Wasatyea3 3

Page 1

‫الهيئة االستشارية للمجلة‬ ‫الإم � � � � � ��ام ال� � ��� � �ص � ��ادق امل� � �ه � ��دي‪/‬ال� � ��� � �س � ��ودان‬ ‫ال� ��دك�� �ت� ��ور ع� �ب���د احل� �ل� �ي���م ع� ��وي � ��� ��س‪ /‬م �� �ص��ر‬ ‫ال�� ��دك� � �ت�� ��ور وه� � �ب � ��ة ال� ��زح � �ي � �ل� ��ي‪� � �/‬س� ��وري� ��ا‬ ‫ال � � ��دك� � � �ت � � ��ور حم� � �م�� ��د ط� �ل��اب� � ��ي‪/‬امل � � �غ� � ��رب‬ ‫ال��دك �ت��ور م�صطفى ع�ث�م��ان �إ�سماعيل‪/‬ال�سودان‬ ‫ال� ��دك � �ت� ��ور ع� �ب ��د الإل � � � ��ه م� �ي� �ق ��ات ��ي‪ /‬ل �ب �ن��ان‬ ‫الأ��� � �س�� � �ت� � ��اذ م� �ن� �ت� ��� �ص ��ر ال� ��زي� ��ات‪/‬م�� ���� �ص� ��ر‬ ‫ال���دك� �ت���ور � �س �ع��د ال� ��دي� ��ن ال� �ع� �ث� �م ��اين‪/‬امل� �غ ��رب‬ ‫ال� ��دك � �ت� ��ور حم � �م� ��ود ال � � �� � � �س� � ��رط� � ��اوي‪/‬الأردن‬ ‫ال�� ��دك� � �ت�� ��ور حم � �م� ��د احل � �ل ��اي � � � �ق� � � ��ة‪/‬الأردن‬

‫هيـئـة التـحريـر‬ ‫امل�� � �ه�� � �ن� � ��د�� � ��س م� � � � � � � � ��روان ال� � � �ف�� � ��اع�� � ��وري‬ ‫الأ�� �س� �ت���اذ ال ��دك� �ت ��ور حم �ـ �ـ �ـ �م �ـ �ـ��د اخلطيـــــب‬ ‫الأ� � �س � �ت� ��اذ ال ��دك� �ت ��ور حم��م��د �أح � �م� ��د ال �ق �� �ض��اة‬ ‫ال � ��دك� � �ت � ��ور ه � ��اي � ��ل ع � �ب� ��د احل � �ف � �ي� ��ظ داود‬

‫الس�نة الثالث�ة‪ :‬الع�دد الثال�ث ‪ -‬ش�عبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬مت�وز ‪٢٠١٠‬م‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫تصدر عن‬ ‫املنتدى العاملي للوسطية‬

‫ال�� � � ��دك� � � � �ت�� � � ��ور ي � � ��ا�� � � �س� �ي ��ن امل� � �ق�� ��و�� � �س�� ��ي‬

‫املشرف العام على املجلة‬ ‫الأ���س��ت��اذ ال��دك��ت��ور حم��م��د �أح��م��د الق�ضاة‬

‫عمان‬ ‫اململكة األردنية الهاشمية ‪ّ -‬‬ ‫عمان ‪ 11941‬األردن‬ ‫هاتف‪ - 5356329 :‬فاكس‪ - 5356349:‬ص‪.‬ب‪ّ 2149 :‬‬ ‫‪E-mail: mod.inter@wasatyea.org _ _- moderation assembly@yahoo.com‬‬

‫تصميم وإخراج‬ ‫ب�����ل�����ال امل����ل���اح‬

‫‪Web Site: www.wasatyea.org‬‬


‫محتويات العدد‬

‫االفتتاحية‬ ‫درا�سات �إ�سالمية‪:‬‬ ‫و�سطيتنا‪:‬‬

‫مقاالت الو�سطية‪:‬‬

‫مقابلة الو�سطية‪:‬‬ ‫ف�ضاء املر�أة‪:‬‬

‫كتاب ا�ستوقفني‪:‬‬ ‫ن�شاطات الو�سطية‪:‬‬ ‫�ضيوف الو�سطية‪:‬‬ ‫بيانات الو�سطية‪:‬‬

‫�أخبار الو�سطية‪:‬‬

‫‪2‬‬

‫رم�ضان �شهر الهدى‬ ‫دور الإ�صالح العقدي يف النه�ضة الإ�سالمية‬ ‫د‪ .‬عبد املجيد النجار‬ ‫دور الإعالم يف ترويج الفكر الو�سطي‬ ‫أ‪ .‬شاكر اجلوهري‬ ‫دور ال�شباب يف �صناعة امل�ستقبل‪ :‬دوافع وعوائق!‬ ‫أ‪ .‬محمد سعيد باه‬ ‫دور امل�ؤ�س�سات التعليمية يف النه�ضة‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬داود احلدابي‪ /‬أ‪.‬رجاء اجلاجي‬ ‫الفكر الو�سطي يف اجلزائر ‪ :‬اجلذور ‪ ،‬الدعائم والآفاق‬ ‫أ‪ .‬محمد جـرادي‬ ‫الو�سطية ومنطق �إعذار املخالف يف ال�شريعة مدخل للوحدة الإ�سالمية د‪.‬محمد حبش‬ ‫�أهمية الو�سطية ومنهج اال�ستقرار يف عامل متغري‬ ‫أ‪.‬د‪.‬إبراهيم خليل العالف‬ ‫مفهوم الو�سطية ‪ ...‬التجلي التاريخي واحل�ضاري‬ ‫د‪.‬محمد طالبي‬ ‫الو�سطية �أوالطوفان‬ ‫سماحة اإلمام الصادق املهدي‬ ‫واملعراج‬ ‫يف ذكرى الإ�سراء‬ ‫أ‪.‬د‪.‬محمد أحمد القضاة‬ ‫العاملية هي خ�صو�صية حقوق الإن�سان يف الإ�سالم‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬إبراهيم البيومي غامن‬ ‫�إىل �صاحب �أي م�شروع نه�ضوي‬ ‫د‪.‬محمد عمارة‬ ‫تر�شيد التدين مهمة جمتمعية‬ ‫م‪ .‬محمد احلمداوي‬ ‫رحمة النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم وعدالته وحمبته‬ ‫د‪ .‬محمد راتب النابلسي‬ ‫ال بد من �صنعا و�إن طال ال�سفر‬ ‫د‪.‬أحمد نوفل‬ ‫من خماطر الفراغ‬ ‫الشيخ سلمان العودة‬ ‫لقاء خا�ص مع ع�ضوهيئة التدري�س باجلامعة الإ�سالمية العاملية يف �إ�سالم �أباد الدكتور عبد الباقي عبد الكبري‬ ‫أ‪ .‬هيام فؤاد ضمرة‬ ‫التفاوت بني مظاهر التدين واملمار�سات‬ ‫د‪ .‬نوال أسعد شرار‬ ‫دور املر�أة والأ�سرة يف تر�سيخ الفكر الو�سطي‬ ‫بيان �صادر عن جلنة املر�أة حول قانون الأحوال ال�شخ�صية اجلديد‬ ‫الأ�ستاذة �ضمرة ت�شارك يف الدورة التا�سعة ملنتدى الإعالم العربي‬ ‫جلنة املر�أة يف منتدى الو�سطية وم�شاركة فعالة يف امل�ؤمتر الدويل ال�سابع يف �صنعاء‬ ‫حتوالت اخلطاب ال�سلفي "‪:‬كتاب يعاين حتوّالت "ال�سلفية اجلهادية" وت�أثريها على بنية النظام العاملي‬ ‫املهندس مروان الفاعوري‬

‫د‪.‬محمد أبورمان‬

‫تقرير حول ن�شاطات املنتدى ل�شهر ني�سان ‪2010‬م‬ ‫تقرير حول ن�شاطات املنتدى ل�شهر �أيار ‪2010‬م‬ ‫تقرير حول ن�شاطات املنتدى ل�شهر حزيران ‪2010‬م‬ ‫املتحدث الر�سمي يف الدول الإ�سالمية جلمهورية كو�سوفا يف زيارة ملقر العاملي للو�سطية‬ ‫وفد من جمهورية املالديف يف زيارة ملقر العاملي للو�سطية‬ ‫وفد جمعية �صالة ال�سالم لأديان العامل النم�ساوية يزور مقر العاملي للو�سطية‬ ‫وفد من معهد الدبلوما�سية الإميانية يف زيارة ملقر العاملي للو�سطية‬ ‫"�إعالن �صنعاء للو�سطية" بيان �صادر عن امل�ؤمتر الدويل ال�سابع للعاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫"ال للإرهـاب الإ�سرائيلـي" بيان للعاملي للو�سطية حول العمل الإجرامي بحق قافلة "�أ�سطول احلرية"‪.‬‬ ‫بيان �صادر عن العاملي للو�سطية حول اغتيال مفتي الأنبار‪.‬‬ ‫بيان �صادر عن منتدى الو�سطية للفكر والثقافة حول م�سودة قانون الأحوال ال�شخ�صية‪.‬‬ ‫�إىل متى؟" بيان �صادر عن العاملي للو�سطية حول الأحداث التي تطال �أبناء الرافدين‪.‬‬ ‫العاملي للو�سطية ي�صدر بيانا حول تفجريات كامباال‪.‬‬ ‫�شيخ الأزهر ي�ستقبل وفد املنتدى العاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يطلق" رابطة كتاب التجديد يف الفكر الإ�سالمي" يف القاهرة‪.‬‬ ‫"املغاالة والتطرف بني اخلوارج قدمي ًا وجماعات التكفري حديث ًا" ندوة للعاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫م�شروع قانون الأحوال ال�شخ�صية اجلديد ندوة للعاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫الإعالن عن افتتاح فرع للمنتدى للعاملي للو�سطية يف الباك�ستان قريب ًا‪.‬‬ ‫العاملي للو�سطية ودرع تكرميي للبنك الأهلي الأردين‪.‬‬ ‫القطاع الن�سائي ينظم ور�شة عمل متخ�ص�صة بعنوان" االغرتاب و�صراع القيم"‪.‬‬ ‫�سرطان الثدي‪:‬الأ�سباب والوقاية‪ /‬يف حما�ضرة لقطاع املر�أة‪.‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫‪3‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪87‬‬


‫افتتاحية العدد‬

‫رم��ض��ان شهر الهدى‬ ‫ها نحن على أب��واب رمضان‪ ،‬في رمضان مثل القطر" ‪ ،‬وق��ال بعضهم‬

‫أواخ��ر شعبان لم يبق إال أي��ام قليلة " السنة مثل الشجرة‪ ،‬وشهر رجب‬ ‫تنادي يا باغي اخلبر أقبل‪ ،‬ويا باغي أيام توريقها‪ ،‬وشعبان أيام تفريعها‪،‬‬ ‫ال��ش��ر أق��ص��ر‪ ،‬اق��ت��رب ش��ه��ر اخلير ورم���ض���ان أي����ام ق��ط��ف��ه��ا‪ ،‬واملؤمنون‬ ‫والغفران والرحمات‪.‬‬ ‫قطافها جدير مب��ن س��ود صحيفته‪،‬‬

‫ف��أي��ن أص���ح���اب ال��ه��م��م العالية‪ ،‬بالذنوب أن يبيضها بالتوبة في هذا‬ ‫وال��ط��ام��ع�ين ف���ي اجل���ن���ان العالية‪ ،‬الشهر‪ ،‬ومبن ضيع عمره في البطالة‬ ‫والراغبني في أن يحشروا مع نبيهم أن يغتنم فيه ما بقي من العمر"‪.‬‬ ‫"ص��ل��ى ال��ل��ه عليه وس��ل��م" وصحابته‬

‫جددوا عالقاتكم بربكم‪ ..‬ادعوا الله‬

‫الكرام؟ أين الراغبات في أن يحشرن أن يبلغكم رمضان‪ ..‬انتظروه بشوق‪..‬‬ ‫مع أسماء وفاطمة وعائشة وخديجة وارب��ط��وا ألسنتكم ب��ذك��ره ‪..‬واجعلوا‬

‫رضي الله عنهن أجمعني‪.‬‬

‫ال���ق���رآن ال��ك��رمي رف��ي��ق��ك��م آن����اء اليل‬

‫والكسل واخلمول والتسويف‪.‬‬

‫كونوا مع الله في حركاتكم‪ ،‬وسكناتكم‪،‬‬

‫نحن في أواخر شعبان‪ ،‬فلنقم من وأط��راف النهار‪ ،‬واظبوا على نوافل‬ ‫سباتنا العميق‪ ،‬ولنفق من ظالم الغفلة الصالة والصيام ‪ ،‬أخرجوا صدقاتكم‪،‬‬ ‫يقول أبوبكر الوراق البلخي" شهر وخلواتكم ف��ي جهركم وس��رك��م‪ ،‬فال‬ ‫رج���ب ش��ه��ر ل���ل���زرع‪ ،‬وش��ع��ب��ان شهر يقول أحدكم سيدخل شهر رمضان‬ ‫ال��س��ق��ي‪ ،‬ورم���ض���ان ش��ه��ر احلصاد وسأفعل كل ه��ذا استعدوا من اآلن‬ ‫"‪ ،‬وعنه ق��ال " مثل شهر رج��ب مثل فنحن في زمان البذر‪ ،‬ومن لم يبذر‬

‫الريح‪ ،‬ومثل شعبان مثل الغيم‪ ،‬ومثل م��اذا سيسقي؟ وم��اذا سيحصد؟ إنه‬

‫املهند�س مروان الفاعوري‬ ‫األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية‬

‫العتق من النار‪ ،‬إنها اجلنة‪ ،‬إنه النعيم‬ ‫املقيم‪ ،‬أال يحتاج هذا األم��ر العظيم‬ ‫والشهر الكرمي إلى استعداد وجهاد‬ ‫وصبر ومجاهدة النفس على الشهوات‬ ‫واللذات وخطوات الشيطان؟‬ ‫قفوا مع أنفسكم وقفة محاسبة‪،‬‬ ‫وذك���روه���ا ب��احل��ور ال��ع�ين والقصور‬ ‫والظالل الوارفة والراحة والسرور‪،‬‬ ‫ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫إن سبيل‬ ‫وأم��ه��ات املؤمنني باجلنة‪ّ ،‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪3‬‬


‫ذلك مجاهدة النفس بالصبر واحملاسبة واليقني بأن الله فيما أقامك وليرك الله حيث يحب ويرضى ‪.‬‬ ‫مطلع على كل شيء ومطلع على كل شيء وإنه إن أطعته‬

‫فلن يخذلني ولن يتركني وسيكون معي ألني في طاعته‬ ‫وفي ذمته‪.‬‬

‫أعدوا العدة ملن أراد ال��زرع‪ ،‬ملن أراد أن يحصد ثمار‬

‫شهر رمضان وخيرات رمضان ملن أراد أن يغفر له ما‬

‫تقدم من ذنبه وما تاخر‪.‬‬

‫لم يبق إال القليل ويدلف شهر الرحمة والغفران شهر‬

‫نزول القرآن فيا من تود أن تدخل جنة عالية قطوفها دانية‬

‫أقبل عليه جدد عالقتك بالقرآن‪ ،‬أكثر من قراءة القرآن‬ ‫واستغفر ربك آناء الليل وأطراف النهار وتب إلى الله توبة‬ ‫نصوحة فإن باب التوبة مفتوح في كل وقت وحني‪.‬‬ ‫إخواني ‪ /‬أخواتي‬

‫محروم من كان في هذا الشهر الكرمي وغادره ولم يغفر‬ ‫الله له فلماذا حترم نفسك من الغفران؟ ملاذا حترم نفسك‬ ‫من رحمة الله؟ ملاذا حترم نفسك من العتق من النار؟‬ ‫رمبا يكون آخر رمضان لك وأن��ت على وشك مغادرة‬ ‫الدنيا‪ ،‬ملا التفكير كثيراً يا من أتعبته الدنيا بهمومها‬ ‫ويا من بدنياه اشتغل‬

‫وغ ـ ـ ـ ــره طول األم ـ ـ ـ ــل‬

‫املـ ـ ـ ـ ــوت يأتي بغتـ ـ ـ ــة‬

‫والقبر صندوق العمل‪.‬‬

‫ليس لنا قوة على القبر‪ ..‬وعذابه ‪ ..‬وظلمته‪ ..‬ووحشته‪..‬‬ ‫وال على هول يوم القيامة‪ ،‬اللهم أجرنا برحمتك يا عزيز‬ ‫يا غفار‪ ،‬اللهم بلغنا رمضان واجعلنا من املعتوقني من‬

‫اهجروا املسلسالت الهابطة‪ ،‬واملسرحيات الساخرة‪ ،‬النيران‪ ،‬واملقبولني في صحائف الغفران‪ ،‬إنه ولي ذلك‬

‫واألفالم واألغاني التي يطرب لها الشيطان وليكن مقامك والقادر عليه‪.‬‬

‫ ‬

‫‪4‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫دراسات إسالمية‬

‫دور اإلصالح العقدي يف‬ ‫النهضة اإلسالمية‬ ‫د‪.‬عبد املجيد النجار‬ ‫العقيدة اإلسالمية في حتديدها حلقيقة الوجود والكون‬ ‫وف���ي ك��ل واح����دة م��ن ه���ذه ال���درج���ات ف��ي حت��م��ل األمة‬ ‫هي الفكرة التي صنعت احلضارة اإلسالمية‪ ،‬ولكن العقيدة لعقيدتها اليوم خلل يستوجب اإلصالح لتعود العقيدة عامل‬ ‫يتوقف عملها ف��ي ال��دف��ع احل��ض��اري على كيفية حتمل نهضة حضارية كما كان عند إنشاء التحضر اإلسالمي في‬ ‫املسلمني لـها ‪.‬‬ ‫دورته األولى‪.‬‬ ‫وقد كان اخللل الذي أصاب األمة اإلسالمية في حتملها‬ ‫لعقيدتـها ع��ام ً‬ ‫�لا حاسم ًا ف��ي انحسارها احل��ض��اري سواء‬ ‫ويعني أن يكون تصور العقيدة مطابق ملا هي في حقيقتها‬ ‫ما آل إليه األم��ر من ان��ح��راف في التصور أوم��ن سطحية‬ ‫ف��ي التحمل اإلمي��ان��ي ت��راخ��ى بـها ال��دف��ع اإلرادي للعمل التي جاءت عليها في الوحي خالصة من الزيادة والنقصان‬ ‫والـتغير واالضطراب‪ .‬ويشمل ذلك ثالثة عناصر‪:‬‬ ‫احلضاري‪.‬‬ ‫ترشـيـد الـفـهم‬

‫أ – مصادر الفهم ‪:‬‬

‫وال ميكن أن يحدث في حياة األم��ة اإلسالمية انتعاش‬ ‫يرشـد حتمل األم��ة لعقيدتـها‬ ‫معتبر إال ب‬ ‫��إص�لاح عقدي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ج���اءت ال��ع��ق��ي��دة اإلس�لام��ي��ة بينة ف��ي ن��ص��وص القرآن‬ ‫لتقع في النفوس من جديد موقع الدفع إلى العمل الصالح واحل��دي��ث‪ ،‬وك��ان فهم نصوص ال��وح��ي ق���دراً مشتركاً بني‬ ‫املع ّـمـر في األرض واملـنـمي للـحياة ‪.‬‬ ‫يدعي أحد احتكار فهم تلك‬ ‫جميع املسلمني بحيث ميتنع أن ّ‬ ‫النصوص وتفسيرها ونصب نفسه الناطق الرسمي باسمها‬ ‫وحتمل العقيدة يكون على درجات ‪:‬‬ ‫أولـها‪ -‬الفهم وذلك بتـصور العقيدة على حقيقتـها كما لتصبح أفهامه وشروحه ملزمة للناس ‪ .‬واتفق املسلمون على‬ ‫مفاهيم العقيدة التي وردت النصوص بشأنها قطعية الثبوت‬ ‫ورد بـها الـوحي ‪.‬‬ ‫والداللة‪ ،‬واختلفت أفهامهم في بعض القضايا التي وردت‬ ‫وثانـيها‪ -‬التصديق بحقيقتـها س���واء ف��ي نسبتها إلى ظنية في الثبوت أوالداللة أوفيهما معاً ‪.‬‬ ‫مصدرها أوقيمتها الذاتية في تأسيس اخلير والصالح‪.‬‬ ‫ولكن اختالف املسلمني في فهم بعض القضايا التي‬ ‫وثالـثها‪ -‬صيرورتها موجها للفكر في كل ما يتوجه إليه وقع فيها االختالف لم يقف عند ما تقتضيه احلجة العلمية‬ ‫بالبحث‪.‬‬ ‫في التعامل مع النص وثبوته أوداللته بل داخلته مالبسات‬ ‫ورابعـها‪ -‬صيرورتها دافعـة لإلرادة كي تنطـلق في العمل متعددة " سياسية واجتماعية واقتصادية وحضارية ثقافية"‬ ‫واإلجناز‪.‬‬ ‫ليتحول إلى صراع جتاوز حدود العدالة والقسط ووصل إلى‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪5‬‬


‫ج – مفردات العقيدة‪:‬‬

‫حتكمات املكابرة واألهواء التي ال تستند إلى األدلة والـحـجج‬ ‫‪ .‬والناظر اليوم في كتب العقيدة ودواوي��ن الفرق يجد أنها‬ ‫إن ترشيد مدلول العقيدة يستلزم إدراج عدد من املفاهيم‬ ‫ّ‬ ‫فيما هومختلف فيه ينأى كثير منها عن مقتضيات نصوص في الوعي االعتقادي لألمة بحيث تصبح هذه املفاهيم مفردات‬ ‫الوحي والروح العامة واملقاصد الكلية للقرآن والسنة‪ ،‬ويعبر اعتقادية وأسس في الدين ويصبح اإلخالل بها إمنا هوإخالل‬ ‫عن الـتشبث بالتمايز في سياق التعصب املذهبي ‪.‬‬ ‫في الدين وذلك إلرجاع املفاهيم إلى نصابها احلقيقي على‬ ‫وف��ي ه��ذا الوضع أصبح املسلمون وكأنهم يتخذون لفهم الوضع الذي جاءت به في نصوص الوحي وكما كانت عليه في‬ ‫عقيدتهم مصدرين ملزمني ومتكافئني‪ ،‬الوحي من جهة وأفهام أذه��ان أوائ��ل املسلمني ‪ .‬وترشيد مفردات العقيدة ميكن أن‬ ‫الفرق والعلماء وتفسيراتهم من جهة أخرى ‪ .‬في حني أن أفهام يتناول قضايا متنوعة منها ما هوذوبعد استخالفي وبعضها‬ ‫السابقني من الفرق والعلماء والباحثني ال تعدوأن تكون وسيلة ذوبعد اجتماعي وآخر ذوبعد كوني ورابع ذوبعد تشريعي‪ ،‬وهي‬ ‫مساعدة للفهم عن القرآن استئناساً في غير إلزام ‪ .‬ويتأكد في عمومها متصلة متداخلة ‪.‬‬ ‫ه��ذا األم��ر إذا علمنا أن أفهام العلماء من السابقني كانت‬ ‫فحقيقة مركز اإلنسان في الكون واملهمة التي أناطها‬ ‫مرتبطة بقضايا واقعية ومشكالت فكرية ثقافية فرضتها الله باإلنسان ومهمة األمة اإلسالمية بني األمم هي قضايا‬ ‫ظروف املواجهة مع الثقافات والفلسفات واألوضاع السائدة اعتقادية ال جند لها أثراً في كتب العقيدة ‪ .‬وكذلك حقيقة‬ ‫في عصرهم ‪.‬‬ ‫العدالة االجتماعية والتكافل بني أفراد األمة وحقيقة احلرية‬ ‫الشخصية والعامة وضوابطها وحقيقة تكرمي اإلنسان هي‬ ‫ب – مدلول العقيدة ‪:‬‬ ‫قضايا تتصل مبدلول العقيدة ولكنها على كثرة النصوص التي‬ ‫كان مدلول العقيدة في أذهان املسلمني ميتد على مساحة‬ ‫تدل على هذه املعاني وتبرزها ال جند لها أث��راً في مدونات‬ ‫متثل األسس الكبرى من املعاني مثل الوحدانية والنبوة والبعث العقيدة‪ .‬وكذلك قضية تسخير الكون لإلنسان واستثمار‬ ‫واجل��زاء وما تنطوي عليه من املعاني اجلزئية‪ .‬ولكن مدلول الكون واالنتفاع مبرافقه وتسخير مقدراته لبناء احلياة في‬ ‫العقيدة في مساحة أخ��رى من املعاني قد تعرض للتقلص اجتاه حتقيق اخلالفة ابتداءاً بالتدبر والتفكر لتحصيل العلم‬ ‫ً‬ ‫واالنحسار بعد أن كان جزءا من حقيقة التصديق والتحمل‪ .‬ولكن وانتهاءاً باالستثمار التطبيقي النفعي لذلك العلم والرفق‬ ‫املتأمل في املوضوعات التي تناولها علم العقيدة بالبحث كما ب��ال��ك��ون للحفاظ عليه م��ن ال��ف��س��اد وال��ت��دم��ي��ر‪ ،‬ه��ي قضايا‬ ‫انتهت إليه املدونات اجلامعة لهذا العلم يجد أنها لم تستوعب اعتقادية ليس لها كذلك في كتب العقيدة اهتمام أوذكر معتبر‪.‬‬ ‫كل مساحة مدلول العقيدة بل اقتصرت على قضايا كانت والقضايا ذات البعد التشريعي تشمل كل أحكام الشريعة من‬ ‫أن‬ ‫مورد شبهة وتساؤل في عصر التدوين الذي شهد مواجهات حيث اإلميان بحقيقتها يندرج ضمن مفردات العقيدة إذ ّ‬ ‫ومدافعات أثبت العلماء ما يختص بها ولم يتطرقوا إلى مسائل جحود األحكام الشرعية والتكذيب بها يفضي إلى االنحالل‬ ‫لم تدع احلاجة للدفاع عنها ‪ .‬ومبرور الزمن أصبح كثير من من اإلميان وانتقاضه ‪.‬‬ ‫متأخري املسلمني يظن أن مدلول العقيدة ينحصر فيما دونه‬ ‫وهذه القضايا جميعاً وكثير مما يتصل بها ليس غائبة عن‬ ‫العلماء من قضايا وأن غيرها من مسائل الفكر والعمل هي‬ ‫دائرة الوعي االعتقادي فحسب‪ ،‬بل إنها تتعرض – في نفس‬ ‫مسائل شرعية وليست عقدية‪ .‬فانحسرت من مدلول العقيدة‬ ‫الوقت – لتحديات كبيرة من قِ ـَبل الثقافة الغربية مبذاهبها‬ ‫معان عقدية يـدخل التصديق‬ ‫في األفهام مسائل أخرى ذات ٍ‬ ‫الفكرية وامتداداتها في الفنون واآلداب والقانون والسياسة ‪.‬‬ ‫بها في دائرة اإلميان ويـخرج التكذيب بها إلى دائرة الكفر ‪ .‬فض ً‬ ‫ال عما تتعرض له عقيدة احلاكمية من هجوم مباشر من‬ ‫ومن أمثلة هذه القضايا حاكمية الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ومواالة‬ ‫املذهب العلماني وأنصار القانون الوضعي ‪.‬‬ ‫الكفار‪ ،‬والروح كجزء من التركيب اإلنساني‪ ،‬ومهمة اخلالفة‬ ‫وحينما يضاف هذا التحدي ملا حصل من انسحاب كثير‬ ‫في األرض كغاية حلياة اإلنسان‪ ،‬والعدالة االجتماعية كقاعدة‬ ‫لبناء املجتمع ‪ .‬فهذه القضايا وأمثالها رغم ما لها من مدخل من مفردات العقيدة من الوعي العقدي في أذهان املسلمني‪،‬‬ ‫في حتقيق اإلميان وعدمه إال أنها ال تدخل اليوم ضمن دائرة ف��إن األم��ر يـُخشى أن ي��ؤول إل��ى انحراف عقدي أف��دح على‬ ‫العقيدة عند كثير من املسلمني ‪ .‬فقضايا العقيدة ال تنحصر صعيد التصديق اإلمياني وعلى صعيد األثر العملي معاً ‪.‬‬ ‫في عالم الغيب دون وصل له بعالم الشهادة من واقع احلياة‪،‬‬ ‫وبعد ترشيد الفهم للعقيدة ومفرداتها ال بد من ترتيب‬ ‫وهذا يقودنا إلى النقطة الثالثة‪:‬‬ ‫هذه املفردات لتحديد حجم االهتمام بها وأق��دار حضورها‬

‫‪6‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫في الوعي ومدى استخدامها في اإليقاظ والتوجيه والدفع‪،‬‬ ‫وفهم لالعتبارات العملية في واقع‬ ‫وذل��ك ضمن رؤي��ة كلية‬ ‫ٍ‬ ‫األمة وحاجاتها في مواجهة التحديات املعاصرة ‪ .‬فالتحديات‬ ‫القدمية واالعتبارات التاريخية والنزاعات بني الفرق واملذاهب‬ ‫ال تصلح معياراً لتحديد حجم االهتمام واحلضور ألية قضية‪،‬‬ ‫إذ أن أكثرها لم يبق منه اليوم شيء ذوقيمة عملية واقعية ‪.‬‬

‫وميكن أن يتم هذا الترشيد بصورتني متكاملتني ‪:‬‬

‫الصورة األولى أن يعمد الفكر الشرعي إلى كل محور من‬ ‫محاور الشريعة فيقدم بني يديه مبحثاً عقدياً يتعلق به ويكون‬ ‫كالسند لقضايا احملور يوجه بناءها وترتيبها واالجتهاد فيها‬ ‫عن قرب‪ .‬فمحور االقتصاد واملعامالت يتقدمه بحث عقدي‬ ‫عن حقيقة امل��ال وحقيقة امللكية ووظيفة امل��ال وال��ث��روة في‬ ‫املفهوم اإلسالمي‪ .‬ومحور أحكام األسرة كذلك يتقدمه مبحث‬ ‫التـصديق‬ ‫في التصور اإلسالمي للمرأة والرجل وطبيعة العالقة بينهما‬ ‫وحينما ينتظم فهم العقيدة على األسس التي بيناها فيما وقداسة الروابط االجتماعية‪ .‬وهكذا‪ ،‬بحيث ال يخلوباب من‬ ‫يتعلق مبصدر العقيدة ومدلولها ومفرداتها‪ ،‬فإن ذلك ال محالة أبواب األحكام الشرعية إال ويستند إلى مبحث تأصيلي من‬ ‫سينعكس رشاداً في تصور العقيدة التصور الصحيح كما عليه مباحث العقيدة ‪.‬‬ ‫في مصادرها وكما كانت عليه في عهد السلف من الصحابة‬ ‫والصورة الثانية أن تقرن القضايا واألحكام املندرجة في‬ ‫ً‬ ‫والتابعني حني اندفعوا بتصورهم ذاك يعمرون األرض تعميرا محاورها العامة مبغازيها العقدية القريبة‪ .‬وبالتكامل بني‬ ‫ً‬ ‫شامال ويبنون حضارة إنسانية ‪ .‬فالعقيدة اإلسالمية ليست هذين الصورتني يكون الفكر الشرعي وهويعالج واقع األمة‬ ‫مفاهيم تنحصر قيمتها في التصديق القلبي بها‪ ،‬وإمنا ذلك بأحكام الشريعة موجهاً بالعقيدة في كل حال‪ .‬فما من حكم‬ ‫هوجزء من اإلميان بها فحسب‪.‬‬ ‫يتقرر إال وقد توجه مبغزى عقدي كلي عام‪ ،‬فتصبح الشريعة‬ ‫وال��ش��ط��ر ال��ث��ان��ي م��ن تلك القيمة ه��وم��ا يحدثه اإلميان موصولة بالعقيدة فتسري روح العقيدة في كل خاطرة فكر‬ ‫بالعقيدة من أثر شامل في حياة اإلنسان الفكرية والعملية‪ .‬أوك��ل حكم شرعي‪ .‬ونحسب أن اإلم��ام الغزالي في كتابه "‬ ‫وتلك ه��ي النقطة ال��ف��ارق��ة ب�ين العقيدة اإلس�لام��ي��ة وسائر إحياء علوم الدين " كان له غرض من وصل الشريعة بالعقيدة‬ ‫العقائد األخرى‪.‬‬ ‫وذلك باإلحياء الروحي لعلوم الدين والتأطير العقدي للفكر‬ ‫ولوتأملت حال املسلمني اليوم لرأيتهم يصدقون بالقلب كله وهوما تدعوإليه احلاجة ‪.‬‬

‫ولكنهم ال يعملون مبقتضى تصديقهم في السلوك‪ ،‬فيجري‬ ‫ال��س��ل��وك على غير مقتضى االع��ت��ق��اد‪ .‬ول��ع��ل ه��ذا الوضع‬ ‫هوالنتيجة ملا انتهى إليه أهل السنة من تقرير أن اإلميان‬ ‫هوالتصديق بالقلب وأن العمل مبقتضاه كماالً من كماالته‬ ‫فحسب ‪ .‬واحل��ال أن سلف األم��ة من الصحابة والتابعني‬ ‫لم يكونوا إال معتبرين اإلميان تصديقاً وإق��راراً وعم ً‬ ‫ال في‬ ‫غير تفصيل وال فصل قد يؤول إلى ما وصل إليه املسلمون‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫استقامة الفكر‬

‫الفكر يسبق العمل‪ ،‬وليس العمل إال نتاجاً للفكر‪،‬‬ ‫وال يكون الفكر سديداً رشيداً إال إذا كان موصوالً باالعتقاد‪،‬‬ ‫ص���ادراً عنه‪ .‬ويتم ذل��ك ح�ين يكون املسلم ف��ي ك��ل م��ا يفكر‬ ‫فيه إلنتاج ال��رؤى واألف��ك��ار واملخططات واملشاريع العملية‬ ‫مستحضراً للعقيدة‪ ،‬ال مجرد مفردات يحملها في ذهنه بل‬ ‫حال يحمله على تكييف الفكر اب��ت��داءاً من القصد والدافع‬ ‫والعزم وانتهاءاً باملعاني واملقاصد في كل أمر يتوجه للبناء فيه‬ ‫حتى تكون العقيدة هي الروح السارية واإلطار اجلامع في كل‬ ‫فكرة وفي كل محاولة لبناء نظرية أوتفسير ظاهرة أوتطبيق‬ ‫قاعدة وقانون ‪.‬‬

‫استقامة العمل‬ ‫رمب��ا ك��ان اخللل األف��دح ال��ذي يصيب املسلمني منذ زمن‬ ‫هوانقطاع األعمال عن موجباتها العقدية أكثر مما هوانقطاع‬ ‫فكرهم عنها‪ .‬ولعل هذا هوأحد معاني احلديث النبوي الذي‬ ‫تع ّوذ فيه النبي صلى الله عليه وسلم من علم ال ينفع‪ ،‬فهوتعوذ‬ ‫من ص��ورة ذهنية صحيحة في ذاتها مبنية على مقتضيات‬ ‫عقدية ولكن العمل عند حاملها ال يجري على حسبها بل‬ ‫يجري منحرفاً عنها مقطوع الصلة مبوجبها العقدي فال يكون‬ ‫للعلم حينئذ نفع‪ .‬وال ينصلح هذا اخللل إال بتعدية التوجيه‬ ‫العقدي إلى العمل أيضاً بعد تعديته إلى الفكر‪ ،‬وذلك بحضور‬ ‫املعاني العقدية حضوراً دائماً في ضمير املسلم حال مباشرته‬ ‫ال تعميرياً عاماً‬ ‫العمل سواء كان تعبدياً باملعنى اخلاص أوعم ً‬ ‫على مستوى الفرد واملستوى اجلماعي العام ‪.‬‬ ‫ورمب��ا ُعـ ّبر ع��ن ه��ذا املعنى م��ن التأطير العقدي للعمل‬ ‫بتعبير جريان األعمال على مقتضى مقاصد الشريعة والتي‬ ‫ترجع في مجملها إلى املقصد األعلى وهوحتقيق خير اإلنسان‬ ‫وصالحه بالتزام أوامر الله ونواهيه‪ ،‬وهوحقيقة عقدية كـلية‬ ‫‪ .‬فيكون جريان األعمال على حتقيق مقاصد الشريعة تعبيراً‬ ‫عن الصلة بني العمل والعقيدة ‪ .‬ودوران العمل على مقاصد‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪7‬‬


‫الشريعة بوصفها رابطاً بينه وبني العقيدة يقتضي أن نلحظ‬ ‫في األعمال كلها مآالتها في الواقع اإلنساني من املصلحة‬ ‫واملفسدة فتبنى بحسب تلك املآالت وتتعدل وتتكيف بحسبها‬ ‫أيضاً ‪.‬‬ ‫إن من عناصر الرشاد في االعتقاد إذن‪ ،‬أن تصبح العقيدة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫التي يتحملها املسلمون إط��ارا مرجعيا وحيدا وشامال‪ ،‬منه‬ ‫يصدرون بـدءاً ومعاداً في التفكير كله لتحصيل صور الرؤى‬ ‫واألفكار واحلقائق‪ ،‬وفي التطبيق العملي السلوكي لتلك األفكار‬ ‫والصور وال��رؤى‪ .‬واعتقاد ال يكون له هذا ال��دور التوجيهي‬ ‫الشامل امللزم هواعتقاد مخـتل ال يأتي بثمار وال يحرك إلى‬ ‫خير ‪.‬‬ ‫التفعيل اإلرادي لالعتقاد‬

‫العقيدة باإلرادة الفاعلة لتثمر إجناز العمل الصالح املؤسس‬ ‫للنهضة‪.‬ورمبا يكون هذا الترشيد متمث ً‬ ‫ال باألخص في أمرين‬ ‫أساسيني‪ – :‬اجلزم االعتقادي‪ :‬وذلك أن تكون العقيدة متأتية‬ ‫باالقتناع الذاتي احلاصل مبعاناة التأمل والتدبر في مفردات‬ ‫العقيدة ومبادئها األساسية‪ .‬واملقصود بذلك استنهاض الفطرة‬ ‫االستداللية الكامنة في النفوس على قدر مشترك بينها‪ .‬وهذا‬ ‫االستنهاض اليوم متوفر الدواعي واآلالت واملقدمات أكثر من‬ ‫أي وقت مضى‪ .‬فقد فـُتحت من كتاب الكون صفحات كثيرة‬ ‫وبانت آيات الله فيه جلية واضحة وبان كذلك خسران وفشل‬ ‫وقصور املذاهب التي وضعتها أهواء الناس‪ .‬ومن هذه اآليات‬ ‫وتلك ميكن تأليف مادة ذات فعالية تربوية شديدة الستنهاض‬ ‫فطرة املسلمني في هبة دعوية تربوية شاملة ‪.‬‬

‫جاءت العقيدة اإلسالمية مبفهوم عملي لالعتقاد‪ ،‬فأصبح‬ ‫التصديق الذهني ليس معتبراً في ذاته إال قلي ً‬ ‫ال وإمنا تكتمل‬ ‫قيمته مبا ي��ؤدي إليه من أعمال ‪ .‬وه��ذا ما أش��ار إليه ابن‬ ‫خلدون حيث قرر أن املعتبر في التوحيد ليس هواإلميان فقط‬ ‫الذي هوتصديق حكمي‪ ،‬وإمنا الكمال فيه حصول صفة منه‪،‬‬ ‫تتكيف بها النفس‪ ،‬واملقصود بهذه الصفة ذلك السلطان الذي‬ ‫يكون للعقيدة على اإلرادة فيوجهها في طريق األعمال ‪.‬‬

‫– اإلحياء الروحي‪ :‬وذلك أن يتصل التصديق للعقيدة بكافة‬ ‫الطاقات اإلنسانية العقلية والروحية والعاطفية‪ .‬فقد عزز من‬ ‫الوضع املختزل لتحمل العقيدة نشوء علم الكالم علماً عقلياً‬ ‫ل��رد الهجوم العقلي على أص��ول الدين‪ .‬ثم تطور على ذلك‬ ‫باطراد حيث قام على املقايسة العقلية الصرف في شيء كثير‬ ‫من التجريد واجلفاف‪.‬‬

‫وقد كانت األجيال األولى من املسلمني تتنزل العقيدة في‬ ‫نفوسهم تنزالً مباشراً مبا يدفع إرادت��ه��م إل��ى األع��م��ال مبا‬ ‫تقتضيه العقيدة في الواقع في وجوهه جميعاً ‪ .‬ولكن خلفت‬ ‫أجيال من املسلمني بعد ذلك وقعت العقيدة في نفوسهم موقعاً‬ ‫باهتاً ال ميتد أثره إلى اإلرادة ليحركها لتدفع اجل��وارح إلى‬ ‫العمل‪ ،‬فقد انحدرت إليهم تقليداً من اآلباء ولم يكابدوا فيها‬ ‫معاناة التأمل‪ ،‬وجنحت عند البعض لتكون أقرب إلى ظاهرة‬ ‫عقلية مجردة‪ ،‬فيها مغاالة التفصيل والتقرير واملجادلة وليس‬ ‫فيها ما يؤثر في مجامع النفس وكيان اإلنسان كله لتدفعه إلى‬ ‫إجناز األعمال ‪.‬‬

‫فالبد م��ن أن يخالط القناعات العقلية معاني اخلوف‬ ‫وال��رج��اء واحل��ب وال��ش��وق‪ .‬وال يخفى أن العواطف وأشواق‬ ‫الروح لها من التأثير على االندفاع في العمل ما يوازي أويفوق‬ ‫التصديق العقلي املجرد‪ .‬فالبد من إحياء روح��ي لالعتقاد‬ ‫بحيث تعرض العقيدة في أبعادها العقلية والروحية والعاطفية‬ ‫في آن واحد فتنتشر في جميع حناياها فتجيش إذن بالعزم‬ ‫ال��ذي يدفع اجل���وارح إل��ى السعي العملي‪ ،‬استجابة لقناعة‬ ‫العقل وتلبية لنداء العاطفة وأشواق الروح لتتعامل النفس مع‬ ‫مقتضيات وآداب اإلميان بأسماء الله احلسنى وصفاته العليا‬ ‫بتوازن واعتدال ‪.‬‬

‫ولذلك كان لزاماً أن ميتد ترشيد االعتقاد ليشمل عالقة‬

‫ ‬

‫‪8‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫دراسات إسالمية‬

‫دور اإلعالم يف‬

‫ترويج الفكر الوسطي‬ ‫�أ‪�.‬شاكر اجلوهري‬

‫تناول رئيس حترير جريدة "املستقبل العربي" اإللكترونية وتوجهات وسائل اإلعالم؛ وأن الوسيلة اإلعالمية التي ميكن‬ ‫األستاذ شاكر اجلوهري في الورقة التي قدمها أثناء مشاركته أن تروج الفكر اليساري كمثال‪ ،‬غير مؤهلة ألن تروج أي فكر‬ ‫ف��ي امل��ؤمت��ر ال��دول��ي السابع وال���ذي ع��ق��ده املنتدى العاملي إسالمي‪ ،‬سواء أكان وسطياً أوأصولياً متشدداً‪.‬‬ ‫للوسطية في العاصمة اليمنية صنعاء في ‪ 20/19‬مايو‪2010‬‬ ‫وكي ن��درك ما هي وسيلة اإلع�لام التي ميكن أن تروج‬ ‫بعنوان "الوسطية اإلسالمية‪ :‬مفهوم‪ ،‬حتديات‪ ،‬أدوار"‪ ،‬دور للفكر الوسطي‪ ،‬علينا أن نصنف الوسائل اإلعالمية كما‬ ‫وأن اإلعالم من‬ ‫اإلعالم في ترويج الفكر الوسطي‪ ،‬خاصة ّ‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫أهم الوسائل التي ميكن من خالله الترويج لألفكار‪ ،‬حيث‬ ‫الصنف األول‪ :‬اإلعالم احلكومي‪:‬‬ ‫تط ّرق فيها ألربعة محاور رئيسية هي‪:‬‬ ‫حت��ت ه���ذا ال��ع��ن��وان مي��ك��ن ت��ع��داد ال��وس��ائ��ل اإلعالمية‬ ‫ تصنيفات وسائل اإلعالم‪.‬‬‫التالية‪ ،‬التي تندرج جميعها حتت عنوان وسائل االتصال‬ ‫ وسائل اإلعالم التي ميكن أن تروج الفكر الوسطي‪.‬‬‫اجلماهيري‪:‬‬ ‫ ما هوالفكر الوسطي القابل للترويج عبر وسائل اإلعالم‬‫صحف ومجالت‪.‬‬ ‫املتاحة‪..‬؟‬ ‫قنوات تلفزة‪.‬‬ ‫ ضرورة امتالك الفكر الوسطي لوسائل اإلعالم املؤهلة‬‫محطات إذاعية‪.‬‬ ‫لترويجه فكري ًا وسياسي ًا‪.‬‬ ‫تصنيفات وسائل اإلعالم‬

‫مواقع إلكترونية‪.‬‬ ‫مؤمترات وندوات وورشات عمل‪.‬‬

‫تعتبر وسائل اإلعالم من أهم األدوات التي تستخدم في‬ ‫ترويج جميع األفكار‪ ،‬وليس فقط الفكر الوسطي‪ ،‬وذلك إلى‬ ‫وهويشمل ذات التقسيمات السابقة (صحف ومجالت‪،‬‬ ‫جانب التعبئة والعمل التنظيمي احلزبي‪ ،‬واحللقات النقاشية‬ ‫واحل��واري��ة‪ ،‬وال��ب��رام��ج التي تقدمها القنوات التلفزيونية‪ ،‬قنوات تلفزة‪ ،‬محطات إذاعية‪ ،‬مواقع إلكترونية‪ ،‬مؤمترات‬ ‫وندوات وورشات عمل)‪.‬‬ ‫واحملطات اإلذاعية‪.‬‬ ‫الصنف الثاني‪ :‬اإلعالم اخلاص‪:‬‬

‫غير أنه ال بد من أن نأخذ باالعتبار حقيقة تعدد اجتاهات‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪9‬‬


‫الصنف الثالث‪ :‬اإلعالم احلزبي‪:‬‬ ‫الرسمية‪ ،‬ال��ت��ي تضع مصالح احل��ك��وم��ات ف��ي امل��ق��ام األول‬ ‫وه��وي��ش��م��ل ك��ذل��ك ذات ال��ت��ق��س��ي��م��ات ال��س��اب��ق��ة (صحف من جهة‪ ،‬ونالحظ وج��ود نقاط اتفاق بني الفكر الوسطي‪،‬‬ ‫ومجالت‪ ،‬قنوات تلفزة‪ ،‬محطات إذاعية‪ ،‬مواقع إلكترونية‪ ،‬واحلكومات‪ ،‬وكذلك نقاط افتراق من جهة أخرى‪.‬‬ ‫مؤمترات وندوات وورشات عمل)‪.‬‬ ‫ن��ق��اط االت���ف���اق ت��ت��ح��وص��ل أس���اس���اً ف��ي رف���ض "السلفية‬ ‫جميع الوسائل اإلعالمية املشار إليها (احلكومية واخلاصة) اجلهادية"‪ ،‬مبا تنطوي عليه من تكفير للمجتمع‪ ،‬وإباحة دم‬ ‫وأرواح مواطنيه‪ ،‬وسلبه نعمتي األمن واالستقرار‪ ،‬النعكاسها‬ ‫ميكن إعادة تصنيفها بحسب تخصصاتها كما يلي‪:‬‬ ‫على أمن واستقرار النظام العام نفسه‪.‬‬ ‫وسائل إعالم‪/‬اتصال سياسية‪.‬‬ ‫وكذلك في رفض إشاعة الفرقة واالنقسامية املؤسسة على‬ ‫وسائل إعالم‪/‬اتصال اقتصادية‪.‬‬ ‫اخلالفات املذهبية ضمن الدين اإلسالمي ذاته‪ ،‬لذات السبب‬ ‫وسائل إعالم‪/‬اتصال اجتماعية‪.‬‬ ‫الوارد أعاله‪.‬‬ ‫وسائل إعالم‪/‬اتصال ثقافية وفنية‪.‬‬ ‫غير أنه يقابل ذلك نقاط اختالف تتحوصل في رفض النظام‬ ‫وسائل إعالم‪/‬اتصال فكرية‪.‬‬

‫جميع الوسائل األرب��ع األول��ى‪ ،‬أومعظمها‪ ،‬تعمد ألسباب‬ ‫تسويقية‪ ،‬إلى تضمني صفحاتها أوبرامجها‪ ،‬املواد السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والفنية‪ ،‬وإن كانت تركز‬ ‫على أحد هذه اجلوانب أكثر من غيره‪.‬‬ ‫أما وسائل اإلعالم‪/‬االتصال الفكرية‪ ،‬فهي عادة ما تتمثل‬ ‫في مجالت فصلية‪ ،‬أوشهرية‪ ،‬تنصب موادها على النواحي‬ ‫الفكرية‪ ،‬وغالباً ما متثل منابر فكرية لهذا التيار الفكري‬ ‫أوذاك‪ ،‬إال ما رحم ربي‪.‬‬ ‫ويجب التوقف فيما يخص املجالت الفكرية عند‪:‬‬ ‫‪ -‬محدودية توزيعها‪.‬‬

‫وأن ك ً‬ ‫ال منهم‬ ‫ أن قراءها مصنفون من الناحية الفكرية‪ّ ،‬‬‫يبحث عن املجلة التي تعبر عن فكره‪.‬‬ ‫ إمكانية وجود مجالت من هذا القبيل تفتح صفحاتها‬‫أم��ام مختلف األف��ك��ار‪ ،‬لكن ق��� ّراء ه��ذه امل��ج�لات يظلون في‬ ‫غالبيتهم مصنفني فكرياً‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن محدودية توزيع املجالت‬ ‫الفكرية على وجه العموم‪.‬‬

‫وفتح وسائل اإلع�لام احلكومية على مصاريعها أم��ام الفكر‬ ‫الوسطي‪ ،‬ألن أنظمة احلكم على إطالقها‪ ،‬تخشى التعامل مع‬ ‫الفكر الديني على إطالقه‪ ،‬ألنه من وجهة نظرها فكر قابل‬ ‫للتطور باجتاه التشدد‪ ،‬وألن أنظمة احلكم ال تتقبل في األساس‬ ‫وجود أية مجاميع منظمة‪ ،‬مهما كان فكرها وتوجهها وسياساتها‬ ‫ومواقفها‪ ،‬خاصة وأن الفكر الوسطي ال يسقط فريضة اجلهاد‬ ‫من بني أولياته‪ ،‬لكنه جهاد احملتل الغاصب‪ .‬أنظمة احلكم‬ ‫ترفض اآلخر كائناً من يكون‪ ،‬وال تقبل غير ذاتها‪.‬‬ ‫اإلعالم اخلاص‪:‬‬

‫قد يكون ولوج أبوابه أقل صعوبة من ولوج أبواب اإلعالم‬ ‫احلكومي‪ ،‬طاملا أنه يعتمد القواعد املهنية‪.‬‬ ‫فالقواعد املهنية‪ ،‬التي حتكم املنافسة بني مختلف وسائل‬ ‫اإلعالم اخلاصة‪ ،‬متلي على وسيلة اإلعالم اخلاصة أن تعكس‬ ‫كل ما يجري في املجتمع للقراء أواملشاهدين أواملستمعني‪..‬‬ ‫للمتلقني بشكل ع��ام‪ ،‬ومن ضمنه فتح صفحات‪ ،‬أوشاشات‬ ‫القنوات التلفزيونية‪ ،‬أوموجات األثير ملختلف اآلراء والتوجهات‪،‬‬ ‫من خالل نشر املقاالت‪ ،‬أواستضافة متحدثني يعبرون عن‬ ‫الفكر الوسطي‪.‬‬ ‫لكن هذا املدخل يظل محكوم ًا مبا يلي‪:‬‬

‫وسائل اإلعالم التي ميكن أن تروج للفكر الوسطي‬ ‫ محدودية الكتّاب الوسطيني الذين ميكن أن تفتح لهم‬‫اب��ت��داءاً يجب أن نسقط م��ن احل��س��اب وس��ائ��ل اإلع�لام‪/‬‬ ‫االت��ص��ال احلزبية التي تعبر ب��ال��ض��رورة ع��ن فكر ومواقف صفحات الصحف واملجالت‪ ،‬مقارنة بغيرهم‪.‬‬ ‫وسياسات األحزاب التي تصدرها‪ ،‬وكذلك نشاطات االتصال‬ ‫ محدودية االستضافات التي تتوفر ملفكرين وسطيني على‬‫اجلماهيري من قبيل املؤمترات وال��ن��دوات وورش��ات العمل‪ ،‬شاشات التلفزة‪ ،‬أوعلى أثير اإلذاعات‪.‬‬ ‫ليتبقى لدينا اإلعالم احلكومي واإلعالم اخلاص‪.‬‬ ‫ محدودية التغطية التي حتظى بها نشاطات وفعاليات‬‫اإلعالم احلكومي‪:‬‬ ‫امل��ؤمت��رات وال��ن��دوات وورش��ات العمل التي ميكن أن يقيمها‬ ‫يجب أن نأخذ بعني االعتبار أن اإلع�ل�ام احلكومي في املنتدى العاملي للوسطية‪ ،‬حيث أن ه��ذه التغطية غالباً ما‬ ‫أغلب الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬ينفذ السياسات احلكومية تكون مختصرة أوموجزة‪ ،‬مبا تتطلبه األصول املهنية املطبقة‬ ‫‪10‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫بالنسبة ألية فعالية أخ��رى‪ ،‬دون تخصيص‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن أنها ذات ملكية خاصة‪ ،‬دون أن تتمتع بحرية النشر التامة‪ ،‬بفعل‬ ‫التدخالت احلكومية احلادة لسقف احلرية‪.‬‬ ‫مرهونة بالفترة الزمنية التي تستغرقها الفعالية املعنية‪.‬‬ ‫ن��وع ميثل إعالماً مجتمعياً شام ً‬ ‫ال يعكس جميع األفكار‬ ‫الفكر الوسطي القابل للترويج عبر وسائل اإلعالم والرؤى والسياسات‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫يتبني مما سبق‪ ،‬أنه ليس كل منتجات الفكر الوسطي قابل‬ ‫ف��ال��ن��وع األول‪ ،‬يصعب أن ينشر م��ا ال ي��ن��ش��ره اإلعالم‬ ‫للترويج عبر وسائل اإلعالم احلكومية اخلاصة‪ ،‬وما هومتاح احلكومي‪ .‬أما النوع الثاني‪ ،‬فهوميكن أن ينشر ما ال ينشره‬ ‫ترويجه هوفقط ما يتوافق مع مصالح احلكومات‪ ،‬وما ميكن اإلعالم احلكومي‪ ،‬غير أن األمر يظل يخضع لضوابط متعددة‬ ‫لإلعالم اخلاص نشره دون أن يغضب احلكومات‪ ،‬أويقع حتت منها‪:‬‬ ‫طائلة القوانني السارية‪!..‬‬ ‫س��ي��اس��ات ال��ن��ش��ر امل��ع��ت��م��دة ف��ي امل��ؤس��س��ة امل��ع��ن��ي��ة‪ ،‬وهي‬ ‫وق��د أشير إل��ى أن ما هومتاح نشره في وسائل اإلعالم (سياسات النشر) غالباً م��ا تكون نتاج معادلة تأخذ بعني‬ ‫احلكومية هورفض السلفية اجلهادية‪ ،‬مبا تنطوي عليه من االعتبار مواقف وأفكار ورؤى الناشرين‪ ،‬ورؤيتهم ملصاحلهم‬ ‫تكفير للمجتمع‪ ،‬وإباحة دم وأرواح مواطنيه‪ ،‬وسلبه نعمتي مع قوى الضغط في املجتمع‪ ،‬التي ال تقتصر على احلكومات‬ ‫األمن واالستقرار‪ ،‬النعكاس ذلك على أمن واستقرار النظام واألجهزة األمنية‪.‬‬ ‫العام نفسه‪ ،‬وأن أنظمة احلكم ترفض فتح وسائل اإلعالم‬ ‫سياسات ورؤى ومصالح القيادات التحريرية في املؤسسة‪..‬‬ ‫احلكومية على مصاريعها أمام الفكر الوسطي‪ ،‬ألن أنظمة‬ ‫رئيس التحرير‪ ،‬مدير التحرير‪ ،‬وحتى رؤساء األقسام‪ ،‬الذين‬ ‫احلكم على إطالقها‪ ،‬تخشى التعامل مع الفكر الديني على‬ ‫يضعون مصاحلهم هم أيضا بعني االعتبار وهم يقررون ما‬ ‫إطالقه‪ ،‬ألنه من وجهة نظرها فكر قابل للتطور باجتاه التشدد‪،‬‬ ‫ينشر وما ال ينشر‪ ،‬فالصحافة العربية ال تخضع للمقاييس‬ ‫وألن أنظمة احلكم ال تتقبل في األس��اس وجود أية مجاميع‬ ‫املهنية احملضة‪ ،‬وإمنا تدخل األهواء في حتديد ما يسمح أوما‬ ‫منظمة‪ ،‬مهما كان فكرها وتوجهها وسياساتها ومواقفها‪.‬‬ ‫مينع نشره‪.‬‬ ‫وبشكل أكثر حت��دي��داً‪ ،‬ف��إن هناك في الفكر الوسطي ما‬ ‫املعادلة التسويقية للصحيفة‪ ،‬أولوسيلة اإلع�ل�ام‪ ،‬وهي‬ ‫يتعارض مع مصالح وسياسات ومواقف أنظمة احلكم‪ ،‬طاملا‬ ‫معادلة غالباً م��ا تأخذ بعني االعتبار احل��رص على متثيل‬ ‫أنها ترفض التعددية السياسية‪ ،‬والتداول السلمي للسلطة‪،‬‬ ‫مختلف التوجهات الفكرية على صفحات الصحيفة‪ ،‬أوضمن‬ ‫وطاملا أن مفكري الوسطية في غالبيتهم الساحقة‪ ،‬يرون‬ ‫البرامج التلفزيونية أواإلذاعية‪.‬‬ ‫ض��رورة مقاومة االح��ت�لال اإلسرائيلي‪ ،‬ورف��ض التنازل عن‬ ‫هذه احلقائق من شأنها أن تقلل من حصة جميع األفكار‬ ‫احلقوق العربية واإلسالمية في األراضي الفلسطينية املقدسة‪،‬‬ ‫وخاصة في القدس الشريف‪ ،‬وطاملا أن القاعدة التي يؤمن بها عبر جميع وسائل اإلعالم بحيث يتاح لها حيزا يكفي للتعبير‬ ‫الفكر الوسطي تقوم على العالقة السببية بني الطغاة والغزاة عن مواقفها‪ ،‬وزيادة مبيعات الصحيفة‪ ،‬أورواج محطة التلفزة‬ ‫والغالة‪ ،‬كما شرحها دولة األستاذ اإلمام الصادق املهدي في أواإلذاعة‪ ،‬دون أن يكفي لترويج هذا الفكر السياسي أوالديني‬ ‫احملاضرة القيمة التي ألقاها في مقر منتدى الوسطية بعمان أوذاك‪!..‬‬ ‫في متوز‪/‬يوليو‪.2006‬‬ ‫وبشكل أكثر حتديداً فإن اإلعالم اخلاص ال ينتظر منه أن‬ ‫يفتح أبوابه أمام ما يراه‪ ،‬هوأوالدولة‪:‬‬ ‫الطغاة يجلبون الغزاة‪ ،‬وكالهما ينتج الغالة‪!..‬‬ ‫عملية زرع بذرة مساملة في مرحلة استنباتها‪ ،‬متشددة بعد‬ ‫لكن أنظمة احلكم تريد أن تتم مقاومة ال��غ�لاة‪ ،‬دون أن منوها‪!..‬‬ ‫يعتدل الطغاة‪ ،‬أوحتى أن يقوم احلكام مبقاومة الغزاة‪ ،‬وفي‬ ‫ي��روج لعمل حزبي عبر عمليات تعبئة فكرية وممارسة‬ ‫املقدمة منهم اإلسرائيليني‪!!..‬‬ ‫تنظيمية‪.‬‬ ‫وس��ائ��ل اإلع�ل�ام احلكومية الرسمية تنشر م��ا يخدم‬ ‫ي��ه��ي��ئ ق��ط��اع��ات مجتمعية ل��ل��م��م��ارس��ة "اجلهاد‪/‬العنف‬ ‫احلكومات‪ ،‬ومتتنع عن نشر ما س��واه‪ ،‬أم��ا وسائل اإلعالم الداخلي"‪ ،‬أواخلارجي‪ ،‬ذلك أن الدولة ال تقبل‪ ،‬وال تسمح بأن‬ ‫اخلاصة‪ ،‬فهي نوعان‪:‬‬ ‫ميارس أي تنظيم مهمة الدفاع العسكري عن الدولة واملجتمع‪،‬‬ ‫ن��وع تقتصر خصوصيته على كونه يصدر عن مؤسسات ذل��ك أن ه��ذه ه��ي مهمة ال��دول��ة ذات��ه��ا‪ ،‬ولعل موقف الدولة‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪11‬‬


‫علماء أج ّ‬ ‫الء‪ ،‬ومتشددين أصوليني‪ ،‬ليتبني للقارئ أواملتلقي‪،‬‬ ‫اللبنانية من حزب الله يقدم النموذج األوضح على ذلك‪!..‬‬ ‫وباختصار‪ ،‬سياسات ومعادالت النشر تتيح نشر ما يخدم خطأ‪ ،‬وخطل الفكر "السلفي اجلهادي"‪.‬‬ ‫احلكومات‪ ،‬وليس كل ما يخدم الدولة واملجتمع‪ ،‬من وجهة‬ ‫ نشر حوارات مع متشددين أصوليني سابقني‪ ،‬استتابوا‪،‬‬‫نظر هذا الفكر السياسي أوذاك‪ ،‬وهواألمر الذي من شأنه والتركيز على األسباب التي جعلتهم يستتيبوا‪ ،‬مبا في ذلك‬ ‫أن يحد من انتشار الفكر الوسطي‪ ،‬بل وأن يسهل تصويره عبر شاشات الفضائيات‪.‬‬ ‫من قبل الغالة‪ ،‬باعتباره فكر السالطني‪ ،‬وعلى طريقة شيوخ‬ ‫ نشر كتيبات صغيرة تتضمن ما ورد في النقاط السابقة‪،‬‬‫السالطني‪!..‬‬ ‫يتم توزيعها على أوسع نطاق ممكن‪ ،‬ويسهل تداولها بني الناس‬ ‫وم��ع ذل��ك‪ ،‬ف��إن األب���واب التي تبدوموصدة‪ ،‬ميكن فتحها لتعم الفائدة‪.‬‬ ‫عبر إقامة عالقات خاصة مع إعالميني موضوعيني‪ ،‬يؤمنون‬ ‫بالفكر الوسطي‪ ،‬أوبتعدد وتعايش األفكار‪ ،‬وحقها في مخاطبة‬ ‫امتالك وسائل اإلعالم املؤهلة لترويج الفكر الوسطي‬ ‫اجلمهور‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن أن الفعاليات والنشاطات احلزبية تفرض‬ ‫اإلع�لام احلزبي وح��ده يستطيع أن ي��ر ّوج الفكر الذي‬ ‫نفسها على وس��ائ��ل اإلع�ل�ام‪ ،‬التي يحكم التنافس املهني‪،‬‬ ‫والبحث عن رواج الوسيلة اإلعالمية معادلة عالقاتها مع يعتنقه احلزب الذي ميتلك وسائل إعالمه اخلاصة‪ ،‬فاإلعالم‬ ‫احل��زب��ي م��ت��اح ل��ه نشر أخ��ب��ار احل���زب وتفاصيل نشاطاته‪،‬‬ ‫املجتمع بكل مكوناته‪.‬‬ ‫والترويج لفكره ومواقفه وسياساته‪ ،‬غير أن صدقية اإلعالم‬ ‫وتظل هذه هي الوسيلة األفضل‪ ،‬من تلك التي سيتم تناولها‬ ‫احل��زب��ي ل��دى اجلمهور أق��ل م��ن صدقية اإلع�ل�ام اخلاص‪،‬‬ ‫في احملور الرابع‬ ‫وبالتالي أقل مبيعات‪ ،‬وأقل رواجاً‪.‬‬ ‫في ض��وء محدودية ما ميكن نشره‪ ،‬فإنه من الضروري‬ ‫وم��ن قبيل حتصيل احل��اص��ل‪ ،‬ف��إن حصته اإلعالنية هي‬ ‫التركيز على نشر ما ي��زاوج بني إشباع الرغبة في االطالع‪،‬‬ ‫أوغريزة حب االستطالع عند القارئ‪ ،‬ويساهم في أن تتشكل األقل‪ ،‬مقارنة باإلعالم اخلاص‪ ،‬وحتى احلكومي ‪ ،‬واألهم من‬ ‫هوأن اإلعالم احلزبي أقل تأثيراً في املجتمع‪،‬‬ ‫لديه قناعات ضد التطرف والتطرف‪ ،‬الذي يبلغ مبلغ اإلرهاب‪ ،‬كل هذا وذاك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫باعتباره إعالما غير محايد‪.‬‬ ‫وذلك من خالل‪:‬‬ ‫السؤال املطروح ‪:‬ما العمل إذن‪..‬؟‬

‫ نشر املقاالت واحملاضرات التي تناقش مواضع الشطط‬‫في الفكر "السلفي اجلهادي"‪ ،‬واآليات القرآنية الكرمية التي‬ ‫يكمن احل��ل ف��ي ام��ت�لاك وس��ائ��ل إعالمية خ��اص��ة‪ ،‬تفتح‬ ‫يحرف املتشددون األصوليون معناها ومرادها لدى التفسير‪ ،‬صفحاتها أوأثيرها لكل األفكار‪ ،‬مع تخصيص الفكر الوسطي‬ ‫مب��ا يخدم استنباط ف��ت��اوى جتيز‪ ،‬أوحت��ث املسلم على قتل باحلصة األكبر‪ ،‬وعرضه على املتلقني بحيادية ظاهرة‪ ،‬إعالم‬ ‫املسلم‪ ،‬وممارسة اإلره���اب‪ ،‬على أن يتم ذل��ك بلغة صحفية‬ ‫يتخفف من التشكيك بأنه إعالم السالطني‪ ،‬ومن عدم الثقة‬ ‫سلسة‪ ،‬تغري القاريء على القراءة‪.‬‬ ‫ب��اإلع�لام احل��زب��ي‪ ،‬وح���ده ال��ق��ادر على ال��وص��ول إل��ى أوسع‬ ‫ نشر األخبار التي تتضمن معلومات عن استتابة بعض القطاعات الشعبية‪ ،‬والتأثير فيها‪ ،‬وأخ��ذ حصته أيضاً من‬‫األصوليني املتشددين‪.‬‬ ‫اإلعالن مبقدار الرواج الذي حتققه هذه الوسيلة اإلعالمية‬ ‫‪ -‬نشر تفاصيل احلوارات العلمية التي جرت وجتري بني أوتلك‪.‬‬

‫ ‬

‫‪12‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫دراسات إسالمية‬

‫دور الشباب يف صناعة املستقبل‪:‬‬

‫دوافع وعوائق!‬ ‫�أ‪.‬حممد �سعيد باه‪/‬ال�سنغال‬ ‫مقدمة‬ ‫"إن الرنوإلى املستقبل ليس مجرد تطلع إلى حيز زمني آت‪،‬‬ ‫لكنه القدرة على اإلمساك بتلك اخليوط اخلفية التي تشد‬ ‫خيمة احلياة‪ ،‬وال تلك املخاضة املقززة أوتيهاء نخشى الهالك‬ ‫فيها‪ ،‬بل هومن ذل��ك النوع من الكسب ال��ذي نحققه بسطوة‬ ‫أيادينا وخطوأرجلنا على نار قلوبنا وضوء عقولنا"‪.‬‬

‫اجلهود املصروفة‪ ،‬إل��ى وج��ود اخ��ت�لاالت بني اآلم��ال املرصودة‬ ‫واألفعال املتحققة‪ ،‬وإن كنا نرفض انتهاج أسلوب الشطب الذي‬ ‫ميارسه البعض ساعة وزن اإلجنازات واإلخفاقات‪ ،‬فإن الفراغات‬ ‫التي تتطلب امللء ليست هينة‪ ،‬وتندرج تلك اإلخفاقات في باقة‬ ‫العلل التي تعاني منها األطر اإلسالمية اإلصالحية احلديثة‪.‬‬

‫ومن جملة تلك األمراض املزمنة لدى شريحة واسعة من قطاع‬ ‫الفئة البانية وسبر املستقبل‬ ‫الشباب املسلم‪ ،‬االنحباس في املاضي أواالن��زالق في تعقيدات‬ ‫بعض امل��ؤرخ�ين ال��ذي��ن ح��اول��وا السبح ف��ي ال��زم��ن املنصرم احلاضر وفي احلالتني يضمر حس بناء املستقبل الذي تقع فيه‬ ‫لينصبوا ملن يبحثون عن مواطئ األقدام في فجاج احلياة ال ّ‬ ‫الحبة مرابع هؤالء الشباب‪.‬‬ ‫معالم االستهداء‪ ،‬جاء الرواد من العلماء ليسبروا أغوار القادم‬ ‫من األزمنة‪ ،‬بينما البعض منا ال يزال يتردد بني األطالل يقبل ذا‬ ‫فقر القوت الفكري‬ ‫اجلدار وذا الدار شغفا باجلدر‪.‬‬ ‫ال غروفي هذا! ألننا إذا فحصنا بعض اإلنتاج الفكري الذي‬ ‫أما النوعية القيادية املؤهلة للبناء وال��ري��ادة وارتياد اآلفاق‬ ‫يروج في العالم اإلسالمي‪ ،‬والذي يتغذى منه هؤالء الشباب‪ ،‬جند‬ ‫لنفع الناس وتنمية احلياة فيقول امل��ول��ى‪ ،‬تبارك اسمه‪ ،‬عنها‬ ‫طغيان النبرة "املاضوية" إلى درجة االستحواذ أوالهوس‪ ،‬وتتراوح‬ ‫(‪)1‬‬ ‫مزكيا{ ُأو َل ِئ َك ُي َس ِار ُعو َن ِفي الخْ َ ْي َر ِات َو ُه ْم َل َها َس ِابقُ ونَ}‬ ‫أوجه التناول بني االجترار وبني نكئ اجلراح‪ ،‬وبسبب هذا العامل‬ ‫هذه هي الفئة البانية املهمومة بالتطلع إلى األمام واملشتبكة‬ ‫مع الزمن واملؤثرات فيه‪ ،‬في صراع محموم وال تصرف ثانية من املثبط تورط الشباب في معارك حاميات الوطيس بأثر رجعي‬ ‫العمر وال نفساً من اجلهد إال وفق حساب دقيق‪ ،‬وهي التي ال متطلعني إلى حسم قضايا وإشكاالت آثرت اجلهابذة تركها معلقة‬ ‫تقيس اإلجنازات بالتكديس واألرقام واألسماء املدرجة في أكفان الستعصائها‪.‬‬ ‫الزمن السالف فقط‪ ،‬وإمنا املعيار املتحكم في عروجها الدائم‬ ‫نحاول تلمس بعض أبعاد اإلشكالية‪ ،‬ليس على التوصيف‬ ‫ه��وإح��راز قصب السبق ف��ي حتقيق اخل��ي��رات وإع��م��ار جنبات‬ ‫احلياة غافلني عن ضجيج الفارغني وشغب املبطلني واملطبلني والتشخيص فحسب‪ ،‬وإمن��ا على محاولة إعطاء جرعة دافقة‬ ‫نشحن بها العواطف ونحد بها نصال العقول ل��دى ه��ذه القوة‬ ‫ألمجاد ماض مضى بانوه‪.‬‬ ‫الضاربة التي ال تزال تعاني من عطل في حتديد "املجال احليوي‬ ‫حتومي حول إشكالية البحث‬ ‫لصرف الهمم"‪ ،‬من خالل استنطاق النصوص‪ ،‬التي غالباً ما‬ ‫تومئ عمليات اجلرد البتالءات وجتارب اإلحياء اإلسالمي‪ ،‬تقرأ معكوسة‪ ،‬ورصد التجارب احلية الزاخرة بالنافع املفيد غير‬ ‫التي ال ت��زال ف��ي حالة التفاعل‪ ،‬وال��ت��ي حت��اول قياس حصيلة مبالني باألواني التي منها نضحت‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪13‬‬


‫بناء املستقبل رؤية وليس شعارا‬

‫ اتباع طريقة في العرض جتعلك تشعر بامنحاء املسافات‬‫الزمنية ثم تتحول الوقائع واألحداث املروية من املاضي الراكد‬ ‫إلى احلاضر احلي الشاخص‪ ،‬فهذه اخلاصية تبرز أكثر في تلك‬ ‫القصص الروائية املتشعبة مثل قصة يوسف (عليه السالم)‪،‬‬ ‫(أصحاب الكهف)‪...‬‬

‫راج في اآلونة األخيرة حديث‪ ،‬داخل املنتديات الدعوية التي‬ ‫تعنى بتأهيل الشباب‪ ،‬دع��وات مشكورة حتمل نبرة جديدة لم‬ ‫تألفها هذه األوساط‪ ،‬وهي الدعوة إلى إدراج مصطلح "صناعة‬ ‫املستقبل" وملحقاته ضمن قواميس األدبيات الدعوية‪ ،‬وبسبب‬ ‫ (التركيز على البعد الوظيفي ف��ي القصة بحيث تصبح‬‫اجلاذبية الكامنة في اللفظ سرعان ما استهوى الكثيرين فتدوول‬ ‫على نطاق واسع‪ ،‬لكن املتتبع لتطورات الساحات الدعوية‪ ،‬يلحظ املسألة مستقبلية وال يتعلق األمر مبجرد حديث عن املاضي وما‬ ‫أن املصطلح يكاد يذبل ألنه لم يسق مبا فيه الكفاية‪ ،‬وقد حتول وقع فيه من أحداث‪.‬‬ ‫في كثير من احلاالت إلى مجرد شعار يردد على غرار مصطلحات‬ ‫نخرج من ذلك بأن املنطق القرآني يرفض منا أن جنعل صناعة‬ ‫استحدثت ثم استهلكت فغابت دون أثر واضح في املسيرة‪.‬‬ ‫أوبناء املستقبل مجرد شعار يرفع‪ ،‬ألن امتالك الرؤية االستباقية‬ ‫والسؤال هنا‪ :‬أيصح أن نتعامل مع قضية بناء املستقبل على من ذلك الطراز الذي يتطلع إلى استعمار األجواء العليا وأعماق‬ ‫وراق مع‬ ‫أنه مجرد شعار استهالكي يوظف ملجرد تسويق بضاعة أخرى البحار‪ ،‬شرط يفرضه نشداننا النبعاث حضاري متجدد ٍ‬ ‫القدرة على حتديد خط السير وحتويل احلكمة اجلميلة "إن غد ًا‬ ‫لنفوق كثيرات غيرها؟‬ ‫ندين لله‪ ،‬نحن املسلمني‪ ،‬مبنهج يقوم على الرنوإلى املستقبل‪ ،‬لناظره لقريب"‪ .‬إلى فكرة خيرة تلحقها أفعال مميزة نبني بها‬ ‫وليس ه��ذا فحسب وإمن��ا اإلحل���اح على تقريب ه��ذا املستقبل مساكن األمة في القادم من األيام وليس إعادة شريط املاضي‬ ‫وحتويله في حاالت كثيرة إلى جزء من الواقع القائم حتى لوتعلق كلما حاصرنا احلاضر الشرس وانسدت منافذ املستقبل الغامق‪،‬‬ ‫احلديث بذلك املستقبل النهائي (احلياة األخرى) مقابل ( احلياة وهوالنقد الصارم الذي يوجهه إلينا الغربي‪:‬‬ ‫"فكلما يريدونه (املسلمون) وال ميلكونه بد ًال من البحث عنه‬ ‫ال��دن��ي��ا)‪ ،‬حيث جن��د ال��ق��رآن يقرب ك��ل ب��ع��ي��د{أَ َت��ىأَ ْم ُ��ر ال�� َّل ِ��ه فَلاَ‬ ‫والسعي إليه‪ ،‬إمنا يلتجئون إلى انتظار اخلامتة" (‪.)4‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫َت ْست َْع ِج ُلو ُه}‬ ‫إذا‪ ،‬في امليزان اإلسالمي فصناعة املستقبل أكثر من شعار‪،‬‬ ‫إل��ى جانب البعد الغيبي‪ ،‬ق��دم ال��ق��رآن الكرمي من��وذج��اً حياً‬ ‫فهورؤية واسعة للتعاطي مع احلياة املتدافعة بحثاً عن موطئ قدم‬ ‫واقعياً في التعامل مع املستقبل من خالل قصة الصراع بني الروم‬ ‫وفي أيدينا آالت صنع احلياة بعد التخلص من تلك العلة التي‬ ‫وم في أَدنَى الأْ َرض و ُهم من بعد َغ َلبهم‬ ‫الر ُ‬ ‫والفرس{الم ُغ ِل َب ِت ُّ‬ ‫ْ َ ْ ِ َ ْ ِ ْ َ ْ ِ ِ ِ ْ شخصها اإلمام علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه‪" -‬اخلوف‬ ‫لأْ‬ ‫ُ‬ ‫ني ل َّله ا مر من َقبل ومن بع ُد ويومئذ‬ ‫َس َيغْ ِل ُبو َن (‪ )3‬في بضع سن َ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ِ ِ ْ ِ ِ ِ ِ ِ ْ ُ ِ ْ ْ َ ِ ْ َ ْ َ َ ْ َ ِ ٍ من العاجلة قبل اإلمكان واألناة بعد الفرصة"‬ ‫َيفْ َر ُح المْ ُؤ ِْمنُونَ}(‪)3‬‬ ‫إنها معادلة تختزل القضية برمتها‪ ،‬لوفقهناها حق الفهم‬ ‫وفي هذا املقطع القرآني دروس مكثفة نستخلص بعضها في‬ ‫ونقلناها من الشعار إلى ثقافة تؤصل في األوس��اط الشبابية‪،‬‬ ‫عجالة‪:‬‬ ‫ألمكن إح��داث انقالب هائل تتبعه آث��ار وانعكاسات غائرة في‬ ‫> يجب أن يكون الدافع للتطلع إلى املستقبل قوياً مبا فيه املفاهيم والسلوكيات‪.‬‬ ‫الكفاية للقدرة على جتاوز النكبات التي تعترض سبل العاملني‬ ‫األسس الفكرية والنفسية لبناء املستقبل‬ ‫إلثراء احلياة‪.‬‬ ‫وبعد إدامة الفكر في جملة تلك املعوقات التي حتول دون حسن‬ ‫> إن وق���وع ه��زمي��ة ف��ي ج��ول��ة م��ن ج���والت ال��ص��راع مسألة‬ ‫طبيعية‪ ،‬وبالتالي ميكن حتويلها إلى عامل إيجابي في إطاري‪ :‬التعامل مع القادم من الزمان ل��دى قطاع عريض من الشباب‬ ‫العمل (سيغلبون) واألم��ل (ي��ف��رح)‪ ،‬مع مالحظة ح��رص النص املسلم‪ ،‬يلوح لنا أن من املهم أن نحاول تلمس تلك األساسات التي‬ ‫ميكن االنطالق منها أوالبناء عليها لتشكيل رؤية جديدة تصلح‬ ‫القرآني على توظيف صيغ ضمائر املستقبل‪.‬‬ ‫متكئاً النطالقة أخ��رى نحوتخوم املستقبل بخطوات أكثر ثباتاً‬ ‫> التركيز على دور عاملي الزمان واملكان (في أدنى األرض‪ ،‬ونظرات أكثر سداداً‪ ،‬وفي العناصر التالية بعض اإلشارات‪.‬‬ ‫بضع سنني) في أي مشروع لبناء املستقبل من خ�لال امتالك‬ ‫لكنا قبل سرد تلك العناصر‪ ،‬نشير إلى جدلية تغييرية قرآنية‬ ‫مقاسات صحيحة ومنضبطة متكن العاملني من حسن التقدير‬ ‫غالباً ما نركز على شقها األول مسقطني الشق الثاني‪ ،‬وفي‬ ‫ودقة التصويب‪.‬‬ ‫احلقيقة فهما مرتبطان برباط وثيق ال ميكن فكه‪.‬‬ ‫وم��ن النواحي امللفتة بقوة أن القرآن الكرمي عندما يتناول‬ ‫يتحدث القرآن الكرمي عن أهمية تغيير ما باألنفس لتتبدل‬ ‫قضايا املاضي ولوكان من ذلك النوع السحيق يصر على أمرين‪:‬‬ ‫‪14‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫األحوال من سيئ إلى حسن ويعود املجتمع إلى االستقرار النفسي‬ ‫واملعيشي الذي كان عليه قبل انقالب األوض��اع وحتول العافية‬ ‫(‪)6‬‬ ‫عنه{ ِإنَّ ال َّل َه لاَ ُي َغ ِّي ُر َما ِب َق ْو ٍم َحتَّى ُي َغ ِّي ُروا َما ِبأَ ْنفُ ِس ِه ْم}‬ ‫ل��ك��ن ال���ق���رآن ال���ك���رمي ج���لّ���ى ح��ق��ي��ق��ة اج��ت��م��اع��ي��ة ونفسية‬ ‫أخ���رى تتكامل م��ع األول���ى أال وه��ي أن احملافظة على الوضع‬ ‫ال��ص��ح��ي��ح‪ ،‬ال���ذي يعبر ع��ن��ه ب��احمل��اف��ظ��ة ع��ل��ى "ال��ن��ع��م الثالثة‪:‬‬ ‫األم���ن‪ ،‬االطمئنان‪ ،‬ال���رزق ال��رغ��د"‪ ،‬ال تقل خ��ط��ورة ع��ن سلوك‬ ‫ال��ط��ري��ق امل��ع��اك��س ( اخل����روج م��ن ض��ي��ق ال��دن��ي��ا إل���ى سعتها)‬ ‫{ َذ ِل َك ِبأَنَّ ال َّل َه َل ْم َي ُك ُم َغ ِّي ًرا ِن ْع َم ًة أَ ْن َع َم َها َع َلى َق ْو ٍم َحتَّى ُي َغ ِّي ُروا‬ ‫(‪)7‬‬ ‫َما ِبأَ ْنفُ ِس ِه ْم}‬

