السنة الرابعة العدد الاول

Page 1


2


‫ﺍﻓﺘﺘﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻌﺪﺩ‬

‫ﺍﻟﺠـﺰﺍﺋـــــﺮ‬ ‫�سعدت ومبعية عدد من علماء العامل‬ ‫الإ�سالمي هذا الأ�سبوع بزيارة اجلزائر و�سعبه‬ ‫امل�سياف للم�ساركة يف موؤمتر كان عنوانه‬ ‫(دور الو�سطية يف ا�ستقرار ونه�سة اجلزائر)‬ ‫واأ�سدقكم القول اأن هذه الزيارة قد تركت‬ ‫يف نف�سي اآثاراً �ستبقى حا�سرة طوال حياتي‪،‬‬ ‫وذكرتني ببدايات حياتي يوم اأن كنا �سغاراً‬ ‫يف البتدائية وكانت يف قمة اهتماماتنا‪ ،‬اأن‬ ‫كنا نهتف يف مدر�سة الفتح الثانوية باملحطة‬ ‫يف الطابور ال�سباحي (وعقدنا العزم اأن حتيا‬ ‫اجلزائر) ويومها كنا ل نن�سى جرحنا القريب‬ ‫الراعف يف فل�سطني‪ ،‬ولكن القلوب والآمال‬ ‫عري�سة مت�سعة تت�سع طول وعر�س هذا العامل‬ ‫وكاأننا نقول وحيثما ذكر ا�سم اهلل يف بلد عددت‬ ‫اأرجاءه من لب اأوطاين‪ ،‬ونردد "بالد العرب‬ ‫اأوطاين من ال�سام لبغداد ومن جند اإىل مين‬ ‫اإىل م�سر فتطوان" اأما اليوم وبعد اأن انكفاأ‬ ‫كل قطر عن نف�سه (اأو ًل) وانكفاأت الأقطار اإىل‬ ‫اأجندات �سيقة‪ ،‬حدث انكفا ٌء على الذات وارتدا ٌد‬ ‫عن كبري الآمال والأحالم �سغرت و�ساقت‬ ‫ال�سدور (لعمرك ما �ساقت بالد باأهلها ولكن‬ ‫اأخالق الرجال ت�سيق)‪.‬‬

‫التقينا ب�سباب حركة جمتمع ال�سلم و�ساباته‪...‬‬ ‫التقينا بقيادات‪ ..‬انفتاح �سعة‪ ،‬اإدراك منط‬ ‫م�ستوعب متقدم‪ ،‬اإن هدفهم يتلخ�س باإقامة‬ ‫جمتمع ال�سلم ولي�س النقالب اأو احلرب على‬ ‫جمتمعهم اأو تكفريه اأو تدمريه‪ ،‬لقد �ساهمت‬ ‫هذه احلركة الرا�سدة يف اإخراج هذا البلد من‬ ‫ع�سرية حزينة دامية ادخلها بها �سيقوا الأفق‬ ‫واأعداء الدميقراطية املوتورون‪ ،‬الذين ظنوا‬ ‫اأنهم عندما جنحوا يف النتخابات فاإنهم‬ ‫امتلكوا احلق يف اإلغاء الآخر واإق�سائه‪.‬‬

‫اأعود اإىل الزيارة فا�ستذكر حزام العاطفة‬ ‫املمتد من طنجة اإىل جاكرتا‪ ،‬واأتاأمل حرارة‬ ‫وا�ستجابة ومروءة ال�سعب اجلزائري كيف‬ ‫قاوم الإ�ستعمار الفرن�سي مئة وخم�سني �سنة‪،‬‬ ‫اإذ حاول اأن يدمر كل مقومات املجتمع الإن�سان‬ ‫والبنيان والعمران والدين وال�سلطة‪ ..‬ثم كيف‬ ‫اأن علماءه وجماهديه ون�سائه ورجاله لزالوا‬ ‫اإىل اليوم ي�ستمدون فخرهم اأن يقول احدهم‬ ‫كان اأبي جماهداً كبرياً‪ ،‬ومن ح�سن طالعنا اإننا‬ ‫ح�سرنا عر�س ابن جماهد جزائري كبري‪ ،‬ما‬

‫قامت هذه احلركة املباركة بقيادة املرحوم‬ ‫ال�سيخ حمفوظ النحناح رحمه اهلل قامت‬ ‫ون�سرت قيم التدين ال�سحيح يف اجلزائر‬ ‫من �سماله اإىل جنوبه ومن �سرقه اإىل غربه‪،‬‬ ‫وليعذرين الأخوان اإذا قلت اأن منوذج احلركة‬ ‫الإ�سالمية يف اجلزائر هو النموذج املتقدم على‬ ‫كل مناذج وجتارب العمل الإ�سالمي الإخواين‪،‬‬ ‫وهو منوذج يجب اأن ينقل ويحتذي ويعمم‪...‬‬ ‫اأنه يعمل من خالل الدولة ولي�س �سد الدولة‬ ‫ولي�س له خطاب �سري واآخر علني‪ ،‬وهو يدفع‬ ‫فاتورة مرتفعة نتيجة ذلك كله‪.‬‬

‫�سادف زواجه وجودنا هناك ‪ ،‬حتى اأن الأحزاب‬ ‫هنا ت�ستمد م�سروعيتها من هذه الثورة‬ ‫العمالقة (اجلبهة الوطنية لتحرير اجلزائر)‪،‬‬ ‫اجلزائريون يعي�سون يف عمق اجلرح امل�سلم‬ ‫يف كل اأركان هذا العامل الإ�سالمي املجروح‪،‬‬ ‫يتحرقون ويتحركون اأ�سرع من اأهل فل�سطني‬ ‫اأو الأردن اأو ال�سودان اأو العراق ق�سيتهم ق�سية‬ ‫اإخوانهم دائماً‪ ،‬كرماء بال منه اأ�سحاب مروءات‬ ‫مل اأجدها يف ال�سعوب الأخرى على الإطالق‪،‬‬ ‫فحفظ اهلل اجلزائر واأهل اجلزائر و�سباب‬ ‫اجلزائر و�سعبه الكرمي املعطاء‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫م‪ .‬مروان الفاعوري‬ ‫لقد دفعت هذه احلركة دماء غزيرة يف‬ ‫�سبيل ال�سلم الجتماعي‪ ،‬وما قبل قادتها اأن‬ ‫ي�ستبيحوا اأو يبيحوا �سفك دماء اجلزائريني‪،‬‬ ‫وقدم رئي�س جمعية الإر�ساد والإ�سالح ال�سهيد‬ ‫بو�سليماين روحه وال�سكني على رقبته اإذ رف�س‬ ‫اأن يفتي بجواز قتل اجلزائريني خلاطفيه‪ ،‬ول‬ ‫اأريد اأن ا�ستطرد فيغ�سب بع�س الأحبة مني‪.‬‬ ‫اأعود بعد هذا اإىل احلديث عن جمال الأر�س‬ ‫وتنوع املناخ وخ�سوبة الأر�س وخريات هذا‬ ‫البلد الذي �سيكون بعد اأيام لالأ�سف اكرب‬ ‫بلد من حيث امل�ساحة‪ !!...‬يف يوم واحد ترى‬ ‫ال�سم�س الدافئة‪ ،‬ثم ترى اأمطاراً و�ستا ًء ينت�سر‬ ‫ير�سل اخلري ويبعث احلياة ويب�سر بالربيع‪،‬‬ ‫زرنا مدينة الورود اأو مدينة البليدة وما اأجمل‬ ‫غاباتها واأرزها و�سنوبرها وجبالها و�سريعتها‪،‬‬ ‫املدينة هادئة وادعة دافئة وعلى اأكتافها حتيط‬ ‫بها قمم جبال اأطل�س �سعدنا عليها‪ ،‬واإذا بنا‬ ‫يف اأجواء اجلليد والثلج ومل يخرجنا من جو‬ ‫الربد القار�س اإل جمال الطبيعة الأخاذ ودفء‬ ‫حرارة ا�ستقبال الأخوة من حركة جمتمع‬ ‫ال�سلم وجمعية الإر�ساد والإ�سالح الذين كانوا‬ ‫يف النتظار بكثري من املحبة والألفة والرفق‬ ‫والدفء وال�سوق‪.‬فحمى اهلل هذا احلِمى‬ ‫و�ستبقى اأحالمنا اأن نعقد العزم على اأن حتيا‬ ‫اجلزائر‪ ،‬واأن حتيا الأمة كلها‪.‬‬


‫ﻭﺳﻄﻴﺘﻨــﺎ‬

‫ﻫﻞ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻣﻜﺎﻥ ﳲ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ؟‬ ‫مادامت احلداثة حتديثاً وتغيرياً‪ ،‬فهل للدين فيها ‪ -‬وهو املطلق‬ ‫والثابت ‪ -‬مكان؟ �سنجيب عن ال�سوؤال من ثالث زوايا‪.‬‬ ‫اأو ًل‪ :‬من زاوية تطور مفهوم احلداثة (اأو التحديث الذي هو فعل‬ ‫احلداثة) فالدرا�سات الأوىل كانت تركز على اأنه يعني حتطيم كل‬ ‫العنا�سر التقليدية‪ ،‬وجتعله مرادفا للتغريب‪ ،‬ومنوذج التحديث فيها‬ ‫وحيد وفريد هو املجتمعات الأوربية‪ ،‬وبالتايل فاإن املرحلة النهائية‬ ‫لعملية التحديث �ست�سهد انتهاء التنوع الثقايف لل�سعوب لي�سود الغربي‬ ‫وت�سود الثقافة الغربية‪.‬‬ ‫ثم تطور مفهوم التحديث عرب م�سار طويل‪ ،‬لينتهي كل الباحثني‬ ‫اإىل �سرورة اأخذ خ�سو�سيات ال�سعوب الثقافية والجتماعية واحل�سارية‬ ‫بعني العتبار‪ ،‬ويذهب الكثريون اإىل اأن تطور الب�سرية ل ي�سري يف اجتاه‬ ‫اإلغاء تلك اخل�سو�سيات‪ ،‬بل يتحرك نحو عامل تتقا�سمه ح�سارات متعددة‬ ‫وثقافات متنوعة‪ ،‬وهكذا يعود الدين – الذي هو من اأخ�س خ�سو�سيات‬ ‫ال�سعوب اإىل عمق عملية التحديث والتنمية‪ ،‬ليتعرف اجلميع اإىل اأن‬ ‫اإنكاره اأو جتاهله من اأكرب عوائقهما‪ ،‬فعلى الأقل من هذه الزاوية يكون‬ ‫لالإ�سالم دور مهم يف التحديث‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬من الناحية التاريخية‪ ،‬اإذا تتبعنا احتكاك �سعوبنا وجمتمعاتنا‬ ‫بالغرب‪ ،‬جند اأن تيار الإ�سالح والبعث الديني كان له الدور الأكرب ‪ -‬ول‬ ‫يزال ‪ -‬يف بث مفاهيم التحديث ون�سرها فمحاربة النحراف والتواكلية‬ ‫والتقليدية‪ ،‬وا�ستبدالها بالواقعية وامل�ساواة ‪،‬وباحرتام العقل والتفكري احلر‬ ‫كان من املفاهيم الكربى التي قام بها رواد الإ�سالح من اأمثال الطهطاوي‬ ‫وحممد عبده ور�سيد ر�سا وعالل الفا�سي وغريهم‪ ،‬ومل يق�سروا يف‬ ‫الرتكيز على كثري من املفاهيم احلديثة املرتبطة باحلرية وامل�ساواة‬ ‫والعدالة الجتماعية والدميقراطية‪ ،‬وكان الذي �ساعدهم يف بث تلك‬ ‫املفاهيم ارتباطهم ب�سعوبهم وبعقيدتهم الدينية‪ ،‬ومعاداتهم لال�ستعمار‬ ‫وحتذيرهم ال�سريح من الرتباط بالغرب‪ ،‬من حيث اأخطاأ الدعاة‬ ‫الليرباليون اإىل احلداثة عندما دعوا �سراحة اإىل ا�سترياد النموذج الغربي‪،‬‬ ‫فوجدوا اأنف�سهم يف �سراع ومواجهة مع �سعوبهم فلفظوهم‪ ،‬ولذلك ذهب‬ ‫الباحث املغربي الأ�ستاذ عبد ال�سمد بلكبري اإىل اأن ال�سلفية تاريخياً هي‬ ‫موؤ�س�سة التحديث‪ ،‬فالرواد املنعوتون بالليرباليني العرب اأنتجوا التقليد‬ ‫يف نظري مثل ال�ستعمار من حيث رغبوا يف العك�س‪ ،‬فالأنهم اعتمدوا‬ ‫التحديث تقنيات واأفكار ت�ستورد‪ ،‬ل اإن�ساناً حراً ووطناً م�ستق ً‬ ‫ال واعتماداً‬ ‫�سعبياً على الذات وحفاظاً على اخل�سو�سيات‪ ،‬وي�ستطرد‪ :‬وكان حواراين‬ ‫على كامل احلق عندما ا�ستخل�س اأن اأهداف احلداثة وم�سامني التحديث‬ ‫وت�سربت اإىل العقول واملوؤ�س�سات يف البالد العربية من خالل ال�سلفيني اأكرث‬ ‫مما حتققت عن طريق الليرباليني احلدثيني‪.‬‬

‫د‪�.‬سعد الدين العثماين‬ ‫كان هناك اإذن م�ساهمة يف جتربة التحديث التي مرت بها الأمة من قبل‬ ‫من انطلقوا يف حركتهم النه�سوية من الإ�سالم‪.‬‬ ‫هل �سحيح اأن من �سرو‪ ‬التحديث‬ ‫ال�سرورية اإبعاد الدين؟‬ ‫لقد ذهب كثري من الباحثني اإىل هذا القول انطالقاً من تالزم‬ ‫التحديث مع العلمنة يف الغرب‪ ،‬حتى اعتربوا تلك العلمنة �سرطاً‬ ‫�سرورياً واأولياً‪ ،‬ل حتديث بدونه‪ ،‬لكن الباحث الأملاين فرميان بين‪ ‬من‬ ‫الذين اأكدوا على اأنه علينا اأن نبحث فيما اإذا كان هذا ال�سرط �ساحلاً يف‬ ‫املجتمع تكون فيه العالقة بني الدين وال�سيا�سة خمتلفة عما هي عليه‬ ‫يف بلد تعترب امل�سيحية الدين الأ�سا�سي فيه‪ ،‬وي�سكك يف فكرة ارتباط‬ ‫التحديث بالعلمنة‪ ،‬لأنه ل يجد �ساهداً تاريخياً يوحي اأو يو�سي بذلك‬ ‫كما اأن �سريورة التحديث يف املغرب ل تدل عليه بال�سرورة والرتويج‬ ‫مثل حي على ذلك اإذ اأن التحديث فيها قد مت على يد حركة تقوية‬ ‫نه�سوية‪ ،‬ومن جهة اأخرى تبدوا اليابان مثال اآخر حيث ح�سل التحديث‬ ‫والت�سنيع دون البحث يف علمنة املجتمع (‪( )...‬احلل الإ�سالمي‪:‬‬ ‫اإمكانيته وحدوده‪ ،‬جملة الجتهاد‪ ،‬العددان ‪� ،16/15‬س ‪ ،)143‬ويبدو يل‬ ‫اأن الكيان ال�سهيوين (ما يدعي باإ�سرائيل) مثال حي‪ ،‬فالدين حا�سر‬ ‫من قمة راأ�سها اإىل اأخم�س قدميها‪ ،‬بل اإن اأ�سا�س قيامها ديني توارتي‬ ‫(لأنها اأر�س امليعاد) واأ�سمها ا�سم نبي من اأنبياء يهود‪ .‬ورغم ذلك فهي يف‬ ‫احلداثة جزء من الغرب‪.‬‬ ‫يبدو اأننا ا�ستطعنا انطالقاً من التطور النظري ملفهوم احلداثة‪،‬‬ ‫وانطالقاً من الواقع املجرب‪ ،‬اأن تثبت اأن للدين مكاناً مركزياً يف عملية‬ ‫التحديث نظراً وتاريخاً وواقعاً‪.‬‬ ‫مداخل التجديد‬ ‫اإن التجديد يف الدين اأمر اأ�سيل‪ ،‬ورد لفظاً يف الن�س ال�سحيح‪ (،‬اإن اهلل‬ ‫يبعث لهذه الأمة على راأ�س كل مئة �سنة من يجد لها دينها )(الطرباين‪/‬‬ ‫املعجم الأو�سط‪60/323‬الألباين‪ )1874‬فدين الأمة بن�س احلديث قابل‬ ‫للتجديد‪ ،‬بل واجب التجديد‪ ،‬فال بد اأن يوجد من يجدده على فرتات‪.‬‬ ‫لكن معنى التجديد ورد باألفاظ متعددة اأخرى يف ن�سو�س القراآن وال�سنة‬ ‫من مثل الإحياء والتغيري‪ ،‬والرتكيز على الجتهاد واعتباره فر�ساً يف‬ ‫اأ�سول الت�سريع‪ ،‬والذم املعروف للتقليد واتباع الآباء يف اآيات القراآن‬

‫‪4‬‬


‫التجديد وعقبات التحديث‬ ‫ون�ضيف القول � ّإن جتديد الدين يحمل الفاعلية الكافية لإزالة عقبات‬ ‫التحديث يف جمتمعنا‪� ،‬شريطة �أن تكون عقبات حقيقية واقعية‪.‬‬ ‫فمن جهة‪ ،‬وعلى عك�س بع�ض الأديان الأخرى‪ ،‬ال قد�سية يف الإ�سالم‬ ‫لأي اجتهاد ب�شري �أو فكر �إن�ساين‪ ،‬فهذا كله مظنه اخلط�أ وال�صواب‪،‬‬ ‫والقد�سية تكون فقط للوحي‪ ،‬وحتى تف�سري الوحي �أو ت�أويله ال ميكن‬ ‫�أن يحتكره �إن�سان �أو طائفة بل هو ينبني على قواعد و�ضوابط من جهة‪،‬‬ ‫وعلى اجتهاد الب�شر من جهة ثانية‪ ،‬ال تقليد وهو �أكرب عقبات التحديث‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬م�صادر الت�شريع الإ�سالمي وا�سعة ب�شكل كبري‪ ،‬يجعل من غري‬ ‫املعقول �أال تكون مرنة �إىل حد القدرة على اال�ستجابة للحاجيات املتجددة‬ ‫ملجتمعاتها‪ ،‬فمنها كما هو معروف‪:‬امل�صلحة املر�سلة واال�ستح�سان‬ ‫واملعرفة‪ ...‬وقد يح�سن �أن نذكر هنا الن�ص امل�شهور ل�شهاب الدين القرايف‬ ‫( فمهما جتدد من العرف اعتربه‪ ،‬ومهما �سقط �أ�سقطه‪ ،‬وال جتمد على‬ ‫امل�سطور يف الكتب طول عمرك‪ ،‬بل �إذا جاءك رجل من غري �أهل �إقليمك‬ ‫ي�ستفتيك ال جتره على عرف بلدك‪ ،‬وا�س�أله عن عرف بلده و�أجره عليه‬ ‫وافته به دون عرف بلدك واملقرر يف كتبك‪ ،‬فهذا هو احلق الوا�ضح‪،‬‬ ‫واجلمود على املنقوالت �أبدا �ضالل يف الدين‪ ،‬وجهل مبقا�صد علماء‬ ‫امل�سلمني وال�سلف املا�ضني)‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬ميكن املنهج املقا�صدي من مرونة وا�سعة يف التعامل مع كل‬ ‫ما يت�صل بواقع الإن�سان الثقايف والرتبوي وال�سيا�سي واالجتماعي‬ ‫واالقت�صادي‪ ،‬وقد تقرر لدى املحققني من الأ�صوليني �أن الأ�صل يف‬ ‫العبادات التعبد‪ ،‬والأ�صل يف املعامالت احلكم واملقا�صد‪ ،‬وال ي�ستثنى من‬ ‫هذا �إال الأ�صول والأحكام القطعية‪.‬‬ ‫لكن التجديد كي يكون يف م�ستوى التغريات واحلاجيات‪ ،‬ال بد من �أن‬ ‫يكون جذرياً عميقاً‪ ،‬ولي�س �سطحياً‪ ،‬يلم�س فقط بع�ض الفتاوى الفقهية‪.‬‬ ‫فهذا ال يكفي مع التغريات ال�ضخمة يف واقع الإن�سان وكم معارفه‬ ‫وو�سائل ات�صاله و�إنتاجه‪ ،‬ابتداءا من �إعادة النظر يف كثري من �أ�صول‬ ‫النظر ومناهج التعامل‪ ،‬وتدقيق كثري من النظريات العامة لتن�سجم‬ ‫�أكرث مع الأ�صول ال�شرعية من جهة‪ ،‬ومع م�ستجدات املعرفة الإن�سانية‬ ‫من جهة ثانية‪ .‬وهذا كله متي�سر يف �إطار منهج الإ�سالم وت�شريعه الرحب‬ ‫املرن‪.‬‬ ‫وبعد‪....‬‬ ‫فقد ر�أينا كيف �أن التحديث على النموذج الغربي تكري�س للتخلف‪ ،‬وكيف‬ ‫�أن االنطالق من ذاتية ال�شعوب ومبادئهم �شرط �أ�سا�س لنجاح كل عملية‬ ‫حتديث‪.‬‬ ‫ثم ر�أينا كيف �أن التجديد الإ�سالمي �أخذاً مل�ستجدات الفكر الب�شري بعني‬ ‫االعتبار‪ ،‬وتفاعال مع تغريات واقعه‪.‬‬ ‫كيف ال يكون – �إذن – التجديد يف �إطار الإ�سالم احلقيقي؟‬ ‫ثم �إذا قبلنا جد ًال التمييز بني �سلفيني وحداثيني‪ ،‬فما �أحوجنا ليكون‬ ‫احلداثيون �أي�ضاً �سلفيني جتديديني‪ ،‬وما �أحوجنا ليكون ال�سلفيون‬ ‫حداثيني معا�صرين‪ ،‬وبهذا وحده تخرج الأمة من �أزمتها‪.‬‬

‫الكرمي‪ ،‬واحلث على ا�ستعمال العقل بالنظر يف الأنف�س والآفاق‪ ،‬وعلى‬ ‫طلب العلم حيثما كان‪ ،‬وعلى طلب احلكمة من �أي كان‪ ...‬كلها �أ�صول يف‬ ‫الدين مهمة‪ ،‬تفتح الباب وا�سعاً لقدرة كبرية على الت�أقلم مع م�ستجدات‬ ‫احلياة على كل امل�ستويات وميكن �أن نطرح جتديد الدين يف الإ�سالم من‬ ‫زاويتني ‪ :‬زاوية عالقة املطلق بالن�سبي‪ ،‬وزاوية عالقة الوحي بالعقل‪.‬‬ ‫بني املطلق والن�سبي‬ ‫فالدين من جهة املبادىء وعقائد و�أحكام مطلق‪ ،‬ت�سمو فوق الزمان‬ ‫واملكان والظروف‪ ،‬وهو من جهة �أخرى �أحكام ن�سبية تتغري بتغري تلك‬ ‫الأبعاد‪.‬‬ ‫وال ميكن �أن يكون هناك جتديد لوال هذه الدائرة الثانية الن�سبية‪،‬‬ ‫ولي�س هناك عامل متخ�ص�ص يف الت�شريع الإ�سالمي �إال ويعرف �أن ال‬ ‫جدال يف وجودها‪ ،‬بل �إن ابن القيم يخ�ص�ص لها مكاناً رفيعاً يف قولته‬ ‫املعروفة‪ :‬ف�صل يف تغري الفتوى بتغري الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات‬ ‫والعادات‪ ،‬وهو ف�صل عظيم جداً وقع ب�سبب اجلهل به غلط عظيم على‬ ‫الت�شريع ‪ ،‬وحتدث الأ�صوليون طوي ً‬ ‫ال عن الن�صو�ص �أو الأحاديث النبوية‬ ‫اخلا�صة �أو اجلزئية‪ ،‬والتي هي وقائع عني ال عموم لها‪ .‬وجود اجلانب‬ ‫الن�سبي يف الدين �إذن ال جدال فيه‪ ،‬وهو الإ�سالم مل ي�أت اتفاقاً‪ ،‬بل �أتى‬ ‫ق�صداً ان�سجاماً مع عموم الر�سالة الإ�سالمية وعامليتها‪.‬‬ ‫بني الوحي والعقل‬ ‫والدين وحي من عند اهلل‪ ،‬لكنه �أي�ضا فهم الب�شر لذلك‪ ،‬وك�سبه‬ ‫الواقعي يف �إطاره‪ ،‬فما يكت�سب منه �صفة القد�سية حمدودة جداً‪ ،‬وتركت‬ ‫امل�ساحة الكربى الجتهاد العقل الب�شري ومل يقل �أحد من علماء الإ�سالم‬ ‫�أن الوحي �أتى بدي ً‬ ‫ال عن جهد الب�شر وا�ستعمالهم لفكرهم بحرية ويف‬ ‫انطالق‪.‬‬ ‫وعلى عك�س املدار�س القدمية �أو احلديثة التي حتاول �إلغاء العقل حل�ساب‬ ‫النقل �أو العك�س‪ ،‬ينظر املنظرون (�أو النظار) امل�سلمون �إىل الأمر على �أ�سا�س �أنه‬ ‫تفاعل بني نقل وعقل تكون الأولوية فيه للقطعي �أو للراجح منها‪ ،‬انطالقاً‬ ‫من معايري مو�ضوعية‪ ،‬فهذا ابن تيمية يف كتابه (درء تعار�ض العقل �أو النقل)‬ ‫يرد على من يقدم العقل على النقل ب�إطالق‪ ،‬لأنهم لأي �شيء ف�سروا جن�س‬ ‫الدليل الذي رجحوه �أمكن تف�سري اجلن�س الآخر بنظريه‪ ،‬وترجيحه كما‬ ‫رجحوه‪ ،‬ومن ثم ف�إن تقدمي اجلن�س باطل‪ ،‬ينظر يف عني الدليلني املتعار�ضني‪،‬‬ ‫فيقدم ما هو القطعي منها �أو الراجح �إن كان ظنني‪� ،‬سواء كان هو ال�سمعي �أو‬ ‫العقلي (‪.)137/1‬‬ ‫فهناك �إذن تفاعل بني الوحي واملعرفة التي يكت�سبها الإن�سان (العقل)‪،‬‬ ‫ولأن �أكرث الن�صو�ص ظنية يف داللتها‪ ،‬فهي مو�ضوع اجتهاد واختالف‬ ‫�أفهام‪ .‬وعادة ما يتم فهمها يف �إطار معارف الع�صر القطعية منها والظنية‪،‬‬ ‫ويف �إطار الثقافة ال�سائدة وهذا باب وا�سع �إىل جتديد فهم الدين (دين‬ ‫الأمة) كلما توافرت الدواعي العلمية �أو العلمية لذلك‪.‬‬ ‫�ألي�س من امل�شروع ‪:‬ن قول‪� :‬إن جتديد الدين حتديث فع ً‬ ‫ال؟ لأنه يوفر‬ ‫�إمكانية ا�ستجابة كافية للتحديات الواقعية (اجلانب الن�سبي) كما يوفر‬ ‫�إمكانية تفاعل مع املعرفة الإن�سانية (اجلانب الظنني �أحكام الدين) ؟‬ ‫وهل التحديث �إال ذاك؟‬

‫‪5‬‬


‫ﻣــﻦ ﻓــﻘــﻪ ﺍﻹﺋـــﺘــــﻼﻑ‬ ‫يعي�س العامل الإ�سالمي اليوم على قمم احل�سارة واملدنية‪ ،‬ولكنه‬ ‫يعي�س اأي�ساً يف ظل اأعتى احلروب القِيمية الطاحنة‪.‬‬ ‫كان الإ�سالم بقوته وامل�سلمون ب�سعفهم اأول م�ستهدف يف هذه‬ ‫احلرب‪ ،‬اإ ّل اأ َّن الناظر يعجب كيف يكون هذا بني تلك القوى‬ ‫ال�سخمة وما ُيواجههم من اإمكانات �سئيلة باملقيا�س الب�سري‪ ،‬ولكن‬ ‫ما اأن ينظر اإىل الكفة الأخرى فيدرك جانب القوة عند امل�سلمني‪ ،‬اإ َّن‬ ‫امل�سلمني واإن مل ميلكوا العتاد والقوة فاإ َّنهم ميلكون ر�سيداً هائ ً‬ ‫ال‬ ‫من القيم التي عادة ما َت ْرج ُح بكفة امليزان‪.‬‬ ‫من هنا كان العمل الإ�سالمي يرتب ُع على كر�سي القيادة يف ال�سف‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬فال عجب اأن تعقد اللقاءات واملوؤمترات للتباحث يف هذا‬ ‫ال�ساأن‪ ،‬ومن الوعي وال�سبق اأن يكون حمور التباحث حول �سبل‬ ‫التفاق وعوامل الفرتاق يف العمل الإ�سالمي‪.‬‬ ‫أ�سا�س ب�سري‬ ‫العمل الإ�سالمي ‪ -‬كغريه من الأعمال ‪ -‬قائ ٌم على ا ٍ‬ ‫يعرتي ِه ما يعرتي اأعمال الب�سر من الق�سور والتق�سري‪.‬‬ ‫ولأن كان العمل الإ�سالمي قد خطى خطواتٍ فاعل ٍة فيما م�سى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تفر�س مزيداً من التاأمل واإعادة النظر‬ ‫اإ َّل اأ َّن التحديات املعا�سرة‬ ‫مر ًة بعد مرة‪.‬‬ ‫العامل اليوم مبوؤ�س�ساته ال�سيا�سية والقت�سادية ي�سعى حثيثاً‬ ‫نحو التكتل والتجمع‪ ،‬ولو على اأدنى م�ستوى من دواعي ال�سراكة‬ ‫والعوملة‪ ،‬اأبرز مظاهر هذا التكتل‪ ،‬و�سنة اهلل الكونية اأ َّن الجتماع‬ ‫�سعف وخور‪ ،‬وقد كان ُ‬ ‫ٌ‬ ‫يقال الكرثة تغلب ال�سجاعة‪،‬‬ ‫قو ًة والفرقة‬ ‫واأوىل النا�س بالجتماع اأهل احلق ليبلغوا ما اأُمروا به من البالغ‪،‬‬ ‫وليقوموا بواجبِ الر�سل الذين احتدت كلمتهم ( َومَا اأَ ْر َ�س ْل َنا مِ نْ‬ ‫َق ْبل َِك مِ نْ َر ُ�سولٍ اإِ َّل ُنوحِ ي اإِ َل ْي ِه اأَ َّن ُه َل اإِ َل َه اإِ َّل اأَ َنا َف ْاع ُبدُونِ )(الأنبياء‪)25:‬‬ ‫وهم اأبناء لعائالت اأبوهم واحد واأمهاتهم �ستى‪.‬‬ ‫وهذا الإجماع والجتماع العاملي على الإ�سالم‪ ،‬وهذه الفريات‬ ‫املتوالي ِة على امل�سلمني وقيمهم‪ ،‬فر�س ًة جلم ِع ال�ستات ووحدة ال�سف‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تقتلك تقويك‪.‬‬ ‫اإذ اأ َّن الفري َة التي ل‬ ‫وقد كانت ال ُ‬ ‫آمال تول ُد من اأرحام الآمال‪ ،‬وقد قال اهلل فيما اأنزل‬ ‫على عبده ( َفاإِ َّن َم َع ا ْل ُع ْ�س ِر ُي ْ�س ًرا * اإِ َّن َم َع ا ْل ُع ْ�س ِر ُي ْ�س ًرا)(ال�سرح‪،) 6 -7 :‬‬ ‫فجعل الي�سر قرين الع�سر‪ ،‬ولن يغلب ع�سر ي�سرين‪.‬‬ ‫اإ َّن الدار�س لتاريخ الأمم وال�سعوب يرى اأنها مرت بنوبات فتور‬ ‫وركود‪ ،‬لكنها ما اأن تتحد على كلم ٍة �سواء‪ ،‬حتى ت�ستعيد عافيتها وعزها‪.‬‬ ‫واإذا افرتقن تك�سرت اآحادا‬ ‫تاأبي الرماح اإذا اجتمعن تك�سرا‬

‫‪6‬‬

‫ال�سيخ �سلمان بن حمد العودة‬ ‫وامل�سروعات النه�سوية هي اأبني ٌة �سخمة ل تتقيد مبحدودي ِة عمر‬ ‫اإن�سانٍ واحد‪ ،‬بل ول حتى بلدٍ واحد‪ ،‬فما مل ُتعت َمد ا�سرتاتيجية‬ ‫اإكمالِ ما بُدِ ء وحت�سني ما اأُن�سئ‪ ،‬ف�ستظ ُل حماولتٍ مبعرث ٍة اآيل ٍة‬ ‫لل�سقوط يف اأيِّ ظرف‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تتحول مع الزمن من مها ِم‬ ‫وحينما تتقاطع امل�سروعات الإ�سالمية‬ ‫اخل�سم والإطاحة به‪،‬‬ ‫البناء اإىل مهام انتهاز الفر�س‪ ،‬لالإجهاز على‬ ‫ِ‬ ‫وا ُّ‬ ‫أول خا�سرٍ يف هذه املعرك ِة القيم التي ُبنيت عليها تلك امل�سروعات‪،‬‬ ‫اأ َّما اإذا تاآلفت وت�ساحلت قام البنيان ال�سامخ و�سارت اأم َة البنيان‬ ‫املر�سو�س‪.‬‬ ‫ولقد َّ‬ ‫حث ال�سار ُع على الجتماع ونب َذ الفرقة واخل�سام‪ ،‬ففي‬ ‫ُ‬ ‫تلحظ هذا املعنى بجالء؛ فال�سال ُة واحلج‬ ‫�سعائ ِر الدين الظاهر ِة‬ ‫وال�سوم واجلمعة والعيدين وغريها قامت على الجتماع والتوحد‪.‬‬ ‫وحث ال�سار ُع على لزو ِم طاع ِة من ول ُه ُ‬ ‫َّ‬ ‫اهلل الأمر‪ ،‬ور َّت َب على الطاعة‬ ‫اأجراً‪ ،‬وح َّذر اأ�س َّد التحذير من �سقِ هذه الع�سا‪ ،‬بل من مات مفارقاً‬ ‫الكروب و�ساقت ال�سب ُل‬ ‫للجماع ِة مات ميت ًة جاهلية‪ ،‬اأما اإذا ا�ستدت‬ ‫ُ‬ ‫فتاأكد هذه الدعوة‪.‬‬ ‫األ ترى اأ َّن اهلل اأكد يف �سورة الأنفال التي كان ابن عبا�س‪-‬‬ ‫ر�سي اهلل عنه‪ -‬يقول‪ :‬تلك �سور ُة بد ٍر اأكد فيها على الجتماع‪،‬‬ ‫هلل َوال َّر ُ�سولِ َفا َّت ُقوا َّ َ‬ ‫اهلل‬ ‫الَ ْن َفالِ ُقلِ ْ أ‬ ‫( َي ْ�س َاأ ُلو َن َك ع َِن ْ أ‬ ‫الَ ْن َف ُال ِ َّ ِ‬ ‫ات َب ْي ِن ُك ْم َواأَطِ ي ُعوا َّ َ‬ ‫َواأَ ْ�سل ُِحوا َذ َ‬ ‫اهلل َو َر ُ�سو َل ُه اإِ ْن ُك ْن ُت ْم ُموؤْمِ ِن َ‬ ‫ني)‬ ‫(الأنفال‪.)1 :‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫( َيا اأَ ُّيهَا ا َّلذِ َ‬ ‫ريا َل َع َّل ُك ْم‬ ‫ين اآَ َم ُنوا ِاإ َذا َلقِي ُت ْم ِف َئ ًة َفا ْث ُب ُتوا َوا ْذ ُك ُروا اهلل َك ِث ً‬ ‫ُت ْفل ُِحو َن * َواأَطِ ي ُعوا َّ َ‬ ‫ِيح ُك ْم‬ ‫اهلل َو َر ُ�سو َل ُه َو َل َت َنا َزعُوا َف َت ْف َ�س ُلوا َو َت ْذه َ​َب ر ُ‬ ‫ربوا اإِ َّن َّ َ‬ ‫ال�سا ِبر َ‬ ‫ِين) (الأنفال‪.)46 -47 :‬‬ ‫اهلل َم َع َّ‬ ‫َو ْ‬ ‫ا�س ِ ُ‬


‫وكان من �أو َل امل�شروعات املحمدية يف املدينة‪ ،‬امل�ؤ�آخا ُة التي جتاوزت‬ ‫ُ‬ ‫التوارث بني الإخو ِة يف اهلل م�شروعاً ثم‬ ‫حدود احلياة �إىل املوت‪ ،‬فكان‬ ‫ن�سخ‪.‬‬ ‫وكان �أول عملٍ قام به حممد‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬يف املدينة‬ ‫ُ‬ ‫ينطلق منه �إ�شعا َع النور‬ ‫بنا َء امل�سجد؛ ليكون املركز الإ�سالمي الذي‬ ‫والهدى‪.‬‬ ‫�إ َّن التكتالت الب�شرية ‪� -‬أياً ما كانت ‪ -‬فهي تتمحو ُر حول قاعد ٍة‬ ‫من امل�سلماتِ التي ال تقب ُل اجلدل‪ُ ،‬‬ ‫واهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬ملا �أم َر باالعت�صام‬ ‫�أم َر ب�أن يكو َن ذلك بحبله ( َو ْاع َت ِ�ص ُموا ب َِح ْبلِ اللهَّ ِ َجمِ ي ًعا َو اَل َت َف َّر ُقوا)‬ ‫(�آل عمران‪.)103 :‬‬ ‫و�أ�ش َّد من ُتلهب ِه نا َر الفرقة واالفرتاق‪ ،‬هم الأتباع‪ ،‬وه�ؤال ِء هم‬ ‫ال�سوا ُد الأعظم‪ ،‬وهم القيمة الفاعلة يف �أممهم‪.‬‬ ‫ويف �سبيل حتقيقِ هذا التوافق وتنميتهِ‪ ،‬ال ب َّد من معرف ِة دواعي‬ ‫االفرتاقِ ‪ ،‬وو�ضع اليد عليها‪ ،‬ف�صرف الدواء �إمنا يكون بعد ت�شخي�ص‬ ‫الداء‪ .‬ومعرفتنا للأ�سباب هي يف ذات الوقت عالج؛ لأننا متى ما‬ ‫�شئنا �أن نخلي ال�ساقية من املاء فلنبادر �إىل ما ميدّها فنوقفه‪.‬‬ ‫والتجر ُد هلل من احلظوظ وال�شهوات‪ ،‬خا�ص ًة ما خفي منها‪ ،‬كحب‬ ‫الرت�أ�س والظهور‪ ،‬من �أعمقِ الأ�س�س يف هذا ال�ش�أن‪ ،‬فلم مينع عمر‬ ‫وكبار ال�صحاب ِة ر�ضوان اهلل عليهم �أن يراجعوا احلق ملا ا�ستبان لهم‬ ‫على ل�سان �أبي بكر‪ -‬ر�ضي اهلل عنه‪ ،-‬وملَّا اختلف ال�صحابة يف بدرٍ‪،‬‬ ‫و�أمر اهلل بالإ�صالح ث َّنى ذلك ب�صفات امل�ؤمنني (�إِنمَّ َ ا المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫ِ�إ َذا ُذ ِك َر اللهَّ ُ َوجِ لَتْ ُق ُلو ُب ُه ْم َو ِ�إ َذا ُت ِل َيتْ َعلَ ْي ِه ْم �آَ َيا ُت ُه َزا َد ْت ُه ْم ِ�إميَا ًنا َو َعلَى‬ ‫َر ِّب ِه ْم َي َت َو َّك ُلو َن * ا َّلذِ َ‬ ‫ال�صلاَ َة َوممِ َّ ا َر َز ْق َناهُ ْم ُي ْن ِف ُقو َن)‬ ‫ين ُيقِي ُمو َن َّ‬ ‫(الأنفال‪)2 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫التوافق‪ ،‬فاهلل‬ ‫مطلق‬ ‫ي�شرتط فيه‬ ‫والوال ِء والرباء عق ٌد �شرعي ال‬ ‫�س َّمى الطائفتني املقتتلتني با�سم الإميان‪ُ ،‬ث َّم �أعقب تلك الآي ِة بالأمر‬ ‫بالإ�صالح بني الإخوة امل�ؤمنني‪ ،‬و�أمر هُ نا �أي�ضاً بالتقوى‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫خالف حول م�سائ َل ي�س ُع‬ ‫اخلالف امل�سببِ لالفرتاق‪،‬‬ ‫�إ َّن كثرياً من‬ ‫ِ‬ ‫اخلالف فيها‪ ،‬وال تع ُد �أن تكون وجهاتِ نظرٍ قابل ٍة للأخذ والرد‪،‬‬ ‫احلما�س املفرط لالجتهادات ُي�ؤدي يف �أحيانٍ كثري ٍة �إىل �شقاقٍ‬ ‫وهذا‬ ‫ُ‬ ‫وفرقة‪.‬‬ ‫وال ب َّد يف �سبيلِ توحيدِ ال�صفِ من وجود قياداتٍ علمي ٍة را�شدة‪،‬‬ ‫تكون َّ‬ ‫ُ‬ ‫بنفو�س مر�ضية‪.‬‬ ‫حمط ثقةٍ‪ ،‬فينفت ُل منها املختلفون‬ ‫ٍ‬ ‫خطوط‬ ‫�أ ُّيها الأخوة‪� :‬إ َّنه �إذا مل ميكن التوافق فال �أقل من ال�سري يف‬ ‫ٍ‬ ‫متوازيةٍ‪� ،‬إن مل تتفق فال �أقل من �أن ال تتقاطع‪ ،‬وقاعدة ال�شريعة‬ ‫العامة �أ َّن ُه ال واجب مع العجز‪ ،‬و�أن التكليف بقدر الو�سع‪.‬‬ ‫�إ َّن �إثار َة فقه االئتالف على م�ستوى امل�ؤ�س�سات والأفراد‪� ،‬أم ٌر بات‬

‫ُ‬ ‫أم�س احلاجة �إىل‬ ‫من �ضرورياتِ العمل الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ونحن اليوم ب� ِ‬ ‫تداولِ هذا الفقه وبكثافة‪.‬‬ ‫و�إ َّن الذي بيني وبني بني بني �أخي وبني بني عمي ملختلف جداً‬ ‫ف�إن �أكلوا حلمي ُ‬ ‫وفرت حلومهم و�إن هدموا جمدي بنيت لهم جمدا‬ ‫مي عليهم ولي�س رئي�س القو ِم من يحمل احلقدا‬ ‫وال �أحم ُل احلق َد القد ِ‬ ‫(�أبو فرا�س احلمداين‪�/‬شاعر عبا�سي)‬ ‫وهنا �أم ٌر مه ٌم �إذ ال ب َّد من التفكري بجدي ٍة يف واق ِع اجليلِ ال�صاعد‬ ‫حيال فقه التوافق واالختالف‪ ،‬حتى ال تتكرر الأخطاء‪ ،‬وال نزال‬ ‫بحمد اهلل نرى مناذجاً مل�شروعاتٍ جادة قامت على االحتاد‪ ،‬ف�أفلحت‬ ‫يف م�سريتها‪ ،‬وجنت ثما َر زرعها‪.‬‬ ‫وال ب َّد يف هذا ال�صدد من ت�أملِ هدي القر�آن وال�سنة يف الأمر‬ ‫بالعدل مع ال�صديق والعدو‪ ،‬ومن قراء ٍة مت�أني ٍة يف ال�سري ِة النبوي ِة‬ ‫وتراجم ال�سلف‪ ،‬وهدي العلماء يف االئتالف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫رب والفاج ُر‪،‬‬ ‫ال‬ ‫كنفها‬ ‫يف‬ ‫عا�ش‬ ‫ل�شريعتنا‪،‬‬ ‫ة‬ ‫مميز‬ ‫ة‬ ‫�سم‬ ‫العدل‬ ‫�إن‬ ‫ُّ‬ ‫وامل�سل ُم والكاف ُر‪ ،‬كل ه�ؤال ِء بالعدل ُيحكمون وال ُيظلمون‪ ،‬حتى و�إن‬ ‫ُ‬ ‫فنحن م�أمورون بالعدل معه‪ ،‬ذلك توجي ُه ربنا يف‬ ‫�أبغ�ضنا الكافر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كتابه العزيز‪َ ( :‬و اَل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن�آ ُن َق ْو ٍم َعلَى �أ اَّل َت ْعدِ ُلوا ْاعدِ ُلوا هُ َو‬ ‫�أَ ْق َر ُب لِل َّت ْق َوى) (املائدة‪ :‬من الآية‪.)8‬‬ ‫قال ابن تيمية‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬وهذه الآية نزلت ب�سبب بغ�ضهم‬ ‫البغ�ض الذي �أم َر ُ‬ ‫للكفار‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل به قد‬ ‫بغ�ض م�أمو ٌر به‪ ،‬ف�إذا كان‬ ‫م�سلم بت�أويلٍ‬ ‫بغ�ض‬ ‫هي �صاحب ُه �أن يظلم من �أبغ�ضه‪ ،‬فكيف يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُن َ‬ ‫و�شبه ٍة �أو بهوى نف�س؟ فهو � ُّ‬ ‫أحق �أن ال ُيظلم‪ ،‬بل ُيعدل عليه( ‪.)1‬‬ ‫لقد فاق امل�سلمون يف تاريخنا املجيد غريهم يف العدل‪ ،‬وجتاوزوا‬ ‫بعدلهم �أهل امللة من امل�سلمني �إىل �أهل الذمة من اليهود والن�صارى‪.‬‬ ‫و ُيذكر �أ َّن عمر بن عبد العزيز‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬كتب �إىل والي ِه على‬ ‫الب�صرة يقول له‪«( :‬ثم انظر من ِق َبلك من �أهل الذمة قد َكبرُ ت‬ ‫املكا�سب‪ ،‬ف�أج ِر عليه من بيت مال‬ ‫�سِ ُّنه‪ ،‬و�ضعفت قوته وو ّلت عنه‬ ‫ُ‬ ‫ري امل�ؤمنني عم َر‪ -‬ر�ضي‬ ‫امل�سلمني ما ي�صلح ُه وذلك �أ َّن ُه بلغني �أ َّن �أم َ‬ ‫النا�س فقال‪:‬‬ ‫ب�شيخ من �أهلِ الذم ِة ي�س� ُأل على �أبوابِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل عنه‪ -‬م ّر ٍ‬ ‫ما �أن�صفناك �إن ك َّنا �أخذنا منك اجلزية يف �شبيبتك ثم �ض ّيعناك يف‬ ‫كِربك‪ ،‬ثم �أجري من بيتِ املال ما ي�صلحه» (‪.)2‬‬ ‫�إ َّن من مظاهر العدل قبول احل ِّق ممن جاء به‪ ،‬فالعرب ُة بالقولِ‬ ‫ال بالقائل‪ ،‬ويف ق�ص ِة ال�شيطان مع �أبي هريرة‪ -‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬حني‬ ‫بحفظ زكاة رم�ضان‪ ،‬وجمي ِء‬ ‫و َّكل ُه الر�سول‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ال�شيطان �إليه �أك َ‬ ‫رث من مرة‪ ،‬حتى ع ّلمه �أن يقر�أ �آية الكر�سي �إذا �أوى‬ ‫ٌ‬ ‫�إىل فرا�شه‪ ،‬و�أ َّن ُه بذلك ُ‬ ‫�شيطان‬ ‫هلل وال يقربه‬ ‫يكون حمفوظاً من ا ِ‬ ‫حتى ي�صبح‪ ،‬يف هذه الق�صة �صدَّق الر�سول‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪-‬‬ ‫القول و�إن �صد َر من ال�شيطان‪ُ ،‬‬ ‫حيث قال (�أما �إ َّنه قد �صدقك وهو‬ ‫كذوب) ( ‪.)3‬‬

‫‪7‬‬


‫أن�صف هذا العا ُ‬ ‫ف�إذا � َ‬ ‫مل الر ّباين وعد َل مع غري امل�سلمني‪ ،‬وكان‬ ‫لفك �أ�سرهم‪ ،‬فماذا ُ‬ ‫�سبباً ّ‬ ‫يقول من ي�سعى للوقيعة ب�إخوانه امل�سلمني‬ ‫ويتم ّنى ُّ‬ ‫ال�ض َّر لهم ب�شكلٍ �أو ب�آخر؟‬ ‫�إن من قواعد االئتالف �إن�صاف عامة امل�سلمني وخا�صتهم‪..‬فكيف‬ ‫ال�سبي ُل لهذا الإن�صاف؟‬ ‫�إن مما ال �شك فيه �أن امل�سلمني ‪ -‬قدمياً وحديثاً ‪ -‬يتفاوتون يف‬ ‫مراتب الإميان‪ ،‬فهناك من هم يف الذروة من الإميان‪ ،‬وهُ ناك من‬ ‫هُ م يف �أدنى درجات الإميان‪ ،‬وهناك طائف ٌة يف الو�سط بني ه�ؤال ِء‬ ‫و�أولئك‪ ،‬ولكن اجلميع جتمعهم رابط ُة الإ�سالم‪ ،‬وح�سابهم على اهلل‪،‬‬ ‫وما مل يخرج امل�سلم من امللة‪ ،‬ف�إ َّن ل ُه حقاً يف املواال ِة على قدر �إميانه‪.‬‬ ‫�شك كذلك �أ َّن الفرقة الناجية من خري ِة امل�سلمني‪ ،‬وهم �أه ُل‬ ‫وما من ٍ‬ ‫وال�سنة‪.‬‬ ‫ال�سنة واجلماعة الذين قالوا وعملوا بالكتاب ُّ‬ ‫ري الفرقة الناجية من عُ�صاة‬ ‫ولكن دائر َة امل�ؤمنني تت�س ُع لت�شم َل غ َ‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬ومن وجد عندهم نوع انحراف لكنهم يف دائرة الإ�سالم‪،‬‬ ‫ن�ص عليه ال�شي ُخ ابن تيمية‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬حني قال‪« :‬و�إذا‬ ‫وهذا ما َّ‬ ‫قال امل�ؤمن‪َ ( :‬ر َّب َنا ْاغ ِف ْر َل َنا َو ِ إِل ْخ َوا ِن َنا ا َّلذِ َ‬ ‫ِالميَانِ )‬ ‫ين َ�س َب ُقو َنا ب ْ إِ‬ ‫(احل�شر‪.)10 :‬‬ ‫يق�صد كل من �سبق ُه من قرونِ الأمة بالإميان‪ ،‬و�إن كان قد‬ ‫�أخط�أ يف ت�أويلِ ت�أ ّوله فخالف ال�سنة‪� ،‬أو �أذنب ذنباً‪ ،‬ف�إ َّن ُه من �إخوانه‬ ‫الذين �سبقو ُه بالإميان‪ ،‬فيدخ ُل يف العموم‪ ،‬و�إن كان من الثنتني‬ ‫وال�سبعني فرق ًة‪ ،‬ف�إ َّن ُه ما من فرق ٍة �إ َّال وفيها ٌ‬ ‫ري لي�سوا كفاراً‪،‬‬ ‫خلق كث ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وذنب‪ ،‬ي�ستحقون به الوعيد كما ي�ستحقه‬ ‫بل م�ؤمنون فيهم‬ ‫�ضالل ٌ‬ ‫ع�صا ُة امل�ؤمنني» (‪.)8‬‬

‫ومن فقه هذا احلديث وفوائده ‪ -‬كما قال ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل‬ ‫‪� :‬إ َّن احلكمة قد يتل ّقاها الفاج ُر فال ينتفع بها‪ ،‬وت�ؤخ ُذ عنه فينتف ُع‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي�صدق به امل�ؤمن‪ ،‬وال يكون‬ ‫ي�صدق ببع�ض ما‬ ‫بها‪ ،‬و�إ َّن الكاف َر قد‬ ‫بذلك م�ؤمناً‪ ،‬وب�أ َّن الك ّذاب قد ي�صد ُ​ُق (‪) 4‬‬ ‫ويف هذا ال�صدد ُيذك ُر من و�صايا ابن م�سعود‪ -‬ر�ضي اهلل عنه‪-‬‬ ‫مما �أو�صا ُه به �أن‬ ‫قوله لرجلٍ قال له‪� :‬أو�صني بكلماتٍ جوامع‪ ،‬فكان َّ‬ ‫ْ‬ ‫قال‪ :‬ومن �أتاك ٍّ‬ ‫فاقبل منه و�إن كان بعيداً بغي�ضاً‪ ،‬ومن �أتاك‬ ‫بحق‬ ‫بالباطلِ فار ُددْه و�إن كان قريباً حبيباً( ‪.) 5‬‬ ‫�إننا حني نفق ُد هذا امليزا َن يف قبول احل ِّق قد نرف�ض حقاً‪ ،‬لأ َّنه‬ ‫�شخ�ص نبغ�ضه �أو ال نهواه‪� ،‬أو ال نرت�ضي منهج ُه ب�شكلٍ عام‪،‬‬ ‫جا َء من‬ ‫ٍ‬ ‫علماً ب�أ َّن قبول احلق الذي جاء به ال يعني موافقته يف كل �شيء‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫الر�ضى عنه فيما‬ ‫يخطئ فيه‪ ،‬وقد ي�ضطرنا هذا اخللل يف العدلِ‬ ‫يف قبول ّ‬ ‫�شخ�ص نحبه‪،‬‬ ‫احلق ورف�ض الباطل‪ ،‬لقبول ز ّلة خط�أٍ من‬ ‫ِ‬ ‫ونرت�ضي منهج ِه علماً ب�أ َّن رف�ضنا لهذه الز َّلة واخلط�أ منه‪ ،‬ال يعني‬ ‫بغ�ض ُه وال االنتقا�ص من قدره‪ ،‬وال رف�ض بقية احل ِّق الذي جاء به‪.‬‬ ‫�إ َّنه العدل الذي ينبغي �أن ن�أخذ �أنف�سنا به‪ ،‬ونتمنى ب ِه �أن ُيجري اهلل‬ ‫َّ‬ ‫احلق على �أل�سنتنا و�أل�سنة خ�صومنا‪ ،‬وكم هو عظي ٌم الإما ُم ال�شافع‪-‬‬ ‫يرحمه اهلل ‪ -‬حني قال (ما ناظرت �أحداً �إ َّال قلتُ ‪ :‬الله ّم �أج ِر ّ‬ ‫احلق‬ ‫احلق معي اتبعني‪ ،‬و�إن كان ُّ‬ ‫على قلبه ول�سانه‪ ،‬ف�إن كان ُّ‬ ‫احلق معه‬ ‫اتبعته)( ‪.)6‬‬ ‫و�أين هذا يا م�سلمون ممن يتمنون انحراف خ�صومهم‪� ،‬أو‬ ‫يرمون خمالفيهم بالباطل‪ ،‬ويتهمونهم وين ّفرون النا�س منهم‬ ‫وهم م�سلمون‪ ،‬بل قد يكونون علماء‪ ،‬وقد يكون ما معهم من احلق‬ ‫يتالعب ال�شيطان‬ ‫�أكرث من خ�صومهم‪ ،‬ف�إىل اهلل امل�شتكى‪ ،‬وكم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يخطئ ه�ؤالء وين�سفون قواعد العدل‬ ‫�أحياناً ببع�ض املحبني‪ ،‬وكم‬ ‫وهم يح�سبون �أ َّنهم يح�سنون �صنعاً‪ ،‬وكم نظلم �أنف�سنا ونظلم‬ ‫غرينا بت�صنيف هذا‪ ،‬وجتريح ذاك‪ ،‬واتهام ثالث و�إ�شعال معارك‬ ‫الكا�سب الأول والأخري منها هم‬ ‫وهمية بني نفرٍ من امل�سلمني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الأعداء املرت ِّب�صون واخلا�سر الأكرب هم املعتدون الفاقدون للعدل‬ ‫والإن�صاف‪.‬‬ ‫تعم والفتنة تقع على امل�سلمني! و�أين ُ‬ ‫نحن من‬ ‫و�إن كانت اخل�سارة ُّ‬ ‫هذا املوقف البديع والعدلِ حتى مع غري امل�سلمني يقدمه لنا �شي ُخ‬ ‫العملي‪ ،‬فهو حني �سعى ب�إطالق �سراح‬ ‫الإ�سالم ابن تيمية ب�سلوكه‬ ‫ِّ‬ ‫�أ�سرى امل�سلمني من التتار �أ�ص َّر كذلك على �إطالق �سراح امل�أ�سورين‬ ‫من �أهل الذمة قائ ً‬ ‫ال مل�س�ؤول الترت‪ « :‬بل جميع من معك من اليهود‬ ‫والن�صارى الذين هم �أهل ذمَتنا‪ ،‬ف�إنا نف ُّكهم وال ند ُع �أ�سرياً ال من‬ ‫�أهل امل َّلة وال من �أهل الذمة»( ‪.)7‬‬

‫الهوام�ش واملراجع‬ ‫(‪ )1‬منهاج ال�سنة‪.127/5 :‬‬ ‫(‪�)2‬أحكام �أهل الذمة البن القيم‪ ،‬حتقيق �صبحي ال�صالح ‪.38/1‬‬ ‫(‪ )3‬رواه البخاري برقم ‪.2311‬‬ ‫(‪ )4‬الفتح ‪ 616/4‬ح ‪.2311‬‬ ‫(‪ )5‬الأحكام يف �أ�صول الأحكام البن حزم‪ ،586/4 :‬عن كتاب «فقه االئتالف»‬ ‫حممود اخلزندار �ص‪.98‬‬ ‫(‪ )6‬عن فقه االئتالف �ص‪.104‬‬ ‫(‪ )7‬حياة �شيخ الإ�سالم‪ ،‬حممد بهجت البيطار �ص‪ ،15‬عن الر�سالة‬ ‫القرب�صية‪ ،‬فقه االئتالف‪.47 :‬‬ ‫(‪ )8‬منهاج ال�سنة‪ 241 ،240/5 :‬عن فقه االئتالف‪.186 :‬‬

‫‪8‬‬


‫عَلى اأَن ُت ْ�سر َِك بِي مَا َل ْي َ�س َل َك ِب ِه عِ ْل ٌم َف َال ُتطِ ْع ُه َما َو َ�ساحِ ْب ُه َما ِيف‬ ‫يل ُث َّم اإِ َ َّ‬ ‫اب اإِ َ َّ‬ ‫يل َم ْرجِ ُع ُك ْم َفاأُ َن ِّب ُئ ُكم‬ ‫الدُّ ْن َيا َم ْع ُرو ًفا َوا َّت ِب ْع َ�س ِبي َل َمنْ اأَ َن َ‬ ‫ِمبَا ُكن ُت ْم َت ْع َم ُلو َن)( َيا ُب َن َّي اإِ َّنهَا اإِن َت ُك مِ ْث َقا َل َح َّب ٍة ِّمنْ َخ ْردَلٍ َف َت ُكن‬ ‫اهلل اإِ َّن َّ َ‬ ‫الَ ْر ِ�س َي ْاأتِ ِبهَا َّ ُ‬ ‫اهلل َلطِ ٌ‬ ‫يف‬ ‫ال�س َما َواتِ اأَ ْو ِيف ْ أ‬ ‫ِيف َ�س ْخ َر ٍة اأَ ْو ِيف َّ‬ ‫رب‬ ‫ال�س َال َة َواأْ ُم ْر ب ِْامل َ ْع ُر ِ‬ ‫ري)( َيا ُب َن َّي اأَق ِ​ِم َّ‬ ‫َخ ِب ٌ‬ ‫وف َوا ْن َه ع َِن ْاملُن َك ِر َو ْ‬ ‫ا�س ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ا�س‬ ‫َعلَى مَا اأ َ�سا َب َك ِاإ َّن َذل َِك مِ نْ َع ْز ِم ْ أ‬ ‫المُو ِر )( َو َل ُت َ�س ِّع ْر َخد َ​َّك لِل َّن ِ‬ ‫الَ ْر ِ�س َم َر ًحا اإِ َّن َّ َ‬ ‫َو َل َ ْ‬ ‫اهلل َل يُحِ ُّب ُك َّل ُ ْ‬ ‫خم َتالٍ َف ُخورٍ)( َوا ْق ِ�س ْد‬ ‫مت ِ�س ِيف ْ أ‬ ‫الَ ْ�سوَاتِ َل َ�س ْو ُت ْ َ‬ ‫ِيف م َْ�سي َِك َو ْاغ ُ�س ْ‬ ‫ري )‬ ‫�س مِ نْ َ�س ْوت َِك اإِ َّن اأَ ْن َك َر ْ أ‬ ‫احلمِ ِ‬ ‫(لقمان‪.)19-14:‬‬ ‫واملوعظة تاأتي يف القراآن الكرمي �سريحة كما يف الآيات ال�سابقة‬ ‫‪ ،‬وتاأتي من خالل العتبار مبن �سبق ‪ ،‬قال ال�سيخ حممد الطاهر‬ ‫بن عا�سور ‪ :‬وقوله( َيا اأَهْ َل ا ْل ِك َتابِ َل َت ْغ ُلوا ِيف دِي ِن ُك ْم ) وقوله ( َف َما‬ ‫َر َع ْوهَا َح َّق ِرعَا َي ِت َه )(احلديد‪( )27:‬فاإن ذلك متعلق باأهل الكتاب‬ ‫ابتداء ‪ ،‬ومراد منه موعظة هذه الأمة لتجتنب الأ�سباب التي اأوجبت‬ ‫غ�سب اهلل على الأمم ال�سابقة و�سقوطها) ‪ ،‬وت�سديق ذلك يف القراآن‬ ‫الكرمي حيث يقول احلق تبارك وتعاىل‪َ (:‬و َل َق ْد َع ِل ْم ُت ُم ا َّلذِ َ‬ ‫ين ْاع َت َد ْوا‬ ‫ني َف َج َع ْل َناهَا َن َك ًال ملِ َا َب ْ َ‬ ‫ال�س ْبتِ َف ُق ْل َنا َل ُه ْم ُكو ُنوا ِق َر َد ًة َخا�سِ ِئ َ‬ ‫ني‬ ‫مِ ْن ُك ْم ِيف َّ‬ ‫َي َد ْيهَا َومَا َخ ْل َفهَا َو َم ْوعِ َظ ًة ِل ْل ُم َّت ِق َ‬ ‫ني )(البقرة‪.)66-65:‬‬ ‫‪ -2‬ال�سحبة‪ :‬ل يخفى ما لل�سحبة اأثر فاعل يف اكت�ساب الأخالق‬ ‫�سلباً اأو اإيجاباً ‪ ،‬وم�سارقة الطبع توؤدي يف ذلك دوراً كبرياً‪( ،‬اإذ الطبع‬ ‫ي�سرق من الطبع ال�سر واخلري جميعا ) ‪ .‬وق�سة اأ�سحاب اجلنة يف‬ ‫�سورة القلم �ساهد حي على ما لل�سحبة من اأهمية يف ا�ستمداد‬ ‫القرناء بع�سهم من بع�س الطاقات الأخالقية حيث يقول اهلل‬ ‫اب ْ َ‬ ‫اجل َّن ِة اإِ ْذ اأَ ْق َ�س ُموا‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ ( :‬اإِ َّنا َبلَ ْو َناهُ ْم َك َما َبلَ ْو َنا اأَ ْ�س َح َ‬ ‫ني)‪َ (،‬و َل َي ْ�س َت ْث ُنو َن)( َف َط َ‬ ‫َل َي ْ�س ِر ُم َّنهَا م ُْ�سبِحِ َ‬ ‫اف َعلَ ْيهَا َطائ ٌِف مِ نْ‬ ‫ني)( اأنَِ‬ ‫َ‬ ‫مي)( َف َت َنا َد ْوا م ُْ�سبِحِ َ‬ ‫َر ِّب َك َوهُ ْم َنا ِئ ُمو َن)( َفاأ ْ�س َب َحتْ َك َّ‬ ‫ال�س ِر ِ‬ ‫ْاغدُوا َعلَى َح ْر ِث ُك ْم اإِ ْن ُك ْن ُت ْم َ�سارِمِ َ‬ ‫ني)( َفا ْن َطلَ ُقوا َوهُ ْم َي َت َخا َف ُتو َن)‬ ‫(اأَ ْن َل َيد ُْخلَ َّنهَا ا ْل َي ْو َم َعلَ ْي ُك ْم مِ ْ�س ِك ٌ‬ ‫ني )(و َغ َد ْوا َعلَى َح ْر ٍد َقا ِدر َ‬ ‫ِين)‬ ‫حم ُرومُو َن )( َقا َل اأَ ْو َ�س ُط ُه ْم‬ ‫( َفلَ َّما َراأَ ْوهَا َقا ُلوا اإِ َّنا َل َ�سا ُّلو َن َب ْل َن ْح ُن َ ْ‬ ‫اأَ َ ْ‬ ‫مل اأَ ُق ْل َل ُك ْم َل ْو َل ُت َ�س ِّب ُحو َن)( َقا ُلوا ُ�س ْب َحا َن َر ِّب َنا اإِ َّنا ُك َّنا َظاملِ ِ َ‬ ‫ني)‬ ‫( َفاأَ ْق َب َل َب ْع ُ�س ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ�س َي َت َال َومُو َن)( َقا ُلوا َيا َو ْيلَ َنا اإِ َّنا ُك َّنا‬ ‫َطاغِ َ‬ ‫ني)‬ ‫ريا مِ ْنهَا اإِ َّنا اإِ َىل َر ِّب َنا َراغِ ُبو َن ) ( َك َذل َِك ا ْل َع َذ ُاب‬ ‫(ع َ​َ�سى َر ُّب َنا اأَ ْن ُي ْبدِ َل َنا َخ ْ ً‬ ‫َو َل َع َذ ُاب ْ آَ‬ ‫رب َل ْو َكا ُنوا َي ْعلَ ُمو َن)(القلم‪ .)33-17:‬اأو�سطهم‬ ‫الخِ َر ِة اأَ ْك َ ُ‬ ‫اأي ( اأعدلهم قو ًل وعق ً‬ ‫ال وخلقاً)‪،‬والآية تدل على اأن هذا الأو�سط‬ ‫حذرهم من الوقوع يف املع�سية قبل وقوع العذاب فلم يطيعوه ‪ ،‬فلما‬ ‫راأوا العذاب ذكرهم ذلك الكالم ‪ ،‬فكان تذكري اأو�سطهم اأحد اأ�سباب‬

