العدد الواحد والعشرين

Page 1

‫الهيئة االستش�ارية للمجلة‬ ‫الإمام ال�صادق املهدي‪/‬ال�سودان‬ ‫معايل الدكتور عبد الرحيم العكور‪ /‬الأردن‬ ‫معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي‪ /‬الأردن‬ ‫الدكتور حممد طالبي‪/‬املغرب‬ ‫الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل‪/‬ال�سودان‬ ‫الدكتور عبد الإله ميقاتي‪ /‬لبنان‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين‪ /‬اجلزائر‬ ‫الدكتور �سعد الدين العثماين‪ /‬املغرب‬ ‫الدكتور حممود ال�سرطاوي‪ /‬الأردن‬

‫السنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والعشرون ‪ -‬ربيع األول ‪1437‬هـ ‪/‬كانون أول ‪٢٠١5‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‪/‬م�صر‬ ‫الدكتور حممد حب�ش‪�/‬سوريا‬ ‫الدكتور زيد املحي�سن‪/‬الأردن‬

‫هيـئـة التـحريـر‬

‫تصدر عن‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫الدكتور ح�سن علي املبي�ضني‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬ ‫الدكتور �سليمان الرطروط‬ ‫الدكتور علي احلجاحجة‬

‫المنتدى العالمي للوسطية‬

‫المشرف العام على المجلة‬ ‫الدكتور زهاء الدين عبيدات‬

‫تصميم وإخراج‬ ‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬

‫المراسالت‬ ‫املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع‬

‫عمان‬ ‫المملكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬ ‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 2141 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net‬‬


‫محتويات العدد‬ ‫االفتتاحية‬ ‫و�سطيتنا‬

‫مقاالت الو�سطية‬

‫درا�سات الو�سطية‬

‫فتاوى �إ�سالمية‬ ‫الركن الطبي‬ ‫ر�سائل جامعية‬

‫واحة الو�سطية‬

‫بيانات الو�سطية‬

‫ن�شاطات الو�سطية‬ ‫�إ�صدارات املنتدى‬ ‫م�سابقـة العـدد‬ ‫‪2‬‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأ�ستاذ‪ /‬عبداملحمود �أبّو‬ ‫الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات‬ ‫عبد امللك اجلا�سر‬ ‫د‪ .‬حممد تركي بني �سالمه‬ ‫حممد الع�ضايله‬ ‫د‪ .‬ح�سن علي املبي�ضني‬ ‫�أ‪.‬د‪.‬حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫د‪ .‬نوال �أ�سعد �شرار‬ ‫د‪�.‬أ�سمهان الطاهر‬ ‫د‪� .‬إبراهيم الرتكاوي‬ ‫د‪� .‬سلمان فهد العودة‬ ‫د‪� .‬آندي حجازي‬ ‫الأ�ستاذ‪ /‬بون عمر يل‬ ‫الأ�ستذ‪� /‬سامي املاجد‬ ‫الأ�ستاذ‪ /‬خالد رو�شة‬ ‫د‪.‬عزمي طه ال�سيد �أحمد‬ ‫د‪.‬خالد بن عبداهلل املزين‬ ‫املحامي مازن الفاعوري‬ ‫د‪ .‬حممد خري العي�سى‬ ‫�أ‪.‬د‪.‬نايل ممدوح �أبوزيد‬

‫ولنا كلمة ‪...‬‬ ‫منهج الو�سطية بني الفكر الداع�شي والفكر اال�ستالبي (اجلزء الأول)‬ ‫�أهمية االمانة والقوة يف الأداء الإداري‬ ‫�أربعون عاماً قبل النبوة‬ ‫التطرف االقت�صادي يف الأردن‬ ‫قراءة يف نف�سية ارهابي‬ ‫�إقر�أ‪....‬‬ ‫ومن النا�س من يعبد اهلل على حرف‬ ‫احلريات يف الإ�سالم ‪ ...‬مطلقة �أم �ضوابط وحدود‬ ‫الفرق بني �أنا �أعلم‪ ،‬و�أنا �أظن ‪� ..‬إبحا ٌر يف نظريّة املعرفة‬ ‫الإن�سان بني النور والظلمات‬ ‫بع�ض (التديُّن حِ جَ اب)‬ ‫العوملة والأزمة الأخالقية‬ ‫ال�سلوك الديني يف مواجهة املتطرفني‬ ‫التدين واملقايي�س الإختزالية‬ ‫�أثر كلمة التوحيد يف نورانية القلوب‬ ‫ثقافة التقريب بني املذاهب حتليل وت�أ�صيل(اجلزء الثاين)‬ ‫مراحل النظر يف النازلة الفقهية (اجلزء الأول)‬ ‫جرمية احلرابة الإرهابية يف ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫دور الفقهاء يف ت�أ�صيل وتفعيل مفهوم التعددية‬ ‫الإرهـ ــاب ‪:‬معناه ‪� ،‬أ�سبابه‪ ،‬و�سبل عالجه من منظور قر�آين‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد الق�ضاة‬ ‫د‪.‬ذيب عبد اهلل‬ ‫َوفيِ �أَن ُف�سِ ُك ْم �أَفَلاَ ُت ْب�صِ ُرو َن‬ ‫�إعداد �سريين �أ�سامة حممد جرادات‬ ‫حماية املر�أة من العنف يف الت�شريعات الأردنية‬ ‫�إ�شراف �أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة‬ ‫درا�سة مقارنة مع الفقه الإ�سالمي‬ ‫الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات‬ ‫قط ــوف احلكمة‬ ‫�شخ�صي ـّة الع ــدد‬ ‫عبدالرحمن حمود ال�سميط‬ ‫الدكتور زيد �أحمد املحي�سن‬ ‫خاطرة ‪..‬‬ ‫اللواء عدنان عبيدات‬ ‫ِق�صَّ ـ ُة �أُ ْ�س ـ َرة‬ ‫القد�س ممنوعة �إال على ّ‬ ‫ال�شاعر حيدر حممود‬ ‫ال�شهداء‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يدين اقتحام الأق�صى من قِبل الع�صابات ال�صهيونية‬ ‫‪�2015/8/22‬صادر من املنتدى العاملي للو�سطيّة حول مظاهر العنف والتفجريات الإرهابية يف العاملني العربي والإ�سالمي‬ ‫بيان‬

‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪89‬‬

‫بيان املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجريات باري�س ‪2015/11/14‬‬

‫‪90‬‬

‫بيان حول �أحداث احلج لعام ‪1436‬هـ هيئة �ش�ؤون الأن�صار للدعوة والإر�شاد‪ ‬‬

‫‪91‬‬

‫بيان من املنتدى العاملي للو�سطية ب�ش�أن �أحداث التدافع يف منى لهذا العام ‪1436‬هـ‬

‫‪92‬‬

‫مكانة املر�أة يف الإ�سالم حما�ضرة نظمها منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�أدبا يوم ال�سبت‪2015/8/29 :‬‬ ‫�آفات الع�صر و�أثرها على املجتمعات ندوة منتدى الو�سطية للفكر والثقافة بالتعاون مع وزارة الثقافة‪ -‬ال�سبت ‪2015/9/12‬‬

‫‪93‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪94‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪96‬‬


‫افتتاحية العدد‬

‫ولنا كلمة ‪...‬‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬

‫ن��درك بيقني �أن االم��ة �ستنه�ض‬ ‫م��ن �سباتها ول��و ب�ع��د ح�ي�ن‪ ،‬ون���س��أل‬ ‫اهلل �أن ي �ك��ون ذل��ك ال�ن�ه��و���ض ب��أق��ل‬ ‫اخل �� �س��ائ��ر وق��ري �ب � ًا‪� ،‬إذ �أن م�لام��ح‬ ‫نه�ضتها احلقيقية ت��واج��ه ع قبات‬ ‫كربى تبدو للعيان بجالء‪� ،‬إذ ما زالت‬ ‫عوامل الفرقة فيها ت�شتد ب��روز ًا على‬ ‫ال�سطح‪ ،‬وك�أنها ت�أبى الإن�ف�لات من‬ ‫قيود القطرية والطائفية والفئوية‬ ‫واجلهوية‪.‬‬ ‫وعدوها ال يزيدها �إال فرقة وتبعية‬ ‫وجت �ه �ي�ل ًا؛ لأن ب�ضاعتها الفكرية‬ ‫واملادية لن جتد لها رواج ًا اال يف ظالل‬ ‫و�ضع كهذا‪.‬‬ ‫ان امل �ن �ت��دى ال �ع��امل��ي للو�سطية‬ ‫يحاول ا�ستنطاق املكنون اخلري لهذه‬ ‫االمة بكل عبارات التحرر من اجلهل‬ ‫وال �ت �خ �ل��ف وال�ت�ب�ع�ي��ة ح �ت��ى ت�ستعيد‬ ‫مكانتها الالئقة يف هذا العامل‪ ،‬وتعود‬ ‫كما كانت منارة بني الأمم‪ ،‬وذلك لن‬ ‫يكون مادام اجلميع منهمك ًا بق�ضاياه‬

‫اجلزئية‪ ،‬وينظر �إل��ى �سالمة نف�سه‬ ‫وب �ل��ده ق�ب��ل ��س�لام��ة اجل�م�ي��ع‪ ،‬الأم��ر‬ ‫ال��ذي يزيد الأم��ر تعقيد ًا‪ ،‬خا�صة يف‬ ‫ظل تفاوت الفوارق املادية و الفكرية‪،‬‬ ‫بني هذا البلد وذاك‪� ،‬إذ جند �أقطار ًا‬ ‫تعاين من املجاعات والفقر والب�ؤ�س‬ ‫وال �ل �ج��وء‪ ،‬و ن�لاح��ظ دو ًال ت�غ��رق يف‬ ‫ال�ترف و امل�ل��ذات و الغنى الفاح�ش‪،‬‬ ‫والفائ�ض يف ال�سيولة النقدية‪ ،‬كل‬ ‫ذلك يف ظل غياب برامج اقت�صادية‬ ‫و تنموية �شاملة ت�سهم يف نه�ضة الأمة‬ ‫وتعزز وحدتها �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا‬ ‫واجتماعي ًا‪.‬‬ ‫من هنا نعول دوم ًا على املنتديات‬ ‫الثقافية و الفكرية لتقوم بدور �إر�شادي‬ ‫ل�ل�ق��ادة ال�سيا�سيني واالقت�صاديني‬ ‫وق��ادة املجتمع من مفكرين ومثقفني‬ ‫ليقوموا بدورهم املنوط بهم‪ ،‬لإ�ستعادة‬ ‫ما ت�شتت من جهد الأمة من �أجل مللمة‬ ‫جراحها يف اجل��وان��ب ك��اف��ة‪ ،‬والعمل‬ ‫على �إ�صالحها وف��ق منظومة فكرية‬ ‫يلتقي حولها اجل�م�ي��ع‪ ،‬الأم ��ر ال��ذي‬

‫يدفعنا يف املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫�إلى تبني عناوين ذات م�سا�س مبا�شر‬ ‫بواقعنا العتمادها كمنطلقات وحماور‬ ‫مل�ؤمتراتنا الفكرية والثقافية التي ننوي‬ ‫عقدها يف العام القادم ب�إذن اهلل‪.‬‬ ‫وم���ن ه���ذه امل � ��ؤمت� ��رات ( خطر‬ ‫التع�صب املذهبي) وم�ؤمتر (النظر‬ ‫املقا�صدي يف فكر و فقه �إبن عا�شور)‬ ‫وم�ؤمتر ( دور العلماء يف احلفاظ على‬ ‫وح��دة الأم ��ة) وم ��ؤمت��ر ( امل�صاحلة‬ ‫الوطنية‪...‬اجلزائر منوذج ًا) ‪.‬‬ ‫ه��ذا بالإ�ضافة ال��ى ما �سيكون‬ ‫ب�إذن اهلل من دورات تدريبية وندوات‬ ‫فكرية حملية يف ه��ذا الفرع �أو ذاك‬ ‫من ف��روع املنتدى‪ ،‬وت�أتي يف ال�سياق‬ ‫نف�سه واملتعلق ب�إحياء املفاهيم الفقهية‬ ‫للق�ضايا املعا�شة حالي ًا‪.‬‬ ‫واهلل ن�س�أل التوفيق و ال�سداد‪� ،‬إنه‬ ‫نعم املولى ونعم الن�صري‪.‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪3‬‬


‫وسـطيتنا‬

‫منهج الو�سطية بني الفكر الداع�شي والفكر اال�ستالبي‬ ‫(اجلزء الأول)‬ ‫الأ�ستاذ‪ /‬عبداملحمود � ّأبو‬ ‫رئي�س فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف ال�سودان‬

‫املقدمة‬ ‫الدعوة الإ�سالمية منذ �أن انطلقت يف مكة املكرمة واجهت حتديات كثرية من املجتمع اجلاهلي؛‬ ‫متثلت يف ال�صدود‪ ،‬والإنكار‪ ،‬والت�شكيك‪ ،‬واملواجهة‪ ،‬وحماولة اال�ستئ�صال؛ ولكن الدعوة كانت‬ ‫حتمل عنا�صر القوة يف داخلها‪ ،‬فتمكنت من ال�صمود يف وجه االبتالءات‪ ،‬وحققت انت�صارات تلو‬ ‫انت�صارات على النظام اجلاهلي؛ فث َّبتت �أقدامها‪ ،‬و�أبطلت مفعول �أدوات اخل�صم حتى �ضاق بها‬ ‫ذرعاً‪ ،‬وقرر الق�ضاء عليها؛ فانتقلت �إلى املدينة املنورة‪.‬‬ ‫ويف املدينة واجهت الدعوة حتديات من نوع خمتلف؛ تتعلق ببناء النظام اجلديد على‬ ‫�أ�س�س ومفاهيم غريبة على النظام القبلي؛ الذي كانت ت�سيطر عليه قبيلتا الأو�س واخلزرج‬ ‫وحلفا�ؤهما من اليهود‪ ،‬فكانت التحديات تتمثل يف ‪ :‬بناء املجتمع على مفاهيم الدين اجلديد‪،‬‬ ‫وجتاوز ال�صراع الأو�سي اخلزرجى‪ ،‬ومواجهة التيار ال�سلويل؛ ‪ -‬ن�سبة �إلى عبد اهلل بن �أبي بن‬ ‫�سلول‪ -‬والت�صدي للمكر اليهودي‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال عن اال�ستعداد للمواجهة املحتملة مع �أه��ل مكة؛‬ ‫الذين لن ي�سكتوا على اللطمة التي وجهها لهم الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بالهجرة �إلى‬ ‫املدينة و�إف�شال خمططهم الذي اتفقوا عليه يف دار الندوة‪.‬‬ ‫وع���ل���ى ط����ول امل�����س�يرة ال��ت��اري��خ��ي��ة ت��ع��ر���ض��ت �أم�����ة الإ�����س��ل�ام ل��ت��ح��دي��ات ك���ث�ي�رة‪ ،‬داخ��ل��ي��ة‬ ‫وخ��ارج��ي��ة؛ ا���س��ت��ط��اع��ت �أن ت��واج��ه��ه��ا وت��خ��رج م��ن��ه��ا م��ن��ت�����ص��رة ب��ال��رغ��م م��ن اخل�����س��ائ��ر التي‬ ‫ت��ع��ر���ض��ت ل��ه��ا‪ ،‬و�أخ���ط���ر ت��ل��ك ال��ت��ح��دي��ات؛ مت��ث��ل��ت يف اخل��ل�اف ال����ذي ف���رق الأم�����ة �إل����ى ف��رق‬ ‫وج��م��اع��ات؛ ج��رت بينها ح��روب �أزه��ق��ت فيها �آالف الأرواح‪ ،‬ث��م اال�ستعمار اخل��ارج��ي‪ ،‬وغري‬ ‫ذلك من التحديات التي ال ت��زال �آثارها تنه�ش يف ج�سد الأم��ة املمتلئ بالقروح والأم��را���ض‪.‬‬ ‫�إن �أمتنا اليوم متر مبنعطف تاريخي خطري؛ حيث تكالبت عليها الأم��م من كل الأرج��اء‬ ‫للق�ضاء عليها‪ ،‬و�أنهكتها احلروب الداخلية‪ ،‬واخلالفات الطائفية واملذهبية‪ ،‬وعطلت نه�ضتها‬ ‫النظم ال�شمولية‪ ،‬وال�صراعات ال�سيا�سية‪ ،‬واختطف �شعارها املتطرفون ف�ش ّوهوا �صورة الإ�سالم‬ ‫و�شاركهم يف جرمهم الطغاة والغزاة ‪ .‬‬ ‫‪4‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫امل�سلمون ي�شكلون خُ ْم�س �سكان العامل تقريب ًا‪ ،‬ويتوزعون الإ�سالم؛ ولكن بالتمحي�ص والتدقيق يتبني �أن هذا الفكر‬ ‫يف كل القارات‪ ،‬والعامل الإ�سالمي يوجد جغرافي ًا يف قلب الداع�شي يختلف عن فكر اخلوارج ‪.‬‬ ‫�صالت جغرافي ٌة مبعظم ق��ارات الدنيا‪ ،‬بل‬ ‫املعمورة‪ ،‬وله‬ ‫ٌ‬ ‫فاخلوارج متردوا على اخلالفة بت�أويل خاطئ‪ ،‬ووجهوا‬ ‫ي�سيطر على �أهم الطرق واملمرات الدولية‪ ،‬ومعظم الطاقة‬ ‫البرتولية يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬ف�أمة الإ��س�لام من حيث �سالحهم �ضد الدولة‪ ،‬والدواع�ش زعموا �أنهم �أقاموا دولة‬ ‫العدد‪ ،‬وامل��وارد‪ ،‬واملوقع اال�سرتاتيجي‪ ،‬والرباط الروحي؛ اخلالفة وطالبوا امل�سلمني مببايعتهم‪ ،‬و�سالحهم يف الغالب‬ ‫موجه �ضد خمالفيهم يف ال��ر�أي و�ضد الأب��ري��اء املدنيني‪،‬‬ ‫�أمة متف ِّردة ال ت�ضاهيها �أمة �أخرى‪.‬‬ ‫واخلوارج �أمنوا �أهل الذمة وح ّرموا قتلهم‪ ،‬ولكن الدواع�ش‬ ‫ولكن مع هذه امليزات البارزة تعاين من معيقات ُم َع ِّطلة‪ .‬قتلوا امل�ست�أمنني وخفروا ذمتهم‪ ،‬واخل��وارج اعتمدوا على‬ ‫�إن �أمتنا مطالبة مبراجعة م�سريتها‪ ،‬وت�شخي�ص �أمرا�ضها‪ ،‬القر�آن دون الأحاديث يف الغالب‪ ،‬والدواع�ش اعتمدوا على‬ ‫وحتديد ال��دواء‪ ،‬حتى تنه�ض من جديد ملوا�صلة م�سريتها الأحاديث و�أ ّولوها ت�أويال خاطئا؛ واخلوارج كان يقودهم علماء‬ ‫�أهل ورع! والدواع�ش يقودهم �أ�شخا�ص قليلو الفقه؛ وهكذا‬ ‫القا�صدة ب�إذن اهلل‪.‬‬ ‫فالفكر اخلارجي اعتمد على ت�أويل خاطئ ولذلك عندما‬ ‫�إن الر�أي العام يف بلداننا؛ يتطلع لقادة الفكر والر�أي حاورهم ابن عبا�س وعدد من العلماء تراجعوا واتبعوا احلق‪.‬‬ ‫�أن يقوموا بت�شخي�ص الأو� �ض��اع‪ ،‬ويقدموا احل�ل��ول التي �إن الفكر الداع�شي ي�ستند �أ�سا�سا على املفهوم ال�سلفي‬ ‫ميكن �أن تنت�شل الأم��ة م��ن ه��ذا ال��واق��ع امل��ري��ر‪ ،‬و ُي َب ِّينوا للإ�سالم‪ ،‬واملفهوم ال�سلفي يختلف عن املنهج ال�سلفي‪،‬‬ ‫الو�سائل التي ت��ؤدي �إل��ى ا�ستنها�ضها‪ ،‬وبعث الأم��ل فيها‪ .‬فاملفهوم ال�سلفي يحاول �أن يفهم احلا�ضر بفهم ال�سلف‪،‬‬ ‫�إن ورقتي ت�شتمل على مقدمة وثالثة حماور وخامتة‪ ،‬وهي وي�سعى لإ�سقاط اجتهادات ال�سلف على الواقع‪ ،‬بل يعمل‬ ‫م�ساهمة متوا�ضعة �أرجو �أن �أوفق يف تقدمي مايفيد‪.‬‬ ‫من �أجل ا�ستعادة اخلالفة �شكال الم�ضمونا! بينما املنهج‬ ‫ال�سلفي يعتمد على االلتزام بقطعيات ال�شرع مع مراعاة‬ ‫املحور الأول‪ :‬الفكر الداع�شي ومغذياته‬ ‫امل�ق��ا��ص��د‪ ،‬ويجتهد مل��واج�ه��ة امل�ستجدات مب��ا يالئمها‪،‬‬ ‫تنظيم الدولة الإ�سالمية‪( ،‬دول��ة الإ�سالم يف العراق وال��دواع ����ش احل��ال�ي��ون – يف ال�غ��ال��ب‪ -‬مل يتخرجوا من‬ ‫وال�شام) وال��ذي يعرف اخت�صارا بعبارة داع�ش؛ هو يف معاهد علوم �شرعية‪ ،‬ومل يدر�سوا يف جامعات �إ�سالمية‪،‬‬ ‫الظاهر يبدو ك�أنه ام�ت��داد لفكر الغلو والتطرف؛ الذي وحظهم من العلوم ال�شرعية اليتعدى ب�ضعة �أحاديث وبع�ض‬ ‫ظهر يف ال�ساحة الإ�سالمية يف وقت مبكر يف نهاية ع�صر �سور القر�آن الكرمي؛ ومعظمهم در�س يف مدار�س مدنية‪،‬‬ ‫اخلالفة الرا�شدة‪ ،‬ومنا يف العهد الأموي ثم تراجع وعاد يف وتلقى معلوماته ال�شرعية ع��ن طريق و�سائط التوا�صل‬ ‫�شكل حركات متقطعة يف كافة الع�صور التي مرت بها �أمة االجتماعي‪ ،‬وهم بارعون يف ا�ستخدام التقنية احلديثة‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪5‬‬


‫�إن ر�صد الفكر الداع�شي ومواقفه و�سلوكه؛ يبني �أن الباعث‬ ‫لهذه الظاهرة يتمثل يف ع��دة عوامل فكرية واجتماعية‬ ‫وثقافية و�سيا�سية ونف�سية؛ وه��ي مرتاكمة يف ال�ساحة‬ ‫الإ�سالمية منذ �أمد بعيد تبلورت يف الآتي‪:‬‬

‫مت�آمرة وخائنة وخم ِّربة! واملعار�ضة ال ترى يف احلكومة �إال‬ ‫الوجه القبيح املُتَمثل يف البط�ش والتنكيل والف�ساد ‪�...‬إلخ‬ ‫رابع ًا ‪ :‬اخلالف؛ �أ�صبح اخلالف �سمة غالبة عند امل�سلمني!‬ ‫فهناك خ�لاف طائفي‪ ،‬وهناك خ�لاف �سيا�سي‪ ،‬وهناك‬ ‫خالف فكري‪ ،‬وهنالك خالفات مذهبية‪ ،‬واخلالف �سنة‬ ‫�إلهية‪ ،‬و� �ض��رورة اجتماعية‪ ،‬وواق��ع ك��وين؛ ولكن طبيعة‬ ‫اخلالف؛ هي التي تف ّرق بني اخلالف املذموم‪ ،‬واالختالف‬ ‫املحمود‪� ،‬إن الواقع الإ�سالمي يبينّ �أن معظم اخلالفات‬ ‫م��ذم��وم��ة؛ لأن ك��ل �صاحب م��ذه��ب �أوط��ائ�ف��ة �أو ف�ك��ر؛ ال‬ ‫يقبل ب�الآخ��ر‪ ،‬وي�سعى ال�ستئ�صاله‪ ،‬بل انت�شرت ظاهرة‬ ‫التكفري التي �أ�صبحت �سمة غالبة لغالة الع�صر احلديث‪،‬‬ ‫ف��اخل�لاف��ات داخ��ل الأم ��ة ال��واح��دة م��ن ع��وام��ل ال�تراج��ع‬ ‫واالحباط‪..‬‬

‫‪� ‬أو ًال‪:‬التق�سيم القطري ‪:‬فمنذ �سقوط ال�سلطنة‬ ‫العثمانية؛ وريثة اخلالفة يف تركيا عام ‪1924‬م؛ فقدت‬ ‫الأم��ة ال��رب��اط ال�سيا�سي‪ ،‬وتق�سمت �إل��ى دوي�لات ُقطرية‬ ‫�صغرية منغلقة على نف�سها‪ ،‬وحلت املواطنة حمل الرباط‬ ‫ال��دي�ن��ي‪ ،‬ويف معظم الأح �ي��ان توجد م�شاكل ب�ين الدولة‬ ‫وجاراتها من الدول التي تنتمي �إلى نف�س الدين؛ بل دخلت‬ ‫كثري من الأقطار الإ�سالمية يف حروب �ضد بع�ضها بع�ضا‬ ‫ا�ستعانت فيها بالأجنبي على جارتها امل�سلمة! فات�سعت‬ ‫�شقة اخل�لاف‪ ،‬و�صار الغريب �أق��رب من اجل��ار ال�شقيق!‬ ‫خام�ساً‪ :‬الأطماع اخلارجية‪ :‬تلك العوامل �أظهرت‬ ‫الذي جتمعه مع جاره ديانة واحدة‪ ،‬وثقافة واحدة‪ ،‬وتاريخ الأمة مبظهر ال�ضعف‪ ،‬فقد عجزت �أن حترر القد�س �أولى‬ ‫م�شرتك؛ هذا العامل ّ‬ ‫و�سع ال�شقة بني امل�سلمني و�ض ّيق فر�ص القبلتني واحلرم الثالث يف الإ�سالم‪ ،‬وهذا ال�ضعف �أطمع‬ ‫الوحدة بينهم‪.‬‬ ‫العدو؛ ف�صار ينفّذ �سيا�ساته يف بالد امل�سلمني عرب بلدان‬ ‫ث��ان��ي� ًا ‪ :‬ال��ت��ف��اوت االق��ت�����ص��ادي ‪:‬بع�ض ال ��دول و�شخ�صيات م�سلمة‪ ،‬و�صارت ديار امل�سلمني �ساحة للحروب‬ ‫الإ�سالمية ت�صنف من ال��دول الغنية‪ ،‬وبع�ضها متو�سطة الدولية بالأ�صالة �أوبالوكالة‪ ،‬وفقدت الأم��ة �شخ�صيتها‬ ‫احل� ��ال‪ ،‬و�أخ � ��رى تعي�ش حت��ت خ��ط ال �ف �ق��ر‪ ،‬ف��ال �ف��وارق االعتبارية‪ ،‬و�صار الغرب باهر ًا لكثري من ال�شباب امل�سلم؛ لأنه‬ ‫االقت�صادية �أفرزت فوارق اجتماعية ونف�سية قتلت ال�شعور يجد عنده ما يفتقده يف بلده! كالتنمية‪ ،‬واحلرية‪ ،‬واحرتام‬ ‫بالوحدة عند كثري من امل�سلمني‪ ،‬مع �أن الدعوة الإ�سالمية حقوق الإن�سان ‪�..‬إلخ‪ ،‬فهاجر كثري من �أبناء امل�سلمني للغرب‬ ‫يف الأ��ص��ل ج��اءت لت�صحيح العقيدة‪ ،‬وللتق�سيم العادل طلب ًا للرزق‪� ،‬أو فرار ًا من البط�ش‪� ،‬أو تلبية حلاجة نف�س ّية‪.‬‬ ‫للرثوة‪ ،‬و�شنّت حملة كبرية على املُحتكرين‪ ،‬واملُ��راب�ين‪ ،‬تلك العوامل و ّل��دت الإح �ب��اط عند كثري م��ن امل�سلمني‪،‬‬ ‫و�أ�صحاب الكنوز‪ ،‬واملانعني املاعون‪ ،‬واملمتنعني من احل�ض و�ساهمت يف ت�شكيل العقل الراف�ض للواقع عند كثري من‬ ‫على طعام امل�سكني ‪ .‬هذا التفاوت مل يقت�صر على الدول‪ ،‬بل ال�شباب‪ ،‬ف�أ�صبح مهيئا للدخول يف �أي تنظيم يجد فيه تنفي�سا‬ ‫ان�سحب حتى على املواطنني يف الدولة الواحدة‪ ،‬فبع�ضهم لإحباطاته وتفريغا للم�شاعر امل�ضطربة يف داخله؛ فاملظامل‬ ‫ميوتون من ال ُّتخمة‪ ،‬و�آخ��رون ميوتون من اجل��وع! و�صدق امل�شار �إليها �أ�صبحت بيئة �صاحلة لوالدة التطرف‪ ،‬وا�ستغل‬ ‫�إمام املتقني علي عليه ال�سالم عندما قال ‪ “ :‬ما جاع فقري املتطرفون هذا الواقع‪ ،‬فاندفعوا ين�شدون التغيري‪ ،‬وا�ستقطبوا‬ ‫ّ‬ ‫ال�شباب ودفعوا بهم يف حروب �سميت جهادا زورا وبهتانا‪.‬‬ ‫‪..‬‬ ‫"‬ ‫�إال بتخمة غني‬ ‫�إن ظاهرة داع�ش و�أخواتها �صنيعة �شارك يف بروزها حتالف‬ ‫‪ ‬ثالثاً‪:‬ال�صراع ال�سيا�سي ‪ :‬ال تكاد دولة �إ�سالمية �آث��م بني اال�ستبداد‪ ،‬والتطرف ال�سلفي‪ ،‬وتياراملحافظني‬ ‫تخلو من �صراع على ال�سلطة‪ ،‬وال�صراع والتدافع جبلة اجلدد يف �أمريكا‪ ،‬هذا التحالف هو امل�س�ؤول عن الكارثة‬ ‫ب�شرية ول �ك��ن طبيعة ال �� �ص��راع ال�سيا�سي يف ال�ب�ل��دان التي متر بها �أمتنا يف الوقت الراهن ‪.‬‬ ‫الإ�سالمية �صراع خ�شن؛ �إال من رحم اهلل‪ ،‬فالدول الغربية‬ ‫املحور الثاين ‪ :‬امل�شاكل التي تواجه الفكرالإ�سالمي ‪:‬‬ ‫مث ًال حلت ه��ذا الإ�شكال‪ ،‬واهتدت �إل��ى ال�ت��داول ال�سلمي‬ ‫لل�سلطة؛ فوفرت كثري ًا من الطاقات والإمكانات والأرواح‬ ‫الفكرالإ�سالمي؛ ه��و ن�شاط عقلي يقوم ب��ه العلماء‬ ‫املهدرة يف ال�صراع من �أج��ل ال�سلطة‪ ،‬ووظفتها ل�صالح واملفكرون؛ لبلورة ر�ؤية �إ�سالمية تعالج الأزمات‪ ،‬وتت�صدي‬ ‫نه�ضة �شعوبها‪ ،‬ولكن عاملنا الإ�سالمي يف الغالب يخلو للتحديات التي تواجه الأم��ة‪ ،‬فهو اجتهاد ب�شري ي�ستند‬ ‫من احلاكم ال�سابق احل��ر الطليق! فهو �إم��ا يف ال�سجن‪ ،‬علي �أ�صول �إ�سالمية‪ ،‬والفكر يتطور ح�سب تطور الأحداث‬ ‫و�إما يف املنفى‪ ،‬و�إما يف القرب‪ ،‬وطبيعة ال�صراع ال�سيا�سي والق�ضايا التي يت�صدي ملعاجلتها‪� ،‬إن الفكر الإ�سالمي‬ ‫عندنا تخلو من الت�سامح! فاحلكومة ال ترى يف املعار�ضة �إال يعاين اليوم من م�شاكل كثرية تعيق تطوره �أذكر منها الآتي‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫�أوال‪:‬اجلانب املعريف‪:‬‬ ‫متيز الإن�سان على املخلوقات الأخرى بالعقل‪ ،‬والإرادة‪،‬‬ ‫خ�صه اهلل بها قال تعالى‪:‬‬ ‫واحلرية‪ ،‬وباملعرفة الوا�سعة التي ّ‬ ‫} َو َع َّل َم �آ َد َم الأَ ْ�س َماء ُك َّل َها ُث َّم َع َر َ�ض ُه ْم َع َلى المْ َ َال ِئ َك ِة َفقَالَ‬ ‫�أَن ِب ُئونيِ ِب�أَ ْ�س َماء َه ��ؤُالء �إِن ُكنت ُْم َ�صا ِد ِقني َ (‪َ )31‬قا ُلو ْا‬ ‫نت ا ْل َع ِل ُيم الحْ َ ِك ُيم‬ ‫ُ�س ْب َحان َ​َك َال ِع ْل َم َلنَا �إِ َّال َما َع َّل ْم َتنَا �إِن َ​َّك �أَ َ‬ ‫(‪ )32‬قَالَ َيا �آ َد ُم �أَن ِب ْئ ُهم ب�أ�سمائهم َف َل َّما َ�أن َب َ�أ ُه ْم ب�أ�سمائهم‬ ‫ال�س َما َو ِات َوالأَ ْر ِ�ض َو َ�أ ْع َل ُم‬ ‫قَالَ �أَلمَ ْ �أَ ُقل َّل ُك ْم �إِنيِّ �أَ ْع َل ُم غَ ْي َب َّ‬ ‫ون{ (البقرة ‪� )33-31:‬إن معجزة‬ ‫ون َو َم��ا ُكنت ُْم َت ْك ُت ُم َ‬ ‫َما ُت ْب ُد َ‬ ‫الر�سول اخلامت تتمثل يف القر�آن الكرمي الذي نزلت �آياته‬ ‫ِا�س ِم‬ ‫الأولى مب ّينة قيمة العلم واملعرفة قال تعالى‪} :‬ا ْق َر�أْ ب ْ‬ ‫ن�س َان ِم ْن َع َلقٍ (‪ )2‬ا ْق َر�أْ َو َر ُّب َك‬ ‫َر ِّب َك ال َِّذي خَ َلقَ (‪ )1‬خَ َلقَ ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫ن�س َان َما لمَ ْ َي ْع َل ْم{‬ ‫الَ ْك َر ُم (‪ )3‬ال َِّذي َع َّل َم بِا ْل َق َل ِم (‪َ )4‬ع َّل َم ْ ِإ‬ ‫ْأ‬ ‫ال َ‬ ‫(العلق‪.)5-1:‬‬

‫واحل�ضارة الإ�سالمية تاريخي ًا؛ قامت على �صرح علمي‬ ‫متكامل؛ �شمل كل جوانب احلياة‪ ،‬وتوافر يف ظلها املُناخ‬ ‫ال��ذي �ساعد علي تفجري الطاقات الإن�سانية؛ فاكت ُِ�شفت‬ ‫العلوم‪ ،‬و َت َو َّ�سعت املعارف‪ ،‬وو�ضعت املناهج العلمية التي‬ ‫اهتدى بها الالحقون‪ ،‬غري � ّأن هذا العطاء تراجع لعدة‬ ‫عوامل؛ �أهمها ‪� :‬أن املناهج ال�سائدة يف عاملنا الإ�سالمي؛‬ ‫ال ت�ساعد على الإب ��داع‪ ،‬واالب�ت�ك��ار‪ ،‬والتجديد؛ فهل من‬ ‫�سبيل لإيجاد منهج يتعامل مع ال�ق��ر�آن وال�سنة ب�أ�سلوب‬ ‫اال�ستنطاق؛ كما �س ّماه ال�شهيد الإمام حممد باقر ال�صدر‪،‬‬ ‫منهج ي�ؤ�س�س ملنظومة معرفية‪ ،‬تنطلق من الكتاب املقروء (‬ ‫القر�آن الكرمي ) والكتاب املنظور( الكون ) منهج يغر�س يف‬ ‫امل�سلم ملكة النقد واملقارنة واال�ستنتاج العقلي‪ ،‬منهج يواكب‬ ‫حركة التطور التي حدثت يف الكون؛ ب�سبب ثورة االت�صاالت‬ ‫واملوا�صالت و�ضخ املعلومات ب�صورة مل ي�سبق لها مثيل!‬ ‫فاملعرفة م�صادرها �أرب �ع��ة‪ :‬ال��وح��ي‪ ،‬والإل �ه��ام‪ ،‬والعقل‪،‬‬ ‫والتجربة؛ ولكن الواقع املاثل يفيد �أن امل�صادر قد اختزلت‪،‬‬ ‫فتكونت عقلية قا�صرة عجزت ع��ن تقدمي حلول ناجعة‬ ‫لأمرا�ض �أمتنا‪� .‬إن �أول �إ�شكال يعاين منه الفكراال�سالمي‬ ‫هو التحدي املعريف ‪..‬‬

‫واملواقف؛ التي ت�صدر عن ه�ؤالء املعنيني مع �أنها مدعومة‬ ‫بالن�صو�ص والأدلة‪ ،‬بل �أكرث من ذلك جند �أن هذا التناق�ض‬ ‫�أدى �إلى �إ�ضعاف االلتزام بالإ�سالم عند كثري من امل�سلمني؛‬ ‫من حيث العقيدة‪ ،‬واتباع الأحكام‪ ،‬وثبات املواقف؛ مما نتج‬ ‫عنه زعزعة وا�ضطراب ًا يف احلالة الإ�سالمية ب�صفة عامة‪،‬‬ ‫ف�صار الدعاة عاجزين عن الإقناع؛ لأنهم عندما يطرحون‬ ‫�أي مبد�أ �أو فكرة مقنعة؛ يواجهون بالنقي�ض الذي يطرحه‬ ‫داعية �آخر ! ومن الناحية الأخرى ف�إن غري امل�سلمني؛ قللوا‬ ‫من احرتامهم للم�سلمني؛ ب�سبب هذا ال�سلوك الذي يبدر‬ ‫منهم‪ ،‬واقتنعوا �أنهم على حق! لأنهم ينظرون �إلى امل�سلمني‬ ‫من خ�لال املمار�سة وال��واق��ع فيقولون لو ك��ان دي��ن ه��ؤالء‬ ‫�صحيحا ملا كانوا على هذه احلال ! والذين �أن�صفوا امل�سلمني‬ ‫ف�إن �إن�صافهم ي�أتي من اطالعهم على الإ�سالم من م�صادره‬ ‫الأ�صيلة‪ ،‬ومن تاريخه النا�صع‪ ،‬ف�أقنعتهم احلقائق والوقائع‬ ‫بحقيقة هذا الدين وقليل ماهم‪� ،‬إن التناق�ض يف اخلطاب‬ ‫الإ�سالمي بني العاملني يف جمال الدعوة يرجع لعدة عوامل‬ ‫�أهمها ‪:‬‬

‫العامل الأول ‪ :‬غياب مرجعية دينية جممع عليها‬ ‫لتكون لها الكلمة الأخرية يف ح�سم اخلالف‪ ،‬فلقد غابت هذه‬ ‫املرجعية بوفاة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وقد يقول قائل‬ ‫�إن املرجعية موجودة هي‪ :‬الكتاب وال�سنة ‪،‬هذا �صحيح من‬ ‫حيث م�صدرية الأحكام‪ ،‬ولكننا مع ذلك نرى اخلالف قائما‬ ‫بوجود الكتاب وال�سنة؛ لأن منهج التعامل معهما يختلف من‬ ‫ع�صر �إلى ع�صر‪ ،‬ومن �شخ�ص �إلى �آخر‪ ،‬فغياب املرجعية‬ ‫الب�شرية املجمع عليهـا عامل من عوامل التناق�ض املعـي�ش‪.‬‬ ‫العامل الثاين ‪ :‬املنهج التعليمي املتبع يف كافة امل�ؤ�س�سات‬ ‫ال��دي�ن�ي��ة؛ غ� ّي��ب حقيقة ال��دي��ن الإ� �س�لام��ي ع��ن كثري من‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬و�أه �م��ل روح اال� �س�لام ب�ترك�ي��زه على ال�ف��روع‬ ‫وال�شكليات‪ ،‬لقد اعتمد املنهج على التحفيظ وال��رواي��ة؛‬ ‫مهمال الأ�سلوب النبوى القائم على الرتبية‪ ،‬وغر�س املبادئ‬ ‫واملفاهيم؛ عن طريق احل��وار؛ ب�صورة متكن املُتَلقى من‬ ‫التفاعل معها وتطبيقها‪ ،‬كما افتقر �إلى و�سائل غر�س نهج‬ ‫التفكري‪ ،‬واملقارنة يف �أذهان امل�سلمني‪ ،‬ولذلك ف�إن الدين‬ ‫اخلامت مل يتم ا�ستيعابه كر�سالة عاملية خالدة تخاطب كل‬ ‫بني الب�شر باختالف ثقافاتهم وعاداتهم وع�صورهم؛ بل‬ ‫ثانيا‪ :‬تناق�ض اخلطاب‪:‬‬ ‫نهج كثري من الدعاة يقدم الإ�سالم ك�أنه ديانة قومية حملية‬ ‫�إن �أه��م �إ�شكال يواجه الفكر الإ�سالمي؛ هو تناق�ض متقوقعة يف بادية العرب يف ع�صر اجلاهلية‪.‬‬ ‫اخلطاب عند دع��اة الإ��س�لام! فكثري من امل�سلمني وغري‬ ‫العامل الثالث ‪ :‬حت ّكم النظم ال�سيا�سية امل�ستبدة؛‬ ‫امل�سلمني ي�ستغربون من تناق�ضات خطابات العاملني يف‬ ‫جم��ال الدعوة الإ�سالمية‪ ،‬واملتحم�سني لها من العلماء‪� ،‬إن توقف منهج اخلالفة الرا�شدة يف احلكم‪ ،‬ووقوع الأقطار‬ ‫واملفكرين‪ ،‬وخطباء امل�ساجد‪ ،‬وغريهم من الن�شطـاء يف هذا الإ�سالمية حتت نظم الإ�ستبداد؛ �أدى �إلى �ش ّل حركة الفكر‬ ‫املجـال! وهذا اال�ستغراب مرجعه التعار�ض بني املفاهيم الإ�سالمي‪ ،‬وغ ّيب تالقح الأفكار والآراء؛ الذي ميثل �أهم‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪7‬‬


‫عوامل الإبداع والتطور‪ ،‬ملا يتيحه من تعدد اخليارات التي‬ ‫متكن املتلقي من االختيار بني البدائل‪ ،‬فالنظم امل�ستبدة‬ ‫ال تعرف �إال ر�أي ًا واحد ًا هو ر�أي احلاكم ب�أمره! ومن خالفه‬ ‫فم�صريه واحد من اثنني ‪� :‬إما ال�سجن و�إما القرب !‪.‬‬ ‫العامل الرابع ‪ :‬اختالف البيئات والأزمنة والأمكنة‬ ‫له �أثر كبري على الفكر‪ ،‬وبالتايل ف�إن الفهم للدين يتعار�ض‬ ‫من �شخ�ص لآخ��ر لأن��ه لي�س بال�ضرورة �أن تكون و�سائل‬ ‫اال�ستنباط‪ ،‬وترتيب الأولويات حمل اتفاق من اجلميع يف‬ ‫ظل وجود امل�ؤثرات واخللفيات املتعار�ضة‪.‬‬ ‫العامل اخلام�س ‪ :‬تعامل الآخ��ر امللي مع الإ�سالم‬ ‫وامل�سلمني؛ خلق رد فعل غا�ضب لدى امل�سلمني‪ ،‬فاختلفت‬ ‫�أ�ساليبهم يف التعامل م��ع ه��ذا الآخ ��ر‪ ،‬م��ا ب�ين الرف�ض‬ ‫والتوا�صل‪ ،‬فمنذ �أن جاء الإ�سالم وجد �صدود ًا وكيد ًا من‬ ‫امل�شركني‪ ،‬واليهود‪ ،‬وبع�ض الن�صارى؛ وا�ستمر هذا النهج‬ ‫حتى ع�صرنا احل��ا��ض��ر مم��ا جعل ك �ث�ير ًا م��ن امل�سلمني‬ ‫يرف�ضون �أي ت�سامح مع الآخر‪ ،‬ويدعون لإخ�ضاعه بالقوة‬ ‫�أو ا�ستئ�صاله‪ ،‬بينما يتبع �آخرون منهج ًا يتم�سك بالأ�صل‪،‬‬ ‫ويدعو �إل��ى معاملة كل ت�صرف مبا ينا�سبه‪ ،‬ف ��إذا انتفت‬ ‫الأ�سباب رجعنا للأ�صل‪.‬‬ ‫ه��ذه العوامل وغريها �أدت �إل��ى ب��روز م��دار���س كثرية‬ ‫داخل امللة الإ�سالمية ميكن �إجمالها يف ثالثة مناهج تتفرع‬ ‫عنها فرق وطوائف ومذاهب؛ تغطي ال�ساحة الإ�سالمية‬ ‫بامتداداتها الأفقية والر�أ�سية‪ ،‬تلك املناهج هي ‪ :‬منهج‬ ‫االنكفاء؛ ومنهج التبعية؛ ومنهج الو�سطية ‪ .‬فاملنهج الأول‬ ‫يتبع �أ�سلوبا ال مييز بني الثوابت واملتغريات؛ ويقد�س التاريخ‬ ‫بكل مراحله‪ ،‬ويرف�ض التوا�صل مع الآخ��ر‪ ،‬ولديه �أفكار‬ ‫معلبة ي�سعى لإ�سقاطها على الواقع دون التفات �إلى العلل‬ ‫واملتغريات الزمانية واملكانية والظروف البيئية‪� .‬أما املنهج‬ ‫الثاين فنقي�ض املنهج الأول ينتمي �إل��ى الإ��س�لام ا�سم ًا‪،‬‬ ‫ولكنه يف الواقع م�ستلب �أمام الآخر‪ ،‬ومنبهر به؛ في�سعى �إلى‬ ‫تقليده يف كل �شئ‪ ،‬ويدعو �إلى التحرر من كل ما هو ما�ض يف‬ ‫تاريخنا‪ ،‬بل يت�صور �أن �سبب تخلفنا هو التم�سك بالإ�سالم‪.‬‬ ‫واملنهج الثالث يتبع �أ�سلوبا و�سط ًا يلتزم بالثوابت ويجتهد يف‬ ‫املتغريات‪ ،‬وال يتح ّرج من االقتبا�س من التجارب الإن�سانية‬ ‫النافعة‪ ،‬ولكن وفق �ضوابط ومعايري معينة متنع االنكفاء‬ ‫وتع�صم من الذوبان‪.‬‬

‫الفردية واملجتمعية‪ ،‬وعلى نطاق الدولة وعالقاتها؛ وكان‬ ‫يج�سد الروح الإ�سالمية يف‬ ‫العهد النبوي وعهد الرا�شدين ّ‬ ‫املجال ال�سيا�سي‪ ،‬غري �أن هذا النهج انقطع بتحول اخلالفة‬ ‫الرا�شدة �إل��ى ملك ع�ضو�ض‪ّ ،‬‬ ‫فتعطلت ال�شورى‪ ،‬وغاب‬ ‫العدل‪ ،‬وا�ضطرب النظام ال�سيا�سي �إلى يومنا هذا‪ ،‬لقد‬ ‫تو�صل الغرب �إلى بلورة فكر �سيا�سي؛ متخّ �ض عنه النظام‬ ‫الدميقراطي‪ ،‬وهو نظام يقوم على امل�شاركة‪ ،‬وامل�ساءلة‪،‬‬ ‫وال�شفافية‪ ،‬والف�صل بني ال�سلطات‪ ،‬وال �ت��داول ال�سلمي‬ ‫لل�سلطة‪ ،‬و�سيادة الد�ستور‪� .‬إن النظام الدميقراطي؛ ي�شكل‬ ‫حت��دي� ًا ك�ب�ير ُا لأمتنا؛ التي حتفظ �شعارات ع��ن النظام‬ ‫ال�سيا�سي؛ مثل اخلالفة‪ ،‬ونظام ال�شورى‪ ،‬وامل�ساواة‪ ،‬والعدل‪،‬‬ ‫ويحفظون �أن الإ�سالم �سبق النظام ال��دويل احلديث يف‬ ‫تطبيق وكفالة حقوق الإن�سان؛ غري �أن هذا النظام مل يتبلور‬ ‫يف �شكل منوذج متفق عليه من علماء الأمة وقادتها‪ ،‬ومل‬ ‫يطبق يف �أر�ض الواقع املعا�صر؛ ليناف�س النظم ال�سائدة يف‬ ‫ال�ساحة العاملية‪ ،‬مما جعل الر�أي العام الإ�سالمي منق�سم ًا‬ ‫فبع�ضه ي�ؤيد النظام امللكي وبع�ضه ينادي بالدميقراطية‬ ‫وبع�ضه يتطلع للخالفة ‪ ..‬وهكذا ‪ .‬والآخرون ينظرون �إلينا‬ ‫ب�سخرية لعجزنا عن تقدمي منوذج نقنع به الآخرين ب�صحة‬ ‫مانقول فالت�سا�ؤل الذي يواجهنا يف هذا املجال ماهو النظام‬ ‫ال�سيا�سي الإ�سالمي الذي يج�سد مبادئ الإ�سالم ومقا�صده‬ ‫وتعاليمه لتلتف حوله الأمة وتدعو له ؟‪.‬‬ ‫رابعا‪:‬التحدي العلمي‪:‬‬ ‫التطور العلمي بلغ مبلغ ًا لي�س له مثيل يف التاريخ املعلوم‪،‬‬ ‫وكان للح�ضارة الإ�سالمية ق�صب ال�سبق يف اكت�شاف العلوم‬ ‫وو�ضع مناهج البحث العلمي‪ ،‬غري �أن هذا النجاح �أ�صبح‬ ‫من التاريخ‪ ،‬واليوم ف�إن العامل الإ�سالمي يف م�ؤخرة الأمم‬ ‫يف جم��ال الإن�ت��اج العلمي والتكنولوجي‪ ،‬و�إن وج��د بع�ض‬ ‫الن�شاط العلمي؛ فهو منقول عن الآخرين ولي�س �أ�صي ًال‪ ،‬لقد‬ ‫تط ّورت العلوم ب�صورة مذهلة بعد اكت�شاف الذرة والطاقة‬ ‫النووية‪ ،‬ويتحدث العلم الآن عن اجلينات‪ ،‬واال�ستن�ساخ‪،‬‬ ‫ونظرية الكون املتمدد‪ ،‬وغريها من التطورات الهائلة يف‬ ‫جم��االت العلوم؛ فماهو حظ امل�سلمني من كل ذلك ؟ �إن‬ ‫التحدي العلمي الذي يواجه �أمتنا ال ي�ستهان به فما العمل ؟‪ ‬‬ ‫خام�سا‪:‬امل�شكل االقت�صادي ‪:‬‬

‫الن�شاط االقت�صادي الآن جت��اوز املفاهيم التقليدية‪،‬‬ ‫ثالثا‪ :‬امل�شكل ال�سيا�سي ‪:‬‬ ‫وظ�ه��رت مفاهيم ال�شركات العابرة ل�ل�ق��ارات‪ ،‬و�أ��س��واق‬ ‫الإ� �س�لام ج��اء دي�ن� ًا خ��امت� ًا ل�ل��ر��س��االت؛ ا�شتمل على الأ�سهم ‪،‬والتجارة عرب ال�شبكة العنكبوتية ( الإنرتنت )‪،‬‬ ‫�أ�صولها‪ ،‬ومت ّيز عليها بالعموم‪ ،‬و�صالحية التطبيق عرب وهي مفاهيم تعك�س حجم التطور الذي حدث يف االقت�صاد‬ ‫ال��زم��ان وامل�ك��ان‪ ،‬وق��د �إهتم الإ��س�لام بكل ��ش��ؤون احلياة العاملي‪ ،‬غري �أن العامل الإ�سالمي �أغلبه ي�صنف �ضمن‬

‫‪8‬‬

‫�إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ال��دول الفقرية! فكثري من‬ ‫دول � ��ه ال ت���س�ت�ط�ي��ع ت��وف�ير‬ ‫ال��ق��وت‪ ،‬وال امل �ي��اه النقية‬ ‫ل���ش�ع��وب�ه��ا‪ ،‬واق�ت���ص��ادي��ات‬ ‫كثري من ال��دول الإ�سالمية‬ ‫مرهونة للنظام االقت�صادي‬ ‫الغربي‪ ،‬وقد حلقها ال�ضرر‬ ‫ج��راء االنهيار امل��ايل الذي‬ ‫اجتاح الغرب م�ؤخرا‪ ،‬ومما‬ ‫ي�ستغرب له �أن بلداننا غن ّية‬ ‫ب��امل��وارد الطبيعية كالرتبة‬ ‫ال�صاحلة للزراعة‪ ،‬واملياه‬ ‫العذبة‪ ،‬وال�ثروة احليوانية‬ ‫والغابية‪ ،‬والقوة الب�شرية؛‬ ‫ولكنها ع��اج��زة ع��ن ا�ستغاللها وتطويرها ب�سبب �سوء‬ ‫الإدارة‪ ،‬والر�شوة‪ ،‬والف�ساد ‪�..‬إل��خ وحتى امل�صارف التي‬ ‫قامت على النظام الإ�سالمي مل ت�شكل بدي ًال م�صرفي ًا‬ ‫جاذب ًا؛ بل �صار كثري منها �أكرث �سو ًء من البنوك الربوية‪،‬‬ ‫لقد كتب كثري من العلماء عن االقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬وامللكية‬ ‫يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬والنظام النقدي‪ ،‬وغري ذلك؛ لكن‬ ‫يظل الواقع االقت�صادي عاجز ًا عن املناف�سة! فالتحدي‬ ‫الذي يواجهنا هو كيف نقدم نظرية اقت�صادية �إ�سالمية‬ ‫عملية تبلور نظام ًا اقت�صادي ًا بدي ًال يتناول علم االقت�صاد‪،‬‬ ‫ويحدد معامل النظام االقت�صادي الإ�سالمي‪ ،‬ويعالج م�شكلة‬ ‫الإنتاج والتوزيع العادل للرثوة‪ ،‬ويحارب الربا واال�ستغالل‬ ‫واالحتكار‪�..‬إلخ‬ ‫�ساد�سا‪:‬امل�شكل الدويل ‪:‬‬

‫و�أح�ل�اف ع�سكرية ومنظمات ثقافية‪ ،‬وجمعيات حقوق‬ ‫الإن�سان ‪ ..‬وغريها من امل�ؤ�س�سات الدولية التي تتدخل‬ ‫يف �سيادة ال��دول وحرية الأف ��راد بقوة القانون ال��دويل‪.‬‬ ‫�إن الإ�شكال الذي يواجه الفكراال�سالمي؛ هو كيف يتعامل‬ ‫مع الواقع ال��دويل املعا�صر من �أر�ضية �إ�سالمية جتعلنا‬ ‫مت�صاحلني مع �أنف�سنا ومع عقيدتنا وقادرين على التعاطي‬ ‫مع واقعنا ب�إيجابية‪.‬‬ ‫�سابعا‪ :‬امل�شكل الوحدوي ‪:‬‬ ‫الوحدة الإ�سالمية متثل �أ�شواق ًا وجدانية‪ ،‬وتطبيق ًا لأمر‬ ‫َاع ُب ُدونِ {‬ ‫�إلهي ‪�} :‬إِ َّن َه ِذ ِه �أُ َّم ُت ُك ْم �أُ َّم ًة َو ِاح َد ًة َو َ�أنَا َر ُّب ُك ْم ف ْ‬ ‫(الأنبياء‪)92:‬‬

‫�إن عوامل الوحدة متوافرة عند امل�سلمني‪ ،‬فالإله واحد‪،‬‬ ‫والنبي متفق على �سريته منذ ميالده وحتى وفاته‪ ،‬والكتاب‬ ‫متفق عليه‪ ،‬والقبلة واحدة‪ ،‬والتاريخ م�شرتك‪ ،‬وامل�ستقبل‬ ‫واح��د‪ ،‬وامل�شاعر متفقة؛ غري �أنه بالرغم من وجود هذه‬ ‫املُ � َو ِّح��دات؛ �إال �أن البون �شا�سع بني ال��دول الإ�سالمية‪،‬‬ ‫فامل�صالح متناق�ضة‪ ،‬والفوارق كبرية‪ ،‬واحلواجز النف�سية‬ ‫�سميكة‪ ،‬واحلدود القطرية �صارت مقد�سة‪ ،‬تحَ ْرِ م امل�سلم‬ ‫حتى من احلقوق الإن�سانية! �إن التناق�ض بني التطلعات‬ ‫وال� �ق ��درات‪ ،‬وال�ت�ب��اي��ن ب�ين امل �ث��ال وب�ين ال��واق��ع املعي�ش‪،‬‬ ‫واالختالف بني املحفوظ وبني املنظور؛ كل ذلك ي�شكل عبئ ًا‬ ‫ثقي ًال على العقل اجلمعي للأمة‪ ،‬فالتحدي هو كيف تتحقق‬ ‫الوحدة يف ظل هذه الأو�ضاع؟‬

‫عامل اليوم ال جند له و�صف ًا يف التاريخ‪ ،‬ف ُكتب ال�سري‬ ‫عندنا تتحدث عن نظام دويل ينق�سم �إل��ى دولتني هما‬ ‫دول��ة الإ� �س�لام ودول��ة الكفر‪ ،‬ودول��ة الكفر �إم��ا �أن تكون‬ ‫حربية و�إم��ا �أن تكون داخلة مع امل�سلمني يف عهد‪ ،‬ولكننا‬ ‫اليوم نعي�ش يف عامل خمتلف فالنظام العاملي اليوم يقوم‬ ‫على دول قطرية ت�ق��وم احل �ق��وق وال��واج �ب��ات فيها على‬ ‫�أ�سا�س امل��واط�ن��ة‪ ،‬وق��ام��ت فيه منظمة دول�ي��ة ه��ي الأم��م‬ ‫املتحدة ومنظماتها الفرعية املتخ�ص�صة‪ ،‬وهي م�ؤ�س�سة‬ ‫يحكمها ميثاق عاملي؛ يهدف �إل��ى حفظ الأم��ن وال�سلم‬ ‫الدوليني‪ ،‬وت�ضم الأمم املتحدة دو ًال تنتمي �إلى كل الأديان‬ ‫والثقافات وال�ق��ارات‪ ،‬وهناك تكتالت �إقليمية كاالحتاد‬ ‫يف اجلزء الثاين من هذا املقال والذي �سين�شر يف العدد‬ ‫الأوروب � ��ي ومنظمة امل ��ؤمت��ر الإ� �س�لام��ي وج��ام�ع��ة ال��دول ال��ق��ادم �سن�ضع احللول التي نراها منا�سبة للم�شكالت‬ ‫العربية واالحتاد الأفريقي‪� ،‬إ�ضافة �إلى تكتالت اقت�صادية �أعاله ع�سى �أن تُ�سهم يف �إ�ضاءة دياجر �أو تفتح مغلقاً ‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪9‬‬


‫• مقاالت الوسطية‬

‫•‬ ‫•‬ ‫• التطرف االقت�صادي يف الأردن ‬ ‫• قراءة يف نف�سية ارهابي‬ ‫"‬ ‫• �إقر�أ‪....‬‬ ‫• ومن النا�س من يعبد اهلل على حرف ‬ ‫• احلريات يف الإ�سالم ‪ ...‬مطلقة �أم �ضوابط وحدود ‬ ‫• الفرق بني �أنا �أعلم‪ ،‬و�أنا �أظن ‪� ..‬إبحا ٌر يف نظر ّية املعرفة ‬ ‫• الإن�سان بني النور والظلمات ‬ ‫• بع�ض (التد ُّين ِح َجاب) ‬ ‫• العوملة والأزمة الأخالقية ‬ ‫�أهمية االمانة والقوة يف الأداء الإداري ‬ ‫�أربعون ً‬ ‫عبد امللك اجلا�رس‬ ‫عاما قبل النبوة ‬

‫الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات‬

‫د‪ .‬حممد تركي بني �سالمه‬

‫حممد الع�ضايله‬

‫د‪ .‬ح�سن علي املبي�ضني‬

‫�أ‪.‬د‪.‬حممد �أحمد الق�ضاة‬ ‫د‪ .‬نوال �أ�سعد �رشار‬

‫د‪� .‬إبراهيم الرتكاوي‬

‫د‪� .‬سلمان فهد العودة‬ ‫د‪� .‬آندي حجازي‬

‫‪� 10‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫د‪�.‬أ�سمهان الطاهر‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫�أهمية االمانة والقوة‬ ‫يف الأداء الإداري‬ ‫�إعداد الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات‬ ‫مدير مركز الدرا�سات والإ�ست�شارات والتدريب‬ ‫يف املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫�إن �أهمية االمانة والقوة يف الأداء الإداري ت�أتي من �أهمية الهدف الذي ت�سعى الإدارة‬ ‫لتحقيقه و�أهمية تزكية العمل بالنظر �إلى العامل‪ ،‬ملا يرتتب عليه من �سوء الظن يف الدنيا‬ ‫و�سوء العاقبة يف الآخرة‪.‬‬ ‫فاجلهاز الإداري قد �أعد ب�شري ًا ومادي ًا ومعنوي ًا ومكاني ًا من �أجل الو�صول للهدف‬ ‫املرجو حتقيقه‪ ،‬ف�أي تفريط فيه ي�ؤدي �إلى �إهدار هذه الطاقات بقدر ذلك التفريط‪،‬‬ ‫من هنا كان احلر�ص على الأداء الإداري اجليد باعتباره من �أهم اهتمامات الإدارة‪،‬‬ ‫ومن االمانة والقوة يف الأداء الإداري �إعطاء العاملني حقوقهم وافية غري منقو�صة ودون‬ ‫م�شقة �أو مماطلة‪.‬‬ ‫وفيما ي�أتي جمموعة من االي��ات القر�آنية واالحاديث م�صروف ر� َأ�س �سنتك‪ ،‬و�أنك ت�صري �إلى �أربع خالل ‪ :‬فاخرت‬ ‫لنف�سك؛ �إن وجدناك �أمين ًا �ضعيفًا‪ ،‬ا�ستبدلناك ل�ضعفك‪،‬‬ ‫النبوية التي تبني هذه الأهمية وهي ‪:‬‬ ‫و�سلمتك من معرتنا �أمانتك عندها تعزل‪ ،‬و�إن وجدناك‬ ‫ا�س َت�أْ َج ْر َت ا ْل َقو ُِّي ْ أ‬ ‫‪ .1‬قال اهلل تعالى‪�} :‬إِ َّن خَ يرْ َ َم ِن ْ‬ ‫الَ ِم ُني{‪ ‬خائن ًا قوي ًا‪ ،‬ا�ستهنا بقوتك‪ ،‬و�أوجعنا ظهرك‪ ،‬و�أح�سنّا‬ ‫(الق�ص�ص‪ ،)26 :‬ويفهم من هذه الآية الكرمية �أن من الأداء �أدبك‪ ،‬و�إن جمعت اجلرمني جمعنا عليك امل�ضرتني العزل‬ ‫الإداري ُح�سن اختيار العاملني وف��ق �صفتني مهمتني والت�أديب‪ ،‬و�إن وجدناك �أمين ًا و ِف ًّيا‪ ،‬زدن��اك يف عملك‪،‬‬ ‫وهما‪ :‬القوة والأمانة مع ًا �إذ �أن واحدة ال تكفي بدليل ورفعنا لك ذكرك‪ ،‬و�أوط�أنا لك عقبك)‬ ‫قول الر�سول‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم – حدثنا عبد امللك‬ ‫�أمني �ضعيف نعزلك‪ ،‬خائن قوي ن�ؤدبك‪ ،‬خائن �ضعيف‬ ‫بن �شعيب بن الليث حدثني �أبي �شعيب بن الليث حدثني‬ ‫الليث بن �سعد حدثني يزيد بن �أبي حبيب عن بكر بن نعزلك ون�ؤدبك‪ .‬و�إن وجدناك �أمين ًا قوي ًا زدناك يف عملك‬ ‫عمرو عن احلارث بن يزيد احل�ضرمي عن ابن حجرية مددنا لك عملك‪ ،‬ورفعنا لك ذكرك و�أوط�أنا لك عقبك‪.‬‬ ‫الأكرب عن �أبي ذر قال‪ :‬قلت يا ر�سول اهلل ‪� :‬أال ت�ستعملني‬ ‫يجب �أن تتحمل من موظفيك مليون غلطة �إال الكذب‬ ‫قال ‪ :‬ف�ضرب بيده على منكبي ثم قال يا �أبا ذر ‪� ( :‬إنك‬ ‫خزي وندامة‪ ،‬واخليانة‪ ،‬وبالتعبري احلديث الإخال�ص والكفاءة‪ ،‬الأمانة‪،‬‬ ‫�ضعيف‪ ،‬و�إنها �أمانة‪ ،‬و�إنها يوم القيامة‬ ‫�إال من �أخذها بحقها‪ ،‬و�أدى ال��ذي عليه ٌفيها‪�) ‬صحيح القوي الأمني‪ ،‬كفء وخمل�ص‪ .‬نحن ال ت�صلح �أمورنا �إال �إذا‬ ‫م�سلم ‪ -‬ك الإمارة (‪ )1826 ،1825‬فلم يوله الر�سول – �صلى كان الأ�شخا�ص الذين يع َّول عليهم يتمتعون يف وقت واحد‬ ‫بالكفاءة والإخ�لا���ص‪ ،‬الكفاءة ق��درات‪ ،‬والإخ�لا���ص قيد‬ ‫اهلل عليه و�سلم – االمارة ل�ضعف �شخ�صيته‪.‬‬ ‫للمبد�أ‪.‬‬ ‫وهذا �سيدنا عمر ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه ‪ -‬ملا َولَّى رج ًال‪،‬‬ ‫قال له‪( :‬خذ عهدك‪ ،‬وان�صرف �إلى عملك‪ ،‬واعلم �أنك ‪ .2‬وقال تعالى } َوال َت�أْ ُك ُلوا �أَ ْم َوا َل ُك ْم َب ْي َن ُك ْم بِا ْل َب ِاطلِ َوت ُْد ُلوا‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪11‬‬


‫النبي‪� -‬ص َّلى اهلل‬ ‫ّا�س ِبالآ ْث ِم‬ ‫ِب َها �إِ َلى الحْ ُ َّك ِام ِل َت�أْ ُك ُلوا فَرِ يقًا ِم ْن �أَ ْم َوالِ ال َن ِ‬ ‫وعن ُب َر َيد َة ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه ‪ -‬عنِ‬ ‫ِّ‬ ‫عليه و�س َّلم‪� -‬أنه قال‪َ ( :‬من ا�ستع َملْناه على ع َم ٍل ف َرز ْقنا ُه‬ ‫َو�أَ ْنت ُْم َت ْع َل ُمون{ (البقرة �آيه‪)188:‬‬ ‫رز ًق���ا؛ فما �أخ���ذَه بعد ذل��ك فهو غُ ��ل ٌ‬ ‫��ول) ‪ .‬معنى الغلول‬ ‫ويف هذه الآي��ة دليل على وج��وب طلب احل�لال والبعد اخليانة رواه ابو داود (‪ )2943‬و�صححه االلباين‬ ‫عن احل��رام وان اكت�ساب ال��رزق بغري وجه �شرعي باطل‬ ‫وح��رام‪ ،‬ومن ي�أخذ الأج��رة على عمل ثم ال يقوم به على ‪ .3‬قال اهلل تعالى‪َّ } :‬ل ْي َ�س ِب�أَ َما ِن ِّي ُك ْم َوال �أَ َمانيِ ِّ �أَ ْهلِ ال ِْكت ِ‬ ‫َاب‬ ‫الوجه املطلوب �إال كان ما ي�أخذه زيادة على عمله باط ًال‬ ‫َمن َي ْع َم ْل ُ�سوء ًا ُي ْجزَ ِب ِه َو َال َيجِ ْد َل ُه ِمن ُدونِ اللهّ ِ َو ِل ّي ًا َو َال‬ ‫داخ ًال يف هذه الآية الكرمية‪ ،‬فمث ًال لو �أن موظف ًا طلب �أجر ًا ن ِ‬ ‫َ�صري ًا‪( { ‬الن�ساء‪� ،‬آيه‪)123:‬‬ ‫على عمل وهو مكلف به من قبل احلكومة‪ ،‬وي�أخذ راتب ًا على‬ ‫عمله فيعترب ما �أخذه ر�شوة �أو حرام وهذا ما �أثبته حديث‬ ‫وم�ضمون هذه الآي��ه ان من يفرط فيما ُوك��ل �إليه من‬ ‫الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬عندما بعث رج ًال جلمع العمل الإداري فهو ممن عمل �سوء ًا ف�سيجزى به كما دلت‬ ‫الزكاة اذ ورد يف ال�صحيحني عن �أبي حميد ال�ساعدي‪ -‬هذه الآية‪ ،‬فالعربة بعموم اللفظ ال بخ�صو�ص ال�سبب‬ ‫ر�ضي اهلل عنه‪ -‬ق��ال‪ :‬بعث ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين �آ َمنُوا �أ ْوفُوا بِا ْل ُعقُود{ (‬ ‫و�سلم‪ -‬رج ًال من الأزد يقال له ابن اللتبية على ال�صدقة‪ .4 ،‬قال اهلل تعالى‪َ } :‬يا �أ ُّي َها ال َِّذ َ‬ ‫املائدة‪� ،‬آيه‪)1:‬‬ ‫فقال عندما عاد من جمع �أموال الزكاة‪ :‬هذا لكم‪ ،‬وهذا‬ ‫�أهدي �إيل‪ ،‬فقام النبي‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ :-‬فحمد‬ ‫وهذا �أمر والأم��ر للوجوب‪ ،‬فالوفاء بالإلتزامات التي‬ ‫اهلل و�أثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪( :‬ما بال العامل نبعثه فيجيء‬ ‫فيقول‪ :‬هذا لكم‪ ،‬وهذا �أهدي �إيلّ؟‍‍‍‍‪� .‬أال جل�س يف بيت �أبيه مت التعاقد عليها واجب بن�ص الآية �سوا ًء �أكانت �إدارية �أم‬ ‫فينظر �أيهدى �إليه �أم ال‍‍‍‍‍‍!! والذي نف�س حممد بيده‪ ،‬ال غريها ما دامت يف حدود املباحات وامل�شروعات وهي ت�شمل‬ ‫نبعث �أحداً منكم في�أخذ �شيئاً �إال جاء يوم القيامة يحمله امل�س�ؤول الإداري ومن حتت �إدارته وم�س�ؤوليته‪.‬‬ ‫على رقبته‪� ،‬إن كان بعرياً له رغاء‪� ،‬أو بقرة لها خوار‪� ،‬أو �شاة‬ ‫تيعر‪ ،‬فرفع يديه حتى ر�أيت عفرة �إبطيه فقال‪ :‬اللهم هل ‪ .5‬وقال اهلل تعالى‪َ } :‬و َت َعا َو ُنوا َع َلى ا ْلبرِ ِّ َوال َّت ْق َوى َولاَ َت َعا َو ُنوا‬ ‫ال ْث ِم َوا ْل ُع ْد َوانِ { (�سورة املائدة‪� ،‬آية‪)2:‬‬ ‫َع َلى ْ إِ‬ ‫بلغت ثالثاً)‪( .‬البخاري ‪ ،1500 /428/3‬م�سلم ‪)6/11‬‬ ‫ن�ستنتج من هذه الآية �أن القيام بالواجب الإداري من‬ ‫ومعنى احلديث‪� :‬أن من تولى والي��ة وقدمت له هدية‬ ‫من �أجل واليته مل يجز له قبولها‪ ،‬لأنها كالر�شوة‪ .‬ف�أما �إن الرب والتقوى بال�شرط املتقدم فالتعاون عليه م�أمور بن�ص‬ ‫كانت الهدية قد �أهديت له ممن كان يهدى �إليه قبل واليته‪ ،‬هذه الآية الكرمية‪ ،‬كما �أن التعاون على التفريط يف العمل‬ ‫ف�إنه يجوز له قبولها منه بعد الوالية‪ ،‬لأنها مل تكن من �أجل ‪،‬و�أوقاته وت�ضييع الواجبات من التعاون على الإثم والعدوان‬ ‫الوالية لوجود �سببها قبل الوالية‪،‬‬ ‫‪،‬وهذا ما نهى اهلل عز وجل عنه‪.‬‬ ‫‪� 12‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ال ْر ِ�ض‬ ‫ال�س َما َو ِات َو َْ أ‬ ‫قال تعالى ‪�} :‬إنَّا َع َر ْ�ضنَا َْ أ‬ ‫ا�ست َ​َط ْعت ُْم{(التغابن ‪:‬‬ ‫ال َما َن َة َع َلى َّ‬ ‫‪ -6‬وقال اهلل تعالى } فَا َّتقُوا اللهَّ َ َما ْ‬ ‫�آية ‪)16‬‬ ‫ن�س ُان‪،‬‬ ‫َوالجْ ِ َبالِ َف�أَ َبينْ َ �أَن َي ْح ِم ْل َن َها َو�أَ�شْ َفق َْن ِم ْن َها َو َح َم َل َها ْ ِإ‬ ‫ال َ‬ ‫وما َج ُهولاً { (الأحزاب ‪)72،‬‬ ‫وهنا �أمر اهلل ‪-‬عز وجل ‪ -‬لنا معا�شر امل�سلمني ب�أن نتقي �إِ َّن ُه َك َان َظ ُل ً‬ ‫اهلل‪ -‬تعالى‪ -‬ما ا�ستطعنا وهذا يفيد الإداريني من م�س�ؤولني‬ ‫�إن الأمانة مو�ضوع من �أهم املوا�ضيع التي مت�س حياة‬ ‫وغريهم �إذ عليهم بذل �أق�صى جهدهم يف �أداء مهمتهم امل�سلم اليومية يف معامالته مع الآخرين‪ ،‬يف درجة �أدائه‬ ‫ً‬ ‫الإداري��ة‪ ،‬دون تفريط �أو �إفراط وورد يف هذا املجال �أي�ضا لعمله‪ ،‬ويف م�صداقيته ‪،‬ويف عدالته و�إعطاء كل ذي حق‬ ‫قول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم عن �أبي هريرة ‪ -‬ر�ضي اهلل حقه‪ .‬والأمانة هي احلقوق والواجبات التي يطلب من املكلف‬ ‫عنه‪ -‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ " -‬ثالثة‬ ‫�أنا خ�صمهم يوم القيامة‪ :‬رجل �أعطى بي ثم غدر‪ ،‬ورجل حفظها ح�سية كانت �أو معنوية من حقوق اهلل على عباده‪� ،‬أو‬ ‫باع حر ًا ف�أكل ثمنه‪ ،‬ورجل �إ�ست�أجر �أجري ًا فا�ستوفى منه ومل حقوق العباد بع�ضهم على بع�ض‪ ،‬من مل ي�ؤدها بحقها عوقب‬ ‫يعطه �أج��ره " رواه البخاري‪ .‬وهذا حديث جامع مانع دل بها يف الآخرة ‪ .‬والأمانة احدى عن�صري الكفاءة الإدارية‬ ‫على �أن الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬خ�صم من ورد و�أعظمها �أهمية‪.‬‬ ‫�صفتهم يف هذا احلديث‪ .‬وتب ًا ملن كان خ�صمهم ر�سول اهلل‬ ‫فهكذا يتوقف ح�سن الأداء الإداري بدء ًا من التخطيط‬ ‫– �صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬يوم القيامة يوم ال �ساعة مندم‪ – .‬التنظيم‪ -‬التوجيه – الرقابة – التنفيذ ‪.‬على العن�صر‬ ‫وم��ن خ�لال الآي��ات التي مت ذكرها والأح��ادي��ث يتبني الب�شري ودرجة �أمانته وقوته‪ ،‬و�إن �أي خلل يف هذا الأداء‬ ‫لنا �أهمية االمانة والقوة يف الأداء الإداري‪ ،‬فما �أحرى كل مرده �إلى التق�صري يف هذين اجلانبني املهمني‪.‬‬ ‫م�س�ؤول �أن يتق اهلل يف عمله لأنه �سي�سئل عن عمله هل �أداه‬ ‫فماذا �إذن لو غابت العداله وف�شا الظلم الإداري وغلبت‬ ‫على حقه �أم ال؟‬ ‫احل�ي��ل الإداري� ��ة امل�ح��رم��ة وظ�ه��رت يف ه��ذا اجل��و املظلم‬ ‫ف�إن مل ي�ؤده على حقه �سيحا�سب على ذلك‪ ،‬ندعو اهلل عز اخلفافي�ش من �أ�صحاب النفاق والهوى واخليانة واختفى‬ ‫وجل �أن يكون جميع امل�س�ؤولني يف �أمة الإ�سالم على م�ستوى �أ�صحاب الر�أي واحلق والأمانة ‪.....‬؟‬ ‫من الأمانة والقوة التي �أراده��ا اهلل عز وجل‪ ،‬و�أن يقوموا‬ ‫�إذا ح�صل ذلك فقل على الإدارة ال�سالم ن�س�أل اهلل �أن‬ ‫بواجبات الوظيفة على �أعلى م�ستوى من الأداء ومن هنا ف�إن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الأداء الإداري بدء ًا من التخطيط وانتها ًء بالتنفيذ فيه من يجعلنا �أهال حلمل الأمانة و�أ�شد حر�صا على حفظها‪ ،‬و�أن‬ ‫اخلفاء ما ال يطلع عليه �إال اهلل‪ ،‬وبع�ض جوانبه �أخفى من يرزقنا ح�سن الأداء وعظيم اخل�شية يف ال�سر والعلن �إنه نعم‬ ‫بع�ض‪ ،‬فهو �أحق بالرعاية والعناية والإهتمام‪.‬‬ ‫املعني ونعم النا�صر‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪13‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫�أربعون ً‬ ‫عاما قبل النبوة‬ ‫عبد امللك اجلا�رس‬

‫�أربعون عام ًا من حياة النبي الكرمي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم قبل مبعثه ‪� ،‬أرب �ع��ون ع��ام� ًا كلها �صفاء ون�ق��اء ‪.‬‬ ‫�أربعون عام ًا تكلمت فيها الفطرة‪ ،‬وجتلت فيها ال�صفات‬ ‫احلميدة‪ ،‬وظهرت فيها العناية الربانية‪ ،‬يف �إعداد �سيد‬ ‫الربية ‪.‬‬ ‫�أربعون عام ًا ُه ّي�أ العظيم فيها لأمر عظيم‪ ،‬لتكون تلك‬ ‫وقف رجل يت�أمل ال�سماء والنجوم‪ ،‬ف�إذا الأمر خمتلف‬ ‫الأربعني هي بداية التغيري للعامل ال�سفلي من ظلمات الكفر‬ ‫واجلهل �إلى نور التوحيد والعلم ‪� ،‬أربعون عام ًا فيها �أفراح عن العادة‪ ،‬فالآية قد ظهرت !!‪ ‬‬ ‫و�أتراح‪ ،‬و�آمال و�آالم (وكان اهلل عليما حكيما)‪.‬‬ ‫فما كان منه �إال �أن �صرخ بقومه ‪:‬‬ ‫ابتد�أت تلك الأربعني بـ ‪:‬‬ ‫" يا مع�شر اليهود !!! "‬ ‫(‪ )1‬والدة يتيمة !!‬ ‫فاجتمعوا �إليه فقال ‪ “ :‬طلع جنم �أحمد الذي ُولد به‬ ‫تويف الوالد قبل الوالدة‪ ،‬بعد �سعي يف طلب لقمة العي�ش‪ ،‬يف هذه الليلة " ‪.‬‬ ‫ليكون على موعد مع القدر يف �أر�ض يرثب‪ ،‬مقبورا يف �أحد‬ ‫نعم ‪ ..‬لقد ُولد �أحمد‪ ،‬وها هو بني �أح�ضان �أمه تر�ضعه‬ ‫مقابرها !!‬ ‫وت�شاركها يف ذلك ‪� :‬أم �أمين‪ ،‬وثويبة موالة �أبي لهب ‪.‬‬ ‫و�أُودع الوالد والزوج الرثى‪ ،‬لتعاين الوالدة احلنون �آالم‬ ‫ومتر الأيام ‪ ....‬و�إذا بالر�ضيع يف ‪:‬‬ ‫الو�ضع‪ ،‬و�آالم الفقد‪ ،‬و�آالم م�ستقبل طفل تيتم قبل خروجه‬ ‫للدنيا !!‬ ‫(‪ )3‬ديار بني �سعد ‪:‬‬ ‫وت�أتي �ساعة ال�صفر وت�ستب�شر الدنيا بـ ‪:‬‬ ‫فانتقل مع �أمه �إلى حليمة ال�سعدية لرت�ضعه يف م�ضارب‬ ‫(‪ )2‬والدة حممد ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ : -‬بني �سعد بن بكر‪ ،‬على عادة العرب يف التما�س املرا�ضع‬ ‫لأوالده��م‪ ،‬لتقوى �أج�سامهم‪ ،‬ويتقنوا الل�سان العربي من‬ ‫فيولد �سيد املر�سلني ب�شعب بني ها�شم‪ ،‬يف �صبيحة يوم �صغرهم ‪.‬‬ ‫االثنني التا�سع من �شهر ربيع الأول‪ ،‬لأول عام من حادثة‬ ‫الفيل‪ ،‬وقبل هجرته عليه ال�صالة وال�سالم بثالث وخم�سني‬ ‫�سنة‪ ،‬ويوافق ذلك الع�شرين �أو الثاين والع�شرين من �شهر‬ ‫�إبريل �سنة ( ‪ 571‬م )‪ ،‬ح�سبما ذك��ره بع�ض املحققني ‪.‬‬ ‫ويف مكان �آخر بعيدا عن ذلك البيت ال�صغري الذي ُولد به‬ ‫ذلك العظيم ‪:‬‬

‫‪� 14‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫فقال ‪ ( :‬هذا قرب �آمنة بنت وهب) !!‬

