الهيئة االستش�ارية للمجلة الإمام ال�صادق املهدي/ال�سودان معايل الدكتور عبد الرحيم العكور /الأردن معايل الدكتور عبد ال�سالم العبادي /الأردن الدكتور حممد طالبي/املغرب الدكتور م�صطفى عثمان �إ�سماعيل/ال�سودان الدكتور عبد الإله ميقاتي /لبنان الأ�ستاذ الدكتور �أبو جرة ال�سلطاين /اجلزائر الدكتور �سعد الدين العثماين /املغرب الدكتور حممود ال�سرطاوي /الأردن
السنة الثامنة :العدد الواحد والعشرون -ربيع األول 1437هـ /كانون أول ٢٠١5م
إسالمية -وسطية -فصلية -مستقلة
الأ�ستاذ منت�صر الزيات/م�صر الدكتور حممد حب�ش�/سوريا الدكتور زيد املحي�سن/الأردن
هيـئـة التـحريـر
تصدر عن
املهند�س مروان الفاعوري الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد الق�ضاة الدكتور ح�سن علي املبي�ضني الدكتور زهاء الدين عبيدات الدكتور �سليمان الرطروط الدكتور علي احلجاحجة
المنتدى العالمي للوسطية
المشرف العام على المجلة الدكتور زهاء الدين عبيدات
تصميم وإخراج ب�����ل�����ال امل����ل���اح
المراسالت املوا�ضيع املن�شورة ال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي املنتدى العاملي للو�سطية وحق الرد مكفول للجميع
عمان المملكة األردنية الهاشمية ّ - عمان 11941األردن هاتف - 5356329 :فاكس - 5356349:ص.بّ 2141 : E-mail: mod.inter@yahoo.com - Web Site: www.wasatyea.net
محتويات العدد االفتتاحية و�سطيتنا
مقاالت الو�سطية
درا�سات الو�سطية
فتاوى �إ�سالمية الركن الطبي ر�سائل جامعية
واحة الو�سطية
بيانات الو�سطية
ن�شاطات الو�سطية �إ�صدارات املنتدى م�سابقـة العـدد 2
املهند�س مروان الفاعوري الأ�ستاذ /عبداملحمود �أبّو الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات عبد امللك اجلا�سر د .حممد تركي بني �سالمه حممد الع�ضايله د .ح�سن علي املبي�ضني �أ.د.حممد �أحمد الق�ضاة د .نوال �أ�سعد �شرار د�.أ�سمهان الطاهر د� .إبراهيم الرتكاوي د� .سلمان فهد العودة د� .آندي حجازي الأ�ستاذ /بون عمر يل الأ�ستذ� /سامي املاجد الأ�ستاذ /خالد رو�شة د.عزمي طه ال�سيد �أحمد د.خالد بن عبداهلل املزين املحامي مازن الفاعوري د .حممد خري العي�سى �أ.د.نايل ممدوح �أبوزيد
ولنا كلمة ... منهج الو�سطية بني الفكر الداع�شي والفكر اال�ستالبي (اجلزء الأول) �أهمية االمانة والقوة يف الأداء الإداري �أربعون عاماً قبل النبوة التطرف االقت�صادي يف الأردن قراءة يف نف�سية ارهابي �إقر�أ.... ومن النا�س من يعبد اهلل على حرف احلريات يف الإ�سالم ...مطلقة �أم �ضوابط وحدود الفرق بني �أنا �أعلم ،و�أنا �أظن � ..إبحا ٌر يف نظريّة املعرفة الإن�سان بني النور والظلمات بع�ض (التديُّن حِ جَ اب) العوملة والأزمة الأخالقية ال�سلوك الديني يف مواجهة املتطرفني التدين واملقايي�س الإختزالية �أثر كلمة التوحيد يف نورانية القلوب ثقافة التقريب بني املذاهب حتليل وت�أ�صيل(اجلزء الثاين) مراحل النظر يف النازلة الفقهية (اجلزء الأول) جرمية احلرابة الإرهابية يف ال�شريعة الإ�سالمية دور الفقهاء يف ت�أ�صيل وتفعيل مفهوم التعددية الإرهـ ــاب :معناه � ،أ�سبابه ،و�سبل عالجه من منظور قر�آين �أ.د .حممد الق�ضاة د.ذيب عبد اهلل َوفيِ �أَن ُف�سِ ُك ْم �أَفَلاَ ُت ْب�صِ ُرو َن �إعداد �سريين �أ�سامة حممد جرادات حماية املر�أة من العنف يف الت�شريعات الأردنية �إ�شراف �أ.د .حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة درا�سة مقارنة مع الفقه الإ�سالمي الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات قط ــوف احلكمة �شخ�صي ـّة الع ــدد عبدالرحمن حمود ال�سميط الدكتور زيد �أحمد املحي�سن خاطرة .. اللواء عدنان عبيدات ِق�صَّ ـ ُة �أُ ْ�س ـ َرة القد�س ممنوعة �إال على ّ ال�شاعر حيدر حممود ال�شهداء املنتدى العاملي للو�سطية يدين اقتحام الأق�صى من قِبل الع�صابات ال�صهيونية �2015/8/22صادر من املنتدى العاملي للو�سطيّة حول مظاهر العنف والتفجريات الإرهابية يف العاملني العربي والإ�سالمي بيان
3 4 11 14 19 22 23 24 25 29 31 32 35 40 43 45 48 51 56 60 65 76 79 80 81 82 84 85 87 88 89
بيان املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجريات باري�س 2015/11/14
90
بيان حول �أحداث احلج لعام 1436هـ هيئة �ش�ؤون الأن�صار للدعوة والإر�شاد
91
بيان من املنتدى العاملي للو�سطية ب�ش�أن �أحداث التدافع يف منى لهذا العام 1436هـ
92
مكانة املر�أة يف الإ�سالم حما�ضرة نظمها منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�أدبا يوم ال�سبت2015/8/29 : �آفات الع�صر و�أثرها على املجتمعات ندوة منتدى الو�سطية للفكر والثقافة بالتعاون مع وزارة الثقافة -ال�سبت 2015/9/12
93
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
94 95 96
افتتاحية العدد
ولنا كلمة ... املهند�س مروان الفاعوري الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية
ن��درك بيقني �أن االم��ة �ستنه�ض م��ن �سباتها ول��و ب�ع��د ح�ي�ن ،ون���س��أل اهلل �أن ي �ك��ون ذل��ك ال�ن�ه��و���ض ب��أق��ل اخل �� �س��ائ��ر وق��ري �ب � ًا� ،إذ �أن م�لام��ح نه�ضتها احلقيقية ت��واج��ه ع قبات كربى تبدو للعيان بجالء� ،إذ ما زالت عوامل الفرقة فيها ت�شتد ب��روز ًا على ال�سطح ،وك�أنها ت�أبى الإن�ف�لات من قيود القطرية والطائفية والفئوية واجلهوية. وعدوها ال يزيدها �إال فرقة وتبعية وجت �ه �ي�ل ًا؛ لأن ب�ضاعتها الفكرية واملادية لن جتد لها رواج ًا اال يف ظالل و�ضع كهذا. ان امل �ن �ت��دى ال �ع��امل��ي للو�سطية يحاول ا�ستنطاق املكنون اخلري لهذه االمة بكل عبارات التحرر من اجلهل وال �ت �خ �ل��ف وال�ت�ب�ع�ي��ة ح �ت��ى ت�ستعيد مكانتها الالئقة يف هذا العامل ،وتعود كما كانت منارة بني الأمم ،وذلك لن يكون مادام اجلميع منهمك ًا بق�ضاياه
اجلزئية ،وينظر �إل��ى �سالمة نف�سه وب �ل��ده ق�ب��ل ��س�لام��ة اجل�م�ي��ع ،الأم��ر ال��ذي يزيد الأم��ر تعقيد ًا ،خا�صة يف ظل تفاوت الفوارق املادية و الفكرية، بني هذا البلد وذاك� ،إذ جند �أقطار ًا تعاين من املجاعات والفقر والب�ؤ�س وال �ل �ج��وء ،و ن�لاح��ظ دو ًال ت�غ��رق يف ال�ترف و امل�ل��ذات و الغنى الفاح�ش، والفائ�ض يف ال�سيولة النقدية ،كل ذلك يف ظل غياب برامج اقت�صادية و تنموية �شاملة ت�سهم يف نه�ضة الأمة وتعزز وحدتها �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا واجتماعي ًا. من هنا نعول دوم ًا على املنتديات الثقافية و الفكرية لتقوم بدور �إر�شادي ل�ل�ق��ادة ال�سيا�سيني واالقت�صاديني وق��ادة املجتمع من مفكرين ومثقفني ليقوموا بدورهم املنوط بهم ،لإ�ستعادة ما ت�شتت من جهد الأمة من �أجل مللمة جراحها يف اجل��وان��ب ك��اف��ة ،والعمل على �إ�صالحها وف��ق منظومة فكرية يلتقي حولها اجل�م�ي��ع ،الأم ��ر ال��ذي
يدفعنا يف املنتدى العاملي للو�سطية �إلى تبني عناوين ذات م�سا�س مبا�شر بواقعنا العتمادها كمنطلقات وحماور مل�ؤمتراتنا الفكرية والثقافية التي ننوي عقدها يف العام القادم ب�إذن اهلل. وم���ن ه���ذه امل � ��ؤمت� ��رات ( خطر التع�صب املذهبي) وم�ؤمتر (النظر املقا�صدي يف فكر و فقه �إبن عا�شور) وم�ؤمتر ( دور العلماء يف احلفاظ على وح��دة الأم ��ة) وم ��ؤمت��ر ( امل�صاحلة الوطنية...اجلزائر منوذج ًا) . ه��ذا بالإ�ضافة ال��ى ما �سيكون ب�إذن اهلل من دورات تدريبية وندوات فكرية حملية يف ه��ذا الفرع �أو ذاك من ف��روع املنتدى ،وت�أتي يف ال�سياق نف�سه واملتعلق ب�إحياء املفاهيم الفقهية للق�ضايا املعا�شة حالي ًا. واهلل ن�س�أل التوفيق و ال�سداد� ،إنه نعم املولى ونعم الن�صري.
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
3
وسـطيتنا
منهج الو�سطية بني الفكر الداع�شي والفكر اال�ستالبي (اجلزء الأول) الأ�ستاذ /عبداملحمود � ّأبو رئي�س فرع املنتدى العاملي للو�سطية يف ال�سودان
املقدمة الدعوة الإ�سالمية منذ �أن انطلقت يف مكة املكرمة واجهت حتديات كثرية من املجتمع اجلاهلي؛ متثلت يف ال�صدود ،والإنكار ،والت�شكيك ،واملواجهة ،وحماولة اال�ستئ�صال؛ ولكن الدعوة كانت حتمل عنا�صر القوة يف داخلها ،فتمكنت من ال�صمود يف وجه االبتالءات ،وحققت انت�صارات تلو انت�صارات على النظام اجلاهلي؛ فث َّبتت �أقدامها ،و�أبطلت مفعول �أدوات اخل�صم حتى �ضاق بها ذرعاً ،وقرر الق�ضاء عليها؛ فانتقلت �إلى املدينة املنورة. ويف املدينة واجهت الدعوة حتديات من نوع خمتلف؛ تتعلق ببناء النظام اجلديد على �أ�س�س ومفاهيم غريبة على النظام القبلي؛ الذي كانت ت�سيطر عليه قبيلتا الأو�س واخلزرج وحلفا�ؤهما من اليهود ،فكانت التحديات تتمثل يف :بناء املجتمع على مفاهيم الدين اجلديد، وجتاوز ال�صراع الأو�سي اخلزرجى ،ومواجهة التيار ال�سلويل؛ -ن�سبة �إلى عبد اهلل بن �أبي بن �سلول -والت�صدي للمكر اليهودي ،ف�ض ً ال عن اال�ستعداد للمواجهة املحتملة مع �أه��ل مكة؛ الذين لن ي�سكتوا على اللطمة التي وجهها لهم الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بالهجرة �إلى املدينة و�إف�شال خمططهم الذي اتفقوا عليه يف دار الندوة. وع���ل���ى ط����ول امل�����س�يرة ال��ت��اري��خ��ي��ة ت��ع��ر���ض��ت �أم�����ة الإ�����س��ل�ام ل��ت��ح��دي��ات ك���ث�ي�رة ،داخ��ل��ي��ة وخ��ارج��ي��ة؛ ا���س��ت��ط��اع��ت �أن ت��واج��ه��ه��ا وت��خ��رج م��ن��ه��ا م��ن��ت�����ص��رة ب��ال��رغ��م م��ن اخل�����س��ائ��ر التي ت��ع��ر���ض��ت ل��ه��ا ،و�أخ���ط���ر ت��ل��ك ال��ت��ح��دي��ات؛ مت��ث��ل��ت يف اخل��ل�اف ال����ذي ف���رق الأم�����ة �إل����ى ف��رق وج��م��اع��ات؛ ج��رت بينها ح��روب �أزه��ق��ت فيها �آالف الأرواح ،ث��م اال�ستعمار اخل��ارج��ي ،وغري ذلك من التحديات التي ال ت��زال �آثارها تنه�ش يف ج�سد الأم��ة املمتلئ بالقروح والأم��را���ض. �إن �أمتنا اليوم متر مبنعطف تاريخي خطري؛ حيث تكالبت عليها الأم��م من كل الأرج��اء للق�ضاء عليها ،و�أنهكتها احلروب الداخلية ،واخلالفات الطائفية واملذهبية ،وعطلت نه�ضتها النظم ال�شمولية ،وال�صراعات ال�سيا�سية ،واختطف �شعارها املتطرفون ف�ش ّوهوا �صورة الإ�سالم و�شاركهم يف جرمهم الطغاة والغزاة . 4
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
امل�سلمون ي�شكلون خُ ْم�س �سكان العامل تقريب ًا ،ويتوزعون الإ�سالم؛ ولكن بالتمحي�ص والتدقيق يتبني �أن هذا الفكر يف كل القارات ،والعامل الإ�سالمي يوجد جغرافي ًا يف قلب الداع�شي يختلف عن فكر اخلوارج . �صالت جغرافي ٌة مبعظم ق��ارات الدنيا ،بل املعمورة ،وله ٌ فاخلوارج متردوا على اخلالفة بت�أويل خاطئ ،ووجهوا ي�سيطر على �أهم الطرق واملمرات الدولية ،ومعظم الطاقة البرتولية يف العامل الإ�سالمي ،ف�أمة الإ��س�لام من حيث �سالحهم �ضد الدولة ،والدواع�ش زعموا �أنهم �أقاموا دولة العدد ،وامل��وارد ،واملوقع اال�سرتاتيجي ،والرباط الروحي؛ اخلالفة وطالبوا امل�سلمني مببايعتهم ،و�سالحهم يف الغالب موجه �ضد خمالفيهم يف ال��ر�أي و�ضد الأب��ري��اء املدنيني، �أمة متف ِّردة ال ت�ضاهيها �أمة �أخرى. واخلوارج �أمنوا �أهل الذمة وح ّرموا قتلهم ،ولكن الدواع�ش ولكن مع هذه امليزات البارزة تعاين من معيقات ُم َع ِّطلة .قتلوا امل�ست�أمنني وخفروا ذمتهم ،واخل��وارج اعتمدوا على �إن �أمتنا مطالبة مبراجعة م�سريتها ،وت�شخي�ص �أمرا�ضها ،القر�آن دون الأحاديث يف الغالب ،والدواع�ش اعتمدوا على وحتديد ال��دواء ،حتى تنه�ض من جديد ملوا�صلة م�سريتها الأحاديث و�أ ّولوها ت�أويال خاطئا؛ واخلوارج كان يقودهم علماء �أهل ورع! والدواع�ش يقودهم �أ�شخا�ص قليلو الفقه؛ وهكذا القا�صدة ب�إذن اهلل. فالفكر اخلارجي اعتمد على ت�أويل خاطئ ولذلك عندما �إن الر�أي العام يف بلداننا؛ يتطلع لقادة الفكر والر�أي حاورهم ابن عبا�س وعدد من العلماء تراجعوا واتبعوا احلق. �أن يقوموا بت�شخي�ص الأو� �ض��اع ،ويقدموا احل�ل��ول التي �إن الفكر الداع�شي ي�ستند �أ�سا�سا على املفهوم ال�سلفي ميكن �أن تنت�شل الأم��ة م��ن ه��ذا ال��واق��ع امل��ري��ر ،و ُي َب ِّينوا للإ�سالم ،واملفهوم ال�سلفي يختلف عن املنهج ال�سلفي، الو�سائل التي ت��ؤدي �إل��ى ا�ستنها�ضها ،وبعث الأم��ل فيها .فاملفهوم ال�سلفي يحاول �أن يفهم احلا�ضر بفهم ال�سلف، �إن ورقتي ت�شتمل على مقدمة وثالثة حماور وخامتة ،وهي وي�سعى لإ�سقاط اجتهادات ال�سلف على الواقع ،بل يعمل م�ساهمة متوا�ضعة �أرجو �أن �أوفق يف تقدمي مايفيد. من �أجل ا�ستعادة اخلالفة �شكال الم�ضمونا! بينما املنهج ال�سلفي يعتمد على االلتزام بقطعيات ال�شرع مع مراعاة املحور الأول :الفكر الداع�شي ومغذياته امل�ق��ا��ص��د ،ويجتهد مل��واج�ه��ة امل�ستجدات مب��ا يالئمها، تنظيم الدولة الإ�سالمية( ،دول��ة الإ�سالم يف العراق وال��دواع ����ش احل��ال�ي��ون – يف ال�غ��ال��ب -مل يتخرجوا من وال�شام) وال��ذي يعرف اخت�صارا بعبارة داع�ش؛ هو يف معاهد علوم �شرعية ،ومل يدر�سوا يف جامعات �إ�سالمية، الظاهر يبدو ك�أنه ام�ت��داد لفكر الغلو والتطرف؛ الذي وحظهم من العلوم ال�شرعية اليتعدى ب�ضعة �أحاديث وبع�ض ظهر يف ال�ساحة الإ�سالمية يف وقت مبكر يف نهاية ع�صر �سور القر�آن الكرمي؛ ومعظمهم در�س يف مدار�س مدنية، اخلالفة الرا�شدة ،ومنا يف العهد الأموي ثم تراجع وعاد يف وتلقى معلوماته ال�شرعية ع��ن طريق و�سائط التوا�صل �شكل حركات متقطعة يف كافة الع�صور التي مرت بها �أمة االجتماعي ،وهم بارعون يف ا�ستخدام التقنية احلديثة. ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
5
�إن ر�صد الفكر الداع�شي ومواقفه و�سلوكه؛ يبني �أن الباعث لهذه الظاهرة يتمثل يف ع��دة عوامل فكرية واجتماعية وثقافية و�سيا�سية ونف�سية؛ وه��ي مرتاكمة يف ال�ساحة الإ�سالمية منذ �أمد بعيد تبلورت يف الآتي:
مت�آمرة وخائنة وخم ِّربة! واملعار�ضة ال ترى يف احلكومة �إال الوجه القبيح املُتَمثل يف البط�ش والتنكيل والف�ساد �...إلخ رابع ًا :اخلالف؛ �أ�صبح اخلالف �سمة غالبة عند امل�سلمني! فهناك خ�لاف طائفي ،وهناك خ�لاف �سيا�سي ،وهناك خالف فكري ،وهنالك خالفات مذهبية ،واخلالف �سنة �إلهية ،و� �ض��رورة اجتماعية ،وواق��ع ك��وين؛ ولكن طبيعة اخلالف؛ هي التي تف ّرق بني اخلالف املذموم ،واالختالف املحمود� ،إن الواقع الإ�سالمي يبينّ �أن معظم اخلالفات م��ذم��وم��ة؛ لأن ك��ل �صاحب م��ذه��ب �أوط��ائ�ف��ة �أو ف�ك��ر؛ ال يقبل ب�الآخ��ر ،وي�سعى ال�ستئ�صاله ،بل انت�شرت ظاهرة التكفري التي �أ�صبحت �سمة غالبة لغالة الع�صر احلديث، ف��اخل�لاف��ات داخ��ل الأم ��ة ال��واح��دة م��ن ع��وام��ل ال�تراج��ع واالحباط..
� أو ًال:التق�سيم القطري :فمنذ �سقوط ال�سلطنة العثمانية؛ وريثة اخلالفة يف تركيا عام 1924م؛ فقدت الأم��ة ال��رب��اط ال�سيا�سي ،وتق�سمت �إل��ى دوي�لات ُقطرية �صغرية منغلقة على نف�سها ،وحلت املواطنة حمل الرباط ال��دي�ن��ي ،ويف معظم الأح �ي��ان توجد م�شاكل ب�ين الدولة وجاراتها من الدول التي تنتمي �إلى نف�س الدين؛ بل دخلت كثري من الأقطار الإ�سالمية يف حروب �ضد بع�ضها بع�ضا ا�ستعانت فيها بالأجنبي على جارتها امل�سلمة! فات�سعت �شقة اخل�لاف ،و�صار الغريب �أق��رب من اجل��ار ال�شقيق! خام�ساً :الأطماع اخلارجية :تلك العوامل �أظهرت الذي جتمعه مع جاره ديانة واحدة ،وثقافة واحدة ،وتاريخ الأمة مبظهر ال�ضعف ،فقد عجزت �أن حترر القد�س �أولى م�شرتك؛ هذا العامل ّ و�سع ال�شقة بني امل�سلمني و�ض ّيق فر�ص القبلتني واحلرم الثالث يف الإ�سالم ،وهذا ال�ضعف �أطمع الوحدة بينهم. العدو؛ ف�صار ينفّذ �سيا�ساته يف بالد امل�سلمني عرب بلدان ث��ان��ي� ًا :ال��ت��ف��اوت االق��ت�����ص��ادي :بع�ض ال ��دول و�شخ�صيات م�سلمة ،و�صارت ديار امل�سلمني �ساحة للحروب الإ�سالمية ت�صنف من ال��دول الغنية ،وبع�ضها متو�سطة الدولية بالأ�صالة �أوبالوكالة ،وفقدت الأم��ة �شخ�صيتها احل� ��ال ،و�أخ � ��رى تعي�ش حت��ت خ��ط ال �ف �ق��ر ،ف��ال �ف��وارق االعتبارية ،و�صار الغرب باهر ًا لكثري من ال�شباب امل�سلم؛ لأنه االقت�صادية �أفرزت فوارق اجتماعية ونف�سية قتلت ال�شعور يجد عنده ما يفتقده يف بلده! كالتنمية ،واحلرية ،واحرتام بالوحدة عند كثري من امل�سلمني ،مع �أن الدعوة الإ�سالمية حقوق الإن�سان �..إلخ ،فهاجر كثري من �أبناء امل�سلمني للغرب يف الأ��ص��ل ج��اءت لت�صحيح العقيدة ،وللتق�سيم العادل طلب ًا للرزق� ،أو فرار ًا من البط�ش� ،أو تلبية حلاجة نف�س ّية. للرثوة ،و�شنّت حملة كبرية على املُحتكرين ،واملُ��راب�ين ،تلك العوامل و ّل��دت الإح �ب��اط عند كثري م��ن امل�سلمني، و�أ�صحاب الكنوز ،واملانعني املاعون ،واملمتنعني من احل�ض و�ساهمت يف ت�شكيل العقل الراف�ض للواقع عند كثري من على طعام امل�سكني .هذا التفاوت مل يقت�صر على الدول ،بل ال�شباب ،ف�أ�صبح مهيئا للدخول يف �أي تنظيم يجد فيه تنفي�سا ان�سحب حتى على املواطنني يف الدولة الواحدة ،فبع�ضهم لإحباطاته وتفريغا للم�شاعر امل�ضطربة يف داخله؛ فاملظامل ميوتون من ال ُّتخمة ،و�آخ��رون ميوتون من اجل��وع! و�صدق امل�شار �إليها �أ�صبحت بيئة �صاحلة لوالدة التطرف ،وا�ستغل �إمام املتقني علي عليه ال�سالم عندما قال “ :ما جاع فقري املتطرفون هذا الواقع ،فاندفعوا ين�شدون التغيري ،وا�ستقطبوا ّ ال�شباب ودفعوا بهم يف حروب �سميت جهادا زورا وبهتانا. .. " �إال بتخمة غني �إن ظاهرة داع�ش و�أخواتها �صنيعة �شارك يف بروزها حتالف ثالثاً:ال�صراع ال�سيا�سي :ال تكاد دولة �إ�سالمية �آث��م بني اال�ستبداد ،والتطرف ال�سلفي ،وتياراملحافظني تخلو من �صراع على ال�سلطة ،وال�صراع والتدافع جبلة اجلدد يف �أمريكا ،هذا التحالف هو امل�س�ؤول عن الكارثة ب�شرية ول �ك��ن طبيعة ال �� �ص��راع ال�سيا�سي يف ال�ب�ل��دان التي متر بها �أمتنا يف الوقت الراهن . الإ�سالمية �صراع خ�شن؛ �إال من رحم اهلل ،فالدول الغربية املحور الثاين :امل�شاكل التي تواجه الفكرالإ�سالمي : مث ًال حلت ه��ذا الإ�شكال ،واهتدت �إل��ى ال�ت��داول ال�سلمي لل�سلطة؛ فوفرت كثري ًا من الطاقات والإمكانات والأرواح الفكرالإ�سالمي؛ ه��و ن�شاط عقلي يقوم ب��ه العلماء املهدرة يف ال�صراع من �أج��ل ال�سلطة ،ووظفتها ل�صالح واملفكرون؛ لبلورة ر�ؤية �إ�سالمية تعالج الأزمات ،وتت�صدي نه�ضة �شعوبها ،ولكن عاملنا الإ�سالمي يف الغالب يخلو للتحديات التي تواجه الأم��ة ،فهو اجتهاد ب�شري ي�ستند من احلاكم ال�سابق احل��ر الطليق! فهو �إم��ا يف ال�سجن ،علي �أ�صول �إ�سالمية ،والفكر يتطور ح�سب تطور الأحداث و�إما يف املنفى ،و�إما يف القرب ،وطبيعة ال�صراع ال�سيا�سي والق�ضايا التي يت�صدي ملعاجلتها� ،إن الفكر الإ�سالمي عندنا تخلو من الت�سامح! فاحلكومة ال ترى يف املعار�ضة �إال يعاين اليوم من م�شاكل كثرية تعيق تطوره �أذكر منها الآتي: 6
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
�أوال:اجلانب املعريف: متيز الإن�سان على املخلوقات الأخرى بالعقل ،والإرادة، خ�صه اهلل بها قال تعالى: واحلرية ،وباملعرفة الوا�سعة التي ّ } َو َع َّل َم �آ َد َم الأَ ْ�س َماء ُك َّل َها ُث َّم َع َر َ�ض ُه ْم َع َلى المْ َ َال ِئ َك ِة َفقَالَ �أَن ِب ُئونيِ ِب�أَ ْ�س َماء َه ��ؤُالء �إِن ُكنت ُْم َ�صا ِد ِقني َ (َ )31قا ُلو ْا نت ا ْل َع ِل ُيم الحْ َ ِك ُيم ُ�س ْب َحان ََك َال ِع ْل َم َلنَا �إِ َّال َما َع َّل ْم َتنَا �إِن ََّك �أَ َ ( )32قَالَ َيا �آ َد ُم �أَن ِب ْئ ُهم ب�أ�سمائهم َف َل َّما َ�أن َب َ�أ ُه ْم ب�أ�سمائهم ال�س َما َو ِات َوالأَ ْر ِ�ض َو َ�أ ْع َل ُم قَالَ �أَلمَ ْ �أَ ُقل َّل ُك ْم �إِنيِّ �أَ ْع َل ُم غَ ْي َب َّ ون{ (البقرة � )33-31:إن معجزة ون َو َم��ا ُكنت ُْم َت ْك ُت ُم َ َما ُت ْب ُد َ الر�سول اخلامت تتمثل يف القر�آن الكرمي الذي نزلت �آياته ِا�س ِم الأولى مب ّينة قيمة العلم واملعرفة قال تعالى} :ا ْق َر�أْ ب ْ ن�س َان ِم ْن َع َلقٍ ( )2ا ْق َر�أْ َو َر ُّب َك َر ِّب َك ال َِّذي خَ َلقَ ( )1خَ َلقَ ْ إِ ال َ ن�س َان َما لمَ ْ َي ْع َل ْم{ الَ ْك َر ُم ( )3ال َِّذي َع َّل َم بِا ْل َق َل ِم (َ )4ع َّل َم ْ ِإ ْأ ال َ (العلق.)5-1:
واحل�ضارة الإ�سالمية تاريخي ًا؛ قامت على �صرح علمي متكامل؛ �شمل كل جوانب احلياة ،وتوافر يف ظلها املُناخ ال��ذي �ساعد علي تفجري الطاقات الإن�سانية؛ فاكت ُِ�شفت العلوم ،و َت َو َّ�سعت املعارف ،وو�ضعت املناهج العلمية التي اهتدى بها الالحقون ،غري � ّأن هذا العطاء تراجع لعدة عوامل؛ �أهمها � :أن املناهج ال�سائدة يف عاملنا الإ�سالمي؛ ال ت�ساعد على الإب ��داع ،واالب�ت�ك��ار ،والتجديد؛ فهل من �سبيل لإيجاد منهج يتعامل مع ال�ق��ر�آن وال�سنة ب�أ�سلوب اال�ستنطاق؛ كما �س ّماه ال�شهيد الإمام حممد باقر ال�صدر، منهج ي�ؤ�س�س ملنظومة معرفية ،تنطلق من الكتاب املقروء ( القر�آن الكرمي ) والكتاب املنظور( الكون ) منهج يغر�س يف امل�سلم ملكة النقد واملقارنة واال�ستنتاج العقلي ،منهج يواكب حركة التطور التي حدثت يف الكون؛ ب�سبب ثورة االت�صاالت واملوا�صالت و�ضخ املعلومات ب�صورة مل ي�سبق لها مثيل! فاملعرفة م�صادرها �أرب �ع��ة :ال��وح��ي ،والإل �ه��ام ،والعقل، والتجربة؛ ولكن الواقع املاثل يفيد �أن امل�صادر قد اختزلت، فتكونت عقلية قا�صرة عجزت ع��ن تقدمي حلول ناجعة لأمرا�ض �أمتنا� .إن �أول �إ�شكال يعاين منه الفكراال�سالمي هو التحدي املعريف ..
واملواقف؛ التي ت�صدر عن ه�ؤالء املعنيني مع �أنها مدعومة بالن�صو�ص والأدلة ،بل �أكرث من ذلك جند �أن هذا التناق�ض �أدى �إلى �إ�ضعاف االلتزام بالإ�سالم عند كثري من امل�سلمني؛ من حيث العقيدة ،واتباع الأحكام ،وثبات املواقف؛ مما نتج عنه زعزعة وا�ضطراب ًا يف احلالة الإ�سالمية ب�صفة عامة، ف�صار الدعاة عاجزين عن الإقناع؛ لأنهم عندما يطرحون �أي مبد�أ �أو فكرة مقنعة؛ يواجهون بالنقي�ض الذي يطرحه داعية �آخر ! ومن الناحية الأخرى ف�إن غري امل�سلمني؛ قللوا من احرتامهم للم�سلمني؛ ب�سبب هذا ال�سلوك الذي يبدر منهم ،واقتنعوا �أنهم على حق! لأنهم ينظرون �إلى امل�سلمني من خ�لال املمار�سة وال��واق��ع فيقولون لو ك��ان دي��ن ه��ؤالء �صحيحا ملا كانوا على هذه احلال ! والذين �أن�صفوا امل�سلمني ف�إن �إن�صافهم ي�أتي من اطالعهم على الإ�سالم من م�صادره الأ�صيلة ،ومن تاريخه النا�صع ،ف�أقنعتهم احلقائق والوقائع بحقيقة هذا الدين وقليل ماهم� ،إن التناق�ض يف اخلطاب الإ�سالمي بني العاملني يف جمال الدعوة يرجع لعدة عوامل �أهمها :
العامل الأول :غياب مرجعية دينية جممع عليها لتكون لها الكلمة الأخرية يف ح�سم اخلالف ،فلقد غابت هذه املرجعية بوفاة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ،وقد يقول قائل �إن املرجعية موجودة هي :الكتاب وال�سنة ،هذا �صحيح من حيث م�صدرية الأحكام ،ولكننا مع ذلك نرى اخلالف قائما بوجود الكتاب وال�سنة؛ لأن منهج التعامل معهما يختلف من ع�صر �إلى ع�صر ،ومن �شخ�ص �إلى �آخر ،فغياب املرجعية الب�شرية املجمع عليهـا عامل من عوامل التناق�ض املعـي�ش. العامل الثاين :املنهج التعليمي املتبع يف كافة امل�ؤ�س�سات ال��دي�ن�ي��ة؛ غ� ّي��ب حقيقة ال��دي��ن الإ� �س�لام��ي ع��ن كثري من امل�سلمني ،و�أه �م��ل روح اال� �س�لام ب�ترك�ي��زه على ال�ف��روع وال�شكليات ،لقد اعتمد املنهج على التحفيظ وال��رواي��ة؛ مهمال الأ�سلوب النبوى القائم على الرتبية ،وغر�س املبادئ واملفاهيم؛ عن طريق احل��وار؛ ب�صورة متكن املُتَلقى من التفاعل معها وتطبيقها ،كما افتقر �إلى و�سائل غر�س نهج التفكري ،واملقارنة يف �أذهان امل�سلمني ،ولذلك ف�إن الدين اخلامت مل يتم ا�ستيعابه كر�سالة عاملية خالدة تخاطب كل بني الب�شر باختالف ثقافاتهم وعاداتهم وع�صورهم؛ بل ثانيا :تناق�ض اخلطاب: نهج كثري من الدعاة يقدم الإ�سالم ك�أنه ديانة قومية حملية �إن �أه��م �إ�شكال يواجه الفكر الإ�سالمي؛ هو تناق�ض متقوقعة يف بادية العرب يف ع�صر اجلاهلية. اخلطاب عند دع��اة الإ��س�لام! فكثري من امل�سلمني وغري العامل الثالث :حت ّكم النظم ال�سيا�سية امل�ستبدة؛ امل�سلمني ي�ستغربون من تناق�ضات خطابات العاملني يف جم��ال الدعوة الإ�سالمية ،واملتحم�سني لها من العلماء� ،إن توقف منهج اخلالفة الرا�شدة يف احلكم ،ووقوع الأقطار واملفكرين ،وخطباء امل�ساجد ،وغريهم من الن�شطـاء يف هذا الإ�سالمية حتت نظم الإ�ستبداد؛ �أدى �إلى �ش ّل حركة الفكر املجـال! وهذا اال�ستغراب مرجعه التعار�ض بني املفاهيم الإ�سالمي ،وغ ّيب تالقح الأفكار والآراء؛ الذي ميثل �أهم ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
7
عوامل الإبداع والتطور ،ملا يتيحه من تعدد اخليارات التي متكن املتلقي من االختيار بني البدائل ،فالنظم امل�ستبدة ال تعرف �إال ر�أي ًا واحد ًا هو ر�أي احلاكم ب�أمره! ومن خالفه فم�صريه واحد من اثنني � :إما ال�سجن و�إما القرب !. العامل الرابع :اختالف البيئات والأزمنة والأمكنة له �أثر كبري على الفكر ،وبالتايل ف�إن الفهم للدين يتعار�ض من �شخ�ص لآخ��ر لأن��ه لي�س بال�ضرورة �أن تكون و�سائل اال�ستنباط ،وترتيب الأولويات حمل اتفاق من اجلميع يف ظل وجود امل�ؤثرات واخللفيات املتعار�ضة. العامل اخلام�س :تعامل الآخ��ر امللي مع الإ�سالم وامل�سلمني؛ خلق رد فعل غا�ضب لدى امل�سلمني ،فاختلفت �أ�ساليبهم يف التعامل م��ع ه��ذا الآخ ��ر ،م��ا ب�ين الرف�ض والتوا�صل ،فمنذ �أن جاء الإ�سالم وجد �صدود ًا وكيد ًا من امل�شركني ،واليهود ،وبع�ض الن�صارى؛ وا�ستمر هذا النهج حتى ع�صرنا احل��ا��ض��ر مم��ا جعل ك �ث�ير ًا م��ن امل�سلمني يرف�ضون �أي ت�سامح مع الآخر ،ويدعون لإخ�ضاعه بالقوة �أو ا�ستئ�صاله ،بينما يتبع �آخرون منهج ًا يتم�سك بالأ�صل، ويدعو �إل��ى معاملة كل ت�صرف مبا ينا�سبه ،ف ��إذا انتفت الأ�سباب رجعنا للأ�صل. ه��ذه العوامل وغريها �أدت �إل��ى ب��روز م��دار���س كثرية داخل امللة الإ�سالمية ميكن �إجمالها يف ثالثة مناهج تتفرع عنها فرق وطوائف ومذاهب؛ تغطي ال�ساحة الإ�سالمية بامتداداتها الأفقية والر�أ�سية ،تلك املناهج هي :منهج االنكفاء؛ ومنهج التبعية؛ ومنهج الو�سطية .فاملنهج الأول يتبع �أ�سلوبا ال مييز بني الثوابت واملتغريات؛ ويقد�س التاريخ بكل مراحله ،ويرف�ض التوا�صل مع الآخ��ر ،ولديه �أفكار معلبة ي�سعى لإ�سقاطها على الواقع دون التفات �إلى العلل واملتغريات الزمانية واملكانية والظروف البيئية� .أما املنهج الثاين فنقي�ض املنهج الأول ينتمي �إل��ى الإ��س�لام ا�سم ًا، ولكنه يف الواقع م�ستلب �أمام الآخر ،ومنبهر به؛ في�سعى �إلى تقليده يف كل �شئ ،ويدعو �إلى التحرر من كل ما هو ما�ض يف تاريخنا ،بل يت�صور �أن �سبب تخلفنا هو التم�سك بالإ�سالم. واملنهج الثالث يتبع �أ�سلوبا و�سط ًا يلتزم بالثوابت ويجتهد يف املتغريات ،وال يتح ّرج من االقتبا�س من التجارب الإن�سانية النافعة ،ولكن وفق �ضوابط ومعايري معينة متنع االنكفاء وتع�صم من الذوبان.
الفردية واملجتمعية ،وعلى نطاق الدولة وعالقاتها؛ وكان يج�سد الروح الإ�سالمية يف العهد النبوي وعهد الرا�شدين ّ املجال ال�سيا�سي ،غري �أن هذا النهج انقطع بتحول اخلالفة الرا�شدة �إل��ى ملك ع�ضو�ضّ ، فتعطلت ال�شورى ،وغاب العدل ،وا�ضطرب النظام ال�سيا�سي �إلى يومنا هذا ،لقد تو�صل الغرب �إلى بلورة فكر �سيا�سي؛ متخّ �ض عنه النظام الدميقراطي ،وهو نظام يقوم على امل�شاركة ،وامل�ساءلة، وال�شفافية ،والف�صل بني ال�سلطات ،وال �ت��داول ال�سلمي لل�سلطة ،و�سيادة الد�ستور� .إن النظام الدميقراطي؛ ي�شكل حت��دي� ًا ك�ب�ير ُا لأمتنا؛ التي حتفظ �شعارات ع��ن النظام ال�سيا�سي؛ مثل اخلالفة ،ونظام ال�شورى ،وامل�ساواة ،والعدل، ويحفظون �أن الإ�سالم �سبق النظام ال��دويل احلديث يف تطبيق وكفالة حقوق الإن�سان؛ غري �أن هذا النظام مل يتبلور يف �شكل منوذج متفق عليه من علماء الأمة وقادتها ،ومل يطبق يف �أر�ض الواقع املعا�صر؛ ليناف�س النظم ال�سائدة يف ال�ساحة العاملية ،مما جعل الر�أي العام الإ�سالمي منق�سم ًا فبع�ضه ي�ؤيد النظام امللكي وبع�ضه ينادي بالدميقراطية وبع�ضه يتطلع للخالفة ..وهكذا .والآخرون ينظرون �إلينا ب�سخرية لعجزنا عن تقدمي منوذج نقنع به الآخرين ب�صحة مانقول فالت�سا�ؤل الذي يواجهنا يف هذا املجال ماهو النظام ال�سيا�سي الإ�سالمي الذي يج�سد مبادئ الإ�سالم ومقا�صده وتعاليمه لتلتف حوله الأمة وتدعو له ؟. رابعا:التحدي العلمي: التطور العلمي بلغ مبلغ ًا لي�س له مثيل يف التاريخ املعلوم، وكان للح�ضارة الإ�سالمية ق�صب ال�سبق يف اكت�شاف العلوم وو�ضع مناهج البحث العلمي ،غري �أن هذا النجاح �أ�صبح من التاريخ ،واليوم ف�إن العامل الإ�سالمي يف م�ؤخرة الأمم يف جم��ال الإن�ت��اج العلمي والتكنولوجي ،و�إن وج��د بع�ض الن�شاط العلمي؛ فهو منقول عن الآخرين ولي�س �أ�صي ًال ،لقد تط ّورت العلوم ب�صورة مذهلة بعد اكت�شاف الذرة والطاقة النووية ،ويتحدث العلم الآن عن اجلينات ،واال�ستن�ساخ، ونظرية الكون املتمدد ،وغريها من التطورات الهائلة يف جم��االت العلوم؛ فماهو حظ امل�سلمني من كل ذلك ؟ �إن التحدي العلمي الذي يواجه �أمتنا ال ي�ستهان به فما العمل ؟ خام�سا:امل�شكل االقت�صادي :
الن�شاط االقت�صادي الآن جت��اوز املفاهيم التقليدية، ثالثا :امل�شكل ال�سيا�سي : وظ�ه��رت مفاهيم ال�شركات العابرة ل�ل�ق��ارات ،و�أ��س��واق الإ� �س�لام ج��اء دي�ن� ًا خ��امت� ًا ل�ل��ر��س��االت؛ ا�شتمل على الأ�سهم ،والتجارة عرب ال�شبكة العنكبوتية ( الإنرتنت )، �أ�صولها ،ومت ّيز عليها بالعموم ،و�صالحية التطبيق عرب وهي مفاهيم تعك�س حجم التطور الذي حدث يف االقت�صاد ال��زم��ان وامل�ك��ان ،وق��د �إهتم الإ��س�لام بكل ��ش��ؤون احلياة العاملي ،غري �أن العامل الإ�سالمي �أغلبه ي�صنف �ضمن
8
�إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ال��دول الفقرية! فكثري من دول � ��ه ال ت���س�ت�ط�ي��ع ت��وف�ير ال��ق��وت ،وال امل �ي��اه النقية ل���ش�ع��وب�ه��ا ،واق�ت���ص��ادي��ات كثري من ال��دول الإ�سالمية مرهونة للنظام االقت�صادي الغربي ،وقد حلقها ال�ضرر ج��راء االنهيار امل��ايل الذي اجتاح الغرب م�ؤخرا ،ومما ي�ستغرب له �أن بلداننا غن ّية ب��امل��وارد الطبيعية كالرتبة ال�صاحلة للزراعة ،واملياه العذبة ،وال�ثروة احليوانية والغابية ،والقوة الب�شرية؛ ولكنها ع��اج��زة ع��ن ا�ستغاللها وتطويرها ب�سبب �سوء الإدارة ،والر�شوة ،والف�ساد �..إل��خ وحتى امل�صارف التي قامت على النظام الإ�سالمي مل ت�شكل بدي ًال م�صرفي ًا جاذب ًا؛ بل �صار كثري منها �أكرث �سو ًء من البنوك الربوية، لقد كتب كثري من العلماء عن االقت�صاد الإ�سالمي ،وامللكية يف ال�شريعة الإ�سالمية ،والنظام النقدي ،وغري ذلك؛ لكن يظل الواقع االقت�صادي عاجز ًا عن املناف�سة! فالتحدي الذي يواجهنا هو كيف نقدم نظرية اقت�صادية �إ�سالمية عملية تبلور نظام ًا اقت�صادي ًا بدي ًال يتناول علم االقت�صاد، ويحدد معامل النظام االقت�صادي الإ�سالمي ،ويعالج م�شكلة الإنتاج والتوزيع العادل للرثوة ،ويحارب الربا واال�ستغالل واالحتكار�..إلخ �ساد�سا:امل�شكل الدويل :
و�أح�ل�اف ع�سكرية ومنظمات ثقافية ،وجمعيات حقوق الإن�سان ..وغريها من امل�ؤ�س�سات الدولية التي تتدخل يف �سيادة ال��دول وحرية الأف ��راد بقوة القانون ال��دويل. �إن الإ�شكال الذي يواجه الفكراال�سالمي؛ هو كيف يتعامل مع الواقع ال��دويل املعا�صر من �أر�ضية �إ�سالمية جتعلنا مت�صاحلني مع �أنف�سنا ومع عقيدتنا وقادرين على التعاطي مع واقعنا ب�إيجابية. �سابعا :امل�شكل الوحدوي : الوحدة الإ�سالمية متثل �أ�شواق ًا وجدانية ،وتطبيق ًا لأمر َاع ُب ُدونِ { �إلهي �} :إِ َّن َه ِذ ِه �أُ َّم ُت ُك ْم �أُ َّم ًة َو ِاح َد ًة َو َ�أنَا َر ُّب ُك ْم ف ْ (الأنبياء)92:
�إن عوامل الوحدة متوافرة عند امل�سلمني ،فالإله واحد، والنبي متفق على �سريته منذ ميالده وحتى وفاته ،والكتاب متفق عليه ،والقبلة واحدة ،والتاريخ م�شرتك ،وامل�ستقبل واح��د ،وامل�شاعر متفقة؛ غري �أنه بالرغم من وجود هذه املُ � َو ِّح��دات؛ �إال �أن البون �شا�سع بني ال��دول الإ�سالمية، فامل�صالح متناق�ضة ،والفوارق كبرية ،واحلواجز النف�سية �سميكة ،واحلدود القطرية �صارت مقد�سة ،تحَ ْرِ م امل�سلم حتى من احلقوق الإن�سانية! �إن التناق�ض بني التطلعات وال� �ق ��درات ،وال�ت�ب��اي��ن ب�ين امل �ث��ال وب�ين ال��واق��ع املعي�ش، واالختالف بني املحفوظ وبني املنظور؛ كل ذلك ي�شكل عبئ ًا ثقي ًال على العقل اجلمعي للأمة ،فالتحدي هو كيف تتحقق الوحدة يف ظل هذه الأو�ضاع؟
عامل اليوم ال جند له و�صف ًا يف التاريخ ،ف ُكتب ال�سري عندنا تتحدث عن نظام دويل ينق�سم �إل��ى دولتني هما دول��ة الإ� �س�لام ودول��ة الكفر ،ودول��ة الكفر �إم��ا �أن تكون حربية و�إم��ا �أن تكون داخلة مع امل�سلمني يف عهد ،ولكننا اليوم نعي�ش يف عامل خمتلف فالنظام العاملي اليوم يقوم على دول قطرية ت�ق��وم احل �ق��وق وال��واج �ب��ات فيها على �أ�سا�س امل��واط�ن��ة ،وق��ام��ت فيه منظمة دول�ي��ة ه��ي الأم��م املتحدة ومنظماتها الفرعية املتخ�ص�صة ،وهي م�ؤ�س�سة يحكمها ميثاق عاملي؛ يهدف �إل��ى حفظ الأم��ن وال�سلم الدوليني ،وت�ضم الأمم املتحدة دو ًال تنتمي �إلى كل الأديان والثقافات وال�ق��ارات ،وهناك تكتالت �إقليمية كاالحتاد يف اجلزء الثاين من هذا املقال والذي �سين�شر يف العدد الأوروب � ��ي ومنظمة امل ��ؤمت��ر الإ� �س�لام��ي وج��ام�ع��ة ال��دول ال��ق��ادم �سن�ضع احللول التي نراها منا�سبة للم�شكالت العربية واالحتاد الأفريقي� ،إ�ضافة �إلى تكتالت اقت�صادية �أعاله ع�سى �أن تُ�سهم يف �إ�ضاءة دياجر �أو تفتح مغلقاً . ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
9
• مقاالت الوسطية
• • • التطرف االقت�صادي يف الأردن • قراءة يف نف�سية ارهابي " • �إقر�أ.... • ومن النا�س من يعبد اهلل على حرف • احلريات يف الإ�سالم ...مطلقة �أم �ضوابط وحدود • الفرق بني �أنا �أعلم ،و�أنا �أظن � ..إبحا ٌر يف نظر ّية املعرفة • الإن�سان بني النور والظلمات • بع�ض (التد ُّين ِح َجاب) • العوملة والأزمة الأخالقية �أهمية االمانة والقوة يف الأداء الإداري �أربعون ً عبد امللك اجلا�رس عاما قبل النبوة
الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات
د .حممد تركي بني �سالمه
حممد الع�ضايله
د .ح�سن علي املبي�ضني
�أ.د.حممد �أحمد الق�ضاة د .نوال �أ�سعد �رشار
د� .إبراهيم الرتكاوي
د� .سلمان فهد العودة د� .آندي حجازي
� 10إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
د�.أ�سمهان الطاهر
مقاالت الوسطية
�أهمية االمانة والقوة يف الأداء الإداري �إعداد الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات مدير مركز الدرا�سات والإ�ست�شارات والتدريب يف املنتدى العاملي للو�سطية
�إن �أهمية االمانة والقوة يف الأداء الإداري ت�أتي من �أهمية الهدف الذي ت�سعى الإدارة لتحقيقه و�أهمية تزكية العمل بالنظر �إلى العامل ،ملا يرتتب عليه من �سوء الظن يف الدنيا و�سوء العاقبة يف الآخرة. فاجلهاز الإداري قد �أعد ب�شري ًا ومادي ًا ومعنوي ًا ومكاني ًا من �أجل الو�صول للهدف املرجو حتقيقه ،ف�أي تفريط فيه ي�ؤدي �إلى �إهدار هذه الطاقات بقدر ذلك التفريط، من هنا كان احلر�ص على الأداء الإداري اجليد باعتباره من �أهم اهتمامات الإدارة، ومن االمانة والقوة يف الأداء الإداري �إعطاء العاملني حقوقهم وافية غري منقو�صة ودون م�شقة �أو مماطلة. وفيما ي�أتي جمموعة من االي��ات القر�آنية واالحاديث م�صروف ر� َأ�س �سنتك ،و�أنك ت�صري �إلى �أربع خالل :فاخرت لنف�سك؛ �إن وجدناك �أمين ًا �ضعيفًا ،ا�ستبدلناك ل�ضعفك، النبوية التي تبني هذه الأهمية وهي : و�سلمتك من معرتنا �أمانتك عندها تعزل ،و�إن وجدناك ا�س َت�أْ َج ْر َت ا ْل َقو ُِّي ْ أ .1قال اهلل تعالى�} :إِ َّن خَ يرْ َ َم ِن ْ الَ ِم ُني{ خائن ًا قوي ًا ،ا�ستهنا بقوتك ،و�أوجعنا ظهرك ،و�أح�سنّا (الق�ص�ص ،)26 :ويفهم من هذه الآية الكرمية �أن من الأداء �أدبك ،و�إن جمعت اجلرمني جمعنا عليك امل�ضرتني العزل الإداري ُح�سن اختيار العاملني وف��ق �صفتني مهمتني والت�أديب ،و�إن وجدناك �أمين ًا و ِف ًّيا ،زدن��اك يف عملك، وهما :القوة والأمانة مع ًا �إذ �أن واحدة ال تكفي بدليل ورفعنا لك ذكرك ،و�أوط�أنا لك عقبك) قول الر�سول� -صلى اهلل عليه و�سلم – حدثنا عبد امللك �أمني �ضعيف نعزلك ،خائن قوي ن�ؤدبك ،خائن �ضعيف بن �شعيب بن الليث حدثني �أبي �شعيب بن الليث حدثني الليث بن �سعد حدثني يزيد بن �أبي حبيب عن بكر بن نعزلك ون�ؤدبك .و�إن وجدناك �أمين ًا قوي ًا زدناك يف عملك عمرو عن احلارث بن يزيد احل�ضرمي عن ابن حجرية مددنا لك عملك ،ورفعنا لك ذكرك و�أوط�أنا لك عقبك. الأكرب عن �أبي ذر قال :قلت يا ر�سول اهلل � :أال ت�ستعملني يجب �أن تتحمل من موظفيك مليون غلطة �إال الكذب قال :ف�ضرب بيده على منكبي ثم قال يا �أبا ذر � ( :إنك خزي وندامة ،واخليانة ،وبالتعبري احلديث الإخال�ص والكفاءة ،الأمانة، �ضعيف ،و�إنها �أمانة ،و�إنها يوم القيامة �إال من �أخذها بحقها ،و�أدى ال��ذي عليه ٌفيها�) صحيح القوي الأمني ،كفء وخمل�ص .نحن ال ت�صلح �أمورنا �إال �إذا م�سلم -ك الإمارة ( )1826 ،1825فلم يوله الر�سول – �صلى كان الأ�شخا�ص الذين يع َّول عليهم يتمتعون يف وقت واحد بالكفاءة والإخ�لا���ص ،الكفاءة ق��درات ،والإخ�لا���ص قيد اهلل عليه و�سلم – االمارة ل�ضعف �شخ�صيته. للمبد�أ. وهذا �سيدنا عمر -ر�ضي اهلل عنه -ملا َولَّى رج ًال، قال له( :خذ عهدك ،وان�صرف �إلى عملك ،واعلم �أنك .2وقال تعالى } َوال َت�أْ ُك ُلوا �أَ ْم َوا َل ُك ْم َب ْي َن ُك ْم بِا ْل َب ِاطلِ َوت ُْد ُلوا ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
11
النبي� -ص َّلى اهلل ّا�س ِبالآ ْث ِم ِب َها �إِ َلى الحْ ُ َّك ِام ِل َت�أْ ُك ُلوا فَرِ يقًا ِم ْن �أَ ْم َوالِ ال َن ِ وعن ُب َر َيد َة -ر�ضي اهلل عنه -عنِ ِّ عليه و�س َّلم� -أنه قالَ ( :من ا�ستع َملْناه على ع َم ٍل ف َرز ْقنا ُه َو�أَ ْنت ُْم َت ْع َل ُمون{ (البقرة �آيه)188: رز ًق���ا؛ فما �أخ���ذَه بعد ذل��ك فهو غُ ��ل ٌ ��ول) .معنى الغلول ويف هذه الآي��ة دليل على وج��وب طلب احل�لال والبعد اخليانة رواه ابو داود ( )2943و�صححه االلباين عن احل��رام وان اكت�ساب ال��رزق بغري وجه �شرعي باطل وح��رام ،ومن ي�أخذ الأج��رة على عمل ثم ال يقوم به على .3قال اهلل تعالىَّ } :ل ْي َ�س ِب�أَ َما ِن ِّي ُك ْم َوال �أَ َمانيِ ِّ �أَ ْهلِ ال ِْكت ِ َاب الوجه املطلوب �إال كان ما ي�أخذه زيادة على عمله باط ًال َمن َي ْع َم ْل ُ�سوء ًا ُي ْجزَ ِب ِه َو َال َيجِ ْد َل ُه ِمن ُدونِ اللهّ ِ َو ِل ّي ًا َو َال داخ ًال يف هذه الآية الكرمية ،فمث ًال لو �أن موظف ًا طلب �أجر ًا ن ِ َ�صري ًا( { الن�ساء� ،آيه)123: على عمل وهو مكلف به من قبل احلكومة ،وي�أخذ راتب ًا على عمله فيعترب ما �أخذه ر�شوة �أو حرام وهذا ما �أثبته حديث وم�ضمون هذه الآي��ه ان من يفرط فيما ُوك��ل �إليه من الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم -عندما بعث رج ًال جلمع العمل الإداري فهو ممن عمل �سوء ًا ف�سيجزى به كما دلت الزكاة اذ ورد يف ال�صحيحني عن �أبي حميد ال�ساعدي -هذه الآية ،فالعربة بعموم اللفظ ال بخ�صو�ص ال�سبب ر�ضي اهلل عنه -ق��ال :بعث ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه َ َ َ ين �آ َمنُوا �أ ْوفُوا بِا ْل ُعقُود{ ( و�سلم -رج ًال من الأزد يقال له ابن اللتبية على ال�صدقة .4 ،قال اهلل تعالىَ } :يا �أ ُّي َها ال َِّذ َ املائدة� ،آيه)1: فقال عندما عاد من جمع �أموال الزكاة :هذا لكم ،وهذا �أهدي �إيل ،فقام النبي� -صلى اهلل عليه و�سلم :-فحمد وهذا �أمر والأم��ر للوجوب ،فالوفاء بالإلتزامات التي اهلل و�أثنى عليه ،ثم قال( :ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول :هذا لكم ،وهذا �أهدي �إيلّ؟� .أال جل�س يف بيت �أبيه مت التعاقد عليها واجب بن�ص الآية �سوا ًء �أكانت �إدارية �أم فينظر �أيهدى �إليه �أم ال!! والذي نف�س حممد بيده ،ال غريها ما دامت يف حدود املباحات وامل�شروعات وهي ت�شمل نبعث �أحداً منكم في�أخذ �شيئاً �إال جاء يوم القيامة يحمله امل�س�ؤول الإداري ومن حتت �إدارته وم�س�ؤوليته. على رقبته� ،إن كان بعرياً له رغاء� ،أو بقرة لها خوار� ،أو �شاة تيعر ،فرفع يديه حتى ر�أيت عفرة �إبطيه فقال :اللهم هل .5وقال اهلل تعالىَ } :و َت َعا َو ُنوا َع َلى ا ْلبرِ ِّ َوال َّت ْق َوى َولاَ َت َعا َو ُنوا ال ْث ِم َوا ْل ُع ْد َوانِ { (�سورة املائدة� ،آية)2: َع َلى ْ إِ بلغت ثالثاً)( .البخاري ،1500 /428/3م�سلم )6/11 ن�ستنتج من هذه الآية �أن القيام بالواجب الإداري من ومعنى احلديث� :أن من تولى والي��ة وقدمت له هدية من �أجل واليته مل يجز له قبولها ،لأنها كالر�شوة .ف�أما �إن الرب والتقوى بال�شرط املتقدم فالتعاون عليه م�أمور بن�ص كانت الهدية قد �أهديت له ممن كان يهدى �إليه قبل واليته ،هذه الآية الكرمية ،كما �أن التعاون على التفريط يف العمل ف�إنه يجوز له قبولها منه بعد الوالية ،لأنها مل تكن من �أجل ،و�أوقاته وت�ضييع الواجبات من التعاون على الإثم والعدوان الوالية لوجود �سببها قبل الوالية، ،وهذا ما نهى اهلل عز وجل عنه. � 12إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ال ْر ِ�ض ال�س َما َو ِات َو َْ أ قال تعالى �} :إنَّا َع َر ْ�ضنَا َْ أ ا�ست ََط ْعت ُْم{(التغابن : ال َما َن َة َع َلى َّ -6وقال اهلل تعالى } فَا َّتقُوا اللهَّ َ َما ْ �آية )16 ن�س ُان، َوالجْ ِ َبالِ َف�أَ َبينْ َ �أَن َي ْح ِم ْل َن َها َو�أَ�شْ َفق َْن ِم ْن َها َو َح َم َل َها ْ ِإ ال َ وما َج ُهولاً { (الأحزاب )72، وهنا �أمر اهلل -عز وجل -لنا معا�شر امل�سلمني ب�أن نتقي �إِ َّن ُه َك َان َظ ُل ً اهلل -تعالى -ما ا�ستطعنا وهذا يفيد الإداريني من م�س�ؤولني �إن الأمانة مو�ضوع من �أهم املوا�ضيع التي مت�س حياة وغريهم �إذ عليهم بذل �أق�صى جهدهم يف �أداء مهمتهم امل�سلم اليومية يف معامالته مع الآخرين ،يف درجة �أدائه ً الإداري��ة ،دون تفريط �أو �إفراط وورد يف هذا املجال �أي�ضا لعمله ،ويف م�صداقيته ،ويف عدالته و�إعطاء كل ذي حق قول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم عن �أبي هريرة -ر�ضي اهلل حقه .والأمانة هي احلقوق والواجبات التي يطلب من املكلف عنه -قال :قال ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم " -ثالثة �أنا خ�صمهم يوم القيامة :رجل �أعطى بي ثم غدر ،ورجل حفظها ح�سية كانت �أو معنوية من حقوق اهلل على عباده� ،أو باع حر ًا ف�أكل ثمنه ،ورجل �إ�ست�أجر �أجري ًا فا�ستوفى منه ومل حقوق العباد بع�ضهم على بع�ض ،من مل ي�ؤدها بحقها عوقب يعطه �أج��ره " رواه البخاري .وهذا حديث جامع مانع دل بها يف الآخرة .والأمانة احدى عن�صري الكفاءة الإدارية على �أن الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم -خ�صم من ورد و�أعظمها �أهمية. �صفتهم يف هذا احلديث .وتب ًا ملن كان خ�صمهم ر�سول اهلل فهكذا يتوقف ح�سن الأداء الإداري بدء ًا من التخطيط – �صلى اهلل عليه و�سلم -يوم القيامة يوم ال �ساعة مندم – .التنظيم -التوجيه – الرقابة – التنفيذ .على العن�صر وم��ن خ�لال الآي��ات التي مت ذكرها والأح��ادي��ث يتبني الب�شري ودرجة �أمانته وقوته ،و�إن �أي خلل يف هذا الأداء لنا �أهمية االمانة والقوة يف الأداء الإداري ،فما �أحرى كل مرده �إلى التق�صري يف هذين اجلانبني املهمني. م�س�ؤول �أن يتق اهلل يف عمله لأنه �سي�سئل عن عمله هل �أداه فماذا �إذن لو غابت العداله وف�شا الظلم الإداري وغلبت على حقه �أم ال؟ احل�ي��ل الإداري� ��ة امل�ح��رم��ة وظ�ه��رت يف ه��ذا اجل��و املظلم ف�إن مل ي�ؤده على حقه �سيحا�سب على ذلك ،ندعو اهلل عز اخلفافي�ش من �أ�صحاب النفاق والهوى واخليانة واختفى وجل �أن يكون جميع امل�س�ؤولني يف �أمة الإ�سالم على م�ستوى �أ�صحاب الر�أي واحلق والأمانة .....؟ من الأمانة والقوة التي �أراده��ا اهلل عز وجل ،و�أن يقوموا �إذا ح�صل ذلك فقل على الإدارة ال�سالم ن�س�أل اهلل �أن بواجبات الوظيفة على �أعلى م�ستوى من الأداء ومن هنا ف�إن ً ً الأداء الإداري بدء ًا من التخطيط وانتها ًء بالتنفيذ فيه من يجعلنا �أهال حلمل الأمانة و�أ�شد حر�صا على حفظها ،و�أن اخلفاء ما ال يطلع عليه �إال اهلل ،وبع�ض جوانبه �أخفى من يرزقنا ح�سن الأداء وعظيم اخل�شية يف ال�سر والعلن �إنه نعم بع�ض ،فهو �أحق بالرعاية والعناية والإهتمام. املعني ونعم النا�صر. ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
13
مقاالت الوسطية
�أربعون ً عاما قبل النبوة عبد امللك اجلا�رس
�أربعون عام ًا من حياة النبي الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم قبل مبعثه � ،أرب �ع��ون ع��ام� ًا كلها �صفاء ون�ق��اء . �أربعون عام ًا تكلمت فيها الفطرة ،وجتلت فيها ال�صفات احلميدة ،وظهرت فيها العناية الربانية ،يف �إعداد �سيد الربية . �أربعون عام ًا ُه ّي�أ العظيم فيها لأمر عظيم ،لتكون تلك وقف رجل يت�أمل ال�سماء والنجوم ،ف�إذا الأمر خمتلف الأربعني هي بداية التغيري للعامل ال�سفلي من ظلمات الكفر واجلهل �إلى نور التوحيد والعلم � ،أربعون عام ًا فيها �أفراح عن العادة ،فالآية قد ظهرت !! و�أتراح ،و�آمال و�آالم (وكان اهلل عليما حكيما). فما كان منه �إال �أن �صرخ بقومه : ابتد�أت تلك الأربعني بـ : " يا مع�شر اليهود !!! " ( )1والدة يتيمة !! فاجتمعوا �إليه فقال “ :طلع جنم �أحمد الذي ُولد به تويف الوالد قبل الوالدة ،بعد �سعي يف طلب لقمة العي�ش ،يف هذه الليلة " . ليكون على موعد مع القدر يف �أر�ض يرثب ،مقبورا يف �أحد نعم ..لقد ُولد �أحمد ،وها هو بني �أح�ضان �أمه تر�ضعه مقابرها !! وت�شاركها يف ذلك � :أم �أمين ،وثويبة موالة �أبي لهب . و�أُودع الوالد والزوج الرثى ،لتعاين الوالدة احلنون �آالم ومتر الأيام ....و�إذا بالر�ضيع يف : الو�ضع ،و�آالم الفقد ،و�آالم م�ستقبل طفل تيتم قبل خروجه للدنيا !! ( )3ديار بني �سعد : وت�أتي �ساعة ال�صفر وت�ستب�شر الدنيا بـ : فانتقل مع �أمه �إلى حليمة ال�سعدية لرت�ضعه يف م�ضارب ( )2والدة حممد � -صلى اهلل عليه و�سلم : -بني �سعد بن بكر ،على عادة العرب يف التما�س املرا�ضع لأوالده��م ،لتقوى �أج�سامهم ،ويتقنوا الل�سان العربي من فيولد �سيد املر�سلني ب�شعب بني ها�شم ،يف �صبيحة يوم �صغرهم . االثنني التا�سع من �شهر ربيع الأول ،لأول عام من حادثة الفيل ،وقبل هجرته عليه ال�صالة وال�سالم بثالث وخم�سني �سنة ،ويوافق ذلك الع�شرين �أو الثاين والع�شرين من �شهر �إبريل �سنة ( 571م ) ،ح�سبما ذك��ره بع�ض املحققني . ويف مكان �آخر بعيدا عن ذلك البيت ال�صغري الذي ُولد به ذلك العظيم :
� 14إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
فقال ( :هذا قرب �آمنة بنت وهب) !!