‫التمييز بني ال��ورع الفردي والصالح السلوكي‪ ،‬فاخللط بني‬ ‫هذين املعنيني أدى إلى أن مد الغبش التصوري رواقه فغاب البعد‬ ‫احلقيقي الذي يسوقه القرآن الكرمي في مجال الفكر التعميري‬ ‫الذي على العاملني النتصار املشروع اإلسالمي أن ميتلكوه‪ ،‬وهنا‬ ‫نلحظ اجلمع بني القوة والصالح واألمانة في مناذج متعددة منها‬ ‫{ َو َلق َْد َك َت ْبنَا ِفي الزَّ ُب ِور ِم ْن َب ْع ِد الذِّ ك ِْر أَنَّ الأْ َ ْر َ‬ ‫ض َي ِر ُث َها ِع َب ِاد َي‬ ‫(‪)8‬‬ ‫الصالحِ ُ ونَ}‬ ‫َّ‬ ‫وح�ي�ن ن��س��ت��ق��رئ م��ث��ل ه���ذه اآلي����ات ي��ج��ب أن ن��ك��ون دقيقني‬ ‫وواقعيني حتى ال نضل السبيل‪ ،‬وفي هذا املقام نسجل مالحظتني‬ ‫مهمتني‪:‬‬ ‫مفهوم امليراث في اآلية مفهوم واضح ومنضبط‪ ،‬لكنه كثيراً ما‬ ‫يساء فهمه ويتساوى عند البعض مع مفهوم "التركة" اآليلة للورثة‪،‬‬ ‫حتصل دومن��ا كد وال‬ ‫صاحلني أم طاحلني‪ ،‬كأنها غنيمة ب��اردة‬ ‫ّ‬ ‫نفقة وال قطع واد ‪...‬‬

‫فقه التعامل مع ظاهرة الوعد اإللهي السعي لتحقيق الوعد‬ ‫اإللهي‪ ،‬بدل االنتظار والترقب واملراهنة على تأييد لسنا أه ً‬ ‫ال له‬ ‫لعدم اإليفاء بضوابطه‪ ،‬علينا السبح الطويل للتالقي مع الوعد‬ ‫وه��وق��ادم‪ ،‬وم��ن املفارقات احملزنة‪ ،‬واملفهومة باملنطق القرآني‬ ‫السديد هنا ( ليست عجيبة كما يتوهم البعض) أن اليهود حققوا‬ ‫وعداً كاذباً بالسعي احلثيث والكدح‪ ،‬ونحن أخلفنا وعداً صادقاً‬ ‫باالنتظار والتعداد واإلسناد‪.‬‬

‫صفة الصالحية في املصطلح القرآني فاعلة جامعة وليست‬ ‫ج��ام��دة وال مجرد ورع باملعنى ال��ف��ردي الضيق م��ن ذل��ك النوع‬ ‫السلبي الذي قال عنه الفاروق ‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬بأنه "مميت‬ ‫للدين"‪ ،‬لقد كان يوسف ‪ -‬عليه السالم‪ -‬صاحلاً ملا وضع تلك‬ ‫اخلطة املستقبلية التي غير بها مصير شعب بكامله‪ ،‬وكذلك كان‬ ‫الكليم عندما سقى للمرأتني من اجلب ثم و ّقع عقد تأجير نفسه‬ ‫للرجل الصالح‪.‬‬

‫وبالتأمل ف��ي أغلب النصوص التي حتمل ال��وع��ود بالنصر‬ ‫والتمكني‪ ،‬نلحظ اقتران ذلك بشروط في غاية الوضوح واحلسم‬ ‫مثل "يرثها ع��ب��ادي ال��ص��احل��ون" (حتقيق العبودية واستكمال‬ ‫ال��ص�لاح)‪" ،‬يهدون بأمرنا ملا صبروا" االل��ت��زام باملنهج املرسوم‬ ‫بدقة وقوة اجللد)‪" ،‬يعبدونني ال يشركون بي شيئاً" متحض الوالء‬ ‫والثقة بالله وحده)‪" ،‬وإن جندنا لهم الغالبون" (اجلندية احلقة)‪.‬‬

‫ال��ق��درة على ق���راءة ال��ت��اري��خ وح��س��ن اس��ت��خ�لاص واستثمار‬ ‫التجارب فالتاريخ في تصورات كثير من شبابنا مجرد كومة من‬ ‫األنقاض أكثر ما فيها مثير للقرف‪ ،‬وملعاجلة مثل هذا القصور‬ ‫الفكري علينا أن نزرع مفهوم "التاريخ مرآة عاكسة للحقائق‪...‬‬ ‫لكن بشروطه هو" كما هي‪ ،‬ما علينا إال أن نحسن تسليط أشعتها‬ ‫في اجتاه املستقبل‪.‬‬

‫التخلص من عوامل التيئيس وتتمثل في املفاهيم املنتشرة‬ ‫في األدبيات اإلسالمية الناجتة عن سوء ق��راءة النصوص مثل‬ ‫(بدأ الدين غريبا وسيعود‪ )...‬مع بتر بيت القصيد في هذا النص‬ ‫النبوي ال��ذي ميثل عمدة من أعمدة البناء‪ " :‬فطوبى للغرباء‬ ‫يصلحون ما أفسد الناس‪"...‬‬

‫إعادة ضبط مفهوم الغيب وذلك من خالل قراءة قرآنية جادة‬ ‫ومعمقة‪ ،‬ألنه بسبب قراءات قاصرة أومعكوسة أومبتورة‪ ،‬حتول‬ ‫مفهوم الغيب في املنهجية اإلسالمية‪ ،‬من دافع حافز إلى التطلع‬ ‫واألمل واالندفاع نحواجلنة عبر ممرات احلياة‪ ،‬إلى مجرد مط ّبات‬ ‫تنزلق فيها األقدام وتتعثر األفكار‪ ،‬وفي النتيجة تتحطم رغبات‬ ‫التوجه نحوالبناء والتعمير من خالل االشتباك مع التحديات التي‬ ‫تنتصب حائلة دون ولوج باب املستقبل بثقة وتفاؤل‪.‬‬

‫وف��ي حالتي التغيير تينك نبني املستقبل‪ ،‬واألس��س التالية‬ ‫ليست إ ّال مجرد محاولة لشرح اآليتني بلغة مبسطة نتوق إلى‬ ‫أن يكون مفهوماً مستوعباً لدى الشباب املسلم عبر قنوات األطر‬ ‫والدوائر التي تعنى بتشكيل أفكارهم وصقل مفاهيمهم‪:‬‬

‫ام��ت�لاك ف��ق��ه االس��ت��ث��م��ار احلقيقي وي��ت��م ع��ن ط��ري��ق حسن‬ ‫استخالص وإدارة وتوظيف امل��واه��ب االستثنائية في مشاريع‬ ‫وب��رام��ج رائ���دة‪ ،‬ب��دالً م��ن إن��ف��اق امل��واه��ب واستثمار العبقريات‬ ‫في صنع أقوى العناصر وأشدها صالبة‪ ،‬فإن كثيراً من األطر‬ ‫الدعوية التي ترعى الشباب جتعلهم يسبحون في املياه الضحلة‬ ‫التي قد تكون موبوءة‪ ،‬مثل نصب محاكم استئناف للفصل بني‬ ‫عمرووبني األشعري‪ ،‬وهي العلة التي واجهها الراشدي اخلامس‬ ‫ببساطة وحسم "تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فال نلطخ بها‬ ‫ألسنتنا"‪.‬‬

‫وقد وقع هذا اللبس ألن مفهوم الغيب القرآني قد صرف عن‬ ‫مساره‪ ،‬باعتباره سداً منيعاً يسيج على العقل ويحميه من الضياع‬ ‫في تيهاء ال قبل له بها من جانب‪ ،‬وإجالباً قوياً ال يجعل التطلع‬ ‫نحواألمام ضرباً من ضروب "الكهانة الفكرية" املنهي عنها من‬ ‫جانب آخر‪ ،‬بل محاولة لرصد اجتاهات تيارات األحداث وتوقع‬ ‫مآالت األمور حتسباً وحتفزاً‪ ،‬وهومن املعاني اجلميلة التي نستلها‬ ‫من البشريات التي نتمسك بها‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪15‬‬


‫فيوم ننظر إلى مفهوم الغيب من هذه الزاوية‪ ،‬فبناء املستقبل‬ ‫سيعني‪ ،‬من بني ما يعني من أشياء وتصورات‪ ،‬استباق األحداث‬ ‫ورصد اجتاه الرياح األربعة‪.‬‬

‫عثر عن امل��ودودي ‪ -‬رحمه الله‪ -‬رده على منتقديه‪ ،‬في إهمال‬ ‫بعض جوانب اإلصالح التي كان يراها على ضوء واقعه اخلاص‬ ‫الحقة‪ ،‬فكان أن جادل بالقول‪" :‬أفضل بناء القصور على هدم‬ ‫القبور"‪ ،‬وقد فسر البعض هذا النهج بالغضب العارم الذي ينتاب‬ ‫الشباب‪ ،‬فهذا منزلق آخر يحول دون القدرة على بناء املستقبل‬ ‫كما يقول مهاتير محمد" الغاضبون ال ميكن أن يفكروا بطريقة‬ ‫صحيحة"‪.‬‬

‫أث��ر البعد الزمني وم��ن أه��م عناصر ه��ذه اجلزئية ف��ي فن‬ ‫بناء املستقبل‪ ،‬الوعي الشديد حلقيقة تداخل األزمنة والتفاعل‬ ‫احلاد بني أجزائها املتساندة‪ ،‬فبدالً من االنطالق من هذه الرؤية‬ ‫التكاملية في التعامل مع البعد الزمني‪ ،‬فإن العقلية السائدة لدى‬ ‫شريحة واسعة من الشباب املسلم اليوم جتاه العامل الزمني‪،‬‬ ‫بينما التفكير الصحيح قيد ال مندوحة من توفره في كل من‬ ‫��وض��اء وه��وأم��ر ال‬ ‫جتعلهم يتعاملون مع األزمنة بعقلية "إعرابية" ( كان‪ :‬فعل ماض يترشح لالنضمام إل��ى رك��ب بناة املستقبل ال ّ‬ ‫مبني‪ )...‬مبعنى جعلها جزراً عائمة ال رابط بينها‪.‬‬ ‫يتنافى مع الضب احملمود الذي يعبر عنه النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫الوفاء بشرط فقه الواقع حلسن التعامل مع املستقبل‪ ،‬ثمة وسلم‪ -‬بـ‪" :‬التمعر"‪.‬‬ ‫شرطان متالزمان هنا لفهم ال��واق��ع وال��ق��درة على التأثير في‬ ‫مجرياته ثم االنطالق من ذلك إلى التفكير السليم والتخطيط‬ ‫الدقيق لبناء املستقبل على أسس راسخة‪:‬‬ ‫< فقه العالقة بني األسباب (الدوافع) واملتغيرات في النتائج‪،‬‬ ‫من العوج الفكري ال��رائ��ج عندنا غموض العالئق القائمة بني‬ ‫إسناد األمر إلى املشيئة العليا املطلقة وبني تفعيل الطاقة الكامنة‬ ‫فينا إلحداث الفرق‪ ،‬كما يقول الغربيون‪ ،‬وهوما أسماه علماؤنا‬ ‫بأن جنعل من فعلنا ستاراً لقدر الله النافذ في األكوان‪.‬‬ ‫< شرح حسن لألحداث القادمة‪ ،‬أن ندفع بالشباب املسلم إلى‬ ‫اإليقان بأن حديث اإلسالم عن األحداث اجلسام التي ستعصف‬ ‫ب��األم��ة عصفاً‪ ،‬ليس للتيئيس وح��اش��ا‪ ،‬وإمن��ا للتحميس والزج‬ ‫باملسلم في أتون الصراع وقد ه ّيأ نفسه وأع ّد ملنعرجات الطريق‬ ‫ما يلزم من األهبة وال���زاد‪ ،‬فهذا هوالفهم السديد ال��ذي دفع‬ ‫األجيال الصاحلة إلى التطلع نحواملستقبل والتركيز على النقاط‬ ‫املضيئة فيه‪ ،‬فحني يبشرون يكون شغلهم أن يعرفوا‪ ( :‬أيهما تفتح‬ ‫أوال مدينة هرقل أم ‪ ، )...‬ثم يعدوا العدة ليساهموا في صنع‬ ‫احلدث‪ ،‬وعندما يخافون يسارعون إلى البحث عن موطئ جديد‬ ‫يضعون فيه أقدامهم ثم يتلمسون املخرج من املأزق مهما اشتد‬ ‫(وهل بعد ذلك الشر من خير‪ ،...‬ما املخرج منها يارسول الله)‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬هذا التطلع إلى املستقبل هوالذي جعل‬ ‫خالداً بن زيد ‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬يختار مرقده في أقرب نقطة‬ ‫إلى خطوط العدو‪.‬‬

‫اخلالصة‬ ‫سينهض الشباب املسلم وينطلق صعداً متى وقر في روعه‬ ‫بأن املستقبل أقرب إليه من املاضي وألصق به من احلاضر‪ ،‬ثم‬ ‫يشكل لنفسه "ماضيه القادم" وهوواثق من أن الرنوإلى املستقبل‬ ‫ليس مجرد تطلع إلى حيز زمني آت‪ ،‬لكنه القدرة على اإلمساك‬ ‫بتلك اخليوط اخلفية التي تشد خيمة احلياة‪ ،‬وال تلك املخاضة‬ ‫املقززة أوتيهاء نخشى الهالك فيها‪ ،‬بل هومن ذل��ك النوع من‬ ‫الكسب الذي نحققه بسطوة أيادينا وخطوأرجلنا على نار قلوبنا‬ ‫وضوء عقولنا‪.‬‬ ‫لكن لننجز ه��ذا‪ ،‬ال ب��د م��ن زل��زل��ة تلك التراكمات املشبعة‬ ‫بالشوائب الفكرية املعرقلة التي رانت على عقول الشباب حول‬ ‫قضايا جوهرية منها الغيب‪ ،‬القدر‪ ،‬الطاعة‪ ،‬اجلماعة‪ ،‬النصر‪،‬‬ ‫فبناء املستقبل عمل شاق ومشوار طويل ال يقدر عليه إال أولوا‬ ‫العزائم الفوالذية‪ ،‬املستندين إلى مثل ذلك الركن الشديد الذي‬ ‫كان ينشده لوط عليه السالم‪.‬‬ ‫ولهذا فلندرب الشباب املسلم املرشح الستعادة زمام املبادرة‬ ‫احلضارية عبر قناة املساهمة في صنع املستقبل على خيار"‬ ‫احلملقة عبر الزمن وتصور وجود أشياء عظيمة إلى األمام" كما‬ ‫(‪)9‬‬ ‫يقول مؤلفاً كتاب حتديات الزعامة‪.‬‬ ‫الهوامش‪:‬‬ ‫‪ -1‬سورة املؤمنون‪ ،‬اآلية‪61‬‬

‫‪ -6‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية‪11 :‬‬

‫الغامضة‪ ،‬ترجمة محمد سعيد باه‬

‫ب��وزن��ر‪ ،‬حت��دي��ات ال��زع��ام��ة‪ ،‬مركز‬ ‫ال��ك��ت��ب األردن������ي‪ ،‬ت��رج��م��ة جورج‬ ‫خوري‪.1987،‬‬

‫تنمية عاطفتي ال��ث��ق��ة واجل��دي��ة وب��ه��م��ا يستطيع الشباب‬ ‫التعاطي في املسائل املتحركة بجدية من يسعى إلى انتزاع نصيبه ‪ -2‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪1 :‬‬ ‫‪-7‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪5 :‬‬ ‫من الدنيا مع التطلع بثغر باسم وشوق دافق وتصل درجة الثقة‬ ‫‪ -3‬سورة الروم‪ ،‬اآليات‪4 -1 :‬‬ ‫‪-8‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪54:‬‬ ‫في النظر إلى املستقبل إلى حد املراهنة على طريقة الصديق‬ ‫‪-4‬ش����ي����خ ح���ام���د ك�����ن‪ ،‬املغامرة ‪-9‬ج�����ي�����م�����س ك������وزي������س وب��������اري‬ ‫(رضي الله عنه)‪.‬‬ ‫تخليص الشباب من علة اجلنوح إلى خيار الهدم شبابنا‪ ،‬رغم‬ ‫كثرة اإليجابيات لديه ينعت‪ ،‬وهونعت قد استحقه بعضهم عن‬ ‫جدارة‪ ،‬بأنه أقوى على الهدم منه على البناء لقصور في التثقيف‪،‬‬ ‫‪16‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫‪ -5‬اإلمام علي بن أبي طالب‪ ،‬نهج‬ ‫البالغة‪.‬‬


‫دراسات إسالمية‬

‫دور املؤسسات التعليمية‬

‫يف النهضة‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬داود احلدابي‪� /‬أ‪.‬رجاء اجلاجي‬ ‫مقدمة‬ ‫تنبهت األمم واحلضارات منذ األزل إلى التعليم كوسيلة‬ ‫ل�لإص�لاح والتغيير ب���دء ًا م��ن الصحوة ووص���وال إل��ى النهضة‬ ‫واملدنية بعد أن جتاوزت الصعوبات التي أثقلت كاهل األمة‪.‬‬ ‫وتهدف هذه الورقة إلى رصد أهلية التعليم في توفير شروط‬ ‫اإلق�لاع احلضاري‪ ،‬ملا له دور ًا فاع ًال في نهضة األمم ورقيها‪،‬‬ ‫كما تتلمس هذه الورقة البحث عن طيات األمل في صفحات‬ ‫الضعف والتردي الذي ألم باألمة‪.‬‬ ‫واقع مؤسسات التعليم‪:‬‬ ‫أن ب�ين م��ا تشهده األم���ة من‬ ‫ي��رى ال��ع��دي��د م��ن املفكرين ّ‬ ‫نهضة وب�ين ما يشهده التعليم ع��روة وثقى ال تخطئها عني‬ ‫مراقب‪ ،‬فهذا سعيد إسماعيل علي (‪ )2008‬يؤكد على أن‬ ‫فترات االنتكاس احلضاري ال بد أن يرافقها انتكاس مؤكد‬ ‫للتعليم‪ ،‬هذه احلقيقة وتتجسد بالسؤال اآلتي‪ :‬هل للنهضة أن‬ ‫تظهر مبنأى عن التعليم؟‪ ،‬ويقابل هذا السؤال تساؤال مضادا‪:‬‬ ‫هل ميكن للتعليم أن ينهض في جسد أم��ة أوهنها التخلف‬ ‫والضعف؟ لنصل إلى ما وصل إليه سعيد إسماعيل نفسه؟‪،‬‬ ‫أي التأكيد على حتمية تزامن النهوض احلضاري والتعليمي‬ ‫معا كما حدث في اليابان وماليزيا ‪ ،‬والبد من دراسة أسباب‬ ‫املرض الذي اعترى مؤسسات التعليم‪ ،‬وأصبحت متثل عائقا‬ ‫في جسد التقدم‪ ،‬بدال من أن تكون دافعا ومحركا للنهضة‬ ‫من خالل دراس��ة واق��ع مؤسسات التعليم والبحث عن صور‬ ‫اإلصالح والتحسني‪.‬‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬داود احلدابي‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬التعليم الرسمي‪:‬‬ ‫أ‪.‬التعليم العام‪:‬‬ ‫ت��ع��د امل��درس��ة وك��ي��ل املجتمع ف��ي ت��رب��ي��ة وتنشئة األجيال‪،‬‬ ‫وإع��داده��م للحياة بالتكيف معها اجتماعياً وعقلياً ووجدانياً‬ ‫وجسمياً‪ ،‬فدورها التربوي أعظم من دور غيرها من املؤسسات‬ ‫التعليمية‪ ،‬ويتجلى هذا في مجال تأكيد الهوية وتنمية الوعي‬ ‫األخالقي والسياسي والوطني‪ .‬فهي املهد األول ال��ذي يرتوي‬ ‫منه الطفل تعاليم الوطنية‪ ،‬وه��ي السقف ال��ذي يظلل حريته‬ ‫ويدفعه للمشاركة واحل��وار والتأمل وذل��ك باالبتعاد عن الكبت‬ ‫والقهر‪ ،‬وامتالك ناصية التفكير‪ ،‬ومتثلها في نفس التلميذ سلوكاً‬ ‫وممارسة (عبد اخلالق سعد‪.)2006،‬‬ ‫أم��ا عن واق��ع احل��ال ف��إ ّن تقرير التنمية العربية اإلنسانية‬ ‫(‪ )2003‬يشير إلى حتقيق الدول العربية تطوراً ملموساً في زيادة‬ ‫نسبة املتعلمني‪ ،‬حيث انخفضت نسبة األمية من ‪ %60‬عام ‪1980‬‬ ‫إلى حوالي ‪ %43‬في منتصف التسعينيات‪ ،‬كما تضاعف معدل‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪17‬‬


‫تعليم املرأة ثالث مرات منذ عام ‪ ،1970‬وعلى الرغم من كل هذا‬ ‫فما زال هناك ‪ 65‬مليون عربي بالغ أمي‪ ،‬ثلثاهم من النساء‪.‬‬ ‫كانت نسبة طالب املرحلة االبتدائية عام ‪ 1995‬أكثر من‬ ‫‪ %90‬من الذكور و‪ %75‬من اإلن��اث‪ ،‬وم��ا يقارب ال���ـ‪ %60‬من‬ ‫الذكور والـ ‪ %50‬من اإلناث في املدارس الثانوية‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫من ذلك فإن هناك عشرة ماليني طفل بني سن ‪ 15-6‬سنة‬ ‫خارج النظام التعليمي‪.‬‬

‫الذي منا فيه‪ ،‬وحقق أهداف املجتمع ومطامعه‪ ،‬حتى وإن كانت‬ ‫تلك األه��داف تتعارض والشرائع اإللهية‪ ،‬من حيث استعمارها‬ ‫للشعوب الضعيفة والفتك بها‪ ،‬في حني أن اإلسالم يحرص على‬ ‫بناء امل��واط��ن الصالح بقدر حرصه على بناء "اإلن��س��ان العاملي‬ ‫الصالح"‪ .‬اإلنسان العابد لله‪ ،‬على املفهوم الشامل للعبادة والذي‬ ‫يشمل كل مناحي احلياة‪.‬‬ ‫وي��ؤك��د عبد اخل��ال��ق سعد (‪ )2006‬أن��ه ال ميكن ت��رك تنمية‬ ‫املواطنة للصدفة بل تعد من أهم أدوار املدرسة كمؤسسة اجتماعية‬ ‫أنشأها املجتمع لتربية أبنائه على قيمه وعاداته وتقاليده ليكونوا‬ ‫مواطنني صاحلني يسهمون في بناء مجتمعهم وتنميته‪ ،‬واملأمول‬ ‫من املدرسة أن تنهض بذلك الدور من خالل برامجها ومناهجها‬ ‫لتتعهد الناشئة منذ نعومة أظفارهم بالعناية والرعاية على مبادئ‬ ‫حب الوطن والوالء واالنتماء واملساواة والتسامح‪ ،‬واحترام الرأي‬ ‫اآلخر‪ ،‬والتعبير عن الرأي في جوتسوده وتظلله قيم الدميقراطية‬ ‫وحقوق اإلن��س��ان‪ .‬ويعد التعليم العام أح��د األسباب األساسية‬ ‫للتنمية املنشودة الضطالعه بأدواره اآلتية‪:‬‬

‫ه��ن��اك دالئ���ل على ت���ردي نوعية التعليم‪ ،‬وبالتالي تدني‬ ‫التحصيل املعرفي وال��ق��درات التحليلية واالبتكارية‪ ،‬وأسهم‬ ‫اخللل احل��ادث بني س��وق العمل ومستوى التنمية من جهة‪،‬‬ ‫وخريجي النظام التعليمي من جهة أخرى‪ ،‬في ضعف إنتاجية‬ ‫العمالة‪ ،‬واختالل هيكل األجور‪ ،‬وتفشي البطالة‪ ،‬األمر الذي‬ ‫عاد على الغالبية العظمى بالضعف االقتصادي واالجتماعي‬ ‫للتعليم‪،‬وإذا ما استمر احلال سائرا في االجتاه نفسه فسوف‬ ‫متضي عقودا قبل القضاء على األمية‪ ،‬أوحتى زي��ادة نسبة‬ ‫تكوين قاعدة اجتماعية عريضة متعلمة بضمان حد أدنى من‬ ‫االلتحاق بالتعليم لتصل إلى ما حققته الدول الصناعية في‬ ‫التعليم لكل مواطن ميكنه من العيش في املجتمع‪.‬‬ ‫منتصف التسعينيات‪.‬‬ ‫تنمية وتعزيز القيم في املجتمع مبا يتناسب مع الطموحات‬ ‫يعد التعليم العام حقا إنسانيا للجميع يجب توفيره من خالل‬ ‫توفير الدعم ال�لازم له‪ ،‬واإلش��راف عليه لضمان سير العملية التنموية ومنها قيمة العمل واإلنتاج‪ ،‬ودعم االستقاللية في التفكير‪،‬‬ ‫التربوية جتاه املواطنة الصاحلة‪ ،‬فتكون النتيجة تنمية حقيقية ونبذ االتكالية والنزعة االستهالكية غير الرشيدة‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫عصرية‪ .‬وه��ذا ما يتفق مع تعريف املواطنة القائل‪" :‬مجموعة إطالق القدرات اإلبداعية واالبتكارية ألفراد املجتمع‪.‬‬ ‫من القيم واملبادئ واالجتاهات التي تؤثر في شخصية الطالب‬ ‫تأهيل القوى البشرية كماً وكيفاً للتعليم العالي وتزويدها‬ ‫فتجعله إيجابياً ي��درك ما له وما عليه من واجبات في الوطن باملعارف وامل��ه��ارات ال�لازم��ة‪ ،‬وتنمية قدراتها املختلفة الالزمة‬ ‫الذي يعيش فيه وقادراً على التفكير السليم في املواقف املختلفة" للتعايش الفعال مع املستحدثات العلمية التكنولوجية املستمرة‬ ‫(جمال الدين م��ح��م��ود‪،1997،‬ص‪ )9‬كما ي��رى ستيفينسن نايك مبا يحقق دفعة قوية للجهود الرامية إلى تنمية املجتمع (محمد‬ ‫‪ Stevanson Nike‬املشار إليه في عبد اخلالق سعد (‪ )2006‬احلوت وناهد شاذلي‪)2007 ،‬‬ ‫بأن تعريف املواطنة ذوبعدين‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫إال أن واقع احلال يشير إلى تخلف التعليم في الوطن العربي‬ ‫وصف احلقوق واملسؤوليات ورموز عضوية الفرد للوطن والتي ومثاله مستوى االختبارات الدولية في مادتي العلوم والرياضيات‬ ‫حتدد املعالم األساسية للمجتمع ‪.‬‬ ‫التي أوضحت تخلف األنظمة التعليمية العربية مقارنة ببقية دول‬ ‫امل���م���ارس���ات واألع���م���ال ال��ت��ي ل��ه��ا ص��ف��ة ع��م��وم��ي��ة الفائدة العالم‪ ،‬وفيما يلي استعراض تلك النتائج ‪ )2003( Timss‬لبعض‬ ‫الدول‪:‬‬ ‫لآلخرين‪.‬‬

‫وب��ذل��ك جتعل الطلبة ال��ذي��ن ميتلكونها ق��ادري��ن على حتمل‬ ‫املسؤولية وامل��ش��ارك��ة‪ ،‬يتصفون ب��روح التطوع‪ ،‬ولديهم معارف‬ ‫ومهارات متكنهم من السعي حلل املشكالت التي تواجههم في‬ ‫الدراسة وفي احلياة بأسلوب علمي قادرين على ممارسة التفكير‬ ‫الناقد وات��خ��اذ ق���رارات ح��ول قضايا عصرية وجدلية تواجه‬ ‫املجتمع‪.‬‬ ‫ويختلف مفهوم املواطنة الصاحلة في املنظور اإلسالمي عنه‬ ‫في أمناط التربية األخرى فاملواطن الصالح في أمناط التربية‬ ‫غير اإلسالمية ه��وال��ذي تلقى تربية اجتماعية تالئم املجتمع‬ ‫‪18‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫البلدان التي طبقت اختبار‬ ‫‪Timss‬‬

‫نتائج اختبار‬ ‫‪Timss‬‬

‫بلدان الشرق األوسط‬

‫‪399‬‬

‫جنوب شرق آسيا‬

‫‪467‬‬

‫أمريكا الالتينية‬

‫‪408‬‬

‫املتوسط العاملي‬

‫‪489‬‬

‫متوسط دول األداء األفضل‬

‫‪617‬‬


‫تشير النتائج السابقة إلى واق��ع مرير‪ ،‬ينذر بكارثة ذات‬ ‫حجم عظيم إذا ما استمر احلال على هذه الصورة‪ .‬فلذلك‬ ‫يجب علينا التدقيق ف��ي تعاليم اإلس�ل�ام التي حت��ث وتأمر‬ ‫بالقراءة والتعليم‪ ،‬فنحن أمة "اقرأ"‪.‬‬ ‫ب‪ :‬التعليم العالي‪:‬‬ ‫ال تتجاوز نسبة االلتحاق بالتعليم العالي ‪ %13‬وهذه نسبة‬ ‫محدودة مقارنة بالنسبة السائدة في الدول الصناعية والتي‬ ‫تصل إلى ‪.%60‬‬ ‫تتطلب القضايا املرتبطة بالعوملة وتخفيف ح��دة الفقر‬ ‫والعدل االجتماعي والدميقراطية‪ ،‬وحقوق اإلنسان والسالم‬ ‫وحماية البيئة‪ ،‬ش��راك��ات شاملة إليجاد بيئة تعلم مناسبة‪،‬‬ ‫وهذا لن يتم إال بامتالك التعليم العالي للمحفزات الالزمة‬ ‫إلجناز التنمية املستدامة وبناء مجتمع التعلم‪ ،‬وذلك بامتالكه‬ ‫لإلمكانات املادية والبشرية إلجراء األبحاث العلمية الضرورية‬ ‫إلنتاج املعرفة اجلديدة املطلوبة وتدريب قادة ومعلمي الغد‬ ‫وأيضاً توصيل هذه املعرفة إلى صناع القرار واجلمهور ككل‬ ‫(محمد احلوت وناهد شاذلي‪.)2007‬‬ ‫إن أولى خطوات جناح خطط التنمية والبرامج التربوية‬ ‫هي انسجام هذه اخلطط والبرامج مع ثقافة األمة وعقيدتها‬ ‫باإلضافة إلى ربط البرامج التربوية التعليمية باألهداف على‬ ‫مستوى العالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫إذا كنا ننظر إل��ى التعليم على أن��ه ميثل إح��دى األزمات‬ ‫احلقيقية لإلقالع احلضاري فإنه ميثل في الوقت نفسه اآللية‬ ‫الوحيدة لتجاوز هذه األزمة كما يراه فتحي ملكاوي (دون تاريخ)‬ ‫والذي يؤكد على أنه مشروع اإلنقاذ الوحيد واملتاح واملرجومنه‬ ‫تغيير حقيقي في واقع احلال‪ ،‬إذ يعد التعليم املرتكز األساس‬ ‫للمستقبل ومواجهة متغيراته والتعامل معها‪ ،‬وعندما يتحدث‬ ‫محمد ال��ك��ت��ان��ي(‪ )2004‬عن صناعة وتكوين املسلم املدرك‬ ‫لرسالته واملتمكن من كافة متطلبات وكفايات تضمني هذه‬ ‫الرسالة في فعل سلوكي فإنه يلتزم مبنهجية شرعية‪ ،‬ويستلهم‬ ‫ميراث املاضي ويعدل عطاء احلاضر ويندفع لتأسيس وإقرار‬ ‫مستقبل إنساني يترجم دالالت االستخالف في األرض في‬ ‫إطار منظومة القيم املرجعية في اإلسالم حتت مظلة مفهوم‬ ‫الوسطية بوصفه قانوناً ميثل أفضل صياغة للمعادلة بني العقل‬ ‫والنفس‪ ،‬ورمبا كان االعتراف بصحة مفهوم الوسطية وتأهيله‬ ‫للتأسيس والصياغة في العلم والعمل يعد حقيقة مسلمة ال‬ ‫أن الوسطية هي امليزان واملوازنة والتوازن‬ ‫جدال حولها باعتبار ّ‬ ‫بني الثبات والتغيير‪ ،‬وبني احلركة والسكون‪.‬‬

‫لهذه املخرجات‪ ،‬وعدم استيعاب سوق العمل لها‪ ،‬فالبطالة‬ ‫ب�ين اخلريجني مرتفعة ج���داً وال يتم االس��ت��ف��ادة املثلى من‬ ‫الرأسمال البشري العربي‪ .‬وإذا كان العديد من البحوث يثبت‬ ‫أن النمواالقتصادي ليس بالضرورة مرتبطاً بزيادة املبالغ‬ ‫ّ‬ ‫املستثمرة في التعليم‪ ،‬ال سيما عندما ال يركز النظام التعليمي‬ ‫أن متويل التعليم في الوطن العربي‪،‬‬ ‫على اجل��ودة‪ ،‬باعتبار ّ‬ ‫أفضل من بقية دول العالم الثالث إال أن مستوى التعليم فيها‬ ‫أسوأ‪ ،‬فعند مقارنة ما يصرف على التعليم في العالم العربي‬ ‫وفقاً لـ ‪ GPD‬يقدر بـ ‪ 5.3‬من نسبة الدخل القومي‪ ،‬بينما‬ ‫تصرف كوريا على التعليم نسبة ‪ 3.9‬من الدخل القومي‪،‬‬ ‫أم��ا الصني فنسبة إنفاقها تقدر ب��ـ‪ 2.3‬من دخلها القومي‪،‬‬ ‫وجنوب شرق آسيا ‪ ، 3.6‬وأمريكا الالتينية ‪ ،3.9‬ومع هذا‬ ‫كله فاملقارنة بني التعليم في الوطن العربي وبقية الدول ليست‬ ‫لصالح التعليم في الوطن العربي‪ ،‬فاألمية في العالم العربي‬ ‫وفقاً ملسح ‪ 2003‬تعطي مؤشراً خطيراً لتردي التعليم وضعفه‪،‬‬ ‫الذي يظهر من خالل اجلدول اآلتي‪:‬‬ ‫الدول‬ ‫العالم العربي‬

‫نسبة دخل‬ ‫التعليم‬ ‫من الدخل‬ ‫القومي‬ ‫‪%5.3‬‬

‫نسبة األمية‬ ‫‪%22.5‬‬

‫جنوب شرق آسيا‬

‫‪%3.6‬‬

‫‪%9‬‬

‫أمريكا الالتينية‬

‫‪%3.9‬‬

‫‪%8‬‬

‫بينما تشكل األمية في اليمن النسبة األكبر حيث تصل إلى‬ ‫‪ 30.5( %51‬ذكور) (‪ 71.5‬إناث)‬ ‫أهمية البحث العلمي في دفع عجلة التنمية‪:‬‬

‫يُعد البحث العلمي في نظر الكثيرين إحساساً باملستقبل‪،‬‬ ‫وفي سياق دراسة واقع االستثمار في البحث العلمي وبأرقام‬ ‫وإحصائيات ومقارنات مع كل من إسرائيل‪ ،‬والواليات املتحدة‬ ‫األمريكية وأوروبا وحتى بعض الدول اآلسيوية كماليزيا وكوريا‬ ‫اجلنوبية والصني‪ ،‬نخلص إلى أن البحث العلمي في البلدان‬ ‫العربية ما يزال دون املستوى املنشود ‪ ،‬حيث إن الدول العربية‬ ‫مجتمعة ال تنفق على البحث العلمي من إجمالي دخلها القومي‬ ‫سوى ‪ % 0.2‬بينما تنفق إسرائيل ‪ % 4‬إلى ‪ % 5‬من إجمالي‬ ‫دخلها بإجمالي ‪ 14‬مليار دوالر ع��ام ‪ 2003‬مث ً‬ ‫ال‪ ،‬في وقت‬ ‫تشير بعض اإلحصائيات إلى أن املعدل العاملي لإلنفاق على‬ ‫البحث العلمي قد بلغ ‪ % 1.62‬من إجمالي املوارد املالية للدول‬ ‫ناهيك ع��ن ع��دم فعالية مخرجات التعليم ف��ي التأهيل عاملياً‪ ،‬في حني أن بعض الدول التي كانت منذ عشرين سنة‬ ‫لسوق العمل‪ ،‬فالواقع أثبت ضعف وتدني امل��ه��ارات املهنية في مستوى التخلف نفسه الذي كانت عليه البلدان العربية‪،‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪19‬‬


‫قد قفزت قفزة نوعية في السنوات األخيرة بفضل اهتمامها‬ ‫بالبحث العلمي وربطه باالستثمارات احمللية والدولية مثل‬ ‫ماليزيا التي تخصص أكثر من ‪ 2‬مليار دوالر للبحث العلمي‬ ‫وحده‪ ،‬وكذلك الصني التي رفعت حجم إنفاقها على البحث‬ ‫العلمي من ‪ % 0.5‬من دخلها القومي عام ‪ ،1995‬إلى ‪2.89‬‬ ‫‪ %‬ع��ام ‪ 2000‬وك��وري��ا اجلنوبية م��ن ‪ % 0.6‬ع��ام ‪ 1980‬إلى‬ ‫‪ %2.89‬عام ‪ 1997‬فيما بلغ إنفاق كل من الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪،‬واليابان واإلحت��اد األوروب��ي مجتمعني ‪ 417‬مليار‬ ‫دوالر أي ثالثة أرباع اإلنفاق العاملي على البحث العلمي ‪.‬‬ ‫أش��ار العديد م��ن التربويني إل��ى أهمية اجت��اه الشركات‬ ‫واملؤسسات والقطاع اخلاص نحواالستثمار في البحث العلمي‬ ‫مؤكدين على أن احلكومات في الوطن العربي هي وحدها‬ ‫تقريباً من يتبنى متويل البحث العلمي بنسب ال تقل عن ‪85‬‬ ‫إلى ‪ % 90‬في كل البلدان العربية بينما تتجه دول العالم إلى‬ ‫ربط متويل البحث العلمي باملؤسسات اإلنتاجية العمومية‪ ،‬أي‬ ‫ربط البحث العلمي باالستثمار مباشرة ويشار إلى أن اليابان‬ ‫مث ً‬ ‫ال ال تسهم حكومتها في البحث العلمي بأكثر من ‪ % 18‬من‬ ‫اإلنفاق‪ ،‬فيما تتكفل الشركات واملؤسسات والقطاع اخلاص‬ ‫بنسبة ‪ % 82‬م��ن اإلن��ف��اق على البحث العلمي‪ ،‬فيما تنفق‬ ‫احلكومة الكندية ‪% 30.1‬مقابل ‪ % 69.9‬مساهمة الشركات‬ ‫والقطاع اخل��اص‪ ،‬أم��ا احلكومة األمريكية فتنفق ‪% 35.5‬‬ ‫والباقي على عاتق الشركات والقطاع اخلاص‪.‬‬

‫ويؤكد علي القريشي (‪ )2008‬أنه يجب أن تعتمد البحوث‬ ‫املطلوب معاجلتها في إطار املجال العربي واإلسالمي على‬ ‫فلسفة معرفية حاكمة (‪ )Paradigm‬وأن تعنى باملشكالت‬ ‫احمللية وتراعي املرحلة احلضارية ومن��ط النمواملستهدف‪،‬‬ ‫ولكن كل ذلك ال ميكن توفيره ما لم تكن هناك استراتيجية‬ ‫علمية وبحثية ت��ق��وم على ال��وع��ي ب��ض��رورات التوفيق بني‬ ‫الفلسفة والعلم‪ ،‬واملعرفة والواقع‪ ،‬والنظرية والتطبيق‪ ،‬والعمل‬ ‫واملؤسسة‪ ،‬واإلنتاج واحلاجة‪ ،‬وهذا ما دعت إليه بعض البلدان‬ ‫ف��ي آس��ي��ا حيث راح���ت تنشئ معاهد متخصصة ف��ي علوم‬ ‫البحار وهندستها من أجل حتسني املنتج البحري واكتشاف‬ ‫بدائل الغذاء البروتيني‪ ،‬فهي بذلك تالمس الواقع وتراعي‬ ‫مقتضيات النمواخلاص‪ ،‬وهذا ما ينبغي أن تعيه جيداً حركة‬ ‫البحث العلمي في اجلامعات العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬التعليم غير الرسمي‪:‬‬ ‫املؤسسات املجتمعية‪ :‬وتتمثل في األسرة واملكتبة واملسجد‬ ‫والنادي وفيما يلي عرضاً ألب��رز أدواره��ا في التعليم املناط‬ ‫بها‪:‬‬ ‫األسرة وتشكيل العقل‪:‬‬ ‫يؤكد عبد الناصر أبوالبصل (‪ )2005‬على أن احملطة‬ ‫األولى التي يتزود منها عقل الناشئ بالقيم والثقافة والفكر‬ ‫والسلوك هي األس��رة‪ ،‬فمن خاللها ينموفي نفسه اإلبداع‬ ‫واحلرية وتبدأ شخصيته بالتكون والتشكل‪ ،‬ومن هذه احملطة‬ ‫تبدأ التحديات التي تواجه األبوين في جتاوز عقبات إنشاء‬ ‫وإن أعظم ٍ‬ ‫حتد يواجه األسرة املسلمة‬ ‫األسرة في هذا العصر‪ّ ،‬‬ ‫في هذا العصر هوأميتها املتمثلة في ضعف الوعي بأهمية‬ ‫األسرة ودورها في بناء العقل وغرس القيم‪ ،‬حيث يرى العديد‬ ‫من التربويني بأن مرحلة الطفولة املبكرة تسهم بتشكيل ‪%80‬‬ ‫من شخصية الفرد‪ ،‬وه��ذا يجعلنا نتساءل عن م��دى تأهيل‬ ‫األسرة للقيام بأداء رسالتها‪ ،‬وعن تأثير غياب برامج للثقافة‬ ‫األسرية ترفع من درجة الوعي بأهمية وأهداف هذه املؤسسة‬ ‫ودورها احلضاري‪.‬‬

‫أما على صعيد املقارنة بني الدول العربية وإسرائيل فقد‬ ‫حظيت اجلامعات اإلسرائيلية مبا ال يدع مجاالً للشك مبراكز‬ ‫متقدمة على املستوى العاملي حسب التصنيفات الدولية‬ ‫حيث احتلت اجلامعة العبرية امل��رك��ز ال��راب��ع والستني على‬ ‫مستوى العالم بينما لم يرد ذكر أي من اجلامعات العربية‬ ‫ف��ي اخلمسمائة جامعة األول���ى‪ ،‬وه��ذه النتيجة ليست غير‬ ‫متوقعة فإسرائيل تنفق ‪ %4.7‬من دخلها القومي على البحث‬ ‫العلمي‪ ،‬بينما تنفق الدول العربية ‪ %0.2‬من إنتاجها القومي‬ ‫على البحث العلمي‪ ،‬كما يقدر عدد براءات االختراع املسجلة‬ ‫إلسرائيل ‪ 16805‬براءة اختراع‪ ،‬بينما سجل العرب كافة ‪836‬‬ ‫املكتبات والوعي الثقافي‪:‬‬ ‫ب��راءة اختراع‪ ،‬أما على صعيد البحوث املنشورة لكل مليون‬ ‫نسمة فتقرير التنمية اإلنسانية العربية (‪ )2002‬يوضح‬ ‫إن الدول املتقدمة لم تقفز نحوالعصر اإللكتروني من مربع‬ ‫اإلحصائيات من خالل اجلدول اآلت‪:‬‬ ‫األمية‪ ،‬بل أنها فعلت ذلك على ضوء حتوالت معرفية متالحقة‬ ‫قادت إلى ثورات في البنى واألنساق املختلفة‪ ،‬وهذا بالضبط‬ ‫نسبة األبحاث املنشورة‬ ‫اسم الدولة‬ ‫ً‬ ‫ما لم نعرفه نحن الذين نقفز عاليا ولكن على أرضية هشة‪،‬‬ ‫‪%43‬‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫حيث يشير التقرير العربي األول للتنمية الثقافية(‪ )2008‬إلى‬ ‫‪%38‬‬ ‫إسرائيل‬ ‫األرقام على صعيدي القراءة في املطبوعات ونتائجها املرعبة‬ ‫جلهة تدهور التوجه نحوالقراءة في املجتمعات العربية‪ ،‬وفيما‬ ‫‪%0.53‬‬ ‫الكويت‬ ‫يلي عرض ألبرز احلقائق‪:‬‬ ‫‪20‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫ عدد سكان املنطقة العربية يقارب ‪ 324‬مليون نسمة‪.‬‬‫‪ -‬تعداد طلبة اجلامعات يصل إلى ‪ 7.2‬مليون طالب‪.‬‬

‫‪ -‬الكتاب األوفر حظاً يطبع ما بني ‪ 3000-1500‬نسخة‪.‬‬

‫ الكتب النادرة التي تطبع ‪ 5000‬نسخة ال يتجاوز عدد‬‫أصحابها عدد أصابع اليدين على امتداد املنطقة العربية‪.‬‬ ‫ كمية الطباعة ال تعني كمية التوزيع‪.‬‬‫ اقتناء الكتب ل��م يعد ف��ي م��وازن��ة األس���رة مهما كانت‬‫قدراتها‪.‬‬ ‫ حرارة األحداث السياسية واألمنية في بالدنا ومنطقتنا‬‫يفترض أن تدفع إلى اإلقبال على القراءة وليس اإلحجام‪.‬‬

‫وجه األزمة‪:‬‬ ‫إن األزم��ة الثقافية تبدأ من األس��رة‪ ،‬وتتفاقم في مقاعد‬ ‫الدراسة وتتجلى بوضوح في السوق واالقتصاد‪ ،‬وبالنتيجة‬ ‫تتفاعل العوامل الثقافية مع العوامل التربوية لتبني مواطناً‬ ‫عربياً ال يتمتع بالفضول املعرفي وال يتقن مهارات التفكير‬ ‫واإلبداع‪ ،‬يطالع الصحف فقط ملعرفة آخر األخبار السياسية‬ ‫والرياضية وعندما ي��ح��اول ال��ق��راءة ال يجد الكتب الشيقة‬ ‫باللغة العربية‪ ،‬ناهيك عن الغياب شبه الكامل لالهتمام بأدب‬ ‫األطفال واملراهقني على الرغم من أن غالبية سكان الوطن‬ ‫العربي حتت عمر‪ 18‬سنة‪ .‬وإذا كانت مقولة غولدا مائير أن "‬ ‫العرب ال يقرؤون‪ ،‬وإذا قرؤوا ال يفهمون‪ ،‬وإذا فهموا ال يفعلون"‪،‬‬ ‫لم تلق قبوالً لدى مالك بن نبي حيث يرى أن ترديدها يعد‬ ‫قابلية لالستعمار‪ ،‬إال أننا بال شك أمام أزمة ثقافية وحضارية‬ ‫لها أبعادها االقتصادية‪ ،‬والتكنولوجية‪ ،‬واملجتمعية‪ ،‬وفيما يلي‬ ‫ع��رض موجز لهذه األبعاد كما يراها أحمد جميل حمودي‬ ‫(‪.)2009‬‬

‫إن املفارقة التي تشهدها أمتنا العربية هي التراجع املدوي‬ ‫ّ‬ ‫في معدالت القراءة مقابل زيادة عدد السكان ونسبة املتعلمني‪،‬‬ ‫وال شك أن تراجع ال��ق��راءة كما ي��راه زهير ه��واري (‪)2010‬‬ ‫يعني تراجعاً في تنمية الوعي املعرفي‪ ،‬وبالتالي تدهوراً في‬ ‫البعد االقتصادي‪:‬‬ ‫مستوى االستعداد الفكري واملجتمعي عن اإلسهام في التنمية‬ ‫تشير اإلحصائيات إلى أن ‪ 70‬مليون عربي حتت خط الفقر‪ ،‬كما‬ ‫البشرية وتأخيراً لتحقيق النهوض الذي بات يعادل حياة األمة‬ ‫أن ظاهرة الفقر في مصر أواخ��ر اخلمسينيات أقل مما عليه في‬ ‫أوموتها‪.‬‬ ‫منتصف السبعينيات‪ ،‬أما في اليمن فيتعرض كل طفل من عشرة‬ ‫أطفال إلى الوفاة قبل سن اخلامسة (معدل وفيات األطفال حتت‬ ‫أمة اقرأ‪ ....‬ال تقرأ‪ ..‬الواقع وأسبابه‪:‬‬ ‫سن اخلامسة يعد من أهم مؤشرات الفقر)‪.‬‬ ‫لقد انطلقت أول حملة في العالم اإلسالمي حملواألمية في‬ ‫أما عن التفاوت في الدخل لبلدان العالم العربي فإن متوسط‬ ‫عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بأن يفدي كل أسير من دخل الفرد في قطر عام (‪ 70 )2008‬ألف و‪ 650‬ودوالر سنوياً‪ ،‬أما‬ ‫أسرى بدر نفسه بتعليم عشرة من الصحابة القراءة والكتابة‪ ،‬في اليمن على سبيل املثال فيصل إلى ‪ 870‬دوالر سنوياً‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من كثرة احلديث عن أمية استخدام احلاسوب‬ ‫من خالل احلقائق واإلحصائيات السابقة نطرح التساؤالت اآلتية‪:‬‬ ‫في القرن الواحد والعشرين‪ ،‬فإن حقائق األرق��ام في العالم هل الرفاهية شرط ملمارسة القراءة أم نتيجة طبيعية؟ ملاذا األجيال‬ ‫العربي تثبت وجود ‪ %20.4‬من سكانه (‪65‬مليون بالغ) أميني اجلديدة تقرأ في بداية حياتها ثم تتوقف بعد ذلك؟‬ ‫إن رف��ع شعارات ال��ق��راءة للجميع ال يتحمله بلد يعيش‪ %50‬من‬ ‫باملعنى التقليدي‪ ،‬أي ال يعرفون القراءة والكتابة‪ ،‬وبالتالي نسبة‬ ‫األمية تعكس ت��ردي وض��ع ال��ق��راءة في الوطن العربي‪ ،‬وهذا سكانه حتت خط الفقر‪ ،‬فاألولى من وجهة نظر أحمد جميل حمودي‬ ‫مؤشر يوضح ارتباط القراءة بوعي الشعوب إلى درجة كبيرة‪ )2008( ،‬أن نرفع شعار اخلبز مع الكرامة للجميع‪.‬‬ ‫البعد التكنولوجي‪:‬‬ ‫حيث يقدر متوسط القراءة لكل فرد في العالم العربي ‪ 6‬دقائق‬ ‫إن النشر اإللكتروني ‪ -‬والذي يقصد به إنتاج وإدارة وإتاحة وتداول‬ ‫في السنة‪ ،‬بينما متوسط ق��راءة الفرد في العالم الغربي‪12‬‬ ‫ألف دقيقة في السنة‪ ،‬كما يصدر العالم العربي ‪ 1650‬كتاباً املعلومات بأشكالها املختلفة من نصوص ورسوم وصور وفيديووصوت‬ ‫سنوياً‪ ،‬بينما تصدر أمريكا فقط ‪ 85‬ألف كتاباً سنوياً‪ ،‬وقد في شكل إلكتروني باستخدام امكانيات جهاز الكمبيوتر وتوزيعها عبر‬ ‫وسائط إلكترونية كاألقراص املدمجة أومن خالل شبكات اإلنترنت‬ ‫أثبتت بعض الدراسات أن تفوق الطالب في املواد الدراسية‬ ‫ متيز بسمات جت��اوزت املعوقات التي يعاني منها الكتاب ومن‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫في املرحلة الثانوية يرتبط ارتباطا وثيقا بشغفه القرائي‪ ،‬أهمها‪ :‬التفاعلية‪ ،‬والالتزامنية‪ ،‬والقابلية للنقل والتحويل‪ ،‬والعاملية‬ ‫كما أن القراءة متكن األفراد من حتمل الصدمات واملشكالت أوالكونية في التوزيع‪ ،‬وإمكانية التعديل والتحديث‪ ،‬واالقتصادية في‬ ‫الشخصية من دون تأثر إمكانياتهم األكادميية‪.‬‬ ‫املال واجلهد‪ ،‬والوقت واحلفظ‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪21‬‬


‫كما يشير تقرير التنمية اإلنسانية العربية (‪ )2001‬إلى نسبة‬ ‫العرب الذين يستخدمون اإلنترنت ‪ %5.6‬من مجموع سكان البالد‬ ‫العربية‪ ،‬أما في أمريكا فتصل نسبة املستخدمني لإلنترنت ‪ %54‬من‬ ‫مجموع سكانها‪.‬‬

‫ذلك فهومستهلك للحضارة ال صانع لها‪ ،‬يعيش على الهامش‪ ،‬فالقرآن‬ ‫الكرمي يربط بني عمارة األرض واألخذ بهدي األنبياء عليهم السالم‪،‬‬ ‫كما أن البعد عن ه��ذا الهدي السماوي يجلب التعاسة واحلروب‬ ‫وسقوط احلضارة‪ ،‬يقول تعالى‪َ {:‬و َض َر َب ال َّلهُ َم َثلاً َق ْر َي ًة َكان َْت ِآمن ًَة‬ ‫ُم ْط َم ِئن ًَّة َي ْأ ِتي َها ِر ْز ُق َها َر َغ ًدا ِم ْن ُك ِّل َم َك ٍان َف َك َف َر ْت ِبأَن ُْع ِم ال َّل ِه َفأَ َذا َق َها‬ ‫اس الجْ ُ ِوع َوالخْ َ ْو ِف بمِ َ ا َكانُوا َي ْصن َُعو َن }(النحل‪:‬آية ‪)112‬‬ ‫ال َّلهُ ِل َب َ‬

‫إن التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية (‪ )2010‬تناول البحث‬ ‫في عالقة التقنية بالثقافة والقراءة‪ ،‬وقد رصد أهمية املكون التربوي‬ ‫إن قصص القرآن في مجملها تكشف كيف تقدمت األمم وتوسعت‬ ‫في التنمية الثقافية املعلوماتية إضافة إلى تدهور حالة التعليم بشكل‬ ‫ع��ام وتدني استخدام التقنيات املعلوماتية احلديثة في املدارس احل��ض��ارات‪ ،‬ون��ش��أت النهضة‪ ،‬ح�ين أخ��ذت بهدي السماء‪ ،‬وماذا‬ ‫وأنظمة التعليم ألسباب متعددة تعكس حالة املجتمعات العربية بشكل أصابها من تأخر وفساد وسقوط للحضارة حني تركت شرع الله‪،‬‬ ‫تام‪ ،‬وكذلك ضعف املواقع الثقافية والتعليمية العربية وبعدها عن وفضلت عليه شرائع وضعية ( نعمان السامرائي‪.)2001‬‬ ‫الفاعلية واحليوية واإلث��راء للقارئ والباحث العربي‪ ،‬وأيضاً إهمال‬ ‫شروط ومظاهر النهضة‪:‬‬ ‫اللغة العربية في القراءة الرقمية وعدم االكتراث بتعزيز دورها كوعاء‬ ‫إن املسلك األمثل والطريق الفعال الوحيد ملتابعة مسيرة تقدم ال‬ ‫للثقافة العربية‪.‬‬ ‫يتهددها خطر االندفاع ميكن حصوله إذا حتقق اآلتي‪:‬‬ ‫البعد املجتمعي‪:‬‬ ‫ال��ب��ع��د االس��ت��رات��ي��ج��ي‪ :‬إن اإلع����داد والتخطيط االستراتيجي‬ ‫يلعب البعد املجتمعي متمث ً‬ ‫ال في العادات والتقاليد دوراً واضحاً للمستوى املأمول من النهضة متمث ً‬ ‫ال برؤية ورسالة وأهداف حتددها‬ ‫في حتديد مستوى القارئ العربي ففي حني يقرأ الطفل األمريكي ثقافة وعقيدة املجتمع‪ ،‬يتيح الفرصة جلودة التخطيط ألنظمة احلكم‬ ‫نحو‪ 6‬دقائق في اليوم‪ ،‬يقرأ الطفل العربي ‪ 7‬دقائق في السنة‪ ،‬وهذا والسياسة وتهيئتها لقيادة هذه النهضة املتمثلة بالزعماء والعلماء‬ ‫التفاوت الكبير في العادات والتقاليد إضافة إلى ما يالحظ من ثقافة فهي النخبة القليلة التي سبق ذكرها واآلمال معقودة عليها‪.‬‬ ‫القراءة قبل النوم املنتشرة في العالم الغربي ودور مجموعات القراءة‬ ‫إع��داد الفرد إلنتاج املعرفة املرتبطة بحاجات املجتمع احلالية‬ ‫يعطي صورة واضحة عن دور البعد املجتمعي في واقع القرائية في واملستقبلية‪ :‬وه��ذا من خ�لال إع��داد الفرد معلماً ك��ان أم متعلماً‬ ‫العالم العربي‪.‬‬ ‫معرفياً ومهارياً ووجدانياً‪ ،‬فحظ التعليم مكفول للفرد في ظالل‬ ‫املسجد ودوره الغائب‪:‬‬ ‫التربية اإلسالمية‪ ،‬فليس في اإلسالم سن معني ينتهي عنده طلب‬ ‫يفترض باملسجد أن يكون املقر األول لكل نهضة وإص�لاح في العلم‪ ،‬بل ال يزال املسلم يتعلم من املهد إلى اللحد‪.‬‬ ‫إطار األمة اإلسالمية‪ ،‬والنظرة الواعية إلى مراحل الدعوة اإلسالمية‬ ‫تاريخياً تبني أهمية دور املسجد ورسالته العظيمة في بناء األمة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وم��ا ارت��ب��اط تاريخ األم��ة اإلسالمية باملسجد ارتباطاً‬ ‫وثيقاً إال دليل على عدم اقتصار دور املسجد على أداء الصلوات‬ ‫اخلمس فقط بل تعداه إلى صناعة املسلم املتكامل البناء واملساهم‬ ‫في النهضة‪ ،‬ويأتي التساؤل في نهاية هذه املقدمة عن دور املسجد‬ ‫وي��وض��ح محمد قطب (‪ )1979‬مالمح ص��ورة ه��ذا اإلن��س��ان الصالح‬ ‫الرائع في نهضة األمة؟ ليعيدنا إلى الواقع األليم مرة أخرى‪ ،‬وهوما الذي تنشئه التربية اإلسالمية الصحيحة فهو‪ :‬إنسان عابد‪ ،‬والعبادة هي‬ ‫مدى فعالية دور املسجد في تزويدنا بصانعي النهضة؟‬ ‫منهاج حياته كلها‪ ،‬وهومؤمن قوي في كل حاالته‪ ،‬مستقل ومتوازن‪ ،‬تلمح‬

‫ففي التربية اإلسالمية تنمى مواهب الفرد واستعداداته لتخدم‬ ‫غاية الوجود اإلنساني كما حددها الله على املعنى الواسع الشامل‬ ‫للعبادة‪ ،‬فهي تشمل اخلالفة في األرض على أساس القيم واملبادئ‬ ‫التي تليق باإلنسان‪ ،‬وعلى أساس إقامة احلق والعدل الربانيني في‬ ‫واقع األرض(آمال املرزوقي‪.)1982‬‬

‫كيف ميكن لبشائر النهضة أن تلوح في األفق‪:‬‬ ‫إن ال���ه���دف األس���م���ى خل��ل��ق اإلن���س���ان ه��وإع��م��ار األرض‪ ،‬قال‬ ‫تعالى‪َ {:‬و ِإ َلى َث ُمو َد أَخَ ُاه ْم َصالحِ ً ا َق َ‬ ‫ال َيا َق ْو ِم ْاع ُب ُدوا ال َّل َه َما َل ُك ْم ِم ْن‬ ‫اس َتغْ ِف ُرو ُه ُث َّم ُتو ُبوا‬ ‫است َْع َم َر ُك ْم ِفي َها َف ْ‬ ‫ِإ َل ٍه َغ ْي ُر ُه ُه َو أَن َْشأَ ُك ْم ِمنَ الأْ َ ْر ِض َو ْ‬ ‫يب}(هود‪:‬آية ‪ ،)61‬وعمارة األرض تتطلب‬ ‫يب ُم ِج ٌ‬ ‫ِإ َل ْي ِه ِإنَّ َر ِّب��ي َق ِر ٌ‬ ‫معرفة جيدة بعلوم "احلياة" التي تتطور يوماً بعد يوم‪ ،‬فعلى كل من‬ ‫يهتم بعمارة األرض أن يواكب تطور العلوم والصناعات كي يستطيع‬ ‫اإلعمار‪ ،‬إن عمارة األرض أوصنع احلضارة‪ ،‬يتطلب الكد والكدح‪،‬‬ ‫والسهر املتواصل‪ ،‬واألخذ بناصية العلوم والصناعات‪ ،‬ومن ال يحسن‬ ‫‪22‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫االعتدال في سلوكه وفي فكره وشعوره‪ ،‬فهوقوة فاعلة في واقع األرض‪،‬‬ ‫وفي ملخص القول‪ ،‬هوإنسان يعيش بأقصى طاقته في عالم الواقع ويحاول‬ ‫في الوقت ذاته أن يحقق املثال‪ ،‬وال انفصال في نفسه وال في عامله بني‬ ‫الواقع واملثال‪.‬‬

‫وهذا هوالدور اإلنساني لهذه النهضة‪ ،‬ليسهم في صناعتها كل إنسان‬ ‫غيور على مصلحة أمته‪ ،‬كما ال نغفل عن تنشئة الفرد على احلرية والعدالة‪،‬‬ ‫وتعزيز الهوية احلضارية فهي شرط أساسي لتحقق النهضة‪ ،‬فتظهر يقظة‬ ‫الفرد على شكل حتول إيجابي يكشف عن وعيه بدوره جتاه مجتمعه‪.‬‬ ‫البعد القيمي‪ :‬إن القيم حني حتل في النفس حلوالً إيجابياً يكون حلولها‬ ‫دافعاً نفسياً قوياً للتحضر والتغلب على املصاعب‪.‬‬


‫ويذكر مالك بن نبي في كتابه ميالد مجتمع املشار إليه في نعمان‬ ‫السامرائي (‪ )2001‬أن احلضارة تبدأ روحية نشطة‪ ،‬يعمل أصحابها بجد‬ ‫وإخالص ونكران ذات فتحقق إجنازات كبيرة ثم يعقب ذلك مرحلة عقالنية‬ ‫تفلسف املرحلة السابقة‪ ،‬يلي ذلك مرحلة ثالثة تثور فيها الغرائز‪ ،‬فتتفسخ‬ ‫احلضارة وتسقط‪.‬‬ ‫يقظة الفرد والدافع النهضوي‪ :‬قد تتوفر لإلنسان إمكانات كبيرة لكنه‬ ‫ال يتحرك وال يستغل هذه اإلمكانات‪ ،‬وقد تكون الفرص قليلة واإلمكانات‬ ‫كذلك ولكن قوة في نفس اإلنسان تدفعه للعمل والتشبث‪ ،‬وما يصدق على‬ ‫األفراد يصدق على الشعوب‪ ،‬فها هي اليابان قد جتاوزت شح البالد وقلة‬ ‫اخليرات ألنها صممت على صعود سلم التحضر في زمن قياسي‪ ،‬بينما‬ ‫جند ب�لاداً فيها كثير من اخليرات وهي ت��راوح مكانها‪ ،‬بل قد تسير إلى‬ ‫اخللف في مؤخرة القافلة‪ .‬وبالتالي يشكل الوعي بالذات والقدرة على‬ ‫تبصر أصالة املاضي وربطها باملعاصرة‪ ،‬والتسلح بالعلم واملعرفة (علوم‬ ‫الدنيا والدين) طريقاً حتمياً للنهضة‪.‬‬

‫اليقظة املجتمعية‪ :‬يطرح املفكر مالك بن نبي فكرة ملخصها أن النهضة‬ ‫تبقى وتعيش وتستمر ما دامت شبكة العالقات االجتماعية سليمة قوية‪ ،‬أما‬ ‫إذا تفككت الشبكة نهائياً فذلك يعد إيذاناً بهالك املجتمع وحينئذ ال يبق‬ ‫منه غير ذكرى مدفونة في كتب التاريخ‪.‬‬ ‫دراسة أثر النهضة على املجتمعات‪ :‬ومنها رفاهية املجتمع ومنوه مقارنة‬ ‫ببقية األمم والتأكيد على احلاجيات والضروريات للمجتمعات املسلمة‪.‬‬ ‫نبذ التطرف وتقبل التنوع واالختالف واعتماده أساس ًا للثراء وليس‬ ‫للتناحر‪.‬‬ ‫البعد القيادي‪ :‬حتتاج األمة لطاقات بشرية تقود مشروع النهضة‪.‬‬ ‫التنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫ورقة عمل مقدمة إلى املؤمتر الدولي السابع للمنتدى العاملي للوسطية‬ ‫وحتت شعار( الوسطية اإلسالمية‪ :‬املفهوم‪ ،‬التحديات‪ ،‬األدوار)‪/‬صنعاء‬ ‫‪. 2010/5/20-19‬‬

‫ ‬ ‫املراجع‪:‬‬ ‫آم����ال ح��م��زة املرزوقي(‪.)1982‬النظرية‬ ‫ال��ت��رب��وي��ة اإلس�لام��ي��ة وم��ف��ه��وم الفكر التربوي‬ ‫الغربي‪ ،‬دار تهامة‪ ،‬جدة‪،‬السعودية‪.‬‬ ‫أح��م��د ج��م��ي��ل ح���م���ودي (‪.)2009‬ال�����ق�����راءة‬ ‫للجميع أم اخلبز للجميع‪ ،‬واق��ع القرائية في‬ ‫العالم العربي‪ -‬مقاربة ذاتية‪.‬‬ ‫ال��ت��ق��ري��ر ال��ع��رب��ي األول للتنمية الثقافية‬ ‫(‪ .)2008‬إص����دارات مؤسسة الفكر العربي‪،‬‬ ‫بيروت‪،‬لبنان‪.‬‬ ‫التقرير ال��ع��رب��ي ال��ث��ان��ي للتنمية الثقافية‬ ‫(‪ .)2010‬إص����دارات مؤسسة الفكر العربي‪،‬‬ ‫بيروت‪،‬لبنان‪.‬‬ ‫تقرير التنمية اإلنسانية العربية (‪.)2001‬‬ ‫مساهمة التقنيات احلديثة في خدمة التنمية‬ ‫ال��ب��ش��ري��ة‪ ،‬ب��رن��ام��ج األمم امل��ت��ح��دة اإلمنائي‪،‬‬ ‫ال����ص����ن����دوق ال���ع���رب���ي ل��ل�إمن����اء االق���ت���ص���ادي‬ ‫واالجتماعي‪.‬‬ ‫تقرير التنمية اإلنسانية العربية (‪.)2002‬‬ ‫خلق الفرص لألجيال القادمة‪ ،‬برنامج األمم‬ ‫املتحدة اإلمن��ائ��ي‪ ،‬ال��ص��ن��دوق العربي لإلمناء‬ ‫االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬ ‫تقرير التنمية اإلنسانية العربية (‪.)2003‬‬ ‫نحوإقامة مجتمع املعرفة‪ ،‬برنامج األمم املتحدة‬

‫اإلمنائي‪ ،‬الصندوق العربي لإلمناء االقتصادي‬ ‫واالجتماعي‪.‬‬ ‫جمال الدين إبراهيم محمود (‪ .)1997‬تقومي‬ ‫أثر منهج الدراسات االجتماعية للصف األول‬ ‫اإلع���دادي ف��ي تنمية املواطنة ل��دى التالميذ‪،‬‬ ‫رس��ال��ة ماجستير غير م��ن��ش��ورة‪ ،‬جامعة عني‬ ‫شمس‪.‬‬ ‫زه��ي��ر ه�����واري (‪ .)2010‬ت���راج���ع القراءة‬ ‫ب��أن��واع��ه��ا أح���د امل���ؤش���رات‪ :‬امل��ن��ط��ق��ة العربية‬ ‫بعيداً عن القرية الكونية‪ ،‬مجلة متابعات‪،‬العدد‬ ‫‪ ،13،14‬مؤسسة الفكر العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫سعيد إسماعيل علي (‪ .)2008‬الفساد في‬ ‫التعليم‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫شوقي ضيف (‪ .)1991‬دراسات في التربية‬ ‫اإلسالمية ‪ ،‬مكتبة ضيف‪ ،‬البر الشرقي‪ ،‬شبني‬ ‫الكوم‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫عبد اخلالق يوسف سعد (‪ .)2006‬تنمية‬ ‫قيم املواطنة لدى تالميذ التعليم األساسي في‬ ‫ضوء خبرات بعض ال��دول‪ ،‬مجلة دراس��ات في‬ ‫التعليم اجلامعي‪ ،‬العدد ‪ ،12‬ص‪.426-366‬‬ ‫عبد الناصر م��وس��ى أبوالبصل (‪.)2005‬‬ ‫حت��دي��ات ت��أه��ي��ل ال��ع��ق��ل امل��س��ل��م ف��ي املشروع‬ ‫احلضاري‪،‬ثقافتنا‪ ،‬العدد‪.8‬‬

‫علي القريشي (‪ .)2008‬توطني العلوم في‬ ‫اجلامعات العربية واإلسالمية‪ -‬رؤية ومشروع‪،‬‬ ‫ك��ت��اب األم���ة‪ ،‬ال���ع���دد‪ ،125‬وقفية الشيخ علي‬ ‫بن عبد الله آل ثاني للمعلومات والدراسات‪،‬‬ ‫قطر‪.‬‬ ‫فتحي امل��ل��ك��اوي(دون ت��اري��خ)‪ .‬اإلط��ار العام‬ ‫لنظام تعليمي إسالمي الوجهة واملسار‪ :‬رؤية‬ ‫شخصية‪ ،‬ورق��ة عمل مقدمة ضمن فعاليات‬ ‫ندوة التأصيل اإلسالمي للنظم التعليمية‪.‬‬ ‫م��ح��م��د ق��ط��ب (‪ .)1979‬م��ن��ه��ج التربية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ، 4‬دار الشرق‪،‬القاهرة‪.‬‬ ‫م��ح��م��د ص���ب���ري احل�������وت؛ ن���اه���د عدلي‬ ‫ش��اذل��ي (‪ .)2007‬التعليم وال��ت��ن��م��ي��ة‪ ،‬مكتبة‬ ‫االجنلواملصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫محمد الكتاني (‪ .)2004‬منظومة القيم‬ ‫امل��رج��ع��ي��ة ف���ي اإلس��ل��ام‪ ،‬م��ن��ش��ورات املنظمة‬ ‫اإلس�ل�ام���ي���ة ل��ل��ت��رب��ي��ة وال���ع���ل���وم وال���ث���ق���اف���ة –‬ ‫ايسيسكو‪.‬‬ ‫نعمان عبد ال���رزاق ال��س��ام��رائ��ي (‪.)2001‬‬ ‫نحن واحل��ض��ارة والشهود‪ ،‬كتاب األمة‪،‬العدد‬ ‫‪ ،80‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بدولة‬ ‫قطر‪.‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪23‬‬


‫وسطيتنا‬

‫الفكر الوسطي يف الجزائر ‪:‬‬ ‫الجذور ‪ ،‬الدعائم واآلفاق‬ ‫�أ‪ .‬حممد جـرادي‬ ‫ل��ق��د ج��م��ع ال��ف��ت��ح اإلس�لام��ي ب��ب�لاد امل��غ��رب األوسط‬ ‫"اجلزائر" بني أبناء "يعرب" الفاحتني وأبناء "مزيغ" "ثم دأبت‬ ‫القرون متزج بينهم في الشدة والرخاء‪ ،‬وتؤلف بينهم في العسر‬ ‫وتوح ُدهم في ال��س��راء وال��ض��راء ‪ ،‬حتى َك َّ��ون ْ��ت منهم‬ ‫واليسر‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫‪1‬‬ ‫عنصر ًا مسلم ًا جزائري ًا ‪ ،‬أمه اجلزائر وأبوه اإلسالم" ‪ ،‬وتوالت‬ ‫األجيال ال يجد بعضها على بعض من فضل إال بالتقوى ‪.‬‬ ‫لذلك حينما ُقدِّر على بالد املغرب أن تنبت فيها بعض‬ ‫األفكار املغالية‪ ،‬والعقائد املتطرفة وتقوم بها دول‪ ،‬لم جتد لها‬ ‫الرواج اجلماهيري‪ ،‬و ُقوبلت تلك األفكار واملعتقدات بالرفض‪،‬‬ ‫فلم تلبث أن اندحرت أواندثرت‪.‬‬