‫ويف تلك امل�ضارب ن�ش�أ حممد ال�صغري ‪..‬‬ ‫وبها وقف وم�شى على قدميه ‪..‬‬ ‫وبها �ضحك ولعب مع �أقرانه ال�صغار ‪..‬‬ ‫ف ��أي ب��راءة وجمال كانت ت�شع من عيني ذل��ك الطفل‬ ‫الطاهر !!‬

‫لقد توقفت املطايا يف مكان يقال له الأب ��واء‪ ،‬ليكون‬ ‫ال�صغري على موعد جديد مع اليتم‪ ،‬وت��ؤخ��ذ �آمنة منه‪،‬‬ ‫وتوارى بني ناظريه‪ ،‬لينتقل الطفل باكيا �إلى ‪:‬‬ ‫(‪ )6‬جده عبد املطلب ‪:‬‬

‫عاد �صغري الآالم �إلى اجلد العطوف‪ ،‬الذي رق له رقة‬ ‫ف�صلوات ربي و�سالمه عليه ‪.‬‬ ‫�شديدة‪ ،‬فكان ال يدعه وحيدا‪ ،‬بل جعله مقدما على �أوالده‬ ‫ويف تلك امل�ضارب رعى الغنم‪ ،‬و�سار خلفها وقادها مع وبنيه ‪.‬‬ ‫�إخوانه من الر�ضاع ‪.‬‬ ‫�إن لعبد املطلب فرا�شا ال يجل�س عليه غريه �إج�لاال له‬ ‫ومتر الأي��ام على رع��اة الغنم ال�صغار‪ ،‬ويبلغ ال�صغري واح�ترام��ا‪ ،‬فكان حممد ال�صغري هو الوحيد امل�صرح له‬ ‫�أرب��ع �سنني‪ ،‬وبينما هو يلعب مع الغلمان‪� ،‬إذ به ي�صرع باجللو�س‪ ،‬في�أتي الأوالد والأبناء ل ُيبعدوه‪ ،‬فيقول اجلد ‪:‬‬ ‫وي�ضجع من رجلني عليهما ثياب بي�ض‪ ،‬لينطلق املنادي �إلى‬ ‫" دعوه‪ ،‬واهلل �إن لهذا �ش�أنا " !!!‬ ‫�أمه بنداء الرعب واخلوف ‪ “ :‬لقد ُقتل حممد!!! " ‪.‬‬ ‫ومتر الأيام ويبلغ ال�صغري ثمان �سنني‪ ،‬ليكون على موعد‬ ‫فكان ذلك القتل هو ‪:‬‬ ‫جديد مع الآالم ‪،‬‬ ‫(‪� )4‬شق ال�صدر ‪:‬‬ ‫فها هو عبد املطلب يوارى الرثى‪ ،‬لتكون و�صيته الأخرية‪،‬‬ ‫لقد �أ�ضجعه ال��رج�لان‪ ،‬ثم �أخرجا منه علقة �سوداء �أن يكون ال�صغري عند ‪:‬‬ ‫ف�ألقياها‪ ،‬فانتهت حظوظ ال�شيطان منه‪ ،‬ثم غ�سال قلبه يف‬ ‫(‪ )7‬عمه �أبا طالب ‪:‬‬ ‫ط�ست من ذهب مباء زمزم‪ ،‬ثم �أعادا قلبه �إلى مكانه‪ ،‬فجاء‬ ‫ال�صغري �إلى القوم وهو منتقع اللون ‪ .‬يقول �أن�س ر�ضي اهلل‬ ‫فنه�ض باليتيم على �أك �م��ل وج ��ه‪ ،‬و��ض� ّم��ه �إل ��ى بنيه‬ ‫عنه ‪ ( :‬وقد كنت �أرى �أثر ذلك املخيط يف �صدره) ‪.‬‬ ‫وق��دم��ه ع�ل�ي�ه��م‪ ،‬واخ �ت �� �ص��ه مب��زي��د اح�ت��رام وت �ق��دي��ر ‪.‬‬ ‫فلما ر�أت حليمة ذل��ك ‪ :‬خافت على ال�صغري من �أن ومتر الأي��ام ‪ ...‬وي�أتي على قري�ش �سنون عجاف‪� ،‬أجدبت‬ ‫لها الأر�ض‪ ،‬وكاد يهلك بها القوم‪ ،‬فبات النا�س يف �شظف‬ ‫ي�صيبه �شيء‪ ،‬فاتخذت قرارا بـ ‪:‬‬ ‫من العي�ش‪ ،‬فما كان من قري�ش �إال �أن طلبوا من �سيدهم �أبا‬ ‫طالب �أن ي�ست�سقي لهم‪ ،‬فكان ‪:‬‬ ‫(‪ )5‬رده �إلى �أمه احلنون ‪ :‬‬ ‫ف���رج���ع ال�����ص��غ�ي�ر �إل � � ��ى �أح � �� � �ض� ��ان �أم � � ��ه ت ��رع ��اه‬ ‫وحت �ن��و ع �ل �ي��ه‪ ،‬ف �ك��ان ع �ن��ده��ا ح �ت��ى ب �ل��غ � �س��ت ��س�ن�ين ‪ ،‬‬ ‫لتتحرك عاطفة �آمنة و�شوقها �إلى حيث تويف الزوج ويقطن‬ ‫الأه��ل‪ ،‬فعزمت على ال�سفر �إلى يرثب‪ ،‬فتحركت املطايا‪،‬‬ ‫ومكثت �شهرا يف ي�ثرب‪ ،‬ليحني بعد ذل��ك وق��ت الرجوع‪،‬‬ ‫ويف طريق ال�سفر بني يرثب ومكة ‪ :‬توقفت املطايا يف مكان‬ ‫يحمل يف طياته ذكرى ال تزال عالقة بذاكرة احلبيب حتى‬ ‫بعد النبوة‪ ،‬فم ّر يوما على قرب فانتهى �إليه وجل�س‪ ،‬وجل�س‬ ‫النا�س حوله‪ ،‬فجعل يحرك ر�أ�سه كاملخاطب – كما يروي‬ ‫ذلك بريدة ر�ضي اهلل عنه – ثم بكى بكاء مل يبكه من قبل‪،‬‬ ‫فا�ستقبله عمر فقال ‪:‬‬ ‫يا ر�سول اهلل ما يبكيك ؟‬

‫(‪� )8‬أبي�ض ُي�ست�سقى الغمام بوجهه ‪:‬‬ ‫خرج �أبو طالب ي�ست�سقي‪ ،‬وال�سماء ما فيها من قزعة !!‬ ‫ومعه الغالم ال�صغري –�صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬وبنيه‪ ،‬ف�أخذ‬ ‫�أبو طالب الغالم اليتيم ال�صغري ‪ -‬وهو يتذكر كلمات عبد‬ ‫املطلب ‪ ( :‬واهلل �إن لهذا �ش�أنا ) !! – ف�أل�صق ظهره بالكعبة‬ ‫وا�ست�سقى ‪.‬‬ ‫ف�أقبل ال�سحاب من كل جانب‪ ،‬وانفجرت ال�سماء مباء‬ ‫منهمر‪ ،‬فقال �أبو طالب ‪:‬‬ ‫و�أبي�ض ُي�ست�سقى الغمام بوجهه‬ ‫ِث ُ‬ ‫مال اليتامى ع�صمة للأرامل‪ ‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪15‬‬


‫ومتر الأي��ام ‪ ...‬ويبلغ النبي الكرمي اثنتي ع�شرة �سنة‪،‬‬ ‫ويف �صيف حار حتركت ركائب قري�ش نحو ال�شام‪ ،‬فكانت‬ ‫ق�صة ‪:‬‬ ‫(‪ُ )9‬بحريى الراهب ‪:‬‬ ‫ف��ارحت��ل �أب��و ط��ال��ب بقومه وم�ع��ه حممد ‪� -‬صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ‪ ،-‬فلما و�صلوا �إلى ُب�صرى نزل القوم للراحة‪،‬‬ ‫فخرج �إليهم بحريى ومل تكن من عادته اخل��روج �إليهم‪،‬‬ ‫فتخللهم حتى جاء �إلى الفتى ال�صغري و�أخ��ذ بيده وقال ‪:‬‬ ‫هذا �سيد العاملني !! هذا ر�سول رب العاملني !! هذا يبعثه اهلل‬ ‫رحمة للعاملني !! ‪.‬‬ ‫فقال �أب��و طالب و�أ�شياخ قري�ش ‪ :‬وم��ا علمك بذلك ؟‬ ‫فقال ‪� :‬إنكم حني �أ�شرفتم من العقبة مل يبق حجر وال �شجر‬ ‫�إال خ ّر �ساجدا‪ ،‬وال ي�سجدان �إال لنبي‪ ،‬و�إين �أعرفه بخامت‬ ‫النبوة �أ�سفل من غ�ضروف كتفه مثل التفاحة‪ ،‬و�إنّا جنده يف‬ ‫كتبنا " ‪.‬‬

‫الن�ساء‪� ،‬إال ليلتني‪ ،‬كلتاهما ع�صمني اهلل تعالى منهما‪،‬‬ ‫ق�ل��ت ليلة لبع�ض ف�ت�ي��ان م�ك��ة – ون �ح��ن يف رع��اي��ة غنم‬ ‫�أهلنا – فقلت ل�صاحبي ‪� :‬أب�صر يل غنمي حتى �أدخ��ل‬ ‫م�ك��ة‪ ،‬ف�أ�سمر فيها كما ي�سمر الفتيان ‪ .‬ف�ق��ال ‪ :‬بلى ‪.‬‬ ‫ف��دخ��ل��ت ح��ت��ى �إذا ج��ئ��ت �أول دار م� ��ن دور م�ك��ة‬ ‫� �س �م �ع��ت ع ��زف ��ا ب ��ال� �غ ��راب� �ي ��ل وامل � ��زام �ي��ر ‪ .‬ف �ق �ل��ت ‪:‬‬ ‫ما هذا ؟ فقيل ‪ :‬تزوج فالن فالنة ‪ .‬فجل�ست �أنظر‪ ،‬و�ضرب‬ ‫اهلل على �أذين‪ ،‬فواهلل ما �أيقظني �إال م�س ال�شم�س ‪ .‬فرجعت‬ ‫�إلى �صاحبي‪ ،‬فقال ‪ :‬ما فعلت ؟ فقلت ‪ :‬ما فعلت �شيئا‪ ،‬ثم‬ ‫�أخربته بالذي ر�أي��ت ‪ .‬ثم قلت له ليلة �أخ��رى ‪� :‬أب�صر يل‬ ‫غنمي حتى �أ�سمر مبكة ‪ .‬ففعل‪ ،‬فدخلت‪ ،‬فلما جئت مكة‬ ‫�سمعت مثل الذي �سمعت تلك الليلة‪ ،‬ف�س�ألت ‪ .‬فقيل ‪ :‬فالن‬ ‫نكح فالنة‪ ،‬فجل�ست �أنظر‪ ،‬و�ضرب اهلل على �أذين‪ ،‬فواهلل‬ ‫ما �أيقظني �إال م�س ال�شم�س‪ ،‬فرجعت �إلى �صاحبي فقال ‪ :‬ما‬ ‫فعلت ؟ قلت ‪ :‬ال �شيء‪ ،‬ثم �أخربته باخلرب‪ ،‬فواهلل ما هممت‬ ‫وال عدت بعدها ل�شيء‪ ،‬حتى �أكرمني اهلل بنبوته) ‪.‬‬

‫�إنها الرعاية الربانية‪ ،‬تقف للحيلولة بينه وب�ين تلك‬ ‫ثم �س�أل �أبا طالب �أال يذهب به �إلى ال�شام خوفا عليه النوازع‪ ،‬ولذلك جاء يف الأثر ‪ :‬‬ ‫من الروم واليهود‪ ،‬فرده �أبو طالب بغلمان معه �إلى مكة ‪.‬‬ ‫( �أدبني ربي ف�أح�سن ت�أديبي) ‪.‬‬ ‫�شب النبي الكرمي‪ ،‬ومل يكن له عمل‬ ‫ومتر الأي��ام ‪ ...‬وقد ّ‬ ‫معني يف �أول �شبابه ‪ .‬ولكن ج��اءت ال��رواي��ات وتوالت ب�أن‬ ‫ومتر الأيام ‪ ...‬ليبلغ النبي الكرمي ع�شرين عاما‪ ،‬لي�شهد‬ ‫مهنته كانت ‪:‬‬ ‫حربا وقعت يف �شهر حرام‪ ،‬فتُ�سمى بـ ‪:‬‬ ‫(‪ )10‬رعي الغنم ‪:‬‬ ‫(‪ )12‬حرب ال ِف َجار ‪:‬‬ ‫ل�ق��د ك��ان ي�سري ط ��وال ن �ه��اره خ�ل��ف ال�غ�ن��م‪ ،‬فرعاها‬ ‫يف بني �سعد اب �ت��دا ًء‪ ،‬ث��م يف مكة على ق��راري��ط لأهلها ‪.‬‬ ‫�إن مهنة كهذه ُي�شرتط لها �أمانة مع طول نف�س‪ ،‬ولذا ‪ ( :‬ما‬ ‫من نبي �إال وقد رعى الغنم )‪ ،‬ولعل ذلك – واهلل �أعلم ‪: -‬‬

‫وقعت تلك احل��رب يف �سوق عكاظ بني قري�ش ومعهم‬ ‫كنانة وب�ين قي�س ع�ي�لان‪ ،‬فا�صطف ال�ق��وم ووق�ع��ت حرب‬ ‫�ضرو�س‪ ،‬وكان النبي الكرمي ُيعد النبل للرمي‪ ،‬وكثرُ القتل‬ ‫يف الطرفني‪ ،‬حتى ر�أى عقالء القوم �أن و�ضع �أوزار احلرب‬ ‫واال�صطالح خري من امللحمة‪ ،‬فهدموا ما بينهم من العداوة‬ ‫وال�شر‪ ،‬وعلى �أثر ذلك ح�صل ‪:‬‬

‫لأن �صورة القطيع �شبيهة ب�سري �سواد الأم��م‪ ،‬والراعي‬ ‫قائد يتطلب عليه �أن يبحث عن الأماكن اخل�صبة والآمنة‪،‬‬ ‫كما يتطلب ذلك حماية وحرا�سة ملا قد يعرت�ض قافلة ال�سري ‪.‬‬ ‫(‪ )13‬حلف الف�ضول ‪:‬‬ ‫وهذه املهنة فيها ما فيها من ق�سوة ومتابعة‪� ،‬إال �أنها تُثمر‬ ‫�إن ��ه حلف اخل�ير وال �ع��دال��ة‪ ،‬ت��داع��ت �إل �ي��ه قبائل من‬ ‫قلبا عطوفا رقيقا‪ ،‬وواقع حال رعاة الغنم خري �شاهد على‬ ‫قري�ش يف ذي القعدة‪ ،‬وك��ان اجتماعهم يف دار عبد اهلل‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫بن جدعان التيمي‪ ،‬فتعاهدوا وتعاقدوا على �أال يجدوا‬ ‫وبعيدا عن العمل وهمومه‪ ،‬وبعيدا عن كدح البحث عن مبكة مظلوما م��ن �أهلها وغ�يره��م م��ن �سائر النا�س �إال‬ ‫لقمة العي�ش نقف مع ‪:‬‬ ‫ق��ام��وا م�ع��ه‪ ،‬و�شهد ه��ذا احل�ل��ف النبي ال�ك��رمي – �صلى‬ ‫(‪ )11‬نوازع نف�س حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ :‬اهلل عليه و�سلم ‪ ،-‬وقال عنه بعد �أن �أكرمه اهلل بالنبوة ‪:‬‬ ‫( لقد �شهدت يف دار عبد اهلل بن جدعان حلفا ما �أحب‬ ‫يحدثنا النبي الكرمي عن نف�سه يف تلك الفرتة فيقول ‪� :‬أن يل به حمر النعم‪ ،‬ولو �أُدع��ى به يف الإ�سالم لأجبت) ‪.‬‬ ‫( ما هممت ب�شيء مما كان �أهل اجلاهلية يهمون به من وال ع �ج��ب يف ذل� ��ك‪ ،‬ف �ه��و ن �ب��ي ال��ع��دال��ة وال��رح��م��ة ‪..‬‬ ‫‪� 16‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ومت�ضي الأيام ‪ ...‬ويبلغ النبي الكرمي اخلام�سة والع�شرين قا�ضيا يف املو�ضوع‪ ،‬فما الذي فعلته خديجة ؟‬ ‫من عمره‪ ،‬ليخرج �إلى ‪:‬‬ ‫يروي لنا ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما ذلك فيقول ‪:‬‬ ‫(‪ )14‬جتارة ال�شام ‪:‬‬ ‫" �إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ذكر خديجة –‬ ‫وذل��ك يف م��ال خلديجة بنت خويلد‪ ،‬بعد �أن �سمعت وكان �أبوها يرغب عن �أن يزوجه ‪ ،-‬ف�صنعت طعاما و�شرابا‪،‬‬ ‫ب�أخبار ال�صادق الأمني �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وجعلت معه فدعت �أبوها وزمرا من قري�ش‪ ،‬فطعموا و�شربوا حتى ثملوا ‪.‬‬ ‫غالم ًا لها ُيقال له ‪ :‬مي�سرة ‪.‬‬ ‫فقالت خديجة لأبيها ‪� :‬إن حممدا بن عبد اهلل يخطبني‬ ‫ذهب النبي الكرمي �إل��ى ال�شام‪ ،‬فما لبث �أن رجع �إلى فزوجني �إياه ‪ .‬فزوجها �إياه ‪ .‬فخلقته و�ألب�سته حلة – وكذلك‬ ‫مكة‪ ،‬فر�أت خديجة يف مالها من الأمانة والربكة ما مل تره كانوا يفعلون بالآباء ‪ ،-‬فلما �سرى عنه �سكره‪ ،‬نظر ف�إذا‬ ‫من قبل‪ ،‬وح ّدثها مي�سرة مبا ر�آه من حال ال�صادق الأمني‪ ،‬خملق وعليه حلة‪ ،‬فقال ‪ :‬ما �ش�أين هذا ؟ قالت خديجة ‪:‬‬ ‫فما كان منها �إال �أن �سعت ليكون اخلرب يف �أرجاء مكة ‪:‬‬ ‫زوجتني حممد بن عبد اهلل ‪ .‬قال ‪� :‬أُز ّوج يتيم �أبي طالب !؟‬ ‫(‪ )15‬حممد – �صلى اهلل عليه و�سلم – زوج خلديجة ال لعمري ‪.‬‬ ‫– ر�ضي اهلل عنها ‪!! -‬‬ ‫فقالت ‪� :‬أما ت�ستحي ؟! تريد �أن ت�سفه نف�سك عند قري�ش‪،‬‬ ‫وذل��ك بعد �أن تقدم لها ��س��ادات قري�ش‪ ،‬فكان الإب��اء تخرب النا�س �أنك كنت �سكران !! فلم تزل به حتى ر�ضي " ‪.‬‬ ‫ويتزوج ال�شريف ال�شريفة‪ ،‬ومتر الأيام والأعوام على ذلك‬ ‫عليهم هو اجلواب ‪.‬‬ ‫البيت الهادئ اجلميل‪ ،‬و ُيرزق منها بالبنني‪ ،‬والنبي الكرمي‬ ‫ثم ملّا ر�أت ما ر�أت بعد تلك التجارة املباركة ‪ :‬عزمت ُيقري ال�ضيف‪ ،‬ويعني امللهوف‪ ،‬وين�صر املظلوم‪ ،‬ويكون يف‬ ‫على نية �أف�صحتها ل�صديقتها ‪ :‬نفي�سة بنت منبه ‪ .‬فقامت حاجة �أهله ‪..‬‬ ‫بدورها بذكر ذلك للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم ‪.‬‬ ‫ويجرف مكة �سيل ع��رم وينحدر �إل��ى البيت ف ُي�ص ّدع‬ ‫فر�ضي بذلك‪� ،‬إال �أن والد خديجة حاول عبثا الوقوف جدرانه حتى �أو�شك على الوقوع واالنهيار‪ ،‬فاتفقت قبائل‬ ‫�أمام هذا الزواج امليمون‪� ،‬إال �أن حيلة خديجة كانت َح َك َم ًا قري�ش على ‪ :‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪17‬‬


‫عقولهم‪ ،‬فكان عليه ال�صالة وال�سالم ال يح�ضر عيدا لوثن‪،‬‬ ‫(‪� )16‬إعادة بناء الكعبة ‪:‬‬ ‫وال ي�شهد احتفاال عند �صنم‪ ،‬وال يحلف بالالت‪ ،‬وال يتقرب‬ ‫وتبني قري�ش الكعبة ب�شرط م�سبوق ‪� “ :‬أال يدخل‬ ‫يف لعزى‪ ،‬وال ي�شرب خمرا‪ ،‬وال ي�أكل مذبوحا على ُن�صب‪،‬‬ ‫بنائها �إال طيبا‪ ،‬فال يدخل فيها مهر بغي‪ ،‬وال بيع ربا‪ ،‬وال‬ ‫ف�أبغ�ض ذلك كله ‪ .‬يقول مواله‪ ‬زيد بن حارثة ر�ضي اهلل عنه‬ ‫مظلمة لأحد من النا�س " ‪.‬‬ ‫‪ ... " :‬فوالذي �أكرمه و�أنزل عليه الكتاب ما ا�ستلم �صنما‬ ‫وي�شارك النبي الكرمي �صاحب اخلم�س وثالثني عاما يف حتى �أكرمه اهلل بالذي �أكرمه و�أنزل عليه " ‪.‬‬ ‫البناء‪ ،‬ويحمل احلجارة من الوادي م�شاركا قومه يف مثل‬ ‫فكان عليه ال�صالة وال�سالم موحدا على ملة �إبراهيم‬ ‫هذا احلدث العظيم ‪.‬‬ ‫اخلليل عليه ال�سالم ‪ .‬‬ ‫ويرتفع البناء‪ ،‬ويعود للبيت جالله وهيبته‪ ،‬ومل��ا بلغ‬ ‫لقد جمع ال�صادق الأم�ين من الأو�صاف وال�شمائل ما‬ ‫البنيان مو�ضع احلجر الأ�سود ح�صل االختالف‪ ،‬وتنازع‬ ‫القوم يف �شرف و�ضع احلجر الأ�سود �أربع ليال �أو خم�س حتى جعلت حمبته ال تقف عند الب�شر‪ ،‬بل تتعداه �إل��ى احلجر‬ ‫كادت احلال �أن تتحول �إلى حرب �ضرو�س !! �إال �أن �أبا �أمية وال�شجر‪ ،‬يقول عليه ال�صالة وال�سالم بعد �أن �أكرمه اهلل‬ ‫بن املغرية املخزومي عر�ض عليهم �أن يحكموا فيما �شجر بالر�سالة ‪� ( :‬إين لأعرف حجرا مبكة كان ُي�س ّلم علي قبل‬ ‫بينهم �أول داخل عليهم من باب امل�سجد ‪ .‬فارت�ضى القوم �أن �أبعث) !! ‪.‬‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫ف�صلوات ربي و�سالمه عليه ‪.‬‬ ‫ف ��إذا مبحمد بن عبد اهلل بن عبد املطلب يكون ذلك‬ ‫ومت ��ر الأي� ��ام ‪ ...‬ح�ت��ى ب ��د�أ ط ��ور ج��دي��د م��ن حياته‬ ‫الداخل ‪ .‬فهتف القوم ‪� :‬أن ر�ضينا بالأمني ‪.‬‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فكان يرى الر�ؤية ثم ال يلبث حتى‬ ‫فطلب عليه ال�صالة وال���س�لام ردا ًء فو�ضع احلجر ي��راه��ا واق�ع��ا م�شهودا �أم��ام��ه‪ ،‬ف�ك��ان ذل��ك ب��داي��ة ب�شرى‬ ‫و�سطه‪ ،‬وطلب من ر�ؤ�ساء القبائل املتنازعني �أن مي�سكوا النبوة والر�سالة واال�صطفاء‪ ،‬لتكون البداية احلقيقية‬ ‫جميعا ب�أطراف ذلك الرداء‪ ،‬و�أمرهم �أن يرفعوه‪ ،‬حتى �إذا يف ال �غ��ار ب �ـ }اق� ��ر�أ ب��ا��س��م رب��ك ال ��ذي خ �ل��ق{‪ ،‬وي �ن��ادي‬ ‫امل �ن��ادي يف �أ� �ص �ق��اع امل �ع �م��ورة ‪� :‬إن حم �م��دا ق��د ُب �ع��ث !!‬ ‫�أو�صلوه �إلى مو�ضعه �أخذه بيده فو�ضعه يف مكانه ‪ .‬فر�ضي ف � ��إذا ع �ق��ارب ال���س�ن�ين والأع�� ��وام ق��د دق��ت الأرب��ع�ي�ن !!‬ ‫القوم بذلك‪ ،‬وانهى نزاعا كادت دما�ؤه �أن ت�صل �إلى الركب !! ف�صلوات ربي و�سالمه عليه ‪...‬‬ ‫ومتر الأيام ‪ ...‬وغربة النبي الكرمي تزداد يوما بعد يوم‪،‬‬ ‫ت�ل��ك الأرب� �ع ��ون – لعمر احل��ق ‪ : -‬ع��راق��ة اخل�ل�ال‪،‬‬ ‫ف��وج��وه يعرفها‪ ،‬و�أح���وال ينكرها‪ ،‬ك��ان ذا �صمت طويل‬ ‫ي ��زدان بالت�أمل وال�ن�ظ��ر‪ ،‬لقد ك��ان��ت تلك ال�ف�ط��رة التي ف�ك�ي��ف مب��ا ب �ع��د الأرب� �ع�ي�ن‪ ،‬ح�ي�ن ُب �ع��ث �إل� ��ى ال �ع��امل�ين !!‬ ‫(و�إنك لعلى خلق عظيم) ‪..‬‬ ‫ُجبل عليها متنعه من �أن ينحني ل�صنم‪� ،‬أو يهاب وثن ‪.‬‬ ‫فاعتزل ال�ق��وم مل��ا ر�أى م��ن �سفاهة �أح�لام�ه��م‪ ،‬وتفاهة‬ ‫املراجع ‪:‬‬ ‫ م�سند الإمام �أحمد ‪.‬‬‫ �صحيح البخاري ‪.‬‬‫ �صحيح م�سلم ‪.‬‬‫ جامع الرتمذي ‪.‬‬‫ �صحيح و�ضعيف اجلامع ال�صغري للألباين ‪.‬‬‫ �سرية ابن ه�شام (‪ )164/1‬وما بعدها ‪.‬‬‫ الف�صول يف �سرية الر�سول البن كثري (‪ )83‬وما‬‫بعدها ‪.‬‬ ‫‪� 18‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ الكامل يف التاريخ البن الأثري (‪ )32/2‬وما بعدها ‪.‬‬‫ خمت�صر �سرية الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم لل�شيخ‬‫عبد اهلل بن الإمام حممد بن‪ ‬عبد الوهاب (‪ )25‬وما‬ ‫بعدها ‪.‬‬ ‫ الرحيق املختوم لل�شيخ �صفي الرحمن املباركفوري‬‫(‪ )71‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫ ال�سرية النبوية لل�شيخ حممد ال�صوياين (‪ )21/1‬وما‬‫بعدها ‪.‬‬ ‫‪ ‬امل�صدر ‪www.saaid.net :‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫التطرف االقت�صادي يف الأردن‬ ‫د‪ .‬حممد تركي بني �سالمه‬

‫التطرف ب�أنواعه املختلفة الديني والفكري وال�سيا�سي واالقت�صادي من الظواهر اخلطرية التي تهدد �أمن املجتمع‬ ‫والدولة على حد �سواء‪ ،‬فالتطرف هو املنتج واملغذي للعنف والفو�ضى والإرهاب‪ ،‬وقد �شاع م�ؤخر ًا ا�ستخدام مفهوم‬ ‫التطرف الديني وال �سيما الإ�سالمي ‪ Islamic Radicalism‬ب�شكل غري م�سبوق وذلك الرتباطه مبفاهيم وظواهر‬ ‫�أخرى مثل التع�صب والت�شدد والطائفية واملذهبية والعنف واحلرب الأهلية والإرهاب‪ ،‬وكذلك نتيجة تنامي و�صعود‬ ‫الظاهرة الدينية يف املجتمعات العربية والإ�سالمية‪ ،‬وظهور جماعات دينية متطرفة وخ�صو� ًصا التكفريية منها‪ ،‬والتي‬ ‫يعتقد �أفرادها ب�أنهم ميتلكون احلقيقة املطلقة التي ال تقبل احلوار والنقا�ش‪,‬وكل من يخالفها الر�أي يتم ا�ستباحة‬ ‫دمه‪ ,‬وهذا النوع من التطرف من �أكرث �أنواع التطرف خطورة ‪ ،‬حيث يتم فيه جتنيد فئات من املجتمع ‪ ،‬وال �سيما‬ ‫من فئة ال�شباب ‪ ،‬لتحقيق �أهداف �ضد املجتمع و�أمنه وا�ستقراره وتقدمه وازدهاره ‪� ،‬إال �أن التطرف االقت�صادي ال‬ ‫يقل خطورة عن التطرف الديني‪ ،‬فالتطرف االقت�صادي هو �أب التطرف بكل �أنواعه‪ ،‬حيث �إن الآثار الناجمة عن‬ ‫التطرف االقت�صادي �أو ال�سيا�سات االقت�صادية احلمقاء هي التي تنتج الفقر والبطالة واحلرمان واملعاناة واال�ستغالل‬ ‫والتهمي�ش‪ ،‬وهذه ت�شكل بدورها بيئة حا�ضنة لكل �أنواع التطرف والإرهاب‪ ،‬ولعل ما �شهدته بلدان الربيع العربي من‬ ‫ثورات وانتفا�ضات وحروب طاحنة خالل ال�سنوات املا�ضية خري �شاهد على دور العامل االقت�صادي يف خروج اجلماهري‬ ‫�إلى ال�شوارع وامليادين العامة منادية باحلرية والعدالة االجتماعية‪ .‬ويف الأردن‪ ،‬فقد �شهدت البالد خالل ال�سنوات‬ ‫املا�ضية حراك ًا �شعبي ًا كبري ًا حيث تنادي اجلماهري ب�إ�صالح النظام ال تغيريه ‪ ،‬و�إعادة النظر بالنهج االقت�صادي الذي‬ ‫اتبع م�ؤخر ًا وكان له �آثار كارثية على �صعيد املجتمع والدولة ‪ .‬فيما التزال البالد حتارب االرهاب دون ان تتمكن من‬ ‫جتفيف منابعه ‪.‬‬ ‫والتطرف ا�صطالح ًا هو جتاوز حد االعتدال �سواء يف العقيدة‬ ‫مفهوم التطرف‬ ‫�أو الفكر �أو ال�سلوك ‪ ،‬هذا التجاوز ي�ؤدي �إلى اندفاع غري متوازن‬ ‫يعرف التطرف يف اللغة ب�أنه جم��اوزة احلد واالبتعاد عن �إل��ى التحم�س املطلق لفكر �أح��ادي ي�صبح معه �صاحبه �أح��ادي‬ ‫الو�سطية واخلروج عن امل�ألوف والبعد عما عليه اجلماعة‪ ،‬ويربط ال�شعور‪ ،‬ويف حالة ا�ضطراب نف�سي يفقده القدرة على التمييز‬ ‫البع�ض بني التطرف والغلو والتع�صب والإرهاب‪� ،‬إال �أن التطرف بني الإيجابي وال�سلبي وبني ال�سيئ والأ�سو�أ‪.‬‬ ‫�أع��م وا�شمل من الغلو‪� ،‬أم��ا التع�صب فهو عدم قبول احلقيقة‬ ‫ويف �ضوء ما �سبق ميكن تعريف التطرف االقت�صادي ب�أنه‬ ‫بالرغم من وجود احلجة والدليل الدامغ وذلك نتيجة امليل �إلى املبالغة لدرجة الغلو والت�شدد يف التم�سك بجملة من الأفكار‬ ‫جانب �أو طرف يف مو�ضوع ما‪� ،‬أما الإرهاب فهو نتيجة مبا�شرة االقت�صادية يرف�ض �أ�صحابها احلوار والنقا�ش ب�ش�أنها‪ ،‬وذلك‬ ‫للتطرف‪.‬‬ ‫ب��ال��رغ��م م��ن انف�صالها ع��ن بيئة وث�ق��اف��ة املجتمع وال��دول��ة‪،‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪19‬‬


‫وذلك باعتبارها �أفكار اقت�صادية غريبة ال متت ب�صلة للن�سيج‬ ‫االجتماعي للمواطن الأردين وهويته وثقافته‪ ،‬وما�ضيه وحا�ضره‬ ‫وم�ستقبله‪ ،‬وهي �أي� ًضا غري من�سجمة مع التاريخ االقت�صادي للدولة‬ ‫الأردنية‪ ،‬ولعل �أخطر ما يف هذه الأفكار االقت�صادية هي �سعيها‬ ‫لفكفكة الدولة الأردنية وهدر مواردها الوطنية وال �سيما يف غياب‬ ‫ال�شفافية وامل�ساءلة وا�ست�شراء الف�ساد‪.‬‬ ‫دولة القطاع العام يف الأردن‪ :‬ق�صة جناح‬ ‫ل�ل�ت�ج��رب��ة االق �ت �� �ص��ادي��ة الأردن� �ي ��ة خ�صو�صية ن��اب�ع��ة من‬ ‫خ�صو�صية ن���ش��أة ال��دول��ة الأردن� �ي ��ة‪ ،‬ح�ي��ث �إن ن���ش��وء ال��دول��ة‬ ‫��س�ب��ق ن���ش��وء امل�ج�ت�م��ع وامل ��ؤ� �س �� �س��ات االق �ت �� �ص��ادي��ة ‪ ،‬ف��ال��دول��ة‬ ‫الأردن� �ي ��ة وب��ال��رغ��م م��ن � �ش��ح م ��وارده ��ا و�إم �ك��ان��ات �ه��ا ‪ ،‬فقد‬ ‫ق��ام��ت ال��دول��ة يف م��رح�ل��ة ال�ت�ك��وي��ن ب��إن���ش��اء ال�ب�ن�ي��ة التحتية‬ ‫‪ The Infrastructure‬واملرافق العامة يف البالد يف جماالت التعليم‬ ‫وال�صحة وامل�ي��اه والطاقة وامل��وا��ص�لات وغ�يره��ا‪ ،‬ولقد �أح�سن‬ ‫الأردنيون يف �إن�شاء و�إدارة هذه القطاعات وحقق الأردن ما ي�شبه‬ ‫معجزة اقت�صادية ‪ ،‬ومن هنا ف�إن الدولة لعبت دور ًا حا�سم ًا يف‬ ‫عملية التنمية االقت�صادية التي �شهدتها البالد‪ ،‬والتي نقلت‬ ‫املجتمع من جمتمع زراع��ي ب�سيط �إل��ى جمتمع حديث ‪ ،‬وكانت‬ ‫الدولة عامل ا�ستقرار �أ�سا�سي �ساهم ب�شكل كبري يف تكوين وبناء‬ ‫ورعاية امل�ؤ�س�سات االقت�صادية وتوفري البيئة الآمنة الالزمة لها‪،‬‬ ‫ف� ً‬ ‫ضال عن دور الدولة يف توزيع عوائد ومكا�سب التنمية‪ ،‬الأمر‬ ‫ال��ذي �أ�سهم يف تعزيز �شرعية النظام ال�سيا�سي‪ ،‬وباملح�صلة‬ ‫حتقيق درجة عالية من اال�ستقرار ال�سيا�سي واالجتماعي يف البالد‬ ‫يف مرحلة كانت فيها املنطقة العربية تعاين من التوتر والفو�ضى‬ ‫واال�ضطرابات‪.‬‬ ‫وباملجمل ميكن القول �إن االقت�صاد الوطني الأردين يف ظل‬ ‫�إ�شراف ورعاية وتدخل الدولة قد حقق درج��ة عالية من النمو‬ ‫والإجن��از انعك�س على م�ستويات معي�شة املواطنني‪ ،‬فلماذا يريد‬ ‫البع�ض �إنهاء دور دولة القطاع العام‪ ،‬وهل ميثل هذا املوقف او‬ ‫االنحراف نوع ًا من التطرف االقت�صادي؟!‬ ‫جوهر التطرف االقت�صادي يف الأردن‬ ‫م��ع مطلع الألفية اجل��دي��دة ارتفعت �أ� �ص��وات جمموعة من‬ ‫ال�سيا�سيني يف الدولة الأردنية ‪ ،‬تطرح �أفكارا اقت�صادية تركز‬ ‫ب�شكل كبري على نحو مبالغ فيه ‪ ،‬ورمب��ا خدمة لأجندة خفية ‪،‬‬ ‫على تقلي�ص دور الدولة يف االقت�صاد �أو رفع يد الدولة كلي ًا عن‬ ‫ال�ش�أن االقت�صادي‪ ،‬وو�أد مفهوم دولة القطاع العام‪ ،‬وجتاهر هذه‬ ‫الأ�صوات بدعوتها �إلى تبني برامج خ�صخ�صة كافة م�ؤ�س�سات‬ ‫الدولة وحترير ال�سوق و�إزال��ة كافة القيود والعقبات �أمام تدفق‬ ‫الأف��راد وال�سلع والأف�ك��ار واخل��دم��ات‪ ،‬وذل��ك بذريعة خلق بيئة‬ ‫ا�ستثمارية جاذبة وتوفري فر�ص العمل‪ ،‬وبالتايل مكافحة الفقر‬ ‫والبطالة‪.‬‬ ‫وه��ذه �أف�ك��ار قدمية ج��دي��دة وتعرب عما يطلق عليه علماء‬ ‫االق�ت���ص��اد ات �ف��اق وا�شنطن ‪ Washington Consensus‬وهو‬ ‫م�صطلح يطلق على ال�سيا�سات التي �أجمع عليها بل تفر�ضها‬ ‫‪� 20‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫على الدول النامية ‪ 3‬م�ؤ�س�سات دولية مقرها وا�شنطن هي البنك‬ ‫الدويل و�صندوق النقد الدويل ووزارة املالية الأمريكية وتتلخ�ص‬ ‫هذه ال�سيا�سات يف ع�شر بنود هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬االن�ضباط املايل للحكومة‬ ‫‪� -2‬أولوية الإنفاق احلكومي‬ ‫‪ -3‬الإ�صالح ال�ضريبي‬ ‫‪ -4‬حترير �سعر الفائدة‬ ‫‪� -5‬سعر �صرف منا�سب‬ ‫‪ -6‬حترير التجارة اخلارجية‬ ‫‪� -7‬إزالة القيود على تدفق اال�ستثمارات الأجنبية‬ ‫‪ -8‬اخل�صخ�صة‬ ‫‪� -9‬إزالة القيود عن االقت�صاد املحلي‬ ‫‪ -10‬حقوق امللكية‬ ‫وقد ا�صطلح على ت�سمية هذه ال�سيا�سات بالليربالية اجلديدة‪،‬‬ ‫وذلك باعتبار الفكر الليربايل التقليدي املتمثل باملدر�سة الكنزية‬ ‫قد ابتعد عن جذوره الليربالية كونه فتح املجال للدولة للتدخل يف‬ ‫ال�ش�أن االقت�صادي‪ ،‬وهذا يتناق�ض مع جوهر الفكر الليربايل الذي‬ ‫يرتكز على مبد�أ احلرية االقت�صادية املطلقة باعتبار الدولة �أ�سو�أ‬ ‫جهة ميكن �أن ت�شارك يف توجيه الن�شاط االقت�صادي‪.‬‬ ‫�إن امل�ؤمنني بهذه الأف�ك��ار من تالميذ وا�شنطن يلتقون مع‬ ‫م�س�ؤويل البنك ال��دويل و�صندوق النقد ال��دويل ووزارة املالية‬ ‫الأمريكية ويعتقدون �أن و�صفة وا�شنطن للتنمية االقت�صادية يف‬ ‫الأردن هي قدر حمتوم وال فرار منه‪ ،‬وعندما ت�سلل ه�ؤالء �إلى مواقع‬ ‫القرار يف الدولة الأردنية فقد حدث ما ي�شبه انقالب اقت�صادي‬ ‫يف البالد متثل يف االنق�ضا�ض على دولة القطاع العام‪ ،‬و�إنهاء‬ ‫وجودها حتت �شعار الإ�صالح االقت�صادي حيث حدثت �أكرب عملية‬ ‫نهب يف تاريخ البالد احلديث للرثوات الوطنية‪ .‬ومت خ�صخ�صة‬ ‫الكثري من امل�ؤ�س�سات العامة ب�أ�سلوب بعيد عن ال�شفافية والنزاهة‬ ‫ودون وجود �أية �ضوابط وطنية �أو �أخالقية ؛ مما فتح املجال �أمام‬ ‫الف�ساد والإث��راء ال�سريع لفئة قليلة من املتنفذين ‪ ،‬فقد تبخرت‬ ‫�أم��وال برنامج التحول االقت�صادي واالجتماعي التي تقدر مبا‬ ‫يزيد عن ن�صف مليار دينار‪ ،‬وقد بيعت املنحة النفطية الكويتية‬ ‫يف عر�ض البحر‪ ،‬وبيعت ال�شركات اال�سرتاتيجية مثل الفو�سفات‬ ‫والبوتا�س والإ�سمنت والكهرباء وميناء العقبة ب�أبخ�س الأثمان‪،‬‬ ‫فيما تكفلت اجلهات الرقابية يف �إغالق ملفات الف�ساد يف الكثري‬ ‫من الق�ضايا التي مت التحقيق فيها مثل الكازينو و�سكن كرمي وبيع‬ ‫�شركة �أمنية و‪,‬و‪,‬ووو فالقائمة طويلة ‪ ،‬ولعل من املثري لال�ستغراب‬ ‫�أنه متت كل البيوعات ال�سابقة يف ظل غياب ال�شفافية وال�ضوابط‬ ‫القانونية ‪ ،‬كما �أن��ه مل يتم اال�ستفادة من تلك البيوعات‪ ،‬فال‬


‫م�ستوى حياة املواطنني حت�سن ‪ ،‬وال املديونية انخف�ضت‪ ،‬وبب�ساطة‬ ‫نقول �إنه ال عملية البيع متت بنزاهة وال عملية الإنفاق متت بنزاهة‬ ‫‪ ،‬بينما ات�سعت دائرة الف�ساد يف البالد ‪ ،‬وهكذا مت اف�ساد االردن‬ ‫واالردن �ي�ين وك��ان من ثمار ه��ذه ال�سيا�سة فقدان هيبة الدولة‬ ‫وتراجع ثقة املواطنني مب�ؤ�س�ساتها وتنامي ال�شعور العام بعدم‬ ‫فاعلية النظام ال�سيا�سي ‪ ،‬ناهيك عن زيادة املديونية �إلى م�ستويات‬ ‫غري م�سبوقة‪ ،‬وهذه مبجملها بيئة حا�ضنة للتطرف والإره��اب ‪،‬‬ ‫وقد جعلت من التطرف لدى فئة امل�ست�ضعفني �أمر ًا حتمي ًا ت�شكل‬ ‫عرب زمن طويل من املعاناة واحلرمان والإق�صاء والتهمي�ش‪.‬‬ ‫�إن تالميذ وا�شنطن هم غرباء عن الدولة واملجتمع يف الأردن‬ ‫وهم يعتقدون �أن وا�شنطن هي مركز الكون وما على الآخرين �سوى‬ ‫اال�ستجابة لإمالءاتها‪ ،‬وعندما ت�سللوا �إلى موقع القرار يف الدولة‬ ‫الأردنية كانوا يعتقدون �أن عمان هي الأردن وفيها احلل والربط‬ ‫وما على النا�س يف الكرك والطفيلة ومعان وعجلون واملفرق و�إربد‬ ‫وغريها من املدن الأردنية �إال �أن يقولوا �سمع ًا وطاعة ‪ ،‬متنا�سني‬ ‫و منكرين �إن و�صفات وا�شنطن �سواء للإ�صالح االقت�صادي �أو‬ ‫ال�سيا�سي ال ميكن �أن تكون ق��در ًا حمتوم ًا لكافة �شعوب الأر���ض‬ ‫‪ ،‬و�إن تالميذ وا�شنطن يف الأردن ال ميكن لأفكارهم وبراجمهم‬ ‫�أن حتدث �إ�صالح ًا �أو تنمية اقت�صادية فـ “طبيخ ال�شحادين” ال‬ ‫ي�شكل مائدة وطنية‪.‬‬ ‫غياب الر�ؤية االقت�صادية‬ ‫هناك غياب وا�ضح للر�ؤية االقت�صادية يف الأردن‪ ،‬فالأردن‬ ‫اليوم ال هي دول��ة القطاع العام وال هي دول��ة القطاع اخلا�ص‬ ‫واال��س�ت�ث�م��ارات‪ ،‬كما �أن ه�ن��اك ف�ج��وة ك�ب�يرة ب�ين ال�سيا�سات‬ ‫االقت�صادية والتطلعات ال�شعبية‪ ،‬فالغالبية ال�ساحقة من �أفراد‬ ‫املجتمع حتن �إلى �أيام دولة القطاع العام وتطالب الدولة بتحمل‬ ‫م�س�ؤولياتها يف التعليم وال�صحة والطاقة وغ�يره��ا‪ ،‬وتطالب‬ ‫احلكومة بالتدخل ب�شكل مبا�شر ملراقبة الأ�سعار ومكافحة الغالء‪،‬‬ ‫وهناك �أ�صوات تنادي بعودة وزارة التموين حلماية امل�ستهلكني‬ ‫من ج�شع التجار‪ ،‬كما �أن هناك دعوات لوقف نهائي ل�سيا�سات‬ ‫اخل�صخ�صة والعمل على ا�ستعادة ال�ثروات املنهوبة‪ ،‬وحما�سبة‬ ‫امل�س�ؤولني الذين حتوم حولهم �شبهات الف�ساد‪ ،‬الأمر الذي يك�شف‬ ‫عن فجوة وا�سعة وانق�سام وا�ضح بني �أن�صار دولة القطاع العام‪،‬‬ ‫و�أن�صار الليربالية اجلديدة من تالميذ وا�شنطن‪.‬‬ ‫�إن من يعرف التاريخ االقت�صادي للأردن والدور املركزي الذي‬ ‫لعبته الدولة يف حتقيق معجزة التنمية والتحديث يف البالد‪ ،‬يدرك‬ ‫متام ًا �أن الأفكار التي تنادي برفع يد الدولة كلي ًا عن االقت�صاد هي‬ ‫�أفكار دفنت يف رمال الزمن‪ ،‬و تعد نوع ًا من التطرف االقت�صادي‪،‬‬ ‫ال بل قد مت التخلي عنها ب�شكل تدريجي بعد �أزم��ة جنوب �شرق‬ ‫�آ�سيا يف عامي ‪ 1997‬و‪ 1998‬حيث ثبت عجز وعقم تلك ال�سيا�سات‬ ‫‪ ،‬وقد ت�سببت ب�أزمات اقت�صادية كبرية لدول جنوب �شرق �آ�سيا‬ ‫مثل الفلبني وماليزيا وكوريا اجلنوبية وتايالند وغريها ‪ ،‬وكذلك‬ ‫احلال يف بع�ض دول �أمريكا الالتينية مثل ت�شيلي والأرجنتني ‪ ،‬كما‬ ‫انك�شف عوار هذه ال�سيا�سات �أثناء الأزم��ة املالية العاملية عامي‬ ‫‪ 2007‬و‪ 2008‬والتي ب��د�أت يف الواليات املتحدة ثم امتدت �إلى‬

‫كافة البالد التي يرتبط اقت�صادها مبا�شرة باالقت�صاد الأمريكي‬ ‫‪ ،‬وباملجمل �أدت هذه ال�سيا�سات �إلى نتائج اقت�صادية و�سيا�سية‬ ‫واجتماعية كارثية ‪ ،‬فلماذا ي�ص ّر تالميذ وا�شنطن على التم�سك‬ ‫بها ؟‬ ‫ما العمل وهل هناك ثمة �أمل؟‬ ‫�إن م�شكلة االقت�صاد الأردين تكمن يف �أن كثريا من �صناع القرار‬ ‫يف ال�ش�أن االقت�صادي ال يعرفون �أبجديات التاريخ االقت�صادي‬ ‫ل�ل�أردن ويجهلون متام ًا طبيعة وجغرافية الأردن‪ ،‬يجل�سون يف‬ ‫مكاتبهم الوثرية يف عمان ويخططون ويتخذون القرارات دون‬ ‫�أن يكون لديهم �أدنى متا�س مع املجتمع الأردين يف مدنه و�أريافه‬ ‫وبواديه‪ ،‬فهم غرباء �أو ًال ومتطرفني اقت�صادي ًا ثاني ًا‪ ،‬يتحكمون يف‬ ‫م�صائر البالد والعباد رغم �أنه كان ينبغي �أن تتم حما�سبتهم على‬ ‫ما اقرتفوا من جرائم بحق الوطن دون �أن يراعوا فيه �إ ًّال �أو ذمة‪.‬‬ ‫ومن هنا ف�إنه ال بد من �إعادة النظر بالنهج االقت�صادي يف‬ ‫البالد ب�إق�صاء الغرباء املتطرفني اقت�صادي ًا عن مواقع �صنع‬ ‫القرار‪ ،‬وو�ضع حد ل�سيا�سات التطرف االقت�صادي التي تنادي‬ ‫ب�إق�صاء الدولة عن الن�شاط االقت�صادي‪ ،‬من خالل �إعادة النظر‬ ‫يف تعريف دور الدولة يف االقت�صاد وعالقة الدولة بال�سوق‪ ،‬بحيث‬ ‫ينظر �إلى كل من الدولة وال�سوق كعاملني مكملني �أحدهما للآخر‬ ‫وال ميكن اال�ستغناء عن �أي منهما يف العملية االقت�صادية‪ .‬كما‬ ‫ال بد من وقف �سيا�سات اخل�صخ�صة كلي ًا والعمل على حتديث‬ ‫م�ؤ�س�سات الدولة ال بيعها وفق ًا لقانون العر�ض والطلب ان�سجام ًا‬ ‫مع الأفكار الليربالية‪ ،‬حيث ال توجد عالقة بني معياري الكفاءة‬ ‫يف الإنتاج ونوع امللكية عامة �أو خا�صة‪ ،‬وهنا ال بد من اال�ستفادة‬ ‫من خال�صة جتارب ال�شعوب يف اندوني�سيا وماليزيا والفلبني ويف‬ ‫ت�شيلي وكوبا واالرجنتني وغريها �إذ ال توجد و�صفات جاهزة لأي‬ ‫تنمية اقت�صادية‪ ،‬فلكل دولة خ�صو�صيتها ولكل جمتمع ظروفه‪.‬‬ ‫�إن ال��دع��وات التي يتبناها التيار الليربايل يف الأردن من‬ ‫تالميذ وا�شنطن والتي تطالب بعزل دور الدولة وفكفكة م�ؤ�س�ساتها‬ ‫والتعامل مع الدولة ك�شركة مبنطق الربح واخل�سارة‪ ،‬ويف النهاية‬ ‫ترك �سفينة االقت�صاد الوطني ت�سري وفق ًا ملا متليه رياح ال�سوق‬ ‫او وفق اهواء ورغبات تالميذ وا�شنطن هي مبثابة �إنهاء للحلم‬ ‫الأردين وامل�شروع الوطني الأردين وهذه مغامرة غري حم�سوبة وقد‬ ‫تكون نتائجها مكلفة للدولة وباهظة للمجتمع‪.‬‬ ‫وختام ًا ف�إن النهج االقت�صادي اجلديد ي�ستلزم �إدارة املال‬ ‫العام وثروات الوطن بوا�سطة فريق وطني على �أ�س�س جديدة من‬ ‫العدالة وامل�ساواة‪ ،‬فالفقر والبطالة والف�ساد واال�ستبداد وغياب‬ ‫احلرية وامل�ؤ�س�سات الدميقراطية يف البالد العربية �شكل البيئة‬ ‫اخل�صبة واملناخ املالئم لنمو وانت�شار الأفكار املتطرفة وال �سيما‬ ‫لدى فئة ال�شباب التي تعاين من الإق�صاء والتهمي�ش واحلرمان يف‬ ‫ظل االحتبا�س ال�سيا�سي التي تعي�شه البالد العربية بعد و�أد حركة‬ ‫الإ�صالح ال�سلمية بوا�سطة الدولة العميقة‪.‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪21‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫من ا�صدارات الفكر الو�سطي‬

‫قراءة يف نف�سية ارهابي‬

‫حممد الع�ضايله‬ ‫الإذاعه الأردنية‬

‫�ضمن التوجهات الوطنية والعاملية ملحاربة الأره��اب ي�أتي‬ ‫التثقيف جزءا �أ�سا�سيا للتعريف باالرهاب و�أ�شكاله وا�سبابه‬ ‫وتب�صري ال�شباب بالأنحرافات وبالفكر الظالمي الذي ين�شر‬ ‫القتل والدمار والفتنة التي هي ا�شد من القتل ‪ ،‬وي�ستدعي الأمم‬ ‫للنيل من الأمتني العربية والأ�سالمية و التي �أ��س��اءت للدين‬ ‫والأمة ‪ ،‬وب�أن التع�صب يجعل الفرد والأمة يف غربة وا�ضطراب‬ ‫وانحراف عن االنتماء لها والعمل من اجلها ‪ ،‬كما يجعلها عر�ضة‬ ‫للقتل والدمار‪.‬‬ ‫يظهر الكتاب يف بدايته ر�أي الدين يف القتل والتطرف ‪ ،‬و�أن‬ ‫النف�س الب�شرية م�صانة ومقد�سة الهميتها يف عبادة اخلالق‬ ‫و�إدامة احلياة على االر�ض “ونف�س وما �سواها ف�ألهمها فجورها‬ ‫وتقواها “ ‪ ،‬كما يعر�ض ال��ر�ؤى والتوجهات االن�سانية وحرمة‬ ‫الدم االن�ساين‪ “ ،‬وما كان مل�ؤمن ان يقتل م�ؤمنا اال خط�أ‪ ،‬ومن‬ ‫يقتل م�ؤمنا متعمدا فجزا�ؤه جهنم خالدا فيها “ ‪ ،‬هذا االن�سان‬ ‫الذي كرمه رب العزة وجعل املالئكة واجلن ي�سجدون له‪ ،‬قال‬ ‫تعالى ‪“ :‬ولقد كرمنا بني ادم “ لأنه خلق للعبادة واعمار الأر�ض‬ ‫كما ي�أتي �ضمن جتديد حياة الأمة و�إعادة �صياغة م�شروعها‬ ‫النه�ضوي بكل ا�شكاله وابعاده ‪.‬‬ ‫يعر�ض الكتاب ملعنى التطرف الذي هو التع�صب والت�شدد‬ ‫املقيت للأفكار احلادة التي ال تقبل النقا�ش وب�أنه الذي ي�سري‬ ‫على احلق و�إقامة العدل متنا�سني قول الر�سول الكرمي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم “�إمنا بعثت لأمتم مكارم الأخالق “ ‪،‬وقول االمام‬ ‫ال�شافعي “ر�أينا �صواب يحتمل اخلط�أ ور�أي غرينا خط�أ ويحتمل‬ ‫ال�صواب “‪.‬‬ ‫يبني الكتاب �أ�سباب التطرف والغلو والتي يرى انها ترجع‬ ‫الى عجز النخب وامل�ؤ�س�سات الر�سمية واملدنية عن الأهتمام‬ ‫‪� 22‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫بال�شباب واحالمهم ‪ ،‬وخلق ف�ضاءات للحواروالثقافة وتقبل‬ ‫الأخر مما �أظهر غربة ونزوعا نحو التطرف والأره��اب وهدم‬ ‫الأخ ��ر ‪ ،‬وجن��اح��ا ل�ل�أف�ك��ار املتطرفة ول�ل�أح��زاب ال�سيا�سية‬ ‫اليمينية التي ترعى ذلك فكرا وعقيدة ‪ ،‬مما �ساعد على انت�شار‬ ‫الكراهية للأخر واخذ ا�شكاال كثرية من املغاالت والتطرف ‪،‬‬ ‫كما �أن حركات التحرر يف العاملني العربي والأ�سالمي التي ثارت‬ ‫على امل�ستعمرين طلبا للأ�ستقالل والتحرر مل ت�ستكمل التحرير‬ ‫الثقايف والفكري والأقت�صادي للفرد والدولة ‪،‬و �أن جرح فل�سطني‬ ‫مازال نازفا يف قلب الأمة وي�شكل م�أ�سي و�أالم للجميع‪ ،‬و �أن ثورة‬ ‫الأت�صاالت احلديثة �أعطت الفرد حرية غري من�ضبطة فجعل‬ ‫التوا�صل مع الأفكار خارجا عن ال�سيطرة والرقابة ‪ ،‬بالأ�ضافة‬ ‫ال��ى فقدان ال�شباب للثقة يف الكثري من املرجعيات الفكرية‬ ‫والدينية ‪ ،‬و�أن العامل الذي يكيل مبكيالني هو �سبب �أخر وبالغ‬ ‫الأهمية لتغذية الأرهاب والتطرف ‪.‬‬ ‫يخ ُل ُ�ص الكاتب �إل��ى �أن مكافحة الفقر والأم �ي��ة ‪ ،‬ون�شر‬ ‫فكر الت�سامح والعدل بني النا�س والدول ‪ ،‬وتعميق لغة احلوار‬ ‫الأن�ساين وتعميم الهوية الفكرية والثقافية للإ�سالم ال�سمح‪ ،‬هو‬ ‫الذي �سيقلع النبت ال�شيطاين من جذوره وير�سي دعائم الأمن‬ ‫والأمان وي�شفي �صدور امل�ؤمنني ‪.‬‬ ‫ختاما وبعد �شكرهم ال�شكر اجلزيل على ما يقدمونه من‬ ‫خدمة للأمة ‪� ،‬أرى ان على م�ؤ�س�سة املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫وكل م�ؤ�س�س�سات املجتمع املدين ‪ ،‬واجلامعات وامل�ؤ�س�سات التي‬ ‫تعنى بال�شباب ان توحد الطرح وان ت�شكل خاليا م�ؤمنة بتوعية‬ ‫ال�شباب والو�صول اليهم يف كل مكان وزمان عرب مواقع التوا�صل‬ ‫االجتماعي ‪،‬وتبني افكارهم الريادية ‪ ،‬وان ال تقت�صر امل�ؤمترات‬ ‫والندوات على الكبار الذين كان �سعيهم م�شكورا ‪ ،‬واهلل من وراء‬ ‫الق�صد ‪.‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫�إقر�أ‪....‬‬ ‫د‪ .‬ح�سن علي املبي�ضني‬

‫يحتل هذا الفعل يف ذهني مكانة رمزية‪ ،‬وذلك لأنه املفتتح‬ ‫لكتاب الكون الأول واملقد�س عندنا نحن امل�سلمني‪� ،‬إنه القر�آن‬ ‫الكرمي‪ ،‬الذي الي�أتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬وهو‬ ‫الكتاب الذي يجمع خريي الدنيا والآخر مبا يت�ضمنه من تعاليم‬ ‫و�أ�س�س ومبادىء و�شرائع ت�سعى ل�صون امل�ؤمن‪ :‬نف�س ًا وروح� ًا‬ ‫وج�سد ًا‪.‬‬ ‫�إقر�أ‪ ...‬هي كلمة لي�ست �أمر ًا يف م�ضمونها خالف ًا ل�شكلها‪،‬‬ ‫بقدر ما ميكن اعتبارها ن�صح ًا و�إر�شاد ًا وتوجيه ًا ملن تقاذفته‬ ‫�أمواج التطرف يف كل �شيء‪� ،‬أو جتاذبته تيارات املبالغة البغي�ضة‬ ‫يف كل �أمر‪ ،‬وهي دعوة ال يحدها زمان �أو يحتويها مكان‪ ،‬وهي‬ ‫ر�سالة للفرد والأ�سرة واملجتمع‪ ،‬وهي ملخ�ص ملا يحتاجه احلاكم‬ ‫واملحكوم‪ ،‬والكبري وال�صغري‪ ،‬والفقري والغني‪ ،‬والذكروالأنثى‪،‬‬ ‫فهي مفتاح بل منهاج حياة ملن يريد حلياته �أن تكون مبنية‬ ‫على الفهم والإدراك والوعي واحلكمة‪ ،‬وهي ملخ�ص كذلك ملن‬ ‫�أراد االطالع على الأمم‪ :‬تاريخها وزمانها وفكرها ووجدانها‬ ‫و�آمالها‪ ،‬فهي البدء يف املا�ضي ال�سحيق‪ ،‬واحلا�ضر املت�سع‬ ‫وامل�ستقبل املتمدد حيث الالنهايات‪.‬‬

‫مبا حتتاجه من �أ�ساليب الوقاية من الأمرا�ض‪ ،‬وازددت معرفة‬ ‫يف كيفية عالجها‪ ،‬وكذا احلال ين�سحب على الرتبية يف البيت‬ ‫واملدر�سة‪ ،‬اذ عندها تكون قد ا�ستكملت دائ��رة املعرفة التي‬ ‫تعينك على تن�شئة جيل مت�شعب االهتمامات وم�صادر املعرفة‬ ‫على تنوعها وات�ساعها و�شمولها لكل مرافق احلياة‪.‬‬ ‫�إقر�أ ‪ ...‬لي�ست كلمة ت�أخذك نحو مزيد من الرتف الثقايف‪،‬‬ ‫بل هي ا�ستحقاق حياتي لكل من يريد احلياة بكل تفا�صيلها‬ ‫ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬وطاملا �أنها‬ ‫كذلك‪ ،‬فهي تبد�أ مع الإن�سان منذ اللحظة التي ي�ستقبل بها‬ ‫احلياة‪� ،‬إذ ثقافة الوالدة والوالد تنعك�س ايجاب ًا و�سلب ًا علىاملولود‬ ‫يف تربيته وتن�شئته وحميطه االجتماعي‪.‬‬ ‫�إن كلمة �إقر�أ لها وقع وجر�س يف كل �أذن �صاغية‪ ،‬يتنوع هذا‬ ‫اجلر�س بتنوع ثقافة امل�ستقبل والإميان مبدلولها وفائدتها‪� ،‬إذ‬ ‫ال ي��درك عظم نتاجها �إال املثقفون املعلمون النابهون الذين‬ ‫الم�سوا امتداد ت�أثريها يف كل جوانب حياتهم‪� ،‬إذ ت�شمل الكون‬ ‫كله على ات�ساعه زمان ًا حيث البدء الأول للحياة‪ ،‬ومكان ًا حيث‬ ‫اال�ستك�شاف املتجدد لكل بقعة مل ي�سكنها الإن�سان بعد‪.‬‬

‫�إقر�أ ‪ ...‬هي دعوة فكرية و�سطية كذلك‪ ،‬تعفيك من االنغالق‬ ‫�إق��ر�أ‪ ...‬ت�ستنه�ض فيك ما غفلت عنه ل�سنوات طويلة‪� ،‬أو‬ ‫على الذات �أو التمحور حولها‪� ،‬أو تكون رهن ًا لفكرة واحدة يف‬ ‫احلياة‪� ،‬إنها العربة التي تنتقل بك من فكرة الى فكرة‪ ،‬ومن حكمت عليه بعدم الفائدة‪ ،‬ومع �إعادة قراءته وجدته ذا قيمة‬ ‫طرح فكري الى �آخر مياثله �أو يختلف عنه‪ ،‬وكلما تعمقت لديك نافعة لك ولوطنك و�أمتك‪.‬‬ ‫القراءة يف كل امل�ضامني والأفكار فقد نعمت‪ ،‬وك�أنك تزاوج �أو‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�إن الأم��ر يف م�ضمونها ال يخرج عن نطاق تقدمي‬ ‫متازج بني فكرين �أو منطقني وتختار ما تو�سط بينهما للخريية‬ ‫الفائدة املرجوة ملا بعد القراءة‪� ،‬إذ باكتمال مراحلها ون�ضجها‬ ‫التي ميثلها‪.‬‬ ‫وتفعيلها وا�ستنباط املفيد فيها تكون بذرة ال�شجرة الطيبة قد‬ ‫�إقر�أ ‪ ...‬هي منهاج حياة ثقافية ولي�ست عقيدة دينية فقط‪ ،‬منت و�آتت �أكلها كل حني ب�إذن ربها‪ ،‬لأنها كلمة طيبة ال�شكل‬ ‫ففيها �إجابة لكل ت�سا�ؤل َم َل َك عليك قلبك وعقلك و�أ�صبح هاج�س ًا وامل�ضمون‪ ،‬وا�ضحة الهدف والر�سالة ال يقوم على تفعيلها �إال كل‬ ‫دائم احلركة يف ذهنك‪ ،‬فكلما ق��ر�أت يف الطب ازددت يقين ًا م�ؤمن ب�سحرها الآخاذ و�ألقها الفاتن‪ ،‬واهلل املوفق‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪23‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫ومن النا�س من يعبد اهلل‬ ‫على حرف‬ ‫�أ‪.‬د‪.‬حممد �أحمد الق�ضاة‬

‫يف كل جيل من ع�صور الأمة جيل يزن العقيدة مبيزان الربح‬ ‫واخل�سارة‪ ،‬وك�أنه يظنها �صفقة يف �سوق التجارة‪� ،‬إن الإ�سالم‬ ‫املمثل بالعقيدة والعبادة واملعاملة وغريها‪ ،‬ركائز ثابتة يف حياة‬ ‫الإن�سان امل�ؤمن‪ ،‬متوج الدنيا من حوله فيثبت كاجلبل الرا�سي على‬ ‫دينه القومي‪ ،‬مهما جتاذبته الأحداث والوقائع‪ ،‬تتهاوى من حوله‬ ‫القواعد اله�شة‪ ،‬ولكن ي�ستند �إلى ركن �شديد ال يحول وال يزول‪.‬‬ ‫�إن قيمة الإمي��ان باهلل عز وجل يف حياة امل�ؤمن ال تقيم مبال‬ ‫مهما عظم‪ ،‬حتى لو فتحت له �أبواب الدنيا من كل جانب‪ ،‬ف�إن‬ ‫يف �أعماقه من احل�صانة الإميانية واخللقية‪ ،‬ما تدفعه �أن يعلو‬ ‫على هواتف املغريات املادية واالجتماعية‪ ،‬لأن الإميان انعقد يف‬ ‫قلبه‪ ،‬واختلط بدمه وحلمه‪ ،‬فهو ال�سند واملحرك احلقيقي الذي‬ ‫ال يخ�ضع للم�ساومة‪ ،‬ولأن غاية امل�ؤمن مرتبطة بنيل ر�ضوان اهلل‬ ‫عز وجل‪ ،‬يج�سد هذا ما ي�صدر منه من �أقوال �صادقة وما ميار�سه‬ ‫من �أفعال ال تتعار�ض مع قيم احلق والعدل‪ ،‬وما يتخلق به يف‬ ‫عالقاته ومعامالته مع نف�سه والآخرين من �أخالق �إميانية هي‬ ‫من غرا�س العقيدة‪ ،‬لأنها احلمى الذي يلج�أ �إليه‪ ،‬وال�سند الذي‬ ‫ي�ستند عليه‪ ،‬يدرك امل�ؤمن قيمة الإميان باهلل حني يرى احليارى‬ ‫ال�شاردين من حوله‪ ،‬تتجاذبهم الرياح‪ ،‬وتتقاذفهم الزوابع‪،‬‬ ‫وي�ستبد بهم القلق‪ ،‬بينما الإن�سان امل�ؤمن مطمئن القلب بعقيدته‪،‬‬ ‫ثابت القدم‪ ،‬هادئ البال‪ ،‬مو�صول باهلل مطمئن بهذا االت�صال‪.‬‬ ‫حت��دث ال�ق��ر�آن العظيم عن �صنف من النا�س يجعل العقيدة‬ ‫�صفقة يف �سوق التجارة‪ ،‬قال عز وجل‪:‬ومن النا�س من يعبد اهلل‬ ‫على حرف ف�إن �أ�صابه خري اطم�أن به‪ ،‬وق��ال‪�:‬إن الإميان خري‪،‬‬ ‫فها هو ذا يجلب النفع‪ ،‬ويدر ال�ضرع‪ ،‬وينمي الزرع‪ ،‬ويزيد بربح‬ ‫التجارة ‪،‬ويكفل الرواج ‪،‬ثم يك�شف القر�آن الكرمي بعد ذلك عن‬ ‫طبيعة ه�ؤالء امل�أفونة بقوله ‪:‬و�إن �أ�صابته فتنة انقلب على وجهه‬ ‫خ�سر الدنيا والآخ��رة‪ ،‬نعم خ�سر الدنيا بالفتنة التي �أ�صابته‪،‬‬ ‫فلم ي�صرب عليها‪ ،‬ومل يتما�سك قبالتها‪ ،‬ومل يرجع �إلى خالقه‬ ‫عز وجل ليذهب البالء‪ ،‬وخ�سر الآخ��رة ب�إنقالبه على وجهه‪،‬‬ ‫‪� 24‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫وانكفائه عن دينه‪ ،‬وانتكا�سه عن الهدى الذي كان مي�سر ًا له‪.‬‬ ‫�إن ت�صوير ال�ق��ر�آن الكرمي ملن يعبد اهلل على ح��رف من �أدق‬ ‫و�أجمل الألفاظ التي ت�صوره يف حركة مت�أرجحة‪ ،‬قابلة لل�سقوط‬ ‫عند الدفعة الأولى‪،‬ومن ثم ينقلب على وجهه لأنه فقد ب�صريته‬ ‫الهادية الى الطريق القومي‪.‬‬ ‫�إن ح�ساب الربح واخل�سارة ي�صلح للتجارة‪ ،‬ولكنه ال ي�صلح‬ ‫لتثبيت العالقة بني الإن�سان وخالقه‪ ،‬فالدين حق يهذب النف�س‬ ‫وي�سمو بالعقل‪ ،‬ويزكي اجل��وارح‪ ،‬ومنه يتلقى الإن�سان امل�ؤمن‬ ‫الهدى والنور‪ ،‬وهو ي�سكب يف �أعماق الف�ؤاد الطم�أنينة والراحة‬ ‫والر�ضى‪ ،‬ق��ال اهلل تعالى ‪} :‬ال��ذي��ن �آم�ن��وا وتطمئن قلوبهم‬ ‫بذكر اهلل‪� ،‬أال بذكر اهلل تطمئن القلوب{‪ ،‬وامل�ؤمن باهلل يعبد‬ ‫ربه �شكر ًا له على الهداية‪ ،‬وعلى اطمئنانه للقرب منه والأن�س‬ ‫به‪ ،‬ف�إن كان هناك جزاء فهو ف�ضل من اهلل ومنة‪ ،‬ا�ستحقاق ًا‬ ‫ومكاف�أة على التم�سك بالعقيدة ال�صافية‪ ،‬قال اهلل تعالى‪�} :‬إن‬ ‫هذا القر�آن يهدي للتي هي �أقوم{‪.‬‬ ‫امل�ؤمن ال يجرب رب��ه‪ ،‬فهو را���ض ابتداء لكل ما يقدره له‪،‬‬ ‫م�ست�سلم ابتداء لكل ما يجريه عليه‪ ،‬را���ض بكل ما يناله من‬ ‫ال�سراء وال�ضراء‪ ،‬ولي�ست هي �صفقة يف ال�سوق بني بائع و�شار‪،‬‬ ‫�إمنا هي �إ�سالم املخلوق للخالق‪� ،‬صاحب الأمر فيه‪ ،‬وم�صدر‬ ‫وجوده من الأ�سا�س‪.‬‬ ‫والذي ينقلب على وجهه عند م�س البالء يخ�سر الطم�أنينة‬ ‫والثقة والهدوء والر�ضى من ربه عز وجل‪� ،‬إلى جوار خ�سارة‬ ‫املال �أو الولد �أو ال�صحة‪� ،‬أو �أعرا�ض احلياة الأخرى‪ ،‬التي يفنت‬ ‫اهلل بها عباده هذا يف الدنيا‪ ،‬ويخ�سر الآخرة وما فيها من نعيم‬ ‫و�شرف وكرامة عند اهلل عز وجل‪ ،‬لأنه ان�صرف �إلى غري خالقه‪،‬‬ ‫وانغم�س يف متع احلياة الدنيا‪ ،‬وعبادة الأ�شخا�ص وامل�صالح‬ ‫والأهواء على طريقة اجلاهليات املتناثرة يف كل زمان ومكان‪.‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫احلريات يف الإ�سالم ‪...‬‬ ‫مطلقة �أم �ضوابط وحدود‬ ‫بقلم‪ :‬د‪ .‬نوال �أ�سعد �رشار‬

‫ظ �ه��رت يف الآون�� ��ة الأخ��ي��رة ال �ع��دي��د م��ن الأف � ��راد‬ ‫واجلماعات التي تقوم بت�صرفات و�سلوكيات خارجة عن‬ ‫العرف وامل�ألوف‪ ,‬بل ت�صطدم باملبادئ والقيم وم�شاعر‬ ‫الآخرين مما �أدى النت�شار الفو�ضى و�أن��واع من الف�ساد‬ ‫و�أحيان ًا الرعب‪ ,‬فبع�ضهم ميار�س طقو�س ًا غريب ًة والبع�ض‬ ‫الآخر يقتلون وي�سلبون و�آخرون يحتكرون ويتاجرون بالب�شر‬ ‫واملحرمات وك��ل ذل��ك با�سم (احل��ري��ة) كما يفهمونها ‪,‬‬ ‫معنى مطاطي ًا له عدة تفا�سري‬ ‫ف�أ�صبح للحرية عندهم ً‬ ‫ح�سب �أهواء وغايات من يتعامل معه‪ ,‬جعل منهم عبيد ًا‬ ‫لأهوائهم وم�صاحلهم اخلا�صة‪.‬‬ ‫وم��ع الإق��رار ب ��أن احلرية حق من احلقوق الطبيعية‬ ‫للإن�سان ال قيمة له بدونها �إذ ميوت داخلي ًا و�إن كان يف‬ ‫الظاهر يتنف�س وي��أك��ل وي�شرب ويعمل ويك ّد وي�سعى يف‬ ‫الأر�ض‪.‬‬ ‫�إن احلرية من مبادئ الإ�سالم العظيمة التي �ضبطت‬ ‫�أفعال العباد‪ ,‬فال حرية يف فعل املع�صية واالعتداء على‬ ‫الغري �إذ �إن هناك ف��رق� ًا عظيم ًا ب�ين ممار�سة احلرية‬ ‫وارتكاب املحرمات‪ ,‬فلي�س من احلرية �سب الذات الإلهية‬ ‫�أو �شتم الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم �أو ال�صحابة الكرام‬ ‫نكاح وطالقٍ‬ ‫ر�ضي اهلل عنهم �أو انتقاد �أحكام الدين من ٍ‬ ‫وق�سمة مواريثَ وغريها مما ج��اءت به ال�شريعة‪ ,‬ولي�س‬ ‫من احلرية االعتداء على الآخرين �أنف�سهم و�أموالهم �أو‬ ‫عقيدتهم‪ ,‬ولي�س من احلرية الرتويع والتخويف والإزعاج‬ ‫واالنتقا�ص من احلقوق‪.‬‬

‫الأ�صل �أن النا�س يف نظر الإ�سالم �أحرا ٌر منذ والدتهم‬ ‫ال حق ل ٍ‬ ‫أحد با�ستعبادهم اجتماعي ًا �أو ج�سدي ًا �أو �سيا�سي ًا �أو‬ ‫فكري ًا مت�شي ًا مع هذا الأ�صل‪ ,‬والذي �أ�شارت �إليه ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية يف كث ٍري من ن�صو�صها القر�آنية والنبوية وما �أُ ِث َر‬ ‫عن ال�صحابة‪ ,‬بل بلغ من تعظيم �ش�أن احلرية �أن ُج ِعل‬ ‫ال�سبيل �إلى �إدراك وجود اهلل تعالى‪( ...‬العقل احلر)‪ ,‬كما‬ ‫كانت من الرموز التي ترفع من كرامة الإن�سان‪ ,‬فاهلل تعالى‬ ‫إن�سان بالعقل ورفع من كرامته ب�أن وهبه احلرية‬ ‫ك ّرم ال َ‬ ‫وهذا ما فهمه امل�سلمون الأوائ��ل وانطلقوا منه فقال عمر‬ ‫بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه‪ " :‬متى ا�ستعبدمت النا�س وقد‬ ‫ولدتهم �أمهاتهم �أحرار ًا" وقال علي بن �أبي طالب ر�ضي‬ ‫اهلل عنه يف و�صية له‪ " :‬ال تكن عبد ًا لغريك وقد خلقك‬ ‫اهلل حر ًا "‪ ,‬فمبد�أ احلرية يف الإ�سالم مل يكن نتيجة ثورة‬ ‫طالبت بها اجلموع امل�ضطهدة وال نتيجة تطور اجتماعي �أو‬ ‫ن�ضوج عقلي و�صل �إليه النا�س و�إمنا هي هبة ربانية ترقى‬ ‫بالب�شرية وعنوان للكرامة الإن�سانية‪.‬‬ ‫�إن�ه��ا حرية احل�ق��وق ولي�ست حرية الإف���س��اد يف الأر���ض‬ ‫والكفر والف�سوق‪ ,‬فما يقوم به البع�ض با�سم احلرية ما هو‬ ‫�إال �إف�ساد ملعنى احلرية احلقيقي بعيد ًا عن املعنى املن�ضبط‬ ‫لها‪� ,‬إذ يختزلون معناها يف رغبات �شخ�صية ومكا�سب خا�صة‬ ‫�أقرب �إلى الفو�ضى من ا�ستخدام احلق ال�شخ�صي‪ ,‬فالإفراط‬ ‫يف احلريات م�صدر هدم وتخريب �أكرث مما هو بنا ٌء وتعمري‬ ‫ٌ‬ ‫وعي�ش كرمي‪ ,‬فحرية العقيدة ال يعني التطاول على مبادئها‪,‬‬ ‫وحرية الفكر ال تعني هدم القيم واملبادئ واالنتقا�ص من‬ ‫�أفكار الغري‪ ,‬وحرية العمل ال تعني االحتكار وال�سرقة ‪ ....‬الخ‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪25‬‬