ويف تلك امل�ضارب ن�ش�أ حممد ال�صغري .. وبها وقف وم�شى على قدميه .. وبها �ضحك ولعب مع �أقرانه ال�صغار .. ف ��أي ب��راءة وجمال كانت ت�شع من عيني ذل��ك الطفل الطاهر !!
لقد توقفت املطايا يف مكان يقال له الأب ��واء ،ليكون ال�صغري على موعد جديد مع اليتم ،وت��ؤخ��ذ �آمنة منه، وتوارى بني ناظريه ،لينتقل الطفل باكيا �إلى : ( )6جده عبد املطلب :
عاد �صغري الآالم �إلى اجلد العطوف ،الذي رق له رقة ف�صلوات ربي و�سالمه عليه . �شديدة ،فكان ال يدعه وحيدا ،بل جعله مقدما على �أوالده ويف تلك امل�ضارب رعى الغنم ،و�سار خلفها وقادها مع وبنيه . �إخوانه من الر�ضاع . �إن لعبد املطلب فرا�شا ال يجل�س عليه غريه �إج�لاال له ومتر الأي��ام على رع��اة الغنم ال�صغار ،ويبلغ ال�صغري واح�ترام��ا ،فكان حممد ال�صغري هو الوحيد امل�صرح له �أرب��ع �سنني ،وبينما هو يلعب مع الغلمان� ،إذ به ي�صرع باجللو�س ،في�أتي الأوالد والأبناء ل ُيبعدوه ،فيقول اجلد : وي�ضجع من رجلني عليهما ثياب بي�ض ،لينطلق املنادي �إلى " دعوه ،واهلل �إن لهذا �ش�أنا " !!! �أمه بنداء الرعب واخلوف “ :لقد ُقتل حممد!!! " . ومتر الأيام ويبلغ ال�صغري ثمان �سنني ،ليكون على موعد فكان ذلك القتل هو : جديد مع الآالم ، (� )4شق ال�صدر : فها هو عبد املطلب يوارى الرثى ،لتكون و�صيته الأخرية، لقد �أ�ضجعه ال��رج�لان ،ثم �أخرجا منه علقة �سوداء �أن يكون ال�صغري عند : ف�ألقياها ،فانتهت حظوظ ال�شيطان منه ،ثم غ�سال قلبه يف ( )7عمه �أبا طالب : ط�ست من ذهب مباء زمزم ،ثم �أعادا قلبه �إلى مكانه ،فجاء ال�صغري �إلى القوم وهو منتقع اللون .يقول �أن�س ر�ضي اهلل فنه�ض باليتيم على �أك �م��ل وج ��ه ،و��ض� ّم��ه �إل ��ى بنيه عنه ( :وقد كنت �أرى �أثر ذلك املخيط يف �صدره) . وق��دم��ه ع�ل�ي�ه��م ،واخ �ت �� �ص��ه مب��زي��د اح�ت��رام وت �ق��دي��ر . فلما ر�أت حليمة ذل��ك :خافت على ال�صغري من �أن ومتر الأي��ام ...وي�أتي على قري�ش �سنون عجاف� ،أجدبت لها الأر�ض ،وكاد يهلك بها القوم ،فبات النا�س يف �شظف ي�صيبه �شيء ،فاتخذت قرارا بـ : من العي�ش ،فما كان من قري�ش �إال �أن طلبوا من �سيدهم �أبا طالب �أن ي�ست�سقي لهم ،فكان : ( )5رده �إلى �أمه احلنون : ف���رج���ع ال�����ص��غ�ي�ر �إل � � ��ى �أح � �� � �ض� ��ان �أم � � ��ه ت ��رع ��اه وحت �ن��و ع �ل �ي��ه ،ف �ك��ان ع �ن��ده��ا ح �ت��ى ب �ل��غ � �س��ت ��س�ن�ين ، لتتحرك عاطفة �آمنة و�شوقها �إلى حيث تويف الزوج ويقطن الأه��ل ،فعزمت على ال�سفر �إلى يرثب ،فتحركت املطايا، ومكثت �شهرا يف ي�ثرب ،ليحني بعد ذل��ك وق��ت الرجوع، ويف طريق ال�سفر بني يرثب ومكة :توقفت املطايا يف مكان يحمل يف طياته ذكرى ال تزال عالقة بذاكرة احلبيب حتى بعد النبوة ،فم ّر يوما على قرب فانتهى �إليه وجل�س ،وجل�س النا�س حوله ،فجعل يحرك ر�أ�سه كاملخاطب – كما يروي ذلك بريدة ر�ضي اهلل عنه – ثم بكى بكاء مل يبكه من قبل، فا�ستقبله عمر فقال : يا ر�سول اهلل ما يبكيك ؟
(� )8أبي�ض ُي�ست�سقى الغمام بوجهه : خرج �أبو طالب ي�ست�سقي ،وال�سماء ما فيها من قزعة !! ومعه الغالم ال�صغري –�صلى اهلل عليه و�سلم -وبنيه ،ف�أخذ �أبو طالب الغالم اليتيم ال�صغري -وهو يتذكر كلمات عبد املطلب ( :واهلل �إن لهذا �ش�أنا ) !! – ف�أل�صق ظهره بالكعبة وا�ست�سقى . ف�أقبل ال�سحاب من كل جانب ،وانفجرت ال�سماء مباء منهمر ،فقال �أبو طالب : و�أبي�ض ُي�ست�سقى الغمام بوجهه ِث ُ مال اليتامى ع�صمة للأرامل
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
15
ومتر الأي��ام ...ويبلغ النبي الكرمي اثنتي ع�شرة �سنة، ويف �صيف حار حتركت ركائب قري�ش نحو ال�شام ،فكانت ق�صة : (ُ )9بحريى الراهب : ف��ارحت��ل �أب��و ط��ال��ب بقومه وم�ع��ه حممد � -صلى اهلل عليه و�سلم ،-فلما و�صلوا �إلى ُب�صرى نزل القوم للراحة، فخرج �إليهم بحريى ومل تكن من عادته اخل��روج �إليهم، فتخللهم حتى جاء �إلى الفتى ال�صغري و�أخ��ذ بيده وقال : هذا �سيد العاملني !! هذا ر�سول رب العاملني !! هذا يبعثه اهلل رحمة للعاملني !! . فقال �أب��و طالب و�أ�شياخ قري�ش :وم��ا علمك بذلك ؟ فقال � :إنكم حني �أ�شرفتم من العقبة مل يبق حجر وال �شجر �إال خ ّر �ساجدا ،وال ي�سجدان �إال لنبي ،و�إين �أعرفه بخامت النبوة �أ�سفل من غ�ضروف كتفه مثل التفاحة ،و�إنّا جنده يف كتبنا " .
الن�ساء� ،إال ليلتني ،كلتاهما ع�صمني اهلل تعالى منهما، ق�ل��ت ليلة لبع�ض ف�ت�ي��ان م�ك��ة – ون �ح��ن يف رع��اي��ة غنم �أهلنا – فقلت ل�صاحبي � :أب�صر يل غنمي حتى �أدخ��ل م�ك��ة ،ف�أ�سمر فيها كما ي�سمر الفتيان .ف�ق��ال :بلى . ف��دخ��ل��ت ح��ت��ى �إذا ج��ئ��ت �أول دار م� ��ن دور م�ك��ة � �س �م �ع��ت ع ��زف ��ا ب ��ال� �غ ��راب� �ي ��ل وامل � ��زام �ي��ر .ف �ق �ل��ت : ما هذا ؟ فقيل :تزوج فالن فالنة .فجل�ست �أنظر ،و�ضرب اهلل على �أذين ،فواهلل ما �أيقظني �إال م�س ال�شم�س .فرجعت �إلى �صاحبي ،فقال :ما فعلت ؟ فقلت :ما فعلت �شيئا ،ثم �أخربته بالذي ر�أي��ت .ثم قلت له ليلة �أخ��رى � :أب�صر يل غنمي حتى �أ�سمر مبكة .ففعل ،فدخلت ،فلما جئت مكة �سمعت مثل الذي �سمعت تلك الليلة ،ف�س�ألت .فقيل :فالن نكح فالنة ،فجل�ست �أنظر ،و�ضرب اهلل على �أذين ،فواهلل ما �أيقظني �إال م�س ال�شم�س ،فرجعت �إلى �صاحبي فقال :ما فعلت ؟ قلت :ال �شيء ،ثم �أخربته باخلرب ،فواهلل ما هممت وال عدت بعدها ل�شيء ،حتى �أكرمني اهلل بنبوته) .
�إنها الرعاية الربانية ،تقف للحيلولة بينه وب�ين تلك ثم �س�أل �أبا طالب �أال يذهب به �إلى ال�شام خوفا عليه النوازع ،ولذلك جاء يف الأثر : من الروم واليهود ،فرده �أبو طالب بغلمان معه �إلى مكة . ( �أدبني ربي ف�أح�سن ت�أديبي) . �شب النبي الكرمي ،ومل يكن له عمل ومتر الأي��ام ...وقد ّ معني يف �أول �شبابه .ولكن ج��اءت ال��رواي��ات وتوالت ب�أن ومتر الأيام ...ليبلغ النبي الكرمي ع�شرين عاما ،لي�شهد مهنته كانت : حربا وقعت يف �شهر حرام ،فتُ�سمى بـ : ( )10رعي الغنم : ( )12حرب ال ِف َجار : ل�ق��د ك��ان ي�سري ط ��وال ن �ه��اره خ�ل��ف ال�غ�ن��م ،فرعاها يف بني �سعد اب �ت��دا ًء ،ث��م يف مكة على ق��راري��ط لأهلها . �إن مهنة كهذه ُي�شرتط لها �أمانة مع طول نف�س ،ولذا ( :ما من نبي �إال وقد رعى الغنم ) ،ولعل ذلك – واهلل �أعلم : -
وقعت تلك احل��رب يف �سوق عكاظ بني قري�ش ومعهم كنانة وب�ين قي�س ع�ي�لان ،فا�صطف ال�ق��وم ووق�ع��ت حرب �ضرو�س ،وكان النبي الكرمي ُيعد النبل للرمي ،وكثرُ القتل يف الطرفني ،حتى ر�أى عقالء القوم �أن و�ضع �أوزار احلرب واال�صطالح خري من امللحمة ،فهدموا ما بينهم من العداوة وال�شر ،وعلى �أثر ذلك ح�صل :
لأن �صورة القطيع �شبيهة ب�سري �سواد الأم��م ،والراعي قائد يتطلب عليه �أن يبحث عن الأماكن اخل�صبة والآمنة، كما يتطلب ذلك حماية وحرا�سة ملا قد يعرت�ض قافلة ال�سري . ( )13حلف الف�ضول : وهذه املهنة فيها ما فيها من ق�سوة ومتابعة� ،إال �أنها تُثمر �إن ��ه حلف اخل�ير وال �ع��دال��ة ،ت��داع��ت �إل �ي��ه قبائل من قلبا عطوفا رقيقا ،وواقع حال رعاة الغنم خري �شاهد على قري�ش يف ذي القعدة ،وك��ان اجتماعهم يف دار عبد اهلل ذلك . بن جدعان التيمي ،فتعاهدوا وتعاقدوا على �أال يجدوا وبعيدا عن العمل وهمومه ،وبعيدا عن كدح البحث عن مبكة مظلوما م��ن �أهلها وغ�يره��م م��ن �سائر النا�س �إال لقمة العي�ش نقف مع : ق��ام��وا م�ع��ه ،و�شهد ه��ذا احل�ل��ف النبي ال�ك��رمي – �صلى ( )11نوازع نف�س حممد �صلى اهلل عليه و�سلم :اهلل عليه و�سلم ،-وقال عنه بعد �أن �أكرمه اهلل بالنبوة : ( لقد �شهدت يف دار عبد اهلل بن جدعان حلفا ما �أحب يحدثنا النبي الكرمي عن نف�سه يف تلك الفرتة فيقول � :أن يل به حمر النعم ،ولو �أُدع��ى به يف الإ�سالم لأجبت) . ( ما هممت ب�شيء مما كان �أهل اجلاهلية يهمون به من وال ع �ج��ب يف ذل� ��ك ،ف �ه��و ن �ب��ي ال��ع��دال��ة وال��رح��م��ة .. � 16إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ومت�ضي الأيام ...ويبلغ النبي الكرمي اخلام�سة والع�شرين قا�ضيا يف املو�ضوع ،فما الذي فعلته خديجة ؟ من عمره ،ليخرج �إلى : يروي لنا ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما ذلك فيقول : ( )14جتارة ال�شام : " �إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ذكر خديجة – وذل��ك يف م��ال خلديجة بنت خويلد ،بعد �أن �سمعت وكان �أبوها يرغب عن �أن يزوجه ،-ف�صنعت طعاما و�شرابا، ب�أخبار ال�صادق الأمني �صلى اهلل عليه و�سلم ،وجعلت معه فدعت �أبوها وزمرا من قري�ش ،فطعموا و�شربوا حتى ثملوا . غالم ًا لها ُيقال له :مي�سرة . فقالت خديجة لأبيها � :إن حممدا بن عبد اهلل يخطبني ذهب النبي الكرمي �إل��ى ال�شام ،فما لبث �أن رجع �إلى فزوجني �إياه .فزوجها �إياه .فخلقته و�ألب�سته حلة – وكذلك مكة ،فر�أت خديجة يف مالها من الأمانة والربكة ما مل تره كانوا يفعلون بالآباء ،-فلما �سرى عنه �سكره ،نظر ف�إذا من قبل ،وح ّدثها مي�سرة مبا ر�آه من حال ال�صادق الأمني ،خملق وعليه حلة ،فقال :ما �ش�أين هذا ؟ قالت خديجة : فما كان منها �إال �أن �سعت ليكون اخلرب يف �أرجاء مكة : زوجتني حممد بن عبد اهلل .قال � :أُز ّوج يتيم �أبي طالب !؟ ( )15حممد – �صلى اهلل عليه و�سلم – زوج خلديجة ال لعمري . – ر�ضي اهلل عنها !! - فقالت � :أما ت�ستحي ؟! تريد �أن ت�سفه نف�سك عند قري�ش، وذل��ك بعد �أن تقدم لها ��س��ادات قري�ش ،فكان الإب��اء تخرب النا�س �أنك كنت �سكران !! فلم تزل به حتى ر�ضي " . ويتزوج ال�شريف ال�شريفة ،ومتر الأيام والأعوام على ذلك عليهم هو اجلواب . البيت الهادئ اجلميل ،و ُيرزق منها بالبنني ،والنبي الكرمي ثم ملّا ر�أت ما ر�أت بعد تلك التجارة املباركة :عزمت ُيقري ال�ضيف ،ويعني امللهوف ،وين�صر املظلوم ،ويكون يف على نية �أف�صحتها ل�صديقتها :نفي�سة بنت منبه .فقامت حاجة �أهله .. بدورها بذكر ذلك للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم . ويجرف مكة �سيل ع��رم وينحدر �إل��ى البيت ف ُي�ص ّدع فر�ضي بذلك� ،إال �أن والد خديجة حاول عبثا الوقوف جدرانه حتى �أو�شك على الوقوع واالنهيار ،فاتفقت قبائل �أمام هذا الزواج امليمون� ،إال �أن حيلة خديجة كانت َح َك َم ًا قري�ش على : ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
17
عقولهم ،فكان عليه ال�صالة وال�سالم ال يح�ضر عيدا لوثن، (� )16إعادة بناء الكعبة : وال ي�شهد احتفاال عند �صنم ،وال يحلف بالالت ،وال يتقرب وتبني قري�ش الكعبة ب�شرط م�سبوق � “ :أال يدخل يف لعزى ،وال ي�شرب خمرا ،وال ي�أكل مذبوحا على ُن�صب، بنائها �إال طيبا ،فال يدخل فيها مهر بغي ،وال بيع ربا ،وال ف�أبغ�ض ذلك كله .يقول مواله زيد بن حارثة ر�ضي اهلل عنه مظلمة لأحد من النا�س " . ... " :فوالذي �أكرمه و�أنزل عليه الكتاب ما ا�ستلم �صنما وي�شارك النبي الكرمي �صاحب اخلم�س وثالثني عاما يف حتى �أكرمه اهلل بالذي �أكرمه و�أنزل عليه " . البناء ،ويحمل احلجارة من الوادي م�شاركا قومه يف مثل فكان عليه ال�صالة وال�سالم موحدا على ملة �إبراهيم هذا احلدث العظيم . اخلليل عليه ال�سالم . ويرتفع البناء ،ويعود للبيت جالله وهيبته ،ومل��ا بلغ لقد جمع ال�صادق الأم�ين من الأو�صاف وال�شمائل ما البنيان مو�ضع احلجر الأ�سود ح�صل االختالف ،وتنازع القوم يف �شرف و�ضع احلجر الأ�سود �أربع ليال �أو خم�س حتى جعلت حمبته ال تقف عند الب�شر ،بل تتعداه �إل��ى احلجر كادت احلال �أن تتحول �إلى حرب �ضرو�س !! �إال �أن �أبا �أمية وال�شجر ،يقول عليه ال�صالة وال�سالم بعد �أن �أكرمه اهلل بن املغرية املخزومي عر�ض عليهم �أن يحكموا فيما �شجر بالر�سالة � ( :إين لأعرف حجرا مبكة كان ُي�س ّلم علي قبل بينهم �أول داخل عليهم من باب امل�سجد .فارت�ضى القوم �أن �أبعث) !! . ذلك . ف�صلوات ربي و�سالمه عليه . ف ��إذا مبحمد بن عبد اهلل بن عبد املطلب يكون ذلك ومت ��ر الأي� ��ام ...ح�ت��ى ب ��د�أ ط ��ور ج��دي��د م��ن حياته الداخل .فهتف القوم � :أن ر�ضينا بالأمني . �صلى اهلل عليه و�سلم ،فكان يرى الر�ؤية ثم ال يلبث حتى فطلب عليه ال�صالة وال���س�لام ردا ًء فو�ضع احلجر ي��راه��ا واق�ع��ا م�شهودا �أم��ام��ه ،ف�ك��ان ذل��ك ب��داي��ة ب�شرى و�سطه ،وطلب من ر�ؤ�ساء القبائل املتنازعني �أن مي�سكوا النبوة والر�سالة واال�صطفاء ،لتكون البداية احلقيقية جميعا ب�أطراف ذلك الرداء ،و�أمرهم �أن يرفعوه ،حتى �إذا يف ال �غ��ار ب �ـ }اق� ��ر�أ ب��ا��س��م رب��ك ال ��ذي خ �ل��ق{ ،وي �ن��ادي امل �ن��ادي يف �أ� �ص �ق��اع امل �ع �م��ورة � :إن حم �م��دا ق��د ُب �ع��ث !! �أو�صلوه �إلى مو�ضعه �أخذه بيده فو�ضعه يف مكانه .فر�ضي ف � ��إذا ع �ق��ارب ال���س�ن�ين والأع�� ��وام ق��د دق��ت الأرب��ع�ي�ن !! القوم بذلك ،وانهى نزاعا كادت دما�ؤه �أن ت�صل �إلى الركب !! ف�صلوات ربي و�سالمه عليه ... ومتر الأيام ...وغربة النبي الكرمي تزداد يوما بعد يوم، ت�ل��ك الأرب� �ع ��ون – لعمر احل��ق : -ع��راق��ة اخل�ل�ال، ف��وج��وه يعرفها ،و�أح���وال ينكرها ،ك��ان ذا �صمت طويل ي ��زدان بالت�أمل وال�ن�ظ��ر ،لقد ك��ان��ت تلك ال�ف�ط��رة التي ف�ك�ي��ف مب��ا ب �ع��د الأرب� �ع�ي�ن ،ح�ي�ن ُب �ع��ث �إل� ��ى ال �ع��امل�ين !! (و�إنك لعلى خلق عظيم) .. ُجبل عليها متنعه من �أن ينحني ل�صنم� ،أو يهاب وثن . فاعتزل ال�ق��وم مل��ا ر�أى م��ن �سفاهة �أح�لام�ه��م ،وتفاهة املراجع : م�سند الإمام �أحمد . �صحيح البخاري . �صحيح م�سلم . جامع الرتمذي . �صحيح و�ضعيف اجلامع ال�صغري للألباين . �سرية ابن ه�شام ( )164/1وما بعدها . الف�صول يف �سرية الر�سول البن كثري ( )83ومابعدها . � 18إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الكامل يف التاريخ البن الأثري ( )32/2وما بعدها . خمت�صر �سرية الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم لل�شيخعبد اهلل بن الإمام حممد بن عبد الوهاب ( )25وما بعدها . الرحيق املختوم لل�شيخ �صفي الرحمن املباركفوري( )71وما بعدها . ال�سرية النبوية لل�شيخ حممد ال�صوياين ( )21/1ومابعدها . امل�صدر www.saaid.net :
مقاالت الوسطية
التطرف االقت�صادي يف الأردن د .حممد تركي بني �سالمه
التطرف ب�أنواعه املختلفة الديني والفكري وال�سيا�سي واالقت�صادي من الظواهر اخلطرية التي تهدد �أمن املجتمع والدولة على حد �سواء ،فالتطرف هو املنتج واملغذي للعنف والفو�ضى والإرهاب ،وقد �شاع م�ؤخر ًا ا�ستخدام مفهوم التطرف الديني وال �سيما الإ�سالمي Islamic Radicalismب�شكل غري م�سبوق وذلك الرتباطه مبفاهيم وظواهر �أخرى مثل التع�صب والت�شدد والطائفية واملذهبية والعنف واحلرب الأهلية والإرهاب ،وكذلك نتيجة تنامي و�صعود الظاهرة الدينية يف املجتمعات العربية والإ�سالمية ،وظهور جماعات دينية متطرفة وخ�صو� ًصا التكفريية منها ،والتي يعتقد �أفرادها ب�أنهم ميتلكون احلقيقة املطلقة التي ال تقبل احلوار والنقا�ش,وكل من يخالفها الر�أي يتم ا�ستباحة دمه ,وهذا النوع من التطرف من �أكرث �أنواع التطرف خطورة ،حيث يتم فيه جتنيد فئات من املجتمع ،وال �سيما من فئة ال�شباب ،لتحقيق �أهداف �ضد املجتمع و�أمنه وا�ستقراره وتقدمه وازدهاره � ،إال �أن التطرف االقت�صادي ال يقل خطورة عن التطرف الديني ،فالتطرف االقت�صادي هو �أب التطرف بكل �أنواعه ،حيث �إن الآثار الناجمة عن التطرف االقت�صادي �أو ال�سيا�سات االقت�صادية احلمقاء هي التي تنتج الفقر والبطالة واحلرمان واملعاناة واال�ستغالل والتهمي�ش ،وهذه ت�شكل بدورها بيئة حا�ضنة لكل �أنواع التطرف والإرهاب ،ولعل ما �شهدته بلدان الربيع العربي من ثورات وانتفا�ضات وحروب طاحنة خالل ال�سنوات املا�ضية خري �شاهد على دور العامل االقت�صادي يف خروج اجلماهري �إلى ال�شوارع وامليادين العامة منادية باحلرية والعدالة االجتماعية .ويف الأردن ،فقد �شهدت البالد خالل ال�سنوات املا�ضية حراك ًا �شعبي ًا كبري ًا حيث تنادي اجلماهري ب�إ�صالح النظام ال تغيريه ،و�إعادة النظر بالنهج االقت�صادي الذي اتبع م�ؤخر ًا وكان له �آثار كارثية على �صعيد املجتمع والدولة .فيما التزال البالد حتارب االرهاب دون ان تتمكن من جتفيف منابعه . والتطرف ا�صطالح ًا هو جتاوز حد االعتدال �سواء يف العقيدة مفهوم التطرف �أو الفكر �أو ال�سلوك ،هذا التجاوز ي�ؤدي �إلى اندفاع غري متوازن يعرف التطرف يف اللغة ب�أنه جم��اوزة احلد واالبتعاد عن �إل��ى التحم�س املطلق لفكر �أح��ادي ي�صبح معه �صاحبه �أح��ادي الو�سطية واخلروج عن امل�ألوف والبعد عما عليه اجلماعة ،ويربط ال�شعور ،ويف حالة ا�ضطراب نف�سي يفقده القدرة على التمييز البع�ض بني التطرف والغلو والتع�صب والإرهاب� ،إال �أن التطرف بني الإيجابي وال�سلبي وبني ال�سيئ والأ�سو�أ. �أع��م وا�شمل من الغلو� ،أم��ا التع�صب فهو عدم قبول احلقيقة ويف �ضوء ما �سبق ميكن تعريف التطرف االقت�صادي ب�أنه بالرغم من وجود احلجة والدليل الدامغ وذلك نتيجة امليل �إلى املبالغة لدرجة الغلو والت�شدد يف التم�سك بجملة من الأفكار جانب �أو طرف يف مو�ضوع ما� ،أما الإرهاب فهو نتيجة مبا�شرة االقت�صادية يرف�ض �أ�صحابها احلوار والنقا�ش ب�ش�أنها ،وذلك للتطرف. ب��ال��رغ��م م��ن انف�صالها ع��ن بيئة وث�ق��اف��ة املجتمع وال��دول��ة، ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
19
وذلك باعتبارها �أفكار اقت�صادية غريبة ال متت ب�صلة للن�سيج االجتماعي للمواطن الأردين وهويته وثقافته ،وما�ضيه وحا�ضره وم�ستقبله ،وهي �أي� ًضا غري من�سجمة مع التاريخ االقت�صادي للدولة الأردنية ،ولعل �أخطر ما يف هذه الأفكار االقت�صادية هي �سعيها لفكفكة الدولة الأردنية وهدر مواردها الوطنية وال �سيما يف غياب ال�شفافية وامل�ساءلة وا�ست�شراء الف�ساد. دولة القطاع العام يف الأردن :ق�صة جناح ل�ل�ت�ج��رب��ة االق �ت �� �ص��ادي��ة الأردن� �ي ��ة خ�صو�صية ن��اب�ع��ة من خ�صو�صية ن���ش��أة ال��دول��ة الأردن� �ي ��ة ،ح�ي��ث �إن ن���ش��وء ال��دول��ة ��س�ب��ق ن���ش��وء امل�ج�ت�م��ع وامل ��ؤ� �س �� �س��ات االق �ت �� �ص��ادي��ة ،ف��ال��دول��ة الأردن� �ي ��ة وب��ال��رغ��م م��ن � �ش��ح م ��وارده ��ا و�إم �ك��ان��ات �ه��ا ،فقد ق��ام��ت ال��دول��ة يف م��رح�ل��ة ال�ت�ك��وي��ن ب��إن���ش��اء ال�ب�ن�ي��ة التحتية The Infrastructureواملرافق العامة يف البالد يف جماالت التعليم وال�صحة وامل�ي��اه والطاقة وامل��وا��ص�لات وغ�يره��ا ،ولقد �أح�سن الأردنيون يف �إن�شاء و�إدارة هذه القطاعات وحقق الأردن ما ي�شبه معجزة اقت�صادية ،ومن هنا ف�إن الدولة لعبت دور ًا حا�سم ًا يف عملية التنمية االقت�صادية التي �شهدتها البالد ،والتي نقلت املجتمع من جمتمع زراع��ي ب�سيط �إل��ى جمتمع حديث ،وكانت الدولة عامل ا�ستقرار �أ�سا�سي �ساهم ب�شكل كبري يف تكوين وبناء ورعاية امل�ؤ�س�سات االقت�صادية وتوفري البيئة الآمنة الالزمة لها، ف� ً ضال عن دور الدولة يف توزيع عوائد ومكا�سب التنمية ،الأمر ال��ذي �أ�سهم يف تعزيز �شرعية النظام ال�سيا�سي ،وباملح�صلة حتقيق درجة عالية من اال�ستقرار ال�سيا�سي واالجتماعي يف البالد يف مرحلة كانت فيها املنطقة العربية تعاين من التوتر والفو�ضى واال�ضطرابات. وباملجمل ميكن القول �إن االقت�صاد الوطني الأردين يف ظل �إ�شراف ورعاية وتدخل الدولة قد حقق درج��ة عالية من النمو والإجن��از انعك�س على م�ستويات معي�شة املواطنني ،فلماذا يريد البع�ض �إنهاء دور دولة القطاع العام ،وهل ميثل هذا املوقف او االنحراف نوع ًا من التطرف االقت�صادي؟! جوهر التطرف االقت�صادي يف الأردن م��ع مطلع الألفية اجل��دي��دة ارتفعت �أ� �ص��وات جمموعة من ال�سيا�سيني يف الدولة الأردنية ،تطرح �أفكارا اقت�صادية تركز ب�شكل كبري على نحو مبالغ فيه ،ورمب��ا خدمة لأجندة خفية ، على تقلي�ص دور الدولة يف االقت�صاد �أو رفع يد الدولة كلي ًا عن ال�ش�أن االقت�صادي ،وو�أد مفهوم دولة القطاع العام ،وجتاهر هذه الأ�صوات بدعوتها �إلى تبني برامج خ�صخ�صة كافة م�ؤ�س�سات الدولة وحترير ال�سوق و�إزال��ة كافة القيود والعقبات �أمام تدفق الأف��راد وال�سلع والأف�ك��ار واخل��دم��ات ،وذل��ك بذريعة خلق بيئة ا�ستثمارية جاذبة وتوفري فر�ص العمل ،وبالتايل مكافحة الفقر والبطالة. وه��ذه �أف�ك��ار قدمية ج��دي��دة وتعرب عما يطلق عليه علماء االق�ت���ص��اد ات �ف��اق وا�شنطن Washington Consensusوهو م�صطلح يطلق على ال�سيا�سات التي �أجمع عليها بل تفر�ضها � 20إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
على الدول النامية 3م�ؤ�س�سات دولية مقرها وا�شنطن هي البنك الدويل و�صندوق النقد الدويل ووزارة املالية الأمريكية وتتلخ�ص هذه ال�سيا�سات يف ع�شر بنود هي: -1االن�ضباط املايل للحكومة � -2أولوية الإنفاق احلكومي -3الإ�صالح ال�ضريبي -4حترير �سعر الفائدة � -5سعر �صرف منا�سب -6حترير التجارة اخلارجية � -7إزالة القيود على تدفق اال�ستثمارات الأجنبية -8اخل�صخ�صة � -9إزالة القيود عن االقت�صاد املحلي -10حقوق امللكية وقد ا�صطلح على ت�سمية هذه ال�سيا�سات بالليربالية اجلديدة، وذلك باعتبار الفكر الليربايل التقليدي املتمثل باملدر�سة الكنزية قد ابتعد عن جذوره الليربالية كونه فتح املجال للدولة للتدخل يف ال�ش�أن االقت�صادي ،وهذا يتناق�ض مع جوهر الفكر الليربايل الذي يرتكز على مبد�أ احلرية االقت�صادية املطلقة باعتبار الدولة �أ�سو�أ جهة ميكن �أن ت�شارك يف توجيه الن�شاط االقت�صادي. �إن امل�ؤمنني بهذه الأف�ك��ار من تالميذ وا�شنطن يلتقون مع م�س�ؤويل البنك ال��دويل و�صندوق النقد ال��دويل ووزارة املالية الأمريكية ويعتقدون �أن و�صفة وا�شنطن للتنمية االقت�صادية يف الأردن هي قدر حمتوم وال فرار منه ،وعندما ت�سلل ه�ؤالء �إلى مواقع القرار يف الدولة الأردنية فقد حدث ما ي�شبه انقالب اقت�صادي يف البالد متثل يف االنق�ضا�ض على دولة القطاع العام ،و�إنهاء وجودها حتت �شعار الإ�صالح االقت�صادي حيث حدثت �أكرب عملية نهب يف تاريخ البالد احلديث للرثوات الوطنية .ومت خ�صخ�صة الكثري من امل�ؤ�س�سات العامة ب�أ�سلوب بعيد عن ال�شفافية والنزاهة ودون وجود �أية �ضوابط وطنية �أو �أخالقية ؛ مما فتح املجال �أمام الف�ساد والإث��راء ال�سريع لفئة قليلة من املتنفذين ،فقد تبخرت �أم��وال برنامج التحول االقت�صادي واالجتماعي التي تقدر مبا يزيد عن ن�صف مليار دينار ،وقد بيعت املنحة النفطية الكويتية يف عر�ض البحر ،وبيعت ال�شركات اال�سرتاتيجية مثل الفو�سفات والبوتا�س والإ�سمنت والكهرباء وميناء العقبة ب�أبخ�س الأثمان، فيما تكفلت اجلهات الرقابية يف �إغالق ملفات الف�ساد يف الكثري من الق�ضايا التي مت التحقيق فيها مثل الكازينو و�سكن كرمي وبيع �شركة �أمنية و,و,ووو فالقائمة طويلة ،ولعل من املثري لال�ستغراب �أنه متت كل البيوعات ال�سابقة يف ظل غياب ال�شفافية وال�ضوابط القانونية ،كما �أن��ه مل يتم اال�ستفادة من تلك البيوعات ،فال
م�ستوى حياة املواطنني حت�سن ،وال املديونية انخف�ضت ،وبب�ساطة نقول �إنه ال عملية البيع متت بنزاهة وال عملية الإنفاق متت بنزاهة ،بينما ات�سعت دائرة الف�ساد يف البالد ،وهكذا مت اف�ساد االردن واالردن �ي�ين وك��ان من ثمار ه��ذه ال�سيا�سة فقدان هيبة الدولة وتراجع ثقة املواطنني مب�ؤ�س�ساتها وتنامي ال�شعور العام بعدم فاعلية النظام ال�سيا�سي ،ناهيك عن زيادة املديونية �إلى م�ستويات غري م�سبوقة ،وهذه مبجملها بيئة حا�ضنة للتطرف والإره��اب ، وقد جعلت من التطرف لدى فئة امل�ست�ضعفني �أمر ًا حتمي ًا ت�شكل عرب زمن طويل من املعاناة واحلرمان والإق�صاء والتهمي�ش. �إن تالميذ وا�شنطن هم غرباء عن الدولة واملجتمع يف الأردن وهم يعتقدون �أن وا�شنطن هي مركز الكون وما على الآخرين �سوى اال�ستجابة لإمالءاتها ،وعندما ت�سللوا �إلى موقع القرار يف الدولة الأردنية كانوا يعتقدون �أن عمان هي الأردن وفيها احلل والربط وما على النا�س يف الكرك والطفيلة ومعان وعجلون واملفرق و�إربد وغريها من املدن الأردنية �إال �أن يقولوا �سمع ًا وطاعة ،متنا�سني و منكرين �إن و�صفات وا�شنطن �سواء للإ�صالح االقت�صادي �أو ال�سيا�سي ال ميكن �أن تكون ق��در ًا حمتوم ًا لكافة �شعوب الأر���ض ،و�إن تالميذ وا�شنطن يف الأردن ال ميكن لأفكارهم وبراجمهم �أن حتدث �إ�صالح ًا �أو تنمية اقت�صادية فـ “طبيخ ال�شحادين” ال ي�شكل مائدة وطنية. غياب الر�ؤية االقت�صادية هناك غياب وا�ضح للر�ؤية االقت�صادية يف الأردن ،فالأردن اليوم ال هي دول��ة القطاع العام وال هي دول��ة القطاع اخلا�ص واال��س�ت�ث�م��ارات ،كما �أن ه�ن��اك ف�ج��وة ك�ب�يرة ب�ين ال�سيا�سات االقت�صادية والتطلعات ال�شعبية ،فالغالبية ال�ساحقة من �أفراد املجتمع حتن �إلى �أيام دولة القطاع العام وتطالب الدولة بتحمل م�س�ؤولياتها يف التعليم وال�صحة والطاقة وغ�يره��ا ،وتطالب احلكومة بالتدخل ب�شكل مبا�شر ملراقبة الأ�سعار ومكافحة الغالء، وهناك �أ�صوات تنادي بعودة وزارة التموين حلماية امل�ستهلكني من ج�شع التجار ،كما �أن هناك دعوات لوقف نهائي ل�سيا�سات اخل�صخ�صة والعمل على ا�ستعادة ال�ثروات املنهوبة ،وحما�سبة امل�س�ؤولني الذين حتوم حولهم �شبهات الف�ساد ،الأمر الذي يك�شف عن فجوة وا�سعة وانق�سام وا�ضح بني �أن�صار دولة القطاع العام، و�أن�صار الليربالية اجلديدة من تالميذ وا�شنطن. �إن من يعرف التاريخ االقت�صادي للأردن والدور املركزي الذي لعبته الدولة يف حتقيق معجزة التنمية والتحديث يف البالد ،يدرك متام ًا �أن الأفكار التي تنادي برفع يد الدولة كلي ًا عن االقت�صاد هي �أفكار دفنت يف رمال الزمن ،و تعد نوع ًا من التطرف االقت�صادي، ال بل قد مت التخلي عنها ب�شكل تدريجي بعد �أزم��ة جنوب �شرق �آ�سيا يف عامي 1997و 1998حيث ثبت عجز وعقم تلك ال�سيا�سات ،وقد ت�سببت ب�أزمات اقت�صادية كبرية لدول جنوب �شرق �آ�سيا مثل الفلبني وماليزيا وكوريا اجلنوبية وتايالند وغريها ،وكذلك احلال يف بع�ض دول �أمريكا الالتينية مثل ت�شيلي والأرجنتني ،كما انك�شف عوار هذه ال�سيا�سات �أثناء الأزم��ة املالية العاملية عامي 2007و 2008والتي ب��د�أت يف الواليات املتحدة ثم امتدت �إلى
كافة البالد التي يرتبط اقت�صادها مبا�شرة باالقت�صاد الأمريكي ،وباملجمل �أدت هذه ال�سيا�سات �إلى نتائج اقت�صادية و�سيا�سية واجتماعية كارثية ،فلماذا ي�ص ّر تالميذ وا�شنطن على التم�سك بها ؟ ما العمل وهل هناك ثمة �أمل؟ �إن م�شكلة االقت�صاد الأردين تكمن يف �أن كثريا من �صناع القرار يف ال�ش�أن االقت�صادي ال يعرفون �أبجديات التاريخ االقت�صادي ل�ل�أردن ويجهلون متام ًا طبيعة وجغرافية الأردن ،يجل�سون يف مكاتبهم الوثرية يف عمان ويخططون ويتخذون القرارات دون �أن يكون لديهم �أدنى متا�س مع املجتمع الأردين يف مدنه و�أريافه وبواديه ،فهم غرباء �أو ًال ومتطرفني اقت�صادي ًا ثاني ًا ،يتحكمون يف م�صائر البالد والعباد رغم �أنه كان ينبغي �أن تتم حما�سبتهم على ما اقرتفوا من جرائم بحق الوطن دون �أن يراعوا فيه �إ ًّال �أو ذمة. ومن هنا ف�إنه ال بد من �إعادة النظر بالنهج االقت�صادي يف البالد ب�إق�صاء الغرباء املتطرفني اقت�صادي ًا عن مواقع �صنع القرار ،وو�ضع حد ل�سيا�سات التطرف االقت�صادي التي تنادي ب�إق�صاء الدولة عن الن�شاط االقت�صادي ،من خالل �إعادة النظر يف تعريف دور الدولة يف االقت�صاد وعالقة الدولة بال�سوق ،بحيث ينظر �إلى كل من الدولة وال�سوق كعاملني مكملني �أحدهما للآخر وال ميكن اال�ستغناء عن �أي منهما يف العملية االقت�صادية .كما ال بد من وقف �سيا�سات اخل�صخ�صة كلي ًا والعمل على حتديث م�ؤ�س�سات الدولة ال بيعها وفق ًا لقانون العر�ض والطلب ان�سجام ًا مع الأفكار الليربالية ،حيث ال توجد عالقة بني معياري الكفاءة يف الإنتاج ونوع امللكية عامة �أو خا�صة ،وهنا ال بد من اال�ستفادة من خال�صة جتارب ال�شعوب يف اندوني�سيا وماليزيا والفلبني ويف ت�شيلي وكوبا واالرجنتني وغريها �إذ ال توجد و�صفات جاهزة لأي تنمية اقت�صادية ،فلكل دولة خ�صو�صيتها ولكل جمتمع ظروفه. �إن ال��دع��وات التي يتبناها التيار الليربايل يف الأردن من تالميذ وا�شنطن والتي تطالب بعزل دور الدولة وفكفكة م�ؤ�س�ساتها والتعامل مع الدولة ك�شركة مبنطق الربح واخل�سارة ،ويف النهاية ترك �سفينة االقت�صاد الوطني ت�سري وفق ًا ملا متليه رياح ال�سوق او وفق اهواء ورغبات تالميذ وا�شنطن هي مبثابة �إنهاء للحلم الأردين وامل�شروع الوطني الأردين وهذه مغامرة غري حم�سوبة وقد تكون نتائجها مكلفة للدولة وباهظة للمجتمع. وختام ًا ف�إن النهج االقت�صادي اجلديد ي�ستلزم �إدارة املال العام وثروات الوطن بوا�سطة فريق وطني على �أ�س�س جديدة من العدالة وامل�ساواة ،فالفقر والبطالة والف�ساد واال�ستبداد وغياب احلرية وامل�ؤ�س�سات الدميقراطية يف البالد العربية �شكل البيئة اخل�صبة واملناخ املالئم لنمو وانت�شار الأفكار املتطرفة وال �سيما لدى فئة ال�شباب التي تعاين من الإق�صاء والتهمي�ش واحلرمان يف ظل االحتبا�س ال�سيا�سي التي تعي�شه البالد العربية بعد و�أد حركة الإ�صالح ال�سلمية بوا�سطة الدولة العميقة.
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
21
مقاالت الوسطية
من ا�صدارات الفكر الو�سطي
قراءة يف نف�سية ارهابي
حممد الع�ضايله الإذاعه الأردنية
�ضمن التوجهات الوطنية والعاملية ملحاربة الأره��اب ي�أتي التثقيف جزءا �أ�سا�سيا للتعريف باالرهاب و�أ�شكاله وا�سبابه وتب�صري ال�شباب بالأنحرافات وبالفكر الظالمي الذي ين�شر القتل والدمار والفتنة التي هي ا�شد من القتل ،وي�ستدعي الأمم للنيل من الأمتني العربية والأ�سالمية و التي �أ��س��اءت للدين والأمة ،وب�أن التع�صب يجعل الفرد والأمة يف غربة وا�ضطراب وانحراف عن االنتماء لها والعمل من اجلها ،كما يجعلها عر�ضة للقتل والدمار. يظهر الكتاب يف بدايته ر�أي الدين يف القتل والتطرف ،و�أن النف�س الب�شرية م�صانة ومقد�سة الهميتها يف عبادة اخلالق و�إدامة احلياة على االر�ض “ونف�س وما �سواها ف�ألهمها فجورها وتقواها “ ،كما يعر�ض ال��ر�ؤى والتوجهات االن�سانية وحرمة الدم االن�ساين “ ،وما كان مل�ؤمن ان يقتل م�ؤمنا اال خط�أ ،ومن يقتل م�ؤمنا متعمدا فجزا�ؤه جهنم خالدا فيها “ ،هذا االن�سان الذي كرمه رب العزة وجعل املالئكة واجلن ي�سجدون له ،قال تعالى “ :ولقد كرمنا بني ادم “ لأنه خلق للعبادة واعمار الأر�ض كما ي�أتي �ضمن جتديد حياة الأمة و�إعادة �صياغة م�شروعها النه�ضوي بكل ا�شكاله وابعاده . يعر�ض الكتاب ملعنى التطرف الذي هو التع�صب والت�شدد املقيت للأفكار احلادة التي ال تقبل النقا�ش وب�أنه الذي ي�سري على احلق و�إقامة العدل متنا�سني قول الر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم “�إمنا بعثت لأمتم مكارم الأخالق “ ،وقول االمام ال�شافعي “ر�أينا �صواب يحتمل اخلط�أ ور�أي غرينا خط�أ ويحتمل ال�صواب “. يبني الكتاب �أ�سباب التطرف والغلو والتي يرى انها ترجع الى عجز النخب وامل�ؤ�س�سات الر�سمية واملدنية عن الأهتمام � 22إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
بال�شباب واحالمهم ،وخلق ف�ضاءات للحواروالثقافة وتقبل الأخر مما �أظهر غربة ونزوعا نحو التطرف والأره��اب وهدم الأخ ��ر ،وجن��اح��ا ل�ل�أف�ك��ار املتطرفة ول�ل�أح��زاب ال�سيا�سية اليمينية التي ترعى ذلك فكرا وعقيدة ،مما �ساعد على انت�شار الكراهية للأخر واخذ ا�شكاال كثرية من املغاالت والتطرف ، كما �أن حركات التحرر يف العاملني العربي والأ�سالمي التي ثارت على امل�ستعمرين طلبا للأ�ستقالل والتحرر مل ت�ستكمل التحرير الثقايف والفكري والأقت�صادي للفرد والدولة ،و �أن جرح فل�سطني مازال نازفا يف قلب الأمة وي�شكل م�أ�سي و�أالم للجميع ،و �أن ثورة الأت�صاالت احلديثة �أعطت الفرد حرية غري من�ضبطة فجعل التوا�صل مع الأفكار خارجا عن ال�سيطرة والرقابة ،بالأ�ضافة ال��ى فقدان ال�شباب للثقة يف الكثري من املرجعيات الفكرية والدينية ،و�أن العامل الذي يكيل مبكيالني هو �سبب �أخر وبالغ الأهمية لتغذية الأرهاب والتطرف . يخ ُل ُ�ص الكاتب �إل��ى �أن مكافحة الفقر والأم �ي��ة ،ون�شر فكر الت�سامح والعدل بني النا�س والدول ،وتعميق لغة احلوار الأن�ساين وتعميم الهوية الفكرية والثقافية للإ�سالم ال�سمح ،هو الذي �سيقلع النبت ال�شيطاين من جذوره وير�سي دعائم الأمن والأمان وي�شفي �صدور امل�ؤمنني . ختاما وبعد �شكرهم ال�شكر اجلزيل على ما يقدمونه من خدمة للأمة � ،أرى ان على م�ؤ�س�سة املنتدى العاملي للو�سطية وكل م�ؤ�س�س�سات املجتمع املدين ،واجلامعات وامل�ؤ�س�سات التي تعنى بال�شباب ان توحد الطرح وان ت�شكل خاليا م�ؤمنة بتوعية ال�شباب والو�صول اليهم يف كل مكان وزمان عرب مواقع التوا�صل االجتماعي ،وتبني افكارهم الريادية ،وان ال تقت�صر امل�ؤمترات والندوات على الكبار الذين كان �سعيهم م�شكورا ،واهلل من وراء الق�صد .
مقاالت الوسطية
�إقر�أ.... د .ح�سن علي املبي�ضني
يحتل هذا الفعل يف ذهني مكانة رمزية ،وذلك لأنه املفتتح لكتاب الكون الأول واملقد�س عندنا نحن امل�سلمني� ،إنه القر�آن الكرمي ،الذي الي�أتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه ،وهو الكتاب الذي يجمع خريي الدنيا والآخر مبا يت�ضمنه من تعاليم و�أ�س�س ومبادىء و�شرائع ت�سعى ل�صون امل�ؤمن :نف�س ًا وروح� ًا وج�سد ًا. �إقر�أ ...هي كلمة لي�ست �أمر ًا يف م�ضمونها خالف ًا ل�شكلها، بقدر ما ميكن اعتبارها ن�صح ًا و�إر�شاد ًا وتوجيه ًا ملن تقاذفته �أمواج التطرف يف كل �شيء� ،أو جتاذبته تيارات املبالغة البغي�ضة يف كل �أمر ،وهي دعوة ال يحدها زمان �أو يحتويها مكان ،وهي ر�سالة للفرد والأ�سرة واملجتمع ،وهي ملخ�ص ملا يحتاجه احلاكم واملحكوم ،والكبري وال�صغري ،والفقري والغني ،والذكروالأنثى، فهي مفتاح بل منهاج حياة ملن يريد حلياته �أن تكون مبنية على الفهم والإدراك والوعي واحلكمة ،وهي ملخ�ص كذلك ملن �أراد االطالع على الأمم :تاريخها وزمانها وفكرها ووجدانها و�آمالها ،فهي البدء يف املا�ضي ال�سحيق ،واحلا�ضر املت�سع وامل�ستقبل املتمدد حيث الالنهايات.
مبا حتتاجه من �أ�ساليب الوقاية من الأمرا�ض ،وازددت معرفة يف كيفية عالجها ،وكذا احلال ين�سحب على الرتبية يف البيت واملدر�سة ،اذ عندها تكون قد ا�ستكملت دائ��رة املعرفة التي تعينك على تن�شئة جيل مت�شعب االهتمامات وم�صادر املعرفة على تنوعها وات�ساعها و�شمولها لكل مرافق احلياة. �إقر�أ ...لي�ست كلمة ت�أخذك نحو مزيد من الرتف الثقايف، بل هي ا�ستحقاق حياتي لكل من يريد احلياة بكل تفا�صيلها ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية ،وطاملا �أنها كذلك ،فهي تبد�أ مع الإن�سان منذ اللحظة التي ي�ستقبل بها احلياة� ،إذ ثقافة الوالدة والوالد تنعك�س ايجاب ًا و�سلب ًا علىاملولود يف تربيته وتن�شئته وحميطه االجتماعي. �إن كلمة �إقر�أ لها وقع وجر�س يف كل �أذن �صاغية ،يتنوع هذا اجلر�س بتنوع ثقافة امل�ستقبل والإميان مبدلولها وفائدتها� ،إذ ال ي��درك عظم نتاجها �إال املثقفون املعلمون النابهون الذين الم�سوا امتداد ت�أثريها يف كل جوانب حياتهم� ،إذ ت�شمل الكون كله على ات�ساعه زمان ًا حيث البدء الأول للحياة ،ومكان ًا حيث اال�ستك�شاف املتجدد لكل بقعة مل ي�سكنها الإن�سان بعد.
�إقر�أ ...هي دعوة فكرية و�سطية كذلك ،تعفيك من االنغالق �إق��ر�أ ...ت�ستنه�ض فيك ما غفلت عنه ل�سنوات طويلة� ،أو على الذات �أو التمحور حولها� ،أو تكون رهن ًا لفكرة واحدة يف احلياة� ،إنها العربة التي تنتقل بك من فكرة الى فكرة ،ومن حكمت عليه بعدم الفائدة ،ومع �إعادة قراءته وجدته ذا قيمة طرح فكري الى �آخر مياثله �أو يختلف عنه ،وكلما تعمقت لديك نافعة لك ولوطنك و�أمتك. القراءة يف كل امل�ضامني والأفكار فقد نعمت ،وك�أنك تزاوج �أو وعليه ،ف�إن الأم��ر يف م�ضمونها ال يخرج عن نطاق تقدمي متازج بني فكرين �أو منطقني وتختار ما تو�سط بينهما للخريية الفائدة املرجوة ملا بعد القراءة� ،إذ باكتمال مراحلها ون�ضجها التي ميثلها. وتفعيلها وا�ستنباط املفيد فيها تكون بذرة ال�شجرة الطيبة قد �إقر�أ ...هي منهاج حياة ثقافية ولي�ست عقيدة دينية فقط ،منت و�آتت �أكلها كل حني ب�إذن ربها ،لأنها كلمة طيبة ال�شكل ففيها �إجابة لكل ت�سا�ؤل َم َل َك عليك قلبك وعقلك و�أ�صبح هاج�س ًا وامل�ضمون ،وا�ضحة الهدف والر�سالة ال يقوم على تفعيلها �إال كل دائم احلركة يف ذهنك ،فكلما ق��ر�أت يف الطب ازددت يقين ًا م�ؤمن ب�سحرها الآخاذ و�ألقها الفاتن ،واهلل املوفق. ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
23
مقاالت الوسطية
ومن النا�س من يعبد اهلل على حرف �أ.د.حممد �أحمد الق�ضاة
يف كل جيل من ع�صور الأمة جيل يزن العقيدة مبيزان الربح واخل�سارة ،وك�أنه يظنها �صفقة يف �سوق التجارة� ،إن الإ�سالم املمثل بالعقيدة والعبادة واملعاملة وغريها ،ركائز ثابتة يف حياة الإن�سان امل�ؤمن ،متوج الدنيا من حوله فيثبت كاجلبل الرا�سي على دينه القومي ،مهما جتاذبته الأحداث والوقائع ،تتهاوى من حوله القواعد اله�شة ،ولكن ي�ستند �إلى ركن �شديد ال يحول وال يزول. �إن قيمة الإمي��ان باهلل عز وجل يف حياة امل�ؤمن ال تقيم مبال مهما عظم ،حتى لو فتحت له �أبواب الدنيا من كل جانب ،ف�إن يف �أعماقه من احل�صانة الإميانية واخللقية ،ما تدفعه �أن يعلو على هواتف املغريات املادية واالجتماعية ،لأن الإميان انعقد يف قلبه ،واختلط بدمه وحلمه ،فهو ال�سند واملحرك احلقيقي الذي ال يخ�ضع للم�ساومة ،ولأن غاية امل�ؤمن مرتبطة بنيل ر�ضوان اهلل عز وجل ،يج�سد هذا ما ي�صدر منه من �أقوال �صادقة وما ميار�سه من �أفعال ال تتعار�ض مع قيم احلق والعدل ،وما يتخلق به يف عالقاته ومعامالته مع نف�سه والآخرين من �أخالق �إميانية هي من غرا�س العقيدة ،لأنها احلمى الذي يلج�أ �إليه ،وال�سند الذي ي�ستند عليه ،يدرك امل�ؤمن قيمة الإميان باهلل حني يرى احليارى ال�شاردين من حوله ،تتجاذبهم الرياح ،وتتقاذفهم الزوابع، وي�ستبد بهم القلق ،بينما الإن�سان امل�ؤمن مطمئن القلب بعقيدته، ثابت القدم ،هادئ البال ،مو�صول باهلل مطمئن بهذا االت�صال. حت��دث ال�ق��ر�آن العظيم عن �صنف من النا�س يجعل العقيدة �صفقة يف �سوق التجارة ،قال عز وجل:ومن النا�س من يعبد اهلل على حرف ف�إن �أ�صابه خري اطم�أن به ،وق��ال�:إن الإميان خري، فها هو ذا يجلب النفع ،ويدر ال�ضرع ،وينمي الزرع ،ويزيد بربح التجارة ،ويكفل الرواج ،ثم يك�شف القر�آن الكرمي بعد ذلك عن طبيعة ه�ؤالء امل�أفونة بقوله :و�إن �أ�صابته فتنة انقلب على وجهه خ�سر الدنيا والآخ��رة ،نعم خ�سر الدنيا بالفتنة التي �أ�صابته، فلم ي�صرب عليها ،ومل يتما�سك قبالتها ،ومل يرجع �إلى خالقه عز وجل ليذهب البالء ،وخ�سر الآخ��رة ب�إنقالبه على وجهه، � 24إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وانكفائه عن دينه ،وانتكا�سه عن الهدى الذي كان مي�سر ًا له. �إن ت�صوير ال�ق��ر�آن الكرمي ملن يعبد اهلل على ح��رف من �أدق و�أجمل الألفاظ التي ت�صوره يف حركة مت�أرجحة ،قابلة لل�سقوط عند الدفعة الأولى،ومن ثم ينقلب على وجهه لأنه فقد ب�صريته الهادية الى الطريق القومي. �إن ح�ساب الربح واخل�سارة ي�صلح للتجارة ،ولكنه ال ي�صلح لتثبيت العالقة بني الإن�سان وخالقه ،فالدين حق يهذب النف�س وي�سمو بالعقل ،ويزكي اجل��وارح ،ومنه يتلقى الإن�سان امل�ؤمن الهدى والنور ،وهو ي�سكب يف �أعماق الف�ؤاد الطم�أنينة والراحة والر�ضى ،ق��ال اهلل تعالى } :ال��ذي��ن �آم�ن��وا وتطمئن قلوبهم بذكر اهلل� ،أال بذكر اهلل تطمئن القلوب{ ،وامل�ؤمن باهلل يعبد ربه �شكر ًا له على الهداية ،وعلى اطمئنانه للقرب منه والأن�س به ،ف�إن كان هناك جزاء فهو ف�ضل من اهلل ومنة ،ا�ستحقاق ًا ومكاف�أة على التم�سك بالعقيدة ال�صافية ،قال اهلل تعالى�} :إن هذا القر�آن يهدي للتي هي �أقوم{. امل�ؤمن ال يجرب رب��ه ،فهو را���ض ابتداء لكل ما يقدره له، م�ست�سلم ابتداء لكل ما يجريه عليه ،را���ض بكل ما يناله من ال�سراء وال�ضراء ،ولي�ست هي �صفقة يف ال�سوق بني بائع و�شار، �إمنا هي �إ�سالم املخلوق للخالق� ،صاحب الأمر فيه ،وم�صدر وجوده من الأ�سا�س. والذي ينقلب على وجهه عند م�س البالء يخ�سر الطم�أنينة والثقة والهدوء والر�ضى من ربه عز وجل� ،إلى جوار خ�سارة املال �أو الولد �أو ال�صحة� ،أو �أعرا�ض احلياة الأخرى ،التي يفنت اهلل بها عباده هذا يف الدنيا ،ويخ�سر الآخرة وما فيها من نعيم و�شرف وكرامة عند اهلل عز وجل ،لأنه ان�صرف �إلى غري خالقه، وانغم�س يف متع احلياة الدنيا ،وعبادة الأ�شخا�ص وامل�صالح والأهواء على طريقة اجلاهليات املتناثرة يف كل زمان ومكان.
مقاالت الوسطية
احلريات يف الإ�سالم ... مطلقة �أم �ضوابط وحدود بقلم :د .نوال �أ�سعد �رشار
ظ �ه��رت يف الآون�� ��ة الأخ��ي��رة ال �ع��دي��د م��ن الأف � ��راد واجلماعات التي تقوم بت�صرفات و�سلوكيات خارجة عن العرف وامل�ألوف ,بل ت�صطدم باملبادئ والقيم وم�شاعر الآخرين مما �أدى النت�شار الفو�ضى و�أن��واع من الف�ساد و�أحيان ًا الرعب ,فبع�ضهم ميار�س طقو�س ًا غريب ًة والبع�ض الآخر يقتلون وي�سلبون و�آخرون يحتكرون ويتاجرون بالب�شر واملحرمات وك��ل ذل��ك با�سم (احل��ري��ة) كما يفهمونها , معنى مطاطي ًا له عدة تفا�سري ف�أ�صبح للحرية عندهم ً ح�سب �أهواء وغايات من يتعامل معه ,جعل منهم عبيد ًا لأهوائهم وم�صاحلهم اخلا�صة. وم��ع الإق��رار ب ��أن احلرية حق من احلقوق الطبيعية للإن�سان ال قيمة له بدونها �إذ ميوت داخلي ًا و�إن كان يف الظاهر يتنف�س وي��أك��ل وي�شرب ويعمل ويك ّد وي�سعى يف الأر�ض. �إن احلرية من مبادئ الإ�سالم العظيمة التي �ضبطت �أفعال العباد ,فال حرية يف فعل املع�صية واالعتداء على الغري �إذ �إن هناك ف��رق� ًا عظيم ًا ب�ين ممار�سة احلرية وارتكاب املحرمات ,فلي�س من احلرية �سب الذات الإلهية �أو �شتم الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم �أو ال�صحابة الكرام نكاح وطالقٍ ر�ضي اهلل عنهم �أو انتقاد �أحكام الدين من ٍ وق�سمة مواريثَ وغريها مما ج��اءت به ال�شريعة ,ولي�س من احلرية االعتداء على الآخرين �أنف�سهم و�أموالهم �أو عقيدتهم ,ولي�س من احلرية الرتويع والتخويف والإزعاج واالنتقا�ص من احلقوق.
الأ�صل �أن النا�س يف نظر الإ�سالم �أحرا ٌر منذ والدتهم ال حق ل ٍ أحد با�ستعبادهم اجتماعي ًا �أو ج�سدي ًا �أو �سيا�سي ًا �أو فكري ًا مت�شي ًا مع هذا الأ�صل ,والذي �أ�شارت �إليه ال�شريعة الإ�سالمية يف كث ٍري من ن�صو�صها القر�آنية والنبوية وما �أُ ِث َر عن ال�صحابة ,بل بلغ من تعظيم �ش�أن احلرية �أن ُج ِعل ال�سبيل �إلى �إدراك وجود اهلل تعالى( ...العقل احلر) ,كما كانت من الرموز التي ترفع من كرامة الإن�سان ,فاهلل تعالى إن�سان بالعقل ورفع من كرامته ب�أن وهبه احلرية ك ّرم ال َ وهذا ما فهمه امل�سلمون الأوائ��ل وانطلقوا منه فقال عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه " :متى ا�ستعبدمت النا�س وقد ولدتهم �أمهاتهم �أحرار ًا" وقال علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه يف و�صية له " :ال تكن عبد ًا لغريك وقد خلقك اهلل حر ًا " ,فمبد�أ احلرية يف الإ�سالم مل يكن نتيجة ثورة طالبت بها اجلموع امل�ضطهدة وال نتيجة تطور اجتماعي �أو ن�ضوج عقلي و�صل �إليه النا�س و�إمنا هي هبة ربانية ترقى بالب�شرية وعنوان للكرامة الإن�سانية. �إن�ه��ا حرية احل�ق��وق ولي�ست حرية الإف���س��اد يف الأر���ض والكفر والف�سوق ,فما يقوم به البع�ض با�سم احلرية ما هو �إال �إف�ساد ملعنى احلرية احلقيقي بعيد ًا عن املعنى املن�ضبط لها� ,إذ يختزلون معناها يف رغبات �شخ�صية ومكا�سب خا�صة �أقرب �إلى الفو�ضى من ا�ستخدام احلق ال�شخ�صي ,فالإفراط يف احلريات م�صدر هدم وتخريب �أكرث مما هو بنا ٌء وتعمري ٌ وعي�ش كرمي ,فحرية العقيدة ال يعني التطاول على مبادئها, وحرية الفكر ال تعني هدم القيم واملبادئ واالنتقا�ص من �أفكار الغري ,وحرية العمل ال تعني االحتكار وال�سرقة ....الخ
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
25
وفيما يلي موجز ملفهوم احلرية يف الإ�سالم و�ضوابطها �أقرها للفرد واجلماعة مع ًا بحيث ال تطغى �إحداهما على الأخ��رى فوازن بينهما و�أعطى ك ًال حقه ,وو�ضع لها قيود ًا وحدودها: َ و�ضوابط ت�ضمن احلياة الف�ضلى للجميع ,ومل يرتكها مطلقة مفهوم احلرية يف الإ�سالم ت�ؤدي �إلى الفو�ضى و�سيطرة الهوى وال�شهوات التي تدمر ويق�صد بها ق��درة الإن�سان على فعل ال�شيء �أو تركه املجتمعات وتق�ضي على احل�ضارات ,وتتمثل هذه ال�ضوابط ب��إرادت��ه الذاتية ,وهي م َلكة خا�صة يتمتع بها كل �إن�سان مبا يلي: َ وعنها ت�صدر �أفعاله بعيد ًا عن �سيطرة الآخرين لأنه لي�س � -1أن ال ت��ؤدي حرية الفرد �أو اجلماعة �إلى �ضياع حقوقٍ مملوك ًا لأحد ال يف نف�سه وال يف بلده وال يف �أمته ,كذلك ال يف �أعظم منها ,وذلك بالنظر �إلى قيمتها يف ذاتها ورتبتها رزقه وال يف عي�شه وال يف حياته وغريها من االمور. ونتائجها هذا املفهوم املحدد ال يعني بطبيعة احلال �إطالق احلرية � -2أن ال ت��ؤدي �إل��ى تهديد �سالمة املجتمع والنظام العام من كل قيد �أو �ضابط لت�صبح �أقرب �إلى الفو�ضى والإباحية وتقوي�ض �أركانه التي يحركها الهوى وال�شهوة ,فمن املعلوم �أن الهوى يدمر الإن�سان واملجتمعات ,ولذلك نهى الإن�سان عن اتباع الهوى � -3أن ال ي�ؤدي التمتع باحلرية �إلى الإ�ضرار بحرية الآخرين, ولذلك قيل يف العرف الإ�سالمي (تنتهي حريتك عندما واعتربه من املهلكات. تبد�أ حرية الآخرين) مبعنى �أن ال تتعار�ض مع حقوق �ضوابط احلرية الآخرين وامل�صلحة العامة الإن�سان مدين بطبعه ال ي�ستطيع العي�ش منفرد ًا فال بد وب�ه��ذه ال�ضوابط ن��درك �أن الإ� �س�لام مل يقر احلرية من جماعة يعي�ش بينها ,وذلك عندما �أقر الإ�سالم احلريات املطلقة التي ت�ؤدي �إلى التهلكة. � 26إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
�أنواع احلريات تق�سم احلريات �إلى ق�سمني :الأول ما يتعلق بحقوق الفرد املادية ,والآخر ما يتعلق بحقوقه املعنوية على النحو التايل: �أو ًال:احلرية املتعلقة باحلقوق املادية, أنواعها: و� ُ �أ -احل��ري��ة ال�شخ�صية :ويق�صد بها ق��درة ال �ف��رد على الت�صرف ب�ش�ؤونه اخلا�صة ويف كل ما يتعلق بذاته �آمن ًا من االعتداء عليه يف نف�سه وعر�ضه وماله ,دون �أن يكون يف ت�صرفه �إعتدا ٌء على الآخرين وتت�ضمن هذه احلرية �أمرين هما: حرمة الذات ,فقد ُع ِني الإ�سالم بتقرير كرامة الإن�سانوعلو منزلته ف�أو�صى باحرتامه وعدم امتهانه واحتقاره بالعديد من الآيات والأحاديث ,منها قوله تعالىَ } :و َلق َْد ن�س َان َك َّر ْمنَا َب ِني �آ َد َم { الإ�سراء ,70/وقولهَ } :لق َْد خَ َل ْقنَا ْ إِ ال َ فيِ �أَ ْح َ�سنِ َت ْق ِو ٍمي{ التني ,4/فميزه بالعقل والتفكري تكرمي ًا له وتعظيم ًا ل�ش�أنه وتف�ضي ًال له على �سائر املخلوقات ,عن عائ�شة مرفوع ًا قالت � ( :أول ما خلق اهلل العقل قال له �أقبل ف�أقبل ,ثم قال له �أدب��ر ف�أدبر ,ثم قال عز وجل: علي منك ,بك �آخذ وعزتي وجاليل ُما خلقت خلق ًا �أكرم َّ وبك �أعطي وبك �أثيب وبك �أعاقب ) وبا�ستقراء الن�صو�ص ال�شرعية جند ما يدعو الحرتام الإن�سان وتكرمي ذاته واحلر�ص على تقدير م�شاعره ب�أن و�ضعه يف �أعلى منزلة حتى اعترب الإعتداء عليه اعتداء على املجتمع كله ,قال تعالىَ } :م ْن َقت ََل َنف ًْ�سا ِب َغيرْ ِ َنف ٍْ�س �أَ ْو ف ََ�س ٍاد ّا�س َج ِمي ًعا َو َم ْن �أَ ْح َي َاها َف َك�أَ َمّنَا فيِ ْ أ الَ ْر� ِ��ض َف َك�أَ َمّنَا َقت ََل ال َن َ ّا�س َج ِمي ًعا { املائدة.32/ �أَ ْح َيا ال َن َ وتقرير الكرامة للفرد يتحقق �أي ًا كان ال�شخ�ص فرد ًا �أو جماع ًة رج ًال �أو امر�أ ًة حاكم ًا �أو حمكوم ًا ,فهو حق ثابت لكل جن�س ,حتى اللقيط ان�سان بدون النظر �إلى دينٍ �أو لونٍ �أو ٍ يف الطرقات يجب �إلتقاطه احرتام ًا لذاته و�إن�سانيته فيجب على من يراه �أخذه و�إن تركه �أَ ِثم اجلميع �أمام اهلل تعالى وكان عليهم تبعة هالكه ,هذا وكما حر�ص الإ�سالم على احرتام الإن�سان حي ًا حر�ص عليه ميت ًا ,ف�أمر باملحافظة على كرامته فمنع التمثيل بجثته و�ألزم جتهيزه ومواراته ونهى عن اجللو�س على قربه.