‫على الرغم من أن املغاربة قا َو ُموا الفتح اإلسالمي بحدة‬ ‫وواجهوه بعنف ‪ ،‬في بادئ األمر‪ ،‬اعتداداً بشخصيتهم‪ ،‬وتعلقاً‬ ‫بأرضهم‪ ،‬ودفاعاً عن معتقداتهم الوثنية أواملسيحية‪ ،2‬لكن‬ ‫ما أن متكن اإلس�لام من قلوبهم وارت���وت به أرواح��ه��م حتى‬ ‫انقادوا حلكمه‪ ،‬وانخرطوا في جيشه‪ ،‬وحملوا ل��واء الدعوة‬ ‫كان هذا شأن ثالث جتارب تاريخية‪:‬‬ ‫إليه‪ ،‬فكان منهم اجلنود والقادة في نقل اإلسالم إلى ضفة‬ ‫األولى‪ :‬دولة بني مدرار اخلارجية ( ‪ 360 – 155‬هـ)‪ ،‬التي‬ ‫"صدروا" اإلسالم من خالل الرحالت‬ ‫املتوسط الشمالية ‪ ،‬كما‬ ‫َّ‬ ‫أسسها أبوالقاسم سمكوبن واس��ول بإقليم سجلماسمة من‬ ‫التجارية إلى البالد اإلفريقية الواقعة جنوب الصحراء‪.‬‬ ‫املغرب األقصى وشملت قسطاً من صحراء املغرب األوسط‪.‬‬ ‫يُصادفنا في ُكتب تاريخ التشريع فرضيات ِعدة لتفسير‬ ‫الثانية‪ :‬الدولة الرسمية ( ‪ 296 – 164‬هـ)‪ ،‬وهي إباضية‬ ‫سيطرة وتفرد مذهب اإلمام مالك الفقهي على بالد املغرب ‪،‬‬ ‫من أشهرها مالءمة املذهب لطبع املغاربة امليال إلى البساطة أسسها عبد الرحمن بن ُرستم باملغرب األوسط‪ ،‬وعاصمتها‬ ‫تيهرت‪ ،‬قبل أن تتالشى وينحصر بعض أتباعها بأحد األقاليم‬ ‫والوضوح‪ ،‬البعيد عن التكلُّف والتعقيد‪.3‬‬ ‫الصحراوية‪.‬‬ ‫وال يختلف املؤرخون في كون البداوة كانت الصفة الغالبة‬ ‫الثالثة‪ :‬الدولة الفاطمية الشيعية ( ‪ 567 – 297‬هـ )‪،‬‬ ‫على سكان املغرب‪ ،‬وإذا ما أخذنا بالنظرية اخللدونية في‬ ‫االجتماع‪ ،‬في أن أهل البدوأقرب إلى اخلير‪ ، 4‬من حيث أنه لم والتي قامت باملغرب األدنى ومتددت إلى األوسط ‪ ،‬قبل أن‬ ‫يجرِ فيهم من العوائد ما تفسد به فطرتهم‪ ،‬أمكننا القول بأن ترحل إلى مصر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كان تشبث املغاربة بالفهم الوسطي لإلسالم – عقيدة‬ ‫بساطة ساكنة املغرب األوسط أُشبِعت من سماحة اإلسالم ‪،‬‬ ‫فلم ت ُعد نفوسهم ُمه َّيئة للقبول بأي قدر من التطرف في الفهم وعبادة وعم ً‬ ‫ال – العامل األبرز النهزام مشاريع الغلووالتطرف‪،‬‬ ‫أوالسلوك‪.‬‬ ‫سواء كانت دينية أوسياسية‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫مبنطقة القبائل وحدها ‪ 120‬زاوية ‪ ،‬لم يَب َق منها بعد االستقالل‬ ‫دعائم الفكر الوسطي باجلزائر‬ ‫يذهب اإلمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور إلى أن (‪ )1962‬سوى عشرين‪.‬‬ ‫السماحة‪ ،‬وه��ي االع��ت��دال والتوسط أول أوص��اف الشريعة‬ ‫احلركة اإلصالحية‪:‬‬ ‫اإلسالمية وأكبر مقاصدها‪ ،5‬وم��ن ثَ��م تكون وسطية الفكر‬ ‫في ظل االحتالل الفرنسي‪ ،‬وم��ع مطلع القرن العشرين‬ ‫والعمل أص ً‬ ‫ال عاماً وقاعدة مطردة بني كل الشعوب التي تدين‬ ‫بدأت احلركة الوطنية في التشكل مبختلف توجهاتها‪ ،‬وكانت‬ ‫ْ‬ ‫باإلسالم‪ ،‬وضدها هوالشذوذ الطارئ الذي يُبحث عن علته‪.‬‬ ‫احلركة اإلسالمية اإلصالحية أحد أبرز مكوناتها‪ ،‬ممثلة في‬ ‫وم��ع ذل��ك ف��إن ثمة دع��ائ��م أسهمت ف��ي تكريس منهج‬ ‫جمعية العلماء املسلمني اجلزائريني‪ ،‬التي تأسست سنة ‪1931‬‬ ‫االعتدال والتوسط لدى اجلزائريني قدمياً وحديثاً‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫برئاسة اإلمام املصلح رائد النهضة اجلزائرية عبد احلميد‬ ‫بن بأديس‪ ،‬هذا الرجل يُعتبر بحق أحد رموز الفكر الوسطي‪،‬‬ ‫الوحدة الفقهية‪:‬‬ ‫حيث أ َّلف بني العقل والنقل‪ ،‬وجمع العلم مع العمل‪ ،‬ووازن بني‬ ‫م��ع��روف ع��ن ب�ل�اد ال��غ��رب اإلس�لام��ي واجل���زائ���ر منها‬ ‫ووحد بني االنتساب للقومية واالنتماء ُ‬ ‫لألمة ؛‬ ‫الروح واملادة‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫التزامها مذهبا فقهيا واح���دا ‪ ،‬هومذهب اإلم��ام مالك بن حارب تسلـط املستعمر‪ ،‬وقاوم غلواملتصوفة‪ ،‬وواجه تفريط‬ ‫أنس‪ ،‬ورغم بعض محاوالت التضييق عليه ومزاحمته من قِ بل العلمانية‪ .‬وآث��اره في التفسير واحلديث‪ ،‬وفتاواه في الفقه‪،‬‬ ‫الدولة ال ُعبيدية (الفاطميني) كما سبقت اإلشارة‪ ،‬أومن قِ بل وجهوده في الصحافة ناطقة بأن الرجل كان أ َّمة‪.‬‬ ‫بعض أمراء املوحدين الذين سعوا حلمل الناس على مذهب‬ ‫أما تالمذته فعرفهم العالم العربي سفراء نهج التوسط‬ ‫أهل الظاهر‪ ،6‬إال أنه لم يُكتب لها النجاح ‪.‬‬ ‫واالع���ت���دال‪ ،‬منهم م��ن ك���ادت شهرته تَ��فُ��و ُق ش��ه��رة الشيخ ‪،‬‬ ‫ويبرز دور الوحدة الفقهية في ُ‬ ‫ضعف التعصب املذهبي‪ ،‬كالف َ‬ ‫ُضيل ال�� َو ْرتِ�لان��ي واإلم���ام محمد البشير اإلبراهيمي‪،‬‬ ‫والذي عادة ما يشتد في املناطق ذات التنوع املذهبي ‪.‬‬ ‫واملفكر العربي واإلسالمي مالك بن نبي‪.‬‬ ‫ولم يكتف املغاربة بالوحدة الفقهية بل جمعوا إليها وِ حدة‬ ‫أما جمعيته التي أسسها فهي ال تزال جمعية وطنية ُمعتم َدة‪،‬‬ ‫املدرسة العقدية‪ ،‬حيث الزال أئمتهم منذ القدم يُؤث ُرون مذهب تواصل رسالتها‪ ،‬وينضوي حتتها َمن بقي من تالمذته‪ ،‬وأنصار‬ ‫أبي احلسن األشعري‪ .‬لذا جند من بني أبرز املُقررات الدراسية نهجه اإلصالحي من جيل الشباب‪.‬‬ ‫الفقهية على تالميذ املدارس الدينية منظومة املرشد املعني‬ ‫لعبد الواحد بن عاشر‪ ،‬وفي مطلعها يُحدد هذه األحاديات‬ ‫امللتقيات الفكرية ‪:‬‬ ‫املُك َّرسة لدى املغاربة بقوله ‪:‬‬ ‫دأبت وزارة الشؤون الدينية باجلزائر منذ سنة ‪ 1967‬على‬ ‫ْ‬ ‫وبعد فال َع ْونُ من الله ال َـم ِجيد‬ ‫تنظيم "ملتقى الفكر اإلسالمي" سنوياً ‪ ،‬يجتمع فيه أساطني‬ ‫العلم ورجال الفكر اإلسالمي من مختلف البالد – اإلسالمية‬ ‫في نظم أبيات لـ ُأل ِّمـي ُتفيد‬ ‫وغير اإلسالمية‪ -‬يبحث بجرأة ويُناقش بحرية تاريخ األمة‬ ‫وف ْقه مـالك‬ ‫في َع ْقد األشعري ِ‬ ‫وقضاياها الراهنة ‪ ،‬وحتدياتها املستقبلية‪.‬‬ ‫وفي َطـريقة ُ‬ ‫السـالك‬ ‫اجلنَيد َّ‬ ‫السنة ‪ 22‬سنة‪ ،‬استطاع امللتقى أن يبعث‬ ‫تلك‬ ‫استمرت‬ ‫ُّ‬ ‫فيها ويُ ِّ‬ ‫رشد في اجلزائر صحوتني‪ ،‬إحداهما ثقافية واألخرى‬ ‫املؤسسات الدينية‪:‬‬ ‫إسالمية ؛ فهذا الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – وقد‬ ‫لم يكن في اجلزائر مؤسسة مرجعية على غرار األزهر في كان أحد الوجوه البارزة في أغلب طبعات امللتقى ‪ ،‬يقول عنه‪:‬‬ ‫مصر أوالزيتونة في تونس أوالقرويني باملغرب‪ ،‬لكن مؤسسة ( يبدوأن ملتقى الفكر اإلسالمي في اجلزائر سيتحول على‬ ‫"الزوايا" املنتشرة في ربوع البالد‪ ،‬بنوعيها العلمية والصوفية مر األيام ‪ ،‬إلى مصدر من مصادر الثقافة اإلسالمية املعاصرة‬ ‫اضطلعت بدور مرجعي ‪ ،‬واملعروف من تاريخ الزوايا – وإن ‪ ،‬وإلى حركة حترير للمعرفة الدينية ‪ ،‬يشارك فيها كثير ممن‬ ‫وق��ع بعضها ف��ي ش��يء م��ن ال��ب��دع – أنها ل��م ت��ت��ورط ف��ي أي يُوثق بدينهم وأمانتهم العلمية وكفايتهم )‪.7‬‬ ‫تط ُّرف‪.‬‬ ‫هيئات وشخصيات‪:‬‬

‫وقد تفطن املستعمر الفرنسي لدورها الفاعل في احلفاظ‬ ‫على عناصر الهوية الوطنية والوحدة االجتماعية فعمل على‬ ‫ال يمُ كن احل��دي��ث ع��ن الفكر الوسطي ف��ي اجل��زائ��ر دون‬ ‫تقويضها وإضعاف دورها ‪ ،‬فعلى سبيل املثال َوجد املستعمر اإلشارة واإلشادة بجهود بعض الهيئات والشخصيات الدعوية‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪25‬‬


‫والعلمية والسياسية‪ ،‬وإن كان املقام ال يتسع لتفصيل احلديث وإذا جاز لنا اآلن أن نستشرف املستقبل‪ ،‬وقد جتاوزت اجلزائر‬ ‫عنها؛ ولعل أشهر من نرمز إليه في هذه ال ُعجالة ‪ :‬الشيخني محنتها‪ ،‬أمكننا القول أن مستقبل الفكر الوسطي ُم َطمئِن‪،‬‬ ‫محمد الغزالي ويوسف القرضاوي إبان وجودها في جامعة بالنظر إلى جملة من املؤشرات‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫األمير عبد القادر للعلوم اإلسالمية ‪ ،‬وإشرافهما على تخ ُّرج‬ ‫التجربة املريرة الدموية التي عاشتها اجلزائر– وهي تتعافى‬ ‫ً‬ ‫ُدفعاتها األول��ى‪ ،‬فضال عن نشاطهما الدعوي في املساجد‪ ،‬منها اآلن بعد قانون املصاحلة الوطنية الذي زكاه الشعب في‬ ‫ومن خالل احلصص اإلذاعية والتلفزية‪ ،‬واحتكاكهما بشباب‬ ‫كشفت إفالس كل مشاريع الغلووالتطرف‪،‬‬ ‫استفتاء ‪– 2005‬‬ ‫ْ‬ ‫الصحوة اإلسالمية ‪.‬‬ ‫أياً كان عنوانها أومصدرها‪.‬‬ ‫وكان لرجال السياسة نصيب‪ ،‬وأشهر من يُذكر فضيلة‬ ‫انعدام دواعي التطرف ومبرراته في ظل الهامش الواسع‬ ‫الشيخ محفوظ نحناح – رحمه الله‪ -‬وحزبه حركة مجتمع‬ ‫من احلريات السياسية والنقابية‪ ،‬وهوما سمح أيضاً بخلق‬ ‫السلم ‪ ،‬فقد كان حريصاً على اجلنوح بالشباب اجلزائري إلى‬ ‫‪ 8‬مجتمع م��دن��ي نشط ‪ ،‬متنوع األط��ي��اف ‪ ،‬وال��ف��ئ��ات ومتعدد‬ ‫السوي في السنوات التي تعالت فيها أصوات التطرف ‪.‬‬ ‫النهج َّ‬ ‫االجتاهات‪.‬‬ ‫ولم يكن فكر االعتدال والتوسط ِحكراً على التيار اإلسالمي ‪،‬‬ ‫نحن أمام جيل من األئمة واخلطباء والوعاظ‪ ،‬غالبيتهم‬ ‫فمن األحزاب الوطنية ورجالها أصحاب سبق ‪ ،‬ممن أُشبِعوا‬ ‫شباب متنور ‪ ،‬من خريجي اجلامعات ومعاهد التكوين‪ ،‬ممن‬ ‫بِقيم الثورة اجلزائرية ‪ ،‬وكان شعارهم الوفاء لشهدائها ‪.‬‬ ‫تأثروا بدعاة الوسطية‪ ،‬وانفتحوا على ثقافة العصر‪.‬‬ ‫آفاق الفكر الوسطي في اجلزائر‬ ‫القيمة الذاتية للفكر الوسطي‪ ،‬باعتباره األنسب للفطرة‬ ‫لقد عصفت باجلزائر أزمة حالكة بداية من سنة ‪ ، 1990‬البشرية واألكثر مالءمة للوضع العاملي‪ ،‬وما أفرزته العوملة‬ ‫هي صنيعة تطرفني؛ أحدهما إسالمي واآلخر منهما علماني‪ ،‬على الصعيدين السياسي واملعرفي ‪.‬‬

‫ ‬ ‫الهوامش واملراجع‪ :‬‬ ‫‪ -1‬الدكتور عمار طالبي ‪ ،‬ابن باديس حياته وآثاره ‪ ،‬الشركة اجلزائرية ‪ ،‬ط‪، 3‬‬

‫‪ : 1997‬جـ‪ / 3‬ص ‪. 483‬‬

‫‪ -7‬من كلمته اخلتامية للملتقى السادس عشر ‪ ،‬تلمسان ‪ ، 1982‬كتاب األصالة‬

‫‪ -2‬بدايات الفتح كانت سنة ‪ 22‬هـ ونهايته كانت بفتح األندلس سنة ‪ 92‬هـ ‪.‬‬

‫‪ :‬جـ‪ / 4‬ص‪. 464‬‬

‫‪ -3‬انظر ‪ :‬الدكتور عمر اجليدي ‪ ،‬محاضرات في تاريخ املذهب املالكي في‬

‫‪ -8‬انظر سلسلة مقاالته التي كان يوجهها إلى ما كان يسميه ( احلركة الواعية‬

‫‪ -4‬انظر ‪ :‬ابن خلدون ‪ ،‬املقدمة ‪ ،‬دار القلم ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ : 1989 ، 7‬ص ‪.123‬‬

‫‪:‬احلركة الواعية بني األصوليني واالستئصاليني ‪ ،‬احلركة الواعية بني احلناجر‬

‫‪ -5‬محمد الطاهر بن عاشور ‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬حتقيق ودراسة ‪:‬‬

‫ال��ص��ادق��ة واخل��ن��اج��ر احلالقة ‪ ،‬احل��رك��ة ال��واع��ي��ة ب�ين املنهج ال��دع��وي واملنهج‬

‫الغرب اإلسالمي ‪ ،‬منشورات عكاظ ‪ :‬ص ‪. 30‬‬

‫محمد الطاهر امليساوي ‪ ،‬دار النفائس ‪ ،‬األردن ‪ ،‬ط‪: 2001 ،2‬ص ‪. 268‬‬

‫‪26‬‬

‫‪ -6‬انظر ‪ :‬الدكتور عمر اجليدي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ :‬ص ‪. 55‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫) حتت عنوان ‪ :‬معاً محوالهدف ‪ ،‬والتي نذكر من عناوينها على سبيل التمثيل‬

‫الدموي‪.‬‬


‫وسطيتنا‬

‫الوسطية ومنطق إعذار املخالف يف‬ ‫الشريعة مدخل للوحدة اإلسالمية‬ ‫إذا كان الفتح األول له ظروفه وطبيعته فإن الوصال‬ ‫اليوم يتجدد على يد املجددين الكبار الذين أحيوا فكرة‬ ‫اجلامعة اإلسالمية وب��وج��ه خ��اص اإلم���ام جمال الدين‬ ‫األفغاني ومحمد إقبال وأبواألعلى املودودي ووحيد الدين‬ ‫خ��ان الذين أذن��وا من جديد لوصال جديد بني الشرق‬ ‫والغرب‪ ،‬وأحيوا ثقافة األمة الواحدة‪ ،‬وفي هذا الشرق‬ ‫العربي فإن كلمات محمد إقبال تتردد في كل أرض ويصل‬ ‫صداها في كل أفق وهي تتردد في مسمع شباب الصحوة‬ ‫اإلسالمية‪:‬‬ ‫الشاعر الهندي يهمس في أدب‬ ‫ ‬

‫إن لم يسؤكم يا سالطني العرب‬

‫كل الشعوب تعلمت من عندكم‬ ‫ ‬

‫سر ًا مليئ ًا بالعطاء وبالعجب‬

‫د‪ .‬حممد حب�ش‬

‫وهي الكلمات التي صارت أغنية يرددها شباب الصحوة دولة سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ملـوك العاملني‬ ‫اإلسالمية في العالم العربي‪:‬‬ ‫ن��ح��وه��ا ط��وع��ـ��ا ي���ـ���ؤدون اخلـراج‬ ‫ ‬ ‫دولــة تقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرأ في آياتـ ـ ـ ـ ــها‬ ‫أمة الصحـراء يا شعب اخللـود‬ ‫مظـهر ال��ع��ـ��زة وامل��ل��ك احلصني‬ ‫م��ن س��واك��ـ��م ح��ل أغ�ل�ال الورى ‬ ‫ ‬ ‫وكنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوز احلـق في طــياتها‬ ‫أي داع قبلكم في ذا الوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود‬ ‫دونها صـارت قلـوب العارفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــني‬

‫ص���اح ال ك��س��ـ��رى ه��ن��ا ال قيـصرا ‬ ‫ ‬ ‫نحن هنا اليوم في والدة فجر جديد لألمة تتعزز بها‬ ‫من سواكم في حديث أوقديـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫آمالها في لقاء النخب الثقافية من أجل بناء مستقبل مشرق‬ ‫اط��ل��ع ال���ق���رآن ح��ـ ً��ج��ا للـرشـاد‬ ‫ ‬ ‫يلتزم ثوابت شريعتها ويقتحم أسرار العالم اجلديد‪.‬‬ ‫هاتفً ا في مسمع الكـون العظيم‬ ‫لقد شهد التاريخ اإلسالمي حركات متتالية من النهضة‬ ‫ل��ي��س غ��ـ��ي��ر ال���ل���ه رب���ـ���ا للعــباد‬ ‫ ‬ ‫قام بها رجال شرفاء‪ ،‬وقد جنح عدد منها في بالغ الرسالة‬ ‫ال تقل أين ابتـكار املسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـمني‬ ‫وأخفقت حركات أخرى‪ ،‬وظلت شهادة التاريخ توحد اآلمال‬ ‫واشهد احلمراء واسأل حسن تاج لدى األمة من أجل األمل اجلديد‪.‬‬ ‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪27‬‬


‫ولكن حركات التحرر كانت دوم��اً تنتهي إلى أفق ضيق‬ ‫يلتزمه أصحاب املشروع التنويري مذهباً أوإقليماً أوعرقاً‬ ‫أوح��ت��ى طريقة تفكير‪ ،‬فتختنق اآلم���ال ف��ي شرنقة الذات‬ ‫ومتضي اآلمال الكبيرة في هذا الوعد احلق إلى أفق بعيد ال‬ ‫تستقيم فيه غاية وال رسالة‪.‬‬

‫إن مبدأ إع��ذار املخالف منطق قرآني ونبوي في آن‪،‬‬ ‫ورمبا كانت أبلغ كلمة في التعبير عنه هي تلك القاعدة النبوية‬ ‫الذهبية التي قررها الرسول الكرمي بقوله‪ :‬للمجتهد إن أصاب‬ ‫أجران وإن أخطأ أجر واحد‪.‬‬

‫وت��روج في اخلطاب اإلعالمي اليوم كلمات كثيرة ترسم‬ ‫مالمح املنجز الدميقراطي‪ ،‬ولكن الظن السائد اليوم أنها‬ ‫ومن هنا فإن احلديث عن تيار الوسطية هوانطالق من‬ ‫كلمات غريبة عن الثقافة العربية حتى إن نحت مصطلح عربي‬ ‫تلك االنتماءات الضيقة املبتورة إلى االنتماء إلى الدين احلق لهذه املفاهيم يبدوأمراً غير ميسور لكثير من الباحثني في‬ ‫واألفق األعلى الذي رسمه القرآن الكرمي يوم أعلن‪ :‬وال تقولوا حقل السياسة‪.‬‬ ‫ملن ألقى إليكم السالم لست مؤمناً‪.‬‬ ‫ال��رأي وال��رأي اآلخ��ر‪ ،‬والتعددية وحق االختالف‪ ،‬وحرية‬ ‫والوسطية ليست حزباً سياسياً وال جماعة دينية محددة وال الرأي وحرية الكلمة‪ ،‬وحق التعبير‪ ،‬وإعذار املخالف‪ ،‬تبدوفي‬ ‫هي مذهب فقهي وال هي حركة صوفية‪ ،‬إنها باختصار سواد الواقع منجزاً غربياً‪ ،‬وتبدوآثارها الزماً من األداء الغربي لفهم‬ ‫املسلمني األعظم الذين ال يضيفون إل��ى انتمائهم لإلسالم الدميقراطيات واحلريات‪ ،‬على أساس أن هذه املصطلحات‬ ‫أي انتماء آخر‪ ،‬وال يهدفون إلى اختزال األمة في تيار أولون إجن��از غربي دف��ع اإلن��س��ان ق���دراً غير قليل م��ن التضحيات‬ ‫التاريخية من أجل إقرارها‪ ،‬وبذل كثيراً حتى رسا عند هذا‬ ‫أومذهب أواجتاه وإمنا يقبلون إخوانهم من أبناء األمة أياً كان‬ ‫الشاطئ الذي يتيح قدراً أكبر من احلرية في إطار الفكر‪.‬‬ ‫اجتاههم في الفقه أوالعقيدة طاملا كان ذلك وفق أصول هذه‬ ‫وهنا أود القول أن هذه القاعدة احلضارية الذهبية تعرضت‬ ‫الشريعة وعلى هدى من غاياتها ومقاصدها‪.‬‬ ‫لالغتيال تاريخياً‪ ،‬وض��اق��ت بها ص��دور كثير م��ن أصحاب‬ ‫وهكذا فإن الوسطية ليست انشقاقاً جديداً في األمة‪ ،‬القرار الديني الرسمي‪ ،‬ومضى هؤالء في عكس حركة التاريخ‬ ‫ولن تكون إنها باختصار ذلك التيار الذي يؤمن بوحدة األمة حتى انتهوا إلى قواعد تتناقض متاماً مع هذا التوجه النبوي‬ ‫ويؤمن بحق االختالف ويؤمن بإعذار املخالف‪ ،‬ويلتمس لعلماء احلكيم‪ ،‬وتكرس للرؤية الفكرية األحادية املستبدة في غالب‬ ‫األحيان‪ ،‬حتى قررت قواعد مختلفة مثل‪:‬‬ ‫األمة سبيل الرشد‪.‬‬ ‫من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ‪ ،‬أجرؤكم‬ ‫وكلهم من رس ـ ــول الله ملتمس‬ ‫على الفتيا أجرؤكم على النار‪ ،‬قف على ما وقف عليه األولون‬ ‫غرف ًا من البحر أورشف ًا من الدمي‬ ‫ ‬ ‫فإنهم عن علم وقفوا‪ ،‬عليكم باألمر العتيق فقد كفيتم‪ ،‬وكل‬ ‫الوسطية تتجه إلى إحياء ثقافة الصحابة الكرام يوم كان خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف‪ ،‬العلم ما‬ ‫كان فيه قال حدثنا وما سوى ذاك وسواس الشياطني!!‪.‬‬ ‫املجتمع اإلسالمي يتسع حللم أبي بكر وشدة عمر وحياء عثمان‬ ‫وال شك أن هذه الصيغ ونظائرها حالت دون تقدم الفكر‬ ‫وبأس علي‪ ،‬ويوم كان يتسع لرخص ابن عباس وشدائد ابن‬ ‫عمر‪ ،‬ويوم كانت األمة تتقبل غنى ابن عوف وزهد أبي الدرداء‪ ،‬وأحبطت احملاوالت الرامية إلى تقدمي إجابات جديدة للمسائل‬ ‫التي لم يعد يقنع فيها اخلطاب القدمي‪.‬‬ ‫وقصر معاوية وكوخ أبي ذر‪ ،‬وفقه الشافعي واستحسان أبي‬ ‫وقد مضى االستبداد إلى ما هوأسوأ من ذلك حني قرر‬ ‫حنيفة ورواي��ة مالك وصرامة ابن حنبل‪ ،‬وورع الثوري ورأي‬ ‫أن أجر املخطئ املنصوص عليه إمنا هوملن أقر بخطئه أما‬ ‫ربيعة‪ ،‬يوم كان املجتمع اإلسالمي ربيعاً يطمئن فيه كل مؤمن‪،‬‬ ‫من اختار رأياً ثم لم يرجع فيه إلى خيار األمة (الذي هوخيار‬ ‫وفردوساً يأنس إليه كل تائه‪.‬‬ ‫ال مغروراً‬ ‫كل طرف من وجهة نظره) فإنه يصبح حينئذ جاه ً‬ ‫لن تستطيع األم��ة أن حتقق صعودها احل��ض��اري إال إذا أوعمي ً‬ ‫ال مأجوراً‪ ،‬وتتوالى عليه من بعد االتهامات املختلفة‪،‬‬ ‫استجمعت قوتها ووحدتها‪ ،‬ولكن هذه الوحدة ال تتأسس عبر وبذلك ف��إن سائر املخالفني هنا يزجون على دائ��رة التأثيم‬ ‫إلغاء اآلخرين وإلزام األمة على رأي واحد‪ ،‬بل يكون ذلك عبر والتجرمي والتخوين حتى يعودوا عن آرائهم‪ ،‬فإذا هم عادوا‬ ‫احترام عطاء كل مجتهد‪ ،‬وتطبيق وصية النبي األكرم صلى عن آرائهم ولزموا خيار املتغلب فقد صاروا أه ً‬ ‫ال لينالوا ثواب‬ ‫الله عليه وسلم‪ :‬للمجتهد إن أصاب أجران اثنان‪ ،‬وإن أخطأ املخطئ وأج���ره!! وهوعنت ال يتصور أش��د منه وال أقسى‪،‬‬ ‫فله أجر واحد‪ ،‬إنها احلقيقة التي حتدث عنها الفقهاء دوماً وهويطفئ بضراوة ضياء اإلشارة النبوية احلكيمة إلى فضيلة‬ ‫االجتهاد ولوكان خطأ‪.‬‬ ‫حتت عنوان إعذار املخالف‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وقد مضى املوقف السياسي من االجتهاد إلى مزيد من فريد‪ :‬اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فيه‬ ‫القمع والقهر‪ ،‬وسلطت األحكام القاسية الرهيبة حتت اسم فقوموا‪.‬‬ ‫مكافحة الزندقة‪ ،‬وتضمنت هذه األحكام السجن والصلب‬ ‫إن منطق اإلع����ذار هنا ي��ت��ن��اول مسألة ف��ي غ��اي��ة الدقة‬ ‫ً‬ ‫والسحل والقتل‪ ،‬وقد شهد تاريخ اإلس�لام عناء كبيرا ألهم واألهمية إنها مسألة النص القرآني ال��ذي هوجوهر وحدة‬ ‫رج��ال التاريخ اإلسالمي كأحمد بن حبنل واب��ن تيمية وابن األمة ومستقبلها‪.‬‬ ‫عربي وابن رشد واإلمام البخاري وآخرون كانوا يُضطهدون‬ ‫لقد ظل الفقهاء عبر التاريخ يختلفون ولكن يحترم بعضهم‬ ‫ألسباب مختلفة ورمبا متناقضة في كثير من األحيان حتت‬ ‫اسم احلفاظ على الدين وحماية الثوابت‪ ،‬وال أشك أبداً أن رأي بعض ويقول الشافعية ال��رأي عندنا كذا وعند السادة‬ ‫األي��ام التي حوكم فيها ه��ؤالء في ظل كهنوت ص��ارم تقوده احلنفية بخالفه‪ ،‬وت��ق��ول احلنفية ال���رأي عندنا ك��ذا وعند‬ ‫سياسة مستبدة كانت أياماً سوداء في تاريخ اإلسالم‪ ،‬وأرجوأن السادة املالكية بخالفه‪ ،‬وهكذا عند السادة احلنبلية واملالكية‬ ‫ندرك اليوم أنها كانت جرائم ينبغي التبرؤ منها أكثر مما هي في إع��ذار محترم‪ ،‬يرسم ثقافة التواصل والتكامل‪ ،‬ويؤصل‬ ‫لثقافة السعة والرحمة وهوما عبر عنه اإلمام العادل عمر بن‬ ‫ضرورات شرعية قضائية لم يكن ثمة بد منها‪.‬‬ ‫عبد العزيز بقوله‪ :‬ما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا‬ ‫ومن خالل متابعة سنة النبي الكرمي فإنه ميكنك أن تقف‬ ‫لولم يختلفوا لم تكن توسعة‪.‬‬ ‫مباشرة أمام موقفه في إع��ذار اآلخر املخالف‪ ،‬وهنا فإنني‬ ‫وبالتأكيد فإن ثقافة اإلع��ذار هذه هي التي أطلقت زند‬ ‫أكتفي باإلشارة إلى حديث األحرف السبعة الذي أقر فيه النبي‬ ‫الكرمي اختالفهم في قراءة القرآن الكرمي‪ ،‬على الرغم من دقة العقل ووفرت ظروف االجتهاد حتى مألت هذا املنجم الفقهي‬ ‫املسألة وحساسيتها‪ ،‬وهنا فإنني أميل إلى رأي الزمخشري الغزير الذي ننعم به اليوم‪ ،‬ونكتشف فيه كثيراً مما نحتاجه‬ ‫الذي قال فيه إن القراءات تدور مع اختيار الفصحاء ورأي ونأمله في إطار الفقه اإلسالمي وحلوله ومعاجلاته‪.‬‬ ‫البلغاء‪ ،‬وهوما ينسجم مع عبارتهم ال��واردة ألوف املرات بال‬ ‫إن جولة في منجم الفقه اإلسالمي الزاخر‪،‬تدعوك مباشرة‬ ‫حتفظ في كل كتاب قراءات حتت عنوان‪ :‬اختلف القراء في إلى إحياء ثقافة اإلعذار واحترام الرأي والرأي اآلخر‪ ،‬وهوما‬ ‫كذا‪...‬واختلفوا‪...‬واختلفوا‪ ،‬وهوفي الواقع األقرب إلى املنطق ميهد لقيام ثقافة إسالمية حقيقية إلط�لاق مجتمع يفقه‬ ‫والعقل‪ ،‬مع أن التأويل املشهور هنا ه��ورد رأي الزمخشري مراد قوله تعالى‪{ :‬وال تقولوا ملن ألقى إليكم السالم لست‬ ‫ووجوب اجلزم بأن سائر هذه االختالفات والقراءات املتواترة مؤمناً}‪.‬‬ ‫ورواياتها وطرقها التي تزيد على ألف طريق إمنا نشأت من‬ ‫إن حشد األق���وال في املسألة ال��واح��دة‪ ،‬وهوما ت��راه في‬ ‫ّ‬ ‫وجوه أق ّر بها الرسول الكرمي أوأذن بها‪ ،‬وهوما ال ميكن قبوله‬ ‫سائر الكتب األمهات في عصر املجد اإلسالمي‪ ،‬ال يراد منه‬ ‫إال بقدر غير قليل من التعسف والتكلف‪.‬‬ ‫بالضرورة السيرورة إلى رأي واح��د منها بوصفه أنه احلق‬ ‫قال عمر بن اخلطاب سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة املبطل ملا سواه بل إن الهدف في املقام األول االطالع على أداء‬ ‫الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فاستمعت الفقهاء الكرام والتخير من آرائهم مبا يناسب الزمان واملكان‪،‬‬ ‫لقراءته‪ ،‬فإذا هويقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله والعمل في النهاية تأكيد على مرونة الشريعة ومسايرتها‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكدت أساوره في الصالة‪ ،‬فتصبرت لألحداث ووعيها بالظروف والزمان واملكان‪ ،‬وتكوين مجتمع‬ ‫حتى سلم‪ ،‬فلببته بردائه فقلت‪ :‬من أقرأك هذه السورة التي التسامح واالح���ت���رام‪ ،‬وهواملجتمع ال���ذي أت���اح عبر التاريخ‬ ‫سمعتك تقرأ؟ قال‪ :‬أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬اإلس�لام��ي لكل ه��ذه اآلراء أن تتبيأ مكانها في جنة الفقه‬ ‫فقلت‪ :‬كذبت‪ ،‬فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها اإلسالمي وتنال شرف الرواية واإلسهام الفقهي في حلول‬ ‫على غير ما قرأت‪ ،‬فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى املسائل على الرغم مما حتمله من اختالف ظاهر‪ ،‬وهوطبيعة‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬فقلت‪ :‬إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان احلياة العلمية التي ال يتم اإلبداع فيها إال بعد أن يتاح للعقل‬ ‫على ح��روف لم تقرئنيها‪ ،‬فقال رس��ول الله صلى الله عليه أن يقول ما يعتقده هدى وصواباً ونوراً مهما كان هذا اخليار‬ ‫وسلم‪ :‬أرسله‪ ،‬اقرأ يا هشام‪ .‬فقرأ عليه القراءة التي سمعته مفارقاً ملا تعتقده العامة‪:‬‬ ‫يقرأ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬كذلك أنزلت‪ .‬ثم‬ ‫حول ذي حسن يدق‬ ‫رب قوم في اختالف ‬ ‫قال‪ :‬اقرأ يا عمر‪ .‬فقرأت القراءة التي أقرأني‪ ،‬فقال رسول‬ ‫وهوفي الواقع حـق‬ ‫يتجلى في اختالف ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬كذلك أنزلت‪.‬‬ ‫وفي الشأن السياسي فإن األمة اليوم على سبيل املثال‬ ‫وهكذا فإنه بعد أن استمع إلى املتنازعني في القراءة‬ ‫أقر ك ً‬ ‫ال منهما في خياره ثم قال قوالً حكيماً ذا مغزى وحدوي ال تزال تتنازع في شأن أحقية خالفة الرسول صلى الله عليه‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪29‬‬


‫وسلم وتنقسم األمة إزاء هذه املسألة إلى شيعة وسنة‪ ،‬ورمبا‬ ‫أصبح موقفك السياسي من اختيار الرجل هنا هوالذي يقرر‬ ‫موقعك من اإلمي��ان من وجهة نظر كل طائفة‪ ،‬مع أن قراءة‬ ‫سريعة للمشهد التاريخي يؤكد لك أن ع��دداً غير قليل من‬ ‫الصحابة كانوا غير موافقني على رأي اجلمهور ببيعة أبي‬ ‫بكر‪ ،‬ومع ذلك فإن األم��ة ظلت تنظر إليهم باحترام شديد‪،‬‬ ‫وم��ن أب���رز ه���ؤالء ال��ع��ب��اس ب��ن عبد املطلب ال���ذي ك��ان يرى‬ ‫اخلالفة في بني هاشم‪ ،‬وأسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب‬ ‫وفاطمة بنت محمد وسعد بن عبادة وعمار بن ياسر واملقداد‬ ‫بن عمرووخلف كل واحد من هؤالء عدد من الصحابة‪ ،‬ومع‬ ‫أن معظم هؤالء دخلوا في البيعة فيما بعد ولكن بعضهم ظل‬ ‫ُمص ّراً على رأيه الرافض ومات على ذلك كما هوالشأن في‬ ‫السيدة فاطمة التي ظلت تصرح برأيها في رفض البيعة ألبي‬ ‫بكر‪ ،‬وتتحدث بجرأة عن موقفها السياسي املخالف‪ ،‬وماتت‬ ‫بعد ستة أشهر من دون أن تغير موقفها‪ ،‬وكان اجتهادها في‬ ‫مسألة اخلالفة وكذلك في مسألة مواريث األنبياء عكس‬ ‫اختيار املوقف الرسمي للخالفة ولكنها ظلت حتظى بأكبر‬ ‫قدر من االحترام في األمة‪ ،‬وظلت السنة والشيعة في أرجاء‬ ‫األرض تغني للزهراء وتستشفع بها‪ ،‬ليت امللوك لها من جدكم‬ ‫نسب‪ ،‬من أجل فاطمة أكرم بفاطمة‪ ،‬من أجل فاطمة قد كرم‬ ‫النسب‪ ،‬وضريحها اليوم في البقيع قطعة طاهرة من األرض‬ ‫هي مهوى أفئدة املؤمنني في األرض‪.‬‬

‫والصحابي الكرمي سعد بن عبادة‪ ،‬اختار موقفاً بالغ‬ ‫الصرامة حيال خالفة أبي بكر وعمر‪ ،‬ولم يكن يكتم رأيه في‬ ‫كل ميدان‪ ،‬وك��ان أش��راف الناس في املدينة يستمعون إليه‪،‬‬ ‫ورسالته وكلماته دونت في ذاكرة الرواية وتناقلها الناس‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك كله فقد ظل ضريح سعد بن عبادة في دمشق مزار كرمي‬ ‫في قرية املليحة بغوطة دمشق‪ ،‬يذكره الناس ببالغ االحترام‪،‬‬ ‫على الرغم من موقفه الشديد في رفض بيعة الشيخني وقراره‬ ‫ترك املدينة إلى الشام غضباً وسخطاً من خالفة قريش‪.‬‬ ‫من العجيب أن متتلك األمة القدرة على احترام املخالف‬ ‫قبل أربعة عشر قرناً وإعذاره مع موقفه في الرفض املباشر‪،‬‬ ‫ثم جتنب عن احترام من تبعه فيما ذهب إليه!!‬ ‫إن ما قدمته في هذه الورقة اليوم يتجه إلى تأكيد حقيقة‬ ‫واح��دة وهي أن الوحدة اإلسالمية ال تتطلب إلغاء املذاهب‬ ‫وإلغاء خصوصيات الناس‪ ،‬إنه باختصار النمط الذي حققته‬ ‫أوروبا حني أعلنت قيام االحتاد األوروبي على الرغم من وجود‬ ‫خالفات تاريخية ومذهبية ولغوية هائلة‪ ،‬ولكن القوم وجدوا‬ ‫السبيل املناسب للتوحد في ظل تعددية أفادتهم غنى وثراء من‬ ‫دون أن تلقي ظل ً‬ ‫ال للشقاق والتنابذ على مصاحلهم املشتركة‪.‬‬ ‫إن ما تتجه إليه الوسطية اليوم هوتقرير هذه احلقيقة‬ ‫بحيث تتسع مظلة اإلسالم لكل سعي يهدف إلى احلق واخلير‬ ‫بغض النظر عن االختالف املذهبي أوالطائفي أوالعرقي‪ ،‬وإن‬ ‫هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون‪.‬‬

‫ ‬

‫‪30‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وسطيتنا‬

‫أهمية الوسطية ومنهج االستقرار‬ ‫يف عالم متغري‬ ‫�أ‪.‬د‪�.‬إبراهيم خليل العالف ‪ /‬جامعة املو�صل‬ ‫لم يكن األستاذ نبيه أمني فارس ‪ ،‬املؤرخ واألستاذ في اجلامعة إلصالح أحوالهم ‪،‬وخاصة بنيتهم التي تعاني من اختالالت في‬ ‫األميركية في كتابه الشهير "من الزاوية العربية" ‪ ،‬واملنشور في كل جوانبها السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية (‪.)2‬‬ ‫مطلع اخلمسينات من القرن امل��اض��ي‪ ،‬مبالغ ًا‪ ،‬عندما ق��ال أن‬ ‫لقد تأسس النظام العربي واإلقليمي ف��ي س��ن��وات م��ا بعد‬ ‫ً ً‬ ‫النصف األول من القرن العشرين‪ ،‬كان سخيا جدا بالنسبة إلى احل��رب العاملية األول��ى في أج��واء االح��ت�لال األجنبي‪ ،‬فأصبح‬ ‫العرب‪ ،‬أوقل سخي ًا أكثر مما يستحقون إذا ما نظرنا إلى جهادهم اليعبر عن إرادة شعبية حقيقية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال أنه صار يوماً بعد آخر‪،‬‬ ‫القومي طوال هذه الفترة من الزمن‪ ،‬وإذا كان العرب قد قاسوا‬ ‫فاقداً للشرعية‪ ،‬كما أن السلطة‪ ،‬في معظم الدول العربية‪ ،‬لم‬ ‫بعض الويالت‪ ،‬فإن النعم التي أمتت عليهم األكثر واألعظم ‪،‬فما‬ ‫تشهد تداوالً سلمياً دميقراطياً طبيعياً بل اعتراها الكثير من‬ ‫من محنة إال وكان في طيها منحة‪ ،‬فما عبس في وجههم يوم إال‬ ‫التخبط فمن توريث إلى قتل إلى عزل إلى انقالب تلوانقالب(‪.)3‬‬ ‫وابتسم لهم آخر‪ ،‬فنالوا استقاللهم السياسي في أكثر أقطارهم‬ ‫وحتى اجلهاز االحت��ادي املتمثل بجامعة ال��دول العربية – ولم‬ ‫على أهون سبب‪ ،‬وعلى حساب حرب عاملية أنهكت العالم بأسره‬ ‫ميض على أي��ام تأسيسها األول س��وى نصف ق��رن من الزمان‪،‬‬ ‫تقريب ًا إال ه��م‪ ،‬وواكبت ظ��روف أخ��رى مؤاتية التأتي في حياة‬ ‫عانت ما عانت‪ ،‬وانتقلت من جتربة سياسية إلى جتربة سياسية‬ ‫الشعوب إال مرة في كل ألف سنة (‪.)1‬‬ ‫أخرى‪ ،‬وأن االنتقال مت في أوضاع ليست طبيعية‪ ،‬ففي ظل القوى‬ ‫واليوم‪ ،‬يقف العرب اليوم على عتبة النصف األول من القرن االستعمارية‪ ،‬منت ه��ذه ال��دول ‪،‬وف��ي ظ��روف حت��دي إسرائيل‪،‬‬ ‫احل��ادي والعشرين‪ ،‬وقفة جديدة ليست كالوقفة السابقة التي انتعشت حروب‪ ،‬ومواجهات‪ ،‬ونكسات‪ ،‬ومحن ‪،‬وهزائم‪ ،‬وقليل من‬ ‫أعقبت احلرب العاملية األول��ى‪ ،‬حينما نال بعضهم استقاللهم‪ ،‬االنتصارات لم تسمن ولم تغن من جوع‪.‬‬ ‫إنها وقفة احليرة‪ ،‬واالرت��ب��اك‪ ،‬والعجز‪ ،‬في مواجهة التحديات‬ ‫ولألسف فإن دعوات اإلصالح‪ ،‬وأغلبها جاءت من اخلارج‪ ،‬لم‬ ‫اجلديدة‪ ،‬وإن (الدولة العربية احلديثة) وحتى (اجلهاز االحتادي)‬ ‫تعد جتد لها صدى‪ ،‬وحتى النخبة املثقفة العربية أصبحت تعاني‬ ‫املتمثل بجامعة الدول العربية‪ ،‬عانت وتعاني من ضعف في بنيتها‬ ‫إما من مرض السكوت أوالعزلة والسلبية أومن التدجني والسير‬ ‫األساسية‪ ،‬وقد انتقلت من جتربة سياسية إلى جتربة سياسية‬ ‫في ركاب السلطة‪ ،‬والسعي باستمرار لتلميع صورتها ‪،‬مع املعرفة‬ ‫أخرى اتسم الكثير منها باحلروب والنكسات واحملن‪ ..‬فما الذي‬ ‫ج��رى؟ وإل��ى أي حد ميكن لهم ولنظامهم السياسي واإلقليمي التامة مبا تعانيه من ترهل‪ ،‬وضعف‪ ،‬وتفكك‪ ،‬وفساد ‪،‬أخذت‬ ‫الصمود؟ وهل تتيسر للعطار فرصة إصالح ما أفسده الدهر‪ ،‬رائحته تزكم األنوف(‪.)4‬‬ ‫ومبعنى آخر هل يستطيع نظامهم السياسي واإلقليمي التكيف‬ ‫أما النظام اإلقليمي العربي‪ ،‬فقد وصل إلى نهايته ‪،‬ودخل‬ ‫مع متغيرات العالم الهائلة وعلى كل املستويات ؟ يقينا أنها أسئلة‬ ‫العمل ال��ع��رب��ي امل��ش��ت��رك ف��ي نفق م��س��دود‪ ،‬ف��ج��ه��ازه املؤسسي‬ ‫مشروعة ولإلجابة عليها البد من معرفة أمرين مهمني‪ ,‬أولهما‪:‬‬ ‫يتعلق بطبيعة املتغيرات التي يشهدها العالم اليوم وخاصة على مشلول‪ ،‬وقاعدته األيدلوجية منهارة‪ ،‬وقدراته التعبوية ضعيفة‪،‬‬ ‫صعيد املعلومات واالقتصاد واإلدارة‪ .‬وثانيهما‪ :‬مدى انعكاس هذه خاصة بعد أن فشل في مواجهة وحل األزم��ات اإلقليمية التي‬ ‫املتغيرات على مستقبلهم ‪.‬وأخيراً ما الذي يحتاجونه من مناهج تعصف اليوم بالساحة العربية(‪.)5‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪31‬‬


‫مفاهيم جديدة‬ ‫في الستينات والسبعينات من القرن املاضي‪ ،‬كنا نتلمس‬ ‫بسهولة ح��االت م��ن االستقطاب احل��اد ال��ذي عرفها (النظام‬ ‫العربي) بجناحيه احمل��اف��ظ‪ ،‬وال��ث��وري كما كانت تسمى‪ ،‬والتي‬ ‫عكست إلى حد ما الصراع األيدلوجي بني املعسكرين الرأسمالي‬ ‫واالش��ت��راك��ي‪ ،‬ويجب أن نتذكر جميعا كيف أن األم��ة خسرت‬ ‫لعقود عديدة الكثير بسبب الصدع الكبير بيت التيارين القومي‬ ‫من جهة واليساري من جهة ثانية وبني القومي واليساري من‬ ‫جهة واإلس�لام��ي من جهة أخ��رى ويقينا أن السبب هوالنظرة‬ ‫احلدية األحادية لألحزاب التي شهدتها الساحة العربية ‪ ..‬لكن‬ ‫بعد انهيار االحتاد السوفيتي السابق وتفككه‪ ،‬بدأت الصراعات‬ ‫واألزم��ات تتزايد بسرعة وشدة إلى أن أصبحت املنطقة اليوم‪،‬‬ ‫تغلي بالصراعات احمللية والقومية واإلقليمية‪ .‬ومما زاد في حدة‬ ‫ه��ذه الصراعات ‪،‬س��ي��ادة مفاهيم جديدة تختلف عن املفاهيم‬ ‫الدولية التي استقرت منذ عشرات السنني‪ ،‬ومن هذه املفاهيم‬ ‫مفهوم السيادة(‪.)6‬‬

‫وكما هومعروف‪ ،‬فإن سعي الواليات املتحدة األميركية‪ ،‬بعد‬ ‫ما استقرت قطباً أوح��داً إلعادة تشكيل العالم‪ -‬وفق منظورها‬ ‫البراغماتي ‪-‬ك��ان وراء ذل��ك كله‪ ،‬وال��والي��ات املتحدة األميركية‬ ‫لم تعد تخفي أنها حتاول خلق شرق أوسط جديد وكبير يتسم‬ ‫باالستقرار والسالم والرخاء ‪،‬ذلك أن افتقارها ألي عنصر من‬ ‫هذه العناصر يخلق ‪ -‬من وجهة نظرها ‪-‬تهديداً ملصاحلها وأمنها‬ ‫القومي‪ .‬وأول هذه التهديدات هي التي اصطلح عليها ب ـ "مشكلة‬ ‫اإلرهاب "‪.‬هذا فض ً‬ ‫ال عن أن اضطراب أسعار النفط في املنطقة‪،‬‬ ‫يشكل تهديدا كبيرا للمصالح احليوية األميركية‪ ،‬حيث أن الشرق‬ ‫األوسط يسهم بالشريحة الكبرى من اإلنتاج العاملي من النفط‪،‬‬ ‫بامتالكه غالبية احتياطات العالم(‪.)7‬‬

‫ومما يؤسف له أن مشكلة اإلرهاب‪ ،‬ارتبطت بتنامي التوجهات‬ ‫(األصولية اإلسالمية)‪ ،‬التي ازده��رت بعد االحتالل السوفيتي‬ ‫ألفغانستان‪ ،‬والسعي النتهاج طريق املقاومة واجلهاد‪،‬وتشجيع‬ ‫الشباب على الذهاب إلى أفغانستان بحجة محاربة الكفار‪ .‬وال‬ ‫ننسى احلمالت الواسعة النطاق جلمع الشباب‪ ،‬وتوفير األموال‬ ‫في مناطق مختلفة من العالم العربي وخاصة في دول اخلليج‬ ‫واململكة العربية السعودية لهذا الغرض‪ .‬ومما جنم عن ذلك من‬ ‫عودة أولئك الشباب‪ ،‬بعد انسحاب السوفييت‪ ،‬وانتشار مشاعر‬ ‫الغضب‪،‬واليأس ‪،‬وتفاقم البطالة‪ ،‬وسوء التعليم‪ ،‬بسبب ضعف‬ ‫األنظمة احلاكمة‪ ،‬واستبدادها‪ ،‬وافتقارها للشرعية(‪.)8‬‬

‫لقد فتحت احلرب في أفغانستان‪ ،‬والثورة اإلسالمية في إيران‬ ‫‪ ،1979‬واحلرب العراقية اإليرانية ‪ ،1988-1980‬وانهيار االحتاد‬ ‫السوفيتي‪ ،‬الباب أم��ام سيادة ن��وع من األط��روح��ات السياسية‬ ‫والفكرية في الغرب وأبرزها ‪(:‬أطروحة نهاية التاريخ لفرنسيس‬ ‫ف��وك��وي��ام��ا )(‪ ،)9‬و(أط���روح���ة ص���راع احل���ض���ارات لصموئيل‬ ‫هنتنغتون)(‪ .)10‬وتتلخص األطروحة األولى في أن الغرب‪ ،‬بانهيار‬ ‫املنظومة الشيوعية أواخر الثمانينات من القرن املاضي‪ ،‬كسب‬ ‫‪32‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫املعركة ‪،‬وأن السبيل الوحيد ملستقبل البشرية هواختيار األمنوذج‬ ‫الليبرالي الدميقراطي الغربي باعتباره الشكل النهائي ألي حكم‬ ‫إنساني‪ ،‬أم��ا األط��روح��ة الثانية فتذهب إل��ى أن العامل الديني‬ ‫والثقافي أصبح هواحملرك الرئيسي للصراع بني احلضارات‪.‬‬ ‫وكلتا األطروحتني تؤكدان تفوق احلضارة الغربية على احلضارة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وأن املسلمني يكرهون الغرب بسبب دميقراطيتهم‪،‬‬ ‫وانفتاحهم‪ .‬وكان من نتائج شيوع هاتني األطروحتني في الفكر‬ ‫السياسي العاملي ‪،‬أن ال��والي��ات املتحدة األميركية راح��ت تركز‬ ‫جهودها على وض��ع حركة التفاعالت الدولية حتت هيمنتها‪،‬‬ ‫ف��ب��ش��رت ب��ن��ظ��ام دول����ي ج��دي��د‪ ،‬وش����رق أوس����ط م��وس��ع وكبير‪.‬‬ ‫ومما زاد من قيمة هاتني األطروحتني ما حدث في ‪ 11‬أيلول‬ ‫–سبتمبر ‪ ، 2001‬واالتهامات التي وجهت لألصوليني اإلسالميني‬ ‫وأبرزها‪ -‬كما قال الرئيس األميركي األسبق جورج دبليوبوش‪ -‬أن‬ ‫من س ّماهم اإلرهابيني يأملون في إنشاء إمبراطورية إسالمية‬ ‫توتاليتارية يسمونها اخلالفة يحكم فيها اجلميع وفقاً لعقيدة‬ ‫الكراهية‪ .‬وشدد بأن اإلدارة األميركية حتمل كالم أولئك محمل‬ ‫اجلد وعلى الواليات املتحدة األميركية أن تعمل بتصميم ملنعهم‬ ‫من التوصل إلى أهدافهم (‪.)11‬‬ ‫احلاجة إلى اإلصالح والتغيير‬

‫في العاشر من متوز سنة ‪ 2002‬وضع لوران مورافيتش(‪.)12‬‬ ‫احمللل االستراتيجي في مؤسسة راند للدراسات تقريراً قدمه‬ ‫إل��ى هيئة السياسات الدفاعية ف��ي البنتاغون (وزارة الدفاع‬ ‫األميركية )‪ ،‬يتكون من( ‪ ) 24‬نقطة تلخص ما وصفه التقرير بأنه‬ ‫"االستراتيجية الكبرى للشرق األوسط"‪ .‬ويقول التقرير باحلرف‬ ‫مايلي‪ :‬أن العراق يجب أن يكون احملطة األول��ى التي ينبغي أن‬ ‫يحدث فيها التغيير‪ ،‬ومن بعد ذلك تأتي السعودية ومصر وهكذا‬ ‫بالنسبة لبقية البلدان‪ ،‬وقد رسم التقرير صورة قامتة لألوضاع‬ ‫في العالم العربي تدل‪ ،‬مبا ال يدع مجاالً للشك ‪،‬على أن الواليات‬ ‫املتحدة عازمة على إج��راء تغييرات جوهرية في هذه البلدان‪،‬‬ ‫ويضم التقرير وهوبعنوان ‪" :‬ماذا أنتج العالم العربي؟!" مجموعة‬ ‫من النقاط أبرزها‪:‬‬ ‫‪ .1‬أن ه��ن��اك م��ش��ك�لات اق��ت��ص��ادي��ة ودمي���وغ���راف���ي���ة باتت‬ ‫مستعصية على احلل بسبب الفشل في تأسيس سياسات تضع‬ ‫االزدهار والرفاء هدفاً لها‪ ..‬وفي كانون الثاني ‪ 2003‬أطلق كولن‬ ‫باول وزير خارجية الواليات املتحدة األميركية –آنذاك ‪ -‬أمام‬ ‫مؤسسة التراث( هيرتيج فاونديشن ‪)Heritage Foundition‬‬ ‫مبادرة أسماها (مبادرة الشراكة األميركية مع الشرق األوسط"‬ ‫‪ ،Us – Middle East Partnership Initiative‬وتتضمن املبادرة إعالن قيام‬ ‫ال��والي��ات املتحدة األميركية باملساعدة على إق��رار إصالحات‬ ‫سياسية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وثقافية في بلدان الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬وتتركز املبادرة على ثالثة أسس وهي‪:‬‬ ‫ اإلصالحات االقتصادية‪.‬‬‫ االنفتاح السياسي واالجتماعي‪.‬‬‫‪ -‬التربية والتعليم‪.‬‬


‫< التعليم األساسي في املنطقة يعاني من نواقص وتراجع‪.‬‬ ‫< إن العالم العربي يترجم سنويا ‪ 330‬كتاباً أجنبياً أي ما‬ ‫يعادل خمس ما تترجمه دولة مثل اليونان‪.‬‬ ‫< وإن هناك ‪ 70‬مليوناً اليحسنون القراءة والكتابة‪.‬‬

‫وف��ي السابع من آب ‪ 2003‬حتدثت كونداليزا راي��س وزيرة‬ ‫اخلارجية األميركية السابقة‪ ،‬وكانت في وقتها مستشارة لألمن‬ ‫ال��ق��وم��ي‪ ،‬ع��ن امل��ش��روع األم��ي��رك��ي اخل��اص بالتغيير ف��ي الشرق‬ ‫األوسط وذلك عبر مقالها املنشور في صحيفة واشنطن بوست‬ ‫بعنوان‪" :‬تأمالت في التحول املنتظر بالشرق األوسط" وأكدت بأن‬ ‫< وإن اإلنسان العربي اليقرأ في املعدل سوى نصف ساعة‬ ‫املنطقة العربية املكونة من ‪ 22‬بلداً مع سكان يبلغ عددهم ‪300‬‬ ‫مليون نسمة‪ ،‬متخلفة‪ ،‬وتفتقر إلى احلرية السياسية واالقتصادية‪ ،‬في السنة‪.‬‬ ‫والناس فيها يعانون من اإلحباط واليأس والوضع أصبح يشكل‬ ‫< وإن البطالة بلغت مستويات عالية تصل إلى ‪. % 60‬‬ ‫"تهديداً متواص ً‬ ‫ال ألمن الواليات املتحدة األميركية" نفسها‪.‬‬ ‫< وإن حصة الدول العربية كلها من الصادرات العاملية‪ -‬إذا ما‬ ‫ولهذا فإن الواليات املتحدة عرضت املشروع على قمة الدول استثنينا النفط المتثل حاليا سوى واحد باملائة من حجم التجارة‬ ‫الثمان الصناعية الذي انعقد في سي آيالند بالواليات املتحدة اخلارجية ‪.‬‬ ‫ف��ي ح��زي��ران ‪ ،2004‬وج���اء ف��ي ن��ص م��ش��روع ال��ش��رق األوسط‬ ‫< وإن نسبة طالب إلى م��درس ‪،‬ونسبة مريض إلى طبيب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الكبير وال��ذي سمي الحقا بـ"مشروع الشرق األوس��ط املوسع" ونسبة ما يستهلكه اإلنسان العربي من الورق والصابون ومساحيق‬ ‫ما يشير إل��ى أن الشرق األوس��ط الكبير "ميثل حتدياً وفرصة التنظيف متدنية ج���داً ب��ل ومخجلة ‪ .‬ه��ذا ف��ض ً‬ ‫�لا ع��ن سيادة‬ ‫فريدة للمجتمع الدولي‪ ،‬فاملنطقة تعاني من نواقص ثالثة حددها استبداد احلكام‪ ،‬وتعسفهم‪ ،‬وتنوع وسائل القسوة والعنف جتاه‬ ‫املثقفون والكتاب واخل��ب��راء العرب أنفسهم في (تقرير األمم سجناء الفكر والرأي‪ ،‬واستخدام التعذيب في السجون (‪.)13‬‬ ‫املتحدة) حول التنمية البشرية للسنتني ‪ 2002‬و‪ 2003‬والنواقص‬ ‫الننكر أن ثمة استجابات متعددة ل�لإص�لاح‪ ،‬ظهرت داخل‬ ‫هي (احلرية) و(املعرفة) و(متكني النساء) والنواقص هذه تخلق‬ ‫العالم العربي على املستويني الرسمي والشعبي‪ ،‬وكلها تؤكد أهمية‬ ‫الظروف التي تهدد املصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الدول‬ ‫اإلصالح والتغيير‪ ،‬خاصة بعد أن شاع التشدد ‪،‬وانتشر العنف‬ ‫الصناعية الثمان‪ ،‬و"ط��امل��ا ت��زاي��د ع��دد األف���راد احمل��روم�ين من‬ ‫‪،‬وتعاظم الفساد‪ ،‬واختلفت أمناطه‪ .‬وقد أق�� ّر اجلميع بحقيقة‬ ‫حقوقهم السياسية‪ ،‬واالقتصادية في املنطقة‪ ،‬سنشهد زيادة في‬ ‫تاريخية وهي أ ّن الغرب‪ ،‬مع أنه يرفع دعوات اإلصالح والتغيير‬ ‫التطرف‪ ،‬واإلرهاب‪ ،‬واجلرمية الدولية‪ ،‬والهجرة غير الشرعية "‬ ‫منذ القرن التاسع عشر‪ ،‬لكنه سرعان ما يقف ضد كل حركة‬ ‫على حد قول واضعي املشروع‪.‬‬ ‫نهضة وإصالح يشهدها العالم العربي‪ .‬وتقف دعوات اإلصالح‬ ‫وي��ص��ف امل��ش��روع ص���ورة ال��ش��رق األوس����ط امل��وس��ع‪ ،‬بوضعه الغربية للدولة العثمانية في القرن التاسع عشر‪ ،‬ونتائجها‪،‬‬ ‫احل��ال��ي‪ ،‬وي��ؤك��د بأنها ق��امت��ة و"م��روع��ة" وتتضح القتامة في وأبرزها انهيار الدولة العثمانية‪ ،‬وخروجها من ساحة التاريخ‪،‬‬ ‫الظواهر التالية‪:‬‬ ‫مثاالً ب��ارزاً على أن اإلصالح البد وأن يبدأ من الداخل‪":‬لنحلق‬ ‫< إن مجموع إجمالي الدخل احمللي لبلدان جامعة الدول رؤوسنا قبل أن يحلقها لنا اآلخرون " ‪ ،‬إن هذا هوالشعار السائد‬ ‫في عاملنا العربي اليوم(‪.)14‬‬ ‫العربية الـ(‪ )22‬هوأقل من نظيره في إسبانيا‪.‬‬ ‫< حوالي ‪ %40‬من العرب البالغني ‪ 65‬مليون شخص أم ّيون‬ ‫‪،‬وتشكل النساء ثلثي هذا العدد‪.‬‬

‫الوسطية التي نريد‬

‫ولكن ماهونوع اإلصالح الذي نريد ؟ وما هواملنهج الذي ينبغي‬ ‫< هناك حاجة خللق مااليقل عن ‪ 6‬ماليني وظيفة جديدة أن يتبع ؟ وه��ل نحن بحاجة ألن تكون لنا رؤان��ا اخلاصة إزاء‬ ‫اإلصالح ؟وأية جتارب يجب أن نحتذي؟‬ ‫المتصاص الشباب‪.‬‬ ‫إن أية مراجعة ملا قدمه املفكرون‪ ،‬واملثقفون‪ ،‬واألكادمييون‪،‬‬ ‫< يعيش ثلث املنطقة على أقل من دوالرين في اليوم‪.‬‬ ‫وغ��ي��ر األك��ادمي��ي�ين ف��ي ع��امل��ن��ا ال��ع��رب��ي ‪،‬ح���ول دع����وات التغيير‬ ‫< التشغل النساء س����وى‪3‬ر‪ %5‬فقط م��ن املقاعد البرملانية واإلص�لاح‪ -‬سواء كانوا من ذوي السياسة أواالجتماع أوالتاريخ‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫أواالقتصاد أواإلعالم أوالقانون ‪ -‬تثبت أنهم يقرون بأن دعوات‬ ‫اإلص�ل�اح والتغيير اجل��دي��دة‪ ،‬ببعدها ال��ع��ومل��ي‪ ،‬أخ���ذت طابعاً‬ ‫< في إمكان‪1‬ر‪ %6‬فقط من السكان استخدام (اإلنترنت)‪.‬‬ ‫سياسياً‪ ،‬واقتصادياً‪ ،‬واجتماعياً واستندت إلى سلسلة من تقارير‬ ‫< يرغب ‪ %51‬من الشبان العرب الهجرة إلى بلدان أخرى‪.‬‬ ‫التنمية البشرية حول الشرق األوسط‪ ،‬كما أن اإلصالح والتغيير‬ ‫< هناك أقل من ‪ 53‬صحيفة لكل ‪ 1000‬مواطن عربي‪ ،‬باملقارنة بات ضرورياً في ضوء التحديات التي نواجهها‪ ،‬وأن أي مشروع‬ ‫مع ‪ 285‬صحيفة لكل ألف شخص في البلدان املتقدمة‪.‬‬ ‫للنهضة والتغيير بحاجة إلى دراسة جتارب التحديث الناجحة في‬ ‫< إن ما تنتجه كل البلدان العربية من الكتب ال ميثل سوى العالم شرقاً وغرباً ومنها مث ً‬ ‫ال التجربة املاليزية‪.‬‬ ‫‪1‬ر‪ %1‬من اإلجمالي العاملي‪.‬‬

‫إن األهم من ذلك كله ‪،‬أن لدينا في تراثنا العربي واإلسالمي‪،‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪33‬‬


‫الكثير من مقومات النهضة ‪ ،‬فالوسطية‪ ،‬ومنهج االستقرار‪،‬‬ ‫واالع��ت��راف ب��اآلخ��ر‪ ،‬واحلكم ال��راش��د‪ ،‬مفاهيم ليست جديدة‪،‬‬ ‫وإمنا هي مفاهيم عرفتها حضارتنا‪ ،‬وإن لم نفعل شيئا في هذا‬ ‫اإلطار أي إننا إذا لم نبدأ بالتغيير والنهضة واإلصالح‪ ،‬فلنأذن‬ ‫بقرب خروجنا من التاريخ‪ ،‬والله اليغير ما بقوم حتى يغيروا ما‬ ‫بأنفسهم ‪.‬‬ ‫واآلن ما الوسطية؟ وما االعتدال؟ وما منهج االستقرار الذي‬ ‫نحن اليوم أحوج ما نكون إليه من أي وقت مضى ؟‬

‫إن مما يسود عاملنا العربي اليوم ‪،‬م��ن سلبيات وإشكاالت‬ ‫وعقد وإحباطات‪ ،‬ينبغي أن اليفقدنا القدرة على رؤية الهدف‪،‬‬ ‫وتعلم ال��وس��ائ��ل‪ ،‬وص���والً إل��ى النتائج امل��ت��وخ��اة‪ ،‬ول��ع��ل م��ن أبرز‬ ‫ما يجب أن نعمل من أجله ه��و‪( :‬توفر الهمة) و(ق��وة العزم )‬ ‫(وص���دق اإلرادة) فالغلو‪ ،‬والتطرف‪ ،‬وع��دم االع��ت��راف باآلخر‬ ‫والتشدد بالغلظة‪ ،‬واخلشونة‪ ،‬وسوء الظن‪ ،‬والسقوط في هاوية‬ ‫التكفير‪ ،‬ورفض الرأي اآلخر ليس من املفاهيم التي عرفها العرب‬ ‫واملسلمون خاصة في عصور االزدهار والنهوض‪ ،‬فالفكر العربي‬ ‫واإلس�لام��ي‪،‬خ��اص��ة في جانبه السياسي‪ ،‬فكر منفتح‪،‬متوازن‪،‬‬ ‫عملي‪،‬معتدل ‪،‬متسامح‪ ،‬عقالني‪ ،‬وعملي وواقعي (‪، ) 15‬واإلسالم‬ ‫كدين وثقافة‪ ،‬ثورة على الظلم‪ ،‬واالستبداد‪ ،‬ودعوة إلى العدل‪،‬‬ ‫واملساواة ‪ ،‬والصراط املستقيم في كل ميادين احلياة‪ ،‬والتوازن‬ ‫واالعتدال يتجسد ليس في جانب العقيدة وحسب‪ ،‬بل وحتى في‬ ‫جوانب العبادات ‪،‬واملعامالت‪ ،‬والتشريعات ‪.‬وعلى هذا األساس‬ ‫فالوسطية‪ ،‬ليست أسلوبا في احلياة ‪،‬بل طريق ومنهج للتغيير‬ ‫واالستقرار‪ .‬إنها تعني التوسط أوالتعادل بني طرفني متقابلني‬ ‫أومتضادين؛ بحيث ال ينفرد أحدهما بالتأثير‪ ،‬ويطرد الطرف‬ ‫املقابل‪ ،‬وبحيث ال يأخذ أحد الطرفني أكثر من حقه‪ ،‬ويطغى‬ ‫على مقابله ويحيف عليه (‪ .) 16‬وفي هذا الصدد ميكن القول‬ ‫ب��أن الوسطية كمنهج ف��ي احل��ي��اة ‪ ،‬متثل اجت��اه��ا يفضي إلى‬ ‫النهضة‪ ،‬والتغيير‪ ،‬ومراعاة الواقع‪ ،‬والزمن‪ ،‬فإذا كان التطرف‬ ‫الذي مييل إلى االنعزال عن الواقع أواملواجهة العنيفة معه‪ ،‬ليس‬ ‫طريقاً للنهضة‪ ،‬وإذا كان التفريط هونوع من التكيف مع الواقع‬ ‫واخلنوع له‪ ،‬وااللتحاق بالقوى املهيمنة ‪،‬والتسليم بالهزمية‪ ،‬فإن‬ ‫الوسطية هي التي حتمل مشروعاً للتغيير بهدف حتقيق النهوض‬ ‫احلضاري (‪.)17‬‬ ‫والوسطية هنا ليست تسليماً بالواقع‪ ،‬وإمنا هي القدرة على‬ ‫التعامل مع الواقع لتغييره وليست القدرة على التكيف مع الواقع‬ ‫دون تغييره‪ .‬ومما يعطي الوسطية ‪،‬والدعوة إلى منهج االستقرار‬ ‫أهمية‪ ،‬أن الوسطية ترفض اخلضوع لألجنبي‪.‬كما أنها ترفض‬ ‫واقع التخلف‪ ،‬والتجزئة ألن ذلك تضييع للحقوق وتفريطاً بها‪.‬‬ ‫كما أن الوسطية تؤمن بالتدرج‪ ،‬واقتراح البدائل‪ ،‬وعدم االكتفاء‬ ‫بالنوايا الصادقة في اإلصالح‪ ،‬وإمنا العمل املتواصل على تقدمي‬ ‫النماذج الصاحلة ‪ .‬إنها حالة من التوازن بني التشدد والشذوذ من‬ ‫جهة‪ ،‬والتهاون والتقصير من جهة ثانية‪ .‬وهي منهج في احلياة‬

‫‪،‬وفي العمل السياسي وفي التعامل مع اآلخرين‪ ،‬والوسطية كتيار‪،‬‬ ‫ممتد عبر التاريخ‪ ،‬ليس وليد حالة تاريخية واجتماعية راهنة‪،‬‬ ‫وإمنا هونتاج حلركة التجديد ‪.‬والوسطية بهكذا مفهوم التلجأ‬ ‫إلى طريق العنف في التغيير الداخلي‪ ،‬لكنها تبرر املقاومة لقوى‬ ‫االحتالل والهيمنة اخلارجية‪ ،‬ويقينا إن الوسطية‪ ،‬إذا ما انتهجت‪،‬‬ ‫فإنها ستؤدي إلى االستقرار السياسي ‪،‬واالجتماعي‪ ،‬فال تنمية‬ ‫بدون استقرار‪ ،‬وال استقرار بدون وسطية ‪ .‬وكما هومعروف فإن‬ ‫من معايير االستقرار السياسي واالجتماعي ازدياد فرص االنفتاح‬ ‫السياسي‪ ،‬وال��دمي��وق��راط��ي��ة املقترنني ب��االع��ت��دال ف��ي املواقف‬ ‫والسلوكيات ‪،‬فالفكر الوسطي يؤمن باآلخر وال يرفضه ويسعى‬ ‫من أجل تأمني نقاط التقاء مع اآلخرين‪ .‬ومن ثمار الوسطية زرع‬ ‫الثقة بني أبناء البلد الواحد وه��ذا مما يشيع حالة من املودة‪،‬‬ ‫وبناء عالقات اجتماعية إيجابية ‪،‬واالبتعاد عن التعصب واحلقد‬ ‫وهذه تساعد في بناء املجتمع وحتقيق حالة من االستقرار التي‬ ‫تهيئ املجال للتفاعل االجتماعي الصحيح وإحراز أكبر قدر من‬ ‫املنجزات املفيدة(‪.)18‬‬ ‫الطبقة الوسطى والتغيير‬ ‫لنتساءل هنا‪ ،‬م��ن ه��م املؤهلني ف��ي مجتمعنا لقيادة منهج‬ ‫الوسطية‪ ،‬والسعي باجتاه حتقيق االستقرار‪ ،‬والسلم االجتماعي‪،‬‬ ‫والتنمية املستدامة ؟ونقول – وبكل صراحة – إنهم أبناء الطبقة‬ ‫الوسطى ‪..‬ه���ذه الطبقة التي باتت ت��واج��ه ف��ي عاملنا العربي‬ ‫الذوبان‪ ،‬واالنهيار‪ ،‬والتفكك نتيجة استقطاب املجتمع إلى( قلة‬ ‫ميلكون كل شيء)‪ ،‬و(كثرة المتلك شيئاً)(‪.)19‬‬ ‫لقد تعرضت الطبقة الوسطى العربية إلى الكثير من التحديات‪،‬‬ ‫وانحسر دوره��ا مع أنها قامت بدور مهم في تبني الدعوة إلى‬ ‫االستقالل‪ ،‬والعمل من أجله‪.‬لم تكن الطبقة الوسطى العربية‬ ‫طبقة رأسمالية باملفهوم الغربي‪ ،‬وإمن��ا كانت طبقة اجتماعية‬ ‫احتل فيها املثقفون ج��زءاً ديناميكيا‪ ،‬وخاصة في دعوتها إلى‬ ‫التحرر السياسي‪ ،‬والتحرر االجتماعي‪ ،‬ونشاطها ف��ي إقامة‬ ‫قاعدة صناعية وطنية بعيدا عن قيود احلكومات وتدخالتها(‪.)20‬‬ ‫وإذا ما أردنا ملنهج الوسطية‪ ،‬ولدعوة االستقرار النجاح البد من‬ ‫توسيع قاعدة الطبقة الوسطى في املجتمع‪ ،‬وإفساح املجال لها‬ ‫في أداء دورها في إحداث اإلصالحات االقتصادية‪ ،‬وزيادة حجم‬ ‫مشاركتها في التجارة العاملية احل��رة‪ ،‬وإذا ما حتقق لها ذلك‬ ‫فإنها سوف تكون ليس محركا للتغيير في العالم العربي والشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬وحسب‪ ،‬بل ومؤثراً على االستقرار كذلك(‪.)21‬‬

‫ ‬

‫‪34‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫الهوامش واملصادر‪:‬‬ ‫‪ .1‬نشر ببيروت سنة ‪.1953‬‬ ‫‪ .2‬انظر ‪:‬إبراهيم خليل العالف ‪"،‬النظام السياسي‬ ‫العربي واإلقليمي م��ن التاريخ إل��ى املستقبل " في‬ ‫‪:‬إبراهيم خليل العالف (حترير ) ‪،‬النظام السياسي‬ ‫العربي واإلقليمي ‪:‬التغيير واالستمرارية ‪،‬أصدره‬ ‫مركز الدراسات اإلقليمية ‪،‬جامعة املوصل ‪،‬دار ابن‬ ‫األثير للطباعة والنشر ‪( ،‬املوصل ‪،)2009،‬ص ‪.7‬‬ ‫‪ .3‬انظر ‪:‬عبد الرحمن خيزران ‪"،‬النظام السياسي‬ ‫العربي وامل��ع��اجل��ات املطلوبة " ‪،‬م��ق��ال منشور على‬ ‫الشبكة العاملية للمعلومات ‪ ،‬موقع الكاتب نفسه‪.‬‬ ‫‪ .4‬انظر ‪ :‬السيد ولد أب��اه ‪" ،‬هل انتهى النظام‬ ‫اإلق��ل��ي��م��ي ال���ع���رب���ي " ‪،‬ج����ري����دة ال���ش���رق األوس����ط‬ ‫(اللندنية)‪،‬العدد ‪ 10285‬في ‪ 25‬كانون الثاني –يناير‬ ‫‪. 2007‬‬ ‫‪ .5‬وأبرز تلك األزمات ما يسمى بعملية السالم‬ ‫ف��ي فلسطني‪ ،‬وال��ص��راع��ات ال��داخ��ل��ي��ة ف��ي اليمن‬ ‫والصومال ‪..‬‬ ‫‪. 6‬خطاب الرئيس املصري حسني مبارك في‬ ‫اجللسة املشتركة ملجلسي الشعب وال��ش��ورى ‪16،‬‬ ‫تشرين الثاني –نوفمبر ‪ 2002‬في موقع الهيئة العامة‬ ‫لالستعالمات (اإلل��ك��ت��رون��ي) ‪.http://www2 .‬‬ ‫‪sis.gov.eg/Ar/Politics/PInstitution/‬‬ ‫‪00/President/Speeshes‬‬ ‫‪htm.0401010200000000000471/0001‬‬ ‫وانظر كذلك ‪:‬مروان الفاعوري ‪" ،‬املدرسة الوسطية‬ ‫‪..‬مدرسة االبتكار والبدائل " ‪،‬مجلة الوسطية ‪،‬عمان‬ ‫‪،‬السنة‪،1‬العدد‪، 4‬تشرين الثاني –نوفمبر ‪ ، 2008‬ص‬ ‫‪. 4-3‬‬ ‫‪ .7‬أح����م����د ج���ل���ال م����ح����م����ود ‪ " ،‬ال����ع����وام����ل‬ ‫اجليوإستراتيجية للصراعات اإلقليمية في الشرق‬ ‫األوسط "‪ ،‬موقع كتاب من أجل احلرية (اإللكتروني)‪،‬‬ ‫‪ 14‬آذار –مارس ‪2010‬‬ ‫‪ .8‬انظر ‪ :‬إبراهيم خليل العالف ‪ ،‬نحن وتركيا‬ ‫‪:‬دراسات وبحوث ‪،‬أصدره مركز الدراسات اإلقليمية‬ ‫‪،‬جامعة املوصل ‪،‬دار اب��ن األثير للطباعة والنشر ‪،‬‬ ‫(املوصل ‪، ) 2008،‬ص ‪429‬‬ ‫‪. 9‬انظر ‪ :‬فرنسيس فوكوياما ‪ ،‬نهاية التاريخ‬ ‫وخ��امت البشر ‪ ،‬ترجمة حسني أحمد أم�ين ‪ ،‬مركز‬ ‫األهرام للترجمة والنشر ‪ ( ،‬القاهرة ‪) 1993 ،‬‬

‫‪ . 10‬ان���ظ���ر ‪ :‬ص��م��وئ��ي��ل ه��ن��ت��ن��غ��ت��ون ‪ ،‬صراع‬ ‫احل��ض��ارات ‪..‬إع���ادة صنع النظام العاملي ‪ ،‬ترجمة‬ ‫طلعت الشايب ‪( ،‬بيروت ‪. ) 1998 ،‬‬ ‫‪ .11‬حول تنظيم القاعدة وأسامة بن الدن انظر‬ ‫‪ :‬ستيفن بليتير "األص��ول��ي��ة اإلس�لام��ي��ة ف��ي الشرق‬ ‫األوس���ط ‪..‬ال��ن��ش��أة ‪،‬ال��ت��ط��ور ‪،‬املستقبل ‪.‬ف��ي كتاب‪:‬‬ ‫مستقبل اإلس�لام السياسي ‪..‬وجهات نظر أميركية‬ ‫‪،‬امل��رك��ز الثقافي العربي ‪(،‬ال���دار البيضاء ‪) 2001،‬‬ ‫‪.‬وكذلك ‪:‬‬ ‫‪Abdel Bari Atwan ,The Secret‬‬ ‫‪History Of Al Qaeda, University Of‬‬ ‫‪. ) 2006, California Press , (Berkley‬‬ ‫‪ .12‬انظر ‪ :‬ف��اروق البربير ‪" ،‬ع��ن أزم��ة العالم‬ ‫العربي وتقرير راند كوربوريشن " ‪،‬مجلة تاريخ العرب‬ ‫والعالم ‪،‬السنة (‪، ) 22‬تشرين الثاني –نوفمبر ‪،‬كانون‬ ‫األول –ديسمبر ‪ ، 2002‬ص ‪ 5-3‬وكذلك ‪:‬إبراهيم‬ ‫خليل العالف ‪ " ،‬اإلصالح والتغيير ‪ ..‬احلاجة واحلل‪،‬‬ ‫في حنا عزوبهنان (اإلصالح والتغيير في العراق ودول‬ ‫اجل��وار)‪ ،‬أصدره مركز الدراسات اإلقليمية ‪،‬جامعة‬ ‫املوصل ‪،‬دار ابن األثير للطباعة والنشر ‪( ،‬املوصل‬ ‫‪ ، ) 2009 ،‬ص ‪ 6-5‬وكذلك انظر ‪:‬إبراهيم خليل‬ ‫العالف ‪" ،‬الشرق األوسط ‪..‬الشرق األوسط اجلديد‬ ‫‪..‬والشرق األوسط الكبير ‪:‬رؤية تاريخية –سياسية‬ ‫‪ ،‬مجلة( دراس���ات إقليمية) ‪ ،‬التي يصدرها مركز‬ ‫الدراسات اإلقليمية بجامعة املوصل ‪،‬السنة ‪،1‬العدد‪2‬‬ ‫‪،‬كانون األول –ديسمبر ‪ 2004‬ص ‪. 37-13‬‬ ‫‪ . 13‬للتفاصيل انظر ‪ :‬جالل أحمد أمني ‪ ،‬املشرق‬ ‫العربي وال��غ��رب ‪،‬م��رك��ز دراس���ات ال��وح��دة العربية ‪،‬‬ ‫(بيروت ‪. ) 1988،‬‬ ‫‪ . 14‬انظر ‪:‬إبراهيم خليل العالف ‪"،‬اإلصالح‬ ‫والغرب ‪..‬جت��ارب من التاريخ العربي احلديث " في‬ ‫حنا عزوبهنان‪،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 12-9‬‬ ‫‪ . 15‬للتفاصيل انظر ‪ :‬فاضل زكي محمد ‪ ،‬الفكر‬ ‫العربي في ماضيه وحاضره ‪ ،‬دار احلرية للطباعة ‪،‬‬ ‫(بغداد ‪ ، ) 1978 ،‬ص ‪. 33-23‬‬ ‫‪ . 16‬انظر ‪ :‬رفيق حبيب ‪" ،‬الوسطية والتغيير‬ ‫وتعديل مفهوم االع��ت��دال" ‪ ،‬موقع إس�لام أون الين‬ ‫(االل��ك��ت��رون��ي )‪ 18‬أي���ار –مايو‪. 2008،‬ومم���ا ينبغي‬ ‫اإلش��ارة إليه إن الوسطية‪ -‬كطريق ومنهج‪ -‬حظيت‬ ‫باالهتمام من لدن املثقفني واملفكرين العرب‪ .‬وقد‬