‫وفيما يلي موجز ملفهوم احلرية يف الإ�سالم و�ضوابطها �أقرها للفرد واجلماعة مع ًا بحيث ال تطغى �إحداهما على‬ ‫الأخ��رى فوازن بينهما و�أعطى ك ًال حقه‪ ,‬وو�ضع لها قيود ًا‬ ‫وحدودها‪:‬‬ ‫َ‬ ‫و�ضوابط ت�ضمن احلياة الف�ضلى للجميع‪ ,‬ومل يرتكها مطلقة‬ ‫مفهوم احلرية يف الإ�سالم‬ ‫ت�ؤدي �إلى الفو�ضى و�سيطرة الهوى وال�شهوات التي تدمر‬ ‫ويق�صد بها ق��درة الإن�سان على فعل ال�شيء �أو تركه املجتمعات وتق�ضي على احل�ضارات‪ ,‬وتتمثل هذه ال�ضوابط‬ ‫ب��إرادت��ه الذاتية‪ ,‬وهي م َلكة خا�صة يتمتع بها كل �إن�سان مبا يلي‪:‬‬ ‫َ‬ ‫وعنها ت�صدر �أفعاله بعيد ًا عن �سيطرة الآخرين لأنه لي�س ‪� -1‬أن ال ت��ؤدي حرية الفرد �أو اجلماعة �إلى �ضياع حقوقٍ‬ ‫مملوك ًا لأحد ال يف نف�سه وال يف بلده وال يف �أمته‪ ,‬كذلك ال يف �أعظم منها‪ ,‬وذلك بالنظر �إلى قيمتها يف ذاتها ورتبتها‬ ‫رزقه وال يف عي�شه وال يف حياته وغريها من االمور‪.‬‬ ‫ونتائجها‬ ‫هذا املفهوم املحدد ال يعني بطبيعة احلال �إطالق احلرية ‪� -2‬أن ال ت��ؤدي �إل��ى تهديد �سالمة املجتمع والنظام العام‬ ‫من كل قيد �أو �ضابط لت�صبح �أقرب �إلى الفو�ضى والإباحية وتقوي�ض �أركانه‬ ‫التي يحركها الهوى وال�شهوة‪ ,‬فمن املعلوم �أن الهوى يدمر‬ ‫الإن�سان واملجتمعات‪ ,‬ولذلك نهى الإن�سان عن اتباع الهوى ‪� -3‬أن ال ي�ؤدي التمتع باحلرية �إلى الإ�ضرار بحرية الآخرين‪,‬‬ ‫ولذلك قيل يف العرف الإ�سالمي (تنتهي حريتك عندما‬ ‫واعتربه من املهلكات‪.‬‬ ‫تبد�أ حرية الآخرين) مبعنى �أن ال تتعار�ض مع حقوق‬ ‫�ضوابط احلرية‬ ‫الآخرين وامل�صلحة العامة‬ ‫الإن�سان مدين بطبعه ال ي�ستطيع العي�ش منفرد ًا فال بد‬ ‫وب�ه��ذه ال�ضوابط ن��درك �أن الإ� �س�لام مل يقر احلرية‬ ‫من جماعة يعي�ش بينها‪ ,‬وذلك عندما �أقر الإ�سالم احلريات املطلقة التي ت�ؤدي �إلى التهلكة‪.‬‬ ‫‪� 26‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫�أنواع احلريات‬ ‫تق�سم احلريات �إلى ق�سمني‪ :‬الأول ما يتعلق بحقوق الفرد‬ ‫املادية‪ ,‬والآخر ما يتعلق بحقوقه املعنوية على النحو التايل‪:‬‬ ‫�أو ًال‪:‬احلرية املتعلقة باحلقوق املادية‪,‬‬ ‫أنواعها‪:‬‬ ‫و� ُ‬ ‫�أ‪ -‬احل��ري��ة ال�شخ�صية‪ :‬ويق�صد بها ق��درة ال �ف��رد على‬ ‫الت�صرف ب�ش�ؤونه اخلا�صة ويف كل ما يتعلق بذاته �آمن ًا‬ ‫من االعتداء عليه يف نف�سه وعر�ضه وماله‪ ,‬دون �أن يكون‬ ‫يف ت�صرفه �إعتدا ٌء على الآخرين وتت�ضمن هذه احلرية‬ ‫�أمرين هما‪:‬‬ ‫ حرمة الذات‪ ,‬فقد ُع ِني الإ�سالم بتقرير كرامة الإن�سان‬‫وعلو منزلته ف�أو�صى باحرتامه وعدم امتهانه واحتقاره‬ ‫بالعديد من الآيات والأحاديث‪ ,‬منها قوله تعالى‪َ } :‬و َلق َْد‬ ‫ن�س َان‬ ‫َك َّر ْمنَا َب ِني �آ َد َم { الإ�سراء‪ ,70/‬وقوله‪َ } :‬لق َْد خَ َل ْقنَا ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫فيِ �أَ ْح َ�سنِ َت ْق ِو ٍمي{ التني‪ ,4/‬فميزه بالعقل والتفكري تكرمي ًا‬ ‫له وتعظيم ًا ل�ش�أنه وتف�ضي ًال له على �سائر املخلوقات‪ ,‬عن‬ ‫عائ�شة مرفوع ًا قالت ‪� ( :‬أول ما خلق اهلل العقل قال له‬ ‫�أقبل ف�أقبل‪ ,‬ثم قال له �أدب��ر ف�أدبر‪ ,‬ثم قال عز وجل‪:‬‬ ‫علي منك‪ ,‬بك �آخذ‬ ‫وعزتي وجاليل ُما خلقت خلق ًا �أكرم َّ‬ ‫وبك �أعطي وبك �أثيب وبك �أعاقب )‬ ‫وبا�ستقراء الن�صو�ص ال�شرعية جند ما يدعو الحرتام‬ ‫الإن�سان وتكرمي ذاته واحلر�ص على تقدير م�شاعره ب�أن‬ ‫و�ضعه يف �أعلى منزلة حتى اعترب الإعتداء عليه اعتداء على‬ ‫املجتمع كله‪ ,‬قال تعالى‪َ } :‬م ْن َقت َ​َل َنف ًْ�سا ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س �أَ ْو ف َ​َ�س ٍاد‬ ‫ّا�س َج ِمي ًعا َو َم ْن �أَ ْح َي َاها َف َك�أَ َمّنَا‬ ‫فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر� ِ��ض َف َك�أَ َمّنَا َقت َ​َل ال َن َ‬ ‫ّا�س َج ِمي ًعا { املائدة‪.32/‬‬ ‫�أَ ْح َيا ال َن َ‬ ‫وتقرير الكرامة للفرد يتحقق �أي ًا كان ال�شخ�ص فرد ًا �أو‬ ‫جماع ًة رج ًال �أو امر�أ ًة حاكم ًا �أو حمكوم ًا‪ ,‬فهو حق ثابت لكل‬ ‫جن�س‪ ,‬حتى اللقيط‬ ‫ان�سان بدون النظر �إلى دينٍ �أو لونٍ �أو ٍ‬ ‫يف الطرقات يجب �إلتقاطه احرتام ًا لذاته و�إن�سانيته فيجب‬ ‫على من يراه �أخذه و�إن تركه �أَ ِثم اجلميع �أمام اهلل تعالى‬ ‫وكان عليهم تبعة هالكه‪ ,‬هذا وكما حر�ص الإ�سالم على‬ ‫احرتام الإن�سان حي ًا حر�ص عليه ميت ًا‪ ,‬ف�أمر باملحافظة على‬ ‫كرامته فمنع التمثيل بجثته و�ألزم جتهيزه ومواراته ونهى‬ ‫عن اجللو�س على قربه‪.‬‬

‫باملعا�صي و�إ�شاعة الفاح�شة وال�شائعات‪ ,‬ولذلك �أوجب‬ ‫الإ��س�لام العقوبات وال��زواج��ر لتكفل حماية الإن�سان‬ ‫ووق��اي�ت��ه م��ن ك��ل ��ض��رر واع �ت��داء‪ ,‬ق��ال عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم يف خطبة ال ��وداع‪� ...... " :‬أال و�إن دماءكم‬ ‫و�أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا يف �شهركم‬ ‫هذا يف بلدكم هذا ‪"....‬‬ ‫ب‪ -‬حرية التنقل‪ :‬ويق�صد بها حرية الإن�سان يف ال�سفر‬ ‫والتنقل داخل بلده وخارجه دون موانع‪ ,‬لأنها حرية تقت�ضيها‬ ‫ظروف احلياة الب�شرية من الك�سب والعمل وطلب الرزق‬ ‫الَ ْر َ�ض‬ ‫والتعلم وغريها‪ ,‬قال تعالى‪ُ } :‬ه َو ا َّل ِذي َج َع َل َل ُك ُم ْ أ‬ ‫َام ُ�شوا فيِ َمن َِاك ِب َها َو ُك ُلوا ِم ْن ِر ْز ِق ِه َو�إِ َل ْي ِه ال ُن ُّ�شو ُر {‬ ‫ذَ ُلولاً ف ْ‬ ‫امللك‪ ,15/‬وال يمُ نَع الإن�سان من ذلك �إال مل�صلحة عامة‪ ،‬كما‬ ‫فعل عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه يف طاعون عموا�س‬ ‫حني منع النا�س من ال�سفر �إلى ال�شام منع ًا للعدوى‪ .‬ولتمكني‬ ‫النا�س من حرية التنقل ح � ّرم االع�ت��داء على امل�سافرين‬ ‫وترويعهم وقطع الطريق وجعل عقوبتها حد احلرابة‪ ,‬قال‬ ‫ون َهّ َ‬ ‫الل َو َر ُ�سو َل ُه َو َي ْ�س َع ْو َن فيِ‬ ‫ين ُي َحا ِر ُب َ‬ ‫تعالى‪� } :‬إِ َمّنَا َجزَ ا ُء ا َّل ِذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الَ ْر ِ�ض ف َ​َ�سا ًدا �أَ ْن ُي َق َّت ُلوا �أَ ْو ُي َ�ص َّل ُبوا �أ ْو ُتق ََّط َع �أ ْي ِديهِ ْم َو�أ ْر ُج ُل ُه ْم‬ ‫ْأ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِم ْن ِخلاَ ٍف �أ ْو ُي ْن َف ْوا ِم َن ْ أ‬ ‫ال ْر��ِ�ض ‪ { ...‬املائدة‪ ,33/‬كما نهى‬ ‫عليه ال�سالم من اجللو�س يف الطرقات العامة لت�أكيد ح�سن‬ ‫ا�ستخدام الطريق فقال‪�" :‬إياكم واجللو�س يف الطرقات‪,‬‬ ‫قالوا‪ :‬مالنا ب ّد من جمال�سنا‪ ,‬قال‪ :‬ف�إن كان ذلك ف�أعطوا‬ ‫الطريق حقها‪ ,‬قالوا‪ :‬وما حق الطريق يا ر�سول اهلل؟ قال‪:‬‬ ‫غ�ض الب�صر وك��ف الأذى ورد ال�سالم والأم��ر باملعروف‬ ‫والنهي عن املنكر"‪ ,‬وجعل الإ�سالم �أحد م�صارف الزكاة‬ ‫البن ال�سبيل و�إن كان غني ًا يف بلده حماي ًة له‪.‬‬ ‫ت‪ -‬حرية امل� ��أوى وامل�سكن فمتى ق��در الإن���س��ان على‬ ‫اقتناء م�سكنه فله ذل��ك‪� ,‬أم��ا العاجز فعلى الدولة ت�أمني‬ ‫ذلك لت�ضمن له �أدنى م�ستوى من املعي�شة‪ ,‬وال يحق لأحد �أن‬ ‫يقتحم عليه م�أواه �أو م�سكنه �إال ب�إذنه‪ ،‬حتى ولو كان احلاكم‬ ‫مامل تدعو لذلك �ضرور ٌة ق�صوى �أو م�صلح ٌة بالغة‪ ,‬قال‬ ‫ين �آَ َمنُوا لاَ ت َْدخُ ُلوا ُب ُيوت ًا غَ يرْ َ ُب ُيو ِت ُك ْم‬ ‫تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذ َ‬ ‫َح َّتى ت َْ�س َت ْ�أ ِن ُ�سوا َوت َُ�س ِّل ُموا َع َلى �أَ ْه ِل َها ذَ ِل ُك ْم خَ يرْ ٌ َل ُك ْم َل َع َّل ُك ْم‬ ‫ون { النور‪ .27/‬كما ال يجوز الإ�ستيالء عليها �أو هدمها‬ ‫َتذَ َّك ُر َ‬ ‫�إال مل�صحلة عامة‪ ,‬كما يحرم التج�س�س لأن فيه انتهاك ًا‬ ‫حلقوق الغري والتي منها حرمة امل�سكن بعدم الإطالع على‬ ‫�أ�سراره‪.‬‬

‫ث‪ -‬حرمة التملك‪ ,‬ويق�صد بها حيازة الإن�سان لل�شيء‬ ‫ ت�أمني ال��ذات‪ :‬ب�ضمان �سالمة الفرد و�أم�ن��ه يف نف�سه‬‫وعر�ضه وماله فال يجوز ترويعه �أو التعر�ض �إليه بقتلٍ وامتالكه له وقدرته على الت�صرف فيه عند انتفاء املوانع‬ ‫�شتم �أو ا�ستهزاء �أو �سرقة‪ ,‬كما ال يجوز املجاهرة ال�شرعية‪ ,‬وامللكية نوعان فردية وجماعية ولكل منهما قيو ٌد‬ ‫�أو ٍ‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪27‬‬


‫ٌ‬ ‫و�ضوابط وواجبات وحقوق‪ ,‬وقد عني الإ�سالم ببيان و�سائل‬ ‫التملك امل�شروعة مثل البيع والإجارة والهبة وغري امل�شروعة‬ ‫كالربا وال�سرقة والإحتكار والإ�سراف وغريها‪.‬‬ ‫ج‪ -‬حرية العمل بطرق الك�سب امل�شروعة لأنه العن�صر‬ ‫الفعال يف الك�سب ورف��ع ��ش��أن الإن���س��ان‪ ,‬ول��ذل��ك اعتربه‬ ‫الإ�سالم نوع ًا من اجلهاد قال عليه ال�صالة وال�سالم ‪:‬‬ ‫( �إن كان خرج ي�سعى على ولده �صغاراً فهو يف �سبيل‬ ‫اهلل)‪ ,‬وقد حثت ن�صو�ص ال�شريعة الإ�سالمية على وجوب‬ ‫العمل باعتباره عبادة مهما كان نوعه لأنه و�سيلة حلفظ‬ ‫النف�س والبقاء والكرامة الإن�سانية‪.‬‬ ‫ثانياً‪:‬احلرية املتعلقة بحقوق الفرد املعنوية‪,‬‬ ‫أنواعها‪:‬‬ ‫و� ُ‬ ‫�أ‪ -‬حرية االعتقاد وممار�سة ال�شعائر الدينية‪ ,‬ب�أن يختار‬ ‫الإن�سان الدين الذي يريد وميار�س �شعائره دون ٍ‬ ‫تقييد �أو‬ ‫الدينِ َق ْد َت َب َنّ َي ال ُّر�شْ ُد ِم ْن‬ ‫تخويف‪ ,‬قال تعالى‪ } :‬لاَ �إِ ْك َرا َه فيِ ِّ‬ ‫الغ َِّي ‪ {...‬البقرة‪ ,256 /‬فنفي الإكراه يف الدين الذي هو �أعز‬ ‫�شيء ميلكه الإن�سان للداللة على نفيه فيما �سواه وعلى �أن‬ ‫الإن�سان م�ستقل فيما ميلكه ويقدر عليه‪ ,‬وهذا ال يعني حرية‬ ‫امل�سلم يف الر ّدة فهذا مو�ضوع �آخر عقوبته حد ّية خلطورته‬ ‫و�إف�ساد املجتمع الإ�سالمي‪ ,‬ولي�س مو�ضوع البحث فيه هنا‪.‬‬ ‫ب‪ -‬حرية ال��ر�أي وهي حرية التفكري والتعبري و�إب��داء‬ ‫ال ��ر�أي لإظ�ه��ار احل��ق ومنع الظلم ون�شر ال�ع��دل‪ ,‬ولذلك‬ ‫كانت ال�شورى من �أ�س�س ودعائم قيام املجتمع الإ�سالمي‪.‬‬ ‫وبا�ستقراء التاريخ الإ��س�لامي جند حلرية ال��ر�أي ب�صمة‬ ‫وا�ضحة يف حياة امل�سلمني منذ ع�صر النبوة‪ ,‬كما يف غزوة‬ ‫بدر واخلندق و�صلح احلديبية وغريها‪ ,‬وهذا حق جلميع‬ ‫�أفراد املجتمع ذكور ًا و�إناث ًا‪.‬‬ ‫ت‪ -‬حرية التعليم‪ ,‬فطلب العلم حق لكل ف��رد كفله‬ ‫الإ�سالم منذ بدايته بقوله تعالى‪ } :‬اقر�أ ‪ {....‬العلق ‪ ,1/‬بل‬ ‫جعله فر� ًضا على الكبري وال�صغري‪ ،‬الذكر والأنثى‪ ,‬قال عليه‬ ‫ال�سالم ‪( :‬طلب العلم فري�ضة) وهذا من ف�ضائل الإ�سالم‬ ‫الكربى فبالعلم تعرف احلقيقة وتزدهر احل�ضارة وترقى‬ ‫الأمم‪ ,‬فالعلم الطريق الوحيد للمعرفة والرفاهية والعي�ش‬ ‫الكرمي‪.‬‬

‫من �صور احلريات يف الإ�سالم‬ ‫�إن يف �صور احلرية املطلقة التي ميار�سها البع�ض يف‬ ‫�أيامنا من ارتكاب كبائر وموبقات با�سم احلرية ال�شخ�صية‬ ‫هي يف احلقيقة اعتداء مبا�شر على حقوق الغري حتى لو‬ ‫مار�سها الفرد بعيد ًا عن النا�س‪ ,‬فهي حرية �إف�ساد ال يقرها‬ ‫عقل وال دين‪ ,‬حرية ف�سوق ال حرية حقوق‪ ,‬ذلك �أن احلرية‬ ‫م�شروطة بقاعدة (ال �ضرر وال �ضرار)‪ ,‬فاحلرية تنتهي‬ ‫عندما ت�صطدم بحرية الآخرين وت�سيء �إلى الذات وت�ؤدي‬ ‫�إلى ال�ضرر بامل�صلحة العامة‪.‬‬ ‫احل��ري��ة مبفهومها الإ��س�لام��ي هبة اهلل للخلق ليقوم‬ ‫الفرد مبا �شاء من املباحات وال يقرتب من املحرمات‪,‬‬ ‫فله �أن ي�أكل ما ي�شاء‪ ،‬ويلب�س ما ي�شاء‪ ،‬ويتنقّل حيث ي�شاء‪،‬‬ ‫ومي��ار���س من العمل ما ي�شاء‪ ،‬ويبتكر ويخرتع ما ي�شاء‪،‬‬ ‫وي �ت��زوج مم��ن ي���ش��اء‪ ,‬ه��ي ح��ري��ة ثابتة م�ق��ررة يف ح��دود‬ ‫من�ضبطة‪� ,‬أما التمادي بها في�ؤدي �إلى العبودية لها فمن‬ ‫ميار�س �شهوة با�سم احلرية وال ي�ستطيع الإفالت منها‪ ،‬هو‬ ‫يف احلقيقة عبدٌ لها‪ ،‬ولذلك نالحظ �أن البع�ض �أ�صبح عبد ًا‬ ‫ل�شهوته و�أطماعه حتركه كيف ت�شاء وهو ي�ضحك على نف�سه‬ ‫متعل ًال باحلرية ال�شخ�صية وحقوق الإن�سان‪ ,‬قال تعالى‪:‬‬ ‫} �أَ َف َر َ�أ ْي َت َمنِ ا َتّخَ ذَ ِ�إ َل َه ُه َه َوا ُه َو�أَ َ�ض َّل ُه َهّ ُ‬ ‫الل َع َلى ِع ْل ٍم َوخَ ت َ​َم‬ ‫َع َلى َ�س ْم ِع ِه َو َق ْل ِب ِه َو َج َع َل َع َلى َب َ�صرِ ِه ِغ�شَ ا َو ًة َف َمن َي ْه ِدي ِه ِمن‬ ‫َب ْع ِد َهّ ِ‬ ‫ون{ اجلاثية‪ ,23/‬وق��ال عليه ال�صالة‬ ‫الل �أَ َف� اَ​َلا َت��ذَ َّك � ُر َ‬ ‫وال�سالم‪( :‬تع�س عبد الدينار‪ ,‬تع�س عبد الدرهم) وهناك‬ ‫من هو عبد للثياب الفاخرة واملنازل وال�سيارات الفارهة‪,‬‬ ‫فهي عبودية خطرية �إن ظن نف�سه حر ًا طاملا ال يتعدى على‬ ‫الآخرين‪ ,‬ويجب التنبيه هنا �أن من �أهم �ضوابط احلرية‬ ‫�أن ال ت�ضر بنف�سك �أو الغري‪ ,‬فال ميكن �أن يدعي �أح ٌد عدم‬ ‫الإ�ضرار بالغري ب��أن ميار�س املع�صية وح��ده ك��أن يتعاطى‬ ‫املخدرات �أو اخلمر بعيد ًا عن النا�س �أو يدخن منفرد ًا �أو‬ ‫يتعامل بالربا والر�شوة مع من ير�ضى ذل��ك‪ ,‬فهذه كلها‬ ‫معا�ص ت�ضر بالنف�س والغري‪ ،‬نهى تعالى عنها وال ميكن‬ ‫ٍ‬ ‫�إدراجها يف باب احلريات‪.‬‬ ‫�إذ ال يوجد مع�صية ال تتعدى �إلى الغري حتى ولو �أُغلقت‬ ‫دونها الأبواب‪.‬‬

‫فاحلرية �إذن مقيدة بالإ�سالم ومن�ضبطة‪ ،‬ومن اخلط�أ‬ ‫ث‪ -‬احلرية ال�سيا�سية ويق�صد بها حق الإن�سان يف‬ ‫اختيار ال�سلطة احلاكمة ومراقبة �أدائها وحما�سبتها‪ ,‬كما اجل�سيم القول باحلرية املطلقة ؛لأنها تبطل معنى العبودية‬ ‫يحق له بها امل�شاركة يف وظائفها وحتمل �أعبائها‪.‬‬ ‫تعد على حقوق اهلل وطاعته‪.‬‬ ‫ال�صحيحة هلل تعالى وفيها ٍّ‬ ‫‪� 28‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫الفرق بني �أنا �أعلم‪ ،‬و�أنا �أظن ‪..‬‬ ‫�إبحا ٌر يف نظر ّية املعرفة‬ ‫د‪�.‬أ�سمهان الطاهر‬ ‫جامعة العلوم التطبيقية – عمان‬

‫�إن الإبحار للتع ّرف على املفاهيم ومعناها احلقيقي‬ ‫يهدف �إلى تطوير الفكر الإن�ساين‪ ،‬وهو جهد عقلي وعلمي‬ ‫وح�ضاري ي�شرتك فيه الإن�سان‪ ،‬والأم��ة عرب م�ؤ�س�ساتها‬ ‫ال�سيا�سية والثقافية والدينية واالجتماعية‪ ،‬م��ن �أج��ل‬ ‫ت�شخي�ص عميق ودقيق للفر�ص والتحديات التي تواجه‬ ‫الإن�سان والأمة يف خمتلف �ش�ؤون احلياة‪.‬‬ ‫�إن حتديد منظومة املفاهيم و�شرح معناها الدقيق‬ ‫من �أهم الق�ضايا‪ ،‬حيث يهدف �إلى ت�شغيل تلك املفاهيم‬ ‫وتفعيلها يف الواقع العملي‪ ،‬يف خطوة نحو حتويل القول‬ ‫�إلى فعل مفيد للب�شرية ‪،‬وانطالق ًا نحو بناء منهج �صناعة‬ ‫املعرفة والعلوم‪ ،‬وكلما زاد التيقن من �صحة املفهوم‪ ،‬زادت‬ ‫القدرة على ت�صحيح العمل به‪ ،‬وحتقيق الفائدة املرجوة‬ ‫منه‪ ،‬ومن هنا جند �أن��ه البد من الرتكيز على املفاهيم‬ ‫املختلفة واملعنى احلقيقي والدقيق لها‪ ،‬وذلك من منظور‬ ‫نظرية املعرفة‪.‬‬ ‫لقد اهتم العلماء امل�سلمون بنظرية املعرفة اهتمام ًا‬ ‫كبري ًا‪ ،‬وهذا االهتمام نابع مما يندرج حتتها من مواقف‬ ‫دينية ودنيوية �أ�سا�سية‪ ،‬و لقد ف � ّرق العلماء بني العلم‬ ‫واملعرفة حيث هناك فرق بني العلم واملعرفة لفظا ومعنى‪،‬‬ ‫�أم��ا اللفظ ‪ :‬ففعل املعرفة يقع على �شخ�ص م��ا ‪،‬حيث‬ ‫نقول ‪ :‬عرفت الدار‪ ،‬وعرفت زيدا‪ ،‬ومن منظور �إ�سالمي‬ ‫ن�ستدل بقوله تعالى‪}:‬فعرفهم وهم له منكرون{‪،‬وقال‬ ‫تعالى يف كتابه العزيز‪}:‬يعرفونه كما يعرفون �أبناءهم{‬ ‫وفعل العلم قد يقت�ضي �أك�ثر من �شخ�ص‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬ ‫}ف�إن علمتموهن م�ؤمنات{ وهنا ورد العلم مبعنى املعرفة‪،‬‬ ‫�أما يف قوله تعالى ‪} :‬و�آخرين من دونهم ال تعلمونهم اهلل‬ ‫يعلمهم{ فهناك فرق معنوي ظاهر حيث �أن املعرفة تتعلق‬

‫بذات ال�شيء‪ ،‬والعلم يتعلق ب�أحواله ‪ .‬ولذلك جاء الأمر يف‬ ‫القر�آن بالعلم دون املعرفة‪ ،‬كقوله تعالى‪} :‬فاعلم �أنه ال �إله‬ ‫�إال اهلل{ وقوله تعالى‪}:‬اعلموا �أن اهلل �شديد العقاب{‪،‬‬ ‫وقوله ‪ }:‬فاعلموا �أمنا �أنزل بعلم اهلل{ ‪ .‬فاملعرفة ‪ :‬ح�ضور‬ ‫�صورة ال�شيء ومثاله العلمي يف النف�س‪ ،‬والعلم ‪ :‬ح�ضور‬ ‫�أحواله و�صفاته ون�سبتها �إليه‪ ،‬فاملعرفة ‪ :‬ت�شبه الت�صور‪،‬‬ ‫والعلم ‪ :‬ي�شبه الت�صديق‪.‬‬ ‫وال�س�ؤال الذي ميكن �أن يطرح هنا هل ي�ؤدي الظن �إلى‬ ‫علم ويقني وفق نظرية املعرفة؟‬ ‫وهل الرتكيز على طم�أنينة النف�س هي املعيار للو�صول‬ ‫�إلى العلم واحلقيقة ؟‬ ‫والهدف الأ�سا�سي من الأ�سئلة ال�سابقة هو الو�صول �إلى‬ ‫ظني منها‪� ،‬أو ما‬ ‫ما هو يقيني من املعارف‪ ،‬ونبذ ما هو ّ‬ ‫هو م�شوب بال�شك واالرتياب‪ ،‬حيث �إننا ن�شاهد اليوم بع�ض‬ ‫الآراء التي تف�سح املجال لأ َر�ضية ال�شك والن�سبية بالتوغل‬ ‫�إلى روح املعرفة‪.‬‬ ‫وم��ن ه��ذا املنطق وه ��ذا املعنى ننطلق �إل ��ى الفرق‬ ‫ب�ين العلم وال�ظ��ن‪ ،‬وحيث �إن العلم ارت�ب��ط بالت�صديق‬ ‫والطم�أنينة واليقني‪ ،‬فالعلم ي�ساعد ال�شخ�ص على الو�صول‬ ‫لل�شئ الذي يريد معرفتة يف �أعلى درج��ات اليقني‪.‬وكثري‬ ‫من العلماء اعترب العلم �أعلى درجات املعرفة‪ ،‬بحيث يكون‬ ‫املرء على علم بال�شيء الذي يريد معرفته‪ ،‬وبذلك يكون‬ ‫العلم " �صفة ينك�شف بها املطلوب انك�شافا تاما"‪ ،‬بحيث‬ ‫يح�صل ذلك املطلوب " يف النف�س ح�صوال ال يطرق �إليه‬ ‫احتمال كذبه " عك�س الظن الذي يختلط بعدم اليقني‬ ‫وقد يقابله الوهم‪ ،‬فهو قائم على الرتجيح والتوقع ‪� .‬إن‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪29‬‬


‫فهم الإن�سان للمفاهيم املختلفة يعتمد على درجات فهمه من�سجم ًا مع ما هو وارد ا�ستعماله يف القر�آن الكرمي‪� ،‬إذ‬ ‫و�إدراك��ه‪ ،‬للأحداث والق�ضايا املختلفة‪ ،‬وقد �أكد القر�آن يقول‪( :‬الظن‪ :‬ا�سم ملا يح�صل عن �أمارة‪ ،‬متى قويت �أ َّدت‬ ‫الكرمي على املعرفة اليقينية‪ ،‬وح�ذّر الإن�سان من الركون �إلى العلم‪ ،‬ومتى �ض ُعفت جد ًا مل يتجاوز ح ّد الوهم)‬ ‫�إلى علم ي�شوبه �شك �أو ظن‪.‬‬ ‫من هنا جند �أن للمفهومني (العلم والظن) عالقة قوية‪،‬‬ ‫�إن القر�آن‬ ‫الكرمي رف�ض الظن يف �أكرث من �آية‪ ،‬وا�ستخدم فكثري من ال�ش�ؤون تبد�أ بظن‪ ،‬وهذا الظن قد يكون حمر� ًضا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مفهوم الظن �أحيانا مقابال للعلم‪ ،‬و�أخرى مقابال لليقني‪ ،‬للمعرفة‪ ،‬والو�صول �إلى العلم ‪�.‬أن الإبحار يف نظرية املعرفة‬ ‫ون �إال َّ‬ ‫نحو قوله تعالى‪َ } :‬وما َل ُه ْم ِب ِه ِم ْن ِع ْل ٍم �إِ ْن َي َّت ِب ُع َ‬ ‫الظ َّن يو�صل الباحث �إلى احلقيقة‪ ،‬وللعلم‪ ،‬ولليقني الذي �أبحر‬ ‫َو�إِ َّن َّ‬ ‫الظ َّن ال ُي ْغ ِني ِم َن الحْ َ قِّ �شَ ْيئ ًا{‪.‬‬ ‫للو�صول �إليه‪.‬‬ ‫ال�س َاع ُة ال‬ ‫‪ ‬وقوله تعالى‪َ } :‬و�إِذا ِق َيل �إِ َّن َو ْع َد اهلل َح ٌّق َو َّ‬ ‫�أن الإبحار يف زورق املعرفة بني مفهوم العلم واليقني‪،‬‬ ‫َر ْي َب ِفيها ُق ْلت ُْم ما ن َْدرِي َما َّ ُ ُ َّ َ‬ ‫ال�س َاعة �إِ ْن نَظ ُّن �إِال ظنًّا َوما ن َْح ُن والعلم والظن لهو �إبحار ً�شيق ملا فية من املعاين‪ ،‬وحتري�ض‬ ‫بمِ ُ ْ�س َت ْي ِق ِن َني{‪.‬‬ ‫التفكري التحليلي للق�ضايا الدينية واحلياتية‪ ،‬وبالتايل علينا‬ ‫‪ ‬وقد عرف كثري من علماء اللغة (الظن) مرادف ًا لل�شك‪ ،‬الإبحار يف زورق املعرفة للو�صول للعلم‪ ،‬وللبعد عن الظن‬ ‫ولقد ق � ّدم ال��راغ��ب الأ�صفهاين (‪516‬ه� �ـ) تعريف ًا للظن فهناك م�ساحات �شا�سعة‪ ،‬بني مفهوم �أنا �أعلم‪ ،‬و�أنا �أظن!‬ ‫‪� 30‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫الإن�سان بني النور والظلمات‬ ‫د‪� .‬إبراهيم الرتكاوي‬ ‫داعية وباحث �أكادميي يف الفكر الإ�سالمي‬

‫مل يخلق اهلل – ع ّز وج ّل – الإن�سان عبثا‪ ،‬ومل يرتكه‬ ‫همال‪ ،‬ومل ي�ش�أ �أن يجعله يف بيداء احلياة تائها‪ ،‬وال �أن‬ ‫مي�شي يف ظلماتها متخبطا ‪ ..‬بل �أكرمه ون ّعمه‪ ،‬وبالعقل‬ ‫والتكليف �ش ّرفه وم ّيزه‪ ،‬وب�إر�سال الر�سل و�إن��زال الكتب‬ ‫ِ‬ ‫َاب َ�أنزَ ْلنَا ُه �إِ َل ْي َك‬ ‫�أنار له الطريق ف�أب�صره و�‬ ‫أر�شده)"‪} ‬كت ٌ‬ ‫َّا�س ِم َن ُّ‬ ‫الظ ُل َم ِ‬ ‫ات �إِ َل��ى النُّو ِر ِب � ِ�إذْ نِ َر ِّبهِ ْم �إِ َلى‬ ‫ِلتُخْ رِ َج الن َ‬ ‫�ِ��ص� َر ِ‬ ‫اط ا ْل َعزِ يزِ حْ َ‬ ‫ال ِم ِيد{‪�( ‬إبراهيم ‪ )1 :‬وملكانة الإن�سان‬ ‫ومنزلته العظيمة عند اهلل – عز وجل ‪ ،-‬ت��واله بعنايته‬ ‫وحفظه برعايته‪ ،‬و�أخرجه من الظلمات �إل��ى النور؛ �إذا‬ ‫ين �آ َم ُنو ْا ُي ْخ ِر ُج ُهم ِّم َن‬ ‫�آمن وعمل �صاحلا ‪} ..‬اللهَّ ُ وَليِ ُّ الَّذِ َ‬ ‫الظُّ ل َُماتِ ِ�إ َلى ال ُّنو ِر‪( {..‬البقرة ‪)257:‬‬ ‫�أما �إذا �أعر�ض الإن�سان ون�أى بكفره عن ربه‪ ،‬تركه اهلل‬ ‫– عز وجل ‪ -‬للطاغوت يتواله وي�ضله‪ ،‬ويخرجه من النور‬ ‫ين َك َف ُرو ْا �أَ ْو ِل َيا�ؤ ُ​ُه ُم َّ‬ ‫وت‬ ‫�إلى الظلمات ‪َ .. } .‬وال َِّذ َ‬ ‫الط ُاغ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُيخْ رِ ُجو َن ُهم ِّم َن النُّو ِر ِ�إ َلى ُّ‬ ‫الظ ُل َم ِ‬ ‫اب النَّا ِر‬ ‫ات �أ ْو َل ِئ َك �أ ْ�ص َح ُ‬ ‫ُه ْم ِفي َها خَ ا ِل ُدون َ{ (البقرة ‪)257 :‬‬ ‫ولقد خُ لق الإن�سان من العدم‪ ،‬والنور يكتنفه من كل‬ ‫جانب‪� ،‬سواء من م�صدر الن�ش�أة والتلقي �أو من حيث الوحي‬ ‫وتف�ضل – نور ‪..‬‬ ‫والتبليغ ‪ ..‬فر ُّبه ‪ -‬الذي خلقه و�أنعم عليه ّ‬ ‫ال�س َما َو ِات َوالأَ ْر ِ�ض‪ { ..‬النور ‪ 35 :‬فاهلل– ع ّز‬ ‫}اللهَّ ُ ُنو ُر َّ‬ ‫وج ّل ‪� --‬صاحب كل نور يف ال�سموات والأر�ض‪ ،‬هذا النور‬ ‫عم وفا�ض على الكون كله‪ ،‬بيد �أنه ال يهتدي �إليه �إال من‬ ‫ّ‬ ‫فتح اهلل ب�صريته‪ ،‬و�شرح �صدره للإ�سالم‪ ،‬فهو على نور‬ ‫الم َف ُه َو َع َلى ُنو ٍر‬ ‫من ربه ‪� } .‬أَ َف َمن �شَ َر َح اللهَّ ُ َ�ص ْد َر ُه ِل ِ‬ ‫لإ ْ�س ِ‬ ‫ِّمن َّر ِّب ِه‪( { .. ‬الزمر ‪)22 :‬‬ ‫والنبي �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬الذي �أر�سله ربه ‪ -‬نور‪.‬‬

‫ني{ (املائدة ‪)15 :‬‬ ‫َاب ُّم ِب ٌ‬ ‫} ‪َ ..‬ق ْد َجا َء ُكم ِّم َن اللهَّ ِ ُنو ٌر َو ِكت ٌ‬

‫فحياة النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬كلها نور متوهج‬ ‫يف كل وقت – يف النوم واليقظة‪ ،‬ويف احلركة وال�سكون‪،‬‬ ‫ويف احلل والرتحال – ال يخبو جنمه‪ ،‬وال تغيب �شم�سه‪،‬‬ ‫فهو ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬كما و�صفه ربه‪َ } ،‬يا �أَ ُّي َها‬ ‫ال َّنب ُِّي ِ�إنَّا �أَ ْر َ�س ْلن َ‬ ‫َاك �شَ ِاه ًدا َو ُم َب ِّ�ش ًرا َون َِذي ًرا (‪َ )45‬و َد ِاع ًيا ِ�إ َلى‬ ‫اللهَّ ِ ِب ِ�إذْ ِن ِه َو ِ�س َر ًاجا ُّم ِن ًريا‪( { ‬الأح��زاب ‪ ،)46،45:‬والكتاب ‪-‬‬ ‫الذي �أنزله اهلل – عز وجل ‪ -‬على نبيه ‪� -‬صلى اهلل عليه‬ ‫وحا ِّم ْن َ�أ ْمرِ نَا َما‬ ‫و�سلم ‪ – -‬نور ‪َ } ..‬وكَذَ ِل َك �أَ ْو َح ْينَا �إِ َل ْي َك ُر ً‬ ‫َاب َوال الإِ َمي ُان َو َل ِكن َج َع ْلنَا ُه ُنو ًرا َّن ْه ِدي‬ ‫ُك َ‬ ‫نت ت َْدرِي َما ال ِْكت ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِب ِه َم ْن نَّ�شَ اء م ْن ع َبادنَا َو�إِن َ​َّك َل َت ْه ِدي �إِ َلى �ص َراط ُّم ْ�س َتق ٍيم{‬ ‫(ال�شورى ‪)52:‬‬

‫فالقر�آن الكرمي‪ ،‬ي�ضيئ العقول‪ ،‬وينري القلوب‪ ،‬ويحيي‬ ‫النفو�س‪ ،‬وي�شفي ما يف ال�صدور ‪..‬‬ ‫وهذا ما جعل ( �أحمد �شوقي ) يعجب من �أمة عندها‬ ‫كل هذا النور‪ ،‬وت�أبى �إال �أن تعي�ش يف حالك الظلمات‪ ،‬فراح‬ ‫يرثي واقع �أمته املظلم �إيل نبي النور �صلى اهلل عليه و�سلم ‪:‬‬ ‫�شعوبك يف ���ش��رق ال��ب�لاد وغربها‬ ‫ك���أ���ص��ح��اب ك��ه��ف يف عميق �سبات‬ ‫ب���أمي��ان��ه��م ن����وران ‪ :‬ذك��ـ��ـ��ـ��ر و�س ــنة‬ ‫فما بالهم يف حـالك الظلمــات !‬

‫و�إن كنا نعجب مع �أمري ال�شعراء من �أمة نامت يف النور‪،‬‬ ‫ف�ضعفت وهان على النا�س �أمرها‪ ،‬و�أمم �أخرى ا�ستيقظت‬ ‫يف ال �ظ�لام‪ ،‬فقويت وع�ظ��م يف �أع�ي�ن النا�س �ش�أنها‪،..‬‬ ‫ف�إن العجب ال ينتهي من �أنا�س – وهم كُثرُ – ال يحبون‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪31‬‬


‫يم{ (احلديد ‪)12:‬‬ ‫ا ْل َف ْو ُز ا ْل َع ِظ ُ‬

‫النور‪ ،‬ويع�شقون الظالم‪ ،‬كاخلفافي�ش التي �أعماها النهار‬ ‫فال تب�صر وال تن�شط �إال يف الليل‪ ،‬ولذا ال يريدون لليل �أن‬ ‫ويف ال�صورة املقابلة للم�ؤمنني – نرى املنافقني يودون‬ ‫ينجلي‪ ،‬وال لل�صبح �أن ي�سفر‪..‬‬ ‫�أن ي�سريوا على نور امل�ؤمنني‪ ،‬كما كانوا ي�سريون ظاهرا‬ ‫والأده��ى من ذل��ك‪� ،‬أنهم ال يحبون النور فح�سب‪ ،‬بل معهم يف الدنيا‪ ،‬ويت�سمون ب�أ�سمائهم ‪ ..‬ولكن هيهات ‪..‬‬ ‫يئدون كل من ي�شعل �أمام النا�س �شمعة‪ ،‬ويحاربون كل من هيهات ! ‪َ } ..‬ي ْو َم َيق ُ‬ ‫ين � َآمنُوا‬ ‫ُول المْ ُنَا ِفق َ‬ ‫َات ِل َّل ِذ َ‬ ‫ُون َوالمْ ُنَا ِفق ُ‬ ‫ُ‬ ‫انظ ُرونَا َن ْق َتب ِْ�س ِمن نُّو ِر ُك ْم ِق َيل ا ْرجِ ُعوا َو َراء ُك� ْ�م فَا ْلت َِم ُ�سوا‬ ‫ي�ضيئ لهم الطريق‪� ،‬أويب�صرهم بالنهج ال�سديد ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫اب َب ِاط ُن ُه ِفي ِه ال َّر ْح َم ُة َو َظ ِاه ُر ُه‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ِ�س‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫َ�ض‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫رِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ولقد و�صل بهم الغرور وال�صلف �إلى احلد الذي يريدون‬ ‫اب * ُينَا ُدو َن ُه ْم �أَلمَ ْ َن ُكن َّم َع ُك ْم َقا ُلوا َب َلى َو َل ِك َّن ُك ْم‬ ‫أفواههم ِمن ِق َب ِل ِه ا ْل َعذَ ُ‬ ‫فيه �أن يطفئوا نور اهلل – �سبحانه وتعالى – ب�‬ ‫الب�شر جميعا َفتَنت ُْم �أَنف َُ�س ُك ْم َو َت َر َّب ْ�صت ُْم َوا ْر َت ْبت ُْم َوغَ َّر ْت ُك ُم الأَ َمانيِ ُّ َح َّتى َجا َء‬ ‫‪ ..‬وهيهات ‪ ..‬هيهات ملا يريدون‪ ،‬ف�إذا كان‬ ‫عاجزين عن �أن يطفئوا نور م�صباح كهربائي ‪ -‬من �صنع �أَ ْم ُر اللهَّ ِ َوغَ َّر ُكم ِباللهَّ ِ ا ْل َغ ُرو ُر{‪( ‬احلديد ‪)14،13:‬‬ ‫�أيديهم ‪ -‬ب�أفواههم‪ ..‬فكيف بنوراهلل ‪ -‬عز وجل – ؟!‬ ‫�أبعد هذا‪ ،‬ت�ستوي الظلمات والنور ؟‬ ‫ون َ�أن ُي ْط ِف ؤُ�و ْا ُنو َر‬ ‫وهذا ما�سجله القر�آن عليهم ‪ُ } :‬يرِ ي ُد َ‬ ‫‪ ‬يجيبنا القر�آن ‪َ } :‬و َما َي ْ�س َتوِي الأَ ْع َمى َوا ْل َب ِ�ص ُري(‪َ )19‬وال‬ ‫ات َوال النُّو ُر(‪َ )20‬وال ِّ‬ ‫ون{ ُّ‬ ‫الظ ُّل َوال الحْ َ ُرو ُر(‪َ )21‬و َما َي ْ�س َتوِي‬ ‫اللهَّ ِ ِب�أَ ْف َو ِاههِ ْم َو َي�أْ َبى اللهَّ ُ �إِ َّال �أَن ُي ِت َّم ُنو َر ُه َو َل ْو َكرِ َه ا ْل َكا ِف ُر َ‬ ‫الظ ُل َم ُ‬ ‫نت بمِ ُ ْ�س ِم ٍع‬ ‫(التوبة ‪� ،)32:‬أال ما �أتع�س ه�ؤالء الذين ا�ستحبوا العمى على الأَ ْح َياء َوال الأَ ْم َو ُ‬ ‫ات ِ�إ َّن اللهَّ َ ُي ْ�س ِم ُع َمن َي�شَ اء َو َما �أَ َ‬ ‫الهدى‪ ،‬والظلمات على النور‪� ،‬إنهم ال يبغون احلياة �إال عوجا َّمن فيِ ا ْل ُق ُبورِ{ (فاطر ‪)22،21،20،19:‬‬ ‫‪ ،..‬ف��إن ر�أوا �سبيل الغي يتخذوه �سبيال‪ ،‬و�إن ي��روا �سبيل‬ ‫واملت�أمل يف جميع �آي��ات القر�آن التي جمعت بني النور‬ ‫الر�شد ال يتخذوه �سبيال‪ ،‬فهم يف غيهم �سادرون‪ ،‬وعن احلق والظلمات‪ ،‬يلحظ �أنها ذكرت النور (مفردا) والظلمات‬ ‫غافلون‪ ،‬ويف طغيانهم يعمهون ‪..‬‬ ‫(جمعا)‪ ،‬وذلك لأن نور الوحي ال يتعدد �أ�صله‪ ،‬فهو واحد–‬ ‫و�إن تعددت روافده –‪� ،‬أما الظلمات فهي كثرية مت�شعبة يف‬ ‫لقد �أعمى التكرب يف الأر�ض بغري احلق قلوبهم‪ ،‬و�صرف �سبل الغي‪ ،‬ومتاهات ال�ضاللة ‪..‬‬ ‫}‪� ‬س�أَ ْ�صرِ ُف‬ ‫عن االنتفاع ب�آيات اهلل – عز وجل – عقولهم ‪َ .‬‬ ‫ه��ذا م��ن ج��ان��ب‪ ،‬وم��ن جانب �آخ��ر‪ ،‬ف ��إن َم��ن فقد نور‬ ‫ون فيِ الأَ ْر ِ�ض ِب َغيرْ ِ الحْ َ قِّ َو ِ�إن َي َر ْوا ُك َّل‬ ‫ين َي َت َكبرَّ ُ َ‬ ‫َع ْن �آ َيا ِت َي ال َِّذ َ‬ ‫ِيل الر�شْ ِد َال ي َّت ِخذُ وه �سبِي ًال الوحي‪ ،‬ت�شعبت به الظلمات وتداعت عليه‪ ،‬و�أحاطت به من‬ ‫َ‬ ‫�آ َي ٍة َّال ُي�ؤ ِْمنُو ْا‬ ‫ِيل ِباَه ْلاغ َوَي�إِ ين َّت ِ َيخ َرذُ ْوواه َ�س�سببِي ًال ذَ ِ ُّل َك ِب�أَ َّنه َم َكذَّ بو ُ ْا ِب َ�آيا ِتنَا كل جانب‪� ،‬إنها ‪ُ } :‬‬ ‫ات َب ْع ُ�ض َها َف ْوقَ َب ْع ٍ�ض �إِذَ ا �أَخْ َر َج‬ ‫‪ ..‬ظ ُل َم ٌ‬ ‫ُْ ُ َ‬ ‫َو�إِن َي َر ْوا َ�سب َ ِّ َ ُ َ‬ ‫َي َد ُه لمَ ْ َي َك ْد َي َر َاها َو َمن لمَّ ْ َي ْج َعلِ اللهَّ ُ َل ُه ُنو ًرا َف َما َل ُه ِمن نُّورٍ‪{ ‬‬ ‫ني{‪( ‬الأعراف ‪)146:‬‬ ‫َو َكا ُنو ْا َع ْن َها غَ ا ِف ِل َ‬ ‫(النور ‪)40 :‬‬ ‫�إذا كان ه�ؤالء يتخبطون يف الظلمات‪ ،‬ولي�سوا بخارجني‬ ‫و�سيظل الإن�سان يف نور الهداية‪ ،‬ي�سمو ب�إن�سانيته ويرقى‬ ‫منها‪ ،‬ف�إن امل�ؤمنني الذين �آمنوا باهلل – عز وجل –‬ ‫واهتدوا ‪ ..‬بقدر حظه من هذا النور ‪َ ...} ..‬ق ْد َجا َء ُكم ِّم َن اللهَّ ِ‬ ‫وجعل‬ ‫إميان‪،‬‬ ‫بهديه‪ ،‬كمن كانوا �أمواتا ف�أحياهم اهلل بال‬ ‫ني (‪َ )15‬ي ْه ِدي ِب ِه اللهَّ ُ َمنِ ا َّت َب َع ر ِْ�ض َوا َن ُه ُ�س ُب َل‬ ‫َاب ُّم ِب ٌ‬ ‫لهم نورا من القر�آن واحلكمة مي�شون به على ب�صرية يف ُنو ٌر َو ِكت ٌ‬ ‫الم َو ُيخْ رِ ُج ُهم ِّمنِ ُّ‬ ‫الظ ُل َم ِ‬ ‫ات �إِ َلى النُّو ِر ِب�إِذْ ِن ِه َو َي ْه ِديهِ ْم‬ ‫دنيا النا�س‪ ،‬وي�ست�ضي�ؤون به يف ظلمات احلياة‪ ،‬فيم ّيزون به َّ‬ ‫ال�س ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يم{ (املائدة ‪)16،15:‬‬ ‫بني احلق والباطل‪ ،‬والهدي وال�ضالل ‪� } ..‬أَو من َك َان ميتًا �إِ َلى ِ�ص َراط ُّم ْ�س َتق ٍ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫كما �أن��ه ال ي��زال يف عمى ال�ضاللة‪ ،‬يهبط ب�إن�سانيته‬ ‫َّا�س َك َمن َّم َث ُل ُه فيِ‬ ‫َف�أَ ْح َي ْينَا ُه َو َج َع ْلنَا َل ُه ُنو ًرا يمَ ْ ِ�شي ِب ِه فيِ الن ِ‬ ‫ُّ‬ ‫الظ ُل َم ِ‬ ‫ين َما َكا ُنو ْا وينحدر ‪ ..‬بقدر ن�صيبه من تلك الظلمات ‪� } ..‬أَ َر�أَ ْي َت َمنِ‬ ‫ات َل ْي َ�س بِخَ ار ٍِج ِّم ْن َها كَذَ ِل َك ُز ِّي َن ِل ْل َكا ِفرِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون َعل ْيه َوكيال (‪� )43‬أ ْم تحَ َْ�س ُب �أ َّن‬ ‫نت َتك ُ‬ ‫اتَّخَ ذَ �إِ َل َه ُه َه َوا ُه �أ َف�أ َ‬ ‫ون{ (الأنعام ‪)122:‬‬ ‫َي ْع َم ُل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْثرَ‬ ‫ون ِ�إ ْن ُه ْم ِ�إ َّال َكالأَ ْن َع ِام َب ْل ُه ْم َ�أ َ�ض ُّل‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫ون‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫�س‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫ُ ْ َ ْ َُ َ ْ َْ َ‬ ‫هذا �ش�أن امل�ؤمنني يف الدنيا‪ ،‬فهم على نور من ربهم‪�َ .‬سبِيال{ الفرقان‪44،43 :‬‬ ‫�أما يف الآخرة‪ ،‬ي�سعى نورهم بني �أيديهم‪ ،‬وعن �أميانهم‪،..‬‬ ‫‪ " ‬ال ّل ُه َّـم ْاج َع ْـل يف َق ْلبـي نورا‪َ ،‬ويف ِل�سـاين نورا‪َ ،‬و ْاج َع ْـل‬ ‫وي�ب���ش��رون ب�ج�ن��ات جت��ري م��ن حتتها الأن �ه��ار يف ي��وم ال يف َ�س ْمعي نورا‪َ ،‬و ْاج َع ْـل يف َب َ�صري نورا‪َ ،‬و ْاج َع ْـل ِم ْن خَ ْلفي‬ ‫يخزي اهلل النبي والذين �آمنوا معه ‪َ } ..‬ي ْو َم َت َرى المْ ُ�ؤ ِْم ِن َني نورا‪َ ،‬و ِم ْن �أَمامـي نورا‪َ ،‬و ْاج َع ْـل ِم ْن َف ْوقـي نورا‪َ ،‬و ِمن تحَ ْ تـي‬ ‫َوالمْ ُ�ؤ ِْمن ِ‬ ‫َات َي ْ�س َعى ُنو ُر ُهم َبينْ َ �أَ ْي ِديهِ ْم َو ِب َ�أيمْ َ ا ِنهِ م ُب�شْ َرا ُك ُم ن��ورا‪ ،‬ال ّل ُه َّـم �أَ ْع ِطنـي ن��ورا “ (ال� �ب� �خ ��اري‪ ،)116/11‬و (م�سلم‬ ‫َ‬ ‫ين ِفي َها ذَ ِل َك ُه َو ‪)526،529،530/1‬‬ ‫َّات تجَ ْرِ ي ِمن تحَ ْ ِت َها الأ ْن َها ُر خَ ا ِل ِد َ‬ ‫ا ْل َي ْو َم َجن ٌ‬ ‫‪� 32‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫بع�ض (التد ُّين ِح َجاب)‬ ‫د‪� .‬سلمان فهد العودة‬

‫�أما التد ُّين ف ُيق�صد به التع ُّبد والفعل واملمار�سة التي‬ ‫ال�سيرَ �أن �إبراهيم بن جعفر زار الإمام‬ ‫‪ ‬يروي علماء ِّ‬ ‫�أحمد ‪ ،‬و�س�أله فقال‪ :‬يبلغني عن الرجل ال�صالح ف�أذهب يقوم بها ف��رد �أو جمموعة‪ ..‬فهو التنزيل الب�شري على‬ ‫و�أ�صلي خلفه‪ ،‬فما ترى يف ذلك؟‬ ‫الأر�ض لذلك الأمر الإلهي ال�سامي‪.‬‬ ‫قال �أحمد‪ :‬انظر ما هو �أ�صلح لقلبك فافعله !‬ ‫وه��و يف �أح�سن �أح��وال��ه و�أ�صدقها‪ :‬تفاعل امل�ؤمن مع‬ ‫الن�ص الثابت؛ بحث ًا عن ال�صحيح يف تف�سريه ومعناه‪،‬‬ ‫وقد ذكر هذه الق�صة بع�ض من نقلوا م�سائل الإمام وال�صحيح يف تطبيقه وحتقيقه‪ ،‬و�سعي ًا لتح�سني الأداء‬ ‫�أحمد‪ ،‬و�أ�شار �إليها ابن تيمية؛ كما يف الفتاوى الكربى طلب ًا للكمال‪ ..‬و�أَنَّى ب�أر�ضنا الكمال!‬ ‫(باب �صالة التطوع)‪.‬‬ ‫وهذا ال�شرط ُي رِّعب عنه ال�سلف بـ(ال�صواب)‪.‬‬ ‫هنا خرج الإمام �أحمد من التف�ضيل بني خيارات عدة‬ ‫يف امل�س�ألة ب�إرجاع ذلك �إلى الأثر الناجت عن الفعل‪ ،‬والذي‬ ‫وهو ال يعني الثناء على العمل حتى ُي�ضاف �إليه �شرطا‬ ‫يجده املك َّلف والعابد يف قلبه‪.‬‬ ‫�آخر هو مواط�أة الباطن للظاهر ب�صدق النية والتوجه �إلى‬ ‫ومبثل هذا اجلواب يغدو امل�ؤمن ق��ادر ًا على التف�ضيل اهلل و�إرادته وحده‪.‬‬ ‫بني الأعمال امل�شروعة ب�أ�سباب من �أهمها مالحظة الفرق‬ ‫وحني قر�أ الف�ضيل قوله تعالى‪ِ } :‬ل َي ْب ُل َو ُك ْم �أَ ُّي ُك ْم �أَ ْح َ�س ُن‬ ‫اخلفي القلبي بني الأفعال‪..‬‬ ‫ف�سرها بالأخ َل�ص والأ�صوب‪ ،‬وقال‪َّ �( :‬إن‬ ‫َع َمل{ (‪:2‬امللك)‪َّ ،‬‬ ‫وك�أن الإمام �أحمد بهذا يتجنَّب جد ًال وا�سع ًا يف املفا�ضلة ا ْل َع َم َل �إذَ ا َك َان خَ ا ِل ً�صا‪َ ،‬ولمَ ْ َي ُك ْن َ�ص َوا ًبا‪ ،‬لمَ ْ ُي ْق َب ْل‪َ ،‬و ِ�إذَ ا‬ ‫ون خَ ا ِل ً�صا‬ ‫بني �أعمال ين�شغل ال�سالك باجلدل فيها وحولها عن فعلها‪َ ،‬ك َان َ�ص َوا ًبا َولمَ ْ َي ُك ْن خَ ا ِل ً�صا لمَ ْ ُي ْق َب ْل‪َ ،‬ح َّتى َي ُك َ‬ ‫فيتح ّول �إلى ق َّوال ُي�ش ِّعب و ُي�شغِّب ولكنه ال يفعل‪ ،‬بينما الأمر َ�ص َوا ًبا)‪.‬‬ ‫متوقف على حال الإن�سان وما ينا�سب قلبه ويخاطب ُل َّبه‪،‬‬ ‫‪ ‬امل� � َّرة ال��وح�ي��دة ال�ت��ي ُن � ِق��ل فيها ع��ن مو�سى ‪-‬عليه‬ ‫ورمبا حتول العلم �إلى مناف�سة وبغي وت�سابق بني �أهله على‬ ‫ال�سالم‪ -‬قول‪�( :‬أَنَا)؛ هي حينما �صعد املنرب ‪ -‬يف �أواخر‬ ‫الدنيا!‬ ‫َّا�س �أَ ْع َل ُم؟ َفقَالَ ‪� :‬أَنَا‪َ ,‬ف َعت َ​َب ُ‬ ‫اهلل َع َل ْي ِه‬ ‫عمره‪ -‬و�سئل‪� :‬أَ ُّي الن ِ‬ ‫ال��دي��ن ه��و الن�ص‪ ،‬ه��و ال��وح��ي‪ ،‬ه��و ال �ق��ر�آن و�صحيح ِ�إذْ لمَ ْ َي ُر َّد ا ْل ِع ْل َم ِ�إ َل ْي ِه‪َ ،‬ف�أَ ْو َحى ُ‬ ‫اهلل ِ�إ َل ْي ِه‪� :‬أَ َّن َع ْب ًدا ِم ْن ِع َبا ِدي‬ ‫ال�سنن‪ ،‬هو ال��ر َّب��اين املح�ض غري امل�شوب ‪ ،‬وغ�ير املت�أثر بمِ َ ْج َم ِع ا ْل َب ْح َر ْينِ ُه َو �أَ ْع َل ُم ِمن َ‬ ‫ْك‪( )..‬البخاري وم�سلم َع ْن �أُ َب ِّي ْبنِ‬ ‫بتعرجات الواقع ومنحنياته‪..‬‬ ‫َك ْع ٍب)‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪33‬‬


‫م��و��س��ى ه��و �صاحب‪َ ( :‬ر ِّب �إِنيِّ َظ � َل � ْم� ُ�ت َنف ِْ�سي‬ ‫فَاغْ ِف ْر ليِ )‪:16 ‬الق�ص�ص ‪َ )،‬ر ِّب اغْ ِف ْر ليِ َولأَ ِخ��ي)‪ ‬‬ ‫‪:151‬الأع� ��راف ‪َ ) ،‬ر ِّب َل � ْو ِ�ش ْئ َت �أَ ْه� َل� ْك� َت� ُه��م ِّم��ن َق ْب ُل‬ ‫َو�إِ َّي َ‬ ‫اي)‪:155 ‬الأعراف ‪ ،‬والذي قال فيه حممد ‪� -‬صلى‬ ‫و�سى ‪� -‬صلى اهلل‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪َ « :-‬ك�أَنيِّ �أَن ُْظ ُر �إِ َلى ُم َ‬ ‫ا�ض ًعا �إِ ْ�ص َب َع ْي ِه ِفى �أُ ُذ َن ْي ِه َل ُه ُج�ؤَا ٌر �إِ َلى اللهَّ ِ‬ ‫عليه و�سلم ‪َ -‬و ِ‬ ‫بِال َّت ْل ِب َي ِة َما ًّرا ِب َهذَ ا ا ْل َوا ِدي » (رواه م�سلم عن ابن عبا�س)‬ ‫ه��و النبي ال��ذي اخ �ت��اره رب��ه النك�ساره وتوا�ضعه‬ ‫و�إخباته؛ ل ُيعالج طغيان التد ُّين عند بني �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫ويعالج طغيان احلكم عند الفراعنة!‬

‫قدرها ال�شرعي حتى‬ ‫�أو يتح ّول �إل��ى �صف ٍة ت�أخذ فوق ْ‬ ‫ت�صبح في� ً‬ ‫صال بني (امللتزم) و(غري امللتزم)‪.‬‬

‫فكيف �إذا اجتمعا عند ف��ري��ق م��ن ال�ن��ا���س‪ ،‬ول��و من‬ ‫�أو يتح ّول �إلى غطاء لآفاتنا‪ ،‬و�أمرا�ضنا‪ ،‬و�إخفاقاتنا‪،‬‬ ‫امل�سلمني!‬ ‫وف�شلنا‪ ،‬وحماية لعيوبنا ال�سيا�سية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واالجتماعية‬ ‫وبعد اجلهد الطويل ال�ضخم حكى اهلل عن ه�ؤالء قولهم‪ :‬من النقد واملعاجلة‪.‬‬ ‫}ن َْح ُن �أَ ْبنَاء اللهّ ِ َو�أَ ِح َّبا�ؤُ ُه{‪:18( ‬املائدة) ‪ ،‬وزعمهم �أنه لن‬ ‫�أو يتح ّول �إل��ى لغة ا�ستعالء وك�بري��اء على الآخ��ري��ن‪،‬‬ ‫يدخل اجلنة �إال هم!‬ ‫ِ‬ ‫والكبرْ �آفة حترم املرء من جنة التد ُّين احلق كما حترمه‬ ‫وعن �أولئك قول قائلهم‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها المْ َ َ أ‬ ‫�َلُ​ُ َما َع ِل ْم ُت َل ُكم من جنة الآخرة‪.‬‬ ‫ِّم ْن �إِ َل� ٍه غَ يرْ ِي َف َ�أ ْو ِق ْد ليِ َيا َه َام ُان َع َلى ِّ‬ ‫َاج َعل ليِّ‬ ‫الط ِني ف ْ‬ ‫حني يطول الأم��د وتق�سو القلوب قد يتح ّول غيور �إلى‬ ‫و�سى َو�إِنيِّ َ أل ُظ ُّن ُه ِم َن ا ْل َك ِاذ ِب َني{‪ ‬‬ ‫َ�ص ْر ًحا َّل َع ِّلي �أَ َّط ِل ُع �إِ َلى �إِ َل ِه ُم َ‬ ‫حرا�سة املركز والوظيفة واملكانة واملظهر واملكا�سب الوهمية‬ ‫(‪:38‬الق�ص�ص)‪.‬‬ ‫مل تكن حكاية �أنانيتهم وغرورهم مبا يظنونه عندهم والوجاهة‪ ،‬ويغفل عن ال�سعي يف ح�صول الر َّبانية والزلفى‬ ‫من العلم �أو العمل �أو ال�سلطة ملجرد (و�صم) �أمة تُعادي �إلى اهلل وال�صفاء الداخلي‪ ،‬ويعجز عن االنف�صال عما حوله‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬وال لتمنح امل�سلمني �سالح ًا ملواجهتهم فح�سب‪ ،‬من الأمن��اط الزائفة‪ ،‬يعجز عن متابعة اخلليل حني قال‪:‬‬ ‫كانت دع��وة لهذه الأم��ة اخلامتة املختارة �إل��ى الت�صحيح }�إِنيِّ ذَ ِاه ٌب �إِ َلى َر ِّبي{‪:99( ‬ال�صافات)‪ ،‬يعجز عن الهجرة‬ ‫الذاتي‪ ،‬ومراقبة النف�س؛ حذر ًا �أن تقع فيما وقعوا فيه‪.‬‬ ‫�إلى اهلل ور�سوله ِب ُك ِّل َّيته؛ كما �أر�شد الإمام ابن القيم حني‬ ‫َّ‬ ‫�سطر‪( :‬طريق الهجرتني)‪.‬‬ ‫كانت �سالح ًا لقمع البغي والعدوان‪ ،‬واالغرتار بالتدين‬ ‫ال�شكلي �أو الظاهري؛ الذي ال ُيق ِّرب �إلى اهلل‪ ،‬بل يحجب‬ ‫وهنا ي�صبح بع�ض ما يظنه العبد تد ُّين ًا حجاب ًا عن اهلل‪،‬‬ ‫عنه باال َّدعاء الأجوف‪..‬‬ ‫َ‬ ‫و�أعوذ باهلل �أن نكون ممن قال اهلل فيهم‪�} :‬أ َف َمن ُز ِّي َن َل ُه‬ ‫وذلك حني يتح ّول التظاهر بالتدين �إلى ُ�س َّل ٍم للو�صول‬ ‫ُ�سو ُء َع َم ِل ِه َف َر�آ ُه َح َ�سنًا{ (‪:8‬فاطر)‪ ،‬وقال فيهم‪ُ } :‬و ُجو ٌه َي ْو َم ِئ ٍذ‬ ‫�إلى م�صالح عاجلة فانية لفرد �أو جماعة �أو جمتمع‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫خَ ا�ش َع ٌة (‪َ )2‬عامل ٌة نَّا�ص َب ٌة (‪ )3‬ت َْ�صلى نَا ًرا َحام َية (‪ )4‬ت ُْ�سقَى‬ ‫�أو يتح ّول �إل��ى مكا�سب مادية وجت��ارة دنيوية َّ‬ ‫يتعجلها ِم ْن َعينْ ٍ �آ ِن َي ٍة{(‪:5-2‬الغا�شية)‪ ،‬وقال‪َ } :‬و َب َدا َل ُهم ِّم َن اللهَّ ِ َما‬ ‫�إن�سان‪ ..‬بينما الذين يتلون كتاب اهلل حق تالوته‪ ،‬ويقيمون‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫لمَ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ�س‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ون{ (‪:47‬الزمر)‪.‬‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫�ون تجِ َ ��ا َر ًة لَّن‬ ‫ال�صالة‪ ،‬وينفقون يف �سبيل اهلل‪َ } ..‬ي � ْر ُج� َ‬ ‫َت ُبو َر{‪:29( ‬فاطر)‪.‬‬ ‫قبل �أن ت�ضع قدمك على الطريق عليك �أن ت�ضع قلبك‪،‬‬ ‫�أو يتح ّول لـ(فلكلور) �شعبي وطقو�س غريبة‪ ،‬وعادات فـ(�إِ َّن اللهَّ َ َال َين ُْظ ُر �إِ َلى ُ�ص َو ِر ُك ْم َو�أَ ْم َوا ِل ُك ْم َو َل ِكنْ َين ُْظ ُر �إِ َلى‬ ‫مذمومة ال ت�سمو بالروح‪ ،‬وال تعالج الأثرة وف�ساد ال�ضمري‪ُ .‬ق ُلو ِب ُك ْم َو�أَ ْع َما ِل ُك ْم )‪( .‬رواه م�سلم عن �أبي هريرة)‪.‬‬ ‫‪� 34‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫العوملة والأزمة الأخالقية‬ ‫د‪� .‬آندي حجازي‬ ‫متخ�ص�ص يف علم النف�س الرتبوي‬

‫�إن املت�أمل اليوم للواقع ‪ ،‬يرى �أن العامل باتت ت�سوده العوملة بكل معايريها‬ ‫ومبادئها ‪ ،‬ومبا حتمله من �إيجابيات و�سلبيات ‪ ،‬وبات الإن�سان ي�شعر ب�أن املادة‬ ‫�أ�صبحت هي امل�سيطرة على حياة ال�شعوب وتفكري الأفراد ‪ ،‬املادة مبا ت�شمل‬ ‫من معرفة واخرتاعات و�إنتاجات وب�ضائع وحم�سو�سات على �أر�ض الواقع ‪.‬‬ ‫واملع�ضلة من �سيادة املادة �أن تعم امل�صلحة واملنافع الدنيوية وال�شخ�صية‬ ‫قبل �أي منفعة �أخرى ‪ ،‬و�أن تتعار�ض مع ما ير�ضي اخلالق تعالى ومع الأخالق‬ ‫ال�سامية الراقية ‪ ،‬لأنها تفقد غذاء الروح‪ ،‬وجتعل الإن�سان يلهث وراء املادة‬ ‫وحاجات اجل�سد وال�شهوة من دون �أن يتطلع �إلى حاجاته الروحية ‪.‬‬ ‫�إن انت�شار العوملة و�سيادتها يجعالن الأمم تر�ضى بكل‬ ‫ما تفر�ضه عليها العوملة من متغريات ‪،‬ومن فقد لل ُهوية‬ ‫الوطنية والثقافية والدينية لأبناء املجتمع‪ ،‬فاليوم مع‬ ‫�سيادة العوملة بد�أ ال�صراع كبريا بني الثبات على املبادئ‬ ‫والقيم الأخالقية الرفيعة وعلى الهوية الثقافية للمجتمعات‬ ‫والأفراد ‪ ،‬وبني االن�صهار يف بوتقة العوملة وما �ألقت علينا‬ ‫من �أخالق دونية ‪ ،‬و�أثقلت كاهلنا بو�سائل تكنولوجية باتت‬ ‫تغري يف عقول ال�صغار والكبار وتتالعب بها وفق ما ت�شاء؛‬ ‫ومن هنا ب��د�أت تظهر يف حياتنا �أزم��ة �أخالقية وا�ضحة‬ ‫املعامل ‪.‬‬ ‫يف امل��ا��ض��ي ال�ق��ري��ب ج��دا كنا ننظر �إل ��ى ال��رق��ي يف‬ ‫القيم والأخالق �أي�ضا‪ ،‬وبد�أنا ننقل عنهم �أنها �أمة تتميز‬ ‫بجوانب �أخالقية مقدرة ‪ ،‬كاحرتام النظام والوقت والدور‬ ‫والدقة يف املواعيد وال�صدق يف القول والأمانة يف التجارة‬ ‫واالحرتام للإن�سان‪ ،‬ولكننا مع مرور الوقت �أ�صبحنا ندرك‬ ‫�أن التزامهم بتلك الأخ�لاق �إمن��ا هو ب�سبب م�صاحلهم‬ ‫ال�شخ�صية ‪ ،‬لأن تلك الأخالق حتقق لهم املكا�سب واملنافع‬

‫الدنيوية والتجارية ‪ ،‬ف�إن تعار�ضت معها فال م�شكلة من‬ ‫االنقالب عليها! وقد ن�سينا‪� ،‬أو رمبا بجهل منا ‪� ،‬أن تلك‬ ‫الأمة مل تقم على ح�ضارة يوما ‪ ،‬بل بالعك�س‪ ،‬قامت على‬ ‫�إب��ادة ح�ضارة �أه��ل البالد الأ�صليني (الهنود احلمر) ‪،‬‬ ‫و�سرقة بالدهم ‪ ،‬والتخل�ص منهم يف �إبادة جماعية ‪ ،‬ثم‬ ‫نقول �إنها ح�ضارة حترتم الإن�سان وتقدره! �أية مفارقة؟!‬ ‫تلك الإب��ادة اجلماعية تكررت يف العراق ويف �أفغان�ستان‬ ‫وهريو�شيما ونكازاكي يف اليابان ويف عدة دول ‪ ...‬ف�أين‬ ‫هذا الرقي الأخالقي ؟!‬ ‫بل انظر �إل��ى التفرقة التي قامت على �أ�سا�س اللون‬ ‫اجل�سدي للب�شر؛ فكم عانى الأ�شخا�ص ذوو الب�شرة ال�سوداء‬ ‫يف الواليات املتحدة من الذل واملهانة والعبودية واالحتقار‬ ‫والتعذيب والتفرقة ! فلعهد قريب كانت ال حقوق لهم ‪ ،‬وال‬ ‫مدار�س جتمع بني البي�ض وال�سود ‪ ،‬وال جامعات‪ ،‬وال و�سائل‬ ‫موا�صالت م�شرتكة ‪ ،‬وال �أ�سواق ‪ ،‬وال حتى كنائ�س م�شرتكة‬ ‫! فمثال حدث �أن �أخط�أ رجل �أ�سود الب�شرة فدخل كني�سة‬ ‫من كنائ�س البي�ض يف �أمريكا ‪ ،‬والتي يفرت�ض �أنها مكان‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪35‬‬


‫لن�شر القيم والعدل وامل�ساواة بني الب�شر ‪ ،‬وكان الق�سي�س‬ ‫يتحدث ف��ر�أى هذا الرجل الغريب عنهم يدخل الكني�سة‬ ‫فامتع�ض ‪ ،‬و�أخرج ورقة وكتب فيها كلمات و�أر�سلها �إليه ‪،‬‬ ‫وحينما فتحها ذاك الرجل الأ�سود الب�شرة وجد بها‪� " :‬إن‬ ‫عنوان كني�سة ال�سود يف �شارع كذا " ! ف�أي ح�ضارة تلك التي‬ ‫نت�شدق ب�أنها ك ّرمت الإن�سان وحترتم حقوقه ونتمنى العي�ش‬ ‫يف �أو�ساطها ‪.‬‬ ‫ما يهمنا هنا لي�س هو انتقاد �أمة ؛ ولكن كفانا – نحن‬ ‫امل�سلمني �أعظم �أمة – تعلقنا ب�أحبال من خيوط العنكبوت‬ ‫ب ��أن تلك احل���ض��ارة الغربية (ذات الأزم ��ات الأخالقية‬ ‫الفادحة من �شرب خمر وقتل وزن��ا وقمار ول��واط وتعر‬ ‫للأج�ساد ومتييز عن�صري‪)..‬هي م��ا ت�ستحق التقدير‬ ‫والإعجاب واالقتداء ‪ .‬قد يكون لديها ما ي�ستحق التقليد‬ ‫والتقدير ‪ ،‬كاحرتام املواعيد والنظام والإهتمام بالعلم‬ ‫واالخرتاع والتكنولوجيا‪ ،‬ولكن العلم احلقيقي هو ما يبني‬ ‫القيم الإن�سانية الراقية ويرتقي وي�سمو بها ‪ ،‬وهو ما يجعل‬ ‫للحياة معنى �ساميا راقي املبتغى وير�ضي خالق الب�شرية ؛‬ ‫ال ما يو�صل �إلى هوة �أخالقية جتعل يف حياة الب�شر فراغا‬ ‫روحيا مدمرا طويل املدى ‪ ،‬ويدعو �إلى االكتئاب واالنتحار‬ ‫لدى الكثريين !‬

‫برفقة جمموعة من الن�سور الأخ��رى و�أخ��ذت ت�ضرب �أنثى‬ ‫الن�سر �ضربا �شديدا على جناحيها وج�سدها حتى ماتت‬ ‫‪ ،‬والباحث يراقب وي�صور ما يحدث يف ذه��ول ‪ ،‬بل ر�أى‬ ‫الن�سر الذكر ي�أخذ البي�ض الغريب ويطري به ثم يرميه من‬ ‫�أعلى راف�ضا وجوده يف ع�شه ‪ ..‬فانظر ‪� ،‬أيها القارئ ‪ ،‬كيف‬ ‫بالطري يرف�ض تلك ال�سلوكيات غري الأخالقية من �أنثاه‬ ‫لدرجة قتلها ؟‪ ،‬فكيف بنا يف زماننا وقد و�صلت الإباحية‬ ‫يف عامل الب�شر اليوم �إلى درجة مل ت�صلها الكثري من الأمم‬ ‫ال�سابقة البائدة ‪ ،‬لدرجة ت�ستجلب غ�ضب اهلل تعالى ‪.‬‬ ‫ح�ضارتنا هي الأ�صل‬

‫ما �ص ّدرته لنا العوملة وو�سائل التكنولوجيا جعلنا نبتعد‬ ‫خطوات كثرية عن قيمنا و�أخالقنا الإ�سالمية العظيمة‬ ‫و�ضرورة االعتزاز بها وبعظمائها ‪ ،‬بل �أقنعتنا ب�أنها الأعظم‬ ‫�أخالقيا ‪ ،‬و�أن�ستنا ح�ضارة عظيمة قامت �أ�سا�سا على‬ ‫الأخالق ‪ ،‬فقد قال ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪: -‬‬ ‫"�إمنا ُبعثت لأمتم مكارم الأخالق" ‪ ،‬مما يعني �أنه كان يف‬ ‫الأمم وقبل الإ�سالم �شيء من الأخالق التي يعرفون بها ‪،‬‬ ‫كالكرم والنخوة وال�شجاعة والفرو�سية والفطنة وال�صدق‬ ‫والإخال�ص وح�سن اجلوار ‪ ،‬فجاء الإ�سالم ليكمل تلك القيم‬ ‫الأخالقية العظيمة وي�ؤكد عليها ‪ ،‬والتي امتدح اهلل تعالى‬ ‫ون‬ ‫الأمة الإ�سالمية } ُك ْنت ُْم خَ يرْ َ �أُ َّم ٍة �أُخْ رِ َج ْت ِلل َن ِ‬ ‫ّا�س َت�أْ ُم ُر َ‬ ‫ُون ب َهّ ِ‬ ‫بِالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫هوة �أخالقية‬ ‫ِالل َو َل ْو � َآم َن �أَ ْه ُل‬ ‫وف َو َت ْن َه ْو َن َعنِ المْ ُ ْن َكرِ َو ُت�ؤ ِْمن َ‬ ‫َ‬ ‫ُون َو�أكْثرَ ُ ُه ُم ا ْلف ِ‬ ‫�إنها ه��وة �أخالقية �أو �أزم��ة �أخالقية و�صلت بالعامل ال ِْكت ِ‬ ‫ُون{ﱠ‬ ‫َا�سق َ‬ ‫َاب َل َك َان خَ يرْ ً ا َل ُه ْم ِم ْن ُه ُم المْ ُ�ؤ ِْمن َ‬ ‫الغربي اليوم �إل��ى ال�شذوذ اجلن�سي والتعري والف�ضائح (�آل عمران ‪.)110‬‬ ‫َّ‬ ‫بل‬ ‫‪،‬‬ ‫إن�ساين‬ ‫�‬ ‫انحطاط‬ ‫اجلن�سية والأف�لام الإباحية ‪ ،‬و�إلى‬ ‫فخذ مثال حامت الطائي العربي ‪ ،‬الذي ا�شتهر بكرمه‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫أراد‬ ‫�‬ ‫أجنبي‬ ‫�‬ ‫لعامل‬ ‫ق�صة‬ ‫حتى عامل احليوان ي�أباها ‪،‬‬ ‫ففيعلى جتربة ذات مرة ؛ ب�أن الوا�سع ‪ ،‬حتى �إن ر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪-‬‬ ‫يراقب �سلوك الن�سور ‪ ،‬ف�أقدم‬ ‫ا�ستبدل بي�ض طائر �آخر يف الع�ش ببي�ض الن�سر يف حلظة امتدحه يوما ‪ ،‬حينما ُ�سبيت ابنته يف �إح��دى الغزوات ‪،‬‬ ‫غياب الأم عن البي�ض ‪ ،‬وعندما ع��اد الن�سران (الذكر فا�ستنجدت بر�سول اهلل ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬قائلة ‪:‬‬ ‫من اهلل عليك ‪ ،‬فقد هلك الوالد‬ ‫علي ‪ّ ،‬‬ ‫والأنثى) و�شاهد الذكر ذلك البي�ض ‪ ،‬طار م�سرعا ثم عاد يا ر�سول اهلل ‪ ،‬امنن ّ‬

‫‪� 36‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫‪ ،‬و�إين بنت �سيد قومي ‪ ،‬ك��ان �أب��ي يفك الأ��س�ير ويحمي‬ ‫ال�ضعيف ‪ ،‬ويقري ال�ضيف ‪ ،‬وي�شبع اجلائع ‪ ،‬ويفرج عن‬ ‫الكروب ‪ ،‬ويطعم الطعام ‪ ،‬ويف�شي ال�سالم ‪ ،‬ومل يرد طالب‬ ‫حاجة قط ‪� ،‬أنا ابنة حامت الطائي ‪ .‬فقال لها ر�سول اهلل –‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ‪ " : -‬يا جارية ! هذه �صفة امل�ؤمن ‪ ،‬لو‬ ‫كان �أبوك م�سلما لرتحمنا عليه " ثم قال لأ�صحابه ‪ " :‬خلوا‬ ‫عنها ‪ ،‬ف�إن �أباها كان يحب مكارم الأخالق " ‪.‬‬ ‫وت�أمل كيف رف�ض �سيدنا عمر بن اخلطاب – ر�ضي اهلل‬ ‫عنه – �أن ي�أخذ من بيت املال ما ي�صلح �ش�أنه بعد عر�ض‬ ‫امل�سلمني ذلك عليه ‪ ،‬وهو يقول ‪ " :‬كيف يعنيني �أمر الرعية‬ ‫مي�سهم " وانظر كيف كان يت�سابق مع‬ ‫مي�سني ما ّ‬ ‫�إذا مل ّ‬ ‫�سيدنا �أبي بكر ال�صديق يف خدمة ام��ر�أة عجوز ال معني‬ ‫لها ‪ ،‬وهما قادة الأمة ! �أي عظمة تلك ؟ وانظر �إلى رحمة‬ ‫�سيدنا عمر حينما رفع اجلزية عن رجل طاعن يف ال�سن‬ ‫من �أه��ل الكتاب ر�آه ي�س�أل النا�س ال�صدقة‪ ،‬فقال ‪" :‬‬ ‫واهلل ما �أن�صفناه �إن �أكلنا �شبيبته ثم نخذله يف الهرم "‬ ‫فرفع اجلزية عنه وعن �أمثاله من كبار ال�سن من اليهود‬ ‫والن�صارى!‬ ‫وك��م وردت �آي��ات يف ال�ق��ر�آن الكرمي حتث على مكارم‬ ‫ال ْح َ�سانِ‬ ‫الأخالق ‪ ،‬فقال تعالى ‪� } :‬إِ َّن َ َهّ‬ ‫الل َي�أْ ُم ُر بِا ْل َع ْدلِ َو ْ إِ‬ ‫َو�إِي� َت��ا ِء ِذي ا ْل ُق ْر َبى َو َي ْن َهى َعنِ ا ْلف َْح�شَ ا ِء َوالمْ ُن َكرِ َوا ْل َبغ ِْي‬ ‫ون { النحل الآية ‪90‬‬ ‫َي ِع ُظ ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َتذَ َّك ُر َ‬ ‫ال�صلاَ َة َو ْ�أ ُم ْر بِالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫وف َوا ْن َه َعنِ‬ ‫وقال ‪َ } :‬يا ُبن ََّي �أَ ِق ِم َّ‬ ‫الُ ُمو ِرﱠ {‬ ‫ا�صبرِ ْ َع َلى َما �أَ َ�صا َب َك �إِ َّن ذَ ِل َك ِم ْن َع ْز ِم ْ أ‬ ‫المْ ُن َكرِ َو ْ‬ ‫ون ال ُزّو َر َو ِ�إذَ ا‬ ‫ين لاَ َي�شْ َه ُد َ‬ ‫القمان ‪ ، 17‬وقال تعالى ‪َ } :‬وا َّل ِذ َ‬ ‫اما{ الفرقان‪٧٢ :‬‬ ‫َم ُّروا بِال َّل ْغ ِو َم ُّروا ِك َر ً‬ ‫وقال �أي�ضا ‪}:‬خُ � ِ�ذ ا ْل َع ْف َو َو ْ�أ ُم � ْر بِا ْل ُع ْر ِف َو�أَ ْع��رِ ��ْ�ض َعنِ‬ ‫ُون‬ ‫الجْ َ ِاه ِل َ ﱠ‬ ‫ين ُين ِفق َ‬ ‫ني {الأعراف ‪ ، 199‬وقال تعالى ‪}:‬ا َّل ِذ َ‬ ‫فيِ ال���َّ�س� َّرا ِء َوال �� َّ��ض � َّرا ِء َوا ْل� َك� ِ‬ ‫ين َعنِ‬ ‫ين ا ْل َغ ْي َظ َوا ْل� َع��ا ِف� َ‬ ‫�اظ� ِ�م� َ‬ ‫ّا�س َو َهّ ُ‬ ‫الل ُي ِح ُّب المْ ُ ْح ِ�س ِن َني{ �آل عمران ‪ 134‬وامتدح اهلل‬ ‫ال َن ِ‬ ‫تعالى ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم –} َو�إِ َن َّك َل َع َلى‬ ‫خُ ُلقٍ َع ِظ ٍيم{القلم ‪ .. 4‬والكثري من الآيات ال يت�سع املجال‬ ‫لذكرها جميعا حتث على الأخالق ال�سامية ‪ .‬وورد الكثري‬ ‫من الأحاديث النبوية يف ذلك ‪ ،‬فقال عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫‪� " :‬إن العبد ليبلغ بح�سن خلقه درجة ال�صائم القائم ( رواه‬ ‫الرتمذي يف �سننه ) ‪ .‬وقال عليه ال�صالة وال�سالم ‪ " :‬و�أنا‬ ‫زعيم بيت يف �أعلى اجلنة ملن ح�سن خلقه " ( رواه �أبو داود‬ ‫يف �سننه ) ‪.‬‬