باملعا�صي و�إ�شاعة الفاح�شة وال�شائعات ,ولذلك �أوجب الإ��س�لام العقوبات وال��زواج��ر لتكفل حماية الإن�سان ووق��اي�ت��ه م��ن ك��ل ��ض��رر واع �ت��داء ,ق��ال عليه ال�صالة وال�سالم يف خطبة ال ��وداع� ...... " :أال و�إن دماءكم و�أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا يف �شهركم هذا يف بلدكم هذا ".... ب -حرية التنقل :ويق�صد بها حرية الإن�سان يف ال�سفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون موانع ,لأنها حرية تقت�ضيها ظروف احلياة الب�شرية من الك�سب والعمل وطلب الرزق الَ ْر َ�ض والتعلم وغريها ,قال تعالىُ } :ه َو ا َّل ِذي َج َع َل َل ُك ُم ْ أ َام ُ�شوا فيِ َمن َِاك ِب َها َو ُك ُلوا ِم ْن ِر ْز ِق ِه َو�إِ َل ْي ِه ال ُن ُّ�شو ُر { ذَ ُلولاً ف ْ امللك ,15/وال يمُ نَع الإن�سان من ذلك �إال مل�صلحة عامة ،كما فعل عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه يف طاعون عموا�س حني منع النا�س من ال�سفر �إلى ال�شام منع ًا للعدوى .ولتمكني النا�س من حرية التنقل ح � ّرم االع�ت��داء على امل�سافرين وترويعهم وقطع الطريق وجعل عقوبتها حد احلرابة ,قال ون َهّ َ الل َو َر ُ�سو َل ُه َو َي ْ�س َع ْو َن فيِ ين ُي َحا ِر ُب َ تعالى� } :إِ َمّنَا َجزَ ا ُء ا َّل ِذ َ َ َ َ الَ ْر ِ�ض ف ََ�سا ًدا �أَ ْن ُي َق َّت ُلوا �أَ ْو ُي َ�ص َّل ُبوا �أ ْو ُتق ََّط َع �أ ْي ِديهِ ْم َو�أ ْر ُج ُل ُه ْم ْأ َ َ ِم ْن ِخلاَ ٍف �أ ْو ُي ْن َف ْوا ِم َن ْ أ ال ْر��ِ�ض { ...املائدة ,33/كما نهى عليه ال�سالم من اجللو�س يف الطرقات العامة لت�أكيد ح�سن ا�ستخدام الطريق فقال�" :إياكم واجللو�س يف الطرقات, قالوا :مالنا ب ّد من جمال�سنا ,قال :ف�إن كان ذلك ف�أعطوا الطريق حقها ,قالوا :وما حق الطريق يا ر�سول اهلل؟ قال: غ�ض الب�صر وك��ف الأذى ورد ال�سالم والأم��ر باملعروف والنهي عن املنكر" ,وجعل الإ�سالم �أحد م�صارف الزكاة البن ال�سبيل و�إن كان غني ًا يف بلده حماي ًة له. ت -حرية امل� ��أوى وامل�سكن فمتى ق��در الإن���س��ان على اقتناء م�سكنه فله ذل��ك� ,أم��ا العاجز فعلى الدولة ت�أمني ذلك لت�ضمن له �أدنى م�ستوى من املعي�شة ,وال يحق لأحد �أن يقتحم عليه م�أواه �أو م�سكنه �إال ب�إذنه ،حتى ولو كان احلاكم مامل تدعو لذلك �ضرور ٌة ق�صوى �أو م�صلح ٌة بالغة ,قال ين �آَ َمنُوا لاَ ت َْدخُ ُلوا ُب ُيوت ًا غَ يرْ َ ُب ُيو ِت ُك ْم تعالىَ } :يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذ َ َح َّتى ت َْ�س َت ْ�أ ِن ُ�سوا َوت َُ�س ِّل ُموا َع َلى �أَ ْه ِل َها ذَ ِل ُك ْم خَ يرْ ٌ َل ُك ْم َل َع َّل ُك ْم ون { النور .27/كما ال يجوز الإ�ستيالء عليها �أو هدمها َتذَ َّك ُر َ �إال مل�صحلة عامة ,كما يحرم التج�س�س لأن فيه انتهاك ًا حلقوق الغري والتي منها حرمة امل�سكن بعدم الإطالع على �أ�سراره.
ث -حرمة التملك ,ويق�صد بها حيازة الإن�سان لل�شيء ت�أمني ال��ذات :ب�ضمان �سالمة الفرد و�أم�ن��ه يف نف�سهوعر�ضه وماله فال يجوز ترويعه �أو التعر�ض �إليه بقتلٍ وامتالكه له وقدرته على الت�صرف فيه عند انتفاء املوانع �شتم �أو ا�ستهزاء �أو �سرقة ,كما ال يجوز املجاهرة ال�شرعية ,وامللكية نوعان فردية وجماعية ولكل منهما قيو ٌد �أو ٍ ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
27
ٌ و�ضوابط وواجبات وحقوق ,وقد عني الإ�سالم ببيان و�سائل التملك امل�شروعة مثل البيع والإجارة والهبة وغري امل�شروعة كالربا وال�سرقة والإحتكار والإ�سراف وغريها. ج -حرية العمل بطرق الك�سب امل�شروعة لأنه العن�صر الفعال يف الك�سب ورف��ع ��ش��أن الإن���س��ان ,ول��ذل��ك اعتربه الإ�سالم نوع ًا من اجلهاد قال عليه ال�صالة وال�سالم : ( �إن كان خرج ي�سعى على ولده �صغاراً فهو يف �سبيل اهلل) ,وقد حثت ن�صو�ص ال�شريعة الإ�سالمية على وجوب العمل باعتباره عبادة مهما كان نوعه لأنه و�سيلة حلفظ النف�س والبقاء والكرامة الإن�سانية. ثانياً:احلرية املتعلقة بحقوق الفرد املعنوية, أنواعها: و� ُ �أ -حرية االعتقاد وممار�سة ال�شعائر الدينية ,ب�أن يختار الإن�سان الدين الذي يريد وميار�س �شعائره دون ٍ تقييد �أو الدينِ َق ْد َت َب َنّ َي ال ُّر�شْ ُد ِم ْن تخويف ,قال تعالى } :لاَ �إِ ْك َرا َه فيِ ِّ الغ َِّي {...البقرة ,256 /فنفي الإكراه يف الدين الذي هو �أعز �شيء ميلكه الإن�سان للداللة على نفيه فيما �سواه وعلى �أن الإن�سان م�ستقل فيما ميلكه ويقدر عليه ,وهذا ال يعني حرية امل�سلم يف الر ّدة فهذا مو�ضوع �آخر عقوبته حد ّية خلطورته و�إف�ساد املجتمع الإ�سالمي ,ولي�س مو�ضوع البحث فيه هنا. ب -حرية ال��ر�أي وهي حرية التفكري والتعبري و�إب��داء ال ��ر�أي لإظ�ه��ار احل��ق ومنع الظلم ون�شر ال�ع��دل ,ولذلك كانت ال�شورى من �أ�س�س ودعائم قيام املجتمع الإ�سالمي. وبا�ستقراء التاريخ الإ��س�لامي جند حلرية ال��ر�أي ب�صمة وا�ضحة يف حياة امل�سلمني منذ ع�صر النبوة ,كما يف غزوة بدر واخلندق و�صلح احلديبية وغريها ,وهذا حق جلميع �أفراد املجتمع ذكور ًا و�إناث ًا. ت -حرية التعليم ,فطلب العلم حق لكل ف��رد كفله الإ�سالم منذ بدايته بقوله تعالى } :اقر�أ {....العلق ,1/بل جعله فر� ًضا على الكبري وال�صغري ،الذكر والأنثى ,قال عليه ال�سالم ( :طلب العلم فري�ضة) وهذا من ف�ضائل الإ�سالم الكربى فبالعلم تعرف احلقيقة وتزدهر احل�ضارة وترقى الأمم ,فالعلم الطريق الوحيد للمعرفة والرفاهية والعي�ش الكرمي.
من �صور احلريات يف الإ�سالم �إن يف �صور احلرية املطلقة التي ميار�سها البع�ض يف �أيامنا من ارتكاب كبائر وموبقات با�سم احلرية ال�شخ�صية هي يف احلقيقة اعتداء مبا�شر على حقوق الغري حتى لو مار�سها الفرد بعيد ًا عن النا�س ,فهي حرية �إف�ساد ال يقرها عقل وال دين ,حرية ف�سوق ال حرية حقوق ,ذلك �أن احلرية م�شروطة بقاعدة (ال �ضرر وال �ضرار) ,فاحلرية تنتهي عندما ت�صطدم بحرية الآخرين وت�سيء �إلى الذات وت�ؤدي �إلى ال�ضرر بامل�صلحة العامة. احل��ري��ة مبفهومها الإ��س�لام��ي هبة اهلل للخلق ليقوم الفرد مبا �شاء من املباحات وال يقرتب من املحرمات, فله �أن ي�أكل ما ي�شاء ،ويلب�س ما ي�شاء ،ويتنقّل حيث ي�شاء، ومي��ار���س من العمل ما ي�شاء ،ويبتكر ويخرتع ما ي�شاء، وي �ت��زوج مم��ن ي���ش��اء ,ه��ي ح��ري��ة ثابتة م�ق��ررة يف ح��دود من�ضبطة� ,أما التمادي بها في�ؤدي �إلى العبودية لها فمن ميار�س �شهوة با�سم احلرية وال ي�ستطيع الإفالت منها ،هو يف احلقيقة عبدٌ لها ،ولذلك نالحظ �أن البع�ض �أ�صبح عبد ًا ل�شهوته و�أطماعه حتركه كيف ت�شاء وهو ي�ضحك على نف�سه متعل ًال باحلرية ال�شخ�صية وحقوق الإن�سان ,قال تعالى: } �أَ َف َر َ�أ ْي َت َمنِ ا َتّخَ ذَ ِ�إ َل َه ُه َه َوا ُه َو�أَ َ�ض َّل ُه َهّ ُ الل َع َلى ِع ْل ٍم َوخَ ت ََم َع َلى َ�س ْم ِع ِه َو َق ْل ِب ِه َو َج َع َل َع َلى َب َ�صرِ ِه ِغ�شَ ا َو ًة َف َمن َي ْه ِدي ِه ِمن َب ْع ِد َهّ ِ ون{ اجلاثية ,23/وق��ال عليه ال�صالة الل �أَ َف� اََلا َت��ذَ َّك � ُر َ وال�سالم( :تع�س عبد الدينار ,تع�س عبد الدرهم) وهناك من هو عبد للثياب الفاخرة واملنازل وال�سيارات الفارهة, فهي عبودية خطرية �إن ظن نف�سه حر ًا طاملا ال يتعدى على الآخرين ,ويجب التنبيه هنا �أن من �أهم �ضوابط احلرية �أن ال ت�ضر بنف�سك �أو الغري ,فال ميكن �أن يدعي �أح ٌد عدم الإ�ضرار بالغري ب��أن ميار�س املع�صية وح��ده ك��أن يتعاطى املخدرات �أو اخلمر بعيد ًا عن النا�س �أو يدخن منفرد ًا �أو يتعامل بالربا والر�شوة مع من ير�ضى ذل��ك ,فهذه كلها معا�ص ت�ضر بالنف�س والغري ،نهى تعالى عنها وال ميكن ٍ �إدراجها يف باب احلريات. �إذ ال يوجد مع�صية ال تتعدى �إلى الغري حتى ولو �أُغلقت دونها الأبواب.
فاحلرية �إذن مقيدة بالإ�سالم ومن�ضبطة ،ومن اخلط�أ ث -احلرية ال�سيا�سية ويق�صد بها حق الإن�سان يف اختيار ال�سلطة احلاكمة ومراقبة �أدائها وحما�سبتها ,كما اجل�سيم القول باحلرية املطلقة ؛لأنها تبطل معنى العبودية يحق له بها امل�شاركة يف وظائفها وحتمل �أعبائها. تعد على حقوق اهلل وطاعته. ال�صحيحة هلل تعالى وفيها ٍّ � 28إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مقاالت الوسطية
الفرق بني �أنا �أعلم ،و�أنا �أظن .. �إبحا ٌر يف نظر ّية املعرفة د�.أ�سمهان الطاهر جامعة العلوم التطبيقية – عمان
�إن الإبحار للتع ّرف على املفاهيم ومعناها احلقيقي يهدف �إلى تطوير الفكر الإن�ساين ،وهو جهد عقلي وعلمي وح�ضاري ي�شرتك فيه الإن�سان ،والأم��ة عرب م�ؤ�س�ساتها ال�سيا�سية والثقافية والدينية واالجتماعية ،م��ن �أج��ل ت�شخي�ص عميق ودقيق للفر�ص والتحديات التي تواجه الإن�سان والأمة يف خمتلف �ش�ؤون احلياة. �إن حتديد منظومة املفاهيم و�شرح معناها الدقيق من �أهم الق�ضايا ،حيث يهدف �إلى ت�شغيل تلك املفاهيم وتفعيلها يف الواقع العملي ،يف خطوة نحو حتويل القول �إلى فعل مفيد للب�شرية ،وانطالق ًا نحو بناء منهج �صناعة املعرفة والعلوم ،وكلما زاد التيقن من �صحة املفهوم ،زادت القدرة على ت�صحيح العمل به ،وحتقيق الفائدة املرجوة منه ،ومن هنا جند �أن��ه البد من الرتكيز على املفاهيم املختلفة واملعنى احلقيقي والدقيق لها ،وذلك من منظور نظرية املعرفة. لقد اهتم العلماء امل�سلمون بنظرية املعرفة اهتمام ًا كبري ًا ،وهذا االهتمام نابع مما يندرج حتتها من مواقف دينية ودنيوية �أ�سا�سية ،و لقد ف � ّرق العلماء بني العلم واملعرفة حيث هناك فرق بني العلم واملعرفة لفظا ومعنى، �أم��ا اللفظ :ففعل املعرفة يقع على �شخ�ص م��ا ،حيث نقول :عرفت الدار ،وعرفت زيدا ،ومن منظور �إ�سالمي ن�ستدل بقوله تعالى}:فعرفهم وهم له منكرون{،وقال تعالى يف كتابه العزيز}:يعرفونه كما يعرفون �أبناءهم{ وفعل العلم قد يقت�ضي �أك�ثر من �شخ�ص ،كقوله تعالى: }ف�إن علمتموهن م�ؤمنات{ وهنا ورد العلم مبعنى املعرفة، �أما يف قوله تعالى } :و�آخرين من دونهم ال تعلمونهم اهلل يعلمهم{ فهناك فرق معنوي ظاهر حيث �أن املعرفة تتعلق
بذات ال�شيء ،والعلم يتعلق ب�أحواله .ولذلك جاء الأمر يف القر�آن بالعلم دون املعرفة ،كقوله تعالى} :فاعلم �أنه ال �إله �إال اهلل{ وقوله تعالى}:اعلموا �أن اهلل �شديد العقاب{، وقوله }:فاعلموا �أمنا �أنزل بعلم اهلل{ .فاملعرفة :ح�ضور �صورة ال�شيء ومثاله العلمي يف النف�س ،والعلم :ح�ضور �أحواله و�صفاته ون�سبتها �إليه ،فاملعرفة :ت�شبه الت�صور، والعلم :ي�شبه الت�صديق. وال�س�ؤال الذي ميكن �أن يطرح هنا هل ي�ؤدي الظن �إلى علم ويقني وفق نظرية املعرفة؟ وهل الرتكيز على طم�أنينة النف�س هي املعيار للو�صول �إلى العلم واحلقيقة ؟ والهدف الأ�سا�سي من الأ�سئلة ال�سابقة هو الو�صول �إلى ظني منها� ،أو ما ما هو يقيني من املعارف ،ونبذ ما هو ّ هو م�شوب بال�شك واالرتياب ،حيث �إننا ن�شاهد اليوم بع�ض الآراء التي تف�سح املجال لأ َر�ضية ال�شك والن�سبية بالتوغل �إلى روح املعرفة. وم��ن ه��ذا املنطق وه ��ذا املعنى ننطلق �إل ��ى الفرق ب�ين العلم وال�ظ��ن ،وحيث �إن العلم ارت�ب��ط بالت�صديق والطم�أنينة واليقني ،فالعلم ي�ساعد ال�شخ�ص على الو�صول لل�شئ الذي يريد معرفتة يف �أعلى درج��ات اليقني.وكثري من العلماء اعترب العلم �أعلى درجات املعرفة ،بحيث يكون املرء على علم بال�شيء الذي يريد معرفته ،وبذلك يكون العلم " �صفة ينك�شف بها املطلوب انك�شافا تاما" ،بحيث يح�صل ذلك املطلوب " يف النف�س ح�صوال ال يطرق �إليه احتمال كذبه " عك�س الظن الذي يختلط بعدم اليقني وقد يقابله الوهم ،فهو قائم على الرتجيح والتوقع � .إن
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
29
فهم الإن�سان للمفاهيم املختلفة يعتمد على درجات فهمه من�سجم ًا مع ما هو وارد ا�ستعماله يف القر�آن الكرمي� ،إذ و�إدراك��ه ،للأحداث والق�ضايا املختلفة ،وقد �أكد القر�آن يقول( :الظن :ا�سم ملا يح�صل عن �أمارة ،متى قويت �أ َّدت الكرمي على املعرفة اليقينية ،وح�ذّر الإن�سان من الركون �إلى العلم ،ومتى �ض ُعفت جد ًا مل يتجاوز ح ّد الوهم) �إلى علم ي�شوبه �شك �أو ظن. من هنا جند �أن للمفهومني (العلم والظن) عالقة قوية، �إن القر�آن الكرمي رف�ض الظن يف �أكرث من �آية ،وا�ستخدم فكثري من ال�ش�ؤون تبد�أ بظن ،وهذا الظن قد يكون حمر� ًضا ً ً ً مفهوم الظن �أحيانا مقابال للعلم ،و�أخرى مقابال لليقني ،للمعرفة ،والو�صول �إلى العلم �.أن الإبحار يف نظرية املعرفة ون �إال َّ نحو قوله تعالىَ } :وما َل ُه ْم ِب ِه ِم ْن ِع ْل ٍم �إِ ْن َي َّت ِب ُع َ الظ َّن يو�صل الباحث �إلى احلقيقة ،وللعلم ،ولليقني الذي �أبحر َو�إِ َّن َّ الظ َّن ال ُي ْغ ِني ِم َن الحْ َ قِّ �شَ ْيئ ًا{. للو�صول �إليه. ال�س َاع ُة ال وقوله تعالىَ } :و�إِذا ِق َيل �إِ َّن َو ْع َد اهلل َح ٌّق َو َّ �أن الإبحار يف زورق املعرفة بني مفهوم العلم واليقني، َر ْي َب ِفيها ُق ْلت ُْم ما ن َْدرِي َما َّ ُ ُ َّ َ ال�س َاعة �إِ ْن نَظ ُّن �إِال ظنًّا َوما ن َْح ُن والعلم والظن لهو �إبحار ً�شيق ملا فية من املعاين ،وحتري�ض بمِ ُ ْ�س َت ْي ِق ِن َني{. التفكري التحليلي للق�ضايا الدينية واحلياتية ،وبالتايل علينا وقد عرف كثري من علماء اللغة (الظن) مرادف ًا لل�شك ،الإبحار يف زورق املعرفة للو�صول للعلم ،وللبعد عن الظن ولقد ق � ّدم ال��راغ��ب الأ�صفهاين (516ه� �ـ) تعريف ًا للظن فهناك م�ساحات �شا�سعة ،بني مفهوم �أنا �أعلم ،و�أنا �أظن! � 30إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مقاالت الوسطية
الإن�سان بني النور والظلمات د� .إبراهيم الرتكاوي داعية وباحث �أكادميي يف الفكر الإ�سالمي
مل يخلق اهلل – ع ّز وج ّل – الإن�سان عبثا ،ومل يرتكه همال ،ومل ي�ش�أ �أن يجعله يف بيداء احلياة تائها ،وال �أن مي�شي يف ظلماتها متخبطا ..بل �أكرمه ون ّعمه ،وبالعقل والتكليف �ش ّرفه وم ّيزه ،وب�إر�سال الر�سل و�إن��زال الكتب ِ َاب َ�أنزَ ْلنَا ُه �إِ َل ْي َك �أنار له الطريق ف�أب�صره و� أر�شده)"} كت ٌ َّا�س ِم َن ُّ الظ ُل َم ِ ات �إِ َل��ى النُّو ِر ِب � ِ�إذْ نِ َر ِّبهِ ْم �إِ َلى ِلتُخْ رِ َج الن َ �ِ��ص� َر ِ اط ا ْل َعزِ يزِ حْ َ ال ِم ِيد{�( إبراهيم )1 :وملكانة الإن�سان ومنزلته العظيمة عند اهلل – عز وجل ،-ت��واله بعنايته وحفظه برعايته ،و�أخرجه من الظلمات �إل��ى النور؛ �إذا ين �آ َم ُنو ْا ُي ْخ ِر ُج ُهم ِّم َن �آمن وعمل �صاحلا } ..اللهَّ ُ وَليِ ُّ الَّذِ َ الظُّ ل َُماتِ ِ�إ َلى ال ُّنو ِر( {..البقرة )257: �أما �إذا �أعر�ض الإن�سان ون�أى بكفره عن ربه ،تركه اهلل – عز وجل -للطاغوت يتواله وي�ضله ،ويخرجه من النور ين َك َف ُرو ْا �أَ ْو ِل َيا�ؤ ُُه ُم َّ وت �إلى الظلمات َ .. } .وال َِّذ َ الط ُاغ ُ ُ َ ُيخْ رِ ُجو َن ُهم ِّم َن النُّو ِر ِ�إ َلى ُّ الظ ُل َم ِ اب النَّا ِر ات �أ ْو َل ِئ َك �أ ْ�ص َح ُ ُه ْم ِفي َها خَ ا ِل ُدون َ{ (البقرة )257 : ولقد خُ لق الإن�سان من العدم ،والنور يكتنفه من كل جانب� ،سواء من م�صدر الن�ش�أة والتلقي �أو من حيث الوحي وتف�ضل – نور .. والتبليغ ..فر ُّبه -الذي خلقه و�أنعم عليه ّ ال�س َما َو ِات َوالأَ ْر ِ�ض { ..النور 35 :فاهلل– ع ّز }اللهَّ ُ ُنو ُر َّ وج ّل � --صاحب كل نور يف ال�سموات والأر�ض ،هذا النور عم وفا�ض على الكون كله ،بيد �أنه ال يهتدي �إليه �إال من ّ فتح اهلل ب�صريته ،و�شرح �صدره للإ�سالم ،فهو على نور الم َف ُه َو َع َلى ُنو ٍر من ربه � } .أَ َف َمن �شَ َر َح اللهَّ ُ َ�ص ْد َر ُه ِل ِ لإ ْ�س ِ ِّمن َّر ِّب ِه( { .. الزمر )22 : والنبي �صلى اهلل عليه و�سلم -الذي �أر�سله ربه -نور.
ني{ (املائدة )15 : َاب ُّم ِب ٌ } َ ..ق ْد َجا َء ُكم ِّم َن اللهَّ ِ ُنو ٌر َو ِكت ٌ
فحياة النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم -كلها نور متوهج يف كل وقت – يف النوم واليقظة ،ويف احلركة وال�سكون، ويف احلل والرتحال – ال يخبو جنمه ،وال تغيب �شم�سه، فهو � -صلى اهلل عليه و�سلم -كما و�صفه ربهَ } ،يا �أَ ُّي َها ال َّنب ُِّي ِ�إنَّا �أَ ْر َ�س ْلن َ َاك �شَ ِاه ًدا َو ُم َب ِّ�ش ًرا َون َِذي ًرا (َ )45و َد ِاع ًيا ِ�إ َلى اللهَّ ِ ِب ِ�إذْ ِن ِه َو ِ�س َر ًاجا ُّم ِن ًريا( { الأح��زاب ،)46،45:والكتاب - الذي �أنزله اهلل – عز وجل -على نبيه � -صلى اهلل عليه وحا ِّم ْن َ�أ ْمرِ نَا َما و�سلم – -نور َ } ..وكَذَ ِل َك �أَ ْو َح ْينَا �إِ َل ْي َك ُر ً َاب َوال الإِ َمي ُان َو َل ِكن َج َع ْلنَا ُه ُنو ًرا َّن ْه ِدي ُك َ نت ت َْدرِي َما ال ِْكت ُ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِب ِه َم ْن نَّ�شَ اء م ْن ع َبادنَا َو�إِن ََّك َل َت ْه ِدي �إِ َلى �ص َراط ُّم ْ�س َتق ٍيم{ (ال�شورى )52:
فالقر�آن الكرمي ،ي�ضيئ العقول ،وينري القلوب ،ويحيي النفو�س ،وي�شفي ما يف ال�صدور .. وهذا ما جعل ( �أحمد �شوقي ) يعجب من �أمة عندها كل هذا النور ،وت�أبى �إال �أن تعي�ش يف حالك الظلمات ،فراح يرثي واقع �أمته املظلم �إيل نبي النور �صلى اهلل عليه و�سلم : �شعوبك يف ���ش��رق ال��ب�لاد وغربها ك���أ���ص��ح��اب ك��ه��ف يف عميق �سبات ب���أمي��ان��ه��م ن����وران :ذك��ـ��ـ��ـ��ر و�س ــنة فما بالهم يف حـالك الظلمــات !
و�إن كنا نعجب مع �أمري ال�شعراء من �أمة نامت يف النور، ف�ضعفت وهان على النا�س �أمرها ،و�أمم �أخرى ا�ستيقظت يف ال �ظ�لام ،فقويت وع�ظ��م يف �أع�ي�ن النا�س �ش�أنها،.. ف�إن العجب ال ينتهي من �أنا�س – وهم كُثرُ – ال يحبون
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
31
يم{ (احلديد )12: ا ْل َف ْو ُز ا ْل َع ِظ ُ
النور ،ويع�شقون الظالم ،كاخلفافي�ش التي �أعماها النهار فال تب�صر وال تن�شط �إال يف الليل ،ولذا ال يريدون لليل �أن ويف ال�صورة املقابلة للم�ؤمنني – نرى املنافقني يودون ينجلي ،وال لل�صبح �أن ي�سفر.. �أن ي�سريوا على نور امل�ؤمنني ،كما كانوا ي�سريون ظاهرا والأده��ى من ذل��ك� ،أنهم ال يحبون النور فح�سب ،بل معهم يف الدنيا ،ويت�سمون ب�أ�سمائهم ..ولكن هيهات .. يئدون كل من ي�شعل �أمام النا�س �شمعة ،ويحاربون كل من هيهات ! َ } ..ي ْو َم َيق ُ ين � َآمنُوا ُول المْ ُنَا ِفق َ َات ِل َّل ِذ َ ُون َوالمْ ُنَا ِفق ُ ُ انظ ُرونَا َن ْق َتب ِْ�س ِمن نُّو ِر ُك ْم ِق َيل ا ْرجِ ُعوا َو َراء ُك� ْ�م فَا ْلت َِم ُ�سوا ي�ضيئ لهم الطريق� ،أويب�صرهم بالنهج ال�سديد .. ُ َّ َ ٍ اب َب ِاط ُن ُه ِفي ِه ال َّر ْح َم ُة َو َظ ِاه ُر ُه ب ه ل ر و ِ�س ب م ه ن ي ب ب َ�ض ف ا ر و ن رِ ُ ُ ُ ً َ ٌ َ َْ ُ ولقد و�صل بهم الغرور وال�صلف �إلى احلد الذي يريدون اب * ُينَا ُدو َن ُه ْم �أَلمَ ْ َن ُكن َّم َع ُك ْم َقا ُلوا َب َلى َو َل ِك َّن ُك ْم أفواههم ِمن ِق َب ِل ِه ا ْل َعذَ ُ فيه �أن يطفئوا نور اهلل – �سبحانه وتعالى – ب� الب�شر جميعا َفتَنت ُْم �أَنف َُ�س ُك ْم َو َت َر َّب ْ�صت ُْم َوا ْر َت ْبت ُْم َوغَ َّر ْت ُك ُم الأَ َمانيِ ُّ َح َّتى َجا َء ..وهيهات ..هيهات ملا يريدون ،ف�إذا كان عاجزين عن �أن يطفئوا نور م�صباح كهربائي -من �صنع �أَ ْم ُر اللهَّ ِ َوغَ َّر ُكم ِباللهَّ ِ ا ْل َغ ُرو ُر{( احلديد )14،13: �أيديهم -ب�أفواههم ..فكيف بنوراهلل -عز وجل – ؟! �أبعد هذا ،ت�ستوي الظلمات والنور ؟ ون َ�أن ُي ْط ِف ؤُ�و ْا ُنو َر وهذا ما�سجله القر�آن عليهم ُ } :يرِ ي ُد َ يجيبنا القر�آن َ } :و َما َي ْ�س َتوِي الأَ ْع َمى َوا ْل َب ِ�ص ُري(َ )19وال ات َوال النُّو ُر(َ )20وال ِّ ون{ ُّ الظ ُّل َوال الحْ َ ُرو ُر(َ )21و َما َي ْ�س َتوِي اللهَّ ِ ِب�أَ ْف َو ِاههِ ْم َو َي�أْ َبى اللهَّ ُ �إِ َّال �أَن ُي ِت َّم ُنو َر ُه َو َل ْو َكرِ َه ا ْل َكا ِف ُر َ الظ ُل َم ُ نت بمِ ُ ْ�س ِم ٍع (التوبة � ،)32:أال ما �أتع�س ه�ؤالء الذين ا�ستحبوا العمى على الأَ ْح َياء َوال الأَ ْم َو ُ ات ِ�إ َّن اللهَّ َ ُي ْ�س ِم ُع َمن َي�شَ اء َو َما �أَ َ الهدى ،والظلمات على النور� ،إنهم ال يبغون احلياة �إال عوجا َّمن فيِ ا ْل ُق ُبورِ{ (فاطر )22،21،20،19: ،..ف��إن ر�أوا �سبيل الغي يتخذوه �سبيال ،و�إن ي��روا �سبيل واملت�أمل يف جميع �آي��ات القر�آن التي جمعت بني النور الر�شد ال يتخذوه �سبيال ،فهم يف غيهم �سادرون ،وعن احلق والظلمات ،يلحظ �أنها ذكرت النور (مفردا) والظلمات غافلون ،ويف طغيانهم يعمهون .. (جمعا) ،وذلك لأن نور الوحي ال يتعدد �أ�صله ،فهو واحد– و�إن تعددت روافده –� ،أما الظلمات فهي كثرية مت�شعبة يف لقد �أعمى التكرب يف الأر�ض بغري احلق قلوبهم ،و�صرف �سبل الغي ،ومتاهات ال�ضاللة .. }� س�أَ ْ�صرِ ُف عن االنتفاع ب�آيات اهلل – عز وجل – عقولهم َ . ه��ذا م��ن ج��ان��ب ،وم��ن جانب �آخ��ر ،ف ��إن َم��ن فقد نور ون فيِ الأَ ْر ِ�ض ِب َغيرْ ِ الحْ َ قِّ َو ِ�إن َي َر ْوا ُك َّل ين َي َت َكبرَّ ُ َ َع ْن �آ َيا ِت َي ال َِّذ َ ِيل الر�شْ ِد َال ي َّت ِخذُ وه �سبِي ًال الوحي ،ت�شعبت به الظلمات وتداعت عليه ،و�أحاطت به من َ �آ َي ٍة َّال ُي�ؤ ِْمنُو ْا ِيل ِباَه ْلاغ َوَي�إِ ين َّت ِ َيخ َرذُ ْوواه َ�س�سببِي ًال ذَ ِ ُّل َك ِب�أَ َّنه َم َكذَّ بو ُ ْا ِب َ�آيا ِتنَا كل جانب� ،إنها ُ } : ات َب ْع ُ�ض َها َف ْوقَ َب ْع ٍ�ض �إِذَ ا �أَخْ َر َج ..ظ ُل َم ٌ ُْ ُ َ َو�إِن َي َر ْوا َ�سب َ ِّ َ ُ َ َي َد ُه لمَ ْ َي َك ْد َي َر َاها َو َمن لمَّ ْ َي ْج َعلِ اللهَّ ُ َل ُه ُنو ًرا َف َما َل ُه ِمن نُّورٍ{ ني{( الأعراف )146: َو َكا ُنو ْا َع ْن َها غَ ا ِف ِل َ (النور )40 : �إذا كان ه�ؤالء يتخبطون يف الظلمات ،ولي�سوا بخارجني و�سيظل الإن�سان يف نور الهداية ،ي�سمو ب�إن�سانيته ويرقى منها ،ف�إن امل�ؤمنني الذين �آمنوا باهلل – عز وجل – واهتدوا ..بقدر حظه من هذا النور َ ...} ..ق ْد َجا َء ُكم ِّم َن اللهَّ ِ وجعل إميان، بهديه ،كمن كانوا �أمواتا ف�أحياهم اهلل بال ني (َ )15ي ْه ِدي ِب ِه اللهَّ ُ َمنِ ا َّت َب َع ر ِْ�ض َوا َن ُه ُ�س ُب َل َاب ُّم ِب ٌ لهم نورا من القر�آن واحلكمة مي�شون به على ب�صرية يف ُنو ٌر َو ِكت ٌ الم َو ُيخْ رِ ُج ُهم ِّمنِ ُّ الظ ُل َم ِ ات �إِ َلى النُّو ِر ِب�إِذْ ِن ِه َو َي ْه ِديهِ ْم دنيا النا�س ،وي�ست�ضي�ؤون به يف ظلمات احلياة ،فيم ّيزون به َّ ال�س ِ ٍ ِ يم{ (املائدة )16،15: بني احلق والباطل ،والهدي وال�ضالل � } ..أَو من َك َان ميتًا �إِ َلى ِ�ص َراط ُّم ْ�س َتق ٍ َ َ َْ كما �أن��ه ال ي��زال يف عمى ال�ضاللة ،يهبط ب�إن�سانيته َّا�س َك َمن َّم َث ُل ُه فيِ َف�أَ ْح َي ْينَا ُه َو َج َع ْلنَا َل ُه ُنو ًرا يمَ ْ ِ�شي ِب ِه فيِ الن ِ ُّ الظ ُل َم ِ ين َما َكا ُنو ْا وينحدر ..بقدر ن�صيبه من تلك الظلمات � } ..أَ َر�أَ ْي َت َمنِ ات َل ْي َ�س بِخَ ار ٍِج ِّم ْن َها كَذَ ِل َك ُز ِّي َن ِل ْل َكا ِفرِ َ َ َ َ َ ُ ِ ِ َ ون َعل ْيه َوكيال (� )43أ ْم تحَ َْ�س ُب �أ َّن نت َتك ُ اتَّخَ ذَ �إِ َل َه ُه َه َوا ُه �أ َف�أ َ ون{ (الأنعام )122: َي ْع َم ُل َ َ َ ُ ِ َ ْثرَ ون ِ�إ ْن ُه ْم ِ�إ َّال َكالأَ ْن َع ِام َب ْل ُه ْم َ�أ َ�ض ُّل ل ق ع ي و � أ ون ع م �س ي م ه ك � أ ُ ْ َ ْ َُ َ ْ َْ َ هذا �ش�أن امل�ؤمنني يف الدنيا ،فهم على نور من ربهم�َ .سبِيال{ الفرقان44،43 : �أما يف الآخرة ،ي�سعى نورهم بني �أيديهم ،وعن �أميانهم،.. " ال ّل ُه َّـم ْاج َع ْـل يف َق ْلبـي نوراَ ،ويف ِل�سـاين نوراَ ،و ْاج َع ْـل وي�ب���ش��رون ب�ج�ن��ات جت��ري م��ن حتتها الأن �ه��ار يف ي��وم ال يف َ�س ْمعي نوراَ ،و ْاج َع ْـل يف َب َ�صري نوراَ ،و ْاج َع ْـل ِم ْن خَ ْلفي يخزي اهلل النبي والذين �آمنوا معه َ } ..ي ْو َم َت َرى المْ ُ�ؤ ِْم ِن َني نوراَ ،و ِم ْن �أَمامـي نوراَ ،و ْاج َع ْـل ِم ْن َف ْوقـي نوراَ ،و ِمن تحَ ْ تـي َوالمْ ُ�ؤ ِْمن ِ َات َي ْ�س َعى ُنو ُر ُهم َبينْ َ �أَ ْي ِديهِ ْم َو ِب َ�أيمْ َ ا ِنهِ م ُب�شْ َرا ُك ُم ن��ورا ،ال ّل ُه َّـم �أَ ْع ِطنـي ن��ورا “ (ال� �ب� �خ ��اري ،)116/11و (م�سلم َ ين ِفي َها ذَ ِل َك ُه َو )526،529،530/1 َّات تجَ ْرِ ي ِمن تحَ ْ ِت َها الأ ْن َها ُر خَ ا ِل ِد َ ا ْل َي ْو َم َجن ٌ � 32إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مقاالت الوسطية
بع�ض (التد ُّين ِح َجاب) د� .سلمان فهد العودة
�أما التد ُّين ف ُيق�صد به التع ُّبد والفعل واملمار�سة التي ال�سيرَ �أن �إبراهيم بن جعفر زار الإمام يروي علماء ِّ �أحمد ،و�س�أله فقال :يبلغني عن الرجل ال�صالح ف�أذهب يقوم بها ف��رد �أو جمموعة ..فهو التنزيل الب�شري على و�أ�صلي خلفه ،فما ترى يف ذلك؟ الأر�ض لذلك الأمر الإلهي ال�سامي. قال �أحمد :انظر ما هو �أ�صلح لقلبك فافعله ! وه��و يف �أح�سن �أح��وال��ه و�أ�صدقها :تفاعل امل�ؤمن مع الن�ص الثابت؛ بحث ًا عن ال�صحيح يف تف�سريه ومعناه، وقد ذكر هذه الق�صة بع�ض من نقلوا م�سائل الإمام وال�صحيح يف تطبيقه وحتقيقه ،و�سعي ًا لتح�سني الأداء �أحمد ،و�أ�شار �إليها ابن تيمية؛ كما يف الفتاوى الكربى طلب ًا للكمال ..و�أَنَّى ب�أر�ضنا الكمال! (باب �صالة التطوع). وهذا ال�شرط ُي رِّعب عنه ال�سلف بـ(ال�صواب). هنا خرج الإمام �أحمد من التف�ضيل بني خيارات عدة يف امل�س�ألة ب�إرجاع ذلك �إلى الأثر الناجت عن الفعل ،والذي وهو ال يعني الثناء على العمل حتى ُي�ضاف �إليه �شرطا يجده املك َّلف والعابد يف قلبه. �آخر هو مواط�أة الباطن للظاهر ب�صدق النية والتوجه �إلى ومبثل هذا اجلواب يغدو امل�ؤمن ق��ادر ًا على التف�ضيل اهلل و�إرادته وحده. بني الأعمال امل�شروعة ب�أ�سباب من �أهمها مالحظة الفرق وحني قر�أ الف�ضيل قوله تعالىِ } :ل َي ْب ُل َو ُك ْم �أَ ُّي ُك ْم �أَ ْح َ�س ُن اخلفي القلبي بني الأفعال.. ف�سرها بالأخ َل�ص والأ�صوب ،وقالَّ �( :إن َع َمل{ (:2امللك)َّ ، وك�أن الإمام �أحمد بهذا يتجنَّب جد ًال وا�سع ًا يف املفا�ضلة ا ْل َع َم َل �إذَ ا َك َان خَ ا ِل ً�صاَ ،ولمَ ْ َي ُك ْن َ�ص َوا ًبا ،لمَ ْ ُي ْق َب ْلَ ،و ِ�إذَ ا ون خَ ا ِل ً�صا بني �أعمال ين�شغل ال�سالك باجلدل فيها وحولها عن فعلهاَ ،ك َان َ�ص َوا ًبا َولمَ ْ َي ُك ْن خَ ا ِل ً�صا لمَ ْ ُي ْق َب ْلَ ،ح َّتى َي ُك َ فيتح ّول �إلى ق َّوال ُي�ش ِّعب و ُي�شغِّب ولكنه ال يفعل ،بينما الأمر َ�ص َوا ًبا). متوقف على حال الإن�سان وما ينا�سب قلبه ويخاطب ُل َّبه، امل� � َّرة ال��وح�ي��دة ال�ت��ي ُن � ِق��ل فيها ع��ن مو�سى -عليه ورمبا حتول العلم �إلى مناف�سة وبغي وت�سابق بني �أهله على ال�سالم -قول�( :أَنَا)؛ هي حينما �صعد املنرب -يف �أواخر الدنيا! َّا�س �أَ ْع َل ُم؟ َفقَالَ � :أَنَاَ ,ف َعت ََب ُ اهلل َع َل ْي ِه عمره -و�سئل� :أَ ُّي الن ِ ال��دي��ن ه��و الن�ص ،ه��و ال��وح��ي ،ه��و ال �ق��ر�آن و�صحيح ِ�إذْ لمَ ْ َي ُر َّد ا ْل ِع ْل َم ِ�إ َل ْي ِهَ ،ف�أَ ْو َحى ُ اهلل ِ�إ َل ْي ِه� :أَ َّن َع ْب ًدا ِم ْن ِع َبا ِدي ال�سنن ،هو ال��ر َّب��اين املح�ض غري امل�شوب ،وغ�ير املت�أثر بمِ َ ْج َم ِع ا ْل َب ْح َر ْينِ ُه َو �أَ ْع َل ُم ِمن َ ْك( )..البخاري وم�سلم َع ْن �أُ َب ِّي ْبنِ بتعرجات الواقع ومنحنياته.. َك ْع ٍب). ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
33
م��و��س��ى ه��و �صاحبَ ( :ر ِّب �إِنيِّ َظ � َل � ْم� ُ�ت َنف ِْ�سي فَاغْ ِف ْر ليِ ):16 الق�ص�ص َ )،ر ِّب اغْ ِف ْر ليِ َولأَ ِخ��ي) :151الأع� ��راف َ ) ،ر ِّب َل � ْو ِ�ش ْئ َت �أَ ْه� َل� ْك� َت� ُه��م ِّم��ن َق ْب ُل َو�إِ َّي َ اي):155 الأعراف ،والذي قال فيه حممد � -صلى و�سى � -صلى اهلل اهلل عليه و�سلمَ « :-ك�أَنيِّ �أَن ُْظ ُر �إِ َلى ُم َ ا�ض ًعا �إِ ْ�ص َب َع ْي ِه ِفى �أُ ُذ َن ْي ِه َل ُه ُج�ؤَا ٌر �إِ َلى اللهَّ ِ عليه و�سلم َ -و ِ بِال َّت ْل ِب َي ِة َما ًّرا ِب َهذَ ا ا ْل َوا ِدي » (رواه م�سلم عن ابن عبا�س) ه��و النبي ال��ذي اخ �ت��اره رب��ه النك�ساره وتوا�ضعه و�إخباته؛ ل ُيعالج طغيان التد ُّين عند بني �إ�سرائيل، ويعالج طغيان احلكم عند الفراعنة!
قدرها ال�شرعي حتى �أو يتح ّول �إل��ى �صف ٍة ت�أخذ فوق ْ ت�صبح في� ً صال بني (امللتزم) و(غري امللتزم).
فكيف �إذا اجتمعا عند ف��ري��ق م��ن ال�ن��ا���س ،ول��و من �أو يتح ّول �إلى غطاء لآفاتنا ،و�أمرا�ضنا ،و�إخفاقاتنا، امل�سلمني! وف�شلنا ،وحماية لعيوبنا ال�سيا�سية ،والثقافية ،واالجتماعية وبعد اجلهد الطويل ال�ضخم حكى اهلل عن ه�ؤالء قولهم :من النقد واملعاجلة. }ن َْح ُن �أَ ْبنَاء اللهّ ِ َو�أَ ِح َّبا�ؤُ ُه{:18( املائدة) ،وزعمهم �أنه لن �أو يتح ّول �إل��ى لغة ا�ستعالء وك�بري��اء على الآخ��ري��ن، يدخل اجلنة �إال هم! ِ والكبرْ �آفة حترم املرء من جنة التد ُّين احلق كما حترمه وعن �أولئك قول قائلهمَ } :يا �أَ ُّي َها المْ َ َ أ �َلُُ َما َع ِل ْم ُت َل ُكم من جنة الآخرة. ِّم ْن �إِ َل� ٍه غَ يرْ ِي َف َ�أ ْو ِق ْد ليِ َيا َه َام ُان َع َلى ِّ َاج َعل ليِّ الط ِني ف ْ حني يطول الأم��د وتق�سو القلوب قد يتح ّول غيور �إلى و�سى َو�إِنيِّ َ أل ُظ ُّن ُه ِم َن ا ْل َك ِاذ ِب َني{ َ�ص ْر ًحا َّل َع ِّلي �أَ َّط ِل ُع �إِ َلى �إِ َل ِه ُم َ حرا�سة املركز والوظيفة واملكانة واملظهر واملكا�سب الوهمية (:38الق�ص�ص). مل تكن حكاية �أنانيتهم وغرورهم مبا يظنونه عندهم والوجاهة ،ويغفل عن ال�سعي يف ح�صول الر َّبانية والزلفى من العلم �أو العمل �أو ال�سلطة ملجرد (و�صم) �أمة تُعادي �إلى اهلل وال�صفاء الداخلي ،ويعجز عن االنف�صال عما حوله امل�سلمني ،وال لتمنح امل�سلمني �سالح ًا ملواجهتهم فح�سب ،من الأمن��اط الزائفة ،يعجز عن متابعة اخلليل حني قال: كانت دع��وة لهذه الأم��ة اخلامتة املختارة �إل��ى الت�صحيح }�إِنيِّ ذَ ِاه ٌب �إِ َلى َر ِّبي{:99( ال�صافات) ،يعجز عن الهجرة الذاتي ،ومراقبة النف�س؛ حذر ًا �أن تقع فيما وقعوا فيه. �إلى اهلل ور�سوله ِب ُك ِّل َّيته؛ كما �أر�شد الإمام ابن القيم حني َّ �سطر( :طريق الهجرتني). كانت �سالح ًا لقمع البغي والعدوان ،واالغرتار بالتدين ال�شكلي �أو الظاهري؛ الذي ال ُيق ِّرب �إلى اهلل ،بل يحجب وهنا ي�صبح بع�ض ما يظنه العبد تد ُّين ًا حجاب ًا عن اهلل، عنه باال َّدعاء الأجوف.. َ و�أعوذ باهلل �أن نكون ممن قال اهلل فيهم�} :أ َف َمن ُز ِّي َن َل ُه وذلك حني يتح ّول التظاهر بالتدين �إلى ُ�س َّل ٍم للو�صول ُ�سو ُء َع َم ِل ِه َف َر�آ ُه َح َ�سنًا{ (:8فاطر) ،وقال فيهمُ } :و ُجو ٌه َي ْو َم ِئ ٍذ �إلى م�صالح عاجلة فانية لفرد �أو جماعة �أو جمتمع.. ِ ِ ِ ِ َ َ ً خَ ا�ش َع ٌة (َ )2عامل ٌة نَّا�ص َب ٌة ( )3ت َْ�صلى نَا ًرا َحام َية ( )4ت ُْ�سقَى �أو يتح ّول �إل��ى مكا�سب مادية وجت��ارة دنيوية َّ يتعجلها ِم ْن َعينْ ٍ �آ ِن َي ٍة{(:5-2الغا�شية) ،وقالَ } :و َب َدا َل ُهم ِّم َن اللهَّ ِ َما �إن�سان ..بينما الذين يتلون كتاب اهلل حق تالوته ،ويقيمون ُ ِ ُ لمَ ْ ب َ�س ت ح ي وا ن و ك ي ون{ (:47الزمر). َْ ُ َ َ �ون تجِ َ ��ا َر ًة لَّن ال�صالة ،وينفقون يف �سبيل اهللَ } ..ي � ْر ُج� َ َت ُبو َر{:29( فاطر). قبل �أن ت�ضع قدمك على الطريق عليك �أن ت�ضع قلبك، �أو يتح ّول لـ(فلكلور) �شعبي وطقو�س غريبة ،وعادات فـ(�إِ َّن اللهَّ َ َال َين ُْظ ُر �إِ َلى ُ�ص َو ِر ُك ْم َو�أَ ْم َوا ِل ُك ْم َو َل ِكنْ َين ُْظ ُر �إِ َلى مذمومة ال ت�سمو بالروح ،وال تعالج الأثرة وف�ساد ال�ضمريُ .ق ُلو ِب ُك ْم َو�أَ ْع َما ِل ُك ْم )( .رواه م�سلم عن �أبي هريرة). � 34إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
مقاالت الوسطية
العوملة والأزمة الأخالقية د� .آندي حجازي متخ�ص�ص يف علم النف�س الرتبوي
�إن املت�أمل اليوم للواقع ،يرى �أن العامل باتت ت�سوده العوملة بكل معايريها ومبادئها ،ومبا حتمله من �إيجابيات و�سلبيات ،وبات الإن�سان ي�شعر ب�أن املادة �أ�صبحت هي امل�سيطرة على حياة ال�شعوب وتفكري الأفراد ،املادة مبا ت�شمل من معرفة واخرتاعات و�إنتاجات وب�ضائع وحم�سو�سات على �أر�ض الواقع . واملع�ضلة من �سيادة املادة �أن تعم امل�صلحة واملنافع الدنيوية وال�شخ�صية قبل �أي منفعة �أخرى ،و�أن تتعار�ض مع ما ير�ضي اخلالق تعالى ومع الأخالق ال�سامية الراقية ،لأنها تفقد غذاء الروح ،وجتعل الإن�سان يلهث وراء املادة وحاجات اجل�سد وال�شهوة من دون �أن يتطلع �إلى حاجاته الروحية . �إن انت�شار العوملة و�سيادتها يجعالن الأمم تر�ضى بكل ما تفر�ضه عليها العوملة من متغريات ،ومن فقد لل ُهوية الوطنية والثقافية والدينية لأبناء املجتمع ،فاليوم مع �سيادة العوملة بد�أ ال�صراع كبريا بني الثبات على املبادئ والقيم الأخالقية الرفيعة وعلى الهوية الثقافية للمجتمعات والأفراد ،وبني االن�صهار يف بوتقة العوملة وما �ألقت علينا من �أخالق دونية ،و�أثقلت كاهلنا بو�سائل تكنولوجية باتت تغري يف عقول ال�صغار والكبار وتتالعب بها وفق ما ت�شاء؛ ومن هنا ب��د�أت تظهر يف حياتنا �أزم��ة �أخالقية وا�ضحة املعامل . يف امل��ا��ض��ي ال�ق��ري��ب ج��دا كنا ننظر �إل ��ى ال��رق��ي يف القيم والأخالق �أي�ضا ،وبد�أنا ننقل عنهم �أنها �أمة تتميز بجوانب �أخالقية مقدرة ،كاحرتام النظام والوقت والدور والدقة يف املواعيد وال�صدق يف القول والأمانة يف التجارة واالحرتام للإن�سان ،ولكننا مع مرور الوقت �أ�صبحنا ندرك �أن التزامهم بتلك الأخ�لاق �إمن��ا هو ب�سبب م�صاحلهم ال�شخ�صية ،لأن تلك الأخالق حتقق لهم املكا�سب واملنافع
الدنيوية والتجارية ،ف�إن تعار�ضت معها فال م�شكلة من االنقالب عليها! وقد ن�سينا� ،أو رمبا بجهل منا � ،أن تلك الأمة مل تقم على ح�ضارة يوما ،بل بالعك�س ،قامت على �إب��ادة ح�ضارة �أه��ل البالد الأ�صليني (الهنود احلمر) ، و�سرقة بالدهم ،والتخل�ص منهم يف �إبادة جماعية ،ثم نقول �إنها ح�ضارة حترتم الإن�سان وتقدره! �أية مفارقة؟! تلك الإب��ادة اجلماعية تكررت يف العراق ويف �أفغان�ستان وهريو�شيما ونكازاكي يف اليابان ويف عدة دول ...ف�أين هذا الرقي الأخالقي ؟! بل انظر �إل��ى التفرقة التي قامت على �أ�سا�س اللون اجل�سدي للب�شر؛ فكم عانى الأ�شخا�ص ذوو الب�شرة ال�سوداء يف الواليات املتحدة من الذل واملهانة والعبودية واالحتقار والتعذيب والتفرقة ! فلعهد قريب كانت ال حقوق لهم ،وال مدار�س جتمع بني البي�ض وال�سود ،وال جامعات ،وال و�سائل موا�صالت م�شرتكة ،وال �أ�سواق ،وال حتى كنائ�س م�شرتكة ! فمثال حدث �أن �أخط�أ رجل �أ�سود الب�شرة فدخل كني�سة من كنائ�س البي�ض يف �أمريكا ،والتي يفرت�ض �أنها مكان
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
35
لن�شر القيم والعدل وامل�ساواة بني الب�شر ،وكان الق�سي�س يتحدث ف��ر�أى هذا الرجل الغريب عنهم يدخل الكني�سة فامتع�ض ،و�أخرج ورقة وكتب فيها كلمات و�أر�سلها �إليه ، وحينما فتحها ذاك الرجل الأ�سود الب�شرة وجد بها� " :إن عنوان كني�سة ال�سود يف �شارع كذا " ! ف�أي ح�ضارة تلك التي نت�شدق ب�أنها ك ّرمت الإن�سان وحترتم حقوقه ونتمنى العي�ش يف �أو�ساطها . ما يهمنا هنا لي�س هو انتقاد �أمة ؛ ولكن كفانا – نحن امل�سلمني �أعظم �أمة – تعلقنا ب�أحبال من خيوط العنكبوت ب ��أن تلك احل���ض��ارة الغربية (ذات الأزم ��ات الأخالقية الفادحة من �شرب خمر وقتل وزن��ا وقمار ول��واط وتعر للأج�ساد ومتييز عن�صري)..هي م��ا ت�ستحق التقدير والإعجاب واالقتداء .قد يكون لديها ما ي�ستحق التقليد والتقدير ،كاحرتام املواعيد والنظام والإهتمام بالعلم واالخرتاع والتكنولوجيا ،ولكن العلم احلقيقي هو ما يبني القيم الإن�سانية الراقية ويرتقي وي�سمو بها ،وهو ما يجعل للحياة معنى �ساميا راقي املبتغى وير�ضي خالق الب�شرية ؛ ال ما يو�صل �إلى هوة �أخالقية جتعل يف حياة الب�شر فراغا روحيا مدمرا طويل املدى ،ويدعو �إلى االكتئاب واالنتحار لدى الكثريين !
برفقة جمموعة من الن�سور الأخ��رى و�أخ��ذت ت�ضرب �أنثى الن�سر �ضربا �شديدا على جناحيها وج�سدها حتى ماتت ،والباحث يراقب وي�صور ما يحدث يف ذه��ول ،بل ر�أى الن�سر الذكر ي�أخذ البي�ض الغريب ويطري به ثم يرميه من �أعلى راف�ضا وجوده يف ع�شه ..فانظر � ،أيها القارئ ،كيف بالطري يرف�ض تلك ال�سلوكيات غري الأخالقية من �أنثاه لدرجة قتلها ؟ ،فكيف بنا يف زماننا وقد و�صلت الإباحية يف عامل الب�شر اليوم �إلى درجة مل ت�صلها الكثري من الأمم ال�سابقة البائدة ،لدرجة ت�ستجلب غ�ضب اهلل تعالى . ح�ضارتنا هي الأ�صل
ما �ص ّدرته لنا العوملة وو�سائل التكنولوجيا جعلنا نبتعد خطوات كثرية عن قيمنا و�أخالقنا الإ�سالمية العظيمة و�ضرورة االعتزاز بها وبعظمائها ،بل �أقنعتنا ب�أنها الأعظم �أخالقيا ،و�أن�ستنا ح�ضارة عظيمة قامت �أ�سا�سا على الأخالق ،فقد قال ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم : - "�إمنا ُبعثت لأمتم مكارم الأخالق" ،مما يعني �أنه كان يف الأمم وقبل الإ�سالم �شيء من الأخالق التي يعرفون بها ، كالكرم والنخوة وال�شجاعة والفرو�سية والفطنة وال�صدق والإخال�ص وح�سن اجلوار ،فجاء الإ�سالم ليكمل تلك القيم الأخالقية العظيمة وي�ؤكد عليها ،والتي امتدح اهلل تعالى ون الأمة الإ�سالمية } ُك ْنت ُْم خَ يرْ َ �أُ َّم ٍة �أُخْ رِ َج ْت ِلل َن ِ ّا�س َت�أْ ُم ُر َ ُون ب َهّ ِ بِالمْ َ ْع ُر ِ هوة �أخالقية ِالل َو َل ْو � َآم َن �أَ ْه ُل وف َو َت ْن َه ْو َن َعنِ المْ ُ ْن َكرِ َو ُت�ؤ ِْمن َ َ ُون َو�أكْثرَ ُ ُه ُم ا ْلف ِ �إنها ه��وة �أخالقية �أو �أزم��ة �أخالقية و�صلت بالعامل ال ِْكت ِ ُون{ﱠ َا�سق َ َاب َل َك َان خَ يرْ ً ا َل ُه ْم ِم ْن ُه ُم المْ ُ�ؤ ِْمن َ الغربي اليوم �إل��ى ال�شذوذ اجلن�سي والتعري والف�ضائح (�آل عمران .)110 َّ بل ، إن�ساين � انحطاط اجلن�سية والأف�لام الإباحية ،و�إلى فخذ مثال حامت الطائي العربي ،الذي ا�شتهر بكرمه أن � أراد � أجنبي � لعامل ق�صة حتى عامل احليوان ي�أباها ، ففيعلى جتربة ذات مرة ؛ ب�أن الوا�سع ،حتى �إن ر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم - يراقب �سلوك الن�سور ،ف�أقدم ا�ستبدل بي�ض طائر �آخر يف الع�ش ببي�ض الن�سر يف حلظة امتدحه يوما ،حينما ُ�سبيت ابنته يف �إح��دى الغزوات ، غياب الأم عن البي�ض ،وعندما ع��اد الن�سران (الذكر فا�ستنجدت بر�سول اهلل � -صلى اهلل عليه و�سلم -قائلة : من اهلل عليك ،فقد هلك الوالد علي ّ ، والأنثى) و�شاهد الذكر ذلك البي�ض ،طار م�سرعا ثم عاد يا ر�سول اهلل ،امنن ّ
� 36إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
،و�إين بنت �سيد قومي ،ك��ان �أب��ي يفك الأ��س�ير ويحمي ال�ضعيف ،ويقري ال�ضيف ،وي�شبع اجلائع ،ويفرج عن الكروب ،ويطعم الطعام ،ويف�شي ال�سالم ،ومل يرد طالب حاجة قط � ،أنا ابنة حامت الطائي .فقال لها ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم " : -يا جارية ! هذه �صفة امل�ؤمن ،لو كان �أبوك م�سلما لرتحمنا عليه " ثم قال لأ�صحابه " :خلوا عنها ،ف�إن �أباها كان يحب مكارم الأخالق " . وت�أمل كيف رف�ض �سيدنا عمر بن اخلطاب – ر�ضي اهلل عنه – �أن ي�أخذ من بيت املال ما ي�صلح �ش�أنه بعد عر�ض امل�سلمني ذلك عليه ،وهو يقول " :كيف يعنيني �أمر الرعية مي�سهم " وانظر كيف كان يت�سابق مع مي�سني ما ّ �إذا مل ّ �سيدنا �أبي بكر ال�صديق يف خدمة ام��ر�أة عجوز ال معني لها ،وهما قادة الأمة ! �أي عظمة تلك ؟ وانظر �إلى رحمة �سيدنا عمر حينما رفع اجلزية عن رجل طاعن يف ال�سن من �أه��ل الكتاب ر�آه ي�س�أل النا�س ال�صدقة ،فقال " : واهلل ما �أن�صفناه �إن �أكلنا �شبيبته ثم نخذله يف الهرم " فرفع اجلزية عنه وعن �أمثاله من كبار ال�سن من اليهود والن�صارى! وك��م وردت �آي��ات يف ال�ق��ر�آن الكرمي حتث على مكارم ال ْح َ�سانِ الأخالق ،فقال تعالى � } :إِ َّن َ َهّ الل َي�أْ ُم ُر بِا ْل َع ْدلِ َو ْ إِ َو�إِي� َت��ا ِء ِذي ا ْل ُق ْر َبى َو َي ْن َهى َعنِ ا ْلف َْح�شَ ا ِء َوالمْ ُن َكرِ َوا ْل َبغ ِْي ون { النحل الآية 90 َي ِع ُظ ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َتذَ َّك ُر َ ال�صلاَ َة َو ْ�أ ُم ْر بِالمْ َ ْع ُر ِ وف َوا ْن َه َعنِ وقال َ } :يا ُبن ََّي �أَ ِق ِم َّ الُ ُمو ِرﱠ { ا�صبرِ ْ َع َلى َما �أَ َ�صا َب َك �إِ َّن ذَ ِل َك ِم ْن َع ْز ِم ْ أ المْ ُن َكرِ َو ْ ون ال ُزّو َر َو ِ�إذَ ا ين لاَ َي�شْ َه ُد َ القمان ، 17وقال تعالى َ } :وا َّل ِذ َ اما{ الفرقان٧٢ : َم ُّروا بِال َّل ْغ ِو َم ُّروا ِك َر ً وقال �أي�ضا }:خُ � ِ�ذ ا ْل َع ْف َو َو ْ�أ ُم � ْر بِا ْل ُع ْر ِف َو�أَ ْع��رِ ��ْ�ض َعنِ ُون الجْ َ ِاه ِل َ ﱠ ين ُين ِفق َ ني {الأعراف ، 199وقال تعالى }:ا َّل ِذ َ فيِ ال���َّ�س� َّرا ِء َوال �� َّ��ض � َّرا ِء َوا ْل� َك� ِ ين َعنِ ين ا ْل َغ ْي َظ َوا ْل� َع��ا ِف� َ �اظ� ِ�م� َ ّا�س َو َهّ ُ الل ُي ِح ُّب المْ ُ ْح ِ�س ِن َني{ �آل عمران 134وامتدح اهلل ال َن ِ تعالى ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم –} َو�إِ َن َّك َل َع َلى خُ ُلقٍ َع ِظ ٍيم{القلم .. 4والكثري من الآيات ال يت�سع املجال لذكرها جميعا حتث على الأخالق ال�سامية .وورد الكثري من الأحاديث النبوية يف ذلك ،فقال عليه ال�صالة وال�سالم � " :إن العبد ليبلغ بح�سن خلقه درجة ال�صائم القائم ( رواه الرتمذي يف �سننه ) .وقال عليه ال�صالة وال�سالم " :و�أنا زعيم بيت يف �أعلى اجلنة ملن ح�سن خلقه " ( رواه �أبو داود يف �سننه ) .
