوع والطاعة لرب العاملني فح�سب‪،‬‬ ‫فقال عز وجل‪} :‬يا �أيها النا�س اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين‬ ‫من قبلكم لعلكم تتقون{‪ ،‬فالعبادات �شرعت امتثا ًال وطاعة هلل عز‬ ‫وج��ل‪ ،‬ولرتبية النفو�س‪ ،‬وتهذيب الأخ�ل�اق‪ ،‬و�سمو ال��روح‪ ،‬وتوجيه‬ ‫اجلماعة نحو الكمال واال��س�ت�ق��ام��ة‪ ،‬وتوثيق ال � ُع��رى االجتماعية‬ ‫وحتقيق التكافل االجتماعي‪ ،‬و�إزالة الأحقاد‪ ،‬و�إيجاد التعاون القوي‬ ‫بني �أف��راد املجتمع‪ ،‬ف�إذا �أخذ جانب من الأحكام‪ ،‬وق�صر الإن�سان‬ ‫يف االداء الكامل وال�صحيح‪ ،‬ف��إن ه��ذه الأه��داف ترتفع‪ ،‬وت�صبح‬ ‫�أ��ش�ك��ا ًال ج��وف��اء‪ ،‬ال ف��ائ��دة منها‪ ،‬وال ث��واب لها‪ ،‬وه��ذا م��ا �صرحت‬ ‫به الن�صو�ص ال�شرعية‪ ،‬وح � ّذرت من الآف��ات التي حتبط العمل‪.‬‬ ‫العبادة نبع فيا�ض مبارك لتقوية نواحي اخلري واجلمال وال�صدق‬ ‫يف فكر الإن�سان و�سلوكه‪ ،‬وه��و دواء �سحري يُ�صلح �أه��واء النف�س‬ ‫ونزعاتها ال�شريرة فيجعلها �شبيهة باملالئكة‪ ،‬والإن�سان ال�صايف‬ ‫ال��ذي يتوجه �إل��ى ه��ذا النبع ك��ل ي��وم ع��دة م��رات بالفكر والذكر‬ ‫واملمار�سة هو �إن�سان عازم على ال�سري يف درب " الإن�سان الكامل"‬ ‫وي�ك��ون ق��د ع�ثر على امللج�أ ال��ذي يحفظه م��ن د�سائ�س �شياطني‬ ‫الإن����س واجل��ن‪� ،‬إن كثري ًا من الذين تعلقت قلوبهم و�أرواح �ه��م يف‬ ‫ف�ضاء ال روح فيه مي�ضون حياتهم وراء م�سائل نظرية وخيالية‪،‬‬ ‫وهي يف حقيقتها �سراب خادع‪ ،‬وظلمات ال نهاية لها يف بحر جلي‪.‬‬ ‫�ص ّور الر�سول الكرمي حالة مر�ضية �شائعة اليوم يف املجتمع‪ ،‬وت�صدر‬ ‫عن كثري من الأفراد‪ ،‬وهي حالة �شاذة عن الدين النقي‪ ،‬بعيدة عن‬ ‫احلق‪ ،‬تتنافى مع التدين ال�صحيح‪ ،‬والرتبية الإ�سالمية القومية‪،‬‬ ‫يعر�ضها ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬بحوار مفتوح وا�ستنتاج‬ ‫مقنع‪ ،‬ليقرب �إلى الأذهان حكم ًا �شرعي ًا‪ ،‬بقيا�سه على حالة مادية‬ ‫معرو�ضة‪ ،‬ق��ال عليه ال�صالة وال���س�لام‪� ( :‬أت ��درون م��ن املفل�س؟‬ ‫قالوا‪ :‬املفل�س فينا من ال درهم له وال دينار‪ ،‬فقال‪� :‬إن املفل�س من‬ ‫�أمتي من ي�أتي يوم القيامة ب�صالة و�صيام وزك��اة‪ ،‬وي�أتي وقد �شتم‬ ‫ه��ذا‪ ،‬وق��ذف ه��ذا‪ ،‬و�أك��ل م��ال ه��ذا‪ ،‬و�ضرب ه��ذا‪ ،‬فيعطى ه��ذا من‬ ‫ح�سناته‪ ،‬وه��ذا من ح�سناته‪ ،‬ف ��إن فنيت ح�سناته قبل �أن يق�ضي‬ ‫ما عليه �أخ��ذ من خطاياهم‪ ،‬فطرحت عليه‪ ،‬ثم ُط��رح يف النار)‪.‬‬

‫عر�ض احلديث ال�شريف مناذج متعددة ملا يجري يف حياة امل�سلمني‬ ‫اليوم‪ ،‬من متزيق الدين‪ ،‬وح�صر �شعائره يف زاوية امل�سجد‪ ،‬ويف �إطار‬ ‫العبادة فقط‪ ،‬وف�صل الدين املهذب عن احلياة والواقع‪ ،‬وك�أنه ال‬ ‫عالقة له بالأخالق العامة‪ ،‬وال�سلوك االجتماعي‪ ،‬والتعامل املايل‪،‬‬ ‫فالتدين يف نظر كثري من النا�س‪ ،‬عالقة بني الإن�سان ورب��ه‪ ،‬و�أما‬ ‫عالقة الإن�سان باملجتمع وبني جن�سه فتحكمها الأهواء‪ ،‬والرغبات‪،‬‬ ‫واجل�شع والطمع واملادة‪ ،‬وغفل ه�ؤالء عن قوله تعالى } كربت كلمة‬ ‫تخرج من �أفواههم �إن يقولون �إال كذب ًا{ وك�أن الر�سول الكرمي ينظر‬ ‫�إلى ما �سي�صري �إليه امل�سلمون من انف�صام ال�شخ�صية وف�صل القول‬ ‫عن العمل‪ ،‬وح�صر العبادة يف زاوية مهملة �أو ميتة‪ ،‬وفقدان ت�أثريها‬ ‫على احلياة والتعامل املايل مع �ضياع الزمن والوقت وهو �أغلى ر�أ�سمال‬ ‫الإن�سان‪ ،‬فالإ�سالم دين احلياة‪ ،‬ونظام املجتمع الفا�ضل‪ ،‬وهو كل ال‬ ‫يتجز�أ �أنزله اهلل رحمة للعاملني‪ ،‬ليخرج النا�س من الظلمات �إلى النور‪.‬‬ ‫� ّإن �صالة املرء و�صيامه وزكاته ال تنفعه �شيئ ًا �إن مل ي�ستقم قو ًال وفع ًال‬ ‫واعتقاد ًا على �أمر اهلل‪ ،‬ومل يقف الأمر عند ذلك‪ ،‬ف�إن ح�سنات من‬ ‫�أ�ساء وظلم غريه لن يبقى منها �شيء‪� ،‬إن �أ�ص ّر على ظلمه‪ ،‬بل �سي�أخذ‬ ‫من �سيئات الآخرين و�أوزار �أعمالهم فتطرح عليه‪ ،‬وهذا هو املفل�س‬ ‫احلقيقي يف نظر ال�شرع ال�شريف‪ ،‬وقد جمع احلديث ال�شريف بني‬ ‫حقوق اهلل تعالى يف العبادات‪ ،‬وبني حقوق العباد يف حفظ الدم واملال‬ ‫والعر�ض‪ ،‬وقابل بني الأداء والرتك فيهما‪ ،‬و�أن الإكتفاء ب��أداء حق‬ ‫اهلل تعالى ال يغني عن حق العباد‪ ،‬وفوق ذلك ف�إن حقوق اهلل تعالى‬ ‫تنفع فيها التوبة املخل�صة والإنابة �إلى اهلل‪ ،‬قال تعالى } و�إين لغفار‬ ‫ملن تاب و�آمن وعمل �صاحل ًا ثم اهتدى{‪� ،‬أما حقوق العباد فالبد‬ ‫من �أدائها بذاتها‪� ،‬أو ق�ضائها مبثلها‪� ،‬أو �ضمانها بعو�ض لأ�صحابها‪،‬‬ ‫و�إال بقيت يف ذمة الإن�سان‪ ،‬ثم ي�س�أل عنها ويحا�سب ب�سببها‪ ،‬لهذا‬ ‫ير�شد القر�آن الكرمي �إلى االلتزام بالدين و�أحكامه‪ ،‬قال تعالى } يا‬ ‫�أيها الذين �آمنوا �أطيعوا اهلل و�أطيعوا الر�سول وال تبطلوا �أعمالكم{‬ ‫ف�أعظم العبادة هي معرفة اهلل تعالى وحبه و�إفادة النا�س‪ ،‬وامل�ؤمن‬ ‫ال�صادق هو الذي يبحث عن احلق دائم ًا ويدور معه حيثما دار‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪29‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫حـب الوطن‬ ‫م�����ش��روع��ي��ت��ه وب��واع��ث��ه واحل���اج���ة �إل��ي��ه‬ ‫الدكتور نوح م�صطفى الفقري‬

‫الوطن هو دار الإن�سان وحمل �إقامته‪ ،‬وهو املكان الذي ي�سكنه‪ ،‬وينتمي �إليه‪ ،‬ويحظى فيه بحق العي�ش وا ِمللك‬ ‫الكرمي‪ ،‬وفيه ي�أمن على نف�سه وماله وعياله‪ ،‬ويتمتع بحرية احلركة منه و�إليه ذهاب ًا و�إياب ًا‪ ،‬وال يجد العاجز �إلى‬ ‫غريه ملج�أً و�سبي ًال‪ ،‬وقد تكون فيه الوالدة والن�ش�أة والطفولة‪ ،‬وقد يكون فيه قبور الآباء والأجداد‪ ،‬و�إليه يحمل‬ ‫املواطن �أ�صدق معاين االنتماء والوالء‪ ،‬وي�ضحي من �أجله‪ ،‬ويتمنّى العودة �إليه �إن خرج منه‪ ،‬وهو �إما بلد �أ�صلي‪،‬‬ ‫�أو دار هجرة؛ وقد ي�س ّمى يف امل�صطلحات احلديثة بال ُهوية �أو اجلن�سية‪.‬‬ ‫ِد َيار ِ​ِه ْم َو�أُ ُ‬ ‫وذوا فيِ َ�سبِي ِلي َو َقا َت ُلوا َو ُق ِت ُلوا َُ أل َك ِّف َر َّن َع ْن ُه ْم‬ ‫وقد تختلف املفاهيم باختالف العقائد‪ ،‬فمفهوم وطن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ�س ِّي َئا ِتهِ ْم َو َ أل ْد ِخ َل َّن ُه ْم َجن ٍ‬ ‫َّات تجَ ْرِ ي ِم ْن حَ ْ‬ ‫ال ْن َها ُر‬ ‫ت ِت َها ْ أ‬ ‫املتد ّين يختلف عن مفهوم الوطن عند الالديني‪ ،‬كما‬ ‫للهَُّ‬ ‫للهَّ‬ ‫‪3‬‬ ‫َث َواب ًا ِم ْن ِعن ِْد ا ِ َوا ِعن َْد ُه ُح ْ�س ُن ال َّث َو ِ‬ ‫اب{ ‪ ،‬ولوال‬ ‫يختلف بني الأ�صيل والدخيل‪ ،‬وللم�سلم نظرة يف تعريف‬ ‫ال��وط��ن؛ فهو ‪� -‬إ��ض��اف��ة �إل��ى م��ا م � ّر‪ -‬م�ك��ان تتمكن من النظرة القر�آنية اخلا�صة لدار الإن�سان لمَ ا ن�س َبه و�أ�ضافه‬ ‫ممار�سة دعوتك و�أداء عباداتك فيه بحرية‪ ،‬ومن هنا كان �إليها‪.‬‬ ‫حب الوطن م�شروع ًا يف ال�شريعة الإ�سالمية‪:‬‬ ‫‪� .2‬شوق النبي ‪� ‬إل��ى وط�ن��ه‪ :‬ففي احل��دي��ث امل�شهور‬ ‫ُ‬ ‫�دي َر� ِ��ض� َ�ي اهلل َع � ْن � ُه �أ َّن ��ه �سمع‬ ‫�أو ًال‪� :‬أدلة م�شروعية حب الوطن‪ :‬هناك ن�صو�ص نقلية ع��ن عبد اهلل ب��ن ع � ٍّ‬ ‫للهّ‬ ‫َّبي ‪ ‬وهو واقف على راحلته مب َّكة يقول‪َ ( :‬وا ِ‬ ‫من امل�صدرين ال�شريفني تر�شدنا �إل��ى هذه امل�شروعية‪ ،‬الن َّ‬ ‫كما �أن هناك �أدلة عقلية وواقعية؛ �ضمن الأ�س�س املقررة‪� ،‬إِنّك لخَ َ يرُْ �أَ ْر ِ�ض اللهّ ِ ‪َ ،‬و�أَ َح ّب �أَ ْر ِ�ض اللهّ ِ �إِ َلى اللهّ ِ ‪َ ،‬و َل ْوالَ‬ ‫�أَنيّ �أُخْ رِ ْج ُت ِمن ِْك َما خَ َر ْج ُت)‪4‬؛ وال بد �أن يكون ق�س ٌم‬ ‫واحلاجات املعتربة؛ منها‪:‬‬ ‫من �شوقه ‪� e‬إل��ى مكة وتع ِّلقه بها �سب ُبه حب الوطن‪،‬‬ ‫‪� .1‬إ�ضافة النا�س �إل��ى ديارهم يف ال�ق��ر�آن الكرمي‪ :‬فقد ومل��ا له فيها من ذك��ري��ات تتعلق بدعوته الإ�سالمية؛‬ ‫�أ�ضاف اهلل تعالى النا�س �إلى ديارهم يف القر�آن الكرمي؛ كاحلجر الذي كان ُي�س ّلم عليه ‪ ‬قبل البعثة النبوية؛‬ ‫فقال �سبحانه يف ال�صحابة املهاجرين‪ِ } :‬ل ْل ُف َق َرا ِء فقد قال ‪ ‬؛ (�إِنيِّ لأَ ْع��رِ ُف َح َجر ًا بمِ َ َّك َة‪َ ،‬ك َان ُي َ�س ِّل ُم‬ ‫ُون‬ ‫ين �أُخْ رِ ُجوا ِم ْن ِد َيار ِ​ِه ْم َو�أَ ْم َوا ِلهِ ْم َي ْب َتغ َ‬ ‫ين ال َِّذ َ‬ ‫المُْ َهاجِ رِ َ‬ ‫َع َل َّي َق ْب َل �أَ ْن �أُ ْب َعثَ ‪� ،‬إِنيِّ لأَ ْعرِ ُف ُه ال َآن)‪5‬؛ قال النووي‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ف َْ�ض ًال ِم َن اللهَّ ِ َور ِْ�ض َوان ًا َو َي ْن�صُ ُر َ‬ ‫ون اللهَّ َو َر ُ�سو َل ُه �أُو َل ِئ َك (فيه‪ :‬معجزة له ‪ ‬ويف هذا �إثبات التمييز يف بع�ض‬ ‫ال�صا ِد ُق َ‬ ‫ون{‪1‬؛ وقال اهلل تعالى‪ُ } :‬ث َّم �أَ ْنت ُْم َه�ؤُال ِء اجل �م��ادات‪ ،‬وه��و م��واف��ق لقوله تعالى يف احل�ج��ارة‪:‬‬ ‫ُه ُم َّ‬ ‫َ‬ ‫‪2‬‬ ‫ون فَرِ يق ًا ِم ْن ُك ْم ِم ْن ِد َيار ِ​ِه ْم{ ‪،‬‬ ‫ون �أ ْنف َُ�س ُك ْم َوتُخْ رِ ُج َ‬ ‫َت ْق ُت ُل َ‬ ‫ُ‬ ‫‪� . 3‬آل عمران ‪.195‬‬ ‫�اج � ُروا َو�أخْ ��رِ ُج��وا ِم ْن‬ ‫وق��ال اهلل تعالى‪َ } :‬ف��ا َّل� ِ�ذي� َ�ن َه� َ‬ ‫‪ . 1‬احل�شر ‪.8‬‬ ‫‪� . 2‬سورة البقرة ‪.85‬‬

‫‪� 30‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪ . 4‬الرتمذي �أبواب املناقب‪ ،‬باب ما َجا َء يف ف�ضل من ر�أى النبي ‪ ‬و�صحبه‪.‬‬ ‫‪ . 5‬م�سلم‪ :‬كتاب الف�ضائل‪ ،‬باب ف�ضل ن�سب النبي ‪ ‬وت�سليم احلجر عليه قبل‬ ‫النب ّوة‪.‬‬


‫} َو ِ�إ َّن ِم ْن َها لمَ َا َي ْهب ُِط ِم ْن خَ �شْ َي ِة ا ِ‬ ‫هلل{‪ ،6‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫} َو ِ�إ ْن ِم� ْ�ن �شَ ْي ٍء ِ�إ َّال ُي َ�س ِّب ُح ِب� َ�ح� ْم� ِ�د ِه{‪ ،7‬ويف هذه الآية‬ ‫ٌ‬ ‫خالف م�شهور‪ ،‬وال�صحيح‪� :‬أنه ي�سبح حقيقة‪ ،‬ويجعل‬ ‫اهلل تعالى فيه متييز ًا بح�سبه)‪.‬‬ ‫‪ .3‬يف وطن امل�سلم مقد�ساته‪ :‬ميار�س امل�سلم عباداته يف‬ ‫وطنه‪ ،‬ف َيعرفُه كل مكان ركع فيه �أو �سجد‪� ،‬أو ارتفع له‬ ‫منه عمل �صالح؛ وهذا من املقد�سات بال �شك؛ ولذلك‬ ‫ق��ال العلماء‪ :‬الأر� ��ض التي ك��ان امل�سلم ي�سجد عليها‬ ‫تبكي عليك �إذا مات‪ ،‬وي�ستدلون بقوله تعالى يف �ش�أن‬ ‫الَ ْر� �ضُ َو َما َكا ُنوا‬ ‫ال�س َما ُء َو ْ أ‬ ‫الكفار‪َ } :‬ف َما َب َك ْت َع َل ْيهِ ُم َّ‬ ‫َ‬ ‫ين{‪ ،8‬وي�ستدلون �أي�ض ًا مبا رواه �أنَ�س بن َما ِلك‬ ‫ُمن َْظرِ َ‬ ‫للهَّ‬ ‫ر�ضي اهلل عنه؛ �إذ قَالَ ‪ :‬قَالَ َر ُ�س ُ‬ ‫(ما ِم ْن‬ ‫ول ا ‪َ : ‬‬ ‫وباب َينْزِ ُل‬ ‫باب َي ْ�ص َع ُد ِم ْن ُه ع َم ُلهُ‪ٌ ،‬‬ ‫مُ�ؤمنٍ �إ ّال و َل ُه بابانِ ؛ ٌ‬ ‫مات بك َيا علي ِه؛ فذ ِل َك قو ُل ُه ِ‬ ‫}فما َب َك ْت‬ ‫م ْن ُه ِر ْز ُقهُ‪ ،‬ف�إذا َ‬ ‫‪9‬‬ ‫ين{ ‪ ،‬ف�إذا كان‬ ‫ال�س َما ُء والأَ ْر�ضُ َوما َكانَوا ُمن َْظرِ َ‬ ‫عليهِ ْم َّ‬ ‫فلم ال يبادله الإن�سان احلب‪،‬‬ ‫هذا تعلق املكان بالإن�سان‪َ ،‬‬ ‫واملواطنة‪ ،‬والتعلق به وال�شوق �إليه؟!‬ ‫‪ .4‬يف الوطن الأحباب‪� :‬أما الأحياء ف�أمثلتهم كثرية؛ فالآباء‬ ‫والأج��داد والأحفاد والأخ��وة و�سائر الأقرباء واجلريان‬ ‫والأ�صدقاء‪.‬‬ ‫و�أم��ا اجلمادات في�ستغرب �أن ينتابها �شعور احلب‬ ‫�أو الكره؛ لكن احلديث ال�صحيح �أثبت �أن جبل �أحد الذي‬ ‫باملدينة كان يحب امل�سلمني؛ ف َع ْن َقتَا َد َة َ�س ِم ْع ُت �أَن ًَ�سا َر ِ�ض َي‬ ‫(ه��ذَ ا‬ ‫اللهَُّ َع ْن ُه �أَ َّن ال َّنب َِّي ‪ ‬بدا له جبل �أح��د؛ فقَالَ ‪َ :‬‬ ‫َج َب ٌل ُي ِح ُّبنَا َو ُن ِح ُّب ُه)‪ ،10‬ويدل عليه �أي�ض ًا ما �سبق ذكره يف‬ ‫احلجر الذي �س ّلم عليه‪ ،‬فهناك �أن�س بني الإن�سان ووطنه؛‬ ‫قال الغزايل‪( :‬الطبع �إذا ر�أى من يع�شقه يف مو�ضع وطال‬ ‫معه �أن�سه فيه ف�إنه يح�س من نف�سه تفرقة بني ذلك املو�ضع‬ ‫وحيطانه وبني �سائر املوا�ضع ولذلك قال ال�شاعر‪:‬‬ ‫�أمر على جدار ديار ليلى‬ ‫ �أقبل ذا اجلدار وذا اجلدارا‬ ‫وما تلك الديار �شغفن قلبي‬ ‫ولكن حب من �سكن الديارا‬ ‫وقال ابن الرومي منبه ًا على �سبب حب النا�س للأوطان‬ ‫ونعم ما قال‪:‬‬ ‫‪ . 6‬البقرة ‪.74‬‬ ‫‪ . 7‬الإ�سراء ‪.44‬‬ ‫‪ . 8‬الدخان ‪.29‬‬ ‫‪ . 9‬الرتمذي ‪� :‬أبواب تف�سري القر�آن‪� ،‬سورة الدخان‪.‬‬ ‫‪ . 10‬البخاري‪ ،‬كتاب املغازي‪ ،‬باب �أُ ُح ٌد ُي ِح ُّبنَا َون ُِح ُّبهُ‪.‬‬

‫وح ّبب �أوطان الرجال �إليهم‬ ‫م�آرب ق�ضاها ال�شباب هنالكا‬ ‫�إذا ذكروا �أوطانهم ذكرتهم‬ ‫عهود ال�صبا فيها فحنوا لذلكا)‪11‬‬ ‫‪ .5‬ذكريات الوطن من بواعث حبه‪ :‬الوطن يف الغالب مكان‬ ‫ال��والدة‪ ،‬والر�ضاعة‪ ،‬وم�سقط الر�أ�س‪ ،‬ومهوى الف�ؤاد؛‬ ‫ولذلك ت�شتاق النف�س �إليه؛ وفيه ُدور الآب��اء والأج��داد؛‬ ‫وقبور الأموات منهم‪ ،‬فيمر الولد على قرب والده وج ّده‬ ‫في�سلم عليه‪ ،‬ومن الذي يقبل �أن ُيدا�س قرب والده؟! �أو‬ ‫�أن ُيك�سر عظمه‪ ،‬وك�سر عظم امليت كك�سر عظم احلي‪،‬‬ ‫بل �إن الإن�سان لريى الطبيعة والبيئة يف وطنه �أجمل من‬ ‫غريها؛ فريتاح ل�شجرِ ه وحجرِ ه و�سمائه و�أر�ضه‪ ،‬حتى‬ ‫كواكبه وجنومه؛ قالت عائ�شة ‪ -‬ر�ضي اهلل عنها‪( :-‬لوال‬ ‫ال�سما َء مبكان �أقرب‬ ‫الهجر ُة‬ ‫ُ‬ ‫ل�سكنت مكة‪ ،‬ف�إنيّ مل �أ َر ّ‬ ‫ببلد ّ‬ ‫يطمئن قلبي ٍ‬ ‫قط ما‬ ‫�إلى الأر���ض منها مب ّكة‪ ،‬ومل‬ ‫ّ‬ ‫اطم� ّأن مب ّكة‪ ،‬ومل �أ َر القمر مبكان �أح�سن منه)‪.12‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬وجوب الذب عن الوطن والذود عن حيا�ضه‪ :‬دار‬ ‫الإن�سان وطنه‪ ،‬وفيه نف�سه‪ ،‬وول��ده‪َ ،‬وم��ن ُ‬ ‫يعول من �أهله‪،‬‬ ‫وفيه ماله‪ ،‬وفيه يقيم �شعائر دينه؛ والذود عن هذه الأ�شياء‬ ‫واجب‪ ،‬وهو من � ِّ‬ ‫أجل املواطنة احلقة ال�صاحلة؛ وال يغينب‬ ‫عن البال �أنه َمن ُقتل يف �سبيل الدفاع عنها فهو �شهيد؛ فعن‬ ‫ون َما ِل ِه َف ُه َو‬ ‫(م ْن ُق ِت َل ُد َ‬ ‫ّبي ‪ ‬قالَ ‪َ :‬‬ ‫َ�س ِع ِيد بنِ َز ْي ٍد عن الن ّ‬ ‫ون ِدي ِن ِه‪َ ،‬ف ُه َو‬ ‫ون َد ِم ِه‪�َ ،‬أ ْو ُد َ‬ ‫ون �أَ ْه ِل ِه‪� ،‬أَ ْو ُد َ‬ ‫�شَ هِ ي ٌد‪َ ،‬و َم ْن ُق ِت َل ُد َ‬ ‫�شَ هِ ي ٌد)‪13‬؛ وقدمي ًا قالوا‪( :‬ال يحمي البالد �إال �أبنا�ؤها‪ ،‬وال‬ ‫يكيد لها �إال �أعدا�ؤها)؛ ومن هنا جتب املحافظة على الوطن‬ ‫وما فيه‪ ،‬ويجب العمل لتقويته و�صالحه؛ ليكون �شوكة يف‬ ‫حلق �أع��دائ��ه‪ ،‬وليكون عون ًا للم�ست�ضعفني فيه من خالل‬ ‫خرياته‪ ،‬ومنارة لل�سائرين من خالل نوره‪ ،‬و�أمن ًا لل�سالكني‬ ‫من خالل قوته ومنعته‪.‬‬ ‫و�إذا ت�ه��اون �أب �ن��اء ال��وط��ن يف حماية وطنهم �سقط؛‬ ‫ف�سرعان ما ي��زول؛ ويح ّل اال�ستعمار‪ ،‬فتذهب احل�لاوة‪،‬‬ ‫وتختفي احلرية‪ ،‬وتُك�سر امل�شاعر‪ ،‬وقد تُنتهك الأعرا�ض‪،‬‬ ‫وت��د ّن����س املقد�سات‪ ،‬وت�ضيع املمتلكات‪ ،‬وت�ه��ون احلياة‪،‬‬ ‫ويتمنى الأحياء الوفاة‪ ،‬وتفتقد الكرامة‪ ،‬ويبد�أ الندم‪ ،‬والت‬ ‫حني مندم‪ ،‬ويبد�أ اللوم حيث ال تنفع املالمة‪.‬‬ ‫وقد ب��رزت الكثري من ِ‬ ‫احلكم والأم�ث��ال على �أل�سنة‬ ‫احلكماء؛ فيقولون‪( :‬ال رواح من امل��راح)‪( ،‬واحلجر يف‬ ‫‪ . 11‬االقت�صاد يف االعتقاد الغزايل ‪.94‬‬ ‫‪� . 12‬أخبار مكة للأزرقي ج ‪� 3‬ص ‪.36‬‬ ‫‪� . 13‬سنن �أبي داوود‪ ،‬كتاب ال�سنة‪ ،‬باب يف قتال الل�صو�ص‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪31‬‬


‫مقاالت الوسطية‬ ‫مكانه قنطار)‪ ،‬وغريها‪ ،‬وقال ال�شاعر‪:‬‬ ‫علي عزيز ٌة‬ ‫بالدي و�إِن ْ‬ ‫جارت َّ‬ ‫كرام‬ ‫علي ُ‬ ‫و�أهلي و ِ�إن َ�ضنُّوا َّ‬ ‫ي�ستوجب‬ ‫ثالث ًا‪ :‬حب الوطن يعني الوالء واالنتماء‪ :‬كل ذلك‬ ‫ُ‬ ‫االنتماء والوالء الديني‪ ،‬والوالء ثمرة احلب‪ ،‬واحلب ي�ستلزم‬ ‫الطاعة‪ ،‬والطاعة ال ت�ؤتي �أك َلها �إال �إذا اقرتنت باملودة؛ ف�إذا‬ ‫إخال�ص يف العمل‪ ،‬والتفا َ‬ ‫ين فيه‪،‬‬ ‫ت��آزرا واجتمعا �أنتجا ال َ‬ ‫ِ‬ ‫�صرح �شامخ‬ ‫وتعا�ضد املحبون مع �سائر �أركان املجتمع لبناء ٍ‬ ‫من احل�ضارة‪ ،‬وازدان التاريخ بالذكر الطيب اجلميل‪.‬‬

‫و�إن الثمرة املرجوة من ال��والء واالنتماء هو ا�ستمرار‬ ‫الأم��ن والأم ��ان‪ ،‬والأم��ن نعمة ت�ستوجب ال�شكر؛ ق��ال اهلل‬ ‫ِيد َّن ُك ْم َو َل ِئن َك َف ْر مُ ْت‬ ‫تعالى‪َ } :‬و�إِذْ َت َ�أذَّ َن َر ُّب ُك ْم َل ِئن �شَ َك ْر مُ ْت لأَز َ‬ ‫"م ْن َ�أ ْ�ص َب َح ِم ْن ُك ْم‬ ‫�إِ َّن َعذَ ابِي لَ�شَ ِدي ٌد{‪ ،14‬وقال الر�سول ‪َ ‬‬ ‫وت َي ْو ِم ِه‪َ ،‬ف َك َ�أنمّ َا‬ ‫� ِآمن ًا يف ِ�س ْربِه ُم َعافًى يف َج َ�س ِد ِه‪ِ ،‬عن َْد ُه ُق ُ‬ ‫ِح ْيزَ ْت َل ُه ال ّد ْن َيا" ‪.15‬‬ ‫رب العاملني‬ ‫واحلمد هلل ّ‬ ‫‪� . 14‬سورة �إبراهيم ‪.7‬‬ ‫‪ . 15‬الرتمذي‪ :‬كتاب الزهد عن َر ُ�سولِ اهلل باب يف التوكل على اهلل‪.‬‬

‫ ‬

‫‪� 32‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫دراسات الوسطية‬

‫دور املر�أة امل�سلمة‬ ‫يف املجالني اخلريي والفكري‬ ‫د‪ .‬حممد احلجوي ‪� -‬أكادميي مغربي‬

‫�إن دور امل��ر�أة امل�سلمة يف املجالني اخل�يري والفكري‬ ‫يتم ّثل يف الإ��س�ه��ام يف الأع �م��ال االجتماعية واخل�يري��ة‬ ‫والفكرية‪ ،‬ويف كل وجوه الرب والإح�سان‪ ،‬وهو مظهر من‬ ‫املظاهر التي قامت عليها املجتمعات الإ�سالمية منذ‬ ‫القدم‪� ،‬أعمال ا�شرتك فيها الرجال والن�ساء معا بدون‬ ‫تفاوت‪ ،‬لأن املر�أة منذ �أن ح ّررها الإ�سالم من قيود اجلهل‬ ‫والتبعية والتخلف ال��ذي عانت منه يف الع�صر اجلاهلي‬ ‫‪ ،‬و�أعطاها حريتها‪ ،‬وح��دد لها حقوقها وواجباتها قد‬ ‫�أ�صبحت مطالبة يف الأحكام ال�شرعية والواجبات الدينية‬ ‫مثل الرجل‪ ،‬فهي تت�صرف يف �أموالها بحرية‪ ،‬وتختار وجوه‬ ‫الرب الذي ت�ضع فيه مالها دون ت�ضييق من الرجل‪ ،‬كما‬ ‫تختار الوجوه التي يزدهر فيها الفكر والثقافة وعمل اخلري‬ ‫والإح�سان الذي ُيكتب لها يف �سجل �أعمالها لتنال به الذكر‬ ‫الطيب يف احلياة الدنيا ور�ضا اهلل يف احلياة الأخرى مثل‬ ‫الرجل ‪.‬‬ ‫�إن احل��ري��ة يف ��ص��رف امل ��ر�أة ملالها يف ال��وج��وه التي‬ ‫تختارها وحتمل امل�س�ؤولية الكاملة يف �أعمالها واختاراتها‬ ‫يعطيها الأهلية يف �أن تكون ع�ضوا فعاال يف املجتمع‪ ،‬ويف كل‬ ‫املجاالت االجتماعية والفكرية التي �أباحها لها الإ�سالم‪،‬‬ ‫ومنها وجوه الرب والإح�سان والإ�سهام يف تنمية املجتمع‪،‬‬ ‫بالقدر الذي ميكنها من ذلك ‪ .‬وقد قامت املر�أة امل�سلمة‬ ‫منذ ب��دء ال��دع��وة الإ�سالمية ب��دوره��ا ال��ري��ادي يف جميع‬ ‫املجاالت التي يكلف بها الرجل‪ ،‬ب��دءا من ن�شر العقيدة‬ ‫ال�سمحة من تعاليم الكتاب وال�سنة �إلى التدري�س والت�أليف‬ ‫يف العلوم الدينية والأدبية والعلمية‪ ،‬والقيام بالأن�شطة‬ ‫الثقافية واالجتماعية والعمرانية‪ ،‬وامل�شاركة يف القرارات‬ ‫ال�سيا�سية وتدبري �ش�ؤون الدولة‪ ،‬واجلهاد يف �سبيل اهلل‪،‬‬

‫وتقدمي العون للمجاهدين و�أبناء ال�سبيل‪ ،‬وممارا�سات‬ ‫الأعمال يف التجارة والتدبري وال�ش�أن االقت�صادي ‪ .‬وكانت‬ ‫جهود املر�أة امل�سلمة بارزة يف كل بالد الإ�سالم يف امل�شرق‬ ‫والغرب الإ�سالمي‪ ،‬ويف كل �أر�ض انت�شر فيها الإ�سالم‪� ،‬إذ‬ ‫مل تتخلف عن القيام بواجبها الديني والعلمي واالجتماعي‬ ‫والفكري والثقايف واجلهادي يف �أي مرحلة من مراحل‬ ‫ال�ت��اري��خ الإ��س�لام��ي‪ ،‬با�ستثناء مرحلة اال�ستعمار التي‬ ‫عمل فيها على ن�شر اجلهل والتخلف‪ ،‬ومل يقت�صر ذلك‬ ‫على امل��ر�أة وحدها‪ ،‬بل �شمل الرجل �أي�ضا‪ ،‬لأن املخطط‬ ‫اال�ستعماري كان يهدف �إلى الق�ضاء على الإ�سالم دينا‬ ‫وفكرا وثقافة وح�ضارة‪ ،‬وطم�س معامل الإ�سالم عقيدة‬ ‫وتاريخا وفكرا‪ ،‬ونهب خ�يرات بالد الإ�سالم‪ ،‬وا�ستعباد‬ ‫امل�سلمني بكل الو�سائل والطرق‪ ،‬لي�صبحوا خدما للغرب‬ ‫على املدى البعيد‪ ،‬فلذلك كان اال�ستعمار‪ ،‬وما زالت �أفكاره‬ ‫حتى يف ع�صرنا احلا�ضر ت�سري يف ه��ذا االجت��اه‪ ،‬لكيال‬ ‫ي�ستطيع العامل الإ�سالمي حتقيق نه�ضة �صناعية وتقنية‬ ‫جتعله يتخل�ص من التبعية له ‪� ..‬إنه خمطط بغي�ض يحر�ص‬ ‫على تطبيقه بجميع ال�سبل‪ ،‬ويجند له من كل دولة �أتباعا‬ ‫ي�ؤمنون بفكره‪ ،‬ويعملون على ن�شره‪.‬‬ ‫و�إذا كانت هذه املرحلة التاريخية تعد من �أ�شد املراحل‬ ‫�سوداوية يف تاريخ الأم��ة الإ�سالمية‪ ،‬لأنها عملت على‬ ‫ت�أخري الأمة الإ�سالمية‪ ،‬والرجوع بها �إلى قرون التخلف‪،‬‬ ‫ف�إن مرحلة ازدهار النه�ضة الإ�سالمية التي بد�أت بعدما‬ ‫تخل�صت فيها املجتمعات الإ�سالمية من اال�ستعمار م�شاركة‬ ‫يف هذه ال�صحوة والنه�ضة الإ�سالمية التي تب�شر باخلري‬ ‫لهذه الأمة‪ ،‬فقد فتح لها املجال على م�صراعيه‪ ،‬لكي تتعلم‬ ‫وت�شارك يف كل ميدان ميكن �أن ي�سهم يف تنمية املجتمع‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪33‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫وتقدمه يف جانب العمران والبناء والتخطيط‪ ،‬ويف ن�شر‬ ‫الفكر والعلوم الدينية والأدبية والعقلية بالتدري�س والت�أليف‬ ‫واملناظرات والبحث العلمي يف اجلامعات ومراكز البحوث‪،‬‬ ‫ويف امل�شاركة يف املجاالت التي كان الرجل مهيمنا عليها‪ ،‬وال‬ ‫�سيما امليدان ال�صناعي والتقني والتجاري‪.‬‬ ‫ونذكر بع�ض ه�ؤالء الن�ساء اللواتي برزن يف هذه امليادين‬ ‫الثقافية واخلريية‪ ،‬و�أ�صبحن رموزا للف�ضيلة وعمل اخلري‬ ‫يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬ومنهن ‪:‬‬ ‫• البهاء بنت الأمري عبدالرحمن بن احلكم بن ه�شام‬ ‫بن عبدالرحمن بن معاوية‪ ،‬توفيت �سنة ‪305‬هـ ‪ .‬كانت هذه‬ ‫املر�أة الفا�ضلة عاملة زاهدة عابدة‪ ،‬و�شديدة الرغبة يف فعل‬ ‫اخلري باملال والفعل احل�سن يف املجتمع‪ ،‬وق�ضت فرتة من‬ ‫حياتها يف خدمة كتاب اهلل بن�سخه بخط جيد وبارع‪ ،‬مراعية‬ ‫يف ذلك خط ر�سم حروف القر�آن الكرمي ‪ .‬قال ابن عبدامللك‬ ‫املراك�شي ‪ " :‬وكانت تكتب امل�صاحف وحتب�سها" (‪.)1‬‬ ‫• فاطمة بنت حممد الفهري القريواين املتوفاة �سنة‬ ‫‪245‬هـ هذه املر�أة الفا�ضلة املحبة للخري والعلم‪ ،‬هي التي‬ ‫�ش ّيدت " جامع القرويني" ال�شهري مبدينة فا�س‪ ،‬وقد �أ�صبح‬ ‫ه��ذا اجل��ام��ع م��ن �أك�بر اجل��ام�ع��ات الإ�سالمية يف ع�صر‬ ‫ازدهار احل�ضارة الإ�سالمية يف الغرب الإ�سالمي‪ ،‬وتخرج‬ ‫فيه علماء وفقهاء ورج��ال دول��ة كان لهم الأث��ر الكبري يف‬ ‫ن�شر الثقافة والفكر‪ ،‬واحلفاظ على املذهب املالكي‪ ،‬ون�شر‬ ‫الإ�سالم يف جنوب ال�صحراء‪ ،‬حيث كان املغرب البوابة التي‬ ‫انطلق منها الإ�شعاع الديني والعلمي �إلى �أعماق �إفريقيا‪،‬‬ ‫عن طريق ه�ؤالء العلماء‪ ،‬وعن طريق التجار (‪ )2‬وما زال‬ ‫هذا اجلامع �إلى ع�صرنا احلا�ضر يقوم بدوره العلمي‪.‬‬ ‫• ال�سيدة جليلة طو�سون ‪� :‬أوقفت هذه امل��ر�أة يف‬ ‫م�صر عائد ‪ 138‬فدانا لي�صرف على تربية وتعليم الفتيات‬ ‫‪� 34‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ن�صت يف وقفيتها على تكوينهن يف العلوم‬ ‫اليتيمات‪ ،‬وقد ّ‬ ‫الدينية وال�شرعية‪ ،‬وتعليمهن مبادئ احل�ساب والقراءة‪،‬‬ ‫وفنون الطبخ واخلياطة‪ ،‬وكل ما ينا�سب الفتيات(‪.)3‬‬ ‫هذا املوقف الذي �سلكته هذه املر�أة الفا�ضلة يدل على‬ ‫ما بلغته امل��ر�أة امل�سلمة من ُن�ضج ٍ فكري‪ ،‬ووع��ي مبرحلة‬ ‫التخ ّلف واجلهل التي يجتازها العامل الإ�سالمي‪ ،‬فجعلها‬ ‫تفكر يف التعليم والرتبية‪ ،‬باعتبارهما البوابتني لكل تقدم‬ ‫وازدهار للأمم‪ ،‬وال غرابة يف ذلك‪ ،‬فاحل�ضارة الإ�سالمية‬ ‫ت�أ�س�ست منذ بدايتها على العلم الذي �أبدع فيه امل�سلمون‬ ‫يف اجلانب النظري والتطبيقي‪ ،‬وتركوا م�ؤلفات غزيرة‬ ‫يف العلوم الدينية والأدبية والعقلية وبخا�صة الريا�ضيات‬ ‫والهند�سة والطب وعلم التنجيم والفالحة‪ ،‬ومن هذه العلوم‬ ‫�أ�س�س الغرب ح�ضارته التي ينعم بها يف ع�صرنا احلا�ضر‬ ‫‪ .‬وكذلك نهجت هذا النهج الأمرية فاطمة ابنة اخلديوي‬ ‫�إ�سماعيل‪� ،‬أذ خ�ص�صت ماال كثريا يف وقفيتها لدعم التعليم‬ ‫املدين والتعليم الع�سكري(‪ . )4‬حيث �شعرت ب�أن الوجهني‬ ‫يف التعليم مكمالن للنه�ضة الإ�سالمية ال�شاملة التي كان‬ ‫يرتقيها العامل الإ�سالمي‪ ،‬ال �سيما يف تلك املرحلة التي‬ ‫كان يتهي�أ فيها للدخول يف احلداثة فكريا وع�سكريا وتقنيا‬ ‫و�صناعيا‪.‬‬ ‫ويبلغ ه��ذا الن�ضج الفكري �أ�سماه يف عمل الأم�يرة‬ ‫فاطمة هامن �أفندي �إ�سماعيل التي �أوقفت جواهرها الثمينة‬ ‫من �أجل ت�شييد مباين اجلامعة الأهلية مب�صر يف مرحلة‬ ‫كان فيها التعليم اجلامعي يف العامل الإ�سالمي حم�صورا‬ ‫على فئة قليلة جدا (‪.)5‬‬ ‫ومعروف �أن هذه اجلامعة كان لها دورا بارزا يف خلق‬ ‫النه�ضة الفكرية والعلمية مب�صر مبناهج حديثة مثل‬ ‫اجلامعات الغربية يف املرحلة التي بد�أت فيها م�صر تتطلع‬