‫وانظر �إلى ارتباط الأخالق بالعبادات يف الإ�سالم ‪ ،‬فقد‬ ‫جاءت العبادات لتهذيب الأخالق ‪ ،‬لأن الأخرية حتتاج �إلى‬ ‫الرتبية والتهذيب واملراقبة ‪ ،‬فقال تعالى عن ال�صالة ‪:‬‬ ‫( و�أقم ال�صالة ان ال�صالة تنهى عن الفح�شاء واملنكر )‬ ‫العنكبوت ‪ ،45‬والزكاة ت�ؤخذ من الأغنياء لتعطى للفقراء‬ ‫لتطهري النف�س من �أدران البخل وال�شح والأنانية ‪� ،‬أما‬ ‫ال�صوم فقال ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ : -‬من مل‬ ‫يدع قول الزور والعمل به فلي�س هلل حاجة يف �أن يدع طعامه‬ ‫و�شرابه " (�صحيح البخاري) ‪ ،‬واحل��ج قد ال يقبل ب�سوء‬ ‫اخللق �أثناء �أداء منا�سكه‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪ ( :‬احلج �أ�شهر‬ ‫‪ ...‬يف احلج ) البقرة ‪. 197‬‬ ‫معامل الأزمة الأخالقية‬ ‫واليوم باتت تت�صدر حياتنا ‪ ،‬يف كل مناحيها‪� ،‬أزم��ة‬ ‫�أخ�لاق�ي��ة وا��ض�ح��ة امل �ع��امل ‪ ،‬نتيجة البعد ع��ن التم�سك‬ ‫مببادىء ديننا احلنيف و�أخالقياته ومناذجه العظيمة ‪،‬‬ ‫ونتيجة مت�سكنا مببادىء العوملة التي َب ّثت �أفكارها املا�سونية‬ ‫والليربالية العاملية والالدينية وحركات الإحلاد والعلمانية‬ ‫‪ ،‬فكلها دعمت العوملة التي اجتاحت بيوتنا و�شعوبنا ‪ ،‬فبد�أت‬ ‫املحطات الف�ضائية وو�سائل الإعالم ‪ ،‬املرئية وامل�سموعة ‪،‬‬ ‫تتالعب بعقولنا و�أفكارنا ‪ ،‬وتبعدنا عن هويتنا الإ�سالمية ‪.‬‬ ‫والأدهى والأ�سو�أ ‪ ،‬تتالعب بعقول �أبنائنا النا�شئني ‪ ،‬فتبهرنا‬ ‫بفنونها و�أ�سماء م�شاهريها الذين باتوا القدوة للكثري من‬ ‫ال�شباب ؛ ق��دوة يف م�أكلهم وملب�سهم وق�صات �شعرهم‬ ‫و�شكلهم ‪ ،‬ومنحى حياتهم و�إهتماماتهم ورغباتهم‪.‬‬ ‫وم��ع غياب ال��دور الأ��س��ري ال�لازم يف توجيه الأبناء‬ ‫�أ�صبحت املحطات الف�ضائية ‪ ،‬التي ال تعد ‪ ،‬والإن�ترن��ت‬ ‫وو��س��ائ��ل التكنلوجيا مب��ا تعر�ضه ‪ ،‬ه��ي امل��وج��ه واملُ�ع� ِل��م‬ ‫واملُ ِ‬ ‫�سيطر‪ ،‬فتفاقمت الأزمة الأخالقية ‪ ..‬ف�أ�صبحت ترى‪-‬‬ ‫على �سبيل املثال – �أبناء ال يهتمون بر�ضا والديهم؛ يرفعون‬ ‫�أ�صواتهم فوق �صوتيهما‪ ،‬ويجيبونهم ب�إجابات خالية من‬ ‫التهذيب ! و�أ�صبحنا ن�سمع كثريا عن طلبة ال يحرتمون‬ ‫معلمهم‪ ،‬وال يقدرونه ‪ ،‬ويتعاملون معه وك�أنه �أجري لديهم!‬ ‫وكذلك مل تعد ترى الأطفال ال�صغار يقومون من جمل�سهم‬ ‫احرتاما حل�ضور الكبار �أو من �أجل �أن يجل�سوا يف �أماكنهم‬ ‫‪� ..‬أين ذهبت تلك الأخالق الراقية؟! قد تذوب يف بوتقة‬ ‫مبادئ العوملة ‪ ،‬ف�أ�ضحى الكرب ُيغ ِّلف �سلوكياتنا ‪ ،‬وك�أن‬ ‫اح�ترام الكبار هو �إه��ان��ة لل�صغار ‪� ،‬أو تقبيل يد الكبري‬ ‫�أ�صبح ينظر �إليه وك�أنه �شيئ من الرتاث ‪ ،‬وكذا تقبيل �أيدي‬ ‫الوالدين ! فقد ا�ستقينا ثقافتنا من ثقافة املادة والتكنلوجيا‬ ‫؛ ال ثقافة احلب واالحرتام والتقدير ‪.‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪37‬‬


‫وق��د ب��رزت �سلوكيات يف عاملنا توحي بحجم الأزم��ة‬ ‫الأخالقية التي نعي�شها ‪ ،‬فمثال ترى ال�صراعات امل�ستمرة‬ ‫بني الإخوة ‪� ،‬صراعات تبد�أ منذ ال�صغر ‪ ،‬من�ش�ؤها الغرية‬ ‫والتفرقة بني الأبناء والبعد عن فهم الدين ‪ ،‬وعدم متابعة‬ ‫الآب��اء ل�سلوكيات �أبنائهم لتوجيههم ون�صحهم ‪ ،‬فبد�أت‬ ‫الأزم��ات بني الإخ��وة تطفو على ال�سطح ‪ ،‬كا�ستيالء الأخ‬ ‫على مرياث �إخوته ظنا منه �أن هذا نوع من الذكاء ؛ وهو ال‬ ‫يعلم كم يعك�س من دنو �أخالقي ‪ ،‬انتهاء بهم يف املحاكم‬ ‫�أو الإي��ذاء �أو �أن يقتل بع�ضهم بع�ضا ! فلم تعد الروابط‬ ‫الأ�سرية والعائلية كما كانت �سابقا ‪ ،‬فقد دخلت عليها‬ ‫�شوائب كثرية �أفقدت الإخ��وة كثريا من رونقها ‪ ،‬ويجب‬ ‫علينا مراجعة �أنف�سنا لأجلها وت�صحيح م�سارنا ‪.‬‬ ‫وانظر كيف �أ�صبحت التهاين وم�ساندة الإخوة والأقارب‬ ‫تتم بر�سالة ن�صية وهم ي�سكنون يف املدينة نف�سها ‪ ،‬فيتم‬ ‫االكتفاء بالتهاين والتعازي التي تو�ضع على الفي�سبوك �أو‬ ‫بر�سالة عرب الوات�ساب وما �شابه ‪ ،‬يف �إهمال منا لأهمية‬ ‫�صلة الرحم وامل��ودة احلقيقية بني الأق��ارب ‪ ،‬والأحاديث‬ ‫التي حتث عليها‪ ،‬كقوله عليه ال�صالة وال�سالم ‪� " :‬إن �صلة‬ ‫الرحم وح�سن اخللق يعمران الديار ويزيدان يف الأعمار‬ ‫" (رواه �أحمد )‪.‬ويف احلديث القد�سي �أن اهلل تعالى قال‬ ‫للرحم‪� " :‬أال حتبني �أن �أ�صل من و�صلك ‪ ،‬و�أن �أقطع من‬ ‫قطعك؟"‬ ‫ويف �صورة جلية للأزمة الأخالقية التي �سادت حياتنا ‪،‬‬ ‫البد �أنك مررت ب�شخ�صية �أو �أكرث ملدير م�ؤ�س�سة ما ‪ ،‬جل‬ ‫همه م�صلحته ال�شخ�صية واكت�ساب امل��ال �أو ال�سفرات ‪،‬‬ ‫بعيدا كل البعد عن تطوير م�ؤ�س�سته �أو موظفيه وجر املنفعة‬ ‫لهم ‪ ،‬و�أغلب اجتماعاته مع موظفيه نظرية متكررة الفكر ال‬ ‫طائل منها ‪ ..‬ويف اجلانب املقابل ؛ البد �أنك ر�أيت موظفا‬ ‫ق�صر ِ‬ ‫ويمُاطل يف عمله معتقدا �أن‬ ‫يحاول �أن يخادع ويراوغ و ُي ِّ‬ ‫ال �أحد يعلم مبا يفعل ‪� ،‬أو �أن هذا نوع من الذكاء و "الفهلوة"‬ ‫‪ ،‬كما يطلق البع�ض عليها ! وهنا ال ننكر �أن الغرب والأجانب‬ ‫بالفعل تفوقوا علينا يف هذا اجلانب؛ نتيجة �إخال�صهم يف‬ ‫العلم و�صدقهم يف العمل ‪ ،‬والذي من املفرت�ض فينا ك�أمة‬ ‫�إ�سالمية �أن نكون القدوة يف هذا ال�صدق ‪ ،‬والإخال�ص يف‬ ‫العمل ‪ ،‬كما كان عظماء امل�سلمني على مر الزمن ‪.‬‬ ‫وللأ�سف‪� ،‬إن هذا اخلداع والغ�ش باتا ين�ش�آن مع �أبنائنا‬ ‫منذ ال�صغر ‪ ،‬فال وال��د ي��ردع ‪ ،‬وال �أم تُع ِّلم وت َُ�ص ِّحح ‪،‬‬ ‫بل تتفاخر مبا لدى ابنها من �أ�ساليب يف الغ�ش ‪ ،‬وك�أنها‬ ‫دليل دهاء ! فكيف �سيكون هذا الطفل م�ستقبال؟! حتما‬ ‫�سيمار�س الغ�ش يف عمله ‪ ،‬ويف جتارته ‪ ،‬ومع زوجته ‪ ،‬و�أبنائه‬ ‫‪ ،‬وجمتمعه ‪ ..‬وهذا ما �أ�صبحنا نعي�شه ‪.‬‬

‫مو�ضوع يف الربامج التلفزيونية ‪ ،‬وعلى الهواء ‪ ،‬بحجة‬ ‫التثقيف والتنوير �أو �إيجاد احللول ‪ ،‬فبات ال�صغري يفهم‬ ‫كثريا من الأمور التي كان الكبار يف املا�ضي يتحرجون من‬ ‫ذكرها فكيف باخلو�ض فيها ؟! �أم��ا اليوم فال حرج من‬ ‫�شيء! فالأب يعجب بكالم ذاك املذيع �أو يقدر تلك املذيعة‬ ‫الكا�شفة عن ر�أ�سها وبكامل حلتها وزينتها ‪ ،‬وهي تقدم‬ ‫ما تدعي �أنه مو�ضوع مهم ‪ ،‬بينما جل همها جذب عيون‬ ‫ال�شباب والأ�شخا�ص �إعجابا بجمالها و�شخ�صيتها ‪ ...‬يف‬ ‫�أزمة �أخالقية حقيقية ‪ ،‬فلم يعد هناك رجل يقتنع بجمال‬ ‫زوجته ‪ ،‬فما يراه وي�شاهده يف التلفاز من تزيني وعمليات‬ ‫جتميل ومغنيات كا�سيات عاريات‪ ،‬يجعل من ال�صعب على‬ ‫الزوجات متابعة كل تلك املو�ضات واملالب�س والتغريات يف‬ ‫�شكل الوجه ‪� ...‬إنها فنت كثرية ت�صب يف عقولنا الكثري من‬ ‫التغريات غري الأخالقية وتعيث فيها ف�سادا ‪ ،‬وهيهات‬ ‫هيهات لع�شرات ال�سنوات م��ن �إ�صالحها �إن ا�ستمرت‬ ‫املعطيات ذاتها ‪.‬‬ ‫�أزم��ة �أخالقية ترمي بظاللها على مناحي احلياة ‪،‬‬ ‫تتج�سد يف البعد احلقيقي عن اهلل تعالى وعن اخلوف منه‬ ‫‪ ،‬فرتى تعريا من الن�ساء يف بع�ض البالد العربية يف ال�شارع‬ ‫والأ�سواق ‪ ،‬ويف �أماكن العمل ‪ ،‬ويف التلفاز ‪ ،‬وبني الن�ساء‬ ‫�أنف�سهن يف حفالتهن ‪ ،‬ويف امل�سابح ‪ ،‬ويف الفيديوهات‬ ‫التي تن�شر ‪ ...‬تعر زائ��د ع��ن املعقول ل��درج��ة ت�صل حد‬ ‫الفح�ش وغ�ضب اهلل تعالى ‪ ،‬وب�شكل ي�دَّع��ي احل��ري��ة ‪:‬‬ ‫احلرية ال�شخ�صية ‪ ،‬وحرية االختيار ‪ ،‬وحرية ال�سلوك !‬ ‫وال يعلم ه��ؤالء �أن هذه احلرية ما هي �إال وهم احلرية ‪،‬‬ ‫فاحلرية احلقيقية لي�ست ما يو�صلك �إلى الفح�ش واملنكر‬ ‫والبعد عن الطريق ال�صواب ‪ ،‬لكن احلرية هي التي ترتقي‬ ‫بفكرك للتحكم بعنا�صر حياتك لت�صل �إلى نتائج و�أخالق‬ ‫قومية تنقذ الإن�سان يف �آخرته ‪ ،‬ال �أن تهوي به يف مهاوي‬ ‫االنحطاط الأخالقي ومهاوي الردى يف الآخرة !‬

‫�إن الرتاجع الأخالقي �إن مل يتم �إيقافه من قبل املربني‬ ‫واحلد منه ‪ ،‬ف�سي�ستمر و�صوال �إلى ما ال نهاية ‪� ،‬إال برحمة‬ ‫اهلل تعالى ‪ ،‬و�سيكون م�ستقبل ال ُهو ّية الثقافية والدينية‬ ‫للكثري من �أبناء الأمة العربية غام�ضا معتما ‪ .‬فعلينا العودة‬ ‫�إل��ى تعاليم �إ�سالمنا العظيم والتم�سك بف�ضائل ديننا‬ ‫الربانية ‪ ،‬والإقتداء ب�صحابة ر�سولنا – �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم – وعظمائنا الذين �ضربوا �أروع الأمثال يف ال�سمو‬ ‫املحطات الف�ضائية‬ ‫الأخالقي ‪ ،‬والإقتداء �أوال و�أخريا ب�سيد الب�شر – �صلى اهلل‬ ‫م��ن ج��ان��ب �آخ��ر ؛ ت��رى ك�ث�يرا م��ن املذيعني وم��دي��ري عليه و�سلم – الذي كان خلقه القر�آن ‪ ،‬و�أحبه كل من تعامل‬ ‫ال�برام��ج التلفزيونية مل ي�ع��ودوا يتحرجون من ط��رح �أي معه ؛ لعظيم خلقه �صلوات اهلل و�سالمه عليه ‪.‬‬

‫‪� 38‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫• دراسات الوسطية‬

‫•‬ ‫• التدين واملقايي�س الإختزالية ‬ ‫• �أثر كلمة التوحيد يف نورانية القلوب ‬ ‫• ثقافة التقريب بني املذاهب‪ :‬حتليل وت�أ�صيل(اجلزء الثاين)‬ ‫• مراحل النظر يف النازلة الفقهية (اجلزء الأول) ‬ ‫• جرمية احلرابة الإرهابية يف ال�شريعة الإ�سالمية ‬ ‫• دور الفقهاء يف ت�أ�صيل وتفعيل مفهوم التعددية ‬ ‫• الإرهـاب ‪:‬معناه ‪� ،‬أ�سبابه‪ ،‬و�سبل عالجه من منظور قر�آين‬ ‫ال�سلوك الديني يف مواجهة املتطرفني ‬

‫الأ�ستاذ‪ /‬بون عمر يل‬

‫الأ�ستذ‪� /‬سامي املاجد‬

‫الأ�ستاذ‪ /‬خالد رو�شة‬

‫د‪.‬عزمي طه ال�سيد �أحمد‬

‫د‪.‬خالد بن عبداهلل املزين‬ ‫املحامي مازن الفاعوري‬ ‫د‪ .‬حممد خري العي�سى‬ ‫�أ‪.‬د‪.‬نايل ممدوح �أبوزيد‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪39‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫ال�سلوك الديني يف مواجهة املتطرفني‬ ‫الأ�ستاذ‪ /‬بون عمر يل‬

‫ال���س�ل��وك ال��دي�ن��ي ينطلق م��ن امل�ن�ظ��وم��ة الأخ�لاق�ي��ة‬ ‫الفا�ضلة (ال�ب�ر ح�سن اخل �ل��ق)‪ ،‬وف��ق منهج الإ� �س�لام‬ ‫الو�سطي (وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا �شهداء على‬ ‫النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا)‪ ،‬والو�سط يف كل‬ ‫�شيء �أف�ضله‪ ،‬فالت�سامح �أف�ضل من العداء‪ ،‬والعدل �أف�ضل‬ ‫من الظلم وال�سلم خري من احلرب‪.‬فوظيفة �شهادة الأمة‬ ‫ت�ستلزم العدل واال�ستقامة‪...‬‬ ‫والتطرف هو الوقوف على حافتي الغلو والتق�صري‪،‬‬ ‫وينتج عنه �سلوك غ�ير م�ستقيم‪ ،‬ق��ال �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ :‬هلك املتنطعون‪ ،‬قالها ثالثا‪ .‬لقد �شخّ �ص اهلل‬ ‫تعالى احلالتني يف ميثاق ال�صالة يف نطاق بيان الو�سطية‪،‬‬ ‫ال�صراط امل�ستقيم ب(غري املغ�ضوب عليهم وال ال�ضالني)‬ ‫والتطرف يبد�أ فكرة خاطئة ب�سيطة ثم تتطور فتتولد‬ ‫عنها �أحكام جائرة تنتهي ب�أعمال خا�سرة �إرهابية‪.‬‬

‫قد نبه عليه ال�صالة وال�سالم على �أن معه جماعة‬ ‫�سفيهة مغرورة يتوقع منهم الفتنة ‪ ،‬قد يكون منهم م�ؤمن‬ ‫�صادق يف �إميانه ولكنه منحرف فكريا ‪ ،‬وقد يكون منهم‬ ‫منافقون مند�سون يف امل�سلمني ‪ ،‬لأن االعرتاف بالنبوة ال‬ ‫ين�سجم معه اتهام ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم باجلور‪،‬‬ ‫وال يطابق ذلك �سلوك امل�سلم القومي‪.‬‬ ‫وهذه الإ�شارة النبوية توحي ب�أن نواة االنحراف الفكري‬ ‫وال�سلوكي ق��د نبتت‪ ،‬فانبثقت منه الأف �ك��ار امل�سمومة‪،‬‬ ‫جت�سدت يف حركة ال��ردة ‪ ،‬ومنع الزكاة ‪ ،‬واغتيال عمر‬ ‫وقتل عثمان ‪� ،‬إلى �أن و�صل التطرف قمته يف عهد الإمام‬ ‫علي ر�ضي اهلل عنه على يد اخلوارج ‪ ،‬الذين اعتمدوا على‬ ‫فهمهم اخلاطئ وعلمهم القا�صر (�إن احلكم �إال هلل)‪،‬‬ ‫وكفروا عليا على حتكيم الرجال ‪ ،‬ومل يفهموا �أن حتكيم‬ ‫الرجال هو من حكم اهلل (يحكم به ذوا عدل منكم) ‪،‬‬ ‫علي قتاله ثم قتله ‪ ،‬فارتكبوا‬ ‫ورتبوا على تكفرياالمام ّ‬ ‫ب�سبب فكرة خاطئة جرمية خالدة‪.‬‬

‫وملواجهة التطرف ال بد من الرجوع �إلى اجلذور الفكرية‬ ‫امل�ؤ�س�سة لثقافة التطرف والإره���اب ‪ ،‬لتفكيك ذهنية‬ ‫وقد تعر�ض الإمام علي ملفارقة عجيبة‪ ،‬حيث �أحاطت‬ ‫املتطرفني وا�ستعرا�ض مقوالتهم الت�أ�سي�سية ومواجهتها به حركتان متطرفتان هما (ال�سبئية واخلوارج)‪ ،‬فالأولى‬ ‫باحلقائق ال�شرعية‪ ،‬و�إ�شاعة ال�سلوك الإ�سالمي املعتدل �ألهته والثانية كفرته‪ ،‬وهما وجهان لعملة التطرف البغي�ض‪.‬‬ ‫القومي‪.‬‬ ‫من هنا اهتزت �أركان الأمة بني فتنة اخلوارج بالتكفري‬ ‫لقد انطلقت ال�شرارة الأول��ى للتطرف يوم �أ�ساء ذو و�سيل الدماء‪ ،‬وفتنة الباطنية وانحراف الوالء‪ ،‬وظل �أهل‬ ‫اخلوي�صرة حرقو�ص بن زهري التميمي الأدب ‪ ،‬حني ر�أى ال�سنة واجلماعة متم�سكني باملوقف الإ�سالمي املعتدل‬ ‫ق�سمة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يوم حنني ‪ ،‬فقال له القائم على ركنني‪:‬‬ ‫‪ :‬يا حممد اعدل ف�إنك مل تعدل ‪ ،‬وا�ست�أذن عمر لي�ضرب‬ ‫ال�سنة‪ :‬تركت فيكم �أمرين لن ت�ضلوا ما مت�سكتم بهما‪:‬‬ ‫عنقه ‪ ،‬فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ :‬ال �إن له‬ ‫�أ�صحابا يحقر �أحدكم �صالته مع �صالتهم و�صيامه مع كتاب اهلل و�سنتي‪ ،‬يقول الإمام مالك‪ :‬ال�سنن �سفينة نوح‬ ‫�صيامهم ‪ ،‬ميرقون من الدين كما ميرق ال�سهم من الرمية من ركبها جنا ومن تخلف عنها غرق؛‬ ‫‪ ،‬وو�صفهم ب�أنهم حدثاء الأ�سنان ‪� ،‬سفهاء الأحالم‪.‬‬ ‫‪� 40‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫اجلماعة‪ :‬الزموا �أنف�سهم لروح اجلماعة ومنع اخلروج‪،‬‬ ‫لي�ضمنوا ا�ستقرار الدين‪ ،‬و�صيانة الأرواح ‪ ،‬يقول ابن تيمية‪:‬‬ ‫�إن الذين خرجوا على يزيد ما �أقاموا دينا وال �أبقوا دنيا‪.‬‬ ‫وان�ساحت اخل ��وارج ين�شرون �أف�ك��اره��م حتى و�صلوا‬ ‫�شمال وغرب �إفريقيا‪ ،‬وقويت �شوكتهم يف ال�صحراء منذ‬ ‫�أن �سيطروا على �سجلما�س �سنة ‪757‬م‪� ،‬إلى �أن �سقطت على‬ ‫�أيدي املرابطني �سنة ‪1055‬م‪.‬‬ ‫وقد ظهرت فكرة (احلاكمية) من جديد يف ال�ستينات‬ ‫من القرن الع�شرين يف كتابات املفكر الباك�ستاين �أبي‬ ‫�سنناق�ش هنا بع�ض املرتكزات الأ�سا�سية �أو ال�شبهات‬ ‫الأعلى امل��ودودي‪ ،‬ثم وظفها �سيد قطب يف ظالل القر�آن‬ ‫ومعامل يف الطريق بطريقة �أدبية م�ؤثرة‪ ،‬ف�شكلت م�صطلحا التي تعتمد عليها اجلماعات املتطرفة يف التعبئة لفكرها‬ ‫معب�أ ب�شحنة �إميانية حت�سي�سية مت�أثرة بالظروف التي كان وممار�ساتها ‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫يعي�شها املجتمع الإ�سالمي �آن��ذاك ‪ ،‬ومل يكونا يق�صدان ‪ -‬التكفري‪ :‬وه��و الفتنة ال�ت��ي انطلق منها اخل ��وارج يف‬ ‫بذلك مقا�صد اخل��وارج ‪ ،‬ولكن حمنة ال�سجون والتعذيب م�شروعهم الدموي ‪ ،‬بفهم خاطئ للحاكمية‪ ،‬ورفعوا‬ ‫البدين والنف�سي الذي عاناه النا�س �أعاد الغلو والتطرف �أحكام الإمامة �إلى م�ستوى العقائد‪ ،‬فاعتربوا اخلط�أ‬ ‫من جديد‪ ،‬فن�ش�أت جماعة التكفري والهجرة تكفر احلكام فيها كفرا‪ ،‬وبذلك كفروا كل من الحظوا فيه تق�صريا‬ ‫و�أع��وان�ه��م‪ ،‬وتفتي بوجوب اخل��روج عليهم وقتالهم‪ ،‬كما وا�ستحلوا دمه ‪ ،‬بينما �أهل ال�سنة واجلماعة يرون �أن‬ ‫�شملت عمليات التكفري املجتمعات الإ�سالمية باعتبارها �أحكام الإمامة من الفرعيات ولي�ست من باب العقيدة ‪،‬‬ ‫جمتمعات جاهلية‪ ،‬وات�خ��ذوا من مبد�أ العزلة ال�شعورية فاخلط�أ فيها ذنب وال يكفرون بالذنب ‪ ،‬يقول الآمدي ‪:‬‬ ‫يف املجتمع عزلة املفا�صلة وتكوين جماعات �إرهابية يف اعلم �أن الكالم يف الإمامة لي�س من �أ�صول الديانات بل‬ ‫ال�سراديب‪ ،‬قال عمر بن عبد العزيز‪ :‬ما تناجى قوم دون من الفرعيات‪ ،‬يقول ابن خلدون ‪ :‬وق�صارى �أمر الإمامة‬ ‫جماعتهم �إال كانوا على ت�أ�سي�س بدعة‪.‬‬ ‫�أنها ق�ضية م�صلحية اجتماعية‪ ،‬وال تلحق بالعقائد‪ ،‬ولذا‬ ‫وه �ك��ذا ب� ��د�أت ال �ف �ك��رة تتج�سد يف ع�م�ل�ي��ات القتل اتفق �أهل ال�سنة على حرمة اخلروج على �أولياء الأمور‬ ‫واالغ �ت �ي��االت واالخ�ت�ط��اف و�أع �م��ال تخريب امل�ؤ�س�سات‪ ،‬ولو كانوا جائرين‪ ،‬لأنهم جربوا فتنة اخلروج وما اجنر‬ ‫يغذيها تنامي ثقافة الغلو �إلى �أن �أ�صبحت �شبكة دولية بعد عنها من التمزق و�سيالن الدماء‪.‬‬ ‫احلرب الأفغانية ب�سبب الظروف الدولية وف�شل احلكومات ‪ -‬اجل �ه��اد‪ :‬اجل �ه��اد ال�ق�ت��ايل وظ�ي�ف��ة ع�سكرية للدولة‬ ‫يف التعامل مع العائدين ‪ ،‬وات�ساع ال�شبكة العنكبوتية التي الإ�سالمية والغر�ض منه حماية ال��دول��ة‪ ،‬ورد ع��دوان‬ ‫�سهلت االت�صال وتالقح الأفكار املتجان�سة‪.‬‬ ‫املعتدين‪ ،‬ق��ال تعالى‪« :‬و�أع ��دوا لهم ما ا�ستطعتم من‬ ‫قوة ومن رباط اخليل ترهبون به عدو اهلل وعدوكم‪،»..‬‬ ‫�أ�سباب التطرف والإرهاب‪:‬‬ ‫واخلطاب هنا موجه �إلى قائد الأمة ولي�س �إلى الأفراد‬ ‫يرجع الباحثون �أ�سباب الإره ��اب اليوم �إل��ى �أ�سباب واجل�م��اع��ات‪ ،‬وق��د �أذن للم�سلمني فيه ل��درء احلرابة‬ ‫خمتلفة‪ :‬اجتماعية واقت�صادية و�سيا�سية‪ ،‬وثقافية وفكرية‪ ،‬واالعتداء ولي�س ملكافحة الكفر (ال �إكراه يف الدين)‪.‬‬ ‫وتتداخل الأ�سباب املبا�شرة وغري املبا�شرة‪ ،‬ولكل ظاهرة‬ ‫�إرهابية �أ�سبابها ولكن الأ�سباب مهما كانت لي�ست مربرات‬ ‫هنا نفرق بني الإرهاب اللغوي والإره��اب اال�صطالحي‬ ‫للأعمال الإرهابية التي جتعل الأبرياء �ضحاياها ‪ ،‬وبالن�سبة والرهبة هي اخلوف‪ ،‬ومل ترد يف القر�آن متعدية �إال يف هذه‬ ‫للعامل الإ��س�لام��ي فالأ�سباب فكرية وعقدية‬ ‫و�سيا�سية الآية‪.‬‬ ‫بالدرجة الأول��ى ‪ ،‬دون �إهمال �أهمية ال�شروط املادية يف‬ ‫انتاج ثقافة الإرهاب‪.‬‬ ‫والإره ��اب هو تخويف الغري‪ ،‬ف��إع��داد ال�سالح والقوة‬ ‫فمن املعروف �أن الفهم ال�صحيح للإ�سالم هو الذي الع�سكرية من طرف الدولة‪ ،‬ال �شك �أن الغر�ض منه هو‬ ‫يبني ال�سلوك امل�ستقيم ‪ ،‬قال عليه ال�صالة وال�سالم ‪ :‬من تخويف الآخرين حتى ال يفكروا يف االعتداء عليها وهذا حق‬ ‫يرد اهلل به خريا يفقهه يف الدين‪.‬‬ ‫مكفول لكل دولة‪ ،‬فالإرهاب هنا لغوي‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪41‬‬


‫�أما عندما يقوم فرد �أو جماعة خارج النظام ب�إعداد‬ ‫ال�سالح ال�ستخدامه يف �أح��داث عنف �أو بث رعب وترويع‬ ‫الآمنني‪ ،‬فذلك هو الإرهاب اال�صطالحي الذي يحاربه كل‬ ‫العامل‪ ،‬لأنه عدو م�شرتك ال ي�أمن من �شره �أحد‪.‬‬ ‫و�سلوك �أهل ال�سنة واجلماعة هو �إ�سناد الأمر �إلى �أهله‬ ‫فيقدمون له الن�صح الواجب بحكمة‪ ،‬ففي احلديث‪ :‬بايعنا‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم على ال�سمع والطاعة يف‬ ‫الع�سر والي�سر‪ ،‬واملن�شط واملكره ‪ ،‬وعلى �أثرة علينا وعلى �أال‬ ‫ننازع الأمر �أهله‪..‬‬

‫الع�ضود ‪ ،‬فريى ال�شباب النا�شئ �أن عليه �أن يقاتل العامل‬ ‫لإع��ادة اخلالفة الرا�شدة على �أ�سا�س الوعد النبوي ‪،‬‬ ‫ويدخل يف �شبكات �أخطبوطية عنقودية ‪ ،‬بينما احلديث‬ ‫جمروح عند علماء احلديث ‪ ،‬وعلى فر�ض �صحته ف�إن‬ ‫حبيب بن �سامل �أحد رواته ب�شر به عمر بن عبد العزيز‪،‬‬ ‫ف�سر به عمر و�أعجبه ‪ ،‬ويرى �أهل ال�سنة واجلماعة �أن‬ ‫عمر بن عبد العزيز هو اخلليفة الرا�شد اخلام�س ‪،‬‬ ‫ولذلك لزم كل م�سلم اليوم التزام حدود بالده الإقليمية‬ ‫ويعمل لال�سالم م��ا ا�ستطاع (ال يكلف اهلل نف�سا �إال‬ ‫و�سعها)‪.‬‬

‫على الفرد م�س�ؤوليته يحا�سب عليها‪ ،‬وعلى ويل الأمر‬ ‫وعند �سقوط اخلالفة العثمانية ‪ ،1924‬انق�سم ر�أي‬ ‫م�س�ؤوليته يحا�سب عليها (وال تزر وازرة وزر �أخرى)‪.‬‬ ‫العلماء �إلى ثالثة‪:‬‬ ‫ عقد �أمان‪ :‬هو العهد الذي يعطى للأجنبي املخالف يف‬‫الدين‪ ،‬الداخل �إلى بالد امل�سلمني بت�أمينه على حياته ‪ )1‬ال�شيخ ر�شيد ر�ضا تبعا ل�شيخه حممد عبده ر�أى �أنه ال‬ ‫وماله‪ ،‬وويل الأم��ر �أو نائبه هو املخول ب�إعطاء الأمان داعي لإعادة اخلالفة ‪ ،‬واقرتح �أن تكون الدول الإقليمية‬ ‫والعهد‪ ،‬واعتماد �إجارة �أحد املواطنني‪ ،‬قال عليه ال�صالة (جامعة �إ�سالمية)‪ ،‬و�أيد ذلك ال�شيخ عبد احلميد بن‬ ‫وال�سالم‪ ،‬قد �أجرنا من �أجرت يا �أم هانئ‪ ،‬ويتم الأمان بادي�س؛‬ ‫اليوم بت�أ�شرية �أو بعقد عمل‪� ،‬أو اتفاقية دولية �أو �إجازة‬ ‫دعوة م�سلم للأجنبي‪ ،‬ف�إذا انعقد الأمان �صار للم�ست�أمن ‪ )2‬مالك بن نبي دعا �إلى قيام كمنولث �إ�سالمي تتعاون فيه‬ ‫ح�صانة من �إحلاق ال�ضرر به يف دمه وماله وعر�ضه من الدول الإقليمية؛‬ ‫�أي كان‪ ،‬قال عليه ال�سالم‪ :‬من قتل نف�سا معاهدة مل يرح‬ ‫رائحة اجلنة و�إن ريحها توجد من م�سرية �أربعني عاما‪ )3 .‬ح�سن البنا دعا �إلى قيام دول �إقليمية تتحد فيما بعد‬ ‫يقول ال�شيخ علي�ش‪ ..( :‬الأم��ان يكون بلفظ �أو �إ�شارة لقيام اخلالفة ‪ ،‬ولكن الطريق �إلى ذلك ‪ ،‬هو الرتبية‬ ‫مفهمة م��ن �ش�أنها فهم ال�ع��دو الأم ��ان منها‪ ،‬و�إن ق�صد والتوجيه ‪ ،‬ولي�س العنف و�إعمال ال�سالح ؛‬ ‫امل�سلمون بها �ضره‪ ،‬كفتحنا‬ ‫امل�صحف وحلفنا �أننا �سنقتله ‪ )4‬ويف احلقيقة �إن هذه الآراء كلها ت�ؤكد �أم��را واح��دا هو‬ ‫فظن ‪-‬العدو‪ -‬ت�أمينا فهو ت�أمني‪.‬‬ ‫�ضرورة احرتام احلدود القطرية ‪ ،‬والدعوة �إلى التن�سيق‬ ‫�إن ق�ضية ال��والء وال�ب�راء تعود �إل��ى �أول�ي��اء الأم��ور وما بعد ذلك‪.‬‬ ‫يقررونه يف حالة احلرب وال�سلم‪ ،‬وال يحكم بالظواهر في�ساء‬ ‫الظن بالنا�س‪ ،‬فق�صة حاطب بن �أب��ي بلتعة متنع ذلك‪،‬‬ ‫اقرتاحات ملكافحة التطرف‪:‬‬ ‫والتعامل الإن�ساين مع املخالفني من الأخ�لاق الإ�سالمية‬ ‫الفا�ضلة‪ ،‬يقول الإمام علي ر�ضي اهلل عنه‪ :‬النا�س �إما �أخ ‪ )1‬و�ضع �أن�شطة وبرامج ت�ستقطب ال�شباب لتح�صينهم من‬ ‫لك يف الدين �أو �شريكك يف اخللق (ال ينهاكم اهلل عن الذين االنزالق يف �أوحال الغلو؛‬ ‫مل يقاتلوكم يف الدين ومل يخرجوكم من دياركم �أن تربوهم‬ ‫‪ )2‬تربية الأوالد يف املدار�س والبيوت على الفكر الو�سطي؛‬ ‫وتق�سطوا �إليهم واهلل يحب املق�سطني)‪.‬‬ ‫فكره دين املرء ال يقت�ضي كره املرء نف�سه بال�ضرورة‪ )3 ،‬انتاج كتب فكرية �إ�سالمية جديدة حتى ال يعي�ش �شباب‬ ‫ال�صحوة الإ�سالمية املعا�صرة على الأفكار املعلبة املنتهية‬ ‫فاملحبة القلبية �إما تعبدية بني امل�ؤمنني‪ ،‬و�إما جبلية �إن�سانية‪ ،‬ال�صالحية‪ ،‬ونحن يف الع�صر الرقمي؛‬ ‫فمحبة امل�سلم زوجته الكتابية �أمر مطلوب‪.‬‬ ‫‪ )4‬تبني �أ�سلوب احلوار وخلق �أجواء ودية حتيي روح الرحمة‬ ‫والغريب يف الأمر �أن تنظيم القاعدة و�صل يف التكفري والت�سامح‪ ،‬على غرار املقاربة املوريتانية‪ ،‬يف احلوار بني‬ ‫�إلى التكفري بالدار واجلن�سية ‪ ،‬ف�إذا ا�ستهدفوا دولة معينة العلماء وال�سلفيني يف ال�سجن املركزي؛‬ ‫‪ ،‬فجميع رعاياها م�ستهدفون بعمليات اخلطف والقتل ‪،‬‬ ‫‪ )5‬تنظيم حمالت حت�سي�سية يف املدن الكربى والقرى الريفية؛‬ ‫وال�سلوك الإ�سالمي ال ي�أخذ �أحدا بجريرة غريه‪.‬‬ ‫ اخلالفة الرا�شدة ‪ :‬من ال�شبه التي يعتمد عليها الفكر ‪ )6‬ت�أمني منطقة ال�صحراء بتجميع القرى وتوفري �سبل‬‫املتطرف حديث ع��ودة اخل�لاف��ة ال��را��ش��دة بعد امللك احلياة‪ ،‬و�شق الطرق لربط الأطراف باملراكز‪.‬‬ ‫‪� 42‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫دراسات الوسطية‬

‫التدين واملقايي�س الإختزالية‬ ‫الأ�ستاذ‪� /‬سامي املاجد‪ ‬‬

‫و�سعته ال�صحوة من النا�س يف ت�أثريها‪ ،‬بل بقيت كما هي‬ ‫ألقاب تزكي ٍة اختزلت التد ّين يف هيئة‪ ،‬وجعلته‬ ‫مذ ُولدت � َ‬ ‫منوط ًا بها‪ ،‬فمن حقّق ال�شعائر املتعلقة بالهيئة خُ لع عليه‬ ‫�ضفيت عليه �شارة ال�صالح‪ ،‬فال ي�ضريه بع ُد‬ ‫هذا اللقب‪ ،‬و�أُ ْ‬ ‫يق�صر يف غريها‪ ،‬ومن تخ ّلفت فيه �صفة من �صفاتها‬ ‫�أن ِّ‬ ‫وج ّرد من ذلك الت�شريف‪ ،‬ثم ال ي�شفع له‬ ‫خُ لع عنه ال ّلقب‪ُ ،‬‬ ‫�أن يكون فيه من دالئل ال�صالح ما هو �أوجب و�أعظم منها‪.‬‬

‫ي�شرتك امل�سلمون يف �أ�صل التوحيد وقاعدة الإميان‪،‬‬ ‫وعلى ما بينهم من هذا القدر امل�شرتك �إال �أنهم متفاوتون‬ ‫فيما بينهم تد ّين ًا و�صالح ًا‪� ،‬أو ظلم ًا وتفريط ًا (فمنهم‬ ‫ظامل لنف�سه‪ ،‬ومنهم مقت�صد‪ ،‬ومنهم �سابق باخلريات‬ ‫ب�إذن اهلل)‪ ،‬لكنه تفاوت ال ُيخرِ ج �أح��د ًا منهم من دائرة‬ ‫الوالء واملحبة‪ ،‬وال يرفع عنه حرمة امل�سلم‪ ،‬فكلهم موعود‬ ‫بجنة اهلل ور�ضوانه ؛ �إذ يقول اهلل يف الآي��ة التي تليها‪:‬‬ ‫}جنات عدن يدخلونها{ حتى الظامل لنف�سه منهم‪ ،‬فم�آله‬ ‫فهي ‪ -‬كما ترى‪� -‬أحكام مرجتلة‪ ،‬متنحها نظرة خاطفة‬ ‫للجنة } ُيح ّلون فيها من �أ�ساور من ذهب ول�ؤل�ؤ ًا ولبا�سهم �إلى مظهر الرجل وهيئته‪ ،‬بل ‪ -‬يف احلقيقة ‪� -‬إلى (م�شهد‬ ‫فيها حرير{‪.‬‬ ‫�صامت) لي�س فيه فعل وال ق��ول ‪ -‬وال�ل��ذان هما املعيار‬ ‫وك �م��ا �أن ظ �ل��م ال �ن��ا���س لأن �ف �� �س �ه��م ت �ت �ع � ّدد � �ص��وره واملحك ‪ -‬فيتلقف هذه الأحكام فم ًا عن فم ؛ حتى ي�صبح‬ ‫ب �ت �ع � ّدد � �ص��ور ال �ك �ب��ائ��ر‪ ،‬ف �ك��ذا ��ص�لاح�ه��م ال ي���أت��ي يف هذا معيار ًا عام ًا ُي�سرب �صالح كل �شخ�ص من خالله‪ .‬‬ ‫� �ص��ورة واح� ��دة‪ ،‬و�إمن� ��ا ي��دخ�ل��ون��ه م��ن �أب� ��واب متفرقة‪ .‬نعم لي�س للنا�س �إال الظاهر‪ ،‬كما قال عمر ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه‬ ‫وك �م��ا ل�ل�ن��ار �سبعة �أب� ��واب‪ ،‬فللجنة منها ث�م��ان�ي��ة‪ ،‬من ‪" :-‬و�إمنا ن�ؤاخذكم الآن مبا ظهر لنا من �أعمالكم"‪ ،‬غري‬ ‫ك��ل ب��اب ُي �ن��ادى �أن��ا���س‪ ،‬و�آخ���رون ُي �ن��ا َدون م��ن ك��ل ب��اب‪� .‬أنه يجب �أن ُيفهم �أن الظاهر املق�صود هو ما ظهر للنا�س‬ ‫�إذ ًا لي�س لل�صالح وج ٌه واح ٌد ال ُيعرف �إال به‪ ،‬وال مظهر واحد من فعل الإن�سان وقوله و�سلوكه ال جم ّرد ما ظهر من هيئته‪،‬‬ ‫ال تت�شكل �صورة ال�صالح �إال منه‪ ،‬وال مقايي�س �شكلية تقوم فهذا ظاه ٌر ال يدل �إال على نف�سه‪ ،‬وال داللة له على غريه‪ ،‬ال‬ ‫بظاهر بدن الرجل وهيئته فتُختزل فيها �صورة ال�صالح‪ .‬نفي ًا وال �إثبات ًا‪ ،‬وال مدح ًا وال ذ ّم ًا‪ .‬وعمر قال‪" :‬ما ظهر لنا‬ ‫من �أعمالكم" ومل يقل‪" :‬من هيئتكم �أو مظهركم"‪.‬‬ ‫واخ �ت��زال ال�ت��د ّي��ن يف مقايي�س �شكلية ‪-‬ن�سبة �إل��ى‬ ‫لي�س التدين حم�صور ًا بب�ضع �شعائر تقوم بظاهر‬ ‫ال�شكل ال �إلى ما يقابل اجلوهر‪ ،‬بحيث تكون هي امل�ؤهل‬ ‫الوحيد ال�ستحقاق و��ص��ف ال�ت��دي��ن‪ ،‬فتغني ع��ن غريها البدن‪ ،‬بل هو م�شاعر �إميانية يفي�ض بها القلب‪ ،‬و�سلوك‬ ‫حتجيم الوالء يف دائرة �ضيق ٍة‬ ‫يف �إ� �ض �ف��ائ��ه‪ ،‬وال يغني غ�يره��ا ع�ن��د ع��دم �ه��ا‪ -‬ه��و من طاهر يقوم باجلوارح‪ .‬و�إنَّ‬ ‫َ‬ ‫�سمات ظاهرة ُيف�ضي �إل��ى ت�شطري املجتمع �إلى‬ ‫جملة تلك الأخ �ط��اء ال�ت��ي ُو ِل ��دت م��ع م�ي�لاد ال�صحوة‪ .‬حتك ُمها‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ير متعاونة‪ ،‬تت�سع‬ ‫فئات متنافر ٍة‪� ،‬أو على �أق��ل تقدير غ� ِ‬ ‫لقد �أحدثت ال�صحوة تغيري ًا يف املجتمع جتاوز تغيري ال�سَّمت‬ ‫واملظهر‪ ،‬فقد كانت ‪ -‬مذ ظهرت‪� -‬صحو ًة يف العقيدة‪ ،‬ويف بينها الفجو ُة واجلفوة‪ ،‬وت�صبح ك�أنّها ال تلتقي على �شيء!‪ ‬‬ ‫ال�سمات الظاهرة حيث و�ضعها‬ ‫الفكر‪ ،‬ويف املنهج‪ ،‬ويف ال�سلوك‪ ،‬ويف ال�شعور‪ ،‬بيد �أن الألقاب فيجب �أن تُو�ضع ه��ذه‬ ‫ُ‬ ‫التي ُولدت معها كـ(التد ّين) مل متت ّد امتدادها‪ ،‬ومل تَ�سع ما ال�شّ رع‪ ،‬بال تهويل وال ا�ستهانة‪ ،‬والذي يعني �أنها �شعرية من‬ ‫عا�ص‪،‬‬ ‫َ ْ ال�شعائر فح�سب‪ ،‬املحقق لها مطيع‪،‬‬ ‫واملق�صر فيها ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪43‬‬


‫ال�صالح املطلق‪ ،‬وال �أن‬ ‫ال �شار َة كمال تُ�ضفي على �صاحبها‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫عل �أ� ً‬ ‫تجُ َ‬ ‫صال من �أ�صول الإ�سالم ُيجعل فرقانا بني الوالء‬ ‫يجز لأحد اال�ستهانة بها؛‬ ‫والرباء‪ ،‬واملح ّبة والبغ�ضاء‪ .‬و�إذ مل ُ‬ ‫ُ‬ ‫فال يجوز له �أن يق ّدرها فوق قدرها‪ ،‬ف�إنها �إن �أعطيت فوق‬ ‫اللوازم الباطلة‪ ،‬من �إطالق ال�صالح ملن‬ ‫تواردت عليها‬ ‫ذلك‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫حتقّقت فيه ب�إطالق‪� ،‬أو نفيِه عن غريه ب�إطالق‪ .‬‬ ‫م��ن احلقائق التي ال يختلف فيها ع��اق�لان �أن وج��ود‬ ‫�صالح‬ ‫بع�ض ِ�سمات ال�صالح الظاهرة ال يدلّ على كمالِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫�دم وج��وده��ا ال ي��دل بال�ضرورة‬ ‫الباطن ب��ال���ض��رورة‪ ،‬وع � ُ‬ ‫ع�ل��ى ف���س��اد ال �ب��اط��ن‪ ،‬ف �ل �م��اذا يجعلها ب�ع��ُ��ض�ن��ا َح� َك�م� ًا‬ ‫يمُ �ل��ي عليه ط��ري�ق� َة التعامل وي���ص� ِّرف ل��ه بها والءات ��ه؟‬ ‫ومل��اذا تتعامى ب�صائرنا ع��ن ه��ذه احلقيقة الب�سيطة؟!‬ ‫بع�ض ال�سمات الظاهرة‬ ‫�إن��ك قد تفتق ُد يف بع�ض النا�س َ‬ ‫لل�صالح‪ ،‬لكنّك ال تفتقد فيه معامل �أخرى لل�صالح هي �أهم‬ ‫و�أوجب؛ ك�سالمة ال�صدر‪ِ ،‬‬ ‫وعفَّة الل�سان‪ ،‬وا�ستقامة الفكر‪،‬‬ ‫ولني اجلانب‪ ،‬وبذل املال يف �سبيل اهلل‪ ،‬وتعظيم قدر ال�صالة‪،‬‬ ‫والتذ ُّمم للنا�س‪ ،‬و�أداء حقو ِقهم‪ .‬فهل تُلغى ه��ذه املعامل‬ ‫العظيمة لل�صالح لأجل افتقاد ٍ‬ ‫�شيء من ال�سمات الظاهرة!‬ ‫�ألي�س ه��ذا ب�أولى مبزيد من الب�شا�شة واملح ّبة من ذلك‬ ‫‪� 44‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ال��ذي تنا ّمت فيه تلك الهيئة املانحة لو�سام (التد ّين)‬ ‫وبدت منه قبائح ال ي�سرتها جمال هيئة وال ح�سن َ�س ْمت؛‬ ‫كاال�ستطالة يف الأع ��را� ��ض‪ ،‬وب� ��ذاءة ال�ل���س��ان‪ ،‬وت�ضييع‬ ‫احلقوق‪ ،‬وخفر الذمم‪ ،‬وغلبة احل�سد واحلقد و�سوء الظن؟!‬ ‫�صحح مفهوم التد ّين لدى النا�س‪ ،‬حتى يدركوا �أن‬ ‫يجب �أن ُي ّ‬ ‫يخت�ص‬ ‫�سمات خا�ص ٌة باملظهر‪ ،‬وال‬ ‫و�صف التد ّين ال حتتك ُره‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بهيئات يتل ّب�سها‬ ‫بطائفة تتميَّز مبظهرها‪ ،‬وكي ال ينخدعوا‬ ‫رج��ال خ � ّداع��ون؛ لتزكيهم بها العيون‪ ،‬وت��أم��ن خيانتهم‬ ‫القلوب‪.‬‬ ‫وي �ج��ب �أن ُي���ص� ّ�ح��ح م�ف�ه��وم ال �ت��د ّي��ن ك��ي ت ��زول تلك‬ ‫ال�ن�ف��رة ال�ت��ي ق��د ت�ب��دو م��ن بع�ض ال�ن��ا���س تجُ ��اه �آخ��ري��ن‬ ‫ب �� �س �ب��ب ن� �ظ ��رة خ��اط��ف��ة ال جت� � ��اوز م�ل�ام ��ح ال ��وج ��ه‪.‬‬ ‫و�أخ��ي��ر ًا �أرج� ��و �أ ّال ُي �ف � َه��م م��ن ه ��ذا ت�ه��وي�ن� ًا م��ن بع�ض‬ ‫ق�صدت‬ ‫ال���ش�ع��ائ��ر‪� ،‬أو ت���س��وي�غ� ًا للتق�صري ف�ي�ه��ا‪� ،‬إمن ��ا‬ ‫ُ‬ ‫الإن �ك��ا َر لتقديرها ف��وق ق��دره��ا‪ ،‬ول�ت�ه��وي��نِ � �ش ��أن غريها‬ ‫امل�صدر‪ :‬الإ�سالم اليوم‪ ‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫�أثر كلمة التوحيد‬ ‫يف نورانية القلوب‬ ‫�إن البداية ال�صحيحة يف الطريق �إلى اهلل �سبحانه‬ ‫وتعالى هي كلمة التوحيد؛ "ال �إل��ه �إال اهلل" فبها ي�ضيء‬ ‫القلب وبها توهب له احلياة‪ .‬وكلما بعد الإن�سان عن كلمة‬ ‫التوحيد كلما اقرتب من املر�ض واملوت‪ ،‬و�أظلم قلبه وا�سود‪.‬‬ ‫ومن ثم ف�إن املربني الرا�شدين ي�ضعون ن�صب �أعينهم �أن‬ ‫ميل�ؤوا قلب املبتدئ مبعاين ال �إله �إال اهلل حممد ر�سول اهلل‪،‬‬ ‫فمتى ا�ستنار القلب بنور التوحيد وان�سجم �سلوك الإن�سان‬ ‫مع �سنة نبيه �صلى اهلل عليه و�سلم من خالل علم وعمل‬ ‫وذكر والتزام �صحيح بكتاب ربه و�سنة نبيه‪ ،‬ف�إن تغيريا‬ ‫هائال يحدث يف ذلك الإن�سان ويظهر عليه من الأعمال‬ ‫ما يحري العقول ويده�شها من الفتح ال��رب��اين والثبات‬ ‫وال�صمود والبذل واجلهاد والدعوة والعلم‪.‬‬ ‫�إن ال��ع��رب ق �ب��ل الإ�� �س�ل�ام مل ت �ك��ن ل �ه��م ح���ض��ارة‬ ‫ت ��ذك ��ر‪ ،‬وال ث �ق��اف��ة ع��ري �ق��ة ي� �ع ��ودون �إل �ي �ه��ا وال خ�برة‬ ‫ل �ه��م ب��احل �ك��م والإدارة وال ب��ال �ت �ق��دم واالب� �ت� �ك ��ار‪...‬‬ ‫ولكنهم قبلوا كلمة التوحيد‪ ،‬وحتققت بها قلوبهم و�أنارت‬ ‫كما قال اهلل �سبحانه عنهم ‪َ } :‬و�أَ ْل��زَ َم� ُه� ْ�م َك ِل َم َة التَّ ْق َوى‬ ‫َو َكا ُنوا �أَ َحقَّ ِب َها َو�أَ ْه َل َها{ (الفتح‪ :‬من الآية‪ ،)26‬ف�صاروا �أهل‬ ‫كلمة التوحيد وان�سجم �سلوكهم مع القر�آن ـ كتاب التوحيد‬ ‫ـ فتغري حالهم وخرجت الأعاجيب من �أفعالهم و�صاروا نور‬ ‫الدنيا �أجمعها وهداة اخللق �أجمعني ودانت لهم الأر�ض‬ ‫بجوانبها ف���ص��اروا �أق��وى �أم��ة و�أرق ��ى ح�ضارة وهزموا‬ ‫املمالك والدول العظمى و�أخذ �شعوب العامل دين الإ�سالم‬ ‫دينا لهم‪.‬‬

‫الأ�ستاذ‪ /‬خالد رو�شة‪ ‬‬

‫الطريق‪� ،‬إنها كلمة التوحيد و�سلوكهم تبعا ل�سنة النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم من خالل علم وعمل وتفاعل وعطاء‪،‬‬ ‫�إن هذا وحده هو الذي �سيخت�صر الطريق ويعيد لنا املا�ضي‬ ‫املجيد ؛ �إذ �إنه بهذه الكلمة �سيوجد الإن�سان الراقي ذو‬ ‫القلب ال�سليم وهو لبنة بناء ال�شعوب الفائزة واملنت�صرة‪.‬‬ ‫�أ�شعة ال �إله �إال اهلل‪ ...‬‬ ‫ي� � �ق � ��ول الإم � � � � � ��ام اب�� � ��ن ال � �ق � �ي� ��م رح� � �م � ��ه اهلل‪.‬‬ ‫"اعلم �أن �أ�شعة ال �إله �إال اهلل تبدد �ضباب الذنوب وغيومها‬ ‫بقدر قوة ذلك ال�شعاع و�ضعفه‪ ،‬فلها نور‪ ،‬وتفاوت �أهلها يف‬ ‫ذلك النور ـ قوة و�ضعفا ـ ال يح�صيه �إال اهلل تعالى؛ فمن‬ ‫النا�س من نور هذه الكلمة يف قلبه كال�شم�س‪ ،‬ومنهم من‬ ‫نورها يف قلبه كالكوكب الدري‪ ،‬ومنهم من نورها يف قلبه‬ ‫كامل�شعل العظيم‪ ،‬و�آخر كال�سراج امل�ضيء‪ ،‬و�آخر كال�سراج‬ ‫ال�ضعيف‪ ،‬ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة ب�أميانهم وبني‬ ‫�أيديهم على هذا املقدار‪ ،‬بح�سب ما يف قلوبهم من نور هذه‬ ‫الكلمة علما وعمال‪ ،‬ومعرفة وحاال”‪ .‬مدارج ال�سالكني‪.‬‬

‫�إن عباد اهلل ال�صاحلني‪ ...‬يعي�شون يف هذه الدنيا مع‬ ‫النا�س وبينهم ولكن قلوبهم متعلقة بالآخرة‪� ،‬إن قلوبهم‬ ‫حتيا يف ح�ي��اة رغ��ده �سعيدة ه��ان�ئ��ة‪ ،‬ل��و عرفها امللوك‬ ‫لقاتلوهم عليها ؛ لأنها �أل��ذ من لذاتهم و�أروح لأنف�سهم‬ ‫وريحانا لقلوبهم يف ذات الوقت ال��ذي يعانى يف النا�س‬ ‫من حولهم من الأمل والقلق واحل�يرة والتخبط والتنازع‬ ‫والتقاتل‪.‬‬ ‫وال � �ي� ��وم وامل �� �س �ل �م��ون يف ح� ��ال ت �خ �ل��ف وان� �ح���دار‬ ‫يقول اهلل �سبحانه ‪�} :‬أَ َو َم ْن َك َان َم ْيت ًا َف�أَ ْح َي ْينَا ُه َو َج َع ْلنَا‬ ‫َّا�س َك َم ْن َم َث ُل ُه فيِ ُّ‬ ‫الظ ُل َم ِ‬ ‫ات َل ْي َ�س‬ ‫و�� �ض� �ع ��ف وه� ��زمي� ��ة وا�� �س� �ت� �ه� �ت ��ار ح� �ت ��ى �� � �ص � ��اروا يف َل ُه ُنور ًا يمَ ْ ِ�شي ِب ِه فيِ الن ِ‬ ‫ذي � ��ل الأم � � ��م وا���س��ت��ه��ان��ت ب��ه��م ال � �ق� ��وى ال��ع��امل��ي��ة‪ .‬بِخَ ار ٍِج ِم ْن َها{ (الأنعام‪ :‬من الآية‪.)122‬‬ ‫�إن �شيئا واح��دا ه��و ال��ذي �سيعيد لهم املجد ويخت�صر‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪45‬‬


‫�إن �ه��ا ث�لاث��ة �آث ��ار بها ي�ح��دو ال �ن��ور �إل��ى قلب امل ��ؤم��ن‪،‬‬ ‫فالأول كان ميتا فا�ستنار قلبه بالإميان ودبت فيه احلياة‬ ‫وهو امل�ؤمن ال�صالح والثاين الغافل املعر�ض عن ذكره يف وبزيادتها يزداد نوره حتى ال تبقى به ظلمة‪ ،‬ف�أما الأول‪:‬‬ ‫الظلمات‪ ...‬قد مات قلبه‪.‬‬ ‫فهو كلمة التوحيد وحتقيق �شروطها و�أم��ا الثاين فهو نبذ‬ ‫الذنب والإقبال على العبادة‪ ،‬و�أما الثالث فهو حتقيق معاين‬ ‫نور الإميان‪ ...‬‬ ‫العبودية ظاهرا وباطنا‪..‬‬ ‫قال الإمام ابن القيم رحمه اهلل ‪“ :‬وال�ش�أن كل ال�ش�أن‬ ‫�أما الأثر الأول‪ :‬فهو �أثر كلمة التوحيد “ال �إله �إال اهلل”‬ ‫والفالح كل الفالح يف النور كل النور‪ ،‬وال�شقاء يف فواته”‪ .‬يف القلب و�أث��ر العلم بها نفيا و�إثباتا وتطبيق �شروطها‬ ‫الوابل ال�صيب‬ ‫باحلقيقة‪ ،‬والإخال�ص لها والإقبال عليها‪ ،‬فمن قام بذلك‬ ‫يقول الإمام ‪“ :‬ولهذا كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم خرج من ظلمة الغفلة �إيل نور التوحيد‪ ،‬وعالمة ذلك كره‬ ‫يبالغ يف �س�ؤال ربه تبارك وتعالى حني ي�س�أله �أن يجعل النور ال�شرك بجميع �صوره و�أ�شكاله ونبذه‪ ،‬وال�براءة منه قوال‬ ‫يف حلمه وعظامه و�شعره وب�شره و�سمعه وب�صره ومن فوقه وعمال واعتقادا‪ ،‬وكذلك ف�إن من عالماته الإقبال على اهلل‬ ‫ومن حتته وعن ميينه وعن �شماله وخلفه و�أمامه حتى يقول‪ :‬بالكلية وحماولة تنقية الأعمال من مراءاة النا�س وحماولة‬ ‫(واجعلني نورا)‪( .‬رواه البخاري وم�سلم واللفظ واجعلني مل�سلم ويف جمع القلب على اهلل _�سبحانه_‪ ،‬فمن قام بذلك حدا‬ ‫النور نحو يف �أول �آثاره‪ ،‬ووجد ذلك يف قلبه وحياته‪.‬‬ ‫البخاري واجعل يل)‬ ‫�أنوار حتيط بامل�ؤمن‪ :‬‬ ‫ق��ال الإم��ام اب��ن القيم‪“ :‬فدين اهلل _ع��ز وجل_‬ ‫ن��ور‪ ،‬وكتابه ن��ور‪ ،‬وداره التي �أعدها لأوليائه ن��ور يتلألأ‪،‬‬ ‫وهو تبارك وتعالى نور ال�سماوات والأر���ض‪ ،‬ومن �أ�سمائه‬ ‫النور‪ ،‬و�أ�شرقت الظلمات لنور وجهه” الوابل ال�صيب‪.‬‬ ‫وق��ال اب��ن م�سعود ر�ضي اهلل عنه ‪ :‬لي�س عند ربكم ليل‬ ‫وال ن�ه��ار‪ ،‬ن��ور ال���س�م��اوات م��ن ن��ور وج�ه��ه‪ .‬وق��ال تعالى ‪:‬‬ ‫الَ ْر� �ُ�ض ِبنُو ِر َر ِّب� َه��ا{ (ال��زم��ر‪ :‬من الآي ��ة‪ )69‬ف�إذا‬ ‫} َو�أَ� ْ��ش� َر َق� ِ�ت ْ أ‬ ‫ج��اء ت �ب��ارك وت �ع��ال��ى ي��وم ال�ق�ي��ام��ة للف�صل ب�ين ع�ب��ادة‬ ‫�أ�شرقت بنورها الأر���ض ولي�س �إ�شراقها يومئذ ب�شم�س وال‬ ‫قمر‪ ،‬ف�إن ال�شم�س تكور والقمر يخ�سف ويذهب نورهما‪.‬‬ ‫وحجابه تبارك وتعالى النور؛ ق��ال �أب��و مو�سى‪ :‬ق��ام فينا‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بخم�س كلمات‪ ،‬فقال‪�“ :‬إن‬ ‫اهلل ال ينام وال ينبغي له �أن ينام‪ ،‬يخف�ض الق�سط ويرفعه‪،‬‬ ‫يرفع �إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل‪،‬‬ ‫حجابه النور‪ ،‬ولو ك�شفه لأحرقت �سبحات وجهه ما انتهى‬ ‫�إليه ب�صره من خلقه” رواه م�سلم عن �أبي مو�سى‪ ،‬فا�ستنارة‬ ‫ذلك احلجاب بنور وجهه �سبحانه‪ ،‬ولواله لأحرقت �سبحات‬ ‫وجهه ون��وره ما انتهى �إليه ب�صره‪ ،‬ولهذا ملا جتلى تبارك‬ ‫وتعالى للجبل وك�شف من احلجاب �شيئا ي�سريا جدا �ساخ‬ ‫اجلبل يف الأر���ض وتد كدك ومل يقم لربه تبارك وتعالى‪،‬‬ ‫وه��ذا معنى ق��ول اب��ن عبا�س على قوله �سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫الَ ْب َ�صا ُر{ (الأنعام‪ :‬من الآية‪ )103‬قال ‪“ :‬ذلك اهلل‬ ‫}ال ت ُْد ِر ُك ُه ْ أ‬ ‫عز وجل �إذا جتلى بنوره مل يقم له �شيء وهذا من بديع‬ ‫فهمه ر�ضي اهلل عنه ودقيق فطنته‪ ”...‬الوابل ال�صيب‪.‬‬ ‫كيف يحدو النور �إلى القلب؟!!‪ ‬‬ ‫‪� 46‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫الأث��ر الثاين‪ :‬وهو �أثر نبذ الذنب والإكثار من العبادة‬ ‫والذكر حتى �إنه ليكره الذنب متاما ويتوب من ذنبه التوبة‬ ‫الن�صوح وين�سى ل��ذة الذنب ويكره �أن يعود �إليه ويفارق‬ ‫املعا�صي كفراق امل�شرق للمغرب‪ ،‬وهو دعاء النبي _�صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم_‪( ،‬اللهم باعد بيني وبني خطاياي كما‬ ‫باعدت بني امل�شرق واملغرب) رواه البخاري عن �أبي هريرة‪،‬‬ ‫وكذلك �أن يكرث من الطاعات فيقوم بحق الفرائ�ض كاملة‬ ‫غري منقو�صة ثم يكرث ما �شاء اهلل له من النوافل وهو جاء‬ ‫يف احلديث القد�سي‪( :‬ومازال عبدي يتقرب �إلى بالنوافل‬ ‫حتى �أحبه)‪ ،‬ثم يكرث من ذكر اهلل _�سبحانه وتعالى_‬ ‫قياما وقعودا ليال ونهارا �سرا وجهارا وهو قول اهلل تعالى‪:‬‬ ‫ون َ‬ ‫اللهَّ ِق َيام ًا َو ُق ُعود ًا َو َع َلى ُجنُوبِهِ ْم{ (�آل‬ ‫ين َيذْ ُك ُر َ‬ ‫}ال َِّذ َ‬ ‫عمران‪ :‬من الآي��ة‪ ,)191‬وقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬ال‬ ‫ي��زال ل�سانك رطبا من ذك��ر اهلل) رواه �أحمد والرتمذي‪.‬‬ ‫ف ��إذا نبذ الذنب و�أقبل على العبادة وم�ل�أ قلبه وجوانحه‬ ‫ذكرا هلل �سبحانه‪ ،‬حدا �إليه النور خطوة �أخرى ووجد ثاين‬ ‫�آثاره‪� ،‬إذ ي�شعر بالنور يف قلبه ويبد�أ يف التحرر من �سجن‬ ‫الدنيا ويجد نف�سه حرا خفيفا من �أثر نف�سه وهواه ودنياه‪.‬‬ ‫وي�شعر بلذة الطاعة ت�سري يف عروقه‪.‬‬ ‫الأثر الثالث‪ :‬وهو �أثر حتقيق معاين العبودية الكاملة‬ ‫وه��و ق��ول �شيخ الإ� �س�لام اب��ن تيمية _رح�م��ه اهلل_‪:‬‬ ‫""من �أراد ال�سعادة الأب��دي��ة فليلزم عتبة العبودية "‪.‬‬ ‫فيقوم امل�ؤمن بالتدريج يف مراتب العبودية �شيئا ف�شيئا‬ ‫م�ستعينا باهلل عز وجل‪ ،‬يقول اهلل _�سبحانه وتعالى_‪:‬‬ ‫�اه � ُدوا ِفينَا َل َن ْه ِد َينَّ ُه ْم ُ�س ُب َلنَا َو ِ�إنَّ َ‬ ‫اللهَّ لمَ َ� َع‬ ‫} َوالَّ� ِ�ذي� َ�ن َج� َ‬ ‫المْ ُ ْح ِ�س ِن َني{ (العنكبوت‪ ،)69:‬فيقوم باجلهاد يف �سبيل اهلل‬


‫بنف�سه وماله وما يحب‪ ،‬ويح�سن خلقه مع النا�س‪ ،‬وترقى‬ ‫منزلته يف م �ن��ازل ال�ع�ب��ودي��ة‪ ،‬فيحقق ال�ت��وب��ة والإن��اب��ة‪،‬‬ ‫والتفكري واالعت�صام ب��اهلل‪ ،‬واخل��وف منه‪ ،‬والفرار �إليه‪،‬‬ ‫والإ�شفاق من عذابه‪ ،‬والإخبات �إليه‪ ،‬والزهد فيما عند‬ ‫النا�س‪ ،‬وال��ورع فيما بني يديه‪ ،‬والإخال�ص يف كل �سكناته‬ ‫وح��رك��ات��ه‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬والثقة مب��ا يف ي��دي��ه‪ ،‬والر�ضا‬ ‫بق�ضائه‪ ،‬واحل�ي��اء منه‪ ،‬والطم�أنينة يف ذك��ره‪ ،‬واملحبة‬ ‫له‪ ،‬والفرح بقربه‪� ...‬إلى غري ذلك من مراتب العبودية‪ .‬‬ ‫ف�إذا حقق ذلك هداه اهلل �سبحانه ون�صره على ال�شيطان‬ ‫وعلى هوى نف�سه‪ ،‬ووجد �أثر النور يف قلبه وي�ضئ طريقه‪...‬‬ ‫ويثبته يف الفنت‪...‬‬ ‫كيف ي�ؤدي النور عمله؟‬ ‫�إن عمل النور يف قلب الإن�سان ك�شاف م�ضيء يف ليل مظلم‪،‬‬ ‫فهو الذي يك�شف لك الأ�شياء على حقيقتها‪ ،‬فرتاها كما هي‬ ‫وال تراها �أبدا كما زينت يف الدنيا والكما زينها ال�شيطان‬ ‫للغافلني وال كما زينها ه��وى النف�س يف �أنف�س العا�صني‪.‬‬ ‫يرى الزنا فال ينظر �إليه �أنه متعه ورغبة وال يرى املر�أة يف‬ ‫وقتها بزينتها وال بجمالها‪ ،‬ولكنه ي�ضئ له فريى الزنا ظلمة‬ ‫وفقرا وغما وكبرية‪ ،‬ونهايته العذاب واحل�سرة والدمار‪...‬‬ ‫يرى الر�شوة‪ ...‬فال ينظر �إليها �أنها مال وال غنى ومتاع‪،‬‬ ‫ولكنه يراها على �أنها لعنة وح�سرة وعقبتها اخل�سران‪.‬‬

‫ي��رى ال��دن�ي��ا‪ ...‬فال يراها على �أنها متاع ب��راق وال زينة‬ ‫خالبة وال �أم��ل و�ضيء ولكن يراها دار ابتالء واختبار‬ ‫و�أنها ال ت�ساوي عند اهلل �شيئا‪ ...‬وهكذا يعمل النور‪...‬‬ ‫لذلك فالبد للعاملني هلل �سبحانه من البحث عن كيفية‬ ‫�إي �ج��اد ال �ن��ور يف قلوبهم وكيفية ت�ن��وي��ر قلوبهم ل�يروا‬ ‫حقائق الأ��ش�ي��اء وي�سريوا على ه��دي م��ن اهلل �سبحانه‪.‬‬ ‫وف��ق��دان ه ��ذا ال �ن��ور ظلمة وط�م����س للب�صرية وتخبط‬ ‫وت�ع�ثر وه��م و��ض�ي��ق ��ص��در دائ ��م‪ ،‬ق��ال اهلل(��س�ب�ح��ان��ه)‪:‬‬ ‫}�أَ َف َم ْن �شَ َر َح ُ‬ ‫الم َف ُه َو َع َلى ُنو ٍر ِم ْن َر ِّب ِه َف َو ْي ٌل‬ ‫اللهَّ َ�ص ْد َر ُه ِل ْ إِ‬ ‫ل ْ�س ِ‬ ‫َا�س َي ِة ُق ُلو ُب ُه ْم ِم ْن ِذ ْكرِ ا ِ‬ ‫ِل ْلق ِ‬ ‫للهَّ‪( {...‬الزمر‪ :‬من الآية‪ )22‬الآيات‪.‬‬ ‫�ان َم ْيت ًا َف َ�أ ْح َي ْينَا ُه َو َج َع ْلنَا‬ ‫وق��ال (�سبحانه)‪�} :‬أَ َو َم � ْ�ن َك� َ‬ ‫َل � ُه ُن ��ور ًا يمَ ْ �� ِ��ش��ي ِب � ِه فيِ ال�نَّ��ا�� ِ�س َك� َم� ْ�ن َم� َث� ُل� ُه فيِ ُّ‬ ‫الظ ُل َم ِ‬ ‫ات‬ ‫َل� ْي��� َ�س ِب��خَ ��ار ٍِج ِم � ْن � َه��ا‪( {...‬الأن� �ع ��ام‪ :‬م��ن الآي�� ��ة‪ )122‬الآي ��ات‪.‬‬ ‫قال الإمام ابن القيم ـ رحمه اهلل ـ‪�“ :‬أ�صل كل خري للعباد ـ‬ ‫بل لكل حي ناطق ـ كمال حياته ونوره فاحلياة والنور مادة كل‬ ‫خري‪ ..‬فباحلياة تكون قوته و�سمعه وب�صره وحيا�ؤه وعفته‪..‬‬ ‫وكذلك �إذا قوي نوره‪ ،‬و�إ�شراقه انك�شفت له �صور املعلومات‬ ‫وحقائقها على ما هي عليه‪ ،‬فا�ستبان ح�سن احل�سن بنوره‬ ‫و�آث��ره بحياته‪ .‬وكذلك قبح القبيح” (�إغاثة اللهفان) ‪.‬‬ ‫امل�صدر‪ :‬امل�سلم نت‪ ‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪47‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫ثقافة التقريب بني املذاهب‬ ‫حتليل وت�أ�صيل‬ ‫(اجلزء الثاين)‬

‫د‪.‬عزمي طه ال�سيد �أحمد‬

‫�أو ًال‪ :‬ثقافة التقريب بني املذاهب التي تخ�ص‬ ‫املذاهب الفكرية العقدية‪.‬‬

‫الأ�سا�سية امل�شرتكة بني مذهبهم واملذاهب الأخرى‪ ،‬و�أن‬ ‫يحاولوا �إبرازها والرجوع �إليها فيما ميكن �أن يكون بينهم‬ ‫من ح��وار حول الأفكار املختلف فيها‪ ،‬ف��إذا �أمكن تقليل‬ ‫موا�ضيع اخلالف وتكثري موا�ضيع االتفاق‪� ،‬أدى ذلك �إلى‬ ‫التقريب املن�شود؛ ثم �إنه ال ب ّد يف احلوار بني املذاهب‪ ،‬من‬ ‫�أن تكون غايته الت�شارك بني املتحاورين من �أجل الو�صول‬ ‫�إلى �أ�صوب الأفكار �أو االق�تراب من ذلك ما �أمكن‪ ،‬ف�إن‬ ‫مل يحدث ذلك وبقيت �أفكار خمتلف فيها‪ ،‬فعلى �أ�صحاب‬ ‫املذاهب �أن يعذروا بع�ضهم فيما اختلفوا فيه‪ ،‬ويحرتم‬ ‫كل واحد منهم اجتهاد نظرائه الفكري‪ ،‬وال يجعلوا هذا‬ ‫مدخ ًال للطعن والتباعد‪.‬‬

‫املذهب الفكري �أو العقدي هو ذلك الذي ي�ؤمن �أ�صحابه‬ ‫و�أتباعه ب�صواب جمموعة من الأفكار واملبادئ �أو الر�ؤى‬ ‫التي تتعلق بحقيقة الإن�سان واحلياة والوجود �أو حقيقة‬ ‫بع�ض اجل��وان��ب منها‪ ،‬وي��رون �أن ه��ذه الأف�ك��ار واملبادئ‬ ‫والر�ؤى هي التي ينبغي �أن توجه �سلوكهم يف احلياة ليتحقق‬ ‫لهم اخل�ير وال�سعادة‪ ،‬و�أن�ه��ا لذلك ت�ستحق �أن ُي�ضحى‬ ‫الإن�سان من �أجلها‪ .‬ولذلك قيل يف االعتقادات بعامة �إنها‬ ‫"عقدة على القلب"‪ .‬وتكون املذاهب الفكرية العقدية يف‬ ‫الغالب �أميل �إلى الثبات وعدم التغري يف �أفكارها وما ت�ؤمن‬ ‫هذه الثقافة ميكن تطبيقها على املذاهب االعتقادية‬ ‫به‪ ،‬ومع ذلك ف�إنه غالب ًا ما يجري على املذاهب التعديل �أو‬ ‫الإ�سالمية املعروفة با�سم الفرق االعتقادية‪ ،‬فهي مذاهب‬ ‫التطوير‪.‬‬ ‫متفقة يف �أ�صول االعتقاد الكربى‪ ،‬وتختلف يف اجتهاداتها‬ ‫وال� �ب ��اح� �ث ��ون يف امل� ��ذاه� ��ب ال �ف �ك��ري �ـ �ـ��ة ال�ع�ق��دي�ـ�ـ��ة يف ق�ضايا اعتقادية فرعية كلها �أو بع�ضها‪ .‬وهنا ميكن‬ ‫(الإيديولوجيــات) يربطـون هــذه‬ ‫لأ�صحاب هذه املذاهب �إن �أرادوا التقريب فيما بينهم‪،‬‬ ‫الأفكار التي يعتقدها مذهب ما بفئة معينة من فئات �أن يتم�سكوا ويركزوا على ما عليه اتفاق بينهم‪ ،‬ويتحاوروا‬ ‫املجتمع (ط�ب�ق��ة‪ ،‬ع ��رق‪ ،‬ج�ي��ل‪ ،‬زم ��رة ذات خ�صائ�ص حول ما هم فيه خمتلفون‪.‬‬ ‫اجتماعية �أو ثقافية خ��ا��ص��ة‪� ...‬إل��خ) لها حاجاتها �أو‬ ‫�أما جانب امل�صالح واحلاجات والطموحات لأ�صحاب‬ ‫م�صاحلها �أو طموحاتها‪ ،‬وتكون �أفكارهم ونظرياتهم املذهب التي �أ�شرنا �إلى ارتباطها ب�أفكار املذهب ونظرياته‪،‬‬ ‫ملبية لها‪.‬‬ ‫فلعلها هي العقبة الكربى �أمام التقريب بني املذاهب‪ ،‬وذلك‬ ‫�إذا ركزنا على بعد الأف�ك��ار والعقائد يف ه��ذا النوع حني يتم�سك �أ�صحاب كل مذهب بالأفكار �أو النظريات التي‬ ‫من املذاهب بحث ًا عن التقريب بينها يف ه��ذا اجلانب‪ ،‬حتقق حاجاتهم وم�صاحلهم‪ .‬وال نرى خمرج ًا من هذه‬ ‫جند �أن �أح��د املبادئ الرئي�سة لثقافة التقريب هنا ‪،‬هو العقبة �إال بااللتزام بالثقافة الإ�سالمية املتعلقة بالتعاون‬ ‫بر والتقوى وم��ا ير�ضى اهلل‪ ،‬ويحقق‬ ‫�أن ي�سعى �أ�صحاب كل مذهب �إل��ى البحث عن الأفكار بني النا�س على ال� ّ‬ ‫امل�صلحة للأمة يف الدرجة الأولى‪ ،‬واالعت�صام بحبل اهلل‬ ‫‪� 48‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫الذي هو دينه‪ ،‬فتُقدم م�صلحة الأمة على م�صلحة املذهب‬ ‫وم�صلحة الفئة التي ميثلها‪ .‬ومعلوم �أن التعاون بني النا�س‬ ‫وبني املذاهب ال ينجح �إال �إذا تنازل الأف��راد �أو �أ�صحاب‬ ‫املذهب عن بع�ض م�صاحلهم اخلا�صة من �أجل امل�صلحة‬ ‫العامة �إميان ًا منهم �أن مثل هذا الفعل فيه مر�ضاة اهلل‪ ،‬وفيه‬ ‫�أي� ًضا احلفاظ على م�صاحلهم اخلا�صة من خالل احلفاظ‬ ‫على امل�صلحة العامة‪ .‬بهذه الثقافة ي�صبح التقريب بني‬ ‫املذاهب الفكرية واالعتقادية �أمر ًا ممكن ًا مي�سور ًا‪.‬‬

‫�إنه من باب تذكري �أهل العلم‪� ،‬أن نقول‪� :‬إن طبيعة الأحكام‬ ‫االجتهادية ظنية ولي�ست قطعية‪� ،‬إذ �إن املجتهد ي�ستفرغ‬ ‫و�سعه وجهده يف بيان مراد اهلل يف الواقعة �أو الأمر الذي‬ ‫يجتهد فيه‪ ،‬وما دام اهلل �سبحانه وتعالى مل يعلمنا مبراده‬ ‫يف هذه الواقعة ب�صراحة‪ ،‬ف�إن املجتهد مهما بلغ من دقة‬ ‫االجتهاد‪� ،‬إال �أن الأحكام االجتهادية التي ي�صل �إليها تظل‬ ‫ظنية‪� ،‬أي هي – يف نظر �صاحبها ويف نظر غريه �أي� ًضا‪ -‬ظن‬ ‫راجح يحتمل قدر ًا ُيعتمد عليه من احتمال ال�صواب‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬ثقافة التقريب بني املذاهب التي تخ�ص‬ ‫املذاهب الفقهية ال�شرعية‪:‬‬

‫�إذا وعى �أ�صحاب املذاهب الفقهية هذه احلقيقة وعي ًا‬ ‫تام ًا‪� ،‬أ�صبـحت الطريـق بعد ذلك ممهدة للتقريب والتقارب‬ ‫فيما بينها‪ ،‬وقلَّ التع�صب للمذهب �إلى ح ّده الأدنى‪� ،‬إن مل‬ ‫نقل تال�شى متام ًا‪� ،‬إن وعى مفهوم الظن الراجح‪� ،‬أنه يحتمل‬ ‫اخلط�أ بن�سبة �أو ب��أخ��رى لكن ميل النف�س �إل��ى ال�صواب‬ ‫ودرجة احتماله �أكرب‪ ،‬ال يجعل من املرء متع�صب ًا ملذهبه‪،‬‬ ‫يرى فيه وحده احلق وال�صواب‪ ،‬ويجعله ينظر �إلى الأحكام‬ ‫االجتهادية يف املذاهب الأخرى نظرة احرتام وتقدير‪.‬‬