وانظر �إلى ارتباط الأخالق بالعبادات يف الإ�سالم ،فقد جاءت العبادات لتهذيب الأخالق ،لأن الأخرية حتتاج �إلى الرتبية والتهذيب واملراقبة ،فقال تعالى عن ال�صالة : ( و�أقم ال�صالة ان ال�صالة تنهى عن الفح�شاء واملنكر ) العنكبوت ،45والزكاة ت�ؤخذ من الأغنياء لتعطى للفقراء لتطهري النف�س من �أدران البخل وال�شح والأنانية � ،أما ال�صوم فقال ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم : -من مل يدع قول الزور والعمل به فلي�س هلل حاجة يف �أن يدع طعامه و�شرابه " (�صحيح البخاري) ،واحل��ج قد ال يقبل ب�سوء اخللق �أثناء �أداء منا�سكه ،قال اهلل تعالى ( :احلج �أ�شهر ...يف احلج ) البقرة . 197 معامل الأزمة الأخالقية واليوم باتت تت�صدر حياتنا ،يف كل مناحيها� ،أزم��ة �أخ�لاق�ي��ة وا��ض�ح��ة امل �ع��امل ،نتيجة البعد ع��ن التم�سك مببادىء ديننا احلنيف و�أخالقياته ومناذجه العظيمة ، ونتيجة مت�سكنا مببادىء العوملة التي َب ّثت �أفكارها املا�سونية والليربالية العاملية والالدينية وحركات الإحلاد والعلمانية ،فكلها دعمت العوملة التي اجتاحت بيوتنا و�شعوبنا ،فبد�أت املحطات الف�ضائية وو�سائل الإعالم ،املرئية وامل�سموعة ، تتالعب بعقولنا و�أفكارنا ،وتبعدنا عن هويتنا الإ�سالمية . والأدهى والأ�سو�أ ،تتالعب بعقول �أبنائنا النا�شئني ،فتبهرنا بفنونها و�أ�سماء م�شاهريها الذين باتوا القدوة للكثري من ال�شباب ؛ ق��دوة يف م�أكلهم وملب�سهم وق�صات �شعرهم و�شكلهم ،ومنحى حياتهم و�إهتماماتهم ورغباتهم. وم��ع غياب ال��دور الأ��س��ري ال�لازم يف توجيه الأبناء �أ�صبحت املحطات الف�ضائية ،التي ال تعد ،والإن�ترن��ت وو��س��ائ��ل التكنلوجيا مب��ا تعر�ضه ،ه��ي امل��وج��ه واملُ�ع� ِل��م واملُ ِ �سيطر ،فتفاقمت الأزمة الأخالقية ..ف�أ�صبحت ترى- على �سبيل املثال – �أبناء ال يهتمون بر�ضا والديهم؛ يرفعون �أ�صواتهم فوق �صوتيهما ،ويجيبونهم ب�إجابات خالية من التهذيب ! و�أ�صبحنا ن�سمع كثريا عن طلبة ال يحرتمون معلمهم ،وال يقدرونه ،ويتعاملون معه وك�أنه �أجري لديهم! وكذلك مل تعد ترى الأطفال ال�صغار يقومون من جمل�سهم احرتاما حل�ضور الكبار �أو من �أجل �أن يجل�سوا يف �أماكنهم � ..أين ذهبت تلك الأخالق الراقية؟! قد تذوب يف بوتقة مبادئ العوملة ،ف�أ�ضحى الكرب ُيغ ِّلف �سلوكياتنا ،وك�أن اح�ترام الكبار هو �إه��ان��ة لل�صغار � ،أو تقبيل يد الكبري �أ�صبح ينظر �إليه وك�أنه �شيئ من الرتاث ،وكذا تقبيل �أيدي الوالدين ! فقد ا�ستقينا ثقافتنا من ثقافة املادة والتكنلوجيا ؛ ال ثقافة احلب واالحرتام والتقدير .
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
37
وق��د ب��رزت �سلوكيات يف عاملنا توحي بحجم الأزم��ة الأخالقية التي نعي�شها ،فمثال ترى ال�صراعات امل�ستمرة بني الإخوة � ،صراعات تبد�أ منذ ال�صغر ،من�ش�ؤها الغرية والتفرقة بني الأبناء والبعد عن فهم الدين ،وعدم متابعة الآب��اء ل�سلوكيات �أبنائهم لتوجيههم ون�صحهم ،فبد�أت الأزم��ات بني الإخ��وة تطفو على ال�سطح ،كا�ستيالء الأخ على مرياث �إخوته ظنا منه �أن هذا نوع من الذكاء ؛ وهو ال يعلم كم يعك�س من دنو �أخالقي ،انتهاء بهم يف املحاكم �أو الإي��ذاء �أو �أن يقتل بع�ضهم بع�ضا ! فلم تعد الروابط الأ�سرية والعائلية كما كانت �سابقا ،فقد دخلت عليها �شوائب كثرية �أفقدت الإخ��وة كثريا من رونقها ،ويجب علينا مراجعة �أنف�سنا لأجلها وت�صحيح م�سارنا . وانظر كيف �أ�صبحت التهاين وم�ساندة الإخوة والأقارب تتم بر�سالة ن�صية وهم ي�سكنون يف املدينة نف�سها ،فيتم االكتفاء بالتهاين والتعازي التي تو�ضع على الفي�سبوك �أو بر�سالة عرب الوات�ساب وما �شابه ،يف �إهمال منا لأهمية �صلة الرحم وامل��ودة احلقيقية بني الأق��ارب ،والأحاديث التي حتث عليها ،كقوله عليه ال�صالة وال�سالم � " :إن �صلة الرحم وح�سن اخللق يعمران الديار ويزيدان يف الأعمار " (رواه �أحمد ).ويف احلديث القد�سي �أن اهلل تعالى قال للرحم� " :أال حتبني �أن �أ�صل من و�صلك ،و�أن �أقطع من قطعك؟" ويف �صورة جلية للأزمة الأخالقية التي �سادت حياتنا ، البد �أنك مررت ب�شخ�صية �أو �أكرث ملدير م�ؤ�س�سة ما ،جل همه م�صلحته ال�شخ�صية واكت�ساب امل��ال �أو ال�سفرات ، بعيدا كل البعد عن تطوير م�ؤ�س�سته �أو موظفيه وجر املنفعة لهم ،و�أغلب اجتماعاته مع موظفيه نظرية متكررة الفكر ال طائل منها ..ويف اجلانب املقابل ؛ البد �أنك ر�أيت موظفا ق�صر ِ ويمُاطل يف عمله معتقدا �أن يحاول �أن يخادع ويراوغ و ُي ِّ ال �أحد يعلم مبا يفعل � ،أو �أن هذا نوع من الذكاء و "الفهلوة" ،كما يطلق البع�ض عليها ! وهنا ال ننكر �أن الغرب والأجانب بالفعل تفوقوا علينا يف هذا اجلانب؛ نتيجة �إخال�صهم يف العلم و�صدقهم يف العمل ،والذي من املفرت�ض فينا ك�أمة �إ�سالمية �أن نكون القدوة يف هذا ال�صدق ،والإخال�ص يف العمل ،كما كان عظماء امل�سلمني على مر الزمن . وللأ�سف� ،إن هذا اخلداع والغ�ش باتا ين�ش�آن مع �أبنائنا منذ ال�صغر ،فال وال��د ي��ردع ،وال �أم تُع ِّلم وت َُ�ص ِّحح ، بل تتفاخر مبا لدى ابنها من �أ�ساليب يف الغ�ش ،وك�أنها دليل دهاء ! فكيف �سيكون هذا الطفل م�ستقبال؟! حتما �سيمار�س الغ�ش يف عمله ،ويف جتارته ،ومع زوجته ،و�أبنائه ،وجمتمعه ..وهذا ما �أ�صبحنا نعي�شه .
مو�ضوع يف الربامج التلفزيونية ،وعلى الهواء ،بحجة التثقيف والتنوير �أو �إيجاد احللول ،فبات ال�صغري يفهم كثريا من الأمور التي كان الكبار يف املا�ضي يتحرجون من ذكرها فكيف باخلو�ض فيها ؟! �أم��ا اليوم فال حرج من �شيء! فالأب يعجب بكالم ذاك املذيع �أو يقدر تلك املذيعة الكا�شفة عن ر�أ�سها وبكامل حلتها وزينتها ،وهي تقدم ما تدعي �أنه مو�ضوع مهم ،بينما جل همها جذب عيون ال�شباب والأ�شخا�ص �إعجابا بجمالها و�شخ�صيتها ...يف �أزمة �أخالقية حقيقية ،فلم يعد هناك رجل يقتنع بجمال زوجته ،فما يراه وي�شاهده يف التلفاز من تزيني وعمليات جتميل ومغنيات كا�سيات عاريات ،يجعل من ال�صعب على الزوجات متابعة كل تلك املو�ضات واملالب�س والتغريات يف �شكل الوجه � ...إنها فنت كثرية ت�صب يف عقولنا الكثري من التغريات غري الأخالقية وتعيث فيها ف�سادا ،وهيهات هيهات لع�شرات ال�سنوات م��ن �إ�صالحها �إن ا�ستمرت املعطيات ذاتها . �أزم��ة �أخالقية ترمي بظاللها على مناحي احلياة ، تتج�سد يف البعد احلقيقي عن اهلل تعالى وعن اخلوف منه ،فرتى تعريا من الن�ساء يف بع�ض البالد العربية يف ال�شارع والأ�سواق ،ويف �أماكن العمل ،ويف التلفاز ،وبني الن�ساء �أنف�سهن يف حفالتهن ،ويف امل�سابح ،ويف الفيديوهات التي تن�شر ...تعر زائ��د ع��ن املعقول ل��درج��ة ت�صل حد الفح�ش وغ�ضب اهلل تعالى ،وب�شكل ي�دَّع��ي احل��ري��ة : احلرية ال�شخ�صية ،وحرية االختيار ،وحرية ال�سلوك ! وال يعلم ه��ؤالء �أن هذه احلرية ما هي �إال وهم احلرية ، فاحلرية احلقيقية لي�ست ما يو�صلك �إلى الفح�ش واملنكر والبعد عن الطريق ال�صواب ،لكن احلرية هي التي ترتقي بفكرك للتحكم بعنا�صر حياتك لت�صل �إلى نتائج و�أخالق قومية تنقذ الإن�سان يف �آخرته ،ال �أن تهوي به يف مهاوي االنحطاط الأخالقي ومهاوي الردى يف الآخرة !
�إن الرتاجع الأخالقي �إن مل يتم �إيقافه من قبل املربني واحلد منه ،ف�سي�ستمر و�صوال �إلى ما ال نهاية � ،إال برحمة اهلل تعالى ،و�سيكون م�ستقبل ال ُهو ّية الثقافية والدينية للكثري من �أبناء الأمة العربية غام�ضا معتما .فعلينا العودة �إل��ى تعاليم �إ�سالمنا العظيم والتم�سك بف�ضائل ديننا الربانية ،والإقتداء ب�صحابة ر�سولنا – �صلى اهلل عليه و�سلم – وعظمائنا الذين �ضربوا �أروع الأمثال يف ال�سمو املحطات الف�ضائية الأخالقي ،والإقتداء �أوال و�أخريا ب�سيد الب�شر – �صلى اهلل م��ن ج��ان��ب �آخ��ر ؛ ت��رى ك�ث�يرا م��ن املذيعني وم��دي��ري عليه و�سلم – الذي كان خلقه القر�آن ،و�أحبه كل من تعامل ال�برام��ج التلفزيونية مل ي�ع��ودوا يتحرجون من ط��رح �أي معه ؛ لعظيم خلقه �صلوات اهلل و�سالمه عليه .
� 38إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
• دراسات الوسطية
• • التدين واملقايي�س الإختزالية • �أثر كلمة التوحيد يف نورانية القلوب • ثقافة التقريب بني املذاهب :حتليل وت�أ�صيل(اجلزء الثاين) • مراحل النظر يف النازلة الفقهية (اجلزء الأول) • جرمية احلرابة الإرهابية يف ال�شريعة الإ�سالمية • دور الفقهاء يف ت�أ�صيل وتفعيل مفهوم التعددية • الإرهـاب :معناه � ،أ�سبابه ،و�سبل عالجه من منظور قر�آين ال�سلوك الديني يف مواجهة املتطرفني
الأ�ستاذ /بون عمر يل
الأ�ستذ� /سامي املاجد
الأ�ستاذ /خالد رو�شة
د.عزمي طه ال�سيد �أحمد
د.خالد بن عبداهلل املزين املحامي مازن الفاعوري د .حممد خري العي�سى �أ.د.نايل ممدوح �أبوزيد
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
39
دراسات الوسطية
ال�سلوك الديني يف مواجهة املتطرفني الأ�ستاذ /بون عمر يل
ال���س�ل��وك ال��دي�ن��ي ينطلق م��ن امل�ن�ظ��وم��ة الأخ�لاق�ي��ة الفا�ضلة (ال�ب�ر ح�سن اخل �ل��ق) ،وف��ق منهج الإ� �س�لام الو�سطي (وكذلك جعلناكم �أمة و�سطا لتكونوا �شهداء على النا�س ويكون الر�سول عليكم �شهيدا) ،والو�سط يف كل �شيء �أف�ضله ،فالت�سامح �أف�ضل من العداء ،والعدل �أف�ضل من الظلم وال�سلم خري من احلرب.فوظيفة �شهادة الأمة ت�ستلزم العدل واال�ستقامة... والتطرف هو الوقوف على حافتي الغلو والتق�صري، وينتج عنه �سلوك غ�ير م�ستقيم ،ق��ال �صلى اهلل عليه و�سلم :هلك املتنطعون ،قالها ثالثا .لقد �شخّ �ص اهلل تعالى احلالتني يف ميثاق ال�صالة يف نطاق بيان الو�سطية، ال�صراط امل�ستقيم ب(غري املغ�ضوب عليهم وال ال�ضالني) والتطرف يبد�أ فكرة خاطئة ب�سيطة ثم تتطور فتتولد عنها �أحكام جائرة تنتهي ب�أعمال خا�سرة �إرهابية.
قد نبه عليه ال�صالة وال�سالم على �أن معه جماعة �سفيهة مغرورة يتوقع منهم الفتنة ،قد يكون منهم م�ؤمن �صادق يف �إميانه ولكنه منحرف فكريا ،وقد يكون منهم منافقون مند�سون يف امل�سلمني ،لأن االعرتاف بالنبوة ال ين�سجم معه اتهام ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم باجلور، وال يطابق ذلك �سلوك امل�سلم القومي. وهذه الإ�شارة النبوية توحي ب�أن نواة االنحراف الفكري وال�سلوكي ق��د نبتت ،فانبثقت منه الأف �ك��ار امل�سمومة، جت�سدت يف حركة ال��ردة ،ومنع الزكاة ،واغتيال عمر وقتل عثمان � ،إلى �أن و�صل التطرف قمته يف عهد الإمام علي ر�ضي اهلل عنه على يد اخلوارج ،الذين اعتمدوا على فهمهم اخلاطئ وعلمهم القا�صر (�إن احلكم �إال هلل)، وكفروا عليا على حتكيم الرجال ،ومل يفهموا �أن حتكيم الرجال هو من حكم اهلل (يحكم به ذوا عدل منكم) ، علي قتاله ثم قتله ،فارتكبوا ورتبوا على تكفرياالمام ّ ب�سبب فكرة خاطئة جرمية خالدة.
وملواجهة التطرف ال بد من الرجوع �إلى اجلذور الفكرية امل�ؤ�س�سة لثقافة التطرف والإره���اب ،لتفكيك ذهنية وقد تعر�ض الإمام علي ملفارقة عجيبة ،حيث �أحاطت املتطرفني وا�ستعرا�ض مقوالتهم الت�أ�سي�سية ومواجهتها به حركتان متطرفتان هما (ال�سبئية واخلوارج) ،فالأولى باحلقائق ال�شرعية ،و�إ�شاعة ال�سلوك الإ�سالمي املعتدل �ألهته والثانية كفرته ،وهما وجهان لعملة التطرف البغي�ض. القومي. من هنا اهتزت �أركان الأمة بني فتنة اخلوارج بالتكفري لقد انطلقت ال�شرارة الأول��ى للتطرف يوم �أ�ساء ذو و�سيل الدماء ،وفتنة الباطنية وانحراف الوالء ،وظل �أهل اخلوي�صرة حرقو�ص بن زهري التميمي الأدب ،حني ر�أى ال�سنة واجلماعة متم�سكني باملوقف الإ�سالمي املعتدل ق�سمة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يوم حنني ،فقال له القائم على ركنني: :يا حممد اعدل ف�إنك مل تعدل ،وا�ست�أذن عمر لي�ضرب ال�سنة :تركت فيكم �أمرين لن ت�ضلوا ما مت�سكتم بهما: عنقه ،فقال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم :ال �إن له �أ�صحابا يحقر �أحدكم �صالته مع �صالتهم و�صيامه مع كتاب اهلل و�سنتي ،يقول الإمام مالك :ال�سنن �سفينة نوح �صيامهم ،ميرقون من الدين كما ميرق ال�سهم من الرمية من ركبها جنا ومن تخلف عنها غرق؛ ،وو�صفهم ب�أنهم حدثاء الأ�سنان � ،سفهاء الأحالم. � 40إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
اجلماعة :الزموا �أنف�سهم لروح اجلماعة ومنع اخلروج، لي�ضمنوا ا�ستقرار الدين ،و�صيانة الأرواح ،يقول ابن تيمية: �إن الذين خرجوا على يزيد ما �أقاموا دينا وال �أبقوا دنيا. وان�ساحت اخل ��وارج ين�شرون �أف�ك��اره��م حتى و�صلوا �شمال وغرب �إفريقيا ،وقويت �شوكتهم يف ال�صحراء منذ �أن �سيطروا على �سجلما�س �سنة 757م� ،إلى �أن �سقطت على �أيدي املرابطني �سنة 1055م. وقد ظهرت فكرة (احلاكمية) من جديد يف ال�ستينات من القرن الع�شرين يف كتابات املفكر الباك�ستاين �أبي �سنناق�ش هنا بع�ض املرتكزات الأ�سا�سية �أو ال�شبهات الأعلى امل��ودودي ،ثم وظفها �سيد قطب يف ظالل القر�آن ومعامل يف الطريق بطريقة �أدبية م�ؤثرة ،ف�شكلت م�صطلحا التي تعتمد عليها اجلماعات املتطرفة يف التعبئة لفكرها معب�أ ب�شحنة �إميانية حت�سي�سية مت�أثرة بالظروف التي كان وممار�ساتها ،ومنها: يعي�شها املجتمع الإ�سالمي �آن��ذاك ،ومل يكونا يق�صدان -التكفري :وه��و الفتنة ال�ت��ي انطلق منها اخل ��وارج يف بذلك مقا�صد اخل��وارج ،ولكن حمنة ال�سجون والتعذيب م�شروعهم الدموي ،بفهم خاطئ للحاكمية ،ورفعوا البدين والنف�سي الذي عاناه النا�س �أعاد الغلو والتطرف �أحكام الإمامة �إلى م�ستوى العقائد ،فاعتربوا اخلط�أ من جديد ،فن�ش�أت جماعة التكفري والهجرة تكفر احلكام فيها كفرا ،وبذلك كفروا كل من الحظوا فيه تق�صريا و�أع��وان�ه��م ،وتفتي بوجوب اخل��روج عليهم وقتالهم ،كما وا�ستحلوا دمه ،بينما �أهل ال�سنة واجلماعة يرون �أن �شملت عمليات التكفري املجتمعات الإ�سالمية باعتبارها �أحكام الإمامة من الفرعيات ولي�ست من باب العقيدة ، جمتمعات جاهلية ،وات�خ��ذوا من مبد�أ العزلة ال�شعورية فاخلط�أ فيها ذنب وال يكفرون بالذنب ،يقول الآمدي : يف املجتمع عزلة املفا�صلة وتكوين جماعات �إرهابية يف اعلم �أن الكالم يف الإمامة لي�س من �أ�صول الديانات بل ال�سراديب ،قال عمر بن عبد العزيز :ما تناجى قوم دون من الفرعيات ،يقول ابن خلدون :وق�صارى �أمر الإمامة جماعتهم �إال كانوا على ت�أ�سي�س بدعة. �أنها ق�ضية م�صلحية اجتماعية ،وال تلحق بالعقائد ،ولذا وه �ك��ذا ب� ��د�أت ال �ف �ك��رة تتج�سد يف ع�م�ل�ي��ات القتل اتفق �أهل ال�سنة على حرمة اخلروج على �أولياء الأمور واالغ �ت �ي��االت واالخ�ت�ط��اف و�أع �م��ال تخريب امل�ؤ�س�سات ،ولو كانوا جائرين ،لأنهم جربوا فتنة اخلروج وما اجنر يغذيها تنامي ثقافة الغلو �إلى �أن �أ�صبحت �شبكة دولية بعد عنها من التمزق و�سيالن الدماء. احلرب الأفغانية ب�سبب الظروف الدولية وف�شل احلكومات -اجل �ه��اد :اجل �ه��اد ال�ق�ت��ايل وظ�ي�ف��ة ع�سكرية للدولة يف التعامل مع العائدين ،وات�ساع ال�شبكة العنكبوتية التي الإ�سالمية والغر�ض منه حماية ال��دول��ة ،ورد ع��دوان �سهلت االت�صال وتالقح الأفكار املتجان�سة. املعتدين ،ق��ال تعالى« :و�أع ��دوا لهم ما ا�ستطعتم من قوة ومن رباط اخليل ترهبون به عدو اهلل وعدوكم،».. �أ�سباب التطرف والإرهاب: واخلطاب هنا موجه �إلى قائد الأمة ولي�س �إلى الأفراد يرجع الباحثون �أ�سباب الإره ��اب اليوم �إل��ى �أ�سباب واجل�م��اع��ات ،وق��د �أذن للم�سلمني فيه ل��درء احلرابة خمتلفة :اجتماعية واقت�صادية و�سيا�سية ،وثقافية وفكرية ،واالعتداء ولي�س ملكافحة الكفر (ال �إكراه يف الدين). وتتداخل الأ�سباب املبا�شرة وغري املبا�شرة ،ولكل ظاهرة �إرهابية �أ�سبابها ولكن الأ�سباب مهما كانت لي�ست مربرات هنا نفرق بني الإرهاب اللغوي والإره��اب اال�صطالحي للأعمال الإرهابية التي جتعل الأبرياء �ضحاياها ،وبالن�سبة والرهبة هي اخلوف ،ومل ترد يف القر�آن متعدية �إال يف هذه للعامل الإ��س�لام��ي فالأ�سباب فكرية وعقدية و�سيا�سية الآية. بالدرجة الأول��ى ،دون �إهمال �أهمية ال�شروط املادية يف انتاج ثقافة الإرهاب. والإره ��اب هو تخويف الغري ،ف��إع��داد ال�سالح والقوة فمن املعروف �أن الفهم ال�صحيح للإ�سالم هو الذي الع�سكرية من طرف الدولة ،ال �شك �أن الغر�ض منه هو يبني ال�سلوك امل�ستقيم ،قال عليه ال�صالة وال�سالم :من تخويف الآخرين حتى ال يفكروا يف االعتداء عليها وهذا حق يرد اهلل به خريا يفقهه يف الدين. مكفول لكل دولة ،فالإرهاب هنا لغوي. ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
41
�أما عندما يقوم فرد �أو جماعة خارج النظام ب�إعداد ال�سالح ال�ستخدامه يف �أح��داث عنف �أو بث رعب وترويع الآمنني ،فذلك هو الإرهاب اال�صطالحي الذي يحاربه كل العامل ،لأنه عدو م�شرتك ال ي�أمن من �شره �أحد. و�سلوك �أهل ال�سنة واجلماعة هو �إ�سناد الأمر �إلى �أهله فيقدمون له الن�صح الواجب بحكمة ،ففي احلديث :بايعنا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم على ال�سمع والطاعة يف الع�سر والي�سر ،واملن�شط واملكره ،وعلى �أثرة علينا وعلى �أال ننازع الأمر �أهله..
الع�ضود ،فريى ال�شباب النا�شئ �أن عليه �أن يقاتل العامل لإع��ادة اخلالفة الرا�شدة على �أ�سا�س الوعد النبوي ، ويدخل يف �شبكات �أخطبوطية عنقودية ،بينما احلديث جمروح عند علماء احلديث ،وعلى فر�ض �صحته ف�إن حبيب بن �سامل �أحد رواته ب�شر به عمر بن عبد العزيز، ف�سر به عمر و�أعجبه ،ويرى �أهل ال�سنة واجلماعة �أن عمر بن عبد العزيز هو اخلليفة الرا�شد اخلام�س ، ولذلك لزم كل م�سلم اليوم التزام حدود بالده الإقليمية ويعمل لال�سالم م��ا ا�ستطاع (ال يكلف اهلل نف�سا �إال و�سعها).
على الفرد م�س�ؤوليته يحا�سب عليها ،وعلى ويل الأمر وعند �سقوط اخلالفة العثمانية ،1924انق�سم ر�أي م�س�ؤوليته يحا�سب عليها (وال تزر وازرة وزر �أخرى). العلماء �إلى ثالثة: عقد �أمان :هو العهد الذي يعطى للأجنبي املخالف يفالدين ،الداخل �إلى بالد امل�سلمني بت�أمينه على حياته )1ال�شيخ ر�شيد ر�ضا تبعا ل�شيخه حممد عبده ر�أى �أنه ال وماله ،وويل الأم��ر �أو نائبه هو املخول ب�إعطاء الأمان داعي لإعادة اخلالفة ،واقرتح �أن تكون الدول الإقليمية والعهد ،واعتماد �إجارة �أحد املواطنني ،قال عليه ال�صالة (جامعة �إ�سالمية) ،و�أيد ذلك ال�شيخ عبد احلميد بن وال�سالم ،قد �أجرنا من �أجرت يا �أم هانئ ،ويتم الأمان بادي�س؛ اليوم بت�أ�شرية �أو بعقد عمل� ،أو اتفاقية دولية �أو �إجازة دعوة م�سلم للأجنبي ،ف�إذا انعقد الأمان �صار للم�ست�أمن )2مالك بن نبي دعا �إلى قيام كمنولث �إ�سالمي تتعاون فيه ح�صانة من �إحلاق ال�ضرر به يف دمه وماله وعر�ضه من الدول الإقليمية؛ �أي كان ،قال عليه ال�سالم :من قتل نف�سا معاهدة مل يرح رائحة اجلنة و�إن ريحها توجد من م�سرية �أربعني عاما )3 .ح�سن البنا دعا �إلى قيام دول �إقليمية تتحد فيما بعد يقول ال�شيخ علي�ش ..( :الأم��ان يكون بلفظ �أو �إ�شارة لقيام اخلالفة ،ولكن الطريق �إلى ذلك ،هو الرتبية مفهمة م��ن �ش�أنها فهم ال�ع��دو الأم ��ان منها ،و�إن ق�صد والتوجيه ،ولي�س العنف و�إعمال ال�سالح ؛ امل�سلمون بها �ضره ،كفتحنا امل�صحف وحلفنا �أننا �سنقتله )4ويف احلقيقة �إن هذه الآراء كلها ت�ؤكد �أم��را واح��دا هو فظن -العدو -ت�أمينا فهو ت�أمني. �ضرورة احرتام احلدود القطرية ،والدعوة �إلى التن�سيق �إن ق�ضية ال��والء وال�ب�راء تعود �إل��ى �أول�ي��اء الأم��ور وما بعد ذلك. يقررونه يف حالة احلرب وال�سلم ،وال يحكم بالظواهر في�ساء الظن بالنا�س ،فق�صة حاطب بن �أب��ي بلتعة متنع ذلك، اقرتاحات ملكافحة التطرف: والتعامل الإن�ساين مع املخالفني من الأخ�لاق الإ�سالمية الفا�ضلة ،يقول الإمام علي ر�ضي اهلل عنه :النا�س �إما �أخ )1و�ضع �أن�شطة وبرامج ت�ستقطب ال�شباب لتح�صينهم من لك يف الدين �أو �شريكك يف اخللق (ال ينهاكم اهلل عن الذين االنزالق يف �أوحال الغلو؛ مل يقاتلوكم يف الدين ومل يخرجوكم من دياركم �أن تربوهم )2تربية الأوالد يف املدار�س والبيوت على الفكر الو�سطي؛ وتق�سطوا �إليهم واهلل يحب املق�سطني). فكره دين املرء ال يقت�ضي كره املرء نف�سه بال�ضرورة )3 ،انتاج كتب فكرية �إ�سالمية جديدة حتى ال يعي�ش �شباب ال�صحوة الإ�سالمية املعا�صرة على الأفكار املعلبة املنتهية فاملحبة القلبية �إما تعبدية بني امل�ؤمنني ،و�إما جبلية �إن�سانية ،ال�صالحية ،ونحن يف الع�صر الرقمي؛ فمحبة امل�سلم زوجته الكتابية �أمر مطلوب. )4تبني �أ�سلوب احلوار وخلق �أجواء ودية حتيي روح الرحمة والغريب يف الأمر �أن تنظيم القاعدة و�صل يف التكفري والت�سامح ،على غرار املقاربة املوريتانية ،يف احلوار بني �إلى التكفري بالدار واجلن�سية ،ف�إذا ا�ستهدفوا دولة معينة العلماء وال�سلفيني يف ال�سجن املركزي؛ ،فجميع رعاياها م�ستهدفون بعمليات اخلطف والقتل ، )5تنظيم حمالت حت�سي�سية يف املدن الكربى والقرى الريفية؛ وال�سلوك الإ�سالمي ال ي�أخذ �أحدا بجريرة غريه. اخلالفة الرا�شدة :من ال�شبه التي يعتمد عليها الفكر )6ت�أمني منطقة ال�صحراء بتجميع القرى وتوفري �سبلاملتطرف حديث ع��ودة اخل�لاف��ة ال��را��ش��دة بعد امللك احلياة ،و�شق الطرق لربط الأطراف باملراكز. � 42إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
دراسات الوسطية
التدين واملقايي�س الإختزالية الأ�ستاذ� /سامي املاجد
و�سعته ال�صحوة من النا�س يف ت�أثريها ،بل بقيت كما هي ألقاب تزكي ٍة اختزلت التد ّين يف هيئة ،وجعلته مذ ُولدت � َ منوط ًا بها ،فمن حقّق ال�شعائر املتعلقة بالهيئة خُ لع عليه �ضفيت عليه �شارة ال�صالح ،فال ي�ضريه بع ُد هذا اللقب ،و�أُ ْ يق�صر يف غريها ،ومن تخ ّلفت فيه �صفة من �صفاتها �أن ِّ وج ّرد من ذلك الت�شريف ،ثم ال ي�شفع له خُ لع عنه ال ّلقبُ ، �أن يكون فيه من دالئل ال�صالح ما هو �أوجب و�أعظم منها.
ي�شرتك امل�سلمون يف �أ�صل التوحيد وقاعدة الإميان، وعلى ما بينهم من هذا القدر امل�شرتك �إال �أنهم متفاوتون فيما بينهم تد ّين ًا و�صالح ًا� ،أو ظلم ًا وتفريط ًا (فمنهم ظامل لنف�سه ،ومنهم مقت�صد ،ومنهم �سابق باخلريات ب�إذن اهلل) ،لكنه تفاوت ال ُيخرِ ج �أح��د ًا منهم من دائرة الوالء واملحبة ،وال يرفع عنه حرمة امل�سلم ،فكلهم موعود بجنة اهلل ور�ضوانه ؛ �إذ يقول اهلل يف الآي��ة التي تليها: }جنات عدن يدخلونها{ حتى الظامل لنف�سه منهم ،فم�آله فهي -كما ترى� -أحكام مرجتلة ،متنحها نظرة خاطفة للجنة } ُيح ّلون فيها من �أ�ساور من ذهب ول�ؤل�ؤ ًا ولبا�سهم �إلى مظهر الرجل وهيئته ،بل -يف احلقيقة � -إلى (م�شهد فيها حرير{. �صامت) لي�س فيه فعل وال ق��ول -وال�ل��ذان هما املعيار وك �م��ا �أن ظ �ل��م ال �ن��ا���س لأن �ف �� �س �ه��م ت �ت �ع � ّدد � �ص��وره واملحك -فيتلقف هذه الأحكام فم ًا عن فم ؛ حتى ي�صبح ب �ت �ع � ّدد � �ص��ور ال �ك �ب��ائ��ر ،ف �ك��ذا ��ص�لاح�ه��م ال ي���أت��ي يف هذا معيار ًا عام ًا ُي�سرب �صالح كل �شخ�ص من خالله . � �ص��ورة واح� ��دة ،و�إمن� ��ا ي��دخ�ل��ون��ه م��ن �أب� ��واب متفرقة .نعم لي�س للنا�س �إال الظاهر ،كما قال عمر -ر�ضي اهلل عنه وك �م��ا ل�ل�ن��ار �سبعة �أب� ��واب ،فللجنة منها ث�م��ان�ي��ة ،من " :-و�إمنا ن�ؤاخذكم الآن مبا ظهر لنا من �أعمالكم" ،غري ك��ل ب��اب ُي �ن��ادى �أن��ا���س ،و�آخ���رون ُي �ن��ا َدون م��ن ك��ل ب��اب� .أنه يجب �أن ُيفهم �أن الظاهر املق�صود هو ما ظهر للنا�س �إذ ًا لي�س لل�صالح وج ٌه واح ٌد ال ُيعرف �إال به ،وال مظهر واحد من فعل الإن�سان وقوله و�سلوكه ال جم ّرد ما ظهر من هيئته، ال تت�شكل �صورة ال�صالح �إال منه ،وال مقايي�س �شكلية تقوم فهذا ظاه ٌر ال يدل �إال على نف�سه ،وال داللة له على غريه ،ال بظاهر بدن الرجل وهيئته فتُختزل فيها �صورة ال�صالح .نفي ًا وال �إثبات ًا ،وال مدح ًا وال ذ ّم ًا .وعمر قال" :ما ظهر لنا من �أعمالكم" ومل يقل" :من هيئتكم �أو مظهركم". واخ �ت��زال ال�ت��د ّي��ن يف مقايي�س �شكلية -ن�سبة �إل��ى لي�س التدين حم�صور ًا بب�ضع �شعائر تقوم بظاهر ال�شكل ال �إلى ما يقابل اجلوهر ،بحيث تكون هي امل�ؤهل الوحيد ال�ستحقاق و��ص��ف ال�ت��دي��ن ،فتغني ع��ن غريها البدن ،بل هو م�شاعر �إميانية يفي�ض بها القلب ،و�سلوك حتجيم الوالء يف دائرة �ضيق ٍة يف �إ� �ض �ف��ائ��ه ،وال يغني غ�يره��ا ع�ن��د ع��دم �ه��ا -ه��و من طاهر يقوم باجلوارح .و�إنَّ َ �سمات ظاهرة ُيف�ضي �إل��ى ت�شطري املجتمع �إلى جملة تلك الأخ �ط��اء ال�ت��ي ُو ِل ��دت م��ع م�ي�لاد ال�صحوة .حتك ُمها ٌ ٍ ير متعاونة ،تت�سع فئات متنافر ٍة� ،أو على �أق��ل تقدير غ� ِ لقد �أحدثت ال�صحوة تغيري ًا يف املجتمع جتاوز تغيري ال�سَّمت واملظهر ،فقد كانت -مذ ظهرت� -صحو ًة يف العقيدة ،ويف بينها الفجو ُة واجلفوة ،وت�صبح ك�أنّها ال تلتقي على �شيء! ال�سمات الظاهرة حيث و�ضعها الفكر ،ويف املنهج ،ويف ال�سلوك ،ويف ال�شعور ،بيد �أن الألقاب فيجب �أن تُو�ضع ه��ذه ُ التي ُولدت معها كـ(التد ّين) مل متت ّد امتدادها ،ومل تَ�سع ما ال�شّ رع ،بال تهويل وال ا�ستهانة ،والذي يعني �أنها �شعرية من عا�ص، َ ْ ال�شعائر فح�سب ،املحقق لها مطيع، واملق�صر فيها ٍ ّ ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
43
ال�صالح املطلق ،وال �أن ال �شار َة كمال تُ�ضفي على �صاحبها َ ً عل �أ� ً تجُ َ صال من �أ�صول الإ�سالم ُيجعل فرقانا بني الوالء يجز لأحد اال�ستهانة بها؛ والرباء ،واملح ّبة والبغ�ضاء .و�إذ مل ُ ُ فال يجوز له �أن يق ّدرها فوق قدرها ،ف�إنها �إن �أعطيت فوق اللوازم الباطلة ،من �إطالق ال�صالح ملن تواردت عليها ذلك ْ ُ حتقّقت فيه ب�إطالق� ،أو نفيِه عن غريه ب�إطالق . م��ن احلقائق التي ال يختلف فيها ع��اق�لان �أن وج��ود �صالح بع�ض ِ�سمات ال�صالح الظاهرة ال يدلّ على كمالِ ِ ِ �دم وج��وده��ا ال ي��دل بال�ضرورة الباطن ب��ال���ض��رورة ،وع � ُ ع�ل��ى ف���س��اد ال �ب��اط��ن ،ف �ل �م��اذا يجعلها ب�ع��ُ��ض�ن��ا َح� َك�م� ًا يمُ �ل��ي عليه ط��ري�ق� َة التعامل وي���ص� ِّرف ل��ه بها والءات ��ه؟ ومل��اذا تتعامى ب�صائرنا ع��ن ه��ذه احلقيقة الب�سيطة؟! بع�ض ال�سمات الظاهرة �إن��ك قد تفتق ُد يف بع�ض النا�س َ لل�صالح ،لكنّك ال تفتقد فيه معامل �أخرى لل�صالح هي �أهم و�أوجب؛ ك�سالمة ال�صدرِ ، وعفَّة الل�سان ،وا�ستقامة الفكر، ولني اجلانب ،وبذل املال يف �سبيل اهلل ،وتعظيم قدر ال�صالة، والتذ ُّمم للنا�س ،و�أداء حقو ِقهم .فهل تُلغى ه��ذه املعامل العظيمة لل�صالح لأجل افتقاد ٍ �شيء من ال�سمات الظاهرة! �ألي�س ه��ذا ب�أولى مبزيد من الب�شا�شة واملح ّبة من ذلك � 44إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ال��ذي تنا ّمت فيه تلك الهيئة املانحة لو�سام (التد ّين) وبدت منه قبائح ال ي�سرتها جمال هيئة وال ح�سن َ�س ْمت؛ كاال�ستطالة يف الأع ��را� ��ض ،وب� ��ذاءة ال�ل���س��ان ،وت�ضييع احلقوق ،وخفر الذمم ،وغلبة احل�سد واحلقد و�سوء الظن؟! �صحح مفهوم التد ّين لدى النا�س ،حتى يدركوا �أن يجب �أن ُي ّ يخت�ص �سمات خا�ص ٌة باملظهر ،وال و�صف التد ّين ال حتتك ُره َ ٌ ّ ٍ بهيئات يتل ّب�سها بطائفة تتميَّز مبظهرها ،وكي ال ينخدعوا رج��ال خ � ّداع��ون؛ لتزكيهم بها العيون ،وت��أم��ن خيانتهم القلوب. وي �ج��ب �أن ُي���ص� ّ�ح��ح م�ف�ه��وم ال �ت��د ّي��ن ك��ي ت ��زول تلك ال�ن�ف��رة ال�ت��ي ق��د ت�ب��دو م��ن بع�ض ال�ن��ا���س تجُ ��اه �آخ��ري��ن ب �� �س �ب��ب ن� �ظ ��رة خ��اط��ف��ة ال جت� � ��اوز م�ل�ام ��ح ال ��وج ��ه. و�أخ��ي��ر ًا �أرج� ��و �أ ّال ُي �ف � َه��م م��ن ه ��ذا ت�ه��وي�ن� ًا م��ن بع�ض ق�صدت ال���ش�ع��ائ��ر� ،أو ت���س��وي�غ� ًا للتق�صري ف�ي�ه��ا� ،إمن ��ا ُ الإن �ك��ا َر لتقديرها ف��وق ق��دره��ا ،ول�ت�ه��وي��نِ � �ش ��أن غريها امل�صدر :الإ�سالم اليوم
دراسات الوسطية
�أثر كلمة التوحيد يف نورانية القلوب �إن البداية ال�صحيحة يف الطريق �إلى اهلل �سبحانه وتعالى هي كلمة التوحيد؛ "ال �إل��ه �إال اهلل" فبها ي�ضيء القلب وبها توهب له احلياة .وكلما بعد الإن�سان عن كلمة التوحيد كلما اقرتب من املر�ض واملوت ،و�أظلم قلبه وا�سود. ومن ثم ف�إن املربني الرا�شدين ي�ضعون ن�صب �أعينهم �أن ميل�ؤوا قلب املبتدئ مبعاين ال �إله �إال اهلل حممد ر�سول اهلل، فمتى ا�ستنار القلب بنور التوحيد وان�سجم �سلوك الإن�سان مع �سنة نبيه �صلى اهلل عليه و�سلم من خالل علم وعمل وذكر والتزام �صحيح بكتاب ربه و�سنة نبيه ،ف�إن تغيريا هائال يحدث يف ذلك الإن�سان ويظهر عليه من الأعمال ما يحري العقول ويده�شها من الفتح ال��رب��اين والثبات وال�صمود والبذل واجلهاد والدعوة والعلم. �إن ال��ع��رب ق �ب��ل الإ�� �س�ل�ام مل ت �ك��ن ل �ه��م ح���ض��ارة ت ��ذك ��ر ،وال ث �ق��اف��ة ع��ري �ق��ة ي� �ع ��ودون �إل �ي �ه��ا وال خ�برة ل �ه��م ب��احل �ك��م والإدارة وال ب��ال �ت �ق��دم واالب� �ت� �ك ��ار... ولكنهم قبلوا كلمة التوحيد ،وحتققت بها قلوبهم و�أنارت كما قال اهلل �سبحانه عنهم َ } :و�أَ ْل��زَ َم� ُه� ْ�م َك ِل َم َة التَّ ْق َوى َو َكا ُنوا �أَ َحقَّ ِب َها َو�أَ ْه َل َها{ (الفتح :من الآية ،)26ف�صاروا �أهل كلمة التوحيد وان�سجم �سلوكهم مع القر�آن ـ كتاب التوحيد ـ فتغري حالهم وخرجت الأعاجيب من �أفعالهم و�صاروا نور الدنيا �أجمعها وهداة اخللق �أجمعني ودانت لهم الأر�ض بجوانبها ف���ص��اروا �أق��وى �أم��ة و�أرق ��ى ح�ضارة وهزموا املمالك والدول العظمى و�أخذ �شعوب العامل دين الإ�سالم دينا لهم.
الأ�ستاذ /خالد رو�شة
الطريق� ،إنها كلمة التوحيد و�سلوكهم تبعا ل�سنة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم من خالل علم وعمل وتفاعل وعطاء، �إن هذا وحده هو الذي �سيخت�صر الطريق ويعيد لنا املا�ضي املجيد ؛ �إذ �إنه بهذه الكلمة �سيوجد الإن�سان الراقي ذو القلب ال�سليم وهو لبنة بناء ال�شعوب الفائزة واملنت�صرة. �أ�شعة ال �إله �إال اهلل ... ي� � �ق � ��ول الإم � � � � � ��ام اب�� � ��ن ال � �ق � �ي� ��م رح� � �م � ��ه اهلل. "اعلم �أن �أ�شعة ال �إله �إال اهلل تبدد �ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك ال�شعاع و�ضعفه ،فلها نور ،وتفاوت �أهلها يف ذلك النور ـ قوة و�ضعفا ـ ال يح�صيه �إال اهلل تعالى؛ فمن النا�س من نور هذه الكلمة يف قلبه كال�شم�س ،ومنهم من نورها يف قلبه كالكوكب الدري ،ومنهم من نورها يف قلبه كامل�شعل العظيم ،و�آخر كال�سراج امل�ضيء ،و�آخر كال�سراج ال�ضعيف ،ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة ب�أميانهم وبني �أيديهم على هذا املقدار ،بح�سب ما يف قلوبهم من نور هذه الكلمة علما وعمال ،ومعرفة وحاال” .مدارج ال�سالكني.
�إن عباد اهلل ال�صاحلني ...يعي�شون يف هذه الدنيا مع النا�س وبينهم ولكن قلوبهم متعلقة بالآخرة� ،إن قلوبهم حتيا يف ح�ي��اة رغ��ده �سعيدة ه��ان�ئ��ة ،ل��و عرفها امللوك لقاتلوهم عليها ؛ لأنها �أل��ذ من لذاتهم و�أروح لأنف�سهم وريحانا لقلوبهم يف ذات الوقت ال��ذي يعانى يف النا�س من حولهم من الأمل والقلق واحل�يرة والتخبط والتنازع والتقاتل. وال � �ي� ��وم وامل �� �س �ل �م��ون يف ح� ��ال ت �خ �ل��ف وان� �ح���دار يقول اهلل �سبحانه �} :أَ َو َم ْن َك َان َم ْيت ًا َف�أَ ْح َي ْينَا ُه َو َج َع ْلنَا َّا�س َك َم ْن َم َث ُل ُه فيِ ُّ الظ ُل َم ِ ات َل ْي َ�س و�� �ض� �ع ��ف وه� ��زمي� ��ة وا�� �س� �ت� �ه� �ت ��ار ح� �ت ��ى �� � �ص � ��اروا يف َل ُه ُنور ًا يمَ ْ ِ�شي ِب ِه فيِ الن ِ ذي � ��ل الأم � � ��م وا���س��ت��ه��ان��ت ب��ه��م ال � �ق� ��وى ال��ع��امل��ي��ة .بِخَ ار ٍِج ِم ْن َها{ (الأنعام :من الآية.)122 �إن �شيئا واح��دا ه��و ال��ذي �سيعيد لهم املجد ويخت�صر ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
45
�إن �ه��ا ث�لاث��ة �آث ��ار بها ي�ح��دو ال �ن��ور �إل��ى قلب امل ��ؤم��ن، فالأول كان ميتا فا�ستنار قلبه بالإميان ودبت فيه احلياة وهو امل�ؤمن ال�صالح والثاين الغافل املعر�ض عن ذكره يف وبزيادتها يزداد نوره حتى ال تبقى به ظلمة ،ف�أما الأول: الظلمات ...قد مات قلبه. فهو كلمة التوحيد وحتقيق �شروطها و�أم��ا الثاين فهو نبذ الذنب والإقبال على العبادة ،و�أما الثالث فهو حتقيق معاين نور الإميان ... العبودية ظاهرا وباطنا.. قال الإمام ابن القيم رحمه اهلل “ :وال�ش�أن كل ال�ش�أن �أما الأثر الأول :فهو �أثر كلمة التوحيد “ال �إله �إال اهلل” والفالح كل الفالح يف النور كل النور ،وال�شقاء يف فواته” .يف القلب و�أث��ر العلم بها نفيا و�إثباتا وتطبيق �شروطها الوابل ال�صيب باحلقيقة ،والإخال�ص لها والإقبال عليها ،فمن قام بذلك يقول الإمام “ :ولهذا كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم خرج من ظلمة الغفلة �إيل نور التوحيد ،وعالمة ذلك كره يبالغ يف �س�ؤال ربه تبارك وتعالى حني ي�س�أله �أن يجعل النور ال�شرك بجميع �صوره و�أ�شكاله ونبذه ،وال�براءة منه قوال يف حلمه وعظامه و�شعره وب�شره و�سمعه وب�صره ومن فوقه وعمال واعتقادا ،وكذلك ف�إن من عالماته الإقبال على اهلل ومن حتته وعن ميينه وعن �شماله وخلفه و�أمامه حتى يقول :بالكلية وحماولة تنقية الأعمال من مراءاة النا�س وحماولة (واجعلني نورا)( .رواه البخاري وم�سلم واللفظ واجعلني مل�سلم ويف جمع القلب على اهلل _�سبحانه_ ،فمن قام بذلك حدا النور نحو يف �أول �آثاره ،ووجد ذلك يف قلبه وحياته. البخاري واجعل يل) �أنوار حتيط بامل�ؤمن : ق��ال الإم��ام اب��ن القيم“ :فدين اهلل _ع��ز وجل_ ن��ور ،وكتابه ن��ور ،وداره التي �أعدها لأوليائه ن��ور يتلألأ، وهو تبارك وتعالى نور ال�سماوات والأر���ض ،ومن �أ�سمائه النور ،و�أ�شرقت الظلمات لنور وجهه” الوابل ال�صيب. وق��ال اب��ن م�سعود ر�ضي اهلل عنه :لي�س عند ربكم ليل وال ن�ه��ار ،ن��ور ال���س�م��اوات م��ن ن��ور وج�ه��ه .وق��ال تعالى : الَ ْر� �ُ�ض ِبنُو ِر َر ِّب� َه��ا{ (ال��زم��ر :من الآي ��ة )69ف�إذا } َو�أَ� ْ��ش� َر َق� ِ�ت ْ أ ج��اء ت �ب��ارك وت �ع��ال��ى ي��وم ال�ق�ي��ام��ة للف�صل ب�ين ع�ب��ادة �أ�شرقت بنورها الأر���ض ولي�س �إ�شراقها يومئذ ب�شم�س وال قمر ،ف�إن ال�شم�س تكور والقمر يخ�سف ويذهب نورهما. وحجابه تبارك وتعالى النور؛ ق��ال �أب��و مو�سى :ق��ام فينا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم بخم�س كلمات ،فقال�“ :إن اهلل ال ينام وال ينبغي له �أن ينام ،يخف�ض الق�سط ويرفعه، يرفع �إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور ،ولو ك�شفه لأحرقت �سبحات وجهه ما انتهى �إليه ب�صره من خلقه” رواه م�سلم عن �أبي مو�سى ،فا�ستنارة ذلك احلجاب بنور وجهه �سبحانه ،ولواله لأحرقت �سبحات وجهه ون��وره ما انتهى �إليه ب�صره ،ولهذا ملا جتلى تبارك وتعالى للجبل وك�شف من احلجاب �شيئا ي�سريا جدا �ساخ اجلبل يف الأر���ض وتد كدك ومل يقم لربه تبارك وتعالى، وه��ذا معنى ق��ول اب��ن عبا�س على قوله �سبحانه وتعالى: الَ ْب َ�صا ُر{ (الأنعام :من الآية )103قال “ :ذلك اهلل }ال ت ُْد ِر ُك ُه ْ أ عز وجل �إذا جتلى بنوره مل يقم له �شيء وهذا من بديع فهمه ر�ضي اهلل عنه ودقيق فطنته ”...الوابل ال�صيب. كيف يحدو النور �إلى القلب؟!! � 46إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الأث��ر الثاين :وهو �أثر نبذ الذنب والإكثار من العبادة والذكر حتى �إنه ليكره الذنب متاما ويتوب من ذنبه التوبة الن�صوح وين�سى ل��ذة الذنب ويكره �أن يعود �إليه ويفارق املعا�صي كفراق امل�شرق للمغرب ،وهو دعاء النبي _�صلى اهلل عليه و�سلم_( ،اللهم باعد بيني وبني خطاياي كما باعدت بني امل�شرق واملغرب) رواه البخاري عن �أبي هريرة، وكذلك �أن يكرث من الطاعات فيقوم بحق الفرائ�ض كاملة غري منقو�صة ثم يكرث ما �شاء اهلل له من النوافل وهو جاء يف احلديث القد�سي( :ومازال عبدي يتقرب �إلى بالنوافل حتى �أحبه) ،ثم يكرث من ذكر اهلل _�سبحانه وتعالى_ قياما وقعودا ليال ونهارا �سرا وجهارا وهو قول اهلل تعالى: ون َ اللهَّ ِق َيام ًا َو ُق ُعود ًا َو َع َلى ُجنُوبِهِ ْم{ (�آل ين َيذْ ُك ُر َ }ال َِّذ َ عمران :من الآي��ة ,)191وقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم( :ال ي��زال ل�سانك رطبا من ذك��ر اهلل) رواه �أحمد والرتمذي. ف ��إذا نبذ الذنب و�أقبل على العبادة وم�ل�أ قلبه وجوانحه ذكرا هلل �سبحانه ،حدا �إليه النور خطوة �أخرى ووجد ثاين �آثاره� ،إذ ي�شعر بالنور يف قلبه ويبد�أ يف التحرر من �سجن الدنيا ويجد نف�سه حرا خفيفا من �أثر نف�سه وهواه ودنياه. وي�شعر بلذة الطاعة ت�سري يف عروقه. الأثر الثالث :وهو �أثر حتقيق معاين العبودية الكاملة وه��و ق��ول �شيخ الإ� �س�لام اب��ن تيمية _رح�م��ه اهلل_: ""من �أراد ال�سعادة الأب��دي��ة فليلزم عتبة العبودية ". فيقوم امل�ؤمن بالتدريج يف مراتب العبودية �شيئا ف�شيئا م�ستعينا باهلل عز وجل ،يقول اهلل _�سبحانه وتعالى_: �اه � ُدوا ِفينَا َل َن ْه ِد َينَّ ُه ْم ُ�س ُب َلنَا َو ِ�إنَّ َ اللهَّ لمَ َ� َع } َوالَّ� ِ�ذي� َ�ن َج� َ المْ ُ ْح ِ�س ِن َني{ (العنكبوت ،)69:فيقوم باجلهاد يف �سبيل اهلل
بنف�سه وماله وما يحب ،ويح�سن خلقه مع النا�س ،وترقى منزلته يف م �ن��ازل ال�ع�ب��ودي��ة ،فيحقق ال�ت��وب��ة والإن��اب��ة، والتفكري واالعت�صام ب��اهلل ،واخل��وف منه ،والفرار �إليه، والإ�شفاق من عذابه ،والإخبات �إليه ،والزهد فيما عند النا�س ،وال��ورع فيما بني يديه ،والإخال�ص يف كل �سكناته وح��رك��ات��ه ،والتوكل عليه ،والثقة مب��ا يف ي��دي��ه ،والر�ضا بق�ضائه ،واحل�ي��اء منه ،والطم�أنينة يف ذك��ره ،واملحبة له ،والفرح بقربه� ...إلى غري ذلك من مراتب العبودية . ف�إذا حقق ذلك هداه اهلل �سبحانه ون�صره على ال�شيطان وعلى هوى نف�سه ،ووجد �أثر النور يف قلبه وي�ضئ طريقه... ويثبته يف الفنت... كيف ي�ؤدي النور عمله؟ �إن عمل النور يف قلب الإن�سان ك�شاف م�ضيء يف ليل مظلم، فهو الذي يك�شف لك الأ�شياء على حقيقتها ،فرتاها كما هي وال تراها �أبدا كما زينت يف الدنيا والكما زينها ال�شيطان للغافلني وال كما زينها ه��وى النف�س يف �أنف�س العا�صني. يرى الزنا فال ينظر �إليه �أنه متعه ورغبة وال يرى املر�أة يف وقتها بزينتها وال بجمالها ،ولكنه ي�ضئ له فريى الزنا ظلمة وفقرا وغما وكبرية ،ونهايته العذاب واحل�سرة والدمار... يرى الر�شوة ...فال ينظر �إليها �أنها مال وال غنى ومتاع، ولكنه يراها على �أنها لعنة وح�سرة وعقبتها اخل�سران.
ي��رى ال��دن�ي��ا ...فال يراها على �أنها متاع ب��راق وال زينة خالبة وال �أم��ل و�ضيء ولكن يراها دار ابتالء واختبار و�أنها ال ت�ساوي عند اهلل �شيئا ...وهكذا يعمل النور... لذلك فالبد للعاملني هلل �سبحانه من البحث عن كيفية �إي �ج��اد ال �ن��ور يف قلوبهم وكيفية ت�ن��وي��ر قلوبهم ل�يروا حقائق الأ��ش�ي��اء وي�سريوا على ه��دي م��ن اهلل �سبحانه. وف��ق��دان ه ��ذا ال �ن��ور ظلمة وط�م����س للب�صرية وتخبط وت�ع�ثر وه��م و��ض�ي��ق ��ص��در دائ ��م ،ق��ال اهلل(��س�ب�ح��ان��ه): }�أَ َف َم ْن �شَ َر َح ُ الم َف ُه َو َع َلى ُنو ٍر ِم ْن َر ِّب ِه َف َو ْي ٌل اللهَّ َ�ص ْد َر ُه ِل ْ إِ ل ْ�س ِ َا�س َي ِة ُق ُلو ُب ُه ْم ِم ْن ِذ ْكرِ ا ِ ِل ْلق ِ للهَّ( {...الزمر :من الآية )22الآيات. �ان َم ْيت ًا َف َ�أ ْح َي ْينَا ُه َو َج َع ْلنَا وق��ال (�سبحانه)�} :أَ َو َم � ْ�ن َك� َ َل � ُه ُن ��ور ًا يمَ ْ �� ِ��ش��ي ِب � ِه فيِ ال�نَّ��ا�� ِ�س َك� َم� ْ�ن َم� َث� ُل� ُه فيِ ُّ الظ ُل َم ِ ات َل� ْي��� َ�س ِب��خَ ��ار ٍِج ِم � ْن � َه��ا( {...الأن� �ع ��ام :م��ن الآي�� ��ة )122الآي ��ات. قال الإمام ابن القيم ـ رحمه اهلل ـ�“ :أ�صل كل خري للعباد ـ بل لكل حي ناطق ـ كمال حياته ونوره فاحلياة والنور مادة كل خري ..فباحلياة تكون قوته و�سمعه وب�صره وحيا�ؤه وعفته.. وكذلك �إذا قوي نوره ،و�إ�شراقه انك�شفت له �صور املعلومات وحقائقها على ما هي عليه ،فا�ستبان ح�سن احل�سن بنوره و�آث��ره بحياته .وكذلك قبح القبيح” (�إغاثة اللهفان) . امل�صدر :امل�سلم نت
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
47
دراسات الوسطية
ثقافة التقريب بني املذاهب حتليل وت�أ�صيل (اجلزء الثاين)
د.عزمي طه ال�سيد �أحمد
�أو ًال :ثقافة التقريب بني املذاهب التي تخ�ص املذاهب الفكرية العقدية.
الأ�سا�سية امل�شرتكة بني مذهبهم واملذاهب الأخرى ،و�أن يحاولوا �إبرازها والرجوع �إليها فيما ميكن �أن يكون بينهم من ح��وار حول الأفكار املختلف فيها ،ف��إذا �أمكن تقليل موا�ضيع اخلالف وتكثري موا�ضيع االتفاق� ،أدى ذلك �إلى التقريب املن�شود؛ ثم �إنه ال ب ّد يف احلوار بني املذاهب ،من �أن تكون غايته الت�شارك بني املتحاورين من �أجل الو�صول �إلى �أ�صوب الأفكار �أو االق�تراب من ذلك ما �أمكن ،ف�إن مل يحدث ذلك وبقيت �أفكار خمتلف فيها ،فعلى �أ�صحاب املذاهب �أن يعذروا بع�ضهم فيما اختلفوا فيه ،ويحرتم كل واحد منهم اجتهاد نظرائه الفكري ،وال يجعلوا هذا مدخ ًال للطعن والتباعد.
املذهب الفكري �أو العقدي هو ذلك الذي ي�ؤمن �أ�صحابه و�أتباعه ب�صواب جمموعة من الأفكار واملبادئ �أو الر�ؤى التي تتعلق بحقيقة الإن�سان واحلياة والوجود �أو حقيقة بع�ض اجل��وان��ب منها ،وي��رون �أن ه��ذه الأف�ك��ار واملبادئ والر�ؤى هي التي ينبغي �أن توجه �سلوكهم يف احلياة ليتحقق لهم اخل�ير وال�سعادة ،و�أن�ه��ا لذلك ت�ستحق �أن ُي�ضحى الإن�سان من �أجلها .ولذلك قيل يف االعتقادات بعامة �إنها "عقدة على القلب" .وتكون املذاهب الفكرية العقدية يف الغالب �أميل �إلى الثبات وعدم التغري يف �أفكارها وما ت�ؤمن هذه الثقافة ميكن تطبيقها على املذاهب االعتقادية به ،ومع ذلك ف�إنه غالب ًا ما يجري على املذاهب التعديل �أو الإ�سالمية املعروفة با�سم الفرق االعتقادية ،فهي مذاهب التطوير. متفقة يف �أ�صول االعتقاد الكربى ،وتختلف يف اجتهاداتها وال� �ب ��اح� �ث ��ون يف امل� ��ذاه� ��ب ال �ف �ك��ري �ـ �ـ��ة ال�ع�ق��دي�ـ�ـ��ة يف ق�ضايا اعتقادية فرعية كلها �أو بع�ضها .وهنا ميكن (الإيديولوجيــات) يربطـون هــذه لأ�صحاب هذه املذاهب �إن �أرادوا التقريب فيما بينهم، الأفكار التي يعتقدها مذهب ما بفئة معينة من فئات �أن يتم�سكوا ويركزوا على ما عليه اتفاق بينهم ،ويتحاوروا املجتمع (ط�ب�ق��ة ،ع ��رق ،ج�ي��ل ،زم ��رة ذات خ�صائ�ص حول ما هم فيه خمتلفون. اجتماعية �أو ثقافية خ��ا��ص��ة� ...إل��خ) لها حاجاتها �أو �أما جانب امل�صالح واحلاجات والطموحات لأ�صحاب م�صاحلها �أو طموحاتها ،وتكون �أفكارهم ونظرياتهم املذهب التي �أ�شرنا �إلى ارتباطها ب�أفكار املذهب ونظرياته، ملبية لها. فلعلها هي العقبة الكربى �أمام التقريب بني املذاهب ،وذلك �إذا ركزنا على بعد الأف�ك��ار والعقائد يف ه��ذا النوع حني يتم�سك �أ�صحاب كل مذهب بالأفكار �أو النظريات التي من املذاهب بحث ًا عن التقريب بينها يف ه��ذا اجلانب ،حتقق حاجاتهم وم�صاحلهم .وال نرى خمرج ًا من هذه جند �أن �أح��د املبادئ الرئي�سة لثقافة التقريب هنا ،هو العقبة �إال بااللتزام بالثقافة الإ�سالمية املتعلقة بالتعاون بر والتقوى وم��ا ير�ضى اهلل ،ويحقق �أن ي�سعى �أ�صحاب كل مذهب �إل��ى البحث عن الأفكار بني النا�س على ال� ّ امل�صلحة للأمة يف الدرجة الأولى ،واالعت�صام بحبل اهلل � 48إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الذي هو دينه ،فتُقدم م�صلحة الأمة على م�صلحة املذهب وم�صلحة الفئة التي ميثلها .ومعلوم �أن التعاون بني النا�س وبني املذاهب ال ينجح �إال �إذا تنازل الأف��راد �أو �أ�صحاب املذهب عن بع�ض م�صاحلهم اخلا�صة من �أجل امل�صلحة العامة �إميان ًا منهم �أن مثل هذا الفعل فيه مر�ضاة اهلل ،وفيه �أي� ًضا احلفاظ على م�صاحلهم اخلا�صة من خالل احلفاظ على امل�صلحة العامة .بهذه الثقافة ي�صبح التقريب بني املذاهب الفكرية واالعتقادية �أمر ًا ممكن ًا مي�سور ًا.
�إنه من باب تذكري �أهل العلم� ،أن نقول� :إن طبيعة الأحكام االجتهادية ظنية ولي�ست قطعية� ،إذ �إن املجتهد ي�ستفرغ و�سعه وجهده يف بيان مراد اهلل يف الواقعة �أو الأمر الذي يجتهد فيه ،وما دام اهلل �سبحانه وتعالى مل يعلمنا مبراده يف هذه الواقعة ب�صراحة ،ف�إن املجتهد مهما بلغ من دقة االجتهاد� ،إال �أن الأحكام االجتهادية التي ي�صل �إليها تظل ظنية� ،أي هي – يف نظر �صاحبها ويف نظر غريه �أي� ًضا -ظن راجح يحتمل قدر ًا ُيعتمد عليه من احتمال ال�صواب.
ثانياً :ثقافة التقريب بني املذاهب التي تخ�ص املذاهب الفقهية ال�شرعية:
�إذا وعى �أ�صحاب املذاهب الفقهية هذه احلقيقة وعي ًا تام ًا� ،أ�صبـحت الطريـق بعد ذلك ممهدة للتقريب والتقارب فيما بينها ،وقلَّ التع�صب للمذهب �إلى ح ّده الأدنى� ،إن مل نقل تال�شى متام ًا� ،إن وعى مفهوم الظن الراجح� ،أنه يحتمل اخلط�أ بن�سبة �أو ب��أخ��رى لكن ميل النف�س �إل��ى ال�صواب ودرجة احتماله �أكرب ،ال يجعل من املرء متع�صب ًا ملذهبه، يرى فيه وحده احلق وال�صواب ،ويجعله ينظر �إلى الأحكام االجتهادية يف املذاهب الأخرى نظرة احرتام وتقدير.