‫دراسات الوسطية‬ ‫�إلى التعليم اجلامعي احلديث‪ ،‬وقد خ ّرجت جمموعة كبرية‬ ‫من الباحثني والأدباء هم الذين �أ�سهموا يف تطوير البحث‬ ‫العلمي يف اجلامعات امل�صرية والعربية ‪.‬‬ ‫وم��ن الن�ساء م��ن �أوق �ف��ن �أم��وال �ه��ن ل�ت��زوي��ج الفتيات‬ ‫الفقريات واليتيمات‪ ،‬وتقدمي العون لهن ليتعلمن مهنة‬ ‫حتفظ كرامتهن‪ ،‬وكل هذا كان ي�سهم يف ا�ستقرار املجتمع‪،‬‬ ‫ون�شر الف�ضيلة واخل�ير فيه‪� ،‬إذ �صيانة الفتيات ال �سيما‬ ‫اللواتي لي�س لهن من يعولهن ويحميهن من خمالب الفقر‬ ‫وق�سوة الزمان يعد من �أ�سمى الف�ضائل الدينية والإن�سانية‬ ‫والأخالقية‪ ،‬فاملر�أة ال�صاحلة املتعلمة ركن �أ�سا�سي يف تقدم‬ ‫املجتمعات وا�ستقرارها‪ ،‬فهي املربية واملعلمة للأجيال‪.‬‬ ‫كذلك جند من ه�ؤالء الن�ساء الفا�ضالت من ا�شرتطن‬ ‫يف وقفيتهن �إر�سال الطلبة �إل��ى اخل��ارج لإكمال تعليمهم‬ ‫العايل يف العلوم احلديثة التي تقدمت فيها �أوربا يف القرن‬ ‫التا�سع ع�شر‪ ،‬وكان العامل الإ�سالمي �آنذاك يف حاجة �إليها‬ ‫لي�ستكمل نه�ضته العلمية والتقنية‪ ،‬ال �سيما علوم الطب‬ ‫والهند�سة املدنية والع�سكرية‪ ،‬وعلوم التجارة واالقت�صاد‪.‬‬ ‫هذه الوجوه من العمل يف جمال اخلري والإح�سان‪ ،‬ويف‬ ‫جماالت ثقافية وتربوية تبني �أن املر�أة امل�سلمة كانت واعية‬ ‫بدور الوقف يف النهو�ض باملجتمع الإ�سالمي من الناحية‬ ‫الثقافية والفكرية والعمرانية واالجتماعية‪ ،‬ويف حفظه‬ ‫من اال�ضطرابات والفنت التي تن�ش�أ ج��راء انت�شار الفقر‬ ‫والتخلف واجلهل كما كان وعيهن عميقا مبا ميكن �أن تقوم‬ ‫به الفتاة املتعلمة يف املجتمع مب�شاركتها الفعالة يف النه�ضة‬ ‫املرتقبة‪ ،‬ولذلك وجدنا من ي�شرتطن يف وقفيتهن تعليم‬ ‫الفتاة فقط �شعورا منهن ب�أثر التعليم يف توجيه الفتيات‬ ‫للإ�سهام يف النه�ضة احلديثة‪.‬‬ ‫واملجتمعات املتقدمة مل حتقق نه�ضتها ال�شاملة يف جميع‬ ‫امليادين �إال ب�إ�شراك املر�أة وجعلها عن�صرا فعاال يف املجتمع‪،‬‬ ‫هذا بالإ�ضافة �إلى �أن تعليم املر�أة ي�ساعدها يف تربية الن�شء‬ ‫تربية �سليمة‪ ،‬والأ�سرة تعد النواة الأولى للمجتمع‪ ،‬فمنها‬ ‫يبد�أ الإ�صالح والتوجيه والتكوين‪ ،‬ف�إذا �صلحت املر�أة �صلح‬ ‫املجتمع‪ ،‬والعك�س �صحيح‪.‬‬

‫�إن التعليم الهادف‪ ،‬والرتبية املنتظمة‪ ،‬وجعل التعاليم‬ ‫الدينية �أ�سا�سا يف التعليم والرتبية‪ ،‬ي�صون �أخالق املر�أة‪،‬‬ ‫ويحفظها من ال�ضياع والت�شرد يف احلاالت التي ال جتد فيها‬ ‫معينا من الأ�سرة وال��زوج واملجتمع ‪� .‬إن تعلمها الهادف‬ ‫واملوجه‪ ،‬وتربيتها الدينية وا ُ‬ ‫خللقية‪ ،‬يدفعها �إلى �سلوك‬ ‫طريق الف�ضائل واملُثل العليا بالبحث عن العمل الذي ي�صون‬ ‫كرامتها‪ ،‬وال يجعلها مبتذلة و�سلعة رخي�صة يف املجتمع تباع‬ ‫مثل الب�ضائع‪ ،‬وتُهان عند �أ�صحاب النفو�س الدنيئة ‪ .‬وهذه‬ ‫الأعمال لي�ست غريبة على املجتمع الإ�سالمي الذي حرر‬ ‫املر�أة من قيود اجلهل والتخلف‪ ،‬وو�ضعها يف مرتبة رفيعة‪،‬‬ ‫فقد كانت يف ع�صور ازدهار احل�ضارة الإ�سالمية حا�ضرة‬ ‫يف حلقات العلم والتدري�س والت�أليف واملناظرات العلمية‬ ‫‪ ،‬وم�شاركة يف امل�شروعات االجتماعية والعمرانية‪ ،‬ومربية‬ ‫يف بيتها ويف ق�صور اخللفاء والأم��راء‪ ،‬وطبيبة ومعاجلة‬ ‫يف زمن ال�سلم واحل��رب‪ ،‬وجماهدة يف �سبيل اهلل‪ ،‬حينما‬ ‫تتعر�ض دي��ار الإ� �س�لام لالعتداء ؛ والكثري م��ن الرجال‬ ‫العظام يف تاريخ الإ�سالم ن�ش�أوا يف ح�ضن امر�أة علمتهم‬ ‫وحر�صت على تكوينهم‪ ،‬بعدما فقدوا �آباءهم وهم �صغار‪،‬‬ ‫والفقيه العامل الإمام ال�شافعي خري دليل على ما قامت به‬ ‫امل��ر�أة تربية الأبناء تربية �صاحلة وموجهة للف�ضائل بعد‬ ‫فقد الأب‪ ،‬فقد ن�ش�أ يتيما ورعته �أمه حتى �أ�صبح من �أفذاذ‬ ‫الرجال يف تاريخ الفكر الإ�سالمي‪.‬‬ ‫والعامل الإ�سالمي يف املرحلة الراهنة‪ ،‬ويف �صحوته‬ ‫املباركة‪ ،‬قد �أع��ادة املكانة للمر�أة يف املجتمع على جميع‬ ‫امل�ستويات‪ ،‬فهي تتعلم يف اجلامعات‪ ،‬وتلج التخ�ص�صات‬ ‫الدقيقة‪ ،‬وت�سهم يف التنمية ال�شاملة بالعمل يف جميع‬ ‫امليادين‪ ،‬ولو كانت �شاقة وخمت�صة بالرجال ‪ .‬وال ريب �أن‬ ‫هذه اخلطوات مب�شرة بخري عميم لهذه الأمة التي ينبغي‬ ‫�أن حتفظ املر�أة وت�صون كرامتها وتعطيها املكانة الالئقة‬ ‫بها‪ ،‬وال ن�شك يف �أنها قادرة على �أن يكون لها موقف بارز‬ ‫يف دفع كل اجلهات امل�س�ؤولة يف الدولة �إلى النهج القومي‬ ‫وم�سلك اخل�ير والف�ضيلة‪ ،‬مثلما فعلت امل��ر�أة قدميا يف‬ ‫ال�شرق والغرب الإ�سالمي ‪.‬‬

‫الهوام�ش‬

‫‪ -1‬الذيل والتكملة‪ِ ،‬‬ ‫ال�سفر الثامن‪ ،‬الق�سم الثاين‪� ،‬ص‪.484‬‬ ‫‪ -2‬هذه املر�أة ا�شتهرت �شهرة كبرية يف الغرب الإ�سالمي وال�شرق‪.‬‬ ‫‪ -3‬انظر "�أوقاف الن�ساء ‪ .‬مناذج مل�شاركة املر�أة يف النه�ضة احل�ضارية ‪ .‬درا�سة احلالة امل�صرية يف الن�صف الأول‬ ‫من القرن الع�شرين‪ ،‬ريهام �أحمد خفاجي ‪�".‬أوقاف" عدد ‪� 4‬سنة ‪203‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫‪ -5‬املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪35‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫اجلهود املبذولة يف الدفاع عن الإ�سالم‬ ‫من ِق َب ِل ُّ‬ ‫الدعاة والعلماء امل�سلمني‬ ‫د‪� .‬إ�سماعيل ال�سعيدات‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف‬ ‫خلق اهلل واملر�سلني‪� ،‬سيدنا حممد وعلى �آل��ه و�أ�صحابه‬ ‫�أجمعني‪ ،‬وبعد ‪:‬‬ ‫ففي ظل الظروف التاريخية امل�ؤملة التي تعي�شها الأمة‬ ‫العربية والإ�سالمية يف ه��ذا الع�صر‪ ،‬ي�أتي دور ال ُّدعاة‬ ‫والعلماء امل�سلمني يف خمتلف املحافل الدولية والوطنية‬ ‫يف �إبراز �صورة الإ�سالم احلقيقية امل�شرقة‪ ،‬وتوحيد كلمة‬ ‫امل�سلمني ومواقفهم ؛ ل�صد التحديات املعا�صرة التي تريد‬ ‫تفريق كلمة امل�سلمني‪ ،‬وتهديد هويتهم‪ ،‬وتعمل على ت�شويه‬ ‫الدين الإ�سالمي‪ ،‬والنيل من مقد�ساته‪ ،‬وللرد على حمالت‬ ‫الت�شويه من ِق َبلِ الذين َي ّدعون االنت�ساب للإ�سالم ويقومون‬ ‫ب�أفعال غري م�س�ؤولة با�سمه‪.‬‬ ‫�إن دور ال ُّدعاة يف الدفاع عن الإ�سالم و�إبراز �صورته‬ ‫احلقيقية امل�شرقة يحظى ب�أهمية عظيمة لدى املجتمعات‬ ‫التي تريد ال ُرقي واالزدهار والنهو�ض واال�ستقرار والأمان‪،‬‬ ‫فينبغي للدعاة �أن يكونوا لل�شباب القدوة واملثل يف الدين‪،‬‬ ‫وال�سلوك‪ ،‬واخل�ط��اب الرا�شد امل�ستنري‪ ،‬وعليهم تبنى‬ ‫ق�ضايا ال�شباب وتر�سيخ قيم املواطنة ال�صاحلة‪ ،‬واالنتماء‪،‬‬ ‫وامل�شاركة املجتمعية‪ ،‬وحب اخلري للنا�س جميع ًا‪ ،‬والتعاون‪،‬‬ ‫واالحت ��اد‪ ،‬وه��ذه هي م�س�ؤولية جميع م�ؤ�س�سات الدولة‬ ‫الر�سمية وغري الر�سمية‪.‬‬ ‫و ُيع ُّد دور الدعاة يف الدفاع عن الإ�سالم و�إبراز �صورته‬ ‫احلقيقية امل�شرقة يف نفو�س النا�س دور عظيم‪َ ،‬ف ُه ْم‬ ‫َو َر َث ُة الأنبياء‪ ،‬وخلفاء الر�سل‪ ،‬ف�صدق اهلل تعالى �إذ يقول‪:‬‬ ‫} َو َم ْن �أَ ْح َ�س ُن َق ْولاً ممِ َّ ْن َد َعا �إِ َلى اللهَّ ِ َو َع ِم َل َ�صالحِ ً ا َوقَالَ‬ ‫�إِ َّن ِني ِم َن المُْ ْ�س ِل ِم َني{ (ف�صلت‪،‬الآية ‪ ،)33‬ووظيفة الدعاة‬ ‫‪� 36‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ه��ي ال��دع��وة �إل��ى اهلل ت�ب��ارك وتعالى بالرفق وال�ل�ين يف‬ ‫التوجيه والتعبري‪ ،‬واحلكمة واملوعظة احل�سنة يف القول‬ ‫والعمل‪ ،‬كما قال تعالى‪ } :‬ا ْد ُع ِ�إ َلى َ�سبِيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة‬ ‫َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�س ُن { ( النحل‪،‬‬ ‫من الآية ‪ ،)125‬وقوله تعالى ‪َ } :‬و َل ْو ُكن َْت ف ًَّظا غَ ِل َ‬ ‫يظ ا ْل َق ْلبِ‬ ‫ال ْن َف�ضُّ وا ِم ْن َح ْو ِل َك{ (‪� ‬آل عمران‪ ،‬من الآية ‪ ,)159‬وقال‬ ‫النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪«: -‬ب�شروا وال تنفروا‪ ،‬وي�سروا‬ ‫وال تع�سروا»(‪،)1‬فعلي الدعاة �أن يت�س ّلحوا بال ِعلم النافع‬ ‫امل�ستنبط من الكتاب وال�سنة وفهم مقا�صدهما ؛ ليكونوا‬ ‫يف دعوتهم على هدى وب�صرية‪ ،‬كما قال تعالى‪ُ } :‬ق ْل َه ِذ ِه‬ ‫َ�سبِي ِلي �أَ ْد ُعوا �إِ َلى اللهَّ ِ َع َلى َب ِ�ص َري ٍة �أَنَا َو َمنِ ا َّت َب َع ِني َو ُ�س ْب َح َان‬ ‫اللهَّ ِ َو َما �أَنَا ِم َن المُْ�شْ رِ ِك َني{ ‪ ( ‬يو�سف‪�,‬آية ‪ ،)108‬وقد �أُمرت‬ ‫الأمة الإ�سالمية مبا �أُمر به ر�سولها ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫ بالدعوة �إلى اهلل تعالى‪ ،‬قال تعالى ‪َ } :‬و ْل َت ُكن ِّمن ُك ْم �أُ َّم ٌة‬‫ون ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫وف َو َي ْن َه ْو َن َعنِ المُْن َكرِ‬ ‫ون ِ�إ َلى الخْ َ يرْ ِ َو َي�أْ ُم ُر َ‬ ‫َي ْد ُع َ‬ ‫ون { (�آل عمران‪،‬الآية ‪ ،)104‬وعليهم‬ ‫َو�أُ ْو َلـ ِئ َك ُه ُم المُْ ْف ِل ُح َ‬ ‫�أن يبد�ؤوا يف جمال الدعوة باملهم فالأهم‪ ،‬بال�شباب عماد‬ ‫الأمة وم�ستقبلها‪ ،‬فيبدوا بدعوتهم �إلى التوحيد �أو ًال‪ ،‬ثم‬ ‫ما يحتاجونه من �أم��ور العبادات واملعامالت والآداب‪،‬‬ ‫فيعلموهم �صفة الو�ضوء والغ�سل والتيمم وال�صالة‪ ،‬و�أحكام‬ ‫الزكاة وال�صوم‪ ،‬ويبينوا لهم بع�ض املعامالت املحرمة‬ ‫كالربا‪ ،‬واالحتيال‪ ،‬والغ�ش يف البيع‪ ،‬وير�شدوهم �إلى بر‬ ‫الوالدين و�صلة الأرح��ام‪ ،‬والإح�سان �إل��ى اجل��ار‪ ،‬و�آداب‬ ‫ال�سالم‪ ،‬والأكل وال�شرب والنوم‪ ،‬والوالء واالنتماء للوطن‪،‬‬ ‫واملواطنة ال�صادقة‪ ،‬وال ُهو ّية القومية‪ ،‬وما يحتاجونه من‬ ‫(‪� )1‬صحيح م�سلم‪ ,‬كتاب اجلهاد وال�سري‪ ,‬باب يف الأم��ر بالتي�سري وترك‬ ‫التنفري‪,‬حديث رقم ‪ ,1732‬ج‪�/3‬ص‪.1358‬‬


‫دراسات الوسطية‬ ‫�أذكار يف بع�ض املنا�سبات‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫رغبوهم يف اخلري‪ ،‬و ُيذكروهم‬ ‫بالأجر العظيم والثواب اجلزيل‪ ،‬والثمار الطيبة يف الدنيا‬ ‫والآخرة‪ ،‬و ُيحذروهم من ال�شر‪ ،‬ويذكروا لهم �سوء عاقبته‬ ‫على الفرد واملجتمع‪ ،‬و ُيو�صوهم باال�ستقامة‪ ،‬ومالزمة‬ ‫التقوى‪ ،‬وال�صرب على طاعة اهلل‪.‬‬ ‫فالأمة الإ�سالمية حتتاج �إلى من يحفظ لها ُهو ّيتها‪،‬‬ ‫ويحمي لها قيمها‪ ،‬ومبادئها ويرعى مقد�ساتها‪ ،‬ويحفظ‬ ‫حرمة �شعائرها‪ ،‬ويهيئ مواطنيها لتحمل م�سئولياتهم‬ ‫والقيام بدورهم كم�سلمني �صاحلني‪ ،‬وم�ؤمنني موحدين‪،‬‬ ‫كما حتتاج تلك الأم��ة �إل��ى من يعيد لها ثقتها يف نف�سها‪،‬‬ ‫ويربطها بربها‪ ،‬ويجدد فيها �أم��ر دينها‪ ،‬كل ذلك وغريه‬ ‫يتحقق من خالل قيام العلماء والدعاة بدورهم يف خدمة‬ ‫ال�شباب‪ ،‬والإهتمام بق�ضاياهم الوطنية‪ ،‬مبا عرفوه من‬ ‫علم وفهم واجتهاد يف ق�ضايا الأمة واملجتمع‪ ،‬ومبا ُح ِّملوا‬ ‫من م�س�ؤولية جتاه ذلك‪ ،‬وال �شك �أن دور الدعاة يف الدفاع‬ ‫عن الإ�سالم ُيع ُّد من اجلهود احلديثة التي تعمل على ن�شر‬ ‫الإ�سالم و�إبرازه للنا�س ب�صورته امل�شرقة ال�سمحة القائمة‬ ‫على الت�سامح واالعتدال والو�سطية من املو�ضوعات املهمة‬ ‫التي يجب �أن نوليها عناية كبرية‪ ،‬ال �سيما يف هذا الوقت‬ ‫الع�صيب الذي تزايدت فيه �أنواع العنف والتطرف والغلو‬ ‫واال�ضطرابات وال�ث��ورات وال�ن��زاع��ات‪ ،‬وت�ع��ددت‪ ،‬و�سببها‬ ‫هو البعد عن تعاليم ال�شريعة الإ�سالمية ‪،‬وكما نعلم ف�إن‬ ‫الإ�سالم حرم العنف والغلظة وال�شدة يف التوجيه والتعبري‬ ‫‪ ،‬و�أم��ر بالوالء واالنتماء هلل‪ ،‬وللدين‪ ،‬وللوطن‪ ،‬وللقيادة‬ ‫املطيعة هلل‪ ،‬والكل متفق �أن هناك حاجة ما�سة يف هذه‬ ‫الأيام �إلى العمل املثمر الذي يدفع عجلة التقدم والإنتاج‬ ‫يف املجتمع‪ ،‬وميكن القول ب�أن الدور هو اجلهود املبذولة من‬ ‫قبل الدعاة والعلماء امل�سلمني يف الدفاع عن الإ�سالم ك�أحد‬ ‫النماذج احلية للجهود احلديثة يف �إب��راز �صورة الإ�سالم‬ ‫احلقيقة ون�شره للنا�س جميع ًا‪ ،‬و�أما الدعاة فهم العلماء‪،‬‬ ‫وال�شك �أن الدعاة ويف مقدمتهم خطباء املنابر‪ -‬مبا �آتاهم‬ ‫اهلل تعالى من م�ؤهالت علمية‪ ،‬وقدرات تربوية –هم �أقدر‬ ‫النا�س و�أج��دره��م بحمل هذه الأم��ان��ة‪ ،‬وهم ق��دوة للنا�س‬ ‫وعليهم �أن يبتعدوا عن الت�صرفات غري امل�سئولة التي لها‬ ‫دور يف الإ�ساءة �إلى الإ�سالم و�أهله‪ ،‬بل يجب عليهم �أن يكونوا‬ ‫عون ًا للنا�س يف تطبيق تعاليم الإ�سالم ال�سمحة‪ ،‬وعليهم �أن‬ ‫يقدموا مناذج �صادقة يف �إبراز �صورة الإ�سالم احلقيقية‬ ‫امل�شرقة‪ ،‬كما ق��دم ال�صحابة ال�ك��رام ال�صورة امل�شرقة‬ ‫احلقيقية للإ�سالم‪ ،‬فثبتوا �أمام االبتالءات واملحن التي‬ ‫�أملّت بهم‪ ،‬فقد تركوا كل �شيء من �أجل الدفاع عن الدين‪،‬‬ ‫بل كانوا مثا ًال لبعث الأمل يف نفو�س النا�س لل�صمود والثبات‬ ‫على مبادئ الإ�سالم ال�سمحة‪ ،‬وقد �أر�شد ر�سول اهلل ‪� -‬صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم ‪ -‬الدعاة �إلى �ضرورة االلتزام باحللم يف‬ ‫دع��وة النا�س �إل��ى الإ��س�لام‪(( ،‬فعن عائ�شة ‪ -‬ر�ضي اهلل‬ ‫عنها‪� -‬أنها قالت للنبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ : -‬هل �أتى‬ ‫عليك يوم كان �أ�شد من يوم �أح��د ؟ قال ‪ :‬لقد لقيت من‬ ‫قومك ما لقيت‪ ،‬وكان �أ�شد ما لقيت منهم يوم العقبة‪� ،‬إذ‬ ‫عر�ضت نف�سي على ابن عبد ياليل بن عبد كالل‪ ،‬فلم يجبني‬ ‫�إلى ما �أردت‪ ،‬فانطلقت و�أنا مهموم على وجهي‪ ،‬فلم �أ�ستفق‬

‫�إال و�أنا بقرن الثعالب‪ ،‬فرفعت ر�أ�سي‪ ،‬ف�إذا �أنا ب�سحابة قد‬ ‫�أظلتني‪ ،‬فنظرت ف�إذا فيها جربيل‪ ،‬فناداين فقال‪� :‬إن اهلل‬ ‫قد �سمع قول قومك لك‪ ،‬وما ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث اهلل �إليك‬ ‫ملك اجلبال‪ ،‬لت�أمره مبا �شئت فيهم‪ ،‬فناداين ملك اجلبال‪،‬‬ ‫علي‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا حممد‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك فيما �شئت‪� ،‬إن‬ ‫ف�سلم ّ‬ ‫�شئت �أن �أطبق عليهم الأخ�شبني؟ فقال النبي ‪� -‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ : -‬بل �أرجو �أن ُيخرِ ج اهلل من �أ�صالبهم من يعبد‬ ‫اهلل وحده‪ ،‬ال ي�شرك به �شيئ ًا )) (‪ ،)2‬كما �أر�شد ر�سول اهلل‬ ‫ �صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬الدعاة �إلى االبتعاد عن العنف يف‬‫الدعوة والتوجيه‪ ،‬فعن �أبي هريرة ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬قال‬ ‫‪ :‬بال �أعرابي يف امل�سجد‪ ،‬فقام النا�س �إليه ليقعوا فيه‪ ،‬قال‬ ‫النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ (( : -‬دعوه و�أريقوا على بوله‬ ‫�سج ًال من ماء �أو ذنوب ًا من ماء‪ ،‬ف�إمنا ُبعثتم ُمي�سرين ومل‬ ‫ع�سرين )) (‪.)3‬‬ ‫تُبعثوا ُم ِّ‬ ‫و�أخريا َ ًولي�س �آخر ًا‪ ،‬وحتى يتحقق املنهج الدعوي ال�سليم‬ ‫يف الدفاع عن الإ�سالم ال بد من التخطيط اجليد لذلك‪،‬‬ ‫و�إع��داد برامج توعوية حتقق م�صلحة الأم��ة العامة‪ ،‬وفق‬ ‫�أحكام ال�شريعة‪ ،‬وغاياتها ال�سامية ؛ وحتى ال تكون الدعوة‬ ‫طريق ًا �سالكة للمتطرفني‪ ،‬واملغالني‪،‬واملت�شددين‪،‬البد �أن‬ ‫يكون الدعاة معتدلني يدعون اهلل على ب�صرية‪ ،‬مفاتيح‬ ‫للخري‪ ،‬مغاليق لل�شر‪ ،‬ي�سعون بكل و�سائل الدعوة لإب��راز‬ ‫�صورة الإ�سالم ال�سمحة امل�شرقة احلقيقية دون ت�شويه‪،‬‬ ‫�أو ت�ضليل‪� ،‬إل��ى العامل �أجمع‪ ،‬وبهذا تظهر رحمة الدعاة‬ ‫باملدعوين‪ ،‬وال�صرب على �أذاه��م‪ ،‬والتجاوز عن زالتهم‪،‬‬ ‫يحر�صون على �إرادة اخل�ير للنا�س جميع ًا‪ ،‬فهم رحمة‬ ‫للعاملني ‪ ,‬كما كان ر�سول اهلل من قبل‪.‬‬ ‫وخال�صة القول‪� ،‬إن �آخر ما �أك��دت عليه م�ضامني‬ ‫ر�سالة عمان �ضرورة الإهتمام بالدعاة والعلماء امل�سلمني‬ ‫و�إعطائهم ال��دور املهم يف خدمة الإ�سالم والدفاع عنه‪،‬‬ ‫وهذا الدور املهم املتمثل يف الدفاع عن الإ�سالم والرد على‬ ‫ال�شبهات التي تثار حول �سماحته و�إن�سانيته‪ ،‬يتطلب تفعيل‬ ‫ر�سالة امل�سجد يف مواجهة الغلو‪ ،‬والت�شدد‪ ،‬والتطرف‪،‬‬ ‫والتكفري‪ ،‬والتن�سيق بني اجلهود املبذولة من قبل وزارة‬ ‫الأوق��اف يف التوا�صل مع الدعاة والعلماء يف الت�أكيد على‬ ‫�ضرورة �أن تكون املنابر و�سيلة للمحافظة على الدين الذي‬ ‫يعترب من �أهم ال�ضرورات اخلم�س‪ ،‬والدفاع عنه‪ ،‬و�إبراز‬ ‫�صورته احلقيقية امل�شرقة للعامل �أجمع‪ ،‬وه��ذه امل�س�ؤولية‬ ‫املنوطة بالعلماء ‪،‬والدعاة‪ ،‬تتطلب من الوزارة و�ضع خطط‬ ‫حمكمة الختيار العلماء‪ ،‬والدعاة �أ�صحاب الكفاءات العليا‪،‬‬ ‫واملخت�صني يف جم��ال ال��درا��س��ات الإ�سالمية؛ للت�صدي‬ ‫للوعظ‪ ،‬والإر�شاد‪ ،‬والدعوة‪ ،‬وتفعيل دور الدعاة‪ ،‬والعلماء‬ ‫للقيام بواجبهم التوعوي‪.‬‬ ‫(‪� ( )2‬صحيح البخاري ‪ ,‬كتاب ب��دء اخللق ‪ ,‬ب��اب �إذا ق��ال �أح��دك��م �آمني‬ ‫واملالئكة يف ال�سماء فوافقت �أحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه‬ ‫‪� ,‬ص ‪ ,318‬حديث رقم ‪)3231‬‬ ‫(‪�( )3‬صحيح البخاري ‪ ,‬كتاب الو�ضوء ‪ ,‬باب �صب املاء على البول يف امل�سجد‬ ‫‪� ,‬ص‪ ,36‬حديث رقم‪.)20‬‬

‫ ‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪37‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫الو�سطية من خالل �أ�ساليب احلوار يف‬ ‫اخلطاب القر�آين‬ ‫الدكتور‪ :‬ثابت �أحمد �أبواحلاج‬ ‫جامعة مااليا ‪/‬كواالملبور‪ -‬ماليزيا‬

‫متهيد‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫حممد و�آله و�أ�صحابه �أجمعني‪ ...‬وبعد‬ ‫وال�سالم على نبينا‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ّ ،‬‬ ‫وال�صالة ّ‬ ‫فاملتدبر لكتاب اهلل عز وجل يجد فيه �أ�ساليب متنوعة‪ ،‬ي�ستخدمها القر�آن الكرمي للو�صول �إلى �إبالغ‬ ‫املدعوين‪ ،‬والعمل على �إقناعهم بالفكرة املراد الو�صول �إليها‪ ،‬فتنوع احلوار يف القر�آن الكرمي طبق ًا حلال‬ ‫ال�صديق والعد ّو‪،‬ممث ًال‬ ‫إلزام والغل ٍو يف الدعوة‪ ،‬فخاطب امل�سلم وغري امل�سلم‪ ،‬وخاطب ّ‬ ‫املدع ّوين من غري � ٍ‬ ‫بذلك �أعلى درجات الو�سطية‪ ،‬واملتتبع كذلك ل�سرية النبي ‪ ‬الدعوية‪ ،‬يجد �أن احلوار احتدم يف القر�آن‬ ‫الكرمي من �أول مبعثه �إلى نهاية املرحلة املكية‪ ،‬ثم كانت حماججة �أهل الكتاب } اليهود والن�صارى { يف‬ ‫املرحلة املدنية‪ ،‬و�سجل القر�آن الكرمي مفرتياتهم كلها مل يكتمها‪ ،‬وخاطبهم القر�آن الكرمي بكل الطرق؛‬ ‫لإبعاد زيفهم وهداية عقولهم‪ ،‬وكان ذلك ب�أ�سلوب ِه املعجز ونظم ِه البديع‪،‬والتنوع املوجود يف �أ�ساليب‬ ‫احلوار يجعلها من الأهمية مبكان لدرا�ستها‪ ،‬ومن ّثم تطبيقها على منهج القر�آن الكرمي‪ ،‬املنزل من عند‬ ‫اهلل العزيز احلكيم‪.‬‬ ‫�أهداف البحث‪:‬‬ ‫‪.1‬بيان مفهوم �أ�ساليب احلواريف القر�آن الكرمي‪،‬و�أنواعها‪.‬‬ ‫‪.2‬ب �ي��ان م��دى امل��رون��ة والو�سطية يف اخل �ط��اب ال �ق��ر�آين‬ ‫لأ�صناف املدع ّوين‪.‬‬ ‫‪.3‬بيان اخل�صائ�ص العامة‪ ،‬والقوالب التي جائت فيها‬ ‫�أ�ساليب احلوار يف القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫املبحث الأول‪� :‬أ�ساليب احلوار يف اخلطاب القر�آين‬ ‫مفهوم �أ�ساليب احلوار يف اخلطاب القر�آين ‪:‬‬ ‫طرق املحاورة والنقا�ش و�أ�ساليب البيان التي �سلكها‬ ‫القر�آن الكرمي‪ ،‬لتفعيل العقل‪ ،‬و�إقناع املدع ّوين على اختالف‬ ‫�أ�صنافهم‪ ،‬بالفكرة املراد الو�صول �إليها‪.‬‬ ‫فالدعوة الإ�سالمية فري�ض ُة �شرعية‪ ،‬و�ضرورة وجودية‪،‬‬ ‫ولذلك ز ّود القر�آن الدعاة ب�أ�ساليب‪ ،‬وطرق ًا خمتلفة للحوار‬ ‫‪� 38‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫لتحقيق ه��ذه الفري�ضة‪ ،‬وقطف ثمارها‪ ،‬تقول الدكتورة‬ ‫عائ�شة عبد الرحمن‪ .... " :‬بد�أ القر�آن الكرمي من �أوا�سط‬ ‫العهد املكي‪ ،‬يواجههم بالتحدي واملعاجزة‪ ،‬ح�سم ًا لكل جدلٍ‬ ‫�أو ٍ‬ ‫ريب فيه‪ ،‬وبرهان ًا قاطع ًا على �إعجازه‪ ،‬وحج ًة بالغ ًة على‬ ‫من زعموا �أن حممد‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬تق ّوله وافرتاه‪،‬‬ ‫�أو �أكتبه من �أ�ساطري الأولني"(‪.)1‬‬ ‫وم��ن الأ�ساليب التي اب��دع ال�ق��ر�آن الكرمي يف حم��اورة‬ ‫خا�ص ًة‪:‬‬ ‫املدعوين عام ًة وخ�صومه ّ‬ ‫�أو ًال‪ :‬القيا�س‬ ‫وهو" �إبانة حكم املذكور مبثل علته يف الآخر"(‪� ،)2‬أورد‬ ‫ال�شيء �إلى نظريه‪.‬‬ ‫ومثاله‪� :‬أن اهلل �سبحانه �أخ�برن��ا باملعاد اجل�سماين‬ ‫ب�ضروب‪:‬‬


‫دراسات الوسطية‬ ‫بقيا�س �إع ��ادة اخللق على �إخ ��راج ال�ن��ار م��ن ال�شجر‬ ‫الأخ�ضر‪ ،‬وقد روى احلاكم وغ�يره �أن �أب��ي بن خلف جاء‬ ‫ورم‪ ،‬ف�أنزل‬ ‫بعظم ففته‪ ،‬فقال‪� :‬أيحيي اهلل هذا بعدما بلي َّ‬ ‫اهلل‪ُ } :‬ق ْل ُي ْحيِي َها ا َّل� ِ�ذي �أَنْ�شَ َ�أ َها �أَ َّولَ َم� َّر ٍة َو ُه� َو ِب ُك ِّل خَ لقٍْ‬ ‫َع ِلي ٌم{ (ي�س‪ ،)79:‬فدله �سبحانه وتعالى وذكره بقدرته‬ ‫على ذلك برد الن�ش�أة الأخرى �إلى الأولى‪ ،‬واجلمع بينهما‬ ‫بعلة احل��دوث‪ ،‬ثم زاد يف احلجاج بقوله‪ } :‬ا َّل� ِ�ذي َج َع َل‬ ‫ون{‬ ‫َل ُك ْم ِم َن ال�شَّ َجرِ ْ أ‬ ‫الَخْ َ�ضرِ َن��ا ًرا َف ��إِذَ ا �أَ ْنت ُْم ِم ْن ُه تُو ِق ُد َ‬ ‫(ي�س‪ ،)80:‬وهذا يف غاية البيان يف رد ال�شيء �إلى نظريه‬ ‫واجلمع بينهما من حيث تبديل الأعرا�ض عليها‪ ،‬ومثال ُه‬ ‫�أي�ض ًا‪ :‬وقيا�س الإعادة على �إحياء الأر�ض بعد موتها باملطر‬ ‫الَ ْر��َ�ض َب ْع َد َم ْو ِت َها َوكَذَ ِل َك‬ ‫والنبات‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و ُي ْحيِي ْ أ‬ ‫ون { (الروم‪.)19:‬‬ ‫تُخْ َر ُج َ‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الت�سليم‬ ‫وهو �أن يفر�ض املحال‪� ،‬إما منفي ًا �أو م�شروط ًا بحرف‬ ‫االمتناع‪ ،‬لكون املذكور ممتنع الوقوع المتناع وقوع �شرطه‪،‬‬ ‫ثم ي�سلم وقوع ذلك ت�سليم ًا جدلي ًا‪ ،‬ويدل على عدم فائدة‬ ‫ذلك على تقدير وقوعه ومثاله قوله تعالى‪َ } :‬ما اتَّخَ ذَ‬ ‫اللهَُّ ِم ْن َو َل� ٍ�د َو َما َك َان َم َع ُه ِم ْن �إِ َل� ٍه ِ�إ ًذا لَذَ َه َب ُك ُّل ِ�إ َل� ٍ�ه بمِ َ ا‬ ‫ُون{‬ ‫خَ َلقَ َو َل َعلاَ َب ْع�ضُ ُه ْم َع َلى َب ْع ٍ�ض ُ�س ْب َح َان اللهَّ ِ َع َّما َي ِ�صف َ‬ ‫(امل�ؤمنون‪ .)91:‬واملعنى لي�س مع اهلل من �إله‪ ،‬ولو �سلم �أن‬ ‫معه �سبحانه وتعالى �إله ًا‪ ،‬للزم من ذلك الت�سليم ذهاب كلِ‬ ‫� ٍإله من االثنني مبا خلق‪ ،‬ولعال بع�ضهم على بع�ض‪ ،‬فال يتم‬ ‫يف العامل �أمر‪ ،‬وال ينفذ حكم‪ ،‬وال تنتظم �أحواله‪ ،‬والواقع‬ ‫خالف ذلك‪ ،‬ففر�ض �إلهني ف�صاعدا حمال ملا يلزم من ُه‬ ‫املحال‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬االنتقال‪.‬‬ ‫وهو �أن ينتقل امل�ستدل �إلى ا�ستدالل غري الذي كان �آخذ ًا‬ ‫فيه‪ ،‬لكون اخل�صم مل يفهم وجه الداللة من الأول"(‪.)3‬‬ ‫ومثاله ما جاء يف مناظرة �إبراهيم عليه ال�سالم للملك‬ ‫املتجرب ملا ق��ال ل��ه‪َ } :‬ر ِّب � َ�ي ا َّل� ِ�ذي ُي ْحيِي َو مُ ِي �ي� ُ�ت { فقال‬ ‫يت { (البقرة‪ ،)258:‬ثم دعا مبن‬ ‫اجلبار‪� } :‬أَنَا �أُ ْحيِي َو ُ�أ ِم ُ‬ ‫وجب عليه القتل ف�أعتقه‪ ،‬ومن ال يجب عليه فقتله‪ ،‬فعلم‬ ‫اخلليل �أنه مل يفهم معنى الإحياء والإماتة‪� ،‬أو علم ذلك‬ ‫وغالط بهذا الفعل‪ ،‬فانتقل عليه ال�سالم �إلى ا�ستدالل ال‬ ‫يجد }اجلبار{ ل ُه وجه ًا يتخل�ص به منه‪ .‬فقال‪َ } :‬ف�إِ َّن اللهَّ َ‬ ‫َي�أْ ِتي بِال�شَّ ْم ِ�س ِم َن المْ َ�شْ رِ قِ َف�أْ ِت ِب َها ِم َن المْ َغْرِ ِب{ فانقطع‬ ‫}اجل �ب��ار{ وبهت ومل ميكن ُه �أن ي�ق��ول‪� :‬أن��ا �آت��ي بها من‬ ‫امل�شرق‪.‬‬ ‫واعرت�ض الفخر ال��رازي ( ت‪606 :‬ه �ـ) بقوله‪" :‬على‬ ‫�أن هذا انتقال من دليل �إلى دليل‪� .‬أي انتقال من الدليل‬

‫الأو�ضح الأظهر وهو الإحياء والإماتة‪� ،‬إلى الدليل اخلفي‬ ‫الذي ال يكون يف نف�س الأمر قوي ًا كتحريك الأفالك‪ ،‬ولأن‬ ‫ظاهر االنتقال‪� ،‬أن الدليل الأول كان �ضعيف ًا �ساقط ًا فعدل‬ ‫عنه �إلى دليل �أقوى منه‪ ...‬ثم قال‪� ... :‬إن ذلك كان لإي�ضاح‬ ‫الكالم حني مل يفهم النمرود‪ ،‬فل ُه �أن ينتقل من مثال �إلى‬ ‫�آخ��ر‪ ،‬فالدليل واح��د وه��و �إث�ب��ات ق��درة اهلل‪ ،‬ولكنه عليه‬ ‫ال�سالم �أو�ضحه باالنتقال من مثال لآخر"‪)4(.‬‬ ‫واخل�لا��ص��ة‪� :‬أن �إب��راه�ي��م ‪ ‬مل يكن دليله الأول‬ ‫�ضعيف ًا‪ ،‬بل مل يفهم النمرود وجه الداللة فيه واهلل تعالى‬ ‫�أعلم‪.‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬املقابلة‬ ‫وتكون بني �أمرين ليعرف �أيهما امل�ؤثر يف عملٍ معني‪،‬‬ ‫ف�إذا ثبت �أن الت�أثري ٍ‬ ‫لواحد منهما كان ل ُه ف�ضل التقدمي على‬ ‫غريه‪.‬‬ ‫الَ ْر ِ�ض‬ ‫ال�س َما َو ِات َو ْ أ‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى‪ُ } :‬ق ْل َم ْن َر ُّب َّ‬ ‫َ‬ ‫ون ِ أل ْنف ُِ�سهِ ْم‬ ‫ُقلِ اللهَُّ ُق ْل �أَفَاتَّخَ ذْ مُ ْت ِم ْن ُدو ِن ِه �أَ ْو ِل َيا َء لاَ مَ ْي ِل ُك َ‬ ‫الَ ْع َمى َوا ْل َب ِ�ص ُري �أَ ْم َه ْل ت َْ�س َتوِي‬ ‫َن ْف ًعا َولاَ َ�ض ًّرا ُق ْل َه ْل َي ْ�س َتوِي ْ أ‬ ‫ُّ‬ ‫ات َوالنُّو ُر �أَ ْم َج َع ُلوا للِهَّ ِ �شُ َر َكا َء خَ َلقُوا َكخَ ْل ِق ِه َف َت�شَ ا َب َه‬ ‫الظ ُل َم ُ‬ ‫للهَُّ‬ ‫الخْ َ ْلقُ َع َل ْيهِ ْم ُقلِ ا خَ ا ِلقُ ُك ِّل �شَ ْي ٍء َو ُه َو ا ْل َو ِاح ُد ا ْل َق َّها ُر{‬ ‫(الرعد‪ "،)16:‬فاملقابلة هنا؛ كانت بني من ال ميلك لنف�سه‬ ‫نفعا وال �ضرا وبني من هو القهار القادر على كل �شيء‪ ،‬وهو‬ ‫الواحد الأحد الذي ال ي�شبهه �أحد‪ ،‬وكانت املقابلة كذلك‬ ‫بني الأعمى والب�صري‪ ،‬الأعمى من ال يب�صر احلقائق وال‬ ‫يدركها‪ ،‬والب�صري من يعيها ويدركها‪ ،‬وكذلك بني الظلمة‬ ‫على حقيقتها كانت �أو عتمة النف�س‪ ،‬وبني النور على حقيقته‬ ‫�أو النور الذي ي�شرق به القلب"‪)5(.‬‬ ‫فاملقابالت هنا ق�سمت النا�س �إلى فريقني‪ :‬من �آمن باهلل‬ ‫ربا خالقا وهذا هو املب�صر املدرك للحقائق والواعي بعقله‪،‬‬ ‫امل�شرق قلبه امل�ضيء وجهه‪ ،‬ومن اتخذ من دون اهلل �أولياء‬ ‫و�أندادا فه�ؤالء هم العمي التي ال تعي عقولهم وال مداركهم‬ ‫فاعتمت بذلك نفو�سهم ووجوههم‪.‬‬ ‫خام�س ًا‪ ( :‬التمانع ) قيا�س اخللف‬ ‫وهو �إثبات الأمر ببطالن نقي�ضه‪ ،‬وذلك لأن النقي�ضني‬ ‫ال يجتمعان‪ ،‬وال يخلو املحل من �أحدهما ف�إذا وجد �أحدهما‬ ‫منع الآخر‪.‬‬ ‫�ان ِفيهِ َما �آَ ِل � َه � ٌة �إِلاَّ اللهَُّ َلف َ​َ�س َدتَا‬ ‫ق��ال تعالى‪َ } :‬ل � ْو َك� َ‬ ‫ُون{ (الأنبياء‪) 22:‬‬ ‫ف َُ�س ْب َح َان اللهَّ ِ َر ِّب ا ْل َع ْر ِ�ش َع َّما َي ِ�صف َ‬ ‫وتقرير الدليل لو كان يف ال�سماوات والأر�ض �آلهة غري اهلل‬ ‫لتنازعت الإرادتان بني �سلب و�إيجاب‪ ،‬وهذا التنازع ي�ؤدي‬ ‫�إلى ف�سادهما لتخالف الإرادت�ين‪ ،‬فلو �أراد �أحدهما �إحياء‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪39‬‬