‫ﻭﺳـﺎﺋـﻞ ﺗﺤـﻘﻴـﻖ ﺩﻓـﻊ‬ ‫ﺍﻟـﻮﺳﻄـﻴـﺔ ﻭﺩﻓـﻊ ﺍﻟﻐﻠﻮ‬ ‫د‪.‬اإبراهيم بن �سعيد الدو�سري‬ ‫نعلم اإن الرتبية الأخالقية اأحد الدعائم الأ�سا�سية يف بناء الفرد‬ ‫امل�سلم اإذ هي عملية توؤدي اإىل بناء فكر وفعل اأخالقي مبا حوته‬ ‫من و�سائل كفيلة ميكن من خاللها تطبيق د�ستور الأخالق يف‬ ‫القراآن الكرمي وهذه الو�سائل توؤول اإىل جمموعتني ‪ :‬و�سائل دافعة‬ ‫وو�سائل مانعة ‪ ،‬اأما الو�سائل الدافعة فهي التي تنمي ال�ستعداد‬ ‫النف�سي لفعل اخلريات مثل القدوة ال�ساحلة واملوعظة وال�سحبة‪،‬‬ ‫واملجموعة الثانية هي الو�سائل املانعة وهي التي حتول بني املرء‬ ‫ورغبته يف �سيئ الأخالق ‪ ،‬وتعطل اإرادته وا�ستعداده من الوقوع فيها‬ ‫ومن بني تلك الو�سائل املانعة العتبار والرتهيب والعقوبة ‪.‬‬ ‫ا ّإن الرتبية الأخالقية يف نظرة الإ�سالم تت�سم بالعمق وال�سمول ‪،‬‬ ‫حيث اإنها تتناول جميع اجلوانب الإيجابية للرتبية املتكاملة ‪ ،‬من‬ ‫اأهمها تكوين الب�سرية عند املرء ليميز بني �سلوكي اخلري وال�سر‬ ‫وحتذير الغري منها ‪،‬وحتليلها بف�سائل اخلري ‪ ،‬والدللة اإليها ‪.‬‬ ‫واحلق اأن القراآن الكرمي قد ز ّود نظامه الأخالقي بقاعدة تربوية‬ ‫غاية يف الكمال ‪ ،‬وقد انتظم يف هذه القاعدة جملة من الو�سائل‬ ‫الكفيلة بتفعيل التعاليم الأخالقية ‪ ،‬واإيجاد العالج واحللول‬ ‫املنا�سبة لكل اإنحراف اأو ت�سيب يف الأخالق ‪ ،‬ومعنى هذا اأنها ذات‬ ‫طابع اإ�سالحي ودعوي فاحلاجة اإىل اإبرازها لها �سرورة اجتماعية‪.‬‬ ‫اأو ًل ‪ :‬الو�سائل الدافعة وهي الو�سائل التي تنمي ال�ستعداد لفعل‬ ‫اخلريات واملداومة عليها والرتقي يف معارج الف�سيلة ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬ ‫‪ -1‬املوعظة ‪ :‬وهي التذكري باخلري فيما يرق له القلب ‪ ،‬وتعد املوعظة‬ ‫من اأقوى الأ�ساليب واأجنع الو�سائل ‪ ،‬ولهذا �س ّمى اهلل القراآن الكرمي‬ ‫ا�س َق ْد َجا َء ْت ُك ْم َم ْوعِ َظ ٌة مِ نْ‬ ‫موعظة كما يف قوله تعاىل ‪َ (:‬يا اأَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫ال�سدُو ِر َوهُ دًى َو َر ْح َم ٌة ِل ْل ُموؤْمِ ِن َ‬ ‫ني)(يون�س‪.)57:‬‬ ‫َر ِّب ُك ْم َو�سِ َفا ٌء ملِ َا ِيف ُّ‬ ‫وقد ا�ستعمل القراآن القراآن الكرمي املوعظة يف ال�سياق الرتبوي يف‬ ‫كثري من املنا�سبات ‪ ،‬ويظهر ذلك جليا يف مواعظ لقمان احلكيم‬ ‫ن�سا َن ِب َوا ِل َد ْي ِه َح َملَ ْت ُه اأُ ُّم ُه وَهْ ًنا َعلَى وَهْ ٍن‬ ‫لإبنه‪َ ( :‬و َو َّ�س ْي َنا ْ ِإ‬ ‫ال َ‬ ‫ري‪َ ،‬واإِن َجا َهد َ‬ ‫َني اأَنِ ْا�س ُك ْر ِيل َو ِل َوا ِل َد ْي َك اإِ َ َّ‬ ‫َاك‬ ‫ِ�سا ُل ُه ِيف عَام ْ ِ‬ ‫َوف َ‬ ‫يل ْامل َ ِ�س ُ‬

‫‪9‬‬


‫توبتهم‪ ،‬ولو ا�ستجابوا له �أوال النتفعوا ب�ستانهم بيد �أنهم ا�ستطاعوا‬ ‫�أن ي�ؤثروا عليه ‪ ،‬حتى �أزرى به بخله ف�أ�صابه ما �أ�صابهم‪ .‬وقد جاء‬ ‫التنويه بال�صحبة وما لها من �أثر فاعل يف �آيات كثرية ومنها قوله‬ ‫الظالمِ ُ َعلَى َي َد ْي ِه َي ُق ُ‬ ‫تعاىل ( َو َي ْو َم َي َع ُّ�ض َّ‬ ‫ول َيا َل ْي َتنِي ا َّت َخ ْذ ُت َم َع‬ ‫ال َّر ُ�سولِ َ�س ِبيلاً ) (الفرقان‪ ،)27:‬وقوله تعاىل ( ُق ْل �أَ َن ْدعُو مِ نْ دُونِ‬ ‫اللهَّ ِ مَا اَل َي ْن َف ُع َنا َو اَل َي ُ�ض ُّر َنا َو ُن َر ُّد َعلَى �أَ ْع َقا ِب َنا َب ْع َد �إِ ْذ َهدَا َنا اللهَّ ُ‬ ‫اب َي ْدعُو َن ُه �إِلىَ‬ ‫َكا َّلذِ ي ْا�س َت ْه َو ْت ُه َّ‬ ‫ال�ش َياطِ ُ‬ ‫ني فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َحيرْ َ ا َن َل ُه �أَ ْ�ص َح ٌ‬ ‫للهَّ‬ ‫ُ‬ ‫ا ْل ُهدَى ا ْئ ِت َنا ُق ْل �إِ َّن هُ دَى ا ِ هُ َو ا ْل ُهدَى َو�أمِ ْر َنا ِل ُن ْ�س ِل َم ِل َر ِّب ا ْل َعالمَ ِ َ‬ ‫ني)‬ ‫(الأنعام‪.)71:‬‬ ‫‪ -3‬القدوة احل�سنة ‪ :‬وهي و�سيلة عملية يف البناء اخللقي‪ ( ،‬ولن‬ ‫ت�صلح الرتبية �إال �إذا اعتمدت على الأ�سوة احل�سنة ) ‪ ،‬والقر�آن‬ ‫الكرمي حافل بنماذج حية لل�شخ�صيات الأخالقية الكرمية‪،‬‬ ‫للرتغيب يف �أخالقهم ‪ ،‬وحماكاة احل�سن منها ‪ ،‬قال تعاىل (�أُو َلئ َِك‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين َهدَى اللهَّ ُ َف ِب ُهدَاهُ ُم ا ْق َتدِ هِ)(الأنعام‪ ،)90:‬كما حفل بنماذج‬ ‫�أخرى �ضدها للتنفري من حماكاتها ‪ ،‬قال ابن حزم « ولهذا يجب �أن‬ ‫ت�ؤرخ الف�ضائل والرذائل ‪ ،‬ليفر �سامعها من القبيح امل�أثور عن غريه‬ ‫‪ ،‬ويرغب يف احل�سن املنقول عمن تقدمه ويتعظ مبا �سلف«‪ ،‬ومن ثم‬ ‫�سيق يف القر�آن الكرمي جتارب الأنبياء الأخيار لينتفع منها النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم ‪ « ،‬فلما �أمر حممد عليه ال�صالة وال�سالم‬ ‫ب�أن يقتدي بالكل ‪ ،‬فك�أنه �أمر مبجموع ما كان متفرقا فيهم‪ ،‬وملا‬ ‫كان ذلك درجة عالية مل تتي�سر لأحد من الأنبياء قبله ال جرم‬ ‫و�صف اهلل خلقه ب�أنه عظيم «‪ ،‬وبهذا يت�ضح مفاد التعبري بحرف‬ ‫يم ) (القلم‪� )4:‬إذ‬ ‫اال�ستعالء يف قوله تعاىل ( َو�إِ َّن َك َل َعلى ُخ ُلقٍ عَظِ ٍ‬ ‫دل على ا�ستعالء الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم على جميع الأخالق‬ ‫اجلميلة ومتكنه منها ‪ ،‬وال �سيما �أنه بعث ليتمم مكارم الأخالق ‪،‬‬ ‫ويف احلديث ال�شريف ‪� « :‬إمنا بعثت لأمتم �صالح الأخالق» (�صححه‬ ‫الألباين يف �صحيحه)‪.‬و�إذا كانت طريقة القر�آن فيما يذكره اهلل عن‬ ‫�أهل العلم والأنبياء واملر�سلني على وجه املدح للت�أ�سي بهم ‪ ،‬فال جرم‬ ‫�أن ما امتدح اهلل به ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم من عظيم اخللق‬ ‫يقت�ضي اتخاذه مثال اعلى ‪ ،‬ثم �إنه قد جاء ذلك �صريحا يف قوله‬ ‫تعاىل ‪َ ( :‬ل َق ْد َكا َن َل ُك ْم فيِ َر ُ�سولِ اللهَّ ِ �أُ ْ�س َو ٌة َح َ�س َن ٌة) (الأحزاب‪،)21:‬‬ ‫قال ابن حزم ‪« :‬من �أراد خري الآخرة وحكمة الدنيا وعدل ال�سرية‬ ‫واالحتواء على حما�سن الأخالق كلها وا�ستحقاق الف�ضائل ب�أ�سرها‬ ‫فليقتد مبحمد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ ،‬ولي�ستعمل �أخالق‬ ‫�سريته ما �أمكنه» ‪.‬‬ ‫ثانياً ‪ :‬الو�سائل املانعة (( وهي التي حتول دون فاعلية الرغبة يف‬ ‫الأخالق ال�سيئة وتعطل الإرادة واال�ستعداد لفعلها )) ‪ ،‬فهي طرق‬

‫وقاية وعالج ملا يطر�أ على الأخالق من عوامل االنحراف واالنحالل‬ ‫اخللقي الذي يعتور النهف�س ب�سبب الهوى �أو ال�شيطان �أو غريهما ‪.‬‬ ‫وال ريب �أن تلك الو�سائل من الأ�ساليب الناجعة يف جمال الرتبية‬ ‫االخالقية ‪ ،‬ملا لها من �سلطة على كبح اجلرم اخللقي ‪ ،‬وتهذيب‬ ‫ال�سلوك ‪ ،‬ف�إن كان ثمة مكنة من التوبة من قبل الفاعل فذلك‬ ‫مق�صد �أ�سمى من مقا�صد العقوبة يف الإ�سالم مهما كانت �ضخامة‬ ‫الذنب ‪ ،‬ف�إن مل يكن ف�إن العربة قائمة ملن بعدها ‪.‬‬ ‫و�إذا كان ب�صدد حتقيق الو�سطية ودقع الغلو ؛فمن املنا�سب التنبيه‬ ‫�إىل �أن معاقبة الغالة واملبتدعة �إحدى و�سائل العالج التي ت�ضمنتها‬ ‫�آيات احلدود والق�صا�ص والتعزير ‪ ،‬وهي كثرية جدا ‪ ،‬والعقوبة لهذا‬ ‫ال�صنف من النا�س تختلف بح�سب نوع اجلرم الذي رمبا ي�صل بغلوه‬ ‫�إىل حد الكفر وقد يعاقب بالق�صا�ص حني يقتل م�سلما مع�صوم‬ ‫الدم ‪ ،‬وبهذا يتبني �أن الغلو قد ي�صل �إىل درجة الإف�ساد يف الأر�ض‬ ‫فحينئذ ينطبق عليه قول اهلل تعاىل ‪�( :‬إِنمَّ َ ا َج َزا ُء ا َّلذِ َ‬ ‫ين ُي َحا ِر ُبو َن‬ ‫الَ ْر ِ�ض َف َ�سادًا �أَ ْن ُي َق َّت ُلوا �أَ ْو ُي َ�ص َّل ُبوا �أَ ْو ُت َق َّط َع‬ ‫اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َو َي ْ�س َع ْو َن فيِ ْ أ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َذل َِك َل ُه ْم خِ ْزيٌ فيِ‬ ‫�أَ ْيدِ ي ِه ْم َو َ�أ ْر ُج ُل ُه ْم مِ نْ خِ لاَ ٍف �أَ ْو ُي ْن َف ْوا مِ َن ْ أ‬ ‫الدُّ ْن َيا َو َل ُه ْم فيِ ْ آَ‬ ‫الخِ َر ِة َع َذ ٌاب عَظِ ي ٌم )(املائدة‪ ،)33:‬ويلحظ يف هذه‬ ‫الآية �أنها تناولت �أنواعا من العقوبات ‪ ،‬فمنها ما يقع على اجل�سد‬ ‫‪ ،‬وذلك يف �أول الآية وهو التقتيل �أو ال�صلب �أو التقطيع ‪ ،‬ومنها‬ ‫عقوبات نف�سية وذلك باخلزي الذي يلحق بهم ‪ ،‬ومنها عقوبات‬ ‫اجتماعية ت�أديبية وذلك بالنفي ‪ ،‬ومنها عقوبات �أخروية ‪،‬‬ ‫( ولهم يف الآخرة عذاب عظيم ) ن�س�أل اهلل العافية ‪ ،‬وملا كانت العقوبة‬ ‫�أحد املقا�صد الأخالقية التي جاء القر�آن الكرمي لي�ؤكد عليها �ضمن‬ ‫�أجزيته الإ�صالحية لذلك جند �أن الدعوة �إىل التوبة تعقب ذكر تلك‬ ‫العقوبات لتفتح طريقا �إىل العودة ‪ ،‬وذلك ما جنده عقب هذه الآية‬ ‫و�أمثالها ‪ ،‬حيث يقول اهلل تعاىل بعد �آية احلرابة املذكورة �آنفا (�إِ اَّل‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين َتا ُبوا مِ نْ َق ْبلِ �أَ ْن َت ْقدِ ُروا َعلَ ْي ِه ْم َف ْاعلَ ُموا �أَ َّن اللهَّ َ َغ ُفو ٌر َرحِ ي ٌم)‬ ‫(املائدة‪.)34:‬‬

‫‪10‬‬


‫ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﳲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﻜﻔﺮﻴ‬

‫ج‪1‬‬

‫د ‪ .‬اأحمد عبد الغفور ال�سامرائي‬ ‫احلمد هلل رب العاملني وال�سالة وال�سالم على �سيد املر�سلني وعلى اآله و�سحبه ومن وااله اإىل يوم الدين وبعد‪....‬‬ ‫اإن املتتبع الآيات القراآن الكر‪ ، ‬واالأحاديث النبوية ال�سريفة ‪ ،‬و�سرية ال�سحابة ‪ ،‬والتابعني واأهل البيت ‪ ،‬وفقهاء امل�سلمني‪،‬‬ ‫يجد اأن االإ�سالم‪ :‬دين �سامل‪ ،‬ومنهج كامل ‪ ‬يرتك خ�سلة من اخلري اإال دعا النا�ص اإليها ‪ ،‬و‪ ‬يدع خ�سلة من ال�سر اإال حذر‬ ‫النا�ص منها ومن معجزة هذا الدين اأنه �سالح لكل ‪‬مان ومكان‪ ،‬واأن امل�سلمني مدع ‪‬ون للتعاي�ص مع النا�ص على وفق القوا�سم‬ ‫امل�سرتكة بني الب�سرية وامل�سرتكات االإن�سانية‪ ،‬واأن ما يجمع العباد من امل�سرتكات والروابط املتفق عليها هو اأك‪ ‬ما من االأمور‬ ‫املختلف فيها ‪ ،‬لهذا فنحن نرى اأن ‪‬‬ ‫ن�سطر يف بحثنا هذا جزء ‪‬ا من كالم النبوة الذي يحتاج اإليه امل�سلمون خا�سة وحتتاج اإليه‬ ‫الب�سرية عامة‪ ،‬واأن االأحاديث املنتقاة بهذا ال�سدد ‪ ‬تاأت على �سبيل االإباحة اأو الندب اأواال�ستحباب بل جاء اأغلبها على‬ ‫�سبيل الوجوب واالإلزام ليثاب امل�سلم على فعلها ويعاقب على تركها ‪.‬‬

‫ا ّإن هذه الأحاديث اأ�سعها اأمام القارئ الكرمي كي تكون دلي ً‬ ‫ال له‬ ‫يف حياته للتعاي�س مع النا�س والتفاهم مع املجتمع والتحاور مع‬ ‫الأمم لتظهر اأمام اأعيننا احل�سارة الإ�سالمية ب�سم ّوها العظيم‪،‬‬ ‫ورقيها الكرمي من اأجل اأن نقطع الطريق على الطاعنني يف الدين‬ ‫وامل�سوهني حلقيقته‪ ،‬واأن نفوت الفر�سة على املغر�سني بحق املنبع‬ ‫ال�سايف‪ ،‬وعلى احلاقدين اأي�سا على املنهل العذب ال�سايف الذي اإن‬ ‫�سللناه ما اهتدينا واإن �سيعناه �سعنا ‪.‬‬ ‫خ�س‬ ‫اأيها القارئ الكرمي ! يكفي اأن ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه و�سلم ّ‬ ‫�سر بعثته وهدف ر�سالته على اإكمال مكارم الأخالق واإمتامها ‪ ،‬حيث‬ ‫قال‪ « :‬اإمنا بعثت لأمتم مكارم الأخالق» (الألباين‪ :‬يف �سحيحه) ‪.‬‬ ‫الغاية من البحث‪ :‬ا ّأن ال�سعب العراقي �سعب تعددت فيه الطوائف‪،‬‬ ‫وكرثت فيه املكونات‪ ،‬وتباينت الأفكار وامل�سارب واملدار�س واملذاهب‬ ‫فال بد اأن يبحث هذا ال�سعب عن القوا�سم امل�سرتكة التي جتمعه‬ ‫ول تفرقه‪ ،‬وتوحده ول ت�ستته‪ ،‬ومبا اأن الإ�سالم دين اهلل اخلالد‬ ‫والذي حكم يف الأر�س قروناً عديدة‪ ،‬قد احتوى الآراء والأفكار وع ّلم‬ ‫امل�سلمني على التعاي�س والتفاهم التحاور مع الآخر‪ ،‬فنحن اليوم‬ ‫اأحوج ما نكون لنعر�س اأمام القارئ الكرمي مقتطفات من الأحاديث‬ ‫النبوية ال�سريفة والتي تعد من اأ�سمى مكارم الأخالق لتكون املحور‬ ‫الذي تدور عليه اأفكار العراقيني والنواة الطيبة التي تتجمع عليها‬ ‫اآراء الآخرين من اأجل اأن نكون بحق وواقع ملمو�س �سعباً ح�سارياً‬

‫كما كان يعمل على املتفق عليه ويرتك خلف ظهره املختلف فيه ‪.‬‬ ‫عناوين الأخالق‪ :‬اإن طرح العبادة والو�سول اإىل ر�سا الباري تعاىل‬ ‫كثرية ومتنوعة ولكن هنالك اأولويات يف حياة امل�سلم يلزم التقرب بها‬ ‫اإىل اهلل تعاىل ليحظى يوم القيامة بالقرب من ر�سول اهلل �سلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬فقد قال �سلى اهلل عليه و�سلم‪ ( :‬اإن اأحبكم اإ ّ‬ ‫يل اأحا�سنكم‬ ‫اأخالقاً الذي ياألفون ويوؤلفون واإن اأبغ�سكم اإ ّ‬ ‫يل امل�ساءون بالنميمة‬ ‫املف ّرقون بني الأحبة امللتم�سون لرباء العيب)(رواه الطرباين)‪.‬‬ ‫وقال �سلى اهلل عليه و�سلم يف حديث اآخر ‪ « :‬األ اأخربكم باأحبكم اإ ّ‬ ‫يل‬ ‫واأقربكم مني جمل�ساً ؟ قالوا ‪ :‬بلى يا ر�سول اهلل !! ‪ ،‬قال اأحا�سنكم‬ ‫اأخالقا املوطوؤون اأكنافهم الذين ياألفون ويوؤلفون ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬األ‬ ‫اأخربكم باأبغ�سكم اإيل واأبعدكم مني ؟ قالوا ‪ :‬بلى يا ر�سول اهلل !!‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬الرثثارون املت�سدقون املتفيهقون ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا ر�سول اهلل قد‬ ‫عرفنا الرثثارون املت�سدقون فما املتفيهقون ؟ قال ‪ :‬املتكربون «‬ ‫(رواه الرتمذي)‪.‬‬ ‫ا ّإن هذه الأخالق لها اأبواب كثرية وعناوين عديدة يعي�سها امل�سلم يف‬ ‫حياته كلها ويتقرب بها اإىل اهلل تعاىل ويح�سن بها على الآخرين‪،‬‬ ‫ويوؤلف بها اأبناء جن�سه ويجمع عليها مكونات �سعبه‪ ،‬ول يختلف‬ ‫بها الإن�سان مع قومه وغريهم من اأبناء �سعبه اأو اأمته اأو النا�س‬ ‫جميعاً‪ ،‬لذلك كان علينا اأن نعر�س هذه العناوين وكل عنوان خلفه‬ ‫ع�سرات الأحاديث التي تلزم امل�سلم بالتم�سك بها والتحلي بف�سيلتها‬

‫‪11‬‬


‫والتعبد �إىل اهلل تعاىل بتطبيقها مثل ‪� :‬إكرام ال�ضيف ‪ ،‬وبر الوادين‪،‬‬ ‫و�صلة الرحم‪ ،‬و�أداء الأمانة وكف الأذى‪ ،‬و�إعانة املحتاج‪ ،‬وب�شا�شة‬ ‫الوجه‪ ،‬ولني اجلانب بالقول والفعل والعمل‪ ،‬وح�سن املعا�شرة‪،‬‬ ‫والعفوعند املقدرة‪ ،‬و�إنظار املع�سر‪ ،‬و�صدق احلديث ‪،‬والوفاء بالعهود‬ ‫والعقود‪،‬و�سداد الدين ‪ ،‬و�إماطة الأذى عن الطريق ‪ ،‬و�إكرام اليتيم‪،‬‬ ‫وال�سعي على الأرملة ‪ ،‬وامل�سكني وتعليم الأبناء والبنات ‪ ،‬وتربية‬ ‫الأ�سرة و�أداء حقوق الزوجية ‪ ،‬والتحلي باحللم ‪ ،‬وال�صرب ‪ ،‬وال�صدق‪،‬‬ ‫والأناة والرتوي ‪ ،‬والتوا�ضع ‪ ،‬والرتفق ‪ ،‬والتلطف ‪ ،‬واحرتام الر�أي‬ ‫الآخر ‪ ،‬و�سعة الأفق ‪ ،‬والعفو عن امل�سئ ‪ ،‬والعطف على ال�صغري‬ ‫وتوقري الكبري ونظافة ال�سريرة و�صدق ال�سر والإخال�ص الكامل‬ ‫و�إتقان العمل ‪ ،‬والتغافل عن عيوب النا�س ‪ ،‬والت�أويل احل�سن ‪،‬‬ ‫واجتناب الغ�ش ‪ ،‬والغدر وترك النميمة ‪ ،‬وفح�ش القول ‪ ،‬والتهور ‪،‬‬ ‫وخ�شونة التعامل ‪ ،‬والتكرب على العباد ‪ ،‬وا�ستحقار الب�شر ‪ ،‬وتطهري‬ ‫القلب من الأحقاد واالنتقام والثارات والكره والبغ�ضاء �إىل غري ذلك‬ ‫من مئات العناوين الداعية �إىل التم�سك بالف�ضائل واالبتعاد عن‬ ‫الرذائل ‪ ،‬حيث بوبها العلماء و�صنفها ال�شيوخ والفقهاء على �أبواب‬ ‫عديدة وف�صول كثرية يف كتب احلديث وال�سري ‪ ،‬لذلك جتد يف كتب‬ ‫احلديث باب التعاون على الرب والتقوى وباب الن�صيحة ‪ ،‬كما جتد‬ ‫باباً يف حترمي الظلم ‪ ،‬والأمر برد املظامل ‪ ،‬وباباً يف حرمات امل�سلمني‬ ‫وبيان حقوقهم‪ ،‬وباباً يف �سرت العورات ‪ ،‬وباباً يف الإ�صالح بني النا�س‪،‬‬ ‫وباب مالطفة اليتيم ‪ ،‬وباب الو�صية بالبنات والن�ساء ‪ ،‬وباب النفقة‬ ‫على العيال‪ ،‬وباب حق اجلار‪ ،‬وباب حترمي العقوق وقطع باب �صلة‬ ‫الرحم ‪ ،‬وباب ف�ضل بر �أ�صدقاء الأب والأم والأقارب ‪ ،‬وباب التحذير‬ ‫من �إيذاء النا�س ‪ ،‬وباب القناعة والعفاف واالقت�صاد وال�شح وباب‬ ‫الإيثار واملوا�ساة ‪ ،‬وباب ف�ضل االختالط بالنا�س ‪ ،‬وباب التوا�ضع‬ ‫وخف�ض اجلناح ‪،‬وباب حترمي الكرب والإعجاب بالنف�س ‪ ،‬وباب العفو‬ ‫والإعرا�ض عن اجلاهلني ‪ ،‬وباب احتمال الأذى ‪ ،‬وباب يف حفظ‬ ‫ال�سر وباب الوفاء بالعهد واجنازالوعد وباب ا�ستحباب طيب الكالم‬ ‫وطالقة الوجه عنداللقاء وباب الوقار وال�سكينة وباب ا�ستحباب‬ ‫ال�سالم وباب اال�ستئذان و�آدابه ‪ ،‬وباب ا�ستحباب امل�صافحة وب�شا�شة‬ ‫الوجه ‪ ،‬وباب عيادة املري�ض ‪ ،‬وت�شييع اجلنائز ‪ ،‬وباب تعجيل ق�ضاء‬ ‫الدين عن امليت ‪ ،‬وباب �آداب ال�سفر وباب ف�ضل الإح�سان �إىل امللوك‬ ‫وباب ف�ضل ال�سماحة يف البيع وال�شراء‪ ،‬وباب ف�ضل العلم والتعلم‬ ‫وباب حترمي لعن الإن�سان بعينه �أو دابته وباب حترمي �سب الأموات‬ ‫وباب النهي عن الإيذاء والتباغ�ض وباب حترمي احل�سد‪ ،‬وباب النهي‬ ‫عن التج�س�س والت�سمع وباب النهي عن �سوء الظن بامل�سلمني‪ ،‬وباب‬ ‫حترمي احتقار النا�س وباب النهي عن �إظهار ال�شماته وباب حترمي‬

‫الطعن بالأن�ساب‪ ،‬وباب النهي عن الغ�ش واخلداع‪ ،‬وباب النهي عن‬ ‫املن بالعطية‪ ،‬وباب حترمي الهجران بني امل�سلمني وباب النهي عن‬ ‫تناجي اثنني دون ثالث بغري �إذنه‪ ،‬وباب النهي عن التعذيب بالنار‪،‬‬ ‫وباب حترمي مطل الغني ‪ ،‬وباب كراهية عودة الإن�سان يف الهبة‬ ‫وباب حترمي مال اليتيم ‪ ،‬وباب حترمي النياحة على امليت‪ ،‬وباب‬ ‫حترمي �إتيان الكهان‪ ،‬والنهي عن التطري ‪ ،‬وباب كراهية اخل�صومة‬ ‫يف امل�سجد‪ ،‬وكراهية �أكل الثوم ‪ ،‬والب�صل فيه ‪ ،‬باب حترمي امتناع‬ ‫الزوجة من فرا�ش زوجها �إذا دعاها ‪ ،‬وباب حترمي �صوم املر�أة تطوعاً‬ ‫وزوجها حا�ضراً �إال ب�إذنه وباب النهي عن التغوط يف الطريق‪ ،‬وباب‬ ‫النهي عن التبول يف املاء الراكد وباب النهي عن الإ�شارة �إىل امل�سلم‬ ‫بال�سالح ‪ ،‬وباب النهي عن �إ�ضاعة املال‪ ،‬وباب التغليط يف التحرمي‬ ‫ال�سحر ‪.‬‬ ‫وانطالقاً مما تقدم به فعلى القارئ الكرمي �أن يفهم �أن الأحاديث‬ ‫املنتقاة من كالم �سيد املر�سلني �صلى اهلل عليه و�سلم ‪ :‬هي �أحاديث‬ ‫ال تدل على الفا�ضل واملف�ضول ‪ ،‬بل هي �أحاديث قطعية الداللة على‬ ‫وجوب االلتزام بفحواها والتعبد مبغزاها ‪ ،‬فال �أحد ي�ستطيع �أن‬ ‫يقول ‪� :‬أن �أداء الأمانة هو م�ستحب �أو مندوب بل هو واجب �شرعي‪،‬‬ ‫وفر�ض عني على كل م�سلم ‪ ،‬وميكن �أن نرى �أن �أحاديث تدعو‬ ‫لال�ستحباب من غري الوجوب ‪ ،‬ولكن عموم الأحاديث التي �سيطلع‬ ‫عليها القارئ الكرمي �إمنا هي من الفرائ�ض والواجبات ال�شرعية‬ ‫ك�أحكام ال�صالة وال�صيام ‪ ،‬ونحن على يقني لو �أن امل�سلمني مت�سكوا‬ ‫بها وتعبدوا اهلل مبعانيها ‪ ،‬ما �سفكت الدماء يف ال�شوارع‪ ،‬وما رميت‬ ‫اجلثث على قوارع الطرق ومل تهجر مئات الآالف من العوائل ومل‬ ‫تر ّوع الن�ساء والأطفال ‪ ،‬وكيف يكون ذلك ور�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم يقول ‪ »:‬ال تروعوا امل�سلم ف�إن روعة امل�سلم ظلم عظيم «‬ ‫(الرتغيب والرتهيب‪.)3/403:‬‬

‫‪12‬‬


‫ﺍﻟﺘﻘـﺮﻳﺐ ﺑﻦﻴ ﺍﳴﺴﻠﻤﻦﻴ ‪ ...‬ﺗﻘﺎﻃــﻊ‬ ‫ﺍﻟـﺪﻳﻨـﻲ ﻭﺍﻟﺴـﻴـﺎﺳــﻲ‬ ‫هــــاين فـحــ�ص‬ ‫التقريب اأمره حم�سوم يف التنزيل نفياً واإثباتاً‪ .‬نفياً( َو َل َت َنا َزعُوا‬ ‫ِيح ُك ْم ) (الأنفال‪ ،)46:‬واإثباتاً( اإِ ْذ ُك ْن ُت ْم اأَ ْعدَا ًء َف َاأ َّل َف‬ ‫َف َت ْف َ�س ُلوا َو َت ْذه َ​َب ر ُ‬ ‫َب ْ َ‬ ‫ني ُق ُلو ِب ُك ْم َفاأَ ْ�س َب ْح ُت ْم ِب ِن ْع َم ِت ِه اإِ ْخ َوا ًنا ) (اآل عمران‪.)103:‬‬ ‫هل يهدف احلوار من اجل التقريب اإىل حتقيق الوحدة‪ ،‬وحدة املذهب‬ ‫اأو املذاهب؟ قد تكون الوحدة مطلباً ملحاً‪ ،‬لول اأنها يف القراآن الكرمي‬ ‫ن�ساً جمعولة باجلعل الإلهي ( اإِ َّن هَذِ ِه اأُ َّم ُت ُك ْم اأُ َّم ًة َواحِ َد ًة َواأَ َنا َر ُّب ُك ْم‬ ‫َف ْاع ُبدُونِ )(الأنبياء‪ )92:‬وهي ن�سبية‪ ،‬لأن الوحدة املطلقة اأو ال�ساملة‪،‬‬ ‫اإىل كونها م�ستحيلة‪ ،‬قد تعني تقوي�س التعدد اأو التنوع الذي يقرره‬ ‫ا�س اإِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ َذ َك ٍر َو ُاأ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�س ُعو ًبا‬ ‫القراآن ( َيا اأَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا ) (احلجرات‪َ ( ،)13:‬و َل ْو َ�سا َء َر ُّبك َ َ‬ ‫ا�س اأُ َّم ًة‬ ‫جل َع َل ال َّن َ‬ ‫خم َت ِل ِف َ‬ ‫َواحِ َد ًة َو َل َي َزا ُلو َن ُ ْ‬ ‫ني )(هود‪ ،)118:‬ولعلها م�سلمة يف كل العلوم‬ ‫اأن التماثل اأو البعد الواحد مرادف للجمود والزوال‪ ،‬من هنا يرتقي‬ ‫الختالف اإىل م�ستوى ال�سرورة لالإبداع املعريف والعملي‪.‬‬ ‫اإىل ذلك فاإن ق�سر التعدد على الوحدة املطلقة يوؤدي اإىل مزيد‬ ‫من التجزئة‪ ،‬لأنه يقوم لدى من يت�سدى له يف الدين اأو ال�سيا�سة على‬ ‫دعوى امتالكه للحقيقة كاملة‪ ،‬ما يعني ان الآخر باطل يجب احتواوؤه‬ ‫اأو اإلغاوؤه‪ .‬هذه اخللفية كانت قائمة ول تزال وراء الروؤى ال�سمولية‪ ،‬اأي‬ ‫الأ�سولية القومية والدينية وال�سيوعية والليربالية ‪ .‬بينما يف املنظور‬ ‫الإ�سالمي التوحيدي ل مكان لهذه الإلغائية التي ت�ستلزم العنف يف‬ ‫توحيد املتعدد اأو �سمه على اأ�سا�س اأطروحة احد الأطراف‪ ،‬والعنف‬ ‫املبا�سر (اجل�سدي) اأو غري املبا�سر (الفكري) قد ينتج �سك ً‬ ‫ال وحدوياً‪،‬‬ ‫لكن بدل اأن يزيل الفوارق الطبيعية ير�سحها ويوؤججها ريثما تنفجر‬ ‫عنفاً م�ساعفاً يف اأول فر�سة اأو اأزمة‪ .‬وهذا ما �سهدناه مث ً‬ ‫ال يف الحتاد‬ ‫اليوغ�ساليف الذي وجد اأمامه حزباً واحداً وجمتمعات متعددة‪ ،‬فحاول‬ ‫اأن يوحد على طريقته‪ ،‬اأي من خالل قمع اأو اإزالة الفوارق الطبيعية يف‬ ‫الدين بني امل�سلم وامل�سيحي ويف املذهب بني الكاثوليك والأرثوذك�س‪،‬‬ ‫ويف العرق بني البو�سناق والألبان والكروات وال�سرب‪ ،‬من دون اأن‬ ‫يخفى اأن عملية التوحيد اإمنا كانت حماولة لتغليب ال�سرب على‬ ‫الكروات والكروات وال�سرب على غريهم‪ ...‬هذا امل�سلك التوحيدي‬ ‫التفجريي يف املح�سلة هو الذي اأدى اإىل انفجار العنف الع�سوائي يف‬ ‫يوغو�سالفيا ممهداً للتدخل اخلارجي‪ .‬هذه خال�سة ميكن تعميمها‬

‫على جمموع جتارب املنظومة ال�سرتاكية‪ ...‬وعلى هذا فاإننا اإذ نعمل‬ ‫على التقريب بني امل�سلمني ل نهدف اإىل حتقيق الوحدة ال�ساملة‪،‬‬ ‫لأن هذا يغري بع�س العاملني‪ ،‬بت�سنني ال�سيعة اأو ت�سييع ال�سنة اأو‬ ‫تعريب الأكراد مث ً‬ ‫ال‪ ،‬وكاأن املذهب الآخر دين اآخر‪ ،‬هذا على رغم‬ ‫مما يف الت�سنن والت�سيع من مذاهب‪ ،‬فاأي مذهب نختار؟ واأي مذهب‬ ‫نلغي؟ وهل نتفق على �سيغة ملفقة بني املذاهب اأم نرتك للعلماء‬ ‫املو�سوعيني مهمة تو�سيع امل�ساحة امل�سرتكة بني املذاهب وت�سييق‬ ‫م�ساحة الختالف من دون اأن نتورط يف حماولة اإلغائه التي تعني‬ ‫اإلغاء م�سدر اأ�سا�سي للحيوية الفكرية الإ�سالمية؟ واإذا كانت احلرية‬ ‫�سرطاً اإن�سانياً وربانياً فماذا نفعل بالذين يت�سبثون مبعتقداتهم(اأَ َفاأَنْتَ‬ ‫ا�س َح َّتى َي ُكو ُنوا ُموؤْمِ ِن َ‬ ‫ني ) (يون�س‪ .)99:‬لقد احتاط الإ�سالم‬ ‫ُت ْك ِر ُه ال َّن َ‬ ‫لهذا امل�سلك القاتل عندما جعل التعدد والختالف يف م�ساف الإرادة‬ ‫التكوينية ودلي ً‬ ‫ال على حكمة املدبر وح�سن التدبري( َومِ نْ اآ َيا ِت ِه َخ ْل ُق‬ ‫ال�س َما َواتِ َو ْ أَ‬ ‫ال ْر ِ�س َو ْاخت َِال ُف اأَ ْل�سِ َن ِت ُك ْم َواأَ ْل َوا ِن ُك ْم ِاإ َّن ِيف َ‬ ‫ذالك َ آل َياتٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِل ْل َعاملِ ِ َ‬ ‫ني ) (الروم‪ ،)22:‬من دون اأن يتخطى الوحدة العميقة التي جتمع‬ ‫هذا املختلف (الأمة الواحدة)‪ .‬وعليه فاملرجتى من م�ساعي التقريب‬ ‫هو الوقاية من حتويل الختالف اإىل خالف ف�سراع‪ ،‬لأن ذلك يفقد‬ ‫اجلميع وحدته ليعود فيفقد كل طرف منه وحدته كذلك‪ .‬هذا ما‬ ‫ذقناه يف لبنان عندما تقاتل امل�سيحي مع امل�سلم‪ ،‬ثم تقاتل امل�سيحي‬ ‫مع امل�سيحي‪ ،‬وامل�سلم مع امل�سلم‪ ،‬وال�سيعي مع ال�سيعي‪ ،‬وال�سني مع‬ ‫ال�سني الخ‪ .‬وهذا يعني اأن اأمن اأو ازدهار اأي جماعة اإ�سالمية م�سروط‬ ‫باجلماعات الأخرى التي هو �سرط لها اأي�ساً‪.‬‬ ‫اإن املنظور العلمي الإ�سالمي ي�سع الوحدة املتحققة يف الجتماع‬ ‫الإ�سالمي ب�سرف النظر عن املجال ال�سيا�سي‪ ،‬يف موقع الثابت الذي ل‬ ‫توؤثر املتغريات يف وجوده واإن اأثرت يف تنميته وتثمريه‪.‬‬ ‫من اجل حفظ هذا التناغم والتكامل بني الوحدة والتعدد يجب‬ ‫ال�سغل الدائم واملنظم على التقريب منعاً لإلغاء طرف بطرف‪ ،‬ول‬ ‫مقت�س‪ ،‬لتقريب امل�سافات يف الفكر وال�سلوك بني‬ ‫مانع‪ ،‬بل هناك‬ ‫ٍ‬ ‫اجلماعات الإ�سالمية‪ ،‬اأي تن�سيط عوامل الندماج يف كل بلد اإ�سالمي‬ ‫اأو عربي بح�سب ظروفه‪ .‬وهنا ندخل يف العملية ال�سيا�سية مبا هي‬ ‫بناء للمجتمعات الوطنية والإقليمية على موجب عوامل الوحدة‬ ‫يف ن�سيجها وموجب م�ساحلها‪ .‬اأي ندخل يف دور الدولة التي ترعى‬ ‫التعدد وتكون ركيزة وحدته‪ ،‬وتقبل العرتا�س ب�سرط اأن يتخطى‬

‫‪13‬‬


‫فر�ضية تقوي�ض الدولة �إىل تر�سيخها وت�سديدها باالعرتا�ض واحلوار‬ ‫معاً‪.‬‬ ‫لقد وعدتنا القوى القومية التي �أ�سهمت يف �إ�سقاط الدولة‬ ‫العثمانية بالوحدة �أو الدولة‪ -‬الأمة‪ ،‬وكانت النتيجة �أننا مل ننجز‬ ‫دولتنا الوطنية �أو القطرية (بح�سب الأدبيات احلزبية القومية)‪،‬‬ ‫ومل ننجز الدولة القومية‪ .‬والأقطار العربية التي مل تقع يف هذا‬ ‫املنحى كانت �أقل خ�سارة من الأقطار التي رفعت ال�شعار القومي‬ ‫وانتهت �إىل توظيف القومي يف القطري ويف �شكل �سلبي‪ ،‬وحر�صت‬ ‫دول اخلليج العربي مث ً‬ ‫ال على عروبة االنتماء و�أ�س�ست عليها حالة‬ ‫ت�ضامنية تكاملية من خالل دول وطنية ناجزة هي جمموع دول‬ ‫جمل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬التي كان ميكن �أن يكون لها رديف يف‬ ‫االحتاد املغاربي �أو وادي النيل �أو بالد ال�شام من دون تورط يف فكرة‬ ‫القومية ال�سورية‪ ...‬وعليه فالواقعية القومية وعروبة االنتماء‬ ‫�أدت �إىل الت�ضامن‪ ،‬والال واقعية �أدت �إىل مزيد من ال�شتات وتبادل‬ ‫امل�شاكل وتداولها‪ ،‬و�شهدت الأقطار قومية االجتاه حاالت حادة من‬ ‫ال�صراع (م�صر و�سورية بعد الوحدة) �سورية والعراق‪ ،‬ليبيا مع‬ ‫م�صر و�سورية والعراق واجلزائر واملغرب الخ‪ ،‬وكانت جتارب الوحدة‬ ‫املرجتلة �إمعاناً يف التيئي�س من الوحدة‪.‬‬ ‫على امل�ستوى الإ�سالمي نحن بحاجة �إىل التقريب باعتباره املمكن‪،‬‬ ‫�أما الوحدة مبعناها ال�شامل فهي ت�ؤول �إىل تفكيك اللحمة الوطنية‪.‬‬ ‫وزعزعة الدولة الوطنية ركيزة الوحدة الأوىل عملياً‪ ،‬وت�ؤدي �إىل‬ ‫التما�س االندماج امل�ستحيل يف �أقوام �أخرى‪ ،‬على �أ�سا�س اجلامع‬ ‫املذهبي‪ ،‬الذي ال يكفي يف ال�سيا�سة لأنه ا�ستبعاد للبعد العربي الذي‬ ‫ال يفرقنا عن بقية امل�سلمني �إال �إذا جتاهلناه متاماً يف حالنا ولدى‬ ‫غرينا‪ ،‬و�أنه جلدير باالنتباه ان تكون �أذربيجان ال�شرقية – باكو‪،‬‬ ‫مث ً‬ ‫ال متوازنة حتى الآن بني تركيا و�إيران‪� ،‬أي بني اجلامع الإثني‬ ‫واجلامع املذهبي مع رجحان ن�سبي للجامع الإثني ‪ ،‬وهنا ال بد من‬ ‫االنتباه �إىل �أن بع�ض الأقطار العربية والإ�سالمية تعاين �سراً وعلناً‬ ‫من غلبة قومية على �أخرى على رغم وحدتها املذهبية‪.‬‬ ‫�إذن‪ ،‬فالدولة الوطنية‪ ،‬هي امل�ؤ�س�سة ال�ضامنة‪ ،‬واحلا�ضنة لكل‬ ‫مكوناتها و�إن تفاوتت الن�سب �أحيانا‪ ،‬ف�إن احلوار املدين مع الدولة‬ ‫هو الذي يقرب هذه الن�سب‪� ،‬أما ال�شغل على نق�ض الدولة فهو‬ ‫يدفع بامل�سار �إىل تداعيات باهظة‪ ،‬والدولة املن�شودة واملعدة لتحقيق‬ ‫الوطنية باملواطنة مع احلفاظ على �أوا�صر الوحدة العابرة للوطن‬ ‫نحو املدى العربي �أو الإ�سالمي‪ ،‬هي دولة الأفراد التي ال تلغي‬ ‫اجلماعات العرقية �أو الدينية او املذهبية‪ ،‬ولكنها‪ ،‬بالقانون‪ ،‬ت�ضبط‬ ‫اخل�صو�صيات بالعموميات الوطنية‪� ،‬أي باالندماج واحلق والد�ستور‬

‫واحلرية امل�س�ؤولة وحق االعرتا�ض من دون تقوي�ض الدولة التي‬ ‫لوجودها �أولوية على عدالتها املطلوبة دائماً‪.‬‬ ‫وال بد لدولة املواطنة من مواطن ينتمي �إىل وطن ويكتفي به‬ ‫ويطل على غريه على �أ�سا�س �أن وطنيته حترتم الوطنية الأخرى‬ ‫وتلزم هذه الوطنية باحرتام وطنيته‪.‬‬ ‫وعليه فال يجوز ا�ستخدام اجلماعة العرقية �أو الدينية �أو‬ ‫املذهبية‪ ،‬حتت �أي ذريعة‪ ،‬يف تفكيك الدولة �أو زعزعة الإميان بها‪،‬‬ ‫لأولوية الدولة مبا هي نظام عام (ال بد للنا�س من �أمري) يف امل�شروع‬ ‫احل�ضاري الإ�سالمي الذي تعني ح�ضاريته ودعوته �إىل التح�ضر‬ ‫�أن يكون املواطن يف مدينة حتكمها دولة هي من �ش�أن االجتماع‬ ‫الذي ال بد من �أن يتعامل معها كم�ضمون ثابت و�شكل متغري‪� ،‬أي‬ ‫انه ال يجوز الذهاب �إىل اجلماعة بدي ً‬ ‫ال للدولة ب�شرط �أال ت�ستقوي‬ ‫الدولة على املجتمع‪ ،‬لأن ذلك يغريه باال�ستقواء عليها لي�سقطها‬ ‫على ر�أ�سه وي�سقط على ر�أ�سها‪ ،‬وهنا يظهر دور العلماء واملفكرين‬ ‫واملثقفني والإعالميني الذين يواكبون الدولة قبو ًال واعرتا�ضاً من‬ ‫اجل ال�سداد ويحرتمون نزوع االجتماع الوطني �إىل اكت�شاف قيمه‬ ‫امل�شرتكة وم�صاحله امل�شرتكة وت�أ�سي�س عي�شه امل�شرتك وجتديده‬ ‫عليها حتت رعاية الدولة‪ .‬على انه هنا ال بد من تنبيه املفكرين‬ ‫احلداثيني �إىل خطر �إهمال امل�س�ألة الدينية مرة �أخرى‪ ،‬ما عطل‬ ‫التقارب و�أف�سح جما ًال للتطرف‪ ،‬كما �أن علماء الدين معنيون‬ ‫باحلفاظ على دينهم ومذاهبهم معاً‪ ،‬وهذا ال يتم بالقطيعة التي‬ ‫تهدد الوحدة‪ ،‬لأن النزاع غري العلمي‪� ،‬أي الع�صبي‪ ،‬ي�ؤثر �سلباً يف‬ ‫الأنظومة العقدية‪ ،‬حيث مت�ضي اجلماعات املتنازعة �إىل تعظيم‬ ‫الفوارق الطبيعية وتوليد الفوارق غري الطبيعية‪� ،‬أي املغاالة‬ ‫املذهبية‪ ،‬ما ي�ؤدي بالفقه رغماً عنه �إىل �إنتاج الأحكام اخلالفية‪� .‬إىل‬ ‫ذلك ف�إننا ال بد من �أن ن�شتغل معاً على الرقي باملجتمع الأهلي �إىل‬ ‫حالة من املجتمع املدين التعددي الذي ي�ضارع الدولة ويحاورها‬ ‫ويعرت�ض عليها حتت القانون‪ ،‬و�إال تركنا جمتمعنا الأهلي عر�ضة‬ ‫لتحويل الع�صبية املذهبية بدي ً‬ ‫ال للمواطنة‪ ،‬وا�ستتباعاً ال بد من �أن‬ ‫نتفق على تربئة اختالفاتنا الفقهية القائمة بني اجلميع وداخل‬ ‫املذهب الواحد‪ ،‬من تهمة �أو دعوى �أنها توجب �أو تغطي �صراعاتنا‬ ‫الدموية‪� .‬إن فر�صة التكفري هي �أ�ضيق الفر�ص يف نظامنا املعريف‬ ‫الإ�سالمي الذي يقوم على تعدد املعرفة بالدين والفقه وعدم‬ ‫�إلزاميتها وت�صحيح م�سلك املختلف‪.‬‬ ‫خال�صة القول‪� ...‬أن احلوار والتقريب واال�ستقالل وال�سيادة‬ ‫والوحدة الوطنية والعي�ش امل�شرتك �أو الواحد هي �أمور مطلوب‬ ‫اجنازها با�ستمرار وهذا الإجناز ال يتحقق �إال بالتكامل بني ادوار‬ ‫ثالثية الدولة واملجتمع و�أهل العلم‪ ،‬كل علم‪ ،‬مدين �أو ديني‪ .‬وعلى‬ ‫علماء الدين �أن ينتبهوا �إىل هذا ال�ش�أن قبل غريهم‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺍﺟﻪ‬ ‫ﺗﻴﺎﺭ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫د‪.‬حم�سن عبد احلميد‬ ‫احلمد هلل رب العاملني وال�سالة وال�سالم على خامت الأنبياء‬ ‫واملر�سلني وعلى اآله و�سحبه اأجمعني وبعد ‪...‬‬ ‫فقد ورد لفظ (الو�سط) يف القراآن الكرمي يف قوله تعاىل‬ ‫ا�س َو َي ُكو َن‬ ‫( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم اأُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِل َت ُكو ُنوا ُ�س َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم َ�سهِيدًا) (البقرة‪ )143:‬ومعنى الو�سط هنا هو‬ ‫العدل واخليار‪.‬‬ ‫قال الإمام الطربي اإمنا و�سفهم باأنهم و�سطا لتو�سطهم يف‬ ‫الدين فال اأهل غلو فيه غلو الن�سارى‪ .‬الذين غلوا بالرتهيب‬ ‫وميلهم يف عي�سى ما قالوا فيه ول هم اأهل تق�سري فيه تق�سري‬ ‫اليهود الذين بدلوا كتاب اهلل وقتلوا اأنبياءهم وكذبوا على ربهم‬ ‫وكفروا به‪ ،‬ولكنهم اأهل تو�سط واعتدال فيه فو�سفهم اهلل بذلك‬ ‫اإذا كان اأحب الأمور اإىل اهلل اأو�سطها‪.‬‬ ‫ويقول ال�سيخ ر�سيد ر�سا "قالوا اإن الو�سط هو العدل واخليار‬ ‫وذلك اإن الزيادة على املطلوب يف الأمر اإفراط والنق�س عنه‬ ‫تفريط وتق�سري‪ ،‬وكل من الإفراط والتفريط ميل عن اجلادة‬ ‫القومية فهو �سر مذموم‪ ،‬فاخليار هو الو�سط بني طريف الأمر‬ ‫املتو�سط بينهما "‪ ،‬ويتو�سع �سيد قطب يف تطبيقات معنى الو�سط‬ ‫فتنداح كلماته النف�سية لت�سمل الو�سطية يف الت�سور والإعتقاد‬ ‫والتفكري‪ ،‬وال�سعور والتنظيم والتن�سيق‪ ،‬والإرتباطات والعالقات‬ ‫واملكان والزمان‪.‬‬ ‫ولقد طبق ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه و�سلم يف حياته الو�سطية‬ ‫تطبيقاً عملياً لكي تكون اأمثلة حيه عليها فتنقلها من التجريد‬

‫اإىل احلركة والعمل ‪ ،‬فهويقول ملن جتاوز احلد (هلك املتنطعون)‬ ‫(�سحيح م�سلم) اأي املغالون الذين جازوا حدود الو�سط من‬ ‫جانبيه املتطرفني وهو ما رواه عبد اهلل بن م�سعود قال ‪ :‬قال‬ ‫ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه و�سلم (هلك املتنطعون) (�سحيح‬ ‫م�سلم) قالها ثالثاً‪.‬‬ ‫وعن اأبي هريرة ر�سي اهلل عنه عن النبي �سلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫قال‪( :‬اإن هذا الدين ي�سر‪ ،‬ولن ي�ساد الدين اأحد اإل غلبه‪ ،‬ف�سددوا‬ ‫وقاربوا واب�سروا وا�ستعينوا بالغدوة والروحة و�سيء من الدجلة)‬ ‫(رواه البخاري) اإىل غري ذلك من الأحاديث الكثرية وال�سنة‬ ‫العملية املعروفة التي تدل دللة قاطعة على اأن حياة النبي �سلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم كانت متثل هذا الو�سطية الذي بها �سار ر�سول اهلل‬ ‫�سلى اهلل عليه و�سلم �سهيدا على امل�سلمني والنا�س اأجمعني‪.‬‬ ‫والقواعد التي ا�ستنبطها الفقهاء من الكتاب وال�سنة تعرب‬ ‫عن هذه الو�سطية وتر�سد امل�سلمني اإىل تطبيق الأمثل حلقائق‬ ‫الإ�سالم عقيده و�سريعة و�سلوكاً بال جتاوز ول غلو ول تطرف‬ ‫ول اإنغالق فمثال‪ :‬امل�سقة جتلب التي�سري‪ ،‬واحلرج يرفع‪ ،‬وتنزيل‬ ‫احلاجات منزلة ال�سرورات‪ ،‬مينع التع�سف يف ا�ستعمال احلقوق‬ ‫واملجالت تالحظ والعدالة تراعي العقل ويعمل به‪ ،‬والذرائع‬ ‫ت�سد‪ ،‬وال�سرورات تبيح املحظورات‪ ،‬ويعمل بالرخ�س كما يعمل‬ ‫بالعزمية‪ ،‬والتطبيق منوط بالإ�ستطاعة‪ ،‬وحتقيق امل�سالح يف‬ ‫�سوء املقا�سد وهكذا تنزل الن�سو�س على الوقائع يف �سل تلك‬ ‫الأ�سول والقواعد وهي متنح ال�سريعة الإ�سالمية خ�سوبة‬ ‫حتت�سن اأرفع م�سكالت احلياة‪ ،‬فحينئذ ل يبقى �سيء ل يندرج‬ ‫حتت ال�سرورات اأو احلاجات التح�سينات‪ ،‬ول ميكن اأن يخرج‬ ‫من اإطار احلكم التكليفي يف الواجب واملحرم املندوب واملكروه‬ ‫واملباح‪ ،‬وقد و�سعت ال�سريعة لكل ق�سم من هذه الق�سام اأمور‬ ‫تتفرع عليها وت�سهل تطبيقها‪ ،‬وكان النبي �سلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫يف �سوء ذلك ينتقل من البالغ املبني اإىل ر�سم ال�سيا�سة ال�سرعية‪،‬‬ ‫وتبعه اخللفاء الرا�سدون ر�سوان اهلل عليهم يف م�سرية احلياة‬ ‫دون اخلروج من هذا املنهج الو�سط الذي ميثل اخلط امل�ستقيم يف‬

‫‪15‬‬


‫حدود العدل واحلرية‪ ،‬واجلدير هنا �أن ن�شري �إىل �أمر مهم وهو املارد ومتوجت معه ال�صحوة الإ�سالمية بقيادة املنهج الو�سطي‬

‫�أن الو�سطية تنبع من الوحي الإلهي يف الكتاب وال�سنة منطوقاً‬ ‫ومفهوماً‪ ،‬والتحديات التي جابهتها �صنعها تاريخ ال�صراعات التي‬ ‫واجهت امل�سلمني‪ ،‬غري �أن هذه الو�سطية التي حملها ال�صحابة‬ ‫الكرام والتابعون لهم ب�إح�سان واملجتهدون الكبار من بعدهم مل‬ ‫تنطم�س معاملها عرب تلك ال�صراعات‪� ،‬إمنا تظهر دائماً �شاخ�صة‬ ‫لت�شهد �أن الو�سط هو جوهر الإ�سالم �أ�صو ًال وفروعاً‪ ،‬لذلك ف�إنهم‬ ‫رف�ضوا الإنحرافات املتنوعات التي ظهرت يف زمانهم واحاطو بها‬ ‫وا�ستطاعوا �أن يعزلوها عن م�سار الأمة‪ ،‬فاخلوارج يف �إنحرافاتهم‬ ‫وجهلهم ب�إ�صول الإ�سالم و�ضوابط الت�أويل‪ ،‬وفرق بني ال�شيعة‬ ‫الغالية من الباطنية وغريها الذين دخلوا بالإ�سالم فيما لي�س‬ ‫منه‪ ،‬وحتريفات الفل�سفات فيما بعد وحماوالتها ت�أويل املنهج‬ ‫الإ�سالمي لكي يوافق ما جاءهم من باطل اليونان والتع�صب‬ ‫للمذاهب الفقهية‪ ،‬والطرق ال�صوفية التي خرجت عن موازين‬ ‫امل�شايخ الكبار ال�سابقني الذين فرقوا بني ال�شريعة واحلقيقة‬ ‫مل ت�ستطع �أن تنال حتريف الغالني و�إنحراف املبطلني‪ ،‬وت�أويل‬ ‫اجلاهلني‪.‬‬ ‫ولقد كانت ا�ستجابة املنهج الو�سطي لهذه التحديات ال�ضخمة‬ ‫التاريخية وا�ضحة ولكن ال�سيا�سة وم�صالح الدنيا وال�صراعات‬ ‫االقت�صادية والإجتماعية مكنت املجتمع الإ�سالمي من الإنحرافات‪،‬‬ ‫فقامت بتخريب كبري‪ ،‬و�سببت متزيقاً وفرقة وا�ضراب بني �أبناء‬ ‫الأمة العربية الواحدة‪ ،‬مما كان من �أ�سباب �سقوط املجتمع‬ ‫الإ�سالمي �أيام العدو الترتي من امل�شرق وال�صليبي من املغرب‪،‬‬

‫الذي يربط الوحي بالع�صر احلديث‪ ،‬والذي قاده يف القرن‬ ‫الرابع ع�شر الهجري مدر�سة (الأفغاين‪ ،‬عبده‪ ،‬ر�شيد) ومدر�سة‬ ‫الإمام �سعيد النور�سي يف تركيا‪ ،‬واملدر�سة ال�سلفية امل�ستنريه يف‬ ‫�شمال افريقيا‪ ،‬ومنذ بداية هذه النه�ضة الإ�سالمية حتديات يف‬ ‫غاية اخلطوره �أمام حركة الفكر الإ�سالمي الو�سطي اجلديد‬ ‫حماولة �إعاقتها و�إرجاع عجلة التطور �إىل الوراء بالعودة �إىل‬ ‫�صراعات القرون املا�ضية واثارت م�شكالته من جديد‪ ،‬تلك التي‬ ‫اوجدتها ظروف االختالط احل�ضاري واالمتزاج الثقايف مع الأمم‬ ‫الأخرى التي كانت حتيط بح�ضارة اال�سالم والتي نقلت حركة‬ ‫امل�سلمني احل�ضارية من عامل ال�شهادة �إىل عامل الغيب و�صراعاته‬ ‫التي �أ�ضرت ب�أهداف املجتمع الإ�سالمي من جديد‪ ،‬لقد تغريت‬ ‫الدنيا تغريا بالغاً وظهرت فيها م�شكالت جديدة و�صراعات‬ ‫خطرية متنوعة وال �سيما يف ع�صر العوملة الطاغية‪ ،‬التي حولت‬ ‫الكرة االر�ضية �إىل قرية �صغرية‪ ،‬ومع هذا الو�ضع املت�أزم تتجدد‬ ‫حتديات املا�ضي زيادة على حتديات جديدة تدخل يف مواجهات‬ ‫خطرية �ضد املنهج الو�سطي واالعتدايل يف فهم اال�سالم‪ ،‬واملر�شح‬ ‫لقيادة امل�شروع النه�ضوي الإ�سالمي اجلديد وهو يواجه خماطر‬ ‫العلمانية واملادية الإباحية الغازية‪.‬‬

‫وكان املنقذ دائم ًا هو هذا املنهج الو�سطي الذي �أ�صر على‬ ‫االحتفاظ به ال�سا�سة الواعون والعلماء الرا�سخون املجاهدون‬

‫يف فرتات التاريخ‪ ،‬فانتهى �إىل رد املعتدين كما ح�صل مع جمموعة‬ ‫ال�شيخ عبد القادر الكيالين‪ ،‬وال�شيخ عدي بن م�سافر املتعاونني‬ ‫مع �سيا�سة نظام امللك‪ ،‬و�آل زنكي و�صالح الدين‪ .‬واجلوعواملر�ض‪.‬‬ ‫واليوم وبعد حماوالت جتديد الفكر الإ�سالمي ا�ستيقظ‬

‫‪16‬‬


‫ﺍﻻﺳـﺘـﻘـﺎﻣــﺔ ﻭﺍﻟـﺘـﻮﺍﺯﻥ‬ ‫الو�سطية لي�ست مذهب ًا فقهي ًا جديد ًا‪ ،‬وال هي تف�سري معا�سر‬ ‫لالإ�سالم‪ ،‬واإمنا هي م�سطلح جديد تداوله علماء االأمة وعلماء‬ ‫االإ�سالم قد‪ً ‬ا باأ�سماء ‪‬تلفة من اهمها العدل ‪ ،‬الق�سط ‪،‬‬ ‫الق�سد ‪ ،‬الو‪‬ن ‪ ،‬الفق واالعتدال والتوحيد ‪ ،‬والو�سطية هي‬ ‫ال�سرا‪ ‬امل�ستقيم الواقع و�سط ًا بني تفريط املغ�سوب عليهم‬ ‫وافرا‪ ‬الظاملني وذلك باتباع �سرا‪ ‬الذين انعم اهلل عليهم من‬ ‫النبيني وال�سهداء وال�ساحلني وال�سديقني وح�سن ذلك رفيق ًا ‪.‬‬

‫التعريفات اللغوية املتداولة وال�ستباحية ال�سرعية املعرفية ملعنى‬ ‫الو�سط والو�سطية ل تخرج عن اأربعة معان اأ�سا�سية ‪:‬‬ ‫املعنى الأول‪ :‬هو التو�سط والعتدال‪.‬‬ ‫املعنى الثاين‪ :‬العدل والف�سل واحلمية ‪.‬‬ ‫املعنى الثالث‪ :‬احلق والق�سد يف كل �سيء‪.‬‬ ‫املعنى الرابع‪ :‬ال�ستقامة والتوازن والأَف�سلية ‪.‬‬ ‫ومهما حاولنا تق�سي الن�سو�س املتحدثة عن مو�سوع الو�سطية‬ ‫يف كتاب ربنا عز وجل و�سنة ر�سولنا �سلى اهلل عليه و�سلم فاإننا‬ ‫لن نخرج عن هذه املعاين الأربعة‪ ،‬التي تغطي جميع املجالت‬ ‫احلياتية من العقيدة اإىل الفقه‪ ،‬ومن امل�سائل الفكرية اإىل‬ ‫املمار�سات الواقعية‪ ،‬ومن الق�سايا الجتماعية اإىل الق�سايا‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬ومن الطرح الثقايف اإىل التنمية القت�سادية‪ ،‬وكل ما‬ ‫يدخل يف مفهوم العبادة مبعناها الوا�سع ‪.‬‬ ‫فالو�سطية تعني التوازن والعتدال وعدم امليل مع ال�سهوات‬ ‫اأو التخبط يف ال�سبهات‪ ،‬وذلك بالقت�ساد يف العتقاد والتزام‬ ‫�سنة امل�سطفى عليه ال�سالة وال�سالم باتباع ال�سراط امل�ستقيم‪،‬‬ ‫بعيداً عن مع�سكر املغ�سوب عليهم الذين يعلمون احلق ولكنهم‬ ‫ل يعملون به ‪ ،‬وعن مع�سكر ال�سالني الذين ل يعرفون احلق‬ ‫ويتوهمون العمل به‪ ،‬فال اإفراط يرقى اإىل الغلو والتطرف‬ ‫والطغيان‪ ،‬ول تفريط يوقع يف ال�ستكانة والركود وال�ست�سالم ‪.‬‬ ‫الو�سطية دعوة اإىل جتديد فهم الدين الإ�سالمي على قاعدة‬ ‫التوازن يف كل �سيء‪ ،‬واإحياء علوم الدين على اأيدي اأفاطم‬ ‫العلم كما يقول اأبو حامد الغزايل‪ ،‬وممار�سة العبادة يف �سوء‬ ‫ال�ستقامة واإ�ساعة اأحكام الإ�سالم بالنا�س واإ�سالح الواقع كله‬ ‫بتعاليم الإ�سالم وفقاً ملنهج ينتمي اإىل الأمة اخللية اأو خلية هذه‬