امل��ذاه��ب الفقهية ال�شرعية -كما هو معلوم -تهتم بالأحكام العملية ال�شرعية لكل ما يقع من �أم��ور يف حياة النا�س ،واخ�ت�لاف امل��ذاه��ب له �أ�سباب� ،أهمها اختالف القواعد الأ�صولية التي اعتمدها كل مذهب يف ا�ستنباط الأح�ك��ام ال�شرعية .ومعلوم �أن ه��ذه املذاهب الفقهية مل تختلف فيما بينها حول �أمور فيها ن�صو�ص قطعية حمكمة (قطعية الثبوت والداللة) ،و�إمنا يف �أمور جرى ا�ستنباط هناك �أمر �آخر نرى �أنه يلزم عن حقيقة ظنية الأحكام الأحكام ال�شرعية ب�صددها من امل�صادر الأ�صلية ،فهذه االجتهادية ،وهي �أن املقلد لي�س ملزم ًا بال�ضرورة �أن يتبع املذاهب اختلفت يف اجتهاداتها الفقهية. اج�ت�ه��ادات م��ذه��ب فقهي بعينه ،ول��ه �أن يختار م��ن بني اجتهادات املذاهب ما ي��راه �أن�سب ،ما دام �أ�صحاب هذه والتقريب بني ه��ذه املذاهب �أم��ر مي�سور وممكن �إلى االجتهادات جمتهدون عدول حتققت فيهم �شروط االجتهاد. درجة كبرية ،وذلك �إذا وعى �أ�صحاب املذاهب و�أتباعها ثقافة التقريب اخلا�صة باملذاهب الفقهية وج�سدوها يف ومع هذا يرى بع�ض �أ�صحاب املذاهب �ضرورة �أن يلتزم ً �سلوكهم العلمي والعملي جت��اه املذاهب الأخ��رى .وثقافة املقلد مذهبا بعينه ،حتى ال يتتبع الأي�سر من االجتهادات التقريب هذه تبد�أ من الوعي بحقيقة االجتهاد الفقهي ،يف كل مذهب ،ول�سنا نرى هذا الر�أي بهذه ال�صرامة� ،أعني الذي هو مطلب م�ستمر للأمة الإ�سالمية ب�سبب ما ي�ستجد الإلزام� ،إذا كانت االجتهادات – كما �أ�شرنا �آنف ًا� -صادرة من وقائع و�أحداث و�أمور – كما هو معلوم -والذي هو �أداة عن علماء حتققت فيهم �شروط االجتهاد� .إن الدين ي�سر، الإ�سالم العلمية الأول��ى ليظل الإ�سالم �صاحل ًا لكل زمان واهلل يريد بعباده الي�سر وال يريد بهم الع�سر؛ ثم �إن التزام ومكان. املقلد باتباع مذهب فقهي بعينه ير�سخ فكرة متايز املذاهب ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
49
واختالفها ،الأم��ر ال��ذي يعمل �ضد فكرة التقريب بني املذاهب الفقهية ال معها. وهكذا نرى �أن ثقافة التقريب بني املذاهب الفقهية يجب �أن ت�ستثمر حقيقة ظنية الأحكام االجتهادية ،وتتخلى عن فكرة التزام املقلد باتباع اجتهادات مذهب بعينه .وما نح�سب املجامع الفقهية التي ت�صدر اجتهاداتها اجلماعية �إال و�سيلة من و�سائل التقريب بني املذاهب الفقهية يف هذا الع�صر. ثالثاً :ثقافة التقريب بني املذاهب التي تخ�ص املذاهب ال�سيا�سية.
كانت الثقافة التي تقرب بني املذاهب (الأح ��زاب) هو االتفاق على الأفكار امل�شرتكة بينها من جهة ،وعلى ما ي�سمى ثوابت الأمة من جهة �أخرى ،والتم�سك بها واتخاذها مرجع ًا ومعيار ًا عند االختالف ،ثم �إقامة احلوار املتوا�صل بني هذه املذاهب حول الأفكار والق�ضايا واخلطط التي فيها اختالف بحيث يكون الهدف من احل��وار الت�شارك يف الو�صول �إل��ى �أ�صوب الآراء و�أف�ضل اخلطط لتحقيق م�صلحة الأمة.
�إن هذه املبادئ التي �أ�شرنا �إليها �آنف ًا ت�شكل منطلق ًا املذاهب ال�سيا�سية هي مذاهب لها �أفكارها ونظرياتها ،لبناء ثقافة تقرب بني املذاهب ال�سيا�سية يعيها �أ�صحاب لكنها تتميز عن املذاهب الأخرى (�أعني الفكرية العقدية ،هذه املذاهب و�أتباعهم ،ويج�سدونها يف �سلوكهم املذهبي والفقهية ال�شرعية) ب�إعالنها غايتها ال�سيا�سية� ،أي ال�سيا�سي. الو�صول على احلكم و�إدارة �ش�ؤون املجتمع و�سيا�سته ،وهي خــامتــة: ت�صنع لذلك – بجانب الأفكار والنظريات – اخلطط والربامج العملية التي نرى �أنها ميكن �أن تو�صلها �إلى هذه ما قدمناه يف هذه الورقة حماولة لت�أ�صيل وت�أ�سي�س ثقافة الغاية ويرافق املذاهب ال�سيا�سية وما تطرحه من �أفكار �أو برامج عمل ،دع��وى �أنهم يعملون ما يعملون من �أجل التقريب بني املذاهب ،ا�ستخدمنا فيها منهج التحليل �إلى حد كبري� ،آملني �أن تكون الأفكار التي قدمت فيها ،منطلق ًا امل�صلحة العامة للأمة وحتقيق خريها وعزَّتها .والت�سمية ِّ ال�شائعة يف ه��ذا الع�صر للمذاهب ال�سيا�سية هو ا�سم :لتف�صيل �أوفى لهذه الثقافة ،بحيث ت�صبح معرفة مي�سورة الأحزاب ال�سيا�سية. لأ�صحاب املذاهب و�أتباعهم ،ي�سهل اكت�سابها وجت�سيدها �إن التقارب بني املذاهب ال�سيا�سية يكون ع�سري ًا �إن مل يف �سلوكهم بوعي نتائجها الإيجابية العديدة ،على الأمة يكن م�ستحي ًال ،حني يتحكم حزب بعينه يف �أمور احلكم وعلى املذاهب نف�سها. وال�سيا�سة وال يتيح للمذاهب الأخرى �أي �شكل من �أ�شكال امل�شاركة ،ولو كان ذلك من خالل املعار�ضة بالقول والر�أي، لقد قلنا ما قلناه يف هذه الورقة ،دون �أن ن�ؤكد على لكن التقارب بني هذه املذاهب ال�سيا�سية �سيكون ممكن ًا �أمر يف غاية الأهمية ،وهو �أمر معنوي وترتيبه يف �إجراءات �إذا وج��دت �أدوات وو�سائل تفرز من بني ه��ذه املذاهب (الأح��زاب) من هو �أقدر على �إدارة �ش�ؤون حكم املجتمع التقارب والتقريب بني املذاهب ي�أتي �أو ًال ،ذل��ك الأم��ر و�سيا�سته ،وكان يدعمه �أكرب قدر من �أفراد هذا املجتمع .هو وجود ن ّية التقارب لدى املذهب و�أتباعه ،بينهم وبني والذي ي�سهل �أمر التقارب �أكرث �أن تكون امل�صلحة العامة املذاهب الأخرى و�أتباعها ،ذلك �أنه مع غياب هذه النية لن للمجتمع هي ِّ املوجه ل�سلوك كل مذهب من هذه املذاهب ،ت�صل املذاهب �إلى �شيء ُيعتد به يف �أمر التقريب والتقارب. ويخ�ضع �أ�صحاب املذهب ل�ضروراتها. ولعل القارئ الكرمي قد الحظ �أن ثقافة التقريب بني هناك جانب �آخ��ر ي�ساهم يف التقريب بني املذاهب ال�سيا�سية ،وهو جانب الأفكار والنظريات التي يتبناها املذاهب هي ثقافة جزئية خا�صة من الثقافة الإ�سالمية، امل��ذه��ب ،واخلطط التي ي�ضعها للو�صول �إل��ى غايته يف و�أن التزام املذاهب و�أتباعها بالثقافة الإ�سالمية ي�ؤدي احلكم ،وهذا اجلانب يغلب عليه الطابع النظري ،ولذلك ب�صورة تلقائية �إلى ح�صول التقارب املرغوب فيه واملن�شود.
� 50إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
دراسات الوسطية
مراحل النظر يف النازلة الفقهية (اجلزء الأول)
املقدمة كلما غاب التجديد توارى معه البحث العلمي املتجرد، وح�ضرت عو� ًضا منه النتائج اجلاهزة ،التي يتلقاها الآخر عن الأول عفو ًا كما هي ،دون جهد ذي بال يف الت�أ�صيل والتدليل� ،أو التحقيق والتنزيل .وقد كان املجددون من �أئمة الإ��س�لام على مر ال��زم��ان ي�ب��د�أون بتحرير �أ�صول الأدلة ،ومرادات ال�شارع ،على ما �أحكمته �صناعة الفقه، م�ست�ضيئني بنور الوحي ،م�سرت�شدين بعمل ال�سلف من فقهاء ال�صحابة و�أئمة الفقهاء ،ملتزمني يف بحثهم بنظام اال�ستدالل ،و�أ�صوله احلاكمة على الأغرا�ض املقولة يف الفقه. وقد درج املعا�صرون على تخ�صي�ص م�سار م�ستقل لبحث النوازل الفقهية ،و�صار البحث النوازيل له ا�سمه اخلا�ص، و�أفرد له حيز ًا يف املكتبة الفقهية املعا�صرة ،وهذه بحمد اهلل بادرة ح�سنة �أن يعتني النا�س بقراءة الواقع ووقائعه على هدي الوحي ،وت�أ�صيل م�سائل ال�شريعة ،وت�أثيل قواعد امللة. وامل�ت��أم��ل يف ت�صريف ح��رك��ة البحث الفقهي املعا�صر ال ت�خ�ط��ئ ع�ي�ن��ه م��ا ي �ن��وء ب��ه ه ��ذا امل��ي��دان م��ن �ضعف وق�صور ،وذل��ك راج��ع �إل��ى �أ�سباب عديدة ،ومن مظاهر ه��ذا الق�صور :التوثب على م��راح��ل البحث ال �ن��وازيل، وا�ستعجال النتائج قبل اختمار الت�صور �أو اال�ستدالل. �إن التناول العلمي الر�شيد للنوازل هو الذي ي�ستم ُّد م�شروعيته من ر ِّد االعتبار لفقه ال�شريعة ،ذلك الفقه الذي يت�أ�س�س على �صحيح الن�صو�ص ،وعريقِ الأ�صول ،ومتني القواعد. وه� ��ذه ال ��ورق ��ة ت �ن��اق ����ش م ��راح ��ل ال �ن �ظ��ر يف ال �ن��ازل��ة الفقهية حت��دي��د ًا ،وت ��دل ع�ل��ى �أه ��م امل�ن��اه��ل يف �أث �ن��اء تلك امل��راح��ل ،ول�ه��ذا حتا�شيت اال�ستطراد باملقدمات وال � َق � ْب �ل �ي��ات ال �ت��ي ه��ي يف م �ت �ن��اول ع �م��وم ال�ب��اح�ث�ين. وتتلخ�ص م�شكلة ال�ب�ح��ث يف و� �ض��ع امل�ع��اي�ير امل �ح��ددة
د.خالد بن عبداهلل املزين
جل� ��ودة ال �ن �ظ��ر ال �ف �ق �ه��ي ،ور���س��م ال �ن �م��وذج ال�ن�ظ��ري ل��درا��س��ة ال �ن��وازل ،وتق�سيم عملية البحث يف النازلة الفقهية �إل��ى مراحل متوالية زمني ًا ،مرتاتبة منطقي ًا، وت���س�م�ي�ت�ه��ا م��رح �ل��ة م��رح �ل��ة ،ب�ح�ي��ث ي �ت �ه �دَّى ال�ب�ح��ث الفقهي م��ن خاللها �إل��ى معني ال�صواب �شيئ ًا ف�شيئ ًا. �شاكر ًا مركز التميز البحثي يف فقه الق�ضايا املعا�صرة بجامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية على مبادرته بتنظيم هذه الندوة� ،سائ ًال املولى جل يف عاله �أن يجعل هذا العمل خال� ًصا �صواب ًا. التمهيد: ال � � �ت � � �ع� � ��ري� � ��ف مب�� ���� �ص�� �ط�� �ل�� �ح� ��ات ال� � �ب� � �ح � ��ث: �أ ـ النظر :يف اال�صطالح :طلب املعنى بالقلب من جهة الذكر كما يطلب �إدراك املح�سو�س بالعني( ،)1وقيل :هو فك ٌر يطلب به علم �أو ظن ( )2ومادة النظر تدل على معنى تقليب الب�صر والب�صرية لإدراك ال�شيء ور�ؤيته ،وقد يراد به، فهي رحلة نف�سية ( )3يقوم بها الذهن الإن�ساين ،القتنا�ص مطلوب علمي �أو نظري .ف��إن ك��ان حمل النظر معقو ًال: �سمي ذلك فكر ًا ،و�إن كان حم�سو�س ًا� :سمي تخي ًال ( .)4 ونظر الباحث يف النازلة يعني الت�أمل والفح�ص حلقيقتها وظروفها ومواردها ،ومراجعة الأدلة للتعرف على حكمها. ب ـ ال �ن��ازل��ة :ه��ي امل���س��أل��ة ال�ت��ي مل جن��د ل�ه��ا ذك ��ر ًا يف الن�صو�ص ،وال يف ك�لام الفقهاء امل�ت�ق��دم�ين ،فك�أنها وج �دَّت وقطعت عما قبلها (.)5 نزلت بعد �أن مل تكنُ ، وامل�سائل “النازلة” و”امل�ستجِ دَّة” :هي امل�سائل احلادثة، ال �ت��ي مل ت�ق��ع م��ن ق� �ب ��ل( ،)6ول �ه��ا م ��رادف ��ات �أطلقها املتقدمون ،منها :احل��وادث ،وامل�سائل ،والواقعات(.)7 وقد اخت�صَّها الفقهاء بالبحث والنظر ،وت�صرفوا فيها
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
51
باالجتهاد ت��ارة ،وبالتخريج ت��ارة �أخ��رى ،وثمرة البحث النوازيل :احلكم والفتيا .وقد �أف��ردت مب�صنفات خا�صة ُر� �س � َم��ت ب��ال�ف�ت��اوي ،والأج ��وب ��ة ،وال� �ن ��وازل ،وال��واق �ع��ات. ج ـ الفقهية :و�صف النازلة بالفقهية :يعني �أن النظر فيها يكون بالأدلة ال�شرعية احلاكمة للفقه ،ابتغاء الو�صول �إلى احلكم التكليفي املنا�سب لها. املبحث الأول: م� � �ع � ��اي �ي��ر ج� � � � � ��ودة ال� � �ن� � �ظ � ��ر يف ال � � � �ن� � � ��وازل: البحث الفقهي يف النوازل ال يعدو كونه عم ًال ب�شري ًا ،ومن ثم فهو يتفاوت يف م�ستوى الإتقان واجلودة ،وذلك بح�سب اجلهد واالجتهاد ،والق�صور والتق�صري ،وقد قال ابن مالك يف فاحتة كتابه ت�سهيل الفوائد “ :و�إذا كانت العلوم منح ًا �إلهية ،ومواهب اخت�صا�صية ،فغري م�ستبعد �أن يدخر لبع�ض املت�أخرين ما ع�سر على كثري من املتقدمني� ،أعاذنا اهلل من ح�سد ي�سد باب الإن�صاف ،وي�صد عن جميل الأو�صاف “اهـ. وقد تتبعت �أهم املعايري ال�ضابطة للنظر الفقهي يف النوازل، ال�ضامنة جلودة الت�أ�صيل والتنزيل ،ف�إذا هي ال تكاد تخرج عن م�ستوى الكفاءة الفقهية للباحث ،ومدى رعايته لنظام اال�ستدالل يف ال�شريعة ،وبذله اجلهد يف ذلك ،بالإ�ضافة �إلى �إحاطته بالواقع ،فهذه معايري �أربعة ،وتف�صيلها فيما ي�أتي: الأول :الكفاءة الفقهية: وذلك ب�أال يت�صدى الباحث مل�س�ألة �إال �إذا توفر على الأدلة العلمية الالزمة لها ،و�إال كان متكلف ًا ملا مل يحط به خرب ًا، وال ينعقد للباحث االخت�صا�ص بالنظر يف نازلة فقهية ما مل ي�ستكمل احلد الأدن��ى من �شرائط االجتهاد اجلزئي. ثم �إنه ال تكفي هنا جمرد الإحاطة بالفروع الفقهية ،ف�إن البحث الفقهي �صنعة فكرية ،وكم من ٍ حافظ للفروع ما له يف البحث من خ�لاق ،وكم من فقيه م�شهور يف ال�سلف ؛ مل ي�ؤلف يف الفقه �شيئ ًا ذا بال ،ومل يقدح ذلك يف علمه، يرت�ض الفقهاء كتابه ،وقد ذكروا وكم من فقيه �ألف ومل ِ يف طبقات الفقهاء مناذج لذلك ،والعلوم مواهب ،ف�سبحان واهبها. الثاين :نظام اال�ستدالل : ف� ��إن ال�ب�ح��ث الفقهي م�ب�ن��اه ع�ل��ى ال�ف�ه��م ال�صحيح واال�ستدالل املوافق ملراد ال�شارع ،وما مل يلتزم الباحث رعاية هذه اجلادة ف�إنه يو�شك �أن يت�صور خط�أ� ،أو يتكلم بباطل، ويندرج حتت هذا املعيار مراعاة مراحل النظر الفقهي. يدل لذلك قول الفاروق عمر يف و�صيته ال�شهرية لأبي مو�سى � 52إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ـ ر�ضي اهلل عنهما ـ“ :ثم الفهم الفهم فيما �أديل �إليك ،مما لي�س يف قر�آن وال �سنة ،ثم قاي�س الأمور عند ذلك ،واعرف الأمثال والأ�شباه ،ثم اعمد �إلى �أحبها �إلى اهلل فيما ترى، و�أ�شبهها باحلق”( )8اهـ. الثالث :ا�ستفراغ الو�سع : ف� ��إن ب��ذل اجل �ه��د وا� �س �ت �ك��داد ال��ذه��ن يف ال�ب�ح��ث يف حكم النازلة �شرط يف �صحة هذا العمل ( ،)9واملطلوب م��ن الفقيه ب��ذل اجل �ه��د ،ال �إ� �ص��اب��ة احل��ق ب��ذات��ه ،ف ��إن �أ�صاب فله �أج��ران ،و�إال ذهب بالأجر الواحد ،ونعما هو. �إن البحث النوازيل مرهق للذهن واجل�سم والباحث ،ثمَّ يجري نظره يف تدب ٍري اجتهادي را�شد ،متحري ًا يف ذلك مراد اهلل تعالى ،ولي�س �صحيح ًا �أنه عبارة عن نتائج ناجزة على ط��رف الثمام ،يقوم الباحث باقتطافها وه��و مار، بل هو جمموعة من املقاربات والتب�صرات ،واملقارنات والرتجيحات ،ثم هو بعد ذلك ق��رار يتخذه الباحث بعد �إ�ضناء عقله بحث ًا وفت� ًشا ،م�ستند ًا فيه �إلى مقدمات مرتاكبة ونتائج مرتاتبة ،بناها خالل بحثه. الرابع :معرفة الواقع : ذل ��ك �أن ال�ف�ق��ه م��ن ال �ع �ل��وم ال�ع�م�ل�ي��ة ،ال ال�ن�ظ��ري��ة، ول�ه��ذا ج��اء نعت الفقهاء يف ال �ق��ر�آن بو�صف "النفري": �ون ِل� َي�ن� ِف� ُرو ْا َك ��آفَّ � ًة َف � َل � ْو َال َن� َف� َر ِم��ن ُك ِّل �ان المْ ُ ��ؤ ِْم � ُن� َ } َو َم ��ا َك� َ الدينِ َو ِل ُي ِنذ ُرو ْا َق ْو َم ُه ْم ِف ْر َق ٍة ِّم ْن ُه ْم َط�آ ِئ َف ٌة ِّل َي َت َفقَّ ُهو ْا فيِ ِّ ون{ (ال �ت��وب��ة ،)122:وهذا �إِذَ ا َر َج� ُع��و ْا �إِ َل� ْي��هِ � ْ�م َل َعلَّ ُه ْم َي� ْ�ح��ذَ ُر َ يقت�ضي ن��وع�ين م��ن احل ��رك ��ة� :إح ��داه� �م ��ا :يف درا� �س��ة الن�صو�ص والأدل��ة ،والأخ��رى يف التب�صر بالواقع ،لتنزيل الأحكام على الوقائع ،و�إذا اعتربنا كون الواقع متجدد ًا، فليجدد الفقيه معرفته بالوقائع والنوازل كلما جتددت . وق��د ا�ستقر تعريف الفقه بعد ال�ق��رن ال��راب��ع الهجري ب ��أن��ه :م�ع��رف��ة الأح��ك��ام ال�شرعية العملية م��ن �أدل�ت�ه��ا التف�صيلية ،فهو �إذن علم عملي ،يراعي طبيعة الواقع العملي املتحركة املتجددة .وقال ابن عابدين" :املفتي ال بد له من �ضرب اجتهاد ومعرفة ب�أحوال النا�س"(،)10 و"من مل ي�ك��ن ع��امل��ا ب ��أه��ل زم��ان��ه ف�ه��و جاهل"(.)11 ع �ل��ى �أن امل �ط �ل��وب م �ع��رف��ة ال ��واق ��ع لتكييفه ب��ال���ش��رع، و�إدارت� ��ه على ق��اع��دة اال�ست�صالح ،ال للخ�ضوع لف�ساد ط ��ر�أ عليه ،فكما �أن ل�ل��واق��ع �سطوته ،فلل�شرع حجته، ف�لا ت��أخ��ذن��ا واقعية ال��وق��ائ��ع ،ع��ن م�شروعية ال�شرائع.
املبحث الثاين: م� � ��راح� � ��ل ال � �ن � �ظ� ��ر يف ال� � �ن � ��ازل � ��ة ال� �ف� �ق� �ه� �ي ��ة : ميكن تق�سيم العملية االجتهادية يف ا�ستخراج الر�أي الفقهي ال�صائب �إلى مراحل: - 1الت�صوير: �أ ـ مفهوم الت�صوير و�أهميته: الت�صوير م�أخوذ من ال�صورة ،و�صورة ال�شيء :ما ميتاز به ال�شيء ( ،)12وه��ي هيئته التي هو عليها ،وت�صوير ال�ن��ازل��ة :يتحقق بت�شخي�ص واقعها كما ه��و ،وذل��ك بعد ارت�سام �صورتها احلقيقية يف ذه��ن الباحث دون لب�س مبا ي�شتبه بها ،فلو كان البحث عن حكم الذهب الأبي�ض للرجال ،فمطلوب الت�صوير ال�صحيح هنا �أن يعلم قدر الذهب املخلوط بالن�سبة �إل��ى امل�ع��ادن الأخ ��رى ،لي�صري بعدئذ �إلى تنزيل �أحكام الذهب احلقيقي عليه من عدمه. وه��ذه املرحلة يف غاية الأه�م�ي��ة� ،إذ يرتبط فقه الن�ص بفقه الت�صوير الواقعي ارت�ب��اط املناط باحلكم ،والعلة باملعلول ،وكل خط�أ يف الت�صوير يعقب خط�أ يف التو�صيف وال�ت�ن��زي��ل الفقهيني ( ،)13وق��ل م��ن يجمع الأم��ري��ن، وق��د ق��ال ال��زخم���ش��ري “ :م��ن مل ي ��ؤت م��ن ��س��وء الفهم، �أت��ي من �سوء الإف�ه��ام ،وق� ّل من �أوت��ي �أن يفهم و ُيفهم ". والباحث يف هذه املرحلة يتجه �إل��ى التعرف على حقيقة النازلة ،والإحاطة مباهيتها ،و�إدراكها على ما هي عليه، وحتديد �أطرافها ،وح�صر �صورها ،و�أول��ى درج��ات العلم بال�شيء :ح�صول �صورته يف العقل� ،إما بطريق اجلزم �أو الظن الغالب( ،)14بال حكم عليه بنفي �أو �إثبات(،)15 وهو ما ي�سمى الت�صور ال�ساذج ( ،)16ف�إذا اجتمع الت�صور مع احلكم� :سمي ت�صديق ًا ت��ام� ًا .فالت�صور �إذ ًا� :إدراك احلقائق جم��ردة عن الأحكام ( ،)17والت�صديق �إدراك ن�سبة حكمية بني احلقائق بالإيجاب �أو ال�سلب ( (.18فلو �سئل الفقيه عن م�س�ألة “زواج امل�سيار” مث ًال ،فيحتاج حينئذ �إل��ى ت�صور ه��ذا العقد على ما هو عليه ،وح�صر �صوره يف الواقع ،ور�صد �شروطه و�آثاره العقدية ،ولو فر�ضنا �أن��ه �أج��رى على هذا العقد �أحكام عقد ال��زواج النمطي، قبل �أن يت�صور حقيقته؛ لكان خمطئ ًا يف بناء احلكم، م�ستحق ًا للوم ،وحينها ي�صدق عليه قول العالمة حممد بن احل�سن احلجوي" :تهور قبل �أن يت�صور"( ،)19وعليه فالقاعدة �أن اخلط�أ يف الت�صور ُيرتب خط�أ يف احلكم. على �أنه ال ي�شرتط العلم بالواقعة من كل وجه ،لكن املطلوب العلم بها بطريق الإج �م��ال بحيث ي�صح �إن ��زال احلكم عليها ،وهو احلد الأدنى للت�صور اجلملي ال�صحيح(.0 )2
وهذا يح�صل ـ يف جمال املعامالت املالية ـ بذكر املعاملة املراد احلكم عليها ،وبيان �أطرافها ،وذكر الثمن واملثمن، و�آل�ي��ة تنفيذها .وال�ع��ادة �أن الهيئة ال�شرعية للم�صارف تتلقى هذه املعلومات والبيانات عن طريق الإدارة العليا للم�صرف� ،أو م��ن يقوم مقامها ،وه��ذا حم��ل م��ؤاخ��ذة، من جهة ورود احتمال الإخ�لال بالت�صور ال�صحيح ،لأن املطلوب توفري �أق�صى درجات اال�ستقاللية للهيئة ال�شرعية، بحيث تتمكن م��ن ت�صور الواقعة م��ن جهة م�ستقلة عن اجلهة امل�ستفيدة من الفتوى ،وهي هنا �إدارة امل�صرف. �إن من �ضمانات الفتوى املالية اجل��ادة �أن تو�سع الهيئات ال�شرعية م�صادرها يف احل�صول على املعلومة ،لتتعرف على طبيعة املنتج املقدم للدرا�سة ،و�أبعاد البيئة التي �سيوظف فيها. والت�صوير :بيان حقيقة ال�شيء على ما هو عليه. ب ـ م�سالك الت�صوير: ال بد للفقيه ليتحقق له ت�صور النازلة من �سلوك �أحد طريقني: �أولهما� :أن يقف على النازلة بنف�سه ،وثانيهما� :أن يتعرف عليها عرب و�سيط. الأول�:أن يقف على النازلة بنف�سه: ك��ان بع�ض الفقهاء ال يكتفي ب�الإح��اط��ة بالن�صو�ص والأ��ص��ول ال�شرعية وعلوم الآل��ة ،بل ينزل �إل��ى الأ��س��واق، ويقف على معامالت التجار بنف�سه ،وكان �أ�صحاب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم يخالطون النا�س ،ويبا�شرون التجارة والك�سب واجل �ه��اد ،وك��ان حممد ب��ن احل�سن ال�شيباين ي��ذه��ب �إل��ى ال�صباغني وي���س��أل ع��ن معامالتهم (.)21 وك��ان �شهاب الدين القرايف قد كتب عن احل�شي�شة التي يتعاطاها الف�ساق ،ونقل االتفاق على منعها ،لكن حكى اخل�لاف يف كونها م�سكرة توجب احل��د� ،أو مغيبة للعقل فتوجب التعزير ،ثم قال“ :و�س�ألت جماعة ممن يعنيها، فاختلفوا على قولني؛ فمنهم من )22( ”...ال��خ ،فهذا يبني عنايتهم ب�س�ؤال �أه��ل اخل�برة فيما طريقه اخل�برة. وه��ذه الطريقة مفيدة ج��د ًا يف ح�سن ت�صوير النازلة، لأن ال�ف�ق�ي��ه ي�ب��ا��ش��ر ال��وق��وف عليها بنف�سه ،ب�ي��د �أن�ه��ا ت���س�ت��دع��ي م �ن��ه ج��ه��د ًا ووق� �ت� � ًا ل�ل�ب�ح��ث واال� �س �ت �ق �� �ص��اء، وق � ��د ال ي �ت �� �س��ع وق� �ت ��ه ل� �ل ��وق ��وف ع��ل��ى ك� ��ل ال � �ن� ��وازل. وكلما كان الفقيه �أقرب �إلى مو�ضع النازلة؛ كان بها �أعرف، وعلى التنزيل �أقدر ،ولهذا قالوا :يفتى بقول �أبي يو�سف فيما يتعلق بالق�ضاء ،لكونه جرب الوقائع وعرف �أحوال النا�س (.)23
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
53
الثاين� :أن يتعرف عليها بوا�سطة: منطرقالتعرفعلىالنازلة�:أنيتلقاهاالفقيهمناخلبري، �أو ال�سائل وطالب اجل��واب ،وهذه الطريقة جادة م�سلوكة للفقهاء واملفتني يف امل�سائل االعتيادية منذ ال�صدر الأول. فقد ك��ان��وا ي�ستعينون على حتقيق امل�ن��اط اخل��ا���ص ب�أهل اخلربة ،فعن ابن عمر ـ ر�ضي اهلل عنهما ـ قال :خرج عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه من الليل ،ف�سمع امر�أة تقول:
تطاول هذا الليل وا�سود جانبه و�أرقـــــــــــني �أن ال حبيب �أالعبه
فواهلل لوال خ�شية اهلل وحده حلرك من هذا ال�سرير جوانبه ف �ق��ال ع�م��ر ب��ن اخل �ط��اب ر� �ض��ي اهلل ع�ن��ه حلف�صة بنت عمر ـ ر�ضي اهلل عنها ـ :ك��م �أك�ثر م��ا ت�صرب امل��ر�أة ع��ن زوج �ه��ا ،ف�ق��ال��ت� :ستة �أو �أرب �ع��ة �أ��ش�ه��ر ،ف�ق��ال عمر ر�ضي اهلل عنه :ال �أحب�س اجلي�ش �أك�ثر من ه��ذا (.)24 وه� � ��ذه ال� �ط ��ري� �ق ��ة م� ��ع ك ��ون� �ه ��ا ت���وف���ر وق � ��ت ال �ف �ق �ي��ه وج� �ه���ده ،وه� ��ي ن��اف �ع��ة يف ح� ��ال ت ��وف ��ر اخل� �ب�ي�ر ال�ث�ق��ة امل �ت �ق��ن� ،إال �أن��ه��ا م���ش��وب��ة ب ��آف �ت�ين :ال��ه��وى واجل �ه��ل. فقد يحمل اخلب َري �أو ال�سائل م�صلحتُه ال�شخ�صية وغر�ضه اخلا�ص على �أن يحجب عن الفقيه بع�ض عنا�صر الواقعة، �أو ي�صورها على غري ما هي عليه ،ابتغاء احل�صول على حكم يحقق غر�ضه ،وقد تفاقمت هذه الظاهرة يف الع�صور ٍ املت�أخرة حني تغريت �أخالق النا�س ،و�صار للنا�س �أغرا�ض يف اال�ستفتاء ،وق��د يقع �شيء من ه��ذا يف ق��رارات بع�ض الهيئات ال�شرعية يف امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية �أحيان ًا . وم��ن �آفاتها �أن بع�ض امل�ستفتني ال يكون واعي ًا بطرق ال�س�ؤال ال�صحيحة ،فيكون ت�صويره لها قا�صر ًا ،فيقع اجلواب غري مالق لل�س�ؤال. وق� � ��د ق� � ��ال اب� � ��ن ح��ب��ي��ب يف ال� �ن� �ف� ��� �س ��اء :جت �ل ����س ��س�ت�ين ي��وم�� ًا ،ق���ال :ه��و “عدل ح �� �س� ٌ�ن ،وال ُت �� �س ��أل عن ذل ��ك ن �� �س��اء �أه� ��ل زم��ان �ن��ا ،ل�ق�ل��ة معرفتهن” (.)25 وه ��ذه ال �ف �ج��وة امل ��وج ��ودة ال �ي��وم ب�ين ال �ب �ح��وث الفقهية والتطبيقات العملية ينبغي �أن ت ��ردم ب ��إي �ج��اد ق�ن��وات مو�ضوعية للتوا�صل مع ال��واق��ع العملي ،فلي�س كل باحث قادر ًا على الوقوف على النوازل يف مواطنها ،بكل �صورها. وم��ن تلك ال �ق �ن��وات� :إن���ش��اء م��راك��ز لت�شخي�ص ال��واق��ع، � 54إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
لتقريبه للفقيه ،وتكون هذه املراكز بر�صد النوازل على م��ا ه��ي عليه ،وح�صر ��ص��وره��ا ،وت�شخي�ص عنا�صرها ٍ بعدئذ دور التو�صيف والتنزيل. و�أطرافها ،ويبقى للفقيه وميكن الإفادة يف هذا الدور من خالل الدرا�سات ال�شرعية يف مرحلتي البكالوريو�س وم��ا بعدها ،ويكون ج��زء ًا من متطلبات ال�ت�خ��رج�� :س��اع��ات عملية ي�ستك�شف الطالب �أثناءها نازلة حم��ددة ،ويقف عليها يف ميدان وقوعها. وامل�ه��م ال�سعي يف تنظيم دور اخل�برة الفقهية العملية، وحتويل و�ضعها ليكون م�ؤ�س�سي ًا معياري ًا. -2التو�صيف : � أ ـ مفهوم التو�صيف: التو�صيف هو :تعيني �صفة ال�شيء ،والتو�صيف الفقهي هو تعيني �صفة النازلة بح�سب اللغة الفقهية املعهودة لدى علماء الفن ،ومقت�ضاه � :إجالة النظر يف الأو�صاف الفقهية املنا�سبة للنازلة حمل البحث ،و�إحلاق �صورتها مبا مياثلها من م�سائل الفقه امل�سماه ،ك�أن ن�صفها ب�أنها بيع� ،أو �إجارة، �أو رهن وهكذا. ف�إذا مل ت�شبه �شيئ ًا من معهودات الفقهاء فهي �إذ ًا من النوازل اجلديدة ،التي مل يرد ب�ش�أنها ن�ص خا�ص ،فهذه ي�ست�أنف الفقيه لها و�صف ًا منا�سب ًا ،بح�سب ما يظهر له من واقعها ،ا�ستئنا�س ًا ب�أدلة ال�شرع وقواعده وكلياته ،بحيث ال يخرج با�سمها عن لغة الفن ،وال يعار�ض بها ا�سم ًا معهود ًا لديهم. وهذه املرحلة ميكن ت�سميتها بفقه الواقعة ،وقد حدد ابن القيم نوعني من الفهم ،ال بد منهما للمفتي واحلاكم، �أولهما :فهم الواقع ،والفقه فيه ،والثاين :فهم الواجب يف الواقع(.)26 والتو�صيف الفقهي يحتاج �إلى ملكة علمية خا�صة ،و�إال ف�إنه ال ي�صعب على املتفقه املتو�سط �أن يحفظ ن�صو�ص الأدل���ة ،وي�ج��رد ال �ف��روع الفقهية ،وي�شرف على مواطن اخل�لاف العايل ،لكن تو�صيف ال�ن��وازل يحتاج ف��وق ذلك �إلى فقه النف�س ،و�إلى ذائقة فقهية ،كحاجة الطبيب �إلى مهارة الت�شخي�ص ،وحاجة القانوين �إلى مهارة التكييف . والتعبري ب�ـ “التو�صيف” �أ��ص��دق و�أ�شمل م��ن التعبري بـ “التكييف” ،ف�إن هذا الأخري �أخ�ص من الأول ،ففي مرحلة التو�صيف يفت�ش الفقيه عن ال�صيغة الفقهية املنا�سبة للواقعة ،بح�سب الأح��وال املمكنة ،ف�إما �أن يجد له و�صف ًا م�سمى يف الفقه امل��دون ،فيكون عمله تخريج ًا ،و�إال �أ�سبغ
عليه و�صف ًا منا�سب ًا ،وه��و م��ا ي�سمى يف بع�ض البحوث املعا�صرة تكييف ًا � ،أو �أن هذا امل�سمى هو الأق��رب �إلى ت�سميته بالتكييف ،فالتو�صيف �إذ ًا ي�شمل :التخريج والتكييف ،وهو ما تعر�ضه الفقرة الآتية. ب ـ م�سالك التو�صيف: ال تخلو النازلة املبحوثة م��ن �أح��د احتمالني :ف�إما �أن تكون م�س�ألة م�سماة على ل�سان ال�شرع �أو الفقهاء، ف �ه��ذه م �� �س ��أل��ة من �ط �ي��ة ،و�إم � ��ا �أن ت �ك��ون م��ن امل���س��ائ��ل امل���س�ت�ج��دة ،ال �ت��ي مل يعهد ل�ه��ا ن�ظ�ير يف ال���ش��ري�ع��ة وال ال �ف �ق��ه ،ول�ل�ب��اح��ث �إزاء ه��ذي��ن االح �ت �م��ال�ين م�سلكان: �أولهما� :أن تكون من امل�سائل امل�سماة �شرع ًا �أو فقه ًا ،ففي هذه احلال يكون تو�صيفها الفقهي ب�إحلاقها مبا مياثلها �شرع ًا �أو فقه ًا ،بعد تفقد �شرائط الإحلاق ،وهو ما ي�سمى بتخريج الفروع على الفروع� ،أي �إحلاق الفروع اجلديدة مبا مياثلها من امل�سائل التي بحث املتقدمون �أحكامها. وه��ذا ال يعني بال�ضرورة ال�ت��زام ج��دد التقليد يف هذه احل� ��ال ،ب��ل امل�ق���ص��ود �إج ��را�ؤه ��ا جم��رى �سابقتها من حيث ت�سكينها يف حملها م��ن �أب ��واب الفقه وم�سائله، وم ��ن ح�ي��ث ال��وف��اق واخل �ل��اف ،م��ع م�لاح�ظ��ة ال �ف��روق التي تلم ب�أعطاف النازلة ،ف��رب نازلة يظنها الباحث م�سماة يف ال�شريعة واحل��ال �أنها م�ستجدة� ،أو العك�س. على �أنه ينتبه هنا �إلى �أن كثري ًا من م�صنفات املت�أخرين من الفقهاء قد تو�سعت يف تخريج الفروع على الأ�صول حتى خرجت يف موا�ضع منها عن مقا�صد الأئمة و�أقوالهم، ورمبا ن�سبت �إليهم ما ي�صرحون مبنعه ،وكان هذا التو�سع حم��ل ان�ت�ق��اد م��ن ع��دد م��ن حمققي امل��ذاه��ب الفقهية. يقول �شيخ الإ� �س�لام اب��ن تيمية “ :ف��ال��واج��ب على من �شرح اهلل �صدره للإ�سالم �إذا بلغته مقالة �ضعيفة عن بع�ض الأئمة �أن ال يحكيها ملن يتقلد بها ،بل ي�سكت عن ذك��ره��ا �إل��ى �أن يتيقن �صحتها ،و�إال توقف يف قبولها، فما �أكرث ما يحكى عن الأئمة ماال حقيقة له ،وكثري من امل�سائل يخرجها بع�ض الأت �ب��اع على ق��اع��دة متبوعة، م��ع �أن ذل��ك الإم� ��ام ل��و ر�أى �أن �ه��ا تف�ضي �إل ��ى ذل��ك ملا التزمها ،وال�شاهد يرى ما ال يرى الغائب “ ( )27اهـ. ثانيهما� :أن ت�ك��ون م�س�ألة ج��دي��دة ،مل ي�سبق لها ذكر ب��ذات�ه��ا ،ال يف الن�صو�ص ال�شرعية ،وال يف امل�صنفات الفقهية ،وحينئذ ي�صدق عليها ا�سم :النازلة الفقهية،
ويف ه��ذه احل ��ال ي�ست�أنف الفقيه ل�ه��ا ن �ظ��ر ًا ج��دي��د ًا، م��راع�ي� ًا �أ� �ص��ول ال�شريعة وق��واع��ده��ا و�أدل �ت �ه��ا العامة، وه� ��ذا ه ��و ال�ت�ك�ي�ي��ف يف ا� �ص �ط�لاح ب�ع����ض ال �ب��اح �ث�ين. وق��د تكون النازلة م�ستجدة برمتها ،كما �أنها قد تكون مركبة من كيفيات معهودة يف الفقه ،وتكون جدتها من َنحل �إليه.وال�شكل حيث تركيبها ،ال من حيث تب�سيطها وما ت َ التايل يبني م�سالك التو�صيف الفقهي للم�سائل: ومن املهم �أن يتنبه الباحث �إل��ى الأخ�ط��اء ال�شائعة يف تو�صيف بع�ض الوقائع ،فقد يعرب ال�سائل عن الواقعة مب��ا ي��وح��ي للفقيه �أن ه��ذه ال��واق �ع��ة ت �ن��درج حت��ت ب��اب م��ا م��ن �أب ��واب الفقه ،ف� ��إذا م��ا ��س��دد النظر تك�شف له خط�أ ال�سائل ،فقد ي�س�أل ال�سائل عن حكم االقرتا�ض م��ن امل���ص��رف (ال �ب �ن��ك) ،وه��و يق�صد �إج� ��راء ال �ت��ورق امل�صريف مث ًال ،وه��ذا قد تكرر مع كثري من املنا�سبات م��رار ًا ،ب�سبب جهل ال�سائلني بل�سان ال�شرع ولغة الفقه. ولأهمية هذه املرحلة كان اخلط�أ فيها من جن�س خمالفة النظام العام يف جمال الق�ضاء ،فهو خط�أ فادح ،وتخت�ص املحكمة العليا بالرقابة ع�ل�ي��ه( ،)28ولهذا ن�ص نظام الق�ضاء يف اململكة العربية ال�سعودية ،يف مادته احلادية ع�شرة ،على �أن تخت�ص املحكمة العليا مبراقبة الأحكام يف �أحوال �أربع ،ومنها :اخلط�أ يف تكييف الواقعة� ،أو و�صفها و�صف ًا غري �سليم. و�سنقف يف اجلزء الثاين �إن �شاء اهلل على العن�صر الثالث وهو الدليل
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
55
دراسات الوسطية
جرمية احلرابة الإرهابية يف ال�شريعة الإ�سالمية املحامي مازن الفاعوري
عرف التاريخ الإ�سالمي �صورا من اجلرائم الإرهابية ور�صد لها �أ�شد العقوبات ولعل جرمية احلرابة �أقرب �صور اجلرائم �إلى الأعمال الإرهابية و�سبق الفقة الإ�سالمي القانون الو�ضعي ب�أربعة ع�شر قرنا يف جترمي الإرهاب ومكافحتة وذلك بتحديد جرمية احلرابة و�شروطها وعقوباتها كما وردت يف القر�آن الكرمي، ويف هذا املقال نبحث يف هذة اجلرمية ثم نتطرق �إلى موقف الإ�سالم من الإرهاب . الفقة اجلنائي الإ�سالمي ت�شدد يف جرمية احلرابة خلطورتها وت�أثريها على احلياة االجتماعية وال�سيا�سية واالقت�صادية ولكونها ذات طابع �إرهابي ،وتعد جرمية احلرابة من �أب�شع اجلرائم التي ورد الن�ص عليها يف الت�شريع الإ�سالمي وو�ضعت لها �شروط خا�صة و�أركان خا�صة ال تتحقق �إال بوجودها جل�سامة العقوبة املرتتبة عليها والتي ورد الن�ص عليها يف القر�آن الكرمي (�أمنا جزاء الذين يحاربون اللة ور�سولة وي�سعون يف الأر�ض ف�سادا �أن يقتلوا �أو ي�صلبوا �أو تقطع �أيديهم و�أرجلهم من خالف �أو ينفوا من الأر�ض ذلك لهم خزي يف الدنيا ولهم يف االخرة عذاب عظيم �إال الذين تابوا من قبل �أن تقدروا عليهم فعلموا �أن اللة غفور رحيم) . واحلرابة يف اللغة م�صدر م�شتق من فعل حارب يحارب ال�سالح برا وبحرا ،ليال ونهارا ؛لإخافة النا�س يف امل�صر ولهذا الفعل عدة معان منها �أن احلرب مبعنى القتل ومبعنى وغرية ،وعد ال�سارق حماربا �إذا اقرتف جرمية ال�سرقة مع املع�صية وحارب اللة �إذ ع�صوة كما ي�أتي احلرب معنى �سلب ا�ستعمال ال�سالح . ويف ا�صطالح الفقهاء تعرف ب�أنها "خروج جماعة �أو فرد ذي �شوكة �إلى الطريق العام بغية منع امل�سافرين �أو �سرقة �أموالهم �أو االعتداء على �أرواحهم" وعرفها احلنفية ب�أنها " اخلروج على املارة على �سبيل املغالبة على وجة مينع املارة من املرور وينقطع الطريق "يف حني عرفها ال�شافعية اما الفقة املالكي فريى ان احلرابة هي قطع الطريق ب�أنها الربوز لآخذ املال �أو قتل �أو �إرهاب وي�ضيف بع�ضهم �أن يكون ذلك مكابرة �أو اعتمادا على ال�شوكة مع البعد عن الخذ املال واخافة النا�س او قتلهم يف اماكن ي�ستحيل معها الغوث وي�شرتط املالكية ان يكون الفعل ب�شكل علني لتحقيق الغوث. م�صالح مادية غري م�شروعة ،فاحلرابة عندهم االعتداء �أما ال�شيعة الأمامية ف�إن املحاربة عندهم هي جتريد وال�سلب وازالة االمن .
يف حني و�سع الظاهرية معنى احلرابة لي�شمل كل مف�سد يف الأر���ض وحجتهم يف ذلك �أن �آي��ة املحاربني جعلت كل مف�سد يف الأر�ض حماربا واحلكم مطلق يجرى على اطالقة ما مل يرد حكم يقيدة .
� 56إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ام��ا الفقة احلنفي فيعرف احل��راب��ة على ان�ه��ا قطع الطريق با�سلوب مينع امل��ا ّرة من الفائدة منة م�ستخدمني القوة املادية والقتل والتخويف �،سواء وقع الفعل من �شخ�ص واحد او جمموعة ا�شخا�ص م�ستخدمني ال�سالح او بدونه، لكن احلنفية يتطلبون يف املال ن�صابا معينا لكي يكون حمال جلرمية احل��راب��ة وه��و ع�شر دراه��م فاملحارب قد يخرج لإخافة النا�س مغالبة او بالقوة م�ستخدما ال�شوكة واملنعة يف الطريق دون ان يقتل او ياخذ ماال بل جمرد االخافة واثارة الرعب فقط ففي هذة احلالة تنطبق عليه عقوبة احلرابة واذا اخذ املال فقط دون ان يقتل احدا فهو حمارب �أي�ضا واذا قتل املحارب النا�س دون اخذ املال فتحقق اجلرمية وقد يخرج املحارب فيقتل النا�س وياخذ اموالهم فهو حمارب تنطبق علية جرمية احلرابة وعقوبتها.اذن هو حمارب تنطبق علية اجلرمية والعقوبة يف كل احل��االت ال�سابقة وملعرفة تفا�صيل اك�ثر ع��ن ج��رمي��ة احل��راب��ة باعتبارها اجلرمية االرهابية يف ال�شريعة اال�سالمية �سنو�ضح �شروط حتققها والعقوبات املرتتبة عليها .
�أي�ضا قطع طريق ،لأن النا�س ينقطعون بخروج هذة اجلماعة عن الطريق ،فال ميرون فية ،خ�شية �أن ت�سفك دما�ؤهم� ،أو ت�سلب �أموالهم� ،أو تهتك �أعرا�ضهم �أو يتعر�ضون ملا ال قدرة لهم على مواجهتة ،واحلرابة تعترب من كربيات اجلرائم، ومن ثم �أطلق القر�آن الكرمي على املتورطني يف ارتكابها �أق�سى عبارة فجعلهم حماربني للة ور�سولة ،و�ساعني يف الأر�ض بالف�ساد وغلظ عقوبتهم تغليظا مل يجعلة جلرمية �أخرى ،ور�سول اللة �صلى اللة علية و�آلة و�سلم يعلن �أن من يرتكب هذة اجلناية لي�س لة �شرف االنت�ساب �إلى الإ�سالم، فيقول " :من حمل علينا ال�سالح فلي�س منا " و�إذا مل يكن لة هذا ال�شرف وهو حي ،فلي�س لة هذا ال�شرف بعد الوفاة، ف�إن النا�س ميوتون على ما عا�شوا علية ،كما يبعثون على ما ماتوا علية .وحكم الن�ساء واملوايل يف احلرابة واحد ؛ لأنة لي�س للأنوثة وال للرق ت�أثري على جرمية احلرابة ،فقد يكون للمر�أة والعبد من القوة مثل ما لغريهما ،من التدبري وحمل ال�سالح وامل�شاركة يف التمرد والع�صيان ،فيجري عليهما ما يجري على غريهما من �أحكام احلرابة ،وال عربة بنوع ال�سالح الذي ي�ستخدمة املحاربون حتى لو ت�سلحوا بالع�صي واحلجارة .
ومن جمموع هذة التعريفات ميكن القول ب��أن فقهاء امل�سلمني مبختلف مذاهبهم يجمعون على �أن اخل��روج و�أذا م��ا �آج��ري�ن��ا م�ق��ارن��ة ب�ين ه��ذة الأف �ع��ال وال�صور الخافة النا�س يف الطريق �أو الخ��ذ �أموالهم �أو قتلهم �أو املعا�صرة من اجلرائم الإرهابية جند انهما يتفقان من حيث جرحهم هو من قبيل احلرابة . توافر العن�صر النف�سي ون�شر الرعب �أو اخلوف وقد تقدم �أن فاحلرابة باملجمل هي خ��روج طائفة م�سلحة يف دار ال�شافعية عرفوا احلرابة ب�أنها الربوز لآخذ املال �أو �إرهاب، اال�سالم ،لإحداث الفو�ضى ،و�سفك الدماء ،و�سلب الأموال ،كما ا�شرتط الفقهاء جتريد ال�سالح واملكابرة باالعتماد على وهتك االعرا�ض ،و�إهالك احلرث والن�سل ،متحدية بذلك ال�شوكة واملغالبة وهو ما ينطبق على اكرث العمليات الإرهابية الدين والأخالق والنظام والقانون .وال فرق بني �أن تكون يف الوقت احلا�ضر ال�سيما �أعمال القر�صنة البحرية وخطف هذة الطائفة من امل�سلمني� ،أو الذميني� ،أو املعاهدين �أو الطائرات حيث ميتنع الغوث ويتم ا�ستخدام ال�سالح �أو احلربيني ،ما دام ذلك يف دار اال�سالم ،وما دام عدوانها التهديد بة لن�شر الرعب بني امل�سافرين . على كل حمقون الدم ،وكما تتحقق احلرابة بخروج جماعة وع �ل��ى ذل��ك جن��د �أن ج��رمي��ة احل��راب��ة يف ال�شريعة م��ن اجل �م��اع��ات ،ف��إن�ه��ا تتحقق ك��ذل��ك ب �خ��روج ف��رد من االفراد .فلو كان لفرد من االفراد جربوت وبط�ش ،و ف�ضل الإ�سالمية هي ال�صورة املقابلة للجرمية الإره��اب�ي��ة يف قوة وقدرة يغلب بها اجلماعة على النف�س واملال ،والعر�ض ،الت�شريع الو�ضعي ،وقد حر�ص الإ�سالم على �ضمان �أمن فهو حم��ارب وق��اط��ع ط��ري��ق وي��دخ��ل يف مفهوم احلرابة وا�ستقرار املجتمع باعتبار هذة اجلرمية من الكبائر ور�صد الع�صابات املختلفة ،كع�صابة القتل ،وع�صابة خطف لها �أ�شد العقوبات ملا يف قطع الطريق وقتل النا�س و�إرهابهم الأطفال ،وع�صابة الل�صو�ص لل�سطو على البيوت ،والبنوك ،من �إ�شاعة للفو�ضى والرعب واخالل خطري للنظام العام، وع�صابة نهب الرثوات ،وع�صابة خطف البنات والعذارى ومن املهم القول ان جرمية احلرابة من الكبائر ب�سبب ما للفجور ب�ه��ن ،وع�صابة اغ�ت�ي��ال احل �ك��ام اب�ت�غ��اء الفتنة ي�شيعة قطاع الطرق من االرهاب واخلوف يف نفو�س النا�س وا�ضطراب االمن ،وع�صابة �إتالف ال��زروع وقتل املوا�شي ومينعهم من ممار�سة اعمالهم والتنقل يف بالد اال�سالم وال��دواب ،وكلمة احلرابة م�أخوذة من احل��رب ،لأن هذة بحرية ،واملق�صود باحلرابة من الناحية اللغوية حماربة الطائفة اخلارجة على النظام تعترب حماربة للجماعة من اللة ور�سولة �أي حتول قاطع الطريق الى حمارب لكل القيم جانب وحماربة للتعاليم اال�سالمية التي جاءت لتحقق �أمن ال�سماوية وال�سامية التي ج��اءت بها ال�شريعة اال�سالمية اجلماعة و�سالمتها باحلفاظ على حقوقها من جانب �آخر ،الغراء والتعبري جاء جمازي النها حماربة غري مبا�شرة ملن وكما ي�سمى هذا اخلروج على اجلماعة حرابة ،ف�إنة ي�سمى يحارب عباد اللة تعالى يف تنقلهم ويبعث الرعب يف نفو�سهم ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
57
امنا يحارب اللة ور�سولة و�سميت احلرابة اي�ضا بال�سرقة الكربى بالرغم من االختالف بني احلرابة وال�سرقة فهذة االخ�يرة ت�ستوجب اخذ امل��ال خفية بينما احلرابة ي�ؤخذ املال فيها بالقوة عن طريق الرتهيب والرعب والبعد عن اال�ستغاثة ومفاج�أة املجني علية با�ستعمال ال�سالح �أو بدونه ،وقد يقوم بها �شخ�ص او جمموعة ا�شخا�ص . وح�ي��ث الزل �ن��ا يف املعنى اال��ص�ط�لاح��ي ف��ان الفقهاء امل�سلمني يعرفون احلرابة بتعريفات متعددة ذات م�ضمون واحد فيقولون بانها قيام �شخ�ص او جماعة باخافة النا�س او قتلهم واخذ اموالهم او ترهيبهم فقط واخذ اموالهم او رمبا قتلهم فقط دون اخذ املال. �شروط حتقق جرمية احلرابة اتفق الفقهاء امل�سلمون على ال�شروط العامة لتحقق ه��ذة اجلرمية اال ان االخ�ت�لاف بينهم يف تفا�صيل تلك ال�شروط ،فمنهم من تطلب يف مقرتيف اجلرمية ان يكونوا ذك��ورا وان احل��د ال يقام على االن��اث ،ام��ا ال��ر�أي االخر فريى ان الآية الكرمية التي جرمت احلرابة وردت عامة والعام يجري على اطالقة مامل يقيد حيث جاء يف الآيه }امنا جزاء الذين يحاربون{ فهي وردت ب�صيغة املذكر وتف�سري الآية يفيد ان لفظ املذكر اجلمع امنا ين�صرف الى الذكر واالنثى ،ويرى هذا الر�أي اي�ضا ان الو�سائل احلديثة املتوفرة للمر�أة وما ت�ستطيع ان تقوم بة اليقل خطورة عن دور الرجل يف قيامة باجلرمية ،ون��رى ان ال��ر�أي الثاين اق��رب للواقع ملا ن�شاهدة من تنظيم الن�ساء للع�صابات االج��رام �ي��ة املنظمة وا� �س �ت �خ��دام اال��س�ل�ح��ة والتقنيات احلديثة يف ارتكاب اجلرمية ،وبخ�صو�ص ال�سالح ودورة يف اجلرمية فبع�ض الفقهاء ا�شرتط لكي تتحقق اجلرمية ان يحمل اجلناة �سالحا ظاهرا او خمبئا بغ�ض النظر عن نوعة ،بينما هناك من الفقهاء من يرى ان اجلرمية تعترب واقعة فعال ولو مل يكن اجل��اين او اجلناة يحملون �سالحا وذلك الن �صفة املغالبة واقعة من قبل اجلناة عن طريق الرعب واالره��اب ال��ذي يحدثوة يف نفو�س املجني عليهم وعدم قدرة ه�ؤالء االخريين على طلب الغوث من ال�سلطة العامة او من النا�س فاملعيار وفق الر�أي االخر هو ا�ستحالة اال�ستغاثة ال�سباب متعددة قد تكون بعد املكان عن العمران او ح�صول اجلرمية ليال او الن املجني علية ال ي�ستطيع مقاومة عدد من اجلناة ،والر�أي الثاين اقرب لل�صواب فال�سالح لي�س �ضروريا فقد يحدث جمموعة من قطاع الطرق الرعب واخلوف يف نفو�س النا�س امل�سافرين يف الطريق العام اخلارجي دون ان يحمل اجلناة اال�سلحة او يحملون الع�صي فقط الن املفاج�أة التي حت�صل للمجني عليهم جتعلهم يت�صورون ان اجلناة يحملون ال�سالح وانة لي�س من ال�سهولة القيام بهذا الفعل االرهابي بدون �سالح � 58إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وانة يحتاج الى قدرة عالية ملخالفة ال�شرع ت�أباة النفو�س ال�صحيحة وال�سليمة ومن ال�شروط التي نتج عنها اكرث من ر�أي بني الفقهاء م�س�ألة مكان وقوع اجلرمية او مكان قطع الطريق كما ي�سمية الفقهاء امل�سلمون ،فمنهم يرى ان احلرابة ال تتحقق كجرمية ارهابية اال اذا وقعت بعيدا عن املدن ويف الطرق النائية النعدام الغوث ،اما اذا وقعت يف االم�صار ( املدن ) فريى هذا االجتاة ان اال�ستغاثة ممكنة وال يجوز ان نكون امام جرمية حرابة ،بل جرمية من نوع اخر ،فقد تكيف على انها �سرقة ،او جرمية قتل او �سرقة بظروف م�شددة او قتل بظروف م�شددة ،اما االجتاة الثاين بخ�صو�ص مكان وقوع اجلرمية فيعتقد ان اجلرمية تعترب واقعة فعال �سواء وقعت يف الطريق العام ام داخل املدن، يف الليل ام يف النهار ،الن العربة مبنعة اجل��اين وقوتة و�سيطرتة على املجني علية وعدم ا�ستطاعة هذا االخري املقاومة واال�ستغاثة ،واحلق ان الر�أي الثاين هو االرجح يف نظرنا النة ي�ستوعب احلاالت املتعددة . وما يخ�ص �ضرورة مبا�شرة قاطع الطرق او املحارب للجرمية بنف�سة او باال�شرتاك مع اخرين فهناك ر�أي ان اجلرمية تنطبق فقط على فاعل اجلرمية اال�صلي الذي با�شر الفعل االجرامي بنف�سة اما من حر�ضة او �ساعدة بتوفري املواد واللوازم واال�سلحة امل�سهلة للجرمية ،او من كان يراقب الطريق او من وفر للجاين احلرا�سة او احلماية فكل ه�ؤالء لي�سوا حماربني وال ينطبق عليهم و�صف احلرابة كجرمية حدية يف الفقة اجلنائي اال�سالمي بل تنطبق عليهم جرائم وعقوبات كل ح�سب الفعل الذي اقرتفة فاذا �شكل الفعل االجرامي جرمية م�ستقلة قائمة بذاتها في�صار الى تطبيق عقوباتها �سواء كانت من جرائم احل��دود او الق�صا�ص او ي�صار الى تطبيق العقوبات التعزيرية على حالة اال�شرتاك يف اجلرمية وال تطبق عقوبة جرمية احلرابة اال على الفاعل اال�صلي يف اجلرمية ،اما الر�أي الثاين فريى �أن احلرابة يف الغالب تتطلب القوة واملنعة وال�شوكة وا�ستعمال ال�سالح وا�شرتاك عدد من اجلناة وا�ستخدام و�سائل النقل املختلفة وتتطلب معاونة وم�ساعدة وتهيئة م�ستلزمات لذلك فيكون هناك فاعلني ا�صليني و�شركاء يف اجلرمية ويرى هذا االجتاة تطبيق عقوبة احلرابة واعتبار اجلرمية متحققة بالن�سبة للفاعلني اال�صليني وال�شركاء على حد �سواء دون تفريق بينهم باعتبار ان كل منهم ي�ؤدي دورة يف وقوع جرمية احلرابة .ان الراى الثاين يحقق احلكمة التي ارادها ال�شارع املقد�س من فر�ض عقوبة جرمية احلرابة باعتبارها من جرائم احلدود النها مت�س االمن الداخلي للدولة و�سالمة طرقاتها ومن �ش�أن ت�شديد العقوبة يف هذة اجلرمية كما ج��اءت يف ال�شرع اال�سالمي يوفر احلماية لتحرك النا�س واداء م�صاحلهم ولكي ال يح�صل تعاون وم�ساعدة مع مرتكبي مثل هذة اجلرمية ،كذلك فان الفقة الإ�سالمي ال يفرق بالن�سبة لفاعل اجلرمية ان يكون م�سلما
او ذميا ،حيث �إن اجلرمية تقع يف بالد اال�سالم ويفرت�ض ان القانون اجلنائي ي�سري على كل من يعي�ش على ار�ض الدولة م�سلما او ذميا او م�ست�أمنا ،لكن هناك ر�أي لقليل من الفقهاء ي�ستوجب ان يكون اجلناة م�سلمني حتى يطبق الن�ص عليهم اما اذا كانوا من الذميني فال ينطبق عليهم باعتبار ان قطع الطريق واال�شرتاك يف جرمية احلرابة ي�شكل نق�ضا للعهد الذي قطعة الذمي على نف�سة عندما �سكن يف بالد اال�سالم ويعامل يف حالة قيامة بجرمية احلرابة او ا�شرتاكة فيها ب�أية طريقة على انة ناق�ض للعهد فيباح دمة ومالة فاملالحظ ان ال��ر�أي االول اكرث حتقيقا الهداف الن�ص القر�آين الكرمي كما انة ي�ساير املبادئ العامة يف الفقة اجلنائي اال�سالمي واحلديث . عقوبة جرمية احلرابة احلرابة من جرائم احلدود التي �شرعت عقوباتها ،اال ان الن�ص القر�آين الكرمي يف �آية احلرابة قرر عدة عقوبات لهذة اجلرمية اخلطرة وهي القتل وال�صلب وقطع االيدي واالرجل من خالف والنفي ،واخلالف يف الر�أي بني الفقهاء هل ان هذة العقوبات تطبق على مرتكب جرمية احلرابة اذا توفرت �شروطها ب�صورة كيفية ح�سب ر�أي االمام او القا�ضي ام يحدد لكل فعل اج��رام��ي مكون جلرمية احل��راب��ة نوع العقوبة التي يجب ان تطبق على اجلاين ،ويف هذا املجال هناك ر�أيان االول يقرر ان ال�شارع املقد�س حدد لكل فعل من االفعال املكونة للجرمية ( احلرابة ) والتي تتحقق بفعل ولو واحد من تلك االفعال االجرامية عقوبة حمددة فحدد الباري عز وجل جلرمية القتل يف احلرابة ان يعاقب اجلاين بالقتل واذا اخذ اجلاين املال فقط تقطع يدة اليمنى ورجلة الي�سرى واذا اخاف النا�س وارعبهم وعبث يف امن الطريق دون قتل او اخ��ذ م��ال بل جم��رد االره��اب والرعب يعاقب بالنفي واذا اخ��ذ اجل��اين امل��ال وقتل املجني علية يعاقب بالقتل وال�صلب ،ويرى بع�ض الفقهاء ان املق�صود بالنفي يف هذة احلالة هو ال�سجن امل�ؤقت بينما يرى اخرون ان املق�صود بالنفي ان يطرد اجلاين الى بالد بعيدة يتعذر علية العودة دون م�ساعدة من ويل االمر �أي ال�سلطة العامة ،فن�ستنتج ان هذا الر�أي يقرر لكل فعل عقوبة كما حددها الن�ص القر�آين، اما الر�أي الثاين فريى ان اجلرمية اذا وقعت فان القا�ضي او االمام ميلك ال�سلطة التقديرية الكاملة اليقاع العقوبة املنا�سبة بالنظر الى امل�صلحة العامة �أي م�صلحة املجتمع ب�شرط ان تقرر العقوبة من بني العقوبات التي وردت يف �آية احلرابة والتي اليجوز تغيريها او تعديلها او تبديلها النها من جرائم احلدود كما ا�سلفنا وينظر االمام او القا�ضي يف هذة احلالة الثانية الى خطورة اجلاين ولي�س الى خطورة اجلرمية ،وجاء هذا االختالف يف االراء ب�سبب االختالف يف تف�سري ن�ص الآي��ة الكرمية (�آي��ة احلرابة) وبالذات يف تف�سري كلمة ( او ) التي وردت يف الن�ص فمنهم من يعترب
كلمة ( او ) جاءت على �سبيل الرتتيب بينما يعتربها البع�ض االخر جاءت على ا�سا�س التخيري . فالفقة ال�ظ��اه��ري ي��رى ان االم ��ام خم�ير يف حتديد العقوبة املنا�سبة جلرمية احلرابة بغ�ض النظر عن الفعل املكون للجرمية �سواء اخاف اجلاين ال�سبيل فقط او اخذ املال او قتل فقط او قتل واخذ املال معا. اما الفقة املالكي فريى ان االمام ميلك �سلطة تقديرية يف اختيار العقوبة اذا مل يكن اجل��اين قد قتل ف��اذا قتل فاالمام اوالقا�ضي خمري بني ان يقتلة او يقتلة وي�صلبة . ويرى الفقة احلنفي ان املحارب اذا اخاف ال�سبيل فقط فعقوبتة النفي وال يجوز تطبيق العقوبات االخرى علية والتي وردت يف اية احلرابة� ،أي ال يجوز قتلة او قطع يدة ورجلة من خالف . بينما يعتقد ال�شافعية جواز فر�ض عقوبة تعزيرية علية اما اذا اخذ املحارب املال دون ان يقتل فالر�أي الراجح لدى ال�شافعية واحلنفية ان تقطع اليد اليمنى والرجل الي�سرى، اما اذا قتل اجلاين ومل ياخذ املال فريى اجلعفرية وجوب قتلة دون ال�صلب اما اذا قتل واخذ املال فالواجب قتلة و�صلبة امام النا�س للق�ضاء علية اوال ،وزجر غرية ثانيا ممن يحمل يف نف�سة نية ارتكاب مثل هذة اجلرمية ،ويف حالة ال�صلب تعددت االراء هل ان ال�صلب قبل القتل ام بعدة فالبع�ض يرى ان اجل��اين يقتل اوال ويعلق يف مكان عايل لي�شاهدة النا�س وهناك ر�أي اخر يقول ي�صلب على خ�شبة ويطعن يف قلبة حتى ميوت اما الر�أي الثالث يرى وجوب �شدة يف مكان عايل دون طعام او �شراب حتى مي��وت ،وال يجوز التمثيل باجلاين الن الر�سول ( �صلى اللة علية و�آلة و�سلم ) نهى عن املثلة ولو بالكلب العقور. ومن كل ماتقدم يت�ضح لنا ان ال�شريعة اال�سالمية الغراء �سبقت كما ه��ي دائ�م��ا ك��ل القوانني الو�ضعية يف حتديد اجلرمية االرهابية وت�شريع �أق�سى العقوبات لها وحماربة الإره��اب والإرهابيني بينما مل تعرف القوانني الو�ضعية الإرهاب واجلرمية االرهابية اال يف وقت مت�أخر جدا قيا�سا على الت�شريع الذي جاء بة الفقة اجلنائي الإ�سالمي م�ستندا للقران الكرمي كما ان هذا الفقة جاء مرنا ومتطورا ليواكب ويعالج كافة ح��االت االره��اب املتجددة مثل خطف وقتل اال�شخا�ص وا�ستخدام اال�سلحة احلديثة وخطف الطائرات وا�ستعمال التقنيات احلديثة يف االره��اب ،كما ان الفقة الإ�سالمي اعترب احلرابة جرمية عادية بغ�ض النظر عن الباعث على ارتكابها حتى لو كان الباعث عليها �سيا�سيا وذلك ب�سبب ج�سامة اخل�سائر املادية والب�شرية التي تخلفها اجل��رائ��م االره��اب�ي��ة وب�سبب ع��دم التنا�سب ب�ين الغايات والبواعث ال�سيا�سية التي تدعيها اجلماعات االرهابية وبني الطرق الوح�شية والإجرامية التي تتبعها الع�صابات او املنظمات االرهابية لذلك ف�إن ال�شريعة قررت منذ اربعة ع�شر قرناً �أن هذة اجلرمية من اجلرائم العادية ،وقررت لها ا�شد العقوبات و�سن�شري الى اجلرمية ال�سيا�سية املتمثلة بجرمية البغي خالل حديثنا يف املطلب الثاين .
