السنة الثالثة العدد الاول

Page 1

‫الهيئة االستشارية للمجلة‬ ‫الإم� � � � � ��ام ال� � ��� � �ص � ��ادق امل � � �ه� � ��دي‪ /‬ال � �� � �س� ��ودان‬ ‫ال� ��دك � �ت� ��ور ع� �ب ��د احل� �ل� �ي ��م ع ��وي� �� ��س ‪ /‬م �� �ص��ر‬ ‫ال � ��دك� � �ت � ��ور وه� � �ب � ��ة ال� ��زح � �ي � �ل� ��ي ‪� �� /‬س ��وري ��ا‬ ‫ال� � ��دك � � �ت� � ��ور حم� � �م � ��د ط� �ل��اب� � ��ي ‪ /‬امل� � �غ � ��رب‬ ‫ال��دك�ت��ور م�صطفى عثمان ا�سماعيل ‪ /‬ال�سودان‬ ‫ال� ��دك � �ت� ��ور ع � �ب� ��داالل� ��ه م� �ي� �ق ��ات ��ي ‪ /‬ل �ب �ن��ان‬ ‫ال ��دك� �ت ��ور � �س �ع��د ال���دي���ن ال��ع��ث��م��اين ‪ /‬امل��غ��رب‬ ‫ال���دك� �ت���ور حم� �م���ود ال � �� � �س� ��رط� ��اوي ‪ /‬االردن‬ ‫ال � ��دك� � �ت � ��ور حم � �م� ��د احل�ل��اي�� �ق� ��ة ‪ /‬االردن‬ ‫اال� � � �س � � �ت� � ��اذ م� �ن� �ت� ��� �ص ��ر ال� � � ��زي� � � ��ات‪ /‬م�����ص��ر‬

‫هيـئـة التـحريـر‬ ‫امل�� � �ه�� � �ن� � ��د�� � ��س م� � � � � � � � ��روان ال� � � �ف�� � ��اع�� � ��وري‬ ‫ال�� � � � ��دك� � � � � �ت�� � � � ��ور حم� � � � �م � � � ��د اخل � � �ط � � �ي� � ��ب‬ ‫ال � ��دك� � �ت � ��ور ه� ��اي� ��ل ع� �ب���د احل� �ف� �ي���ظ داوود‬

‫الس�نة الثالثة‪ :‬الع�دد األول ‪ -‬مح�رم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كان�ون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫تصدر عن‬ ‫املنتدى العاملي للوسطية‬

‫ال�� � � ��دك� � � � �ت�� � � ��ور ي � � ��ا�� � � �س� �ي ��ن امل� � �ق�� ��و�� � �س�� ��ي‬ ‫اال�� � � � �س� � � � �ت � � � ��اذ ج� � � � �م � � � ��ال ال� � ��� � �س� � �ف � ��رت � ��ي‬

‫املشرف العام على املجلة‬ ‫الأ���س��ت��اذ ال��دك��ت��ور حم��م��د �أح��م��د الق�ضاة‬

‫تصميم وإخراج‬ ‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬

‫عمان‬ ‫اململكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬ ‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 2149 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@wasatyea.org - info@wasatyea.org‬‬ ‫‪Web Site: www.wasatyea.org‬‬


‫محتويات العدد‬ ‫االفتتاحية‬ ‫درا�سات �إ�سالمية‬

‫و�سطيتنا‬

‫مقابالت الو�سطية‬

‫فتح اهلل كولن ‪ .....‬الأ�صالة يف �أ�صدق انتمائاتها واملعا�صرة يف املهندس مروان الفاعوري‬

‫‪3‬‬

‫أ‪ .‬د محمد احمد القضاة‬

‫�آليات ن�شر الفكر الو�سطي يف املجتمعات اال�سالمي‬

‫‪6‬‬

‫د ‪ .‬محمد اخلطيب‬

‫من عوامل املع�صية اجلهل واالنحراف‬

‫‪13‬‬

‫أ ‪ .‬خالد الصاحب‬

‫(ن�سخ ول�صق)للثورة اجلن�سية يف الغرب يف العامل الإ�سالمي‬

‫‪18‬‬

‫د‪ .‬محمد طالبي‬

‫خم�سة قرون‪ ...‬وحتى اليوم فى ع�صر املتون‬

‫‪20‬‬

‫أ ‪ .‬د ‪ .‬عبد احلليم عويس‬

‫م�سلمو �أوروبا‪ ..‬حتت ق�صف امل�سلمني‬

‫‪26‬‬

‫أ ‪ .‬نبيل شبيب‬

‫هل يف الإ�سالم نظام للدولة �أم مرجع للقانون؟‬

‫‪32‬‬

‫أ‪ .‬راشد الغنوشي‬

‫نظرية طبائع اال�ستبداد عند عبد الرحمن الكواكبي‬

‫‪38‬‬

‫أ ‪ .‬محمد يتيم‬

‫الو�سطية م�شروع الأمة احل�ضاري‬

‫‪41‬‬

‫د‪ .‬هايل داوود‬

‫االن�سان اجلديد‬

‫‪44‬‬

‫أ‪ .‬فتح الله كولن‬

‫‪47‬‬

‫الو�سطيــة هــي احلــل فــي ال�سيا�ســة واالقت�صـــاد‬

‫دولة ‪ .‬جنيب ميقاتي‬

‫ر�سالة عمان العدل ا�سمى معانيها‬

‫‪49‬‬

‫أ ‪ .‬مازن الفاعوري‬

‫‪54‬‬

‫�أرقى �صورها‬ ‫قاعدة «ال�ضرورات تبيح املحظورات» ت�أ�صيلها وتطبيقاتها»‬

‫م�صطفى عثمان ‪ :‬الدفاع عن القد�س يجب ان ت�شرتك فيه كل فعاليات االمة‬ ‫رائف جنم ‪ :‬للها�شميني دور كبري يف الدفاع عن القد�س‬

‫‪58‬‬

‫منت�صر الزيات ‪ :‬املنتدى العاملي يقود تيار الو�سطية يف االمة اال�سالمية‬

‫مقاالت الو�سطية‬

‫فتح اهلل كولن‪� ...‬أ�ضابري الدين واملال وال�سيا�سة‬ ‫مع ًا �ضد ارهاب القاعدة‬ ‫م�آذن ومنارات يف بالد العم جنيف‬ ‫هل ي�ؤ�س�س عقد م�ؤمتر «القد�س ‪ ..‬دين وتاريخ» لقمة ا�سالمية؟‬ ‫يدي تفنى ‪ ..‬ويبقى كتابها‬

‫زاوية املر�أة‬

‫ن�شاطات الو�سطية‬

‫�أخبار الو�سطية‬

‫‪59‬‬ ‫أ‪ .‬منتصر الزيات‬ ‫الشيخ سلمان العودة‬ ‫د‪ .‬محمد حبش‬

‫‪64‬‬

‫أ‪ .‬عبدالله القاق‬

‫‪66‬‬

‫أ ‪ .‬رابحة الزيرة‬

‫‪68‬‬

‫ن�ساء قدوة «�أم امل�ؤمنني خديجة بنت خويلد»‬

‫أ‪ .‬وفاء البيطار‬

‫‪70‬‬

‫مالمح الأ�سرة والطفولة يف �شعر خالد فوزي عبده‬

‫أ ‪ .‬هيام ضمرة‬

‫‪71‬‬

‫تقرير حول ن�شاطات منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ل�شهري ت�شرين اول وت�شرين ثاين‬

‫‪77‬‬

‫تقرير حول ن�شاطات منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ل�شهر كانون اول ‬

‫‪79‬‬

‫ندوة دولية « ر�ؤى معا�صرة للإ�صالح الإ�سالمي ودورها يف تعزيز ال�سالم العاملي»‬

‫‪81‬‬

‫وفد من املنتدى العاملي للو�سطية يقوم بزيارة اىل تركيا‬ ‫بدء فعاليات ور�ش عمل حوارات الأندية‬ ‫منتدى و�سطية‪/‬اربد يحتفل بذكرى الهجرة النبوية ال�شريفة‬ ‫ديوان الوقف ال�سني يف العراق يطبع ع�شرة كتب من ا�صدارات املنتدى العاملي‬ ‫بيان �صادر عن املنتدى العاملي للو�سطية ب�ش�أن تفجريات ال�صومال‬ ‫بيان �صادر عن املنتدى العاملي للو�سطية حول االعتداء على امل�سجدالأق�صى‬ ‫بيان �صادر عن منتدى الو�سطية «اجلرح النازف يف الأمة»‬ ‫منتدى الو�سطية العاملي يدين القرار ال�سوي�سري ب�ش�أن حظر امل�أذن‬

‫‪2‬‬

‫‪60‬‬ ‫‪62‬‬

‫ور�شة عمل حول تر�سيخ الفكر الو�سطي يف العامل الإ�سالمي‬

‫بيانات الو�سطية‬

‫‪57‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫‪83‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪87‬‬


‫افتتاحية العدد‬

‫فتح الله كولن ‪.....‬‬ ‫الأ��� �ص� ��ال� ��ة يف �أ�� � �ص � ��دق ان �ت �م��ائ��ات �ه��ا‬ ‫و امل � �ع� ��ا� � �ص� ��رة يف �أرق� � � � ��ى �� �ص ��وره ��ا‬

‫إننا نحتفي بتجربة عظيمة أفادها وآث������ار‪ ،‬ص��م��م ب��ش��ك��ل ح���اس���م على‬

‫رج���ل عظيم م��ج��دد ‪ ،‬ع���اش ألمته حت��وي��ل ال��ك��ل��م��ات ال���ى ح��رك��ة ح��ي��ة ‪،‬‬ ‫والزال ‪ ،‬أعطاها ذوب قلبه وروحه وه��ذا م��ا سماه األس��ت��اذ محمد فتح‬ ‫ووج���دان���ه ‪ ،‬وس��ع��ى إلق���ام���ه صرح ال��ل��ه ك��ول��ن م��ه��ر ال���وج���دان ‪ ،‬ومهر‬ ‫الروح ليكون بنا ًء شامخاً ترتوي منه الوجدان تعبير عن الصدق األبهى مع‬ ‫األنسانية ‪ ،‬جتد فيه اجلمال واألمن الله ومع الذات‪ ،‬في إستلهام املشاعر‬ ‫واألم��ان والطهر ‪ ،‬رجل عرفناه من اإلنسانية املرتبطة باملفهوم األجمل‬

‫خالل أتباعه وتالمذته ‪ ،‬عرفناه من واألرقى لإلنسان والكون واحلياة ‪.‬‬ ‫خالل آثاره ‪ ،‬لم يقدس ذاته ورفض‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬

‫لقد قرأ واقع أمته وأمعن النظر األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية‬

‫أن ينسب العمل له أو تنسب إلسمه فيه ‪ ،‬فأيقن أن البد من والدة جديدة‬ ‫جماعة ‪ ،‬عال بروحه وتدفق ‪ ،‬فاض لهذه األمة ‪ ،‬تستعيد بها نهضتها وتعود وإح��ي��اء لعلوم الدنيا ‪ ،‬إلقامة صرح‬ ‫على كل من عرفه أو التقى به أو قرأ بها الى سابق عزها ‪ ،‬بعد أن ضحى ح��ي��اه صحيحة تستجيب حلاجات‬ ‫له أوسمع منه‪ ،‬فاض علما وإخالصا املسلمون بدينهم (م��ص��در عزتهم) البشر واحل��ج��ر والشجر واحل��ي��اة ‪،‬‬ ‫وجت����ردا وح��رق��ة ودم��وع��ا ع��ل��ى هذا في سبيل دنياهم ‪ ،‬وبعد أن ضيعوا والدة شعارها احلياة في ظالل الدين‬ ‫الدين وعلى هذه األم��ة ‪ ،‬رجل جمع التوازن بني الكون واالنسان واحلياه العظيم وواحة األميان ‪.‬‬ ‫حضاره القلب والروح واخلدمة ‪.‬‬

‫‪ ،‬وتنكروا لتراث أكثر من ألف سنة‬

‫ل��ق��د أدرك ف��ت��ح ك��ول��ن أن السر وإستبدلوه بنظم هزيله التناسب فطرة‬

‫ال��ع��ج��ي��ب ل��ي��س ف���ي ب��ري��ق الكلمات االنسان ‪ ،‬فأدخلوا أنفسهم في جحر‬

‫وموسيقى العبارات ‪ ،‬وإمنا يكمن في الضب ‪ ،‬فكان البد من نور في نهاية‬

‫ق��وة االمي���ان مب��دل��ول ه��ذه الكلمات‪ ،‬النفق ‪ ،‬وال بد من إنبعاث بعد املوت‪،‬‬

‫وم���ا حتمله ف��ي ث��ن��اي��اه��ا م��ن معاني وإل��ى والده ج��دي��ده ف��ي فهم الدين‬

‫ل��ق��د ب����ارك ال��ل��ه ف��ي أع��م��ال فتح‬ ‫ال���ل���ه ك���ول���ن وت���ك���اث���رت آث������اره حتى‬ ‫أض��ح��ت م��درس��ة ج��دي��ده متكاملة ‪،‬‬ ‫تربوية واجتماعية وثقافية وحضارية‬ ‫وأقتصادية ‪ ،‬ال جتد مثيال لها في أي‬ ‫بلد ‪ ،‬مدرسة جتمع بني اآلصالة في‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪3‬‬


‫أص��دق انتمائاتها ‪ ،‬وب�ين املعاصرة والتقدم في أرقى‬ ‫صوره ‪.‬‬

‫إن اجلديد لديه أنه قرأ ملياً واقع العالم كله ‪ ،‬وأختط‬ ‫لنفسه منهجاً ق��دم فيه أول��وي��ه اإلص�ل�اح اإلجتماعي‬

‫إن املطلعني على آثار هذا الرجل العظيم جعلوه أول‬ ‫الشخصيات املؤثرة في العالم لعام ‪ 2009‬م ‪ ،‬وه��ذا لم‬ ‫يأت من فراغ‪ ،‬وإمنا جاء بعدما برزت آثار هذا املفكر‬

‫وال��ت��رب��وي واإلق��ت��ص��ادي على ال��ص��راع السياسي ‪ ،‬فلم على اإلنسان أوال‪ ،‬وعلى الواقع ثانيا في كل أألقطار التي‬

‫يستنزف جهده في الصراع السياسي كأولوية وهدف كما وصلها عبر تالمذته‪.‬‬ ‫أستنزف كثيرون في جتاربهم املريرة طاقاتهم وطاقات‬ ‫لذا كان حماسنا لنقل هذه التجربة إلى عاملنا العربي‬ ‫أمتهم ‪ ،‬مما أدى ال��ى إن��ف��راط العقد السياسي لألمه‬ ‫حرصا منا على أن يستدرك ال��دع��اة وامل��ف��ك��رون األمر‬ ‫وإضعافها عند مواجهة التحديات ‪.‬‬ ‫لئن كان اإلمام فتح الله كولن معروفا كمفكر ومصلح فيعيدون ترتيب أولويات اإلص�لاح مبا يحقق إستئناف‬ ‫على مستوى تركيا وأوروبا ‪ ،‬إال أن قلة من املعنيني بجديد‬ ‫دورهم ودور حركات اإلصالح ‪ ،‬فلعل هذه التجربة جتد‬ ‫الفكر في العالم االسالمي تهيأت لهم فرصة معرفته عن‬ ‫كثب ‪ ،‬وإكتشاف عبقريته الفكرية والروحية‪ ،‬ومن هنا من يحملها ويقتبس منها ما يفيد إصالح واقعنا والنهوض‬

‫تأتي أهمية هذه الندوة‪.‬‬

‫بأمتنا ‪.‬‬

‫ ‬

‫‪4‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫دراسات إسالمية‬ ‫قاعدة»الضرورات تبيح احملظورات»»تأصيلها وتطبيقاتها»‬ ‫ �أ‪ .‬د حممد احمد الق�ضاة‬

‫آليات نشر الفكر الوسطي في املجتمعات االسالمية ‬ ‫ ‬

‫د ‪ .‬حممد اخلطيب‬

‫من عوامل املعصية اجلهل واالنحراف‬ ‫ �أ ‪ .‬خالد ال�صاحب‬

‫•نسخ ولصق• للثورة اجلنسية في الغرب في العالم اإلسالمي‬ ‫ ‬

‫د‪ .‬حممد طالبي‬

‫خمسة قرون‪ ...‬وحتى اليوم فى عصر املتون‬ ‫ �أ ‪ .‬د ‪ .‬عبد احلليم عوي�س‬

‫مسلمو أوروبا‪ ..‬حتت قصف املسلمني‬ ‫ �أ ‪ .‬نبيل �شبيب‬

‫هل في اإلسالم نظام للدولة أم مرجع للقانون؟‬ ‫ �أ‪ .‬را�شد الغنو�شي‬

‫نظرية طبائع االستبداد عند عبد الرحمن الكواكبي ‬ ‫ �أ ‪ .‬حممد يتيم‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪5‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫قاعدة‬

‫«الضرورات تبيح احملظورات»‬

‫«تأصيلها وتطبيقاتها»‬

‫الأ�ستاذ الدكتور حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة‬ ‫اجلامعة الأردنية‪ /‬كلية ال�شريعة‬ ‫مقدمة‪:‬‬ ‫احلمد لله رب العاملني وصلى الله وسلم على سيد املرسلني‬ ‫وعلى آل��ه وصحبه أجمعني وعلى من اتبع هداهم إل��ى يوم‬ ‫الدين‪ ،‬أما بعد‪...‬‬ ‫ف��إن لقاعدة ال �ض��رورات تبيح احمل �ظ��ورات وبحثها وفهم‬ ‫معناها أهمية بالغة ج��دا في واقعنا املعاصر‪ ،‬إذ كثر غلط‬ ‫الناس في فهم هذه القاعدة وصارت الضرورة وسماحة الشريعة‬ ‫ويسر الدين شماعة يعلقون عليها كل أفعالهم ففعلوا احلرام‬ ‫واملكروه ووقعوا في الشبهات وتركوا الواجبات بإسم الضرورة‪،‬‬ ‫وخطأهم هذا جاء من جهات‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬من جهة تنزيلها؛ فقد تساهل كثير من الناس في‬ ‫ارتكاب محرمات ومحظورات شرعية بحجة أن ذلك من قبيل‬ ‫الضرورة الشرعية‪ ،‬مرددين(الضرورات تبيح احملظورات)‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬من جهة ضبط هذه احلالة بضوابطها الشرعية؛‬ ‫فلئن صدق على بعض احلاالت أنها من باب الضرورة إال أن‬ ‫كثيرا من أهل الضرورات جتاوزوا حد الضرورة ‪ ،‬وتوسعوا في‬ ‫استباحة احملرمات وفعل احملظورات‪.‬‬ ‫وثالثا‪ :‬من جهة الرضا بالواقع‪ ،‬فقد استسلم معظم الناس‬ ‫إلى نعمة الترخص‪ ،‬ورغبوا في استبقاء هذه النعمة وعدم‬ ‫زوال�ه��ا‪ ،‬مع أن مسألة الترخص تعتبر من األم��ور العارضة‬ ‫والقضايا الطارئة‪ ،‬إال أنها صارت في كثير من األحيان عند‬ ‫بعض الناس ذريعة إلى التخلص والتفلت من اإللتزام بقيود‬ ‫هذه الشريعة‪ ،‬واألخذ بعزائم أحكامها‪.‬‬ ‫ومن األمثلة على ذلك‪ :‬التساهل في ممارسة بعض أنواع‬ ‫املعامالت املالية احملرمة‪ ،‬واستقدام من ال يجوز استقدامه‬ ‫م��ن األي ��دي العاملة وغ�ي��ره��ا‪ ،‬والسفر إل��ى م��واط��ن الفتنة‬ ‫وأماكن الرذيلة والفساد‪ ،‬ودخول املرأة بال محرم على الطبيب‬ ‫بصورة مألوفة معتادة‪ ،‬واخللوة احملرمة بني الرجال والنساء‪،‬‬

‫‪6‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫والكذب في احلديث‪.‬‬ ‫ه��ذه ص��ور م��ن ال��واق��ع تشهد بتفريط كبير وإه�م��ال غير‬ ‫يسير في مناخ شتى من حياة األمة‪ ،‬وهو انحراف واضح عن‬ ‫جادة السبيل‪.‬‬ ‫ثم‪ :‬إن أهل الزيغ والهوى كثيرا ما يتعلقون بستار الضرورة‬ ‫في حتقيق مآربهم ونيل أغراضهم‪ ،‬فيحملون هذه الشريعة‬ ‫باطل صنيعهم وسوء مكرهم‪ ،‬بل ورمبا ينسلخون من الدين‬ ‫كله باسم الضرورة أو احلكمة أو املصلحة‪.‬‬ ‫تلك بعض األسباب الداعية إلى الكالم عن هذه القاعدة‬ ‫بتحديد ضوابطها في هذه الشريعة‪.‬‬ ‫وقد جعلت البحث مقسما إلى مطلبني وخامتة‪:‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬في األصل الشرعي لهذه القاعدة وتوضيح‬ ‫هذه القاعدة‪:‬‬ ‫وقد شمل هذا املطلب املسائل التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعريف الضرورة لغة واصطالحا والفرق بينها وبني احلاجة‪.‬‬ ‫‪ -2‬مدخل لفهم الضرورة الشرعية‪.‬‬ ‫‪ -3‬أقسام الضرورة الشرعية‪.‬‬ ‫‪ -4‬حكم العمل بالضرورة الشرعية‪.‬‬ ‫‪ -5‬ضوابط الضرورة الشرعية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ضوابط العمل بالضرورة الشرعية‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬تطبيقات على هذه القاعدة‪.‬‬ ‫اخلامتة‪ :‬وتضمنت النتائج التي خرج بها البحث‪.‬‬ ‫والله أسأله التوفيق والسداد‬


‫املطلب الأول‪ :‬الأ�صل ال�شرعي لهذه القاعدة وتو�ضيحها‪:‬‬ ‫األص��ل في ه��ذه القاعدة ما ورد في ال��ق��رآن الكرمي من‬ ‫استثناء حاالت اإلضطرار الطارئة في ظروف استثنائية كقوله‬ ‫تعالى بعد ت��ع��داد طائفة م��ن احمل��رم��ات {إال م��ا اضطررمت‬ ‫إليه}‪ ،‬وقوله تعالى {فمن اضطر في مخصمة غير متجانف‬ ‫إلثم فإن الله غفور رحيم}‪.‬‬

‫الشرع ‪ ،‬إذ فيه مخالفة واضحة للدليل الشرعي الثابت؟‬

‫فاجلواب‪ :‬إن العمل بالضرورة وفق ضوابطها الشرعية ال‬ ‫يعد هدما ألدل��ة ال��ش��رع‪ ،‬بل هو عمل بالدليل الشرعي‪ ،‬إذ‬ ‫ال��ض��رورة ثابتة ب��ه‪ ،‬ثم إن العمل بالضرورة مقيد بضوابط‬ ‫حتفظ مقاصد الشريعة وحتققها‪ ،‬فالعمل بالضرورة مشروع‬ ‫في حدود مقاصد الشرع ومراميه النبيلة‪.‬‬

‫ توضيح القاعدة‪:‬‬‫بل إن العمل بالضرورة من األمور التي تؤكد شمول هذه‬ ‫املسألة األول��ى‪ :‬تعريف الضرورة لغة واصطالحا والفرق الشريعة لشتى ال��وق��ائ��ع واحل�����وادث‪ ،‬وت��ق��رر صالحها لكل‬ ‫زمان ومكان‪ ،‬ومواكبتها لألحوال واملتغيرات‪ ،‬كما أن العمل‬ ‫بينها وبني احلاجة‪:‬‬ ‫بالضرورة تيسيرا ورحمة بالعباد ورعاية ملصاحلهم ودرءا‬ ‫الضرورة في اللغة (‪:)1‬‬ ‫للمفاسد عنهم‪.‬‬ ‫احل��اج��ة وامل��ش��ق��ة وال��ش��دة ال��ت��ي ال م��دف��ع ل��ه��ا‪ ،‬واجلمع‪:‬‬ ‫ الفرق بني الضرورة واحلاجة (‪:)4‬‬‫ضرورات‪ ،‬وهي اسم ملصدر االضطرار‪.‬‬

‫ال��ض��رورة حالة تستدعي إن��ق��اذا‪ ،‬أم��ا احلاجة فهي حالة‬ ‫واإلضطرار‪ :‬االحتياج إلى الشيء‪ ،‬واضطره إليه‪ :‬أحوجه‬ ‫تستدعي تيسيرا وتسهيال‪ ،‬فهي مرتبة دون ال��ض��رورة؛ إذ‬ ‫وأجلأه فاضطر‪ ،‬وأصل مادة (ضر) خالف النفع‪.‬‬ ‫يترتب على الضرورة ضرر عظيم في إحدى الكليات اخلمس‪،‬‬ ‫الضرورة في االصطالح‪:‬‬ ‫ويترتب على احلاجة مشقة وحرج‪ ،‬لكنه دون الضرر املترتب‬ ‫يختلف معناها باختالف أهل الفن فهي عند العروضيني على الضرورة‪ ،‬وقد تنزل احلاجة منزلة الضرورة‪ :‬فيما إذا ورد‬ ‫غيرها عند أهل الكالم والذي يعنينا هنا هو معناها عند أهل نص بذلك أو تعامل أو كان له نظير في الشرع ميكن إحلاقه‬ ‫به؛ كتجويز اإلجارة وعقد االستصناع‪ ،‬وأجرة احلمام‪.‬‬ ‫الشريعة من الفقهاء واألصوليني‪:‬‬ ‫فالضرورة عند أهل الشريعة من الفقهاء واألصوليني‪:‬‬

‫املسألة الثانية‪ :‬مدخل لفهم الضرورة الشرعية‪:‬‬

‫في هذا املدخل ذكر لبعض القواعد األصولية والفقهية‬ ‫“هي تلك احلالة التي يتعرض فيها اإلنسان إلى اخلطر في‬ ‫دينه أو نفسه أو عقله أو عرضه أو ماله فيلجأ ( لكي يخلص املتعلقة بالضرورة‪ ،‬وال بد عند ذكر هذه القواعد من ربطها‬ ‫نفسه من هذا اخلطر) إلى مخالفة الدليل الشرعي الثابت (‪ ،)2‬مبوضوع الضرورة كثمرة لهذا املدخل‪.‬‬ ‫وذلك كمن يغص بلقمة طعام وال يجد سوى كأس من اخلمر‬ ‫ قاعدة املشقة جتلب التيسير (‪:)5‬‬‫يزيل هذه الغصة”‪.‬‬ ‫معنى ه��ذه ال��ق��اع��دة‪ :‬أن الشريعة اإلس�لام��ي��ة ف��ي جميع‬ ‫وق��د تواترت األدل��ة على أن ه��ذه الشريعة ج��اءت حلفظ أحكامها جاءت مبا يقع حتت قدرة املكلف وإن ترتب على فعله‬ ‫ال��ض��روري��ات اخل��م��س‪ :‬ال��دي��ن‪ ،‬وال��ن��ف��س‪ ،‬وال��ع��ق��ل‪ ،‬والنسل‪ ،‬مشقة كاجلهاد والصوم واحلج‪ ،‬وقد تخرج املشقة على وجه‬ ‫واملال‪.‬‬ ‫االعتياد فتسبب حرجا كبيرا لسبب من األسباب؛ هنا تصبح‬ ‫وامل����راد ب��ال��ض��روري��ات‪ :‬األم���ور ال��ت��ي ال ب��د م��ن احملافظة هذه املشقة سببا للتيسير والتخفيف‪ ،‬والتخفيفات في الشرع‬ ‫عليها حتى تستقيم مصالح الدنيا واآلخرة على نهج صحيح على نوعني‪:‬‬ ‫دون اخ��ت�لال‪ ،‬وإمن��ا يكون ذل��ك باحملافظة على ه��ذه األمور‬ ‫أ‪ -‬ن��وع ش��رع م��ن أص��ل��ه للتيسير‪ ،‬وه��و ع��م��وم التكاليف‬ ‫اخلمسة‪ ،‬لذا تسمى الضرورات ( أو الضروريات) اخلمس‪ ،‬الشرعية في األحوال العادية‪.‬‬ ‫وتسمى بالكليات اخلمس أيضا؛ لكونها جامعة جلميع األحكام‬ ‫ب‪ -‬نوع شرع ملا يوجد من األعذار والعوارض‪ ،‬وهو املسمى‬ ‫وال��ت��ك��ال��ي��ف ال��ش��رع��ي��ة‪ ،‬ف��ه��ي ت��ن��درج حتتها جميع جزئيات‬ ‫الشريعة‪ ،‬وتسمى أيضا مبقاصد الشرعية؛ ملا ثبت باإلستقراء بالرخصة‪ ،‬وه��و املقصود بقاعدة املشقة جتلب التيسير؛‬ ‫التام لهذه الشريعة دقيقها وجليلها‪ :‬كون احملافظة على هذه فالقاعدة إذن مجالها ‪ :‬الرخص وال��ع��وارض‪ ،‬والضرورات؛‬ ‫كأكل امليتة‪.‬‬ ‫األمور اخلمسة أمرا مقصودا للشارع (‪.)3‬‬ ‫وع����ل����ى ه�������ذا‪ :‬ف����ال����ض����رورة م����ن امل���ش���ق���ة ال����ت����ي جتلب‬ ‫لذلك‪ :‬صح عند العلماء جعل احملافظة على األمر الضروري‬ ‫أصال ثابتا ال يتغير أبدا‪ ،‬وأساسا قائما ال يتعرض للخدش التيسيروالتخفيف‪.‬‬

‫بوجه من الوجوه‪ ،‬وتسمى احملافظة على هذا األمر الضروري‬ ‫حالة ضرورة إن ترتبت عليه مخالفة حلكم شرعي ثابت‪.‬‬

‫قاعدة الرخص‪:‬‬

‫الرخصة في الشريعة ه��ي‪( :‬احلكم الثابت على خالف‬ ‫(‪)6‬‬ ‫وقد يقول قائل‪ :‬أال يعد العمل بالضرورة نقضا وهدما ألدلة الدليل لعذر)‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪7‬‬


‫(‪)7‬‬ ‫وتنقسم الرخصة باعتبار سببها إلى أقسام منها‪:‬‬ ‫حالة استثناء توجب العدول عن العمل وفق هذا الدليل‪ ،‬وهذا‬ ‫هو االستحسان‪ ،‬وإذا نظرنا إلى جدوى العمل بالضرورة أدركنا‬ ‫أ‪ -‬رخصة بسبب السفر‬ ‫أنها‪ -‬وال شك – حتقق مصلحة راجحة‪ ،‬فهي داخلة في باب‬ ‫ب‪ -‬رخصة بسبب املرض‬ ‫املصالح‪ ،‬كما أنها ت��درأ ضررا ومفسدة‪ ،‬فهي تندرج حتت‬ ‫ج‪ -‬رخصة بسبب االضطرار‪ ،‬فالضرورة إذن من أسباب قاعدة ( الضرر يزال)‪.‬‬ ‫الترخص‪.‬‬ ‫املسألة الثالثة‪ :‬أقسام الضرورة‪:‬‬

‫قاعدة األستحسان‪:‬‬ ‫تنقسم الضرورة باعتبارات متعددة إلى أقسام كثيرة‪ ،‬وذلك‬ ‫االستحسان في الشرع‪( :‬العدول في مسألة عن مثل ما على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫حكم به في نظائرها إلى خالفه لوجه هو أقوى منه(‪ )8‬فهو‬ ‫أ‪ -‬أقسام الضرورة باعتبار متعلقها‪:‬‬ ‫إذن‪ :‬قطع املسألة عن نظائرها على عكس القياس الذي هو‬ ‫‪ -1‬ضرورة تتعلق بحفظ الدين‪ ،‬مثل ‪ :‬قتل الشيوخ والنساء‬ ‫احلاق املسألة نظائرها‪ ،‬وهذا الوجه القوي الذي أوجب قطع‬ ‫املسألة عن نظائرها قد يكون نصا أو اجماعا أو قياسا خفيا واألطفال في اجلهاد إذا حتصن بهم العدو‪ ،‬حفظا للدين‪.‬‬ ‫‪ -2‬ض��رورة تتعلق بحفظ النفس‪ ،‬مثل‪ :‬أكل امليتة حفظا‬ ‫أو ضرورة‪ ،‬فيعمل بالدليل األقوى وهو أمر مستحسن‪ ،‬ولهذا‬ ‫سمي استحسانا(‪ ،)9‬وذلك مثل النظر إلى األجنبية ‪:‬ال يجوز للنفس‪.‬‬ ‫ألحد أبدا لكنه جاز للطبيب ضرورة‪ ،‬فاالستحسان قد يستند‬ ‫‪ -3‬ض��رورة تتعلق بحفظ العقل‪ ،‬مثل‪ :‬أكل امليتة؛ حفظا‬ ‫إل��ى النص أو اإلج��م��اع أو ال��ض��رورة‪ ،‬فالضرورة إذن تصلح للعقل‪.‬‬ ‫مستندا لالستحسان‪.‬‬ ‫‪ -4‬ض���رورة تتعلق بحفظ النسل‪ ،‬مثل‪ :‬دف��ع امل��ال للعدو‬ ‫(‪)10‬‬ ‫قاعدة املصالح املرسلة ‪:‬‬ ‫الكافر؛ حفظا لعرض امرأة مسلمة‪.‬‬ ‫املصلحة عموما ق��د تكون شرعية إن ج��اء بطلبها دليل‬ ‫‪ -5‬ضرورة تتعلق بحفظ املال‪ ،‬مثل‪ :‬إفساد قليل املال حفظا‬ ‫خ��اص م��ن ال��ش��رع‪ ،‬وق��د تكون ملغاة إن ج��اءت على خالف ألكثره‪.‬‬ ‫نصوص الشريعة ومقاصدها‪ ،‬وقد تخلو عن الدليل الطالب‬ ‫ب‪ -‬أقسام الضرورة باعتبار الشمول‪:‬‬ ‫واملانع فتكون مرسلة‪.‬‬ ‫‪ -1‬ضرورة عامة‪ :‬كوقوع األمة في قحط عميم‪.‬‬ ‫وتنقسم املصلحة املرسلة باعتبارقوتها إلى ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫فأقواها املصلحة الضرورية‪ ،‬ثم احلاجية‪ ،‬ثم التحسينية‪.‬‬

‫‪ -2‬ضرورة خاصة‪ :‬كوقوع رجل في مخصمة‪.‬‬

‫ج‪ -‬أقسام الضرورة باعتبار الدليل الدال عليها‪:‬‬

‫واملراد باملصلحة املرسلة الضرورية‪ :‬احملافظة على األمور‬ ‫ال��ض��روري��ة التي ل��م ي��دل على اعتبارها دليل خ��اص‪ ،‬وهذه‬ ‫‪ -1‬ضرورة أثبتها النص‪ :‬كاألكل من امليتة للمضطر {فمن‬ ‫احملافظة بينة ظاهرة في حالة كون الضرورة ثابتة بطريق اضطر في مخمصة غير متجانف إلثم فإن الله غفور رحيم}‬ ‫االجتهاد‪ ،‬فالضرورة إذن قد تكون من قبيل املصالح املرسلة‪( .‬املائدة‪)3:‬‬ ‫قاعدة الضرر يزال (‪:)11‬‬ ‫‪ -2‬ضرورة تثبت باإلجتهاد‪ :‬كما في باب املصالح املرسلة‬ ‫ه��ذه القاعدة من القواعد الفقهية الكبرى‪ ،‬وه��ي تشمل إن كانت ضرورية‪.‬‬ ‫أصلني مهمني‪:‬‬ ‫املسألة الرابعة‪ :‬حكم العمل بالضرورة الشرعية‪:‬‬

‫أ‪ -‬النهي عن إيقاع الضرر اب��ت��دا ًء‪ ،‬باتباع شتى الوقاية‬ ‫واحلماية لئال يقع الضرر‪.‬‬

‫وفي هذه املسألة ثالثة أمور‪:‬‬

‫أوال‪ :‬األدل���ة على مشروعية العمل ب��ال��ض��رورة م��ن حيث‬ ‫ب‪ -‬وج��وب رف��ع ال��ض��رر‪ -‬إن وق��ع‪ -‬باتباع أفضل السبل اجلملة‪:‬‬ ‫العالجية‪.‬‬ ‫‪ -1‬من القرآن‪{ :‬حرمت عليكم امليتة والدم وحلم اخلنزير‬ ‫(‪)12‬‬ ‫وقال رسول الله تعالى (ال ضرر وال ضرار) يشمل هذين وم��ا أه��ل ب��ه لغير ال��ل��ه م��ن ‪.......‬إال م��ا اض��ط��ررمت إليه}‬ ‫األصلني وفي األخذ بالضرورة حتقيق لهذه القاعدة‪.‬‬ ‫(االنعام‪.)119:‬‬ ‫وخالصة ما تقدم أن يقال‪ :‬إن وقوع الضرورة لون من ألوان‬ ‫‪ -2‬من السنة‪ :‬عن أبي واقد الليثي قال‪ “ :‬قلت يا رسول‬ ‫املشقة التي تستدعي تيسيرا وتسهيال في هذا الدين‪ ،‬وذلك الله‪ :‬إنا بأرض تصيبنا مخصمة فما يحل لنا من امليتة؟ فقال‪:‬‬ ‫أيضا سبب من أسباب الترخص‪ ،‬فتدخل الضرورة لذلك في إذا لم تصطحبوا‪ ،‬ولم تغتبقوا‪ ،‬ولم حتتفئوا بها بقال‪ ،‬فشأنكم‬ ‫باب الرخص‪ ،‬وبالنظر في الدليل احملرم جند أن الضرورة بها “ (‪.)13‬‬ ‫‪8‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫‪ -3‬األدلة الكثيرة والشواهد املتعاضدة الدالة على أن هذه‬ ‫الشريعة مبنية على التيسيروالتخفيف(‪ )14‬مثل‪َ { :‬و َج ِ‬ ‫اه ُدوا فِ ي‬ ‫اجتَبَا ُك ْم َو َما َج َع َل َعلَيْ ُك ْم فِ ي الدِّينِ مِ ْن‬ ‫اللَّهِ َحقَّ ِج َهادِ ِه ُه َو ْ‬ ‫َح�� َر ٍج ِّملَّ َة أَبِي ُك ْم ِإبْ َر ِ‬ ‫ني مِ ن َقبْ ُل َوفِ ي‬ ‫اهي َم ُه َو َس َّما ُك ُم المْ ُ ْسلِم َ‬ ‫َّاس‬ ‫َه َذا ِليَ ُكو َن ال َّر ُسو ُل َشهِ يداً َعلَيْ ُك ْم َوتَ ُكونُوا ُش َه َداء َعلَى الن ِ‬ ‫اعت َِص ُموا بِاللَّهِ ُه َو َم ْولاَ ُك ْم َف ِن ْع َم‬ ‫الصلاَ ةَ َوآتُوا ال َّز َكاةَ َو ْ‬ ‫َف َأقِ ي ُموا َّ‬ ‫المْ َ ْولَى َو ِن ْع َم الن َِّصي ُر } (احلج‪{ ، ) 78‬يُرِ ي ُد اللّ ُه أَن يُ َخ ِّف َف‬ ‫نسا ُن َ‬ ‫ضعِ يفاً } ( النساء‪{، )28‬يُرِ ي ُد اللّ ُه ِب ُك ُم‬ ‫َعن ُك ْم َوخُ ِل َق ا ِإل َ‬ ‫الْيُ ْس َر َوالَ يُرِ ي ُد ِب ُك ُم الْ ُع ْس َر َو ِلتُ ْكمِ لُوا ْ الْعِ َّدةَ َو ِلتُ َك ِّب ُروا ْ اللّ َه َعلَى‬ ‫َما َه َدا ُك ْم َولَ َعلَّ ُك ْم ت َْش ُك ُرو َن } (البقرة‪( ، ) 185‬بعثت باحلنيفية‬ ‫السمحة)(‪.)15‬‬

‫املسألة اخلامسة‪ :‬ضوابط الضرورة الشرعية‪:‬‬ ‫هناك شروط وقيود ال بد من حصولها في حالة ما‪ ،‬ليسوغ‬ ‫تسميتها ض���رورة شرعية‪ ،‬وال ميكن أن ت��ك��ون تلك احلالة‬ ‫ض��رورة شرعية مع تخلف شيء من الضوابط‪ ،‬وإليك بيان‬ ‫هذه الضوابط مع اإلستدالل لها‪:‬‬ ‫‪ -1‬قيام الدليل احملرم ورجحان العمل به‪:‬‬

‫كأكل امليتة ‪ ،‬فإن الدليل على حترمي امليتة قائم‪ ،‬والعمل به‬ ‫راجح‪ ،‬فال يجوز أكل امليتة‪ ،‬إال أنه جاز للمضطر مخالفة هذا‬ ‫الدليل والعمل على خالفه‪ ،‬ويحترز بذلك عما إذا كان الدليل‬ ‫مبيحا أو موجبا‪ ،‬كمن يضطر‪ ،‬لكنه يجد شيئا من املاء يسد به‬ ‫رمقه‪ ،‬فال ضرورة ها هنا‪ ،‬لعدم وجود املخالفة املترتبة على‬ ‫‪ -4‬األدلة الكثيرة والشواهد املتعددة الدالة على رعاية هذه قيام الدليل احملرم (‪.)21‬‬ ‫الشريعة ملصالح العباد من جهة ودرء املفاسد عنهم من جهة‬ ‫ومن هنا‪ :‬علم أن حالة الضرورة مبنية على مخالفة ما‬ ‫أخرى(‪.)16‬‬ ‫يعتقد رجحان حترميه‪ ،‬كمن يرى حرمة اللحوم املستوردة‪،‬‬ ‫ثانيا‪ :‬حكم العمل بالضرورة الشرعية‪:‬‬ ‫فإن أكله منها إلنقاذ نفسه من املوت يعتبر ضرورة‪ ،‬وليس من‬ ‫العمل بالضرورة الشرعية واج��ب وليس جائزا‪ ،‬والدليل الضرورة بالنسبة ملن يرى جواز تناول هذه اللحوم‪.‬‬ ‫على ذلك‪:‬‬ ‫‪ -2‬وأن يترتب على االمتثال للدليل الراجح احملرم ضرر‬ ‫‪ -1‬قاعدة الواجب ال يترك إال لواجب (‪ :)17‬مثل قطع اليد متعلق بإحدى الكليات اخلمس‪:‬‬ ‫فإنه محرم‪ ،‬وحفظ هذا العضو من اإلنسان أمر واجب‪ ،‬لكن‬ ‫كأن تتعرض نفسه للهالك إن لم يأكل من امليتة ويحترز بهذا‬ ‫هذا الواجب يترك عند السرقة‪ ،‬فتقطع اليد ولو لم يكن القطع عن انتفاء الضرر‪ :‬كأن يوجد الدليل احملرم لكنه ال يضطر إلى‬ ‫واجبا بالنسبة للسارق لكان هذا الفعل حراما‪ ،‬فترك الواجب مخالفته بأكل امليتة‪ ،‬فيما إذا كان في األح��وال العادية‪ ،‬فال‬ ‫وهو حفظ العضو لواجب أهم منه وهو إقامة حدود الله‪.‬‬ ‫ضرورة ها هنا ‪ ،‬لعدم احلاجة الشديدة إلى املخالفة ‪ ،‬إذ إن‬ ‫‪ -2‬قاعدة للوسائل حكم املقاصد(‪ )18‬فأكل امليتة للمضطر الضرر ال وجود له‪.‬‬ ‫واج���ب‪ ،‬ألن حفظ النفس واج���ب‪ ،‬وه��و ال يتم إال بوسيلة‪،‬‬ ‫ووجه هذا الضابط ودليله‪ :‬القاعدة املعروفة (الضرر يزال)‬ ‫هي األكل من امليتة‪ ،‬وهذه هي قاعدة‪( :‬ما ال يتم إال به فهو فلتراجع مع أدلتها‪.‬‬ ‫واجب)‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن يكون حصول الضرر أمرا قاطعا أو ظنا غالبا‪ ،‬وال‬ ‫ومن اخلطأ أن يقال‪ :‬إن هذا الفعل يجوز للضرورة‬ ‫الصحيح أن يقال‪ :‬يجب ان يشرع عند الضرورة‪.‬‬

‫(‪)19‬‬

‫بل‬

‫أما قول العلماء(الضرورات تبيح احملظورات) فهو بالنظر‬ ‫إلى أثر الضرورة في تغيير حكم الفعل ونقله من احلظر واملنع‬ ‫إلى اإلذن واالباحة ‪ ،‬وأما األخذ بالضرورة فإنه واجب‪.‬‬ ‫ولعل هذا يتضح إذا علمنا أن للضرورة أحواال‪ ،‬وإليك بيان‬ ‫ذلك‪:‬‬ ‫ثالثا‪ :‬أحوال الضرورة باعتبار تغييرها حلكم الفعل‬

‫(‪)20‬‬

‫يلتفت إلى الوهم والظن البعيد كأن يكون املضطر في حالة‬ ‫تسمح له بانتظار الطعام احلالل الطيب‪ ،‬فال يقدم على تناول‬ ‫امليتة واحل��ال��ة كذلك حتى يجزم بوقوع الضرر على نفسه‬ ‫فيجوز حينها تناول امليتة‪ ،‬ودليل ذلك‪ :‬ما علم في الشريعة‬ ‫من أن األحكام تناط باليقني والظنون الغالبة‪ ،‬وأنه ال إلتفات‬ ‫فيها إلى األوهام والظنون املرجوحة البعيدة(‪ ،)22‬وقد تقدم في‬ ‫حديث أبي واقد قوله(إذا لم تصطحبوا‪ )...‬ما يدل بوضوح‬ ‫على أن اإلق��دام على املخالفة ال يتم إال بعد التيقن واجلزم‬ ‫بحصول الضرر‪.‬‬

‫‪ -4‬أال ميكن دفع هذا الضررإال باملخالفة وعدم اإلمتثال‬ ‫‪ -1‬ما يفيد إباحة املرخص به حال قيام الضرورة‪ ،‬فالفعل‬ ‫للدليل احملرم‪ ،‬فإن أمكن املضطر أن يدفع هذا الضرر بأمرين‬ ‫ها هنا يصبح مباحا‪ ،‬بل واجبا كاإلضطرار ألكل امليتة‪.‬‬ ‫أحدهما جائز واآلخ��ر ممنوع‪ ،‬ح��رم عليه ارت��ك��اب املخالفة‬ ‫‪ -2‬ما يفيد جواز اإلقدام على املرخص به حال الضرورة‪ ،‬للدليل احمل��رم‪ ،‬ووجب عليه دفع الضرر باألمر اجلائز‪ ،‬كأن‬ ‫مع بقاء احلرمة‪ ،‬كإجراء كلمة الكفر على اللسان‪.‬‬ ‫يغص بلقمة وأمامه كأسان من املاء واخلمر‪ ،‬ووجه هذا القيد‬ ‫‪ -3‬ما ال يباح ولو للضرورة كقتل املسلم‪ ،‬وذلك فيما إذا كان ما ورد في ذلك من قواعد مثل‪ ( :‬إذا ضاق األمر اتسع‪ ،‬وإذا‬ ‫اتسع ضاق) ‪( ،‬الضرر يدفع قدر اإلمكان) لتراجع مع أدلتها‪.‬‬ ‫الفعل منهيا عنه لذاته‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪9‬‬


‫‪ -5‬أال يعارض هذه الضرورة عند ارتكابها ما هو أعظم‬ ‫منعا أو مثلها كأن يأكل املضطر طعام مضطر آخ��ر‪ ،‬ووجه‬ ‫إذا اجتمعت الضوابط السابقة في حالة ما‪ ،‬صح أن تعد‬ ‫ذلك ما ورد من قواعد مثل‪( :‬الضرر ال يزال مبثله) و(يتحمل ه��ذه احلالة ض��رورة شرعية يؤخذ بها ويستند إليها‪ ،‬لكن‬ ‫الضرر اخلاص لدفع الضرر العام) و(يرتكب أخف الضررين العمل بالضرورة مع كونه واجبا ال بد فيه من ضابطني‪ ،‬هذا‬ ‫لدفع أعظمهما) و(درء املفاسد مقدم على جلب املصالح)‪.‬‬ ‫بيانهما‪:‬‬ ‫وك��ذل��ك‪ :‬ف��إن ال��ض��رورة تسقط وال يلتفت إليها إن ترتب‬ ‫الضابط األول‪ :‬أن تقدرهذه الضرورة بقدرها‪ ،‬من حيث‬ ‫على األخ��ذ بها إخ�لال مب��ب��ادىء الدين ومقاصد الشريعة‪ :‬الزمان واملكان والكم والكيف‪ ،‬فال بد من حتديد املقدار الذي‬ ‫كقتل املسلم‪ ،‬والزنا‪ ،‬فهذه ضرورة حتلها؛ ألن حترميها جاء يدفع الضرر ويحقق املصلحة‪ ،‬إذ جتويز األخ��ذ بالضرورة‬ ‫على سبيل القصد والتعيني ‪ ،‬ال على سبيل الذريعة والتكميل‪ ،‬مقصور على هذا املقدار‪ ،‬وما زاد على ذلك يبقى في حيز‬ ‫كتحرمي النظر إلى األجنبية‪ ،‬فإنه ذريعة للزنا‪ ،‬لذلك يترك التحرمي‪ ،‬فال يأكل املضطر من امليتة إال بالقدر الذي يسد‬ ‫(‪)23‬‬ ‫(‪)25‬‬ ‫العمل به عند ال��ض��رورة ‪ ،‬ووجه ذلك قاعدة‪( :‬الضرورات رمقه‪ ،‬وما زاد فهو حرام‬ ‫(‪)24‬‬ ‫تبيح احملظورات بشرط عدم انفصالها عنها)‬ ‫الضابط الثاني‪ :‬أن العمل بالضرورة مرتبط بقيام الضرر‬ ‫من يقدر ال�ضرورة؟‪:‬‬ ‫وتوقعه‪ ،‬فإن زال فال ض��رورة؛ ألن األخذ بالضرورة استثناء‬ ‫إذا كانت الضرورة عامة لألمة أو لكثير منها فإن تطبيقها وبدل كالتيمم ال يجوز مع وجود امل��اء‪ ،‬إذ املاء أصل والتيمم‬ ‫على الوقائع وتنزيلها على احلوادث ال يتأتى إال ممن له علم بدل‪ ،‬والعمل بالبدل ال يجوز مع وجود األصل‪ ،‬فبمجرد زوال‬ ‫بالواقع‪ ،‬وعنده متام الدراية مبالبسات األمور وأبعادها؛ ذلك العذر وارتفاع الضرر أو اختالل أحد الضوابط يبطل العمل‬ ‫أن احلكم على الشيء فرع عن تصوره ‪ ،‬ويكفي أولي العلم من بالضرورة ‪ ،‬ووجه هذا الضابط ‪ :‬القاعدة التي تقول (ما جاز‬ ‫لعذر بطل بزواله)(‪.)26‬‬ ‫يوثق بدينه وعلمه من أهل املعرفة في كل واقعة‪.‬‬ ‫ومن هنا يتبني وجوب السعي اجلاد إلزالة هذه الضرورة‬ ‫أم��ا إذا كانت ال��ض��رورة خاصة بإنسان م��ا‪ :‬ف��إن تطبيقها‬ ‫يختص به كمن وقع في مفازه ووج��د ميتة ‪ .‬والواجب على وبذل اجلهد في سبيل رفعها‪ ،‬وإمنا يكون ذلك باألخذ بأسباب‬ ‫اجلميع تقوى الله قدر املستطاع والتثبت من األحوال والوقائع‪ ،‬النجاة واالح��ت��ي��اط ف��ي مواجهة األزم���ات قبل وق��وع اخلطر‬ ‫ثم األخذ بهذه الضرورة وفق ضوابطها وقيودها املذكورة دون بتوقعه واتقائه قدر اإلمكان‪ ،‬وعند وقوعه مبقاومته ومحاولة‬ ‫اض ُط َّر َغيْ َر رفعه أو تخفيف ضرره ومفاسده‪ ،‬وعدم الركون له واإلستسالم‬ ‫بغي وال اعتداء ‪ ،‬كما قال سبحانه وتعالى { َف َمنِ ْ‬ ‫بَ ٍاغ َوالَ َع ٍاد َفال ِإثْ َم َعلَيْهِ إ َِّن اللّ َه َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم } ( البقرة‪ ) 173‬واخلنوع‪ ،‬وبعد وقوعه مبنع تكراره‪ ،‬واملؤمن ال يلدغ من جحر‬ ‫واحد مرتني‪.‬‬ ‫وصفوة هذه الضوابط مجموعة في األسئلة التالية‪:‬‬ ‫إن القيام بفروض الكفاية املعطلة في هذه األمة كفيل برفع حاالت‬ ‫‪ -1‬هل الدليل احملرم قائم ومتجه والعمل به راجح ؟ ‪..‬إن‬ ‫االضطرار التي تعيشها املجتمعات اإلسالمية‪ ،‬كواجب إعداد القوة‪،‬‬ ‫كان اجلواب‪ :‬نعم‪...‬‬ ‫‪ -2‬فهل يترتب على اإلم��ت��ث��ال بهذا الدليل ض��رر يتعلق وإيجاد الهيبة‪ ،‬ودفع الباغي‪ ،‬وسد اخللة‪ ،‬ونصر املظلوم‪ ،‬وكفالة‬ ‫الفقير‪ ،‬وإعالة العاجز‪ ،‬وتعليم اجلاهل‪ ،‬وقصر اإلثم‪.‬‬ ‫بالكليات اخلمس؟‪...‬إن كان اجلواب نعم‪..‬‬ ‫املسألة السادسة‪ :‬ضوابط العمل بالضرورة الشرعية‪:‬‬

‫‪ -3‬فهل ح��ص��ول ه��ذا ال��ض��رر محقق مقطوع ب��ه أو ظن‬ ‫غالب؟‪..‬إن كان اجل��واب‪ :‬أنه مقطوع به أو ظن غالب وليس‬ ‫وهما وال ظنا بعيدا‪...‬‬

‫اخلامتة‪:‬‬

‫إن أهم النتائج التي خرج بها البحث هي‪:‬‬

‫• إن قاعدة الضرورات تبيح احملظورات هي قاعدة فقهية‬ ‫‪ -4‬فهل ميكن دف��ع ه��ذا الضرر املؤكد بطريق آخ��ر دون لها مجالها الواسع في التطبيق في الفقه اإلسالمي‪.‬‬ ‫• إن ال��ض��رورة وكيفية تقديرها أم��ر حساس في الشرع‬ ‫حصول مخالفة للدليل احملرم ؟‪...‬إن كان اجلواب‪ :‬أن ذلك ال‬ ‫ألنه به تستباح احملظورات لذا كان ال بد من ضوابط تقدر‬ ‫ميكن مبخالفة الدليل احملرم‪...‬‬ ‫ه��ذه ال��ض��رورة حتى ال يتفلت الناس من قيود الشرع بزعم‬ ‫‪ -5‬فهل يترتب على مخالفة الدليل احمل��رم عند العمل الضرورة‪.‬‬ ‫بالضرورة حصول ض��رر أكبر أو مماثل؟ إذ ال يصح العمل‬ ‫• ي���ت���رك ت���ق���دي���رم���ث���ل ه�����ذه ال������ض������رورات أله�����ل العلم‬ ‫بالضرورة فيما ال يباح الترخص فيه‪ ،‬وذل��ك إذا كان الفعل واإلختصاص‪.‬‬ ‫منهيا عنه لذاته‪ ،‬ثم إن العمل بالضرورة ال بد فيه من مراعاة‬ ‫وبعد فما كان من صواب فمن الله وما كان من خلل فمن‬ ‫ما يأتي في ضوابط العمل بالضرورة‪:‬‬ ‫نفسي ومن شيطان واستغفر الله‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫املطلب الثاين‪ :‬تطبيقات على هذه القاعدة(‪:)27‬‬ ‫‪ -‬جواز إتالف مال الغير إذا أكره عليه مبلجىء‪.‬‬

‫‪ -‬واختلف في التداوي بالنجاسة للمضطر‪.‬‬

‫ ج���واز دخ���ول امل��ن��ازل بغير إذن أصحابها ف��ي حاالت‬‫الضرورة‪ ،‬كالدخول لقتال العدو‪ ،‬أو ألخذ متاع ساقط فيها‪.‬‬

‫ منع أخذ الدائن مال املدين املمتنع عن األداء إذا ظفر‬‫ جواز أتخاذ وسائل تنظيم احلمل لتنظيم النسل وذلك‬‫به‪ ،‬وإن كان من خالف جنس حقه في زماننا‪.‬‬ ‫من أجل احملافظة على حياة األم وصحتها ويكون ذلك بعد‬ ‫ يجوز كشف الطبيب عورات األشخاص إذا توقفت عليه الرجوع إلى أهل العالم الشرعي‪.‬‬‫مداواتهم‪.‬‬ ‫ إذا اضطر الناس إل��ى ش��راء ن��وع معني من الطعام أو‬‫ يجوز للمضطر أكل امليتة وحلم اخلنزير دفعا للهالك‪ .‬اللباس أو السالح ونحو ذلك وامتنع التجار أو من توفرت عنده‬‫ يجوز أكل امليتة عند املخمصة وإساغة اللقمة باخلمر هذه السلع من بيعهم جاز لهم أخذها منهم بالثمن بال رضاهم‬‫ويجب على السكان إجبارهم على البيع أو بيعها عليهم‪.‬‬ ‫ودفع الصائل ولو أدى إلى قتله‪.‬‬ ‫ يجوز إتالف شجر الكفار وبنائهم حلاجة القتال وللظفر‬‫امل�ستثنيات‪:‬‬ ‫بهم وكذا احليوان الذين يقاتلون عليه‪.‬‬ ‫• يستثنى م��ن ال��ق��اع��دة م��ا ورد ق��ي��دا عليها ب��أال تنقص‬ ‫ يجوز نبش امليت بعد دفنه للضرورة‪ ،‬بأن دفن بال غسل الضرورة فاذا نقصت فإنه ال يباح احملظور‪ ،‬ولذلك يخرج على‬‫القاعدة فروع‪:‬‬ ‫أو لغير القبلة أو في أرض أو ثوب مغصوبني‪.‬‬ ‫• إذا دار األمر بني السنة والبدعة فتركه أولى وإذا دار بني‬ ‫ يجوز غصب اخليط خلياطة جرح حيوان محترم‪.‬‬‫الواجب والبدعة ففعله أولى ‪.‬‬ ‫ يجوز أكل مال الغير للمضطر‪.‬‬‫• لو دفن امليت بال كفن فال ينبش ألن هتك حرمته أشد‬ ‫‪ -‬اختلف في التلفظ بكلمة الكفر للمضطر‪.‬‬

‫الهوام�ش‪:‬‬

‫من تركة بال كفن وقام الستر بالتراب مكانه‪.‬‬

‫ ‬

‫‪ -1‬انظر القاموس احمليط‪ 77/2 :‬لسان العرب ‪ 4/483‬ومعجم ‪ -14‬انظر‪ :‬قاعدة املشقة جتلب التيسير في األشباه والنظائر‬ ‫مقاييس اللغة‪ 360/3 :‬واملعجم الوسيط‪.538/1 :‬‬ ‫للسيوطي‪ ،‬ص‪ ،76‬والبن جنيم‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫‪ -2‬نظر املوافقات للشاطبي‪ 8/2 :‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ -3‬انظر نظرية الضرورة الشرعية‪ :‬ص ‪246‬‬ ‫‪ -4‬املوافقات‪ ،10/2:‬شرح القواعد للزرقاء ‪157-155‬‬ ‫‪ -5‬انظر الوجيز لبورنو ‪ :157‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ -6‬املنهاج للبيضاوي‪120/1:‬‬ ‫‪ -7‬األشباه والنظائر للسيوطي‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫‪ -8‬اإلحكام لآلمدي‪.158/4 :‬‬ ‫‪ -9‬‬ ‫‪ -10‬‬ ‫‪ -11‬‬ ‫‪ -12‬‬ ‫‪ -13‬‬

‫‪ -15‬رواه أحمد في املسند‪ ،‬ح‪.21260/‬‬ ‫‪ -16‬اإلحكام لآلمدي‪.132/1 :‬‬ ‫‪ -17‬األشباه والنظائر لسيوطي ص ‪148‬‬ ‫‪ -18‬انظر إعالم املوقعني البن القيم‪135/3:‬‬ ‫‪ -19‬إال أن يراد بذلك مطلق اإلذن‪...‬ال اإلذن املطلق‪.‬‬ ‫‪ -20‬انظر الوجيز لبورنو‪ ،‬ص ‪.176‬‬ ‫‪ -21‬انظر اإلحكام لآلمدي‪132/1 :‬‬

‫ان���ظ���ر امل����دخ����ل ال����ف����ق����ه����ي‪ ،:81/1‬أص������ول ال���ف���ق���ه لزكي ‪ -22‬انظر قاعدة (اليقني ال ي��زال بالشك)‪ ،‬وما يتنوع عنها في‬ ‫شعبان‪.149:‬‬ ‫األشباه والنظائر للسيوطي‪ ،‬ص‪.50‬‬ ‫انظر روضة الناظر‪ ،411/1 :‬مذكرة الشنقيطي ص ‪.168‬‬ ‫‪ -23‬انظر الوجيزلبورنو‪ ،‬ص ‪177-179‬‬ ‫األش��ب��اه والنظائر للسيوطي ص ‪ ،83‬الوجيز لبرونو ص‬ ‫‪ -24‬انظر شرح القواعد للزرقاء ص ‪...135‬‬ ‫‪.192‬‬ ‫‪ -25‬انظر األشباه والنظائر لسيوطي ص ‪ ،84‬والبن جنيم ص ‪.86‬‬ ‫رواه ابن ماجه‪ :‬ح‪.2341/‬‬ ‫رواه أحمد في املسند‪ ،‬والدرامي في السنن‪ :‬ح‪ 1912/‬ومعنى‪ -26 :‬انظر شرح القواعد للزرقاء‪ ،‬ص ‪135‬‬ ‫لم حتتفئوا بها بقأل‪ :‬لم جتدوا ما يقتلع فيؤكل‬

‫‪ -27‬القواعد الفقهية وتطبيقاتها في املذاهب األربعة‪ ،‬ص ‪.278 -277‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪11‬‬


‫املراجع‪:‬‬ ‫ القواعد الفقهية وتطبيقاتها في املذاهب األربعة‪ ،‬د‪.‬محمد الزحيلي‪ ،‬دار الفكر‪ -‬دمشق‪ ،‬ط األولى ‪.2006-1427‬‬‫ شرح القواعد الفقهية‪ ،‬الشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا‪ ،‬دار القلم دمشق‪.‬‬‫ ألحكام في أصول األحكام‪ ،‬علي بن محمد اآلمدي أبو احلسن‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ -‬بيروت الطبعة األولى‪،1404 ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬سيد‬‫اجلميلي‪.‬‬ ‫ اعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله‪ ،‬دار اجليل – بيروت ‪ ،1973 ،‬حتقيقك طه عبد الرؤوف‬ ‫سعد‪.‬‬ ‫ روضة الناظر وجنة املناظر‪ ،‬عبد الله بن أحمد بن قدامة املقدسي أبو محمد‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية‬‫‪ ،1399‬حتقيق‪:‬د‪.‬عبد العزيز عبد الرحمن السعيد‪.‬‬ ‫ مذكرة أصول الفقه على الناظر للعالمة ابن قدامة رحمه الله‪ ،‬الشيخ محمد األمني بن املختار الشنقيطي رحمه الله صاحب أضواء‬‫البيان‪.‬‬ ‫ مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬أحمد بن حنبل أبو عبد الله السيباني‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ -‬القاهرة‪.‬‬‫ سنن الدرامي‪ ،‬عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الدرامي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1407‬حتقيق‪ :‬أحمد زمرلي‪،‬‬‫خالد السبع العلمي‪.‬‬ ‫‪ -‬سنن ابن ماجة‪ ،‬محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪ ،‬محمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫دراسات إسالمية‬

‫«آليات نشر الفكر الوسطي‬ ‫في املجتمعات االسالمية»‬ ‫�إعداد الأ�ستاذ الدكتور‪:‬‬ ‫حممد اخلطيب‬ ‫اال�ستاذ يف كلية ال�شريعة باجلامعة الأردنية‪ /‬الأردن‬ ‫املقدمة‪:‬‬ ‫احلمدهلل رب العاملني وال�صالة وال�سالم على �سيد املر�سلني وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪ ،‬وبعد‪،،،‬‬ ‫�إن حتديد الآليات يف طرق تر�سيخ الفكر الو�سطي يعد �أمر ًا بالغ احليوية عند كل من يحمل الفكر الو�سطي يف زمان �إ�ضطربت فيه املعايري‪ ،‬وتاهت‬ ‫معامل الطريق وكرثت �أقوال امل�شككني يف الت�شكيك بالفكر الو�سطي والزعم ب�أنه لي�س من الإ�سالم و�إمنا هو بدعة جديدة تدعو �إىل التحلل والتحايل‬ ‫ليخرج هذا الدين من م�ضمونة‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق كانت �أهمية هذه الدرا�سة من �أجل ت�سليط ال�ضوء على �أهم الآليات التي يجب �أن يتبناها الو�سطي لتكون نقطة عمل م�ستقبلية‬ ‫ت�ؤدي يف النهاية �إىل تر�سيخ الفكر الو�سطي يف جمتمعاتنا الإ�سالمية‪.‬‬ ‫�إننا يف العاملني العربي والإ�سالمي بحاجة ما�سة �إىل جتاوز التطرف �إىل الو�سطية‪ ،‬والغلو و�إىل الإعتدال‪ ،‬ولن يكون ذلك �إال �إذا كانت الر�ؤية‬ ‫وا�ضحة لكل من يحمل هذا الفكر‪.‬‬ ‫ومما ال �شك فيه �أن حتديد الآليات ذو �أهمية كبرية يف و�صولنا �إىل نتائج �إيجابية يف جمتمعاتنا‪.‬‬ ‫�إن من �أهم التحديات التي نواجهها هو (حتدي الثبات على الو�سطية)‪ ،‬ومن �أهمها قوتان تعمالن على �إغالق الطرق �أمام الفكر الو�سطي املعتدل‪،‬‬ ‫وهاتان القوتان هما‪:‬‬ ‫‪.1‬القوى املعادية اخلارجية‪ :‬تلك القوى التي يخدمها ويعيينها على حتقيق �أهدافها وم�آربها الإنحراف والغلو يف �أ�شد �صورة و�أكرثها عنف ًا‪ ،‬و�إن‬ ‫هذه القوى واجلهات ترى يف الغلو والتطرف فائدة كبرية يف �إيجاد م�سوغات واقعية ملمو�سة ملهاجمة الأمة‪ ،‬وا�ستبعادها و�إحتاللها ونهب خرياتها‪.‬‬ ‫‪ .2‬التفرق والإختالف‪ :‬ذلك �أن املجتمع ي�ضعف وي�ضمحل وتنهار قوته �إذا كان �أبنا�ؤه متفرقني متخالفني‪ ،‬ففي مثل هذه الأجواء ي�صعب على تيار‬ ‫الو�سطية ال�سري بني تلك الأ�شواك‪ ،‬وي�صعب عليه الثبات على و�سطيته‪ ،‬وعليه �أن يجاهد لذلك‪ ،‬لأنه �سيجر �إىل فرقة �أو مذهب �أو حزب‪.‬‬ ‫�إذن البد من و�ضوح املنهج لكل من يحمل هذا الفكر‪ ،‬ومن �أهم تفا�صيل هذا املنهج الآليات التي يجب �أن يتبعها هذا التيار يف ن�شر وتر�سيخ فكره يف‬ ‫املجتمعات‪.‬‬ ‫وقد جاءت هذه الدرا�سة لت�سلط ال�ضوء على هذا اجلانب املهم يف ثالثة مباحث تتعلق ب�أهم الآليات املو�صلة للأهداف املرجوة‪.‬‬

‫املبحث الأول‬ ‫الفهم ال�صحيح للإ�سالم‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪13‬‬


‫الفهم الشمولي التكاملي لإلسالم مهم جد ًا ملن يحمل على الكليات‪.‬‬ ‫عاتقه نشر وترسيخ الفكر الوسطي‪ ،‬فمعرفة اإلسالم ودراسته‬ ‫‪ .4‬تبني منهج التيسير‪ :‬إذ ك��ان التيسير مطلوب ًا في كل‬ ‫من قبل من يتصدى لنشر هذا الفكر‪ ،‬قضية ضرورية ومهمة زم��ان‪ ،‬فهو أشد ما يكون طلب ًا في هذا العصر‪ ،‬ال��ذي غلبت‬ ‫إذ ال ميكن أن يتقبل الناس احلديث عن اإلسالم ووسطيته إذ فيه املاديات على املعنويات‪ ،‬وتعقدت فيه حياة الناس‪ ،‬وكثرت‬ ‫لم يكن القائم على هذا األمر قد فهم هذا الدين فهم ًا يقوم العوائق عن اخلير‪ ،‬واملغريات بالشر‪.‬‬ ‫على علم ألحكام اإلسالم وتعاليمه‪.‬‬ ‫والتيسير املطلوب هنا ال يعني تبرير الواقع‪ ،‬أو مجاراة‬ ‫كذلك عليه أن يرفض كل جتزئة ألحكام اإلسالم‪ ،‬كدعوى ال �غ��رب‪ ،‬أو إرض� ��اء احل �ك��ام‪ ،‬وإمن ��ا ينطلق إت �ب��اع � ًا للمنهج‬ ‫ً‬ ‫يد ِب ُك ُم ال ُْع ْس َر }(سورة‬ ‫يد ال َّلهُ ِب ُك ُم ال ُْي ْس َر َولاَ ُي ِر ُ‬ ‫الذين يريدونه أخالقا بال تعبد‪ ،‬أو تعبد ًا بال أخالق‪ ،‬أو عقيدة القرآني‪ُ { :‬ي ِر ُ‬ ‫بال شريعة‪ ،‬أو إسالم ًا بال جهاد‪ ،‬أو دين ًا بال دولة‪.‬‬ ‫ال�ب�ق��رة‪ ،)185:‬وللمنهج النبوي‪ { :‬إمنا بعثتم ميسرين ولم‬ ‫وهذا يقتضي من العاملني في هذا احلقل نقل الصحوة تبعثوا معسرين } (رواه البخاري)‪.‬‬ ‫اإلسالمية من مرحلة الشعارات إلى مرحلة البرامج واألعمال‪،‬‬ ‫‪ .5‬املوازنة بني الثوابت واملتغيرات‪ :‬واملقصود املوازنة بني‬ ‫ومن فكر املواجهة والتدمير إلى فكر اإلصالح بالعمل والتنمية ثوابت الشرع ومتغيرات العصر‪ ،‬إذ ال يجوز إغفال الثوابت‪،‬‬ ‫في املجتمعات اإلسالمية‪.‬‬ ‫وال إهمال املتغيرات‪ ،‬وال حتويل الثوابت إلى متغيرات‪ ،‬وال‬ ‫ومن هنا فإن القضايا التي يجب أن يفهمها العامل في املتغيرات إل��ى ثوابت‪ ،‬فيجب مالحظة تغير الزمان واملكان‬ ‫هذا املجال وأن يعمل على ترسيخها في مجتمعه وأن يحملها واحلال والعرف في تغير الفتوى‪.‬‬ ‫إلى الناس ما يلي‪:‬‬ ‫وبهذا نقول‪ :‬نعم للتحديث وملواكبة العصر في التقدم‬

‫‪ .1‬وضع التكاليف الشرعية في مراتبها الشرعية‪ :‬واملقصود العلمي والتكنولوجي‪ ،‬ال��ذي يرقى باحلياة واإلن �س��ان‪ ،‬وال‬ ‫فهم التكاليف واألعمال فهم ًا متوازن ًا‪ ،‬يضعها في مراتبها للتغريب الذي يريد أن يسلخ األمة من جلدها‪ ،‬ويجعلها تبع ًا‬ ‫الشرعية‪ ،‬وينزل كل تكليف منزلته وفق ما جاءت به النصوص لغيرها‪ ،‬باسم (احلداثة) أو (العوملة)‪.‬‬ ‫التي ميزت بني األعمال‪ ،‬فال يجوز للداعية الوسطى أن يكبر‬ ‫وكذلك رف��ض موقف الذين ي��ري��دون أن يجمدوا احلياة‬ ‫الصغير‪ ،‬وال أن يصغر الكبير‪ ،‬وال يؤخر ما حقه التقدمي‪ ،‬وال باسم الشرع‪ ،‬فال مجال للتطوير وال للتغيير‪.‬‬ ‫يقدم ما حقه التأخير‪.‬‬ ‫وم��ن هنا وج��ب تقدمي العقيدة على العمل‪ ،‬واألصول‬ ‫على الفروع‪ ،‬والفرائض على النوافل‪ ،‬واحمل��رم املجمع عليه‬ ‫على املختلف فيه‪.‬‬

‫املبحث الثاين‬ ‫ق�ضايا يجب �أن يتبناها العاملون يف الو�سطية‬

‫أن ترسيخ هذه املفاهيم في املجتمع والعمل على إيصالها‬ ‫إلى عقول الناس سيؤدي في النهاية إلى إبتعاد املجتمع عن‬ ‫الغلو والتطرف‪ ،‬وال يجعل للغالة سبي ًال إلى عقول الناس‪.‬‬

‫لقد أبتليت املجتمعات اإلسالمية ف��ي العصر احلاضر‬ ‫بالفكر املغالي املنغلق‪ ،‬وال��ذي يرفض أي تعامل مع اآلخر‪،‬‬ ‫ويطالب باإلنكفاء على الذات‪ ،‬واإلبتعاد عن الغير‪ ،‬وهذا أدى‬ ‫إلى ظهور احلركات املتطرفة والتي ترى أن التعامل مع اآلخر‬ ‫ال يتم إال عبر القتل والتدمير‪.‬‬

‫األمم عندما تغرق في التفاصيل اجلزئية‪ ،‬وتكثر من اجلدل‬ ‫فيها‪ ،‬تغرق كذلك في التفرق واإلخ�ت�لاف‪ ،‬وه��ذا ي��ؤدي إلى‬ ‫اإلنهيار وال يؤدي إلى النهضة والتفوق‪.‬‬

‫‪ .1‬اإلع �ت��راف بحقوق األق�ل�ي��ات ال��دي�ن�ي��ة‪ :‬إن اإلعتراف‬ ‫باآلخر من أهم املبادئ التيي تبناها اإلسالم في بداية العهد‬ ‫النبوي في املدينة املنوة عندما وضح النبي أسس العالقة‬ ‫مع األخر عبر وثيقة املدينة‪ ،‬والتي تنص أن لليهود حقوق ًا‬ ‫وواجبات مثلما كان على املسلمني من حقوق وواجبات‪.‬‬