‫دراسات الوسطية‬ ‫ج�سم و�أراد الآخر �إماتته‪ ،‬ف�إما �أن تنفذ �أرادتهما فيتناق�ض‬ ‫ال�ستحالة جتز�ؤ الفعل �إن فر�ض االتفاق‪� ،‬أو المتناع اجتماع‬ ‫ال�ضدين �إن فر�ض االختالف‪ ،‬و�إم��ا �أن ال تنفذ �إرادتهما‬ ‫في�ؤدي �إلى عجزهما‪� ،‬أو ال تنفذ �إرادة �أحدهما في�ؤدي �إلى‬ ‫عجزه‪ ،‬والإل��ه ال يكون عاجز ًا‪ ،‬فامتنعت الوثنية المتناع‬ ‫الف�ساد فكانت الوحدانية‪)6(.‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬التعميم ثم التخ�صي�ص‬ ‫وذل��ك بذكر ق�ضية عامة‪ ،‬ت ��ؤدي �إل��ى �إث�ب��ات الدعوى‬ ‫ِ‬ ‫امل�ستدل �إل��ى جزئيات الق�ضية‪،‬‬ ‫ب�إجمالها‪ ،‬ثم يتعر�ض‬ ‫فيربهن على �أن كل جزء منها ي�ؤدي �إثبات الدعوى املطلوب‬ ‫�إثباتها‪� ،‬أو �إنها يف جمموعها ت�ؤدي �إلى �إثبات الدعوى‪)7(.‬‬ ‫ومن ذلك قوله تعايل حكاية على ل�سان مو�سى ‪-‬عليه‬ ‫ال�سالم ‪ -‬حني �أج��اب فرعون‪َ } :‬ق��الَ َر ُّبنَا ا َّل� ِ�ذي �أَ ْع َطى‬ ‫ُك َّل �شَ ْي ٍء خَ ْل َق ُه ُث َّم َه َدى{ (طه‪ ..)50:‬ثم خ�ص�ص فقال‪:‬‬ ‫ال ْر� �َ�ض َم ْه ًدا َو َ�س َل َك َل ُك ْم ِفي َها ُ�سبُلاً‬ ‫}ا َّل� ِ�ذي َج َع َل َل ُك ُم َْ أ‬ ‫ال�س َما ِء َما ًء َف َ�أخْ َر ْجنَا ِب ِه َ�أ ْز َو ًاجا ِم ْن َن َب ٍات �شَ َّتى‬ ‫َو�أَ ْنزَ لَ ِم َن َّ‬ ‫• ُك ُلوا َوا ْر َع� ْوا �أَ ْن َع َام ُك ْم �إِ َّن فيِ ذَ ِل َك َ آلَ َي� ٍ‬ ‫�ات ُِ ألوليِ ال ُّن َهى •‬ ‫ِم ْن َها خَ َل ْقنَا ُك ْم َو ِفي َها ُن ِعي ُد ُك ْم َو ِم ْن َها ُنخْ رِ ُج ُك ْم تَا َر ًة �أُخْ َرى{‬ ‫(ط��ه‪ ،)55-53:‬فذكر مو�سى �أو ًال ق�ضية الربوبية و�أن اهلل‬ ‫هو املتف�ضل باخللق والهداية على خلقه‪ ،‬ثم �أخذ بعد ذلك‬ ‫يذكر جزئيات تعمق معنى الربوبية‪ .‬بذكر نعم اهلل على‬ ‫فرعون و�أهل م�صر‪ .‬فاهلل تعالى ب�سط لهم الأر�ض وهي�أها‬ ‫لي�سكنوها‪ ،‬و�سهل فيها انتقالهم‪ ،‬و�أن��زل من ال�سماء ما ًء‬ ‫ف�أحيا به الأر�ض و�أخرج منها النبات طعام ًا لهم ولأنعامهم‪.‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬العلة واملعلول‬ ‫وذلك ب�أن يكون وجود بع�ض الأ�شياء علة لوجود ٍ‬ ‫�شيء‬ ‫�آخر‪ ،‬ومبقدار قوة االرتباط تكون قوة اال�ستدالل‪.‬‬ ‫ومثاله يف �آي��ات القتال‪،‬ف�إن فيها ال�سبب ال��ذي يربره‬ ‫والدليل الذي يوجبه‪،‬قال تعالى‪َ } :‬و َقا ِت ُلوا فيِ َ�سبِيلِ اللهَّ ِ‬ ‫ين *‬ ‫ين ُيقَا ِت ُلو َن ُك ْم َولاَ َت ْع َت ُدوا �إِ َّن اللهَّ َ لاَ ُي ِح ُّب المُْ ْعت َِد َ‬ ‫ال َِّذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وه ْم ِم ْن َح ْيثُ �أخْ َر ُجو ُك ْم‬ ‫وه ْم َو�أخْ رِ ُج ُ‬ ‫وه ْم َح ْيثُ َث ِق ْف ُت ُم ُ‬ ‫َوا ْق ُت ُل ُ‬ ‫َ‬ ‫وه ْم ِعن َْد المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ َر ِام‬ ‫َوا ْل ِف ْت َن ُة �أ�شَ ُّد ِم َن ا ْل َق ْتلِ َولاَ ُتقَا ِت ُل ُ‬ ‫وه ْم كَذَ ِل َك َجزَ ا ُء‬ ‫َح َّتى ُيقَا ِت ُلو ُك ْم ِفي ِه َف��إِ ْن َقا َت ُلو ُك ْم فَا ْق ُت ُل ُ‬ ‫وه ْم‬ ‫ا ْل َكا ِفرِ َ‬ ‫ين * َف�إِنِ ا ْن َت َه ْوا َف ِ�إ َّن اللهَّ َ غَ فُو ٌر َر ِحي ٌم * َو َقا ِت ُل ُ‬ ‫للِهَّ‬ ‫ين ِ َف�إِنِ ا ْن َت َه ْوا َفلاَ ُع ْد َو َان �إِلاَّ‬ ‫الد ُ‬ ‫ون ِف ْت َن ٌة َو َي ُك َ‬ ‫َح َّتى لاَ َت ُك َ‬ ‫ون ِّ‬ ‫َع َلى َّ‬ ‫الظالمِ ِ َني{ (البقرة‪ ،)193-190:‬فامل�سلمون نهوا عن‬ ‫ابتداء القتال‪� ،‬أو قتال املعاهد‪� ،‬أو املثلة‪� ،‬أو املفاج�أة من غري‬ ‫دع��وة‪� ،‬أو قتال الن�ساء وال�شيوخ والأطفال‪ "،‬وهذا الن�ص‬ ‫الكرمي بيان لل�سبب الذي يربر �أمر اهلل تعالى بالقتال وهو‬ ‫�أمران‪ :‬االعتداء وفتنة امل�ؤمنني يف دينهم‪ ،‬ف�إذا زال الأمران‬ ‫فال يكون ثمة مرب ٌر للقتال‪ ،‬ثم � َّإن هذا االعتداء وتلك الفتنة‬ ‫دليل على وجوب القتال وعلته"(‪.)8‬‬ ‫‪� 40‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ثامن ًا‪ :‬املحاكمة العقلية‬ ‫وفيها يعمد القر�آن الكرمي �إلى عر�ض الكالم اخل�صم‬ ‫ثم يكر عليه بالرد املفحم البليغ‪ ،‬ثم ينتقل �إلى �شبهة �أخرى‬ ‫ليقدمها على ل�سان اخل�صم �أي�ض ًا‪ ،‬لكنه ما يلبث �أن يعود‬ ‫عليها بالنق�ض‪ ،‬وهكذا فال منا�ص من �أن يجد اخل�صم‬ ‫نف�سه حما�صر ًا من كل اجتاه عاجز ًا عن الدفاع‪ ،‬وذلك من‬ ‫غري �شعور منه مب�صادرة حجته‪ .‬ومن �أبرز هذه النماذج‬ ‫ون * َو َل َد اللهَُّ َو ِ�إ َّن ُه ْم‬ ‫قوله تعالى‪�} :‬أَلاَ ِ�إ َّن ُه ْم ِم ْن ِ�إف ِْكهِ ْم َل َيقُو ُل َ‬ ‫ون * �أَ ْ�ص َطفَى ا ْل َبن ِ‬ ‫َات َع َلى ا ْل َب ِن َني * َما َل ُك ْم َك ْي َف‬ ‫َل َك ِاذ ُب َ‬ ‫حَ ْ‬ ‫ني * َف ْ�أ ُتوا‬ ‫ون * �أَفَ�َلااَ َتذَ َّك ُر َ‬ ‫ت ُك ُم َ‬ ‫ون * �أَ ْم َل ُك ْم ُ�س ْل َطا ٌن ُم ِب ٌ‬ ‫ب ِ​ِكتَا ِب ُك ْم �إِ ْن ُك ْنت ُْم َ�صا ِد ِق َني{(‪({)9‬ال�صافات‪،)157-151:‬‬ ‫قال الزخم�شري ( ت‪538 :‬ه �ـ)‪ ..." :‬وما الأ�ساليب التي‬ ‫وردت عليها الآية الكرمية �إال ناطقة بت�سفيه �أحالم قري�ش‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتهكم عجيب‪ ،‬من �أن يخطر‬ ‫وجتهيل نفو�سها‪ ،‬مع‬ ‫ا�ستهزاء ٍ‬ ‫مثل ذلك على ب��الٍ �أو يح ّدث به نف�س ًا‪ ،‬ف�ض ًال �أن يجعل ُه‬ ‫معتقد ًا ويتظاهر به مذهب ًا(‪.)10‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬الفر�ضيات العقلية‬ ‫فالقر�آن الكرمي وهو يقدم حقائق الوحي‪ ،‬يتيح للعقل‬ ‫الإن�ساين اختبارها‪ ،‬كما لو كانت فر�ضيات قابلة لالختبار‬ ‫العقلي‪ ،‬وهنا يو�صي ال�ق��ر�آن العقل بالقيام بطلب احلق‬ ‫بالفكرة ال�صادقة‪ ،‬متفرقني‪ :‬اثنني اثنني‪ ،‬وواحد ًا واحد ًا‪،‬‬ ‫لأن االجتماع عادة ما ي�شو�ش الفكر(‪ ،)11‬قال تعالى‪ُ } :‬ق ْل‬ ‫�إِنمَّ َا �أَ ِع ُظ ُك ْم ِب َو ِاح َد ٍة �أَ ْن َت ُقو ُموا للِهَّ ِ َم ْثنَى َو ُف َرا َدى ُث َّم َت َت َف َّك ُروا‬ ‫َما ب َِ�ص ِاح ِب ُك ْم ِم ْن جِ َّن ٍة �إِ ْن ُه َو �إِلاَّ ن َِذي ٌر َل ُك ْم َبينْ َ َي َد ْي َعذَ ٍاب‬ ‫�شَ ِد ٍيد{(�سب�أ‪ ،)46:‬فالتفكر على هذا النحو يزيل عنهم‬ ‫الغ�شاوة التي جعلتهم ي�صفون الر�سول ‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ -‬باجلنون‪ ،‬وهو �صاحبهم الذي عا�ش بينهم وخربوه‬ ‫وج ّربوه‪.‬‬ ‫عا�شر ًا‪ :‬ق�ص�ص ال�سابقني‬ ‫دعوة القر�آن الكرمي �إلى �إعمال العقل و�أخذ العربة من‬ ‫ق�ص�ص ال�سابقني‪ ،‬ففي الق�ص�ص القر�آين �إمتا ٌع وت�شويق‬ ‫وا�ستح�ضار للم�شهد‪ ،‬ودرو�س يف �سنن اهلل يف بقاء املجتمعات‬ ‫وهالكها‪ ،‬وت�صديق لر�سوله ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،-‬وكل‬ ‫ه��ذا بهدف االت�ع��اظ واال�ستم�ساك بحبل اهلل املتني فهو‬ ‫طريق النجاة‪ :‬قال تعالى‪َ } :‬لق َْد َك َان فيِ َق َ�ص ِ�صهِ ْم ِعبرْ َ ٌة‬ ‫الَ ْل َب ِ‬ ‫اب َما َك َان َح ِدي ًثا ُيفْترَ َى َو َل ِك ْن ت َْ�ص ِديقَ ال َِّذي‬ ‫ِ ألُوليِ ْ أ‬ ‫ُون{‬ ‫َبينْ َ َي َد ْي ِه َو َتف ِْ�ص َيل ُك ِّل �شَ ْي ٍء َو ُه ًدى َو َر ْح َم ًة ِل َق ْو ٍم يُ�ؤ ِْمن َ‬ ‫(يو�سف‪)111:‬‬


‫دراسات الوسطية‬ ‫حاديَ ع�شر‪ :‬اال�ستدالل بالتعريف‬ ‫ب�أن ي�ؤخذ من ماهية مو�ضوع القول دليل رد الدعوى‪ ،‬ومن‬ ‫ذلك �أن ي�ؤخذ من حقيقة الأ�صنام دليل على �أنها ال ت�صلح‬ ‫ون‬ ‫ين ت َْد ُع َ‬ ‫�أن تكون معبود ًا‪ ،‬ومثاله قوله تعالى‪�} :‬إِ َّن ال َِّذ َ‬ ‫ِم ْن ُدونِ اللهَّ ِ َل ْن َيخْ ُلقُوا ُذ َبا ًبا َو َل ِو ْاج َت َم ُعوا َل ُه َو�إِ ْن َي ْ�س ُل ْب ُه ُم‬ ‫اب �شَ ْي ًئا لاَ َي ْ�س َت ْنقِذُ و ُه ِم ْن ُه َ�ض ُع َف َّ‬ ‫وب{‬ ‫الطا ِل ُب َوالمْ َ ْط ُل ُ‬ ‫ال ُّذ َب ُ‬ ‫(احلج‪ْ � ،)73:‬أي � َّأن هذ ِه الأ�صنام التي عبدمتوها من دون‬ ‫اهلل‪ ،‬لن تقدر على خلق ذبابة على �ضعفها و�إن اجتمعت على‬ ‫ذلك فكيف يليق يف العاقل جعلها �آلهة من دون اهلل ؟!‪.‬‬ ‫قال القرطبي (ت‪671 :‬ه�ـ) رحمه اهلل ‪"...‬وخ�ص�ص‬ ‫الذباب لأربعة �أمور‪ :‬ملهانته‪ ،‬و�ضعفه‪ ،‬وال�ستقذاره‪ ،‬وكرثته‪،‬‬ ‫ف�إذا كان هذا الذي هو �أ�ضعف احليوان و�أحقره‪ ،‬ال يقدر‬ ‫من عبدوهم من دون اهلل على خلق مثله ودفع �أذيته‪ ،‬فكيف‬ ‫يجوز �أن يكونوا �آله ًة معبودين و�أرباب ًا مطاعني؟ وهذا من‬ ‫�أو�ضح احلجة و�أقوى الربهان"‪)12(.‬‬ ‫ثا َ‬ ‫ين ع�شر‪ :‬اال�ستدالل ب�آيات الآفاق‪.‬‬ ‫وذل��ك بذكر الآي��ات الكونية الدالة على حقيقة خالق‬ ‫الوجود‪ ،‬وفيها ا�ستنفار للعقل وتوجيهه للهداية ثم القيام‬ ‫بدوره يف حتقيق منهج اهلل‪ ،‬وعمارة الأر�ض كما �أمر اخلالق‬ ‫ال�س َما َو ِات‬ ‫البارئ‪ .‬قال تعالى‪َ } :‬و َل ِئ ْن َ�سَ�أ ْل َت ُه ْم َم ْن خَ َلقَ َّ‬ ‫ون *‬ ‫َو ْ أ‬ ‫الَ ْر َ�ض َو َ�سخَّ َر ال�شَّ ْم َ�س َوا ْل َق َم َر َل َيقُو ُل َّن اللهَُّ َف�أَنَّى يُ�ؤْ َف ُك َ‬ ‫اللهَُّ َي ْب ُ�س ُط ال ِّرزْقَ لمِ َ ْن َي�شَ ا ُء ِم ْن ِع َبا ِد ِه َو َيق ِْد ُر َل ُه �إِ َّن اللهَّ َ ِب ُك ِّل‬ ‫ال�س َما ِء َما ًء َف�أَ ْح َيا ِب ِه‬ ‫�شَ ْي ٍء َع ِلي ٌم * َو َل ِئ ْن َ�س�أَ ْل َت ُه ْم َم ْن َن َّزلَ ِم َن َّ‬ ‫ْأ‬ ‫الَ ْر َ�ض ِم ْن َب ْع ِد َم ْو ِت َها َل َيقُو ُل َّن اللهَُّ ُقلِ الحْ َ ْم ُد للِهَّ ِ َب ْل �أَ ْكثرَُ ُه ْم‬ ‫ون{ (العنكبوت‪.)63-61:‬‬ ‫لاَ َي ْع ِق ُل َ‬ ‫خام�س ع�شر‪ :‬اال�ستدالل ب�آيات الأنف�س‬ ‫َ‬ ‫ويهدف القر�آن الكرمي من وراء ذلك �إلى ا�ستنفار العقل‬ ‫ملعرفة حقيقة الإن�سان وم�صريه‪ ،‬حيث �إن النف�س الإن�سانية‬ ‫رب هائل ير�شد �إلى قدرة اخلالق وهدايته‪)13(.‬‬ ‫خمت ٌ‬ ‫• قال تعالى‪َ } :‬و َم� ْ�ن ُن َع ِّم ْر ُه ُن َن ِّك ْ�س ُه فيِ الخْ َ ْلقِ �أَفَ�َلااَ‬ ‫ون {(ي�س‪.)68:‬‬ ‫َي ْع ِق ُل َ‬ ‫الن َْ�س ُان �أَ ْن يُترْ َ​َك ُ�س ًدى •‬ ‫• وقال تعالى‪�} :‬أَ َي ْح َ�س ُب ْ إِ‬ ‫�أَلمَ ْ َي ُك ُن ْط َف ًة ِم ْن َم ِن ٍّي مُ ْينَى • ُث َّم َك َان َع َل َق ًة فَخَ َلقَ ف َ​َ�س َّوى •‬ ‫الُ ْن َثى • �أَ َل ْي َ�س ذَ ِل َك ِبقَا ِد ٍر َع َلى‬ ‫ف َ​َج َع َل ِم ْن ُه ال َّز ْو َجينْ ِ الذَّ َك َر َو ْ أ‬ ‫�أَ ْن ُي ْحي َِي المْ َ ْوتَى{ (القيامة‪.)40-36:‬‬ ‫َ‬ ‫ثالث ع�شر‪ :‬اال�ستدالل بالأمثال‪.‬‬ ‫باب من �أبواب الت�شبيه‪،‬‬ ‫َ�ض ْرب الأمثال يف القر�آن الكرمي ٌ‬ ‫وهي ت�ضرب لتقريب احلقائق‪ ،‬وتو�ضيح املعاين‪ ،‬وتقريب‬ ‫الغائب غري املح�سو�س‪.‬‬

‫و�أمثلته يف القر�آن الكرمي كثرية ومن ذلك قوله تعالى‪:‬‬ ‫ا�ضرِ ْب َل ُه ْم َمثَلاً َر ُج َلينْ ِ َج َع ْلنَا ِ ألَ َح ِد ِه َما َج َّن َتينْ ِ ِم ْن �أَ ْعن ٍ‬ ‫َاب‬ ‫} َو ْ‬ ‫َاه َما ِب َنخْ لٍ َو َج َع ْلنَا َب ْي َن ُه َما َز ْر ًع��ا{ (الكهف‪،)32:‬‬ ‫َو َح َف ْفن ُ‬ ‫فهذه الق�صة من الأمثلة املو�ضحة التي تثبت كمال �سلطان‬ ‫اهلل‪ ،‬و�أنه وحده القادر‪ ،‬وبطالن غرور الإن�سان‪� ،‬إزاء قدرة‬ ‫اهلل �سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬خ�صائ�ص �أ�ساليب احلوار يف اخلطاب القر�آين‪.‬‬ ‫و�إمتام ًا للفائدة‪ ،‬ال بد من عر�ض ما متيزت به الأ�ساليب‬ ‫احلوار‪ ،‬والتي �أظهرت عناية القر�آن بالعقل من حيث رفع‬ ‫مكانته‪ ،‬وتفعيله‪ ،‬وتوجيهه‪.‬‬ ‫�أو ًال‪� :‬إي��راد القر�آن الكرمي لهذه الأ�ساليب على عادة‬ ‫العرب دون تعقيدات طرق املتكلمني‪ ،‬لقوله تعالى‪َ } :‬و َما‬ ‫�أَ ْر َ�س ْلنَا ِم ْن َر ُ�سولٍ �إِلاَّ ِب ِل َ�سانِ َق ْو ِم ِه{ (�إبراهيم‪،)14()4:‬‬ ‫لذلك ك��ان على طريقة البالغة ال على طريقة املنطق‪،‬‬ ‫يقول الأ�ستاذ م�صطفى �صادق الرافعي‪ " :‬ف�إن الفرق بني‬ ‫الطريقتني‪� :‬أن طريق املنطق‪ :‬ت�أتي على �أو�ضاع و�أقي�سة‬ ‫معروفة‪ ،‬وم �ك��رورة‪ ،‬تلزم املخاطب بالعقل ال بال�شعور‪،‬‬ ‫وبال�سياق ال باملعنى‪ ،‬ولذلك تدخلها املكابرة وتت�سع لها‬ ‫املغالطة‪� ،‬أم��ا طريقة البالغة‪ :‬ف�يراد بها حتقيق املعنى‪،‬‬ ‫وا�سترباء غايته‪ ،‬وتنزع ال�شبهة منه‪ ،‬ف ُي�ستوفى الكالم‬ ‫وتذهب النف�س فيه �أرق��ى مذهب وه��ذا هو الإل��زام الذي‬ ‫توحيه طبيعة املعنى"(‪.)15‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬خطاب النا�س جميع ًا؛ فالقر�آن خاطب النا�س‬ ‫جميعا يف �أجيال خمتلفة وم�شارب خمتلفة‪ :‬فمن النا�س‬ ‫م��ن ي�صدق ب��ال�بره��ان‪ ،‬ومنهم م��ن غلب عليه تع�صب‬ ‫مذهب ديني‪ ،‬ومنهم من هو �أق��رب �إل��ى الفطرة‪ ،‬ومنهم‬ ‫العامل ال��ذي ال يقنع �إال بدقيق العلم‪ ،‬لذلك كان القر�آن‬ ‫احلجة الكربى على النا�س‪ ،‬على اختالف �أ�صنافهم وتباين‬ ‫�أفهامهم‪ ،‬وتفاوت مداركهم‪ ،‬فيجد فيه الكل الغذاء النف�سي‬ ‫واالعتقادي واخللقي والإن�ساين‪)16(.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬احلذف والإيجاز دون الإ�سهاب املخل‪ ،‬ومثاله قوله‬ ‫ي�سى ِعن َْد اللهَّ ِ َك َم َثلِ �آَ َد َم خَ َل َق ُه ِم ْن ُت َر ٍاب‬ ‫تعالى‪� } :‬إِ َّن َم َث َل ِع َ‬ ‫ون { (�آل عمران‪ ،)59:‬و�سياق الدليل‬ ‫ُث َّم قَالَ َل ُه ُك ْن َف َي ُك ُ‬ ‫كما يلي‪� :‬إن �آدم خلق من غري � ٍأب وال �أم‪ ،‬وعي�سى خلق من‬ ‫غري �أب‪ ،‬فلو كان عي�سى �إلها ب�سبب ذلك لكان �آدم �أولى‪،‬‬ ‫لكن �آدم لي�س �أبن ًا وال �إله ًا باعرتافكم‪ ،‬فعي�سى لي�س �أبن ًا‬ ‫وال �إله ًا كذلك وهذه حجة يف الرد على الن�صارى و�إثبات‬ ‫الألوهية هلل وحده‪)17(.‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬ا�ستخدام احلجة والربهان‪ ،‬قال تعالى‪ُ } :‬ق ْل‬ ‫َه ِذ ِه َ�سبِي ِلي �أَ ْد ُعو �إِ َلى اللهَّ ِ َع َلى َب ِ�ص َري ٍة �أَنَا َو َمنِ ا َّت َب َع ِني{‬ ‫(ي ��و�� �س ��ف‪ ،)108:‬وال �ب �� �ص�يرة احل �ج��ة ال��وا� �ض �ح��ة غري‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪41‬‬


‫دراسات الوسطية‬ ‫العمياء(‪ ،)18‬والتي ت�شعر بقوة حاملها وثباته على احلق‬ ‫وظهور ر�أيه‪ ،‬وقد توافرت هذه الب�صرية يف جميع الأ�ساليب‬ ‫العقلية يف اخلطاب القر�آين كما مر �سابق ًا‪.‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�ق��ول ال�ل�ين والأ� �س �ل��وب احلكيمالذي يقنع‬ ‫اخل�صم وي�شد ال�سامع‪ ،‬وي�ستهوي النف�س‪ ،‬ويكون ت�أثريه‬ ‫كال�صدع‪ ،‬امتثا ًال لقوله تعالى‪} :‬ا ْد ُع ِ�إ َل��ى َ�سبِيلِ َر ِّب� َ�ك‬ ‫ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�س ُن ِ�إ َّن‬ ‫ين{‬ ‫َر َّب َك ُه َو �أَ ْع َل ُم بمِ َ ْن َ�ض َّل َع ْن َ�سبِي ِل ِه َو ُه َو �أَ ْع َل ُم ِبالمُْ ْهت َِد َ‬ ‫َا�ص َد ْع بمِ َ ا تُ�ؤ َْم ُر َو َ�أ ْعرِ ْ�ض‬ ‫(النحل‪ ،)125:‬وقال تعالى‪} :‬ف ْ‬ ‫َعنِ المُْ�شْ رِ ِك َني{ (احلجر‪.)94:‬‬ ‫�ساد�س َا‪ :‬اخلطاب العقلي يف ال�ق��ر�آن الكرمي ال يتجه‬ ‫�إل��ى جمرد الإفحام والإل��زام ولي�س اجل��دل العقلي لأجل‬ ‫اجل��دل‪ ،‬بل يتجه يف الكثري الغالب �إل��ى �إر��ش��اد القارئني‬ ‫واملدركني‪ ،‬والأخذ ب�أيديهم �إلى احلق‪ ،‬وتوجيه النظر �إلى‬ ‫احلقائق‪ ،‬ودالئ��ل ال�ق��درة يف ال�ك��ون‪ ،‬ق��ال تعالى‪�} :‬أَ َف� َل� ْ�م‬ ‫َّاها َو َما َل َها‬ ‫َاها َو َز َّين َ‬ ‫ال�س َما ِء َف ْو َق ُه ْم َك ْي َف َب َن ْين َ‬ ‫َين ُْظ ُروا �إِ َلى َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َاها َو�أ ْل َق ْينَا ِفي َها َر َو ِا�س َي َو�أ ْن َب ْتنَا‬ ‫ِم ْن ُف ُر ٍوج• َو ْ أ‬ ‫ال ْر َ�ض َم َد ْدن َ‬ ‫ِفي َها ِم ْن ُك ِّل َز ْو ٍج َبهِ ٍيج • َت ْب ِ�ص َر ًة َو ِذ ْك َرى ِل ُك ِّل َع ْب ٍد ُم ِن ٍ‬ ‫يب{‬ ‫(ق‪ ،)8-6:‬فاخلطاب العقلي يف هذه الآي��ات لي�س لإفهام‬ ‫الوثنيني ومنكري التوحيد بل فيه توجيه النظر �إلى الكون‬ ‫وعجائب ال�صنع ودالئل القدرة يف ال�سماء والأر�ض‪)19(.‬‬ ‫اخلامتة‬ ‫ال�صاحلات‪..،‬وبعد‪:‬‬ ‫احلمد هلل الذي بنعمه تتم ّ‬ ‫تناول الباحث مو�ضوع الو�سطية من خالل �أ�ساليب‬ ‫ين ال�ب��اح��ث‪� :‬أن �أ�ساليب‬ ‫احل ��وار يف ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي‪ ،‬وب� ّ‬ ‫احل��وار ه��ي‪ :‬ف� ّ�ن تفعيل العقل‪،‬و�إقناع املدع ّوين بالفكرة‬ ‫امل��راد الو�صول �إليها‪ ،‬وتناول جمل ًة من �أ�ساليب اخلطاب‬ ‫التي انتهجها القر�آن الكرمي مع املدع ّوين على اختالف‬ ‫م�ستوياتهم وطبائعهم‪ ،‬وال�ت��ي تثبت و�سطية اخلطاب‬ ‫ين الباحث � ّأن اخلطاب القر�آين‬ ‫ال�ق��ر�آين واع�ت��دال��ه‪ ،‬وب� ّ‬ ‫امتاز بالأ�سلوب ال�سهل القريب‪ ،‬و اللينّ ٍ احلكيم‪،‬وا�ستخدام‬ ‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫امل�صادر واملراجع‬

‫ووجه النا�س نحوكتاب الكون ال�ست�شعار‬ ‫احلجة والربهان‪ّ ،‬‬ ‫عظمة اخلالق والإميان به‪ ،‬وحتقيق عمارة الكون‪.‬‬ ‫وتو�صل الباحث �إلى جملة من النتائج‪،‬ميكن �إجمالها‬ ‫فيما يلي‪:‬‬ ‫• ميثل القر�آن الكرمي �أعلى درجات الو�سطية يف �أ�ساليب‬ ‫احلوار التي انتهجها لإي�صال ر�سالته‪،‬و�إقناع املدعوين‬ ‫بالفكرة املراد الو�صول �إليها‪ ،‬فتنوعت �أ�ساليب احلوار‬ ‫�زام‬ ‫التي ا�ستخدمها طبق ًا حلال املدع ّوين من غري �إل� ٍ‬ ‫والغ �ل � ٍو يف ال��دع��وة‪ ،‬ف�خ��اط��ب امل�سلم وغ�ي�ر امل�سلم‪،‬‬ ‫وخاطب ال�صديق والعدو‪ ،‬والكبري ال�صغري‪ ،‬واملتعلم‬ ‫واجلاهل‪ ،‬وراع��ى يف خطاب املدعوين العقل وال�شعور‬ ‫والوجدان‪،‬وامل�ستوى الثقايف والبيئي ‪،‬ومل ينتهج نهج ًا‬ ‫واحد ًا يف خطابه‪.‬‬ ‫فن املحاورة‬ ‫• الأ�ساليب القر�آنية يف اخلطابتع ّلم الداعية ّ‬ ‫والنقا�ش‪ ،‬وال�صرب يف الدعوة‪ ،‬وتقبل الآخرين‪ ،‬وتق ّبل‬ ‫املعارف والعلوم‪،‬وبالتايل حتقيق القبول لدى املدع ّوين‪،‬‬ ‫وتغيري قناعاتهم‪،‬وم�سار حياتهم‪.‬‬ ‫• حتى يحقق احلوار �أهدافه فال ب ّد له من م�سلك ي�سري‬ ‫فيه ينقيه م��ن ال�شوائب‪ ،‬ويجعله �ضمن قالب علمي‬ ‫�سليم‪ ،‬ولذلك كان ال بد �أن يراعى فيها م�صلحة املجتمع‪،‬‬ ‫ب�أ�سلوب علمي حكيم قائم على العلم واملعرفة والتثبت‬ ‫بعيد ًا عن الهوى والعاطفة والتقليد والظن‪ ،‬يحافظ‬ ‫فيها على �أخالق امل�سلمني و�أعرا�ضهم وكرامتهم‪ ،‬وبهذه‬ ‫الطريقة فقط تكون احلرية قد ق��ادت املجتمع ملا فيه‬ ‫�صالح دينها ودنياها‪.‬‬ ‫ويو�صي الباحث‪ :‬ب�ضورة عمل درا�سات ميدانية لتفعيل‬ ‫�أ��س��ال�ي��ب احل ��وار يف اخل �ط��اب ال��ق��ر�آين‪ ،‬مل�ع��رف��ة�آث��اره��ا‬ ‫الإيجابية‪ ،‬ومعرفة جوانب الق�صور عند الدعاة‪ ،‬و�سبل‬ ‫جتاوزها‪.‬‬ ‫�لام على‬ ‫�سبحان رب��ك ّ‬ ‫رب ال�ع��زة ع ّما ي�صفون‪ ،‬و��س ُ‬ ‫رب العلمني‪.‬‬ ‫املر�سلني‪ ،‬واحلمد هلل ّ‬

‫ ‬

‫القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫�أبو زهرة‪ ،‬حممد املعجزة الكربى‪،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫البوطي‪ ،‬حممد �سعيد رم�ضان‪ ،‬منهج تربوي فريد‪ ،‬مكتبة الفارابي‪ ،‬دم�شق‪.‬‬ ‫البي�ضاوي‪ ،‬نا�صر الدين‪� ،‬أنوار التنزيل و�أ�سرار الت�أويل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪ 1420 ،1‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬ ‫اجلرجاين‪ ،‬علي بن حممد بن احل�سني‪ ،‬التعريفات‪} ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد عبد الرحمن املرع�شلي{‪ ,‬دار النفائ�س‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫ط ‪1424 ،1‬هـ‪2003 -‬م‪.‬‬ ‫الدغ�شي‪� ،‬أحمد‪ ،‬نظرية املعرفة يف القر�آن الكرمي وت�ضميناتها الرتبوية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دم�شق‪ ،‬ط ‪2002 ،1‬م‪.‬‬

‫‪� 42‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫دراسات الوسطية‬ ‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫الرافعي‪ ،‬م�صطفى �صادق‪� ،‬إعجاز القر�آن والبالغة النبوية‪ ،‬املكتبة الع�صرية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬ ‫الزرقاين‪ ،‬حممد عبد العظيم‪ ،‬مناهل العرفان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1416 ،‬هـ‪1996-‬م‪.‬‬ ‫الزرك�شي‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬الربهان يف علوم القر�آن‪} ،‬حتقيق‪ :‬حممد �أبو الف�ضل �إبراهيم{‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫الزخم�شري‪ ،‬حممود بن عمر‪ ،‬الك�شاف‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪1421 ،2‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫• ال�سيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ ،‬الإتقان يف علوم القر�آن‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪1419 ،1‬هـ‪1989 -‬م‪.‬‬ ‫• ال�شوكاين‪ ،‬حممد بن علي‪ ،‬فتح القدير‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬عائ�شة‪ ،‬الإعجاز البياين للقر�آن‪ ،‬دار املعارف‪.‬‬ ‫الغزايل‪� ،‬أبو حامد‪ ،‬الق�سطا�س امل�ستقيم‪} ،‬تعليق‪ :‬حممد بيجو{‪ ،‬املطبعة العلمية‪ ،‬دم�شق‪1413 ،‬هـ‪1993-‬م‪.‬‬ ‫فخر الدين‪ ،‬حممد بن عمر‪ ،‬التف�سري الكبري } مفاتيح الغيب {‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪1422 ،4‬هـ – ‪ 2001‬م‪.‬‬ ‫القرطبي‪ ،‬حممد بن �أحمد‪ ،‬اجلامع لأحكام القر�آن‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪141 ،‬هـ‪ 1995 -‬م‬

‫الهوام�ش‬ ‫(‪ )1‬عائ�شة عبد الرحمن‪ :‬الإعجاز البياين للقر�آن‪ ،‬دار املعارف �ص ‪.60‬‬ ‫(‪ )2‬اجلرجاين‪ ،‬علي بن حممد بن احل�سني‪ ،‬التعريفات‪( ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد عبد الرحمن املرع�شلي)‪ ,‬دار النفائ�س‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫ط ‪1424 ،1‬هـ‪2003 -‬م‪�،.‬ص‪.261‬‬ ‫(‪ )3‬اجلرجاين‪ :‬التعريفات‪،‬مرجع �سابق‪�:‬ص‪.96‬‬ ‫(‪ )4‬الرازي‪ ،‬التف�سري الكبري‪ :‬حتقيق‪ :‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان ط (‪1422‬هـ‪2001-‬م) �ص‪24-3‬‬ ‫(‪ )5‬الزرك�شي‪ :‬الربهان يف علوم القر�آن‪(،‬حتقيق‪ :‬حممد �أبو الف�ضل �إبراهيم)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪27-22/2،‬‬ ‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الغزايل‪� ،‬أبو حامد‪ ،‬الق�سطا�س امل�ستقيم‪( ،‬تعليق‪ :‬حممد بيجو)‪ ،‬املطبعة العلمية‪ ،‬دم�شق‪1413 ،‬هـ‪1993-‬م‪-37 ،‬‬ ‫‪.40‬‬ ‫(‪)7‬انظر‪� :‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ ،‬املعجزة الكربى‪ ،،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪1998 ،‬م‪�،‬ص ‪260 – 250‬‬ ‫(‪ )8‬البي�ضاوي‪ ،‬نا�صر الدين‪� ،‬أنوار التنزيل و�أ�سرار الت�أويل‪،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪ 1420 ،1‬هـ‪1999 -‬م‪-108 /1،.‬‬ ‫‪.109‬‬ ‫(‪)9‬انظر‪ :‬البوطي‪ ،‬حممد �سعيد رم�ضان‪ :‬منهج تربوي فريد‪ ،‬مكتبة الفارابي‪ ،‬دم�شق‪�،‬ص‪.25-42‬‬ ‫(‪ )10‬الزخم�شري‪ ،‬حممود بن عمر‪ ،‬الك�شاف‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪1421 ،2‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬ ‫‪ .66/4‬‬ ‫(‪)11‬انظر‪ :‬ال�شوكاين ‪ :‬فتح القدير‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪1403( ،‬هـ – ‪1983‬م)‪.333-4،‬‬ ‫(‪ )12‬القرطبي ‪ :‬اجلامع لإحكام القر�آن‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بريوت لبنان‪1415 ،‬هـ‪�،1995-‬ص‪90/6‬‬ ‫(‪)13‬انظر‪:‬الدغ�شي‪� ،‬أحمد‪ ،‬نظرية املعرفة يف القر�آن الكرمي وت�ضميناتها الرتبوية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دم�شق‪ ،‬ط ‪2002 ،1‬م‪�:.‬ص ‪.248‬‬ ‫(‪ )14‬انظر‪ :‬ال�سيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ ،‬الإتقان يف علوم القر�آن‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪1419 ،1‬هـ‪1989 -‬م‪.263 / 2 ،.‬‬ ‫(‪)15‬انظر‪:‬الرافعي‪ ،‬م�صطفى �صادق‪� ،‬إعجاز القر�آن والبالغة النبوية‪ ،،‬ط‪ ،1‬املكتبة الع�صرية – بريوت‪1421 ،‬هـ‪2000 ،‬م‪�.‬ص ‪216-215‬‬ ‫(‪ )16‬انظر‪� :‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ ،‬املعجزة الكربى‪،‬مرجع �سابق‪.267-266 :‬‬ ‫(‪ )17‬انظر‪� :‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ ،‬املعجزة الكربى‪،‬مرجع �سابق‪270: :‬‬ ‫(‪)18‬انظر‪ :‬البي�ضاوي‪� :‬أنوار النزيل‪،‬مرجع �سابق‪.498 /1 :‬‬ ‫(‪ )19‬انظر‪� :‬أبو زهرة‪ ،‬حممد‪ ،‬املعجزة الكربى‪،‬مرجع �سابق‪�:‬ص ‪.275‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪43‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫�س�ؤال التدبري والكرامة الإن�سانية‬ ‫الأ�ستاذ ‪ /‬م�صطفى فاتيحي‬