‫صدرت في عمان باململكة األردنية الهاشمية مجلة‬ ‫باسم ‪" :‬الوسطية " يصدرها املنتدى العاملي للوسطية‬ ‫ولها موقع على شبكة املعلومات العاملية رابطه التالي‬ ‫‪:‬‬ ‫‪www.wasatyea.org‬‬ ‫ك��م��ا أجن����زت أط���روح���ات ح���ول ال��وس��ط��ي��ة منها‬ ‫أطروحة الدكتوراه التي تقدم بها الدكتور أبوأمامة‬ ‫ن����وار ب��ن ال��ش��ل��ي إل���ى ج��ام��ع��ة األم��ي��ر ع��ب��د القادر‬ ‫بقسنطينة في جمادى الثاني ‪ 1426‬هجرية (‪2005‬‬ ‫) ‪ ،‬وأج���ي���زت وك��ان��ت ب��ع��ن��وان ‪" :‬ن��ظ��ري��ة الوسطية‬ ‫وتطبيقاتها في الفقه اإلسالمي " ‪.‬‬ ‫‪ . 17‬املصدر نفسه ‪.‬‬ ‫‪. 18‬ل��ل��ت��ف��اص��ي��ل ان��ظ��ر‪:‬ي��وس��ف ال���ق���رض���اوي ‪،‬‬ ‫"الوسطية واالعتدال " ‪ ،‬في املوقع التالي ‪http:// :‬‬ ‫‪ascooor.maktoobblog.com‬‬

‫‪/‬‬

‫وكذلك‬

‫‪:‬يوسف القرضاوي ‪"،‬مفهوم الوسطية في اإلسالم‬ ‫" موقع القرضاوي (اإللكتروني ) ‪ 8،‬آب‪ -‬أغسطس‬ ‫‪ 2007‬والرابط هو‪:‬‬ ‫‪http://www.qaradawi.net‬‬

‫‪،‬وانظر‬

‫لتفاصيل أخ��رى ‪:‬محمد عمارة ‪" ،‬سنة ال��ت��درج في‬ ‫اإلصالح " ‪ ،‬مجلة الوسطية مارة الذكر ‪ ،‬ص ‪، 8-5‬‬ ‫سعد الدين العثماني ‪" ،‬دور الوسطية في االستقرار‬ ‫السياسي " ‪ ،‬مجلة الوسطية مارة الذكر ‪ ،‬ص ‪-67‬‬ ‫‪. 72‬‬ ‫‪ . 19‬رامون شاك ‪ ،‬حوار مع اخلبير في الشؤون‬ ‫اإليرانية وال��ي نصر ‪ ،‬ترجمة رائ��د الباش ‪ ،‬موقع‬ ‫قنطرة ( اإللكتروني ) ‪.2010 ،‬‬ ‫‪ . 20‬انظر ‪ :‬إبراهيم خليل العالف ‪ ،‬تاريخ الوطن‬ ‫العربي في العهد العثماني ‪ ،‬دار ابن األثير للطباعة‬ ‫والنشر ‪( ،‬املوصل ‪. ) 1982،‬‬ ‫‪ . 21‬شاك ‪ ،‬املصدر السابق ‪.‬‬ ‫* ن��ص ال��ورق��ة البحثية ال��ت��ي ق��دم��ه��ا األستاذ‬ ‫الدكتور إبراهيم خليل العالف إلى املؤمتر الدولي‬ ‫الثالث للوسطية والذي انعقد في فندق فور سيزنز‬ ‫ببيروت يومي ‪ 20‬و‪ 21‬نيسان‪-‬إبريل ‪.2010‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪35‬‬


‫وسطيتنا‬

‫مفهوم الوسطية ‪...‬‬ ‫التجلي التاريخي والحضاري‬ ‫يحكم سير التاريخ البشري اليوم سنتان قويتان‪ :‬ظاهرة العوملة باعتبارها‬ ‫عنوان اجلولة االستعمارية‪ ،‬وظاهرة الصحوة الدينية العاملية التي بدأت تأخذ‬ ‫في بالد اإلسالم عنوان ميالد حركة التحرر‪.‬‬

‫د‪ .‬حممد طالبي‬

‫والعوملة تقودها عقيدة احلداثة‪ ،‬والصحوة يقودها اإلسالم‪ .‬فهل من مساحة‬ ‫لالئتالف بني احلداثة واإلسالم وهل من مساحة لالختالف بينهما نص ًا وتاريخ ًا؟‬ ‫وهل من تطابق بني جتربة الديانة املسيحية في العصر الوسيط وجتربة اإلسالم‬ ‫حتى يرفع العلمانيون ببالد اإلسالم نفس شعار العلمانية في الغرب املسيحي ؟‬ ‫أم أنّ العلمانية ببالدنا هي إعادة إنتاج في الفترة املعاصرة ملا أنتجته الكنيسة من‬ ‫إقطاع ودويالت إقطاع ؟ أليست احلداثة في بالد املسلمني نقيض جلوهر احلداثة‬ ‫في بالد الغرب ؟‬

‫احلداثة رد فعل تاريخي متطرف ضد فعل تاريخي متطرف االعتبار للشأن ال��دن��ي��وي‪ ،‬وإع���ادة "االع��ت��ب��ار" للعقل والعلم‬ ‫‪،‬وإع��ادة "االعتبار" للحرية الشخصية‪ .‬واعتبرت احلداثة أن‬ ‫للحداثة ت��ع��اري��ف م��ت��ع��ددة حسب احل��ق��ل امل��ع��رف��ي الذي‬ ‫السبل االستراتيجية لتحقيق ذلك من خالل العلمنة والتمايز‬ ‫يعاجلها‪ .‬وتعريفي ل��ل��ح��داث��ة س���واء ك��ان تعريف أومفهوم‬ ‫أوالتعدد والتعبئة‪.‬‬ ‫ت��اري��خ��ي‪ ،‬مستمد م��ن دالالت مصطلح احل��داث��ة ف��ي وقائع‬ ‫إن احل��داث��ة قطع م��ع فعل تاريخي متطرف هيمن على‬ ‫التاريخ الغربي احل��دي��ث‪ ،‬وليس من دالالت��ه في القواميس‬ ‫ح��ي��اة أوروب����ا مل��دة ت��زي��د ع��ن ع��ش��رة ق���رون م��ن ال��زم��ان‪ ،‬من‬ ‫الفلسفية واللغوية الغربية‪.‬‬ ‫القرن اخلامس امليالدي إلى القرن اخلامس عشر امليالدي‪،‬‬ ‫فاحلداثة ليست أكثر من حتديد ألركان املشروع الثقافي وبالتحديد إلى قرن الثورة الفرنسية واألمريكية في القرن‬ ‫الوضعي كما مت تنزيله في القرون اخلمسة األخيرة في بيئة الثامن عشر‪.‬‬ ‫الغرب احلديث‪ .‬وهما ركنان كبيران‪ ،‬أوال ً‪ :‬القطع مع املاضي‬ ‫الوسيط‪ ،‬وثانياً‪ :‬الوصل مع املاضي القدمي لضمان االرتقاء‬ ‫احلداثة قطع مع التفكك قصد بناء الوحدة والتكتل‬ ‫احلضاري في احلاضر واملستقبل‪.‬‬ ‫ففي هذه الفترة التاريخية الطويلة‪ ،‬بعد انهيار اإلمبراطورية‬ ‫فالقطع مع املاضي الوسيط األوروب���ي له غايات كبرى‪ ،‬الرومانية‪ ،‬نشأ حلف قوي بني الكنيسة والنظام اإلقطاعي‬ ‫منها إعادة االعتبار ألدوات اإلنتاج احلضاري الكبرى‪ ،‬وإعادة أوق���ف التعبئة احل��ض��اري��ة أوال��ن��ف��ي��ر احل��ض��اري ف��ي العالم‬

‫‪36‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫األوروب��ي‪ .‬وع��اش األوروب��ي��ون فع ً‬ ‫ال عصر الظالم التاريخي‪،‬‬ ‫عصر توقف فيه الغربيون ع��ن اإلن��ت��اج احل��ض��اري املعتبر‬ ‫ذوالقيمة‪ .‬سواء كان إنتاجاً مادياً أوإنتاجاً روحياً‪.‬‬

‫واللسان القومي أوالوطني وشعار األمة أوالشعب‪ .‬أي رفعت‬ ‫شعار إعادة بناء أدوات اإلنتاج احلضاري الكبرى من سلطة‬ ‫موحد‪ .‬فكان لها ذلك‪،‬‬ ‫مركزية قوية وأمة ووطن موحد ولسان ِّ‬ ‫وكانت انطالقة نهضة حضارية كبيرة ساعدها عليها عقيدة‬ ‫االستعمار‪.‬‬

‫لقد أنتجت البشرية عبر تاريخها الطويل أرب��ع أدوات‬ ‫عمالقة لإلنتاج احلضاري ه��ي‪ :‬السلطة املركزية املستقلة‬ ‫واألم���ة وال��وط��ن واللسان‪ .‬إذ تعتبر ه��ذه األدوات إل��ى اآلن‬ ‫فالقطع مع الكنيسة من طرف عقيدة احلداثة كانت غايته‬ ‫شروطاً لنهضة أية أمة أوشعب‪.‬‬ ‫القطع مع املسؤول تاريخياً‪ ،‬وهي الكنيسة واإلقطاع‪ ،‬عن تفكك‬ ‫ما حدث ألوروبا في العصر الوسيط هوتفكك أدوات اإلنتاج أدوات اإلنتاج احلضاري‪ ،‬الذي انتهى إلى تَ َك ُّو ٍر حضاري طويل‬ ‫احلضاري العمالقة هذه‪ ،‬فتوقف اإلنتاج احلضاري نفسه ملدة األمد في البيئة األوروبية الوسيطة‪ .‬وهذا أمر ال اعتراض‬ ‫عليه من طرف عاقل إلى هذه احلدود‪.‬‬ ‫تزيد عن عشرة قرون‪.‬‬ ‫لقد تفككت السلطة املركزية القوية مع انهيار الدولة‬ ‫الرومانية في القرن اخلامس امليالدي‪ ،‬حتت ضربات فرسان‬ ‫القبائل ال��ب��دوي��ة وم��ي�لاد الكنيسة باعتبارها ج��ه��ازاً بدي ً‬ ‫ال‬ ‫للدولة‪ .‬وكانت النتيجة الواقعية لهذا احلدث التاريخي الكبير‬ ‫في أوروب��ا أن نشأ حتالف بني أهل السيف وهم الفرسان‪،‬‬ ‫وأهل القلم وهم الرهبان من رجال الكنيسة‪ ،‬حتالف أفضى‬ ‫إلى تقسيم الوطن الواحد إلى مئات اإلقطاعيات‪ ،‬كل إقطاعية‬ ‫يحكمها فارس يسمى السيد أوالنبيل‪ ،‬يسنده كاهن‪ ،‬وحتول‬ ‫سكان األرض من الفالحني إلى أقنان أوعبيد يباعون ويشترون‬ ‫مع أراضيهم التي أصبحت في ملك الفارس أوالكاهن‪.‬‬ ‫وأضحت كل إقطاعية بسكانها األقنان في حدود جغرافية‬ ‫وسياسية واقتصادية مغلقة‪ .‬أي في عزلة تامة عن باقي‬ ‫اإلقطاعيات ف��ي ال��وط��ن ال��واح��د‪ .‬فالوطن ال��واح��د األملاني‬ ‫أواإليطالي على سبيل املثال ال احلصر تقطع إلى عشرات‬ ‫أوم��ئ��ات اإلقطاعيات وتقطع الشعب ال��واح��د إل��ى عشرات‬ ‫أومئات املجموعات السكانية املقطوعة الوصال مع إخوانها‬ ‫في الوطن‪ ،‬بفعل القوانني الفيودالية أواإلقطاعية التي متنع‬ ‫مرور الرجال واملال واألفكار فيما بينها‪.‬‬

‫احلداثة قطع مع اإلهمال للشأن الدنيوي في‬ ‫عقيدة الكنيسة املسيحية‪:‬‬

‫فاملسيحية ديانة آلت إلى االنحراف والضالل كما يخبرنا‬ ‫ديننا احلنيف س���واء ف��ي تثليثها لله األح���د سبحانه أوفي‬ ‫اعتقادها املنحرف بالعلمانية فهي تزعم باط ً‬ ‫ال أن عيسى‬ ‫عليه ال��س�لام ق��ال‪ " :‬م��ا لقيصر‪ ،‬لقيصر وم��ا لله ل��ل��ه"‪ .‬أي‬ ‫أن الشأن الديني من اختصاص الكنيسة والشأن الدنيوي‬ ‫من اختصاص السلطة السياسية‪ .‬وهذا بالضبط هواألصل‬ ‫في تعريف العلمانية‪ ،‬أي فصل الشأن الديني عن الشأن‬ ‫الدنيوي‪.‬‬ ‫فكانت نتيجة هذا املعتقد الكنسي الضال واملنحرف أن‬ ‫أهملت الكنيسة املسيحية تنظيم الشأن الدنيوي إهماالً‬ ‫شبه تام‪ .‬فال غرابة أن ال نعثر داخل املسيحية على األحكام‬ ‫الشرعية أوالقوانني الدينية أي القوانني املنظمة لسير الشأن‬ ‫العام‪ .‬قوانني تضبط ممارسة السلطة السياسية واملعامالت‬ ‫االقتصادية واالجتماعية ونظام الضرائب لضمان سير الدولة‬ ‫وللضمان االجتماعي وغيرها من شؤون العمل الدنيوي‪.‬‬

‫اخلالصة أن املسيحية فرطت في تدبير الشأن الدنيوي‬ ‫واخلالصة املرعبة أن حلف أهل القلم والسيف أنهى عمله‬ ‫بتفكيك أدوات اإلنتاج احلضاري الكبرى وهي‪ :‬السلطة واألمة وفرطت في أدوات اإلنتاج احلضاري‪ .‬وهذا تطرف في املوقف‬ ‫والوطن واللسان‪ .‬إذ انهارت السلطة املركزية الرومانية وتفكك واملمارسة التاريخية‪.‬‬ ‫كانت نتيجته رد فعل تاريخي متطرف هواآلخر من طرف‬ ‫ال��وط��ن وحت��ول��ت الشعوب على مجموعات سكانية مقطعة‬ ‫األوص��ال حتت حكم الفرسان والرهبان الذين كونوا طبقة عقيدة احلداثة‪،‬فأفرطت في االهتمام بتدبير الشأن الدنيوي‪،‬‬ ‫النبالء‪ ،‬ولم يعد اللسان الالتيني لسا َن إنتاج كما كان في العهد وفرطت في الشأن الديني‪ ،‬واحلاجيات الروحية لإلنسان حتت‬ ‫الروماني‪ .‬فسادت اللهجات‪ ،‬والنتيجة األكثر رعباً هي توقف شعار العلمنة وال َعلْمانية‪.‬‬ ‫تدفق الطاقة احلضارية بالغرب‪ ،‬فكان عصر الظلمات حقاً‬ ‫احلداثة أيض ًا القطع مع معتقد حترمي العقل وحترمي العلم‪:‬‬ ‫كما نعتته عقيدة احلداثة الحقاً‪ ،‬وحق للحداثيني الغربيني أن‬ ‫ينعثوا الدين املسيحي بأنه فكر ظالمي‪.‬‬ ‫لقد ح��رم��ت الكنيسة اإلمي���ان بالعقل واإلمي����ان بالعلم‪،‬‬ ‫ول��ه��ذا السبب رفعت احل��داث��ة إب��ان ث��ورات��ه��ا الكبرى في واعتبرت ذل��ك كفراً‪ ،‬بل نصبت محاكم التفتيش لذلك في‬ ‫القرون الثامن عشر والتاسع عشر والقرن العشرين شعار نهاية العصر الوسيط‪ ،‬فأحرقت وأعدمت ما يناهز ‪ 30‬ألف‬ ‫القومية والدولة القومية أوالوطنية والسوق القومية أوالوطنية عالم ومفكر ‪ .‬وه��ذا أيضاً فعل وموقف متطرف‪ ،‬فرط في‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪37‬‬


‫نعمتني عظيمتني من نعم الله الرزاق الكرمي‪ ،‬ومع انتصار ثورة املتطرف للحداثة باألمس واليوم‪ ،‬نطرح السؤال التالي‪:‬‬ ‫احلداثة مارست هي األخرى رد فعل متطرف‪ ،‬فأفرطت في‬ ‫ه��ل ارت��ك��ب اإلس�ل�ام كعقيدة وش��ري��ع��ة وجت��رب��ة تاريخية‬ ‫رعاية العقل بلغت درجة التقديس‪ ،‬إذ اعتبر التيار السائد في العصر الوسيط نفس اجلرائم التاريخية التي ارتكبتها‬ ‫في احلداثة أن كل ما ال ميكن للعقل إدراكه‪ ،‬بواسطة احلواس املسيحية ؟ أم أن جتربته نقيض تام لتجربة الكنيسة ؟‬ ‫الطبيعية أواحل����واس االصطناعية كاملجهر والتليسكوب‬ ‫وغيرها‪ ،‬غير موجود‪ ،‬فنفت بذلك عالم الغيب كوجود الله‬ ‫احلداثة مبيزان اإلسالم ال إفراط وال تفريط‬ ‫سبحانه واملالئكة والوحي والرسل وال��دار اآلخ��رة وغيرها‪.‬‬ ‫إن كانت جتربة الدين املسيحي في أوروبا تؤكد بالشواهد‬ ‫فكانت النتيجة التلقائية لهذه النظرة انتشار ثقافة اإلحلاد‬ ‫التاريخية وبالنص الديني أنها ساهمت ف��ي تفكك أدوات‬ ‫في العالم الغربي أوالً ثم انتشارها في بقع أخرى من العالم‪،‬‬ ‫اإلن��ت��اج احل��ض��اري الكبرى م��ن سلطة مركزية وأم���ة وطن‬ ‫مبا فيها العالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫ولسان‪ ،‬فإن جتربة الدين اإلسالمي في دار اإلس�لام تؤكد‬ ‫وعلى منوال ه��ذا نفهم أيض ًا موقف املسيحية وفلسفة بالشواهد التاريخية العينية وبالنص الديني أن اإلسالم بنى‬ ‫احلداثة من مفهوم احلرية‪:‬‬ ‫أدوات اإلنتاج احلضاري العمالقة‪.‬‬ ‫فالكنيسة وحليفها اإلقطاع سلبا من اإلنسان األوروبي في‬ ‫فمع هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى املدينة‬ ‫العصر الوسيط حريته الشخصية بالتمام ‪ .‬وحوال السكان إلى املنورة ُولِدت رأساً النواة الصلبة ألدوات اإلنتاج احلضاري‪،‬‬ ‫أقنان أي عبيد األرض مبصطلح التاريخ األوروبي‪ ،‬إذ يباعون وه��ذه النواة هي الدولة مبعناها القانوني احلديث والذي‬ ‫ويشترون مع األرض‪ ،‬فرقبتهم ملك للسيد أوالنبيل الذي قد يتضمن ث�لاث مكونات أساسية وه��ي‪ :‬السلطة السياسية‬ ‫يكون صاحب القلم (ال ُك َّهان) أوصاحب السيف (الفرسان)‪ .‬امل��رك��زي��ة‪ ،‬ال��وط��ن أواإلق��ل��ي��م واألم���ة أواجل��م��اع��ة املستوطنة‬ ‫لقد كان اإلنسان الغربي محروماً من حركة أوتنقل اجلسد ل�لإق��ل��ي��م‪ -‬ال��وط��ن‪ .‬ف��اإلق��ل��ي��م‪-‬ال��وط��ن مثلته امل��دي��ن��ة املنورة‬ ‫إال بإذن السيد‪ ،‬ومحروماً من حرية التفكير والتعبير بالتمام‪ ،‬ومحيطها من القبائل املتحالفة أواملسلمة‪ ،‬ثم جزيرة العرب‬ ‫وطبعاً ال حق له في املمارسة السياسية أو التعبير السياسي‪ .‬واألمة مثلها املهاجرون واألنصار واليهود وغيرهم من ساكنة‬ ‫بل إن التطرف في العداء للحرية الشخصية وص��ل درجة اإلق��ل��ي��م‪ -‬ال��وط��ن‪ .‬أم��ا التعبير ع��ن ميالد السلطة املركزية‬ ‫إعالن الكنيسة حرمة الزواج بالنسبة لرجال الكنيسة‪ .‬وهذا كإحدى أدوات اإلنتاج احلضاري املادي والروحي‪ ،‬فقد مثله‬ ‫ٍ‬ ‫مناف للفطرة التي فطر الله عليها كل مكونات الغالف احلي النبي محمد صلى الله عليه وسلم باعتباره احلاكم السياسي‪،‬‬ ‫أوالبيولوجي ومنها بني آدم‪ .‬وحرمت الكنيسة املسيحي حتى إلى جانب كونه رس��والً يوحى إليه‪ ،‬ومثلته وثيقة الصحيفة‬ ‫من حرية الدعاء املباشر لله تعالى ‪ ،‬إذ فرضت علية أن مير باعتبارها دستور األم��ة املكتوب منذ أربعة عشر قرناً من‬ ‫الدعاء عبر وساطة الكاهن وما سمي بسلك الكهنوت ‪.‬‬ ‫الزمان‪ ،‬ومثلته شورى الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة‬ ‫فهذا التفريط في احلرية عند الديانة املسيحية قابله عند في كل شيء‪ .‬قال تعالى { َف ِب َما َر ْح َم ٍة مِ َن اللَّهِ ِلن َْت لَ ُه ْم َولَ ْو‬ ‫ُكن َْت َف ًّظا َغل َ‬ ‫ضوا مِ ْ��ن َح�� ْول َ‬ ‫اع ُ‬ ‫ف َعنْ ُه ْم‬ ‫ِيظ الْ َقل ْ ِب لاَ نْ َف ُّ‬ ‫فكر احلداثة إفراط في احلرية الشخصية وغير الشخصية‪.‬‬ ‫ِ��ك َف ْ‬ ‫استَغْفِ ْر لَ ُه ْم َو َشاوِ ْر ُه ْم فِ ي الأْ َ ْمرِ َف ِإ َذا َع َز ْم َت َفتَ َو َّك ْل َعلَى اللَّهِ‬ ‫لقد اعتبرت احلداثة احلرية هي التخلص الكامل للشخص َو ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫لمْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من أي قيد أخالقي أوفكري أوقانوني أوسنني في حتقيق إ َِّن الل َه يُح ُّب ا تَ َوكلنيَ}(آل عمران‪ .)159:‬شورى في كل شيء‬ ‫نشاط اجلسد‪ .‬فالعقل يجب أن مي��ارس نشاطه بعيداً عن ‪،‬إال فيما هووحي فال شورى فيه‪،‬فهودستور رباني مكتوب ‪،‬ما‬ ‫االعتقاد ألن للنشاط العقلي لإلنسان حدود وسنن ال ميكنه على املسلم فيه إال السمع والطاعة‪.‬‬ ‫جتاوزها‪ .‬واجلسد يجب أن ميارس نشاطه الشهواني بعيداً‬ ‫عن أي اعتقاد ألن لتلبية الشهوات حدود آدمية وسنن طبيعية‪،‬‬ ‫فكان الزواج املثلي بني الرجل والرجل أواملرأة واملرأة وغيرها‬ ‫من التصرفات املنحطة كما نشاهد اليوم ‪.‬‬ ‫فاملسيحية حرمت العقل والعلم واحلرية وه��ذا تفريط‪،‬‬ ‫واحلداثة أفرطت في رعاية العقل والعلم املادي واحلرية إلى‬ ‫درجة التقديس وهذا إفراط‪.‬‬ ‫بعد هذه املقارنة بني الفعل التاريخي املتطرف للتجربة‬ ‫املسيحية في أوروبا في العصر الوسيط‪ ،‬وبني الفعل التاريخي‬ ‫‪38‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ومثله اللسان العربي املبني باعتباره لسان عبادة ولسان‬ ‫إدارة ولسان إنتاج حضاري في عهد الرسول صلى الله عليه‬ ‫وس��ل��م ث��م ف��ي عصر اخل�لاف��ة ال��راش��دة ث��م ف��ي ك��ل عصور‬ ‫اخلالفة التابعة الزاهرة‪ ،‬بل إن اإلسالم بعد الفتوحات املباركة‬ ‫بنى سوقاً وطنية ووطناً عابراً لألقاليم من حدود الصني إلى‬ ‫حدود األندلس ‪ ،‬وطناً عابراً لألقطار وسوقاً اقتصادية حرة‬ ‫يتنقل فيها الرجال وامل��ال واألفكار ب��دون ج��واز سفر وبدون‬ ‫تأشيرة مرور كما يصف لنا ذلك الرحالة املغربي ابن بطوطة‬ ‫في رحلته التي دامت ‪ 28‬سنة واستغرقت كل بالد اإلسالم‪،‬‬


‫وبنى اإلسالم بعد الفتح أمة عابرة لألقوام والشعوب‪ .‬امتدت‬ ‫م��ن أندونيسيا ف��ي احمل��ي��ط ال��ه��ادي إل��ى امل��غ��رب واألندلس‬ ‫والسينيغال على احمليط األطلسي‪ ،‬وتوسعت السلطة املركزية‬ ‫باعتبارها إح��دى أدوات اإلنتاج الكبرى بعد الفتح فظهرت‬ ‫اخلالفة اإلسالمية بدءاً من عهد اخللفاء الراشدين وانتها ًء‬ ‫باخلالفة العثمانية‪.‬‬

‫قاعدة أومبدأ السلطة لألمة‪ :‬أك��دت احلداثة في البعد‬ ‫السياسي للحرية على أن الشعب هم مصدر كل السلطات‪.‬‬ ‫وف��ي ه��ذا ائ��ت�لاف م��ع اإلس�ل�ام ال���ذي أك��د على استخالف‬ ‫اإلنسان في األرض‪ ،‬ق��ال ت��ع��ال��ى{ َو ِإ ْذ َق��ا َل َر ُّب َ‬ ‫��ك ِلل ْ َملاَ ِئ َكةِ‬ ‫ِإ ِّني َج ِ‬ ‫ض َخلِي َف ًة}(البقرة‪ ،)30:‬ثم قال سبحانه‪:‬‬ ‫اع ٌل فِ ي الأْ َ ْر ِ‬ ‫الصالحِ َ ِ‬ ‫ات لَيَ ْستَخْ ِل َف َّن ُه ْم‬ ‫{ َو َع َد اللَّ ُه ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا مِ نْ ُك ْم َو َعمِ لُوا َّ‬ ‫استَخْ ل َ َف ا َّلذِ ي َن مِ ْن َقبْلِهِ ْم َولَيُ َم ِّكننَ َّ لَ ُه ْم دِ ينَ ُه ُم‬ ‫فِ ي الأْ َ ْر ِ‬ ‫ض َك َما ْ‬ ‫َضى لَ ُه ْم َولَيُ َب ِّدلَ َّن ُه ْم مِ ْن بَ ْعدِ َخ ْوفِ هِ ْم أَ ْمنًا يَ ْعبُ ُدونَنِي لاَ‬ ‫ا َّلذِ ي ا ْرت َ‬ ‫ِك َفأُولَئ َ‬ ‫يُ ْشرِ ُكو َن بِي َشيْ ًئا َو َم ْن َك َف َر بَ ْع َد َذل َ‬ ‫ِك ُه ُم الْ َف ِ‬ ‫اسقُونَ}‬ ‫(النور‪.)55:‬‬

‫وفي هذا ائتالف وتوافق بني احلداثة واإلسالم‪ ،‬فاإلسالم‬ ‫أيضاً وقبل عصر احلداثة بقرون جاء إلخراج الناس كافة وفي‬ ‫كل القارات مبا فيها قارة أوروبا‪،‬من عبادة العباد إلى عبادة‬ ‫الله ومن ضنك احلياة إلى سعتها‪ .‬فأخرج شعوباً كثيرة من‬ ‫عهد التجزئة إلى عصر التكتل والوحدة العقدية واجلغرافية‬ ‫واالقتصادية والسياسية ‪ .‬لكنه ميتاز على تكتل احلداثة بأنه‬ ‫ال وطنياً فحسب؟ بل تكت ً‬ ‫ليس تكت ً‬ ‫ال عابراً لألقطار واألوطان‬ ‫والقوميات واألع��راق واأللسن‪ ،‬وعابراً للطبقات والقارات‪.‬‬ ‫تكتل تعود فيه اجلنسية األم للعقيدة قبل الوطن أواإلقليم‪،‬‬ ‫فالناس إخوان في الله أوالً ثم في الوطن ثانياً ثم في الدم‬ ‫واللسان ثالثاً‪،‬و هذا اختالف بني اإلسالم واحلداثة‪.‬‬ ‫واالئ���ت�ل�اف ال��ث��ان��ي ل��ل��ح��داث��ة م��ع اإلس��ل�ام ن��ص��اً وجتربة‬ ‫هواهتمامهما معاً بالشأن الدنيوي وتنظيم العمران البشري‪.‬‬ ‫بعكس املسيحية‪ ،‬فاألحكام الشرعية اإلسالمية في القرآن‬ ‫والسنة وس��ي��رة ال��رس��ول صلى الله عليه وسلم شاملة لكل‬ ‫حاجيات الناس املادية و الروحية‪.‬‬

‫فاألحكام الشرعية املنظمة للحقل السياسي متعددة‪،‬‬ ‫حتدد لنا احلالل واحلرام في املمارسة السياسية‪.‬و نكتفي‬ ‫بهذين املثالني‪ .‬وهذا ما ال أثر له في الدين املسيحي الذي‬ ‫اعتبر السلطة لقيصر وليس لله عز وجل‪.‬‬

‫لقد ج���اءت احل��داث��ة إلخ����راج أوروب����ا م��ن عهد التجزئة‬ ‫اإلقطاعية‪ ،‬إلى عصر الوحدة والتكتل القومي‪ .‬فوحدت الوطن‬ ‫القومي والسوق الوطنية والكيان السياسي الوطني ووحدت‬ ‫اللسان الوطني‪ .‬فضمنت رهان االرتقاء احلضاري‪.‬‬

‫واألم���ر ذات���ه ي��س��ري على ك��ل م��ج��االت احل��ي��اة البشرية‪.‬‬ ‫ل��ق��د ح���ددت ل��ن��ا ال��ش��ري��ع��ة اإلس�لام��ي��ة ك��ل ال��ق��وان�ين الكلية‬ ‫املنظمة للنشاط االقتصادي‪ ،‬والنشاط االجتماعي‪ ،‬واألسرة‪،‬‬ ‫واملعامالت‪ ،‬والتربية والبيئة‪ ،‬وحقوق اإلنسان‪ ،‬رج ً‬ ‫ال كان أم‬ ‫ام��رأة أم طف ً‬ ‫ال من املهد حتى اللحد‪ ،‬ووضعت لنا قوانني‬ ‫وأح��ك��ام��اً ال وج���ود لها حتى ف��ي ح��ض��ارة احل��داث��ة‪ ،‬ب��ل زاد‬ ‫اإلس�لام على احل��داث��ة بتنظيم الشأن الديني واحلاجيات‬ ‫الروحية لإلنسان الذي أهملته بالتمام ثقافتها‪ .‬وهذا اختالف‬ ‫ه��ام ب�ين احل��داث��ة واإلس�ل�ام‪ ،‬فإهمال البعد ال��روح��ي عند‬ ‫البشرية والتركيز على الشهوات املادية عندها خطأ قاتل‪،‬‬ ‫قد يتسبب في انهيار حضارة احلداثة كما تؤشر على ذلك‬ ‫اليوم الصحوة الدينية العاملية الشاملة لكل األدي��ان‪ ،‬وهي‬ ‫تعبير عن رغبة واعية أوغير واعية من البشرية في تلبية‬ ‫هناك أحكام وضعت لنا قواعد شرعية ملمارسة احلكم األشواق الروحية في كيان اإلنسان‪ ،‬إنها بداية عصر ما بعد‬ ‫السياسي منها‪:‬‬ ‫احلداثة‪.‬‬ ‫قاعدة أومبدأ القانونية‪ :‬أي التزام أولي األمر في احلكم‬ ‫واخلالصة أن اإلسالم لم يهمل الشأن الدنيوي كما أهملته‬ ‫مبرجعية دستورية عليا تعود إليها األمة والسلطة في تنظيم املسيحية‪ ،‬فكان سبب ًا من أسباب طردها من حقل التدبير‬ ‫الشأن العام وعند االخ��ت�لاف‪ .‬وه��ي القرآن الكرمي والسنة العام‪ .‬من ثم فال مجال لرفع شعار العلمانية في العالم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫النبوية املطهرة‪ .‬قال تعالى‪{ :‬يَا أ ُّي َها الذِ ي َن آ َمنُوا أ ِطي ُعوا الل َه اإلسالمي من طرف تيار احلداثة‪ ،‬فهوفي بالدنا ليس أكثر‬ ‫لأْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َوأ ِطي ُعوا ال َّر ُسول َوأولِ��ي ا ْم��رِ مِ نْك ْم ف ِإ ْن تَنَاز َْعتُ ْم فِ ي ش ْيءٍ من نسخة مشوهة للحداثة األصيلة في الغرب‪ ،‬وهوخطأ‬ ‫لآْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف ُر ُّدوهُ ِإلى اللهِ َوال َّر ُسولِ ِإ ْن كنْتُ ْم تُؤْمِ نُو َن بِاللهِ َوال َي ْو ِم ا ِخرِ قاتل ألمتنا‪.‬‬ ‫َذل َ‬ ‫ِك َخيْ ٌر َوأَ ْح َس ُن تَ ْأوِ يلاً } (النساء‪.)59:‬‬ ‫واحلداثة في توافق وائتالف أيضاً مع اإلس�لام في كونه‬ ‫في حني لم يعرف الغرب مبدأ القانونية أواحل��ك��م وفق اهتم بالعقل والعلم واحلرية عكس الدين املسيحي احملرف‪.‬‬ ‫القانون إال في القرن التاسع عشر والقرن العشرين مع عصر‬ ‫فاإلسالم اعتبر العلم فريضة على كل مسلم‪ ،‬قال رسول‬ ‫احلداثة‪.‬‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم" العلم فريضة على كل مسلم "‪.‬‬ ‫لكن االختالف الثاني اجلوهري بني العقيدتني كون دستورنا بل إن أول آية نزلت من القرآن الكرمي ب��دأت بكلمة (اقرأ‬ ‫رباني ودستورهم بشري‪.‬‬ ‫باسم رب��ك ال��ذي خلق)‪ ،‬قال تعالى{ ُق ْل َه�� ْل يَ ْست َِوي ا َّلذِ ي َن‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪39‬‬


‫اب}(الزمر‪،)9:‬‬ ‫بعد كل هذا‪ :‬أليست احلداثة والعلمانية في بالد اإلسالم‬ ‫يَ ْعل َ ُمو َن َوا َّلذِ ي َن لاَ يَ ْعل َ ُمو َن ِإنمَّ َ ا يَتَ َذ َّك ُر أُولُوالأْ َلْبَ ِ‬ ‫فنحن شرعاً أمة اقرأ وأمة علم ‪،‬بعكس املسيحية التي كفرت تعني الوصل مع املاضي اإلسالمي الزاهر؟‬ ‫املؤمنني بالعلم والعقل‪.‬‬ ‫لكن مع كل هذا التوافق بني احلداثة واإلسالم‪ ،‬فإن هذا‬ ‫كما حض اإلسالم على رعاية العقل البشري ‪ .‬إذ جند االئتالف يتضمن أيضاً اختالفات بينة بني احلداثة واإلسالم‬ ‫كثيراً من اآليات القرآنية احلاثة على إعمال العقل ‪ .‬باعتباره ملفهوم العقل ومفهوم العلم‪ .‬فاحلداثة ال ترى حدوداً لنشاط‬ ‫الوسيلة املثلى لفقه الواقع وفقه النص الديني ومعرفة اخلالق العقل البشري ‪ ،‬وهذا إفراط ‪ ،‬في حني علمنا ديننا والعلم‬ ‫سبحانه‪ .‬قال تعالى { َوأَنْ َزلْنَا ِإلَيْ َك ِّ‬ ‫أن لنشاط العقل البشري حدود ال يتعداها في اإلدراك‬ ‫الذ ْك َر ِلتُ َبينِّ َ لِلن ِ‬ ‫َّاس َما اليوم ّ‬ ‫نُ ِّز َل ِإلَيْهِ ْم َولَ َعلَّ ُه ْم يَتَ َف َّك ُرونَ} (النحل‪ .)44:‬ثم قال{ َولَ َق ْد يَ َّس ْرنَا واملعرفة هي حدود العالم املادي ‪ .‬أما عالم الغيب فال ميكنه‬ ‫الْ ُق ْرآ َن ل ِّ‬ ‫ِلذ ْكرِ َف َه ْل مِ ْن ُم َّدكِ ٍر} (القمر‪ .)17:‬ثم قال تعالى‪{:‬ا َّلذِ ي َن إدراكها بالعقل وحواسه الطبيعية أواالصطناعية‪ ،‬واملعرفة في‬ ‫يَ ْذ ُك ُرو َن اللَّ َه قِ َيا ًما َو ُق ُعو ًدا َو َعلَى ُجنُوبِهِ ْم َويَتَ َف َّك ُرو َن فِ ي َخلْقِ هذا املجال تتم عبر اإلخبار الرباني عن طريق الوحي املنزل‬ ‫ض َر َّبنَا َما َخلَق َْت َه َذا بَ ِ‬ ‫الس َما َو ِ‬ ‫اطلاً ُسبْ َحانَ َك فَقِ نَا على الرسل واألنبياء عليهم الصالة و السالم‪.‬‬ ‫ات َوالأْ َ ْر ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫اب‬ ‫و‬ ‫الد‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ِن‬ ‫إ‬ ‫قال‪{:‬‬ ‫ثم‬ ‫‪.‬‬ ‫عمران‪)191:‬‬ ‫}(آل‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫اب‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫َّارِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َع َ َ‬ ‫َّ‬ ‫فالقرد غير قادر على إدراك عالم املغنطيس والرياضيات‬ ‫الص ُّم الْبُ ْك ُم ا َّلذِ ي َن لاَ يَ ْعقِ لُو َن (األنفال‪.)22:‬‬ ‫اللَّهِ ُّ‬ ‫وغيرها من املخلوقات‪ ،‬فهي بالنسبة له غير موجودة‪ .‬وعالم‬ ‫فهذه كلها آيات تدعونا صراحة إلى إعمال العقل بالتذكر غيب بسبب احل��دود املجعولة من الله اخلالق سبحانه على‬ ‫والتفكر والتدبر في آيات الله في القرآن الكرمي وآيات الله جهازه اإلدراكي‪ ،‬فكذلك اإلنسان ال ميكنه إدراك عالم الغيب‪،‬‬ ‫في الكتاب املنثور ( الكون)‪.‬‬ ‫وهوموجود‪ ،‬بسبب احلدود املجعولة من الله تعالى على جهازه‬ ‫بل إن القرآن الكرمي جاء ليعلم البشرية طرائق التفكير اإلدراكي‪.‬‬ ‫العقلي السليم وطرائق البحث العلمي النافع‪ .‬وهذا أيضاً فيه‬ ‫كما أن العلم ف��ي اإلس�ل�ام يختلف ع��ن العلم ف��ي فلسفة‬ ‫توافق وائتالف بني احلداثة واإلسالم‪ .‬فمن الشروط املنهجية احل��داث��ة‪ .‬فالعلم ف��ي احل��داث��ة ب��اب��ان‪ ،‬علوم م��ادة كالفيزياء‬ ‫للبحث العلمي احلديث اليوم‪:‬‬ ‫والكيمياء الفلك وغيرها‪ ،‬وعلوم إنسان كالتاريخ واالقتصاد‬ ‫واالجتماع وعلم النفس وغيرها‪ ،‬أ ّما العلم في اإلسالم فأبوابه‬ ‫حتديد إشكالية البحث‪.‬‬ ‫ثالث وهي علوم الشرع وعلوم املادة وعلوم اإلنسان‪ ،‬فال فصل‬ ‫حتديد فرضية البحث‪.‬‬ ‫بني العلم والدين في اإلسالم‪ ،‬فبالعقل والعمل وأدوات اإلنتاج‬ ‫فحص الفرضية‪.‬‬ ‫احلضاري األربعة واالهتمام بالشأن الدنيوي أحدثت احلداثة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نفيرا حضاريا ببالدها األصلية‪ .‬وأيضا بنفس كل تلك األمور‬ ‫االستخالص النظري‪.‬‬ ‫اهتم اإلسالم عقيدة وشريعة وجتربة تاريخية فأحدث نفيراً‬ ‫لكن املكون املفتاح في البحث العلمي هوحتديد السؤال‪،‬‬ ‫حضارياً عمالقاً في العصر الوسيط‪.‬‬ ‫وكما قال فقهاؤنا العظام (العلم خزائن مفتاحه السؤال)‪ ،‬فإن‬ ‫ومما سبق يطرح السؤال‪:‬‬ ‫تعلمت كيفية ط��رح السؤال بطريقة سليمة تكون قد بدأت‬ ‫مسيرة األل��ف ميل م��ن أج��ل إن��ت��اج علم ومم��ارس��ة سليمتني‬ ‫إذا كانت احلداثة في الغرب تعني العلمنة والتمايز والتعبئة‬ ‫ونافعتني‪ .‬فالسؤال شرط لإلبداع واالجتهاد السديد‪.‬‬ ‫احلضارية عن طريق القطع مع املاضي األوروب��ي الوسيط‪،‬‬ ‫وال��ق��رآن الكرمي ج��اء ليعلمنا كيفية ط��رح ال��س��ؤال‪ ،‬فلقد ه��ذا العصر ال��ذي ف ّرطت فيه املسيحية في أدوات اإلنتاج‬ ‫جاءت آيات كثيرات في صيغة سؤال بدون جواب‪ ،‬مثال ذلك احلضاري‪ ،‬وفي الشأن الدنيوي‪ ،‬وفي العلم والعقل واحلرية‪.‬‬ ‫فهل بإمكان احلداثيون ببالدنا أن يرفعوا نفس شعار احلداثة‬ ‫اآلي��ة الكرمية{ أَ َف�َل�اَ يَن ُْظ ُرو َن ِإلَ��ى الإْ ِ بِ���لِ َكيْ َف خُ ِل َق ْت َو ِإلَى‬ ‫في الغرب ويستنسخوا نفس جتربتهم فيدعون إلى القطع‬ ‫الس َماءِ َكيْ َف ُرفِ َع ْت َو ِإلَ��ى الجْ ِ بَالِ َكيْ َف نُ ِصبَ ْت َو ِإلَ��ى الأْ َ ْر ِ‬ ‫َّ‬ ‫ض مع املاضي اإلسالمي الوسيط؟ رغم أن اإلسالم بنى أدوات‬ ‫َكيْ َف ُس ِط َح ْت َف َذ ِّك ْر ِإنمَّ َ ا أَنْ َت مذكر لست َعلَيْهِ ْم بمِ ُ َسيْ ِط ٍر} اإلنتاج احلضاري واهتم بالشأن الدنيوي كاهتمامه بالشأن‬ ‫(الغاشية‪ ،)22-17 :‬فهذه أسئلة ب��دون ج��واب مباشر‪،‬ومن الديني‪ ،‬وأعطى رعاية خاصة للعقل والعلم واحلرية؟‬ ‫احلكم الربانية في طرح السؤال في كثير من اآليات الكرمية‬ ‫إن كانوا جدليني حقاً وعلميني حقاً ووطنيني حقاً سيجهرون‬ ‫هوتعلم طرح السؤال نفسه‪،‬وكل هذا يدل على الرعاية الكبيرة‬ ‫بالقول ‪:‬إن احلداثة في بالد اإلسالم تعني عكس احلداثة في‬ ‫للشريعة اإلسالمية بالعقل وتسخيره عكس ما هوعليه األمر بيئة الغرب‪ ،‬فهي ليست قطعاً مع املاضي بل وص ً‬ ‫ال مع املاضي‬ ‫في املسيحية‪.‬‬ ‫اإلسالمي املجيد‪ .‬والقطع مع احلاضر العلماني املنحط ‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫فأهل احلداثة ببالد اإلسالم إن كانوا صادقني في ن ّية‬ ‫النهضة فعليهم أن يكونوا أصوليني‪ ،‬ألن الغربيني أنفسهم‬ ‫كانوا أصوليني‪ ،‬قطعوا مع العصر الوسيط املنحط ‪ ،‬ووصلوا‬ ‫مع العصر القدمي املجيد عندهم عصر أثينا وروما‪ ،‬باعتباره‬ ‫امل��ي�لاد األول لهويتهم‪ ،‬ف��أخ��ذوا م��ن ت��راث أثينا العقالنية‬ ‫والدميقراطية الوثنية ‪ ،‬وأخذوا من روما القانون الروماني‪،‬‬ ‫واستوعبوا حضارة اإلسالم مع اجلحود ‪.‬‬ ‫ف��ه��م ل��م ي��ف��رط��وا ف��ي م��ي�لاده��م األول ف��ي أث��ي��ن��ا وروم���ا‪.‬‬ ‫فكيف نفرط نحن في ميالدنا األول مبكة واملدينة؟ فهل من‬ ‫مستيقظ؟‬

‫إن كانوا جدليني حقاً وعلميني حقاً ووطنيني حقاً سيجهرون‬ ‫بالقول‪ :‬إن احلداثة في بالد اإلسالم تعني القطع مع حداثة‬ ‫احلاضر‪ .‬حاضر فككت فيه احلداثة الغربية الغازية أدوات‬ ‫اإلنتاج احلضاري ببالدنا وعممت التجزئة‪ .‬لقد أعادت احلداثة‬ ‫العلمانية الغازية إنتاج العصر الوسيط األوروب���ي بديارنا‪،‬‬ ‫ففككت الوطن اإلسالمي إلى ‪ 57‬إقطاعية والوطن العربي إلى‬ ‫‪ 22‬إقطاعية عربية ‪ ،‬وأضحت احلدود مغلقة بني اإلقطاعيات‬ ‫‪ ،‬مينع فيها مرور الرجال وامل��ال واألفكار إال بتأشيرة مرور‬ ‫وجواز سفر‪ .‬وبالنتيجة قطعوا أوصال األمة الواحدة إلى ‪57‬‬ ‫قطعة‪ .‬وفككوا السوق الوطنية الكبرى ‪،‬وأسقطوا السلطة‬ ‫املركزية لألمة بإسقاط اخلالفة اإلسالمية ودولة الشريعة‪.‬‬ ‫وفي قلب العالم اإلسالمي استبدلوا لساننا العربي املبني‬ ‫بألسن أعجمية مت��ارس الوظائف العليا للسان في اإلدارة‬ ‫واالقتصاد والتعليم العالي ونسبياً في اإلعالم‪ .‬وهكذا توقفنا‬ ‫عن إنتاج احلضارة‪ .‬ونعيش عصر الظلمات حقاً‪ .‬فالعلمانية‬ ‫املهيمنة على إدارة بالد املسلمني ألكثر من ‪ 200‬سنة كفكر‬ ‫وقانون وضعي ومؤسسات وضعية فكر ظالمي بامتياز‪.‬‬

‫والبشرية اليوم تنتقل إل��ى عصر ما بعد احلداثة عصر‬ ‫ال��ت��ك��ت�لات ال��ك��ب��رى وع��ص��ر ع���ودة ال��دي��ن م��ن م��ن��ف��اه ليحقق‬ ‫األش��واق الروحية لإلنسان التي أهملتها حضارة احلداثة‪،‬‬ ‫لذلك الصحوة الدينية عاملية وتشمل كل الديانات ‪ ،‬فهي‬ ‫تعبير عن رغبة البشرية جمعاء إلى انقاد حضارة احلداثة‬ ‫من خطئها القاتل في إهمال البعد الروحي في اإلنسان‪ ،‬هي‬ ‫حضارة عمياء وعرجاء في آن‪.‬‬ ‫لقد حققت الرفاة املادي لـ ‪ %20‬من سكان املعمور وهم أهل‬ ‫الغرب ‪ ،‬وعممت املجاعة املادية على ‪ %80‬من باقي سكان هذا‬ ‫املعمور ‪،‬وعممت املجاعة الروحية على ‪ %20‬من سكان كوكبنا‬ ‫األرض���ي‪ ،‬ونعمل على تعميم مجاعتها الروحية على باقي‬ ‫سكان األرض ‪ ،‬تعميم القيم املادية وثقافة اإلحلاد وعبادة إله‬ ‫الشهوة بدل عبادة الله تعالى‪ ،‬بل حتى الرفاة املادي لم حتققه‬ ‫احلداثة بالعلم الدميقراطية فقط بل حققته بقوة حديد ونار‬ ‫االستعمار الذي فرض على الشعوب على سطح كوكبنا األرض‬ ‫الضخ املستمر حتى اليوم لثرواتها في حقينة الغرب ‪.‬‬ ‫ولذا فاخلط احلداثي للتنمية والنهضة خط مغلق اليوم‪ ،‬ألنه‬ ‫خط استعماري يحقق الرفاة على آالم املاليني من البشر‪.‬‬ ‫فعلينا البحث عن خط تاريخي آخر لنهضة شعوبنا‪ .‬خط‬ ‫مستوعب ملزايا حداثة اإلعمار‪ ،‬الفظاً احداثة االستعمار‪ ،‬في‬ ‫مشروع حضاري ذاتي‪ ،‬إنه خط االستخالف اإلسالمي‪ ،‬خط‬ ‫إنقاد البشرية وحضارة احلداثة من الضالل الروحي والعوز‬ ‫املادي معاً‪ ،‬وانتشال اإلنسان من عالم القطيع واآلدمية السفلى‬ ‫إلى عالم اآلدمية العليا‪ ،‬إنه خط عصرما بعد احلداثة لأللفية‬ ‫الثالثة من عمر احلضارة‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪41‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫الوسطية أو الطوفان‬ ‫بالوسطية‪ .‬فالشجاعة تقع بني طرفي التهور واجلنب‪ .‬والكرم‬ ‫يقع بني طرفي اإلسراف والبخل‪ .‬وهلم جرا‪.‬‬

‫الوسطية جتد دعماً قوياً من الوحي اإلسالمي‪َ { :‬و َكذ َِل َك‬ ‫َج َع ْلن َُاك ْم ُأ َّم ًة َو َس ًطا} (البقرة‪ )143:‬أي أمة فاضلة‪ .‬وأوضح‬ ‫احلقائق م��ا ن��زل ب��ه ال��وح��ي وصدقته التجربة اإلنسانية‪:‬‬ ‫{ َو ِفي َ‬ ‫األ ْر ِض آ َي ٌ‬ ‫ني * َو ِفي أَنفُ ِس ُك ْم أَ َفال ُت ْب ِص ُرونَ }‬ ‫وق ِن َ‬ ‫ات ِّلل ُْم ِ‬ ‫(الذاريات‪.)21/20:‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬سميت منطقتنا الشرق األوسط حسب موقعها من‬ ‫الغرب‪ .‬ولكن بالنسبة ملوقعها من الكرة األرضية ينبغي أن‬ ‫�سماحة الإمام ال�صادق املهدي‬ ‫توصف بأنها وسط العالم ‪ ،‬إن لهذه املنطقة مشاكل في غالب‬ ‫أوطانها أهمها‪ ،‬تناقض بني احلكام والشعوب‪ ،‬غياب للعدالة‬ ‫دعينا في ‪ 20‬و‪ 21‬من شهر إبريل‪2010‬م للمؤمتر الدولي االجتماعية‪ ،‬تنمية باملقياس البشري غير متوازنة‪ ،‬تأزم في‬ ‫الثالث للوسطية في لبنان‪ .‬وقد حضره عدد كبير من العلماء التعامل مع التراث وفي التأقلم مع العصر‪ ،‬ظاهرة احتالل‬ ‫واألك��ادمي��ي�ين واملفكرين وال��س��اس��ة‪ .‬وبعد ت���داول ج��اد حول أجنبي‪ ،‬ظاهرة االحتالل االستيطاني‪.‬‬ ‫قضايا الساعة وأثرها على استقرار الشرق األوس��ط طرح‬ ‫هذه العوامل أفرزت ثالثة أنواع من الغلو وهي‪:‬‬ ‫عبره خمسون محاضراً اجتهاداتهم في املوضوعات املختلفة‬ ‫أ‪ .‬غلو سلطاني جتسده نظم تقوم على حكم الفرد حتى إنه‬ ‫واستمع إليها وناقشها نحو ثالثمائة من احلاضرين واهتدوا‬ ‫من بني ‪ 30‬دولة في العالم هي األكثر استبداداً عشرون منها‬ ‫إلى طائفة من التوصيات التي سوف تعلن الحقا‪.‬‬ ‫توصيات هذا املؤمتر سوف تعلن‪ ،‬ولكنني من وحي قضية في هذه املنطقة‪.‬‬ ‫الوسطية أود أن أتطرق للتحديات الداخلية واخلارجية التي‬ ‫ب‪ .‬غلو في الهيمنة اخلارجية بصورة هي األكثر في العالم‬ ‫تواجه املنطقة ألخلص إلى أن املنطقة تعشش فيها أمناط من من حيث االحتالل األجنبي االستيطاني‪.‬‬ ‫الغلو‪ .‬فإن لم نبطل أثرها فإنها كفيلة بتدمير املنطقة‪ .‬أقول‪:‬‬ ‫ج‪ .‬غالة احملتجني على هذا الواقع إذ ينادون بغلو فكري‬

‫أو ًال‪ :‬الوسطية ليست ذريعة لقبول الواقع كما هو‪ .‬وال تعني وحركي يقتل ويستقتل‪.‬‬ ‫مسك العصا من نصفها‪ .‬وال تعني موقفا بني احلق والباطل‪.‬‬ ‫هذه األن��واع الثالثة من الغلو تغذي بعضها بعضاً وتؤجج‬ ‫بل تعني احلق ذاته الذي يقع بني باطل اإلفراط والتفريط‪ .‬اضطراب املنطقة بصورة مستمدة من خمسة عوامل‪ ،‬عامالن‬ ‫حب التناهي غلط وخير األم��ور الوسط‪ .‬عبارة خير األمور داخليان هما‪ :‬االستبداد والظلم االجتماعي‪ .‬وثالثة عوامل‬ ‫أواسطها مبعنى خير األمور أفضلها على قياس ما بعد احلق خارجية هي‪ :‬االحتالل‪ ،‬واالستيطان‪ ،‬واالستعالء الثقافي‪،‬‬ ‫إال الضالل‪.‬‬ ‫وما لم تختف هذه العوامل اخلمسة فإن محاوالت التصدي‬ ‫ث��ان��ي�� ًا‪ :‬ك��ل ال��ت��راث اإلن��س��ان��ي ال��دي��ن��ي وال��وض��ع��ي يشيد لظاهرة الغلو والعنف املصاحب له بالوسائل األمنية وحدها‬

‫‪42‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫كثير م��ن اخل��ب��راء درس���وا ظ��اه��رة العنف العشوائي‬ ‫واالستقتال‪ .‬وكان كتاب روب��رت بيب بعنوان "امل��وت من أجل‬ ‫الفوز" من أكثرها صدقية‪ .‬لقد أثبت في دراسته أن االستقتال‬ ‫ليس مرتبطاً بدين أو ثقافة معينة بل شائع في كثير من األديان‬ ‫والثقافات نتيجة لوجود احتالل أجنبي ووسيلة ملقاومة ذلك‬ ‫االحتالل وهذا ما أكدته دراسة األستاذ ضياء رشوان أيضا‪.‬‬

‫الوسطية تتصدى لهذه املفاهيم وتصححها انتصاراً ملبادئ‬ ‫اإلسالم ولكنها تبرر عنف املقاومة لالستيطان واالحتالل ألنه‬ ‫{ َف َ‬ ‫ال ُع ْد َوانَ ِإ َّال َع َلى َّ‬ ‫الظالمِ ِ نيَ}(البقرة‪ ،)193:‬ولكن املقاومة‬ ‫ينبغي أن تتكامل مع القوة الناعمة التي تستخدم كل الوسائل‬ ‫املدنية لتحقيق املقاصد‪ ،‬فاملطلوب مخاطبة الشعوب‪ ،‬والرأي‬ ‫العام العاملي‪ ،‬ومنظمات حقوق اإلنسان‪ ،‬وآليات العدالة الدولية‬ ‫لدعم املوقف امل��ش��روع من االستيطان الغاصب واالحتالل‬ ‫األجنبي‪.‬‬

‫إنه البديل لالستبداد‪ ،‬ويدعو لنظام اقتصادي مؤسس‬ ‫على السوق احلر حقا ال املشبع باخلصوصيات واحملسوبيات‬ ‫والفساد‪ .‬السوق احلر املصحوب ببرنامج عدالة اجتماعية‪،‬‬ ‫وي��دع��م امل��ق��اوم��ة لالستيطان واالح���ت�ل�ال ب��ص��ورة متكاملة‬ ‫مع استخدام القوة الناعمة‪ .‬واستراتيجية السالم العادل‪،‬‬ ‫ويتصدى ألطروحة الغالة على الصعيد الفكري واحلركي‪.‬‬

‫إن للوسطية نهجاً إسالمياً واضح املعالم يتجاوز املنطق‬ ‫الصوري في االجتهاد الذي كانت نتيجته على حد تعبير اإلمام‬ ‫ابن القيم‪" :‬إن هؤالء جعلوا الشريعة قاصرة ال تقوم مبصالح‬ ‫العباد محتاجة إلى غيرها‪ ،‬وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة‬ ‫من طرق معرفة احلق والتنفيذ له"‪ .‬اجتهاد الوسطية يستمد‬ ‫من املنطق املقاصدي مبا فيه من مراعاة احلكمة‪ ،‬والعقل‪،‬‬ ‫واملصلحة‪ ،‬واملقاصد‪ ،‬واإللهام الصائب‪ .‬ويسعى للتوفيق بني‬ ‫مقاالت اإلسالميني من سنة وشيعة وصوفية؛ وبني التأصيل‬ ‫والتحديث؛ وللتعايش بني األديان واحلضارات‪.‬‬

‫لن جتدي‪.‬‬

‫برنامج الوسطية هو أج��دى وسيلة للتصدي للغلو في‬ ‫مجاالته املختلفة‪ ،‬إنه يدعو إلقامة احلكم الراشد املؤسس‬ ‫على املشاركة‪ ،‬واملساءلة والشفافية‪ ،‬وسيادة حكم القانون‪.‬‬

‫أما على الصعيد الفكري فالغالة يعتبرون أن اختالف‬ ‫امللة هو علة القتال في اإلس�لام‪ .‬وه��ذا غير صحيح إذ إن‬ ‫إذا اتضح البرنامج ال��ذي تقدمه الوسطية في املجاالت‬ ‫علة القتال في اإلسالم هي العدوان‪ .‬قال تعالى‪َ {:‬و َق ِات ُلو ْا ِفي‬ ‫يل ال َّل ِه ال َِّذينَ ُيق َِات ُلون َُك ْم َو َ‬ ‫ال َت ْعت َُدوا}(البقرة‪ .)190:‬كما املختلفة فإن التحدي الذي يواجه الوسطيون هو تعبئة القوى‬ ‫َس ِب ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫قال {أ ِذ َن ِلل ِذينَ ُيقَا َتلونَ ِبأن َُّه ْم ظ ِل ُموا َو ِإنَّ الل َه َعلى ن َْص ِر ِه ْم االجتماعية ذات املصلحة في هذه اإلصالحات‪ .‬واتخاذ موقف‬ ‫َلق َِدير} (احلج‪.)39:‬‬ ‫حركي يحقق عم ً‬ ‫ال في األوس��اط الوطنية والدولية ويحقق‬ ‫وهم يضيقون مفهوم اجلهاد‪ .‬اجلهاد يبدأ بجهاد النفس‪ .‬تشبيكاً لتقدمي البديل الوسطي‪.‬‬ ‫ويشمل كافة الوسائل املدنية لنصر احلق وال يصير قتاالً إال‬ ‫الطغاة إمنا يكرسون واقعاً أليما فقد شرعيته أمام الشعوب‬ ‫لرد العدوان‪ ،‬وهم يستبيحون األهداف املدنية وهذا يخالف‬ ‫فصارت الشعوب تعبر بوسائل مختلفة عن رفض هذا الواقع‬ ‫ضوابط القتال في اإلسالم‪ .‬بل يقولون مقوالت باطلة تغذي‬ ‫وتتطلع حلياة أعدل وأفضل‪ ،‬وبرامج الغزاة تعاني من هزائم‬ ‫اإلسالموفوبيا‪ ،‬وتأتي بنتائج عكسية‪:‬‬ ‫في طول املنطقة وعرضها‪ ،‬وما حاولوا بسطه في املنطقة‬ ‫ قال قائلهم‪ :‬إن التفكير كالتكفير اتفقت احلروف واملعاني‪.‬‬‫باسم الشرق األوسط الكبير أو اجلديد وهو محاولة لتجريد‬ ‫هذا مع أن ديننا يعظم التفكير‪ .‬ويحث على املناشط العقلية‪.‬‬ ‫املنطقة من والءاتها كتكتل جغرافي بال هوية‪.‬‬ ‫ويطالب بالبرهان ويستحسن احلكمة‪.‬‬ ‫مشروع فاشل‪ ،‬الغالة يتطلعون إلقامة نظام خالفة ماضوي‬ ‫ ويستعدون املجتمعات الغربية على املسلمني املقيمني في‬‫البلدان الغربية‪ .‬أفتى محمد الفاسي باستباحة تلك الديار الصفات غير عابئ بحركة التاريخ‪ .‬هذه هي األجندات التي‬ ‫باعتبارها دي��ار حرب واستباحة دم��اء وأم��وال أهلها‪ .‬وأفتى حتاول تقرير مصير املنطقة وهي أجندات ظاهرة البطالن‬ ‫محمد األسطل باستباحة قتل املدنيني الغربيني ألنهم هم مم��ا يوفر خليار الوسطية حجة قوية إذا ت��واف��رت اإلرادة‬ ‫الذين انتخبوا حكوماتهم اجلائرة‪.‬‬ ‫السياسية الفاعلة‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪43‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫"فـي ذكرى اإلسراء واملعراج"‬ ‫ق�������ال ال�����ل�����ه ت���ع���ال���ى الظلم والعدوان ينادون باحلرية والدميقراطية وحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫ّ�����ذي أَ ْس���� َرى‬ ‫��ح��ا َن ا َل ِ‬ ‫{س�� ْب َ‬ ‫ُ‬ ‫إن حترير فلسطني أرض املقدسات واقع إن شاء الله‪ ،‬مهما غلت‬ ‫ِب َع ْب ِد ِه َل ْي ًال ِ ّم��نَ المْ َ ْس ِج ِد‬ ‫الحْ َ ��������� َرام ِإ َل�����ى المْ َ���س ِ���ج ِ���د التضحيات‪ ،‬ومهما زاد اليهود من صلفهم وبطشهم‪ ،‬لقد حكم الله‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ�����ذي َبا َر ْكنَا عليهم من قبل ومن بعد بالغدر واخليانة‪ ،‬إنهم ال يرقبون في جماعة‬ ‫���ص���ى ا َل ِ‬ ‫األقْ َ‬ ‫َح ْو َلهُ ِلن ُِر َيهُ ِم ْن آ َي ِاتنَا ِإ َنّهُ إال وال ذمة‪ ،‬واألمة اإلسالمية لن تنسى القدس واملقدسات في هذه‬ ‫يع ال َب ِص ُير}‪.‬‬ ‫الس ِم ُ‬ ‫ُه َو ّ َ‬ ‫الذكرى الغالية التي تالمس عمق محبة املسلمني ملقدساتهم‪ ،‬واألمة‬ ‫رب����ط ال���ل���ه سبحانه تنادي بأعلى صوتها‪" ،‬لبيك يا ق��دس"‪ ،‬إن األمهات اللواتي يربني‬ ‫وت����ع����ال����ى ب��ي��ن املسجد أوالده���ن على محبة األرض املقدسة‪ ،‬وي��زرع��ن في قلوبهم احلب‬ ‫األق���ص���ى وب��ي�ن املسجد والوفاء‪ ،‬ستنمو وتكبر هذه الشجرة‪ ،‬في ظل هذا اجلو الذي يتعاظم‬ ‫احل���رام بقوله ع��ز وجل‪ :‬فيه الظلم‪ ،‬وستكون النتيجة دح��ر الظلم وال��ع��دوان ب��إذن الله كما‬ ‫��ح��ا َن ا ّلَ����ذِ ي أَسرى‬ ‫{س��بْ َ‬ ‫ُ‬ ‫لمْ َ ْ َ اخبرها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الصحيحة‪ ،‬لكن‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد �أحمد ح�سن الق�ضاة بِ�� َع��بْ��دِ ِه لَيْ ً‬ ‫ال ِ ّم�� َن ا ْس ِجدِ‬ ‫الحْ َ ��������رام ِإلَ�����ى المْ َس ِجدِ بعد أن تلملم األمة اإلسالمية نفسها من جديد‪ ،‬وتعود إلى حبل الله‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫��ص��ى} وه��ذا االق��ت��ران الزمني بني اإلس���راء إل��ى بيت املقدس املتني‪.‬‬ ‫األَ ْق َ‬ ‫وللعروج إلى السماوات فيه داللة عظيمة على مكانة وقدسية هذا‬ ‫وحتى نبقى على صلة بالقدس واملقدسات ال بد من عودة حقيقية‬ ‫البيت عند الله‪ ،‬وفيه داللة على العالقة الوثيقة بني رسالة عيسى لإلسالم عقيدة وعبادة وتربية وأخالقا وتشريعا وسلوكاً‪ ،‬ألن العدو‬ ‫عليه السالم ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفيه داللة على‬ ‫احملتل ميضي مبخططاته امل��اك��رة‪ ،‬وعلينا أن ن��واج��ه ذل��ك بحزم‪،‬‬ ‫ما بني األنبياء الكرام من رابطة الدين الواحد‪ ،‬وفيه داللة على ما‬ ‫ينبغي أن يوجد لدى املسلمني في كل عصر ووقت من احلفاظ على بشرط أن نكون محصنني من الداخل‪ ،‬وأن ندعو إلى متاسك اجلبهة‬ ‫هذه األرض املقدسة‪ ،‬وحمايتها من أعداء الله‪ ،‬وكأن احلكمة اإللهية الداخلية خوفا من اختراقها‪ ،‬واألمة العربية اإلسالمية مدعوة هذه‬ ‫تهيب بالعرب واملسلمني أن ال يهنوا وال يجبنوا وال يتخاذلوا أمام األي��ام لنصرة األهل في فلسطني‪ ،‬وتقدمي العون واملساعدة املادية‬ ‫عدوان اليهود على هذه األرض املقدسة‪ ،‬وأن يطهروها من رجسهم‪ ،‬واملعنوية‪ ،‬أكثر مما سبق ألن األع��داء يتربصون بهذا الدين وأهله‬ ‫من ي��دري فلعل واق��ع ه��ذا اإلس���راء العظيم هو ال��ذي جعل القائد الدوائر‪ ،‬وهم ج��ادون لنزع محبة املسلمني لدينهم‪ ،‬وزعزعة الثقة‬ ‫املسلم صالح الدين األيوبي رضي الله عنه يستبسل هذا االستبسال به‪ ،‬حتى يسهل عليهم التأثير والتأثر املباشر‪ ،‬ألنهم يعتقدون أن‬ ‫العظيم‪ ،‬ويفرغ كل جهده في صد هجمات الصليبيني عن هذه البقعة‬ ‫متسك األمة بدينها ومبقدساتها ولو باحلد األدنى يشكل في طريقهم‬ ‫املباركة‪ ،‬حتى ردهم على أعقابهم خائبني‪.‬‬ ‫العقبة‪ ،‬ويقطع عليهم األمل والتربص‪.‬‬ ‫إن مكانة القدس في القرآن العظيم محفورة في قلوب العرب‬ ‫واألمل معقود على شباب األمة الواعي األمني على قضايا أمته‪،‬‬ ‫وامل��س��ل��م�ين‪ ،‬ألن محبتها ج��زء م��ن عقيدة األم���ة اإلس�لام��ي��ة‪ ،‬وأن‬ ‫التفريط فيها تفريط باإلسالم والعقيدة‪ ،‬إن املسجد األقصى هو بعد أن دب��ت الصحوة اإلسالمية ف��ي عروقهم‪ ،‬وح���وادث التاريخ‬ ‫أولى القبلتني وثالث احلرمني‪ ،‬إنه مسرى الرسول الكرمي ومعراجه اإلسالمي خير شاهد على ذلك‪ ،‬عندما مرت األمة بفترات ضعف‬ ‫إلى السموات العال‪ ،‬لقد فتحت القدس في خالفة عمر رضي الله وركود‪ ،‬وبعد عن اإلسالم‪ ،‬ثم عادت بفضل الله إلى منهج احلق فكان‬ ‫عنه‪ ،‬وأقام فيها عشرة أيام‪ ،‬والعهدة العمرية تلك الوثيقة اإلسالمية النصر بجانبها‪ ،‬وقد تكفل الله بنصرة املؤمنني عاجال أم آجال‪ ،‬أن‬ ‫التاريخية ال تزال حية تنبض بالعدل والسماحة واإلنسانية‪ ،‬وهي‬ ‫{إن َتن ُْص ُروا‬ ‫خير شاهد على أن املسلمني من األوفياء لعهودهم ومواثيقهم في حافظوا على دينهم فهما وتطبيقا وصدق الله العظيم ْ‬ ‫الزمان واملكان‪ ،‬ولم ترو حادثة واحدة تؤكد على أن املسلمني نقضوا الل َه َين ُْص ْر ُك ْم َو ُي َث ِ ّب ْت أقْ دا َم ُك ْم} ‪ ،‬هذا هو مفتاح عزة األمة وكرامتها‪،‬‬ ‫عهودهم مع اآلخرين‪ ،‬أين هذا‪ ،‬مع ما يجري في عاملنا الذي استعر وبدون ذلك سيبقى التخاذل والتشرذم والضياع لألمة ومقدراتها‪،‬‬ ‫باحلروب وبالويالت واملصائب‪ ،‬والذي تسلطت فيه القوى الكبرى وكلمة احلسم الصادقة لله أن يقول‪َ { :‬وال َّلهُ َغ ِال ٌب َع َلى أَ ْم ِر ِه َو َل ِك َّن‬ ‫َّاس لاَ َي ْع َل ُمونَ}(يوسف‪)21:‬‬ ‫الظاملة‪ ،‬فجاست العالم دمارا وخرابا‪ ،‬ونقضا للعهود واملواثيق‪ ،‬ومع أَ ْك َث َر الن ِ‬

‫ ‬

‫‪44‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫العاملية هي خصوصية‬ ‫حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬ ‫�أ‪.‬د‪� .‬إبراهيم البيومي غامن‬ ‫جامعة القاهرة‪ /‬م�صر‬ ‫يقول الله سبحانه وتعالى في محكم آياته مخاطباً النبي‬ ‫األكرم سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم‪َ { :‬و َما أَ ْر َس ْلن َ‬ ‫َاك ِإ َّال‬ ‫َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ نيَ} (األنبياء‪ .)107:‬و"العاملني" ليسوا فقط كل بني‬ ‫آدم‪ ،‬في كل زم��ان وم��ك��ان‪ ،‬وإمن��ا هم عالم اإلن��س وعالم اجلن‬ ‫وع��وال��م احليوانات واجل��م��ادات‪ ،‬كل منها له حظ من الرحمة‬ ‫املهداة للعاملني‪ ،‬سيد األولني واآلخرين‪ .‬وعليه فإن كل خير جاء‬ ‫به ودعا إليه وحض على التنافس فيه‪ ،‬ال يقتصر على جنس دون‬ ‫آخر‪ ،‬بل يشكل كل العاملني‪ ،‬ليذوقوا من نعمة اإلسالم ‪ ،‬وليتعرفوا‬ ‫عليه عملياً قبل أن يطالبوا باإلميان به وبعد أن يطالبوا به‪ ،‬سواء‬ ‫أجابوا داعي الله أم أعرضوا عنه ولم يجيبوه‪.‬‬ ‫ول��ك��ن اجل���دل ح��ول ح��ق��وق اإلن��س��ان ف��ي امل��ن��ظ��ور اإلسالمي‬ ‫يتجه اجتاهات شتى‪ ،‬منها ما يؤكد اخلصوصية والفرادة التي‬ ‫متيز ال��رؤي��ة اإلسالمية حلقوق اإلن��س��ان مبعنى يحصرها في‬ ‫صنف معني من البشر‪ ،‬ورمبا في مناطق جغرافية دون غيرها‬ ‫من العالم؛ ومنها ما يؤكد تطابقها متام االنطباق مع النظرية‬ ‫األوربية السائدة باعتبارها نظرية عاملية‪ ،‬ومن ثم يرفض أنصار‬ ‫هذا االجتاه وجود خصوصية لنظرية حقوق اإلنسان اإلسالمية‪.‬‬ ‫أص��ح��اب االجت���اه األول يظلمون ال��رؤي��ة اإلس�لام��ي��ة حلقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬إذ يحبسونها في إطار ضيق ويعطلون رسالتها العاملية‪،‬‬ ‫وأصحاب االجت��اه الثاني يتجاهلون جوهر هذه الرؤية وعمقها‬ ‫اإلنساني ويحاولون تقريبها من الرؤية الغربية املفتقدة لهذا‬ ‫العمق اإلنساني في كثير من جوانبها‪.‬‬

‫<‬

‫عاملية الرؤية اإلسالمية‬ ‫وفي رأينا أ ّن اخلصوصية الكبرى ملفهوم حقوق اإلنسان في‬ ‫ال��رؤي��ة اإلسالمية تتمثل ف��ي "الشمول والعاملية"؛ فقد جاءت‬ ‫الشريعة بتقرير كل أن��واع احلقوق املدنية والدينية والسياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والعلمية‪ ،‬اجلماعية منها‬ ‫والفردية من جهة‪ ،‬وجاء اخلطاب من جهة أخرى باحترام هذه‬ ‫احلقوق وحمايتها وضمانها شام ً‬ ‫ال لكل بني آدم‪ ،‬أو لكل إنسان‬ ‫بوصفه إنساناً‪ ،‬وبوصفه إنساناً فقط ال أكثر من ذلك وال أقل؛‬ ‫بل متتد هذه احلقوق ‪-‬في جوانب كثيرة منها‪ -‬لتشمل احليوان‬ ‫واجلماد والبيئة في منظومة متجانسة ومتناغمة‪.‬‬ ‫إ ّن خصوصية حقوق اإلنسان في الرؤية اإلسالمية هي في‬ ‫"عامليتها" إذ إ ّن خطاب التكليف بها وبحمايتها موجه لآلدمي‬ ‫مبوجب كونه إنساناً‪ ،‬وليس ثمة حق واحد دينياً كان أو مدنياً‪،‬‬ ‫سياسياً أو اجتماعياً مقرر للمسلم وحده ومحظور على غيره‪.‬‬ ‫وهذه اخلصوصية أيضاً هي في شمولها لكل أنواع احلقوق التي‬ ‫عرفتها املواثيق واإلعالنات العاملية حلقوق اإلنسان في صيغها‬ ‫احلديثة واملعاصرة‪.‬‬ ‫إ ّن مصطلح حقوق اإلنسان ‪-‬املستعمل في اخلطاب املعاصر‪-‬‬ ‫يشير إلى مجموعة احلقوق واملطالب الواجب الوفاء بها لكل‬ ‫البشر على قدم املساواة دومنا متييز فيما بينهم ألي سبب كان‪.‬‬ ‫ولكن هذا التعريف العام ليس مسلماً به لدى املجتمعات املختلفة؛‬ ‫ذلك ألن نوع هذه احلقوق يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتصور األساسي‬ ‫عن اإلنسان ذاته‪ ،‬فإذا كان اإلنسان فرداً حراً ذا كرامة وقيمة‬

‫< أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة ‪ /‬مصر‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪45‬‬


‫من روح الله تعالى‪ .‬وال يولد اإلنسان على الفطرة فقط‪ ،‬وإمنا‬ ‫يولد مزوداً بأدوات املعرفة األساسية‪ :‬السمع والبصر والفؤاد‪،‬‬ ‫وهي األدوات التي يستطيع بها أن يخدم ما في روحه من شوق‬ ‫إلى معرفة الله‪ ،‬وإلى احلرية بأوسع معانيها‪ ،‬وإلى التمتع باحلياة‬ ‫وحتقيق االزده���ار ال��روح��ي إل��ى جانب االزده���ار امل��ادي وترقية‬ ‫نوعية حياته‪.‬‬