‫‪ .2‬التجديد في اإلجتهاد والدعوة إلى فقه جديد‪ :‬إن إحياء‬ ‫مبدأ اإلجتهاد قضية أساسية على الوسطي أن يحملها على‬ ‫ل��ذا إذا أردن��ا ال��دخ��ول إل��ى العالم ورؤي�ت��ه من جديد فإن‬ ‫عاتقه‪ ،‬على أن يكون اإلجتهاد في غير القطعيات والثوابت‪،‬‬ ‫ورفض موقف الذين يغلقون باب اإلجتهاد‪ ،‬ويوجبون التقليد‪ ،‬العاملني في حقل الوسطية يجب أن يتبنوا مجموعة من‬ ‫وكذلك رفض الذين يفتحون أبواب اإلجتهاد على مصراعيه املفاهيم والقضايا يدافعون عنها لتكون لهم منهج ًا ال يتغير‬ ‫وال يتبدل‪ ،‬وأن يعملوا على ترسيخها في داخل مجتمعاتهم‬ ‫بعيد ًا عن القطعيات وثوابت‪.‬‬ ‫‪ .3‬التركيز على الكليات وعدم اإلغراق في اجلزئيات‪ :‬ألن خاصة بني أبناءنا من األجيال اجلديدة‪:‬‬

‫لذا فإن من الواجب على العاملني في الدعوة إلى الوسطية‬ ‫أن يبتعدوا قدر املستطاع عن الدخول في اجلزئيات والتي هي‬ ‫لذا فإن اإلعتراف بحقوق األقليات الدينية‪ ،‬ومعاملتهم‬ ‫في احلقيقة اخلالفيات‪ ،‬وأن يجمعوا األم��ة على الكليات‪،‬‬ ‫ألن األم��ة رغ��م إختالفها في اجلزئيات إال أنها جتمع على مبا أوجبه اإلسالم من تركهم وما يدينون‪ ،‬وعدم التدخل في‬ ‫‪14‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫شؤونهم العقدية والتعبدية‪ ،‬وإعتبارهم (مواطنون)‪ ،‬هو منهج‬ ‫إسالمي طبقه رسول الله وصحابته من بعده‪.‬‬ ‫‪ .2‬إحترام العقل والتفكير والقيم اإلنسانية‪ :‬إحترام العقل‬ ‫والتفكير منهج أصيل في القرآن الكرمي‪ ،‬الذي أرسى منهج ًا‬ ‫للمسلم يقوم على ع��دم قبول دع��وى ب�لا ب��ره��ان‪ ،‬ومقاومة‬ ‫اجلمود والتقليد األعمى لألباء أو للسادة والكبراء‪.‬‬

‫ملسلم سقوط ف��ي هاويته‪ ،‬مل��ا يترتب عليه م��ن احلكم على‬ ‫املسلم باإلعدام امل��ادي أو األدب��ي‪ ،‬لذا وجب احلذر كل احلذر‬ ‫من الوقوع فيه‪ ،‬إال ما ثبت بيقني ال شك فيه‪ ،‬من تكذيب‬ ‫لقواطع القرآن‪ ،‬أو إنكار ملعلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬أو سب‬ ‫صريح لله ورسوله‪.‬‬

‫أن حتسني الظن بكل من يشهد الشهادتني‪ ،‬وصلى إلى‬ ‫فالتأكيد على أهمية العقل باعتباره أساس النقل وثبوت القبلة‪ ،‬ولم يصدر منه ما يخالفها بيقني هو من أهم مبادئنا‪،‬‬ ‫الوحي ضروري جد ًا في املنهج الذي يتبناه الوسطي في نشره فاألصل حمل حال املسلم على الصالح ما أمكن ذلك‪ ،‬وجتنب‬ ‫التفسيق والتكفير‪.‬‬ ‫وترسيخه لفكره‪.‬‬

‫فمفتاح الدخول في اإلس�لام هو شهادة إن ال اله إال الله‬ ‫وه��ذا يستلزم تبني املبادئ والقيم اإلنسانية‪ ،‬التي فرط‬ ‫فيها كثير من املسلمني‪ ،‬وتوهم بعضها أنها مبادئ وقيم غريبة‪ ،‬محمد رسول الله‪ ،‬فال يخرجه منه إال جمود ما أدخله فيه‪.‬‬ ‫وهي في احلقيقة من قيم اإلسالم األصيلة‪ ،‬مثل العدل في‬ ‫‪ .6‬العمل على جتميع كل قوى األمة‪ :‬العمل على جتميع‬ ‫القضاء وفي السياسة واإلقتصاد‪ ،‬ومثل الشورى في املجتمع القوى واجلماعات واحلركات العاملة لنصرة اإلس�لام وبعث‬ ‫وف��ي احل�ك��م‪ ،‬واحل��ري��ة وال�ك��رام��ة‪ ،‬وح�ق��وق اإلن �س��ان‪ ،‬وتوفير أمته في صف واحد‪ ،‬ووجهة واحدة من أهم املبادئ التي يجب‬ ‫احلرية املدنية والدينية والكرامة‪ ،‬وإقامة العدل واملساواة بني أن نسعى إليها‪.‬‬ ‫أبنائه‪.‬‬ ‫وليس من ال �ض��روري‪ ،‬وليس من املفيد أن يجتمعوا في‬ ‫ولعل إقامة اجلمعيات واألندية واملؤسسات املدنية اخليرية‬ ‫والتعليمية واإلجتماعية والثقافية واإلعالمية واإلقتصادية‬ ‫التي تهم بخدمة املجتمع والنهوض به‪ ،‬من األمور املهمة التي‬ ‫يجب أن نعمل عليها فهي التي تربطنا باملجتمع فنحسن‬ ‫مشاكله ونكون من العاملني على حلها‪.‬‬

‫حركة واحدة‪ ،‬أو جماعة واحدة‪ ،‬إذ يكفي أن يكون بينهم قدر‬ ‫معقول من التفاهم والتنسيق‪ ،‬وأن يقفوا صف ًا واح��د ًا في‬ ‫القضايا املصيرية‪ ،‬وأن يكونوا في مواجهة األعداء كالبنيان‬ ‫املرصوص‪ ،‬وال سيما في أوقات الشدائد واألزمات‪.‬‬

‫فاإلختالف والتعدد بني العاملني لإلسالم ال يضر إذا كان‬ ‫‪ .3‬إنصاف امل��رأة وتكرميها‪ :‬العناية بأمر امل��رأة وإنصافها‪ ،‬اإلختالف إختالف تنوع ال إختالف تناقض‪ ،‬وكان التعدد تعدد‬ ‫باعتبارها الدعامة األول��ى لقيام املجتمع الصالح أمر مهم تخصص ال تعدد صراع‪.‬‬ ‫ملن يعمل في هذا احلقل‪ ،‬إذ أن نصف املجتمع من النساء‪ ،‬لذا‬ ‫‪ .7‬إح�ت��رام الدستور وال�ق��ان��ون‪ :‬ففي ه��ذا رد على الذين‬ ‫ال بد من اإلعتناء بها وإنصافها وتبني قضاياها‪ ،‬ففي هذا يدعون أن أصحاب الفكر اإلسالمي ال يحترمون الدستور وال‬ ‫توكيد ملا جاء به اإلسالم من إعطاء املرأة حقوقها ومكانتها القانون‪.‬‬ ‫وكرامتها إن�س��ان� ًا‪ ،‬وأن �ث��ى‪ ،‬وب�ن�ت� ًا‪ ،‬وزوج ��ة‪ ،‬وأم� � ًا‪ ،‬وع �ض��و ًا في‬ ‫ل��ذا ف��إن من األهمية مبكان أن يكون منهجنا يقوم على‬ ‫املجتمع‪ ،‬وحتريرها من رواسب عصور التخلف‪ ،‬التي حرمتها‬ ‫من كثر من حقوقها‪ .‬وحتريرها كذلك من براثن الغزو الغربي دستور الدولة وإحترام قانونه‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‬ ‫الذي أخرج املرأة من فطرتها‪ ،‬ولم يراع أنوثتها وكرامتها‪.‬‬

‫�آليات يجب �أن نعمل من خاللها لرت�سيخ الفكر املعتدل‬

‫ل��ذا فإننا نرفض فكر الغالة الذين ي��ري��دون أن يسجنوا‬ ‫امل ��رأة ف��ي البيت وي�ح��رم��وه��ا م��ن حقوقها ف��ي احل �ي��اة‪ ،‬كما‬ ‫‪ .1‬جت��دي��د اخل��ط��اب اإلس�ل�ام ��ي ع��ن ط��ري��ق مؤسسات‬ ‫نرفض الذين يريدون أن يذيبوا الفوارق بني الذكورة واألنوثة‪ ،‬الدعوة‪.‬‬ ‫مناقضني فطرة املرأة‪.‬‬ ‫لقد أتهم اخلطاب اإلسالمي باتهامات عديدة أهمها أنه‬ ‫‪ .4‬اإلميان بالتعددية والتنوع‪ :‬مما يجب أن نتبناه‪ :‬اإلميان ال يواكب العصر‪ ،‬وأن القائمني ال يتمتعون بالكفاية والقدرة‪،‬‬ ‫بالتعددية الدينية‪ ،‬والتعددية العرفية‪ ،‬والتعددية اللغوية‪ ،‬كما أنه أتهم في مضمونه‪.‬‬ ‫وال�ت�ع��ددي��ة احل �ض��اري��ة‪ ،‬وال�ت�ع��ددي��ة احل �ض��اري��ة‪ ،‬والتعددية‬ ‫ومن هنا نحتاج إلى ثقافة (التجديد) في الفكر اإلسالمي‬ ‫السياسية‪ ،‬وض��رورة التعايش بني احل�ض��ارات‪ ،‬والتالقح بني‬ ‫الثقافات‪ ،‬وتفاعل بعضها مع بعض‪ ،‬دون إنكماش ال إستعالء لنصحح النظرة‪ ،‬ونستطيع أن التمييز بني الشريعة والفقه‪،‬‬ ‫بالقوة أو بالكثرة أو باملال‪ ،‬وإشاعة روح التسامح الذي دعا إليه وبني إجتهادات العلماء ونصوص الشارع‪.‬‬ ‫إن عملية جتديد اخلطاب اإلسالمي تستلزم إعادة تأهيل‬ ‫باإلسالم‪ ،‬ومتيز به من خالل تاريخه‪.‬‬ ‫‪ .5‬جتنب التكفير والتفسيق‪ :‬التكفير خطيئة‪ ،‬وال يحل الداعية املسلم ليمارس دوره وواجبه امللقى على عاتقه في‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪15‬‬


‫الوعظ واإلرش��اد وفي التربية والتعليم‪ ،‬وفي اإلعالم كذلك‪ ،‬والشعور باملسؤولية‪ ،‬والقدرة على الفعل احلضاري‪.‬‬ ‫فمن الضروري اإلستفادة من جميع وسائل اإلعالم احلديثة‬ ‫وملواجهة هذا التحدي عملي ًا البد من تخصيص مساحة‬ ‫لتيسير إي �ص��ال اخل �ط��اب اإلس�لام��ي إل��ى ال �ن��اس باختالف كبيرة في العملية التربوية لبناء منهج الوسطية‪.‬‬ ‫مستوياتهم‪ ،‬بإسلوب يقوم على احلكمة واملوعظة احلسنة‪.‬‬ ‫إن هذا التحدي يتضمن التعامل مع بناء العقل املسلم‪،‬‬ ‫ومم��ا ال ش��ك فيه أن ه��ذا األس �ل��وب ال ميكن أن يتم إال وم��ن هنا فالبد من توجيه ال��دراس��ات واخلطط نحو إعادة‬ ‫عبر إعادة التأهيل لكل من يتصدى ألمر الدعوة‪ ،‬واملقصود برمجة أو تشكيل التنمية الشاملة‪ ،‬حيث إن التنمية الفكرية‬ ‫بالتأهيل عدة أمور‪:‬‬ ‫تعد أساس ًا لها‪.‬‬ ‫التجديد في أسلوب ال��دع��وة أو اخلطاب اإلس�لام��ي‪ ،‬مبا‬ ‫و�إ�صالح العقل يتم‪:‬‬ ‫يجمع بني األصالة واملعاصرة‪.‬‬ ‫بإصالح اإلعتقاد‪ :‬حيث إن كثير ًا من الناس قدد سيطرت‬ ‫اإلبتعاد عن مجاالت الفرقة واإلختالف في اخلطاب‪.‬‬ ‫عليهم عقيدة اجلبر‪ ،‬وأن ما وقع ال مجال لدفعه‪ ،‬فهو من‬ ‫تأهيل الدعاة واخلطباء باإلطالع على الطرق املعاصرة إرادة الله وقدره‪.‬‬ ‫في الوصول إلى قلوب الناس خاصة فما يتعلق بدراسة علم‬ ‫وفريق أخ��ر تسيطر عليه عقيدة اإلرج��اء حيث ي��رون أن‬ ‫النفس وعلم اإلجتماع ووسائل اإلتصال بالناس‪.‬‬ ‫اإلميان بالقلب‪ ،‬ومهما قصر اإلنسان وعصى فلسوف يدخل‬

‫والصورة النمطية التي نراها من خطباء اجلمعة يجعلنا اجلنة‪.‬‬ ‫حتد كبير في ضرورة التغيير في طريقة اخلطاب وأسلوبه‬ ‫أمام ٍ‬ ‫إص�لاح التفكير‪ :‬وذل��ك بإشاعة ثقافة اإلجتهاد‪ ،‬وتعليم‬ ‫إذا‬ ‫اجلمعة‬ ‫فخطبة‬ ‫والثوابت‪،‬‬ ‫�ول‬ ‫�‬ ‫ص‬ ‫األ‬ ‫مع‬ ‫يتناقض‬ ‫مبا ال‬ ‫ملكة الفقه والفهم‪.‬‬ ‫إستطعنا إستغاللها ستكون خير وسييلة للتغيير في ياة‬ ‫إن عملية إصالح التكفير تؤدي إلى ولوج علم (املنهجية)‬ ‫املسلمني‪.‬‬ ‫ال��ذي يضع األط��ر وال�ض��واب��ط واألص ��ول التي متكن الفرد‬ ‫ول��ذا ف��إن من أه��م مؤسسات ال��دع��وة التي يجب أن تعود املسلم باإلسهام في املشروع احلضاري لألمة‪.‬‬ ‫إلى دورها املطلوب (املسجد)‪ ،‬فدور املسجد أساسي في خدمة‬ ‫ثقافة التجديد‪ :‬وقبل ذلك البد من مسح الغبار املتراكم‬ ‫املجتمع وذلك باحلفاظ على قيمة وأخالقه‪ ،‬ونربط املجتمع‬ ‫بالعلوم التي ترمي إل��ى نهضته وتقدمه‪ ،‬ودف��ع شبابه إلى عبر السنني على ه��ذا العقل‪ ،‬وم��ن هنا نحتاج إل��ى ثقافة‬ ‫التجديد في الفكر اإلسالمي لنصحح النظرة‪ ،‬ونستطيع‬ ‫السعي في العلم والعمل‪.‬‬ ‫التمييز بني الشريعة والفقه‪ ،‬وبني اإلجتهاد والنص‪.‬‬ ‫وفي هذا يظهر أهمية خطيب املسجد في تثبيت أركان أمن‬ ‫إن العقل يتشكل في مؤسسات عدة ومن أهمها املؤسسة‬ ‫املجتمع‪ ،‬وتوعية أبناء احلي فكري ًا وإقتصادي ًا وديني ًا‪.‬‬ ‫التربوية‪ ،‬فالعقل إذن يصنع ويبرمج ف��ي ه��ذه املصانع أو‬ ‫‪ .2‬املؤسسات التربوية ودورها في ترسيخ الفكر املعتدل‪.‬‬ ‫املؤسسات فالطفل حينما يأتي إلى املدرسة يأتي كمادة أولية‬ ‫ملا كانت الوسطية منهج ًا تسير عليه األم��ة في حياتها‪ ،‬يتم تشكيلها وصناعتها بالشكل املطلوب‪ ،‬فإذا كانت املخرجات‬ ‫وج��ب أن تتضمن املناهج التربوية والتعليمية في املدارس والنتائج غير سليمة وال تعكس اإلنتماء‪ ،‬فالسبب يعود إلى‬ ‫واجل��ام �ع��ات وامل��ؤس �س��ات األخ� ��رى‪ ،‬األس ��س ال�ت��ي تبني فكر إحدى هذه املؤسسات ومنها املؤسسة التربوية‪.‬‬ ‫الوسطية نظري ًا وعملي ًا في نفوس وعقول أبناء األمة‪ ،‬ويتم‬ ‫امل�ؤ�س�سات الإعالمية ودورها‬ ‫ذلك في مرحلتني‪:‬‬ ‫إن الشخصية اإلسالمية امللتزمة بالفكر الوسطي املعتدل‬ ‫الأوىل‪:‬‬ ‫هدم الفكر املضاد للوسطية من التعصب والتقليد األعمى ال تعيش مبفردها‪ ،‬وال تعيش مبعزل عن احلياة ومتطلباتها‪،‬‬ ‫واإلن�غ�لاق‪ ،‬ليحل اإلجتهاد والتجديد واحل��وار‪ ،‬ويشيع آدب فاملسلم ال �ي��وم يتأثر مب��ا يقلى إل�ي��ه م��ن وس��ائ��ل اإلتصال‬ ‫واإلعالم‪ ،‬فالبرامج األدبية والفنية اإلسالمية‪ ،‬أو التي متثل‬ ‫اإلختالف‪.‬‬ ‫الفكر اإلس�لام��ي بوسطيته ال ت��وازي املقابل لها م��ن الفن‬ ‫الثانية‪:‬‬ ‫واإلع�ل�ام امل��روج لها‪ ،‬ال��ذي ال يعرف للضوابط ح ��دوداً‪ ،‬وال‬ ‫ب �ن��اء الشخصية اإلس�لام �ي��ة امل �ت��وازن��ة امل�م�ث�ل��ة حلضارة للقيم واألخالق مكان ًا فيه‪.‬‬ ‫اإلسالم فكر ًا وسلوك ًا‪ ،‬هذه الشخصية التي بناها الرسول ‬ ‫وال شك أن أبناء األم��ة يتعرضون لسيل ج��ارف من املادة‬ ‫بناء متين ًا على العقيدة النقية الصافية‪ ،‬واألخوة اإلميانية‪ ،‬ال�ف�ن�ي��ة اجل��اذب��ة ال�ق��ات�ل��ة وامل ��دم ��رة ل�ع�ن��اص��ر ال��وس�ط�ي��ة في‬

‫‪16‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وتيار الوسطية يجب أن يعمل ليتجاوز عدة حتديات تواجه‬

‫شخصيته‪ ،‬فالعناية بالفن واإلع�ل�ام بشكل معاصر مقبول‬ ‫منضبط‪ ،‬ضرورة من ضروريات وأولويات برامج تيار الوسطية‪ ،‬األسرة املسلمة من أجل احملافظة عليها إلخراج جيل مسلم‬ ‫ومن الواجبات امللقاه على عاتق من يؤمن بأهمية هذا املنهج‪.‬‬ ‫متوازن مع عامله‪.‬‬ ‫لذا ال بد أن ينبري تيار الوسطية إلى إنشاء مؤسسات إعالمية‬ ‫التحدي األول‪ :‬عقبات إنشاء األسرة في هذا العصر‪ ،‬حيث‬ ‫كبيرة ورائدة تؤدي هذه املهمة بكل الوسائل املعاصرة عبر النت‪،‬‬ ‫واملسلسسالت‪ ،‬واألفالم‪ ،‬والبرامج الترفيهية‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫يشكل تأخر سن الزواج أو العزوف عن الزواج مشكلة إجتماعية‬ ‫إن ظاهرة اإلنتقاد وأعمال الشجب والتنديد ألي عمل تلقي بظاللها على وجود األسرة‪.‬‬ ‫س��يء ال يعد ع�لاج� ًا كافي ًا ل��ه‪ ،‬ب�لا الب��د م��ن إي�ج��اد البرامج‬ ‫التحدي الثاني‪ :‬أمية األسرة املسلمة‪ ،‬وأقصد بها اجلهل‪،‬‬ ‫واآلليات الفاعلة للقضاء على ذلك العمل السيء وإبداله‬ ‫بالعمل اإليجابي احلسن‪ ،‬إذ البد من إنشاء قنوات فضائية ببعض املفاهيم املتعلقة بـ (األسرة) و(السكان) و(اإلجناب)‪،‬‬ ‫تؤصل املنهج اإلسالمي املعتدل املتسامح عبر برامج فاعلة‬ ‫ون��دوات حوارية يتبناها علماء معروفون بالعقل واحلكمة و(ال�ص�ح��ة اإلجن��اب�ي��ة)‪( ،‬وح �ق��وق امل ��رأة) و(ح �ق��وق الطفل)‪،‬‬ ‫والفهم واملعرفة‪ ،‬ويرافق هذا العمل تأسيس منابر صحفية وال �ت �ش��ري �ع��ات ال��دول �ي��ة ال �ت��ي ت��ؤث��ر ع �ل��ى ق��وان�ي�ن األح� ��وال‬ ‫ملجالت وصحف ج��دي��دة ذات منهج ومضمون وه��دف‪ .‬كما الشخصية‪.‬‬ ‫يتم التداخل في الوسائل اإلعالمية املوجودة حالي ًا بهدف‬ ‫اإلق�ت�ص��اد ودوره‪ :‬الب��د م��ن العمل قبل ال�ت�ي��ار الوسطي‬ ‫التخاطب مع العالم‪.‬‬

‫األس��رة ودوره��ا‪ :‬ال ج��دال بأن األس��رة هي احملطة األولى للقضاء على ظ��اه��رة الفقر وال�ب�ط��ال��ة وحتجيمها‪ ،‬وذلك‬ ‫ال �ت��ي ي �ت��زود منها ع�ق��ل ال �ن��اش��ئ ال�ق�ي��م وال �ث �ق��اف��ة والفكر بإيجاد مؤسسات تسهم في التنمية وتظهر للفرد واملجتمع‬ ‫والسلوك‪ ،‬ومن خالل األسرة ينمو في نفسه اإلبداع واحلرية‬ ‫وتبدأ شخصيته بالتكون والتشكل‪ ،‬ويلعب األبوان دور ًا مهم ًا وسائل مهمة يقوم بها هذا التيار من أجل معاجلة املشاكل‬ ‫في بنيان هذا الناشئ‪.‬‬ ‫اإلقتصادية اخلطيرة التي تهدد املجتمع‪.‬‬

‫ ‬ ‫املراجع وامل�صادر‬ ‫الدور العملي لتيار الوسطية في اإلصالح ونهضة األمة‪ /‬أوراق عمل‪.‬‬ ‫وسطية اإلسالم بني الفكر واملمارسة‪ /‬أوراق عمل‪.‬‬ ‫كلمات في الوسطية اإلسالمية‪ /‬الدكتور يوسف القرضاوي‪.‬‬ ‫دور املراكز الفكرية والثقافية في تعزيز قيم احلوار‪ /‬املهندس مروان الفاعوري‪.‬‬ ‫من مالمح الوسطية في الفكر اإلسالمي‪ /‬الدكتور عصام البشير‪.‬‬ ‫الوسطية اإلسالمية مدخل إلى احلوار احلضاري‪ /‬الدكتور عدنان زرزور‪.‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪17‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫من عوامل املعصية ‪ ..‬اجلهل واالنحراف‬ ‫ ‬

‫خالد ال�صاحب ‪ -‬اليمن‬

‫ان ارتكاب بع�ض احلماقات كقتل النف�س املحرمة �أو تفجري‬ ‫املن�شئات كاحلادث الإج��رام��ي الأليم ال��ذي حدث يوم الثالثاء‬ ‫الأ�سبوع املا�ضي والذي ا�ستهدف مدر�سة �سبعة يوليو يف مديرية‬ ‫�شعوب ونتج عنه وفاة فتاة و�إ�صابة عدد من الطالبات الربيئات‬ ‫الآمنات‪ ،‬ان مرتكبي هذه اجلرمية قد ت�أثروا بالأفكار املنحرفة‬ ‫وا�سودت قلوبهم وطبع عليها حيث مل يقوموا مبا فعلوا دون ما‬ ‫رحمة وال �شفقة �إال وه��م مت�أثرون ببع�ض املفاهيم املنحرفة‬ ‫�أو ال�شخ�صيات املري�ضة التي تعد اجلرمية ف�ضيلة والتي توهم‬ ‫الأيادي الآثمة منفذي هذه اجلرائم ان ما يفعلونه كان �ضروريا‬ ‫ومقبوال �أو �صحيحا وغري مناف ‪ ،‬يف حماولة تربيرية ي�سوقها‬ ‫املنطق املنحرف �إىل يحاول ان يتطابق مع مبادئ اخلري وقيم احلق‬ ‫والعدل حتى يف حالة خروجه عليها ولو ب�صورة ملتوية منحرفة‬ ‫ليخرج �صورة فعله ب�صيغة مقبولة تتطابق مع قوانني الوجود‬ ‫الإن�ساين اخلريية ‪ ،‬وك�أنه يريد ان يقنع الآخرين ان ما يقوم به‬ ‫من �إعمال انحرافية وجرائم واعتداء لي�س من �شانها الإف�ساد بل‬ ‫الإ�صالح والتطابق مع قانون الوجود قال تعاىل « و�إذا قيل لهم ال‬ ‫تف�سدوا يف الأر�ض قالوا �إمنا نحن م�صلحون �أال �إنهم هم املف�سدون‬ ‫ولكن ال يعلمون « ( البقرة ‪ ) 12-11‬وقال تعاىل« قل هل ننبئكم‬ ‫باالخ�سرين �إعماال الذين �ضل �سعيهم يف احلياة الدنيا ويح�سبون‬ ‫�أنهم يح�سنون �صنعا « ( الكهف ‪. ) 103‬‬

‫فهم يبحثون عن امل�ب��ررات املعقولة لديهم فيقنعون‬ ‫أنفسهم بصحة أفعالهم الشريرة ‪ ،‬الن اإلنسان بطبيعته‬ ‫الفطرية وتكوينه األصيل يكره النقص والشر ‪ ،‬إال إذا‬ ‫استيقظ ضميره ووع��ي س��وء عمله ‪ ،‬الن ال�ش��ر ينافي‬

‫‪18‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫منطق الفطرة ويعاكس اجتاهها الذي ما زال يعمل في‬ ‫نفسه رغ��م كثافة االن �ح��راف وض�ب��اب اجل��رمي��ة ‪ ،‬لذلك‬ ‫وض��ع اإلس�ل�ام منهجا شامال متكامل اخل�ط��وات يعمل‬ ‫على أساس الوقاية والعالج الستئصال املعصية واجلرمية‬ ‫وإن �ق��اذ اإلن �س��ان وان�ت�ش��ال��ه م��ن ه��اوي��ة ال�س�ق��وط بتتبع‬ ‫مناشىء اجلرمية وأسباب املعصية وقلع جذورها وحماية‬ ‫الفرد واملجتمع من تأثيرها ‪ ،‬أما هذه األسباب فاهمها ‪:‬‬ ‫‪ -1‬اجلهل وعدم الوضوح‬ ‫‪ -2‬االنحراف النفسي‬ ‫‪ -3‬احلاجة‬ ‫‪ -4‬غ �ي��اب ال� � ��وازع ال ��ذات ��ي وع� ��دم اإلمي � ��ان باجلزاء‬ ‫األخروي‪.‬‬ ‫وتوضيحا لهذه احملاور األربعة والتي هي أهم األسباب‬ ‫للمعصية إليكم اآلتي ‪:‬‬ ‫�أوال ‪ :‬اجلهل وعدم الوضوح ‪ ،‬يلعب اجلهل دورا خطيرا‬ ‫في حياة اإلنسان فهو سبب رئيسي من أسباب الضالل‬ ‫والضياع وهو عامل من عوامل الفساد واالنحراف وهو‬ ‫سبب فعال في صنع اجلرمية واملعصية ‪ ،‬وذلك الن اجلاهل‬ ‫ال يدرك خطورة فعله وال يعرف نتائج سلوكه املشني وال‬ ‫مييز الطريق املوصل إلى اخلير فهو في ع��داد األموات‬ ‫وهو كاألعمى الذي ال مييز بني األلوان ‪ ،‬أو كاألصم الذي‬ ‫ال يفرق بني األص��وات ‪ ،‬قال الله تعالى « أم اتخذوا من‬


‫دونه إلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي « قل إمنا العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم‬ ‫بل أكثرهم ال يعلمون احل��ق وه��م معرضون « ( األنبياء ‪ 24‬قوما جتهلون « ( االحقاف ‪ ،) 23‬وقال سبحانه وتعالى « انك‬ ‫) ‪ ،‬لذا فان اجلرمية واملخالفة تقل بني العلماء والفالسفة‬ ‫واملفكرين واملثقفني ‪ ،‬إذا ما قيسوا باملجتمع ال��ذي ينتمون ال تسمع املوتى وال تسمع الصم الدعاء اذا ول��وا مدبرين ‪،‬‬ ‫إليه ‪ ،‬ويجب ان ال يغيب عن أذهاننا ان العلم احلقيقي الذي وما أنت بهادي ألعمي عن ضاللتهم ان تسمع إال من يؤمن‬ ‫يصون اإلنسان عن اجلرمية واملعصية بالدرجة األول��ى هو بآيتنا فهم مسلمون « ( ‪ 81-80‬الروم ) وقال تعالى « بل اتبع‬ ‫العلم بالله ومعرفة عالقة الوجود به ‪ ،‬وموقع اإلنسان من هذا‬ ‫الوجود ومن تلك العالقة بالله ‪ ،‬وبدون هذا التشخيص ال الذين ظلموا أهوائهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله‬ ‫يستطيع ان يقوم حقيقة سلوكه ونتيجة فعله ‪ ،‬لذا نرى بعض وم��ا لهم م��ن ناصرين «( ال��روم ‪ ، ) 29‬وق��ال تعالى « ان شر‬ ‫العلماء واملفكرين واملثقفني من الذين ال يؤمنون بالله تعالى ال��دواب عند الله الصم البكم الذين ال يعقلون « ( األنفال‬ ‫يقدمون على أبشع اجلرائم في التخطيط للحروب واإلبادة‬ ‫البشرية ‪ ،‬أو صنع وسائل ال��دم��ار واخل��راب أو وض��ع خطط ‪ ، ) 22‬وق��ال تعالى « قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر‬ ‫اإلج��رام والعدوان لسفك الدماء ونهب األم��وال واخليرات ‪ ،‬فلنفسه ومن عمي فعليها وما انا عليكم بحفيظ « ( اإلنعام‬ ‫ذل��ك الن معرفتهم باألشياء واملواضيع وقيم اخلير والشر ‪ ،) 104‬فالقران الكرمي هنا يستعرض أسباب الكفر والضالل‬ ‫تتوقف عند هذا احلد بداية ملرحلة جهل مظلمة تسوقهم‬ ‫لفعل املعصية واجلرمية متاما كما يساق اجلاهل املتوحش واملعصية فيردها إلى اجلهل الذي عبر عنه بالعمى والصم ‪،‬‬ ‫‪ ،‬وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه حينما ألنه يحول بني صاحبه وبني رؤية احلق وسماع صوت الهدى‬ ‫سئل « أي الناس شر ‪ ،‬قال العلماء إذا فسدوا « ‪ ،‬وإذا تخطينا وال��رش��اد ‪ ،‬ووصفه باملوت الن اجلاهل لم ي��درك مع اجلهل‬ ‫ه��ذه الطبقة من حملة العلم والثقافة امل��ادي��ة التي جتهل‬ ‫عالقتها بخالق ال��وج��ود لتدخل في نهاية املطاف طوابير حقيقة الوجود وطبيعة احلياة كما هي في حقيقتها وبذلك‬ ‫أصبح كامليت املعزول عنها ‪ ،‬واجلاهل ال يعذر في اإلسالم على‬ ‫اجلهال وتتساوى معهم في فعل املعصية واجلرمية‪.‬‬ ‫إذا جتاوزنا هؤالء املتعلمني إلى اجلهال الذين لم يستنيروا جهله فيتخذ مبررا له بل يجب عليه ان يتعلم ليكتشف كل ما‬ ‫بنور العلم ولم يستضيئوا بهدى املعرفة جند أنهم الفئات تتوقف عليه جناته وصالحه في الدنيا واآلخرة ‪.‬‬ ‫املوبوءة التي تعشعش في أوساطها املعصية واجلرمية بسبب‬ ‫لذلك أرسل ألله سبحانه وتعالى األنبياء والرسل واوجب‬ ‫اجلهل وقلة املعرفة لذا حارب اإلسالم اجلهل وربط بينه وبني‬ ‫الكفر واملعصية واجلرمية ذلك الن العارف الذي تتضح له األم��ر ب��امل�ع��روف والنهي ع��ن املنكر وح��ث علة طلب العلم‬ ‫األف�ع��ال وامل�م��ارس��ات على حقيقتها وتتشخص له نتائجها‬ ‫واث��اره��ا وانعكاساتها على نفسه ووج��وده ومصيره ال يقدم وامل�ع��رف��ة ك��ل ذل��ك م��ن اج��ل ان تتوفر املعرفة ل��دى اإلنسان‬ ‫على املعصية وال يختار ايقاعها في عالم الوجود بل يسعى ليتمكن من حتصيل خيره وسعادته فيصغي إلى صوت احلق‬ ‫إلعدامها وحو وجودها الن شر مهلك وعمل شاذ يحول بينه ويستجيب لدعوة اخلير ق��ال تعالى « وإذا سمعوا ما انزل‬ ‫وبني خيره وسعادته ‪.‬‬ ‫الله إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا‬ ‫ف ��إذا حصلت ل��ه ه��ذه ال��درج��ة م��ن ال��وض��وح ال ميكن ان‬ ‫يختار الشر والشقاء على اخلير والسعادة واإلسالم يريد ان من احلق يقولون ربنا أمنا فاكتبنا مع الشاهدين «( املائدة‬ ‫يكون لإلنسان هذه الدرجة من الوضوح ليستطيع ان مييز ‪ ) 83‬هذه أهم األسباب املؤدية إلى املعصية واجلهل ولنا في‬ ‫ويقيم األش�ي��اء بواسطتها فيختار السلوك احملقق خليره احلديث بقية عن األسباب الثالثة املتبقية للمعصية والني‬ ‫وسعادته ويرفض االنحراف والشذوذ والفساد ‪ ،‬أما اجلاهل‬ ‫فهو املعرض دائما عن رسالة احلق املتنكر لدعوة اخلير لذا هي االنحراف النفسي – احلاجة – غياب الوازع الذاتي في‬ ‫وصف الله تعالى هذه الفئة من الناس في كتابه الكرمي فقال العدد القادم ان شاء الله تعالى ‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪19‬‬


‫دراسات إسالمية‬ ‫‘’نسخ ولصق’’ للثورة اجلنسية في الغرب في العالم اإلسالمي‬

‫«آليات نشر الفكر الوسطي‬ ‫في املجتمعات االسالمية»‬ ‫د ‪.‬حممد طالبي‪ /‬باحث ومدير جملة الفرقان‬

‫وجهت‬ ‫تواجه املغرب يف العقدين املقبلني ظاهرتني خطريتني‪ ،‬ن ّبهت �إليهما الر�سالة امللكية التي ّ‬ ‫�إىل امل�ؤمتر الدويل لل�سكان مبراك�ش‪ ،‬هما تناق�ص اخل�صوبة وتزايد ال�شيخوخة‪ ،‬مبا يف�ضيان‬ ‫�إليه من خماطر �أمنية و�سيا�سية و�إ�سرتاتيجية‪ ،‬وتعترب الر�سالة مبثابة دقّ لناقو�س اخلطر يف‬ ‫هذا االجتاه‪ ،‬وبداية للقطع مع فل�سفة مادية كامنة يف ال�سيا�سة ال�سكانية التي انتهجها املغرب‬ ‫و�أدت �إىل النتيجة املذكورة‪ ،‬يف هذا احلوار مع الأ�ستاذ حممد طالبي‪ ،‬وهو باحث ومدير جملة‬ ‫الفرقان‪ ،‬نحاول �أن نقف عند الأبعاد اخلطرية ال�سيا�سية والإ�سرتاتيجية للتناق�ص الدميوغرايف‬ ‫توجه خيارات النخبة املثقفة واحلاكمة يف التعامل مع امل�س�ألة‬ ‫باملغرب‪ ،‬واخللفيات الفل�سفية التي ّ‬ ‫ال�سكانية‪ ،‬و�إليكم ن�ص احلوار‪:‬‬

‫انتقد امللك محمد السادس بقوة نتائج السياسة السكانية التي نهجها املغرب منذ‬ ‫الستينات إلى اليوم‪ ،‬وقال إنها أدت إلى نتائج عكسية حصرها‬ ‫ف��ي «ان �خ �ف��اض م �ع��دل اخل�ص��وب��ة واإلجن � ��اب‪ ،‬ال ��ذي يفضي‬ ‫ال��ى تزايد شيخوخة الساكنة‪ ،‬ب��آث��اره السلبية االقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬مبا فيها ظهور فئة من املسنني املهمشني»‪ ،‬ما‬ ‫تعليقكم على هذه اخلالصة؟‬ ‫إن القارئ املدرك ملضمون الرسالة امللكية املوجهة للمؤمتر‬ ‫العاملي السادس و العشرين للسكان املنعقد مبراكش‪ ،‬سيالحظ‬ ‫أن القضية احمل��وري��ة ف��ي اخل�ط��اب ه��ي‪ :‬م��ا العمل لتحقيق‬ ‫التنمية املستدامة للشعوب عامة و الشعب املغربي خاصة؟و‬ ‫هل املدخل عنده للعالج دميوغرفي؟؟‬ ‫فالرسالة امللكية نبهت أن أول العمل رصد اإلخالل الكبرى‬ ‫للسياسة السكانية باملغرب منذ االستقالل إلى اآلن‪ .‬فأشار‬ ‫بوضوح إل��ى اخللل اخلطير في سياسة املغرب منذ عقود‪،‬‬ ‫‪20‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫أال و هي بداية التناقص الدميوغرافي للسكان املغاربة وش‬ ‫شيخوختهم‪.‬و ه��و ف��ي تقديري خلل ج�ل��ل‪.‬و امل�ل��ك محمد‬ ‫السادس بذلك عبر عن وعي سياسي استراتيجي في قضية‬ ‫ال��دمي��وغ��راف�ي��ا‪ .‬إن��ه وع��ي ت��اري�خ��ي ح��اد باملشكلة السكانية‬ ‫باملغرب‪.‬أمتنى من الصفوة املثقفة و النخبة احلاكمة ببالدنا‬ ‫أن متتلك ه��ذا الوعي السياسي التاريخي‪ ،‬إن أرادت تنمية‬ ‫سليمة معافاة من األم��راض القاتلة خ�لال القرن اجلاري‪،‬‬ ‫و أرادت بالفعل أن جتنب املغرب أخطار و وي�لات التناقص‬ ‫الدميوغرافي النص الثاني من القرن الواحد و العشرين كما‬ ‫سنرى‪.‬و الوعي السياسي احل��اد للمك بالسياسة التنموية‬ ‫الصحيحة تأكد من خالل رص��ده املداخل الكبرى لتحقيق‬ ‫التنمية املستدامة‪ .‬تنمية يحل فيها العيش الكرمي للمواطن‬ ‫محل الفقر‪ ،‬والعلم و املعرفة محل اجلهل والصحة العافية‬ ‫محل امل��رض‪.‬و احلرية ب��دل القهر السياسي و االجتماعي‬


‫و االقتصادي‪.‬فدعا إل��ى توسيع املشاركة الدميقراطية ‪ ،‬و كبيرتني سلبيتني حدثتا ف��ي ب�لاد ال�غ��رب‪.‬أص��ل األول��ى في‬ ‫التقليل من الفوارق االجتماعية داخل الوطن الواحد وبني نظرية مالثوس‪ ،‬و أصل الثانية في ثورة اجلنس النسوانية في‬ ‫دول اجل�ن��وب و ال�ش�م��ال‪ ،‬و دق ن��اق��وس اخل�ط��ر ال��ذي يهدد منتصف القرن ‪20‬بالغرب‪.‬‬ ‫النظام اإليكولوجي العاملي و احمللي‪ ،‬و الذي قد يتسبب في‬ ‫خالصة نظرية مالتوس هي أن تكاثر الناس أسرع مرات عدة‬ ‫تصحر مهول و تراجع كبير في مساحة األرض الصاحلة من تكاثر الغذاء‪ .‬و هذا في زعمه سيسبب ال محالة نقص ًا في‬ ‫للفالحة ‪ ،‬و خطر ذل��ك على األم��ن الغذائي للمجتمعات األقوات لسكان األرض يترتب عنه مجاعات وأمراض و موت‪.‬‬ ‫البشرية و طبعا منها املغرب و عاملنا العربي و اإلسالمي‪.‬و نبه لذلك يدعو إل��ى ض��رورة حتديد النسل في العالم‪ .‬فموارد‬ ‫إلى خطورة العوملة الكاسحة على تراجع التنمية ببلداننا‪ ،‬و الطبيعة حسب الفكر املالثوسي ال تتحمل أكثر من ‪ 10‬إلى‬ ‫كذا األزمة االقتصادية العاملية اجلارية‪.‬باختصار رسالة امللك ‪ 20‬مليار من سكان األرض‪ .‬وقد جنحت فرضية مالتوس في‬ ‫لم تعتبر العالج هو تقليص النمو الدميوغرافي‪ ،‬و لم تسقط أن تتحول إلى يقني في أده��ان الناس اخلاصة قبل العامة‪.‬‬ ‫في النظرة املالتوسية املشئومة و الوهمية في تفسير ظاهرة فتحت اقتناع واه��م ب��أن قليال من ال��ذري��ة يعني م��زي��د ًا من‬ ‫الفقر و اجلهل و املرض عند الشعوب الفقيرة ومنهم شعبنا‪ .‬الرخاء األسري بدأ التعقيم الذاتي في األسر الغربية و في‬ ‫و هذا في تقديري وعي يتعارض مع الوعي السياسي السكاني العالم‪ .‬إضافة إلى اعتبار األسرة النووية املتكونة من زوجني و‬ ‫العامي السائد عند الصفوة احلاكمة و املثقفة العلمانية طفل أو طفلني هو عنوان احلداثة‪ ،‬و األسرة املمتدة أو الكثيرة‬ ‫ببالدنا على األقل‪.‬‬ ‫األطفال هي عنوان البداوة و التخلف و األمية‪.‬‬ ‫طاملا ركّ ز اخلطاب الغربي السياسي منه واألكادميي على‬ ‫أم��ا خ�لاص��ة ث��ورة اجل�ن��س النسائية أن امل ��رأة شخصية‬ ‫أن حتقيق التنمية مي ّر عبر التحكم في الدميغرافيا‪ ،‬وهي مستقلة متام االستقالل عن الرجل‪ ،‬وأنها حرة في التصرف‬ ‫املقاربة التي انتشرت وكانت محور املؤمتر العاملي للسكان بجسدها و نفسها و عقلها‪.‬فهي ليست وعاء للرجل و ال معم ًال‬ ‫والتنمية في القاهرة سنة ‪ ،1994‬لكن في الوقت نفسه‪ ،‬فإن لصناعة األطفال‪ .‬وأنها غير مستعدة لتأدية الكلفة النفسية‬ ‫الغرب‪ ،‬خاصة الشق األورب��ي منه‪ ،‬طاملا ن��ادى به خبراءه أن و البدنية و املالية في تربية و رعاية األطفال‪.‬فشعار املوجة‬ ‫املسألة السكانية هي قضية أمن وجيوبوليتيك أوال‪ ،‬قبل أن (أنا سعيدة بال أطفال)‪(،‬ال تلدن أطفا ًال)‪ (،‬الزواج باملعايشة و‬ ‫أن تكون قضية تنمية وأرق��ام‪ ،‬برأيكم ما ال��ذي متثله قضية الزواج املثلي بني الرجل و الرجل أو املرأة و املرأة‪.‬و غيرها بذل‬ ‫الدميغرافيا في السياسة؟‬ ‫الزواج التقليدي)‪ .‬كانت حصيلتها تفكيك األسرة الطبيعية‬ ‫التحكم في الدميوغرافية اليوم مناف للتنمية‪.‬و حجتنا في الغرب و استبدالها بأنواع من األسر االصطناعية و العقم‬ ‫في ذلك الغرب نفسه‪ .‬إن قضية الدميوغرافيا عند الغربيني و توقف تدفق النسل في الغرب باستثناء أمريكا‪.‬‬ ‫قضية أمن حضاري لهم‪ ،‬و قضية حياة أو موت لهم في العالقات‬ ‫فالدميوغرافيا بالنسبة للغرب متثل مجا ًال استراتيجي ًا‬ ‫الدولية املقبلة‪ .‬من يتابع أحوال العالم الغربي الدميوغرافية حيوي ًا للتدافع ال��دول��ي خ�لال ال�ق��رن ال��واح��د و العشرين‪.‬‬ ‫اليوم يتأكد له بال شك أن جل أقاليمه باستثناء الواليات فقد ي�ك��ون ع��ام� ً‬ ‫لا حاسم ًا حل �ض��ارات س��ادت قبل ق��رن�ين ثم‬ ‫املتحدة األمريكية بدأت تشتعل شيب ًا‪.‬‬ ‫بالشيخوخة السكانية بادت بعد هذا القرن اجلاري‪.‬‬ ‫ف��ال�ك�ن��ائ��س ف��ي أوروب � ��ا ت�غ�ل��ق أو ت �ب��اع ب�س�ب��ب التناقص‬ ‫الدميوغرافي‪.‬لقد أصدرت املفوضية األوروبية تقرير ًا لسنة‬ ‫‪ 2006‬أك��دت فيه أن السكان النشيطني في االحت��اد األوروبي‬ ‫سينقصون بــ‪ 48‬مليون نسمة ما بني ‪ 2010‬و ‪.2050‬و قد تتراجع‬ ‫التنمية بنسبة ‪ %50‬سنة ‪.2040‬فسكان أملانيا اليوم ‪ 80‬مليون‬ ‫نسمة‪ ،‬و سنة ‪2100‬سينحدرون إلى حوالي ‪ 32‬مليون‪.‬و سكان‬ ‫إيطاليا اليوم ‪ 56‬مليون نسمة‪ ،‬فسينحدرون إلى ‪ 15‬مليون‪.‬‬ ‫أما الروس فعددهم سنة ‪ 1999‬هو ‪ 149‬مليون وعددهم سنة‬ ‫‪ 2050‬سينحدر إلى ‪ 111‬مليون‪ .‬فسبب هذا العقم السكاني‬ ‫الرهيب في الغرب فشلهم في احلفاظ على معدل اخلصوبة‬ ‫الضروري لتجديد األجيال و هو طفالن (‪ )2‬لكل امرأة على‬ ‫األق��ل‪ .‬فمعدل اخلصومة عند امل��رأة في االحت��اد األوروب��ي ال‬ ‫يزيد عن ‪ 1.5‬طفل لكل ام��رأة‪ .‬فما السر في ه��ذا اخلراب‬ ‫الدميوغرافي الذي قد ينتهي بخراب العمران في الغرب؟‬

‫ي��ذه��ب ك�ث�ي��رون إل��ى أن��ه ال ميكن الفصل ب�ين السياسة‬ ‫السكانية ونتائجها وتلك املوجهة إلى األسرة واملرأة والطفل‪،‬‬ ‫ويقولون بأن الفكر الغربي يعجز عن نزع الطابع االستراتيجي‬ ‫الدميوغرافي عن قضايا اجتماعية عادية‪ ،‬مثل مسألة تعدد‬ ‫الزوجات‪ ،‬بحيث ال يراها من زاوية فلسفة حت ّرر املرأة فقط‪،‬‬ ‫بل من ناحية قدرة هذه املؤسسة على إكثار النسل أيضا‪ ،‬بناء‬ ‫على ذلك‪ ،‬فهل اإلقرار بالنتائج العكسية للسياسة السكانية‬ ‫في املغرب تستدعي إعادة النظر في السياسة املوجهة لألسرة‬ ‫والطفل أيضا؟ وفي أي اجتاه؟‬

‫ق��ال ال�س�ي��د ف��ران��ك توتشستيفن م��دي��ر م��رك��ز البحوث‬ ‫السكانية في جامعة بريستون ثم رئيس جلنة اإلسكان في‬ ‫األمم املتحدة‪ ،‬قال نيابة عن الغرب ما يجب فعله‪ ( :‬إعداد‬ ‫برامج للحد من النمو السكاني في نصف الكرة اجلنوبي‪.‬‬ ‫و إال فإن التقدم االقتصادي في تلك األصقاع سيؤدي إلى‬ ‫إن عقم ال �غ��رب ال �ي��وم ه��و ث�م��رة م��رة ل�ث��ورت�ين ثقافيتني قيام عالم في املستقبل تتحول فيه ال��دول املسيطرة حالي ًا‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪21‬‬


‫إلى أقلية‪ ،‬يتضاءل وزنها باضطراد‪ ،‬و يقل بالتالي باضطراد‬ ‫نصيبها من ثروة العالم‪ .‬و تقل قدرتها على التحكم فيه)‪.‬‬

‫قضايا الساعة) ملؤلفيه‪ :‬روبرت الفون ـ غرامون الذي يجزم أن‬ ‫األرض مبساحة ‪ 130‬كلم‪ 2‬قادرة على تغذية ‪ 260‬مليار نسمة و‬ ‫يجزم الكتاب‪ ،‬وهو دراسة علمية‪ ،‬أن البشرية لن تصل إلى هذا‬ ‫احلجم السكاني‪ .‬و الدراسات األكثر اعتدا ًال تتحدث عن طاقة‬ ‫استيعابية لألرض تقدر بـ ‪ 120‬مليار نسمة‪.‬أما كتاب ( املائة‬ ‫سنة القادمة) و هو حصيلة عمل علمي مع ثالثني مؤسسة‬ ‫صناعية أمريكية سنة ‪ .1956‬خالصته أن ال�ع��ال��م بثورته‬ ‫العلمية قادر على إنتاج ‪ 150‬طن من الغذاء لكل فرد‪ .‬و الفرد‬ ‫ال يحتاج حسب الدراسة إال إلى ‪ 0.3‬من الطن‪ .‬إن التعقيم‬ ‫السكاني اجل��اري وسطنا مخطط لإلجهاض احل�ض��اري ال‬ ‫غير‪ ,‬و إال ملاذا يتم تشجيع التناسل و التكاثر السكاني بكل‬ ‫الوسائل في الغرب اليوم؟؟؟‬

‫والغرب الغازي باألمس و اليوم يعمل جاد ًا في تعقيمنا‬ ‫بتوطني الثورتني السلبيتني السابقتني في ب�لاد املسلمني‬ ‫لدوافع إستراتيجية و سياسية و عداء تاريخي‪ .‬و نقر مبرارة‬ ‫أنه جنح في بناء مستوطنات للثورتني السلبيتني في بالدنا‪،‬‬ ‫ومنها تونس و املغرب مع األسف الشديد‪ .‬فالنمو الدميوغرافي‬ ‫باملغرب ينذر بدخولنا عصر الشيخوخة السكانية في منتصف‬ ‫هذا القرن‪ .‬ففي املؤمتر السكاني العاملي السادس و العشرون‬ ‫املنعقد مب��راك��ش ه��ذه األي ��ام أك��د ان امل�غ��رب سيدخل عصر‬ ‫الشيخوخة السكانية عام‪ . 2030‬بحيث يتضاعف عدد الشيخ‬ ‫من ‪ %8‬اليوم إلى ‪.%16‬و هو األمر الذي أكدت عليه الرسالة‬ ‫القنبلة الدميوغرافية أسطورة من أساطير الفكر احلديث‬ ‫امللكية للمؤمتر ‪.‬كما تناقص عدد األطفال املتمدرسني هذه‬ ‫السنة بتونس مبقدار ‪ 44‬ألف‪،‬بسبب التناقص الدميوغرافي و احلاثيني( العصريني) ذوي الوعي املغيب‪ .‬و إال ملاذا ستصبح‬ ‫الصني القوة االقتصادية األولى عام ‪ 2030‬كما يقدر اخلبراء؟‬ ‫في تونس‪ .‬تونس احلداثة و العلمانية؟؟؟‬ ‫و الهند القوة االقتصادية رقم ثالثة؟ اجلواب واضح أن الكتلة‬ ‫لقد بدأ معدل اخلصوبة بالتراجع في دول املغرب الكبير‬ ‫السكانية العمالقة في الصني و الهند ستكون عامل تنمية‬ ‫تسارعا في التسعينيات‪ ،‬إذ كان‬ ‫في مطلع السبعينيات وشهد‬ ‫ً‬ ‫للثروة و ليس عامل نقصان لها‪.‬فالفرد ال يأكل الطعام إال‬ ‫م�ع��دل اخلصوبة ف��ي اجل��زائ��ر ف��ي مطلع السبعينيات ‪8.1‬‬ ‫بفم واح��د‪ ،‬و لكن ينتج الطعام بثالث‪ :‬دم��اغ مبتكر و يدان‬ ‫أطفال وفي املغرب ‪ 7‬أطفال لكل امرأة في ‪.1972‬‬ ‫منتجتان‪ ،‬فيطعم على أق��ل تقدير ث�ل�اث‪ .‬ه��ذا ه��و الوعي‬ ‫وع�ل��ى سبيل امل �ق��ارن��ة اح�ت��اج��ت ف��رن�س��ا ق��راب��ة ‪ 200‬سنة السكاني السليم في مقابل ويالت الوعي الشقي السقيم ‪ ،‬و‬ ‫لينخفض معدل اخلصوبة فيها م��ن ‪ 6‬أط�ف��ال للمرأة في عي التعقيم‪.‬‬ ‫منتصف القرن ‪ 18‬إلى حوالي ‪ 2‬لكل ام��رأة في الثالثينيات‬ ‫يرى خبراء أن املسألة السكانية تعتبر عامل جوهري في‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬أما ال��دول املشمولة بالدراسة‪ ،‬دول املغرب‬ ‫التدافع احلضاري‪ ،‬غير أن التقارير التي قدمت باملؤمتر العاملي‬ ‫ال�ك�ب�ي��ر‪ ،‬ف�ل��م حت �ت��اج س��وى ل� �ـ‪ 25‬س�ن��ة إلجن ��از ه��ذه املصيبة‬ ‫للسكان مبراكش تفيد أن عددا من الدول العربية تراجع بها‬ ‫املرعبة‪.‬‬ ‫النمو الدميغرافي بشكل مهول‪ ،‬وحققت ما يسمى بـ»الهدية‬ ‫إن إع��ادة النظر ف��ي السياسة امل��ؤط��رة للطفل و امل��رأة و الدميغرافية»‪ ،‬هل توافق على القول بأن األمة العربية هزمت‬ ‫األسرة باملغرب مدخلها جتاوز الوعي الشقي للنخبة احلاكمة في ميدان الدميغرافيا؟‬ ‫و املثقفة املتأثرة جد ًا بفلسفة املدرسة املالتوسية و بفلسفة‬ ‫نعم املسالة السكانية عامل جوهري في التدافع احلضاري‬ ‫الثورة اجلنسية أو فلسفة النوع في موضوع التكاثر و احلريات‬ ‫خالل هذا القرن اجلاري‪.‬و بصراحة أقولها إن النخبة احلاكمة‬ ‫الفردية غير املنضبطة‪ :‬كثورتني ثقافيتني سلبيتني جتريان‬ ‫و املثقفة في بعض دولنا و منها تونس و املغرب هزمت أمام‬ ‫في بعض بالد املسلمني و منها املغرب و تونس‪ .‬و إال فسيشتعل‬ ‫ال �غ��رب ال �غ��ازي ف��ي م�ع��رك��ة ال��دمي��وغ��راف�ي��ة‪.‬ف�ث��ورة التعقيم‬ ‫املغرب شيب ًا‪ ،‬ال قدر الله‪ ،‬في منتصف هذا القرن‪.‬‬ ‫الدميغرافي جارية بقوة في هذين البلدين على األقل‪.‬‬ ‫فهل ف�ع� ً‬ ‫لا النمو ال��دمي��وغ��راف��ي قنبلة كالقنبلة الذرية‬ ‫لكن بشكل ع��ام م��ا زال العالم العربي و اإلس�لام��ي في‬ ‫في وج��ه العيش الكرمي للمجتمعات اإلسالمية و املجتمع مقدمة التكاثر السكاني العاملي‪.‬تؤكد الدراسات الدميغرافية‬ ‫الدولي؟‬ ‫أن عدد املسلمني في الغرب عموما وفي أوروبا على اخلصوص‬ ‫إن فلسفة الندرة ليست حقيقة علمية‪ ،‬واجلواب قطع ًا ليس يتصاعد ي��وم��ا بعد ي��وم‪ ،‬فحسب التقرير األم��ري�ك��ي حول‬ ‫النمو الدميوغرافي قنبلة‪ ،‬فالقول بالقنبلة الدميوغرافية احل��ري��ات الدينية لسنة ‪ 2003‬أن ع��دد املسلمني جت��اوز ‪23‬‬ ‫أس�ط��ورة من أساطير احملدثني احلداثيني( العصريني) ‪.‬و مليون مسلم‪ ،‬ودراسات أخرى تتكلم عن ‪ 30‬مليون مسلم في‬ ‫أول حججي مضمون النص السابق ال��ذي يؤكد أن النمو اإلحتاد األوروب��ي‪ ،‬أما عددهم في سنة ‪ 2015‬فيقدر بـ‪ 50‬إلى‬ ‫الدميوغرافي في عالم اجلنوب خير وبركة على سكانه و خطر ‪ 60‬مليون مسلم بسبب التوالد والهجرة‪ ،‬وهم ميثلون اليوم‬ ‫على زعامة الشمال للعالم‪ .‬ل��دى دع��ا صاحبه إل��ى ضرورة ‪ % 5‬من السكان‪ ،‬وإذا انضم التسعون مليون تركي لإلحتاد‬ ‫وقفه لضمان حتكم الشمال في الثروة و السلطة الدوليتني‪ .‬فستصبح نسبة املسلمني ملجموع السكان ‪ 15‬باملائة‪ ،‬وتقدر‬ ‫حجتي الثانية ما ج��اء في كتاب( االنفجار الدميوغرافي ـ دراسة املجلس األوروب��ي أن عدد املسلمني سنة ‪ 2050‬سيمثل‬ ‫‪22‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫‪ % 50‬من سكان أوروبا‪.‬‬ ‫و ما دامت أوروبا الشرقية غير قادرة على تعويض اخلصاص‬ ‫الدميغرافي في االحتاد لعقمها وحلاجتهما لقوة عملها بسبب‬ ‫انتعاش اقتصادياتها بعد سقوط األنظمة الشيوعية فيها‪،‬‬ ‫فهل احلل هو القبول بهجرة املسلمني من الضفة اجلنوبية‬ ‫للمتوسط؟ هذا عن حرب الدميغرافيا في بالد الغرب‪ ،‬وماذا‬ ‫عن هذه احلرب في دار اإلسالم القدمية؟ وما نصيب الشباب‬ ‫منها؟ وما عالقة كل ذلك بالعقم الدميغرافي في الغرب‪.‬‬

‫بال أطفال)‪( ،‬ال تلدن أطفاال) ‪( ،‬نعم لألسرة املثلية) ‪( ،‬نعم‬ ‫لألسرة اجلنسية عند الشباب) ‪( ،‬نعم للمساواة الندية بني‬ ‫الرجل وامل��رأة) إلى آخر الشعارات‪ .‬مع دعم آالف املنظمات‬ ‫النسائية واحل�ق��وق�ي��ة ف��ي ب�لاد املسلمني امللتزمة مببادئ‬ ‫وأهداف الثورة النسائية واحلقوقية في بالد املسلمني امللتزمة‬ ‫مببادئ وأهداف الثورة النسائية الثانية‪ ،‬املنجزة في الغرب‪،‬‬ ‫دعم كامل‪ ،‬سياسي وقانوني ومالي وإعالمي‪.‬‬ ‫الهدف طبعا واضح وهو تعقيم أمة العروبة واإلسالم كما‬ ‫عقمت الثورة أمم الغرب‪ ،‬والتعقيم في ديارنا يتم حتث شعار‬ ‫حتديد أو تنظيم النسل لضمان العيش الكرمي لشعوب العالم‬ ‫الثالث ومنهم شعوب العالم اإلس�لام��ي‪ ،‬معتمدين فلسفة‬ ‫مالتوس التي تزعم أن من��و ال �غ��ذاء مبتوالية ع��ددي��ة ومنو‬ ‫السكان مبتوالية هندسية‪ ،‬وبالتالي البد من حتديد النسل‬ ‫لضمان لقمة العيش لكل البشرية ولكل األجيال‪.‬و هذا الكالم‬ ‫كنظرية داروين أساطير ال عالقة لها بالبحث العلمي احلق‪.‬‬

‫و حسب دراسة ملنظمة املؤمتر اإلسالمي أن سنة ‪ 2025‬هي‬ ‫سنة تفوق املسلمني عدديا على كل أتباع الديانات األخرى‪،‬‬ ‫وفي مقدمها الديانة املسيحية‪ ،‬فمعدل اخلصوبة عند املرأة‬ ‫في العالم اإلسالمي هي األعلى عاملي ًا ‪ ،‬تليها الدول النامية‬ ‫غير اإلسالمية بخصوبة ‪ 4.5‬طفل لكل امرأة‪ ،‬و‪ 1.7‬طفل لكل‬ ‫امرأة في العالم الغربي املتقدم‪ ،‬بالنسبة للقادة الغربيني هذا‬ ‫هو الفزع األكبر‪ .‬وعمر الفزع هذا يعود إلى سنة ‪ 1954‬حينما‬ ‫وزع هيوم إمور نشرة صغيرة حتت عنوان (القنبلة البشرية) ‪،‬‬ ‫ما هي خطورة ظاهرتي انخفاض اخلصوبة وشيخوخة‬ ‫لكنها اليوم وبعد نصف قرن على ظهور هذه النشرة‪ ،‬تصبح املجتمع على مستقبل املغرب؟‬ ‫القنبلة الدميغرافية كما يزعمون كابوسا يقض مضجع قادة‬ ‫أوك��د من جديد أن أعلى معدل اخلصوبة العاملية يبقى‬ ‫الغرب‪ ،‬وباخلصوص أنها قنبلة دميغرافية كما يزعمون من‬ ‫من نصيب األس��رة املسلمة‪ ،‬لكن مع ذلك أكرر من جديد أن‬ ‫صنع املسلمني‪.‬‬ ‫بعض الدول اإلسالمية دخلت مرحلة العد العكسي في منوها‬ ‫وق��ال ج��ان كلود شسنيه مدير املعهد الوطني للدراسات السكاني‪ ،‬ومنها املغرب‪.‬‬ ‫السكانية بباريس (إن أوروبا تواجه غلبة املسلمني واألفارقة‬ ‫إن كابوس الغرب وفزعه من عقمه سيصبح كابوس و فزع‬ ‫عليها مع اتساع الفجوة السكانية واالقتصادية بني شمال‬ ‫أبناء هذا الشعب املغربي العظيم في تاريخه في أفق ليس‬ ‫املتوسط وجنوبه‪ ،‬فمع تكاثر الثراء في األوروب��ي سيتحرك‬ ‫ببعيد‪ .‬لقد ع��دت إل��ى إحصاء ‪ 2002‬باملغرب وم��ا قبله وأنا‬ ‫الناس من اجلنوب إل��ى الشمال‪...‬وفي اجلنوب ستبزغ قوة‬ ‫أقبض على قلبي من الفزع‪.‬‬ ‫فتية بفضل الزيادة في حجم سكانه التي تبعث احليوية‪ ،‬في‬ ‫كانت معدل اخلصوبة عند املرأة املغربية سنة ‪ 1972‬هو ‪7‬‬ ‫املقابل فإن قوى الشمال الهرمة ستدوي مع النقص في عدد‬ ‫أطفال لكل أمراة‪ .‬وفي سنة ‪ 1994‬أصبح املعدل ‪ 3.3‬طفل لكل‬ ‫السكان)‪.‬‬ ‫أسرة‪ ،‬مبعدل ‪ 4.3‬أطفال عند النساء القرويات‪ ،‬و‪ 2.56‬طفل‬ ‫قال ترومان ستو لتنبرغ املفوض السابق لشؤون الالجئني‬ ‫عند نساء املدن‪.‬‬ ‫في األمم املتحدة لصحيفة كريستيان سيانس مونيتور سنة‬ ‫وفي سنة ‪ 2002‬أصبح معدل اخلصوبة عند املرأة املغربية‬ ‫‪ « 1990‬إن ه��ذه ال��زي��ادة املضطردة في سكان العالم الثالث‬ ‫وال��دول اإلفريقية خاصة تهدد أمن ال��دول األوروب�ي��ة بشكل فقط ‪ 2.5‬طفل‪ ،‬مبعدل ‪ 3‬عند املرأة القروية‪ ،‬و قرابة طفلني‬ ‫م �ب��اش��ر»‪ .‬ب��ل إن ال ��دراس ��ات ال��دمي�غ��راف�ي��ة حت�م��ل مسؤولية (‪ )2‬عند نساء املدن‪ ،‬أما سنة ‪ 2050‬فسينحدر معدل اخلصوبة‬ ‫االنفجار الدميغرافي لستة دول منها أربع دول إسالمية وهي‪ :‬عند امل��رأة املغربية إل��ى طفلني (‪ ،)2‬واألخ�ط��ر م��ن ذل��ك أن‬ ‫نيجيريا‪ ،‬باكستان‪ ،‬بنغالديش‪ ،‬واندونيسيا‪ ،‬إضافة إلى الهند معدل اخلصوبة عند نساء املدن سينخفض إلى ‪ 1.96‬طفل‬ ‫والصني‪ ،‬لقد طرحوا سؤالهم املركزي‪ :‬كيف نفكك صواعق لكل امرأة‪ ،‬وحال معدل اخلصوبة في تونس املغربة أسوأ من‬ ‫هذه القنبلة من داخل دار اإلسالم القدمية؟ وما هي اخلطة حالنا‪ ،‬مع أن عتبة جتديد األجيال هي طفالن على األقل لكل‬ ‫املناسبة إلجن��از ه��ذا الهدف الكبير؟ اجل��واب عند املناوئني امرأة‪،‬مع العلم أن نسبة توزيع السكان بني املدن والقرى في‬ ‫واض��ح مت��ام ال��وض��وح‪ ،‬إن��ه م�ع��اودة إن�ت��اج ال�ث��ورة اجلنسية أو بالدنا تعطي الغلبة لنمو املدن على حساب العالم القروي‪،‬‬ ‫ال�ث��ورة النسوانية الثانية داخ��ل ب�لاد املسلمني‪ .‬حتت شعار حيث أصبح عدد سكان مدن املغرب أكبر من عدد سكان القرى‬ ‫حترير املرأة املسلمة والفتاة املسلمة من قيود العصر الوسيط‪ ،‬منذ اآلن‪ ،‬ألسنا أمام كابوس العقم الدميغرافي؟ الذي يعني‬ ‫فتحرير امل��رأة والفتاة املسلمة من املناوئني يعني ترديدها على املدى البعيد مزيدا من الشيوخ وقليال من الشباب املغربي‬ ‫لشعارات الثورة اجلنسية الثانية كما أسلفنا وهي‪( :‬أنا سعيدة املسلم‪ ،‬فرسان النهضة والعمران؟‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪23‬‬


‫أليس هذا انتصارا كبيرا لقيم الغرب على قيمنا؟ وكيف مت‬ ‫ذلك؟ بعبارة أخرى‪ :‬ما هي األسباب احلقيقية والعميقة التي‬ ‫دفعت املغاربة وغيرهم من املسلمني إلى استنساخ النموذج‬ ‫ال�غ��رب��ي السيئ ال��ذك��ر؟ لقد دخ �ل��وا ج�ح��را مظلما ومميتا‬ ‫فدخلناه‪ .‬لقد استعملنا عملية «نسخ ولصق» للثورة اجلنسية‬ ‫في الغرب‪ .‬قالوا األسرة العصرية هي قليل من األطفال‪ ،‬قلنا‬ ‫األسرة العصرية هي قليل من األطفال‪ ،‬قالوا املرأة العصرية‬ ‫هي قليل من حليب األمهات وكثير من حليب املصانع حفاظا‬ ‫على جمال ثدييها‪ ،‬قالوا الطريق لتفادي آالم احلمل وصداع‬ ‫التربية وصيانة جمال امل��رأة ورشاقتها‪ ،‬هو املزيد من تناول‬ ‫احلبوب املانعة للحمل‪ ،‬فقلنا وال الضالني آمني‪ ،‬وباملناسبة‬ ‫فقد ارتفعت نسبة النساء املغربيات املستعمالت حلبوب منع‬ ‫احلمل من ‪ % 41‬سنة ‪ 1994‬إلى ‪ %63‬سنة ‪ ،2002‬ونقول للذين‬ ‫يناضلون من أجل صيانة جمال ثدي املرأة ورشاقتها أن العلم‬ ‫والطب يعاكس كل شعاراتكم ‪ ،‬ثالث بحوث طبية متت سنة‬ ‫‪ 1989‬في الغرب أكدت أن إصابة النساء بسرطان الثدي تزيد‬ ‫من مرتني إلى أربعة وسط النساء اللواتي يتناولن حبوب منع‬ ‫احلمل‪ ،‬وال��ذي غالبا ما ينتهي بقطع ثدي امل��رأة بل وموتها‬ ‫الحقا‪ ،‬فال جمال ثديها صنتم وال حياتها أبقيتم‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى شبه إجماع على عوامل أخرى تسبب في سرطان الثدي‪،‬‬ ‫أهمها النساء العازبات‪ ،‬والنساء العواقر‪ ،‬والنساء املتزوجات‬ ‫بعد ‪ 30‬سنة م��ن عمرهن و ع��دم اإلرض ��اع الطبيعي‪ .‬وهذا‬ ‫كافي ملقاومة مدرسة الثورة اجلنسية‪ ،‬مدرسة اللذة اجلسدية‬ ‫الهابطة‪ ،‬وجلهلهم املركب لم يدركوا أن الثدي عضو للتغذية‬ ‫والرأفة والرحمة ومصدر للتغذية بحنان األمومة الالزم للنمو‬ ‫النفسي السوي‪.‬‬

‫أما سحر ثورة العقم هذه فصنفان‪:‬‬ ‫الصنف األول سحر الفكر املالتوسي أو فلسفة الندرة‪،‬‬ ‫والتي مفادها أن النمو السكاني مبتواليته الهندسية ومنو‬ ‫الطعام مبتوالية عددية سينتهي حتما إلى الندرة املهولة في‬ ‫الطعام وامل��واد الغذائية الضرورية للبقاء‪ ،‬فتكون النتيجة‬ ‫املرعبة موت أسود يجتاح العالم بفعل موجات من املجاعات‬ ‫واألوبئة واحلروب‪.‬‬ ‫الصنف الثاني سحر التخطيط العائلي وتنظيم النسل‪:‬‬ ‫فهو ف��ي الغالب يتحدث ع��ن تنظيم النسل وليس حتديد‬ ‫النسل‪ ،‬مع أن املقصود حتديد النسل‪ ،‬وسحر هذا الشعار كونه‬ ‫يوهم أنه يريد إسعاد األسرة املسلمة وتعيش عيشة كرمية عن‬ ‫طريق التقليل من عدد األطفال للزيادة في الرزق لألحياء‬ ‫منهم هي أيضا في ظاهرها فكرة منطقية وساحرة‪.‬‬ ‫كل ذلك دفع النخب املتعلمة واملثقفة وأبناء املدن إلى‬ ‫االنخراط في مشروع تعقيم األمة بال وعي تاريخي للمآالت‬ ‫املرعبة‪.‬‬

‫أعترف بان قدرتنا على تغيير القوة املوضوعية املساهمة‬ ‫في ثورة العقم بيننا متواضعة اليوم على األقل لكن إمكانية‬ ‫تغيير القوة الساحرة املساهمة فكبير؛ أوال بنقد ونقض تلك‬ ‫الفلسفة نفسها‪ ،‬فهل فلسفة الندرة املالتوسية حقيقة علمية؟‬ ‫وهل اخلصوبة املرتفعة عند املرأة وكثرة األطفال يقلل الرزق‬ ‫وفرص العيش الكرمي عند األسرة املسلمة؟ وملاذا الغرب اليوم‬ ‫يشجع األس��رة الغربية على اإلجن��اب ويدفع األس��رة املسلمة‬ ‫إلى احلد من اإلجناب؟ أليس ميالد الثورة النسائية الثالثة‬ ‫في الغرب اليوم‪ ،‬والتي شعارها إع��ادة االعتبار لألنوثة هو‬ ‫لكن ملاذا نسخنا جتربة ثورة العقم الدميغرافي بدون تدبر نقض للثورة النسوانية الثانية؟ أجيب رأسا فأقول إن شعار‬ ‫وحكمة؟ وإن ك��ان في ه��ذه الثورة اجلنسية من عناصر قوة «القنبلة الدميغرافية» عند الغرب هو مخطط لإلجهاض‬ ‫احلضاري واملوت على صليب ذهبي في عاملنا اإلسالمي وليس‬ ‫موضوعية وسحر فما هي؟‬ ‫ال �ق��وة امل��وض��وع�ي��ة األول ��ى املساهمة ف��ي ه��ذا االنتصار حقيقة علمية وال لفتة إنسانية من الغرب جتاه البشرية‪.‬‬ ‫إن��ه خطر ن��ري��د دق ن��اق��وس��ه‪ ،‬لعل املسئولني و املفكرين‬ ‫للثورة اجلنسية في بالد املسلمني هو التوسع املستمر للثورة‬ ‫ال��رأس�م��ال�ي��ة ف��ي ال�ع��ال��م م�ن��ذ امل��وج��ة االس�ت�ع�م��اري��ة االولى بشعارات الفكر املالتوسي وثورة اجلندر يستقظون قبل فوات‬ ‫باألمس إلى املوجة االستعمارية الثانية اجلارية حتت مظلة األوان‪.‬‬ ‫العوملة والتوسع بالطبيعة يحمل معه جل نتائجه اإليجابية‬ ‫و خ �ط��ورة ذل��ك على امل �غ��رب يجب ت�ص��وره��ا ف��ي املشهد‬ ‫والسلبية‪ ،‬ومنها تعميم من��وذج األس��رة النووية بدل األسرة التاريخي للمغرب و ال ��دول اإلس�لام�ي��ة ال�ت��ي دخ�ل��ت عصر‬ ‫املمتدة‪ ،‬ومنها االنقالب الكبير على توزيع العمل االجتماعي الشيخوخة السكانية‪.‬فأنا أتصور مغرب الشيخوخة في نهاية‬ ‫مع الثورة الصناعية والزراعية واخلدماتية وغيرها‪.‬‬ ‫القرن أنه سيكون وطن ًا ملاليني الزنوج األفارقة الفارين من‬ ‫والقوة الثانية املوضوعية املساهمة في هذا االنتصار هو جحيم الفقر‪،‬املتجهني شما ًال‪ .‬سيستوطنون املغرب العربي‬ ‫تقليد املغلوب للغالب حسب نظرية ابن خلدون في العمران‪ ،‬و اإلسالمي في نهاية هذا القرن‪ ،‬و سيمثل ذلك بالتأكيد و‬ ‫والغرب غالب وقائد للحضارة العامية اليوم‪ ،‬وأمتنا مغلوبة خطر ًا على األمن الروحي و االجتماعي لسكان هذه املنطقة‪.‬و‬ ‫حضاريا‪.‬‬ ‫قد حت��دث الفنت و احل��روب األهلية العرقية و املذهبية في‬