‫د‪.‬اأبو جرة ال�سلطاين‬ ‫االأمني العام حلركة ‪‬تمع ال�سلم‪‬اجلزائر‬ ‫الأمة‪،‬ويحكم بيدها ا�ستئناف حياة كرمية بتجديد فقه قوله‬ ‫ا�س‬ ‫تعاىل ( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم اأُ َّم ًة َو َ�س ًطا ِل َت ُكو ُنوا ُ�س َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم َ�سهِيدًا )(البقرة‪ ،)143:‬ف�سهادة ر�سول‬ ‫اهلل عليه ال�سالة وال�سالم متت علينا جميعاً‪ ،‬وكملت بالبالغ‬ ‫والبيان و�سناعة القدوة‪ ،‬فب ّلغ الر�سول �سلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫الر�سالة وادى الأمانة ون�سح الأمة وجلى الظلمة واخرج النا�س‬ ‫من الظلمة واخرج النا�س بف�سل ربنا عز وجل من الظلمات اإىل‬ ‫النور وتركها على املحاجة البي�ساء‪ ،‬ليلها كان هادئا ل يجيء بها‬ ‫احد اإل هالك اأو ظان‪ ،‬ووثق ر�سولنا الكرمي عليه ال�سالة وال�سالم‬ ‫ر�سالة الإ�سالم يوم حجة الوداع بكلمات جامعة موجزة وا�سهد‬ ‫احل�سور انه ب ّلغ‪ ،‬واأدى قائ ً‬ ‫ال اللهم هل ب ّلغت اللهم فا�سهد فكانت‬ ‫تلك �سهادته علينا بو�سطية واعتدال بال اإفراط ول تفريط ‪ ،‬فما‬ ‫هي معامل و�سطيتنا نحن اليوم ؟ وما هي املظاهر التي توؤهلنا‬ ‫لنكون نحن �سهداء على النا�س كما جاء يف ن�س الآية ال�سابقة به ‪.‬‬ ‫اإ َّن ال�سياقات القراآنية التي جاءت بها هذه الآيات ( َو َك َذل َِك َج َع ْل َنا ُك ْم‬ ‫اأُ َّم ًة َو َ�س ًطا … ) (البقرة ‪ )143‬ت�سع بني اأيدينا مفاتيح الفهم‬ ‫ال�سحيح ملعنى الو�سطية التي و�سف اهلل �سبحانه بها اأمة الإ�سالم‬ ‫باأنها اأمة الو�سط ‪ ،‬فقد جاءت اآية الأمة الو�سط يف �سياق املعركة‬ ‫التي دارت ورافقت حتويل القبلة من امل�سجد الأق�سى اإىل امل�سجد‬ ‫احلرام‪ ،‬وما رافقها من تطرف وغلو وقول على اهلل عز وجل‬ ‫(�س َي ُق ُ‬ ‫ال�س َفهَا ُء‬ ‫بغري حق حكاه القراآن الكرمي بتفا�سيل رادعة َ‬ ‫ول ُّ‬ ‫َّ‬ ‫هلل ْامل َ ْ�س ِر ُق‬ ‫ا�س مَا َو َّلهُ ْم َعنْ ِق ْبلَ ِت ِه ُم ا َّلتِي َكا ُنوا َعلَ ْيهَا ُق ْل ِ ِ‬ ‫مِ َن ال َّن ِ‬ ‫اط م ُْ�س َتقِيم) (البقرة‪.)142‬‬ ‫َو ْامل َ ْغ ِر ُب َيهْدِ ي َمنْ َي َ�سا ُء اإِ َىل ِ�س َر ٍ‬ ‫كذلك كانت الفر�سة منا�سبة لإعالن �سفات الأمة الو�سط‬

‫‪17‬‬


‫واحلديث ب�إ�سهاب عن مفهوم الو�سطية التي تعني مبا تعنيه‬ ‫التم�سك باحلق والدوران معه حيث دار ‪ ،‬الدفاع عن العدل ولو‬ ‫كان ذا قربى ‪ ،‬االبتعاد عن ال�شطط حتى مع �أهل ال�شنئان ‪.‬‬ ‫�إ َّن الأمة الو�سط هي امة متبوعة ال تابعة مبا هداها اهلل عز‬ ‫وجل من حق وعدل و�إن�صاف‪ ،‬و�أنها �أمة متوازنة يف عقائدها‬ ‫م�ستقيمة يف �سلوك عادلة يف معامالتها‪ ،‬ومن هنا ن�ش�أت ثنائيات‬ ‫التوازن يف حياة امل�سلمني �أفراداً وجماعات‪ ،‬لتغطي كل �أقبية‬ ‫احلياة يف عالقاتهم بخالقهم وب�أنف�سهم وبالنا�س‪ ،‬فال �إفراط وال‬ ‫تفريط‪ ،‬وال �ضرر وال �ضرار‪ ،‬بل هو اعتدال وو�سطية يف كل �شيء‬ ‫وبني كل �شيء ‪ ،‬بني الروح واجل�سد‪ ،‬وبني الفرد واجلماعة‪ ،‬وبني‬ ‫الدنيا والآخرة‪ ،‬وبني املقا�صد والو�سائل‪ ،‬وبني املواطن والدولة‪،‬‬ ‫وبني املادية واملثالية‪ ،‬وبني الدعوة وال�سيا�سة‪ ،‬وبني العلم والدين‪،‬‬ ‫وبني العقل والنقل‪ ،‬وبني الثوابت واملتغريات‪ ،‬وبني احلق والقوة‬ ‫و�سواها‪.‬‬ ‫على هذا الأ�سا�س قامت حركة جمتمع ال�سلم كما قامت الدعوة‬ ‫الإ�سالمية نف�سها بهذه اخل�صائ�ص ‪ ،‬قامت دولة احلق والعدل‬ ‫وبهذا الفقه فهم امل�سلمون الأوائل معنى ( ِل َت ُكو ُنوا ُ�ش َهدَا َء َعلَى‬ ‫ا�س) (البقرة‪ .)143‬فاملتطرف لي�س خمو ًال �أن ي�شهد على نف�سه‪،‬‬ ‫ال َّن ِ‬ ‫ناهيك �إن ي�شهد على النا�س والقائد لي�س من حقه �أن ي�شهد على‬ ‫العاملني واملت�شدد لي�س حجة على الإ�سالم الداعي �إىل الو�سطية‬ ‫واالعتدال ‪ ،‬واملفرط ال يقدم �شيئاً ي�صلح لل�شهادة لأنه اتبع هواه‬ ‫وجانب التو�سط وكان �أمره فرطاً ‪ .‬لكي تكون م�ؤه ً‬ ‫ال لل�شهادة على‬ ‫النا�س حتتاج �أن تت�صف ب�صفات الو�سطية واالعتدال يف معانيها‬ ‫الأربعة ال�سابقة الذكر‪ ،‬وتفريعاتها من عدل وحق‪ ،‬وا�ستقامة‬ ‫وق�سط‪ ،‬ووزن وقب�ض‪ ،‬وف�ضل وتوازن وخلية ‪ ،‬وكل ذلك ال يت�أتى‬ ‫�إال باجلهد واملجاهدة وال�صرب وامل�صابرة والرباط واالرتباط ‪.‬‬ ‫�إن ما حدث يف اجلزائر يحتاج احد �إىل التفكري به ملا حدث من‬ ‫تداعيات �سميت يف الإعالم مبحكمة الوطنية‪ ،‬ولعل �أكرث ما حدث‬ ‫كان نابعاً من االبتعاد عن و�سطية الإ�سالم و�سماحته واعتداله‬ ‫ورحمته بالنا�س‪ ،‬ويف كل الأحوال ف�إن الأمانة العلمية وامل�س�ؤولية‬ ‫التاريخية تفر�ضان التفكري ببع�ض العنا�صر التي لها �صلة مبا‬ ‫يحدث يف غياب الو�سطية التي كانت �سبباً يف ميالد تيارات العنف‬ ‫والتطرف‪ ،‬واال�ستخفاف ب�أ�صوات االعتدال يف مواجهة تطرف‬ ‫علماين م�ست�شف باملبادئ والثوابت والهوية‪ ،‬وب�سببهما اندلعت‬ ‫نريان الإفراط والتفريط بني م�ستخف بالإ�سالم ومتطرف فيه‬ ‫يف ثنائية متعار�ضة‪ ،‬جتمعهما العناوين الع�شرة التالية التي‬ ‫غطت ع�شرين �سنة من عمر اجلزائر هي �سنوات ‪-: 99-79‬‬ ‫• غياب العدالة االجتماعية‪.‬‬

‫• منو املتطرفني من الطرفني العلماين والإ�سالمي‪.‬‬ ‫• ات�ساع الفجوة بني ال�سلطة وال�شعب‪.‬‬ ‫• جمود الأو�ضاع على خملفات احلرب الباردة‪.‬‬ ‫• طغيان اخلطاب العريف يف مواجهة اال�ستهتار بالقيم والدين‬ ‫نف�سه‪.‬‬ ‫• تخلي املجتمع عن وظائفه يف الرتبية والدعوة واملواطنة‪.‬‬ ‫• بروز الطفرات الإ�صالحية املت�سارعة بغري درا�سة للواقع وبال‬ ‫ح�سابات للمتغريات ‪.‬‬ ‫• االنفتاح الطفراوي الع�شوائي والتعددية الفو�ضوية‪.‬‬ ‫• غلق �أبواب احلوار ورف�ض ال�سماع للأ�صوات املعتدلة و�أ�صوات‬ ‫احلق ‪.‬‬ ‫• ميالد الطفيليات ال�سيا�سية والنخب املالية‪ ،‬وات�ساع ب�ؤر الفقر‬ ‫والتهمي�ش والبطالة‪� ،‬أمام هذا الو�ضع املرتدي طغت �أ�صوات‬ ‫التطرف املنادية بالنظرية الفكرية القائمة على ال�شعار « نحن‬ ‫�أو الطوفان» ‪،‬‬ ‫فات�سعت دوائر الغلو يف الدين يف مواجهة الطغيان العلماين‬ ‫والروتني البريوقراطي ليدخل املجتمع اجلزائري كله يف موجة‬ ‫من العنف �أف�ضت �إىل م�أ�ساة وطنية ح�صدت �أالف الأرواح‪،‬‬ ‫واحتاجت �إىل حكمة عظيمة و�سيا�سة جريئة ال�ستئ�صال �شائبة‬ ‫الإرهاب من جهة‪ ،‬و�إقناع املتطرفني والعلمانيني باالعتدال‬ ‫واملرونة من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫� ّإن �سيا�سة امل�صاحلة الوطنية التي �ساهمت بالق�ضاء على كثري‬ ‫من مظاهر التطرف ب�أبعاده ال�ست‪ ،‬التطرف بالعقائد بني �إفراط‬ ‫وتفريط‪ ،‬التطرف يف العبادات بني زهد يف الدنيا وزهد يف الآخرة‪،‬‬ ‫والتطرف يف الفقه بتكفري امل�سلمني و�إعالن احلرب عليهم‪،‬‬ ‫وا�ستحالل دمائهم و�أموالهم و�إعرا�ضهم‪ ،‬التطرف باملعامالت‬ ‫باحلكم على النا�س باجلاهلية والإ�ساءة �إليهم وا�ستعدائهم ‪،‬‬ ‫التطرف باخليارات ال�سيا�سية بني م�ستخدم للعنف للو�صول �إىل‬ ‫ال�سلطة وم�ستخدم للتطرف للبقاء فيها ‪.‬‬ ‫والتطرف بالوالء والرباء بالداخل واخلارج على نحو �صار‬ ‫يهدد الوحدة الوطنية يف مواجهة �أ�شكال العلمانية املتطرفة‪،‬‬ ‫تهدد الدين وت�ضع التيار الإ�سالمي كله يف �سلة واحدة‪ ،‬وتنادي‬ ‫ب�ضرورة التخل�ص منه يف غياب �صوت الو�سطية واالعتدال على‬ ‫جميع الأطراف‪� ،‬أمام هذه الو�ضعية املرتدية نادت حركة جمتمع‬ ‫ال�سلم ومع كل دعاة الو�سطية واالعتدال يف اجلزائر �إىل � ّأن خطاب‬ ‫الو�سطية واالعتدال هو العالج الأمثل للغلو والتطرف للو�صول‬

‫‪18‬‬


‫�إىل بناء ثقافة عامة بني جميع �أبناء الوطن الواحد وذلك‬ ‫بالعناوين التالية ‪:‬‬ ‫�أو ًال ‪ :‬احلوار الثنائي واملتعدد يف الق�ضايا امل�صريية للأمة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬الرتبية الوطنية للن�شء على الفهم املعتدل للإ�سالم‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬الإدارة الرا�شدة للتكفل بق�ضايا النا�س واال�ستجابة‬ ‫الن�شغاالتهم‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬امل�ؤ�س�سات الدميقراطية القائمة على خدمة ال�صالح العام‪.‬‬ ‫خام�ساً‪ :‬الأنظمة املتوا�صلة مع مواطنيها واملزاولة مع طموحاتهم‬ ‫وتطلعاتهم‪.‬‬ ‫�ساد�ساً‪ :‬الإعالم الباين للقناعات وامل�ساهم يف ت�شكيل ر�أي عام‬ ‫متعاون بعيدا عن ا�ستفزاز م�شاعر النا�س و�إثارة عواطفهم‬ ‫وحتري�ض بع�ضهم على بع�ض‪.‬‬ ‫�سابعاً‪� :‬إرادة �سيا�سية متثيلية وا�سعة تتكاف�أ فيها وتت�ساوى‬ ‫فيها الأمور‪ ،‬وتتعزز من خاللها امل�شاركة الفاعلة املثمرة لكل‬ ‫�أطراف ال�شعب ‪� ،‬إرادة �سيا�سية تعرف �أولوياتها وتنا�ضل �سلمياً‬ ‫ال�ستكمال م�شاريع الإ�صالح ال�شامل على كل امل�ستويات ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية و�سواها‪.‬‬ ‫هذا ما فهمته حركة جمتمع ال�سلم يف لعبة ال�شد واجلد و�أدركت‬ ‫منذ الوهلة الأوىل �أن التطرف ال يولد �إال املزيد من العنف‬ ‫والإرهاب‪ ،‬و�أن العالج يكمن يف الدعوة �إىل العقل وحمل النا�س‬ ‫على العودة �إىل الو�سطية واالعتدال‪ ،‬لذلك بذلت حركة جمتمع‬ ‫ال�سلم ما يف و�سعها لتتجاوز عتبات االحتبا�س ال�سيا�سي واالحتقان‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وكل الدعوات القائمة على املطالبة واملغالبة �إىل �أفاق‬ ‫امل�شاركة الفاعلة وااليجابية يف �صناعة ر�أي عام‪ ،‬وحاولت زرع‬ ‫قناعات م�شرتكة و�صيغ مرنة ملعاجلة �أ�سباب امل�أ�ساة الوطنية‪،‬‬ ‫والتكفل ب�آثارها وتداعياتها بجملة من الفقيهات املتجددة بعيداً‬ ‫عن فقه ال�صراع واحلرابة �إىل خم�سة م�ستويات من الفقه املتجدد‬ ‫يف معاجلة �أ�سباب التطرف والت�صدي ملدارات الغلو والتطرف‬ ‫والإرهاب‪ ،‬يف ظل هذه الثنائية املقيتة التي �صنفت املجتمع اجلزائري‬ ‫�إىل �صنفني وق�سمته �إىل ق�سمني « مع�سكر العلمانيني املنادين‬ ‫با�ستئ�صال �شابة الإ�سالم مبتطرفيه ومعتدليه « ‪ « ،‬ومع�سكر الإ�سالم‬ ‫املنادين ب�أن لي�س من معنا هو �ضدنا « وبني هذين الطرفني فر�ض‬ ‫خطاب حركة جمتمع ال�سلم الو�سطي املعتدل املنادي بامل�صاحلة‬ ‫وحتكيم العقل ليجدد يف الأمة خطاب الفقهيات املن�سية يف �سنن‬ ‫التدافع ال�سلمي املانع من هدم ال�صوامع وال�ضياع وال�صلوات‬ ‫وامل�ساجد كما جاء يف قول ربنا �سبحانه وتعاىل ( َو َل ْو اَل َد ْف ُع اللهَّ ِ‬ ‫ا�س َب ْع َ�ض ُه ْم ِب َب ْع ٍ�ض َل ُه ِّدمَتْ َ�صوَامِ ُع َو ِب َي ٌع َو َ�صلَ َو ٌات َوم َ​َ�ساجِ ُد‬ ‫ال َّن َ‬

‫ريا) (احلج‪)40 :‬‬ ‫ُي ْذ َك ُر فِيهَا ْا�س ُم اللهَّ ِ َك ِث ً‬ ‫فتحت الأ�صوات املعتدلة ثقافة االعتدال والو�سطية وعلمت‬ ‫النا�س الفقه الذي كان قد غاب عن ممار�ساتهم يف حلظات‬ ‫التدافع فقه املرحلية والتدر�س املانع من الت�سرع واالنبثاث‪،‬‬ ‫فقه امل�آالت والعواطف الناظرة يف ب�صريات القناعات واملمار�سات‪،‬‬ ‫فقه املقا�صد والكليات الدافعة باجتاه التعاون امل�شرتك الأو�سع‬ ‫بني �إفراد الأمة‪ ،‬فقه املوازنات وتقرير امل�صلحة وتوازن امل�صالح‬ ‫واملفا�سد‪ ،‬و�أخريا فقه الأولويات بالتقدمي والت�أخري ‪.‬‬ ‫ومع الزمن بلورت احلركة خطاباً جديداً مزج بني الوطنية‬ ‫والإ�سالمية من جهة وبني الدميقراطية والإ�سالم من جهة‬ ‫�أخرى ‪ ،‬ورفعت �شعار امل�شاركة ال املغالبة وانخرطت بكامل قواها‬ ‫يف م�سعى امل�صاحلة الوطنية بالدفاع عن �سماحة الإ�سالم الربيء‬ ‫من التكفري والت�صغري ‪ ،‬وواجهت الغلو والتطرف بالو�سطية‬ ‫واالعتدال ‪.‬‬ ‫خال�صة القول‪ :‬عادة ما يرتبط العنف والإرهاب والتطرف‬ ‫باالجتهادات ال�سيا�سية التي يرتتب عنها ميالد املعار�ضة التي‬ ‫ترتاوح بني الإ�صالح واالنقالب اجلذري ويف احلالة اجلزائرية‬ ‫ارتبط الأمر مبا ي�سميه البع�ض الإ�سالم ال�سيا�سي يف مواجهة‬ ‫القطب �أال�ستئ�صايل العلماين فكان العالج الذي قدمته احلركة‬ ‫عالجاً مزدوجاً طرفه الأول تثقيف املجتمع بخطاب الو�سطية‬ ‫واالعتدال وممار�سة ذلك بامليدان ‪ ،‬طرفه الثاين جتديد مفهوم‬ ‫امل�شاركة ال�سيا�سية بالوقوف و�سطاً بني التطرف العلماين الداعي‬ ‫لال�ستئ�صال‪ ،‬والغلو الإ�سالمي امل�ستخدم لل�سالح ومع الأيام‬ ‫اقتنع اجلميع وكان الزمن جزءاً من العالج بعد �إن قدم ال�شعب‬ ‫اجلزائري كله ثمناً باهظاً و�صارت بعد ذلك الو�سطية هي احلل‬ ‫و�أدرك املتطرفون �إن الو�صول عرب العنف والإرهاب طريق غري‬ ‫وا�صلة وان الزبد ذهب هباء ‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫ورقة عمل مقدمة يف جل�سة افتتاح امل�ؤمتر الدويل للعاملي للو�سطية يف اجلزائر‬


‫ﻣﻘﺎﻻﺕ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬

‫ﺃﺯﻣﺔ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ‪ ..‬ﻭﺃﺯﻣﺔ ﺃﻣﺔ‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ..‬الذي خلق االإن�سان يف اأح�سن‬ ‫وكرمه بنعمة العقل وحرية االختيار‪ ..‬واحلمد‬ ‫تقو‪ ..‬‬ ‫كرم اأمتنا فبواأها مواقع الو�سطية بني االأ‪..‬‬ ‫هلل الذي ‪‬‬ ‫و�سرفها ‪‬همة ال�سهود احل�ساري على النا�ص‪ ..‬واأ�سلي واأ�سلم‬ ‫على املبعو‪ ‬رحمة للعاملني اإمامنا وقرة اأعيننا ر�سولنا ونبينا‬ ‫حممد رافع لواء العاملية العادلة يف االأر�ص‪ ..‬ورائد العوملة‬ ‫الرا�سدة بني النا�ص‪ ..‬واأ�سلي واأ�سلم على اآل بيته االأطهار‬ ‫االأخيار ‪ ..‬وعلى جميع �سحابته الغر امليامني االأبرار‪.‬‬

‫اأ‪ .‬د‪ .‬حامد بن اأحمد الرفاعي‬ ‫رئي�ص املنتدى االإ�سالمي العاملي للحوار‬

‫كتبت قبل خم�سة ع�سر عا ًما مقا ًل بجريد ال�سرق الأو�سط الدولية‬ ‫بعنوان ( اأزمة نخبة ‪ ..‬ل اأزمة رغبة )‪ .‬جاء فيه اأن الأمة راغبة كل‬ ‫الرغبة يف التعامل مع قيم دينها وتراثها الثقايف‪ .‬اإل اأن ا�سطراب‬ ‫خطاب النخبة املعنية بقيادة جموع الأمة‪ .‬ت�سكل اأزمة كاأداء يف‬ ‫وجه حتقيق رغبتها يف ا�ستئناف حركة انبعاثها احل�ساري املعا�سر‪،‬‬ ‫واأ�سا�س م�ساألة ا�سطراب خطاب املفكرين واملثقفني‪ ،‬هو ا�سطراب‬ ‫مفاهيمهم وت�سوراتهم حول املنهجية املو�سوعية حلركة ال�ستئناف‬ ‫احل�ساري املن�سود‪ ،‬وجذر ذلك كلها ا�سطرب فهومهم حول ن�سو�س‬ ‫وم�سطلحات قيم ومبادئ ر�سالة الإ�سالم الإن�سانية العاملية‪.‬‬ ‫وحالة ا�سطراب الفهم اجلارية اليوم‪ ،‬حول معنى الو�سطية ‪،‬‬ ‫ودللتها ‪ ،‬ومقا�سدها‪ ،‬والآليات امليدانية لتفعيل نهجها الرباين‬ ‫العظيم‪ ،‬ي�سكل اأحد مرتكزات التاأزم الذهني عند غالب اأجيال الأمة‪،‬‬ ‫الأمر الذي ُيو ّلد بكل اأ�سف حالة تاأزم يف الأداء واملمار�سات على‬ ‫خمتلف امل�ستويات الدينية وال�سيا�سية والجتماعية‪.‬‬ ‫فما هي الو�سطية‪..‬؟‬ ‫باخت�سار �سديد ما تعارف امل�سلمون اليوم على ا�ستقاقه من‬ ‫العبارة القراآنية ( ً‬ ‫و�سطا ) من قوله تعاىل ( َو َك َذال َِك َج َع ْل َنا ُك ْم اأُ َّم ًة‬ ‫ا�س َو َي ُكو َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول َعلَ ْي ُك ْم َ�سهِيدًا )‬ ‫َو َ�س ًطا ِل َت ُكو ُنوا ُ�س َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫(البقرة‪.)143:‬‬ ‫واملتاأمل يف الآية يجد ب�سهولة وو�سوح‪ ..‬اأن علة و�سف الأمة‬ ‫امل�سلمة ب�سفة (و�سطاً) ت�سريفاً مبهمة ال�سهود على النا�س " لتكونوا‬ ‫�سهداء على النا�س"‪ ،‬وال�سهود يلزمه احل�سور‪ ،‬فال �سهادة لغائب‪،‬‬

‫فاحل�سور بني النا�س‪ ،‬والتفاعل مع حركة احلياة‪ ،‬ومتابعة الأحداث‬ ‫وامل�ستجدات وامل�ساركة فيها‪ ،‬كل ذلك من �سروط ال�سهادة ال�سحيحة‬ ‫التي حتقق مهمة ال�سهود على النا�س‪ ،‬والتي من ث ًّم توؤهل الأمة‬ ‫امل�سلمة لنيل �سرف �سهادة الر�سول �سلى اهلل عليه و�سلم عليهم‬ ‫( ويكون الر�سول عليكم �سهيدًا )‪.‬‬ ‫وهذا يوحي اإ َّ‬ ‫يل باأ َّن عبارة ( و�سطاً ) تعني اأن الأمة الإ�سالمية‬ ‫اأمة احل�سور والتوا�سل والتعاي�س مع النا�س واملجتمعات ولي�ست‬ ‫بحال من الأحوال اأمة اعتزال النا�س والنقطاع عن �سوؤون حركة‬ ‫احلياة وم�ستجداتها‪ ،‬فاحل�سور بني الأمم من ا�ستحقاقات ال�سهادة‬ ‫على النا�س‪ ،‬ومن ا�ستحقاقات تعريفهم بخريية الأمة امل�سلمة التي‬ ‫ا�س)(اآل عمران‪.)110:‬‬ ‫ري اأُ َّم ٍة اأُ ْخر َِجتْ لِل َّن ِ‬ ‫اأخرجها اهلل اإليهم ( ُك ْن ُت ْم َخ ْ َ‬ ‫والو�سط يف اللغة‪ :‬املكان الواقع بني غريه من الأمكنة‪ ،‬اأو‬ ‫ال�سيء الذي املحاط باأ�سياء اأخرى‪ .‬فبهذه الإحاطة يكت�سب املكان‬ ‫وال�سيء احل�سانة واملنعة والعزة‪ ،‬ووا�سط ُة العقد مو�س ٌع لأكرب‬ ‫واأنف�س واأجمل لوؤلوؤة اأو جوهرة فيه‪ ،‬ومن هنا تاأتي معاين النفا�سة‬ ‫والعزة واملكانة واخلريية لأمة الو�سط‪ ،‬وعلى اأ�سا�س من ذلك اأح�سب‬ ‫اأن عبارة « و�سطاً « التي ا�ستق امل�سلمون منها م�سطلح « العتدال»‪،‬‬ ‫حتمل دللت غزيرة وثرية‪ ،‬ما ينبغي اختزالها بواحد من دللتها‬ ‫اجلليلة‪ ،‬على ح�ساب باقي معانيها ودللتها املو�سوعية ومنها‪:‬‬ ‫‪ .1‬احل�سور والتوا�سل والتعاي�س مع النا�س‪.‬‬ ‫‪ .2‬املناف�سة وامل�ساركة الفاعلة باأحداث حركة احلياة الب�سرية‪.‬‬ ‫‪ .3‬العزة واملكانة والقوة واملهابة بني الأمم‪.‬‬ ‫‪ .4‬الكفاءة واملهارة والإنتاج والإبداع يف ميادين احلياة‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫‪ .5‬اخلريية والريادية بني النا�س‪.‬‬ ‫‪ .6‬العدالة يف الأداء وال�سلوك مع النا�س دون متييز‪.‬‬ ‫‪� .7‬سداد الر�أي ورجاحة العقل واحلكمة يف �إدارة العالقة مع الآخر‪.‬‬ ‫‪ .8‬والر�شد يف التدّين والتع ّبد‪.‬‬ ‫فبهذه اخل�صائ�ص وغريها تكون الأمة امل�سلمة �أمة ً‬ ‫و�سطا‬ ‫ال تنحاز لأمة على ح�ساب �أمة �أخرى‪ ،‬فهي على م�سافة واحدة‬ ‫من اجلميع‪ ،‬يقربها منهم العدل ويبعدها عنهم الظلم‪ ،‬تنت�صر‬ ‫لقد�سية حياة الإن�سان‪ ،‬وكرامته‪ ،‬وحريته‪ ،‬وممتلكاته دون متييز‪،‬‬ ‫منهجها عادل حمايد ب�شر ًيا‪ ،‬ال ينت�صر لأحدٍ على �أحدٍ �إال باحلق‪،‬‬ ‫ومنهج حمايد جغراف ًيا‪ ،‬فهو لل�شمال واجلنوب ولل�شرق والغرب‬ ‫على ال�سواء‪ ،‬فهو منهج عمارة الأر�ض بكل �أطرافها وجهاتها‪،‬‬ ‫وهو منهج حمايد اقت�صاد ًيا‪ ،‬ال ينت�صر للأغنياء �ضد الفقراء‪،‬‬ ‫وال يتعاطف مع الفقراء على ح�ساب الأغنياء‪ ،‬وال ي�شجع ال�ص ّناع‬ ‫ويخذل الز ّراع‪ ،‬وال يبارك جهد الز ّراع ويبخ�س كدح ال�ص ّناع ‪ ،‬وال‬ ‫يحابي التجار على ح�ساب م�صلحة امل�ستهلك‪ ،‬وال ينحاز للم�ستهلك‬ ‫�ضد م�صالح التجار‪ ،‬فهو للجميع �إن�صا ًفا وعد ًال‪ ،‬وهو منهج حمايد‬ ‫�سيا�س ًيا‪ ،‬ي�ؤاخي بني احلاكم واملحكوم ي�أمرهم بالتنا�صح والت�شاور‬ ‫والتعاون لتحقيق العدل وامل�صالح والأمن واال�ستقرار‪ ،‬وهو منهج‬ ‫حمايد دول ًيا‪ ،‬ال مينح حق (الفيتو) للكبار يف وجه م�صالح ال�صغار‪،‬‬ ‫وال يدلل ال�صغار على ح�ساب حقوق الكبار‪ ،‬بل هو للكبار وال�صغار‬ ‫ولل�ضعفاء والأقوياء على ال�سواء باحلق والعدل‪ ،‬وهو منهج حمايد‬ ‫جن�س ًيا‪ ،‬ال يتز ّلف الرجال حلى ح�ساب الن�ساء‪ ،‬وال يتعاطف ويرق‬ ‫للن�ساء على ح�ساب الرجال‪ ،‬فهو للذكورة والأنوثة �سواء ب�سواء‪ .‬وهو‬ ‫منهج حمايد بيئ ًيا‪ ،‬للإن�سان حقوقه وواجباته‪ ,‬وللحيوان حقوقه‬ ‫وواجباته وللنبات حقوقه وواجباته‪ ،‬وللمادة حقوقها وواجباتها‪،‬‬ ‫فهم جمي ًعا خالئق م�سخرة بع�ضها لبع�ض‪ ،‬واجلميع م�سخر لعمارة‬ ‫الأر�ض‪ ،‬و�إقامة احلياة على �أ�سا�س من التكامل والتالزم بني احلقوق‬ ‫والواجبات‪ ،‬طاعة هلل وعبودية خال�صة ملراده �سبحانه‪.‬‬ ‫�إن حالة الت�أزم يف الأداء واملمار�سات التي تعاين منها �أمتنا‬ ‫اليوم على كافة امل�ستويات الأمنية‪ ،‬وال�سيا�سية‪ ،‬واالجتماعية‪,‬‬ ‫واالقت�صادية‪ ،‬هي انعكا�س حلالة الت�أزم الذهني والفكري التي‬ ‫تعرتي البناء الثقايف لغالب �أجيالنا‪ ،‬وبتقديري ف�إن �أزمة ا�ضطراب‬ ‫الفهم الديني‪ ،‬تبقى اجلذر والأ�سا�س لكل هذه الأزمات املدمرة‪.‬‬ ‫و�أزمة الفهم الديني‪ ،‬من م�صادرها اختالل فهم امل�صطلحات‬ ‫والتعامل مع دالالتها ‪،‬حيث يختزل البع�ض مو�سوعية امل�صطلح‬ ‫الديني القر�آين والنبوي – باملزاج �أو ب�سوء الفهم ‪ -‬ل�صالح �أحد‬ ‫دالالته ومعانيه‪� ،‬أو ل�صالح معاين ي�ستحدثها البع�ض ما �أنزل‬ ‫اهلل بها من �سلطان‪ ،‬ومن �أبرز هذه امل�صطلحات التي ميار�س بحق‬ ‫مو�سوعيتها مثل هذا االختزال املخل املدمر‪:‬‬ ‫‪ .1‬التعارف‪ ..‬الذي ُيختزل عند البع�ض باحلوار‪ ،‬ولكن ملاذا نحاور؟‬

‫وعلى ماذا نحاور؟ وما هي غاية التحاور؟ وغريها من الأ�سئلة‬ ‫فكل ذلك مرتوك للمزاج والأهواء‪ ،‬عل ًما �أن التعارف يف الإ�سالم‬ ‫�سبيل للتفاهم والتعاون والتناف�س بني النا�س من �أجل بناء احلياة‬ ‫امل�شرتكة‪.‬‬ ‫‪ .2‬التدافع‪ُ ..‬يختزل عند البع�ض بعبارة ال�صراع مع الآخر‪ ،‬ونفي‬ ‫الآخر‪ ،‬ورمبا ن�سخه من الوجود‪ !..‬عل ًما �أن علة التدافع يف القر�آن‬ ‫ُ‬ ‫�صرف الف�ساد والإف�ساد عن الأر�ض‪ ،‬فهو كل جهد جمعي ب�شري‬ ‫يبذل من �أجل ذلك‪.‬‬ ‫‪ .3‬اجلهاد‪ ..‬يختزله البع�ض ب�إحدى و�سائله املكروه‪� ،‬أال وهو القتال‪،‬‬ ‫وي�صر �أن اجلهاد والقتال كلمتان مرتادفتان‪ ،‬ف�إذا ُذكر اجلها ُد فهو‬ ‫قط ًعا القتال وال �شيء غري القتال‪!..‬‬ ‫َ‬ ‫‪ .4‬الربا ُء والوالءُ‪ ..‬يعمم البع�ض دالالتهما لتطال كل عالقة بني‬ ‫امل�سلم وغري امل�سلم‪ ،‬ويختزل دالالتهما بنزعة الكراهية والبغ�ض‬ ‫للآخر �أ ًيا كان وعلى �أي حال كان‪ !..‬فلي�س للآخر عنده مع امل�سلم‬ ‫�إال �أحد خيارات ثالثة (الإ�سالم‪� ،‬أو اجلزية‪� ،‬أو القتل)‪.‬‬ ‫‪ .5‬الت�سابق باخلريات‪ ..‬عدّل البع�ض هذا امل�صطلح‪ ،‬وحوله �إىل‬ ‫ت�سابق يف القتل والتدمري‪ ،‬فلي�س للآخر عندهم حق يف العي�ش‬ ‫والكرامة‪ ،‬ثم طوروا حماقتهم يف التطرف والعدوانية‪ ،‬فا�ستباحوا‬ ‫لأنف�سهم تقتيل امل�سلمني وتدمري حياتهم ب�أ�شد مما يفعلونه مع‬ ‫الآخر‪.‬‬ ‫‪ .6‬الو�سطية ‪ ..‬يختزلها البع�ض بعبارة االعتدال‪ ،‬فيقل�ص بذلك‬ ‫الآفاق املو�سوعية الف�سيحة لهذا امل�صطلح اجلليل‪ ،‬ويغ ّيب معانيه‬ ‫الغزيرة ومنها‪ :‬العزة‪ ،‬والكرامة‪،‬والقوة‪ ،‬واملهابة‪ ،‬واخلريية‪ ،‬و�سداد‬ ‫الر�أي‪ ،‬ورجاحة العقل‪ ،‬والر�شد‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬والريادة‪ ،‬وال�شهود العادل‬ ‫على النا�س‪ ،‬فو�سطية الأمة امل�سلمة هي و�سطية ال�شاهد العدل‬ ‫القوي العزيز‪ ،‬فالعدل والعزة روح و�سطية الأمة امل�سلمة بني الأمم‪.‬‬ ‫�إن من �أخطر حاالت ا�ضطراب الفهم والتعامل مع م�صطلحات‬ ‫الن�ص الديني عند بع�ض �أبناء �أمتنا ‪ ..‬وعند �أبناء غرينا من �أتباع‬ ‫الديانات الأخرى‪ ،‬التداخل املخل يف فهم العالقة بني دوائر‬ ‫العقيدة‪ ،‬وال�شريعة‪ ،‬والر�سالة من الدين‪ ،‬حيث يو�سع البع�ض دائرة‬ ‫العقيدة وهي دائرة ( التمايز الديني بني �أتباع الأديان ) على ح�ساب‬ ‫دائرتي ال�شريعة والر�سالة وهي دوائر (نظم احلياة وامل�صالح )‪ ،‬حتى‬ ‫�أ�صبحت دائرة العقيدة النافذة الوحيدة التي يطل منها ه�ؤالء على‬ ‫الآخر‪ ،‬فهو �إما م�سلم له الأمن واحلياة‪ ،‬و�إما غري م�سلم فلي�س له‬ ‫�إال البغ�ض والكراهية واملوت‪ ،‬وطوق جناته الوحيد من حد �سيف‬ ‫امل�سلمني‪ -‬على حد فهمهم ‪ -‬اعتناق الإ�سالم‪!..‬‬ ‫ح ًقا نحن بحاجة �إىل مراجعة جادة وملحة ‪،‬لإعادة جمموع الأمة‬ ‫�إىل حالة من التوازن الرا�شد يف فهم دينها على الوجه ال�صحيح‪،‬‬ ‫الذي ي�ؤهلها لتكون بحق خري �أمة �أخرجت للنا�س ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫ورقة عمل مقدمة يف امل�ؤمتر ال�سابع للو�سطية ‪� -‬صنعاء‬


‫ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻷﻗﺪﺍﺭ‬ ‫ﻭﺩﻭﺭﻩ ﳲ ﺑﻨﺎﺀ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺴﺘﻘﺮﺓ ﻭﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺼﺪﻣﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ‬

‫الدكتور حممد حب�ص‬

‫ع�سو املنتدى العاملي للو�سطية‬

‫يتجه الفقه االإ�سالمي يف الرتبية واالإعداد ملواجهة‬ ‫ال�سدمات النف�سية على اأ�سا�ص من االإ‪‬ان بالقدر‪ ،‬حيث يعترب‬ ‫االإ‪‬ان بالقدر اأحد اأركان االإ‪‬ان التي ال يكتمل بدونها اإ‪‬ان‬ ‫م�سلم‪ ،‬وهي كما ورد الن�ص بها يف ع�سرات االأحاديث النبوية‬ ‫الكر‪‬ة‪" :‬اأن توؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ور�سله واليوم‬ ‫االآخر والقدر خريه و�سره من اهلل تعاىل"‪‬البخاري وم�سلم‪.‬‬

‫والإميان بالقدر وردت فيه الن�سو�س القراآنية الكرمية وال�سنن‬ ‫النبوية الهادية‪ ،‬كما كتبت فيه الدرا�سات املطولة يف الأدب‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬وامتالأت كتب الرتبي بو�سايا الر�سول الكرمي فيما‬ ‫يت�سل بوجوب الإميان بالقدر والت�سليم مبراد اهلل تعاىل‪ ،‬تاأ�سي�ساً‬ ‫على اأن الأقدار يف هذا العامل حتم ما�س واأن على الإن�سان اأن‬ ‫ي�ستعد لواجهة الأقدار واأن يبدي فيها ت�سلباً و�سجاعة واحتما ًل‬ ‫و�سرباً‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪ (:‬اأَ ْي َن َما َت ُكو ُنوا ُي ْد ِر ْك ُك ُم ْامل َ ْو ُت‬ ‫َو َل ْو ُك ْن ُت ْم ِيف ُب ُرو ٍج م َُ�س َّي َد ٍة )(الن�ساء‪.)78:‬وقوله( ُق ْل َلنْ ُي ِ�سي َب َنا‬ ‫اإِ َّل مَا َك َت َب َّ ُ‬ ‫اهلل َف ْل َي َت َو َّكلِ ْاملُوؤْمِ ُنو َن)‬ ‫اهلل َل َنا هُ َو َم ْو َل َنا * َو َعلَى َّ ِ‬ ‫(التوبة‪.)51:‬‬ ‫وقوله يف معر�س ال�ستعداد حلكم الدهر ( َواإِ ْن ُت ِ�س ْب ُه ْم َح َ�س َن ٌة‬

‫اهلل َواإِ ْن ُت ِ�س ْب ُه ْم َ�س ِّي َئ ٌة َي ُقو ُلوا هَذِ ِه مِ نْ عِ ْندِ َك‬ ‫َي ُقو ُلوا هَذِ ِه مِ نْ عِ ْندِ َّ ِ‬ ‫اهلل َف َمالِ هَاوؤُ َل ِء ا ْل َق ْو ِم َل َي َكادُو َن َي ْف َقهُو َن َحدِ ي ًثا)‬ ‫ُق ْل ُك ٌّل مِ نْ عِ ْندِ َّ ِ‬ ‫(الن�ساء‪.)78:‬‬ ‫وكان الر�سول الكرمي �سلى اهلل عليه و�سلم يو�سي بهذه احلقائق‬ ‫اأ�سحابه واإخوانه يعدهم حلوادث الدهر بال�سرب والعزمية‪ ":‬يا‬ ‫معاذ اذكر اهلل عند كل حجر وحجر"(البخاري‪:‬التاريخ الكبري‬ ‫‪)4/343‬‬ ‫وقال �سلى اهلل عليه و�سلم‪":‬يا غالم �ساألت فا�ساأل اهلل واإذا‬ ‫ا�ستعنت فا�ستعن باهلل‪ ،‬واعلم اأن ما اأ�سابك مل يكن ليخطئك وما‬ ‫اأخطاأك مل يكن لي�سيبك‪ ،‬واعلم اأن الأمة لو اجتمعت على اأن‬ ‫ي�سروك ب�سيء مل ي�سروك اإل ب�سيء قد كتبه اهلل عليك واأن الأمة‬ ‫لو اجتمعت على اأن ينفعوك ب�سيء مل ينفعوك اإل ب�سيء قد كتبه‬ ‫اهلل لك‪ ،‬رفعت الأقالم وجفت ال�سحف"(م�سند اأحمد‪،)4/233‬‬ ‫وهو ما عرب عنه بفطرته ال�ساعر العربي اجلاهلي ق�س بن �ساعدة‬ ‫الإيادي بقوله‪:‬‬ ‫يف الذاهبني الأولني من القرون لنا ب�سائر‬ ‫ملا راأيت موارداً للموت لي�س لها م�سادر‬ ‫وراأيت قومي نحوها مي�سي الأكابر والأ�ساغر‬ ‫اأيقنت اأين ل حمالة حيث �سار القوم �سائر‬ ‫ول �سك اأننا لو اأردنا اأن ن�ستق�سي ما ورد يف كتب ال�سنن والآداب‬ ‫من هذه احلقائق ل�ستغرق ذلك منا جملدات طوا ًل‪ ،‬ولكنني‬ ‫تخريت هنا ما يت�سع له املقام من هذه الن�سو�س‪ ،‬ول بد م بيان‬ ‫جملة من املالحظات التي ل بد منها‪:‬‬ ‫اأو ًل‪ :‬اإن تاأكيد ال�سريعة على وجوب الإميان بالأقدار اإمنا هو‬ ‫جزء من الإقرار باحلقيقة العلمية والت�سليم بها‪ ،‬وهي اأن قدرة‬ ‫الإن�سان حمدودة واأنه مهما تعاظمت قوته وقدراته فهو حمكوم‬ ‫بال�سنن الكونية التي حتكمها قوانني فيزيائية �سارمة جبارة‬ ‫و�سعها اخلالق �سبحانه لهذا العامل‪ ،‬وعلى راأ�سها قانون املوت‬ ‫واحلياة الذي ل ت�ستطيع اأي حركة ثائرة يف التاريخ اأن تزعم‬

‫‪22‬‬


‫�أنها ت�ستطيع االنت�صار عليه �أو تغيري حكمه‪ ،‬ويف هذا العامل‬ ‫من الزالزل والرباكني والأعا�صري ما ال ميكن للإن�سان �إزاءه‬ ‫�إال الت�سليم والر�ضا والإميان‪ ،‬وهي حقيقة تذعن لها كل الأمم‬ ‫وال�شعوب‪ ،‬ويقف ملوك العامل وحكما�ؤه وجباروه بكل خ�شوع �أمام‬ ‫م�شهد املوت وال ميلكون �إىل و�ضع الزهور على قبور الراحلني‬ ‫والت�أمل يف حكمة الدهر‪.‬‬ ‫ثانياً‪� :‬إن الإقرار بهذه احلقيقة العلمية واملطلب الإمياين ال‬ ‫يعني بحال من الأحوال التوقف عن العمل يف مواجهة الأقدار‬ ‫والتعامل معها بحكمة وب�صرية‪ ،‬بل يرتكز الأمر هنا على قاعدة‬ ‫امل�صيبة قدر ومواجهتها قدر‪ ،‬وهذا قدر هذا‪ ،‬ونتذكر هنا ما‬ ‫�أقره ال�صحابي الإمام اجلليل �أبو عبيدة حني تردد ال�صحابة يف‬ ‫الدخول �إىل بي�سان وقد نزل بها طاعون عموا�س‪ ،‬وقال بع�ضهم‬ ‫�أتفر من قدر اهلل فقال‪ :‬نفر من قدر اهلل �إىل قدر اهلل‪ ،‬فالبالء‬ ‫قدر من اهلل والعافية قدر من اهلل‪ ،‬ونحن نواجه الأقدار بالأقدار‪.‬‬ ‫ثالثاً‪� :‬إن الإميان بالقدر �إمنا يكون بعد وقوعه وال ي�صح �أبداً‬ ‫االحتجاج بالأقدار قبل وقوعها‪ ،‬ويعترب هذا االحتجاج افرتاءاً‬ ‫على اهلل �سبحانه‪ ،‬وافرتاء على ال�شريعة‪ ،‬وهذا يقطع الطريق‬ ‫على الأ�شرار الذين يتعللون بالأقدار يف ارتكاب جرائمهم‪ ،‬كما‬ ‫يقطع الطريق على ال�سذج الذين ي�ست�سلمون للك�سل واخلمول ثم‬ ‫يتعللون بالأقدار‪.‬‬ ‫رابعاً‪� :‬إن الإميان بالقدر ال يعفي �أبداً من تقرير امل�س�ؤولية‬ ‫الفردية �أو اجلماعية فيما ت�سبب بوقوع الأقدار‪ ،‬وال يجوز التهرب‬ ‫من احلقوق بدعوى �أنها �أقدار حتم ال ميكن مغالبتها‪ ،‬ويف هذا‬ ‫ال�سبيل ف�إن ال�شريعة قررت وجوب الديات على من تورط يف القتل‬ ‫اخلط�أ‪ ،‬وقررت امل�س�ؤولية يف التعوي�ض عن الأ�ضرار التي يت�سبب‬ ‫بها الإهمال على الرغم من �أن ما وقع �إمنا هو قدر حمتوم‪.‬‬ ‫خام�ساً‪� :‬إن الإميان بالأقدار كان يف الواقع ح�صناً ح�صيناً �ضد‬ ‫انهيار الإن�سان �أمام نكبات الدهر و�أهواله‪ ،‬وظل النا�س ي�شعرون‬ ‫بال�سعادة على الرغم مما يواجهونه من �أهوال‪ ،‬فكم يف الواقع من‬ ‫ق�صر يبكي وكوخ ي�ضحك ‪ ،‬ومن �شاء �أن يقي�س ال�سعادة بزخارف‬ ‫الق�صور وال�شقاء ب�أثر احل�صري فقد �أخط�أ الدرا�سة‪ ،‬وكابر يف‬ ‫املح�سو�س‪،‬ويف هذا املعنى �أقتب�س من كلمات الإمام ال�شافعي عليه‬ ‫ر�ضوان اهلل‪:‬‬ ‫�أنا �إن ع�شت ل�ست �أعدم قوتاً‬ ‫و�إذا مت ل�ست �أعدم قربا‬ ‫نف�س حر ترى املذلة كفرا‬ ‫همتي همة امللوك ونف�سي‬

‫وهي احلكمة اخلالدة خل�صها بكلماته ال�سائرة على �أل�سنة‬ ‫امل�ؤمنني يف الأر�ض‪:‬‬ ‫َد ِع الأَ َّيا َم َت ْف َعل مَا َت َ�شا ُء وطب نف�ساً �إذا حك َم الق�ضا ُء‬ ‫فما حلوادثِ الدنيا بقا ُء‬ ‫َوال تجَ ْ َز ْع لحِ َ ادِثة الليايل‬ ‫َ‬ ‫وكنْ رج ً‬ ‫ال على الأهوالِ جلداً‬ ‫و�شيمتك ال�سماحة ُ والوفا ُء‬ ‫َو ِر ْز ُق َك َل ْي َ�س ُي ْنق ُِ�ص ُه ال َت�أَنيِّ‬ ‫ولي�س يزي ُد يف الرزقِ العنا ُء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عليك وال رخا ُء‬ ‫وال ب� ٌؤ�س‬ ‫َوال ُح ْز ٌن َيدُو ُم َوال ُ�سرو ٌر‬ ‫فال � ٌ‬ ‫أر�ض تقي ِه وال �سما ُء‬ ‫اح ِت ِه المْ َ َنا َيا‬ ‫َو َمنْ َن َز َلتْ ب َِ�س َ‬ ‫و� ُ‬ ‫�إذا نز َل الق�ضا �ضا َق الف�ضا ُء‬ ‫أر�ض اهلل وا�سعة ولكن‬ ‫فما يغني عن املوت الدوا ُء‬ ‫ني‬ ‫َد ِع الأَ َّيا َم َت ْغدِ ُر ُك َّل حِ ٍ‬ ‫�أعتقد �أن الدرا�سات النف�سية يجب �أن ت�ستعني بالثقافة الإميانية‬ ‫لبناء جمتمع �شجاع �صبور يواجه الأهوال‪ ،‬ويتعامل بها ب�شجاعة‬ ‫وحكمة وب�صرية‪.‬‬ ‫وال �شك �أن �أي كالم عن الأقدار ال يجوز �أبداً �أن يكون مدعاة‬ ‫للي�أ�س فاحلياة كلها عناء وكفاح‪ ،‬وقد قال تعاىل( َو ُقلِ ْاع َم ُلوا‬ ‫َف َ�سيرَ َ ى اللهَّ ُ َع َملَ ُك ْم َو َر ُ�سو ُل ُه َوالمْ ُ�ؤْمِ ُنو َن * َو َ�سترُ َ دُّو َن �إِلىَ َعالمِ ِ‬ ‫ا ْل َغ ْيبِ َو َّ‬ ‫ال�شهَا َد ِة َف ُي َن ِّب ُئ ُك ْم بمِ َا ُك ْن ُت ْم َت ْع َم ُلو َن ) (التوبة‪.)105:‬‬

‫‪23‬‬


‫يتكلم معنا عن حدث اليوم‪ ،‬ولكن بلغة ال�سبعينيات والثمانينيات‪،‬‬ ‫وفقـًا لنظرية املوؤامرة‪ ،‬وبعيدًا عن التخطيط ال�سرتاتيجي‪..‬‬ ‫ووفقـًا للتفكري باحلدِّيات‪ ،‬وبعيدًا عن التفكري بالتوازنات‪.‬‬ ‫ثم هل نحن بحاجه اأ�س ً‬ ‫ال اإىل اإدارة فردية‪ :‬للقاءاتنا‪ ،‬مل�ساريعنا‪،‬‬ ‫للفتوى‪ ،‬لإدارة املجال�س الكبرية‪ ،‬لرئا�سات الدول‪ ..‬اإلخ‪.‬‬ ‫اإن زمننا اليوم هو زمن الإدارات اجلماعية‪ ،‬امل�ستفيدة من‬ ‫الع�سف الذهني لكل م�سارك‪ ،‬وهو زمن احلق الفردي‪ ،‬بعيدًا عن‬ ‫الدكتور حممد عبد اهلل املحجري‬ ‫البطريركية والأ�ستاذية‪ ،‬اللتني ما تزالن تعي�سان يف اأذهان اأبوية‬ ‫هذا اجليل وخطابه التقليدي‪.‬‬ ‫ما قبل‪:‬‬ ‫تعد اللقاءات الرتبوية والندوات الفكرية واملوؤمترات العلمية اإن هذه الت�ساوؤلت ت�سري ب�سكل اأو باآخر اإىل فر�سيات امل�سكلة‪ ،‬ملن‬ ‫ً‬ ‫جتمعـات‬ ‫وخطاب اجلمعة االأ�سبوعي‪ ..‬اإلخ‪‬‬ ‫مهمة للمناق�سة كان يوؤمن باأن هناك م�سكل ًة اأ�س ً‬ ‫‪‬‬ ‫ال ؛ يريد اأن يخ�سعها للتحليل‪،‬‬ ‫والتفكري اجلمعي بني جملة عقول يفرت�ص اأن تكون من الطبقة وتعديد الفر�سيات‪ ،‬واختبار �سحتها‪ ،‬واخلروج اإىل واقع اأف�سل‪.‬‬

‫ﺍﻟـﻤﺜـﻘـﻒ ﻭﺍﻟـﺨﻄــﺎﺏ‬ ‫ﺍﻹﺳـــﻼﻣـﻲ‬

‫االأرقى ن�سجـًا ووعيـًا يف املجتمع االإ�سالمي‪.‬‬ ‫غري اأن الطريقة احلالية واملا�سية الإدارة هذه اللقاءات‪ ،‬ال ماذا لو فكرنا يف �سكل ‪‬تلف ‪:‬‬ ‫تذهب بها – على االأقل من وجهة نظري – باجتاه املثاقفة • دعونا نهتم بالوعي اإىل جانب املعرفة‪ ،‬وتدار�س الكيفية‬ ‫والتحكيك العقلي‪ ،‬واإمنا –براأيي اأي�سـًا ور‪‬ا ي�ساركني اآخرون –‬ ‫ل�سناعة ذلك‪.‬‬ ‫باجتاه التلقني‪ ،‬واإعادة اإقراء امل�سهد كما هو منظور من الزاوية‬ ‫الفوقية‪ ،‬اأو من منظور االجتاه الذي ‪‬ت�س ‪‬در عنه اإدارة اللقاء‪ • .‬دعونا نهتم بالتوعية على ح�ساب الكم –الذي هو متحقق‬ ‫‪‬‬

‫اأ�س ً‬ ‫ال – وتدار�س الكيفية ل�سناعة ذلك‪.‬‬ ‫رمبا مل نفكر بالقدر الكايف يف م�ساألة اأن العامل اليوم قد تغري‪:‬‬ ‫اأ�سبح اأكرث تقاربـا‪ ،‬وب�سغطة زر يف "النت" ‪،‬اأو القنوات عابرة • دعونا نهتم بالنخب من حولنا اإىل جانب املجاميع اجلاهلة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اأو التي ل حتمل وع ًيا ح�سار ًيا يف الأغلب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫القارات‪ ،‬ميكن اأن ن ْح ِ�س َر املعلومة التي ن�ساء‪.‬‬ ‫هذا يعني ‪-‬من جهة‪-‬اأننا مل َن ُع ْد بحاجة اإىل املعلومات املجردة‪ • ،‬دعونا نهتم بالآخر – اإىل جانب الذات – يف وعينا اجلمعي‬ ‫ويف براجمنا‪.‬‬ ‫بقدر حاجتنا اإىل ما وراء املعلومة‪ ،‬واإىل توظيفها‪ .‬ومن جهة‬ ‫ثانية ي�سري اإىل اأننا مل نعد بحاجة ‪-‬بال�سرورة‪-‬اإىل الجتهادات • دعونا ن�ستمع اإىل ال�سوت املغاير‪ ،‬لنقدِّر حاجا ِتهِ‪ ،‬اآما َلهُ‪،‬‬ ‫اأفكا َره‪ ،‬روؤاه‪ ..‬اإلخ‪.‬‬ ‫الفردية (اخلا�سة جدًا) – مع اأهميتها اأحيانـًا – بقدر حاجتنا اإىل‬ ‫الجتهادات اجلماعية‪ ،‬وطرائق التفكري املتعدد‪ ،‬الذي ينظر اإىل‬ ‫مقرتحات لتح�سني االأداء‬ ‫احلدث اأو الظاهرة من اأكرث من زاوية‪ .‬وهو من جهة ثالثة ي�سري‬ ‫من هنا ميكنني اأن اأ�سع بني اأيدي املهتمني بال�ساأن الإ�سالمي‬ ‫ريا منا دون اأن ي�سعروا اأن فر�سياتهم‬ ‫اإىل اأن الزمن يتجاوز كث ً‬ ‫وم�ستوى اخلطاب جمل ًة من املقرتحات‪ ،‬التي ميكن تدار�سها‬ ‫وطرائق تفاعلهم مع احلدث وحتليله قد جتاوزها الزمن‪.‬‬ ‫واإن�ساجها‪:‬‬ ‫ي�سعنا هذا الكالم يف اإطار من الت�ساوؤلت امل�سروعة؛ ياأتي يف‬ ‫• نحن بحاجة اإىل درو�س نوعية تالم�س حياتنا‪ ..‬تلهب‬ ‫مقدمتها الت�ساوؤل عن طرائق اإدارة تلك اللقاءات‪:‬‬ ‫عواطفنا واأحا�سي�سنا بقدر ما ت�سعل فينا حرائق الجتاه نحو‬ ‫هل نحن بحاجة حقـًا اإىل درو�س وعظية منطية‪ ،‬ل ي�ستطيع‬ ‫الفعل الذاتي والفاعلية احل�سارية‪ ،‬نحن بحاجة اإىل اأفكار‬ ‫اأغلبها الو�سول اإىل ال�سفرة الذهنية وعمق الإح�سا�س للمتلقي‪،‬‬ ‫نا�سجة متعوب على حت�سيلها وا�ستنباطها‪ُ ،‬تعنى بالفكر الثاقب‬ ‫بينما هو قادر على ال�ستماع اإىل درو�س من اأكابر امل�سايخ واملفكرين‬ ‫والتحليل الدقيق‪ .‬دعونا منذ اليوم نرف�س‪ /‬ل نقبل‪ /‬نحا�سب‪/‬‬ ‫اإن اأراد عرب �سغطة زر‪.‬‬ ‫ً نعاتب‪ /‬نن�سح‪( ..‬ما �سئتم) ك َّل من ُي َك َّل ُف باأدا ٍء يف هذه الأداء‪ ..‬ثم‬ ‫وهل نحن بحاجة اإىل واعظ اآخر –يف الجتاه ال�سيا�سي مثال–‬

‫‪24‬‬


‫ي�أتي به يف غري حت�ضري جاد‪ :‬هزي ً‬ ‫ال مبع ً‬ ‫رثا‪ ،‬فاقدًا للروح‪ ،‬هدفه‬ ‫فقط �إ�سقاط التكليف وال غري‪.‬‬ ‫• دعونا ن�ست�ضيف يف ندواتنا وم�ؤمتراتنا ودرو�سنا –مبا يف ذلك‬ ‫اخلطاب الأ�سبوعي‪ /‬اجلمعة– من يحرتم عقو َلنا‪ :‬ال َي ْب ُع ُد عن‬ ‫املنطق واحلق �إذا تكلم‪ ،‬وال َي ْب ُع ُد عن املو�ضوعية الواعية �إن �أ�صدر‬ ‫حك ًما‪ :‬يف احلدث‪� ،‬أو الظاهرة‪� ،‬أو الآخر‪� ،‬أو امل�ؤ�س�سة‪� ..‬إلخ‪ .‬وحني‬ ‫تكون هناك خمالفة للحق واملنطق‪� ،‬أو للمو�ضوعية واالتزان‪ ،‬نقف‬ ‫لنناق�ش‪ ،‬وال منرر الآراء ال�سطحية كيفما اتفق ودون مناق�شة �أو‬ ‫ح�ساب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الهدف ملن ن�ست�ضيفه‪ :‬نطلب‬ ‫• دعونا ‪-‬حني ن�ست�ضيف‪ -‬نح ِّد ُد‬ ‫ً‬ ‫ونقا�شا‬ ‫ري والإعداد‪ ،‬ننبه �إىل �أن ثمة مداخالتٍ‬ ‫منه التح�ض َ‬ ‫يف �ضوء �إعداد �سابق وموجهات حمددة �سل ًفا‪� -‬سوف يدور مع‬‫ٌ‬ ‫حا�صل‬ ‫احلا�ضرين‪ .‬وال نقبل �أن ي�أتينا �أحدهم فيقول ‪-‬كما هو‬ ‫�أحيا ًنا‪�" :-‬أنا يف احلقيقة ال �أدري ماذا تريدون‪ ،‬ولكني �س�أتكلم"‪،‬‬ ‫"لقد �أُبلغت بالندوة �أو امل�ؤمتر مت�أخ ًرا‪ ،‬وعليه فورقتي خمت�صرة‪،‬‬ ‫" �أعتذر حل�ضوري املت�أخر؛ فم�شاغلي الكثرية منعتني من‬ ‫االن�ضباط باملوعد"‪� ..‬إلخ‪ ،‬وهذا غي�ض من في�ض مما يحدث‬ ‫ون�سمع‪.‬‬ ‫• دعونا نعدل �أ�سلوب الإلقاء من �أحدهم واال�ستماع اجلماهريي‬ ‫من قبلنا �إىل حلقات النقا�ش املثمرة (املعدة م�سب ًقا من قبل‬ ‫جمموعة ال فرد)‪ ،‬وليكن الأمر على النحو الآتي (فيما يخ�ص‬ ‫الدرو�س والندوات‪ ،‬ويدر�س الأمر فيما يخ�ص خطاب اجلمعة‬ ‫لال�ستفادة من بع�ض التقنيات)‪:‬‬ ‫ يف�ضل �أن يتم الإعالن عن حلقة النقا�ش من وقت �سابق‪.‬‬‫ يحدد م�سب ًقا مدير للنقا�ش (مثقف بال�ضرورة) للتح�ضري‬‫للمو�ضوع وللتعليق واملداخالت‪ ،‬ال ملجرد التقدمي ومديح املحا�ضر‬ ‫بتلك الأو�صاف التي غال ًبا ما تخرج عن منطق احلقيقة ب�سبب‬ ‫مبالغة املحب �أو �صغر �ش�أن العار�ض للمعرو�ض‪.‬‬ ‫ ُي َب َّل ُغ �ضيف اللقاء �أن مد َة حدي ِث ِه ال تزيد عن ‪ 20‬دقيقة �أو ما‬‫يقت�ضيه املوقف االت�صايل‪.‬‬ ‫ تكلف جمموعة ‪-‬من املثقفني امل�ستهدفني باال�ستماع‪ -‬بالتح�ضري‬‫للمداخالت النا�ضجة‪ :‬للإثراء من جهة‪ ،‬ولإ�شعار امل�ست�ضافني‬ ‫من الـ ُمـلقني ب�أهمية الإعداد والتح�ضري قبل مواجهة اجلمهور‬ ‫مرة �أخرى دون �إعداد‪.‬‬ ‫‪ -‬يفتح باب النقا�ش بعد ذلك مع من يريد من احلا�ضرين �أن يعرب‬

‫عن ر�أيه �أو ي�ضيف �أو ينقد �أو يخالف؛ ملدة ال تقل عن مدة الإلقاء‬ ‫الرئي�سة ( ُي ْر َف ُ‬ ‫�ض فيها �أ�سلوب الكتابة يف الأوراق؛ جتاو ًزا للأ�سلوب‬ ‫املدر�سي الذي اعتاد عليه كثري من الأفراد؛ ولكي يتمر�س النا�س‬ ‫على‪ :‬مواجهة املواقف االت�صالية‪ ،‬والتحكيك‪ ،‬واملثاقفة‪ ،‬واملخالفة‬ ‫�إن لزم الأمر‪ ،‬ويف حدود �آداب اخلالف)‪.‬‬ ‫ ُي�شجع اجلميع على امل�شاركة الفاعلة‪ ،‬وي�ضبط الوقت‪ ،‬وتتاح‬‫الفر�صة لكل �أحد ليعرب عن ر�أيه‪ ،‬و�إن كان خمال ًفا‪.‬‬ ‫ نعلم بع�ضنا �أال ن�ستنكر على الآراء املخالفة �أ ًّيا كانت‪ ،‬بل ن�ؤكد‬‫(ون�شجع) يف كل لقاءاتنا وندواتنا وم�ؤمتراتنا‪� ..‬إلخ �أهمية‬ ‫احرتام الآراء‪ ،‬والآراء املخالفة‪.‬‬ ‫• دعونا ن�ستنه�ض همم املن�ضوين يف تلك اللقاءات وقدراتهم؛‬ ‫ممن اعتادوا مع الزمن �أن ي�صبحوا متلقني‪ ،‬ال م�شاركني‪ ،‬بفعل‬ ‫املتلقي‬ ‫الزمن (�أو بكلم ٍة �أدق بفعل �إدار ِة حيا ٍة �صنعت منهم‬ ‫َ‬ ‫االتباعي‪ ،‬فاق َد القدرة على النقد‪ ..‬ووافق ذلك رغب ًة‬ ‫اجلامد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يف �سبات عميق لديهم‪� ،‬أو رغب ًة يف التن�صل‪ ،‬وا�ست�سهال االتباعية‪:‬‬ ‫(واحنا ما علينا‪ ،‬هم �أدرى‪ ،‬ه َّو احنا اح�سن منهم‪ ،‬احنا واثقني‪.)..‬‬ ‫لنحاول بعث الهمة يف �أنف�سنا ويف نفو�س �أ�ساتذتنا ممن حولنا؛‬ ‫َ‬ ‫والبحث‬ ‫لنخرج خبايانا وكنوزنا‪ ،‬عرب �إلزامهم احلج َة البالغة‬ ‫الدقيق‪ ،‬واجلدي َة املثمرة (التي يلحقها املتابعة واملحا�سبة‬ ‫�أو ال�شكر)‪ ،‬لأدا ٍء راقٍ يف تلك اللقاءات‪ ،‬وف ًقا لأداء التكليف ال‬ ‫لإ�سقاطه‪ ،‬ووف ًقا ملبادئ اجلودة التي علمنا �إياها �سيد الأخالق‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم‪�" :‬إن اهلل يحب �إذا عمل �أحدُكم عم ً‬ ‫ال �أن‬ ‫يتق َنه" (م�سند �أبي يعلي)‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫ﺍﻟـﻨـــﺺ ﺍﻟـﻤــﻌـﺠــﺰ‬