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
59
دراسات الوسطية
ورقة عمل بعنوان:
دور الفقهاء يف ت�أ�صيل وتفعيل مفهوم التعددية الدكتور حممد خري العي�سى ع�ضو جمل�س الإفتاء العام (الأردن)
متهيد: ب�سم اهلل الرحمن ال��رح�ي��م ،احل�م��د هلل ،وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل ،وبعد: فالتعددية �صفة مالزمة جلميع ما خلق اهلل الواحد الأحد ،ال ينكرها �أحد ،لذا يف هذه الورقة لن يكون احلديث عن التعددية حكم ًا عقلي ًا؛ �إذ �إنها واقع م�شاهد حم�سو�س، ولن يكون عن حكمها يف الإ�سالم ،فقد مت ايجازه ب�آيات َّا�س �أُمَّ ًة َو ِاح َد ًة َولاَ كثرية منهاَ } :و َل ْو �شَ ا َء َر ُّب َك لجَ َ َع َل الن َ ون مخُ ْ َت ِل ِف َني (� )118إِلاَّ َم ْن َر ِح َم َر ُّب َك َو ِلذَ ِل َك خَ َل َق ُه ْم{ َيزَ ا ُل َ (هود)119-118 :
َّا�س �إِنَّا خَ َل ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َكرٍ َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْلنَا ُك ْم }يا�أَ ُّي َها الن ُ للهَّ �أَ ْتقَا ُك ْم �إِنَّ َ ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َرفُوا �إِنَّ �أَ ْك َر َم ُك ْم ِعن َْد ا ِ اللهَّ ري{ (احلجرات)13 : َع ِلي ٌم خَ ِب ٌ وعليه ف�إن غاية الورقة �أمران :نتفق مع الأول ،ونتوقف عند الثاين:
للو�ضع ال لل�شرع ،لي�صار �إلى هدفني �أ�سا�سيني؛ نتفق مع الأول ونعار�ض الثاين: التعاي�ش مع الآخر �أي ًا كان اعتقاده و�سلوكه ،ولو تعار�ض مع اعتقادنا و�سلوكنا. االن�صهار يف الآخر �أي ًا كان اعتقاده و�سلوكه ،والتوقف عن دعوته ملا نراه �صواب ًا. خال�صة القول بعالقة امل�سلم مع تعددية الآخر: (ت ـ ـعـ ـ ٌ ـاي�ش ال ات ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاع) املبحث الأول :تعريف التعددية ون�ش�أتها. التعددية كلمة عربية م�شتقة م��ن ال �ع��دد� ،إال �أن هذا الرتكيب مل ي�ستخدمه علماء امل�سلمني على املعنى املراد منه يف الع�صور الأخرية ،وال يوجد يف معاجم م�صطلحات العلوم الإ�سالمية. وقبل �أن �أُع� ِّرف معناها اال�صطالحي �أُبينِّ معناها يف اللغة وا�ستعماالتها:
التعددية عند الفقهاء تعني: تعريف التعددية يف اللغة: تنوع الفهوم للفروع ولي�س للأ�صول؛ لأن الأ�صول حق، التعددية :م�صدر �صناعي م�أخوذ عن امل�صدر الأ�صلي واحلق ال يتعدد. “تع ُّدد” وفعله “تعدَّ َد” ،ويقال :تعدَّد يتعدَّ ُد تع ُّدد ًا� ،أي �صار ذا ع��دد ،وتعدَّد ال�شيء �صار ذا ع��دد ،تقول :تع ُّدد التعددية الغربية �أو امل�ستغربة تعني: الأ�صول ،وتع ُّدد النفو�س ،وتع ُّدد احلقائق ،وتع ُّدد الغايات، �إن احلق ن�سبي ولي�س هناك �أ�صول ثابت ٌة ُتتَبع واحلكم وتع ُّدد معاين الألفاظ ،وتع ُّدد القيم. � 60إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
تعريف التعددية يف اال�صطالح: م�صطلح التعددية من امل�صطلحات املتداولة بكرثة يف املجاالت الدينية وال�سيا�سية والثقافية واالجتماعية كافة، �إال �أنه لي�س لها تعريف وا�ضح حمدَّد ،بل تُ�ستعمل يف معانٍ �شتى ،حتى قال �أحد الباحثني( :ينبغي لنا �أن ن�سلم بتع ُّددية التع ُّددية). وذلك لأن التعددية مفهوم ترتبط به �شبكة من املفاهيم الفكرية والفل�سفية الغربية مثل :احل��ري��ة ،والعلمانية، والدميقراطية ،والليربالية ،وح�ق��وق الإن���س��ان ،وحقوق الأقليات ،والتعاي�ش ال�سلمي ،والت�سامح ،واملجتمع املدين، وت��داول ال�سلطة ،وامل�شاركة ال�سيا�سية ،وت��وازن القوى... وما يت�صل بهذه املفاهيم من مفاهيم فرعية ،والت�سل�سل التاريخي املمتد عرب ب�ضعة قرون لهذه املنظومة الفكرية مما جعل مفهوم التعددية غري وا�ضح الداللة .والتعريف الذي �أراه منا�سب ًا للتعددية هو( :االعرتاف وال�سماح ل�شرائع املجتمع وطوائفه ومذاهبه وجماعاته و�أح��زاب��ه ب�إظهار عقائدهم و�آرائهم وتوجهاتهم ،وممار�ستها والدعوة �إليها عن طريق التجمعات ال�سلمية ،من غري �إ�ضرار بالآخرين).
�أنظمة غري �إ�سالمية؛ فلم يعرف النظام الإ�سالمي وال الفكر الإ�سالمي هذه الفكرة مبعناها ال�سابق ذ ْك � ُره؛ لأن م�شكلة ا�ضطهاد غري امل�سلمني و�إك��راه�ه��م على اعتقاد الإ�سالم رغم ًا عنهم لي�ست موجودة يف النظام الإ�سالمي، ومما ي�ؤكد ذلك :عدم وجود م�صطلح الأقليات يف الرتاث الإ�سالمي مبعناه امل�ع��روف ال�ي��وم؛ فم�صطلح "الأقلية" م�صطلح حديث ،وجد يف ظل الأنظمة الغربية! التعددية يف الإ�سالم:
�إن التعدد مبعنى االع�ت�راف ب �الأدي��ان -ال�شرائع- الأخ��رى يف الواقع والتعامل معها بالعدل� ،إذ }لاَ� إِ ْك� � َرا َه الدينِ { (البقرة ،)256 :فهم "�أهل الذمة" التي يجب �أن فيِ ِّ تراعى وحتفَظ و ُيحذَ ر نق�ضها وخفرها.وخال�صتها :معاملة الآخرين بالرحمة دع��وةً} :ا ْد ُع ِ�إ َل��ى َ�سبِيلِ َر ِّب� َ�ك بِالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْل ُه ْم بِالَّ ِتي ِه َي �أَ ْح َ�س ُن{ (النحل)125 : وبالعدل معامل ًة} :لاَ َي ْن َها ُك ُم ُ ين لمَ ْ ُيقَا ِت ُلو ُك ْم اللهَّ َعنِ ال َِّذ َ وه ْم َو ُتق ِْ�س ُطوا الدينِ َولمَ ْ ُيخْ رِ ُجو ُك ْم ِم ْن ِد َيا ِر ُك ْم �أَ ْن َتبرَ ُّ ُ فيِ ِّ ُ َ ِ ِ ِ ِ ُ ُ ين �إِ َل ْيهِ ْم �إِنَّ اللهَّ ُيح ُّب المْ قْ�سط َني (� )8إِنمََّا َي ْن َهاك ُم اللهَّ َعنِ الَّذ َ الدينِ َو�أَخْ َر ُجو ُك ْم ِم ْن ِد َيا ِر ُك ْم َو َظ َاه ُروا َع َلى م�صطلح (التعددية الدينية) ،وظروف ن�ش�أتهَ :قا َت ُلو ُك ْم فيِ ِّ ُ ون{ ِ�إخْ َراجِ ُك ْم �أَ ْن َت َولَّ ْو ُه ْم َو َم ْن َي َت َولَّ ُه ْم َف�أو َل ِئ َك ُه ُم الظَّالمِ ُ َ يالحظ �أن هذه الفكرة ظهرت � -أول ما ظهرت -يف (املمتحنة.)9-8 : الدول التي تتعدد فيها الأديان ،وتقع فيها احلروب الأهلية ب�سبب ذلك ،فقد ظهرت يف الهند التي تعد من �أكرث الدول وك��ان تطبيق ذلك ظاهر ًا من �سرية حممد �صلى اهلل ت�ع� ُّدد ًا يف الأدي ��ان؛ وظهور الفكرة يف الهند �أم � ٌر يعرتف عليه و�سلم كما يف (�صحيفة املدينة) �أو ما ي�سمى بد�ستور به الغربيون ،فهم ي�ضعون ع��دد ًا من املفكرين الهنود يف امل��دي�ن��ة ..وال���ش��واه��د ك�ث�يرة يف ال�سنة وال���س�يرة وت��اري��خ قائمة دعاة التعددية ،بدء ًا من“ :رام موهن راي” م�ؤ�س�س امل�سلمني. حركة براهما �ساماج (املجتمع الإلهي) ،ومرورا بال�صويف والتعددية تنوع م�ؤ�سَّ�س على مت ُّيز وخ�صو�صية ،ولذلك ال الباطني البنغايل “�سري راما كري�شينا” ،وتلميذيه�“ :سني و�سوامي” ،اللذَ ين نقال الفكرة �إلى �أوربا ،وحتدث الأخري ميكن �أن توجد �إال يف مقابلة وباملقارنة مع الوحدة واجلامع، منهما عنها يف الربملان العاملي للأديان يف �شيكاغو عام ولذلك ال ميكن �إطالقها على الت�شرذم والقطيعة وال على 1893م ،وانتهاء بـ “املاهامتا غاندي” (1948-1869م) .التمزق الذي انعدمت العالقة بني وحداته ،وال ميكن �إطالق التعددية على (ال��واح��دي��ة) ،فبدون ال��وح��دة اجلامعة ال ويبدو �أن الغربيني وجدوا فيها ح ًال منا�سب ًا للتخل�ص من يت�صور تنوع وخ�صو�صية و�أدلة ذلك)1( : �آثار اال�ضطهاد الديني الن�صراين الن�صراين ،الذي ت�سبب َ يف الكثري من احلروب املرعبة واال�ضطهادات املتتالية با�سم التعددية موجودة يف �أنواع اخللق:قال تعالى�} :ألمَ ْ َت َر َ الكني�سة)1(. �أَنَّ اللهَّ �أَ ْنزَ لَ ِم َن ال�سَّ َما ِء َما ًء َف�أَخْ َر ْجنَا ِب ِه َث َم َر ٍات مخُ ْ َت ِلفًا ِي�ض َو ُح ْم ٌر مخُ ْ َت ِلفٌ َ�أ ْل َوا ُن َها عن كتاب التعددية ال�سيا�سية يف املجتمع اال�سالمي – �أَ ْل َوا ُن َها َو ِم� َ�ن الجْ ِ � َب��الِ ُج� َ�د ٌد ب ٌ اب َو ْ أ الَ ْن َع ِام مخُ ْ َت ِلفٌ ِيب ُ�سو ٌد (َ )27و ِم َن الن ِ َّا�س َوالدَّ َو ِّ َوغَ َراب ُ دكتور مراد رايق عوده اللهَّ ِم ْن ِع َبا ِد ِه ا ْل ُع َل َما ُء �إِنَّ اللهََّ �أَ ْل َوا ُن ُه كَذَ ِل َك �إِ َنمَّ��ا َيخْ �شَ ى َ واخلال�صة� :إن امل�صطلح وفكرته �إمن��ا ظهرت يف ظل َعزِ ي ٌز غَ فُو ٌر{ (فاطر)28 ،27 : ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
61
التعددية الغربية واملوقف منها
التعددية يف نوع الإن�سان وم�ستوى �أدائه لواجباته: �أو ًال :التعددية الغربية و�آثارها: ال ْر ِ�ض َواخْ تِلاَ ُف �أَل ِْ�س َن ِت ُك ْم } َو ِم ْن �آ َيا ِت ِه خَ ْلقُ ال�سَّ َما َو ِات َو َْ أ ني{ (الروم)22 : َو�أَ ْل َوا ِن ُك ْم �إِنَّ فيِ ذَ ِل َك َ آل َي ٍات ِل ْل َعالمِ ِ َ أ�سلفت �أن الدعوى �إل��ى االن�صهار يف التعددية �إمنا � ُ ظهرت يف املجتمعات غري امل�سلمة ،واحلق �أن �أ�صل ذلك عن مقال – د �سعد بن مطر العتيبي ب��د�أ م��ع ال�سف�سطائني فال�سفة ي��ون��ان ال��ذي��ن ظ�ه��روا يف النا�س ال ميكن �أن يكونوا ن�سخة مكررة: القرن اخلام�س قبل امليالد ،الذين قعدوا لقاعدة( :ن�سبية احلقيقة) ،و�أنه ال حقَّ مطلق ،مبا يف ذلك الأديان! وينطلق اجلميع من هذه احلقيقة التي ال ج��دال فيها ؛ لأن اهلل مل يفطرهم على ذلك ،بل جعل االختالف �سنة ومن �أثارها: َّا�س �أُمَّ ًة َو ِاح َد ًة فيهم قال تعالىَ } :و َل ْو �شَ ا َء َر ُّب َك لجَ َ َع َل الن َ حطمت مبد�أ الثبات يف القيم ،فظهر القول بتعدد قيم ِ َولاَ َي��زَ ا ُل� َ مخُ ِ ِ َ ِ �ذَ ِ َ �ون ْ َتلف َني (� )118إِلاَّ َم� ْ�ن َرح� َ�م َر ُّب��ك َول� ل��ك اخلري وال�شر� ،أو ما يطلق عليه بالتعددية ا ُ خللقية ،ف�أدت خَ َل َق ُه ْم{(هود)119-118 : �إلى الفو�ضى والتحلل من الدين والأخالق ،وقو�ضت املـُثل التي متكنت من نفو�س النا�س ،و�أ�شاعت ال�شك واحلرية يف املبحث الثاين: كل �شيء. اختالف الفقهاء يف الفروع ال الأ�صول: ظهرت مقولة�( :أن الدين يتطور بتطور الزمان ،و�أنه �إن التعددية عند الفقهاء لي�ست يف تعدد احلق وال تعدد ميكن �إعادة تف�سريه وت�أويله وتنقيته من موروثات الع�صور الأ�صول ،فالأمر ال يتعدى الفروع ،وذلك رد ًا على القائلني املا�ضية ليتواءم مع الع�صر احلا�ضر) ،وانت�شر ما ي�سمى بن�سبية احلقّ ،ومن �أ�سباب اختالفهم يف اال�ستدالل لبيان بالأخالق "النفعية �أو التجارية" ،بل �ساعدت الن�سبية يف ذلك ال للوقوف على �شرحه ،فذلك مف�صل يف كتب الفقه� :شيوع موجة الإحلاد والتنكر للدين يف املجتمعات الغربية. عدم بلوغ الدليل و ُثبوته وفهمه. ظهرت مقولة" :املذهب الإن�ساين" الذي اعتنقه فريق كبري يف �أمريكا ،حيث جاء يف بيانهم املن�شور عام 1933 االختالف يف فهم اخلرب. للميالد( :الثقافة الدينية لي�ست �إال نتيجة التطور التدريجي عدم املعرفة بداللة �ألفاظ الأدلة. النا�شئ عن التفاعل بني الإن�سان والبيئة الطبيعية ،والوراثة اختالف الفقهاء يف فهم الأحاديث والأخبار. االجتماعية ،...لقد ولى الزمان الذي كان يعتقد النا�س ()1 فيه بالدين والإل��ه» -تعالى اهلل عن قول الظاملني علو ًا تعا ُر�ض الأدلة. كبري ًا.- االختالف يف القواعد الأ�صولية. ثانياً :موقف الإ�سالم من التعددية الغربية: و�أو�ضح دليل على اتفاقهم على الأ�صول قولهم جميع ًا: الأمور يف الإ�سالم على ق�سمني :م�سائل قطعية ،وم�سائل (�إذا �صح احلديث فهو مذهبي ،و�إال فا�ضربوا بكالمي �صواب حمتم ٌل ظنية. ُعر�ض احلائط) ،وقال ال�شافعي( :ر�أ ُينا ٌ اخلط�أ ،ور�أي غرينا -يف ر�أينا -خط�أ حمتم ٌل ال�صواب).. امل�سائل القطعية: وه��ذه (التعددية) تتقبل ال��ر�أي الآخ��ر كحقيقة واقعة امل�سائل القطعية ك��أرك��ان الإمي��ان ،و�أرك��ان الإ�سالم، بحكم الطبيعة الإن�سانية والأحكام ال�شرعية ،وحتمي حقه وق�ضايا االعتقاد ،وم��ا هو معلوم من الدين بال�ضرورة، يف عر�ض حجته ،كما متار�س حقَّها يف االعرتا�ض عليه ،وهذه امل�سائل ال ي�سوغ فيها اخلالف ،احلق فيها واحد مطلق وبهذا تتكامل (التعددية) يف الر�أي مع (الوحدة اجلامعة) بالإجماع(.)2 على الأ�صول والقواعد الكلية للإ�سالم وال يتناق�ضان. - 1انظر[ :وليم جيم�س� ،ص.204 املبحث الثالث: - 2ذهب اجلاحظ وعبيد اهلل العنربي من املعتزلة �إلى نفي الإثم عن املخطئ � 62إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وق��ال �شيخ الإ��س�لام اب��ن تيمية( :ولهذا جتد امل�سائل امل�سائل الظنية: التي تنازعت فيها الأمة على �أقوال� ،إمنا القول الذي بعث وهي امل�سائل الفقهية االجتهادية التي حتتمل �أكرث من الر�سول واحد منها)(.)8 وج��ه ،والأق ��وال فيها متناق�ضة متعار�ضة( ،)3وكثري من وهنا يت�ضح لنا بجالء �أن احلق واحد ال يتعدد يف امل�سائل امل�سائل الفقهية من هذا القبيل كما بيَّنَّا يف �أ�سباب اختالف الفقهية االجتهادية التي هي حمل خ�لاف بني العلماء، الفقهاء. ً ف�ضال عن امل�سائل القطعية يف الدين التي هي حمل �إجماع. ويف احلديث ال�شريف�« :إذا حكم احلاكم فاجتهد ثم والقول بن�سبية احلقيقة من الركائز التي قامت عليها �أ�صاب فله �أجران ،و�إذا حكم فاجتهد ثم �أخط�أ فله �أجر»(.)4 الثقافة الغربية املعا�صرة منذ نه�ضة �أورب ��ا احلديثة، وه��ذا احلديث قاطع يف املو�ضوع ،حيث ب�ّيننّ �أن احلق و�أ�صبحت مذهب ًا �شائع ًا ل��ه �أت�ب��اع ك�ثر م��ن ِعلية القوم، واح��د ،و�أن بع�ض املجتهدين ي�صيبه ،في�ستحق �أجرين ،كالعلماء واملفكرين وال�سا�سة وغريهم(.)9 �أجر ًا على اجتهاده ،و�أجر ًا على �إ�صابته ،ويقال له :م�صيب، وبع�ض املجتهدين يخالفه ،في�ستحق �أج ��ر ًا واح ��د ًا على ث��م انتقلت �إل��ى ال �ع��امل الإ� �س�لام��ي على �أي ��دي بع�ض اجتهاده فقط ،ويقال له :خمطئ. امل�سلمني ممن قل ن�صيبه من العلم والإميان ،من الداخلني يف جحر ال�ضب .فقا�سوا الإ�سالم � -أ�صوله العقدية وقيمه وهناك وقائع كثرية غري هذه �صرَّح فيها ال�صحابة -اخللقية -على املذهبيات الغربية الباطلة ،وجتاهلوا ر�ضي اهلل عنهم -بالتخطئة يف اجتهاداتهم، من غري �أن م�صدرية الإ�سالم وهي الوحي الإلهي املع�صوم ،املختلفة ً ينكرها بع�ضهم ً على بع�ض ،فكان ذلك �إجماعا� ،أو على عن م�صادر تلك املذهبيات التي هي العقل الب�شري املحدود �أقل تقدير اتفاقا منهم على �أن احلق يف امل�سائل االجتهادية بالزمان والظروف ،والعر�ضة للخطل واجلهل ،وللأهواء ()5 واحد ال يتعدد ،و�أن املجتهد قد ي�صيبه وقد يخطئه . وامل�صالح(.)10 يقول الإم��ام مالك بن �أن�س رحمه اهلل( :ما احلق �إال وملا كانت النظرة الغربية للدين على �أن��ه مثل م�سائل ً ً واح��د ،ق��والن خمتلفان يكونان �صوابا جميعا؟! ما احلق الآداب والفن ،ترجع �إلى الذوق وامل��زاج ،لي�س له مقايي�س وال�صواب �إال واحد)(.)6 وال معايري لتحديد حقائقه ،قلدهم يف ذلك القوم وقالوا وق��ال اب��ن القيم وه��و يقرر �أن احل �قَّ واح � ٌد ال يتعدد ،بن�سبية احلقيقة ،ون�شطوا يف الرتويج لها. ويبطل مقولة كل جمتهد م�صيب( :و�أ�صول الأئمة الأربعة قال تعالىَ } :و ُق ْل َجا َء الحْ َ ُّق َوز ََهقَ ا ْل َب ِاط ُل �إِنَّ ا ْل َب ِاط َل وقواعدهم ون�صو�صهم على هذا ،و�أن ال�صواب من الأقوال َ ان ز َُهو ًقا{ (الإ�سراء)81 : ك كجهة القبلة يف اجلهات .وعلى هذا �أكرث من �أربعني دلي ًال َ قد ذكرناها يف كتاب مفرد وباهلل التوفيق)(.)7 يخرب تعالى �أن احلق والباطل ال يجتمعان ،ف�إنه �إذا جاء يف هذه امل�سائل ،ومل يقوال بتعدد احلق فيها ،وال �شك يف بطالن قولهما .انظر تف�صيل احلق فال بد �أن يتال�شى الباطل ،فهما نقي�ضان متحادَّان ال يجتمعان يف �أمر واحد يف وقت واحد. امل�س�ألة يف�[ :إر�شاد الفحول� ،ص.259 - 3هناك م�سائل اخلالف فيها خالف تنوع ال خالف تناق�ض ،وهي الأقوال وهذا خالف ما يقوله �أ�صحاب القول بن�سبية احلقيقة، التي كلها �صواب وحق ،مثل :االختالف يف قراءات القر�آن ،ويف �صفة الأذان ،و�صفة ف�إنهم ي�ج��وزون اجتماع احل��ق والباطل ،وتعدد احل��ق يف �صالة اخلوف ونحوها ،وهذا اخلالف خارج مو�ضوعنا. الأم��ور املتناق�ضة ،واملق�صود باحلق يف الآي��ة هو الإ�سالم �- 4أخ��رج��ه ال�ب�خ��اري يف �صحيحه ،ك�ت��اب :االعت�صام بالكتاب وال�سنة ،وكل ما جاء به ،والباطل كل ما خالف الإ�سالم. (ح ،)7352وم�سلم يف �صحيحه ،كتاب :الأق�ضية ،باب :بيان �أجر احلاكم �إذا اجتهد ف�أ�صاب �أو �أخط�أ( ،ح.)1716 - 5انظر تف�صيل امل�س�ألة يف :الإحكام يف �أ�صول الأحكام ،للآمدي 184/4 :وما بعدها ،و�إر�شاد الفحول� ،ص 259وما بعدها ،والإحكام يف �أ�صول الأحكام ،البن حزم: 65/5وما بعدها ،وتي�سري الو�صول �إلى علم الأ�صول� ،ص ،684وما بعدها. - 6جامع بيان العلم وف�ضله.907/2 : �- 7أحكام �أهل الذمة.33/1 :
�إن �إعمال نظرية الن�سبية ي�ؤدي �إلى زيادة تفريق الأمة، وان�شطار املذاهب والنحل وامللل ،فقبول الأقوال كلها على - 8جمموع الفتاوى.24/33 : - 9انظر :جملة املجتمع ،عدد (.)1337 - 10انظر[ :ال�سلفية وق�ضايا الع�صر� ،ص.79
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
63
�أنها حمتملة للحق يزيد مادة اخلالف والفرقة ،فيت�شتت �شمل املجتمع ،ويوهن قوته ،وت�ضطرب عقائده ومبادئه، ف ُيكثرِ �أع ��داءه والكائدين ل��ه ،وه��ذا خمالف لأ�صول الدين وقواعده الكربى ،ف�إنه جاء حل�سم مادة اخلالف والفرقة ،وجمع النا�س على كلمة �سواء ،وت�أليف قلوبهم، وربط �أوا�صرهم ،حتى يكونوا �أمة واحدة. قال اخلطابي مبين ًا مف�سدة االفرتاق( :ف�أما االفرتاق يف الآراء والأدي��ان ،ف�إنه حمظور يف العقول ،حمرم يف ق�ضايا الأ�صول ؛ لأنه داعية ال�ضالل ،و�سبب التعطيل والإه�م��ال ،ول��و ُت��رك النا�س متفرقني ،لتفرقت الآراء والنحل ،ولكرثة الأدي��ان وامللل ،ومل تكن فائدة يف بعث ِة الر�سول ،وهذا هو الذي عابه اهلل عز وجل من التفرق يف كتابه)(.)11
الن�سبيـة وف�سادهـا �أنـه ال يوجد يف العامل كله بلد تطبق قوانينه الو�ضعية نظرية الن�سبية يف �أحكامها وقراراتها، �أي �أن يكون القانون يحتمل �أكرث من حكم يف الق�ضية ال��واح��دة ،حتى يف البلدان الغربية التي خرجت منها ه��ذه النظرية ،و�إمن��ا يطبقها �أ�صحابها يف الق�ضايا الدينية والفل�سفية والفكرية� ،أما يف اجلانب القانوين فال ميكن تطبيقها ؛ لأن القوانني من �ش�أنها �أن تك ِّون �أح�ك��ام� ًا حم��ددة مبينة ثابتة ملزمة للجميع ،مهما اختلفت اعتقاداتهم عن حقائق الأ�شياء ،ومهما اختلفت ثقافتهم �أو ظروفهم ،فال يعقل �أن يكون هناك عدة �أحكام للق�ضية الواحدة ،بحيث تكون منا�سبة الختالف اعتقادات النا�س واختالف ثقافاتهم وظروفهم.
�أما حينما يكون احلق واحد ًا ،وهو ما دل علية كتاب فهذه الأدلة العقلية وغريها ،تدل على بطالن القول اهلل و�سنة ر�سوله الكرمي ،ف��إن الأم��ة جتتمع على قول واح��د يف االعتقاد والأح �ك��ام القطعية وق��واع��د الدين بن�سبية احلقيقة ،وعدم �صالحها لدين وال لدنيا ،و�أنها لو جمتمع ما لدمَّرت عقائده و�أخالقه ،ولأ�شاعت ومبادئه ،وحني ذلك ت�أتلف القلوب ،وتتوحد ال�صفوف ،ط ِّبقت يف ٍ وتقوى كلمتهم ،وتزداد يف النفو�س مهابتهم ،فال يطمع الفو�ضى واال�ضطراب ،ولفرقت �أف��راده و�شتَّ َت ْتهم ،وملا بهم طامع ،وال يروم هزميتهم كائد. ا�ستطاعوا حتقيق �أهدافهم ،فمن �أجل ذلك يرف�ضها �إن �إعمال نظرية الن�سبية ي��ؤدي �إلى تقوية الباطل �أهل الإ�سالم ،ويرف�ضها كل من له عقل �سليم لف�سادها ورواجه ،وذلك بال�سكوت عنه ،ف�إن هذه النظرية تقت�ضي ع��دم الإن�ك��ار على �أي �أح��د ؛ �إذ يحتمل �أن يكون معه و�ضررها ،وال يقبلها �إال احليارى واملت�شككني ،ومن �أ�ضل احلق ،فال�سكوت �سبب لرواج الأقوال الكفرية واملبتدعة اهلل �سعيه. وال�ضالالت ب�أنواعها. ختام القول: ق��ال اب��ن قتيبة( :و�إمن��ا يقوى الباطل �أن تب�ص َره �إن التعددية يف الو�صول للحق مقبولة� ،أما �أن يتعدد ِ ومت�سك عنه)(.)12 وقوة الباطل ت�ؤدي �إلى �إ�ضعاف احلق وهوانه ،وهذا احلق ويعي�ش النا�س بال ان�ضباط يف دين �أو ت�شيع حتت دعوى �أن احلق ن�سبي وغائب فهذا هو ال�ضالل بعينه، تفريط وت�ضيع للدين(.)13 و�إذ ن�ؤكد على حرية الر�أي وقبوله ن�ؤكد على عدم االتباع وم��ن الأدل �ـ��ة العقلية ال��دال�ـ��ة على بطالن نظريـة واالن�صهار بدعوى التعددية الغربيةَ } ،و ِل ُك ٍّل و ِْج َه ٌة ُه َو - 11العزلة� ،ص.58-57 َا�س َت ِبقُوا الخْ َ يرْ َ ِ ات{ (البقرة)148 : ُم َو ِّلي َها ف ْ - 12االختالف يف اللفظ والرد على اجلهمية وامل�شبهة� ،ص.50 - 13انظر[ :درا�سة نقدية لقاعدة املعذرة والتعاون� ،ص.150
� 64إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
دراسات الوسطية
الإرهـــــاب :معناه � ،أ�سبابه ،و�سبل عالجه من منظور قر�آين �أ.د.نايل ممدوح �أبوزيد جامعة م�ؤتة-كلية ال�رشيعة
املقدمة احلمد هلل رب العاملني ،وال�صالة وال�سالم على النبي الأم�ين ،ال��ذي بعث رحمة للعاملني فحقق للب�شرية �أمنها وا�ستقرارها وطم�أنينتها ،وبعد. فقد ك�ثر يف ه��ذه الأي� ��ام احل��دي��ث ع��ن الإره ��اب والإرهابيني ،وتنديد النا�س بهم ،ورمي كل فريق للآخر ب��أن��ه الإره��اب��ي .وم��ن اخل�ط��ر �أن يعلن ال�ع��امل احل��رب على الإره��اب والإرهابيني قبل حتديد م�صطلح من هو الإرهابي ،الأمر الذي يوجب على �أهل العلم ا�ستجالء هذا املو�ضوع ،ممازاد رغبتي يف البحث عن وجه ال�صواب يف ذلك من منظور قر�آين وقد وجدت بع�ض املعلومات يف كتب التف�سري واحلديث وبع�ض امل�ؤلفات احلديثة مثل (الإرهاب يف العاملني العربي والغربي للدكتور �أحمد يو�سف التل)، وكتاب (الإره��اب �أن��واع��ه و�أخ�ط��اره لل�شيخ عبد احلميد ال�سائح) وغريها من امل�ؤلفات لكنها ال تفي باملطلوب من وجهة نظري ،فر�أيت �أن �أتو�سع يف ه��ذا املو�ضوع بحثا وانظر فيه من وجهة قر�آنية :وكانت خطتي يف هذا البحث على النحو التايل: املقدمة � :أهمية املو�ضوع وخطته التمهيد :م�ع�ن��ى الإره � ��اب يف ال�ل�غ��ة واال� �ص �ط�لاح وا�ستعماالت القر�آن له . املبحث الأول � :صور الإرهاب باالعتداء املبحث الثاين � :أق�سام الإرهاب و�أ�سبابه و�سبل عالجه اخلامتة :ما تو�صلت �إليه من نتائج وتو�صيات.
التمهيد معنى الإرهاب يف اللغة الإره ��اب :م ��أخ��وذ م��ن الفعل ره��ب :وال ��راء والهاء والباء �أ�صالن� ،أحدهما :يدل على اخلوف ،والآخر :على دقة وخفة ( )1ويقال رهب يرهب رهبة ورهبا �أي خاف، وال��ره�ب��ة :اخل��وف وال�ف��زع ع��ن حت ��رز( )2وي�ق��ال �أرهبه وا�سرتهبه �أي �أخافه ،والإره��اب قرع الإب��ل عن احلو�ض وذيادها ( )3والإرهابيون :و�صف يطلق على الذين ي�سلكون �سبيل العنف والإرهاب لتحقيق �أهداف �سيا�سية( )4وعليه فالإرهاب يف اللغة يعني :التخويف و التفزيع و�إيجاد جو من عدم الطم�أنينة وال�سكينة واال�ستقرار. معنى الإرهاب يف اال�صطالح : من خالل النظر يف املعاين اللغوية ال�سابقة جند �أن � - 1أح�م��د ب��ن ف��ار���س ،معجم املقايي�س يف اللغة ،دار الفكر، بريوت�(،ص)426 - 2حممد بن مكرم بن منظور ،ل�سان العرب ،م�ؤ�س�سة التاريخ العربي ،بريوت)336/5( ، وان�ظ��ر :حم�م��د مرت�ضى ال��زب�ي��دي ،ت��اج ال�ع��رو���س م��ن جواهر القامو�س ،دار الفكر ،بريوت)40/2( ، - 3جم��د ال��دي��ن حممد ب��ن يعقوب ال�ف�يروز �آب ��ادي ،القامو�س املحيط ،دار الفكر ،بريوت�( ،ص)86 � - 4إبراهيم م�صطفى وزم�لا�ؤه ،املعجم الو�سيط ،دار الدعوة، تركيا)376/1( ،
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
65
ومنها� :أن��ه اعتداء موجه �ضد الأب��ري��اء من الن�ساءوالأطفال والرجال �أو التهديد بهذا االعتداء �أو ب�أية و�سيلة �أخرى ت�سلب الأمن والطم�أنينة من الآخرين ( )7وهو تعريف غري دقيق �إذ لي�س كل اعتداء موجه للأبرياء فقط ،و�إمنا نعتدي فقط على من اعتدى وظلم
معنى الإرهاب ال يخرج عن جمرد الإفزاع والتخويف� ،إال �أن معنى الإرهاب �أخذ يف هذا الزمان باالت�ساع �شيئ ًا ف�شيئ ًا، و�صار مطاطي ًا فلم يتفق على توحيد معناه ومق�صوده، خ�صو� ًصا بعد �أن �أ�صبح مثار ًا للجدل بعد �أحداث احلادي ع�شر م��ن �سبتمرب التي وقعت يف نيويورك ووا�شنطن، ف�أُ�سيء ا�ستخدامه من قبل دول ومنظمات عديدة �أخذت يف ومنها � :أن الإرهاب هو �إيقاع الأذى املادي �أو املعنويو�صم من ترغب بالإرهاب ،يف حماولة منها للتخل�ص من �أعدائها ،وبالطبع �أخذت بع�ض الدول متار�س كل الأعمال بالآخرين ورف�ض اال�ستماع �إليهم �أو التحاور معهم ،ويبد�أ الإجرامية وفق ًا للتعريف اخلا�ص بالإرهاب الذي يتوافق مع الأذى بالتكذيب والت�شهري ،وينتهي بحرب الإبادة والت�صفية اجلماعية ،وبني هاتني املرحلتني مراحل كثرية من العدوان امل�صالح الذاتية. الإعالمي واالقت�صادي واالجتماعي والأخ�لاق��ي( .)8وهو وقد �أدى ذلك �إلى فر�ض املعنى الذي يريدونه يف الواقع تعريف غري دقيق للإرهاب لأن بع�ض �أن��واع الإره��اب قد تكون بعد حتاور و�سماع الر�أي الآخر. على بع�ض ال�شعوب رغم �أنوفها. وم��ن هنا فقد ظ�ه��رت ن���داءات املن�صفني يف العامل تطالب بتعريف الإره��اب تعريف ًا عاملي ًا وا�ضح ًا من�صفا، ومن �أجل ذلك عقدت امل�ؤمترات والندوات العديدة التي خرجت ببع�ض التو�صيات املن�صفة ،لكنها مل جت��د لها �آذان ًا �صاغية من بع�ض الدول املتجربة ب�سلطانها وقوتها. "ف�أ�صبح تعريف الإرهاب م�شكلة ت�صعب على احلل� ،إذ �إنه من الع�سري التو�صل �إلى حتديد جمرد للإرهاب دون �إدخال عنا�صر خارجية عنه تتمثل يف الآراء املتباينة حول �شرعية �أو عدم �شرعية التنظيمات ون�شاطاتها ،ونتج عن ذلك �صعوبة التو�صل �إلى اتفاقيات �أو معاهدات دولية،الختالف م�صالح ال��دول،وحم��اول��ة كل جمموعة منها فر�ض وجهة نظرها؛ كما �أن اختالط �صور العنف ال�سيا�سي املختلفة بالإرهاب ب�أنواعه �أدى �إلى جتاوز الأمر �إلى اختالط مفهوم الإرهاب مع بع�ض �صور احلرب �أو حتى اجلرائم العادية ( )5فظهرت بناء على ذلك تعريفات متعددة مل�صطلح الإرهاب منها :
ومنها � :أنه التهديد با�ستعمال عنف غري عادي لتحقيقغايات �سيا�سية( )9وهو �أي�ضا تعريف غري دقيق حيث ي�شمل نوعا واحدا من �أنواع الإرهاب حيث خ�صه ب�أغرا�ض �سيا�سية علما ب�أن الإرهاب ال يقت�صر على الأغرا�ض ال�سيا�سية فقط. ومنها �أي�ضا �أن الإرهاب :هو الرعب واخلوف الذيي�سببه فرد �أو جماعة بغري حق �سواء كان ذلك لأغرا�ض �سيا�سية �أو �شخ�صية �أو غريها ()10 وهذا من وجهة نظري �أولى التعريفات باالعتماد لأنه ي�شمل جميع �أنواع الإرهاب املنظم وغري املنظم ،واملعتدي وغري املعتدي،والفردي واجلماعي.
وب�ين املق�صود م��ن الإره ��اب وه��و الإف ��زاع والتخويف لأغ��را���ض متعددة ،ف �الإره��اب :قد يكون برتويع الآمنني و�إ�شعارهم بقوة خ�صمهم ،وقد يكون بتدمري م�صاحلهم ومقومات حياتهم وذلك بالتعر�ض لأموالهم و�أعرا�ضهم �أن الإرهاب فعل منظم من �أفعال العنف �أو التهديد به ،وحرياتهم .وقد يكون بغريها فيحقق من خاللها الأفرادي�سبب فزعا �أو رعبا من خالل �أعمال القتل �أو االغتيال�،أو �أو املجتمعات م�صالح و�أغرا�ضا متعددة. حجز الرهائن �أو اختطاف الطائرات�،أو تفجري املفرقعات وغريها،مما يخلق الفزع والرعب والفو�ضى واال�ضطراب )6(. وه��و تعريف غري دقيق فقد يكون الإره��اب فعال غري منظم ويطر�أ فج�أة لظروف طارئة �أحيانا .
-5عامر ر�شيد مب ّي�ض :مو�سوعة الثقافة ال�سيا�سية االجتماعية االق �ت �� �ص��ادي��ة ال �ع �� �س �ك��ري��ة ..م���ص�ط�ل�ح��ات وم �ف��اه �ي��م ،دار املعارف،حم�ص2000 ،م� ،،ص.38 - 6انظر – الدكتور �أحمد يو�سف التل ،الإرهاب يف العاملني العربي والغربي ،عمان ،املطبعة الوطنية �ص13 � 66إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
- 7انظر عبد احلميد ال�سائح ،الإره��اب �أن��واع��ه و�أخ�ط��اره ،دار ال�صباح ،عمان�( ،ص)18 - 8د .حممد رفعت زجنري جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، كلية الرتبية والعلوم الأ�سا�سية� ،أبو ظبي ن�شر يف جملة منار الإ�سالم ،ربيع الأول 1424هـ/مايو � ،2003ص12 � - 9إريك موري�س ،الإرهاب والتهديد والرد عليه ،ترجمة د�.أحمد حمدي حممود ،،الهيئة امل�صرية للكتاب القاهرة �ص.39 - 10ح�سنني املحمدى ب��وادى ،ا لإره��اب ال��دويل بني التجرمي واملكافحة ،دار الفكر اجلامعي ،القاهرة�( ،ص)22
ا�ستعماالت القر�آن الكرمي مل�صطلح الإرهاب �إن دين اهلل عز وجل �أكد على �ضرورة نبذ االعتداء على الآخرين ،ودعا �إلى الت�سامح والعفو وحوار الآخر ،وبث روح العطف واملودة بني النا�س من �أول حلظة من حلظات الدعوة ،ودعا �إلى ال�صرب على �أذى الآخرين ،ي�شهد لذلك حديث �أم امل�ؤمنني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها حني قالت للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم" :هل �أتى َ عليك يو ٌم كان �أ�شدَّ من يت من قومك ما لقيت ،وكان �أ�شدَّ يوم � ُأح ٍد ؟ قال :لقد َل ِق ُ �ضت نف�سي على ابنِ عبد يوم العقب ِة �إِذ ع َر ُ ما ُ لقيت منهم َ فانطلقت أردت، ُ يا ليل بن عبد ُكالل فلم ُيجِ بني �إلى ما � ْ و�أنا َمهمو ٌم ،على َوجهِ ي ،فلم �أ�ستَفق �إال و�أنا بقرنِ الثَّعالب، فنظرت ف�إذا َعت ر�أ�سي ،ف�إذا �أنا َب�سحاب ٍة قد �أظلَّ ْتني، ُ َف َرف ُ َ فيها جِ ربيل ،فناداين فقال� :إِن اهلل قد �سم َع قولَ قومك لك وما َردوا عليك ،وقد بعث ُ اهلل �إِ َ ليك َم َل َك اجلبالِ لت�أم َر ُه ئت فيهم ،فناداين ُ ملك اجلبال ف�سلم علي ثم قال: مبا ِ�ش َ يا حممد ،فقالَ : ئت �أن �أطبِقَ عليهم �شئت� ،إن ِ�ش َ ذلك فيما َ النبي �صلى اهلل عليه و�سلم :بل �أرجو �أن الأخْ �شَ َبنيِ .فقال ُّ َ وحد ُه ال ُي ُ �شرك ب ِه خرج اهلل من �أ�صالبهم من َيع ُب ُد اهلل َ ُي َ �شيئ ًا "(.)11ف�أي عفو و�صفح �أعظم من عفو و�صفح ر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم
ال�سلم وال�سالم،وقد جتلت كل ثم �إن الإ�سالم م�شتق من ِّ قيم ال�سلم عملي ًا يف هذا الدين بر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،فكان �أ�سوة ح�سنة يف الأخالق واملثل ال�سامية،ومن ذلك عفوه عليه ال�صالة وال�سالم عن قتلة عمه حمزة بن عبد املطلب وهما هند ووح�شي ،وكذلك معاملته لأ�سرى ال�غ��زوات الذين يقعون يف �أي��دي امل�سلمني ،وعفوه عنهم �أو �أخذه الفداء منهم ،ا�ستجابة لقوله تعالىَ }:ف�إِمَّا َمنًّا َب ْع ُد َو�إِمَّا ِف َدا ًء { (حممد )4/وكذلك عفوه عن �أهل مكة بعد الفتح. �أم��ا اجلهاد ال��ذي �شرعه اهلل لأم��ة الإ�سالم يف كتابه العزيز فال ميكن �أن يكون عنف ًا لالعتداء ظلما ،و�إمن��ا هو �أم ٌر �آخر متتزج فيه روح الت�سامح والعفو يف كثري من ين � َآمنُوا الأحيان؛ يو�ضح ذلك قوله تعالىَ }:يا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ �إِذَ ا َ�ض َر ْبت ُْم فيِ َ�سبِيلِ ا ِ للهَّ َف َت َبيَّنُوا َولاَ َتقُو ُلوا لمِ َ� ْ�ن �أَ ْلقَى ُون َع َر َ�ض الحْ َ َيا ِة ال ُّد ْن َيا{ �إِ َل ْي ُك ُم ال�سَّلاَ َم َل ْ�س َت ُم�ؤ ِْمنًا َت ْب َتغ َ (الن�ساء)94/
ف�أمر اهلل املجاهدين �إذا �سافروا للجهاد ب�أن يطلبوا بيان الأم��ر يف كل ما ي�أتونه ،وما يذرونه من �أعمال ،فال يعجلوا فيها بغري تدبر وال �أناة(.)13 وقد وردت كلمة الإرهاب وم�شتقاتها يف القر�آن مبعان بل �إن هذا الدين علمنا العدل وعدم احليف مع النا�س متعددة منها: �سواء �أكانوا �أ�صدقاء �أم �أعداء فقال تعالىَ ":ولاَ َي ْجرِ َمنَّ ُك ْم �أ .الرهبة مبعنى اخل�شية واخلوف من اهلل تعالى : �شَ َن�آن َق� ْو ٍم َ�أ ْن َ�ص ُّدو ُك ْم َعنِ المْ َ ْ�سجِ ِد الحْ َ � َر ِام �أَ ْن َت ْع َت ُدوا “(املائدة )2/ولذا وجدنا ال�صحابي اجلليل عبد اهلل وذلك يف قوله تعالى َ }:يا َب ِني �إِ ْ�س َرا ِئ َيل اذْ ُك ُروا ِن ْع َم ِت َي بن رواحة ر�ضي اهلل عنه يقول لليهود حني بعثه الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم خلر�ص ثمار خيرب ،وق��د حاولوا الَّ ِتي �أَ ْن َع ْم ُت َع َل ْي ُك ْم َو�أَ ْو ُف��وا ِب َع ْه ِدي �أُ ِ �اي وف ِب َع ْه ِد ُك ْم َو�إِيَّ� َ ر�شوته ببع�ض حلي ن�سائهم ليتجاوز يف الق�سم”:يا مع�شر فَا ْر َه ُبونِ {(البقرة ")40/في�أمر اهلل بني �إ�سرائيل بالوفاء اليهود واهلل �إنكم ملن �أبغ�ض خلق اهلل �إيل،قتلتم �أنبياء بالعهد الذي �أخذه عليهم ب�أن ي�سلموا قلوبهم له،ا�ست�سالما اهلل،وكذبتم على اهلل،وما ذاك بحاملي �أن �أحيف عليكم ،منوطا باخلوف منه وحده و�إفراده باخل�شية ()14 ف�أما ما عر�ضتم من ر�شوة ف�إنها �سحت و�إنا ال ن�أكلها “()12 َ و�سى ا ْلغ ََ�ض ُب ومثله قوله تعالى َ }:ولمَ َّ ��ا َ�سك َت َع� ْ�ن ُم َ ِ ين ُه ْم ل َر ِّبهِ ْم ثم �إن القر�آن الكرمي ي�ؤكد على �أن تكون الدعوة �إلى �أَخَ ذَ َْ أ ال ْل � َو َاح َوفيِ ُن ْ�سخَ ِت َها ُه ًدى َو َر ْح َم ٌة ِلل َِّذ َ ون{ (الأعراف :)154/والرهبة هنا يف الآية هي اخلوف اهلل مرتبطة بعدم الإكراه والإجبار وذلك يف قوله تعالىَ :ي ْر َه ُب َ الدينِ َق ْد َت َب َينَّ ال ُّر�شْ ُد ِم َن ا ْلغ َِّي {(البقرة )256/من اهلل واخل�شية له (.)15 } لاَ �إِ ْك َرا َه فيِ ِّ . �- 13أب���و ال���س�ع��ود حم�م��د ب��ن حم�م��د ال �ع �م��ادي� ،إر���ش��اد العقل � - 11أخرجه البخاري يف كتاب"كيف بد�أ الوحي �إلى ر�سول اهلل ال�سليم �إلى مزايا القر�آن الكرمي ،دار �إحياء الرتاث العربي، حممد بن ا�سماعيل البخاري� ،صحيح البخاري ،،دار اجليل، بريوت)218/2(،1994، بريوت،)4/1( ، -14انظر � :سيد قطب �إبراهيم ،يف ظالل القر�آن ،دار ال�شروق، � 12أخرجه مالك يف كتاب امل�ساقاة ،باب ما جاء يف امل�ساقاة، بريوت)67/1( ، مالك بن �أن�س ،املوط�أ ،دار الكتاب العربي بريوت-15 )75/2( ،انظر :عبد احلق بن غالب ،املحرر الوجيز يف تف�سري الكتاب ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
67
َا�ست ََج ْبنَا َل ُه َو َو َه ْبنَا َل ُه َي ْح َيى ُدو ِنهِ ْم لاَ وكذلك قوله تعالى } :ف ْ ون فيِ الخْ َ يرْ َ ِات َو َي ْد ُعو َننَا َو�أَ ْ�ص َل ْحنَا َل ُه َز ْو َج ُه ِ�إنَّ ُه ْم َكا ُنوا ُي َ�سار ُِع َ وه��ذا يعني ا�ستعرا�ض تلك ال�ق��وة امل�ع��دة م��ن اخليل َرغَ ًبا َو َر َه ًبا َو َكا ُنوا َلنَا خَ ِا�ش ِع َني {(الأنبياء )90/فيثني اهلل على وفر�سانها ،بحيث يراها العدو ويرى فيها ما يرهبه،ويقتل يف الأنبياء ال�سالف ذكرهم عليهم ال�سالم وذريتهم ال�صاحلة نف�سه كل داعية من دواعي الطمع يف امل�سلمني،ويف لقائهم يف �أنهم كانوا ي�سارعون يف اخل �يرات ،ويدعون اهلل رغبة يف ميدان القتال ،وهذا يعني �أن الإعداد للحرب �إمنا هو لإرهاب ثوابه ورهبة من غ�ضبه وعقابه()16 العدو �أوال حتى ينزجر وال حتدثه نف�سه باحلرب،حني يرى ِ القوة الرا�صدة له " ().20 }لَ ْن � ُت� ْ�م �أَ� َ��ش� ُّد َر ْه� َب� ًة فيِ ُ�ص ُدورِه ْم ومثله قوله تعالى َ :أ ِم َن ا ِ ون{(احل�شر )13/فاليهود للهَّ ذَ ِل� َ�ك ِب�أَنَّ ُه ْم َق� ْو ٌم لاَ َي ْف َق ُه َ واملنافقون يخافون امل�ؤمنني �أكرث من خوفهم من اهلل ()17 املبحث الأول � :صور الإرهاب باالعتداء �اح� َ�ك ِم� َ�ن وك��ذل��ك قوله تعالى َ }:وا�ْ��ض � ُم� ْ�م �إِ َل � ْي� َ�ك َج� َن� َ �إن الإرهاب الذي يقوم على �أ�سا�س االعتداء على النا�س وقتلهم ظلما� ،أو �إرعابهم بال ذنب ارتكبوه ،فهذا ال ي�أذن به الر َّْهبِ {(الق�ص�ص )32/ الكتاب املبني ،بل �إن �شرع اهلل مل يجز �أخذ النا�س بال�شبهات ومعنى الآية ا�ضمم يدك �إلى �صدرك من اخلوف يذهب حتى تبني الأمور ،قال تعالى َ }:و َقا ِت ُلوا فيِ َ�سبِيلِ ا ِ ين للهَّ ال َِّذ َ عنك الرعب ،فاملراد باجلناح اليد لأن يدي الإن�سان مبنزلة ُيقَا ِت ُلو َن ُك ْم َولاَ َت ْع َت ُدوا �إِنَّ َ ين{(البقرة) 190/ اللهَّ لاَ ُي ِح ُّب المْ ُ ْعت َِد َ جناحي الطائر ،و�إذا �أدخل يده اليمنى حتت ع�ضده الأي�سر فقد �ضم جناحه �إليه ،وبذلك يذهب اخلوف"()18 وي�شهد لذلك من ال�سنة حديث �أ�سامة بن زيد بقوله ب .ومنها �إرعاب اخل�صم وتخويفه و�إثارة الفزع فيه (بعثنا ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ف�صبحنا جهينة ف�أدركت رجال فقال:ال �إله �إال اهلل فطعنته ،فوقع يف نف�سي َّا�س م��ن ذل���ك ،ف��ذك��رت��ه للنبي �صلى اهلل عليه و���س��ل��م فقال ومن ذلك قوله تعالى َ }:ف َلمَّا �أَ ْل َق ْوا َ�س َح ُروا �أَ ْعينُ َ الن ِ الر�سول� :أق��ال ال �إله �إال اهلل وقتلته؟ قلت :يا ر�سول اهلل يم{ (الأعراف)116/ ا�سترَ ْ َه ُب ُ وه ْم َو َجا ُءوا ب ِِ�س ْحرٍ َع ِظ ٍ َو ْ �إمنا قالها خوفا من ال�سالح ،قال �:أف�لا �شققت عن قلبه فقد �ألقى �سحرة فرعون حبالهم وع�صيهم ،و�أتوا ب�ألوان حتى تعلم ،فما زال يكررها علي حتى متنيت �أين �أ�سلمت من ال�سحر و�ضروب ال�شعوذة،مبهارة �أخذت ب�ألباب النا�س يومئذ)()21 و�سحرت عقولهم ،و�ألقت الرعب واخلوف يف قلوبهم،فرهبهم �صور الإرهاب النا�س(.)19 َت ْع َل ُمو َن ُه ُم {(الأنفال )60/
�إن الإرهاب م�ستقبح �شرعا لكونه اعتداء بغري وجه حق وكذلك قوله تعالىَ }:و�أَ ِع ُّدوا َل ُه ْم َما ْ ا�ست ََط ْعت ُْم ِم ْن ُقوَّ ٍة حيث يعر�ض املمتلكات للدمار ،ويحول دون تقدم العمران، ون ِب ِه َع ُدوَّ ا ِ َو ِم ْن ِر َب ِ اط الخْ َ ْيلِ ُت ْر ِه ُب َ للهَّ َو َع ُدوَّ ُك ْم َو�آخَ رِ َ ين ِم ْن و�سالمة الإن�سان .والإرهاب باالعتداء له �صور عدة منها: العزيز ،دار الكتب العلمية ،بريوت)459/2( ،
�أوال � :أخذ النا�س بجريرة غريهم
وانظر :عبد الكرمي اخلطيب ،التف�سري القر�آين للقر�آن ،دار ومثاله �أخذ الرهائن من العزل الذين ال ي�شرتكون بحرب الفكر ،بريوت)489/9( ، وال ذنب لهم �إال �أنهم يحملون جن�سية الدولة املعادية ،ففي -16انظر حممد الطاهر بن عا�شور ،التحرير والتنوير )138/17( ،املجال ال�سيا�سي متثل جرمية �أخذ الرهائن من اجلو �أو الرب -17انظر �أبا الفداء �إ�سماعيل بن كثري ،تف�سري القر�آن العظيم ،دار -20عبد الكرمي اخلطيب ،التف�سري القر�آين للقر�آن ،دار الفكر، الفيحاء ،دم�شق)436/4(، بريوت)649/5( ، -18حممد على ال�صابوين� ،صفوة التفا�سري ،دار القر�آن الكرمي، �-21أخرجه م�سلم يف �صحيحه يف كتاب الإمي��ان ،باب حترمي قتل بريوت)433/2( ، الكافر �إذا قال ال �إله �إال اهلل .م�سلم بن احلجاج� ،صحيح م�سلم، -19انظر �أباعلي الف�ضل بن احل�سن الطرب�سي ،جممع البيان يف دار الكتب العلمية ،بريوت)84/2( ، تف�سري القر�آن مكتبة احلياة ،بريوت)144/3( ،
� 68إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
والبحر من �أعمال الإرهاب ال�سيا�سي املذموم ( )22ويعني وقوله �صلى اهلل عليه و�سلم":ال�سمع والطاعة على املرء احتجاز الرهائن التوقيف الق�سري ل�شخ�ص ثالث لي�س امل�سلم فيما �أح��ب وك��ره ما مل ي�ؤمر مبع�صية ،ف ��إن �أمر طرفا مبا�شرا يف النزاع ( )23والغاية من ذلك امل�ساومة مبع�صية فال �سمع وال طاعة"(.)27 عليهم كما يحدث من خطف املدنيني العزل ،وال�صحفيني ثالثا :قطع ال�سبيل على الآمنني واالعتداء وقتلهم وهم ال ذنب لهم يف اال�شرتاك بالعدوان . على حرماتهم واهلل ع��ز وج��ل يقول } َولاَ َت ��زِ ُر َوا ِز َر ٌة ِو ْز َر ُ�أخْ � � َرى{ ومن الإرهاب املحرم جرمية احلرابة ب�إرعاب النا�س �أو ( الإ�سراء ) 15/فال يحل �أخذ �أحد بذنب �أحد،فال يجني جان قتلهم� ،أو نهب �أموالهم �أو اجلمع بني ذلك �إال على نف�سه ،ب�سبب �سلوكه وت�صرفه. وقد فر�ضت ال�شريعة لهذه اجلرمية الإرهابية عقوبات وي�ؤيد ما ذكرناه منع الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم منها :القتل� ،أو القتل مع ال�صلب والقطع� ،أو النفي من �أن ي�ؤخذ الرجل بجريرة ابنه بقوله عليه ال�سالم":ال يقاد الأر�ض بح�سب اجلرمية الإرهابية التي ارتكبها ال�شخ�ص، بالولد الوالد"( )24فكيف ي�ؤخذ فرد من رعايا دولة ون َ اللهَّ َو َر ُ�سو َل ُه َو َي ْ�س َع ْو َن ين ُي َحا ِر ُب َ جنودها.معتدية قال تعالى �} :إِنمََّا َجزَ ا ُء ال َِّذ َ ال عالقة له باحلرب بجرم قيادته ،و�إجرام الَ ْر��ِ�ض ف ََ�سا ًدا َ�أ ْن ُي َقتَّ ُلوا �أَ ْو ُي َ�صلَّ ُبوا َ�أ ْو ُت َقطَّ َع �أَ ْي ِديهِ ْم فيِ ْ أ َو�أَ ْر ُج ُل ُه ْم ِم ْن ِخلاَ ٍف �أَ ْو ُي ْن َف ْوا ِم َن َْ أ ال ْر ِ�ض {(املائدة. )33/ ثانيا :الإرهاب بقيام الثورات وحتري�ض النا�س �ضد نظام معني بهدف الإطاحة به من �أجل اال�ستيالء على فالف�ساد يف الأر���ض ال��وارد يف الآي��ة �إره��اب ل��ه �صور ال�سلطة،و�إحالل نظام �آخر حمله بهدف حتقيق م�آرب متعددة ،ففي الإن�سان قد يعني قتله� ،أو قتله و�أخ��ذ ماله �شخ�صية،ال عالقة لها بدين وال ب�شرع . �أو اال�ستيالء على ماله دون قتله� ،أو �إثارة الرعب يف نف�سه ونحن �أمة الإ�سالم م�أمورون بطاعة الإم��ام باملعروف دون �أخ��ذ ماله ،فالف�ساد كلمة ين�ضوي حتتها �أل��وان من ين الف�ساد"(.)28 ما مل يظهر كفرا بواحا ،يقول اهلل تعالىَ ":يا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ � َآم� ُن��وا �أَ ِطي ُعوا َ الَ ْم��رِ ِم ْن ُك ْم اللهَّ َو�أَ ِطي ُعوا الر َُّ�سولَ َو ُ�أوليِ ْ أ ولكل رتبة من احلرابة رتبة من العقاب يف القر�آن ،فمن "(الن�ساء )59/والأقرب �أن يكون املراد ب�أويل الأمر من قتل قتل ،ومن قتل و�أخذ املال قتل و�صلب ومن اقت�صر على يلي �أمر امل�سلمني فيدخل يف ذلك اخللفاء والقادة . �أخذ املال قطعت يده ورجله من خالف ،ومن �أخاف فقط فالطاعة لويل الأمر ركن من �أركان النظام ال�سيا�سي يف نفي من الأر�ض( )29وبهذا زجر للنا�س عن هذه اجلرمية هذا الدين ويف ذلك يقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم :الإرهابية. "ا�سمعوا و�أطيعوا و�إن ا�ستعمل عليكم عبد حب�شي ك�أن ر�أ�سه زبيبة "( )25لكنها طاعة مقيدة يف حدود طاعة اهلل ،وطاعة ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم ،لقوله عليه ال�صالة وال�سالم ":ال طاعة يف مع�صية اهلل �إمنا الطاعة يف املعروف"(،)26 - 22انظر مركز املعلومات واخل��دم��ات الثقافية والإن�سانية، الإرهاب والعنف وجهان لعملة واحدة ،دار جامعة عدن للطباعة والن�شر ،اجلمهورية اليمنية� ،ص16 � - 23أحمد يو�سف التل ،الإره��اب يف العاملني العربي والغربي، مع�صية وحترميها باملع�صية)179/1( ، �ص37 � - 24أخ��رج��ه ال��دارم��ي يف كتاب ال��دي��ات ،ب��اب القود بني الولد � - 27أخرجه الرتمذي يف كتاب اجلهاد ،باب ما جاء ال طاعة ملخلوق يف مع�صية اخلالق ،اجلامع ال�صحيح (�سنن الرتمذي والوالد� ،سنن الدارمي� ،أبو حممد عبد اهلل بن عبد الرحمن ))209/5(، الدارمي ،دار الكتب العلمية ،بريوت)190/2( ، � - 25أخرجه البخاري يف كتاب الأح�ك��ام ب��اب ال�سمع والطاعة - 28انظر :حممد متويل �شعراوي ،تف�سري ال�شعراوي� ،أخبار اليوم ،القاهرة)3094/5( ، للإمام� ،صحيح البخاري ب�شرح ال�سندي)234/4(، � - 26أخرجه م�سلم يف كتاب الإمارة ،باب طاعة الأمراء يف غري � - 29أبو بكر الكا�ساين ،بدائع ال�صنائع)154/2( ، ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
69
رابعا :االعتداء على ال�سياح والزائرين �إن ما يحدث م��ن بع�ض النا�س من الإف�ساد يف بالد امل�سلمني باالعتداء على الأبرياء و�إزهاق النفو�س و�إف�ساد ممتلكات رعايا الدول غري الإ�سالمية من �سياح وزائرين �أمر حمرم وال يجوز �شرع ًا وال عق ًال. فامل�ستجري بنا من امل�شركني يف ديننا ال يقتل والواجب على ال��دول��ة حتقيق �أم�ن��ه لقوله ت �ع��ال��ىَ }:و ِ�إ ْن �أَ َح� � ٌد ِم� َ�ن ا�ست ََجا َر َك َف�أَجِ ْر ُه َحتَّى َي ْ�س َم َع كَلاَ َم ا ِ للهَّ ُثمَّ �أَ ْب ِل ْغ ُه المْ ُ�شْ رِ ِك َني ْ ون{(التوبة )6/ف�إذا جاء �أحد َم�أْ َم َن ُه ذَ ِل َك ِب َ�أنَّ ُه ْم َق ْو ٌم لاَ َي ْع َل ُم َ م��ن امل�شركني ل��دي��ار امل�سلمني م�سرت�شدا،طالبا احلجة والداللة على ما يدعو �إليه دين الإ�سالم جنريه ،ونحميه حتى ي�سمع كالم اهلل ويطلع على حقيقة الأمر ،ونبلغه داره ب�أمن و�سالم ،حتى و�إن مل ي�سلم ( )30فكذلك ال�سائح الذي دخل �أر�ضنا ب�إذن ويل الأمر. �إن مهاجمة ال�سياح بحجة �أنهم يحملون جن�سيات �أجنبية للدخول �إلى بالد امل�سلمني و�إراقة دمائهم بال �سبب م�شروع، وبال دليل قاطع على خيانتهم �أمر ال تبيحه ال�شريعة لعموم قوله تعالى َ }:ولاَ َت ْق ُت ُلوا النَّف َْ�س الَّ ِتي َحر ََّم ُ اللهَّ �إِلاَّ بِالحْ َ قّ { (الإ�سراء.)33/
ب��أخ�لاق�ن��ا ال�سامية ال��رف�ي�ع��ة م��ا دام ملتزما ب��آداب�ن��ا وت�شريعاتنا ،فال�سياح القادمون بق�صد ال�سياحة يجب علينا املحافظة على �أرواحهم و�أعرا�ضهم و�أموالهم و ذرياتهم، فال يجوز االعتداء عليهم يف �شيء من حقوقهم ما داموا ملتزمني ب�شروط امل�سلمني عليهم ،ف ��إذا ظهر من ه�ؤالء ال�سياح �أمارات اخليانة للم�سلمني ،وعدم االلتزام بالوفاء ب�شروط الزيارة وجب عند ذلك التعر�ض لهم ،ومعاقبتهم على ذلك . وه��ذا ال يتنافى مع �ضرورة ر�صد حركاتهم و�أقوالهم وات�صاالتهم كما �أ�سلفنا حتى ن�أمن �شرهم ومكرهم�،إن كان لديهم ما يخفونه من م�ؤامرات �أو كيد لأمة الإ�سالم. والذي يحمل على هذا النوع من االعتداء على ال�سياح وهو من الإرهاب املذموم ،املنهج احلريف يف تف�سري بع�ض الن�صو�ص،واالنتقاء لآيات و�أحاديث معينة والتم�سك املطلق بظاهرها ومن هذه الن�صو�ص الوقوف عند ظاهر الن�ص يف قوله تعالىَ } :ف�إِذَ ا ان َْ�س َلخَ ْ أ الَ�شْ ُه ُر الحْ ُ ُر ُم فَا ْق ُت ُلوا المْ ُ�شْ رِ ِك َني وه ْم َوا ْق ُع ُدوا َل ُه ْم ُكلَّ وه ْم َو ْاح ُ�ص ُر ُ وه ْم َوخُ ذُ ُ َح ْيثُ َو َج ْدتمُ ُ ُ َم ْر َ�صد{(التوبة،)5/فظاهر الن�ص القر�آين يقت�ضي �أن يقتل كل من عرث عليه من امل�شركني يف �أي موقع كان و�إن مل يكن يف �ساحة قتال
فال يباح دم من دخل �إلى بالد امل�سلمني بطريق م�شروع، يقول اب��ن عا�شور :ه��ذه الآي��ة ن�سخت �آي��ات امل��وادع��ة ال �سيما و�أن للم�سلمني رعايا يف تلك الدول فر�ضت عليهم واملعاهدة وقد عمت جميع امل�شركني وجميع البقاع �إال ما ظروف بالدهم مغادرتها قهرا �إلى تلك البالد وباعتداء خ�ص�صته الأدلة من الكتاب وال�سنة (. )31 اجلهلة منا على ال��زائ��ر من تلك البالد نعر�ض �أولئك واحلق �أن امل�سلم ال ينبغي �أن يتعجل يف �أخذ الأحكام امل�سلمني لالعتداء عليهم من قبلهم �أي�ضا وهو مف�سدة ال من �آية دون النظر يف الآيات والأحاديث الأخرى املتعلقة تخفى ودفع املفا�سد �أولى من جلب امل�صالح . باملو�ضوع املطروح للحوار ،فقد جاء اخلطاب القر�آين يف ولكن يف نف�س ال��وق��ت يبقى واج��ب ديني على رج��ال موا�ضع �أخرى بعدم الإذن باالعتداء �إال على من اعتدى على الأم ��ن والأج �ه��زة امل��وك��ول��ة ب��ذل��ك ال�ت��أك��د م��ن �شخ�صية امل�سلمني وذلك يف قوله تعالى َ }:و َقا ِت ُلوا فيِ َ�سبِيلِ ا ِ ين للهَّ ال َِّذ َ امل ��أذون لهم بدخول بالد امل�سلمني،حتى ال يكون ال�سياح َ لاَ لاَ ُ ُ ِ ِ ِ ُ َ لمْ ين{ِ (البقرة.)190/ و�سيلة جت�س�س على العامل الإ��س�لام��ي ،فقد نك�سب ماال ُيقَاتلونك ْم َو َت ْع َت ُدوا �إِنَّ اللهَّ ُيح ُّب ا ْعتَد َ بخ�سا بقدومهم،ونخ�سر ديارنا وعقيدتنا فيعرفون موا�ضع فالقتال يف �سبيل اهلل ال يكون باالعتداء ظلما �إذ ال غاية ال�ضعف فينا،وميكنون الأم��م م��ن بلدنا،فيجب على من وكل �إليه �أمر الأمن يف الدولة الإ�سالمية �أن يتقي اهلل يف له �إال االنت�صار للحق،والتمكني له،فهذه الآية من دعائم موقعه فري�صد حتركات ه�ؤالء الزوار من الكفار و�أقوالهم العدل التي قام على �أ�سا�سها القتال يف ال�شّ رع ،فهو قتال بني الإميان وال�شرك ودفع لعدوان امل�شركني عن امل�ؤمنني ()32 وات�صاالتهم للت�أكد من �سالمة نواياهم.. وقد علمنا الإ�سالم �أن نعامل من جاء لأج��ل زيارتنا - 30حممد بن يو�سف (�أبو حيان) ،البحر املحيط يف التف�سري- 3 1 ،ابن عا�شور ،التحرير والتنوير)115/2( ، - 32عبد الكرمي اخلطيب ،التف�سري القر�آين للقر�آن)212/1(، دار الفكر ،بريوت)374/5(،1992 ، � 70إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
وقد نقل القرطبي قول ال�ضحاك بن�سخ قوله تعالى } َف�إِذَ ا وه ْم ان َْ�س َلخَ َْ أ ال�شْ ُه ُر الحْ ُ ُر ُم فَا ْق ُت ُلوا المْ ُ�شْ رِ ِك َني َح ْيثُ َو َج ْدتمُ ُ ُ وه ْم َوا ْق ُع ُدوا َل ُه ْم ُكلَّ َم ْر َ�صد{ٍ (التوبة)5/ وه ْم َو ْاح ُ�ص ُر ُ َوخُ ذُ ُ ين َك َف ُروا ف ََ�ض ْر َب ال ِّر َق ِ اب لقوله �سبحانه َ }:ف ِ�إذَ ا َل ِقيت ُُم ال َِّذ َ وه ْم ف َُ�ش ُّدوا ا ْل َو َثاقَ َف ِ�إمَّا َمنًّا َب ْع ُد َو�إِمَّ��ا َحتَّى �إِذَ ا �أَ ْثخَ ْن ُت ُم ُ ِف َدا ًء{(حممد )4/ثم بني �أن ال�صواب �أن الآيتني كلتيهما حمكمتان،لأن املن والقتل والفداء مل يزل من حكم ر�سول ومن خالل الن�ص ال�سابق نالحظ �أن اهلل �أثبت لويل اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم . ال��دم ال�سلطان على القاتل ب��أح��د �أمرين:بالق�صا�ص ول��و �أخ��ذت الآي��ة التي يف �سورة التوبة على ظاهرها (القود) بعد حكم القا�ضي و�إ�شرافه�،أو بالعفو عنه بالدية بقتال الكفار �أينما وجدناهم لتنافت مع الآيات التي جاءت �أوجمانا "وهذا ال�سلطان لويل الدم مقيد ب�أن ال ي�سرف بعدها يف ال�سياق يف قوله تعالى } :و�إِ ْن �أَح ٌد ِم َن المْ ُ�شْ رِ ِك َني يف القتل ،فال ينبغي �أن ي�سرف يف قتل القاتل ب�أن ميثل َ للهَّ َ ُثمَّ �أَب ِل ْغ ُه م�أْم َن ُه بالقاتل �أو يقت�ص من غريه كعادة �أهل اجلاهلية ،وبع�ض ا�ست ََجا َر َك َف َ�أجِ ْر ُه َحتَّى َي ْ�س َم َع كَلاَ َم ا ِ ْ ْ َ َ اجلاهلني اليوم الذين يقتلون اجلماعة بالواحد ت�شفيا َ ذَ ِل َك ِب�أنَّ ُه ْم َق ْو ٌم لاَ َي ْع َل ُم َ ون {(التوبة،)6/ولتنافت �أي�ضا مع وا�ستعالء "(.)35 الدينِ َق ْد َت َب َينَّ ال ُّر�شْ ُد ِم َن ظاهر قوله تعالى " :لاَ �إِ ْك َرا َه فيِ ِّ ا ْلغ َِّي "( البقرة . ) 256 / وه ��ذا ي��وج��ب ع�ل��ى �أول� �ي ��اء الأم� ��ور يف ال��دول��ة عمل ومن �أجمل ما وجدته حول هذا املو�ضوع ما ذهب �إليه االحتياطات ال�لازم��ة حلماية املجتمع من قتل ال�ث��أر �أو ال�شعراوي يف تف�سريه �أن ما جاء يف �سورة التوبة من الأمر الإ�سراف فيه ،بالو�سائل املتعددة كاحلرا�سة لأهل القاتل بالقتال بعد ان�سالخ الأ�شهر احل��رم خا�ص بالعرب دون ونحوها . غريهم معلال ذلك ب�أنه وجب التفريق بني بيئة نزل فيها �ساد�سا – اغتيال بع�ض ال�شخ�صيات ظلما القر�آن بلغة �أهلها على ر�سول من �أنف�سهم،وبيئة �أخرى لها �أحكام خا�صة ،فالذين يعرفون الر�سول ال يقبل منهم ومن ذلك القتل واالعتداء الذي يقع على بع�ض رجال �إال �أن ي�سلموا ،وال يقبل منهم �أن يظلوا يف �أر�ض الر�سالة بال �إ�سالم ،بخالف مكان �آخر مثل فار�س والروم الذين الأمن يف البالد الإ�سالمية وتكفريهم بغري وجه حق ،بحجة مل يعرفوا �إعجاز ال�ق��ر�آن وبالتايل ال يكون الإك��راه لهم �أنهم يعملون مع �أنظمة تق�صي �شرع اهلل ،وحتّكم القانون فالإكراه للعرب كان ل�سببني :الأول� :أن الر�سول منهم وهم الو�ضعي يف واقع احلياة ،في�ستبيحون بذلك دماءهم . �أع��رف النا�س به ،والثاين �:أن املعجزة ج��اءت بل�سانهم ومن هذا القبيل �أي�ضا اعتبار املجتمعات الإ�سالمية ( )33وبناء عليه يبقى عدم الإكراه قائما يف حق الب�شرية وعليه فال يجوز التجر�ؤ على هذه النف�س باالعتداء �أو �إراقة املعا�صرة كافرة،لأنها حتكم بقوانني و�ضعية وبناء عليه يتم ا�ستخدام العنف وتخريب م�ؤ�س�سات املجتمع الإن�ساين ()36 الدماء . فالقتل بغري احل��ق جرمية و�إف�ساد و�ضرر واع�ت��داء، و�إخ�لال بالأمن ،ي ��ؤدي �إل��ى اال�ضطراب يف املجتمع،وهو �سبيل النقرا�ض الب�شرية،واهلل يقولَ }:ولاَ َت ْق ُت ُلوا النَّف َْ�س الَّ ِتي َحر ََّم ُ اللهَّ �إِلاَّ بِالحْ َ قِّ َو َم ْن ُق ِت َل َم ْظ ُل ًوما َفق َْد َج َع ْلنَا ِل َو ِل ِّي ِه ْ�صو ًرا {(الإ�سراء ُ�س ْل َطا ًنا َفلاَ ُي ْ�سرِ ْف فيِ ا ْل َق ْتلِ �إِنَّ ُه َك َان َمن ُ .)33/
خام�سا-الإ�سراف يف االنتقام والث�أر حتى يطال الأبرياء الآمنني و�سبب هذا النوع من الإرهاب يعود حلب الث�أر والتجاوز يف االنتقام ،فاهلل عز وجل قد حرم قتل النف�س �إال بحق �شرعي،وهو يف �إح��دى ثالث ":ال يحل دم ام��رىء م�سلم ي�شهد �أن ال �إله �إال اهلل و�أن حممدا ر�سول اهلل �إال ب�إحدى ث�لاث :الثيب ال��زاين والنف�س بالنف�س وال �ت��ارك لدينه املفارق للجماعة "()34
وذل ��ك م��ن ق�ب��ل ط��ائ�ف��ة ي�ق�ف��ون ع�ن��د ظ��واه��ر بع�ض الن�صو�ص من غري النظر بعني مب�صرة يف حقيقة املراد منها ،وذل��ك كالوقوف عند ظاهر احلكم بكفر التارك ل�شرع اهلل دون تفريق بني من ت��رك ج��اح��دا،وم��ن ترك متهاونا �أو خائفا من �سطوة دولة �أخ��رى يف قوله تعالى: } َو َم� ْ�ن لمَ ْ َي ْح ُك ْم بمِ َ ��ا �أَ ْن��زَ لَ ُ ون اللهَّ َف�أُو َل ِئ َك ُه� ُ�م ا ْل َكا ِف ُر َ {(املائدة )44/فيحكمون بناء على ذلك بكفر من مل يحكم
- 35د.وه�ب��ة الزحيلي ،التف�سري املنري يف العقيدة وال�شريعة - 33انظر ال�شعراوي ،تف�سري ال�شعراوي)4878 -4877/8( ، واملنهج ،دار الفكر املعا�صر ،بريوت)72/15( ، � - 34أخ��رج��ه �أحمد يف م�سند املكرثين من ال�صحابة ،م�سند � - 36أحمد �أب��و الرو�س ،الإره��اب والتطرف والعنف يف الدول �أحمد�،أحمد بن حنبل ،دار الفكر ،بريوت)428/1( ، العربية ،املكتب اجلامعي احلديث ،اال�سكندرية�،2001 ،ص25 ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
71
مبا �أنزل اهلل مطلقا ،وكفر من يعمل ب�إمرتهم لر�ضاه بالعمل مع من كفر برتك حكم اهلل تعالى ،وي�ستبيحون دماءهم. علما �أن جمهور املف�سرين ذهبوا �إلى القول�:إنها نزلت يف اليهود حني حاولوا كتم حكم الرجم للزاين،ولكنها ت�شمل غريهم ممن هذا حاله( )37و�أم��ا امل�سلم فال يكفر برتك حكم اهلل �إال عن جحد()38 واحل��ق �أن العربة بعموم اللفظ ال بخ�صو�ص ال�سبب، في�شمل احلكم يف الآية اليهود وغريهم ممن ترك حكم اهلل جحدا و�إنكارا ،وال ي�شمل من تركه خوفا وجبنا� ،أو تكا�سال وتخاذال وتهاونا،بدليل تنويع الأحكام الواردة يف الآيات من �سورة املائدة لتاركي العمل �أو لغري العاملني بحكم اهلل، حيث جاء احلكم بظلم التارك ل�شرع اهلل يف مو�ضع �آخر يف قوله تعالىَ }:و َم ْن لمَ ْ َي ْح ُك ْم بمِ َ ا �أَ ْنزَ لَ ُ اللهَّ َف�أُو َل ِئ َك ُه ُم ون { (امل��ائ��دة ،)45/واحلكم بالف�سق يف مو�ضع ثالث الظَّالمِ ُ َ يف قوله تعالىَ }:و َم ْن لمَ ْ َي ْح ُك ْم بمِ َ ا �أَ ْنزَ لَ ُ اللهَّ َف�أُو َل ِئ َك ُه ُم ا ْلف ِ ُون{(املائدة ،)47/وهو ر�أي كبار التابعني مثل عكرمة َا�سق َ ()40 ()39 وطاوو�س واحل�سن الب�صري .