‫امل��ذاه��ب الفقهية ال�شرعية ‪ -‬كما هو معلوم ‪ -‬تهتم‬ ‫بالأحكام العملية ال�شرعية لكل ما يقع من �أم��ور يف حياة‬ ‫النا�س‪ ،‬واخ�ت�لاف امل��ذاه��ب له �أ�سباب‪� ،‬أهمها اختالف‬ ‫القواعد الأ�صولية التي اعتمدها كل مذهب يف ا�ستنباط‬ ‫الأح�ك��ام ال�شرعية‪ .‬ومعلوم �أن ه��ذه املذاهب الفقهية مل‬ ‫تختلف فيما بينها حول �أمور فيها ن�صو�ص قطعية حمكمة‬ ‫(قطعية الثبوت والداللة)‪ ،‬و�إمنا يف �أمور جرى ا�ستنباط‬ ‫هناك �أمر �آخر نرى �أنه يلزم عن حقيقة ظنية الأحكام‬ ‫الأحكام ال�شرعية ب�صددها من امل�صادر الأ�صلية‪ ،‬فهذه االجتهادية‪ ،‬وهي �أن املقلد لي�س ملزم ًا بال�ضرورة �أن يتبع‬ ‫املذاهب اختلفت يف اجتهاداتها الفقهية‪.‬‬ ‫اج�ت�ه��ادات م��ذه��ب فقهي بعينه‪ ،‬ول��ه �أن يختار م��ن بني‬ ‫اجتهادات املذاهب ما ي��راه �أن�سب‪ ،‬ما دام �أ�صحاب هذه‬ ‫والتقريب بني ه��ذه املذاهب �أم��ر مي�سور وممكن �إلى االجتهادات جمتهدون عدول حتققت فيهم �شروط االجتهاد‪.‬‬ ‫درجة كبرية‪ ،‬وذلك �إذا وعى �أ�صحاب املذاهب و�أتباعها‬ ‫ثقافة التقريب اخلا�صة باملذاهب الفقهية وج�سدوها يف‬ ‫ومع هذا يرى بع�ض �أ�صحاب املذاهب �ضرورة �أن يلتزم‬ ‫ً‬ ‫�سلوكهم العلمي والعملي جت��اه املذاهب الأخ��رى‪ .‬وثقافة املقلد مذهبا بعينه‪ ،‬حتى ال يتتبع الأي�سر من االجتهادات‬ ‫التقريب هذه تبد�أ من الوعي بحقيقة االجتهاد الفقهي‪ ،‬يف كل مذهب‪ ،‬ول�سنا نرى هذا الر�أي بهذه ال�صرامة‪� ،‬أعني‬ ‫الذي هو مطلب م�ستمر للأمة الإ�سالمية ب�سبب ما ي�ستجد الإلزام‪� ،‬إذا كانت االجتهادات – كما �أ�شرنا �آنف ًا‪� -‬صادرة‬ ‫من وقائع و�أحداث و�أمور – كما هو معلوم ‪ -‬والذي هو �أداة عن علماء حتققت فيهم �شروط االجتهاد‪� .‬إن الدين ي�سر‪،‬‬ ‫الإ�سالم العلمية الأول��ى ليظل الإ�سالم �صاحل ًا لكل زمان واهلل يريد بعباده الي�سر وال يريد بهم الع�سر؛ ثم �إن التزام‬ ‫ومكان‪.‬‬ ‫املقلد باتباع مذهب فقهي بعينه ير�سخ فكرة متايز املذاهب‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪49‬‬


‫واختالفها‪ ،‬الأم��ر ال��ذي يعمل �ضد فكرة التقريب بني‬ ‫املذاهب الفقهية ال معها‪.‬‬ ‫وهكذا نرى �أن ثقافة التقريب بني املذاهب الفقهية‬ ‫يجب �أن ت�ستثمر حقيقة ظنية الأحكام االجتهادية‪ ،‬وتتخلى‬ ‫عن فكرة التزام املقلد باتباع اجتهادات مذهب بعينه‪ .‬وما‬ ‫نح�سب املجامع الفقهية التي ت�صدر اجتهاداتها اجلماعية‬ ‫�إال و�سيلة من و�سائل التقريب بني املذاهب الفقهية يف هذا‬ ‫الع�صر‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬ثقافة التقريب بني املذاهب التي‬ ‫تخ�ص املذاهب ال�سيا�سية‪.‬‬

‫كانت الثقافة التي تقرب بني املذاهب (الأح ��زاب) هو‬ ‫االتفاق على الأفكار امل�شرتكة بينها من جهة‪ ،‬وعلى ما‬ ‫ي�سمى ثوابت الأمة من جهة �أخرى‪ ،‬والتم�سك بها واتخاذها‬ ‫مرجع ًا ومعيار ًا عند االختالف‪ ،‬ثم �إقامة احلوار املتوا�صل‬ ‫بني هذه املذاهب حول الأفكار والق�ضايا واخلطط التي‬ ‫فيها اختالف بحيث يكون الهدف من احل��وار الت�شارك‬ ‫يف الو�صول �إل��ى �أ�صوب الآراء و�أف�ضل اخلطط لتحقيق‬ ‫م�صلحة الأمة‪.‬‬

‫�إن هذه املبادئ التي �أ�شرنا �إليها �آنف ًا ت�شكل منطلق ًا‬ ‫املذاهب ال�سيا�سية هي مذاهب لها �أفكارها ونظرياتها‪ ،‬لبناء ثقافة تقرب بني املذاهب ال�سيا�سية يعيها �أ�صحاب‬ ‫لكنها تتميز عن املذاهب الأخرى (�أعني الفكرية العقدية‪ ،‬هذه املذاهب و�أتباعهم‪ ،‬ويج�سدونها يف �سلوكهم املذهبي‬ ‫والفقهية ال�شرعية) ب�إعالنها غايتها ال�سيا�سية‪� ،‬أي ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫الو�صول على احلكم و�إدارة �ش�ؤون املجتمع و�سيا�سته‪ ،‬وهي‬ ‫خــامتــة‪:‬‬ ‫ت�صنع لذلك – بجانب الأفكار والنظريات – اخلطط‬ ‫والربامج العملية التي نرى �أنها ميكن �أن تو�صلها �إلى هذه‬ ‫ما قدمناه يف هذه الورقة حماولة لت�أ�صيل وت�أ�سي�س ثقافة‬ ‫الغاية ويرافق املذاهب ال�سيا�سية وما تطرحه من �أفكار‬ ‫�أو برامج عمل‪ ،‬دع��وى �أنهم يعملون ما يعملون من �أجل التقريب بني املذاهب‪ ،‬ا�ستخدمنا فيها منهج التحليل �إلى‬ ‫حد كبري‪� ،‬آملني �أن تكون الأفكار التي قدمت فيها‪ ،‬منطلق ًا‬ ‫امل�صلحة العامة للأمة وحتقيق خريها وعزَّتها‪ .‬والت�سمية ِّ‬ ‫ال�شائعة يف ه��ذا الع�صر للمذاهب ال�سيا�سية هو ا�سم‪ :‬لتف�صيل �أوفى لهذه الثقافة‪ ،‬بحيث ت�صبح معرفة مي�سورة‬ ‫الأحزاب ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫لأ�صحاب املذاهب و�أتباعهم‪ ،‬ي�سهل اكت�سابها وجت�سيدها‬ ‫�إن التقارب بني املذاهب ال�سيا�سية يكون ع�سري ًا �إن مل يف �سلوكهم بوعي نتائجها الإيجابية العديدة‪ ،‬على الأمة‬ ‫يكن م�ستحي ًال‪ ،‬حني يتحكم حزب بعينه يف �أمور احلكم وعلى املذاهب نف�سها‪.‬‬ ‫وال�سيا�سة وال يتيح للمذاهب الأخرى �أي �شكل من �أ�شكال‬ ‫امل�شاركة‪ ،‬ولو كان ذلك من خالل املعار�ضة بالقول والر�أي‪،‬‬ ‫لقد قلنا ما قلناه يف هذه الورقة‪ ،‬دون �أن ن�ؤكد على‬ ‫لكن التقارب بني هذه املذاهب ال�سيا�سية �سيكون ممكن ًا �أمر يف غاية الأهمية‪ ،‬وهو �أمر معنوي وترتيبه يف �إجراءات‬ ‫�إذا وج��دت �أدوات وو�سائل تفرز من بني ه��ذه املذاهب‬ ‫(الأح��زاب) من هو �أقدر على �إدارة �ش�ؤون حكم املجتمع التقارب والتقريب بني املذاهب ي�أتي �أو ًال‪ ،‬ذل��ك الأم��ر‬ ‫و�سيا�سته‪ ،‬وكان يدعمه �أكرب قدر من �أفراد هذا املجتمع‪ .‬هو وجود ن ّية التقارب لدى املذهب و�أتباعه‪ ،‬بينهم وبني‬ ‫والذي ي�سهل �أمر التقارب �أكرث �أن تكون امل�صلحة العامة املذاهب الأخرى و�أتباعها‪ ،‬ذلك �أنه مع غياب هذه النية لن‬ ‫للمجتمع هي ِّ‬ ‫املوجه ل�سلوك كل مذهب من هذه املذاهب‪ ،‬ت�صل املذاهب �إلى �شيء ُيعتد به يف �أمر التقريب والتقارب‪.‬‬ ‫ويخ�ضع �أ�صحاب املذهب ل�ضروراتها‪.‬‬ ‫ولعل القارئ الكرمي قد الحظ �أن ثقافة التقريب بني‬ ‫هناك جانب �آخ��ر ي�ساهم يف التقريب بني املذاهب‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬وهو جانب الأفكار والنظريات التي يتبناها املذاهب هي ثقافة جزئية خا�صة من الثقافة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫امل��ذه��ب‪ ،‬واخلطط التي ي�ضعها للو�صول �إل��ى غايته يف و�أن التزام املذاهب و�أتباعها بالثقافة الإ�سالمية ي�ؤدي‬ ‫احلكم‪ ،‬وهذا اجلانب يغلب عليه الطابع النظري‪ ،‬ولذلك ب�صورة تلقائية �إلى ح�صول التقارب املرغوب فيه واملن�شود‪.‬‬

‫‪� 50‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫دراسات الوسطية‬

‫مراحل النظر يف النازلة الفقهية‬ ‫(اجلزء الأول)‬

‫املقدمة‬ ‫كلما غاب التجديد توارى معه البحث العلمي املتجرد‪،‬‬ ‫وح�ضرت عو� ًضا منه النتائج اجلاهزة‪ ،‬التي يتلقاها الآخر‬ ‫عن الأول عفو ًا كما هي‪ ،‬دون جهد ذي بال يف الت�أ�صيل‬ ‫والتدليل‪� ،‬أو التحقيق والتنزيل‪ .‬وقد كان املجددون من‬ ‫�أئمة الإ��س�لام على مر ال��زم��ان ي�ب��د�أون بتحرير �أ�صول‬ ‫الأدلة‪ ،‬ومرادات ال�شارع‪ ،‬على ما �أحكمته �صناعة الفقه‪،‬‬ ‫م�ست�ضيئني بنور الوحي‪ ،‬م�سرت�شدين بعمل ال�سلف من‬ ‫فقهاء ال�صحابة و�أئمة الفقهاء‪ ،‬ملتزمني يف بحثهم بنظام‬ ‫اال�ستدالل‪ ،‬و�أ�صوله احلاكمة على الأغرا�ض املقولة يف الفقه‪.‬‬ ‫وقد درج املعا�صرون على تخ�صي�ص م�سار م�ستقل لبحث‬ ‫النوازل الفقهية‪ ،‬و�صار البحث النوازيل له ا�سمه اخلا�ص‪،‬‬ ‫و�أفرد له حيز ًا يف املكتبة الفقهية املعا�صرة‪ ،‬وهذه بحمد اهلل‬ ‫بادرة ح�سنة �أن يعتني النا�س بقراءة الواقع ووقائعه على‬ ‫هدي الوحي‪ ،‬وت�أ�صيل م�سائل ال�شريعة‪ ،‬وت�أثيل قواعد امللة‪.‬‬ ‫وامل�ت��أم��ل يف ت�صريف ح��رك��ة البحث الفقهي املعا�صر‬ ‫ال ت�خ�ط��ئ ع�ي�ن��ه م��ا ي �ن��وء ب��ه ه ��ذا امل��ي��دان م��ن �ضعف‬ ‫وق�صور‪ ،‬وذل��ك راج��ع �إل��ى �أ�سباب عديدة‪ ،‬ومن مظاهر‬ ‫ه��ذا الق�صور‪ :‬التوثب على م��راح��ل البحث ال �ن��وازيل‪،‬‬ ‫وا�ستعجال النتائج قبل اختمار الت�صور �أو اال�ستدالل‪.‬‬ ‫�إن التناول العلمي الر�شيد للنوازل هو الذي ي�ستم ُّد م�شروعيته‬ ‫من ر ِّد االعتبار لفقه ال�شريعة‪ ،‬ذلك الفقه الذي يت�أ�س�س‬ ‫على �صحيح الن�صو�ص‪ ،‬وعريقِ الأ�صول‪ ،‬ومتني القواعد‪.‬‬ ‫وه� ��ذه ال ��ورق ��ة ت �ن��اق ����ش م ��راح ��ل ال �ن �ظ��ر يف ال �ن��ازل��ة‬ ‫الفقهية حت��دي��د ًا‪ ،‬وت ��دل ع�ل��ى �أه ��م امل�ن��اه��ل يف �أث �ن��اء‬ ‫تلك امل��راح��ل‪ ،‬ول�ه��ذا حتا�شيت اال�ستطراد باملقدمات‬ ‫وال � َق � ْب �ل �ي��ات ال �ت��ي ه��ي يف م �ت �ن��اول ع �م��وم ال�ب��اح�ث�ين‪.‬‬ ‫وتتلخ�ص م�شكلة ال�ب�ح��ث يف و� �ض��ع امل�ع��اي�ير امل �ح��ددة‬

‫د‪.‬خالد بن عبداهلل املزين‬

‫جل� ��ودة ال �ن �ظ��ر ال �ف �ق �ه��ي‪ ،‬ور���س��م ال �ن �م��وذج ال�ن�ظ��ري‬ ‫ل��درا��س��ة ال �ن��وازل‪ ،‬وتق�سيم عملية البحث يف النازلة‬ ‫الفقهية �إل��ى مراحل متوالية زمني ًا‪ ،‬مرتاتبة منطقي ًا‪،‬‬ ‫وت���س�م�ي�ت�ه��ا م��رح �ل��ة م��رح �ل��ة‪ ،‬ب�ح�ي��ث ي �ت �ه �دَّى ال�ب�ح��ث‬ ‫الفقهي م��ن خاللها �إل��ى معني ال�صواب �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪.‬‬ ‫�شاكر ًا مركز التميز البحثي يف فقه الق�ضايا املعا�صرة‬ ‫بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية على مبادرته‬ ‫بتنظيم هذه الندوة‪� ،‬سائ ًال املولى جل يف عاله �أن يجعل‬ ‫هذا العمل خال� ًصا �صواب ًا‪.‬‬ ‫التمهيد‪:‬‬ ‫ال � � �ت � � �ع� � ��ري� � ��ف مب�� ���� �ص�� �ط�� �ل�� �ح� ��ات ال� � �ب� � �ح � ��ث‪:‬‬ ‫�أ ـ النظر‪ :‬يف اال�صطالح‪ :‬طلب املعنى بالقلب من جهة الذكر‬ ‫كما يطلب �إدراك املح�سو�س بالعني(‪ ،)1‬وقيل‪ :‬هو فك ٌر‬ ‫يطلب به علم �أو ظن (‪ )2‬ومادة النظر تدل على معنى تقليب‬ ‫الب�صر والب�صرية لإدراك ال�شيء ور�ؤيته‪ ،‬وقد يراد به‪،‬‬ ‫فهي رحلة نف�سية (‪ )3‬يقوم بها الذهن الإن�ساين‪ ،‬القتنا�ص‬ ‫مطلوب علمي �أو نظري‪ .‬ف��إن ك��ان حمل النظر معقو ًال‪:‬‬ ‫�سمي ذلك فكر ًا‪ ،‬و�إن كان حم�سو�س ًا‪� :‬سمي تخي ًال (‪ .)4‬‬ ‫ونظر الباحث يف النازلة يعني الت�أمل والفح�ص حلقيقتها‬ ‫وظروفها ومواردها‪ ،‬ومراجعة الأدلة للتعرف على حكمها‪.‬‬ ‫ب ـ ال �ن��ازل��ة‪ :‬ه��ي امل���س��أل��ة ال�ت��ي مل جن��د ل�ه��ا ذك ��ر ًا يف‬ ‫الن�صو�ص‪ ،‬وال يف ك�لام الفقهاء امل�ت�ق��دم�ين‪ ،‬فك�أنها‬ ‫وج �دَّت وقطعت عما قبلها (‪.)5‬‬ ‫نزلت بعد �أن مل تكن‪ُ ،‬‬ ‫وامل�سائل “النازلة” و”امل�ستجِ دَّة”‪ :‬هي امل�سائل احلادثة‪،‬‬ ‫ال �ت��ي مل ت�ق��ع م��ن ق� �ب ��ل(‪ ،)6‬ول �ه��ا م ��رادف ��ات �أطلقها‬ ‫املتقدمون‪ ،‬منها‪ :‬احل��وادث‪ ،‬وامل�سائل‪ ،‬والواقعات(‪.)7‬‬ ‫وقد اخت�صَّها الفقهاء بالبحث والنظر‪ ،‬وت�صرفوا فيها‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪51‬‬


‫باالجتهاد ت��ارة‪ ،‬وبالتخريج ت��ارة �أخ��رى‪ ،‬وثمرة البحث‬ ‫النوازيل‪ :‬احلكم والفتيا‪ .‬وقد �أف��ردت مب�صنفات خا�صة‬ ‫ُر� �س � َم��ت ب��ال�ف�ت��اوي‪ ،‬والأج ��وب ��ة‪ ،‬وال� �ن ��وازل‪ ،‬وال��واق �ع��ات‪.‬‬ ‫ج ـ الفقهية‪ :‬و�صف النازلة بالفقهية ‪ :‬يعني �أن النظر فيها‬ ‫يكون بالأدلة ال�شرعية احلاكمة للفقه‪ ،‬ابتغاء الو�صول �إلى‬ ‫احلكم التكليفي املنا�سب لها‪.‬‬ ‫‪ ‬املبحث الأول‪:‬‬ ‫م� � �ع � ��اي �ي��ر ج� � � � � ��ودة ال� � �ن� � �ظ � ��ر يف ال � � � �ن� � � ��وازل‪:‬‬ ‫البحث الفقهي يف النوازل ال يعدو كونه عم ًال ب�شري ًا‪ ،‬ومن‬ ‫ثم فهو يتفاوت يف م�ستوى الإتقان واجلودة‪ ،‬وذلك بح�سب‬ ‫اجلهد واالجتهاد‪ ،‬والق�صور والتق�صري‪ ،‬وقد قال ابن مالك‬ ‫يف فاحتة كتابه ت�سهيل الفوائد‪ “ :‬و�إذا كانت العلوم منح ًا‬ ‫�إلهية‪ ،‬ومواهب اخت�صا�صية‪ ،‬فغري م�ستبعد �أن يدخر لبع�ض‬ ‫املت�أخرين ما ع�سر على كثري من املتقدمني‪� ،‬أعاذنا اهلل من‬ ‫ح�سد ي�سد باب الإن�صاف‪ ،‬وي�صد عن جميل الأو�صاف “اهـ‪.‬‬ ‫وقد تتبعت �أهم املعايري ال�ضابطة للنظر الفقهي يف النوازل‪،‬‬ ‫ال�ضامنة جلودة الت�أ�صيل والتنزيل‪ ،‬ف�إذا هي ال تكاد تخرج‬ ‫عن م�ستوى الكفاءة الفقهية للباحث‪ ،‬ومدى رعايته لنظام‬ ‫اال�ستدالل يف ال�شريعة‪ ،‬وبذله اجلهد يف ذلك‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إلى �إحاطته بالواقع‪ ،‬فهذه معايري �أربعة‪ ،‬وتف�صيلها فيما‬ ‫ي�أتي‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬الكفاءة الفقهية‪:‬‬ ‫وذلك ب�أال يت�صدى الباحث مل�س�ألة �إال �إذا توفر على الأدلة‬ ‫العلمية الالزمة لها‪ ،‬و�إال كان متكلف ًا ملا مل يحط به خرب ًا‪،‬‬ ‫وال ينعقد للباحث االخت�صا�ص بالنظر يف نازلة فقهية ما‬ ‫مل ي�ستكمل احلد الأدن��ى من �شرائط االجتهاد اجلزئي‪.‬‬ ‫ثم �إنه ال تكفي هنا جمرد الإحاطة بالفروع الفقهية‪ ،‬ف�إن‬ ‫البحث الفقهي �صنعة فكرية‪ ،‬وكم من ٍ‬ ‫حافظ للفروع ما له‬ ‫يف البحث من خ�لاق‪ ،‬وكم من فقيه م�شهور يف ال�سلف ؛‬ ‫مل ي�ؤلف يف الفقه �شيئ ًا ذا بال‪ ،‬ومل يقدح ذلك يف علمه‪،‬‬ ‫يرت�ض الفقهاء كتابه‪ ،‬وقد ذكروا‬ ‫وكم من فقيه �ألف ومل ِ‬ ‫يف طبقات الفقهاء مناذج لذلك‪ ،‬والعلوم مواهب‪ ،‬ف�سبحان‬ ‫واهبها‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬نظام اال�ستدالل‪ :‬‬ ‫ف� ��إن ال�ب�ح��ث الفقهي م�ب�ن��اه ع�ل��ى ال�ف�ه��م ال�صحيح‬ ‫واال�ستدالل املوافق ملراد ال�شارع‪ ،‬وما مل يلتزم الباحث رعاية‬ ‫هذه اجلادة ف�إنه يو�شك �أن يت�صور خط�أ‪� ،‬أو يتكلم بباطل‪،‬‬ ‫ويندرج حتت هذا املعيار مراعاة مراحل النظر الفقهي‪.‬‬ ‫يدل لذلك قول الفاروق عمر يف و�صيته ال�شهرية لأبي مو�سى‬ ‫‪� 52‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫ـ ر�ضي اهلل عنهما ـ‪“ :‬ثم الفهم الفهم فيما �أديل �إليك‪ ،‬مما‬ ‫لي�س يف قر�آن وال �سنة‪ ،‬ثم قاي�س الأمور عند ذلك‪ ،‬واعرف‬ ‫الأمثال والأ�شباه‪ ،‬ثم اعمد �إلى �أحبها �إلى اهلل فيما ترى‪،‬‬ ‫و�أ�شبهها باحلق”(‪ )8‬اهـ‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬ا�ستفراغ الو�سع‪ :‬‬ ‫ف� ��إن ب��ذل اجل �ه��د وا� �س �ت �ك��داد ال��ذه��ن يف ال�ب�ح��ث يف‬ ‫حكم النازلة �شرط يف �صحة هذا العمل (‪ ،)9‬واملطلوب‬ ‫م��ن الفقيه ب��ذل اجل �ه��د‪ ،‬ال �إ� �ص��اب��ة احل��ق ب��ذات��ه‪ ،‬ف ��إن‬ ‫�أ�صاب فله �أج��ران‪ ،‬و�إال ذهب بالأجر الواحد‪ ،‬ونعما هو‪.‬‬ ‫�إن البحث النوازيل مرهق للذهن واجل�سم والباحث‪ ،‬ثمَّ‬ ‫يجري نظره يف تدب ٍري اجتهادي را�شد‪ ،‬متحري ًا يف ذلك‬ ‫مراد اهلل تعالى‪ ،‬ولي�س �صحيح ًا �أنه عبارة عن نتائج ناجزة‬ ‫على ط��رف الثمام‪ ،‬يقوم الباحث باقتطافها وه��و مار‪،‬‬ ‫بل هو جمموعة من املقاربات والتب�صرات‪ ،‬واملقارنات‬ ‫والرتجيحات‪ ،‬ثم هو بعد ذلك ق��رار يتخذه الباحث بعد‬ ‫�إ�ضناء عقله بحث ًا وفت� ًشا‪ ،‬م�ستند ًا فيه �إلى مقدمات مرتاكبة‬ ‫ونتائج مرتاتبة‪ ،‬بناها خالل بحثه‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬معرفة الواقع‪ :‬‬ ‫ذل ��ك �أن ال�ف�ق��ه م��ن ال �ع �ل��وم ال�ع�م�ل�ي��ة‪ ،‬ال ال�ن�ظ��ري��ة‪،‬‬ ‫ول�ه��ذا ج��اء نعت الفقهاء يف ال �ق��ر�آن بو�صف "النفري"‪:‬‬ ‫�ون ِل� َي�ن� ِف� ُرو ْا َك ��آفَّ � ًة َف � َل � ْو َال َن� َف� َر ِم��ن ُك ِّل‬ ‫�ان المْ ُ ��ؤ ِْم � ُن� َ‬ ‫} َو َم ��ا َك� َ‬ ‫الدينِ َو ِل ُي ِنذ ُرو ْا َق ْو َم ُه ْم‬ ‫ِف ْر َق ٍة ِّم ْن ُه ْم َط�آ ِئ َف ٌة ِّل َي َت َفقَّ ُهو ْا فيِ ِّ‬ ‫ون{ (ال �ت��وب��ة‪ ،)122:‬وهذا‬ ‫�إِذَ ا َر َج� ُع��و ْا �إِ َل� ْي��هِ � ْ�م َل َعلَّ ُه ْم َي� ْ�ح��ذَ ُر َ‬ ‫يقت�ضي ن��وع�ين م��ن احل ��رك ��ة‪� :‬إح ��داه� �م ��ا‪ :‬يف درا� �س��ة‬ ‫الن�صو�ص والأدل��ة‪ ،‬والأخ��رى يف التب�صر بالواقع‪ ،‬لتنزيل‬ ‫الأحكام على الوقائع‪ ،‬و�إذا اعتربنا كون الواقع متجدد ًا‪،‬‬ ‫فليجدد الفقيه معرفته بالوقائع والنوازل كلما جتددت‪ .‬‬ ‫وق��د ا�ستقر تعريف الفقه بعد ال�ق��رن ال��راب��ع الهجري‬ ‫ب ��أن��ه‪ :‬م�ع��رف��ة الأح��ك��ام ال�شرعية العملية م��ن �أدل�ت�ه��ا‬ ‫التف�صيلية‪ ،‬فهو �إذن علم عملي‪ ،‬يراعي طبيعة الواقع‬ ‫العملي املتحركة املتجددة‪ .‬وقال ابن عابدين‪" :‬املفتي ال‬ ‫بد له من �ضرب اجتهاد ومعرفة ب�أحوال النا�س"(‪،)10‬‬ ‫و"من مل ي�ك��ن ع��امل��ا ب ��أه��ل زم��ان��ه ف�ه��و جاهل"(‪.)11‬‬ ‫ع �ل��ى �أن امل �ط �ل��وب م �ع��رف��ة ال ��واق ��ع لتكييفه ب��ال���ش��رع‪،‬‬ ‫و�إدارت� ��ه على ق��اع��دة اال�ست�صالح‪ ،‬ال للخ�ضوع لف�ساد‬ ‫ط ��ر�أ عليه‪ ،‬فكما �أن ل�ل��واق��ع �سطوته‪ ،‬فلل�شرع حجته‪،‬‬ ‫ف�لا ت��أخ��ذن��ا واقعية ال��وق��ائ��ع‪ ،‬ع��ن م�شروعية ال�شرائع‪.‬‬


‫‪ ‬املبحث الثاين‪:‬‬ ‫م� � ��راح� � ��ل ال � �ن � �ظ� ��ر يف ال� � �ن � ��ازل � ��ة ال� �ف� �ق� �ه� �ي ��ة‪ :‬‬ ‫ميكن تق�سيم العملية االجتهادية يف ا�ستخراج الر�أي الفقهي‬ ‫ال�صائب �إلى مراحل‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الت�صوير‪:‬‬ ‫�أ ـ مفهوم الت�صوير و�أهميته‪:‬‬ ‫الت�صوير م�أخوذ من ال�صورة‪ ،‬و�صورة ال�شيء‪ :‬ما ميتاز‬ ‫به ال�شيء (‪ ،)12‬وه��ي هيئته التي هو عليها‪ ،‬وت�صوير‬ ‫ال�ن��ازل��ة‪ :‬يتحقق بت�شخي�ص واقعها كما ه��و‪ ،‬وذل��ك بعد‬ ‫ارت�سام �صورتها احلقيقية يف ذه��ن الباحث دون لب�س‬ ‫مبا ي�شتبه بها‪ ،‬فلو كان البحث عن حكم الذهب الأبي�ض‬ ‫للرجال‪ ،‬فمطلوب الت�صوير ال�صحيح هنا �أن يعلم قدر‬ ‫الذهب املخلوط بالن�سبة �إل��ى امل�ع��ادن الأخ ��رى‪ ،‬لي�صري‬ ‫بعدئذ �إلى تنزيل �أحكام الذهب احلقيقي عليه من عدمه‪.‬‬ ‫وه��ذه املرحلة يف غاية الأه�م�ي��ة‪� ،‬إذ يرتبط فقه الن�ص‬ ‫بفقه الت�صوير الواقعي ارت�ب��اط املناط باحلكم‪ ،‬والعلة‬ ‫باملعلول‪ ،‬وكل خط�أ يف الت�صوير يعقب خط�أ يف التو�صيف‬ ‫وال�ت�ن��زي��ل الفقهيني (‪ ،)13‬وق��ل م��ن يجمع الأم��ري��ن‪،‬‬ ‫وق��د ق��ال ال��زخم���ش��ري‪ “ :‬م��ن مل ي ��ؤت م��ن ��س��وء الفهم‪،‬‬ ‫�أت��ي من �سوء الإف�ه��ام‪ ،‬وق� ّل من �أوت��ي �أن يفهم و ُيفهم "‪.‬‬ ‫والباحث يف هذه املرحلة يتجه �إل��ى التعرف على حقيقة‬ ‫النازلة‪ ،‬والإحاطة مباهيتها‪ ،‬و�إدراكها على ما هي عليه‪،‬‬ ‫وحتديد �أطرافها‪ ،‬وح�صر �صورها‪ ،‬و�أول��ى درج��ات العلم‬ ‫بال�شيء‪ :‬ح�صول �صورته يف العقل‪� ،‬إما بطريق اجلزم �أو‬ ‫الظن الغالب(‪ ،)14‬بال حكم عليه بنفي �أو �إثبات(‪،)15‬‬ ‫وهو ما ي�سمى الت�صور ال�ساذج (‪ ،)16‬ف�إذا اجتمع الت�صور‬ ‫مع احلكم‪� :‬سمي ت�صديق ًا ت��ام� ًا‪ .‬فالت�صور �إذ ًا‪� :‬إدراك‬ ‫احلقائق جم��ردة عن الأحكام (‪ ،)17‬والت�صديق �إدراك‬ ‫ن�سبة حكمية بني احلقائق بالإيجاب �أو ال�سلب (‪ (.18‬فلو‬ ‫�سئل الفقيه عن م�س�ألة “زواج امل�سيار” مث ًال‪ ،‬فيحتاج‬ ‫حينئذ �إل��ى ت�صور ه��ذا العقد على ما هو عليه‪ ،‬وح�صر‬ ‫�صوره يف الواقع‪ ،‬ور�صد �شروطه و�آثاره العقدية‪ ،‬ولو فر�ضنا‬ ‫�أن��ه �أج��رى على هذا العقد �أحكام عقد ال��زواج النمطي‪،‬‬ ‫قبل �أن يت�صور حقيقته؛ لكان خمطئ ًا يف بناء احلكم‪،‬‬ ‫م�ستحق ًا للوم‪ ،‬وحينها ي�صدق عليه قول العالمة حممد‬ ‫بن احل�سن احلجوي‪" :‬تهور قبل �أن يت�صور"(‪ ،)19‬وعليه‬ ‫فالقاعدة �أن اخلط�أ يف الت�صور ُيرتب خط�أ يف احلكم‪.‬‬ ‫على �أنه ال ي�شرتط العلم بالواقعة من كل وجه‪ ،‬لكن املطلوب‬ ‫العلم بها بطريق الإج �م��ال بحيث ي�صح �إن ��زال احلكم‬ ‫عليها‪ ،‬وهو احلد الأدنى للت�صور اجلملي ال�صحيح(‪.0 )2‬‬

‫‪ ‬وهذا يح�صل ـ يف جمال املعامالت املالية ـ بذكر املعاملة‬ ‫املراد احلكم عليها‪ ،‬وبيان �أطرافها‪ ،‬وذكر الثمن واملثمن‪،‬‬ ‫و�آل�ي��ة تنفيذها‪ .‬وال�ع��ادة �أن الهيئة ال�شرعية للم�صارف‬ ‫تتلقى هذه املعلومات والبيانات عن طريق الإدارة العليا‬ ‫للم�صرف‪� ،‬أو م��ن يقوم مقامها‪ ،‬وه��ذا حم��ل م��ؤاخ��ذة‪،‬‬ ‫من جهة ورود احتمال الإخ�لال بالت�صور ال�صحيح‪ ،‬لأن‬ ‫املطلوب توفري �أق�صى درجات اال�ستقاللية للهيئة ال�شرعية‪،‬‬ ‫بحيث تتمكن م��ن ت�صور الواقعة م��ن جهة م�ستقلة عن‬ ‫اجلهة امل�ستفيدة من الفتوى‪ ،‬وهي هنا �إدارة امل�صرف‪.‬‬ ‫�إن من �ضمانات الفتوى املالية اجل��ادة �أن تو�سع الهيئات‬ ‫ال�شرعية م�صادرها يف احل�صول على املعلومة‪ ،‬لتتعرف على‬ ‫طبيعة املنتج املقدم للدرا�سة‪ ،‬و�أبعاد البيئة التي �سيوظف فيها‪.‬‬ ‫والت�صوير‪ :‬بيان حقيقة ال�شيء على ما هو عليه‪.‬‬ ‫ب ـ م�سالك الت�صوير‪:‬‬ ‫ال بد للفقيه ليتحقق له ت�صور النازلة من �سلوك �أحد‬ ‫طريقني‪:‬‬ ‫�أولهما‪� :‬أن يقف على النازلة بنف�سه‪ ،‬وثانيهما‪� :‬أن يتعرف‬ ‫عليها عرب و�سيط‪.‬‬ ‫الأول‪�:‬أن يقف على النازلة بنف�سه‪:‬‬ ‫ك��ان بع�ض الفقهاء ال يكتفي ب�الإح��اط��ة بالن�صو�ص‬ ‫والأ��ص��ول ال�شرعية وعلوم الآل��ة‪ ،‬بل ينزل �إل��ى الأ��س��واق‪،‬‬ ‫ويقف على معامالت التجار بنف�سه‪ ،‬وكان �أ�صحاب النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يخالطون النا�س‪ ،‬ويبا�شرون التجارة‬ ‫والك�سب واجل �ه��اد‪ ،‬وك��ان حممد ب��ن احل�سن ال�شيباين‬ ‫ي��ذه��ب �إل��ى ال�صباغني وي���س��أل ع��ن معامالتهم (‪.)21‬‬ ‫وك��ان �شهاب الدين القرايف قد كتب عن احل�شي�شة التي‬ ‫يتعاطاها الف�ساق‪ ،‬ونقل االتفاق على منعها‪ ،‬لكن حكى‬ ‫اخل�لاف يف كونها م�سكرة توجب احل��د‪� ،‬أو مغيبة للعقل‬ ‫فتوجب التعزير‪ ،‬ثم قال‪“ :‬و�س�ألت جماعة ممن يعنيها‪،‬‬ ‫فاختلفوا على قولني؛ فمنهم من‪ )22( ”...‬ال��خ‪ ،‬فهذا‬ ‫يبني عنايتهم ب�س�ؤال �أه��ل اخل�برة فيما طريقه اخل�برة‪.‬‬ ‫وه��ذه الطريقة مفيدة ج��د ًا يف ح�سن ت�صوير النازلة‪،‬‬ ‫لأن ال�ف�ق�ي��ه ي�ب��ا��ش��ر ال��وق��وف عليها بنف�سه‪ ،‬ب�ي��د �أن�ه��ا‬ ‫ت���س�ت��دع��ي م �ن��ه ج��ه��د ًا ووق� �ت� � ًا ل�ل�ب�ح��ث واال� �س �ت �ق �� �ص��اء‪،‬‬ ‫وق � ��د ال ي �ت �� �س��ع وق� �ت ��ه ل� �ل ��وق ��وف ع��ل��ى ك� ��ل ال � �ن� ��وازل‪.‬‬ ‫وكلما كان الفقيه �أقرب �إلى مو�ضع النازلة؛ كان بها �أعرف‪،‬‬ ‫وعلى التنزيل �أقدر‪ ،‬ولهذا قالوا‪ :‬يفتى بقول �أبي يو�سف فيما‬ ‫يتعلق بالق�ضاء‪ ،‬لكونه جرب الوقائع وعرف �أحوال النا�س‬ ‫(‪.)23‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪53‬‬


‫الثاين‪� :‬أن يتعرف عليها بوا�سطة‪:‬‬ ‫منطرقالتعرفعلىالنازلة‪�:‬أنيتلقاهاالفقيهمناخلبري‪،‬‬ ‫�أو ال�سائل وطالب اجل��واب‪ ،‬وهذه الطريقة جادة م�سلوكة‬ ‫للفقهاء واملفتني يف امل�سائل االعتيادية منذ ال�صدر الأول‪.‬‬ ‫فقد ك��ان��وا ي�ستعينون على حتقيق امل�ن��اط اخل��ا���ص ب�أهل‬ ‫اخلربة‪ ،‬فعن ابن عمر ـ ر�ضي اهلل عنهما ـ قال‪ :‬خرج عمر‬ ‫بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه من الليل‪ ،‬ف�سمع امر�أة تقول‪:‬‬ ‫‪ ‬‬

‫تطاول هذا الليل وا�سود جانبه‬ ‫و�أرقـــــــــــني �أن ال حبيب �أالعبه‬

‫فواهلل لوال خ�شية اهلل وحده‬ ‫حلرك من هذا ال�سرير جوانبه‬ ‫ف �ق��ال ع�م��ر ب��ن اخل �ط��اب ر� �ض��ي اهلل ع�ن��ه حلف�صة‬ ‫بنت عمر ـ ر�ضي اهلل عنها ـ‪ :‬ك��م �أك�ثر م��ا ت�صرب امل��ر�أة‬ ‫ع��ن زوج �ه��ا‪ ،‬ف�ق��ال��ت‪� :‬ستة �أو �أرب �ع��ة �أ��ش�ه��ر‪ ،‬ف�ق��ال عمر‬ ‫ر�ضي اهلل عنه‪ :‬ال �أحب�س اجلي�ش �أك�ثر من ه��ذا (‪.)24‬‬ ‫وه� � ��ذه ال� �ط ��ري� �ق ��ة م� ��ع ك ��ون� �ه ��ا ت���وف���ر وق � ��ت ال �ف �ق �ي��ه‬ ‫وج� �ه���ده‪ ،‬وه� ��ي ن��اف �ع��ة يف ح� ��ال ت ��وف ��ر اخل� �ب�ي�ر ال�ث�ق��ة‬ ‫امل �ت �ق��ن‪� ،‬إال �أن��ه��ا م���ش��وب��ة ب ��آف �ت�ين ‪ :‬ال��ه��وى واجل �ه��ل‪.‬‬ ‫فقد يحمل اخلب َري �أو ال�سائل م�صلحتُه ال�شخ�صية وغر�ضه‬ ‫اخلا�ص على �أن يحجب عن الفقيه بع�ض عنا�صر الواقعة‪،‬‬ ‫�أو ي�صورها على غري ما هي عليه‪ ،‬ابتغاء احل�صول على‬ ‫حكم يحقق غر�ضه‪ ،‬وقد تفاقمت هذه الظاهرة يف الع�صور‬ ‫ٍ‬ ‫املت�أخرة حني تغريت �أخالق النا�س‪ ،‬و�صار للنا�س �أغرا�ض‬ ‫يف اال�ستفتاء‪ ،‬وق��د يقع �شيء من ه��ذا يف ق��رارات بع�ض‬ ‫الهيئات ال�شرعية يف امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية �أحيان ًا‪ .‬‬ ‫وم��ن �آفاتها �أن بع�ض امل�ستفتني ال يكون واعي ًا بطرق‬ ‫ال�س�ؤال ال�صحيحة‪ ،‬فيكون ت�صويره لها قا�صر ًا‪ ،‬فيقع‬ ‫اجلواب غري مالق لل�س�ؤال‪.‬‬ ‫وق� � ��د ق� � ��ال اب� � ��ن ح��ب��ي��ب يف ال� �ن� �ف� ��� �س ��اء‪ :‬جت �ل ����س‬ ‫��س�ت�ين ي��وم�� ًا‪ ،‬ق���ال‪ :‬ه��و “عدل ح �� �س� ٌ�ن‪ ،‬وال ُت �� �س ��أل عن‬ ‫ذل ��ك ن �� �س��اء �أه� ��ل زم��ان �ن��ا‪ ،‬ل�ق�ل��ة معرفتهن” (‪.)25‬‬ ‫وه ��ذه ال �ف �ج��وة امل ��وج ��ودة ال �ي��وم ب�ين ال �ب �ح��وث الفقهية‬ ‫والتطبيقات العملية ينبغي �أن ت ��ردم ب ��إي �ج��اد ق�ن��وات‬ ‫مو�ضوعية للتوا�صل مع ال��واق��ع العملي‪ ،‬فلي�س كل باحث‬ ‫قادر ًا على الوقوف على النوازل يف مواطنها‪ ،‬بكل �صورها‪.‬‬ ‫وم��ن تلك ال �ق �ن��وات‪� :‬إن���ش��اء م��راك��ز لت�شخي�ص ال��واق��ع‪،‬‬ ‫‪� 54‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫لتقريبه للفقيه‪ ،‬وتكون هذه املراكز بر�صد النوازل على‬ ‫م��ا ه��ي عليه‪ ،‬وح�صر ��ص��وره��ا‪ ،‬وت�شخي�ص عنا�صرها‬ ‫ٍ‬ ‫بعدئذ دور التو�صيف والتنزيل‪.‬‬ ‫و�أطرافها‪ ،‬ويبقى للفقيه‬ ‫وميكن الإفادة يف هذا الدور من خالل الدرا�سات ال�شرعية‬ ‫يف مرحلتي البكالوريو�س وم��ا بعدها‪ ،‬ويكون ج��زء ًا من‬ ‫متطلبات ال�ت�خ��رج‪�� :‬س��اع��ات عملية ي�ستك�شف الطالب‬ ‫�أثناءها نازلة حم��ددة‪ ،‬ويقف عليها يف ميدان وقوعها‪.‬‬ ‫وامل�ه��م ال�سعي يف تنظيم دور اخل�برة الفقهية العملية‪،‬‬ ‫وحتويل و�ضعها ليكون م�ؤ�س�سي ًا معياري ًا‪.‬‬ ‫‪ -2‬التو�صيف‪ :‬‬ ‫‪� ‬أ ـ مفهوم التو�صيف‪:‬‬ ‫التو�صيف هو‪ :‬تعيني �صفة ال�شيء‪ ،‬والتو�صيف الفقهي‬ ‫هو تعيني �صفة النازلة بح�سب اللغة الفقهية املعهودة لدى‬ ‫علماء الفن‪ ،‬ومقت�ضاه ‪� :‬إجالة النظر يف الأو�صاف الفقهية‬ ‫املنا�سبة للنازلة حمل البحث‪ ،‬و�إحلاق �صورتها مبا مياثلها‬ ‫من م�سائل الفقه امل�سماه‪ ،‬ك�أن ن�صفها ب�أنها بيع‪� ،‬أو �إجارة‪،‬‬ ‫�أو رهن وهكذا‪.‬‬ ‫ف�إذا مل ت�شبه �شيئ ًا من معهودات الفقهاء فهي �إذ ًا من‬ ‫النوازل اجلديدة‪ ،‬التي مل يرد ب�ش�أنها ن�ص خا�ص‪ ،‬فهذه‬ ‫ي�ست�أنف الفقيه لها و�صف ًا منا�سب ًا‪ ،‬بح�سب ما يظهر له من‬ ‫واقعها‪ ،‬ا�ستئنا�س ًا ب�أدلة ال�شرع وقواعده وكلياته‪ ،‬بحيث ال‬ ‫يخرج با�سمها عن لغة الفن‪ ،‬وال يعار�ض بها ا�سم ًا معهود ًا‬ ‫لديهم‪.‬‬ ‫وهذه املرحلة ميكن ت�سميتها بفقه الواقعة‪ ،‬وقد حدد‬ ‫ابن القيم نوعني من الفهم‪ ،‬ال بد منهما للمفتي واحلاكم‪،‬‬ ‫�أولهما‪ :‬فهم الواقع‪ ،‬والفقه فيه‪ ،‬والثاين‪ :‬فهم الواجب يف‬ ‫الواقع(‪.)26‬‬ ‫والتو�صيف الفقهي يحتاج �إلى ملكة علمية خا�صة‪ ،‬و�إال‬ ‫ف�إنه ال ي�صعب على املتفقه املتو�سط �أن يحفظ ن�صو�ص‬ ‫الأدل���ة‪ ،‬وي�ج��رد ال �ف��روع الفقهية‪ ،‬وي�شرف على مواطن‬ ‫اخل�لاف العايل‪ ،‬لكن تو�صيف ال�ن��وازل يحتاج ف��وق ذلك‬ ‫�إلى فقه النف�س‪ ،‬و�إلى ذائقة فقهية‪ ،‬كحاجة الطبيب �إلى‬ ‫مهارة الت�شخي�ص‪ ،‬وحاجة القانوين �إلى مهارة التكييف‪ .‬‬ ‫والتعبري ب�ـ “التو�صيف” �أ��ص��دق و�أ�شمل م��ن التعبري بـ‬ ‫“التكييف”‪ ،‬ف�إن هذا الأخري �أخ�ص من الأول‪ ،‬ففي مرحلة‬ ‫التو�صيف يفت�ش الفقيه عن ال�صيغة الفقهية املنا�سبة‬ ‫للواقعة‪ ،‬بح�سب الأح��وال املمكنة‪ ،‬ف�إما �أن يجد له و�صف ًا‬ ‫م�سمى يف الفقه امل��دون‪ ،‬فيكون عمله تخريج ًا‪ ،‬و�إال �أ�سبغ‬


‫عليه و�صف ًا منا�سب ًا‪ ،‬وه��و م��ا ي�سمى يف بع�ض البحوث‬ ‫املعا�صرة تكييف ًا ‪� ،‬أو �أن هذا امل�سمى هو الأق��رب �إلى‬ ‫ت�سميته بالتكييف‪ ،‬فالتو�صيف �إذ ًا ي�شمل‪ :‬التخريج‬ ‫والتكييف‪ ،‬وهو ما تعر�ضه الفقرة الآتية‪.‬‬ ‫ب ـ م�سالك التو�صيف‪:‬‬ ‫ال تخلو النازلة املبحوثة م��ن �أح��د احتمالني‪ :‬ف�إما‬ ‫�أن تكون م�س�ألة م�سماة على ل�سان ال�شرع �أو الفقهاء‪،‬‬ ‫ف �ه��ذه م �� �س ��أل��ة من �ط �ي��ة‪ ،‬و�إم � ��ا �أن ت �ك��ون م��ن امل���س��ائ��ل‬ ‫امل���س�ت�ج��دة‪ ،‬ال �ت��ي مل يعهد ل�ه��ا ن�ظ�ير يف ال���ش��ري�ع��ة وال‬ ‫ال �ف �ق��ه‪ ،‬ول�ل�ب��اح��ث �إزاء ه��ذي��ن االح �ت �م��ال�ين م�سلكان‪:‬‬ ‫�أولهما‪� :‬أن تكون من امل�سائل امل�سماة �شرع ًا �أو فقه ًا‪ ،‬ففي‬ ‫هذه احلال يكون تو�صيفها الفقهي ب�إحلاقها مبا مياثلها‬ ‫�شرع ًا �أو فقه ًا‪ ،‬بعد تفقد �شرائط الإحلاق‪ ،‬وهو ما ي�سمى‬ ‫بتخريج الفروع على الفروع‪� ،‬أي �إحلاق الفروع اجلديدة‬ ‫مبا مياثلها من امل�سائل التي بحث املتقدمون �أحكامها‪.‬‬ ‫وه��ذا ال يعني بال�ضرورة ال�ت��زام ج��دد التقليد يف هذه‬ ‫احل� ��ال‪ ،‬ب��ل امل�ق���ص��ود �إج ��را�ؤه ��ا جم��رى �سابقتها من‬ ‫حيث ت�سكينها يف حملها م��ن �أب ��واب الفقه وم�سائله‪،‬‬ ‫وم ��ن ح�ي��ث ال��وف��اق واخل �ل��اف‪ ،‬م��ع م�لاح�ظ��ة ال �ف��روق‬ ‫التي تلم ب�أعطاف النازلة‪ ،‬ف��رب نازلة يظنها الباحث‬ ‫م�سماة يف ال�شريعة واحل��ال �أنها م�ستجدة‪� ،‬أو العك�س‪.‬‬ ‫على �أنه ينتبه هنا �إلى �أن كثري ًا من م�صنفات املت�أخرين‬ ‫من الفقهاء قد تو�سعت يف تخريج الفروع على الأ�صول‬ ‫حتى خرجت يف موا�ضع منها عن مقا�صد الأئمة و�أقوالهم‪،‬‬ ‫ورمبا ن�سبت �إليهم ما ي�صرحون مبنعه‪ ،‬وكان هذا التو�سع‬ ‫حم��ل ان�ت�ق��اد م��ن ع��دد م��ن حمققي امل��ذاه��ب الفقهية‪.‬‬ ‫يقول �شيخ الإ� �س�لام اب��ن تيمية ‪ “ :‬ف��ال��واج��ب على من‬ ‫�شرح اهلل �صدره للإ�سالم �إذا بلغته مقالة �ضعيفة عن‬ ‫بع�ض الأئمة �أن ال يحكيها ملن يتقلد بها‪ ،‬بل ي�سكت عن‬ ‫ذك��ره��ا �إل��ى �أن يتيقن �صحتها‪ ،‬و�إال توقف يف قبولها‪،‬‬ ‫فما �أكرث ما يحكى عن الأئمة ماال حقيقة له‪ ،‬وكثري من‬ ‫امل�سائل يخرجها بع�ض الأت �ب��اع على ق��اع��دة متبوعة‪،‬‬ ‫م��ع �أن ذل��ك الإم� ��ام ل��و ر�أى �أن �ه��ا تف�ضي �إل ��ى ذل��ك ملا‬ ‫التزمها‪ ،‬وال�شاهد يرى ما ال يرى الغائب “ (‪ )27‬اهـ‪.‬‬ ‫ثانيهما‪� :‬أن ت�ك��ون م�س�ألة ج��دي��دة‪ ،‬مل ي�سبق لها ذكر‬ ‫ب��ذات�ه��ا‪ ،‬ال يف الن�صو�ص ال�شرعية‪ ،‬وال يف امل�صنفات‬ ‫الفقهية‪ ،‬وحينئذ ي�صدق عليها ا�سم ‪ :‬النازلة الفقهية‪،‬‬

‫ويف ه��ذه احل ��ال ي�ست�أنف الفقيه ل�ه��ا ن �ظ��ر ًا ج��دي��د ًا‪،‬‬ ‫م��راع�ي� ًا �أ� �ص��ول ال�شريعة وق��واع��ده��ا و�أدل �ت �ه��ا العامة‪،‬‬ ‫وه� ��ذا ه ��و ال�ت�ك�ي�ي��ف يف ا� �ص �ط�لاح ب�ع����ض ال �ب��اح �ث�ين‪.‬‬ ‫وق��د تكون النازلة م�ستجدة برمتها‪ ،‬كما �أنها قد تكون‬ ‫مركبة من كيفيات معهودة يف الفقه‪ ،‬وتكون جدتها من‬ ‫َنحل �إليه‪.‬وال�شكل‬ ‫حيث تركيبها‪ ،‬ال من حيث تب�سيطها وما ت َ‬ ‫التايل يبني م�سالك التو�صيف الفقهي للم�سائل‪:‬‬ ‫‪ ‬ومن املهم �أن يتنبه الباحث �إل��ى الأخ�ط��اء ال�شائعة‬ ‫يف تو�صيف بع�ض الوقائع‪ ،‬فقد يعرب ال�سائل عن الواقعة‬ ‫مب��ا ي��وح��ي للفقيه �أن ه��ذه ال��واق �ع��ة ت �ن��درج حت��ت ب��اب‬ ‫م��ا م��ن �أب ��واب الفقه‪ ،‬ف� ��إذا م��ا ��س��دد النظر تك�شف له‬ ‫خط�أ ال�سائل‪ ،‬فقد ي�س�أل ال�سائل عن حكم االقرتا�ض‬ ‫م��ن امل���ص��رف (ال �ب �ن��ك)‪ ،‬وه��و يق�صد �إج� ��راء ال �ت��ورق‬ ‫امل�صريف مث ًال‪ ،‬وه��ذا قد تكرر مع كثري من املنا�سبات‬ ‫م��رار ًا‪ ،‬ب�سبب جهل ال�سائلني بل�سان ال�شرع ولغة الفقه‪.‬‬ ‫ولأهمية هذه املرحلة كان اخلط�أ فيها من جن�س خمالفة‬ ‫النظام العام يف جمال الق�ضاء‪ ،‬فهو خط�أ فادح‪ ،‬وتخت�ص‬ ‫املحكمة العليا بالرقابة ع�ل�ي��ه(‪ ،)28‬ولهذا ن�ص نظام‬ ‫الق�ضاء يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬يف مادته احلادية‬ ‫ع�شرة‪ ،‬على �أن تخت�ص املحكمة العليا مبراقبة الأحكام يف‬ ‫�أحوال �أربع‪ ،‬ومنها‪ :‬اخلط�أ يف تكييف الواقعة‪� ،‬أو و�صفها‬ ‫و�صف ًا غري �سليم‪.‬‬ ‫و�سنقف يف اجلزء الثاين �إن �شاء اهلل على العن�صر‬ ‫الثالث وهو الدليل‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪55‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫جرمية احلرابة الإرهابية‬ ‫يف ال�شريعة الإ�سالمية‬ ‫املحامي مازن الفاعوري‬

‫عرف التاريخ الإ�سالمي �صورا من اجلرائم الإرهابية ور�صد لها �أ�شد العقوبات ولعل جرمية احلرابة‬ ‫�أقرب �صور اجلرائم �إلى الأعمال الإرهابية و�سبق الفقة الإ�سالمي القانون الو�ضعي ب�أربعة ع�شر قرنا يف‬ ‫جترمي الإرهاب ومكافحتة وذلك بتحديد جرمية احلرابة و�شروطها وعقوباتها كما وردت يف القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫ويف هذا املقال نبحث يف هذة اجلرمية ثم نتطرق �إلى موقف الإ�سالم من الإرهاب ‪.‬‬ ‫الفقة اجلنائي الإ�سالمي ت�شدد يف جرمية احلرابة خلطورتها وت�أثريها على احلياة االجتماعية وال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية ولكونها ذات طابع �إرهابي‪ ،‬وتعد جرمية احلرابة من �أب�شع اجلرائم التي ورد الن�ص عليها يف‬ ‫الت�شريع الإ�سالمي وو�ضعت لها �شروط خا�صة و�أركان خا�صة ال تتحقق �إال بوجودها جل�سامة العقوبة املرتتبة‬ ‫عليها والتي ورد الن�ص عليها يف القر�آن الكرمي (�أمنا جزاء الذين يحاربون اللة ور�سولة وي�سعون يف الأر�ض‬ ‫ف�سادا �أن يقتلوا �أو ي�صلبوا �أو تقطع �أيديهم و�أرجلهم من خالف �أو ينفوا من الأر�ض ذلك لهم خزي يف الدنيا‬ ‫ولهم يف االخرة عذاب عظيم �إال الذين تابوا من قبل �أن تقدروا عليهم فعلموا �أن اللة غفور رحيم) ‪.‬‬ ‫واحلرابة يف اللغة م�صدر م�شتق من فعل حارب يحارب ال�سالح برا وبحرا‪ ،‬ليال ونهارا ؛لإخافة النا�س يف امل�صر‬ ‫ولهذا الفعل عدة معان منها �أن احلرب مبعنى القتل ومبعنى وغرية‪ ،‬وعد ال�سارق حماربا �إذا اقرتف جرمية ال�سرقة مع‬ ‫املع�صية وحارب اللة �إذ ع�صوة كما ي�أتي احلرب معنى �سلب ا�ستعمال ال�سالح ‪.‬‬ ‫ويف ا�صطالح الفقهاء تعرف ب�أنها "خروج جماعة �أو‬ ‫فرد ذي �شوكة �إلى الطريق العام بغية منع امل�سافرين �أو‬ ‫�سرقة �أموالهم �أو االعتداء على �أرواحهم" وعرفها احلنفية‬ ‫ب�أنها " اخلروج على املارة على �سبيل املغالبة على وجة مينع‬ ‫املارة من املرور وينقطع الطريق "يف حني عرفها ال�شافعية‬ ‫اما الفقة املالكي فريى ان احلرابة هي قطع الطريق‬ ‫ب�أنها الربوز لآخذ املال �أو قتل �أو �إرهاب وي�ضيف بع�ضهم‬ ‫�أن يكون ذلك مكابرة �أو اعتمادا على ال�شوكة مع البعد عن الخذ املال واخافة النا�س او قتلهم يف اماكن ي�ستحيل معها‬ ‫الغوث وي�شرتط املالكية ان يكون الفعل ب�شكل علني لتحقيق‬ ‫الغوث‪.‬‬ ‫م�صالح مادية غري م�شروعة‪ ،‬فاحلرابة عندهم االعتداء‬ ‫�أما ال�شيعة الأمامية ف�إن املحاربة عندهم هي جتريد وال�سلب وازالة االمن ‪.‬‬

‫يف حني و�سع الظاهرية معنى احلرابة لي�شمل كل مف�سد‬ ‫يف الأر���ض وحجتهم يف ذلك �أن �آي��ة املحاربني جعلت كل‬ ‫مف�سد يف الأر�ض حماربا واحلكم مطلق يجرى على اطالقة‬ ‫ما مل يرد حكم يقيدة ‪.‬‬

‫‪� 56‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ام��ا الفقة احلنفي فيعرف احل��راب��ة على ان�ه��ا قطع‬ ‫الطريق با�سلوب مينع امل��ا ّرة من الفائدة منة م�ستخدمني‬ ‫القوة املادية والقتل والتخويف ‪�،‬سواء وقع الفعل من �شخ�ص‬ ‫واحد او جمموعة ا�شخا�ص م�ستخدمني ال�سالح او بدونه‪،‬‬ ‫لكن احلنفية يتطلبون يف املال ن�صابا معينا لكي يكون حمال‬ ‫جلرمية احل��راب��ة وه��و ع�شر دراه��م فاملحارب قد يخرج‬ ‫لإخافة النا�س مغالبة او بالقوة م�ستخدما ال�شوكة واملنعة يف‬ ‫الطريق دون ان يقتل او ياخذ ماال بل جمرد االخافة واثارة‬ ‫الرعب فقط ففي هذة احلالة تنطبق عليه عقوبة احلرابة‬ ‫واذا اخذ املال فقط دون ان يقتل احدا فهو حمارب �أي�ضا‬ ‫واذا قتل املحارب النا�س دون اخذ املال فتحقق اجلرمية وقد‬ ‫يخرج املحارب فيقتل النا�س وياخذ اموالهم فهو حمارب‬ ‫تنطبق علية جرمية احلرابة وعقوبتها‪.‬اذن هو حمارب‬ ‫تنطبق علية اجلرمية والعقوبة يف كل احل��االت ال�سابقة‬ ‫وملعرفة تفا�صيل اك�ثر ع��ن ج��رمي��ة احل��راب��ة باعتبارها‬ ‫اجلرمية االرهابية يف ال�شريعة اال�سالمية �سنو�ضح �شروط‬ ‫حتققها والعقوبات املرتتبة عليها ‪.‬‬

‫�أي�ضا قطع طريق‪ ،‬لأن النا�س ينقطعون بخروج هذة اجلماعة‬ ‫عن الطريق‪ ،‬فال ميرون فية‪ ،‬خ�شية �أن ت�سفك دما�ؤهم‪� ،‬أو‬ ‫ت�سلب �أموالهم‪� ،‬أو تهتك �أعرا�ضهم �أو يتعر�ضون ملا ال قدرة‬ ‫لهم على مواجهتة‪ ،‬واحلرابة تعترب من كربيات اجلرائم‪،‬‬ ‫ومن ثم �أطلق القر�آن الكرمي على املتورطني يف ارتكابها‬ ‫�أق�سى عبارة فجعلهم حماربني للة ور�سولة‪ ،‬و�ساعني يف‬ ‫الأر�ض بالف�ساد وغلظ عقوبتهم تغليظا مل يجعلة جلرمية‬ ‫�أخرى‪ ،‬ور�سول اللة �صلى اللة علية و�آلة و�سلم يعلن �أن من‬ ‫يرتكب هذة اجلناية لي�س لة �شرف االنت�ساب �إلى الإ�سالم‪،‬‬ ‫فيقول ‪ " :‬من حمل علينا ال�سالح فلي�س منا " و�إذا مل يكن‬ ‫لة هذا ال�شرف وهو حي‪ ،‬فلي�س لة هذا ال�شرف بعد الوفاة‪،‬‬ ‫ف�إن النا�س ميوتون على ما عا�شوا علية‪ ،‬كما يبعثون على ما‬ ‫ماتوا علية ‪ .‬وحكم الن�ساء واملوايل يف احلرابة واحد ؛ لأنة‬ ‫لي�س للأنوثة وال للرق ت�أثري على جرمية احلرابة‪ ،‬فقد يكون‬ ‫للمر�أة والعبد من القوة مثل ما لغريهما‪ ،‬من التدبري وحمل‬ ‫ال�سالح وامل�شاركة يف التمرد والع�صيان‪ ،‬فيجري عليهما‬ ‫ما يجري على غريهما من �أحكام احلرابة‪ ،‬وال عربة بنوع‬ ‫ال�سالح الذي ي�ستخدمة املحاربون حتى لو ت�سلحوا بالع�صي‬ ‫واحلجارة ‪.‬‬

‫ومن جمموع هذة التعريفات ميكن القول ب��أن فقهاء‬ ‫امل�سلمني مبختلف مذاهبهم يجمعون على �أن اخل��روج‬ ‫و�أذا م��ا �آج��ري�ن��ا م�ق��ارن��ة ب�ين ه��ذة الأف �ع��ال وال�صور‬ ‫الخافة النا�س يف الطريق �أو الخ��ذ �أموالهم �أو قتلهم �أو‬ ‫املعا�صرة من اجلرائم الإرهابية جند انهما يتفقان من حيث‬ ‫جرحهم هو من قبيل احلرابة ‪.‬‬ ‫توافر العن�صر النف�سي ون�شر الرعب �أو اخلوف وقد تقدم �أن‬ ‫فاحلرابة باملجمل هي خ��روج طائفة م�سلحة يف دار ال�شافعية عرفوا احلرابة ب�أنها الربوز لآخذ املال �أو �إرهاب‪،‬‬ ‫اال�سالم‪ ،‬لإحداث الفو�ضى‪ ،‬و�سفك الدماء‪ ،‬و�سلب الأموال‪ ،‬كما ا�شرتط الفقهاء جتريد ال�سالح واملكابرة باالعتماد على‬ ‫وهتك االعرا�ض‪ ،‬و�إهالك احلرث والن�سل‪ ،‬متحدية بذلك ال�شوكة واملغالبة وهو ما ينطبق على اكرث العمليات الإرهابية‬ ‫الدين والأخالق والنظام والقانون ‪ .‬وال فرق بني �أن تكون يف الوقت احلا�ضر ال�سيما �أعمال القر�صنة البحرية وخطف‬ ‫هذة الطائفة من امل�سلمني‪� ،‬أو الذميني‪� ،‬أو املعاهدين �أو الطائرات حيث ميتنع الغوث ويتم ا�ستخدام ال�سالح �أو‬ ‫احلربيني‪ ،‬ما دام ذلك يف دار اال�سالم‪ ،‬وما دام عدوانها التهديد بة لن�شر الرعب بني امل�سافرين ‪.‬‬ ‫على كل حمقون الدم‪ ،‬وكما تتحقق احلرابة بخروج جماعة‬ ‫وع �ل��ى ذل��ك جن��د �أن ج��رمي��ة احل��راب��ة يف ال�شريعة‬ ‫م��ن اجل �م��اع��ات‪ ،‬ف��إن�ه��ا تتحقق ك��ذل��ك ب �خ��روج ف��رد من‬ ‫االفراد‪ .‬فلو كان لفرد من االفراد جربوت وبط�ش‪ ،‬و ف�ضل الإ�سالمية هي ال�صورة املقابلة للجرمية الإره��اب�ي��ة يف‬ ‫قوة وقدرة يغلب بها اجلماعة على النف�س واملال‪ ،‬والعر�ض‪ ،‬الت�شريع الو�ضعي‪ ،‬وقد حر�ص الإ�سالم على �ضمان �أمن‬ ‫فهو حم��ارب وق��اط��ع ط��ري��ق وي��دخ��ل يف مفهوم احلرابة وا�ستقرار املجتمع باعتبار هذة اجلرمية من الكبائر ور�صد‬ ‫الع�صابات املختلفة‪ ،‬كع�صابة القتل‪ ،‬وع�صابة خطف لها �أ�شد العقوبات ملا يف قطع الطريق وقتل النا�س و�إرهابهم‬ ‫الأطفال‪ ،‬وع�صابة الل�صو�ص لل�سطو على البيوت‪ ،‬والبنوك‪ ،‬من �إ�شاعة للفو�ضى والرعب واخالل خطري للنظام العام‪،‬‬ ‫وع�صابة نهب الرثوات‪ ،‬وع�صابة خطف البنات والعذارى ومن املهم القول ان جرمية احلرابة من الكبائر ب�سبب ما‬ ‫للفجور ب�ه��ن‪ ،‬وع�صابة اغ�ت�ي��ال احل �ك��ام اب�ت�غ��اء الفتنة ي�شيعة قطاع الطرق من االرهاب واخلوف يف نفو�س النا�س‬ ‫وا�ضطراب االمن‪ ،‬وع�صابة �إتالف ال��زروع وقتل املوا�شي ومينعهم من ممار�سة اعمالهم والتنقل يف بالد اال�سالم‬ ‫وال��دواب‪ ،‬وكلمة احلرابة م�أخوذة من احل��رب‪ ،‬لأن هذة بحرية‪ ،‬واملق�صود باحلرابة من الناحية اللغوية حماربة‬ ‫الطائفة اخلارجة على النظام تعترب حماربة للجماعة من اللة ور�سولة �أي حتول قاطع الطريق الى حمارب لكل القيم‬ ‫جانب وحماربة للتعاليم اال�سالمية التي جاءت لتحقق �أمن ال�سماوية وال�سامية التي ج��اءت بها ال�شريعة اال�سالمية‬ ‫اجلماعة و�سالمتها باحلفاظ على حقوقها من جانب �آخر‪ ،‬الغراء والتعبري جاء جمازي النها حماربة غري مبا�شرة ملن‬ ‫وكما ي�سمى هذا اخلروج على اجلماعة حرابة‪ ،‬ف�إنة ي�سمى يحارب عباد اللة تعالى يف تنقلهم ويبعث الرعب يف نفو�سهم‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪57‬‬


‫امنا يحارب اللة ور�سولة و�سميت احلرابة اي�ضا بال�سرقة‬ ‫الكربى بالرغم من االختالف بني احلرابة وال�سرقة فهذة‬ ‫االخ�يرة ت�ستوجب اخذ امل��ال خفية بينما احلرابة ي�ؤخذ‬ ‫املال فيها بالقوة عن طريق الرتهيب والرعب والبعد عن‬ ‫اال�ستغاثة ومفاج�أة املجني علية با�ستعمال ال�سالح �أو‬ ‫بدونه‪ ،‬وقد يقوم بها �شخ�ص او جمموعة ا�شخا�ص ‪.‬‬ ‫وح�ي��ث الزل �ن��ا يف املعنى اال��ص�ط�لاح��ي ف��ان الفقهاء‬ ‫امل�سلمني يعرفون احلرابة بتعريفات متعددة ذات م�ضمون‬ ‫واحد فيقولون بانها قيام �شخ�ص او جماعة باخافة النا�س‬ ‫او قتلهم واخذ اموالهم او ترهيبهم فقط واخذ اموالهم او‬ ‫رمبا قتلهم فقط دون اخذ املال‪.‬‬ ‫�شروط حتقق جرمية احلرابة‬ ‫اتفق الفقهاء امل�سلمون على ال�شروط العامة لتحقق‬ ‫ه��ذة اجلرمية اال ان االخ�ت�لاف بينهم يف تفا�صيل تلك‬ ‫ال�شروط‪ ،‬فمنهم من تطلب يف مقرتيف اجلرمية ان يكونوا‬ ‫ذك��ورا وان احل��د ال يقام على االن��اث‪ ،‬ام��ا ال��ر�أي االخر‬ ‫فريى ان الآية الكرمية التي جرمت احلرابة وردت عامة‬ ‫والعام يجري على اطالقة مامل يقيد حيث جاء يف الآيه‬ ‫}امنا جزاء الذين يحاربون{ فهي وردت ب�صيغة املذكر‬ ‫وتف�سري الآية يفيد ان لفظ املذكر اجلمع امنا ين�صرف الى‬ ‫الذكر واالنثى‪ ،‬ويرى هذا الر�أي اي�ضا ان الو�سائل احلديثة‬ ‫املتوفرة للمر�أة وما ت�ستطيع ان تقوم بة اليقل خطورة عن‬ ‫دور الرجل يف قيامة باجلرمية‪ ،‬ون��رى ان ال��ر�أي الثاين‬ ‫اق��رب للواقع ملا ن�شاهدة من تنظيم الن�ساء للع�صابات‬ ‫االج��رام �ي��ة املنظمة وا� �س �ت �خ��دام اال��س�ل�ح��ة والتقنيات‬ ‫احلديثة يف ارتكاب اجلرمية‪ ،‬وبخ�صو�ص ال�سالح ودورة‬ ‫يف اجلرمية فبع�ض الفقهاء ا�شرتط لكي تتحقق اجلرمية‬ ‫ان يحمل اجلناة �سالحا ظاهرا او خمبئا بغ�ض النظر‬ ‫عن نوعة‪ ،‬بينما هناك من الفقهاء من يرى ان اجلرمية‬ ‫تعترب واقعة فعال ولو مل يكن اجل��اين او اجلناة يحملون‬ ‫�سالحا وذلك الن �صفة املغالبة واقعة من قبل اجلناة عن‬ ‫طريق الرعب واالره��اب ال��ذي يحدثوة يف نفو�س املجني‬ ‫عليهم وعدم قدرة ه�ؤالء االخريين على طلب الغوث من‬ ‫ال�سلطة العامة او من النا�س فاملعيار وفق الر�أي االخر هو‬ ‫ا�ستحالة اال�ستغاثة ال�سباب متعددة قد تكون بعد املكان‬ ‫عن العمران او ح�صول اجلرمية ليال او الن املجني علية‬ ‫ال ي�ستطيع مقاومة عدد من اجلناة‪ ،‬والر�أي الثاين اقرب‬ ‫لل�صواب فال�سالح لي�س �ضروريا فقد يحدث جمموعة من‬ ‫قطاع الطرق الرعب واخلوف يف نفو�س النا�س امل�سافرين‬ ‫يف الطريق العام اخلارجي دون ان يحمل اجلناة اال�سلحة‬ ‫او يحملون الع�صي فقط الن املفاج�أة التي حت�صل للمجني‬ ‫عليهم جتعلهم يت�صورون ان اجلناة يحملون ال�سالح وانة‬ ‫لي�س من ال�سهولة القيام بهذا الفعل االرهابي بدون �سالح‬ ‫‪� 58‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫وانة يحتاج الى قدرة عالية ملخالفة ال�شرع ت�أباة النفو�س‬ ‫ال�صحيحة وال�سليمة ومن ال�شروط التي نتج عنها اكرث‬ ‫من ر�أي بني الفقهاء م�س�ألة مكان وقوع اجلرمية او مكان‬ ‫قطع الطريق كما ي�سمية الفقهاء امل�سلمون‪ ،‬فمنهم يرى ان‬ ‫احلرابة ال تتحقق كجرمية ارهابية اال اذا وقعت بعيدا عن‬ ‫املدن ويف الطرق النائية النعدام الغوث‪ ،‬اما اذا وقعت يف‬ ‫االم�صار ( املدن ) فريى هذا االجتاة ان اال�ستغاثة ممكنة‬ ‫وال يجوز ان نكون امام جرمية حرابة‪ ،‬بل جرمية من نوع‬ ‫اخر‪ ،‬فقد تكيف على انها �سرقة‪ ،‬او جرمية قتل او �سرقة‬ ‫بظروف م�شددة او قتل بظروف م�شددة‪ ،‬اما االجتاة الثاين‬ ‫بخ�صو�ص مكان وقوع اجلرمية فيعتقد ان اجلرمية تعترب‬ ‫واقعة فعال �سواء وقعت يف الطريق العام ام داخل املدن‪،‬‬ ‫يف الليل ام يف النهار‪ ،‬الن العربة مبنعة اجل��اين وقوتة‬ ‫و�سيطرتة على املجني علية وعدم ا�ستطاعة هذا االخري‬ ‫املقاومة واال�ستغاثة‪ ،‬واحلق ان الر�أي الثاين هو االرجح يف‬ ‫نظرنا النة ي�ستوعب احلاالت املتعددة ‪.‬‬ ‫وما يخ�ص �ضرورة مبا�شرة قاطع الطرق او املحارب‬ ‫للجرمية بنف�سة او باال�شرتاك مع اخرين فهناك ر�أي ان‬ ‫اجلرمية تنطبق فقط على فاعل اجلرمية اال�صلي الذي‬ ‫با�شر الفعل االجرامي بنف�سة اما من حر�ضة او �ساعدة‬ ‫بتوفري املواد واللوازم واال�سلحة امل�سهلة للجرمية‪ ،‬او من‬ ‫كان يراقب الطريق او من وفر للجاين احلرا�سة او احلماية‬ ‫فكل ه�ؤالء لي�سوا حماربني وال ينطبق عليهم و�صف احلرابة‬ ‫كجرمية حدية يف الفقة اجلنائي اال�سالمي بل تنطبق‬ ‫عليهم جرائم وعقوبات كل ح�سب الفعل الذي اقرتفة فاذا‬ ‫�شكل الفعل االجرامي جرمية م�ستقلة قائمة بذاتها في�صار‬ ‫الى تطبيق عقوباتها �سواء كانت من جرائم احل��دود او‬ ‫الق�صا�ص او ي�صار الى تطبيق العقوبات التعزيرية على حالة‬ ‫اال�شرتاك يف اجلرمية وال تطبق عقوبة جرمية احلرابة اال‬ ‫على الفاعل اال�صلي يف اجلرمية‪ ،‬اما الر�أي الثاين فريى �أن‬ ‫احلرابة يف الغالب تتطلب القوة واملنعة وال�شوكة وا�ستعمال‬ ‫ال�سالح وا�شرتاك عدد من اجلناة وا�ستخدام و�سائل النقل‬ ‫املختلفة وتتطلب معاونة وم�ساعدة وتهيئة م�ستلزمات‬ ‫لذلك فيكون هناك فاعلني ا�صليني و�شركاء يف اجلرمية‬ ‫ويرى هذا االجتاة تطبيق عقوبة احلرابة واعتبار اجلرمية‬ ‫متحققة بالن�سبة للفاعلني اال�صليني وال�شركاء على حد‬ ‫�سواء دون تفريق بينهم باعتبار ان كل منهم ي�ؤدي دورة يف‬ ‫وقوع جرمية احلرابة ‪.‬ان الراى الثاين يحقق احلكمة التي‬ ‫ارادها ال�شارع املقد�س من فر�ض عقوبة جرمية احلرابة‬ ‫باعتبارها من جرائم احلدود النها مت�س االمن الداخلي‬ ‫للدولة و�سالمة طرقاتها ومن �ش�أن ت�شديد العقوبة يف هذة‬ ‫اجلرمية كما ج��اءت يف ال�شرع اال�سالمي يوفر احلماية‬ ‫لتحرك النا�س واداء م�صاحلهم ولكي ال يح�صل تعاون‬ ‫وم�ساعدة مع مرتكبي مثل هذة اجلرمية‪ ،‬كذلك فان الفقة‬ ‫الإ�سالمي ال يفرق بالن�سبة لفاعل اجلرمية ان يكون م�سلما‬


‫او ذميا‪ ،‬حيث �إن اجلرمية تقع يف بالد اال�سالم ويفرت�ض ان‬ ‫القانون اجلنائي ي�سري على كل من يعي�ش على ار�ض الدولة‬ ‫م�سلما او ذميا او م�ست�أمنا‪ ،‬لكن هناك ر�أي لقليل من الفقهاء‬ ‫ي�ستوجب ان يكون اجلناة م�سلمني حتى يطبق الن�ص عليهم‬ ‫اما اذا كانوا من الذميني فال ينطبق عليهم باعتبار ان قطع‬ ‫الطريق واال�شرتاك يف جرمية احلرابة ي�شكل نق�ضا للعهد‬ ‫الذي قطعة الذمي على نف�سة عندما �سكن يف بالد اال�سالم‬ ‫ويعامل يف حالة قيامة بجرمية احلرابة او ا�شرتاكة فيها ب�أية‬ ‫طريقة على انة ناق�ض للعهد فيباح دمة ومالة فاملالحظ ان‬ ‫ال��ر�أي االول اكرث حتقيقا الهداف الن�ص القر�آين الكرمي‬ ‫كما انة ي�ساير املبادئ العامة يف الفقة اجلنائي اال�سالمي‬ ‫واحلديث ‪.‬‬ ‫عقوبة جرمية احلرابة‬ ‫احلرابة من جرائم احلدود التي �شرعت عقوباتها‪ ،‬اال‬ ‫ان الن�ص القر�آين الكرمي يف �آية احلرابة قرر عدة عقوبات‬ ‫لهذة اجلرمية اخلطرة وهي القتل وال�صلب وقطع االيدي‬ ‫واالرجل من خالف والنفي‪ ،‬واخلالف يف الر�أي بني الفقهاء‬ ‫هل ان هذة العقوبات تطبق على مرتكب جرمية احلرابة اذا‬ ‫توفرت �شروطها ب�صورة كيفية ح�سب ر�أي االمام او القا�ضي‬ ‫ام يحدد لكل فعل اج��رام��ي مكون جلرمية احل��راب��ة نوع‬ ‫العقوبة التي يجب ان تطبق على اجلاين‪ ،‬ويف هذا املجال‬ ‫هناك ر�أيان االول يقرر ان ال�شارع املقد�س حدد لكل فعل‬ ‫من االفعال املكونة للجرمية ( احلرابة ) والتي تتحقق بفعل‬ ‫ولو واحد من تلك االفعال االجرامية عقوبة حمددة فحدد‬ ‫الباري عز وجل جلرمية القتل يف احلرابة ان يعاقب اجلاين‬ ‫بالقتل واذا اخذ اجلاين املال فقط تقطع يدة اليمنى ورجلة‬ ‫الي�سرى واذا اخاف النا�س وارعبهم وعبث يف امن الطريق‬ ‫دون قتل او اخ��ذ م��ال بل جم��رد االره��اب والرعب يعاقب‬ ‫بالنفي واذا اخ��ذ اجل��اين امل��ال وقتل املجني علية يعاقب‬ ‫بالقتل وال�صلب‪ ،‬ويرى بع�ض الفقهاء ان املق�صود بالنفي يف‬ ‫هذة احلالة هو ال�سجن امل�ؤقت بينما يرى اخرون ان املق�صود‬ ‫بالنفي ان يطرد اجلاين الى بالد بعيدة يتعذر علية العودة‬ ‫دون م�ساعدة من ويل االمر �أي ال�سلطة العامة‪ ،‬فن�ستنتج ان‬ ‫هذا الر�أي يقرر لكل فعل عقوبة كما حددها الن�ص القر�آين‪،‬‬ ‫اما الر�أي الثاين فريى ان اجلرمية اذا وقعت فان القا�ضي‬ ‫او االمام ميلك ال�سلطة التقديرية الكاملة اليقاع العقوبة‬ ‫املنا�سبة بالنظر الى امل�صلحة العامة �أي م�صلحة املجتمع‬ ‫ب�شرط ان تقرر العقوبة من بني العقوبات التي وردت يف �آية‬ ‫احلرابة والتي اليجوز تغيريها او تعديلها او تبديلها النها‬ ‫من جرائم احلدود كما ا�سلفنا وينظر االمام او القا�ضي يف‬ ‫هذة احلالة الثانية الى خطورة اجلاين ولي�س الى خطورة‬ ‫اجلرمية‪ ،‬وجاء هذا االختالف يف االراء ب�سبب االختالف‬ ‫يف تف�سري ن�ص الآي��ة الكرمية (�آي��ة احلرابة) وبالذات يف‬ ‫تف�سري كلمة ( او ) التي وردت يف الن�ص فمنهم من يعترب‬