‫الدكتور حممد عمارة‬ ‫لأن القراآن الكرمي هو الوحي اخلامت للنبوة اخلامتة‪ ،‬الذي‬ ‫ُختمت به معجزات النبوات والر�سالت و�سرائعها‪ ،‬فلقد �ساء اهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪ -‬اأن يتعهده بحفظه من التحريف‪ ،‬وذلك لتظل‬‫حجة اهلل قائمة اأبداً على عباده اإىل اأن يرث اهلل الأر�س ومن‬ ‫عليها‪ ،‬ولذلك مل يدع هذا الكتاب اإىل النا�س باأهوائهم وقدراتهم‬ ‫الن�سبية يحرفون كلماته اأو ين�سون حظوظاً مما ٌذ َكروا به فيه‪-‬‬ ‫كما حدث لكتب اأخرى �سبقته يف التاريخ‪..‬‬ ‫وعن هذه امل�سيئة الإلهية قال اهلل يف قراآنه املجيد ( ِاإ َّنا َن ْح ُن‬ ‫َن َّز ْل َنا ال ِّذ ْك َر َواإِ َّنا َل ُه َ َ‬ ‫حلاف ُِظو َن ) (احلجر‪َ ( ) 9 :‬وا ْت ُل مَا اأُوحِ َي‬ ‫جت َد مِ نْ دُو ِن ِه‬ ‫اإِ َل ْي َك مِ نْ ِك َتابِ َر ِّب َك َل ُم َب ِّد َل ِل َك ِل َما ِت ِه َو َلنْ َ ِ‬ ‫اهلل اأَ ْب َتغِي َح َك ًما َو هُ َو ا َّلذِ ي‬ ‫ري َّ ِ‬ ‫ُم ْل َت َح ًد ا)(الكهف‪ (،)27 :‬اأَ َف َغ ْ َ‬ ‫اب ُم َف َّ�س ًال َو ا َّلذِ َ‬ ‫اب َي ْعلَ ُمو َن‬ ‫ين اآ َت ْي َناهُ ُم ا ْل ِك َت َ‬ ‫اأَ ْن َز َل اإِ َل ْي ُك ُم ا ْل ِك َت َ‬ ‫اأَ َّن ُه ُم َن َّز ٌل مِ نْ َر ِّب َك ب ْ َ‬ ‫ين َو َ َّ‬ ‫رت َ‬ ‫متتْ‬ ‫ِاحل ِّق َف َال َت ُكو نَنَّ مِ َن ْامل ُ ْم َ ِ‬ ‫ال�سمِ ي ُع‬ ‫َك ِل َمتُ َر ِّب َك ِ�س ْد ًقا َو َع ْد ًل َل ُم َب ِّد َل ِل َك ِل َما ِت ِه َو هُ َو َّ‬ ‫ا ْل َعلِي ُم )(الأنعام‪.)115 -114 :‬‬ ‫كما تعهد ‪�-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬بع�سمة ر�سوله �سلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫(�س ُن ْق ِر ُئ َك َف َال‬ ‫من اأن ين�سى �سيئاً مما اأوحى اإليه‪ ..‬فقال لر�سوله َ‬ ‫َت ْن َ�سى اإِ َّل مَا َ�سا َء َّ ُ‬ ‫اهلل اإِ َّن ُه َي ْعلَ ُم ْ َ‬ ‫اجل ْه َر َومَا َي ْخ َفى َو ُن َي ِّ�س ُر َك ِل ْل ُي ْ�س َرى)‬ ‫(الأعلى‪ ) 8-6 :‬فهذه الع�سمة من ثمراتها حفظ القراآن الكرمي‪.‬‬ ‫وعندما كان ر�سول اهلل ‪�-‬سلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬يتعجل بذلك‬ ‫اجلهد والطاقة يف حفظ ما يوحي اإليه ربه‪ ،‬خمافة اأن ي�سيب هذا‬ ‫الوحي القراآين يف �سيء مما اأ�ساب الكتب ال�سابقة ‪-‬من ال�سياع‬ ‫والتحريف والن�سيان‪ ، -‬جاء الوعد الإلهي لر�سوله باأن اهلل كما‬

‫‪26‬‬

‫تعهد بحفظه ‪ ..‬وكما ع�سمه من الن�سيان‪ ،‬فلقد تعهد بجمع‬ ‫هذا الوحي القراآين واجلمع يقت�سى الرتتيب لالآيات يف ال�سور‪،‬‬ ‫ولل�سور يف جممل الكتاب‪ ،‬فقال �سبحانه لر�سوله( َل ُ َ‬ ‫حت ِّر ْك ِب ِه‬ ‫ل َِ�سا َن َك ِل َت ْع َج َل ِب ِه اإِ َّن َعلَ ْي َنا َج ْم َع ُه َو ُق ْراآ َن ُه َفاإِ َذا َق َر ْاأ َنا ُه َفا َّت ِب ْع ُق ْراآ َن ُه‬ ‫ُث َّم اإِ َّن َعلَ ْي َنا َب َيا َن ُه ) (القيامة‪ 16 :‬ـ ‪.)19‬‬ ‫ولأن اهلل �سبحانه وتعاىل – اإذا اأراد اأم ًرا ـ يف عامل الإن�سان‪ ،‬الذي‬ ‫فيه تخيري ومتكني هياأ لهذا الأمر اأ�سباب التحقيق والتمكني‪،‬‬ ‫فلقد هياأ لهذا القراآن الكرمي من اأ�سباب "التدوين" واحلفظ‬ ‫والتوثيق ما مل يتهياأ لكتاب �سابق يف التاريخ‪ ..‬وتلك حقيقة‬ ‫ي�سهد عليها العلماء الذين ك�سفوا وفح�سوا اآثار احل�سارات‬ ‫ال�سابقة‪ ..‬وما تعر�ست له وثائقها واآدابها ـ حتى التي دون منها‬ ‫على ال�سخورـ من �سياع وانتقا�س وتغيري وتبديل‪..‬‬ ‫وعن هذه احلقيقة من حقائق تفرد القراآن الكرمي بتدوين‬ ‫وتوثيق مل يحظ به كتاب �سابق بقول واحد من اأبرز العقول‬ ‫الأ�سولية واملجتهدة‪ ..‬واملجددة "يف ع�سرنا احلديث‪ -‬وهو‬ ‫ال�سيخ اأمني اخلوىل (‪ 1385 – 1313‬هـ ‪1966 -1895-‬م) ‪" :‬لقد‬ ‫كانت للر�سول –�سلى اهلل علية و�سلم– عناية بن�سر الكتابة يف‬ ‫جمتمعه وكان للر�سول كتبة وحى يكتبون بني يديه القراآن ‪..‬‬ ‫وقد بلغ عددهم اإىل ب�سع وع�سرين �سخ�سا‪ ،‬وراأى ‪ -‬عليه ال�سالم‬ ‫ لبع�سهم اأن يتعلموا من اللغات غري لغتهم العربية ‪ ..‬وكذلك‬‫ُكتب القراآن اأول باأول ‪ ،‬مع حفظ ما ينزل منه كذلك اأو ًل باأول‪،‬‬ ‫فتهياأ للن�س القراآين من الطمئنان مال يكاد يتوافر مثله على‬ ‫التاريخ ملا حفظت الب�سرية من ن�سو�س واأ�سول"‪.‬‬ ‫وبهذه احلقيقة‪ -‬حقيقة التدوين واحلفظ الذي متيز به‬ ‫وامتاز هذا القراآن الكرمي‪� ،‬سهد علماء كثريون من غري امل�سلمني‬ ‫ومنهم امل�ست�سرق الإجنليزي مونتجري وات ( ‪2006-1909‬م) –‬ ‫وهو ق�سي�س اجنليكانى‪ ،‬در�س القراآن والإ�سالم لأكرث من ثلث‬ ‫قرن ثم كتب فقال‪" :‬اإن القراآن كان ي�سجل فور نزوله‪..‬وعندما‬ ‫متت كتابة هذا الوحي �س َّكل الن�س القراآين الذي بني اأيادينا‪ ..‬اإنه‬ ‫كالم اهلل وحده‪ ..‬وهو قراآن عربي مبني‪ ..‬وعندما حتدى حممد‬ ‫اأعداءه اأن ياأتوا ب�سورة من مثل ال�سور التي اأوحيت اإليه‪ ،‬كان من‬ ‫املفرت�س اأنهم لن ي�ستطيعوا مواجهة التحدي‪ ،‬لأن ال�سور التي‬ ‫تالها حممد هي من عند اهلل‪ ،‬وما كان لب�سر اأن يتحدى اهلل"‪..‬‬ ‫اإنه الن�ص املعجز‪ ..‬الذي مثل تدوينه وحفظه معجزة من‬ ‫املعجزات‪.‬‬


‫ﺩﻭﺭ ﺧـﻄـﺒـﺔ ﺍﻟـﺠـﻤﻌـﺔ ﻓـﻲ ﺍﻟﺘـﺮﺑـﻴـﺔ ﻭﺍﻟـﺘـﻮﺟـﻴــﻪ‬

‫االأ�ستاذ الدكتور حممد اأحمد ح�سن الق�ساة‬ ‫عميد كلية ال�سريعة‪‬اجلامعة االأردنية‬ ‫ال تزال اخلطابة هي اأك‪ ‬الو�سائل فعالية يف ن�سر الدعوة‬ ‫االإ�سالمية‪ ،‬حيث اأنها تتبواأ يف االإ�سالم مركز ًا ‪‬تا‪ً ‬ا بالن�سبة‬ ‫اإىل ن�سر الدعوة وتبليغها للنا�ص منذ بدء ر�سالة االإ�سالم‪،‬‬ ‫فاخلطبة تبث االأفكار وهي اأ�سرع اإىل فهم العامة‪ ،‬وابل‪ ‬يف‬ ‫التاأثري‪ ،‬ولها مفعول مبا�سر و�سريع يف توجيه الراأي العام‪.‬‬ ‫لهذا ينبغي اأن تهدف خطبة اجلمعة اإىل حتقيق جملة من‬ ‫االأغرا�ص النافعة منها الوعظ والتذكري باهلل تعاىل واليوم‬ ‫االأخر‪ ،‬وباملعاين الرائعة التي حتيى بها القلوب‪ ،‬والدعوة‬ ‫اإىل اخلري ومكارم االأخالق‪ ،‬واالأمر باملعروف والنهي عن املنكر‬ ‫بطريقة علمية ح�سارية ال تنفر امل�ستمعني‪ ،‬ولي�ص للخطيب‬ ‫اأن يركز فقط على اآيات العذاب وذكر جهنم‪ ،‬بل عليه اأن ‪‬زج‬ ‫بني الرتغيب والرتهيب‪ ،‬واأن يو�سع قاعدة الرجاء يف عفو اهلل‬ ‫ورحمته‪ ،‬واأن يبث االأمل يف النفو�ص لكي ت�ستعيد عافيتها يف‬ ‫رحاب اهلل التي ال تغلق بجوارها اأبواب التوبة والرحمة‪ ،‬حتى‬ ‫لو ك‪‬ت الذنوب‪ ،‬الأن اهلل عز وجل يخاطب االإن�سان بقوله‪ ‬و ‪‬اإ ‪‬ين‬ ‫اب ‪‬واآ ‪‬من‪ ‬و ‪‬عم ‪‬ل ‪�‬س ‪ً ‬‬ ‫اه ‪‬تد‪ ‬ى ‪ ‬طه‪2:‬‬ ‫احلا ‪‬ث ‪‬م ‪‬‬ ‫‪‬ل ‪‬غف‪‬ا ٌر مل‪  ‬ن ‪‬ت ‪‬‬

‫ومن اأغرا�س اخلطبة ت�سحيح املفاهيم اخلاطئة عن الإ�سالم‬ ‫ورد ال�سبهات والأباطيل التي يثريها اخل�سوم باأ�سلوب مقنع حكيم‬ ‫بعيداً عن املهاترات وال�سباب ومواجهة الأفكار الهدامة املزعجة‬ ‫بتقدمي ال�سالم الذي جاء رحمة للعاملني‪ ،‬وانقاذاً للنفو�س من‬

‫التهلكة مبا احتواه من مبادئ فكرية وعقدية ونف�سية واأخالقية‬ ‫واجتماعية �ساحلة لكل زمان ومكان‪ ،‬وهي ل تتعار�س مع الفطرة‬ ‫النقية والعقل ال�سليم ومن اأغرا�س اخلطبة الناجحة ربطها‬ ‫باحلياة وبالواقع الذي يعي�سه النا�س وعالج اأمرا�س املجتمع‬ ‫وتقدمي احللول مل�سكالته على �سوء اأحكام ال�سريعة الغراء‪ ،‬فلي�س‬ ‫للخطيب اأن يعي�س يف غربة فكرية ونف�سية عن واقع اأمته‪ ،‬وعليه‬ ‫اأن يدرك اأنه يف زمن جديد له م�ستجداته فال بد اأن يتزود باملعرفة‬ ‫و�سعة الأفق واأ ّل ي�سيق �سدره ذرعاً بالنا�س يف لقاءه الأ�سبوعي‬ ‫معهم‪ ،‬وعليه اأن ي�سعرهم باملحبة واحلر�س على هدايتهم بالكلمة‬ ‫الطيبة التي ا ْإن خالطت �سغاف القلوب نفعت وغريت اإىل الأف�سل‬ ‫والأح�سن والأكمل‪.‬‬ ‫ومن اأغرا�س اخلطبة تثبيت اأخوة الإ�سالم ووحدة الأمة اجلامعة‪،‬‬ ‫وحماربة الع�سبيات العن�سرية واملذهبية‪ ،‬والبعد عن الطائفية‬ ‫املقيتة وغريها من الأمور التي تفرق وحدة الأمة‪ ،‬والرتكيز‬ ‫على ما يربط امل�سلم بدينه واأمته ووطنه‪ ،‬مع جت�سيد م�ساعر‬ ‫ا�س‬ ‫الرحمة والإخوة الإن�سانية ا�ستجابة لقوله تعاىل( َيا اأَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫اإِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِ نْ َذ َكرٍ َواأُ ْن َثى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ�س ُعو ًبا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعا َر ُفوا اإِ َّن‬ ‫اهلل اأَ ْت َقا ُك ْم اإِ َّن َّ َ‬ ‫ري ) (احلجرات‪،)13:‬‬ ‫اأَ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد َّ ِ‬ ‫اهلل َعلِي ٌم َخ ِب ٌ‬ ‫وعلى اخلطيب اأن ينزه اخلطبة عن اأن تتخذ اأداة للدعاية اأو ني ً‬ ‫ال‬ ‫من �سخ�س‪ ،‬اأو احتكار للحقائق‪ ،‬اأو مو�سوعاً لالتهام والتجريح‬ ‫املك�سوف‪ ،‬اأو اأن تكون حم ً‬ ‫ال لتوزيع حقائب الفوز باجلنة اأو‬ ‫العذاب يف النار‪ ،‬وعلى اخلطيب الناجح اأن ينقح م�سادره‬ ‫املعرفية املوثقة‪ ،‬واأن يبعد عن الأحاديث ال�سعيفة واملو�سوعة‬ ‫والإ�سرائيليات املد�سو�سة واحلكايات املكذوبة واملبالغات املذمومة‪،‬‬ ‫وعليه اأن يتكلم بالعربية الف�سحى املفهومة واأن ترتفع اخلطبة‬ ‫عن العامية والتكلف والت�سدق والتغني ول تكون طويلة اإىل حد‬ ‫يثقل على امل�ستمعني وينفرهم من �سماع اخلطبة واأ ّل تق�سر‬ ‫اإىل حد يخل باملو�سوع ويبرت املراد منه‪ ،‬هذا هو املاأمول من دور‬ ‫اخلطبة اليجابي يف الرتبية والإعداد والتوجيه‪ ،‬حتى نعد جي ً‬ ‫ال‬ ‫�سليم الفكر والعقيدة وال�سلوك‪ ،‬متعاطفاً مع ق�سايا دينه واأمته‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫ﺻــﺮﺧـﺔ ﺍﻟـﺸـﻌــﻮﺏ‬ ‫مل يكن اهتمام ال�سعوب العربية والإ�سالمية مكافئاً خلطورة‬ ‫حدث تنادى بع�س املوتورين فى اأمريكا بحرق امل�سحف‪ ،‬بل‬ ‫الأوىل اأن نقول كان تعاطى النظام العربى الر�سمي مع املو�سوع‬ ‫فاتراً‪ ،‬غري عابئ مبا ميكن اأن يرتتب على هذا احلدث الكريه‬ ‫فى مقا�سده ومراميه‪.‬‬ ‫اأظن اأن خمول ال�سعوب يرجع لعتقاد �سائد باأن الإ�سالم مهان‬ ‫فى بالد امل�سلمني‪ ،‬ول حترتم احلكومات العربية قاطبة تعاليمه‬ ‫واآدابه ومنظومته القيمية احل�سارية‪ ،‬فاإذا ما ا�ست�سعرت‬ ‫ال�سعوب اإهمال حكامها تطبيق �سريعته اأو التوقف عما يتعار�س‬ ‫معها فاإنها تفتقد اإمكانية توفر غطاء ر�سمي يعتنى بتحويل‬ ‫غ�سبة ال�سعوب وتظاهراتها اإىل مواقف وخطوات واإجراءات‬ ‫ر�سمية تعمل على واأد مثل هذه الت�سرفات العن�سرية‪.‬‬ ‫مل ينطو امل�سهد من ذاكرتنا بعد‪ ،‬ف�سهر رم�سان املبارك امتالأ‬ ‫مبا ل يقل عن ‪ 137‬عم ً‬ ‫ال درامياً‪ ،‬ما بني م�سل�سالت و�ست كوم‬ ‫وكوميدي‪ ،‬وتبارت الف�سائيات والتليفزيون امل�سري يف اجتذاب‬ ‫امل�ساهدين اإىل �سا�ساتها‪ ،‬و�سار �سعار «احل�سرية» مثار فكاهة‬ ‫وتندر للم�ساهد الذى يدور برميوت ال�ستاليت يلهث خلف‬ ‫اأعمال وم�سل�سالت ت�سرف امل�سلم عن دينه و�سوؤون دنياه فى‬ ‫�سهر اخت�سه اهلل �سبحانه بالعبادة والتفرغ للمناجاة وقراءة‬ ‫القراآن والعمل الدوؤوب لنه�سة الأمة وكفالة الفقراء‪ ،‬هذا‬ ‫ال�سهر يتحول اإىل تكثيف م�ساهدة الأعمال الدرامية والفكاهية‬ ‫والربامج وامل�سابقات والفوازير‪.‬‬ ‫اإن هناك دوائر ُتخطط وتر�سم ل�سرف النا�س عن عبادتهم‬ ‫واللتزام بتعاليم الإ�سالم وقيمه واآدابه‪ ،‬وترتك بع�س الربامج‬ ‫الدينية ذات امل�ساحة الزمنية الي�سرية لتهتف فى وجوه الذين‬ ‫يت�ساءلون « مل ل تدعمون الأخالق فى و�سائل الإعالم؟»‬ ‫فيقولون بدم بارد‪ :‬هذه برامج دينية؟! ل يكاد يراها اأحد‬

‫االأ�ستاذ منت�سر الزيات‬

‫فميزانية مثل هذه الربامج �سعيفة جداً‪ ،‬وبالتاىل قدرتها‬ ‫على تقدمي برامج جادة ومو�سوعية وا�ستقدام �سيوف ذوي‬ ‫اعتبار قادرين على اجتذاب امل�ساهدين والتوا�سل معهم تبقى‬ ‫حمدودة جداً‪ ،‬وفى زحمة تقدمي الدراما يندر وجود اأعمال‬ ‫درامية اجتماعية وتاريخية هادفة‪ ..‬وقد �سكا الفنان ح�سن‬ ‫يو�سف‪ ،‬فيما �سرح به تعقيبا على م�ساركته فى عمل هابط‬ ‫مثل «زهرة واأزواجها اخلم�سة»‪ ،‬من اأنه مل يعد قادرا على اإنتاج‬ ‫اأعمال وم�سل�سالت دينية وتاريخية على النحو الذي قدمه يف‬ ‫«ال�سعراوي» وامتناع قطاع الإنتاج بالتليفزيون امل�سري عن‬ ‫دعم مثل هذه الأعمال‪ ،‬فى الوقت الذى تفوقت فيه الدراما‬ ‫ال�سورية فى اإنتاج اأعمال وم�سل�سالت تاريخية ودينية لقت‬ ‫جناحا كبريا وحققت ن�سبة عالية من امل�ساهدة‪ ،‬ولعل م�سل�سل‬ ‫«باب احلارة» الذى امتد على مدى خم�سة اأجزاء اأكرب دليل على‬ ‫اإمكانية تناغم امل�ساهد مع الأعمال اجلادة التى ت�سعى اإىل بث‬ ‫وتلقني الأخالق والعادات احلميدة للم�ساهدين‪ ،‬ومل نن�س اأي�سا‬ ‫جناحات الفنان نور ال�سريف فى «عمر بن عبدالعزيز» و«هارون‬ ‫الر�سيد»‪.‬‬ ‫ل�ست اأدري �سبب عدم قيام واحد من ثالث قمم فكرية دينية‬ ‫اإ�سالمية بدور فى ت�سحيح م�سرية الإعالم املرئي وتنقيته مما‬ ‫حلق به من الع�سف بالذوق والآداب العامة‪ ،‬واأعنى بهم بالطبع‪:‬‬ ‫الإمام الدكتور اأحمد الطيب‪� ،‬سيخ اجلامع الأزهر‪ ،‬وف�سيلة‬ ‫الدكتور على جمعة‪ ،‬مفتي الديار امل�سرية‪ ،‬وف�سيلة الدكتور‬ ‫حممود زقزوق‪ ،‬وزير الأوقاف‪ .‬قد يقول قائل «ل يتدخل الأزهر‬ ‫فى القمع واملنع وامل�سادرة لالأعمال الأدبية والإبداعية!!» ذلك‬ ‫وهم ي�سوقه البع�س لئال يتمكن الأزهر من القيام بواجباته فى‬ ‫التوجيه والت�سويب وتوافق و�سائل الأعمال مع ال�سريعة وعدم‬ ‫خروجه عليها‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫�أظن �أي�ضا �أننا فى حاجة ‪ -‬قبل املناداة باحلناجر تنديدا بالذين‬ ‫حرقوا امل�صحف ال�شريف فى بالد العم �سام‪� ،‬أو الذين منعوا امل�آذن‬ ‫فى �سوي�سرا‪� ،‬أو الولولة �أ�سفا على من ن�شروا الر�سوم امل�سيئة ‪-‬‬ ‫�إىل �أن نعيد االعتبار للإ�سالم فى بالد امل�سلمني‪.‬‬ ‫وتلك مهمة حتتاج �إىل جهاد كلمة وفكر �أ�صعب بكثري من اجلهاد‬ ‫باملعنى الع�سكري‪ ،‬الذي يح�صر بع�ض املت�شددين فهمه وعمله فى‬ ‫حدوده‪ ..‬لن يكون للإ�سالم ن�صيب حقيقي من املهابة واالحرتام‬ ‫فى اخلارج ما مل تتمكن الف�صائل التى ترفع لواء الو�سطية من‬ ‫تر�سيخ مبد�أ احرتام الإ�سالم و�إعادة االعتبار لدوره فى احلياة‬ ‫العامة و�شرائعه ومنظومته القيمية فى الداخل‪ .‬وهنا ال يعنى‬ ‫ق�صر املهمة على التيار الو�سطي ا�ستبعاد التيارات الأخرى من‬ ‫ف�صائل احلركة الإ�سالمية‪ ،‬بل يعنى �أن النجاح فى هذه املهمة‬ ‫مرهون بعوامل عديدة‪ ،‬فى مقدمتها القدرة على �إقامة توازن‬ ‫بني التقدير الواجب للإ�سالم كمرجعية وبني الف�ضاء الوا�سع‬ ‫الذي يعتقد هذا التيار �أنه مقبول �شرعاً حتت �سقف ال�شريعة‪،‬‬ ‫دون تغليب ملوقف مذهبي �أو اختيار فى ق�ضية خالفية‪.‬‬ ‫و�إعادة االعتبار للإ�سالم داخل العامل الإ�سالمي تفر�ض على‬ ‫من يت�صدى لها �أن يبذل اجلهد على جبهتني‪ :‬بع�ض الأنظمة‬ ‫احلاكمة وفى بنيتها ت�أثريات وا�ضحة من الرتاث ال�سيا�سي‬ ‫والثقايف الأوروبي جتعلها تتخوف من الدور املجتمعي والثقايف‬ ‫وال�سيا�سي للإ�سالم‪ ،‬وتف�ضل تطويعه خلدمة �أغرا�ضها ال�سيا�سية‬ ‫�أو تهمي�شه تهمي�شا تاما‪ ،‬واجلبهة الثانية هى جبهة املثقفني‬ ‫املتغربني الذين ينظرون للإ�سالم مبنظار ا�ست�شراقي يرتاوح بني‬ ‫احلياد البارد والعداء ال�ساخن!‬ ‫وغني عن البيان هنا �أن التزيد والت�شدد فى الت�صور ينتج‬ ‫عنهما ت�شدد فى الفعل‪ ،‬ما ي�ؤهل التيار الو�سطي لدور كبري فى‬ ‫هذه املهمة‪ ،‬حيث ت�ستجيب الفطر الإن�سانية دائما ملنطق الرفق‬ ‫واللني والرحمة �أكرث ما ت�ستجيب لداعي التزمت والت�ضييق‪.‬‬ ‫�إن تنامي تلك الظواهر‪ ،‬التى ت�ؤجج روح الكراهية �ضد الإ�سالم‬ ‫فى املجتمعات الغربية‪ ،‬يفتح الباب �أمام زعزعة الأمن وال�سلم‬ ‫الدوليني اللذين هما من �أهم �أولويات عمل املنظمات الدولية‪،‬‬ ‫من خالل امل�ؤ�س�ستني الرئي�سيتني «اجلمعية العامة للأمم‬ ‫املتحدة وجمل�س الأمن»‪ .‬وقد �شاهدنا وعاي�شنا ر�أي العني تدخل‬

‫الأمم املتحدة برعاية �أمريكية فى �ش�ؤون داخلية لبلدان عربية‬ ‫و�إ�سالمية حتت تربيرات �شتى‪ ،‬ت�أكدنا الحقا �أنها غري �صحيحة‬ ‫ومفربكة من �أجل توفري غطاء ر�سمي �أممي للتدخل واحتالل‬ ‫تلك الدول‪ ،‬وت�صدر اخلارجية الأمريكية تقارير �سنوية لل�ش�ؤون‬ ‫الدينية‪ ،‬تتدخل من خاللها فى �ش�ؤون الدول العربية والإ�سالمية‬ ‫فى الوقت الذى �صمتت فيه متاما عن حماية الإ�سالم فى‬ ‫جمتمعاتها‪.‬‬ ‫ال ميكن النظر �إىل كل تلك الظواهر التى ُتعزز حالة التع�صب‬ ‫والعن�صرية فى جمتمعات غربية وبلدان �أوروبية مبعزل عن‬ ‫وجود حكومات ميينية تدعم التع�صب وروح الكراهية ب�صورة‬ ‫ر�سمية‪ ،‬وال ميكن قبول فكرة ت�سرت حالة التع�صب هذه بحرية‬ ‫الر�أي والتعبري‪ ،‬فما جرى ويجري عدوان كريه على احلرية‪.‬‬ ‫�إن هناك دوراً م�أمو ًال ر�سمياً‪ ،‬هنا �أو هناك‪ ،‬من �أجل وقف هذا‬ ‫العبث واللعب بالنار‪ ،‬ف�إحراق بع�ض املهوو�سني بع�ض ن�سخ من‬ ‫امل�صحف ال�شريف �سيدفع مت�شددين �إىل املناداة بحرق الإجنيل!!‬ ‫وحظر امل�آذن �سيفتح الباب �أمام املطالبة بحظر �أجرا�س الكنائ�س‪..‬‬ ‫�إنه لعب بالنار وتهديد للوحدة الوطنية فى �أماكن كثرية من‬ ‫العامل‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﺳﻼﻣﻴﺔ‬

‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﳲ‬ ‫ﺍﳴﻤﻠﻜﺔ ﺍﻷﺭﺩﻧﻴﺔ ﺍﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ‬ ‫أكناف بيت املقد�ص‪‬‬ ‫لقد حظي االأردن باأنه بلد مبارك‪ ‬الأنه من ا ‪‬‬ ‫ويف بيت املقد�ص وفيما حوله قال اهلل تعاىل‪�  :‬س ‪‬ب ‪‬حان‪ ‬ا ‪‬ل ‪‬ذي‬ ‫اأ‪� ‬س ‪‬رى ‪‬ب ‪‬ع ‪‬ب ‪‬د ‪‬ه ‪‬ل ‪‬ي ًال ‪‬من‪ ‬امل‪�  ‬س ‪‬ج ‪‬د ‪ ‬‬ ‫احل ‪‬را ‪‬م اإ‪ ‬ىل امل‪�  ‬س ‪‬ج ‪‬د االأ‪ ‬ق ‪�‬سى ا ‪‬ل ‪‬ذي‬ ‫ري ‪ ، ‬وا�سم‬ ‫‪‬با ‪‬ر ‪‬ك ‪‬نا ‪‬ح ‪‬و ‪‬له‪ ‬ل ‪ ‬‬ ‫ال�سم ‪‬‬ ‫‪‬يع ال ‪‬ب ‪�‬س ‪‬‬ ‫‪ ‬يه‪ ‬م ‪‬ن اآ ‪‬يا ‪‬ت ‪‬نا اإ‪‬ن‪‬ه‪ ‬ه‪ ‬و ‪‬‬ ‫االأردن بذاته �سريف‪ ‬فاأهل اللغة يقولون‪� :‬س ‪‬مي االأردن بذلك‬ ‫لطيب هوائه‪ ،‬و�سدة وغلبة اأهله‪ ‬والذي يعي�ص يف االأعايل ال‬ ‫أرحب وا ‪‬‬ ‫أ�سمل‪.‬‬ ‫�سك‬ ‫فكره‪ ،‬ويغدو ا ‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫يطيب هواوؤه‪ ،‬وينمو ‪‬‬ ‫اإن اأر�ص االأردن طهور مباركة‪ ،‬واإن �سماءه ٌ‬ ‫نقية‪ ،‬وتاريخه‬ ‫نا�سع‪ ،‬وجذوره �ساربة يف عمق التاريخ الأمتنا املاجد ‪‬ة‪ ،‬فلنا فيه‬ ‫ٌ‬ ‫ري من الذكريات‪.‬‬ ‫�سواهد‬ ‫من‬ ‫‪‬‬ ‫التاريخ االإ�سالمي الكث ‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ُ‬ ‫ر�سول اهلل لوط‬ ‫ولقد عا�س على اأر�سه اأنبياء ومر�سلون؛ منهم‬ ‫عليه ال�سالم؛ الذي اأر�سله اهلل تعاىل اإىل املوؤتفكات‪ ،‬و�سكن اأر�س‬ ‫�سدوم حول البحر امليت‪ ،‬و�سميت بع�س املدن والقرى با�سم اأبنائه‬ ‫وبناته؛ ومن ذلك الربة يف الكرك �سميت با�سم ابنته ربة؛ و ُز َغر يف‬ ‫(غور ال�سايف) �سميت با�سم الثانية من بناته‪ ،‬وهي القرية املباركة‬ ‫جناه اهلل �سبحانه وتعاىل فيها‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َ َّ‬ ‫التي ّ‬ ‫جن ْي َنا ُه‬ ‫َو ُل ً‬ ‫وطا اإىل الأَ ْر ِ�س ا َّلتِي َبا َر ْك َنا فِيهَا ِل ْل َعا َملِ َ‬ ‫ني ) ‪ ،‬وعمان م�سماة با�سم‬ ‫عمان بن لوط عليه ال�سالم؛ وهي طرف الكوثر؛ قال ر�سول اهلل‬ ‫�سلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬حو�سي من عدن اإىل ع ّمان البلقاء) ‪ ،‬وماآب‬ ‫م�سماة با�سم موؤاب بن لوط عليه ال�سالم‪.‬‬ ‫ومن الر�سل الذين �سكنوا الأردن ُ‬ ‫�سعيب عليه ال�سالم؛‬ ‫ر�سول اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫الذي اأر�سله اهلل اإىل مدين واأ�سحاب الأيكة واأ�سحاب الر�س؛ وهي‬ ‫القبائل التي �سكنت البلقاء؛ والبلقاء يف التاريخ من اإربد اإىل معان؛‬ ‫وابنة �سعيب عليه ال�سالم هي التي جاءت مت�سي على ا�ستحياء وقالت‬ ‫ري م َِن ْا�س َت ْاأ َج ْر َت ا ْل َقوِيُّ الأَمِ ُ‬ ‫ني) ‪ ،‬وماء‬ ‫لأبيها ( َيا اأَبَتِ ْا�س َتاأْجِ ْر ُه اإِ َّن َخ ْ َ‬ ‫مدين م�سهور يف موؤتة حيث �سهدت اأنه مو�سى قوي اأمني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ور�سول اهلل هارون ومو�سى عليهما ال�سالم الذين عا�سا بني ماأدبا‬ ‫والبرتاء‪ ،‬ويف وادي مو�سى ال�سماء يوجد احلجر الذي �سربه ر�سول‬ ‫اهلل مو�سى عليه ال�سالم؛ فانفجرت منه اثنتا ع�سرة عيناً‪ ،‬واآثار‬

‫د‪ .‬نوح م�سطفى الفقري‬ ‫عميد كلية االأمري احل�سن للعلوم االإ�سالمية‬ ‫ر�سول اهلل يحيى يف قلعة مكاور‪ ،‬ور�سول اهلل اإليا�س عليه ال�سالم؛‬ ‫الذي انتقل من بعلبك اإىل ل�ستب يف عجلون‪ ،‬وهي اإىل اليوم ت�سمى‬ ‫رب اأم مو�سى بن عمران عليه ال�سالم‪،‬‬ ‫با�سمه مار اإليا�س‪ ،‬ويف اربد ق ُ‬ ‫وقبور اأربعة من اأولد يعقوب عليه ال�سالم‪ ،‬ويف الأردن مقامان‬ ‫من�سوبان لنبيني؛ هما مقام ر�سول اهلل نوح عليه ال�سالم يف الكرك‪،‬‬ ‫ومقام ر�سول اهلل هود عليه ال�سالم يف جر�س‪.‬‬ ‫واأما خامت النبيني‪� ،‬سيدنا حممد علية ال�سالة وال�سالم فمن اأ�سهر‬ ‫اآثاره يف الأردن‪:‬‬ ‫‪� .1‬سجرة الباقوعية يف ال�سفاوي التي ته�سرت اأغ�سانه ــا عليه قبل‬ ‫نبوته علية ال�سالة وال�سالم ‪ ،‬ولقد ت�س ّوع عطره حتتها‪.‬‬ ‫‪ .2‬جر�س التي دخلها علية ال�سالة وال�سالم مرتني قبل النبوة؛‬ ‫اأثناء جتارته خلديجة ر�سي اهلل عنها؛ كما روى البيهقي يف‬ ‫ال�سنن الكربى ‪.‬‬ ‫‪� .3‬سومعة الراهب بحريى يف ماأدبا يف اأم الر�سا�س؛ التي طعِم‬ ‫فيها مع عمه اأبي طالب‪.‬‬ ‫‪ .4‬ثالثة مواقع اأردنية؛ فتحها ر�سول اهلل علية ال�سالة وال�سالم‬ ‫بنف�سه ال�سريفة؛ هي‪:‬‬

‫‪30‬‬


‫(�سميت‪ :‬ب�أيلة بنت مدين بن‬ ‫�أ‌‪� .‬أيلة (العقبة)‪ :‬قال املقريزي ‪ُ :‬‬ ‫�إبراهيم عليه ال�سالم)‪ ،‬وملا انتهى ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫�إىل تبوك �أتاه يحنة ابن ر�ؤبة؛ ف�صالح ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم؛ و�أعطاه بردة مع كتاب؛ �أماناً لأهلها‪ ،‬والعقبة هي بلد لقمان‬ ‫احلكيم املذكور يف القر�آن الكرمي‪.‬‬ ‫ب‌‪� .‬أذرح واجلرباء‪ ،‬وما بينهما حو�ض الكوثر؛ ففي حديث م�سلم‪�ِ (:‬إ َّن‬ ‫�أَمَا َم ُك ْم َح ْو�ضاً‪ ،‬مَا َبينْ َ َناحِ َي َت ْي ِه َك َما َبينْ َ َج ْر َبا َء َو�أَ ْذ ُر َح) وفيهما حدث‬ ‫التحكيم امل�شهور‪.‬‬ ‫ويف الأردن �سكن بع�ض �أتباع الأنبياء؛ ك�أهلِ الكهف‪ ،‬والثالثة‬ ‫الذين �أغلق عليهم الغار‪ ،‬وتقربوا �إىل اهلل تعاىل بالطاعات يف‬ ‫الرجيب (الرقيم) قرب عمان‪ ،‬و�سكن يو�شع بن نون عليه ال�سالم‬ ‫يف البلقاء‪.‬‬ ‫ودخل الإ�سال ُم �أر�ض الأردن بدخول ثلة من ال�صحاب ِة الأطهار‬ ‫الكرام؛ وانبعثت ا�شراقا ُتهم يف الأرجاء؛ ومن �أولهم �سفري النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم احلارث بن عمري الأزدي ر�ضي اهلل عنه؛‬ ‫ومقامه بجانب الطفيلة‪ ،‬وفيها ال�شهداء كعب بن عمري الغفاري‬ ‫و�أ�صحابه ر�ضي اهلل عنهم‪.‬‬ ‫وعلى الرثى الطهور جرت �سرايا وغزوات ومعارك؛ ف�سرية‬ ‫ذات �أطالح يف الطفيلة‪ ،‬وغزوة ُم�ؤْتة التي تابعها ر�سول اهلل بنف�سه‬

‫�ضريح جعفر الطيار عليه ال�سالم ‪.‬‬

‫ال�شريفة‪ ،‬وخطط لها القادة ال�صحابة ال�شهداء‪ ،‬وما زال الأردن‬ ‫يزدهي مبقامات حب ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم زيدٍ ر�ضي‬ ‫اهلل عنه‪ ،‬وذي اجلناحني جع َفر ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬والنقيب ال�شاعر‬ ‫ابن رواحة ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أحد ع�شر �صحابياً هم‬ ‫ِ‬ ‫باقي �شهداء م�ؤتة‪ ،‬ال ُتعرف مقاماتهم يف م�ؤتة يف املزار اجلنوبي؛‬ ‫ر�ضي اهلل عن �شهداء م�ؤتة �أجمعني‪ ،‬ولقد زار الأردن اخلليفة عمر‬ ‫بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه �أمري امل�ؤمنني وهو يف طريقه �إىل فتح‬ ‫بيت املقد�س‪.‬‬ ‫ويف �شمال الأردن �آثار معركة الريموك‪ ،‬وعطر �شهدائها الأبرار‪،‬‬ ‫ومنهم �أربعة �شهداء بنوا متثال الإيثار فيه‪ ،‬ومقام الراكب املهاجر‬ ‫عكرمة ر�ضي اهلل عنه بجوار الها�شمية يف عجلون‪ ،‬ومنهم ع�شرون‬ ‫�صحابياً هم باقي �شهداء الريموك؛ وقد ذكروا يف كتب التاريخ‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬وت�شهد �أر�ض فحل يف الأغوار ال�شمالية مبجريات معركة‬ ‫فحل ال�شهرية‪.‬‬ ‫والأردنيون يتن�سمون عط َر ال�صحابة �شهداء طاعون عموا�س‪،‬‬ ‫وقائدهم �أمني الأم ِة �أبو عبيدة ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬ويلتم�سون الرب َكة‬ ‫أعلم الأم ِة باحلاللِ واحلرا ِم معا ِذ بن‬ ‫من �شهيد الأقحوانة ‪ ،‬و� ِ‬ ‫جبل وابنه عبد الرحمن ر�ضي اهلل عنهما بجوار ال�شونة ال�شمالية‪،‬‬ ‫�سن القيادة‪ ،‬مت� َ‬ ‫حت الأردن وقائد معركة‬ ‫ويتناف�سون يف ُح ِ‬ ‫أثرين بفا ِ‬ ‫بن ح�سنة ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬ومقامه يف امل�شارع يف الغور‬ ‫فحل �شرحبي َل ِ‬ ‫ال�شمايل‪ ،‬و�ضريح ال�صحابي اجلليل �ضرار بن الأزور ر�ضي اهلل عنه‬ ‫يف دير عال‪ ،‬و�ضريح ال�صحابي اجلليل عامر ابن �أبي وقا�ص ر�ضي‬ ‫اهلل عنه يف بلدة وقا�ص‪ ،‬وغريهم من الأفذاذ الأطهار الأبطال‪.‬‬ ‫ولقد ولد بع�ض ال�صحابة الكرام يف الأردن‪ ،‬وعا�صروا العهد‬ ‫الزاهر؛ ع�صر النبو ِة الأغر؛ ومنهم فروة اجلذامي ر�ضي اهلل عنه‪،‬‬ ‫و�سيمون ُة البلقاوي ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬وعبدُاهلل بن حوالة الأردين ر�ضي‬ ‫اهلل عنه‪ ،‬وغريهم ممن �سطعت �أنوارهم فيه‪ ،‬و�أ�شرقت بوجودهم‬ ‫�سما�ؤه؛ وتزينت بهم �أر�ضه‪.‬‬ ‫ويف وادي ال�سري مقام من�سوب لل�صحابي اجلليل بالل بن رباح‬ ‫ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬وقد �سميت القرية با�سمه (بالل)‪ ،‬ويف الطفيلة مقام‬ ‫ال�صحابي جابر الأن�صاري ر�ضي اهلل عنه والقلعتان غرندل وال�سلع‪،‬‬ ‫وحمامات عفرا‪.‬‬ ‫ومن التابعني املن�سوبني للأردن التابعي اجلليل عبادة بن ُن َ�سي‬ ‫قائد جنود الأردن‪ ،‬والتابعي اجلليل نعيم بن �سالمة ال�سبائي؛ كاتب‬ ‫اخلليفة الرا�شد عمر بن عبد العزيز‪ ،‬والتابعيان اجلليالن عروة بن‬ ‫رومي اللخمي عتبة بن حكيم الهمداين‪.‬‬ ‫مدار�س للقر�آن وللحديث؛ منها مدر�س ُة‬ ‫ولقد ت�أ�س�ست يف الأردن‬ ‫ٌ‬

‫‪31‬‬


‫الأيليني يف العقبة‪ ،‬التي فتحها النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بنف�سه‪،‬‬ ‫ومنها رواة احلديث النبوي ال�شريف‪ ،‬وقلعتها مدر�سة �إ�سالمية؛‬ ‫�أ�ستاذها املحدّث الزهري رحمه اهلل‪ ،‬ومدر�سة معان ومنها الأزدي‬ ‫املعاين‪ ،‬ومدر�س ُة القر�آن يف رحاب املفرق؛ وفيها م�سجد �أيوبي‪ ،‬وقد‬ ‫�أجنبت قرية رحاب َ‬ ‫ابن عامر اليح�صبي؛ وهو �أحد القرا ِء ال�سبعة‪،‬‬ ‫و�شهاب الدين الدجاين من الدجنية‪ ،‬وقلعة القطرانة مدر�سة‬ ‫َ‬ ‫علمية؛ وفيها مقام ال�شيخ حامد العطار‪ ،‬وحمطتها لرعاية حجاج‬ ‫بيت اهلل‪ ،‬واحل�سا �سكنها الفقيه ابن �سحمان ال�شري�شي‪ ،‬وقلعتها‬ ‫حمطة ا�سرتاحة للحجاج‪ ،‬وح�صن حلمايتهم‪.‬‬

‫مقام ال�صحابي اجلليل �أبو ذر الغفاري‬

‫ومدر�س ُة عجلون �أجنبت العجلوين اجلراحي؛ �صاحب كتاب‬ ‫ك�شف اخلفاء‪ ،‬ومن ُق َرى عجلون برز العلماء؛ ُ‬ ‫فابن خطيب عذراء‬ ‫ولد يف ل�ستب‪ ،‬و�شهاب الدين الباعوين يف باعون‪ ،‬وحممد بن خليل‬ ‫اجلعفري يف عني جنة‪.‬‬ ‫ومدر�س ُة الكرك ومنها الربهان الكركي‪ ،‬وقلعتها جوهرة‬ ‫ال�صحراء مليئة بالآثار عامرة بامل�شاهد‪ ،‬ومدر�سة ال�شوبك‪ ،‬ومنها‬ ‫يو�سف بن دانيال ال�شوبكي‪ ،‬وابن �أبي الهيجاء‪ ،‬وقلعتها ح�صينة‪.‬‬ ‫واربد بها قرب �أ ّم مو�سى بن عمران‪ ،‬وقبور �أربعة من �أوالد‬ ‫يعقوب‪ ،‬وقلعة دار ال�سرايا التي بناها العثمانيون‪ ،‬والرمثا‪ ،‬ومن‬ ‫علمائها احل�سن بن علي بن �سرور‪ ،‬و�أحمد بن مو�سى الرمثاوي‪،‬‬ ‫وهي �إحدى حمطات احلج‪.‬‬ ‫ومدر�سة البلقاء؛ والعلماء البلقاويون منهم �صحاب ٌة وتابعون‪،‬‬ ‫ومن ال�صحابة ال�صحابيان اجلليالن �سيمونة وعطية ال�سعدي‬ ‫ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬وولده التابعي اجلليل حممد بن عطية‪ ،‬وحفيده‬ ‫عروة بن حممد الذي كان والياً على اليمن يف عهد اخلليفة الرا�شد‬ ‫حممد بن عبد العزيز‪ ،‬ومن العلماء البلقاويني العالمة حممد بن‬ ‫عبداهلل ال�صلتي‪ ،‬وال�شيخ نعمة ال�صفدي من علماء بني �صخر‪.‬‬

‫ومدر�سة �إربد؛ ومنها �شرف الدين القا�ضي قا�سم بن حممد‬ ‫و�شهاب الدين اجل ّمال امللكاوي‪ ،‬من بلدة ملكا‪ ،‬والزراعي‬ ‫الإربدي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حلربا�صي من حربا�ص‪ ،‬وعالء الدين ا َ‬ ‫ا ُ‬ ‫حلبكي من َح َبكا‪ ،‬وعبد‬ ‫الغني ا ُ‬ ‫جل ْمحي من جمحى‪ ،‬ومن علماء الطيبة عبدالرحمن‬ ‫َ‬ ‫الطيبي‪ ،‬واملهند�س حممد الطيبي‪ ،‬وهو الذي بنى مقام معاذ ر�ضي‬ ‫اهلل عنه ‪ ،‬والعز القد�سي من علماء كفر املاء يف دير �أبي �سعيد‪.‬‬ ‫ومنهم من ن�سب �إىل الأردن؛ كالتابعي اجلليل نعيم بن �سالمة‬ ‫الأردين‪ ،‬ومنهم ن�سب �إىل ع�شريته كاجلذامي‪� ،‬أو �إىل مهنته كعبادة‬ ‫بن ُن�سي قا�ضي طربية‪ ،‬وقائد جيو�ش الأردن‪.‬‬ ‫ولقد مت ّيز بع�ض العلماء الأردنيني بالقيادة ال�سيا�سية‬ ‫والع�سكرية؛ كالذين ولدوا �أو عا�شوا يف احلميمة؛ وبها قرب اخلليفة‬ ‫الأموي الوليد بن عبد امللك‪ ،‬وهي منطلق الدولة العبا�سية‪ ،‬التي‬ ‫�سكنها التابعي اجلليل علي ابن حرب الأمة عبداهلل بن عبا�س‪ ،‬ر�ضي‬ ‫اهلل عنهم‪ ،‬و ُولد له فيها �أكرث اخللفاء والقادة العبا�سيني؛ كال�سفاح‬ ‫و�أبي جعفر املن�صور‪ ،‬وفيها امل�سجد العبا�سي؛ واملوقر وبها مقام‬ ‫اخلليفة يزيد بن عبدامللك؛ في�شهد التاريخ بعظم هذا املكان املنيف‪.‬‬ ‫والقالع الإ�سالمية يف الأردن كثرية �شهرية؛ كالق�صور الإ�سالمية‬ ‫يف ال�صحراء الأردنية‪ ،‬ومنها ق�صر امل�شتى؛ وواجهته �إىل اليوم يف‬ ‫برلني‪ ،‬وق�صر اخلرانة‪ ،‬وق�صر عمرة‪ ،‬وعني ال�سل‪ ،‬وقلعة الكرك‬ ‫واملعروفة بجوهرة ال�صحراء‪ ،‬وقلعة عز الدين �أ�سامة الراب�ضة على‬ ‫جبل عوف يف عجلون‪ ،‬وقلعة القطرانة‪ ،‬وقلعة العقبة‪ ،‬ذات التاريخ‬ ‫العريق‪ ،‬ويف الزرقاء م�سجد قدمي داخل ق�صر احلالبات‪ ،‬ويف الأزرق‬ ‫ق�صر بناه القائد الإ�سالمي عز الدين �أيبك الأيوبي‪.‬‬

‫مقام النبي نوح‪.‬‬

‫و�أما مدن الديكابول�س الع�شر فمنها ثمان مدن �أردنية‪ ،‬وهي‬ ‫غنية باملعامل الإ�سالمية؛ ففي العا�صمة ع ّمان الفي�ض الكثري‪،‬‬ ‫وجر�ش زارها ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وفتحها �شرحبيل‬ ‫ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬وازدهرت يف الع�صر الأموي‪ ،‬ويف �إيدون واحل�صن‬ ‫مدر�سة علمية‪ ،‬ويف �أم اجلمال ‪ -‬الواحة ال�سوداء ‪� -‬سكن الأمويون‬ ‫والعبا�سيون‪ ،‬ويف بيت را�س تل اخل�ضر عليه ال�سالم‪ ،‬و�أم قي�س‬ ‫(جدارا) فتحها �شرحبيل‪ ،‬وحافظ على �آثارها‪ ،‬وحرثا قويلبة‬ ‫(�أبيال) فيها �آثار �إ�سالمية‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫�إنه ال ميكن لل�شجرة �أن ترتفع يف ال�سماء فروعها �إال �إذا �ضربت‬ ‫يف الأر�ض جذورها‪ ،‬ولذلك ر�أينا الها�شميني بتلك الأجماد والآثار‬ ‫حمتفني حمتفلني‪ ،‬يرفعون امل�آذن والقباب‪ ،‬وي�ش ّيدون املقامات‬ ‫والآثار‪ ،‬وير�سمون ال�سري والأجماد‪ ،‬وي�سطرون البطوالت مباء‬ ‫الذهب‪ ،‬ويفتخرون بالثلة الطاهرة النقية‪ ،‬ا�ستنطاقاً لبطوالت‬ ‫الأجداد‪ ،‬وت�شيداً ل�صروح املجد التي بدت جلية يف الأردن؛ يحكون‬ ‫حالهم‪ ،‬وينطقون ب�أل�سنتهم‪ ،‬ويكتبون ب�أقالمهم‪ ،‬ليكون ٌ‬ ‫كل منهم‬ ‫نربا�ساً ي�سري عليه مبتغو الهداية‪ ،‬وطالبو اال�سرت�شاد �إىل �سواء‬ ‫ال�سبيل‪ ،‬وليكون فخراً للمفتخرين‪ ،‬ومنوذجاً للمقتدين‪.‬‬ ‫�إن الأردن ك�شجرة؛ ال �شرقية وال غربية؛ با�سقة يف الطول؛‬ ‫�سيقانها �صنوان وغري �صنوان‪ ،‬ت�سقى مباء واحد‪ ،‬طيبة العطر‪،‬‬ ‫وارفة الظل‪ ،‬عمادُها النبوة‪ ،‬و�شر ُفها الأ�صالة‪ ،‬و�أوراقها �شمائ ُل مَن‬ ‫حتت القبة اخل�ضراء ثوى‪ ،‬ثمرها‪ ،‬وظ ّلها يعجب الزراع‪ ،‬ويغيظ‬ ‫الكافرين‪ ،‬وي�سر الناظرين‪ ،‬فتبارك اهلل �أح�سن اخلالقني‪.‬‬ ‫جهود الها�شميني يف املحافظة على املعامل الدينية يف الأردن‬ ‫و�إعمارها‬ ‫�إن للها�شميني امل�آثر اجلليلة على اململكة الأردنية الها�شمية؛‬ ‫فهم الذين �أ�س�سوها‪ ،‬و�شيدوا بناءها‪ ،‬و�أقاموه على جذور را�سخة؛‬ ‫وما�ض تليد؛ فلقد زارها الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم مرات يف‬ ‫ٍ‬ ‫رحالته التجارية �إليها‪ ،‬وا�ستظل حتت �شجارها‪ ،‬و�أكل من ثمارها‪،‬‬ ‫وا�ست�ضافه �أهلها‪.‬‬ ‫وبعد نبوة النبي عليه ال�صالة وال�سالم �أر�سل الها�شمي جعفر ابن‬ ‫�أبي طالب ر�ضي اهلل عنه �إىل الأردن‪ ،‬و�ضريحه يف م�ؤتة مع �أ�ضرحة‬ ‫ال�صحابة يعطر �سماء املزار اجلنوبي‪ ،‬ويف احلميمة �سكن التابعي‬ ‫اجلليل علي بن عبداهلل بن عبا�س ر�ضي اهلل عنهم يف احلميمة‪،‬‬ ‫و�أجنب الها�شميني اخللفاء‪.‬‬ ‫وما زالت وفود اخلري تفد على هذا البلد الطيب‪ ،‬حتى قدِ م امللك‬ ‫فر�سخ الأ�سا�س‪ ،‬و�أقام �أعمدة البنيان‪،‬‬ ‫امل�ؤ�س�س عبداهلل الأول رحمه اهلل‪ّ ،‬‬ ‫وما زال �أوالده و�أحفاده بتلك الأجماد والآثار حمتفني حمتفلني‪،‬‬ ‫يرفعون امل�آذن والقباب‪ ،‬ويبنون املقامات والآثار‪ ،‬وير�سمون ال�سري‬ ‫والأجماد‪ ،‬وي�سطرون البطوالت مباء الذهب‪ ،‬ويفتخرون بالثلة‬ ‫الطاهرة النقية‪ ،‬ا�ستعرا�ضاً لتلك املكرمات الإلهية‪ ،‬وا�ستنطاقاً‬ ‫لبطوالت الأجداد‪ ،‬وت�شيداً ل�صروح املجد التي بدت جلية يف جنوب‬ ‫الأردن و�شماله وو�سطه؛ يحكون حالهم‪ ،‬وي�صورون عالماتهم‪،‬‬ ‫كل منهم نربا�ساً‬ ‫وينطقون ب�أل�سنتهم‪ ،‬ويكتبون ب�أقالمهم‪ ،‬ليكون ٌ‬ ‫ي�سري عليه مبتغو الهداية وطالبو اال�سرت�شاد �إىل �سواء ال�سبيل‪،‬‬ ‫وليكون فخراً للمفتخرين‪ ،‬ومنوذجاً للمقتدين‪.‬‬ ‫ج�سدوا حقيقة الكرم يف تعاملهم‪ ،‬و�أتت �أفعا ُلهم م�ساوية‬ ‫لقد ّ‬ ‫لعزائمهم‪ ،‬و�صدق القائل‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َعلَى َق ْد ِر �أَهْ لِ ال َع ْز ِم َت ْ�أت ِ​ِي ال َع َزا ِئ ُم ‪َ .....‬و َت�أتِي َعلَى َق ْد ِر ال ِك َرا ِم امل َ َكا ِر ُم‬

‫أ�صحاب الوالية‬ ‫� ّإن �آل بيت النبي عليه ال�صالة وال�سالم هم �‬ ‫ُ‬ ‫ال�شرعية وال�سيا�سية يف اململكة الأردنية الها�شمية‪ ،‬وهم �شجر ٌة‬ ‫يانعة طيبة؛ �أ�ص ُلها ثابت؛ وجذرها را�سخ‪ ،‬با�سق ٌة يف الطولِ �سيقا ُنها‪،‬‬ ‫وامتدت يف العليا ِء فروعُها‪ ،‬واخ�ض ّرت �أوراقها‪ ،‬وطابت ثما ُرها‪ ،‬و�آتت‬ ‫ني ب�إذن ربها‪.‬‬ ‫�أ ُكلَهَا ك َّل ح ٍ‬ ‫�إنهم �سادة �أبرزوا الإح�سان يف � ْأ�ض َفى ُحلله‪ ،‬وت َب َّو�أوا يف الكرم �أعلى‬ ‫منازله‪ ،‬ف َر َفلَوا من ال�سيادة يف �أغلى �أثوابها‪ ،‬و�أتوا َ‬ ‫بيوت اجلود من‬ ‫�أبوابها‪َ ،‬‬ ‫واع َت َنقوها‪ ،‬بعد �أن َح َّلقوا بها مع‬ ‫وبا�ش َروا املكارم فالتزموها ْ‬ ‫النجوم يف عليائها‪ ،‬و�سارعوا �إىل �صايف النبع ف�شربوا معيناً مل ُيكدّر‪،‬‬ ‫ونقياً مل ُيع ّكر؛ وهذا ي�ؤكد �أن العائلة الها�شمية خادمة للر�سالة‬ ‫املحمدية‪ ،‬فهم الذين يعتزون ويفتخرون يف كل جمل�س ب�أنهم من‬ ‫حرا�س هذا الدين‪ ،‬والقائمني على ن�شره‪ ،‬وتو�ضيح �صورته للعامل‬ ‫�أجمع‪.‬‬ ‫و�إن جاللة امللك عبد اهلل الثاين ‪ -‬حفظه اهلل بالقر�آن العظيم‬ ‫وال�سبع املثاين ‪ -‬يتوقد حيوية ون�شاطاً‪ ،‬وقد �ش ّد النطاق‪ ،‬وبلغ يف‬ ‫الإنفاق احل ّد املطاق‪ ،‬لريفع املعامل الإ�سالمية؛ فتعددت مكارمه‬ ‫الدينية على اململكة حتى �شملت البالد‪ ،‬وع ّمت الأرجاء‪ ،‬وتن ّوعت‬ ‫الإجنازات؛ فما من مقام �إال وجهده فيه للعيان ظاهر‪ ،‬وما من‬ ‫ف�سطر على‬ ‫حجر �أ�سا�س لإعمار جديد �إال وو�ضعته يدُه الكرمية‪ُ ،‬‬ ‫�صفحات املجد الباهر‪.‬‬ ‫فلله د ّره من ملك بانتظام امللك �ضمني‪ ،‬وكرمي �أمِ ني‪ ،‬يز ّين‬ ‫بح�ضوره �أه َل مملكته‪ ،‬وال ُي�ضام من يجل�س بح�ضرته‪� ،‬سيد ُجمِ َع‬ ‫له �إىل ال ُقدْرة احلكمة‪ ،‬و�إىل التوا�ضع الرفعة واحلِ ْ�شمة‪ ،‬فتب َّو�أ مكانة‬ ‫ُح َّفتْ باملكارم‪ ،‬ورو�ض ًة ُخ َّ�صت باملجد الزاهر‪ ،‬وانهال عليه اخلري من‬ ‫كل �صوب‪ ،‬واخلري ُيرقب يف م�ضارب حِ �سان الوجوه‪ ،‬الذين �أ�شرقت‬ ‫وجوههم‪ ،‬و�صفت نياتهم‪ ،‬فمن مثله �أدام اهلل ظ َّله ‪ -‬مب ّنه وكرمه ‪-‬‬ ‫ما َطلَع نجَ ْ م وبزغ فجر!! وال حرمنا من ح�ضرته امل�أنو�سة‪ ،‬وب�سمته‬ ‫املبهجة‪ ،‬ومكانته املرموقة‪.‬‬ ‫وقد مت �إجناز �إعمار مقامات كثرية؛ منها مقامات الأنبياء‬ ‫هود‪ ،‬و�شعيب وهارون ويو�شع عليهم ال�سالم‪ ،‬وم�سجد �أهل الكهف‪،‬‬ ‫ومقامات ال�صحابة الكثري‪ ،‬وقد �أمر جاللته بت�شكيل �صندوق‬ ‫لإعمارها؛ وتربع ب�إخال�ص مباله اخلا�ص‪.‬‬