‫‪24‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫املغرب الكبير في نهاية القرن ‪ . 21‬فادرؤوا هذه األخطار قبل التنمية احلقيقية كما يحدث اليوم في الصني و الهند‪ .‬فال‬ ‫ف��وات األوان‪ .‬كما أن التنمية أو النهضة احلقيقة لشعبنا عيش ألقزام الدول في هذا القرن و ما يليه‪.‬‬ ‫لن حتدث‪ .‬و السبب أن العتبة للتنمية احلقيقة اليوم توفر‬ ‫فتكل املسلمني في جتمعات سكانية مبئات املاليني هو الرد‬ ‫الوطن على ‪ 100‬مليون نسمة‪.‬و هذا غير ممكن حتى اآلن إال‬ ‫العقالني على الغرب الغازي و االستثمار العقالني ملليار و‪500‬‬ ‫بوحدة املغرب الكبير‪.‬‬ ‫مليون مسلم يعيشون في الشتات‪.‬‬ ‫ال أخفي القارئ ما أعيشه من رعب و أنا شاهد عيان على‬ ‫أم��ا أن نضل أشتات ًا فلن نتحول أب��د ًا إل��ى ق��وة اقتصادية‬ ‫انتشار ثورة التعقيم في وطننا و في بالد املسلمني‪.‬خصوص ًا‬ ‫و أنه تنفيذ ملخططات صيغت في الغرب ضد أمتنا‪ .‬فالدواء‪ /‬وسياسية فاعلة في نهاية القرن ال��واح��د و العشرين‪.‬و لن‬ ‫السم الذي يوزع مجان ًا على نساءنا في مستوصفاتنا‪ ،‬أقراص ننجز عمران ًا‪ .‬إن العصر عصر التكتالت الكبرى‪ .‬االحتاد‬ ‫ح�ب��وب منع احل�م��ل‪ .‬فكل ذل��ك تنفيذ ًا مل��ا عبر عنه بصدق األوروبي املسيحي كتلة‪ ،‬و الصني الكونفوشيوسية كتلة و الهند‬ ‫فرانك توتشستيفن مدير مركز البحوث السكانية في جامعة الهندوسية كتلة و الواليات املتحدة كتلة و البرازيل كتلة‪.‬‬ ‫بريستون ثم رئيس جلنة اإلسكان في األمم املتحدة نيابة عن‬ ‫فكل األح ��واض احل�ض��اري��ة ال�ك�ب��رى تكتلت‪ ،‬إال احلوض‬ ‫الغرب عما يجب فعله من طرف الغرب كما أسلفنا الذكر‪.‬‬ ‫احل �ض��اري اإلس�لام��ي فهو ش�ت��ات‪ .‬فرسالة الكتلة اجلهوية‬ ‫ورغم كون املسلمني القوة الدميوغرافية األولى فال قيمة و الدولة العابرة لألقطار العربية أو اإلسالمية هي رسالة‬ ‫لها إال بدخولها في تكتالت جهوية كبرى كشرط للنهضة و نهضتنا بالتأكيد و غيرها سراب‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪25‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫خمسة قرون‪...‬‬ ‫وحت��ى اليوم ف��ى عص��ر املتون‬ ‫بقلم‪:‬‬ ‫عبد احلليم عوي�س‬ ‫واحل�ضارة الإ�سالمية‬ ‫حترير جملة التبيان‬ ‫امل�سلمون وعبادة ال�شرق ورف�ض الغرب‬ ‫كانوا يعرفون احلقائق كما استقوها من دينهم‪ ..‬وكانوا‬ ‫ي�ق��وم��ون بشرحها مستعينني ب��ال�ل��ه‪ ،‬آخ��ذي��ن ب�ك��ل أسباب‬ ‫االجتهاد‪ ..‬لكنهم‪ -‬مع ذلك‪ -‬كانوا ُيبحرون بالسفينة خطأ‬ ‫فى اجتاه الشرق‪.‬‬ ‫بينما كان من األفضل‪ -‬وقد أخذوا من الشرق الزاد األصلى‬ ‫ال�ك��اف��ى‪ -‬أن ُي �ب �ح��روا‪ -‬بعمق‪ -‬بالسفينة ف��ى اجت��اه الغرب‬ ‫شعل لشمس‬ ‫األوروبى‪ ،‬ومعهم زادهم األصلى الشرقى الثابت ا ُمل ِ‬ ‫حضارتهم اإلسالمية التى تألقت لعشرة قرون‪ ...‬لكنهم رفضوا‬ ‫االجتاه إلى حضارة الغرب ليدرسوا تقدمها ويستفيدوا منها‪،‬‬ ‫ومن صعودها العلمى فى س َّلم احلضارة‪ ،‬حيث كانوا‪ -‬أى أمة‬ ‫اإلسالم‪ -‬واقفني فى مكانهم‪ ،‬مازالوا يصرون على اإلبحار فى‬ ‫أعماق الشرق‪ ،‬وال يعرفون كيف يتجهون إلى الغرب‪ ...‬ذلك‬ ‫الغرب الذى كان قد أخذ أعماق شرقهم اإلسالمى يوم أن كان‬ ‫هؤالء املسلمون خير أمة أخرجت للناس‪.‬‬ ‫وم��ن ثم وض��ع ه��ذه األع�م��اق فى نسيج فكره وف��ى بنيته‪،‬‬ ‫ونظام حياته وثقافته ثم متثلها وأخرجها بطريقة جديدة‬ ‫تخفى معاملها فى فكرهم وثقافتهم‪...‬‬ ‫وه�ك��ذا من��ت ق��واه��م الفكرية والثقافية حتمل طبيعتها‬ ‫األوروب�ي��ة الغربية؛ لكنها فى طبيعتها الروحية والعقلية‪-‬‬ ‫منهج ًا وأدوات‪-‬ذات جذور إسالمية شرقية!!‬ ‫أم��ا املسلمون فقد ظ�ه��روا بعد ذل��ك ف��ى ال �ق��رون م��ا بني‬ ‫العاشر وال��راب��ع عشر الهجرية (وه��ى م��ا ب�ين ال��راب��ع عشر‪،‬‬ ‫‪26‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫�أ‪.‬د‬ ‫�أ�ستاذالتاريخ‬ ‫رئي�س‬

‫والتاسع عشر امليالدية) فراحوا يتجاهلون الغرب وحضارته‬ ‫بشىء من غرور املاضى وزهوه وجمود احلاضر الذى يعيشونه‬ ‫وحت �ج��ره ال�ع�ق�ل��ى‪ ..‬ب��ل إن �ه��م ل��م ي�ع��رف��وا شيئا ع��ن تفوقه‬ ‫احلضارى وميالده ميالد ًا جديداً‪ ،‬مما أخذه أهله عن عقول‬ ‫املسلمني أيام تألقهم وازدهارهم فى املنهج والوسائل البحثية‬ ‫باحلب‬ ‫ونظرتهم للكون بطريقة قانونية تسخيرية مصحوبة‬ ‫ّ‬ ‫فى التفاعل مع الكون‪.‬‬ ‫وكانت ه��ذه هي القرون التي أظهرت أننا متخلفون عن‬ ‫فقه اإلس�لام‪ ،‬وع��ن فقه النظام احلضارى واملعرفة الكونية‬ ‫واإلنسانية‪ ..‬وأظهرت أن األوروبيني مصاصى الدماء والعقول‬ ‫والعلوم واملعارف تقدموا‪ -‬ببذور اإلسالم فى الغرب‪ -‬ولم يكن‬ ‫املسلمون يشعرون حتى ولو خالطهم الغربيون فى بالدهم‬ ‫أو فى جتارتهم‪ -‬أنهم أخ��ذوا ب��ذور تفوقهم عنا‪ ،‬ألنهم‪ -‬كما‬ ‫ذكرنا‪ -‬قد أخرجوا معارفهم وثقافتهم بطريقة تخفى حقيقة‬ ‫ما اقتبسوه منّا‪ ..‬بل عكسوا النتائج‪ ،‬فحصروا غايات العلوم‬ ‫فى املاديات واحلسيات‪ ..‬ورفضوا الغيبات مما أخفى بذورنا‬ ‫خفاء كام ًال‪.‬‬ ‫وخصائصنا‬ ‫ً‬ ‫واحلقيقة أنهم لم يعمدوا إل��ى حصر غايات العلوم فى‬ ‫امل��ادي��ات وال��دن �ي��وي��ات م��ن أج �ل �ن��ا‪ ..‬ول �ك��ن ح�ص��روه��ا كذلك‬ ‫ِّ‬ ‫املعطل للتقدم وبكتبهم احملاربة للعقل‬ ‫ألنهم كفروا بدينهم‬ ‫والعلم املجردين واكتفوا بروحنا العلمية ومناهجنا العقلية‬ ‫التجريبية التى اقتبسوها منا‪.‬‬ ‫ ‬


‫ونعود إلى قومنا املسلمني الذين يحملون جواهر الـذهب‬ ‫واللؤلؤ م��ن كتاب الله وسنة رس��ول��ه‪ ،‬لكنهم ظلوا يقيمون‬ ‫األتربة تلو األتربة فوق الذهب واللؤلو‪ ،‬بحيث تاهت معالم‬ ‫اإلع �ج��از ال��رب��ان��ى واإلن �س��ان��ى ف��ى ال �ق��رآن وال�س�ن��ة العلمية‬ ‫والعملية وفى جوانب استشرافاتنا املستقبلية‪ ،‬سواء املتصلة‬ ‫باملعارف أم العلوم‪ ،‬أم العقيدة والتشريع‪ ..‬وبالتالى صعب‬ ‫عليهم حتى يومنا هذا الوصول إلى اكتشاف سنن الله فى‬ ‫التطور والرقى‪ ،‬وصعب عليهم أكثر القيام بخطوات عملية‬ ‫وهنا يجب أن نالحظ أن املوضوع كله (ال يحتاج إلى الكتابة‬ ‫فى هذا الطريق!!!‬ ‫فيه)؛ ألن املباحات هى األصل وهى كثيرة‪ ،‬وإمنا اختيرت هذه‬ ‫لقد ك��ان ق��د انقطع م��ا ب�ين ه��ذا اجل�ي��ل‪ ،‬وب�ين النفسية املباحات للكتابة فيها (حسب فهمنا نحن) ألن بعض الناس‬ ‫والعقلية‪ -‬التى تلقى بها جيل الصحابة (رضى الله عنهم)‪ ،‬ظنوا أنها ممن املمكن أن تفسد الصالة وتنقض الوضوء!!‬ ‫القرآن وهو يتنزل على رسول الله غض ًا طري ًا‪ -‬عهده بالوجود‬ ‫وفى رأينا أن مجرد هذا الظن ال يصل إلى درجة اإلحلاح‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اليوم ‪ ،‬كما أن من طبيعة ال�ق��رآن أن يظل غضا طريا لكل وس��ؤال الطلبة‪ ،‬واالس�ت�خ��ارة‪ ،‬بالبحث فيها‪ ،‬وتسجيلها فى‬ ‫من يعيش بالقرآن وفى القرآن‪ -‬فكأن عهده بالوجود أمس‪..‬‬ ‫كتاب‪ ،‬ألنها أمور مفروغ منها ال حتتاج إلى كتابة أو تسجيل‬ ‫فالقرآن ال يبلى وإمنا تبلى النفوس التى ال حتسن تلقّ يه!!‬ ‫أص� ً‬ ‫لا‪ ..‬وم��ن العبث ب��ذل اجلهد فى ش��ىء ال يفيد وال يأتى‬ ‫لقد حتركت نفوس الصحابة ثم التابعني فى اجتاه بناء بجديد!!‬ ‫ح�ض��ارة دينية إنسانية رب��ان�ي��ة م��وص��ول��ة ب��ال��وح��ى‪ ،‬غذاؤها‬ ‫وإمنا يهتم املهتمون فى “الدراسات الفقهية” بالواجبات‬ ‫األعظم هو ه��ذا (امل��اء) السماوى النقى القرآنى‪ ،‬ال��ذى لم‬ ‫وال�ن��واف��ل‪ -‬من جانب‪ -‬وباحملرمات وامل�ك��روه��ات‪ -‬من جانب‬ ‫تتدنس عقول املتلقني له بالتراب والوحل والطني‪ ،‬وتعطه‪-‬‬ ‫آخر‪ -‬ألنها هى التى تشكل مجاال صاحل ًا للبحث‪.‬‬ ‫بالتالى‪ -‬م��ن وحلها وطينها وترابها م��ا يحول دون كشف‬ ‫ ‬ ‫معدنه السماوى النقى اللؤلؤى الثمني‪!!..‬‬ ‫وفيما ورد فى كتاب فتح اجلواد ألحمد بن حمزة الرملى‬ ‫ ‬ ‫األن�ص��ارى ش��ارح منظومة اب��ن العماد من املضامني اجليدة‬ ‫وه َّيا بنا نقدم منوذج ًا بالغ الداللة على عصر كثرة األتربة‬ ‫املعاصرة املستقاة من الكتاب والسنة ما يدل على أنهم كانوا‪-‬‬ ‫احمليطة‪ -‬أو بتعبير دقيق‪ -‬العازلة للجواهر والـذهب والآللئ‪..‬‬ ‫مع كثرة األتربة عندهم‪ -‬يعرفون الذهب واجلواهر والآللئ‬ ‫وهذه األتربة العازلة‪ -‬لألسف الشديد‪ -‬قد ظنها صنّاعها فى‬ ‫املبثوتة فى الكتاب والسنة‪ ...‬لكنهم‪ -‬لألسف الشديد‪ -‬ال‬ ‫عصرهم أنها ه��ى اإلس�ل�ام‪ ،‬وم��ا ه��ى م��ن اإلس�ل�ام إال بنسبة‬ ‫ي�ع��رف��ون قيمة ه��ذه امل�ض��ام�ين الـذهبية‪ ،‬ويضعونها ضمن‬ ‫األتربة إلى الذهب اإلسالمى املقبور!!‬ ‫األتربة الكثيفة التى تتضمنها هذه الشروح وهذه املنظومات‬ ‫وهذا النموذج الذى وقع في أيدينا عفوا يتمثل فى كتاب التى شغلونا بها!!‬ ‫(فتح اجلواد بشرح منظومة ابن العماد للشيخ شهاب الدين‬ ‫وقد كان فيما ورد من الآللئ والذهب هذه العبارة التى يقول‬ ‫أبى العباس أحمد بن حمزة الرملى األنصارى الشافعى)‪.‬‬ ‫فيها الشارح‪“ :‬احلمد لله الذى بعث محمدا رحمة للعاملني‪،‬‬ ‫وهو شرح للمنظومة األصلية التى كتبها أحمد أبو العباس وتبيانا للعاملني‪ ،‬وقدوة للعاملني‪ ،‬واختصه (بشريعة سمحاء‬ ‫شهاب الدين ابن عماد الدين بن يوسف األقفصى الشافعى محفوفة بالتسهيل وال�ت�خ�ف�ي��ف) وال�ع�ف��و ع�م��ا ي�ش��ق على‬ ‫املولود قبل اخلمسني وسبعمائة (للهجرة) بأقفاص (وأقفاص املكلفني‪ ،‬وعلى آله وأصحابه صالة وسالما دائمني متالزمني‬ ‫التى نسب إليها بلدة من صعيد مصر)‪.‬‬ ‫إلى يوم الدين”‪.‬‬ ‫أما ابن الرملى شارح املنظومة لألقفاصى فقد بذل جهده‬ ‫ ‬ ‫فى شرح املنظومة وهى تدور حول (املعف ّوات) (واملقصود من‬ ‫وحول احلديث عن نعم الله التى ال حتصى يقول الشارح‪:‬‬ ‫املعف ّوات األمور التى عفا الله عنها من النجاسات) التى ال‬ ‫“ونعم الله تعالى وإن كانت ال حتصى كما قال تعالى‪َ { :‬و ِإن‬ ‫يفسد بها وضوء وال تبطل بها صالة!!‬ ‫َ‬ ‫يم } (النحل‪:‬‬ ‫وهنا نترك احلديث للشارح الذى يذكر فيه أن كتابه الذى َت ُع ُّدو ْا ِن ْع َم َة الل ِّه ال تحُ ْ ُص َ‬ ‫وها ِإنَّ ال ّل َه َلغَفُ و ٌر َّر ِح ٌ‬ ‫أطلق عليه (فتح اجلواد بشرح منظومة ابن العماد) إمنا هو ‪ )18‬تنحصر فى جنسني‪ ،‬دنيوى وأخ ��روى‪ ،‬واألول قسمان‪:‬‬ ‫(تدقيقات رائعة وحتقيقات فائقة) (من وجهة نظره!!) ع َّلق موهبى وكسبى‪.‬‬ ‫ونحن نستفيد من كالمه أنه قرأ وكتب هذه (التدقيقات‬ ‫الرائقة والتحقيقات الفائقة) فى اجلامع األزهر عام ‪1202‬هـ‬ ‫ويقول‪ :‬إن بعض الطلبة سألوه أن يكتبها فى أوراق منظمة‬ ‫ألن الهوامش قليلة االنتفاع ومعرضة للضياع‪ ،‬فاستخار الله‬ ‫وشرع فى تأليف هذا الكتاب‪ ،‬وسماه؛ بلوغ املراد بفتح اجلواد‬ ‫بشرح منظومة اب��ن العماد” (ص‪ 5‬من كتاب الرملى‪ :‬فتح‬ ‫اجل ّواد املطبعة امليمنية ‪1321‬هـ مصر)‪.‬‬

‫واملوهبى قسمان‪ :‬روحانى كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل‪،‬‬ ‫بها على هوامش شرح منظومة املعفُ وات للشيخ اإلم��ام أبى‬ ‫وم��ا يتبعه م��ن ال�ق��وى كالفهم والفكر والنطق‪ ،‬وجسمانى‬ ‫العباس أحمد بن أحمد بن حمزة الرملى‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪27‬‬


‫كتخليق البدن والقوى احلالَّة فيه والهيآت العارضة له من كالصالة قائما‪ ،‬فقاعدا‪ ،‬فمضطجعا‪ ،‬فمستلقيا‪ ،‬فموميا (أى‬ ‫ّ‬ ‫وحط اجلهاد‬ ‫الصحة وكمال األع�ض��اء‪ ،‬والكسبى مثل تزكية النفس عن باإلمياء) وكاإلفطار‪ ،‬والقصر‪ ،‬واجلمع للمسافر‪،‬‬ ‫الرذائل وحتليتها باألخالق وامللكات الفاضلة وتزيني البدن عن األعمى واألعرج واملريض والعاجز عن أهبة القتال‪...‬‬ ‫بالهيآت املطبوعة واحللى املستحسنة وحصول اجلاه وثروات‬ ‫وفتح عليكم باب التوبة‪ ،‬وشرع لكم الكفارات فى حقوقه‬ ‫املال (التى يوجهها لرضا الله) فيغفر الله له‪ ،‬ويرضى عنه‪ ،‬واألروش (جمع أرش وه��و دي��ة العضو)‪ ،‬وال��دي��ات فى حقوق‬ ‫وينزله أعلى عليني مع املالئكة املقربني أبدا اآلبدين” (ص‪ ،5‬العباد‪..‬‬ ‫‪ 6‬الرملى‪ ،‬شرح فتح اجلواد)‪.‬‬ ‫ووضع عنكم التكاليف الشاقة التى كانت على بنى اسرائيل‪،‬‬ ‫ ‬ ‫كقرض موضع النجاسة من الثوب أو اجللد‪ ،‬وحترمي الغنائم‪،‬‬ ‫وح��ول نطاق رحمة الرسول للعاملني ي��ورد الشارح حديثا ومجالسة احلائض ومؤاكلتها ومضاجعتها (دون الوطء)‬ ‫واالشتغال يوم السبت وتعينَّ القصاص فى العمد واخلطأ‪،‬‬ ‫طيبا يقول فيه‪:‬‬ ‫“وقد روى فى السير أنه قيل جلده أى جد الرسول عليه وقطع األعضاء املخطئة أو تعينّ الدية‪ ،‬وأمرهم بقتل أنفسهم‬ ‫ّ‬ ‫{ي� ِ�ري� ُ�د ال َّلهُ ِب ُك ْم ال ُْي ْس َر َوال‬ ‫السالم عبد املطلب وقد سماه فى سابع والدته بعد موت أبيه‪ :‬عالمة لتوبتهم‪ ...‬ق��ال تعالى‪ُ :‬‬ ‫“بعثت باحلنيفية‬ ‫يد ِب ُك ْم ال ُْع ْس َر} (البقرة‪ )185 :‬وقال [‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُي ِر ُ‬ ‫لم سميت ابنك محمدا وليس من أسماء آبائك وال قومك؟‬ ‫السمحة” (أخرجه أحمد وغيره)‪...‬‬ ‫قال رجوت أن ُيحمد فى السماء واألرض‪ ..‬وقد حقَّ ق الله‬ ‫وروى معمر عن قتادة أن��ه ق��ال‪ :‬أعطيت ه��ذه األم��ة ثالثا‬ ‫رجاءه كما سبق فى علمه‪..‬‬ ‫لم يعطها إال ن�ب��ى‪ ...‬ك��ان ُيقال للنبى‪ :‬أذه��ب فليس عليك‬ ‫حرج‪...‬‬ ‫رحمة �صبت ملح�سننا وللم�سىء َّ‬ ‫فب�شر كل �أمته‬ ‫ين ِم ْن َح َر ٍج}‬ ‫وقال لهذه األمة‪َ { :‬و َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم ِفي ِّ‬ ‫الد ِ‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬و َما أَ ْر َس ْلن َ‬ ‫ني } (األنبياء‪:‬‬ ‫َاك ِإلاَّ َر ْح َم ًة ِّل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫‪ )107‬أى اإلنس واجلن‪ ،‬ويقال‪ :‬جلميع اخللق ألن ما بعث به (احلج‪.)78 :‬‬ ‫سبب إلسعادهم‪ ،‬وموجب لصالح معاشهم ومعادهم‪ ...‬كيف؟‬ ‫وكان يقال للنبى‪ :‬أنت شهيد على قومك‪..‬‬ ‫وق��د بعث عليه السالم‪ ،‬على فترة من الرسل‪ ،‬ليس للناس‬ ‫َّاس} (البقرة‪:‬‬ ‫وقال لهذه األمة‪ِ :‬‬ ‫{لت َُكونُوا ُش َه َدا َء َع َلى الن ِ‬ ‫شرائع وال أحكام وال علم بالتوحيد وال أمر سياسى ُيحفظ‬ ‫‪.)143‬‬ ‫به دماؤهم وأموالهم‪ ...‬فأتى بشريعة جامعة لها ولغيرها‪ ،‬من‬ ‫وكان يقال للنبى‪ :‬سل ُتعط‪ ...‬وقال لهذه األمة {ا ْد ُع ِوني‬ ‫احلكم التى ال حتصى‪..‬‬ ‫أَ ْست َِج ْب َل ُك ْم} (غافر‪.)60 :‬‬ ‫ف�ه��و رح �م��ة للمؤمنني ب��ال �ه��داي��ة‪ ،‬إل ��ى ط��ري��ق اجلنة‬ ‫(الرملى صفحات ‪ 9 ،8 ،7‬شرح فتح اجلواد)‬ ‫والسعادة األبدية‪ ،‬وللمنافقني باألمان من القتل‪ ،‬وللكافرين‬ ‫بتأخير العذاب إلى املوت وأمنهم به مما أصاب األمم املكذبة‬ ‫�ضياع الذهب املكنون و�سيطرة ع�صر املتون‬ ‫من اخلسف واملسخ والغرق وعذاب االستئصال‪ ..‬وإن كان سببا‬ ‫وه�ك��ذا وج��دن��ا ف��ى النصوص السابقة ال ��روح احلقيقية‬ ‫للنقمة ممن لم يؤمن به‪.‬‬ ‫لتشريع اإلسالم وطبيعة الرحمة العامة‪ -‬اإلنسانية والكونية‪-‬‬ ‫روى أن النبى [ قال جلبريل عليه السالم‪( ...‬يا جبريل) التى تتجلى فى إطارها الكونى العام تلك الرسالة اخلامتة‬ ‫يقول الله تعالى‪َ { :‬و َما أَ ْر َس ْلن َ‬ ‫َاك ِإلاَّ َر ْح َم ًة ِّل ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫ني } (األنبياء‪ :‬رسالة محمد عليه الصالة والسالم‪ ،‬كما حددها القرآن هذا‬ ‫‪ )107‬فهل أصابك من هذه الرحمة شىء؟‬ ‫التحديد الشامل الذى يتجاوز عالم األرواح‪ -‬من إنس وجان‬ ‫قال نعم أصابنى من هذه الرحمة أنى كنت أخشى عاقبة وطيور وح�ي��وان��ات‪ ..‬إل��ى عالم النباتات واجل �م��ادات‪ ..‬فأية‬ ‫{ذي ُق َّو ٍة رحمة هذه ياترى؟ إنها التطبيق النبوى الكرمي‪ -‬على األرض‪-‬‬ ‫على فيه بقوله‪ِ :‬‬ ‫األمر فأمنت بك لثناء أثنى الله َّ‬ ‫ني} (التكوير‪.)21-20 :‬‬ ‫للرحمة اإللهية املستقاة من قوله تعالى‪َ { :‬و َر ْح َم ِتي َو ِس َع ْت‬ ‫ني ُم َط ٍاع َث َّم أَ ِم ٍ‬ ‫ِع ْن َد ِذي ا ْل َع ْر ِش َم ِك ٍ‬ ‫وأيض ًا‪ :‬لم يجعل الله فى هذا الدين “أى دين اإلسالم” ُك َّل شَ ْيءٍ } (األعراف‪.)156 :‬‬ ‫ين ِم ْن َح َر ٍج‬ ‫(من حرج) قال تعالى‪َ { :‬و َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم ِفي ِّ‬ ‫وفى مجال التيسير‪ ،‬وهو جوهر البعثة النبوية اخلامتة‬ ‫الد ِ‬ ‫ين ِم ْن‬ ‫} (احلج‪ ، )78 :‬أى‪ :‬ضيق بتكليف ما يشق القيام به عليكم‪ ،‬كما يتجلى فى قوله تعالى‪َ { :‬و َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم ِفي ِّ‬ ‫الد ِ‬ ‫بل جعله واسعا بأن كلفكم ما تطيقون‪ ،‬ورخص لكم فى إغفال َح َر ٍج} (احلج‪.)78 :‬‬ ‫بعض ما أمركم به‪ ،‬حيث شق عليكم لقوله [‪“ :‬إذا أمرتكم‬ ‫وفى احلديث الشريف‪“ :‬ما ُخ َّير رسول الله بني أمرين إال‬ ‫بأمر فأتوا منه ما استطعتم” (رواه الشيخان)‪..‬‬ ‫اختار أيسرهما ما لم يكن إثما” وقول سفير رسول رسول الله‬ ‫رخص لكم فى املضايق املرسل من سعد بن أبى وقاص ربعى بن عامر (وهناك غيره‬ ‫وجعل لكم من كل ذنب مخرجا بأن َّ‬ ‫‪28‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫في املوقعة نفسها) لقائد الفرس رستم فى القادسية‪“ :‬لقد آي��ات (اآلالء) جند من��اذج من النعم فى كل األم��ور الدنيوية‬ ‫ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله واألخ��روي��ة واملوهبية والكسبية (انظر آي��ات س��ورة الرحمن‬ ‫وحده‪ ،‬ومن جور األديان إلى عدل اإلسالم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا املكرورة (فبأى آالء ربكما تكذبان)‪..‬‬ ‫إلى سعة الدنيا واآلخرة (انظر معركة املسلمني فى القادسية‪-‬‬ ‫وانظر آيات احلديث عن (آيات الله) كما يرد فى سورة الروم‬ ‫الطبرى‪ -‬أو غيره)‪.‬‬ ‫من أول قوله تعالى‪{ :‬أَ َو َل ْم َي َتفَكَّ ُروا ِفي أَنفُ ِس ِه ْم َما خَ َلقَ ال َّلهُ‬ ‫الس َم َو ِات َو َ‬ ‫األ ْر َ‬ ‫وه ��ذان ال�ب�ع��دان (ال��رح�م��ة احمل�م��دي��ة ال�ع��ام��ة‪ ،‬والتيسير‬ ‫ض َو َم��ا َب ْين َُه َما ِإ َّال ِبالحْ َقِّ َوأَ َ ٍج��ل ُم َس ًّمى َو ِإنَّ‬ ‫َّ‬ ‫َّاس ِب ِلقَاءِ َر ِّب ِه ْم َل َك ِاف ُرونَ} اآلية رقم ‪ 8‬إلي نهاية‬ ‫الذى هو جوهر كل شىء فى اإلسالم عقيدة وعبادة وشريعة َك ِثير ًا ِم ْن الن ِ‬ ‫وأخالق ًا)‪ .. ،‬لؤلؤتان ذهبيتان أشار الشارح إليهما إشارات قوية السورة‪.‬‬ ‫تدل على الوعى الكامل بأنهما جزء ال يتجزأ من نسيج القيم‬ ‫الس َم َو ِات َو َ‬ ‫األ ْر َ‬ ‫ض َوأَنَ��ز َل َل ُك ْم ِم ْن‬ ‫وانظر آيات {أَ َّم ْن خَ َلقَ َّ‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وأنهما داخلتان فى بنية التعاليم اإلسالمية‪ ،‬كما‬ ‫الس َماءِ َم ًاء َفأَ ْن َب ْتنَا ِب ِه َح َد ِائقَ َذاتَ َب ْه َج ٍة َما َكانَ َل ُك ْم أَ ْن ُتن ِْبتُ وا‬ ‫َّ‬ ‫تتداخل العناصر املركبة التى تشكل شيئ ًا واح��د ًا وال ميكن شَ َج َر َها ءإ َل��هٌ َم َع ال َّل ِه َبلْ ُه ْم َق� ْو ٌم َي ْع ِد ُلونَ} فى سورة النمل‬ ‫فصل عنصر منها إال إذا خرج الشىء عن طبيعته‪ ...‬والرحمة اآلية ‪ 60‬وما بعدها‪..‬‬ ‫النبوية احملمدية التى هى ترجمة للرحمة الربانية التى‬ ‫وانظر آيات كبرى مباشرة تتحدث عن نعم الله فى مثل ما‬ ‫وسعت كل شىء‪ ،‬والتيسير الذى ينساب فى اإلسالم كله‪ ،‬هما‬ ‫ورد فى سورة األنعام { َو ِع ْن َد ُه َمف حِ ُ‬ ‫َات ا ْل َغ ْي ِب ال َي ْع َل ُم َها ِإ َّال ُه َو‬ ‫من العناصر األساس فى املركّب اإلسالمى‪.‬‬ ‫َو َي ْع َل ُم َما ِفى ا ْل َب ِّر َوا ْل َب ْح ِر َو َما َت ْسقُ ُط ِم ْن َو َر َق ٍة ِإ َّال َي ْع َل ُم َها َوال‬ ‫ ونصل إل��ى العنصر‬‫ّ‬ ‫الشمولى الثالث ال��ذى أش��ار إليه َح َّب ٍة ِفى ُظ ُل َم ِات َ‬ ‫ني}‬ ‫َاب ُم ِب ٍ‬ ‫األ ْر ِض َوال َر ْط ٍب َوال َي ِاب ٍس ِإ َّال ِفى ِكت ٍ‬ ‫“الرملى الشارح” وه��و عنصر يتميز كسابقيه باالمتداد‬ ‫{إنَّ ال َّل َه َف ِالقُ‬ ‫اآلية رقم ‪ 59‬وما بعدها‪ ،‬وقوله فى األنعام أيض ًا ِ‬ ‫والسعة عبر مساحة القيم اإلسالمية‪.‬‬ ‫الحْ َ ِّب َوال َّن َوى ُي ْخ ِر ُج الحْ َ َّي ِم ْن المْ َ ِّي ِت َو ُم ْخ ِر ُج المْ َ ِّي ِت ِم ْن الحْ َ ِّي‬ ‫إن��ه عنصر اإلدراك املصحوب ب��اإلمي��ان ب��أن نعم الله َذ ِل ُك ْم ال َّلهُ َفأَنَّا ُت ْؤ َف ُكونَ} اآلية رقم ‪ 95‬وما بعدها‪...‬‬ ‫مبثوثة فى النفس والكون واإلنسان واجلان والنبات واحليوان‬ ‫باإلضافة إلى نعم كثيرة مبثوثة فى مواقع كثيرة فى كتاب‬ ‫واجلماد‪ ...‬فكلها ومفرداتها كثيرة‪ٌ -‬‬ ‫نعم ال ميكن أن حتصى الله‪..‬‬ ‫مفرداتها‪ ،‬ولكن ميكن لإلنسان‪ -‬عن طريق النظر املصحوب‬ ‫الرملى ي��ده‪ -‬على معالم كبرى أس��اس من‬ ‫وهكذا وض��ع‬ ‫ّ‬ ‫بالتفكير املؤمن فى أركان أربعة‪ -‬أن يتعرف على أصول النعم‬ ‫ويبحر بها معالم بناء اإلس�لام (صبغة ال�ل��ه)‪ ..‬بطريقة واضحة قوية‬ ‫وكلياتها‪ ...‬بطريقة من ميسك بأشرعة السفينة ُ‬ ‫وصوال إلى الشاطئ من خالل معرفة عميقة بعلوم البحار‪ ..‬تصلح لكى تكون مفاتيح لفهم اإلسالم فى املاضى واحلاضر‪،‬‬ ‫لكنه ال يعرف ما حتت السفينة من حيتان وأسماك وحيوانات وف��ى املستقبل‪ ...‬بل هى األصلح فع ًال لكى تكون من خير‬ ‫املعالم واملالمح التى نقدمها لعصرنا‪ ..‬وألبناء عصرنا‪.‬‬ ‫بحرية وآللئ ذهبية‪..‬‬ ‫ ‬

‫وه ��ذه األرك� ��ان األرب �ع��ة ال�ت��ى ميسك اإلن �س��ان بخيوطها‬ ‫ليتعرف على مصادر النعم وكلياتها التى ال حتصى مفرداتها‬ ‫لكن هذه املعالم تاهت‪ ..‬وضاعت فى ركام من التراب يصعب‬ ‫هى‪:‬‬ ‫معه استخالصها وتألقها‪ ..‬كما أنها جاءت فى نطاق قضية‬ ‫ال تستحق أن يبذل فيها جهد خ��اص‪ ..‬بل حسبها‪ -‬إن كان‬ ‫أ‪ -‬النعم الدنيوية‪.‬‬ ‫ذلك وارداً‪ -‬أن توضع مجملة فى إطار احلديث عن العبادات‪..‬‬ ‫ب‪ -‬النعم األخروية‪.‬‬ ‫وشروطها‪ ..‬وضمانات صحتها‪..‬‬ ‫جـ‪ -‬النعم املوهبية (التى توهب من الله)‪.‬‬ ‫وم��ا ك��ان ض��روري � ًا ب��ذل جهد خ��اص ف��ى قضية ثانوية ال‬ ‫د ‪ -‬النعم الكسبية (التى يكسبها اإلنسان بعمله العقلى جدوى منها مثل قضية (املعفوات) التى تتحدث عن األشياء‬ ‫والبدنى)‪.‬‬ ‫املعف ّو عنها والتى ال تنقض الوضوء وال تبطل الصالة‪ ..‬فهى‬ ‫وفى ظل هذه الكليات ترد النعم بطريقة ال ميكن إدراك ضمن املباحات الكثيرة!!‬ ‫تفصيالتها‪...‬‬ ‫ ‬ ‫وفى كتابه الرائع (مدخل إلى فقه النعمة) ذهب صديقنا‬ ‫اللبنانى الطرابلسى الكبير الدكتور عبد اإلله ميقاتى إلى‬ ‫تبويب النعم في ث�لاث مجموعات هى نعمة اخللق‪، ،‬نعمة‬ ‫اإلميان‪ ،‬والنعم اخلاصة وهو تقسيم منهجى إميانى عظيم‪.‬‬ ‫وعلى أية حال ففى تلك السور القرآنية التى ترد فيها‬

‫لكنه منهج (املتون) الذى فرض االختزال املخل‪ ..‬واإليجاز‬ ‫القاتل لإلبداع واالنكماش العلمى املانع من السباحة فى عاملى‬ ‫النفوس واآلف��اق وبالتالى العجز‪ -‬أو الشلل‪ -‬عن استخراج‬ ‫اختراعات أو نظريات منها‪ ...‬وه��ذا على العكس من املنهج‬ ‫الذى ساد أوروبا فى الفكر والتعامل مع آفاق العلوم الكونية‬ ‫والنفوسية فى تلك القرون‪!!..‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪29‬‬


‫ولألسف‪ ..‬مازلنا نعانى من منهج املنظومات واملتون حتى‬ ‫اليوم‪ ..‬وندور محلنا ال نتحرك إلى أمام‪...‬‬ ‫مناذج من املتون‬ ‫وهذه بعض النماذج من املتون (واملنظومات) نشير إليها‬ ‫حتى ال تكون تاريخ ًا اندثر وغابت عنا عبرته وغاب عنا درسه‪..‬‬ ‫وألننا مازلنا نعيشه‪ ،‬حتت مسميات أخ��رى غير املنظومات‬ ‫واملتون‪ ..‬والسيما فى حفظ أطفالنا للقرآن كله أو نصفه فى‬ ‫سن مبكرة دون أدنى محاولة للتدريب على فنون الفهم والفقه‬ ‫{ل َي َّد َّب ُروا آ َي ِات ِه َو ِل َي َتذَكَّ َر ُأ ْو ُلوا َ‬ ‫اب} (ص‪:‬‬ ‫والتدبر والتذكر ِ‬ ‫األ ْل َب ِ‬ ‫‪ )29‬واستخالص األحكام‪ ،‬واستخالص السلوكيات االجتماعية‬ ‫واحلضارية السنية الباعثة على إيجاد (األمة اخليرية) (األمة‬ ‫الوسط الشهيدة على الناس) من جديد!!‬ ‫ونكتفى بتقدمي مناذج من املنظومات واملتون فى العلوم‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫فى علم التوحيد‪:‬‬ ‫(منت اجلوهرة فى التوحيد لإلمام اللقانى)‪:‬‬ ‫وب �ع��د ف��ال�ع�ل��م ب��أص��ل الدين‬ ‫م� �ح� �ت ��م ي� �ح� �ت ��اج للتبيني‬ ‫ف �ك��ل م ��ن ك �ل��ف ش��رع��ا وجبا‬ ‫عليه أن ي�ع��رف م��ا ق��د وجبا‬ ‫ل� �ل���ه واجل� � ��ائ� � ��ز واملمتنعا‬ ‫وم��ث��ل ذا ل��رس �ل��ه فاستمعا‬ ‫وفى علم م�صطلح احلديث للإمام ال�صبان‪:‬‬ ‫ومرسل من دموع غير منقطع‬ ‫قد سلسلته جفونى فيكم شغفا‬ ‫أبهمت من عذل دمعى فعاندنى‬ ‫دمعى وأشهره للناس فانصرفا‬ ‫ولست أسمع تدليس العذول وال‬ ‫واش فيهم هتفا‬ ‫أصغى لتدبيج ٍ‬ ‫وفى علم التجويد للإمام ابن اجلزرى‪:‬‬ ‫وب� � �ع � ��د إن ه� � � ��ذه م� �ق ��دم ��ة‬ ‫ف�ي�م��ا ع�ل��ى ق��ارئ��ه أن يعلمه‬ ‫إذ واج�� � ��ب ع��ل��ي��ه��م محتم‬ ‫قبل ال �ش��روع أوال أن يعلموا‬ ‫م��خ��ارج احل � ��روف والصفات‬ ‫ل �ي �ل �ف �ظ��وا ب��أف �ص��ح اللغات‬ ‫م �ح��ررى ال�ت�ج��وي��د واملواقف‬ ‫وم��ا ل��ذى رس��م فى املصاحف‬ ‫‪30‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫وفى علم النحو وال�صرف‪:‬‬ ‫منت �ألفية ابن مالك للإمام حممد بن مالك‪:‬‬ ‫ق� ��ال م �ح �م��د ه ��و اب� ��ن مالك‬ ‫أح�م��د رب��ى ال�ل��ه خ�ي��ر مالك‬ ‫مصليا على الرسول املصطفى‬ ‫وآل�� ��ه امل �س �ت �ك �م �ل�ين الشرفا‬ ‫كالمنا لفظ مفيد كاستقم‬ ‫واس��م وفعل ث��م ح��رف الكلم‬ ‫واح � � ��ده ك �ل �م��ة وال � �ق� ��ول عم‬ ‫وك� �ل� �م ��ة ب� �ه ��ا ك �ل��ام ق� ��د ي ��ؤم‬ ‫ب��اجل��ر وال�ت�ن��وي��ن وال �ن��دا وأل‬ ‫ومسند لالسم متييز حصل‬ ‫وفى فن امليقات‪:‬‬ ‫(منت تعريف املنازل لإلمام محمد املقرى)‬ ‫احل� �م ��د ل��ل��ه ال��ع��ل��ى امللهم‬ ‫م�ع�ل��م اإلن��س��ان م��ا ل��م يعلم‬ ‫واحل �م��د ل �ل��ه ال� ��ذى أب� ��دع ما‬ ‫فىاألرضمنشىءومافوقالسما‬ ‫دح��ا بساط األرض ف��وق املاء‬ ‫ورك � � ��ب امل � � ��اء ع� �ل ��ى ال � �ه� ��واء‬ ‫وأن� �ب���ع امل� � ��اء ع��ي��ون��ا فجرت‬ ‫وأخ��رج امل��رع��ى جميعا فنبت‬ ‫ومنت العرو�ض والقوافى (للإمام ال�صبان)‪:‬‬ ‫وب�ع��د فعلم الشعر ف��ن مؤكد‬ ‫فبادر إليه واستمع فيه ما حال‬ ‫وفى فن احل�ساب‪:‬‬ ‫(منت رسالة األخضرى اإلمام عبد الرحمن األخضرى)‪:‬‬ ‫ح� ��روف� ��ه م �ع �ل��وم��ة مشهورة‬ ‫م ��ن واح� ��د ل�ت�س�ع��ة مذكورة‬ ‫وج�ع�ل��وا ص�ف��را ع�لام��ة اخلال‬ ‫وه� � ��و م� � � ��دور ك��ح��ل��ق��ة جال‬ ‫وأرب � � � � ��ع م� � ��رات� � ��ب األع�� � � ��داد‬ ‫أول� � � �ه � � ��ا م � ��رت� � �ب � ��ة اآلح � � � ��اد‬ ‫وال � �ع � �ش� ��رات ب� �ع ��ده ��ا امل� �ئ ��ون‬ ‫م��ن ب�ع��ده��ا اآلالف يذكرون‬ ‫وفى علم الفرائ�ض (املواريث)‪:‬‬


‫(خالصة الفرائض نظم منت الراجية لإلمام عبد امللك‬ ‫الفتنى)‪:‬‬ ‫ب �ك �ف��ن ال��س��ن��ة أم� ��ا إن منع‬ ‫دائ� �ن ��ه ف �ب��ال��ذى ي �ك �ف��ى يقع‬ ‫ف��دي��ن خ �ل��ق ص �ح��ة فمرض‬ ‫ث � ��م وص�� �ي� ��ة ف � � � ��إرث ف ��رض ��ا‬ ‫وس �ب��ب اإلرث ن �ك��اح أو نسب‬ ‫أو ال ��وال ول �ي��س دون �ه��ا سبب‬ ‫وفى علم آداب البحث‪:‬‬ ‫(نظم آداب البحث العالمة الشيخ زين املرصفى)‪:‬‬ ‫إن ق�ل��ت ق��وال ذا مت��ام خبرى‬ ‫إذا ن �ق �ل��ت ف �ي��ه ع ��ن معتبر‬ ‫فيطلب التصحيح للنقل إذا‬ ‫ل��م ت �ل �ت��زم ف�ي�م��ا ن�ق�ل�ت��ه لذا‬ ‫أو ادع � �ي� ��ت ب �ط �ل��ب الدليل‬ ‫إن ك��ان غير واض��ح ذا القيل‬ ‫ث���م ث �ل��اث ل �ل��دل �ي��ل عارضه‬ ‫م�ن��ع ون�ق��ل مجمل معارضه‬

‫التى أبدعها عبد الرحمن بن خلدون (ت ‪808‬هـ) فى مقدمته‬ ‫امل �ع��روف��ة ف��ى ع�ص��رن��ا وامل �س �م��اة ع �ل��وم االج �ت �م��اع واخلدمة‬ ‫االجتماعية‪ ..‬وتعليمهم كذلك لإلنسانية دراس��ة التاريخ‬ ‫كعلم‪ ،‬والسنن وأس�ب��اب قيام احل�ض��ارات وازده��اره��ا وأسباب‬ ‫تأخرها وسقوطها‪ ..‬وهو (علم تفسير‪ -‬أو‪ -‬فلسفة التاريخ)‬ ‫ال��ذى أبدعه اب��ن خلدون كما أب��دع علوم العمران السابقة‪،‬‬ ‫وتعلمته البشرية من مقدمته الرائعة‪.‬‬ ‫ ‬

‫إن رج� ��ال ال� �ق ��رون اخل �م �س��ة امل �ت �خ �ل �ف��ة‪( ..‬رج� ��ال املتون‬ ‫واملنظومات) لم يرجعوا إلى تاريخ أسالفهم املجيد وقرون‬ ‫ازدهارهم احلضارى‪ ..‬ولم يستطيعوا االلتفات إلى أوروبا‪..‬‬ ‫ب��ل جعلوا امل�ت��ون وامل�ن�ظ��وم��ات ال�ب��داي��ة والنهاية والوسيلة‬ ‫الكافية‪ ..‬للغاية الشريفة الشافية!!‪ ..‬فأوقفوا حركة احلضارة‬ ‫اإلسالمية وعطلوا دوالب حركتها‪ ..‬وجعلوها قطارها يعجز‬ ‫عن السير على قضبانه الصحيحة نحو التقدم والرقى‪ ..‬بل‬ ‫والرقى!!‬ ‫إنهم كانوا يقاومون محاوالت التقدم‬ ‫ّ‬ ‫لقد ماتت كثير من العلوم أو فقدت فاعليتها على أيدى‬ ‫أصحاب املتون واملنظومات مع حسن نية أصحابها وسالمة‬ ‫أهدافهم‪ ..‬ألن الذين جعلوها منهج تربيتهم وتكوين معارفهم‬ ‫ل��م ي�س�ي��روا‪ -‬أب� ��داً‪ -‬ف��ى ط��ري��ق امل�ع��رف��ة الكمية التراكمية‪،‬‬ ‫والكيفية اإلبداعية التى سارت عليها أوروبا‪ ،‬وحققت بذلك‬ ‫تقومي ظاهرة املتون واملنظومات‪:‬‬ ‫نهضة منفتحة على اإلبداع واالختراع من خالل فقه األنفس‬ ‫كان من املمكن أن تكون املنظومات واملتون مفيدة لو أنها واملجتمعات واآلفاق!!‬ ‫بقيت فى املرحلة العمرية دون العاشرة‪ ..‬فكأنها مفاتيح أو‬ ‫ ‬ ‫جداول ضرب تعطى‪ -‬كمفاتيح‪ -‬للناشئة‪.‬‬ ‫ول�لأس��ف ف��إن��ه ف��ى مرحلتنا األخ� �ي ��رة‪ ..‬امل �س �م��اة بعصر‬ ‫أما بعد ذلك فقد كان ضررها بالغ ًا‪ ،‬اللهم فى بعض العلوم‬ ‫االستقالل واحلكم الوطنى املستقل‪ -‬الزاعم أن��ه إمن��ا جاء‬ ‫كاللغة واحلديث التى يقلّ اإلبداع والتجديد فيها‪..‬‬ ‫ليحقق النهضة والتقدم ألوط��ان املسلمني‪ -‬م��ازال يفرض‬ ‫ومع ذلك فضررها ممتد ألنها حتول دون اإلب��داع وتوقف منهج املتون وبأسلوب ملت ّو وبأقسى األساليب املعطلة للتربية‬ ‫حركة التجديد ح��ول امل�تن أو (األلفية) أو املنظومة‪ ،‬التى العقلية اإلبداعية‪.‬‬ ‫ت�ف��رض ظلها الثقيل على أص�ح��اب ال�ع�ق��ول امل�ب��دع��ة التى‬ ‫فكأن االستعمار اشترط عليهم عندما مكنهم من احلكم أن‬ ‫تسعى إلى االنطالق املنفتح‪ ،‬وبالطبع تضطر هذه العقول‬ ‫املبدعة وهى قليلة إلى جتاهل املنت أو املنظومة والسير فى يلتزموا مبنهج املتون‪ ..‬البعيد من اإلبداع واالختراع‪ ..‬مع شيء‬ ‫طريق التنظير وحده‪ ،‬إال من ثوابت العلم األصلية ومصادره من وسائل التمويه واخلداع‪ ..‬فنجحوا‪ -‬أى أبطال االستقالل‪-‬‬ ‫اإلسالمية من قرآن أو سنة أو تراث مجمع عليه نق ًال وعق ًال‪ .‬فى حتقيق العجز‪ -‬بل الشلل التام‪ -‬فى عالم اإلبداع مكتفني‬ ‫مبنح املتعلمني أوراقا تسمى شهادات‪ ،‬تدل على أنهم تخرجوا‬ ‫لقد حالت هذه القيود املسماة باملنظومات أو املتون دون‬ ‫فى املعاهد واجلامعات ‪ ،‬حتى إبداع أحقر األشياء كالسيارات‬ ‫النظر فى آفاق الكون‪ ،‬وآف��ات التطور العقلى املقارن‪ ..‬لدى‬ ‫والقطارات‪ ،‬فضال عن الطائرات حرمنا منها‪.‬‬ ‫اآلخ��ري��ن‪ ..‬وأصبحت ع�لام��ة ودالل ��ة على اجل�م��ود وانعدام‬ ‫وه�ك��ذا مازلنا منذ خمسة ق��رون نعيش مرحلة غيبوبة‬ ‫اإلب��داع املستقى من فقه الكون وفقه اإلنسان أو االجتماع‬ ‫حفظ املنظومات وامل�ت��ون‪ ..‬ومازلنا نشترى منتوجات إبداع‬ ‫والكون!‬ ‫ولو رجعنا إلى تاريخ أسالفنا احلضارى وإبداعاتهم التى أوروبا وثمرات اختراعه‪ ...‬ونظن أننا مبدعون‪ ..‬ونحن مجرد‬ ‫تعلم منها العالم علوم احلساب واجلبر والكيمياء والفيزياء مستوردين‪ ،‬وإلنتاج غيرنا مستهلكون‪..‬‬ ‫وه��ذا الظن الكذوب نوع من الغباء الشديد‪ ..‬بل هو فى‬ ‫والطب والفلك واجلغرافية واملساحة واإلنسانيات‪ ..‬فض ًال عن‬ ‫تعليمهم للبشرية أدق العلوم مثل علم (العمران) وقوانينه احلقيقة نوع من اخليانة واجلنون‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪31‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫مسلمو أوروبا‪..‬‬ ‫حت����ت ق���ص���ف امل��س��ل��م�ين‬ ‫�أ‪ .‬نبيل �شبيب‬

‫قبل ا�ستفتاء �سوي�سرا حول حظر امل�آذن كان ما يكتب يف �إعالم‬ ‫البلدان العربية عن م�سلمي �أوروب��ا يجمع بني الت�أييد واللوم‪،‬‬ ‫والتحفيز والنقد‪ ..‬وبعد اال�ستفتاء غلب اللوم والنقد وحتميلهم‬ ‫امل�س�ؤولية عما ُي�صنع بهم وبالإ�سالم!‪..‬‬ ‫يف احلالتني بقي الكالم الإعالمي مت�أثرا بدرجة ال ي�ستهان‬ ‫بها من اجلهل والتعميم‪ ،‬وقد يغلب ذلك كثريا فيزداد اللوم والنقد‪،‬‬ ‫وقد يتوافر بع�ض العلم بحقيقة الأو�ضاع فيتناق�ص اللوم والنقد‬ ‫ولكن ال ي�ضمحالن‪.‬‬ ‫هذا‪ ..‬وما تبدّ ل حال امل�سلمني يف �أوروبا خالل الفرتة الأخرية‬ ‫قبل ذلك اال�ستفتاء تبدال كبريا‪ ..‬فما الذي طر�أ على �صورتهم يف‬ ‫نظر من يتابع مثل هذه الق�ضايا؟‪� ..‬أم �أن اال�ستفتاء �أ�صبح الق�شة‬ ‫ابتداء من حتميل م�سلمي‬ ‫التي ق�صمت ظهر البعري‪ ،‬عند من ينطلق‬ ‫ً‬ ‫�أوروبا امل�س�ؤولية عما �سبق من ت�صعيد لأحداث �سلبية كالإ�ساءات‬ ‫الكاريكاتورية والبابوية وغريها‪ ،‬ثم كان اال�ستفتاء فجعل من‬ ‫يرتدد بع�ض الرتدد عن حمالت اللوم والنقد يتخلى عن تر ّدده؟‪..‬‬ ‫قد ال جتد هذه الت�سا�ؤالت �أجوبة قاطعة‪� ،‬إمنا ال بد على‬ ‫كل حال من احلر�ص على املو�ضوعية يف التعامل مع امل�سلمني يف‬ ‫�أوروبا ومع غري امل�سلمني‪ ،‬ومع الق�ضايا التي ترتبط بهم مبا�شرة‬ ‫ومع �سواها من الق�ضايا‪ ،‬وع�سى �أن ت�ساهم ال�سطور التالية يف �شيء‬ ‫من بيان معامل �أ�سا�سية حول م�سلمي �أوروبا حتديدا‪.‬‬

‫�صورة م�ش ّو�شة‪ ..‬ومطالب عقيمة‬ ‫إلى اآلن ورغم كثرة احلديث عن املسلمني في الغرب‬ ‫عموما‪ ،‬ومنهم املسلمون في أوروبا‪ ،‬ال تزال معالم الصورة‬

‫‪32‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫عنهم لدى املسلمني أو عموم السكان في البلدان اإلسالمية‬ ‫حافلة بالغموض وال�ت�ش��وي��ش‪ ،‬وي�س��ري ه��ذا على كثير من‬ ‫اإلع�لام�ي�ين ال��ذي��ن يتابعون قضايا اإلس�ل�ام واملسلمني في‬ ‫الغرب‪ ،‬ومما يثير االستغراب أحيانا‪ ،‬أن يجزم بعضهم بصحة‬ ‫ما ينسجه من معلومات‪ ،‬دون االعتماد على مصادر أصال أو دون‬ ‫التوثق من مصادر ينقل عنها‪ ،‬كما يجزم أيضا مبا يطرحه من‬ ‫تصورات متسرعة‪ ،‬قد يتردد كثير من املطلعني ومن أصحاب‬ ‫العالقة املباشرة عن طرحها‪ ،‬ال سيما في التعامل مع مشكالت‬ ‫متعددة الوجوه والتعقيدات‪.‬‬ ‫ويثير االستهجان ال االستغراب فقط أن تصدر عن بعض‬ ‫الكتاب مواقف في صيغة النصيحة مع اللوم واالستنكار‪،‬‬ ‫محورها من قبيل‪ :‬فليرحلوا عن بالد الغرب إذن‪ ..‬أو فليعودوا‬ ‫إلى البلدان اإلسالمية!‪..‬‬ ‫مثل هذه املطالب ال ميكن أن يجد استجابة أصال‪ ،‬وال‬ ‫تتوافر لالستجابة أية شروط موضوعية‪ ،‬وقد جتد استهزاء‬ ‫م��ري��را‪ ،‬ال سيما عندما تصل إل��ى مسلمني م��ن ذوي أصول‬ ‫أوروبية – وما هم قلّة ‪ -‬فما الذي يعنيه رحيلهم عن بالدهم‬ ‫إذ أسلموا؟‪ ..‬هل هو تطهير سكاني «ديني»؟‪ ..‬أال ميضي من‬ ‫يطالب بذلك أشواطا بعيدة ال يكاد يطرحها حتى املتشددون‬ ‫األوروبيون ضد الوجود اإلسالمي؟‪..‬‬ ‫ثم أين من يطالب غير املسلمني بالرحيل عن مواطنهم‬ ‫ألنهم يدينون بغير دين الغالبية فيها؟‪..‬‬ ‫مثل ه��ذه املطالب مح ّرمة دينيا‪ ،‬وخطيرة سياسيا‪،‬‬ ‫ومحظورة إنسانيا‪.‬‬ ‫ويسري شبيه ذلك دون استثناء على مواليد اجليل الثاني‬ ‫والثالث من املسلمني‪ ،‬ممن منعت موانع قاهرة ال يحملون‬


‫املسؤولية عنها‪ ،‬كثيرا منهم من مجرد رؤي��ة بالد أجدادهم جدا إلى عموم مسلمي أوروبا‪.‬‬ ‫«ال��واف��دي��ن» ق��دمي��ا‪ ،‬وه��م ال ي�ع��رف��ون س��وى البلد األوروب ��ي‬ ‫ومن وجوه كونها ضحية ذلك التحامل واجلهل‪ ،‬أنّ اإلعالم‬ ‫الذي يقيمون فيه موطنا‪ ،‬وال يتعاملون معه إال على أساس الغربي والعربي واإلس�لام��ي ال يسلط عليها األض ��واء كما‬ ‫أنه موطنهم من املهد إلى اللحد‪ ..‬فعالم يرحلون وإلى أين ينبغي‪ ،‬إذ ال تصدر عنها أعمال أو مواقف أو صور أو ممارسات‬ ‫يرحلون؟!‪..‬‬ ‫تصلح لعنصر «اإلث � ��ارة» اإلع�لام �ي��ة‪ ،‬ألن�ه��ا تعيش حياتها‬

‫ولئن رحلوا إلى بلدان إسالمية حقا ‪ -‬ولن يرحلوا‪ -‬فما «االعتيادية» ورمبا الرتيبة‪ ،‬في مواطنها األوروبية‪.‬‬ ‫الذي ينتظرهم فيها؟‪ ..‬ومن أين تنشأ تلك التصورات الغريبة‬ ‫يضاف إلى ذلك أن غالبية العاملني في «اإلعالم» األوروبي‪،‬‬ ‫بصدد «ترحيل» من يختلف عقيدة أو ثقافة أو سلوكا عن ليسوا «حياديني» في تعاملهم مع اإلسالم واملسلمني‪ ،‬بغض‬ ‫اآلخر في بلد مشترك؟‪..‬‬ ‫يتعمد تشويه‬ ‫النظر عن النوايا‪ ،‬ولئن كان بعضهم على األقل‬ ‫ّ‬ ‫ثم هل يختلف حال مسلمي أوروبا املستوطنني اختالفا الصورة فقد يكون بعضهم اآلخر «ضحية» أيضا‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫يستحق الذكر عن ح��ال ذوي األص��ل األمل��ان��ي أو اإليرلندي‬ ‫ ضحية اجلهل بواقع اإلسالم واملسلمني اليوم‪..‬‬‫مثال‪ ،‬املواطنني كسواهم في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬مع‬ ‫ وضحية م��وروث أوروب��ي‪ /‬غربي معرفي قدمي ومنحرف‬‫اختالف الديانات ال األجناس فقط؟!‪..‬‬ ‫خطير‪..‬‬ ‫ال حاجة إل��ى اخل��وض ف��ي أس�ب��اب مثل تلك املطالب‬ ‫ وكذلك ضحية التفاعل مع أح��داث خ��ارج أوروب��ا‪ ،‬ومع‬‫العقيمة‪ ،‬بغض النظر عن غموض صورة واقع مسلمي أوروبا‬ ‫أوضاع سلبية داخل البلدان اإلسالمية‪..‬‬ ‫عند كثير مم��ن «يحكمون على أوض��اع �ه��م‪ ،‬ويخاطبونهم‬ ‫ وال نريد االسترسال بالتنويه إلى صور سلبية يأتي بها‬‫الئمني وناصحني ومنددين» وكأنهم يعيشون في عالم آخر‬ ‫تصنعه مواقعهم اإلعالمية أو توجهاتهم الذاتية في البلدان ال��زوار املسلمون من البلدان اإلسالمية بغرض السياحة أو‬ ‫سواها في بلدان أوروبية‪..‬‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫يستمد كثير من اإلعالميني األوروبيني‪،‬‬ ‫ومن ذلك كله‬ ‫ّ‬ ‫من هم م�سلمو �أوروبا؟‪..‬‬ ‫بعضهم دون قصد وبعضهم بأسلوب انتقائي مقصود‪ ،‬صورا‬ ‫قد تساهم في توضيح الصورة كلمات موجزة تعتمد منحرفة يجعلها منطية عن اإلسالم واملسلمني‪..‬‬ ‫على مشاركة ومعايشة مباشرة للمسلمني في أوروبا‪ ،‬ال سيما‬ ‫ثم‪ ..‬وهنا ما يستدعي االستغراب‪ ..‬يتلقّ ى مسلمو أوروبا‬ ‫في أملانيا كمثال‪ ،‬على امتداد أكثر من أربعني عاما‪ ،‬مبا شمل اللوم أكثر من سواهم على انتشار تلك الصور!‪ ..‬ومن ذلك‬ ‫مقصرون في التعريف بإسالمهم!‪..‬‬ ‫أوساط العمل اإلسالمي‪ ،‬والعمل اإلعالمي‪ ،‬كما شمل التواصل القول‪ :‬إن مسلمي أوروبا‬ ‫ّ‬ ‫الدائم مع املسلمني وغير املسلمني‪ ،‬من فئات متعددة‪ ،‬وأول‬ ‫وم��ع حتفيز مسلمي أوروب ��ا عموما على جت��اوز القصور‬ ‫سؤال ضروري لتوضيح الصورة هو‪ :‬من هم مسلمو أوروبا؟‪..‬‬ ‫والتقصير‪ ،‬واألمل في مضاعفة جهودهم على هذا الصعيد‪،‬‬ ‫ليس مسلمو أوروب��ا فئات غلبت على احلديث اإلعالمي يبقى ثابتا وجديرا باالنتباه أن اإلعالميني األوروبيني املعنيني‬ ‫عنها صور منطية قدمية‪ :‬وافدون‪ ،‬جاليات‪ ،‬أجانب‪ ،‬متخلفون‪ ،‬ال ينطلقون بصورة مماثلة من منطلق اجلهل عند حديثهم‬ ‫متشددون‪ ،‬يحملون قضايا بلدانهم األصلية إلى أوروبا ‪ ..‬إلى عن فئات أخرى‪ ،‬كالبوذيني من حيث الديانة‪ ،‬أو الفييتناميني‬ ‫آخره‪ ،‬بل هم بغالبيتهم العظمى‪:‬‬ ‫من حيث اجلنس‪ ،‬ومن املؤكد أن البوذيني أو الفييتناميني أو‬ ‫ فئات «شعبية» كما هو احل��ال مع سائر فئات املجتمع األرمن أو سواهم من فئات عديدة ال تنتسب إلى جنسية أوروبية‬‫األخرى‪..‬‬ ‫أو ديانة أوروبية‪ ،‬ال يبذلون للتعريف بأنفسهم وديانتهم جهدا‬ ‫أكبر مما يبذله مسلمو أوروبا‪ ،‬ولكن يؤ ّدي اإلعالمي األوروبي‬ ‫ يعملون في مختلف القطاعات‪..‬‬‫واجبه اإلعالمي كما ينبغي‪ ،‬فيستقصي هو احلقائق ليكتب‬ ‫ يدفعون الضرائب ويلتزمون بالقوانني‪..‬‬‫عندما يكتب عن علم وبينة‪ ،‬وال يتحامل ليقال من بعد‪ ،‬حتى‬ ‫ ي�ش��ارك��ون ق��در املستطاع ف��ي كثير م��ن ج��وان��ب احلياة ألسنة «مسلمني» من خارج أوروبا‪ :‬سبب التحامل هو اجلهل‪،‬‬‫الثقافية والعلمية واملهنية واملدرسية واجلامعية والتجارية وسبب اجلهل قصور مسلمي أوروبا!‪..‬‬ ‫وحتى السياسية واالقتصادية واملالية واإلدارية واحلقوقية‪..‬‬ ‫هم و�سواهم‪� ..‬سواء‬ ‫هذه الغالبية الكبرى‪ ،‬هي الضحية قبل سواها عند‬ ‫إن الغالبية الكبرى من مسلمي أوروبا‪:‬‬ ‫التعامل كتابة وتص ّرفا بأسلوب التعميم مع (مسلمي أوروبا)‬ ‫ ال تختلف ف��ي كثير م��ن ج��وان��ب حياتها االعتيادية‬‫مع اجلهل أن هذا الوصف يعني تلك الغالبية بنسبتها العالية‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪33‬‬


‫عن غالبية املسلمني في البلدان اإلسالمية إذا نظرنا إليها‬ ‫مبنظور انتماء إسالمي‪ :‬أي من حيث تفاوت درجات تد ّينها‪،‬‬ ‫وتعدد طرق معيشتها‪ ،‬وتباين أحاسيسها وأفكارها وأذواقها‬ ‫وم�ظ��اه��ره��ا ال �ع��ام��ة‪ ..‬وك��ذل��ك م��ن حيث وج ��ود «ف��ري��ق» من‬ ‫الناشطني ي�ب��ذل ج�ه��دا مضاعفا أك�ث��ر م��ن س��واه للتعريف‬ ‫باإلسالم‪ ،‬واألمثلة على هذا الفريق كثيرة ال ينفسح املجال‬ ‫ثم إن مشاركة نسبة مئوية محدودة من الناشطني‪ ،‬وهم‬ ‫هنا للتفصيل فيها‪..‬‬ ‫بدورهم نسبة مئوية محدودة من عموم مسلمي أوروب��ا‪ ،‬في‬ ‫ كما أن هذه الغالبية الكبرى ال تختلف في كثير من مثل تلك املظاهرات واالحتجاجات‪ ،‬ليست استفزازية‪ ،‬وال‬‫جوانب حياتها عن غالبية سكان البلدان األوروبية عموما‪ ،‬إذا حتريضية‪ ،‬وال حتى مرفوضة أو مستهجنة أو مستغربة‪،‬‬ ‫نظرنا إليها مبنظور انتماء وطني‪ :‬أي من حيث تعدد درجات ولم يسبق أن صنفتها األعراف والقوانني األوروبية احلديثة‬ ‫االلتزام بالقوانني واألنظمة‪ ،‬وتفاوت مستويات املشاركة في حتت عنوان جرمية أو جنحة أو مخالفة لألنظمة‪ ،‬سواء كان‬ ‫اإلنتاج والعطاء‪ ،‬واختالف قوة التفاعل مع سلبيات املجتمع املشارك مسلما أو غير مسلم‪ ،‬وسيان هل كان ما يعبر عنه‬ ‫وإي�ج��اب�ي��ات��ه‪ ،‬وم��ع أح��زاب��ه وت �ي��ارات��ه‪ ،‬وم��ع أوض���اع احلقوق موافقا لسياسات رسمية أم مخالفا لها‪.‬‬ ‫واحلريات والقضاء فيه‪..‬‬ ‫ورغم متنّي أوضاع أفضل وأنشطة أكثر وتن ّوع أوسع‪ ،‬ففي‬ ‫ليس في هذا وذاك ما يستحق االستغراب‪ ،‬وال ما يستدعي الوقت احلاضر ميكن القول إن أنشطة الناشطني من مسلمي‬ ‫اللوم‪ ،‬وإن كنّا أو كان بعضنا يتمنى من منطلق إسالمي أن تكون أوروبا متنوعة‪ ،‬فإن كان من بينها ما يرتبط بأحداث البلدان‬ ‫الغالبية أكثر عطاء ومتثيال حلقيقة اإلس�لام‪ ،‬وأكثر عطاء اإلسالمية‪ ،‬فمن بينها أيضا قضايا أخرى مشتركة‪ ،‬كقضايا‬ ‫وتفاعال مع غير املسلمني من غالبية السكان‪ ،‬إمنا ال ميكن البيئة وامل �ن��اخ والبطالة وهيمنة امل��ال على صناعة القرار‬ ‫اعتبار أوضاع هذه الغالبية من مسلمي أوروبا‪ ،‬التي ال تختلف السياسي‪ .‬ولئن انتشر االنطباع بأن تعدادهم في هذه امليادين‬ ‫عما منخفض‪ ،‬ف��رمب��ا يتبني عبر دراس ��ة ق��ومي��ة‪ ،‬أو عبر مج ّرد‬ ‫«عموما» عن أوضاع سواهم‪ ،‬مس ّوغا لتحميلهم املسؤولية ّ‬ ‫يصنع املتطرفون‪ ،‬ال سيما من اليمني األوروبي‪ ،‬من قبيل ما إمعان النظر أن نسبة وجود املسلمني إلى تعدادهم في أوروبا‬ ‫باملجموع‪ ،‬ليست أقلّ من نسبة وجود غير املسلمني في تلك‬ ‫شهدته الساحة السويسرية مؤخرا‪ ،‬وشهده سواها من قبل‪.‬‬ ‫امليادين إلى تعداد مجموع السكان في أوروبا‪ ،‬فهم موجودون‬ ‫التفاعل مع �أحداث ال�ساعة‬ ‫ كسواهم م��ن الفئات السكانية ‪ -‬ف��ي مثل ه��ذه األنشطة‬‫إن األنشطة التي ميارسها مسلمو أوروبا أو نسبة منهم ‪ ،‬وسواها‪ ،‬كما سبقت اإلشارة‪.‬‬ ‫واملعتاد أن يكون الناشطون في كل فئة سكانية قلّة‪ ..‬وهذا هو‬ ‫ال�شذوذ‪� ..‬شذوذ ال ُيع ّمم‬ ‫احلال مع مسلمي أوروبا‪ -‬هذه األنشطة‪:‬‬ ‫إن ش��ذوذ أف��راد أو جماعات ‪ -‬محدودة العدد والتأثير‬ ‫ ال تقتصر على ما يوصف ع��ادة بالنشاط «السلبي»‬‫قطعا بالقياس إلى حجم «الكتلة البشرية» للمسلمني في‬ ‫أي املظاهرات واالحتجاجات‪ ،‬وغالبها في الوقت احلاضر‬ ‫أوروب��ا‪ -‬هو من املمارسات املرفوضة الضارة املؤذية‪ ..‬كارتكاب‬ ‫ما تثيره أح��داث وقضايا سياسية وأمنية وإنسانية أصبحت‬ ‫العنف غير املشروع «إرهابا»‪ ،‬أو اإلعالن عن مواقف تفتقر إلى‬ ‫البلدان اإلسالمية مستهدفة على صعيدها‪..‬‬ ‫املوضوعية والفهم معا «تط ّرفا»‪..‬‬ ‫ بل أصبحت سياسات الغرب املسؤولة عن هذا االستهداف‬‫ ولكن هذا الشذوذ محدود‪ ،‬كما ونوعا‪..‬‬‫سياسات مرفوضة عند غالبية أهل البلدان الغربية عموما‬ ‫ٍ‬ ‫ يستحق اإلدانة والرفض واللوم والتنبيه والنقد‪ ..‬إمنا في‬‫وفق استطالعات الرأي وتطور الوعي مبا يجري عامليا‪ ،‬كما‬ ‫يشهد على ذلك تنامي معارضة حرب أفغانستان بعد معارضة حدود ما يستحقه فعال‪ ،‬وما يتناسب مع حجمه احلقيقي‪،‬‬ ‫حرب العراق‪ ،‬ونصرة أهل غزة بعد احلرب عليهم واستمرار وليس بأسلوب التعميم‪..‬‬ ‫حصارهم‪..‬‬ ‫ ثم إنه شذوذ عن أوضاع الغالبية الكبرى من مسلمي أوروبا‪ ،‬ال‬‫لقد خرج املاليني متظاهرين إب��ان انتفاضة األقصى يختلف كما وال نوعا عن شذوذ فئات من األوروبيني غير املسلمني‬ ‫وإب ��ان اح�ت�لال ال �ع��راق‪ ،‬فهل ميكن اع�ت�ب��ار وج��ود نسبة من أيضا‪ ،‬ترتكب العنف وتتخذ من املواقف املفتقرة إلى املوضوعية‬ ‫املسلمني بينهم قريبة من نسبة املسلمني إلى عموم السكان‪ ،‬والفهم معا ما تتخذ‪ ،‬في قضايا سياسية وغير سياسية‪..‬‬ ‫في أوروب��ا‪ ،‬وب�ين ه��ذه األنشطة وإن تضاءل حجمها‪ ،‬كما ال‬ ‫ينبغي قطعا الزعم أن املسلمني في أوروب��ا(واف��دون فحسب)‬ ‫يهتمون بقضايا بلدانهم األصلية‪ ..‬فهذا تشويه كبير للواقع‬ ‫الفعلي املشهود‪ ،‬أو صورة عتيقة لم يعد لها في الوقت احلاضر‬ ‫وجود يذكر!‪..‬‬

‫أمرا سلبيا‪ ..‬أم صورة من صور االندماج والتالقي على أرضية‬ ‫إنسانية وسياسية مشتركة؟‪..‬‬

‫ال بد في التعامل مع كل شذوذ من مالحظة أساسية‪:‬‬

‫ ال أحد يتعامل مع عموم غير املسلمني من سكان أوروبا‬‫ال ينبغي قطعا الربط بني التحامل على الوجود اإلسالمي وكأنهم «حاضنة» لشذوذ «القلّة» من املتطرفيني والعنصريني‬