‫كلمة ( او ) جاءت على �سبيل الرتتيب بينما يعتربها البع�ض‬ ‫االخر جاءت على ا�سا�س التخيري ‪.‬‬ ‫فالفقة ال�ظ��اه��ري ي��رى ان االم ��ام خم�ير يف حتديد‬ ‫العقوبة املنا�سبة جلرمية احلرابة بغ�ض النظر عن الفعل‬ ‫املكون للجرمية �سواء اخاف اجلاين ال�سبيل فقط او اخذ‬ ‫املال او قتل فقط او قتل واخذ املال معا‪.‬‬ ‫اما الفقة املالكي فريى ان االمام ميلك �سلطة تقديرية‬ ‫يف اختيار العقوبة اذا مل يكن اجل��اين قد قتل ف��اذا قتل‬ ‫فاالمام اوالقا�ضي خمري بني ان يقتلة او يقتلة وي�صلبة ‪.‬‬ ‫ويرى الفقة احلنفي ان املحارب اذا اخاف ال�سبيل فقط‬ ‫فعقوبتة النفي وال يجوز تطبيق العقوبات االخرى علية والتي‬ ‫وردت يف اية احلرابة‪� ،‬أي ال يجوز قتلة او قطع يدة ورجلة‬ ‫من خالف ‪.‬‬ ‫بينما يعتقد ال�شافعية جواز فر�ض عقوبة تعزيرية علية‬ ‫اما اذا اخذ املحارب املال دون ان يقتل فالر�أي الراجح لدى‬ ‫ال�شافعية واحلنفية ان تقطع اليد اليمنى والرجل الي�سرى‪،‬‬ ‫اما اذا قتل اجلاين ومل ياخذ املال فريى اجلعفرية وجوب‬ ‫قتلة دون ال�صلب اما اذا قتل واخذ املال فالواجب قتلة و�صلبة‬ ‫امام النا�س للق�ضاء علية اوال‪ ،‬وزجر غرية ثانيا ممن يحمل‬ ‫يف نف�سة نية ارتكاب مثل هذة اجلرمية‪ ،‬ويف حالة ال�صلب‬ ‫تعددت االراء هل ان ال�صلب قبل القتل ام بعدة فالبع�ض‬ ‫يرى ان اجل��اين يقتل اوال ويعلق يف مكان عايل لي�شاهدة‬ ‫النا�س وهناك ر�أي اخر يقول ي�صلب على خ�شبة ويطعن يف‬ ‫قلبة حتى ميوت اما الر�أي الثالث يرى وجوب �شدة يف مكان‬ ‫عايل دون طعام او �شراب حتى مي��وت‪ ،‬وال يجوز التمثيل‬ ‫باجلاين الن الر�سول ( �صلى اللة علية و�آلة و�سلم ) نهى عن‬ ‫املثلة ولو بالكلب العقور‪.‬‬ ‫ومن كل ماتقدم يت�ضح لنا ان ال�شريعة اال�سالمية الغراء‬ ‫�سبقت كما ه��ي دائ�م��ا ك��ل القوانني الو�ضعية يف حتديد‬ ‫اجلرمية االرهابية وت�شريع �أق�سى العقوبات لها وحماربة‬ ‫الإره��اب والإرهابيني بينما مل تعرف القوانني الو�ضعية‬ ‫الإرهاب واجلرمية االرهابية اال يف وقت مت�أخر جدا قيا�سا‬ ‫على الت�شريع الذي جاء بة الفقة اجلنائي الإ�سالمي م�ستندا‬ ‫للقران الكرمي كما ان هذا الفقة جاء مرنا ومتطورا ليواكب‬ ‫ويعالج كافة ح��االت االره��اب املتجددة مثل خطف وقتل‬ ‫اال�شخا�ص وا�ستخدام اال�سلحة احلديثة وخطف الطائرات‬ ‫وا�ستعمال التقنيات احلديثة يف االره��اب‪ ،‬كما ان الفقة‬ ‫الإ�سالمي اعترب احلرابة جرمية عادية بغ�ض النظر عن‬ ‫الباعث على ارتكابها حتى لو كان الباعث عليها �سيا�سيا‬ ‫وذلك ب�سبب ج�سامة اخل�سائر املادية والب�شرية التي تخلفها‬ ‫اجل��رائ��م االره��اب�ي��ة وب�سبب ع��دم التنا�سب ب�ين الغايات‬ ‫والبواعث ال�سيا�سية التي تدعيها اجلماعات االرهابية‬ ‫وبني الطرق الوح�شية والإجرامية التي تتبعها الع�صابات‬ ‫او املنظمات االرهابية لذلك ف�إن ال�شريعة قررت منذ اربعة‬ ‫ع�شر قرناً �أن هذة اجلرمية من اجلرائم العادية‪ ،‬وقررت‬ ‫لها ا�شد العقوبات و�سن�شري الى اجلرمية ال�سيا�سية املتمثلة‬ ‫بجرمية البغي خالل حديثنا يف املطلب الثاين ‪.‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪59‬‬


‫دراسات الوسطية‬

‫ورقة عمل بعنوان‪:‬‬

‫دور الفقهاء يف ت�أ�صيل وتفعيل مفهوم التعددية‬ ‫الدكتور حممد خري العي�سى‬ ‫ع�ضو جمل�س الإفتاء العام (الأردن)‬

‫متهيد‪:‬‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن ال��رح�ي��م‪ ،‬احل�م��د هلل‪ ،‬وال�صالة‬ ‫وال�سالم على ر�سول اهلل‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫فالتعددية �صفة مالزمة جلميع ما خلق اهلل الواحد‬ ‫الأحد‪ ،‬ال ينكرها �أحد‪ ،‬لذا يف هذه الورقة لن يكون احلديث‬ ‫عن التعددية حكم ًا عقلي ًا؛ �إذ �إنها واقع م�شاهد حم�سو�س‪،‬‬ ‫ولن يكون عن حكمها يف الإ�سالم‪ ،‬فقد مت ايجازه ب�آيات‬ ‫َّا�س �أُمَّ ًة َو ِاح َد ًة َولاَ‬ ‫كثرية منها‪َ } :‬و َل ْو �شَ ا َء َر ُّب َك لجَ َ َع َل الن َ‬ ‫ون مخُ ْ َت ِل ِف َني (‪� )118‬إِلاَّ َم ْن َر ِح َم َر ُّب َك َو ِلذَ ِل َك خَ َل َق ُه ْم{‬ ‫َيزَ ا ُل َ‬ ‫(هود‪)119-118 :‬‬

‫َّا�س �إِنَّا خَ َل ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َكرٍ َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْلنَا ُك ْم‬ ‫}يا�أَ ُّي َها الن ُ‬ ‫للهَّ �أَ ْتقَا ُك ْم �إِنَّ َ‬ ‫ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َرفُوا �إِنَّ �أَ ْك َر َم ُك ْم ِعن َْد ا ِ‬ ‫اللهَّ‬ ‫ري{ (احلجرات‪)13 :‬‬ ‫َع ِلي ٌم خَ ِب ٌ‬ ‫وعليه ف�إن غاية الورقة �أمران‪ :‬نتفق مع الأول‪ ،‬ونتوقف‬ ‫عند الثاين‪:‬‬

‫للو�ضع ال لل�شرع‪ ،‬لي�صار �إلى هدفني �أ�سا�سيني؛ نتفق مع‬ ‫الأول ونعار�ض الثاين‪:‬‬ ‫التعاي�ش مع الآخر �أي ًا كان اعتقاده و�سلوكه‪ ،‬ولو تعار�ض‬ ‫مع اعتقادنا و�سلوكنا‪.‬‬ ‫االن�صهار يف الآخر �أي ًا كان اعتقاده و�سلوكه‪ ،‬والتوقف‬ ‫عن دعوته ملا نراه �صواب ًا‪.‬‬ ‫خال�صة القول بعالقة امل�سلم مع تعددية الآخر‪:‬‬ ‫(ت ـ ـعـ ـ ٌ‬ ‫ـاي�ش ال ات ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاع)‬ ‫املبحث الأول‪ :‬تعريف التعددية ون�ش�أتها‪.‬‬ ‫التعددية كلمة عربية م�شتقة م��ن ال �ع��دد‪� ،‬إال �أن هذا‬ ‫الرتكيب مل ي�ستخدمه علماء امل�سلمني على املعنى املراد‬ ‫منه يف الع�صور الأخرية‪ ،‬وال يوجد يف معاجم م�صطلحات‬ ‫العلوم الإ�سالمية‪.‬‬ ‫وقبل �أن �أُع� ِّرف معناها اال�صطالحي �أُبينِّ معناها يف‬ ‫اللغة وا�ستعماالتها‪:‬‬

‫التعددية عند الفقهاء تعني‪:‬‬ ‫تعريف التعددية يف اللغة‪:‬‬ ‫تنوع الفهوم للفروع ولي�س للأ�صول؛ لأن الأ�صول حق‪،‬‬ ‫التعددية‪ :‬م�صدر �صناعي م�أخوذ عن امل�صدر الأ�صلي‬ ‫واحلق ال يتعدد‪.‬‬ ‫“تع ُّدد” وفعله “تعدَّ َد”‪ ،‬ويقال‪ :‬تعدَّد يتعدَّ ُد تع ُّدد ًا‪� ،‬أي‬ ‫�صار ذا ع��دد‪ ،‬وتعدَّد ال�شيء �صار ذا ع��دد‪ ،‬تقول‪ :‬تع ُّدد‬ ‫التعددية الغربية �أو امل�ستغربة تعني‪:‬‬ ‫الأ�صول‪ ،‬وتع ُّدد النفو�س‪ ،‬وتع ُّدد احلقائق‪ ،‬وتع ُّدد الغايات‪،‬‬ ‫�إن احلق ن�سبي ولي�س هناك �أ�صول ثابت ٌة ُتتَبع واحلكم وتع ُّدد معاين الألفاظ‪ ،‬وتع ُّدد القيم‪.‬‬ ‫‪� 60‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫تعريف التعددية يف اال�صطالح‪:‬‬ ‫م�صطلح التعددية من امل�صطلحات املتداولة بكرثة يف‬ ‫املجاالت الدينية وال�سيا�سية والثقافية واالجتماعية كافة‪،‬‬ ‫�إال �أنه لي�س لها تعريف وا�ضح حمدَّد‪ ،‬بل تُ�ستعمل يف معانٍ‬ ‫�شتى‪ ،‬حتى قال �أحد الباحثني‪( :‬ينبغي لنا �أن ن�سلم بتع ُّددية‬ ‫التع ُّددية)‪.‬‬ ‫وذلك لأن التعددية مفهوم ترتبط به �شبكة من املفاهيم‬ ‫الفكرية والفل�سفية الغربية مثل‪ :‬احل��ري��ة‪ ،‬والعلمانية‪،‬‬ ‫والدميقراطية‪ ،‬والليربالية‪ ،‬وح�ق��وق الإن���س��ان‪ ،‬وحقوق‬ ‫الأقليات‪ ،‬والتعاي�ش ال�سلمي‪ ،‬والت�سامح‪ ،‬واملجتمع املدين‪،‬‬ ‫وت��داول ال�سلطة‪ ،‬وامل�شاركة ال�سيا�سية‪ ،‬وت��وازن القوى‪...‬‬ ‫وما يت�صل بهذه املفاهيم من مفاهيم فرعية‪ ،‬والت�سل�سل‬ ‫التاريخي املمتد عرب ب�ضعة قرون لهذه املنظومة الفكرية‬ ‫مما‪ ‬جعل مفهوم التعددية غري وا�ضح الداللة‪ .‬والتعريف‬ ‫الذي �أراه منا�سب ًا للتعددية هو‪( :‬االعرتاف وال�سماح ل�شرائع‬ ‫املجتمع وطوائفه ومذاهبه وجماعاته و�أح��زاب��ه ب�إظهار‬ ‫عقائدهم و�آرائهم وتوجهاتهم‪ ،‬وممار�ستها والدعوة �إليها‬ ‫عن طريق التجمعات ال�سلمية‪ ،‬من غري �إ�ضرار بالآخرين)‪.‬‬

‫�أنظمة غري �إ�سالمية؛ فلم يعرف النظام الإ�سالمي وال‬ ‫الفكر الإ�سالمي هذه الفكرة مبعناها ال�سابق ذ ْك � ُره؛ لأن‬ ‫م�شكلة ا�ضطهاد غري امل�سلمني و�إك��راه�ه��م على اعتقاد‬ ‫الإ�سالم رغم ًا عنهم لي�ست موجودة يف النظام الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ومما ي�ؤكد ذلك‪ :‬عدم وجود م�صطلح الأقليات يف الرتاث‬ ‫الإ�سالمي مبعناه امل�ع��روف ال�ي��وم؛ فم�صطلح "الأقلية"‬ ‫م�صطلح حديث‪ ،‬وجد يف ظل الأنظمة الغربية!‬ ‫التعددية يف الإ�سالم‪:‬‬

‫�إن التعدد مبعنى االع�ت�راف ب �الأدي��ان ‪ -‬ال�شرائع‪-‬‬ ‫الأخ��رى يف الواقع والتعامل معها بالعدل‪� ،‬إذ }لاَ‪� ‬إِ ْك� � َرا َه‬ ‫الدينِ { (البقرة‪ ،)256 :‬فهم "�أهل الذمة" التي يجب �أن‬ ‫فيِ ِّ‬ ‫تراعى وحتفَظ و ُيحذَ ر نق�ضها وخفرها‪.‬وخال�صتها‪ :‬معاملة‬ ‫الآخرين بالرحمة دع��وةً‪} :‬ا ْد ُع ِ�إ َل��ى َ�سبِيلِ َر ِّب� َ�ك بِالحْ ِ ْك َم ِة‬ ‫َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِالَّ ِتي ِه َي �أَ ْح َ�س ُن{ (النحل‪)125 :‬‬ ‫وبالعدل معامل ًة‪} :‬لاَ َي ْن َها ُك ُم ُ‬ ‫ين لمَ ْ ُيقَا ِت ُلو ُك ْم‬ ‫اللهَّ َعنِ ال َِّذ َ‬ ‫وه ْم َو ُتق ِْ�س ُطوا‬ ‫الدينِ َولمَ ْ ُيخْ رِ ُجو ُك ْم ِم ْن ِد َيا ِر ُك ْم �أَ ْن َتبرَ ُّ ُ‬ ‫فيِ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ين‬ ‫�إِ َل ْيهِ ْم �إِنَّ اللهَّ ُيح ُّب المْ قْ�سط َني (‪� )8‬إِنمََّا َي ْن َهاك ُم اللهَّ َعنِ الَّذ َ‬ ‫الدينِ َو�أَخْ َر ُجو ُك ْم ِم ْن ِد َيا ِر ُك ْم َو َظ َاه ُروا َع َلى‬ ‫م�صطلح (التعددية الدينية)‪ ،‬وظروف ن�ش�أته‪َ :‬قا َت ُلو ُك ْم فيِ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ون{‬ ‫ِ�إخْ َراجِ ُك ْم �أَ ْن َت َولَّ ْو ُه ْم َو َم ْن َي َت َولَّ ُه ْم َف�أو َل ِئ َك ُه ُم الظَّالمِ ُ َ‬ ‫يالحظ �أن هذه الفكرة ظهرت ‪� -‬أول ما ظهرت‪ -‬يف (املمتحنة‪.)9-8 :‬‬ ‫الدول التي تتعدد فيها الأديان‪ ،‬وتقع فيها احلروب الأهلية‬ ‫ب�سبب ذلك‪ ،‬فقد ظهرت يف الهند التي تعد من �أكرث الدول‬ ‫وك��ان تطبيق ذلك ظاهر ًا من �سرية حممد �صلى اهلل‬ ‫ت�ع� ُّدد ًا يف الأدي ��ان؛ وظهور الفكرة يف الهند �أم � ٌر يعرتف عليه و�سلم كما يف (�صحيفة املدينة) �أو ما ي�سمى بد�ستور‬ ‫به الغربيون‪ ،‬فهم ي�ضعون ع��دد ًا من املفكرين الهنود يف امل��دي�ن��ة‪ ..‬وال���ش��واه��د ك�ث�يرة يف ال�سنة وال���س�يرة وت��اري��خ‬ ‫قائمة دعاة التعددية‪ ،‬بدء ًا من‪“ :‬رام موهن راي” م�ؤ�س�س امل�سلمني‪.‬‬ ‫حركة براهما �ساماج (املجتمع الإلهي)‪ ،‬ومرورا بال�صويف‬ ‫والتعددية تنوع م�ؤ�سَّ�س على مت ُّيز وخ�صو�صية‪ ،‬ولذلك ال‬ ‫الباطني البنغايل “�سري راما كري�شينا”‪ ،‬وتلميذيه‪�“ :‬سني‬ ‫و�سوامي”‪ ،‬اللذَ ين نقال الفكرة �إلى �أوربا‪ ،‬وحتدث الأخري ميكن �أن توجد �إال يف مقابلة وباملقارنة مع الوحدة واجلامع‪،‬‬ ‫منهما عنها يف الربملان العاملي للأديان يف �شيكاغو عام ولذلك ال ميكن �إطالقها على الت�شرذم والقطيعة وال على‬ ‫‪1893‬م‪ ،‬وانتهاء بـ “املاهامتا غاندي” (‪1948-1869‬م)‪ .‬التمزق الذي انعدمت العالقة بني وحداته‪ ،‬وال ميكن �إطالق‬ ‫التعددية على (ال��واح��دي��ة)‪ ،‬فبدون ال��وح��دة اجلامعة ال‬ ‫ويبدو �أن الغربيني وجدوا فيها ح ًال منا�سب ًا للتخل�ص من يت�صور تنوع وخ�صو�صية و�أدلة ذلك‪)1( :‬‬ ‫�آثار اال�ضطهاد الديني الن�صراين الن�صراين‪ ،‬الذي ت�سبب‬ ‫َ‬ ‫يف الكثري من احلروب املرعبة واال�ضطهادات املتتالية با�سم‬ ‫التعددية موجودة يف �أنواع اخللق‪:‬قال تعالى‪�} :‬ألمَ ْ َت َر‬ ‫َ‬ ‫الكني�سة‪)1(.‬‬ ‫�أَنَّ اللهَّ �أَ ْنزَ لَ ِم َن ال�سَّ َما ِء َما ًء َف�أَخْ َر ْجنَا ِب ِه َث َم َر ٍات مخُ ْ َت ِلفًا‬ ‫ِي�ض َو ُح ْم ٌر مخُ ْ َت ِلفٌ َ�أ ْل َوا ُن َها‬ ‫عن كتاب التعددية ال�سيا�سية يف املجتمع اال�سالمي – �أَ ْل َوا ُن َها َو ِم� َ�ن الجْ ِ � َب��الِ ُج� َ�د ٌد ب ٌ‬ ‫اب َو ْ أ‬ ‫الَ ْن َع ِام مخُ ْ َت ِلفٌ‬ ‫ِيب ُ�سو ٌد (‪َ )27‬و ِم َن الن ِ‬ ‫َّا�س َوالدَّ َو ِّ‬ ‫َوغَ َراب ُ‬ ‫دكتور مراد رايق عوده‬ ‫اللهَّ ِم ْن ِع َبا ِد ِه ا ْل ُع َل َما ُء �إِنَّ اللهََّ‬ ‫�أَ ْل َوا ُن ُه كَذَ ِل َك �إِ َنمَّ��ا َيخْ �شَ ى َ‬ ‫واخلال�صة‪� :‬إن امل�صطلح وفكرته �إمن��ا ظهرت يف ظل َعزِ ي ٌز غَ فُو ٌر{ (فاطر‪)28 ،27 :‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪61‬‬


‫التعددية الغربية واملوقف منها‬

‫التعددية يف نوع الإن�سان وم�ستوى �أدائه لواجباته‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬التعددية الغربية و�آثارها‪:‬‬ ‫ال ْر ِ�ض َواخْ تِلاَ ُف �أَل ِْ�س َن ِت ُك ْم‬ ‫} َو ِم ْن �آ َيا ِت ِه خَ ْلقُ ال�سَّ َما َو ِات َو َْ أ‬ ‫ني{ (الروم‪)22 :‬‬ ‫َو�أَ ْل َوا ِن ُك ْم �إِنَّ فيِ ذَ ِل َك َ آل َي ٍات ِل ْل َعالمِ ِ َ‬ ‫أ�سلفت �أن الدعوى �إل��ى االن�صهار يف التعددية �إمنا‬ ‫� ُ‬ ‫ظهرت يف املجتمعات غري امل�سلمة‪ ،‬واحلق �أن �أ�صل ذلك‬ ‫عن مقال – د �سعد بن مطر العتيبي‬ ‫ب��د�أ م��ع ال�سف�سطائني فال�سفة ي��ون��ان ال��ذي��ن ظ�ه��روا يف‬ ‫النا�س ال ميكن �أن يكونوا ن�سخة مكررة‪:‬‬ ‫القرن اخلام�س قبل امليالد‪ ،‬الذين قعدوا لقاعدة‪( :‬ن�سبية‬ ‫احلقيقة)‪ ،‬و�أنه ال حقَّ مطلق‪ ،‬مبا يف ذلك الأديان!‬ ‫‌وينطلق اجلميع من هذه احلقيقة التي ال ج��دال فيها‬ ‫؛ لأن اهلل مل يفطرهم على ذلك‪ ،‬بل جعل االختالف �سنة‬ ‫ومن �أثارها‪:‬‬ ‫َّا�س �أُمَّ ًة َو ِاح َد ًة‬ ‫فيهم قال تعالى‪َ } :‬و َل ْو �شَ ا َء َر ُّب َك لجَ َ َع َل الن َ‬ ‫حطمت مبد�أ الثبات يف القيم‪ ،‬فظهر القول بتعدد قيم‬ ‫ِ‬ ‫َولاَ َي��زَ ا ُل� َ مخُ ِ ِ‬ ‫َ ِ �ذَ ِ َ‬ ‫�ون ْ َتلف َني (‪� )118‬إِلاَّ َم� ْ�ن َرح� َ�م َر ُّب��ك َول� ل��ك اخلري وال�شر‪� ،‬أو ما يطلق عليه بالتعددية ا ُ‬ ‫خللقية‪ ،‬ف�أدت‬ ‫خَ َل َق ُه ْم{(هود‪)119-118 :‬‬ ‫�إلى الفو�ضى والتحلل من الدين والأخالق‪ ،‬وقو�ضت املـُثل‬ ‫التي متكنت من نفو�س النا�س‪ ،‬و�أ�شاعت ال�شك واحلرية يف‬ ‫املبحث الثاين‪:‬‬ ‫كل �شيء‪.‬‬ ‫اختالف الفقهاء يف الفروع ال الأ�صول‪:‬‬ ‫ظهرت مقولة‪�( :‬أن الدين يتطور بتطور الزمان‪ ،‬و�أنه‬ ‫�إن التعددية عند الفقهاء لي�ست يف تعدد احلق وال تعدد ميكن �إعادة تف�سريه وت�أويله وتنقيته من موروثات الع�صور‬ ‫الأ�صول‪ ،‬فالأمر ال يتعدى الفروع‪ ،‬وذلك رد ًا على القائلني املا�ضية ليتواءم مع الع�صر احلا�ضر)‪ ،‬وانت�شر ما ي�سمى‬ ‫بن�سبية احلقّ ‪ ،‬ومن �أ�سباب اختالفهم يف اال�ستدالل لبيان بالأخالق "النفعية �أو التجارية"‪ ،‬بل �ساعدت الن�سبية يف‬ ‫ذلك ال للوقوف على �شرحه‪ ،‬فذلك مف�صل يف كتب الفقه‪� :‬شيوع موجة الإحلاد والتنكر للدين يف املجتمعات الغربية‪.‬‬ ‫عدم بلوغ الدليل و ُثبوته وفهمه‪.‬‬ ‫ظهرت مقولة‪" :‬املذهب الإن�ساين" الذي اعتنقه فريق‬ ‫كبري يف �أمريكا‪ ،‬حيث جاء يف بيانهم املن�شور عام ‪1933‬‬ ‫االختالف يف فهم اخلرب‪.‬‬ ‫للميالد‪( :‬الثقافة الدينية لي�ست �إال نتيجة التطور التدريجي‬ ‫عدم املعرفة بداللة �ألفاظ الأدلة‪.‬‬ ‫النا�شئ عن التفاعل بني الإن�سان والبيئة الطبيعية‪ ،‬والوراثة‬ ‫اختالف الفقهاء يف فهم الأحاديث والأخبار‪.‬‬ ‫االجتماعية‪ ،...‬لقد ولى الزمان الذي كان يعتقد النا�س‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فيه بالدين والإل��ه» ‪-‬تعالى اهلل عن قول الظاملني علو ًا‬ ‫تعا ُر�ض الأدلة‪.‬‬ ‫كبري ًا‪.-‬‬ ‫االختالف يف القواعد الأ�صولية‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬موقف الإ�سالم من التعددية الغربية‪:‬‬ ‫و�أو�ضح دليل على اتفاقهم على الأ�صول قولهم جميع ًا‪:‬‬ ‫الأمور يف الإ�سالم على ق�سمني‪ :‬م�سائل قطعية‪ ،‬وم�سائل‬ ‫(�إذا �صح احلديث فهو مذهبي‪ ،‬و�إال فا�ضربوا بكالمي‬ ‫�صواب حمتم ٌل ظنية‪.‬‬ ‫ُعر�ض احلائط)‪ ،‬وقال ال�شافعي‪( :‬ر�أ ُينا‬ ‫ٌ‬ ‫اخلط�أ‪ ،‬ور�أي غرينا ‪-‬يف ر�أينا‪ -‬خط�أ حمتم ٌل ال�صواب)‪..‬‬ ‫امل�سائل القطعية‪:‬‬ ‫وه��ذه (التعددية) تتقبل ال��ر�أي الآخ��ر كحقيقة واقعة‬ ‫امل�سائل القطعية ك��أرك��ان الإمي��ان‪ ،‬و�أرك��ان الإ�سالم‪،‬‬ ‫بحكم الطبيعة الإن�سانية والأحكام ال�شرعية‪ ،‬وحتمي حقه وق�ضايا االعتقاد‪ ،‬وم��ا هو معلوم من الدين بال�ضرورة‪،‬‬ ‫يف عر�ض حجته‪ ،‬كما متار�س حقَّها يف االعرتا�ض عليه‪ ،‬وهذه امل�سائل ال ي�سوغ فيها اخلالف‪ ،‬احلق فيها واحد مطلق‬ ‫وبهذا تتكامل (التعددية) يف الر�أي مع (الوحدة اجلامعة) بالإجماع(‪.)2‬‬ ‫على الأ�صول والقواعد الكلية للإ�سالم وال يتناق�ضان‪.‬‬ ‫‪- 1‬انظر‪[ :‬وليم جيم�س‪� ،‬ص‪.204‬‬ ‫املبحث الثالث‪:‬‬ ‫‪- 2‬ذهب اجلاحظ وعبيد اهلل العنربي من املعتزلة �إلى نفي الإثم عن املخطئ‬ ‫‪� 62‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وق��ال �شيخ الإ��س�لام اب��ن تيمية‪( :‬ولهذا جتد امل�سائل‬ ‫امل�سائل الظنية‪:‬‬ ‫التي تنازعت فيها الأمة على �أقوال‪� ،‬إمنا القول الذي بعث‬ ‫وهي امل�سائل الفقهية االجتهادية التي حتتمل �أكرث من الر�سول واحد منها)(‪.)8‬‬ ‫وج��ه‪ ،‬والأق ��وال فيها متناق�ضة متعار�ضة(‪ ،)3‬وكثري من‬ ‫وهنا يت�ضح لنا بجالء �أن احلق واحد ال يتعدد يف امل�سائل‬ ‫امل�سائل الفقهية من هذا القبيل كما بيَّنَّا يف �أ�سباب اختالف‬ ‫الفقهية االجتهادية التي هي حمل خ�لاف بني العلماء‪،‬‬ ‫الفقهاء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ف�ضال عن امل�سائل القطعية يف الدين التي هي حمل �إجماع‪.‬‬ ‫ويف احلديث ال�شريف‪�« :‬إذا حكم احلاكم فاجتهد ثم‬ ‫والقول بن�سبية احلقيقة من الركائز التي قامت عليها‬ ‫�أ�صاب فله �أجران‪ ،‬و�إذا حكم فاجتهد ثم �أخط�أ فله �أجر»(‪.)4‬‬ ‫الثقافة الغربية املعا�صرة منذ نه�ضة �أورب ��ا احلديثة‪،‬‬ ‫وه��ذا احلديث قاطع يف املو�ضوع‪ ،‬حيث ب�ّيننّ �أن احلق و�أ�صبحت مذهب ًا �شائع ًا ل��ه �أت�ب��اع ك�ثر م��ن ِعلية القوم‪،‬‬ ‫واح��د‪ ،‬و�أن بع�ض املجتهدين ي�صيبه‪ ،‬في�ستحق �أجرين‪ ،‬كالعلماء واملفكرين وال�سا�سة وغريهم(‪.)9‬‬ ‫�أجر ًا على اجتهاده‪ ،‬و�أجر ًا على �إ�صابته‪ ،‬ويقال له‪ :‬م�صيب‪،‬‬ ‫وبع�ض املجتهدين يخالفه‪ ،‬في�ستحق �أج ��ر ًا واح ��د ًا على‬ ‫ث��م انتقلت �إل��ى ال �ع��امل الإ� �س�لام��ي على �أي ��دي بع�ض‬ ‫اجتهاده فقط‪ ،‬ويقال له‪ :‬خمطئ‪.‬‬ ‫امل�سلمني ممن قل ن�صيبه من العلم والإميان‪ ،‬من الداخلني‬ ‫يف جحر ال�ضب‪ .‬فقا�سوا الإ�سالم ‪� -‬أ�صوله العقدية وقيمه‬ ‫وهناك وقائع كثرية غري هذه �صرَّح فيها ال�صحابة ‪ -‬اخللقية‪ -‬على املذهبيات الغربية الباطلة‪ ،‬وجتاهلوا‬ ‫ر�ضي اهلل عنهم‪ -‬بالتخطئة يف اجتهاداتهم‪،‬‬ ‫من غري �أن م�صدرية الإ�سالم وهي الوحي الإلهي املع�صوم‪ ،‬املختلفة‬ ‫ً‬ ‫ينكرها بع�ضهم ً على بع�ض‪ ،‬فكان ذلك �إجماعا‪� ،‬أو على عن م�صادر تلك املذهبيات التي هي العقل الب�شري املحدود‬ ‫�أقل تقدير اتفاقا منهم على �أن احلق يف امل�سائل‬ ‫االجتهادية بالزمان والظروف‪ ،‬والعر�ضة للخطل واجلهل‪ ،‬وللأهواء‬ ‫(‪)5‬‬ ‫واحد ال يتعدد‪ ،‬و�أن املجتهد قد ي�صيبه وقد يخطئه ‪.‬‬ ‫وامل�صالح(‪.)10‬‬ ‫يقول الإم��ام مالك بن �أن�س رحمه اهلل‪( :‬ما احلق �إال‬ ‫وملا كانت النظرة الغربية للدين على �أن��ه مثل م�سائل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واح��د‪ ،‬ق��والن‬ ‫خمتلفان يكونان �صوابا جميعا؟! ما احلق الآداب والفن‪ ،‬ترجع �إلى الذوق وامل��زاج‪ ،‬لي�س له مقايي�س‬ ‫وال�صواب �إال واحد)(‪.)6‬‬ ‫وال معايري لتحديد حقائقه‪ ،‬قلدهم يف ذلك القوم وقالوا‬ ‫وق��ال اب��ن القيم وه��و يقرر �أن احل �قَّ واح � ٌد ال يتعدد‪ ،‬بن�سبية احلقيقة‪ ،‬ون�شطوا يف الرتويج لها‪.‬‬ ‫ويبطل مقولة كل جمتهد م�صيب‪( :‬و�أ�صول الأئمة الأربعة‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬و ُق ْل َجا َء الحْ َ ُّق َوز َ​َهقَ ا ْل َب ِاط ُل �إِنَّ ا ْل َب ِاط َل‬ ‫وقواعدهم ون�صو�صهم على هذا‪ ،‬و�أن ال�صواب من الأقوال‬ ‫َ‬ ‫ان ز َُهو ًقا{ (الإ�سراء‪)81 :‬‬ ‫ك‬ ‫كجهة القبلة يف اجلهات‪ .‬وعلى هذا �أكرث من �أربعني دلي ًال َ‬ ‫قد ذكرناها يف كتاب مفرد وباهلل التوفيق)(‪.)7‬‬ ‫يخرب تعالى �أن احلق والباطل ال يجتمعان‪ ،‬ف�إنه �إذا جاء‬ ‫يف هذه امل�سائل‪ ،‬ومل يقوال بتعدد احلق فيها‪ ،‬وال �شك يف بطالن قولهما‪ .‬انظر تف�صيل احلق فال بد �أن يتال�شى الباطل‪ ،‬فهما نقي�ضان متحادَّان ال‬ ‫يجتمعان يف �أمر واحد يف وقت واحد‪.‬‬ ‫امل�س�ألة يف‪�[ :‬إر�شاد الفحول‪� ،‬ص‪.259‬‬ ‫‪- 3‬هناك م�سائل اخلالف فيها خالف تنوع ال خالف تناق�ض‪ ،‬وهي الأقوال‬ ‫وهذا خالف ما يقوله �أ�صحاب القول بن�سبية احلقيقة‪،‬‬ ‫التي كلها �صواب وحق‪ ،‬مثل‪ :‬االختالف يف قراءات القر�آن‪ ،‬ويف �صفة الأذان‪ ،‬و�صفة ف�إنهم ي�ج��وزون اجتماع احل��ق والباطل‪ ،‬وتعدد احل��ق يف‬ ‫�صالة اخلوف ونحوها‪ ،‬وهذا اخلالف خارج مو�ضوعنا‪.‬‬ ‫الأم��ور املتناق�ضة‪ ،‬واملق�صود باحلق يف الآي��ة هو الإ�سالم‬ ‫‪�- 4‬أخ��رج��ه ال�ب�خ��اري يف �صحيحه‪ ،‬ك�ت��اب‪ :‬االعت�صام بالكتاب وال�سنة‪ ،‬وكل ما جاء به‪ ،‬والباطل كل ما خالف الإ�سالم‪.‬‬ ‫(ح‪ ،)7352‬وم�سلم يف �صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الأق�ضية‪ ،‬باب‪ :‬بيان �أجر احلاكم �إذا اجتهد‬ ‫ف�أ�صاب �أو �أخط�أ‪( ،‬ح‪.)1716‬‬ ‫‪ - 5‬انظر تف�صيل امل�س�ألة يف‪ :‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬للآمدي‪ 184/4 :‬وما‬ ‫بعدها‪ ،‬و�إر�شاد الفحول‪� ،‬ص‪ 259‬وما بعدها‪ ،‬والإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬البن حزم‪:‬‬ ‫‪ 65/5‬وما بعدها‪ ،‬وتي�سري الو�صول �إلى علم الأ�صول‪� ،‬ص‪ ،684‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 6‬جامع بيان العلم وف�ضله‪.907/2 :‬‬ ‫‪�- 7‬أحكام �أهل الذمة‪.33/1 :‬‬

‫�إن �إعمال نظرية الن�سبية ي�ؤدي �إلى زيادة تفريق الأمة‪،‬‬ ‫وان�شطار املذاهب والنحل وامللل‪ ،‬فقبول الأقوال كلها على‬ ‫‪- 8‬جمموع الفتاوى‪.24/33 :‬‬ ‫‪- 9‬انظر‪ :‬جملة املجتمع‪ ،‬عدد (‪.)1337‬‬ ‫‪- 10‬انظر‪[ :‬ال�سلفية وق�ضايا الع�صر‪� ،‬ص‪.79‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪63‬‬


‫�أنها حمتملة للحق يزيد مادة اخلالف والفرقة‪ ،‬فيت�شتت‬ ‫�شمل املجتمع‪ ،‬ويوهن قوته‪ ،‬وت�ضطرب عقائده ومبادئه‪،‬‬ ‫ف ُيكثرِ �أع ��داءه والكائدين ل��ه‪ ،‬وه��ذا خمالف لأ�صول‬ ‫الدين وقواعده الكربى‪ ،‬ف�إنه جاء حل�سم مادة اخلالف‬ ‫والفرقة‪ ،‬وجمع النا�س على كلمة �سواء‪ ،‬وت�أليف قلوبهم‪،‬‬ ‫وربط �أوا�صرهم‪ ،‬حتى يكونوا �أمة واحدة‪.‬‬ ‫قال اخلطابي مبين ًا مف�سدة االفرتاق‪( :‬ف�أما االفرتاق‬ ‫يف الآراء والأدي��ان‪ ،‬ف�إنه حمظور يف العقول‪ ،‬حمرم يف‬ ‫ق�ضايا الأ�صول ؛ لأنه داعية ال�ضالل‪ ،‬و�سبب التعطيل‬ ‫والإه�م��ال‪ ،‬ول��و ُت��رك النا�س متفرقني‪ ،‬لتفرقت الآراء‬ ‫والنحل‪ ،‬ولكرثة الأدي��ان وامللل‪ ،‬ومل تكن فائدة يف بعث ِة‬ ‫الر�سول‪ ،‬وهذا هو الذي عابه اهلل عز‪ ‬وجل من التفرق‬ ‫يف كتابه)(‪.)11‬‬

‫الن�سبيـة وف�سادهـا �أنـه ال يوجد يف العامل كله بلد تطبق‬ ‫قوانينه الو�ضعية نظرية الن�سبية يف �أحكامها وقراراتها‪،‬‬ ‫�أي �أن يكون القانون يحتمل �أكرث من حكم يف الق�ضية‬ ‫ال��واح��دة‪ ،‬حتى يف البلدان الغربية التي خرجت منها‬ ‫ه��ذه النظرية‪ ،‬و�إمن��ا يطبقها �أ�صحابها يف الق�ضايا‬ ‫الدينية والفل�سفية والفكرية‪� ،‬أما يف اجلانب القانوين‬ ‫فال ميكن تطبيقها ؛ لأن القوانني من �ش�أنها �أن تك ِّون‬ ‫�أح�ك��ام� ًا حم��ددة مبينة ثابتة ملزمة للجميع‪ ،‬مهما‬ ‫اختلفت اعتقاداتهم عن حقائق الأ�شياء‪ ،‬ومهما اختلفت‬ ‫ثقافتهم �أو ظروفهم‪ ،‬فال يعقل �أن يكون هناك عدة‬ ‫�أحكام للق�ضية الواحدة‪ ،‬بحيث تكون منا�سبة الختالف‬ ‫اعتقادات النا�س واختالف ثقافاتهم وظروفهم‪.‬‬

‫�أما حينما يكون احلق واحد ًا‪ ،‬وهو ما دل علية كتاب‬ ‫فهذه الأدلة العقلية وغريها‪ ،‬تدل على بطالن القول‬ ‫اهلل و�سنة ر�سوله الكرمي‪ ،‬ف��إن الأم��ة جتتمع على قول‬ ‫واح��د يف االعتقاد والأح �ك��ام القطعية وق��واع��د الدين بن�سبية احلقيقة‪ ،‬وعدم �صالحها لدين وال لدنيا‪ ،‬و�أنها لو‬ ‫جمتمع ما لدمَّرت عقائده و�أخالقه‪ ،‬ولأ�شاعت‬ ‫ومبادئه‪ ،‬وحني ذلك ت�أتلف القلوب‪ ،‬وتتوحد ال�صفوف‪ ،‬ط ِّبقت يف‬ ‫ٍ‬ ‫وتقوى كلمتهم‪ ،‬وتزداد يف النفو�س مهابتهم‪ ،‬فال يطمع‬ ‫الفو�ضى واال�ضطراب‪ ،‬ولفرقت �أف��راده و�شتَّ َت ْتهم‪ ،‬وملا‬ ‫بهم طامع‪ ،‬وال يروم هزميتهم كائد‪.‬‬ ‫ا�ستطاعوا حتقيق �أهدافهم‪ ،‬فمن �أجل ذلك يرف�ضها‬ ‫�إن �إعمال نظرية الن�سبية ي��ؤدي �إلى تقوية الباطل �أهل الإ�سالم‪ ،‬ويرف�ضها كل من له عقل �سليم لف�سادها‬ ‫ورواجه‪ ،‬وذلك بال�سكوت عنه‪ ،‬ف�إن هذه النظرية تقت�ضي‬ ‫ع��دم الإن�ك��ار على �أي �أح��د ؛ �إذ يحتمل �أن يكون معه و�ضررها‪ ،‬وال يقبلها �إال احليارى واملت�شككني‪ ،‬ومن �أ�ضل‬ ‫احلق‪ ،‬فال�سكوت �سبب لرواج الأقوال الكفرية واملبتدعة اهلل �سعيه‪.‬‬ ‫وال�ضالالت ب�أنواعها‪.‬‬ ‫ختام القول‪:‬‬ ‫ق��ال اب��ن قتيبة‪( :‬و�إمن��ا يقوى الباطل �أن تب�ص َره‬ ‫�إن التعددية يف الو�صول للحق مقبولة‪� ،‬أما �أن يتعدد‬ ‫ِ‬ ‫ومت�سك عنه)(‪.)12‬‬ ‫وقوة الباطل ت�ؤدي �إلى �إ�ضعاف احلق وهوانه‪ ،‬وهذا احلق ويعي�ش النا�س بال ان�ضباط يف دين �أو ت�شيع حتت‬ ‫دعوى �أن احلق ن�سبي وغائب فهذا هو ال�ضالل بعينه‪،‬‬ ‫تفريط وت�ضيع للدين(‪.)13‬‬ ‫و�إذ ن�ؤكد على حرية الر�أي وقبوله ن�ؤكد على عدم االتباع‬ ‫وم��ن الأدل �ـ��ة العقلية ال��دال�ـ��ة على بطالن نظريـة‬ ‫واالن�صهار بدعوى التعددية الغربية‪َ } ،‬و ِل ُك ٍّل و ِْج َه ٌة ُه َو‬ ‫‪ - 11‬العزلة‪� ،‬ص‪.58-57‬‬ ‫َا�س َت ِبقُوا الخْ َ يرْ َ ِ‬ ‫ات{ (البقرة‪)148 :‬‬ ‫ُم َو ِّلي َها ف ْ‬ ‫‪- 12‬االختالف يف اللفظ والرد على اجلهمية وامل�شبهة‪� ،‬ص‪.50‬‬ ‫‪- 13‬انظر‪[ :‬درا�سة نقدية لقاعدة املعذرة والتعاون‪� ،‬ص‪.150‬‬

‫‪� 64‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫دراسات الوسطية‬

‫الإرهـــــاب ‪:‬معناه ‪� ،‬أ�سبابه‪ ،‬و�سبل عالجه‬ ‫من منظور قر�آين‬ ‫�أ‪.‬د‪.‬نايل ممدوح �أبوزيد‬ ‫جامعة م�ؤتة‪-‬كلية ال�رشيعة‬

‫املقدمة‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على النبي‬ ‫الأم�ين‪ ،‬ال��ذي بعث رحمة للعاملني فحقق للب�شرية �أمنها‬ ‫وا�ستقرارها وطم�أنينتها‪ ،‬وبعد‪.‬‬ ‫فقد ك�ثر يف ه��ذه الأي� ��ام احل��دي��ث ع��ن الإره ��اب‬ ‫والإرهابيني‪ ،‬وتنديد النا�س بهم‪ ،‬ورمي كل فريق للآخر‬ ‫ب��أن��ه الإره��اب��ي ‪ .‬وم��ن اخل�ط��ر �أن يعلن ال�ع��امل احل��رب‬ ‫على الإره��اب والإرهابيني قبل حتديد م�صطلح من هو‬ ‫الإرهابي‪ ،‬الأمر الذي يوجب على �أهل العلم ا�ستجالء هذا‬ ‫املو�ضوع‪ ،‬ممازاد رغبتي يف البحث عن وجه ال�صواب يف‬ ‫ذلك من منظور قر�آين وقد وجدت بع�ض املعلومات يف كتب‬ ‫التف�سري واحلديث وبع�ض امل�ؤلفات احلديثة مثل (الإرهاب‬ ‫يف العاملني العربي والغربي للدكتور �أحمد يو�سف التل)‪،‬‬ ‫وكتاب (الإره��اب �أن��واع��ه و�أخ�ط��اره لل�شيخ عبد احلميد‬ ‫ال�سائح) وغريها من امل�ؤلفات لكنها ال تفي باملطلوب من‬ ‫وجهة نظري‪ ،‬فر�أيت �أن �أتو�سع يف ه��ذا املو�ضوع بحثا‬ ‫وانظر فيه من وجهة قر�آنية ‪ :‬وكانت خطتي يف هذا البحث‬ ‫على النحو التايل‪:‬‬ ‫املقدمة ‪� :‬أهمية املو�ضوع وخطته‬ ‫التمهيد ‪ :‬م�ع�ن��ى الإره � ��اب يف ال�ل�غ��ة واال� �ص �ط�لاح‬ ‫وا�ستعماالت القر�آن له ‪.‬‬ ‫املبحث الأول ‪� :‬صور الإرهاب باالعتداء‬ ‫املبحث الثاين ‪� :‬أق�سام الإرهاب و�أ�سبابه و�سبل عالجه‬ ‫اخلامتة‪ :‬ما تو�صلت �إليه من نتائج وتو�صيات‪.‬‬

‫التمهيد‬ ‫معنى الإرهاب يف اللغة‬ ‫الإره ��اب ‪ :‬م ��أخ��وذ م��ن الفعل ره��ب‪ :‬وال ��راء والهاء‬ ‫والباء �أ�صالن‪� ،‬أحدهما ‪ :‬يدل على اخلوف‪ ،‬والآخر‪ :‬على‬ ‫دقة وخفة (‪ )1‬ويقال رهب يرهب رهبة ورهبا �أي خاف‪،‬‬ ‫وال��ره�ب��ة‪ :‬اخل��وف وال�ف��زع ع��ن حت ��رز(‪ )2‬وي�ق��ال �أرهبه‬ ‫وا�سرتهبه �أي �أخافه‪ ،‬والإره��اب قرع الإب��ل عن احلو�ض‬ ‫وذيادها (‪ )3‬والإرهابيون ‪ :‬و�صف يطلق على الذين ي�سلكون‬ ‫�سبيل العنف والإرهاب لتحقيق �أهداف �سيا�سية(‪ )4‬وعليه‬ ‫فالإرهاب يف اللغة يعني‪ :‬التخويف و التفزيع و�إيجاد جو‬ ‫من عدم الطم�أنينة وال�سكينة واال�ستقرار‪.‬‬ ‫معنى الإرهاب يف اال�صطالح ‪:‬‬ ‫من خالل النظر يف املعاين اللغوية ال�سابقة جند �أن‬ ‫‪� - 1‬أح�م��د ب��ن ف��ار���س‪ ،‬معجم املقايي�س يف اللغة‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫بريوت‪�(،‬ص‪)426‬‬ ‫‪ - 2‬حممد بن مكرم بن منظور‪ ،‬ل�سان العرب‪ ،‬م�ؤ�س�سة التاريخ‬ ‫العربي‪ ،‬بريوت‪)336/5( ،‬‬ ‫وان�ظ��ر ‪:‬حم�م��د مرت�ضى ال��زب�ي��دي‪ ،‬ت��اج ال�ع��رو���س م��ن جواهر‬ ‫القامو�س‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪)40/2( ،‬‬ ‫‪ - 3‬جم��د ال��دي��ن حممد ب��ن يعقوب ال�ف�يروز �آب ��ادي‪ ،‬القامو�س‬ ‫املحيط‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪�( ،‬ص‪)86‬‬ ‫‪� - 4‬إبراهيم م�صطفى وزم�لا�ؤه‪ ،‬املعجم الو�سيط‪ ،‬دار الدعوة‪،‬‬ ‫تركيا‪)376/1( ،‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪65‬‬


‫ ومنها‪� :‬أن��ه اعتداء موجه �ضد الأب��ري��اء من الن�ساء‬‫والأطفال والرجال �أو التهديد بهذا االعتداء �أو ب�أية و�سيلة‬ ‫�أخرى ت�سلب الأمن والطم�أنينة من الآخرين (‪ )7‬وهو تعريف‬ ‫غري دقيق �إذ لي�س كل اعتداء موجه للأبرياء فقط‪ ،‬و�إمنا‬ ‫نعتدي فقط على من اعتدى وظلم‬

‫معنى الإرهاب ال يخرج عن جمرد الإفزاع والتخويف‪� ،‬إال‬ ‫�أن معنى الإرهاب �أخذ يف هذا الزمان باالت�ساع �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪،‬‬ ‫و�صار مطاطي ًا فلم يتفق على توحيد معناه ومق�صوده‪،‬‬ ‫خ�صو� ًصا بعد �أن �أ�صبح مثار ًا للجدل بعد �أحداث احلادي‬ ‫ع�شر م��ن �سبتمرب التي وقعت يف نيويورك ووا�شنطن‪،‬‬ ‫ف�أُ�سيء ا�ستخدامه من قبل دول ومنظمات عديدة �أخذت يف‬ ‫ ومنها ‪� :‬أن الإرهاب هو �إيقاع الأذى املادي �أو املعنوي‬‫و�صم من ترغب بالإرهاب‪ ،‬يف حماولة منها للتخل�ص من‬ ‫�أعدائها‪ ،‬وبالطبع �أخذت بع�ض الدول متار�س كل الأعمال بالآخرين ورف�ض اال�ستماع �إليهم �أو التحاور معهم‪ ،‬ويبد�أ‬ ‫الإجرامية وفق ًا للتعريف اخلا�ص بالإرهاب الذي يتوافق مع الأذى بالتكذيب والت�شهري‪ ،‬وينتهي بحرب الإبادة والت�صفية‬ ‫اجلماعية‪ ،‬وبني هاتني املرحلتني مراحل كثرية من العدوان‬ ‫امل�صالح الذاتية‪.‬‬ ‫الإعالمي واالقت�صادي واالجتماعي والأخ�لاق��ي(‪ .)8‬وهو‬ ‫وقد �أدى ذلك �إلى فر�ض املعنى الذي يريدونه يف الواقع تعريف غري دقيق للإرهاب لأن بع�ض �أن��واع الإره��اب قد‬ ‫تكون بعد حتاور و�سماع الر�أي الآخر‪.‬‬ ‫على بع�ض ال�شعوب رغم �أنوفها‪.‬‬ ‫وم��ن هنا فقد ظ�ه��رت ن���داءات املن�صفني يف العامل‬ ‫تطالب بتعريف الإره��اب تعريف ًا عاملي ًا وا�ضح ًا من�صفا‪،‬‬ ‫ومن �أجل ذلك عقدت امل�ؤمترات والندوات العديدة التي‬ ‫خرجت ببع�ض التو�صيات املن�صفة‪ ،‬لكنها مل جت��د لها‬ ‫�آذان ًا �صاغية من بع�ض الدول املتجربة ب�سلطانها وقوتها‪.‬‬ ‫"ف�أ�صبح تعريف الإرهاب م�شكلة ت�صعب على احلل‪� ،‬إذ �إنه‬ ‫من الع�سري التو�صل �إلى حتديد جمرد للإرهاب دون �إدخال‬ ‫عنا�صر خارجية عنه تتمثل يف الآراء املتباينة حول �شرعية �أو‬ ‫عدم �شرعية التنظيمات ون�شاطاتها‪ ،‬ونتج عن ذلك �صعوبة‬ ‫التو�صل �إلى اتفاقيات �أو معاهدات دولية‪،‬الختالف م�صالح‬ ‫ال��دول‪،‬وحم��اول��ة كل جمموعة منها فر�ض وجهة نظرها؛‬ ‫كما �أن اختالط �صور العنف ال�سيا�سي املختلفة بالإرهاب‬ ‫ب�أنواعه �أدى �إلى جتاوز الأمر �إلى اختالط مفهوم الإرهاب‬ ‫مع بع�ض �صور احلرب �أو حتى اجلرائم العادية (‪ )5‬فظهرت‬ ‫بناء على ذلك تعريفات متعددة مل�صطلح الإرهاب منها ‪:‬‬

‫ ومنها ‪� :‬أنه التهديد با�ستعمال عنف غري عادي لتحقيق‬‫غايات �سيا�سية(‪ )9‬وهو �أي�ضا تعريف غري دقيق حيث ي�شمل‬ ‫نوعا واحدا من �أنواع الإرهاب حيث خ�صه ب�أغرا�ض �سيا�سية‬ ‫علما ب�أن الإرهاب ال يقت�صر على الأغرا�ض ال�سيا�سية فقط‪.‬‬ ‫ ومنها �أي�ضا �أن الإرهاب ‪:‬هو الرعب واخلوف الذي‬‫ي�سببه فرد �أو جماعة بغري حق �سواء كان ذلك لأغرا�ض‬ ‫�سيا�سية �أو �شخ�صية �أو غريها (‪)10‬‬ ‫وهذا من وجهة نظري �أولى التعريفات باالعتماد لأنه‬ ‫ي�شمل جميع �أنواع الإرهاب املنظم وغري املنظم‪ ،‬واملعتدي‬ ‫وغري املعتدي‪،‬والفردي واجلماعي‪.‬‬

‫وب�ين املق�صود م��ن الإره ��اب وه��و الإف ��زاع والتخويف‬ ‫لأغ��را���ض متعددة‪ ،‬ف �الإره��اب‪ :‬قد يكون برتويع الآمنني‬ ‫و�إ�شعارهم بقوة خ�صمهم‪ ،‬وقد يكون بتدمري م�صاحلهم‬ ‫ومقومات حياتهم وذلك بالتعر�ض لأموالهم و�أعرا�ضهم‬ ‫ �أن الإرهاب فعل منظم من �أفعال العنف �أو التهديد به‪ ،‬وحرياتهم ‪ .‬وقد يكون بغريها فيحقق من خاللها الأفراد‬‫ي�سبب فزعا �أو رعبا من خالل �أعمال القتل �أو االغتيال‪�،‬أو �أو املجتمعات م�صالح و�أغرا�ضا متعددة‪.‬‬ ‫حجز الرهائن �أو اختطاف الطائرات‪�،‬أو تفجري املفرقعات‬ ‫وغريها‪،‬مما يخلق الفزع والرعب والفو�ضى واال�ضطراب‬ ‫‪)6(.‬‬ ‫وه��و تعريف غري دقيق فقد يكون الإره��اب فعال غري‬ ‫منظم ويطر�أ فج�أة لظروف طارئة �أحيانا ‪.‬‬

‫‪ -5‬عامر ر�شيد مب ّي�ض ‪ :‬مو�سوعة الثقافة ال�سيا�سية االجتماعية‬ ‫االق �ت �� �ص��ادي��ة ال �ع �� �س �ك��ري��ة‪ ..‬م���ص�ط�ل�ح��ات وم �ف��اه �ي��م‪ ،‬دار‬ ‫املعارف‪،‬حم�ص‪2000 ،‬م‪� ،،‬ص‪.38‬‬ ‫‪- 6‬انظر – الدكتور �أحمد يو�سف التل‪ ،‬الإرهاب يف العاملني العربي‬ ‫والغربي‪ ،‬عمان‪ ،‬املطبعة الوطنية �ص‪13‬‬ ‫‪� 66‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫‪- 7‬انظر عبد احلميد ال�سائح‪ ،‬الإره��اب �أن��واع��ه و�أخ�ط��اره‪ ،‬دار‬ ‫ال�صباح‪ ،‬عمان‪�( ،‬ص‪)18‬‬ ‫‪ - 8‬د‪ .‬حممد رفعت زجنري جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪،‬‬ ‫كلية الرتبية والعلوم الأ�سا�سية‪� ،‬أبو ظبي ن�شر يف جملة منار‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬ربيع الأول ‪1424‬هـ‪/‬مايو ‪� ،2003‬ص‪12‬‬ ‫‪� - 9‬إريك موري�س‪ ،‬الإرهاب والتهديد والرد عليه‪ ،‬ترجمة د‪�.‬أحمد‬ ‫حمدي حممود‪ ،،‬الهيئة امل�صرية للكتاب القاهرة �ص‪.39‬‬ ‫‪ - 10‬ح�سنني املحمدى ب��وادى‪ ،‬ا لإره��اب ال��دويل بني التجرمي‬ ‫واملكافحة‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬القاهرة‪�( ،‬ص‪)22‬‬


‫ا�ستعماالت القر�آن الكرمي مل�صطلح الإرهاب‬ ‫�إن دين اهلل عز وجل �أكد على �ضرورة نبذ االعتداء‬ ‫على الآخرين‪ ،‬ودعا �إلى الت�سامح والعفو وحوار الآخر‪ ،‬وبث‬ ‫روح العطف واملودة بني النا�س من �أول حلظة من حلظات‬ ‫الدعوة‪ ،‬ودعا �إلى ال�صرب على �أذى الآخرين‪ ،‬ي�شهد لذلك‬ ‫حديث �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها حني قالت للنبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬هل �أتى َ‬ ‫عليك يو ٌم كان �أ�شدَّ من‬ ‫يت من قومك ما لقيت‪ ،‬وكان �أ�شدَّ‬ ‫يوم � ُأح ٍد ؟ قال‪ :‬لقد َل ِق ُ‬ ‫�ضت نف�سي على ابنِ عبد‬ ‫يوم العقب ِة �إِذ ع َر ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫لقيت منهم َ‬ ‫فانطلقت‬ ‫أردت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يا ليل بن عبد ُكالل فلم ُيجِ بني �إلى ما � ْ‬ ‫و�أنا َمهمو ٌم‪ ،‬على َوجهِ ي‪ ،‬فلم �أ�ستَفق �إال و�أنا بقرنِ الثَّعالب‪،‬‬ ‫فنظرت ف�إذا‬ ‫َعت ر�أ�سي‪ ،‬ف�إذا �أنا َب�سحاب ٍة قد �أظلَّ ْتني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َف َرف ُ‬ ‫َ‬ ‫فيها جِ ربيل‪ ،‬فناداين فقال‪� :‬إِن اهلل قد �سم َع قولَ‬ ‫قومك‬ ‫لك وما َردوا عليك‪ ،‬وقد بعث ُ‬ ‫اهلل �إِ َ‬ ‫ليك َم َل َك اجلبالِ لت�أم َر ُه‬ ‫ئت فيهم‪ ،‬فناداين ُ‬ ‫ملك اجلبال ف�سلم علي ثم قال‪:‬‬ ‫مبا ِ�ش َ‬ ‫يا حممد‪ ،‬فقال‪َ :‬‬ ‫ئت �أن �أطبِقَ عليهم‬ ‫�شئت‪� ،‬إن ِ�ش َ‬ ‫ذلك فيما َ‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ :‬بل �أرجو �أن‬ ‫الأخْ �شَ َبنيِ‪ .‬فقال ُّ‬ ‫َ‬ ‫وحد ُه ال ُي ُ‬ ‫�شرك ب ِه‬ ‫خرج اهلل من �أ�صالبهم من َيع ُب ُد اهلل َ‬ ‫ُي َ‬ ‫�شيئ ًا "(‪.)11‬ف�أي عفو و�صفح �أعظم من عفو و�صفح ر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‬

‫ال�سلم وال�سالم‪،‬وقد جتلت كل‬ ‫ثم �إن الإ�سالم م�شتق من ِّ‬ ‫قيم ال�سلم عملي ًا يف هذا الدين بر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ ،‬فكان �أ�سوة ح�سنة يف الأخالق واملثل ال�سامية‪،‬ومن‬ ‫ذلك عفوه عليه ال�صالة وال�سالم عن قتلة عمه حمزة بن‬ ‫عبد املطلب وهما هند ووح�شي‪ ،‬وكذلك معاملته لأ�سرى‬ ‫ال�غ��زوات الذين يقعون يف �أي��دي امل�سلمني‪ ،‬وعفوه عنهم‬ ‫�أو �أخذه الفداء منهم‪ ،‬ا�ستجابة لقوله تعالى‪َ }:‬ف�إِمَّا َمنًّا‬ ‫َب ْع ُد َو�إِمَّا ِف َدا ًء { (حممد‪ )4/‬وكذلك عفوه عن �أهل مكة بعد‬ ‫الفتح‪.‬‬ ‫�أم��ا اجلهاد ال��ذي �شرعه اهلل لأم��ة الإ�سالم يف كتابه‬ ‫العزيز فال ميكن �أن يكون عنف ًا لالعتداء ظلما‪ ،‬و�إمن��ا‬ ‫هو �أم ٌر �آخر متتزج فيه روح الت�سامح والعفو يف كثري من‬ ‫ين � َآمنُوا‬ ‫الأحيان؛ يو�ضح ذلك قوله تعالى‪َ }:‬يا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ‬ ‫�إِذَ ا َ�ض َر ْبت ُْم فيِ َ�سبِيلِ ا ِ‬ ‫للهَّ َف َت َبيَّنُوا َولاَ َتقُو ُلوا لمِ َ� ْ�ن �أَ ْلقَى‬ ‫ُون َع َر َ�ض الحْ َ َيا ِة ال ُّد ْن َيا{‬ ‫�إِ َل ْي ُك ُم ال�سَّلاَ َم َل ْ�س َت ُم�ؤ ِْمنًا َت ْب َتغ َ‬ ‫(الن�ساء‪)94/‬‬

‫ف�أمر اهلل املجاهدين �إذا �سافروا للجهاد ب�أن يطلبوا‬ ‫بيان الأم��ر يف كل ما ي�أتونه‪ ،‬وما يذرونه من �أعمال‪ ،‬فال‬ ‫يعجلوا فيها بغري تدبر وال �أناة(‪.)13‬‬ ‫وقد وردت كلمة الإرهاب وم�شتقاتها يف القر�آن مبعان‬ ‫بل �إن هذا الدين علمنا العدل وعدم احليف مع النا�س متعددة منها‪:‬‬ ‫�سواء �أكانوا �أ�صدقاء �أم �أعداء فقال تعالى‪َ ":‬ولاَ َي ْجرِ َمنَّ ُك ْم‬ ‫�أ‪ .‬الرهبة مبعنى اخل�شية واخلوف من اهلل تعالى ‪:‬‬ ‫�شَ َن�آن َق� ْو ٍم َ�أ ْن َ�ص ُّدو ُك ْم َعنِ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ � َر ِام �أَ ْن َت ْع َت ُدوا‬ ‫“(املائدة‪ )2/‬ولذا وجدنا ال�صحابي اجلليل عبد اهلل‬ ‫وذلك يف قوله تعالى ‪َ }:‬يا َب ِني �إِ ْ�س َرا ِئ َيل اذْ ُك ُروا ِن ْع َم ِت َي‬ ‫بن رواحة ر�ضي اهلل عنه يقول لليهود حني بعثه الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم خلر�ص ثمار خيرب‪ ،‬وق��د حاولوا الَّ ِتي �أَ ْن َع ْم ُت َع َل ْي ُك ْم َو�أَ ْو ُف��وا ِب َع ْه ِدي �أُ ِ‬ ‫�اي‬ ‫وف ِب َع ْه ِد ُك ْم َو�إِيَّ� َ‬ ‫ر�شوته ببع�ض حلي ن�سائهم ليتجاوز يف الق�سم‪”:‬يا مع�شر فَا ْر َه ُبونِ {(البقرة‪ ")40/‬في�أمر اهلل بني �إ�سرائيل بالوفاء‬ ‫اليهود واهلل �إنكم ملن �أبغ�ض خلق اهلل �إيل‪،‬قتلتم �أنبياء بالعهد الذي �أخذه عليهم ب�أن ي�سلموا قلوبهم له‪،‬ا�ست�سالما‬ ‫اهلل‪،‬وكذبتم على اهلل‪،‬وما ذاك بحاملي �أن �أحيف عليكم‪ ،‬منوطا باخلوف منه وحده و�إفراده باخل�شية (‪)14‬‬ ‫ف�أما ما عر�ضتم من ر�شوة ف�إنها �سحت و�إنا ال ن�أكلها “(‪)12‬‬ ‫َ‬ ‫و�سى ا ْلغ َ​َ�ض ُب‬ ‫ومثله قوله تعالى ‪َ }:‬ولمَ َّ ��ا َ�سك َت َع� ْ�ن ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ين ُه ْم ل َر ِّبهِ ْم‬ ‫ثم �إن القر�آن الكرمي ي�ؤكد على �أن تكون الدعوة �إلى �أَخَ ذَ َْ أ‬ ‫ال ْل � َو َاح َوفيِ ُن ْ�سخَ ِت َها ُه ًدى َو َر ْح َم ٌة ِلل َِّذ َ‬ ‫ون{ (الأعراف ‪:)154/‬والرهبة هنا يف الآية هي اخلوف‬ ‫اهلل مرتبطة بعدم الإكراه والإجبار وذلك يف قوله تعالى‪َ :‬ي ْر َه ُب َ‬ ‫الدينِ َق ْد َت َب َينَّ ال ُّر�شْ ُد ِم َن ا ْلغ َِّي {(البقرة‪ )256/‬من اهلل واخل�شية له (‪.)15‬‬ ‫} لاَ �إِ ْك َرا َه فيِ ِّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪�- 13‬أب���و ال���س�ع��ود حم�م��د ب��ن حم�م��د ال �ع �م��ادي‪� ،‬إر���ش��اد العقل‬ ‫‪� - 11‬أخرجه البخاري يف كتاب"كيف بد�أ الوحي �إلى ر�سول اهلل‬ ‫ال�سليم �إلى مزايا القر�آن الكرمي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪،‬‬ ‫حممد بن ا�سماعيل البخاري‪� ،‬صحيح البخاري‪ ،،‬دار اجليل‪،‬‬ ‫بريوت‪)218/2(،1994،‬‬ ‫بريوت‪،)4/1( ،‬‬ ‫‪-14‬انظر ‪� :‬سيد قطب �إبراهيم‪ ،‬يف ظالل القر�آن‪ ،‬دار ال�شروق‪،‬‬ ‫‪� 12‬أخرجه مالك يف كتاب امل�ساقاة‪ ،‬باب ما جاء يف امل�ساقاة‪،‬‬ ‫بريوت‪)67/1( ،‬‬ ‫مالك بن �أن�س‪ ،‬املوط�أ‪ ،‬دار الكتاب العربي بريوت‪-15 )75/2( ،‬انظر ‪ :‬عبد احلق بن غالب‪ ،‬املحرر الوجيز يف تف�سري الكتاب‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪67‬‬


‫َا�ست َ​َج ْبنَا َل ُه َو َو َه ْبنَا َل ُه َي ْح َيى ُدو ِنهِ ْم لاَ‬ ‫وكذلك قوله تعالى ‪} :‬ف ْ‬ ‫ون فيِ الخْ َ يرْ َ ِات َو َي ْد ُعو َننَا‬ ‫َو�أَ ْ�ص َل ْحنَا َل ُه َز ْو َج ُه ِ�إنَّ ُه ْم َكا ُنوا ُي َ�سار ُِع َ‬ ‫وه��ذا يعني ا�ستعرا�ض تلك ال�ق��وة امل�ع��دة م��ن اخليل‬ ‫َرغَ ًبا َو َر َه ًبا َو َكا ُنوا َلنَا خَ ِا�ش ِع َني {(الأنبياء‪ )90/‬فيثني اهلل على وفر�سانها‪ ،‬بحيث يراها العدو ويرى فيها ما يرهبه‪،‬ويقتل يف‬ ‫الأنبياء ال�سالف ذكرهم عليهم ال�سالم وذريتهم ال�صاحلة نف�سه كل داعية من دواعي الطمع يف امل�سلمني‪،‬ويف لقائهم يف‬ ‫�أنهم كانوا ي�سارعون يف اخل‬ ‫�يرات‪ ،‬ويدعون اهلل رغبة يف ميدان القتال‪ ،‬وهذا يعني �أن الإعداد للحرب �إمنا هو لإرهاب‬ ‫ثوابه ورهبة من غ�ضبه وعقابه(‪)16‬‬ ‫العدو �أوال حتى ينزجر وال حتدثه نف�سه باحلرب‪،‬حني يرى‬ ‫ِ القوة الرا�صدة له " (‪).20‬‬ ‫}لَ ْن � ُت� ْ�م �أَ� َ��ش� ُّد َر ْه� َب� ًة فيِ ُ�ص ُدورِه ْم‬ ‫ومثله قوله تعالى ‪ َ :‬أ‬ ‫ِم َن ا ِ‬ ‫ون{(احل�شر‪ )13/‬فاليهود‬ ‫للهَّ ذَ ِل� َ�ك ِب�أَنَّ ُه ْم َق� ْو ٌم لاَ َي ْف َق ُه َ‬ ‫واملنافقون يخافون امل�ؤمنني �أكرث من خوفهم من اهلل (‪)17‬‬ ‫املبحث الأول ‪� :‬صور الإرهاب باالعتداء‬ ‫�اح� َ�ك ِم� َ�ن‬ ‫وك��ذل��ك قوله تعالى ‪َ }:‬وا�ْ��ض � ُم� ْ�م �إِ َل � ْي� َ�ك َج� َن� َ‬ ‫�إن الإرهاب الذي يقوم على �أ�سا�س االعتداء على النا�س‬ ‫وقتلهم ظلما‪� ،‬أو �إرعابهم بال ذنب ارتكبوه‪ ،‬فهذا ال ي�أذن به‬ ‫الر َّْهبِ {(الق�ص�ص ‪)32/‬‬ ‫الكتاب املبني‪ ،‬بل �إن �شرع اهلل مل يجز �أخذ النا�س بال�شبهات‬ ‫ومعنى الآية ا�ضمم يدك �إلى �صدرك من اخلوف يذهب حتى تبني الأمور‪ ،‬قال تعالى ‪َ }:‬و َقا ِت ُلوا فيِ َ�سبِيلِ ا ِ‬ ‫ين‬ ‫للهَّ ال َِّذ َ‬ ‫عنك الرعب‪ ،‬فاملراد باجلناح اليد لأن يدي الإن�سان مبنزلة ُيقَا ِت ُلو َن ُك ْم َولاَ َت ْع َت ُدوا �إِنَّ َ‬ ‫ين{(البقرة‪) 190/‬‬ ‫اللهَّ لاَ ُي ِح ُّب المْ ُ ْعت َِد َ‬ ‫جناحي الطائر‪ ،‬و�إذا �أدخل يده اليمنى حتت ع�ضده الأي�سر‬ ‫فقد �ضم جناحه �إليه‪ ،‬وبذلك يذهب اخلوف"(‪)18‬‬ ‫وي�شهد لذلك من ال�سنة حديث �أ�سامة بن زيد بقوله‬ ‫ب‪ .‬ومنها �إرعاب اخل�صم وتخويفه و�إثارة الفزع فيه (بعثنا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ف�صبحنا جهينة‬ ‫ف�أدركت رجال فقال‪:‬ال �إله �إال اهلل فطعنته‪ ،‬فوقع يف نف�سي‬ ‫َّا�س م��ن ذل���ك‪ ،‬ف��ذك��رت��ه للنبي �صلى اهلل عليه و���س��ل��م فقال‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪َ }:‬ف َلمَّا �أَ ْل َق ْوا َ�س َح ُروا �أَ ْعينُ َ الن ِ‬ ‫الر�سول‪� :‬أق��ال ال �إله �إال اهلل وقتلته؟ قلت‪ :‬يا ر�سول اهلل‬ ‫يم{ (الأعراف‪)116/‬‬ ‫ا�سترَ ْ َه ُب ُ‬ ‫وه ْم َو َجا ُءوا ب ِ​ِ�س ْحرٍ َع ِظ ٍ‬ ‫َو ْ‬ ‫�إمنا قالها خوفا من ال�سالح‪ ،‬قال ‪�:‬أف�لا �شققت عن قلبه‬ ‫فقد �ألقى �سحرة فرعون حبالهم وع�صيهم‪ ،‬و�أتوا ب�ألوان حتى تعلم‪ ،‬فما زال يكررها علي حتى متنيت �أين �أ�سلمت‬ ‫من ال�سحر و�ضروب ال�شعوذة‪،‬مبهارة �أخذت ب�ألباب النا�س يومئذ)(‪)21‬‬ ‫و�سحرت عقولهم‪ ،‬و�ألقت الرعب واخلوف يف قلوبهم‪،‬فرهبهم‬ ‫�صور الإرهاب‬ ‫النا�س(‪.)19‬‬ ‫َت ْع َل ُمو َن ُه ُم {(الأنفال ‪)60/‬‬

‫�إن الإرهاب م�ستقبح �شرعا لكونه اعتداء بغري وجه حق‬ ‫وكذلك قوله تعالى‪َ }:‬و�أَ ِع ُّدوا َل ُه ْم َما ْ‬ ‫ا�ست َ​َط ْعت ُْم ِم ْن ُقوَّ ٍة حيث يعر�ض املمتلكات للدمار‪ ،‬ويحول دون تقدم العمران‪،‬‬ ‫ون ِب ِه َع ُدوَّ ا ِ‬ ‫َو ِم ْن ِر َب ِ‬ ‫اط الخْ َ ْيلِ ُت ْر ِه ُب َ‬ ‫للهَّ َو َع ُدوَّ ُك ْم َو�آخَ رِ َ‬ ‫ين ِم ْن و�سالمة الإن�سان‪ .‬والإرهاب باالعتداء له �صور عدة منها‪:‬‬ ‫العزيز‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪)459/2( ،‬‬

‫�أوال ‪� :‬أخذ النا�س بجريرة غريهم‬

‫ وانظر ‪ :‬عبد الكرمي اخلطيب‪ ،‬التف�سري القر�آين للقر�آن‪ ،‬دار‬ ‫ومثاله �أخذ الرهائن من العزل الذين ال ي�شرتكون بحرب‬ ‫الفكر‪ ،‬بريوت‪)489/9( ،‬‬ ‫وال ذنب لهم �إال �أنهم يحملون جن�سية الدولة املعادية‪ ،‬ففي‬ ‫‪-16‬انظر حممد الطاهر بن عا�شور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ )138/17( ،‬املجال ال�سيا�سي متثل جرمية �أخذ الرهائن من اجلو �أو الرب‬ ‫‪-17‬انظر �أبا الفداء �إ�سماعيل بن كثري‪ ،‬تف�سري القر�آن العظيم‪ ،‬دار‬ ‫‪-20‬عبد الكرمي اخلطيب‪ ،‬التف�سري القر�آين للقر�آن‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫الفيحاء‪ ،‬دم�شق‪)436/4(،‬‬ ‫بريوت‪)649/5( ،‬‬ ‫‪-18‬حممد على ال�صابوين‪� ،‬صفوة التفا�سري‪ ،‬دار القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫‪�-21‬أخرجه م�سلم يف �صحيحه يف كتاب الإمي��ان‪ ،‬باب حترمي قتل‬ ‫بريوت‪)433/2( ،‬‬ ‫الكافر �إذا قال ال �إله �إال اهلل ‪.‬م�سلم بن احلجاج‪� ،‬صحيح م�سلم‪،‬‬ ‫‪-19‬انظر �أباعلي الف�ضل بن احل�سن الطرب�سي‪ ،‬جممع البيان يف‬ ‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪)84/2( ،‬‬ ‫تف�سري القر�آن مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت‪)144/3( ،‬‬

‫‪� 68‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫والبحر من �أعمال الإرهاب ال�سيا�سي املذموم (‪ )22‬ويعني وقوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪":‬ال�سمع والطاعة على املرء‬ ‫احتجاز الرهائن التوقيف الق�سري ل�شخ�ص ثالث لي�س امل�سلم فيما �أح��ب وك��ره ما مل ي�ؤمر مبع�صية‪ ،‬ف ��إن �أمر‬ ‫طرفا مبا�شرا يف النزاع (‪ )23‬والغاية من ذلك امل�ساومة مبع�صية فال �سمع وال طاعة"(‪.)27‬‬ ‫عليهم كما يحدث من خطف املدنيني العزل‪ ،‬وال�صحفيني‬ ‫ثالثا ‪ :‬قطع ال�سبيل على الآمنني واالعتداء‬ ‫وقتلهم وهم ال ذنب لهم يف اال�شرتاك بالعدوان ‪.‬‬ ‫على حرماتهم‬ ‫واهلل ع��ز وج��ل يقول } َولاَ َت ��زِ ُر َوا ِز َر ٌة ِو ْز َر ُ�أخْ � � َرى{‬ ‫ومن الإرهاب املحرم جرمية احلرابة ب�إرعاب النا�س �أو‬ ‫( الإ�سراء‪ ) 15/‬فال يحل �أخذ �أحد بذنب �أحد‪،‬فال يجني جان قتلهم‪� ،‬أو نهب �أموالهم �أو اجلمع بني ذلك‬ ‫�إال على نف�سه‪ ،‬ب�سبب �سلوكه وت�صرفه‪.‬‬ ‫وقد فر�ضت ال�شريعة لهذه اجلرمية الإرهابية عقوبات‬ ‫وي�ؤيد ما ذكرناه منع الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم منها ‪ :‬القتل‪� ،‬أو القتل مع ال�صلب والقطع‪� ،‬أو النفي من‬ ‫�أن ي�ؤخذ الرجل بجريرة ابنه بقوله عليه ال�سالم‪":‬ال يقاد الأر�ض بح�سب اجلرمية الإرهابية التي ارتكبها ال�شخ�ص‪،‬‬ ‫بالولد الوالد"(‪ )24‬فكيف ي�ؤخذ فرد من رعايا دولة‬ ‫ون َ‬ ‫اللهَّ َو َر ُ�سو َل ُه َو َي ْ�س َع ْو َن‬ ‫ين ُي َحا ِر ُب َ‬ ‫جنودها‪.‬معتدية قال تعالى ‪�} :‬إِنمََّا َجزَ ا ُء ال َِّذ َ‬ ‫ال عالقة له باحلرب بجرم قيادته‪ ،‬و�إجرام‬ ‫الَ ْر��ِ�ض ف َ​َ�سا ًدا َ�أ ْن ُي َقتَّ ُلوا �أَ ْو ُي َ�صلَّ ُبوا َ�أ ْو ُت َقطَّ َع �أَ ْي ِديهِ ْم‬ ‫فيِ ْ أ‬ ‫َو�أَ ْر ُج ُل ُه ْم ِم ْن ِخلاَ ٍف �أَ ْو ُي ْن َف ْوا ِم َن َْ أ‬ ‫ال ْر ِ�ض {(املائدة‪. )33/‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الإرهاب بقيام الثورات وحتري�ض النا�س �ضد‬ ‫نظام معني بهدف الإطاحة به من �أجل اال�ستيالء على‬ ‫فالف�ساد يف الأر���ض ال��وارد يف الآي��ة �إره��اب ل��ه �صور‬ ‫ال�سلطة‪،‬و�إحالل نظام �آخر حمله بهدف حتقيق م�آرب‬ ‫متعددة‪ ،‬ففي الإن�سان قد يعني قتله‪� ،‬أو قتله و�أخ��ذ ماله‬ ‫�شخ�صية‪،‬ال عالقة لها بدين وال ب�شرع ‪.‬‬ ‫�أو اال�ستيالء على ماله دون قتله‪� ،‬أو �إثارة الرعب يف نف�سه‬ ‫ونحن �أمة الإ�سالم م�أمورون بطاعة الإم��ام باملعروف دون �أخ��ذ ماله‪ ،‬فالف�ساد كلمة ين�ضوي حتتها �أل��وان من‬ ‫ين الف�ساد"(‪.)28‬‬ ‫ما مل يظهر كفرا بواحا‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪َ ":‬يا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ‬ ‫� َآم� ُن��وا �أَ ِطي ُعوا َ‬ ‫الَ ْم��رِ ِم ْن ُك ْم‬ ‫اللهَّ َو�أَ ِطي ُعوا الر َُّ�سولَ َو ُ�أوليِ ْ أ‬ ‫ولكل رتبة من احلرابة رتبة من العقاب يف القر�آن‪ ،‬فمن‬ ‫"(الن�ساء‪ )59/‬والأقرب �أن يكون املراد ب�أويل الأمر من قتل قتل‪ ،‬ومن قتل و�أخذ املال قتل و�صلب ومن اقت�صر على‬ ‫يلي �أمر امل�سلمني فيدخل يف ذلك اخللفاء والقادة ‪.‬‬ ‫�أخذ املال قطعت يده ورجله من خالف‪ ،‬ومن �أخاف فقط‬ ‫فالطاعة لويل الأمر ركن من �أركان النظام ال�سيا�سي يف نفي من الأر�ض(‪ )29‬وبهذا زجر للنا�س عن هذه اجلرمية‬ ‫هذا الدين ويف ذلك يقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ :‬الإرهابية‪.‬‬ ‫"ا�سمعوا و�أطيعوا و�إن ا�ستعمل عليكم عبد حب�شي ك�أن ر�أ�سه‬ ‫زبيبة "(‪ )25‬لكنها طاعة مقيدة يف حدود طاعة اهلل‪ ،‬وطاعة‬ ‫ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬لقوله عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫‪":‬ال طاعة يف مع�صية اهلل �إمنا الطاعة يف املعروف"(‪،)26‬‬ ‫‪ - 22‬انظر مركز املعلومات واخل��دم��ات الثقافية والإن�سانية‪،‬‬ ‫الإرهاب والعنف وجهان لعملة واحدة‪ ،‬دار جامعة عدن للطباعة‬ ‫والن�شر‪ ،‬اجلمهورية اليمنية‪� ،‬ص‪16‬‬ ‫‪� - 23‬أحمد يو�سف التل‪ ،‬الإره��اب يف العاملني العربي والغربي‪،‬‬ ‫مع�صية وحترميها باملع�صية‪)179/1( ،‬‬ ‫�ص‪37‬‬ ‫‪� - 24‬أخ��رج��ه ال��دارم��ي يف كتاب ال��دي��ات‪ ،‬ب��اب القود بني الولد ‪� - 27‬أخرجه الرتمذي يف كتاب اجلهاد‪ ،‬باب ما جاء ال طاعة‬ ‫ملخلوق يف مع�صية اخلالق‪ ،‬اجلامع ال�صحيح (�سنن الرتمذي‬ ‫والوالد‪� ،‬سنن الدارمي‪� ،‬أبو حممد عبد اهلل بن عبد الرحمن‬ ‫)‪)209/5(،‬‬ ‫الدارمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪)190/2( ،‬‬ ‫‪� - 25‬أخرجه البخاري يف كتاب الأح�ك��ام ب��اب ال�سمع والطاعة ‪ - 28‬انظر‪ :‬حممد متويل �شعراوي‪ ،‬تف�سري ال�شعراوي‪� ،‬أخبار‬ ‫اليوم‪ ،‬القاهرة‪)3094/5( ،‬‬ ‫للإمام‪� ،‬صحيح البخاري ب�شرح ال�سندي‪)234/4(،‬‬ ‫‪� - 26‬أخرجه م�سلم يف كتاب الإمارة‪ ،‬باب طاعة الأمراء يف غري ‪� - 29‬أبو بكر الكا�ساين‪ ،‬بدائع ال�صنائع‪)154/2( ،‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪69‬‬