‫وميتلك العقل والضمير‪ ،‬وميتلك القدرة على االختيار األخالقي‬ ‫والتصرف السليم‪ ،‬وميلك أيضاً احلكم الصائب على ما هو في‬ ‫مصلحته‪ ،‬فإن حقوق هذا اإلنسان سوف تنبني على أساس هذا‬ ‫التصور‪ .‬والواقع يشهد بوجود كثير من صور التمييز الفعلي بني‬ ‫بني البشر‪ ،‬إضافة إلى انتهاك أبسط حقوقهم‪ ،‬وليس ذلك إال‬ ‫نتيجة من نتائج الثقافات االستبدادية والعنصرية كتلك التي ظهر‬ ‫فيها من يقول إنه "شعب الله املختار"‪ ،‬أو إن شعباً من الشعوب‬ ‫االعتراف بحقوق اإلنسان أصل كل احلقوق‬ ‫فوق اجلميع‪ ،‬أو إنه يحمل عبئاً جتاه األجناس األخرى البدائية‬ ‫املتخلفة باعتباره جنساً أرقى‪ ،‬وكلها نزعات ظهرت وترعرعت‬ ‫وم���ن ه��ن��ا ك���ان أه���م وأول ح��ق م��ن ح��ق��وق اإلن���س���ان تؤكده‬ ‫في الثقافات الوضعية‪ ،‬وتركت آثارها على عالقاتها مع أصحاب اخلصوصية اإلسالمية هو حق االعتراف به كإنسان‪ .‬إن هذا‬ ‫الثقافات األخرى‪.‬‬ ‫احل��ق هو أص��ل كل احلقوق األخ���رى‪ ،‬وب��دون تقريره على هذا‬ ‫وإذا نظرنا إلى جملة حقوق اإلنسان التي قررتها الشريعة على املستوى األصولي الروحي يكون عرضة النتقاص كثير من حقوقه‬ ‫أي مستوى من مستويات التأصيل النظري سنجد أنها تؤكد على األخرى حتت دعاوى كثيرة يختلقها الطغاة واملستبدون‪ ،‬وتبررها‬ ‫السلطات التي تتحكم فيه سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو‬ ‫صفتي العاملية والشمول كما ذكرنا‪.‬‬ ‫دينية‪ .‬والتاريخ ‪-‬القدمي والوسيط واحلديث واملعاصر‪ -‬يقدم لنا‬ ‫نظرة اإلسالم إلى اإلنسان‬ ‫كثيراً من األدل��ة والشواهد التي تؤكد على أن عدم االعتراف‬ ‫فالتأسيس املعرفي الفلسفي يبدأ بإسناد جميع احلقوق بآدمية اإلنسان‪ ،‬أو بإنسانية اآلدمي الذي كان هو البداية األولى‬ ‫املقررة لإلنسان إلى الله خالق اإلنسان‪ ،‬ويجعلها واجباً مقدساً إلهدار كثير من حقوقه وحرياته األساسية‪ ،‬كما ميدنا التاريخ‬ ‫مفارقاً ألي سلطة وضعية‪ ،‬كما يضفي عليها قوة إلزامية يتحمل بشواهد كثيرة توضح فداحة التضحيات التي قدمتها املجتمعات‬ ‫مسؤولية حمايتها كل فرد‪ ،‬فهي تسمو إلى مرتبة الواجب الديني‪ .‬حتى وصلت إلى انتزاع االعتراف بإنسانية اآلدمي وكونه أه ً‬ ‫ال‬ ‫ومبا أ ّن هذه احلقوق مقررة من خالق اإلنسان إذن فهي ال تعترف للتمتع باحلقوق وممارستها وحمايتها‪.‬‬ ‫بالفروق اجلنسية أو اجلغرافية أو العقائدية‪.‬‬ ‫إذا انتقلنا إلى التأسيس الفقهي‪/‬القانوني حلقوق اإلنسان‬ ‫أما التأسيس الشرعي األصولي فيؤكد على أن كل شيء في التي جاءت بها شريعة اإلسالم‪ ،‬سنجد أنه حاول دوماً االقتراب‬ ‫األصل مباح وهو األوسع دائرة‪ ،‬وأن االستثناء هو التحرمي وهو من النموذج األس��اس��ي لتلك احلقوق في "عامليتها وشمولها"‪،‬‬ ‫األضيق دائ��رة‪ ،‬وأس��اس اإلباحة والتحرمي هو مصلحة اإلنسان ولكننا سنالحظ أيضاً أن االجتهادات التي أدلى بها الفقهاء قد‬ ‫نفسه‪ .‬وال تقف حدود حرية الفرد وحقوقه إال عند حدود حرية تباينت عبر العصور ألسباب شتى ‪-‬ليس هنا مجال التفصيل‬ ‫وحقوق اآلخرين‪ ،‬فال يجوز أن يخل أحد بحريةِ أو بحق غيره فـ"ال فيها‪ -‬فاقتربت حيناً من النموذج األساسي الذي أرسته املصادر‬ ‫ضرر وال ضرار"‪ .‬والبد في جميع احلاالت من االلتزام بفضائل املعرفية‪/‬الفلسفية‪ ،‬واألصولية‪ ،‬وابتعدت عنها حيناً آخر وعجزت‬ ‫األخ�لاق في ممارسة احلقوق أو في الدفاع عنها‪ ،‬ف��إن جادل عن استيعاب مضامينها الواسعة وقصرت عن اإلحاطة بنزعتها‬ ‫فعليه أن يجادل باحلسنى‪ ،‬وعليه أن ال يقول ما ال يفعل‪ ،‬وإذا اإلنسانية الشاملة‪.‬‬ ‫حكم أن ال يكون فظاً غليظ القلب‪ ،‬إلى غير ذلك من األخالقيات‬ ‫أما إذا انتقلنا إلى ما ميكن أن نطلق عليه "التأسيس العملي‪/‬‬ ‫التي حضت عليها آيات الكتاب الكرمي والسنة النبوية‪.‬‬ ‫التطبيقي" لتلك احلقوق‪ ،‬فسوف جند أن الفجوة أضحت أوسع‬ ‫إن البحث في مضمون خصوصية حقوق اإلنسان من املنظور ب�ين م��ا يجب أن ي��ك��ون وم��ا ك��ان بالفعل عبر م��راح��ل تاريخية‬ ‫اإلسالمي يقتضي بادئ ذي بدء الرجوع إلى نظرة اإلسالم إلى مختلفة‪ ،‬أو ما هو كائن في واقعنا الراهن‪ .‬ولهذه الفجوة أسباب‬ ‫اإلنسان وحتديد موقعه في هذا الكون‪ .‬وهنا جند أن اإلسالم كثيرة أيضا تفسرها وتشرح آليات اتساعها حيناً أو ضيقها حيناً‬ ‫قد اعترف بكيان اإلنسان كما هو في حقيقته‪ ،‬فكل إنسان أياً آخر‪ ،‬وهذا موضوع حلديث آخر‪.‬‬ ‫كان عرقه أو لونه أو دينه أو حضارته محترم وأخ ألخيه اإلنسان‪،‬‬ ‫الصياغات املقننة حلقوق اإلنسان‬ ‫"كلكم آلدم وآدم من تراب"‪ .‬وأياً كان املكان أو الزمان الذي يولد‬ ‫واألمر اجلدير باإلشارة هنا هو أن الفقه احلقوقي اإلسالمي‬ ‫ويعيش فيه‪ ،‬هذا اإلنسان في نظر اإلسالم يولد على الفطرة‪،‬‬ ‫وه��ذه الفطرة هي واح��دة في كل بني آدم‪ ،‬وهي موجودة كاملة املتعلق مبنظومة "ح��ق��وق اإلن��س��ان" ق��د تأخر كثيراً ف��ي تقدمي‬ ‫غير منقوصة فيه منذ حلظة ميالده‪ ،‬وتشمل هذه الفطرة نفخة صياغات قانونية حتدد هذه احلقوق بلغة معاصرة‪ ،‬وذلك بعكس‬ ‫‪46‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫ما فعل الفكر األوربي احلديث واملعاصر الذي عني بتقنني هذه حسبما توضح التقارير الدورية التي تصدر عن منظمات حقوق‬ ‫احلقوق وحتديدها بقدر كبير من الدقة‪ ،‬وقام بالتعبير عنها في اإلنسان في العالم‪.‬‬ ‫صور متعددة مثل اإلعالنات واملواثيق‪ ،‬واملعاهدات الدولية التي‬ ‫حرية الفرد دعامة أساسية في اإلسالم‬ ‫تباينت من حيث قوتها اإللزامية‪ ،‬من اإللزام املعنوي أو األخالقي‪،‬‬ ‫إلى اإللزام القانوني‪.‬‬ ‫إن نقطة البدء في تأسيس خصوصية النظرية اإلسالمية‬ ‫وأي��اً كانت األسباب التي أدت إلى تأخر الفكر اإلسالمي في حقوق اإلنسان هي "عصمة اآلدمي" في ذاته وكما خلقه الله‪،‬‬ ‫احلديث واملعاصر عن تقدمي صياغات مقننة حلقوق اإلنسان في وهذا هو األصل الكبير الذي يخوله احلقو َق األخرى جميعها‪.‬‬ ‫صورة مواثيق أو إعالنات أو معاهدات‪ ،‬فقد ظهرت خالل العقود‬ ‫ومل��زي��د م��ن التأكيد على األط��روح��ة ال��ت��ي نتبناها وه��ي أن‬ ‫األخيرة من القرن املاضي عدة صياغات في محاولة لتدارك هذا‬ ‫خصوصية نظرية حقوق اإلنسان في اإلسالم هي في عاملية هذه‬ ‫التقصير‪ ،‬ومتثلت تلك الصياغات في اآلتي‪:‬‬ ‫الرؤية‪ ،‬نقول إن الدعامة األساسية التي اتخذها اإلسالم لكل‬ ‫• "إعالن حقوق اإلنسان وواجباته في اإلسالم"‪ .‬وقد صدر عن ما شرعه من عقائد ونظم وقوانني هي "حرية الفرد"‪ ،‬واإلقرار‬ ‫رابطة العالم اإلسالمي مبكة املكرمة في سنة ‪.1979‬‬ ‫بقدرته على االختيار مبلء إرادته دون حاجة إلى وسيط أو وصي‪،‬‬ ‫• "البيان اإلسالمي العاملي حلقوق اإلنسان"‪ .‬وقد صدر عن اللهم إال في ح��االت ن��ادرة واستثناءات محددة تتعلق بفقدان‬ ‫األهلية‪ ،‬أو تعرضها للنقص بسبب عيب من العيوب‪ ،‬بل إن بعض‬ ‫املجلس اإلسالمي األوروبي في لندن سنة ‪.1980‬‬ ‫• "مشروع وثيقة حقوق اإلنسان في اإلسالم"‪ ،‬الذي صدر عن الفقهاء العظام من أمثال أبي حنيفة النعمان ذهبوا إلى أنه ال‬ ‫يجوز احلجر على السفيه‪ ،‬والسفه عيب من عيوب األهلية كما‬ ‫مؤمتر قمة منظمة املؤمتر اإلسالمي في الطائف سنة ‪.1989‬‬ ‫هو معروف‪ ،‬وعلل أبو حنيفة ذلك بالقول بأن احلجر على السفيه‬ ‫• "م��ش��روع ح��ق��وق اإلن��س��ان ف��ي اإلس��ل��ام"‪ ،‬ال���ذي ق���دم إلى إهدار آلدميته‪ ،‬وإحلاق له بالبهائم‪ ،‬وأن الضرر اإلنساني الذي‬ ‫املؤمتر اخلامس حلقوق اإلنسان في طهران‪ ،‬في كانون األول يلحقه من جراء هذا اإلهدار يزيد كثيراً على الضرر املادي الذي‬ ‫ديسمبر‪.1989‬‬ ‫يترتب على سوء تصرفه في أمواله‪ ،‬وأنه ال يجوز أن يدفع ضرر‬ ‫• "إع�ل�ان القاهرة ح��ول حقوق اإلن��س��ان ف��ي اإلس�ل�ام" سنة بضرر أعظم منه‪.‬‬ ‫‪.1990‬‬ ‫وبتقرير احلرية الفردية على هذا النحو ال��ذي أحملنا إليه‪،‬‬ ‫• "إعالن بشأن حقوق الطفل ورعايته في اإلسالم"‪ .‬وقد صدر تقررت جملة احلقوق األساسية املرتبطة بكيان اإلنسان وآدميته‪،‬‬ ‫في املغرب سنة ‪.1994‬‬ ‫وفي مقدمتها احلقوق املتعلقة بحرية التفكير والتعبير‪ ،‬وحرية‬ ‫هذا إلى جانب مبادرات وصياغات أخرى متفرقة‪ ،‬بعضها البحث والتأمل‪ .‬وال يوجد في أصول اإلسالم وتعاليمه‪ ،‬وال في‬ ‫بجهد فردي‪ ،‬وبعضها بجهد جماعي مؤسسي‪ ،‬وجميعها ال يزال اجتهادات األئمة املعتبرين أي توجيه يهدف إلى فرض األخذ‬ ‫في مرحلة اإلعالن والبيان والتعريف دون أن حتمل أية قوة إلزامية بنظرية علمية بشأن أي ظاهرة من الظواهر‪ ،‬عكس ما عرفته‬ ‫وبخاصة في مواجهة أنظمة احلكم التي متارس عمليات انتهاك بعض املمارسات في تاريخ األديان والثقافات األخرى‪ ،‬وعرفت‬ ‫حقوق اإلنسان في كثير من بقاع العاملَني العربي واإلسالمي‪ ،‬في سياقها محاكم التفتيش‪.‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪47‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫إىل صاحب أي مشروع نهضوي‬

‫د‪ .‬حممد عمارة‬

‫إن أي مشروع للنهضة‬ ‫والتقدم واالرت��ق��اء سواء‬ ‫على املستوى ال��ف��ردي أو‬ ‫اجل���م���اع���ي إمن����ا يحتاج‬ ‫إلى "إرادة" و"إدارة"‪ ،‬إرادة‬ ‫ال�����ن�����ه�����وض واإلص����ل����اح‬ ‫والتغيير‪ ،‬واإلدارة التي‬ ‫ت���ض���ع ه�����ذه اإلرادة في‬ ‫امل����م����ارس����ة والتطبيق‪.‬‬ ‫أي ي��ح��ت��اج إل����ى "فكر"‬ ‫نهضوي‪ ،‬و"عمل" يجسد‬ ‫هذا الفكر ويطبقه‪.‬‬

‫وإذا كان القرآن الكرمي قد نحا بالالئمة على املنافقني أكثر‬ ‫من املشركني‪ .‬وقدمهم على املشركني في العذاب‪ ،‬فألن النفاق‬ ‫قد جسد االنفصام بني الفكر والعمل‪ ،‬فاملنافقون يبطنون غير‬ ‫ما يظهرون‪ ،‬يبطنون الكفر ويظهرون العمل باإلسالم‪ ،‬ولذلك‬ ‫كان ضررهم أشد من ضرر املشركني والكفار الصرحاء‪ ،‬قال‬ ‫ني َوالمْ ُ ْش ِر َك ِات‬ ‫َات َوالمْ ُ ْش ِر ِك َ‬ ‫{ل ُي َعذِّ َب ال َّلهُ المْ ُن َِاف ِق َ‬ ‫ني َوالمْ ُن َِافق ِ‬ ‫تعالى ِ‬ ‫َ‬ ‫يما}‬ ‫وب ال َّلهُ َعلى المْ ُؤ ِْم ِن َ‬ ‫ني َوالمْ ُؤ ِْمن ِ‬ ‫َو َيتُ َ‬ ‫َات َو َكا َن ال َّلهُ َغفُ و ًرا َر ِح ً‬ ‫ني‬ ‫َات َوالمْ ُ ْش ِر ِك َ‬ ‫( األح���زاب‪َ { ،)73:‬و ُي�� َع��ذِّ َب المْ ُن َِاف ِق َ‬ ‫ني َوالمْ ُن َِافق ِ‬ ‫��ات َّ‬ ‫الظا ِّن َ‬ ‫الس ْوءِ‬ ‫َوالمْ ُ ْ��ش ِ��ر َك ِ‬ ‫ني ِبال َّل ِه َظ َّ��ن ال َّ��س�� ْوءِ َع َل ْي ِه ْم َد ِائ��� َر ُة َّ‬ ‫يرا}‬ ‫َو َغ ِض َب ال َّلهُ َع َل ْي ِه ْم َو َل َعن َُه ْم َوأَ َع َّد َل ُه ْم َج َه َّن َم َو َسا َء ْت َم ِص ً‬ ‫ني ِفي ا َّل��د ْر ِك الأْ َ ْسف َِل ِمنَ الن َِّار َو َل ْن‬ ‫){إنَّ المْ ُن َِاف ِق َ‬ ‫(الفتح‪ِ 6 :‬‬ ‫يرا} (النساء‪.)145:‬‬ ‫تجَ ِ َد َل ُه ْم ن َِص ً‬ ‫ولقد ابتليت التجارب احلضارية – عبر التاريخ – بنماذج‬ ‫لالنفصام بني الفكر والتطبيق‪ ..‬بني اإلميان والعمل‪ ،‬شوهت‬ ‫الفكر‪ ،‬وجعلت العمل طاحلاً ال ص��احل��اً‪ ،‬ويسير في طريق‬ ‫مسدود‪.‬‬

‫ف���ب���دون ال��ف��ك��ر يفتقد‬ ‫اإلنسان مهما كانت مهاراته دليل العمل الذي ينير له الطريق‪،‬‬ ‫فتتبدد طاقاته مهما كانت هائلة في جتارب الفشل وسالسل‬ ‫العمل على غير هدى‪ ،‬التي قد تفضي به إلى اإلحباط واليأس‬ ‫والقنوط‪ ،‬وبدون "العمل" الذي يطبق الفكر ويجسد‪ ،‬يظل هذا‬ ‫ففي اليهودية حترمي للربا‪ ..‬لكن اليهود غدوا أساطني الربا‬ ‫الفكر مجرد تهوميات نظرية‪ ،‬وخياالت جتريدية‪ ،‬تباعد بني‬ ‫في العالم منذ ظهور الرأسمالية وحتى هذا التاريخ‪.‬‬ ‫اإلنسان وبني الواقع الذي يعيش فيه‪.‬‬ ‫وفي املسيحية حترمي الربا‪ .‬ولكن املسيحيني سرعان ما‬ ‫لقد بدأ اإلسالم بـ (اقرأ)‪ ..‬فلما تبلورت هذه القراءة في‬ ‫كتاب الكون وفي كتاب الوحي إلى رؤية متميزة‪ ،‬وحتولت إلى نافسوا اليهود في جني األرباح الفاحشة من وراء الربا ومن‬ ‫تكاليف وأعمال‪ ،‬كانت احلضارة واملدينة والدولة‪ ،‬التي انتقلت خالل مؤسسات الرأسمالية الكبرى‪.‬‬ ‫باإلنسان واإلنسانية إلى طور جديد وفريد‪.‬‬

‫ولذلك ارتبط واق��ت��رن "اإلمي���ان" – وه��و فكر – بالعمل‪،‬‬ ‫دائماً وأب���داً‪ ،‬في القرآن الكرمي‪ ،‬وم��ع وع��د الله – سبحانه‬ ‫وتعالى "بحفظ " الدين‪ ،‬فلقد جعل "إق��ام��ة" الدين فريضة‬ ‫على املؤمن‪ ،‬وذلك حتى ال يتحول الدين إلى مجرد نظريات‬ ‫وفلسفات معزولة عن الواقع والتطبيق‪ ،‬وإذا كان "اإلميان" في‬ ‫اإلسالم هو تصديق قلبي يبلغ مرتبة اليقني‪ ،‬فإن التصديق‬ ‫مرتبط بالصدق واإلخ�لاص‪ .‬ولن يكون هناك صدق للفكر‬ ‫وال إخ�لاص لألفكار إذا لم يضعها صاحبها في املمارسة‬ ‫والتطبيق‪ ،‬فالعمل هو الذي يبعث احلرارة واحلياة واحليوية‬ ‫في األفكار‪ ،‬وبدون ذلك تتجمد األفكار ومتوت!‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫وفي املسيحية حترمي الزنا‪ .‬ولكن احلضارة الغربية – التي‬ ‫يزعم البعض أنها مسيحية‪ ،‬أو ذات ت��راث مسيحي‪ ،‬حتى‬ ‫ليسمون أوروبا "ناريا مسيحيا"!‪ .‬قد جعلت "هذه احلضارة"‬ ‫– جت���ارة ال���دع���ارة ث��ال��ث ال��ت��ج��ارات ال��ك��ب��رى – ب��ع��د جتارة‬ ‫السالح وجت��ارة امل��خ��درات – وهما – أيضا – مما حرمته‬ ‫املسيحية!!‪.‬‬

‫وف��ي املسيحية حت��رمي للشذوذ اجل��ن��س��ي‪ ..‬لكن تناقض‬ ‫الفعل مع القول‪ ،‬واختالف املمارسات مع املقوالت‪ ،‬قد جعل‬ ‫الشذوذ اجلنسي قانوناً معتبراً ومرعياً في كثير من أقطار‬ ‫تلك احلضارة التي تدعى املسيحية‪ ،‬حتى لتعقد له مهرجانات‬ ‫سنوية في العديد من املدن‪ ،‬متارس فيها هذه الفواحش على‬


‫قارعة الطريق وف��ي احلدائق وامليادين‪ .‬بل لقد وص��ل هذا‬ ‫البالء إلى الكنائس‪ ،‬فغدا بعضها يزوج الشواذ‪ ،‬ويتولى في‬ ‫بعضها مناصب الكهنوت قساوسة ش���واذ!!‪ ،‬حتى لقد قال‬ ‫املرحوم الشيخ الغزالي – عن هذه الكنائس‪" :‬إنها قد خانت‬ ‫مسيحيتها"!‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬فمخالفة الفعل للقول‪ ،‬وتناقض املمارسات مع األفكار‪،‬‬ ‫هو نوع صريح من اخليانة للمقوالت واألفكار‪ .‬فهذه اخليانة‬ ‫تتصاعد مخاطرها وتتزايد أوزارها عندما تكون خيانة للوحي‬ ‫اإللهي ونبأ السماء العظيم وصحيح السنة النبوية الشريفة‬ ‫التي جاءت بياناً لهدى القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫ولهذه احلقيقة‪ ،‬كان إحلاح القرآن الكرمي على أن تتسق‬ ‫أقوال املؤمن مع ما يأتي به من أفعال وعلى أن يضع املؤمن‬ ‫األق��وال واملبادئ واألفكار في املمارسة والتطبيق قال تعالى‬ ‫آمنُوا ِل َم تَقُ و ُلونَ َما لاَ َتفْ َع ُلونَ َك ُب َر َم ْقتً ا ِع ْن َد‬ ‫{ َيا أَ ُّي َها ال َِّذينَ َ‬ ‫ال َّل ِه أَ ْن تَقُ و ُلوا َما لاَ َتفْ َع ُلونَ}(الصف‪.)3،2 :‬‬ ‫وعلى سورة القرآن الكرمي وآياته يقترن اإلميان – الذي هو‬ ‫تصديق قلبي بالعمل – الذي هو ممارسة جتسد هذا اإلميان‬ ‫في الواقع والتطبيق‪.‬‬ ‫وألن السنة النبوية هي البيان النبوي للبالغ القرآني‪ ،‬كانت‬ ‫املساحة األكبر من هذه السنة هي "السنة العملية" التي مثلت‬ ‫التطبيق النبوي لإلسالم في ميادين العبادات واملعامالت‬ ‫واألخ�لاق‪ ،‬بل إن هذه "السنة العملية"‪ ،‬التي مارسها رسول‬ ‫الله – صلى الله عليه وسلم‪ -‬وصحابته – رضوان الله عليهم‬ ‫– والتابعون وتابعوا التابعني – وأجيال األمة من بعدهم على‬ ‫مر التاريخ – هذه "السنة العملية" هي التي حازت – وحدها‬ ‫– مرتبة "ال��ت��وات��ر"‪ ،‬وأع��ل��ى درج���ات ال��ص��دق واملوثوقية بني‬ ‫املأثورات واملرويات‪ ..‬ومن هنا كان تقدمي اإلمام مالك (‪-93‬‬ ‫‪179‬ه��ـ‪795-71 ،‬م) – رضي الله عنه – "عمل أهل املدينة"‬ ‫– الذي هو "سنة عملية" – على مأثورات ومرويات األقوال‬ ‫واألفكار‪.‬‬

‫لكل عقائد اإلسالم ومبادئه وأركانه وقيمه وواجباته وسننه‬ ‫ومستحباته‪ ..‬كان صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما جاء في احلديث‬ ‫الشريف "خلقه ال��ق��رآن" – رواه مسلم – وفيه وب��ه حتولت‬ ‫األفكار إلى أعمال‪ ..‬والنظريات إلى تطبيقات‪ ..‬والقيم إلى‬ ‫طبائع وسجايا وممارسات‪.‬‬ ‫ف��إذا أردن��ا شرف االقتداء بسيد البشر‪ ،‬وإع��ادة النموذج‬ ‫االجتماعي الذي أقامه هو وصحابته في صدر اإلسالم‪ ،‬وإذا‬ ‫أردنا السعادة بصحبته يوم نلقى الله‪ .‬فعلينا أن نحول املواعظ‬ ‫إلى سلوك‪ ..‬والفكر إلى أعمال‪ ..‬والنظريات إلى ممارسات‪،‬‬ ‫ول‬ ‫لنكون على طريق الذين قال الله لهم‪َ { :‬لق َْد َكانَ َل ُك ْم ِفي َر ُس ِ‬ ‫خ��ر َو َذ َك�� َر ال َّل َه‬ ‫ال َّل ِه ُأ ْس�� َوةٌ َح َسن ٌَة لمِ َ ْن َكا َن َي ْر ُجو ال َّل َه َوا ْل َي ْو َم آْال ِ َ‬ ‫يرا }(األحزاب‪ ،)21 :‬وحتى ال نكون ممن قال الله فيهم‪:‬‬ ‫َك ِث ً‬ ‫آمنُوا ِل َم تَقُ و ُلو َن َما لاَ َتفْ َع ُلو َن َك ُب َر َم ْقتً ا ِع ْن َد‬ ‫{ َيا أَ ُّي َها ال َِّذينَ َ‬ ‫ال َّل ِه أَ ْن تَقُ و ُلوا َما لاَ َتفْ َع ُلونَ}(الصف‪.)2،3 :‬‬ ‫وإذا ك��ان اإلس�لام هو الطاعة‪ ..‬وإذا كانت الطاعة هي‬ ‫ثمرة من ثمرات احملبة‪ ..‬فإن االقتداء برسول الله – صلى‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬في جتسيد اإلميان والفكر مبيدان العمل‬ ‫والتطبيق‪ ،‬هو السبيل إلى الدخول في ظالل من يحبهم الله‬ ‫– سبحانه وتعالى – قال تعالى ُ‬ ‫{ق��لْ ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تحُ ِ ُّ��ب��ونَ ال َّل َه‬ ‫يم}‬ ‫ور َر ِح ٌ‬ ‫َفات َِّب ُع ِوني ُي ْح ِب ْب ُك ُم ال َّلهُ َو َيغْ ِف ْر َل ُك ْم ُذنُو َب ُك ْم َوال َّلهُ َغفُ ٌ‬ ‫(آل عمران‪.)31 :‬‬

‫لقد كتب كاتب غربي – غير مسلم – ب��ل ناقد للقرآن‬ ‫واإلس�لام – هو "كارليل" (‪1881 – 1795‬م) كتابة عن املائة‬ ‫الذين رآهم أعظم عظماء اإلنسانية‪ ،‬ووضع رسول الله – صلى‬ ‫الله عليه وسلم – أول هؤالء العظماء‪ ،‬ال لشيء إال ألنه وجد‬ ‫محمداً – صلى الله عليه وسلم – املتفرد بني هؤالء العظماء‬ ‫بتطبيق وتنفيذ وجتسيد الدعوة التي جاء بها في أرض الواقع‬ ‫واملمارسات‪ .‬ولقد وقف اآلخرون – وفيهم أنبياء ومرسلون –‬ ‫عند حدود "الدعوة" فلم يقيموا مدينة ولم يصنعوا حضارة‪،‬‬ ‫ولم ينشئوا الدولة التي حترس األبناء وتنمية‪ ..‬أما رسول الله‬ ‫– صلى الله عليه وسلم – فلقد تفرد بتحويل العقائد واألفكار‬ ‫وإذا كانت القدوة األولى واألسوة األعظم والنموذج األمثل إلى خلق وعمل وتطبيق وحياة‪ ..‬وبذلك رسم للمعتذيني به‬ ‫للمسلم هو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإن سيرة طريق النهوض والتقدم واالرتقاء‪ :‬حتويل "الفكر الصحيح" إلى‬ ‫هذا الرسول الكرمي قد كانت هي التجسيد احلي والعملي "عمل صريح"‪ .‬‬

‫ ‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪49‬‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫ترشيد التدين مهمة مجتمعية‬

‫م‪ .‬حممد احلمداوي‬ ‫من ضرورة الطور اجلديد للصحوة اإلسالمية وقيام احلركة اإلسالمية‬ ‫"أو مختلف الفاعلني املساهمني فيها" برصد الواقع احمليط بها والتطورات‬ ‫والتحوالت اجلارية من حولها‪ ،‬وضرورة االنتباه إلى عدد من الظواهر السلبية‬ ‫واألع��راض اجلانبية التي صاحبت توسعها وانتشارها‪ ،‬مثل االزدواجية بني‬ ‫املظهر والسلوك‪ .‬إن إثارة االنتباه إلى هذا األمر كنا نقصد به ذلك املجهود‬ ‫اجلماعي امل��رك��ب واملتكامل ال��ذي يهتم ويعمل على معاجلة ه��ذا السلوك‬ ‫املجتمعي بعيداً عن احللول السهلة التي تروم اخلالص الفردي أو اخلالص‬ ‫الطائفي‪.‬‬

‫لتنظيم معني‪ ،‬وأعقد من أن يتم استيعابها في إط��ار مجالس أو محاضن‬ ‫تربوية لتنظيم معني أو من خالل برامجه وأنشطته احمل��دودة‪ .‬إن للتنظيم‬ ‫أهميته ودوره في تنظيم اجلهود وتنسيقها وتضافرها وتوجيهها‪ ،‬وضرورته‬ ‫في استدامة نفس التطوع والتضحية واألهبة واالستعداد للبذل والعطاء‬ ‫لدى األفراد‪ ،‬غير أن قضاياه ومشاكله تخص فئة محدودة من فئات املجتمع‬ ‫مهما كبر هذا التنظيم أو تلك اجلماعة‪ ،‬ويبقى املعول عليه هو أن يستشعر‬ ‫اجلميع تنظيمات وجماعات وهيئات‪ ،‬وعلماء ودعاة ومربني وجميع الفاعلني‬ ‫مسؤوليتهم ف��ي ال��ت��ع��اون م��ن أج��ل االه��ت��م��ام مبعاجلة االخ��ت�لاالت املتعلقة‬ ‫مبختلف فئات املجتمع‪ ،‬بل باألمة بأكملها‪ ،‬وهو ما يستدعي البحث عن حلول‬ ‫مجتمعية تأخذ بعني االعتبار تنوع املكونات وتعدد املتدخلني والتفاعل والتأثير‬ ‫احلاصل بني املجتمعات بحكم تطور وسائل االتصال والتواصل وسهولة التنقل‬ ‫وغيرها من األمور‪ ،‬وهذا ما ال ميكن أن تتم معاجلته بحلول تنظيمية محدودة‬ ‫ومقصورة على فئة من الناس‪.‬‬

‫إ ّن مهمة ترشيد التدين وتعميقه مهمة مجتمعية تعمل على استثمار‬ ‫التوسع واالنتشار ال��ذي عرفته الصحوة اإلسالمية واإلق��ب��ال املتزايد على‬ ‫الدين والتدين داخل املجتمعات اإلسالمية‪ ،‬وعلى حماية منجزات املرحلة‬ ‫السابقة من أن يطالها التراخي أو التراجع‪ ،‬وهو ما يسميه األستاذ الطيب‬ ‫برغوث باستراتيجية التصحيح والتقومي والوقاية االجتماعية‪ ،‬إذ يؤكد مث ً‬ ‫ال‬ ‫في كتابه القيم "الفعالية احلضارية والثقافة السننية"‪ ،‬أن مبدأ األمر باملعروف‬ ‫والنهي عن املنكر‪ ،‬مبضامينه الروحية‪ ،‬وضوابطه الشرعية‪ ،‬وشمولية إلزاميته‬ ‫للمجتمع كله‪ ،‬يعد فع ً‬ ‫ال من أقوى وأفعل استراتيجيات التصحيح والتقومي‬ ‫والوقاية االجتماعية‪ ،‬كما أكدت ذلك اخلبرة التاريخية حلركة اإلسالم في‬ ‫واقع احلياة‪ ،‬في مثل قوله تعالى على سبيل املثال { ُكنتُ ْم َخيْ َر أُ َّمةٍ أُخْ رِ َج ْت‬ ‫َّاس تَ�� ْأ ُم�� ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫وف َوتَنْ َه ْو َن َعنِ المْ ُن َكرِ َوتُؤْمِ نُو َن بِاللَّـهِ } (آل عمران ‪:‬‬ ‫لِلن ِ‬ ‫‪.)110‬‬ ‫فاألمة كلها‪ ،‬كما يقول‪ ،‬بأفرادها‪ ،‬ومؤسساتها الرسمية والشعبية‪ ،‬الثقافية‬ ‫والسياسية واالجتماعية والتربوية ‪ ،...‬متارس وظيفة األمر باملعروف والنهي‬ ‫ع��ن املنكر مم��ارس��ة إلزامية منهجية منضبطة‪ ،‬كشفاً لألخطاء‪ ،‬وتقومياً‬ ‫لالنحرافات‪ ،‬وتصحيحاً دائبا متدرجاً ملسيرة املجتمع‪.‬‬

‫ففي منطق اخلالص الفردي ينطلق صاحبه من تنزيه الذات ويبحث عن‬ ‫املظاهر السلبية واالختالالت عند اآلخرين‪ ،‬ملقياً باللوم عليهم ومتهما إياهم‬ ‫بالفشل‪ ،‬سواء كان هؤالء اآلخرون أفراداً أو جماعات‪ ،‬أو هيئات أو تنظيمات‪،‬‬ ‫فينزع إلى ممارسة نوع من األستاذية التي يرافقها عادة نفس استعالء‪ ،‬من‬ ‫خالل احلديث فقط عن سلوكيات اآلخرين وتصرفاتهم والسعي النتقادهم‬ ‫وجتريحهم‪ ،‬مستبعداً نفسه ومتجاوزاً عن أخطائها ونقائصها‪ ،‬ناسياً أو‬ ‫متناسياً أن كل فرد وكل تنظيم يجب أن ينتبه إلى نفسه أوالً قبل النظر فيما‬ ‫ل��دى اآلخ��ري��ن‪ ،‬ألن إص�لاح احمليط يبدأ بإصالح النفس أوالً‪ ،‬وأن إصالح‬ ‫النفس يقتضي التوجه إليها في املقام األول‪ .‬فإذا توجه كل منا إلى نفسه‬ ‫وعمل على رصد هفواتها‪ ،‬وانكب على إصالحها واستقامتها في كل وقت‬ ‫فإذا كانت مرحلة التوسع واالنتشار الذي تعرفه الصحوة اإلسالمية اليوم‪،‬‬ ‫وحني‪ ،‬فإننا بكل تأكيد سنكون قد بدأنا البداية الصحيحة في مهمة تعميق قد أسهم فيها اجلميع‪ ،‬فإن مرحلة تعميق التدين وترشيده حتتاج كذلك إلى‬ ‫التدين وترشيده في أنفسنا وفيما بيننا وفيما حولنا‪.‬‬ ‫انخراط من اجلميع؛ فاعلني وعلماء ودعاة وحركات إسالمية وهيئات رسمية‬ ‫أما في منطق اخلالص الطائفي‪ ،‬وبالرغم من أنه متعلق مبجموعة من أو أهلية‪.‬‬ ‫الناس وال يركز فيه أصحابه على ذواتهم الفردية‪ ،‬فإنه ينتهي إلى ذات املنطق‬ ‫وحينما نتكلم عن حاجة هؤالء الفاعلني إلى رصد الواقع واملجتمع من‬ ‫السابق وحت��ل الطائفة فيه محل ال��ف��رد‪ .‬فأصحابه قد يعمدون مثال إلى‬ ‫مدح البرامج التربوية والدعوية املعتمدة عند اجلماعة والتنظيم ومتجيدها حولهم ورصد حتوالته واجتاهات تطوره‪ ،‬فإننا نقصد بذلك ضرورة اخلروج‬ ‫واالنغالق عليها‪ ،‬أو إلى مهاجمة وتخطيء وتسفيه األساليب واملناهج التربوية من مرحلة االنطباعية واالرجتالية والعفوية‪ ،‬إلى مرحلة املنهجية في التقييم‬ ‫والعلمية في التحليل املؤسس على الدراسة والتتبع للظواهر االجتماعية‪،‬‬ ‫الداخلية املعتمدة من قبل اجلماعات والتنظيمات األخرى‪ ،‬كما قد يعمدون‬ ‫ومعرفة السنن املتحكمة في السلوكات االجتماعية واملنتجة لها‪ ،‬واالنتقال‬ ‫إلى االنتصار ملواقفهم واختياراتهم وحشد املبررات للبرهنة على صوابيتها‬ ‫من االقتصار على التعامل مع األف��راد فقط إلى التفكير في كيفية العمل‬ ‫بالرغم من جتاوز الواقع وحتوالته للعديد منها‪.‬‬ ‫على توجيه الفعل املجتمعي بأكمله‪ ،‬ومعرفة العوامل املؤثرة في السلوك‬ ‫واحل��ال أن هذه القضية‪ ،‬قضية تعميق التدين وترشيده‪ ،‬ال تتعلق فقط اجلماعي للمجتمعات‪ ،‬وبذلك تتأكد حاجتنا إلى متخصصني وباحثني في‬ ‫مبدارسة أو مقارنة املناهج والبرامج املعتمدة عند احلركات اإلسالمية‪ ،‬أو علوم االجتماع إل��ى جانب املتخصصني في علوم الشريعة وعلوم التربية‬ ‫بإثارة مشكلة داخلية يعاني منها تنظيم بعينه أو جماعة بأوصافها حتتاج وعلوم اإلدارة والتسيير‪ ،‬كما تتأكد حاجتنا إلى مساهمات مراكز البحوث‬ ‫فيها إلى حلول تنظيمية أو برامج تربوية خاصة بأعضائها فقط‪ ،‬وإمنا األمر وال��دراس��ات‪ ،‬وخدمات مراكز الرصد والتحليل‪ ،‬حتى نبني استراتيجياتنا‬ ‫أكبر من ذلك بكثير‪ .‬إنها تتجاوز كل ذلك إلى إثارة حتديات إصالح مجتمع ومخططاتنا للتعامل مع املجتمع واملساهمة في معاجلة اختالالته على أساس‬ ‫وإصالح أمة‪ ،‬فقضايا األمة وحتدياتها أوسع من أن تنحصر في اإلطار الضيق استشراف علمي حلركيته واجتاهات تطوره‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫رحمة النبي محمد وعدالته ومحبته‬ ‫لقد ك��ان رس��ول الله ‪ ‬أحسن الناس خلق ًا‪ ،‬وأج��ود الناس املسلمني وسقاها وتعهدها‬ ‫ص��دراً‪ ،‬وأصدقهم لهجة‪ ،‬وألينهم عريكة‪ ،‬وأكرمهم عشرةً‪ ،‬لقد بالرعاية حتى أعطت ثماراً‬ ‫صدق ملك عمان حينما قال بعد أن التقى به " والله لقد دلني حلوة املذاق ‪.‬‬ ‫على هذا النبي األمي أنه ال يأمر بخير إال كان أول آخذ به ‪ ،‬وال‬ ‫وي����ق����ول م���ي���ل���ر الكاتب‬ ‫ينهى عن شيء إال كان أول تارك له‪ ،‬وأنه يغلب فال يبطر‪ ،‬و ُيغلب البريطاني املعروف‪ :‬إن بعض‬ ‫فال يضجر‪ ،‬ويفي بالعهد‪ ،‬وينجز الوعد"‪.‬‬ ‫ال���دي���ان���ات ت��ه��ت��م باجلوانب‬ ‫لقد رأى أصحابه رأي العني‪ ،‬كل فضائله ومزاياه‪ ،‬رأوا طهره‬ ‫وعفافه‪ ،‬رأوا أمانته واستقامته‪ ،‬رأوا شجاعته وثباته‪ ،‬رأوا س ّموه‬ ‫وحنانه‪ ،‬رأوا عقله وبيانه‪ ،‬رأوا كماله كالشمس تتألق في رابعة‬ ‫النهار‪.‬‬

‫فالذين بهرتهم عظمته ملعذورون‪ ،‬وإن الذين افتدوه بأرواحهم‬ ‫لهم الرابحون‪ ،‬فأي إميان‪ ،‬وأي عزم وأي مضاء‪ ،‬وأي صدق‪ ،‬وأي‬ ‫طهر‪ ،‬وأي نقاء‪ ،‬وأي تواضع‪ ،‬وأي حب‪ ،‬وأي وفاء‪ . ‬‬ ‫يقول أحد كتاب السيرة الغربيني " كان محمد عابداً متحنثاً‬ ‫وقائداً فذاً شيد أمة من الفتات املتناثر‪ ،‬وكان رجل حرب يضع‬ ‫اخلطط ويقود اجليوش‪ ،‬وك��ان أب��اً عطوفاً وزوج��اً حتققت فيه‬ ‫امل��ودة والرحمة والسكن‪ ،‬وك��ان صديقاً حميماً‪ ،‬وقريباً كرمياً‪،‬‬ ‫وجاراً تشغله هموم جيرانه‪ ،‬وحاكماً متأل نفسه مشاعر محكومية‪،‬‬ ‫مينحهم من مودته وعطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم‪ ،‬ومع‬ ‫هذا كله فهوقائم على أعظم دعوة شهدتها األرض‪ ،‬الدعوة التي‬ ‫حققت لإلنسان وجوده الكامل وتغلغلت في كيانه كله ورأى الناس‬ ‫الرسول الكرمي تتمثل فيه هذه الصفات الكرمية فصدقوا تلك‬ ‫املبادئ التي جاء بها كلها ورأوه��ا متمثلة فيه‪ ،‬ولم يقرؤوها في‬ ‫كتاب جامد بل رأوه��ا في بشر متحرك فتحركت لها نفوسهم‬ ‫وهفت لها مشاعرهم وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول‬ ‫الكرمي كل بقدر ما يطيق فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها‬ ‫الطويل‪ ،‬وكان هادياً ومربياً بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلم‬ ‫الطيب الذي ينطق به‪.‬‬ ‫يقول الباحث البريطاني كارييل‪ :‬إن التشكيك في صحة نبوة‬ ‫محمد ودينه يعد اليوم عاراً كبيراً وإن علينا الرد على مثل‬ ‫ه��ذه اآلراء غير الصحيحة‪ ،‬واألق���وال التي ال معنى لها‪ ،‬فعلى‬ ‫الرغم من مرور القرون على بعثة هذا النبي مايزال مئات املاليني‬ ‫من املسلمني في العالم يستضيؤون بنور الرسالة‪.‬‬ ‫ويقول أستاذ جامعي أميركي‪ :‬لقد أدرك محمد (نصلي‬ ‫عليه طبعاً) أهمية االحتاد وعلومنزلة املجتمع املوحد في بعثته‬ ‫اإلسالمية وب��ذل��ك زرع بيديه ب��ذور االحت���اد وامل���ودة ف��ي نفوس‬

‫ال��روح��ي��ة م���ن ح��ي��اة البشر‬ ‫وليس لديها في تعاليمها أي‬ ‫د‪ .‬حممد راتب النابل�سي‬ ‫اه��ت��م��ام ب��األم��ور السياسية‬ ‫ً‬ ‫والقانونية واالجتماعية ‪ ،‬ولكن محمدا ببعثته وأمانته اإللهية كان‬ ‫نبياً وك��ان رج��ل دول��ة ومقنناً أي واضعاً للقوانني وق��د اشتملت‬ ‫شريعته على أحكام وقوانني مدنية وسياسية واجتماعية‪.‬‬

‫ويقول الكاتب والباحث الغربي ريتني‪ :‬منذ بزوغ بعثة محمد‬ ‫ وسطوع شمس اإلس�لام أثبت هذا النبي أن دعوته موجهة‬ ‫للعاملني ‪ ،‬وإ ّن هذا الدين املقدس يناسب كل عصر وكل عنصر وكل‬ ‫قومية ‪ ،‬وأن أبناء البشر في كل مكان وفي ظل أية حضارة ال غنى‬ ‫لهم عن هذا الدين الذي تنسجم تعاليمه مع الفكر اإلنساني‪.‬‬ ‫ويقول مسيوجان الكاتب والعالم السويسري املعاصر‪ :‬لوأمعنا‬ ‫النظر في أسلوب حياة محمد صلى الله عليه وسلم وأخالقه على‬ ‫الرغم من مرور أربعة عشر قرناً على بعثته لتمكنا من فهم كنه‬ ‫العالقة التي تشد ماليني الناس في العالم لهذا الرجل العظيم‪،‬‬ ‫وال��ت��ي جعلتهم وجتعلهم يضحون م��ن أج��ل��ه وم��ن أج��ل مبادئه‬ ‫اإلسالمية السامية بالغالي والرخيص‪.‬‬ ‫أم��ا الفيلسوف ال��روس��ي تولستوي ال���ذي أع��ج��ب باإلسالم‬ ‫وتعاليمه في الزهد واألخ�لاق والتصوف فقد انبهر بشخصية‬ ‫النبي وظهر ذلك واضحاً على أعماله فيقول في مقالة له‬ ‫بعنوان من هومحمد ‪ :‬إن محمداً هومؤسس ورس��ول وك��ان من‬ ‫عظماء الرجال الذين خدموا املجتمع اإلنساني خدمة جليلة‪،‬‬ ‫ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور احلق وجعلها جتنح‬ ‫إل��ى السكينة وال��س�لام وت��ؤث��ر عيشة ال��زه��د ومنعها م��ن سفك‬ ‫الدماء وتقدمي الضحايا البشرية وفتح لها طريق الرقي واملدنية‬ ‫وهوعمل عظيم ال يقدم عليه إال شخص أوت��ي قوة ورج��ل مثله‬ ‫جدير باالحترام واإلجالل‪.‬‬ ‫ويقول عنه أيضاً‪ :‬ليس هناك من شك في أن محمداً ‬ ‫ق ّدم ببعثته خدمة كبيرة للبشرية فهي فخر وهدى للناس وهي التي‬ ‫أرست دعائم الصلح واالستقرار والرخاء وفتحت طريق احلضارة‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪51‬‬


‫وحجى وإربة ونهياً أفكاراً غير الطمع‬ ‫والرقي لألجيال‪ ،‬وبديهي أن ما فعله محمد عمل عظيم ال وخيراً وحناناً وبراً وحكمة‬ ‫ً‬ ‫يفعله إال شخص مقتدر ذوعزم رصني ومثل هذا الشخص وبال الدنيوي ونوايا خالف طلب السلطة واجلاه‪ ،‬كيف ال وتلك نفس‬ ‫شك يستحق كل إكرام وتقدير واحترام‪.‬‬ ‫صامتة ورج���ل م��ن ال��ذي��ن ال ميكنهم إال أن ي��ك��ون��وا مخلصني‬ ‫ويقول مفكر آخر رفع لواء أنه ال إله يقول ‪ :‬احلقيقة أن جادين‪.‬‬ ‫محمداً قد جاء برسالة ال ميكن إنكارها وهي خالصة الرساالت‬ ‫ويقول مؤلف كتاب املئة األوائل في تاريخ البشرية وقد وضع‬ ‫السابقة بل وتعلوعليها‪ ،‬بناء على هذا فإن رسالته للعالم دستور محمد بن عبد الله على رأس املئة األوائل في التاريخ البشري ‪،‬‬ ‫ثابت‪ ،‬وما جاء به محمد أقواله تنسجم وذوق البشر وإدراك بني هواإلنسان األول من بني املئة األوائل في تاريخ البشرية كلها من‬ ‫اإلنسان في هذا العصر‪.‬‬ ‫حيث قوة التأثير ومن حيث نوع التأثير ومن حيث امتداد أمد‬

‫وكم هوجميل ما قاله العالم اإليطالي واكستون قال‪ :‬لوسألني التأثير ومن حيث اتساع رقعة التأثير‪.‬‬ ‫أحدهم فقال‪ :‬من هومحمد الذي متدحه كل هذا املديح؟ لقلت له‬ ‫وي��ق��ول كتاب السيرة م��ن املسلمني يصفون شخصية النبي‬ ‫بكل أدب واحترام‪ :‬إن هذا الرجل املشهور وإن هذا القائد الذي التعاملية أي يصفون جانباً م��ن شخصيته‪ :‬لقد ك��ان ج ّم‬ ‫ً‬ ‫ال نظير له وع�لاوة على كونه مبعوثا من الله هورئيس حكومة التواضع ‪ ،‬وافر األدب‪ ،‬يبدأ الناس بالسالم ‪ ،‬ينصرف بكله إلى‬ ‫ً‬ ‫إسالمية كانت ملجأ ومالذا لكل املستضعفني واملسلمني‪ ،‬وحامية محدثه صغيراً كان أوكبيراً ‪ ،‬يكون آخر من يسحب يده إذا صافح‪،‬‬ ‫ملصاحلهم االجتماعية‪ ،‬فإن محمداً الذي يعد باني ومؤسس تلك‬ ‫وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد املسكني ‪ ،‬وإذا جلس جلس‬ ‫احلكومة كان قائداً سياسياً لكل ما لهذه الكلمة من معنى‪.‬‬ ‫حيث ينتهي به املجلس‪ ،‬لم ي َر م��اداً رجليه قط‪ ،‬ولم يكن يأنف‬ ‫ويقول الكاتب الفرنسي كورسيه‪ :‬عندما نهض محمد بدعوته من عمل لقضاء حاجته أوحاجة صاحب أوجار‪ ،‬وكان يذهب إلى‬ ‫وقبل وبعد انطالق بعثته كان شاباً شجاعاً شهماً‪ ،‬يحمل أفكاراً السوق ويحمل بضاعته ويقول‪ :‬أن��ا أول��ى بحملها‪ ،‬وك��ان يجيب‬ ‫تسموعلى ما كان سائداً من أفكار في مجتمعه‪ ،‬وقد متكن محمد دعوة احلر والعبد واملسكني ‪ ،‬ويقبل عذر املعتذر‪ ،‬وكان يرفوثوبه‪،‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم بسموأخالقه من هداية عرب اجلاهلية ويخسف نعله‪ ،‬ويخدم نفسه‪ ،‬ويعقل بعيره‪ ،‬ويكنس داره‪ ،‬وكان‬ ‫املتعصبني الذين كانوا يعبدون األصنام إلى عبادة الله الواحد في مهنة أهله‪ ،‬كان يأكل مع اخل��ادم‪ ،‬ويقضي حاجة الضعيف‬ ‫األحد‪ ،‬وفي ظل حكومته الدميقراطية املوحدة متكن من القضاء والبائس‪ ،‬ميشي هوناً خافض الطرف متواصل األح��زان‪ ،‬دائم‬ ‫على كل أشكال الفوضى واالختالف واالقتتال التي كانت شائعة الفكر ال ينطق من غير حاجة‪ ،‬طويل السكوت‪ ،‬إذا تكلم تكلم‬ ‫ً‬ ‫في جزيرة العرب‪ ،‬وأرسى بدل ذلك أسس األخالق احلميدة محوال بجوامع الكلم‪ ،‬وكان دمثاً ليس باجلاحد وال املهني‪ ،‬يعظم النعم‬ ‫املجتمع العربي اجلاهلي املتوحش إلى مجتمع راق ومتحضر‪.‬‬ ‫وإن دق��ت‪ ،‬وال ي��ذم منها شيئاً‪ ،‬وال ي��ذم م��ذاق��اً وال ميدحه وال‬ ‫وه��ذا امل��ؤرخ األوروب���ي جيمس يقول في مقال حتت عنوان تغضبه الدنيا وال ما كان لها‪ ،‬وال يغضب لنفسه وال ينتصر لها‪،‬‬ ‫الشخصية اخلارقة عن النبي وقد أحدث محمد عليه السالم إذا غضب أع��رض وأش���اح‪ ،‬وإذا ف��رح غض بصره‪ ،‬وك��ان يؤلف‬ ‫بشخصيته اخلارقة للعادة ثورة في اجلزيرة العربية وفي الشرق وال يفرق ‪ ،‬يقرب وال ينفر‪ ،‬يكرم كرمي كل قوم ويوليه عليهم ‪،‬‬ ‫كله فقد حطم األصنام بيده وأقام ديناً خالداً يدعوإلى اإلميان يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس‪ ،‬يحسن احلسن‬ ‫بالله وحده ‪.‬‬ ‫ويصوبه ويقبح القبيح ويوهنه‪ ،‬وال يقصر عن حق وال يجاوزه‪،‬‬ ‫ويقول الفيلسوف الفرنسي كارديفو‪ :‬إن محمداً كان هوالنبي وال يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه‪ ،‬من سأله حاجة لم‬ ‫امللهم واملؤمن ولم يستطع أحد أن ينازعه املكانة العالية التي كان يرده إال بها أوما يسره من القول‪ ،‬كان دائم البشر‪ ،‬سهل اخللق ‪،‬‬ ‫عليها ‪ ،‬إن شعور املساواة واإلخاء الذي أسسه محمد بني أعضاء لني اجلانب ‪ ،‬ليس بفظ وال غليظ ‪ ،‬وال صخاب وال فحاش‪ ،‬وال‬ ‫الكتلة اإلسالمية كان يطبق عملياً حتى على النبي نفسه ‪.‬‬ ‫عياب‪ ،‬وال مزاح‪ ،‬يتغافل عما ال يشتهي‪ ،‬وال يخيب فيه مؤمله‪ ،‬كان‬ ‫ويقول الفيلسوف البريطاني توماس كاريل وقد خصص من ال يذم أحداً وال يعيره وال يطلب عورته وال يتكلم إال فيما يرجى‬ ‫ال لنبي اإلس�لام بعنوان البطل في ص��ورة رس��ول ع ّد ثوابه‪ ،‬يضحك مما يضحك منه أصحابه‪ ،‬ويتعجب مما يتعجبون‪،‬‬ ‫كتابه فص ً‬ ‫فيه النبي واحداً من العظماء السبعة الذين أجنبهم التاريخ ويصبر على الغريب وعلى جفوته في مسألته ومنطقه‪ ،‬وال يقطع‬ ‫وقد ر ّد هذا املؤلف مزاعم املتعصبني فقال‪:‬يزعم املتعصبون أن على أحد حديثه حتى يجوزه‪ ،‬واحلديث عن شمائله صلى الله‬ ‫محمداً لم يكن يريد بقيامه إال الشهرة الشخصية ومفاخر اجلاه عليه وسلم حديث يطول ال تتسع له املجلدات وال خطب في‬ ‫والسلطان‪ ،‬كال والله لقد كانت في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن سنوات ولكن الله جل في عاله خلصها بكلمات فقال { َو ِإن َ‬ ‫َّك‬ ‫يم}(القلم‪.)4:‬‬ ‫القفار والفلوات املتورد املقلتني‪ ،‬العظيم النفس‪ ،‬اململوء رحمة َل َعلى ُخ ُل ٍق َع ِظ ٍ‬ ‫‪52‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ ‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫ال بد من صنعا وإن طال السفر‬ ‫بعد أن ش��ارك��ت ف��ي امل��ؤمت��ر ال���ذي ع��ق��ده امل��ن��ت��دى العاملي‬ ‫للوسطية في صنعاء‪ ،‬رجعت ممتلئ ًا مبشاعر عن شعب اليمن‬ ‫األصيل العريق الكرمي‪ .‬فقلت ال بد أن أكتب عن صنعا‪ ..‬فكان‬ ‫هذا املقال‪ :‬ال بد من صنعا‪.‬‬ ‫ولقد كنت أتوقع من اليمنيني إكراماً وتفاع ً‬ ‫ال‪ ،‬فقد زرت‬ ‫اليمن من قبل‪ ،‬قبل أربعني سنة للمرة األولى‪ ،‬ثم قبل خمس‬ ‫وثالثني سنة للمرة الثانية‪ ،‬ثم هذه هي املرة الثالثة‪ ،‬وأعرف‬ ‫ج��ي��داً عاطفة اليمنيني اجلياشة‪ ،‬لكن ال��ذي توقعته شيء‪،‬‬ ‫وال��واق��ع ش��يء آخ��ر مضاعف ج��داً‪ ..‬أضعافاً كثيرة‪ .‬قضينا‬ ‫أياماً خلتها أسابيع؛ المتالئها وزخمها‪ ،‬وحجم اإلجناز‪ ،‬وتعدد‬ ‫اللقاءات والندوات واحللقات التلفزيونية واحللقات البحثية‬ ‫والنقاشية‪.‬‬ ‫وأول لقاء ك��ان م��ع وزي��ر األوق���اف هناك القاضي حمود‬ ‫الهتار‪ ،‬وفوجئنا بالثقافة العالية واملتابعة لكل ما يدور‪ ،‬وعمق‬ ‫الطرح مع البساطة الشديدة‪ ،‬وكان لقاء حاف ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫وك��ان االنطباع األول أن املثقف اليمني مظلوم في وطنه‬ ‫العربي فلم يأخذ موقعه من التعريف والتقدير واألثر‪ .‬ورمبا‬ ‫ال يعرف كثير من املثقفني العرب من املثقفني اليمنيني غير‬ ‫عبد العزيز املقالح والشاعر ال��ب��ردون��ي‪ ،‬ولكن اليمن مليء‬ ‫يقدروا‬ ‫بكبار املثقفني واملفكرين الذين لم يأخذوا بُعدهم ولم ّ‬ ‫قدرهم‪.‬‬ ‫واالن��ط��ب��اع الثاني ض���رورة ال��ت��واص��ل وال��ت��زاور والتعارف‬ ‫والتبادل‪ ،‬إن في مؤمترات علمية‪ ،‬أو تبادل بعثات جامعية‪ ،‬أو‬ ‫مؤمترات في قضايا مختلفة‪ ،‬وما أكثر هموم املسلمني‪ .‬املهم‬ ‫أن نتواصل‪ .‬ولقد تعرفت في هذه األي��ام املعدودة على أكثر‬ ‫من رئيس جامعة‪ ،‬وعلى عدد من البرملانيني وكبار املؤلفني‬ ‫واملثقفني بالعشرات‪.‬‬

‫أرب�����ع�����ة ماليني‬ ‫ي������������ه������������ودي‪ ،‬ال‬ ‫ي���س���اوي الواحد‬ ‫منهم شراك نعل‬ ‫ال����ع����رب����ي؟ مل����اذا‬ ‫ينجزون‪ ،‬والعرب‬ ‫ي���ع���ج���زون؟ ملاذا‬ ‫مت������ر ف���ي���ن���ا كل‬ ‫مخططا تهم ‪،‬‬ ‫نستطيع‬ ‫وال‬ ‫ف��ع��ل ش�����يء‪ ،‬وال‬ ‫حتى القيام بأي‬ ‫رد ف����ع����ل؟ هذا‬ ‫ال�����س�����ؤال ال����ذي‬ ‫أع����ي����ا الطبيب‬ ‫"املداويا"!‬

‫د‪� .‬أحمد نوفل‬

‫وبعد مقابلة الوزير الهتار‪ ،‬وقد أثار في نفوسنا من التقدير‬ ‫ما أثار‪ ،‬انتقلنا مباشرة إلى جامعة صنعاء‪ ،‬حيث كان هناك‬ ‫محاضرة ملفكر تركي هو األس��ت��اذ الدكتور (ن���وزاد صواش)‬ ‫مبناسبة املولد النبوي‪ ،‬سبقها أناشيد مينية عن املولد ألقتها‬ ‫فرقة مينية ب��أص��وات عذبة ندية‪ ،‬فجاءت احمل��اض��رة وسط‬ ‫تفاعل اجلمهور نوراً على نور‪ .‬قمة في اجلمال‪ ،‬معاني وأداء‬ ‫وعاطفة‪ ،‬ورئيس اجلامعة خالد ضميم‪ ،‬ونائبه الدكتور أحمد‪،‬‬ ‫وجمع من أساتذة اجلامعة وطالبها‪ ،‬حضور في قاعة جمال‬ ‫عبد الناصر‪ ،‬وهي القاعة الرئيسة في اجلامعة‪ ،‬وكانت أوقاتاً‬ ‫أكثر من رائعة‪ .‬ثم تبع ذلك معرض آلثار املصطفى _صلى‬ ‫الله عليه وسلم_‪ .‬وهو معرض يضم صور مقتنيات من متحف‬ ‫إستانبول‪ ،‬وه��ي املتعلقة بكل ما يخص النبي _صلى الله‬ ‫عليه وسلم_ وآل بيته‪ ..‬وهو معرض بديع مؤثر‪ ،‬فطلبنا من‬ ‫اجلامعة أن تنقل املعرض إلى جامعة بلدنا احلبيب‪ ،‬احلبيبة‪..‬‬ ‫فوافقوا بال تردد‪ ،‬وبقي التنسيق‪.‬‬

‫واالنطباع الثالث أن ه��ذه الشعوب العربية تتزاحم في‬ ‫العظمة وتتنافس‪ ،‬فلقد كنت أظ��ن أن الشعب اجل��زائ��ري ال‬ ‫يضارعه شعب عربي‪ ،‬وذلك بعد ما ملسته هذا الصيف األخير‬ ‫في اجلزائر‪ ،‬ولكني وجدت الشعب في اليمن ليس بعيداً عن‬ ‫م��ا أجمل تكامل العالم اإلس�لام��ي! احمل��اض��ر م��ن تركيا‪،‬‬ ‫شعب اجلزائر‪.‬‬ ‫والفرقة من اليمن واحلضور‪ ،‬ونحن من األردن مجموعة من‬ ‫ولكن ال��س��ؤال‪ :‬مل��اذا وك��ل الشعوب العربية طيبة جياشة أساتذة اجلامعة‪ ،‬وقد رحب بنا من كان على املنصة‪ ..‬وكان‬ ‫عظيمة معطاءة قادرة مقتدرة مضحية كرمية‪ ،‬ملاذا وكل هذه كذلك لقاء حاف ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫الصفات موجودة‪ ،‬ملاذا يكون واقع األمة العربية هذا الواقع‪،‬‬ ‫ومن اجلامعة‪ ،‬جامعة صنعاء‪ ،‬انتقلنا إلى جامعة التكنولوجيا‪،‬‬ ‫وبهذا الهزال‪ ،‬وملاذا يعربد علينا نحن األربعمائة مليون عربي‪،‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪53‬‬


‫وتعرفنا إلى رئيسها األستاذ الدكتور داوود احلدابي‪ ،‬وهو‬ ‫أكثر من رائع‪ ،‬شخصية متكاملة ودودة متواضعة ممتلئ علماً‬ ‫وأدباً‪..‬‬ ‫ثم انتقلنا إلى مستشفى خاص‪ ،‬وإذ مبديره من طالبنا في‬ ‫اجلامعة األردنية‪ ،‬وكان مشهداً غير متوقع‪ ،‬مؤثراً‪ ،‬مفرحاً‪،‬‬ ‫أن تكون الكفاءات من طالبنا قد وصلت إل��ى ه��ذه املكانة‬ ‫واألم��اك��ن‪ ..‬وك��ان س��رورن��ا ببلدنا وطالبنا عظيماً‪ ..‬وكانت‬ ‫دعوة على العشاء مع مدير املستشفى في بيته مع لفيف من‬ ‫األساتذة ورئيس مجلس إدارة املستشفى‪ ،‬وكانت سهرة رائعة‬ ‫طرحت فيها قضايا مانعة ومهمة‪.‬‬ ‫هذا كله في يوم واحد‪ .‬وهو ال شيء أمام ما كان في اليوم‬ ‫التالي يوم اخلميس‪ ،‬فذاك يوم العمل‪ ،‬ويوم مؤمتر عن هذا‬ ‫الدين ووسطيته واعتداله‪ ،‬واحلاجة إلى فهمه‪ ،‬وجالء الغيم‬ ‫ع��ن ال��ص��ورة التي يروجها اإلع�ل�ام الغربي وبعض اإلعالم‬ ‫العربي عنه‪.‬‬

‫التوحيد والتوحيد‪ .‬أي توحيد الكلمة وكلمة التوحيد‪ .‬ولوال أن‬ ‫األخ وكيل وزارة األوقاف أخرجنا من وسط اجلمهور اختطافاً‬ ‫ملكثنا ساعات في املصافحات والسالمات‪ ،‬فشعب اليمن ذو‬ ‫عاطفة غامرة صادقة جياشة‪ ،‬وكرم يأبى عليه إال أن يدعوك‬ ‫ويلح في الدعوة‪.‬‬ ‫وحان موعد املغادرة بعد أن تناولنا طعام الغداء في بيت‬ ‫وزير األوق��اف‪ ،‬وقد مد لنا خوانا (مائدة) امتدت على مدى‬ ‫ص��ال��ة طويلة ف��ي بيته العامر امل��ت��واض��ع البسيط‪ ،‬واعتذر‬ ‫عن التقصير‪ ،‬برغم الكرم الكبير‪ ،‬فقلت‪ :‬كيف لو لم تكن‬ ‫مستعج ً‬ ‫ال؟ إلنه اعتذر بسبب العجلة‪..‬‬ ‫أقول‪ ،‬وقد بقي معنا في صالة كبار الزوار مجموعة من‬ ‫اإلخوة اليمنيني منهم الدكتور محمد احملجري (الذي سميته‬ ‫محجر املاس) والشيخ وضاح (الذي سميته وضاح اليمن) بقوا‬ ‫قبل إقالع طائرتنا بدقائق فقط‪.‬‬

‫ومهما قلت عن زيارة اليمن فإني أظلم الواقع الذي شاهدته‬ ‫وك���ان جن���اح ال��ل��ق��اء وال��ك��ل��م��ات وامل���داخ�ل�ات والتعليقات فيها‪ .‬فمرحى لليمن‪ ،‬ولشعب اليمن‪ ،‬وحتية وسالماً‪ .‬وفع ً‬ ‫ال‬ ‫أضعاف أضعاف املأمول واملتوقع‪ ..‬وجتلى في اللقاء ثقافة‬ ‫وصدقاً وحقاً‪ :‬ما وجدت إال حسناً ملا دخلت اليمنا‪.‬‬ ‫علماء اليمن وعمق الطرح‪ ..‬واستمر اللقاء إلى الثانية ظهراً‪..‬‬ ‫فسالم على أص��ل ال��ع��رب‪ ،‬ومنبع ال��ع��رب‪ ،‬الذين باسمهم‬ ‫وانتقلت بعدها إلى تلفزيون "السعيدة" وسجلت حلقة طلبوا‬ ‫متديدها إلى ثانية‪ ،‬فاعتذرت الرتباطنا مع تلفزيون "اإلميان" واسم بلدهم سمى الله سورة في القرآن‪ :‬سورة سبأ‪ .‬وشهد لهم‪،‬‬ ‫الذي يبث من جامع الصالح‪ ،‬وكانت حلقة مباشرة في تلفزيون فقال‪" :‬بلدة طيبة ورب غفور" وشهد لهم املصطفى _صلى‬ ‫الله عليه وسلم_ بالرقة واإلميان واحلكمة‪ .‬ويكفيهم شهادة‬ ‫اإلميان‪ ،‬استمرت ملدة ساعة‪.‬‬ ‫الله ورسوله‪ ،‬ويكفيهم أن كرام الصحابة هم الذين تولوا إدارة‬ ‫وفي اليوم التالي كانت خطبة اجلمعة في ذات املسجد‪،‬‬ ‫ً اليمن زمن الرسول _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬إذ كان اليمن‬ ‫وه��و حتفة فنية معمارية ال ميكن وصفها ج��م��ا ًال وإبداعا‬ ‫وأهله من السابقني إلى اإلسالم‪ ،‬فأرسل الرسول إليهم ك ًال من‬ ‫وإتقاناً واتساقاً ومساحة‪ ..‬وروحانية ضافية تغمر املكان‪،‬‬ ‫أبي موسى األشعري ومعاذ ًا وعلي بن أبي طالب‪ ..‬رضي الله‬ ‫وهندسته جتمع بني احلرمني‪ .‬وأبلغنا الرئيس عبر وكيل وزارة‬ ‫األوقاف األستاذ حسن آل الشيخ سروره مبا سمع وحتياته‪ ،‬عنهم أجمعني‪.‬‬ ‫ولئن انقطعت عن اليمن كل هذه السنني‪ ،‬فلن أغيب عنه‬ ‫وكان تفاعل الناس يفوق الوصف‪.‬‬ ‫وقد ركزت في خطبة اجلمعة اجلامعة على معاني الوحدة بعد اليوم‪ ،‬إن شاء الله رب العاملني‪.‬‬ ‫وج��م��ع الكلمة‪ ،‬ومم��ا قلت فيها‪ ،‬إن أع��ظ��م مطالب الدين‪:‬‬ ‫سالم على اليمنيني في بالدنا وفي بالدهم‪ ،‬ألف سالم!‬

‫ ‬

‫‪54‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫مقاالت الوسطية‬

‫من مخاطر الفراغ‬ ‫إذا كنا دائماً نتغنَّى بأمجاد السابقني فليست مآث ُرهم قصصاً خيالي ٌة‬ ‫شخوصهم ُد َماً ُمحنَّط ًة ُ‬ ‫نظ ُّن أنه يكفينا أن‬ ‫نُسلي بقراءتها أنفسنا‪ ،‬وليست‬ ‫ُ‬ ‫نمُ عن النظر فيها لتجلوا أحزاننا أو تخفف من مآسينا‪.‬‬

‫يقصم الظهر" " كي‬ ‫ال ن��ف��ق��د الهوية"‪،‬‬ ‫"م��اذا فعلنا ملواجهة‬ ‫ال��غ��زو التلفزيوني"‪،‬‬ ‫"هجمات تلفزيونية‬ ‫على اخلليج"‪" ،‬البث‬ ‫امل��ب��اش��ر االستعمار‬ ‫اجلديد"‪.‬‬

‫كال فالبد من القراءة بوعي‪ ،‬والب��د من اجلد واحل��زم‪ ،‬وتعالوا بنا‬ ‫لنصارح أنفسنا ونقارن بني واقعنا وواقعهم‪ ،‬ولنعلم الفرق بني استثمار‬ ‫أوقاتِنا وأوقاتِهم‪.‬‬ ‫يحس بالوقت عبئاً على‬ ‫وحني املصارحة البد من القولِ أن فينا من ُّ‬ ‫كاهلِه ال يدري مباذا يصرفه‪ ،‬وكم هو مؤلم أن تسم َع في مجتمع املسلمني‬ ‫وكيف ال تثار هذه‬ ‫من يقول‪ :‬تعال بنا لنضيع الوقت‪ ،‬ورمبا خفف العبارة آخرون فقالوا‪ :‬هيا‬ ‫بنا لنقضي الوقت ومؤداهما واح ٌد إذا كان االجتما ُع لتزجية الفراغ مبا ال ال��ع��ن��اوي��ن‪ ،‬وتتعالى‬ ‫ه������ذه الصيحات‪،‬‬ ‫الوقت يُقضى مبا يض ُّر وال ينفع‪.‬‬ ‫ينفع‪ ،‬وأش ُّد إيالماً إذا كان‬ ‫ُ‬ ‫وامل��خ��ط��ط مدروس‬ ‫إن حياة املسلم ال مكان فيها لإلضاعة والتفريط‪ ،‬وإن جراحات املسلمني وال����ه����دف مرسوم‪،‬‬ ‫ال�شيخ �سلمان العودة‬ ‫لفتت أنظار الكافرين‪ ،‬فكيف تغيب عن املسلمني فيظلون الهني العبني؟‬ ‫�������س‬ ‫وه����������������ذا رئ�������ي ُ‬ ‫وإذا أباح اإلسال ُم للمسلم الترويح عن النفس ساع ًة وساعة فذلك محكوم املخابرات األمريكية‬ ‫ُ‬ ‫بضوابط الشرع‪ ،‬والهدف منه جتدي ُد النشاط واحلفاظ على النفوس من يعلنها صراحة ويقول‪" :‬إن استراتيجيتنا يجب أن تتجاوز التعامل مع القادة‬ ‫الشعوب فثابتة‪ ،‬ومن أهم‬ ‫الكلل وامللل‪ ،‬لكن أن تتحول احلياة إلى لهوٍ ولعب وإضاعة للوقت في معظم إلى الشعوب‪ ،‬وذلك أن القادة قابل ٌة للتغير‪ ،‬وأما‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫األوقات وتصب ُح اجلدِّية واستثما ُر األوقات حدثا طارئا وحالة استثنائية وسائل حتقيق هذا التوجيه‪ :‬التلفزيون‪ ،‬فهو الوسيل ُة القادرةُ بطبيعتها على‬ ‫في احلياة‪ ،‬فذلك‬ ‫ٌ‬ ‫انتكاس في املفاهيم ال يُسأل عنه اإلسالم وسيحاسب السيطرة على أدمغة الشعوب"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عليه املسلمون‪ .‬وقولوا لي بربكم‪ :‬من ميضي سحابة النهار بالنوم‪ ،‬وميضي‬ ‫وحتى يستيقظ الغافلون‪ ،‬وعسى أن يستدرك املسلمون‪ ،‬أنقل لكم صيحة‬ ‫ساعات الليل في السهر مبا ال فائدة فيه‪ ،‬وس��واء كان على األرصفة أو‬ ‫غيرها هل استثمر وقته واستفاد من عمره؟ واملصيب ُة أدهى وأعظم إذا كان‬ ‫مفكر أنذر بخطر البث املباشر فأعذر‪ ،‬يقول الدكتور فهمي هويدي‪" :‬إن‬ ‫ٍ‬ ‫هذا الصنفُ من‬ ‫ِ‬ ‫شباب األمة وأملِها في املستقبل؟ وإنه حلق على اخليرين هذا االستعمار خرج من شوارع املدن‪ ،‬لكن سيعود عن طريق البث املباشر‪،‬‬ ‫أن ينصحوا إلخوانهم الغافلني‪ ،‬وأن يصدقوا ويتلطفوا لهم في القول‪ ،‬فما وعودته هذه امل��رة ليست إلى األس��واق فقط ولكن عاد ليشاركنا السكن‬ ‫خاب من كان‬ ‫ُ‬ ‫سالحه في الدعوة‪ :‬الصدق واإلخالص واللني‪ ،‬وإن في هؤالء في بيوتنا‪ ،‬واخللوةَ في غرفنا‪ ،‬واملبيت في أس َّرة نومِ نا‪ ،‬رجع ليقضي على‬ ‫طيب‬ ‫الشباب من يسمع ويستجيب‪ ،‬وفيهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫القلب حصيفُ العقل‪ ،‬لكنها الدين واللغةِ واألخ�لاق‪ ،‬كان يُقيم بيننا بال ُكره ‪-‬يعني االستعمار‪ -‬ولكن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اليأس‬ ‫م‬ ‫وعد‬ ‫باحلسنى‪،‬‬ ‫ة‬ ‫واملوعظ‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫الطيب‬ ‫ة‬ ‫الكلم‬ ‫ودواؤها‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬ ‫والشرو‬ ‫الغفلة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫باحلب والترحاب‪ ،‬كنا ننظ ُر إليه فنمقته‪ ،‬أما اآلن فنتلذذ‬ ‫عا َد لنستقبله‬ ‫ِّ‬ ‫واإلعراض والصدود؟‬ ‫ِ‬ ‫مبشاهدتهِ‬ ‫واجللوس معه‪ ،‬إنه االستعما ُر اجلديد‪ ،‬إنه خط ٌر يهدد اجليل‬ ‫ِ‬ ‫األفالم اجلديد كله"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الساعات الطوال في مشاهدة‬ ‫وكيف يستثم ُر وقته من ميضي‬ ‫ِ‬ ‫الهابطة‪ ،‬أو سماع الكلمات واألحلان الغرامية الساقطة‪ ،‬أو قراءة الصحف‬ ‫ومهما كثر احلديثُ عن التلفزيون والبث املباشرِ فليس طوي ً‬ ‫ال‪ ،‬ألن‬ ‫واملجالت ذات الفكر املنحرف وحامالت الصور الرخيصة‪ ،‬واملتخصصات اإلحصاءات العلمية تثبت طول الساعات التي يقضيها املشاهدون أمام هذا‬ ‫ِ‬ ‫في أركان‬ ‫األب‬ ‫التعارف املشبوهة‪ ،‬والدعوة للعري والتحلل من القيم والفضيلة‪ .‬اجلهاز والسيما األطفال والنساء‪ ،‬وهنا مكم ُن اخلطر‪ ،‬افترض أيها ُ‬ ‫اللبيب أن يتولى تربية أهلك وأبنائك وبناتك غيرك‪ ،‬ولئن قلت إنك قاد ٌر‬ ‫ُ‬ ‫إن من اخلطأ أن نتصور أ ّن عالم اليوم عالم غزو للفضاء فحسب‪،‬‬ ‫والقيم ُم َس َّي ٌس على متييز الغثِّ من السمني أفترى أطفالك ونساءك كذلك؟ إنها أمان ُة‬ ‫حرب للعقائد‬ ‫وننسى أنه عال ُم غزوٍ لألفكار رهيب‪ ،‬وعال ُم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫م��دروس‪ ،‬وإن من البساطة والتغفيل أن نتصور أن ه��ذا املشهد املخرج التربية ومسؤولي ُة القوامة‪ ،‬وأنت مسؤول عن رعايتها أو إضاعتها‪.‬‬ ‫يهدف إل��ى املتعة والتسلية ال أكثر‪ ،‬وأن ه��ذا البرنامج املعد يرمي إلى‬ ‫أيها الولي واملربي‪ :‬وال تظن أنك حني جتلب ( ال ُّد َّش ) إلى بيتك توفر‬ ‫فطمس الهوية اإلسالمية‬ ‫الثقافة املجردة ليس إال‪ ،‬كال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وتذويب شخصيتنا السعادة وتدخل األنس إلى أف��راد عائلتك‪ ،‬كال فأنت متسبب في دخول‬ ‫ٌ‬ ‫وأخطر‬ ‫��ر‬ ‫خ‬ ‫آ‬ ‫��ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫���داء‪،‬‬ ‫ع‬ ‫األ‬ ‫عليه‬ ‫يراهن‬ ‫��دف‬ ‫والسيطرةُ على أدمغتنا ه‬ ‫اللصوص إلى بيتك‪ ،‬وأنت تعني الغزاة واملستعمرين ومتكنهم من مخاطبة‬ ‫وسائلهم لذلك‪ :‬التلفزيون والبثُ املباشر‪ ،‬هذا الغز ُو الذي حتفزنا ملواجهته فلذات كبدك‪.‬‬ ‫البعض منا يستسلم له‪.‬‬ ‫في البداية – كعادتنا ‪ -‬ثم بدأ‬ ‫ُ‬ ‫وليس ه��ذا حديثاً مكتم ً‬ ‫ال عن البث املباشر بقدر ما هو إش��ارة إلى‬ ‫بعض املسلمني أوقاتهم‪ ،‬وأنصح بقراء ِة الكتب املؤلفة‬ ‫أجل لقد خصصت الصحاف ُة العاملي ُة واحمللي ُة حيزاً من زواياها للتحذير نوع‬ ‫خطير يُزْجي به ُ‬ ‫ٍ‬ ‫من هذا الغول اجلديد ‪-‬ولكننا مع األسف أم ٌة ال تقرأ‪ ،‬أو تقرأ وال تستفيد مما عن البث املباشر وسماع احملاضرات النافعة في هذا املجال للتعرف على‬ ‫تقرأ‪ -‬ومن العناوين املثيرة في هذه الصحافة ‪ -‬وأكتفي بذكرها‪" -‬اختراق املخاطر ووسائل العالج‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪55‬‬