‫‪34‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وغيرهم في صفوفهم‪..‬‬ ‫ه��ل مي�ك��ن ت��وج�ي��ه االت �ه��ام أو حتميل امل�س��ؤول�ي��ة عن‬ ‫ وال ينبغي ألح��د أن يتعامل مع مسلمي أوروب��ا كما لو التخ ّوف من املسيحية في بلدان ذات غالبية إسالمية‪ ،‬رغم‬‫أن�ه��م حاضنة ل�ش��ذوذ «ال�ق�ل��ة» م��ن املسلمني م��ن املتطرفني أن مظاهر ممارستها أوسع نطاقا مبا ال يقارن‪ ..‬ناهيك عن‬ ‫أنشطة التنصير؟‪..‬‬ ‫والعنصريني في صفوفهم‪..‬‬ ‫إن معاجلة الشذوذ مطلوبة على كل حال‪ ،‬واإلسهام في‬ ‫ذلك مطلوب من كل قادر عليه‪ ،‬إمنا ال ميكن أن يساهم في‬ ‫ذلك إسهاما إيجابيا‪ ،‬أن ينزلق اصحاب األقالم اإلعالمية في‬ ‫بلدان إسالمية‪ ،‬إلى ما ينزلق إليه إعالميون غربيون‪ ،‬يتناقص‬ ‫عددهم تدريجيا‪ ،‬ميارسون عمدا أو جهال‪ ،‬انحيازا مرفوضا‬ ‫ض��د فئة سكانية بعينها‪ ،‬عبر تركيز احلملة على مسلمي‬ ‫أوروبا‪ ،‬تركيزا يأخذهم جميعا بجريرة أفعال قلّة منهم‪.‬‬ ‫مزاعم اال�ستفزاز عرب مظاهر �إ�سالمية‬ ‫على صعيد مظاهر احلياة اإلسالمية في بلدان غير‬ ‫إسالمية‪ ،‬كاحلجاب واملساجد واألعياد واألذان‪ ،‬وما شابه ذلك‪،‬‬ ‫وحتى امتناع التلميذات املسلمات عن السباحة املختلطة‬ ‫في امل��دارس‪ ،‬أو املشاركة في رح�لات مدرسية مختلطة لعدة‬ ‫أيام‪ ..‬جميع ذلك وأمثاله مما ُيصنّف حتت عنوان مظاهر أو‬ ‫خصوصيات إسالمية‪:‬‬

‫ال بد من التأكيد أن مظاهر الوجود اإلسالمي في أوروبا‬ ‫«حتدي» سكانها من غير املسلمني‪ ،‬وال صيغة‬ ‫ال تأخذ صيغة‬ ‫ّ‬ ‫استفزاز أو استعراض أو مبالغات‪ ،‬بل قد ال تصل درجة توافرها‬ ‫إلى تلبية االحتياجات األساسية ذات العالقة بها‪ ،‬وال تستنفذ‬ ‫ما تسمح به القوانني السارية املفعول‪.‬‬ ‫الق�صور والتق�صري‬ ‫ال أح��د ف��ي األوس ��اط اإلس�لام�ي��ة ف��ي أوروب ��ا ي�ق��ول إن‬ ‫األنشطة اإلسالمية خالل عدة عقود ماضية‪ ،‬قد أ ّدت جميع‬ ‫واجباتها‪ ،‬ليس في ميدان إعطاء صورة قومية محببة مقبولة‬ ‫عن اإلس�لام واملسلمني فحسب‪ ،‬بل أيضا في ميادين تلبية‬ ‫احتياجات املسلمني وأطفالهم وناشئتهم واملتقدمني من‬ ‫السن منهم والعاملني في املصانع والطلبة في اجلامعات‬ ‫والتالميذ في امل��دارس ناهيك عن الفقراء والعاطلني عن‬ ‫العمل والالجئني السياسيني واملهاجرين ف��رارا من احلروب‬ ‫والنزاعات املسلحة واألوضاع االقتصادية املنهارة‪.‬‬

‫ ميكن أن نرصد ت�ف��اوت انتشاره ب�ين بلد أوروب ��ي وآخر‬‫إن القصور والتقصير م��وج��ودان ومعروفان واجلهود‬ ‫تبعا لتفاوت القوانني واألنظمة والتوجهات الشعبية في‬ ‫للتعويض عن النتائج قائمة ومتصاعدة‪ ،‬إمنا لهما أسباب‬ ‫املجتمع‪..‬‬ ‫ومعطيات تاريخية م�ع��روف��ة‪ ،‬منها م��ا ي�ع��ود إل��ى املسلمني‬ ‫ مثلما نرصد تفاوت انتشار املظاهر املسيحية في بلدان وتنظيماتهم‪ ،‬ومنها ما يعود إلى التخلي عنهم وعن دعمهم‬‫إسالمية‪ ،‬تبعا لتفاوت القوانني واألنظمة والتوجهات الشعبية باألمس من جانب كثير من املسلمني في البلدان اإلسالمية‬ ‫في املجتمع‪..‬‬ ‫ممن يلومونهم اليوم وينتقدونهم‪.‬‬ ‫وال ينبغي أن يكون هذا وال ذاك ضحية مبالغات إعالمية ال‬ ‫انشغل املسلمون الوافدون قدميا بقضايا بلدانهم األصلية‬ ‫أصل لها‪ ،‬وافتراءات ال تخدم مصلحة أحد‪.‬‬ ‫أكثر مما ينبغي لفترة من الزمن‪ ..‬ولكن اجلدير بالذكر هنا‪،‬‬ ‫وقد كشفت احلملة على النقاب في فرنسا مثال‪ ،‬أن عدد‬ ‫املتنقبات بني ماليني املسلمات ال يتعدى العشرات‪..‬‬ ‫وانكشف في مناسبات أخرى أن عدد املعلمات املسلمات‬ ‫احملجبات في بلد كأملانيا (زهاء ‪ 4‬ماليني و‪ 300‬ألف مسلم) ال‬ ‫يصل إلى العشرات‪ ،‬واستهدفتهن قوانني حظر «التدريس» مع‬ ‫ارتداء احلجاب‪..‬‬ ‫وال يكاد يرتفع األذان في أي مكان من أوروبا (كأجراس‬ ‫الكنائس في البلدان اإلسالمية) إال في ح��االت أقل من أن‬ ‫توصف بالنادرة‪..‬‬

‫أن هذا االنشغال كان ينطلق من توجهات قومية وشيوعية‬ ‫وعلمانية ويسارية أكثر بكثير م��ن توجهات إسالمية‪ ،‬فلم‬ ‫تتبدل الصورة إال مع أواخر سبعينات القرن امليالدي العشرين‪،‬‬ ‫مع انتشار الصحوة اإلسالمية‪ ،‬وآنذاك فقط بدأ وصف هذا‬ ‫االهتمام بأنه «سلبي»‪ ،‬ثم تضاءل حجمه واضمحلت مظاهره‬ ‫م��ع ازدي���اد نسبة املسلمني م��ن أه��ل ال �ب�لاد األص�ل�ي�ين ومن‬ ‫مواليد اجليل الثاني والثالث‪ ،‬فأصبح ‪-‬كما سبق احلديث‪-‬‬ ‫في ح��دود ما يعادل اهتمام غير املسلمني بقضايا البلدان‬ ‫اإلسالمية من منطلقات الغرب على صعيد حرية التعبير‬ ‫«حتث» الدساتير والقوانني‬ ‫واملشاركة السياسية وغير ذلك مما‬ ‫ّ‬ ‫والتوجيهات الثقافية والفكرية والتربيوية عليه‪.‬‬

‫وكشفت حملة حظر امل��آذن في سويسرا أن عددها أربعة‬ ‫فقط‪ ،‬وأنها في حدود عشرة في املائة وأدنى من ذلك بالنسبة إلى‬ ‫ لم تعد هذه القضايا إذن طاغية على األنشطة اإلسالمية‪،‬‬‫تعداد املساجد واملصليات في معظم البلدان األوروبية األخرى‪ ..‬ب��ل ميكن ال�ق��ول إن املبالغة قدميا حتولت إل��ى تقصير‪ ،‬ال‬ ‫فما الذي يس ّوغ اتهام مسلمي أوروبا باستفزاز سواهم عبر سيما عند املقارنة بتزايد عدد املنصفني من غير املسلمني‬ ‫مظاهر تدينهم‪ ،‬ويس ّوغ حتميلهم املسؤولية عما يجري نشره وظهورهم للعيان مبواقفهم وأنشطتهم‪ ،‬في مثل قضايا العراق‬ ‫وأفغانستان وفلسطني والصومال‪ ،‬ويبقى مقياس التقصير‬ ‫من تخويف من اإلسالم في أوروبا؟‪..‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪35‬‬


‫هو أن هذه القضايا املعنية‪ ،‬تتجاوز بأبعادها ونتائجها حدود‬ ‫«مسلمني وغير مسلمني» و»بلدان إسالمية وغير إسالمية»‪..‬‬ ‫فهي قضايا «عاملية» بأحداثها‪« ،‬إنسانية» بجوهرها‪ ،‬تفرض‬ ‫فرضا العمل م��ن أجلها‪ ،‬س��واء حت��ت ع�ن��وان أدي��ان سماوية‬ ‫ترفض الظلم وما يصنع الظاملون‪ ،‬أو حتت عناوين اإلنسان‬ ‫الكف عن تصوير مشاركة‬ ‫وحقوق اإلنسان وحرياته‪ ..‬ويجب‬ ‫ّ‬ ‫املسلم في ذلك‪ ،‬سواء كان في أوروبا أو في غيرها‪ ،‬جرمية أو‬ ‫خطأ‪ ،‬بل اجلرمية واخلطأ أال يشارك‪ ..‬وهذا ما ميكن اعتباره‬ ‫تقصيرا ف��ي ال��وق��ت احل��اض��ر‪ ،‬فاملشاركة ضعيفة‪ ،‬وضعفها‬ ‫كأن هذا العجز يدفع من يستشعره أو من يريد إنكاره‬ ‫يستحق االستغراب‪ ،‬إمنا يثير استغرابا أكبر أن تعتبر أقالم داخ��ل البلدان اإلسالمية‪ ،‬إل��ى البحث عن مسؤول عن هذا‬ ‫إعالمية في البلدان اإلسالمية مثل تلك املشاركة املفروضة اخللل الكبير‪ ،‬ويجد في مسلمي أوروبا «كبش الفداء»!‪..‬‬ ‫دينيا وإنسانيا «مستفزة» إذا شارك مسلمو أوروبا فيها!‪..‬‬ ‫‪ -2‬كثير من اللوم والنقد ينطلق مما ساد من صور منطية‬ ‫ نتائج القصور والتقصير قدميا تظهر في الوقت احلاضر مرفوضة داخ��ل البلدان اإلسالمية عن التعامل مع قضايا‬‫ف��ي ميادين أخ ��رى‪ ،‬كتعليم ال��دي��ن اإلس�لام��ي ف��ي امل ��دارس‪ ،‬اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وقضايا اإلنسان والعالم‪ ،‬فيغلب التعميم‬ ‫وافتقاد ما يكفي من دور حضانة أطفال تراعي االحتياجات دون متحيص‪ ،‬ويغلب م��ا يسمى «جلد ال ��ذات» على الرؤية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وغياب املؤسسات االجتماعية والثقافية والرياضية املتكاملة للصورة‪ ،‬وإذا مبا تفعله فئات من غير املسلمني‪ ،‬في‬ ‫وماشابهها مما يراعي األط��روح��ات اإلس�لام�ي��ة‪ ..‬واملطالبة ال��دول األوروبية‪ ،‬متعصبة متشددة متحاملة حتى مبوازين‬ ‫حاليا بذلك‪ ،‬ال تتجاوز حدود ما تقرره الدساتير والقوانني تلك ال��دول وع�م��وم أهلها‪ ،‬يجد عند تلك األق�ل�ام ص��ورا ال‬ ‫واألع� ��راف األوروب��ي��ة‪ ،‬وق��د ت��رك��زت ج�ه��ود مسلمي أوروب���ا أو مس ّوغ لها من التبرئة‪ ،‬أو التجاهل‪ ،‬لتبحث عن أسباب ما‬ ‫الناشطون منهم على هذه امليادين‪ ،‬وبدأت ثمار ذلك بالظهور تصنعه عدوانا عند ما يصنعه مسلمو أوروبا عموما أو ما ال‬ ‫تدريجيا‪ ..‬إمنا يحتاج كل تطور من هذا القبيل إلى ما يكفيه يصنعونه تقصيرا‪ ،‬ولو كان هؤالء مالئكة ميشون على األرض‪،‬‬ ‫من الوقت‪ ،‬واملفروض بدال من توجيه اللوم إلى مسلمي أوروبا ملا تخلت تلك الفئات عن تعصبها وتشددها وحتاملها ضد‬ ‫بسبب قصور وتقصير قدميا‪ ،‬احلرص على تقدمي الدعم لهم‪ ،‬اإلسالم واملسلمني‪.‬‬ ‫وتبني احتياجاتهم‪ ،‬أو الكف عن لومهم ونقدهم على األقل‪.‬‬ ‫‪ -3‬من يطلع مبا فيه الكفاية على ما كتب في اإلعالم‬ ‫واجلدير بالذكر أن الدول الغربية جميعا‪ ،‬ال تنقطع عن األوروب��ي وص��در عن مسؤولني أوروب�ي�ين من غير اليمينيني‬ ‫تأييد مطالب تلبية احتياجات املواطنني من غير املسلمني في املتشددين والعنصريني‪ ،‬من مواقف منصفة بعد استفتاء‬ ‫البلدان اإلسالمية‪ ،‬ومع التأكيد بأن تلبية هذه املطالب هي في سويسرا ب��ال��ذات‪ ،‬ويقارنه بغلبة ال�ل��وم والنقد ف��ي الساحة‬ ‫صميم ما يقرره اإلسالم‪ ،‬فال أقل من املعاملة باملثل‪ ،‬أي ال أقل اإلعالمية العربية جتاه مسلمي أوروبا‪ ،‬يعجب من حقيقة أن‬ ‫من أن تؤدي احلكومات املعنية في البلدان اإلسالمية واجبها اإلنصاف يزداد ظهورا للعيان في أوروبا نفسها مقابل ازدياد‬ ‫في مطالبة الدول األوروبية بتلبية احتياجات املسلمني من التحامل في بلدان املسلمني على مسلمي أوروبا‪ ،‬وأن اخلشية‬ ‫املواطنني األوروبيني‪ ،‬وأن يؤدي اإلعالم في البلدان اإلسالمية من أفاعيل الفئات املتطرفة املتعصبة املتشددة جتاه اإلسالم‬ ‫واجبه ببيان هذه االحتياجات ودعم املطالبة بها‪.‬‬ ‫أصبحت تلحق ضررا كبيرا بأوروبا وأهلها من مسلمني وغير‬ ‫مسلمني‪ ،‬مقابل غلبة أسلوب التسويغ ‪-‬ولو عن غير قصد‪-‬‬ ‫�أ�سباب �أخرى للوم والنقد‬ ‫في متابعة حدث من قبيل ذلك االستفتاء ونتائجه‪.‬‬ ‫ال يراد بعد محاولة عرض واقع مسلمي أوروبا اخلوض‬ ‫‪ -4‬إن التشنج ف��ي ط��رح مواضيع ال��وج��ود اإلس�لام��ي في‬ ‫بالتفصيل في جوانب أخرى تكمن فيها أسباب أعمق لتح ّول‬ ‫ملحوظ ف��ي «ب�ع��ض» م��ا يكتب وينشر ف��ي البلدان العربية أوروب��ا من مختلف جوانبه‪ ،‬مرفوض على صعيد مواجهة‬ ‫واإلسالمية عن أح��داث أوروبية مثل استفتاء سويسرا‪ ،‬من املتطرفني م��ن غير املسلمني وحمالتهم املتوالية ألسباب‬ ‫التركيز على أسبابه الكامنة في وجود متطرفني في عدائهم تاريخية وذات�ي��ة في ال��درج��ة األول ��ى‪ ..‬ولكنه مرفوض أيضا‬ ‫لإلسالم واملسلمني‪ ،‬إلى التركيز على مسؤولية مسلمي أوروبا في التعامل مع املسلمني أنفسهم‪ .‬وإن املوضوعية املطلوبة‬ ‫أو قصورهم وتقصيرهم عن أداء واجباتهم‪ .‬إمنا ميكن التلميح في التعامل مع هذا وذاك هي التي تتطلب أن يكون احلديث‬ ‫إلى بعض تلك األسباب‪:‬‬ ‫عن الوضع القائم حديثا موضوعيا متوازنا‪ ،‬عن علم ال يلقي‬ ‫‪ -1‬حالة العجز املنتشرة على ام�ت��داد العالم اإلسالمي‬ ‫عن مواقف وردود وسياسات وعن طرح فكري وعملي ملواجهة‬ ‫أساليب التعامل السياسية وغير السياسية من جانب الدول‬ ‫الغربية‪ ،‬ومراكز صناعة القرار فيها‪ ،‬سياسة وفكرا وإعالما‪،‬‬ ‫جت��اه اإلس�ل�ام واملسلمني‪ ،‬وق��د غلبت السلبيات عليه‪ ،‬بدءا‬ ‫ب��احل��روب اإلج��رام �ي��ة امل��دم��رة م� ��رورا مبسلسل اإلس� ��اءات‬ ‫واالفتراءات املتعاقبة انتهاء بالقوانني «االستثنائية» وحتى‬ ‫االستفتاءات غير املشروعة على حقوق إنسانية ثابتة‪..‬‬

‫‪36‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫الكالم على عواهنه‪ ،‬وعن بحث واستقصاء ال يدع لالرجتال تفاؤال موضوعيا مبا ميكن أن يتحقق في املستقبل املنظور‪،‬‬ ‫في طرح األحكام مكانا‪ ،‬وعن اطالع وتواصل ال يغلب عليه‬ ‫تدافع املسؤولية وتبرئة الذات بتوجيه أصابع االتهام لآلخر‪ .‬على أيدي جيل املستقبل‪ ،‬فشبيبة املسلمني في أوروبا‪ ،‬ذكورا‬ ‫‪ -5‬إن التغيير إلى األفضل مطلوب على ال��دوام‪ ،‬والعمل وإناثا‪ ،‬بدأت متتلك تدريجيا أسباب عطاء أفضل وجهد أكبر‪،‬‬ ‫من أجله مفروض على الدوام‪ ،‬واملسؤولية عن ذلك مسؤولية‬ ‫مشتركة‪ ،‬وال�ت�ع��اون ض��رورة م��ن ض ��رورات حتقيقه‪ ..‬إمن��ا ال فاألمل كبير دون إغفال النواقص والسلبيات‪ ،‬وال العقبات‬ ‫ينبغي أن ينتظر أحد التغيير إلى األفضل بني ليلة وضحاها‪ ،‬الذاتية واخلارجية‪ ..‬إمنا لن تساهم في حتقيق األمل زيادة‬ ‫وال تبديل ما استقر في املجتمعات من أسباب تساعد على‬ ‫التغيير أو تعرقله‪ ،‬دون جهد متواصل صادر عن وعي يتنامى ال �ل��وم وال�ت�ق��ري��ع وال�ن�ق��د دون روي ��ة‪ ،‬ب��ل يساهم فيه الدعم‬ ‫ويتالقى عليه اجلميع لتتكامل جهودهم وإن تعددت نظراتهم‬ ‫ومنطلقاتهم وأساليبهم ووسائلهم في العمل‪ .‬ومن يقارن بني والتشجيع مع النقد والنصيحة وف��ق رؤي��ة متوازنة‪ ،‬وروية‬ ‫أوض��اع اإلس�لام واملسلمني في أوروب��ا بني ما كانت عليه قبل‬ ‫جيل واحد وما أصبحت عليه اليوم‪ ،‬ال ميكن إال أن يتفاؤل مستدمية‪ ،‬وصدق في الطرح‪ ،‬وصدق في العطاء‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪37‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫هل في اإلس�لام نظام للدولة‬ ‫أم م���رج���ع ل���ل���ق���ان���ون؟‬ ‫را�شد الغنو�شي‬ ‫مفكرا �سالمي – تون�س‬ ‫‪ ‬هل يعني ت�أكيد وثاقة ال�صلة بني الدين وال�سيا�سة بني الدين‬ ‫والدولة يف الإ�سالم‪ ،‬التي متثل الركن الركني يف �إيديولوجية‬ ‫احلركة الإ�سالمية املعا�صرة‪� ،‬أن ن�صو�ص الوحي كتابا و�سنة وهي‬ ‫امل�صدر الأعلى للت�شريع قد حملت نظاما �سيا�سيا لدولة حمدد‬ ‫املعامل ال ي�سع امل�سلم غري الإميان به ومواالته على غرار حمكمات‬ ‫الدين العقدية وال�شعائرية؟ �أم �أنه لي�س يف املجال �إل��زام‪ ،‬و�أن‬ ‫امل�سلم �إذا قام ب�شعائر دينه فلي�س ي�ضريه �أن ينتمي �إىل �أي نظام‬ ‫يحرتم ذلك؟! ما هو بالتحديد نوع العالقة بني الدين والدولة‬ ‫يف الإ�سالم �إذا كان م�سلّما وجود عالقة خ�صو�صية بينهما تختلف‬ ‫عن ديانات �أخرى وال ميكن �أن ت�سعها عالقة الف�صل املتعارف عليها‬ ‫كما تبلورت يف ثقافة احلداثة �أو العلمانية املعا�صرة وبخا�صة يف‬ ‫�صيغتها اليعقوبية الفرن�سية؟‬

‫أ‌‪ -‬رفعا لهذا اللبس أورد احملقق الكبير د‪ .‬محمد‬ ‫عمارة خالصة ملا انتهى إليه القانوني الكبير صاحب‬ ‫كتاب «اخل�لاف��ة» الدكتور عبد ال��رزاق السنهوري‪ :‬من أن‬ ‫اإلسالم ميتاز بأنه دين ودولة‪ ،‬وقد أرسل النبي ال لتأسيس‬ ‫دين وحسب بل لبناء قواعد دولة تتناول شؤون الدنيا‪ ،‬فهو‬ ‫بهذا االعتبار مؤسس احلكومة اإلسالمية كما أن��ه نبي‬ ‫املسلمني‪ ,‬هو بصفته مؤسس حكومة كانت له الوالية على‬ ‫كل من كان خاضعا لها سواء كان مسلما أو غير مسلم‪.‬‬ ‫وبوصف كونه نبيا لم يكن يطلب من غير املسلمني من‬ ‫الذين تركهم على دينهم االعتراف بنبوته‪ .‬من هنا وجب‬ ‫التمييز بني الدين والدولة‪ .‬وإن كان اإلسالم يجمع بني‬ ‫الشيئني‪ .‬وفائدة هذا التمييز أن مسائل الدين تدرس بروح‬ ‫‪38‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫غير التي تدرس بها مسائل الدولة‪ ،‬والفقهاء أدركوا أهمية هذا‬ ‫التمييز فوضعوا أبوابا للعبادات وأبوابا للمعامالت وبذلك‬ ‫فرقوا بني املسائل الدينية وبني القانون مبعناه احلديث‪.‬‬ ‫«اخلليفة ال ميلك من سلطة التشريع شيئا وال يشترك‬ ‫فيها واخل�ل�ي�ف��ة ل�ي��س ح��اك�م��ا م��دن�ي��ا وح �س��ب ب��ل ه��و أيضا‬ ‫الرئيس الديني للمسلمني ولكنه ال ميلك سلطة روحية‬ ‫وما دام للمسلمني قانون إسالمي فلديهم حكومة إسالمية‪.‬‬ ‫ومل��ا كانت األح�ك��ام الدنيوية تتطور وك��ان ال بد من انقطاع‬ ‫الوحي بقبض الرسول عليه السالم أصبح محتما أن يكون‬ ‫للمسلمني م �ص��در ث��ال��ث للتشريع ه��و إج �م��اع األم� ��ة‪ ،‬من‬ ‫طريق وج��ود طائفة ينوبون ع��ن األم��ة متلك ق��وة التشريع‬ ‫ف��ي ح��دود ال�ك�ت��اب وال�س�ن��ة‪ .‬واخلليفة ال ميلك م��ن سلطة‬ ‫ال�ت�ش��ري��ع شيئا وال ي�ش�ت��رك فيها واخل�ل�ي�ف��ة ل�ي��س حاكما‬ ‫م��دن�ي��ا وح �س��ب ب��ل ه��و أي �ض��ا ال��رئ �ي��س ال��دي �ن��ي للمسلمني‬ ‫ولكنه ال ميلك سلطة روحية (اإلس�ل�ام والسياسة ص‪ .)93‬‬ ‫ب‌‪ -‬مفكر إس�لام��ي آخ��ر م��ن رج��ال القانون ه��و الدكتور‬ ‫محمد سليم العوا تصدى هو كذلك لرفع اللبس عما ميكن‬ ‫أن يحيط بشعار «اإلس�لام دين ودول��ة» من ظالل دميقراطية‬ ‫مخيفة فتساءل‪ :‬ماذا يعني أن اإلسالم دين ودولة؟‬ ‫«إن إث�ب��ات وج��ود ن�ظ��ام حكم م�ح��دد امل�ع��ال��م والتفاصيل‬ ‫في مصادر اإلس�لام الرئيسية القرآن والسنة أمر دون��ه خرق‬ ‫القتاد‪ ،‬فالقرآن والسنة ال يتضمنان نصا عن كيفية اختيار‬ ‫احلكام وكيفية محاسبتهم وكيفية عزلهم وال عمن يعينهم‬ ‫على واليتهم وال في املصدرين نص خاص بالسلطة القضائية‬ ‫ومن يتوالها وال جند حتديدا ملن يتولى التشريع فيما ال نص‬ ‫فيه‪ ،‬لذلك جل��أ املسلمون السابقون إل��ى س��د ه��ذه املناطق‬


‫الفراغ باالجتهاد على نحو ما بني اجلويني بقوله ال مطمع التاريخ دون وجود نظام سياسي يقوم على إنفاذها‪ ،‬وهو ما‬ ‫في وج��دان نص من كتاب الله في تفاصيل اإلمامة‪ ،‬فحمل يوجب على املسلمني بذل الوسع في تأسيس هذا اجلهاز إن لم‬ ‫عبارة (دين ودولة) عندما يوصف بها اإلسالم ال يصح إال على يكن موجودا‪ ،‬أو العمل على إصالحه في حالة وجوده»‬ ‫محمل واح��د هو وج��وب اجتهاد العلماء املؤهلني لذلك في‬ ‫ أن هذه الدولة اقتضتها أيضا ضرورات االجتماع البشري‪،‬‬‫املسائل السياسية مما يتصل بسلطات الدولة الثالث‪ ،‬لكن مبا لم تبرأ معه من ممارسة القهر وأن تكون وعاء لصراعات‬ ‫املضمون الصحيح للعبارة املذكورة هو أن اإلسالم دين يتعبد القوة على النفوذ والثروة‪ ،‬فهي منتوج بشري ال ميلك قداسة‬ ‫به ويتقرب به إلى الله بفعل مأموراته وترك منهياته ويطلب وال عصمة وال تأمينا ض��د امل�ي��ل الطبيعي ل��دى القائمني‬ ‫الثواب اإلضافي باحلرص على مندوباته ونوافله‪ ،‬وهو شريعة عليها باعتبارهم بشرا إلى االنفراد واالستئثار‪ ،‬وليس لها‬ ‫قانونية حتكم تصرفات الناس وأفعالهم من بيع وشراء وزواج من شرعية غير ما تستمده من شعبها‪ ،‬واإلسالم في مقصد‬ ‫وط�لاق وميراث ووصية وجرائم وعقوبات‪ ..‬بحيث ال يكون أساسي من مقاصده مسعى لالرتقاء بهذا اجلهاز اخلطير إلى‬ ‫باملسلمني حاجة الستيراد القانون من غيرهم‪ ،‬فاملقصود أفق إنساني أخالقي يؤنّسه ويهذبه ويسخره خلدمة مقاصده‬ ‫بكلمة دول��ة في هذا املقام هو الشريعة التي‪ ،‬أقلها نصوص االستصالحية‪.‬‬ ‫صريحة قطعية الورود والداللة‪ ،‬وأكثرها ظني فيهما أو في‬ ‫الصلاَ َة‬ ‫‪ ‬قال تعالى‪{ :‬ال َِّذينَ ِإن َّمكَّ ن ُ‬ ‫َّاه ْم ِفي الأْ َ ْر ِض أَ َق ُ‬ ‫اموا َّ‬ ‫أحدهما‪ ،‬والفقه املبني على النوعني هو اجتهاد بشري عرفه‬ ‫وف َو َن َه ْوا َع ِن المْ ُن َك ِر َو ِل َّل ِه َع ِاق َب ُة الأْ ُ ُم ِور}‬ ‫الغزالي بأنه طلب الوسع بأحكام الشريعة‪ ،‬فيكون املراد من َوآ َت ُوا الزَّ َكا َة َوأَ َم ُروا ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫(احلج‪ ) 41‬داعيا إلى اإلفادة من كل حكمة أنضجتها جتربة‬ ‫كون اإلسالم دينا ودولة هو قبول املرجعية اإلسالمية العامة‬ ‫حضارية ف��ي تقييد سلطان ال��دول��ة بتوزيع سلطاتها على‬ ‫التي تسمح بتعدد اآلراء وتنوعها في الشأن السياسي كما في‬ ‫أوسع نطاق وإط�لاق احلريات مبثل ما انتهت إليه التجربة‬ ‫كل شان إسالمي آخر وبذلك يتجنب املسلم الوقوع في القول‬ ‫الدميقراطية‪ .‬ومتثل الشريعة مم��ا متثله قيدا على إرادة‬ ‫بالفصل التام بني الدين والسياسة‪ .‬كما يتجنب الوقوع في‬ ‫اإلطالق لدى احلكام‪ ،‬العدو األلد ألعظم مقاصد اإلسالم‪:‬‬ ‫وهم أن النظام السياسي املقبول إسالميا هو نظام بعينه ال‬ ‫إقامة العدل ودفع اجلور‪ .‬‬ ‫يصح االختالف حوله وال االجتهاد في تفاصيله»‪.‬‬ ‫ أن هناك متييزا ضروريا بني اإلسالم باعتباره دينا يتع ّبد‬‫وليس في نظر العوا ملزما للحاكمني واحملكومني في املجال‬ ‫به وبني اإلس�لام باعتباره شريعة وقانونا‪ ،‬مبا يجعل احلمل‬ ‫السياسي ‪-‬واحلال أن املسالة السياسية كلها اجتهادية‪ -‬غير‬ ‫املشروع لتعريف اإلس�لام بأنه «دي��ن ودول��ة» أن��ه دي��ن وقانون‬ ‫«جملة من القيم نطقت بها نصوص الوحي مثل مبدأ األمر‬ ‫تعضده ال��دول��ة بحسب تعبير ابن‬ ‫أو دي��ن وشريعة‪ ،‬أو دي��ن ّ‬ ‫باملعروف والنهي عن املنكر وقيمة الشورى وهي واجبة على‬ ‫عاشور‪.‬‬ ‫احلاكم ابتداء وانتهاء‪ .‬وقيمة العدل في احلكم وفي القضاء‬ ‫ ه��ذا التمييز ب�ين ال�ش��ري�ع��ة وه��ي ال �ق��ان��ون اإلسالمي‬‫والنهي عن الظلم‪ ،‬وكذا األمر بحرية الرأي السياسي وسائر‬ ‫احلريات‪ ،‬وال تقل عن ذلك قيمة املساواة ومساءلة احلاكم للدولة وللمجتمع ولألفراد وبني الدولة باعتبارها مؤسسة‬ ‫باعتباره ليس فوق املساءلة‪ ..‬إلى هذه القيم اإلسالمية امللزمة للقوة تتشكل من أجهزة يديرها أشخاص تصدر عنهم أوامر‬ ‫نحتكم ونحن ندير النظر في كيفية تأسيس النظم السياسية وسياسات هي صناعة بشرية معرضة للوقوع في األخطاء‬ ‫املعاصرة على هدي اإلسالم وتعاليمه‪ ،‬وال باس علينا إن نحن وامل �ظ��ال��م‪ ،‬ه��ذا التمييز يفسح امل �ج��ال أم ��ام ح��ري��ة ال��رأي‬ ‫أخذنا بالوسائل التي سبقنا إليها غيرنا من األمم والشعوب»‪ .‬واالجتهاد والنقد والتعدد بكل أن��واع��ه‪ ،‬مبا في ذل��ك ظهور‬ ‫أمناط من الدول متعددة ومختلفة في مدى قربها أو بعدها‬ ‫(النظام السياسي في اإلسالم ‪.)103‬‬ ‫من العدالة‪ ،‬يلحقها كلها الوصف اإلسالمي ما دامت مستندة‬ ‫وهكذا يتلخ�ص من كل ما �سبق‪:‬‬ ‫إلى مرجعية اإلسالم التشريعية‪ ،‬وهو غير كاف ليشكل ضمانا‬ ‫ أن الدولة في اإلسالم مطلب اقتضاه الدين مبا تضمنه اللتزامها العدل في كل األحوال وال هو عاصم لها من الوقوع‬‫من شرائع وجاء به من قيم‪ ،‬وال ميكن أن تأخذ طريقها إلى في الظلم والتجبر‪ ،‬ما لم يتم تفعيل جملة مقاصد اإلسالم‬ ‫التاريخ دون وجود نظام سياسي يقوم على إنفاذها‪ ،‬وهو ما وقيمه في صياغة نظام سياسي يترجم تلك القيم واملقاصد‬ ‫يوجب على املسلمني بذل الوسع في تأسيس هذا اجلهاز إن لم ويفيد من جتارب املاضي واحلاضر في احلد من امليل الطبيعي‬ ‫يكن موجودا كما فعل املسلمون بزعامة نبيهم صلى الله عليه للملك إلى االنفراد (ابن خلدون)‪.‬‬ ‫وسلم‪ ،‬أو العمل على إصالحه في حالة وجوده‪ ،‬حتى يتواءم‬ ‫ ال يكفي مطلب تطبيق القانون اإلسالمي (الشريعة)‬‫وأداء املهمة‪ :‬إنفاذ الشرائع وفق مقاصد اإلسالم العليا وقيمه في معامالت الناس بيعا وش��راء وزواج��ا وطالقا‪ ،‬في حترير‬ ‫في العدل والشورى واملساواة‪.‬‬ ‫مجتمعاتنا مما ترزح حتته من استبداد ووضعها على طريق‬ ‫‪« ‬الدولة ف��ي اإلس�ل�ام مطلب اقتضاه ال��دي��ن مب��ا تضمنه النهضة ما دام الهرم مقلوبا أي ما دام السيد وهو الشعب‬ ‫من شرائع وجاء به من قيم‪ ،‬وال ميكن أن تأخذ طريقها إلى هو املسخر أله��واء احلاكم‪ ،‬خائفا منه‪ ،‬يترقب أبدا ويتوقى‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪39‬‬


‫بطشه‪ ،‬طامعا في مكرماته عبر التملق واخلنوع‪.‬‬ ‫‪ ‬إن عتبة ال��ول��وج إل��ى ح�ي��اة التحضر وجت ��اوز البربرية‬ ‫ومجتمعات احليوان القائمة هي االنتقال من سيادة منطق‬ ‫القوة والغلبة – وهو احلاكم اليوم في كل مجتمعاتنا على‬ ‫أنحاء مختلفة– صوب إعالء منطق احلق والعدل والقانون‪ .‬‬

‫يسوغ التبشير به مجددا على ما كان عليه سلطانا فرديا ال‬ ‫يتورع عن البطش مبعارضيه‪ .‬وفي ذلك بعض ما يسوغ ثورة‬ ‫الشيخ عبد الرازق عليه‪ ،‬إال أن الرجل قد تورط من أجل ذلك‬ ‫في أخطاء منهجية شنيعة من مثل نفي الصفة السياسية‬ ‫ع��ن عمل النبي عليه ال �س�لام‪ .‬وإخ��راج��ه عليه ال �س�لام في‬ ‫صورة الواعظ‪ ،‬في استنقاص لعمله التأسيسي لدولة وأمة‬ ‫وحضارة‪ .‬وال��ذي أدى به إلى ذلك عدم التمييز املذكور بني‬ ‫الدولة والقانون (الشريعة) حتى أعطى انطباعا بأنه يشمل‬ ‫اجلميع باعتراضه‪.‬‬

‫مطلب تطبيق الشريعة مبفاهيمها السائدة التي يغلب‬ ‫عليها الزجر‪ ،‬ال يكفي بل قد ال تكون له عالقة أصال بل قد‬ ‫يكون صارفا لألنظار عن املشكل احلقيقي ال��ذي تتلظى به‬ ‫أمتنا مند قرون ط��وال‪ ،‬مشكل االستبداد وإقصاء األمة عن‬ ‫شأنها أي عن ممارسة سيادتها وقوامتها على من توظفهم‬ ‫وهو نفس اخلطأ القاتل الذي وقعت وتقع فيه اجلماعات‬ ‫من احلكام خلدمتها‪ ،‬عبر إرساء وتأصيل نظام سياسي يحقق‬ ‫اإلسالمية التي اتخذت من تطبيق الشريعة على ما هي عليه‬ ‫لألمة استعادة سلطانها املسلوب‪ ،‬وإدراج ذلك ضمن أوليات‬ ‫شعارها املركزي األثير مثل طالبان واحلركة اإلسالمية في‬ ‫الشريعة‪.‬‬ ‫السودان‪ ،‬فلم يقدم لها ذلك أي ضمان من التورط في مظالم‬ ‫‪ ‬وليس لذلك من طريق في عصرنا غير تعبئة احلركة‬ ‫سياسية شنيعة من االنفراد واالستبداد والتنكيل باملعارضني‬ ‫اإلسالمية وحتشيد كل القوى الشعبية وراء مشروع للتغيير‬ ‫واج��دة العون على ذلك من اجلهاز الديني التقليدي الذي‬ ‫الدميقراطي‪ ،‬فالدميقراطية في عصرنا هي التي استأصلت‬ ‫يعطي ل �ـ»ول��ي األم���ر» ح�س��ب مفاهيم ال�ش��ري�ع��ة املتوارثة‪،‬‬ ‫شأفة االستبداد وأعادت للشعوب سلطانها‪ .‬‬ ‫صالحيات تكاد تكون مطلقة‪ ،‬ما دام يعمل حتت لواء الشريعة‪.‬‬ ‫ خطر استمرار هذا الغموض‪ :‬هذا الغموض في التمييز‬‫ولعمري إن ه��ذا اخللط ليس من شأنه إال أن يدعم حجج‬ ‫بني الشريعة قانونا وب�ين أنظمة للدولة مختلفة ميكن أن‬ ‫املعارضني للشريعة‪ ،‬واخل��وف والتخويف منها‪ ،‬كما سيثمر‬ ‫تطبق الشريعة في إطارها وحتى تلك البالغة حدا بعيدا من‬ ‫الظلم‪ ،‬هو بعض ما حمل –فيما نحسب‪ -‬الشيخ عبد الرازق‪ ،‬إنتاج حركات بال حد وال عدد من جماعات التطرف واإلرهاب‬ ‫وقد ضاق ذرعا باألنظمة املتجبرة احلاكمة باسم الشريعة‪ ،‬ومتزيق االجتماع اإلس�لام��ي شر مم��زق‪ ،‬وذل��ك ما لم يرفع‬ ‫على نزع كل صفة دينية عن تلك ال��دول املنسوبة لإلسالم‪ ،‬هذا اللبس وينقل الوعي اإلسالمي الرشيد األمة إلى ساحة‬ ‫حتى يجردها من كل قداسة تلتحف بها ومن مبررات وجودها املعركة احلقيقية في أمتنا ساحة اجلهاد الشامل لتحرير‬ ‫ما تبقى من دار اإلسالم حتت االحتالل وبخاصة فلسطني‪،‬‬ ‫وييسر ويشرع باب االنتقاض عليها‪.‬‬ ‫«ليس لنظام اخلالفة الذي ساد تاريخنا ما يفرض على وقصره على اجلهاد املدني السلمي الشامل ضد االستبداد‬ ‫املؤمنني تقديسه أو التستر على مظامله وإقصائه لسلطان من أجل قيام دولة الشعب دولة العدل واحلرية‪ ،‬دولة املواطنة‪،‬‬ ‫األم��ة واستبداده به دونها‪ ،‬وليس فيه ما يسوغ التبشير به دول��ة األم��ة نهاية‪ ،‬حيث ي�ك��ون ملواطنيها يومئذ احل��ق في‬ ‫مجددا على ما كان عليه سلطانا فرديا ال يتورع عن البطش االختيار بحرية كاملة نوع القانون الذي ستحتكم إليه في‬ ‫مبعارضيه»‪.‬‬ ‫إطار مبادئ العدالة وحقوق اإلنسان التي جاءت بها الرسل‬ ‫واحل���ق أن ��ه ل�ي��س ل�ن�ظ��ام اخل�ل�اف��ة ال���ذي س ��اد تاريخنا عليهم السالم وناضلت وال ت��زال من أجلها البشرية‪».‬إمنا‬ ‫م��ا ي�ف��رض على امل��ؤم�ن�ين تقديسه أو التستر على مظامله بعثت ألمتم مكارم األخ�لاق» رواه احلاكم وصححه األلباني‬ ‫وإقصائه لسلطان األم��ة واستبداده به دونها‪ ،‬وليس فيه ما في «األحاديث الصحيحة»‪.‬‬

‫ ‬

‫‪40‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫دراسات إسالمية‬

‫نظرية‪ ‬‬ ‫عند عبد الرحمن الكواكبي‬ ‫طبائع االستبداد‬ ‫بقلم‪� :‬أ‪ .‬حممد يتيم‬

‫في يوم من أي��ام شهر يونيو سنة ‪ 1902‬لفظ عبد الرحمن الكواكبي بعد عمر طويل من مناهضة‬ ‫االستبداد أنفاسه بالقاهرة ‪ ،‬وهو الذي تنفس أول أنسام احلياة ونشأ في سوريا‪ ،‬وجاب البالد اإلسالمية‬ ‫يدعو إلى اإلص�لاح من مدخل إص�لاح نظام السياسة أي من خالل مقاومة االستبداد فعبد الرحمن‬ ‫الكواكبي ال��ذي خبر أوض��اع بلده وواقعها االجتماعي والسياسي والثقافي من خالل خبرته امليدانية‬ ‫رئيسا لقلم‬ ‫الناجمة عن عمله بالصحافة مند وقت مبكر من حياته ‪ ،‬وشغل العديد من الوظائف‪ ،‬فكان ً‬ ‫ورئيسا للجنة األشغال العامة‪ ،‬وقام‬ ‫وعضوا فخر ًّيا في جلنة امتحان احملامني‪،‬‬ ‫احملضرين في والية حلب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بأعمال عمرانية وجتارية ‪ ،‬كما عمل بالقضاء فكان يقصده أصحاب احلاجات لقضائها‪ ،‬ويلجأ إليه أرباب‬ ‫يقر ظا ًملا‬ ‫املشاكل حللها‪ ،‬بل كان رجال احلكم يستشيرونه أحيانًا فيبدي رأيه في جرأة وشجاعة وكان ال ُّ‬ ‫جائرا ‪.‬‬ ‫على ظلمه وال يسالم‬ ‫ً‬ ‫عبد الرحمن الكواكبي هذا كان يصطدم في كل أعماله‬ ‫بنظام الدولة واستبداد احلكام وفساد اإلدارة‪ ،‬وكان سالحه‬ ‫النزاهة واالستقامة والعدل ‪ ،‬فحاربه والة حلب ورجال الدولة‬ ‫في األستانة‪َ ،‬ف ��ز ِّورت عليه التهم ف��قُ � ِّ�دم للمحاكمة ‪ ،‬األمر‬ ‫الذي جعله يهاجر س ًّرا إلى مصر سنة ‪1316‬هـ‪1899/‬م لينشر‬ ‫فيها فصو ًال من كتابه (طبائع االستبداد ومصارع االستعباد‬ ‫)‪ ،‬الذي طور فيه نظريته في اإلص�لاح القائمة على أولوية‬ ‫إص�لاح النظام السياسي باعتباره مدخال إلح��داث النهضة‬ ‫واخلروج من داء االنحطاط ‪ ،‬على اعتبار أن الفساد السياسي‬ ‫ه��و أص��ل ك��ل ف�س��اد مب��ا ف��ي ذل��ك ف�س��اد التربية واألخ�ل�اق‪.‬‬ ‫يقول عبد الرحمن الكواكبي في تفسير دوافع تأليف الكتاب‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫هجرت‬ ‫> إنني في سنة ثماني عشر وثالثمائة وألف هجرية‬ ‫الشرق‪ُ ،‬‬ ‫دياري سرح ًا في ّ‬ ‫فزرت مصر‪ ،‬واتخذتها لي مركز ًا أرجع‬ ‫سمي‬ ‫إليه مغتنم ًا عهد احل ّر ّية فيها على عهد عزيزها حضرة‬ ‫ًّ‬

‫عم النّبي ( العباس الثاني ) النّاشر لواء األمن على أكناف‬ ‫ُ‬ ‫فوجدت أفكار سراة القوم في مصر كما هي في سائر‬ ‫ملكه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫الشرق خائضة عباب البحث في املسألة الكبرى‪ ،‬أعني املسألة‬ ‫االجتماعية في ّ‬ ‫الشرق عموم ًا وفي املسلمني خصوص ًا‪ ،‬إمنا‬ ‫هم كسائر الباحثني‪ ،‬كلّ يذهب مذهب ًا في سبب االنحطاط‬ ‫ُ‬ ‫الداء‬ ‫وفي ما هو الدواء‪.‬‬ ‫متحص عندي أنّ أصل ّ‬ ‫وحيث إني قد ّ‬ ‫السياسي ودواؤه دفعه ّ‬ ‫الدستورية»‬ ‫بالشورى ّ‬ ‫هو االستبداد ّ‬ ‫استقر فكري على ذلك ـ كما أنّ ُ‬ ‫لكلّ نبأ مستقراًـ‬ ‫> وقد‬ ‫َّ‬ ‫يخطر‬ ‫بعد بحث ثالثني عام ًا‪ ...‬بحث ًا أظنّهُ يكاد يشمل كلّ ما‬ ‫ُ‬ ‫النظرة األولى‪،‬‬ ‫يتوه ُم فيه الباحث عند‬ ‫على البال من سبب‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫أن يكشف‬ ‫بأهم أصوله‪،‬‬ ‫ولكن‪ ،‬ال يلبث ْ‬ ‫أنهُ ظفر بأصل ّ‬ ‫ْ‬ ‫الداء أو ّ‬ ‫فرع ال أصل‪ ،‬أو هو‬ ‫له التّدقيق أنّه لم يظفر بشيء‪ ،‬أو أنّ ذلك ٌ‬ ‫نتيجة ال وسيلة‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪41‬‬


‫> غير أن عبد الرحمن الكواكبي سرعان ما يدفع ما قد بها أف�ك��ار إخ��وان�ه��م الشرقيني وين ِّبهونهم ـ السيما العرب‬ ‫يتوهمه البعض بأن الكتاب عبارة عن خطاب سياسي موجه منهم ـ ملا هم عنه غافلون‪ ،‬فيفيدونهم بالبحث والتّعليل‬ ‫إلى نظام سياسي بعينه أو ردة فعل مباشر على اضطهاده ‪ ،‬وضرب األمثال والتّحليل (ما هو داء ّ‬ ‫الشرق وما هو دواؤه؟)‪.‬‬ ‫بل إنه يلمح في مقدمة كتابه إلى أنه جاء ليمأل فراغا في‬ ‫مؤلفات علماء السياسة من القدماء واحملدثني ومن الكتاب‬ ‫السياسة بأنّه «إدارة ّ‬ ‫الشؤون‬ ‫وانطالقا من تعريفه علم ّ‬ ‫الصحفيني ف��ي التأليف ف��ي قضية االس�ت�ب��داد السياسي ‪.‬‬ ‫املشتركة مبقتضى احلكمة؛ يكون ـ مبحث االستبداد حسب‬ ‫ولذلك فهو يؤكد على الطابع النظري للكتاب وأنه يهدف إلى‬ ‫ّصرفا‬ ‫السياسة‬ ‫ّ‬ ‫بناء منظومة نظرية تفسر أصل االستبداد السياسي وآليات الكواكبي ـ أ ّول مباحث ّ‬ ‫وأهمها بحث باعتباره ت ُّ‬ ‫في ّ‬ ‫الشؤون املشتركة مبقتضى الهوى» ‪.‬‬ ‫اشتغاله (طبائع االستبداد ) وآثاره االجتماعية واألخالقية‬ ‫أما من الناحية املنهجية فإن صياغة نظرية مفسرة لنشوء‬ ‫واالق�ت�ص��ادي��ة (م �ص��ارع االستعباد )‪ ،‬ث��م بعد ذل��ك مداخل‬ ‫وأص��ول وآل�ي��ات اشتغال االس�ت�ب��داد وم��داخ��ل معاجلته متر‬ ‫معاجلة هذه اآلفة ‪.‬‬ ‫ضرورة عبر اإلجابة عن األسئلة التالية ما هو االستبداد؟ ما‬ ‫يقول الكواكبي في توضيح ذلك ‪:‬‬ ‫سببه؟ ما أعراضه؟ ما سيره؟ ما إنذاره؟ ما دواؤه؟‬ ‫ً‬ ‫وأمة‬ ‫> وأنا ال أقصد في مباحثي ظامل ًا بعينه وال‬ ‫حكومة َّ‬ ‫و تتفرع عن هذه األسئلة أسئلة ومباحث أخرى منها ‪ :‬ما‬ ‫مخصصة‪ ،‬وإمن��ا ُ‬ ‫أردت ب�ي��ان طبائع االس�ت�ب��داد وم��ا يفعل‪،‬‬ ‫املستبد شديد اخلوف؟ ملاذا‬ ‫وتشخيص مصارع االستعباد وما يقضيه وميضيه على ذويه‪ ...‬هي طبائع االستبداد؟ ملاذا يكون‬ ‫ُّ‬ ‫املستبد؟ ما تأثير االستبداد على‬ ‫الدفني‪ ،‬عسى يستولي اجلنب على رعية‬ ‫ّ‬ ‫ولي هناك‬ ‫ٌ‬ ‫قصد آخر؛ وهو التنبيه ملورد الداء ّ‬ ‫الدين؟ على العلم؟ على املجد؟ على امل��ال؟ على األخالق؟‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫أن يعرف الذين قضوا نحبهم‪ ،‬أنهم هم املتسببون ملا حل بهم‪،‬‬ ‫فال يعتبون على األغيار وال على األق��دار‪ ،‬إمنا يعتبون على على ال��تَّ � ِّ‬ ‫�ران؟م� ْ�ن ه��م أعوان‬ ‫�رق��ي؟ على التّربية؟ على ال�ع�م�‬ ‫َ‬ ‫تحمل االستبداد؟ كيف يكون التّخلص من‬ ‫ّ‬ ‫املستبد؟ هل ُي ّ‬ ‫رمق‬ ‫اجلهل و َف ْق ِد الهمم والتّواكل‪ ..‬وعسى الذين فيهم بقية ٍ‬ ‫االستبداد؟ مباذا ينبغي استبدال االستبداد؟‬ ‫من احلياة يستدركون شأنهم قبل املمات‪.‬‬ ‫وسنسعى م��ن خ�ل�ال احل�ل�ق��ات ال �ق��ادم��ة ب ��إذن ال �ل��ه إلى‬ ‫السياسيني‬ ‫ويقول أيضا‪> :‬‬ ‫ْ‬ ‫ولكن يظهر لنا أنّ احمل ِّررين ّ‬ ‫م��ن ال�ع��رب ق��د ك�ث��روا‪ ،‬بدليل م��ا يظهر م��ن منشوراتهم في استعراض أجوبة عبد الرحمن الكواكبي مع بعض اإلسقاطات‬ ‫اجلرائد واملجالت في مواضع كثيرة‪ .‬ولهذا‪ ،‬الح لهذا العاجز التي يسمح بها الواقع العربي‪ ،‬مع مساءلة القدرة التفسيرية‬ ‫أن ُأذكّر حضراتهم على لسان بعض اجلرائد العربية مبوضوع لنظرية الكواكبي وتقصي حدودها‪ ،‬واألسباب التي أدت إلى‬ ‫ْ‬ ‫السياسية‪ ،‬وق� َّ�ل م��ن ط��رق بابه منهم إلى إخفاق محاوالت النهوض عبر مدخل اإلصالح السياسي في‬ ‫املباحث‬ ‫�م‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫�و‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اآلن‪ ،‬فأدعوهم إلى ميدان املسابقة في خير خدمة ينيرون العالم العربي‪.‬‬

‫ ‬

‫‪42‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وسطـيتـنـا‬ ‫الوسطية مشروع األمة احلضاري‬ ‫د‪ .‬هايل داوود‬

‫االنسان اجلديد‬ ‫�أ‪ .‬فتح اهلل كولن‬

‫الوسطيــة هــي احلــل فــي السياســة واالقتصـــاد‬ ‫دولة ‪ .‬جنيب ميقاتي‬

‫رسالة عمان العدل اسمى معانيها‬ ‫�أ ‪ .‬مازن الفاعوري‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪43‬‬


‫وس��ط��ي��ت��ن��ا‬

‫الو�سطية‬ ‫م�ش��روع الأم��ة احل�ض��اري‬ ‫الدكتور هايل داود‬ ‫كلية ال�شريعة – اجلامعة الأردنية‬

‫أن نهضة األمة ال تكون إال‬ ‫إن من املسلمات التي نؤمن بها َّ‬ ‫َّ‬ ‫باإلسالم‪ ،‬فهو املنهج الوحيد القادر على النهوض احلقيقي‬ ‫باإلنسان‪ ،‬ليس من اجلانب املادي فقط‪ ،‬ولكن من كل اجلوانب‬ ‫املادية والروحية واألخالقية‪ ،‬ليحقق السعادة لإلنسان في‬ ‫إن املناهج الوضعية والفلسفات املادية قد تستطيع‬ ‫الدارين‪َّ ..‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أن تقدم لإلنسان في بعض األحيان رفاها ماديا‪ ،‬إال أنها في‬ ‫الغالب غير قادرة أن تقدم له سعادة حقيقية‪ ،‬وحياة إنسانية‬ ‫هانئة‪ ،‬والتمزق ال��ذي تعيشه البشرية اليوم مع كل تقدمها‬ ‫املادي يؤكد ذلك ويقرره‪.‬‬ ‫ولكن أي إس�لام هو ال��ذي تنهض به األم��ة‪ ،‬إن��ه اإلسالم‬ ‫احلقيقي ال��ذي يسع الناس‪ ،‬القادر على إسعادهم وحتقيق‬ ‫الرخاء لهم‪ ،‬اإلسالم املتسامح الرحب الواسع‪ ،‬اإلسالم القادر‬ ‫على إش��ب��اع حاجة اإلن��س��ان الروحية وامل��ادي��ة‪ ،‬ه��و اإلسالم‬ ‫الذي أبرز خصائصه الوسطية ويدل على ذلك قوله تعالى‪:‬‬ ‫{ َو َك َذل َ‬ ‫َّاس}‬ ‫ِك َج َعلْنَا ُك ْم أ ُ َّم�� ًة َو َس ًطا ِلتَ ُكونُوا ُش َه َدا َء َعلَى الن ِ‬ ‫(البقرة‪.)143:‬‬ ‫إن الله عز وجل قد ربط بني وسطية األمة والشهادة على‬ ‫َّ‬ ‫الناس‪ ،‬فاألمة املسلمة امللتزمة مبنهج الوسطية هي الشاهدة‬ ‫على الناس بأحقية هذا الدين‪ ،‬وأنه املنهج احلق‪ ،‬القادر على‬ ‫إسعاد اإلنسان وإخراجه من حالة الضعف والتخلف والشقاء‬ ‫والتمزق‪.‬‬ ‫إن األم��ة ال تكون ف��ي موضع ال��ش��ه��ادة إال إذا كانت في‬ ‫َّ‬ ‫أفضل حاالتها‪ ،‬في كل جوانب حياتها السياسية واالقتصادية‬ ‫واالجتماعية واألخالقية والعلمية‪ ،‬في فكرها وسلوكها‪ ،‬في‬ ‫متدنها وحتضرها‪ ،‬في إنسانيتها وقدرتها على تقدمي النوذج‬ ‫الذي يسعد اإلنسان دنيا وآخرة‪ ،‬ويهذا تقدم شهادة حقيقية‬ ‫لهذا الدين‪ ،‬جتعل األمم توقن بأحقيته وقدرته وصالحيته‬ ‫للحياة واإلنسان‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫إن األم����ة إذا ك��ان��ت مم��زق��ة م��ف��رق��ة متخلفة ع��ن ركب‬ ‫َّ‬ ‫احلياة اإلنسانية‪ ،‬يسودها التخلف السياسي واالقتصادي‬ ‫واالجتماعي والعلمي‪ ،‬األمة التي تعيش حالة الفقر واألمية‬ ‫واجلهل وم��ص��ادرة احل��ري��ات لن تستطيع أن تقدم الشهادة‬ ‫احلقيقية لهذا الدين‪ ،‬يل ستكون شهادة مزورة صادة عن دين‬ ‫إلن الناس في الغالب ال يفرقون بني الفكرة وحاملها‪،‬‬ ‫الله‪َّ ،‬‬ ‫فإذا رأوا حال املسلمني وتخلفهم عن ركب اإلمم ربطوا بني‬ ‫هذا الواقع املتخلف واإلسالم‪.‬‬ ‫ملاذا ال ننه�ض �إال بالو�سطية؟‬ ‫ألن الوسطية التزام احلد والصواب والعدل والفطرة‬ ‫‪َّ – 1‬‬ ‫واملنهج الصحيح‪.‬‬ ‫ألن مقابل الوسطية ال يكون إال جتاوز احلد‪ ،‬وجتاوز‬ ‫‪َّ – 2‬‬ ‫احلد يخالف الفطرة‪ ،‬وجت��اوز احلد إما إف��راط أو تفريط‪،‬‬ ‫وكالهما ال يؤدي إلى النجاح والنهوض‪.‬‬ ‫ألن الوسطية هي نظام إلهي يناسب هذا اإلنسان‪،‬‬ ‫‪َّ – 3‬‬ ‫من حيث طبيعة هذا اإلنسان‪ ،‬والغاية التي خلق لها‪ ،‬فالله‬ ‫عز وجل أودع في اإلنسان حب التوسط‪ ،‬والنفور من التنطع‬ ‫والتشدد‪ ،‬ومن امليوعة والتسيب‪.‬‬ ‫إن الوسطية لها قدرة على التجديد واملرونة والتكيف‬ ‫‪َّ – 4‬‬ ‫ومراعاة واقع العصر وتغير أحواله‪ ،‬مما يكفل لها اإلنطالق‬ ‫باإلنسان في احلياة دون معيقات‪ ،‬وفي نفس الوقت احملافظة‬ ‫على الثوابت‪ ،‬فهي ليست ميوعة وال تفلتا من القيود‪ ،‬ولكنها‬ ‫مرونة منضبطة بضوابط الشرع وروحه ومقاصده‪ ،‬دون جمود‬ ‫على اجتهادات آنية اقتضتها ظروف مرحلة معينة‪ ،‬فأصبحت‬ ‫في حس البعض ثوابت ومقدسات ال يصح االقتراب منها‪.‬‬ ‫إن اجلمود على املنقوالت وتقديسها دون نظر إلى ظروفها‬ ‫َّ‬ ‫ومالبساتها هو ض�لال في الدين كما ق��ال اب��ن القيم‪ ،‬وهو‬


‫تضييق على الناس وحد من حركتهم‪ ،‬ووضع قيود على مسيرة‬ ‫إلن الشرع أراد هذا‪ ،‬وإمنا لعدم القدرة‬ ‫العمل والتطوير‪ ،‬ليس َّ‬ ‫على التفريق بني الثابت واملتغير‪ ،‬بني األص��ل وال��ف��رع‪ ،‬بني‬ ‫احلكم الذي ال يتغير‪ ،‬واحلكم املبني على علة متغيرة يتغير‬ ‫بتغيرها‪.‬‬ ‫إن األهداف والغايات الكبرى في النظام اإلسالمي ثابتة‬ ‫َّ‬ ‫راس��خ��ة‪ ،‬ال يصح العبث فيها‪ ،‬أم��ا الوسائل واآلل��ي��ات فهي‬ ‫متغيرة بحسب تغير املكان والزمات واإلنسان‪ ،‬ف��إذا أخذت‬ ‫الوسائل حكم املقاصد أدى هذا إلى نوع من الغلو والتشديد‬ ‫أن الوسائل شرعت لتحقيق املقاصد‪ ،‬فإذا‬ ‫على الناس‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫لم تؤدي إليها‪ ،‬أو أدت إلى عكسها لم تعد مشروعة بل كما قال‬ ‫الشاطبي عادت على أصل مشروعيتها بالنقض‪.‬‬ ‫فاجلهاد مث ً‬ ‫ال شرع للدفاع عن الدين والنفس واملال والعرض‬ ‫واألرض‪ ،‬فإذا لم يؤد إلى هذا بل إلى عكسه لم يعد مشروعاً‪،‬‬ ‫أن اجلهاد إذا كان من املؤكد أنه سيؤدي‬ ‫فقد قال الفقهاء َّ​ّ‬ ‫إلى تضييع أرض املسلمني‪ ،‬أو استئصال شأفتهم فال يعود‬ ‫مشروعاً‪ ،‬وهو ما أشار إليه ابن كثير وهو يعلل سبب نهي الله‬ ‫عز وجل للمسلمني عن قتال الكافرين في مكة قبل الهجرة في‬ ‫تفسيره لقوله تعالى ‪{ :‬أَلَ ْم تَ َر ِإلَى ا َّلذِ ي َن قِ ي َل لَ ُه ْم ُكفُّوا أَيْدِ يَ ُك ْم‬ ‫إن السبب‬ ‫الصلاَ ةَ َوآتُوا ال َّز َكاةَ}(النساء‪ ،)77:‬فقال‪َّ :‬‬ ‫َوأَقِ ي ُموا َّ‬ ‫أنهم قلة وأنهم في بلدهم وهو البلد احلرام‪ ،‬واملسلم معروف‬ ‫أن‬ ‫بالتزكية وصلة الرحم‪ ،‬وفي هذا إشارة منه رحمه الله إلى َّ‬ ‫القتال لم يشرع في مكة إلنه لو شرع وطلب من املسلمني ألدى‬ ‫إل��ى استأصالهم ألنهم قلة‪ ،‬وألوج��د للكافرين حجة لقتلهم‬ ‫وإبادتهم‪ ،‬كما سيؤدي إلى تقطيع أرحامهم والنفور منهم‪.‬‬ ‫ألن الوسطية اإلسالمية احتوت على مجموعة من‬ ‫‪َّ – 5‬‬ ‫املبادىء التي تكفل النهوض باألمة إن حافظت عليها منها‪:‬‬ ‫أ – التوازن بني حق الفرد واجلماعة مبا يؤدي إلى إطالق‬ ‫طاقات األف��راد في العمل واإلنتاج‪ ،‬وفي نفس الوقت إفادة‬ ‫املجتمع من بعض عائد عملهم وإنتاجهم‪.‬‬ ‫ب – التوازن في حق امللكية بني الرأسمالية التي أطلقتها‬ ‫بحيث أصبح اإلنسان بها وحشاً بال ضوابط‪ ،‬مما أدى إلى أن‬ ‫يأكل القوي الضعيف‪ ،‬وأدى إلى احل��روب اإلستعمارية التي‬ ‫أهلكت احلرث والنسل‪ ،‬من أجل السيطرة على املوارد والثروات‪،‬‬ ‫وبني الشيوعية التي ص��ادرت حق اإلنسان في التملك‪ ،‬مما‬ ‫يصادم فطرة اإلنسان التي خلقها الله عز وجل وأودع فيه حب‬ ‫التملك‪ ،‬ليقوم بواجبه في عمارة األرض‪ ،‬فاإلنسان ال يعمل‬ ‫إذا صدرنا لديه هذا احلافز‪ ،‬وهو ما أدى بهذه النظرية إلى‬ ‫اإلنهيار السريع‪ ،‬فلم تصمد إال بضع عشرات من السنوات‪،‬‬ ‫حيث لم تؤدي إلى راحة هذا اإلنسان ورفاهيته‪ ،‬فثار عليها‬ ‫ولفظها‪ ،‬ومع ما في النظرية الرأسمالية من توحش إال أنها‬ ‫أق��رب إل��ى فطرة اإلن��س��ان في حب التملك ال��ذي يدفع إلى‬ ‫العمل‪ ،‬أما اإلسالم فكانت نظريته متوازنة بني حق الفرد في‬ ‫التملك‪ ،‬ولكن هذا احلق مضبوط بضوابط التملك املشروع‬ ‫من حيث وسائل التملك‪ ،‬وط��رق اإلنفاق‪ ،‬وكذلك في املعنى‬ ‫اإلجتماعي للملك‪ ،‬أي حق املجتمع في هذا امللك‪ ،‬بان يكون له‬

‫جزء مما ميلك الفرد‪ ،‬إن كان من خالل الزكاة أو غيره‪.‬‬ ‫ج – توسيع دائرة العفو أو املباحات‪ ،‬وتضييق دائرة املمنوع‪،‬‬ ‫وه��و األص��ل ال��ذي ذه��ب إليه أكثر الفقهاء ب��أن األص��ل في‬ ‫األشياء اإلباحة‪ ،‬وذلك توسيعاً على الناس ورفقاً بهم‪ ،‬ومن‬ ‫هنا فقد ح��ذر ال��ق��رآن ال��ك��رمي ال��ذي��ن يضيقون على الناس‬ ‫بالتحرمي‪ُ { :‬ق ْل َم ْن َح َّر َم زِ ينَ َة اللَّهِ ا َّلتِي أَخْ َر َج لِعِ بَادِ ِه َو َّ‬ ‫الط ِّيبَ ِ‬ ‫ات‬ ‫ِص ًة يَ ْو َم‬ ‫مِ َن ال ِّرزْقِ ُق ْل ِه َي ِللَّذِ ي َن آ َمنُوا فِ ي الحْ َ َيا ِة ال ُّدنْ َيا َخال َ‬ ‫الْقِ يَا َمةِ َك َذل َ‬ ‫ص ُل الآْ يَ ِ‬ ‫ات ِل َق ْو ٍم يَ ْعل َ ُمونَ}(األعراف‪.)32:‬‬ ‫ِك نُ َف ِّ‬ ‫إن الذين يضيقون على الناس ويحرمون ما َّ‬ ‫أحل الله هو‬ ‫َّ‬ ‫أكثر خطراً وإيذاء من الذين يحللون ما حرم الله‪ ،‬مع أن كليهما‬ ‫أن التحرمي‬ ‫أمر مرفوض‪ ،‬واعتداء على حق الله تعالى‪ ،‬إال َّ‬ ‫والتضييق يؤدي إلى الصد عن الدين من خالل التضييق على‬ ‫الناس والتنفير من الدين‪.‬‬ ‫إن مساحة‬ ‫د – التوازن بني الثابت واملتغير من األحكام‪َّ .‬‬ ‫املتغير في األحكام اإلسالمية هو أكثر من الثابت‪ ،‬وهو سر‬ ‫خلود هذا الدين وقدرته على البقاء والتكيف وحتقيق حاجات‬ ‫هذا اإلنسان‪ ،‬وهو السر الذي فقهه املسلمون األوائل‪ ،‬فقادوا‬ ‫العالم بهذا ال��دي��ن‪ ،‬وه��و ال��ذي جعل اإلم���ام الشافعي يغير‬ ‫اجتهاداته الفقيه بني العراق ومصر خالل خمسة أعوام‪.‬‬ ‫هـ – التدرج وع��دم التسرع‪ ،‬ومراعاة املرحلة والظروف‪،‬‬ ‫وعدم التعسف‪ ،‬والبعد عن النزق‪ ،‬والتخطيط االستراتيجي‬ ‫وط���ول ال��ن��ف��س‪ ،‬وك��م��ا ي��ق��ول االس��ت��اذ ط�لاب��ي أق��ص��ر الطرق‬ ‫للوصول هو الطريق املنحني وأطولها هو الطريق املستقيم‪.‬‬ ‫إن مخالفة هذه املبادئ واملسلمات يؤدي إلى استنزاف القوى‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وإتاحة املجال للخصم للنيل من املسلمني واستئصالهم‪ ،‬وفي‬ ‫هذا الصدد نتعظ بتجربة طالبان وجيهة اإلنقاذ في اجلزائر‬ ‫وغيرها من اجل��ارب التي جلأت إلى التسرع والتعسف مما‬ ‫أدى إلى استنزافها والنيل منها وإجهاضها‪.‬‬ ‫إن النبي صلى الله عليه وسلم رفض أن يأذن للمسلمني‬ ‫َّ‬ ‫في مكة باستخدام القوة املادية ضد املشركني‪ ،‬وحال بينهم‬ ‫وبني االستجابة الستقزاز الكافرين‪ ،‬وكان شعاره « صبراً آل‬ ‫فإن موعدكم اجلنة « وعندما استأذه األنصار في بيعة‬ ‫ياسر َّ‬ ‫«وإن‬ ‫العقبة الكبرى بقتال املشركني قال لهم « إنا لم نؤمر بعد َّ‬ ‫املرحلية في تشريع اجلهاد‪ ،‬والتدرج فيه خير شاهد على هذه‬ ‫اخلاصية في املنهج النبوي‪.‬‬ ‫و – امل��وازن��ة ب�ين املصالح وامل��ف��اس��د‪ ،‬واحل��س��اب الدقيق‬ ‫للربح واخلسارة‪ ،‬فقد نهى القرآن الكرمي املسلمني عن سب‬ ‫آلهة املشركني ملا أدى ذلك ألن يسبوا الله ع��دوا بغير علم‪،‬‬ ‫ووافق رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض بنود صلح‬ ‫احلديبية مع ما فيها من إجحاف في حق املسلمني‪ ،‬مقابل ما‬ ‫فيها ما إيجابيات كبيرة حتققت للمسلمني وحلركة اإلسالم‪،‬‬ ‫أن محمداً‬ ‫ورفض أن يقتل بعض املنافقني حتى ال يقول الناس َّ‬ ‫يقتل أصحابه‪ ،‬ووافق أن يُعطي ثلث ثمار املدينة لغطفان على‬ ‫أن يرجعوا وال يقاتلوا مع املشركني في اخلندق‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪45‬‬


‫وأن إعمار الدنيا هو‬ ‫ز – املوازنة بني العمل للدنيا واآلخرة‪َّ ،‬‬ ‫الطريق لآلخرة‪ ،‬وعدم الفصل بني الدين واحلياة‪ ،‬وأن ال يكون‬ ‫املسلم مسلماً في صالته‪ ،‬بعيداً عن اإلسالم في حياته‪.‬‬ ‫ح – املساهة في اخلير والتعاون على البر مع كل الناس‬ ‫باختالف أديانهم وأفكارهم ومعتقداتهم‪ ،‬وم��ا حلف الفضول‬ ‫وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم له بخير إال دليل على ذلك‪.‬‬ ‫ط – قبول اآلخ��ر والتعايش معه م��ادام ليس معادياً وال‬ ‫محارباً‪ ،‬إنطالقاً من قوله تعالى‪{ :‬لاَ يَنْ َها ُك ُم اللَّ ُه َعنِ ا َّلذِ ي َن‬ ‫لَ ْم يُ َقا ِتلُو ُك ْم فِ ي الدِّينِ َولَ ْم يُخْ رِ ُجو ُك ْم مِ ْن دِ يَارِ ُك ْم أَ ْن تَ َب ُّرو ُه ْم‬ ‫َوتُق ِْس ُطوا ِإلَيْهِ ْم إ َِّن اللَّ َه يُ ِح ُّب المْ ُق ِْس ِطنيَ}(املمتحنة‪ ،)8:‬وفي‬ ‫هذا املنهج اإلف��ادة من الطاقات واجلهود واحترام إنسانية‬ ‫اإلن��س��ان‪ ،‬وع���دم جعل االخ��ت�لاف ف��ي ال��دي��ن سبباً للعداوة‬ ‫والبغضاء والتقاتل‪ ،‬وفي سماح اإلسالم للمسلم بالزواج من‬ ‫أهل الكتاب وأكل طعامهم دليل على ذلك‪.‬‬ ‫إن دعوات املفاصلة واملقاطعة والبعد عن الناس ال يتفق مع‬ ‫َّ‬ ‫املنهج اإلسالمي الذي قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله عز وجل‬ ‫لقريش أن ينزل عليهم املطر ملا أصابهم اجلفاف والقحط‪ ،‬بل‬ ‫وميدهم بخمسمائة دينار‪ ،‬وملا منع ثمامة بن أثال عنهم الطعام‬ ‫من اليمامة أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن‬ ‫خل بني قريشا وميرتها»‪.‬‬ ‫ي – اعتماد مبدأ احلكمة واملوعظة احلسنة في احلركة‬ ‫وال��دع��وة واخل��ط��اب وامل��ج��ادل��ة م��ع ك��ل األط��ي��اف والتيارات‬ ‫واحلركات‪ ،‬مع املوافقني واملخالفني‪ ،‬مستندين في ذلك ملنهج‬ ‫قرآني أصيل كما في قوله تعالى‪َ { :‬ولاَ ت َْست َِوي الحْ َ َسنَ ُة َولاَ‬ ‫الس ِّيئَ ُة ا ْد َف ْع بِا َّلتِي ِه َي أَ ْح َس ُن َف ِإ َذا ا َّلذِ ي بَيْن َ​َك َوبَيْنَ ُه َع َدا َوةٌ‬ ‫َّ‬ ‫لاَ‬ ‫ِ��ي َحمِ ي ٌم}(فصلت‪ ،)34:‬وقوله تعالى‪َ { :‬و تجُ َ ادِ لُوا‬ ‫َك َأ َّن ُه َول ٌّ‬ ‫َاب ِإلاَّ بِا َّلتِي ِه َي أَ ْح َس ُن ِإلاَّ ا َّلذِ ي َن َظل َ ُموا مِ نْ ُه ْم َو ُقولُوا‬ ‫أَ ْه َل الْكِ ت ِ‬ ‫آ َمنَّا بِا َّلذِ ي أُنْزِ َل ِإلَيْنَا َوأُنْزِ َل ِإلَيْ ُك ْم َو ِإلَ ُهنَا َو ِإلَ ُه ُك ْم َو ِ‬ ‫اح ٌد َونَ ْح ُن‬ ‫لَ ُه ُم ْس ِل ُمونَ}(العنكبوت‪ ،)46:‬وقوله تعالى‪{ :‬ا ْد ُع ِإلَى َسبِيلِ‬ ‫َر ِّب َك بِالحْ ِ ْك َمةِ َوالمْ َ ْو ِع َظةِ الحْ َ َسنَةِ َو َجادِ لْ ُه ْم بِا َّلتِي ِه َي أَ ْح َس ُن‬ ‫إ َِّن َر َّب َك ُه َو أَ ْعل َ ُم بمِ َ ْن َ‬ ‫ض َّل َع ْن َسبِيلِهِ َو ُه َو أَ ْعل َ ُم ِبالمْ ُ ْهتَدِ ي َن}‬ ‫(النحل‪.)125:‬‬ ‫ك – املوائمة بني التمسك باألصل واالتصال بالعصر‪ ،‬أو‬ ‫املوازنة بني األصالة والتجديد‪ ،‬أو بني اإلنحياز للتراث بكل‬ ‫ما فيه من أحكام تأثرت بالواقع‪ ،‬وبني اإلف��ادة من منجزات‬ ‫العصر‪ ،‬فكثير مما وصل إليه اآلخرون هو موروث إنساني ال‬ ‫مانع من اإلفادة منه والبناء عليه‪ ،‬واحلكمة ضالة املؤمن‪.‬‬ ‫إن اليابان كانت بلداً متخلفاً‪ ،‬فاجتهت إلى الغرب وتعلمت‬ ‫َّ‬ ‫منه وتتلمذت عليه‪ ،‬ففاقته في جوانب عديدة‪ ،‬ولم تتخل عن‬ ‫أصالتها وقيمها‪ ،‬أما نحن فتعاملنا مع الغرب مبنهجني إما‬ ‫منهج التخوف والرفض « ال يأت من الغرب إال وجع القلب‪،‬‬ ‫أو منهج الذوبان والتماهي وفقدان الهوية‪ ،‬وفي كال املنهجني‬