‫كلما ملك الإن�سان كرامته ملك توازنه وت�أججت عنده‬ ‫املخاوف الغريزية كاخلوف على الوجود واحلياة وامل�ستقبل‬ ‫والكرامة واحلرية والولد ‪،‬وكلما �أمن ف�ضاءه ا�ستطاع �أن‬ ‫يفكر بفطرة �سليمة يف اجتاه االختيار الأك�ثر �صوابا مبا‬ ‫يليق ب�آدميته ك�إن�سان مكلف‪1.‬‬ ‫�إن �ضغط الواقع والهم املعي�شي و�إكراهات ت�أمني الإن�سان‬ ‫من �ضروريات احلياة‪ ،‬والعجز عن توفري م�ستلزمات البقاء‬ ‫واعتيا�ض �سبل العي�ش الكرمي‪ ،‬كلها مداخل �إلى الفقر القيمي‪،‬‬ ‫ف�أي خطاب �أخالقي يعيد االعتبار لإن�سان يف هذه الو�ضعية‬ ‫�إال �إذا ك��ان يتغي جمانفة ال��واق��ع والقفز عليه وممار�سة‬ ‫التنومي والتخدير‪ ،‬ومن هنا ينطلق �أولئك اللذين يف�سرون‬ ‫ن�ش�أة احلركة ن�ش�أة �أيديولوجية وا�ستغالل الو�ضع امل�أزوم‪،‬‬ ‫وا�ستغفال الفئات اله�شة‪ .‬وهي �أو�ضاع تفرخ التطرف ب�أبعاد و‬ ‫متظهرات خمتلفة‪ ،‬حيث �إن قانون اال�ستخفاف يبقى م�صدر‬ ‫قلق دائم وتخوف حمتم من حتوالت �أو نقمة امل�ستخف بهم‪،‬‬ ‫�أو على العك�س �ضعفهم وقلة حيلتهم عندما يلقون يف وجه‬ ‫الأعداء �أو يطلب منهم ال�صمود يف وقت ال�شدة والبالء‪� .‬إن‬ ‫�أخطر ما يف ظاهرة اال�ستخفاف بالإن�سان‪� ،‬أنها تغتال عقله‬ ‫وفكره وبالتايل حياته املثلى التي ي�سعى �إلى حتقيقها يف دنياه‬ ‫ويحلم بها يف جميع �أمانيه‪ ،‬حينها ما الفائدة من العي�ش‬ ‫وقد ماتت تلك الآمال يف النفو�س؟ وما �صور املنتحرين �أو‬ ‫املدمنني �أو املر�ضى النف�سيني يف جمتمعاتنا �إال انعكا�س‬ ‫ال�ستخفاف الآخرين بهم وحتطيمهم تدريجيا وحتويلهم‬ ‫�إلى تراب متحرك يتطاير مع كل رياح العوملة التي تهب على‬ ‫�أوديتنا كل يوم‪2.‬‬ ‫�س�ؤال التدبري ومنطق املغالبة �أو امل�شاركة‬ ‫�إن ت�ع�ق��د ���ض��روب احل��ي��اة وت �� �ش��اب��ك ال �ع�لاق��ات و‬ ‫ا�ستفحال الظواهر ال�سلبية وتغول الف�ساد يحتم على‬ ‫احلركة الإ�سالمية اال�شتغال مبنطق امل�شاركة مع خمتلف‬ ‫احل�سا�سيات والأطياف رغم اختالف الطرح الأيديولوجي‪.‬‬ ‫لأن امل�شروع النه�ضوي ال ميكن �أن يتحقق دون تعبئة كل‬ ‫طاقات املجتمع والإفادة من كل الكفاءات‪ .‬والرتكيز على‬ ‫‪� 44‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫امل�شرتك اجلامع‪ ،‬وت�ضخم اخلطاب الأخالقي يجهز على‬ ‫�أي حماولة يف هذا ال�صدد‪ .‬ويدفع باجتاه تكري�س الطرح‬ ‫الذي يف�ضي ب�إمكانية البديل املطلق‪ .‬‬ ‫هذا الطرح فر�صة �سانحة �أم��ام احلركة الإ�سالمية‬ ‫لالنفتاح على الكفاءات الوطنية املخل�صة التي ال ت�شارك‬ ‫احلركة الإ�سالمية نف�س املرجعية‪ ،‬ولكنها تتمتع بقدر عال‬ ‫من النزاهة والكفاءة‪ ،‬وال �شك �أن هذا �سيعو�ض احلركة‬ ‫الإ�سالمية مرحليا عن النق�ص يف الكوادر‪ ،‬ذلك �أن درو�س‬ ‫التاريخ علمتنا �أنه ال يخلو زمان من �أنا�س �أخيار يجعلون‬ ‫م�صلحة الوطن فوق كل اعتبار‪ .‬ف�س�ؤال التدبري ي�ستدعي‬ ‫�إ�سناد املنا�صب ح�سب الكفاءات ال ال��والءات‪ ،‬ذل��ك ما‬ ‫انتقده م�صطفى حجازي يف كتابه الإن�سان املهدور من‬ ‫�أ�شكال الع�صبية القبلية اجلديدة‪ .‬‬ ‫”الإ�صالح ال�سيا�سي لي�س ت�أكيدا للذات و�إن�ك��ارا‬ ‫للآخر �أو ت�شديدا على �إرادة املعار�ضة وتنديدا ب ��إرادة‬ ‫ال�سلطة‪ ،‬كذلك ف�إن الإ�صالح ال�سيا�سي لي�س م�سابقة يف‬ ‫حل املعادالت الريا�ضية‪ ،‬تتطلب اع�تراف �صاحب احلل‬ ‫ال�صحيح يف نيل اجل��ائ��زة‪ ،‬فالإ�صالح ال�سيا�سي عملية‬ ‫معقدة مت�شعبة تتداخل فيها امل�صالح وترتاكب حولها‬ ‫الت�صورات �أو تتعالى فوقها الأ�صوات وت�شد ب�أطرافها قوة‬ ‫�سيا�سية �أو اجتماعية متعددة من هنا يتطلب الإ�صالح‬ ‫نف�سا طويال وخطة عمل مديدة وقبل هذا �أو ذاك القدرة‬ ‫على تقدمي حلول للم�شكالت التي تواجه املجتمع مدعومة‬ ‫بدرا�سات منهجية‪3.‬‬ ‫ينبه رف�ي��ق حبيب امل�صري ” �إل��ى خ�ط��ورة اجن��رار‬ ‫و�ضع ما بعد اللحظة الثورية �إل��ى الثنائيات الت�صنيفية‬ ‫والإيديولوجيا املنغلقة‪ ،‬ونفي كل طرف للآخر يف حم�أة‬ ‫�صراع دارويني على الدولة‪ ،‬م�ؤكدا �أن خروج النا�س يف دول‬ ‫الربيع العربي‪ ،‬مل يكن على �أ�سا�س ثقايف �أو ح�ضاري‪ ،‬ومل‬ ‫يكن على �أ�سا�س املوقف من الهوية بل كان خروجهم تعبريا‬ ‫عن موقفهم من طبيعة النظام احلاكم‪ ،‬وكان ثورة على‬ ‫اال�ستبداد والطغيان‪ 4.‬‬


‫وتعرت�ض هذا االختيار حتديات منها ‪:‬ما يطرحه‪ ‬ناثان‬ ‫براون‪ ‬قائال ” الأيدولوجيا … ميكن �أن تكون لزجة فهي‬ ‫تخلق ال�شكوك ل��دى املناف�سني والأن�صار على حد �سواء‬ ‫كدليل على عدم الإخال�ص واالنتهازية”‪ .5‬‬ ‫وي�ضيف” فقادة احلراك الذين يطلبون من �أن�صارهم‬ ‫�أن ينتظموا وي�ساهموا ويتدفقوا على �أقالم االقرتاع – غالبا‬ ‫مع بع�ض املخاطر ال�شخ�صية – قد يجدون �أنف�سهم عر�ضة‬ ‫�إلى �ضغط داخلي لإظهار منافع حقيقية له�ؤالء الأن�صار‪.‬‬ ‫بينما امل�شاركة التي ال جتلب منافع مادية وال تغريات يف‬ ‫ال�سيا�سة العامة قد تثبط القواعد ال�شعبية‪ ،‬كما �أنها تعر�ض‬ ‫احلركة �إلى خماطر يف خ�ضم التناف�س على جذب الأن�صار‪،‬‬ ‫فهي تعر�ض القادة الإ�سالميني �إلى االنتقادات ب�أنهم ن�سوا‬ ‫الدين ل�صالح ال�سيا�سات‪ 6.‬‬

‫من هنا ��ض��رورة اغتنام الفر�صة ملراجعة وت�صحيح‬ ‫البنية الت�صورية الثاوية لدى �أبناء احلركة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫حيث االن�ط�لاق من ت�صور يكاد ي�صري معتقدا وم�سلمة‬ ‫وهو �أن ”العامل يعي�ش يف حالة فراغ فكري وروحي وقيمي‬ ‫وح�ضاري‪ ،‬و�أن احلركة الإ�سالمية جاءت لتملأ هذا الفراغ‪.‬‬ ‫كذلك تنت�شر بني الإ�سالميني مقولة م��ؤداه��ا �أن العامل‬ ‫يعي�ش فو�ضى فكرية وثقافية و�أن احلركة الإ�سالمية مناط‬ ‫بها ت�صحيح هذه الفو�ضى الفكرية والثقافية وو�ضع الأمور‬ ‫يف ن�صابها ال�صحيح”‪ 7‬ما من �ش�أنه �أن ير�سخ عند �أبناء‬ ‫احلركة الإ�سالمية ـ يف ال وعيهم ـ ‪� ‬أحقية ممار�سة الو�صاية‬ ‫على النا�س ت�صنيفا و�إدخاال و�إخراجا من الدائرة‪ ،‬و�إ�صدارا‬ ‫للأحكام املُعدّة‪ ،‬وهو منزع خطري م�آله التكل�س والت�شرنق‬ ‫و�إنتاج الطائفية وممار�سات الفرقة الناجية‪.‬‬

‫ ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬الهوام�ش‬

‫‪ .1‬حما�ضرة الدين والدولة‪ ،‬املقرئ الإدري�سي �أبو زيد‪ ،‬مراك�ش ‪2012‬‬ ‫‪� .2‬س�ؤال التدبري ر�ؤية مقا�صدية يف الإ�صالح املدين م�سفر بن علي القحطاين �ص ‪ 197‬ط ‪ 2013 – 1‬ال�شبكة العربية للأبحاث والن�شر‪.‬‬ ‫‪ .3‬احلرية واملواطنة ل�ؤي �صايف �ص ‪195‬‬ ‫‪� .4‬أ�سئلة دولة الربيع العربي �سلمان بونعمان �ص ‪127‬‬ ‫‪ .5‬امل�شاركة ال املغالبة احلركات الإ�سالمية وال�سيا�سة يف العامل العربي ناثان براون ترجمة �سعد حميو ن�شر ال�شبكة العربية للأبحاث �ص‬ ‫‪159‬‬ ‫‪ .6‬املرجع ال�سابق �ص ‪130‬‬ ‫‪ .7‬عبد اهلل‪ ‬النفي�سي �ص ‪10‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪45‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫ّتطرف املذاهب الأدبية الغربيّة‬ ‫عن الو�سطية الإ�سالميّة‬ ‫ق�صاب‬ ‫�أ‪ .‬د‪ .‬وليد �إبراهيم ّ‬

‫ارتبطت ن�ش�أة املذاهب الأدبية الغربية بحاالت نف�سية‬ ‫خا�صة‪،‬‬ ‫معينة‪ ،‬وبظروف �سيا�سية واقت�صادية واجتماعية ّ‬ ‫وعك�ست فل�سفة واقع م ّرت به احل�ضارة الغربية‪ ،‬وقد م ّثل‬ ‫النف�سي‪،‬‬ ‫�أغلبها ‪ -‬يف معظم الأحيان – حاالت من الت�أزم‬ ‫ّ‬ ‫وانعدام الإميان واليقني‪� ،‬أو جحود �أية ثوابت �أو قطعيات‬ ‫ميكن �أن يفيء �إليها الإن�سان لتك�سبه الراحة والأمان‪.‬‬ ‫إن�سان يف هذا الع�صر يف الدين‪ ،‬والأخالق‪،‬‬ ‫لقد �شُ ّكك ال ُ‬ ‫مهب‬ ‫واملُثل‪ ،‬والقيم الروحية جميعها‪ ،‬حتى بدا كالري�شة يف ّ‬ ‫الريح‪.‬‬ ‫وال�سريالية ‪ -‬داع ًيا‬ ‫يقول ت��زارا – رائ��د الدادائية ّ‬ ‫�إل ��ى ال �ه��دم‪" :‬الوطن‪ ،‬وال�ع��ائ�ل��ة ‪،‬و الأخ �ل�اق‪ ،‬وال �ف� ّ�ن‪،‬‬ ‫والدين ‪،‬واحلرية‪ ،‬والأخ ّوة‪ ،‬كانت قدميا جوا ًبا للحاجات‬ ‫عظمي من‬ ‫الإن�سانية‪ ..‬ويف يومنا مل يبق منها �إال هيكل‬ ‫ّ‬ ‫تهدميي كبري ينبغي‬ ‫االتفاقات واالعتبارات‪ .‬هنالك عمل‬ ‫ّ‬ ‫يتم‪ ،‬ال ب ّد من الكن�س والتنظيف ‪1".‬‬ ‫�أن ّ‬ ‫وبدت املذاهب الأدبية الغربية وك�أنها تن�ش�أ ر ّدات‬ ‫�أفعال على �أفكار �سابقة‪ ،‬رغبة يف جم ّرد التغيري الذي‬ ‫�أ�صبح ُد ْرج��ة( مو�ضة) حتى بدا كل مذهب جديد وك�أنه‬ ‫ينق�ض ما قبله �أو ي�سفهه ويلغيه ؛ ف�إذا ما كان الذي قبله يف‬ ‫اليمني انحاز هو �إلى الي�سار‪.‬‬ ‫لقد ك��ان التط ّرف �سمة وا�ضحة يف ك��ل مذهب من‬ ‫والعربي‪� :‬إيليا احلاوي‪� :‬ص‪312‬‬ ‫الغربي‬ ‫‪ - 1‬الرمزية وال�سريالية يف ال�شعر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪� 46‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫املذاهب الغربية‪ ،‬و�سرعان ما كان ُيتبينّ عوا ُره ب�سبب هذا‬ ‫التط ّرف‪ ،‬فتظهر احلاجة �إلى غريه‪ ،‬فيظهر مذهب جديد‬ ‫يكون ر ّدة فعل على ما �سبقه‪ ،‬ولذلك يت�سم مثله بالتط ّرف‬ ‫والغلو‪.‬‬ ‫يقول عز الدين �إ�سماعيل‪� " :‬إن ك ّل مذهب يتط ّرف يف‬ ‫يح�س النا�س فيه ب�أنه لي�س‬ ‫اجتاهه حتى ي�صل �إلى زمن ّ‬ ‫كافيا للتعبري‪ ،‬ومي�ضون يبحثون عن �أ�سلوب جديد‪2"..‬‬ ‫وق��د �ش ّبه عبا�س حممود العقاد – رحمه اهلل – ما‬ ‫ي�س ّمى "املذاهب " بالأزياء والتقليعات‪ ،‬ونفى �أن يجوز‬ ‫�أن ُيطلق عليها ا�سم مذاهب �أو مدار�س ؛ �إذ ه��ي‪ -‬يف‬ ‫حب‬ ‫ر�أيه‪ -‬حركة تغيري " يف الأدب وغريه نابعة من جم ّرد ّ‬ ‫التغيري‪ ،‬وقد ي�س ّميها بع�ضهم مذاهب ومدار�س‪ ،‬ولي�ست‬ ‫هي من املذاهب وامل��دار���س يف �شيء‪ ،‬و�إمن��ا الأح��رى �أن‬ ‫ت�س ّمى بالأزياء واجلدائل العار�ضة " املو�ضات " التي تتغري‬ ‫مع الزمن‪ ،‬وقد تعود يف �صورة �أخرى بعد فرتة طويلة �أو‬ ‫ق�صرية‪3"..‬‬ ‫ثم مي�ضي العقاد قائال‪ " :‬و�إن هذه الأمواج التي يلغي‬ ‫مما يطلق عليه ا�سم االجتاه يف الأدب‬ ‫بع�ضها ً‬ ‫بع�ضا لي�ست ّ‬ ‫العربي‪ ،‬وال يف غريه من الآداب العاملية‪ ،‬ولي�ست هي بالتيار‬ ‫ّ‬ ‫اجل��اري يف جمراه القومي ‪ 4"..‬لأن املدار�س – كما يرى‬ ‫‪ - 2‬الأدب وفنونه‪ ،‬عز الدين �إ�سماعيل‪� :‬ص‪45‬‬ ‫‪ - 3‬درا�سات يف املذاهب الأدبية واالجتماعية ؛ عبا�س حممود العقاد ‪�:‬ص‪31‬‬ ‫‪ - 4‬ال�سابق‪� :‬ص‪41‬‬


‫العقاد‪ -‬ينبغي �أن تع ّلم �شي ًئا‪ ،‬وهذه ال تع ّلم �شي ًئا‪ ،‬وال حم ّل‬ ‫فيها للتعليم‪ ،‬ولأن الفنون قواعد ومقايي�س‪ ،‬وهذه تبطل ك ّل‬ ‫املقايي�س‪5..‬‬ ‫وي ��رى �أن���ور اجل �ن��دي – رح �م��ه اهلل – �أن م��ذاه��ب‬ ‫الغربي التي يحاول بع�ض النقاد حماكمة الأدب‬ ‫الأدب‬ ‫ّ‬ ‫العربي �إليها " لي�ست مذاهب‪ ،‬و�إمنا هي �أ�سماء ع�صور‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كالكال�سيكية‪ ،‬والرومنتيكية وغريها ‪ .‬وهي تت�صل – يف‬ ‫جمموعها ‪ -‬بتاريخ الأمم التي و�ضعت هذه املذاهب‪6"..‬‬ ‫الغربي‪:‬‬ ‫الثنائيات يف مذاهب الأدب‬ ‫ّ‬ ‫ب�سبب تلك الظروف والعوامل التي ذكرناها انطلق الفكر‬ ‫الغربي ومدار�سه الأدبية ومناهجه النقدية من ثنائيات‬ ‫ّ‬ ‫حا ّدة مت�صادمة ال يقبل �أحدها الآخر‪ ،‬وال يعرتف به‪ ،‬وال‬ ‫يحاول �أن يتعاي�ش معه‪ ،‬بل يعمل جاهدا على نفيه ؛ وهي‬ ‫لذلك ثنائيات �ضدية عدائية‪ ،‬ال و�سطية فيها وال اعتدال‪،‬‬ ‫بل فيها غلو يف ال��ر�أي‪ ،‬وتط ّرف يف النظر ‪� .‬إنها الأحادية‬ ‫التي طبعت – ب�شكل ع��ام – املذاهب الأدب�ي��ة واملناهج‬ ‫النقدية الغربية بطابع ال تخطئه عني الباحث املد ّقق ‪.‬‬ ‫الفرن�سي ال�شهري‬ ‫وقد �أ�شار �إلى ذلك م�ؤ�س�س التفكيك‬ ‫ّ‬ ‫الغربي لقيامه على هذه‬ ‫ج��اك دري��دا وه��و ينتقد العقل‬ ‫ّ‬ ‫الغربي ‪-‬‬ ‫الثنائيات‪ ،‬و�إعطائها �صفة القدا�سة ؛ فالفكر‬ ‫ّ‬ ‫قائم على ثنائية �ض ّدية عدائية يت�أ�س�س عليها‪ ،‬وال يقوم �إال‬ ‫بهذه الثنائية‪ ،‬كثنائية العقل‪ /‬العاطفة ‪ .‬العقل‪ /‬اجل�سد ‪.‬‬ ‫الذات ‪ /‬الآخر‪ .‬امل�شافهة ‪ /‬الكتابة ‪ .‬الرجل ‪ /‬املر�أة ‪ .‬وما‬ ‫�إلى ذلك ‪ .‬و�إن هذا الفكر دائما مينح االمتياز والفوقية‬ ‫للطرف الأول‪ ،‬ويلقب بالدونية والثانوية الطرف الثاين‬ ‫‪ .‬وهذا االنحياز للأول على الثاين هو ما ي�س ّميه دريدا"‬ ‫التمركز املنطقي "‪7‬‬ ‫ّ‬ ‫�إن امل��ذاه��ب الأدب �ي��ة الغربية ت�ق��وم ح� ًق��ا على تلك‬ ‫الثنائيات املت�صادمة التي ال تتفق مع الو�سطية الإ�سالمية‬ ‫؛ �إذ هي ال تقوم على الق�صد واالعتدال‪ ،‬اللذين هما من‬ ‫�سمات هذه الو�سطية‪ ،‬بل – فيم �أح�سب‪ -‬من �سمات �أي‬ ‫فكري قومي‪.‬‬ ‫منهج‬ ‫ّ‬ ‫والرومان�س ّية‪:‬‬ ‫الكال�سيكية ّ‬ ‫واحدا من خالل‬ ‫وح�سبنا يف هذا املقام �أن ن�ضرب مث ًال ً‬ ‫املقارنة بني مدر�ستني ن�ش�أتا يف �أواخر القرن التا�س َع ع�شر‬ ‫الغربي‬ ‫و�أوائ��ل القرن الع�شرين‪ ،‬حيث كان جموح الفكر‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 5‬ال�سابق ‪�:‬ص‪61‬‬ ‫العربي‪� :‬أنور اجلندي ‪�:‬ص‪81‬‬ ‫‪ - 6‬خ�صائ�ص الأدب‬ ‫ّ‬ ‫أدبي‪ :‬ميجان الرويلي‪ ،‬و�سعد البازعي ‪�:‬ص‪45‬‬ ‫‪ - 7‬دليل الناقد ال ّ‬

‫مما �آل �إليه الأمر بعد ذلك ‪ .‬وهاتان‬ ‫يومذاك �أق ّل بكثري ّ‬ ‫املدر�ستان هما‪ :‬الكال�سيكية‪ ،‬والرومان�سية‪.‬‬ ‫لقد كانت الرومان�سية ث��ورة عارمة على ك ّل ما كانت‬ ‫ونق�ضا تا ًّما جلميع مبادئها و�أ�صولها‬ ‫تنادي به الكال�سيكية‪ً ،‬‬ ‫‪ .‬وب�سبب هذا التط ّرف يف الثورة ّ‬ ‫�شك بع�ض الدار�سني �أن‬ ‫تكون الرومان�سية مذه ًبا �أو مدر�سة ؛ لأن قواعدها و�أ�صولها‬ ‫مل جت��اوز خمالفة قواعد الكتابة الكال�سيكية‪ ،‬واخل��روج‬ ‫عليها‪ .‬ولعلها �أي�ضا – ب�سبب قيامها على املخالفة وحدها‬ ‫– ق ّدمت ت�ص ّورات غري متجان�سة �أحيا ًنا‪ ،‬بل متناق�ضة يف‬ ‫�أحيان �أخرى‪.‬‬ ‫ذكر بول فان تيجم �أن " جيوبرين " كان ي��رى " �أن‬ ‫الرومان�سية تتخذ من الأ�شكال بقدر ما فيها من امل�ؤلفني‪،‬‬ ‫و�إنها تفلت من � ّأي تعريف وا�ضح حم ّدد دقيق ‪8"..‬‬ ‫وانظر �إلى �أحادية النظرة التي و�سمت ك ًال من هاتني‬ ‫املدر�ستني‪ ،‬حتى بدتا مدر�ستني متناق�ضتني‪ ،‬ال �سبيل‬ ‫لتو�سط �أو التقاء بينهما‪.‬‬ ‫ع ّدت الرومان�سية الإن�سان وحده منبع القيم جمي ًعا‪،‬‬ ‫وجعلته جدي ًرا بعناية الأدب‪ ،‬وم�ضت تعنى بالفرد عناية‬ ‫فائقة‪ ،‬وتهتم ب�إبراز فرديته و�شخ�صيته واالختالف الذي‬ ‫مي ّيزه من غريه ‪ .‬و�أ�صبح الرومنتيكي قاد ًرا على طبع �أدبه‬ ‫بطابعه اخلا�ص مبا يعبرّ عنه من عواطف يدفق بها قلبه‪،‬‬ ‫و�صور ميوج بها خياله ‪.‬‬ ‫ويف مقابل هذه العناية بالفرد املتميز كان الكال�سيكيون‬ ‫يعنون بالفرد النموذج‪ ،‬بالإن�سان عامة‪.‬‬ ‫وبينما رف��ع الكال�سيكيون �سلطان العقل واملنطق‪،‬‬ ‫جماح‬ ‫وجعلوهما احلكم الأوحد‪ ،‬حتى راح ُيكبح من �أجلهما ُ‬ ‫املخيلة والعواطف ؛ �أ�صبح الرومنتيكي ح ًرا يف �أن يطلق‬ ‫خلياله العنان‪ ،‬و�أن ينطلق وراء الالحمدود واملطلق‪ ،‬وال‬ ‫يحتكم �إال �إلى العاطفة واحلد�س‪.‬‬ ‫ك��ان العقل ه��و الهبة ال�ك�برى عند �أ��ص�ح��اب املذهب‬ ‫وال�صواب‪ ،‬مُوي ّيز بني‬ ‫الكال�سيكي‪ ،‬وبه وحده ُيعرف احلقّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫احل�سن والقبيح‪ ،‬ونق�ض الرومان�سيون ذلك‪ ،‬ف�صار اخليال‬ ‫عندهم هو الهبة الكربى‪ ،‬وقلب الإن�سان وعاطفته �أهم من‬ ‫عقله ومنطقه‪.‬‬ ‫ويف ح�ين �أن الكال�سيكية م��ذه��ب يتقيد بالقواعد‬ ‫والتقاليد؛ تبدو الرومان�سية مذه ًبا ينطلق ح ًرا بال قيود‪،‬‬ ‫ويفتح املجال وا�س ًعا �أمام الأ�صالة واخللق والإبداع‪.‬‬ ‫‪ - 8‬الرومان�سية يف الأدب الأوروبي‪ :‬بول فان تيجم‪21 /1 :‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪47‬‬


‫ويف حني �آمنت الكال�سيكية باملحاكاة والتقليد ؛ ثارت‬ ‫الرومان�سية عليهما‪ ،‬فلم ت�ؤمن �إال بالإبداع وحده‪.‬‬ ‫و�إذا كانت الكال�سيكية تقيم وز ًن��ا كب ًريا لل�شكل ؛ ف�إن‬ ‫تف�ضل العناية بامل�ضمون على العناية بال�شكل‬ ‫الرومان�سية ّ‬ ‫أعم‪.‬‬ ‫يف الأكرث ال ّ‬ ‫و�إذا كانت الكال�سيكية تعتقد �أنها و�صلت �إل��ى احل ّد‬ ‫الأعلى يف الإتقان والتم ّيز والكمال ؛ ف�إن الرومان�سية ت�ؤمن‬ ‫ب�أنها نزوع �إلى هذا احل ّد الأعلى وح�سب ‪9..‬‬ ‫وقد بلغ هذا التناق�ض بني الكال�سيكية والرومان�سية‬ ‫ح ّد �أن يرى واحد مثل غوته �أن الفرق بينهما " كالفرق بني‬ ‫ال�سقيم وال�سليم "‪10‬‬ ‫إ�سالمي‪:‬‬ ‫و�سطية املنهج ال‬ ‫ّ‬ ‫و�إذا كان التطرف والغلو �سمة ال تخفى يف مذاهب‬ ‫الأدب الغربي؛ ف�� ّإن الو�سطية هي املنهج الذي ندعو �إليه‬ ‫إ�سالمي يف الأدب والنقد‪،‬‬ ‫عربي �‬ ‫من �أج��ل �إن�شاء منهج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغربي ومدار�سه املختلفة‬ ‫منهج يتح ّرر من هيمنة الفكر‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫التي ت�صدر – بطبيعة احلال‪ -‬عن ت�صورات فكرية وفنية‬ ‫خمالفة لت�صوراتنا الفكرية والفنية‪.‬‬ ‫وهذه الو�سطية يف الأدب‪،‬تعني عندئذ عدم التفريط‬ ‫أدبي حل�ساب عن�صر‬ ‫بقيمة �أي عن�صر من عنا�صر العمل ال ّ‬ ‫�آخر‪ ،‬ك�أن نعنى بال�شكل ونهمل امل�ضمون �أو ُنعنى بامل�ضمون‬ ‫ونهمل ال�شّ كل‪� ،‬أو �أن نعنى بالعقل و نهمل العاطفة واخليال‬

‫�أو العك�س‪� ،‬أو نعنى بالقدمي و نهمل احلديث �أو العك�س‪� ،‬أوما‬ ‫مما وقعت فيه املذاهب الأدبية الغربية ب�شكل‬ ‫�شابه ذلك ّ‬ ‫خا�ص‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫�إن هذه الو�سطية العربية الإ�سالمية يف الأدب ت�سعى‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ �إل��ى ا�ستثمار احل�سن املوجود يف ك� ّل عن�صر من‬ ‫عنا�صر العمل الأدب� ّ�ي‪ ،‬وتوظيفه يف الإب��داع‪ ،‬ليكون هذا‬ ‫الإبداع خيرّ ً ا �إيجاب ًيا‪ ،‬فيه املتعة والفائدة‪ ،‬واجلمال والنفع‪،‬‬ ‫واحل�س والوجدان‪ ،‬وما يخاطب الروح‬ ‫وما يخاطب العقل‬ ‫ّ‬ ‫واجل�سد‪ ،‬وما يخاطب بني الب�شر يف جميع م�ستوياتهم‪.‬‬ ‫و�إن ال�ضابط لأي و�سط ُي�سعى للو�صول �إليه هو �أال يكون‬ ‫م�صادما لأي مبد�أ من مبادئ‬ ‫عندنا – نحن امل�سلمني –‬ ‫ً‬ ‫عقيدتنا‪� ،‬أو يق ّد م جماملة لهذا الطرف �أو ذاك لتحقيق‬ ‫م�آرب من نوع ما‪.‬‬ ‫وه��ذه الو�سطية التي نن�شدها يف الأدب ه��ي �سبيل‬ ‫الغربي‪ ،‬كما جتلى‬ ‫مواجهة التطرف الذي قام عليه الفكر‬ ‫ّ‬ ‫ذلك يف مذاهبه الأدبية املختلفة‪.‬‬ ‫وهذه الو�سطية هي �سمة الإ�سالم الكربى‪ ،‬وهي منهج‬ ‫والتم�سك بها – يف ك ّل‬ ‫�أ�صيل فيه‪� ،‬إنها من جوهر ال ّدين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التم�سك ال�صحيح بال ّدين‪،‬‬ ‫�ش�أن من �ش�ؤون احلياة‪ -‬يعني ّ‬ ‫والتزام ما �أوجبه اهلل تعالى على عباده من غري زيادة وال‬ ‫نق�صان‪ ،‬ومن غري تعنّت وت�ش ّدد �أو تفريط و�إفراط‪.‬‬

‫العربي احلديث‪ :‬عي�سى يو�سف بالطة ‪�:‬ص‪9 - 8‬‬ ‫‪ - 9‬انظر كتاب " الرومنطيقية ومعاملها يف ال�شعر ّ‬ ‫العربي‪ :‬نا�صر احلاين‪� :‬ص‪07‬‬ ‫‪ - 10‬امل�صطلح يف الأدب ّ‬

‫ ‬

‫‪� 48‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫دراسات الوسطية‬

‫حق الكد وال�سعاية للمطلقة يف فقه النوازل‬ ‫احلالة املغربية �أمنوذجا‪..‬‬ ‫املحامي مازن الفاعوري‬

‫مقدمــة ‪:‬‬ ‫هذا ُ‬ ‫املقال عبارة عن مقارنة فقهية بني امل�شرقِ واملغربِ العربي ‪ ،‬ولي�ست درا�س ٌة �شرعية ت�أ�صيلي ٌة‬ ‫و�إن كنتُ �أتطلع لأن تكون كذلك ‪ ،‬فما الكد وال�سعاية يف الأع��راف املغربية؟ �إن "الكد وال�سعاية"‬ ‫تعريب للعبارة الأمازيغية "متازالت"‪ ،‬ومتازالت وفقا للدكتور �إدري�س الفا�سي يف مقال له بعنوان‬ ‫(حق الكد وال�سعاية يف االجتهاد الفقهي املغربي املعا�صر) الذي مت اقتبا�س هذا العنوان منه هو‬ ‫م�صطلح مركب تركيبا مزجيا من كلمة "متارا" وتعني "الكد"‪ ،‬وهي من الكلمات الأمازيغية التي‬ ‫ت�ستعمل كثريا يف الدارجة املغربية‪ ،‬وقد ذهبت الراء منها عند الرتكيب املزجي‪ ،‬وكلمة "�أزل" بك�سر‬ ‫الزاي‪ ،‬ويعني جرى �أو �سعى()‪ ،‬فهل للمو�ضوع �صدى يف واقع املر�أة امل�شرقية املعا�صرة ؟‬ ‫�إن الإ�سالم هو دين اهلل الذي ك ّرم الإن�سان دون متييز‬ ‫بني الذكر والأنثى‪ ،‬و�أر�سى قاعدة العدل وحقق امل�ساواة‬ ‫يف ا�ستقالل الذمة املالية لكل من اجلن�سني يف الك�سب‬ ‫واجلزاء‪،‬ويتبينّ هذا الزعم يف الواقع التطبيقي يف جمال‬ ‫امل�يراث و�أحكامه ويف جمال حقوق الزوجة املتوفى عنها‬ ‫زوجها �أو املطلقة �أو يف احلاالت العامة كما هو احلال يف رد‬ ‫�أموال اليتامى عند بلوغهم �سن الر�شد والتمييز ‪ ،‬كما �شرع‬ ‫الإ�سالم �أبواب التملك لكل من الذكر والأنثى قال تعالى‪:‬‬ ‫ون َو ِلل ِّن َ�س�آ ِء‬ ‫} ِّلل ِّر َجالِ نَ�صي ٌِب ممِّ َّ ا َت َر َك ا ْل َوا ِل َدانِ َوالأَ ْق َر ُب َ‬ ‫ون ممِ َّ ا َق َّل ِم ْن ُه �أَ ْو كَثرُ َ‬ ‫يب ممِّ َّ ا َت َر َك ا ْل َوا ِل َدانِ َوالأَ ْق َر ُب َ‬ ‫ن َِ�ص ٌ‬ ‫ن َِ�صيب ًا َّم ْف ُرو�ض ًا{ (الن�ساء‪ )7:‬وكما هو حق م�شروع يف‬ ‫املال كث ًريا كان �أم قليال فهو مل�ستحقه كب ًريا كان �أم �صغري‬ ‫ذك ًرا كان �أم �أنثى قال تعالى‪ُ ( :‬ي ِ‬ ‫و�صي ُك ُم اللهَُّ فيِ �أَ ْولاَ ِد ُك ْم)‬ ‫[الن�ساء‪ 11:‬والولد يطلق على الذكر والأنثى على حد �سواء‬ ‫فكل مولود ولد وله حقه املايل ذك ًرا كان �أو �أنثى قال تعالى‪:‬‬

‫} َو�آ ُت��و ْا ا ْل َيت َ​َامى �أَ ْم� َوا َل� ُه� ْ�م َو َال َت َت َب َّد ُلو ْا الخْ َ بِيثَ ب َّ‬ ‫ِالط ِّيبِ‬ ‫�ان ُحوب ًا َكبِري ًا)‬ ‫َو َال َت�أْ ُك ُلو ْا �أَ ْم� َوا َل� ُه� ْ�م �إِ َل��ى �أَ ْم� َوا ِل� ُك� ْ�م ِ�إ َّن � ُه َك� َ‬ ‫(الن�ساء‪ ، )2:‬وقال تعالى‪َ } :‬وا ْب َت ُلو ْا ا ْل َيت َ​َامى َح َّتى ِ�إذَ ا َب َلغُو ْا‬ ‫ال ِّن َك َاح َف ِ�إ ْن �آن َْ�ست ُْم ِّم ْن ُه ْم ُر�شْ د ًا فَا ْد َف ُعو ْا ِ�إ َل ْيهِ ْم �أَ ْم َوا َل ُه ْم{‬ ‫(الن�ساء‪� ،)6:‬إذا توفرت �شروط الأهلية من بلوغ وعقل‬ ‫ور�شد‪ ،‬وللمال حرمته ومكانته للذكر كان �أو للأنثى قال‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إن دماءكم و �أموالكم حرام عليكم‬ ‫كحرمة يومكم هذا يف �شهركم هذا يف بلدكم هذا"‪ ،‬و�إذا‬ ‫كانت ذمة الرجل منف�صلة عن ذمة املر�أة يف التملك فهي‬ ‫كذلك يف الت�صرف‪ ،‬فللمر�أة قبل الزواج وبعده ذمتها املالية‬ ‫امل�ستقلة ال �سلطان لأب وال لزوج عليها‪ ،‬فذمتها منف�صلة‬ ‫عن غريها الن الذمة ال تتعدد وال يغري عقد ال��زواج منها‬ ‫�شي ًئا ق��ال تعالى‪َ } :‬ف ��إِن ِط�ْبَنْ َ َل ُك ْم َع��ن � َ��ش� ْ�ي ٍء ِّم ْن ُه َنفْ�س ًا‬ ‫َف ُك ُلو ُه َه ِنيئ ًا َّمرِ يئ ًا{ (الن�ساء‪ ،)4:‬فلها الت�صرف مبح�ض‬ ‫اختيارها هي وال جترب على التخلي عن �أي حق من حقوقها‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪49‬‬


‫دراسات الوسطية‬ ‫املالية قال تعالى‪َ } :‬و�آ َت ْيت ُْم ِ�إ ْح َد ُاه َّن ِقن َْطار ًا َف َال َت�أْخُ ذُ و ْا‬ ‫ِم ْن ُه �شَ ْيئ ًا �أَ َت�أْخُ ذُ و َن ُه ُب ْهتَان ًا َو�إِ ْثم ًا ُّمبِين ًا * َو َك ْي َف َت�أْخُ ذُ و َن ُه‬ ‫َو َق ْد �أَف َْ�ضى َب ْع�ضُ ُك ْم �إِ َلى َب ْع ٍ�ض َو�أَخَ ذْ َن ِمن ُكم ِّمي َثاق ًا غَ ِليظ ًا{‬ ‫(الن�ساء‪.) 21- 20:‬‬ ‫لقد جت�سدت هذه املبادئ واملعاين يف ال�سنة ال�شريفة‬ ‫ويف �سلوك ال�سلف ال�صالح ر�ضي اهلل عنهم يقول الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬يا مع�شر الن�ساء ت�صدقن ولو من‬ ‫حليكن" وق��د ت�صدقن وق�ب��ل �صدقاتهن ومل ي�س�أل ومل‬ ‫ي�ستف�صل مم��ا ي��ؤك��د ان�ف��راد امل ��ر�أة يف ذمتها املالية يف‬ ‫امللكية والت�صرف ويف ر�سوخ هذه القيم وو�ضوحها يف نفو�س‬ ‫ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم‪.‬‬ ‫وحق الكد وال�سعاية ُيع ُّد من احلقوق املكت�سبة بحكم‬ ‫الأع��راف املغربية حتى �أم�ست اليوم مدرجة يف القوانني‬ ‫املغربية ‪ ،‬وقد حفظت للمر�أة حقوقها من الكد وال�سعي‬ ‫وغ�ي�ره م��ن احل �ق��وق امل���ش��روع��ة ال�ت��ي كفلها لها ال�شرع‬ ‫احلنيف ‪ ،‬وقد مت ت�أ�صيل هذا القانون يف املغرب العربي‬ ‫بناء وا�ستنادا على مظان الرتاث الفقهي الإ�سالمي الذي‬ ‫يعرتف باحلقوق والذمم املالية للجن�سني وخا�صة امل��ر�أة‬ ‫التي كثريا ما ت�ست�ضعف يف املجتمعات املعا�صرة في�ضيع‬ ‫�سعيها وكدها هباء ‪.‬‬ ‫فحق الكد هو �أن للزوجة احل��ق يف �أخ��ذ ن�صيبها من‬ ‫مال الزوج �إن طلقها �أو تويف عنها‪ ،‬وهذا الن�صيب ي�سمونه‬ ‫�سعاية املر�أة ‪ ،‬وقد ق�ضى به العديد من الفقهاء امل�سلمني يف‬ ‫�إطار النوازل التي عر�ضت عليهم خا�صة يف املغرب العربي‪،‬‬ ‫�إذ قال الفقهاء ان ما ينتجه الزوج يق�سم بينه وبني زوجته‬ ‫ح�سب كد واجتهاد كل واحد منهم ‪ ،‬غري �أن فقهاء النوازل‬ ‫اختلفوا حول �أ�صل هذا احلق‪.‬‬ ‫فاملادة ‪ 49‬من مدونة الأ�سرة املغربية لعام ‪ 2003‬م ‪،‬‬ ‫تن�ص على ‪ ":‬لكل واحد من الزوجني ذمة مالية م�ستقلة‬ ‫عن ذمة الآخر غري �أنه يجوز لهما يف �إطار تدبري الأموال‬ ‫التي �ستكت�سب �أثناء قيام الزوجية االتفاق على ا�ستثمارها‬ ‫وتوزيعها‪،‬ي�ضمن هذا التفاق يف وثيقة م�ستقلة عن عقد‬ ‫الزواج" ‪ ،‬وهذا الن�ص ي�سمح للطرفني بت�ضمني العقد �أي‬ ‫�شروط يتفقان عليها ما دامت ال حترم حال ًال �أو حتلل حرام ًا‬ ‫وهنا يجب الوفاء بها ولي�س فيها خمالفة لل�شرع لقوله �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪( :‬امل�سلمون عند �شروطهم �إال �شرط ًا �أحل‬ ‫حرام ًا �أو حرم حال ًال) وعقد الزواج الإ�سالمي يت�سع لي�شمل‬ ‫ال�شروط التي يرغب �أي طرفني يف االتفاق عليها وهو �أمر ال‬ ‫يعار�ضه ال�شرع ي�شرط اتفاق الزوجان على ذلك‪.‬‬ ‫‪� 50‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫وهناك من ارج��ع �سند العمل به �إل��ى القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫حيث يقول �سبحانه وتعالى‪ }:‬و�أن لي�س للإن�سان �إال ما‬ ‫�سعى‪ ،‬يف قول احلق عز من قائل‪� :‬أَ ْم لمَ ْ ُي َن َّب�أْ بمِ َ ا فيِ �صُ ُح ِف‬ ‫و�سى َو ِ�إ ْب َر ِاه َيم ال َِّذي َوفَّى �أَلاَّ تَزِ ُر َوا ِز َر ٌة ِو ْز َر �أُخْ َرى َو�أَ ْن‬ ‫ُم َ‬ ‫َ‬ ‫لاَّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫لن َْ�سانِ ِ�إ َما َ�س َعى ‪َ .‬و�أ َّن َ�س ْع َي ُه َ�س ْو َف ُي َرى ‪ .‬ث َّم ُي ْجزَ ا ُه‬ ‫َل ْي َ�س ل ِ إ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْو َف��ى { النجم‪ ، 41 - 36 :‬ويف هذه الآية دليل‬ ‫الجْ َ ��زَ ا َء أ‬ ‫وا�ضح على عك�س ما ذهب �إليه‪ .‬فمما تدل عليه الآي��ة �أن‬ ‫حت�صل عليه على الرغم‬ ‫لكل "�إن�سان" حقه يف �سعيه الذي ّ‬ ‫من �صرف �أغلب املف�سرين املتقدمني معنى حق الإن�سان‬ ‫من �سعيه يف الأعمال التي �سيجزى بها يف الآخ��رة ‪ ،‬لكن‬ ‫كما يقال القر�آن حمال �أوجه والوجه الذي ال يتعار�ض مع‬ ‫الأحكام ال�شرعية ال م�شاحة فيه ‪ ،‬وبناء عليه ف�إن القول‬ ‫بالكد وال�سعاية يف الذمة املالية للزوجني ثابت وال دخل‬ ‫لأحدهما بالآخر �إال بطيب نف�س �أو �شراكة بر�ضاهما‪.‬‬ ‫وقد يقال ب�أن الآية ال تدل على هذا املعنى �إال من باب‬ ‫داللة الظاهر يف ا�صطالح احلنفية‪ ،‬حيث مل ي�سق الكالم‬ ‫يب‬ ‫لأجل هذا املعنى‪ .‬وحينئذ نتلو قوله تعالى‪ِ } :‬لل ِّر َجالِ ن َِ�ص ٌ‬ ‫يب ممِ َّ ا ا ْكت َ​َ�سبنْ َ { (الن�ساء‪،)32 :‬‬ ‫ممِ َّ ا ا ْكت َ​َ�س ُبوا َو ِلل ِّن َ�سا ِء ن َِ�ص ٌ‬ ‫وهي يف غاية الت�أكيد والو�ضوح‪.‬‬ ‫ويقول تعالى �أي�ضا‪" :‬و�إن �أردمت ا�ستبدال زوج مكان زوج‬ ‫و�آتيتموا �إحداهن قنطارا فال ت�أخذوا منه �شيئا‪� ،‬أت�أخذونه‬ ‫بهتانا و�إثما مبينا وكيف ت�أخذونه وقد �أف�ض بع�ضكم �إلى‬ ‫بع�ض و�أخذن منكم ميثاقا غليظا" ‪.‬‬ ‫ف�إذا ت�أملنا هذه الآيات الكرمية التي يعالج اهلل �سبحانه‬ ‫وتعالى فيها حالة املر�أة التي قطعت �شوطا �أو �أ�شواطا مع‬ ‫زوجها يف درب احلياة الزوجية‪ ،‬و�شاركته فيها حلو احلياة‬ ‫ومرها‪ ،‬جند فيها كثريا من املعاين تو�صي بعدم حرمان‬ ‫الزوجة من كدها و�شقاها والتي ت�ستحق الوقوف عندها‪،‬‬ ‫قال البي�ضاوي يف تف�سريه لال�ستبدال ‪ :‬و�إن �أردمت ا�ستبدال‬ ‫زوج مكان زوج‪ ،‬تطليق امر�أة وتزويج �أخرى وقال فيه �صاحب‬ ‫الدر املنثور‪� :‬إن كرهت امر�أتك و�أعجبتك غريها فطلقت‬ ‫هذه وتزوجت تلك‪ ،‬وقال ابن عا�شور يف تف�سريه‪� :‬إن مل يكن‬ ‫�سبب للفراق �إال �إرادة ا�ستبدال زوج ب�أخرى‪ ،‬فيلجئ التي‬ ‫يريد فراقها حتى تخالعه ليجد ماال يعطيه مهرا للتي رغب‬ ‫فيها‪ ،‬نهى عن �أن ي�أخذوا �شيئا مما �أعطوه �أزواجهم من‬ ‫مهر وغريه‪ ،‬وكلمة "قنطار" التي تعني كرثة املال املعطى‬ ‫للمر�أة وتعني �أي�ضا �أن هذه الكرثة مباحة �شرعا‪ ،‬لأن اهلل‬ ‫ال ميثل مبا ال ير�ضي �شرعه مثل احل��رام‪ ،‬و�أخ�يرا عبارة‬ ‫}�أخ��ذن منكم ميثاقا غليظا{ التي ق��ال املف�سرون فيها‬ ‫�إن املراد بامليثاق الغليظ قوله تعالى‪} :‬ف�إم�ساك مبعروف‬