املبحث الثاين : �أق�سام الإرهاب و�أ�سبابه و�سبل عالجه والإرهاب ينق�سم �إلى �أق�سام متعددة فمن حيث الفاعل قد يكون فرديا ،وقد يكون جماعيا ،وي�شمل جميع نواحي احلياة ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والفكرية وقد يكون ماديا وفكريا وعقليا معا ،ومن حيث الواقع والتطبيق ينق�سم �أي�ضا �إلى ق�سمني ،فقد يقع من الإن�سان لالعتداء، و قد يقع منه للدفع وهو اجلانب الذي تعاجله هذه الدرا�سة، �أم��ا �أ�سباب الإره��اب ودوافعه ف�إنها تختلف يف درجة �أهميتها ،ومدى ت�أثريها باختالف املجتمع الذي ن�ش�أت فيه، بح�سب الظروف ال�سيا�سية ،و االقت�صادية واالجتماعية، و�أحوال النا�س الدينية ،ولذا ف�إن ما ي�صدق على جمتمع قد ال ي�صدق بال�ضرورة على جمتمع �آخر . ولكن الإره��اب ب�أنواعه املختلفة له دواف��ع و�أ�سباب، �أجملها يف الآتي :
-1الأطماع ال�سيا�سية لدى الدول القوية التي ال حتكم �شرع اهلل يف العامل حتملها يف بع�ض الأح�ي��ان على تر�سيخ وال يعني القول بعدم كفرهم ،الر�ضا مبا ي�صدر عنهم �سلطتها ،وتو�سيع �سيطرتها على ال�شعوب ال�ضعيفة، من خمالفة لل�شرع �أو القعود عن بذل اجلهد يف حملهم وعلى ال��دول الأق��ل منوا وتقدما ( )41الأم��ر الذي يولد على حتكيم �شرع اهلل يف الأر���ض ،لأننا م�أمورون ب�إقامته �إرهابا دوليا. وم�أمورون بالطاعة يف غري مع�صية هلل،لكنني ال �أرى �إباحة دمائهم حتى ال ت�صبح بالد امل�سلمني مرتعا للفنت يقتلون -2الرغبة بال�سيطرة على الرثوات يف العامل من قبل بع�ض �أنف�سهم وي�سفكون دماء بع�ضهم،والعدو ال�صليبي واليهودي الأمم التي تتمتع بالقوة ،فالقوة التي ال يحكمها �شرع اهلل يطغى �أ�صحابها ويحاولون من خاللها ال�سيطرة على يرتب�ص بهم مـن حولهم . الأمم من حولهم و�إرعابها وال�سيطرة على خرياتها وقد �ضرب لنا القر�آن مثال بقوم غرتهم قوتهم وهم قوم عاد َا�س َت ْكبرَ ُ وا فيِ ْ أ الَ ْر ِ�ض ِب َغيرْ ِ الحْ َ قِّ فقال تعالى } َف�أَمَّا َعا ٌد ف ْ َ َو َقا ُلوا َم ْن �أَ�شَ ُّد ِمنَّا ُقوَّ ًة �أَ َولمَ ْ َي َر ْوا �أَنَّ اللهَّ ال َِّذي خَ َل َق ُه ْم ُه َو �أَ�شَ ُّد ِم ْن ُه ْم ُقوَّ ًة {(ف�صلت )15/ومما ال�شك فيه �أن - 37حممد بن جرير الطربي ،جامع البيان عن ت�أويل �آي القر�آن، العداء بني احلق والباطل واقع منذ القدم ،وهو باق �إلى دار الفكر ،بريوت )342/4( ، �أن يرث اهلل الأر�ض ومن عليها ،فمنذ بعثة الر�سول �صلى وانظر حممد بن �أحمد ال�سمرقندي ،بحر العلوم ،دار الكتب اهلل عليه و�سلم والأعداء ميكرون لهذا الدين ،و�أتباعه، العلمية ،بريوت1993 ،م)439/1(، ويحاولون ال�سيطرة على �أر�ضه وديارهم وممتلكاتهم، وما حدث ل�صهيب الرومي �شاهد �صريح على ذلك . وانظر � - :سليمان العجيلي ،الفتوحات الإلهية ،دار الكتب العلمية، بريوت1996 ،م)229/2(، - 38القرطبي ،اجلامع لأحكام القر�آن)124/6( ، - 39انظر ابن عطية ،املحرر الوجيز يف تف�سري الكتاب العزيز- 41 ،انظر د�.أدوني�س العكره ،الإره��اب ال�سيا�سي بحث يف �أ�صول الظاهرة و�أبعادها الإن�سانية ،دار الطليعة للطباعة ،بريوت، ()112/5 �ص7 - 40القرطبي ،اجلامع لأحكام القر�آن)189/6(،
� 72إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
اجلهل يف الدين وهو من �أخطر الأ�سباب .
-3ظ�ه��ور احل��رك��ات املتطرفة يف ال �ع��امل كال�صهيونية العاملية وال�صليبية احلاقدة التي حتاول �إعادة احلروب ظهور بع�ض اجلماعات احلزبية املت�شددة التي ترفع ال�صليبية من جديد ،وال�سيطرة على العامل الإ�سالمي ب�أ�سره ،فتتبع كل الو�سائل التي حتقق لها �أهدافها �شعارات �إ�سالمية وهي ترنو للو�صول �إلى ال�سلطة اال�ستعمارية،وبذلك تثري هذه احلركات القلق الدائم ت�أثر بع�ض اجلماعات املعا�صرة بفكر اخلوارج و�إعادة يف النا�س وتزعزع اال�ستقرار يف العامل. طرح تلكم الأفكار من جديد ومن ذلك تكفري امل�سلمني بغري � -4ضعف ال��وازع الديني ل��دى بع�ض النا�س يجعلهم ال حق يتورعون عن �أي عمل يحقق لهم ك�سب املال �أو غريه من و�أما �سبل العالج فهي كثرية �أذكر منها : متاع احلياة الدنيا ب�أي طريق حل �أو حرم ،فما ي�صيب النا�س من �ضر و�ضيق �سواء �أكان ماليا� ،أو �أمنيا ،فرد ًّيا -1احلر�ص على تربية الأجيال من املهد �إلى اللحد تربية كان �أو جماع ًّيا ،فب�سبب معا�صيهم ،و�إهمالهم لأوامر �إميانية �سليمة ،تقوم على �أ�سا�س النبع ال�صايف كتاب اهلل Uون�سيانهم �شريعة اهلل ،والتما�سهم احلكم بني اهلل و�سنة ر�سوله حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ،وذلك من النا�س من غري �شريعة اهلل وهو الأعلم مب�صاحلهم من خالل ن�شر العلم ال�شرعي امل�ستمد من ن�صو�ص الكتاب �أنف�سهم ( )42الأمر الذي يرتتب عليه يف بع�ض الأحيان ،وال�سنة ،وفق فهم �سلف الأمة ،من ال�صحابة والتابعني �سفك الدماء ،وهتك الأعرا�ض ،واالعتداء على ال�شيوخ و�أئمة امل�سلمني، والأطفال والن�ساء ،وهذا الأمر يلقي على كاهل علماء ال�شريعة دورا كبريا يتطلب منهم �أن يو�سعوا �صدورهم -2حر�ص �أولياء الأمور يف الدولة على توفري احلياة الكرمية للنا�س ،و�أن يوجهوهم للحق ،وي�صرفوا عواطفهم �إلى ملواطنيهم و�إزال ��ة جيوب الفقر م��ن ه��ذه املجتمعات ما ير�ضي احلق تبارك تعالى ،و�أن يوجهوا طاقاتهم �إلى بالو�سائل امل�شروعة املختلفة ما يعود عليهم وعلى �أمتهم باخلري والربكة . -3مم��ا ي�ساعد على موجهة الإره� ��اب امل�ع�ت��دي جمع -5اال�ضطهاد والظلم الذي يتعر�ض له بع�ض النا�س يف املعلومات الدقيقة عنه،وعن من يقومون به ويخططون بع�ض ال��دول التي يتولى �أمرها مت�سلطون ،متجربون له ،الأم��ر ال��ذي ميكن الدولة من ا�ستخدام الو�سائل قد ي�ؤدي �إلى توليد انفجار فيها ،يقوم على �أ�سا�سه من املنا�سبة ل�صـده فمـن ميلك املعلومـات ميلك خطا من �أقوى خطوط الدفاع (. )43 يتعر�ض لل�ضرر بارتكاب �ضرر �أ�شد ،ال يفرق فيه بني املعتدي وغريه،فيعمل على تدمري امل�ؤ�س�سات املختلفة -4الرقابة الدائمة والعمل املتوا�صل ممن ي�شرفون على يف الدولة،وهذا دافع خطري من �أخطر دوافع الإرهاب �أم��ن النا�س وا�ستقرارهم ،ملنع الإره��اب املعتدي يف � ،إذ النف�س الب�شرية تتوق �إلى االنتقام والث�أر .و�إن مما داخل الدولة ،والقادم من خارجها ،وعدم متكينه من ال �شك فيه �أن امل�سيء ي�ستحق العقاب والت�أديب �إذا ارتكاب ما يخل ب�أمن النا�س وا�ستقرارهم. مل ينفع معه التوجيه ،وذل��ك ل��رده �إل��ى ج��ادة الطريق وحلماية املجتمع من �شره وظلمه،لكن على �أن ال نتجاوز -5يجب �أن يالحظ حال معاجلة الإره��اب �أن ا�ستخدام احلد يف عقابه لدرجة حتمله على االنتقام من كل �شيء العنف دائما يف مقاومته من قبل الدول قد يولد عنفا �أ�شد،فينبغي �أن ن�سلك معه �سبيل احلوار البناء يف بع�ض يف املجتمع مراحل مقاومته،و�أن ال ن�ستخدم العنف وال�شدة �إال يف الفقر والبطالة ،وعدم وجود فر�ص عمل ،قد ي�ؤديان مرحلة مت�أخرة،فا�ستعمال العنف مبا�شرة يف وجه من �إلى ال�ضغينة واحلقد يف بع�ض النفو�س ويولدان م�شاعر ت�صدر عنهم بع�ض الأعمال الإرهابية املعتدية،قد يزيل الكراهية والبغ�ضاء يف نفو�س بع�ض الأف��راد ،وجتعل من الإرهاب من املكان املوجود فيه ،وينقله �إلى موقع �آخر يف الذين يعانون من ذلك هدفًا لأ�صحاب التوجهات ال�ضالة ،الدولة (. )44 فيقومون با�ستدراج ه ��ؤالء الفقراء وا�ستغالل حاجتهم، - 43انظر حممد مراد ،العرب والإرهاب ،الهيئة العامة للكتاب، في�شرتون �ضمائرهم بثمن بخ�س .
القاهرة �ص87 -42 42ا نظر :ابن عثيمني � -أثر املعا�صي على الفرد واملجتمع - 44 ،انظر د .ح�سني عبد احلميد �أحمد ،الإرهاب والتطرف من �ص.8-7 منظور علم االجتماع ،م�ؤ�س�سة �شباب اجلامعة ،اال�سكندرية، ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
73
� -6إحياء روح اجلهاد يف الأم��ة ،مما ميكنها من مقاومة املعتدي ،وحماية البي�ضة و�إعالء كلمة الدين ،والوقوف يف وجه الإرهابيني املعتدين
ا�ستطاعته وم�س�ؤولياته العمل على تخلي�ص العامل من الإرهاب املعتدي ليطمئن النا�س وي�أمنوا على �أنف�سهم و�أموالهم.
-7العمل على تقوية اجليو�ش وتوحيدها يف العامل الإ�سالمي -2رد االعتداء على الأر�ض والعر�ض واملال والدين ومقاومة ومدها بكل و�سائل القوة احلديثة املتطورة ،بحيث ي�شعر من يقدمون على ذلك بكل الو�سائل امل�شروعة مقاومة �أعداء الأمة بقوتها ووحدتنا ،الأمر الذي يزيل �أو ي�ضع ممدوحة بل مطلوبة �شرعا وعقال. حدا لأطماعهم ب�أر�ضنا ،وديارنا ،وخريات بالدنا . -3و�صم امل�سلمني بالإرهاب حال مقاومتهم لعدوهم � -8إحياء �شعرية الأمر باملعروف والنهي عن املنكر وترغيب ال يزيدهم �إال ثباتا وثقة بن�صر اهلل عز وجل ،فاحلق النا�س وحثهم على العمل ب�شرع اهلل وحتذيرهم من �أبلج والباطل جللج خمالفته وبيان ما يرتتب على ذلك من عواقب � -4إن دعم الرعب والعنف واخلوف يف املجتمعات من الأمور 9حت�صني املجتمع امل�سلم من الأفكار املنحرفة �سواء �أكانت التي ت ��ؤدي �إل��ى اهتزاز الثقة يف القانون وامل�ؤ�س�سات غالية مت�أثرة بفكر اخلوارج �أو مت�ساهلة مت�أثرة بالفكر الأمنية يف الدولة،الأمر الذي يوجب على الأمة النهو�ض بقوة يف وجه املعتدي،وعدم الت�ساهل يف خطره لتحقيق التغريبي الأمن واال�ستقرار فيها. بيان معنى الو�سطية احلقة وحث النا�س على العمل بها � -5إن �سوء الفهم ملعنى الإره��اب امل�شروع ،وع��دم الفهم ون�شرها . ال�صحيح لن�صو�ص الكتاب وال�سنة لدى بع�ض امل�سلمني م��ن الأم ��ور التي توجب على كاهل �أه��ل العلم تنوير خامتة النا�س،وتب�صريهم بحقائق الدين . الإره��اب م�ستقبح �شرعا لكونه اعتداء بغري وجه حق حيث يعر�ض املمتلكات للدمار ،ويهلك احل��رث والن�سل -6الإرهاب مبعنى االعتداء �أمر ال يجيزه كتاب اهلل ويحول دون تقدم العمران ،وقد تو�صلت من خالل دار�سته وال �سنة نبيه،و�إمنا هو من تفكري املف�سدين يف الأر�ض من �شياطني اجلن والإن�س. من منظور قر�آين �إلى النتائج الآتية : � -1إن على جميع املن�صفني يف العامل قادة و�شعوبا كل بقدر -7ممار�سة الظلم والعدوان من الدول املتجربة �أمر يولد املقاومة وح��ب االنتقام بل والتجاوز فيه يف كثري من الأحيان. �ص118 مراجع البحث �إر�شاد العقل ال�سليم �إلى مزايا القر�آن الكرمي� ،أبو ال�سعود حممد بنحممد العمادي ،دار �إحياء الرتاث العربي ،بريوت1994، -
الإره��اب والتطرف من منظور علم االجتماع ،د .ح�سني عبد احلميد�أحمد ،م�ؤ�س�سة �شباب اجلامعة ،اال�سكندرية الإره ��اب والعنف وجهان لعملة واح��دة ،مركز املعلومات واخلدماتالثقافية والإن�سانية ،دار جامعة عدن ،اليمن،
الإرهاب �أنواعه و�أخطاره ،عبد احلميد ال�سائح ،دار ال�صباح،عمان الإرهاب والتطرف والعنف يف الدول العربية� ،أحمد �أبو الرو�س ،املكتبالإره��اب الدويل بني التجرمي واملكافحة ،ح�سنني املحمدى ب��وادى ،دار اجلامعي احلديث ،اال�سكندرية2001 ،م الفكر اجلامعي القاهرة . �أ�سد الغابة يف معرفة ال�صحابة ،دار املعرفة ،بريوت ،ابن الأثري اجلزري،الإرهاب يف العاملني العربي والغربي،الدكتور �أحمد يو�سف التل ،عمان دار املعرفة ،بريوت. املطبعة الوطنية الإره��اب التهديد والرد عليه� ،إريك موري�س ،ترجمة د � .أحمد حمدي -بحر العلوم ،حممد بن �أحمد ال�سمرقندي ،دار الكتب العلمية ،بريوت، 1993م حممود،الهيئة امل�صرية للكتاب ،القاهرة الإرهاب الدويل بني التجرمي واملكافحة ،ح�سنني املحمدي ،دار الكتاب -البحر املحيط يف التف�سري ،حممد بن يو�سف (�أبو حيان) ،دار الفكر، بريوت العربي ،بريوت
الإرهاب ال�سيا�سي بحث يف �أ�صول الظاهرة و�أبعادها الإن�سانية ،د�.أدوني�س -بدائع ال�صنائع يف ترتيب ال�شرائع� ،أبو بكر بن م�سعود الك�ساين ،دارالكتب العلمية ،بريوت العكره،دار الطليعة للطباعة ،بريوت
� 74إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
تاريخ الإرهاب يف العامل ،فوزي �شعبان ،دار الأحمدي للن�شر،القاهرة - ،جممع البيان يف تف�سري القر�آن �أبوعلي الف�ضل بن احل�سن الطرب�سي،ط2003 ،1م مكتبة احلياة ،بريوت تاج العرو�س من جواهر القامو�س ،حممد مرت�ضى الزبيدي ،دار الفكر - ،ل�سان العرب ،حممد بن مكرم بن منظور ،،م�ؤ�س�سة التاريخ العربي،بريوت بريوت -التحرير والتنوير ،حممد الطاهر بن عا�شور ،الدار التون�سية ،تون�س
املحرر الوجيز يف تف�سري الكتاب العزيز عبد احلق بن غالب ،دار الكتبالعلمية ،بريوت
-تف�سري القر�آن احلكيم ،حممد ر�شيد ر�ضا ،دار الفكر ،بريوت
حممد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم منهج ور�سالة ،حممد ال�صادقعرجون ،دار القلم ،دم�شق
تف�سري ال�شعراوي ،حممد متويل �شعراوي� ،أخبار اليوم ،القاهرة -
تف�سري القر�آن العظيم� ،أب��و الفداء �إ�سماعيل بن كثري ،دار الفيحاء - ،م�سند �أحمد� ،أحمد بن حنبل ،دار الفكر ،بريوت دم�شق معجم املقايي�س يف اللغة�،أحمد بن فار�س ،دار الفكر ،بريوتالتف�سري القر�آين للقر�آن،عبد الكرمي اخلطيب ،دار الفكر ،بريوت املعجم الو�سيط� ،إبراهيم م�صطفى وزمال�ؤه ،دار الدعوة ،تركياالتف�سري املنري يف العقيدة وال�شريعة واملنهج ،د.وهبة الزحيلي ،دار الفكر املعا�صر ،بريوت مو�سوعة الثقافة ال�سيا�سية االجتماعية االقت�صادية الع�سكرية..م�صطلحات ومفاهيم ،عامر ر�شيد مب ّي�ض ،دار املعارف،حم�ص، التف�سري الوا�ضح ،حممد حممود حجازي ،دار اجليل ،بريوت 2000م ،ط1
جامع البيان عن ت�أويل �آي القر�آن،حممد بن جرير الطربي ،دار الفكر - ،املوط�أ ،مالك بن �أن�س ،دار الكتاب العربي ،بريوتبريوت اجلامع ال�صحيح "�سنن الرتمذي� ،أبو عي�سى �أحمد بن عي�سى ،الرتمذي،دار �إحياء الرتاث ،بريوت1995، اجلامع لأحكام القر�آن الكرمي� ،أبو عبداهلل حممد بن �أحمد القرطبي،دار الكاتب العربي،القاهرة �سنن �أبي داوود�،أبو داوود �سليمان بن الأ�شعث ،دار الفكر ،بريوت �سنن الدارمي� ،أبو حممد عبد اهلل بن عبد الرحمن الدارمي ،دار الكتبالعلمية ،بريوت ال�سرية النبوية ،عبد امللك بن ه�شام ،مكتبة الإميان ،املن�صورة ال�سرية النبوية ال�صحيحة�،أكرم �ضياء العمري ،مكتبة العبيكان،الريا�ض198 ، �صحيح البخاري ،حممد بن �إ�سماعيل البخاري/ ،دار اجليل ،بريوت� -صحيح م�سلم ،م�سلم بن احلجاج ،دار الكتب العلمية ،بريوت
تعالج هذه الدرا�سة الإره��اب من منظور قر�آين حيث ب َينت معناه يف اللغة واال�صطالح وا�ستعماالت القر�آن له، و�صوره التي حذر منها القر�آن الكرمي ،و�أو�ضحت �أق�سامه، والأ�سباب التي �أدت �إلى وج��وده و�سبل عالجه من خالل الكتاب وال�سنة وقد تو�صلت هذه الدرا�سة �إلى نتائج من �أهمها� ،إنه على جميع املن�صفني يف العامل قادة و�شعوبا كل بقدر ا�ستطاعته وم�س�ؤولياته العمل على تخلي�ص العامل من الإرهاب ليطمئن النا�س وي�أمنوا على �أنف�سهم و�أموالهم. ABSTRACT
�صفوة التفا�سري ،حممد على ال�صابوين ،دار القر�آن الكرمي ،بريو العرب والإرهاب ،حممد مراد ،الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة العنف والإن�سان ،توما�س بال�س ،ترجمة د عبد الهادي عبد الرحمن ،دارالطليعة للطباعة والن�شر ،بريوت،1990 ،ط.1 فتح ال �ب��اري ب�شرح �صحيح ال�ب�خ��اري� ،أح�م��د ب��ن ح�ج��ر ،دار �إح�ي��اءالرتاث،بريوت الفقه الإ�سالمي و�أدلته ،د .وهبة الزحيلي ،،دار الفكر بريوت1989 ،م يف ظالل القر�آن� ،سيد قطب �إبراهيم دار ال�شروق ،بريوت الفتوحات الإلهية� ،سليمان العجيلي ،،دار الكتب العلمية ،بريوت1996 ،م القامو�س املحيط ،جمد الدين حممد بن يعقوب الفريوز �آب��ادي ،دارالفكر ،بريوت -كتاب املغازي ،حممد بن عمر الواقدي ،عامل الكتاب ،بريوت
ملخ�ص
This study dealt with terrorism from the Quranic perspective where indicated its meaning in the language and terminology and uses of the Koran and his image that warned them the Koran and explained the divisions and the reasons that led to the existence and ways of treatment through the Quran and Sunnah. This study found the results of the most important that all fair-minded people in the world’s leaders and all peoples as much as he could and responsibilities of work to rid the world of terrorism to reassure people and achieve immunity for themselves and their money.
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
75
فتاوى اسالمية
فتاوى �شرعية �إ�رشاف �أ.د .حممد الق�ضاة
• ال�س�ؤال: م�ت��ى ُي�ستحب ال���س�لام وم �ت��ى ُي �ك��ره وم��ا ح�ك��م ال��رد على من �سلَّم؟
بع�ضهم بوجوبه ،والقاعدة عندهم" :كل حمل ال ُي�شرع فيه ال�سالم ال يجب رده" "حا�شية ابن عابدين" (.)618 / 1
�أما ال�شافعية فذهبوا �إلى وجوب الرد عليه ،كما قال الإم��ام الرملي رحمه اهلل" :ولو �سلم داخ��ل على م�ستمع • اجلواب : اخلطبة واخلطيب يخطب وجب عليه الرد و�إن كان ال�سالم احلمد هلل ،وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل مكروه ًا� ....إذ القاعدة �أغلبية ،و�إمنا مل يجب الرد على نحو قا�ضي احلاجة؛ لأن اخلطاب منه ومعه �سفه وقلة مروءة، �أمر الإ�سالم ب�إف�شاء ال�سالم؛ ملا يف ذلك من �أثر كبري فال يالئمه �إيجاب الرد" "نهاية املحتاج" ( .)321/ 2واهلل يف توثيق �أوا�صر الألفة واملحبة بني النا�س ،قال ر�سول اهلل تعالى �أعلم �صلى اهلل عليه و�سلم( :ال َت ْدخُ ُلو َن الجْ َ َّن َة َحتَّى ُت�ؤ ِْمنُوا، • ال�س�ؤال: َوال ُت�ؤ ِْمنُوا َحتَّى تحَ َا ُّبوا� ،أَ َوال �أَ ُد ُّل ُك ْم َعلَى �شَ ْي ٍء �إِ َذا َف َع ْل ُت ُمو ُه ال�سال َم َب ْي َن ُك ْم) رواه م�سلم. تحَ َا َب ْب ُت ْم؟ �أَ ْف ُ�شوا َّ ما حكم �صالة و�إم��ام��ة من ي�صلي بالبنطال ،وحكم ويجب على م��ن �أُل�ق��ي عليه ال�سالم ال��رد؛ لقول اهلل �صالة و�إمامة حليق اللحية؟ وها{ تعالىَ } :و ِ�إذَ ا ُح ِّييت ُْم ِبت َِحيَّ ٍة ف ََح ُّيوا ِب�أَ ْح َ�س َن ِم ْن َها �أَ ْو ُر ُّد َ • اجلواب : (الن�ساء ،)86/ويكفي رد الواحد عن اجلماعة لكونه واجب ًا احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل على الكفاية ،كما قال الإمام زكريا الأن�صاري رحمه اهلل: "ورده -ولو كان امل�س ِّلم �صبي ًا -فر�ض عني �إن كان امل�سلَّم �سرت العورة من �شروط �صحة ال�صالة باتفاق الفقهاء، عليه واح��د ًا مكلف ًا ،وفر�ض كفاية �إن كان جماعة" "�أ�سنى وعورة الرجل ما بني �سرته وركبته ،قال ر�سول اهلل �صلى املطالب" (.)183/ 4 اهلل عليه و�سلم�( :إِ َّن الف َِخ َذ َع�� ْو َر ٌة) رواه الرتمذي وغريه، والأ�صل العام ا�ستحباب ال�سالم �إال يف حاالت حمدودة والواجب يف �سرتها ما ي�سرت لون الب�شرة ،وال ي�ضر كون يكون فيها منهي ًا عنه ،م��ن ذل��ك ال�سالم على م��ن كان ال�سرت بثوب �ضيق طاملا �أنه ي�سرت اللون من �سواد �أو بيا�ض م�شتغ ًال بال�صالة� ،أو الأذان ،والإقامة� ،أو الدعاء� ،أو تالوة �أو غري ذلك ،والأكمل للم�صلي �أن يكون الثوب الذي ي�سرت القر�آن� ،أو التلبية ،و�أثناء در�س التعليم ،وخطبة اجلمعة� ،أو عورته ف�ضفا� ًضا. كان نائم ًا �أو ناع�س ًا� ،أو على من كانت اللقمة يف فمه� ،أو كان قال الإمام النووي رحمه اهلل" :يجب ال�سرت مبا يحول بني م�شتغ ًال بق�ضاء احلاجة ،وعلى من كان يف احلمام ونحوه .الناظر ولون الب�شرة ،فال يكفي ثوب رقيق ُي�شاهد من ورائه �سواد الب�شرة �أو بيا�ضها ،وال يكفي �أي� ًضا الغليظ املهلهل الن�سج ومع كراهة ال�سالم على من كان م�شتغ ًال ب �الأذان �أو الذي يظهر بع�ض العورة من خالله ،فلو �سرت اللون وو�صف الإقامة �أو الدعاء �أو تالوة القر�آن �أو التلبية� ،أو �أثناء در�س حجم الب�شرة كالركبة والإلية ونحوهما �صحت ال�صالة فيه التعليم وخطبة اجلمعة فقد اختلف الفقهاء يف الرد عليه :لوجود ال�سرت ...ويكفي ال�سرت بجميع �أنواع الثياب واجللود والورق واحل�شي�ش املن�سوج وغري ذلك مما ي�سرت لون الب�شرة فذهب ال�سادة الأحناف �إل��ى عدم وج��وب ال��رد ،وقال وهذا ال خالف فيه" "املجموع" (.)170 /3 � 76إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ف ت ا و ى �ش
ف ت ا و ى �
رع ةي
ش ر عية
ف ت ا و ى � ش ر ع ي ة ف ت ا وى
وع�ل�ي��ه ف� ��إن � �ص�لاة م��ن ي�صلي ب��ال�ب�ن�ط��ال و�إم��ام �ت��ه �صحيحتان ،وكذلك �صالة حليق اللحية و�إمامته؛ �إذ لي�س من �شروط �صحة ال�صالة �أو الإمامة �إعفاء اللحية وعدم حلقها �أو ق�صها ،و�إن كان الأكمل للم�سلم �إمام ًا كان �أو م�أموم ًا �أن يعفي حليته اقتداء بالنبي �صلى اهلل عليه و�سلم، وا�ستجابة لأمره حيث يقولَ ( :و ِّف ُروا ال ِّل َحى) رواه البخاري وغريه .واهلل تعالى �أعلم. • ال�س�ؤال: ما هي الواجبات املطلوبة من االبن جتاه والديه؟ • اجلواب : احلمد هلل ،وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل
� ش ر عية
بالآباء والأمهات من �أف�ضل �أنواع الطاعات التي يتقرب بها امل�سلم �إلى اهلل تعالى ،فهما �سبب وجود الأبناء ،وتربيتهم ال�صاحلة �سبب �سعادتهم يف احلياة الدنيا والآخ��رة ،قال الَ ْع َمالِ ال�صَّلاَ ُة ِل َو ْق ِت َها، عليه ال�صالة وال�سالم�( :أَف َْ�ض ُل ْ أ َو ِب ُّر ا ْل َوا ِل َد ْينِ ) رواه م�سلم. ولذلك �أوجب الإ�سالم لهما حقوق ًا ينبغي على الأبناء مراعاتها حتى لو كانا م�شركني ،ما مل ي�أمرا مبع�صية ،قال اهلل تعالىَ } :و�إِ ْن َج َاه َد َ اك َع َلى �أَ ْن تُ�شْ رِ َك بِي َما َل ْي َ�س َل َك ِب ِه ِع ْل ٌم َفلاَ ت ُِط ْع ُه َما َو َ�ص ِاح ْب ُه َما فيِ ال ُّد ْن َيا َم ْع ُروفًا{ لقمان.15/ ومن جملة احلقوق الواجبة على الأبناء جتاه �آبائهم االح �ت�رام املطلق يف جميع الأوق � ��ات ،ف�لا يتفوه بكلمة تغ�ضبهما �أو ت�سيء �إليهما �أو تعكر مزاجهما ،وال يرفع �صوته بح�ضرتهما ،كما �أك��د الدين احلنيف على وجوب الإنفاق على الوالدين وحتقيق رغبتهما ،وتلبية طلباتهما بقدر اال�ستطاعة ،دون ت�أفف �أو �ضجر ،وقد ورد يف "قانون الأحوال ال�شخ�صية الأردين" يف املادة (�/197أ) ما ن�صه: "يجب على الولد املو�سر ،ذكرا كان �أو �أنثى ،كبريا �أو �صغريا، نفقة والديه الفقريين ولو كانا قادرين على الك�سب".
دع��ا الإ��س�لام �إل��ى ال�بر بالوالدين والإح�سان �إليهما، وم�ساعدتهما بكل و�سيلة ممكنة باجلهد واملال ،واحلديث معهما بكل �أدب وتقدير ،وعدم الت�ضجر و�إظهار ال�ضيق منهما ،قال اهلل تعالىَ } :و َق َ�ضى َر ُّب� َ�ك �أَلاَّ َت ْع ُب ُدوا �إِلاَّ �إِيَّ��ا ُه َوبِا ْل َوا ِل َد ْينِ �إِ ْح َ�سا ًنا �إِمَّ��ا َي ْب ُل َغنَّ ِعن َْد َك ال ِْكبرَ َ َ�أ َح ُد ُه َما َ�أ ْو ِكلاَ ُه َما َفلاَ َتق ُْل َل ُه َما �أُ ٍّف َولاَ َت ْن َه ْر ُه َما َو ُق ْل َل ُه َما َق ْولاً َكرِ ًميا . وق��د ح��ذرت ال�شريعة الإ�سالمية من عقوق الوالدين َاح الذ ُِّّل ِم َن الر َّْح َم ِة َو ُق ْل َر ِّب ا ْر َح ْم ُه َما َك َما َواخْ ِف ْ�ض َل ُه َما َجن َ َربَّيَانيِ َ�ص ِغ ًريا{ الإ�سراء ،24 -23 /ولهذا يعترب الإ�سالم الرب وع�صيانهما يف �ش�ؤونهما ،بل جعلته موجب ًا ل�سوء اخلامتة، ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
77
وتوعدت العاق بتعجيل العاقبة يف حياته قبل موته ،قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم( :كل الذنوب ي�ؤخر اهلل احلمد هلل ،وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل ما �شاء منها �إلى يوم القيامة� ،إال عقوق الوالدين ،ف�إن اهلل تعالى ُي َع ِّج ُل ُه ل�صاحبه يف احلياة قبل املمات) رواه احلاكم. مواقع التوا�صل االجتماعي املتنوعة نوافذ مفتوحة بني واهلل تعالى �أعلم الب�شر� ،أذابت كثري ًا من الفروقات بينهم ،وهدمت كثريا م��ن احل��واج��ز ،وه��ذا يف جانب م��ن جوانبه من�سجم مع • ال�س�ؤال: َ َّا�س �إِنَّا الفطرة الإن�سانية ،قال اهلل تعالىَ } :يا �أ ُّي َها الن ُ هل على ال��روات��ب التي يتقا�ضاها املوظف زك��اة ،وما خَ َل ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َكرٍ َو�أُ ْن َثى َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُ�ش ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َرفُوا{ كيفية حتديد املدة الزمنية لها؟ احلجرات.13 / • اجلواب : وم��ن جانب �آخ��ر؛ فقد ُي�ساء ا�ستخدام ه��ذه املواقع االجتماعية ،بحيث ت�صري �سبب ًا يف الف�ساد ،والإ�شاعات احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على �سيدنا ر�سول اهلل املغر�ضة ،واغتيال ال�شخ�صيات ،والطعن يف الأعرا�ض، ي�شرتط لوجوب زك��اة امل��ال يف الإ��س�لام �أن يبلغ املال والوقوع يف الآثام. الن�صاب ،و�أن يحول عليه حول كامل ،والن�صاب :هو املقدار وكذلك �إ�شاعة الفح�ش والكذب على هذه املواقع ،فهو �أمر الذي �إذا بلغه املال وجبت فيه الزكاة ،واحلول� :أن ميكث حمرم �شرع ًا ،ترف�ضه العقول ال�سليمة والفطر امل�ستقيمة، املال �سنة قمرية كاملة عند �صاحبه. ون �أَ ْن ت َِ�شي َع ا ْلف ِ َاح�شَ ُة فيِ ين ُي ِح ُّب َ قال اهلل عز وجل�( :إِنَّ ال َِّذ َ اب �أَ ِلي ٌم فيِ ال ُّد ْن َيا َو ْال ِآخ َر ِة) النور،19/ ف�إذا تخلف �أحد هذين ال�شرطني فال زكاة يف املال؛ ملا ال َِّذ َ ين � َآمنُوا َل ُه ْم َعذَ ٌ روي عن عائ�ش َة ر�ضي اهلل عنها قالت :قال ر�سول اهلل �صلَّى وهذا الوعيد ملن �أحب �أن ت�شيع الفاح�شة بني امل�سلمني فكيف ُ اهلل عليه و�سلَّم( :ال زكاة يف مال حتى يحولَ عليه احلول) مبن يعمل على ن�شر ال�شائعات؟! (رواه ابن ماجه) ،والراتب الذي يتقا�ضاه املوظف �إذا كان ون�شر ال�شائعات التي يبثها من ال يهتم ب�أمر املجتمع ينفقه يف م�صاحله املتعددة وال يدخر منه �شيئ ًا فال زكاة و�أمنه ال يجوز ،بل �إن القر�آن و�ضح لنا �أن �إذاعة ال�شائعات فيه. هو د�أب املنافقني ،وبني لنا واجبنا عند تلقيها ،وع ّلمنا و�أم��ا �إن كان يدخر منه �شيئ ًا ،فمتى بلغ جمموع هذه كيفية التعامل معها ،وحذرنا من اتباع خطوات ال�شيطان، الَ ْم��نِ َ�أ ِو الخْ َ ْو ِف املدخرات ن�صاب ًا ،وحال احلول عليها ،وجبت فيها الزكاة ،قال اهلل تعالىَ } :و�إِذَ ا َجا َء ُه ْم �أَ ْم ٌر ِم َن ْ أ الَ ْمرِ ِم ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه وتتكرر الزكاة بتكرر هذه الأح��وال (ال�سنوات القمرية) �أَذَ ُاعوا ِب ِه َو َل ْو َر ُّدو ُه �إِ َلى الر َُّ�سولِ َو ِ�إ َلى �أُوليِ ْ أ طاملا بقي املال قدر الن�صاب. ين َي ْ�س َت ْنب ُِطو َن ُه ِم ْن ُه ْم َو َل� ْولاَ ف َْ�ض ُل ا ِ للهَّ َع َل ْي ُك ْم َو َر ْح َم ُت ُه ال َِّذ َ والواجب �إخراج الزكاة فور ًا بعد حوالن احلول عليها ،لاَ تَّ َب ْعت ُُم ال�شَّ ْي َط َان ِ�إلاَّ َق ِليلاً { الن�ساء.83 / ويح�سب كل م��الٍ بحوله ،ف��إن �شق �إخراجها عن كل مال وكذلك ف�إن ن�شر الإ�شاعات الكاذبة من جملة الكذب، ٍوحده يف حوله ،فال مانع من جمع املدخرات و�إخراج زكاتها وه��و حم��رم � �ش��رع � ًا ،ب��ل ك �ب�يرة م��ن ال�ك�ب��ائ��ر ،وق��د ق��ال ين �آَ َم� ُن��وا اتَّقُوا َ اللهَّ َو ُك��و ُن��وا َم َع مرة واح��دة ،ف�إنه يجوز تعجيل الزكاة ،ب�أن تخرج الزكاة اهلل تعالىَ } :يا �أَ ُّي َها ال َِّذ َ عند نهاية احلول ،فتعجل زكاة ما مت قب�ضه حديث ًا. ال�صَّا ِد ِق َني{ التوبة ،119/والرد على من ي�سب ويكذب يجب �أن يكون باحلكمة واملوعظة احل�سنة. واهلل تعالى �أعلم. فعلى امل�سلم � -أي ًا كان موقعه � -أن يتثبت ويتبني ،فامل�سلم • ال�س�ؤال: ك ّي�س فطن ،وقد روى الإم��ام �أبو داود يف �سننه عن النبي ما حكم ن�شر الإ�شاعات عرب و�سائل االت�صال احلديثة �صلى اهلل عليه و�سلم �أنه قالَ ( :كفَى ِبالمْ َ ْر ِء �إِ ْث ًما �أَنْ ُي َح ِّدثَ (الوت�ساب ،الفي�سبوك ،وغريها)؟ ِب ُك ِّل َما َ�س ِم َع) .واهلل تعالى �أعلم. • اجلواب :
� 78إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
الركن الطبي
َوفيِ �أَ ُنف ِ�س ُك ْم �أَ َفلاَ ُت ْب ِ�ص ُر َ ون
د.ذيب عبد اهلل ا�ست�شـاري طـب الأطفـال
ب�سم اهلل الرحمن الرحيم احل � �م� ��دهلل رب ال� �ع ��امل�ي�ن وال� ��� �ص�ل�اة وال� ��� �س�ل�ام ع�ل��ى ن �ب �ي��ه الأم� �ي ��ن ،ي��ق��ول اهلل ع ��ز وج� ��ل يف �� �س ��ورة ال���ذاري���ات } َوفيِ ْ أَ �ات ِّل � ْل � ُم��و ِق � ِن� َ ال ْر�� �ِ ��ض �آ َي � � ٌ ين (َ )20وفيِ َ�أن � ُف ���ِ�س � ُك� ْ�م �أَ َف�َل�اَ ُت ْب ِ�ص ُرونَ { فالأر�ض مليئة بالآيات التي تدل على وحدانية اهلل وعلى �أن هذا الكون يف تنا�سقه الدقيق ومبا فيه من �سحر و�إبداع ال بد له من خالق فكل ما يف الكون ي�سبح بحمد اهلل ويدل على وحدانيته ،وقد قال الأعرابي قدمي ًا" :البعرة تدل على البعري واخلطو يدل على امل�سري ،فالبد لهذا الكون من خالق" ولقد التقيت يوم ًا عام 1980يف لندن مبهند�س هندو�سي كنت زرته يف مكتبه فر�أيت متاثيل �صغرية على مكتبه ،وت�صاوير ت�شبه ورق اللعب (ال�شدة) كال�شايب والولد والبنت ،ف�س�ألته ما هذه؟ فقال : �إنها �آلهتي ،فقلت كم �إله عندكم ؟ قال :ما يزيد على اربعمائة �إل��ه ،فقلت له � :أيها خلق الكون ؟ قال يل :جميع ًا ،ف�س�ألته وهل �آلهتك ن�سخ كربون عن بع�ضها البع�ض ؟ فقال يل ال� ،إنها خمتلفة كثري ًا ،فقلت له ولكن �أنظر �إلى هذا الكون� ،إنه ي�سري يف تنا�سق عجيب ويف دقة متناهية و�آلهتك خمتلفة عن بع�ضها كما تقول، فال يعقل �أنها ا�شرتكت جميع ًا يف خلق الكون ،ثم �إنك تقول �إن كل ما نظن به �سر ًا فهو �إله� ،أي �أن �آلهتكم من �صنع خيالكم فبهت الرجل ومل يحر جواب ًا. و�أما قوله عز وجل } َوفيِ �أَن ُف ِ�س ُك ْم َ�أ َف�َلُاَ ُت ْب ِ�ص ُرونَ {� أي كما يف االر���ض �آي��ات للموقنني تدلهم على وحدانية اهلل ،كذلك ف�إن يف خلق االن�سان �آيات كثرية تدل على وحدانيته �سبحانه وتعالى، وعلى �أنه اخلالق ،وال يب�صر ذلك �إال امل�ؤمنون. فلو تفكرنا يف خلق الإن�سان ،وكيف خلقه اهلل تعالى من نطفة ومن علقة وم�ضغة وحلم وعظم ،ولو تفكرنا يف �أجهزة الإن�سان، وكيف تعمل يف تنا�سق عجيب ،حيث يعمل بع�ضها ويتحرك ،و الدخل للإن�سان يف حركتها كالقلب والرئتني لوجدناها كلها ت�سبح هلل ،وتدل على �أن اهلل هو اخلالق وهو رب العاملني.
ويقول اهلل عزوجل }�آي��ات للموقنني{ هي دع��وة لأن يتفكر الإن�سان بعقله و�أن يتدبر بب�صريته ليعرف وي�صل الى احلقيقة الكربى �أن هذا الإن�سان املخلوق العجيب ال بد له من خالق يخلقه ويحفظه . يقول ال�شاعر : وتزعم �أنك جرم �صغري وفيك �أنطوى العامل الأكرب ولكن الإن�سان حني يحرم من الإميان ويخلو قلبه من اليقني ي�صبح من الغافلني و ي�سدر حينئذ عن خواء وغواية ،ويقبع يف حجب ال�ضالل والغفلة .و�سوف �أ�سوق هنا مث ًال نرى فيه من �آيات اهلل التي تدل على �أن اهلل هو اخل�لاق العظيم ،فلو �أن��ك دخلت م�صنع ًا �أو م�ست�شفى جتد العاملني فيه يتناوبون العمل ،هذا يف ال�صباح وهذا يف امل�ساء ،وهذا يف الليل ،تفكر يف ذلك ،وانظر الى كلية الإن�سان والتي هي بحجم قب�ضة اليد تتكون من ق�شرة و�أنابيب وحو�ض للكلية تتجمع فيه هذه الأنابيب وتخرج ما بها الى احلالب الذي يت�صل بحو�ض الكلية ،هذه الأنابيب لو مدت بجانب بع�ضها البع�ض لكان طولها خم�سة وع�شرين كيلومرت ًا �أي مثل امل�سافة ما بني عمان والزرقاء تقريب ًا. هذه الأنابيب ال تعمل كلها مرة واح��دة ،بل �إنها تتناوب العمل يف دقة متناهية ،فيعمل بع�ضها ثم ي�سرتيح ،ليعمل البع�ض الآخر وهكذا ،فمن الذي نظم هذا التناوب فيما بينها (�إنه اهلل عز وجل).
لي�س هذا فقط ،بل �إن��ه يف مكان حمدد من كل �أنبوب يعاد امت�صا�ص ملح مثل البوتا�سيوم ال��ى ال��دم �أو يطرد مع البول، وذلك ح�سب حاجة الإن�سان لذلك امللح ،ويف مكان �آخر من كل �أنبوب يعاد �إمت�صا�ص ملح ال�صوديوم �أو يطرد مع البول ،وذلك ح�سب حاجة الإن�سان ،فمن الذي ينظم هذا كله؟ �إنه اهلل �سبحانه وتعالى ،مير الدم على هذه الأنابيب فيجري ت�صفيته فيها ليعود �إلى باقي اجل�سم وليطرد منه ما يزيد عن حاجة الإن�سان من املاء فانظر رعاك اهلل �إذا ما �أخذت الإن�سان �سنة �أو نوم ،ف�إن قلبه والأمالح (البول). يعمل بانتظام و�إن رئتيه تعمالن يف رتابة ونظام دقيق ،فال ميكن �أن يكون ذلك كله �صدفة ،بل البد من خالق تعمل هذه الأجهزة كل هذه الدقة وكل هذا النظام العجيب يجعلنا بل يدفعنا الى ب�أمره ويف كنف رحمته. تدبر النف�س وتدبر الآية الكرمية } َوفيِ �أَن ُف ِ�س ُك ْم �أَ َفلاَ ُت ْب ِ�ص ُرونَ {. ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
79
رسائل جامعية
حماية املر�أة من العنف يف الت�شريعات الأردنية درا�سة مقارنة مع الفقه الإ�سالمي �إعداد �سريين �أ�سامة حممد جرادات
�إ�رشاف �أ.د .حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة
وللدرا�سة �أهمية تت�ضح من خالل �إظهار �أن الفقه ملخ�ص الدرا�سة الإ� �س�لام��ي مو�ضوعي يف ع�لاج م�شكالت الت�شريعات تناولت الدرا�سة �أبرز الت�شريعات الأردنية التي طولب اجلديدة دون عنف �أو ظلم للمر�أة ،بالإ�ضافة �إلى �إظهار �أن بتعديلها كالت�شريعات املتعلقة بالأحوال ال�شخ�صية ،وقانون الت�شريعات القدمية ميكن �أن تعالج وتعدل بالفقه �أي� ًضا ؛ العقوبات ،وقانون اجلن�سية ،وناق�شت هذه الدرا�سة �أهم لأن كل م�س�ألة تناولتها كان للفقه والعلماء ر�أي فيها. املواد التي ميكن �أن يقال عنها �إنها عنف ت�شريعي ؛ حماية وتناولت الدرا�سة حقيقة العنف �ضد املر�أة ؛ مع بيان للمر�أة ،وهذا الأمر واجب على الأمة الإ�سالمية. �أ�سباب العنف ،بالإ�ضافة �إل��ى عر�ض �أن��واع العنف �ضد وقد جاءت الدرا�سة لت�ؤكد مبد�أ العدل ،ونبذ العنف عن املر�أة ،وموقف الفقه وال�شريعة منها ،مع الإ�شارة �إلى �أهم املر�أة ،ب�أحكام ال�شريعة الإ�سالمية على �ضوء مقا�صدها ،الت�شريعات التي مل حتم املر�أة من العنف� ،سواء يف قانون فالظلم ممنوع ومنبوذ ،والتعديل مطلوب ومن�شود� ،أي �أن العقوبات �أو قانون اجلن�سية وقانون الأحوال ال�شخ�صية، املق�صود منها القيام بتعديل الت�شريعات والقوانني ب�أ�سلوب والتطرق �إلى معاجلة هذه املواد ب�صياغة ت�شريعية جديدة، جديد و�صياغة جديدة ،وبطريقة ال تظلم فيها املر�أة ،وال مع الإ�شارة �إلى �أهم النماذج من الت�شريعات الأردنية التي ت�ضيع حقوقها ،مع العلم �أن العدل �أ�صل وركيزة �أ�سا�سية حمت املر�أة من العنف ،مع تو�صية بدرا�سة الت�شريعات التي يف ال�شريعة الإ�سالمية ،لتحقيق العدل للمر�أة ،و�صيانة مل �أمتكن من �إدراجها يف الأطروحة ،ومقارنتها مع الفقه الإ�سالمي ل�سعتها. حقوقها. � 80إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
واحة الوسطية
قطـــوف احلكمة اختيار :الدكتور زهاء الدين �أحمد عبيدات مدير مركز الدرا�سات والإ�ست�شارات والتدريب يف املنتدى العاملي للو�سطية
•
كلمة للتدبر
“ من وعظ �أخاه �سر ًا فقد �سره وزانه ،ومن وعظه عالني ًة فقد �ساءه و�شاقه” وهذا هو الفرق بني الن�صيحة والتعيري.
•
قيل للربيع بن هيثم :ما تراك تعيب �أحد ًا فقال :ل�ست عن نف�سي را�ضي ًا حتى �أتفرغ لذم النا�س و�أن�شد:
لنف�سي �أبكي ل�ست �أبكي لغريها
•
لنف�سي من نف�سي عن النا�س �شاغل
قال ن�صر بن �سيار :
كل �شيء يبد�أ �صغري ًا ثم يكرب� ،إال امل�صيبة ف�إنها تبد�أ كبرية ثم ت�صغر ،وكل �شيء �إذا كرث رخ�ص� ،إال الأدب ف�إنه �إذا كرث غال .