‫كنا نتعامل مع الغرب ومنجزاته بأسلوب الزبون ال التلميذ فلم‬ ‫نتقدم وبقينا عالة على الغرب ولم نتعلم منه‪.‬‬ ‫ل – نقد الذات واملراجعة وقبول النقد من اآلخر‪ ،‬وهذا‬ ‫منهج إسالمي أصيل‪ ،‬أك��د عليه القرآن الكرمي وه��و يسدد‬ ‫املسلمني ويوصوبهم ف��ي ك��ل م��رة وق��ع��وا فيها ف��ي خطأ‪ ،‬أو‬ ‫انحرفوا عن جادة الصواب‪.‬‬

‫حصل هذا عندما اختلفوا على غنائم بدر فجاء اخلطاب‬ ‫القرآني لهم‪{ :‬يَ ْس َألُونَ َك َعنِ الأْ َنْ َفالِ ُقلِ الأْ َنْ َفا ُل ِللَّهِ َوال َّر ُسولِ‬ ‫ات بَيْ ِن ُك ْم َوأَ ِطي ُعوا اللَّ َه َو َر ُسولَ ُه ِإ ْن ُكنْتُ ْم‬ ‫ِحوا َذ َ‬ ‫صل ُ‬ ‫َفا َّتقُوا اللَّ َه َوأَ ْ‬ ‫ُمؤْمِ ِننيَ}(األنفال‪ ،)1:‬وكما حصل عندما خالفوا أمر الرسول‬ ‫صلى الله عليه وسلم في أُحد فبينَّ لهم القرآن الكرمي أنهم‬ ‫صبْتُ ْم‬ ‫صابَتْ ُك ْم ُم ِصي َب ٌة َق ْد أَ َ‬ ‫املسؤولون عن الهزمية‪{ :‬أَ َولمَ َّ��ا أَ َ‬ ‫مِ ثْلَيْ َها ُقلْتُ ْم أَ َّنى َه َذا ُق ْل ُه َو مِ ْن ِعنْدِ أَنْف ُِس ُك ْم إ َِّن اللَّ َه َعلَى ُك ِّل‬ ‫َش ْيءٍ َقدِ ي ٌر}(آل عمران‪ ،)165:‬وفي حنني ملا أعجب املسلمون‬ ‫بكثرتهم واعتمدوا عليها وظنوا أنها كافية للنصر قال لهم‬ ‫القرآن الكرمي‪َ { :‬ويَ�� ْو َم ُحنَينْ ٍ ِإ ْذ أَ ْع َجبَتْ ُك ْم َكثْ َرتُ ُك ْم َفل َ ْم تُ ْغنِ‬ ‫َعنْ ُك ْم َشيْ ًئا}(التوبة‪.)25:‬‬ ‫إن هذا املنهج القرآني أراد أن يعلم املسلمني مبدأ املراجعة‬ ‫َّ‬ ‫الذاتية‪ ،‬وتقومي املسيرة والبحث عن مواطن اخللل‪ ،‬حتى ال‬ ‫تتراكم األخطاء‪ ،‬ويتم اخلروج عن سواء السبيل‪.‬‬ ‫وقد أ َّكد أيضاً على قبول النقد واملراجعة وعدم الضيق‬ ‫به ولو كان من الغير‪ ،‬وحصل هذا األمر في بدر واحلباب بن‬ ‫املنذر يراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختياره ملكان‬ ‫املعركة بأنه مكان غير مناسب فيرجع صلى الله عليه وسلم‬ ‫إلى رأيه‪ ،‬وفي مناقشته ألصحابه وهم يراجعونه في شروط‬ ‫صلح احلديبية‪.‬‬ ‫إن املسيرة الراشدة حتتاج إلى املراجعة املستمرة من أجل‬ ‫َّ‬ ‫التصويب والتجديد ومواكبة التطورات‪ ،‬وعدم اجلمود على‬ ‫��إن الواقع‬ ‫موقف واح��د قد تغيرت ظروفه وأح��وال��ه‪ ،‬وإال ف َّ‬ ‫سيتجاوزنا‪ ،‬ونصبح في واد والناس في واد آخر‪ ،‬وهذه مسألة‬ ‫مهمة في كل جوانب احلياة‪ ،‬وتشتد احلاجة إليها في العمل‬ ‫اإلصالحي‪.‬‬ ‫م – النزول إلى واق��ع الناس ومشاكلهم العملية‪ ،‬وتقدمي‬ ‫البرامج العملية الواقعية وع��دم اإلكتفاء بالتنظير ال��ذي ال‬ ‫يالمس واقع الناس وقضاياهم اليومية‪ ،‬وإال أصبح املشروع‬ ‫مشروعاً فلسفياً لنخبة من الناس‪ ،‬ال يالقي القبول واالهتمام‬ ‫من اجلمهور‪ ،‬أو أن الناس سيسأمون اخلطابات الفارغة‬ ‫الرنانة التي ال تسقط ذبابة‪ ،‬والتنظير البارد الذي ال يقدم‬ ‫احللول‪.‬‬ ‫فال يكفي أن نتحدث عن فشل النظام املالي العاملي وسقوطه‬ ‫وأزمته‪ ،‬ونحن ال منلك اقتصاداً بل نعيش عالة على الغير‪ ،‬وال‬ ‫يكفي أن نتحدث عن فشل النظام الدميقراطي ونحن نعيش‬ ‫حالة من االستبداد السياسي‪.‬‬

‫ ‬

‫‪46‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وس��ط��ي��ت��ن��ا‬

‫اإلنسان اجلديد‬ ‫اال�ستاذ فتح اهلل كولن‬ ‫مفكر �إ�سالمي‪ -‬تركيا‬ ‫نحن ال��ي��وم على م��ش��ارف عهد جديد ف��ي مسيرة تاريخ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬متفتح على جتليات العناية الربانية‪ .‬لقد كان‬ ‫القرن الثامن عشر‪ ،‬بالنسبة لعاملنا‪ ،‬ق��رن التقليد األعمى‬ ‫واملبتعدين عن جوهرهم وكيانهم؛ وكان القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫قرن الذين اجنرفوا خلف شتى أنواع الفنتازيات واصطدموا‬ ‫مباضيهم ومقوماتهم التاريخية؛ والقرن العشرون‪ ،‬كان قرن‬ ‫املغتربني عن أنفسهم كليا واملنكرين لذواتهم وهويتهم‪ ،‬قرن‬ ‫الذين ظلوا يُنقّبون عمن يرشدهم وينير لهم الطريق في‬ ‫ع��ال ٍ��م غير عاملهم‪ .‬ولكن جميع األم����ارات وال��ع�لام��ات التي‬ ‫تلوح في األفق تبشر بأن القرن الواحد والعشرين‪ ،‬سيكون‬ ‫قرن اإلميان واملؤمنني‪ ،‬وعصر انبعاثنا ونهضتنا من جديد‪.‬‬ ‫أجل من بني هؤالء الذين هجروا العقل والتفكير مندفعني‬ ‫خلف «امل��وض��ات» الفكرية دون أي متحيص أو تدقيق‪ ،‬ومن‬ ‫ضمن اجلماهير الفاقدة ل َوعيها‪ ،‬الهائمة على وجهها‪ ،‬سيولد‬ ‫إنسان جديد كل اجلدة‪ ،‬إنسان يفكر ويحاسب‪ ،‬ويوازن ويدقق‪،‬‬ ‫ويعتمد على التجربة قدر اعتماده على العقل‪ ،‬ويثق ويؤمن‬ ‫باإللهام والوجدان قدر اهتمامه بالعقل والتجربة؛ إنسان يحاول‬ ‫دوما بروحه وبدنه الوصو َل إلى األفضل‪ ،‬ويرغب في الوصول‬ ‫إلى الكمال والتكامل في كل شيء‪ .‬إنسان يسمو باملوازنة بني‬ ‫الدنيا واآلخ��رة‪ ،‬ويوفق إلى اجلمع بني عقله وقلبه فيصبح‬ ‫منوذجا جديدا ال مثيل له‪ .‬وال شك أن والدة هذا اإلنسان‬ ‫وتوجع‬ ‫اجلديد ليس باألمر السهل‪ ،‬فال بد من آالم مخاض‬ ‫ّ‬ ‫وأن�ين‪ .‬ولكن حني يحني األوان فسوف تتحقق هذه الوالدة‬ ‫املباركة حتما‪ ،‬ويظهر هذا اجليل الذهبي بيننا فجأة ‪-‬كاخلضر‬ ‫عليه السالم‪ -‬بوجهه النوراني الذي يشع كالبدر‪ .‬فكما تنهمر‬ ‫الرحمة اإللهية من خالل الغيوم املتراكم بعضها فوق بعض‪ ،‬وكما‬

‫تتفجر املياه من ينابيع األرض‪ ،‬وتتفتح زهرات الثلج وتنتشر في‬ ‫مواقع ذ َوبان الثلج واجلليد‪ ،‬وكما تتألأل قطرات الندى وتتربع‬ ‫على األوراق‪ ،‬سيسطع نور هذا اإلنسان في سماء البشرية‬ ‫البائسة احلزينة ال محالة‪ ،‬رمب��ا اليوم أو غ��دا أو بعد غد‪.‬‬ ‫اإلنسان اجلديد بطل يتمتع بشخصية قوية استطاعت أن‬ ‫تسمو على املؤثرات اخلارجية بشتى أنواعها‪ ،‬وعزمت على‬ ‫الصمود واالكتفاء الذاتي‪ .‬فكما أن الشرق والغرب لن يستطيعا‬ ‫أسره ووضع السالسل في قدميه‪ ،‬فكذلك لن تستطيع األفكار‬ ‫والفلسفات التي تتناقض مع هويته املعنوية وجذوره أن تغير‬ ‫وجهته وتضله في ظالمها عن طريقه‪ ،‬بل ولن تستطيع أن‬ ‫تزحزحه عن مكانه قيد أمنلة أو أقل من ذلك‪ .‬أجل‪ ،‬اإلنسان‬ ‫اجلديد رجل حر في تفكيره‪ ،‬حر في تصوره‪ ،‬حر في إرادته‪،‬‬ ‫وحريته هذه مرتبطة بقدر عبوديته لله سبحانه وتعالى‪ .‬ثم إن‬ ‫اإلنسان اجلديد ال يتشبه باآلخرين وال يتمثل بهم‪ ،‬بل يحاول‬ ‫جاهدا أن يتز ّيى بهويته الذاتية ويتز ّين مبقوماته التاريخية‪.‬‬ ‫اإلنسان اجلديد ممتلئ بالفكر‪ ،‬ملتهب بعشق البحث‪ ،‬مفعم‬ ‫باإلميان‪ ،‬قابل للوجدانيات‪ ،‬متشبع بنشوة الروحانية ومعانيها‪...‬‬ ‫إنسان يبدي كفاءة من نوع آخر في سبيل بناء عامله‪ ،‬مستفيدا من‬ ‫إمكانيات عصره إلى أقصى حد‪ ،‬متمسكا مببادئه وقيمه الذاتية‪.‬‬ ‫اإلنسان اجلديد‪ ،‬هو إنسان يحمل في قلبه إيـمان أجداده‬ ‫األج ّ‬ ‫الء‪ ،‬ويفكر تفكير أعالم حضارته العظماء‪ ،‬وميتلئ مثلهم‬ ‫رغبة في إسماع صوته وإظهار قوة رسالته للبشرية جمعاء‪...‬‬ ‫ومثلهم كذلك يسطع ن��ورا في كبد الظالم فيضيء األرجاء‬ ‫برمتها‪ ...‬يؤدي واجبه هذا بصدق ووفاء غير محدود‪ ،‬معتصما‬ ‫باحلق متمسكا بالرسالة السماوية في كل حلظة‪ ..‬يتألم ويئن‪،‬‬ ‫ميوت ويحيا من أجل إحياء احلق وإنهاضه‪ .‬فهو دائما على‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪47‬‬


‫أهبة االستعداد للتخلي عن املال والولد والغالي والنفيس‪ ،‬ولن‬ ‫تكون سعادته الشخصية بغيته أو همه أبدا‪ ،‬بل همه الوحيد‬ ‫أال يضيع بذرة واحدة من البذور الصاحلة التي منحها له احلق‬ ‫تعالى‪ ،‬بل ينثرها كلها بدقة فائقة على سفوح العناية الربانية‬ ‫من أجل مستقبل األمة القريب والبعيد‪ ...‬ثم يرتقب مكابدا‬ ‫آالم مخاض جديد‪ ،‬يتلوى ويتأوه ويئن ويقلق‪ ،‬ويبتهل إلى املولى‬ ‫عز وجل في أمل‪ ،‬ميوت ويحيا في اليوم ألف مرة ومرة‪ .‬فالسير‬ ‫في سبيل احلق والفناء فيه غايته الوحيدة في احلياة‪ ،‬وانفالت‬ ‫هذه الغاية من بني يديه ‪-‬في نظره‪ -‬خسارة ال تعوض أبدا‪.‬‬ ‫اإلن���س���ان اجل���دي���د ي��س��ت��خ��دم ج��م��ي��ع وس���ائ���ل االتصاالت‬ ‫احلديثة؛ كتباً وجرائد ومجالت‪ ،‬وإذاع��ة وتلفازاً ومنشورات‬ ‫ل��ل��ول��وج إل���ى ال��ق��ل��وب وال��ن��ف��وذ إل���ى ال��ع��ق��ول وال���دخ���ول إلى‬ ‫األرواح‪ ،‬وي��ث��ب��ت ج����دارت����ه م���ن خ�لال��ه��ا م����رة أخ������رى‪ ،‬بل‬ ‫وي��س��ت��رد مكانته املسلوبة ف��ي ال��ت��وازن ال��ع��امل��ي م��ن جديد‪.‬‬ ‫اإلنسان اجلديد‪ ،‬هو إنسان عميق من حيث جذوره الروحية‪،‬‬ ‫متعدد من حيث ما ميلكه من كفاءات صاحلة للحياة التي‬ ‫يعيش في أحضانها‪ .‬إنه صاحب القول الفصل في كل امليادين‬ ‫بدءا من العلم إلى الفن ومن التكنولوجيا إلى امليتافيزيقيا‪،‬‬ ‫وصاحب خبرة ومراس في كل ما يخص اإلنسان واحلياة‪ .‬أجل‪،‬‬ ‫إنه عاشق ال ينطفئ ظمؤه إلى العلوم مهما نهل‪ ،‬مولع باملعرفة‬ ‫ولعاً ال يفتأ يتجدد كل حني‪ ،‬عميق بأبعاده أللدنية التي تعجز‬ ‫العقول عن تصورها‪ ..‬وهو بهذه اخلصال كلها يسير جنبا إلى‬ ‫جنب مع سعداء عصر السعادة وينافس الروحانيني في سباق‬ ‫معراجي جديد كل يوم‪.‬‬ ‫اإلنسان اجلديد متشبع بحب الوجود كله‪ ،‬ح��ارس للقيم‬ ‫اإلنسانية وراصد لها‪ .‬فهو من جهة يحدد موقعه وينشئ ذاته‬ ‫على أساس األخالق والفضيلة التي جتعل من اإلنسان أنسانا‬ ‫مثاليا‪ ،‬وم��ن جهة أخ��رى يحتضن الوجود كله بقلبه الواسع‬ ‫وشفقته الشاملة‪ ،‬ويسعى دائما من أجل إسعاد اآلخرين‪ .‬وفي‬ ‫الوقت ال��ذي يقوم بوضع املعايير لنفسه‪ ،‬يقوم أيضا بوضع‬ ‫مقاييس حول كيفية التعامل مع األشياء والناس الذين كتب‬

‫عليه العيش معهم؛ وإذا ما سنحت له الفرصة سعى جاهدا‬ ‫لتحقيق معاييره وخططه التي وضعها‪ .‬فهو ال يتوانى أبدا عن‬ ‫متابعة كل ما هو إيجابي فيما حوله وعن احلفاظ عليه‪ ،‬وحث‬ ‫اآلخرين على ذلك‪ ...‬وهو يشن حربا على كافة املساوئ‪ ،‬وهو‬ ‫كالقوس املشدود‪ ،‬مستعد دائما إلزالة هذه املساوئ واقتالعها‬ ‫من تربة املجتمع ال��ذي يعيش فيه‪ .‬وه��و مؤمن ذاق حالوة‬ ‫اإلمي��ان‪ ،‬وم��ن ثم يدعو اجلميع إل��ى رح��اب اإلمي��ان‪ .‬العبادة‬ ‫عنده‪ -‬جمال مطلق وهو لسانها‪ ...‬يقرأ الكتب التي ينبغي أن‬‫تُقرأ‪ ،‬ويوصيها لآلخرين؛ وال يبرح يشجع الصحف واملجالت‬ ‫التي توقر جذورنا الروحية وتبجل أصولنا املعنوية‪ ...‬يتنقل‬ ‫من شارع إلى شارع آخر حامال كل ما يحتاج إليه أبناء وطنه‬ ‫وأمته‪ ،‬ومن ثم فهو رمز للمسؤولية السامية‪.‬‬

‫مؤسسا‪ ،‬يبتعد عن‬ ‫اإلنسان اجلديد ميلك طاقة بنّاءة وروحا ِّ‬ ‫النمطية بشدة‪ ،‬يعرف كيف يجدد نفسه مع احلفاظ على جوهره‪،‬‬ ‫ويعرف كيف ي��ر ّوض األح��داث فتأتي ألم��ره طائعة خاضعة‪.‬‬ ‫يسبق عصره فيسير أمام التاريخ ق ُدما على الدوام به ّمة تتجاوز‬ ‫حدود إرادته‪ ،‬وشوق عارم وحب عميق واعتماد بالله عظيم‪.‬‬ ‫إنه مثال للتوازن التام بني األخذ باألسباب واالستسالم لرب‬ ‫األسباب‪َ ..‬من رآه دون معرفة به‪ ،‬ظنه عابدا لألسباب أو ّ‬ ‫معطال‬ ‫لها؛ بينما احلقيقة ليست هذه وال تلك‪ ..‬ألن اإلنسان اجلديد‪،‬‬ ‫بطل التوازن بكل ما تعنيه كلمة التوازن؛ فهو يرى أن األخذ‬ ‫باألسباب من واجبه‪ ،‬والتسليم للحق تعالى من صميم إميانه‪.‬‬ ‫اإلن��س��ان اجل��دي��د ف��احت ومكتشف معا‪ ،‬يغوص ك��ل ي��وم في‬ ‫أعماق أعماق ذاته‪ ،‬ويطلق شراعه على الفضاء الشاسع دوما‬ ‫فينصب رايته على أب��راج جديدة كل ح�ين‪ ،‬ويلح على طرق‬ ‫األبواب املكنونة وفتحها في اآلفاق واألنفُس‪ .‬وكلما بلغ بفضل‬ ‫إميانه وعرفانه إلى أسرارِ ما وراء الوراء ازداد شوقا ورغبة‪،‬‬ ‫وظل يتنقل ِ‬ ‫بخبائه من ربع إلى ربع آخر في عوالم وراء األبعاد‪.‬‬ ‫وأخيرا يأتي يوم تخاطبه األرض مبا تكنزه في باطنها‪ ،‬وتنفلق‬ ‫البحار بعصاه السحرية لتنبثق الآللئ من أعماقها‪ ،‬وتتفتح له‬ ‫أبواب السماء على مصارعيها وتستقبله بالتأهيل والترحاب‪.‬‬

‫ ‬

‫‪48‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وس��ط��ي��ت��ن��ا‬

‫الوسطيــة هــي احلــل‬ ‫فــي السياســة واالقتصـــاد‬ ‫دولة ‪ .‬جنيـــب ميقـــاتـي‬ ‫لم يكن اخلطاب الذي ألقاه في مجلس النواب في مستهل في طرابلس؟ ما هي األولويات االقتصادية في هذه املرحلة؟‬ ‫جلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة‪ ،‬هو الدافع إلجراء وماذا في جعبته اإلمنائية للشمال؟‬ ‫هذا احل��وار مع الرئيس جنيب ميقاتي وإن كان حصل بعد‬ ‫التطرف وغياب امل�ؤ�س�سات‬ ‫ساعات قليلة على إلقائه اخلطاب الذي لقي استحساناً من‬ ‫السؤال األول ك��ان‪ :‬أي��ن يقف الرئيس جنيب ميقاتي في‬ ‫معظم الكتل واالجتاهات النيابية‪.‬‬ ‫ظ��ل االص��ط��ف��اف السياسي ال��ق��ائ��م؟ أج���اب‪« :‬ل��س��وء احلظ‬ ‫ف��احل��وار مع الرئيس ميقاتي ك��ان م��ق��رراً قبل ذل��ك‪ ،‬لكن‬ ‫القول أن لبنان دخل نفقاً في السنوات األربع املاضية عنوانه‬ ‫اخل��ط��اب وم��ا ح��واه م��ن مضمون وم��واق��ف ج��اء يؤكد صحة‬ ‫االصطفاف احلاد في هذه اجلهة وتلك‪ .‬وهذا االصطفاف‬ ‫توقيت احلوار في هذا الوقت‪.‬‬ ‫في اعتقادي ناجت من غياب املؤسسات ومن الغل ّو في التص ّرف‬ ‫فاحلكومة اجلديدة التي رفعت شعار التوافق الوطني في واملواقف‪ .‬لقد شهدنا إقفاالً ملجلس النواب‪ ،‬وفراغاً رئاسياً‬ ‫تشكيلها وفي خطابها‪ ،‬بحاجة إلى أص��وات تنادي بالتوافق وشل ً‬ ‫متسك‬ ‫ال حكومياً‪ ،‬ون��زول الناس إل��ى ال��ش��ارع في ظل ّ‬ ‫فع ً‬ ‫ال ال قوالً‪ ،‬ومن أجدر من الرئيس ميقاتي في إطالق هذا‬ ‫ّ‬ ‫وتشبث كل فريق مبواقفه وأفكاره‪ .‬وهذه احلالة ليست من‬ ‫ً‬ ‫التوافق‪ ،‬وهو رجل االعتدال الذي اتخذه نهجا له منذ توليه طبيعة لبنان‪ ،‬بل أن طبيعته أن يكون في الوسط الذي هو منط‬ ‫رئاسة حكومة انتخابات العام ‪ 2005‬حتى اليوم‪ ،‬من دون أن حياة‪ ،‬الوسط اإليجابي القادر على اجتذاب األمور السلبية‪،‬‬ ‫يحيد عنه يوماً‪ ،‬بل لقد ك ّرس هذا االعتدال من خالل طرحه وقادر على بناء املستقبل‪.‬‬ ‫«الوسطية» كنمط حياة وكسلوك إيجابي في التعاطي مع‬ ‫أما عن موقفي‪ ،‬فأنا اليوم موجود في مكان ال أعادي أحداً‬ ‫القضايا املطروحة‪.‬‬ ‫فيه إال من يكون ع��دواً لوطني‪ .‬وفي ما عدا ذلك‪ ،‬كل شأن‬ ‫الرئيس جنيب ميقاتي السياسي مي ّثل مدينة طرابلس بعد عندي قابل للبحث واألخذ وال��ر ّد شرط أن يكون ذلك حتت‬ ‫فوزه نائباً في الئحة ائتالف ض ّمت معظم القوى السياسية في سقف الدستور الذي حصل خروج عليه وشطط في ممارسته‪،‬‬ ‫عاصمة الشمال‪ .‬والرئيس ميقاتي لديه ما يقوله في الشأن األمر الذي أدى إلى ما وصلنا إليه‪ ،‬لذا فإنني أدعو إلى قراءة‬ ‫االقتصادي بوصفه رجل أعمال‪ ،‬بل أحد أبرز رجال األعمال وطنية للدستور ال تنبع من املوقع الذي أنا فيه ومن املوقف‬ ‫في املنطقة‪ .‬كذلك‪ ،‬الرئيس ميقاتي ذو الوجه الشمالي لديه الذي اتّخذه بل تنبع من املوقع الوطني الذي يجمع اللبنانيني‬ ‫نظرة إمنائية بالنسبة إلى مدينته وإلى منطقته‪.‬‬ ‫وال يفرق في ما بينهم‪.‬‬ ‫ف��م��اذا ي��ق��ول ال��رئ��ي��س ميقاتي ف��ي السياسة واالقتصاد‬ ‫سأبقى ملتزماً العمل العام خلدمة وطني أو ًال‪ ،‬ثم خدمة‬ ‫واإلمناء؟ كيف سيتعاطى مع حكومة يرأسها حليفه االنتخابي منطقتي وأهلي في طرابلس حتت سقف الدستور اللبناني‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪49‬‬


‫وحتت مظلة وثيقة الوفاق الوطني التي أعتبرها وثيقة شاملة وهذا األمر ال يت ّم إال من خالل التعاطي مع بعضنا بعضاً من‬ ‫وكاملة‪ ،‬حيث أرى البعض ينتقدها من دون أن ينفّذها‪ ،‬فلنبدأ خالل الوسطية التي تعترف باآلخر‪ ،‬والتي تدرك أن هزمية‬ ‫اآلخ��ر ليست نصراً ل��ي‪ ،‬وأن نصر اآلخ��ر ليس هزمية لي‪.‬‬ ‫في التنفيذ وحتسني األداء وفي ضوء التجربة ننتقد‪.‬‬ ‫فالنصر والهزمية هما للوطن وليسا لألفراد وال للطوائف وال‬ ‫نُعار�ض يف الوقت املنا�سب‬ ‫لألحزاب‪.‬‬ ‫على رأس احلكومة حليفكم االنتخابي‪ .‬هل تعتبرون نفسكم‬ ‫ال حكم بال معار�ضة‬ ‫ممثلني فيها؟ وكيف ستتعاملون معها معارضني أم موالني؟‬ ‫أه��ن��ئ ال��رئ��ي��س س��ع��د احل���ري���ري وأمت��ن��ى ل��ه النجاح‬ ‫إن���ط�ل�اق���اً م���ن ه����ذه ال����رؤي����ة‪ ،‬ه���ل ت��ع��ت��ق��دون أن تشكيل‬ ‫ب��داي��ة ّ‬ ‫والتوفيق وأعتز بصداقتي وحتالفي معه‪ ،‬وال��ي��وم سنراقب احل���ك���وم���ة ه����ي ص�������ورة م���ص���غ���رة ع����ن امل���ج���ل���س‪ ،‬يحقق‬ ‫ونحاسب احلكومة في ضوء ما متارسه وحتققه من إجنازات‪ ،‬ال�����ت�����واف�����ق‪ ،‬أم أن������ه ي���ح���ق���ق دمي����وق����راط����ي����ة التناقض؟‬ ‫خصوصاً أن في البيان ال���وزاري وع��وداً كثيرة على الصعد خرجنا من االنتخابات مرتني بوجود أكثرية وأقلية‪ .‬ثم جاءت‬ ‫السياسية واالقتصادية واإلمنائية واالجتماعية‪ ،‬وعلى صعد احلكومات فرأينا أنه ال األكثرية حكمت وال األقلية عارضت‪،‬‬ ‫اإلدارة والقضاء والشباب‪ .‬نحن سنراقب‬ ‫ونحدد موقفنا‪ :‬نؤيد وبالتالي أصبحنا في مكان ما من دون حكم ومن دون معارضة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إذا قامت مبا يتوافق مع تطلعاتنا‪ ،‬ونعارض في الوقت املناسب وافتقدنا آلية شرعية احلكم ألنه لم يع ّد هناك أي إمكانية أو‬ ‫إذا حصل أي تغيير ع ّما ورد في البيان الوزاري‪.‬‬ ‫وسيلة لوقف الذي وصل إلى االشتباك؟ طبعاً أوصلنا هذا‬ ‫الواقع إلى حكومة موزعة على أطراف عدة‪ ،‬ولكل طرف فيها‬ ‫�أين «الو�سطية»؟‬ ‫له حق النقد‪ .‬أنا‪ ،‬وبكل إخالص‪ ،‬أدعو لهذه احلكومة بالنجاح‪،‬‬ ‫ن����ادي����ت����م ف�����ي ال����س����اب����ق «ب����ال����وس����ط����ي����ة»‪ ،‬ث�����م ج�����اءت ولكن وبحسب خبرتي وجتربتي‪ ،‬ال ميكن لهذه احلكومة إال أن‬ ‫االن����ت����خ����اب����ات وخ���ل���ق���ت ج���������داالً ح���ول���ه���ا ك������اد يفقدها تدخل في ّ‬ ‫مطبات أخشى أن تتحول إلى أزمة كبيرة‪.‬‬ ‫ج��وه��ره��ا‪ .‬أي���ن ه��ي «ال��وس��ط��ي��ة»؟ وه���ل ط��وي��ت صفحتها؟‬ ‫ازدهار م�صريف ونقدي‬ ‫لقد اتخذنا من «الوسطية» نهجاً وبدأنا بسلسلة مؤمترات‬ ‫حولها بالتعاون مع املنتدى العاملي لـ»الوسطية» الذي كان تعاوناً‬ ‫ب����االن����ت����ق����ال م�����ن ال���س���ي���اس���ة إل������ى االق�����ت�����ص�����اد‪ ،‬كيف‬ ‫شجعنا على االنطالق بها‪ .‬وحرصت على أن تنطلق ت��ق�� ّي��م��ون ال���وض���ع ال��ق��ائ��م وم���ا ه���ي األول����وي����ات للمعاجلة؟‬ ‫مثمراً مما ّ‬ ‫الوسطية من طرابلس والسيما بعد أن اخترنا الدين أول عنوان من املتابعة االقتصادية في لبنان ن��رى أن هناك مؤشرات‬ ‫لها إلظهار وسطية الدين اإلسالمي احلنيف‪ .‬وقد حققنا في إيجابية جداً يعود الفضل فيها إلى حاكمية مصرف لبنان وإلى‬ ‫ذلك جناحاً كبيراً ما دفعنا لإلنطالق نحو املجاالت األخرى السياسة احلكيمة التي اعتمدتها‪ ،‬ما أدى إلى مناعة اجلهاز‬ ‫فكان املؤمتر الثاني حول الوسطية في االقتصاد‪ .‬وقد انقضى املصرفي والوضع النقدي أمام الكوارث املالية التي شهدها‬ ‫وقت على املؤمتر الثالث بسبب االنتخابات ثم تشكيل احلكومة‪ .‬العالم بأسره‪ .‬وفي ظل هذه الكوارث استطاع لبنان أن يكون‬ ‫لكننا سنعلن قريباً عن موعد للمؤمتر الثالث حول الوسطية‪ .‬في اجتاه معاكس‪ ،‬فيشهد التدفقات التي م ّكنت مصرف لبنان‬ ‫لقد أردنا الوسطية نهجاً وأردناها إرادة وطبيعة حياة ومنط من تعظيم احتياطاته‪ .‬فاحتياطي البنك املركزي من ودائع‬ ‫يدعيه شخص بالقول أنه وموجودات خارجية بات يفوق الـ ‪ 27‬مليار دوالر‪ ،‬يضاف إلى‬ ‫سلوك‪ ،‬فهذا النهج ال ميكن أن ّ‬ ‫وسطي ‪ ..‬بل هو حياة وسلوك‪ ،‬هي وسطية مع صالبة في ذلك احتياط الذهب الذي يق ّدر باألسعار احلالية مبا بني ‪11‬‬ ‫القرار‪ ،‬إذ أنها ال تعني اللون الرمادي‪ ،‬أي ال أبيض وال أسود‪ ،‬و ‪ 12‬مليار دوالر‪ .‬وإذا جمعنا احتياطات العمالت والذهب‬ ‫بل تعني النقطة التي يلتقي اجلميع حولها ملا فيه خير لقضية معاً نصل إلى مبلغ يغطي بنسبة ‪ 120‬في املئة حجم كتلة النقد‬ ‫م ّعينة‪.‬‬ ‫املتداول‪ ،‬وبالتالي ليس هناك أي عملة في العالم تتمتع مبثل‬ ‫هذه التغطية‪ .‬فكل األرقام واملؤشرات تدل على سالمة النظام‬ ‫الو�سطية يف املجل�س‬ ‫املصرفي والوضع النقدي في لبنان‪ ،‬ويضاف إلى ذلك النمو‬ ‫ان��ط�لاق��اً م��ن ه��ذه ال��وس��ط��ي��ة‪ ،‬ه��ل تتوقعون أن دخولكم املطرد في بعض القطاعات كالعقار والسياحة‪ ،‬ولكن‪ ...‬وعند‬ ‫م��ج��ل��س ال����ن����واب ف��ي��ن��ض��م إل���ي���ه���ا م����ن ه���ن���ا وم�����ن هناك؟ هذه الـ «ولكن» يكمن التحدي‪.‬‬ ‫ه���ذا األم���ر سيحصل ح��ت��م��اً ول��ك��ن ال��س��ؤال ه��و م��ت��ى ومن؟‬ ‫ميثاق اقت�صادي وعقد اجتماعي‬ ‫يصح إال الصحيح‪ .‬فلبنان في سياسته اخلارجية ال‬ ‫ألنه ال‬ ‫ّ‬ ‫ميكن إال أن يكون على عالقة جيدة مع اجلميع‪ ،‬وال ميكنه‬ ‫ويتابع الرئيس ميقاتي‪« :‬مبوازاة هذا النمو الذي نتحدث‬ ‫إال التعامل بانفتاح مع كل مكونات املجتمع‪ .‬فقدرنا أن نكون عنه نرى منواً من نوع آخر‪ ،‬أي منواً سلبياً من حيث مؤداه‪.‬‬ ‫معاً‪ .‬فلنجعل من هذا القدر مصدر سعادة عوضاً عن حتويله نرى منواً في الدين العام وفي العجز‪ ،‬وفي كلفة اإلنتاج املترتبة‬ ‫إلى مصدر تعاسة‪ .‬نحن جسم واحد وبعد أكثر من ‪ 60‬عاماً على القطاعات اإلنتاجية‪ ،‬ثم نرى ضعفاً في إنتاج القطاع‬ ‫على االستقالل صار لزاماً علينا أن ندرك بأننا سنعيش معاً‪ .‬العام نراه في إهدار الطاقة وفي الصناديق‪ ،‬ومنواً متزايداً في‬ ‫‪50‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫كلفة التقدميات االجتماعية والتربوية والصحية الناجتة من‬ ‫تراكمات سابقة من دون أن يرافق هذه األكالف حتسني في‬ ‫مستوى اخلدمات ونوعيتها‪ .‬وهنا يبرز السؤال‪ :‬كيف ينعكس‬ ‫احلجم القياسي في الودائع املصرفية (‪ 100‬مليار) واملستوى‬ ‫األعلى في التغطية على املواطنني الذين يواجهون املشاكل‬ ‫االجتماعية من فقر وعوز وبطالة؟ وهنا حتديداً تبرز األولوية‬ ‫عند احلكومة والكامنة في كيفية إيجاد حلقة الربط بني‬ ‫االزدهار املالي وبني املشاكل االجتماعية‪ .‬ومثل هذا السؤال‬ ‫املركزي يقودنا إلى الدعوة من جديد إلى مؤمتر أو إلى خلوة‬ ‫أي اقتصاد نريد‪ ،‬وكيف ميكن‬ ‫للبحث في تساؤل أساسي‪ّ :‬‬ ‫أن ينعكس هذا االقتصاد استثمارات إضافية؟ وكيف نحفّز‬ ‫القطاع اخلاص على استثمار يستولد فرص العمل ويجعل من‬ ‫لبنان مركز استقطاب وج��ذب‪ ،‬بحيث ينعكس ذلك كله على‬ ‫الوضع االجتماعي‪.‬‬ ‫لذلك دعونا في السابق يوم كنت في رئاسة احلكومة إلى‬ ‫ميثاق اقتصادي نستولد منه عقداً اجتماعياً جديداً‪ ،‬ولع ّل‬ ‫هو على رأس أولويات احلكومة‪ .‬إن جناح مصرف لبنان في‬ ‫املجال املصرفي والنقدي ينبغي أن يواكبه جناح مالي بهدف‬ ‫تيسير وتسهيل عملية االستثمار بهدف قيام مشاريع اقتصادية‬ ‫جديدة يشارك فيها القطاع اخلاص وتؤدي إلى خلق فرص‬ ‫عمل‪.‬‬ ‫تن�شيط القطاع الإنتاجي‬

‫خف�ض الدين العام‬

‫عملياً‪ ،‬إن ما تطالبون به من خطة لتنشيط اإلنتاج‪ ،‬يقتضي‬ ‫حترير املصارف تدريجياً من مهمة متويل الدولة‪ ،‬وهذا يقتضي‬ ‫منطقياً تخفيض حجم الدين‪ .‬كيف ميكن برأيكم حتقيق ذلك؟‬ ‫لقد وعدت احلكومة في البيان ال��وزاري بأنها ستنشئ هيئة‬ ‫خاصة جديدة إلدارة الدين وهذا أمر جيد‪ .‬ولكن في اعتقادي‬ ‫أنه ينبغي خفض الفوائد التي نتمكن من حتقيقها في الفترة‬ ‫السابقة‪ ،‬لكن ال��ي��وم ي��ب��دو ذل��ك ممكناً م��ق��ارن��ة مبستويات‬ ‫الفوائد في األسواق العاملية‪ .‬كذلك في اعتقادي‪ ،‬أنه الوقت‬ ‫املناسب اليوم لتحويل جزء كبير من الديون اخلارجية إلى‬ ‫دي��ن داخلي بالليرة اللبنانية‪ .‬بعد ذل��ك ميكن أن ننظر إلى‬ ‫املرافق والقطاعات التي ميكن االستغناء عنها خلصخصتها‬ ‫أو إلج���راء تسنيد مل���ردود بعضها يساهم ف��ي التخفيف من‬ ‫حجم ال��دي��ن‪ ..‬ف��إذا حتقق كل ذل��ك تباعاً ومت ّكنا من وقف‬ ‫تزايد الدين لفترة سنة أو سنتني‪ ،‬نكون قد دخلنا مرحلة‬ ‫ج��دي��دة ف��ي ظ��ل اس��ت��م��رار ال��ن��م��و ف��ي االق��ت��ص��اد اللبناني‪.‬‬ ‫وه���ذا األم���ر يوصلنا بالفعل إل��ى حتقيق م��ع��دل أق��ل بكثير‬ ‫إلجمالي ال��دي��ن إل��ى إجمالي ال��ن��اجت احمل��ل��ي‪ .‬وأن��ا شخصياً‬ ‫كمسؤول وكإقتصادي ال أخشى كثيراً من مسألة الدين إذا‬ ‫كانت هناك إدارة سليمة له ورؤية واضحة لكيفية تخفيضه‬ ‫تدريجياً مع احملافظة على معدالت النمو‪.‬‬ ‫خ�صخ�صة‪ ،‬ال توزيع تركات‬

‫تتحدثون عن التسنيد وكأنكم تستبعدون اخلصخصة‪.‬‬

‫ت����ع����ن����ون أن حت����وي����ل االزده�������������ار إل�������ى من�����و يقتضي‬ ‫ما هي نظرتكم إلى موضوع اخلصخصة في ضوء ما جرى‬ ‫ت��ن��ش��ي��ط وت��ن��م��ي��ة امل���ش���اري���ع واالس���ت���ث���م���ارات اإلنتاجية؟‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬فحتى نرى ثمار االزدهار فعلياً وواقعياً علينا تنشيط ويجري من نقاش حولها؟‬ ‫اخلصخصة هي ض��رورة حتمية وينبغي أن ال نلغيها من‬ ‫القطاعات اإلنتاجية كالصناعة والزراعة‪ .‬فكيف ميكن حفز‬ ‫القطاع املصرفي الذي وصلت ودائعه إلى أقصى حد وإلى ما تفكيرنا‪ .‬والسؤال هو‪ :‬هل هناك إمكانية خلصخصة املرافق‬ ‫يوازي أكثر من ثالثة أضعاف الناجت احمللي إلى متويل يؤدي العامة؟ وه��ل إذا خصخصنا ه��ذه امل��راف��ق أو بعضها ضمن‬ ‫إلى حركة اقتصادية؟ كيف ميكن ذلك في وقت تبدو الدولة الواقع القائم في البلد‪ ،‬يكون ذلك عبارة عن توزيع تركات‬ ‫منافساً قوياً ألي قطاع مما يدفع امل��ص��ارف إل��ى التوظيف وإج��راء عمليات حصر إرث قبل توزيعها على النافذين؟ في‬ ‫في ال��دول��ة (س��ن��دات خزينة وس��ن��دات حكومية) عوضاً عن اع��ت��ق��ادي وقناعتي أن��ه يجب احملافظة على ملكية الدولة‬ ‫يوحــد لبنان‬ ‫التوظيف في قطاعات أخرى غير محمية وال حتظى باهتمام للمرافق العامة‪ ،‬ألنها العنصر الوحيد ال��ذي ّ‬ ‫الدولة؟ إن حصة الزراعة من مجمل التسليفات متثل ‪ 1‬في واللبنانيني‪ ،‬حتى ال نقول هذه الشركة لهذه الطائفة‪ ،‬وهذه‬ ‫املئة‪ ،‬وحصة الصناعة ‪ 12‬في املئة فقط‪ ،‬وهذه نسب تعتبر أخرى لتلك الطائفة‪ .‬لذا أؤكد على أن تبقى امللكية للدولة‬ ‫متدنية‪ .‬وال نلوم املصارف بقدر ما نلوم الدولة‪ .‬فلماذا تكترث وأن يت ّم تخصيص اإلدارة تخصيصاً كام ً‬ ‫ال في إطار ما يسمى‬ ‫املصارف بقطاعات ال تكترث بها الدولة؟ ولكن عندما يتم الهيئات الناظمة (‪ ،)Regulatory Board‬من أجل مراقبة هذه‬ ‫وض��ع خطة معينة ل��ـ ‪ 5‬أو ‪ 10‬س��ن��وات لدعم اإلن��ت��اج تبادر املؤسسات‪.‬‬ ‫امل��ص��ارف إل��ى التوظيف ف��ي مشاريع إمنائية واقتصادية‪.‬‬ ‫فإذا خصخصنا اإلدارة وطلبنا من اجلهة التي تدير اإللتزام‬ ‫وهنا‪ ،‬وفي هذا السياق‪ ،‬ال ب ّد من اإلشارة إلى ّ‬ ‫بحد أدنى من امل��ردود السنوي لكل مرفق‪ ،‬عندها ميكن‬ ‫حترك القطاع ولو ّ‬ ‫املصرفي ولو جزئياً نحو القطاعات اإلنتاجية‪ ،‬ومبجرد اتخاذ تسنيد هذا اإلي��راد لفترة زمنية معينة تساعدنا على خفض‬ ‫تدبير جزئي يتعلّق بالقروض املدعومة ومن خالل التعاميم الدين فوراً‪ .‬وما يفيض عن هذا احل ّد األدنى يكون إيراداً للدولة‪.‬‬ ‫التي أصدرها مصرف لبنان‪ .‬كيف سيكون الوضع في حال أقول ذلك من خالل جتربة مررنا بها‪ .‬خصخصنا وضاقت العني‬ ‫بهذه اخلصخصة ثم ّ‬ ‫مت استرداد ذلك‪ ،‬ونحن اليوم ال نعرف‬ ‫إقرار خطة أكثر شمولية؟‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪51‬‬


‫من يدير هذا املرفق (الهاتف النقال‪ ،‬القطاع العام أم القطاع‬ ‫اخل��اص)‪ .‬أع��ود وأك��رر‪ :‬خصخصة إدارة وتسنيد مع إنشاء‬ ‫هيئات ناظمة كفوءة وموثوقة في كل قطاع كالكهرباء والبريد‬ ‫والهاتف وذلك لإلشراف ولضمان حقوق املستهلك واملستثمر‪.‬‬ ‫وأكثر من ذل��ك‪ ،‬وه��ذا ما ذكرته في خطاب مناقشة البيان‬ ‫الوزاري‪ ،‬يجب أن يت ّم تشكيل هيئة ناظمة للنفط‪ .‬فهذا امللف‬ ‫‪ - 3‬على امل��س��ت��وى االس��ت��ث��م��اري‪ :‬أنهينا عملية تأسيس‬ ‫ً‬ ‫احلساس ال يجرؤ أحد أن يخوض به خشية أن يصير جزءا شركة استثمارية «العزم لإلمناء» محصور نشاطها بطرابلس‬ ‫من الفساد الشائع في البلد‪.‬‬ ‫والشمال وبرأس مال مدفوع قدره ‪ 50‬مليون دوالر‪ .‬وهدف‬ ‫ٍ‬ ‫مجد ق��ادر على خلق فرص‬ ‫هذه الشركة إقامة أي مشروع‬ ‫ت�سيي�س الهيئات الناظمة‬ ‫عمل‪ ،‬كما أن الشركة على استعداد للمشاركة في أي مشروع‬ ‫ولكن جتربة تأسيس الهيئات الناظمة فشلت من خالل يحقق الغرض نفسه‪ .‬وندرس حالياً مشاريع عدة سيعلن عنها‬ ‫الهيئة الناظمة لالتصاالت ألسباب التضارب في الصالحيات الواحد تل َو اآلخر‪.‬‬ ‫وأسباب أخرى؟‬ ‫‪ 1200‬طالب في أقسام االبتدائي والتكميلي والثانوي‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى نحو ‪ 800‬طالب للتعليم املهني‪ .‬املبنى شارف على االنتهاء‪،‬‬ ‫وال��دروس ستبدأ اعتباراً من شهر أيلول ‪ ،2010‬وفي مطلع‬ ‫العام اجلديد تبدأ اخل��ط��وات التحضيرية لتأهيل الطالب‬ ‫واختيار املدرسني‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬ألن السياسة هي التي طغت على امل��وض��وع‪ .‬لذلك‬ ‫ينبغي حتييد هذه املسألة وخصخصة اإلدارة ضمن شروط‬ ‫واضحة وضمن كفالة حد أدنى من املردود لكل قطاع‪ .‬وفي‬ ‫بد من التنويه بتجربة شركة طيران الشرق‬ ‫هذا السياق ال ّ‬ ‫األوسط وكيف أن خصخصة إدارتها م ّكنتها من حتقيق ربحية‬ ‫عالية‪ .‬وهذه التجربة ميكن القول عنها أن مصرف لبنان كان‬ ‫لها مبثابة الهيئة الناظمة‪ ،‬وبالتالي ميكن سحب ما ّ‬ ‫مت في‬ ‫«امليدل ايست» على مرافق أخرى منتجة‪.‬‬

‫حركة �سيا�سية‬

‫أي��������ن ت����ق����ف ال����س����ي����اس����ة م������ن ك������ل ه��������ذا ال����ن����ش����اط؟‬ ‫من الطبيعي أن يُسأل عما إذا كانت هذه النشاطات عم ً‬ ‫ال‬ ‫سياسياً‪ .‬بالفعل ه��ي سياسة ولكن مبفهوم مختلف كلياً‪.‬‬ ‫فنحن نعمل في ترسيخ حركة سياسية مستقلة إلجناح هذه‬ ‫املشاريع بحيث تكون السياسة داعمة لها ال أن تدخل إلى‬ ‫هذه املشاريع فتحصل الشرذمة في املهمات وفي الرؤية‪ .‬إذاً‪،‬‬ ‫السياسة منفصلة عن هذه احملاور الثالثة التي ليس لها عالقة‬ ‫بالسياسة ولكن وفي الوقت نفسه ما نقوم به هو عمل سياسي‬ ‫طرابل�س‪ :‬اجتماعي‪� ،‬إمنائي‪ ،‬ا�ستثماري‬ ‫بامتياز‪ ،‬ألننا نعتقد أن السياسة إمناء وخدمة الناس من أجل‬ ‫وب���االن���ت���ق���ال م���ن ال��س��ي��اس��ة واالق���ت���ص���اد إل����ى طرابلس رفع مستوى معيشتهم‪ ،‬وليست السياسة خطابات ومهارات‪.‬‬ ‫وال����ش����م����ال‪ ،‬ح���ي���ث ل���ك���م ن���ش���اط���ات م���ت���ن���وع���ة بأساليب‬ ‫ه��ل ه��ن��اك مت��ي��ي��ز ب�ين م��ن ه��و م��ع��ك��م وم���ن ه��و ضدكم؟‬ ‫مختلفة‪ ،‬كيف تعملون ف��ي منطقتكم؟ وم��ا ه��ي أهدافكم؟ في الشأن االجتماعي واخليري أحتدى من يقول بأننا من ّيز‬ ‫أت��ف��اع��ل م��ع أه��ل��ي ف��ي ط��راب��ل��س وال��ش��م��ال م��ن خ�لال ثالثة بني الناس‪ .‬وال مرة سألنا شخصاً عن هويته أو سياسته‪ ،‬وليس‬ ‫محاور أساسية هي‪ :‬اجتماعي خيري‪ ،‬إمنائي‪ ،‬واستثماري‪ .‬في قاموسنا السياسي مفهوم «هذا معنا وهذا ضدنا»‪.‬‬ ‫‪ - 1‬على املستوى االجتماعي اخل��ي��ري‪ :‬يتم ه��ذا النشاط‬ ‫العزم وال�سعادة‬ ‫من خالل جمعية العزم والسعادة االجتماعية التي احتفلنا‬ ‫م��ؤخ��راً ب��ال��ذك��رى ال��ـ ‪ 20‬لتأسيسها‪ ،‬وه��دف ه��ذه اجلمعية‬ ‫وم��اذا عن جمعية العزم والسعادة االجتماعية؟ هل هي‬ ‫أن تكون قريبة من كل مع ّوز ومريض‪ ،‬بل من كل فرد ليس جمعية أم حزب؟‬ ‫مبتناول ي��ده القليل م��ن احل��د األدن���ى للعيش ال��ك��رمي‪ ،‬لقد‬ ‫في الواقع‪ ،‬ستكون هناك حركة سياسية منفصلة‪ ،‬تتمثل‬ ‫أجرينا مسحاً لطرابلس حيث تبني منه أن هناك عشرات‬ ‫ً في منتديات العزم التي ستتحول إلى حركة سياسية كاملة‬ ‫اآلالف م���ن امل��ع��دم�ين‪ ،‬وي��ص��ل إل���ى م���ن���ازل ه����ؤالء شهريا‬ ‫وهذه صار لديها جمهورها‪ ،‬وهي تش ّكل أسلوباً جديداً في‬ ‫حزمة حتتوي على املستلزمات األساسية للحياة الكرمية‪.‬‬ ‫العمل السياسي‪.‬‬ ‫وفي اإلطار االجتماعي‪ ،‬هناك مساعدات االستشفاء‪ ،‬والدعم‬ ‫املخصص للتعليم من خالل قروض تعطى لنحو ‪ 4‬آالف طالب‬ ‫خطة ‪2020‬‬ ‫جامعي مسجلني في املؤسسة‪ ،‬ومتنح لهم عبر جمعية العزم‬ ‫أطلقتم في وقت سابق خطة بعنوان ‪ ،2020‬إلمناء طرابلس‬ ‫والسعادة االجتماعية‪.‬‬ ‫والشمال وكنتم تعدون لها مؤمتراً‪ ،‬أين أصبحت هذه اخلطة؟‬ ‫‪ - 2‬على املستوى اإلمنائي‪ :‬وه��ذا احمل��ور نوليه اهتماماً لقد أخذنا على عاتقنا ككتلة نواب طرابلس إقامة مؤمتر كامل‬ ‫أساسياً ألن تنمية اإلنسان هي األساس‪ .‬وفي هذا اإلطار نقوم إلمناء طرابلس‪ ،‬وقد كلفنا زميلنا روبير فاضل متابعة هذا‬ ‫بعمل مميز‪ ،‬حيث أنشأنا أول مدرسة في طرابلس بالتعاون مع املوضوع وبلورة هذه اخلطة‪ ،‬ونعتزم طرحها على رئيس مجلس‬ ‫اجلامعة األميركية في بيروت التي تعكف على إعداد املناهج الوزراء ألننا نريد أن تكون خطة مشتركة بني القطاعني العام‬ ‫الدراسية والنظم التربوية واإلدارية‪ .‬وتستوعب املدرسة نحو واخلاص‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫ميقاتي رجل الأعمال‬

‫م����������اذا ع������ن ال�����رئ�����ي�����س م����ي����ق����ات����ي رج��������ل األع������م������ال‪،‬‬ ‫وم������ا ه�����ي ال����ن����ش����اط����ات ال����ت����ي ت����ق����وم ب���ه���ا م���ج���م���وع���ة «‬ ‫ف��ي املجموعة ه��ن��اك تركيز على ق��ط��اع االت��ص��االت‪ ،‬ونحو‬ ‫‪ 50‬في املئة تقريباً من مجمل املوجودات موظف في شركة‬ ‫‪ MTN‬ل�لات��ص��االت‪ ،‬وه���ي واح����دة م��ن ال��ش��رك��ات العاملية‬ ‫العاملة في االتصاالت اخللوية وتتواجد في معظم البلدان‬ ‫األفريقية وبعض البلدان العربية والشركة في منو مطرد‪.‬‬ ‫أما الـ ‪ 50‬في املئة املتبقية فمعظمها موظف في العقار‪ ،‬وجزء‬ ‫إضافي في مجال ال��ـ ‪ Fashion‬ونعكف على توسيع نشاط‬ ‫الشركة التي تتعاطى “املوضة” واأللبسة على صعيد كبير‪.‬‬ ‫إلى ذلك لدينا مساهمات في شركات مختلفة مثل املصارف‬ ‫وشركات الطيران‪ ،‬ومجموعة “‪ ”M1‬مركزها في بيروت‪،‬‬ ‫ونشاطنا في لبنان محصور بالقطاع العقاري‪.‬‬ ‫اقت�صاد جديد‬

‫ذكرمت في مستهل العام أن األزمة املالية العاملية نتجت من‬ ‫كثرة األموال وقلة األفكار‪ .‬هل بدأت األفكار تنشط من جديد؟‬ ‫لألمانة نقلت هذه العبارة من محاضرة قدمها أحدهم خالل‬ ‫منتدى «داف����وس»‪ ،‬وه���ذه ال��ع��ب��ارة تع ّبر بالفعل عما جرى‪.‬‬ ‫فاحلياة ه��ي سلسلة م��ن ال����دورات ‪ Cycles‬من��ر حالياً في‬ ‫إحداها وعلينا االنتظار بعض الوقت حتى تتبلور نظرة جديدة‬ ‫القتصاد جديد‪ .‬هذه النظرة لم تنضج بعد بسبب الرواسب‬

‫اخلفيفة املتبقية من األزمة‪ .‬هذه األزمة ولدت أمراضاً عدة‬ ‫متت معاجلتها وبقي منها رواس��ب ‪ ...‬في املرحلة السابقة‬ ‫كثرت األموال نتيجة لطفرة أوراق مالية تنتقل بوتيرة متعددة‬ ‫وتولد أم��واالً من ورق‪ ،‬وفي غياب إجن��ازات فعلية ومشاريع‬ ‫حقيقية تعطي الشؤون املالية قيمتها‪ .‬االقتصاد اجلديد ٍ‬ ‫آت‬ ‫حتماً ولكن علينا االنتظار‪.‬‬ ‫مناخ اال�ستثمار‬

‫ن��خ��ت��م ه�����ذا احل�������وار ب����س����ؤال ع����ن ن���ظ���رة املستثمرين‬ ‫اخلارجيني للبنان وتقييمكم ملناخ‪ ‬االستثمار واجتاهاته؟‬ ‫ال شك في أن االستثمار العقاري في لبنان هو األفضل واألكثر‬ ‫أماناً في العالم‪ .‬فاملساحة التي ميكن البناء عليها ال تتجاوز‬ ‫نصف مساحة لبنان وتبلغ نحو ‪ 5600‬كيلو متر مربع‪ ،‬والباقي‬ ‫أحراج وجبال ووديان‪ .‬وفي بيروت باتت العقارات غير املبنية‬ ‫م��ح��دودة ج���داً ف��ي ظ��ل ع��رض قليل وط��ل��ب كبير يرافقهما‬ ‫منو سكاني‪ .‬ال شك أن االستثمار في العقار ال يش ّكل منواً‬ ‫اقتصادياً‪ ،‬لكن على هامش هذا االستثمار ميكننا اجتذاب‬ ‫املستثمر إلى قطاعات أخرى‪ .‬فهو عندما يواجه عراقيل في‬ ‫استثماره العقاري ال يعود يفكر في مجاالت أخرى‪ .‬ومن املُلح‬ ‫جداً إزال��ة هذه العراقيل والسيما اإلداري��ة وتيسير وتسهيل‬ ‫املعامالت مع القطاع العام‪ ،‬وتوفير القضاء السريع والعادل‪،‬‬ ‫وعند ذلك يتشجع املستثمر العربي الذي نحن في حاجة إليه‪،‬‬ ‫كما أن النظرة إلى قانون التملّك ينبغي أن تنطلق من وجوب‬ ‫اعتماد ضوابط وليس وضع عراقيل‪.‬‬

‫ ‬ ‫نق ً‬ ‫ال عن مجلة االقتصاد واألعمال اللبنانية‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪53‬‬


‫وس��ط��ي��ت��ن��ا‬

‫رسالة عمان‬ ‫الع��دل أس��مى معانيها‬ ‫بقلم املحامي‪ :‬مازن الفاعوري‬

‫لقد أطلق جاللة امللك عبدالله الثاني املعظم رسالة عمان‬ ‫في التاسع من تشرين الثاني لعام ‪ 2004‬م ‪ ،‬وقد ارتأيت أن‬ ‫اتناول في مقالي هذا محور العدل في هذه الرسالة التي متثل‬ ‫في رأيي نبراساً لالمة االسالمية كافة ‪ ،‬حيث يعتبر العدل‬ ‫من اعظم األمانات وهو درع احلقوق‪ ،‬وبه تتحقق حمايتها‬ ‫وه��و أس��اس االستقرار وصمام األم��ان للمجتمع املدني في‬ ‫كل ال��دول‪ ،‬ويشكل العدل عالجاً حقيقيا ناجعا للظلم ‪،‬وقد‬ ‫نادت الشريعة اإلسالمية بإقراره واحلكم به في أوقات السلم‬ ‫وإن القرآن الكرمي ال يكتفي بقرابة ثالثمائة آية حتض على‬ ‫واحلرب وألزمت املسلمني بتحري العدل مع كل الناس ‪.‬‬ ‫العدل ‪ ،‬ولكنه في ثالثمائة آية أخرى يندد بالظلم ويحذر منه‬ ‫ي��ق��ول سبحانه جلت ق��درت��ه {ان ال��ل��ه يأمركم ان تؤدوا ويقرنه بالشرك والعدوان والطغيان‪ ،‬وال يحدد مجاالً واحداً‬ ‫األمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بني الناس أن حتكموا بالعدل وال معيناً للظلم فيأتى توجيهه شام ً‬ ‫ال لكل مناحي الوجود‬ ‫ان الله نعما يأمركم به} (سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪ ،)58‬فالعدل إذا اإلنساني من ظلم اإلنسان لنفسه إلى ظلمه ألخيه اإلنسان‬ ‫غاب فإن شريعة الغاب هي التي حتكم حيث يتفشى الظلم‪ ،‬وإلى ظلمه للبيئة احمليطة به ‪.‬‬ ‫وتضيع معه احل��ق��وق خل��دم��ة ق��وى ال��ت��ط��رف ويعتل ويختل‬ ‫وقد كان للعدل شأن لدى احلكماء في التاريخ حني جعل‬ ‫األساس ويصعب معه البناء ويصبح العمل معه واإلصرار عليه أساسا للملك واحلكم حيث قيل أن «العدل أساس امللك» ‪،‬‬ ‫مبثابة الزيف والتخبط ونقصان العقل مما يؤدي إلى انهيار وما ذلك إال لقدر العدل وقيمته وتأثيره في النفس واملجتمع‬ ‫أمال األمة بالعدل واملساواة‪.‬‬ ‫وحياة البشر وفي املنهج القومي للحكام والساسة في إدارة‬ ‫ولهذا فإن أمير املؤمنني عمر بن اخلطاب « رضي الله عنه البالد والعباد والذي يجب اتباعه فالعدل طريق القرب من‬ ‫« قد حقق العدل في واقعة ابن القبطي املشار إليها في املقال الله تعالى‪.‬‬ ‫السابق‪ ،‬مؤكداً من خ�لال تطبيق العدل‪ ،‬سعيه إل��ي حتقيق‬ ‫ولفظا العدل واحل��ق هما من أسماء الله احلسنى‪ ،‬وقد‬ ‫احلرية لكل األفراد واجلماعات بقوله‪« :‬متى استعبدمت الناس يستخدم احدهما مكان اآلخر‪ ،‬وإن اتخذ العدل الصفة العملية‬ ‫وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»‪ ،‬واجلميع يعرف قصة املرزبان التطبيقية واتخذ احلق الصفة املعنوية املعتقدة‪ ،‬فتظل عالقة‬ ‫رسول كسرى مع امير املؤمنيني ‪ ،‬حيث قدم هذا الرسول الى العدل باحلق عالقة عضوية متكاملة‪ ،‬فالعدل يستمد وجوده‬ ‫املدينة املنورة يريد مقابلة الفاروق «رض��ي الله عنه» فأخذ من احلق ‪ ،‬واحلق يأخذ شكله بالعدل ‪ ،‬فتنتفي عن العدل‪،‬‬ ‫يبحث عن قصر اخلالفة وهو في شوق الى رؤية ذلك الرجل بحكم انبثاقه عن الله سبحانه وتعالى صفة النسبية‪.‬‬ ‫الذي اهتزت خوفا منه عروش كسرى وقيصر‪ ،‬ولكنه لم يجد‬ ‫في املدينه قصرا وال حراسا فسأل الناس‪ :‬أين أمير املؤمنني‬ ‫عمر؟ فقالو الندري لعله ذاك النائم حتت الشجرة فلم يصدق‬ ‫الرجل ماسمع فذهب اليه ف��إذا به عمر رضي الله عنه قد‬ ‫افترش األرض والتحف السماء وعليه بردته القدميه ‪ ،‬فوقف‬ ‫امل��رزب��ان مشدوها مستغربا وق��ال قولته املشهورة‪(:‬حكمت‬ ‫فعدلت فأمنت فنمت يا عمر)‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫ولهذا جاءت رسالة عمان لتجديد الدين والعودة به‬ ‫الى اصوله الصحيحة مصداقاً لقول رس��ول الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم ( يحمل ه��ذا العلم من كل خلف عدوله‪ ،‬ينفون‬ ‫عنه حتريف الغالني وانتحال املبطلني وتأويل اجلاهلني ) رواه‬ ‫البيهقي حتقيق العالمة األلباني ‪ /‬مشكاة املصابيح كتاب العلم‬ ‫الفصل األول اجلزء‪ 1‬ص‪ ،53/‬وتتناول هذه الرسالة مفهوم‬ ‫وإن اإلسالم قرر مبدأ العدالة في معاملة اآلخرين وصيانة‬ ‫العدل مببادئه القانونية وفي املجالني الوطني والدولي‪.‬‬ ‫حقوقهم‪ ،‬حيث أن رسالة عمان تدعو املجتمع الدولي‪ ،‬إلى‬ ‫العمل بكل جدية على تطبيق القانون الدولي واحترام املواثيق‬ ‫ففي املجال الوطني‪:‬‬ ‫والقرارات الدولية الصادرة عن األمم املتحدة ‪ ،‬وإلزام كافة‬ ‫‪ -1‬ترسيخ قواعد العدل واملساواة في احلقوق والواجبات‬ ‫األطراف القبول بها ووضعها موضع التنفيذ‪ ،‬دون ازدواجية‬ ‫بني املواطنيني‪.‬‬ ‫في املعايير‪ ،‬لضمان عودة احلق إلى أصحابه وإنهاء الظلم‪.‬‬ ‫لقد شرع اإلس�لام مبدأ امل��س��اواة‪ ،‬ونشر ظالله في ربوع‬ ‫ولقد ج��اء بيان موقف اإلس�لام من مقاومة الظلم بحق‬ ‫املجتمع اإلسالمي بأسلوب مثالي فريد‪ ،‬لم تستطع حتقيقه‬ ‫الشعوب من منطلق احلق في مقاومة االحتالل‪ ،‬للوصول إلى‬ ‫سائر الشرائع وامل��ب��ادئ‪ ،‬وأن ال��ن��اس خلقوا كلهم م��ن نفس‬ ‫األهداف املشروعة بالوسائل املشروعة‪ ،‬كما أعطى اإلسالم‬ ‫واح��دة‪ ،‬فأفراد املجتمع في شرعة اإلس�لام كلهم متساوون‬ ‫للحياة منزلتها السامية فال قتال لغير املقاتلني وال اعتداء‬ ‫ال فرق بني شخص وآخ��ر‪ ،‬ذك��راً كان أم أنثى غنياً أم فقيراً‬ ‫على املدنيني املساملني وممتلكاتهم ‪ ،‬وهو يرفض االعتداء على‬ ‫كلهم سواسية كأسنان املشط‪ ،‬ال يتفاضلون إال مبقدار عملهم حياة الناس بالقتل أو الترويع أو التهديد ألن حق اإلنسان في‬ ‫وإنتاجهم‪ ،‬وقد أوجب الله تعالى على احلاكم املسلم أن يكون احلياة أساس العمران البشري ‪ ،‬وقد قال سبحانه وتعالى في‬ ‫ً‬ ‫عادال بني افراد رعيته سواء أكانوا مسلمني او غير مسلمني ‪ ،‬محكم كتابه العزيز {من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فال يظلم أحدا بل يدبر أمورهم جميعا حسب شرع الله تعالى األرض فكأمنا قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأمنا أحيا‬ ‫‪،‬ويؤمن حاجاتهم من غير أن ينحاز الى طرف على حساب الناس جميعا}(سورة املائدة ‪ :‬اآلية ‪ ، )32‬فنحن في االسالم‬ ‫طرف اخر‪.‬‬ ‫نشجب املمارسات العدوانية غير املشروعة في العالم كله‪،‬‬ ‫وخاصية العدل هذه من خصائص الشريعة اإلسالمية ونرى أن وسائل مقاومة الظلم وإقرار العدل تكون مشروعة‬ ‫التي حمل لواءها القران الكرمي وأقرته السنة النبوية ‪ ،‬ففي وبوسائل مشروعة‪.‬‬ ‫ظل العدالة في تطبيق القوانني النافذة على اجلميع دون‬ ‫إن رسالة عمان ج��اءت لتدعو املجتمع الدولي الى نشر‬ ‫متايز وتفريق بني األجناس والطبقات نرسخ قواعد بناء األمة العدل والتسامح في العالم ‪ ،‬حيث أوجبت الشريعة االسالمية‬ ‫ودوامها وعزها ومتاسك وحدتها وبترسيخ قواعد العدل ‪ ،‬احترام العهود واملواثيق الدولية والتي حترمي الغدر واخليانة‪،‬‬ ‫حتفظ احلقوق وينتظم الوجود اإلنساني‪ ،‬فالناس في اإلسالم ومنع االعتداء على املساملني واملدنيني وممتلكاتهم سواء كانوا‬ ‫متساوون في احلقوق والواجبات والسالم والعدل وحتقيق أطفاال في مدارسهم أو رهبانا في صوامعهم‪ ،‬أو نساء ال‬ ‫األمن الشامل والتكافل االجتماعي‪.‬‬ ‫عالقة لهن باحلرب‪،‬‬ ‫‪ -2‬حتقيق العدالة االجتماعية في اإلدارة احمللية واملشاريع‬ ‫من خالل تطبيق مبادئ القانون الدولي االنساني بجدية‬ ‫التنموية ‪.‬‬ ‫واح��ت��رام امل��واث��ي��ق وال���ق���رارات ال��ص��ادرة ع��ن األمم املتحدة‬ ‫ح�ين يسود ال��ع��دل تستقر النفوس ب��ه وي��ه��دأ ال��ب��ال عليه وتنفيذها من غير ازدواجية في املعايير‪ ،‬وهذه املبادئ تؤكد‬ ‫وتبدع العقول معه‪ ،‬وترتفع املعنويات حماسة للعمل واإلنتاج على اح��ت��رام األط���راف املتنازعة التفاقيات جنيف األربع‪،‬‬ ‫فيتوسع ال��رزق و تتوزع معه مكاسب التنمية بني اجلميع ‪ ،‬وحترمي االجهاز على اجلرحى‪ ،‬وقتل األسرى وقت احلرب‪،‬‬ ‫فتضيق الفجوة بني األغنياء والفقراء ويسهل ت��دارك الفقر وحترم قتل املدنيني املقاتلني وتدعولللعناية بشؤون األسرى‬ ‫ومعاجلة البطالة ومحاربة الفساد وتقبل الرأي األخر ‪،‬وتصبح وحماية األعيان املدنية (املستشفيات وأماكن العبادة واملدارس‬ ‫مع هذا العدل مفاهيم املجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده قوانني واملالجئ وغيرها)‪.‬‬ ‫متنع وتضبط بل مبثابة القضاء غير املكتوب مينع البعض من‬ ‫ول��ه��ذا ف��إن املجتمع ال��دول��ي مطالب ب��أن مي���ارس كل‬ ‫اللجوء إلى القوة والعنف طريقا للتمرد وحتصيل احلقوق‪.‬‬ ‫الضغوطات على كافة اجلهات التي تنتهك االتفاقيات الدولية‬ ‫وال��ق��ان��ون ال��دول��ي اإلن��س��ان��ي إلرغ��ام��ه��ا على االل��ت��زام بهذه‬ ‫وفي املجال الدولي‪:‬‬ ‫االتفاقيات‪ ،‬لوقف جميع االنتهاكات التي يتضرر منها البشر‬ ‫‪ -1‬إتباع الوسائل املشروعة إلقرار العدل ورد الظلم‪.‬‬ ‫والتي تؤثر سلباً على أجيال بأسرها لرفع الظلم عن املظلومني‬ ‫أخالق اإلسالم في الوسائل والغايات‪ ،‬فغايات اإلسالم ويعود احلق إلى أصحابه‪.‬‬ ‫شريفة وك��ذل��ك وسائله حتظى بالشرف واحلماية نفسها‪.‬‬ ‫ويرفض اإلس�لام إتباع الوسائل غير املشروعة (مثل الغش‬ ‫واالحتكار والرشوة والسرقة) مهما بررنا لهذه األفعال من‬ ‫نوايا خيرة‪ ،‬إذ ان اخلير في الوسائل ضد اخلير في الغايات‪،‬‬ ‫فنقاوم الظلم ونعمل على إقرار العدل بالوسائل املشروعة‪.‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪55‬‬


‫‪ -2‬العالقات مع غير املسلمني تقوم على مبدأ إشاعة‬ ‫‪ -3‬التعاون مع كافة قوى السلم واالعتدال في العالم للدعوة‬ ‫السلم والعدل‪.‬‬ ‫العدل واملساواة‪.‬‬ ‫إذا ك��ان لكل دي��ن سمة يتسم بها ‪ ،‬فسمة اإلس�ل�ام هي‬ ‫إن التمسك مبنهج ال��ع��دل وامل��س��اواة أكبر مساعد على‬ ‫العدالة‪ ،‬وهي شعاره وخاصته‪ ،‬والعالم ال يصلح إال إذا كانت‬ ‫معرفة سنن الله الثابتة في الكون‪ ،‬ملا لهذه املعرفة من أثر في‬ ‫العدالة ميزان العالقات اإلنسانية في كل أحوالها‪.‬‬ ‫سلوك الطريق القومي للتغيير والتصحيح واإلصالح‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫إن القواسم املشتركة بني أتباع الديانات في العالم ‪ ،‬تصلح‬ ‫التخبط والفوضى واالضطراب والضالل‪.‬‬ ‫أن تكون منطلقاً للحوار والتقارب من اجل الوصول إلى تفاهم‬ ‫والدين اإلسالمي يرشد املسلمني الى ماهو حق وعدالة في‬ ‫مثمر ال ميس االستقالل الفكري أو التميز العقدي لكل منهم‪،‬‬ ‫ومن ذلك‪( :‬السالم واألمن والعدل والتكافل والرحمة واحلقوق عالقاتهم فيما بينهم وبني غير املسلمني واإلسالم في جوهره‬ ‫والواجبات)‪.‬‬ ‫يدعو إلصالح البشرية وأن املسلمني ليسوا أع��داء السالم‪،‬‬ ‫وه��ذا ال يتم إال باحلوار الواعي ‪ ،‬وااللتقاء الهادف بني وإمنا هم صانعوه في هذا العالم العتمادهم على أصل راسخ‬ ‫جميع احلضارات والثقافات واإلديان بهدف تصحيح املفاهيم‪ ،‬من االعتقاد الديني‪.‬‬ ‫وإي��ج��اد صيغ التعاون والتعامل اإلنساني املشترك‪ ،‬بعيداً‬ ‫واخيراً فإن ديننا اإلسالمي احلنيف يدعونا إلى االنخراط‬ ‫عن معاني الظلم واالستغالل‪ ،‬أو حتقيق املصالح احملدودة‬ ‫واألهواء الضيقة ‪ ،‬مما يتطلب صوتاً راشداً يتفيأ ظالل العدل واملشاركة في املجتمع اإلنساني املعاصر واإلسهام في تقدمه‬ ‫اإللهي‪ ،‬والرحمة الربانية يبصر املجتمع اإلنساني بأخطائه‪ ،‬ورق ّيه متعاونني مع كل ق��وى اخلير والتعقّل ومح ّبي العدل‬ ‫وينبهه إلى واجباته‪ ،‬لتحقيق سعادة اإلنسان وخيره على هذه وال��س�لام من الشعوب األخ���رى‪ ،‬واالهتمام بحقوق اإلنسان‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫وحرياته األساسية‪ ،‬وتأكيد حقه في احلياة والكرامة واألمن‪،‬‬ ‫فاألصل في عالقة املسلمني بغيرهم هي السلم‪ ،‬فال قتال وضمان حاجاته األساسية‪ ،‬وإدارة ش��ؤون املجتمعات وفق‬ ‫حيث ال عدوان وإمنا املودة والعدل واإلحسان إمتثاال لقوله مبادىء العدل والشورى حتى يصير العدل قيمة مطلقة مؤهلة‬ ‫تعالى {ال ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين‪ ،‬ولم‬ ‫العتالء قمة هرم قيم النظام اإلسالمي‪.‬‬ ‫يخرجوكم من دياركم أن تب ّروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب‬ ‫املقسطني} (سورة املمتحنة ‪ :‬اآلية ‪. )8‬‬ ‫والله ولي التوفيق‪،،،‬‬