‫�أو ت�سريح ب�إح�سان{‪ ،‬ويف�سر املحقق ابن عرفة الإح�سان‬ ‫بقوله‪" :‬الإح�سان �أال يظلمها يف حقها‪ ،‬فيقت�ضي الإعطاء‬ ‫وبذل املال �أ�شق على النفو�س من حيث املعا�شرة" ‪.‬‬ ‫وقد ذهب ال�شافعية واحلنابلة واحلنفية �إلى �أنه يجوز‬ ‫لللزوجة �أن ترجع على زوجها مبا �أنفقت‪ ،‬قال ابن قدامة يف‬ ‫كتابه "املغني"‪ :‬وتكون النفقة دينا يف ذمته‪� ،‬إال �أن ال�شافعية‬ ‫يرون �أنها ترجع عليه مبا �أنفقت �سوى امل�سكن‪ ،‬قال زكريا‬ ‫الأن�صاري يف "منهج الطالب" ‪ :‬ف�إن �صربت زوجته بها ك�أن‬ ‫�أنفقت على نف�سها من مالها‪ ،‬فغري ال�سكن دين عليه‪ ،‬فال‬ ‫ي�سقط مب�ضي الزمن‪ ،‬بخالف ال�سكن‪ ،‬ملا مر �أنه �إمتاع ‪.‬‬ ‫كما �أن فقه النوازل يف املذهب املالكي اهتم ب�سعاية‬ ‫الزوجة يف الأعمال الباطنة‪ ،‬كالغزل‪ ،‬والن�سج‪ ،‬والطرز‪،‬‬ ‫واع�ت�بره��ا م��ن خ�لال م��ا ج��رى ب��ه العمل �أع �م��اال منتجة‬ ‫ت�ستحق الزوجة مقابال عنها‪ ،‬فجاء يف كتاب النوازل "ب�أن‬ ‫ال �شيء على الزوجة من غ��زل ون�سج وغ�يره‪ ،‬ف��إن قامت‬ ‫بذلك متطوعة به كان للزوج حق االنتفاع بذلك وبثمنه‪،‬‬ ‫و�إن �صرحت باالمتناع عن اخلدمة �إال على وجه ال�شركة‬ ‫يف الغزل والن�سج �أو فيهما معا و�أباح لها زوجها ذلك فال‬ ‫�إ�شكال يف ا�شرتاكهما يف ذلك املعمول‪� ،‬أما �إذا �سكتت وقامت‬ ‫بالعمل دون �أن ت�صرح ب�أي وجه من الوجهني قامت به‪ ،‬هل‬ ‫على وجه التطوع �أم على وجه ال�شركة‪ ،‬ثم طالبت بعد ذلك‬ ‫بن�صيبها يف ما �أجنزته على �أ�سا�س �أنها قامت بذلك على‬ ‫وجه ال�شركة �أو الرجوع بقيمة العمل‪ ،‬و�أنكر الزوج ذلك‪،‬‬ ‫حلفت �أنها ما غزلت وال ن�سجت �إال لتكون على حظها يف‬ ‫املعمول‪ ،‬و�إذا حلفت قوم عملها يف الكتان وال�صوف فيكون‬ ‫الثوب بينهما م�شرتكا‪ ،‬وكذلك الغزل‪ ،‬هكذا روي عن مالك‬ ‫وابن القا�سم وغريهما ‪.‬‬ ‫ففكرة الكد وال�سعاية جتد �أ�سا�سها يف املبادئ العامة‬ ‫لل�شريعة الإ�سالمية القائمة على املودة والرحمة‪ ،‬والتي متت‬ ‫ترجمتها يف واقعه ق�ضى بها �سيدنا عمر بن اخلطاب ر�ضي‬ ‫اهلل عنه حينما ق�ضى يف واقعة عمر بن احل��ارث وحبيبة‬ ‫بنت زري��ق‪ ،‬حيث ك��ان زوجها ق�صارا يتجر يف الأث��واب‪،‬‬ ‫وكانت ت�ساعده يف ترقيمها حتى اكت�سبا ماال كثريا‪ ،‬فمات‬ ‫عمر وجاء ورثته وا�ستحوذوا على مفاتيح املخازن واقت�سموا‬ ‫املال بينهم‪ ،‬ف�أقامت عليهم الزوجة حبيبة بنت زريق دعوى‬ ‫وطالبت بعمل يدها و�سعايتها مرتافعة مع ال��ورث��ة �أم��ام‬

‫�أم�ير امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب‪ ،‬ال��ذي ق�ضى بينها وبني‬ ‫الورثة ب�شركة املال وق�سمته �إلى ن�صفني‪� ،‬أخذت منه حبيبة‬ ‫الن�صف بال�شركة بالإ�ضافة �إلى ن�صيبها من الإرث كزوجة‪.‬‬ ‫اما م�س�ألة حتديد الطبيعة القانونية حلق الكد وال�سعاية‬ ‫مل تلق اهتماما وا�سعا من قبل فقهاء النوازل الذين در�سوا‬ ‫و�أ�س�سوا لهذا احلق وق�ضوا به يف العديد من الق�ضايا التي‬ ‫عر�ضت عليهم‪ ،‬بل �أنهم �صبوا جل �أوقاتهم يف تنظيم‬ ‫�شروطه وق��واع��ده و�ضمان توافقه مع ال�شرع واالجتهاد‪،‬‬ ‫وهذا ما جعلهم يختلفون حول طبيعة ال�سعاية �أو الأموال‬ ‫التي ت�أخذها ال�ساعية‪ ،‬هل هي على �سبيل الأجرة يف مقابل‬ ‫جهدها املبذول يف تنمية هذه الأموال؟ �أم على �سبيل الكراء؟‬ ‫�أم ه��ي ح�صة م��ن الأرب ��اح مم��ا يعطيها �صفة ال�شركة؟‬ ‫وبالت�أمل يف خ�صو�صية حق الكد وال�سعاية والأحكام التي‬ ‫�أ�س�س عليها‪ ،‬يتبني �أنه‪:‬‬ ‫‪� -1‬إن حق الكد وال�سعاية يثبت بغ�ض النظر عن وجود‬ ‫تع�سف يف حق الطالق من عدمه‪.‬‬ ‫‪� -2‬إن حق ال�سعاية يثبت �سواء ترتب عن الطالق �ضرر ام‬ ‫ال ‪ ،‬واحلال �أن ال�ضرر ركن الزم لثبوت امل�س�ؤولية‪.‬‬ ‫‪ -3‬ان املقابل امل�ستحق عن ال�سعاية يقدر بح�سب عمل‬ ‫الزوجة‪ ،‬وما قدمته من جمهودات وما حتملته من �أعباء‬ ‫لتنمية �أموال الأ�سرة‪.‬‬ ‫لنخل�ص يف الأخ ��ر �إل��ى �أن ح��ق ال�ك��د وال�سعاية حق‬ ‫�شخ�صي‪ ،‬و�أن الكد وال�سعاية لي�ست بدعة حمدثة وال جمرد‬ ‫عرف م�صطنع �أو عادة جرى بها العمل‪ ،‬و�إمنا هي قاعدة‬ ‫جتد �سندها الواقعي يف ق�ضاء ثاين اخللفاء الرا�شدين عمر‬ ‫بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬وتتما�شى مع الفقه املالكي هو‬ ‫الذي يعطي حلق الكد وال�سعاية �أحكام ال�شركة وقد يعني‬ ‫كذلك هذا احلق ما ح�صله الزوجان خالل زواجهما ‪ ،‬مع‬ ‫اعتبار عمل املر�أة املنزيل بانه ذا عائد اقت�صادي فاملكانة‬ ‫يف الأ�سرة لي�ست فقط ملن تدبر الإنفاق و�إمن��ا �أي�ض ًا ملن‬ ‫يرعاه ويدبر �ش�ؤون املنزل وميده باحلميمية واحلنان ويعمل‬ ‫على ا�ستقرارها‪ ،‬فكل هذه الأ�سانيد تقول ب�شرعية حق الكد‬ ‫وال�سعاية بال�شكل ال�سابق بيانه‪ ،‬وتكمل بع�ضها البع�ض‪ ،‬مما‬ ‫جعل الفقهاء املغارية يولونه االجازة والتطبيق‪.‬‬

‫ ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪51‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫املنهج اخلفي و�أثره يف تعزيز‬ ‫الو�سطية واالعتدال‬ ‫�إعداد ‪ :‬د‪ /‬جمال نايف الأ�شقر‬ ‫�أ�ستاذ م�ساعد‪ /‬جامعة البلقاء التطبيقية �سابقا‬ ‫�أ�ستاذ م�ساعد ‪ /‬جامعة �صحار ‪� /‬سلطنة عمان �سابقا‬ ‫التخ�ص�ص ‪ :‬املناهج وطرائق التدري�س العامة‪.‬‬

‫مفهوم املنهج اخلفي ‪:‬‬ ‫يتعلم الطلبة ق ��در ًا ك �ب�ير ًا م��ن امل �ع��ارف واحلقائق‬ ‫واملعلومات واالجتاهات داخل املدر�سة من م�صادر غري‬ ‫املنهج املق�صود �أو املخطط له ( املنهج الدرا�سي الر�سمي)‪.‬‬ ‫وه��ذا النوع من املناهج يتخذ ع��دة �أ�سماء ولكنها حتت‬ ‫معنى واحد‪ ،‬فتارة ي�سمى املنهج اخلفي �أو ال�صامت وتارة‬ ‫ي�سمى املنهج امل�سترت �أو ال�ضمني �أو غري الر�سمي‪� ،‬أو املنهج‬ ‫املغطى‪.‬‬ ‫وال يوجد �إتفاق بني الرتبويني على تعريف دقيق وموحد‬ ‫للمنهج اخلفي �إال �أن هناك اتفاق ًا �ضمني ًا حول مفهوم‬ ‫املنهج اخلفي ال��ذي �سيت�ضح لنا من خ�لال التعريفات‬ ‫الآتية‪:‬‬ ‫يو�صف املنهج اخل�ف��ي ب�أنه‪ ":‬املنهج امل�ت�ك��ون من‬ ‫ال�سلوك والقيم وامل�ع��اين التي ُت��د َّر���س للطلبة بوا�سطة‬ ‫املدر�س �أو املدر�سة من غري تخطيط‪ .‬ويعرف �أي�ضا ب�أنه‪:‬‬ ‫" جمموعة املفاهيم والعمليات العقلية واالجتاهات والقيم‬ ‫وال�سلوكيات التي يكت�سبها املتعلم خارج املنهاج املكتوب‬ ‫بطريقة الت�شرب ودون �إ�شراف وذلك نتيجة تفاعل املتعلم‬ ‫مع زمالئه ومعلميه والإداري�ي�ن يف املدر�سة وم��ن خالل‬ ‫الأن�شطة غ�ير ال�صفية وباملالحظة وال �ق��دوة ( مرعي‬ ‫واحليلة‪)48 ،2007،‬‬ ‫ويرى (املو�سى) �أن املنهج اخلفي ميثل القيم والتوجهات التي‬ ‫تظهر يف الن�شاطات واملمار�سات وبع�ض مظاهر ال�سلوك التي‬ ‫يتعر�ض لها الطالب داخل املدر�سة‪ ،‬مما ال تت�ضمنه املقررات‬ ‫‪� 52‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫الدرا�سية‪ ،‬وهي التي يت�أثرون بها ويكت�سبونها ب�صورة غري واعية‬ ‫تقريبا ‪( .‬املو�سى‪) 40 ،2000 ،‬‬ ‫وتتمثل ه��ذه الن�شاطات واملمار�سات يف التوجيهات‬ ‫املبا�شرة التي يتلقاها الطلبة عن طريق املعلمني واملديرين‪،‬‬ ‫�أوعن طريق االقتداء به�ؤالء‪ ،‬كما ت�شمل بع�ض الن�شاطات‬ ‫املبا�شرة الأخ ��رى غ�ير ال�صفية‪ ،‬كاال�شرطة ال�سمعية‬ ‫والب�صرية �أو املحا�ضرات التوجيهية العامة التي يلقيها‬ ‫بع�ض املحا�ضرين من خ��ارج املدر�سة‪� ،‬أو يحدث خارج‬ ‫املدر�سة من ن�شاطات يكون املعلمون طرفا فيها والطالب‬ ‫هدفا لها‪.‬‬ ‫ورمبا يكون املنهج اخلفي �أبعد �أثرا يف �صوغ توجهات‬ ‫الطلبة من املناهج الدرا�سية الأكادميية نف�سها‪ ،‬و�سبب‬ ‫ذلك هو املكانة التي يتمتع بها املدر�س يف نف�س الطالب‬ ‫مما يجعله يثق به‪ ،‬فيتلقى عنه هذه القيم والتوجهات من‬ ‫غري م�ساءلة يف كثري من الأحيان‪ ،‬خا�صة حني يكون املعلم‬ ‫على قناعة كبرية مببد�أ معني‪ ،‬وداعيا ن�شيطا ملا يعتقده‪.‬‬ ‫الفوارق بني املنهج الر�سمي واملنهج اخلفي‬ ‫هناك عدة فوارق بني املنهج الر�سمي واملنهج اخلفي‬ ‫ميكن تلخي�صها فيما يلي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬املنهج الر�سمي منهج خمطط له وهو منهج مق�صود‬ ‫�أما املنهج اخلفي فهو غري مق�صود‪.‬‬ ‫‪ -2‬ت�أثري املنهج اخلفي يف التلميذ �أو�سع دائرة و�أكرث عمقا‬ ‫والر�سمي �أ�ضيق دائرة و�أقل عمقا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬نتائج املنهج اخلفي �أ�سرع انت�شار ًا من املنهج الر�سمي‪.‬‬


‫‪ -4‬نتائج املنهج الر�سمي �إيجابيةعلى الأغلب‪�،‬أمااملنهج‬ ‫اخلفي فله نتائج �إيجابية و�أخرى �سلبية‪.‬‬ ‫‪– 5‬يتعلم التلميذ من املنهج اخلفي �أ�شكال التعلم اجلماعي‬ ‫احلقائق‬ ‫بينما يتعلم من املنهج الر�سمي‬ ‫وامل�ه��ارات املق�صودة التي يوليها امل�سئولون االهتمام‬ ‫(عا�شورو�أبوالهيجاء‪)2004،233،‬‬ ‫‪ -6‬يعترب املنهج اخلفي مبثابة جوانب ثابتة ومتغرية للتعليم‬ ‫املدر�سي بعك�س املنهج الر�سمي‪ ،‬وت��ؤدي هذه اجلوانب‬ ‫�إل��ى �إح��داث التغيري يف �سلوك التالميذ (الإبراهيم‪،‬‬ ‫وعبد الرازق‪.) 1996،120 ،‬‬ ‫مظاهر و�أمثلة عن املنهج اخلفي‬ ‫‪ 1‬ـ املنهج اخلفي يف �إطار الأ�سرة‪:‬‬ ‫الأ� �س��رة ه��ي �أول جماعة يعي�ش فيها الطفل وي�شعر‬ ‫باالنتماء �إليها‪ ،‬ويتعلم كيف يتعامل مع الآخرين يف �سعيه‬ ‫لإ�شباع حاجاته‪ ،‬وتعد الأ�سرة الوحدة االجتماعية البنائية‬ ‫الأ�سا�سية يف املجتمع‪ ،‬وتن�ش�أ فيها خمتلف التجمعات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وه��ي امل�سئول الرئي�سي عن تطوير املجتمع‬ ‫وت��وح�ي��ده وتنظيم �سلوك الأف� ��راد مب��ا ي�ت�لاءم والأدوار‬ ‫االجتماعية املحددة وفق ًا للنمط احل�ضاري العام‪ (.‬نا�صر‪،‬‬ ‫‪)62 ،1996‬‬ ‫�إن تعليم الطفل الآداب والأخ�لاق احلميدة‪،‬والعادات‬ ‫ال�سليمة هو م�س�ؤولية الوالدين ولي�س م�س�ؤولية املدر�سة‬ ‫وحدها‪.‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ " :‬ما نحل وال ٌد‬ ‫ولد ًا �أف�ضل من �أدب ح�سن‪ (".‬رواه الرتمذي )‬ ‫�إن التفاعل االجتماعي يف الأ� �س��رة وال�ع�لاق��ات بني‬ ‫�أف��راده��ا‪،‬واحل�ي��اة اليومية فيها تعلم الطفل الكثري من‬ ‫ال�سلوكيات‪ ،‬واخل�ب�رات التي قد ال يتعلمها الفرد �إال يف‬ ‫حميط �أ�سرته‪ ،‬فهي اجلماعة الأولية التي يخ�ضع الفرد‬ ‫ل�سلطانها‪ ،‬وت��زوده بالعادات‪ ،‬والقيم‪ ،‬وهي �أه��م و�أخطر‬ ‫م�ؤ�س�سات التن�شئة االجتماعية‪.‬‬ ‫وميكن �أن نعطي بع�ض الأمثلة لت�أثري الأ�سرة والوالدين‬ ‫بخا�صة على �سلوك الطفل فيما يدخل �ضمن املنهج اخلفي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ يتعلم الطفل م��ن خ�لال ال�ق��دوة الكثري م��ن ال�ع��ادات‬ ‫والأخ�ل�اق الإيجابية‪ :‬كال�صدق والأم��ان��ة واملحافظة‬ ‫على ال�صالة وال�صدقة‪� ...‬إلخ وذلك من خالل التزام‬ ‫الوالدين مثال بتعاليم الدين‪ ،‬وقد يتعلم من خالل القدوة‬ ‫�أي�ض ًا عك�س ذلك فيتعلم الكذب و�إهمال العبادات‪�...‬إلخ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ميكن �أن يتعلم الطفل العنف والق�سوة �إذا عامله الوالدين‬ ‫بق�سوة وا�ضطهاد‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ �إذا �أ�سرف الوالدان يف تدليل �أبنائهم فقد ينتج عن ذلك‬

‫الت�سيب وعدم االن�ضباط يف ال�سلوك وعدم القدرة على‬ ‫حتمل امل�س�ؤولية عند الأبناء‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ �إه �م��ال الطفل وع��دم الإه�ت�م��ام مب��ا ي�صدر عنه من‬ ‫�سلوكيات �إيجابية �أو �سلبية يخلق �شخ�صية قلقة مرتددة‬ ‫متخبطة يف �سلوكها‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ ع��دم امل�ساواة بني الأب�ن��اء والتفريق بينهم قد يجعل‬ ‫�شخ�صية الطفل حقودة و�أنانية‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ قد يكت�سب الطفل عادة التدخني �إذا كان �أحد الوالدين‬ ‫�أو كالهما مدخن ًا‪.‬‬ ‫‪ -2‬املنهج اخلفي يف �إطار املدر�سة‪:‬‬ ‫ميكن �أن جند املنهج اخلفي فيما يتعلمه الطالب من‬ ‫طبيعة العالقة بني املدير واملعلمني‪ ،‬و�أ�سلوب تعامل املعلمني‬ ‫مع الطالب‪ ،‬وعالقة املعلمني مع بع�ضهم البع�ض‪ ،‬وترتيب‬ ‫الف�صول ونوع الأثاث وو�ضعه يف املدر�سة‪ ،‬و�أحاديث املعلمني‬ ‫العلمية والثقافية واالجتماعية‪ ،‬وتوزيع الوقت الدرا�سي‪،‬‬ ‫واللوائح والأنظمة والتعليمات التي تطبق عليهم‪.‬‬ ‫وم��ن املمكن حتديد بع�ض املظاهر التي متثل املنهج‬ ‫اخلفي يف البيئة املدر�سية ومنها‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ال�سلوك ال�شخ�صي للمعلم‪ ،‬وعالقته بالتالميذ‪ ،‬و�أي�ض ًا‬ ‫مبدير املدر�سة وباملعلمني الآخرين‪ ...‬فيتعلم التلميذ‬ ‫من طريقة تعامل املعلم معه الكثري من �أمناط ال�سلوك‪،‬‬ ‫فقد يتعلم احرتام الآخرين وتقديرهم �إذا عامله املعلم‬ ‫باحرتام وتقدير‪ ،‬وقد يتعلم ال�سخرية من الآخرين وعدم‬ ‫تقديرهم �إذا عامله املعلم ب�سخرية وازدراء‪ ..‬وهكذا‬ ‫‪ 2‬ـ يتعلم التلميذ الت�سيب وعدم االلتزام بالقوانني والأخالق‬ ‫والنظم �إذا كان املعلم مت�ساه ًال مع التالميذ وال يكرتث‬ ‫ب�أخطائهم‪.‬‬ ‫‪3‬ـ يتعلم التالميذ الإهمال لآراء الآخرين ومقاطعتهم �إذا‬ ‫كان املعلم يقاطعهم وال يرتك لهم حرية يف التعبري عن‬ ‫�آرائ�ه��م‪،‬ويف املقابل قد يتعلم ح�سن الإ�صغاء واحرتام‬ ‫�آراء الآخرين �إذا كان املعلم ي�صغي لتالميذه ويرتك لهم‬ ‫حرية التعبري عن �أفكارهم و�آرائهم و قد يتعلم التعايل‬ ‫والتكرب �إذا عامله املعلم بهذا وقد يتعلم التوا�ضع �إذا‬ ‫عومل به‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ طريقة تناول املناهج املكتوبة لبع�ض امل�سائل قد تكون‬ ‫�ضعيفة �أو خاطئة فت�ؤدي �إل��ى عك�س امل��راد‪ .‬فقد يقر�أ‬ ‫الطالب م��ن ب�ين ال�سطور معاين ال يق�صدها املنهج‬ ‫املكتوب‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ نظام املدر�سة مبا يت�ضمنه من عدد �ساعات الدوام‪ ،‬ومن‬ ‫توزيع تلك ال�ساعات‪ ،‬ومن وجود ف�صل بني اجلن�سني �أو‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪53‬‬


‫دراسات الوسطية‬ ‫اختالط‪ ،‬ومن �ضبط لنظام الثواب والعقاب �أو ت�س ُّيب‬ ‫فيه‪....‬‬ ‫‪ -6‬ويقال مثل ذل��ك عن املفارقة بني الأه��داف الرتبوية‬ ‫يج�سد تلك‬ ‫املعلنة‪ ،‬وب�ين امل�ح�ت��وى ال ��ذي ينبغي �أن ِّ‬ ‫الأهداف‪.‬‬ ‫‪ -7‬البناء املدر�سي مبا يحويه (�أو يفتقده) من م�سجد‬ ‫ومالعب وخم�ت�برات ومكتبة وتدفئة وتهوية ومقاعد‬ ‫مريحة وحجم منا�سب لغرفة ال�صف ولعدد التالميذ‬ ‫ف �ي �ه��ا‪ ،‬و�أج� �ه ��زة ك�م�ب�ي��وت��ر وق ��اع ��ات ل�ل�م�ح��ا��ض��رات‬ ‫والأن�شطة‪...‬‬ ‫‪ 8‬ـ العالقة بني التلميذ وزمالئه وتفاعله معهم وما ميكن‬ ‫�أن يتعلمه منهم من خالل التقليد �أو الت�أثري و الإقناع‪.‬‬ ‫فقد يتعلم التلميذ من زمالئه يف الف�صل عادات طيبة‬ ‫و�إيجابية كالنظافة وح��ب التعلم وال�صدق والأم��ان��ة‬ ‫واحرتام الآخرين‪� ...‬إلخ �إذا كان زمال�ؤه ملتزمني بهذه‬ ‫ال�سمات وقد يتعلم الغ�ش والكذب والالمباالة وال�سخرية‬ ‫من الآخرين �إذا كان زمال�ؤه هكذا‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ الأن�شطة التي ي�شرتك فيها التلميذ يف املدر�سة تعلمه‬ ‫الثقة بالنف�س والتعاون وحب العمل وتنظيم الوقت ح�سب‬ ‫طبيعة الن�شاط والدور الذي يلعبه التلميذ فيه‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ جماعة الأقران واملنهج اخلفي‪:‬‬ ‫�إن الطفل يحتاج لتكوين جماعة غالب ًاما تكون يف مثل‬ ‫�سنه هم �أ��ص��دق��ا�ؤه و�أق��ران��ه وي�ق��ارن نف�سه بهم‪ ،‬ويقوم‬ ‫الأق��ران ب��دور فعال يف �إك�ساب الأف��راد �سلوكيات معينة‪،‬‬ ‫حيث يتم من خالل تدعيمهم ل�سلوك زمالئهم‪ .‬فالطفل مع‬ ‫الأقران يدخل يف خربات جديدة تختلف عما ظهر يف حدود‬ ‫الأ�سرة ال�ضيقة‪ ،‬فمجتمع الأقران يت�صف باالت�ساع ( عمر‪،‬‬ ‫‪) 124 ،1988‬‬ ‫ومن خالل االقتداء واملحاكاة للأقران يتعلم الفرد‬ ‫الكثري من ال�سلوكيات ويكت�سب العديد من االجتاهات‬ ‫فمث ًال‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ يتعلم الطفل م��ن خ�لال حم��اك��اة �أق��ران��ه الكثري من‬ ‫الأخالق وال�سلوكيات االيجابية مثل‪ :‬ال�صدق والأمانة‬ ‫وااللتزام بالدين‪� ،‬إذا انخرط يف جماعة �أق��ران تت�سم‬ ‫بهذه ال�سمات الطيبة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ �أي�ض ًا من خالل املحاكاة يتعلم الطفل الأخالق والعادات‬ ‫ال�سيئة مثل الغ�ش وتعاطي املخدرات والتدخني والكذب‬ ‫وال�سرقة‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ولذلك فقد حث الإ�سالم على �أهمية االختالط بالرفقاء‬ ‫ال�صاحلني والنهي عن رفقاء ال�سوء‪.‬‬ ‫‪� 54‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪ 4‬ـ و�سائل الإعالم و املنهج اخلفي‪:‬‬ ‫املق�صود بو�سائل الإع�لام جميع امل�ؤ�س�سات والهيئات‬ ‫احلكومية‪ ،‬والأهلية التي تن�شر الثقافة للجماهري‪ ،‬وتعنى‬ ‫بالنواحي الرتبوية كهدف لتكيف الفرد مع اجلماعة‪ ،‬ومن‬ ‫هذه امل�ؤ�س�سات ال�صحف‪ ،‬واملجالت‪ ،‬والإذاعة‪ ،‬والتلفزيون‪،‬‬ ‫و �شبكة املعلومات( الإنرتنت ) على اعتبار �أنها تقدم من‬ ‫املعلومات �أكرث مما يقدم عرب و�سائل الإعالم الأخرى‪.‬‬ ‫ومما ال �شك فيه ونحن نعي�ش هذه التطورات املذهلة‬ ‫يف عامل الإعالم واالت�صاالت �أن يلعب الإعالم دور ًا هام ًا‬ ‫وخطري ًا يف الت�أثري على اجتاهات الأفراد و�سلوكياتهم‪.‬‬ ‫�إن ت�أثري و�سائل الإعالم يف اجتاهات الأفراد و�أفكارهم‬ ‫كبري وخطري‪ ،‬ونحن اليوم يف هذا الوقت الذي تطورت فيه‬ ‫و�سائل الإعالم �إلى ٍ‬ ‫حد بعيد جد ًا لنواجه خطر ًا ج�سيم ًا على‬ ‫فكري ي�ستهدف‬ ‫قيمنا و�أخالقنا الإ�سالمية‪،‬مع وجود غز ٍو ٍ‬ ‫هذه القيم والأخ�لاق ؛ ف�أ�صبح لزام ًا علينا مواجهة هذا‬ ‫اخلطر وذلك بغر�س القيم واملبادئ ال�صحيحة يف نفو�س‬ ‫�أبنائنا مما ي�ساعدهم على التمييز بني الغث وال�سمني مما‬ ‫يبث عرب الو�سائل الإعالمية املختلفة التي �أ�صبحت يف‬ ‫متناول اجلميع‪،‬و�أ�صبح من ال�صعب التحكم فيها �أو منعها‪.‬‬ ‫وهنا ي�أتي دور الأ�سرة يف مراقبة الأبناء وتوجيههم وقبل‬ ‫ذلك تربيتهم الرتبية الإميانية التي حتميهم من الت�أثري‬ ‫ال�سيئ لهذه الو�سائل‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ ت�أثري امل�سجد يف �سلوك الأفراد واجتاهاتهم‪:‬‬ ‫ي�ؤدي امل�سجد وظيفة حيوية يف حياة الأفراد واجلماعات‪،‬‬ ‫وهو م�ؤ�س�سة هامة من م�ؤ�س�سات الرتبية والتعليم ؛ ففي‬ ‫امل�سجد تنطلق الدعوة �إلى التم�سك ب�أهداب الدين‪ ،‬والقيم‬ ‫اخللقية والروحية‪ ،‬والتقرب من اهلل �سبحانه وتعالى وهذه‬ ‫تربية �إميانية نحن اليوم يف �أم�س احلاجة للرتكيز عليها‪.‬‬ ‫وال بد من الت�أكيد على �أن املتغريات اجلديدة تت�سم‬ ‫بانفتاح هائل لل�شهوات‪ ،‬و�أبواب الف�ساد املحرمة‪ ،‬من خالل‬ ‫القنوات الف�ضائية و�شبكة الإنرتنت‪ ،‬واالنفتاح املتزايد على‬ ‫العامل الآخر‪.‬‬ ‫وال يوجد م�ؤ�س�سة ترعى الرتبية الإميانية �أف�ضل من‬ ‫امل�سجد ؛ ذلك �أن امل�سجد فيه اجلو الرباين ال��ذي يلقي‬ ‫بظالله الروحية على الإن�سان ال �سيما �أن امل�سلم يت�صل‬ ‫بامل�سجد خم�س مرات يف اليوم من خالل �صلواته اخلم�س‪.‬‬ ‫وميكن �أن يلعب امل�سجد ه��ذا ال��دور م��ن خ�لال‪ :‬حلقات‬ ‫الذكر‪ ،‬مراكز حتفيظ القر�آن والندوات واملحا�ضرات‪�...‬إلخ‬ ‫‪ 6‬ـ ت���أث�ي�ر م ��ؤ� �س �� �س��ات �أخ � ��رى يف امل�ج�ت �م��ع ( الأن��دي��ة‬ ‫واجلمعيات‪)...‬‬


‫مع تطور احلياة‪ ،‬وتراكم الثقافة‪ ،‬وتنوعها ظهرت يف‬ ‫املجتمع م�ؤ�س�سات اجتماعية متنوعة مل تعرف من قبل‪.‬من‬ ‫بني هذه امل�ؤ�س�سات الأندية مبختلف �أنواعها فهناك �أندية‬ ‫ريا�ضية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬وعلمية‪ .‬وعلى الرغم من التخ�ص�ص يف‬ ‫ناحية معينة لهذه الأندية �إال �أننا جند لها اهتمامات يف‬ ‫�ش�ؤون متعددة‪ ،‬وجندها توفر لأع�ضائها العديد من �ألوان‬ ‫الن�شاطات‪.‬‬ ‫و�سائل �ضبط املنهج اخلفي والتقليل من �آثاره ال�سلبية‬ ‫�إن م�شكلة توجيه املنهج اخلفي و�ضبطه واحل��د من‬ ‫�آث��اره ال�سلبية على النا�شئة ت�شكل مهمة لي�ست بالي�سرية‬ ‫على املربني‪ ،‬ومهما يكن‪ ،‬ف�إن احلاجة ملحة �إلى �ضرورة‬ ‫الإ� �ش��راف املتوا�صل على الأب�ن��اء وتوجيههم با�ستمرار‪،‬‬ ‫واالهتمام مب�صاحلهم ورغباتهم وحاجاتهم‪ ،‬وقد يتحقق‬ ‫ذلك من خالل التعاون والتن�سيق الهادف واملدرو�س بني‬ ‫املدر�سة واملجتمع املحلي التابعة له ( حمدان‪.) 38 ،1982 ،‬‬ ‫�إن ال�سلوكيات اخلاطئة والأفكار املنحرفة واملعلومات‬ ‫املغلوطة ال يتعلمها الطالب على علم ودراية من املدر�سة و�إمنا‬ ‫غالب ًا ما تكون من خالل املنهج اخلفي لأن املنهج الر�سمي‬ ‫املعلن يخ�ضع للتخطيط‪ ،‬وحمتواه ين�سجم والأهداف العليا‬ ‫التي تن�شدها املدر�سة كما �أنه يخ�ضع للإ�شراف واملتابعة‬ ‫من قبل املعلم و�إدارة املدر�سة والإ�شراف الرتبوي‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ف�إن النتائج التي يحققها املنهج الر�سمي هي نتائج م�ضمونة‬

‫ت�صب يف املقا�صد ال�سامية للرتبية‪� .‬أما املنهج اخلفي ف�إذا‬ ‫كان بعيد ًا عن الإ�شراف واملتابعة والرقابة ف��إن الطالب‬ ‫يكت�سب من خالله �سلوكيات ومفاهيم وقيم غري مرغوب‬ ‫فيها‪ ،‬ت�سهم يف ت�شكيل �أمناط �شخ�صيته وبالتايل تنعك�س‬ ‫على �سلوكياته داخل املدر�سة وخارجها‪.‬‬ ‫ولكي يقوم املنهجان املعلن واخلفي بدورهما يف �إ�شاعة‬ ‫روح الأمن و�صناعة الوحدة الوطنية وال�سلوك الذي يت�سم‬ ‫بالو�سطية واالعتدال ينبغي اتخاذ العديد من الإجراءات‬ ‫والإحتياطات والتدابريمنها‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ تنمية ال��وازع الديني لدى الطلبة و القائم على التقوى‬ ‫وااللتزام باملبادئ النابعة من العقيدة الإ�سالمية وما‬ ‫حت�ض عليه من �آداب وقيم واجتاهات‪� ،‬إ�ضافة �إلى تعميق‬ ‫مفهوم الو�سطية لديهم مبا ميكنهم من فهم دينهم فهما‬ ‫متكامال ومتوازنا و لي�شكل ذلك لديهم املعيار الذي على‬ ‫�أ�سا�سه ي�ضبط الطالب �سلوكه وت�صرفاته ويقبل �أو يرف�ض‬ ‫القيم والأفكار التي يتلقاها من خالل املنهج اخلفي‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقوية الإرادة عند الطالب لأن املنهج اخلفي مفتوح‬ ‫ويتطلب االختيار ال�سليم من كل ما يعر�ض عليه واالختيار‬ ‫ال�سليم يتطلب الإرادة القوية‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ الوقاية خري من العالج‪ ،‬وحماولة �إبعاد الطالب عن‬ ‫املمار�سات التي ت�ؤدي �إلى �إك�سابهم بع�ض ال�سلوكيات‬ ‫والقيم �أو الأفكار غري املرغوب فيها‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪55‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫‪4‬ـ ال�ترك�ي��ز �أث �ن��اء املنهج املعلن على امل�ستويات العليا‬ ‫واملتقدمة يف التفكري مثل التحليل والتقييم واحلكم على‬ ‫الأ�شياء لي�ستطيع الطالب عند تعر�ضه للمنهج اخلفي �أن‬ ‫يقيم الأ�شياء ويحكم عليها ومن ثم يختار على ب�صرية‬ ‫بد ًال من الرتكيز على التلقني والتذكر وهي م�ستويات‬ ‫دنيا تعود الطالب على تقبل الأ�شياء على عالتها ودون‬ ‫متحي�ص �أو درا�سة واعية ناقدة‪.‬‬ ‫‪ -5‬الرتكيز يف املدر�سة على مهارات تطوير الذات وبناء‬ ‫ال�شخ�صية وتعزيز الثقة بالنف�س وتقبل النقد واحرتام‬ ‫الآخر وهي مهارات ميكن تدريب طالبنا عليها وتطوير‬ ‫قدراتهم واكت�شاف ذواتهم ليكون الطالب ق��ادر ًا على‬ ‫التعامل ب�إيجابية مع املواقف اجلديدة التي يتعر�ض لها‪.‬‬ ‫‪�-6‬إذك��اء روح الو�سطية وتبيان �أهمية املنهج الو�سطي ‪,‬‬ ‫و�أهمية الثبــات عليه وعدم النكو�ص والرتاجع عنه‪.‬‬ ‫‪� 56‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪ -7‬ح�سن اختيار القيادات على اختالف مواقعها يف كل‬ ‫ال�ش�ؤون الدينية واملدنية والع�سكرية و�أن تكون هذه‬ ‫القيادات املختارة من الذين يثبت �أنهم ميثلون فئة‬ ‫الو�سط كما بني ذلك القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‪.‬‬ ‫‪� -8‬أال ي�سمح با�ستغالل �أي خا�صية م��ن �أي ن��وع ك��ان يف‬ ‫تر�سيخ �أو ت�أ�صيل �أو بث قيم تخرج عن الو�سطية التي‬ ‫حددها القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية �سواء كان ذلك‬ ‫على املنابر �أو يف قاعات التعليم والتعلم �أو يف الأندية‬ ‫الأدبية والثقافية �أو يف املع�سكرات ونحوه ‪ ,‬كما �أن هذا‬ ‫ينطبق على الذين يحاولون الإق�لال من مكانة الدين‬ ‫والثقافة الأ�صيلة املقرتنة به‪.‬‬ ‫‪� --9‬أن تلتزم م�ؤ�س�سات الرتبية والتعليم الر�سمية وغري‬ ‫الر�سمية بت�أكيد االن�ت�م��اء الوطني وحتقيق ال��وح��دة‬ ‫الوطنية‪ ,‬واعتبار �أن �أي نوع من التعامل ال��ذي ي�شكل‬


‫متييز ًا �أو تفرقة هو من قبيل االع�ت��داء على الوحدة‬ ‫الوطنية‪.‬‬ ‫‪ -10‬العمل على �إط�لاق تطبيقات و�آليات تنمية مهارات‬ ‫التفكري العلمي واملو�ضوع الإبداعي والنقدي يف خمتلف‬ ‫املمار�سات الرتبوية الر�سمية وغري الر�سمية �سعي ًا لتقوية‬ ‫التفكري االجتماعي ‪ ,‬والتخل�ص من الأفكار التقليدية يف‬ ‫احل��وار واملناق�شة والطرح ‪ ,‬وتقلي�ص ًا خلا�صية ال��ر�أي‬ ‫الأوحد ‪ ,‬والت�سلطية الرتبوية‪.‬‬ ‫�إن املناهج اخلفية ذات م�صادر تفوق املناهج املعلنة ويكاد ال‬ ‫يوجد م�صدر واحد ال ت�ستثمره املناهج اخلفية يف �سبيل‬

‫تر�سيخ �أو �إ�ضفاء قيم معينة لدى جميع �شرائح املجتمع‬ ‫وفئاته‪� .‬إن �أي خلل يف �أي جهاز ر�سمي �أو غري ر�سمي‬ ‫يف الدولة هو م�صدر ملعلومات تبث يف نفو�س النا�شئة‬ ‫وغريهم وت�ترك �أث��ر ًا بين ًا لديهم ي�صعب تغيريه عرب‬ ‫�أ�ساليب املنهج املعلن ‪ ,‬ومن هنا كان �ضروري ًا �أن تتناغم‬ ‫املناهج املعلنة واخلفية ولكن هذا التناغم ال ميكن �أن‬ ‫يحدث على الإط�لاق �إال يف �إط��ار �سيا�سات �إ�صالحية‬ ‫جذرية عامة تكاملية‪.‬‬ ‫و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫ ‬