‫مقابلة الوسطية‬ ‫يف حوار خاص للـ "الوسطية"‬

‫دكتور عبد الباقي عبد الكبري‪:‬‬ ‫اإلصالح السياس��ي يف العالم اإلس�لامي‬ ‫يج��ب أن يت��م ضم��ن آلي��ات فاعل��ة‬ ‫و بعي��دا ع��ن العن��ف وس��فك الدم��اء‬ ‫أكد عضو هيئة التدريس باجلامعة اإلسالمية العاملية في إسالم أباد الدكتور عبد‬ ‫الباقي عبد الكبير أن الغلو والتطرف مرفوض في ديننا احلنيف‪ ،‬وأن النبي صلى الله‬ ‫عليه وسلم قد نهى عن الغلو في الدين اإلسالمي ملا فيه هالك لألمة‪.‬‬ ‫وأضاف في املقابلة اخلاصة التي أجرتها معه مجلة " الوسطية" أن املساعي ألجل‬ ‫اإلص�لاح السياسي يجب أن تتم ضمن آليات مدنية فاعلة‪ ،‬دون استخدام العنف‬ ‫الذي يسفك دماء املسلمني في أوطاننا ويحول دون الوصول إلى األهداف‪.‬‬ ‫وفيما يلي نص املقابلة بالتفصيل‪...‬‬

‫> الوسطية‪ :‬كيف تنظرون ألحوال العالم اإلسالمي؟ وما‬ ‫هو السبيل للخروج من األزمات احلالية؟‬

‫القيادات السياسية في العالم اإلسالمي‪ ,‬األمر الذي أخرج‬ ‫العالم اإلسالمي عن املعادالت التدافعية في عصر التكتالت‬ ‫اإلقليمية الكبيرة مثل االحتاد األوروبي ‪ ،‬أضف إلى ذلك غياب‬ ‫التكامل والتعاضد بني األنظمة السياسية والشعوب في معظم‬ ‫أقطار العالم مما أخر دور هذه الدول عن أداء الدور املطلوب‬ ‫وأصبح السبب الرئيسي في سقوط معظم هذه األنظمة في‬ ‫قفص املخططات االستعمارية على حساب تطلعات الشعوب‬ ‫اإلسالمية نحو حتقيق الشهود احلضاري‪.‬‬

‫< العالم اإلس�لام��ي يعيش أس��وأ الفترات احلضارية في‬ ‫هذا اليوم‪ ،‬فأجزاء كبيرة من جسد األم��ة محتلة من طرف‬ ‫القوة االستعمارية ( فلسطني‪ ،‬ال��ع��راق‪ ،‬أفغانستان) كما أن‬ ‫األمة أصبحت عاجزة عن اإلنتاج احلضاري في ظل التدافع‬ ‫احلضاري العاملي‪ ،‬و أجزاء كبيرة من العالم اإلسالمي تعاني‬ ‫م��ن الفقر وتفشي اجلهل‪،‬ويغيب ع��ن معظم أق��ط��ار العالم‬ ‫اإلسالمي احلكم الرشيد الذي ميكن أن يدفع طاقات األمة‬ ‫واحلل لهذه املشكالت يكمن في الرجوع إلى ديننا احلنيف‬ ‫نحو عملية اإلنتاج احلضاري‪ ،‬فقد غلبت الروح القطرية على وقراءته بأبجديات املنهج الوسط‪ -‬الذي هو حقيقة هذا الدين‪-‬‬

‫‪56‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وذلك بدفع طاقات األمة نحو حتقيق االستخالف اإلنساني‬ ‫في األرض عن طريق ترشيد التدين نحو املسؤوليات املجتمعية‬ ‫التي وضعت على عاتق األم��ة‪ ،‬وليأتي في النتيجة التعاضد‬ ‫بني األنظمة السياسية وشعوبها والتحرك معا لتحقيق غاياتها‬ ‫ومراميها وذلك عن طريق إحداث آليات الضبط والترشيد‬ ‫للممارسة السياسية وتأمني موازاتها مع الصالح العام‪.‬‬ ‫> الوسطية‪ :‬ما هو موقفكم من ظاهرة التشدد والتطرف‬ ‫في العالم اإلسالمي؟‬ ‫< الغلو والتطرف مرفوض في ديننا احلنيف والنبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم قد نهى عن الغلو في الدين ملا فيه هالك‬ ‫ل�لأم��ة‪ ،‬نحن نرفض التطرف ف��ي العالم اإلس�لام��ي بشقيه‬ ‫اإلس�لام��ي والعلماني ال�لادي��ن��ي‪ ،‬ون���رى ب��أن املساعي ألجل‬ ‫اإلص�لاح السياسي في العالم اإلس�لام��ي الب��د وأن يتم عن‬ ‫طريق آليات مدنية فاعلة‪ ،‬دون استخدام العنف الذي يسفك‬ ‫دماء املسلمني في أوطاننا‪.‬‬ ‫> الوسطية‪ :‬ما هو الدور املطلوب من علماء األمة ملواجهة‬ ‫ظاهرة التطرف؟‬ ‫< على علماء األمة بيان هذا الدين بصورة واضحة جلية‬ ‫من غير إف��راط وتفريط‪ ،‬ويجب عليهم أن يرفعوا عن هذا‬ ‫الدين تأويل اجلاهلني وانتحال املبطلني وحتريف املغالني‬ ‫ويبينوا هذا الدين بوسطيته‪ ،‬ومبا فيه من الهداية والرحمة‬ ‫للبشرية جمعاء‪ ،‬كما يجب عليهم توجيه األمة نحو مقتضيات‬ ‫حتقيق الشهود احلضاري الذي يتحقق من ورائه إعالء كلمة‬ ‫الله‪ ،‬ورفع رايتهم واخل��روج من إكراهات الضعف واالحتياج‬ ‫التي أصابت األمة‪.‬‬ ‫> الوسطية‪ :‬هل لكم أن متيزوا لنا بني اجلهاد املشروع (‬ ‫املقاومة املشروعة) وبني اإلرهاب؟‬

‫الغرب الذين ينادون بحقوق اإلنسان ولكنهم ساكتون على كل‬ ‫االنتهاكات التي يقوم بها احملتل اإلسرائيلي‪ ،‬وما يقوم بها‬ ‫جنودهم في أفغانستان والعراق‪ ،‬فاجلهاد املشروع هو الذي‬ ‫يهدف إلخراج احملتل ودفع االعتداء‪.‬‬ ‫> ال��وس��ط��ي��ة‪ :‬ه��ل أف��غ��ان��س��ت��ان ال��ي��وم ب��ح��اج��ة إل���ى الفكر‬ ‫الوسطي؟‬ ‫< نعم أفغانستان بحاجة إلى الفكر الوسطي‪ ،‬كما العالم‬ ‫ال��ذي هو بحاجة له أيضا‪ ،‬الفكر الوسطي ال��ذي هو منهج‬ ‫اإلسالم‪ ،‬إن أفغانستان من أكثر البلدان التي تعاني من غياب‬ ‫االعتدال والتوازن في الفكر الديني‪ ،‬هناك علمانية متطرفة‬ ‫تريد إزالة الدين عن احلياة‪ ،‬وهنالك متدينون غيورون على‬ ‫الدين ولكنهم ال يعلمون هذا الدين ومقاصده بصورة شامله‪،‬‬ ‫متأثرون من أع��راف املجتمع في فهمهم للدين‪ ،‬فيخطئون‬ ‫في التصرفات‪ ،‬ويخطئون في فهم وظيفة األم��ر باملعروف‬ ‫والنهي ع��ن املنكر‪ ،‬فيحسبون أن لهم احل��ق ف��ي أن يغيروا‬ ‫املنكر‪ ،‬فيسعون ملعاقبة العصاة من املسلمني‪ ،‬كل ذلك يحتاج‬ ‫إلى الفهم السليم عن الدين اإلسالمي‪ ،‬وعلينا التحرك لنشر‬ ‫الفهم الصحيح والعميق عن الدين اإلسالمي في مجتمعاتنا‪.‬‬ ‫> الوسطية‪ :‬كيف تقيمون جتربة املنتدى العاملي‪ ,‬في نشر‬ ‫الفكر الوسطي في العالم اإلسالمي؟‬ ‫< م��ن خ�لال ال��ق��راءة ف��ي ال��ن��ظ��ام التوجيهي واألساسي‬ ‫للمنتدى العاملي للوسطية ميكننا أن نقول بأن العالم اإلسالمي‬ ‫بحاجة إلى تبني هذا اخلطاب للتصالح مع الذات وللتحاور‬ ‫مع اآلخر ألجل اخلروج من املأزق احلضاري الذي نعاني منه‪،‬‬ ‫ون��رى أن التواصل والتفاهم والتعاون مع املفكرين والعلماء‬ ‫ف��ي ال��ع��ال��م اإلس�لام��ي ألج��ل دراس���ة اخل��ط��ط العملية على‬ ‫أرض الواقع يهدف إلى تصحيح الفهم الديني ونشر الفكر‬ ‫الصحيح الوسطي‪ ،‬وذلك عن طريق منهجية واضحة وآليات‬ ‫مؤثرة ألجل استيعاب النخبة الدينية الثقافية لدفع احلراك‬ ‫احلضاري الشامل االعتدالي وللخروج من املأزق احلضاري‬ ‫الذي نعيشه‪.‬‬

‫< مقاومة احملتل الظالم واجب إسالمي ديني وحق ثابت‬ ‫للشعوب بأجمعها‪ ،‬قد أقر هذا احلق في ميثاق األمم املتحدة‬ ‫وكل املواثيق الدولية‪ ،‬لذلك فإن مقاومة احملتل واجب وضرورة‪،‬‬ ‫ألن الشعوب ال تستطيع أن حتفظ كرامتها وال تستطيع أن‬ ‫تخطط ملستقبلها إال بعد استقالل مصيرها ومقدراتها‪،‬‬ ‫> الوسطية‪ :‬ما هي الكلمة التي توجهونها إلى املرابطني‬ ‫ويجب على املجتمع الدولي بناء على مقتضى املواثيق الدولية‬ ‫ومقتضيات حق اإلنسانية أن تدعم الشعوب التي تكافح ألجل في أرض األقصى؟‬ ‫< نقول إلخواننا املرابطني في أرض األق��ص��ى‪ :‬أنتم قد‬ ‫االستقالل وإخراج احملتل من أراضيها‪ ،‬وإن وصف املقاومة‬ ‫املشروعة ب��اإلره��اب منتهى الهبوط عن املستويات املتدنية ضربتم أرف��ع مثال للتضحية واملقاومة عبر أكثر من نصف‬ ‫من األخ�لاق اإلنسانية احلضارية‪ ،‬ونحن نتعجب من ساسة قرن من الزمان‪ ،‬والعالم اإلسالمي مرهون لتضحياتكم‪.‬‬

‫ ‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪57‬‬


‫فضاء المرأة‬

‫التفاوت بني مظاهر التدين واملمارسات‬ ‫ح���ي���ن���م���ا ت����أخ����ذك‬ ‫اخل����ط����ى إل������ى زح�����ام‬ ‫التفاعل االجتماعي‪،‬‬ ‫وتتحرك وسط أكداس‬ ‫امل��ت��ح��رك�ين‪ ،‬سيذهلك‬ ‫ك���ث���ي���راً وق���وف���ك أم���ام‬ ‫ش�����رائ�����ح م���ت���دي���ن���ة ال‬ ‫حصر لها من الناس‪،‬‬ ‫وتستغرب طبائعهم ملا‬ ‫فيها كثير من التناقض‬ ‫ب�ين م��ا يظهرون عليه‬ ‫�أ‪ .‬هيام ف�ؤاد �ضمرة‬ ‫م���ن ش��ك��ل دي���ن���ي وما‬ ‫ي�����ظ�����اه�����رون ب������ه من‬ ‫ممارسات‪ ،‬لتتيقن أن العادات فيهم غلبت املعتقدات وأن ما‬ ‫ميارسونه من أفعال وتعامالت هي أبعد ما ميكن عن التدين‬ ‫أو أنهم آثروا أ ْن يتمسكوا باأليسر منها‪ ،‬وأن هناك انفصال‬ ‫واض��ح ب�ين واق��ع م��ا يظهر عليه ه��ؤالء م��ن مظاهر التدين‬ ‫وه��ن��اك م��ن ي���أخ���ذون ف���رص غ��ي��ره��م ف��ي احل���ج لينالوا‬ ‫وما يضعون أنفسهم في خانته بتصرفاتهم‪ ،‬بني ممارساتهم‬ ‫لقب احل��اج دون أن يغيروا من ممارساتهم في االستغالل‬ ‫احلياتية وعما هم في مقامه من املواقع الدينية‪.‬‬ ‫واالستحواذ‪ ،‬وهناك امل��درس املتدين وامللتحي الذي يتقصد‬ ‫والعجيب أن هذا األمر يالحظ على السواد األعظم من الفئة التهاون ف��ي أداء مهنته طمعاً بنيل احلصص اخلصوصية‬ ‫املتدينة‪ ،‬وميور فيه محدود الثقافة الدينية إضافة إلى املتعلم للطالب املضطرين رغم فقر ذويهم‪ ،‬وذلك الذي مينح طرود‬ ‫ً‬ ‫واملتنور أكادمييا على السواء رغم قدرة الثاني على التفريق بني اخلير للفقراء مظاهراً بتدينه ورغبته التقرب إلى الله وفي‬ ‫املظهر واجلوهر مبجرد النظرة العابرة واللفتة السريعة‪ ،‬وأن احلقيقة أنه يشتري أصواتهم لينتخبوه نائباً برملانياً يتوسمون‬ ‫البعض ممن تخصصت دراستهم باجلانب العقائدي لم يتخلى به اخلير ليفاجئهم اختفاءه بعد ذلك وتنصله من مقابلتهم‬ ‫عما هو راسخ من موروث عادات ال عالقة لها بالدين‪ ،‬وأن‬ ‫أو قضاء اخلدمات لهم‪ ..‬واملظاهر على ذات املنوال كثيرة‬ ‫العادة عنده غلبت على ما تلقاه من علم‪ ،‬والعادة في حقيقتها‬ ‫ال حصر لها وهذه مجرد شريحة صغيرة كمثال ال غير مما‬ ‫تقليد اجتماعي شابه التهاون على مراحل متسلسلة حتى غدا‬ ‫يستغرب له هو وجود هذا التناقض الواضح في ظل الصحوة‬ ‫متناقضاً كلياً مع قيم الدين وال يأتي بالتواؤم املناسب مع‬ ‫الدينية احلديثة وهو أمر لم يكن موجوداً بهذا االنتشار قبل‬ ‫صورة التدين‪ ،‬فاملمارسات هنا جاءت انعكاس للعادات الغالبة‬ ‫ذلك‪ ،‬فالله سبحانه وتعالى قدر بحكمته البالغة حدوث هذه‬ ‫التي تعود الغالبية من الناس ممارستها ضمن البيئة الواحدة‬ ‫الصحوة حني انفتح املجال األكادميي لعلوم الشريعة والدين‬ ‫ولم تنعكس عن يقني ما يحمله من فكر وقناعة‪.‬‬ ‫وتفاعلت الفئة املخلصة بتطوعها واجتهادها في نشر الوعي‬ ‫م��ن الغريب أن يفصل اإلن��س��ان فكره ع��ن ممارسته‪ ،‬أن الديني وتعميم قيم الدين وأساليب التربية‪ ،‬وتفعيل املتوازن‬ ‫يتمثل مظاهر املعتقد ظاهرياً وال يتمثل أخ�لاق��ه وأصول واملعتدل من الفكر واملمارسة‪ ،‬وساهم اإلعالم املرئي واملسموع‬ ‫ممارساته حسب الشرعة املطلوبة‪..‬من غريب األمر أال يفكر واملقروء بدور كبير في توسيع دائرة الوعي‪.‬‬

‫هؤالء قط أن ما ميارسونه ال يتفق مع مظاهر التدين التي‬ ‫يتخذونها‪ ،‬فترى من ميارسون العبادات ويتحدثون باسم الدين‬ ‫ويستشهدون باآليات واألحاديث‪ ،‬يكيدون لزمالئهم من أجل‬ ‫املناصب والرتب‪ ،‬أو ميالقون أصحاب املراكز من أجل املنافع‬ ‫الشخصية واملادية‪ ،‬أو يستغلون مواقعهم الوظيفية من أجل‬ ‫ممارسة أشكال من الفساد كاالستيالء على امل��ال العام أو‬ ‫تعاطي الرشوة أو تسهيل أعمال لصالح محسوبيات‪ ،‬وقد‬ ‫جت��د أط��ب��اء ف��ي مستشفيات حكومية يتهاونون ف��ي حاجة‬ ‫املرضى امللحة لوجودهم فيتركون عياداتهم ألداء الصالة‬ ‫وقد متر الساعات وهو غائب حتت هذه احلجة فيما املرضى‬ ‫يعانون مكابدة االنتظار على ألم‪ ،‬أو يُدخلون عياداتهم مرضى‬ ‫الواسطة على حساب املرضى اآلخ��ري��ن‪ ،‬وكذلك الصيدلي‬ ‫في املراكز الصحية الرسمية‪ ‬الذي ال متل أنامله متر طوال‬ ‫الوقت على حبات مسبحته وف��ي الوقت نفسه‪ ‬يقوم مبنح‬ ‫ال��دواء ملعارفه ومحسوبيه ومينعه عن باقي املرضى مدعياً‬ ‫عدم توفر الدواء‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫وهنا ال ب��د أن ن��ت��س��اءل‪..‬م��ا ال��ذي يدفع اإلن��س��ان ألن‬ ‫يعيش حالة االنفصام ويتخذ مظهر التدين وهو يتهاون في‬ ‫أساسيات املعتقد ممارسة؟‬

‫الشباب أصبح يحرص على خطبة الفتيات على ذات هذه‬ ‫املقاييس‪.‬‬ ‫جرأة البعض على التنكر للدين واألديان عموماً وانخراطهم‬ ‫بالفكر الليبرالي والال أيدلوجي والتحلل من القيود‪ ،‬واملظاهرة‬ ‫بالرأي واملمارسة بل والتفلت من القيم نفسها‪ ،‬وكل هذا يضعنا‬ ‫أمام مسؤولية كبيرة في دراسة احلالة والتنقيب فيها‪.‬‬

‫النقائض حتى يستوي املسلم املتدين بتصرفاته وأخالقياته‬ ‫وممارساته احلياتية على الوجه األكمل؟‬ ‫‪ ‬أما جواباً لسؤال‪ :‬مل��اذا أصبح الناس أكثر حرصاً على‬ ‫اتخاذ مظاهر الدين وأقل ممارسة لعاداته وقيمه وأخالقياته‬ ‫فالظاهرة هنا تستحق التأمل والدراسة والبحث‪ ،‬ألن األمر‬ ‫أصبح داءاً مستشرياً في العقول والذهون ال حتكمه حكمة‬ ‫صلِح االجتماعي أو الداعية هو في احلقيقة‬ ‫العقول‪ ،‬وألن امل ُ ْ‬ ‫طبيب ج��راح إمنا مشرط جراحته هو قلمه وعقله ولسانه‪،‬‬ ‫مبتدءاً ف��ي التنقيب ع��ن أس��ب��اب امل��رض ومنتهياً باكتشافه‬ ‫وتشخيصه ووض��ع التقرير ال��ذي على ضوئه يقدم العالج‬ ‫الشافي ومن ثم متابعته بالتوعية‪.‬‬ ‫واملالحظ أنه في اآلونة األخيرة حصلت كثيراً من التغييرات‬ ‫على أرض الواقع مرتبطة بتغيير منهج احلياة من تقدم علمي‬ ‫وتعليمي وأسلوب حياة ومستويات معيشة‪ ،‬واكتشاف املبهر مما‬ ‫كان يعتبر سابقاً مستحيال أو عجيباً‪ ،‬ودخول العالم في عصر‬ ‫التكنولوجيا واالت��ص��االت وزم��ن القرية املعلوماتية ‪ ‬وعاملها‬ ‫املدهش وهي بحد ذاتها ثورة عظيمة‪ ،‬ناهيك عن توسع شبكة‬ ‫االتصاالت بأشكالها وتوفر املواصالت السريعة التي صارت‬ ‫تقرب البعيد في مدة زمنية قياسية وتفتح جسور التواصل‬ ‫بني األمم والشعوب مما أتاح مجاالً رحباً النسياب الثقافات‬ ‫بيسر وبكثافة ب�ين أمم األرض قاطبة‪ ،‬وان��زاح��ت التجارة‬ ‫مسقطة احلدود وأصبحت األس��واق عروس االقتصاد الذي‬ ‫يتنافس عليها أهل الصناعة والتجارة مدعومني هذه املرة بقوة‬ ‫القوانني الدولية اجلديدة التي فرضتها ال��دول املهيمنة عن‬ ‫طريق االتفاقيات‪.‬‬

‫ثم غلبة املظاهر على املجتمع وثقافة التبذير والتسابق في‬ ‫املمارسات االستهالكية التي دفعت املقتدر وغير املقتدر على‬ ‫اتخاذ ممارسات من شأنها أن جتعل احلياة أكثر عسراً مما‬ ‫يجب وأش��د ضغطاً على األعصاب‪ ،‬كمثل‪ ‬مظاهر األفراح‬ ‫املبالغ فيها وارت��ف��اع املهور وتزايد متطلبات احلياة وحتول‬ ‫كمالياتها إلى أساسيات‪ ،‬مما أوقع الشباب في شباك العسر‬ ‫في ظل االنهيار املالي العاملي وتزايد البطالة وتدني األجور‪،‬‬ ‫ف��ع��زف ال��ش��ب��اب ع��ن ال����زواج‪ ،‬وت��زاي��دت نسبة العنوسة في‬ ‫املجتمع‪ ،‬وفي املقابل بدأت تنهار املنظومة القيمية‪ ،‬وبدأت‬ ‫حالة غلبة املظاهر املبالغ فيها في مناسبات العزاء فلم تقل‬ ‫مستوى في اإلنفاق عن مثل كثير من هذه املظاهر حتى شكلت‬ ‫ال ضاغطاً وفع ً‬ ‫والئم العزاء على أهل امليت حم ً‬ ‫ال مضغوطاً‪،‬‬ ‫وب��دل أن تدخل في باب العون والدعم والتكافل في أوقات‬ ‫النكبة فقد دخلت في باب التبذير املرهق على أهل العزاء‬ ‫ناهيك عن كلفة إعالنات العزاء نفسها في الصحف‪ ،‬ليقع‬ ‫أهل امليت بني نكبة االفتقاد ونكبة التبذير على املظاهر‪.‬‬

‫وملاذا أصبح اإلنسان أشد فساد ًا وجرأة على ارتكاب الناشز‬ ‫في زمن الوعي والصحوة الدينية؟‬

‫أين اخلطأ في العملية التنويرية حتى ذب البعض على‬ ‫فهم الدين وإدراك شرائعه بحيث ال تعطي نتائجها الصحيحة‬ ‫وانفتاح الناس على السفر واالختالط بالشعوب األخرى‬ ‫على جوهره؟‬ ‫والتأثر بثقافتها ومحاوالت التقليد األعمى للموضة وقبولها‬ ‫وأي معاينة سليمة نحتاجها هنا حتى نقف عند أسبابها على ما تظهر عليه رغم مصدرها املشبوه من اجلهات ذات‬ ‫ونتلمس احللول لها لنتمكن من القضاء على فلول هذه البيئة االجتماعية واأليديولوجية املختلفة‪.‬‬

‫ومع إطالق األقمار الصناعية وانطالق احملطات الفضائية‬ ‫املأجورة أو املدعومة من اجلماعات الليبرالية فقد حتولت‬ ‫املذيعات والفنانات إلى عارضات مبالغات في التخفف من‬ ‫امل�لاب��س وك��ش��ف أوس���ع مساحة م��ن اجل��س��د‪ ،‬ليتحولن في‬ ‫الذهنية الذكورية إلى ق��دوة لألنوثة املطلوبة‪ ،‬ولتقابل ذلك‬ ‫النساء الرغبة في متثلهن للحفاظ على أزواج��ه��ن‪ ..‬بل إن‬

‫كل ه��ذا وس��واه وض��ع املسلمني في حالة ظ��روف جديدة‬ ‫مختلفة عما عرفوه في عصورهم السابقة‪ ،‬كما وضع اإلسالم‬ ‫في حالة حتدي بقيمه السامية وشرائعه النبيلة التي تضع‬ ‫ح��دوداً ال يسمح بتجاوزها نظراً لتناقضها مع الشرع‪ ،‬مما‬ ‫حمل رجال الدين والشريعة مسؤولية تطوير اخلطاب الديني‬ ‫ليس ليتماشى مع العصريني والعلمانيني والليبراليني وإمنا‬ ‫ليستوعب العقل املسلم احلالة املستجدة واقعياً حتى ال يخرج‬ ‫عن تدينه وقيم دينه ويتشبث بقيم الغرب املنحل الذي بات‬ ‫يفك عنه كل القيود ويتحلل من الضوابط الدينية والتقليدية‬ ‫ويجرب لنفسه قيماً جديدة تنسف قيمه القدمية‪ ،‬خاصة وأن‬ ‫املتدين عندنا باتت تأتيه األصوات من كل االجتاهات وهو في‬ ‫وسط ضجيجها ال يكاد عقله يستوعب بأي القواعد والقيم‬ ‫عليه أن يتشبث‪ ،‬يتململ بني الضوابط املتعارف عليها وبني‬ ‫االنطالق خارجها والقفز عن حدودها‪.‬‬ ‫ك��م��ا أن امل�لاح��ظ ف��ي ظ��ل ح��ص��ول امل����رأة ع��ل��ى حقوقها‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪59‬‬


‫القانونية واملدنية‪ ،‬ومساواة هذه احلقوق بحقوق الرجل من زعزعة مبادىء اإلس�لام وقناعاته في فكر املسلم ‪ ،‬فيأخذه‬ ‫حيث التطبيق ونيلها من العلم أع�لاه وإثباتها القدرة على عقله الباطن من حيث ال يدري نحو اتخاذ املمارسات التي‬ ‫حتمل متطلبات الدور والتفوق واالرتقاء عملياً‪ ،‬فإن مصاحبة تتناقض وحقيقة تدينه‪.‬‬ ‫احلالة التغريبية لهذا الوضع جعل الرجل مستنفراً ضد كل‬ ‫‪ ‬أسباب ومسببات‬ ‫هذه املظاهر‪ ،‬خاصة أنه وجد أن عليه أن يخسر كثيراً من‬ ‫استحقاقاته في مقابل نيلها لهذه احلقوق‪ ،‬فاستغل البعض‬ ‫فحالة التدين متلي على اإلن��س��ان التعامل م��ع منظومة‬ ‫هذه اإلجنازات ليضع عراقي ً‬ ‫ال شتى أمام حتقيقها على الوجه سلوكيات ومواقف وعالقات قد ال تكون منسجمة مع بعض‬ ‫الصحيح بغض النظر إن كانت هذه العراقيل تتعارض والشرع تطلعاته ورغباته ومع ما هو سائد في العرف االجتماعي داخل‬ ‫أو تعاند احلقوق الشرعية إلنسانية اإلنسان فيمارس املتدين البيئة التي يعيش فيها لضرورات خارجة عن إرادته‪ ،‬كأن يكون‬ ‫وغير املتدين الظلم على امل��رأة من حيث موضعه كمسؤول مهاجراً لدولة أجنبية تغلب عليها أمناط معيشة وعادات غير‬ ‫أحياناً ومن حيث كونه زوج أو أب من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫ما تقتضيه الشريعة اإلسالمية وممارسات مواطنها الغريبة ال‬ ‫تسهيالت السفر والسياحة فتحت أفقاً واسعاً لالنطالق تشكل تناقضاً مع بيئتها‪ ،‬فيجد املسلم نفسه بني خيار التقوقع‬ ‫عن حدود احلالة املتدينة وإعطاء النفس لذاتها فسحة أوسع على الذات أو خيار االنخراط في عادات تلك البيئة على ما‬ ‫من احلرية واالنطالق حتت مسمى السياحة في بالد غريبة فيها من تناقض مع الشرع ومع العادات والقيم‪.‬‬ ‫عن املجتمع اإلسالمي‪ ،‬فمارس البعض انحرافات غير الئقة‬ ‫الطموح اإلنساني كثيراً ما يضع البعض في موقف املمارسة‬ ‫بالسلوك بهدف االستمتاع قدر ما تستطيعه نفسه‪.‬‬ ‫لنوع من النفاق االجتماعي يتحول تدريجياً إلى حالة متوسعة‬ ‫فاملرأة التي تخلع حجابها خارج وطنها وقد ترتدي ثوب‬ ‫السباحة لتستمتع مبياه البحر تضعنا أمام سؤال وجيه‪ ،‬فما‬ ‫دامت ارت��دت احلجاب عن قناعة وتلبية ملتطلب ديني بحت‬ ‫فبأي قناعة هذه خلعته بهذا الشكل السافر؟‬

‫من النفاق فتبدو عليه مظاهر التناقض لرغبته في اجلمع‬ ‫بني مظاهر التدين التي متنحه ثقة الناس ومرتبة الفضل‬ ‫واالن��خ��راط في حياة مرنة ال تقيدها قوانني الدين حلصد‬ ‫املصالح الشخصية‪ ،‬فيبدو بتناقضه هذا خارج السرب وهو‬ ‫يظن نفسه ق���ادراً على التمسك بطرفي امل��ع��ادل��ة بتمسكه‬ ‫باملظهر املتدين واملمارسة غير املتوائمة معها‪.‬‬

‫التمسك باحلجاب وحتميله املعاني اخلبيثة بحيث يبدو في‬ ‫الذهنية املتشككة أنه متييز ضد املرأة والعياذ بالله‪ ،‬كون املرأة‬ ‫الباب األضعف الذي تشن عن طريقة احلروب ضد اإلسالم‬ ‫وضد مبادئه التي حافظت على املجتمع املسلم من االنحراف‬ ‫وم��ن كافة أم���راض املجتمعات‪ ،‬والتعدي على اخلصوصية‬ ‫الدينية بشكل سافر ومبرمج‪ ،‬تسببت جمعها في كشف النقاب‬ ‫عن النفوس املريضة داخ��ل املجتمع املسلم ذات��ه مما أوجد‬ ‫حالة التجارؤ الغريب على الدين وظهور اجلماعات العلمانية‬ ‫التي تتعدى على املبادئ الدينية حتت شعار العوملة مما يؤكد‬ ‫وجود مخطط مت اإلعداد له من اخلارج والداخل قصد فيه‬

‫وعلى املجتمع اإلس�لام��ي أن مي��ارس مبدأ التناصح فإن‬ ‫تغيب التناصح متلقاً تسارعت وتيرة مظاهر التناقض واستلزم‬ ‫وج��ود الطرف الداعي إل��ى التصحيح وال��ع��ودة للمثول لقيم‬ ‫الدين‪ ،‬فالنفاق بأنواعه هو عبارة عن تسوية غير صحيحة‬ ‫بني رغائب النفس األمارة بالسوء والنفس املتمثلة قيم احلق‬ ‫والدين‪ ،‬وهنا نستطيع القول أنه حني يتزعزع اإلمي��ان قيد‬ ‫أمنلة في داخل النفس البشرية تتردد رغائبهم بني الدنيوية‬ ‫والدينية‪ ،‬يغلبهم الشك بوجود دنيا أخرى تعوضهم متع الدنيا‬ ‫احلالية‪ ،‬فيعم االضطراب في عقولهم وتتناقض تصرفاتهم‬ ‫ومظاهرهم وكأن بهم يريدون التشبث بكال احلالني‪.‬‬

‫ما الذي يجعل املسؤول املتدين وغير املتدين يتعاملون من‬ ‫خالل سلطتهم الوظيفية واملال العام بنفس الطريقة ويبيحون‬ ‫فاحلقيقة املؤكدة أن املجتمع اإلسالمي قائم ضمن الرؤية‬ ‫ألنفسهم‪ ‬ممارسة فساداً إداريا أو مالياً رغم حرمته وضرره‬ ‫على الناس وعدالة حقوقهم وعلى اقتصاد البلد وحتى على اإلسالمية ذاتها على نهج التكافل والتعايش واالنسجام وحني‬ ‫يرتكب أحدهم تناقضاً يجعل من تصرفه هذا مبرراً إلمكانية‬ ‫سيادته والتسبب بوقوعه حتت سلطة اجلهات الدائنة‪.‬‬ ‫‪ ‬ولعل اجلرأة الغربية على تبني احلمالت اإلعالمية التي التقليد ومتثل اخلطأ من قبل اآلخرين خاصة إذا كان هذا‬ ‫قصد منها ضرب الدين اإلسالمي في قناعاته‪ ،‬وتفكيك قوة الشخص ذي أهمية وموقع قد ميثل ق��دوة لغيره فتعم ذات‬ ‫املمارسات وتصبح حالة مستشرية تأخذ لها موقعاً سائداً‬ ‫اإلميان به وخلخلة االعتقاد به‪ ،‬وتناقل عرض هذه احلمالت‬ ‫بني وسائل إعالمية مختلفة في دول أخرى‪ ،‬وحمالت التصدي معتاداً في املمارسات املجتمعية‪ ،‬ويتحول الناس ملقلدين ك ٌل‬ ‫لها من قبل اجلماعات اإلسالمية‪ ،‬ومحاربة الدول الغربية يراقب غيره‪ ،‬ينتقده بداية ويتبعه الح��ق��اً‪ ،‬وه��ي واح��دة من‬ ‫للحجاب النسائي كخطوة عنصرية جديدة تهدف إلى زعزعة األسباب التي جعلت مظاهر التناقض تتسع وتسود‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫ثم إن التدفق الثقافي الهائل الذي يتعرض له إنسان اليوم‬ ‫يتمحور في غالبيته بالناحية الترويحية ومتع احلياة واستمتاع‬ ‫النفس بها واالهتمام باحلالة املزاجية عن طريق أضيق السبل‬ ‫باالستسالم لرغائب النفس وتعزيز الفردية وإرضاء الغرائز‬ ‫إلضعاف النفس أم��ام مغريات احلياة احلديثة واالنخراط‬ ‫ف��ي أوج��ه متعها الكثيرة واملتنوعة‪ ،‬وه��و سبب رئيسي في‬ ‫جعل تعداد املدخنني في تزايد رغم كل التحذيرات‪ ،‬وجعل‬ ‫امل��خ��درات تنتشر كالهشيم رغ��م ك��ل االس��ت��ع��دادات وأشكال‬ ‫التصدي‪ ،‬وتتزايد ح��دة العالقات خ��ارج إط��ار ال���زواج رغم‬ ‫ما تنطوي عليه من مخاطر اجتماعية وصحية وما حتدثه‬ ‫من تصدعات أسرية ورغ��م جترمي ممارسها دينياً وقانونياً‬ ‫واجتماعياً‪ ،‬فاملغريات التي يتعرض لها إنسان اليوم عن طريق‬ ‫اإلع�لام والدعايات والفكر املبثوث بطرائقه املختلفة يجعل‬ ‫العقل يتفلت عقاله عن االتزان وينحو نحو اتخاذ مظاهر من‬ ‫التناقض ال تتواءم ومعتقده‪ ،‬مما يشكل تناقضه هذا شرخاً‬ ‫عميقاً في العقلية والثقافة اإلسالمية‪ ،‬وهي ليست إال حالة‬ ‫مرضية خطيرة تهدد قيم الدين ومعتقداته وتقتضي عالجاً‬ ‫سريعاً قبل متادي االستفحال للنجاة بهذا الدين السمح الذي‬ ‫حافظ قروناً على نقاء السريرة واألخ�لاق املسلمة وحافظ‬ ‫على املجتمع من األمراض اخلبيثة التي من شأنها أن تفتته‬ ‫وتبيد استقراره وتشوه احلياة بعمومها‪.‬‬ ‫‪ ‬استشهادات‬ ‫ها هو اخلطيب البغدادي يذكرنا في كتابه " اقتضاء العلم‬ ‫العمل" قائ ً‬ ‫ال‪ " :‬إن العلم شجرة‪ ،‬والعمل ثمرتها‪ ،‬وليس يعد‬ ‫عاملاً من لم يكن بعلمه ع��ام ً‬ ‫�لا‪ ،‬فال تأنس بالعمل ما دمت‬ ‫مستوحشاً من العلم‪ ،‬وال تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في‬ ‫العمل‪ ،‬ولكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما‪ ،‬وما من شيء‬ ‫أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته‪ ،‬وجاهل‬ ‫أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته" فممارسة العبادات‬ ‫ليست كافية دون العمل بقيم اإلس�ل�ام جميعها‪ ،‬فاجلمع‬ ‫بني العقيدة والسلوك هو الثمرة الطبيعية ملا وقر‪ ‬بالقلب‬ ‫وأص��دق��ه الفعل‪ ،‬والعقل وال���رؤى من ثبات امل��درك وفاعلية‬ ‫امللتقط‪ ،‬فتتواءم املضمرات مع املعتقدات ظاهرها وباطنها في‬ ‫شكل ممارسات صحيحة‪ ،‬وإن النفس تكون في قمة راحتها‬ ‫وسكونها حني تتحقق املواءمة بني الظاهر والباطن في املعتقد‬ ‫واملمارسة‪ ،‬فما تعكسه اجلوارح هو ثمرة املشاعر واخلواطر‪،‬‬ ‫ألن الدين خلق والقرآن الكرمي مدرسة األخالق وكنزها الثمني‪،‬‬ ‫فالشرائع أنارت للقلوب وهج سرائرها فأوقدت للممارسات‬ ‫شعلة التجلي بظواهر العمل لتنعكس سمواً ونقاءاً وقوة دافعة‬ ‫مؤثرة‪ ،‬فإن أخذ الناس عنه طريقته جمعوا خيراً وأخذ هو‬ ‫حسنات ما أخذوا عنه‪.‬‬

‫وها هو الغزالي كذلك قد تعرض ملثل هذه احلاالت حني‬ ‫قال‪ " :‬إعلم أن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن‪ ،‬وحركة‬ ‫اجلوارح ثمرات اخلواطر‪ ،‬واألعمال نتائج األخالق‪ ،‬واآلداب‬ ‫رشح املعارف‪ ،‬وسرائر القلوب هي مغارس األفعال ومنابعها‪..‬‬ ‫ف��أن��وار ال��س��رائ��ر ه��ي ال��ت��ي ت��ش��رف على ال��ظ��واه��ر فتزينها‬ ‫وحتليها‪ ،‬فمن لم يخشع قلبه لن تخشع ج��وارح��ه‪ ،‬وم��ن لم‬ ‫يكن صدره مشكاة األنوار اإللهية لم يفض على ظاهرة جمال‬ ‫اآلداب البنيوية"‪.‬‬ ‫والغزالي شخصية فكرية دينية وضع أسساً حلالة ما يجب‬ ‫أن يكون عليه املسلم متاماً كما ورد في القرآن الكرمي وما‬ ‫عليه رس��ول الله ‪ -‬صلى الله عليه وس��ل��م‪ -‬وأدرك ُكنة أن‬ ‫يكون ظاهر املرء كباطنه وأن يتمثل اخللق القومي والعادات‬ ‫الشرعية السليمة حتى يكون إنساناً قدوة لغيره‪ ،‬مغيراً ومؤثراً‬ ‫باجتاه السليم من املمارسات‪ ،‬فالسلوك والعقيدة توأمان ال‬ ‫يجب فصلهما وال يختلفا فيتباعدا‪ ،‬إنهما متساوقان في الروح‬ ‫واجلسد إمياناً وعم ً‬ ‫ال‪ ،‬فاإلميان واالمتثال ملظاهر التدين‬ ‫ال وعم ً‬ ‫شك ً‬ ‫ال هو وسيلة إلى البر والتقوى‪ ،‬والتصرف في حدود‬ ‫اخللق اإلسالمي وشريعته ينعكس على املسلم باخلير والكرامة‬ ‫وال��س��ع��ادة ال��روح��ي��ة واح��ت��رام املجتمع ألف����راده الصاحلني‪،‬‬ ‫فالكرامة مكرمة والصدق مع الذات واآلخر مرحمة‪ ،‬فحتى‬ ‫احلاكم الظالم يقف وقفة تبجيل أمام عالم متمثل خلق القرآن‬ ‫على النهج النبوي‪ ،‬يخشى صدقة بنفس القدر الذي يحترم‬ ‫فيه هذا الصدق ويوقر مقامه ويكافئ نفسه به‪.‬‬ ‫ال به مظاهراً‬ ‫هناك فارق كبير بني من تزين بخلق الدين عام ً‬ ‫مبثله في عاداته وممارساته وبني منافق ينافق نفسه وربه كما‬ ‫ُ‬ ‫ينافق الناس ومجتمعه‪ ،‬فال يحوز على رضاء أي منهم‪ ،‬فال‬ ‫رب��ه راضياً عنه وال مآجره‪ ،‬وال ترضى عنه نفسه فتشقيه‬ ‫وتعذبه‪ ،‬وال الناس مبحترميه أو آخذين عنه‪ ،‬وال متعاملني‬ ‫معه إال نفاقاً سرعان ما يتساقط نفاقهم فيتعرى من جديد‪..‬‬ ‫هنا يكمن جوهر املسألة‪ ،‬فاإلنسان يُحاسب على ما يضمره‬ ‫ضميره وما ترتكبه أفعاله ألن األفعال تعكس ما وقر في القلب‬ ‫واستوعبه العقل‪.‬‬ ‫فأن يتباين التناقض بهذه القوة ويتخذ املسلم عباداته الظاهرة‬ ‫تغطية ألعمال مشبوهة وممارسات محرمة ويزيف حقيقة نواياه‬ ‫دون أن تعكس ممارساته في العبادة أي أثر يذكر على نهج حياته‬ ‫تضعنا أم��ام تفسير ال ثاني له حيث تكمن املسألة وراء دوافع‬ ‫اإلرادة ذاتها التي جعلت من القناعة حول أمر ما يتخذ مكانه‬ ‫في املوقع الرئيس من العقل رافعاً أسواراً وهمية دونها بحيث ال‬ ‫تخترقها مفاهيم الهداية‪ ،‬وهو ما يحول دون ترسخ القناعة بقيم‬ ‫الدين في الذات اإلنسانية الداخلية أي داخل العقل الباطن بحيث‬ ‫ال تترجم الترجمة السليمة في األفعال والتصرفات‪ ،‬مما يوجد‬ ‫على سبيل املثال حالة مهرب للمخدرات يؤدي صلواته اخلمس‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪61‬‬


‫في املسجد ويستمع خلطبة اخلطيب دون أن يخترق فحواها‬ ‫قناعاته في حرمة جتارته فيخرج من صالته وهو يفكر باخلطوة‬ ‫التالية لتجارته‪ ..‬مما يعني أن هناك عبادة راسخة باإلميان وطهر‬ ‫النوايا‪ ،‬وعبادة راسخة بالتصنع والزيف ال ميكنها أن تخترق العمق‬ ‫وتتمحور في القناعة‪ ،‬ألن رسوخها يحتاج إلى طهارة بدن وروح من‬ ‫كل اخلبائث لتتحول العبادة إلى أداة تهذيب للنفوس‪.‬‬

‫‪ ‬فتح العقل للدين ولقيمه يجعل املسلم مؤمناً متدبراً حريصاً‬ ‫متقياً‪ ،‬فالدين نور عقل وبصيرة وشرعة حياة وعبادة خاشعة‬ ‫تلغي احلواجز بني العبد ورب��ه فيتسامى بني يديه وتتسامى‬ ‫أفعاله كرد فعل‪ ،‬فالدين يحتاج من اإلنسان نفسه ووعيه واتزانه‬ ‫وحسن متثله‪ ،‬إنه استكمال مكمل يوازن الباطن باخلارج يتيح‬ ‫للروح التحليق مع ملكوت الله ويتيح للنفس أن تعكس نتيجة‬ ‫هذه املمارسة فترقى وتسمو‪ ،‬وتتحصن من الغفلة واخلطيئة‪.‬‬ ‫‪ ‬النفس البشرية مؤهلة لالرتقاء‬ ‫فالله وسعت رحمته وعمت عدالته الكون‪ ،‬وب��اب توبته‬ ‫ال يغلق بوجه تائب مهما عظم ذنبه‪ ،‬فالنفس البشرية مؤهلة‬ ‫للتوبة النصوح والتحسن واالرت��ق��اء‪ ،‬ولكون الدين هو اخللق‬ ‫وسلوك املرء نابع من عمق األخالق‪ ،‬وحتى يكون اإلميان حقيقياً‬ ‫يجب أن تكون مظاهر التدين حقيقية تعكس صورتها املثلى‬ ‫على ممارسات املسلم‪ ،‬فالتدين إحساس عميق بالله اخلالق‬ ‫وباخلليقة والكون مبحسوساته املدركة وغير املرئية‪ ..‬واإلنسان‬ ‫خلق على تنوع‪ ‬واختالف‪ ‬هي سنة اخللق فيه‪ ،‬حيث يتزاحم‬ ‫داخل كل إنسان اخلير والشر مبقدار مختلف وبتأثير متفاوت‬ ‫حتقيقاً للسنة في اخللق في الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬وكأمنا لهذا‬ ‫الطبع ظ�لال ميتد س���واده على بياضه أو ميتد بياضه على‬ ‫س��واده‪ ،‬فالطبع يتشكل فيه نور اليقظة فإما يحققها اإلنسان‬ ‫بالنور أو بالذهول‪ ،‬وهي بالنور مستثمرة وفي الذهول مشوهة‪.‬‬

‫‪ ‬الدور التربوي‬ ‫إن األس��رة مثلما هي اللبنة األس��اس األول��ى للمجتمع‪،‬‬ ‫فهي أيضاً أول وأه��م اللبنات التي تدعم التركيبة النفسية‬ ‫لألجيال‪ ،‬فتورثهم القيم وتربي بهم الضمير احلي‪ ،‬والضمير‬ ‫املُراجع واملق ِّيم واملُ��ص��ادق‪ ،‬إنها بيت الدفئ ال��ذي تنمو فيه‬ ‫النفس النقية املطمئنة‪ ،‬ال��ت��ي تتعرف معاني ال��ص��دق في‬ ‫مختبرها األول فتتمثله ج��ي��داً وي��دخ��ل ف��ي يقني تأسيسها‬ ‫اخللقي ‪ ،‬فمن بني أساسه على اخلير والصدق نشأ وترعرع‬ ‫ضمن فيافيه واستظل بقواعده واستنبت أثره على ممارساته‪،‬‬ ‫وعندما تدرك األسرة دورها التربوي وتضطلع بدورها وتقوم‬ ‫ب��ه خير قيام ف��إن أف��راده��ا ينجون ونفوسهم ال مت��رض وال‬ ‫يصيبها فيروس التلوث‪ ،‬فدور األبوين معاً هو مؤشر البحث‬ ‫احلقيقي في العملية التربوية وحتميل أحدهما املسؤولية دون‬ ‫شريكه فستكون العملية مائلة باجتاه منحرف مهما اشتغل‬ ‫على تقوميها إال في حالة اليتم‪ ،‬وعلى الوالدين يعتمد بناء‬ ‫األسس األولى لألخالق للبناء على أرضية قوية وتلقني األبناء‬ ‫منذ فجر أعمارهم قيم األصالة الدينية التي تشكل اليوم في‬ ‫حضور ثقافة العوملة اجلديدة وقيمها الفردية قالع لتحصني‬ ‫النفس ومنع جانبها السيء من الطغيان على جانبها املطمئن‪،‬‬ ‫فتنجو هذه النفس من متثل حاالت الزيف والتناقض‪.‬‬

‫فالوالدين ال يقتصر دورهما على اخلدمة واإلن��ف��اق فقط‬ ‫فبناء النفس وتنشئتها على القيم هو األساس التربوي الصحيح‪،‬‬ ‫فاألبناء أمانات ثمينة في األعناق‪ ،‬يجب صقلها بحيث يكون‬ ‫لتوهجها في املمارسة احلياتية أثراً طيباً واضحاً وسوياً‪ ،‬فاألب‬ ‫الذي يعتقد خاطئاً أن استيالءه على فرصة غيره األحق بالتعليم‬ ‫اجلامعي واختطافها بالطرائق غير االعتيادية لصالح ابنه‪ ،‬أنه‬ ‫بذلك ال يربي فيه أولى بذور التناقض‪ ،‬مجرد احلصول على‬ ‫مشاعر االستئثار على حساب اآلخ��ر األح��ق جتعله يستهون‬ ‫وف��ي ذل��ك يقول سيد قطب‪ " :‬املعرفة هي إدراك احلق‬ ‫وتفتح البصيرة واالتصال باحلقائق الثابتة في هذا الوجود املمارسة األكبر ثم األكبر دون أن يؤنبه ضميره‪ ،‬وهذا ما يسمى‬ ‫التغيير التسلسلي السلبي أو االنحطاطي‪.‬‬ ‫واالمتداد وراء الظاهر احملسوس" ‪.‬‬

‫فالنفس البشرية حتتاج إل��ى أن نذكيها بالعلم واملعرفة‪،‬‬ ‫ونزكيها بالطبع حتى تستقيم بطبائعها وتتعمق مبعتقدها حد‬ ‫التمثل السليم‪ ،‬وحتتاج إلى شحذ دائ��م وحتفيز قوي ودعم‬ ‫داخلي عميق حتى تتطهر وتسمو‪ ،‬فهي النفس األم��ارة إما‬ ‫بالسوء أو بالطمأنينة‪ ،‬وتغليب النفس املطمئنة هي في جعلها‬ ‫متوازنة متزنة معتدلة وسطية تقيم ذاتها بذاتها وتف ِّعل جانب‬ ‫خيرها على شرها‪ ،‬فتكون ذاتها اخلاصة داخل عاملها الوجداني‬ ‫واملسجد يلعب كذلك دوراً مهماً في العملية التربوية حيث‬ ‫احلكيم‪ ،‬فال يكون سعيها إال خلير وارتقاء‪ ،‬وال يكون مسربها‬ ‫إال ملمارسة تصرفات ومزاوالت واعية حكيمة وصادقة صدق يعتبر اخلطيب أو الداعية مصلحاً اجتماعياً إمنا من باب‬ ‫الداخل وصدق اخلارج‪ ..‬هنا فقط تستطيع النفس أن ترتقي العقيدة والدين وهي أوثق في تثبيت القيم واالرتفاع بالنفس‬ ‫بذاتها إلى مستوى مطابقة املظهر باجلوهر‪.‬‬ ‫وإبعادها عن النفاق والتناقض‪.‬‬ ‫والدور التربوي ال يقتصر على األسرة فاملؤسسات التعليمية‬ ‫تتحمل دوراً مهماً‪ ،‬حيث ثلثي ما يتلقنه االبن من القيم وما‬ ‫يشكل شخصيته حتدث في املراحل التعليمية على مراحلها‪،‬‬ ‫ولذلك ال يجب فصل دور التربية األسرية عن التربية التعليمية‬ ‫فإن دوراهما متالزمان ومتشاركان‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ ‬


‫فضاء المرأة‬

‫دور املرأة واألسرة يف ترسيخ الفكر الوسطي‬ ‫من نعم الله تعالى أن حفظ للمجتمعات اإلسالمية األسرة‪،‬‬ ‫مب��ا أقامها عليه م��ن أس��س متينة لتظل القلعة احلصينة‬ ‫األخيرة التي بقيت صامدة أم��ام التحديات وتفشي مبادئ‬ ‫العوملة الساعية إلى تكريس املفهوم الغربي لألسرة التي أصبح‬ ‫لها أشكا ًال كثير ًة بعيد ًة عن املفهوم الشرعي وتخلو من كافة‬ ‫االلتزامات الشرعية والقانونية حتى أنها اعتبرت كل شراكة‬ ‫جنس واحد‪.‬‬ ‫بني اثنني أسرة‪ ،‬ولو كانا من‬ ‫ٍ‬ ‫إن األسرة بالفكر اإلسالمي هي اخللية الرئيسة في بناء‬ ‫املجتمع وتقدم األم��ة‪ ،‬إذا ص ُلحت ص ُلح ح��ال املجتمع وإذا‬ ‫فسدت انهار بنيانه‪ ،‬وهي العامل األهم الذي يؤثر في تكوين‬ ‫الفرد اجلسمي والنفسي‪ ،‬فهي البيئة التي يحل بها وحتصنه‬ ‫د‪ .‬نوال �أ�سعد �شرار‬ ‫فور أن يرى النور‪ ،‬ووجود أي خلل في نظام األسرة من شأنه أن‬ ‫يحول دون قيامها بواجبها التربوي والتعليمي ألبنائها‪.‬‬ ‫التنشئة االجتماعية وبالتالي في عملية اإلص�لاح والتغيير‬ ‫كما اعتبر اإلس�ل�ام أن ال��ع�لاق��ات األس��ري��ة ه��ي أسمى والبناء‪ ،‬أعطاها اإلس�لام مكانة محورية م ّكنتها من القيام‬ ‫��دور مميز انعكس على جميع جوانب احل��ي��اة‪ ،‬االجتماعية‬ ‫وأقدس العالقات على وجه األرض‪ ،‬فحث على قيامها وأوصى ب ٍ‬ ‫والثقافية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬وهذا من رحمة الله تعالى‬ ‫أن تقوم على املودة والرحمة‪ ،‬وجعل لها وظائف أهمها‪:‬‬ ‫بعباده بأن جعل امل��رأة بعاطفتها هي احملور الرئيس لصالح‬ ‫وظيفة التنظيم اجلنسي‪.‬‬ ‫األس��رة وتربية اإلن��س��ان الصالح‪ ،‬إذ ب�ّي�نّ أن األم��وم��ة ليست‬ ‫وظيفة التناسل واإلجناب‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫تكليف إلهي‬ ‫واجباً فحسب وليست كذلك وظيف ًة آلية وإمنا هي‬ ‫وظيفة التنشئة االجتماعية ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إنسانية حميمة حتيط بالفرد لينشأ متوازناً يرفض‬ ‫لعالقة‬ ‫وظيفة احلماية والوقاية من األمراض واالنحالل اخللقي‪ .‬العنف ويأبى االنصياع واخلنوع يقف شامخاً يحمل مسؤولية‬ ‫أمانة إعمار الكون‪.‬‬ ‫الوظيفة العاطفية والروحية والسكينة ‪.‬‬ ‫ولهذا فلقد شملت الشريعة اإلسالمية في القسم القانوني‬ ‫الوظيفة االقتصادية‪.‬‬ ‫نظام شامل لتنظيم أوضاع املجتمع بدءاً من األسرة‬ ‫على‬ ‫منها‬ ‫ٍ‬ ‫وفرض عليها في كل وظائفها أن تقوم على الفكرالوسطي‬ ‫الذي يرفض املغاالة والغلو في سلوك أفرادها وعالقاتهم مع وعالئقها فبدأت بإنقاذ املرأة – محور األسرة – من الوضع‬ ‫عصر ُحرِ مت فيه حق احلياة‬ ‫املتردي الذي كانت تعيشه في‬ ‫ٍ‬ ‫اآلخرين ورسم لها أسس الستمرارها وجناحها منها‪:‬‬ ‫��دد أش��د التنديد بقتل البنات أو‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫��رآن‬ ‫ق‬ ‫��‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫فجاء‬ ‫الكرمية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الزواج عقد وثيق‪ ،‬قائم على الثبات واالستمرارية‪.‬‬ ‫ال��ت��ش��اؤم منهن وظلمهن‪ ،‬وأك��ث��ر عليه ال��س�لام م��ن الوصاية‬ ‫املودة واحلب‪.‬‬ ‫بهن وح ّ��ذر من كل أشكال البغي عليهن‪ ،‬كما أقرت الشريعة‬ ‫التقدير واالحترام وتقبل عيوب اآلخر قبل مزاياه‪.‬‬ ‫املساواة الكاملة بني املرأة والرجل بقوله تعالى { َو َل ُه َّن ِمث ُْل‬ ‫االنتماء‪.‬‬ ‫وف}(البقرة‪ ،)228:‬وأكد عليه السالم ذلك‬ ‫ال َِّذي َع َل ْي ِه َّن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫بقوله‪" :‬النساء شقائق الرجال"‪ ،‬ومنحت الشريعة للرجل في‬ ‫التعاون وإلغاء الندية‪.‬‬ ‫إط��ار بناء األس��رة حق القوامة على زوجته وأه��ل بيته‪ ،‬قال‬ ‫الصداقة واملكاشفة‪.‬‬ ‫تعالى { َو ِلل ِّر َج ِال َع َل ْي ِه َّن َد َر َج ٌة} (البقرة‪ ،)228:‬تلك الدرجة‬ ‫دور املرأة في األسرة‬ ‫ٌ‬ ‫تكليف‬ ‫التي ق��رر العلماء أنها تعني الرعاية والنفقة‪ ،‬وه��ي‬ ‫املرأة هي حجر الزاوية والركن األساسي في بناء املجتمع وليست تشريف يلتزم بها الرجل برعاية املرأة أماً وزوج ًة وبنتاً‬ ‫اإلسالمي وهي املصدر الرئيس إلنتاج القيم واملبادئ األساسية وأختاً‪.‬‬ ‫للمجتمع واألم��ة بأسرها من خالل دوره��ا كأم أو من خالل‬ ‫ومن الضروري هنا التنبيه أن التفاضل في األسرة متباد ٌل‬ ‫أدوارها العامة ومشاركتها في القيام مبسؤولية االستخالف بني املرأة والرجل في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فبينما أعطى الرجل‬ ‫في األرض‪ ،‬وه��ي في األس��رة "ك��أم" لها دور ه��ام في عملية‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪63‬‬


‫حق القوامة التي اعتبرها العلماء درج ًة يتقدم بها على املرأة‬ ‫ٍ‬ ‫درجات تتقدم بها على مقام األبوة‪،‬‬ ‫أعطى مقام األمومة ثالث‬ ‫بقوله عليه السالم في معرض تقدمي حق األم على حق األب‪:‬‬ ‫"أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك"‪.‬‬ ‫أهلية املرأة للقيام بدورها وإكرامها‬ ‫متتعت املرأة في اإلسالم بكافة األهليات التي تساوي بينها‬ ‫وبني الرجل وتؤهلها للقيام بدورها وبحمل واجب أمانة إعمار‬ ‫الكون‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫األهلية اإلنسانية الكاملة في مساواتها بالرجل بأصل‬ ‫اخللقة‪ ،‬في الوقت الذي كانت بعض املجامع املقدسة تنعقد‬ ‫لتناقش هل للمرأة رو ٌح إنساني ٌة أم ال؟‪ ،‬ويأتي القرار بالنفي‬ ‫فهي إنسانة بروح شيطانية!! وللمفارقة فإن نفس هذه البيئات‬ ‫هي التي تدعو املرأة اليوم للتحلل من بعض املعاني اإلنسانية‬ ‫والتخلي عن دورها العظيم في بناء األسرة‪.‬‬

‫األهلية املدنية‪ ،‬إذ أقرت لها الذمة املالية املستقلة وأعطتها‬ ‫ورهن وهبة وغيرها‪،‬‬ ‫بيع وشراء‬ ‫ٍ‬ ‫حق التملك وإبرام العقود من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وصاية من أحد في وقت‬ ‫كما أعطتها حق التصرف مبالها دون‬ ‫حجر عليها ذلك باعتبارها ناقصة األهلية‪.‬‬ ‫كان يُ َ‬ ‫كما أكرم اإلس�لام امل��رأة في جميع مراحل حياتها مبا لم‬ ‫يكرمها به دي�� ٌن س��واه‪ ،‬فاملرأة في طفولتها لها حق الرضاع‬ ‫والرعاية وإحسان التربية‪ ،‬وهي في الوقت ذات��ه قرة العني‬ ‫وثمرة الفؤاد لوالديها وإذا كبرت فهي املعززة املكرمة‪ ،‬وإذا‬ ‫واجب على زوجها‬ ‫تزوجت كان ذلك بكلمة الله وميثاقه الغليظ‬ ‫ٌ‬ ‫إكرامها واإلحسان إليها وكف األذى عنها‪ ،‬وإن كانت أ ّماً كان‬ ‫ِب ّرها مقروناً بحق الله تعالى‪ ،‬وعقوقها مقرو ٌن بالشرك والفساد‬ ‫في األرض‪ ،‬وإن كانت أختاً أمر تعالى بصلتها وإكرامها‪ ،‬وهي‬ ‫خالة مبنزلة األم في البر والصلة‪ ،‬وإن كانت جدة زادت قيمتها‬ ‫لدى أبنائها وأحفادها فهي احلكمة وال يُسفَّه لها رأي‪ ،‬وإن‬ ‫كانت بعيدة عن اإلنسان ال يُدنيها قرابة أو جوار كان لها حق‬ ‫اإلسالم العام من غض البصر وكف األذى‪ ،‬مما جعل للمرأة‬ ‫في جميع مراحل حياتها قيم ًة واعتباراً ومكان ًة ال مثيل لها في‬ ‫جميع املجتمعات اإلنسانية‪ ،‬ومن أهم صور تكرميها‪:‬‬ ‫أع��ط��اه��ا ح��ق التملك واإلج����ارة وال��ب��ي��ع وال��ش��راء وسائر‬ ‫العقود‪.‬‬

‫حق التعلم والتعليم مبا ال يخالف دينها‪ ،‬بل إن من العلم ما‬ ‫عني عليها‪.‬‬ ‫هو فرض ٍ‬ ‫أمرها مبا يصونها ويحفظ كرامتها من احلجاب والستر‪.‬‬

‫أباح للزوجني أن يفترقا إن لم يكن بينهما وفاق‪ ،‬كما أباح‬ ‫للزوجة أن تفارق الزوج إن كان ظاملاً أو سيئاً في معاشرتها‬ ‫بعوض أو بغير عوض‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واقع املرأة املسلمة املعاصر‬

‫وجدت املرأة املسلمة نفسها اليوم في معظم مجتمعاتنا‬ ‫‪64‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫اإلسالمية أسيرةَ اجلهل والتقليد األعمى للموروث االجتماعي‬ ‫املنحرف ال��ذي ك��ان نتاج املفهوم القاصر حلقيقة اإلسالم‬ ‫وانحراف اخلطاب الديني في فترات اجلهل الديني والعلمي‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى أثر الغزو الثقافي بكافة صوره وتشويهه لتعاليم‬ ‫ٌ‬ ‫ضعيف‬ ‫الدين‪ ،‬مما و ّلد لديها اإلحساس بأنها إنسان قاص ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫مستضعف ال تقوى على حمل املسؤولية وأع��ب��اء احلياة‬ ‫أو‬ ‫سوى في إطارها الضيق من اإلجن��اب ورعاية املنزل‪ ،‬فكان‬ ‫من الطبيعي أن تتمرد على هذا النموذج الذي ظنّته خط ًأ من‬ ‫منوذج آخر‬ ‫وضع الدين احلنيف‪ ،‬فاجتهت – لألسف – إلى‬ ‫ٍ‬ ‫لتسقط في جاهلية أفظع بالتقليد األعمى للغرب والثقافات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واتفاقيات رأت فيها –‬ ‫ومؤمترات‬ ‫قرارات‬ ‫الوافدة أو باتباع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طواعية أو قسرا – منوذجا للحرية واملساواة والتمرد على‬ ‫واقعها‪ ،‬فأضحى خطابها ترديداً‬ ‫ٍ‬ ‫ملصطلحات وافدة ال متت‬ ‫لثقافتها ودينها بصلة لغياب الوعي الديني الصحيح‪.‬‬ ‫هذا النموذج ال��ذي رأت فيه ضالتها املنشودة هو منوذج‬ ‫املرأة الغربية التي عانت الكثير من الظلم االجتماعي والقهر‬ ‫رباني أدى إلى قيامها بالعديد‬ ‫والعنف بغياب تطبيق منهج‬ ‫ٍّ‬ ‫م��ن امل��ط��ال��ب��ات واحل���رك���ات ال��ت��ح��رري��ة جت��س��دت باملؤمترات‬ ‫واملواثيق واالتفاقيات التي طالبت بتعديل األمناط االجتماعية‬ ‫والثقافية للقضاء على العادات القائمة على فكرة تف ّوق الرجل‬ ‫أو على األدوار النمطية للرجل وامل��رأة‪ ،‬وتدعو إلى املساواة‬ ‫الرياضية التامة بينهما وإسقاط قوامة الرجل وإزالة جميع‬ ‫القيود املفروضة على املرأة لتكريس مفهوم احلرية التامة غير‬ ‫املنضبطة‪.‬‬

‫وبنظرةٍ واح��دة سريعة ندرك أن ما طالبت به هذه املرأة‬ ‫النموذج ناب ٌع من واقع مجتمعها وبالتالي فهو ال يلبي حاجة‬ ‫امل��رأة املسلمة التي متتعت بحقوقها كاملة‪ ،‬بل يتعارض مع‬ ‫املكانة العظيمة التي ضمنتها لها الشريعة اإلسالمية‪ ،‬إن‬ ‫من��وذج امل��رأة الغربي يعكس املفهوم امل��ادي للحرية واحلقوق‬ ‫وي��ت��ح��دى ك��ل امل��س��لّ��م��ات الدينية على اختالفها واألع���راف‬ ‫االجتماعية للمجتمعات اإلنسانية كافة‪ ،‬ومع االعتراف بأنه‬ ‫ال يخلو من بعض اإليجابيات‪ ،‬إال أن الله تعالى أغنانا عنها‬ ‫كمسلمني بالوحي "مرجعيتنا الدينية" التي كفلت للمرأة املسلمة‬ ‫جميع حقوقها في كل مكان وزمان‪ ،‬فكان منهجنا اإلسالمي‬ ‫بوسطيته هو املالذ اآلمن للمرأة بكافة مراحل حياتها‪ ،‬وإن‬ ‫ٍ‬ ‫وإجحاف بحقوقها ‪ -‬ومحاولة إلصاق‬ ‫ظلم‬ ‫ما تعانيه اليوم من ٍ‬ ‫ذلك باإلسالم ‪ -‬هو بسبب اخللط بني تعاليم الدين واملفاهيم‬ ‫االجتماعية السائدة بني الناس واملنافية ألحكام اإلسالم التي‬ ‫قررت املساواة التكاملية بني اجلنسني في احلقوق والواجبات‪،‬‬ ‫واملساواة التامة في األهلية وأصل التكليف‪ ،‬وعليه فإن الثقافة‬ ‫التي متنع املرأة املعاصرة اليوم من حقوقها ومشاركتها في بناء‬ ‫املجتمع ونهضة األمة هي موروثٌ‬ ‫جاهلي‪ ،‬اإلسالم منه براء‬ ‫ٌ‬ ‫يتعارض مع روح الشريعة وم��ا دع��ت إليه من وج��وب متكني‬ ‫املرأة مبا يتفق مع طبيعتها ويضمن كرامتها‪.‬‬


‫املرأة املسلمة بني اإلفراط والتفريط‬ ‫إن قضية املرأة واألسرة في مجتمعاتنا اإلسالمية اليوم‬ ‫مثا ٌل بار ٌز يجسد موقفي اإلفراط والتفريط‪ ،‬أو الغلو والتقصير‪،‬‬ ‫فهناك املغالون املقصرون بحق املرأة الذين ينظرون إليها نظر ًة‬ ‫دوني ًة تختصر دورها برعاية بيتها والقيام بشؤون زوجها‪ - ،‬وال‬ ‫عقل ودين" باملعنى‬ ‫شيء في ذلك – لو لم تكن عندهم "ناقصة ٍ‬ ‫املباشر‪ ،‬حبيسة البيت ممنو ٌع عليها اخلروج للعمل أو العلم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نشاط اجتماعي‪ ،‬علماً أن طلب العلم فريض ٌة‬ ‫ال تساهم بأي‬ ‫على املرأة والرجل سواء‪ ،‬وأن حبس املرأة في البيت عقوبةُ‬ ‫من تأتي بالفاحشة ويشهد عليها أربعة من املسلمني‪ ،‬سلبوها‬ ‫حقوقها التي ضمنتها لها الشريعة السمحة فحرموها حق‬ ‫اختيار شريك احلياة بحرية ودون استشارتها‪ ،‬والعجيب أنهم‬ ‫استندوا في هضم حقوقها الشرعية وسلب مكانتها السامية‬ ‫ٍ‬ ‫صحيحة‬ ‫التي وضعتها بها تعاليم الشريعة على أح��ادي��ث‬ ‫وضعوها في غير موضعها الصحيح وأ َّولوها حسب أهوائهم‬ ‫عقل ودين"‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك‬ ‫وشهواتهم مثل حديث "ناقصات ٍ‬ ‫بل جاؤوا بأحاديث ال أصل لها وال سند مثل قول "شاوروهن‬ ‫عب فتخ ّيروا"‪" ،‬هلكت الرجال حني‬ ‫وخالفوهن" ‪ " ،‬النساء لُ ٌ‬ ‫أطاعت النساء"‪ ،‬وغيرها كثير‪.‬‬

‫وفي مقابل هؤالء الذين ف ّرطوا في حقوق املرأة جند أولئك‬ ‫الذين أفرطوا في شأنها وجتاوزوا حدود الله وحدود العقل‬ ‫ٍ‬ ‫أهداف‬ ‫السليم والفطرة الصحيحة فيها‪ ،‬في سبيل حتقيق‬ ‫خبيثة ال تعود على املرأة بخير وإمنا استُخدمت فيها كمط ّية‪،‬‬ ‫هؤالء طالبوا باملساواة التامة الندية بني اجلنسني وجتاهلوا‬ ‫إرادة ال��ل��ه تعالى ال��ت��ي ف��رق��ت بينهما ف��ي اخل��ل��ق والتكوين‬ ‫تفريق في بعض األحكام مبا‬ ‫اجلسدي وما ترتب عليه من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫يتناسب مع اخللقة السوية التي جعلت لكل منهما رسالة‬ ‫ووظيفة في احلياة تغامن مؤهالته وطبيعته‪.‬‬ ‫فكان دور املرأة في القسم األول ّ‬ ‫مؤط ٌر بالصورة النمطية‬ ‫املوروثة املنحرفة عن مكانتها اإلسالمية السامية‪ ،‬وفي القسم‬ ‫الثاني كانت صورتها انعكاساً لصورة امل��رأة في الثقافات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألهداف‬ ‫أجندات مبرمجة‬ ‫الغربية املستوردة أو الوافدة ضمن‬ ‫خطيرة‪ ،‬وإذا ك��ان القسم األول أس��ي��راً للتقاليد واألعراف‬ ‫املوروثة اجلائرة والفهم السطحي لنصوص الدين وتعاليمه‪،‬‬ ‫ف��إن الثاني أسي ٌر لتقاليد غربية غريبة واف��دة من ثقافات‬ ‫ال متت لثقافتنا وديننا بصلة‪ ،‬وبالتالي ال تالئم واقع املرأة‬ ‫املسلمة‪.‬‬ ‫دور املرأة في ترسيخ الفكر الوسطي‬

‫تضارب في اآلراء‬ ‫وفي خضم ما يعيشه العالم اآلن من‬ ‫ٍ‬ ‫وصراع في املبادئ تظهر احلاجة امللحة إلى قيام املرأة بدورها‬ ‫احلقيقي املنبثق عن الفكر الوسطي ال��ذي أرس��ى اإلسالم‬ ‫ٍ‬ ‫تعاليمه‪ ،‬ذلك ال��دور ال��ذي سطعت به أسماء نساءٍ‬ ‫خالدات‬ ‫في تاريخنا اإلسالمي ممن فهمن معنى الوسطية وقيمتها‬ ‫فتدبرن معنى قوله تعالى‪َ { :‬و َك��ذ َِل َ‬ ‫��ك َج َع ْلن َُاك ْم ُأ َّم ً��ة َو َس ًطا‬

‫الر ُس ُ‬ ‫يدا}‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم شَ ِه ً‬ ‫ِلت َُكونُوا ُش َه َدا َء َع َلى الن ِ‬ ‫َّاس َو َي ُكو َن َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الدا َر آْال ِخ َرةَ‬ ‫يما آتاك اللهُ َّ‬ ‫(البقرة‪ ،)143 :‬وقوله‪َ { :‬وا ْبت َِغ ِف َ‬ ‫الد ْن َيا َوأَ ْح ِس ْن َك َما أَ ْح َسنَ ال َّلهُ ِإ َل ْي َك‬ ‫ْس ن َِصي َب َك ِمنَ ُّ‬ ‫َولاَ َتن َ‬ ‫َ‬ ‫َسا َد ِفي الأْ ْر ِض ِإنَّ ال َّل َه لاَ ُي ِح ُّب المْ ُفْ ِس ِدينَ }‬ ‫َولاَ َت ْب ِغ ا ْلف َ‬ ‫(القصص‪ ،)77:‬وقوله{ َولاَ تجَ ْ َعلْ َي َد َك َمغْ ُلو َل ًة ِإ َلى ُعن ُِق َك َولاَ‬ ‫وما َم ْح ُسو ًرا}(اإلسراء‪،)29:‬‬ ‫َت ْب ُس ْط َها ُك َّل ا ْل َب ْس ِط َفت َْق ُع َد َم ُل ً‬ ‫كما عقلن قول الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬أما والله إني‬ ‫ألخشاكم لله وأتقاكم له لكني أص��وم وأفطر وأصلي وأرقد‬ ‫وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" رواه الشيخان‪،‬‬ ‫وغيرها الكثير من األحاديث التي تدعو إلى الوسطية‪.‬‬ ‫وفهم َن أي��ض��اً أن الوسطية التي ن��ادى بها اإلس�ل�ام هي‬ ‫ٍ‬ ‫شطط أو‬ ‫القسط وال��ع��دل وإع��ط��اء ك��ل ذي ح��قٍّ حقه‪ ،‬دون‬ ‫تقصير‪ ،‬وأن الوسطية هي الوقوف في املركز ال��ذي يحفظ‬ ‫ال��ت��وازن ويضمن ع��دم ال��وق��وع ف��ي التطرف وال��ع��ن��ف‪ ،‬وهي‬ ‫االلتزام وعدم مجاوزة احلد في األقوال واألفعال وهي اخليار‬ ‫األفضل للحياة الكرمية والعيش الهانئ‪ ،‬وسطية املرأة تعني‬ ‫االلتزام بالثوابت والتنعم مبرونة اجلزئيات والفروع مبا يالئم‬ ‫الواقع ومستجدات العصر‪.‬‬

‫إن املشكلة الرئيسة في فهم دور امل��رأة وبالتالي األسرة‬ ‫هو ضعف الوعي الديني عند الفرد املسلم سواء أكان رج ً‬ ‫ال‬ ‫ألسباب عدة‪ ،‬وعالج ذلك‬ ‫أو امرأة لضبابية الفهم اإلسالمي‬ ‫ٍ‬ ‫بالتوعية الدينية السليمة ونشر وترسيخ الفكر اإلسالمي‬ ‫املتسامح‪ ،‬ال بخلق الصراع بني اجلنسني أو باستعداء الرجل‬ ‫وإسقاط ثقافة املجتمعات الغربية على واقع امل��رأة واألسرة‬ ‫املسلمة واملجتمع اإلسالمي‪.‬‬

‫ولنا في صورة املرأة املسلمة في صدر اإلسالم وعصوره‬ ‫��ال على ترسيخ ه��ذا الفكر‪ ،‬فهي ل��م تكن‬ ‫املضيئة خير م��ث ٍ‬ ‫متقوقعة وال منعزلة أو مغالية‪ ،‬فهاهي ف��ي عصر النبوة‬ ‫واخل�لاف��ة ال��راش��دة تقوم بكامل مسؤوليتها جت��اه املجتمع‪،‬‬ ‫تؤدي واجب األمانة التي حملتها مع الرجل بصفتها إنساناً‬ ‫الس َما َو ِات َوالأْ َ ْر ِض َوالجْ ِ َب ِال َفأَبَينْ َ‬ ‫ِ‬ ‫{إنَّا َع َر ْضنَا الأْ َ َما َن َة َع َلى َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لإْ‬ ‫َ‬ ‫وما‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ْس‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َق‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫انُ‬ ‫انَ‬ ‫َّهُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫نَ‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ َ َ ِ َ ِ‬ ‫أَ ْ َ ْ‬ ‫َج ُ��ه��ولاً } (األح������زاب‪ ،)72:‬فكانت ح��اض��رة بقوة إل��ى جانب‬ ‫الرجل في ساحة العلم واملعرفة‪ ،‬وساحة اجل��ه��اد‪ ،‬وساحة‬ ‫العمل والبناء‪ ،‬وشاركت في جميع األعمال والنشاطات ‪ -‬التي‬ ‫كانت معروفة ‪ -‬بوسطية اإلسالم وعدالته‪.‬‬ ‫هذا هو الدور الذي نطمح أن متارسه املرأة املسلمة اليوم‪،‬‬ ‫الدور الذي عاشته املرأة في عصر الرسالة بشخصية متوازنة‬ ‫ملتزمة تنهل من النبع الصافي‪ ،‬اخلالي من درن الشبهات‬ ‫والتحديات‪ ،‬املُن َعم بالوسطية والتسامح‪ ،‬املت ّوج بالكمال الديني‬ ‫واألخ�لاق��ي‪ ،‬البعيد عن الغلو في األحكام وامل��ب��ادئ‪ ،‬لت َ‬ ‫ُنشئ‬ ‫جي ً‬ ‫ال وسطياً وأسر ًة وسطية‪ ،‬يقول الدكتور محمد رشيد رضا‪:‬‬ ‫"أثبت الله للمؤمنات الوالية املطلقة على املؤمنني فيدخ ُل فيها‬ ‫والية األخوة واملودة والتعاون املالي واالجتماعي ووالية النصرة‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪65‬‬