‫ ‬

‫‪56‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫مقابلة المنتدى‬

‫معالي الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل‬ ‫حوار ‪ :‬يا�سر �أبو ح�سني‬

‫“ الدفاع عن القدس يجب ان‬ ‫تشترك فيه كل فعاليات األمة”‬ ‫• م��ا ه��و دور العلماء واملثقفني ف��ي ال��دف��اع ع��ن مدينة‬ ‫القدس ؟‬ ‫عثمان ‪ :‬ف��ي ت��ق��دي��ري ان ال��دف��اع ع��ن ال��ق��دس يجب ان‬ ‫تشترك فيه كل فعاليات األمة املختلفة ‪ ،‬البد من ان يشترك‬ ‫العلماء حتى يوضحوا لألمة حقيقة القدس وموقعها كمدينة‬ ‫إسالمية ‪ ،‬أيضا العلماء األثريني واملعماريني لهم دور الن‬ ‫هؤالء يستطيعوا ان يبينوا مدى الدمار الذي تريد ان تلحقه‬ ‫إسرائيل بالقدس وباملباني التي حول القدس ‪ ،‬وان يكشفوا‬ ‫زي��ف االدع����اءات اإلسرائيلية ح��ول بيت امل��ق��دس ‪ ،‬علماء‬ ‫التاريخ لديهم أيضا مسؤولية ألنهم من دراستهم للتاريخ‬ ‫يستطيعوا ان ي��ردوا على الزيف اإلسرائيلي بان اليهود هم‬ ‫أول من سكن بيت املقدس وماذا ورد في التوراة واإلجنيل وما‬ ‫هي حقيقة اإلسالم ببيت املقدس ‪ ،‬علماء االجتماع وعلماء‬ ‫البيئة نحن بحاجة إلى دراساتهم حتى نستطيع ان نرد الهجمة‬ ‫الكبيرة التي يرد اليهود من خاللها تهويد القدس وحتويلها‬ ‫إلى عاصمة أبدية لهم ‪.‬‬

‫“س��رعة منو املنتدى تكشف‬ ‫حاجةاملجتمعملثلهذااملنتدى‬ ‫وألطروحات��ه وأف��كاره ف��ي‬ ‫مواجهة األفكار املتش��ددة”‬ ‫• ماذا تتوقعون ملستقبل املنتدى العاملي للوسطية ؟‬ ‫عثمان ‪ :‬املنتدى بتقديري انه نشأ وتربى بسرعة‪ ،‬واعتقد‬ ‫ان هذا ظاهرة صحية ‪ ،‬فسرعة منوه تكشف حاجة املجتمع‬ ‫ملثل ه��ذا املنتدى وألطروحاته وأف��ك��اره في مواجهة األفكار‬ ‫املتشددة ‪ ،‬وسرعة النمو تعكس ان��ه ك��ان يوجد هناك فراغ‬ ‫وهذا الفراغ كان يحتاج إلى من ميأله ‪ ،‬وسرعة النمو دليل‬ ‫على ان املنتدى سد جانب كبير من هذا الفراغ ‪.‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪57‬‬


‫مقابلة المنتدى‬

‫معالـــي رائــــــف جنـــم‬ ‫حوار ‪ :‬يا�سر �أبو ح�سني‬

‫“ دعم الهاشميني للقدس‬ ‫‪ .....‬منقطع النظير ”‬ ‫“علــينا‬

‫دور‬

‫• ما هو دور العلماء واملثقفني‬ ‫• دور الهاشميني ف��ي ال��دف��اع ع��ن ال�ق��دس ال ينكره إال‬ ‫في توضيح حقيقة قضية القدس جاحد ‪ ،‬هل لكم ان تبينوا لنا دور الهاشميني في الدفاع عن‬ ‫للناس ؟‬ ‫القدس؟‬

‫ك���ب���ي���ر ف��ي‬ ‫جن� ��م‪ :‬ب��س��م ال���ل���ه الرحمن‬ ‫ال��رح��ي��م‪ ،‬دور ال��ع��ل��م��اء واملثقفني‬ ‫توعية األجيال‬ ‫بالنسبة لقضية القدس دور مهم‬ ‫املتعاقبة حول جدا الن معظم الناس ال يعلمون‬ ‫احلقيقة ع��ن ال��ق��دس ويتأثرون‬ ‫قضية القدس‬ ‫ب�����اإلع��ل��ام ال���غ���رب���ي واإلع���ل���ام‬ ‫وال��ص��ه��ي��ون��ي ‪ ،‬ل��ذل��ك علينا دور‬ ‫كبير في توعية األجيال املتعاقبة حول قضية القدس ونحن‬ ‫في اقرب نقطة إلى القدس وهناك أناس ال يعلمون احلقائق‬ ‫حول القدس إلى أالن فكيف الناس البعيدين ‪ ،‬حترير القدس‬

‫”‬

‫يحتاج أوال إلى مرحلة توعية وتخطيط كبير وبعدها ‪ ،‬يجب‬ ‫ان نثقف أوال ‪ ،‬الن األجيال الصاعدة عليها مرحلة حترير‬ ‫القدس ‪ ،‬العالم الصهيوني قوي لذلك على اإلع�لام العربي‬ ‫ان يؤسس قنوات فضائيات تتكلم بلغات أجنبية حتى نراعي‬ ‫ان يكون املواطن الغربي العادي عاملا بقضية القدس ويتقبل‬ ‫ما يقوم به األمة العربية مستقبال فاحلق والقوة ال يكفيان بل‬ ‫نحتاج إلى إقناع العالم به ‪ ،‬نحن بحاجة إلى تأييد عاملي من‬ ‫مسئولني وغير مسئولني ‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫جنم ‪ :‬انا اعمل للقدس منذ سنة ‪ 1970‬مع الهاشميني وحتت‬ ‫مظلة الهاشميني ولوال مظلة الهاشميني ملا استطعت ان افعل‬ ‫شيئا ‪ ،‬هناك وزارة األوقاف وجلنة األعمار وقاضي القضاة‬ ‫واللجنة امللكية لشئون القدس كلها مؤسسات رسمية تعمل من‬ ‫اجل مدينة القدس ‪ ،‬ودور الهاشميني بداء سنة ‪ 1924‬وليس‬ ‫أالن وهو مستمر ‪ ،‬بداء في زمن الشريف احلسني بن علي‬ ‫الذي كان همه األول قضية القدس ثم استلمها منه الشهيد‬ ‫امللك عبدا لله الذي استشهد على أعتاب املسجد األقصى‬ ‫وبعده استلم الراية امللك احلسني بن طالل الذي اسمي عهده‬ ‫بالعهد الذهبي لألعمار ‪ ،‬وأالن استلم الراية عبدا لله الثاني‬ ‫أطال الله عمره وهو مهتم جدا بقضية القدس من النواحي‬ ‫السياسية واالقتصادية واإلعالمية واالجتماعية‪ ،‬فهو يتبرع‬ ‫لألعمار ويتابع هذه املشاريع بنفسه‪ ،‬وهو يتبرع للجامعات‬ ‫فقد تبرع جلامعة القدس مرتني مبعرفتي حيث مرت اجلامعة‬ ‫بأزمة مالية لم تستطع معها دفع روات��ب األكادمييني فتبرع‬ ‫جاللته برواتبهم ملدة سنة كاملة ‪ ،‬وهناك املؤسسات املقدسية‬ ‫العربية بإيعاز من امللك تبرعت احلكومة لها مثل مؤسسة‬ ‫شركة الكهرباء وهناك مستشفى املقاصد اخليرية دعمه‬ ‫جاللته ماليا ‪ ،‬ودعم الهالل األحمر ودار اليتيم‪ ،‬الهاشميني‬ ‫ال يحبون ان يتكلموا عن أنفسهم‪ ،‬فمن واجبنا ان نتكلم عن‬ ‫دعمهم للقدس‬


‫مقابلة المنتدى‬

‫االستاذ منتصر الزيات‬ ‫حوار ‪ :‬يا�سر �أبو ح�سني‬

‫“ املنتدى العاملي للوسطية‬ ‫في األردن يقود تيار الوسطية‬ ‫في العالم اإلسالمي ”‬

‫الزيات ‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬دور الشباب دور مهم ‪،‬‬ ‫فهم عماد األمة واإلحاطة بالشباب واستيعابهم أمر مهم وأدعو‬ ‫املؤسسات الشعبية ان تبذل جهد مناسبا في استيعابهم حتى‬ ‫ال يقعوا فريسة للتطرف ‪ ،‬أو براثن الفساد واالنحالل ودعوات‬ ‫التغريب من جهة أخرى ‪ ،‬الطاقة احلقيقية ألي امة هي طاقة‬ ‫الشباب فينبغي ان توضع مقررات وان يتم وضع برنامج لضم‬ ‫الشباب ملثل هذه املؤسسات مثل منتدى الوسطية وتغذية‬ ‫الشباب بالفكر اإلسالمي حتى يكونوا هم الذين يقودون كل‬ ‫املواجهات املنتظرة من اجل استعادة القدس‪ ،‬هذه املواجهات‬ ‫حت��ت��اج إل��ى إع���داد للشباب إع���دادا بدنيا وإع����دادا نفسيا‬ ‫وإع���دادا روحيا وإع���دادا علميا واإلحاطة بتاريخ القدس‬ ‫وتقدمي كل املعلومات املختصة بالقدس لتتوفر أمام الشباب‬ ‫ه��ذا واجبنا وواج��ب ه��ذه املؤسسات مثل منتدى الوسطية‬ ‫حتى يعرف الشباب أهمية هذه القضية ودورهم احملوري في‬ ‫حتقيق النصر ‪.‬‬

‫“يج��ب اس��تيعاب الش��باب‬ ‫حت��ى ال يقع��وا فريس��ة‬ ‫للتط��رف أو براث��ن الفس��اد‬ ‫واالنحالل ودع��وات التغريب”‬

‫الزيات ‪ :‬أالن العالم يتنادى للوسطية ‪ ،‬والعالم أالن حتفه‬ ‫النزاعات والصراعات ولذلك أنا قلت عندما حضرت املؤمتر‬ ‫األول للوسطية في عمان أني انتظر من هذا املنتدى الكثير ‪،‬‬ ‫وتنبأت له بالرواج الن الفكرة فكرة جيدة وفكرة شجاعة وهي‬ ‫ليست سهلة وال يقدر عليها أي احد ‪ ،‬لذلك يتقدم املنتدى‬ ‫• املنتدى العاملي مؤسسة حتمل فكرة الوسطية ‪ ،‬هل العاملي للوسطية في األردن ليقود تيار الوسطية في العالم‬ ‫تتوقعون للمنتدى بشكل خاص ولفكرة الوسطية بشكل عام اإلسالمي وهذا أصبح عالمة من عالمات العمل اإلسالمي‬ ‫وننتظر منه املزيد‬ ‫االستمرار في النجاح ؟‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪59‬‬


‫مقاالت‬

‫فتح ال��ل��ه ك��ول��ن‪ ..‬أضابير ال��دي��ن وامل���ال والسياسة‬

‫اال�ستاذ منت�صر الزيات – م�صر ‪ ‬‬ ‫‪.. ‬حدثني أستاذي األثير عالمة التاريخ اإلسالمي املعاصر‬ ‫الدكتور عبد احلليم عويس غير مرة عن التجربة التركية‪ ،‬كان‬ ‫حديثه في كل مرة يتدفق بحماسة غير عادية‪ ،‬بينما أتابعه‬ ‫بفتور أشد من حماسته تلك‪ ،‬وأشعر بهمومي وأعبائي من‬ ‫خالل احلركة التي أدور في ركابها كساقية تلتهم الوقت واجلهد‬ ‫حتى تكاد ال تبقي منه وأنا أردد مأثورة حسن البنا رحمه الله‬ ‫الواجبات أكبر من األوقات ‪ ،‬حدثني عويس عن شعور كولن‬ ‫بالهم وقدرته على نقل هذا اإلحساس املرهف بالهم ألتباعه‬ ‫ورواده وتالمذته املخلصني‪ ،‬حدثني عن مفهوم اخلدمة وكيف‬ ‫يقومون بها في تفان وإخ�لاص وجت��رد‪ ،‬رمب��ا كنت أردد في‬ ‫نفسي وأنا أستمع منه ملثل تلك العبارات وأشاهد أصدقاءه‬ ‫األتراك يدخلون ويخرجون ذهابا وجيئة عليه ألنه يرتبط بهم‬ ‫بعالقة ما ويقومون على خدمته باعتباره عاملا وداعية ممن‬ ‫ندر وجود مثله حاليا‪ ،‬فالزمن زمن قبض العلماء والصاحلني‬ ‫حتى ال تقوم الساعة إال على أشرار اخللق‪.‬‬

‫باللغة العربية توزع ماليني النسخ في كل عدد ‪ ،‬حلضور ندوة‬ ‫تخصصية انعقدت في جامعة ال��دول العربية بالتعاون مع‬ ‫كلية االقتصاد والعلوم السياسية تبحث محاوالت اإلصالح‬ ‫السياسي في العالم اإلسالمي وفي التجربة التركية‪ ..‬فتح‬ ‫الله كولن منوذجا‪.‬‬

‫غير أن��ي الحظت اهتماما غير مألوف بهذه ال��ن��دوة في‬ ‫الدوائر الثقافية واإلسالمية كأن القاهرة كلها كانت هناك ‪،‬‬ ‫ورغم حرصي على حضورها إال أن سفرا مفاجئا لي خارج‬ ‫البالد حرمني من املشاركة فيها واالستماع إلى األصدقاء‬ ‫األتراك والباحثني الذين أدلوا بدلوهم فيها وطالعت ما نشر‬ ‫عنها من مقاالت وأبحاث وأخبار صحفية‪ ،‬غير أن القدر أدخر‬ ‫لي أن أطالع التجربة من خالل الواقع املعايش واملعاينة وليس‬ ‫فقط من خالل حضور ندوة أكادميية متخصصة تتحدث عن‬ ‫التجربة‪ ،‬والبون شاسع جدا بني أن أسمع عن جتربة وبني أن‬ ‫أعايشها وأبصرها عن كثب‪ ،‬نلتقي أصحابها والذين يصنعون‬ ‫وفوجئت ف��ي أكتوبر امل��اض��ي ب��دع��وة وصلتني م��ن مجلة أحداثها مبستوياتهم املختلفة في ميادينهم‪ ،‬وهكذا وجهت لي‬ ‫حراء وهي مجلة تركية تصدر بعدة لغات خارج تركيا وتصدر مجلة حراء دعوة كرمية مع صفوة من العلماء واملفكرين من‬

‫‪60‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫األبي من حقه‬ ‫دول عربية شتى وسافرت السبت املاضي والتقيتهم هناك من حق العودة‪ ،‬كما يحرم الشعب الفلسطيني‬ ‫ّ‬ ‫وه��ا أن��ا أكتب سطوري األول��ى مباشرة من استانبول تأثرا في العودة ألرضه ودياره وبعد خمس سنوات حكمت احملكمة‬ ‫بأحاسيس ومشاعر وع��واط��ف جياشة ومشاهد وحكايات حكما غريبا ببراءته براءة مشروطة!!‬ ‫ومشروعات وعناصر كلها تدغدغ القلب وحتمله قسرا على‬ ‫أي ال يرجع ففي رجوعه إع��ادة للمحاكمة‪ ،‬ولكن املدعي‬ ‫لمُ‬ ‫إخراج الزفرات ساخنة وتدفع الدموع إلى طريقها من ا قل العام لم يرضه احلكم فأعاد الدعوى من جديد فنظرت أمام‬ ‫فرحا وسرورا حينا وحزنا ونكدا أحيانا أخرى‪.‬‬ ‫محكمة التمييز التي أيدت احلكم وحسمته أعلى هيئة قضائه‬ ‫فتح الله كولن‪ ..‬ذلك الرجل الغامض ‪ -‬هكذا بدا لي ‪ -‬الذي هناك تتشكل من ‪ 23‬قاضيا عام ‪ 2008‬عندما ألغت احلكم‬ ‫ال يقدر لك أن تلتقيه ‪ ،‬فهو منذ العام ‪ 1999‬يقيم في بالد وألغت مشروطيته وجعلته بريئا متاما براءة الذئب من دم ابن‬ ‫العم سام الواليات املتحدة األمريكية ‪ ،‬فالرجل ال يلتقي هناك يعقوب‪.‬‬ ‫مضيقا اخلناق على كل‬ ‫باألجانب مؤثرا السالمة له ولهم ُو ّ‬ ‫غريب أمر هذا الرجل مرة أخرى ‪ ..‬لم يحنق ضد العسكر‬ ‫الذين جل مهمتهم رصد الناس بالدسائس واملؤامرات‪ ،‬يلتقي‬ ‫مثلما نحنق نحن في بالدنا العربية ؟ لم يسع إل��ى تكوين‬ ‫فقط ببعض أنصاره من األتراك يحملهم تعاليمه ويجيب على‬ ‫ميليشيات مسلحة كالتي اعتاد شبابنا تكوينها كلما شعروا‬ ‫أسئلتهم وينقل نصائحه لدوائره اخلادمة في الداخل التركي‪،‬‬ ‫بغصة في حلوقهم من مظالم أو فساد؟‪.‬‬ ‫يظهر أحيانا قليلة في بعض البرامج املتلفزة املسجلة بواسطة‬ ‫غريب أمر هذا الرجل الذي لم يأمر بشن الغارات في وجه‬ ‫مريديه أيضا‪ ،‬غير أن كتبه ودراساته تنهمر حاملة أفكاره هنا‬ ‫الذين مينعون النور ويغلقون األفواه وينزعون أمارات الهدي‬ ‫وهناك في كل مكان من أنحاء املعمورة‪.‬‬ ‫عجيب أمر هذا الرجل ‪ ..‬سجن غير مرة في عقود مختلفة واإلميان؟‪.‬‬ ‫من حكم العسكر في تركيا‪ ،‬وعندما سافر أواخر التسعينات‬ ‫كان بفعل املرض الذي دهم قلبه املسكني املهموم واحتاج إلى‬ ‫العالج في مركز كليفالند الطبي الشهير بأمريكا وأجريت‬ ‫له جراحة كبيرة بالقلب احتاج معها إلى البقاء للعالج ثالثة‬ ‫أشهر كاملة داخل املستشفي وبدلت له ثالثة شرايني ‪ ،‬وبينما‬ ‫هو يعاني أالم املرض شيدت ضده حملة دعائية عدائية في‬ ‫تركيا تطالب برأسه‪ ،‬كان العسكر في تركيا عام ‪ 97‬تقريبا قد‬ ‫جنحوا في اإلطاحة بنجم الدين أربكان وقد كان رمزا تركيا‬ ‫من رموز التنوير اإلسالمي ‪ ،‬وبقي الرمز االجتماعي اإلنساني‬ ‫السلمي فتح الله كولن‪ ،‬وق��دم املدعي العام التركي قضيته‬ ‫وأدلته الواهية ضد رجل أعزل لم يوجه يوما كلمة نابية‪ ،‬أو‬ ‫صراخا عنيفا‪ ،‬لم يسع لتأليف ح��زب سياسي مي��ارس من‬ ‫خالله عمال سلميا كاربكان وغيره من الساسة األتراك الذين‬ ‫يحملون الهم السياسي‪ ،‬فهو ال يعرف السياسة وال ميارسها‬ ‫تركها طائعا م��خ��ت��ارا‪ ،‬رغ��م ك��ل مسامليته ه��ذه ق��دم��وه إلى‬ ‫احملاكمة بتهمة املؤامرة الكبرى‪ ،‬واستغرقت محاكمته خمس‬ ‫سنوات كاملة بينما املتهم غائب عن قفص االتهام هناك في‬ ‫أمريكا‪ ،‬رمبا لهذا السبب وجهوا االتهام ليمنعوه من العودة‪،‬‬

‫إن أقوما منا دخلوا في صدام مسلح مع احلكام‪ ،‬ورغبة‬ ‫في إذعانه قتلوا عسكره واغتالوا ضباطه وقادته‪ ،‬فلم يفلحوا‪،‬‬ ‫فاستهدفوا السياح األجانب رغبة في لي يده وإضعافه‪ ،‬فلم‬ ‫يفلحوا فزرعوا القنابل في البنوك ليدمروا اقتصاده!! لم‬ ‫يزرعوا بسمه في الوجوه‪ ،‬ولم يغرسوا زرعا في احلقول‪.‬‬

‫فتح الله كولن‪ ..‬ب ّكاءٌ بامتياز‪ ،‬ال يتكلم إال وهو يبكي‪ ،‬ال‬ ‫يقرأ القرآن إال وهو يبكي‪ ،‬استمعت لبعض كلماته عبر برنامج‬ ‫مسجل أنتجه املنتدى العاملي للوسطية يذاع قريبا على إحدى‬ ‫القنوات الفضائية الشهيرة وهو يبكي ‪ ،‬هكذا قال لي بعض‬ ‫تالمذته‪.‬‬

‫أمن به كثيرون‪ ..‬تزايدوا يوما وراء يوم ‪ ،‬سعي الرجل إلى‬ ‫تدعيم اإلميان في القلوب‪ ..‬قلوب الناس من حوله ‪ ،‬تسامع به‬ ‫شيوخ كبار وأجيال مختلفة من مراحل عمرية متباينة يشدون‬ ‫الرحال إليه في أزمير حيث كان يقيم قبل مغادرته‪ ،‬التقيت‬ ‫واح���دا م��ن الشيوخ ال��ذي��ن زام��ل��وه وت��ع��رف عليه ف��ي أواسط‬ ‫على من القصص ما يثير العجب فانتظروني‬ ‫السبعينات قص ّ‬ ‫أكمل لكم قصة رجل أظنه دخل كل بيت في تركيا اآلن‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪61‬‬


‫مقاالت‬

‫م�����ع�����ا ض��������د اره���������������اب ال�����ق�����اع�����دة‬ ‫اإلسالمية ‪ ،‬وال تكفي الغمغمة أو التعميم أو اإلجمال ‪ ،‬وأستثني من‬ ‫ذلك مقاومة احملتل والدفاع عن الوطن كما في احلالة الفلسطينية‬ ‫التي هي محل إطباق وإجماع ‪.‬‬ ‫واألمر أبعد من ذلك؛ فاإلختراق حادث لفكرنا وثقافتنا ومجتمعنا‬ ‫‪ ،‬ومن هنا أوصي نفسي وإخواني من اخلطباء واملتحدثني والكتّاب‪ ،‬أن‬ ‫نستخدم أوضح األساليب وأبينها في إنكار هذا املنكر العظيم‪ ,‬الذي‬ ‫فيه سفك الدماء‪ ,‬وتدمير املجتمع‪ ,‬وتشويه اإلسالم‪ ,‬وتعويق التنمية‪,‬‬ ‫والفساد في األرض‪ ,‬والعدوان على األرواح‪ ,‬والعبث بالضروريات‬ ‫الشرعية واإلنسانية ‪.‬‬ ‫فال نخلط بذلك حديثاً عن منكرات أخرى‪ ,‬ونربط بعضها ببعض‬ ‫مما يوهم بعض اجلاهلني أننا نصنع مسوغاً أو نلتمس مبرراً ‪ ،‬ال‬ ‫نع ّرض بالتكفير أو التفجير حني نعالج منكراً اجتماعياً أو سياسياً‬ ‫أو إعالمياً فنقول ‪ :‬هذا سبب التكفير أو سبب التفجير ‪ ،‬امنعوا‬ ‫ف�ضيلة ال�شيخ �سلمان العودة ‪ -‬ال�سعودية‬ ‫املنكرات حتى ال تعطوا سبباً لتطرف الشباب ‪...‬‬ ‫هذه لغة غير جيدة‪ ,‬قد توحي لبعض هؤالء بأنهم معذورون إذاً إذا‬ ‫ق��د يحوي ه��ذا امل��ق��ال ع��ب��ارات قوية أو قاسية ف��ي ح��ق الذين‬ ‫رأَوا ما ال يعجبهم أن يسلكوا أسلوب العنف ‪.‬‬ ‫سلكوا سبيل العنف رمبا لم يكن من عادتي أن أستخدمها ‪ ،‬لكنني‬ ‫يجب أن نفصل هذا عن ذاك‪ ,‬وأن نكون حذرين في لغتنا وخطابنا‪,‬‬ ‫أج��د نفسي محتاجاً إليها اآلن ألننا في مواجهة أق��وام يتسلحون‬ ‫باحلديد وال��ن��ار ويستهدفون إزه��اق األرواح وتدمير املجتمعات ‪ .‬ويقظني من أن نوصل رسائل سلبية ملثل هؤالء من دون أن ندري ‪.‬‬ ‫حني كتبت عن تنظيم القاعدة‪ ,‬عاتبني بعض أحبتي وصارحوني‬ ‫وعلينا أن ننأى عن لغة ( لكن ) امللبسة املوهمة‪ ,‬التي جتعل فئة‬ ‫فسره ٌّ‬ ‫كل على‬ ‫بخوفهم ّ‬ ‫علي من كلمات طائشة تقدح في عِ رضي ‪ ،‬أو ما هو فوق من الشباب يفهمونها خطأ‪ ,‬وكأن الكالم ح ّمال أوجه‪ ,‬يُ ّ‬ ‫ذل��ك ‪ ،‬وكنت أق��ول إن األم��ر يحتاج إل��ى وض��وح ومكاشفة ‪ ،‬ولست ما يريد ‪.‬‬ ‫أخفي أنني لم أشعر بأهمية تذكر للمخاوف التي يتحدثون عنها ‪.‬‬ ‫املقام مقام فتنة عمياء‪ ,‬كلما قيل انقضت متادت كما قال رسول‬ ‫كنت وما زلت أدعو علماءنا ودعاتنا املخلصني إلى تسمية األشياء الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪( -‬كما في سنن أبي داود وأحمد واحلاكم‬ ‫بأسمائها احلقيقية‪ ,‬ون��زع االس��م الر ّباني امل��ق�� ّدس “اجلهاد” عن وق���ال صحيح اإلس��ن��اد م��ن ح��دي��ث اب��ن عمر رض��ي ال��ل��ه عنهما) ‪،‬‬ ‫أعمال التنظيمات القتالية‪ ,‬التي تقتل األبرياء‪ ,‬وتزعزع األمن في واملسئول األول واألكبر عن إطفائها‪ ,‬وكشف الغطاء الشرعي عنها؛‬ ‫بالد اإلس�لام ‪ ،‬أو في بالد أخ��رى بيننا وبينها عهد وميثاق؛ جتب هم العلماء والدعاة املخلصون‪ ,‬الذين ال يخافون في الله لومة الئم ‪،‬‬ ‫رعايته واحترامه بنص الكتاب العزيز (أَ ْو ُفوا بِالْ ُعقُودِ )(املائدة‪ :‬من وال يترددون في جترمي العمل الفاسد؛ مهما كانت كلفته عالية ‪.‬‬ ‫ُضوا الأْ َيمْ َ��ا َن بَ ْع َد‬ ‫اآلي��ة‪َ ( ، )1‬وأَ ْو ُف��وا ِب َع ْهدِ اللَّهِ ِإ َذا َعا َه ْدتمُ ْ َوال تَنْق ُ‬ ‫ليس مهماً أن يدينني هذا أو ذاك بأنني أعمل لصالح جهة أو‬ ‫تَ ْوكِ يدِ َها)(النحل‪ :‬من اآلية‪. )91‬‬ ‫أخ��رى‪ ,‬أو أنني «حكومي» ألنني قلت ما ال يحب أن يسمعه ‪ ،‬إنني‬ ‫وليس أحد من أفراد الناس مف ّوضاً بنقض االتفاق ‪ ،‬وال بإعالن أقولها صريحة يشهد عليها الله ‪ ،‬أن هذا االستنكار هو إحساس‬ ‫احلرب ‪ ،‬مهما كانت األوضاع والظروف واألحوال ‪.‬‬ ‫إمياني وقناعة عقلية محكمة ‪ ،‬لم منالئ فيها أح��داً وال جهة وال‬ ‫وأنا اليوم أؤكد على أهمية التواصي بالوضوح في إدانة جرائم طرفاً ‪ ،‬ولسنا مع احلكومات وال ضدها ‪ ،‬ولكننا ضد االنحراف‬ ‫الفساد في األرض‪ ,‬التي متارس باسم اإلس�لام‪ ,‬أو باسم اجلهاد ‪ ،‬والتخريب واإلفساد كله ‪ ،‬وضد ما ميارس باسم الدين منه خاصة‪,‬‬ ‫وكشف الغطاء عنها بأسمائها ‪ ،‬س��واء تس ّمت باسم القاعدة ‪ ،‬أو كائنة ما كانت التبعة التي تترتب على هذا اإلعالن وهذا االستنكار‬ ‫تنظيمات اجلهاد ‪ ،‬أو اجلماعات القتالية أو املقاتلة ‪ ،‬أو الدولة واإلدانة والتجرمي ‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫ليس يه ّمني خصم يأبى إال أن يحملني وزراً أن��ا منه ب��ريء ‪،‬‬ ‫فالقول الصادع الذي أجهر به‪ ,‬وأقوله مبلء فمي؛ هو عقيدة راسخة‬ ‫لم تتبدل ول��م تتحول ‪ ،‬ول��م تختلف ‪ ،‬ولكن احلاجة إل��ى إيضاحها‬ ‫وتكرارها اآلن أهم وألزم من أي وقت مضى ‪ ,‬بل منذ اندلعت أعمال‬ ‫العنف أصبح احلديث املكرر املل ّح ضرورة دعوية وتربوية وأخالقية‬ ‫لكل من يه ّمه مستقبل هذا الدين ومستقبل هذا الوطن ‪ ،‬ومستقبل‬ ‫األجيال القادمة‪ ،‬واحلفاظ على البقية الباقية من استقرار بالد‬ ‫املسلمني ‪.‬‬

‫ليكن هذا حديث األب مع أسرته ‪ ،‬واألم مع أطفالها ‪ ،‬واملدرس‬ ‫مع طالبه ‪ ،‬واخلطيب مع جماعته ‪ ،‬والداعية مع مريديه ‪ ،‬وليكن‬ ‫إعالن النكير هنا غير مربوط بحملة رسمية‪ ,‬وال نفير إعالمي‪ ,‬وال‬ ‫تكليف وظيفي؛ بل إحساس مبهمة ربانية‪ ,‬وأمانة تربوية‪ ,‬ومعاجلة‬ ‫دعوية ؛ ليكن مدخ ً‬ ‫ال مناسباً للدعوة إلى التصالح مع النفس ومع‬ ‫املجتمع ومع املخالفني الذين ميكن م ّد اجلسور معهم‪ ,‬والتوصل إلى‬ ‫نقاط مشتركة في حفظ الديانة وإقامة الدنيا ‪ ،‬ولنرتق بتفكيرنا من‬ ‫االنتصار للنفس‪ ,‬أو الدفاع عنها‪ ,‬أو الثأر من اخلصوم؛ إلى النظر‬ ‫في املصالح العامة واملستقبل‪ ,‬وما حتتاجه األمة بعوا ّمها وخواصها‬ ‫وفجارها؛ فكل‬ ‫وحكامها ومحكوميها وأثريائها وفقرائها وصاحليها ّ‬ ‫ه��ؤالء من األم��ة ‪ ,‬ولهم حق الوالية بقدر إميانهم ‪ ،‬واحلديث عن‬ ‫موضوع خطير كهذا ال يجوز أن يُشغب عليه باحلديث عن موضوع‬ ‫آخر‪ ,‬قد يكون مثله‪ ,‬أو دونه وله ميدان ومحل آخر ‪ ،‬أو رجال مهتمون‬ ‫مختصون ‪.‬‬

‫وإنني أدع��و الذين ال ي��زال��ون ي��ع��ذرون ويحجمون في خطابهم؛‬ ‫أن يحسبوا حساب وقوفهم ب�ين ي��دي الله ‪ ،‬وأن ال يحملهم جور‬ ‫سلطانهم ‪ ،‬أو تعويق مشروعهم ‪-‬كما حصل في اجلزائر‪ -‬أو القطيعة‬ ‫التي متارسها احلكومات معهم على أن ال يعدلوا ‪ ،‬فبالعدل قامت‬ ‫ال��س��م��اوات واألرض ‪ ،‬وم��ن الرحمة ب��ه��ؤالء الشباب األغ���رار ومن‬ ‫سيلتحق بهم غداً وبعد ٍ‬ ‫غد؛ أن نقول لهم ‪ :‬هذا طريق ال يوصل إلى‬ ‫مقصد‪ ,‬وال يعصم من شر‪ ,‬وال يُق ّرب من جنة‪ ,‬وال يباعد من نار ‪،‬‬ ‫ومن أراد النجاح في الدنيا والنجاة في اآلخرة ورضوان الله واجلنة؛‬ ‫فليمسك بعصم اإلسالم العظام‪ ,‬وأركانه ومحكماته ‪ ،‬وليتوقّ الفنت ‪،‬‬ ‫وال يريقني محجمة دم حرام وال مشتبهٍ ‪ ,‬وال يفتح لنفسه باب التأويل‬ ‫في املنكرات الصريحة‪ ,‬وأنت بجرأتك على الكبائر املوبقة ترتكب‬ ‫حوباً وجرماً أعظم عند الله وفي كتاب الله مما تزعم أنك تنكره ‪،‬‬ ‫وهذا أعظم ما فعله اخلوارج‪ ,‬وقوتلوا ألجله ؛ فلم يكن قتالهم ملجرد‬ ‫التكفير وال االعتزال ‪ ،‬حتى قاتلوا واستحلّوا الدم‪ ,‬وأخافوا السبيل‪,‬‬ ‫وهتكوا حرمات اإلسالم ؛ فكانوا شر فرق اإلسالم بال منازع ‪ ،‬وصح‬ ‫احلديث عنهم عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من خمسة أوجه ‪،‬‬ ‫كما قال اإلمام أحمد ‪ ،‬وكفّرهم بعض أهل العلم ‪ ،‬وإن كان الراجح‬ ‫أنهم ال يُكفّرون ‪.‬‬

‫املنافقني في املدينة أم بقتل زعماء اليهود أثناء املصاحلة ‪ ،‬وهل‬ ‫أعطي أح��داً أن يكون القانون بيده يحكم بكفر أشخاص ثم ينفّذ‬ ‫أي فوضى مدمرة أس��وأ من تلك التي يحاول أن‬ ‫عليهم العقوبة ؟ ّ‬ ‫يج ّرنا إليها هؤالء ؟‬

‫ما يجري في الصومال‪ ,‬أو غير الصومال؛ مأساة تبكي لها القلوب‪،‬‬ ‫وباسم اإلسالم يُد ّمر املدمر ويطحن الطحني وتنشر النشارة‪ ،‬ويتقاتل‬ ‫الناس في األزق��ة اخلاوية والبيوت اخلربة‪ ،‬وتزهق األرواح وتلفظ‬ ‫احلياة آخر أنفاسها حتى في شهر رمضان ‪.‬‬

‫إنني أقولها صريحة مد ّوية ‪ :‬إن الله ال يصلح عمل املفسدين‪ ،‬وال‬ ‫يهدي كيد اخلائنني ‪ ،‬والذين يقتلون املسلمني باسم اإلسالم‪ ,‬أو باسم‬ ‫إنني أدع��و بكل حماسة أبنائي الشباب في املواقع اإللكترونية‬ ‫تطبيق الشريعة؛ لن يفلحوا ولن يصلحوا‪ ,‬وسينالهم عقاب الله تعالى‪،‬‬ ‫واملجالس ؛ أن يتحاوروا بوضوح حول هذا املوضوع‪ ،‬وأن يتكاشفوا في‬ ‫وسيكونون مث ً‬ ‫ال لغيرهم‪ ,‬إال أن يتوبوا قبل ذلك ‪.‬‬ ‫أسباب التعاطف اخلفية وكيف نعاجلها‪ ،‬وأن يجتمعوا على احملكمات‬ ‫إن القاعدة لم تعد هي القاعدة أيام سبتمبر ‪2001‬م ؛ فقد حت ّولت املسلمة الشرعية القرآنية‪ ،‬واألحاديث الصريحة الصحيحة التي‬ ‫إلى ظاهرة إعالمية‪ ,‬يتشبث بها الكثيرون‪ ,‬ممن يريدون أن يحصلوا بالغت في التحذير من التكفير والتحذير من القتل والقتال‪ ,‬حتى‬ ‫على االسم الرمزي فحسب ‪ ،‬وأن يحشدوا الشباب حتت هذه املظلة‪ ،‬كانت هذه من آخر وصايا النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬على املأل‬ ‫وبهذا تغ ّيرت االستراتيجية‪ ,‬وانفلت ّ‬ ‫الشر من عقاله‪ ,‬وأصبح شظايا في حجة الوداع ‪.‬‬ ‫ف��ي ك��ل مكان ذات صفة محل ّية‪ ،‬وص��دى عاملي ؛ وكأنها (ماركة‬ ‫إن بعض فاسدي العقول أصبحوا يتحدثون عن االغتيال وكأنه‬ ‫مسجلة) يحصل عليها من يشاء‪ ,‬ويتحرك باسمها ‪ ،‬وإن لم تأخذ سنة نبوية ‪ ،‬وه��ذا ان��ح��راف في الفهم وطيش في األح�لام ‪ ،‬فهل‬ ‫صفة التنظيم احملكم الوثيق الصلة ما بني قيادته وقاعدته ‪.‬‬ ‫أذن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بقتل سادة قريش مبكة أم بقتل‬

‫إنني أقول ما أعلمه علم اليقني أن هؤالء الذين ّ‬ ‫شط بهم املسلك‬ ‫لو ص��ار بيدهم من األم��ر ش��يء ألفسدوا وأهلكوا احل��رث والنسل‬ ‫وضيعوا وقطعوا وضلوا وأضلوا وفتنوا وافتتنوا ألنهم شاردون عن‬ ‫سواء السبيل ‪ ،‬بعيدون عن فهم الشريعة وإدراك مقاصدها ‪ ،‬جاهلون‬ ‫بسنن الله في خلقه ‪ ،‬وال يتأتى لهم نصر وال توفيق ‪ ،‬وه��ذا مما‬ ‫يقطع به من لديه وعي وبصيرة ومعرفة بالنواميس والسنة ‪ ،‬ولكنهم‬ ‫يفلحون في إح��داث البلبلة واإلرب��اك ‪ ،‬والتغرير ببعض البسطاء ‪،‬‬ ‫وإطالة أمد الفتنة ‪ ،‬يساعدهم على ذلك صمتنا ومجاملتنا وإحساننا‬ ‫الظن ‪ ،‬مع أن الشواهد تدل على اختراق أجهزة أمنية إقليمية وعاملية‬ ‫لبعض هذه املنظمات والتأثير عليها ومدها باملال وتسهيل مهماتها‬ ‫وه��ذا يعرفه الذين يحللون ويدرسون أوضاعها خاصة في العراق‬ ‫وفي إيران وال حول وال قوة إال بالله العلي العظيم ‪ .‬وصلى الله وسلم‬ ‫على البشير النذير الرحيم‪ ,‬ال��ذي بلغ البالغ املبني وأق��ام احلجة‪,‬‬ ‫ورسم احملجة‪ ,‬واحلمد لله رب العاملني ‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪63‬‬


‫مقاالت‬

‫م������آذن وم�����ن�����ارات ف����ي ب��ل��اد ال���ع���م ج��ن��ي��ف‬

‫‪ ‬د‪ .‬حممد احلب�ش ‪� -‬سوريا‬ ‫تكمن مرارة القرار السويسري بحظر املآذن في أنه ليس‬ ‫ق��رار حكومات وال حتى برملانات إنه استفتاء شعبي!! وهو‬ ‫يطرح هذا السؤال الكبير ملاذا تتعاظم اإلسالموفوبيا ويكثر‬ ‫العداء لإلسالم في الغرب‪ ،‬وهو يكرس الريبة العميقة بني‬ ‫اإلس�ل�ام وال��غ��رب‪ ،‬حيث ج��رى االختبار ه��ذه امل��رة ف��ي أكثر‬ ‫عواصم الغرب ح��ي��اداً‪ ،‬وأش��ده��ا بعداً عن سياسات الدول‬ ‫الكبرى التي تتلمظ لعودة االستعمار وتنخرط جيوشها في‬ ‫الناتو اجلبار للمشاركة في اقتسام الكعكة الشرق أوسطية‪،‬‬ ‫في حني تنأى سويسرا بنفسها عن ذلك كله وتختار احلياد‬ ‫والسالم وحسن اجلوار‪ ،‬ومع ذلك فإن نتائج االستفتاء وجهت‬ ‫ضربة قاصمة للحوار بني الشرق والغرب وللمشاركة في بناء‬ ‫عالم أكثر عدالً ومساواة وإنسانية!!‬ ‫‪64‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ولكن أكثر ما شدهني في حملة اجل��دل واجل��دل املضاد‬ ‫موقف بعض أصدقائنا من الكتاب العرب احملسوبني على‬ ‫العلمانية واحلداثة‪ ،‬حني راح��وا يهنئون الشعب السويسري‬ ‫ب��ه��ذا اإلجن����از‪ ،‬ع��ل��ى أس���اس أن اإلس��ل�ام ال مي��ن��ح اآلخرين‬ ‫احل��ري��ات احلقيقية وراح ه��ؤالء يستخرجون م��ن صحائف‬ ‫التراث نصوصاً مظلمة في التمييز الديني سطرها االستبداد‬ ‫ذات يوم‪ ،‬ولكنها لم حتظ على أرض الواقع بأي احترام‪ ،‬وظلت‬ ‫نصوصاً نوردها للتندر على اجلهل والتعصب ولكنها لم حتظ‬ ‫يوماً باستفتاء الناس وإجماعهم‪ ،‬وهي لألسف جتد اليوم من‬ ‫يستخرجها ويذكي بها ري��اح التعصب س��واء من العلمانيني‬ ‫املتطرفني أو من اإلسالميني املتطرفني الذين نتابعهم اليوم‬ ‫على الفضائيات وه��و يرسلون الفتوى تلو األخ��رى ويتبارى‬ ‫فرسان هذه الفضائيات في النص على حترمي تهنئة اآلخرين‬ ‫بأعيادهم وحترمي مجاملتهم‪ ،‬ومنعهم من إظهار شعائرهم‪،‬‬ ‫على أساس أنها عقائد شركية أبطلها اإلسالم‪ ،‬وهكذا وبتأمل‬ ‫بسيط ميكننا أن ن��درك أن التطرف ف��ي عبائته العلمانية‬ ‫واألصولية يسعى إلى هدف مشترك وهو هدم ثقة اإلنسان‬ ‫باإلنسان‪ ،‬وهنا تلتقي أفكار بعض احملطات املتحللة بأفكار‬ ‫القنوات املتزمتة املعروفة – رمبا كان املالك واحداً ‪ !! -‬في‬ ‫احتقار املقدس الديني وهدم جسور احلوار وتعزيز القطيعة‬ ‫بني اإلنسان وأخيه اإلنسان‪.‬‬ ‫م��ع أن��ن��ي ال أح��ب أن أق���دم احل��ض��ارة العربية والتاريخ‬ ‫اإلسالمي على منطق نحن فوق اجلميع‪ ،‬وال أعيش في عقدة‬ ‫االستعالء احلضاري‪ ،‬ولكنني اليوم منذهل متاماً من موقف‬ ‫املجتمع األوروبي في أرقى عواصم الدميقراطية التي يتغنى‬ ‫بها في عجزه عن تقدمي املقدار األدنى من التسامح ليس على‬ ‫سبيل املجاملة جليرانه السمر املقيمني في جنوب املتوسط !!!‬ ‫بل على سبيل احلقوق املشروعة التي يقرها القانون الدولي‬ ‫وشرعة حقوق اإلنسان ألبناء البلد األصليني السويسريني‬ ‫ال��ذي��ن اخ��ت��اروا اإلس�ل�ام‪ ،‬أو على سبيل االل��ت��زام باحلقوق‬ ‫اإلنسانية التي ما زال��ت جنيف تعلمها للعالم منذ ق��رن من‬ ‫الزمن وهي تصنف في العالم على أنها أرض الدميقراطيات‬ ‫واحلريات وحقوق اإلنسان‪ ،‬وفيها مت التوقيع على أكثر مواثيق‬ ‫حقوق اإلنسان وحقوق األسرى عدالة ودميقراطية ‪.‬‬


‫حني بسط املستعمر الروماني سلطانه على أرض فلسطني احلياة نشيدها ومضت إرادة شعب فلسطني تعانق الكنائس‬ ‫ارتكب أبشع املجازر بحق الشعب الفلسطيني البريء‪ ،‬وحني القدمية ومتسح احلزن عن املساجد!!‬ ‫ظهرت اليهودية املوسوية في مواجهة الوثنية الرومانية قام‬ ‫وف��ي إش��ارة بالغة األهمية ف��إن امل��ؤرخ العربي ك��ان واعياً‬ ‫الرومان بتشريد اليهود وتخريب الهيكل وتدمير معالم املوسوية متاماً ولم يشأ أن يقع في فخ املشروع االستعماري احلاقد‬ ‫في فلسطني‪ ،‬وحني ظهرت املسيحية فيما بعد قام الرومان ولم يستخدم أبداً كلمة احلروب الصليبية واختار بدالً من ذلك‬ ‫ً‬ ‫أيضا بتشريد حوارييها ونصبوا خشبة الصلب للمسيح نفسه‪ ،‬االسم الصحيح لهذه احلروب الفاجرة حيث سماها حروب‬ ‫ولألسف فإن اليهودي التائه تواطأ مع الرومي املستبد في ظلم الفرجنة‪ ،‬وال ميكنك أن جتد في التراث العربي الذي أرخ لهذه‬ ‫املسيح وحوارييه على الرغم من أن اليهودي ذاق مرارة الظلم احلمالت املسعورة كلمة‪ :‬احل��روب الصليبية‪ ،‬ول��وال ترجمة‬ ‫بالبسطار الرومي نفسه‪ ،‬ولكنه مارس اخليانة والتواطؤ مع النصوص األوربية لتراث القرون الوسطى ملا سمع هنا في‬ ‫الروم الذين ظلموه واستعبدوه ضد أخيه في اإلميان من أبناء الشرق باسم احلروب الصليبية‪ ،‬وعلى الرغم من أن املسلمني‬ ‫السيد املسيح‪ ،‬على كل حال هكذا كان شأن العالم والناس ال يؤمنون بصلب السيد املسيح تكرمياً له وإعظاماً واحتراماً‪،‬‬ ‫على دي��ن ملوكهم‪ ،‬واالضطهاد الديني هو سمة احلكومات وتأكيداً ملعجزة رفعه إلى السماء‪ ،‬ولكنهم على رغم ذلك فهموا‬ ‫الغالبة إلى أن طرح اإلس�لام ثقافة جديدة في التعامل مع‬ ‫أن الصليب من وجهة نظر املسيحي الفلسطيني رمز محبة‬ ‫اآلخر املختلف دينياً وعرقياً وحضارياً‪.‬‬ ‫وسالم وليس رمز حرب وعدوان‪ ،‬ورفضوا أن يغمسوا الصليب‬ ‫بعد الفتح اإلسالمي حكم بالد الشام راشديون وأمويون في حمام الدم الذي فجرته أوروب��ا وأطماعها الفرجنية في‬ ‫وعباسيون وطولونيون وإخشيديون وحمدانيون وفاطميون بالد الشام الشريف‪.‬‬ ‫وسالجقة وأيوبيون ومماليك وعثمانيون وسلسلة نظم وطنية‬ ‫ال أجهل أن التأثير الذي ينطوي عليه هذا القرار هو تأثير‬ ‫ولكن لم يحصل أبداً أن منارة مسيحية كانت محل تهديد أو‬ ‫محدود وضئيل فمع وجود أكثر من مائة مسجد في سويسرا‬ ‫إهانة أو إساءة‪ ،‬وظل الهالل والصليب يتعانقان خالل التاريخ‬ ‫فإن املآذن ال يزيد عددها عن أربعة!! وال بأس أن نفترض أن‬ ‫في دمشق كما في القدس كما في القاهرة‪ ،‬فلماذا يضيق‬ ‫السويسريني يشتركون مع سلفيي بالدنا في أن امل��آذن بدع‬ ‫السويسريون ذرعاً بحقائق التاريخ واجلغرافيا وينقلبون على‬ ‫غير محمودة ولم ترد في الكتاب وال في السنة ولم ينشئها‬ ‫ما مت إجن��ازه في سياق حقوق اإلنسان واحلريات واملساواة‬ ‫السلف الصالح وأول من أنشأها هو اخلليفة األموي الوليد‬ ‫ويختارون سبي ً‬ ‫ال نكداً من التعصب وضيق األفق ؟؟‬ ‫بن عبد امللك بعد وفاة الرسول الكرمي بأكثر من سبعني عاماً‪،‬‬ ‫عانت القدس تاريخاً من احلروب الصليبية الضارية التي وقد اعترض حينذاك عدد كبير من األتقياء على املئذنة على‬ ‫كانت واضحة متاماً في هدم ت��راث املنطقة ولعن تاريخها‪ ،‬أساس أنها بدعة في الدين‪ ،‬ولكن الدرس األسود الذي قدمه‬ ‫وحتت راية الصليب جاءت أوروبا بقضها وقضيضها وارتكبت ه��ذا االستفتاء يدعونا بالفعل ونحن م��ن أش��د املتحمسني‬ ‫أبشع املجازر‪ ،‬ومل��دة تسعني عاماً ظلت القدس حتت حراب للحوار مع الغرب واحترام قيمه ومنجزاته احلضارية‪ ،‬إلى‬ ‫الصليبيني‪ ،‬وبعد كفاح ضار متكن املسلمون على يد صالح مراجعة مواقفنا والبحث عن مفردات جديدة لتقومي احلوار‬ ‫الدين من دخول املسجد األقصى في السابع والعشرين من على أساس من املساواة قبل أي شيء‪.‬‬ ‫رجب عام (‪ 583‬للهجرة ) ‪ ،‬وسقط الوجود األوربي الصليبي‬ ‫من سيقول ألوربا ذات يوم إن املجتمع األوروبي مهما كان‬ ‫في فلسطني‪ ،‬وال شك أن اجلرائم التي ارتكبها الصليبيون‬ ‫متحضراً ومتقدماً فإنه ميكن تضليله‪ ،‬وأن اإلعالم يستطيع‬ ‫كانت أشد هوالً وفظاعة ووحشية من كل ما جرى خالل تاريخ‬ ‫الصراع‪ ،‬وتبدو كارثة مانهاتن في احلادي عشر من أيلول لعبة بالفعل أن يرسم املآذن على صورة مدافع الكاتيوشا وأن العقل‬ ‫أطفال إذا ما قورنت بالبطش الذي استمر في أرض فلسطني األوروب��ي مهما كان مثقفاً فإنه سينساق وراء مزالق اإلعالم‬ ‫تسعني عاماً بدون توقف‪ ،‬ووفق املصادر األوربية فإن الصليبيني اآلثمة ويسقط مضبوعاً ضحية التآمر اإلعالمي!!‬ ‫عفوا سويسرا!! لقد وجهت رسالة خاطئة‪ ،‬وسيصبح هذا‬ ‫بنوا هرماً من جماجم املسلمني (وك��ذل��ك أيضا املسيحيني‬ ‫امللكانيني) اشتمل على مائة وخمسني ألف ضحية!!! ومع ذلك املوقف الساذج الغبي أكبر دليل على أن العدالة ال تسكن دائماً‬ ‫فإن دخول صالح الدين إلى بيت املقدس كان من أعظم أيام في العباءة الدميقراطية‪ ،‬وستعزز امل��خ��اوف ل��دى األقليات‬ ‫التسامح في تاريخ الدنيا‪ ،‬وأصر الرجل أن يشهد انتصاره أن الدميقراطية حتى ف��ي منطها السويسري األك��ث��ر رقياً‬ ‫عدد من كبار رجال الدين املسيحي من فلسطني‪ ،‬وأعلن في ومتدناً غير ق��ادرة على حماية األقليات‪ ،‬أو احترام املقدس‬ ‫وقت واحد فرح املآذن والكنائس وأصر أن تقرع األجراس مع الديني‪ ،‬وأن الدميقراطية في أرقى صورها قابلة للخديعة‪،‬‬ ‫صوت األذان في إشارة واضحة إلى روح التسامح التي منحها وأن الدميقراطية لم تفلح بعد في رسم صورة املساواة بني‬ ‫اإلسالم للناس‪ ،‬وبعد تسعني عاماً مريرة من املظالم استأنفت الناس‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪65‬‬


‫مقاالت‬

‫هل يؤسس عقد مؤمتر «القدس ‪ ..‬دين‬ ‫وتاريخ» لقمة اسالمية؟‬ ‫اال�ستاذ عبداهلل حممد القاق‬ ‫تزامنت تصريحات جاللة امللك عبدالله الثاني لصحيفة‬ ‫«احلياة» اللندنية حول مدينة القدس واعتبارها خطا احمر‬ ‫ودعوته االسرائيليني الى عدم اللعب بالنار ومطالبته بانهاء‬ ‫االحتالل االسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية املستقلة القابلة‬ ‫للحياة على التراب الوطني الفلسطيني في سياق اقليمي شامل‬ ‫ي��ؤدي الى انسحاب اسرائيل من االراض��ي العربية السورية‬ ‫واللبنانية‪ ..‬تزامنت م��ع فاعلية ج��دي��دة يحتضنها االردن‬ ‫حاليا اال وهي عقد املنتدى العاملي للوسطية ملؤمتر للدفاع‬ ‫عن املدينة املقدسة والسعي لتحفيز العالم لدعم القضية‬ ‫الفلسطينية في اط��ار احلملة االهلية التي يرعاها االردن‬ ‫لدعم احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية لعام ‪،2009‬‬ ‫وف��ي خضم اط�لاق الفعاليات واالنشطة املتعددة م��ن اجل‬ ‫القدس‪ ..‬في اوسع امتداد جغرافي في نطاق العالم العربي‪،‬‬ ‫هذا املؤمتر كما شرحه امينه العام للمنتدى املهندس مروان‬ ‫الفاعوري في مؤمتر صحفي يهدف الى تأسيس جلان محلية‬ ‫فاعلة وق��ادرة على العمل والتفاعل الب��راز دور هذه املدينة‬ ‫واملقدسات االسالمية ‪ ،‬وكذلك تأكيد الهوية الثقافية ملدينة‬ ‫القدس فلسطينيا وعربيا واسالميا ومسيحيا وتكريس رمزية‬ ‫ه��ذه املدينة والتعريف مبا تُعانيه وأهلها في ظل االحتالل‬ ‫الصهيوني العنصري وتعزيز دورها كقضية جامعة واحدة‪.‬‬

‫ف��ي مواجهة الصمود والتهويد خاصة وان نتنياهو رئيس‬ ‫وزراء اسرائيل وباراك وزير خارجيتها قد اكد في مؤمترات‬ ‫بالكنيست او في امريكا او اوروبا‪..‬وفي املفاوضات العبثية مع‬ ‫اجلانب الفلسطيني بان «القدس املوحدة هي العاصمة االبدية‬ ‫السرائيل‪..‬ولن نساوم في شأن هذا املبدأ‪..‬ولن نتخلى عنه»‪.‬‬ ‫وال��واق��ع ان ب��رن��ام��ج ح��زب الليكود وغ��ي��ره م��ن االحزاب‬ ‫االسرائيلية التي تدعو «للسالم» تنطلق من ك��ون اسرائيل‬ ‫«دول���ة ي��ه��ودي��ة ‪ ،‬صهيونية ودمي��ق��راط��ي��ة» فالصهيونية هي‬ ‫حركة التحرير اخلاصة بالشعب اليهودي كما تدعي‪ ..‬وهذه‬ ‫الدولة هي وسيلة لتحقيق اهداف الصهيونية وزيادة الهجرة‬ ‫واالستيطان وبناء اسرائيل وتطويرها وتعميق ارتباط الشعب‬ ‫اليهودي بالعالم وتعزيز التعليم اليهودي والصهيوني «ومنع‬ ‫ذوب��ان الشباب اليهود في املجتمعات التي يعيشون فيها في‬ ‫انحاء العالم»‪.‬‬

‫هذه السياسة التوسعية والقمعية االسرائيلية عبر عنها‬ ‫حاخامان اسرائيليان بدعوتهما إل��ى قتل كل شخص سواء‬ ‫اكان فلسطينيا طفال او رضيعا من اجل الدفاع عن اسرائيل‬ ‫باعتبار كما يزعمان «ان حق الشعب اليهودي «املجرم» باملدينة‬ ‫املقدسة حق اب��دي غير قابل للنقض‪ ..‬وان وج��ود اسرائيل‬ ‫مرهون باحلفاظ على امنها من اجل ردع كل «عدو» وضمان‬ ‫هذا املؤمتر االسالمي الكبير الذي عقد في عمان ‪ ،‬بدعم قدرتها على الدفاع عن نفسها‪..‬في اي وقت واحلفاظ على‬ ‫من املنتدى العاملي للوسطية يأتي جتسيدا على ان القدس مدينة القدس موحدة»‪.‬‬ ‫جزء ال يتجزأ من االراضي الفلسطينية احملتلة منذ عام ‪1948‬‬ ‫هذه البرامج االسرائيلية التي ترفض السالم‪ ..‬وتدعو الى‬ ‫والتي استكمل االحتالل الصهيوني احتاللها عام ‪ ، 1967‬بل مواصلة القتال والقمع واالستيطان في القدس وفي الضفة‬ ‫ان هذا اللقاء يُكرس مكانتها في الوجدان العربي واالسالمي الغربية وازال��ة املقدسات االسالمية دعت هذا املنتدى في‬ ‫واملسيحي ويرفع من قيمتها ومكانتها احلضارية والثقافية مؤمتره السادس لكي يناقش اوض��اع هذه املدينة وقدسيتها‬ ‫ودورها في بناء ثقافة التعايش والتسامح باالضافة الى دعمها بعنوان «القدس دين وتاريخ» لكونها متثل صلب النزاع العربي‬

‫‪66‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫االسرائيلي‪ ..‬وان السالم العادل والدائم والشامل يجب ان‬ ‫يقوم على االنسحاب غير املشروط السرائيل عن االراضي‬ ‫العربية احملتلة ف��ي ح��زي��ران ع��ام ‪ 1967‬مب��ا فيها القدس‬ ‫الشرقية ويعيد الالجئني الى مدنهم وقراهم ويتم تعويضهم‬ ‫بعد عودتهم عن اخلسائر التي حلقت بهم خالل السنوات التي‬ ‫قضوها في الشتات‪..‬‬

‫احملتلة متثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولدعوات املجتمع‬ ‫الدولي ايضا لها باالمتثال اللتزاماتها القانونية والتي أعاقت‬ ‫اجلهود الرامية الى استئناف العملية السلمية على اساس‬ ‫قرارات االمم املتحدة ذات الصلة ‪ ،‬ومرجعية مؤمتر مدريد ‪،‬‬ ‫ومبادرة السالم العربية وخريطة الطريق فضال عن تسببها‬ ‫في مزيد من التدهور واالستقرار في املنطقة جراء مواصلة‬ ‫اسرائيل غاراتها في بقية االراضي الفلسطينية وخاصة في‬ ‫غزة وعمليات االعتقال في الضفة الغربية حيث يوجد في‬ ‫املعتقالت االسرائيلية اكثر من عشرة االف اسير مبا فيهم‬ ‫االط��ف��ال والنساء والشيوخ واع��ض��اء من املجلس التشريعي‬ ‫املنتخب دميقراطيا ‪ ،‬حيث يتعرضون ملعاملة جسدية ونفسية‬ ‫سيئة وتعذيب مستمر ‪ ،‬باالضافة الى مصادرة االراضي وتدمير‬ ‫املمتلكات في مختلف امل��دن ‪ ،‬وخاصة في سلوان بالقدس‬ ‫وحي البستان ونقل مئات االالف من املستوطنني وبناء اجلدار‬ ‫وانشاء الطرق االلتفافية لربط املستوطنات بعضها مع بعض‬ ‫والتدابير االخرى غير املشروعة واعمال املستوطنني املستمرة‬ ‫القتحام املسجد االقصى‪.‬‬

‫فهذا املؤمتر يشكل حلقة جديدة من حلقات التواصل والدعم‬ ‫للقضية الفلسطينية وهو ما انتهجه املنتدى العاملي للوسطية‬ ‫في الدفاع عن قضايا االمتني العربية واالسالمية ‪ ،‬باعتبار ان‬ ‫فلسطني وعاصمتها القدس هي حق ثابت ال شك فيه للشعب‬ ‫الفلسطيني الذي استقر في فلسطني منذ االف السنني ‪ ،‬كما‬ ‫قال سماحة الشيخ عكرمة صبري خطيب املسجد االقصى‬ ‫في منتدى «الدستور» ‪ ،‬وان احلجج االسرائيلية القائمة على‬ ‫مزاعم وبراهني توراتية وتاريخية زائفة ‪ ،‬ال تعطي اليهود اي‬ ‫حق ال في فلسطني وال في القدس ‪ ،‬ألن العالم لو اقر بهذا‬ ‫املنطق وطالب كل شعب او ام��ة بحقه في منطقة او ارض‬ ‫الن اج��داده عاشوا برهة من الزمن فيها قبل االف السنني‬ ‫النقلب العالم رأسا على عقب ‪ ،‬وألشعل حروباً مدمرة ال تبقي‬ ‫وال تذر ‪ ،‬كما هو احل��ال مع اسرائيل التي تواصل عدوانها‬ ‫ان ه���ذا امل��ؤمت��ر ال���ذي ش���ارك ف��ي��ه س��ي��اس��ي��ون وباحثون‬ ‫اآلثم على الشعب العربي واالسالمي في اماكن متعددة من‬ ‫عرب وغيرهم يؤسس الى مرحلة جديدة من اب��راز القضية‬ ‫هذا العالم وتتوعد ايران بضربة بالتعاون مع امريكا لوقف‬ ‫برنامجها النووي العلمي في حني تستحوذ على اكثر من مائتي الفلسطينية ‪ ،‬ويسهم في التوصية لعقد قمة اسالمية تبحث‬ ‫اوضاع املسلمني في القدس وباالراضي الفلسطينية من أجل‬ ‫رأس نووي‪.‬‬ ‫وقف هذه االعتداءات وانهاء املمارسات املتكررة ‪ ،‬خاصة وان‬ ‫وال شك ان عقد هذه املؤمترات التي تدافع عن املقدسات‬ ‫هذه الدعوات جتيء ايضا مبناسبة الذكرى العشرين لسقوط‬ ‫االسالمية جتيء في ضوء اهتمامات االردن نحو رفع الظلم‬ ‫عن الفلسطينيني واستعادة اراضيهم احملتلة وانهاء االستعمار جدار برلني واقامة جدار الفصل العنصري في فلسطني األمر‬ ‫في الوطن العربي ‪ ،‬ووقف املمارسات االسرائيلية التي تقوم الذي يتطلب من املجتمع الدولي للعمل اجلاد بالضغط على‬ ‫بها اسرائيل في القدس واملقدسات وغيرها ‪ ،‬ومحاوالتها هدم اسرائيل لوقف اعتداءاتها على اهالي بيت املقدس وانتهاكاتها‬ ‫املسجد االقصى ‪ ،‬هذه االجراءات التي متس حقوق االنسان ب��االراض��ي الفلسطينية ‪ ،‬وجتسيد عنوان ه��ذا املؤمتر بأن‬ ‫للشعب الفلسطيني ‪ ،‬وغيره من السكان العرب في االراضي القدس متثل «الدين والتاريخ» ايضاً‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪67‬‬


‫مقاالت‬

‫ي����دي ت��ف��ن��ى ‪ ..‬وي��ب��ق��ى ك��ت��اب��ه��ا‬ ‫�أ‪ .‬رابحة الزيرة‬ ‫جمعية التجديد الثقافية ‪ -‬مملكة البحرين‬

‫بأن يدي تفنى ويبقى كتابُهـا العالقات االجتماعية واإلنسانية (باجلملة) بعد القتل والطعن‬ ‫كتبت وقد‬ ‫"“‬ ‫أدركت يو َم كتابتي ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كتبت خيرا ستُجزى مبثله وإ ْن‬ ‫فإ ْن‬ ‫كتبت ش ّرا عليها حسابُها» والتشويه (االجتماعي) لفئات املجتمع املخالفة واملختلفة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫كلمات – ال أعرف قائلها – حتضرني كلما هممت بالكتابة‬ ‫(بتك) مقلوب كلمة (كتب) وهو فعل (شيطاني) هدفه تغيير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فأسدد بها نوايا القلب وخط سير القلم لئال يفلت القول من خلق الله وتشويهه‪ ،‬ويقوم به اإلنسان بأمر من الشيطان حيث‬ ‫ّ‬ ‫سياج العقل وعقاله وال تُوظف الكلمة املق ّدسة خلدمة النفس‬ ‫يقول { َولأَ ُ ِضلَّ َّن ُه ْم َولأَ ُ َم ِّنيَ َّن ُه ْم َولآَ ُم َر َّن ُه ْم َفلَيُبَ ِّت ُك َّن آ َذا َن الأْ َنْ َع ِام‬ ‫وانفعاالتها‪ ،‬إذ ليس أيسر من الكتابة من أجل (التنفيس) عن‬ ‫أن املفلسني من الكتّاب‪،‬‬ ‫غضب أو حزن أو ألم ألم باإلنسان لتكون أشبه بشقشقة تهدر َولآَ ُم َر َّن ُه ْم َفلَيُ َغ ِّي ُر َّن َخل ْ َق اللَّهِ }‪ ،‬ويبدو ّ‬ ‫ّ‬ ‫في صدر صاحبها فيب ّثها على الورق ثم ينشرها لتقر نفسه واملغرضني منهم‪ ،‬ضلّوا سواء السبيل فاستبدلوا الكتابة) هذا‬ ‫ّ‬ ‫قض مضاجع من حوله بسوء مقالته‪ ،‬وقد ال تخلو العمل اإلنساني الر ّباني السامي بـ(البتك) ‪ ..‬الفعل الشيطاني‬ ‫وتستق ّر وإن ّ‬ ‫بعض هذه الكتابات من جمال الطالقة والصدق والقوة في الوضيع اآلثم للتنفيس عن عقدهم النفسية ولو على حساب‬ ‫التعبير إن جاءت مناسبة للظرف ومع ّبرة عنه‪ ،‬ولكنها عادة حرمة العالقات اإلنسانية ‪ ،‬فال ي��ت��و ّرع أحدهم عن وصف‬ ‫ال تكون محمودة العواقب‪ ،‬وخاصة إذا حتّ��ول ُج�� ّل ما يُكتب املختلف عنه في العرق أو الدين أو املذهب أو حتى املظهر –‬ ‫ويُنشر إعالمياً إلى مراجل تنفيس ألجل التنفيس ال لإلصالح وليس بالضرورة املخالف له ‪ -‬بأقبح النعوت‪ ،‬ويحلّل أفعاله‬ ‫أو شخصيته بأشنع التحليالت‪ ،‬فيتندم على حلمه ويفتك به‬ ‫وال التغيير‪.‬‬ ‫اجتماعياً‪ ،‬وهذا لعمرك أعظم إزراء بخير األعمال الكتابة‪.‬‬ ‫تذ ّكرني بعض أعمدة الصحف مبجالس الغيبة والنميمة‬ ‫قدمياً ‪ ..‬كانت الكتابة عم ً‬ ‫مقدساً ومضنياً‪ ،‬فكتب األولون‬ ‫ال ّ‬ ‫يدعي مدمنوها أنه ال يحلو مجلس بدونها‪ ،‬ولكنها –‬ ‫التي ّ‬ ‫مع األسف ‪ -‬مجالس غيبة مفتوحة على نطاق واسع‪ ،‬فبعد علومهم‪ ،‬ونقشوا عقائدهم على ج���دران الكهوف واأللواح‬ ‫أن كانت هذه املفاسد األخالقية تُرتكب في اخللوات وفي الطينية واحتفظوا بها في بطن األرض ثم جاء من بعدهم‬ ‫قدر تلك العلوم حق قدرها فحفظها في بيوت العبادة‬ ‫غرف مغلقة بني عدد محدود من الناس حت ّولت بفضل التطور ممن ّ‬ ‫ً‬ ‫البشري – وال أق��ول اإلنساني ‪ -‬وم��ا يس ّمى بحرية الرأي‪ ،‬تثميناً لها وتقديسا ملا فيها من حقائق ومعارف لوالها ملا‬ ‫إلى (غيبة) على مستوى اإلعالم والفضاء االلكتروني الواسع‪ ،‬عرف اإلنسان أصله وال جذوره‪ ،‬فتركوا لنا مبا كتبت أيديهم‬ ‫وبالتالي أصبحت (مطاعم) أك��ل حلم األخ امليت (الغائب‪ ،‬ومبا ط ّوروا من أساليب الكتابة إرثاً حضارياً شامخاً مدعاة‬ ‫فخر لألمة اإلنسانية كلها‪ ،‬ولو بُعثوا اليوم من قبورهم حلمدوا‬ ‫ٍ‬ ‫الصامت‪ ،‬الغافل‪ ،‬وال��ذي ال ميلك املساحة اإلعالمية التي‬ ‫ميلكها اإلعالميون املغتابون) مفتوحة على مصراعيها ملن اليوم الذي ّ‬ ‫خطت أيديهم تلك العلوم وما أسرفت في نعمة‬ ‫يريد أن يأكل منه ما يشاء‪ ،‬وأصبحت (الكتابة) أداة لقتل الكتابة ‪ ..‬ولكن ال أعتقد أنه يجرؤ كتّاب التنفيس اليوم أن‬ ‫‪68‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫يتخيلوا أوبتهم بعد مئات السنني وقد متثلت كتاباتهم أعماال‬ ‫يحاسبون عليها عقاباً أو ثواباً ‪.‬‬

‫وأن واجب الكاتب والتزامه يجب أن يكون أمام‬ ‫في عصره)‪ّ ،‬‬ ‫وأن عليه أن يحترم عقل قارئه وذكائه‪ ،‬بينما‬ ‫نفسه وقارئه‪ّ ،‬‬ ‫“إن الكتّاب اخلالدين‬ ‫يسهب (تولستوي ) في وصفهم بقوله‪ّ :‬‬ ‫الذين يهزّون نفوسنا لديهم هدف مباشر من الكتابة كاحلرية‬ ‫واجل��م��ال‪ ،‬وآخ����رون لديهم أه���داف أب��ع��د كالتعريف بالله‪،‬‬ ‫وفلسفة احلياة واملوت‪ ،‬وسعادة البشرية ‪ ..‬وأفضلهم أولئك‬ ‫الذين يص ّورون احلياة ال كما هي فحسب ‪ ..‬بل كما ينبغي أن‬ ‫وإن هذا ليأسرك”‪ ،‬ومن أروع ما قرأت عن الكتابة‬ ‫تكون ‪ّ ..‬‬ ‫قول الفيلسوف (بومجارتن ) “ال توجد وظيفة أكثر نب ً‬ ‫ال من‬ ‫وظيفة الكاتب ‪ ..‬إنه الكائن الذي يقود»‪.‬‬

‫بني الكتابة والشفاهة مسيرة تر ّيث وتعقّل وحكمة‪ ،‬فما‬ ‫يُقبل من املتح ّدث الغاضب يصعب قبوله من الكاتب وإن كان‬ ‫منفع ً‬ ‫ألن اللسان قد يسبق صاحبه إن كان غضوباً فيتلفظ‬ ‫ال‪ّ ،‬‬ ‫مبا قد يندم عليه بعد أن تهدأ ثورته‪ ،‬بينما لدى الكاتب فرصة‬ ‫تقليب وتنقيح ما كتب قبل أن يُنشر‪ ،‬فيحلو للبعض أن يجعل‬ ‫من ه��ذه املساحة املتاحة للتعبير عن رأي��ه مساحة ليحكي‬ ‫اخلاصة‪ ،‬ويبثّ خواطره وانفعاالته الشخصية ‪ ،‬يريد‬ ‫حكاياه‬ ‫ّ‬ ‫بذلك أن يف ّرج عن نفسه‪ ،‬وال أحد يعلم ما هي الرسالة التي‬ ‫يريد إيصالها لق ّرائه‪ ،‬وبعيداً عن أية مكابرة‪ ،‬فليقارن الكاتب‬ ‫بني الوقت الذي يستغرقه كتابة مقال (رصني) وآخر (منفعل)‬ ‫في يوم التسامح العاملي نتمنى على وسائل اإلعالم أن متتنع‬ ‫ليعرف الفرق بني الكتابة املسئولة والالمسئولة‪.‬‬ ‫عن نشر أ ّية مقال حتريضي جتاه أي فئة من فئات املجتمع‬ ‫ملدة يوم واحد فقط ثم جتري دراسة ميدانية لترى أثر ذلك‬ ‫ّ‬ ‫قيل الكثير عن الكتابة وقيمتها والكاتب ودوره‪ ،‬فمنهم من‬ ‫وأن للكاتب (موقف على املجتمع وتوافينا بنتائجها السا ّرة‪.‬‬ ‫أن الكتابة (رسالة)‪ ،‬وأنها (نبوية)‪ّ ،‬‬ ‫يرى ّ‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪69‬‬