‫املراجع‬ ‫ـ القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫ـ احلديث النبوي ال�شريف‪.‬‬ ‫ـ الإبراهيم‪ ،‬عبد الرحمن ح�سن وعبد الرازق‪ ،‬طاهر حممد ( ‪ .) 1996‬ت�صميم املناهج وتطويرها‪ :‬مناذج وتطبيقات‪.‬‬ ‫القاهرة‪ :‬دار النه�ضة العربية‪.‬‬ ‫ـ حمدان‪ ،‬حممد زياد (‪ .) 1982‬املنهج‪� :‬أ�صوله و�أنواعه ومكوناته‪ .‬الريا�ض‪ :‬دار الريا�ض للن�شر والتوزيع‪.‬‬ ‫ـ �شحاتة‪ ،‬ح�سن و�أبو عمرية‪ ،‬حمبات (‪ .)1994‬املعلمون واملتعلمون‪� :‬أمناطهم و�سلوكهم و�أدوارهم‪ .‬ط‪ ،4‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬ ‫الدار العربية للكتاب‪.‬‬ ‫ـ �ضمرة‪ ،‬عزمي �أحمد (‪ .) 2002‬حتليل املناهج وتقوميها ونقدها‪ .‬بريوت‪ :‬الوراق للن�شر والتوزيع‪.‬‬ ‫ـ عا�شور‪ ،‬راتب قا�سم و �أبو الهيجاء‪ ،‬عبد الرحيم عو�ض (‪ .)2004‬املنهج بني النظرية والتطبيق‪ .‬ط‪ ،1‬عمان‪ :‬دار امل�سرية‬ ‫للن�شر والتوزيع والطباعة‪.‬‬ ‫ـ ع�صفور‪ ،‬رم�ضان �أحمد عبد ربه ( ‪ .) 2002‬الإ�سالم والعامل بني الت�سامح والتع�صب‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪.‬‬ ‫ـ عطا‪� ،‬إبراهيم حممد ( ‪ .) 1992‬املناهج بني الأ�صالة واملعا�صرة‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة النه�ضة امل�صرية‪.‬‬ ‫ـ عمر‪ ،‬ماهر حممود (‪� .)1988‬سيكولوجية العالقات االجتماعية‪ .‬ط‪ ،1‬اال�سكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪.‬‬ ‫ـ الفتالوي‪� ،‬سهيلة حم�سن كاظم وهاليل‪� ،‬أحمد (‪ .) 2006‬املنهاج التعليمي والتوجه الأيديولوجي‪ .‬عمان‪ :‬دار ال�شروق‪.‬‬ ‫ـ مرعي‪ ،‬توفيق �أحمد واحليلة‪ ،‬حممد حممود (‪ .)2007‬املناهج الرتبوية احلديثة‪ :‬مفاهيمها وعنا�صرها و�أ�س�سها‬ ‫وعملياتها‪ .‬ط‪ ،5‬عمان‪ :‬دار امل�سرية‪.‬‬ ‫ـ نا�صر‪� ،‬إبراهيم (‪ .)1996‬علم االجتماع الرتبوي‪ .‬ط‪ ،2‬بريوت‪ :‬دار اجليل‪.‬‬ ‫ـ ن�شوان‪ ،‬يعقوب ح�سني (‪ .)2005‬الرتبية يف الوطن العربي‪ .‬ط‪ ،1‬عمان‪ :‬دار الفرقان للن�شر والتوزيع‪.‬‬ ‫ـ الوكيل‪ ،‬حلمي �أحمد وحممود‪ ،‬ح�سني ب�شري (‪ .)1999‬االجتاهات احلديثة يف تخطيط وتطوير مناهج املرحلة الأولى‪.‬‬ ‫القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪57‬‬


‫فتاوى اسالمية‬

‫فتاوى �شرعية‬ ‫�إ�رشاف �أ‪.‬د‪ .‬حممد الق�ضاة‬

‫ال�س�ؤال الأول ‪:‬‬ ‫ما احلكم ال�شرعي يف �أداء الق�سم على فري�ضة احلج‪،‬‬ ‫وما الت�أ�صيل ال�شرعي لهذه امل�س�ألة ؟‬ ‫• ال يخفى على �أحد تزايد عدد احلجاج وهلل احلمد‪،‬‬ ‫وم��ن �أ�سباب ه��ذا التزايد ال�صحوة الدينية ل��دى الأم��ة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬و�سهولة الو�صول �إلى مكة املكرمة‪ ،‬فلو ترك‬ ‫الأمر بال تنظيم ملا ا�ستطاعت �ساحات احلرم �أن ت�ستوعب‬ ‫احلجاج‪ ،‬وبهذا ُيحرم ال�ضعيف ماديا �أو معنويا من �أداء‬ ‫فري�ضة احل��ج‪ ،‬ويبقى املجال للأقوياء ل�ي��ؤدوا املنا�سك‬ ‫مرات عديدة‪ ،‬فكان البد من تنظيم هذا الأم��ر‪ ،‬فاتفقت‬ ‫الدول الإ�سالمية على �أن يكون لكل دولة عددا من احلجاج‬ ‫يتنا�سب مع عدد �سكانها وت��رك لكل دول��ة �أن تنظم هذا‬ ‫الأمر بني مواطنيها‪.‬‬ ‫ويف الأردن ُن ِّ�سق الأمر‪ ،‬بحيث تكون الأولوية ملن تقدمت‬ ‫بهم ال�سن ولأ��ص�ح��اب الأع ��ذار اخلا�صة مم��ن مل ي ��ؤدوا‬ ‫فري�ضة احلج‪ ،‬وغالبا ما يكون ه�ؤالء ممن جتاوزوا ال�ستني‬ ‫من �أعمارهم‪ ،‬والب��د من و�سيلة ملعرفة َم� ْ�ن حج َوم� ْ�ن مل‬ ‫يحج‪ ،‬وقد ارت�أت وزارة الأوقاف يف الأردن �أن يحلف اليمني‬ ‫من �أراد فري�ضة احلج �أنه مل يحج‪ ،‬وهذا �أمر م�شروع �إذا‬ ‫بنى على ذلك حتقيق م�صلحة �شرعية‪ ،‬وامل�صلحة هنا �أن‬ ‫ال يحج من �أدى فري�ضة احلج ويحرم من مل يحج‪ ،‬ومثل‬ ‫هذا ما يفعله القا�ضي من ا�ستحالف املدعي كي ال ت�ضيع‬ ‫احلقوق ‪ .‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الثاين ‪:‬‬ ‫ماحكم بيع و�شراء ت�أ�شريات احلج بني النا�س؟ وهل‬ ‫هناك فرق بني من ا�ضطر لذلك �أو من كان و�ضعه املادي‬ ‫جيدا ومن كان غري ذلك؟‬ ‫• بيع ت�أ�شريات احلج ال يجوز لأن ال�سفارة ال�سعودية‬ ‫متنح بع�ض النا�س ت�أ�شريات ليحجوا من باب املجاملة التي‬ ‫تهتم بها ال�سفارة لإبقاء عالقة طيبة بني ال�سفارة والبلد‬ ‫امل�ضيف‪ ،‬وهذه الت�أ�شريات ال حت�سب من العدد املخ�ص�ص‬ ‫للدولة امل�ضيفة‪ ،‬ومن يبيع ت�أ�شرية منحت له فهذا �أي�ضا‬ ‫ال ي�ج��وز‪ ،‬فالت�أ�شرية املمنوحة يجب �أن تكون على قدر‬ ‫‪� 58‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫احلاجة‪ ،‬ومن منحت له �إما �أن ي�ستعملها و�إما �أن يردها �إلى‬ ‫�أ�صحابها‪� ،‬أما بيعها فهو من ال�سحت احلرام ‪ .‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الثالث ‪:‬‬ ‫ه��ل زي���ارة العيدين تكفي ك�صلة للرحم ؟ وم��ن هم‬ ‫الأرحام اللذين يجب �صلتهم ؟‬ ‫• ال�ضابط يف حتقيق �صلة الرحم �أن ال يكون الوا�صل‬ ‫قد اعتاد �أن ي�صل رحمه بعدد من الزيارات‪� ،‬أو ببع�ض املال‬ ‫والهدايا‪� ،‬أو بقدر من االت�صال واملحادثة ثم بعد ذلك يقطع‬ ‫هذا النوع من ال�صلة بالكلية‪ ،‬فحينئذ يقع هذا القاطع‬ ‫بذنب عظيم‪ ،‬فقد قال الر�سول ‪ " : ‬ال يدخل اجلنة قاطع‬ ‫" متفق عليه‪ ،‬يعني قاطع رحم‪.‬‬ ‫والأرح��ام هم ‪ :‬الأق��ارب من جهة الأب والأم‪ :‬فيدخل‬ ‫فيهم الأج���داد واجل ��دات والأع �م��ام وال�ع�م��ات والأخ ��وال‬ ‫واخلاالت ‪ .‬واهلل تعالى �أعلم‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الرابع ‪:‬‬ ‫ق��د تقع ال���ردة ع��ن الإ���س�لام م��ن ال���زوج �أو ال��زوج��ة �أو‬ ‫منهما معا‪ ،‬وقد تكون قبل الدخول �أو بعده‪ ،‬فما احلكم‬ ‫�إذا وقعت الردة بعد الدخول ؟‬ ‫• اختلف الفقهاء يف حكم هذا امل�س�ألة على قولني ‪:‬‬ ‫ الأول ‪ :‬ذهب احلنفية واملالكية �إلى �أنه �إذا ارتد امل�سلم‬‫بانت منه امر�أته م�سلمة كانت �أو كتابية‪� ،‬إذا دخل بها‪ ،‬ولها‬ ‫كامل املهر ونفقة العدة‪.‬‬ ‫ الثاين ‪ :‬يرى ال�شافعية واحلنابلة يف �أ�شهر الروايتني‬‫�أن العقد موقوف ف�إن تاب ورجع �إلى الإ�سالم مدة العدة‬ ‫عادت �إليه زوجته بدون عقد وال رجعة و�إن مل يتب خالل‬ ‫مدة العدة ف�سخ العقد‪ ،‬ف�إن تاب بعد ذلك مل يكن له �أن‬ ‫يعود �إليها �إال بعقد ومهر جديدين ‪ .‬وال�ق��ول الثاين هو‬ ‫الراجح واهلل �أعلم‪.‬‬

‫ ‬


‫الركن الطبي‬

‫هـــذا خلــق اللــه‬ ‫د‪.‬ذيب عبد اهلل‬ ‫ا�ست�شـاري طـب الأطفـال‬

‫يقول اهلل عز وجل‪ُ }:‬ه َو ا َّل ِذي خَ َل َق ُكم ِّمن ُت َر ٍاب ُث َّم‬ ‫ِمن ُن ّْط َف ٍة ُث َّم ِم ْن َع َل َق ٍة ُث َّم ُيخْ رِ ُج ُك ْم ِط ْفلاً ُث َّم ِل َت ْب ُلغُوا �أَ�شُ َّد ُك ْم‬ ‫ُث َّم ِل َت ُكو ُنوا �شُ ُيوخً ا َو ِمن ُكم َّمن ُي َت َو َفّى ِمن َق ْب ُل َو ِل َت ْب ُل ُغوا �أَ َجلاً‬ ‫ون{ (�سورة غافر الآية ‪ )67‬فلنتوقف قليلاً‬ ‫ُّم َ�س ًّمى َو َل َع َّل ُك ْم َت ْع ِق ُل َ‬ ‫عند قوله‪" :‬ثم يخرجكم طفل"‪ .‬فعامل الطفولة فيه الكثري‬ ‫من الأ�سرار‪ ،‬ومن �آيات اهلل‪ ،‬لعلنا �أدركنا القليل منها‪ ،‬ولعل‬ ‫الكثري مل ي�أذن اهلل باكت�شافه بعد‪.‬‬ ‫يخرج الطفل من بطن �أم��ه وقبل ذلك هناك هرمون‬ ‫ُيفرز يف الدم يحافظ على بقاء اجلنني يف بطن �أم��ه‪ ،‬ثم‬ ‫عندما حتني حلظة ال��والدة يتوقف ه��ذا الهرمون ويبد�أ‬ ‫�إفراز هرمون �آخر يعمل على انقبا�ض الرحم ليخرج الطفل‬ ‫معافى �سلي ًما‪ ،‬فمن الذي �أمر الهرمون الأول �أن يتوقف‪،‬‬ ‫ومن الذي �أمر الهرمون الثاين �أن يبد�أ العمل‪.‬‬ ‫تخرج �إف���رازات م�صحوبة بقليل م��ن ال��دم م��ن عنق‬ ‫الرحم (عالمة ال��والدة) ون��زول ه��ذه الإف ��رازات ي�ساعد‬ ‫على تو�سع عنق الرحم ويزداد انقبا�ض الرحم وي�أذن اهلل‬ ‫بخروج الطفل من بطن �أمه‪ ،‬و�أمتنى �أن نلحظ ما ي�أتـي ‪:‬‬ ‫�إن عظام جمجمة الطفل لي�ست عظمة واح��دة مغلقة‬ ‫مثل الكرة‪ ،‬ولكنها جمموعة ُعظيمات‪ ،‬وهي غري ملتحمة‬ ‫ببع�ضها‪ ،‬ولهذا فوائد عظيمة‪ ،‬فلو كانت عظمة واحدة �أو‬ ‫كانت ملتحمة ببع�ضها البع�ض ملا �سهل خروج الطفل‪ ،‬ولكن‬ ‫ق��درة اهلل ع��ز وج��ل (ث��م نخرجكم ط�ف�ًل�اً ) جعلت الأم��ر‬ ‫مي�سو ًرا‪ ،‬فعند ال��والدة تتداخل فيما بينها في�سهل بذلك‬ ‫خروج الطفل‪ ،‬ولو كانت وحدة واحدة ملتحمة م ًعا ملا �سهل‬ ‫خروج الطفل ولو خرج �سيكون م�صا ًبا ب�شلل دماغي فال‬ ‫يكرب حجم الدماغ نتيجة نزيف داخل الدماغ �أثناء خروج‬ ‫الر�أ�س �أو لنق�ص الأك�سجني ب�سبب �صعوبة خروج الر�أ�س‬ ‫والوالدة املتع�سرة‪.‬‬ ‫ومن فوائد تلك العظيمات وعدم وحدتها ما ي�أتي ‪:‬‬ ‫ �سهولة خ��روج الطفل بطريقة مي�سورة دون ترك �أثر‬‫�سلبي على �صحة اجلنني‪.‬‬

‫ تداخل العظيمات عند الوالدة يقلل ال�ضغط على الدماغ‬‫فيحمي بذلك دماغ الطفل من النزيف الداخلي‪( .‬داخل‬ ‫الدماغ)‪.‬‬ ‫ حماية الدماغ من نق�ص الأك�سجني ل�سهولة الوالدة‪.‬‬‫بعد �أن يخرج الطفل �ساملًا من بطن �أمه‪ ،‬ولو كانت عظام‬ ‫عظاما ملتحمة م ًعا ملا‬ ‫اجلمجمة عظمة واحدة مثل الكرة �أو ً‬ ‫كربت اجلمجمة وات�سعت وبالتايل ال ينمو وال يكرب الدماغ‪،‬‬ ‫و�إن كتبت للطفل احلياة �سيكون م�صا ًبا بال�شلل الدماغي وال‬ ‫ينمو الدماغ وال يكرب حجمه بال�صورة الطبيعية فال ي�ستطيع‬ ‫�أن يتمتع بالقدرات العقلية وال باحلياة الطبيعية‪ ،‬ولكن من‬ ‫ف�ضل اهلل �أنها عظيمات غري ملتحمة م ًعا‪ ،‬وكلما كرب الدماغ‬ ‫مت��ددت ه��ذه العظيمات وك�بر حجم اجلمجمة وات�سعت‬ ‫لت�سمح للدماغ �أن ينمو ويكرب وي�أخذ حجمه الطبيعي‪.‬‬ ‫و�إننا لنلحظ على �سبيل املثال فتحة يف م�ؤخرة اجلمجة‬ ‫تغلق بعد الوالدة‪ ،‬ونلحظ كذلك فتحة يف مقدمة اجلمجمة‬ ‫تقري ًبا تغلق بعد عام ون�صف تقري ًبا من عمر الطفل‪ ،‬بل �إننا‬ ‫نلحظ فراغات يف اجلمجمة بع�ضها يغلق بعد �سن الثامنة‬ ‫ع�شرة من عمر الإن�سان وبع�ضها يغلق بعد �سن ال�ستني من‬ ‫العمر‪ ،‬ف�سبحان اهلل الذي �أح�سن كل �شيء خلقه!‪ ،‬و�سبحان‬ ‫الذي �أبدع اخللق!‪ ،‬ونتذكر هنا قول اهلل عز وجل‪ } :‬هذا‬ ‫ين ِمن ُدو ِن ِه َبلِ َّ‬ ‫خَ ْلقُ َهّ ِ‬ ‫ون فيِ‬ ‫الظالمُِ َ‬ ‫الل َف�أَ ُرونيِ َماذَ ا خَ َلقَ ا َّل ِذ َ‬ ‫ني { (لقمان‪)11‬‬ ‫َ�ضلاَ لٍ ُّم ِب ٍ‬ ‫فهو �سبحانه وتعالى مبدع اخللق‪ ،‬وهو اخل ّالق العظيم‪،‬‬ ‫ا�س َت ْو َق َد نَا ًرا َف َل َّما‬ ‫وهو العزيز احلكيم } َم َث ُل ُه ْم َك َم َثلِ ا َّل ِذي ْ‬ ‫�أَ َ�ضا َء ْت َما َح ْو َل ُه ذَ َه َب َهُّ‬ ‫الل ِب ُنور ِ​ِه ْم َو َت َر َك ُه ْم فيِ ُظ ُل َم ٍات َاّل‬ ‫ون{ (البقرة‪)١١٧ :‬‬ ‫ُي ْب ِ�ص ُر َ‬ ‫ولعلنا نتابع احلديث حول �آيات اهلل عز وجل يف خلق‬ ‫الطفل وكيف ينمو ويرتعرع بعد والدته‪ ،‬ونتع ّرف على الكثري‬ ‫من الأ�سرار الربانية يف عدد قادم من هذه املجلة الغراء �إن‬ ‫�شاء اهلل‪.‬‬

‫ ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪59‬‬


‫رسائل جامعية‬

‫الأجل الق�ضائي يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاته‬ ‫يف نظام الق�ضاء ال�شرعي الأردين‬ ‫(ملخ�ص ر�سالة دكتوراه يف الق�ضاء ال�شرعي – كلية ال�شريعة ‪ -‬اجلامعة الأردنية) درا�سة مقارنة‬ ‫�إعداد عبد احلكيم يو�سف بركات ال�شبول‬ ‫�إ�رشاف �أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد الق�ضاة‬

‫ت�أتي �أهمية هذه الدرا�سة يف �أنها (بحثت يف الأجل‬ ‫ال�ضائي يف الفقه الإ�سالمي وتطبيقاته يف نظام الق�ضاء‬ ‫ال�شرعي الأردين‪ ،‬يف ثالثة ف�صول م�سبوقة بف�صل متهيدي‪،‬‬ ‫ج��اء الف�صل الأول فب بيان مفهوم الأج��ل وم�شروعيته‬ ‫وحم��دد لأن��واع��ه‪ ،‬ث��م ج��اء الف�صالن الأول وال�ث��اين من‬ ‫هذه الدرا�سة باحثني للجانب النظري للأجل الق�ضائي‬ ‫يف الفقه والقانون‪ ،‬فاخت�ص الف�صل الأول يف بيان وجهة‬ ‫النظر الفقهية والقانونية ملعنى الأج��ل الق�ضائي وبيان‬ ‫م�شروعيته وذكر �شروطه وحتديد مدته‪ ،‬وتو�ضيح ال�سلطة‬ ‫املخولة يف ا�ستعماله وبيان �صاحب احلق يف طلبه‪ ،‬وبيان‬ ‫حكم التع�سف يف ا�ستعماله وطلبه ‪.‬‬ ‫�أما الف�صل الثاين فقد جاء باحثا يف موجبات الت�أجيل‬ ‫الق�ضائي وم�سوغاته يف الفقه الإ�سالمي والقانون‪ ،‬مبينا‬

‫�أن تلك الآجال قد تكون ملا ي�ستوجبه تقدمي الدعوى قبل‬ ‫�إج��راءات الف�صل فيها‪� ،‬أو ملا ي�ستوجبه حق اخل�صم يف‬ ‫الإجابة على الدعوى‪� ،‬أو ما ي�ستوجبه �أمر �إثبات الدعوى‬ ‫و�إ�صدار احلكم فيها وتنفيذه من �آجال ق�ضائية ترجع �إلى‬ ‫�أطراف الدعوى والقا�ضي الناظر فيها‪.‬‬ ‫وجاء الف�صل الثالث باحثا يف تطبيقات الأجل الق�ضائي‬ ‫يف نظام الق�ضاء ال�شرعي الأردين‪ ،‬جم�سدا ب�صورة عملية‬ ‫وواقعية ملا مت بحثه من جوانب نظرية �سابقة له‪.‬‬ ‫ثم خل�صت ه��ذه الدرا�سة �إل��ى جمموعة من النتائج‬ ‫والتو�صيات‪ ،‬التي �أرجو من اهلل العزيز الكرمي �أن �أكون قد‬ ‫وفقت يف عر�ضها ‪.‬‬

‫ ‬ ‫‪� 60‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫واحة الوسطية‬ ‫�شخ�صيــّة العـــدد‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬عبد اللطيف الهميم‬

‫رئي�س ديوان الوقف ال�سني بالعراق‬ ‫ت�شهد ال�ساحة الفكر ّية هذه الأي��ام موجة بل �أم��واج‬ ‫متالطمة‪ ،‬اختلط فيها ال�سيا�سي بالفكري و الديني‬ ‫بالفل�سفي حتى بات القارئ واملتابع للأحداث يف حري ٍة‬ ‫من �أمره‪ ،‬ويف ظل هذه الأج��واء اختارت جملة الو�سط ّية‬ ‫لهذا العدد املفكر الإ�سالمي العربي العراقي الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور عبدالطيف الهميم ليكون �شخ�ص ّية هذا العدد‪،‬‬ ‫وهو اختيار ي�أتي لي�ؤكد �أهم ّية �أعالم الفكر الإ�سالمي يف‬ ‫الت�أ�صيل والتنوير كو�سائل ملحاربة التطرف والإره��اب‬ ‫ال�ل��ذان ميثالن فكرا ظالميا ي�ضاد مقا�صد الإ��س�لام‬ ‫ال�سمحة‪.‬‬ ‫ُول��د الأ�ستاذ الدكتور الهميم عام ‪ 1952‬مليالد‬ ‫امل�سيح ‪ -‬عليه ال�سالم‪ -‬مبدينة الأنبار العراقية لأب عربي‬ ‫�شب فتي ًا للإلتحاق باحللقات‬ ‫م�سلم وقد اندفع بعد �أن ّ‬ ‫العلمية الدينية والثقافية حيث تلقى العلم على يد علماء‬ ‫وم�شايخ مدينة الرمادي التي بد�أها بالقر�آن الكرمي‪ ،‬ثم‬ ‫التحق بالثانوية العامة ثم اجلامعة حيث تخرج يف كلية‬ ‫الآداب ‪ -‬جامعة بغداد‪ ،‬بغداد تلك املدينة التي وقفت‬ ‫�شاهدة على ع�صور العلم واملعرفة على امتداد التاريخ‬ ‫العربي الإ�سالمي بل قبل ذلك ُعرفت بغداد والب�صرة‬ ‫كثريا من العلوم واملعارف بحكم موقعها احليوي وامتياز‬ ‫�أبنائها بالنجابة والفطنة وحب املعرفة التي �أخذت منها‬ ‫�شخ�صية هذا العدد احلظ الأوف��ر‪ ،‬وبعد ح�صوله على‬ ‫ال�شهادة اجلامعية الأولى در�س الهميم الفقه والتف�سري‬ ‫وع�ل��وم احل��دي��ث م��ن �أم�ه��ات الكتب العلمية‪ ،‬ث��م التحق‬ ‫بجامعة الأزهر ال�شريف بجمهورية م�صر العربية فح�صل‬ ‫على �شهادة املاج�ستري يف ال�شريعة والقانون ثم �شهادة‬ ‫الدكتوراه يف الفل�سفة من معهد الدرا�سات العربية و�شهادة‬ ‫الدكتوراه يف االقت�صاد الإ�سالمي من جامعة بغداد‪.‬‬ ‫وق��د ب��رز الهميم يف ح�ق��ول الفكر الإ��س�لام��ي‬ ‫واملعارف الإن�سانية وك�أمنا ي�سري على خطى �سلفه من‬ ‫�آباء و�أجداد‪ ،‬فهو �سليل عائلة عريقة وممتدة لعبت �أدوارا‬ ‫حمورية ومهمة يف احلياة ال�سيا�سية واالجتماعية يف بالد‬ ‫الرافدين‪ ،‬وقبل �أدواره االجتماعية فقد كان وما زال له‬ ‫يف الأو�ساط الأكادميية ح�ضورا مميزا حتى �صار موردا‬ ‫لطالب العلم واملعرفة‪ ،‬كما �أثرى الهميم املكتبات العربية‬

‫والإ� �س�لام �ي��ة مب��ؤل�ف��ات‬ ‫�أ�ضاءت دياجر وفتحت‬ ‫مغالق‪ ،‬و�أب ��رزت خبايا‬ ‫ال���زواي���ا يف ال�ق���ض��اي��ا‬ ‫املركزية للأمة العربية‬ ‫والإ�سالمية‪ ،‬ويف طليعة‬ ‫م�ؤلفاته ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الإ�� �ش� �ك ��ال� �ي ��ة‬ ‫ال� �ط ��ائ� �ف� �ي ��ة وح ��دي ��ث‬ ‫الفرقة الناجية‪.‬‬ ‫‪ -2‬اخل � �ل ��اف� � � ��ة‪:‬‬ ‫�إ�� �ش� �ك ��ال� �ي ��ة اخل� �ط ��اب‬ ‫ال�سيا�سي الإ�سالمي و�شرعية الدولة الوطنية‪.‬‬ ‫‪� -3‬إدارة الأزم � ��ة وق��ي��ادة ال �� �ص��راع يف امل���وروث‬ ‫الإ�سالمي املعا�صر‪.‬‬ ‫‪ -4‬منطق �أر�سطو و�أثره يف بنية الفكر الإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪ -5‬مو�سوعة �أح��ادي��ث ال�سيا�سة ال�شرعية (�أربعة‬ ‫جملدات)‬ ‫وغري ذلك ما يربو على خم�سني م�ؤلفا وبحثا لأهم‬ ‫الق�ضايا الإن�سانية‪.‬‬ ‫ومل يقف ال�ت��أل�ي��ف عائقا �أم ��ام ال��رج��ل للم�شاركة‬ ‫االجتماعية وال�سيا�سية والثقافية‪ ،‬فقد �شغل من�صب‬ ‫الأمني العام لعلماء ومثقفي العراق‪ ،‬كما كان رئي�سا لتيار‬ ‫النه�ضة العراقية وع�ضوا مل�ؤمتر ال�صحوة الإ�سالمية‬ ‫وع�ضوا م�شاركا يف م�ؤمتر التقريب بني املذاهب الإ�سالمية‬ ‫بالإ�ضافة لع�ضويته يف املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬والذي‬ ‫و ّثق ع�ضويته فيه و�أثبت ح�ضوره ملحافل ومنا�سبات املنتدى‬ ‫ال�سنوية ملا ميثله املنتدى وي�ؤمن به من منهج و�سطي وفكر‬ ‫يجمع امل�سلمني وينادي فيهم بعدم الفرقة وال�شتات والغلو‬ ‫والتطرف‪� ،‬شعاره يف ذلك قوله تعالى ‪ " :‬و� ّإن هذه �أمتكم‬ ‫�أم��ة واح��دة " ‪ " .‬وكذلك جعلناكم �أم��ة و�سطا لتكونوا‬ ‫�شهداء على النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا "‪.‬‬

‫ ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪61‬‬


‫واحة الوسطية‬

‫واقــــع الأمـــة‬ ‫�شعر‪ :‬الدكتور ذيب عبد اهلل‬

‫احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل‪ ،‬هذه الق�صيدة ت�صوير للواقع‬ ‫ودعوة للت�أمل ولي�س للي�أ�س‪ ،‬ف�إننا ال ني�أ�س من رحمة اهلل‪.‬‬ ‫ت�������ف������� ّرق ال������ن������ا�������س �أه����������������واء و�أح����������زاب����������اً‬

‫�أ���ض��ح��ى ال���ه���وى ع��ن��ده��م ُع���رف���اً وحم��راب��ا‬

‫�������اب اهلل ي���ج���م���ع���ه���م‬ ‫ن��������ادي��������تُ ع��������� َّل ك�������ت َ‬ ‫ف���م���ا ا����س���ت���ج���اب���وا وظ������� ّل ال����ب��ي�ن ح���ادي���ه���م‬

‫�أو ي����رق����ب����وا ب���ي���ن���ه���م ق�����رب�����ى و�أن���������س����اب����ا‬ ‫وا�����س����ت����م����ر�ؤوا ال�������ذل خ�����ذال ًن�����ا و�أو�����ص����اب����ا‬ ‫وف������� ّرق�������ت�������ه�������م ج��������م��������اع ٍ‬ ‫��������ات و�أل�������ق�������اب�������ا‬

‫مل��������ا ت�����ن�����اف�����������س يف ال������دن������ي������ا �أئ����� ّم�����ت�����ه�����م‬ ‫ت����اه����ت م���راك���ب���ه���م يف ال���ب���ح���ر م����ن خ��ب ٍ��ل‬ ‫مل����ا ن��������أى ال����ق����وم ع����ن �أح�����ك�����ام � ِ���ش���ر َع��� ِت���ه���م‬

‫ت���ن���او����ش���ت���ه���م ذئ���������اب الأر��������������ض �أ�����س��ل�اب����ا‬

‫م������ن ا�����س����ت����ج����ار ب�����ن�����ار ال����ظ����ل����م حت���رق���ه‬

‫م�����ن ا�����س����ت����ك����ان حل����ك����م ال����ب����غ����ي ق�����د خ���اب���ا‬

‫م�����ن ������س�����ار يف ����س���ن���ة الأع�������������داء ي��ت��ب��ع��ه��م‬

‫م�����ن ب�������� ّدل اجل����ل����د يف �إر�����ض����ائ����ه����م ذاب�����ا‬

‫� �س��ام��وه ب��ال���س��وط ف ��وق الأر� � ��ض يحرثها‬

‫ي����رع����ى اخل�����ن�����ازي�����ر م�����ن �أه�������وال�������ه ����ش���اب���ا‬ ‫�أو ه������ل ي�����ن�����ال ب����ه����ا ح�����ظ�����اً و�إع�����ج�����اب�����ا‬

‫ل�������و ك���������ان ي����ع����ل����م م�������ا الأي���������������ام ����ص���ان���ع���ة‬ ‫م�����ا ������س����� ّوف ال�����ت�����وب م�����ن ذن�������ب ت��ع�����شّ ��ق��ه‬ ‫م�����ا خ������ان ع�����ه�����داً م�����ع ال����رح����م����ن ي��ق��ط��ع��ه‬ ‫ال ُي����خ����رج ال����ن����ا� َ����س م����ن ح ٍ‬ ‫�������ال �أ ّ‬ ‫مل ب��ه��م‬

‫جت�����ري م�����دى ال����ده����ر يف الآن���������ام دوالب�����ا‬

‫ف�����ه�����ل ي������ن������ال ب�����ه�����ا ع�������رف�������ان ����ص���اح���ب���ه���ا‬

‫�أوا�������ص������ر ال�����دي�����ن يف الإ�������س���ل��ام جت��م��ع��ن��ا‬ ‫ل�����و �أن �أه��������ل ال�����ق�����رى �أ ّدوا ر����س���ال���ت���ه���م‬ ‫ج��������اءت �إل����ي����ه����م م���ط���اي���ا ال���ف���ت���ح راغ����ب���� ًة‬

‫ ‬

‫‪� 62‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ث�����م ان����ت����ه����وا يف زواي����������ا ال����ت����ي����ه �أغ�����راب�����ا‬

‫وظ��������ل مي��������رح يف ال����ع���������ص����ي����ان م������ا ت���اب���ا‬ ‫وم��������ا �����س����ع����ى ي���ف�������س���د الأم���������������وال ن���� ّه����اب����ا‬ ‫�إال ك��������ت��������اب ت�����ن�����ا������س�����ي�����ن�����اه �أح������ق������اب������ا‬ ‫ه���ّل���اّ اع���ت�������ص���م���ن���ا ب����ه����ا يف اهلل �أح����ب����اب����ا‬ ‫و�أ������ص�����ب�����ح�����وا ل����ل����ه����دى درب�����������اً و�أ�����س����ب����اب����ا‬ ‫وه������ ّل������ل������ت �أم�������������م ل����ل����غ����ي����ث �إذ �����ص����اب����ا‬


‫واحة الوسطية‬

‫مـن ق�صـ�ص العــرب‬

‫حلـم معن بـن زائـدة‬ ‫د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬ ‫مدير مركز التدريب والدرا�سات واال�ست�شارات‬ ‫يف املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫فَجُد يل يا بن ناق�ص ٍة مبالٍ‬

‫تذاكر جماعة فيما بينهم �أخبار معن بن زائدة‪ ،‬وما‬ ‫هو عليه من وفرة احللم ولني اجلانب‪ ،‬و�أطالوا يف ذلك‪،‬‬ ‫عزمت على املـــ�سري‬ ‫ف�إين قد‬ ‫ُ‬ ‫فقام �أعرابي و�آلى على نف�سه �أن يغ�ضبه‪ ،‬فقالوا ‪� :‬إن‬ ‫قدرت على �إغ�ضابه فلك مئة بعري‪ ،‬فانطلق الأعرابي فقال معن ‪� :‬أعطوه �ألف دينا ٍر ‪ .‬ف�أخذها وقال ‪:‬‬ ‫�إلى بيته‪ ،‬وعمد �إلى �شاة له ف�سلخها ثم ارتدى ب�إهابها‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫قليل ما �أتيـــــــــــت به و�إين‬ ‫جاعال باطنه ظاهره‪ ،‬ثم دخل على معن ب�صورته تلك‪،‬‬ ‫ووقف �أمامه طافح العينني كاخلليع ‪ ،‬تارة ينظر �إلى‬ ‫لأطمع منك باملال الكثيـــــــــــر‬ ‫الأر�ض وتارة ينظر �إلى ال�سماء‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬ ‫فثن فقد �أتاك امللك عفواً‬ ‫ِّ‬ ‫�أتذك ُر �إذْ حلافك جل ُد �شا ٍة و�إذ نعالك من جلد البعري‬ ‫ق��ال معن ‪� :‬أذك��ر ذل��ك وال �أن�ساه يا �أخ��ا ال�ع��رب‪ ،‬فقال‬ ‫بال عقل و ال ر� ٍأي منيـــــــــــــــــر‬ ‫الأعرابي ‪:‬‬ ‫فقال معن ‪� :‬أعطوه �ألف ًا ثاني ًا فتقدم الأعرابي �إليه وقبل‬ ‫ف�سبحان الذي �أعطاك ُملكا‬ ‫يديه ورجليه وقال ‪:‬‬ ‫وعلمك اجللو�س على ال�سرير‬ ‫ألت اجلود �أن يبقيك ُذخرا‬ ‫�‬ ‫�س‬ ‫ُ‬ ‫فقال معن ‪� :‬سبحانه وتعالى‬ ‫فما لك يف الربية من نظـــري‬ ‫فقال الأعرابي‬ ‫�شت حيا * على معن يت�سليم الأمري‬ ‫فل�ست ُم�سلما ما ِع ُ‬ ‫ُ‬ ‫فمنك اجلود والإف�ضال حقا‬ ‫مت رددنا عليك ال�سالم‪ ،‬و�إن تركت فال‬ ‫قال معن ‪� :‬إن �س ّل َ‬ ‫وفي�ض يديك كالبحر الغزير‬ ‫�ضري عليك‪.‬‬ ‫فقال معن ‪� :‬أعطيناه على هجونا �ألفني‪ ،‬ف�أعطوه على‬ ‫فقال الأعرابي ‪:‬‬ ‫علت فداك‪ ،‬ما‬ ‫مدحنا �أربعة �آالف ‪ .‬فقال الأعرابي‪ُ :‬ج ُ‬ ‫�س�أرحل عن بالد �أنت فيها‬ ‫فعلت ذلك �إال ملئة بعري ُج ِع َل ْت على �إغ�ضابك ‪ .‬فقال‬ ‫ولو جار الزمان على الفقري‬ ‫فقال معن ‪� :‬إن �أقمت بنا فعلى الرحب وال�سعة‪ ،‬و�إن رحلت معن ‪ :‬ال خوف عليك‪ ،‬ثم �أمر له مبئتي بعريٍ‪ ،‬ن�صفها‬ ‫عنا فم�صحوبا بال�سالمة‪.‬‬ ‫للرهان والن�صف الآخر له‪ ،‬فان�صرف الأعرابي داعيا‬ ‫فقال الأعرابي وقد �أعياه ِح ُلم معن ‪:‬‬ ‫�شاكر ًا ‪.‬‬ ‫ ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪63‬‬