‫رابعا‪ :‬االعتداء على ال�سياح والزائرين‬ ‫�إن ما يحدث م��ن بع�ض النا�س من الإف�ساد يف بالد‬ ‫امل�سلمني باالعتداء على الأبرياء و�إزهاق النفو�س و�إف�ساد‬ ‫ممتلكات رعايا الدول غري الإ�سالمية من �سياح وزائرين‬ ‫�أمر حمرم وال يجوز �شرع ًا وال عق ًال‪.‬‬ ‫فامل�ستجري بنا من امل�شركني يف ديننا ال يقتل والواجب‬ ‫على ال��دول��ة حتقيق �أم�ن��ه لقوله ت �ع��ال��ى‪َ }:‬و ِ�إ ْن �أَ َح� � ٌد ِم� َ�ن‬ ‫ا�ست َ​َجا َر َك َف�أَجِ ْر ُه َحتَّى َي ْ�س َم َع كَلاَ َم ا ِ‬ ‫للهَّ ُثمَّ �أَ ْب ِل ْغ ُه‬ ‫المْ ُ�شْ رِ ِك َني ْ‬ ‫ون{(التوبة‪ )6/‬ف�إذا جاء �أحد‬ ‫َم�أْ َم َن ُه ذَ ِل َك ِب َ�أنَّ ُه ْم َق ْو ٌم لاَ َي ْع َل ُم َ‬ ‫م��ن امل�شركني ل��دي��ار امل�سلمني م�سرت�شدا‪،‬طالبا احلجة‬ ‫والداللة على ما يدعو �إليه دين الإ�سالم جنريه‪ ،‬ونحميه‬ ‫حتى ي�سمع كالم اهلل ويطلع على حقيقة الأمر‪ ،‬ونبلغه داره‬ ‫ب�أمن و�سالم‪ ،‬حتى و�إن مل ي�سلم (‪ )30‬فكذلك ال�سائح الذي‬ ‫دخل �أر�ضنا ب�إذن ويل الأمر‪.‬‬ ‫�إن مهاجمة ال�سياح بحجة �أنهم يحملون جن�سيات �أجنبية‬ ‫للدخول �إلى بالد امل�سلمني و�إراقة دمائهم بال �سبب م�شروع‪،‬‬ ‫وبال دليل قاطع على خيانتهم �أمر ال تبيحه ال�شريعة لعموم‬ ‫قوله تعالى ‪َ }:‬ولاَ َت ْق ُت ُلوا النَّف َْ�س الَّ ِتي َحر َ​َّم ُ‬ ‫اللهَّ �إِلاَّ بِالحْ َ قّ {‬ ‫(الإ�سراء‪.)33/‬‬

‫ب��أخ�لاق�ن��ا ال�سامية ال��رف�ي�ع��ة م��ا دام ملتزما ب��آداب�ن��ا‬ ‫وت�شريعاتنا‪ ،‬فال�سياح القادمون بق�صد ال�سياحة يجب علينا‬ ‫املحافظة على �أرواحهم و�أعرا�ضهم و�أموالهم و ذرياتهم‪،‬‬ ‫فال يجوز االعتداء عليهم يف �شيء من حقوقهم ما داموا‬ ‫ملتزمني ب�شروط امل�سلمني عليهم‪ ،‬ف ��إذا ظهر من ه�ؤالء‬ ‫ال�سياح �أمارات اخليانة للم�سلمني‪ ،‬وعدم االلتزام بالوفاء‬ ‫ب�شروط الزيارة وجب عند ذلك التعر�ض لهم‪ ،‬ومعاقبتهم‬ ‫على ذلك ‪.‬‬ ‫وه��ذا ال يتنافى مع �ضرورة ر�صد حركاتهم و�أقوالهم‬ ‫وات�صاالتهم كما �أ�سلفنا حتى ن�أمن �شرهم ومكرهم‪�،‬إن‬ ‫كان لديهم ما يخفونه من م�ؤامرات �أو كيد لأمة الإ�سالم‪.‬‬ ‫والذي يحمل على هذا النوع من االعتداء على ال�سياح‬ ‫وهو من الإرهاب املذموم‪ ،‬املنهج احلريف يف تف�سري بع�ض‬ ‫الن�صو�ص‪،‬واالنتقاء لآيات و�أحاديث معينة والتم�سك املطلق‬ ‫بظاهرها ومن هذه الن�صو�ص الوقوف عند ظاهر الن�ص يف‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬ف�إِذَ ا ان َْ�س َلخَ ْ أ‬ ‫الَ�شْ ُه ُر الحْ ُ ُر ُم فَا ْق ُت ُلوا المْ ُ�شْ رِ ِك َني‬ ‫وه ْم َوا ْق ُع ُدوا َل ُه ْم ُكلَّ‬ ‫وه ْم َو ْاح ُ�ص ُر ُ‬ ‫وه ْم َوخُ ذُ ُ‬ ‫َح ْيثُ َو َج ْدتمُ ُ ُ‬ ‫َم ْر َ�صد{(التوبة‪،)5/‬فظاهر الن�ص القر�آين يقت�ضي �أن يقتل‬ ‫كل من عرث عليه من امل�شركني يف �أي موقع كان و�إن مل يكن‬ ‫يف �ساحة قتال‬

‫فال يباح دم من دخل �إلى بالد امل�سلمني بطريق م�شروع‪،‬‬ ‫يقول اب��ن عا�شور ‪:‬ه��ذه الآي��ة ن�سخت �آي��ات امل��وادع��ة‬ ‫ال �سيما و�أن للم�سلمني رعايا يف تلك الدول فر�ضت عليهم واملعاهدة وقد عمت جميع امل�شركني وجميع البقاع �إال ما‬ ‫ظروف بالدهم مغادرتها قهرا �إلى تلك البالد وباعتداء خ�ص�صته الأدلة من الكتاب وال�سنة (‪. )31‬‬ ‫اجلهلة منا على ال��زائ��ر من تلك البالد نعر�ض �أولئك‬ ‫واحلق �أن امل�سلم ال ينبغي �أن يتعجل يف �أخذ الأحكام‬ ‫امل�سلمني لالعتداء عليهم من قبلهم �أي�ضا وهو مف�سدة ال‬ ‫من �آية دون النظر يف الآيات والأحاديث الأخرى املتعلقة‬ ‫تخفى ودفع املفا�سد �أولى من جلب امل�صالح ‪.‬‬ ‫باملو�ضوع املطروح للحوار‪ ،‬فقد جاء اخلطاب القر�آين يف‬ ‫ولكن يف نف�س ال��وق��ت يبقى واج��ب ديني على رج��ال موا�ضع �أخرى بعدم الإذن باالعتداء �إال على من اعتدى على‬ ‫الأم ��ن والأج �ه��زة امل��وك��ول��ة ب��ذل��ك ال�ت��أك��د م��ن �شخ�صية امل�سلمني وذلك يف قوله تعالى ‪َ }:‬و َقا ِت ُلوا فيِ َ�سبِيلِ ا ِ‬ ‫ين‬ ‫للهَّ ال َِّذ َ‬ ‫امل ��أذون لهم بدخول بالد امل�سلمني‪،‬حتى ال يكون ال�سياح‬ ‫َ‬ ‫لاَ‬ ‫لاَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لمْ‬ ‫ين{ِ (البقرة‪.)190/‬‬ ‫و�سيلة جت�س�س على العامل الإ��س�لام��ي‪ ،‬فقد نك�سب ماال ُيقَاتلونك ْم َو َت ْع َت ُدوا �إِنَّ اللهَّ ُيح ُّب ا ْعتَد َ‬ ‫بخ�سا بقدومهم‪،‬ونخ�سر ديارنا وعقيدتنا فيعرفون موا�ضع‬ ‫فالقتال يف �سبيل اهلل ال يكون باالعتداء ظلما �إذ ال غاية‬ ‫ال�ضعف فينا‪،‬وميكنون الأم��م م��ن بلدنا‪،‬فيجب على من‬ ‫وكل �إليه �أمر الأمن يف الدولة الإ�سالمية �أن يتقي اهلل يف له �إال االنت�صار للحق‪،‬والتمكني له‪،‬فهذه الآية من دعائم‬ ‫موقعه فري�صد حتركات ه�ؤالء الزوار من الكفار و�أقوالهم العدل التي قام على �أ�سا�سها القتال يف ال�شّ رع‪ ،‬فهو قتال بني‬ ‫الإميان وال�شرك ودفع لعدوان امل�شركني عن امل�ؤمنني (‪)32‬‬ ‫وات�صاالتهم للت�أكد من �سالمة نواياهم‪..‬‬ ‫وقد علمنا الإ�سالم �أن نعامل من جاء لأج��ل زيارتنا‬ ‫‪ - 30‬حممد بن يو�سف (�أبو حيان)‪ ،‬البحر املحيط يف التف�سري‪- 3 1 ،‬ابن عا�شور‪ ،‬التحرير والتنوير‪)115/2( ،‬‬ ‫‪- 32‬عبد الكرمي اخلطيب‪ ،‬التف�سري القر�آين للقر�آن‪)212/1(،‬‬ ‫دار الفكر‪ ،‬بريوت‪)374/5(،1992 ،‬‬ ‫‪� 70‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫وقد نقل القرطبي قول ال�ضحاك بن�سخ قوله تعالى } َف�إِذَ ا‬ ‫وه ْم‬ ‫ان َْ�س َلخَ َْ أ‬ ‫ال�شْ ُه ُر الحْ ُ ُر ُم فَا ْق ُت ُلوا المْ ُ�شْ رِ ِك َني َح ْيثُ َو َج ْدتمُ ُ ُ‬ ‫وه ْم َوا ْق ُع ُدوا َل ُه ْم ُكلَّ َم ْر َ�صد{ٍ (التوبة‪)5/‬‬ ‫وه ْم َو ْاح ُ�ص ُر ُ‬ ‫َوخُ ذُ ُ‬ ‫ين َك َف ُروا ف َ​َ�ض ْر َب ال ِّر َق ِ‬ ‫اب‬ ‫لقوله �سبحانه ‪َ }:‬ف ِ�إذَ ا َل ِقيت ُ​ُم ال َِّذ َ‬ ‫وه ْم ف َُ�ش ُّدوا ا ْل َو َثاقَ َف ِ�إمَّا َمنًّا َب ْع ُد َو�إِمَّ��ا‬ ‫َحتَّى �إِذَ ا �أَ ْثخَ ْن ُت ُم ُ‬ ‫ِف َدا ًء{(حممد‪ )4/‬ثم بني �أن ال�صواب �أن الآيتني كلتيهما‬ ‫حمكمتان‪،‬لأن املن والقتل والفداء مل يزل من حكم ر�سول‬ ‫ومن خالل الن�ص ال�سابق نالحظ �أن اهلل �أثبت لويل‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ‪.‬‬ ‫ال��دم ال�سلطان على القاتل ب��أح��د �أمرين‪:‬بالق�صا�ص‬ ‫ول��و �أخ��ذت الآي��ة التي يف �سورة التوبة على ظاهرها (القود) بعد حكم القا�ضي و�إ�شرافه‪�،‬أو بالعفو عنه بالدية‬ ‫بقتال الكفار �أينما وجدناهم لتنافت مع الآيات التي جاءت �أوجمانا "وهذا ال�سلطان لويل الدم مقيد ب�أن ال ي�سرف‬ ‫بعدها يف ال�سياق يف قوله تعالى‪ } :‬و�إِ ْن �أَح ٌد ِم َن المْ ُ�شْ رِ ِك َني يف القتل‪ ،‬فال ينبغي �أن ي�سرف يف قتل القاتل ب�أن ميثل‬ ‫َ‬ ‫للهَّ َ ُثمَّ �أَب ِل ْغ ُه م�أْم َن ُه بالقاتل �أو يقت�ص من غريه كعادة �أهل اجلاهلية‪ ،‬وبع�ض‬ ‫ا�ست َ​َجا َر َك َف َ�أجِ ْر ُه َحتَّى َي ْ�س َم َع كَلاَ َم ا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ اجلاهلني اليوم الذين يقتلون اجلماعة بالواحد ت�شفيا‬ ‫َ‬ ‫ذَ ِل َك ِب�أنَّ ُه ْم َق ْو ٌم لاَ َي ْع َل ُم َ‬ ‫ون {(التوبة‪،)6/‬ولتنافت �أي�ضا مع وا�ستعالء "(‪.)35‬‬ ‫الدينِ َق ْد َت َب َينَّ ال ُّر�شْ ُد ِم َن‬ ‫ظاهر قوله تعالى‪ " :‬لاَ �إِ ْك َرا َه فيِ ِّ‬ ‫ا ْلغ َِّي "( البقرة ‪. ) 256 /‬‬ ‫وه ��ذا ي��وج��ب ع�ل��ى �أول� �ي ��اء الأم� ��ور يف ال��دول��ة عمل‬ ‫ومن �أجمل ما وجدته حول هذا املو�ضوع ما ذهب �إليه االحتياطات ال�لازم��ة حلماية املجتمع من قتل ال�ث��أر �أو‬ ‫ال�شعراوي يف تف�سريه �أن ما جاء يف �سورة التوبة من الأمر الإ�سراف فيه‪ ،‬بالو�سائل املتعددة كاحلرا�سة لأهل القاتل‬ ‫بالقتال بعد ان�سالخ الأ�شهر احل��رم خا�ص بالعرب دون ونحوها ‪.‬‬ ‫غريهم معلال ذلك ب�أنه وجب التفريق بني بيئة نزل فيها‬ ‫�ساد�سا – اغتيال بع�ض ال�شخ�صيات ظلما‬ ‫القر�آن بلغة �أهلها على ر�سول من �أنف�سهم‪،‬وبيئة �أخرى‬ ‫لها �أحكام خا�صة‪ ،‬فالذين يعرفون الر�سول ال يقبل منهم‬ ‫ومن ذلك القتل واالعتداء الذي يقع على بع�ض رجال‬ ‫�إال �أن ي�سلموا‪ ،‬وال يقبل منهم �أن يظلوا يف �أر�ض الر�سالة‬ ‫بال �إ�سالم‪ ،‬بخالف مكان �آخر مثل فار�س والروم الذين الأمن يف البالد الإ�سالمية وتكفريهم بغري وجه حق‪ ،‬بحجة‬ ‫مل يعرفوا �إعجاز ال�ق��ر�آن وبالتايل ال يكون الإك��راه لهم �أنهم يعملون مع �أنظمة تق�صي �شرع اهلل‪ ،‬وحتّكم القانون‬ ‫فالإكراه للعرب كان ل�سببني ‪:‬الأول‪� :‬أن الر�سول منهم وهم الو�ضعي يف واقع احلياة‪ ،‬في�ستبيحون بذلك دماءهم ‪.‬‬ ‫�أع��رف النا�س به‪ ،‬والثاين ‪�:‬أن املعجزة ج��اءت بل�سانهم‬ ‫ومن هذا القبيل �أي�ضا اعتبار املجتمعات الإ�سالمية‬ ‫(‪ )33‬وبناء عليه يبقى عدم الإكراه قائما يف حق الب�شرية‬ ‫وعليه فال يجوز التجر�ؤ على هذه النف�س باالعتداء �أو �إراقة املعا�صرة كافرة‪،‬لأنها حتكم بقوانني و�ضعية وبناء عليه يتم‬ ‫ا�ستخدام العنف وتخريب م�ؤ�س�سات املجتمع الإن�ساين (‪)36‬‬ ‫الدماء ‪.‬‬ ‫فالقتل بغري احل��ق جرمية و�إف�ساد و�ضرر واع�ت��داء‪،‬‬ ‫و�إخ�لال بالأمن‪ ،‬ي ��ؤدي �إل��ى اال�ضطراب يف املجتمع‪،‬وهو‬ ‫�سبيل النقرا�ض الب�شرية‪،‬واهلل يقول‪َ }:‬ولاَ َت ْق ُت ُلوا النَّف َْ�س‬ ‫الَّ ِتي َحر َ​َّم ُ‬ ‫اللهَّ �إِلاَّ بِالحْ َ قِّ َو َم ْن ُق ِت َل َم ْظ ُل ًوما َفق َْد َج َع ْلنَا ِل َو ِل ِّي ِه‬ ‫ْ�صو ًرا {(الإ�سراء‬ ‫ُ�س ْل َطا ًنا َفلاَ ُي ْ�سرِ ْف فيِ ا ْل َق ْتلِ �إِنَّ ُه َك َان َمن ُ‬ ‫‪.)33/‬‬

‫خام�سا‪-‬الإ�سراف يف االنتقام والث�أر حتى‬ ‫يطال الأبرياء الآمنني‬ ‫و�سبب هذا النوع من الإرهاب يعود حلب الث�أر والتجاوز‬ ‫يف االنتقام‪ ،‬فاهلل عز وجل قد حرم قتل النف�س �إال بحق‬ ‫�شرعي‪،‬وهو يف �إح��دى ثالث ‪":‬ال يحل دم ام��رىء م�سلم‬ ‫ي�شهد �أن ال �إله �إال اهلل و�أن حممدا ر�سول اهلل �إال ب�إحدى‬ ‫ث�لاث ‪ :‬الثيب ال��زاين والنف�س بالنف�س وال �ت��ارك لدينه‬ ‫املفارق للجماعة "(‪)34‬‬

‫وذل ��ك م��ن ق�ب��ل ط��ائ�ف��ة ي�ق�ف��ون ع�ن��د ظ��واه��ر بع�ض‬ ‫الن�صو�ص من غري النظر بعني مب�صرة يف حقيقة املراد‬ ‫منها‪ ،‬وذل��ك كالوقوف عند ظاهر احلكم بكفر التارك‬ ‫ل�شرع اهلل دون تفريق بني من ت��رك ج��اح��دا‪،‬وم��ن ترك‬ ‫متهاونا �أو خائفا من �سطوة دولة �أخ��رى يف قوله تعالى‪:‬‬ ‫} َو َم� ْ�ن لمَ ْ َي ْح ُك ْم بمِ َ ��ا �أَ ْن��زَ لَ ُ‬ ‫ون‬ ‫اللهَّ َف�أُو َل ِئ َك ُه� ُ�م ا ْل َكا ِف ُر َ‬ ‫{(املائدة ‪ )44/‬فيحكمون بناء على ذلك بكفر من مل يحكم‬

‫‪ - 35‬د‪.‬وه�ب��ة الزحيلي‪ ،‬التف�سري املنري يف العقيدة وال�شريعة‬ ‫‪ - 33‬انظر ال�شعراوي‪ ،‬تف�سري ال�شعراوي‪)4878 -4877/8( ،‬‬ ‫واملنهج‪ ،‬دار الفكر املعا�صر‪ ،‬بريوت‪)72/15( ،‬‬ ‫‪� - 34‬أخ��رج��ه �أحمد يف م�سند املكرثين من ال�صحابة‪ ،‬م�سند ‪� - 36‬أحمد �أب��و الرو�س‪ ،‬الإره��اب والتطرف والعنف يف الدول‬ ‫�أحمد‪�،‬أحمد بن حنبل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪)428/1( ،‬‬ ‫العربية‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪ ،‬اال�سكندرية‪�،2001 ،‬ص‪25‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪71‬‬


‫مبا �أنزل اهلل مطلقا‪ ،‬وكفر من يعمل ب�إمرتهم لر�ضاه بالعمل‬ ‫مع من كفر برتك حكم اهلل تعالى‪ ،‬وي�ستبيحون دماءهم‪.‬‬ ‫علما �أن جمهور املف�سرين ذهبوا �إلى القول‪�:‬إنها نزلت يف‬ ‫اليهود حني حاولوا كتم حكم الرجم للزاين‪،‬ولكنها ت�شمل‬ ‫غريهم ممن هذا حاله(‪ )37‬و�أم��ا امل�سلم فال يكفر برتك‬ ‫حكم اهلل �إال عن جحد(‪)38‬‬ ‫واحل��ق �أن العربة بعموم اللفظ ال بخ�صو�ص ال�سبب‪،‬‬ ‫في�شمل احلكم يف الآية اليهود وغريهم ممن ترك حكم اهلل‬ ‫جحدا و�إنكارا‪ ،‬وال ي�شمل من تركه خوفا وجبنا‪� ،‬أو تكا�سال‬ ‫وتخاذال وتهاونا‪،‬بدليل تنويع الأحكام الواردة يف الآيات من‬ ‫�سورة املائدة لتاركي العمل �أو لغري العاملني بحكم اهلل‪،‬‬ ‫حيث جاء احلكم بظلم التارك ل�شرع اهلل يف مو�ضع �آخر‬ ‫يف قوله تعالى‪َ }:‬و َم ْن لمَ ْ َي ْح ُك ْم بمِ َ ا �أَ ْنزَ لَ ُ‬ ‫اللهَّ َف�أُو َل ِئ َك ُه ُم‬ ‫ون { (امل��ائ��دة‪ ،)45/‬واحلكم بالف�سق يف مو�ضع ثالث‬ ‫الظَّالمِ ُ َ‬ ‫يف قوله تعالى‪َ }:‬و َم ْن لمَ ْ َي ْح ُك ْم بمِ َ ا �أَ ْنزَ لَ ُ‬ ‫اللهَّ َف�أُو َل ِئ َك ُه ُم‬ ‫ا ْلف ِ‬ ‫ُون{(املائدة‪ ،)47/‬وهو ر�أي كبار التابعني مثل عكرمة‬ ‫َا�سق َ‬ ‫(‪)40‬‬ ‫(‪)39‬‬ ‫وطاوو�س واحل�سن الب�صري ‪.‬‬

‫املبحث الثاين ‪:‬‬ ‫�أق�سام الإرهاب و�أ�سبابه و�سبل عالجه‬ ‫والإرهاب ينق�سم �إلى �أق�سام متعددة فمن حيث الفاعل‬ ‫قد يكون فرديا‪ ،‬وقد يكون جماعيا‪ ،‬وي�شمل جميع نواحي‬ ‫احلياة ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والفكرية وقد‬ ‫يكون ماديا وفكريا وعقليا معا‪ ،‬ومن حيث الواقع والتطبيق‬ ‫ينق�سم �أي�ضا �إلى ق�سمني‪ ،‬فقد يقع من الإن�سان لالعتداء‪،‬‬ ‫و قد يقع منه للدفع وهو اجلانب الذي تعاجله هذه الدرا�سة‪،‬‬ ‫�أم��ا �أ�سباب الإره��اب ودوافعه ف�إنها تختلف يف درجة‬ ‫�أهميتها‪ ،‬ومدى ت�أثريها باختالف املجتمع الذي ن�ش�أت فيه‪،‬‬ ‫بح�سب الظروف ال�سيا�سية‪ ،‬و االقت�صادية واالجتماعية‪،‬‬ ‫و�أحوال النا�س الدينية‪ ،‬ولذا ف�إن ما ي�صدق على جمتمع قد‬ ‫ال ي�صدق بال�ضرورة على جمتمع �آخر ‪.‬‬ ‫ولكن الإره��اب ب�أنواعه املختلفة له دواف��ع و�أ�سباب‪،‬‬ ‫�أجملها يف الآتي ‪:‬‬

‫‪ -1‬الأطماع ال�سيا�سية لدى الدول القوية التي ال حتكم �شرع‬ ‫اهلل يف العامل حتملها يف بع�ض الأح�ي��ان على تر�سيخ‬ ‫وال يعني القول بعدم كفرهم‪ ،‬الر�ضا مبا ي�صدر عنهم �سلطتها‪ ،‬وتو�سيع �سيطرتها على ال�شعوب ال�ضعيفة‪،‬‬ ‫من خمالفة لل�شرع �أو القعود عن بذل اجلهد يف حملهم وعلى ال��دول الأق��ل منوا وتقدما (‪ )41‬الأم��ر الذي يولد‬ ‫على حتكيم �شرع اهلل يف الأر���ض ‪ ،‬لأننا م�أمورون ب�إقامته �إرهابا دوليا‪.‬‬ ‫وم�أمورون بالطاعة يف غري مع�صية هلل‪،‬لكنني ال �أرى �إباحة‬ ‫دمائهم حتى ال ت�صبح بالد امل�سلمني مرتعا للفنت يقتلون ‪ -2‬الرغبة بال�سيطرة على الرثوات يف العامل من قبل بع�ض‬ ‫�أنف�سهم وي�سفكون دماء بع�ضهم‪،‬والعدو ال�صليبي واليهودي الأمم التي تتمتع بالقوة‪ ،‬فالقوة التي ال يحكمها �شرع اهلل‬ ‫يطغى �أ�صحابها ويحاولون من خاللها ال�سيطرة على‬ ‫يرتب�ص بهم مـن حولهم ‪.‬‬ ‫الأمم من حولهم و�إرعابها وال�سيطرة على خرياتها وقد‬ ‫�ضرب لنا القر�آن مثال بقوم غرتهم قوتهم وهم قوم عاد‬ ‫َا�س َت ْكبرَ ُ وا فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض ِب َغيرْ ِ الحْ َ قِّ‬ ‫فقال تعالى } َف�أَمَّا َعا ٌد ف ْ‬ ‫َ‬ ‫َو َقا ُلوا َم ْن �أَ�شَ ُّد ِمنَّا ُقوَّ ًة �أَ َولمَ ْ َي َر ْوا �أَنَّ اللهَّ ال َِّذي خَ َل َق ُه ْم‬ ‫ُه َو �أَ�شَ ُّد ِم ْن ُه ْم ُقوَّ ًة {(ف�صلت ‪)15/‬ومما ال�شك فيه �أن‬ ‫‪ - 37‬حممد بن جرير الطربي‪ ،‬جامع البيان عن ت�أويل �آي القر�آن‪،‬‬ ‫العداء بني احلق والباطل واقع منذ القدم‪ ،‬وهو باق �إلى‬ ‫دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪)342/4( ،‬‬ ‫�أن يرث اهلل الأر�ض ومن عليها‪ ،‬فمنذ بعثة الر�سول �صلى‬ ‫وانظر حممد بن �أحمد ال�سمرقندي‪ ،‬بحر العلوم‪ ،‬دار الكتب اهلل عليه و�سلم والأعداء ميكرون لهذا الدين‪ ،‬و�أتباعه‪،‬‬ ‫العلمية‪ ،‬بريوت‪1993 ،‬م‪)439/1(،‬‬ ‫ويحاولون ال�سيطرة على �أر�ضه وديارهم وممتلكاتهم‪،‬‬ ‫وما حدث ل�صهيب الرومي �شاهد �صريح على ذلك ‪.‬‬ ‫وانظر ‪� - :‬سليمان العجيلي‪ ،‬الفتوحات الإلهية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫بريوت‪1996 ،‬م‪)229/2(،‬‬ ‫‪ - 38‬القرطبي‪ ،‬اجلامع لأحكام القر�آن‪)124/6( ،‬‬ ‫‪- 39‬انظر ابن عطية‪ ،‬املحرر الوجيز يف تف�سري الكتاب العزيز‪- 41 ،‬انظر د‪�.‬أدوني�س العكره‪ ،‬الإره��اب ال�سيا�سي بحث يف �أ�صول‬ ‫الظاهرة و�أبعادها الإن�سانية‪ ،‬دار الطليعة للطباعة‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫(‪)112/5‬‬ ‫�ص‪7‬‬ ‫‪ - 40‬القرطبي‪ ،‬اجلامع لأحكام القر�آن‪)189/6(،‬‬

‫‪� 72‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫اجلهل يف الدين وهو من �أخطر الأ�سباب ‪.‬‬

‫‪ -3‬ظ�ه��ور احل��رك��ات املتطرفة يف ال �ع��امل كال�صهيونية‬ ‫العاملية وال�صليبية احلاقدة التي حتاول �إعادة احلروب‬ ‫ظهور بع�ض اجلماعات احلزبية املت�شددة التي ترفع‬ ‫ال�صليبية من جديد‪ ،‬وال�سيطرة على العامل الإ�سالمي‬ ‫ب�أ�سره‪ ،‬فتتبع كل الو�سائل التي حتقق لها �أهدافها �شعارات �إ�سالمية وهي ترنو للو�صول �إلى ال�سلطة‬ ‫اال�ستعمارية‪،‬وبذلك تثري هذه احلركات القلق الدائم‬ ‫ت�أثر بع�ض اجلماعات املعا�صرة بفكر اخلوارج و�إعادة‬ ‫يف النا�س وتزعزع اال�ستقرار يف العامل‪.‬‬ ‫طرح تلكم الأفكار من جديد ومن ذلك تكفري امل�سلمني بغري‬ ‫‪� -4‬ضعف ال��وازع الديني ل��دى بع�ض النا�س يجعلهم ال حق‬ ‫يتورعون عن �أي عمل يحقق لهم ك�سب املال �أو غريه من‬ ‫و�أما �سبل العالج فهي كثرية �أذكر منها ‪:‬‬ ‫متاع احلياة الدنيا ب�أي طريق حل �أو حرم‪ ،‬فما ي�صيب‬ ‫النا�س من �ضر و�ضيق �سواء �أكان ماليا‪� ،‬أو �أمنيا‪ ،‬فرد ًّيا ‪ -1‬احلر�ص على تربية الأجيال من املهد �إلى اللحد تربية‬ ‫كان �أو جماع ًّيا‪ ،‬فب�سبب معا�صيهم‪ ،‬و�إهمالهم لأوامر �إميانية �سليمة‪ ،‬تقوم على �أ�سا�س النبع ال�صايف كتاب‬ ‫اهلل ‪ U‬ون�سيانهم �شريعة اهلل‪ ،‬والتما�سهم احلكم بني اهلل و�سنة ر�سوله حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وذلك من‬ ‫النا�س من غري �شريعة اهلل وهو الأعلم مب�صاحلهم من خالل ن�شر العلم ال�شرعي امل�ستمد من ن�صو�ص الكتاب‬ ‫�أنف�سهم (‪ )42‬الأمر الذي يرتتب عليه يف بع�ض الأحيان‪ ،‬وال�سنة‪ ،‬وفق فهم �سلف الأمة‪ ،‬من ال�صحابة والتابعني‬ ‫�سفك الدماء‪ ،‬وهتك الأعرا�ض‪ ،‬واالعتداء على ال�شيوخ و�أئمة امل�سلمني‪،‬‬ ‫والأطفال والن�ساء‪ ،‬وهذا الأمر يلقي على كاهل علماء‬ ‫ال�شريعة دورا كبريا يتطلب منهم �أن يو�سعوا �صدورهم ‪ -2‬حر�ص �أولياء الأمور يف الدولة على توفري احلياة الكرمية‬ ‫للنا�س‪ ،‬و�أن يوجهوهم للحق‪ ،‬وي�صرفوا عواطفهم �إلى ملواطنيهم و�إزال ��ة جيوب الفقر م��ن ه��ذه املجتمعات‬ ‫ما ير�ضي احلق تبارك تعالى‪ ،‬و�أن يوجهوا طاقاتهم �إلى بالو�سائل امل�شروعة املختلفة‬ ‫ما يعود عليهم وعلى �أمتهم باخلري والربكة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬مم��ا ي�ساعد على موجهة الإره� ��اب امل�ع�ت��دي جمع‬ ‫‪ -5‬اال�ضطهاد والظلم الذي يتعر�ض له بع�ض النا�س يف املعلومات الدقيقة عنه‪،‬وعن من يقومون به ويخططون‬ ‫بع�ض ال��دول التي يتولى �أمرها مت�سلطون‪ ،‬متجربون له‪ ،‬الأم��ر ال��ذي ميكن الدولة من ا�ستخدام الو�سائل‬ ‫قد ي�ؤدي �إلى توليد انفجار فيها‪ ،‬يقوم على �أ�سا�سه من املنا�سبة ل�صـده فمـن ميلك املعلومـات ميلك خطا من‬ ‫�أقوى خطوط الدفاع (‪. )43‬‬ ‫يتعر�ض لل�ضرر بارتكاب �ضرر �أ�شد‪ ،‬ال يفرق فيه بني‬ ‫املعتدي وغريه‪،‬فيعمل على تدمري امل�ؤ�س�سات املختلفة ‪ -4‬الرقابة الدائمة والعمل املتوا�صل ممن ي�شرفون على‬ ‫يف الدولة‪،‬وهذا دافع خطري من �أخطر دوافع الإرهاب �أم��ن النا�س وا�ستقرارهم‪ ،‬ملنع الإره��اب املعتدي يف‬ ‫‪� ،‬إذ النف�س الب�شرية تتوق �إلى االنتقام والث�أر ‪.‬و�إن مما داخل الدولة‪ ،‬والقادم من خارجها‪ ،‬وعدم متكينه من‬ ‫ال �شك فيه �أن امل�سيء ي�ستحق العقاب والت�أديب �إذا ارتكاب ما يخل ب�أمن النا�س وا�ستقرارهم‪.‬‬ ‫مل ينفع معه التوجيه‪ ،‬وذل��ك ل��رده �إل��ى ج��ادة الطريق‬ ‫وحلماية املجتمع من �شره وظلمه‪،‬لكن على �أن ال نتجاوز ‪ -5‬يجب �أن يالحظ حال معاجلة الإره��اب �أن ا�ستخدام‬ ‫احلد يف عقابه لدرجة حتمله على االنتقام من كل �شيء العنف دائما يف مقاومته من قبل الدول قد يولد عنفا‬ ‫�أ�شد‪،‬فينبغي �أن ن�سلك معه �سبيل احلوار البناء يف بع�ض‬ ‫يف املجتمع‬ ‫مراحل مقاومته‪،‬و�أن ال ن�ستخدم العنف وال�شدة �إال يف‬ ‫الفقر والبطالة‪ ،‬وعدم وجود فر�ص عمل‪ ،‬قد ي�ؤديان مرحلة مت�أخرة‪،‬فا�ستعمال العنف مبا�شرة يف وجه من‬ ‫�إلى ال�ضغينة واحلقد يف بع�ض النفو�س ويولدان م�شاعر ت�صدر عنهم بع�ض الأعمال الإرهابية املعتدية‪،‬قد يزيل‬ ‫الكراهية والبغ�ضاء يف نفو�س بع�ض الأف��راد‪ ،‬وجتعل من الإرهاب من املكان املوجود فيه‪ ،‬وينقله �إلى موقع �آخر يف‬ ‫الذين يعانون من ذلك هدفًا لأ�صحاب التوجهات ال�ضالة‪ ،‬الدولة (‪. )44‬‬ ‫فيقومون با�ستدراج ه ��ؤالء الفقراء وا�ستغالل حاجتهم‪،‬‬ ‫‪ - 43‬انظر حممد مراد‪ ،‬العرب والإرهاب‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪،‬‬ ‫في�شرتون �ضمائرهم بثمن بخ�س ‪.‬‬

‫القاهرة �ص‪87‬‬ ‫‪ -42 42‬ا نظر ‪ :‬ابن عثيمني ‪� -‬أثر املعا�صي على الفرد واملجتمع‪ - 44 ،‬انظر د ‪.‬ح�سني عبد احلميد �أحمد‪ ،‬الإرهاب والتطرف من‬ ‫�ص‪.8-7‬‬ ‫منظور علم االجتماع‪ ،‬م�ؤ�س�سة �شباب اجلامعة‪ ،‬اال�سكندرية‪،‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪73‬‬


‫‪� -6‬إحياء روح اجلهاد يف الأم��ة‪ ،‬مما ميكنها من مقاومة‬ ‫املعتدي‪ ،‬وحماية البي�ضة و�إعالء كلمة الدين‪ ،‬والوقوف‬ ‫يف وجه الإرهابيني املعتدين‬

‫ا�ستطاعته وم�س�ؤولياته العمل على تخلي�ص العامل من‬ ‫الإرهاب املعتدي ليطمئن النا�س وي�أمنوا على �أنف�سهم‬ ‫و�أموالهم‪.‬‬

‫‪ -7‬العمل على تقوية اجليو�ش وتوحيدها يف العامل الإ�سالمي ‪ -2‬رد االعتداء على الأر�ض والعر�ض واملال والدين ومقاومة‬ ‫ومدها بكل و�سائل القوة احلديثة املتطورة‪ ،‬بحيث ي�شعر من يقدمون على ذلك بكل الو�سائل امل�شروعة مقاومة‬ ‫�أعداء الأمة بقوتها ووحدتنا‪ ،‬الأمر الذي يزيل �أو ي�ضع ممدوحة بل مطلوبة �شرعا وعقال‪.‬‬ ‫حدا لأطماعهم ب�أر�ضنا‪ ،‬وديارنا‪ ،‬وخريات بالدنا ‪.‬‬ ‫‪ -3‬و�صم امل�سلمني بالإرهاب حال مقاومتهم لعدوهم‬ ‫‪� -8‬إحياء �شعرية الأمر باملعروف والنهي عن املنكر وترغيب ال يزيدهم �إال ثباتا وثقة بن�صر اهلل عز وجل‪ ،‬فاحلق‬ ‫النا�س وحثهم على العمل ب�شرع اهلل وحتذيرهم من �أبلج والباطل جللج‬ ‫خمالفته وبيان ما يرتتب على ذلك من عواقب‬ ‫‪� -4‬إن دعم الرعب والعنف واخلوف يف املجتمعات من الأمور‬ ‫‪9‬حت�صني املجتمع امل�سلم من الأفكار املنحرفة �سواء �أكانت التي ت ��ؤدي �إل��ى اهتزاز الثقة يف القانون وامل�ؤ�س�سات‬ ‫غالية مت�أثرة بفكر اخلوارج �أو مت�ساهلة مت�أثرة بالفكر الأمنية يف الدولة‪،‬الأمر الذي يوجب على الأمة النهو�ض‬ ‫بقوة يف وجه املعتدي‪،‬وعدم الت�ساهل يف خطره لتحقيق‬ ‫التغريبي‬ ‫الأمن واال�ستقرار فيها‪.‬‬ ‫بيان معنى الو�سطية احلقة وحث النا�س على العمل بها‬ ‫‪� -5‬إن �سوء الفهم ملعنى الإره��اب امل�شروع‪ ،‬وع��دم الفهم‬ ‫ون�شرها ‪.‬‬ ‫ال�صحيح لن�صو�ص الكتاب وال�سنة لدى بع�ض امل�سلمني‬ ‫م��ن الأم ��ور التي توجب على كاهل �أه��ل العلم تنوير‬ ‫خامتة‬ ‫النا�س‪،‬وتب�صريهم بحقائق الدين ‪.‬‬ ‫الإره��اب م�ستقبح �شرعا لكونه اعتداء بغري وجه حق‬ ‫حيث يعر�ض املمتلكات للدمار‪ ،‬ويهلك احل��رث والن�سل ‪ -6‬الإرهاب مبعنى االعتداء �أمر ال يجيزه كتاب اهلل‬ ‫ويحول دون تقدم العمران ‪ ،‬وقد تو�صلت من خالل دار�سته وال �سنة نبيه‪،‬و�إمنا هو من تفكري املف�سدين يف الأر�ض‬ ‫من �شياطني اجلن والإن�س‪.‬‬ ‫من منظور قر�آين �إلى النتائج الآتية ‪:‬‬ ‫‪� -1‬إن على جميع املن�صفني يف العامل قادة و�شعوبا كل بقدر ‪ -7‬ممار�سة الظلم والعدوان من الدول املتجربة �أمر يولد‬ ‫املقاومة وح��ب االنتقام بل والتجاوز فيه يف كثري من‬ ‫الأحيان‪.‬‬ ‫�ص‪118‬‬ ‫مراجع البحث‬ ‫ �إر�شاد العقل ال�سليم �إلى مزايا القر�آن الكرمي‪� ،‬أبو ال�سعود حممد بن‬‫حممد العمادي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪1994،‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫‪ -‬‬

‫ الإره��اب والتطرف من منظور علم االجتماع‪ ،‬د ‪.‬ح�سني عبد احلميد‬‫�أحمد‪ ،‬م�ؤ�س�سة �شباب اجلامعة‪ ،‬اال�سكندرية‬ ‫ الإره ��اب والعنف وجهان لعملة واح��دة‪ ،‬مركز املعلومات واخلدمات‬‫الثقافية والإن�سانية‪ ،‬دار جامعة عدن‪ ،‬اليمن‪،‬‬

‫الإرهاب �أنواعه و�أخطاره‪ ،‬عبد احلميد ال�سائح‪ ،‬دار ال�صباح‪،‬عمان‬ ‫ الإرهاب والتطرف والعنف يف الدول العربية‪� ،‬أحمد �أبو الرو�س‪ ،‬املكتب‬‫الإره��اب الدويل بني التجرمي واملكافحة‪ ،‬ح�سنني املحمدى ب��وادى‪ ،‬دار‬ ‫اجلامعي احلديث‪ ،‬اال�سكندرية‪2001 ،‬م‬ ‫الفكر اجلامعي القاهرة ‪.‬‬ ‫ �أ�سد الغابة يف معرفة ال�صحابة‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ابن الأثري اجلزري‪،‬‬‫الإرهاب يف العاملني العربي والغربي‪،‬الدكتور �أحمد يو�سف التل‪ ،‬عمان‬ ‫دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫املطبعة الوطنية‬ ‫الإره��اب التهديد والرد عليه‪� ،‬إريك موري�س‪ ،‬ترجمة د ‪� .‬أحمد حمدي ‪ -‬بحر العلوم‪ ،‬حممد بن �أحمد ال�سمرقندي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪1993‬م‬ ‫حممود‪،‬الهيئة امل�صرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‬ ‫الإرهاب الدويل بني التجرمي واملكافحة‪ ،‬ح�سنني املحمدي‪ ،‬دار الكتاب ‪ -‬البحر املحيط يف التف�سري‪ ،‬حممد بن يو�سف (�أبو حيان)‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫بريوت‬ ‫العربي‪ ،‬بريوت‬

‫ الإرهاب ال�سيا�سي بحث يف �أ�صول الظاهرة و�أبعادها الإن�سانية‪ ،‬د‪�.‬أدوني�س ‪ -‬بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع‪� ،‬أبو بكر بن م�سعود الك�ساين‪ ،‬دار‬‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‬ ‫العكره‪،‬دار الطليعة للطباعة‪ ،‬بريوت‬

‫‪� 74‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ تاريخ الإرهاب يف العامل‪ ،‬فوزي �شعبان‪ ،‬دار الأحمدي للن�شر‪،‬القاهرة‪ - ،‬جممع البيان يف تف�سري القر�آن �أبوعلي الف�ضل بن احل�سن الطرب�سي‪،‬‬‫ط‪2003 ،1‬م‬ ‫مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت‬ ‫ تاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ ،‬حممد مرت�ضى الزبيدي‪ ،‬دار الفكر‪ - ،‬ل�سان العرب‪ ،‬حممد بن مكرم بن منظور‪ ،،‬م�ؤ�س�سة التاريخ العربي‪،‬‬‫بريوت‬ ‫بريوت‬ ‫‪ -‬التحرير والتنوير‪ ،‬حممد الطاهر بن عا�شور‪ ،‬الدار التون�سية‪ ،‬تون�س‬

‫ املحرر الوجيز يف تف�سري الكتاب العزيز عبد احلق بن غالب‪ ،‬دار الكتب‬‫العلمية‪ ،‬بريوت‬

‫‪ -‬تف�سري القر�آن احلكيم‪ ،‬حممد ر�شيد ر�ضا‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‬

‫ حممد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم منهج ور�سالة‪ ،‬حممد ال�صادق‬‫عرجون‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‬

‫ تف�سري ال�شعراوي‪ ،‬حممد متويل �شعراوي‪� ،‬أخبار اليوم‪ ،‬القاهرة‬‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫‪ -‬‬

‫تف�سري القر�آن العظيم‪� ،‬أب��و الفداء �إ�سماعيل بن كثري‪ ،‬دار الفيحاء‪ - ،‬م�سند �أحمد‪� ،‬أحمد بن حنبل ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‬ ‫دم�شق‬ ‫ معجم املقايي�س يف اللغة‪�،‬أحمد بن فار�س‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‬‫التف�سري القر�آين للقر�آن‪،‬عبد الكرمي اخلطيب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‬ ‫ املعجم الو�سيط‪� ،‬إبراهيم م�صطفى وزمال�ؤه‪ ،‬دار الدعوة‪ ،‬تركيا‬‫التف�سري املنري يف العقيدة وال�شريعة واملنهج‪ ،‬د‪.‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر‬ ‫املعا�صر‪ ،‬بريوت‬ ‫ مو�سوعة الثقافة ال�سيا�سية االجتماعية االقت�صادية الع�سكرية‪..‬‬‫م�صطلحات ومفاهيم‪ ،‬عامر ر�شيد مب ّي�ض‪ ،‬دار املعارف‪،‬حم�ص‪،‬‬ ‫التف�سري الوا�ضح‪ ،‬حممد حممود حجازي‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‬ ‫‪2000‬م‪ ،‬ط‪1‬‬

‫ جامع البيان عن ت�أويل �آي القر�آن‪،‬حممد بن جرير الطربي‪ ،‬دار الفكر‪ - ،‬املوط�أ‪ ،‬مالك بن �أن�س‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بريوت‬‫بريوت‬ ‫ اجلامع ال�صحيح "�سنن الرتمذي‪� ،‬أبو عي�سى �أحمد بن عي�سى‪ ،‬الرتمذي‪،‬‬‫دار �إحياء الرتاث‪ ،‬بريوت‪1995،‬‬ ‫ اجلامع لأحكام القر�آن الكرمي‪� ،‬أبو عبداهلل حممد بن �أحمد القرطبي‪،‬‬‫دار الكاتب العربي‪،‬القاهرة‬ ‫ �سنن �أبي داوود‪�،‬أبو داوود �سليمان بن الأ�شعث‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‬‫ �سنن الدارمي‪� ،‬أبو حممد عبد اهلل بن عبد الرحمن الدارمي‪ ،‬دار الكتب‬‫العلمية‪ ،‬بريوت‬ ‫ ال�سرية النبوية‪ ،‬عبد امللك بن ه�شام‪ ،‬مكتبة الإميان‪ ،‬املن�صورة‬‫ ال�سرية النبوية ال�صحيحة‪�،‬أكرم �ضياء العمري‪ ،‬مكتبة العبيكان‪،‬‬‫الريا�ض‪198 ،‬‬ ‫ �صحيح البخاري‪ ،‬حممد بن �إ�سماعيل البخاري‪/ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‬‫‪� -‬صحيح م�سلم‪ ،‬م�سلم بن احلجاج‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‬

‫تعالج هذه الدرا�سة الإره��اب من منظور قر�آين حيث‬ ‫ب َينت معناه يف اللغة واال�صطالح وا�ستعماالت القر�آن له‪،‬‬ ‫و�صوره التي حذر منها القر�آن الكرمي‪ ،‬و�أو�ضحت �أق�سامه‪،‬‬ ‫والأ�سباب التي �أدت �إلى وج��وده و�سبل عالجه من خالل‬ ‫الكتاب وال�سنة وقد تو�صلت هذه الدرا�سة �إلى نتائج من‬ ‫�أهمها‪� ،‬إنه على جميع املن�صفني يف العامل قادة و�شعوبا كل‬ ‫بقدر ا�ستطاعته وم�س�ؤولياته العمل على تخلي�ص العامل من‬ ‫الإرهاب ليطمئن النا�س وي�أمنوا على �أنف�سهم و�أموالهم‪.‬‬ ‫‪ABSTRACT‬‬

‫ �صفوة التفا�سري‪ ،‬حممد على ال�صابوين‪ ،‬دار القر�آن الكرمي‪ ،‬بريو‬‫ العرب والإرهاب‪ ،‬حممد مراد‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‬‫ العنف والإن�سان‪ ،‬توما�س بال�س‪ ،‬ترجمة د عبد الهادي عبد الرحمن‪ ،‬دار‬‫الطليعة للطباعة والن�شر‪ ،‬بريوت‪،1990 ،‬ط‪.1‬‬ ‫ فتح ال �ب��اري ب�شرح �صحيح ال�ب�خ��اري‪� ،‬أح�م��د ب��ن ح�ج��ر‪ ،‬دار �إح�ي��اء‬‫الرتاث‪،‬بريوت‬ ‫ الفقه الإ�سالمي و�أدلته‪ ،‬د ‪.‬وهبة الزحيلي‪ ،،‬دار الفكر بريوت‪1989 ،‬م‬‫ يف ظالل القر�آن‪� ،‬سيد قطب �إبراهيم دار ال�شروق‪ ،‬بريوت‬‫ الفتوحات الإلهية‪� ،‬سليمان العجيلي‪ ،،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1996 ،‬م‬‫ القامو�س املحيط‪ ،‬جمد الدين حممد بن يعقوب الفريوز �آب��ادي‪ ،‬دار‬‫الفكر‪ ،‬بريوت‬ ‫‪ -‬كتاب املغازي‪ ،‬حممد بن عمر الواقدي‪ ،‬عامل الكتاب‪ ،‬بريوت‬

‫ملخ�ص‬

‫‪This study dealt with terrorism from the‬‬ ‫‪Quranic perspective where indicated its‬‬ ‫‪meaning in the language and terminology and‬‬ ‫‪uses of the Koran and his image that warned‬‬ ‫‪them the Koran and explained the divisions‬‬ ‫‪and the reasons that led to the existence and‬‬ ‫‪ways of treatment through the Quran and‬‬ ‫‪Sunnah. This study found the results of the‬‬ ‫‪most important that all fair-minded people‬‬ ‫‪in the world’s leaders and all peoples as much‬‬ ‫‪as he could and responsibilities of work to rid‬‬ ‫‪the world of terrorism to reassure people and‬‬ ‫‪achieve immunity for themselves and their‬‬ ‫‪money.‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪75‬‬


‫فتاوى اسالمية‬

‫فتاوى �شرعية‬ ‫�إ�رشاف �أ‪.‬د‪ .‬حممد الق�ضاة‬

‫• ال�س�ؤال‪:‬‬ ‫م�ت��ى ُي�ستحب ال���س�لام وم �ت��ى ُي �ك��ره وم��ا ح�ك��م ال��رد‬ ‫على من �سلَّم؟‬

‫بع�ضهم بوجوبه‪ ،‬والقاعدة عندهم‪" :‬كل حمل ال ُي�شرع فيه‬ ‫ال�سالم ال يجب رده" "حا�شية ابن عابدين" (‪.)618 / 1‬‬

‫�أما ال�شافعية فذهبوا �إلى وجوب الرد عليه‪ ،‬كما قال‬ ‫الإم��ام الرملي رحمه اهلل‪" :‬ولو �سلم داخ��ل على م�ستمع‬ ‫• اجلواب ‪:‬‬ ‫اخلطبة واخلطيب يخطب وجب عليه الرد و�إن كان ال�سالم‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل مكروه ًا‪� ....‬إذ القاعدة �أغلبية‪ ،‬و�إمنا مل يجب الرد على نحو‬ ‫قا�ضي احلاجة؛ لأن اخلطاب منه ومعه �سفه وقلة مروءة‪،‬‬ ‫�أمر الإ�سالم ب�إف�شاء ال�سالم؛ ملا يف ذلك من �أثر كبري فال يالئمه �إيجاب الرد" "نهاية املحتاج" (‪ .)321/ 2‬واهلل‬ ‫يف توثيق �أوا�صر الألفة واملحبة بني النا�س‪ ،‬قال ر�سول اهلل تعالى �أعلم‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬ال َت ْدخُ ُلو َن الجْ َ َّن َة َحتَّى ُت�ؤ ِْمنُوا‪،‬‬ ‫• ال�س�ؤال‪:‬‬ ‫َوال ُت�ؤ ِْمنُوا َحتَّى تحَ َا ُّبوا‪� ،‬أَ َوال �أَ ُد ُّل ُك ْم َعلَى �شَ ْي ٍء �إِ َذا َف َع ْل ُت ُمو ُه‬ ‫ال�سال َم َب ْي َن ُك ْم) رواه م�سلم‪.‬‬ ‫تحَ َا َب ْب ُت ْم؟ �أَ ْف ُ�شوا َّ‬ ‫ما حكم �صالة و�إم��ام��ة من ي�صلي بالبنطال‪ ،‬وحكم‬ ‫ويجب على م��ن �أُل�ق��ي عليه ال�سالم ال��رد؛ لقول اهلل �صالة و�إمامة حليق اللحية؟‬ ‫وها{‬ ‫تعالى‪َ } :‬و ِ�إذَ ا ُح ِّييت ُْم ِبت َِحيَّ ٍة ف َ​َح ُّيوا ِب�أَ ْح َ�س َن ِم ْن َها �أَ ْو ُر ُّد َ‬ ‫• اجلواب ‪:‬‬ ‫(الن�ساء‪ ،)86/‬ويكفي رد الواحد عن اجلماعة لكونه واجب ًا‬ ‫احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل‬ ‫على الكفاية‪ ،‬كما قال الإمام زكريا الأن�صاري رحمه اهلل‪:‬‬ ‫"ورده ‪ -‬ولو كان امل�س ِّلم �صبي ًا ‪ -‬فر�ض عني �إن كان امل�سلَّم‬ ‫�سرت العورة من �شروط �صحة ال�صالة باتفاق الفقهاء‪،‬‬ ‫عليه واح��د ًا مكلف ًا‪ ،‬وفر�ض كفاية �إن كان جماعة" "�أ�سنى وعورة الرجل ما بني �سرته وركبته‪ ،‬قال ر�سول اهلل �صلى‬ ‫املطالب" (‪.)183/ 4‬‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪�( :‬إِ َّن الف َِخ َذ َع�� ْو َر ٌة) رواه الرتمذي وغريه‪،‬‬ ‫والأ�صل العام ا�ستحباب ال�سالم �إال يف حاالت حمدودة والواجب يف �سرتها ما ي�سرت لون الب�شرة‪ ،‬وال ي�ضر كون‬ ‫يكون فيها منهي ًا عنه‪ ،‬م��ن ذل��ك ال�سالم على م��ن كان ال�سرت بثوب �ضيق طاملا �أنه ي�سرت اللون من �سواد �أو بيا�ض‬ ‫م�شتغ ًال بال�صالة‪� ،‬أو الأذان‪ ،‬والإقامة‪� ،‬أو الدعاء‪� ،‬أو تالوة �أو غري ذلك‪ ،‬والأكمل للم�صلي �أن يكون الثوب الذي ي�سرت‬ ‫القر�آن‪� ،‬أو التلبية‪ ،‬و�أثناء در�س التعليم‪ ،‬وخطبة اجلمعة‪� ،‬أو عورته ف�ضفا� ًضا‪.‬‬ ‫كان نائم ًا �أو ناع�س ًا‪� ،‬أو على من كانت اللقمة يف فمه‪� ،‬أو كان‬ ‫قال الإمام النووي رحمه اهلل‪" :‬يجب ال�سرت مبا يحول بني‬ ‫م�شتغ ًال بق�ضاء احلاجة‪ ،‬وعلى من كان يف احلمام ونحوه‪ .‬الناظر ولون الب�شرة‪ ،‬فال يكفي ثوب رقيق ُي�شاهد من ورائه‬ ‫�سواد الب�شرة �أو بيا�ضها‪ ،‬وال يكفي �أي� ًضا الغليظ املهلهل الن�سج‬ ‫ومع كراهة ال�سالم على من كان م�شتغ ًال ب �الأذان �أو الذي يظهر بع�ض العورة من خالله‪ ،‬فلو �سرت اللون وو�صف‬ ‫الإقامة �أو الدعاء �أو تالوة القر�آن �أو التلبية‪� ،‬أو �أثناء در�س حجم الب�شرة كالركبة والإلية ونحوهما �صحت ال�صالة فيه‬ ‫التعليم وخطبة اجلمعة فقد اختلف الفقهاء يف الرد عليه‪ :‬لوجود ال�سرت‪ ...‬ويكفي ال�سرت بجميع �أنواع الثياب واجللود‬ ‫والورق واحل�شي�ش املن�سوج وغري ذلك مما ي�سرت لون الب�شرة‬ ‫فذهب ال�سادة الأحناف �إل��ى عدم وج��وب ال��رد‪ ،‬وقال وهذا ال خالف فيه" "املجموع" (‪.)170 /3‬‬ ‫‪� 76‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ف‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ى �ش‬

‫ف‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ى‬ ‫�‬

‫رع ةي‬

‫ش‬ ‫ر‬ ‫عية‬

‫ف‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ى‬ ‫�‬ ‫ش‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫وى‬

‫وع�ل�ي��ه ف� ��إن � �ص�لاة م��ن ي�صلي ب��ال�ب�ن�ط��ال و�إم��ام �ت��ه‬ ‫�صحيحتان‪ ،‬وكذلك �صالة حليق اللحية و�إمامته؛ �إذ لي�س‬ ‫من �شروط �صحة ال�صالة �أو الإمامة �إعفاء اللحية وعدم‬ ‫حلقها �أو ق�صها‪ ،‬و�إن كان الأكمل للم�سلم �إمام ًا كان �أو‬ ‫م�أموم ًا �أن يعفي حليته اقتداء بالنبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬ ‫وا�ستجابة لأمره حيث يقول‪َ ( :‬و ِّف ُروا ال ِّل َحى) رواه البخاري‬ ‫وغريه‪ .‬واهلل تعالى �أعلم‪.‬‬ ‫• ال�س�ؤال‪:‬‬ ‫ما هي الواجبات املطلوبة من االبن جتاه والديه؟‬ ‫• اجلواب ‪:‬‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل‬

‫�‬ ‫ش‬ ‫ر‬ ‫عية‬

‫بالآباء والأمهات من �أف�ضل �أنواع الطاعات التي يتقرب بها‬ ‫امل�سلم �إلى اهلل تعالى‪ ،‬فهما �سبب وجود الأبناء‪ ،‬وتربيتهم‬ ‫ال�صاحلة �سبب �سعادتهم يف احلياة الدنيا والآخ��رة‪ ،‬قال‬ ‫الَ ْع َمالِ ال�صَّلاَ ُة ِل َو ْق ِت َها‪،‬‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم‪�( :‬أَف َْ�ض ُل ْ أ‬ ‫َو ِب ُّر ا ْل َوا ِل َد ْينِ ) رواه م�سلم‪.‬‬ ‫ولذلك �أوجب الإ�سالم لهما حقوق ًا ينبغي على الأبناء‬ ‫مراعاتها حتى لو كانا م�شركني‪ ،‬ما مل ي�أمرا مبع�صية‪ ،‬قال‬ ‫اهلل تعالى‪َ } :‬و�إِ ْن َج َاه َد َ‬ ‫اك َع َلى �أَ ْن تُ�شْ رِ َك بِي َما َل ْي َ�س َل َك ِب ِه‬ ‫ِع ْل ٌم َفلاَ ت ُِط ْع ُه َما َو َ�ص ِاح ْب ُه َما فيِ ال ُّد ْن َيا َم ْع ُروفًا{ لقمان‪.15/‬‬ ‫ومن جملة احلقوق الواجبة على الأبناء جتاه �آبائهم‬ ‫االح �ت�رام املطلق يف جميع الأوق � ��ات‪ ،‬ف�لا يتفوه بكلمة‬ ‫تغ�ضبهما �أو ت�سيء �إليهما �أو تعكر مزاجهما‪ ،‬وال يرفع‬ ‫�صوته بح�ضرتهما‪ ،‬كما �أك��د الدين احلنيف على وجوب‬ ‫الإنفاق على الوالدين وحتقيق رغبتهما‪ ،‬وتلبية طلباتهما‬ ‫بقدر اال�ستطاعة‪ ،‬دون ت�أفف �أو �ضجر‪ ،‬وقد ورد يف "قانون‬ ‫الأحوال ال�شخ�صية الأردين" يف املادة (‪�/197‬أ) ما ن�صه‪:‬‬ ‫"يجب على الولد املو�سر‪ ،‬ذكرا كان �أو �أنثى‪ ،‬كبريا �أو �صغريا‪،‬‬ ‫نفقة والديه الفقريين ولو كانا قادرين على الك�سب"‪.‬‬

‫دع��ا الإ��س�لام �إل��ى ال�بر بالوالدين والإح�سان �إليهما‪،‬‬ ‫وم�ساعدتهما بكل و�سيلة ممكنة باجلهد واملال‪ ،‬واحلديث‬ ‫معهما بكل �أدب وتقدير‪ ،‬وعدم الت�ضجر و�إظهار ال�ضيق‬ ‫منهما‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ } :‬و َق َ�ضى َر ُّب� َ�ك �أَلاَّ َت ْع ُب ُدوا �إِلاَّ �إِيَّ��ا ُه‬ ‫َوبِا ْل َوا ِل َد ْينِ �إِ ْح َ�سا ًنا �إِمَّ��ا َي ْب ُل َغنَّ ِعن َْد َك ال ِْكبرَ َ َ�أ َح ُد ُه َما َ�أ ْو‬ ‫ِكلاَ ُه َما َفلاَ َتق ُْل َل ُه َما �أُ ٍّف َولاَ َت ْن َه ْر ُه َما َو ُق ْل َل ُه َما َق ْولاً َكرِ ًميا ‪.‬‬ ‫وق��د ح��ذرت ال�شريعة الإ�سالمية من عقوق الوالدين‬ ‫َاح الذ ُِّّل ِم َن الر َّْح َم ِة َو ُق ْل َر ِّب ا ْر َح ْم ُه َما َك َما‬ ‫َواخْ ِف ْ�ض َل ُه َما َجن َ‬ ‫َربَّيَانيِ َ�ص ِغ ًريا{ الإ�سراء‪ ،24 -23 /‬ولهذا يعترب الإ�سالم الرب وع�صيانهما يف �ش�ؤونهما‪ ،‬بل جعلته موجب ًا ل�سوء اخلامتة‪،‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪77‬‬


‫وتوعدت العاق بتعجيل العاقبة يف حياته قبل موته‪ ،‬قال‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬كل الذنوب ي�ؤخر اهلل‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل‬ ‫ما �شاء منها �إلى يوم القيامة‪� ،‬إال عقوق الوالدين‪ ،‬ف�إن اهلل‬ ‫تعالى ُي َع ِّج ُل ُه ل�صاحبه يف احلياة قبل املمات) رواه احلاكم‪.‬‬ ‫مواقع التوا�صل االجتماعي املتنوعة نوافذ مفتوحة بني‬ ‫واهلل تعالى �أعلم‬ ‫الب�شر‪� ،‬أذابت كثري ًا من الفروقات بينهم‪ ،‬وهدمت كثريا‬ ‫م��ن احل��واج��ز‪ ،‬وه��ذا يف جانب م��ن جوانبه من�سجم مع‬ ‫• ال�س�ؤال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َّا�س �إِنَّا‬ ‫الفطرة الإن�سانية‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ } :‬يا �أ ُّي َها الن ُ‬ ‫هل على ال��روات��ب التي يتقا�ضاها املوظف زك��اة‪ ،‬وما خَ َل ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َكرٍ َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َرفُوا{‬ ‫كيفية حتديد املدة الزمنية لها؟‬ ‫احلجرات‪.13 /‬‬ ‫• اجلواب ‪:‬‬ ‫وم��ن جانب �آخ��ر؛ فقد ُي�ساء ا�ستخدام ه��ذه املواقع‬ ‫االجتماعية‪ ،‬بحيث ت�صري �سبب ًا يف الف�ساد‪ ،‬والإ�شاعات‬ ‫احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل‬ ‫املغر�ضة‪ ،‬واغتيال ال�شخ�صيات‪ ،‬والطعن يف الأعرا�ض‪،‬‬ ‫ي�شرتط لوجوب زك��اة امل��ال يف الإ��س�لام �أن يبلغ املال والوقوع يف الآثام‪.‬‬ ‫الن�صاب‪ ،‬و�أن يحول عليه حول كامل‪ ،‬والن�صاب‪ :‬هو املقدار‬ ‫وكذلك �إ�شاعة الفح�ش والكذب على هذه املواقع‪ ،‬فهو �أمر‬ ‫الذي �إذا بلغه املال وجبت فيه الزكاة‪ ،‬واحلول‪� :‬أن ميكث‬ ‫حمرم �شرع ًا‪ ،‬ترف�ضه العقول ال�سليمة والفطر امل�ستقيمة‪،‬‬ ‫املال �سنة قمرية كاملة عند �صاحبه‪.‬‬ ‫ون �أَ ْن ت َِ�شي َع ا ْلف ِ‬ ‫َاح�شَ ُة فيِ‬ ‫ين ُي ِح ُّب َ‬ ‫قال اهلل عز وجل‪�( :‬إِنَّ ال َِّذ َ‬ ‫اب �أَ ِلي ٌم فيِ ال ُّد ْن َيا َو ْال ِآخ َر ِة) النور‪،19/‬‬ ‫ف�إذا تخلف �أحد هذين ال�شرطني فال زكاة يف املال؛ ملا ال َِّذ َ‬ ‫ين � َآمنُوا َل ُه ْم َعذَ ٌ‬ ‫روي عن عائ�ش َة ر�ضي اهلل عنها قالت‪ :‬قال ر�سول اهلل �صلَّى وهذا الوعيد ملن �أحب �أن ت�شيع الفاح�شة بني امل�سلمني فكيف‬ ‫ُ‬ ‫اهلل عليه و�سلَّم‪( :‬ال زكاة يف مال حتى يحولَ عليه‬ ‫احلول) مبن يعمل على ن�شر ال�شائعات؟!‬ ‫(رواه ابن ماجه)‪ ،‬والراتب الذي يتقا�ضاه املوظف �إذا كان‬ ‫ون�شر ال�شائعات التي يبثها من ال يهتم ب�أمر املجتمع‬ ‫ينفقه يف م�صاحله املتعددة وال يدخر منه �شيئ ًا فال زكاة‬ ‫و�أمنه ال يجوز‪ ،‬بل �إن القر�آن و�ضح لنا �أن �إذاعة ال�شائعات‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫هو د�أب املنافقني‪ ،‬وبني لنا واجبنا عند تلقيها‪ ،‬وع ّلمنا‬ ‫و�أم��ا �إن كان يدخر منه �شيئ ًا‪ ،‬فمتى بلغ جمموع هذه كيفية التعامل معها‪ ،‬وحذرنا من اتباع خطوات ال�شيطان‪،‬‬ ‫الَ ْم��نِ َ�أ ِو الخْ َ ْو ِف‬ ‫املدخرات ن�صاب ًا‪ ،‬وحال احلول عليها‪ ،‬وجبت فيها الزكاة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ } :‬و�إِذَ ا َجا َء ُه ْم �أَ ْم ٌر ِم َن ْ أ‬ ‫الَ ْمرِ ِم ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه‬ ‫وتتكرر الزكاة بتكرر هذه الأح��وال (ال�سنوات القمرية) �أَذَ ُاعوا ِب ِه َو َل ْو َر ُّدو ُه �إِ َلى الر َُّ�سولِ َو ِ�إ َلى �أُوليِ ْ أ‬ ‫طاملا بقي املال قدر الن�صاب‪.‬‬ ‫ين َي ْ�س َت ْنب ُِطو َن ُه ِم ْن ُه ْم َو َل� ْولاَ ف َْ�ض ُل ا ِ‬ ‫للهَّ َع َل ْي ُك ْم َو َر ْح َم ُت ُه‬ ‫ال َِّذ َ‬ ‫والواجب �إخراج الزكاة فور ًا بعد حوالن احلول عليها‪ ،‬لاَ تَّ َب ْعت ُ​ُم ال�شَّ ْي َط َان ِ�إلاَّ َق ِليلاً { الن�ساء‪.83 /‬‬ ‫ويح�سب كل م��الٍ بحوله‪ ،‬ف��إن �شق �إخراجها عن كل مال‬ ‫وكذلك ف�إن ن�شر الإ�شاعات الكاذبة من جملة الكذب‪،‬‬ ‫ٍوحده يف حوله‪ ،‬فال مانع من جمع املدخرات و�إخراج زكاتها وه��و حم��رم � �ش��رع � ًا‪ ،‬ب��ل ك �ب�يرة م��ن ال�ك�ب��ائ��ر‪ ،‬وق��د ق��ال‬ ‫ين �آَ َم� ُن��وا اتَّقُوا َ‬ ‫اللهَّ َو ُك��و ُن��وا َم َع‬ ‫مرة واح��دة‪ ،‬ف�إنه يجوز تعجيل الزكاة‪ ،‬ب�أن تخرج الزكاة اهلل تعالى‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ‬ ‫عند نهاية احلول‪ ،‬فتعجل زكاة ما مت قب�ضه حديث ًا‪.‬‬ ‫ال�صَّا ِد ِق َني{ التوبة‪ ،119/‬والرد على من ي�سب ويكذب يجب‬ ‫�أن يكون باحلكمة واملوعظة احل�سنة‪.‬‬ ‫واهلل تعالى �أعلم‪.‬‬ ‫فعلى امل�سلم ‪� -‬أي ًا كان موقعه ‪� -‬أن يتثبت ويتبني‪ ،‬فامل�سلم‬ ‫• ال�س�ؤال‪:‬‬ ‫ك ّي�س فطن‪ ،‬وقد روى الإم��ام �أبو داود يف �سننه عن النبي‬ ‫ما حكم ن�شر الإ�شاعات عرب و�سائل االت�صال احلديثة �صلى اهلل عليه و�سلم �أنه قال‪َ ( :‬كفَى ِبالمْ َ ْر ِء �إِ ْث ًما �أَنْ ُي َح ِّدثَ‬ ‫(الوت�ساب‪ ،‬الفي�سبوك‪ ،‬وغريها)؟‬ ‫ِب ُك ِّل َما َ�س ِم َع)‪ .‬واهلل تعالى �أعلم‪.‬‬ ‫• اجلواب ‪:‬‬

‫‪� 78‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫الركن الطبي‬

‫َوفيِ �أَ ُنف ِ�س ُك ْم �أَ َفلاَ ُت ْب ِ�ص ُر َ‬ ‫ون‬

‫د‪.‬ذيب عبد اهلل‬ ‫ا�ست�شـاري طـب الأطفـال‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫احل � �م� ��دهلل رب ال� �ع ��امل�ي�ن وال� ��� �ص�ل�اة وال� ��� �س�ل�ام ع�ل��ى‬ ‫ن �ب �ي��ه الأم� �ي ��ن‪ ،‬ي��ق��ول اهلل ع ��ز وج� ��ل يف �� �س ��ورة ال���ذاري���ات‬ ‫} َوفيِ ْ أَ‬ ‫�ات ِّل � ْل � ُم��و ِق � ِن� َ‬ ‫ال ْر�� �ِ ��ض �آ َي � � ٌ‬ ‫ين (‪َ )20‬وفيِ َ�أن � ُف ���ِ�س � ُك� ْ�م �أَ َف�َل�اَ‬ ‫ُت ْب ِ�ص ُرونَ {‪ ‬فالأر�ض مليئة بالآيات التي تدل على وحدانية اهلل‬ ‫وعلى �أن هذا الكون يف تنا�سقه الدقيق ومبا فيه من �سحر و�إبداع‬ ‫ال بد له من خالق فكل ما يف الكون ي�سبح بحمد اهلل ويدل على‬ ‫وحدانيته‪ ،‬وقد قال الأعرابي قدمي ًا‪" :‬البعرة تدل على البعري‬ ‫واخلطو يدل على امل�سري‪ ،‬فالبد لهذا الكون من خالق" ولقد‬ ‫التقيت يوم ًا عام ‪ 1980‬يف لندن مبهند�س هندو�سي كنت زرته‬ ‫يف مكتبه فر�أيت متاثيل �صغرية على مكتبه‪ ،‬وت�صاوير ت�شبه ورق‬ ‫اللعب (ال�شدة) كال�شايب والولد والبنت‪ ،‬ف�س�ألته ما هذه؟ فقال ‪:‬‬ ‫�إنها �آلهتي‪ ،‬فقلت كم �إله عندكم ؟ قال ‪ :‬ما يزيد على اربعمائة‬ ‫�إل��ه‪ ،‬فقلت له ‪� :‬أيها خلق الكون ؟ قال يل‪ :‬جميع ًا‪ ،‬ف�س�ألته وهل‬ ‫�آلهتك ن�سخ كربون عن بع�ضها البع�ض ؟ فقال يل ال‪� ،‬إنها خمتلفة‬ ‫كثري ًا‪ ،‬فقلت له ولكن �أنظر �إلى هذا الكون‪� ،‬إنه ي�سري يف تنا�سق‬ ‫عجيب ويف دقة متناهية و�آلهتك خمتلفة عن بع�ضها كما تقول‪،‬‬ ‫فال يعقل �أنها ا�شرتكت جميع ًا يف خلق الكون‪ ،‬ثم �إنك تقول �إن كل‬ ‫ما نظن به �سر ًا فهو �إله‪� ،‬أي �أن �آلهتكم من �صنع خيالكم فبهت‬ ‫الرجل ومل يحر جواب ًا‪.‬‬ ‫و�أما قوله عز وجل } َوفيِ �أَن ُف ِ�س ُك ْم َ�أ َف�َلُاَ ُت ْب ِ�ص ُرونَ {‪� ‬أي كما‬ ‫يف االر���ض �آي��ات للموقنني تدلهم على وحدانية اهلل‪ ،‬كذلك ف�إن‬ ‫يف خلق االن�سان �آيات كثرية تدل على وحدانيته �سبحانه وتعالى‪،‬‬ ‫وعلى �أنه اخلالق‪ ،‬وال يب�صر ذلك �إال امل�ؤمنون‪.‬‬ ‫فلو تفكرنا يف خلق الإن�سان‪ ،‬وكيف خلقه اهلل تعالى من نطفة‬ ‫ومن علقة وم�ضغة وحلم وعظم‪ ،‬ولو تفكرنا يف �أجهزة الإن�سان‪،‬‬ ‫وكيف تعمل يف تنا�سق عجيب‪ ،‬حيث يعمل بع�ضها ويتحرك‪ ،‬و‬ ‫الدخل للإن�سان يف حركتها كالقلب والرئتني لوجدناها كلها ت�سبح‬ ‫هلل‪ ،‬وتدل على �أن اهلل هو اخلالق وهو رب العاملني‪.‬‬

‫ويقول اهلل عزوجل }�آي��ات للموقنني{ هي دع��وة لأن يتفكر‬ ‫الإن�سان بعقله و�أن يتدبر بب�صريته ليعرف وي�صل الى احلقيقة‬ ‫الكربى �أن هذا الإن�سان املخلوق العجيب ال بد له من خالق يخلقه‬ ‫ويحفظه ‪.‬‬ ‫يقول ال�شاعر ‪:‬‬ ‫وتزعم �أنك جرم �صغري وفيك �أنطوى العامل الأكرب‬ ‫ولكن الإن�سان حني يحرم من الإميان ويخلو قلبه من اليقني‬ ‫ي�صبح من الغافلني و ي�سدر حينئذ عن خواء وغواية‪ ،‬ويقبع يف‬ ‫حجب ال�ضالل والغفلة‪ .‬و�سوف �أ�سوق هنا مث ًال نرى فيه من �آيات‬ ‫اهلل التي تدل على �أن اهلل هو اخل�لاق العظيم‪ ،‬فلو �أن��ك دخلت‬ ‫م�صنع ًا �أو م�ست�شفى جتد العاملني فيه يتناوبون العمل‪ ،‬هذا يف‬ ‫ال�صباح وهذا يف امل�ساء‪ ،‬وهذا يف الليل‪ ،‬تفكر يف ذلك‪ ،‬وانظر الى‬ ‫كلية الإن�سان والتي هي بحجم قب�ضة اليد تتكون من ق�شرة و�أنابيب‬ ‫وحو�ض للكلية تتجمع فيه هذه الأنابيب وتخرج ما بها الى احلالب‬ ‫الذي يت�صل بحو�ض الكلية‪ ،‬هذه الأنابيب لو مدت بجانب بع�ضها‬ ‫البع�ض لكان طولها خم�سة وع�شرين كيلومرت ًا �أي مثل امل�سافة ما‬ ‫بني عمان والزرقاء تقريب ًا‪.‬‬ ‫هذه الأنابيب ال تعمل كلها مرة واح��دة‪ ،‬بل �إنها تتناوب العمل‬ ‫يف دقة متناهية‪ ،‬فيعمل بع�ضها ثم ي�سرتيح‪ ،‬ليعمل البع�ض الآخر‬ ‫وهكذا‪ ،‬فمن الذي نظم هذا التناوب فيما بينها (�إنه اهلل عز وجل)‪.‬‬

‫لي�س هذا فقط‪ ،‬بل �إن��ه يف مكان حمدد من كل �أنبوب يعاد‬ ‫امت�صا�ص ملح مثل البوتا�سيوم ال��ى ال��دم �أو يطرد مع البول‪،‬‬ ‫وذلك ح�سب حاجة الإن�سان لذلك امللح‪ ،‬ويف مكان �آخر من كل‬ ‫�أنبوب يعاد �إمت�صا�ص ملح ال�صوديوم �أو يطرد مع البول‪ ،‬وذلك‬ ‫ح�سب حاجة الإن�سان‪ ،‬فمن الذي ينظم هذا كله؟ �إنه اهلل �سبحانه‬ ‫وتعالى‪ ،‬مير الدم على هذه الأنابيب فيجري ت�صفيته فيها ليعود‬ ‫�إلى باقي اجل�سم وليطرد منه ما يزيد عن حاجة الإن�سان من املاء‬ ‫فانظر رعاك اهلل �إذا ما �أخذت الإن�سان �سنة �أو نوم‪ ،‬ف�إن قلبه والأمالح (البول)‪.‬‬ ‫يعمل بانتظام و�إن رئتيه تعمالن يف رتابة ونظام دقيق‪ ،‬فال ميكن‬ ‫�أن يكون ذلك كله �صدفة‪ ،‬بل البد من خالق تعمل هذه الأجهزة‬ ‫كل هذه الدقة وكل هذا النظام العجيب يجعلنا بل يدفعنا الى‬ ‫ب�أمره ويف كنف رحمته‪.‬‬ ‫تدبر النف�س وتدبر الآية الكرمية } َوفيِ �أَن ُف ِ�س ُك ْم �أَ َفلاَ ُت ْب ِ�ص ُرونَ {‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪79‬‬


‫رسائل جامعية‬

‫حماية املر�أة من العنف يف الت�شريعات الأردنية‬ ‫درا�سة مقارنة مع الفقه الإ�سالمي‬ ‫�إعداد �سريين �أ�سامة حممد جرادات‬

‫�إ�رشاف �أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة‬

‫وللدرا�سة �أهمية تت�ضح من خالل �إظهار �أن الفقه‬ ‫ملخ�ص الدرا�سة‬ ‫الإ� �س�لام��ي مو�ضوعي يف ع�لاج م�شكالت الت�شريعات‬ ‫تناولت الدرا�سة �أبرز الت�شريعات الأردنية التي طولب اجلديدة دون عنف �أو ظلم للمر�أة‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى �إظهار �أن‬ ‫بتعديلها كالت�شريعات املتعلقة بالأحوال ال�شخ�صية‪ ،‬وقانون الت�شريعات القدمية ميكن �أن تعالج وتعدل بالفقه �أي� ًضا ؛‬ ‫العقوبات‪ ،‬وقانون اجلن�سية‪ ،‬وناق�شت هذه الدرا�سة �أهم لأن كل م�س�ألة تناولتها كان للفقه والعلماء ر�أي فيها‪.‬‬ ‫املواد التي ميكن �أن يقال عنها �إنها عنف ت�شريعي ؛ حماية‬ ‫وتناولت الدرا�سة حقيقة العنف �ضد املر�أة ؛ مع بيان‬ ‫للمر�أة‪ ،‬وهذا الأمر واجب على الأمة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫�أ�سباب العنف‪ ،‬بالإ�ضافة �إل��ى عر�ض �أن��واع العنف �ضد‬ ‫وقد جاءت الدرا�سة لت�ؤكد مبد�أ العدل‪ ،‬ونبذ العنف عن املر�أة‪ ،‬وموقف الفقه وال�شريعة منها‪ ،‬مع الإ�شارة �إلى �أهم‬ ‫املر�أة‪ ،‬ب�أحكام ال�شريعة الإ�سالمية على �ضوء مقا�صدها‪ ،‬الت�شريعات التي مل حتم املر�أة من العنف‪� ،‬سواء يف قانون‬ ‫فالظلم ممنوع ومنبوذ‪ ،‬والتعديل مطلوب ومن�شود‪� ،‬أي �أن العقوبات �أو قانون اجلن�سية وقانون الأحوال ال�شخ�صية‪،‬‬ ‫املق�صود منها القيام بتعديل الت�شريعات والقوانني ب�أ�سلوب والتطرق �إلى معاجلة هذه املواد ب�صياغة ت�شريعية جديدة‪،‬‬ ‫جديد و�صياغة جديدة‪ ،‬وبطريقة ال تظلم فيها املر�أة‪ ،‬وال مع الإ�شارة �إلى �أهم النماذج من الت�شريعات الأردنية التي‬ ‫ت�ضيع حقوقها‪ ،‬مع العلم �أن العدل �أ�صل وركيزة �أ�سا�سية حمت املر�أة من العنف‪ ،‬مع تو�صية بدرا�سة الت�شريعات التي‬ ‫يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬لتحقيق العدل للمر�أة‪ ،‬و�صيانة مل �أمتكن من �إدراجها يف الأطروحة‪ ،‬ومقارنتها مع الفقه‬ ‫الإ�سالمي ل�سعتها‪.‬‬ ‫حقوقها‪.‬‬ ‫‪� 80‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫واحة الوسطية‬

‫قطـــوف احلكمة‬ ‫اختيار‪ :‬الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات‬ ‫مدير مركز الدرا�سات والإ�ست�شارات والتدريب‬ ‫يف املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫•‬

‫كلمة للتدبر‬

‫ “ من وعظ �أخاه �سر ًا فقد �سره وزانه‪ ،‬ومن وعظه عالني ًة‬ ‫فقد �ساءه و�شاقه” وهذا هو الفرق بني الن�صيحة والتعيري‪.‬‬

‫•‬

‫ قيل للربيع بن هيثم‪ :‬ما تراك تعيب �أحد ًا فقال ‪ :‬ل�ست عن‬ ‫نف�سي را�ضي ًا حتى �أتفرغ لذم النا�س و�أن�شد‪:‬‬

‫لنف�سي �أبكي ل�ست �أبكي لغريها‬

‫•‬

‫لنف�سي من نف�سي عن النا�س �شاغل‬

‫ قال ن�صر بن �سيار ‪:‬‬

‫ كل �شيء يبد�أ �صغري ًا ثم يكرب‪� ،‬إال امل�صيبة ف�إنها تبد�أ كبرية‬ ‫ثم ت�صغر‪ ،‬وكل �شيء �إذا كرث رخ�ص‪� ،‬إال الأدب ف�إنه �إذا كرث‬ ‫غال ‪.‬‬