‫احلربية والسياسية ‪ ....‬حتى قال‪ :‬ومن هنا كانت املرأة في‬ ‫العهد الرسالي األول مربية وداعية وفقيهة ومحدثة وتاجرة‬ ‫ضمن إطار ما أحله الله وخارج إطار ما حرمه الله"‪ ،‬هذا هو‬ ‫منوذج املرأة الذي يسعى إليه الفكر الوسطي لتكريس أن املرأة‬ ‫املؤمنة كالرجل املؤمن‪ ،‬نصيبها من املسؤولية مثل نصيبه في‬ ‫حدود ما أحله الشرع‪ ،‬فهي شق املجتمع كما أن الرجل شقه‬ ‫اآلخر كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وما عليها‬ ‫وبدافع‬ ‫من واجبات يجب أن تكون نابعة من حاجة مجتمعها‬ ‫ٍ‬ ‫من مصلحتها ومصلحة أسرتها‪ ،‬بعيداً عن ترديد الشعارات‬ ‫املستوردة املنادية باملساواة الندية للرجل واعتباره خصمه‬ ‫األول‪ ،‬أو التي تخرجها عن طبيعتها التي أراده��ا الله تعالى‬ ‫وعليها أن تتأكد أن فكرة الصراع بني اجلنسني نشأت في ٍ‬ ‫بيئة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لظروف خاصة بها‪.‬‬ ‫كنتيجة‬ ‫غريبة عن املجتمعات اإلسالمية‬

‫إن اإلسالم بخالف األنظمة األخرى حفظ للفرد بشكل عام‬ ‫حقوقه في احلياة وحريته في االعتقاد والتفكير واالختيار‪،‬‬ ‫وق��رر امل��س��اواة بني الناس جميعاً دون متييز فتجاوز دعوى‬ ‫التمييز اجلنسي والعرقي منذ أل��ف وخمسمئة ع��ام لقوله‬ ‫اح َد ٍة‬ ‫َّاس اتَّقُ وا َر َّب ُك ُم ال َِّذي خَ َلق َُك ْم ِم ْن َنفْ ٍس َو ِ‬ ‫تعالى{ َيا أَ ُّي َها الن ُ‬ ‫يرا َو ِن َس ًاء َواتَّقُ وا‬ ‫َوخَ َلقَ ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َب َّ��ث ِمن ُْه َما ِر َج��الاً َك ِث ً‬

‫ال َّل َه ال َِّذي َت َسا َء ُلو َن ِب ِه َوالأْ َ ْر َح��ا َم ِإنَّ ال َّل َه َكا َن َع َل ْي ُك ْم َر ِقي ًبا}‬ ‫(النساء‪ ،)1:‬وقوله عليه الصالة والسالم‪" :‬كلكم آلدم وآدم من‬ ‫تراب"‪ ،‬هذا الفهم الذي دعا عمر بن اخلطاب رضي الله عنه‬ ‫ملقولته الشهيرة "متى استعبدمت الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬ ‫أحراراً"‪.‬‬ ‫كل ذلك يؤكد أن املساواة بني الناس جز ٌء من حقوق الفرد‬ ‫في دولة اإلسالم‪ ،‬كما أن العدل بني بني البشر قاعدة صلبة‬ ‫من قواعد أحكام اإلس�لام األساسية‪ ،‬وبالتالي كانت حقوق‬ ‫امل��رأة املسلمة ج��زءاً هاماً من احلقوق العامة لإلنسان قبل‬ ‫اإلع�ل�ان العاملي لهذه احل��ق��وق ف��ي ال��ق��رن العشرين ‪ ،‬ودون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫دواع اجتماعية‪.‬‬ ‫مطالبات أو‬ ‫مؤمترات أو ٍ‬ ‫وأخيراً‪ ،‬فإن دور املرأة في ترسيخ الفكر الوسطي يرفض‬ ‫التقوقع في قوالب األعراف واملوروثات االجتماعية اجلائرة‪،‬‬ ‫أو التماهي والذوبان في األجندات املستوردة ومنوذج املرأة‬ ‫الغربي البعيد عن قيمنا وتعاليمنا اإلسالمية ليعلو النموذج‬ ‫اإلسالمي املشرق الذي يتمسك باألصالة ويواكب املعاصرة‬ ‫معتمداً مرجعية الوحي والتعاليم السماوية‪.‬‬

‫ ‬

‫بيان صادر عن لجنة املرأة حول قانون األحوال الشخصية الجديد‬ ‫عقدت جلنة املرأة في منتدى الوسطية للفكر والثقافة اجتماع ًا ناقشت فيه قانون األحوال الشخصية اجلديد‪ ،‬حيث درست‬ ‫اللجنة القانون من كافة جوانبه دراسة مستفيضة‪ ،‬وأسفرت املناقشات عن اآلتي‪:‬‬ ‫أو ًال‪ -‬ترى اللجنة أنّ مواد هذا القانون مستمدة من روح الشريعة اإلسالمية التي هي املصدر األول للتشريع ‪ ،‬في الوقت‬ ‫الذي تواكب متطلبات العصر ومتغيراته وخاصة مبا يتعلق بقضايا املرأة وال سيما املرأة العاملة‪.‬‬ ‫‪ ‬ثانيا‪ -‬التزام مواد هذا القانون ببنود الدستور األردني الذي ساوى بني اجلميع في احلقوق والواجبات‪.‬‬ ‫ثالثا‪ -‬امتاز هذا القانون مبراعاته خصوصية املجتمع األردني وعاداته وتقاليده‪.‬‬ ‫رابع ًا‪ -‬اعتماد مواد القانون على أكثر من مذهب فقهي‪ ،‬تطبيق ًا للقاعدة القائلة "اختالف األئمة رحمة لألمة"‪ ،‬وهذا فيه‬ ‫تيسير على الناس وحتقيق ملصاحلهم‪.‬‬ ‫خامسا‪ -‬احترام مواد القانون للحريات الدينية لغير املسلمني‪ ،‬انطالقا من مبادئ الشريعة اإلسالمية السمحة‪ ،‬ومتاشي ًا‬ ‫نثمن دور دائرة قاضي القضاة في إعداد هذا القانون‪ ،‬فإننا نرفض أي رأي أو صوت‬ ‫مع رسالة عمان ‪ .‬إننا في جلنة املرأة إذ ّ‬ ‫ينادي بتشريع ال يراعي خصوصية املجتمع األردني وثقافته وال يستمد من تعاليم شرعنا احلنيف‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫فضاء المرأة‬

‫األستاذة ضمرة تشارك‬ ‫يف الدورة التاسعة ملنتدى اإلعالم العربي‬ ‫شاركت عضو الهيئة اإلدارية ملنتدى الوسطية للفكر والثقافة‬ ‫األستاذة هيام فؤاد ضمرة في فعاليات الدورة التاسعة ملنتدى‬ ‫اإلع�لام العربي الذي عقد في دبي في ‪2010 /5/13-12‬‬ ‫حتت عنوان "ح��راك اإلع�لام العربي تعزيز احملتوى لتطوير‬ ‫األداء"وال��ذي افتتح برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن‬ ‫راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم‬ ‫دب��ي‪ ،‬وبحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راش��د آل‬ ‫مكتوم ولي عهد دب��ي‪ ،‬و سمو الشيخ منصور بن محمد بن‬ ‫راشد آل مكتوم‪ ،‬وعدد من الشيوخ وال��وزراء واملسؤولني في‬ ‫دولة اإلمارات‪ ،‬وبحضور العالم العربي الذي نال جائزة نوبل‬ ‫في الكيمياء الدكتور أحمد زويل كضيف شرف في املؤمتر‪،‬‬ ‫ب��اإلض��اف��ة مل��ش��ارك��ة ح��ش��د كبير م��ن اإلع�لام��ي�ين م��ن شتى‬ ‫املؤسسات االعالمية والصحفية وأصحاب الثقافة والفكر باخلبرات واملهارات الالزمة‪.‬‬ ‫والرأي في العالم العربي والغربي‪.‬‬ ‫وتزامن اإلعالن عن جوائز الصحافة العربية مع اختتام‬ ‫وقدم عالم الكيمياء العربي أحمد زويل كلمة االفتتاح أعمال الدورة التاسعة للمنتدى حيث قام سموه بتكرمي عدد‬ ‫التي ألقاها في اجللسة الثانية والتي اعتبرت جلسة االفتتاح من الشخصيات التي كان لها إسهامات حقيقية وفعالة كل في‬ ‫الرسمي بحضور سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وولي مجالها‪ ،‬حيث قدم سموه جائزة الشخصية اإلعالمية لهذا‬ ‫عهده‪ ،‬حيث أكد فيها على دور دولة اإلمارات العربية املتحدة العام إلى الدكتور عبدالله عمران ترمي رئيس مجلس إدارة‬ ‫وحتديدا إمارة دبي في اتخاذ املبادرات التي من شأنها تطوير‬ ‫العمل الصحافي واإلعالمي ‪ ،‬مشدداً في الوقت ذاته على اخلليج للصحافة والطباعة والنشر رئيس التحرير‪.‬‬ ‫كما مت تكرمي كل من العالم العربي الدكتور أحمد‬ ‫دور التعليم ومناهجة التي يجب أن تتغير مبا يناسب العملية‬ ‫العلمية احلديثة من جهة‪ ،‬ودور البحث العلمي والعلم كرافعات زويل على ما قدمه للعلم وللعالم العربي‪ ،‬والكاتب الصحفي‬ ‫التطور والنمو واالرتقاء وحتقيق القوة من جهة أخرى‪.‬‬ ‫اجل��زائ��ري الدكتور محيي الدين عميمور عن أفضل عمود‬ ‫ونوقش في املؤمتر عدد من احملاور الهامة والتي تلقي صحافي‪ ،‬باإلضافة لعدداً من العناصر الشابة التي أبدعت‬ ‫الضوء على خريطة املشهد اإلعالمي العربي واجتاهاته في ومت��ي��زت ف��ي امل��ج��ال اإلع�لام��ي واستحقت جلهودها جائزة‬ ‫نشر الوعي وتغطية األحداث مبوضوعية دون حتيز‪ ،‬وإدارة الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم اإلعالمية للشباب‬ ‫احل��وارات ودور اإلع�لام في إدارة الكوارث وتعزيز التغطية برعايته وحضوره الشخصي‪.‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪67‬‬


‫لجنة املرأة يف منتدى الوسطية ومشاركة فعالة‬ ‫يف املؤتمر الدولي السابع يف صنعاء‬

‫جانب من مشاركة جلنة املرأة في املؤمتر الدولي السابع‬ ‫شاركت جلنة املرأة في منتدى الوسطية للفكر والثقافة في تعزيز الفكر الوسطي منهج ًا وفكر ًا وسلوك ًا‪ ،‬حيث مت شرح‬ ‫املؤمتر الدولي السابع للمنتدى العاملي للوسطية والذي ُعقد جتربة جلنة املرأة في منتدى الوسطية‪ ،‬وأبرز التحديات التي‬ ‫في العاصمة اليمنية صنعاء في ‪2010/05/20-19‬م بعنوان تواجه املرأة في الوطن العربي‪.‬‬ ‫" الوسطية اإلسالمية‪ :‬املفهوم‪ ،‬التحديات‪ ،‬األدوار"‪ ،‬حيث‬ ‫كما قدمت عدد من القيادات النسائية في اليمن جتاربهن‬ ‫قدمت عضو جلنة املرأة الدكتورة نوال شرار ورقة بعنوان " دور‬ ‫في العمل التطوعي األمر الذي أثرى اخلبرات اإليجابية و‬ ‫املرأة واألسرة في ترسيخ الفكر الوسطي"‪ ،‬كما قامت اللجنة‬ ‫أسهم في استمرارية التواصل املستقبلي بني الطرفني‪.‬‬ ‫املكونة من السيدة سوسن املومني و السيدة روي��دة رياالت‬ ‫من جهة أخرى اطلعت اللجنة على جتربة املرأة اليمنية‬ ‫و د‪.‬ن��وال ش��رار و د‪.‬جميلة الرفاعي و السيدة عطاف عقدة‬ ‫بزيارة جلامعة العلوم والتكنولوجيا‪ ،‬وعقد جلسة حوارية مع في العمل اخليري وذل��ك من خالل زي��ارة مؤسسة الرحمة‬ ‫قيادات العمل النسائي في اليمن‪ ،‬كان محورها دور املرأة في التي ترعى شؤون األيتام من كفالة و تربية و تدريس‪.‬‬ ‫‪68‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫كتاب استوقفني‬

‫"تحوالت الخطاب السلفي‬ ‫"‪:‬كتاب يعاين تحوّالت "السلفية الجهادية" وتأثريها على بنية النظام العاملي‬ ‫د‪.‬حممد �أبو رمان‬ ‫ي��خ��ل��ص ال��ب��اح��ث األردن�����ي امل��ت��خ��ص��ص ف��ي احلركات‬ ‫اإلسالمية املتشددة‪ ،‬مروان شحادة‪ ،‬إلى أنّ "احلركات السلفية‬ ‫اجلهادية" قد م�� ّرت بتحوالت عميقة على صعيد اخلطاب‬ ‫واحل��رك��ة خ�لال ال��ع��ق��ود األخ��ي��رة انتهت إل��ى ب���روز الصيغة‬ ‫العاملية احلالية لتنظيم القاعدة واملجموعات املرتبطة به‪،‬‬ ‫وإلى إحداثها تأثيرات بنيوية خالل مرحلة ما بعد احلادي‬ ‫عشر من سبتمبر على منط العالقات الدولية‪ ،‬وعلى بنية‬ ‫ه��������ذه‬ ‫أدت‬ ‫النظام الدولي‪.‬‬ ‫االس���ت���رات���ي���ج���ي���ة‪،‬‬ ‫رس����خ����ه����ا‬ ‫ّ‬ ‫ويقسم شحادة املراحل التي م ّرت بها اجلماعات السلفية ال������ت������ي ّ‬ ‫ً‬ ‫اجلهادية حتى وصلت إلى احلالة الراهنة من عوملة الصراع (الحقا) كتاب أمين‬ ‫وال��ص��دام العاملية وأيديولوجيا القاعدة احلالية‪ ،‬إل��ى أربع الظواهري "فرسان‬ ‫مراحل زمنية‪.‬‬ ‫حت��ت راي����ة النبي"‬ ‫املرحلة األول��ى‪ ،‬عبر اجلهاد األفغاني في ظل نظام ثنائي إل����ى اإلع���ل��ان عن‬ ‫القطبية‪ ،‬التي تش ّكلت فيها حركات اإلسالم املسلّح‪ ،‬في بعدها "اجلبهة اإلسالمية‬ ‫عبر القومي أو القطري‪ ،‬ونتج عن هذه احلقبة ظاهرة "األفغان العاملية لقتال اليهود والصليبيني واألميركان" (في العام ‪،)1997‬‬ ‫العرب"‪ ،‬التي ش ّكلت نواة لتشكل خاليا ومجموعات أوسع وأكثر وتصريحها باستهداف املصالح األميركية واإلسرائيلية في‬ ‫أنحاء العالم‪ ،‬ضمن احلرب الكبرى بني "السلفية اجلهادية"‬ ‫انتشاراً الحقاً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫(التي تعتبر نفسها ممثال لإلسالم الشرعي) والقوى الدولية‬ ‫أ ّم���ا امل��رح��ل��ة ال��ث��ان��ي��ة‪ ،‬فهي ال��ت��ي ش��ه��دت ان��ه��ي��ار االحتاد‬ ‫الكبرى‪ ،‬بقيادة ال��والي��ات املتحدة األميركية إل��ى جملة من‬ ‫السوفييتي وتشكل نظام أح���ادي القطبية‪ ،‬وب���روز مقوالت‬ ‫العمليات العسكرية واألمنية التي نفّذتها مجموعات تابعة‬ ‫صدام احلضارات ونهاية التاريخ‪ ،‬وما أدت إليه من أحداث‬ ‫للقاعدة فيما بعد‪ ،‬واستهدفت فيها مصالح أميركية وعربية‬ ‫إقليمية كحرب اخلليج في العام ‪ ،1991‬التي عززت من تشكيل‬ ‫وغربية متحالفة معها‪ ،‬إلى أن وقعت أح��داث احل��ادي عشر‬ ‫التربة واملناخات املناسبة لصعود "السلفية اجلهادية" في عدة‬ ‫من سبتمبر‪ ،‬التي م ّثلت نقطة حتول في بنية وخطاب القاعدة‬ ‫أنحاء من العالم‪.‬‬ ‫من جهة ومنط العالقات الدولية من جهة أخرى‪ ،‬وقادت إلى‬ ‫فيما ش ّكلت املرحلة الثالثة‪ ،‬حتوالً تاريخياً في استراتيجية املرحلة الرابعة من حتوالت السلفية اجلهادية‪.‬‬ ‫هذه اجلماعات في‬ ‫صراعاتها احمللية‬ ‫مع حكوماتها‪ ،‬مما‬ ‫أث���ر ع��ل��ى شعبيتها‬ ‫ل���دى ال�����رأي العام‬ ‫العربي‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬امل��رح��ل��ة ال��راب��ع��ة‪ ،‬مت�� ّث��ل امل��خ��رج ال��رئ��ي��س للتح ّول‬ ‫"السلفية اجلهادية" مت ّثل باالنتقال من "قتال العدو القريب"‬ ‫(احلكومات والنظم العربية) إل��ى "العدو البعيد" (الواليات في استراتيجية القاعدة في ال��ص��دام مع "ال��ع��دو البعيد ‪-‬‬ ‫املتحدة األميركية)‪ ،‬وهو التحول الذي يحيله شحادة إلى فشل األم��ي��رك��ان"‪ ،‬وحتمل ف��ي ط ّياتها ت��داع��ي��ات أح���داث احلادي‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪69‬‬


‫عشر من سبتمبر‪ ،‬وما حملت من تغييرات على بنية القاعدة ممتاز دغمش)‪ ،‬وجيش األمة في غزة أيضاً‪ ،‬وفتح اإلسالم‬ ‫واستراتيجيتها‪ ،‬وكذلك على االستراتيجيات األميركية‪ ،‬وما املجاهدين في املخيمات الفلسطينية‪.‬‬ ‫أدت إليه من حروب‪.‬‬ ‫يخصص الكتاب صفحات عن تنظيم الشباب املجاهدين‬

‫يرصد شحادة اللحظة التي م ّثلها اليوم التالي ألحداث في الصومال‪ ،‬ونشوئه وتطوره وال��ص��دام احلالي بينه وبني‬ ‫احل��ادي عشر من سبتمبر‪ ،‬بالقول "لقد ش ّكلت هجمات ‪ 11‬احلكومة الصومالية والواليات املتحدة من ورائها‪.‬‬ ‫أيلول‪ /‬سبتمبر ‪ 2001‬حلظة فاصلة في التاريخ السياسي‬ ‫اإلضافة املعرفية ‪ -‬الفكرية النوعية في الكتاب قد تتجاوز‬ ‫األميركي أسفرت عن حملة كبرى ضد ما يسمى "اإلرهاب"‬ ‫رصد تطور السلفية اجلهادية واملراحل التي م ّرت بها‪ ،‬وزوايا‬ ‫ال���ذي أص��ب��ح أه��م م��ك�� ّون سياسي ف��ي ظ��ل ثقافة سياسية‬ ‫تأثيرها وتأثرها في حتوالت بنية النظام الدولي إلى الشق‬ ‫محافظة وإدارة احملافظني اجل���دد‪ ،‬وف��ي ظ��ل أيديولوجيا‬ ‫النظري التأصيلي أليديولوجيا السلفية اجلهادية واملفاهيم‬ ‫محافظة جديدة والهوت مييني مسيحي عمل بقوة من أجل‬ ‫احلاكمة لها‪ ،‬سوا ًء في إطار التغيير السياسي (وهو ما تطلق‬ ‫بلورة مفهوم "احلروب االستباقية" التي بدأت في أفغانستان‬ ‫عليه هذه احلركات فقه النكاية) أو رؤيتها للعالقات الدولية‪.‬‬ ‫ثم اندفعت بقوة اجتاه الشرق األوسط بهدف إعادة تشكيل‬ ‫ففي املفاهيم النظرية احلاكمة للخطاب السلفي اجلهادي‬ ‫اخلريطة السياسية وتغيير أنظمة احلكم‪ ،‬كان العراق أ ّولها"‪.‬‬ ‫امل��ف��ارق��ة ال��ت��ي مي��س��ك ب��ه��ا ش��ح��ادة ف��ي ه���ذه اللحظة يشرح الكتاب مفاهيم التوحيد واحلاكمية واإلميان واإلسالم‬ ‫التاريخية التراجيدية تتم ّثل في تقاطع خطابات وأهداف واجلاهلية‪ .‬أما على الصعيد العملي‪ ،‬فيتناول مفاهيم اجلماعة‬ ‫ك ّل من احملافظني اجلدد واجلهاديني اجلدد‪ ،‬على حد تعبير والطاغوت والوالء والبراء واجلهاد‪.‬‬

‫اخلبير في اجلماعات اإلسالمية‪ ،‬حسن أبو هنية‪ ،‬في تشكيل‬ ‫ويحلل شحادة التأويالت وال��دالالت التي تكتسبها هذه‬ ‫ويقدم‬ ‫نظام عاملي جديد مبني على الصراع الثنوي بني اخلير والشر‪ ،‬املفاهيم من خالل األيديولوجيا السلفية اجلهادية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اإلميان والكفر‪ ،‬لكن بصورة متضادة ومتقابلة بني الطرفني‪ .‬مساهمات الكتب املرجعية في صوغ هذه املفاهيم واكتسابها‬ ‫وبعد أن يرصد الباحث مخرجات ك ّل من احلرب األفغانية هذه املضامني املعاصرة‪.‬‬ ‫والعراقية على منط ال��ص��راع العاملي اجلديد بني القاعدة‬ ‫أما في مجال العالقات الدولية‪ ،‬فيتناول الكتاب مفاهيم‬ ‫ويقدم التأويالت واملضامني‬ ‫(اإلطار العاملي احلركي للسلفية اجلهادية) والواليات املتحدة دار احل��رب واإلس�لام والعهد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وحلفائها‪ ،‬يق ّدم خريطة عاملية ألهم جماعات القاعدة ومناطق التي تؤطرها فيها السلفية اجلهادية‪ ،‬والتي تنعكس على‬ ‫انتشارها‪ ،‬والسمات الرئيسة لكل جماعة أو حركة مرتبطة األحكام الشرعية ومبررات األيديولوجيا اجلهادية ومس ّوغاتها‬ ‫بها‪ ،‬أو تدور في فلكها األيديولوجي واحلركي‪.‬‬ ‫املختلفة لهذه األيديولوجيا‪ ،‬وما ينبثق عنها من استراتيجيات‬ ‫ول��ع��ل أب���رز ه��ذه اجل��م��اع��ات (ب��اإلض��اف��ة إل��ى القاعدة وعمليات‪.‬‬ ‫املركزية) هي‪ :‬القاعدة في جزيرة العرب‪ ،‬تنظيم القاعدة في‬ ‫ينتهي ال��ك��ت��اب إل��ى جملة م��ن اخل�لاص��ات والتوصيات‪،‬‬ ‫بالد الرافدين (ويرصد شحادة تطورها واملراحل التي م ّرت تتضمن حتلي ً‬ ‫ال لتطورات القاعدة والظروف احلاضنة لها من‬ ‫بها واأليديولوجيا التي حكمت رؤيتها للبيئة العراقية والصراع‪ ،‬فشل الدولة القطرية العربية في التنمية ومواجهة التحديات‬ ‫ثم العوامل التي أدت إلى أفولها وتراجعها)‪ ،‬والقاعدة في الداخلية واخلارجية‪ ،‬وأخيراً يتضمن الكتاب مالحق ألبرز‬ ‫بالد املغرب (ويستعرض الباحث نشوء التنظيم وتطوره في‬ ‫منظري السلفية اجلهادية وبعض الوثائق احلركية املرتبطة‬ ‫هذه الدول وحضوره ودرجة قوته وتأثيره‪ ،)..‬ثم يتناول تنظيم‬ ‫بالقاعدة‪.‬‬ ‫القاعدة في أوروبا واليمن (قبل أن يصل إلى املرحلة احلالية‬ ‫يجمع الكتاب بني اجلانب التأصيلي املعرفي في خطاب‬ ‫من احلضور اإلقليمي والعاملي)‪.‬‬ ‫ه���ذه احل���رك���ات وب�ي�ن ال���ق���درة ع��ل��ى ت��ت��ب��ع ال��ت��ط��ور الواقعي‬ ‫كما يرصد شحادة اجلماعات السلفية اجلهادية في بالد‬ ‫ً والتاريخي لها‪ ،‬وتقدمي معلومات جديدة‪ ،‬مما انعكس على‬ ‫تعد بصورة معلنة و"رسمية" ج��زءاً أساسيا‬ ‫الشام‪ ،‬التي ال ّ‬ ‫مراجع الدراسة التي توافرت على كتب فقهية وفكرية وتراثية‬ ‫من شبكة القاعدة‪ ،‬وأبرزها‪ :‬فتح اإلسالم في لبنان (ويشير‬ ‫الباحث إل��ى الغموض ال��ذي اكتنف عمل التنظيم وتشكله ومعاصرة في مجال الفكر اإلسالمي ومتابعات واقعية من‬ ‫وال��ظ��روف التي أحاطت بشخصية زعيمه شاكر العبسي)‪ ،‬املواقع اإللكترونية والكتب والوثائق التي ال تتوافر في املكتبات‬ ‫تسجل لهذه الدراسة‪.‬‬ ‫جيش اإلس�لام في غزة‪( ،‬ويحلل الكتاب العمليات التي قام العامة واخلاصة‪ ،‬وهي ميزة إضافية‬ ‫ّ‬ ‫بها‪ ،‬وبعض البيانات الصادرة عنه‪ ،‬وسمات شخصية مؤسسه‬

‫‪70‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ ‬

‫منقول عن الغد‬


‫نشاطات الوسطية‬ ‫تقرير حول نشاطات المنتدى لشهر نيسان ‪2010‬م‬ ‫الوسطية ‪ -‬حتت رعاية وزي��ر األوق���اف وال��ش��ؤون واملقدسات العلماء واملفكرين من مختلف الدول العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫اإلسالمية الدكتور عبد السالم العبادي‪ ،‬ومبشاركة أكثر من عشرين عاملا‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة يوم السبت‬ ‫ومفكرا من باكستان وأفغانستان‪ ،‬عقد املنتدى العاملي للوسطية ندوته امل��واف��ق ‪ 2010/4/3‬ن��دوة بعنوان" دور املؤسسات الدينية والتربوية‬ ‫الدولية بعنوان " ترسيخ الفكر الوسطي في العالم اإلسالمي‪ /‬الباكستان والثقافية في نشر الفكر الوسطي في محافظة مادبا‪.‬‬ ‫" في فندق األوركيدا وذلك في الفترة مابني ‪.2010/4/27-25‬‬ ‫وحضر الندوة التي عقدت في قاعة املرحوم أحمد قطيش األزايدة‬ ‫وأك��د األم�ين العام للمنتدى العاملي للوسطية املهندس م��روان على‬ ‫رئيس بلدية مادبا الكبرى األستاذ عارف الرواجيح‪ ،‬وفضيلة مدير أوقاف‬ ‫أهمية الفكر الوسطي في مواجهة فكر التشدد والتطرف وخاصة في‬ ‫مادبا الدكتور سليمان شيحان‪ ،‬والعني نوال الفاعوري وعدد من املهتمني‬ ‫باكستان وأفغانستان‪ ،‬اللتان ما زالتا تعانيان من آثار هذا الفكر املتشدد ‪،‬‬ ‫في محافظة مادبا‪.‬‬ ‫من جهته بني رئيس اجلامعة اإلسالمية في باكستان الدكتور أنوار حسني‬ ‫وأكد أمني عام املنتدى املهندس مروان الفاعوري على الدور الكبير‬ ‫صديقي أهمية أن اجلامعة اإلسالمية منارة في نشر الفكر الوسطي من‬ ‫خالل مناهجها التعليمية‪ ،‬وإنها مستعدة لدعم إنشاء منتدى للوسطية الذي يقوم به املنتدى في نشر قيم االعتدال والتسامح والوسطية داخل‬ ‫في باكستان ‪ ،‬وتطرق معالي الدكتور عبد السالم العبادي في كلمته إلى األردن وخارجه واآلليات التي يتبعها في سبيل ذلك‪.‬‬ ‫رسالة عمان واعتبرها هدية األردن للعالم اإلسالمي ‪ ،‬مشيدا في الوقت‬ ‫الوسطية ‪ -‬ب��رع��اي��ة محافظ ج��رش ال��س��ي��دة راب��ح��ة الدباس‬ ‫ذاته بدور جاللة امللك في توضيح صورة اإلسالم احلقيقية الصحيحة وبالتعاون مع مديرية شباب جرش عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة‪/‬‬ ‫أثناء لقائه مع قادة العالم ‪ ،‬ودور وسائل االتصال احلديثة في نقل الفكر ف��رع ج��رش ي��وم السبت امل��واف��ق ‪2010/4/17‬م ن��دوة بعنوان "الشباب‬ ‫الوسطي إلى العالم شاكرا املنتدى العاملي للوسطية على جهوده في والواقع‪َ ..‬م ْن يغ ِّير َم ْن‪..‬؟"‪.‬‬ ‫عرض رؤية الوسطية التي ينتهجها األردن قيادة وشعبا‪.‬‬ ‫وألقت رئيسة املنتدى مليس العتوم كلمة أشارت فيها إلى أن الندوة‬ ‫الوسطية ‪ -‬انطالقا من أهداف املنتدى في الدفاع عن اإلسالم‬ ‫تهدف إل��ى معرفة م��دى تأثر الشباب مبعطيات زمنهم وقدرتهم على‬ ‫واملسلمني‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق باالتهام الظالم أنه وراء اإلرهاب في العالم‪،‬‬ ‫استثمار هذه املعطيات استثماراً إيجابياً وبالتالي تأثيرهم في محيطهم‬ ‫فقد أنتج املنتدى العاملي للوسطية وللمرة األولى فيلما يحمل عنوان"بال‬ ‫وقدرتهم على صنع زمنهم الذي يريدون ‪ ،‬تناولت الندوة في اجللسة األولى‬ ‫هوية" يحاكي الواقع املعاش في العالم فيما يتعلق باإلرهاب ‪ ،‬متضمنا‬ ‫ثالثة مواضيع وهي الشباب في ضوء األهداف التربوية للدكتور محمود‬ ‫الكثير من املشاهدات التي تظهر أن اإلرهاب قضية عاملية موجودة في‬ ‫َّ‬ ‫قظام السرحان‪ .‬قيم الشباب والعوملة للدكتور محمد جرادات‪ .‬الشباب‬ ‫كل دول العالم ‪ ،‬وأنه ليس له عالقة باإلسالم واملسلمني‪ ،‬وقد مت خالل‬ ‫الفيلم إجراء مجموعة من املقابالت مع عدد من املفكرين والعلماء مثل بني الواقع احلالي واملستقبل للدكتور فيصل غرايبة ‪ ،‬فيما حتدثت في‬ ‫األستاذ منتصر الزيات والدكتور محمد حبش واإلمام الصادق املهدي اجللسة الثانية الدكتورة أسماء اإلبراهيم حيث قدمت ورقة بعنوان تنمية‬ ‫مهارات الشباب احلياتية‪ .‬وقدم الدكتور محمود شديفات ورقة بعنوان‬ ‫واملهندس مروان الفاعوري ود‪.‬أحمد نوفل وغيرهم الكثيرين‪.‬‬ ‫جتسير الهوة بني األجيال‪ .‬كما قدم الدكتور محمد القضاة ورقة بعنوان‬ ‫الوسطية ‪ -‬في إط��ار نشاط املنتدى العاملي للوسطية لتوسيع الفكر الوسطي في مواجهة الغلو والتطرف والعنف ‪،‬واشتملت الندوة على‬ ‫مشروع الفكر الوسطي‪ ،‬التقى أم�ين العام للمنتدى العاملي للوسطية ورقة عمل لألستاذ نزيه مقابلة تضمنت جتربته العملية مع الشباب‪.‬‬ ‫املهندس م��روان الفاعوري ي��وم األرب��ع��اء امل��واف��ق‪ 2010/4/ 28‬السفير‬ ‫الوسطية ‪ -‬أقام منتدى وسطية إربد ندوة بعنوان "أخالقيات‬ ‫اجلزائري علي عروج ‪،‬وجرى خالل اللقاء بحث سبل التعاون املشترك‬ ‫بني اجلانبني وذل��ك في إط��ار نشر الفكر الوسطي واتساع رقعته في املسلم املعاصر ودوره��ا في نشر الفكر الوسطي املعتدل ‪،‬وق��ال رئيس‬ ‫منتدى وسطية إربد يوسف ملكاوي في كلمته التي ألقاها بحضور عدد‬ ‫مختلف الدول العربية والعمل على إجناحه‪.‬‬ ‫من املثقفني وأعضاء املنتدى واملهتمني من أهالي مدينة إربد‪ ،‬أن إسالمنا‬ ‫الوسطية ‪ -‬بدعوة من منتدى الوسطية‪/‬لبنان ومنتدى استشراف‬ ‫احلنيف حث على أن نتحلى باألخالق احلسنة احلميدة كي نتمكن من‬ ‫الشرق األوسط ‪ ،‬شارك األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية املهندس‬ ‫نشر الفكر الوسطي املعتدل أسوة بقدوتنا سيدنا محمد عليه الصالة‬ ‫م��روان الفاعوري في املؤمتر الدولي الثالث للوسطية وال��ذي عقد في‬ ‫والسالم وبصحابته رضوان الله عليهم ‪.‬‬ ‫العاصمة ب��ي��روت يومي ‪ 20‬و‪ 21‬نيسان حت��ت عنوان"الوسطية ونهج‬ ‫من جهته قال مدير املركز اإلسالمي فرع إربد الدكتور عمر النوافلة‬ ‫االستقرار في الشرق األوس��ط" ‪،‬وحت��دث األم�ين العام في كلمته التي‬ ‫ألقاها عن التطرف واإلره��اب واختالف مفاهيمه في الشرق والغرب‪ ،‬أن اإلسالم دين وسطي معتدل بعيد عن الغلو والتطرف ولفت في حديثه‬ ‫مشيرا إلى أن اإلرهاب ما هو إال ظاهرة عاملية ‪ ،‬وأن اإلسالم لم يكن من إلى رسالة عمان التي أطلقها جاللة امللك عبد الله الثاني ابن احلسني‬ ‫صفاته التطرف أو الغلو‪ ،‬بل الرفق واحملبة والعدالة واحلرية السامية ومالها من دور في نشر الفكر اإلسالمي املعتدل و ترجمتها إلى عدة‬ ‫هي أسمى صفاته‪ ،‬من اجلدير ذكره بأن املؤمتر يشارك فيه نخبة من لغات لتدرس في عدد من اجلامعات‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪71‬‬


‫نشاطات الوسطية‬ ‫تقرير حول نشاطات المنتدى لشهر أيار ‪2010‬م‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للوسطية بالتعاون مع‬ ‫وزارة األوقاف واإلرشاد اليمنية يوم األربعاء املوافق ‪2010/5/19‬‬ ‫في العاصمة اليمنية صنعاء وبرعاية فخامة الرئيس اليمني‬ ‫على عبد الله صالح رئيس اجلمهورية اليمنية املؤمتر الدولي‬ ‫السابع حتت عنوان الوسطية اإلسالمية (املفهوم – التحديات‬ ‫– األدوار)‪.‬‬

‫وحتدث رئيس املنتدى العاملي للوسطية اإلمام الصادق املهدي‬ ‫عن الدور املصيري للوسطية اإلسالمية في تقدمي تشخيص جاد‬ ‫ومخلص حلالة األم��ة ووص��ف ال���دواء‪ ،‬وسعيها للعمل ملخاطبة‬ ‫القوى االجتماعية احلية في السلطة أو املعارضة للعمل اجلاد‬ ‫لنهضة األمة‪.‬‬

‫وأضاف أن الوسطية اإلسالمية حتترم العقل وجتعله شرطاً‬ ‫في تطبيق احلكم الراشد في اإلس�لام وأس��اس احلكم الراشد‬ ‫املشاركة واملساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون‪ ،‬وأضاف أن‬ ‫املؤمتر يكتسب أهمية بانعقاده في اليمن التي وصفها الرسول‬ ‫صلى الله عليه وسلم باإلميان واحلكمة تلمساً لطريق الوسطية‬ ‫واخل��ي��ر لألمة ف��ي مشروعها النهضوي واح��ت��واء آث��ار التفرقة‬ ‫والشقاق واخلالفات والعصبيات ‪.‬‬

‫من جهته أكد األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية املهندس‬ ‫م��روان الفاعوري على أهمية احل��وار بني جميع أطياف األمة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وضرورة إنتاج منهج وسطي يقتفي نهج الرسول صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬وعدم حصر الوسطية في املجال السياسي فقط‬ ‫وإغفال بقية اجلوانب احلياتية‪ ،‬الفتا إل��ى الترابط بني منهج‬ ‫الوسطية ووج��ود احلكم الرشيد القائم على مبادئ املشاركة‬ ‫واملساءلة والشفافية وس��ي��ادة حكم القانون‪ ،‬وال��ذي تتحقق به‬ ‫مصلحة األمة وأمنها واستقرارها‪.‬‬ ‫وأضاف أن الوسطية اإلسالمية تشجب العنف العشوائي الذي‬ ‫يستهدف املدنيني األبرياء والتعميم السقيم الذي يعلن العداء لكل‬ ‫ما عند اآلخر ‪.‬‬

‫وأش��ار وزي��ر األوق��اف اليمني حمود الهتار في الكلمة التي‬ ‫ألقاها نيابة عن رئيس اجلمهورية اليمنية الرئيس على عبد الله‬ ‫صالح أن اليمن حكومة ودولة ينتظران هذا املنتدى وهذا املؤمتر‬ ‫منذ أمد بعيد وقد جاء في زمانه ومكانه املناسبني‪ ،‬وأشار إلى أن‬ ‫أبناء اليمن اختاروا الوسطية منهجاً للحياة حيث كانت من أهداف‬ ‫النظام اجلمهوري‪ ،‬التحرر من اإلمامة واالستعمار‪ ،‬واعتبار احلوار‬ ‫فريضة شرعية واجبة بني املسلمني لتحقيق التعارف والتقارب‬ ‫وحل اخلالفات‪ ،‬كما هي واجبة مع غير املسلمني في شتى مناحي‬ ‫احلياة السياسية واالقتصادية والثقافية وغيرها‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫ب��دوره تطرق أمني عام املنتدى العاملي للوسطية فرع اليمن‬ ‫الدكتور داود عبد امللك احلدابي في كلمته إلى ما تعيشه األمة‬ ‫حاليا من حلظات حرجة بني تهديد داخلي بفقدان الهوية والغلو‬ ‫والتطرف وتهديد خارجي بالتبعية واالرتهان‪ ،‬وما يعتمل من قبل‬ ‫عقالء األمة في محاولة جمعها على كلمة الوسطية واالعتدال‬ ‫واحلق ولم الشتات ‪.‬‬

‫الوسطية ‪ -‬تعقد جلنة املرأة في منتدى الوسطية أيام‬ ‫االثنني من كل أسبوع حلقات لتفسير س��ورة النور مع الدكتور‬ ‫أحمد نوفل ‪ ،‬وذلك في متام الساعة اخلامسة عصرا في مقر‬ ‫املنتدى اجلديد والدعوة عامة للسيدات‪.‬‬

‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للوسطية وبالتعاون مع‬ ‫منتدى الوسطية للفكر والثقافة مبصر ومبشاركة عدد من املفكرين‬ ‫واملتخصصني في احلركات اإلسالمية في العالم‪ ،‬وعلى رأسهم‬ ‫رئيس املنتدى العاملي للوسطية الصادق املهدي ومفتي الديار‬ ‫املصرية السابق الشيخ نصر فريد واصل‪ ،‬واألمني العام للمنتدى‬ ‫العاملي للوسطية املهندس م��روان الفاعوري واملفكر اإلسالمي‬ ‫الدكتور محمد عمارة ندوة بعنوان" ترسيخ الفكر الوسطي في‬ ‫املجتمعات اإلسالمية " يوم االثنني املوافق ‪2010/5/17‬م ‪.‬‬ ‫ودعا رئيس منتدى الوسطية مبصر األستاذ منتصر الزيات في‬ ‫كلمته التي ألقاها في جلسة افتتاح الندوة التي أدارها الصحفي‬ ‫املصري خالد الشريف احلركات اإلسالمية إلى ترشيد خطاباها‬ ‫الدعوي واحل��رك��ي‪ ،‬وأن تتجه إل��ى التكافل االجتماعي‪ ،‬ووضع‬ ‫حلول اقتصادية للمشاكل التي تقع فيها املجتمعات‪ ،‬مستنك ًرا نهج‬ ‫بعض اجلماعات اإلسالمية للعنف‪ ،‬ومؤك ًدا على أن "هذه املواقف‬ ‫أعاقت اجلماعات عن خدمة الدين واالستفادة من قدرتها في‬ ‫العمل الدعوي"‪.‬‬ ‫من جهته أكد األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية املهندس‬ ‫م��راون الفاعوري على حاجة األم��ة إلص�لاح أحوالها وفكرها‪،‬‬ ‫مشي ًرا إلى أن هذا اإلصالح ينبع من ذات األمة ويتأسس على‬ ‫ثوابتها‪ ،‬الفتًا إلى أن منتدى الوسطية هو رد فعل طبيعي على تيار‬ ‫الغلو والتشدد‪ ،‬وأن الوسطية التي ننادي بها تضم مختلف مناحي‬ ‫احلياة‪ ،‬سواء في السياسة مبا يعني قيام دولة العدل واملساواة‬ ‫وأن تضع الرجل املناسب في املكان املناسب‪.‬‬

‫من جانبه أك��د رئيس املنتدى العاملي للوسطية زعيم حزب‬ ‫األمة السوداني الصادق املهدي أن "تيار الوسطية هو أمل األمة‬ ‫للنجاة من أخطار غ��زاة اخل��ارج وغ�لاة ال��داخ��ل"‪ ،‬وأن "القراءة‬ ‫الصحيحة لتاريخنا اإلسالمي تؤكد على اتباع الوسطية كوسيلة‬ ‫رئيسية للتواصل مع اآلخرين"‪.‬‬


‫نشاطات الوسطية‬ ‫وناقشت الندوة على مدار جلستيها أوراق عمل متعددة ذات إلبداء املالحظات حوله ‪ ،‬وإعادتها مرة أخرى للجنة لدراسة ما‬ ‫الصلة مب��وض��وع ال��ن��دوة‪ ،‬وأوص���ى امل��ش��ارك��ون ف��ي ال��ن��دوة على أثير حوله من مآخذ مبا يوافق املصلحة الدينية ‪.‬‬ ‫ض��رورة دع��م صمود الشعب الفلسطيني والسعي بجدية لفك‬ ‫من جهة أخرى قال األستاذ الدكتور محمد القضاة أن قانون‬ ‫احلصار الظالم املفروض على غزة‪.‬‬ ‫األح���وال الشخصية اجل��دي��د ك��ان شموليا‪ ،‬فقد أب��رز القانون‬

‫وأضافوا أن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية املوحدة‬ ‫مستنكرين في الوقت ذات��ه محاوالت التهويد التي تتعرض لها‬ ‫املدينة وم��ا يصدر من ق��رارات بطرد السكان الفلسطينيني ‪،‬‬ ‫وأدانوا استمرار وجود اجليوش األجنبية في العراق وأفغانستان‪،‬‬ ‫مؤكدين على أن استمرار احتالل هذين البلدين يفسد عالقات‬ ‫احلوار بني الغرب والعالم اإلسالمي وينعكس سلبا على مستقبل‬ ‫التعايش‪.‬‬

‫أهمية األس���رة وامل����رأة وال��ط��ف��ل وآث����اره البعيدة على املجتمع‪،‬‬ ‫وأوضح القيمة التي حظيت بها املرأة مبا يتناسب مع كرامتها‬ ‫واحترامها وإنسانيتها وآدميتها‪ ،‬وعالج العالقة بني الزوجني منذ‬ ‫فترة اخلطبة وحتى التفريق بينهما‪ ،‬وأعطى لها احلق في أن‬ ‫تطالب بحقوقها دومنا عائق من خالل احملاكم الشرعية املنتشرة‬ ‫في اململكة‪ ،‬كما راعى القانون البيئة االجتماعية بجميع مكوناتها‬ ‫املدينة والقرية والبادية إن وجدت‪.‬‬

‫وج���اء ف��ي ال��ت��وص��ي��ات أن امل��ن��ت��دى ي��وص��ي ش��ب��اب املسلمني‬ ‫بالتمسك بوسطية اإلسالم واعتداله ‪ ،‬وأخذ الدين عن علمائه‬ ‫املتخصصني‪ ،‬ونبذ التفسيرات اخلاطئة لقضايا التكفير واجلهاد‪.‬‬ ‫ودع��وة املؤسسات الدينية لتفعيل رسالتها في تعزيز مفاهيم‬ ‫الوسطية وإعداد الدعاة واألئمة وتنشيط دور املسجد في توعية‬ ‫الوسطية ‪-‬عقدت جلنة املرأة في منتدى الوسطية للفكر‬ ‫وتبصير املجتمع بأضرار الغلو والتطرف من جهة ومواجهة موجة‬ ‫والثقافة اجتماعا ناقشت فيه قانون األحوال الشخصية اجلديد‪،‬‬ ‫اإلفساد األخالقي التي يتعرض لها شباب األمة‪.‬‬ ‫حيث درست اللجنة القانون من كافة جوانبه دراسة مستفيضة‪،‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة يوم ورأت اللجنة أن م��واد ه��ذا القانون مستمدة من روح الشريعة‬ ‫األربعاء املوافق ‪ 2010/5/12‬ورشة عمل متخصصة ملناقشة " اإلسالمية التي هي املصدر األول للتشريع ‪ ،‬في الوقت الذي‬ ‫مسودة قانون األح��وال الشخصية اجلديد"‪ ،‬نوقش فيها ثالث تواكب متطلبات العصر ومتغيراته وخاصة مبا يتعلق بقضايا‬ ‫أوراق عمل قدمت من األساتذة املتخصصني في ذات املجال ‪ ،‬امل��رأة وال سيما امل��رأة العاملة ‪،‬والتزام مواد هذا القانون ببنود‬ ‫نائب رئيس اجلامعة اإلسالمية العاملية األستاذ الدكتور محمود الدستور األردني الذي ساوى بني اجلميع في احلقوق والواجبات‬ ‫السرطاوي ‪ ،‬وعضو املنتدى العاملي للوسطية األستاذ الدكتور ‪،‬وامتاز هذا القانون مبراعاته خصوصية املجتمع األردني وعاداته‬ ‫محمد القضاة و فضيلة الدكتور منصور الطوالبة من دائرة وتقاليده ‪،‬واعتماد مواد القانون على أكثر من مذهب فقهي‪ ،‬تطبيقا‬ ‫قاضي القضاة ‪.‬‬ ‫للقاعدة القائلة "اختالف األئمة رحمة لألمة"‪ ،‬وهذا فيه تيسير‬ ‫وق��ال األستاذ الدكتور محمود السرطاوي في الورشة التي على الناس وحتقيق ملصاحلهم ‪،‬واحترام مواد القانون للحريات‬ ‫أدارها الدكتور هايل ال��داوود في فندق أبراج زمزم‪ ،‬أن األسرة الدينية لغير املسلمني‪ ،‬انطالقا من مبادئ الشريعة اإلسالمية‬ ‫هي اخللية األول��ى في املجتمع وإذا أصابها خلل ما فقد أثر السمحة‪ ،‬ومتاشيا مع رسالة عمان ‪.‬‬ ‫على املجتمع بأكمله ‪،‬وأضاف أن الصياغات التي كانت موجودة‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الوسطية للفكر والثقافة يوم‬ ‫من قبل في القانون السابق كانت بحاجة إلى إعادة النظر فيها‬ ‫الثالثاء امل��واف��ق ‪ 2010/5/4‬برعاية رئيس جامعة اليرموك‬ ‫بسبب مرور مدة زمنية طويلة عليها‪ ،‬وما طرأ على حياة الناس‬ ‫األستاذ الدكتور سلطان أبو عرابي ورشة عمل في جامعة اليرموك‬ ‫من تغيرات ‪،‬من جهته قال الدكتور منصور الطوالبة أن مرجعية‬ ‫بعنوان" دور املؤسسات التربوية في مواجهة املغاالة والتطرف" ‪.‬‬ ‫هذا القانون مستمدة ومنسجمة مع الفقه اإلسالمي‪ ،‬وملتزمة‬ ‫وف��ي ب��داي��ة ال��ورش��ة حت��دث ال��دك��ت��ور أب��و ع��راب��ي ع��ن أهمية‬ ‫بالنص الدستوري‪ ،‬وإن اختلفت اآلراء حوله ‪،‬وأضاف أن قانون‬ ‫األحوال الشخصية على عالقة وثيقة بكل فرد من أفراد املجتمع الوسطية في نهضة األمة ‪ ،‬ثم أشار رئيس منتدى الوسطية للفكر‬ ‫ولهذا السبب برزت أهمية هذا املشروع الذي مت إعداده بعد أن والثقافة املهندس مروان الفاعوري في حديثه عن تأسيس منتدى‬ ‫لوحظ وجود فراغ تشريعي ببعض األمور واضطراب في االجتهاد الوسطية ورسالته في نشر الفكر الوسطي‪ ،‬وبعد ذلك عقدت‬ ‫القضائي ‪،‬وأضاف أن هذا القانون مت إعداده بداية بتشكيل جلنة ورش��ة العمل برئاسة عميد كلية الشريعة في جامعة اليرموك‬ ‫من أصحاب الفضيلة من احملاكم االبتدائية واحملاكم االستئنافية‪ ،‬الدكتور محمد عقلة اإلبراهيم وبحضور رئيس املنتدى املهندس‬ ‫ومت إقرار مسودة له حيث عممت على قضاة اململكة أينما وجدوا مروان الفاعوري وأمني السر الدكتور محمد اخلطيب‪.‬‬ ‫وفي نهاية الورشة دار حوار موسع بني املشاركني في الورشة‬ ‫واحلضور املؤلف من حوالي ‪ 35‬أستاذا وعاملا متخصصا في‬ ‫امل���وض���وع م��ن ك�لا اجل��ن��س�ين‪ ،‬مت ف��ي��ه ال��وق��وف ع��ل��ى كثير من‬ ‫التساؤالت ومناقشتها ‪.‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪73‬‬


‫وفي نهاية الورشة كان هناك حوار مفتوح بني املشاركني في‬ ‫الورشة واحلضور املؤلف من أساتذة جامعة اليرموك وطلبتها‪.‬‬

‫الوسطية ‪ -‬شارك األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية يوم‬ ‫األرب��ع��اء املوافق ‪ 2010/5/12‬في النمسا في مؤمتر الوعاظ‬ ‫وامل��رش��دات ال��ذي عقد في العاصمة فيينا بتنظيم من الهيئة‬ ‫الدينية اإلسالمية ملسلمي النمسا‪.‬‬

‫الوسطية ‪ -‬عقد ال��ق��ط��اع النسائي ف��ي امل��ن��ت��دى العاملي‬ ‫للوسطية‪ ،‬بالتعاون مع فرع منتدى الوسطية في مدينة جرش‪،‬‬ ‫ورشة عمل بعنوان" امل��رأة و التغيير" وذلك يوم السبت ‪/5/22‬‬ ‫‪2010‬ف��ي مدينة ج��رش ‪ ،‬ويأتي عقد ه��ذه الورشة ضمن إطار‬ ‫تعزيز منهج الوسطية ونبذ الغلو و التطرف من خالل حتصني‬ ‫املجتمع من الداخل ‪.‬‬ ‫وق��د بينت رئيسة القطاع النسائي السيدة سوسن املومني‬ ‫بكلمة افتتاحية لها فكرة الوسطية كمنهج حياة (وكذلك جعلناكم‬ ‫أمة وسطا)‪ ،‬وأكدت على دور املرأة في تنمية مجتمعها ‪،‬وقدمت‬ ‫املشاركات في الورشة ع��دة أوراق عمل ذات الصلة مبوضوع‬ ‫الورشة ‪،‬أولها ورقة العمل التي قدمتها الداعية والناشطة وعضو‬ ‫جلنة املرأة في منتدى الوسطية السيدة رويدة رياالت بعنوان(‬ ‫املرأة و دورها في تغيير املجتمع ) حتدثت فيها عن قدرة املرأة‬ ‫على إح��داث التغيير اإليجابي في مجتمعها و محيطها‪ .‬فيما‬ ‫حتدثت األك��ادمي��ي��ة و الناشطة و عضو جلنة امل���رأة الدكتورة‬ ‫نوال شرار بورقة العمل التي قدمتها بعنوان (العمل التطوعي؛‬ ‫أهميته وضوابطه و أخالقياته)‪ ،‬عن مفهوم العمل التطوعي‬ ‫والتأصيل الشرعي له وعن آليته وضوابطه الشرعية والسلوكية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬أكد املشاركون في الندوة التي عقدها منتدى‬ ‫الوسطية للفكر والثقافة ‪/‬السلط بعنوان " دراسة مسودة قانون‬

‫األح��وال الشخصية " على أن مشروع القانون اجلديد سيحقق‬ ‫نقلة نوعية ف��ي م��ج��ال األح���وال الشخصية وسيعود بالفائدة‬ ‫الكبيرة على املرأة والطفل واألسرة بشكل عام واعتبر املشاركون‬ ‫في الندوة التي عقدت يوم األربعاء ‪ 2010/5/26‬والتي أدارتها‬ ‫السيدة رويدا رياالت أن مشروع القانون اجلديد لم يقتصر على‬ ‫قضايا ال���زواج وال��ط�لاق فقط بل تناول بالتفصيل العديد من‬ ‫القضايا األخرى الهامة مثل الوصاية وامليراث والوصية وغيرها‪،‬‬ ‫وهذا غير موجود في القانون احلالي مشيدا بخطوة دائرة اإلفتاء‬ ‫بطرح مشروع القانون للنقاش العام واستقبال أية اقتراحات أو‬ ‫اعتراضات عليه‪.‬‬ ‫من جهته استعرض مفتي محافظة البلقاء الدكتور هاني العابد‬ ‫مسوغات القانون اجلديد وهي حل النزاعات بني الناس ومواكبة‬ ‫التطور العلمي واحلد من حاالت الطالق بسبب عدم وجود وعي‬ ‫مبسائل الطالق وتناول قضايا حتتاج إلى مراجعة في القوانني‬ ‫السابقة مثل اخللع وغيرها ‪.‬‬ ‫وأكد األستاذ الدكتور محمد القضاة أستاذ الفقه املقارن في‬ ‫اجلامعة األردنية إلى أن املشروع اجلديد يعتبر قفزة كبيرة إذا‬ ‫ما قورن بالقانون احلالي املعمول به منذ عام ‪ 1976‬والذي بدوره‬ ‫مأخوذ عن قانون العائلة العثماني الذي كان معمول به في شرق‬ ‫األردن حيث راعى القانون اجلديد ظروف الناس في هذه املنطقة‬ ‫وجاء منسجما في تنوعه من خالل إضافة مواد جديدة وحذف‬ ‫أخرى من خالل مرجعية إسالمية واجتهادات شرعية وقضائية‬ ‫‪،‬وبني احملامي هيثم العمايرة أن مواد القانون اجلديد تبلغ ‪327‬‬ ‫مادة مقارنة مع ‪ 187‬مادة في القانون احلالي مطالبا باستحداث‬ ‫محكمة متييز شرعية لتوحيد النظرة العامة للقانون معتبرا أن‬ ‫طرح مشروع القانون للنقاش العام في هذه الظروف إيجابي‬ ‫ولكن على أن يقتصر على أصحاب االختصاص‪.‬‬

‫تقرير حول نشاطات المنتدى لشهر حزيران‪2010‬م‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للوسطية بالتعاون مع‬ ‫جامعة تكريت في محافظة األن��ب��ار املؤمتر العلمي الثالث‬ ‫للجامعة بعنوان " املنهج الوسطي ودوره في حل األزمات"‬ ‫والذي استمر ملدة يومني‪.‬‬

‫الرموز اإلسالمية في قطر‪ ،‬حتدث فيها عن مشروعه النهضوي‬ ‫ملواجهة التحديات الكبرى التي تواجه األمة اإلسالمية ‪،‬وقال‬ ‫ال��دك��ت��ور ج��اس��م أن سبب ف��ق��دان األم���ة العربية اإلسالمية‬ ‫مسارها في حركة التاريخ كان بسبب تأخرها‪ ،‬وكان البد من‬ ‫مشروع نهضوي يعيد دور هذه األمة ويستأنف حياتها‪.‬‬

‫ويهدف املؤمتر الذي حضره جمع غفير من عمداء الكليات‬ ‫الوسطية ‪ -‬أقام منتدى الوسطية للفكر والثقافة فرع‬ ‫ورؤساء األقسام وممثل وزارة التعليم العالي ورئاسة تكريت‬ ‫وممثل رئيس ال��دي��وان السني ون��ائ��ب رئيس مجلس علماء إرب��د احتفاال بيوم اجليش والثورة العربية الكبرى في مقر‬ ‫العراق وعدد كبير من الطلبة واإلعالميني إلى تأصيل قضية املنتدى‪.‬‬ ‫عقائدية وشرعية‪ ،‬تعد حال ملشاكل األمة اإلسالمية وذلك من‬ ‫الوسطية ‪ -‬أق��ام منتدى الوسطية ف��رع إرب��د ي��وم طبي‬ ‫خالل االلتزام باملنهج الوسطي الذي ارتضاه تعالى ‪.‬‬ ‫مجاني في مقر املنتدى‪ ،‬وكان اليوم الطبي يدور حول فحص‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للوسطية يوم األربعاء األذن واألن��ف واحلنجرة‪ ،‬وبلغ عدد احل��االت التي مت إجراء‬ ‫املوافق ‪ 2010/6/9‬محاضرة للدكتور جاسم سلطان‪ ،‬أبرز الفحص الطبي لها "‪ "75‬حالة وكان بإشراف أعضاء املنتدى‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫ضـيوف الوســطية‬ ‫املتحدث الرسمي يف الدول اإلسالمية لجمهورية كوسوفا يف زيارة ملقر العاملي للوسطية‬ ‫ق���ام ال��دك��ت��ور ب��ك��ر إس��م��اع��ي��ل امل��ت��ح��دث ال��رس��م��ي في‬ ‫ال��دول اإلسالمية جلمهورية كوسوفا يوم االثنني املوافق‬ ‫‪ 2010/5/31‬بزيارة ملقر املنتدى العاملي للوسطية‪.‬‬ ‫والتقى الدكتور إسماعيل باألمني العام للمنتدى العاملي‬ ‫املهندس مروان الفاعوري حيث مت التباحث والتشاور في‬ ‫آليات التعاون وتفعيل دور املنتدى العاملي للوسطية في‬ ‫كوسوفو والقيام بندوات ومحاضرات ألعضاء املنتدى في‬ ‫جمهورية كوسوفو‪.‬‬ ‫وتأتي هذه الزيارة على هامش زيارته ل�لأردن الفتتاح‬ ‫معرض وندوة" كوسوفا‪ :‬املاضي واحلاضر واملستقبل" والذي‬ ‫يقيمها برعاية وزير الثقافة األستاذ نبيه جميل شقم وذلك‬ ‫في متام الساعة السادسة من مساء يوم الثالثاء املوافق‬ ‫‪ 2010/6/1‬في املركز الثقافي امللكي‪.‬‬

‫املهندس مروان الفاعوري والدكتور بكر إسماعيل‬

‫وفد من جمهورية املالديف يزور مقر العاملي للوسطية‬

‫امل������ه������ن������دس م�����������روان‬ ‫ال���ف���اع���وري والدكتور‬ ‫ه��اي��ل‪ ،‬ص���ورة جماعية‬ ‫م�����ع ال�����وف�����د الضيف‬

‫زار امل��ن��ت��دى ال��ع��امل��ي للوسطية يوم‬ ‫األرب���ع���اء امل�����واف�����ق‪2010/5/31‬م وفد‬ ‫م��ك��ون م��ن (‪ )15‬ض��ي��ف م��ن الضيوف‬ ‫املشاركة ب���دورات وزارة األوق���اف حول‬ ‫ق��ض��اي��ا رس���ال���ة ع���م���ان م���ن جمهورية‬ ‫املالديف ومن أبرز هؤالء الضيوف وزير‬ ‫أوقاف املالديف‪ ،‬حيث رحب األمني العام‬

‫للمنتدى العاملي للوسطية املهندس مروان و الدكتور محمد القضاة شرحاً مفص ً‬ ‫ال‬ ‫الفاعوري بالضيوف وق��دم شرحاً عن حول أبرز نشاطات املنتدى‪.‬‬ ‫تأسيس املنتدى ورسالته في نشر الفكر‬ ‫وقد أعرب الوفد عن شكره وتقديره‬ ‫الوسطي ودوره ف��ي نبذ قيم التطرف‬ ‫والعنف مشيراً إلى أن املنتدى له فروع للمنتدى على االستقبال واحلفاوة وكرم‬ ‫في عدد من دول العالم اإلسالمي ‪.‬‬ ‫الضيافة وفي نهاية اللقاء قدم الفاعوري‬ ‫كما قدم كل من الدكتور هايل داود الدروع التكرميية ألعضاء الوفد‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪75‬‬


‫ضـيوف الوســطية‬ ‫وفد جمعية صالة السالم ألديان العالم النمساوية يزور مقر العاملي للوسطية‬ ‫زار وفد ميثل جمعية صالة السالم ألديان العالم النمساوية‪،‬‬ ‫مقر املنتدى العاملي للوسطية حيث التقى باألمني العام للمنتدى‬ ‫املهندس مروان الفاعوري‪ ،‬وعدد من علماء ومفكري املنتدى‪.‬‬

‫سبيل حتقيق السعادة للبشرية دون النظر إلى اللون أو اجلنس‬ ‫أو الدين‪ ،‬حيث أبدى الوفد إعجابه الشديد مبا يقوم به املنتدى‬ ‫من نشاطات ‪،‬مؤكداً في الوقت ذاته على رغبته األكيدة في‬ ‫توطيد التعاون بني جمعية صالة السالم وبني املنتدى العاملي‬ ‫للوسطية‪.‬‬

‫ورحب األمني العام للمنتدى بالوفد الزائر‪ ،‬وقدم شرحاً‬ ‫ملسيرة املنتدى منذ نشأته‪ ،‬مستعرضاً أهم اإلجن��ازات التي‬ ‫ق��ام بها املنتدى في سبيل نشر الفكر الوسطي ‪ ،‬وتوضيح‬ ‫وأثنى أعضاء الوفد النمساوي على احلرية التي يتمتع بها‬ ‫الصورة احلقيقية لإلسالم أمام الرأي العام احمللي والعاملي‪ .‬أبناء الطوائف املسيحية في األردن‪ ،‬مبا يسمح لهم مبمارسة‬ ‫ومتحور النقاش خالل اللقاء حول أهمية التعايش الديني شعائرهم وطقوسهم الدينية بكل يسر‪ ،‬ومبا يساوي بينهم وبني‬ ‫بني أتباع الديانات السماوية‪ ،‬وأهمية التعاون املشترك في إخوانهم املسلمني في احلقوق والواجبات املدنية‪.‬‬

‫وفد من معهد الدبلوماسية اإليمانية يف زيارة ملقر العاملي للوسطية‬

‫زار األربعاء املوافق ‪ 2010/5/26‬مقر منتدى الوسطية‬ ‫للفكر الثقافة وف��د ميثل املعهد الدبلوماسية اإلميانية في‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ويضم الوفد ثالثة أساتذة جامعيني‬ ‫متخصصني بالقانون ومحاضرون في جامعة بيبيردين وهم‬ ‫براين كوكس‪ ،‬مايكل زاتشاريا‪،‬و ويليام تيمب‪.‬‬

‫مروان الفاعوري في بداية اللقاء بالوفد الضيف معبرا في‬ ‫الوقت ذات��ه عن سعادة القائمني على املنتدى للتواصل معه‬ ‫حتت عنوان احلوار مع القوى املعتدلة في العالم واملبني على‬ ‫قاعدة اللقاء مع القواعد اجلامعة وليس تغليب طابع على‬ ‫آخ��ر‪ ،‬وأن ه��ذا يقع في إط��ار فهمنا ملقاصد ديننا " ياأهل‬ ‫الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم"‬

‫وجرى خالل اللقاء الذي حضره األمني العام للمنتدى العاملي‬ ‫وأض���اف ب��أن العالم اآلن يشهد صحوة دينية ف��ي عصر‬ ‫للوسطية املهندس مروان الفاعوري والدكتور محمد القضاة‬ ‫احلداثة‪ ،‬وهذه الصحوة الدينية ما هي إال رسالة احتجاج من‬ ‫والدكتور ياسني املقوسي اإلطالع على أفكار ومقترحات كال‬ ‫البشرية على موضوع اإلحل��اد ورد أعمق على دعاة اإلحلاد‬ ‫اجلانبني في سبيل تعزيز أطر التعاون املشترك بينهما‪.‬‬ ‫في االحتاد السوفييتي بعد هزمية الفكر الشيوعي القائم على‬ ‫ورح��ب األم�ين العام للمنتدى العاملي للوسطية املهندس مهاجمة األديان‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫بيـانـات الوســطية‬ ‫"إعالن صنعاء للوسطية" بيان صادر عن املؤتمر الدولي السابع للعاملي للوسطية‬ ‫أص��در املشاركون في املؤمتر ال��دول��ي السابع بعنوان (الوسطية اإلسالمية‪:‬‬ ‫املفهوم‪ -‬التحديات – األدوار)‪ ،‬والذي عقده املنتدى العاملي للوسطية بالتعاون‬ ‫مع وزارة األوق��اف واإلرش���اد اليمنية‪ ،‬في العاصمة اليمنية صنعاء يومي ‪-19‬‬ ‫‪2010/5/20‬م‪ ،‬بيان ًا أكدوا فيه إنَّ منهج الوسطية ميثل مشروع ًا حضاري ًا لألمة‬ ‫يسري في العقول والوجدان‪.‬‬ ‫ودعو في البيان الذي أطلقوا عليه اسم "إعالن صنعاء للوسطية" إلى جتميع‬ ‫الصفوف بني كل مكونات األمة مهما اختلفت الرؤى‪ ،‬وإحياء فريضة احلوار بني‬ ‫املسلمني و إصالح النظام التعليمي واألجهزة اإلعالمية لتقوم على أسس قومية‬ ‫وغيرها من املطالب واالقتراحات التي نادوا بها والتي تخدم واقع أمتنا العربية‬ ‫واإلسالمية ‪ ،‬وفيما يلي نص البيان كام ًال‪:‬‬ ‫احلمد لله رب العاملني والصالة والسالم‬ ‫على النبي األمني‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعني‪،‬‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫ب��رع��اي��ة ك��رمي��ة م���ن ف��خ��ام��ة األخ املشير‬ ‫ع��ل��ي ع��ب��دال��ل��ه ص���ال���ح رئ���ي���س اجلمهورية‬ ‫اليمنية‪ ،‬ومبشاركة عددٍ من كبار علماء العالم‬ ‫اإلس�لام��ي ومفكريه انعقد في صنعاء يومي‬ ‫‪1431/6/6- 5‬ه��ـ املوافق ‪2010/5/20-19‬م‬ ‫امل��ؤمت��ر ال��دول��ي ال��س��اب��ع للوسطية بالتعاون‬ ‫بني املنتدى العاملي للوسطية ووزارة األوقاف‬ ‫واإلرش�����اد اليمنية حت��ت ع��ن��وان (الوسطية‬ ‫اإلسالمية‪ :‬املفهوم‪ -‬التحديات – األدوار)‪.‬‬ ‫وق��د ج��اء امل��ؤمت��ر متزامناً م��ع احتفاالت‬ ‫الشعب اليمني ب��ال��ذك��رى العشرين للوحدة‬ ‫اليمنية‪ ،‬التي يراها املشاركون خطوة رائدة‬ ‫لتحقيق ال��وح��دة العربية ال��ت��ي تعد م��ن أهم‬ ‫مقاصد الوسطية‪ ،‬كما أنها مناسبة يتوجه فيها‬ ‫املشاركون بتهنئة اليمن السعيد قيادة وشعباً‬ ‫بحلول ه��ذه ال��ذك��رى اجلليلة‪ ،‬ويتوجهون إلى‬ ‫الشعب اليمني بكل أطيافه للمحافظة على‬ ‫هذه الوحدة وصونها من أية أخطار‪...‬زادها‬ ‫الله رسوخاً وتثبيتاً‪ ،‬وحماها بالعدل واحلكمة‪.‬‬ ‫ويأتي انعقاد املؤمتر في مرحلة دقيقة من‬ ‫تاريخ األمة اإلسالمية‪ ،‬حيث تواجه حتديات‬ ‫خطيرة من أب��رزه��ا‪ :‬حتديات ال��غ��زاة والغالة‬ ‫واجل��ف��اة‪ ،‬دون أن تتوافر لها حصون املناعة‬ ‫الذاتية في ميادين التقدم والوحدة وغيرها‪،‬‬ ‫حتى تقدم أنوار الرحمة اإلسالمية التي يسعد‬ ‫بها العالم‪.‬‬ ‫وبحمد الله وتوفيقه استطاع املنتدى العاملي‬ ‫للوسطية أن يك ِّون صحابة متجانسة من كل أقطار‬ ‫األمة‪ ،‬وقد صارت له فروع في كل منها‪ ،‬وسوف‬ ‫يواصل ذلك حتى ي ًكون شبكة واسعة االنتشار‪.‬‬

‫وه��و إذ يكرر أن نشاطه يقف دون حدود‬ ‫األنشطة احلركية‪ ،‬فإنه سوف يعمل على تنوير‬ ‫واستنهاض كافة القوى الفكرية واالجتماعية‬ ‫احل��ي��ة ف��ي أم��ت��ن��ا ع��ب��ر امل���ؤمت���رات والندوات‬ ‫وعبر‪:‬‬ ‫ تكوين منبر لنشر رسالته الفكرية‪.‬‬‫ تكوين مركز دراسات الوسطية‪.‬‬‫الدعوة لتكوين رابطة ُكتّاب االستنارة‪.‬‬‫ تكوين مرصد ملتابعة حالة األم��ة فيما‬‫يتعلق بتيارات الغلو‪ ،‬وترسيخ مناهج الوسطية‬ ‫في حياة األمة‪.‬‬ ‫ السعي لتكوين محطة فضائية وإذاعية‪..‬‬‫واتفق علماء األم��ة ومفكروها املشاركون‬ ‫في أعمال املؤمتر على إص��دار هذا اإلعالن‬ ‫الذي أطلق عليه (إعالن صنعاء للوسطية) من‬ ‫هذا املنطلق فإننا نخاطب قضايا أمتنا برؤية‬ ‫واضحة ‪:‬‬ ‫‪ .1‬إ َّن م��ن��ه��ج ال��وس��ط��ي��ة مي��ث��ل مشروعاً‬ ‫حضارياً لألمة يسري في العقول والوجدان‬ ‫بنور اإلسالم السمح والسيرة النبوية العطرة‪،‬‬ ‫وإن��ه ال ب�� َّد م��ن استكمال ال��ن��م��وذج الوحدوي‬ ‫العربي واإلس�لام��ي‪ ،‬من خالل مشروع يجمع‬ ‫وال يفرق‪ ،‬يعترف باخلصوصيات وال يختلف‬ ‫ف��ي العموميات وامل��ق��اص��د‪ ،‬وذل���ك أل َّن الغلو‬ ‫ال يولد إال تطرفاً‪ ،‬واجل��ف��اء واالن��ف�لات يولد‬ ‫النتيجة ذات���ه���ا‪ ،‬وأس����وأ أن����واع ال��ت��ط��رف هو‬ ‫االستبداد بالرأي واالعتقاد باحتكار احلقيقة‬ ‫من ٍ‬ ‫طرف دون آخر‪ ،‬والسبيل الصحيح للعالج‬ ‫يتمثل باتباع منهج الوسطية ال��ذي ن��ادى به‬ ‫اإلس�لام لقوله تعالى{ َو َكذ َِل َك َج َع ْلن َُاك ْم ُأ َّم ًة‬ ‫َّ��اس َو َي ُكو َن‬ ‫َو َس ً��ط��ا ِّل�� َت ُ��ك��ونُ��و ْا شُ �� َه�� َداء َع�� َل��ى ال��ن ِ‬ ‫ال َّر ُس ُ‬ ‫يدا َو َما َج َع ْلنَا ال ِْق ْب َل َة ال َِّتي‬ ‫ول َع َل ْي ُك ْم شَ ِه ً‬

‫ُكنتَ َع َل ْي َها ِإ َّال ِلن َْع َل َم َمن َيت َِّب ُع ال َّر ُسو َل ممِ َّ ن‬ ‫َينق َِل ُب َع َلى َع ِق َب ْي ِه َو ِإن َكان َْت َل َك ِبي َر ًة ِإ َّال َع َلى‬ ‫ميان َُك ْم‬ ‫ال َِّذينَ َه َدى ال ّل ُه َو َما َكا َن ال ّل ُه ِل ُي ِضي َع ِإ َ‬ ‫َّاس َلَ��رؤ ٌ‬ ‫ُوف َّر ِح ٌيم}‪ ،‬ولقول رسول‬ ‫ِإنَّ ال ّل َه ِبالن ِ‬ ‫الرحمة ‪-‬صلى الله عليه وآله وسلم‪( :-‬إقرؤوا‬ ‫القرآن‪ ،‬وال تغلوا فيه‪ ،‬وال جتفوا عنه)‪.‬‬ ‫والوسطية هي الفهم الكلي للدين ‪،‬فالفهم‬ ‫اجلزئي للدين هو مدخل االن��ح��راف��ات ‪ .‬أما‬ ‫ال��ف��ه��م ال��ش��ام��ل ف��ه��و ال���ذي ينفي ع��ن الدين‬ ‫حتريف الضالني ‪ ،‬وانتحال املبطلني وتأويل‬ ‫اجلاهلني‪.‬‬ ‫ف��ال��وس��ط��ي��ة ال ت��ع��ن��ي ال��ت��وس��ط ب�ين احلق‬ ‫والباطل بل تعني عني احلق على نحو ما جاء‬ ‫في قوله تعالى‪َ { :‬ق��ا َل أَ ْو َس ُط ُه ْم أَ َل ْ��م أَ ُقل ل َُّك ْم‬ ‫َل ْولاَ ُت َس ِّب ُحونَ} أي أعقلهم ‪.‬‬

‫والوسطية التي يدعو لها املنتدى ليست‬ ‫حزباً أو مذهباً ولكنها منهاج معرفة الواجب‬ ‫‪ ،‬ومعرفة الواقع وال��ت��زاوج بينهما فال ينبغي‬ ‫أن نعيش فيما ينبغي أن يكون أفضل ما هو‬ ‫كائن‪.‬‬ ‫إ َّن ال��وس��ط��ي��ة اج��ت��ه��اد ي��ف��ض االشتباك‬ ‫بني الذين ساقهم التأصيل حلبس احلاضر‬ ‫واملستقبل في املاضي‪ ،‬والذين دفعهم التحديث‬ ‫للتخلي عن التراث‪ .‬اجتهاد يقوم على احملامد‬ ‫السبع‪:‬‬ ‫أو ًال‪ :‬هجرة املخالفني تستوعب مستجدات‬ ‫الزمان واملكان عبر آليات املقاصد واحلكمة‪،‬‬ ‫واملصلحة‪ ،‬واإللهام والسياسة الشرعية‪.‬‬ ‫ث����ان����ي���� ًا‪ :‬ت���وس���ع���ة آف������اق امل���ع���رف���ة م����ن كافة‬ ‫مصادرها‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬س�نن الطبيعة ه��ي كتاب الله املنشور‬ ‫واك���ت���ش���اف���ه���ا ف����ي ك����ل امل�����ج�����االت النفسية‬ ‫واإلنثرولوجية واالجتماعية والطبيعية لزيادة‬ ‫الهجرة إل��ى العصر احل��دي��ث ال��ت��زام��اً بحرية‬ ‫البحث العلمي والتكنولوجي‪.‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪77‬‬