‫واحة الوسطية‬

‫الإدارة عند النبي حممد ‪‬‬ ‫د‪ .‬زهاء الدين عبيدات‬ ‫مدير مركز التدريب والدرا�سات واال�ست�شارات‬ ‫يف املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫كنت و�صاحبي و�صديقي العزيز �أبو علي نتجاذب �أطراف احلديث عن �سرية امل�صطفى حممد بن عبداهلل‬ ‫ �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬فقال �أبو علي ‪� :‬إن غالبية املتحدثني يتحدثون عن �سرية الر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه‬‫و�سلم ‪ -‬ب�شكل عام‪ ،‬فهل لك يا �صديقي �أن حتدثني عن مالمح الإدارة عند الر�سول حممد ‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫قلت ‪� :‬أجل �س�أحدثك عن بع�ض اجلوانب الإدارية لل�شخ�صية املحمدية‪� ،‬إذ �أن توجيهاته الإدارية جتاوزت‬ ‫و�سلم ‪ُ -‬‬ ‫�أرقى ما و�صلت �إليه الإدارات املعا�صرة واملدار�س الإن�سانية وال�سلوكية يف الإدارة‪ ،‬والتي تنري لنا ال�سبيل القومي‬ ‫لتحقيق �أف�ضل النتائج ومن هذه اجلوانب يا �أخي العزيز ما ي�أتي‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬بناء الإن�سان‪:‬‬ ‫ويف بناء الإن�سان حر�ص ر�سول اهلل ‪ ‬على �أن يتناول‬ ‫�إن حم �م��د ًا ‪ -‬عليه ال���ص�لاة وال���س�لام ‪� -‬إه �ت��م يف خ�صائ�ص و�صفات تنتظم يف عقد متكامل‪ ،‬بحيث يتحول‬ ‫�إدارت��ه للدولة يف جمتمع املدينة ببناء الإن�سان �أكرث من الفرد �إذا حتلى بهذه ال�صفات �إلى �أ�شبه ما يكون مبالك‬ ‫التنظيمات والبنى التنظيمية الأخرى �إذ مل تكن احلاجة مي�شي على الأر�ض مثل‪:‬‬ ‫لها قائمة‪ ،‬ولعل من بع�ض الأمثلة التي تو�ضح �أ�سلوب ‪ .1‬توطيد �صلة ال�ف��رد بربه وتربيته على ع��زة النف�س‬ ‫�إدارة الر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬وحر�صه على وال�صرب‪.‬‬ ‫بناء الإن�سان تركيزه على ال�ضمري الأخالقي يف ال�سلوك‪،‬‬ ‫روى م�سلم عن النوا�س بن �سمعان قال‪� :‬س�ألت ر�سول اهلل ‪ .2‬التعاون وامل�س�ؤولية ال�شخ�صية والعلم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬عن البرِّ والإثم فقال‪ " :‬الرب ُح�سن اخللق‪ ،‬والإثم ‪ .3‬احل�ض على العمل و�إعفاف النف�س واملحافظة على‬ ‫الكرامة‪.‬‬ ‫ما حاك يف نف�سك وكرهت �أن يطلع عليه النا�س "‪ ،‬والبرِّ‬ ‫هو جماع �أفعال اخلري‪ ،‬وع ّرفه الر�سول ‪� -‬صلى اهلل عليه ‪ .4‬ال�صدق والوفاء‪.‬‬ ‫و�سلم ‪ -‬ب�أنه ح�سن اخللق‪� ،‬أما الإثم فهو ما يكره �أن يطلع ‪ .5‬العفو وح�سن التعامل‪.‬‬ ‫عليه النا�س �إذا حاك يف النف�س‪ ،‬وهو مقيا�س نبوي دقيق‬ ‫يعتمد على ما حت�س به ال�ضمائر مب�شاعرها الوجدانية‪ .6 .‬القناعة والعفة‪.‬‬ ‫جمتمع امل�سلمني على �أ�سا�س ‪ .7‬التوبة والرجوع �إلى اهلل‪.‬‬ ‫وقد �أقام الر�سول ‪‬‬ ‫التحرر الوجداين وامل�ساواة الإن�سانية والتكافل االجتماعي‬ ‫ثانياً‪ :‬العالقة بني احلاكم واملحكوم‪:‬‬ ‫م�ؤكد ًا �أن ال عبودية لأحد غري اهلل‪ ،‬و�أن لي�س بني الإن�سان‬ ‫و�ضع ر��س��ول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عيه و�سلم‪� -‬أ�سا�س‬ ‫وربه و�سيط‪ ،‬و�أن اهلل وحده هو مالك امللك ورب الب�شر‪ .‬العالقة بني احلاكم واملحكومني يف العمل الإداري بقوله‪:‬‬ ‫لقد تمَ َ ّكن ر�سول اهلل ‪ ‬بح�سن �إدارت��ه وقيادته (�إذا ابتغى الأم�ير الريبة يف النا�س �أف�سدهم) والريبة‬ ‫احلكيمة من جعل الأمة البادية اجلاهلة املتفرقة خري �أمة هي التهمة‪ ،‬مبعنى �أن الأمري �إذا اتهم رعيته وخامرهم‬ ‫�أخرجت للنا�س‪ ،‬وقد كان معني الإدارة عند ر�سول اهلل ب�سوء الظن فيهم �أداهم ذلك �إلى ارتكاب ما ظن فيهم‬ ‫‪ ‬م�ستمد ًا من العقيدة الإ�سالمية التي �أن�ش�أت من فف�سدوا‪ ،‬ويف هذا جماع ال�ضوابط التي تقوم عليها الإدارة‬ ‫احلكيمة‪.‬‬ ‫�أ�صحابها قوم ًا يغ�ضبون هلل وير�ضون هلل‪.‬‬ ‫‪� 64‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫واحة الوسطية‬ ‫كما فر�ض على املحكوم واجب الن�صح والتقومي‪ ،‬وقد‬ ‫حدد ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اله عليه و�سلم‪� -‬إطار العالقة التي‬ ‫تربط بني الراعي والرعية وعنا�صر هذه العالقة ليكون‬ ‫احلكم التزام ًا ب�أداء احلقوق‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬ا�ستعمال العمال على الأم�صار‪:‬‬ ‫م��ن روائ��ع الأمثلة الإداري���ة التي �ضربها ر��س��ول اهلل‬ ‫‪ ‬حتديده الدور الذي يجب ن ينه�ض به الفرد يف قوله‪:‬‬ ‫"كلكم راع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته"‪.‬‬ ‫وكذلك يف نظرته �إل��ى العمل الإداري على �أن��ه �أمانة‬ ‫وم�س�ؤولية على احلاكم‪� ،‬إذ تخري ر�سول اهلل ‪ ‬عماله من‬ ‫ال�صاحلني و�أويل الدين والعلم فقد �أ�سفر ذلك عن نتائج‬ ‫جيدة هي نتائج ح�سن االختيار يف الإدارة‪ ،‬فعندما حاول‬ ‫يهود خيرب ر�شوة عبداهلل بن رواح��ه‪ ،‬وكان الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم يبعثه كل عام يحر�ص علهيم مترهم‪ ،‬قال‬ ‫لهم عبداهلل ‪" :‬يا مع�شر اليهود �إنكم ملن �أبغ�ض خلق اهلل‬ ‫تعالى �إيل‪ ،‬وما ذاك بحاملي على �أن �أحيف عليكم‪ ،‬و�أما ما‬ ‫ال�س ْحت و�إنا ال ن�أكلها"‪.‬‬ ‫عر�ضتم علي من ر�شوة ف�إنها ُ‬ ‫وقد و�ضع ر�سول اهلل ‪ ‬القواعد املثلى الختيار موظفي‬ ‫الدولة فتحرى فيمن يلي �أم��ر ًا من �أمور امل�سلمني ِخ َ�صا ًال‬ ‫خم�سة تتم بها �صالحية املر�شح للوالية �ضمان ًا للم�صلحة‬ ‫العامة‪ ،‬و�أجمل لك يا �أخي �أبا علي تلك ِ‬ ‫اخل َ�صال فيما ي�أتي‪:‬‬ ‫• توفر الكفاءة الإدارية‪:‬‬ ‫وه��و �شرط ال ي�ستغني عنه وه��و توفر الكفاءة الفنية‬ ‫للإ�ضطالع وال ي�شفع دونه �صالت �شخ�صية من قرابة �أو‬ ‫�صداقة‪ ،‬ويقول النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ " : -‬من ويل‬ ‫�أمر امل�سلمني فولى رج ًال وهو يجد من هو �أ�صلح للم�سلمني‬ ‫منه فقد خان اهلل ور�سوله"‪.‬‬ ‫وقد طلب �أبو ذر الغفاري من النبي ‪� ‬أن ي�ستعمله‬ ‫على بع�ض الأعمال فر�آه غري كفء للوالية ملا لي�س فيه من‬ ‫�ضعف يف الإدارة فلم يجبه �إلى طلبه‪ ،‬ومل ي�شفع له ما يعلم‬ ‫من ورعه وتقواه وقال له‪ " :‬يا �أبا ذر �إنك �ضعيف و�إنها �أمانة‬ ‫و�إنها يوم القيامة ِخزِ ي وندامة �إال من �أخذها بحقها و�أدى‬ ‫الذي عليه فيها"‪.‬‬ ‫• االلتزام بحدود ال�شرع واجتناب ما يخالف الدين‪:‬‬ ‫و�ضع النبي ‪ ‬لذلك ُ�سنّة حكيمة �أجملها يف قوله‪:‬‬ ‫" ال طاعة يف مع�صية اهلل‪ ،‬و�إمنا الطاعة يف املعروف"‪،‬‬ ‫ومن مظاهر االلتزام ال�شرعية وتقوى اهلل‪ ،‬حتري العدل‬ ‫واجتناب الظلم واملحاباة‪ ،‬ويقول النبي ‪( : ‬اتقوا الظلم‬ ‫ف�إن الظلم ظلمات يوم القيامة )‪.‬‬

‫• االنقطاع للعمل‪:‬‬ ‫قال عليه ال�سالم‪ " :‬من واله اهلل �شيئ ًا من �أمور امل�سلمني‪،‬‬ ‫فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم‪ ،‬احتجب اهلل دون‬ ‫حاجته وخلته وفقره يوم القيامة "‪.‬‬ ‫• التمتع بالثقة والر�ضا من املر�ؤو�سني ومن الرعيه‪:‬‬ ‫وقد ر�سم ر�سول اهلل ‪ ‬معامل هذا املبد�أ يف قوله‪" :‬‬ ‫�أميا رجل �أ ّم قوما وهم له كارهون مل جتز �صالته "‪.‬‬ ‫• التحلي بنقاء الذمة وطهارة اليد‪:‬‬ ‫لقد حر�ص ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬تنزيه‬ ‫جمتمعه حكام ًا وحمكومني م��ن ع��وام��ل الفتنة ودواع��ي‬ ‫الإغراء‪ ،‬فال ي�سوغ لويل الأمر ا�ستغالل منا�صبه لالبتزاز‬ ‫والإثراء على ح�ساب امل�صلحة العامة والعدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬الإدارة يف للق�ضاء‪:‬‬ ‫لقد �أولى ر�سول اهلل ‪� ‬إدارة الق�ضاء �إهتمام ًا خا�ص ًا‬ ‫لأن مرفق العدل ي�سهم ب�إ�شاعة ال�سالم االجتماعي بني‬ ‫�أفراد املجتمع‪ ،‬والق�ضاء على �أ�سباب ال�شقاق والعداء بينهم‬ ‫وتوفري الن�صفة يف املعامالت و�إحقاق احلقوق واالنت�صاف‬ ‫من العادين‪ ،‬وقد تمَ ّيز احلكم الإ�سالمي ب�صفة عامة ب�أن‬ ‫ق�ضاء الأحوال ال�شخ�صية لغري امل�سلمني كان مرتوك ًا لأربابه‬ ‫حتقيق ًا للحرية الدينية يتواله ق�ضاة كل طائفة ليحكموا فيه‬ ‫بح�سب ما تق�ضي به �شرائعهم‪.‬‬ ‫وق��د ك��ان عليه ال�سالم حري�ص ًا على تطبيق ح��دود‬ ‫اهلل ي�ضع الرحمة والر�أفة حيث ي�ستوجب احلال ذلك مع‬ ‫احلفاظ على ما لأحكام اهلل وحدوده من قد�سية و�إلزام‪.‬‬ ‫وم ��ن �أح �ك��م امل��ب��ادئ ال �ت��ي �أو���ص��ى ب�ه��ا ر� �س��ول اهلل‬ ‫‪ ‬الق�ضاة قوله‪:‬‬ ‫" ردوا اخل�صوم كي ي�صطلحوا‪ ،‬ف�إن ف�صل الق�ضاء‬ ‫ي��ورث ال�ضغائن‪ ،‬بل �إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫يف �أحاديثه ال�شريفة قد �ساهم يف احل��د من اخلالفات‬ ‫بني النا�س ومن ذلك قوله عليه ال�سالم‪ " :‬ال حتا�سدوا وال‬ ‫تناج�شوا وال تباغ�ضوا‪." .......‬‬ ‫�إل��ى هنا �أعجب �صديقي بحديثي عن �إدارة الر�سول‬ ‫‪ ‬وقال يل‪ :‬هل هناك جوانب �أخرى ميكن �أن حتدثني‬ ‫عنها؟‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪� :‬إذن �إلى جل�سة �أخرى‪.‬‬

‫ ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪65‬‬


‫بيانات الوسطية‬

‫بيانات الو�سطية‬

‫الأمري �سعود الفي�صل يف ذمة اهلل‬ ‫ينعى الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يف عمان‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫وكافة الزمالء يف املنتدى‬ ‫ب�أحر التعازي واملوا�ساة بفقيد الأمة العربية والإ�سالمية‬

‫الأمري �سعود الفي�صل‬

‫وزير اخلارجية واملبعوث اخلا�ص خلادم احلرمني ال�شريفني‬ ‫وامل�شرف على ال�ش�ؤون اخلارجية يف اململكة ال�سعودية‬ ‫�سائلني املولى عز وجل �أن يتغمده بوا�سع رحمته و�أن يلهم جاللتكم وال�شعب ال�سعودي ال�شقيق جميل‬ ‫ال�صرب وح�سن العزاء‪.‬‬

‫"�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون"‬ ‫‪� 66‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫بيانات الوسطية‬

‫�أحداث �شبه جزيرة �سيناء‬ ‫َّا�س َج ِمي ًعا{‬ ‫} َمنْ َق َت َل َنف ًْ�سا ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س �أَ ْو َف َ�سا ٍد فيِ ْ أ‬ ‫َّا�س َج ِمي ًعا َو َمنْ َ�أ ْح َيا َها َف َك َ�أنمَّ َا �أَ ْح َيا الن َ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َف َك َ�أنمَّ َا َق َت َل الن َ‬ ‫ندد الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية يف عمان بالهجوم الإرهابي الذي �إ�ستهدف نقاط ًا ع�سكرية يف حمافظة‬ ‫�شبه جزيرة �سيناء يف جمهورية م�صر ال�شقيقة‪ ،‬والذي راح �ضحيته جمموعة من الع�سكريني الأبرياء‪ ،‬وعبرّ الفاعوري عن‬ ‫�إدانته ال�شديدة ملثل هذه الأعمال الإجرامية اجلبانة والعنف الأعمى الذي مي�س �سالمة و�أمن م�صر ويبث الفتنة و�ضرب‬ ‫الن�سيج الوطني و�إحلاق الأذى مبقدرات الوطن وت�شويه �صورته احل�ضارية بني ال�شعوب‪ ،‬ويربز ال�سقوط الأخالقي الذي‬ ‫تقرتفه هذه الع�صابات الإرهابية التي ال تراعي حرمات هذا ال�شهر الف�ضيل‪� ،‬شهر الرحمة والعبادة‪.‬‬ ‫و�إننا �إذ ن�ستنكر ب�شدة وندين هذه الأعمال الإرهابية غري الأخالقية ن�ؤكد براءة الإ�سالم منها مهما كانت �أ�شكالها‬ ‫ومظاهرها وم�صادرها‪ ،‬ونرتحم على ال�ضحايا الأبرياء‪ ‬ون�أمل �أن ينربي العقالء لوقف �أعمال العنف والعنف امل�ضاد‬ ‫و�شالالت الدماء التي تنزف يف كل �أنحاء م�صر لتبقى واحة للحرية والدميقراطية‪ ،‬و�أن يلهم ذويهم ال�صرب وال�سلوان‪ ،‬و�أن‬ ‫يحفظ املولى عز وجل جمهورية م�صر ال�شقيقة و�شعبها من كل مكروه‪.‬‬

‫ال�شيخ عبداملنعم �أبو زنط يف ذمة اهلل‬ ‫} ُك ُّل َنف ٍْ�س َذ�آ ِئ َق ُة المْ َ ْو ِت َو�إِنمَّ َا ُت َو َّف ْو َن �أُ ُجو َر ُك ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة {‬

‫ينعى املنتدى العاملي للو�سطية الداعية والنائب ال�سابق ال�شيخ عبداملنعم �أبوزنط الذي وافته املنية فجر يوم‬ ‫الأحد ‪� 2015/7/26‬سائلني املولى عز الوجل �أن يتغ ّمده بوا�سع رحمته و�أن يلهم �أهله ال�صرب وال�سلوان‬ ‫(�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون)‬

‫الأ�ستاذ الدكتور وهبة الزحيلي يف ذمة اهلل‬ ‫ينعى املنتدى العاملي للو�سطية مبزيد من احلزن والأ�سى فقيد الأمة الإ�سالمية والعربية املفكر الإ�سالمي‬ ‫العربي ال�سوري الأ�ستاذ الدكتور وهبة الزحيلي الذي وافته املنية ليلة الأحد املوافق ‪ 2015/8/9‬بالعا�صمة ال�سورية‬ ‫دم�شق بعد �أن �أ�ضاء امل�شرق واملغرب بعلمه وفكره امل�ستنري الذي هدى ال�ضالني و�أر�شد ال�سالكني ب�إثرائه للمكتبات‬ ‫العربية والإ�سالمية مب�ؤلفاته التي ات�سمت بالو�سطية واالعتدال ك�أمنا يرت�سم نهج النبوة ويخطو خطاها‪ ،‬و�إذ‬ ‫يتقدم املنتدى العاملي للو�سطية بهذا النعي ي�ستذكر م�شاركة الفقيد و�إ�سهاماته يف املنتدى حيث كان ع�ضواً بارزاً‬ ‫فيه يحمل هم �أمته يف حله وترحاله‪.‬‬

‫رحم اهلل الزحيلي و�ألهمنا و�آله ال�صرب وال�سلوان‬ ‫"�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون"‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪67‬‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫ندوة ثقافة احلوار والتنوع و�أدب االختالف‬

‫انطلقت �صباح ال�ي��وم ال�سبت امل��واف��ق ‪2015/8/1‬‬ ‫مبقراملنتدى العاملي للو�سطية ندوة ثقافة احلوار والتنوع‬ ‫و�أدب االخ�ت�لاف وال�ت��ي ت��واف��د عليها ع��دد م��ن العلماء‬ ‫واملثقفني والأك��ادمي�ي�ن ل�ي��ؤك��دوا م��ن خ�لال ح�ضورهم‬ ‫املكثف �أهمية مو�ضوع الندوة راجني لها خمرجات جتنب‬ ‫املجتمعات الت�شظي واالنق�سام وحتافظ على وحدة الأمة‬ ‫ووحدة كلمتها‪.‬‬ ‫ه��ذا وق��د اف�ت�ت��ح ال �ن��دوة ع�ط��وف��ة امل�ه�ن��د���س م��روان‬ ‫الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية مرحب ًا‬ ‫باحل�ضور و� �ش��اك��ر ًا �إي��اه��م‪ ،‬كما ن��دد يف مطلع كلمته‬ ‫باجلرمية الب�شعة التي ارتكبتها بع�ض اجلماعات اليهودية‬ ‫املتطرفة بحرق الطفل الفل�سطيني‪ ،‬داعي ًا كل الأطراف‬ ‫للتوحد يف وجه �أي عدوان يواجه الأمة‪.‬‬ ‫كما �صرح خ�لال افتتاحه للندوة ع��ن لقاء يجمعه‬ ‫ب�صفته الر�سمية مبنظمة التعاون الإ�سالمي يف الأ�سبوع‬ ‫اجلاري للت�شاور والتفاكر حول الكثري من الق�ضايا الفكرية‬ ‫والإ�سالمية املجتمعية التي حتافظ على وح��دة الأم��ة و‬ ‫ا�ستقرارها ‪،‬مف�سح ًا املجال �أمام املحا�ضرين واحلا�ضرين‬ ‫ملو�ضوعات الندوة‪.‬‬ ‫هذا وقد تر�أ�س اجلل�سة الأولى الأ�ستاذ الدكتور خالد‬ ‫جرب عميد كلية الآداب بجامعة العلوم الإ�سالمية ‪،‬ممهد ًا‬ ‫‪� 68‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ل�ل�إط��ار املفاهيمي لثقافة احل ��وار وال ��ذي حت��دث فيه‬ ‫الدكتور رائد عكا�شة م�ؤكد ًا للح�ضور العالقة بني الأ�صول‬ ‫الت�أ�سي�سية"القر�آن وال�سنة" والرتاث الذي خ�ضع ويخ�ضع‬ ‫الجتهادات الب�شر‪.‬‬ ‫ثم ت�لاه الدكتور �إبراهيم �أب��و عرقوب ال��ذي حتدث‬ ‫حول دور و�سائل الإعالم يف تعزيز ثقافة احلوار م�شري ًا‬ ‫�إلى �أهمية احلوار و�أهدافه و�شروطه ودور دماثة اخللق‬ ‫يف �إجن��اح احل��وار خمتتم ًا بذلك اجلل�سة الأول��ى وبعد‬ ‫ا�سرتاحة ق�صرية توا�صلت �أع�م��ال ال�ن��دوة يف اجلل�سة‬ ‫الثانية التي تر�أ�سها الأ�ستاذ الدكتور �إبراهيم العجلوين‬ ‫ممهد ًا يف مطلعها ل��دور امل�ؤ�س�سات التعليمية يف تعزيز‬ ‫ثقافة احلوار وهذه الورقة التي قدمتها الأ�ستاذة بجامعة‬ ‫العلوم الإ�سالمية الدكتورة ن�سيبة ال�صوا والتي �سبحت‬ ‫عميق ًا حول الأ�س�س الفكرية واحل�ضارية للحوار و�أهميته‬ ‫وال��دواع��ي املعرفية والوطنية واالجتماعية ملثل هذه‬ ‫الندوات‪ ،‬تالها الأ�ستاذ الدكتور حممد الروا�شدة والذي‬ ‫حتدث ب�شكل مف�صل ومعمق متخذ ًا من املواطنة منوذج ًا‬ ‫وحم�ل� ً‬ ‫لا ل��دور امل�ؤ�س�سات الدينية وعلى ر�أ�سها كليات‬ ‫ال�شريعة ودورها يف ت�صحيح مفاهيم احلوار‪،‬كما �أجاب‬ ‫عن بع�ض �أ�سئلة بحثه ومنها‪� :‬إلى �أي مدى �أ�سهمت كليات‬ ‫ال�شريعة يف ت�صحيح املفاهيم خدم ًة للمجتمع وتعزيز ًا‬ ‫لقيم ملواطنة ال�صاحلة‪.‬‬

‫ ‬


‫نشاطات الوسطية‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يعقد م�ؤمتر ًا دولي ًا يف نيجرييا حول‬

‫(الإ�سالم يف �أفريقيا ومواجهة التطرف والإرهاب)‬

‫عقد املنتدى العاملي للو�سطية م�ؤمتر ُا دولي ًا يف نيجرييا‬ ‫حول الإ�سالم يف �أفريقيا ومواجهة التطرف والإره��اب‬ ‫خالل الفرتة من ‪2015/8/9-8‬م يف والية الغو�س‪ ،‬وتقع‬ ‫جمهورية نيجرييا الفدرالية يف اجلزء الغربي من قارة‬ ‫�أفريقيا‪ ،‬ويبلغ تعداد �سكانها (‪ )200-188‬مليون ن�سمة ‪،‬‬ ‫وتبلغ م�ساحتها حوايل ‪� 924‬ألف كم‪ ،2‬وتتكون من ‪ 37‬والية‬ ‫بالإ�ضافة �إلى العا�صمة االحتادية (�أبوجا) حيث كانت‬ ‫الغو�س العا�صمة الأولى وعدد �سكانها حوايل (‪ )20‬مليون‬ ‫ن�سمة‪ ،‬وت�شكل والية الغو�س مركز ًا جتاري ًا وخدمي ًا مهم ًا‪،‬‬ ‫وتع ُّد اللغة الإجنليزية هي اللغة الر�سمية يف البالد علما‬ ‫ب�أن هناك لغات حملية يف البالد‪ ،‬وي�شكل امل�سلمون حوايل‬ ‫‪ %55‬من �سكان ال�ب�لاد‪ ،‬وامل�سيحيون ح��وايل ‪ ،%42‬وتع ُّد‬ ‫نيجرييا من �أهم الدول الأفريقية من حيث انتاجها للنفط‬ ‫والغاز واملعادن الأخ��رى بالإ�ضافة �إلى خ�صوبة �أرا�ضيها‬ ‫الزراعية التي ي�ستغل منها ما م�ساحته ‪ %15‬من امل�ساحة‬ ‫الكلية للبالد‪.‬‬ ‫ونظرا لأهمية موقع نيجرييا ك�إحدى ال��دول التي لها‬ ‫ع�ضوية يف منظمة التعاون الإ�سالمي ويف عدد امل�سلمني‬

‫فيها فقد عقد املنتدى العاملي للو�سطية م ��ؤمت��ر ًا دوليا‬ ‫حول الإ�سالم يف �أفريقيا يف مواجهة التطرف والإره��اب‬ ‫خالل الفرتة من ‪2015/8/9-8‬م ح�ضر امل�ؤمتر جمموعة‬ ‫م��ن وف��ود ال��دول (ت���ش��اد‪ ،‬امل�غ��رب‪ ،‬ال�سنغال‪ ،‬ال���س��ودان‪،‬‬ ‫الأردن‪ ،‬بوركينافا�سو‪ ،‬غانا‪ ،‬بنيني �إ�ضافة �إلى وفود الدولة‬ ‫امل�ست�ضيفة نيجرييا ‪ .‬وعلى مدار يومني ناق�ش امل�ؤمترون‬ ‫جمموعة من الأوراق العلمية ومن خالل �أربعة حماور هي‬ ‫على التوايل ‪:‬‬ ‫• املد الإ�سالمي يف �أفريقيا ‪ :‬املا�ضي واحلا�ضر‪.‬‬ ‫• جذور التطرف الديني والإرهاب يف �أفريقيا‪.‬‬ ‫• غياب املنهج الو�سطي ‪� :‬أ�سبابه و�آثاره‪.‬‬ ‫• تطورات م�ستقبلية ملعاجلة التطرف الديني والإرهاب‪.‬‬ ‫وقد خرج املنتدى بجموعة من التو�صيات منها ‪:‬‬ ‫• ي�ؤكد امل�ؤمتر على ان الغلو والتطرف والإرهاب ي�شكل‬ ‫تهديد ًا للإ�ستقرار وال�سلم والأمن للمجتمعات املعا�صرة‪،‬‬ ‫الذي يجب مواجهته بكافة الو�سائل وال�سبل لإجتثاثه من‬ ‫العامل‪.‬‬

‫ ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪69‬‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫ •‬ ‫• ‬

‫• ‬

‫• ‬

‫• ‬

‫• ‬

‫الت�أكيد على الدور العملي لنهج الو�سطية‪.‬‬ ‫خماطبة الى ر�ؤ�ساء احلكومات يف الدول الإ�سالمية‬ ‫ومنظمة التعاون الإ�سنالمي لأجل اعتماد م�ساق خا�ص‬ ‫يف اجلامعات‪ ،‬يدر�س فيه ثقافة الو�سطية والإعتدال‬ ‫وتكليف عدد من العلماء الأج�لاء لإع��داد هذا الكتاب‬ ‫بالتعاون مع املنتدى العاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫التعاون مع امل�ؤ�س�سات الر�سمية والأهلية يف ال��دول‬ ‫الإ�سالمية من �أجل و�ضع خطة ل�صياغة ا�سرتاتيجية‬ ‫ملحاربة الغلو والتطرف والإره ��اب‪ ،‬وح��ث احلكومات‬ ‫الر�سمية على تبنيها ودعمها‪.‬‬ ‫يو�صي امل�ؤمتر ال��دول الإ�سالمية الإهتمام بال�شباب‬ ‫(ذك ��ور ًا و�إن��اث � ًا) من خ�لال توفري فر�ص العمل لهم‪،‬‬ ‫والتعليم من �أجل بناء الإ�ستقرار الأ�سري يف املجتمعات‬ ‫الإ�سالمية كون الأ�سرة هي النواة الأ�سا�سية يف املجتمع‬ ‫اال�سالم وعن�صر ا�ستقراره‪.‬‬ ‫ي�ؤكد امل�ؤمترون على �ضرورة العمل اجل��اد من �أجل‬ ‫ت�صويب املفاهيم اخلاطئة عن الإ�سالم والعمل على‬ ‫ت�صويبها عن طريق الوعظ والإر�شاد والن�شر واملطبوعات‬ ‫من خالل املناهج املدر�سية واجلامعية‪.‬‬ ‫يو�صي امل���ؤمت��رون ب���ض��رورة ت��دري��ب �أئ �م��ة امل�ساجد‬ ‫واخلطباء على ا�سلوب اخل�ط��اب الإ��س�لام��ي املعتدل‬ ‫امل�ستنري الذي يعرب عن حقيقة الإ�سالم‪.‬‬

‫• ‬ ‫• ‬

‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫• ‬

‫يو�صي امل�ؤمترون الى �ضرورة فر�ض رقابة �صارمة على‬ ‫مواقع التوا�صل الإجتماعي وجت��رمي كل من يدعو الى‬ ‫العنف �أو يحر�ض عليه او يدعم الع�صابات الإرهابية‪.‬‬ ‫يو�صي امل�ؤمتر تكليف مراكز الدرا�سات والأبحاث يف‬ ‫نيجرييا بالقيام ب ��إج��راء ال��درا��س��ات املعمقة بكيفية‬ ‫مواجهة الفكر املتطرف فكريا وثقافي ًا وقاية وحت�صين ًا‬ ‫لل�شباب من �شروره‪.‬‬ ‫يو�صي امل�ؤمتر رئا�سة املنتدى العاملي للو�سطية تكوين‬ ‫جلنة لت�أليف كتاب عن الإ�سالم وامل�سلمني يف افريقيا‬ ‫لتعزيز كافة �أطراف الأمة بحقائقها‪.‬‬ ‫يدين امل ��ؤمت��رون كافة �أع�م��ال الإره ��اب التي ت�سعى‬ ‫لزعزعة واال�ستقرار وال�سلم العاملي‪.‬‬ ‫يو�صي امل�ؤمتروان ب�ضرورة رفع برقية �شكر �إلى فخامة‬ ‫الرئي�س حممد بخاري رئي�س اجلمهورية النيجريية‬ ‫الفيدرالية على جهوده يف مكافحة الإرهاب والتطرف‬ ‫مع �إرفاق تو�صيات امل�ؤمتر الدويل للإ�ستفادة منها‪.‬‬ ‫كما يو�صي امل��ؤمت��رون الى �ضرورة رفع برقية �شكر‬ ‫الى جاللة امللك عبد اهلل الثاين ملك اململكة الأردنية‬ ‫الها�شمية على جهوده املخل�صه يف مكافحة الإره��اب‬ ‫والتطرف والدور الذي يلعبه املنتدى العاملي للو�سطية يف‬ ‫الأردن يف تعزيز وحتقيق الإ�ستقرار وال�سلم يف العامل‪.‬‬

‫ ‬

‫‪� 70‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫�إفطار ال�صائم‬

‫ل�صالح طالب املحا�ضر املوريتانية‬

‫توا�صلت ن�شاطات املنتدى العاملي للو�سطية فرع موريتانيا بلغ عددهم ‪ 150‬فرد ًا وذلك مبعهد عبداهلل بن عمر للرتبية‬ ‫يف �شهر رم�ضان املبارك ب�إقامة �إفطارات رم�ضانية لطالب والتعليم‪ ،‬وقد د�أب املنتدى لعقد هذه اللقاءات الرم�ضانية‬ ‫املحاظر املوريتانية اللذين توافدوا �إلى ملتقى الإفطار حيث ال�سنوية يف فروعه املنت�شرة بالعامل اال�سالمي‪.‬‬

‫العاملي للو�سطية ينظم دورة تدريبية للأئمة واخلطباء يف نيجرييا‬

‫نظم مكتب املنتدى العاملي للو�سطية يف نيجرييا‪ ،‬ممثال‬ ‫يف املركز النيجريي للبحوث النيجريية مبدينة �إي��وو من‬ ‫والية �أُ ْو ُ�س ْن‪ ،‬دورة تدريب الأئمة والوعاظ واخلطباء حتت‬ ‫عنوان (الفكر الو�سطي املعتدل للأئمة واخلطباء )‪.‬‬ ‫وقد �شارك يف ال��دورة مائة وثالثة وع�شرون �شخ�صا‬ ‫من �أئمة وخطباء ودعاة ومديري مدار�س عربية �إ�سالمية‬ ‫ومثقفني م�سلمني وغ�يره��م م��ن ��ش��رائ��ح املجتمع ممن‬ ‫ل�ه��م ن �ف��وذ و�سمعة يف �أو���س��اط امل�سلمني النيجرييني‪.‬‬ ‫وقدم عدد من العلماء امل�سلمني حما�ضرات وطرحوا ر�ؤى‬ ‫و�أفكار تدور حول �أهمية الفكر الو�سطي يف الدين والتعاي�ش‬ ‫ال�سلمي مع �أ�صحاب الديانات الأخرى يف املجتمع و�ضرورة‬ ‫نبذ العنف يف الدعوة �إلى اهلل‪ ،‬كان من اهمها دور االعتدال‬ ‫والو�سطية يف الإ�سالم وخطورة الفهم اخلاطئ واملت�شدد‬ ‫للقر�آن وال�سنة النبوية‪ ،‬و�أدوات التفاهم مع الآخر‪ ،‬وموقف‬ ‫الإ�سالم من احرتام النف�س الب�شرية م�سلمة كانت �أو غري‬ ‫م�سلمة‪ .‬وع�لاوة على املحا�ضرات التي قدمها علماء من‬ ‫�أع�ضاء املنتدى العاملي للو�سطية مكتب نيجرييا ونخبة‬ ‫من الأكادمييني واملثقفني‪ ،‬مت تخ�صي�ص جل�سة للمناق�شة‬ ‫واملداوالت حول �سبل �إيقاف العنف الذي متار�سه جماعات‬

‫مت�شددة تنت�سب �إلى الإ�سالم وهو منها براء‪ .‬‬ ‫واو��ص��ى امل�شاركون يف ال�ن��دوة‪ ،‬ب�أهمية تقدير جهود‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬الذي يتخذ من الأردن مقر ًا له‪ ،‬يف‬ ‫ن�شر الفكر الإ�سالمي الو�سطي والقيام بدور ح�ضاري عاملي‬ ‫يف ن�شر قيم ال�سالم واملحبة والعدل بني الب�شرية جمعاء‪،‬‬ ‫والتو�صية برفع خطاب �شكر خا�ص للحكومة الأردنية بقيادة‬ ‫جاللة امللك عبد اهلل الثاين بن احل�سني على احت�ضانها‬ ‫لهذا املنتدى الو�سطي‪ ،‬وتقدير جهود املركز النيجريي‬ ‫للبحوث العربية‪ ،‬اجلهة املمثلة للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫يف نيجرييا‪ ،-‬والإ�شادة ب��دوره الرائد يف متتني العالقات‬ ‫العلمية والثقافية بني نيجرييا وال�ع��امل العربي‪ ،‬و�شكره‬ ‫ملتابعاته يف تنظيم الدورة‪ ،‬ا�ضافة الى �ضرورة اال�ستمرار‬ ‫يف تنظيم هذه ال��دورة وتو�سيع دائرة املدعوين للم�شاركة‬ ‫فيها يف امل�ستقبل‪ .‬واكد امل�شاركون على وجوب تدريب الأئمة‬ ‫والدعاة وتثقيفهم بالق�ضايا الإ�سالمية املعا�صرة‪ ،‬و�صيانة‬ ‫الفتوى والدعوة من الأدعياء املتطفلني‪ ،‬كما نددوا بالأعمال‬ ‫الإجرامية ال�صادرة من اجلماعات املتطرفة �أمثال القاعدة‬ ‫وداع�ش وبوكو حرام‪.‬‬

‫ ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪71‬‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫اجتماع املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫مبنظمة التعاون الإ�سالمي يف جدة‬ ‫‪2015/8/11‬‬

‫انتهت ي��وم الثالثاء ‪� 2015/8/11‬أعمال االجتماع املفاهيم واملواقف وفق ًا لتعاليم الإ�سالم احلنيف من‬ ‫ال��ذي عقدته منظمة التعاون الإ�سالمي وال��ذي �شارك خالل اال�ستفادة من خمتلف و�سائل الإعالم امل�سموعة‬ ‫فيه املنتدى العاملي للو�سطية ب�صفته ع�ضو ًا فيها وممث ًال وامل��رئ�ي��ة وال�ب��ث ع�بر �شبكة املعلومات واالت���ص��االت‬ ‫بالأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري والذي الدولية‪.‬‬ ‫قدم ورقة عمل بينّ‪ ‬فيها جهود املنتدى العاملي للو�سطية • ال�ت��وا��ص��ل م��ع ال �ق��ادة امل�سلمني و�أ� �ص �ح��اب ال�ق��رار‬ ‫للت�صدي ل�ل�إره��اب والتطرف بكافة �أ�شكاله ومبختلف ال�سيا�سي وذوي الت�أثري القادرين على توجيه الر�أي‬ ‫ال�سبل‪ ،‬وما �أجن��زه املنتدى من عقد م�ؤمترات ون��دوات العام باحلكمة والكلمة الطيبة مبا يدفعهم �إلى الوقوف‬ ‫ولقاءات ودورات ت�سعى �إلى نبذ الإرهاب والتطرف ون�شر يف ال�صف الإ�سالمي العام‪ ،‬ويبني لهم مواطن اخلطر‬ ‫الفكر الو�سطي واالعتدال‪.‬‬ ‫على الأم��ة وعلى هويتها وم�صاحلها املتنوعة والدور‬ ‫كما تطرق الفاعوري �أثناء ورقته �إلى الو�سائل التي الإيجابي امل�أمول منهم‪.‬‬ ‫ي�سلكهااملنتدى لتحقيق �أهدافه بجميع الو�سائل امل�شروعة • طرح املبادرات والتوعية امل�ستمرة بالق�ضايا والأحداث‬ ‫ومنها‪:‬‬ ‫املهمة ذات العالقة بالإ�سالم وامل�سلمني واتخاذ املوقف‬ ‫• اخلطاب التثقيفي املبا�شر للم�سلمني بهدف ت�صحيح املنا�سب �إزاء كل منها‪.‬‬ ‫‪� 72‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫نشاطات الوسطية‬ ‫• احل ��وار م��ع ال �ت �ي��ارات الثقافية وامل��ذاه��ب الفكرية • ‬ ‫والتجمعات ال�سيا�سية املوجودة يف ال�ساحة الإ�سالمية‬ ‫– �أيا كان توجهها _ حوار ًا يرمي �إلى جتلية موقف‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬والفكر الإ�سالمي‪ ،‬من جمال �إهتمام كل منها‬ ‫ونطاق عملها‪.‬‬ ‫• ال�ت��وا��ص��ل م��ع امل�ن�ظ�م��ات ال��دول �ي��ة وامل�ن�ظ�م��ات غري‬ ‫احلكومية العاملة يف خمتلف جماالت التوعية بق�ضايا‬ ‫الإ�سالم وامل�سلمني يف كل مكان‪.‬‬ ‫• ‬ ‫• عقد امل�ؤمترات والندوات العلمية ملناق�شة الق�ضايا ذات • ‬ ‫العالقة بالإ�سالم وامل�سلمني وبلورة ر�أي عام �إ�سالمي‬ ‫حولها‪.‬‬ ‫• ترجمة الأدبيات املعززة للو�سطية من العربية للغات • ‬ ‫الأخرى ومن اللغات الأخرى للعربية‪.‬‬ ‫• �إ�صدار دورية ُتعبرّ عن الفكر الإ�سالمي املعتدل (جملة‬ ‫• ‬ ‫الو�سطية)‪.‬‬ ‫• �إن�شاء مركز درا�سات الو�سطية و�أبحاثها‪.‬‬ ‫• تكوين مكتبة عاملية لأدبيات الو�سطية‪.‬‬ ‫كا بينّ املهند�س مروان الفاعوري �أن املنتدى يهتم بالإ�ضافة • ‬ ‫�إل��ى الو�صول لغاياته ال�سامية بالإهتمام بالقطاعني‬ ‫الن�سائي وال�شبابي لأنهما عمود املجتمع فالبيت والأم • ‬ ‫ال�صاحلة تُن�شيء �شباب الأم��ة ال�سائرين على نهج‬ ‫الو�سطية والدين الإ�سالمي‪ ،‬لذلك الب��د من تكري�س‬ ‫الوقت للإهتمام بهم‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وعر�ض التطلعات امل�ستقبلية التي يرقى املنتدى لتحقيقها‪:‬‬

‫اال�ستمرار يف �إق��ام��ة الفعاليات الفكرية والثقافية‬ ‫املختلفة من م�ؤمترات‪ ،‬ندوات‪ ،‬حما�ضرات‪ ،‬ور�ش عمل‪،‬‬ ‫�إ� �ص��دار مطبوعات‪ ،‬توظيف و�سائل الإع�ل�ام خلدمة‬ ‫�أه��داف املنتدى واال�ستفادة من تكنولوجيا املعلومات‬ ‫املرئية من عمليات التوا�صل االجتماعي ون�شر ثقافة‬ ‫الو�سطية وبناء ال�شراكات مع امل�ؤ�س�سات واملنظمات‬ ‫املحلية والإقليمية والدولية‪.‬‬ ‫�إن�شاء قناة ف�ضائية لن�شر ثقافة املنهج الو�سطي‪.‬‬ ‫�إعداد برامج �إعالمية فكرية ثقافية اجتماعية تنموية‬ ‫تربوية ون�شرها‪.‬‬ ‫اال�ستفادة م��ن م�ف��ردات العملية الثقافية (ق�صة‪،‬‬ ‫�شعر‪ ،‬دراما‪ ،‬م�سرح) يف ن�شر وتعميم ثقافة الو�سطية‬ ‫واالعتدال وتر�سيخ القيم الإن�سانية يف املجتمع‪.‬‬ ‫�إب��راز �إ�سهامات املنتدى و�أهميته (حمليا‪� ،‬إقليميا‪،‬‬ ‫دول �ي��ا) لي�صبح مركز �إ��ش�ع��اع روح��ي وف�ك��ري وثقايف‬ ‫واجتماعي ويف ن�شر ثقافة الو�سطية واالع�ت��دال ونبذ‬ ‫العنف والتطرف‪.‬‬ ‫زيادة عدد من فروع املنتدى يف دول العامل الإ�سالمي‪.‬‬ ‫تعزيز ا�ستخدام التقنيات احلديثة يف مواكبة التطور‬ ‫والتقدم التكنولوجي من �أجل �سهولة ن�شر مفاهيم املنهج‬ ‫الو�سطي وت�صويب املفاهيم اخلاطئة للإ�سالم‪.‬‬ ‫زي��ادة ال�شراكات م��ع املنظمات املحلية‪ ،‬الإقليمية‬ ‫والدولية‪.‬‬

‫ ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪73‬‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫م�سابقة القر�آن الكرمي باملنتدى العاملي للو�سطية‬

‫�أق ��ام امل��رك��ز ال �ق��ر�آين يف منتدى الو�سطية للفكر‬ ‫والثقافة حف ًال لتكرمي �أهل القر�آن من الفائزين بامل�سابقة‬ ‫القر�آنية لل�سنة الرابعة يف �شهر القر�آن �صباح االثنني ‪/26‬‬ ‫رم�ضان‪1436/‬هـ يف جو مفعم بنفحات ال�شوق خلري ليلة‬ ‫يف �أف�ضل ال�شهور كلها؛ ليلة القدر لننعم ب�سالم هي حتى‬ ‫مطلع الفجر؛ مت افتتاح احلفل بتالوة �آي��ات عطرة من‬ ‫كتاب اهلل الكرمي تالها ال�شاب عامر النقيب؛ ب�صوته‬ ‫ال�شجي ثم تالها كلمة للأمني العام للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري حتدث فيها عن �أهم‬ ‫التحديات التي يواجهها العامل الإ�سالمي يف هذه احلقبة‬ ‫من الزمن حيث تكالبت الأمم على ال�شعوب امل�سلمة �إبادة‬ ‫و�إق�صاء‪ ،‬ونوه �إلى �أهمية ت�سليح اجليل بالعلم واملعرفة‬ ‫والتم�سك بكتاب اهلل ملواجهة هذه التحديات‪ ،‬ال�ستعادة‬ ‫‪� 74‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫الأمة جمدها وعزها و�صدارتها بني الأمم؛ وتقدم الأمني‬ ‫العام بال�شكر لكل من �ساهم يف �إجناح هذا العمل اجلليل؛‬ ‫من جهات داعمة م��رور ًا بالفا�ضلة امل�شرفة الفنية على‬ ‫امل�سابقة �إنتها ًء بجميع الكوادر الفنية والإدارية والتي كان‬ ‫لها الأثر يف �إجناح امل�سابقة وو�صولها �إلى امل�ستوى الالئق‬ ‫واملرجو‪.‬‬ ‫و�أ�شارت �أ‪� .‬إميان ال�صفدي –امل�شرفة على امل�سابقة‬ ‫القر�آنية و ع�ضو جلنة امل��ر�أة يف منتدى الو�سطية ‪ -‬يف‬ ‫كلمتها ـ �إلى �أهمية دور الأ�سرة يف �إعداد اجليل ال�صالح‬ ‫احلافظ لكتاب اهلل كما �شكرت �أمهات الفائزين على‬ ‫دوره��ن الرتبوي الإيجابي مع �أبنائهن وحر�صهن على‬ ‫�إعدادهم للحياة مزودين ب�سالح الإميان والعلم‪.‬‬ ‫كما ا�ستمع احل�ضور وا�ستمتع ب�سماعهم �أبيات �شعرية‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫من نظم الدكتورة فايزة ال�سكر‪-‬ع�ضو جلنة املر�أة – حول‬ ‫القر�آن الكرمي وعظيم بيانه؛ وقد كان لفقرة تيجان الوقار‬ ‫بني احلفظة ومربيهم ب�إ�شراف ال�سيدة وف��اء منر �أث��ر ًا‬ ‫�إيجابي ًا بالغ ًا يف نفو�س احل�ضور‪� ،‬ساهم يف دفعهم نحو‬ ‫م�س�ؤولياتهم مع الن�شئ تربية و�إع��داد ًا من خالل القر�آن‬ ‫العظيم؛ تخلل احلفل قراءات متنوعة للفائزين بامل�ستويات‬ ‫الأربعة‪.‬‬ ‫ويف اخلتام قام الأمني العام بتوزيع اجلوائز مع �شهادات‬ ‫التقدير على الفائزين‪ ،‬حيث مت تقدمي (‪ )125‬دينار لثالثة‬ ‫فائزين عن امل�ستوى الأول ـ ع�شرة �أجزاء ـ‪ ،‬و (‪ )100‬دينار‬ ‫لأربعة فائزين عن امل�ستوى الثاين ـ خم�سة �أجزاء ـ‪ ،‬و (‪)75‬‬