‫•‬

‫ �إذا بدهك �أمران ال تدري �أيهما �أ�صوب‪ ،‬فانظر �أيهما �أقرب‬ ‫�إل��ى ه��واك خمالفة ف ��إن �أك�ثر ال�صواب يف خ�لاف الهوى‪،‬‬ ‫وليجتمع يف قلبك الإفتقار �إل��ى النا�س والإ�ستغناء عنهم‪،‬‬ ‫وليكن �إفتقارك �إليهم يف لني كلمتك لهم وح�سن ب�شرك بهم‪،‬‬ ‫وليكن �إ�ستغنا�ؤك عنهم يف نزاهة عر�ضك وبقاء عزك‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪81‬‬


‫واحة الوسطية‬ ‫�شخ�صيــّة العـــدد‬

‫عبدالرحمن حمود ال�سميط‬ ‫�شخ�ص ّية ه��ذا ال �ع��دد رج� � ٌل ام �ت�ل�أ خ�ي�ر ًا ففا�ض‪،‬‬ ‫تر�سم خُ طى النبوة يف م�سالك الرحمة والعطاء‬ ‫رج � ٌل ّ‬ ‫والإن�سانية‪ ،‬رج ٌل دعا �إلى اهلل‪ ،‬ف�أجابه �أحد ع�شر مليون ًا‪،‬‬ ‫كلهم ي�شهد بوحدانية اهلل‪ ،‬ثم احلمد والثناء هلل الذي‬ ‫�أراهم نور التوحيد و�أخرجهم من ظلمات ال�شرك‪ ،‬رج ٌل‬ ‫جعل حياته وقف ًا هلل �إلى �أن وافته املنية‪ ،‬رحبوا معي �أيها‬ ‫القراء الأع��زاء بالدكتور عبد الرحمن ال�سميط‪ ،‬الذي‬ ‫مات ومل ميت ذكره‪ ،‬ولنجعل ِذكْر ُه ِذكر ًا لآثاره فينا‪ ،‬فهو‬ ‫رج ٌل قدوة‪.‬‬ ‫فمن هو ال�سميـط‪ :‬‬ ‫ • درا� �س��ة �أهمية املنظار ال �ط��ارئ يف ح��االت نزيف‬ ‫ُولد عبدالرحمن حمود ال�سميط يف ‪ 1947/10/15‬م اجلهاز اله�ضمي (تطبيقات يف ‪ 150‬حالة)‪ .‬بحث �ألقي‬ ‫يف اجل��زء اجلنوبي الغربي لآ�سيا حيث دول��ة الكويت‪ ،‬يف م�ؤمتر اجلهاز اله�ضمي يف م�ست�شفى مونرتيال لعام‬ ‫تلك البقعة الوادعة‪ ،‬التي تمُ ّثل امتدادا ب�شريا ل�سكان ‪.1978‬‬ ‫اجلزيرة العربية‪ ،‬الذين نزحوا يف �أوق��ات متباينة عرب • فيتامني (ب ‪ )12‬كعامل لعالج �سرطان الكبد (مل‬ ‫الزمن لأغ��را� ٍ��ض متعددة ومنها الدعوة‪� ،‬شب ال�سميط ين�شر)‪.‬‬ ‫يافعا فدر�س الطب الب�شري واجلراحة يف جامعة بغداد‪،‬‬ ‫ثم ح�صل على دبلوم �أمرا�ض املناطق احلارة من جامعة‬ ‫كما �أ�صدر �أربعة كتب هي "‪ :‬لبيك �إفريقيا”‪ ،‬و"دمعة‬ ‫ليفربول عام‪ ،1974 ‬وا�ستكمل درا�ساته العليا يف جامعة على �إفريقيا"‪" ،‬ر�سالة �إلى ولدي"‪" ،‬العرب وامل�سلمون‬ ‫ماكجل الكندية‬ ‫متخ�ص�صا يف الأمرا�ض الباطنية‪ ‬واجلهاز يف مدغ�شقر"‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى العديد من البحوث و�أوراق‬ ‫ً‬ ‫اله�ضمي‪ ،‬ثم عمل �أخ�صائ ًّيا يف م�ست�شفى ال�صباح يف العمل ومئات املقاالت التي ُن ِ�شرت يف �صحف متن ِّوعة‪.‬‬ ‫الفرتة من ‪1983 - 1980‬م‪ ،‬ون�شر العديد من الأبحاث‬ ‫عوامل بناء ال�سميط ‪:‬‬ ‫العلميَّة والطبية يف جم��ال القولون والفح�ص باملنظار‬ ‫لأورام ال�سرطان‪ ،‬ومنها ‪:‬‬ ‫ا�شتهر ال�سميط يف �صغره بالقراءة‪ ،‬تلك القراءة التي‬ ‫بنت �شخ�صيته‪ ،‬بل قبل البناء كانت ح�صنه الذي حماه‬ ‫• �سرطان بقايا املعدة بعد جراحة القرحة احلميدة ـ يف ريعان �شبابه من كثري مما �أ�صاب �أبناء جيله‪ ،‬حيث‬ ‫بحث قدم يف م�ؤمتر الكلية امللكية للأطباء يف كندا ـ االنفتاح املجتمعي على العامل‪ ،‬و�صدمة احل�ضارة التي‬ ‫مدينة كويبك ـ فرباير ‪.1979‬‬ ‫انت�شرت حاملة معها الأفكار التحررية‪ ،‬وقيم وثقافات‬ ‫املجتمعات الأخرى‪ ،‬وانت�شار الفن املادي الإغوائي الذي‬ ‫• الفتحة بني البنكريا�س والقولون – ن�شرت يف جملة ال يعرف لإن�سانية الإن�سان �سمو ًا غري ال�سمو املادي املختل‪،‬‬ ‫اجلمعية الطبية الكندية يف �أبريل ‪1978‬م‪.‬‬ ‫جهال من ق��ادة الفكر فيها �أن الإن�سان مزيج من مادة‬ ‫وروح‪ ،‬وال ت�ستقيم حياته �إال ب�إ�شباع اجلانبني �إ�شباعا‬ ‫• الفح�ص باملنظار للورم الأميبي بالقولون ـ ن�شر يف من�ضبطا‪ ،‬فقد فقه ال�سميط هذا املعنى ثم قر�أ‪ ،‬بل �إعادة‬ ‫جملة منظار اجل�ه��از اله�ضمي ـ ع��دد ‪ 1985/3‬يف القراءة وفقا ملقت�ضيات ع�صره‪ ،‬ففهم ثم فقه ن�صو�ص ما‬ ‫قر�أ‪ ،‬ثم بد�أ العمل على دراية ومعرفة ع ّز نظريها ‪.‬‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫‪� 82‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫واحة الوسطية‬

‫هذا الإجناز العظيم تتقا�صر الأو�سمة واجلوائز التي ح�صل‬ ‫العمل الدعـوي‬ ‫عليها يف دنيا النا�س‪ ،‬بل تفقد قيمتها وبريقها ع�سى �أن‬ ‫من َد َع�آ �إِ َلى ا ِ‬ ‫قال تعالى‪َ }:‬و َم ْن �أَ ْح َ�س ُن َق ْوال ِ ّ َمّ‬ ‫هلل يُكرّم عند اهلل ذي اجل�لال والإك��رام‪ ،‬مبا م ّثله من قدوة‬ ‫ني{ ف�صلت‪٣٣ :‬‬ ‫َو َع ِم َل َ�صـ ِلح ًا َوقَالَ �إِ َّن ِنى ِم َن المْ ُ ْ�س ِل ِم َ‬ ‫ح�سنة‪ ،‬ومدر�سة ُملهِ مة يف ميدان العمل اخلريي والعطاء‬ ‫�إن احلديث عن العمل الدعوي عند ال�سميط يذكرنا الإن�ساين الدافق‪ ،‬فما ثمرة عمله؟‬ ‫بالعمل ال��دع��وي عند �صحابة النبي – �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم – مع بع�ض الفوارق‪ ،‬فقد ا�ستهدف ال�صحابة ز ّوار • �أحد ع�شر مليونا من الظلمات �إلى النور ‪.‬‬ ‫بيت اهلل احل��رام‪ ،‬كما ا�ستهدفوا ال ّتجار واملوايل وعندما • جملة الكوثر‪ ‬العدد ‪ 167‬والعدد ‪.178‬‬ ‫ع ّمت ال��دع��وة اجل��زي��رة العربية حملوا ال��دع��وة لأ�صقاع‬ ‫الدنيا �شرقا وغربا مب�شرين بر�سالة ال�سماء‪ ،‬حاملني • ك�ت��اب �أخ��ي عبد ال��رح�م��ن ال�سميط‪ ،‬بقلم (ن��وري��ة‬ ‫للنا�س املنهج القومي واخللق النبيل وال�سماحة الإن�سانية ال�سميط‪�( ‬شقيقته من‪ ‬جمعية العون املبا�شر‪.‬‬ ‫يف �أ�سمى معانيها‪ ،‬كما كان خلقهم كذلك‪ ،‬فدعوا النا�س‬ ‫بالقول والفعل مع ًا‪ 26 ،‬عام ًا ق�ضاها ال�سميط يف �أفريقيا • كتاب رجل من زمن ال�صحابة‪ ،‬بقلم ر�سمية �شم�سو‪،‬‬ ‫داعيا �إلى اهلل على هذا النهج ف�أح�سن قو ًال وعم ًال‪ ،‬حيث دار الع�صماء‪.‬‬ ‫دع��م (‪ ) 9500‬من الأي�ت��ام‪ ،‬وم � ّول ‪ 95000‬طالب‪ ،‬وبنى‬ ‫رحل ال�سميط يف ‪2013/8/15‬م و ُوري ُجثمانه الرثى‬ ‫‪ 5700‬م�سجد ًا‪ ،‬و�أن�ش�أ ‪ 200‬مركزا لتدريب الن�ساء‪ ،‬و�أن�ش�أ‬ ‫ج�سد فيها معاين‬ ‫‪ 860‬مدر�سة‪ ،‬و�أربع جامعات‪ ،‬و ‪ 102‬مركزا �إ�سالميا‪ ،‬كما يف الكويت بعد حياة حافلة بالعطاء‪ّ ،‬‬ ‫حفر ‪ 5000‬بئر‪ ،‬كما قام بطباعة ‪ 51‬مليون م�صحف‪ ،‬و�أمام اخلري وجوهر الدين و�سماحته ‪ .‬رحمه اهلل و�أح�سن مثواه ‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪83‬‬


‫واحة الوسطية‬

‫خاطرة ‪..‬‬ ‫الدكتور زيد �أحمد املحي�سن‬

‫تنف�س ال�صباح‪ ،‬وتبددت ظلمات الليل احلالك ال�سواد‬ ‫وبرزت الطيور من �أع�شا�شها تغت�سل من �سواد الليل بعد‬ ‫�سبات عميق طال امده‪ ،‬حتى ا�ستحال عجز ًا وخمو ًال‪.‬‬ ‫وه��رع النا�س �إل��ى ال���ش��وارع‪ ،‬فمنهم م��ن ه��و راك��ب‪،‬‬ ‫ومنهم من هو �سائر على قدميه‪ ،‬توقف نباح الكالب‪،‬‬ ‫ف�ضوء النهار اجلديد بد�أ يبدد ظلمات الأ�شباح‪ ،‬ح�شود‬ ‫خارجة من بيوت اهلل بد�أوا هذا ال�صباح ب�صالة الفجر‬ ‫(ينف�س اهلل لهم كربهم)‪.‬‬

‫للغرباء‪ ،‬متردت على فطرتها ففقدت الب�صر والب�صرية‪،‬‬ ‫وا�صبحت ال تعي وال ت�سمع وال متيز ما تقول ‪ ..‬اجتمعت‬ ‫�صغار الطريالتي ترقد يف �أع�شا�شها وا�سرتقت ال�سمع له‪،‬‬ ‫وبد�أت تتعلم كالمه‪ ،‬وتتفهم حركاته و�سكناته �سر ًا‪ ،‬ومع‬ ‫منو ال�صغار منت الأفكار و�أ�صبحت دم ًا يجري يف العروق‬ ‫وال��دم ال يتغري‪ ،‬ن��ادت �صغار الطري ط��ائ��رن��ا‪ ،‬فاقرتب‬ ‫منها ي�شفق على حالها‪ ،‬فقالت له ال�صغار‪ :‬لقد اعجبتنا‬ ‫�أنا�شيدك وتراتيلك‪ ،‬فه ًال علمتنا �شيئ ًا منها؟؟‬ ‫قال ب�صوت �شفيق‪� :‬إنه يكلف كثري ًا‬

‫ن�سيم عليل بد�أ ين�ساب بني الفرتة والأخرى‪ ،‬يت�سلل �إلى‬ ‫نافذتي يحمل معه �آهات املعذبني واملعذبات ‪ ..‬دخان �أ�سود‬ ‫قالت ‪� :‬سندفع و�سنزيد يف العطاء‬ ‫خمتلط ببيا�ض ب��د�أ ي�شق طريقه �إل��ى ال�سماء ال�صافية‬ ‫قال ‪� :‬إن ثمنه االنف�س‪ ،‬اال�شالء‪ ،‬ال�ضحايا‪ ،‬الآالم‬ ‫ليعكر �صفاء اجلو و�صفاء النفو�س‪ ..‬عمال النظافة �أخذوا‬ ‫مواقعهم ا�ستعدادا لعمليات مت�شيط للمخلفات التي رحل‬ ‫قالت ‪ :‬نعم‪ ،‬عرفنا طريقنا الآن ومنذ اللحن االول كنا‬ ‫عنها اليوم املا�ضي‪ ..‬طائر غريب وقف �أمامي على غ�صن‬ ‫ننجذب اليك وكان اللحن جزء ًا ال يتجز�أ من �أج�سادنا ‪.‬‬ ‫�إحدى ال�شجريات القريبة من �شرفة منزيل‪.‬‬ ‫قال لهم ‪ :‬هل حتبون احلرية الدائمة وال�صباح امل�شرق‬ ‫انه طائر غريب جاءت به الإقدار �إلى هذه الديار‪ ،‬فهو‬ ‫لي�س من �صنف هذه الطيور التي تع�شع�ش يف هذه املنطقة‪ ،‬الأبدي؟؟‬ ‫و�إن كان عليه ري�ش وله منقار مثلهم ولكن ن�شيده يختلف‪،‬‬ ‫قالت ‪ :‬نعم‬ ‫ن�شيده ن�شيد الفطرة ال�سليمة‪� ،‬إنه جميل الهيكل‪ ،‬وايقاعه‬ ‫قال ‪ :‬هل تريدون العدالة الأبدية ؟؟‬ ‫على الغ�صن فيه نوع من الرقة والتوا�ضع‪ ،‬تلم�سها مع كل‬ ‫حرف من ق�صائده ال�صباحية‪ ،‬تنهمر قطرات دمع من‬ ‫قالت ‪ :‬نعم‬ ‫م�آقيه‪ ،‬تبلل الأر�ض فتذيب ق�ساوتها ؛ لت�صبح �سيال جارفا‬ ‫يهز امل�شاعر وي�ؤلف القلوب لتهز العرو�ش الزجاجية‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬هي لكم ال تخ�شوا النا�س واخ�شوا رب النا�س‪.‬‬ ‫والتي ال نرى اال بريقها‪ ،‬فهي خاوية على عرو�شها‪ ،‬كالطبل‬ ‫متى يفهم املت�شدقون بالأفكار الإحل��ادي��ة والهدامة‬ ‫الأج��وف يعجبك منظره‪ ،‬وما �إن تنظر الى داخله حتى‬ ‫يزكمك هوا�ؤه الفا�سد الذي عفن القلوب و�أزاغ الأب�صار امل�ستوردة من قمامات الغرب تارة وم�ستنقعات ال�شرق‬ ‫ت��ارة �أخ ��رى‪ ،‬ب ��أن الإ� �س�لام ه��و �صيحة احل��ري��ة يف وجه‬ ‫عن الدرب ال�سوي‪..‬‬ ‫العبودية؟ و�صيحة امل�ساواة يف وجه الطبقية ؟ و�صيحة‬ ‫ولنعد �إل��ى طائرنا اجلال�س على الغ�صن منفردا‪ ،‬العدالة الإجتماعية يف وجه الإقطاع والر�أ�سمالية ؟‬ ‫نبذته ط�ي��ور املنطقة ل�ع��دم جتان�سها معه يف الل�سان‬ ‫يا ليتهم يعون ‪ ..‬يا ليتهم !‬ ‫والكالم ‪ ..‬نعم ‪ ..‬بد�أت غريبا و�ستعود غريبا‪ ..‬فطوبى‬ ‫‪� 84‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫واحة الوسطية‬

‫ِق َّ�ص ُـة �أُ ْ�ســ َرة‬ ‫اللواء عدنان عبيدات‬

‫َ‬ ‫خالل ُخط َب ِته ِمنْ على املنرب‪� ،‬أ َمل َح �إليها ِ�إملاح ًا يف ِ�سياق ِ�إيرا ِده‬ ‫ُ‬ ‫و�ص َل �إليه ُ‬ ‫بع�ض الأ َ�س ِر يف املجتمع‪ .‬ق�ص ٌة من‬ ‫حال ِ‬ ‫لها مثا ًال على ما َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِب ْ�ضع ٍ‬ ‫أح�س ْ�س ُت بحرارة‬ ‫كلمات‬ ‫�صادمات‪ ،‬دوَّت �أحدا ُثها يف �أ ُذين‪ ،‬ف� َ‬ ‫ُ‬ ‫الدم ِع املتلجلج يف َع ْيني‪ ،‬وب�أ ٍمل يعت�ص ُر قلبي و َف َرقٍ ميلأ كياين‪،‬‬ ‫َوحيرْ َ ٍة َت َت َغ�شَّاين‪َ .‬ب ْي َد �أنني مل �أكن الوحيد‪ ،‬بالطبع‪ ،‬الذي َ�ص َع َق ْت ُه‬ ‫مفرداتُ اخلطيب‪ ،‬فلقد �سم ْع ُت َج َل َب ًة وانفعا ًال َي ُعمَّانِ ا َمل ْ�س ِج َد‬ ‫�أحد َثتْها تلك الكلماتُ املعدود ُة املوجزة‪ ،‬التي مل تتناول �ش�أن ًا ُيو ِّل ُد‬ ‫ت�أ ُّثر ًا لحَ ْ ِظي ًا عابر ًا �سرعانَ ما يزول كما العادة‪ ،‬بل َت َناو َل ْت َح َدث ًا‬ ‫الداهم املمت ِّد‪ ،‬و َم�سَّ َ�ش َ‬ ‫غاف ال ُقلوب املُ ْر َهفة‪.‬‬ ‫النفو�س ِب�أ َث ِره‬ ‫َهزَّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك ا َ‬ ‫حل َد َث م�شه ٌد من الواقع ي ْع ِر ُ�ض َ‬ ‫بع�ض ما جرى‪ ،‬بعد �أن‬ ‫مبح�ض ال�صدف ِة يف �أحدِ املراكز‬ ‫جانب من حيثيا ُته املُريع ُة ِ‬ ‫ُك ِ�ش َف ٌ‬ ‫الأمنية‪ .‬وعليه فهو جدي ٌر بالتو ُّقف عنده‪َ ،‬وح ِر ٌّي بالتفكري املت�أنيِّ‬ ‫ِ‬ ‫امل�ست�شرف مل�آالته ون‬ ‫املُ َت َف ِّح ِ�ص جلوان ِبه‪ ،‬املُح ِّللِ لظرو ِفه و�أ�سبا ِبه‪،‬‬ ‫تا ِئ ِجه‪.‬‬ ‫ولأنه جا َء ثمر ًة حتمية نمَ َ ْت ِب ْذ َر ُتها وترع َر َع ْت يف ِظ ِّل عوام َل‬ ‫ِ‬ ‫وال�سلوك ما ترتفَّ ُع عن‬ ‫َّهج‬ ‫ت�ضافرت فيما بينها‪ ،‬ف� ْ‬ ‫ْ‬ ‫أفرزت من الن ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫البهائم‪ ،‬وت�أنف عن اجرتاح مثله احليواناتُ ‪ ،‬فقد �أ ْو َج َد ْت‬ ‫ِف ْع ِله‬ ‫ُ‬

‫�صارخ على‬ ‫أ�سباب جمتمِ ع ًة دافع ًا قوي ًا للكتابة عنه ك َم َثلٍ‬ ‫هذه ال ُ‬ ‫ٍ‬ ‫إعرا�ض عن‬ ‫ال�ضيا ِع والإِ ِ‬ ‫يغال يف طريق ال�ضالل‪ ،‬املترَ َ ِّتبِ على ال ِ‬ ‫اهلل �سبحانه‪ ،‬وال ُب ْعدِ عن الت� ِّأ�سي بر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ ،‬واملُنايف لل ِفطرة ال�سليمة التي َف َط َر ُ‬ ‫النا�س عليها‪.‬‬ ‫اهلل َ‬ ‫ريب �أنَّ ما قد �أو�ص َل تلك الأ�سر َة �إلى ذلك احلال الذي‬ ‫ال َ‬ ‫نتاج �سل�سل ٍة متَّ�صل ٍة‬ ‫يتقطع له الف�ؤا ُد و َي ْن َدى له اجلبني‪ ،‬ال ريب �أنه ُ‬ ‫ُم َت َد ِّر َج ٍة من الأفعال‪ ،‬بل َغت َح ّد ًا �أ�صبح معه الأم ُر اعتياد ّي ًا غ َري‬ ‫�ستهج ٍن وم�ألوف ًا غ َري ُم�ستغ َرب‪�َ ،‬سوا ًء ِب�سواء عند ذلك الوالد‪� ،‬أو‬ ‫ُم َ‬ ‫عند َمنْ َت َربَّى يف َك َن ِفه‪ ،‬و َن َ�ش�أ حتت رعايته‪ِ ،‬ل َيتَعا َي َ�ش معه اجلميع؛‬ ‫الزوج والزوج ُة والبناتُ والبنونَ ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َع ْود ًا بنا �إلى تلك الأ�سر ِة التي مل َي ْخترَ ْ فيها الوال ُد �أُمَّ َو َلدِ ه‬ ‫أ�سا�س مت ٍني من ا ُ‬ ‫خل ُل ِق و ال ِّدين‪ ،‬لتَكونَ له على تربي ِة َو َلدِ ِه‬ ‫على � ٍ‬ ‫ذلكم‬ ‫َخيرْ َ ُم ِعني‪ .‬كيف َي ِت ُّم له ذلك وفاق ُد ال�شيء ال يعطيه! �إذ �أنَّ ُ‬ ‫وتقاليد‪ ،‬ومن � ْأع� ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�راف‬ ‫الأب ُم ْن َ�س ِل ٌخ بنف�سه و ِب�أهلِ بي ِته من ِق َي ٍم‬ ‫ُت�سو ُد جمت َم َعه‪ ،‬بل و ُم َتحل ٌل و�إ ّي ُاهم من عظائم �أخ�لاقٍ وجميلِ‬ ‫ٍ‬ ‫عادات ورفي ِع ُم ُثلٍ ‪ ،‬تارك ًا احلب َل على الغارب‪ ،‬بعد �أن �أع َر َ�ض عن‬ ‫َ‬ ‫الرحمن وزيَّنَ له ال�شيطانُ ُ�سو َء عمله‪ .‬مل َيت َ​َحرَّ احلالل واحلرا َم‪،‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪85‬‬


‫واحة الوسطية‬ ‫فهما عنده �س ّيان‪ .‬تعامل بال ِّربا و�أدخ َله بيتَه و�أطع َمه ِل ِعياله‪ .‬مل‬ ‫وح ْ�س ِن ال�شمائل‪ ،‬بل ت َ​َ�شر َ​َّب‬ ‫ُي َن ِّ�شى ْء �أ�س َرتَه على طيبِ اخل�صائل ُ‬ ‫يجل�س با�سرتخا ٍء �إلى جانبهم ‪ -‬ما َت ُب ُّث ُه‬ ‫وا�ست ْم َر�أ معهم ‪ -‬وهو ُ‬ ‫ُ‬ ‫و�س َم َح لهم‬ ‫لام‬ ‫وم�سل�سالت �ساقطات‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫بع�ض الف�ضائيات من �أف� ٍ‬ ‫�إنْ مل ي�س ِبقْهم �إلى ما يف الإنرتنت من حمظورات‪ .‬اعتا َد ارتيا َد‬ ‫النوادي وح�ضو َر احلفالت‪،‬‬ ‫والذهاب �سا ِئح ًا يف الرحالت و�إتيانَ‬ ‫َ‬ ‫املن َكرات‪ ،‬و�إ�شباع ال�شهوات‪ ،‬كيف ال يفعل هذا وهو ‪ -‬كما يظنُّ‬ ‫نف�سه ‪ -‬الرج ُل ِّ‬ ‫املتح�ض ُر املُ َت َن ِّو ُر!‬ ‫َ‬ ‫َي َرى ‪ -‬وقد ملأه ال�سرو ُر‪ -‬ابنتَه املراهق َة الفاتن َة �شب َه عاري ٍة‪.‬‬ ‫و�إذ ال�شهام ُة مغيَّبة والغري ُة ُمع َدمة ف�أ ّنى له �أن ُيع ِّل َمها الإحت�شام‬ ‫وقد �أَ ْف َل َت لها الزَّما َم فاتَّ َب َعت املُو�ضات‪ ،‬وا�ستهواها ِمنَ الأزياء‬ ‫ما يث ُري ال�شهوات‪ .‬ال َع َج َب يف ذلك فهو يف نظرها من ُم َ�سل ِ‬ ‫َّمات‬ ‫ِ‬ ‫عالمات ال ُّر ِقي والإنفتاح‪ .‬مل ت َْ�سترُ ْ َمفا ِت َنها‬ ‫جمارا ِة الع�ص ِر‪ ،‬ومن‬ ‫املراهق‪ ،‬املُتَو ِّقدِ �شهو ًة ‪ -‬وال�شهو ُة عمياء ‪ -‬فما ُي َ�سمَّى‬ ‫عن �أخيها‬ ‫ِ‬ ‫عيب �أو حرا ٌم �أو احت�شا ٌم عند كث ٍري من النا�س يندر ُِج (يف مفهومها‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ووفق ما َت َرب َّْت عليه و�أ ِل َف ْتهُ) ِ�ضمنَ قيو ِد التخلف وك ْبتِ احلر ّيات‪.‬‬ ‫�روج املعتا ُد من َب ْيتِ �أبيها بزين ِتها وفتن ِتها‪ِ ،‬وعطرها‬ ‫�أ ّم��ا اخل� ُ‬ ‫وح ِّر َيتَها فقد جا َن َب الإ�ستئذان و جت��او َز كلَّ خطوط‬ ‫َوح َي ِويَّ ِتها ُ‬ ‫نف�سها يف‬ ‫احلياء والإت ��زان‪ .‬و�أ ّم��ا الأ ُّم فهي التي ما فتئت ت��رى َ‬ ‫ابنتها‪ ،‬تري ُدها ع�صريَّ ًة منط ِلقة‪ ،‬متفتح ًة يف احلياة بال حدود‪،‬‬ ‫بعيد ًة عن التعقيدات واملُ َن ِّغ�صات‪ ،‬م�ستمتع ًة بال قيود‪ ،‬وفيما ترى‬ ‫الأ ُّم �أنَّ اب َنها لي�س �أقلَّ َح ّظ ًا من ِ�سواه؛ له ح ٌق وامتيا ٌز مماث ٌل لمِا‬ ‫تتمت ُع به �شقيقتُه‪ ،‬فهو الرج ُل املُ ْع َت ُّد بنف ِْ�سه الذي ُي ُث ِب ُت رجولتَه‬ ‫كيف ي�شا ُء وحيث ي�شاء‪� ،‬س ّي ُد �أفعاله ُ‬ ‫ومالك قرارِه وا�ستقال ِله‪،...‬‬ ‫ُ‬ ‫اخلا�ص بتلك العائلة!‬ ‫وال�سلوك‬ ‫َّوج ُه‬ ‫هذا هو الفك ُر والت ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫اخلطيب على منربه‪ ،‬حيث‬ ‫ننتق ُل �إل��ى امل�شهد ال��ذي َذ َك � َره‬ ‫ُ‬ ‫ا��ْ�س� ُت� ْد ِع� َ�ي ال ُأب �إل��ى امل��رك��ز الأم �ن��ي‪ ،‬على خلفية ع�لاق� ٍة غ ِري‬ ‫�شاب وفتا ٍة متَّ �ضبطهما‪ ،‬و�إر�سا ُلهما �إلى ذلك املركز‬ ‫�شرعي ٍة ب َني ٍّ‬ ‫ً‬ ‫خمفو َر ْين‪ ،‬ملمار�ستهما عم ًال ال �أخالقيا‪ .‬وقد َت َبيَنّ من الوثائق‬ ‫ال�شخ�صية التي كانت بحوز ِتهما �أمر ًا ُم ْذ ِه ًال هو �أنّ ال�شابَّ َ�شقيقُ‬ ‫مثول الأبِ املُ ْ�س َت ْد َعى للمركز �أنَّه وال ُدهما‪.‬‬ ‫الفتاة‪ ،‬كما تَب َينَّ لدى ِ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫وقد َ�صعقَ وه� َ�ال َم��نْ كان حا�ضرا يف املركز َر ُّد فعلِ ذلك الأبِ‬ ‫الذي ات َ​َّ�س َم بقليلٍ من الإكرتاث عند ِ�إ ِ‬ ‫بالغه بق�ضيتهما وما كانا قد‬ ‫َف َعاله‪ ،‬كما �أذه َل ْت ُهم حقيق ُة �أنه مل َي ِز ْد على �أنْ َ‬ ‫قال �أمامهم ُم َو ِّجه ًا‬ ‫ذهول وده�ش ِة احلا�ض ِرين‪� “ :‬ألمَ َْ‬ ‫املراهقينْ َو ْ�س َ‬ ‫كال َمه ِلذ ْي ِنك ِ‬ ‫ـــط ِ‬ ‫َ‬ ‫�أَ ُق ْل َل ُكما �أنْ لاَ َت ْف َعال ذلك َخار َِج ال َب ْيت!”‪.‬‬ ‫هكذا ال َغ َ�ض َ‬ ‫ا�ض َة �إذن؛ ُم ْنك ٌر �شني ٌع يف َك َنف ال ِّرعاية ويف‬ ‫ِد ْفء ا َ‬ ‫حل َ�ضانة‪ُ ،‬ت َل ِّخ ُ�صه كلماتُ الأبِ التي � ْأط َل َقها ِمنْ ِفي ِه ِببرُ ُ و ٍد‬ ‫على ر�ؤو�س امللأ ِبال �أدنى حت ُّف ٍظ �أو َذرَّ ِة ا�ستحياء‪ُّ � .‬أي ٍ‬ ‫والد هذا‬ ‫القبيح يف البيت‪ ،‬ويلو ُم �أو َي ْعت َُب ‪ -‬جمرَّ َد‬ ‫الذي ُ‬ ‫يبيح الفع َل املُ�ش َني َ‬ ‫خارجه! و� ُّأي تربي ٍة تلك التي َي ْر ِف ُد بها �أمثالهُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫عتبٍ فقط ‪� -‬إذا فعل َ‬ ‫املجتمع! بل � ُّأي ُم ْنت ٍَج ميكنُ �أنْ ُتطا ِل َعنا به هذه الأُ ْ�سر ُة ومثيال ُتها؟‬ ‫و� ُّأي َب�لا ٍء قد تنتق ُل َع � ْدوا ُه منها �إلى �سواها؟ ال �سيما �أنَّ الإبنَ‬ ‫‪� 86‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫البنت �أُمَّ ًا‬ ‫�سيكونُ يوم ًا �أب ًا راعي ًا وم�س�ؤو ًال عن �أ�سرة‪ ،‬فيما �ستكونُ ُ‬ ‫َي ْن َ�ش ُ�أ يف ِح ْج ِرها من يرتبَّى على َي َد ْيها‪ِ ،‬ل َي ْمتدَّ الأَ َث ُر الذي ُي ْحدِ َثا ِنه‬ ‫و ُيع ِّلما ِن ِه يف النا�س جي ًال بعد جيل‪� .‬ألي�س ُ‬ ‫احلال كما قال �أبو العالء‬ ‫املع ّري‪:‬‬ ‫على مــــا كانَ َعـوَّ َد ُه َ�أ ُبـو ُه‬ ‫و َي ْن َ�ش ُ�أ َنا�شِ ى ُء ال ِفتْيانِ ِم ّنا‬ ‫ؤ�شرات �أوَّلي ٌة لبدايات‬ ‫هل َخبرِ نا مث َل هذا ِمنْ َق ْب ُل؟ �أم تلك م� ٌ‬ ‫ين�ساب ُمت َ​َ�س ّل ًال دون ا�ستئذان؟ �أم‬ ‫تجَ َ ذ ِر ت ّيا ِر ثقاف ِة العومل ِة الذي‬ ‫ُ‬ ‫إنحالل الناعم ِة القادم ِة �إلينا يف هذا‬ ‫هي طالئ ُع‬ ‫رياح ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫حم�صول ِ‬ ‫الزمان؟‬ ‫ويتطلب‬ ‫�أي ًا كان الأم ُر فهو ي�ستدعي التفك َري و�إمعانَ النظر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫القيا َم مبراجع ٍة �شامل ٍة لك ِّل جوانبِ حيا ِتنا‪ ،‬كما َي ْد ُعونا �إلى‬ ‫الت جمتمعي ٍة خطري ٍة �آخذ ٍة يف الت�ش ّكل‪ ،‬حت ُّو ٍ‬ ‫الإنتباه �إلى حت ُّو ٍ‬ ‫الت‬ ‫غريبة تبدو لنا الآن يف م�ستهلها‪ ،‬وت�تراءى لنا يف ُغمَّ ِتها �أنها ال‬ ‫زالت يف نطاقٍ حمدو ٍد ِج ّد ًا‪� .‬أال َي ْد َف ُعنا ا�ست�شعا ُرنا للخط َر �إلى �أن‬ ‫َ‬ ‫نلحظ بحكم ٍة‪ ،‬و ِفطن ٍة وكيا�سة �أ�شيا َء قد جتري يف بع�ض البيوت‬ ‫وامل�ؤ�س�سات ‪� -‬أق� ُ‬ ‫�ول قد جتري يف بع�ض البيوت وامل�ؤ�س�سات ‪ -‬ال‬ ‫ُنلقي لها َبا ًال وال ُتث ُري لدينا �س�ؤا ًال‪ ،‬ن�سته ُني بها َظ ّن ًا ِم ّنا �أنها غ ُري‬ ‫ِ‬ ‫ذات �ش�أن‪ ،‬لكنها تتطو ُر مع الأيام‪ .‬وهنا َم ْك َمنُ اخلطر‪ ،‬لي�س يف‬ ‫َح ِّد ِ‬ ‫ذات اخلطر َف َح ْ�سب و�إمنا يف �أَ َث ِر ِه و َت ِبعا ِته‪.‬‬ ‫و� ُ‬ ‫دائم‬ ‫أت�ساءل لمِ َ ال ُي�سا َر ُع يف الراهن �إل��ى ت�شكيلِ‬ ‫ٍ‬ ‫جمل�س ٍ‬ ‫واهتمام الدولة بكل‬ ‫م�ستقلٍ على امل�ستوى الوطني‪ ،‬يحظى برعاي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رجاالت‬ ‫عنا�صرها و�أركانها من �أ�صحاب ال�ش�أن ‪ ،‬يت�ألف من �أبرز‬ ‫اخلرب ِة وذوي الإخت�صا�ص من علماء الإجتماع وعلماء النف�س‪،‬‬ ‫و�أ�ساتذة الثقافة‪ ،‬وخرباء الإدارة وال�سلوك‪ ،‬وال�شريعة والقانون‪،‬‬ ‫جمل�س‬ ‫و الطب ال�شرعي و التعليم‪ ،‬والأمن واملراكز البحثية و‪ٍ ،...‬‬ ‫له �أذر ٌع كف�ؤة وكواد ٌر م�ؤهَّل ٌة ت َْ�س َت ِبقُ وتَتن ّب�أ‪ ،‬تَر�ص ُد و ُتو ِّثق وتتابع‪،‬‬ ‫ُت ّ‬ ‫وتعالج الظواه َر والتح ُّو ِ‬ ‫الت اجلارية يف املجتمع‬ ‫�شخ ُ�ص وتحُ ِّلل‬ ‫ُ‬ ‫أ�س�س علمية‪ ،‬ت ْد ُر�س احل� ِ‬ ‫�االت التي على هذه ال�شاكلة وما‬ ‫على � ٍ‬ ‫ُيدانيها؛ وتتناول يف هذا ال�سياق ع ّي ٍ‬ ‫نات من الق�ضايا املنظور َة وغري‬ ‫املنظور ِة يف املحاكم؛ َوع ّي ٍ‬ ‫نات من تلك املتوافر ِة يف املراكز الأمنية‬ ‫ويف ال�سجون‪ ،‬ومراكز الإ�صالح‪ ،‬ودور الرعاية‪ ،‬ومن ّثم ت َْخ ُل ُ�ص‬ ‫نتائج دقيق ٍة جتري بنا ًء عليها‬ ‫ب�إ�شراف املجل�س امل�شار �إليه �إلى َ‬ ‫برامج عملي ٍة �شاملة يف �إطار خط ٍة وطني ٍة وا�ضح ٍة محُ ْ كمة‪،‬‬ ‫�صياغ ُة َ‬ ‫تتم مراجعتُها وتقيي ُمها وتعدي ُلها وفق ًا للمعطيات �أو ًال ب�أول‪ ،‬بحيث‬ ‫هم يف الوقاية واحلماية‪ ،‬وتمُ ِّكنُ من الت�صدي واملواجهة‪ ،‬وتعم ُل‬ ‫ُت ْ�س ُ‬ ‫على ا َ‬ ‫تنجم عنها م�ستقب ًال‪ .‬ولعلَّ‬ ‫حل ِّد من الآثا ِر ال�سلبي ِة التي قد ُ‬ ‫َت َدا ُر َك الأم ِر الآن‪ ،‬قبل فوات الأوان‪ ،‬وقبل بلوغه منتهاه‪� ،‬س ُي َج ِّن ُب‬ ‫الكث َري مما ال ُي ْحم ُد ُعقباه‪.‬‬


‫واحة الوسطية‬

‫القد�س ممنوعة �إال على ّ‬ ‫ال�شهداء‬

‫���ج���دا‬ ‫�����ي ع���ل���ى �أع����ت����ا ِب����ه����ا � َ���س َ‬ ‫ك�����م م�����ن ن�����ب ٍّ‬

‫ال�شاعر حيدر حممود‬

‫َو َك�����������م � َ����ش����ه����ي ٍ����د ع����ل����ى �أب������وا َب������ه������ا َر َق���������دا‬ ‫َف����������������� َر َّد ُه ُ‬ ‫اهلل ع���ن���ه���ا ‪..‬وان������ت������ه������ى َب��������� َددا‬

‫َو َك����������م َدخ������ي ٍ‬ ‫������ل غَ������زاه������ا وا������س����� َت����� َب����� َّد ب��ه��ا‬ ‫واخ�����ت�����اره�����ا اللهّ ُ ًدرب�����������اً ل���ل���� ّ���س���م���ا ِء َف ِ���م���ن‬

‫رِح����ابِ����ه����ا َع������ ْب������ ُد ُه املُ����� ْ����س����ـ����رى ِب������� ِه � َ���ص��� َع���دا‬

‫ُك�������� ُّل ال�����ب��ل��ا ِد َت�����ن�����ادت ك����ي َت�����ق�����و َل ل���ه���ا ‪:‬‬

‫م���دي���ن��� َة ا ِ‬ ‫هلل”‪..‬كوين وح�������� َد ِك البلدا"‬

‫�����������ق ‪..‬خَ ������� ْي������� ُل ا ِ‬ ‫ووع������������ ُد ُه ا َ‬ ‫حل ُّ‬ ‫هلل ق����ادم���� ٌة‬

‫ِم�����ن ِع�����ن ِ‬ ‫�����د ِه تحَ ِ‬ ‫ْ�����م����� ُل ال���ف���ر����س���ا َن واملَ�������� َددا‬

‫ي���ا َرب ف��اب��ع��ثْ ب��ه��ا ا َ‬ ‫جل���م��� َر ال�����ذي خَ ��� َم���دا‬

‫وام���� َ���س ْ���ح ِب���� َك���� ِف َ‬ ‫ّ����ك ع���ن �أه����دا ِب����ه����ا ال���� ّر َم����دا‬

‫و�أر� ِ��������س ِ‬ ‫ِم��نْ ر ِْج ِ�سهِم ‪..‬و�أزِلْ ع��ن � َ��ص�� ْد ِره��ا ال َك َمدا‬ ‫��������ل ال����غ����ي����ثَ ِم���� ْدراراً ِل���� َي����غْ����� ِ����س����لَ����ه����ا‬ ‫م�����������اذا ن�������ق ُ‬ ‫�������ول ل�������ك ِّ‬ ‫م���ي���ن غَ�����������دا وه���������م ي�����������رون م���ل���ا ي�����ي�����ن�����اً ‪..‬وال �أَ َح�����������������دا ؟؟‬ ‫�������ل ال�������ق�������ا ِد َ‬ ‫و َي����� ْ����س���� َم����ع����و َن ِخ�����ط�����اب ٍ‬ ‫�����ات ُن������ َك������ ِّر ُره������ا ‪...‬‬

‫يف ُك ِّ‬ ‫������ل ُع����ر� ٍ����س ‪..‬ع�����ن امل���ج ِ���د ال�����ذي ُو ِئ�����دا‬

‫ي�����ا �أ ُّي������ه������ا ال ّ‬ ‫����ط���� ِّي����ب����ون ال�����ق�����ادم�����ون غ�����داً‬

‫ال َت�������س����أل���وا ك��ي��ف ���ض�� َّي��ع��ن��ا احل���ي���ا َة � ُ��س��دى‬

‫����ب َب ً‬ ‫���ل�ل�ا‬ ‫ُك����� ّن�����ا ع���ل���ى ب����ح���� ِر ن�������ا ٍر مل ُن����� ِ����ص ْ‬

‫م�����ن�����ه‪..‬ومل َن����� ْل����� َق ف����ي���� ِه ‪�،‬أو ع���ل���ي���ه ُه����دى‬

‫وال َت�����ك�����ون�����وا ك����م����ا ُك������ ّن������ا‪َ ..‬ف������ َك رْ َ‬ ‫���ْث�� ُت������ن������ا‬

‫ك���ان���ت ك�������أنْ مل َت���ك���نْ ‪..‬ب�����ل مل ت��ك��ن �أ َب�����دا‬

‫وع����� ّل�����ق�����وا ف��������و َق ب��������ابِ ال�����قُ�����د� ِ�����س ال ِف����� َت����� ًة‬

‫َت���ق ُ‬ ‫���ول‪:‬ممَ ْ ���ن���وع��� ُة �إ ّال ع��ل��ى ال�����ش��ه��دا !!!‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪87‬‬


‫بيانات الوسطية‬

‫املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫يدين اقتحام الأق�صى من ِقبل الع�صابات ال�صهيونية‬ ‫ون ُيقَا ِت ُلو َن ُك ْم َحت َ​َّى َي ُر ُّدو ُك ْم َعن‬ ‫قال تعالى }‪َ ‬و َال َيزَ ا ُل َ‬ ‫ا�ست َ​َط ُاعو ْا‪{ ‬‬ ‫ِدي ِن ُك ْم ِ�إنِ ْ‬ ‫ي�ستنكر املنتدى العاملي للو�سطية الإعتداءات املتكررة‬ ‫م��ن قبل الع�صابات ال�صهونية على امل�سجد الأق�صى‬ ‫ال�شريف �أولى القبلتني‪ ،‬وثالث احلرمني ال�شريفني وم�سرى‬ ‫الر�سول حممد – �صلى اهلل عليه و�سلم – يف ظل موقف‬ ‫متخاذل من قبل ما ي�سمى باملجتمع الدويل‪ ،‬بالإ�ضافة الى‬ ‫املواقف املخزية لكثري من احلكومات العربية والإ�سالمية‬ ‫جتاه ق�ضية امل�سلمني وعدم الدفاع عن امل�سجد الأق�صى‪.‬‬

‫عنه ورف�ض كل الدعوات الت�آمرية ال�صهيونية املاكرة التي‬ ‫تتخفى حتت م�سمى التق�سيم الزماين واملكاين يف امل�سجد‬ ‫الأق�صى‪ ،‬ويدعو املنتدى منظمة التعاون الإ�سالمي لعقد‬ ‫اجتماع عاجل لتدار�س املوقف والقيام بالواجب ال�شرعي‬ ‫جت��اه اول��ى القبلتني‪ ،‬كما يدعو املجتمع ال��دويل التخاذ‬ ‫�أ�شد الإج��راءات القانونية حلماية دور العبادة وامل�صلني‪،‬‬ ‫كما يدعو املنتدى كل الف�صائل الفل�سطينية لتوحيد �صفها‬ ‫والقيام بواجبها جتاه ما يحل بامل�سجد الأق�صى‪.‬‬

‫مثلما يدعو ال�شعوب الإ�سالمية للقيام بواجبها يف دعم‬ ‫املرابطني الفل�سطينيني وكل امل�شاريع اخلريية والوقفية‬ ‫وي�ؤكد املنتدى �أن امل�سجد الأق�صى هو وقف ا�سالمي باعتبار �أر�ض فل�سطني وقف ًا �إ�سالمي ًا والدفاع عنها واجب‬ ‫خال�ص الح��ق لليهود فيه ويجب احل�ف��اظ عليه وال��دف��اع الأمة جميعها‬

‫‪� 88‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫بيانات الوسطية‬

‫بيان �صادر من املنتدى العاملي للو�سطيّة حول مظاهر العنف‬ ‫والتفجريات الإرهابية يف العاملني العربي والإ�سالمي ‪2015/8/22‬‬ ‫احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على النبي ‪ .6‬يدعو املنتدى امل�سلمني يف بالدنا الإ�سالمية وغريها �إلى‬ ‫الأمني املبعوث رحمة للعاملني والذي �أخرج هذه الأمة من اليقظة واحلذر من �أفكار الغلو والتطرف التي تعتقدها‬ ‫غياهب اجلهل �إلى النور واليقني وعلى �آله و�صحبه �أجمعني هذه اجلماعات وترتكب الفظائع واجلرائم ب�سببها‪.‬‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫‪ .7‬ينا�شد املنتدى �أ�صحاب القرار �إلى �ضرورة الإهتمام‬ ‫ف�إن املنتدى العاملي للو�سطية يتابع بكل �أ�سى وحزن ويدين بال�شباب روح �ي � ًا واجتماعي ًا وثقافي ًا وو��ض��ع احللول‬ ‫�أحداث التفجريات الإرهابية التي وقعت يف عدد من الدول اجلذرية للم�شكالت التي حتيط بهم من البطالة وغريها‬ ‫العربية والإ�سالمية والعاملية (يف البحرين ونيجرييا ويف مما ي�ستغله الإرهابيون للت�أثري عليهم وا�ستمالتهم �إلى‬ ‫ال�سعودية و الكويت‪ ،‬والعراق‪ ،‬وتركيا‪ ،‬وتون�س‪ ،‬وباك�ستان‪� ،‬صفوفهم‪.‬‬ ‫ومايل‪ ،‬وليبيا‪ ،‬واليمن‪ ،‬و�أفغان�ستان ) خملفة وراءها الكثري‬ ‫من ال�ضحايا الأبرياء من الأطفال والن�ساء وال�شيوخ وكذلك ‪ .8‬كما ي�ؤكد وج��ود �إزال��ة مظاهر الظلم والف�ساد والقمع‬ ‫تدمري للعمران وترك حالة من اخلوف والفزع يف نفو�س املوجودة يف جمتمعاتنا الإ�سالمية والتي تعد من �أخطر‬ ‫ال�سكان ومل ت�سلم من هذه التفجريات �أماكن ودور العبادة �أ�سباب �إنت�شار هذه الظاهرة‪.‬‬ ‫التي فيها يذكر ا�سم اهلل ومكان للطم�أنينة وال�سكينة‪.‬‬ ‫‪ .9‬يحث املنتدى اجلميع؛ حكومات و�شعوب ًا �إلى بذل املزيد‬ ‫وانطالق ًا من ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية التي تقوم من اجلهد والتكاتف من �أجل تعزيز التعاي�ش ال�سلمي‬ ‫على نبذ العنف بكافة �أ�شكاله ف�إن املنتدى يعلن ما يلي‪:‬‬ ‫يف املجتمعات على اختالف �أديانها و�أعراقها لتتجه‬ ‫‪ .1‬هذه التفجريات تعد �أعما ًال �إجرامية منكرة ال يقرها جمتمعاتنا �إل��ى الأخ ��ذ ب��أ��س�ب��اب التنمية واالزده���ار‬ ‫واال�ستقرار بعيد ّا عن ال�صراعات الدينية �أو العرقية �أو‬ ‫الإ�سالم وال ي�صح �إدعاء ن�سبها �إلى الإ�سالم‪.‬‬ ‫ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫‪ .2‬ي��زي��د م��ن ب�شاعة ه��ذه اجل��رائ��م ا�ستخدام الأط�ف��ال‬ ‫يف اخلتام ندعو املولى عز وجل �أن مين على جمتمعاتنا‬ ‫والفتيات يف ارتكاب تلك الأعمال الفظيعة بعد خداعهم‬ ‫بالأمن والطم�أنينة وال�سلم ‪.‬‬ ‫والتغرير بهم با�سم اجلهاد والإ�سالم‪.‬‬ ‫و�صلى اهلل على �سيدنا حممد‬ ‫‪ .3‬ا�ستخدام مرتكبي هذه اجلرائم لبا�س الن�ساء امل�سلمات‬ ‫للتخفي واخل��داع ُيع ُّد من الغدر الذي يحرمه الإ�سالم‬ ‫وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪.‬‬ ‫و ُيع ُّد جناية يف حق امل�سلمات الالتي يلب�سن هذا اللبا�س‬ ‫�إتباع ًا لتعاليم الدين‪.‬‬ ‫‪ .4‬يوجه املنتدى نداء �إلى مرتكبي هذه الأعمال بالتوبة �إلى‬ ‫اهلل والرجوع �إلى مبادئ الإ�سالم املبنية على الرحمة‬ ‫والعدل‪.‬‬ ‫‪ .5‬يحث املنتدى العلماء الأجالء واخلطباء والأئمة والدعاة‬ ‫�إلى م�ضاعفة اجلهد وا�ستخدام كل الو�سائل املتاحة لبيان‬ ‫الإ�سالم ال�صحيح البعيد عن �أفكار الغلو والتطرف‪.‬‬ ‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪89‬‬


‫بيانات الوسطية‬

‫بيان املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫حول تفجريات باري�س ‪2015/11/14‬‬ ‫يدين املنتدى العاملي للو�سطية ما تعر�ضت له عا�صمة‬ ‫ال �ن��ور (ب��اري ����س) م��ن ت�ف�ج�يرات ت��رك��ت ع���ش��رات القتلى‬ ‫واجلرحى‪ ،‬و�أ�ساءت ملرتكبيها وما يحملون من فكر م�شو�ش‬ ‫يعي�ش يف م�ستنقع اجلهل والتخلف واجل �م��ود‪ ،‬وال يقدم‬ ‫للإن�سانية �إال �صورته الب�شعة ذات املالمح الأب�شع‪.‬‬

‫من قاموا به ‪ .‬و املنتدى العاملي للو�سطية ي�شجب ويناه�ض‬ ‫زيف من يت�سرتون بالدين‪ ،‬فهم ب�أفعالهم ي�ضربون بعر�ض‬ ‫احلائط الأديان ال�سماوية ومبادئها امل�ستندة الى الرحمة‬ ‫و احلكمة‪ ،‬و ديننا الإ�سالمي احلنيف يدعو الى املجادلة‬ ‫بالتي هي �أح�سن �إنطالق ًا من قوله تعالى ‪َ " :‬و َما �أَ ْر َ�س ْلن َ‬ ‫َاك‬ ‫�إِلاَّ َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َني " وقوله تعالى " ‪َ ‬و َجا ِد ْل ُه ْم بِالَّ ِتي ِه َي‬ ‫�أَ ْح َ�س ُن " ‪.‬‬

‫�إن هذه التفجريات الإرهابية تعمل على زعزعة الأمن‬ ‫الإن�ساين وتلقي بظاللها ال�سوداء على امل�ساحات امل�ضيئة‬ ‫التي يلتقي فيها الب�شر جميع ًا و�صو ًال �إلى عي�ش م�شرتك‬ ‫�إن ه��ذا العمل االره��اب��ي اجلبان وال��ذي روع الآمنني‬ ‫ي�ح�ترم معه ك��ل ال�شرائع والعقائد والأدي� ��ان وامل��ذاه��ب‬ ‫الفكرية والإن�سانية حفاظ ًا على �أ�س�س العي�ش امل�شرتك و�سفك الدماء يدعو العامل الآن وب�شكل جدي للوقوف معا‪،‬‬ ‫بني النا�س‪ ،‬وبحيث ين�صب جهد اجلميع يف �سبيل �إ�سعاد والعمل اجلاد ملناه�ضة الأعمال الإرهابية وحماربتها لي�سود‬ ‫ال�شعوب ال �شقائها ‪.‬‬ ‫ال�سالم واال�ستقرار بالعامل ‪ .‬وان املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫�إن هذا العمل االرهابي عمل مرفو�ض ومدان من قبل ي�شارك اجلمهورية الفرن�سية رئي�س ًا وحكوم ًة و�شعب ًا وذوي‬ ‫ال�شرائع ال�سماوية كافة‪ ،‬مهما ك��ان من يقفون وراءه �أو امل�صابني حزنهم البالغ و�أ�سفهم ال�شديد ‪.‬‬

‫‪� 90‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫بيانات الوسطية‬

‫بيان حول �أحداث احلج لعام ‪1436‬هـ‬ ‫هيئة �ش�ؤون الأن�صار للدعوة والإر�شاد‪ ‬‬ ‫(بيان للنا�س)‬ ‫لقد ظلت هيئة ��ش��ؤون الأن���ص��ار للدعوة والإر� �ش��اد‪،‬‬ ‫وجميع الأن���ص��ار بال�سودان وخ��ارج��ه يتابعون ويثمنون‬ ‫اجلهود الكبرية التي تقوم بها اململكة العربية ال�سعودية ؛‬ ‫خدمة للحرمني ال�شريفني‪ ،‬وتطويرا ل�سبل حماية و�صيانة‬ ‫املقد�سات الإ�سالمية مبكة املكرمة واملدينة املنورة ؛ ليتمكن‬ ‫امل�سلمون من �أداء �شعائرهم الدينية بي�سر واطمئنان‪ ،‬مما‬ ‫جعل �أل�سنة عباد الرحمن وعمار بيته الكرمي وزوار م�سجد‬ ‫نبيه �صلى اهلل عليه و�سلم ؛ تلهج بال�شكر والثناء والدعاء‬ ‫حلكومة اململكة العربية ال�سعودية و�شعبها‪ ،‬ويف مقدمتهم‬ ‫خ��ادم احلرمني ال�شريفني وويل عهده وويل ويل العهد‪،‬‬ ‫قال تعالى ‪َ } :‬يا�أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا َال َت َت ِّخ ُذوا ِب َطا َن ًة ِمنْ‬ ‫�سائلني اهلل �سبحانه وتعالى �أن يحفظ اململكة م��ن كل‬ ‫دُو ِن ُك ْم َال َي�أْ ُلو َن ُك ْم َخ َبا ًال َو ُّدوا َما َع ِن ُت ّْم َق ْد َب َد ِت ا ْل َبغ َْ�ضا ُء ِمنْ‬ ‫مكروه‪ .‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ات ِ�إنْ‬ ‫وت�ت�ق��دم الهيئة بتعازيها احل���ارة خل ��ادم احل��رم�ين �أ ْف َو ِاه ِه ْم َو َما ُت ْخ ِفي ُ�صدُو ُرهُ ْم �أ ْكبرَ ُ َق ْد َب َّي َّنا َل ُك ُم الآ َي ِ‬ ‫ال�شريفني امللك �سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬وويل عهده وويل ُك ْنت ُْم َت ْع ِق ُلونَ • َها�أَ ْنت ُْم �أُو َال ِء تحُ ِ ُّبو َن ُه ْم َو َال ُي ِح ُّبو َن ُك ْم َو ُت�ؤ ِْم ُنونَ‬ ‫َاب ُك ِّل ِه َو�إِ َذا َل ُقو ُك ْم َقا ُلوا � َآم َّنا َو�إِ َذا َخ َل ْوا َع ُّ�ضوا َع َل ْي ُك ُم‬ ‫ويل العهد ولأ�سراملتوفني وجلميع امل�سلمني يف �شهداء ِبا ْل ِكت ِ‬ ‫الل َع ِلي ٌم ِب َذ ِات‬ ‫حج العام ‪1436‬هـ وترتحم على �أرواحهم الطاهرة �سائلة الأَ َن ِام َل ِمنَ ا ْل َغ ْي ِظ ُق ْل ُمو ُتوا ِب َغ ْي ِظ ُك ْم ِ�إ َّن َ َهّ‬ ‫اهلل �سبحانه وتعالى �أن يكرم وفادتهم ويتقبلهم �شهداء‬ ‫ال�صدُو ِر •�إِنْ تمَ ْ َ�س ْ�س ُك ْم َح َ�س َن ٌة ت َُ�س�ؤْهُ ْم َو ِ�إنْ ُت ِ�ص ْب ُك ْم َ�س ِّي َئ ٌة‬ ‫ُّ‬ ‫ويلحقهم بالنبيني وال�صديقني وال�شهداء وال�صاحلني‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َي ْف َر ُحوا ِب َها َو�إِنْ ت َْ�صبرِ ُ وا َو َت َّت ُقوا ال َي ُ�ض ُّرك ْم ك ْيدُهُ ْم َ�ش ْيئا �إِ َّن‬ ‫وح�سن �أولئك رفيقا‪ .‬‬ ‫الل بمِ َ ا َي ْع َم ُلونَ محُ ِ ٌ‬ ‫يط{‬ ‫وت�ؤمن الهيئة �أن احل��ادث امل�ؤ�سف كان ق�ضاء وقدرا َ َهّ‬ ‫حمتوما‪ ،‬واليقلل من حجم الإجن��ازات الكبرية وامل�ساعي‬ ‫�سائلني اهلل تعالى �أن يوفقنا جميعا للإ�ضطالع‬ ‫احلميدة والرعاية املتجددة التي تبذلها حكومة اململكة‬ ‫العربية ال�سعودية يف خ��دم��ة بيت اهلل احل ��رام و�سائر ب��دورن��ا يف ال��دع��وة وال�ت��وج�ي��ه لتجنب ت �ك��رار ماحدث‪ .‬‬ ‫ال�شعائر الإ�سالمية بق�صد تهيئة املناخ املنا�سب لقا�صديها واهلل من وراء الق�صد والهادي �إلى �سواء ال�سبيل‪.‬‬ ‫عبداملحمود �أ ّبو �إبراهيم‪ ‬‬ ‫الأمني العام‪ ‬‬ ‫‪ 13‬ذواحلجة ‪1436‬ه‬ ‫‪� 26‬سبتمرب ‪2015‬م‪ ‬‬ ‫املركز العام‪ ‬‬ ‫�أم درمان ‪ -‬ال�سودان‬ ‫حجاجا ومعتمرين وزائرين ؛ وتعلن الهيئة وقوفها جلانب‬ ‫القائمني على �أمر رعاية احلرمني ال�شريفني و�سائر �شعائر‬ ‫احلج �صونا لقد�سيتها وت�أمينا لقا�صديها‪ ،‬وتدعو امل�سلمني‬ ‫جميعا للوقوف مع اململكة العربية ال�سعودية التي �أثبتت‬ ‫جدارتها وقدرتها على �صيانة احلرمني ال�شريفني و�إدارتها‬ ‫ل�ل�أزم��ة بحكمة وم�سئولية‪ ،‬تفويتا مل ��ؤام��رات املرتب�صني‬ ‫الذين اليرقبون يف �أمتنا �إال والذمة‪.‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪91‬‬


‫بيانات الوسطية‬

‫بيان من املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫ب�ش�أن �أحداث التدافع يف منى لهذا العام ‪1436‬هـ‬ ‫‪ ‬يتقدم املنتدى العاملي للو�سطية ب�أح ّر التعازي خلادم‬ ‫احلرمني ال�شريفني امللك �سلمان بن عبدالعزيز‪ ‬وويل‬ ‫عهده وويل ويل عهده ولأ�سر ال�شهداء املتوفني‪ ‬يف حادثة‬ ‫منى‪ ‬حلج عام ‪1436‬هـ ‪.‬‬ ‫كما ي�شارك املنتدى العامل الإ�سالمي �أحزانه يف تلك‬ ‫الأحداث امل�ؤ�سفة‪ ،‬والتي كانت ق�ضاء وقدرا حمتوما‪ ،‬والتي‬ ‫�أدت �إلى‪ ‬وفاة عدد من احلجاج‪ ،‬واملنتدى اذ يرتحم ‪ ‬على‬ ‫�أرواحهم الطاهرة لي�س�أل اهلل عز وجل �أن يتقبلهم �شهداء‬ ‫ويلحقهم بالأنبياء وال�صديقني وال�صاحلني وح�سن �أولئك‬ ‫رفيقا ‪.‬‬ ‫و�إن املنتدى يقدر اجلهود التي تبذلها اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية لت�سهيل �إج��راءات احلج‪ ،‬وي�ستنكر ما ورد على‬ ‫‪� 92‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬

‫�أل�سنة بع�ض امل�شككني يف جهودها ويعتربها ت�صريحات‬ ‫غري م�س�ؤولة‪ ‬هدفها الإ�ساءة �إل��ى اململكة وقادتها و �إلى‬ ‫امل�سلمني كافة‪ ‬الذين ال يرتابهم �أدن��ى �شك‪ ‬يف حر�ص‬ ‫اململكة وقادتها على ما يخدم حجاج بيت اهلل احل��رام‬ ‫ويخدم الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬و�إن ت�سيي�س هذه احلادثة ي�أتي‬ ‫يف �إطار الت�آمر على الأمة‪ ،‬كما ُيعد �أداة من �أدوات العبث‬ ‫والت�شكيك وزعزعة اال�ستقرار يف بالد العرب وامل�سلمني‪،‬‬ ‫كما ينا�شد املنتدى احلكومة ال�سعودية ��ض��رورة تطوير‬ ‫الإدارات امل�س�ؤولة عن احل��ج لتاليف مثل ه��ذه الأح��داث‬ ‫م�ستقبال‪.‬‬ ‫حمى اهلل ديار الإ�سالم من �أعداء الداخل واخلارج‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫مكانة املر�أة يف الإ�سالم‬

‫حما�ضرة نظمها منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�أدبا يوم ال�سبت‪2015/8/29 :‬‬ ‫بد�أ الدكتور �سليمان اخلواطره املحا�ضرة بقوله‪� :‬إن‬ ‫الإ�سالم قد �إهتم باملر�أة �إهتمام ًا بالغا و�أوالها رعاية‬ ‫خا�صة‪ ،‬فهي اللبنة الأولى يف بناء املجتمع ال�صالح‪ ،‬فهي‬ ‫الأم والبنت والزوجة والأخت‪ ،‬وهي ن�صف املجتمع‪ ،‬وهي‬ ‫التي تنجب وتربي الن�صف الآخر‪ ،‬واجلنة حتت �أقدامها‬ ‫�أم ًا‪ ،‬وهي التي تُدخل والديها وزوجها اجلنة �إن �أح�سنا‬ ‫تربيتها‪ ،‬وقاما بحقها على اكمل وجه كما �أمر به اهلل عز‬ ‫وجل و�سنه الر�سول‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم‪.-‬‬ ‫ولقد جاء يف القر�آن الكرمي ما يدل على �أهمية املر�أة‬ ‫�أما وزوجة و�أختا وبنتنا‪ ،‬فكان من �أهم الواجبات �شكر الأم‬ ‫وبرها‪ ،‬وح�سن �صحبتها‪ ،‬وهي مقدمة يف ذلك على الوالد‪،‬‬ ‫الن َْ�س َان ِب َوا ِل َد ْي ِه َح َم َل ْت ُه �أُ ُّم � ُه َو ْهنًا‬ ‫قال تعالى } َو َو�صَّ ْينَا ْ إِ‬ ‫َ‬ ‫َع َلى َو ْهنٍ َو ِف َ�صا ُل ُه فيِ َع َامينْ ِ �أنِ ا�شْ ُك ْر ليِ َو ِل َوا ِل َد ْي َك ِ�إليَ َّ‬ ‫وجا َء َر ُج ٌل ِ�إ َلى َر ُ�سولِ ا ِ‬ ‫للهَّ ‪� -‬صلى اهلل‬ ‫المْ َ ِ�ص ُري{(لقمان‪َ ،)14 :‬‬ ‫عليه و�سلم ‪َ -‬فقَالَ َيا َر ُ�سولَ ا ِ‬ ‫للهَّ َم ْن �أَ َح ُّق ب ُِح ْ�سنِ َ�ص َحا َب ِتى‬ ‫قَالَ «�أُ ُّم َك»‪ .‬قَالَ ُثمَّ َم ْن قَالَ «�أُ ُّم َك»‪ .‬قَالَ ُثمَّ َم ْن قَالَ «�أُ ُّم َك»‪.‬‬ ‫قَالَ ُثمَّ َم ْن قَالَ « ُثمَّ �أَ ُب َ‬ ‫وك»‪.‬‬

‫لها‪ ،‬من مرياث ومتلك الأموال والتعليم والقبول‪ ‬بالزواج‪،‬‬ ‫وطلب الفرقة بينها وبني زوجها يف حالة عدم توافقهما‪.‬‬ ‫�إن الإ�سالم مل ولن يظلم امل��ر�أة‪ ،‬بل على العك�س من‬ ‫ذلك جعل لها من احلقوق ال�شيء الكثري‪ ،‬فقد كانت عند‬ ‫غري امل�سلمني تُباع وتُ�شرتى ك�أنها �سلعة رخي�صة الثمن‪� ،‬أو‬ ‫عبارة عن متاع لي�س له � ّأي حق �إال من �أجل �إ�شباع الغرائز‪،‬‬ ‫�أو خامة تكد وتتعب دون النظر �إل��ى بنيتها اجل�سمانية‪،‬‬ ‫وغريها الكثري الكثري‪.‬‬ ‫فلما ج��اء الإ��س�لام غري نظرة النا�س �إل��ى ه��ذه الفئة‬ ‫املهمة التي كانت مهم�شة‪ ،‬وجعل لها كيانا م�ستقال ومملكة‬ ‫تت�صرف فيها وهو بيتها‪ -‬بيت الزوجية ‪ -‬وكرمها تكرمي ًا‬ ‫يليق بها‪ ،‬وجعل لها حرية �إختيار كثري من الأمور التي هي‬ ‫بحاجة �إليها‪.‬‬ ‫�إن الإ� �س�لام الو�سطي ع��ام��ل امل ��ر�أة ككيان را��س��خ ال‬ ‫يتزعزع‪ ،‬بعيد ًا ع��ن الغلو ال��ذي ح��رم امل ��ر�أة م��ن �أب�سط‬ ‫حقوقها يف النفقة واملرياث والت�صرف مبا متلك واختيار‬ ‫الزوج املنا�سب الذي تر�ضى به ‪ ،‬والعمل يف املجال الذي‬ ‫تُبدع فيه من تعليم ومتري�ض و�صحة‪.‬‬

‫وبالن�سبة ملكانة الزوجة وت�أثريها على هدوء النفو�س‬ ‫�أبانته الآية الكرمية قال تعالى ‪َ } :‬و ِم ْن �آ َيا ِت ِه �أَ ْن خَ َلقَ َل ُك ْم‬ ‫ِم ْن �أَ ْنف ُِ�س ُك ْم َ�أ ْز َو ًاجا ِلت َْ�س ُكنُوا ِ�إ َل ْي َها َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َودَّ ًة َو َر ْح َم ًة‬ ‫ون (‪ ،{)21‬فجعل العالقة بني‬ ‫�إِنَّ فيِ ذَ ِل َك َ آل َي ٍات ِل َق ْو ٍم َي َت َفكَّ ُر َ‬ ‫مبني على املودة والرحمة‬ ‫الرجل واملر�أة عبارة عن ترابط ٌ‬ ‫وح�سن املعا�شرة والإحرتام املتبادل بني الطرفني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫�إن امل��ر�أة يف ظل الإ�سالم متتعت بالكثري من احلقوق‬ ‫فالإ�سالم �أن�صف امل��ر�أة و�أعطاها كافة احلقوق التي التي مل ولن تُوجد يف غري هذا الدين ‪ -‬الإ�سالم‪ .‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪93‬‬


‫نشاطات الوسطية‬

‫�آفات الع�صر و�أثرها على املجتمعات‬

‫ندوة منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬ ‫بالتعاون مع وزارة الثقافة‪ -‬ال�سبت ‪2015/9/12‬‬ ‫�ضمن �سل�سلة اعمال منتدى الو�سطية للفكر والثقافة عن العلم‪ ‬واملعرفة ‪.‬‬ ‫وبالتعاون مع وزارة الثقافة‪ ‬افتتح ‪ ‬االمني العام للمنتدى‬ ‫كما بني الدكتور رفعت ب��در دور الدين امل�سيحي يف‬ ‫العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري ‪ ‬ندوة‪�" ‬آفات‬ ‫الع�صر و�أثرها على املجتمعات "‪ ‬والتي متيزت عن الندوات مواجهة �آفات الع�صر ومن ثم عر�ض الدكتور حممد الق�ضاة‬ ‫ال�سابقة بطابعها االجتماعي املثري وهو �آفات الع�صر التي‬ ‫دور الدين اال�سالمي يف حماربة الظواهر ال�سلبية وحماية‬ ‫ع�صفت باملجتمع بكل مكوناته‪.‬‬ ‫املجتمع بلبنات ا�سا�سها تقوى اهلل واال�ستقامة باملحافظة‬ ‫رح��ب ال �ف��اع��وري يف مطلع حديثه ب�ضيوف ال�ن��دوة‬ ‫الذين �شكلوا �أطياف ًا متعددة من جميع الفئات املجتمعية على الفطرة ال�سليمة‪.‬‬ ‫وعلى ر�أ�سهم قادة الفكر فيها ‪ ،‬وقد ركز االمني العام يف‬ ‫وح�ضر الندوة اال�ستاذ الدكتور عبدال�سالم العبادي وزير‬ ‫افتتاحيته على خطورة االنفتاح التكنولوجي الذي اجتاح‬ ‫املجتمعات املعا�صرة ب�شكل غري م�سبوق و�أكد على اهمية االوقاف االردين اال�سبق وامني عام جممع الفقه اال�سالمي‬ ‫ت�ضافر اجلهود للحفاظ على جمتمع �سليم معافى‪.‬‬ ‫وعدد من القيادات الدينية واملجتمعية وبع�ض ال�شخ�صيات‬ ‫هذا وقد تر�أ�س اجلل�سة االولى عطوفة اال�ستاذ م�أمون ال�سيا�سية يف حم��اول��ة ل�صون وحماية املجتمع ‪ ‬يف هذه‬ ‫التلهوين �أم�ين ع��ام وزارة الثقافة والتي عقدت‬ ‫الندوة الفرتة احلرجة التي ت�ضطرب فيها املنطقة ‪.‬‬ ‫بالتعاون معا‪ ‬باعتباره �إحدى اجلهات املعنية باملحافظة‬ ‫على �سالمة املجتمع ‪ ،‬كما حتدث النقيب �أن�س رئي�س ق�سم‬ ‫جدير بالذكر ان منتدى الو�سطية للفكر والثقافة �سوف‬ ‫الدرا�سات يف مركز مكافحة املخدرات نيابة عن العقيد‬ ‫�سامي ع�سكر مدير �إدارة مكافحة املخدرات وبني ان مهمة يقوم بطباعة جميع اوراق الندوة يف كتيب �سيكون متوافر‬ ‫مكافحة امل �خ��درات ه��ي مهمة م�شرتكة م��ا ب�ين اجلهات مبقر املنتدى العاملي للو�سطية ‪.‬‬ ‫الر�سمية ومنظمات املجتمع املدين يف حماربة كل الآفات‬ ‫التي ت�شكل خطر ًا على املجتمعات وقد تناول النقيب �أن�س‬ ‫البعد العاملي للق�ضية وا�ستهدافها لعدد من فئات املجتمع‬ ‫خا�ص ًة ‪ ،‬ونوه الى �ضرورة احلماية املبكرة للمجتمع االردين‬ ‫من هذه الآفات ‪ ،‬وذلك نظر ًا الى موقع اململكة يف حميط‬ ‫م�ضطرب و�أ� �ش��ار يف كلمته ال��ى ام�ت�لاك ق��وات مكافحة‬ ‫املخدرات �آلية متطورة للق�ضاء على كل الظواهر ال�سلبية ‪.‬‬ ‫ويف املحور الثاين والذي ركز حول الآفات االخرى وموقف‬ ‫الدين اال�سالمي منها ‪ ،‬وتر�أ�س اجلل�سة الدكتور حممد‬ ‫خري العي�سى مفتتح ًا اجلل�سة بورقة املدرب الدويل الدكتور‬ ‫علي احلجاحجة والذي تعمق يف اجلانبني البنائي والهدمي‬ ‫لآثار التكنولوجيا احلديثة من حتوالت فكرية وعاطفية ‪،‬‬ ‫وق�ضايا الفتنة التي تعتمد على معلومات ‪� ‬سطحية بعيدة‬ ‫‪� 94‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫إصدارات المنتدى‬

‫�إ�صدارات الو�سطية ‪..‬‬ ‫من �ضمن �سل�سلة �إ�صدارات الفكر الو�سطي ‪� ،‬أ�صدر املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية كتيب ًا بعنوان” ال��دول��ة الدينية وال��دول��ة املدنية ‪ :‬بني فهم‬ ‫املتطرفني واملعتدلني” وقد كان هذا العنوان ذاته عنوان ًا لندوة فكرية‬ ‫عقدها املنتدى العاملي للو�سطية ‪� ،‬ضمن حماور ثالثة هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬جدل الدولة الدينية واملدنية يف املجال العربي اال�سالمي احلديث‪.‬‬ ‫‪ .2‬احلقوق ‪ ،‬املواطنة والدولة املدنية و �س�ؤال الهوية ‪.‬‬ ‫‪� .3‬إدارة ال�صراع من التطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫كما �أ�صدر املنتدى كتيبا �آخ��ر بعنوان( دور الت�شريعات يف احلد من‬ ‫م�شاكل العنف والتفكك الأ�سري) تناول العناوين الفرعية الآتية‪:‬‬ ‫‪� .1‬أث��ر الت�شريعات الأ�سرية وقانون الأح��وال ال�شخ�صية يف احلد من‬ ‫امل�شكالت ‪.‬‬ ‫‪ .2‬العنف الأ�سري و�أثره على �صحة الأ�سرة‪.‬‬ ‫‪ .3‬التفكك الأ�سري درا�سة لواقع الأ�سرة يف االردن‪.‬‬ ‫‪ .4‬التجربة املاليزية يف اجلانب الأ�سري ومدى الإفادة منها يف الأردن ‪.‬‬ ‫‪ .5‬عر�ض لتجربة املجل�س الوطني ل�ش�ؤون الأ�سرة حول دوره يف امل�ساهمة‬ ‫بتعديل الت�شريعات ذات العالقة بالأ�سرة‪.‬‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪95‬‬


‫م�سابقة العدد‬

‫مسابقـة العـدد‬

‫�إعداد الدكتور زهـاء الدين عبيـدات‬ ‫مدير مركز التدريب والدرا�سات واال�ست�شارات يف املنتدى العاملـي للو�سطيـة‬

‫ • تت�ضمن امل�سابقة ع�شرة �أ�سئلة‪ ،‬يتطلب الأم��ر الإجابة عنها كاملة ملن �أراد امل�شاركة‪ ،‬وتر�سل‬ ‫الإج��اب��ات بعد تعبئتها يف امل��ك��ان املخ�ص�ص يف �أ�سفل ال�صفحة‪ ،‬و�إر�سالها �إل��ى ع��ن��وان املجلة‬ ‫(�ص‪.‬ب‪ 1241 :‬الرمز الربيدي ‪ 11941‬عمان – الأردن ) وذلك قبل تاريخ ‪2016/2 / 1‬م‬ ‫• يتم ال�سحب على الإجابات الفائزة بثالثة م�ستويات‪ ،‬حيث يمُ نح الفائز الأول ‪ 150‬دوالراً‪ ،‬والفائز‬ ‫الثاين ‪100‬دوالراً‪ ،‬والفائز الثالث ‪ 50‬دوالراً‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الأول‪� :‬سورة يف كتاب اهلل عز وجل ال تخلو �آية منها من لفظ اجلاللة “اهلل” هي‪:‬‬ ‫ب‪ -‬املجادلة‬

‫ �أ‪ -‬ال�سجدة‬

‫جــ ‪ -‬اجلاثية‬

‫ال�س�ؤال الثاين‪� :‬سورة يف كتاب اهلل عز وجل ختمت ب�إ�سم نبيني هي ‪:‬‬

‫ �أ‪ -‬عي�سى‬

‫ب‪ -‬العنكبوت‬

‫جــ ‪ -‬الأعلى‬

‫ال�س�ؤال الثالث‪ :‬من اليهودية التي حاولت قتل النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم – بال�سم؟‬

‫ �أ‪ -‬زينب بنت خنا�س‬

‫ب‪ -‬زينب بنت ثبيط‬

‫جــ ‪ -‬زينب بنت احلارث‬

‫ال�س�ؤال الرابـع‪� :‬صحابية جليلة كانت تعرف بالرمي�صاء هي‪:‬‬

‫ �أ‪� -‬أ�سماء بنت عمي�س ر�ضي اهلل عنها ب‪� -‬أ�سماء بنت �أبي بكر ر�ضي اهلل عنها جــ‪ -‬خولة بنت ثعلبة‬ ‫ال�س�ؤال اخلام�س‪ :‬عامل عامل جماهد �شارك يف موقعة عني جالوت كان يلقب ببائع امللوك‪:‬‬

‫ �أ‪ -‬ال�شيخ عز الدين الق�سام ب‪ -‬العز بن عبدال�سالم جــ ‪ -‬جالل الدين ال�سيوطي‬ ‫ال�س�ؤال ال�ساد�س‪ :‬القائل ‪ :‬لقد �أ�صبح ملك بن �أخيك الغداة عظيم ًا هو ‪:‬‬

‫ �أ‪� -‬أبو �سفيان بن حرب‬

‫ب‪� -‬أبو جهل‬

‫جــ ‪ -‬الوليد بن املغرية‬

‫ال�س�ؤال ال�سابع‪ :‬كان لوي�س با�ستريا الفرن�سي هو ‪:‬‬

‫ب‪ -‬ابتكر تعقيم الألبان (الب�سرتة)‬ ‫ �أ‪� -‬أول من عالج داء الكلب‬ ‫جــ ‪� -‬صاحب �أبحاث عديدة يف املايكروبات د‪ -‬كل ما �سبق‬ ‫‪� 96‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ال�س�ؤال الثامن‪ :‬ثبت �أن للتمور‪:‬‬ ‫ب‪ -‬ت�أثري ًا مهيج ًا للجهاز الع�صبي‬ ‫ �أ‪ -‬ت�أثري ًا مهدئ ًا للجهاز الع�صبي‬ ‫جـ‪ -‬ت�أثري ًا من�شط ًا للغدة الدرقية‬ ‫ال�س�ؤال التا�سع‪ :‬يجب �أال تزيد ن�سبة كولي�سرتول الدم عن ‪:‬‬

‫ �أ‪ 180 -‬ميللجرام لكل ‪� 100‬سم دم‬ ‫ ‬

‫ب‪ 250 -‬ميللجرام لكل ‪� 100‬سم دم‬

‫ ‬

‫ت‪ 400 -‬ميللجرام لكل ‪� 100‬سم دم‬

‫ال�س�ؤال العا�رش‪ :‬يحتاج الإن�سان البالغ متو�سط الن�شاط لنحو ‪.:‬‬

‫ �أ‪� 1200 -‬سعر حراري‬

‫ب‪� 3600 -‬سعر حراري‬

‫جـ ‪� 2400 -‬سعر حراري‬

‫إجابات مسابقة العدد‬ ‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال الأول‬

‫( )‬

‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�ساد�س ( )‬

‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال الثاين‬

‫()‬

‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�سابع‬

‫( )‬

‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال الثالث ( )‬

‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال الثامن‬

‫( )‬

‫()‬

‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال التا�سع‬

‫( )‬

‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال اخلام�س ( )‬

‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال العا�شر‬

‫( )‬

‫• رمز �إجابة ال�س�ؤال الرابع‬

‫معلومات المتسابق‬ ‫ا�سم املت�سابق من �أربعة مقاطع‬ ‫رقم الهاتف مع رمز الدولة والبلد‬ ‫العنوان الربيدي‬ ‫ ‬

‫بعد الإجابة على هذا النموذج نرجو تعبئة املعلومات اخلا�صة باملت�سابق كاملة وق�ص النموذج و�إر�ساله �إلى العنوان املُبي‬

‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪97‬‬


‫‪� 98‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


‫ال�سنة الثامنة‪ :‬العدد الواحد والع�شرون ‪ -‬ربيع الأول‪١٤٣7‬هـ ‪/‬كانون �أول ‪٢٠١5‬م‬

‫‪99‬‬


‫‪� 100‬إ�سالمية ‪ -‬و�سطية ‪ -‬ف�صلية ‪ -‬م�ستقلة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.