‫الهوام�ش واملراجع‬ ‫‪� .1‬سورة الإ�سراء ‪.1‬‬ ‫‪ .2‬الأنبياء ‪.71‬‬ ‫‪ .3‬رواه الإمام �أحمد يف م�سنده والرتمذي وابن ماجة واحلاكم عن ثوبان ر�ضي اهلل‬ ‫عنه‪ ،‬وقال ال�سيوطي‪� :‬صحيح‪.‬‬ ‫‪� .4‬سورة الق�ص�ص ‪.26‬‬ ‫‪ .5‬ال�سنن الكربى ‪.118/6‬‬ ‫‪ .6‬املواعظ واالعتبار ‪.231 / 1‬‬ ‫‪ .7‬م�سلم كتاب الف�ضائل‪.‬باب �إثبات حو�ض نبينا و�صفاته‪.‬‬ ‫‪ .8‬الأقحوان هو البابوجن‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ‪...‬ﻣﻨﺤﺔ ﺍﷲ‬ ‫ﻟﺒﻨﻲ ﺍﻟﺒﺸﺮ‬ ‫اأ‪ .‬حممد الها�سمي‬ ‫تكر‪ ‬اهلل لالإن�سان ذاته‬ ‫خلق اهلل تعاىل الإن�سان وكرمه على �سائر خلقه ‪ ،‬ورفع قدره واأعال‬ ‫منزلته‪ ،‬و�سخر له جميع خلقه وبديع �سنعه‪ .‬يقول اهلل تعاىل ( َو َل َق ْد‬ ‫رب َوا ْل َب ْح ِر َو َر َز ْق َناهُ م م َِّن َّ‬ ‫الط ِّي َباتِ‬ ‫َك َّر ْم َنا َبنِي اآ َد َم َو َح َم ْل َناهُ ْم ِيف ا ْل َ ِّ‬ ‫ممنْ َخلَ ْق َنا َت ْف ِ�سي ً‬ ‫ال ) (الإ�سراء‪.)70:‬‬ ‫َو َف َّ�س ْل َناهُ ْم َعلَى َك ِث ٍ‬ ‫ري ِّ َّ‬ ‫ويقول اأي�ساً‪ُ ّ :‬‬ ‫ال�س َما َواتِ َوالأَ ْر َ‬ ‫ال�س َماء‬ ‫�س َواأَن َز َل مِ َن َّ‬ ‫(اهلل ا َّلذِ ي َخلَ َق َّ‬ ‫مَاء َفاأَ ْخ َر َج ِب ِه مِ َن ال َّث َم َراتِ ِر ْز ًقا َّل ُك ْم َو َ�س َّخ َر َل ُك ُم ا ْل ُف ْل َك ِل َت ْجرِيَ ِيف‬ ‫ا ْل َب ْح ِر ِباأَ ْم ِر ِه َو َ�س َّخ َر َل ُك ُم الأَ ْنهَا َر َو َ�س َّخر َل ُك ُم َّ‬ ‫ال�س ْم َ�س َوا ْل َق َم َر َداآ ِئ َب َ‬ ‫ني‬ ‫َو َ�س َّخ َر َل ُك ُم ال َّل ْي َل َوال َّنهَا َر َواآ َتا ُكم مِّن ُك ِّل مَا َ�ساأَ ْل ُت ُمو ُه َواإِن َت ُعدُّ واْ ِن ْع َمتَ‬ ‫اهلل َل ُ ْ‬ ‫ن�سا َن َل َظ ُلو ٌم َك َّفا ٌر ) (اإبراهيم‪.)34:‬‬ ‫ِّ‬ ‫حت ُ�سوهَا ِاإ َّن ا ِلإ َ‬ ‫ن�سا َن مِ ن ُّن ْط َف ٍة َفاإِ َذا هُ َو َخ ِ�سي ٌم‬ ‫ويقول اهلل تعاىل اأي�ساً‪َ ( :‬خلَ َق الإِ َ‬ ‫ُّم ِب ٌ‬ ‫ني َوالأَ ْن َعا َم َخلَ َقهَا َل ُك ْم فِيهَا د ِْف ٌء َو َم َنا ِف ُع َومِ ْنهَا َتاأْ ُك ُلو َن َو َل ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫ني َت ْ�س َر ُحو َن َو َ ْ‬ ‫ِيحو َن َوحِ َ‬ ‫فِيهَا َج َم ٌال حِ َ‬ ‫حتمِ ُل اأ ْث َقا َل ُك ْم اإِ َىل َبلَدٍ‬ ‫ني ُتر ُ‬ ‫مل َت ُكو ُنواْ َبا ِلغِي ِه ِاإ َّل بِ�سِ ِّق الأَن ُف ِ�س ِاإ َّن َر َّب ُك ْم َل َروؤُ ٌ‬ ‫وف َّرحِ ي ٌم َو ْ َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫اخل ْي َل‬ ‫َوا ْل ِب َغا َل َو ْ َ‬ ‫ري ل َ ْ‬ ‫اهلل‬ ‫ِرت َك ُبوهَا َوزِي َن ًة َو َي ْخ ُل ُق مَا َل َت ْعلَ ُمو َن َو َعلَى ّ ِ‬ ‫احلمِ َ‬ ‫ال�س ِبيلِ َومِ ْنهَا َجاآ ِئ ٌر َو َل ْو َ�ساء َل َهدَا ُك ْم اأَ ْج َم ِع َ‬ ‫ني هُ َو ا َّلذِ ي اأَن َز َل‬ ‫َق ْ�س ُد َّ‬ ‫ال�س َماء مَاء َّل ُكم ِّم ْن ُه َ�س َر ٌاب َومِ ْن ُه َ�س َج ٌر فِي ِه ُت�سِ ي ُمو َن ُين ِبتُ َل ُكم ِب ِه‬ ‫مِ َن َّ‬ ‫اب َومِ ن ُك ِّل ال َّث َم َراتِ ِاإ َّن ِيف َذل َِك لآ َي ًة‬ ‫ال َّز ْر َع َوال َّز ْي ُتو َن َوال َّنخِ ي َل َوالأَ ْع َن َ‬ ‫ِّل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرو َن َو َ�س َّخ َر َل ُك ُم ال َّل ْي َل َوا ْل َّنهَا َر َو َّ‬ ‫ال�س ْم َ�س َوا ْل َق َم َر َوا ْل ُّن ُجو ُم‬ ‫م َُ�س َّخ َر ٌات ِباأَ ْم ِر ِه اإِ َّن ِيف َذل َِك َ آل َياتٍ ِّل َق ْو ٍم َي ْع ِق ُلو َن َومَا َذ َراأَ َل ُك ْم ِيف الأَ ْر ِ�س‬ ‫ُ ْ‬ ‫خم َت ِل ًفا اأَ ْل َوا ُن ُه اإِ َّن ِيف َذل َِك لآ َي ًة ِّل َق ْو ٍم َي َّذ َّك ُرو َن َوهُ َو ا َّلذِ ي َ�س َّخ َر ا ْل َب ْح َر‬ ‫ِل َتاأْ ُك ُلواْ مِ ْن ُه َ ْ‬ ‫حل ًما َط ِر ًّيا َو َت ْ�س َت ْخر ُِجواْ مِ ْن ُه حِ ْل َي ًة َت ْل َب ُ�سو َنهَا َو َت َرى‬ ‫ا ْل ُف ْل َك َموَاخِ َر فِي ِه َو ِل َت ْب َت ُغواْ مِ ن َف ْ�س ِل ِه َو َل َع َّل ُك ْم َت ْ�س ُك ُرو َن َو َاأ ْل َقى ِيف‬ ‫الأَ ْر ِ�س َر َوا�سِ َي َاأن َمتِي َد ِب ُك ْم َواأَ ْنهَا ًرا َو ُ�س ُب ً‬ ‫ال َّل َع َّل ُك ْم َت ْه َتدُو َن َوعَالمَاتٍ‬ ‫َوبِال َّن ْج ِم هُ ْم َي ْه َتدُو َن اأَ َف َمن َي ْخ ُل ُق َك َمن َّل َي ْخ ُل ُق اأَ َفال َت َذ َّك ُرو َن َواإِن‬ ‫اهلل َل َغ ُفو ٌر َّرحِ ي ٌم َو ّ ُ‬ ‫حت ُ�سوهَا ِاإ َّن ّ َ‬ ‫اهلل َل ُ ْ‬ ‫اهلل َي ْعلَ ُم مَا ُت�سِ ُّرو َن‬ ‫َت ُعدُّ واْ ِن ْع َم َة ّ ِ‬ ‫َومَا ُت ْع ِل ُنو َن ) (النحل‪. )18-4:‬‬ ‫ن�سا َن مِ نْ‬ ‫ِا�س ِم َر ِّب َك ا َّلذِ ي َخلَ َق َخلَ َق ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫ويقول اهلل تعاىل ( ا ْق َراأْ ب ْ‬

‫‪34‬‬

‫ن�سا َن مَا َ ْ‬ ‫مل َي ْعلَ ْم )‬ ‫َعلَقٍ ا ْق َراأْ َو َر ُّب َك ْ أ‬ ‫الَ ْك َر ُم ا َّلذِ ي َع َّل َم بِا ْل َقلَ ِم َع َّل َم ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫(العلق‪.)5-1:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن�سانِ‬ ‫ويقول اهلل تعاىل‪ ( :‬ا َّلذِ ي اأ ْح َ�س َن ُك َّل َ�س ْي ٍء َخلَ َق ُه َو َب َداأ َخ ْل َق ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫ني ُث َّم َ�س َّوا ُه َو َن َف َخ فِي ِه‬ ‫ني ُث َّم َج َع َل َن ْ�سلَ ُه مِ ن ُ�س َال َل ٍة مِّن َّماء َّم ِه ٍ‬ ‫مِ ن طِ ٍ‬ ‫الَ ْف ِئ َد َة َقل ً‬ ‫ِيال َّما َت ْ�س ُك ُرو َن )‬ ‫الَ ْب َ�سا َر َو ْ أ‬ ‫ال�س ْم َع َو ْ أ‬ ‫مِ ن ُّروحِ ِه َو َج َع َل َل ُك ُم َّ‬ ‫(ال�سجدة‪.)7-5:‬‬ ‫ن�سا َن َع َّل َم ُه‬ ‫ويقول اهلل تعاىل‪ ( :‬ال َّر ْح َم ُن َع َّل َم ا ْل ُق ْراآ َن َخلَ َق ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫ا ْل َب َيا َن) (الرحمن‪.)3-1:‬‬ ‫ني َوال َّز ْي ُتونِ َو ُطو ِر �سِ ي ِن َ‬ ‫ني َو َه َذا ا ْل َبلَدِ‬ ‫ويقول اهلل تعاىل‪َ ( :‬وال ِّت ِ‬ ‫مي ) (التني‪.)4-1:‬‬ ‫ْأ‬ ‫الَمِ ِ‬ ‫ني َل َق ْد َخلَ ْق َنا ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫ن�سا َن ِيف اأَ ْح َ�س ِن َت ْق ِو ٍ‬ ‫اإىل غري ذلك من الذكر احلكيم والآيات التي تبني وتف�سل تكرمي‬ ‫اهلل تعاىل لذات الإن�سان ‪ ،‬ورفع منزلته على �سائر خملوقاته‪ ،‬والتي‬ ‫كانت اأ�سا�سا عظيما لبناء التعاي�س بني بني الب�سر يف ظل دولة‬ ‫الإ�سالم ‪ ،‬بينما كان القتل والت�سريد وال�سطهاد قائم على قدم‬ ‫و�ساق يف اأنحاء العامل الغري اإ�سالمي ملجرد املخالفة يف الدين اأو‬ ‫اللون اأو العرق ‪.‬‬ ‫االإ�سالم جاء ل�سعادة الب�سرية‬ ‫تلك النعم التي اأ�سبغها اهلل على عباده عززها بنعمة عظيمة‬ ‫وكبرية ‪ ،‬هي اأعظم واجل نعمة األ وهي نعمة الإ�سالم ‪ .‬فاإن الإ�سالم‬ ‫ما جاء اإل ل�سعادة الب�سرية وراحتها ‪ ،‬ولإزالة همومها وغمومها ‪،‬‬ ‫فاإن اهلل خالق الب�سرية هو اعلم مبا ي�سلحها وينفعها ‪ ،‬وما �سقت‬ ‫الب�سرية اإل يوم اأن تركت هذا الدين منبع ال�سعادة والأمان ‪.‬‬ ‫الإ�سالم الذي حفظ يف �سلطانه لليهود والن�سارى وللملل‬ ‫والطوائف والفرق واملذاهب حرية الراأي والتعبري وممار�سة‬ ‫الطقو�س وال�سعائر‪ ،‬يف وقت �ساد الظلم والإ�سطهاد اأوروبا امل�سيحية‬ ‫‪ ،‬اإن منهج الإ�سالم حفظ لنا وحدتنا الوطنية والإن�سانية‪ ،‬بن�سو�س‬ ‫قراآنية كثرية ‪.‬‬ ‫مناذج الوحدة الوطنية يف القراآن الكر‪‬‬ ‫اإن تكرمي اهلل لالإن�سان ذاته وكما مرت بنا بع�س ن�سو�س الكتاب‬ ‫العزيز ‪ ،‬مل يكن حمل عبث اأو انه خال من املقا�سد والغايات ‪ ،‬فاإن‬


‫يف علم اهلل تعاىل �أن الب�شرية �ستكون ما بني م�سلمني م�ؤمنني به‬ ‫وبر�سله وكتبه واليوم الآخر على الوجه ال�صحيح ‪ ،‬وما بني فرق‬ ‫و�أديان وطوائف �شتى ومذاهب متعددة ‪ ،‬فلو كان ال�صراع هو احلل‬ ‫الوحيد ل�سادت �شريعة الغاب ‪ ،‬فالبقاء للأقوى ‪ ،‬لكن اهلل تعاىل‬ ‫جعل املواطنة �أ�سا�ساً عظيماً للتعاي�ش والتعاون وقد جاءت الن�صو�ص‬ ‫على ذلك كثرية وعظيمة منها ‪.‬‬ ‫�أوال ‪ :‬البيت الواحد‬ ‫البيت الواحد الذي يكون �أفراده ما بني م�سلم وكافر ‪ ،‬فقد �أمر‬ ‫اهلل تعاىل امل�سلم �أن يكون باراً ب�أبويه و�إن كانا م�شركني كافرين‬ ‫يحاربان ابنهما وي�أمرانه باملنكر وال�شرك ‪ ،‬ومع هذا فقد قال اهلل‬ ‫ن�سا َن ِب َوا ِل َد ْي ِه ُح ْ�س ًنا َو ِ�إن َجا َهد َ‬ ‫َاك ِل ُت ْ�شر َِك بِي‬ ‫تعاىل ( َو َو َّ�ص ْي َنا ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫مَا َل ْي َ�س َل َك ِب ِه عِ ْل ٌم فَلاَ ُتطِ ْع ُه َما �إِليَ َّ َم ْرجِ ُع ُك ْم َف�أُ َن ِّب ُئ ُكم بمِ َا ُكن ُت ْم‬ ‫ن�سا َن‬ ‫َت ْع َم ُلو َن) (العنكبوت‪ ، )8:‬ويقول اهلل تعاىل �أي�ضا ( َو َو َّ�ص ْي َنا ْ إِ‬ ‫ال َ‬ ‫ِب َوا ِل َد ْي ِه َح َملَ ْت ُه �أُ ُّم ُه وَهْ ًنا َعلَى وَهْ ٍن َوف َ‬ ‫ِ�صا ُل ُه فيِ عَا َمينْ ِ �أَنِ ْا�ش ُك ْر ليِ‬ ‫ري َو�إِن َجا َهد َ‬ ‫َاك عَلى �أَن ُت ْ�شر َِك بِي مَا َل ْي َ�س َل َك ِب ِه‬ ‫َو ِل َوا ِل َد ْي َك �إِليَ َّ المْ َ ِ�ص ُ‬ ‫عِ ْل ٌم فَلاَ ُتطِ ْع ُه َما َو َ�صاحِ ْب ُه َما فيِ الدُّ ْن َيا َم ْع ُرو ًفا ) (لقمان‪. )15-14:‬‬ ‫ويف هذا حفاظ حلقهما يف الرعاية والإح�سان ‪ ،‬و�إن كان الإبن م�أموراً‬ ‫�أن يدعوهما �إىل اهلل تعاىل ويعلمهما دينه �إال �أنه لي�س له �سلطان‬ ‫عليهما ولي�س من حقه �أن يكرههما على �شيء من ذلك ‪ ،‬وهذا باب‬ ‫عظيم من �أبواب املواطنة ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬اجلار والقريب امل�سلم وامل�شرك‬ ‫�إن �أمر الإح�سان قد �شمل زيادة على الوالدين ذوي القربى‬ ‫واليتامى وامل�ساكني واجلار بغ�ض النظر عن االنتماء الديني ‪ ،‬يقول‬ ‫اهلل تعاىل ( َو ْاع ُبدُواْ اللهّ َ َو َال ُت ْ�ش ِر ُكواْ ِب ِه َ�ش ْي ًئا َوبِا ْل َوا ِل َد ْي ِن �إِ ْح َ�سا ًنا‬ ‫َوبِذِ ي ا ْل ُق ْر َبى َوا ْل َي َتامَى َوالمْ َ َ�سا ِك ِ‬ ‫ني َوالجْ َ ا ِر ذِي ا ْل ُق ْر َبى َوالجْ َ ا ِر الجْ ُ ُنبِ‬ ‫ال�صاحِ بِ بِا َ‬ ‫ال�س ِبيلِ َومَا َملَ َكتْ �أَيمْ َا ُن ُك ْم �إِ َّن اللهّ َ َال يُحِ ُّب‬ ‫َو َّ‬ ‫جلنبِ َوا ْب ِن َّ‬ ‫مَن َكا َن مخُ ْ َتا ًال َف ُخو ًرا ) (الن�ساء‪. )36:‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬الدين املخالف‬ ‫كما �شمل الإح�سان حتى املخالف يف الدين ‪ ،‬يقول اهلل تعاىل‬ ‫ِّين َقد َّت َبينَّ َ ال ُّر ْ�ش ُد مِ َن ا ْل َغ ِّي َف َمنْ َي ْك ُف ْر ب َّ‬ ‫ِالط ُاغوتِ‬ ‫( َال �إِ ْك َرا َه فيِ الد ِ‬ ‫ِ�صا َم َلهَا َواللهّ ُ‬ ‫َو ُي�ؤْمِ ن بِاللهّ ِ َف َقدِ ْا�س َت ْم َ�س َك بِا ْل ُع ْر َو ِة ا ْل ُو ْث َق َى َال انف َ‬ ‫َ�سمِ ي ٌع َعلِي ٌم ) (البقرة‪.)256:‬‬ ‫رابعا ‪ :‬الرب بالكفار وامل�شركني امل�ساملني‬ ‫وال يقت�صر ح�سن التعامل على امل�سلمني بال تعداه �إىل غري‬ ‫ين لمَ ْ‬ ‫امل�سلمني من امل�ساملني ‪ ،‬يقول اهلل تعاىل ( اَل َي ْنهَا ُك ُم اللهَّ ُ ع َِن ا َّلذِ َ‬ ‫ِّين َولمَ ْ ُي ْخر ُِجو ُكم مِّن ِد َيا ِر ُك ْم �أَن َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا‬ ‫ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫�إِ َل ْي ِه ْم �إِ َّن اللهَّ َ يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ‬ ‫ني ) (املمتحنة‪.)8:‬‬

‫وقوله تعاىل ( َو�إِ ْن �أَ َح ٌد م َِّن المْ ُ ْ�ش ِر ِك َ‬ ‫ني ْا�س َت َجا َر َك َف�أَجِ ْر ُه َح َّتى َي ْ�س َم َع‬ ‫َك َ‬ ‫ال َم اللهّ ِ ُث َّم �أَ ْب ِل ْغ ُه َم�أْ َم َن ُه َذل َِك ِب�أَ َّن ُه ْم َق ْو ٌم َّال َي ْعلَ ُمو َن ) (التوبة‪.)6:‬‬ ‫خام�سا ‪ :‬البحث عن امل�شرتكات‬ ‫يقول اهلل تعاىل ( َو اَل تجُ َ ا ِد ُلوا �أَهْ َل ا ْل ِك َتابِ �إِ اَّل بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح َ�س ُن �إِلاَّ‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين َظلَ ُموا مِ ْن ُه ْم َو ُقو ُلوا �آ َم َّنا بِا َّلذِ ي �أُن ِز َل �إِ َل ْي َنا َو�أُن ِز َل �إِ َل ْي ُك ْم َو�إِ َل ُه َنا‬ ‫َو�إِ َل ُه ُك ْم َواحِ ٌد َو َن ْح ُن َل ُه م ُْ�س ِل ُمو َن ) (العنكبوت‪. )46:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ثالثة للوحدة الوطنية ‪:‬‬ ‫مناذج‬ ‫ٌ‬ ‫النموذج الأول ‪ :‬من القر�آن الكرمي ‪ :‬يو�سف عليه ال�سالم منوذج‬ ‫الوطنية‪ ،‬نبي اهلل يو�سف عليه وعلى نبينا �أف�ضل ال�صالة وال�سالم‬ ‫مر يف حياته بثالث مراحل �صعاب كانت كل واحدة منهن كفيلة بان‬ ‫جتعل منه �إن�سانا �آخر غري الذي �صار عليه بعد هذه املراحل ‪.‬‬ ‫وهذه املراحل هي ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الظلم واليتم ‪ :‬ظلم �إخوته بني �أبيه ‪ ،‬حني ت�آمروا عليه والقوه‬

‫يف البئر بغية التخل�ص منه ‪ ،‬حل�سد امتلأت به قلوبهم ‪ ،‬فتعر�ض‬ ‫نتيجة ذلك للرق والعبودية ‪ ،‬واليتم �إن هذا الفعل كفيل ب�أن يجعله‬ ‫ذو �شخ�صية حقودة منتقمة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬اخليانة والفاح�شة ‪ :‬حني راودته امر�أة العزيز عن نف�سه بغية‬ ‫الفاح�شة والرذيلة ‪ ،‬تلك املر�أة التي كانت مبثابة الأم له فقد قامت‬ ‫على رعايته �سنني ‪ ،‬وزوج من كان له مبثابة الأب فقد رعاه وما ق�صر‬ ‫يف حقه ‪ ،‬فكان هذا الفعل كفيل ب�أن يجعل الثقة يف نف�س يو�سف‬ ‫مهزوزة وال�شكوك متلأ نف�سه طوال حياته بكل الذين حوله ‪.‬‬ ‫‪ -3‬الظلم وال�سجن ‪ :‬وملا امتنع عن الوقوع يف الرذيلة والفاح�شة‬ ‫وبانت براءته للعزيز ومن كان معه ب�شهادتهم ‪ ،‬القوه يف ال�سجن كي‬ ‫يدفعوا التهمة عن امر�أة العزيز ‪ ،‬ويل�صقوها به !!!‬ ‫�إن هذه املراحل الثالث يف حياة يو�سف جتعل من �أي �شخ�ص‬ ‫يتعر�ض لها ذا �شخ�صية حقودة تبحث عن الإنتقام ال تثق ب�أقرب‬ ‫النا�س �إليها ‪ ،‬وال ي�سلم �إال من رحم ربك ‪ ،‬لكن يو�سف التي كانت‬ ‫رعاية اهلل تعاىل تكتنفه من كل جانب ‪ ،‬وكانت �صور البالء هذه‬ ‫ت�صقل نف�سه وتهذبها ‪ ،‬وترفعها ‪ ،‬قد ت�سامت عن االنتقام �أو فقدان‬ ‫الثقة ‪ ،‬ودليل ذلك �أن يو�سف عليه ال�سالم ‪ ،‬الزال الظلم واقعا عليه‬ ‫‪ ،‬حني جاءته ر�ؤيا امللك ‪ ،‬وكان ب�إمكانه �أن ينتقم لنف�سه ‪ ،‬ويث�أر ولكن‬ ‫نف�سه التي ت�سامت وتعلقت باهلل �أبت �إال �أن تكون م�شروعا لإنقاذ‬ ‫م�صر ‪ ،‬نعم فقد كانت ر�ؤيا امللك فيها �أن م�صر �ستمر مبجاعة ل�سنني‬ ‫وال بد من العمل لأجل تفادي هذه املجاعة ‪.‬‬ ‫�أر�سل ملك م�صر �إىل يو�سف عليه ال�سالم من ي�س�أله عن الر�ؤيا‬ ‫يقول اهلل تعاىل ( َو َقا َل المْ َل ُِك �إِنيِّ �أَ َرى َ�س ْب َع َب َق َراتٍ �سِ َمانٍ َي�أْ ُك ُل ُهنَّ‬ ‫َ�س ْب ٌع عِ َج ٌ‬ ‫اف َو َ�س ْب َع ُ�سن ُب َ‬ ‫التٍ ُخ ْ�ضرٍ َو�أُ َخ َر َياب َِ�ساتٍ َيا �أَ ُّيهَا المْ َلأُ �أَ ْف ُتونيِ‬

‫‪35‬‬


‫فيِ ُر ْ�ؤيَايَ �إِن ُكن ُت ْم لِل ُّر ْ�ؤ َيا َتعْبرُ ُ و َن ) (يو�سف‪ .)43:‬فكان جواب يو�سف‬ ‫عليه ال�سالم ما ق�صة اهلل تعاىل علينا فقد قدم م�شروعاً متكام ً‬ ‫ال‬ ‫لإنقاذ م�صر تلك الدولة الكافرة باهلل والتي كانت تدين بدين غري‬ ‫الذي كان عليه يو�سف عليه ال�سالم ‪ ،‬خال�صة م�شروع يو�سف قوله‬ ‫تعاىل ( َقا َل َت ْز َرعُو َن َ�س ْب َع �سِ ِن َ‬ ‫ني َد�أَ ًبا َف َما َح َ�صدتمُّ ْ َف َذ ُرو ُه فيِ ُ�سن ُب ِل ِه �إِ َّال‬ ‫ْ‬ ‫َقلِي ً‬ ‫ال ممِّ َّ ا َت�أْ ُك ُلو َن ُث َّم َي�أْتِي مِ ن َب ْعدِ َذل َِك َ�س ْب ٌع �شِ دَا ٌد َي�أ ُك ْل َن مَا َقد َّْم ُت ْم‬ ‫َل ُهنَّ �إِ َّال َقلِي ً‬ ‫ال ممِّ َّ ا تحُ ْ ِ�ص ُنو َن ) (يو�سف‪. )48-47:‬‬ ‫كان يو�سف عليه ال�سالم منوذجاً رفيعاً للت�سامي على حظوظ‬ ‫النف�س ورغباتها ونزعاتها ‪ ،‬ومثا ًال �أ�سمى للوحدة الوطنية التي‬ ‫انتهت بتن�صيبه على خزائن م�صر ‪ ،‬يت�صرف فيها مبا حباه اهلل من‬ ‫علم ومعرفة ‪.‬‬ ‫النموذج الثاين ‪ :‬من ال�سرية النبوية‬ ‫النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم منوذج الوحدة الوطنية ‪:‬عندما‬ ‫هاجر ر�سول اهلل حممد �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل املدينة �أقام ثالث‬ ‫ركائز رئي�سة قام عليها املجتمع املدين ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بناء امل�سجد النبوي ال�شريف ‪.‬‬ ‫‪ -2‬امل�ؤاخاة بني املهاجرين والأن�صار ‪.‬‬ ‫‪ -3‬د�ستور املدينة املنورة بني امل�سلمني واليهود وامل�شركني ‪.‬‬ ‫كان من بنود د�ستور املدينة مع اليهود ما كانت ركائز �أ�سا�سية لبناء‬ ‫الوحدة الوطنية يف املجتمع الإ�سالمي منها ‪:‬‬ ‫و�أن يهود بني عوف �أمة مع امل�ؤمنني ‪ ،‬لليهود دينهم ‪ ،‬وللم�سلمني‬ ‫دينهم ‪ ،‬مواليهم و�أنف�سهم ‪� ،‬إال من ظلم نف�سه ‪ ،‬و�أثم ‪ ،‬ف�إنه ال يوتغ‬ ‫�إال نف�سه ‪ ،‬و�أهل بيته ‪ ،‬و�إن اليهود ينفقون مع امل�ؤمنني ما داموا‬ ‫حماربني ‪ ،‬و�إنه من تبعنا منهم ‪ ،‬ف�إن له الن�صر والأ�سوة غري‬ ‫مظلومني ‪ ،‬وال متنا�صر عليهم ‪.‬‬ ‫و�إن على اليهود نفقتهم ‪ ،‬وعلى امل�سلمني نفقتهم ‪ ،‬و�إن بينهم‬ ‫الن�صر على من حارب �أهل هذه ال�صحيفة ‪ ،‬و�إن بينهم الن�صح ‪،‬‬ ‫والن�صيحة والرب دون الإثم ‪.‬‬ ‫وكتب النبي الكرمي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم �إىل �أ�ساقفة‬ ‫جنران ( ب�سم اهلل الرحمن الرحيم من حممد النبي للأ�سقف �أبي‬ ‫احلارث و�أ�ساقفة جنران وكهنتهم ورهبانهم وكل ما حتت �أيديهم‬ ‫من قليل وكثري جوار اهلل ور�سوله ‪ ،‬ال يغري حق من حقوقهم وال‬ ‫�سلطانهم وال ما كانوا عليه من ذلك ‪ ،‬جوار اهلل ور�سوله �أبداً ما‬ ‫�أ�صلحوا ون�صحوا عليهم ‪ ،‬غري مبتلني بظلم وال ظاملني) ‪.‬‬ ‫فلو كان ال ي�صح �أن يقيم اليهوج والن�صارى يف بلك الإ�سالم ملا‬ ‫عقد ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم مع اليهود والن�صارى وثيقة ‪،‬‬ ‫وحلاربهم و�أجالهم ومل يحدث هذا �إال ملا نق�ضوا العهود واملواثيق‬

‫وارتكبوا ما حرم اهلل يف جميع ال�شرائع ال�سماوية والو�ضعية ‪.‬‬ ‫وما ال�صراع القائم اليوم مع اليهود لأنهم يهود ولكن لأنهم �إعتدوا‬ ‫وت�صهينوا وارتكبوا املحرمات و�سفكوا الدماء واغت�صبوا الأر�ض‬ ‫التي حرمها اهلل ‪.‬‬ ‫وكذا احلال مع الن�صارى فنحن ل�سنا نعاديهم لأنهم ن�صارى‬ ‫ولكنا نحارب من �أ�صبح منهم حاقداً حمارباً ‪.‬‬ ‫�أهل الذمة من اليهود والن�صارى واملجو�س ‪ :‬ولذلك �أجمع علماء‬ ‫امل�سلمني على �أن �أهل الذمة من اليهود والن�صارى واملجو�س ( لهم‬ ‫من احلقوق مثل ما للم�سلمني �إال يف �أمور حمدودة م�ستثناة ‪ ،‬كما �أن‬ ‫عليهم ما على امل�سلمني من واجبات �إال ما ا�ستثني ) ‪.‬‬ ‫النموذج الثالث ‪ :‬من �سرية اخللفاء‬ ‫�سيدنا علي ر�ضي اهلل عنه واخلواج ‪:‬‬

‫بعد مقتل �سيدنا عثمان ر�ضي اهلل عنه على �أيد �آثمة ‪ ،‬وتويل‬ ‫�سيدنا علي ر�ضي اهلل عنه للخالفة بطلب و�إحلاح من �أ�صحاب‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم وحدوث الفتنة بينه وبني �أهل‬ ‫ال�شام ‪� ،‬أدت اىل القتال بني الفريقني ‪ ،‬وخرج من جي�ش �سيدنا‬ ‫علي فئة اعرت�ضوا على التحكيم الذي حدث بني الفريقني‪ ،‬وقد‬ ‫�سمو باخلوارج‪ ،‬وخروجهم هذا كان بداية فتنة كبرية من امل�سلمني‪،‬‬ ‫وكفروا �سيدنا علي و�أ�صحابه و�سيدنا معاوية و�أ�صحابه �أهل ال�شام ‪،‬‬ ‫�أدت يف ما بعد �إىل معارك وحروب ‪ ،‬لي�س هنا حمل تف�صيلها ‪ ،‬هذه‬ ‫الفرقة تعامل معها �سيدنا على تعامال راقيا ينم عن علم جم وفقه‬ ‫كبري ‪ ،‬وحكمة بالغة فقد خاطبهم �أول الأمر حني مل يكن منهم‬ ‫اذى ي�صيب امل�سلمني‪ ،‬قائال لهم( لكم علينا �أال مننعكم م�ساجدنا‬ ‫وال مننعكم فيئكم ما دمتم تغزون معنا ما مل حتدثوا حدثا ) نهج‬ ‫البالغة ‪.‬‬ ‫تطورت الأمور وت�شعبت الأفكار ‪ ،‬وانتقلت �إىل ال�سباب وال�شتائم‪،‬‬ ‫ففي جمل�س كان يتكلم �سيدنا علي ر�ضي اهلل عنه مع �أ�صحابه مر‬ ‫رجل من اخلوارج ف�سمع �شيئا من كالم �سيدنا علي ر�ضي اهلل عنه‬ ‫فتعجب لفقه �سيدنا علي وغزارة علمه فقال ( قاتله اهلل كافراً ما‬ ‫�أفقهه) ‪ ،‬فثار �أ�صحاب �سيدنا علي ر�ضي اهلل عنه على ذلك الرجل‬ ‫اخلارجي ليقتلوه ‪ ،‬فقال �سيدنا علي ر�ضي اهلل عنه( رويداً �إمنا هو‬ ‫�سب ب�سب �أو عفو عن ذنب)‪ .‬فنهى عن قتل من �سبه ونطق بتكفريه‬ ‫يف وجهه‪ ،‬ومع ذلك يحلم عليه ويبني لأ�صحابه �أن ما فعله ال‬ ‫ي�ستحق القتل ! ولو كان هذا اخلارجي كافرا لوجب عليه قتله‪ .‬وقال‬ ‫مو�صياً �أ�صحابه و�أهل بيته يف اخلوارج ( ال تقتلوا اخلوارج بعدي‬ ‫فلي�س من طلب احلق ف�أخط�أه كمن طلب الباطل ف�أدركه )‪ .‬وقال‬ ‫�أي�ضا( يا بني عبد املطلب ال �ألفينكم تخو�ضون دماء امل�سلمني خو�ضاً‬

‫‪36‬‬


‫تقولون ‪ :‬قتل �أمري امل�ؤمنني ‪� ،‬أال ال تقتلن بي �إال قاتلي‪ .‬انظروا �إذا‬ ‫�أنا مت من �ضربته هذه فا�ضربوه �ضربة ب�ضربة ‪ ،‬وال ميثل بالرجل‬ ‫ف�إين �سمعت ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم يقول ‪� :‬إياكم واملثلة ولو‬ ‫بكلب العقور)‪ .‬و�أكد و�صيته ر�ضي اهلل عنه قائال ( �إن ابق ف�أنا ويل‬ ‫دمي و�إن افن فالفناء ميعادي وان �أعفا فالعفو يل قربة وهو لكم‬ ‫ح�سنة فاعفوا �أال حتبون �أن يغفر اهلل لكم ) ‪.‬‬ ‫فلو كان ر�ضي اهلل عنه يعتقد �أن قاتله كافر لأمر بقتله لأنه‬ ‫مرتد‪ ،‬واملرتد يجب قتله ال �سيما وهو م�صر على ما به ح�صل‬ ‫الإرتداد ‪ ،‬مقيم على ما هو عليه من املخالفة والقول بتكفري خ�صمه‬ ‫‪ ،‬فهذا حكمه ر�ضي اهلل عنه يف قاتله فكيف مبن دونه ؟ ! ‪.‬‬ ‫ومع هذا ال بد من احلفاظ على الهوية ‪:‬‬ ‫وحتى ال يفهم كالمنا ب�صورة خمطوئة من بع�ضهم �أننا ندعو �إىل‬ ‫الذوبان وفقدان الهوية ! نقول �أن التعاي�ش مع االخر ال يعني فقدان‬ ‫الهوية بل نحن من خالل هويتنا الإ�سالمية انطلقنا بهذه املفاهيم‬ ‫التي ال ولن جندها يف غري دين الإ�سالم ‪� ،‬أن احلفاظ على الهوية‬ ‫هو الذي يحقق لنا هذا التعاي�ش ولي�س العك�س ‪.‬‬ ‫�إذن ؛ كيف نتعامل مع اخلالفات الدينية والطائفية والعرقية‬ ‫واملذهبية ؟ �إذا كنا جادين – كم�سلمني م�صلحني – يف ال�سعي جلمع‬ ‫كلمة امل�سلمني على كلمة �سواء ‪� ،‬أو على اقل تقدير �أن ن�صنع جوا‬ ‫ي�سوده احلرية والطم�أنينة ‪ ،‬ال بد من �أن نتبع �أربع قواعد رئي�سة‬ ‫وهي ‪:‬‬ ‫القاعدة الأوىل ‪:‬الدعوة باحلكمة‪ ..‬الدعوة باملوعظة‪..‬‬ ‫اجلدال باحل�سنى‬ ‫ثالثة طرق �أمرنا اهلل تعاىل بالعمل بها وفق حالة املدعو يقول‬ ‫اهلل تعاىل ( ا ْد ُع �إِلىِ َ�س ِبيلِ َر ِّب َك ِبالحْ ِ ْك َم ِة َوالمْ َ ْوعِ َظ ِة الحْ َ َ�س َن ِة َو َجا ِد ْلهُم‬ ‫بِا َّلتِي هِ َي �أَ ْح َ�س ُن �إِ َّن َر َّب َك هُ َو �أَ ْعلَ ُم بمِ َن َ�ض َّل عَن َ�س ِبي ِل ِه َوهُ َو �أَ ْعلَ ُم‬ ‫ِبالمْ ُ ْه َتدِ َ‬ ‫ين ) (النحل‪.)125:‬‬ ‫�إن النا�س لي�سوا على حالة فكرية وثقافية و�سلوكية واحدة ‪،‬‬ ‫وهذا التباين يتطلب تنوع �أ�ساليب وطرق الدعوة ‪ ،‬فمنهم من تكفيه‬ ‫املوعظة ‪ ،‬ومنهم تكفيه الإ�شارة باحلكمة التي حترك عقله وتعمل‬ ‫تفكريه ‪ ،‬ومنهم من ال يقنعه �إال اجلدال واجلدال باحل�سنى ف�إذا‬ ‫كان ال ينفعه اجلدال باحل�سنى هنا يحكمنا قول اهلل تعاىل ( ِ�إ اَّل‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ين َظلَ ُموا ) (العنكبوت‪. )46:‬‬

‫�إنكار يف امل�سائل اخلالفية الفرعية) ف�إذن نخرج الفروع الظنية من‬ ‫دائرة اخلالف‪ .‬وقد جاءت ن�صو�ص يف القر�آن الكرمي تق�ص علينا‬ ‫مثل هذا النوع من اخلالف ووقوعه بني انبياء اهلل ور�سله ‪ ،‬ومل‬ ‫ينكر اهلل تعاىل على �أي طرف من املختلفني ‪.‬‬ ‫ون مَا َم َن َع َك �إِ ْذ َر�أَ ْي َت ُه ْم َ�ض ُّلوا �أَلاَّ‬ ‫يقول اهلل تعاىل ( َقا َل َيا هَا ُر ُ‬ ‫َت َّت ِب َع ِن �أَ َف َع َ�ص ْيتَ �أَ ْمرِي َقا َل َيا ا ْب َن ُ�أ َّم اَل َت ْ�أ ُخ ْذ ِبل ِْح َيتِي َو اَل ِب َر ْ�أ�سِ ي‬ ‫ِ�إنيِّ َخ�شِ يتُ �أَن َت ُقو َل َف َّر ْقتَ َبينْ َ َبنِي ِ�إ ْ�س َرائِي َل َولمَ ْ َت ْر ُق ْب َق ْوليِ )‬ ‫(طه‪� .)94-92:‬أما دائرة الأ�صول‪� ،‬أ�صول الدين فتفتح باب احلوار‬ ‫والنقا�ش على م�صراعيه ‪ ،‬وتعقد الندوات وامل�ؤمترات والف�ضائيات‬ ‫وت�سخر كل الو�سائل امل�شروعة خلدمة هذا العمل الذي هو بداية‬ ‫الطريق لوحدة امل�سلمني ووفق القاعدة الأوىل‪.‬‬ ‫القاعدة الثالثة‪ :‬احلوار احلر وعدم الإكراه‬ ‫كل �شيء قد يتحقق بالإكراه �إال الفكر والدين ف�إن الفكر ال يغري‬ ‫ويبدل �إال بالفكر وهذا يتطلب جوا حقيقيا للحرية والأمان عاملني‬ ‫بقوله تعاىل ( َّل ْي َ�س َعلَ ْي َك هُ دَاهُ ْم َو َلـ ِكنَّ اللهّ َ َيهْدِ ي مَن َي َ�شاء َومَا‬ ‫ُتن ِف ُقواْ مِ نْ َخيرْ ٍ َفلأن ُف�سِ ُك ْم َومَا ُتن ِف ُقو َن �إِ َّال ا ْب ِت َغاء َو ْج ِه اللهّ ِ َومَا‬ ‫ُتن ِف ُقواْ مِ نْ َخيرْ ٍ ُي َو َّف �إِ َل ْي ُك ْم َو�أَن ُت ْم َال ُت ْظلَ ُمو َن ) (البقرة‪.)272:‬‬ ‫وقوله تعاىل ( َو َل ْو َ�شاء َر ُّب َك لآم َ​َن مَن فيِ الأَ ْر ِ�ض ُك ُّل ُه ْم َجمِ ي ًعا �أَ َف�أَنتَ‬ ‫ا�س َح َّتى َي ُكو ُنواْ ُم�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ني ) (يون�س‪. )99:‬‬ ‫ُت ْك ِر ُه ال َّن َ‬ ‫القاعدة الرابعة‪ :‬ال�صراحة التامة‬ ‫تكون هناك �صراحة تامة ما مل يكن ال�صدق خلقا رفيعا يتمثل‬ ‫ويتحلى به كل من يرجو �أن يكون التعاي�ش �أ�سا�سا للعالقة بني ابناء‬ ‫امل�سلمني على اختالف طوائفهم ‪ ،‬ولن تكون هنالك �صراحة تامة ما‬ ‫مل يكن ر�ضى اهلل هو الهدف الأ�سمى ‪.‬‬

‫ما الواجب ال�شرعي الذي يقع على عاتق اجلميع ؟‬ ‫الواجب ال�شرعي على اجلميع �أن يتعاونوا على م�صلحة الوطن‬ ‫والبلد بغ�ض النظر عن الدين – و�إن كان الدين الإ�سالمي هو �أ�صل‬ ‫التعاي�ش ومن خالله نقول هذا الكالم – والطائفة والعرق واجلن�س‬ ‫وال�سعي لزرع بذور التعاي�ش ‪ ،‬وتر�سيخ قيم الوحدة الوطنية بني‬ ‫ابناء البلد ب�شتى طوائفه ومذاهبه ‪ ،‬وبذل اجلهد ملحاولة نزع فتيل‬ ‫الطائفية املقيته و�إبدالها بحوار تكتنفه حرية كاملة من غري �إكراه‬ ‫�أو تخويف‪ ،‬م�صحوبا ب�صدق النوايا يف الأقوال والأفعال ‪.‬‬ ‫القاعدة الثانية ‪ :‬ت�شخي�ص نوع اخلالف‬ ‫يقال �أن الت�شخي�ص �أ�سا�س العالج ‪ ،‬فال بد �إذن �أن نتعرف على ثم لنجعل �شعارنا ‪ :‬ال لل�صراع ال للإقتتال ‪ ،‬نعم للتعاي�ش‬ ‫�أنواع اخلالف‪ ،‬واخلالف يف الغالب يدور يف دائرتني ‪ ،‬دائرة �أ�صول ال�سلم ‪.‬‬ ‫الدين ‪ ،‬ودائرة الفروع ‪� ،‬أما دائرة الفروع فقد �أجمع العلماء �أن (ال‬

‫‪37‬‬


‫ﺍﻟﺘﻄﺮﻑ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻭﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‬ ‫عادل الطاهري‪ ‬مفكر مغربي‬ ‫ما اأك‪ ‬التحديات الفكرية واحلقوقية التي تواجهنا نحن‬ ‫امل�سلمني يف اإطار النظام العوملي القائم الذي يغزو ‪‬تمعاتنا‪،‬‬ ‫اإنها حتم ًا ت�سطرنا الأن ننزع عن‪‬ا ذلك الغطاء الذي نتخفى‬ ‫وراءه خوف ًا من "االآخر"‪ ،‬وذلك بغية حتقيق االندماج االإيجابي‬ ‫وطرد �سلوك املمانعة ال�سلبي‪ ،‬اإن‪‬ها حتديات قد نكون يف غنى عن‬ ‫اخلو�ص فيها واإ�ساعة االأوقات يف تناولها لوال انت�سار الفكر‬ ‫املتطرف املتك ‪‬ور على نف�سه كقنفذ يجعل من االإ�سالم دين ًا خ�سن ًا‬ ‫ي�سعب مل�سه‪ ،‬ف�س ًال عن التما�ص جماليته وحما�سنه‪.‬‬

‫اإ َّن التطرف عموماً ظاهرة نف�سية عوي�سة معقدة‪ ،‬ل تخلو من‬ ‫موؤثرات خارجية �ساهمت يف تبلور هذا ال�سعور "الالاإن�ساين" يف‬ ‫العمق الوجداين لالإن�سان الذي يعي�س ه�سترييا التطرف‪ ،‬وهو‬ ‫بعد ذلك �سلوك �سلبي ل مي�س اإل بالأقربني من املتطرف‪ ،‬اأق�سد‬ ‫اأ َّن التطرف ل يعي�س اإل يف الهوام�س واجلوانب فهو يف م�سريته لـ‬ ‫"لتقدم" ويف زحفه العنيف ل يت�سادم اإل مع تلك اجلماعات التي‬ ‫يقال عنها عادة باأنها "معتدلة"‪ ،‬ول يخت�س بدين دون اآخر‪ ،‬اأو‬ ‫اأيديولوجياً دون �سواها‪ ،‬بل اإ َّنها حالة نف�سية قد يعي�سها ا ّأميا اإن�سان‬ ‫بغ�س النظر عن عقائده واختياراته الفكرية‪ ،‬من هنا فلي�س غريباً‬ ‫اأن يخلو التاريخ من اإجنازات حققها املتطرفون‪ ،‬بب�ساطة لأنهم‬ ‫يعي�سون �سراعاً داخلياً م�ستمراً يحول دون انفتاحهم على احلياة‬ ‫باآفاقها املتجددة وجتلياتها امل�ستحدثة يف �سياق تطورها‪ ،‬ف�سال عن‬ ‫اأن تكون لهم يداً يف ت�سطري �سفحات م�سرقة يف ال�سجل التاريخي‪.‬‬ ‫اإ َّن تقدمي قراءة تاريخية وحتليل مو�سوعي لأن�ساق الفكر‬ ‫اخلوارجي املتطرف �سيقدم لنا اأمنوذجاً منوذجياً قد يختزل تلك‬ ‫املتاهة التي يتخبط فيها‪ ،‬وذلك النطاق ال�سيق الذي يتخندق فيه‬ ‫الفكر املتطرف ككل وعدائه لالعتدال والو�سطية وا�سطدامه به‬ ‫و"م�ساملته" الغري املق�سودة ملتطريف فكر "الآخر"‪ ،‬فالفكر اخلوارجي‬ ‫املتطرف مث ً‬ ‫ال مل تكن له اأية اإ�سهامه اإيجابية على مدى تاريخنا‪،‬‬ ‫فال هو فتح بالداً ول عمل على تو�سيع رقعة بالد الإ�سالم ول �ساهم‬ ‫يف ت�سييد �سرح احل�سارة الإ�سالمية ككل‪ ،‬بل اإنه اأ�سال �ساللت من‬ ‫الدماء وخط مبداد اأحمر �سفحات من التاريخ �ستظل �ساهدة على‬ ‫تطرفه وجناياته يف حق الإ�سالم واأهله والب�سرية جمعاء‪.‬‬

‫وما يحول دون التقاء املتطرفني من اأيديولوجيتني يقعان على‬ ‫طريف نقي�س كونهما يظالن دائماً يف نزاع وهمي مع الأقربني منهما‬ ‫فكرياً‪ ،‬ما يجعل التطرف ظاهرة حم�سورة يف نطاق �سيق للغاية ل‬ ‫يربحها قيد اأمنلة‪ ،‬من�سغل دائماً مبن يختلف معه يف فروع جزئية‬ ‫دون القدرة على الو�سول اإىل ذلك "الآخر" الذي يوجد يف الطرف‬ ‫املقابل له‪ ،‬وهذا بالفعل ما تختزله عبارة النبي حممد ‪�-‬سلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ -‬يف حق اخلوارج باأنهم "يقتلون اأهل الإميان ويرتكون‬ ‫اأهل الأوثان"‪ ،‬فهذه العبارة من النبي قد ن�سئ فهمها لو راأينا فيها‬ ‫ب�سطحية حتري�ساً على قتل اأهل الأوثان امل�ساملني‪ ،‬كال! اإ َّن العبارة‬ ‫تعك�س �سلبية الفكر املتطرف‪ ،‬فما دامت ال�سيكولوجيا املتطرفة‬ ‫تع�سق اإراقة الدماء واإثارة الزوابع والفنت ول تتقن غري �سناعة‬ ‫التب�سر واحلكمة يجعلهم يتيهون يف م�ستنقع من‬ ‫املوت‪ ،‬فاإ َّن غياب‬ ‫ّ‬ ‫العبث ال�سلوكي ويتمرغون يف وحل من الت�سرفات الال م�سئولة‬ ‫ويقعون يف انزلقات خطرية غري حممودة املاآل‪.‬‬ ‫اإ َّن حتليل اخلطاب الديني ال�سائد يف بع�س الأو�ساط املتطرفة‪،‬‬ ‫وحماولة فهم اآلياته املتحكمة فيه بالغو�س يف عمقه والتنقيب يف‬ ‫جذوره دون الوقوف عند ظاهره‪ ،‬قد يغري من نظرتنا اإىل التطرف‬ ‫كظاهرة تهدد ال�ستقرار وتزرع الرعب يف املجتمعات‪ ،‬اإ َّن جتاوز‬ ‫تلك الروؤية القا�سرة املخ ّلة التي ترى يف الدين العامل الأ�سا�سي‬ ‫يف تعميق هذه الظاهرة هي اخلطوة التمهيدية الأوىل نحو فهم‬ ‫عميق ل�سيكولوجيا التطرف‪ ،‬طبعا فعندما نقول باأن الدين‬ ‫برئ من ذلك فاإننا ل ننطلق من فراغ‪ ،‬بل اإ َّن ا�ستقراء املعطيات‬ ‫التاريخية تثبت مبا ل يرتك جمال لل�سك اأن املتطرفني كانوا ول‬ ‫تب�سر بالنظر يف‬ ‫يزالون مندفعني "متح ّم�سني" من غري تر ّيث اأو ّ‬ ‫العواقب الوخيمة لأفعالهم الالم�سئولة على امل�ستوى ال�سرعي‪،‬‬ ‫اأي بالوقوف عند حقيقة ما هم "متحم�سون" له ا�ستناداً على‬ ‫�سلطة الن�س �سواء الن�س القراآين اأو الأحاديث واعتماداً عليها‪ ،‬فـ‬ ‫"ذو اخلوي�سرة" مث ً‬ ‫ال‪ ،‬تلك ال�سخ�سية امل�سهورة يف كتب "الفرق"‬ ‫وهو اخلارجي الأول يف بالد الإ�سالم مل يتطاول على اإن�سان عادي‪،‬‬ ‫بل اإ َّن نزوعه للتطرف كان مبثابة ال�سوء الأخ�سر الذي خ ّول له‬ ‫اتهام النبي ‪�-‬سلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬يف عدله مع اأنه �ساحب الدين‬

‫‪38‬‬


‫و"�أمني من يف ال�سماء" كما قال عليه ال�صالة وال�سالم عن نف�سه‬ ‫بحق‪ ،‬وما ُي ِه ّمنا هنا هو �سبب هذا االعرتا�ض الذي ينم عن جفاوة‬ ‫النف�س وق�ساوة الطبع وبداوة ال�سلوك‪ ،‬فلقد كان النبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم ب�صدد تق�سيم الغنائم‪ ،‬فاتهمه ذو اخلوي�صرة باحليف‬ ‫فخاطبه يف رعونة منتفية النظري "اعدل يا حممد‪ ،‬هذه ق�سمة‬ ‫ما �أريد بها وجه اهلل"‪ ،‬وال�شاهد يف هذا احلديث‪ ،‬هو يف النظر �إىل‬ ‫ملهمات هذا القول اجلايف وحمركاته‪� ،‬إنه حتما مل يكن "خط�أ"‬ ‫دينياً هو الذي ن ّبه النزعة املتطرفة يف "ذي اخلوي�صرة" وهيجها‬ ‫فيه لي�صدر مثل هذا الكالم يف حق املع�صوم عليه ال�سالم‪ ،‬بل �إ َّن‬ ‫الأمر يتعلق بتوزيع الغنائم‪� ،‬أي باالقت�صاد‪ ،‬لذا ميكن القول بالكثري‬ ‫من االرتياح واالطمئنان �أ َّن ال�شعور ولو توهّ ما باحليف االقت�صادي‬ ‫واال�ستبداد ال�سيا�سي هو العامل احلامل للإن�سان على التطرف‪� ،‬إ َّن‬ ‫ذلك ال�شعور مبمار�سة عنف و�إن كان معنوياً على الإن�سان هو الذي‬ ‫يجعله يتمرد على املجتمع ككل‪ ،‬فعندما تغيب قيم العدل وامل�ساواة‬ ‫يف املجتمع تكرث الأمرا�ض النف�سية والآفات االجتماعية فتتك�سر‬ ‫�أوا�صر املواطنة وحتل عقدة الأخوة القائمة على الإميان‪� ،‬أمل يقل‬ ‫عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه "لو كان الفقر رجال لقتلته"‪،‬‬ ‫فعمر وهو "ملهم" وذو عبقرية �سيا�سية كان واعياً بخطورة الفقر‬ ‫ك�آفة اجتماعية يرزح حتتها �شريحة وا�سعة من املجتمع‪ ،‬فهو يعمق‬ ‫الهوة بني الطبقات االجتماعية‪ ،‬فيرتجم هذا التفاوت �إىل �شعور‬ ‫بحقد دفني اجتاه �أ�صحاب املال والنفوذ‪ ،‬وهو ما ينعك�س يف عمليات‬ ‫العنف والإرهاب التي ي�سبقها "�إرهاب" �آخر‪ ،‬ومن نوع �آخر‪� ،‬سيا�سي‪،‬‬ ‫اقت�صادي‪ ،‬مور�س على هذا املتطرف‪.‬‬ ‫�إ َّن العدول عن قيمة العدل على جميع امل�ستويات احلياتية‪ ،‬مبا‬ ‫فيها العدالة االجتماعية‪ ،‬وما يتفرع عنها من تكاف�ؤ الفر�ص وتوزيع‬ ‫للرثوات التي تزخر بها البالد بالعدل وم�ساواة جميع الأفراد‬ ‫ك�أ�سنان امل�شط‪ ،‬وح�ضور اقت�صاد الريع و�سيادة ال�سيا�سات الع�شوائية‬ ‫ينذر بانت�شار الأزمات االجتماعية واالختالالت النف�سية يف املجتمع‬ ‫كانت�شار النار يف اله�شيم‪ ،‬وهو ما ي�ؤثرا �سلباً على �أمن املجتمع‪.‬‬ ‫ويف نف�س ال�سياق فتم ّرد اخلوارج على الإمام علي ر�ضي اهلل عنه �إمنا‬ ‫اتخذ من الدين ذريعة ومطية فقط‪ ،‬وهو يف جوهره يت�صل ب�شكل‬ ‫وثيق ب�أن�ساق �أخرى‪� ،‬سيا�سية يف حدثنا هذا‪� ،‬إ َّن الدين كان املتنف�س‬ ‫الوحيد للتعبري عن �سخطهم على الو�ضع ال�سيا�سي‪ ،‬ورف�ض‬ ‫التحكيم بني علي ومعاوية ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬وال ت�أويل م�ست�ساغ‬ ‫غري هذا‪� ،‬إذ ال �شك �أ َّن �سلطة علي ر�ضي اهلل عنه الدينية �أعلى من‬ ‫تلك التي يتمتع بها اخلوارج‪ ،‬لذا ف�سيكون من العبث �أن جنعل من‬ ‫الت�شكيك يف "دين" علي ر�ضي اهلل عنه �سبباً لثورة اخلوارج عليه و�إن‬

‫مت�سحوا باملقولة ذات احلمولة الدينية "ال حكم �إال هلل"‪� .‬إنه جمرد‬ ‫حلم �سيا�سي ت�سرت برداء ديني‪ ،‬فالتخبط ال�سيا�سي الذي �ساد يف بالد‬ ‫الإ�سالم عندئذ‪ ،‬وظهور �أ�صحاب امل�صالح اخلا�صة ال�ضيقة �أذكت نار‬ ‫الفنت‪ ،‬وهو الو�ضع الذي ا�ستهجنته فرقة اخلوارج ‪-‬وقد حق لهم‬ ‫ذلك‪ ، -‬غري �أ َّن النزعة املتطرفة له�ؤالء حادت بهم عن �سلوك منهج‬ ‫الو�سط بالنزوع �إىل الإ�صالح بدل العنف والثورة‪.‬‬ ‫و�إذا �أ�ضفنا �إىل هذا تلك املربرات التي �أعتربها زائفة غري‬ ‫واقعية للخروج على عثمان ر�ضي اهلل عنه‪� ،‬أدركنا �إىل �أيّ حد ميكن‬ ‫للعامل االقت�صادي ‪ -‬ال�سيا�سي �أن ي�شكل دعامة متينة ملمار�سة فعل‬ ‫التطرف‪ ،‬لقد متت تعبئة الهمج والرعاع الذين خرجوا على عثمان‬ ‫ر�ضي اهلل عنه بتلفيق �أكاذيب ن�سبت له‪ ،‬وهي يف جمملها مرتبطة‬ ‫باالقت�صاد وال�سيا�سة‪ ،‬فعثمان ر�ضي اهلل عنه اتهم بالإخالل مببد�أ‬ ‫العدل يف تق�سيم املغامن‪ ،‬وبع�ض الروايات ذات املياه الإيديولوجية‬ ‫الوا�ضحة تطالعنا ب�أ َّنه خ�ص �أقاربه بالوالية‪ ،‬لذا ا�ستنفرت جهات‬ ‫معينة قاعدة جماهريية كبرية ت�ضم ثلة من الأوبا�ش والهمج قاموا‬ ‫مبمار�سة عنف منظم �ضد اخلليفة الرا�شد‪ ،‬ود�شن احلدث امل�أ�ساوي‬ ‫لعهد جديد متيز بانفجار الأزمات على كل امل�ستويات‪.‬‬ ‫هذا على امل�ستوى الداخلي‪� ،‬أق�صد تلك املحركات التي قد حتمل‬ ‫الإن�سان على ممار�سة التطرف �ضد من ي�شرتك معه يف الفكر‬ ‫والعقيدة‪� ،‬أ َّما على امل�ستوى اخلارجي‪ ،‬ف�أرى �أ َّن م�س�ألة التعاي�ش‬ ‫�إ�شكالية معقدة‪ ،‬وهي كذلك ولي�ست جمرد م�شكل عادي‪ ،‬لكونها‬ ‫حتوي �أكرث من م�شكل‪ ،‬فلي�س التطرف الديني ومن اجلهة الواحدة‬ ‫هو الذي يعيق حتقيق التعاي�ش الإن�ساين‪� ،‬إ َّن الفل�سفة الغربية يف حد‬ ‫ذاتها تعترب "الآخر" جحيماً‪ ،‬كما يقول جون بول �سارتر‪ ،‬هذا ف�ضال‬ ‫عن ال�صراعات بني الأديان ومناف�ستها حول �أحقيتها باالنت�ساب �إىل‬ ‫الإله احلق الذي �أر�سل ر�سولها القومي‪ ،‬فدين الن�صارى الغربي‬ ‫مث ً‬ ‫ال ال يعرتف بنبوة حممد ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،-‬وال يحرتم‬ ‫�شخ�صيته كما �أثبتت الكثري من الوقائع‪ ،‬كالر�سوم امل�سيئة لنبينا‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬والأ�سئلة الأيديولوجية املطروحة يف‬‫�أبحاث امل�ست�شرقني بخ�صو�ص �شخ�صية النبي‪ ،‬وطبيعة الأجوبة‬ ‫املقدمة تزيد من تعميق الهوة بني احل�ضارات واالبتعاد �أكرث عن‬ ‫حتقيق قيم الت�سامح والعفو والتعاي�ش‪ ،‬يف حني جند �أ َّن الإ�سالم‬ ‫رغم الدعاوى العري�ضة التي يلوكها بع�ض امل�شككني يف قدرته على‬ ‫اال�ستجابة لتطلعات الب�شرية لبناء عامل ي�سوده ال�سالم والتعاي�ش‪،‬‬ ‫جنده‪ -‬يقر بدين الآخر‪ ،‬ويدعو �إىل املجادلة بالتي هي �أح�سن‪،‬‬‫والتعامل باحلكمة‪ ،‬وي�ؤكد �أ َّن الف�صل بني الأديان هو هلل‪ ،‬ولي�س‬ ‫مهمة من مهام امل�سلمني‪ ،‬وهو بعد ذلك يدعو �إىل التج ّمل والتح ّلي‬

‫‪39‬‬


‫بجملة من الأخالق ال�سامية يف تعامله مع "الآخر"‪ ،‬كال�صفح‬ ‫اجلميل والهجر اجلميل والعفو والإح�سان �إليه‪ ،‬يقول تعاىل (�إِ َّن‬ ‫و�س َوا َّلذِ َ‬ ‫ين �آ َم ُنوا َوا َّلذِ َ‬ ‫ا َّلذِ َ‬ ‫ال�صا ِب ِئ َ‬ ‫ين‬ ‫ين هَادُوا َو َّ‬ ‫ني َوال َّن َ�صا َرى َوالمْ َ ُج َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫�أَ ْ�ش َر ُكوا �إِ َّن اللهَّ َي ْف ِ�ص ُل َب ْي َن ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة �إِ َّن اللهَّ َعلَى ُك ِّل َ�ش ْي ٍء َ�شهِيدٌ)‬ ‫(احلج‪ )17:‬ويقول جل وعال ( َو اَل تجُ َ ا ِد ُلوا �أَهْ َل ا ْل ِك َتابِ �إِ اَّل بِا َّلتِي هِ َي‬ ‫�أَ ْح َ�س ُن ِ�إ اَّل ا َّلذِ َ‬ ‫ين َظلَ ُموا مِ ْن ُه ْم) (العنكبوت‪ )46:‬ثم ي�ؤكد يف �صورة‬ ‫رائعة على �ضرورة االعرتاف املتبادل بني �أ�صحاب الأديان والبحث‬ ‫عن القوا�سم امل�شرتكة والت�آخي الإن�ساين مادام �إلهنا واحد ( َو ُقو ُلوا‬ ‫�آ َم َّنا بِا َّلذِ ي �أُ ْن ِز َل �إِ َل ْي َنا َو ُ�أ ْن ِز َل ِ�إ َل ْي ُك ْم َو�إِ اَلهُ َنا َو�إِ اَلهُ ُك ْم َواحِ ٌد َو َن ْح ُن َل ُه‬ ‫م ُْ�س ِل ُمو َن) (العنكبوت‪.)46:‬‬ ‫بل �إ َّن الإح�سان �إىل "الآخر" من غري امل�سلمني هو من الق�سط‬ ‫الذي يحبه اهلل‪ ،‬كيف ال وفل�سفة الإ�سالم يف النظر �إىل الإن�سان‬ ‫تختلف عن �شوفينية الأديان الأخرى والر�ؤية اال�ستعالئية لبع�ض‬ ‫التيارات الأيديولوجية‪ ،‬وتختزلها قولة الإمام علي ر�ضي اهلل عنه‬ ‫"النا�س �صنفان‪� :‬إما �أخ لك يف الدين �أو نظري لك يف اخللق"‪ ،‬لذا‬ ‫فال غرابة �أن يحث اهلل على مد ج�سور التوا�صل للآخر والإح�سان‬ ‫�إليه ما دام يبادلنا املودة وال يرانا "جحيماً" ‪،‬يقول �سبحانه وتعاىل‬ ‫اَ‬ ‫(ل َي ْنهَا ُك ُم اللهَّ ُ ع َِن ا َّلذِ َ‬ ‫ِّين َولمَ ْ ُي ْخر ُِجو ُك ْم‬ ‫ين لمَ ْ ُي َقا ِت ُلو ُك ْم فيِ الد ِ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫مِ نْ ِد َيا ِر ُك ْم �أ ْن َتبرَ ُّ وهُ ْم َو ُت ْق�سِ ُطوا ِ�إ َل ْي ِه ْم ِ�إ َّن ا يُحِ ُّب المْ ُ ْق�سِ طِ َ‬ ‫ني)‬ ‫(املمتحنة‪� ،)8:‬أ َّما العدل فقيمة البد من ا�ستح�ضارها حتى مع من‬ ‫نكن له ال�شن�آن والبغ�ض‪ ،‬يقول عز وجل ( َو اَل َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ�ش َن� ُآن َق ْو ٍم‬ ‫َعلَى �أَ اَّل َت ْعدِ ُلوا ) (املائدة‪.)8:‬‬ ‫�أ َّما بع�ض "الأ�صول" الرائجة يف بع�ض الأدبيات ال�سلفية‪ ،‬املقتب�سة‬ ‫من بع�ض ر�سائل ال�شيخ حممد بن عبد الوهاب الذي تن�سب له‬ ‫الطريقة الوهابية‪ ،‬من قبيل ما ي�سمى بـ "الوالء والرباء"‪ ،‬ف�أرى‬ ‫�أ َّن اخلط�أ يف قراءة الن�صو�ص القر�آنية التي تدعو حلمل ال�سالح‬ ‫ومعاداة "الآخر" قراءة مطلقة والنظر �إىل الآيات نظرة جامدة‪،‬‬ ‫دون الأخذ بال�سياق التاريخي الذي نزلت فيه‪� ،‬أو ما ي�سمى يف علوم‬ ‫الرتاث بـ "�أ�سباب النزول"‪� ،‬إن ر�سالة "الأ�صول الثالثة" مثال‬ ‫التي تلقن للأطفال ت�شكل خطراً عظيماً على تن�شئتهم الفكرية‬ ‫وقد ت�ؤثر على حدود عالقاتهم الإن�سانية‪ ،‬فـ "الوالء والرباء"‬ ‫الذي يعترب �أ�ص ً‬ ‫ال من �أ�صول الإ�سالم كما يرى ال�شيخ حممد بن‬ ‫عبد الوهاب‪ ،‬من الأخطاء التي ينبغي �أن نتداركها‪ ،‬بحيث نتجاوز‬ ‫التف�سري احلريف الظاهري للقر�آن‪ ،‬فهذا الأخري قد يوقعنا يف متاهة‬ ‫لن يت�سنى لنا االنعتاق منها �إال بتو�سيع �أفق فهم الن�ص القر�آين‬ ‫واملقارنة الواعية بني الن�صو�ص دون انتقائية تخدم هوى الإن�سان‬ ‫الولهان بالتطرف‪ ،‬ومعلوم �أن تلقني مبادئ عوجاء للأطفال قد‬