‫نســـاء قــدوة‬

‫زاوية المرأة‬

‫أم امل��ؤم��ن�ين خ��دي��ج��ة ب��ن��ت خويلد‬ ‫بقلم‪� :‬أ‪ .‬وفاء البيطار‬

‫اختيار شخصية نسائية ج��دي��رة بالتحدث عنها أم��ر سهل‬ ‫فالتاريخ مليء بالنساء اجلديرات باإلهتمام ولكني تذكرت حديث‬ ‫احلبيب عليه الصالة السالم ‪( ،‬خير نساء العاملني أربع‪ :‬مرمي‬ ‫ابنة عمران وآسية ام��رأه فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة‬ ‫بنت محمد)‪ ،‬فكان لزاماً أن أختار واحدة منهن للكتابة عنها فهن‬ ‫األحق بالكتابة فاخترت ام املؤمنني السيدة خديجة بنت خويلد‬ ‫رضي الله عنها‪.‬‬ ‫إن تاريخ النساء لعاجز حقاً أن يأتي بإمراه كخديجة حيث لم‬ ‫حتفظ لنا ثناياه أن امرأه فاحت سيرتها بالعطاء والعفاف مثلها‪..‬‬ ‫نعم اشتهرن بجانب واحد من الفضيلة وبلغن منه القمة ولكنها‬ ‫بالغة لقمم الفضائل كلها فهي سعيدة مبا بلغته في دنيا التجارة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫التي آلت ثروتها اليها من أبيها حيث توفي في معركة الفجار‬ ‫‪ ،‬ولكن حياتها لم تكتمل فكان قلبها يرنو إلى حياة زوجية رفيعة‬ ‫فيها سمو وبذل وتضحية وكفاح في سبيل حتقيق غاية سامية‬ ‫نبيله فهي سيدة نساء قريش عاليه الهمه جياشة العواطف واسعة‬ ‫االفق مفطروه على التدين والنقاء والطهر وقد عرفت بالطاهرة‬ ‫بني أترابها من النساء‪.‬‬ ‫رأت فيما ي��رى النائم شمساً عظيمه تهبط من سماء مكة‬ ‫لتستقر في دارها ومتأل جوانب الدار بالنور والبهاء‪ ،‬وقد فاض‬ ‫ذلك النور من دارها ليعمر كل ما حولها بالضياء‪ ،‬هبت من نومها‬ ‫الى ابن عمها الضرير الكاهن املوحد ورقه بن نوفل وحدثته مبا‬ ‫رأت فتهلل وجهه بالبشر قائال‪( :‬أبشري يا ابنه العم لو صدق الله‬ ‫رؤياك ليدخلن نور النبوه دارك وليفيضن فيها نور خامت االنبياء)‪.‬‬ ‫وق��د تهافت عليها الكثير م��ن س���ادات قريش خلطبتها وكانت‬ ‫تقيسه مبقياس احللم الذي رأته فلم تنطبق تلك الصفات على‬ ‫الذين تهافتوا لإلقتران بها ‪ ،‬ولكن لو تصفحنا الذاكرة االنسانية‬ ‫لرأيانا ان هناك أسباباً ال متت للماديات بصله دفعت محمداً‬ ‫صلى الله عليه وسلم لإلقتران بها ‪ ،‬فقد كان بيت خديجة كعبه‬ ‫يؤمها املساكني واحملرومني كانت عاملة على بصيرة من امرها‪،‬‬ ‫بالغة رشيدة كرمية ملن قصدها‪.‬‬ ‫أخبر االمني عليه الصالة والسالم أعمامه برغبته في الزواج‬ ‫من السيدة خديجة فذهب ابو طالب وحمزة لعمها عمرو بن اسد‬ ‫وخطبوا اليه ابنة اخيه وساقوا اليه الصداق وقد تزوجها على‬ ‫اثنتي عشرة أوقية ذهب‪ ،‬وملا مت العقد نحرت الذبائح ووزعت على‬ ‫الفقراء وفتحت دار خديجة لألهل واألق��ارب فإذا بينهم حليمة‬ ‫السعدية جاءت لتشهد عرس ولدها الذي أرضعته وعادت بعد‬ ‫ذلك الى قومها ومعها اربعون رأساً من الغنم هدية من العروس‬ ‫الكرمية ملن أرضعت الزوج احلبيب‪ ،‬وقد كان زوجها قبل البعثة‬ ‫بخمس عشرة سنة‪ ،‬ولدت له القاسم وعبد الله وزينب ورقية وام‬ ‫كلثوم وفاطمة‪ ،‬اما القاسم وعبد الله فلم يدركا االسالم وماتا‬ ‫وهما صغاراً ولكن بناته عليه الصالة والسالم أدرك��ن االسالم‬ ‫‪ -1‬سميت بذلك لوقوعها في األشهر احلرم‬

‫‪70‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫وهاجرن معه الى املدينة‪.‬‬ ‫خففت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من اآلالم‬ ‫ما كان ألنثى غيرها ان تبذل له من نفسها‪ ،‬في إيثار نادر مما‬ ‫ساعده لتلقي رسالة السماء‪ ،‬فكانت ت��ؤازره في االستعداد لها‬ ‫وتروح عن قلبه الهموم وتذهب عن صدره االحزان بطيب الكلم‬ ‫ومالها من كياسه وفطنه‪ ،‬ومبا وهبها الله من رفق ولني وقابليه‬ ‫كبيرة في حتمل الصعاب والصبر والتضحية‪ ،‬ناهيك عن خلقها‬ ‫الذي كان منبع فيض اخليرات لكل من أراد أن يقتدي بها من‬ ‫النساء على مر الدهور وقد ظهر ذلك جلياً بعد زواجها من رسول‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم الذي آمنت به إمياناً راسخاً إذ كذبه‬ ‫الناس وكانت أول من عرف عن نزول الوحي ‪ ،‬وكلنا نعرف كيف‬ ‫طمأنته عندما عاد من غار حراء خائفاً فإذا بها ترد اليه السكينة‬ ‫واألمن وتسبغ عليه ود احلبيبة وإخالص الزوجه وحنان االمهات‬ ‫‪ ،‬فكان احلبيب عليه الصالة والسالم يكن لها االحترام الكبير‬ ‫ملا أولته من الرعايه له في محنته قبل البعثه وبعدها فقد كان‬ ‫اقترانه بها إلهاماً ربانياً وليس هناك من يضحي هذه التضحية‬ ‫الكبيرة باملال واحلال دون ان يكون مخلصاً في بذله مؤمناً مبن‬ ‫أخذ بيده الى هذا املآل‪ ،‬فكانت خديجة امرأة هذا الطراز نادرة‬ ‫املثال في الصفاء والنقاء‪ ،‬وعرفت بفطرتها األصيلة قدر محمد‬ ‫صلى الله عليه وسلم وجالل مقامه عند الله سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫لم تتردد السيدة خديجة في اخل��روج مع رس��ول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم لتشاركه أعباء ما يحمل من أمر الرسالة اإللهية‬ ‫بالرغم من تقدمها بالسن عندما أقام في الشعاب ثالث سنني‬ ‫ملقاطعة قريش للرسول عليه الصالة والسالم وصحبه الكرام‪...‬‬ ‫بهمة عالية‪ ..‬صابرة محتسبة لألجر عند الله تعالى‪.‬‬ ‫وفي الصحيحني عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم «بشر خديجة ببيت في اجلنة من قصب ال‬ ‫صخب فيه وال نصب»‪.‬‬ ‫ومن حديث أنس أخرجه النسائي واحلاكم «جاء جبريل إلى‬ ‫النبي فقال‪ :‬أن الله يقرأ على خديجة السالم‪ ،‬فقالت‪ :‬أن الله هو‬ ‫السالم وعلى جبريل السالم وعليه السالم ورحمة الله «‪.‬‬ ‫ماتت قبل الهجرة بثالث سنني على الصحيح وقالت عائشة‬ ‫ماتت قبل أن تُفرض الصالة يعني قبل أن يُعرج بالنبي صلى الله‬ ‫عليه وسلم ويقال‪ :‬كان موتها رضي الله عنها في رمضان وكان‬ ‫عمرها خمس وستني سنة ‪ ،‬سنة عشر من البعثة بعد خروج‬ ‫بني هاشم من الشعب بستة أشهر ودفنت مبقبرة املعلى املعروفة‬ ‫باحلجون ونزل النبي صلى الله عليه وسلم في حفرتها ووضع‬ ‫عليها التراب بيديه الطاهرين وكان هذا لها وحدها دون نسائه‬ ‫ولم يصل عليها صالة اجلنازة ألنها لم تكن قد ُشرعت بعد‪ ،‬وقد‬ ‫سمي العام الذي توفيت فيه عام احلزن‪.‬‬


‫زاوية المرأة‬

‫مالمح األسرة والطفولة‬ ‫ف��ي ش��ع��ر خ��ال��د ف���وزي عبده‬ ‫اعداد ‪� :‬أ‪ .‬هيام ف�ؤاد �ضمرة ‪ -‬الأردن‬ ‫مهمة ال�شاعر‪:‬‬

‫وطن محرر ‪ ،‬وعيش كرمي له وألمته ‪ ،‬متنق ً‬ ‫ال في طموحه عبر‬ ‫موانئ احللم من أجل السعادة البشري ًة ‪ .‬حتى بات يحمل مصباحاً‬ ‫في وضح النهار باحثاً عن كوة أمل ‪ ،‬عن نسمة هواء عليل تقشع‬ ‫األجواء املوبوءة ‪.‬‬ ‫واالجتاه اإلنساني في الشعر ليس مذهباً ‪ ،‬بل هو نزعة فطرية‬ ‫ونهج فكري يؤرق الشاعر الواعي املستنير‪ ،‬حترك داخله بوصلة‬ ‫بيولوجية تقوده عبر أرخبيل املسرات ‪ ،‬حيث الفرح الطفولي ‪،‬‬ ‫واألب ّوة احلانية ‪ ،‬والبن ّوة البارة ‪ ،‬والشريك الوفي ‪ ،‬واألخ ّوة اجلادة‬ ‫ال��خ ‪ ..‬على غ��رار شعرائنا ‪ :‬مثل األم��ي��ري وأرس�ل�ان والرافعي‬ ‫والشابي وس��واه��م‪ ...‬وعبده ال��ذي لعق م��رار الغربة ت��ارة نازحاً‬ ‫وأخ���رى مترح ً‬ ‫ال باحثاً ِاجل���راح ‪ ،‬ويبث م��ن خ�لال شعره األمل‬ ‫ً‬ ‫وال��ت��ف��اؤل واإلمي���ان ‪ ،‬منطبقا عليه احل��دي��ث القدسي “ املؤمن‬ ‫كالشجرة ترمى بحجر لتعطيك الثمر”‬

‫الشاعر في حقيقته إنسان تفيض نفسه إنسانية كما تفيض‬ ‫روحه أحاسيس مشعة ومرهفة في آن ‪ ،‬هو كيان من ابداع قوامه‬ ‫جملة املشاعر واألحاسيس ‪ ،‬ودفقة الكلمة املزجاة على أوزان‬ ‫تنتعش بالصور‪ ،‬في حتليقات مجنحة جتوب اآلفاق وتعتق شواطئ‬ ‫الوصال ‪ ،‬تختلط عوامله ومتتزج ألوانها ليخترق ليله الضياء وتتبلد‬ ‫سماء نهاره بتداعيات األشجان ‪ ،‬ليغدو عامله الوجداني جملة‬ ‫من معزوفات تعانق عنان القصائد على لهفة املشاعر اجلميلة‬ ‫والسخية ‪ ،‬فال يتجشم صعاب الدروب إال ليشيد صروحاً عصية‬ ‫عن اإلندثار ‪ ،‬راسخات كالطود في طروس معبأة بالقوافي ‪.‬‬ ‫والشعر كفن ‪ ،‬هو ُم��ثُ ٍ��ل رفيعة تعارض عليها الشعراء ‪ ،‬من‬ ‫أعظم مهماتها القيام بوساطة بني الواقع والطموح ‪ ،‬تقرباً الى‬ ‫التسامي ونزوعاً الى الكمال املنشود بطرائق مختلفة ‪ ،‬لتصور‬ ‫اخلير خالصاً فتدعو اليه ‪ ،‬أو تصور الشر جانحاً فتُنفّرمنه‬ ‫ال�شاعر والعوامل الأ�سرية ‪:‬‬ ‫ض على هجره ‪ ،‬وفي أحيان تدلف مواقع الصراع بينهما‬ ‫وحت�� ّر َ‬ ‫وألن ما من شاعر إال وجاب بشعره أفق عامله األسري حتركه‬ ‫على أزلية استمراره لتمنح النفس قوة االتقاء ‪ ،‬وذلك ما مينح‬ ‫الشاعرعمقاً مفعماً باألحاسيس املتدفقة والوجدانيات الفوارة ‪ ،‬مشاعرإنسانية حقيقية مزدانة باأللق جت��اه أف��راده��ا ‪ ...‬فإن‬ ‫فاذا ما تعالت فيها روح اإلنسانية ‪ ،‬فإنها تؤذن بالولوج عبرالبوابة الشاعر خالد فوزي عبده حركت عالقته بأسرته مكنوناته وأثارت‬ ‫ومعان جياشة مرهفة نقية‬ ‫ٍ‬ ‫فيض مشاعره بسطوع شعري جميل‬ ‫إلى العاملية‪.‬‬ ‫‪ ،‬حمل بني يديه مشعل إنسانيته لينبعث الضياء عبر يراعه شعرا‬ ‫العاملية والإن�سانية ‪:‬‬ ‫زاخرا ال زيف يضلله وال انتحال يرهقه ‪ ،‬وال أدجلة موحشة غير‬ ‫العاملية واإلنسانية وجهان لعملة واح��دة ‪ ،‬فالعاملية م��رآة من مستدلة طرائقها معه ‪.‬‬ ‫مرايا اإلنسانية والعكس صحيح كما متثَل ُه يوسف ادريس‪ ،‬وإلى‬ ‫ففي احلني الذي ارتبط فيه الكثير من الشعر قدميا وحديثا‬ ‫مثل ذلك نوهت األديبة االسالمية بنت الشاطئ حول قيم األدب بالتغني باملرأة احملبوبه أو املرأة احلسناء ‪ ،‬وع ّد البعض موضوع‬ ‫ال��ع��رب��ي ال��ق��دمي وامل��ع��اص��ر‪ ،‬إلقناعنا ب��أن األدب ال��رف��ي��ع ميكنه احلب والعشق واملرأة حتديدا ‪ ،‬من أهم محفزات الشعروأش ّدها‬ ‫أن يرتقي إل��ى العاملية ‪ ،‬بل إن ازده���اءه باإلنسانية هو املقياس إلهاما للشاعر وأقواها في حتريك عواطفه ومكنوناته ‪ ،‬ثم في‬ ‫احلقيقي لعامليته‪ ...‬من هنا جند الشاعر خالد فوزي عبده تثور استخراج ابداعاته ‪ ،‬فإننا جند من الشعراء من التقط استلهاماته‬ ‫لواعجه حزناً ملشاهدته طف ً‬ ‫ال متأملاً ‪ ،‬إنساناً موجوعاً ‪ ،‬زوج ًة من العالقة األسرية ذاتها ‪ ،‬فالعاطفة النبيلة كغيرها قادرة على‬ ‫ثكلى ‪ ،‬شجر ًة ذبُلت ‪ ،‬طيراً مأسوراً الخ‪..‬الخ ‪ ،‬بل إن ُمنى حلمه اطالق أجنحة اخليال والتحليق الشعري الفاخر‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪71‬‬


‫وألن عبده من الشعراء الذين اجنذبوا الى واقعيتهم الرصينة‬ ‫‪ ،‬فقد رابض في خندق االنتماء األسري مفجرا مشاعر جنواه ‪،‬‬ ‫ومسيرا قاربه على محاذاة شطآن آمنة ‪ ،‬ليمنح ذاته وغيره مما‬ ‫يعتق ولج املشاعر واخليال ‪ ،‬ونفح األنفاس ‪ ،‬مطوعا الكلمات‬ ‫والعبارات أجمل تطويع ومسجال أوزان��ا وأبياتا سامية املعاني ‪،‬‬ ‫أصدقها مشاعر وأنصفها استحقاقاً ‪.‬‬

‫وعبده كأي من أبناء فلسطني احملتلة ‪ ،‬قد أرهقهم الشتات‬ ‫وأرقهم هاجس البحث عن فرص العمل وتأمني االستقرار ‪ ،‬ونال‬ ‫االغ��ت��راب عن األوط���ان منهم ما ن���ال‪ ...‬فتوهجت مشاعره ‪ ،‬و‬ ‫انبجس االحساس فيه أضعافاً ‪ ،‬مما عزز مشاعر االنتماء لألسرة‬ ‫واألوطان على السواء ‪ ،‬كان بيان حصيدها أن توثقت عرى العالقة‬ ‫وانتعشت فيوض االستجاشة ‪ ،‬وانطلقت أعنة البوح لتعتاش في‬ ‫رحاب الود والرحمة واملساكنة بارتواء مكني ‪ ،‬من خالل املناسبات‬ ‫األسرية وأحداث سعدها ‪ ،‬أو أالم ترحها ‪.‬‬ ‫ف��اخل��وض ف��ي الشعر األس���ري ه��و ثمرة تالحم يجمع اميان‬ ‫اجل��وارح وامي��ان الفرائض ‪ ،‬طاملا ان العواطف االنسانية جتاه‬ ‫أف��راد األس��رة في موقع الصدقة والعبادة ‪ ،‬هي مطابقة حثيثة‬ ‫وزاخرة للفطرة االنسانية البليغة في الود والتراحم والتالحم ‪،‬‬ ‫وهي مشاعر التئام وانسكاب وارت��واء تدغدغ القلب وتسري من‬ ‫خالله إلى شعب النفس ‪ . .‬أحاسيس غامرة تفيض أنسا وبهجة‬ ‫وتفتح قريحة مجلجلة ‪ ،‬وتولج معاني وأل��ف��اظ جميلة وقوية ‪،‬‬ ‫لتصوغ املعاني على أعنة سامية ‪ ،‬تشيد أعمدة موزونة ‪ ،‬وأبيات‬ ‫بخمائل موصوفة بني سطر وشطر ‪ ،‬وبني تفعيلة وتفعيلة ‪ ،‬وبني‬ ‫قافية محركة وقافية مسكنة ‪ ،‬قصائد حتكمها البالغة وترسمها‬ ‫وهجات الصور ‪.‬‬

‫ومن الواضح أن الطفولة بقدر ما حازت على اهتمام الشاعر‪،‬‬ ‫ظلت أخيلته تدور في فلكها مع كل حالة أو حادثة تتراءى أمامه‬ ‫وهو اجلد الذي جاوز الثمانني من عمره املديد ‪ ،‬وقد استحوذ‬ ‫عليه التأمل والتقاط الصور ‪ . . .‬ألمتكن من رصد مجموعة‬ ‫غير قليلة تؤكد املقولة املتداولة ( في داخ��ل كل منا طفل على‬ ‫أهبة الظهور ) فالشاعر وجد على مسرح الطفولة ما أثار مخيلته‬ ‫وأط��ل��ق عنان أش��ع��اره ‪ ،‬مستجيبا حملفزاته الداخلية ‪ ،‬ملتقطا‬ ‫الصور بقصائد تتناسب وبحورها مع مواضيع الطفولة ‪ ،‬ورمبا‬ ‫طرق الشاعر عوالم الطفولة لسعة فضائها واستحواذها الكلي‬ ‫على األحاسيس واملكنونات بشتى أشكال جياشها فللطفولة صور‬ ‫براءة مؤثرة تتغلغل بحبها إلى أعماق النفس البشرية التي فطرها‬ ‫الله عز وجل عليها بكل ما يكتنف هذه املشاعر من حب ورحمة‬ ‫ورفق واجنذاب ‪ ،‬ولذلك فهي الذكرى املقيمة التي تتصدرشاشة‬ ‫العرض كلما استحضرتها املناسبات ‪.‬‬

‫وق��د متكنت م��ن رص��د مجموعة تنوف على خمس وثالثني‬ ‫قصيدة تدور رحاها في نطاق التغني بأفراد األسرة وبالطفولة‬ ‫‪ ،‬وتبرز من خالل دواوينه التسعة مثل الصواري الباذخة ‪ ،‬تكتنز‬ ‫باملعاني االيجابية ‪ . .‬ففي ديوان ( قوس قزح ) املنشور حديثا عام‬

‫الى قوله ‪...‬‬ ‫ك� �ـ� �ـ� �ـ ��م ري � �ـ � �ـ� ��اض وجلتهـــا‬ ‫وح� �ق� �ـ� �ـ� �ـ ��ول ف �ل �ـ �ـ �ـ��م أهــــب‬

‫والشاعر خالد فوزي عبده من الشعراء القلة الذين خاضوا‬ ‫القصيد وأطلقوا الشعر من نبع وافر العطاء ‪ ،‬زاخر املواضيع‪،‬‬ ‫متدفق املشاعر والتعابير ‪ ،‬يخوض في مخزون غني يكاد ال ينضب‪،‬‬ ‫ويجوب أجواء تنفتح على سعة في التصوير‪ ،‬وارتياد للخيال معبر‬ ‫ومتنوع ‪ . .‬هو شاعر خصب رصف أرضية شعره مبكعبات جميلة‬ ‫‪ ،‬ووجه جزءا غير قليل منها باجتاه األسرة ‪ ،‬وإن كان أجزل العطاء‬ ‫في قصائد وصف املدن التي ارتبطت بها مشاعره أو ذكرياته ‪،‬‬ ‫وكذلك بشعر املناسبات الذي أحرز فيه قدرا كبيرا حتى لتكاد‬ ‫جتد لكل مناسبة أو حادثة قصيدة ‪ ،‬وال غرابة فالشاعر عبده‬ ‫من الشعراء املعطائني ‪ ،‬فبعد وف��اة زوجته وزواج جميع أبنائه‬ ‫وتقاعده عن العمل تفرغ للشعروأوقف جل وقته الرتياد صاالت‬ ‫الثقافة والتفاعل الثقافي على أوسع مداه وااللتفات الى قضايا‬ ‫مجتمعه وبلده ومناسباتها الوطنية وهو ما زال معبأ بعطائه األدبي‬ ‫الشعري ‪ ،‬تغشاه دوما اجلملة الشعرية فيصطادها مبهارة دون‬ ‫تعقيد ‪ ،‬ويصوغها بفنية واضحة وهي مشحونة باملؤثرات الفاعلة‬ ‫في بوتقة دافئة اجلياش‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫‪2007‬عن دار املأمون للطباعة والنشر‪ ،‬قصائد ربت على العشر‬ ‫ت��دور في ه��ذا احلقل ‪ .‬ومثل ذل��ك في دي��وان (زه��ور ال تذبل )‬ ‫املنشور ‪ 1997‬بدعم من وزارة الثقافة االردنية كان هناك حوالي‬ ‫تسع قصائد ‪ ،‬والباقي توزعت بني الدواوين املطبوعة واملخطوطة‪،‬‬ ‫وقد تنوعت مضامينها وبحورها ومحاكاتها ‪ ،‬فهناك ما هو معبأ‬ ‫مبعاني البر للوالدين ‪ ،‬وه��وى ال��زوج��ة وافتقادها بعد الرحيل‬ ‫وحب األبناء واألحفاد واألخوة وأبنائهم ‪ ،‬وفي حلظات بوحه نراه‬ ‫يعلن ما استتر في خلده من جياش املشاعر دون ابتذال ‪ ،‬ويحمل‬ ‫أشعاره قيماً فاضلة ‪. .‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الطفولة ومالعبها يف وجدان ال�شاعر ‪:‬‬

‫فها هي قصيدة ( ومضة من املاضي ‪ -‬قوس ق��زح‪ -‬ص‪)36‬‬ ‫التي يتحدث مضمونها ع��ن استنهاض فيض مشاعره خالل‬ ‫مرافقته لوالده في زي��ارة ملدينة السلط وهو ما زال بعد طفال‬ ‫‪ ،‬تستعذبه مالعب الطبيعة األم ‪ ،‬وتبش مالمحه لبهجة اغداقها‬ ‫الوفير ‪ ،‬فينطلق مبراتعها يغرف من مبهراتها ما يشبع وداد وأنس‬ ‫طفولته ‪ ،‬وما تركته تلك الزيارة من أثر في نفسه استعصى رغم‬ ‫الزمن عن االندثار حتى أسكنها قصيدته بالقافية املسكونة ‪ ،‬رمبا‬ ‫للتعبير عما سكنه من جميل املشاعر نحو هذه املدينة وأهلها ‪..‬‬ ‫فللمكان مكانة أثيرة في نفوس الشعراء ‪ ،‬كثيرا ما جال خيالهم‬ ‫بني تضاريسه ‪ ،‬فكيف اذا ما ارتبط باستعذابات نفس مهتدية‬ ‫ببراءتها وسليقتها ‪.‬‬ ‫فيشير الى ذلك في مطلع القصيدة ‪:‬‬ ‫ي� �ـ� �ـ���ا مل � �ـ � �ـ� ��اض إذا وث� �ـ� �ـ� �ـ ��ب‬ ‫ب� ��ال� ��ذي ف �ي �ـ �ـ��ه م��ـ��ن عجــب‬ ‫ج� �ـ� �ـ� �ـ ��اء ي �س �ـ �ـ �ع��ى بحقبـــة‬ ‫ل� ��م ت� �ـ� �ـ ��زل أج� �م���ل احلقـب‬


‫ل��ي��ـ��ـ��ـ��س ف��ي��ـ��ـ��ه��ن زاجـــــر‬ ‫ي �ن �ف��ث ال��س��خ��ط والغضب‬ ‫كـــــم تخيلــــــت أنهــــــــا مـــــــــن جمــان ومن ذهب‬ ‫رف ط� ��رف� ��ي ل� � ��دى ال� � � ��وداع‬ ‫م � ��ن احل � �ـ � �ـ� ��زن فـانتحــب‬ ‫القصيدة أتت في سبعة وثالثني بيتا مما يؤكد صفة التدفق‬ ‫في شعر الشاعر‪ ،‬وامتالءه بالصور الشعرية املسترسلة ‪ ،‬فغلبت‬ ‫االطالة على قصائده رغم تنوع البحور ‪ ،‬فمن الواضح أن القريحة‬ ‫تعج بالكثير وأن القدرة أكيدة وواضحة في العطاء ‪ ،‬وأ ّن األبيات‬ ‫تتوالد معه بيسر واقتدار‪.‬‬

‫ففي دي���وان (ق��وس ق��زح ) وح��ده هناك ع��دد غير قليل من‬ ‫قصائد الطفولة كمثل ( ومضة من املاضي ص‪ 36‬طفل في العيد‬ ‫ص‪ - 57‬طفل وطير الكناري ص‪ -59‬السيوف اخلشبية ص‪-75‬‬ ‫طفلة تدعى يافا ص‪ -102‬حكايتي مع احلرف العربي ص‪123‬‬ ‫ بائعة العلك ص‪ - 156‬البنتي أريج ص‪ - 235‬حكاية عن طفلة‬‫ص‪ - 261‬غناء كالبكاء ص‪ -280‬الطفل والطائرة الورقية ص‪)72‬‬ ‫‪ . .‬ثم من دواوينه األخ��رى واملخطوطات ( طفل وطفل ص‪- 2‬‬ ‫الزهرة والطفل ص ‪ - 194‬يا ابنتي ص‪ - 89‬الطفل الباكي ص‬ ‫‪187‬ديوان زهور ال تذبل) ( ضحكة طفلة ) ( الطفلة والعنقود ) (‬ ‫عندما يبكي الطفل ) ( عندما يلهو الطفل ) ( عندما يلهو احلفيد‬ ‫) ( إلى لينا ) و ( ايحاء من طفلة فلسطينية نائمة ) (التينة‪ -‬ص‬ ‫‪ 33‬ديوان إليك نابلس) (عصفور في فخ‪ -‬ص‪ 88‬ديوان شموع ال‬ ‫تنطفئ)( انشوده للطفل واحلجر‪ -‬ص‪ - 307‬أرض الشهداءص‪309‬‬ ‫دي��وان نفحات أردنية) ‪ . .‬وه��ذا زخم يكاد يشكل م��ادة لديوان‬ ‫واحد في موضوع الطفولة وحدها ‪ ،‬تتبدى فيها املتانة وحسن‬ ‫السبك واسترسال التعبير‪ ،‬وهي تعطي فكرة مستوفاة برهافة‬ ‫حس الشاعر التي جتعله ملتقطا جيدا لصور البراءة ونصاعة‬ ‫النظرة للجاذبية الكامنة بها وهو يعبئ قصائده بشعاعات االغداق‬ ‫واحل��دب والصور املستحضرة من الذاكرة واملتشكلة في قيعان‬ ‫العقل النابض بشتى التصاوير ‪ ،‬لتظل الطفولة بجاذبيتها واشراق‬ ‫صورها وحضورها الزاهي احدى ملهماته في التعبير الصادق‬ ‫بعدد ال بأس به من القصائد ‪.‬‬ ‫مالمح االنسانية تبدت بكل أوجها عبر قصيدة ( غناء كالبكاء‬ ‫ قوس قزح ‪ .‬ص ‪)280‬التي حترك داخل املتلقي عواطف رحمة‬‫وهاجة ‪ . .‬فقد استلهم الشاعر قصيدته خالل زيارة له لقرية‬ ‫األطفال ( ‪ ) sos‬مرافقا مركز التوعية واالرش��اد األسري الذي‬ ‫يؤكد حضوره االجتماعي االنساني ‪ ،‬فتحرك داخله بوجيب مكتوم‬ ‫بدرجة حرارة فائقة كان يعقص فؤاده بتوجع ‪ ،‬حتى اندفعت منه‬ ‫اآلهة لتفتح مجاال للقصيدة ‪ ،‬فليس أكثر مرارة وإثارة لأللم من‬ ‫مظهر طفولة بريئة محرومة من نعمة احلضن األسري الطبيعي‬ ‫‪ ،‬فكل نزالء الدار من األطفال إما أيتام أو ال أهل لهم هم اخوة‬ ‫تعنى بهم مربيتهم وهي األم احلاضنة الرؤوم ‪ ،‬التي ال يعرفون أماً‬ ‫سواها ‪ . .‬األمر الذي أفجع الشاعر وهو يقرأ مالمح البراءة على‬

‫وجوههم وهم ال يكادون يدركون ما هم فيه أو أي مآل يستقبلهم ‪،‬‬ ‫وتساءل بحرقة ‪ :‬كيف تلقى الطفولة على قارعة املجهول ؟‬ ‫وكيف تتحجر القلوب و تنسلخ الرحمة واالنسانية والفطرة عن‬ ‫أفئدة أمهاتهم وآبائهم ؟‬ ‫وهذه مقتطفات من القصيدة ‪:‬‬ ‫إمنـا بسمـة الطفولــــة بــرء‬ ‫ـــاء لكــل جـــرح عنيـــد‬ ‫وشـف ٌ‬ ‫جمـل احليـاة بطف ٍـل‬ ‫جـلّ مـن ّ‬ ‫فهو أبهى وخير ما في الوجـود‬ ‫أي ن�ـ�ـ��ار تهيــج ف�ـ��ي قلــب ٍأم‬ ‫وهي تنــأى عن طفلها املــوؤد‬

‫فيما قصيدة ( طفل في العيد ‪ -‬ص ‪ 57‬من ديوان قوس قزح )‬ ‫تتضمن تصويراً لطفل بائس فقير يتوق إلى لهفة الصبية الصغار‬ ‫بالثوب اجلديد ليفرح وميرح وتضج حركته على فرح رغيد مثل‬ ‫أقرانه األط��ف��ال ‪ ،‬فالطفل يحمل من الشوق واألمنيات حم ً‬ ‫ال‬ ‫عظيماً ‪ ،‬وسرعان ما يجرح كيانه احلرمان ‪.‬‬

‫على أن قصيدة (الطفل وطير الكناري ‪ -‬ص ‪ 59‬من الديوان‬ ‫ذاته) ترسم صورة حية لنقاء الطفولة التي تنزع للحرية وتنبذ القيد‬ ‫وهي صفة تتواءم والطبيعة الطفولية املنطلقة على سجيتها‪ ،‬والتي‬ ‫تثيرها األشياء احلية بحسيتها كاحليوانات األليفة والطيور‪ ،‬فنرى‬ ‫الشاعر ينطق بلسان الطفل ويكتسي رهافة نفسه ‪ ،‬فيلتفت الى‬ ‫الطير امللون السجني ومشاعره تختلط بني الدهشة واالعجاب وفي‬ ‫الوقت ذاته يتشكل في ذاته الرفض لتقييد حريته واالعتراض‬ ‫على سجنه وهو ال��ذي خلق ليُطلق أجنحته املعززة بالريش في‬ ‫فضاء احلرية الال محدود ‪ ،‬منازله أفنان الشجر وموطنه مراح ال‬ ‫يعرف احلدود‪ ،‬هي النزعة الرحيمة والشفوق في نفس الشاعر ‪.‬‬ ‫فيقول ‪:‬‬ ‫ب �ل �ح��اظ االع� �ج ��اب واالك� �ب ��ار‬ ‫راح طفـل يرنو لطيـر الكنـاري‬ ‫اذ رآه ي ��زه ��و ب �ح �م��رة بطن‬ ‫واخضرار في صدره واصفرار‬ ‫وك ��أن� �ـ� �ـ ��ي ب��ـ��ـ��ه ي� �ـ� �ـ ��ود ف� �ـ���رارا‬ ‫من اســار ومــا لــه مــن فــرار‬ ‫ل���م ي�� ��دار اع�� �ت� ��زازه و ه���واه‬ ‫وســـرورا لم يخـــل من إنكــار‬

‫وفي قصيدة ( السيوف اخلشبية ‪ -‬ص‪ 75‬قوس قزح ) حيث‬ ‫يعمد فيها الى املباشرة كما في غالبية أشعاره‪ ،‬يستعيد الشاعر‬ ‫ذكرى السيوف اخلشبية التي خاض بها معارك مالعب طفولته‬ ‫واخل��ي��ال يستحوذه ‪ ،‬وس���اءه عندما كبر أن يتيقن أن األسلحة‬ ‫احلقيقية التي أضحت بيد العرب هي األخ��رى مجرد سيوف‬ ‫خشبية ال حتمي حمى وال تذود عن أوطان في ظل هيمنة قوى‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪73‬‬


‫متسلطة وانتفاء فرص التكافؤ بالقوة ‪ ..‬وهو بذلك يعبر عن رؤى‬ ‫واعية لواقع صعب‪ ،‬محاكيا بذلك قول شاعر آخر‪:‬‬ ‫“ الناس تلهو بصاروخ وطائرة‬ ‫ونحن نلهو بأوتار وعيدان “‬ ‫في حني قصيدة ( طفلة تدعى يافا ‪ -‬ص‪ 102‬ق��وس قزح)‬ ‫التي استوحاها من قصيدة للشاعر عبدالله مبيضني ‪ ،‬فهي تعد‬ ‫اسقاطاً ملشاعرالتوجع و األسى على الوطن السليب ‪ ،‬واألمل غير‬ ‫املنقطع لتحريره ‪ ،‬وإسكانه القلب من خالل حتميل األبناء أسماء‬ ‫زاخ��رة بالوطنية ‪،‬كمثل ‪ :‬ف��داء ونضال وكفاح وفلسطني و يافا‬ ‫وغيرها ‪ ،‬إذ حتركت أشجان الشاعر وهو يستذكر سمات املدينة‬ ‫التي حتمل اسم عروس البحر جلمالها ‪ ،‬ويتساءل ‪ :‬أتراها الطفلة‬ ‫يافا تدري عن أمر يافا املدينة السليبة وعن خطب أهل فلسطني‬ ‫الذين سامهم الدهر من صروف العذاب ما ال يطيقه بشر على‬ ‫أيدي محتلي بالدهم ‪ ،‬وهم األس��ارى حتت نير استعمار غاشم‬ ‫مبالغ بالظلم واللؤم والبطش؟ ‪ ..‬وهنا تتبدى بوضوح وطنيته‬ ‫وتوجعه البالغ ملا آل إليه احلال ‪.‬‬ ‫إيــه يافــا هزي لنا األعطـافا‬ ‫بازدهــاء فأنت م��ن روح يافا‬ ‫إمنـــا أنـــت طفلـــة تتبـــاهى‬ ‫باســم يافـــا تعلقـــا وائتــــالفا‬ ‫كم أهجت القلوب حبا وشوقــا‬ ‫وحنانــــا ولهفــــة وانعطــافا‬ ‫حملــوك اآلمــال وهـي ثقــال‬ ‫ّ‬ ‫فعساهــا غ��د ًا تصــير خفــافا‬ ‫مــألوا قلبـك الصغـير بفيـض‬ ‫من هموم وقد روي��ت ارتشافا‬ ‫أتراهم بوصف يافا استفاضوا‬ ‫فأجــادوا النعـوت واألوصافا‬

‫ظ �ل �م��وه��ا ف� ��ان� ��زوت مسهـدة‬ ‫ليس يجديـها ج�ـ��وى أو أرق‬ ‫ك� ��م مت��ن��ت ح��س��ـ��رة ل� ��و أنها‬ ‫م�ـ�ـ��ن إس �ـ �ـ��ار غ�ـ��اش�ـ�ـ��م تنعتــق‬ ‫ف �ـ �ت��رد ال �ب �غ��ى ع ��ن أوطاننا‬ ‫حيـــن تغـــدو ع �ـ��دة متتشـق‬ ‫أت � � ��رى ت� �غ� �ـ ��دو أله � �ـ� ��ل أمـال‬ ‫ك�ص�ب�ـ�ـ��اح م��ن دج �ـ��ى ينبثــق‬ ‫أم س�ت�ب�ق��ى ك��ال �ت��ي هيكلـها‬ ‫ب�ع��ض ع �ي��دان ك�س��اه��ا الورق‬ ‫الوفاء الأ�سري‪:‬‬ ‫الى هنا قد أصبح حريا االنتقال لولوج احلضن األسري ‪ ،‬حيث‬ ‫ينطلق الشاعر مفجرا فحوى مشاعره الذاتية واالنتمائية ألفراد‬ ‫أسرته ‪ ،‬متكئاً على منطق العقل والفطرة السوية‪ . .‬بداية بوالديه‬ ‫الشيخني وقد أفاض لهما الب ّر مبكنونات متسامية ‪ ،‬ثم زوجته‬ ‫ورفيقة خطى حياته التي أسكنها الفؤاد فمألت له كأس الهناء‬ ‫بسخاء ‪ ،‬ومنحته األبناء ‪ ،‬وسارت معه على الدرب وأكتافهما أوفى‬ ‫اتكاء ‪ . .‬فأبناؤه وبناته فلذات كبده وقد استوفت فيهم الصورة‬ ‫ملا متناه لهم ‪ ،‬ثم إخوته وما يكتنفه لهم من مشاعرأخوية عابقة‬ ‫بالود واالخالص والواجب ‪ ،‬فأبناء إخوته وأحفاده ‪ ،‬وكل صورة أو‬ ‫حادثة مؤثرة حدثت معهم فجرت في داخله قافية شعرية ألبيات‬ ‫موزونة ‪.‬‬

‫ومن عمق مطارحاته لهذه املشاعر الفياضة ‪ ،‬راح عبده ينشد‬ ‫ألفراد أسرته ومحيطه مغلفا قصائده بالضياء ‪ ،‬ناحتا احلروف‬ ‫والكلمات مبعان شيقة ‪ ،‬لتتشكل بني أنامله منحوتات شعرية بشتى‬ ‫جلج املشاعر واختالجاتها التي اكتنفته مع كل حالة ‪ ،‬فرحاً كانت‬ ‫أم زه��واً أم حنيناً ‪ ،‬حزناً أم شجناً أم رث���اءاً‪ ،‬مدركاً قيم تراثه‬ ‫وهكذا ينطلق الشاعر عبده في رسم صور الطفولة في حاالتها‬ ‫العظيم متمسكاً بانتمائه األسري حيث الود واألصالة ‪ ...‬وقد الح‬ ‫في قصائده ونفسه جتيش مع اعتماالتها ‪ ،‬فتشرق مع الفرح‬ ‫منها القصائد التالية ‪:‬‬ ‫والبسمة وتغرب مع األلم والتوجع ‪.‬‬ ‫(أمي وأبي ‪ -‬طيف أبي ‪ -‬ضحكة طفلة ‪ -‬ولثوبها أقول ‪ -‬إيه‬ ‫وهاهو يندفع محلقا في سنا الذكرى في قصيدة ( الطفل‬ ‫ليلى ‪ -‬دموع الشعر( أخي ص‪ – 123‬لم ترحلي ص‪ 106‬ديوان‬ ‫والطائرة الورقية ‪ -‬ص ‪ 72‬قوس قزح )‪ . .‬والطائرة الورقية هي‬ ‫عندما ينزف الشعر)( الشبيهة –ص ‪ – 218‬دم��وع الشعر ص‬ ‫شغف طفولي فاره يزاوج الواقع باخليال في الذهنية الطفولية ‪،‬‬ ‫ولذلك تظل هذه املتعة عالقة بالذاكرة تستحضرها كلما عصفت ‪ – 84‬البنتي أري��ج ص ‪ – 235‬بعد ال��ف��راق ص‪ 79‬دي��وان قوس‬ ‫نسائم االسترجاع لعهد الطفولة ‪ ،‬امنا شاعرنا يستحضرها هنا قزح) ( احلزن الصابر ‪ -‬مهر عروس ‪ -‬الصبر الرحيم ‪ -‬حواء‬ ‫للمقارنة مع الواقع في أمر الطائرات املعدنية احلقيقية التي يرى والكون ‪ -‬إلى لينا ‪ -‬حتية أبوية ‪ -‬طريق العمر ‪ -‬عندما يسخر‬ ‫فيها مثل السيوف اخلشبية مجرد دمى للعرض واللعب فتأخذه العمر ‪ -‬وعندما يبتسم القدر ‪ -‬أغار ‪ -‬الشكوى ‪ -‬العمر الثاني)‬ ‫احلسرة بني ثناياها وهو يفقد بوصلة البحث و األمل عن مجد ( يا ابنتي ص ‪ – 78‬العمر الثاني ص‪ 68‬ديوان زهور ال تذبل ) (‬ ‫حصاد الشوق ) ( عصفور في فخ )‪ .‬وهي مجموعة تكاد تكون‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫هي االخرى مادة موحدة لديوان واحد ‪ ،‬فواضح أن شاعرنا سخي‬ ‫فيعبر عن ذلك ‪:‬‬ ‫العطاء متدفق املعاني والعبارات ‪ ،‬يشع خافقه لوقع تأثيرات‬ ‫أت��ـ��ـ��ـ��رى ت �ع �ل �ـ �ـ��م ك���م طـائرة‬ ‫الشخوص احمليطة به من أهله ‪ ،‬فعندما تكون املشاعر صادقة‬ ‫مــن حديـــد باألســى تختنــق‬ ‫تتدفق األبيات وتستحضر الصور ‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫باالمتداد واالشراق ‪ ..‬فيقول ‪:‬‬ ‫فصار لي في ابنتي خير العزاء كما‬ ‫يصبو له الدوح ُأملوده النضـر‬ ‫فإنتكنزهرةقدصوحتومضت‬ ‫فإن لي زهـرة تسمو على الزهر‬ ‫أوردتهــا نهـَــرا من طيبـة و ُتقى‬ ‫وما لها عن زالل احلق من صدر‬ ‫حـــق األبـــوة صانتـه مروءتـها‬ ‫مع� �ن ��ى ي �ح �ـ��دث ع ��ن أخ�ل�اق �ـ �ه��ا األخ ��ر‬

‫فمن أعماق قصيدته ( حواء والكون ‪ -‬مخطوطة ) جند الشاعر‬ ‫وكن ذوات‬ ‫يتحدث عن خمس من الصور حلواء‬ ‫أحبهن في حياته ّ‬ ‫ّ‬ ‫حلضورهن في‬ ‫أث��ر راس��خ على مشاعره وشخصيته ‪ ،‬بل وك��ان‬ ‫ّ‬ ‫معنى عميقاً ‪ ،‬كن مبعث فرحه وسعادته وفخره وإلهاماته ‪،‬‬ ‫حياته‬ ‫ً‬ ‫تعلوهن باملقام والدته ‪ ،‬والوالدان يقترن برهما باالميان بالله ‪ ،‬أي‬ ‫أ ّن إكرامهما والوفاء لفضلهما والقيام على رعايتهما وخدمتهما‬ ‫في عمر الوهن ‪ ،‬وحمل أسمى املشاعر لهما هو في أساسه عبادة‬ ‫وتق ّرب الى الله ‪ ،‬فيقول الشاعر بوالدته ‪:‬‬ ‫آيــات إيثــارها هيهـات أجحــدها‬ ‫ماكـانأجملهاذكرىمنالصغـر‬ ‫مـا زلـت أحمـل بالتقديـر مشعـلها‬ ‫وم��ن الواضح أن الشاعر يعاني أل��م الفقدان لشريكة العمر‬ ‫حتى أضيء به دربي على الكبـر‬ ‫الراحلة ويعيش االيام الباقية من عمره يقتات الصبر على ذكراها‬ ‫وجـدتــها دوحــة فيحــاء وارفـــة‬ ‫‪ ،‬وقد عبر عن مشاعره في ذلك بعدد من القصائد املتمثلة في‬ ‫رثائها محمال اياها فيضا من مشاعر الشوق لها والتصبر على‬ ‫ف �ل �ـ��ذت ب��ال �ف��يء أزج �ـ��ي ال �ش �ك��ر للقـدر‬ ‫قضاء الله وقدره ‪ ،‬ومن مراثيه بزوجته ‪( :‬إيه ليلى ) ( لثوبها أقول‬ ‫ثم ينتقل الشاعر واصفا مشاعره السامية جتاه شقيقتني له‬ ‫) ( دموع الشعر ) ( الشبيهة ) و ( لم ترحلي ص‪ 106‬عندما ينزف‬ ‫كانتا نعم األخوات كما كان لهما نعم األخ احلنون الراعي و املؤمتن‬ ‫‪ ،‬متمثال بذلك اخللق املتراحم والظل الوارف احلاني واجلامع ‪ :‬الشعر ) ‪ ..‬ونراه فيها يعتصر أملا ولوعة عليها وقد تناولتها بنان‬ ‫االقدار وفجرت به وجع الفراق ‪ ،‬فينفث زفرات محمومة وهويلتاع‬ ‫ونلت من دوحتي أختني قد بدتا‬ ‫لفقدان أنيسته الونيسة ‪ ،‬واصفاً بإغداق محسن طبعها ‪ ،‬ويسأل‬ ‫أغلـى وأروع ما أعطـت من ثـمر‬ ‫الله الصبر والقنوت و السلوان ‪ ..‬واقتطف هنا بعض األبيات ‪:‬‬ ‫ما كـان أسعدني ملـا غدوت أخا‬ ‫فمن قصيدة ( إيه ليلى )‪ :‬‬ ‫ل �ل �ن �ب �ـ��ل وال �ط �ه �ـ��ر واالمي� � � ��ان واخلفـر‬ ‫عجـــز املــوت أن يحيلـك حلـما‬ ‫أرى بوجهيهـما وجهي فيفعمني‬ ‫أو خ�ي�ـ�ـ��اال أن ي �ـ �ـ��ردك وهـما‬ ‫س� � ��رور ق ��رب ��ى ج �ل�ا إح � �س ��اس مفتخر‬ ‫وتهــاوت بنــانــه مـا استطــاعت‬ ‫ثم جند الشاعر ينتقل مسهبا في تعداد مناقب زوجته ‪ ،‬شريكة‬ ‫الدرب اجلميلة والنضرة ‪ ،‬وكانت متعة قلبه وبصره ‪ ،‬منحته هناء‬ ‫العشرة ورحابة يسرها وأنسها ‪ ،‬ووجد في صفاتها صورة ملا كان‬ ‫يتمناه و يتأمله ‪ ،‬شريكة صابرة تقاسمه كل محطات احلياة ‪ ،‬وكان‬ ‫مق ّدراً له أن يُفجع بفقدانها ‪ ،‬فنراه يتأسى على وفاتها وغيابها‬ ‫عن حياته بكلمات ترسم حالة وفاء عظيم ‪.‬‬ ‫كمخلتهااحللملمميحالصباحله‬ ‫حقيقـــة فـــغدا أجـــرا ملنتظـــر‬ ‫أوخلتـهاالشهـدوافتـنيحالوتـه‬ ‫من غير كـد وال لسـع من االبــر‬ ‫مهرتـها مـن عقـود الـود أجملــها‬ ‫وفي قصيدة ( لثوبها أقول ) فان ظهور ثوب زوجته أمام ناظريه‬ ‫فقـــد تخيرتهـــا مجلـــوة الــدرر‬ ‫أوقد لهيب الذكرى وعفر قلب الشاعر بالوجد واحلزن فراح يطلق‬ ‫ث��م ال يفتأُ الشاعر يُ��ب��دي تفجعه على فراقها ويُ��ؤك��د وفاءه بوح وجده و مواجعه بأسى وحرقة بالغني ‪.‬‬ ‫لذكراها واكتفاءه بطيفها املالزم ‪ ،‬ويب ّثها جنواهُ ويُناوحها بشكواه‬ ‫وددتلــوأنجرحيظــلمندمــال‬ ‫‪ . .‬ليُظهر بعد ذلك عزاءه بوجود االبنة اخللوق البارة والطيبة‬ ‫فليــس ينكــأه مــا كنــت اكــتشف‬ ‫التي أدت احلق جتاه والدها مبروءة ورضى بالغني ‪ ،‬مبدياً أقصى‬ ‫غـــفوت بيـن بقايـــا في خزانتــــها‬ ‫سعادته عندما أهدته إبنته من يحمل بعضاً من صفاته اجلينية‬ ‫باحلفيدة الغالية ‪ ،‬فكانت أجمل املُنى حلياته لتهبه لذة االحساس‬ ‫كعابــد في سكــون الكهـف يعتكف‬ ‫محو ذك ��رى وأن ت�ب��دد وسما‬ ‫لم ينــل منــك غيـر روح دعتــها‬ ‫قـــدرة ال�ل��ه أن تغــادر حلما‬ ‫و من قصيدة (دموع الشعر )‬ ‫هــذي وريقاتي تشاطـرني أسى ما عــاد ســرا‬ ‫كــم زفــرة محمومــة وشكايــة بكمــاء حــرى‬ ‫وضراعة مشبوبة صارت على االوراق شعرا‬ ‫ويلــوحليوجـهالردىوجهــاعبوسامكــفهرا‬ ‫يدنــو وقــد ســل النيوب أســنة عمـياء حــمرا‬ ‫وأعـود أرجو العفـو من ربي وقد قارفت وزرا‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪75‬‬


‫فأيقظتـــكبـــنانيوهــيراعـــشة‬ ‫وقــد حتفــز فيك الوجــد والشغف‬ ‫ل� ��و مي �ل ��ك امل� � ��وت ل�ل�اف� �ص ��اح ع� ��ن أس ��ف‬ ‫حــق اعتــذارلـرق العذر واألسف‬ ‫وشاعرنا املرهف االحاسيس واملواجد يأبى إال أن يكون ذلك‬ ‫العطوف املتعاطف الذي ينبري لالهتمام بشارد ووارد اخلطوب‬ ‫التي تنال من أفراد عائلته ‪ ،‬فنراه يتلوع ملصاب ابنة شقيقته وقد‬ ‫نال منها املرض العضال نيال جامحا ‪ ،‬وأسقطها في أتون العذاب‬ ‫طريحة الفراش وطيف املنون يحوم حول مرقدها ‪ ،‬فيبث بها عزم‬ ‫االستنهاض من قبضته لتقهر بعزميتها املرض ويعاودها شروق‬ ‫املالمح و تتوضح النضرة على محياها من جديد ‪ ،‬هو أمل يراود‬ ‫محبيها وهو واحد منهم وإن كان ليس بعد ارادة الله و قضائه من‬ ‫شيء ‪ ،‬امنا أراد الشاعر بث االمل في نفس ابنة شقيقته العليلة‬ ‫وعونها على التشبث باحلياة واب��ع��اد شبح اخل��وف م��ن النهاية‬ ‫احملتومة ‪ ،‬هي مشاعرانسانية نبيلة تؤكد ارتقاء فحواها البالغ‬ ‫في التراحم ‪..‬‬ ‫ع �ـ��ودي ال ��ى ص�ب�ـ�ح��ك ال ��وض ��اح ي��ا ليـنا‬ ‫حتـى يشــع ضحــاه في ليالينا‬ ‫ل� ��وذي ب�ص�ب�ـ��ر ع �ل��ى م��ا اش �ت �ـ��د م��ن سقـم‬ ‫كم شدة بعد صبر أصبحت لينا‬ ‫والدهـ ــر حين ــا عبــوس في تقلبـه‬ ‫لكنــه باســم مستبـــشر حيـــنا‬ ‫ويستكمل الشاعر عبده فواصل مكنوناته األسرية وهو يصور‬ ‫استغراقه باحلزن ل��وداع ولده وتلوعه على بعاده واغترابه طلبا‬ ‫للرزق حني ضنّت األعمال بأرزاقها داخل الوطن ‪ ،‬والشاعر هنا‬ ‫يستقرئ لوعة الغربة واالف��ت��راق وق��د سبق أن ذاق هو مرارتها‬ ‫قبل عودته للوطن‪ ،‬ومن قصيدة( بعد الفراق ص‪ 79‬قوس قزح)‪..‬‬ ‫يقول‬ ‫ن� �ض ��ال غ ��اض ��ت دم ��وع ��ي ل �س��ت أذرف� �ه ��ا‬ ‫ولــن تراهــا فإن القلـب ينزفــها‬ ‫زرعـت فيــك بذور اخلــير واعــدة‬ ‫وهــذه ثمــرات اخلــير أقـطفــها‬ ‫ط�م��وح�ـ�ـ��ك ال �ط �ـ �ـ��ود م ��ا ت�ن�ـ�ـ�ف��ك ذروتــه‬

‫باشراقاتها اجلميلة ‪ ،‬ورغم اتكاء الشاعر على املعاني وجزالتها‬ ‫على حساب بالغة الصور فإن القصائد متنح وضوحا بالتعبير‬ ‫عن املقاصد دون مواربات أو ترميزات ‪. .‬‬ ‫أح �ـ �ـ��س ب��ه ف��ي دم ��ي نابضــا‬ ‫ك��ذاك ال��ذي سال من جرحـه‬ ‫وأب �ـ �ـ �ع��ث ف��ي ل�ي�ـ�ـ��ل أشجانــه‬ ‫ض�ي�ـ�ـ�ـ��اء ت�ـ�ـ�ـ�لأأل ف��ي جنحـــه‬ ‫ل�ت�ب�ـ�ق�ـ�ـ�ـ��ى ق�ـ�ـ�ـ��راب�ت�ـ�ـ�ـ�ن�ـ�ـ��ا ذروة‬ ‫بطـود و ليست على سفحه‬ ‫وبعد‪ ..‬فهذا غيض من فيض قد ال يفي الشاعرحقه ‪ ،‬إمنا‬ ‫حسبنا أن الشاعر خالد فوزي عبده من الشعراء املرهفي احلس‬ ‫والوافري العطاء‪ ،‬معبأ باملُثل ‪ ،‬ومحمل بالقيم الناصعة كما تظهره‬ ‫معاني أشعاره وصورها ورغبته املثلى ببيان عواطفه ومكنوناته‬ ‫بوضوح جتاه أهله وصحبه ووطنه وقيادته العليا ‪ ،‬ثم جتاه احلاالت‬ ‫اإلنسانية التي يُصادفها أو يُعايشها ‪ ،‬وحتى جتاه ذاته ‪ ،‬وهو يتنقل‬ ‫سني عمره املديد محم ً‬ ‫ال باملُثل العليا لتقيه شر السقوط‬ ‫بني‬ ‫ّ‬ ‫ولوثة االنحراف ‪ ،‬يسير بخطوات حذره وقامة متسامقة بني سبل‬ ‫ومعارج احلياة ‪ ،‬قانعاً مبا نال وراضياً عن احلال ‪ ،‬وشاكراً للخالق‬ ‫ما أعطى ووهب وما ستذهب به احلياة من مآل ‪ ،‬هو إميان وافر‬ ‫بالقضاء والقدر ‪ ،‬كثيراً ما أسكنه أبيات شعره ‪ ،‬مرتدياً ُحلل‬ ‫السالمة وهو يصدر أدبا إسالميا مبعنى العبارة ‪ ،‬ودواوينه التسعة‬ ‫شاهدة تؤكد أنه ما نزع لغير ذلك وال أسقط أدب��ه في معترك‬ ‫الوهم أو اللوث ‪ ،‬وحسبنا شاعر دلف الساحة األدبية بقلب ناصع‬ ‫مخلفا ارثا خليقا بالدراسة والبحث ‪ ،‬وهو الشاعر الفريد الذي‬ ‫ال أسباب تسمية الديوان شعراً‬ ‫يضع مقدمة ديوانه شعراً ‪ ،‬معل ً‬ ‫ويقدم االهداء شعراً ‪ ،‬ومرس ً‬ ‫ال حتيته شعراً ‪ ،‬وكأمنا ينفتح لشعره‬ ‫مجرى داف ٌق ثري العطاء‪ ...‬و تلزمني اخلامتة هنا أن أبني حملة‬ ‫من هوية الشاعرالتي أرادنا أن ندركها من خالل شعره ‪:‬‬ ‫شـرف احلسـن أن يكون حـالال‬ ‫ال حراما يخزيه سلب وخلس‬ ‫وهو باق في شرعتي وشعوري‬ ‫قدسيــــا مطــــهرا ال ميـــس‬ ‫وأيضاً ‪:‬‬ ‫ط��وب��ى ل�ن��ا ال �ض��اد ق��د أض �ح��ت ل�ن��ا قربى‬

‫تصد ما هاج من ريح وتصرفها‬

‫فإن نأينا أحالت نأينا قربا‬

‫ولألخ الشقيق تصد ُح معاني األخوة في قصيدة بالغة تسطع‬

‫ ‬

‫املراجع ‪:‬‬ ‫مجموعة أشعار مخطوطة للشاعر خالد فوزي عبده‬

‫ديوان قوس قزح – دار املأمون للنشر والتوزيع – عمان‪ – 2007 -‬خاد فوزي عبده‬ ‫ديوان شموع ال تنطفئ – دار النهضة للنشر – عمان ‪ – 1992‬خالد فوزي عبده‬

‫ديوان زهور ال تذبل – بدعم من وزارة الثقافة األردنية ‪ -1997‬خالد فوزي عبده‬

‫ديوان عندما ينزف الشعر – بدعم من وزارة الثقافة األردنية ‪ – 2004‬خالد فوزي‬

‫‪76‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫عبده‬

‫ديوان إليك يا نابلس – بدعم من احتاد الكتاب واألدب��اء األردنيني ‪ – 2006‬خالد‬ ‫فوزي عبده‬ ‫ديوان نفحات أردنية – بدعم من وزارة الثقافة األردنية ‪ – 2002‬خالد فوزي عبده‬ ‫الدواوين الباقية لم تدخل ضمن الدراسة‬


‫نشاطات المنتدى‬ ‫تقرير حول نشاطات منتدى الوسطية للفكر والثقافة‬ ‫لشهري تشرين اول وتشرين ثاني‬ ‫الوسطية ‪-‬عقد املنتدى العاملي للوسطية مؤمتره الدولي السادس‬ ‫«القدس دين وتاريخ» في الفترة من ‪2009/11/12-11‬م في فندق‬ ‫الرويال‪ /‬عمان مبشاركة واسعة من الشخصيات الفكرية والسياسية‬ ‫العربية واالردنية‪ .‬وتداول املؤمترون عبر جلسات املؤمتر أبرز القضايا‬ ‫التي تواجه مدينة القدس وصمود أهلها‪ ،‬واخلطط العملية في مجابهة‬ ‫عمليات التهويد وطمس املعالم املقدسة‪ ،‬نُصر ًة للقدس واألقصى‪،‬‬ ‫وإلبقاء قضية القدس حية حاضرة في وج��دان األم��ة‪ ,‬ففي اجللسة‬ ‫اإلفتتاحية التي حضرها جمهور غفير من مختلف الطبقات والفئات‬ ‫العمرية‪ ،‬ق��ال وزي��ر الثقافة الدكتور صبري ربيحات خ�لال رعايته‬ ‫للمؤمتر اليوم ان إختيار القدس عاصمة الثقافة لهذا العام ما هو‬ ‫إال جتسيدا لعروبة املدينة املقدسة جوهر القضية الفلسطينية وهي‬ ‫عروبة صامدة في وج��ه كل محاوالت الطمس والتشويه‪ .‬من جهته‬ ‫اكد خطيب املسجد االقصى ومفتي القدس فضيلة الشيخ عكرمة‬ ‫صبري على اهمية املؤمتر ال��ذي حمل اسم “ القدس دين وتاريخ”‬ ‫م��ش��ددا على االرث العظيم للمدينة امل��ق��دس��ة‪ ،‬بإعتبار ان العرب‬ ‫الفلسطينيني سكنوها قبل سبعة االف وخمسمئة سنة‪ .‬واضاف في‬ ‫كلمته ان احملتل الصهيوني يحيك املؤامرات التي تتناقض مع ثوابتنا‬ ‫الدينية والتاريخية‪ ،‬منها مشروع ما يسمى بالوطن البديل وآخر بتبادل‬ ‫االراضي ثم طرح فكرة تقسيم االقصى التي اعتبرها عكرمة بانها فكرة‬ ‫جهنمية عدوانية عنصرية لم ولن نقبل بها‪.‬وإستعرض مندوب جامعة‬ ‫الدول العربية محمد صبيج اجلهود التي بذلتها وتبذلها اجلامعة منذ‬ ‫العام ‪ 1967‬ولغاية االن في سبيل احلفاظ على القدس وهويتها ودعم‬ ‫اهلها الصابرين املرابطني في االقصى‪ .‬وبني ان معظم الدعم املادي‬ ‫الذي يتأتى من الواليات املتحدة االميركية وإستراليا وكندا من فئات‬ ‫صهيونية وان هذه االموال معفاة من الضرائب كما ان هنالك طواقم‬ ‫اسرائيلية متكاملة على رأسها محكمة العدل العليا االسرائيلية التي‬ ‫تقوم بدورها لتهويد املدينة واخراج سكانها العرب الفلسطينيني منها‪.‬‬ ‫من جهته أش��اد وزي��ر االوق��اف السوداني االسبق عصام البشير‬ ‫باجلهود التي تبذلها القيادة الهاشمية والشعب االردن��ي في سبيل‬ ‫دعم القدس واهلها الصامدين‪ ،‬منوها الى ان جاللة امللك عبدالله‬ ‫الثاني إعتبر ان القدس خطا احمر الميكن جتاوزه‪ ،‬مشيرا الى إنعقاد‬ ‫الكثير من ورشات العمل واجللسات واملؤمترات التي تهدف الى حماية‬ ‫املقدسات والدعوة الى احلفاظ عليها‪ .‬وق��ال االم�ين العام للمنتدى‬ ‫العاملي للوسطية املهندس مروان الفاعوري أن املؤمتر ينعقد في محيط‬ ‫األرض التي باركها رب العاملني ببركة قربها من األقصى وبيت املقدس‬ ‫للتذكير بالواجب املطلوب جتاه القدس حلمايتها من التهويد وطمس‬ ‫الهوية التي وصلت إلى ساحات املسجد األقصى سعياً لتقسيمه أسوة‬ ‫باحلرم اإلبراهيمي في اخلليل متهيداً للسيطرة عليه وهدمه خالل‬ ‫سنة أو سنتني وإقامة الهيكل املزعوم مكانه‪ .‬واضاف “ وإذا كان ثمة‬ ‫واج��ب على كل املسلمني جت��اه األقصى إن��ق��اذاً أو حتريراً فأننا هنا‬ ‫معنيون أكثر من كل املسلمني بحكم قربنا وجوارنا‪ ،‬مؤكدا ان قضية‬ ‫بيت املقدس تعد إشارة إلى مدى وعي األمة بذاتها‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للوسطية ي��وم اجلمعة املوافق‬ ‫‪ 2009/11/13‬محاضرة فكرية لألستاذ احمل��ام��ي منتصر الزيات‬

‫في نادي املعلمني في معان‪ ،‬بحضور جمهور من أبناء محافظة معان‬ ‫وضواحيها‪ .‬وأدار احملاضرة احملامي األستاذ ماهر كريشان الذي‬ ‫رحب في بداية كلمته بالضيف واحلضور من جهة‪ ،‬والقائمني على عقد‬ ‫هذه احملاضرة من جهة أخرى‪ .‬وقال األستاذ احملامي منتصر الزيات‬ ‫في احملاضرة التي عقدت حتت عنوان”مراجعات‪..‬ليست تراجعات‬ ‫في الفكر واستراتيجية العمل “أن الهدف من طرح املراجعات الفكرية‬ ‫مع جماعات التكفير في مصر والتي قام بها مجموعة من املفكرين‬ ‫هو التحرر من مخاطر العنصرية احلركية والتحرك في رحاب أوسع‬ ‫حتت سقف املرجعية اإلسالمية‪ .‬وأضاف أن بعض األخوان لم يخف‬ ‫إنزعاجهم من شعار”مراجعات” بل وتوجس بعضم خيفة من دالالت‬ ‫قد تلحق باملسمى تنبيء عن انتكاس للثوابت العقائدية أو املرتكزات‬ ‫الفكرية التي قامت بها غالبية الفصائل حلركة األسالمية املعاصرة‪.‬‬ ‫وفي تعداده للمراجعات قال الزيات أن من أول الدعائم التي نستند‬ ‫إليها في “املراجعات” هي اإلميان املطلق بضرورة التمسك بأحكام‬ ‫الشريعة اإلسالمية وتطبيقها نصا وروحا دون أي خجل أوتنازل عن‬ ‫بعضها‪ .‬وأكد على أن الفكرة املسيطرة على هذه املراجعات هو ضرورة‬ ‫التالحم مع اجلماهير والتواصل مع النخب الثقافية من أجل دعم‬ ‫الفكرة اإلسالمية لتكون واضحة ال لبس فيها‪ .‬أولى هذه املراجعات‬ ‫بحسب الزيات هي ضرورة تطوير مكونات وزيادة جرعات فكرة قبول‬ ‫اآلخ��ر والتباعد شيئا فشيئا عن احتكار احلديث باسم اإلس�لام أو‬ ‫الشعور بصحة املفهوم الذي تتبناه كل مجموعة أو مؤسسة أو منظمة‬ ‫ممن تعمل في حقل الدعوة‪ ،‬فاإلسالم دين مرونة وصالحية لكل زمان‬ ‫ومكان‪ .‬وأضاف بأن اإلسالم هو دين املباديء واألخالق احلميدة فهما‬ ‫عنوان املسلم‪ ،‬منها األمانة والوفاء بالعهود‪ ،‬وهذا ما يراد من األخالق‬ ‫وليس الدروشة أو التقهقر والقعود‪ .‬من املرجعات أيضا اصدار فتاوى‬ ‫منكرة وغير واض��ح��ة تصدر ع��ن أن��اس غير مؤهلني شرعا ‪ ،‬تبرر‬ ‫استحالل أموال غير املسلمني‪ ،‬وهناك البعض اآلخر نتيجة للجهل وقلة‬ ‫العلم يعتقدون بأن من متام التدين التعامل مع غير املسلمني بطريقة‬ ‫جافة ناهيك عن السب واللعن وغيرها من األساليب التي ال تنم عن‬ ‫ديننا اإلسالمي‪ .‬وغيرها الكثير من التي مت ذكرها‪ .‬ثم قام األستاذ‬ ‫الزيات باإلجابة على عدد من األسئلة واإلستفسارات التي طرحت‬ ‫من قبل احلضور‪ .‬وفي نهاية احملاضرة قام مدير سكة حديد العقبة‬ ‫السيد حسني كريشان بإسم أهالي وشباب معان بتقدمي دروع لكل من‬ ‫األمني العام املهندس مروان الفاعوري واألستاذ املنتصر الزيات كتعبير‬ ‫عن شكر وامتنان أهل معان للمحاضرة واجلهد الذي يبذله املنتدى في‬ ‫ترسيخ معاني الوسطية ومفاهيمها ونشر الفكر املعتدل ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬شارك كل من رئيس منتدى الوسطية للفكر والثقافة‬ ‫املهندس مروان الفاعوري والدكتور هايل داوود في ندوة عقدت برعاية‬ ‫جامعة العلوم اإلسالمية‪ ،‬وبتنظيم من اللجنة الدولية للصليب األحمر‪،‬‬ ‫حتت عنوان” املائدة املستديرة حول القانون الدولي اإلنساني والشريعة‬ ‫اإلسالمية”‪ .‬وشارك الدكتور هايل داوود في الندوة التي عقدت في‬ ‫‪ 2009/11/ 17‬بورقة عمل حتدث فيها عن اإلسالم والقانون الدولي‬ ‫واإلنساني‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪77‬‬


‫تقرير حول نشاطات منتدى الوسطية للفكر والثقافة لشهري تشرين اول وتشرين ثاني‬ ‫الوسطية ‪ -‬ص��در مؤخرا العدد ال��راب��ع من السنة الثانية ملجلة‬ ‫الوسطية‪ ،‬املجلة الفصلية األسالمية التي تصدر عن املنتدى العاملي‬ ‫للوسطية‪ .‬ه��ذا العدد ال��ذي تصدرغالفه ص��ورة فاقت ق��درة القلم‬ ‫على الوصف وق��درة الفكر على العصف‪”،‬بيت املقدس” أو القدس‬ ‫الشريف”‪ ،‬اإلص���دار ال��ذي تزامن وانعقاد املؤمتر ال��دول��ي السادس‬ ‫“القدس دين وتاريخ”‪ ،‬ليكون هذا املؤمتر وهذا العدد ما هو القليل‬ ‫لتلك املدينة احلاضرة الغائبة في أذه��ان أمتنا اإلسالمية‪ .‬واحتوى‬ ‫ال��ع��دد على ملف كامل لوقائع امل��ؤمت��ر ال��ذي ض��م أس��م��اء املشاركني‬ ‫وعناوين ألوراق العمل التي سيناقشها نخبة من العلماء واملتخصصني‬ ‫في ذات املجال من مختلف ال��دول العربية واإلسالمية‪ .‬كما احتوت‬ ‫على سلسلة مميزة من املقاالت الهادفة في الشأن الوسطي اإلسالمي‬ ‫منها وسطية األمة اإلسالمية للدكتور محمد عمارة‪ ،‬والتسامح في‬ ‫اإلسالم للدكتور محمود زقزوق‪ ،‬وأيضا املسلمون في اوروبا وحلحلة‬ ‫عقدة اإلرهاب لألستاذ نبيل شبيب‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد يوم السبت املوافق ‪ 2009/11/7‬في مقر الوسطية‬ ‫بعمان اجتماع لرؤساء فروع منتدى الوسطية للفكر والثقافة بحضور‬ ‫رئيس املنتدى املهندس م��روان الفاعوري وأم�ين سراملنتدى الدكتور‬ ‫محمد اخلطيب ورؤساء الفروع السيد يوسف ملكاوي رئيس فرع اربد‪،‬‬ ‫والسيد محمود الصباغ رئيس فرع كفرجنة‪ ،‬والسيد صالح اخلواطرة‬ ‫رئيس فرع مادبا والسيد عواد اخلاليلة رئيس فرع الزرقاء والسيدة‬ ‫مليس العتوم رئيسة فرع جرش‪ .‬وقد مت خالل االجتماع التباحث في‬ ‫العديد من املشاكل التي يواجهها رؤساء الفروع كل على رأس عمله‬ ‫كان من أبرزها نقص قطع األثاث في عدد من الفروع وضرورة تامني‬ ‫ال�لازم منها وع��دم وج��ود تواصل بني الفروع في مختلف محافظات‬ ‫اململكة‪ .‬وط��رح املهندس الفاعوري جملة من املقترحات واملبادرات‬ ‫الهادفة‪ ،‬للعمل بها ليكون منتدى الوسطية بكافة فروعه منبرا للفكر‬ ‫الوسطي وصرحا يروي قصة جناح‪ ،‬كان من أهمها تفعيل نشاطات‬ ‫املنتدى في الفروع من ن��دوات ومحاضرات مع بداية السنة القادمة‬ ‫ضمن إطار فكري ثقافي هادف و قيام الفروع مببادرات هادفة كل‬ ‫في محافظته كإصدار صحيفة حتتوي على نشاطات الفرع اقتداءا‬ ‫بفرع السلط الذي يصدر صحيفة الوسطية ترويجا لثقافة الوسطية‬ ‫ونشاطاتها في مناطق اململكة‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬بحضور أعضاء الهيئة اإلدارية ملنتدى الوسطية للفكر‬ ‫والثقافة‪ ،‬مت مساء يوم األحد املوافق ‪ ،2009/11/22‬سحب جوائز‬ ‫مسابقة رمضان التي ينظمها املنتدى في شهر رمضان من كل عام‪.‬‬ ‫وفاز باجلوائز العشرة املالية التي خصصها املنتدى والبالغة قيمتها‬ ‫‪ 750‬دي��ن��ارا‪ ،‬مشاركون من مختلف محافظات اململكة حيث شملت‬ ‫محافظة عمان والسلط والكرك وعجلون وال��زرق��اء ‪ .‬وسيتم توزيع‬ ‫اجلوائز على املشاركني في حفل سيقيمه املنتدى في مقره الكائن‬ ‫في عمان وبحضور رئيس املنتدى املهندس مروان الفاعوري وأعضاء‬ ‫املنتدى‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬ب��رع��اي��ة رئ��ي��س بلدية م��ادب��ا ال��ك��ب��رى س��ع��ادة السيد‬ ‫ع��ارف الرواجيح عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة‪/‬مأدبا ندوة‬ ‫علمية عن املخدرات وآثارها على املجتمع‪ ،‬وذلك يوم السبت املوافق‬ ‫‪2009/11/7‬م ‪ .‬حتدث في الندوة كل من الدكتور محمد املساندة من‬ ‫مديرية صحة مأدبا والشيخ جمال السفرتي من املنتدى وسعادة رئيس‬ ‫البلدية الذي أكد على استعداد بلدية مأدبا الكبرى التعاون مع منتدى‬ ‫الوسطية في اي امر توعوي يهم املواطنني ويعود بالنفع عليهم وقد‬ ‫جرى حوار موسع بني احلضورمن أبناء ماعني ومادبا وعدد من جتمع‬ ‫جلان املرأة في مادبا‪ ،‬واملشاركني عن املخدرات وأثرها على املجتمع‪.‬‬ ‫وفي ختام اجللسة التي أدارتها السيدة زكية الفاعوري شكر الدكتور‬ ‫صالح اخلواطرة احلضور واملشاركني على حسن اهتمامهم ووعيهم‬ ‫ملثل تلك الندوات ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة ‪/‬ارب��د جلسة‬ ‫حوارية للمحامية منتهى الهنداوي بعنوان “املرأة في قانون األحوال‬