•
�إذا بدهك �أمران ال تدري �أيهما �أ�صوب ،فانظر �أيهما �أقرب �إل��ى ه��واك خمالفة ف ��إن �أك�ثر ال�صواب يف خ�لاف الهوى، وليجتمع يف قلبك الإفتقار �إل��ى النا�س والإ�ستغناء عنهم، وليكن �إفتقارك �إليهم يف لني كلمتك لهم وح�سن ب�شرك بهم، وليكن �إ�ستغنا�ؤك عنهم يف نزاهة عر�ضك وبقاء عزك. ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
81
واحة الوسطية �شخ�صيــّة العـــدد
عبدالرحمن حمود ال�سميط �شخ�ص ّية ه��ذا ال �ع��دد رج� � ٌل ام �ت�ل�أ خ�ي�ر ًا ففا�ض، تر�سم خُ طى النبوة يف م�سالك الرحمة والعطاء رج � ٌل ّ والإن�سانية ،رج ٌل دعا �إلى اهلل ،ف�أجابه �أحد ع�شر مليون ًا، كلهم ي�شهد بوحدانية اهلل ،ثم احلمد والثناء هلل الذي �أراهم نور التوحيد و�أخرجهم من ظلمات ال�شرك ،رج ٌل جعل حياته وقف ًا هلل �إلى �أن وافته املنية ،رحبوا معي �أيها القراء الأع��زاء بالدكتور عبد الرحمن ال�سميط ،الذي مات ومل ميت ذكره ،ولنجعل ِذكْر ُه ِذكر ًا لآثاره فينا ،فهو رج ٌل قدوة. فمن هو ال�سميـط : • درا� �س��ة �أهمية املنظار ال �ط��ارئ يف ح��االت نزيف ُولد عبدالرحمن حمود ال�سميط يف 1947/10/15م اجلهاز اله�ضمي (تطبيقات يف 150حالة) .بحث �ألقي يف اجل��زء اجلنوبي الغربي لآ�سيا حيث دول��ة الكويت ،يف م�ؤمتر اجلهاز اله�ضمي يف م�ست�شفى مونرتيال لعام تلك البقعة الوادعة ،التي تمُ ّثل امتدادا ب�شريا ل�سكان .1978 اجلزيرة العربية ،الذين نزحوا يف �أوق��ات متباينة عرب • فيتامني (ب )12كعامل لعالج �سرطان الكبد (مل الزمن لأغ��را� ٍ��ض متعددة ومنها الدعوة� ،شب ال�سميط ين�شر). يافعا فدر�س الطب الب�شري واجلراحة يف جامعة بغداد، ثم ح�صل على دبلوم �أمرا�ض املناطق احلارة من جامعة كما �أ�صدر �أربعة كتب هي " :لبيك �إفريقيا” ،و"دمعة ليفربول عام ،1974 وا�ستكمل درا�ساته العليا يف جامعة على �إفريقيا"" ،ر�سالة �إلى ولدي"" ،العرب وامل�سلمون ماكجل الكندية متخ�ص�صا يف الأمرا�ض الباطنية واجلهاز يف مدغ�شقر" ،بالإ�ضافة �إلى العديد من البحوث و�أوراق ً اله�ضمي ،ثم عمل �أخ�صائ ًّيا يف م�ست�شفى ال�صباح يف العمل ومئات املقاالت التي ُن ِ�شرت يف �صحف متن ِّوعة. الفرتة من 1983 - 1980م ،ون�شر العديد من الأبحاث عوامل بناء ال�سميط : العلميَّة والطبية يف جم��ال القولون والفح�ص باملنظار لأورام ال�سرطان ،ومنها : ا�شتهر ال�سميط يف �صغره بالقراءة ،تلك القراءة التي بنت �شخ�صيته ،بل قبل البناء كانت ح�صنه الذي حماه • �سرطان بقايا املعدة بعد جراحة القرحة احلميدة ـ يف ريعان �شبابه من كثري مما �أ�صاب �أبناء جيله ،حيث بحث قدم يف م�ؤمتر الكلية امللكية للأطباء يف كندا ـ االنفتاح املجتمعي على العامل ،و�صدمة احل�ضارة التي مدينة كويبك ـ فرباير .1979 انت�شرت حاملة معها الأفكار التحررية ،وقيم وثقافات املجتمعات الأخرى ،وانت�شار الفن املادي الإغوائي الذي • الفتحة بني البنكريا�س والقولون – ن�شرت يف جملة ال يعرف لإن�سانية الإن�سان �سمو ًا غري ال�سمو املادي املختل، اجلمعية الطبية الكندية يف �أبريل 1978م. جهال من ق��ادة الفكر فيها �أن الإن�سان مزيج من مادة وروح ،وال ت�ستقيم حياته �إال ب�إ�شباع اجلانبني �إ�شباعا • الفح�ص باملنظار للورم الأميبي بالقولون ـ ن�شر يف من�ضبطا ،فقد فقه ال�سميط هذا املعنى ثم قر�أ ،بل �إعادة جملة منظار اجل�ه��از اله�ضمي ـ ع��دد 1985/3يف القراءة وفقا ملقت�ضيات ع�صره ،ففهم ثم فقه ن�صو�ص ما قر�أ ،ثم بد�أ العمل على دراية ومعرفة ع ّز نظريها . الواليات املتحدة الأمريكية. � 82إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
واحة الوسطية
هذا الإجناز العظيم تتقا�صر الأو�سمة واجلوائز التي ح�صل العمل الدعـوي عليها يف دنيا النا�س ،بل تفقد قيمتها وبريقها ع�سى �أن من َد َع�آ �إِ َلى ا ِ قال تعالىَ }:و َم ْن �أَ ْح َ�س ُن َق ْوال ِ ّ َمّ هلل يُكرّم عند اهلل ذي اجل�لال والإك��رام ،مبا م ّثله من قدوة ني{ ف�صلت٣٣ : َو َع ِم َل َ�صـ ِلح ًا َوقَالَ �إِ َّن ِنى ِم َن المْ ُ ْ�س ِل ِم َ ح�سنة ،ومدر�سة ُملهِ مة يف ميدان العمل اخلريي والعطاء �إن احلديث عن العمل الدعوي عند ال�سميط يذكرنا الإن�ساين الدافق ،فما ثمرة عمله؟ بالعمل ال��دع��وي عند �صحابة النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم – مع بع�ض الفوارق ،فقد ا�ستهدف ال�صحابة ز ّوار • �أحد ع�شر مليونا من الظلمات �إلى النور . بيت اهلل احل��رام ،كما ا�ستهدفوا ال ّتجار واملوايل وعندما • جملة الكوثر العدد 167والعدد .178 ع ّمت ال��دع��وة اجل��زي��رة العربية حملوا ال��دع��وة لأ�صقاع الدنيا �شرقا وغربا مب�شرين بر�سالة ال�سماء ،حاملني • ك�ت��اب �أخ��ي عبد ال��رح�م��ن ال�سميط ،بقلم (ن��وري��ة للنا�س املنهج القومي واخللق النبيل وال�سماحة الإن�سانية ال�سميط�( شقيقته من جمعية العون املبا�شر. يف �أ�سمى معانيها ،كما كان خلقهم كذلك ،فدعوا النا�س بالقول والفعل مع ًا 26 ،عام ًا ق�ضاها ال�سميط يف �أفريقيا • كتاب رجل من زمن ال�صحابة ،بقلم ر�سمية �شم�سو، داعيا �إلى اهلل على هذا النهج ف�أح�سن قو ًال وعم ًال ،حيث دار الع�صماء. دع��م ( ) 9500من الأي�ت��ام ،وم � ّول 95000طالب ،وبنى رحل ال�سميط يف 2013/8/15م و ُوري ُجثمانه الرثى 5700م�سجد ًا ،و�أن�ش�أ 200مركزا لتدريب الن�ساء ،و�أن�ش�أ ج�سد فيها معاين 860مدر�سة ،و�أربع جامعات ،و 102مركزا �إ�سالميا ،كما يف الكويت بعد حياة حافلة بالعطاءّ ، حفر 5000بئر ،كما قام بطباعة 51مليون م�صحف ،و�أمام اخلري وجوهر الدين و�سماحته .رحمه اهلل و�أح�سن مثواه . ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
83
واحة الوسطية
خاطرة .. الدكتور زيد �أحمد املحي�سن
تنف�س ال�صباح ،وتبددت ظلمات الليل احلالك ال�سواد وبرزت الطيور من �أع�شا�شها تغت�سل من �سواد الليل بعد �سبات عميق طال امده ،حتى ا�ستحال عجز ًا وخمو ًال. وه��رع النا�س �إل��ى ال���ش��وارع ،فمنهم م��ن ه��و راك��ب، ومنهم من هو �سائر على قدميه ،توقف نباح الكالب، ف�ضوء النهار اجلديد بد�أ يبدد ظلمات الأ�شباح ،ح�شود خارجة من بيوت اهلل بد�أوا هذا ال�صباح ب�صالة الفجر (ينف�س اهلل لهم كربهم).
للغرباء ،متردت على فطرتها ففقدت الب�صر والب�صرية، وا�صبحت ال تعي وال ت�سمع وال متيز ما تقول ..اجتمعت �صغار الطريالتي ترقد يف �أع�شا�شها وا�سرتقت ال�سمع له، وبد�أت تتعلم كالمه ،وتتفهم حركاته و�سكناته �سر ًا ،ومع منو ال�صغار منت الأفكار و�أ�صبحت دم ًا يجري يف العروق وال��دم ال يتغري ،ن��ادت �صغار الطري ط��ائ��رن��ا ،فاقرتب منها ي�شفق على حالها ،فقالت له ال�صغار :لقد اعجبتنا �أنا�شيدك وتراتيلك ،فه ًال علمتنا �شيئ ًا منها؟؟ قال ب�صوت �شفيق� :إنه يكلف كثري ًا
ن�سيم عليل بد�أ ين�ساب بني الفرتة والأخرى ،يت�سلل �إلى نافذتي يحمل معه �آهات املعذبني واملعذبات ..دخان �أ�سود قالت � :سندفع و�سنزيد يف العطاء خمتلط ببيا�ض ب��د�أ ي�شق طريقه �إل��ى ال�سماء ال�صافية قال � :إن ثمنه االنف�س ،اال�شالء ،ال�ضحايا ،الآالم ليعكر �صفاء اجلو و�صفاء النفو�س ..عمال النظافة �أخذوا مواقعهم ا�ستعدادا لعمليات مت�شيط للمخلفات التي رحل قالت :نعم ،عرفنا طريقنا الآن ومنذ اللحن االول كنا عنها اليوم املا�ضي ..طائر غريب وقف �أمامي على غ�صن ننجذب اليك وكان اللحن جزء ًا ال يتجز�أ من �أج�سادنا . �إحدى ال�شجريات القريبة من �شرفة منزيل. قال لهم :هل حتبون احلرية الدائمة وال�صباح امل�شرق انه طائر غريب جاءت به الإقدار �إلى هذه الديار ،فهو لي�س من �صنف هذه الطيور التي تع�شع�ش يف هذه املنطقة ،الأبدي؟؟ و�إن كان عليه ري�ش وله منقار مثلهم ولكن ن�شيده يختلف، قالت :نعم ن�شيده ن�شيد الفطرة ال�سليمة� ،إنه جميل الهيكل ،وايقاعه قال :هل تريدون العدالة الأبدية ؟؟ على الغ�صن فيه نوع من الرقة والتوا�ضع ،تلم�سها مع كل حرف من ق�صائده ال�صباحية ،تنهمر قطرات دمع من قالت :نعم م�آقيه ،تبلل الأر�ض فتذيب ق�ساوتها ؛ لت�صبح �سيال جارفا يهز امل�شاعر وي�ؤلف القلوب لتهز العرو�ش الزجاجية، قال :هي لكم ال تخ�شوا النا�س واخ�شوا رب النا�س. والتي ال نرى اال بريقها ،فهي خاوية على عرو�شها ،كالطبل متى يفهم املت�شدقون بالأفكار الإحل��ادي��ة والهدامة الأج��وف يعجبك منظره ،وما �إن تنظر الى داخله حتى يزكمك هوا�ؤه الفا�سد الذي عفن القلوب و�أزاغ الأب�صار امل�ستوردة من قمامات الغرب تارة وم�ستنقعات ال�شرق ت��ارة �أخ ��رى ،ب ��أن الإ� �س�لام ه��و �صيحة احل��ري��ة يف وجه عن الدرب ال�سوي.. العبودية؟ و�صيحة امل�ساواة يف وجه الطبقية ؟ و�صيحة ولنعد �إل��ى طائرنا اجلال�س على الغ�صن منفردا ،العدالة الإجتماعية يف وجه الإقطاع والر�أ�سمالية ؟ نبذته ط�ي��ور املنطقة ل�ع��دم جتان�سها معه يف الل�سان يا ليتهم يعون ..يا ليتهم ! والكالم ..نعم ..بد�أت غريبا و�ستعود غريبا ..فطوبى � 84إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
واحة الوسطية
ِق َّ�ص ُـة �أُ ْ�ســ َرة اللواء عدنان عبيدات
َ خالل ُخط َب ِته ِمنْ على املنرب� ،أ َمل َح �إليها ِ�إملاح ًا يف ِ�سياق ِ�إيرا ِده ُ و�ص َل �إليه ُ بع�ض الأ َ�س ِر يف املجتمع .ق�ص ٌة من حال ِ لها مثا ًال على ما َ ُ ٍ ِب ْ�ضع ٍ أح�س ْ�س ُت بحرارة كلمات �صادمات ،دوَّت �أحدا ُثها يف �أ ُذين ،ف� َ ُ الدم ِع املتلجلج يف َع ْيني ،وب�أ ٍمل يعت�ص ُر قلبي و َف َرقٍ ميلأ كياين، َوحيرْ َ ٍة َت َت َغ�شَّاينَ .ب ْي َد �أنني مل �أكن الوحيد ،بالطبع ،الذي َ�ص َع َق ْت ُه مفرداتُ اخلطيب ،فلقد �سم ْع ُت َج َل َب ًة وانفعا ًال َي ُعمَّانِ ا َمل ْ�س ِج َد �أحد َثتْها تلك الكلماتُ املعدود ُة املوجزة ،التي مل تتناول �ش�أن ًا ُيو ِّل ُد ت�أ ُّثر ًا لحَ ْ ِظي ًا عابر ًا �سرعانَ ما يزول كما العادة ،بل َت َناو َل ْت َح َدث ًا الداهم املمت ِّد ،و َم�سَّ َ�ش َ غاف ال ُقلوب املُ ْر َهفة. النفو�س ِب�أ َث ِره َهزَّ َ ِ ذلك ا َ حل َد َث م�شه ٌد من الواقع ي ْع ِر ُ�ض َ بع�ض ما جرى ،بعد �أن مبح�ض ال�صدف ِة يف �أحدِ املراكز جانب من حيثيا ُته املُريع ُة ِ ُك ِ�ش َف ٌ الأمنية .وعليه فهو جدي ٌر بالتو ُّقف عندهَ ،وح ِر ٌّي بالتفكري املت�أنيِّ ِ امل�ست�شرف مل�آالته ون املُ َت َف ِّح ِ�ص جلوان ِبه ،املُح ِّللِ لظرو ِفه و�أ�سبا ِبه، تا ِئ ِجه. ولأنه جا َء ثمر ًة حتمية نمَ َ ْت ِب ْذ َر ُتها وترع َر َع ْت يف ِظ ِّل عوام َل ِ وال�سلوك ما ترتفَّ ُع عن َّهج ت�ضافرت فيما بينها ،ف� ْ ْ أفرزت من الن ِ ْ ْ َ ُ ِ ِ َ البهائم ،وت�أنف عن اجرتاح مثله احليواناتُ ،فقد �أ ْو َج َد ْت ِف ْع ِله ُ
�صارخ على أ�سباب جمتمِ ع ًة دافع ًا قوي ًا للكتابة عنه ك َم َثلٍ هذه ال ُ ٍ إعرا�ض عن ال�ضيا ِع والإِ ِ يغال يف طريق ال�ضالل ،املترَ َ ِّتبِ على ال ِ اهلل �سبحانه ،وال ُب ْعدِ عن الت� ِّأ�سي بر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،واملُنايف لل ِفطرة ال�سليمة التي َف َط َر ُ النا�س عليها. اهلل َ ريب �أنَّ ما قد �أو�ص َل تلك الأ�سر َة �إلى ذلك احلال الذي ال َ نتاج �سل�سل ٍة متَّ�صل ٍة يتقطع له الف�ؤا ُد و َي ْن َدى له اجلبني ،ال ريب �أنه ُ ُم َت َد ِّر َج ٍة من الأفعال ،بل َغت َح ّد ًا �أ�صبح معه الأم ُر اعتياد ّي ًا غ َري �ستهج ٍن وم�ألوف ًا غ َري ُم�ستغ َرب�َ ،سوا ًء ِب�سواء عند ذلك الوالد� ،أو ُم َ عند َمنْ َت َربَّى يف َك َن ِفه ،و َن َ�ش�أ حتت رعايتهِ ،ل َيتَعا َي َ�ش معه اجلميع؛ الزوج والزوج ُة والبناتُ والبنونَ . ُ َع ْود ًا بنا �إلى تلك الأ�سر ِة التي مل َي ْخترَ ْ فيها الوال ُد �أُمَّ َو َلدِ ه أ�سا�س مت ٍني من ا ُ خل ُل ِق و ال ِّدين ،لتَكونَ له على تربي ِة َو َلدِ ِه على � ٍ ذلكم َخيرْ َ ُم ِعني .كيف َي ِت ُّم له ذلك وفاق ُد ال�شيء ال يعطيه! �إذ �أنَّ ُ وتقاليد ،ومن � ْأع� ٍ ٍ �راف الأب ُم ْن َ�س ِل ٌخ بنف�سه و ِب�أهلِ بي ِته من ِق َي ٍم ُت�سو ُد جمت َم َعه ،بل و ُم َتحل ٌل و�إ ّي ُاهم من عظائم �أخ�لاقٍ وجميلِ ٍ عادات ورفي ِع ُم ُثلٍ ،تارك ًا احلب َل على الغارب ،بعد �أن �أع َر َ�ض عن َ الرحمن وزيَّنَ له ال�شيطانُ ُ�سو َء عمله .مل َيت ََحرَّ احلالل واحلرا َم،
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
85
واحة الوسطية فهما عنده �س ّيان .تعامل بال ِّربا و�أدخ َله بيتَه و�أطع َمه ِل ِعياله .مل وح ْ�س ِن ال�شمائل ،بل ت ََ�شر ََّب ُي َن ِّ�شى ْء �أ�س َرتَه على طيبِ اخل�صائل ُ يجل�س با�سرتخا ٍء �إلى جانبهم -ما َت ُب ُّث ُه وا�ست ْم َر�أ معهم -وهو ُ ُ و�س َم َح لهم لام وم�سل�سالت �ساقطاتَ ، َ بع�ض الف�ضائيات من �أف� ٍ �إنْ مل ي�س ِبقْهم �إلى ما يف الإنرتنت من حمظورات .اعتا َد ارتيا َد النوادي وح�ضو َر احلفالت، والذهاب �سا ِئح ًا يف الرحالت و�إتيانَ َ املن َكرات ،و�إ�شباع ال�شهوات ،كيف ال يفعل هذا وهو -كما يظنُّ نف�سه -الرج ُل ِّ املتح�ض ُر املُ َت َن ِّو ُر! َ َي َرى -وقد ملأه ال�سرو ُر -ابنتَه املراهق َة الفاتن َة �شب َه عاري ٍة. و�إذ ال�شهام ُة مغيَّبة والغري ُة ُمع َدمة ف�أ ّنى له �أن ُيع ِّل َمها الإحت�شام وقد �أَ ْف َل َت لها الزَّما َم فاتَّ َب َعت املُو�ضات ،وا�ستهواها ِمنَ الأزياء ما يث ُري ال�شهوات .ال َع َج َب يف ذلك فهو يف نظرها من ُم َ�سل ِ َّمات ِ عالمات ال ُّر ِقي والإنفتاح .مل ت َْ�سترُ ْ َمفا ِت َنها جمارا ِة الع�ص ِر ،ومن املراهق ،املُتَو ِّقدِ �شهو ًة -وال�شهو ُة عمياء -فما ُي َ�سمَّى عن �أخيها ِ عيب �أو حرا ٌم �أو احت�شا ٌم عند كث ٍري من النا�س يندر ُِج (يف مفهومها ٌ َ ّ ُ َ ووفق ما َت َرب َّْت عليه و�أ ِل َف ْتهُ) ِ�ضمنَ قيو ِد التخلف وك ْبتِ احلر ّيات. �روج املعتا ُد من َب ْيتِ �أبيها بزين ِتها وفتن ِتهاِ ،وعطرها �أ ّم��ا اخل� ُ وح ِّر َيتَها فقد جا َن َب الإ�ستئذان و جت��او َز كلَّ خطوط َوح َي ِويَّ ِتها ُ نف�سها يف احلياء والإت ��زان .و�أ ّم��ا الأ ُّم فهي التي ما فتئت ت��رى َ ابنتها ،تري ُدها ع�صريَّ ًة منط ِلقة ،متفتح ًة يف احلياة بال حدود، بعيد ًة عن التعقيدات واملُ َن ِّغ�صات ،م�ستمتع ًة بال قيود ،وفيما ترى الأ ُّم �أنَّ اب َنها لي�س �أقلَّ َح ّظ ًا من ِ�سواه؛ له ح ٌق وامتيا ٌز مماث ٌل لمِا تتمت ُع به �شقيقتُه ،فهو الرج ُل املُ ْع َت ُّد بنف ِْ�سه الذي ُي ُث ِب ُت رجولتَه كيف ي�شا ُء وحيث ي�شاء� ،س ّي ُد �أفعاله ُ ومالك قرارِه وا�ستقال ِله،... ُ اخلا�ص بتلك العائلة! وال�سلوك َّوج ُه هذا هو الفك ُر والت ُّ ُّ اخلطيب على منربه ،حيث ننتق ُل �إل��ى امل�شهد ال��ذي َذ َك � َره ُ ا��ْ�س� ُت� ْد ِع� َ�ي ال ُأب �إل��ى امل��رك��ز الأم �ن��ي ،على خلفية ع�لاق� ٍة غ ِري �شاب وفتا ٍة متَّ �ضبطهما ،و�إر�سا ُلهما �إلى ذلك املركز �شرعي ٍة ب َني ٍّ ً خمفو َر ْين ،ملمار�ستهما عم ًال ال �أخالقيا .وقد َت َبيَنّ من الوثائق ال�شخ�صية التي كانت بحوز ِتهما �أمر ًا ُم ْذ ِه ًال هو �أنّ ال�شابَّ َ�شقيقُ مثول الأبِ املُ ْ�س َت ْد َعى للمركز �أنَّه وال ُدهما. الفتاة ،كما تَب َينَّ لدى ِ ً ِ وقد َ�صعقَ وه� َ�ال َم��نْ كان حا�ضرا يف املركز َر ُّد فعلِ ذلك الأبِ الذي ات ََّ�س َم بقليلٍ من الإكرتاث عند ِ�إ ِ بالغه بق�ضيتهما وما كانا قد َف َعاله ،كما �أذه َل ْت ُهم حقيق ُة �أنه مل َي ِز ْد على �أنْ َ قال �أمامهم ُم َو ِّجه ًا ذهول وده�ش ِة احلا�ض ِرين� “ :ألمَ َْ املراهقينْ َو ْ�س َ كال َمه ِلذ ْي ِنك ِ ـــط ِ َ �أَ ُق ْل َل ُكما �أنْ لاَ َت ْف َعال ذلك َخار َِج ال َب ْيت!”. هكذا ال َغ َ�ض َ ا�ض َة �إذن؛ ُم ْنك ٌر �شني ٌع يف َك َنف ال ِّرعاية ويف ِد ْفء ا َ حل َ�ضانةُ ،ت َل ِّخ ُ�صه كلماتُ الأبِ التي � ْأط َل َقها ِمنْ ِفي ِه ِببرُ ُ و ٍد على ر�ؤو�س امللأ ِبال �أدنى حت ُّف ٍظ �أو َذرَّ ِة ا�ستحياءُّ � .أي ٍ والد هذا القبيح يف البيت ،ويلو ُم �أو َي ْعت َُب -جمرَّ َد الذي ُ يبيح الفع َل املُ�ش َني َ خارجه! و� ُّأي تربي ٍة تلك التي َي ْر ِف ُد بها �أمثالهُ ُ ِ عتبٍ فقط � -إذا فعل َ املجتمع! بل � ُّأي ُم ْنت ٍَج ميكنُ �أنْ ُتطا ِل َعنا به هذه الأُ ْ�سر ُة ومثيال ُتها؟ و� ُّأي َب�لا ٍء قد تنتق ُل َع � ْدوا ُه منها �إلى �سواها؟ ال �سيما �أنَّ الإبنَ � 86إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
البنت �أُمَّ ًا �سيكونُ يوم ًا �أب ًا راعي ًا وم�س�ؤو ًال عن �أ�سرة ،فيما �ستكونُ ُ َي ْن َ�ش ُ�أ يف ِح ْج ِرها من يرتبَّى على َي َد ْيهاِ ،ل َي ْمتدَّ الأَ َث ُر الذي ُي ْحدِ َثا ِنه و ُيع ِّلما ِن ِه يف النا�س جي ًال بعد جيل� .ألي�س ُ احلال كما قال �أبو العالء املع ّري: على مــــا كانَ َعـوَّ َد ُه َ�أ ُبـو ُه و َي ْن َ�ش ُ�أ َنا�شِ ى ُء ال ِفتْيانِ ِم ّنا ؤ�شرات �أوَّلي ٌة لبدايات هل َخبرِ نا مث َل هذا ِمنْ َق ْب ُل؟ �أم تلك م� ٌ ين�ساب ُمت ََ�س ّل ًال دون ا�ستئذان؟ �أم تجَ َ ذ ِر ت ّيا ِر ثقاف ِة العومل ِة الذي ُ إنحالل الناعم ِة القادم ِة �إلينا يف هذا هي طالئ ُع رياح ال ِ ِ حم�صول ِ الزمان؟ ويتطلب �أي ًا كان الأم ُر فهو ي�ستدعي التفك َري و�إمعانَ النظر، ُ القيا َم مبراجع ٍة �شامل ٍة لك ِّل جوانبِ حيا ِتنا ،كما َي ْد ُعونا �إلى الت جمتمعي ٍة خطري ٍة �آخذ ٍة يف الت�ش ّكل ،حت ُّو ٍ الإنتباه �إلى حت ُّو ٍ الت غريبة تبدو لنا الآن يف م�ستهلها ،وت�تراءى لنا يف ُغمَّ ِتها �أنها ال زالت يف نطاقٍ حمدو ٍد ِج ّد ًا� .أال َي ْد َف ُعنا ا�ست�شعا ُرنا للخط َر �إلى �أن َ نلحظ بحكم ٍة ،و ِفطن ٍة وكيا�سة �أ�شيا َء قد جتري يف بع�ض البيوت وامل�ؤ�س�سات � -أق� ُ �ول قد جتري يف بع�ض البيوت وامل�ؤ�س�سات -ال ُنلقي لها َبا ًال وال ُتث ُري لدينا �س�ؤا ًال ،ن�سته ُني بها َظ ّن ًا ِم ّنا �أنها غ ُري ِ ذات �ش�أن ،لكنها تتطو ُر مع الأيام .وهنا َم ْك َمنُ اخلطر ،لي�س يف َح ِّد ِ ذات اخلطر َف َح ْ�سب و�إمنا يف �أَ َث ِر ِه و َت ِبعا ِته. و� ُ دائم أت�ساءل لمِ َ ال ُي�سا َر ُع يف الراهن �إل��ى ت�شكيلِ ٍ جمل�س ٍ واهتمام الدولة بكل م�ستقلٍ على امل�ستوى الوطني ،يحظى برعاي ِة ِ ِ رجاالت عنا�صرها و�أركانها من �أ�صحاب ال�ش�أن ،يت�ألف من �أبرز اخلرب ِة وذوي الإخت�صا�ص من علماء الإجتماع وعلماء النف�س، و�أ�ساتذة الثقافة ،وخرباء الإدارة وال�سلوك ،وال�شريعة والقانون، جمل�س و الطب ال�شرعي و التعليم ،والأمن واملراكز البحثية وٍ ،... له �أذر ٌع كف�ؤة وكواد ٌر م�ؤهَّل ٌة ت َْ�س َت ِبقُ وتَتن ّب�أ ،تَر�ص ُد و ُتو ِّثق وتتابع، ُت ّ وتعالج الظواه َر والتح ُّو ِ الت اجلارية يف املجتمع �شخ ُ�ص وتحُ ِّلل ُ أ�س�س علمية ،ت ْد ُر�س احل� ِ �االت التي على هذه ال�شاكلة وما على � ٍ ُيدانيها؛ وتتناول يف هذا ال�سياق ع ّي ٍ نات من الق�ضايا املنظور َة وغري املنظور ِة يف املحاكم؛ َوع ّي ٍ نات من تلك املتوافر ِة يف املراكز الأمنية ويف ال�سجون ،ومراكز الإ�صالح ،ودور الرعاية ،ومن ّثم ت َْخ ُل ُ�ص نتائج دقيق ٍة جتري بنا ًء عليها ب�إ�شراف املجل�س امل�شار �إليه �إلى َ برامج عملي ٍة �شاملة يف �إطار خط ٍة وطني ٍة وا�ضح ٍة محُ ْ كمة، �صياغ ُة َ تتم مراجعتُها وتقيي ُمها وتعدي ُلها وفق ًا للمعطيات �أو ًال ب�أول ،بحيث هم يف الوقاية واحلماية ،وتمُ ِّكنُ من الت�صدي واملواجهة ،وتعم ُل ُت ْ�س ُ على ا َ تنجم عنها م�ستقب ًال .ولعلَّ حل ِّد من الآثا ِر ال�سلبي ِة التي قد ُ َت َدا ُر َك الأم ِر الآن ،قبل فوات الأوان ،وقبل بلوغه منتهاه� ،س ُي َج ِّن ُب الكث َري مما ال ُي ْحم ُد ُعقباه.
واحة الوسطية
القد�س ممنوعة �إال على ّ ال�شهداء
���ج���دا �����ي ع���ل���ى �أع����ت����ا ِب����ه����ا � َ���س َ ك�����م م�����ن ن�����ب ٍّ
ال�شاعر حيدر حممود
َو َك�����������م � َ����ش����ه����ي ٍ����د ع����ل����ى �أب������وا َب������ه������ا َر َق���������دا َف����������������� َر َّد ُه ُ اهلل ع���ن���ه���ا ..وان������ت������ه������ى َب��������� َددا
َو َك����������م َدخ������ي ٍ ������ل غَ������زاه������ا وا������س����� َت����� َب����� َّد ب��ه��ا واخ�����ت�����اره�����ا اللهّ ُ ًدرب�����������اً ل���ل���� ّ���س���م���ا ِء َف ِ���م���ن
رِح����ابِ����ه����ا َع������ ْب������ ُد ُه املُ����� ْ����س����ـ����رى ِب������� ِه � َ���ص��� َع���دا
ُك�������� ُّل ال�����ب��ل��ا ِد َت�����ن�����ادت ك����ي َت�����ق�����و َل ل���ه���ا :
م���دي���ن��� َة ا ِ هلل”..كوين وح�������� َد ِك البلدا"
�����������ق ..خَ ������� ْي������� ُل ا ِ ووع������������ ُد ُه ا َ حل ُّ هلل ق����ادم���� ٌة
ِم�����ن ِع�����ن ِ �����د ِه تحَ ِ ْ�����م����� ُل ال���ف���ر����س���ا َن واملَ�������� َددا
ي���ا َرب ف��اب��ع��ثْ ب��ه��ا ا َ جل���م��� َر ال�����ذي خَ ��� َم���دا
وام���� َ���س ْ���ح ِب���� َك���� ِف َ ّ����ك ع���ن �أه����دا ِب����ه����ا ال���� ّر َم����دا
و�أر� ِ��������س ِ ِم��نْ ر ِْج ِ�سهِم ..و�أزِلْ ع��ن � َ��ص�� ْد ِره��ا ال َك َمدا ��������ل ال����غ����ي����ثَ ِم���� ْدراراً ِل���� َي����غْ����� ِ����س����لَ����ه����ا م�����������اذا ن�������ق ُ �������ول ل�������ك ِّ م���ي���ن غَ�����������دا وه���������م ي�����������رون م���ل���ا ي�����ي�����ن�����اً ..وال �أَ َح�����������������دا ؟؟ �������ل ال�������ق�������ا ِد َ و َي����� ْ����س���� َم����ع����و َن ِخ�����ط�����اب ٍ �����ات ُن������ َك������ ِّر ُره������ا ...
يف ُك ِّ ������ل ُع����ر� ٍ����س ..ع�����ن امل���ج ِ���د ال�����ذي ُو ِئ�����دا
ي�����ا �أ ُّي������ه������ا ال ّ ����ط���� ِّي����ب����ون ال�����ق�����ادم�����ون غ�����داً
ال َت�������س����أل���وا ك��ي��ف ���ض�� َّي��ع��ن��ا احل���ي���ا َة � ُ��س��دى
����ب َب ً ���ل�ل�ا ُك����� ّن�����ا ع���ل���ى ب����ح���� ِر ن�������ا ٍر مل ُن����� ِ����ص ْ
م�����ن�����ه..ومل َن����� ْل����� َق ف����ي���� ِه �،أو ع���ل���ي���ه ُه����دى
وال َت�����ك�����ون�����وا ك����م����ا ُك������ ّن������اَ ..ف������ َك رْ َ ���ْث�� ُت������ن������ا
ك���ان���ت ك�������أنْ مل َت���ك���نْ ..ب�����ل مل ت��ك��ن �أ َب�����دا
وع����� ّل�����ق�����وا ف��������و َق ب��������ابِ ال�����قُ�����د� ِ�����س ال ِف����� َت����� ًة
َت���ق ُ ���ول:ممَ ْ ���ن���وع��� ُة �إ ّال ع��ل��ى ال�����ش��ه��دا !!!
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
87
بيانات الوسطية
املنتدى العاملي للو�سطية يدين اقتحام الأق�صى من ِقبل الع�صابات ال�صهيونية ون ُيقَا ِت ُلو َن ُك ْم َحت ََّى َي ُر ُّدو ُك ْم َعن قال تعالى }َ و َال َيزَ ا ُل َ ا�ست ََط ُاعو ْا{ ِدي ِن ُك ْم ِ�إنِ ْ ي�ستنكر املنتدى العاملي للو�سطية الإعتداءات املتكررة م��ن قبل الع�صابات ال�صهونية على امل�سجد الأق�صى ال�شريف �أولى القبلتني ،وثالث احلرمني ال�شريفني وم�سرى الر�سول حممد – �صلى اهلل عليه و�سلم – يف ظل موقف متخاذل من قبل ما ي�سمى باملجتمع الدويل ،بالإ�ضافة الى املواقف املخزية لكثري من احلكومات العربية والإ�سالمية جتاه ق�ضية امل�سلمني وعدم الدفاع عن امل�سجد الأق�صى.
عنه ورف�ض كل الدعوات الت�آمرية ال�صهيونية املاكرة التي تتخفى حتت م�سمى التق�سيم الزماين واملكاين يف امل�سجد الأق�صى ،ويدعو املنتدى منظمة التعاون الإ�سالمي لعقد اجتماع عاجل لتدار�س املوقف والقيام بالواجب ال�شرعي جت��اه اول��ى القبلتني ،كما يدعو املجتمع ال��دويل التخاذ �أ�شد الإج��راءات القانونية حلماية دور العبادة وامل�صلني، كما يدعو املنتدى كل الف�صائل الفل�سطينية لتوحيد �صفها والقيام بواجبها جتاه ما يحل بامل�سجد الأق�صى.
مثلما يدعو ال�شعوب الإ�سالمية للقيام بواجبها يف دعم املرابطني الفل�سطينيني وكل امل�شاريع اخلريية والوقفية وي�ؤكد املنتدى �أن امل�سجد الأق�صى هو وقف ا�سالمي باعتبار �أر�ض فل�سطني وقف ًا �إ�سالمي ًا والدفاع عنها واجب خال�ص الح��ق لليهود فيه ويجب احل�ف��اظ عليه وال��دف��اع الأمة جميعها
� 88إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
بيانات الوسطية
بيان �صادر من املنتدى العاملي للو�سطيّة حول مظاهر العنف والتفجريات الإرهابية يف العاملني العربي والإ�سالمي 2015/8/22 احلمد هلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على النبي .6يدعو املنتدى امل�سلمني يف بالدنا الإ�سالمية وغريها �إلى الأمني املبعوث رحمة للعاملني والذي �أخرج هذه الأمة من اليقظة واحلذر من �أفكار الغلو والتطرف التي تعتقدها غياهب اجلهل �إلى النور واليقني وعلى �آله و�صحبه �أجمعني هذه اجلماعات وترتكب الفظائع واجلرائم ب�سببها. وبعد: .7ينا�شد املنتدى �أ�صحاب القرار �إلى �ضرورة الإهتمام ف�إن املنتدى العاملي للو�سطية يتابع بكل �أ�سى وحزن ويدين بال�شباب روح �ي � ًا واجتماعي ًا وثقافي ًا وو��ض��ع احللول �أحداث التفجريات الإرهابية التي وقعت يف عدد من الدول اجلذرية للم�شكالت التي حتيط بهم من البطالة وغريها العربية والإ�سالمية والعاملية (يف البحرين ونيجرييا ويف مما ي�ستغله الإرهابيون للت�أثري عليهم وا�ستمالتهم �إلى ال�سعودية و الكويت ،والعراق ،وتركيا ،وتون�س ،وباك�ستان� ،صفوفهم. ومايل ،وليبيا ،واليمن ،و�أفغان�ستان ) خملفة وراءها الكثري من ال�ضحايا الأبرياء من الأطفال والن�ساء وال�شيوخ وكذلك .8كما ي�ؤكد وج��ود �إزال��ة مظاهر الظلم والف�ساد والقمع تدمري للعمران وترك حالة من اخلوف والفزع يف نفو�س املوجودة يف جمتمعاتنا الإ�سالمية والتي تعد من �أخطر ال�سكان ومل ت�سلم من هذه التفجريات �أماكن ودور العبادة �أ�سباب �إنت�شار هذه الظاهرة. التي فيها يذكر ا�سم اهلل ومكان للطم�أنينة وال�سكينة. .9يحث املنتدى اجلميع؛ حكومات و�شعوب ًا �إلى بذل املزيد وانطالق ًا من ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية التي تقوم من اجلهد والتكاتف من �أجل تعزيز التعاي�ش ال�سلمي على نبذ العنف بكافة �أ�شكاله ف�إن املنتدى يعلن ما يلي: يف املجتمعات على اختالف �أديانها و�أعراقها لتتجه .1هذه التفجريات تعد �أعما ًال �إجرامية منكرة ال يقرها جمتمعاتنا �إل��ى الأخ ��ذ ب��أ��س�ب��اب التنمية واالزده���ار واال�ستقرار بعيد ّا عن ال�صراعات الدينية �أو العرقية �أو الإ�سالم وال ي�صح �إدعاء ن�سبها �إلى الإ�سالم. ال�سيا�سية. .2ي��زي��د م��ن ب�شاعة ه��ذه اجل��رائ��م ا�ستخدام الأط�ف��ال يف اخلتام ندعو املولى عز وجل �أن مين على جمتمعاتنا والفتيات يف ارتكاب تلك الأعمال الفظيعة بعد خداعهم بالأمن والطم�أنينة وال�سلم . والتغرير بهم با�سم اجلهاد والإ�سالم. و�صلى اهلل على �سيدنا حممد .3ا�ستخدام مرتكبي هذه اجلرائم لبا�س الن�ساء امل�سلمات للتخفي واخل��داع ُيع ُّد من الغدر الذي يحرمه الإ�سالم وعلى �آله و�صحبه �أجمعني. و ُيع ُّد جناية يف حق امل�سلمات الالتي يلب�سن هذا اللبا�س �إتباع ًا لتعاليم الدين. .4يوجه املنتدى نداء �إلى مرتكبي هذه الأعمال بالتوبة �إلى اهلل والرجوع �إلى مبادئ الإ�سالم املبنية على الرحمة والعدل. .5يحث املنتدى العلماء الأجالء واخلطباء والأئمة والدعاة �إلى م�ضاعفة اجلهد وا�ستخدام كل الو�سائل املتاحة لبيان الإ�سالم ال�صحيح البعيد عن �أفكار الغلو والتطرف. ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
89
بيانات الوسطية
بيان املنتدى العاملي للو�سطية حول تفجريات باري�س 2015/11/14 يدين املنتدى العاملي للو�سطية ما تعر�ضت له عا�صمة ال �ن��ور (ب��اري ����س) م��ن ت�ف�ج�يرات ت��رك��ت ع���ش��رات القتلى واجلرحى ،و�أ�ساءت ملرتكبيها وما يحملون من فكر م�شو�ش يعي�ش يف م�ستنقع اجلهل والتخلف واجل �م��ود ،وال يقدم للإن�سانية �إال �صورته الب�شعة ذات املالمح الأب�شع.
من قاموا به .و املنتدى العاملي للو�سطية ي�شجب ويناه�ض زيف من يت�سرتون بالدين ،فهم ب�أفعالهم ي�ضربون بعر�ض احلائط الأديان ال�سماوية ومبادئها امل�ستندة الى الرحمة و احلكمة ،و ديننا الإ�سالمي احلنيف يدعو الى املجادلة بالتي هي �أح�سن �إنطالق ًا من قوله تعالى َ " :و َما �أَ ْر َ�س ْلن َ َاك �إِلاَّ َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َني " وقوله تعالى " َ و َجا ِد ْل ُه ْم بِالَّ ِتي ِه َي �أَ ْح َ�س ُن " .
�إن هذه التفجريات الإرهابية تعمل على زعزعة الأمن الإن�ساين وتلقي بظاللها ال�سوداء على امل�ساحات امل�ضيئة التي يلتقي فيها الب�شر جميع ًا و�صو ًال �إلى عي�ش م�شرتك �إن ه��ذا العمل االره��اب��ي اجلبان وال��ذي روع الآمنني ي�ح�ترم معه ك��ل ال�شرائع والعقائد والأدي� ��ان وامل��ذاه��ب الفكرية والإن�سانية حفاظ ًا على �أ�س�س العي�ش امل�شرتك و�سفك الدماء يدعو العامل الآن وب�شكل جدي للوقوف معا، بني النا�س ،وبحيث ين�صب جهد اجلميع يف �سبيل �إ�سعاد والعمل اجلاد ملناه�ضة الأعمال الإرهابية وحماربتها لي�سود ال�شعوب ال �شقائها . ال�سالم واال�ستقرار بالعامل .وان املنتدى العاملي للو�سطية �إن هذا العمل االرهابي عمل مرفو�ض ومدان من قبل ي�شارك اجلمهورية الفرن�سية رئي�س ًا وحكوم ًة و�شعب ًا وذوي ال�شرائع ال�سماوية كافة ،مهما ك��ان من يقفون وراءه �أو امل�صابني حزنهم البالغ و�أ�سفهم ال�شديد .
� 90إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
بيانات الوسطية
بيان حول �أحداث احلج لعام 1436هـ هيئة �ش�ؤون الأن�صار للدعوة والإر�شاد (بيان للنا�س) لقد ظلت هيئة ��ش��ؤون الأن���ص��ار للدعوة والإر� �ش��اد، وجميع الأن���ص��ار بال�سودان وخ��ارج��ه يتابعون ويثمنون اجلهود الكبرية التي تقوم بها اململكة العربية ال�سعودية ؛ خدمة للحرمني ال�شريفني ،وتطويرا ل�سبل حماية و�صيانة املقد�سات الإ�سالمية مبكة املكرمة واملدينة املنورة ؛ ليتمكن امل�سلمون من �أداء �شعائرهم الدينية بي�سر واطمئنان ،مما جعل �أل�سنة عباد الرحمن وعمار بيته الكرمي وزوار م�سجد نبيه �صلى اهلل عليه و�سلم ؛ تلهج بال�شكر والثناء والدعاء حلكومة اململكة العربية ال�سعودية و�شعبها ،ويف مقدمتهم خ��ادم احلرمني ال�شريفني وويل عهده وويل ويل العهد، قال تعالى َ } :يا�أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا َال َت َت ِّخ ُذوا ِب َطا َن ًة ِمنْ �سائلني اهلل �سبحانه وتعالى �أن يحفظ اململكة م��ن كل دُو ِن ُك ْم َال َي�أْ ُلو َن ُك ْم َخ َبا ًال َو ُّدوا َما َع ِن ُت ّْم َق ْد َب َد ِت ا ْل َبغ َْ�ضا ُء ِمنْ مكروه . َ َ ات ِ�إنْ وت�ت�ق��دم الهيئة بتعازيها احل���ارة خل ��ادم احل��رم�ين �أ ْف َو ِاه ِه ْم َو َما ُت ْخ ِفي ُ�صدُو ُرهُ ْم �أ ْكبرَ ُ َق ْد َب َّي َّنا َل ُك ُم الآ َي ِ ال�شريفني امللك �سلمان بن عبدالعزيز ،وويل عهده وويل ُك ْنت ُْم َت ْع ِق ُلونَ • َها�أَ ْنت ُْم �أُو َال ِء تحُ ِ ُّبو َن ُه ْم َو َال ُي ِح ُّبو َن ُك ْم َو ُت�ؤ ِْم ُنونَ َاب ُك ِّل ِه َو�إِ َذا َل ُقو ُك ْم َقا ُلوا � َآم َّنا َو�إِ َذا َخ َل ْوا َع ُّ�ضوا َع َل ْي ُك ُم ويل العهد ولأ�سراملتوفني وجلميع امل�سلمني يف �شهداء ِبا ْل ِكت ِ الل َع ِلي ٌم ِب َذ ِات حج العام 1436هـ وترتحم على �أرواحهم الطاهرة �سائلة الأَ َن ِام َل ِمنَ ا ْل َغ ْي ِظ ُق ْل ُمو ُتوا ِب َغ ْي ِظ ُك ْم ِ�إ َّن َ َهّ اهلل �سبحانه وتعالى �أن يكرم وفادتهم ويتقبلهم �شهداء ال�صدُو ِر •�إِنْ تمَ ْ َ�س ْ�س ُك ْم َح َ�س َن ٌة ت َُ�س�ؤْهُ ْم َو ِ�إنْ ُت ِ�ص ْب ُك ْم َ�س ِّي َئ ٌة ُّ ويلحقهم بالنبيني وال�صديقني وال�شهداء وال�صاحلني ً َ ُ َ َي ْف َر ُحوا ِب َها َو�إِنْ ت َْ�صبرِ ُ وا َو َت َّت ُقوا ال َي ُ�ض ُّرك ْم ك ْيدُهُ ْم َ�ش ْيئا �إِ َّن وح�سن �أولئك رفيقا . الل بمِ َ ا َي ْع َم ُلونَ محُ ِ ٌ يط{ وت�ؤمن الهيئة �أن احل��ادث امل�ؤ�سف كان ق�ضاء وقدرا َ َهّ حمتوما ،واليقلل من حجم الإجن��ازات الكبرية وامل�ساعي �سائلني اهلل تعالى �أن يوفقنا جميعا للإ�ضطالع احلميدة والرعاية املتجددة التي تبذلها حكومة اململكة العربية ال�سعودية يف خ��دم��ة بيت اهلل احل ��رام و�سائر ب��دورن��ا يف ال��دع��وة وال�ت��وج�ي��ه لتجنب ت �ك��رار ماحدث . ال�شعائر الإ�سالمية بق�صد تهيئة املناخ املنا�سب لقا�صديها واهلل من وراء الق�صد والهادي �إلى �سواء ال�سبيل. عبداملحمود �أ ّبو �إبراهيم الأمني العام 13ذواحلجة 1436ه � 26سبتمرب 2015م املركز العام �أم درمان -ال�سودان حجاجا ومعتمرين وزائرين ؛ وتعلن الهيئة وقوفها جلانب القائمني على �أمر رعاية احلرمني ال�شريفني و�سائر �شعائر احلج �صونا لقد�سيتها وت�أمينا لقا�صديها ،وتدعو امل�سلمني جميعا للوقوف مع اململكة العربية ال�سعودية التي �أثبتت جدارتها وقدرتها على �صيانة احلرمني ال�شريفني و�إدارتها ل�ل�أزم��ة بحكمة وم�سئولية ،تفويتا مل ��ؤام��رات املرتب�صني الذين اليرقبون يف �أمتنا �إال والذمة.
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
91
بيانات الوسطية
بيان من املنتدى العاملي للو�سطية ب�ش�أن �أحداث التدافع يف منى لهذا العام 1436هـ يتقدم املنتدى العاملي للو�سطية ب�أح ّر التعازي خلادم احلرمني ال�شريفني امللك �سلمان بن عبدالعزيز وويل عهده وويل ويل عهده ولأ�سر ال�شهداء املتوفني يف حادثة منى حلج عام 1436هـ . كما ي�شارك املنتدى العامل الإ�سالمي �أحزانه يف تلك الأحداث امل�ؤ�سفة ،والتي كانت ق�ضاء وقدرا حمتوما ،والتي �أدت �إلى وفاة عدد من احلجاج ،واملنتدى اذ يرتحم على �أرواحهم الطاهرة لي�س�أل اهلل عز وجل �أن يتقبلهم �شهداء ويلحقهم بالأنبياء وال�صديقني وال�صاحلني وح�سن �أولئك رفيقا . و�إن املنتدى يقدر اجلهود التي تبذلها اململكة العربية ال�سعودية لت�سهيل �إج��راءات احلج ،وي�ستنكر ما ورد على � 92إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
�أل�سنة بع�ض امل�شككني يف جهودها ويعتربها ت�صريحات غري م�س�ؤولة هدفها الإ�ساءة �إل��ى اململكة وقادتها و �إلى امل�سلمني كافة الذين ال يرتابهم �أدن��ى �شك يف حر�ص اململكة وقادتها على ما يخدم حجاج بيت اهلل احل��رام ويخدم الإ�سالم وامل�سلمني ،و�إن ت�سيي�س هذه احلادثة ي�أتي يف �إطار الت�آمر على الأمة ،كما ُيعد �أداة من �أدوات العبث والت�شكيك وزعزعة اال�ستقرار يف بالد العرب وامل�سلمني، كما ينا�شد املنتدى احلكومة ال�سعودية ��ض��رورة تطوير الإدارات امل�س�ؤولة عن احل��ج لتاليف مثل ه��ذه الأح��داث م�ستقبال. حمى اهلل ديار الإ�سالم من �أعداء الداخل واخلارج
نشاطات الوسطية
مكانة املر�أة يف الإ�سالم
حما�ضرة نظمها منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع م�أدبا يوم ال�سبت2015/8/29 : بد�أ الدكتور �سليمان اخلواطره املحا�ضرة بقوله� :إن الإ�سالم قد �إهتم باملر�أة �إهتمام ًا بالغا و�أوالها رعاية خا�صة ،فهي اللبنة الأولى يف بناء املجتمع ال�صالح ،فهي الأم والبنت والزوجة والأخت ،وهي ن�صف املجتمع ،وهي التي تنجب وتربي الن�صف الآخر ،واجلنة حتت �أقدامها �أم ًا ،وهي التي تُدخل والديها وزوجها اجلنة �إن �أح�سنا تربيتها ،وقاما بحقها على اكمل وجه كما �أمر به اهلل عز وجل و�سنه الر�سول� -صلى اهلل عليه و�سلم.- ولقد جاء يف القر�آن الكرمي ما يدل على �أهمية املر�أة �أما وزوجة و�أختا وبنتنا ،فكان من �أهم الواجبات �شكر الأم وبرها ،وح�سن �صحبتها ،وهي مقدمة يف ذلك على الوالد، الن َْ�س َان ِب َوا ِل َد ْي ِه َح َم َل ْت ُه �أُ ُّم � ُه َو ْهنًا قال تعالى } َو َو�صَّ ْينَا ْ إِ َ َع َلى َو ْهنٍ َو ِف َ�صا ُل ُه فيِ َع َامينْ ِ �أنِ ا�شْ ُك ْر ليِ َو ِل َوا ِل َد ْي َك ِ�إليَ َّ وجا َء َر ُج ٌل ِ�إ َلى َر ُ�سولِ ا ِ للهَّ � -صلى اهلل المْ َ ِ�ص ُري{(لقمانَ ،)14 : عليه و�سلم َ -فقَالَ َيا َر ُ�سولَ ا ِ للهَّ َم ْن �أَ َح ُّق ب ُِح ْ�سنِ َ�ص َحا َب ِتى قَالَ «�أُ ُّم َك» .قَالَ ُثمَّ َم ْن قَالَ «�أُ ُّم َك» .قَالَ ُثمَّ َم ْن قَالَ «�أُ ُّم َك». قَالَ ُثمَّ َم ْن قَالَ « ُثمَّ �أَ ُب َ وك».
لها ،من مرياث ومتلك الأموال والتعليم والقبول بالزواج، وطلب الفرقة بينها وبني زوجها يف حالة عدم توافقهما. �إن الإ�سالم مل ولن يظلم امل��ر�أة ،بل على العك�س من ذلك جعل لها من احلقوق ال�شيء الكثري ،فقد كانت عند غري امل�سلمني تُباع وتُ�شرتى ك�أنها �سلعة رخي�صة الثمن� ،أو عبارة عن متاع لي�س له � ّأي حق �إال من �أجل �إ�شباع الغرائز، �أو خامة تكد وتتعب دون النظر �إل��ى بنيتها اجل�سمانية، وغريها الكثري الكثري. فلما ج��اء الإ��س�لام غري نظرة النا�س �إل��ى ه��ذه الفئة املهمة التي كانت مهم�شة ،وجعل لها كيانا م�ستقال ومملكة تت�صرف فيها وهو بيتها -بيت الزوجية -وكرمها تكرمي ًا يليق بها ،وجعل لها حرية �إختيار كثري من الأمور التي هي بحاجة �إليها. �إن الإ� �س�لام الو�سطي ع��ام��ل امل ��ر�أة ككيان را��س��خ ال يتزعزع ،بعيد ًا ع��ن الغلو ال��ذي ح��رم امل ��ر�أة م��ن �أب�سط حقوقها يف النفقة واملرياث والت�صرف مبا متلك واختيار الزوج املنا�سب الذي تر�ضى به ،والعمل يف املجال الذي تُبدع فيه من تعليم ومتري�ض و�صحة.
وبالن�سبة ملكانة الزوجة وت�أثريها على هدوء النفو�س �أبانته الآية الكرمية قال تعالى َ } :و ِم ْن �آ َيا ِت ِه �أَ ْن خَ َلقَ َل ُك ْم ِم ْن �أَ ْنف ُِ�س ُك ْم َ�أ ْز َو ًاجا ِلت َْ�س ُكنُوا ِ�إ َل ْي َها َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َودَّ ًة َو َر ْح َم ًة ون ( ،{)21فجعل العالقة بني �إِنَّ فيِ ذَ ِل َك َ آل َي ٍات ِل َق ْو ٍم َي َت َفكَّ ُر َ مبني على املودة والرحمة الرجل واملر�أة عبارة عن ترابط ٌ وح�سن املعا�شرة والإحرتام املتبادل بني الطرفني. ُ �إن امل��ر�أة يف ظل الإ�سالم متتعت بالكثري من احلقوق فالإ�سالم �أن�صف امل��ر�أة و�أعطاها كافة احلقوق التي التي مل ولن تُوجد يف غري هذا الدين -الإ�سالم .
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
93
نشاطات الوسطية
�آفات الع�صر و�أثرها على املجتمعات
ندوة منتدى الو�سطية للفكر والثقافة بالتعاون مع وزارة الثقافة -ال�سبت 2015/9/12 �ضمن �سل�سلة اعمال منتدى الو�سطية للفكر والثقافة عن العلم واملعرفة . وبالتعاون مع وزارة الثقافة افتتح االمني العام للمنتدى كما بني الدكتور رفعت ب��در دور الدين امل�سيحي يف العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري ندوة�" آفات الع�صر و�أثرها على املجتمعات " والتي متيزت عن الندوات مواجهة �آفات الع�صر ومن ثم عر�ض الدكتور حممد الق�ضاة ال�سابقة بطابعها االجتماعي املثري وهو �آفات الع�صر التي دور الدين اال�سالمي يف حماربة الظواهر ال�سلبية وحماية ع�صفت باملجتمع بكل مكوناته. املجتمع بلبنات ا�سا�سها تقوى اهلل واال�ستقامة باملحافظة رح��ب ال �ف��اع��وري يف مطلع حديثه ب�ضيوف ال�ن��دوة الذين �شكلوا �أطياف ًا متعددة من جميع الفئات املجتمعية على الفطرة ال�سليمة. وعلى ر�أ�سهم قادة الفكر فيها ،وقد ركز االمني العام يف وح�ضر الندوة اال�ستاذ الدكتور عبدال�سالم العبادي وزير افتتاحيته على خطورة االنفتاح التكنولوجي الذي اجتاح املجتمعات املعا�صرة ب�شكل غري م�سبوق و�أكد على اهمية االوقاف االردين اال�سبق وامني عام جممع الفقه اال�سالمي ت�ضافر اجلهود للحفاظ على جمتمع �سليم معافى. وعدد من القيادات الدينية واملجتمعية وبع�ض ال�شخ�صيات هذا وقد تر�أ�س اجلل�سة االولى عطوفة اال�ستاذ م�أمون ال�سيا�سية يف حم��اول��ة ل�صون وحماية املجتمع يف هذه التلهوين �أم�ين ع��ام وزارة الثقافة والتي عقدت الندوة الفرتة احلرجة التي ت�ضطرب فيها املنطقة . بالتعاون معا باعتباره �إحدى اجلهات املعنية باملحافظة على �سالمة املجتمع ،كما حتدث النقيب �أن�س رئي�س ق�سم جدير بالذكر ان منتدى الو�سطية للفكر والثقافة �سوف الدرا�سات يف مركز مكافحة املخدرات نيابة عن العقيد �سامي ع�سكر مدير �إدارة مكافحة املخدرات وبني ان مهمة يقوم بطباعة جميع اوراق الندوة يف كتيب �سيكون متوافر مكافحة امل �خ��درات ه��ي مهمة م�شرتكة م��ا ب�ين اجلهات مبقر املنتدى العاملي للو�سطية . الر�سمية ومنظمات املجتمع املدين يف حماربة كل الآفات التي ت�شكل خطر ًا على املجتمعات وقد تناول النقيب �أن�س البعد العاملي للق�ضية وا�ستهدافها لعدد من فئات املجتمع خا�ص ًة ،ونوه الى �ضرورة احلماية املبكرة للمجتمع االردين من هذه الآفات ،وذلك نظر ًا الى موقع اململكة يف حميط م�ضطرب و�أ� �ش��ار يف كلمته ال��ى ام�ت�لاك ق��وات مكافحة املخدرات �آلية متطورة للق�ضاء على كل الظواهر ال�سلبية . ويف املحور الثاين والذي ركز حول الآفات االخرى وموقف الدين اال�سالمي منها ،وتر�أ�س اجلل�سة الدكتور حممد خري العي�سى مفتتح ًا اجلل�سة بورقة املدرب الدويل الدكتور علي احلجاحجة والذي تعمق يف اجلانبني البنائي والهدمي لآثار التكنولوجيا احلديثة من حتوالت فكرية وعاطفية ، وق�ضايا الفتنة التي تعتمد على معلومات � سطحية بعيدة � 94إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
إصدارات المنتدى
�إ�صدارات الو�سطية .. من �ضمن �سل�سلة �إ�صدارات الفكر الو�سطي � ،أ�صدر املنتدى العاملي للو�سطية كتيب ًا بعنوان” ال��دول��ة الدينية وال��دول��ة املدنية :بني فهم املتطرفني واملعتدلني” وقد كان هذا العنوان ذاته عنوان ًا لندوة فكرية عقدها املنتدى العاملي للو�سطية � ،ضمن حماور ثالثة هي: .1جدل الدولة الدينية واملدنية يف املجال العربي اال�سالمي احلديث. .2احلقوق ،املواطنة والدولة املدنية و �س�ؤال الهوية . � .3إدارة ال�صراع من التطرف والإرهاب. كما �أ�صدر املنتدى كتيبا �آخ��ر بعنوان( دور الت�شريعات يف احلد من م�شاكل العنف والتفكك الأ�سري) تناول العناوين الفرعية الآتية: � .1أث��ر الت�شريعات الأ�سرية وقانون الأح��وال ال�شخ�صية يف احلد من امل�شكالت . .2العنف الأ�سري و�أثره على �صحة الأ�سرة. .3التفكك الأ�سري درا�سة لواقع الأ�سرة يف االردن. .4التجربة املاليزية يف اجلانب الأ�سري ومدى الإفادة منها يف الأردن . .5عر�ض لتجربة املجل�س الوطني ل�ش�ؤون الأ�سرة حول دوره يف امل�ساهمة بتعديل الت�شريعات ذات العالقة بالأ�سرة.
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
95
م�سابقة العدد
مسابقـة العـدد
�إعداد الدكتور زهـاء الدين عبيـدات مدير مركز التدريب والدرا�سات واال�ست�شارات يف املنتدى العاملـي للو�سطيـة
• تت�ضمن امل�سابقة ع�شرة �أ�سئلة ،يتطلب الأم��ر الإجابة عنها كاملة ملن �أراد امل�شاركة ،وتر�سل الإج��اب��ات بعد تعبئتها يف امل��ك��ان املخ�ص�ص يف �أ�سفل ال�صفحة ،و�إر�سالها �إل��ى ع��ن��وان املجلة (�ص.ب 1241 :الرمز الربيدي 11941عمان – الأردن ) وذلك قبل تاريخ 2016/2 / 1م • يتم ال�سحب على الإجابات الفائزة بثالثة م�ستويات ،حيث يمُ نح الفائز الأول 150دوالراً ،والفائز الثاين 100دوالراً ،والفائز الثالث 50دوالراً. ال�س�ؤال الأول� :سورة يف كتاب اهلل عز وجل ال تخلو �آية منها من لفظ اجلاللة “اهلل” هي: ب -املجادلة
�أ -ال�سجدة
جــ -اجلاثية
ال�س�ؤال الثاين� :سورة يف كتاب اهلل عز وجل ختمت ب�إ�سم نبيني هي :
�أ -عي�سى
ب -العنكبوت
جــ -الأعلى
ال�س�ؤال الثالث :من اليهودية التي حاولت قتل النبي – �صلى اهلل عليه و�سلم – بال�سم؟
�أ -زينب بنت خنا�س
ب -زينب بنت ثبيط
جــ -زينب بنت احلارث
ال�س�ؤال الرابـع� :صحابية جليلة كانت تعرف بالرمي�صاء هي:
�أ� -أ�سماء بنت عمي�س ر�ضي اهلل عنها ب� -أ�سماء بنت �أبي بكر ر�ضي اهلل عنها جــ -خولة بنت ثعلبة ال�س�ؤال اخلام�س :عامل عامل جماهد �شارك يف موقعة عني جالوت كان يلقب ببائع امللوك:
�أ -ال�شيخ عز الدين الق�سام ب -العز بن عبدال�سالم جــ -جالل الدين ال�سيوطي ال�س�ؤال ال�ساد�س :القائل :لقد �أ�صبح ملك بن �أخيك الغداة عظيم ًا هو :
�أ� -أبو �سفيان بن حرب
ب� -أبو جهل
جــ -الوليد بن املغرية
ال�س�ؤال ال�سابع :كان لوي�س با�ستريا الفرن�سي هو :
ب -ابتكر تعقيم الألبان (الب�سرتة) �أ� -أول من عالج داء الكلب جــ � -صاحب �أبحاث عديدة يف املايكروبات د -كل ما �سبق � 96إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ال�س�ؤال الثامن :ثبت �أن للتمور: ب -ت�أثري ًا مهيج ًا للجهاز الع�صبي �أ -ت�أثري ًا مهدئ ًا للجهاز الع�صبي جـ -ت�أثري ًا من�شط ًا للغدة الدرقية ال�س�ؤال التا�سع :يجب �أال تزيد ن�سبة كولي�سرتول الدم عن :
�أ 180 -ميللجرام لكل � 100سم دم
ب 250 -ميللجرام لكل � 100سم دم
ت 400 -ميللجرام لكل � 100سم دم
ال�س�ؤال العا�رش :يحتاج الإن�سان البالغ متو�سط الن�شاط لنحو .:
�أ� 1200 -سعر حراري
ب� 3600 -سعر حراري
جـ � 2400 -سعر حراري
إجابات مسابقة العدد • رمز �إجابة ال�س�ؤال الأول
( )
• رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�ساد�س ( )
• رمز �إجابة ال�س�ؤال الثاين
()
• رمز �إجابة ال�س�ؤال ال�سابع
( )
• رمز �إجابة ال�س�ؤال الثالث ( )
• رمز �إجابة ال�س�ؤال الثامن
( )
()
• رمز �إجابة ال�س�ؤال التا�سع
( )
• رمز �إجابة ال�س�ؤال اخلام�س ( )
• رمز �إجابة ال�س�ؤال العا�شر
( )
• رمز �إجابة ال�س�ؤال الرابع
معلومات المتسابق ا�سم املت�سابق من �أربعة مقاطع رقم الهاتف مع رمز الدولة والبلد العنوان الربيدي
بعد الإجابة على هذا النموذج نرجو تعبئة املعلومات اخلا�صة باملت�سابق كاملة وق�ص النموذج و�إر�ساله �إلى العنوان املُبي
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
97
� 98إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة
ال�سنة الثامنة :العدد الواحد والع�شرون -ربيع الأول١٤٣7هـ /كانون �أول ٢٠١5م
99
� 100إ�سالمية -و�سطية -ف�صلية -م�ستقلة