‫ي�شكل نواة لفهم خاطئ للإ�سالم ككل‪ ،‬خا�صة يف م�س�ألة ح�سا�سة‬ ‫كهذه‪� .‬إ َّن الرباء �أو معاداة "الآخر" هو من قبيل مبادلة �شعور‬ ‫ب�شعور �أي املعاملة باملثل‪ ،‬فهو خا�ص �إذن مبن يعلن احلرب على بالد‬ ‫الإ�سالم �أو يعادي معاداة �سافرة اهلل ور�سوله‪� ،‬أي مقد�سات امل�سلمني‪،‬‬ ‫ِالل َوا ْل َي ْو ِم الآخِ ِر ُي َوا ُدّو َن َمنْ‬ ‫يقول تعاىل (ال تجَ ِ ُد َق ْو ًما ُي�ؤْمِ ُنو َن ب هَّ ِ‬ ‫َحا َّد هَّ َ‬ ‫الل َو َر ُ�سو َلهُ) (املجادلة‪ .)5 :‬و�إال كيف نف�سر قوله تعاىل يف‬ ‫ين �آ َم ُنوا ا َّلذِ َ‬ ‫منا�سبة �أخرى ( َو َل َتجِ َد َّن َ�أ ْق َر َب ُه ْم َم َو َّد ًة ِل ّلَذِ َ‬ ‫ين َقا ُلوا‬ ‫�إِ َّنا َن َ�صا َرى) (املائدة‪� ،)82 :‬أو كيف جنمع بني "�أ�صل" الرباء ورغبة‬ ‫امل�سلمني يف ظهور الروم يف حقبة الر�سول ‪�-‬صلى اهلل عليه و�سلم‪-‬‬ ‫على الفر�س مع �أ َّن الروم من الن�صارى‪ ،‬بل ويعترب ذلك اهلل تعاىل‬ ‫من ن�صر اهلل حيث يقول تعاىل ُ‬ ‫الَ ْر ِ�ض َوهُ ْم‬ ‫(غ ِل َبتِ ال ُّرو ُم فيِ �أَ ْد َنى ْ أ‬ ‫مِ نْ َب ْعدِ َغلَ ِب ِه ْم َ�س َي ْغ ِل ُبو َن فيِ ب ِْ�ض ِع �سِ ِن َ‬ ‫ني للِهَّ ِ ْالأَ ْم ُر مِ نْ َق ْب ُل َومِ نْ َب ْع ُد‬ ‫َو َي ْو َمئِذٍ َي ْف َر ُح المْ ُ�ؤْمِ ُنو َن ِ َن ْ�ص ِر اللهَّ ِ) (الروم‪)5-2:‬‬ ‫�إ َّنها �أ�سئلة حمرجة حتتم علينا �أن نعيد النظر يف مثل هذه‬ ‫"الأ�صول" التي ال تتوافق مع �سماحة الإ�سالم والقيم التي �ألح‬ ‫على حتمية التم�سك بها‪ ،‬وت�شوه �صورته و�سمعته �أمام احل�ضارات‬ ‫الأخرى‪.‬‬ ‫�إ َّننا يف غري حاجة لدرو�س غربية تلقننا مفاهيم التعاي�ش وحوار‬ ‫احل�ضارات واحت�ضان "الآخر" ‪ ،‬يف غري حاجة لدرو�سهم فع ً‬ ‫ال �إن‬ ‫قر�أنا ديننا قراءة واعية ب�أفق منفتح بعيداً عن التطرف واالنغالق‬ ‫الفكري‪ ،‬ومن غري �إ�سقاط للذات التائقة للتطرف على الن�صو�ص‬ ‫ال�صامتة الربيئة‪ ،‬فكثرياً ما يكون "طوبى" التطرف نابعاً من‬ ‫الداخل‪ ،‬ويحاول املتطرف �أن يلقي لتطرفه �سنداً و�شرعية يف الدين‬ ‫حتى تكون له �سلطة على �أخيه "املعتدل"‪ ،‬وليكف البع�ض عن ذر‬ ‫الرماد على العيون‪ ،‬ف�إ َّن التوق لبناء جمتمع �آمن يتطلب نقداً‬ ‫مو�ضوعياً لظاهرة التطرف والإرهاب‪ ،‬ال نقداً �أيديولوجيا �أ�شبه ما‬ ‫يكون بقناع لتمرير مغالطات وخدمة الذات‪ ،‬فلنبحث �إذن عن منابع‬ ‫التطرف لتجفيفها بعيداً عن الأيديولوجيا‪ ،‬ذلك الدين اجلديد‬ ‫لبع�ض املثقفني‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺭﺳﺎﻟﺔ‬ ‫ﺗﺮﺑﻮﻳﺔ‬ ‫عبد الوهاب بوخلخال‬ ‫اإ َّن اهلل �سبحانه وتعاىل خلق الإن�سان‪ ،‬وركب فيه العقل والإرادة‬ ‫والغريزة ور�سحه لوظيفة اخلالفة‪ ،‬ولكن مل يرتكه هم ً‬ ‫ال يبحث عن‬ ‫طريقه لوحده‪ ،‬واإمنا اأ�ساف اإىل �سعاع العقل الذي كرمه به‪� ،‬سرا َج‬ ‫الوحي‪ ،‬وو�سع ال�سراج باأيدي �سفوة من خلقه؛ اختارهم ورباهم‬ ‫على عينه‪ ،‬ثم �ساقهم يف �سل�سلة نورانية منذ اآدم عليه ال�سالم اإىل‬ ‫�سيدنا حممد �سلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬كي ينريوا لالإن�سان دروب حياته‬ ‫ويوؤهلوه اإىل اأن يرتقي اإىل مقام اخلالفة والعبودية والعمارة‪ .‬وهي‬ ‫وظائف ثالث قد تتكامل وتتداخل لت�سبط عالقة الإن�سان بخالقه‬ ‫وبذاته وبالكون الذي يحيط به‪.‬‬ ‫واإ َّن جوهر وظيفة الأنبياء ‪-‬زياد ًة على اإقامة احلجة على اخللق‪-‬‬ ‫يكمن يف اإعداد الإن�سان وتطهري نف�سه‪ ،‬ليكون �ساحلاً ملقام العبودية‬ ‫املبنية على الإرادة واملحبة‪ ،‬اأي اإخراج الإن�سان من الدائرة التي يكون‬ ‫فيها عبداً هلل بال�سطرار‪ ،‬اإىل الدائرة التي يكون فيها عبداً هلل‬ ‫بالختيار‪ ،‬وهي التي يحقق من خاللها اإن�سانيته ومتيزه عن بقية‬ ‫املوجودات‪.‬‬ ‫وهذا التحويل والتغيري يف معنى الت�ساف بالعبودية‪ ،‬هو ما‬ ‫ميكن اأن ن�سميه "الرتبية"‪ .‬والرتبية هي عملية لي�ست �سهلة ول‬ ‫هينة‪ ،‬خ�سو�ساً اإذا ف�سدت الفطرة الإن�سانية اأو ت�سوهت بفعل تدخل‬ ‫امل�سالك الرتبوية البعيدة عن هداية الوحي‪ ،‬وهو ما حدث بالفعل‬ ‫كما يخربنا القراآن‪ ،‬من خالل معاناة الأنبياء ‪-‬عليهم ال�سالم‪ -‬من‬ ‫ف�ساد فطر اأقوامهم وتوارثهم لذلك الف�ساد والنحراف العقدي‬ ‫وال�سلوكي‪.‬‬ ‫جوهر الر�ساالت النبوية‬ ‫والذي يجعلنا نقول باأن جوهر الر�سالت النبوية‪ ،‬هو اإعداد‬ ‫الإن�سان وتربيته ليكون اأه ً‬ ‫ال ملقام العبودية‪ ،‬اأننا جند القراآن الكرمي‬ ‫عندما يق�س علينا ق�س�س الأنبياء‪ّ ،‬‬ ‫يبني اأنهم ‪-‬واإن اختلفوا يف‬ ‫معاجلة الأمرا�س الجتماعية البارزة يف اأقوامهم‪ ،‬كال�ستبداد‬ ‫ال�سيا�سي اأو الف�ساد الأخالقي اأو الظلم الجتماعي اأو النحراف‬ ‫القت�سادي‪ -‬ي�سرتكون يف البدء بدعوة النا�س اإىل عبودية اهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪ ،‬حيث نرى ذلك من خالل تكرر اآية‪:‬‬ ‫( َيا َق ْو ِم ْاع ُبدُوا َ‬ ‫ريهُ) (الأعراف‪ .)59:‬وح ْر�س‬ ‫اهلل مَا َل ُك ْم مِ نْ اإِ َل ٍه َغ ْ ُ‬

‫القراآن على تكرار الآية حرف ًّيا مع كل نبي على اختالف زمانه ومكانه‬ ‫و�سرعته مع بقية الأنبياء‪ ،‬ل ميكن اأن يكون مبح�س ال�سدفة اأو دون‬ ‫غاية وحكمة‪.‬‬ ‫اإن خ�سائ�س الرتبية النبوية‪ ،‬لي�ست �سوى انعكا�س خل�سائ�س‬ ‫الر�سالة النبوية ذاتها‪.‬‬ ‫فالر�سول �سلى اهلل عليه و�سلم هو خامت الأنبياء‪ ،‬ور�سالته هي‬ ‫ال ومكم ً‬ ‫خامتة الر�سالت‪ .‬فكان متكام ً‬ ‫ال ملن �سبقه‪ ،‬ويف الوقت ذاته‪،‬‬ ‫متميزاً عنهم بخ�سائ�س تتفق مع ختمه ل�سل�سلة النبوة والر�سالة‪،‬‬ ‫وهو ما يعني خطابه لالإن�سان يف كل زمان ومكان‪.‬‬ ‫وعلى �سوء هذا نفهم التكامل بني املعنى الوارد يف حديث‪" :‬مثلي‬ ‫يف النبيني كمثل رجل بنى داراً فاأح�سنها واأكملها وجملها وترك منها‬ ‫مو�سع لبنة‪ ،‬فجعل النا�س يطوفون بالبناء ويعجبون منه ويقولون‬ ‫لو مت مو�سع تلك اللبنة‪ ،‬واأنا يف النبيني مبو�سع تلك اللبنة" (رواه‬ ‫البخاري)‪ ،‬واملعنى الوارد يف حديث‪" :‬اأُعطيت خم�ساً مل يعطهن اأحد‬ ‫من الأنبياء قبلي‪ُ ،‬ن�سرت بالرعب م�سرية �سهر وجعلت يل الأر�س‬ ‫م�سجداً وطهوراً فاأميا رجل من اأمتي اأدركته ال�سالة فلي�سل‪،‬‬ ‫واأحلت يل الغنائم ومل حتل لأحد من قبلي‪ ،‬واأعطيت ال�سفاعة‪،‬‬ ‫وكان النبي ُيبعث اإىل قومه خا�سة وبعثت اإىل النا�س عامة" (رواه‬ ‫م�سلم)‪ .‬فالأول ينبه اإىل خا�سية التكامل والتكميل‪ ،‬والثاين ينبه‬ ‫اإىل خا�سية التميز التي يقت�سيها ختم الر�سالة‪.‬‬ ‫خ�سائ�ص تربية الر�سول �سلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫فاإذا �سئنا اأن نبني خ�سائ�س الرتبية عند الر�سول �سلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬علينا اأن نبحث يف خ�سائ�س الإ�سالم ذاته من جهة‪،‬‬ ‫وخ�سائ�س العالقة بني الر�سول �سلى اهلل عليه و�سلم والنا�س كما‬ ‫يحددها القراآن من جهة ثانية‪ .‬فهذه اخل�سائ�س اإجما ًل ميكن‬ ‫تبينها من خالل مناذج من الآيات املحددة للعالقة بني الر�سول‬ ‫�سلى اهلل عليه و�سلم والنا�س الذين اأُر�سل اإليهم‪.‬‬ ‫قال تعاىل ( َك َما اأَ ْر َ�س ْل َنا فِي ُك ْم َر ُ�سو ًل مِ ْن ُك ْم َي ْت ُلو َعلَ ْي ُك ْم اآ َيا ِت َنا‬ ‫احل ْك َم َة َو ُي َع ِّل ُم ُك ْم مَا َ ْ‬ ‫مل َت ُكو ُنوا َت ْعلَ ُمو َن)‬ ‫اب َو ْ ِ‬ ‫َو ُي َز ِّكي ُك ْم َو ُي َع ِّل ُم ُك ُم ا ْل ِك َت َ‬ ‫ُ‬ ‫(البقرة‪ ،)151:‬وكقوله تعاىل ( هُ َو ا َّلذِ ي َب َع َث ِيف الأ ِّم ِّي َ‬ ‫ني َر ُ�سو ًل‬ ‫احل ْك َم َة َواإِ ْن َكا ُنوا‬ ‫اب َو ْ ِ‬ ‫مِ ْن ُه ْم َي ْت ُلو َعلَ ْي ِه ْم اآ َيا ِت ِه َو ُي َز ِّكي ِه ْم َو ُي َع ِّل ُم ُه ُم ا ْل ِك َت َ‬ ‫مِ نْ َق ْب ُل َلفِي َ�س َ‬ ‫اللٍ ُم ِبني ٍ) (اجلمعة‪.)2:‬‬ ‫فالآيتان عر�ستا ب�سورة مكثفة على طريقة القراآن البالغية‬ ‫الراقية‪ ،‬الوظيف َة التحويلية لر�سالة النبي �سلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫التي يتم من خاللها نقل املدعوين من م�ستوى الأمية بكل‬ ‫مفاهيمها؛ اأمية عدم القراءة والكتابة‪ ،‬اأمية عدم امتالك الكتاب‪،‬‬ ‫الأمية احل�سارية‪ ...‬اإىل م�ستوى املعرفة والتزكية وامتالك الكتاب‬ ‫واحلكمة‪ .‬فهي عملية حتويل تنور العقل وتطهر النف�س‪ .‬وهل‬ ‫الرتبية يف اأدق معانيها اإل هذا!‬

‫‪41‬‬


‫�أما تف�صي ً‬ ‫ال وبالنظر �إىل خ�صائ�ص الإ�سالم ذاته‪ ،‬فيمكن تبني‬ ‫خ�صائ�ص الرتبية النبوية من خالل ال�سمات التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬الإن�سانية‪ :‬فهي جاءت ت�ستهدف الإن�سان مبا هو �إن�سان‪ .‬كيف‬ ‫ال وهي ‪-‬كما قلنا‪ -‬انعكا�س للإ�سالم الذي ميتاز بنزعته الإن�سانية‬ ‫الوا�ضحة الثابتة الأ�صيلة يف معتقداته وعباداته وت�شريعاته‬ ‫وتوجيهاته‪� ،‬إنه دين الإن�سان‪.‬‬ ‫ومن هنا ر�أيناها تتعامل مع الإن�سان ال باعتباره ملَكاً مع�صوما‪ً،‬‬ ‫وال باعتباره �شيطاناً رجيماً‪ ،‬وال باعتباره بهيمة عجماء‪ ،‬و�إمنا‬ ‫باعتباره �إن�ساناً ُركبت فيه نوازع ال�شر ونوازع اخلري‪َ ( :‬و َن ْف ٍ�س َومَا‬ ‫َ�س َّواهَا * َف�أَ ْل َه َمهَا ُف ُجو َرهَا َو َت ْق َواهَا ) (ال�شم�س‪ ،)8-7:‬وتجَ ا َور يف‬ ‫كيانه العقل والغريزة واجل�سد والروح‪ ...‬قد يرتقي وقد يت�سافل‪،‬‬ ‫قد يقوى وقد ي�ضعف‪ ،‬ولكنه يف كل حاالته يظل �إن�ساناً‪ ،‬وعلينا �أن‬ ‫نعامله على هذا الأ�سا�س‪.‬‬ ‫ولعل من �أبرز التنبيهات �إىل هذه اخلا�صية‪ ،‬اجلواب الذي حل‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم الإ�شكا َل الذي وقع فيه‬ ‫من خالله‬ ‫ُّ‬ ‫ال�صحابي "حنظلة" ر�ضي اهلل عنه حينما �سارع �إىل اتهام نف�سه‬ ‫بالنفاق ملا الحظ ترددها بني االرتفاع الروحي �إذ يكون ب�صحبة‬ ‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬والنزول �إىل م�ستوى التعامل العادي �إذ‬ ‫يكون ب�صحبة الزوجة والولد‪.‬‬ ‫فعن حنظلة الكاتب التميمي الأ�سدي ر�ضي اهلل عنه قال‪ :‬كنا‬ ‫عند ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فذكر اجلنة والنار حتى ك�أنا‬ ‫ر�أي العني‪ ،‬فقمت �إىل �أهلي وولدي ف�ضحكت ولعبت‪ ،‬فذكرت الذي‬ ‫كنا فيه‪ ،‬فلقيت �أبا بكر ر�ضي اهلل عنه فقلت‪ :‬نافقت نافقت‪ ،‬فقال �أبو‬ ‫بكر ر�ضي اهلل عنه‪� :‬إنا لنفعله‪ ،‬فذهب حنظلة فذكره للنبي �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم فقال‪":‬يا حنظلة لو كنتم كما تكونون عندي ل�صافحتكم‬ ‫املالئكة على فر�شكم �أو على طرقكم‪ ،‬يا حنظلة �ساعة و�ساعة" (رواه‬ ‫م�سلم)‪.‬‬ ‫فالتوجيه النبوي هنا‪ ،‬يعيد الأمور �إىل ن�صابها‪ ،‬وهو �أن ال ينظر‬ ‫الإن�سان �إىل نف�سه وال �إىل نفو�س من يربيهم خارج نطاق و�صف‬ ‫الإن�سانية‪ .‬وبهذا تقف الرتبية النبوية موقفاً و�سطاً يف النظر �إىل‬ ‫الإن�سان‪ ،‬فال هي �أ ّلهته وال هي �سلبته �إن�سانيته‪ ،‬فكال املوقفني ينتهي‬ ‫�إىل النتيجة ذاتها وهي احلط من مكانة الإن�سان كمخلوق مكرم‪.‬‬ ‫فالذي يخ�ضع ل�صنم �أو ملظهر من مظاهر الطبيعة الظاهرة‬ ‫�أو اخلفية‪ ،‬يقع يف �أ�سوء �أنواع العبودية في�ؤول �أمره �إىل �أن يفقد‬ ‫�إن�سانيته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والذي ينطلق يف احلياة متفلتا من عبودية اهلل �سبحانه وتعاىل‬ ‫م�ؤلهاً نف�سه‪ ،‬يقع يف عبودية ال تقل �سوءاً و�ش ًّرا عن عبودية ال�صنف‬ ‫الأول؛ �إذ لي�س يف الدنيا �أ�شنع من اتخاذ الهوى �إلهاً يعبد من دون‬ ‫اهلل �سبحانه وتعاىل ( �أَ َف َر�أَ ْيتَ م َِن ا َّت َخ َذ �إِ َل َه ُه َه َوا ُه َو�أَ َ�ض َّل ُه ُ‬ ‫اهلل َعلَى‬

‫عِ ْل ٍم َو َخ َت َم َعلَى َ�س ْم ِع ِه َو َق ْل ِب ِه َو َج َع َل َعلَى َب َ�ص ِر ِه غِ َ�شا َو ًة َف َمنْ َيهْدِ ي ِه‬ ‫هلل �أَ َف َ‬ ‫ال َت َذ َّك ُرو َن ) (اجلاثية‪ .)23:‬فالأمر ي�ؤول �أي�ضاً �إىل‬ ‫مِ نْ َب ْعدِ ا ِ‬ ‫�أن يفقد الإن�سان �إن�سانيته‪ ،‬ويقع فيما �أ�سماه من ر�صدوا �أمرا�ض‬ ‫احل�ضارة الغربية املعا�صرة "ت�شي�ؤ الإن�سان وت�سلعه" (�أي حتوله �إىل‬ ‫�شيء و�سلعة) في�صبح حمكوماً بقوانني ال�سوق‪ ،‬كما يحكم �أي �شيء‬ ‫مادي �آخر‪ ،‬مما يفقده خ�صائ�صه الإن�سانية التي كرمه اهلل �سبحانه‬ ‫وتعاىل بها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يقول الدكتور عبد الوهاب امل�سريي‪� ،‬شارحا مفهوم "جتريد‬ ‫الإن�سان من خ�صائ�صه الإن�سانية" لدى نقاد احل�ضارة الغربية‪:‬‬ ‫"ترجمة للكلمة الإجنليزية (‪ )DEHUMANIZATION‬وهي‬ ‫تعني �إنكار وقمع تلك ال�صفات والأفكار والن�شاطات التي متيز‬ ‫الإن�سان عن غريه من الكائنات‪ ،‬ومنع حتقيق الإمكانات الإن�سانية‬ ‫للإن�سان مقابل خ�صائ�صه الطبيعية املادية التي ي�شرتك فيها مع‬ ‫غريه من الكائنات‪ ،‬ومن ثم ميكن القول ب�أن العبارة مرتادفة مع‬ ‫كلمة "اغرتاب"‪.‬‬ ‫وت�ستخدم العبارة للإ�شارة �إىل تلك االجتاهات يف احل�ضارة‬ ‫احلديثة التي جترد الإن�سان من �إن�سانيته‪ ،‬وحتوله �إىل �شيء �ضمن‬ ‫الأ�شياء‪� ،‬أي ت�ستوعبه وت�سلعه وتنكر عليه حرية االختيار واملقدرة‬ ‫على التجاوز‪ ،‬وحتقيق كليته الإن�سانية املركبة املتجاوزة للحتميات‬ ‫الطبيعية املادية وللأمناط الطبيعية املتكررة"‪)1(.‬‬ ‫‪-2‬ال�شمولية‪ :‬وهذه خا�صية �أخرى جندها للرتبية النبوية وهي‬ ‫تتعامل مع الإن�سان‪� ،‬إذ تنظر �إليه كما ينظر �إليه الإ�سالم؛ نظرة‬ ‫�شاملة ت�ستوعب مكوناته من عقل وروح وعاطفة وج�سد وغريزة‪ ،‬كما‬ ‫ت�ستوعب جميع �أطوار حياته من طفولة و�شباب وكهولة و�شيخوخة‪،‬‬ ‫كما ت�ستوعب �أو�ضاعه رج ً‬ ‫ال وامر�أة‪ ،‬فرداً وجمتمعاً‪.‬‬ ‫فالإن�سان يف نظر الرتبية النبوية متعدد الأبعاد‪ ،‬ولكل بعد حقه‬ ‫يف العناية والتهذيب وتلبية احلاجات‪ ،‬و�إال ت�شوه كيان الإن�سان‪،‬‬ ‫و َف َق َد التقومي الأح�سن الذي خلقه اهلل �سبحانه وتعاىل عليه‪ ،‬وهو‬ ‫ال يكون كذلك �إال �إذا كان "�أح�سن بح�سب الظاهر والباطن"‪.‬‬ ‫ولعل يف حر�ص النبي �صلى اهلل عليه و�سلم على حماربة الإخالل‬ ‫بهذه اخلا�صية من بع�ض ال�صحابة‪ ،‬ما ي�ؤيد هذا املعنى وي�ؤكده‪ .‬فقد‬ ‫كان �صلى اهلل عليه و�سلم يعالج ظاهرة ميل من يربيهم �إىل بعد من‬ ‫�أبعاد مكوناتهم ‪-‬والذي يكون يف الغالب البعد الروحي‪ -‬على ح�ساب‬ ‫الأبعاد الأخرى‪ ،‬فينبههم �إىل ف�ساد م�سلكهم وخروجهم عن التقومي‬ ‫الأح�سن الذي متثله �شخ�صيته �صلى اهلل عليه و�سلم فرتاه يربط‬ ‫التوجيه ب�سنته‪ ،‬ولن�ضرب على هذا مثا ًال واحداً‪ :‬عن عائ�شة ر�ضي‬ ‫اهلل عنها �أن النبي �صلى اهلل عليه و�سلم بعث �إىل عثمان بن مظعون‬ ‫ر�ضي اهلل عنه فجاءه‪ ،‬فقال‪" :‬يا عثمان �أرغبت عن �سنتي؟" قال‪:‬‬ ‫ال واهلل يا ر�سول اهلل‪ ،‬ولكن �سنتك �أطلب‪ ،‬قال‪" :‬ف�إين �أنام و�أ�صلي‪،‬‬

‫‪42‬‬


‫و�أ�صوم و�أفطر‪ ،‬و�أنكح الن�ساء‪ ،‬فاتق اهلل يا عثمان‪ ،‬ف�إن لأهلك عليك‬ ‫ح ًّقا‪ ،‬و�إن ل�ضيفك عليك ح ًّقا‪ ،‬و�إن لنف�سك عليك ح ًّقا‪ ،‬ف�صم و�أفطر‬ ‫و�صل ومن" (رواه �أبو داود)‪.‬‬ ‫فالتوجيه النبوي هنا ‪-‬ويف غريه من الأحاديث املماثلة‪ -‬ينبه‬ ‫على خطورة اخلروج عن ال�سنة يف التعامل مع النف�س الإن�سانية‪.‬‬ ‫فالإن�سان كما خلقه اهلل �سبحانه وتعاىل مركب من �أبعاد وجب‬ ‫احرتامها والوفاء بحقوقها‪ ...‬و�إن من �أخطر ما يوقع الإن�سان‬ ‫يف ال�شقاء واالغرتاب الذي �أملحنا �إليه من قبل‪ ،‬هو جتاهل �أبعاده‬ ‫املختلفة واختزاله يف ُبعد واحد‪� ،‬سواء كان روح ًّيا �أم ماد ًّيا‪.‬‬ ‫والتجارب الإن�سانية البعيدة عن هداية الوحي‪ ،‬كثرياً ما جلبت‬ ‫التعا�سة للإن�سان حني تعاملت معه على �أنه كائن ب�سيط مكون من‬ ‫ُبعد واحد‪.‬‬ ‫جند ذلك يف ممار�سة بع�ض "ال�صوفية" املتجاوزة ل�ضوابط‬ ‫ال�شرع‪ ،‬واملت�أثرة بالفل�سفات التي ترى يف �إنهاك اجل�سد وقمع‬ ‫متطلباته خال�صاً للروح وحتقيقاً للكمال‪.‬‬ ‫كما جند ذلك يف امل�سلك املقابل لدى احل�ضارة الغربية املعا�صرة‪،‬‬ ‫التي �ضخمت من مادية الإن�سان على ح�ساب روحه‪� ،‬إىل الدرجة‬ ‫التي اختفت ‪�-‬أو كادت تختفي‪ -‬فيه بقية الأبعاد‪ ،‬مما جعل الباحثني‬ ‫يتحدثون يف معر�ض نقدهم مل�آالت احل�ضارة الغربية عن ظاهرة‬ ‫"الإن�سان ذي ال ُبعد الواحد"‪ .‬وعن هذه الظاهرة يقول الدكتور‬ ‫امل�سريي‪" :‬هي عبارة ترد يف كتابات "هربرت ماركوز" (�أحد‬ ‫مفكري مدر�سة فرنكفورت) وتعني "الإن�سان الب�سيط غري املركب"‪.‬‬ ‫والإن�سان ذو البعد الواحد هو نتاج املجتمع احلديث‪ ،‬وهو نف�سه‬ ‫جمتمع ذو بعد واحد‪ ،‬ي�سيطر عليه العقل الأداتي والعقالنية‬ ‫التكنولوجية والواحدية املادية‪ ،‬و�شعاره ب�سيط هو التقدم العلمي‬ ‫وال�صناعي‪ ،‬وتعظيم الإنتاجية املادية‪ ،‬وحتقيق معدالت متزايدة من‬ ‫الوفرة والرفاهية واال�ستهالك‪ ،‬وتهيمن على هذا املجتمع الفل�سفة‬ ‫الو�ضعية التي تطبق معايري العلوم الطبيعية على الإن�سان‪ ،‬وتدرك‬ ‫الواقع من خالل مناذج كمية وريا�ضية‪ ،‬وتظهر فيه م�ؤ�س�سات �إدارية‬ ‫�ضخمة تغزو الفرد وحتتويه وتر�شده وتنمطه وت�شيئه وتوظفه‬ ‫لتحقيق الأهداف التي حددتها"‪.‬‬ ‫‪-3‬التكامل والتوازن‪ :‬ال تكتفي الرتبية النبوية ب�أن تنظر �إىل‬ ‫الإن�سان يف �إطار �إن�سانيته ومن خالل �أبعاده املتعددة‪ ،‬و�إمنا حتر�ص‬ ‫كحر�ص الإ�سالم‪ -‬على �إحداث التناغم بني هذه الأبعاد املختلفة‪،‬‬‫وذلك ب�إ�ضافة مفهوم التكامل والتوازن �إىل مفهوم ال�شمولية‪.‬‬ ‫والتكامل والتوازن يعر�ضان يف التوجيهات النبوية بطريقة جتعل‬ ‫منهما �صفة واحدة‪ ،‬بحيث يكون يف الإن�سان تكامل متوازن وتوازن‬ ‫متكامل‪.‬‬ ‫ومعنى هذه اخلا�صية‪� ،‬أن يعطى لكل بعد من الأبعاد التي �أقررنا‬ ‫بها من خالل خا�صية "ال�شمولية" دوره وحقه‪ ،‬على �أن يكون هذا‬

‫الدور متنا�سقاً ومتناغماً مع بقية الأجزاء‪ ،‬فتنتفي بذلك مقولة‪:‬‬ ‫"هذا �أوىل من هذا"‪ ،‬لتحل حملها مقولة‪�" :‬أعط لكل ذي حق حقه"‪.‬‬ ‫فاملنهج الرتبوي الذي تقدمه ال�سنة النبوية‪ ،‬ي�ستهدف �إن�ساناً‬ ‫تتكامل �أبعاده وتتوازن‪ .‬فهو منهج "يوازن بني الروح واجل�سم‪،‬‬ ‫وبني العقل والقلب‪ ،‬وبني الدنيا والآخرة‪ ،‬وبني املثال والواقع‪ ،‬وبني‬ ‫النظر والعمل‪ ،‬وبني الغيب وال�شهادة‪ ،‬بني احلرية وامل�س�ؤولية‪ ،‬وبني‬ ‫الفرد واجلماعة‪ ،‬وبني الإتباع والإبداع"‪)2(.‬‬ ‫و�صفة التكامل والتوازن‪ ،‬ميكن �أن ن�ستدل عليها باحلديث‬ ‫ال�سابق وب�أمثاله من الأحاديث التي جاءت بنف�س املعنى‪ ،‬كما ميكن‬ ‫�أن ن�ستنتجها من الأحاديث التي يحر�ص من خاللها الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم على بيان مراتب الأحكام وتكامل فوائدها و�إن مل‬ ‫تكن لها نف�س الدرجة‪ ،‬كقول اهلل تعاىل يف احلديث القد�سي‪" :‬ما‬ ‫تقرب �إيل عبدي ب�شيء �أحب مما افرت�ضته عليه" (رواه البخاري)‪.‬‬ ‫فهنا التكامل والتوازن بني الفر�ض والنفل وذكر الفائدة لكل منهما‪.‬‬ ‫كما ميكننا �أن نلمح التوازن والتكامل يف حديثه �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫عن الدنيا والآخرة‪ ،‬وعن املوت واحلياة‪ ،‬كقوله‪" :‬اللهم �أحيني ما‬ ‫كانت احلياة خرياً يل‪ ،‬وتوفني �إذا كانت الوفاة خريا يل" (رواه �أبو‬ ‫داود)‪.‬‬ ‫هذا دون �أن نغفل عن ربط هذه اخل�صائ�ص البارزة بالغاية من‬ ‫الرتبية النبوية‪� ،‬أعني بذلك جوهر الر�سالة ‪-‬كما �أملحنا �إليه من‬ ‫قبل‪ -‬وهي تعبيد الإن�سان هلل �سبحانه وتعاىل‪ .‬يقول ال�شاطبي‬ ‫(ت ‪ 795‬هـ)‪" :‬ال�شرع �إمنا جاء بالتعبد‪ ،‬وهو املق�صود من بعثة‬ ‫ا�س ا َّت ُقوا َر َّب ُك ُم)‬ ‫الأنبياء عليهم ال�سالم‪ ،‬كقوله تعاىل‪َ ( :‬يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬ ‫ِيم‬ ‫(الن�ساء‪ ( ،)1:‬الر ِك َت ٌ‬ ‫اب �أُ ْح ِك َمتْ �آ َيا ُت ُه ُث َّم ُف ِّ�صلَتْ مِ نْ َلد ُْن َحك ٍ‬ ‫َ‬ ‫ري * �أَ َّال َت ْع ُبدُوا �إِ َّال اهلل) (هود‪)3(."...)2-1:‬‬ ‫َخ ِب ٍ‬ ‫كما �أن هذه ال�صفة بجملتها‪ ،‬ت�ضمنت �صفات �أخرى تكون كالالزم‬ ‫عنها‪ ،‬مثل "الواقعية" وهي من مقت�ضيات الإن�سانية‪ ،‬و"الو�سطية"‬ ‫وهي من مقت�ضيات التكامل والتوازن‪ ،‬و"االجتماعية" وهي من‬ ‫مقت�ضيات ال�شمولية‪..‬‬

‫‪43‬‬

‫الهوام�ش واملراجع‬ ‫(‪ )1‬مو�سوعة اليهود واليهودية وال�صهيونية‪ ،‬للدكتور عبد الوهاب امل�سريي‪ ،‬املجلد‬ ‫الأول‪ ،‬جـ‪ ،4:‬الباب‪" ،5:‬جتريد الإن�سان من خ�صائ�صه الإن�سانية"‪.‬‬ ‫(‪ )2‬كيف نتعامل مع ال�سنة النبوية‪ ،‬معامل و�ضوابط‪ ،‬من�شورات املعهد العاملي للفكر‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬للدكتور يو�سف القر�ضاوي‪� ،‬ص‪.24:‬‬ ‫(‪ )3‬املوافقات يف �أ�صول ال�شريعة‪ ،‬لأبي �إ�سحاق ال�شاطبي‪ ،‬حتقيق عبد اهلل دراز‪ ،‬دار‬ ‫املعرفة (بريوت)‪ ،‬جـ‪� ،1:‬ص‪.61:‬‬ ‫منقولة عن جملة حراء العدد احلادي والع�شرون‬


‫ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﻧﻘﺪ ﺍﳴﻮﻗﻒ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﳲ ﻣﺠﺎﻝ‬ ‫ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ‬

‫‪‬كي املـيالد‪‬ال�سعودية‬ ‫ـ‪1‬ـ‬ ‫الدفاع عن االإن�سان‪ ..‬قيمة حمرتمة‬ ‫ل �سك اأن حركة الدفاع عن حقوق الإن�سان يف التاريخ الإن�ساين‪،‬‬ ‫وعلى مر الأزمنة والع�سور‪ ،‬ويف كل الأمم وال�سعوب‪ ،‬هي حركة غاية‬ ‫يف النبل‪ ،‬لأنها جاءت لكي تعيد لالإن�سان اإن�سانيته‪ ،‬وت�سون كرامته‪،‬‬ ‫وحتمي حقوقه‪ ،‬وتوؤمن له حياة كرمية‪ ،‬وترفع عنه الظلم والقهر‬ ‫والتع�سف‪ ،‬التي عانى منها الإن�سان كثرياً خالل م�سريته التاريخية‬ ‫ّ‬ ‫الطويلة‪ ،‬وما زال يعاين اليوم من احلرمان وال�ستبداد وانعدام‬ ‫احلياة العادلة‪ ،‬ونحن يف ع�سر العلم واملدنية واحلداثة‪ ،‬ويف ع�سر‬ ‫العوملة والتكنولوجيا وثورة املعلومات‪.‬‬ ‫ومن قال اإن تاريخ الإقطاع وال�ستعباد والقرون الو�سطى قد‬ ‫ولت وانتهت بال رجعة! ومن قال اإن تاريخ الفتك والبادة واجلرائم‬ ‫�سد الإن�سانية قد ولت وانتهت بال رجعة! ومن قال اإن تاريخ الغزو‬ ‫والحتالل وال�ستعمار قد ولت وانتهت بال رجعة! ومن قال‪ ...‬ومن‬ ‫قال‪..‬‬ ‫ويكفي للدللة على ذلك ما ح�سل يف منطقة البلقان من ماأ�ساة‬ ‫البو�سنة والهر�سك‪ ،‬املاأ�ساة احلزينة التي اأعلنت عن موت العدالة يف‬ ‫هذا العامل ال�سامت‪ ،‬وعن موت ال�سمري الإن�ساين ونهايته‪ ،‬ويكفي‬ ‫للدللة على ذلك اأي�سا ما ح�سل يف اأفريقيا من ماأ�ساة راوندا‪ ،‬وهي‬ ‫ق�سة موؤملة من العذاب الذي ل يو�سف ملجتمع فقري عذبه الفقر‬

‫واجلوع واملر�س‪ ،‬اإىل جانب العديد من املجتمعات التي تذوقت‬ ‫مرارة املاأ�ساة‪.‬‬ ‫وكم هو بليغ من القراآن الكرمي حني يقول ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا‬ ‫ال ْر ِ�س َف َكاأَ َّ َ‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا َو َمنْ اأَ ْح َياهَا‬ ‫ري َن ْف ٍ�س اأَ ْو َف َ�سا ٍد ِيف َْ أ‬ ‫ِب َغ ْ ِ‬ ‫منا َق َت َل ال َّن َ‬ ‫َ‬ ‫َف َكاأَ َّ َ‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا ) (‪.)1‬‬ ‫منا اأ ْح َيا ال َّن َ‬ ‫لهذا ل ي�سعنا اإل اأن نحرتم ونقدّر ونثمن كل من طالب ويطالب‬ ‫بالعدالة واحلرية والكرامة لالإن�سان يف اأي مكان واأي زمان‪ ،‬ومهما‬ ‫كان اأ�سل الإن�سان وف�سله ودينه ولونه ول�سانه‪ ،‬وبهذه امل�سرية‬ ‫ات�سلت م�سرية الأنبياء والأئمة وامل�سلحني وال�سهداء يف التاريخ‬ ‫الإن�ساين املوغل يف القدم‪.‬‬ ‫وما �سهدته اأوروبا يف تاريخها احلديث من حركة دفاعية عن‬ ‫حقوق الإن�سان‪ ،‬فاإننا ننظر لهذه احلركة بتقدير واحرتام‪ ،‬لأنها‬ ‫جاءت لكي ترفع عن الإن�سان يف تلك املجتمعات ما اأ�سابه من ظلم‬ ‫وقهر وا�ستبداد ديني و�سيا�سي وفكري‪ ،‬خالل الفرتة التي عرفت يف‬ ‫الأدبيات الأوروبية بع�سور الظالم اأو القرون الو�سطى‪.‬‬ ‫وقد ا�ستطاعت هذه احلركة احلقوقية الفاعلة‪ ،‬وبعد �سراع‬ ‫طويل‪ ،‬اأن تنت�سر لالإن�سان هناك‪ ،‬وحتمي تلك املجتمعات ب�سل�سلة‬ ‫من املواثيق والإعالنات والعهود القانونية والت�سريعية والعدلية‪،‬‬ ‫التي ت�سمن وحتمي حقوق الإن�سان يف تلك املجتمعات‪.‬‬ ‫ومن هذه املواثيق والإعالنات املعروفة يف كتب اأهل القانون‬ ‫والت�سريع‪ :‬يف اجنلرتا اإعالن العهد الكبري �سنة ‪1215‬م‪ ،‬وبيان‬ ‫احلقوق �سنة ‪1627‬م‪ ،‬وقائمة احلقوق �سنة ‪1688‬م‪ ،‬واإعالن ا�ستقالل‬ ‫اأمريكا �سنة ‪1776‬م‪ ،‬ويف فرن�سا اإعالن حقوق الإن�سان واملواطن �سنة‬ ‫‪1779‬م‪ ،‬واإعالن ال�سنة الثالثة �سنة ‪1793‬م‪ ،‬والإعالن املعدل �سنة‬ ‫‪1848‬م‪ ،‬و�سو ًل اإىل الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان الذي اأقرته‬ ‫اجلمعية العامة لالأمم املتحدة يف ‪ 10‬دي�سمرب ‪1948‬م‪ ،‬اإىل جانب‬ ‫العديد من التفاقيات واملواثيق واملعاهدات الأخرى‪.‬‬ ‫مع كل هذا التطور والتقدم بقي املوقف الغربي وال�سلوك الغربي‬ ‫يف جمال حقوق الإن�سان‪ ،‬مو�سع نقد ونقد �سديد عند خمتلف‬ ‫املجتمعات والثقافات غري الأوروبية‪ ،‬ولعل من اأكرثها و�سوحا‬ ‫ودميومة النقد املوجه من �ساحة الفكر الإ�سالمي‪ ،‬وهذه بع�س‬ ‫جوانب النقد العامة والكلية‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫ـ‪2‬ـ‬ ‫نقد ا�ستبعاد الدين‬ ‫يف �ساحة الفكر الإ�سالمي املعا�صر هناك من يرى �أن فكرة حقوق‬ ‫الإن�سان يف اخلطاب الغربي تت�أ�س�س على مرجعية فكرية ت�ستبعد‬ ‫الدين‪ ,‬وال تقبل به �أن يكون م�صدراً يف هذه املرجعية ومكونا لها‪ ,‬يف‬ ‫حني �أن الفكر الإ�سالمي يجعل من الدين مرجعيته العليا‪.‬‬ ‫وحني توقف الدكتور حممد عابد اجلابري �أمام هذه امل�س�ألة‬ ‫يف الثقافة الأوروبية‪� ,‬شرحها بقوله‪ :‬من (املعروف يف تاريخ الفكر‬ ‫الب�شري �أن الدين هو الذي قدم ويقدم عادة املرجعية التي تعلو على‬ ‫جميع املرجعيات‪� .‬إن رد �أمر ما من الأمور �إىل اهلل معناه ت�أ�سي�سه على‬ ‫مرجعية كلية مطلقة ال ي�ؤثر فيها اختالف الثقافات واحل�ضارات‪،‬‬ ‫مرجعية تعلو على الزمن والتاريخ‪ ،‬وبالتايل على الإن�سان نف�سه‪،‬‬ ‫�أيا كان و�أنى كان‪ .‬فهل جل�أ فال�سفة �أوروبا يف القرن الثامن ع�شر‬ ‫�إىل الدين يف حماولتهم ت�أ�سي�س عاملية حقوق الإن�سان التي نادوا‬ ‫بها‪ ،‬والتي ر�سمها �إعالن ا�ستقالل الواليات املتحدة الأمريكية �سنة‬ ‫‪1776‬م من جهة‪ ،‬وبيان اجلمعية الوطنية الفرن�سية يف ‪� 26‬أغ�سط�س‬ ‫‪ 1789‬من جهة �أخرى؟‪.‬‬ ‫الواقع �أنه بالرغم من �أن ن�ص �إعالن اال�ستقالل الأمريكي‬ ‫قد وظف يف تقريره حلقوق الإن�سان مفاهيم دينية �صريحة مثل‬ ‫اخلالق واحلاكم الأعلى للكون والعناية الإلهية‪ ،‬وبالرغم كذلك من‬ ‫�أن �إعالن حقوق الإن�سان واملواطن الذي �أ�صدرته اجلمعية الوطنية‬ ‫الفرن�سية‪ ,‬قد �أ�شار يف ديباجته �إىل رعاية الكائن الأ�سمى ـ �أي اهلل‬ ‫ـ �إنه بالرغم من هذا وذاك‪ ،‬ف�إن الدين مل يكن ب�صورة من ال�صور‬ ‫املرجعية التي ت�ؤ�س�س حقوق الإن�سان تلك‪ ،‬بل �إن هذه احلقوق قد‬ ‫نودي بها �أ�ص ً‬ ‫ال من طرف الفال�سفة‪� ،‬ضدا على جميع ال�سلطات‬ ‫التي كانت تتحكم يف الإن�سان الأوروبي يف ذلك الوقت‪ ،‬وعلى ر�أ�سها‬ ‫�سلطة التقليد و�سلطة الكني�سة‪ .‬مل يكن الدين �إذاً هو املرجعية‬ ‫الكلية العاملية التي �أ�س�س عليها فال�سفة �أوروبا‪ ،‬يف القرن الثامن‬ ‫ع�شر‪ ،‬عاملية حقوق الإن�سان التي ّ‬ ‫ب�شروا بها)(‪.)2‬‬ ‫ـ‪3‬ـ‬ ‫نقد �أحادية الثقافة والهوية‬ ‫يف �ساحة الفكر الإ�سالمي املعا�صر هناك من يرى �أن كل املواثيق‬ ‫والإعالنات التي �صدرت يف �أمريكا و�أوروبا قبل الإعالن العاملي‪,‬‬ ‫موجهة ب�صورة �أ�سا�سية للإن�سان الأوروبي والغربي عموماً‪,‬‬ ‫كانت ّ‬ ‫والبداية الأ�سا�سية يف طرح ق�ضية حقوق الإن�سان على نطاق عاملي‬ ‫كانت مع �صدور الإعالن العاملي حلقوق الإن�سان‪ ،‬الإعالن الذي كان‬ ‫يراد له �أن يحمل �صفة العاملية‪� ,‬إال �أنه ظل يفتقدها حقيقة وفعليا‪.‬‬

‫فلم ي�أخذ هذا الإعالن بعني االعتبار التمايزات الفعلية والرا�سخة‬ ‫والرثية بني ثقافات وح�ضارات و�أديان وهويات وتقاليد الأمم‬ ‫واملجتمعات الأخرى غري الأوروبية‪ ،‬بل كان ينطلق من �أحادية‬ ‫الثقافة والهوية‪ ,‬ومن نظرة �أوروبا �إىل نف�سها بو�صفها متثل املركز‬ ‫يف هذا الكون ثقافياً و�سيا�سياً واقت�صادياً‪ ,‬و�أن العامل يدور يف فلكها‬ ‫على �أ�سا�س عالقة الأطراف باملركز‪ ،‬وهي عالقة تكر�س التبعية‬ ‫وال�سيطرة‪.‬‬ ‫وهذا ما ظلت ترف�ضه الأمم وال�شعوب وما زالت ترف�ضه وتقاومه‬ ‫�أي�ضا‪ ،‬خ�صو�صا تلك التي لها ثقافات وح�ضارات عريقة‪.‬‬ ‫ويكفي للداللة على هذه الأحادية الثقافية‪� ,‬أنه حينما طالبت‬ ‫العديد من الدول ت�ضمني الإعالن العاملي حق تقرير امل�صري‬ ‫لل�شعوب‪ ,‬رف�ضت الدول الأوروبية �إعطاء هذا احلق‪ ,‬والإقرار به‬ ‫يف الإعالن العاملي‪ ,‬وذلك على خلفية �أن هذه الدول كانت دوال‬ ‫ا�ستعمارية‪ ,‬و�أن هذا احلق يعر�ضها للمحا�سبة‪ ,‬وهكذا يف ق�ضايا‬ ‫�أخرى‪.‬‬ ‫ـ‪4‬ـ‬ ‫نقد التمييز بني الب�شر‬ ‫يف �ساحة الفكر الإ�سالمي املعا�صر هناك من يرى �أن �أوروبا التي‬ ‫نه�ضت بق�ضايا حقوق الإن�سان يف جمتمعاتها‪ ،‬وظلت تفتخر �أمام‬ ‫العامل بهذا الإجناز الإن�ساين واحل�ضاري‪ ,‬الإجناز الذي ي�ستحق بال‬ ‫�شك التقدير واالحرتام من العامل برمته‪� .‬أوروبا هذه التي �أخرجت‬ ‫جمتمعاتها من ع�صور الظالم‪ ،‬ع�صور القرون الو�سطى‪ ،‬من القمع‬ ‫والإرهاب واال�ضطهاد ب�أ�شد ق�سوته‪� ،‬إىل ع�صور احرتام الإن�سان‬ ‫وحقوقه‪ ,‬ويف مقدمة هذه احلقوق احلرية وامل�ساواة‪ ,‬كان يفرت�ض‬ ‫منها �أن تكون على درجة عالية من التقيد وااللتزام باحرتام حقوق‬ ‫ال�شعوب وحقوق الإن�سان يف الأمم الأخرى غري الأوروبية‪.‬‬ ‫وهذا ما مل يحدث على الإطالق‪ ,‬فال�صورة التي ينقلها لنا‬ ‫التاريخ احلديث �أن �أوروبا تعاملت مع املجتمعات التي ا�ستعمرتها‬ ‫مبنطق القوة والعنف‪ ,‬وكانت يف غاية الق�سوة‪ ,‬وك�أنها مل تتعرف بعد‬ ‫على �شيء ا�سمه حقوق الإن�سان‪ ،‬حيث قامت بتدمري هذه املجتمعات‪,‬‬ ‫وحتطيم اقت�صادياتها‪ ,‬و�سلب ثرواتها‪ ،‬و�سرقت تراثها وكنوزها‬ ‫الأدبية والتاريخية‪ ,‬ومثلت �أ�سوء و�أخطر ما عرفته هذه املجتمعات‬ ‫يف تاريخها‪.‬‬ ‫ومن هذه ال�شواهد القليلة جدا ما ذكره روجيه غارودي يف‬ ‫كتابه (من �أجل حوار احل�ضارات)‪ ،‬حيث نقل لنا املحاورة التي جرت‬ ‫يف الربملان الفرن�سي خالل فرتة ا�ستعمار فرن�سا لبع�ض املجتمعات‬ ‫الأفريقية‪ ,‬وهذا ن�صها‪( :‬ي�س�أل ال�سيد كميل بيللوتان‪ :‬ما هي تلك‬ ‫احل�ضارة التي تفر�ض بطلقات املدفع؟‬

‫‪45‬‬


‫جول فريي‪� :‬إليكم �أيها ال�سادة الق�ضية‪� ،‬إنني ال �أتردد يف القول ب�أنها‬ ‫لي�ست �سيا�سة تلك‪ ،‬وال هي تاريخ‪� ،‬إنها ميتافيزيقا �سيا�سية‪.‬‬ ‫�أيها ال�سادة‪ :‬يجب �أن نتكلم ب�صوت �أعلى و�أكرث �صحة! يجب �أن‬ ‫نقولها �صراحة‪ ،‬حقيقة �إن للأجنا�س الأرقى حق ب�إزاء الأجنا�س‬ ‫الأدنى‪ ..‬ـ هيجان يف مقاعد عديدة ب�أق�صى الي�سار‪.‬‬ ‫ال�سيد جول مينيو‪� :‬أجتر�ؤون على �أن تقولوا هذا يف البلد التي‬ ‫�أعلنت فيه حقوق الإن�سان!‬ ‫ال�سيد دي غيوتيه‪ :‬هذا هو تربير اال�ستعباد واالجتار بالعبيد‪.‬‬ ‫جول فريي‪� :‬إذا كان ال�سيد املحرتم مينيو على حق‪� ،‬إذا كان �إعالن‬ ‫حقوق الإن�سان كان من �أجل �سود �أفريقيا اال�ستوائية‪� ،‬إذاً ب�أي حق‬ ‫تذهبون لفر�ض التبادل واالجتار املحرم عليهم؟ �إنهم ال يدعونكم)‬ ‫(‪.)3‬‬ ‫�أوروبا التي نه�ضت بحقوق الإن�سان يف الع�صر احلديث‪ ,‬هي التي‬ ‫انتهكتها وانقلبت عليها ب�أ�سو�أ �صورة جتاه الأمم وال�شعوب التي‬ ‫ا�ستعمرتها‪ ,‬و�إىل اليوم مل تعتذر �أوروبا عن هذا التاريخ الأ�سود‪.‬‬ ‫ـ‪5‬ـ‬ ‫نقد التوظيف النفعي‬ ‫يف �ساحة الفكر الإ�سالمي املعا�صر هناك من يرى �أن الغرب‬ ‫يحاول توظيف �شعارات حقوق الإن�سان لأغرا�ض �سيا�سية ال عالقة‬ ‫لها باجلوانب الإن�سانية والقيمية والأخالقية‪ ,‬خ�صو�صاً يف عالقته‬ ‫بالإ�سالم والعامل الإ�سالمي‪ ،‬حيث يتجلى حت ّيزه ال�سافر‪ ،‬وب�شكل‬ ‫يجعل البع�ض ي�ش ّكك يف م�صداقية الغرب‪ ,‬وطريقة تعاطيه مع‬ ‫ق�ضايا حقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫وكثريون يف املجال العربي والإ�سالمي الذين تطرقوا �إىل هذه‬ ‫املالحظة‪ ,‬ومن ه�ؤالء ال�شيخ حممد مهدي �شم�س الدين الذي‬ ‫�شرح موقفه بقوله‪� :‬إن (�شعار حقوق الإن�سان الذي يثار يف ال�سنني‬ ‫الأخرية على نطاق عاملي وا�سع‪ ,‬نالحظ �أنه �أ�صبح ي�ستعمل يف كثري‬ ‫من احلاالت �ضد الإ�سالم وامل�سلمني والعرب‪ ،‬وترفع هذه ال�شعارات‬ ‫يف بع�ض احلاالت دول غربية معينة مثل الواليات املتحدة الأمريكية‪،‬‬ ‫�أو بع�ض دول �أوروبا الغربية‪ ،‬ويف بع�ض احلاالت تطرح هذه ال�شعارات‬ ‫منظمات دولية من قبيل جلنة حقوق الإن�سان يف الأمم املتحدة‪� ,‬أو‬ ‫جمعيات حقوق الإن�سان الأخرى يف العامل الغربي‪.‬‬ ‫نحن نعتقد �أن كثرياً من هذه الطروحات ال ت�ستند �إىل نيات‬ ‫ح�سنة‪ ,‬و�إمنا يق�صد منها الت�شهري بالإ�سالم وامل�سلمني والعرب‪،‬‬ ‫وممار�سة �ضغوط �سيا�سية‪� ,‬أو التهديد بعمليات عزل �سيا�سي للدول‬ ‫التي متار�س بع�ض �أفعال ال�سيادة اال�ستقاللية يف قرارها ال�سيا�سي‬ ‫الإقليمي �أو الدويل‪ ،‬وحتى الداخلي يف بع�ض احلاالت‪.‬‬

‫والذي يحملنا على االعتقاد ب�سوء النية هو �أننا جند هذه الدول‬ ‫الغربية‪ ،‬وهذه امل�ؤ�س�سات احلقوقية ترفع هذا ال�شعار يف وجه دول‬ ‫عربية و�إ�سالمية‪ ,‬ويف بع�ض احلاالت تدين الإ�سالم نف�سه‪ ,‬بينما‬ ‫هناك دول �أخرى غري �إ�سالمية‪ ،‬و�أيديولوجيات غري الإ�سالم‬ ‫متار�س بالفعل �سيا�سات �ضد مواطنيها �أو �ضد دول �أخرى‪ ,‬خمالفة‬ ‫�أب�سط الأعراف الإن�سانية وال تواجه ب�أي �شيء من الإدانة‪ .‬وهناك‬ ‫�أيديولوجيات �أخرى ال تن�سجم مع املفاهيم الغربية للإن�سان وال‬ ‫ن�سمع عنها �شيئاً‪� ,‬أذكر يف هذا الباب مث ً‬ ‫ال بع�ض الديانات الآ�سيوية‪،‬‬ ‫مثل الديانة الهندو�سية وموقفها من تق�سيم طبقات الب�شر ح�سب‬ ‫اخللقة‪� ،‬أين الإدانة لهذا و�أين الت�شهري به؟ هذا التمييز يف رفع‬ ‫ال�شعار وتطبيقه يحملنا على االعتقاد ب�أن هناك نية �سيئة جتاه‬ ‫الإ�سالم وامل�سلمني(‪.)4‬‬ ‫ـ‪6‬ـ‬ ‫نقد الف�صل بني القانون والأخالق‬ ‫يف �ساحة الفكر الإ�سالمي املعا�صر هناك من يوجه نقدا �إىل‬ ‫اخلطاب الغربي من جهة الف�صل بني القانون والأخالق يف ر�ؤيته‬ ‫حلقوق الإن�سان‪ ،‬حيث ي�سمح بت�شريع بع�ض القوانني ويعطيها �صفة‬ ‫احلقوق‪ ,‬لكنها تتنافى مع مبادئ الأخالق والفطرة الإن�سانية‪ ،‬من‬ ‫قبيل القوانني التي جتيز للمر�أة الت�صرف املطلق بج�سدها وتعترب‬ ‫ذلك من احلقوق ال�شخ�صية‪� ,‬أو القوانني التي جتيز للرجال والن�ساء‬ ‫املعا�شرات املثلية‪ ,‬وتعطيها �صفة ال�شراكة الأ�سرية‪.‬‬ ‫وال �شك �أن هذه الأنظمة والقوانني تتنافى ومبادئ الأخالق‪,‬‬ ‫ومتقتها الطبيعة ال�سوية للإن�سان‪ ,‬وال ميكن �أن ت�ستقيم احلياة‬ ‫على �أ�سا�سها‪ ,‬و�أن جتلب ال�سعادة للنا�س‪.‬‬ ‫هذه بع�ض جوانب النقد العامة املطروحة يف �ساحة الفكر‬ ‫الإ�سالمي على اخلطاب الغربي يف جمال حقوق الإن�سان‪ ،‬وهناك‬ ‫�أي�ضا جوانب �أخرى تف�صيلية اهتمت بها بع�ض الكتابات الإ�سالمية‬ ‫التي اعتنت باملقارنة بني اخلطاب الإ�سالمي واخلطاب الغربي‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫الهوام�ش واملراجع‬ ‫‪1‬ـ �سورة املائدة‪� ,‬آية‪.32 :‬‬ ‫‪2‬ـ حممد عابد اجلابري‪ .‬الدميقراطية وحقوق الإن�سان‪ ,‬بريوت‪ :‬مركز الدرا�سات‬ ‫العربية‪1994 ,‬م‪� ,‬ص ‪.146‬‬ ‫‪3‬ـ روجيه غارودي‪ .‬من �أجل حوار احل�ضارات‪ ,‬ترجمة‪ :‬ذوقان قرقوط‪ ,‬بريوت‪ :‬دار‬ ‫النفائ�س‪1990 ,‬م‪.56 ,‬‬ ‫‪4‬ـ ال�شيخ حممد مهدي �شم�س الدين‪ .‬حوار فكري‪ ,‬الكلمة‪ ,‬بريوت‪ ,‬جملة ف�صلية‪,‬‬ ‫ال�سنة الأوىل‪ ,‬العدد اخلام�س‪ ,‬خريف ‪1994‬م‪� ,‬ص ‪.122‬‬


‫ﺣـﺎﺟـﺔ ﺍﻹﻧـﺴـﺎﻥ ﺇﻟــﻰ‬ ‫ﺍﻟـﻤﻨﻬـﺞ ﺍﻹﻟـﻬـﻲ‬ ‫االأ�ستاذ الدكتور اخل�سوعي حممد‬ ‫عن اأبي هريرة ر�سي اهلل عنه قال‪ :‬قال ر�سول اهلل �سلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪" :‬اإين قد تركت فيكم �سي‪‬ني لن ت�سلوا بعدهما‪:‬‬ ‫كتاب اهلل و�سنتي ولن يتفرقا حتى يردا على احلو�ص" ‪‬اأخرجه‬ ‫مالك يف املوطاأ واحلاكم يف امل�ستدرك و�سححه‪. ‬‬ ‫اإن‪ ‬االإن�سان ال ي�ستطيع ان يعي�ص دون منهج اأو قانون ينظم‬ ‫حياته وعالقته باالآخرين‪ ،‬وذلك ملا غر�ص فيه من غرائز هو‬ ‫بحاجة اإليها‪ ،‬وال ي�ستطيع اأن يعي�ص بدونها وهي �سرورية ليعمر‬ ‫الكون ولكنها بحاجة اإىل اأن تهذيب لياأمن �سر نف�سه وتاأمن‬ ‫املخلوقات كلها �سره‪ ‬منها حب االإن�سان لنف�سه‪ ،‬وحبه الأبنائه‪،‬‬ ‫وغريزة احلر�ص على احلياة والرغبة ال�سديدة يف التملك‬ ‫ليحيا حياة �سعيدة متلذذ ًا باحلياة ونعمها‪ ،‬والرغبة ال�سديدة يف‬ ‫اأن ‪‬يوؤ ‪‬من م�ستقبله بل هو حري�ص على اأن ‪‬يوؤ ‪‬من م�ستقبل اأبنائه‪،‬‬ ‫بل واأحفاده الذين ‪ ‬يولدوا بعد‪ ،‬وقد ال ي�ستطيع اأن يحقق‬ ‫ذلك كله بالطرق ال�سلمية التي ال يت�سرر يها االآخرون في�سلك‬ ‫الطرق االأخرى حتى لو اأدى ذلك اإىل ظلم االآخرين واإذاللهم‬ ‫واإبادتهم‪ ،‬فحب التملك عنده غريزة اأ�سيلة‪.‬‬

‫وقد َّ‬ ‫بني القراآن الكرمي وال�سنة املطهرة ما فطر عليه الإن�سان‬ ‫حت ُّبو َن ْاملَا َل ُح ًّبا َج ًّما) (الفجر ‪،)20:‬‬ ‫من حب التملك‪ :‬قال تعاىل ( َو ُ ِ‬ ‫حل ِّب ْ َ‬ ‫وقال تعاىل ( َواإِ َّن ُه ِ ُ‬ ‫ري َل َ�سدِ يدٌ) (العاديات ‪ ،) 8:‬وقال تعاىل‬ ‫اخل ْ ِ‬ ‫ا�س ُح ُّب َّ‬ ‫ال�س َهوَاتِ مِ َن ال ِّن َ�سا ِء َوا ْل َب ِن َ‬ ‫ري ْامل ُ َق ْن َط َر ِة‬ ‫ني َوا ْل َق َناطِ ِ‬ ‫( ُز ِّي َن لِل َّن ِ‬ ‫الَ ْن َعا ِم َو ْ َ‬ ‫ِ�س ِة َو ْ َ‬ ‫مِ َن ال َّذهَبِ َوا ْلف َّ‬ ‫احل ْرثِ َذل َِك َم َتا ُع‬ ‫اخل ْيلِ ْامل ُ َ�س َّو َم ِة َو ْ أ‬ ‫احل َيا ِة الدُّ ْن َيا َو َّ ُ‬ ‫َْ‬ ‫اهلل عِ ْن َد ُه ُح ْ�س ُن ْاملَاآَبِ ) (اآل عمران‪.)14:‬‬ ‫عن اأن�س قال قال ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬لو كان لبن‬ ‫ادم واديان من مال لبتغى وادياً ثالثاً‪ ،‬ول ميالأ جوف ابن ادم اإل‬ ‫الرتاب‪ ،‬ويتوب اهلل على من تاب"‪.‬‬ ‫عن يعلى بن منبه الثقفي قال ‪ :‬جاء احل�سن واحل�سني ي�ستبقان‬ ‫اإىل ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه و�سلم ف�سمهما اإليه ثم قال ‪" :‬اإ َّن‬ ‫الولد مبخلة جمبنة حمزنة"‪ .‬اأخرجه احلاكم يف امل�ستدرك وقال‪:‬‬ ‫هذا حديث �سحيح على �سرط م�سلم ‪.‬‬

‫والإ�سالم يعمل جاهداً ب�ستى الطرق والو�سائل لتهذيب هذه‬ ‫الغرائز لت�سل اإىل حد ل يت�سرر بها اأحد‪ ،‬فاإذا مل ُته َّذب هذه الغرائز‬ ‫يف الإن�سان دفعته اإىل الطغيان وظلم الخرين والعتداء عليهم‪ ،‬بل‬ ‫وقد يف�سي به الأمر اإىل القتل والإبادة اجلماعية والتدمري رغبة يف‬ ‫التملك الذي يحقق له ال�ستعالء على الآخرين واإذللهم وال�ستئثار‬ ‫بخرياتهم لال�ستيالء عليها‪ ،‬ليحقق لنف�سه اللذة واملتعة وال�سعادة‬ ‫التي يظن اأنها لن حتقق اإل بارتكاب هذه العظائم‪ ،‬والعقل الب�سري‬ ‫ي�ستطيع اأن يربر ال�سيء ونقي�سه يف اآن واحد‪ ،‬بل ي�ستطيع اأن يربر‬ ‫اأعظم اجلرائم مهما كان حجمها‪ ،‬وما دام العمل يحقق له م�سلحة‬ ‫فاإ َّنه يقبله واإن خالف املعقول املتفق عليه بني العقالء‪ ،‬ولقد حتدث‬ ‫القراآن الكرمي عن هذه الق�سية يف اأول �سورة نزلت من القراآن‬ ‫الكرمي‪ ،‬فاأخرب اهلل تعاىل اأ َّن الظلم والطغيان ُيالزمان الإن�سان ما‬ ‫مل يوجد منهج اإلهي يعالج ذلك يف النف�س الب�سرية ويق�سي عليه‪،‬‬ ‫واأخرب اأ َّن م�سري العباد اإىل اهلل تعاىل‪ ،‬واأ َّن كل اإن�سان �سيلقى جزاء‬ ‫عمله اإن خرياً فخري‪ ،‬واإن �سراً ف�سر‪ ،‬وهذا يحد من الطغيان وقد‬ ‫يق�سي عليه ‪ ...‬قال اهلل تعاىل ‪َ ( :‬ك َّال ِاإ َّن الإن�سان َل َي ْط َغى * اأَ ْن َراآَ ُه‬ ‫ْا�س َت ْغ َنى * اإِ َّن اإىل َر ِّب َك ال ُّر ْج َعى) (العلق‪.)8-6:‬‬ ‫اأ َّما بقية املخلوقات فهي واإن كانت حري�سة على احلياة فهي تاأكل‬ ‫بدافع فطري لتحيا فقط‪ ،‬فاإذا �سبعت ل تاأكل حتى جتوع‪ ،‬ول تخطط‬ ‫للم�ستقبل كما يفعل الإن�سان بل يف حدود حاجتها ال�سرورية التي ل‬ ‫حتيا اإل بها‪ ،‬ول تفكر يف م�ستقبل اأبنائها من قريب اأو بعيد‪ .‬لذلك‬ ‫جلاأ الإن�سان على م ّر الع�سور اإىل و�سع القوانني والنظم والد�ساتري‬ ‫التي ُتنظم عالقة النا�س ببع�سهم‪ ،‬وحتدد احلقوق والواجبات‪،‬‬ ‫وتنظم عالقة احلاكم باملحكوم‪ ،‬وما يجب لالإن�سان وما يجب عليه‬ ‫نحو الآخرين‪ ،‬حتى ياأمن الإن�سان �سر نف�سه وظلم اأخيه الإن�سان‪.‬‬ ‫ولقد اأجهد النا�س اأنف�سهم على مر الع�سور يف و�سع القوانني‬ ‫والنظم‪ ،‬وكانت تعدل من وقت لآخر ملا يكت�سفه الإن�سان من خلل‬ ‫وم�سكالت عند التطبيق بعد اأن ي�سقى بها دهراً طوي ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫والذي نخل�س اإليه قبل احلديث عن حاجة الإن�سان اإىل املنهج‬ ‫الإلهي ‪ :‬اإ َّن حاجة الإن�سان اإىل القوانني والد�ساتري املنظمة حلياته‬