‫دينار لثالثة فائزين عن امل�ستوى الثالث ـ ثالثة �أجزاء ـ‪ ،‬و‬ ‫(‪ )50‬دينار لثالثة فائزين عن امل�ستوى الرابع‪.‬جزء عم‪.‬‬ ‫باال�ضافة الى تقدمي جوائز تر�ضية للم�شاركني املتميزين‬ ‫الذين ح�صلوا على ‪ 95‬فما ف��وق عن امل�ستويات الأربعة‬ ‫ت�شجيع ًا لهم لال�ستمرار يف طريق القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫علم ًا �أن املنتدى د�أب على تنظيم م�سابقة �سنوية يف‬ ‫حفظ ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي لأك�ثر م��ن م�ستوى م��ن حيث عدد‬ ‫الأجزاء وفئات الأعمار امل�ستهدفة‪ ،‬لإتاحة الفر�صة للجميع‬ ‫حلفظ القر�آن الكرمي‪ ،‬حيث دخلت م�سابقتنا عامها الرابع‬ ‫يف م�ستوى جديد "‪� 10‬أجزاء" لي�ستمر التطوير لن�صل �إلى‬ ‫حفظ القر�آن كام ًال ب�إذن اهلل‪.‬‬

‫ ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪75‬‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫كرم ثلة من ُكتاب التجديد‬ ‫ُي ِّ‬

‫�أقامت رابطة كتاب التجديد املنبثقة عن املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية احتفالها اخلام�س لتكرمي كتاب التجديد يف دولة مقر‬ ‫املنتدى بالعا�صمة الأردنية ع ّمان ‪ .‬‬ ‫بد�أ احلفل ب�آيات من الذكر احلكيم تالها القارئ ال�شيخ‬ ‫معروف ال�شريف ثم حت��دث املهند�س م��روان الفاعوري �أمني‬ ‫عام املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬يف كلمات افتتاحية جاء فيها ‪:‬‬ ‫"ما َ‬ ‫العاملي للو�سط َّي ِة‪ ،،‬يعم ُل جاه ًدا منذ انطالق ِته‬ ‫زال املنتدى ّ‬ ‫واالعتدال يف احليا ِة العا ّمة؛ فك ًرا‬ ‫الأولى ليح ِّققَ معاين الو�سط َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ا�س‬ ‫ال�سبيلِ ل ُي ِق َيم ب َني ال ّن ِ‬ ‫وثقاف ًة و�سلو ًكا ودعو ًة‪ ،‬و َي ْج َت ِه ُد يف هذا ّ‬ ‫والعدل واخلري َّية‪ ،‬وينه�ضُ‬ ‫كا ّف ًة جوه َر املح َّب ِة والأخ � َّو ِة واحلقّ‬ ‫ِ‬ ‫ا�صة‪ ،‬ويق ِّد ُم العا َّم‬ ‫يف َز َم ِن الأَ َث َر ِة بالإيثا ِر حتّى لو كانَ ب ِه َخ َ�ص َ‬ ‫الح القو ِمي ال ّر�شيدِ يف‬ ‫على‬ ‫ِّ‬ ‫موذج ّ‬ ‫ال�ص ِ‬ ‫اخلا�ص حما ِو ًال تقد َمي ال ّن ِ‬ ‫ع�صر ي�ش ِب ُه ك ُّل ما في ِه �أن يكونَ حفلة جنونٍ كربى‪ :‬ما ب َني َدما ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ُهنا‪ ،‬وتخريبٍ ُه َ‬ ‫ناك‪ ،‬وف ٍنت ك ِق َط ِع الليلِ املُظ ِل ِم بع�ضُ ها َ‬ ‫فوق َبع�ض‪،‬‬ ‫وانق�سام و�شر َذ َم ٍة وتع�صُّ بٍ وكراهي ٍة وتط ُّر ٍف و�إرهابٍ ؛ حتّى لقد‬ ‫ٍ‬ ‫احلليم َحريانَ �إذا �أخ َر َج كل َم َت ُه النا�صحة ال�صادقة مل تكد‬ ‫�أ�ص َب َح ُ‬ ‫تراه "‬ ‫واعترب �أن حفل التكرمي منا�سبة "ينبغي لها �أن تكونَ منا�سب َة‬ ‫اجلريحة؛ َ‬ ‫ا َ‬ ‫ذلك لأنّ تكر َمي املجدّدينَ يف‬ ‫جلميع يف هذه الأ ّمة‬ ‫َ‬ ‫‪� 76‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫حيوي لك ّل �أبناء هذه الأ ّم ِة‪،‬‬ ‫إ�سالمي ٌّ‬ ‫الفك ِر وال ّثقاف ِة والعملِ ال ّ‬ ‫بك ّل �أعرا ِقها وطوائ ِفها ومذاه ِبها و�أديا ِنها"‪.‬‬ ‫وقال "املج ّددونَ باخل ِري وال ّد ُاعونَ �إلي ِه هم �أوتا ُد ال ّث ِ‬ ‫بات على‬ ‫احلقّ ‪ّ ،‬‬ ‫واملب�شرونَ بالأمل وال ُهدى‪ ،‬واملم ِّهدُونَ ال�ستعاد ِة هذه الأ ّم ِة‬ ‫إلهي املن ُذو َر يف ّ‬ ‫أمم وعليها"‪.‬‬ ‫ال�شهو ِد‬ ‫ِّ‬ ‫دو َرها ال َّ‬ ‫احل�ضاري بني ال ِ‬ ‫و�أ�ضاف "�إننا ونحن نكرم اليوم ثلة من �أبناء الأمة وم�ؤ�س�ساتها‬ ‫نعي �أنهم جددوا ويجددوا يف طرائق العمل ومناهج التفكري وفقه‬ ‫الدعوة و�أمناط احلركة وو�سائل التعامل مع التحديات املعا�صرة‬ ‫يف العالقة بني الدعاة واحلركات وال�سالطني‪ ،‬وبيننا وبني الآخر‬ ‫املختلف معنا يف الفكر �أو املذهب �أو الدين‪ ..‬وهذا لب اهتمامنا‬ ‫يف �أن يكون التجديد ابتكار ًا و�إبداع ًا يخرج الأمة من واقعها املر‬ ‫الأليم"‪.‬‬ ‫"ع َلما َء‪ ،‬وم� َّؤ�س ٍ‬ ‫�سات"‪..‬‬ ‫وق��دم الثناء والتقدير للمكرمني ُ‬ ‫جمل�س �أمناء رابطة كتّاب التّجديد و�أع�ضا ِء‬ ‫"ولزمالئي رئي�س ِ‬ ‫بخال�ص االمتنانِ والتّح ّي ِة"‪.‬‬ ‫املجل�س و�أع�ضاء وكوادر املنتدى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث��م حت��دث م�ع��ايل ال��دك�ت��ور عبدال�سالم ال�ع�ب��ادي رئي�س‬ ‫جمل�س �أمناء رابطة كتاب التجديد و الأمني العام ملجمع الفقه‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬رئي�س جمل�س امناء رابطة كتاب التجديد‪ ،‬قال يف‬ ‫كلمة القاها باملنا�سبة "�إننا نتكلم عن النمو والتجدد والتطور‪،‬‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫وال نتكلم عن الثبات من ناحية‪ ،‬كما ال نتكلم عن التغيري من ناحية‬ ‫�أخرى‪ ..‬وهذا يعني كما هو �ش�أن احلياة الإن�سانية البد �أن يكون‬ ‫هنالك يف هذا الفكر قدر من الثوابت وقدر من املتغريات‪ ،‬كما هو‬ ‫�ش�أن منو احلياة الإن�سانية وجتددها"‪.‬‬ ‫وحت��دث ع��ن "الثبات والتطور"‪ ،‬وق��ال "هذا اجل�م��ع بني‬ ‫الإ�ستقرار والنمو والتجدد �صفة ا�سا�سية م��ن �صفات الفكر‬ ‫الإ�سالمي عرب مراحله املتعددة"‪ ..‬داعيا �إلى العودة �إلى "هدي‬ ‫من ثوابت الفكر الإ�سالمي ومبادئه الكربى وقواعده الأ�سا�سية‪،‬‬ ‫دون غفلة عن ما يحتاج �إلى حتريك وتطوير وجتديد"‪ ..‬م�شريا‬ ‫�إلى �أن هذا كان املراد من ت�أ�سي�س رابطة كتاب التجديد يف الفكر‬

‫اال�سالمي"‪ ..‬و�أن "االحتفال ال�سنوي" جاء "لي�ؤكد على هذه‬ ‫املعاين الكبرية‪ ،‬التي حتتاجها االمة �أميا حاجة"‪ ..‬الفتا �إلى �أن‬ ‫"هذا ال يعني الإن�سالخ من الأ�صول والثوابت‪� ،‬إمنا يعني االبقاء‬ ‫عليها مع الإنفتاح على كل مظاهر الإب��داع والتقدم الإن�ساين‬ ‫ان�سجام ًا مع حركة املجتمعات الإن�سانية"‪.‬‬ ‫ولفت العبادي �إلى �أنه "مما يعيق حركة التجديد اجلمود على‬ ‫مقوالت معينة لي�س لها من دليل مقبول �أو ت�أييد من فهم �سديد‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إلى التع�صب والغلو املذهبي‪ ،‬وما حققة الغزو الفكرى‬ ‫اخلارجي الذي ا�ستعر من البدايات الأولى لهذا الدين العظيم‪،‬‬ ‫و�أخذ يف هذا الع�صر ا�شكا ًال بعيدة يف اال�ستخدام ال�سيئ لأدوات‬ ‫العوملة وو�سائلها‪ ،‬باال�ضافة �إلى ق�صور وا�ضح يف التعليم والرتبية‬ ‫على م�ستوى الأمة‪ ،‬وبخا�صة يف جمال التعليم الديني‪ ،‬بعيد ًا عن‬ ‫اهداف هذا الدين العظيم يف الواقع الإن�ساين"‪.‬‬ ‫ب��د�أ حفل التكرمي بتكرمي امل�ؤ�س�سات املكرمة نظر ًا لدورها‬ ‫ال��ري��ادي على م�ستوى العامل اال�سالمي بتكرمي منتدى الفكر‬ ‫العربي بعر�ض فيلم تعريفي عن املنتدى و�سلم درع الرابطة لنائب‬ ‫"رئي�س جمل�س امناء املنتدى" لدولة اال�ستاذ طاهر امل�صري رئي�س‬ ‫الوزراء اال�سبق والقى كلمة عرب فيها عن تقديره لهذه املبادرة‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪77‬‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫ثم مت تكرمي املعهد العاملي للفكر اال�سالمي بعر�ض فيلم عن‬ ‫املعهد وقد مت ت�سليم درع التكرمي لرئي�س جمل�س امناء املعهد‬ ‫العاملي للفكر اال�سالمي‪ ‬لدكتور عبداحلميد اب��و �سليمان من‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية ثم ب��د�أ تكرمي ال�شخ�صيات والعلماء‬ ‫الفائزين باجلائزة بداي ًة مت تكرمي الدكتور عبداللطيف الهميم‬ ‫رئي�س دي��وان الوقف ال�سني العراقي نظر ًا ل��دوره الهام يف ن�شر‬ ‫ثقافة وفكر االعتدال والو�سطية من خالل م�ؤلفاته العديدة يف‬ ‫جمال فكر الو�سطية واالعتدال وثقافة الت�سامح وحماربة االرهاب‬ ‫والتطرف‪،‬مت ت�سليم الدرع ثم القى كلمة �شكر فيها القائمني على‬ ‫الرابطة واملنتدى العاملي وبني �أهمية العراق يف العامل اال�سالمي‬ ‫وان بغداد �ستبقى جزء من العامل اال�سالمي‪.‬‬ ‫وال�شخ�صية الثانية التي كرمت الدكتور �سلمان العودة الداعية‬ ‫اال�سالمي املعروف من اململكة العربية ال�سعودية بعر�ض فيلم عن‬ ‫م�سريته العلمية والفكرية و�أب��رز ابداعاته واجن��ازات��ه الفكرية‬ ‫وم�ؤلفاته التي انت�شرت يف العامل اال�سالمي‪ ،‬ويعترب �سلمان العودة‬ ‫رائد ًا من رواد دعاة الو�سطية واالعتدال ونظر ًا لظروف طارئة‬ ‫خارجة عن ارادته مل يتمكن من احل�ضور لالردن فقد �أناب ال�سيد‬ ‫‪� 78‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫خالد احلقباين من امللحقية الثقافية‪-‬ال�سفارة ال�سعودية ال�ستالم‬ ‫اجلائزة التكرميية حيث قدم الدكتور �سلمان فيديو م�سجل �شكر‬ ‫فيه املنتىدى واعتزازه بهذه اجلائزة‪.‬‬ ‫ثم مت تكرمي ‪ ‬ال�شخ�صية الثالثة وهو الدكتور جا�سم �سلطان‬ ‫مطلق م�شروع النه�ضة بعر�ض فيلم عن م�شروع النه�ضة الذي‬ ‫�أطلقه الدكتور وذلك بعر�ض اهميته الذي يعنى بال�شباب والذي‬ ‫يناق�ش �سبب تخلف االمة عن باقي االمم وت�ضمن الفيلم مبادرته‬ ‫يف االردن بالقاء حما�ضرات حول امل�شروع وت�سلم اجلائزة نيابة‬ ‫عنه الدكتور عبدالرحمن ذاكر لعدم متكنه من احل�ضور يف الزمن‬ ‫املنا�سب للم�شاركة حيث ار�سل فيديو ت�سجيلي من قبله �شاكر ًا فيه‬ ‫الرابطة الختياره كفائز ًا باجلائزة اكر ًا انه �سيقوم بزيارة قريبة‬ ‫للمنتدى‪.‬‬ ‫‪ ‬ح�ضر احلفل ح�شد كبري من ال�ضيوف وامل�شاركني من كبار‬ ‫رج��ال الدولة وكبار العلماء بقدر ح��وايل ‪� 400‬شخ�ص ميثلون‬ ‫خمتلف اطياف املجتمع االردين وامل�ؤ�س�سات الفكرية والثقافية‬ ‫وح�شد كبري من ال�صحفيني حيث مت ت�سجيل ه��ذا اللقاء ببث‬ ‫مبا�شر من قناة اجلزيرة وعدة قنوات ف�ضائية وم�ؤ�س�سات �صحفية‬ ‫�إعالمية حملية ودولية‪ .‬‬ ‫ثم تناول احل�ضور طعام الع�شاء وجرى بعدها مداوالت بني‬ ‫احل�ضور ت�شيد بهذه الفعالية ودور املنتدى يف اقامتها باعتبارها‬ ‫من ابرز امل�ؤ�س�سات اال�سالمية يف هذا املجال حيث �أن �شهرتها‬ ‫تعدت العامل اال�سالمي وب�أنها منارة فكرية عاملية‪.‬‬

‫ ‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫بحث التعاون بني‬ ‫(العاملي للو�سطية ) و ( العاملي للفكر الإ�سالمي )‬

‫ا�ستقبل الأم�ي�ن ال �ع��ام للمنتدى ال�ع��امل��ي للو�سطية‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري يف مقر املنتدى �أم�س الأربعاء‬ ‫‪ 2015/8/26‬رئي�س جمل�س �أمناء املعهد العاملي للفكر‬ ‫الإ�سالمي الدكتورعبداحلميد �أبو �سليمان وقد جرى خالل‬ ‫اللقاء بحث �سبل التعاون بني املعهد واملنتدى يف الق�ضايا‬ ‫الفكرية والثقافية والإن�سانية‪ ،‬وقد قدم الفاعوري يف بداية‬ ‫اللقاء �إيجازا عن املنتدى العاملي للو�سطية والأعمال التي‬ ‫يقوم بها والأه��داف التي ي�سعى �إل��ى حتقيقها من خالل‬ ‫ت�أ�صيل املنهج الو�سطي واالعتدال و�إب��راز �صورة الإ�سالم‬ ‫احلقيقية فكرا و�سلوكا على ال�صعد كافة كما �أثنى �أبو‬ ‫�سليمان على جهود املنتدى يف املجال التوعوي وتطرق يف‬

‫حديثه �إلى التحديات التي تواجه العامل الإ�سالمي و�ضرورة‬ ‫العمل امل�شرتك لإيجاد احللول لهذه امل�شاكل والتحديات‬ ‫من خالل ت�ضافر كافة اجلهود يف بوتقة واحدة نحو حتقيق‬ ‫الهدف الأ�سمى وهو ن�شر ر�سالة الإ�سالم احلنيف و�إبراز‬ ‫ال�صورة احلقيقية لهذا الدين‪ ،‬وقد قام ال�ضيف بعد ذلك‬ ‫بجولة ا�ستطالعية ملرافق املنتدى و�أبدى �إعجابه بامل�ستوى‬ ‫املتقدم الذي و�صل �إليه املنتدى يف املجال الدعوي والفكري‬ ‫والثقايف وقد ح�ضر اللقاء الدكتور رائد عكا�شة وماجد �أبو‬ ‫غزالة والدكتور خالد اجلرب والدكتور زهاء الدين عبيدات‬ ‫والدكتور زيد املحي�سن‪.‬‬

‫ ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪79‬‬


‫إصدارات المنتدى‬

‫من �إ�صدارات املنتدى‬ ‫قراءة يف نف�سية �إرهابي‬ ‫�أ�صدر املنتدى العاملي للو�سطية كتيب ًا بعنوان "قراءة يف نف�سية‬ ‫�إرهابي" �ضمن �سل�سلة �إ�صداراته الدورية التنويرية التي حتاول‬ ‫فك اجلمود الفكري الذي وقف بالبع�ض عند اجتهادات ال�سابقني‬ ‫والدوران يف فلك التاريخ مما �شكل م�صدر ًا من م�صادر تلقي �أ�صول‬ ‫�أفكار املتطرفني والغالني‪ ،‬وحدا بهم حلمل ال�سالح �ضد �أمتهم يف‬ ‫م�شرق الأر�ض ومغربها ‪ ،‬وقد افتتح الكتيب املفكر الإ�سالمي �أبو جرة‬ ‫�سلطاين مبقدمة بينّ من خاللها حرمة الدم الإن�ساين بن�صو�ص‬ ‫الوحي القر�آين‪ ‬‬ ‫"وما كان مل�ؤمن �أن يقتل م�ؤمن ًا اال خط�أ" "ومن يقتل م�ؤمن ًا‬ ‫متعمد ًا فجزا�ؤه جهنم خالد ًا فيها"‪ ‬‬ ‫كما �شخ�ص الدوافع النف�سية والذاتية للإرهابي مقدم ًا مقارب ًة‬ ‫عملية لفهم الظاهرة من �أجل تاليف تعاطف ال�شباب مع هذا الفكر‬ ‫الظالمي املنكفئ ونريانه التي ال تبقي وال تذر بعدما �أثبتت املعاجلات‬ ‫الأمنية حمدوديتها يف مواجهة الظاهرة ت�أتي هذه ال�سل�سلة لت�ش ّكل‬ ‫حلقة من حلقات منتظمة ملعاجلة هذا الوقع امل�أذوم‪.‬‬

‫‪� 80‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫إصدارات المنتدى‬

‫بوكو حرام يف نيجرييا‬ ‫بوكو حرام يف نيجرييا ‪،‬كتيب �أعده املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية فرع نيجرييا مبنا�سبة �أولى م�ؤمتراته الدولية‬ ‫"اال�سالم يف افريقيا ومواجهة التطرف والغلو" املنعقد‬ ‫مبدينة الغ��و���س ‪، 2015/8/9-8‬ع� � ّرف فيه الكاتب‬ ‫بحركة بوكوحرام املتطرفة و�أ�سباب تطرفها يف افريقيا‬ ‫واجلرائم الب�شعة التي ارتكبتها و�أثرها على ت�شويه �صورة‬ ‫اال�سالم يف افريقيا ‪،‬وقد ركز الكاتب من خالل حتليله‬ ‫على و�سطية اال��س�لام ملخ�ص ًا ال���ض��رورات االن�سانية‬ ‫اخلم�س التي ت�شكل مق�صد ًا من مقا�صد اال�سالم الكربى‬ ‫وهي حفظ الدين والنف�س والعقل والعر�ض واملال‪.‬‬ ‫ك�م��ا �شخ�ص ال�ك��ات��ب �أث ��ر ال�غ�ل��و ع�ل��ى املجتمعات‬ ‫اال�سالمية يف افريقيا حا�صر ًا لها يف ارب�ع��ة ا�سباب‬ ‫رئي�سية ‪:‬‬ ‫‪� .1‬ضعف االنتماء الديني لدى ال�شباب‪.‬‬ ‫‪ .2‬امل�شكالت النف�سية واالجتماعية‪.‬‬ ‫‪ .3‬االحباط ب�سبب الفقر والبطالة‪.‬‬ ‫‪ .4‬الأثر ال�سلبي لو�سائل االعالم‪.‬‬ ‫وق��د ختم الكاتب مبلخ�ص ح��ول ال�ه��دف م��ن عقد‬ ‫امل�ؤمتر الدويل يف نيجرييا ك�إحدى املعاجلات التي حتارب‬ ‫الفكر املتطرف م��ن خ�لال تو�ضيح مقا�صد ال�شريعة‬ ‫اال�سالمية ومراعاة الواقع‪.‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪81‬‬


‫النشاطات القادمة‬

‫العامل الإ�سالمي وخطر الطائفيّة‬ ‫حتت هذا العنوان وبالتعاون مع ديوان الوقف ال�سني‬ ‫بالعراق �سيعقد املنتدى العاملي للو�سطية م�ؤمترا دوليا يف‬ ‫�شهر فرباير القادم‬ ‫فكرة امل�ؤمتر ‪:‬‬

‫وال�صرا ِع‪ ،‬ومنه‬ ‫�إن ما �أ�صاب الأمة من �ألوان ال َّتم ُّزقِ ِّ‬ ‫واملذهبي‪ ،‬يجب �أن ُي َ‬ ‫نظ َر �إليه يف �إطار‬ ‫الفكري‬ ‫ال َّتمزُّق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الأزم��ة الفكرية واملنهجية التي �أ�صابت العقل امل�سلم‪،‬‬ ‫و�أ َّد ْت –مع غريها من الإ�صابات‪� -‬إلى الفرقة والتمزق‬ ‫يف هذا الزمان‪ .‬وبغري الوحدة ةاالتفاق‪ ،‬والتح ِّلي ب�آداب‬ ‫االختالف‪ ،‬وتوعية العقل امل�سلم لقبول التنوع والتعدد‪،‬‬ ‫وتوجيهِ ِه �إيجابي ًا �إلى ثراء الفكر والثقافة‪ ،‬واال�ستجابة‬ ‫للتحديات ال�ت��ي ت��واج��ه الأم ��ة على اخ �ت�لاف مواقعها‬ ‫وحاالتها‪ ،‬بد ًال من ال�سقوط يف �سلبيات التع�صب والإدانة‬ ‫يكون جلهود اخلريين من ا�صحاب هذه‬ ‫والتناحر‪ ،‬فلن َ‬ ‫املذاهب من جناح لتحقيق �أهدافها يف وحدة الأمة و�إزالة‬ ‫م��ا ب�ين فئاتها ِم� ْ�ن وه��ن‪ .‬لذلك ف �� َّإن املطلوب ه��و ربط‬ ‫�أهداف جهود امل�صلحني امل�ؤمنني بق�ضية وحدة الأمة يف‬ ‫خمتلف م�ستوياتها‪ ،‬بحيث ي�صبح انتاج هذه اجلهود من‬ ‫عمليات الو�صل والتفاعل واحلوار حلماية ج�سد الأمة من‬ ‫التفكك والتجرئة نتيجة عبث الغالة من املتطرفني‪.‬‬ ‫فالوحدة بني امل�سلمني �أولوية كل الأول��وي��ات‪ ،‬بل هي‬ ‫من الفرائ�ض والواجبات‪ ،‬فمن �أنكر وحدة امل�سلمني فقد‬ ‫�أنكر �أمر ًا مقطوع ًا به‪ ،‬ومن كان عمله على �صفة تقدح يف‬ ‫هذه الوحدة وت�شق �صف امل�سلمني وتنال من قوتهم فقد‬ ‫وخالف �شرعة الإ�سالم‪ ،‬وانحاز‬ ‫ع�صى اهلل‪ -‬ع َّز وج َّل‪،-‬‬ ‫َ‬ ‫الى �صف �أعداء الأمة‪.‬‬ ‫ويت�أكد العمل بهذا الأ�صل يف الع�صر احلا�ضر الذي‬ ‫ح� َّ�ل فيه بامل�سلمني من �شدة ال�ضعف وعمق االختالف‬ ‫ريح ُهم‪ ،‬وانت�شار افكار التطرف‬ ‫والتع�صب ما �أذه� َ�ب َ‬ ‫ةاالرهاب و زرع الكرافية ولغة القتل وثقافة �سغك الدماء‬ ‫والتعب للراي وتكفري االخ��ر فقط الن��ه الأ َّدى بهم �إلى‬ ‫التخلف الفكري والعلمي‪ ،‬وجعل مقدرات الأمة و�ضروريات‬ ‫حياتها ومق ِّومات وجودها يف �أيدي �أعدائها‪ .‬ونحن ندرك‬ ‫اليوم � َّأن اال�ستبداد الفكري‪ ،‬والتع�صب للر�أي‪ ،‬والطعن‬ ‫والتجريح ب�سبب اختالف الآراء واملذاهب هو من �أكرب‬ ‫�أ�سباب هذا التمزُّق‪ .‬ولهذا ظهرت فكرة التقريب بني‬ ‫‪� 82‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫الآراء واملذاهب يف الع�صر احلا�ضر‪ ،‬وكان كل ذلك من‬ ‫نتائج اختالف املذاهب الإ�سالمية‪.‬‬ ‫فالواجب على العلماء واملفكرين من جميع املذاهب‬ ‫واملدار�س الفكرية‪ ،‬الذين لهم خربة وعناية باملو�ضوع‪،‬‬ ‫� ْأن ي�ضموا جهودهم؛ من �أجل حتديد الآليات والو�سائل‬ ‫العملية لتنفيذ ا�سرتاتيجية ملكافحة االره ��اب وو�ضع‬ ‫اال�سرتاتيجيات للت�صدي له‪.‬‬ ‫ولهذا تدعو امل�ؤ�س�سات والعلماء امل�شاركني يف تنظيم‬ ‫هذا من خمتلف املذاهب الإ�سالمية �إل��ى �إع��داد �أوراق‬ ‫وبحوث علمية‬

‫�أهداف امل�ؤمتر‪:‬‬

‫ويف ال��وق��ت ال��ذي ت�شه ُد الب�شر َّي ُة يف راه ِنها‬ ‫�صعيدي الفكر‬ ‫�أ�سو�أ موج ٍة من ال ّتط ّرف والإره��اب‪ ،‬على‬ ‫َ‬ ‫�تراب ال� ّداخ�ل� ُّ�ي‪ ،‬وال ُع ُ‬ ‫املجتمعي‪،‬‬ ‫نف‬ ‫واملمار�سة‪ ،‬ف��االح ُ‬ ‫ّ‬ ‫�ال ال �ع�لاق� ِ‬ ‫واخ��ت�ل ُ‬ ‫�ات ال � ّدول � ّي��ة‪ ،‬ك�لُّ�ه��ا م�ظ��اه� ُر لهاتني‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫�صعيد‬ ‫الظاهرتني‪ ،‬تعي�شُ منطقتُنا �أزم� � ًة ُك�برى على‬ ‫جودي ب�سببِ علو �صوت التطرف والعنف وبروز ظاهرة‬ ‫ُو ّ‬ ‫ال���ص��راع الطائفي وامل��ذه�ب��ي‪� ،‬ضمن طيف وا��س��ع من‬ ‫كبع�ض الأفكا ِر يف الأدي��انِ ّ‬ ‫والطوائف‬ ‫الأ�سباب واملظاهر ِ‬ ‫واملذاهب‪� ،‬إلى ال ّدواف ِع من ا�ستغالل املوارد االقت�صاد ّية‬ ‫إح�سا�س ُّ‬ ‫االجتماعي‪� ،‬إلى اال�ستعما ِر‬ ‫بالظ ِلم واالغرتاب‬ ‫وال ِ‬ ‫ّ‬ ‫واالنق�سامات ّ‬ ‫ِ‬ ‫واال�ستعبا ِد �إلى الإثن ّي ِ‬ ‫الطائف ّية‬ ‫ات العرق ّية‬ ‫ِ‬ ‫احلوادث ال ّتاريخ َّي ِة املثري ِة لغرائز‬ ‫واملذهب َّية‪ ،‬وا�ستح�ضا ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫�شريعات‬ ‫احلقد واالنتقام‪ ،‬ح ّتى اجلوانب القانون ّية وال ّت‬ ‫ِ‬ ‫والعالقات ال ّدول َّية‪.‬‬ ‫والن ُ​ُّظ ِم‬ ‫حماور امل�ؤمتر‬

‫‪ .1‬مفهوم الطائفية واملذهبية و�إ�شكالية امل�صطلح‪:‬‬ ‫�أ‪ ( .‬املذهبية‪ ،‬الطائفية‪ ،‬التُقية‪ ،‬النوا�صي والرواف�ض‪،‬‬ ‫ق�ضية �آل البيت بني ال�سنة وال�شيعة‪ ،‬الفئة الناجية‪،‬‬ ‫الإمام الغائب‪ ،‬والية الفقيه‪ ،‬احلاكمية)‬ ‫ب‪ .‬املذهبية ر�ؤية تاريخية الن�ش�أة واجلذور‪.‬‬ ‫‪ .2‬الإع�لام ودوره يف الق�ضاء على الطائفية وال�صراع‬ ‫امل��ذه �ب��ي‪ /‬ال �ق �ن��وات الف�ضائية‪ ،‬م��واق��ع التوا�صل‪،‬‬ ‫اليويتوب‪...‬‬


‫‪ .3‬الوحدة الإ�سالمية‪-‬عنا�صرها �إكراهاتها والتحديات‬ ‫التي تواجه املجتمعات امل�سلمة وكيفية جتاوزها وخطر‬ ‫الطائفية على وحدة الأمة و�إ�ستقرارها‬ ‫�أ‪� .‬أدب اخلالف يف املنظور الإ�سالمي‬ ‫ب‪ .‬مفهوم احلوار يف الإ�سالم‪-‬الآليات‪-‬والو�سائل‬ ‫ج‪ .‬ثورات الربيع العربي و�إنعكا�ساتها يف توظيف ال�صراعات‬ ‫ال�سيا�سية ال�ستدعاء الدول املذهبية‪.‬‬ ‫د‪� .‬صور مقرتحة للعالقات ال�سيا�سية والإجتماعية والثقافية‬ ‫بني ال��دول الإ�سالمية (الكومنولث الإ�سالمية ور�ؤي��ة‬ ‫مالك بن بني)‬ ‫‪ .4‬دور امل�ؤ�س�سات املختلفة يف احلد من املذهبية والطائفية‪.‬‬ ‫‪ -‬دور تيار الو�سطية يف مكافحة الطائفية واملذهبية‬

‫ الأح ��زاب واملنظمات واحل��رك��ات الدينية ودوره ��ا يف‬‫تر�سيخ م�ب��ادئ ال��وح��دة الإ�سالمية وحم��ارب��ة التفرق‬ ‫والطائفية‬ ‫ دور امل�ساجد ودور ال�ع�ب��ادة يف درئ خطر الطائفية‬‫(خطب اجلمعة‪-‬املحا�ضرات والندوات)‬ ‫ دور املدار�س واجلامعات واملعاهد يف حت�صني ال�شباب‬‫من خطر الطائفية‬ ‫ دور النخب يف زرع قيم ال��وح��دة وحم��ارب��ة الطائفية‬‫وامل��ذه�ب�ي��ة (امل��راج��ع ال��دي �ن �ي��ة‪-‬الأدب��اء‪-‬ال �� �ش �ع��راء‪-‬‬ ‫املفكرين‪ -‬م�ؤ�س�سات التقريب بني اتباع املذاهب)‬ ‫‪ .5‬نحو ميثاق �إ�سالمي بني اتباع املذاهب وخطاب �إ�سالمي‬ ‫جامع‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪83‬‬


‫م�سابقة العدد‬

‫مسابقـة العـدد‬

‫�إعداد الدكتورزهـاء الدين عبيـدات‬ ‫مدير مركز التدريب والدرا�سات واال�ست�شارات يف املنتدى العاملـي للو�سطيـة‬

‫• تت�ضمن امل�سابقة ع�شرة �أ�سئلة‪ ،‬يتطلب الأمر الإجابة عنها كاملة ملن �أراد امل�شاركة‪ ،‬وتر�سل الإجابات‬ ‫بعد تعبئتها على الكوبون املخ�ص�ص يف �أ�سفل ال�صفحة‪ ،‬و�إر�سالها �إلى عنوان املجلة (�ص‪.‬ب‪1241 :‬‬ ‫الرمز الربيدي ‪ 11941‬عمان – الأردن ) وذلك قبل تاريخ ‪2015/11 / 1‬م‬ ‫ • يتم ال�سحب على الإجابات الفائزة بثالثة م�ستويات‪ ،‬حيث يمُ نح الفائز الأول ‪ 150‬دوالراً‪ ،‬والفائز‬ ‫الثاين ‪100‬دوالراً‪ ،‬والفائز الثالث ‪ 50‬دوالراً‪.‬‬

‫ال�س�ؤال الأول ‪:‬‬

‫�إن �أول من اكت�شف الدورة الدموية بني القلب والرئتني وو�صفها و�صفا علميا �صحيحا هو الطبيب العربي ‪:‬‬ ‫(ج) ابن الهيثم‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(ب) ابن �سينا‬ ‫(�أ) ابن النفي�س ‬

‫ال�س�ؤال الثاين ‪:‬‬

‫�إن �أول من ُلقِّب ب�أمري امل�ؤمنني يف الإ�سالم هو ‪:‬‬ ‫(�أ) �أبو بكر ر�ضي اهلل عنه (ب) عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه ‬

‫(ج) عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬

‫ال�س�ؤال الثالث ‪:‬‬

‫�أول �سفري يف الإ�سالم هو ‪:‬‬ ‫(�أ) علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه (ب) �سعد بن �أبي و ّقا�ص ر�ضي اهلل عنه (ج) عثمان بن عفان ر�ضي اهلل عنه‪.‬‬

‫ال�س�ؤال الرابـع ‪:‬‬

‫قائد حركة (نهاوند) هو ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫(ب) �سعد بن معاذ‬ ‫(�أ) النعمان بن مقرن ‬

‫(ج) �سعد بن �أبي وقا�ص‪.‬‬

‫ال�س�ؤال اخلام�س ‪:‬‬

‫قائد جي�ش امل�سلمني يف فتح جزيرة �صقلية هو ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫(�أ) عقبة بن نافع‬ ‫‪� 84‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ ‬ ‫(ب) �أ�سد بن الفرات‬

‫(ج) طارق بن زياد‬


‫ال�س�ؤال ال�ساد�س ‪:‬‬

‫القائد الذي بنى القلعة يف القاهرة هو ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫(ب) نابليون‬ ‫ ‬ ‫(�أ) �صالح الدين الأيوبي‬

‫(ج) اجلرنال غردون‬

‫ال�س�ؤال ال�سابع ‪:‬‬

‫�أ�ضخم بناء يف العامل هو ‪:‬‬ ‫ ‬ ‫(�أ) الأهرامات امل�صرية‬

‫(ب) �سور ال�صني ‬

‫(ج) منارة الأ�سكندرية‪.‬‬

‫ال�س�ؤال الثامن ‪:‬‬

‫م�ؤلف كتاب ( ماذا خ�سر العامل بانحطاط امل�سلمني ) هو ‪:‬‬ ‫(ج) عز الدين بن الأثري‬ ‫(�أ) �أبو احل�سن الندوي (ب) �أبو الأعلى املودوي ‬

‫ال�س�ؤال التا�سع ‪:‬‬

‫مادة ال�شطة ‪:‬‬ ‫(�أ) تلهب وحتقن الأوعية الدموية وتو�سعها ‬ ‫(ج) تلهب وتقل�ص ال�شرايني ال�صغرية‬

‫(ب) تلهب وت�ضيق الأوعية الدموية‬

‫ال�س�ؤال العا�رش ‪:‬‬

‫مت اكت�شاف الأ�سربين عام (‪ )1853‬بوا�سطة العامل الأملاين ‪:‬‬ ‫(ج) روبرت كوخ‬ ‫(ب) جريهارت ‬ ‫ ‬ ‫(�أ) �شُرتنر‬

‫إجابات مسابقة العدد‬ ‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫رمز �إجابة ال�س�ؤال الأول ( )‬ ‫رمز �إجابة ال�س�ؤال الثاين ( )‬ ‫رمز �إجابة ال�س�ؤال الثالث ( )‬ ‫رمز �إجابة ال�س�ؤال الرابع ( )‬ ‫رمز �إجابة ال�س�ؤال اخلام�س ( )‬

‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�ساد�س ( )‬ ‫رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�سابع ( )‬ ‫رمز �إجابة ال�س�ؤال الثامن ( )‬ ‫رمز �إجابة ال�س�ؤال التا�سع ( )‬ ‫رمز �إجابة ال�س�ؤال العا�شر ( )‬

‫معلومات المتسابق‬ ‫ا�سم املت�سابق من �أربعة مقاطع‬ ‫رقم الهاتف مع رمز الدولة والبلد‬ ‫العنوان الربيدي‬ ‫ ‬

‫بعد الإجابة على هذا النموذج نرجو تعبئة املعلومات اخلا�صة باملت�سابق كاملة وق�ص النموذج و�إر�ساله �إلى العنوان املُبي‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪85‬‬


‫‪� 86‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ق�سيمة ا�شرتاك �سنوية‬ ‫البلد‬

‫ ‬ ‫اال�سم ‪ /‬امل�ؤ�س�سة‬

‫الهاتف‬

‫ ‬ ‫املدينة‬

‫‪Email:‬‬ ‫كيفية الدفع‬ ‫نقدا ‬

‫�شيك ‬

‫حوالة بنكية ‬

‫قيمة اال�شرتاك ال�سنوي ( ‪ 60‬دينار ) �أردين‬ ‫الأردن ‪ -‬عمان ‪ -‬اجلبيهة – تلفون ‪- 5356329‬فاك�س ‪+962 – 6 – 5356349‬‬ ‫�ص ب ‪ 1241‬رمز بريدي ‪11941‬‬ ‫‪P.O.BOX: 2149 AMMAN – 11941 – JORDAN TEL 536329-FAX 5356349-6-962 +‬‬ ‫‪Email: mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪Website: www.wasatyea.org‬‬

‫قواعـد و�شـروط الن�شـر يف جملة الو�سطية‬ ‫ي�س ّر �أ�سرة حترير جملة الو�سطية والتي ت�صدر عن املنتدى العاملي للو�سطية �أن ت�ستقبل م�ساهمات �أ�صحاب القلم من ال ُكتَّاب‬ ‫واملثقفني والباحثني يف �أق�سام الفكر الإ�سالمي والعلوم الإن�سانية واالجتماعية وال�سيا�سية والفكرية والرتبوية‪ ،‬واملو�ضوعات‬ ‫ذات ال�صلة بامل�شروع احل�ضاري الإ�سالمي الراهن‪ ،‬وكل ما له �صلة بق�ضايا و�ش�ؤون ال�ساحة الثقافية الإ�سالمية املعا�صرة على‬ ‫وجه العموم‪..‬‬ ‫وترى �أ�سرة التحرير �أن تكون املواد املر�سلة وفق ال�شروط التالية‪:‬‬ ‫�أن تراعى يف املادة املر�سلة القواعد املتعارفة يف البحث العلمي من نواحي توثيق امل�صادر واملراجع والن�صو�ص‪ ،‬واملو�ضوعية‬ ‫واملنهجية يف الكتابة‪ ،‬واالبتعاد عن الأ�سلوب اخلطابي‪.‬‬ ‫ت�ؤكد املجلة على االلتزام بالبحث املو�ضوعي احلر والهادئ‪ ،‬البعيد عن كل �أ�شكال التهجم �أوامل�سا�س بال�شخ�صيات‪.‬‬ ‫�ضرورة و�ضوح لغة البحث وجتنب اتباع الأ�سلوب املعقد وامل�صطلحات الغام�ضة وااللتزام بعمق املعنى‪ ،‬مع مراعاة اجلوانب‬ ‫الأدبية واجلمالية يف الكتابة‪.‬‬ ‫تقرتح املجلة �أن تدور الكتابات والبحوث حول املحاور التالية‪:‬‬ ‫درا�سات �إ�سالمية‪ ،‬الو�سطية واالعتدال‪ ،‬التطرف والإرهاب‪ ،‬العنف والالعنف‪ ،‬احرتام الر�أي الآخر‪ ،‬حقوق الإن�سان‪ ،‬العوملة‪،‬‬ ‫الفكر والفكر الإ�سالمي‪ ،‬الإعالم يف الإ�سالم‪ ،‬علوم قر�آنية‪ ،‬الإ�سالم وال�سيا�سة‪.......‬‬ ‫الآراء الواردة يف املجلة متثل وجهة نظر �أ�صحابها‪ ،‬وال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي هيئة التحرير‪.‬‬ ‫تر�سل الأعمال �إلى امل�شرف العام على املجلة‪.‬‬ ‫ترحب المجلة بمساهمات ومشاركات األخوة الكتاب والعلماء والمفكرين‪.‬‬ ‫ما ينشر في هذا العدد يعبر عن آراء الكتّاب أنفسهم وال يعكس بالضرورة آراء هيئة التحرير أوسياسة المنتدى‪.‬‬ ‫تصدر بموجب المادة السادسة من النظام األساسي للمنتدى العالمي للوسطية‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الع�شرون ‪ -‬ذو القعدة ‪١٤٣6‬هـ ‪�/‬أيلول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪87‬‬


‫‪� 88‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.