‫بيـانـات الوســطية‬ ‫راب���ع��� ًا‪ :‬االل���ت���زام ب��ح��ق��وق اإلن���س���ان وأصولها‬ ‫اخلمسة‪ :‬ك��رام��ة اإلن��س��ان‪ ،‬احل��ري��ة‪ ،‬العدالة‬ ‫املساواة والسالم‪.‬‬ ‫خامس ًا‪ :‬التطلع للحكم ال��راش��د القائم على‬ ‫أربعة أسس هي‪:‬‬ ‫امل��ش��ارك��ة‪ ،‬امل��س��اءل��ة‪ ،‬الشفافية‪ ،‬س��ي��ادة حكم‬ ‫القانون‪.‬‬ ‫���ادس���ا ‪ :‬ال��ت��ط��ل��ع الق��ت��ص��اد ي��ح��ق��ق التنمية‬ ‫س ً‬ ‫والكفاية والعدل‪.‬‬ ‫‪ .2‬الدعوة إلى جتميع الصفوف بني كل مكونات‬ ‫األمة مهما اختلفت الرؤى على تنوع توجهاتها‬ ‫الفكرية باعتبار أ َّن هذه األمة يجب أن تتهيأ‬ ‫لبناء مشروعها النهضوي احلضاري‪.‬‬ ‫‪ .3‬ال���دع���وة إل���ى إح��ي��اء ف��ري��ض��ة احلواربني‬ ‫املسلمني عم ً‬ ‫ال بقوله تعالى{ا ْد ُع ِإ ِلى َس ِب ِيل َر ِّب َك‬ ‫ِبالحْ ِ كْ َم ِة َوالمْ َ ْو ِع َظ ِة الحْ َ َسن َِة َو َج ِادل ُْهم ِبال َِّتي ِه َي‬ ‫أَ ْح َسنُ ِإنَّ َر َ َّب��ك ُه َو أَ ْع َل ُم بمِ َ ن َض َّل َعن َس ِب ِيل ِه‬ ‫َو ُه�� َو أَ ْع َل ُم ِبالمْ ُ ْهت َِدينَ }‪ ،‬وفريضة احل��وار بني‬ ‫احلضارات لقوله تعالى‪ُ :‬‬ ‫{قلْ َيا أَ ْه�� َل ال ِْكت َِاب‬ ‫َت َعا َل ْو ْا ِإ َلى َك َل َم ٍة َس َواء َب ْي َننَا َو َب ْين َُك ْم أَ َّال ن َْع ُب َد ِإ َّال‬ ‫ال ّل َه َو َال ُنشْ ِر َك ِب ِه شَ ْيئًا َو َال َيت َِّخ َذ َب ْع ُضنَا َب ْعض ًا‬ ‫أَ ْر َبا ًبا ِّمن ُد ِون الل ِّه َف ِإن َت َو َّل ْو ْا َفقُ و ُلو ْا اشْ َه ُدو ْا‬ ‫ِبأَنَّا ُم ْس ِل ُمونَ}‪.‬‬ ‫‪ .4‬ال���دع���وة إل���ى إص��ل�اح ال��ن��ظ��ام التعليمي‬ ‫واألجهزة اإلعالمية لتقوم على أسس قومية‪،‬‬ ‫ت��ت��ض�� ّم��ن ت��وط�ين امل��ع��رف��ة وإن��ت��اج��ه��ا‪ ،‬وتربية‬ ‫األجيال على ثقافة احلوار والتسامح والتعايش‬ ‫مع الذات واآلخر القريب والبعيد‪ ،‬من منطلق‬ ‫أ َّن مفهوم الوسطية يعزز اجل��وام��ع املشتركة‬ ‫لألمة‪ ،‬ويبني الشخصية اإلسالمية املتوازنة‬ ‫على مستوى الفرد واجلماعة‪ ،‬والتأكيد على‬ ‫دور األس���رة –على نحو خ���اص‪ -‬ف��ي تعميق‬ ‫مفاهيم الوسطية واالعتدال في نفوس األبناء‬ ‫وحب اآلخرين والتعاون معهم‪.‬‬ ‫‪ُ .5‬حرمة دماء املسلمني واملعاهدين واملستأمنني‬ ‫وأموالهم وأعراضهم‪ ،‬فهي مصانة بأمر الله‬ ‫ورسوله‪-‬صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،-‬وحمايتها‬ ‫مسؤولية الدول واملجتمعات‪.‬‬ ‫‪ .6‬عالقة املسلمني مع غيرهم تقوم على األمن‬ ‫والسالم والعدل واإلحسان ما لم يقاتلونا في‬ ‫ديننا أو يخرجونا من ديارنا كما قال تعالى‪{ :‬لاَ‬ ‫الد ِين‬ ‫َي ْن َه ُاك ُم ال َّل ُه َع ِن ال َِّذينَ َل ْم ُيق َِات ُل ُوك ْم ِفي ِّ‬ ‫وه ْم َو ُت ْق ِس ُطوا‬ ‫َو َل ْم ُي ْخ ِر ُج ُوكم ِّمن ِد َي ِار ُك ْم أَن َت َب ُّر ُ‬ ‫ِإ َل ْي ِه ْم ِإنَّ ال َّل َه ُي ِح ُّب المْ ُ ْق ِس ِطنيَ(‪ِ )8‬إنمَّ َا َي ْن َه ُاك ُم‬ ‫‪78‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫الد ِين َوأَخْ َر ُج ُوكم‬ ‫ال َّل ُه َع ِن ال َِّذينَ َقا َت ُل ُوك ْم ِفي ِّ‬ ‫���ار ُك ْ���م َو َظ���ا َه��� ُروا َع�� َل��ى ِإخْ ��� َر ِاج ُ���ك ْ���م أنَ‬ ‫ِّم��ن ِد َي ِ‬ ‫َت َو َّل ْو ُه ْم َو َمن َي َت َول َُّه ْم َف ُأ ْو َل ِئ َك ُه ُم َّ‬ ‫الظالمِ ُونَ}‪،‬‬ ‫وفي الوقت ذات��ه ف��إ َّن املؤمتر يرفض بشكل‬ ‫قاطع اجلرائم الصهيونية التي ترتكب ضد‬ ‫األق��ص��ى وم��دي��ن��ة ال��ق��دس وض���د أه��ل��ن��ا في‬ ‫فلسطني وي��دع��و األخ���وة الفلسطينيني إلى‬ ‫وح��دة الكلمة‪ ،‬كما يطالب املؤمترون بجالء‬ ‫االح���ت�ل�ال األج��ن��ب��ي ال���ذي يعطي املبررات‬ ‫للغُالة الرتكاب أفعالهم‪.‬‬ ‫‪ .7‬التأكيد على االلتزام بآداب االختالف بال‬ ‫تخوين وال تكفير‪ ،‬والسعي مع كافة فصائل‬ ‫األمة للتعاون فيما نتفق عليه والتعايش واحلوار‬ ‫بالتي هي أحسن فيما فيه اختالف‪.‬‬ ‫‪.8‬اع��ت��م��اد ال��ن��ص��ح ل��ل��ح��ك��ام وامل��ع��ارض�ين في‬ ‫أم��ة ب��ض��رورة املصاحلة جتنباً الستقطابات‬ ‫صارت رسائل لتفكيك األوطان ومنافذ ملكائد‬ ‫األعداء‪.‬‬ ‫‪ .9‬ال���ت���ص���دي ل��ل��م��س��أل��ة االج���ت���م���اع���ي���ة مبا‬ ‫يحقق العدالة االجتماعية وبالتالي السالم‬ ‫االجتماعي ال��ذي تهدده التفرقة احل��ادة بني‬ ‫املوسرين واملعدمني‪.‬‬ ‫‪ .10‬العمل على محو كافة وجوه دونية املرأة‬ ‫عال مصداقاً لقوله تعالى { َوالمْ ُؤ ِْمنُو َن َوالمْ ُؤ ِْمنَاتُ‬ ‫وف َو َي ْن َه ْو َن‬ ‫َب ْع ُض ُه ْم أَ ْو ِل َياء َب ْع ٍض َي ْأ ُم ُرو َن ِبالمْ َ ْع ُر ِ‬ ‫يمو َن ال َّ��ص َ‬ ‫�لا َة َو ُي�� ْؤ ُت��و َن ال َّز َكا َة‬ ‫َع ِ��ن المْ ُن َك ِر َو ُي ِق ُ‬ ‫َو ُي ِط ُيعو َن ال ّل َه َو َر ُسو َل ُه ُأ ْو َل ِئ َك َس َي ْر َح ُم ُه ُم ال ّل ُه‬ ‫ِإنَّ ال ّل َه َع ِزيزٌ َح ِك ٌيم}‪ ،‬ففي املسائل اإلنسانية‬ ‫واإلمي���ان���ي���ة ي���وج���ب اإلس���ل��ام امل����س����اواة بني‬ ‫اجلنسني‪ ،‬وفي املسائل العائلية توجد تفرقة‬ ‫تكامل التفاضل‪ ،‬فاملرأة املسلمة جتد كرامتها‬ ‫لإلسالم بال حاجة للهجرة لثقافة أجنبية‪.‬‬ ‫‪ .11‬دعوة كافة احلركات السياسية اإلسالمية‬ ‫وغيرها إلى ضرورة إحداث مراجعة صريحة‬ ‫وج��ري��ئ��ة خلطابها ال���دع���وي‪ ،‬وأول��وي��ات��ه��ا في‬ ‫اإلص�ل�اح بحيث يتقدم اإلص�ل�اح االجتماعي‬ ‫بأبعاده التربوية واالقتصادية واإلعالمية على‬ ‫الصراع السياسي‪ ،‬ليصبح اإلصالح السياسي‬ ‫نتيجة وثمرة وليس منطلقاً ومحوراً أساسياً ‪.‬‬ ‫‪ .12‬مطالبة األنظمة السياسية في العاملني‬ ‫ال��ع��رب��ي واإلس�لام��ي بتبني وحتقيق تطلعات‬ ‫وأش����واق ال��ش��ع��وب اإلس�لام��ي��ة لتعزيز القيم‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وذلك من خالل اإلع�لام واملناهج‬ ‫ال��ت��رب��وي��ة‪ ،‬واع��ت��م��اد املرجعية اإلس�لام��ي��ة في‬ ‫القضاء والتشريعات القانونية وكذلك احترام‬

‫حقوق اإلنسان ‪.‬‬ ‫‪ .13‬مطالبة األنظمة السياسية في العاملني‬ ‫ال���ع���رب���ي واإلس��ل��ام�����ي ب���اع���ت���م���اد الوسطية‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وذل��ك من خ�لال التوزيع العادل‬ ‫للثرورة‪ ،‬وتوجيه األم��وال العربية واإلسالمية‬ ‫نحو االستثمار والتنمية في البلدان العربية‬ ‫واإلسالمية‪.‬‬ ‫‪ .14‬املطالبة ب��ض��رورة ال��ت��واص��ل م��ع العالم‬ ‫ال���غ���رب���ي وأوروب��������ا ل���ش���رح ع���دال���ة قضايانا‬ ‫وتأييدها‪ ،‬وإفساح املجال أمام القادة واملفكرين‬ ‫اإلسالميني واجلاليات اإلسالمية لفتح قنوات‬ ‫احل���وار م��ع اآلخ���ر وب��ي��ان م��رت��ك��زات اإلسالم‬ ‫األس��اس��ي��ة‪ ،‬ب��ه��دف ت��ع��ري��ف ال��نُ��خ��ب الفكرية‬ ‫وصنَّاع القرار‬ ‫والسياسية واإلعالمية الغربية ُ‬ ‫السياسي هناك بقضايانا العادلة وسماحة‬ ‫وإنسانية ديننا‪.‬‬ ‫‪ .15‬مطالبة األنظمة السياسية بضرورة إعادة‬ ‫النظر مبناهج البحث العلمي والتكنولوجي‬ ‫ومخصصاتهما‪ ،‬والسعي إل��ى توطني وإنتاج‬ ‫امل��ع��رف��ة ف��ي ك��اف��ة امل��ج��االت مب��ا يتناسب مع‬ ‫احل��ف��اظ على هوية األم��ة ومصاحلها‪ ،‬وأمن‬ ‫الدول العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫‪ .16‬دعوة القيادات العربية واإلسالمية إلى دعم‬ ‫وحدة اليمن والوقوف معه ضد كل محاوالت‬ ‫التفتيت‪ ،‬كما يدعون جميع أبناء الشعب اليمني‬ ‫إلى التالحم والتراحم واحملافظة على وحدتهم‬ ‫التي جعلت من اليمن بلداً كبيراً في نظر العالم‬ ‫يحظى باحترام البعيد والقريب‪ ،‬وأي تفريط‬ ‫في الوحدة لن ي��ؤدي إال إلى الفنت‪ ،‬والتمزق‬ ‫والضعف وذهاب الريح‪.‬‬ ‫‪ .17‬دع��وة القيادات العربية لتوجيه جهودها‬ ‫وجتميع قواها في منظومة احتادية سياسية‬ ‫واقتصادية لتحقيق هدف الوحدة التي تُشكل‬ ‫أس��اس النهضة ملواجهة استحقاقات القرن‬ ‫احلالي‪.‬‬ ‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬ ‫وصحبه أجمعني‪.‬‬


‫بيـانـات الوســطية‬

‫"ال لإلرهـاب اإلسرائيلـي"‬

‫بيان للعاملي للوسطية حول العمل اإلجرامي بحق قافلة "أسطول الحرية"‬ ‫أص��در املنتدى العاملي للوسطية بيان ًا أدان فيه العمل‬ ‫اإلج��رام��ي ال��ذي اقترفته ال��ق��وات اإلسرائيلية بحق قافلة‬ ‫اخلير اإلنسانية‪ ،‬وطالب العاملي في بيانه ال��دول العربية‬ ‫لعقد قمة طارئة والوقوف على هذه الفعلة النكراء‪ ،‬وفيما‬ ‫يلي نص البيان‪:‬‬ ‫إن املنتدى العاملي للوسطية وهو يتابع الهجوم اإلرهابي‬ ‫ال��ذي ق��ام ب��ه األس��ط��ول اإلسرائيلي املُ��دج��ج بالسالح على‬ ‫األبرياء الذين جاءوا باإلمدادات اإلنسانية إلى غزة احملاصرة‪،‬‬ ‫يعلن استنكاره الشديد لهذا العمل الهمجي والذي أ َّدى إلى‬ ‫استشهاد وجرح العشرات من هؤالء املتطوعني الذين جاءوا‬ ‫مبهمة إنسانية‪.‬‬

‫إن هذا العمل اإلجرامي الذي قام به اجلنود اإلسرائيليون‬ ‫يُحتِّم على األمة العربية واإلسالمية أن حتدد مواقفها من‬ ‫اإلجرام اإلسرائيلي خاصة فيما يتعلق بعملية السالم التي يزيد من العنف والصلف اإلسرائيلي في ع��دم االعتراف‬ ‫حتاول فيه إسرائيل أن تغطي على جرائمها وإرهابها في حق بالقوانني الدولية‪.‬‬ ‫الشعب الفلسطيني‪.‬‬ ‫وم��ن ه��ذا املنطلق فإننا ندعو إل��ى مؤمتر ط��ارئ للقمة‬ ‫ومما ال شك فيه أن األمة أحوج ما تكون في هذا الوقت العربية التخاذ قرارات ومواقف تؤكد وحدتها أمام العدوان‬ ‫إلى وحدة املواقف واالبتعاد عن الشقاق واخلالف في ظل اإلس��رائ��ي��ل��ي ال��ظ��ال��م ال���ذي يستهدف ال��ك��رام��ة اإلسالمية‬ ‫هذا الوضع الشائن وامل��زري حلالة الشتات العربي والذي واإلنسانية‪.‬‬

‫بيان صادر عن العاملي للوسطية حول اغتيال مفتي األنبار‬ ‫ببالغ من احلزن واألسى تلقى املنتدى العاملي للوسطية‬ ‫نبأ اغتيال فضيلة الشيخ عبد العليم السعدي مفتي األنبار‬ ‫أم��ام منزله من قبل مجموعة من املجرمني الذين يتخذون‬ ‫الدين ستارا جلرائمهم وانحراف فكرهم‪ ،‬في الوقت الذي‬ ‫بدأ العراق يستعيد أمنه وأمانه بعد سنوات من سفك الدماء‬ ‫البريئة‪ ،‬التي قتل خاللها عشرات اآلالف من األبرياء‪.‬‬ ‫إن املنتدى العاملي وه��و يقدم أح��ر تعازيه إل��ى عائلته‬ ‫وأهل األنبار الكرام يعلن استنكاره لهذا العمل اإلجرامي الذي‬ ‫استهدف داعية من دعاة االعتدال والوسطية والوحدة وأمضى‬ ‫سنني عمره الثمانني مدافعا عن دينه وأمته ووطنه ‪ ،‬إن هذا‬ ‫استنكر املنتدى العاملي للوسطية نبأ اغتيال مفتي األنبار يدل على أن الفكر املنحرف يبعد اإلنسان السوي عن التفكير‬ ‫فضيلة ال��ش��ي��خ ع��ب��د العليم ال��س��ع��دي م��ن ق��ب��ل مجموعة الصحيح ويوصله إلى مسالك القتل والتدمير واستباحة قتل‬ ‫األبرياء وسفك الدماء‪.‬‬ ‫إجرامية‪ ،‬وعلى أثر هذا النبأ أصدر البيان التالي نصه‪:‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪79‬‬


‫بيـانـات الوســطية‬ ‫بيان صادر عن منتدى الوسطية للفكر والثقافة حول مسودة قانون األحوال الشخصية‬

‫جانب من الورشة‬ ‫بعونه تعالى وتوفيقه ‪ ،‬وب��دع��وة م��ن منتدى الوسطية للفكر‬ ‫والثقافة‪ ،‬التقى أكثر من خمسة وعشرين أستاذ ًا جامعي ًا ومختص ًا‪،‬‬ ‫في ورشة علمية ملناقشة مسودة قانون األح��وال الشخصية اجلديد‪،‬‬ ‫وبعد عرض أوراق العمل املقدمة من األساتذة أ‪.‬د‪ .‬محمود السرطاوي‬ ‫نائب رئيس اجلامعة اإلسالمية العاملية‪ ،‬وأ‪.‬د‪.‬محمد القضاة أستاذ‬ ‫الفقه املقارن في كلية الشريعة في اجلامعة األردنية‪ ،‬وفضيلة الدكتور‬ ‫منصور الطوالبة من دائرة قاضي القضاة‪ ،‬دار نقاش موسع بني احلضور‬ ‫وطرح األساتذة املشاركون آراءهم واقتراحاتهم حول القانون‪.‬‬ ‫وقد أكد املشاركون في الورشة على اإليجابيات الكبيرة الواردة‬ ‫في القانون‪ ،‬وأن��ه يعد إجن��ازاً وطنياً كبيراً‪ ،‬وتأكيداً واضحاً على‬ ‫سمو الشريعة‪ ،‬وحفاظها على األسرة‪ ،‬وحتقيقها ملصالح كل أفرادها‪،‬‬ ‫من الزوج والزوجة واألبناء‪ ،‬وهم يقدرون عالياً هذا اإلجناز لدائرة‬ ‫قاضي القضاة وللجنة العلماء الذين صاغوا هذا القانون‪.‬‬ ‫كما يثمنون لدائرة قاضي القضاة طرحها لهذا القانون من خالل‬ ‫وسائل اإلعالم للمناقشة وإبداء اآلراء من املختصني واملعنيني‪ ،‬مما‬ ‫يؤكد رحابة الصدر وسعة األفق‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪.‬محمد اخلطيب ‪/‬أستاذ مقارنة األديان‪ /‬كلية الشريعة‪ /‬اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬ه��اي��ل داوود‪/‬أس���ت���اذ الفقه وأص��ول��ه ‪/‬كلية الشريعة ‪/‬اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫سعادة النائب السابق د‪.‬محمد احلاج‪/‬دكتوراه شريعة إسالمية‪.‬‬ ‫د‪.‬أح��م��د احل�لاي��ب��ة ‪/‬دك���ت���وراه فقه وأص��ول��ه ‪/‬اجل��ام��ع��ة اإلسالمية‬ ‫العاملية‪.‬‬ ‫د‪.‬أحمد ياسني القرالة ‪/‬دكتوراه فقه وأصوله‪ /‬جامعة آل البيت‪.‬‬ ‫د‪.‬س���ري الكيالني‪/‬أستاذ الفقه املقارن‪/‬كلية الشريعة‪/‬اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬وائ��ل عربيات ‪ /‬دكتوراه فقه وأصوله ‪ /‬كلية الشريعة ‪/‬اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫فضيلة الدكتور محمد اخلاليلة‪/‬دكتوراه شريعة‪ /‬دائ��رة اإلفتاء‬ ‫العام‪.‬‬ ‫احملامي هيثم العمايرة‪ /‬أمني عام حزب الوسط اإلسالمي‪.‬‬ ‫د‪.‬ق��ذاف��ي الغنامي‪ /‬أستاذ الفقه وأصوله‪/‬كلية الشريعة‪/‬اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬عبد الله الصيفي‪ /‬أستاذ الفقه وأصوله‪/‬كلية الشريعة‪/‬اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬منصور مقدادي‪ /‬أستاذ الفقه وأصوله‪/‬كلية الشريعة‪/‬اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬محمد الطوالبة‪ /‬أستاذ الفقه وأصوله‪/‬كلية الشريعة‪/‬اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬جميلة الرفاعي‪ /‬أستاذ الفقه وأصوله‪/‬كلية الشريعة‪/‬اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬ع��ط��ا ال��ل��ه امل��ع��اي��ط��ة‪ /‬دك��ت��وراه شريعة‪/‬كلية الشريعة اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬ع��ارف حسونة‪ /‬دكتوراه فقه وأصوله ‪/‬كلية الشريعة ‪ /‬اجلامعة‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬مروة خورما‪/‬دكتوراه تفسير ‪/‬كلية الشريعة ‪/‬اجلامعة األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬نوال شرار‪ /‬دكتوراه فقه وأصوله‪.‬‬ ‫د‪.‬عبير التميمي‪/‬د‪.‬فقه وأصوله‪.‬‬ ‫د‪.‬نداء زقزوق‪/‬دكتوراه عقيدة‪ /‬كلية الشريعة ‪/‬اجلامعة األردنية‪.‬‬ ‫د‪.‬خولة اخلوالدة‪.‬‬ ‫احملامية سميرة زيتون‪.‬‬ ‫د‪.‬هبة ملحم‪ /‬دكتوراه فقه وأصوله‪.‬‬

‫وإن املشاركني في الورشة ليؤكدون أن أي قانون أو اجتهاد ال يخلو‬ ‫من آراء مخالفة أو خالفات في الرأي‪ ،‬واملهم أن كل هذه االجتهادات‬ ‫في إطار الشريعة اإلسالمية وحتقيقها ملصالح الناس‪ ،‬وحفاظها على‬ ‫حقوقهم‪ ،‬وعدم التمييز السلبي بينهم‪ ،‬وسيقوم املشاركون بالورشة‬ ‫برفع توصياتهم التفصيلية حول القانون لدائرة قاضي القضاة‪.‬‬ ‫جزى الله خيراً كل من أسهم في إعداد وصياغة وإصدار هذا‬ ‫القانون‪ ،‬وحفظ الله األردن سنداً لإلسالم واملسلمني‪ ،‬بقيادة جاللة‬ ‫امللك عبد الله الثاني ابن احلسني حفظه الله ورعاه‪.‬‬ ‫املشاركون في الورشة‪:‬‬ ‫أ‪.‬د‪.‬محمود السرطاوي‪/‬نائب رئيس اجلامعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫أ‪.‬د‪.‬محمد القضاة ‪/‬أستاذ الفقه املقارن ‪/‬كلية الشريعة ‪/‬اجلامعة احملامي فرحان أبو سرحان‪.‬‬ ‫األردنية‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


‫بيـانـات الوســطية‬ ‫"إىل متى؟"‬ ‫بيان صادر عن العاملي للوسطية حول األحداث التي تطال أبناء الرافدين‬

‫أص�������در املنتدى‬ ‫ال���ع���امل���ي للوسطية‬ ‫بيان ًا استنكروا فيه‬ ‫األع��م��ال اإلجرامية‬ ‫ال�����ت�����ي ت�����ق�����وم بها‬ ‫ال��ع��ص��اب��ات املسلحة‬ ‫بحق أبناء شعبنا في‬ ‫ال���ع���راق‪ ،‬وف��ي��م��ا يلي‬ ‫نصه‪:‬‬ ‫سنخرج اليوم عن‬ ‫امل��أل��وف م��ن البيانات‬ ‫التي نصدرها في املنتدى العاملي للوسطية والتي ندين ونشجب‬ ‫ونستنكر فيها كل أشكال القتل والتفجير التي تطال أبناء الرافدين‪،‬‬ ‫لنحول هذا البيان إلى صرخة مدوية في اآلفاق نسمعها للقاصي‬ ‫قبل الداني‪ ،‬عسى أن جتد آذان صاغية‪ ،‬هذه الصرخة نطلقها على‬ ‫شكل سؤال طاملا حلم كل حر بسماع اإلجابة عليه‪.‬‬ ‫إلى متى؟‬ ‫إل��ى متى يا أم��ة اإلس�لام ‪ ،‬يا أم��ة املليار ونصف املليار مسلم‬ ‫ستبقى دماء العراقيني تسفك في عاصمة الرشيد‪ ،‬وأنتم تنظرون؟‬ ‫ألهذا احلد دماء العراقيني رخيصة وه ّينة عليكم ؟‬ ‫ألهذا احلد أصبحت كراسيكم أغلى من كرامتكم؟‬ ‫إلى متى ستبقى يد األغراب من هنا ومن هناك كالغراب تنشر‬ ‫اخلراب و تعبث بأمن واستقرار نسائه وأطفاله؟‬ ‫ألم يئن الوقت أن تستيقظوا من غفلتكم لتميزوا بني الصديق‬ ‫والعدو؟‬

‫إن تهاونكم وسكوتكم ع ّما يجري على أرض دجلة والفرات‪ ،‬سيجر‬ ‫ال أم آج ً‬ ‫عليكم الويالت عاج ً‬ ‫ال‪ ،‬وسينطبق عليكم املثل القائل أكلت‬ ‫يوم أكل الثور األبيض‪ ،‬فاليوم العراق‪ ،‬وغداً سوريا وبعدها السودان‬ ‫ال سمح الله ‪ ،‬والله وحده يقول { َوا ّتَقُوا فِ تْنَ ًة لاَ ت ُِصيبنَ َّ ا ّلَذِ ي َن َظلَ ُموا‬ ‫اص ًة} يعلم من سيكون عليه الدور بعد ذلك في مسلسل‬ ‫مِ نْ ُك ْم َخ َّ‬ ‫الذل والهوان العربي‪ ،‬هذا الذل الذي ساهمت الفرقة بني أبناء األمة‬ ‫في صناعته‪ ،‬وث ّبت أركانه حب املناصب والكراسي ورفض نتائج‬ ‫صناديق االقتراع‪.‬‬ ‫إن���ن���ا ن�����رى أن ال���غ���ط���رس���ة األج���ن���ب���ي���ة‪ ،‬واحل����ق����د الصفوي‬ ‫اإليراني‪،‬والتطرف الديني‪ ،‬هي األسباب الرئيسية فيما يجري على‬ ‫أرض العراق اليوم من قتل وتدمير‪ ،‬وأن مواجهة هذا الثالوث اخلبيث‬ ‫ال يكون إال بتعاضد أبناء الشعب العراقي من كافة الطوائف واملذاهب‬ ‫والقوميات‪ ،‬ورفض التدخل اخلارجي حتت أي مسمى كان‪ ،‬ونشر‬ ‫الوعي الديني الصحيح بني أبناء الشعب العراقي ‪ ،‬ليخرج العراق‬ ‫العظيم من هذا الكابوس ويعود إلى سابق عزه‪ ،‬نصيراً وظهيراً ألمته‬ ‫العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫إننا نحتسب الشهداء الذين سقطوا في تفجيرات السبت الدامي‬ ‫– وال ندري هل بقي يوم من أيام العراق ليس بدامي – نحتسبهم‬ ‫شهداء عند ربهم‪ ،‬ونتمنى للجرحى واملصابني الشفاء العاجل‪.‬‬ ‫لقد آن ملسلسل الدم العراقي املسفوح أن ينتهي ‪ ،‬ويوضع له حد‬ ‫‪ ،‬لقد آن للقيادات العراقية أن تقدم مصلحة شعبها على مصلحة‬ ‫أحزابها أو مصلحتها الشخصية‪ ،‬لقد آن للعرب أن يعملوا على‬ ‫إع��ادة العراق إلى حاضنته العربية‪ ،‬وينأوا به وينقذوه من أنياب‬ ‫أعداء األمة اإلسالمية‪.‬‬ ‫َّاس لاَ َي ْع َل ُمونَ}‬ ‫{ َوال َّلهُ َغ ِال ٌب َع َلى أَ ْم ِر ِه َو َل ِك َّن أَ ْك َث َر الن ِ‬

‫العاملي للوسطية يصدر بيانا حول تفجريات كامباال‬

‫تسود اليوم أعمال إجرامية وإرهابية‪ ،‬واستهداف لألبرياء الذين‬ ‫ليس لهم عالقة وال باع في كل ما يحصل من هجمات وتفجيرات‪،‬‬ ‫وما حصل في كامباال من تفجيرات في مطعمني مرتادوهما يتابعون‬ ‫املباراة النهاية لكأس العالم لكرة القدم هو حادث في نفس السياق‬ ‫مما يؤكد أن هناك متآمرين يسعون إلى التدمير وعدم قيام السالم‬ ‫واالستقرار والهدوء في منطقة القرن اإلفريقي‪.‬‬ ‫إن املنتدى العاملي للوسطية ي��رى أن ه��ذه األع��م��ال تهدف إلى‬ ‫الفرقة‪ ،‬وقتل األبرياء وسفك دمائهم ونشر الفرقة وزعزعة األمن‬ ‫االجتماعي والوطني ‪ ،‬وإنها أعمال غير مقبولة في أي شرع أو دين‬ ‫أو خلق أو إنسانية‪،‬بل هي أعمال همجية خسيسة تدل على خسة‬ ‫وهمجية من يقوم بها‪ ،‬مهما تدثر حتته من دثار أو تغطى حتته من‬ ‫غطاء‪.‬‬ ‫إن ما يتم اليوم على أرض الصومال من أعمال يندى لها اجلبني‪،‬‬ ‫أو أعمال متارس خارجه باسم حترير الصومال ليس أي تبرير سوى‬ ‫تفتيت البالد التي تشرذمت بفعل التطرف والفهم اخلاطئ لديننا‬ ‫احلنيف على يد حفنة من اجلهلة واملنحرفني على الصومال الشقيق‬ ‫ومصاحله واستقراره‪.‬‬

‫كما يدعو املنتدى األمتني العربية واإلسالمية على نشر السالم‬ ‫والتآلف واالستقرار بني الفرقاء على مائدة واحدة ليعود الصومال‬ ‫ومن حوله إلى أمنه واستقراره من خالل لغة احلوار‪.‬‬ ‫دعوانا إلى الله العلي القدير أن يحمي هذه األم��ة من كل كيد‬ ‫ومين عليها باألمن واألمان قال تعالى‪َ {:‬وال َّلهُ َغ ِال ٌب َع َلى أَ ْم ِر ِه َو َل ِك َّن‬ ‫َّاس لاَ َي ْع َل ُمونَ}‪.‬‬ ‫أَ ْك َث َر الن ِ‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪81‬‬


‫أخــبار الوسطية‬

‫ش��يخ األزه��ر يس��تقبل وف��د املنت��دى العامل��ي للوس��طية‬

‫صورة جماعية لوفد املنتدى وشيخ األزهر‬ ‫استقبل اإلم��ام األكبر الدكتور أحمد الطيب يوم األح��د املوافق‬ ‫‪ 2010/5/2‬مبشيخة األزهر وفد املنتدى العاملي للوسطية برئاسة‬ ‫رئيس وزراء السودان األسبق اإلمام الصادق املهدي‪ ،‬وكل من أمني‬ ‫عام املنتدى العاملي للوسطية املهندس مروان الفاعوري‪ ،‬واألستاذ‬ ‫منتصر الزيات‪ ،‬والناطق االعالمى للمنتدى العاملي أستاذ التاريخ‬ ‫االسالمي الدكتور عبد احلليم عويس‪ ،‬والشيخ عبد احملمود ‪.‬‬ ‫وقدم الوفد تهانيه احلارة لشيخ األزهر مبناسبة تقلده منصب‬

‫شيخ األزهر الدكتور الطيب وم‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫مشيخة األزهر‪ ،‬معربا عن أمانيه في أن يسعى شيخ األزهر إلى رأب‬ ‫الصدع ووصل العالقة بني األزه��ر بوصفها منارة الدعوة واملعرفة‬ ‫وبني كل الهيئات واملؤسسات العاملة في حقل الدعوة اإلسالمية بعد‬ ‫حالة اجلفوة بينهم طيلة األعوام املاضية‪.‬‬ ‫وأش��ار الفاعوري في حديثه عن فكرة تأسيس املنتدى العاملي‬ ‫للوسطية ومقره األردن باعتباره هيئة سباقة ومميزة في نشر رسالة‬ ‫االعتدال والوسطية ومكافحة التشدد والتطرف واإلرهاب ‪.‬‬

‫المنتدى العالمي للوس��طية يطلق "رابطة كتاب التجديد في الفكر اإلس�لامي" في القاهرة‬ ‫عقد يوم السبت املوافق ‪ 2010 /6/26‬في القاهرة امللتقى اخلاص الذي‬ ‫نظمه املنتدى العاملي للوسطية بعنوان" رابطة كتاب التجديد في الفكر‬ ‫اإلسالمي" مبشاركة نخبة من قادة الفكر في العالم العربي واإلسالمي‪.‬‬ ‫وه��دف امللتقى ال��ذي استمر مل��دة يومني ‪ ،‬إل��ى إط�لاق "راب��ط��ة كتاب‬ ‫التنوير"‪ ،‬الّتي تهدف إلى تنسيق اجلهود بني العاملني في حقل الفكر‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ودعم األعمال اجلادة‪ ،‬وتكرمي املبدعني‪.‬‬ ‫جلسة االفتتاح‬ ‫وقال األستاذ منتصر الزيات رئيس فرع املنتدى العاملي للوسطية في‬ ‫القاهرة "إ ّنه ال جتديد في الثوابت واألصول‪ ،‬كما أننا ال نحدث في الدين‬ ‫ما ليس منه‪ ،‬وأ ّن الثوابت وما اتفق عليه أهل السنة واجلماعة هو ما نؤكد‬ ‫عليه دو ًما"‪ ،‬مضي ًفا أنه يجب التخفيف عن الناس متاعبهم وتعليمهم فقه‬ ‫احلياة كما يتم تعليمهم فقه املوت‪ ،‬كما أكد على أهمية احتضان دولة مصر‬ ‫ملثل هذه املبادرة اجلادة واحلقيقية التي تسهم تعزيز الفكر اإلسالمي‪.‬‬

‫وأشار األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية املهندس مروان الفاعوري‬ ‫في كلمته التي ألقاها إلى رسالة املنتدى باعتبارها رسالة نهضة وتنوير على‬ ‫مستوى التنظير والتنزيل‪ ،‬مؤكداً على احلاجة املاسة لإلسهام في جتديد‬ ‫طرائق التوعية عند الصفوة إلنتاج علم راشد‪.‬‬

‫وتطرق عن فكرة إنشاء رابطة للكتاب العاملني في مجال جتديد الفكر‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬واصفا إياها بأنها إضافة نوعية وإحدى التجليات الفكرية للمنتدى‪.‬‬ ‫وأض��اف الفاعوري أ ّن هذا املنتدى لن يكون رد فعل عفوي وعاطفي‬

‫‪82‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫جانب من امللتقى‬ ‫على مدرسة التطرف العلماني‪ ،‬على العكس من ذلك حيث ستبذل اجلهود‬ ‫جلعل الدين مصدر إشعاع للعمل الثقافي اجلاد ا ّلذي يتبصر حاجات األمة‬ ‫وآمالها وآالمها لتسجيل مشاركة حقيقية ملموسة على أرض الواقع تسهم‬ ‫في نهضة األمة‪.‬‬ ‫وع ّبر الدكتور محمد حبش عن فرحه بانعقاد هذا اللقاء في القاهرة‬ ‫خصوصاً املدينة التي تضم األزهر الشريف‪ ،‬وهي أم الدنيا وأكبر مدينة‬ ‫إسالمية في العالم‪ ،‬مضيفاً أن رمزية وجود هذا اللقاء في القاهرة يشدنا‬ ‫إلى املجددين الذين انطلقوا من األزهر الشريف واختاروا التكامل بني قيم‬ ‫اإلسالم العظيم وقيم احلضارة احلديثة‪ ،‬وعلى رأس هؤالء املجددين الكبار‬


‫الشيخ محمد عبده وجمال الدين األفغاني وعبد‬ ‫الرحمن الكواكبي‪.‬‬

‫سعدي األحمري و حتدث فيها الدكتور جاسم‬ ‫سلطان "أهمية الفكر التجديدي ف��ي إصالح‬ ‫ون��ه��ض��ة األم����ة" ‪ ،‬أم���ا ف��ي اجل��ل��س��ة األول����ى من‬ ‫اليوم الثاني والتي ترأسها الدكتور أحمد نوفل‬ ‫وحت���دث فيها ك��ل م��ن دول���ة ال��رئ��ي��س الصادق‬ ‫املهدي وسماحة السيد الشيخ هاني فحص‪،‬‬ ‫فقد نوقش فيها محور" التحديات التي تواجه‬ ‫الفكر التجديدي"‪ ،‬حيث تطرق سماحة اإلمام‬ ‫ال��ص��ادق امل��ه��دي ف��ي كلمته ال��ت��ي أل��ق��اه��ا إلى‬ ‫اجل��ذور الثقافية لظاهرتي التنوير والتجديد ‪،‬‬ ‫واحلالة الراهنة والتحديات التي تواجه الفكر‬ ‫التجديدي‪.‬‬

‫ورح��ب الدكتور حبش بالدول العشرة التي‬ ‫شاركت في اللقاء ب��دءاً من السودان عبر دولة‬ ‫الرئيس الصادق املهدي‪ ،‬واليمن الدكتور شوقي‬ ‫ال��ق��اض��ي وإخ���وان���ه امل��ف��ك��ري��ن‪ ،‬وم���ن السعودية‬ ‫الدكتور زكي ميالد والدكتور محمد األحمري‪،‬‬ ‫ومن قطر الدكتور جاسم سلطان‪ ،‬ومن املغرب‬ ‫كوكبة م��ن العلماء مثلهم الدكتور سعد الدين‬ ‫العثماني‪ ،‬وم��ن لبنان ال��دك��ت��ور ه��ان��ي فحص‪،‬‬ ‫وم��ن س��وري��ة املفكر اإلس�لام��ي الشيخ جودت‬ ‫سعيد وإخوانه من الكتاب واملفكرين‪ ،‬ومن مصر‬ ‫وأش��ار إل��ى ض��رورة قيام ث��ورة ثقافية تقوم‬ ‫الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور أحمد كمال‬ ‫أب��و املجد والدكتور عبد احلليم عويس‪ ،‬ومن على التحرر من املنطق الصوري ال��ذي يصنع‬ ‫األردن الشيخ العالم أحمد نوفل وإخ��وان��ه من القيد‪ ،‬مؤكداً في الوقت ذات��ه على أن التفرقة‬ ‫بني املسلمني من أهم عوائق التجديد‪.‬‬ ‫العلماء‪.‬‬ ‫وأض����اف امل��ه��دي أن وج����ود راب��ط��ة لكتاب‬ ‫من جهته أ ّكد الدكتور أحمد كمال أبو املجد‪،‬‬ ‫عضو مجمع البحوث اإلسالمية والنائب السابق التجديد ستحقق الكثير من األمور حيث ستكون‬ ‫لرئيس املجلس القومي حلقوق اإلن��س��ان‪ ،‬على منبر مشترك يجمع بني أصحاب فكر مشترك‬ ‫أهمية التواصل مع العالم‪ ،‬وأ ّن القضية ليست ل�لات��ف��اق على ح���وار ق��ي��م��اً‪ ،‬وس��ت��دع��م املفكرين‬ ‫ف��ي اخل��ط��اب�ين ال��دي��ن��ي وال��س��ي��اس��ي وإمن���ا في وال��ب��اح��ث�ين امل��ب��دع�ين ب��ك��ل ال��وس��ائ��ل املتاحة‪،‬‬ ‫املفاهيم‪ ،‬مضيفاً إلى احلاجة املاسة لشجاعة باإلضافة إلى اتخاذ مواقف من احلكومات ال‬ ‫االجتهاد ف��ي ه��ذا املنعطف املهم م��ن تاريخنا يجاريها وال يعاديها وإمنا يضغط بكل الوسائل‬ ‫اإلسالمي؛ ملواجهة حتدي تفكيك األمة‪ ،‬وإلى أن امل��دن��ي��ة ف��ي سبيل كفالة احل��ري��ات األساسية‬ ‫وحتقيق العدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫نتجمع ال أن نتفرق بحسب ما قال‪.‬‬ ‫"راب��ط��ة كتاب التجديد" كانت محور نقاش‬ ‫وأوض���ح أن قضية التنوير ينبغي أن تكون‬ ‫ضمن إط��ار احملافظة على األص��ول والثوابت‪ ،‬اجللسة الثانية واخلتامية‪ ،‬حيث نوقش فيها‬ ‫وتوظيف التعددية التي يؤمن بها اإلسالم؛ تنوي ًعا النظام الداخلي للرابطة‪ ،‬وقد جرى في البداية‬ ‫ينتفع به الناس ويتجمعون حوله ال أن يتفرقوا‪ ،‬التصويت على اخ��ت��ي��ار أع��ض��اء ال��راب��ط��ة على‬ ‫وأ ّن الرأي في القضايا اجلزئية يجب أن يكون اعتبار أن األع��ض��اء املشاركني جميعاً أعضاء‬ ‫مؤسسني واعتبارهم الهيئة العامة للرابطة‪ ،‬ومت‬ ‫مفتوحا‪ ،‬وأ ّن يمُ ارس فيه االجتهاد بشجاعة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مناقشة بنود النظام الداخلي وإقراره ‪ ،‬بعد أن‬ ‫بعدها حت��دث ال��دك��ت��ور أح��م��د عمر هاشم مت إج���راء ع��دد م��ن التعديالت املناسبة عليه‪،‬‬ ‫رئيس جامعة األزهر األسبق حيث أشار إلى أنه حيث مت انتخاب مجلس أمناء رابطة التجديد‬ ‫م��ن غير املمكن أن ننطلق إال م��ن فكر وهدي في الفكر اإلسالمي والتي شكلت من ‪:‬‬ ‫معصومني وذلك ال يكون إال في الكتاب والسنة‪،‬‬ ‫فضيلة األستاذ الدكتور أحمد هاشم رئيساً‪.‬‬ ‫وأ ّن عاملية ه��ذا ال��دي��ن تستوجب علينا القيام‬ ‫الدكتور جاسم السلطان‪ /‬قطر‪ /‬نائباً‪.‬‬ ‫برسالتنا كعلماء ومفكرين نتقدم الصفوف‪.‬‬ ‫الدكتور محمد حبش‪ /‬سوريا‪ /‬أميناً للسر‪.‬‬ ‫كانت الكلمة األخيرة للدكتور عبد احلليم‬ ‫عويس ال��ذي ق��ال أن األم��ة اإلسالمية تعيش املهندس مروان الفاعوري ‪/‬األردن‪ /‬عضواً‪.‬‬ ‫حالة ف��وض��ى‪ ،‬وامل��ؤس��س��ات الواعية ه��ي سبيل األستاذ هاني فحص‪ /‬لبنان‪ /‬عضواً‪.‬‬ ‫اخلالص‪ ،‬وأنه يجب أن نتعلم االنضباط وااللتزام األستاذ زكي ميالد‪ /‬السعودية‪ /‬عضواً‪.‬‬ ‫األمر الذي ال ينقص من قدرنا بل يرفعه‪.‬‬ ‫الدكتور محمد أبو رمان ‪ /‬األردن‪ /‬عضواً‪.‬‬ ‫جلسات امللتقى‬ ‫األستاذ فؤاد البنا‪ /‬اليمن‪ /‬عضواً‪.‬‬ ‫وناقشت جلسات امللتقى على مدار اليومني الدكتور الطيب بو عزة ‪ /‬املغرب‪ /‬عضواً‪.‬‬ ‫محاور هامة ‪ ،‬حيث نوقش في اجللسة األولى الدكتور شوقي القاضي‪ /‬اليمن‪ /‬عضواً‪.‬‬ ‫ال��ت��ي ت��رأس��ه��ا ال��دك��ت��ور س��ع��د ال��دي��ن العثماني‬ ‫البيان اخلتامي‬ ‫وحت���دث فيها ال��دك��ت��ور زك���ي م��ي�لاد "التعريف‬ ‫بالفكر التجديدي‪ /‬حدوده ومنطلقاته"‪ ،‬ونوقش وف��ي ختام امللتقى خلص امل��ش��ارك��ون لعدد من‬ ‫في اجللسة الثانية التي ترأسها الدكتور محمد التوصيات التالية‪:‬‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫ت��أس��ي��س راب���ط���ة ك��ت��اب ال��ت��ن��وي��ر وف����ق الرؤية‬ ‫املنصوص عليها ‪.‬‬ ‫تسعى ال��راب��ط��ة إل��ى التنسيق م��ع املفكرين‬ ‫والكتاب واملؤسسات ذات األهداف املماثلة داخل‬ ‫البالد اإلسالمية‪ ،‬ومد اجلسور نحو املؤسسات‬ ‫العلمية التي تعنى باحلوار في العالم‪.‬‬ ‫تهدف الرابطة إل��ى تشجيع ودع��م اجلهود‬ ‫الفكرية التي تقوم على نهضة األمة ونشر ثقافة‬ ‫التنوير والكتب التي تتوافق مع هذا املشروع‪.‬‬

‫العمل على إقامة مرصد إلحصاء املفكرين‬ ‫وال��ب��اح��ث�ين امل��ب��دع�ين‪ ،‬امل��ن��خ��رط�ين ف���ي جهود‬ ‫التنوير‪ ،‬ودعمهم بكافة الوسائل املقامة‪.‬‬ ‫التأكيد على أن مهمات التنوير نشر الوعي‬ ‫وات��خ��اذ م��وق��ف مستنير م��ن ال��ت��راث وغربلته‬ ‫الستنهاض ثمينه وجتنب غثه وتوظيفه لتعزيز‬ ‫احلقوق العربية واإلسالمية ملواجهة األخطار‬ ‫ومشاريع الهيمنة التي تستهدف األمة‪.‬‬

‫ال��ع��م��ل ع��ل��ى ت��وح��ي��د ج��ه��ود امل��ف��ك��ري��ن لعقد‬ ‫ل���ق���اءات ون������دوات ودراس������ات وورش لتحرير‬ ‫املصطلحات واالت��ف��اق على املفاهيم ومراجعة‬ ‫القضايا التي حتتاج إلى جتديد في األم��ة في‬ ‫أبعادها السياسية و االقتصادية واالجتماعية‬ ‫والدفع باجتاه املصاحلة بني األنظمة والتيارات‬ ‫الفكرية املختلفة لالنخراط في مشروع العمل‬ ‫والبناء والتنمية في األمة‪.‬‬

‫اح��ت��ض��ان ك��ت��اب ال��ت��ن��وي��ر وت��رج��م��ة ونشر‬ ‫مؤلفاتهم والعمل على إحياء مصادر الشريعة‬ ‫امل��ع��ت��ب��رة م��ن االس��ت��ح��س��ان واالس��ت��ص�لاح وسد‬ ‫الذرائع والعرف وغيرها‪.‬‬

‫النبذ املطلق لكل خطابات اإلقصاء ومواجهة‬ ‫خطاب التكفير ألهل ال إله إال الله ورفض كل‬ ‫بيانات التكفير والتفسير التي تصدر هنا وهناك‬ ‫وحتاول تعزيز الفرقة املذهبية بني املسلمني‪.‬‬

‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪83‬‬


‫"املغاالة والتطرف بني اخلوارج قدمياً وجماعات التكفير حديثا"ً ندوة للعاملي للوسطية‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري خالل إلقائه لكلمته‬ ‫عقد املنتدى العاملي للوسطية بالتعاون مع صحيفة الدستور ندوة‬ ‫بعنوان (املغاالة والتطرف بني اخلوارج قدمي ًا وجماعات التكفير حديث ًا)‪،‬‬ ‫وذلك يوم األربعاء امل��واف��ق‪2010/4/28‬م ‪ ،‬في منتدى الدستور الثقافي ‪،‬‬ ‫حتدث فيها نخبة من علماء الدين واملفكرين من عدة دول عربية ‪.‬‬ ‫اجللسة األولى‬ ‫وفي اجللسة األولى التي ترأسها املهندس الفاعوري قدمت ثالثة أوراق‬ ‫عمل‪ ،‬ففي الورقة األول��ى التي قدمها الدكتور محمد حبش النائب في‬ ‫مجلس النواب السوري عضو املكتب الدائم للمنتدى العاملي للوسطية‬ ‫والداعية املعروف وكان عنوانها " اخلوارج عبر التاريخ"‪ ،‬حيث استعرض‬ ‫فيها نشأة ه��ذه الفرقة املنحرفة عن نهج النبوة ال��راش��د‪ ،‬والتي رفعت‬ ‫شعارات حق أريد بها باطل كشعار " ال حكم إال لله" ‪ ،‬ضارباً مث ً‬ ‫ال على‬ ‫مدى انحراف هذا الفكر بسجود عبدالرحمن بن ملجم اخلارجي بعد قتله‬ ‫للخليفة علي بن أبي طالب وهذا إن دل فيدل على أنهم غيبوا عقولهم ‪.‬‬ ‫وأض���اف حبش أن ف��ي زمننا ه��ذا ف��إن أص��ح��اب ه��ذا الفكر حولوا‬ ‫أفكارهم إلى سيارات مفخخة وأجساد ملفوفة بأحزمة ناسفة ليقتلوا‬ ‫املخالفني لهم‪ ،‬بحجج واهية ‪ ،‬حتى وصل األمر بهم إلى قتل أبناء املخالفني‬ ‫لهم مستندين الى آية قرآنية حرفوا معناها ‪ ،‬وحملوها ماال حتتمل وهي‬ ‫اج ًرا َك َفّا ًرا } ‪.‬‬ ‫قوله تعالى { ِإ ّنَ َك إِن تَ َذ ْر ُه ْم يُ ِضلّ ُوا عِ بَا َد َك َولاَ يَ ِل ُدوا إ اَِّل َف ِ‬ ‫وبني الدكتور حبش أن طرق التعامل الصحيحة مع غير املسلمني قد‬ ‫وضحها القرآن ‪ ،‬وقسمها إلى سبعة عشر طريقة ‪ ،‬ابتداءاً من األعراض‬ ‫عنهم والعفو وصوالً إلى الدفاع عن النفس والقتال في سبيل نشر الدعوة‪،‬‬ ‫آخذاً بعني االعتبار ما يتناسب واملوقف ‪.‬‬ ‫وق��ال األس��ت��اذ ال��دك��ت��ور محمد اخلطيب أس��ت��اذ مقارنة األدي���ان في‬ ‫اجلامعة األردنية عضو املكتب الدائم للمنتدى العاملي للوسطية في ورقته‬ ‫التي تناولت نشأة هذه اجلماعات عبر التاريخ أن اخل��وارج اسم حلركة‬ ‫سياسية وفرقة دينية ‪ ،‬وقد اختلف املؤرخون في سبب تسميتهم باخلوارج‬ ‫‪ ،‬فيرى األشعري أنهم سموا خوارج "خلروجهم عن الناس" أو عن الدين‬ ‫أو عن احلق ‪ ،‬ويرى الشهرستاني أن كل من خرج عن اإلمام احلق الذي‬ ‫اتفقت اجلماعة عليه يسمى خارجاً سواء كان اخلروج في أيام الصحابة‬ ‫على األئمة الراشدين أو كان بعدهم‪ .‬وأما الرازي فيرى أن اخلوارج سموا‬ ‫بذلك خلروجهم عن كل إمام واعتقادهم أن ذلك فريضة عليهم ال يسعهم‬ ‫املقام في طاعته حتى يخرجوا ويتخذوا ألنفسهم دار هجرة وحتى يكونوا‬ ‫منابذين ملن خالفهم من املسلمني حرباً عليهم واملسلمون عندهم كفار‬ ‫مشركون إال من وافقهم وبايعهم‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫جانب من احلضور‬ ‫وأشار إلى أنه ومهما يكن من شيء فإن اسم اخلوارج في معناه األول‬ ‫الذي يشير إلى االنشقاق ومفارقة اجلماعة أصبح االسم السائد على هذه‬ ‫اجلماعة‪.‬‬ ‫وب�ّي�نّ أن ال��واق��ع يشير إل��ى أن الوضع الديني ال��ذي ك��ان في الكوفة‬ ‫والبصرة آنذاك كان ذا أثر بالغ في نشأة جماعة اخلوارج ذلك أنهم انبثقوا‬ ‫من طبقة الق ّراء في هذين البلدين ‪ ،‬مشيراً إلى أنه رغم أن هؤالء الق ّراء‬ ‫ظلوا يدرسون القرآن دراسة متقنة ويقرؤونه‪ ،‬حتى أصبح محور حياتهم‬ ‫وقد حفظوه عن ظهر قلب إال أن فهمهم له كان حرفياً متشدداً ‪.‬‬ ‫وفي الورقة الثالثة التي قدمها الدكتور أحمد نوفل أستاذ التفسير في‬ ‫اجلامعة األردنية بعنوان" اجلهاد بني املشروعية واالرتداد إلى الذات "‪ ،‬قال‬ ‫أن من األسباب التي تدفع البعض إلى التطرف واالنخراط باجلماعات‬ ‫التكفيرية هو سوء تطبيق آيات الكتاب احلكيم على الواقع الذي نعيشه‪،‬‬ ‫وقال أن حصر اجلهاد في القتال فقط هو تشويه لصورته في اإلسالم ‪،‬‬ ‫حيث أن معنى اجلهاد أوسع من القتال فهو يشمل جهاد النفس وتهذيبها‪،‬‬ ‫وهو موجود منذ املرحلة املكية التي لم يكن فيها قتال‪ ،‬بل صبر وحتمل‬ ‫وهذا من أبواب اجلهاد‪.‬‬ ‫وأضاف نوفل أن أحداث ‪ 11‬سبتمبر مثلت انعطافة تاريخية في نظرة‬ ‫الغرب لإلسالم حيث أصبح ينظر إليه بشكل سلبي بسبب هذه األحداث‪،‬‬ ‫و يجب أن منيز ما بني احلكومات التي تساهم في ظلم املسلمني وبني‬ ‫الشعوب املساملة ‪ ،‬فال يجوز قتل هذه الشعوب بحجج واهية‪ ،‬وأك��د أن‬ ‫أصحاب ه��ذا الفكر املتشدد فقدوا رشدهم ‪ ،‬فاستغل أع��داء اإلسالم‬ ‫أفعالهم ليشوهوا صورة اإلسالم من خالل أبنائه ‪.‬‬ ‫اجللسة الثانية‬ ‫وفي اجللسة الثانية التي ترأسها األستاذ جمال العلوي مندوباً عن‬ ‫رئيس حترير جريدة الدستور قدم األستاذ منتصر الزيات ورقته التي‬ ‫كانت عرضاً ملراجعات اجلماعات اجلهادية في مصر ألفكارها وأعمالها‪،‬‬ ‫هذه املراجعات التي أدت إلى عودة العديد من أبناء هذه اجلماعات إلى‬ ‫جادة الصواب وخروجها من حتت عباءة التطرف والتشدد‪ ،‬وفي املقابل‬ ‫قدم عرضاً ملراجعة احلكومة املصرية لنهجها األمني املتشدد في التعامل‬ ‫مع هذه اجلماعات‪ ،‬وفتح باب احلوار معها في داخل السجون أو خارجها‪،‬‬ ‫لكنه أكد في نفس الوقت على أن البعض الذي ما زال يصر على التشدد‬ ‫من قبل اجلماعات اجلهادي يسمي هذه املراجعات بتراجعات ‪.‬‬ ‫وأك��د ال��زي��ات على أن اإلس�لام أوج��ب علينا حفظ األم��ن في البالد‬ ‫اإلسالمية وغير اإلسالمية وع��دم استباحة دم��اء غير املسلمني بدافع‬ ‫عاطفة الشعور بالظلم أو بدافع التفسير اخلاطىء القاصر لبعض آيات‬


‫القرآن الكرمي‪ ،‬وأكد على أن السبيل الوحيد للخروج من نفق التطرف هو‬ ‫احلوار واملصاحلة وعدم تسفيه أو تكفير أي مسلم‪.‬‬ ‫ث��م ق���دم ال��دك��ت��ور إب��راه��ي��م الغرايبة اخلبير ف��ي ش���ؤون اجلماعات‬ ‫اإلسالمية ورقته بعنوان " احلركات املتطرفة بني املقاربة األمنية واملقاربة‬ ‫الفكرية" ‪ ،‬حيث قال أن هذه احلركات املتشددة تستند إلى نصوص من‬ ‫القرآن الكرمي‪ ،‬لكن طريقة تعاملها مع هذه النصوص وتفسيرها وتوظيفها‬ ‫وقال أن من أهم أسباب مشكلة اإلرهاب هو التطرف الغربي واإلرهاب‬ ‫في غير محلها هو الذي يؤدي إلى تشددها فكرياً وسلوكياً ‪ ،‬وأضاف أن الغربي‪ ،‬وأن أساس اإلرهاب موجود في الغرب وفي ثقافة الغرب ‪ ،‬وأن‬ ‫املقاربة الفكرية واحلوار مع اجلماعات املتطرفة أسلوب أفضل من أسلوب التطرف املوجود اليوم في العالم أجمع ومبا فيه العالم اإلسالمي هو رد‬ ‫املقاربة األمنية‪ ،‬ألن هذه اجلماعات تستند إلى أفكار ال تدحض إلى أفكار فعل خاطئ على التطرف الغربي‪.‬‬ ‫أقوى منها‪ ،‬ويجب بيان احلق ألفراد هذه اجلماعات كي تتضح لهم الصورة‬ ‫وب�ين أن معظم احلركات املتطرفة س��واء إسالمية أو غير إسالمية‬ ‫فبعضهم مغيب العقل‪ ،‬أما املعاجلة األمنية لهذه اجلماعات والبعد عن‬ ‫احلوار يؤدي إلى مضاعفة عمليات القتل املتبادل بينها وبني احلكومات جاءت نتيجة لنكبات أصابت شعوبها على يد الغرب مثل األولوية احلمراء‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫ويؤدي إلى ردة فعل مضادة تأتي بنتيجة سلبية‪.‬‬ ‫ثم قدم الدكتور محمد طالبي من املغرب عضو املكتب الدائم للوسطية‬ ‫ورئيس املنتدى املغربي للوسطية مدير عام مجلة الفرقان املغربية ورقته‬ ‫املعنونة بـ "خوارج عصر الفتنة الكبرى إلى خوارج عصر العوملة" ‪ ،‬بدأها‬ ‫باحلديث عن أسباب مشكلة التطرف حيث قال في حال وضعنا يدنا على‬ ‫أسباب املشكلة استطعنا عالجها‪.‬‬

‫"مش��روع قان��ون األح��وال الش��خصية اجلدي��د" ن��دوة للعامل��ي للوس��طية‬

‫املتحدثون في الندوة‬ ‫عقد املنتدى العاملي للوسطية في املركز الثقافي اإلسالمي التابع ملسجد‬ ‫الشهيد امللك املؤسس يوم السبت املوافق ‪ 2010/5/8‬ندوة بعنوان (مشروع‬ ‫قانون األحوال الشخصية اجلديد)‪ ،‬حتدث فيه نائب رئيس جامعة العلوم‬ ‫اإلسالمية األستاذ الدكتور محمود السر طاوي ‪ ،‬والقاضي واصف البكري‬ ‫من دائرة قاضي القضاة‪.‬‬ ‫وقال األمني العام للمنتدى العاملي للوسطية املهندس مروان الفاعوري‬ ‫في بداية الندوة التي أدارتها الدكتورة عبير التميمي أن انعقاد هذه الندوة‬ ‫يأتي انسجاماً وترسيخاً مع رسالة املنتدى العاملي للوسطية ملفهوم األسرة‬ ‫ودور املرأة في نهضة املجتمعات اإلسالمية‪ ،‬بعيداً عن االرتهان واالستالب‬ ‫للنموذج الغربي‪.‬‬ ‫وأضاف بأننا اليوم أحوج ما نكون فيه إلى مراجعة علمية موضوعية‬ ‫لهذا املشروع اجلديد آلثاره املهمة على األسرة ودورها في املجتمع األردني‪،‬‬ ‫ومدى مراعاته ملا جاءت به الشريعة السمحاء من نصوص بخصوص صون‬ ‫لكرامة اإلنسانية وتؤكد دورها االستخالفي في عمارة األرض‪.‬‬ ‫من جهته ق��ال فضيلة القاضي واص��ف البكري أ ّن مشروع القانون‬ ‫اجلديد هو نقلة نوعية من حيث الكم والكيف ‪ ،‬أ ّما من حيث حجم املواد‬ ‫ونوعيتها فقد طرأت الكثير من التغيرات على املجتمع األردني‪ ،‬ومن خالل‬ ‫االجتهاد والعمل التطبيقي واجه القضاة العديد من املشكالت ‪ ،‬وكان ال بد‬ ‫من إعادة النظر بالقانون السابق‪.‬‬ ‫وأض��اف أن املشروع يتضمن ‪ 327‬م��ادة بعد أن كانت ‪ 137‬م��ادة في‬ ‫القانون السابق‪ ،‬ومت استحداث أب��واب جديدة لم تكن من قبل كأبواب‬ ‫الوالية والوصاية وامليراث وغيرها ‪ ،‬كما أن النص القانوني احلالي عالج‬ ‫وقائع لم تكن موجودة‪ ،‬كل ذلك كان سبباً في تغيير القانون‪.‬‬ ‫وأض��اف البكري أن مشروع قانون األح��وال الشخصية مت إق��راره في‬ ‫إطار حوار وطني توافقي ضم دائرة قاضي القضاة واملنظمات النسائية‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫ومؤسسات املجتمع املدني‪ ،‬وجلنة من العلماء والفقهاء‪ ،‬إلبداء املالحظات‬ ‫عليه ومناقشته وحتى ال يكون حكراً على أحد مشيراً في الوقت ذاته إلى‬ ‫أن سماحة قاضي القضاة األستاذ الدكتور أحمد هليل قد شكل جلنة‬ ‫لدراسة املقترحات التي تلقتها دائ��رة قاضي القضاة بعد نشر مشروع‬ ‫القانون في الصحف‪.‬‬ ‫من جهة أخرى قال الدكتور محمود السرطاوي أن املشروع احلالي قام‬ ‫على استشراف القواعد الكلية وفلسفة التشريع ‪.‬‬ ‫وأش��ار إلى أن القانون القدمي كان مأخوذاً من مجمل قوانني سورية‬ ‫ومصرية وبعض املواد غير متناسقة فيما بينها‪ ،‬وهناك قضايا فيه كانت‬ ‫بحاجة للتعديل كي يتفق القانون مع املقاصد الشرعية ‪.‬‬ ‫وبالرغم من أنه ليس مع زواج القاصر خاصة وأنه يجعلها وكأنها دمية‬ ‫في يد الولي إال أن الدكتور السرطاوي قد دافع عن زواج القاصرات في‬ ‫سن اخلامسة عشرة سنة‪ ،‬مستغرباً ما ذهبت إليه بعض وسائل اإلعالم‬ ‫الرافضة للموضوع‪ .‬والتي أثارت ضجة إعالمية كبيرة ‪ ،‬واستنكاراً واضحاً‬ ‫من قبل القطاع النسائي الذي طالب بإلغائه‪ ،‬مبيناً ضرورة بقاء القوانني‬ ‫مرنة‪ ،‬لتتماشى مع احلاالت االستثنائية و التي سيلحقها الضرر في حال‬ ‫حتدد سن الزواج بثمانية عشرة سنة‪.‬‬ ‫وتطرق أيضا لنقطة أخرى أال وهي تعدد الزوجات حيث قال أن مبدأ‬ ‫التعدد أجازه الشرع والتعدد املشروع خير من التعدد غير املشروع الذي‬ ‫يترتب عليه انتشار املفاسد‪ ،‬مضيفاً في الوقت ذاته بأن الشرع قد حدد‬ ‫استثناءات معينة تدفع إلى التعدد كاشتراط أن يكون الرجل قادراً مادياً‪،‬‬ ‫إلى جانب إع�لام الزوجة الثانية ب��زواج الرجل السابق‪ ،‬وإع�لام الزوجة‬ ‫األولى بزواج الرجل الثاني‪ ،‬بالرغم من عدم تأييده للنقطة األخيرة لتعليله‬ ‫بأن هذا سيؤدي إلى تفكك األسرة‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪85‬‬


‫اإلع�لان ع��ن افتتاح ف��رع للمنت��دى العاملي للوس��طية يف الباكس��تان قريباً‬

‫الوفد الباكستاني أثناء زيارته للمنتدى‬ ‫ف��ي زي����ارة خ��اص��ة مل��ق��ر امل��ن��ت��دى ال��ع��امل��ي للوسطية م��ن ق��ب��ل الوفد‬ ‫الباكستاني املكون من مجموعة من أساتذة اجلامعات والعلماء واملفكرين‬ ‫الباكستانيني الذين شاركوا في ورشة ترسيخ الفكر الوسطي‪/‬في عمان‬ ‫" قرر املكتب الدائم للمنتدى العاملي للوسطية املنعقد مساء يوم الثالثاء‬ ‫املوافق ‪2010/04/27‬م بتشكيل جلنة حتضيرية الفتتاح ف��رع للمنتدى‬ ‫العاملي للوسطية ف��ي باكستان ب��إش��راف األس��ت��اذ الدكتور أن���وار حسني‬ ‫صديقي وتشكيل جلنة حتضيرية للفرع في باكستان تتكون من‪:‬‬

‫‪ .1‬الدكتور محمد طاهر منصوري‪/‬عميد كلية الشريعة والقانون‬ ‫باجلامعة اإلسالمية العاملية رئيساً‪.‬‬ ‫‪ .2‬الدكتور محمد ضياء احلق رئيس قسم الشريعة بكلية الشريعة‬ ‫والقانون باجلامعة اإلسالمية أميناً للسر( سكرتيراً)‪.‬‬ ‫‪ .3‬ال��دك��ت��ور أن��ي��س أح��م��د عميد كلية الشريعة وال��ق��ان��ون باجلامعة‬ ‫اإلسالمية العاملية عضواً‪.‬‬ ‫‪ .4‬الدكتور صاحب إسالم األستاذ املشارك بكلية الدراسات اإلسالمية‬ ‫باجلامعة اإلسالمية بيشاور عضواً‪.‬‬ ‫‪ .5‬ال��دك��ت��ور إح��س��ان عبد احل��ق رئ��ي��س قسم اللغة العربية بجامعة‬ ‫كرادتشي عضواً‪.‬‬ ‫‪ .6‬الدكتور محمد طاهر حكيم األستاذ املشارك بكلية الشريعة والقانون‬ ‫باجلامعة اإلسالمية العاملية عضواً‪.‬‬ ‫‪ .7‬الدكتور عبد الباقي عبد الكبيراألستاذ املساعد بكلية الشريعة‬ ‫والقانون باجلامعة اإلسالمية العاملية عضواً‪.‬‬ ‫‪ .8‬الدكتور صاحب زاده ساجد الرحمن املدير العام ألكادميية الدعوة‬ ‫باجلامعة اإلسالمية بإسالم أباد عضواً‪.‬‬ ‫وتكليف اللجنة العمل على فتح وإط�لاق فرع املنتدى في باكستان‬ ‫والتحضير لعقد املؤمتر الدولي األول في باكستان حول ( الوسطية ودورها‬ ‫في نهضة األمة)‪.‬‬

‫ال���ع���امل���ي ل��ل��وس��ط��ي��ة ودرع ت��ك��رمي��ي ل��ل��ب��ن��ك األه���ل���ي األردن�����ي‬ ‫قام وفد من املنتدى العاملي للوسطية برئاسة األمني العام‬ ‫املهندس مروان الفاعوري يوم الثالثاء املوافق ‪2010/7/13‬‬ ‫ب��زي��ارة للبنك األه��ل��ي األردن����ي‪ ،‬وذل��ك لتقدمي درع تقديري‬ ‫لرئيس مجلس إدارة البنك السيد رجائي املعشر نظرا للجهود‬ ‫املادية واملعنوية التي يقدمها البنك في دعم املنتدى وترسيخ‬ ‫الفكر الوسطي الذي ينادي به‪.‬‬ ‫وقد تسلم الدرع نيابة عنه نائب الرئيس التنفيذي ونائب‬ ‫املدير العام للبنك األهلي األردني السيد هاني فراج ‪.‬‬

‫السيد هاني فراج يتسلم الدرع‬

‫القطاع النسائي ينظم ورشة عمل متخصصة بعنوان" االغتراب وصراع القيم"‬ ‫في إط��ار اهتمام املنتدى العاملي للوسطية بالشباب وإميانه‬ ‫احلقيقي بالدور الفعال الذي تسهم فيه تلك الفئة في نهضة األمة‪،‬‬ ‫نظم القطاع النسائي في منتدى الوسطية للفكر والثقافة الثالثاء‬ ‫امل��واف��ق ‪ 2010/6/8‬ورش���ة عمل متخصصة للشابات بعنوان"‬ ‫االغتراب وص��راع القيم" يقدمها الدكتور محمد ري��ان‪ ،‬وذلك في‬ ‫مقر املنتدى‪.‬‬

‫جانب من الورشة‬ ‫‪86‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬

‫وفي بداية الورشة رحبت رئيسة القطاع النسائي السيدة سوسن‬ ‫املومني بالضيف احملاضر‪ ،‬كما رحبت بالنخبة املميزة من الشابات‬


‫املشاركات في الورشة‪ ،‬وأكدت على أن املنتدى يولي دائماً اهتماماً‬ ‫خاصاً بفئة الشباب امتثاالً لوصية رسولنا الكرمي" أوصيكم بالشباب‬ ‫خيراً" باعتبارهم قادة التغيير وفرسانه ‪ ،‬ودائماً يتطلع إلى عمل‬ ‫شبابي يقود لنهضة األمة ويأخذ على عاتقه احتضان هذا العمل‬ ‫ودعمه بكل السبل املمكنة حتى يحقق أهدافه وهي إصالح حال‬ ‫األمة‪ ،‬والعمل على جعلها في الصدارة والريادة العاملية كما أراد‬ ‫الله لها‪.‬‬ ‫ودعت املومني في كلمتها على أن تكون هذه الورشة هي باكورة‬ ‫عمل شبابي قادم وأن يكون املنتدى من الداعمني واملوجهني إلى‬ ‫رئيسة القطاع النسائي السيدة سوسن املومني والدكتور ريان في الورشة‬ ‫تأهيل شبابنا وشاباتنا‪.‬‬ ‫وقال الدكتور محمد الريان أن هذه الورشة هدفها في املقام‬ ‫األول خلق حالة من اإلبداع الذهني للشباب‪ ،‬والعمل على تثقيفهم‬ ‫وتهيئتهم للمجتمع‪.‬‬ ‫وتناول الدكتور الريان في حديثه عن القيم حيث قال أن القيمة‬ ‫ث��م مت تقسيم املجموعة امل��ش��ارك��ة م��ن ال��ش��اب��ات م��ن مختلف لها وجودان ‪ ،‬األول وجود في الذهن ووجود في الواقع‪ ،‬مضيفاً أن‬ ‫التخصصات األكادميية إلى مجموعات للتشاور والتباحث فيما القيم تتواجد في الذهن قبل وجودها في الواقع في حني تهدم في‬ ‫بينهم للوصول جل��واب ش��اف ح��ول ماهية التغيير والقيم التي الواقع قبل أن تهدم في الذهن‪.‬‬ ‫يجب على الشباب بيانها وحتقيقها في املجتمع للخروج من حالة‬ ‫وت��ط��رق أي��ض��اً إل��ى القيم امل��وج��ودة وال��ت��ي يجب التحلي بها‬ ‫االغتراب التي هي محور الورشة‪.‬‬ ‫للتخلص من حالة االغتراب‪ ،‬وهي قيمة اإلمي��ان التي هي أعلى‬ ‫وقد تعددت التعريفات التي خلصت لها الفتيات حول تعريفهم القيم وأسماها‪ ،‬وقيمة الهدف واالنضباط في السلوك القائم على‬ ‫لالغتراب فقد عرفتها بعضهن بأنه فقدان للهوية‪ ،‬وأنها الفهم قيمة اإلميان‪ ،‬وهناك أيضاً قيمة العطاء والعلم والنظافة ناهيك‬ ‫اخلاطىء ملفهوم العوملة والتخلي عن القيم واملبادىء وسوء الفهم عن القيم الوجدانية كقيمة اجلمال واألخوة واحملبة واإلبداع وأيضاً‬ ‫اخلاطىء للدين وهو أيضاً اغتراب مع األسرة واغتراب مع الدين القيم االجتماعية وغيرها من القيم‪.‬‬ ‫وغيرها من التعريفات‪.‬‬

‫س��رط��ان ال��ث��دي‪:‬األس��ب��اب وال���وق���اي���ة‪ /‬ف��ي م��ح��اض��رة ل��ق��ط��اع امل���رأة‬

‫"املؤمن القوي خير وأحب إلى الله من املؤمن الضعيف"‪،‬‬ ‫من وح��ي ه��ذا التوجيه النبوي عقد قطاع امل��رأة في منتدى‬ ‫الوسطية للفكر والثقافة يوم األربعاء املوافق ‪2010/6/23‬‬ ‫وذلك في مقر املنتدى‪ ،‬محاضرة بعنوان" سرطان الثدي‪ :‬طرق‬ ‫الوقاية والعالج" للدكتورة إحسان النعيمات‪ ،‬وبدأت الدكتورة‬ ‫النعيمات احملاضرة بتعريف مبسط لسرطان الثدي واألسباب‬ ‫التي تؤدي لإلصابة به‪ ،‬حيث قالت بأن سرطان الثدي عبارة‬ ‫عن مرض تنقسم خاليا أنسجة الثدي وتنمو دون اخلضوع‬ ‫ألنظمة التحكم الطبيعية في اجلسم‪.‬‬

‫وأض��اف��ت أن األس��ب��اب ال��ت��ي ت���ؤدي حل���دوث ه��ذا املرض‬ ‫متعددة وهي الوراثة ونوعية األكل و اإلصابة بفيروس معني‬ ‫و التعرض لألشعة‪ ،‬وتناول أدوي��ة بطريقة مفرطة‪ ،‬وأخيراً‬ ‫الهرمونات وحدوث خلل فيها‪ ،‬كما أن هناك عوامل تزيد من‬ ‫إشكالية ظهور اإلصابة كالتقدم في العمر‪ ،‬واحلمل بعد سن‬ ‫الثالثني‪ ،‬وابتداء الدورة الشهرية للفتاة قبل سن الثانية عشرة‬ ‫واستمرارها ملا بعد سن اخلمسني ‪ ،‬والسمنة املفرطة وغيرها‬ ‫من العوامل‪.‬‬ ‫وأك���دت ال��دك��ت��ورة النعيمات أن س��رط��ان ال��ث��دي م��ن أكثر‬ ‫السرطانات شيوعاً ب�ين النساء ف��ي األردن حيث يشخص‬ ‫حوالي ‪ 800‬حالة سنوياً حسب السجل الوطني للسرطان‪.‬‬ ‫وبينت أن املطلوب منا كنساء جميعاً للوقاية من تلك اآلفة‬

‫إج����������راء الفحص‬ ‫ال����دوري باستمرار‬ ‫شهريا وجتنب أكل‬ ‫ال����ده����ون واإلك���ث���ار‬ ‫م����ن أك�����ل الفواكة‬ ‫واخل����ض����ار الغنية‬ ‫باأللياف‪ ،‬وفي حال‬ ‫ظ��ه��ور أي عوارض‬ ‫د‪ .‬إحسان نعيمات‬ ‫م���رض���ي���ة ض����رورة‬ ‫م��راج��ع��ة الطبيب‪،‬‬ ‫م���ؤك���دة ف���ي الوقت‬ ‫ذات��ه على أن االكتشاف املبكر ملعظم أورام الثدي احلميدة‬ ‫واخلبيثة يساعد على ال��ع�لاج ف��ي ال��وق��ت املناسب‪ ،‬مقدمة‬ ‫النصيحة للسيدات بضرورة ممارسة رياضة املشي مدة ال تقل‬ ‫عن الساعتني أسبوعياً تقلل من نسبة اإلصابة بنسبة ‪.%20‬‬ ‫وقامت الدكتورة النعيمات بتعليم السيدات طريقة الفحص‬ ‫الذاتي الكتشاف األعراض األولية للمرض‪ ،‬تاله إجراء فحص‬ ‫عملي قامت به الدكتورة لعدد من السيدات احلضور ‪.‬‬ ‫وف��ي نهاية احمل��اض��رة قدمت رئيسة قطاع امل��رأة السيدة‬ ‫س��وس��ن امل��وم��ن��ي درع امل��ن��ت��دى ال��ع��امل��ي للوسطية للدكتورة‬ ‫النعيمات تقديراً جلهودها ولتعاونها مع املنتدى لنشر الوعي‬ ‫لدى السيدات ‪.‬‬ ‫السنة الثالثة‪ :‬العدد الثالث ‪ -‬شعبان ‪١٤٣١‬هـ ‪/‬متوز ‪٢٠١٠‬م‬

‫‪87‬‬


‫ق�سيمة ا�شرتاك �سنوية‬ ‫البلد‬

‫ ‬ ‫اال�سم ‪ /‬امل�ؤ�س�سة‬

‫الهاتف‬

‫ ‬ ‫املدينة‬

‫‪Email:‬‬ ‫كيفية الدفع‬ ‫نقدا ‬

‫�شيك ‬

‫ ‬

‫حوالة بنكية ‬

‫قيمة اال�شرتاك ال�سنوي ( ‪ 60‬دينار ) �أردين‬ ‫الأردن ‪ -‬عمان ‪ -‬اجلبيهة – تلفون ‪- 5356329‬فاك�س ‪+962 – 6 – 5356349‬‬ ‫�ص ب ‪ 2149‬رمز بريدي ‪11941‬‬ ‫‪P.O.BOX : 2149 AMMAN – 11941 – JORDAN TEL 536329-FAX 5356349-6-962 +‬‬ ‫‪Email: mod.inter@yahoo.com‬‬ ‫‪moderation_assembly@yahoo.com‬‬ ‫‪Website: www.wasatyea.org‬‬

‫قواعـد و�شـروط الن�شـر يف جملة الو�سطية‬ ‫يس ّر أسرة حترير مجلة الوسطية والتي تصدر عن املنتدى العاملي للوسطية أن تستقبل مساهمات أصحاب القلم من ال ُكتَّاب‬ ‫واملثقفني والباحثني في أقسام الفكر اإلسالمي والعلوم اإلنسانية واالجتماعية والسياسية والفكرية والتربوية‪ ،‬واملوضوعات‬ ‫ذات الصلة باملشروع احلضاري اإلسالمي الراهن‪ ،‬وكل ما له صلة بقضايا وشؤون الساحة الثقافية اإلسالمية املعاصرة على‬ ‫وجه العموم‪..‬‬ ‫وترى أسرة التحرير أن تكون املواد املرسلة وفق الشروط التالية‪:‬‬ ‫أن تراعى في املادة املرسلة القواعد املتعارفة في البحث العلمي من نواحي توثيق املصادر واملراجع والنصوص‪ ،‬واملوضوعية‬ ‫واملنهجية في الكتابة‪ ،‬واالبتعاد عن األسلوب اخلطابي‪.‬‬ ‫تؤكد املجلة على االلتزام بالبحث املوضوعي احلر والهادئ‪ ،‬البعيد عن كل أشكال التهجم أواملساس بالشخصيات‪.‬‬ ‫ضرورة وضوح لغة البحث وجتنب اتباع األسلوب املعقد واملصطلحات الغامضة وااللتزام بعمق املعنى‪ ،‬مع مراعاة اجلوانب‬ ‫األدبية واجلمالية في الكتابة‪.‬‬ ‫تقترح املجلة أن تدور الكتابات والبحوث حول احملاور التالية‪:‬‬ ‫دراسات إسالمية‪ ،‬الوسطية واالعتدال‪ ،‬التطرف واإلرهاب‪ ،‬العنف والالعنف‪ ،‬احترام الرأي اآلخر‪ ،‬حقوق اإلنسان‪ ،‬العوملة‪،‬‬ ‫الفكر والفكر اإلسالمي‪ ،‬اإلعالم في اإلسالم‪ ،‬علوم قرآنية‪ ،‬اإلسالم والسياسة‪.......‬‬ ‫الآراء الواردة يف املجلة متثل وجهة نظر �أ�صحابها‪ ،‬وال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي هيئة التحرير‪.‬‬ ‫تر�سل الأعمال �إىل امل�شرف العام على املجلة‪.‬‬ ‫ترحب املجلة مبساهمات ومشاركات األخوة الكتاب والعلماء واملفكرين‪.‬‬ ‫ما ينشر في هذا العدد يعبر عن آراء الكتّاب أنفسهم وال يعكس بالضرورة آراء هيئة التحرير أوسياسة املنتدى‪.‬‬ ‫تصدر مبوجب املادة السادسة من النظام األساسي للمنتدى العاملي للوسطية‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫إسالمية ‪ -‬وسطية ‪ -‬فصلية ‪ -‬مستقلة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.