‫‪47‬‬


‫وعالقته بالآخرين املحددة للحقوق والواجبات �ضرورة اقت�ضتها‬ ‫طبيعة الإن�سان‪ ،‬وتكوينه الفطري وال غنى له عنها بحال من‬ ‫الأحوال‪.‬‬ ‫ومن رحمة اهلل تعاىل بخلقه �أنه مل يرتكهم يعي�شون يف هذه‬ ‫احلياة بدون منهج �إلهي ينظم حياتهم‪ ،‬فحياة الإن�سان لن ت�ستقيم‬ ‫ولن ي�سعد الإن�سان باحلياة �إال يف ظل منهج رباين يعرفه باهلل تعاىل‪،‬‬ ‫و ُينظم عالقته بربه‪ ،‬وعالقته بنف�سه‪ ،‬وعالقته بالأجنا�س االخرى‪.‬‬ ‫ولقد تداركت رحمة اهلل تعاىل الإن�سان منذ اللحظة الأوىل‪،‬‬ ‫فحني �أهبط �آدم عليه ال�سالم �إىل الأر�ض مل يرتكه اهلل تعاىل يعي�ش‬ ‫بدون منهج �إلهي ينظم حياته وحياة �أبنائه على قلتهم‪ ،‬ف�أنزل‬ ‫اهلل تعاىل له املنهج‪ ،‬وذلك لأ َّن النا�س لن ي�سعدوا يف الدنيا‪ ،‬ولن‬ ‫تن�صلح �أحوالهم ولن ي�ستطيعوا التعاي�ش ال�سلمي مع بع�ضهم �إال يف‬ ‫ظل منهج �إلهي ُي ّ‬ ‫نظم حياتهم من �أولها �إىل �آخرها‪ ،‬ولن يفوزوا يف‬ ‫الآخرة باجلنة �إال �إذا �ألزموا �أنف�سهم باملنهج الإلهي ‪ ...‬ومن رحمة‬ ‫اهلل تعاىل بخلقه �أن قدم لهم �ضمانات تطبيق املنهج الإلهي‪ ،‬حتى‬ ‫ُيقبل عليه الإن�سان وهو مطمئن �إىل نتائجه مع �أ َّن مُ�ش ّرعه هو اهلل‬ ‫تعاىل‪ ،‬الذي له الكمال املطلق يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته وت�شريعاته‪.‬‬ ‫قال تعاىل يف �سياق احلديث عن �آدم عليه ال�سالم و�إخراج �إبلي�س‬ ‫له من اجلنة ( َقا َل اهْ ِب َطا مِ ْنهَا َجمِ ي ًعا َب ْع ُ�ض ُك ْم ِل َب ْع ٍ�ض َع ُد ٌّو َف�إِ َّما‬ ‫َي�أْ ِت َي َّن ُك ْم مِ ِّني هُ دًى َف َم ِن ا َّت َب َع هُ دَايَ فَلاَ َي ِ�ض ُّل َو اَل َي ْ�ش َقى) (طه‪.)123:‬‬ ‫وقال تعاىل‪ُ ( :‬ق ْل َنا اهْ ِب ُطوا مِ ْنهَا َجمِ ي ًعا َف�إِ َّما َي�أْ ِت َي َّن ُك ْم مِ ِّني هُ دًى َف َمنْ‬ ‫َت ِب َع هُ دَايَ فَلاَ َخ ْو ٌف َعلَ ْي ِه ْم َو اَل هُ ْم َي ْح َز ُنو َن) (البقرة‪ .)38:‬ف�ضمن‬ ‫اهلل تعاىل يف هاتني الآيتني الكرميتني ملن اتبع منهجه �أال ي�ضل يف‬ ‫الدنيا وال ي�شقى يف الآخرة‪ ،‬و�أن يحيا �آمناً يف الدنيا‪ ،‬فرحاً بلقاء‬ ‫ربه تعاىل يوم لقائه‪ ،‬ويدخله ربه اجلنة‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال منه ورحمة وجزاء‬ ‫ا�ستقامته على منهج اهلل تعاىل ‪.‬‬ ‫ولقد ربط اهلل تعاىل �صالح الدنيا و�سعادة النا�س فيها با�ستقامتهم‬ ‫على منهج اهلل تعاىل‪ ،‬فبقدر ا�ستقامة النا�س على منهج اهلل تعاىل‬ ‫يف الدنيا تكون �سعادتهم و�صالحهم فيها‪ ،‬وربط اهلل تعاىل الفالح‬ ‫يف الآخرة ب�صالح الدنيا‪ ،‬فمن �أ�صلح دنياه با�ستقامته على منهج اهلل‬ ‫تعاىل ان�صلحت �آخرته‪ ،‬ف�سعد يف الآخرة �سعادة ال ح ّد لها يف �ضيافة‬ ‫�أرحم الراحمني يف اجلنة‪ ،‬قال اهلل تعاىل ( َمنْ عَمِ َل َ�صالحِ ً ا مِ نْ َذ َكرٍ‬ ‫�أَ ْو �أُ ْن َثى َوهُ َو ُم�ؤْمِ ٌن َفلَ ُن ْح ِي َي َّن ُه َح َيا ًة َط ِّي َب ًة َو َل َن ْج ِز َي َّن ُه ْم �أَ ْج َرهُ ْم ِب َ�أ ْح َ�س ِن‬ ‫مَا َكا ُنوا َي ْع َم ُلو َن) (النحل‪.)97:‬‬ ‫كما ربط اهلل تعاىل ف�ساد الدنيا وخ�سران الآخرة بالإعرا�ض عن‬ ‫منهج اهلل تعاىل يف الدنيا‪ ،‬فمن �أف�سد دنياه بابتعاده عن منهج اهلل‬ ‫تعاىل يف الدنيا تكدرت حياته‪ ،‬فعا�ش عي�شة كلها �شقاء ومنغ�صات‬

‫يف الدنيا‪ ،‬ولن ي�سلم من �ش ّر نف�سه‪ ،‬ولن ت�سلم املخلوقات كلها من‬ ‫�ش ّره‪ ،‬و�أف�سد �آخرته حيث عر�ض نف�سه لعذاب اهلل ومقته‪ ،‬ف�أورد‬ ‫نف�سه جهنم ‪�-‬أعاذنا اهلل منها‪ ،-‬قال اهلل تعاىل ( َو َمنْ �أَ ْع َر َ‬ ‫�ض َعنْ‬ ‫ِذ ْكرِي َف�إِ َّن َل ُه َمع َ‬ ‫ِي�ش ًة َ�ض ْن ًكا َو َن ْح ُ�ش ُر ُه َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة �أَ ْع َمى َقا َل َر ِّب‬ ‫ريا َقا َل َك َذل َِك �أَ َت ْت َك َ�آ َيا ُت َنا َف َن�سِ ي َتهَا‬ ‫لمِ َ َح َ�ش ْر َتنِي �أَ ْع َمى َو َق ْد ُكنْتُ َب ِ�ص ً‬ ‫َو َك َذل َِك ا ْل َي ْو َم ُت ْن َ�سى َو َك َذل َِك نجَ ْ زِي َمنْ �أَ ْ�س َر َف َولمَ ْ ُي ْ�ؤمِ نْ ِب�آَيَاتِ َر ِّب ِه‬ ‫الَخِ َر ِة �أَ َ�شدُّ َو َ�أ ْب َقى)(طه‪ .)124:‬لقد تداركت رحمة اهلل‬ ‫َو َل َع َذ ُاب ْ آ‬ ‫تعاىل اجلن�س الب�شري ف�أر�سل لهم النبي اخلامت �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم يحمل منهج اهلل الكامل ال�شامل‪ ،‬لينظم حياتهم اخلا�صة‪،‬‬ ‫فيحيا النا�س يف ظله احلياة الطيبة ال�سعيدة يف الدنيا ويفوز يف‬ ‫الآخرة باجلنة ‪.‬‬ ‫ني �إِ َّنا �أَ ْن َز ْل َنا ُه فيِ َل ْيلَ ٍة ُم َبا َر َك ٍة �إِ َّنا ك َّناُ‬ ‫ْ‬ ‫قال تعاىل (حم َوال ِك َتابِ المْ ُ ِب ِ‬ ‫َ‬ ‫ُم ْنذِ ر َ‬ ‫ِيم �أ ْم ًرا مِ نْ عِ ْندِ َنا �إِ َّنا ُك َّنا ُم ْر�سِ ِل َ‬ ‫ني‬ ‫ِين فِيهَا ُي ْف َر ُق ُك ُّل �أَ ْمرٍ َحك ٍ‬ ‫ال�سمِ ي ُع ا ْل َعلِي ُم) (الدخان‪.)3-1:‬‬ ‫َر ْح َم ًة مِ نْ َر ِّب َك ِ�إ َّن ُه هُ َو َّ‬ ‫ولقد �أبان اهلل تعاىل الغاية من �إنزال القر�آن الكرمي و�إر�سال‬ ‫اب �أَ ْن َز ْل َنا ُه‬ ‫النبي اخلامت حممد �صلى اهلل عليه و�سلم فقال (الر ِك َت ٌ‬ ‫ا�س مِ َن ُّ‬ ‫اط‬ ‫الظ ُل َماتِ �إىل ال ُّنو ِر ِب�إِ ْذنِ َر ِّب ِه ْم �إىل ِ�ص َر ِ‬ ‫�إِ َل ْي َك ِل ُت ْخ ِر َج ال َّن َ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫ا ْل َعزِي ِز الحْ َ مِ يدِ ) (�إبراهيم‪ ،)1:‬وقال تعاىل ( َل َق ْد َمنَّ ا َعلَى‬ ‫ني �إِ ْذ َب َع َث فِي ِه ْم َر ُ�س اً‬ ‫المْ ُ�ؤْمِ ِن َ‬ ‫ول مِ نْ �أَ ْن ُف�سِ ِه ْم َي ْت ُلو َعلَ ْي ِه ْم َ�آ َيا ِت ِه َو ُي َز ِّكي ِه ْم‬ ‫اب َوالحْ ِ ْك َم َة َو�إِ ْن َكا ُنوا مِ نْ َق ْب ُل َلفِي َ�ضلاَ لٍ ُم ِبنيٍ) (�آل‬ ‫َو ُي َع ِّل ُم ُه ُم ا ْل ِك َت َ‬ ‫عمران‪.)164:‬‬ ‫نرى ذلك من الآيات التي بينّ اهلل تعاىل فيها الغاية من �إنزال‬ ‫القر�آن‪ ،‬و�أنه ما �أنزله �إال ليكون كتاب هداية و�إر�شاد‪ ،‬فهو املنهاج القومي‬ ‫الذي ارت�ضاه اهلل خللقه لإخراجهم من الظلمات �إىل النور‪ ،‬وليحتكموا‬ ‫�إليه يف كل كبرية و�صغرية من �ش�ؤونهم اخلا�صة والعامة‪ ،‬و�أ َّنه م�صدر‬ ‫ع ّزهم و�سعادتهم وقوتهم‪ ،‬و�إنمّ ا قدم ربنا �ضمانات تطبيق املنهج الإلهي‬ ‫ليقبل عليه الإن�سان‪ ،‬وهو واثق �أ َّن االلتزام باملنهج الإ�سالمي �سيحقق له‬ ‫ال�سعادة يف الدنيا والآخرة‪ ،‬ولأ َّن الإن�سان بطبعه يخ�شى عاقبة تطبيق‬ ‫املناهج النظرية وما �ست�سفر عنه يف امل�ستقبل‪ ،‬كما �أ َّن الإلتزام بالقيم‬ ‫واملبادئ الإ�سالمية ُيقيد حركته يف احلياة‪ ،‬فيمنعه من الإنطالق‬ ‫خلف ال�شهوات‪ ،‬ويفوت عليه كثرياً من امل�صالح املادية العاجلة‪ ،‬وهو‬ ‫يظن �أ َّن التحلل من القيم واملبادئ ُيحقق له ال�سعادة واللذة واملتعة‪،‬‬ ‫غري �أ َّن الإ�سالم و�إن قيد حركة الفرد من �أجل م�صلحة املجتمع ف�إ ّنه‬ ‫ُيق ّيد حركة املجتمع كله �أي�ضاً من �أجل م�صلحة الفرد‪ ،‬ليحيا كل �إن�سان‬ ‫�آمناً على نف�سه وعر�ضه وماله‪ ،‬بغ�ض النظر عن قوته و�ضعفه وغناه‬ ‫وفقره‪ ،‬ومكانته يف املجتمع‪ ،‬فالإن�سان حمرتم يف الإ�سالم باعتباره‬ ‫�إن�ساناً ال ل�شيء �آخر‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫ثم �إ َّن هذه الغاية التي من �أجلها �أنزل اهلل القر�آن‪ ،‬و�أر�سل الر�سول‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم من الو�ضوح والظهور بحيث ال تخفى على‬ ‫كل ذي عقل متجرد من الهوى وامل�صالح املادية‪ ،‬واملوروثات العقدية‬ ‫واالجتماعية حني يمُ عن النظر يف القر�آن الكرمي‪ ،‬ويتدبر ما جاء‬ ‫به النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬و�أنه ما جاء �إال هداية للخالئق‪،‬‬ ‫و�إخراجهم من الظلمات العقدية واالخالقية واالجتماعية �إىل‬ ‫نور التوحيد وعدل الإ�سالم وطهارة الأخالق وال�سلوك‪ ،‬وتنظيم‬ ‫حياة النا�س من �أولها �إىل �آخرها‪ ،‬والواقع العملي خري �شاهد على‬ ‫هذه الدعوى‪ ،‬فلقد �أقام الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بهذا املنهج‬ ‫الذي جاء به الدولة الإ�سالمية يف املدينة املنورة‪ ،‬ويف ظل تطبيق‬ ‫هذا املنهج االلهي اختفت اجلرمية من املدينة املنورة‪ ،‬وحتقق الأمن‬ ‫والأمان‪ ،‬وال�سالم واال�ستقرار‪ ،‬ف�صار كل �إن�سان �آمناً على نف�سه‬ ‫وعر�ضه وماله بغ�ض النظر عن معتقده وما يدين به‪ ،‬ووجدت‬ ‫الأخوة ال�صادقة بني �أفراد املجتمع يف �أرقى �صورة عرفتها الإن�سانية‪،‬‬ ‫وال � ّ‬ ‫أدل على ذلك من �أ َّن الذي �أنزل القر�آن الكرمي �إليهم مع النبي‬ ‫عليه ال�صالة وال�سالم ا�ستنبطوا الغاية من �إنزاله‪ ،‬و�أنه ما �أنزل �إال‬ ‫لهداية اخللق �إىل �أقوم طريق و�أعدله‪ ،‬و�أ َّن يف اال�ستجابة للنبي عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم �صالح الدنيا‪ ،‬والفوز بال�سعادة الأبدية يف �ضيافة‬ ‫الرحمن الرحيم يف اجلنة‪.‬‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و�إِ ْذ َ�ص َر ْف َنا �إِ َل ْي َك َن َف ًرا مِ َن الجْ ِ ِّن َي ْ�س َتمِ ُعو َن‬ ‫ا ْل ُق ْر�آَ َن َفلَ َّما َح َ�ض ُرو ُه َقا ُلوا �أَ ْن ِ�ص ُتوا َفلَ َّما ُق ِ�ض َي َو َّل ْوا �إىل َق ْومِ ِه ْم‬ ‫ُم ْنذِ ر َ‬ ‫ُ�ص ِّد ًقا‬ ‫ُو�سى م َ‬ ‫ِين َقا ُلوا َيا َق ْو َم َنا �إِ َّنا َ�سمِ ْع َنا ِك َتا ًبا �أُ ْن ِز َل مِ نْ َب ْعدِ م َ‬ ‫َ‬ ‫ِيم َيا َق ْو َم َنا �أجِ ي ُبوا‬ ‫لمِ َا َبينْ َ َي َد ْي ِه َيهْدِ ي �إىل الحْ َ ِّق َو ِ�إلىَ َطرِيقٍ م ُْ�س َتق ٍ‬ ‫ِيم)‬ ‫دَاعِ َي اللهَّ ِ َو�آَمِ ُنوا ِب ِه َي ْغ ِف ْر َل ُك ْم مِ نْ ُذ ُنو ِب ُك ْم َويُجِ ْر ُك ْم مِ نْ َع َذابٍ �أَل ٍ‬ ‫(الأحقاف‪ .)31-29:‬وقال �سبحانه وتعاىل‪ُ ( :‬ق ْل �أُوحِ َي �إِليَ َّ �أَ َّن ُه‬ ‫ْا�س َت َم َع َن َف ٌر مِ َن الجْ ِ ِّن َف َقا ُلوا �إِ َّنا َ�سمِ ْع َنا ُق ْر�آَ ًنا ع َ​َج ًبا َيهْدِ ي �إىل ال ُّر ْ�شدِ‬ ‫َف�آَ َم َّنا ِب ِه َو َلنْ ُن ْ�شر َِك ِب َر ِّب َنا �أَ َحدًا) (اجلن‪. )2-1:‬‬ ‫ثم �إ َّن ما �أحدثه القر�آن الكرمي من تغيري ملمو�س بالن�سبة للأمة‬ ‫العربية وغريها من الأمم الأخرى يف فرتة زمنية وجيزة لدليل‬ ‫وا�ضح على �أنه من عند اهلل تعاىل‪ ،‬و�أ َّن �صالح الب�شرية يف الدنيا‬ ‫متوقف على ا�ستم�ساكها بالقر�آن الكرمي‪ ،‬وبتطبيقات الر�سول‬ ‫املع�صوم وتوجيهاته الكرمية‪ ،‬وهو منهج يقود حياتها من �أولها �إىل‬ ‫�آخرها‪.‬‬ ‫وقد ح َّذر اهلل تبارك وتعاىل امل�سلمني يف �شخ�ص الر�سول �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم من �أن يتنازلوا ولو عن عن جزئية ب�سيطة من الإ�سالم‪،‬‬ ‫فيقبلوا بع�ض �أحكامه ويرتكوا بع�ضها‪ ،‬محُ ذراً �إياهم من اال�ستجابة‬ ‫ملخططات الكافرين‪ ،‬فهدفهم �أن يتنازل امل�سلمون عن دينهم �شيئاً‬

‫ف�شيئاً‪ ،‬ليقبل امل�سلمون خططهم وال يفطنوا �إليها‪ ،‬ولهذا الهدف‬ ‫يعمل الكافرون بالليل والنهار ليق�ضوا على امل�سلمني‪ ،‬ويتحولوا �إىل‬ ‫ذيل القافلة بعد �أن كانوا يف املقدمة‪.‬‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و�أَنِ ْاح ُك ْم َب ْي َن ُه ْم بمِ َا �أَ ْن َز َل اللهَّ ُ َو اَل َت َّت ِب ْع �أَهْ َواءَهُ ْم‬ ‫َو ْاح َذ ْرهُ ْم �أَ ْن َي ْف ِت ُن َ‬ ‫وك َعنْ َب ْع ِ�ض مَا �أَ ْن َز َل اللهَّ ُ �إِ َل ْي َك َف ِ�إ ْن َت َو َّل ْوا َف ْاعلَ ْم‬ ‫ا�س‬ ‫ريا مِ َن ال َّن ِ‬ ‫�أَنمَّ َ ا ُيرِي ُد اللهَّ ُ �أَ ْن ُي ِ�صي َب ُه ْم ِب َب ْع ِ�ض ُذ ُنو ِب ِه ْم َو�إِ َّن َك ِث ً‬ ‫َل َفا�سِ ُقو َن �أَ َف ُح ْك َم الجْ َ اهِ ِل َّي ِة َي ْب ُغو َن َو َمنْ �أَ ْح َ�س ُن مِ َن اللهَّ ِ ُح ْك ًما ِل َق ْو ٍم‬ ‫ُيو ِق ُنو َن) (املائدة‪. )50-43:‬‬ ‫ولقد ط َّبق امل�سلمون الإ�سالم وجنوا ثمار تطبيقه يف الدنيا التي‬ ‫وعدهم اهلل تعاىل ور�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم بها �أمناً و�أماناً‬ ‫وا�ستقراراً‪ ،‬وحباً وتراحماً و�إيثاراً‪ ،‬وعزة و�سيادة‪ ،‬وقيادة ومتكيناً يف‬ ‫الأر�ض‪ ،‬فاال�ستم�ساك به هو احلياة احلقيقية‪ ،‬حيث يحقق للإن�سان‬ ‫الأمن النف�سي والبدين‪ ،‬ويحقق وعد اهلل تعاىل لعباده ال�صاحلني‬ ‫الذين جعلوا الإ�سالم واقعاً عملياً يف حياتهم اخلا�صة والعامة‪،‬‬ ‫واحتكموا �إليه يف كل كبرية و�صغرية‪.‬‬ ‫واحلق الذي ندين به ولن نحيد عنه ولن يجد باحث من�صف بداً‬ ‫من االعرتاف به‪� :‬أ َّن الإ�سالم دين كامل ونظام �شامل‪ ،‬فهو دين اهلل‬ ‫الذي ارت�ضاه خللقه ليقود حياتهم من �أولها �إىل �آخرها‪ ،‬ول ُينظم‬ ‫حياتهم اخلا�صة والعامة‪ ،‬ومل يرتك �شيئاً �إال و�شرع له الت�شريع‬ ‫املنا�سب الذي يحقق امل�صلحة للفرد وللمجتمع‪ ،‬فهو دين ودولة �أو‬ ‫عقيدة ونظام‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﳲ‬ ‫ﺍﻟﺘـﻌـﺎﻣـﻞ ﻣـﻊ ﺍﻟﺨـﻼﻑ‬ ‫اإ َّن اهلل تعاىل نهانا عن اختالف الكلمة‪ ،‬وبني لنا عواقبه ال�سيئة‪،‬‬ ‫ربوا اإِ َّن َّ َ‬ ‫اهلل َم َع‬ ‫فقال ( َو َل َت َنا َزعُوا َف َت ْف َ�س ُلوا َو َت ْذه َ​َب ر ُ‬ ‫ِيح ُك ْم َو ْ‬ ‫ا�س ِ ُ‬ ‫ِين) (الأنفال‪ ،)46:‬وقال عز وجل ( َو َل َت ُكو ُنوا َكا َّلذِ َ‬ ‫ال�سا ِبر َ‬ ‫ين‬ ‫َّ‬ ‫َت َف َّر ُقوا َو ْاخ َتلَ ُفوا مِ نْ َب ْعدِ مَا َجاءَهُ ُم ا ْل َب ِّي َن ُ‬ ‫ات َواأُو َلئ َِك َل ُه ْم َع َذ ٌاب‬ ‫عَظِ ي ٌم) (اآل عمران‪ ،)105:‬والآيات بهذا املعنى كثرية‪ ،‬ونظرا اإىل‬ ‫خطورة الأمر فقد حذرنا الر�سول �سلى اهلل عليه و�سلم من التفرق‬ ‫يف اأحاديث كثرية‪ ،‬منها قوله عليه ال�سالة وال�سالم‪َ ( :‬ل ْي َ�س اأَ َح ٌد‬ ‫ُي َفار ُِق ْ َ‬ ‫وت اإِ َّل م َ‬ ‫ربا َف َي ُم ُ‬ ‫َات مِ ي َت ًة َجاهِ ِل َّي ًة) رواه البخاري‬ ‫اجل َما َع َة �سِ ْ ً‬ ‫(‪ ،)7143‬ومما يعرفه كل عاقل اأن وحدة الأمة قوة‪ ،‬وتفرقها �سعف‬ ‫وهوان‪ ،‬ونحن اليوم وقعنا يف املحذور‪ ،‬وتفرقت اأمتنا لأ�سباب عديدة‪،‬‬ ‫وبلغ بنا ال�سعف ما بلغ‪ ،‬واأ�سواأ ما يف الأمر اأن ين�سب تفرق الأمة‬ ‫اإىل بواعث دينية‪ ،‬اأو يجعل له مربرات دينية‪ ،‬اأو ي�ساهم به بع�س‬ ‫املتدينني طلبا لن�سرة الإ�سالم وامل�سلمني؟!‬ ‫ويف بداية احلديث اأوؤكد اأن ما ن�ساهده من فرقة وخالف له‬ ‫اأ�سباب دنيوية خا�سة اأو عامة‪ ،‬لكنها مع الأ�سف تلب�س لبا�س الدين‬ ‫ل�ستغالل العاطفة الدينية العميقة عند جمهور امل�سلمني‪ ،‬وتوظفها‬ ‫يف ن�سرة �سخ�س اأو م�سروع‪.‬‬ ‫والواجب �سرعاً اإذا اختلفت ال�سبل اأن نرجع اإىل كتاب اهلل و�سنة‬ ‫نبيه �سلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ونهتدي مبا كان عليه ال�سلف ال�سالح يف‬ ‫معاجلة الأمور التي تعرت�سنا يف هذا الزمان وكل زمان‪ ،‬فقد قال اهلل‬ ‫اهلل َوال َّر ُ�سولِ ) (الن�ساء‪،)59:‬‬ ‫تعاىل( َف ِاإ ْن َت َنا َز ْع ُت ْم ِيف َ�س ْي ٍء َف ُردُّو ُه ِاإ َىل َّ ِ‬ ‫وقال ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه و�سلم‪َ :‬‬ ‫ري اأُ َّمتِي َق ْر ِين ُث َّم ا َّلذِ َ‬ ‫ين‬ ‫(خ ْ ُ‬ ‫َي ُلو َن ُه ْم ُث َّم ا َّلذِ َ‬ ‫ين َي ُلو َن ُه ْم) رواه البخاري (‪ ،)3650‬وبالتاأمل يف �سبه‬ ‫الذين خرجوا على اجلماعة يف كل الع�سور الإ�سالمية‪ ،‬جندهم‬ ‫يحتجون ببع�س الآيات ويعر�سون عن الباقي‪ ،‬وهذا �سببه زيغ يف‬ ‫القلوب يحرك اإىل اإثارة الفتنة‪ ،‬وي�ساحبه جهل بالدين يتمثل يف‬ ‫التغا�سي عن بع�س الن�سو�س وعدم اإدراك املقا�سد الإ�سالمية‬

‫‪50‬‬

‫د‪ .‬نوح علي �سلمان الق�ساة ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬ ‫مفتي اململكة ال�سابق‬ ‫اب‬ ‫الكربى‪ ،‬وعن هذا يقول اهلل عز وجل‪( :‬هُ َو ا َّلذِ ي اأَ ْن َز َل َعلَ ْي َك ا ْل ِك َت َ‬ ‫حم َك َم ٌات هُ نَّ اأُ ُّم ا ْل ِك َتابِ َواأُ َخ ُر ُم َت َ�سا ِبه ٌ‬ ‫َات َف َاأ َّما ا َّلذِ َ‬ ‫ين ِيف‬ ‫مِ ْن ُه اآ َي ٌات ُ ْ‬ ‫ُق ُلو ِب ِه ْم َز ْي ٌغ َف َي َّت ِب ُعو َن مَا َت َ�سا َب َه مِ ْن ُه ا ْب ِت َغا َء ا ْل ِف ْت َن ِة َوا ْب ِت َغا َء َتاأْوِي ِل ِه َومَا‬ ‫َي ْعلَ ُم َتاأْوِيلَ ُه ِاإ َّل َّ ُ‬ ‫اهلل َوال َّرا�سِ ُخو َن ِيف ا ْل ِع ْل ِم َي ُقو ُلو َن اآ َم َّنا ِب ِه ُك ٌّل مِ نْ عِ ْندِ‬ ‫الَ ْلبَابِ ‪َ .‬ر َّب َنا َل ُت ِز ْغ ُق ُلو َب َنا َب ْع َد اإِ ْذ َه َد ْي َت َنا‬ ‫َر ِّب َنا َومَا َي َّذ َّك ُر اإِ َّل اأُو ُلو ْ أ‬ ‫َّاب) (اآل عمران‪.)8-7:‬‬ ‫َوه َْب َل َنا مِ نْ َل ُد ْن َك َر ْح َم ًة اإِ َّن َك اأَنْتَ ا ْل َوه ُ‬ ‫وعن الأ�سلوب النتقائي يف الحتجاج بالن�سو�س يقول اهلل تعاىل‬ ‫(اأَ َف ُت ْوؤمِ ُنو َن ِب َب ْع ِ�س ا ْل ِك َتابِ َو َت ْك ُف ُرو َن ِب َب ْع ٍ�س) (البقرة‪ ،)85:‬واملت�سابه‬ ‫هو الذي ل يظهر معناه املوافق لقواعد ال�سريعة اأو م�سلمات‬ ‫الواقع‪ ،‬وقد يكون ال�سبب ق�سور علم الناظر يف تلك الآيات‪ ،‬فقوله‬ ‫تعاىل ( َواإِ َذا ا ْل ِب َحا ُر ُ�س ِّج َرتْ ) (التكوير‪ ،)6:‬اأي ا�ستعلت كان من باب‬ ‫املت�سابه اإذ كيف ي�ستعل املاء‪ ،‬وهو الذي يطفئ النار؟ واليوم �سار‬ ‫من املعلوم اأ َّن املاء موؤلف من عن�سرين اإذا فك الرتباط بينهما‬ ‫اأمكن اأن ي�ستعال‪ ،‬والذي يهمنا يف هذا املقام الآيات التي تتعلق‬ ‫بالعقيدة والتي على �سوئها يحكم باإميان �سخ�س اأو كفره‪ ،‬اأما ما‬ ‫يتعلق بالعبادات واملعامالت فالأمر فيه ي�سري‪ ،‬لأن املخالف يقول ملن‬ ‫خالفه‪ :‬اأخطاأت‪ ،‬ويف العتقاد يقال للمخالف كفرت‪ ،‬وهذا ما ذم به‬ ‫الإمام ال�سافعي رحمه اهلل اأ�سلوب علماء الكالم‪ ،‬فاإ َّن اأحدهم يقول‬ ‫ملخالفه كفرت‪ ،‬والكفر اأمر عظيم ل يجوز الت�سرع فيه‪ ،‬ول احلكم‬ ‫به على الأ�سخا�س اإل ب�سوابط‪ ،‬فقد قال ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم ( اإِ َذ ا َقا َل ال َّر ُج ُل َِ أل خِ ي ِه َيا َكا ِف ُر َف َق ْد َبا َء ِب ِه اأَ َح ُد هُ َما)‬ ‫(رواه البخاري ‪ )6103:‬و(م�سلم ‪.)60:‬‬


‫�أ َّما الفقهاء ف�إن خالفهم مل يباعد بينهم وغاية ما يف الأمر �أن‬ ‫يقول �أحدهم ل�صاحبه �أخط�أت ثم ال مينعه ذلك �أن ي�صلي خلفه‬ ‫و�أن يكون �صديقه وقعيده‪ ،‬وح�سبنا �أن نذكر �أن الإمام �أحمد تلميذ‬ ‫ال�شافعي‪ ،‬وكان يدعو له يف كل �صالة‪ ،‬وال�شافعي تلميذ الإمام مالك‪،‬‬ ‫وكان يثني عليه‪ ،‬والإمام مالك اجتمع بتالميذ �أبي حنيفة اجتماع‬ ‫العلماء‪ ،‬مبا فيه من مودة وا�ستفادة و�إفادة‪ ،‬و�أو�ضح من هذا �أن‬ ‫مذاهب �أهل ال�سنة الأربعة على ما بينها من خالف يف الفروع مل‬ ‫متنعهم �أن يكونوا �صفا واحدا يف باب العقيدة‪ ،‬و�أن يتعاي�شوا ع�صورا‬ ‫طويلة متعاونني يف الذب عن الدين‪.‬‬ ‫و�أود يف هذا البحث �أن �أبني منهج ال�سلف يف التعامل مع اخلالف‪،‬‬ ‫لنقتدي بهم فيما نراه من خالف يف هذا الزمان‪ ،‬فقد ظهر اخلالف‬ ‫منذ عهد النبي �صلى اهلل عليه و�سلم واختلف التعامل معه بح�سب‬ ‫اخللفية الثقافية‪ ،‬والرتبوية‪ ،‬من ذلك �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم �أ َّمر عمرو بن العا�ص على �سرية‪ ،‬ف�أ�صابته جنابة وخاف‬ ‫الهالك �إن اغت�سل فتيمم‪ ،‬وخالفه �أ�صحابه ور�أوا �أن ال مبيح للتيمم‪،‬‬ ‫ومع ذلك �صلوا خلفه‪ ،‬وملا رفع الأمر �إىل النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫�أقره على ما فعل‪ .‬رواه �أبو داود وغريه‪.‬‬ ‫بينما اعرت�ض �شخ�ص �آخر يف منا�سبة �أخرى على الر�سول �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم نف�سه‪ ،‬وقال له‪ :‬اعدل‪ ،‬فقال �صلى اهلل عليه و�سلم‪:‬‬ ‫( َل َق ْد َ�شقِيتُ �إِ ْن لمَ ْ �أَ ْعدِ ْل) (رواه البخاري ‪ ،)2969:‬وقال عنه �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪�( :‬إِ َّن مِ نْ ِ�ض ْئ ِ�ضئِ َه َذا َق ْو ًما َي ْق َرءُو َن ا ْل ُق ْر�آ َن اَل ُي َجا ِو ُز‬ ‫َح َناجِ َرهُ ْم) (رواه البخاري‪ ،)7432 :‬ذلك �أن الرجل بعد �أن �أخذ‬ ‫ن�صيبه من الغنيمة �أراد �أن مينع الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم من‬ ‫الت�صرف فيما �أباح اهلل له الت�صرف فيه مل�صلحة الإ�سالم وامل�سلمني‪،‬‬ ‫وهو �إعطاء امل�ؤلفة قلوبهم‪ ،‬لكن املعرت�ض ر�أى نف�سه قطب الرحى‪،‬‬ ‫ويجب �أن تقا�س الأمور مبعياره هو‪ ،‬وتلك الأنانية نا�شئة من تربية‬ ‫خا�صة‪ ،‬غري متمدنة‪ ،‬بينما لأن�صار �أهل املدينة ر�ضوا مبا ر�ضي به‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فقال فيهم �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫الَ ْن َ�صارِ) (رواه‬ ‫الَ ْن َ�صا ِر َو�أَ ْب َنا ِء �أَ ْب َنا ِء ْ أ‬ ‫ِلَ ْن َ�صا ِر َو ِ ألَ ْب َنا ِء ْ أ‬ ‫(ال َّل ُه َّم ْاغ ِف ْر ل ْ أ‬ ‫البخاري ‪ )4906:‬و(م�سلم ‪ ،)2506:‬ونحن نقول (يا رب ر�ضينا مبا‬ ‫ر�ضيت به ور�ضي به ر�سولك الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم فاغفر‬ ‫لنا)‪.‬‬ ‫وبعد وفاة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم برز خالف حول من‬

‫يتوىل �أمر امل�سلمني و�أراد الأن�صار �أن يكون اخلليفة منهم‪ ،‬فاملدينة‬ ‫بلدهم‪ ،‬لكنهم �سكتوا عندما �سمعوا قول الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪� ( :‬إ َّن َه َذا الأَ ْم َر فيِ ُق َر ْي�ش )(رواه البخاري ‪ ،)3309:‬وقد‬ ‫�شغب �آخرون فيما بعد ور�أوها ل�شخ�ص من قري�ش‪ ،‬ويف �سبيل ذلك‬ ‫ف�سقوا بل ك َّفروا كل ال�صحابة‪ ،‬وجتاهلوا كل ف�ضائلهم وما ورد يف‬ ‫َّ‬ ‫حقهم يف كتاب اهلل و�سنة ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ومل يقبلوا‬ ‫ما رواه ال�صحابة عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم من �أحاديث‪،‬‬ ‫وليعو�ضوا ما فاتهم من حديث النبي �صلى اهلل عليه و�سلم قالوا‬ ‫بع�صمة بع�ض علمائهم و�أئمتهم كع�صمة الأنبياء‪ ،‬ولهم تاريخ حافل‬ ‫يف �شق �صفوف امل�سلمني والكيد لهم‪.‬‬ ‫�أ َّما ال�صحابة الكرام وال�سلف ال�صالح فنظروا يف الأمر على‬ ‫�ضوء كتاب اهلل و�سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ور�أوا �أن املهم‬ ‫لي�س �شخ�ص احلاكم بل مباذا يحكم‪ ،‬وهذا �أرقى ما و�صل �إليه النا�س‬ ‫اليوم يف ق�ضية احلكم‪ ،‬فقد قال اهلل تعاىل ( َو�أَنِ ْاح ُك ْم َب ْي َن ُه ْم بمِ َا‬ ‫�أَ ْن َز َل اللهَّ ُ َو اَل َت َّت ِب ْع �أَهْ َواءَهُ ْم) (املائدة‪ ،)49:‬وقال ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫(ا�س َم ُعوا َو�أَطِ ي ُعوا َو�إِ ْن ْا�س ُت ْعمِ َل َح َب�شِ ٌّي َك�أَ َّن َر�أْ َ�س ُه َزبِي َب ٌة)‬ ‫عليه و�سلم ْ‬ ‫(رواه البخاري ‪ ،)693:‬وقال (�إِ َّن َه َذا ْالأَ ْم َر فيِ ُق َر ْي ٍ�ش اَل ُي َعادِي ِه ْم �أَ َح ٌد‬ ‫�إِ اَّل َك َّب ُه اللهَّ ُ َعلَى َو ْج ِه ِه مَا �أَ َقامُوا الد َ‬ ‫ِّين ) (رواه البخاري ‪،)3500:‬‬ ‫وقال عليه ال�سالم ( َو َل ْو ْا�س ُت ْعمِ َل َعلَ ْي ُك ْم َع ْب ٌد َي ُقو ُد ُك ْم ِب ِك َتابِ اللهَّ ِ‬ ‫ا�س َم ُعوا َل ُه َو َ�أطِ ي ُعوا) (رواه م�سلم ‪ ،)1838:‬ولذا مل ي�شاغبوا على‬ ‫َف ْ‬ ‫والة �أمورهم طاملا �أنهم يحكمون فيهم �شريعة اهلل‪ ،‬فقويت �شوكة‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬وات�سعت دولتهم‪ ،‬وعم اخلري الإ�سالمي مناطق وا�سعة من‬ ‫الأر�ض‪ ،‬فرحم اهلل ال�صحابة ور�ضي عنهم‪ ،‬فقد كانوا هم ال�سباقني‬ ‫�إذ مت�سكوا بكتاب اهلل و�سنة ر�سوله عليه ال�سالم‪.‬‬ ‫وبرز اخلالف مرة �أخرى على �أيدي اخلوارج وهم قوم �أخرب‬ ‫ال ْ�سلاَ ِم‬ ‫عنهم ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ب�أنهم ( َي ْق ُت ُلو َن �أَهْ َل ِْ إ‬ ‫ال ْو َثانِ ) (رواه البخاري ‪ )3344:‬و(م�سلم ‪،)1064:‬‬ ‫َو َي َدعُو َن �أَهْ َل َْ أ‬ ‫و�صدق ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬فقد فعلوا هذا‪ ،‬والذي �ساقهم‬ ‫�إىل بدعتهم هذه مت�سكهم ببع�ض الآيات و�إغ�ضا�ؤهم عن غريها‪،‬‬ ‫فمما مت�سكوا به قول اهلل تعاىل ( َو َمنْ َي ْق ُت ْل ُم�ؤْمِ ًنا ُم َت َع ِّمدًا َف َج َزا�ؤُ ُه‬ ‫َج َه َّن ُم َخا ِلدًا فِيهَا َو َغ ِ�ض َب اللهَّ ُ َعلَ ْي ِه َو َل َع َن ُه َو�أَ َع َّد َل ُه َع َذا ًبا عَظِ ي ًما)‬ ‫ني ‪ .‬ا َّلذِ َ‬ ‫(الن�ساء‪ ،)93:‬وقوله تعاىل ( َو َو ْي ٌل ِل ْل ُم ْ�ش ِر ِك َ‬ ‫ين اَل ُي�ؤْ ُتو َن‬ ‫ال َّز َكا َة َوهُ ْم ب ِْالآخِ َر ِة هُ ْم َكا ِف ُرو َن ) (ف�صلت‪ .)7-6:‬ومثل هذه الآيات‬

‫‪51‬‬


‫التي يفهم من ظاهرها �أنها تتوعد بع�ض �أ�صحاب الذنوب الكبرية‬ ‫بالعذاب الذي �أعد للكافرين‪ ،‬وقالوا فاعل الكبرية �إن كان يعتقد �أن‬ ‫اهلل ال يراه فقد كفر‪ ،‬و�إن كان يعتقد �أنه يراه ومع ذلك فعلها فقد‬ ‫كفر لأنه مل ي�ستحيي من اهلل‪� ،‬أما ال�صحابة الكرام وال�سلف ال�صالح‬ ‫من بعدهم فقد نظروا يف كل الآيات الواردة يف املو�ضوع‪ ،‬ومنها قول‬ ‫اهلل تعاىل( �إِ َّن اللهَّ َ اَل َي ْغ ِف ُر �أَ ْن ُي ْ�ش َر َك ِب ِه َو َي ْغ ِف ُر مَا دُو َن َذل َِك لمِ َنْ َي َ�شاءُ)‬ ‫(الن�ساء‪ ،)48:‬ولذا �أقاموا احلدود على �أ�صحاب الكبائر ومل يحكموا‬ ‫بكفرهم‪ ،‬مع كراهيتهم للمعا�صي و�أ�صحابها والتحذير من عواقبها‬ ‫ال�سيئة‪.‬‬ ‫وقاتلوا اخلوارج لكنهم مل يحكموا بكفرهم‪ ،‬وفرقوا بني من‬ ‫ا�ستحل الكبرية ومن فعلها معتقدا حرمتها‪ ،‬فمن ا�ستحل كفر‪ ،‬وملن‬ ‫مل ي�ستحلها م�ؤمن عا�ص‪ ،‬وبلغت اجلر�أة على الباطل عند بع�ض فرق‬ ‫اخلوارج �أن قتلوا �أطفال امل�سلمني ون�ساءهم و�شيوخهم وعميانهم‬ ‫والعجزة منهم‪ ،‬بحجة �أن ه�ؤالء من جملة رعايا الكافرين بزعمهم‪،‬‬ ‫وملا ا�ستنكر هذا بع�ض الفرق الأخرى من اخلوارج احتجوا عليهم ب�أن‬ ‫نوحا عليه ال�سالم دعا على قومه كلهم ف�أغرقوا‪ ،‬ون�سي ه�ؤالء القتلة‬ ‫قول اهلل تعاىل ( َو اَل َت ِز ُر َوا ِز َر ٌة ِو ْز َر �أُ ْخ َرى ) (الأنعام‪ ،)164:‬والذي‬ ‫ما يزال الب�شر ي�سعون جاهدين ليطبق فيهم هذا املبد�أ الرباين‪ ،‬فال‬ ‫ي�ؤخذ الإن�سان بجريرة غريه‪ ،‬ويف القر�آن وال�سنة ع�شرات الن�صو�ص‬ ‫التي ت�ؤكد هذا املبد�أ‪� ،‬أال ترون �أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫�أخر رجم من حملت من الزنا حتى ت�ضع كيال يقتل من يف بطنها‪.‬‬ ‫وظهر يف امل�سلمني املرجئة الذين ال يبالون بالذنوب‪ ،‬ويقولون‬ ‫املهم الإميان باهلل‪ ،‬وال يدخل النار �إال كافر‪ ،‬وتعلقوا مبثل قول اهلل‬ ‫الَ ْ�ش َقى ‪ .‬ا َّلذِ ي َك َّذ َب‬ ‫تعاىل ( َف�أَ ْن َذ ْر ُت ُك ْم َنا ًرا َتلَ َّظى ‪ .‬اَل َي ْ�صلاَ هَا �إِ اَّل ْ أ‬ ‫َو َت َولىَّ ) (الليل‪� ،)16-14:‬أما ال�سلف ال�صالح فنظروا �إىل هذه الآية‬ ‫مع قول اهلل تعاىل( �إِ َّن ا َّلذِ َ‬ ‫ين َي�أْ ُك ُلو َن �أَ ْم َوا َل ا ْل َي َتامَى ُظ ْل ًما �إِنمَّ َ ا‬ ‫ريا) (الن�ساء‪ ،)10:‬و�أمثال‬ ‫َي�أْ ُك ُلو َن فيِ ُب ُطو ِن ِه ْم َنا ًرا َو َ�س َي ْ�صلَ ْو َن َ�س ِع ً‬ ‫هذه الآية كثري‪ ،‬ولذا قالوا‪ :‬املوحد يدخل النار بذنوبه‪ ،‬لكنه ال‬ ‫يخلد فيها كامل�شرك‪.‬‬ ‫وظهر املعتزلة الذين يقولون‪� :‬صاحب الكبرية لي�س مب�ؤمن وال‬ ‫كافر‪ ،‬بل هو يف منزلة بني املنزلتني‪ ،‬حمتجني مبا احتج به اخلوارج‬ ‫واملرجئة‪� ،‬أما ال�سلف ال�صالح فنظروا �إىل قول اهلل تعاىل(هُ َو‬ ‫ري)‬ ‫ا َّلذِ ي َخلَ َق ُك ْم َفمِ ْن ُك ْم َكا ِف ٌر َومِ ْن ُك ْم ُم�ؤْمِ ٌن َواللهَّ ُ بمِ َا َت ْع َم ُلو َن َب ِ�ص ٌ‬ ‫(التغابن‪ ،)2:‬و�أمثالها من كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬وفرقوا بني املعاملة‬

‫الدنيوية واملعاملة يف الآخرة‪ ،‬ف�أحكام امل�سلمني الدنيوية تطبق على‬ ‫كل من �شهد �أن ال �إله �إال اهلل و�أن حممدا ر�سول اهلل‪ ،‬ويف الآخرة ال‬ ‫يدخل اجلنة �إال م�ؤمن‪ ،‬واهلل �أعلم مبا يف القلوب‪.‬‬ ‫هذه الإطاللة ال�سريعة على ما وقع بني امل�سلمني من خالف هي‬ ‫للتذكري فقط‪ ،‬وال يخفى على �إخواين ما �أورثته هذه اخلالفات من‬ ‫فنت‪ ،‬وما نتج عنها من خالف وفرق و�شراذم‪ ،‬وما �أ�صاب امل�سلمني‬ ‫ب�سببها من �ضعف وهوان‪ ،‬ومن ين�سى الغزو الترتي لعا�صمة‬ ‫امل�سلمني بغداد‪ ،‬واحتالل ال�صليبيني للقد�س‪ ،‬ولوال حماية اهلل‬ ‫لو�صل �أرناط القائد ال�صليبي املدينة املنورة‪.‬‬ ‫ويف الع�صر احلديث اجتمع على امل�سلمني الغزو الع�سكري والغزو‬ ‫الثقايف‪ ،‬ولنا الثقة بوعد اهلل �أن ال ي�سلط على هذه الأمة من ي�ستبيح‬ ‫بي�ضتها‪ ،‬و�أن يحفظ علينا ديننا وكتابه فينا‪ ،‬فقد قال تعاىل( �إِ َّنا‬ ‫َن ْح ُن َن َّز ْل َنا ال ِّذ ْك َر َو�إِ َّنا َل ُه لحَ َ اف ُِظو َن ) (احلجر‪ ،)9:‬و�أود �أن �أبني‬ ‫القواعد التي راعاها ال�سلف من هذه الأمة عند نظرهم يف ق�ضايا‬ ‫اخلالف‪:‬‬ ‫‪ -1‬القر�آن ي�صدق بع�ضه بع�ضا‪ ،‬وللحكم يف مو�ضوع يجب النظر‬ ‫�إىل كل الآيات الواردة يف املو�ضوع‪ ،‬والتوفيق بينها للو�صول �إىل حكم‬ ‫ال يهمل �شيئاً من �آيات الكتاب الكرمي‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال�سنة النبوية ال�صحيحة حجة‪ ،‬وهي ت�ؤيد القر�آن الكرمي‬ ‫وتف�سره‪ ،‬و�إهمال �شيء منها �إهمال ل�شيء من الدين‪.‬‬ ‫‪ -3‬املت�شابه من الكتاب وال�سنة نفو�ض علمه �إىل اهلل تعاىل‪ ،‬وهذا‬ ‫ال يعيقنا عن العمل بالكتاب وال�سنة‪ ،‬فالن�صو�ص املتعلقة بالأمور‬ ‫العملية ال ت�شابه فيها‪ ،‬وقد �ضل �أهل الكتب ال�سابقة عندما حتكموا‬ ‫ب�آرائهم فيما �أنزل عليهم‪ ،‬ويجب �أن نحذر ما �صنوا‪ ،‬قال اهلل تعاىل(‬ ‫ين َت َف َّر ُقوا َو ْاخ َتلَ ُفوا مِ نْ َب ْعدِ مَا َجاءَهُ ُم ا ْل َب ِّي َن ُ‬ ‫َو اَل َت ُكو ُنوا َكا َّلذِ َ‬ ‫ات‬ ‫َو�أُو َلئ َِك َل ُه ْم َع َذ ٌاب عَظِ ي ٌم ) (�آل عمران‪ )105:‬وقد �سئل �أبو بكر ر�ضي‬ ‫اهلل عنه عن قول اهلل تعاىل ( َو َفا ِك َه ًة َو�أَ ًّبا ) (عب�س‪ )31:‬فقال‪� " :‬أي‬ ‫�سماء تظلني‪ ،‬و�أي �أر�ض تقلني �إذا قلت يف كتاب اهلل ما ال �أعلم "‪ ،‬وقر�أ‬ ‫عمر ر�ضي اهلل عنه هذه الآية ثم قال‪" :‬كل هذا عرفناه فما ال ُّأب؟‬ ‫ثم رفع ع�صا كانت بيده وقال‪ :‬هذا لعمرو اهلل التكلف‪ ،‬وما عليك‬ ‫يا ابن �أم عمر ‪ -‬يعني نف�سه ‪� -‬أال تدري ما الأب؟ ثم قال‪ :‬اتبعوا ما‬ ‫بني لكم من هذا الكتاب‪ ،‬وماال فدعوه " انتهى‪ ( .‬تف�سري القرطبي‬ ‫(‪ ،)223/19‬فانظر رحمك اهلل �إىل توقف �أف�ضل الأمة بعد ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬و�إىل جر�أة البع�ض على الفتوى تعرف �أنهم‬ ‫مدعون‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫‪ -4‬كل من قال‪� :‬أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل و�أ�شهد �أن حممدا ر�سول‬ ‫اهلل فهو م�سلم م�ؤمن‪ ،‬وكذا من ولد من �أبوين م�سلمني �أو كان �أحد‬ ‫�أبويه م�سلما فهو م�سلم‪ ،‬هذا هو الأ�صل‪ ،‬وال ينق�ض �إال مبا يدل‬ ‫على الكفر قطعا‪ .‬ودليل هذا قول اهلل تعاىل( َو اَل َت ُقو ُلوا لمِ َنْ �أَ ْل َقى‬ ‫ال�سلاَ َم َل ْ�ستَ ُم ْ�ؤمِ ًنا) (الن�ساء‪ ،)94:‬وقول النبي �صلى اهلل‬ ‫�إِ َل ْي ُك ُم َّ‬ ‫ِيح َت َنا َف َذل َِك‬ ‫عليه و�سلم ( َمنْ َ�ص َّلى َ�صلاَ َت َنا َو ْا�س َت ْق َب َل ِق ْبلَ َت َنا َو�أَ َك َل َذب َ‬ ‫المْ ُ ْ�س ِل ُم ا َّلذِ ي َل ُه ِذ َّم ُة اللهَّ ِ َو ِذ َّم ُة َر ُ�سو ِل ِه فَلاَ ُت ْخ ِف ُروا اللهَّ َ فيِ ِذ َّم ِتهِ) (رواه‬ ‫البخاري ‪ ،)391:‬ولهذا ف�إن املعا�صي مهما عظمت ال تخرج �صاحبها‬ ‫من الإ�سالم مع ما عليه من عقوبة يف الدنيا والآخرة‪ ،‬ومع كراهيتنا‬ ‫للمعا�صي و�أهلها حتى يتوبوا‪ ،‬على �أن من ا�ستحل حراما �أجمعت‬ ‫الأمة على حرمته فقد كفر‪ ،‬ومن �أ�صر على املعا�صي يخ�شى �أن‬ ‫ي�سلب منه الإميان ف�إن املعا�صي بريد الكفر‪.‬‬ ‫‪ -5‬احلكم على النا�س بح�سب ظواهرهم وترك �سرائرهم �إىل‬ ‫اهلل تعاىل‪ ،‬فقد قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم (�إِنيِّ لمَ ْ �أُو َم ْر‬ ‫ا�س َو اَل �أَ ُ�ش َّق ُب ُطو َن ُه ْم) (رواه البخاري ‪،)4351:‬‬ ‫�أَ ْن �أَ ْن ُق َب َعنْ ُق ُلوبِ ال َّن ِ‬ ‫وقال �صلى اهلل عليه و�سلم لأ�سامة حني قتل رجال يف املعركة بعد �أن‬ ‫قال ‪ :‬ال �إله �إال اهلل ‪� :‬أَفَلاَ َ�ش َققْتَ َعنْ َق ْل ِب ِه َح َّتى َت ْعلَ َم �أَ َقا َلهَا �أَ ْم اَل (رواه‬ ‫م�سلم ‪ )96:‬والق�صة معروفة‪ .‬هذا ما عليه �أهل ال�سنة واجلماعة‪،‬‬ ‫وهم علماء املذاهب الأربعة ال�سنية‪ ،‬ولذا مل يكفروا غريهم من‬ ‫الفرق الإ�سالمية التي لها وجهة نظر حتتمل ال�صواب‪ ،‬و�إن كانت‬ ‫�ضعيفة مرفو�ضة‪ ،‬ولهذا �أي�ضا ا�ستوعبت الدولة الإ�سالمية التي‬ ‫كانت تتبنى وجهة نظر �أهل ال�سنة كل الفرق الإ�سالمية‪ ،‬بينما‬ ‫كفرت �أكرث الفرق غريها‪ ،‬بل كفروا �أهل ال�سنة وا�ستباحوا دمائهم‪،‬‬ ‫والدافع �إىل ذلك بواعث �سيا�سية يريدون ت�أييد تيار �ضد تيار �آخر‪،‬‬ ‫وكم �سفكت دماء ب�سبب هذا املنهج التكفريي‪ ،‬ور�ضي اهلل عن احل�سن‬ ‫بن علي بن �أبي طالب‪ ،‬لقد تنازل عن حقه الثابت يف اخلالفة من‬ ‫�أجل �أن يحقن دماء امل�سلمني‪ ،‬و�صدق فيه قول الر�سول �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم (ا ْبنِي َه َذا َ�س ِّي ٌد َو َل َع َّل اللهَّ َ �أَ ْن ُي ْ�ص ِل َح ِب ِه َبينْ َ ِف َئ َتينْ ِ مِ نْ‬ ‫المْ ُ ْ�سلِمِ َ‬ ‫ني)(رواه البخاري ‪.)3629:‬‬ ‫‪ -6‬هناك فرق بني احلكم على �أمر ب�أنه مكفر وبني احلكم على‬ ‫�شخ�ص ب�أنه كفر‪ ،‬فقولنا من عمل كذا فقد كفر‪ ،‬غري قولنا فالن‬ ‫فعل كذا فكفر‪ ،‬فالأول حكم جمرد‪ ،‬والثاين حكم على �شخ�ص‪ ،‬فال‬

‫يجوز ما مل يثبت �صدوره منه‪ ،‬وهذه م�س�ألة غلط فيها كثريون يف‬ ‫حق كثريين‪.‬‬ ‫‪ -7‬امل�سلمون ال يحبون الكفر والكفار‪ ،‬ف�إذا غ�ضبوا على �أحد‬ ‫منهم و�صفوه ب�أنه كافر‪� ،‬أي �أنه كافر النعمة‪� ،‬أو عمله كعمل الكفار‪،‬‬ ‫و�إذا زجروا عن �شيء قالوا عنه كفر‪� ،‬أي يدل على عدم اكرتاث‬ ‫بالدين‪ ،‬لكن هذا غري الكفر الذي يخرج من امللة‪ ،‬ويعاقب فاعله‬ ‫عقاب املرتدين‪ ،‬وانظر �إىل قول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم (ثالث‬ ‫من الكفر باهلل ‪� :‬شق اجليب ‪ ،‬والنياحة ‪ ،‬والطعن يف الن�سب )‬ ‫(�صحيح ابن حبان)‪ ،‬مع �أن من فعل �شيئا من هذا ال يحكم بردته‪.‬‬ ‫وقد ر�سخ منهج �أهل ال�سنة واطم�أن به وله امل�سلمون‪ ،‬فقويت‬ ‫�شوكتهم بعد �ضعف‪ ،‬واجتمعت كلمتهم بعد فرقة‪ ،‬حتى جاء هذا‬ ‫الع�صر الذي نحى فيه العلماء عن توجيه امل�سلمني‪ ،‬فنبتت نابتة ال‬ ‫تعرف للعلم منهجا �صحيحا‪ ،‬وال للعلماء قدرا الئقا‪ ،‬و�أرادوا �إبراز‬ ‫�أنف�سهم بالطعن يف غريهم من الأئمة ال�سابقني والعلماء الالحقني‪،‬‬ ‫ون�صبوا لأنف�سهم �أئمة ال تتوفر فيهم �شروط الإمامة‪ ،‬و�ساعدهم‬ ‫على ذلك من �أراد �إ�سقاط هيبة العلماء لأغرا�ض �شتى‪ ،‬وهو يعلم‬ ‫�أن ه�ؤالء املتطاولني لن ميل�ؤوا الفراغ الذي �سيحدثونه‪ ،‬و�صاحب‬ ‫ذلك جماهرة الف�سقة بف�سقهم‪ ،‬وامللحدون ب�إحلادهم‪ ،‬فتوافق من‬ ‫غري ق�صد على الطعن يف �أحكام الدين وعلمائه الف�سقة والذين ما‬ ‫عرفوا �أدب اخلالف‪.‬‬ ‫وهكذا وقعت البلية‪ ،‬وحتقق ما حذر منه النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم بقوله (ال َّل ُه َّم اَل ُي ْد ِر ْكنِي َزم ٌ‬ ‫َان �أَ ْو اَل ُت ْد ِر ُكوا َزمَا ًنا اَل ُي ْت َب ُع فِي ِه‬ ‫وب ْالأَعَاجِ ِم َو�أَ ْل�سِ َن ُت ُه ْم‬ ‫ِيم ُق ُلو ُب ُه ْم ُق ُل ُ‬ ‫ا ْل َعلِي ُم َو اَل ُي ْ�س َت َحى فِي ِه مِ نْ الحْ َ ل ِ‬ ‫�أَ ْل�سِ َن ُة ا ْل َع َربِ ) (رواه �أحمد)‪.‬‬ ‫وطالت الفتاوى الطائ�شة القاعدة والقمة‪ ،‬ومل ي�سلم من �شرها‬ ‫�أحد من الأمة‪ ،‬ففزع النا�س �إىل العلماء وهيهات‪ ،‬ومهما يكن من‬ ‫�أمر ف�إن واجب طالب العلم �أن يبينوا �أحكام الدين ما ا�ستطاعوا �إىل‬ ‫ذلك �سبيال‪ ،‬و�أن يعلموا �أنهم و�أمتهم يف زورق واحد‪ ،‬ولي�س اخلالف‬ ‫ل�صالح �أحد‪ ،‬فلي�شد بع�ضهم على �أيدي بع�ض‪ ،‬ولي�س�ألوا اهلل الفرج‪،‬‬ ‫ف�إن بيده اخلري‪ ،‬ومنه العون واملدد‪ ،‬وال حول وال قوة �إال باهلل العلي‬ ‫العظيم‪.‬‬ ‫و�صلى اهلل على �سيدنا حممد و�آله و�صحبه و�سلم‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫ﺍﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬

‫ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﻣﻌﺎﻟﻲ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺤﻼﻳﻘﺔ‬ ‫ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﻳﻌﻘﺪ ﻧﺪﻭﺓ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ‬ ‫"ﺭﺅﻳﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﻮﻝ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍﳴﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﳴﻴﺔ"‬

‫حتت رعاية معايل الدكتور حممد احلاليقة‪ ،‬عقد املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية بالتعاون مع موؤ�س�سة �سالتو�س الأردن للت�سويق ندوة‬ ‫بعنوان ( روؤية اإ�سالمية حول الأزمة املالية العاملية)‪ ،‬وذلك يوم‬ ‫اخلمي�س املوافق ‪2011/01/27‬م يف م�سرح زارا اإك�سبو‪ /‬جراند حياة‬ ‫عمان‪.‬‬ ‫وقال الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري يف كلمته التي األقاها يف افتتاح الندوة اأن الأزمة املالية‬ ‫العاملية التي األقت بظاللها على دول العامل كله اأ�سبحت توؤثر تاأثرياً‬ ‫عميقاً على البنى ال�سيا�سية والجتماعية والثقافية للمجتمعات‬ ‫(اإل اأن تاأثريها كان حمدوداً على املوؤ�س�سات املالية التي تتعامل وفق‬ ‫ال�سريعة الإ�سالمية)‪.‬‬

‫واأ�ساف يف الندوة التي اأدارها رئي�س ق�سم امل�سارف يف كلية‬ ‫ال�سريعة يف اجلامعة الأردنية د‪.‬وائل عربيات والذي قدم �سرحاً‬ ‫وافياً عن تاريخ الأزمة املالية العاملية‪ ،‬واأن التحديات التي تواجه‬ ‫امل�سارف الإ�سالمية باعتبارها اإحدى جتليات امل�سروع الإ�سالمي‬ ‫حتديات كبرية تتمثل باأمرين مهمني اثنني حداثة عهد هذه‬ ‫امل�سارف ن�سبياً‪ ،‬واخل�سم الذي تواجهه واملتمثل بالبنوك الربوية‬ ‫امل�سيطرة على القت�ساد منذ قرون‪.‬‬ ‫واأ�سار اأ�ستاذ القت�ساد الإ�سالمي يف جامعة الريموك اأ‪ .‬د‪ .‬اأحمد‬ ‫ال�سعد يف ورقته التي قدمها بعنوان"امل�سروع القت�سادي الإ�سالمي‬ ‫والأزمة املالية العاملية" عن بدايات الأزمة املالية العاملية و�سنة‬ ‫حدوثها وتبعياتها على القت�ساد‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫وتطرق الدكتور ال�سعد �إىل الأمور التي ت�سببت بحدوث الأزمة‬ ‫املالية االقت�صادية وتتمثل بالرهن العقاري والتوريق وامل�شتقات‬ ‫والبيع املك�شوف والتجارة بالهام�ش‪ ،‬كما تطرق يف كلمته �أي�ضاً �إىل‬ ‫الآلية التي يتم فيها معاجلة مثل هذه الأزمات‪.‬‬ ‫من جهته حتدث مدير �إدارة اخلدمات امل�صرفية للأفراد يف‬ ‫البنك العربي الإ�سالمي الدويل د‪.‬نايف �أبو �أدهيم بالإنابة عن‬ ‫ال�سيد �سامل برقان رئي�س جمل�س �إدارة البنك العربي الإ�سالمي يف‬ ‫ورقته " دور البنوك الإ�سالمية يف مواجهة الأزمة املالية العاملية"‬ ‫بداية با�ستعرا�ض بدايات الأزمة املالية العاملية عام ‪ 2001‬بعد �أحداث‬ ‫�سبتمرب وكيف قام البنك املركزي بتخفي�ض �أ�سعار الفائدة وذلك‬ ‫ل�ضخ احلياة يف االقت�صاد الأمريكي‪ ،‬وكيف �أدى ارتفاع �أ�سعار الفائدة‬ ‫لعدم القدرة على �سداد الدين الأمر الذي انعك�س مبا�شرة على‬ ‫�أ�سعار العقارات‪.‬‬ ‫كما تطرق �إىل الأ�س�س التي تقوم عليها ال�صريفة الإ�سالمية‬ ‫حيث تقوم على مبد�أ امل�شاركة يف الربح واخل�سارة وتقوم على مبد�أ‬ ‫حترمي امل�شتقات املالية‪ ،‬والبيع على املك�شوف وعدم التعامل بالفائدة‬ ‫الربوية وحترمي املعامالت املالية واالقت�صادية التي تقوم على‬ ‫الكذب وغريها من الأ�س�س‪.‬‬ ‫و�أ�شار يف ورقته �إىل تاريخ ال�صريفة الإ�سالمية والبداية‬ ‫احلقيقية لها عام ‪ 1975‬حيث متثلت بت�أ�سي�س بنك دبي الإ�سالمي‪،‬‬ ‫و�أن عدد امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية حوايل ‪ 400‬م�ؤ�س�سة منت�شرة يف �أكرث‬ ‫من ‪ 75‬بلدا من الدول العامل الإ�سالمي وغري الإ�سالمي‪ ،‬و�أن ‪%1‬‬ ‫فقط هي ن�سبة موجودات ال�صريفة الإ�سالمية من حجم موجودات‬ ‫ال�صريفة العاملية‪.‬‬ ‫و�أكد د‪�.‬أبو �أدهيم على �أن من متطلبات املرحلة القادمة ت�أهيل‬ ‫الكوادر الب�شرية العاملة يف جمال ال�صريفة وتطوير منتجات‬ ‫مالية �إ�سالمية جديدة تلبي احتياجات املتعاملني باجلودة العالية‪،‬‬ ‫وتطوير �أدوات مالية ق�صرية الأجل ال�ستثمار ال�سيولة الفائ�ضة‬ ‫و�أي�ضا تطوير اخلدمات الإلكرتونية وغريها من املتطلبات‪.‬‬ ‫يف حني قال ع�ضو جمل�س �إدارة‪ /‬الرئي�س التنفيذي ل�شركة‬ ‫الإ�سراء للتمويل الإ�سالمي د‪ .‬ف�ؤاد املحي�سن يف ورقته التي حول‬ ‫"الدور اجلديد للم�صارف الإ�سالمية يف ظل الأزمة املالية العاملية"‬ ‫� ّأن ال�سبب الرئي�سي حلدوث الأزمة املالية العاملية هي ممار�سات‬