‫‪78‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الشخصية”‪ .‬وب��دأت اجللسة بكلمة ألقاها رئيس ف��رع ارب��د يوسف‬ ‫ملكاوي‪ ،‬رحب فيها باألستاذة التي حلت ضيفةعلى الفرع‪ ،‬كما رحب‬ ‫باحلضور الذي جتاوز العشرات من مختلف الفئات العمرية‪ .‬وتناولت‬ ‫األستاذة الهنداوي في بداية حديثها عددا من احملاور الهامة أبرزها‬ ‫تعريف ال��زواج وشروطه‪ ،‬و النفقة الزوجية والعدة والطالق بجميع‬ ‫انواعه‪ .‬ثم أجابت الهنداوي على العديد من التساؤالت التي طرحها‬ ‫احلضور في اجللسة التي ادارتها السيدة عواطف الشوبكي ضمن‬ ‫إطار القضايا التي أثيرت‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬ممثال عن منتدى الوسطية للفكر والثقافة‪ ،‬وضمن‬ ‫خطة وزارة التربية والتعليم لوقاية طلبة املدارس من أخطار املخدرات‬ ‫واملؤثرات العقلية ‪ ،‬شارك األستاذ الدكتور محمد القضاة في ورشة‬ ‫عمل تدريبية لتدريب ف��ري��ق م��ح��وري ف��ي م��ج��ال وق��اي��ة الطلبة من‬ ‫أخ��ط��ارامل��خ��درات والتي عقدتها ال���وزارة ي��وم األرب��ع��اء ‪2009/11/4‬‬ ‫واستمرت على مدار يومني‪ .‬وشارك الدكتور القضاة في الورشة بورقة‬ ‫عمل تدريبية في مجال “التفكك األسري واإلدمان على املخدرات”‪،‬‬ ‫فيما ش��ارك أكادمييني ومتخصصني ف��ي ذات امل��ج��ال ب���أوراق عمل‬ ‫عدة‪ ،‬منها” املخدرات ‪ ،‬أنواعها‪ ،‬أسبابها‪ ،‬أضرارها”يقدمها العقيد‬ ‫طايل املجالي من إدارة مكافحة املخدرات‪ ،‬وورقة عمل بعنوان” حكم‬ ‫الشريعة اإلسالمية في املخدرات” يقدمها مصطفى العبابنة من إدارة‬ ‫مكافحة املخدرات‪ ،‬وأخرى بعنوان” اإلج��راءات القانونية للتعامل مع‬ ‫املتعاطي ‪:‬الوقاية العالجية” يقدمها مدعي عام محكمة أمن الدولة من‬ ‫إدارة مكافحة املخدرات‪ ،‬باإلضافة إلى “الصحة النفسية واملخدرات”‬ ‫مقدمة من د‪.‬جمال العناني من املركز الوطني لتاهيل املدمنني وغيرها‬ ‫من أوراق العمل املميزة‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬في رد له على س��ؤال ط��رح من قبل مؤسسة عكاظ‬ ‫للصحافة والنشر يدور حول تسييس موسم احلج واستغالله ألغراض‬ ‫سياسية‪ ،‬أكد األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية املهندس مروان‬ ‫الفاعوري إن��ه يجب استغالل موسم احل��ج لتحقيق وح��دة املسلمني‬ ‫والبعد عن كل ما يؤدي إلى الفرقة بني املسلمني أو يعكر صفو احلجيج‬ ‫وهم يؤدون هذا الركن العظيم الذي يجب أن يكون احلديث حوله بعيدا‬ ‫كل البعد عن أي مآرب أو أغراض دنيوية‪ .‬وأضاف بأن احلج يجب أن‬ ‫يبقى منزها عن أي خالفات طائفية ألن له ثوابت وضوابط شرعية ال‬ ‫مجال للخوض فيها‪ ،‬حيث أن احترام الصحابة وقدسية األماكن أمور‬ ‫يجب أن حتترم‪ ،‬وأن ال تكون محل جدل وخالف‪ ،‬وإن موسم احلج من‬ ‫املواسم التي يجب أن تستغل في أمور وحدة املسلمني ال تشتيتهم‪ ،‬فهم‬ ‫يجتمعون ألداء هذه الفريضة ال فرق بينهم إال بالتقوى ‪.‬‬ ‫ال��وس�ط�ي��ة ‪ -‬ن��ظ��م م��ن��ت��دى ال��وس��ط��ي��ة للفكروالثقافة ف���رع اربد‬ ‫ن��دوة بعنوان “هبوا لنصرة األقصى”‪ ،‬وذل��ك ي��وم اخلميس املوافق‬ ‫‪2009/10/15‬م‪ .‬وأشار رئيس فرع اربد يوسف ملكاوي‪ ‬الى ما تتعرض‬ ‫له مدينة القدس واملسجد األقصى من هجمات شرسة من عصابات‬ ‫املتطرفني اليهود وبدعم من حكوماتها لتهويد القدس واالستيالء على‬ ‫املقدسات اإلسالمية‪ .‬وبني دور األردن قيادة وشعبا وحكومة ووقوفها‬ ‫مع الشعب العربي الفلسطيني في الدفاع عن القدس واملقدسات‪ .‬من‬ ‫جهته استعرض الدكتور فكري الدويري دورالهاشميني في الدفاع عن‬ ‫القدس وأماكنها التاريخية عبرالتاريخ وخاصة األقصى وقبة الصخرة‬ ‫املشرفة ‪ ،‬مؤكدا أن القدس عاشت وتعيش في وجدان الهاشميني منذ‬ ‫جاللة املغفورله امللك عبد الله املؤسس الذي لبى نداء ربه شهيدا على‬ ‫باب األقصى واملغفور لهما امللك طالل وامللك احلسني الذي اصدر‬ ‫قانون رقم ‪ 32‬لعام ‪ 1954‬بتشكيل جلنة اعماراملسجد األقصى التي‬ ‫ظلت تقوم بعملها رغم قرار فك االرتباط‪ ،‬وجاللة امللك عبد الله الثاني‬ ‫ال��ذي يواصل مسيرة االعمار واالهتمام التام بالقدس ومقدساتها‬ ‫وتأكيد جاللته أن القدس خط احمر وأي عبث بها سيؤدي إلى نتائج‬ ‫كارثية‪ .‬وألقت الشاعرة شيماء احلراحشة قصيدة في الندوة التي‬ ‫أدارتها مديرة املنتدى عواطف الشوبكي وحضرها عدد من الفعاليات‬ ‫احلزبية والثقافية ‪.‬‬


‫نشاطات المنتدى‬ ‫تقرير حول نشاطات منتدى الوسطية للفكر والثقافة‬ ‫لشهر كانون اول‬ ‫الوسطية ‪ -‬قام وفد من املنتدى العاملي للوسطية يضم كال من‬ ‫أم�ين ع��ام املنتدى املهندس م��روان الفاعوري‪ ،‬وأم�ين السر الدكتور‬ ‫محمد اخلطيب والناطق اإلعالمي األستاذ منتصر الزيات ورئيس فرع‬ ‫املنتدى في املغرب الدكتور محمد طالبي والدكتور محمود السرطاوي‬ ‫والدكتور محمد احلاج والدكتور أمجد قورشة والدكتور سليمان الدقور‬ ‫وتخلل برنامج الورشة رحلة سياحية نظمها املنتدى للمشاركني‬ ‫والدكتور نبيل سعدون والسيدة سوسن املومني والسيدة وفاء البيطار لزيارة مقامات الصحابة والبحر امليت للتعرف على واق��ع السياحة‬ ‫بزيارة لتركيا وذلك خالل الفترة ما بني ‪.2009/12/24-19‬‬ ‫واملقامات الدينية األثرية املوجودة في األردن‪.‬‬ ‫وتهدف الزيارة إلى التعرف على جتربة العمل اإلسالمي في تركيا‪،‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬بدعوة من املجلس األعلى للشباب‪ ،‬ألقى األستاذ‬ ‫و اإللتقاء بعدد من الشخصيات اإلسالمية على الساحة التركية‪ ،‬وزيارة الدكتور محمد أحمد القضاة عضو املنتدى العاملي للوسطية محاضرة‬ ‫املؤسسات املهتمة بهذا الشأن‪.‬‬ ‫ف��ي ن���ادي ال��وح��دة ف��ي محافظة م��ادب��ا وذل���ك ي��وم اخلميس املوافق‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للوسطية بالتعاون مع مجلة حراء ‪ ، 2009/12/24‬بعنوان” التعايش الديني بني اإلس�لام واملسيحية”‬ ‫التركية ندوة دولية بعنوان” رؤى معاصرة لإلصالح اإلسالمي ودورها حضرها عدد غفير من املسؤولني واملواطنني وأعضاء مراكز الشباب‬ ‫في تعزيز السالم العاملي‪ /‬جتربة فتح الله كولن التركية منوذجا”‪ ،‬في محافظة مادبا‪.‬‬ ‫وذلك يوم السبت املوافق ‪2010/1/16‬م ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪-‬عقد املنتدى العاملي للوسطية بالتعاون مع جمعية‬ ‫وتهدف الندوة التي عقدت في املركز الثقافي امللكي إلى التأكيد م��ج��ددون اخليرية التنموية‪ ،‬محاضرة للطبيب واملستشار النفسي‬ ‫على أهمية العمل اإليجابي البناء ال��ذي يركز على صناعة اإلنسان الدكتور عبد الرحمن الذاكر‪ ،‬بعنوان “املتدينون واألمراض النفسية”‬ ‫والتأكيد على الفكر الوسطي والعمل املجتمعي ودوره في إحداث وذلك يوم السبت املوافق ‪. 2009/12/26‬‬ ‫النهضة املطلوبة‪ ،‬وإبراز أهمية التعليم في نهضة األمة وأن اإلصالح‬ ‫واستهل الدكتور الذاكر محاضرته بالتعقيب على ما ورده من انتقادات‬ ‫التربوي هو األول��وي��ة القصوى للنهوض باألمة وأيضا اإلط�لاع على وتساؤالت حول عنوان احملاضرة‪ ،‬ليؤكد على أن الدين”اإلسالمي”‬ ‫جتربة فتح الله كولن اإلصالحية في التربية والتعليم واإلعالم والصحة احلنيف يجب أن يستقر في النفس ليظهربعد ذلك في العمل‪ ،‬وأن‬ ‫وغير ذلك‪.‬‬ ‫ما يختبئ في النفوس هو ذاته ما يستقر على السطح‪ ،‬ليكون بهذا‬

‫اليمني وتأسيس املنتدى العاملي في اليمن”وورقة أخرى بعنوان”اإلدارة‬ ‫الناجحة ماليا وإداري���ا وتنظيميا للفرع”‪ ،‬فيما ق��دم الدكتور محمد‬ ‫اخلطيب ورقته حول “املنتدى العاملي الفكرة واملضمون”‪ ،‬والدكتور‬ ‫هايل داوود حول “الوسطية مشروع األمة احلضاري”‬

‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للوسطية ورشة عمل تدريبية‬ ‫بعنوان “ترسيخ الفكر الوسطي في العالم االسالمي” وذل��ك يومي‬ ‫السبت واألحد املوافقان ‪. 2009/12/13-12/12‬‬

‫املتدين احلق الذي لن يحيطه أي مرض نفسي‪ ،‬خاصة وأن ارتباطه‬ ‫أوالً وآخراً هو بالله ‪.‬‬

‫وأك���د ف��ي احمل��اض��رة ال��ت��ي ع��ق��دت ف��ي م��رك��ز احل��س�ين الثقافي‬ ‫وهدفت الورشة التي شارك فيها ما يقارب اخلمسة عشر شخصية بحضور‪ ‬مئات األشخاص‪ ‬أكثرهم من فئة الشباب على بعض احللول‬ ‫من علماء الفكر والرأي في اليمن الشقيق إلى إعداد القادة الوسطيني واإلج����راءات التي ينبغي إتباعها للوصول إل��ى بر األم��ان بعيداً عن‬ ‫لنشر الفكر الوسطي في العالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫األمراض النفسية؛ أهمها تقدير الذات والتوقف معها والصدق والتعلم‬ ‫وتناولت الورشة في جلساتها على مدار اليومني أوراق عمل تتعلق والعلم لتحقيق اخلالفة في األرض‪.‬‬ ‫مبوضوع الورشة ‪،‬قدمت من علماء وأكادمييني متخصصني في ذات‬ ‫من جهته أوض��ح عضو املنتدى العاملي للوسطية الدكتور ياسني‬ ‫املجال من مختلف الدول العربية واإلسالمية ‪ ،‬فمن مصر قدم األستاذ املقوسي على ضرورة بناء الشباب خلدمة مجتمعهم بطريقة وسطية ال‬ ‫منتصر الزيات ورق��ة عمل بعنوان” دور الوسطية في نهضة اليمن تشديد فيها وال تفريط ‪.‬‬ ‫وتنميته ووحدته‪ ،‬ومن تركيا قدم الدكتور ن��وزاد ص��واش ورق��ة عمل‬ ‫الوسطية ‪ -‬احتفاء بذكرى الهجرة النبوية الشريفة أقام منتدى‬ ‫بعنوان” التجربة التركية ف��ي العمل التنويري واإلصالحي” ‪،‬ومن‬ ‫املغرب قدم الدكتور محمد طالبي ورقة عمل بعنوان” مفاهيم الوسطية الوسطية للفكر والثقافة فرع اربد يوم اخلميس املوافق ‪2009/12/17‬‬ ‫وجتلياتها احلضارية والواقعية”‪ ،‬أما من األردن فقدم املهندس مروان ندوة بعنوان “في ظل الهجرة النبوية”‪.‬‬ ‫وحتدث في الندوة رئيس الفرع يوسف ملكاوي عن الدروس والعبر‬ ‫الفاعوري ورق��ة عمل حول”آليات نشر الفكر الوسطي في املجتمع‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪79‬‬


‫تقرير حول نشاطات منتدى الوسطية للفكر والثقافة لشهر كانون اول‬ ‫املستفادة من هذه الهجرة موضحا أهمية الوطن وحبه واجب وهو من‬ ‫اإلميان وركز على التوكل على الله واألخذ باألسباب وأن النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم قد أخذ بجميع األسباب ثم التوكل على الله من أجل‬ ‫النجاح في هذه التجربة ‪،‬وأشار الشيخ إدريس املقدادي إلى دور عبد‬ ‫الله بن أبي بكر رضي الله عنه وهو يجمع األخبار للنبي صلى الله‬ ‫عليه وسلم ويأتي بها كما أشار إلى دور الراعي الذي كان يطمس األثر‬ ‫وحتدثت أستاذة الالهوت سناء عجيالت في الندوة اللتي حضرها‬ ‫حتى ال يستطيع املشركون أن يعرفوا أين ذهب النبي صلى الله عليه مدير الثقافة في محافظة مادبا السيد عوني جريبات وعدد كبير من‬ ‫وسلم ‪.‬‬ ‫احلضور واملهتمني من أهالي محافظة مادبا عن نظرة الكتاب املقدس‬ ‫وحضر الندوة والتي أدارتها رئيسة اللجنة النسائية في املنتدى‬ ‫إلى املرأة وكيف كان تكرميه لها‪.‬‬ ‫عواطف الشوبكي عدد من الفعاليات املختلفة وأعضاء املنتدى‪.‬‬ ‫وأستعرض أستاذ القانون احملامي نضال احلاليقة قانون االحوال‬ ‫الوسطية ‪ -‬ش��ارك رئيس منتدى الوسطية في محافظة اربد‬ ‫يوسف ملكاوي يوم األحد املوافق ‪ 2009/12/20‬في برنامج احلوارات الشخصية و يتعلق باملرأة وفضل البحث فيما يحتويه هذا القانون من‬ ‫ال��ن��ادوي��ة حت��ت ع��ن��وان “التعايش ال��دي��ن��ي اإلس��ل�ام دي���ن الوسطية أم��ور ايجابية وما تخلله من مكالب ينبغي إع��ادة النظر فيها وأبعاد‬ ‫واالعتدال”‪ ،‬وال��ذي نظم بالتعاون ما بني مديرية األندية والهيئات الدراسة املستفيضة واملراجعة الدقيقة لها‪.‬‬ ‫الشبابية في املجلس األعلى للشباب و مديرية شباب محافظة اربد‬ ‫من جهته أكد عضو املنتدى العاملي للوسطية الشيخ جمال السفرتي‬ ‫ونادي يرموك الشونة الشمالية‬ ‫وتناول امللكاوي في ورقة العمل التي قدمها في اللقاء الذي حضره في كلمته على مكانة امل��رأة في االس�لام من خالل استعراضه حلال‬ ‫كل من مدير األندية الشبابية السيد محمد الصمادي ومدير شباب امل��رأة قبل االس�لام وتعرضها للوأد واحل��رم��ان من امل��ي��راث وامتهان‬ ‫ارب��د طالل البطاينة والسيد وليد خريسات ومجموعة من الشباب الكرامة‪ ،‬وكيف جاء اإلسالم العظيم ليرفع من شأنها لتكون شقيقة‬ ‫الواعد من أبناء محافظة اربد والشونة الشمالية‪ ،‬مفاهيم الوسطية الرجل‪ ،‬تساويه في الكرامة والعزة موضحا ذلك من خالل صور نقلها‬ ‫ودورها في تعزيز مضامني الرسالة السمحة وتوضيح صورة اإلسالم‬ ‫من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليمه ووصاياه اجلليلة بالنسبة‬ ‫احلنيف‪.‬‬ ‫للمرأة إضافة الى صور عظيمة ومضيئة من تاريخ املرأة املسلمة عبر‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة فرع السلط‬ ‫محاضرة للدكتور بكر خازر املجالي بعنوان “مسيرة األردن عبر التاريخ العصور‪.‬‬ ‫أدارة الندوة رئيسة جتمع جلان امل��رأة ‪/‬ف��رع مادبا السيدة زكية‬ ‫الرواشدة التي بدورها رحبت باحلضور وأكدت في الوقت ذاته على‬ ‫أهمية املرأة وحقها في ضرورة اإلضطالع بواجباتها وحقوقها التي‬ ‫كفلتها لها الشرائع‪.‬‬

‫املعاصر ووسطية النظام السياسي”‪ ،‬حتدث فيها عن تأسيس إمارة‬ ‫األردن عام ‪ 1921‬وكيف أدار األمير عبد الله البالد في فترة اإلنتداب‬ ‫البريطاني متطرقا إل��ى مسيرة االردن السياسية من خ�لال طرحه‬ ‫للعديد من املواقف التي تدل على حكمة ووسطية النظام السياسي‬ ‫االردني‪.‬‬ ‫واط��ل��ع احل��ض��ور م��ن املهتمني م��ن أه��ال��ي محافظة ال��س��ل��ط في‬ ‫احملاضرة التي عقدت يوم األربعاء املوافق ‪2009/12/23‬م في قاعة‬ ‫االستقالل على مقاالت الصحف التي قدمها الدكتور املجالي في‬ ‫شرحه و العائدة لبداية تأسيس إمارة شرق ومنها الصحف الدينية‬ ‫التي كانت تصدر في ذلك احلني‪.‬‬

‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الوسطية فرع الرمثا ندوة يوم االربعاء‬ ‫‪2009/12/25‬م بقاعة مدينة احلسن الصناعية بعنوان “الوسطية في‬ ‫سيرة ال��رس��ول صلى الله عليه وسلم” حت��دث فيها كل من الدكتور‬ ‫محمد الكيالني والدكتور ابراهيم اليوسف والدكتور ابراهيم جت ‪،‬بني‬ ‫املتحدثون من خالل الندوة عدة مبادئ انتهجها الرسول الكرمي صلى‬ ‫الله عليه وسلم ‪،‬رسخت النموذج الوسطي لالسالم وسماحته ‪،‬وحضر‬ ‫الندوة جمع غفير من املهتمني ‪.‬‬

‫الوسطية ‪ -‬اقام منتدى الوسطية فرع جرش محاضرة بعنوان “‬ ‫دور املناهج املدرسية في تعميق مفهوم الوسطية لدى الطلبة “ ‪،‬حتدث‬ ‫الوسطية ‪ -‬أقام جتمع جلان املرأة بالتعاون مع مديرية الثقافة‬ ‫في مدارس األميرة بسمة مبحافظة مادبا ندوة بعنوان “حقوق املرأة فيها الدكتور طالب عبابنة من جامعة اربد االهلية وذلك يوم الثالثاء‬ ‫‪2009/12/29‬م ‪.‬‬ ‫بني قانون األحوال الشخصية والتشريعات األردنية”‬

‫‪80‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫أخــبار الوسطية‬ ‫ندوة دولية يقيمها المنتدى العالمي للوسطية بالتعاون مع‬ ‫مجلة حراء التركية بعنوان‬ ‫« رؤى معاصرة لإلصالح اإلسالمي ودورها يف تعزيز السالم العاملي»‬ ‫وتشتبيك املصالح احلياتية للناس‪.‬‬ ‫وأشار الى ان التجربة الكولونية وما مهد إليها من اجتهادات‬ ‫جتد ترحيبا وتقديرا السباب اهمها ‪ ،‬اجلهاد هو ذروة سنام‬ ‫االسالم واقترن في كثير من االذهان بالقتال‪ ،‬لكنه أوسع ويشمل‬ ‫جهاد بالنفس واجلهاد املدني‪.‬‬ ‫وألقى عطوفة املهندس مروان الفاعوري األمني العام للمنتدى‬ ‫العاملي للوسطية كلمة ثمن فيها التجربة التركية التي قادها‬ ‫فتح الله كولن إلقامة صرح للروح يكون بناء شامخا ترتوي منه‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬

‫ضمن نشاطات املنتدى العاملي للوسطية لعام ‪2010‬م‪ ،‬عقد املنتدى‬ ‫العاملي للوسطية بالتعاون مع مجلة حراء التركية ندوة دولية بعنوان عنوان‬ ‫«رؤى معاصرة لإلصالح ودوره��ا في تعزيز السالم العاملي‪ ..‬جتربة فتح‬ ‫الله كولن إمنوذجا» ‪ ،‬في املركز الثقافي امللكي ‪ ،‬وذلك يوم السبت املوافق‬ ‫‪2010/1/16‬م ‪.‬‬ ‫بداءت الندوة بعرض فلم عن مجلة حراء التركية واسعة اإلنتشار مت‬ ‫فيه إستعراض أهم أفكار ومبادىء هذه املجلة ‪ ،‬ثم ألقى الدكتور مصطفى‬ ‫أوزجان رئيس الوفد التركي كلمة أكد فيها أن فساد األنظمة الفلسفية في‬ ‫القرنني األخيرين أدى الى عدم املقدرة على حتقيق السعادة للبشرية ‪ ،‬التي‬ ‫هي بحاجة ملن يحقق لها السعادة املطلوبة‪.‬‬ ‫وأش��ار الى أن السيرة النبوية الشريفة حل أساسي لكافة مشكالتنا ‪،‬‬ ‫وهي الفترة التي سعدت بها األرض حني إحتوت على حلول لكل املشاكل‬ ‫التي تواجهها ‪ ،‬واصفا الرسول الكرمي صلى الله عليه وسلم بأن االرض هي‬ ‫مسجده واملدينة املنورة محرابه التي ألقى منها خطبا لكل األنسانية‪.‬‬ ‫وتناول أوزجان القبول الروسي لألفكار األسالمية التي تنطلق من التعليم‬ ‫كاساس لتحقيق الرؤى االسالمية احلقيقية للبشرية ‪ ،‬إنطالقا من الفطرة‬ ‫واجلوهر التي هي في أعماق البشرية جمعاء التي تؤمن باخلير‪.‬‬ ‫ثم ألقى دولة األستاذ صادق املهدي رئيس املنتدى العاملي للوسطية كلمة‬ ‫بني فيها أن املصلح فتح الله كولن ساهم بتجربة ثرية حتاشت النزاع على‬ ‫السلطة وركزت على كسب العقول والقلوب وبسط اخلدمات االجتماعية‬

‫وقال انه قرأ واقع أمته وأمعن النظر فيه ‪ ،‬فأيقن أنه ال بد‬ ‫من والدة جديدة لهذه األمة ‪ ،‬تستعيد بها نهضتها وتعود بها الى‬ ‫سابق عزها ‪ ،‬بعد أن ضحى املسلمون بدينهم (مصدر عزتهم)‬ ‫في سبيل دنياهم‪ .‬وأضاف أن اجلديد لدى الداعية االسالمي‬ ‫كولن أنه قرأ ملياً واقع العالم كله ‪ ،‬واختط لنفسه منهجاً قدم فيه أولوية‬ ‫اإلصالح اإلجتماعي والتربوي واإلقتصادي على الصراع السياسي ‪ ،‬فلم‬ ‫يستنزف جهده في الصراع السياسي كأولوية وهدف كما إستنزف كثيرون‬ ‫في جتاربهم املريرة طاقاتهم وطاقات أمتهم ‪ ،‬مما أدى الى إنفراط العقد‬ ‫السياسي لألمة وإضعافها عند مواجهة التحديات‪.‬‬ ‫من جانبه تطرق رئيس جامعة صنعاء الدكتور خالد طميم الى جتربة‬ ‫كولن ‪ ،‬الذي إستطاع أن ينهج منهجا علميا مميزا بحيث د ّرس النظرية‬ ‫االسالمية الصاحلة لكل زمان ومكان متجردا من االنغالق واالنكفاء‪.‬‬ ‫ووصف منهجه بأنه لم يخلق عداء مع السلطة الدراكه بان دخول الصراع‬ ‫لن يحقق جناحا لهذه التجربة‪.‬‬ ‫واشار طميم الى ان املجتمعات االسالمية تتلقى التوجيهات والتسيير من‬ ‫الغرب «حيث اصبحنا مسيرين ال مخيرين في كل مرحلة من املراحل»‪.‬‬ ‫وعرج على فلسفته في افهام الدين االسالمي الصحيح للبشرية من خالل‬ ‫املدارس النوعية التي انشأها داخل وخارج تركيا بحيث انفتحوا على الدول‬ ‫االسالمية وغير االسالمية القناع العالم انها قادرة على االب��داع واالنتاج‬ ‫العلمي»‪ .‬وختم كلمته باالشارة الى ان التجربة الكولونية لم تنظر نظرة‬ ‫انانية بل شمولية للشعوب االسالمية التي وجد أن لديها ابداعا حقيقيا‬ ‫ميكن ان يحدث التغيير ‪ ،‬مبينا ان الدين االسالمي انقى االديان وافضلها‬ ‫غير اننا لم ند ّرس ديننا كما هو بل اجتهنا الى القشور في حني ان الغرب‬ ‫اجته الى اجلوهر‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪81‬‬


‫وفي كلمة للداعية االسالمي الدكتور محمد راتب النابلسي بشر باهمية‬ ‫الدعوة التركية التي اسماها بالدعوة الصادقة النها استطاعت ان تقنع‬ ‫الطرف االخر بالدين االسالمي وفلسفته في احلياة‪.‬‬ ‫وقال «املسلمون نائمون في ضوء الشمس في حني ان اعداءهم يعملون‬ ‫في الظالم كما ان الغرب كان حضارة رائعة لكنه تغير بعد ‪ 11‬ـ ايلول ليصبح‬ ‫قوة غاشمة»‪ ،‬وبني ان االسالم في عصره الدعوي الذهبي ‪ ،‬مؤكدا ان العالم‬ ‫بحاجة الى االسالم»‪.‬‬ ‫واشار الى ان معنى اجلهاد الذي يقفز الى الذهن هو القتال غير ان ثمة‬ ‫جهادا دعويا وجهاد النفس ‪« ،‬واذا جنحنا في ذلك فاننا سننجح في اجلهاد‬ ‫القتالي» ‪ ،‬الفتا الى ان الغرب كان يجبرنا بالقوة املسلحة على ان نفعل ما‬ ‫يريد لكنه يجبرنا االن على ان نفعل ما يريد وما نريد‪.‬‬ ‫اجلل�سة االوىل ‪:‬‬ ‫ناقشت اجللسة االولى التي ترأسها وزير االوقاف والشؤون واملقدسات‬ ‫االسالمية الدكتور عبد السالم العبادي العديد من اوراق العمل فقد قدم‬ ‫للدكتور نوزاد صواش من تركيا ورقة عمل حول (فتح الله كولن‪ ...‬الشخصية‬ ‫والرؤية) ‪ ،‬وقدم الدكتور سليمان عشراتي من اجلزائر ورقة عمل بعنوان‬ ‫(معرفة التاريخ وإحداث النهضة من منظور فتح الله كولن) ‪،‬وقدم الدكتور‬ ‫سمير بودينار من املغرب ورقة عمل بعنوان (الرؤية التربوية عند فتح الله‬ ‫كولن ‪ ،‬وقدم الدكتور األحمدي أبو النور ـ وزير األوقاف السابق في جمهورية‬ ‫مصر العربية ورقة عمل بعنوان (الوسطية في فكر فتح الله كولن ) ‪.‬‬ ‫وقد تناولت اوراق عمل هذه اجللسة تعريفا باالستاذ فتح الله كولن‬ ‫وجتربته منذ بدايتها ‪ ،‬من حيث رؤيته للعمل االسالمي ‪ ،‬وطبيعة شخصيته‪،‬‬ ‫ورؤية االستاذ كولن للتاريخ االسالمي واهمية النهوض بالفكر االسالمي‪،‬‬ ‫وق��د مت التركيز على جتربته التربوية ودعوته ال��ى اتباع املنهج الوسطي‬ ‫واالع��ت��دال ومحاربة الغلو وال��دع��وة ال��ى احل��وار مع االخ��ري��ن من منطلق‬ ‫ضرورة التعايش والتفاهم والدعوة الى التسامح لبناء مجتمع قوي قادر على‬ ‫مواجهة حتديات العصر ‪.‬‬ ‫اجلل�سة الثانية ‪:‬‬ ‫اما اجللسة الثانية والتي ترأسها معالي االستاذ فهد ابو العثم فقد‬ ‫ناقشت العديد من اوراق العمل على النحو التالي ‪:‬‬ ‫ كلمة الدكتور مأمون جرار ( منهج فتح الله كولن في قراءة السيرة‬‫النبوية )‪ ,‬بدأ الدكتور مأمون جرار كلمته مؤكدا على ما ذكره فتح الله كولن‬ ‫في ان الرسول عليه السالم فخر للبشرية جمعاء وان أعظم الفالسفة‬ ‫واملفسرين والعباقرة يقفون أمامه خاشعني ‪ ،‬وان االضواء يجب ان تسلط‬ ‫على على شخصية النبي عليه السالم النه منقذ البشرية‪ ،‬وشفاء االمة يكمن‬ ‫في سيرته العطرة ‪.‬‬ ‫ثم بني الدكتور مأمون جرار ان منهج فتح الله كولن في تناوله للسيرة‬ ‫النبوية ‪ ،‬ليس االستعراض التاريخ لشخصية النبي بل تقدمي هذه الشخصية‬ ‫بكل جوانبها كقدوة ومنوذج يحتذى به ‪ ،‬فيجب ابراز ناحية الرسالة لسيدنا‬ ‫محمد عليه السالم ‪ .‬واكد على ابراز كولن الخالق النبي عليه السالم من‬ ‫صدق وامانه ورحمة وان هذه الصفات حولها نبي الرحمة الى منوذج ميشي‬ ‫على االرض ‪.‬‬ ‫وذكر ان كولن يخاطب أهل عصرنا بلغة العصر ليوصل منوذج الرسالة‬ ‫النبوية الى الناس‪ ،‬للوقوقف على خالصات تربوية نستفيد منها ‪.‬‬ ‫وأك��د ان كولن يظهر اجلانب التربوي في سيرة النبي عليه السالم ‪،‬‬ ‫سواءفي عالقته مع زوجاته او بناته او املجتمع الذي حوله ‪ ،‬وان هذا اجلانب‬ ‫التربوي له ثمار جتلت في تعليم الناس وتزكيتهم ‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ ثم القى الدكتور محمد بن موسى بابا عمي كلمة بعنوان ( املراحل‬‫السبع في حتويل املعرفة الى سلوك عند كولن )‬ ‫اكد فيهاعلى ان الذي يثير في جتربة كولن هو كيف استطاع كولن ان يحول‬ ‫املعرفة الى سلوك وان يحول البحث الى حضارة ‪ ،‬وخلص الدكتور محمد بن‬ ‫موسى الى ان حتويل املعرفة الى حضارة وسلوك عند كولن مر بالعديد من‬ ‫املراحل منها معرفة حق املعرفة اي التعرف الى الله سبحانه وتعالى بالشكل‬ ‫احلق ‪ ،‬ومنها عدم الوقوف عند املعرفة النظرية بل يجب حتريك السلوك‬ ‫واجلوارح بعد املعرفة النظرية ‪ ،‬ونوه الى ان هذه املعرفة لو كانت صحيحة‬ ‫كان السلوك صحيحيا وانها اذا كانت فاسدة كان السلوك فاسدا ‪.‬‬ ‫واك��د على ان��ه يجب ان تتوحد لغة العقل ولغة اللسان ولغة اجلوارح‬ ‫حتت الكلمة الطيبة والعمل الصالح ‪ ،‬وان بناء الذات يجب ان يتم قبل بناء‬ ‫احلضارة وهذا ما نادى به فتح الله كولن في جميع مؤلفاته ‪ ،‬وانه يجب ان‬ ‫يصبر االنسان الن هذه الدنيا دار صبر وحتمل فيجب حتدي الصعاب ‪.‬‬ ‫ ام��ا الدكتور موفق دعبول فقد اك��د في كلمته التي حملت عنوان‬‫(اولويات االصالح بني مدرسة كولن والتيارات االسالمية املعاصرة ) على‬ ‫ان االميان بفكر كولن دفع الكثيرين للتبرع باموالهم في سبيل هذا الفكر‬ ‫وان هذا واقع ملموس شاهده عند زيارته لتركيا ‪.‬‬ ‫واكد ان اهم ما مييز كولن هو القدوة والعناية باجلانب التربوي لذلك‬ ‫عمد ابناء اخلدمة وهو املصطلح الذي يحب اتباع كولن ان يسموا انفسهم به‬ ‫الى انشاء املئات من املدارس واجلامعات في تركيا لنشر هذا الفكر‪.‬‬ ‫وتطرق الى اهتمام اتباع كولن باجلانب الصحي ‪ ،‬حيث امتثلوا كالم كولن‬ ‫بانهم مسؤولون عن ستة مليارات انسان ‪ ،‬وليس املسلمني او االتراك فحسب‪.‬‬ ‫وتطرق ايضا ال��ى جتربة بعض احل��رك��ات االسالمية التي حاولت ان‬ ‫تختصر الطريق للوصول الى غايتها ‪ ،‬فمنها من اهتم باجلانب السياسي‬ ‫(االسالم السياسي ) ‪ ،‬ومنها من تطرق بالعمل اخليري ( االسالم الشعبوي)‪،‬‬ ‫ومنها من تطرق الى اجلانب الفكري ( االسالم الفكري ) ‪.‬لكن جتربة كولن‬ ‫اهتمت بجانب القدوة واخلدمة ولم تتطرق الى السياسة فهي ليست حركة‬ ‫سياسية ‪.‬‬ ‫اجلل�سة اخلتامية‬ ‫ترأس االستاذ الدكتور محمود السرطاوي اجللسة اخلتامية للندوة والتي‬ ‫خصصت لبيان االنطباعات التي ترتبت على زي��ارة وف��د املنتدى العاملي‬ ‫للوسكية الى تركيا في الشهر املاضي حيث استعرض املشاركون في الوفد‬ ‫اهم ما ترسخ لديهم من انطباعات خالل هذه الزيارة ‪ ،‬متفقني على جناحها‬ ‫وقوتها ‪ ،‬وانه البد من اتخاذها منوذجا في البالد العربية واالسالمية ‪ ،‬مع‬ ‫مراعاة خصوصية كل بلد فحسن اختيار اسلوب تطبيق هذه التجربة من‬ ‫اهم عوامل جناح هذه اجلربة عند تطبيقها ‪.‬‬ ‫وقد حضر الندوة جمهور يزيد عن (‪1000‬شخص ) ‪ ،‬ميثلون مختلف‬ ‫ق��ط��اع��ات املجتمع االردن����ي الرسمية والشعبية ‪ ،‬ب��االض��اف��ة ال��ى ممثلي‬ ‫السفارات االجنبية والعربية ‪ ،‬واجلالية التركية في االردن ‪ ،‬وقد غطت‬ ‫وسائل املختلفة هذه الندوة ‪ ،‬حيث قامت احملطات الفضائية بتسجيل هذه‬ ‫الندوة باالضافة الى محطات التلفزة التركية التي قامت بالبث املباشر لها‬ ‫وقد القت الندوة االعجاب من احلضور حيث ان عددا كبيرا من املثقفني‬ ‫ورجال االعمال ابدوا أعجابهم بالتجربة التركية وبافكار االستاذ فتح الله‬ ‫كولن ‪.‬‬ ‫علما بان جلسات هذه الندوة بدأت من الساعة التاسعة ونصف صباحا‬ ‫ولغاية الساعة الثامنة مساءا ‪ ،‬وقد وزع على هامش الندوة عددا كبيرا من‬ ‫الكتيبات والنشرات ‪ ،‬واكواب الدعاية من قبل منظمي الندوة‪.‬‬


‫أخــبار الوسطية‬

‫ورشة عمل حول ترسيخ الفكر الوسطي في العالم اإلسالمي‬ ‫عقد املنتدى العاملي للوسطية‬ ‫ورش��ة عمل تدريبية حتت عنوان‬ ‫(ال� �ف� �ك ��ر ال ��وس� �ط ��ي ف���ي العالم‬ ‫االسالمي ) ‪ ،‬وذلك يومي السبت‬

‫• هدف الور�شة‬

‫واالح�� � ��د امل� ��واف � �ق� ��ان ‪– 12/12‬‬ ‫‪ ، 2009/ 12/13‬مبشاركة علماء‬ ‫واك��ادمي �ي�ين م��ن مختلف الدول‬ ‫العربية واالسالمية ‪.‬‬

‫• �شارك يف هذه الور�شة كل من ‪:‬‬

‫اعداد القادة الوسطيني لنشر الفكر الوسطي في العاملني‬ ‫العربي واالسالمي‬

‫‪ -9‬ال�شيخ خالد ال�صاحب‬

‫الور�شة ‪:‬‬

‫‪� -1‬أ‪ .‬منت�صر الزيات‬

‫مدير األوقاف واإلرشاد وكاتب ديني‬

‫‪ - 1‬دور الوسطية ف��ي نهضة اليمن وتنميته‬

‫محامي وعضو املكتب الدائم للمنتدى العاملي‬ ‫للوسطية‬

‫‪ - 10‬عبد الرحمن باعباد‬

‫ووحدته‬

‫رئيس مؤسسة االسعاد‬

‫الأ�ستاذ منت�صر الزيات‬

‫‪ -2‬د‪ .‬نوزاد �صوا�ش‬ ‫املشرف على مجلة حراء عضو املنتدى العاملي‬ ‫للوسطية‬ ‫‪ -3‬د‪ .‬حممد طالبي‬ ‫عضو املكتب الدائم للمنتدى العاملي للوسطية‬ ‫‪ -4‬د‪� .‬شوقي القا�ضي‬ ‫عضو البرملان اليمني‬ ‫رئيس املنظمة الوطنية لتنمية املجتمع‬ ‫‪ -5‬د‪ .‬عبد الوهاب املعمري‬ ‫مساعد رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا‬ ‫رئيس جمعية الرعاية االجتماعية للتنمية‬ ‫‪ -6‬د‪ .‬حممد املحجري‬

‫‪ - 11‬علي فرج جوبان‬ ‫مدرس برباط االسعاد للدراسات اإلسالمية‬ ‫‪ -12‬د‪ .‬ف�ؤاد البن�أ‬ ‫استاذ الفكر اإلسالمي السياسي بجامعة تعز‬ ‫ورئيس منتدى الفكر اإلسالمي بتعز‬ ‫‪ - 13‬و�ضاح ح�سن عاطف‬

‫والواقعية‬ ‫الدكتور حممد طالبي‬ ‫‪ -3‬ال�ت�ج��رب��ة ال�ت��رك�ي��ة ف��ي ال�ع�م��ل التنويري‬ ‫واإلصالحي‬

‫داعية إسالمي‬

‫الدكتور نوزاد �صوا�ش‬

‫‪ -14‬ممدوح يلدرم‬

‫‪ -4‬الوسطية مشروع األمة احلضاري‬

‫طالب الدراسات العليا في اجلامعة األردنية‬

‫الدكتور هايل داود‬

‫‪ - 15‬داود احلدابي‬ ‫‪ -16‬املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫امني عام املنتدى العاملي للوسطية‬

‫ع� �م� �ي ��د ش�� � ��ؤون ال�� �ط�ل��اب ج ��ام� �ع ��ة ال� �ع� �ل ��وم‬ ‫والتكنولوجيا‬

‫‪ -17‬د‪ .‬حممد اخلطيب‬

‫‪ -7‬د‪ .‬ريا�ض الغيلي‬

‫أمني سر املنتدى العاملي للوسطية‬

‫أستاذ جامعي‬

‫‪ -18‬د‪ .‬هايل داوود‬

‫‪ -8‬م‪ .‬برهان الغيلي‬

‫عضو املنتدى العاملي للوسطية‬

‫مهندس املدير التنفيذي ملجموعة باراديس‬

‫‪ -2‬مفاهيم الوسطية وجتلياتها احلضارية‬

‫• وقد قدمت اوراق العمل التالية خالل هذه‬

‫‪ -5‬املنتدى العاملي الفكرة واملضمون‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫‪ -6‬آل �ي��ات ن�ش��ر ال�ف�ك��ر ال��وس�ط��ي ف��ي املجتمع‬ ‫اليمني وتأسيس املنتدى العاملي في اليمن‬ ‫الدكتور حممد اخلطيب‬ ‫وق���د ت�خ�ل��ل ه ��ذه ال ��ورش ��ة زي� ��ارة موقعة‬ ‫اليرموك ثم مجموعة من مقامات الصحابة‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪83‬‬


‫أخــبار الوسطية‬

‫وفد من املنتدى العاملي للوسطية يقوم بزيارة الى تركيا‬

‫قام وفد ميثل املنتدى العاملي للوسطية بزيارة‬ ‫الى اجلمهورية التركية في الفترة املمتدة من‬ ‫‪2009/12/24-19‬م ‪ ،‬وذل���ك تلبية للدعوة‬ ‫املوجهة من اسرة مجلة حراء التركية ‪ ،‬وقد شارك‬ ‫بهذه الزيارة كل من ‪:‬‬ ‫املهندس مروان الفاعوري‪.‬‬

‫الدكتور محمود السرطاوي‪.‬‬ ‫األستاذ منتصر الزيات‪.‬‬

‫الدكتور محمد طالبي‪.‬‬

‫الدكتور محمد اخلطيب‪.‬‬ ‫الدكتور محمد احلاج‪.‬‬

‫الدكتور أمجد قورشة‪.‬‬

‫الدكتور سليمان الدقور‪.‬‬

‫السيدة سوسن املومني‪.‬‬ ‫السيدة وفاء البيطار‪.‬‬

‫ت��ه��دف ه��ذه ال��زي��ارة إل��ى إط�ل�اع ال��وف��د على‬ ‫اجلهود التي بذلت من قبل تالميذ فتح الله كولن‬ ‫في خدمة اإلنسان أينما كان‪ ،‬بعيداً عن السياسة‬ ‫والصراع السياسي‪ ،‬لذا فقد ركز تالميذ فتح الله‬ ‫كولن على اخلدمة في سبيل هذه الغاية ولذلك‬ ‫أطلقوا على كافة اجلهود املبذولة (اخلدمة) وعلى‬ ‫من يقومون بها (أهل اخلدمة) وفي هذا داللة على‬ ‫الصفاء والتواضع والتي متت تربيتهم عليه‪.‬‬ ‫وقد قام الوفد بزيارة إلى كل من املؤسسات‬ ‫التالية‪:‬‬

‫م��س��ت��ش��ف��ى (س���م���ا)‪ :‬ه���و م��س��ت��ش��ف��ى ي��ق��ع في‬ ‫أح��س��ن م��وق��ع ب��إس��ط��ن��ب��ول‪ ،‬وه���و ب��اإلض��اف��ة إلى‬ ‫ذلك فإنه يعد من أفضل املستشفيات في تركيا‪،‬‬ ‫وه��و كذلك يتقاضى نصف األج��رة من املرضى‪،‬‬ ‫وهذا املستشفى واحدة من مجموعة مستشفيات‬ ‫موجودة في جميع أنحاء تركيا وتهدف إلى خدمة‬ ‫املواطن التركي مهما كان إنتماؤه أو إجتاهه‪.‬‬ ‫مدرسة الفاحت‪ :‬وتعد من أحسن مدارس تركيا‬ ‫تربوياً وعلمياً ومنشئات‪ ،‬ويرتادها الكثير من أبناء‬

‫‪84‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫امل��واط��ن�ين مهما ك��ان إجت��اه��ه��م وإن��ت��م��ائ��ه��م‪ ،‬ولها‬ ‫(‪ )200‬فرع في جميع أنحاء تركيا‪.‬‬ ‫مدرسة الفتح‪ :‬وهي مجموعة مدارس شبيهة‬ ‫باملجموعة السابقة‪.‬‬ ‫مدرسة (فم)‪ :‬وهي مدرسة حتضيرية لدخول‬ ‫اجلامعات‪ ،‬وهي من أرقى املدارس‪ ،‬ولها أكثر من‬ ‫(‪ )200‬فرع في جميع أنحاء تركيا‪.‬‬

‫جامعة الفاحت‪ :‬وهي من أفضل خمسة جامعات‬ ‫في تركيا وتضم سبعة كليات‪ ،‬وتقوم على االنفتاح‬ ‫على كل فئات املجتمع‪ ،‬وكذلك تضم الكثير من‬ ‫أبناء الدول األخرى سواء أكانت في أسيا أو أوروبا‬ ‫أو غيرها وفيها املسلم واملسيحي والهندوسي‬ ‫والبوذي‪.‬‬

‫م��ج��م��وع��ة (ك���وي���س���ي���دوم)‪ :‬وه����ي مجموعة‬ ‫إقتصادية وجتارية تضم (‪ )15‬ألف تاجر وتهدف‬ ‫إلى تنمية إقتصاد تركيا عبر فتح أبواب األسواق‬ ‫اخلارجية للتاجر التركي‪ ،‬ولذلك عمدت إلى إقامة‬ ‫معرض دول��ي دعت إليه أكثر من ألفي تاجر من‬ ‫جميع أنحاء العالم‪.‬‬

‫منظمة (كيمسيوك)‪ :‬أي (هل من أحد)‪ ،‬وهي‬ ‫منظمة إغاثة أقيمت أوالً في تركيا‪ ،‬ولها أنشطة‬ ‫إغاثية في (‪ )51‬دولة أصابتها الكوارث واحلروب‬ ‫من غير متييز فقد أقامت في دول إسالمية ودول‬ ‫غير إسالمية الكثير م��ن عمليات اإلغ��اث��ة فيها‬ ‫وأقامت مدينة متكاملة في (دارف��ور) وكذلك لها‬ ‫أنشطة في أوغندا وفي بورما وغيرها من الدول‪،‬‬ ‫وأقامت في بيرو (‪ )352‬بيت جاهز‪ ،‬وفي باكستان‬ ‫مخيمني ك��ب��ي��ري��ن‪ ،‬وطلبنا أن ي��ق��وم��وا ب��ع��دد من‬ ‫املشاريع في األردن وخاصة في اجلنوب‪.‬‬ ‫وق����ف ال��ص��ح��ف��ي�ين وال���ك���ت���اب‪ :‬وي��ض��م سبعة‬ ‫منتديات وهي‪:‬‬

‫أب��ن��ت‪ :‬وينطلق م��ن فلسفة جمع جميع ألوان‬ ‫الطيف منتدى واحد (إسالمي‪ /‬ليبرالي‪ /‬قومي‪/‬‬ ‫ماركسي) وذلك من أجل جمعهم على نقاط التقاء‬ ‫بعيداً عن نقاط اإلختالف‪.‬‬ ‫دا‪ :‬وتعني (نعم) وهي تهتم بدول أسيا والبلقان‪،‬‬ ‫وعقدت (‪ )12‬مؤمتراً‪.‬‬

‫ك��دي��ب‪ :‬وي��ه��دف إل��ى ح���وار األدي����ان م��ن أجل‬ ‫تعايش سلمي بني أبناء الديانات‪ ،‬وق��د ق��ام فتح‬ ‫الله كولن باإللتقاء مبسيحي تركيا‪ ،‬و َّ‬ ‫مت إنشاء هذا‬ ‫املنتدى لهذه الغاية‪.‬‬ ‫ميديلوج‪ :‬وهو منتدى للصحافيني واإلعالميني‬ ‫ـ دون متييز في اإلجتاه ـ وهدفها جمع الصحافيني‬ ‫داخل تركيا وخارجها خلدمة اإلنسان في وسائل‬ ‫اإلعالم‪.‬‬ ‫منتدى الثقافة (ال��ف��ن)‪ :‬وه��و منتدى للفنانني‬ ‫واملمثلني واملخرجني‪.‬‬ ‫منتدى املرأة‪ :‬ويهدف إلى جمع النساء التركيات‬ ‫من جميع أل��وان الطيف في هذا املنتدى خلدمة‬ ‫املرأة‪.‬‬ ‫م��رك��ز ال���دراس���ات‪ :‬ج��م��ع ال���دراس���ات وإقامة‬ ‫املؤمترات األكادميية‪.‬‬ ‫تلفزيون سما‪ :‬ويضم سبعة محطات فضائية‬ ‫تهدف إل��ى نشر الثقافة وح��ب اإلنسانية في كل‬ ‫مكان‪ ،‬ولها محطة تلفزيونية تبث من أمريكا باللغة‬ ‫اإلجنليزية‪.‬‬ ‫مؤسسة النشر والتوزيع‪ :‬وتضم عشرات دور‬ ‫النشر‪ ،‬وهذه الدور مختلفة األدوار‪ ،‬فمنها للطفل‬ ‫أو للمرأة أو للعلوم‪ ،‬أو للتربية‪ ،‬أو منشورات باللغة‬ ‫العربية وهكذا؛ وهذه املؤسسة مفتوحة للمطالعة‬ ‫رج ً‬ ‫ال وذكوراً وأطفاالً‪.‬‬ ‫وقد كان لزيارة الوفد إلى هذه املؤسسات األثر‬ ‫الكبير في نفوس أعضائه جميعاً‪ ،‬وذلك ملا وجدوه‬ ‫من إخالص متفاني في خدمة اإلنسان إينما كان‬ ‫من قبل أهل اخلدمة‪ ،‬واعتبروا هذه الزيارة نقلة‬ ‫نوعية ف��ي حياتهم وأدت إل��ى تغيير الكثير من‬ ‫مفاهيمهم‪.‬‬


‫أخــبار الوسطية‬

‫ب����دء ف��ع��ال��ي��ات ورش ع��م��ل ح������وارات األن���دي���ة‬

‫ش���ارك رئ��ي��س منتدى الوسطية ف��ي محافظة ارب���د ي��وس��ف م��ل��ك��اوي ي��وم األح���د املوافق‬ ‫‪ 2009/12/20‬في برنامج احل���وارات النادوية حتت عنوان “التعايش الديني اإلس�لام دين‬ ‫الوسطية واالعتدال”‪ ،‬والذي نظم بالتعاون ما بني مديرية األندية والهيئات الشبابية في املجلس‬ ‫األعلى للشباب و مديرية شباب محافظة اربد ونادي يرموك الشونة الشمالية‬ ‫وتناول امللكاوي في ورقة العمل التي قدمها في اللقاء الذي حضره كل من مدير األندية‬ ‫الشبابية السيد محمد الصمادي ومدير شباب اربد طالل البطاينة والسيد وليد خريسات‬ ‫ومجموعة من الشباب الواعد من أبناء محافظة اربد والشونة الشمالية‪ ،‬مفاهيم الوسطية‬ ‫ودورها في تعزيز مضامني الرسالة السمحة وتوضيح صورة اإلسالم احلنيف‪.‬‬ ‫وفي نهاية اللقاء الذي أقيم في مركز شابات الشونة الشمالية الساعة الثالثة عصرا‪ ،‬مت‬ ‫عرض فيلم وثائقي بعنوان “الرهان اخلاسر” تناول نبذ الفكر التكفيري وخطر الفهم اخلاطيء‬ ‫لإلسالم احلنيف‪.‬‬

‫منت��دى وس��طية‪/‬اربد يحتف��ل بذك��رى الهج��رة النبوي��ة الش��ريفة‬

‫احتفاء بذكرى الهجرة النبوية الشريفة أقام منتدى الوسطية للفكر والثقافة فرع اربد يوم اخلميس املوافق ‪ 2009/12/17‬ندوة بعنوان “في‬ ‫ظل الهجرة النبوية”‪.‬‬

‫وحتدث في الندوة رئيس الفرع يوسف ملكاوي عن الدروس والعبر املستفادة من هذه الهجرة موضحا أهمية الوطن وحبه واجب وهو من اإلميان‬ ‫وركز على التوكل على الله واألخذ باألسباب وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بجميع األسباب ثم التوكل على الله من أجل النجاح في هذه‬ ‫التجربة مؤكدا على أهمية األخذ باألسباب كما أشار إلى الدور الكبير للمسجد في حياة املسلم كما كان مهما في حياة الرسول محمد عليه الصالة‬ ‫والسالم والذي كان إنطالقا للجيوش ومركزا للقضاء ومكانا للعلم والعلماء ‪.‬‬ ‫وأشار الشيخ إدريس املقدادي إلى دور عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه وهو يجمع األخبار للنبي صلى الله عليه وسلم ويأتي بها كما أشار‬ ‫إلى دور الراعي الذي كان يطمس األثر حتى ال يستطيع املشركون أن يعرفوا أين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫وحضر الندوة والتي أدارتها رئيسة اللجنة النسائية في املنتدى عواطف الشوبكي عدد من الفعاليات املختلفة وأعضاء املنتدى‪.‬‬

‫ديوان الوقف السني في العراق يطبع عشرة كتب من اصدارات املنتدى العاملي‬ ‫قام ديوان الوقف السني في العراق وبالتنسيق مع املنتدى العاملي للوسطية بطباعة عشرة كتب من اصدارات‬ ‫املنتدى العاملي للوسطية ‪ ،‬التي تدعو الى الفكر الوسطي‪ ،‬وذلك إسهاما من ديوان الوقف السني في نشر الفكر‬ ‫الوسطي لالسالم في جمهورية العراق ‪.‬‬

‫ عناوين الكتب‬‫الوسطية في البناء االجتماعي – د‪ .‬عبد احلليم عويس‬ ‫التطرف ورفض اآلخر – د‪ .‬سهير عبد العزيز‬ ‫وسائل معاجلة االرهاب ‪ -‬د‪ .‬محمد القضاة ‪ -‬د‪ .‬هايل داوود‬

‫عوائق حقيقية ووهمية في في طريق النهوض – د ‪ .‬نبيل شبيب‬ ‫الوسطية في االسالم – د ‪ .‬عبد العزيز اخلياط‬ ‫الوسطية السياسية – د‪ .‬محمد العوا‬

‫التطرف والغلو واالرهاب ‪ -‬د‪ ,.‬بسام الصباغ‬

‫ادب اخلالف في املنظور االسالمي – د‪ .‬محمد مطني‬

‫العالقة مع االخر في ضوء الوسطية – د‪ .‬مرمي آيات‬

‫دور املسجد في تفعيل الوسطية – د‪ .‬محمد مطني‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪85‬‬


‫بيـانـات المنتدى‬ ‫بيان من املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫ب�ش�أن تفجريات ال�صومال‬

‫بيان �صادر عن املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫حول الإعتداء على امل�سجدالأق�صى‬

‫احلمد لله والصالة والسالم على رسول الله وعلى آله وصحبه‬ ‫ومن وااله وبعد‪:‬‬ ‫تشهد مدينة القدس واحلرم القدسي واملسجد األقصى املبارك‬ ‫ف��ي ه��ذه األي���ام محنة عصيبة تتمثل ف��ي اقتحام ق��وات االحتالل‬ ‫اإلسرائيلي احلرم القدسي واملسجد األقصى باإلضافة إلى عمليات‬ ‫تهويد املدينة وتهجير أهلها وهدم منازلهم‪ ،‬وهذه األعمال الوحشية‬ ‫التي تطال هذه األماكن املقدسة تكشف للعالم وجه هذا االحتالل‬ ‫احلقيقي ال��ذي يرمي إلى السيطرة على القدس وطمس مالمحها‬ ‫الدينية وتهويدها‪ ،‬وهو عمل إجرامي ترفضه كل الشرائع واألعراف‬ ‫الدولية‪.‬‬

‫إن املتتبع ملا يجري في العاملني العربي واإلسالمي من أعمال‬ ‫إجرامية إرهابية يعتصره اآللم وهو يرى األعمال العبثية العاجزة‬ ‫التي تستهدف األبرياء والتي تدل على أن هدفها هو إبقاء هذه‬ ‫املنطقة بعيدة عن األمن واإلستقرار والتنمية والتطور‪.‬‬ ‫ولعل التفجير األخير في الصومال يؤكد ذلك‪ ،‬فهذا البلد‬ ‫منذ ما يقارب العشرين عاماً وهو يتعرض إلى عملية تدمير‬ ‫املدمر وتفتيت املفتت من قبل قوى الظالم واإلرهاب والتأمر‪،‬‬ ‫وكلما هدأ األمر وبدأ األمن واإلستقرار تظهر األيدي اخلفية‬ ‫التي تقتل وتدمر وتسفك الدماء البريئة‪.‬‬ ‫إن املنتدى العاملي للوسطية يرى في أن هدف هذه األعمال‬ ‫اإلجرامية مراده مزيداً من فرقة الصوماليني ومزيداً من قتل‬ ‫األبرياء وسفك دمائهم‪ ،‬لذا فإن املنتدى العاملي للوسطية يدعو‬ ‫األخوة الصوماليني إلى الوحدة واإلئتالف ليفوتوا الفرصة على‬ ‫األي��دي اخلفية التي تريد دم��ار الصومال‪ ،‬كما يدعو املنتدى‬ ‫العاملي للوسطية جامعة ال��دول العربية إل��ى أخ��ذ دور فعال‬ ‫وإيجابي في الصومال بجمع جميع الفرقاء على مائدة واحدة‬ ‫ليعود الصومال إلى أمنه وإستقراره في إطار التوافق الوطني‬ ‫ولغة احلوار‪.‬‬ ‫ِب َعلَى أَ ْم��رِ ِه َولَكِ َّن‬ ‫حمى الله أمتنا من كل كيد { َواللَّ ُه َغال ٌ‬ ‫َّاس لاَ يَ ْعل َ ُمونَ}‬ ‫أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫‪86‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫إننا ف��ي املنتدى العاملي للوسطية نشجب ون��دي��ن ونستنكر ما‬ ‫اقترفته تلك ال��ق��وات واجل��م��اع��ات م��ن م��ح��اوالت لتدنيس املسجد‬ ‫واحل��رم القدسي‪ ،‬ونحذر من مغبة تلك األع��م��ال التي تعد مبثابة‬ ‫بالونات اختبار لقياس مدى جاهزية العالم اإلسالمي لتقبل صدمات‬ ‫املس بقدسية املدينة املقدسة‪ ،‬واعتبار أية حوادث تقع فيها هي في‬ ‫سياق التغيرات اجلغرافية والسكانية أو االنهيارات الناجمة عن‬ ‫أعمال مدنية‪.‬‬ ‫ونحن في املنتدى العاملي للوسطية نشد على أيدي أهلنا وإخواننا‬ ‫املرابطني الصامدين في وجه هذا العدوان الغاشم على تلك املقدسات‬ ‫التي هي جزء من عقيدة كل مسلم‪ ،‬وندعو الدول العربية واإلسالمية‬ ‫ودول العالم احلر إلى الوقوف إلى جانب أهلنا في القدس‪ ،‬وحتمل‬ ‫املسؤولية في ردع هذا العدوان الغاشم والضغط بكل قوة للحفاظ‬ ‫على تلك املدينة ومقدساتها ورموزها الدينية املرتبطة بكل مسلم‪.‬‬ ‫إن ما تقترفه قوات االحتالل اإلسرائيلي من أعمال لن يثني عزمية‬ ‫الشعب الفلسطيني عن الدفاع عن مقدساته ولن يزيد في ميزان هذا‬ ‫االحتالل الظالم إال مزيداً من الكراهية والعدوانية‪ ،‬ولن يجر على‬ ‫تلك املنطقة إال مزيداً من الويالت واحلروب‪ ،‬وإننا لنؤكد وقوفنا إلى‬ ‫جانب إخواننا في القدس ولن نتوانى عن مد يد العون واملساعدة‬ ‫ل���ه���م لتجاوز‬ ‫ت��ل��ك احملنة‪،‬‬ ‫واحل��������ف��������اظ‬ ‫ع��ل��ى قدسية‬ ‫ال�����������ق�����������دس‬ ‫وامل������س������ج������د‬ ‫األق��ص��ى بكل‬ ‫الوسائل‪.‬‬


‫بيـانـات المنتدى‬ ‫بيان من املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫اجلرح النازف يف الأمة‬ ‫تدمير هنا انفجار هناك أشالء أبرياء أطفال نساء دماء بريئة‬ ‫نشكو إلى الله ظلم القتلة واجلالدين‪ ...‬في كل شبر من أراضي‬ ‫العرب النار تسري واللظى واللهب‪ ...‬دوامات العنف والتطرف‬ ‫تضرب كل يوم عاصمة من عواصمنا تقض مضاجع األمنني‪...‬‬ ‫من طنجة وحتى جاكراتا ويصدق فينا قوله تعالى‪{ :‬يُخْ رِ بُو َن‬ ‫بُيُوتَ ُه ْم ِب َأيْدِ يهِ ْم} الهذا احلد وصل العمى ووصل احلقد على‬ ‫الذات وعلى األمة‪.‬‬

‫أن نقتل أبنائنا ونخرب بيوتنا وندمر ممتلكاتنا ونهدر مقدرات‬ ‫أمتنا‪ .‬لقد أختلطت األوراق وت��زاح��م��ت الفنت ولعبت األيدي‬ ‫الغادرة طائفية وسياسه ومذهبيه في جسد األم��ة في العراق‬ ‫وأفغانستان والباكستان والصومال واجلزائر‪ ....‬ولقد آن األوان‬ ‫أن يتدارك العقالء األمر قبل فوات األوان وقبل أن تدركهم نار‬ ‫اص ًة َوا ْعل َ ُموا‬ ‫الفتنة‪َ } ،‬وا َّتقُوا فِ تْنَ ًة لاَ ت ُِص نَ َّ‬ ‫يب ا َّلذِ ي َن َظل َ ُموا مِ نْ ُك ْم َخ َّ‬ ‫اب}‪ .‬أن املنتدى العاملي للوسطية بعقالئه‬ ‫أَ َّن اللَّ َه َشدِ ي ُد الْعِ َق ِ‬ ‫وعلمائه بقادته ومفكريه وكحاله دائماً يؤكد على رفض وإدانة‬ ‫كل هذا املنهج العاجز ال��ذي يدمر ويخرب ويفجر ويدعو دول‬ ‫العالم العربي واإلسالمي إلى الوقوف في وجه من يحاول تسويق‬ ‫اإلرهاب أو أسلمته ومن يدعم هؤالء الغارقني في كهوف الظالم‬ ‫القائمني على تشويه أنقى ص��ورة رسمتها يد الله للعالقة بني‬ ‫املسلمني وبني بني البشر كإطار للتعايش وعمارة األرض‪ .‬وإننا‬ ‫في املنتدى العاملي للوسطية نشجب وندين بشدة تلك األعمال‬ ‫التي ال يقرها أي دين أو تشريع‪ ،‬وحاربها اإلسالم بحفاظه على‬ ‫النفس البشرية ودعوته إلى التسامح ونبذ العنف كما تؤكد ذلك‬ ‫سيرة نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأصحابه األخيار‪ ،‬وفي‬ ‫قوله (كل املسلم على املسلم حرام‪ ،‬دمه وماله وعرضه)‪ ،‬وقوله‬ ‫تعالى‪َ { :‬م ْن َقتَ َل نَف ًْسا ِب َغيْرِ نَف ٍْس أَ ْو َف َس ٍاد فِ ي الأْ َ ْر ِض َف َك َأنمَّ َ ا َقتَ َل‬ ‫َّاس َجمِ ي ًعا} وإننا في املنتدى العاملي للوسطية نوجه الدعوة‬ ‫الن َ‬ ‫إلى تلك اجلماعات للعودة إلى طريق احلق واإلنسانية‪ ،‬وحقن‬ ‫دماء األبرياء الذين ليس لهم ذنب في كل ما جرى أو ما يجري‬ ‫من أح��داث على الساحة العراقية والدولية‪ .‬ختاماً نقول أن‬ ‫التفجيرات األخيرة التي هزت العاصمة العراقية بغداد وتكررت‬ ‫م���رات وم����رات‪ ،‬وط��ال��ت أرواح األب��ري��اء م��ن األط��ف��ال والنساء‬ ‫والشيوخ‪ ،‬والتي نفذتها مجموعات ال متت إلى اإلسالم بصلة وال‬ ‫إلى روح مقاومة احملتل باتخاذها من الدم العراقي وسيلة لذلك‪،‬‬ ‫وراح ضحيتها اآلالف من أبناء الشعب العراقي الذي يعاني وطأة‬ ‫اإلحتالل واحل��روب على مر عقود من الزمان هي أعمال متثل‬ ‫إنتهاكاً لكل قيم اإلنسانية والعدالة واملرؤه والدين‪.‬‬ ‫ندعو الله تعالى أن يخرج أمتنا مما هي فيه من ضيق وكد‬ ‫والله يتوالنا بفضله وكرمه‪.‬‬ ‫والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته‪،،،‬‬

‫منتدى الو�سطية العاملي‬

‫يدين القرار ال�سوي�سري ويعمل لإبطاله‬ ‫ال امل����آذن وال األهلة‬ ‫فوقها شعائر إسالمية‬ ‫ول��ك��ن��ه��ا ص����ارت ثقافيا‬ ‫رم�����وزا إس�لام��ي��ة‪ .‬كثير‬ ‫من غير املسلمني وحتى‬ ‫مسلمي املولد ال اإلميان‬ ‫يعتبرونها مظاهر إلبراز‬ ‫ال��ش��خ��ص��ي��ة اإلسالمية‬ ‫ولذلك يكرهونها‪.‬‬ ‫م��ا عبر عنه الشعب‬ ‫السويسري نتيجة استفتائه حول حظر بناء املساجد الذي أجري‬ ‫ف��ي نوفمبر املنصرم وذل���ك مبوافقة ‪ %57.5‬م��ن الناخبني على‬ ‫الدعوة حلظر بناء مآذن جديدة‪ ،‬هو نتيجة منطقية ألبلسة اإلسالم‬ ‫في أوربا‪ .‬أبلسة اتخذت أشكاال عديدة أهمها أنه دين ال عقالني‬ ‫متعصب يضطهد املرأة ويدعم اإلرهاب‪.‬‬ ‫ إن علينا معشر املسلمني أن نعطي هذا األم��ر أهمية بالغة‬‫من حيث إدراك معانيه وما ينبغي علينا عمله إلبطالها والعمل على‬ ‫إلغائه بالوسائل املتاحة‪.‬‬ ‫ إنه إجراء يتناقض مع حقوق اإلنسان وحرية األديان‪ ،‬واملساواة‬‫في املواطنة‪ .‬وينبغي مخاطبة اآلليات الدولية‪ ،‬واألوربية‪ ،‬املعنية‬ ‫لتأييد موقفنا‪:‬‬ ‫ هنالك قوى سويسرية على رأسها احلكومة وأحزاب سويسرية‬‫ومنظمات مجتمع مدني ينبغي االستعانة بها في هذا املجال‪.‬‬ ‫ وهنالك مجلس حقوق اإلنسان التابع لألمم املتحدة وينبغي‬‫أن تخاطبه الدول اإلسالمية للوقوف إلى جانب حرية العقيدة في‬ ‫سويسرا‪.‬‬ ‫ وهنالك احملكمة األوربية حلقوق اإلنسان املطلوب مخاطبتها‬‫إلصدار حكمها في املوضوع‪.‬‬ ‫ وهنالك املؤسسات العديدة املعنية باحلرية الدينية واألخرى‬‫املعنية بالتعايش السلمي بني األديان وهذه تخاطب التخاذ موقف‬ ‫صريح ضد هذا اإلجراء‪.‬‬ ‫ وآخ��ر ال��دواء الكي إذ ينبغي أن ي��درك السويسريون أن لهم‬‫مصالح في التعايش مع املسلمني نوضحها ونوضح أن استمرارها‬ ‫وفيه مصلحة مشتركة‪ -‬له استحقاقات أهمها االحترام املتبادل‬‫وإال قوضها الظلم‪.‬‬ ‫ املنتدى العاملي للوسطية إذ يدين هذا اإلج��راء ويعمل على‬‫إبطاله يرى ضرورة اتخاذ اخلطوات اآلتية‪:‬‬ ‫ الدعوة ملنبر إسالمي جامع لبحث قضية اإلسالم واملسلمني في‬‫الغرب – أمريكا وأوربا‪ -‬والنهج املطلوب اتخاذه انتصارا لإلسالم‬ ‫وحماية للمسلمني املواطنني في الدول الغربية واملهاجرين إليها‪.‬‬ ‫ ترتيب ح��وار مع األط��راف املعنية بهدف إب��رام معاهدة تبني‬‫حقوق وواجبات املسلمني في البلدان الغربية‪.‬‬ ‫ مخاطبة األمم املتحدة لضم ه��ذه املعاهدة ملعاهدات بناء‬‫النظام الدولي احلديث‪.‬‬ ‫ املطالبة باستخدام الودائع العربية وعائدات البترول الضخمة‬‫في البنوك السويسرية ملناصرة قضايا األمة‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد األول ‪ -‬محرم ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬كانون ثاني ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪87‬‬


‫ق�سيمة ا�شرتاك �سنوية‬ ‫البلد‬

‫ ‬ ‫اال�سم ‪ /‬امل�ؤ�س�سة‬

‫الهاتف‬

‫ ‬ ‫املدينة‬ ‫االمييل‬ ‫كيفية الدفع‬ ‫نقدا ‬

‫�شيك ‬

‫ ‬

‫حوالة بنكية ‬

‫قيمة اال�شرتام ال�سنوي ( ‪ 60‬دينار ) اردين‬ ‫الأردن ‪ -‬عمان ‪� -‬شارع اجلمعية العلمية امللكية – تلفون ‪- 5356329‬فاك�س ‪+962 – 6 – 5356349‬‬ ‫�ص ب ‪ 2149‬رمز بريدي ‪11941‬‬ ‫‪P.O.BOX : 2149 AMMAN – 11941 – JORDAN TEL 536329-FAX 5356349-6-962 +‬‬ ‫‪Email: mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪info@wasatyea.org‬‬ ‫‪moderation_assembly@yahoo.com‬‬ ‫‪Website: www.wasatyea.org‬‬

‫قواعـد و�شـروط الن�شـر يف جملة الو�سطية‬ ‫يس ّر أسرة حترير مجلة الوسطية والتي تصدر عن املنتدى العاملي للوسطية أن تستقبل مساهمات أصحاب القلم من ال ُكتَّاب‬ ‫واملثقفني والباحثني في أقسام الفكر اإلسالمي والعلوم اإلنسانية واالجتماعية والسياسية والفكرية والتربوية‪ ،‬واملوضوعات‬ ‫ذات الصلة باملشروع احلضاري اإلسالمي الراهن‪ ،‬وكل ما له صلة بقضايا وشؤون الساحة الثقافية اإلسالمية املعاصرة على‬ ‫وجه العموم‪..‬‬ ‫وترى أسرة التحرير أن تكون املواد املرسلة وفق الشروط التالية‪:‬‬ ‫أن تراعى في املادة املرسلة القواعد املتعارفة في البحث العلمي من نواحي توثيق املصادر واملراجع والنصوص‪ ،‬واملوضوعية‬ ‫واملنهجية في الكتابة‪ ،‬واالبتعاد عن األسلوب اخلطابي‪.‬‬ ‫تؤكد املجلة على االلتزام بالبحث املوضوعي احلر والهادئ‪ ،‬البعيد عن كل أشكال التهجم أو املساس بالشخصيات‪.‬‬ ‫ضرورة وضوح لغة البحث وجتنب اتباع األسلوب املعقد واملصطلحات الغامضة وااللتزام بعمق املعنى‪ ،‬مع مراعاة اجلوانب‬ ‫األدبية واجلمالية في الكتابة‪.‬‬ ‫تقترح املجلة أن تدور الكتابات والبحوث حول احملاور التالية‪:‬‬ ‫دراسات إسالمية‪ ،‬الوسطية واالعتدال‪ ،‬التطرف واالرهاب‪ ،‬العنف والالعنف‪ ،‬احترام الرأي اآلخر‪ ،‬حقوق اإلنسان‪ ،‬العوملة‪،‬‬ ‫الفكر والفكر اإلسالمي‪ ،‬اإلعالم في اإلسالم‪ ،‬علوم قرآنية‪ ،‬اإلسالم والسياسة‪.......‬‬ ‫الآراء الواردة يف املجلة متثل وجهة نظر �أ�صحابها‪ ،‬وال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي هيئة التحرير‪.‬‬ ‫تر�سل الأعمال �إىل رئي�س حترير املجلة على عنوان املجلة‪.‬‬ ‫ترحب املجلة مبساهمات ومشاركات األخوة الكتاب والعلماء واملفكرين‪.‬‬ ‫ما ينشر في هذا العدد يعبر عن آراء الكتّاب أنفسهم وال يعكس بالضرورة آراء هيئة التحرير أو سياسة املنتدى‪.‬‬ ‫تصدر مبوجب املادة السادسة من النظام األساسي للمنتدى العاملي للوسطية‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.