‫يحرمها الإ�سالم �سواء كانت �أخالقية �أو تتعلق ب�صلب العقود‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �أن الأزمة املالية العاملية قد �أثرت ب�شكل كبري على �أ�سواق‬ ‫املال وت�أثريها هذا �أدى باملقابل �إىل تراجع املعامالت وزيادة املخاطر‬ ‫التي تواجه البنوك وامل�صارف وعدم القدرة على التنب�ؤ مبا �سيحدث‬ ‫يف امل�ستقبل‪ ،‬و�سحب عدد كبري من كبار امل�ستثمرين لأموالهم‬ ‫و�أي�ضا ت�أثر �أ�سعار النفط‪ ،‬والأهم من ذاك كله القلق الذي �أ�صاب‬ ‫النا�س وحتديدا العرب ملا يرتتب على ما قيل �سابقا فر�ض ل�ضرائب‬ ‫جديدة ور�سوم �أ�ضافية‪.‬‬ ‫وا�ستعر�ض د‪.‬املحي�سن يف بداية �شرحه لورقته عددا من الأخبار‬ ‫املقتب�سة لعدد من الوزراء وال�صحفيني واخلرباء ذات ال�ش�أن امل�صريف‬ ‫واملايل حيث مت مناق�شتها‪ ،‬كما تطرق لأثر الأزمة على ال�صناعة‬ ‫امل�صرفية ‪،‬و�أداء البنوك التقليدية و�آخر امل�ستجدات الدولية و�أهم‬ ‫حماور تنظيم العمل امل�صريف اجلديد وغريها من املحاور‪.‬‬ ‫�أ�ستاذ ال�شريعة يف جامعة العلوم الإ�سالمية د‪ .‬حممد نوح الق�ضاة‬ ‫حتدث يف ورقته التي بعنوان" هيئة الرقابة ال�شرعية ( واجباتها‪،‬‬ ‫�أهميتها‪ ،‬موا�صفاتها)" عن هيئة الرقابة ال�شرعية والتي عرفها‬ ‫ب�أنها احلد الفا�صل بني امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية وغري الإ�سالمية حيث‬ ‫�أن الهيئة هي التي ت�ضمن البقاء الإ�سالمي لل�شركة �أو امل�ؤ�س�سة‬ ‫والتي لها الكلمة الفاعلة يف جواز العقود من عدمها‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �أن هيئة الرقابة ال�شرعية يتوجب عليها عدد من املهام‬ ‫�أولها جعل ال�شركة ملتزمة ب�أحكام ال�شريعة الإ�سالمية ‪ ،‬و�أن على‬ ‫الهيئة �أن ترفع من ال�سوية الدينية للعاملني يف ال�شركات‪ ،‬و�ضرورة‬ ‫�إيجاد منتجات �إ�سالمية جديدة‬ ‫ويف نهاية الندوة افتتح ولأول مرة يف الأردن معر�ض التق�سيط‬ ‫والت�أجري التمويلي الإ�سالمي(برنامج �سهل ‪ 1‬للتمويل) الأول‬ ‫لعدد من امل�ؤ�س�سات وال�شركات يف الأردن على هام�ش الندوة ‪ ،‬و حيث‬ ‫ا�ستمر لثالثة �أيام‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻟﻠﻤﺘﺰﻭﺟﻦﻴ ﺣﺪﻳﺜﺎﹰ ﻭﺍﳴﻘﺒﻠﻦﻴ‬ ‫ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ‬ ‫ﺩﻭﺭﺓ ﺗﻨﻈﻤﻬﺎ ﻟﺠﻨﺔ ﺍﳴﺮﺃﺓ ﳲ ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﺃﺳﺮﺓ ﺳﻮﻳﺔ ﺗﺴﻬﻢ ﳲ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﳴﺠﺘﻤﻊ‬ ‫انطالقاً من ر�سالة جلنة املراأة يف منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬ ‫يف بناء اأ�سرة �ساحلة ي�ساهم جميع اأفرادها يف بناء املجتمع ونه�سة‬ ‫الأمة‪ ،‬ولأهمية التوعية والتثقيف يف حت�سني اأبنائنا وتنمية قدراتهم‬ ‫وتوجيههم الوجهة ال�سليمة املتزنة‪ ،‬وملا يعانيه جمتمعنا الآن من‬ ‫م�ساكل اجتماعية متعددة اأهمها ارتفاع ن�سبة الطالق وزيادة حالت‬ ‫العنف الأ�سري واملجتمعي والتي هي نتاج التفكك الأ�سري الآخذ‬ ‫بالزدياد‪ ،‬لغياب احلب والرحمة والتفاهم ولغة احلوار بني اأفراد‬ ‫الأ�سرة مما رتب م�سوؤولية كبرية تقع على عاتق موؤ�س�سات املجتمع‬ ‫املدين‪ ،‬لتهب للت�سدي لهذه امل�ساكل اخلطرية ومعاجلتها بالتوعية‬ ‫والتثقيف والتدريب والتاأهيل‪ ،‬نظمت جلنة املراأة يف منتدى‬ ‫الو�سطية للفكر والثقافة دورة متخ�س�سة يف جمال "االإعداد‬ ‫للحياة الزوجية للمتزوجني حديثا واملقبلني على الزواج"‬

‫العلوم الإ�سالمية الدكتورة دعاء فينو‪ ،‬وطبيبة الأمرا�س الن�سائية‬ ‫الدكتورة اآمال البكري‪.‬‬ ‫وا�ستملت الدورة التي تاأتي �سمن �سل�سلة من دورات لحقة �سيتم‬ ‫تنظيمها لل�سباب ذكوراً واإناثاً لتحقيق الأهداف املرجوة منها على‬ ‫برنامج ا�ستمل على عدة موا�سيع منها‪:‬‬ ‫ اأ�س�س اختيار �سريك احلياة واأحكام اخلطبة‪.‬‬‫ مفاهيم �سرعية اأ�سا�سية يف العالقة الزوجية‪ ،‬القوامة‪ ،‬الرعاية‪،‬‬‫الت�ساركية‪ ،‬الإح�سان وغريها‪...‬‬ ‫ مفهوم العالقة الزوجية يف الت�سريع الإ�سالمي‪.‬‬‫ ثقافة علمية جن�سية اأ�سا�سية لإقامة العالقة الزوجية ال�سوية‪.‬‬‫ حقوق املراأة ال�سرعية‪.‬‬‫وتهدف الدورة التي ح�سرها عدد من الفتيات املتزوجات‬ ‫حديثا واملقبالت على الزواج على اأهداف عدة اأهمها‪:‬‬ ‫ تكوين اأ�سرة �سليمة ع�سية على الهدم‪.‬‬‫ تكوين اأ�سرة فاعلة بانية للمجتمع‪.‬‬‫ حت�سني الأ�سرة من اأ�سباب العنف املجتمعي والأ�سري‪.‬‬‫‪ -‬متكني املراأة من حقوقها ال�سرعية‪.‬‬

‫د‪.‬دعاء فينو اثناء املحا�سرة‬

‫والتي بداأت فعالياتها يوم ال�سبت ‪ 2010/10/30‬وملدة ثالثة اأيام‬ ‫بواقع ‪� 10‬ساعات تدريبية‪ ،‬حا�سرت فيها الباحثة يف درا�سات املراأة‬ ‫والأ�سرة امل�سلمة و املتطوعة يف الإ�سالح الأ�سري الأ�ستاذة يف جامعة‬

‫‪56‬‬

‫جانب من الدورة‬


‫ﻟﺠﻨﺔ ﺍﳴﺮﺃﺓ ﳲ ﻣﻨﺘﺪﻯ‬ ‫ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﺗﻄﻠﻖ ﺃﻭﳳ‬ ‫ﺣﻤﻼﺕ ﻣﻌﻮﻧﺔ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻣﻦ‬ ‫ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺴﻠﻂ‬ ‫رئي�سة القطاع الن�سائي ال�سيدة �سو�سن املومني‬

‫با�سر منتدى الو�سطية للفكر والثقافة بتنفيذ حملة معونة ال�ستاء على الطالب الفقراء يف مدار�س وزارة الرتبية‬ ‫والتعليم �سباح يوم الثالثاء املوافق ‪2010/12/21‬م‪ ،‬حيث بداأت يف مدار�س مديرية ال�سلط‪ ،‬ح�سرها بالإنابة عن مدير‬ ‫تربية ال�سلط املدير الفني الدكتور حممد كلوب‪.‬‬ ‫وقد مت يف املرحلة الأوىل من احلملة التي ت�سرف عليها جلنة املراأة يف منتدى الو�سطية توزيع مالب�س كهدايا على ‪187‬‬ ‫طالب وطالبة من طالب املرحلة الأ�سا�سية الأوىل والعليا موزعني على �ستة مدار�س يف مدينة ال�سلط‪.‬‬ ‫وقد �سكرت رئي�سة جلنة املراأة ال�سيدة �سو�سن املومني عطوفة مدير تربية ال�سلط املهند�س حممد خري�سات على تعاونه‬ ‫مع املنتدى وذلك من خالل تزويده باملعلومات املطلوبة لإمتام العمل‪ ،‬كما �سكرت الآن�سة �ساهه الن�سور من ق�سم الن�ساطات‬ ‫يف املديرية على ح�سن تعاونها مع املنتدى لإجناز هذه احلملة التي �سيكون لها مراحل قادمة تنتقل فيها اإىل حمافظات‬ ‫اململكة يف الفرتة الزمنية املقبلة باإذن اهلل‪.‬‬ ‫من اجلدير ذكره باأن العمل الإن�ساين جزء ل يتجزاأ من اهتمامات جلنة املراأة بالإ�سافة اإىل الفكر والثقافة والذي ياأتي‬ ‫يف �سلب عملها‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫ﳲ ﻧﺪﻭﺓ ﳲ ﻣﻘﺮ ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫ﻣﻔﺘﻲ ﻋﺎﻡ ﺍﳴﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺨﺼﺎﻭﻧﺔ‪ :‬ﺍﻹﻓﺘﺎﺀ ﺑﻐﺮﻴ ﻋﻠﻢ ﺣﺮﺍﻡ‬ ‫قال �سماحة مفتي عام اململكة ال�سيخ عبد الكرمي الطلبة يف حال ل يعرف باأن يقول ل ادري ‪ ،‬والر�سول الكرمي‬ ‫اخل�ساونة اأن الإفتاء يف غري علم حرام ‪ ،‬لأنه يت�سمن الكذب �سيدنا حممد �سلى اهلل عليه و�سلم توىل الإفتاء ومن بعده‬ ‫على اهلل عز وجل ور�سوله الكرمي �سلوات اهلل عليه و�سلم‪ .‬ال�سحابة ر�سوان اهلل عليهم‪.‬‬ ‫واأ�ساف خالل الندوة التي نظمها املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫يوم الأربعاء املوافق ‪ 2010/10/13‬يف مقره بعنوان"الإفتاء‬ ‫بني �سوابط املنهجية وحتديات انت�سار الو�سائل العلمية‬ ‫والتعليم" وبح�سور مفتي حمافظة العا�سمة ال�سيخ حممد‬ ‫اخلاليلة ومفتي حمافظة البلقاء ال�سيخ هاين العابد اأن‬ ‫اأمر الإفتاء طرح كثريا‪ ،‬معرفاً الفتوى باأنها الإبانة‪ ،‬ويقال‬

‫م‪.‬مروان يكرم ال�سيخ اخل�ساونة‪.‬‬

‫جانب من اللقاء‪.‬‬

‫اأفتيته اإذا اأجبته‪ ،‬اأما املعنى ا�سطالحاً فاإنه احلكم ال�سرعي‬ ‫حول م�ساألة ما‪.‬‬ ‫وا�ستعر�س �سماحة مفتي عام اململكة منهجية الفتوى‬ ‫وخماطرها مدعما بالواقع الذي نعي�س فيه ويف دائرة‬ ‫الإفتاء‪ ،‬قائ ً‬ ‫ال‪ :‬اأن الإفتاء اأمر خطري‪ ،‬ول بد اأن ي�سدر‬ ‫عن مطلع وعامل يف هذا املجال وانه بغري علم حرام ويعد‬ ‫من الكبائر ملا فيه من خطورة كبرية‪ ،‬ولذلك علم العلماء‬

‫واأو�سح باأن دائرة الإفتاء ل ت�ستند يف اإفتائها اإىل مذهب‬ ‫معني دون �سواه ‪ ،‬يف حال تعذر الإجابة على الأمر املراد‬ ‫الإفتاء به ‪ ،‬بل ت�ستعني بكافة املذاهب ملحاولة اإيجاد خمرج‬ ‫للمو�سوع ‪ ،‬واإن مل ي�ستطع املفتون اخلروج باإجابة �سرعية‬ ‫يقولون باأنه حرام‪ ،‬مبينا انه على املفتي معرفة كل �سيء‬ ‫عن امل�ستفتي حتى يت�سنى الإفتاء وفقا ل�سرع اهلل و�سنة نبيه‬ ‫الكرمي‪.‬‬ ‫واأ�ساف ال�سيخ اخل�ساونة باأن من �سروط الإفتاء التخفيف‬ ‫والتي�سري والبعد عن احلرج يف الوقت ذاته‪ ،‬لكن دون ت�سييق‬ ‫اأو ت�ساهل‪ ،‬والعمل على تطبيق مبداأ �سد الذرائع‪ ،‬ومراعاة‬ ‫ال�سرورة التي تطراأ يف حياة النا�س‪ ،‬والإ�ستدلء بالقواعد‬ ‫الفقهية الأ�سولية‪ ،‬و�سوؤال اأ�سحاب الخت�سا�س يف امل�سائل‬ ‫املهمة‪ ،‬واأخريا اإيجاد البدائل ال�سرعية لالأو�ساع املحرمة‬ ‫وغريها من ال�سروط‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫ﻣﻠﺘﻘﻰ ﺷﺒﺎﺏ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻳﻌﻘﺪ ﻟﻘﺎ ًﺀ ﺟﺪﻳﺪﺍﹰ‬ ‫ﻟﺸﺒﺎﺏ ﻗﺎﺭﻱﺀ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ‬

‫د‪.‬الريان رئي�ص ملتقى �سباب الو�سطية‪.‬‬

‫يف اإطار برا‪‬ه الثقافية عقد ملتقى �سباب الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية لقاءا جديدا ل�سباب قاريء النه�سة‬ ‫‪‬اأحد م�ساريع القطاع ال�سبابي يف املنتدى‪.‬‬

‫ومت يف اللقاء الذي ح�سره عدد من ال�سباب من خمتلف التخ�س�سات الأكادميية مناق�سة الكتاب الثاين من كتب الدكتور‬ ‫جا�سم �سلطان "قوانني النه�سة"‪ ،‬كخطوة من خطوات البناء النه�سوي لل�سباب ‪،‬كما ح�سر اللقاء الذي ا�ستمر ملدة �ساعتني‬ ‫واأداره ال�ساب اأ�سامة خادجي وال�ساب حمزة اخلوالدة‪ ،‬الدكتور حممد الريان رئي�س قطاع ال�سباب يف العاملي للو�سطية حيث‬ ‫�سارك احل�سور بنقا�س متوا�سل وفعال‪ ،‬كما ومت مناق�سة املراحل التالية من امل�سروع وما �سيتم بحثه يف الأ�سهر القادمة‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫ﻧﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬

‫ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺣﻮﻝ ﻧﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﳴﻨﺘﺪﻯ ﻟﺸﻬﺮ ﺗﺸﺮﻳﻦ ﺃﻭﻝ ‪٢٠١٠‬ﻡ‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد املنتدى العاملي للو�سطية موؤمتره الدويل‬ ‫الثامن يوم ‪2010/10/8‬م يف الباك�ستان بعنوان" دور الو�سطية‬ ‫يف نه�سة وا�ستقرار باك�ستان " ‪.‬‬ ‫و�سارك يف املوؤمتر الذي ا�ستمر ملدة يومني نخبة من العلماء‬ ‫واملفكرين من اأبرز زعماء التيارات الدينية يف الباك�ستان ممن‬ ‫لهم ب�سمات وا�سحة يف تر�سيخ مفاهيم الو�سطية يف املجتمع‬ ‫الباك�ستاين و�سخ�سيات مميزة من خمتلف اأنحاء العامل‬ ‫العربي والإ�سالمي‪.‬‬ ‫وحتدث الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س‬ ‫مروان الفاعوري يف كلمته معرفاً باملنتدى العاملي ولأهدافه‬ ‫والفكرة من تاأ�سي�سه‪ ،‬واأ�ساف اأن املنتدى قد اأخذ على عاتقه منذ‬ ‫انطالقة الإ�سهام يف م�سرية اإ�سالح الأمة من خالل املراجعات‬ ‫الفكرية والثقافية التي يت�سدى لها العلماء واملفكرون وقادة‬ ‫يعربون عن الفكر املعتدل املتزن‪.‬‬ ‫الراأي الذين ّ‬ ‫وناق�س املوؤمترون يف جل�سات املوؤمتر الذي عقد على مدار‬ ‫اليومني عدة اأوراق عمل ذات ال�سلة ‪.‬‬ ‫ويف اجلل�سة اخلتامية التي تراأ�سها اأمني عام املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري دعا امل�ساركون يف بيان‬ ‫�سدر عن املوؤمتر بعنوان "اإعالن اإ�سالم اأباد" ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬سارك الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري يف املوؤمتر الدويل الثالث للفكر‬ ‫التنويري الذي عقد حتت رعاية دولة رئي�س الوزراء �سمري‬ ‫الرفاعي ومب�ساركة دول عربية واإ�سالمية واأجنبية بعنوان‬ ‫«ال�سباب وثقافة الت�سامح يف مواجهة العنف املجتمعي» ‪،‬وحتدث‬ ‫الأمني العام يف ورقته التي قدمها يف اجلل�سة التي تراأ�سها‬ ‫الدكتور هايل الداوود يف ثاين اأيام املوؤمتر الذي نظمه املجل�س‬ ‫الأعلى لل�سباب خالل الفرتة ما بني ‪ 2010/10/20-16‬يف الق�سر‬ ‫الثقايف امللكي‪ ،‬حول �سرورة التفريق بني الديانات ومعتنقيها‬ ‫‪ ،‬وبني الدور الكبري الذي يقوم به الأردن يف تاأ�سيل مفاهيم‬ ‫الو�سطية والعتدال‪ ،‬وحماربة الإرهاب والتطرف‪ ،‬كما تطرق‬

‫يف الوقت ذاته خالل ورقته لر�سالة عمان‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬سارك الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري يوم الثنني املوافق ‪ 2010/10/18‬يف‬ ‫ملتقى احلوار الذي عقده مركز حماية وحرية ال�سحفيني حتت‬ ‫عنوان " الأحزاب يف النتخابات ‪ ..‬خطوة لالإ�سالح ال�سيا�سي‬ ‫والدميقراطي ‪...‬اأم اإنتاج لوجهات ع�سائرية‪...‬وقفة مراجعة"‪،‬‬ ‫يف فندق الالند مارك بح�سور �سخ�سيات عامة ت�سم قيادات‬ ‫حزبية واأعيان ونواب �سابقني و�سحفيني ون�ساط جمتمع مدين‪.‬‬ ‫وحتدث املهند�س مروان الفاعوري يف كلمته التي األقاها حول‬ ‫دور الأحزاب يف اإجناح العملية النتخابية من خالل امل�ساركة‬ ‫الفاعلة ومن منطلق املنا�سحة خدمة لق�سايا الأردن‪ ،‬والدعوة‬ ‫اإىل عدم مقاطعة النتخابات مطالبا يف الوقت ذاته اأن تكون‬ ‫النتخابات القادمة على اأ�سا�س القوائم احلزبية ‪،‬من اجلدير‬ ‫ذكره باأنه �سارك يف اللقاء عدد من ال�سخ�سيات البارزة منهم‬ ‫عبد الهادي املجايل رئي�س التيار الوطني وعبلة اأبو علبة الأمني‬ ‫العام حلزب ح�سد‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عم ً‬ ‫ال بر�سالة املنتدى يف تعزيز دور ال�سباب‬ ‫وروؤيته العامة يف تفعيل هذا القطاع‪� ،‬سارك قطاع ال�سباب يف‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية يف موؤمتر الفكر التنويري الثالث‬ ‫بعنوان" ال�سباب وثقافة الت�سامح يف مواجهة العنف املجتمعي"‬ ‫والذي نظمه املجل�س الأعلى لل�سباب ‪،‬وقد جاءت امل�ساركة فاعلة‬ ‫على عدة م�ستويات حيث �سارك الدكتور حممد الريان م�سئول‬ ‫قطاع ال�سباب يف اإدارة اإحدى اجلل�سات كما �سارك مع فريق من‬ ‫قطاع ال�سباب يف املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬وبالتعاون مع جلنة‬ ‫التو�سيات يف املجل�س الأعلى ممثلة بعطوفة رئي�س املجل�س‬ ‫الأعلى لل�سباب والدكتورة منتهى عبيدات يف �سياغة التو�سيات‬ ‫اخلتامية للموؤمتر وتالوتها‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬ا�ست�ساف قطاع ال�سباب يوم الأربعاء املوافق‬ ‫‪ 2010/10/20‬الدكتور جا�سم ال�سلطان �ساحب م�سروع النه�سة‬ ‫واأبرز الرموز الإ�سالمية يف قطر‪ ،‬للحديث حول م�سروعه‬ ‫النه�سوي‪ ،‬واإيجاد �سبل التعاون بني امل�سروع الذي يتبناه‬

‫‪60‬‬


‫الدكتور �سلطان وامل�شروع الذي ي�سعى لتحقيقه قطاع ال�شباب‬ ‫يف املنتدى العاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫وح�ضر اللقاء عدد كبري من ال�شباب املهتمني بامل�شروع والذين‬ ‫�شاركوا بفعالية كبرية يف مناق�شة الدكتور �سلطان يف م�شروعه‬ ‫حول النه�ضة‪ ،‬كما �أ�ضافوا �إ�ضافات نوعية يف احلوار مع ال�ضيف‬ ‫الكرمي‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقدت جلنة املر�أة يف املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫و بالتعاون مع جلنة املر�أة والأ�سرة والطفل يف املنظمة العربية‬ ‫حلقوق الإن�سان ور�شة عمل بعنوان" دور املر�أة يف تنمية املجتمع"‪،‬‬ ‫�شارك فيها نخبة من القيادات الن�سائية احلزبية وال�سيا�سية‬ ‫و�أكادمييات ممثالت عن القطاع الر�سمي وم�ؤ�س�سات املجتمع‬ ‫املدين‪ ،‬وقيادات �شابة ذات ب�صمات وا�ضحة يف العمل التطوعي‪،‬‬ ‫و ذلك يوم ال�سبت املوافق ‪ 2010/10/2‬من ال�ساعة العا�شرة‬ ‫�صباحا وحتى ال�ساعة الثانية ظهرا يف فندق الريجن�سي ‪.‬‬ ‫الو�سطية‪� -‬إميانا من منتدى الو�سطية للفكر والثقافة ب�أهمية‬ ‫الأ�سرة و دورها يف نه�ضة املجتمع وتنميته‪ ،‬يقدم املنتدى‬ ‫خدمة اال�ست�شارات الأ�سرية بالتعاون مع �أخ�صائية اال�ست�شارات‬ ‫الأ�سرية ماجدة حمدي وذلك يوم ال�سبت من كل �أ�سبوع من‬ ‫ال�ساعة ‪� 11‬صباحا وحتى ال�ساعة ‪ 1‬ظهراً يف مقر املنتدى الكائن‬ ‫يف عمان‪� ،‬إ�شارة الدوريات اخلارجية‪ ،‬جممع كركا�س التجاري‪،‬‬ ‫الطابق الثالث‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬مت يف هيئة ملتقى ال�شباب الت�أ�سي�س ملجلة �شبابية‬ ‫تخدم القطاع ال�شبابي على م�ستوى اجلامعات للفئة العمرية‬ ‫ال�شبابية ما فوق ‪� 18‬سنة‪ .‬وقد انت�سب عدد كبري من طلبة‬ ‫اجلامعات املختلفة �إىل فريق املتطوعني يف التح�ضري والتن�سيق‬ ‫لهذه املجلة حيث مت توزيعهم يف جلان للبدء بالكتابة‪ ،‬ويتوقع‬ ‫�أن يتم �إ�صدار العدد الأول مع نهاية �شهر �أكتوبر ‪، 2010‬وقد‬ ‫مت االتفاق على ت�سمية املجلة" نوافذ" لتكون نافذة مطلة على‬ ‫احتياجات ال�شباب و�أفكارهم يف الوطن احلبيب‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬نظم منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع‬ ‫ال�سلط ندوة حول فري�ضة احلج �شارك فيها عميد كلية ال�شريعة‬ ‫يف اجلامعة الأردنية الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة ومفتي‬ ‫حمافظة البلقاء ال�شيخ هاين العابد والواعظة رويدا رياالت‬ ‫وذلك يف قاعة غرفة جتارة ال�سلط يوم ال�سبت ‪2010/10/30‬م ‪.‬‬ ‫الو�سطية‪� -‬أقام منتدى الو�سطية فرع جر�ش حما�ضرة بعنوان‬ ‫" حقوق املر�أة ال�سيا�سية " �ألقتها الدكتورة خولة خوالدة وذلك‬ ‫يوم ال�سبت ‪2010/10/30‬م‬

‫الوسطية ‪ -‬قام وفد من منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬ ‫فرع اربد يوم ال�سبت املوافق ‪ 2010/10/23‬بزيارة لدار احلنان‬ ‫التابعة لوزارة التنمية االجتماعية يف اربد‪ ،‬حيث التقى الوفد‬ ‫مبديرة الدار وا�ستمعوا ل�شرح مف�صل عما يتم تقدميه للأطفال‬ ‫من رعاية واهتمام‪ ،‬كما �ألقى رئي�س فرع اربد ال�سيد يو�سف‬ ‫ملكاوي حما�ضرة بعنوان " الإن�سان خملوق مكرم خلق للعبادة‬ ‫ولي�س للعب"‪ ،‬حيث حتدث فيها عن مظاهر تكرمي اهلل للإن�سان‬ ‫ونعمه التي ال حت�صى و�أنه علينا �أن ن�شكر اهلل على هذه النعم‬ ‫بالعبادة خا�صة التي خلقنا من �أجلها ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع اربد‬ ‫حما�ضرة بعنوان" نحو بيئة نظيفة" وذلك يوم اخلمي�س املوافق‬ ‫‪ 2010/10/7‬يف مقر الفرع ب�إربد ‪،‬وقال رئي�س فرع و�سطية اربد‬ ‫ال�سيد يو�سف امللكاوي ب�أن اهلل �سخر الأر�ض وال�سموات وكل‬ ‫ما فيها بعد �إ�صالحها خلدمة الإن�سان‪ ،‬وبني �أن الإ�سالم حث‬ ‫على النظافة يف كافة ميادين احلياة كنظافة اجل�سم والثياب‬ ‫والبيوت وال�شوارع و�شارك باملحا�ضرة ال�شيخ عثمان �أبو �سرايا‬ ‫الإمام واخلطيب يف وزارة الأوقاف‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬أقام منتدى الو�سطية فرع �إربد ندوة بعنوان "‬ ‫العنف اال�سري واملجتمعي " وذلك يوم اخلمي�س ‪2010/10/14‬م‬ ‫يف مقر املنتدى ‪،‬حتدث فيها ال�سيد يو�سف ملكاوي ‪،‬وال�سيدة‬ ‫فاطمة ر�شيد ‪،‬والدكتور تي�سري �سعيدين ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬أقام منتدى الو�سطية فرع �إربد ندوة بعنوان‬ ‫" امل�شاركة باالنتخابات النيابية واجب ديني ووطني وحق‬ ‫د�ستوري " وذلك يوم اخلمي�س ‪2010/10/28‬م يف مقر املنتدى‬ ‫‪،‬حتدث فيها ال�سيد يو�سف ملكاوي ‪،‬وال�سيدة عواطف ال�شوبكي‬ ‫‪ ،‬واملحامية هديل البطاينة ‪،‬واملحامية نور بركات ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬بدعوة من مدر�سة حذيفة بن اليمان �ألقى ال�سيد‬ ‫يو�سف ملكاوي رئي�س منتدى الو�سطية فرع �إربد حما�ضرة‬ ‫بعنوان " الو�سطية واالعتدال منهج حياة "‪،‬وذلك يوم الأربعاء‬ ‫‪2010/10/13‬م ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬بدعوة من مدر�سة خمربا الثانوية للبنات‬ ‫�ألقى ال�سيد يو�سف ملكاوي رئي�س منتدى الو�سطية فرع �إربد‬ ‫حما�ضرة بعنوان " الو�سطية واالعتدال منهج حياة "‪،‬وذلك يوم‬ ‫الأربعاء ‪2010/10/27‬م ‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺣﻮﻝ ﻧﺸﺎﻃﺎﺕ ﺍﳴﻨﺘﺪﻯ ﻟﺸﻬﺮ ﺗﺸﺮﻳﻦ ﺛﺎﻧﻲ ‪٢٠١٠‬ﻡ‬ ‫الوسطية ‪� -‬سارك املنتدى يف الذكرى الأربعني ل�ست�سهاد‬ ‫دولة ال�سيد و�سفي التل والذي عقد يف قاعة املوؤمترات يف املركز‬ ‫الثقايف امللكي �سباح يوم ‪2010/11/27‬م ‪.‬‬ ‫الو�سطية‪ -‬عاد ع�سو املنتدى العاملي للو�سطية الأ�ستاذ يف كلية‬ ‫ال�سريعة‪ /‬اجلامعة الأردنية د‪.‬هايل عبد احلفيظ الداود من‬ ‫ال�سودان بعد اأن �سارك يف ملتقى "اآفاق الدعوة الإ�سالمية" يف‬ ‫ال�سودان‪ ،‬حيث قدم ورقة عمل بعنوان"غري امل�سلمني يف الت�سريع‬ ‫الإ�سالمي" باإ�سافة لإلقائه حما�سرة يف معهد الداعيات‬ ‫وتقدمي حوار مطول مع قناة ال�سروق ال�سودانية‪.‬‬ ‫الو�سطية‪� -‬سدر عن املنتدى العاملي للو�سطية ن�سرة دينية‬ ‫لالأ�ستاذ الدكتور اأحمد نوفل بعنوان "الغلو والتطرف يف‬ ‫الدين"‪ ،‬تناول فيه الغلو واأثره ال�سلبي على الأمة الإ�سالمية‬ ‫والدين‪ ،‬حيث اأنها توؤدي للتهلكة‪ ،‬داعيا يف الوقت ذاته اإىل ما‬ ‫اأمر اهلل تعاىل به من ا�ستقامة واعتدال حيث اأن الإن�سان اإذا‬ ‫ا�ستقام على املنهج فقد حاز على املنهج كله‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬ساركت جلنة املراأة يف املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫بور�سة عمل تدريبية نظمتها وزارة الرتبية والتعليم الأردنية‬ ‫لتدريب جمموعة من املر�سدين الرتبويني يف مديريات الرتبية‬ ‫والتعليم يف جمال التوعية والتثقيف لوقاية طلبة املدار�س من‬ ‫اأخطار املخدرات واملوؤثرات العقلية‪ ،‬حيث قدمت الدكتورة نوال‬ ‫�سرار ورقة عمل بعنوان" املخدرات والتفكك الأ�سري"‪ ،‬حتدثت‬ ‫فيها عن مفهوم الأ�سرة باعتبارها الوحدة الأوىل يف املجتمع‪،‬‬ ‫واأنواعها ووظائفها واأ�س�س جناحها ‪،‬وتطرقت يف الور�سة التي‬ ‫عقدت يف الفرتة من ‪ 2010 /11/4 -10/27‬يف نادي املعلمني‪/‬‬ ‫عمان‪ ،‬ملفهوم التفكك الأ�سري واأ�سبابه ومراحله واأ�سكاله واآثاره‬ ‫موؤكدة يف الوقت ذاته على اأن املخدرات �سبب رئي�سي لتفكك‬ ‫الأ�سرة وهي يف الوقت ذاته اأثر من اآثار التفكك‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬اأ�سدر املنتدى العاملي للو�سطية بياناً حول‬ ‫تفجريات كني�سة �سيدة النجاة يف العراق جاء فيه ‪ ،‬اإن املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية يدين وي�سجب العمل الإجرامي والتفجريات‬ ‫الإرهابية التي ا�ستهدفت كني�سة �سيدة النجاة والتي وقعت‬ ‫يف العا�سمة العراقية بغداد وراح �سحيتها اأبرياء عزل من‬ ‫قبل فئات �سالة لها م�سلحة يف ا�ستمرار العنف والقتل يف كل‬ ‫القطر العراقي اجلريح ول تفرق بني �سيخ اأو طفل اأو م�سلم اأو‬ ‫م�سيحي‪ ،‬ومن املوؤكد اأن وراء هذه التفجريات قوى الظالم التي‬ ‫تريد الإ�سرار بوحدة العراق واأمنه وا�ستقراره‪ ،‬حيث اأن هذه‬ ‫الأعمال تفتح الباب اأمامهم لتهديد العراق يف ظل غياب لغة‬

‫احلوار املدرك لأهمية امل�سلحة العليا للعراق املهدد با�ستقراره‬ ‫واأمنه‪ ،‬وملا متثله هذه العملية من ا�ستهتار بالقيمة الدينية‬ ‫والأعراف الإن�سانية وتنتهك حرمة اأماكن العبادة والتاآخي بني‬ ‫امل�سلمني وامل�سيحيني‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬كما اأ�سدر املنتدى بيان حول ال�ستفتاء لنف�سال‬ ‫جنوب ال�سودان جاء فيه ‪ ،‬مع اقرتاب ال�ستفتاء املنوي اإجراءه‬ ‫يف ال�سودان والذي قد يوؤدي اإىل انف�سال اجلنوب ال�سوداين‬ ‫عن �سماله ويهدد وحدة ال�سودان التي هي م�سئولية اجلميع‪،‬‬ ‫لذا ينبغي على كل املحبني لمتهم واملخل�سني والغيارى على‬ ‫واقعها وم�ستقبلها اأن يكون لهم كلمة وان يكون لهم موقف‬ ‫حلماية هذه الوحدة من خطر التفكك و التمزق‪ ،‬والتي �ستوؤدي‬ ‫اإن متت املوافقة على هذا ال�ستفتاء اإىل تدمري الدولة الواحدة‬ ‫اجلامعة لأبناء ال�سودان حتت مظلتها اإن هذا الأمر يتطلب‬ ‫اأن يتحرك اجلميع �سريعا لإف�سال املوؤامرة التي ت�ستهدف‬ ‫وحدة ال�سودان واإف�ساد موؤامرة التق�سيم اجلارية الآن ملنع كيد‬ ‫املرتب�سني بال�سودان ووحدته ‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬يف اإطار براجمه الثقافية عقد ملتقى �سباب‬ ‫الو�سطية يف املنتدى العاملي للو�سطية لقاءه الثالث ل�سباب‬ ‫قاريء النه�سة ؛اأحد م�ساريع القطاع ال�سبابي يف املنتدى‬ ‫‪،‬ومت يف اللقاء الذي ح�سره عدد من ال�سباب من خمتلف‬ ‫التخ�س�سات الأكادميية مناق�سة الكتاب الثاين من كتب‬ ‫الدكتور جا�سم �سلطان "قوانني النه�سة"‪ ،‬كخطوة من خطوات‬ ‫البناء النه�سوي لل�سباب ‪،‬كما ح�سر اللقاء الذي ا�ستمر ملدة‬ ‫�ساعتني واأداره ال�ساب اأ�سامة خادجي وال�ساب حمزة اخلوالدة‪،‬‬ ‫الدكتور حممد الريان رئي�س قطاع ال�سباب يف العاملي للو�سطية‬ ‫حيث �سارك احل�سور بنقا�س متوا�سل وفعال‪ ،‬كما ومت مناق�سة‬ ‫املراحل التالية من امل�سروع وما �سيتم بحثه يف الأ�سهر القادمة‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الو�سطية للفكر والثقافة فرع‬ ‫اربد ندوة بعنوان " تنظيم الن�سل وحتديده وراأي ال�سريعة يف‬ ‫ذلك " وذلك يوم اخلمي�س املوافق ‪، 2010/11/11‬وقال رئي�س‬ ‫فرع و�سطية اربد يو�سف ملكاوي يف الندوة التي عقدت مبقر‬ ‫الفرع‪ ،‬اأن الذرية هي ثمرة من ثمرات الزواج‪ ،‬والعاطفة فطرية‬ ‫عند الزوجني‪ ،‬وتنظيم الن�سل ل يتم اإل بالرتا�سي‪ ،‬وبا�ستخدام‬ ‫و�سائل �سرعية وماأمونة لتاأجيل احلمل اأو تنظيمه‪.‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقد منتدى الو�سطية فرع مادبا حما�سرة يوم‬ ‫ال�سبت ‪2010/11/13‬م بعنوان " احلج درو�س وعرب " حتدث فيها‬ ‫ال�سيخ �سعيد اأبو عماد ح�سرها عدد كبري من املهتمني ‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫ﺗـﻘـﺮﻳـﺮ ﺣــﻮﻝ ﻧـﺸـﺎﻃـــﺎﺕ ﺍﻟـﻤﻨـﺘـﺪﻯ‬ ‫ﻟـﺸـﻬـﺮ ﻛــﺎﻧــﻮﻥ ﺃﻭﻝ ‪٢٠١٠‬ﻡ‬ ‫الوسطية ‪ -‬بقلوب ملوؤها احلزن والأ�سى‪ ،‬ينعى املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية ممثال برئي�سه دولة الإمام ال�سادق املهدي‬ ‫واأمينه العام املهند�س مروان الفاعوري وكافة اأع�سائه‬ ‫وموظفيه �سماحة ال�سيخ نوح علي �سلمان الق�ساة ‪،‬مفتي عام‬ ‫اململكة ال�سابق الذي رحل عنا لتطفىء من بعده منارة من‬ ‫منارات الدين والعلم ‪،‬ومن مقر املنتدى العاملي للو�سطية‪،‬‬ ‫ن�ساأل اهلل العلي القدير اأن يرحم �سيخنا وداعيتنا‪ ،‬ويعفو‬ ‫عنه ‪،‬ويو�سع مدخله‪ ،‬ويجعل دار الكرامة داره ‪ ،‬وي�سكنه‬ ‫ف�سيح جناته‪ ،‬ويلحقه بالنبيني وال�سديقني وال�سهداء‬ ‫وال�ساحلني‪ ،‬ويلهم ذويه والأمة العربية والإ�سالمية‬ ‫ال�سرب وال�سلوان‪.‬‬

‫خطط الفروع املقرتحة والرتكيز على ت�سبيك العالقات‬ ‫ون�سر ثقافة املنتدى ورفع امل�ستوى الفكري عند املراأة باأ�سكال‬ ‫متنوعة كما مت الطلب من رئي�سات الفروع التوا�سل على‬ ‫امييل جلنة املراأة ب�ساأن الن�ساطات‪ ،‬اأ�سف اإىل ذلك حتديد‬ ‫الجتماع القادم بتاريخ ‪ 2011/3/5‬يف قاعة املنتدى‪.‬‬

‫الوسطية ‪ -‬ا�ستمرارا لن�ساطه ال�سبابي حتت عنوان م�سروع‬ ‫"قاريء النه�سة" والذي يقيمه قطاع ال�سباب يف املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية‪ ،‬اأقيم يوم ال�سبت املوافق ‪ 2010/12/4‬لقاء‬ ‫حواري رابع ملناق�سة كتاب جديد من كتب الدكتور جا�سم‬ ‫�سلطان وذلك يف اإطار املرحلة الأوىل للم�سروع واملتمثلة يف‬ ‫احلزمة التدريبية الأوىل للم�سروع ‪،‬ح�سر اللقاء عدد من‬ ‫الوسطية ‪ -‬تتقدم اأ�سرة املنتدى العاملي للو�سطية متمثلة الطلبة املتابعني للم�سروع واملنت�سبني اإليه من اأبناء املنتدى‬ ‫برئي�سها �سماحة الإمام ال�سادق املهدي واأمينها العام من خمتلف اجلامعات والتخ�س�سات‪.‬‬ ‫املهند�س مروان الفاعوري واأع�ساء املكتب الدائم‪ ،‬وكافة‬ ‫الوسطية ‪ -‬يف اإطار مبادرات القطاع الن�سائي يف منتدى‬ ‫الأع�ساء والعاملني‪ ،‬باأ�سمى اآيات التهنئة والتربيك لالأ�سرة‬ ‫الأردنية والأمتني العربية والإ�سالمية مبنا�سبة حلول العام الو�سطية للفكر والثقافة للعمل الإن�ساين‪ ،‬قام وفد برئا�سة‬ ‫الهجري اجلديد ‪،‬وبهذه املنا�سبة الدينية العظيمة ن�ساأل رئي�سة القطاع ال�سيدة �سو�سن املومني بزيارة بيت عزاء‬ ‫اهلل تعاىل اأن يعيدها علينا وعلى الأمة العربية والإ�سالمية فقيد الأمة الإ�سالمية مفتي اململكة ال�سابق ف�سيلة ال�سيخ‬ ‫نوح الق�ساة الذي انتقل اإىل رحمته تعاىل بعد حياة حافلة‬ ‫باخلري واليمن والربكات ‪.‬‬ ‫ق�ساها يف خدمة الدين والأمة وذلك لتقدمي واجب العزاء‬ ‫الوسطية ‪ -‬عقدت جلنة املراأة اجتماعا لرئي�سات فروع لأهله وذويه وموا�ساتهم مب�سابهم اجللل‪.‬‬ ‫املنتدى يف املحافظات وذلك يوم الأحد املوافق ‪2010/12/4‬‬ ‫برئا�سة رئي�سة جلنة املراأة ال�سيدة �سو�سن املومني ‪ ،‬وجرى الوسطية ‪ -‬حتت رعاية �سمو الأمري عا�سم بن نايف اأقامت‬ ‫خالل الجتماع الإطالع على خطة جلنة املراأة‪ ،‬ومناق�سة مديرية اأوقاف البلقاء احتفال دينيا مبنا�سبة الهجرة‬

‫‪63‬‬


‫النبوية ال�شريفة وذلك يف م�سجد الداود يوم اخلمي�س‬ ‫املوافق ‪ 2010/12/9‬بعد �صالة املغرب ‪،‬حتدث االحتفال كل‬ ‫من معايل وزير الأوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات الإ�سالمية‬ ‫والأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ضاة عميد كلية ال�شريعة يف‬ ‫اجلامعة الأردنية وع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية ‪ ،‬حيث‬ ‫�أ�شاروا للدرو�س والعرب امل�ستقاة من �سرية امل�صطفى �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم وحث الأمة على النهو�ض ملتزمة بالقر�آن‬ ‫الكرمي وال�سنة النبوية املطهرة بعودتها �إىل عزتها وكرامتها‬ ‫‪،‬وح�ضر الندوة جمع غفري من امل�صلني‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬ ‫فرع اربد احتفاال دينيا يوم اخلمي�س املوافق ‪2010/12/9‬‬ ‫مبنا�سبة الهجرة النبوية ال�شريفة ‪،‬وحتدث يف االحتفال‬ ‫الذي �أقيم يف مقر الفرع �سعادة النائب الدكتور �أحمد‬ ‫الق�ضاة الذي تطرق �إىل معنى الهجرة النبوية وركز على‬ ‫الدرو�س الأخالقية والفكرية وال�سيا�سية والرتبوية ذاكرا‬ ‫بع�ضا منها‪.‬‬

‫�أ�ضمن فيها �صورا وعربا من هذه الهجرة مركزا على �سمة‬ ‫الت�سامح التي حتلى بها قدوة الب�شر وخريهم حممد عليه‬ ‫ال�سالم داعيا املواطنني للإقتداء بخري الب�شرية و�إ�شاعة‬ ‫فكر الت�سامح‪.‬‬ ‫وحتدثت رئي�سة الفرع الن�سائي للملتقى يف املحافظة �أ�سماء‬ ‫الرواحنة حول املعاين امل�ستقاة من الهجرة النبوية ال�شريفة‬ ‫وتكرمي الإ�سالم للمر�أة ‪،‬بدوره حتدث ع�ضو املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية ال�شيخ جمال ال�سفرتي حول الهجرة كحدث‬ ‫تاريخي مهم غري جمرى التاريخ وانتقل بالإن�سان من‬ ‫مرحلة التبعية للآخر �إىل مرحلة الإبداع و�إقامة الدولة‬ ‫وم�ؤ�س�ساتها‪.‬‬

‫الوسطية ‪� -‬ضمن ن�شاطاته التي يعقدها يف �إطار‬ ‫خطته ال�سنوية ‪� ،‬أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة‬ ‫فرع جر�ش ندوة بعنوان " الهجرة النبوية و�أثرها يف بناء‬ ‫الدولة الإ�سالمية " �شارك فيها كل من ال�شيخ علي فايز‬ ‫القادري بورقة عمل عنوانها " الهجرة و�أثرها يف الدعوة‬ ‫الإ�سالمية"‪ ،‬وال�شيخ با�سم الزعبي بورقة عمل عنوانها "‬ ‫الهجرة ودورها يف بناء العالقات الدولية الإ�سالمية" وذلك‬ ‫يوم ال�سبت املوافق ‪ 2010/12/18‬يف مقر املنتدى‪.‬‬ ‫الوسطية ‪� -‬أقام منتدى الو�سطية للفكر والثقافة يف‬ ‫حمافظة م�أدبا احتفاال مبنا�سبة ذكرى الهجرة النبوية‬ ‫ال�شريفة يف قاعة بلدية ذيبان يف لواء ذيبان ‪،‬وت�ضمن احلفل‬ ‫كلمة لرئي�س بلدية ذيبان اجلديدة الدكتور �سامل الهواو�شة‬

‫‪64‬‬


‫ﺿﻴﻮﻑ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬

‫ﺍﻟﺴﻔﺮﻴ ﺍﻹﻳﺮﺍﻧﻲ ﻳﺒﺤﺚ ﺃﻭﺟﻪ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺍﳴﺸﺮﺘﻙ‬ ‫ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﳲ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﺧﺎﺻﺔ‬ ‫قام �سعادة �سفري جمهورية اإيران الإ�سالمية يوم الثنني املوافق ‪ 2010/1/3‬بزيارة اإىل مقر املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫حيث كان يف ا�ستقباله الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري واأمني ال�سر الأ�ستاذ الدكتور حممد اخلطيب وع�سوي‬ ‫املنتدى الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ساة و الدكتور هايل الداود ‪.‬‬ ‫وقد مت خالل اللقاء البحث يف اأوجه التعاون ما بني املنتدى العاملي وجمهورية اإيران الإ�سالمية‪ ،‬حيث قدم الأمني‬ ‫العام يف البداية اأهم ن�ساطات املنتدى يف جميع اأنحاء العامل الإ�سالمي والتي قامت على ن�سر وتعزيز الفكر الو�سطي‬ ‫املعتدل‪ ،‬كما مت بحث �سبل التعاون امل�سرتك بني اجلانبني خالل املرحلة املقبلة‪.‬‬ ‫ويف نهاية اللقاء قدم الأمني العام املهند�س الفاعوري درع الو�سطية لل�سفري الإيراين تقديرا وتكرميا له‪.‬‬ ‫تلقى املنتدى العاملي للو�سطية برقية �سكر من �سفارة اجلمهورية الإ�سالمية الإيرانية على تعازي املنتدى احلارة‬ ‫واملتعلقة بالعمليات الإرهابية التي ح�سلت موؤخرا يف اإيران‪.‬‬

‫جانب من اللقاء‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫ﻭﻓﺪ ﺃﻛﺎﺩﻳﻤﻲ ﻋﻠﻤﻲ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﻟﻴﻔﻮﺭﻧﻴﺎ ﳲ ﺿﻴﺎﻓﺔ‬ ‫ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ‬

‫�سورة جتمع اع�ساء املنتدى بالوفد ال�سيف‪.‬‬

‫زار يوم ال�سبت املوافق ‪ 2011/1/15‬مقر العاملي للو�سطية وفداً من جامعة كاليفورنيا الأمريكية ي�سم نخبة‬ ‫مميزة من الأ�ساتذة والعلماء وهم اأراث البانيز وماثيو تال والدكتور عبد الرحيم مارديني والدكتور حممد‬ ‫عزيز عابدين ‪ ،‬وكان يف ا�ستقبال الوفد الأمني العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري وع�سوي املنتدى‬ ‫الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ساة و الدكتور هايل الداود‪ ،‬واأي�سا ورئي�س فرع منتدى و�سطية اليمن الدكتور‬ ‫داود احلدابي الذي حل �سيفا على ا�سرة املنتدى ‪.‬‬ ‫وقد مت خالل اللقاء بحث �سبل التعاون امل�سرتك بني اجلانبني ‪ ،‬كما مت تبادل احلديث حول فكرة املنتدى‬ ‫والأهداف التي ي�سعى لتحقيقها ‪ ،‬حيث قدم الفاعوري اأهم ن�ساطات املنتدى يف جميع اأنحاء العامل الإ�سالمي‬ ‫والتي قامت على ن�سر وتعزيز الفكر الو�سطي املعتدل‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫ﻭﻓﺪ ﻃﻼﺑﻲ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺎﺕ ﺍﺳﺮﺘﺍﻟﻴﺔ ﻭﺗﺮﻛﻴﺔ‬ ‫ﻭﺁﺳﻴﺎ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ ﻳﺰﻭﺭ ﻣﻘﺮ ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫زار وفد طالبي �سبابي من جامعات تركية وا�سرتالية وكازاخ�ستانية وبلغارية مقر‬ ‫العاملي للو�سطية‪ ،‬وذلك يوم ال�سبت املوافق ‪ ،2010/1/1‬حيث كان يف ا�ستقبالهم الأمني‬ ‫العام للمنتدى املهند�س مروان الفاعوري وع�سو املنتدى الأ�ستاذ الدكتور حممد‬ ‫الق�ساة ورئي�س قطاع ال�سباب الدكتور حممد ريان وعدد من الأ�ساتذة والأكادمييني‬ ‫بالإ�سافة لعدد من �سباب و�سابات قطاع ال�سباب يف املنتدى العاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫ويف الزيارة مت التعرف على الأهداف التي ي�سعى املنتدى لتحقيقها من ن�سر للفكر‬ ‫الو�سطي وثقافة العتدال وذلك من خالل الن�ساطات والفعاليات التي يعقدها على‬ ‫مدار العام‪.‬‬ ‫كما التقى الدكتور نوح الفقري بالوفد ال�سيف من خالل حما�سرة األقاها بهدف‬ ‫تعريفهم باملعامل ال�سياحية الدينية الإ�سالمية املوجودة يف اأنحاء اململكة ‪.‬‬ ‫ويف نهاية الزيارة قام ع�سو املنتدى العاملي الأ�ستاذ الدكتور حممد الق�ساة بتوزيع‬ ‫الهدايا من مطبوعات واإ�سدارات خا�سة للمنتدى على اأفراد الوفد وذلك تكرميا لهم‪.‬‬

‫د‪.‬الق�ساة و�سورة تذكارية مع الوفد الزائر‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻹﺗﺤﺎﺩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﻜﺮﺩﺳﺘﺎﻧﻲ ﻭﺭﺋﻴﺴﻲ‬ ‫ﻓﺮﻋﻲ ﺍﳴﻨﺘﺪﻯ ﳲ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻭﻣﺼﺮ‬ ‫ا�ستقبل الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان الفاعوري يف مقر املنتدى يوم ال�سبت املوافق ‪2011/1/22‬‬ ‫رئي�س كتلة الإحتاد الإ�سالمي الكرد�ستاين النائب يف جمل�س النواب العراقي جنيب عبد اهلل بالته وعدد من اأع�ساء الكتلة‪،‬‬ ‫و كل من رئي�س فرع املنتدى يف اليمن الدكتور داود احلدابي وع�سو املكتب التنفيذي ورئي�س فرع املنتدى مب�سر الأ�ستاذ‬ ‫منت�سر الزيات وع�سو املنتدى يف ال�سودان الدكتور �سديق حممد ال�سو‪.‬‬ ‫وقد مت خالل اللقاء الذي ح�سره اأمني �سر املنتدى الأ�ستاذ الدكتور حممد اخلطيب الت�ساور والتباحث يف موا�سيع‬ ‫تتعلق بن�سر وتعزيز الفكر الو�سطي يف العراق ب�سكل عام ويف كرد�ستان ب�سكل خا�س‪ ،‬كما مت التفاق على مزيد من التعاون‬ ‫بني املنتدى والإحتاد الكرد�ستاين من اأجل عقد موؤمترات وندوات يف كرد�ستان‪.‬‬

‫م‪.‬الفاعوري و د‪.‬اخلطيب واال�ستاذ الزيات ود‪.‬احلدابي يف �سورة جماعية مع الوفد الزائر‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫ﻭﻓﺪ ﻣﺎﻟﻴﺰﻱ ﻳﺰﻭﺭ ﻣﻘﺮ ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ‬ ‫ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫قامت معايل الدكتورة ما�سطة اإبراهيم نائب وزير الأوقاف املاليزي بزيارة ملقر املنتدى العاملي للو�سطية حيث التقت‬ ‫باأمني �سر املنتدى الأ�ستاذ الدكتور حممد اخلطيب والدكتور يا�سني املقو�سي و�سعادة ال�سفري املاليزي ورئي�سة القطاع‬ ‫الن�سائي ال�سيدة �سو�سن املومني‪.‬‬ ‫وقد جرى يف اللقاء بحث اأوجه التعاون امل�سرتك بني املنتدى ودولة ماليزيا يف كافة املجالت الفكرية والثقافية مما‬ ‫يحقق ر�سالة املنتدى يف تعزيز ون�سر الفكر الو�سطي املعتدل‪ .‬كما مت التفاق على قيام وفد من املنتدى العاملي بزيارة‬ ‫ملاليزيا من اأجل التباحث بفتح فرع جديد للمنتدى هناك بالإ�سافة لعقد موؤمتر دويل عن الو�سطية‪.‬‬ ‫ويف نهاية اللقاء عقد موؤمتر �سحفي لو�سائل الإعالم املاليزية من اأجل تو�سيح نتائج اللقاء واأهم الق�سايا التي مت‬ ‫التباحث فيها‪.‬‬

‫د‪.‬اخلطيب ي�سلم درع الو�سطية للدكتورة ما�سطة‪.‬‬

‫اع�ساء املنتدى والوفد ال�سيف يف �سورة تذكارية‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫يف حوار خا�ص للو�سطية‪:‬‬

‫ﺩ‪ .‬ﺍﻟﺤﺪﺍﺑﻲ‪ :‬ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ...‬ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ‬ ‫ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻟﺘﻘﺒﻞ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ‪ ...‬ﺍﳴﺮﺟﻌﻴﺎﺕ‪ ...‬ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺗﺆﺩﻱ ﻟﺘﺒﻨﻲ‬ ‫ﻓﻜﺮ ﺍﻟﺘﺸﺪﺩ ﻭﺍﻟﺘﻄﺮﻑ‬

‫حوار‪ :‬يا�سر اأبو ح�سني‬

‫وتاليا ن�س املقابلة‪...‬‬ ‫الوسطية ‪ -‬اأك‪ ‬من عام على افتتاح فرع املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية يف اليمن‪ ،‬ماذا قدم املنتدى خالل هذه املدة لل�سعب‬ ‫اليمني؟‬

‫الدكتور داود احلدابي‬ ‫رئي�ص املنتدى العاملي للو�سطية ‪‬فرع اليمن‬ ‫اأكد رئي�ص املنتدى العاملي للو�سطية ‪‬فرع اليمن‬ ‫الدكتور داود احلدابي اأن علماء االأمة ‪‬ثلون‬ ‫الطليعة والقيادة الفكرية لالأمة‪ ،‬وهم القدوة‬ ‫للمجتمع‪.‬‬ ‫واأ�ساف اأنه البد من ت�سافرهم وتكاتفهم للقيام‬ ‫بدورهم على اأكمل وجه يف مواجهة دعاة الت�سدد‪،‬‬ ‫واإعداد جيل يوؤمن بالو�سطية وينادي بها‪،‬‬ ‫وبالتعاون مع املوؤ�س�سات الر�سمية الدينية وغري‬ ‫الر�سمية وكافة القطاعات‪ ،‬فامل�س‪‬ولية متكاملة‬ ‫بني اجلميع‪ ،‬وينبغي على اجلميع اأن يعمل وفق‬ ‫منظومة متكاملة متناغمة لتعزيز الفكر الو�سطي‪.‬‬

‫الحدابي‪ :‬حقيقة الأمر ينبغي اأن انوه يف البداية اإىل اأن‬ ‫فرع املنتدى يف اليمن ما هو اإل هيئة تطوعية‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫من بع�س ال�سعوبات التي نواجهها‪ ،‬اإل اأن املنتدى يركز على‬ ‫الق�سايا الفكرية‪ ،‬فقد مت عقد لقاء تعريفي باملنتدى ور�سالته‬ ‫واأهدافه‪ ،‬ودعي اإىل ذلك الحتفال �سخ�سيات بارزة من كافة‬ ‫الأطياف الفكرية والجتماعية وال�سيا�سية‪ ،‬كما ومت عقد‬ ‫موؤمتر يبحث يف مفهوم الو�سطية واأدوارها واأهميتها حتت‬ ‫رعاية رئي�س اجلمهورية فخامة الرئي�س علي عبداهلل �سالح‪،‬‬ ‫وكان لهذا املوؤمتر �سدى ممتاز‪ ،‬ومت تغطيته يف معظم و�سائل‬ ‫الإعالم املحلية والعربية والدولية‪ ،‬و�سيتم اإ�سدار كتاب يحتوي‬ ‫على اأوراق العمل التي قدمت يف الوقت القريب باإذن اهلل‪ ،‬ونحن‬ ‫الآن ب�سدد الإعداد لعقد موؤمتر اآخر يعنى باأولويات التنمية يف‬ ‫اليمن بالتن�سيق مع نادي رجال الأعمال اليمنيني ‪ ،‬و�سيتطرق‬ ‫املوؤمتر اإىل دور موؤ�س�سات التعليم وخا�سة التعليم العايل‬ ‫يف تعزيز الفكر الو�سطي و�سيدعى لهذا املوؤمتر �سخ�سيات‬ ‫اأكادميية مرموقة ‪ ،‬ومن جهة اأخرى فقد �ساركنا يف العديد‬ ‫من الندوات بالتعاون مع وزارة الأوقاف اليمينية حول الفكر‬ ‫الو�سطي ونحن ب�سدد تنفيذ خطة متكاملة من ور�سات العمل‬ ‫لطلبة املدار�س واجلامعات اليمنية حول الو�سطية يف الإ�سالم‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫الوسطية ‪ -‬ما هو الدور املطلوب من علماء الأمة ملواجهة‬ ‫الوسطية ‪ -‬بر�أيك‪...‬ما هي الأ�سباب التي تدفع البع�ض‬ ‫لتبني فكر الت�شدد والتطرف ؟ وما هي �أ�ساليب معاجلة هذه دعاة الت�شدد والتطرف؟‬ ‫الأ�سباب؟‬ ‫الحدابي‪ :‬العلماء ميثلون الطليعة والقيادة الفكرية للأمة‪،‬‬

‫الحدابي‪� :‬أهم هذه الأ�سباب ميكن �إجمالها يف الأمور التالية ‪ :‬وهم القدوة للمجتمع‪ ،‬فال بد من القيام بدورهم يف �إعداد هذا‬ ‫اجليل‪ ،‬بالتعاون مع امل�ؤ�س�سات الر�سمية الدينية ‪ ،‬فامل�سئولية‬ ‫�أوال ‪� :‬أ�ساليب التن�شئة االجتماعية التي تعتمد على طبيعة متكاملة بني اجلميع ‪ ،‬وينبغي على اجلميع �أن يعمل وفق‬ ‫الأ�سرة ومعتقداتها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل م�ؤ�س�سات �أخرى ت�ؤثر يف منظومة متكاملة متناغمة لتعزيز الفكر الو�سطي‪.‬‬ ‫�شخ�صية الفرد كاملدر�سة واحلارة وامل�سجد وو�سائل الإعالم‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ا�ستعداد الفرد لتقبل هذه الأفكار خا�صة �إذا مل يكن‬ ‫حم�صن بالفكر الو�سطي وقد ي�ؤثر فيه جمموعة الأقران‬ ‫فين�ساق وراء الت�شدد‪.‬‬ ‫ثالثا‪� :‬أ�صحاب الت�أثري �أو ما يطلق عليهم باملرجعيات‪ ،‬فبع�ضها‬ ‫قد �أ�صابه ال�شطط والت�شدد‪ ،‬فكان قدوة لبع�ض ال�شباب الذي‬ ‫ت�أثر بهم‪ ،‬لكن هذه املرجعيات املت�شددة قليلة بحمد اهلل تعاىل ‪،‬‬ ‫لكن و�سائل الإعالم ت�ضخم من �ش�أنها‪.‬‬ ‫فيما يتعلق ب�أ�ساليب معاجلة هذه الأ�سباب‪ ،‬فهناك العديد من‬ ‫املقرتحات منها‪� ،‬إعداد الربامج التوعوية لأولياء الأمور حول‬ ‫مفاهيم الو�سطية‪ ،‬لأنهم هم املوجهني لأبنائهم ‪ ،‬وخا�صة يف‬ ‫مرحلة الطفولة التي هي �أهم مرحلة يف تكوين القيم‪ ،‬و�أي�ضا‬ ‫�أعداد برامج تعليمية لطلبة املدار�س واجلامعات حول الفكر‬ ‫الو�سطي‪ ،‬ويجب �أن ال نن�سى املعلمني واملعلمات فهم مربو هذا‬ ‫اجليل والبد من �أن يكونوا على دراية ووعي مبفاهيم الإ�سالم‬ ‫الو�سطي‪� ،‬أما بالن�سبة لو�سائل الإعالم فيجب ن�شر هذا الفكر‬ ‫الو�سطي من خاللها‪ ،‬ويجب �أن ال نن�سى دور امل�سجد �أي�ضا يف‬ ‫�إعداد جيل من ال�شباب الواعي ‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫ﺑﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﻳﺪﻳﻦ ﳲ ﺑﻴﺎﻥ ﻟﻪ ﺗﻔﺠﺮﻴﺍﺕ ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ‬ ‫اأ�سدر العاملي للو�سطية بيانا ا�ستنكر‬ ‫فيه العمل الإجرامي الذي ل ميت‬ ‫لالأخالق واحل�سارة ب�سلة والذي ح�سل‬ ‫يف العا�سمة ال�سويدية وخلف عدد من‬ ‫القتلى واجلرحى الأبرياء وفيما يلي ن�س‬ ‫البيان‪....‬‬

‫بكل حزن واأ�سى تلقى املنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية نباأ العمل الإجرامي الذي مت‬ ‫يف العا�سمة ال�سويدية‪ ،‬واأدى اإىل قتل‬ ‫وجرح الكثري من الأبرياء‪.‬‬ ‫اإن املنتدى العاملي للو�سطية وقد فجع‬ ‫بهذا العمل الإرهابي ليعلن ا�ستنكاره‬ ‫واإدانته لهذا العمل اجلبان والذي ل ميت‬ ‫باأي �سلة لالإ�سالم ويناق�س تعاليمه‬ ‫واأ�س�سه التي قامت على حترمي قتل‬ ‫النف�س الربيئة حيث قال اهلل تعاىل( َو َل‬ ‫َت ْق ُت ُلوا ال َّن ْف َ�س ا َّلتِي َح َّر َم َّ ُ‬ ‫اهلل اإِ َّل ب ْ َ‬ ‫ِاحل ِّق)‬ ‫(الأنعام‪ )151:‬واعترب جل وعال قتل‬ ‫النف�س الربيئة قتال لالإن�سانية فقال يف‬ ‫ري َن ْف ٍ�س‬ ‫كتابه العزيز ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغ ْ ِ‬

‫ال ْر ِ�س َف َك أاَ َّ َ‬ ‫ا�س‬ ‫اأَ ْو َف َ�سا ٍد ِيف َْ أ‬ ‫منا َق َت َل ال َّن َ‬ ‫َجمِ ي ًعا) (املائدة‪.)32:‬‬ ‫اإننا من هذا املنطلق نعزي ونوا�سي‬ ‫اأهايل ال�سحايا الأبرياء معلنني �سجبنا‬ ‫واإ�ستنكارنا لهذا العمل الإرهابي اجلبان‬ ‫وندعو اإىل وقفة جادة وقوية للوقوف‬ ‫اأمام دعاة الإرهاب الذين يتغطون‬ ‫بالدفاع عن الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬لكنهم‬ ‫بهذه الأعمال قد اأ�ساوؤوا اإليه واأ�ساءوا اإىل‬ ‫امل�سلمني يف كل اأنحاء العامل‪.‬‬ ‫لذا ل بد من وقفة جادة من قبل الدعاة‬ ‫والعلماء لإبعاد ال�سباب عن دعاة القتل‬ ‫والإرهاب والذين يتم�سحون بالإ�سالم‬ ‫والإ�سالم بريء منهم‪.‬‬

‫ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﻳﺼﺪﺭ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﺑﺸﺄﻥ ﺗﻔﺠﺮﻴﺍﺕ ﺇﻳﺮﺍﻥ‬ ‫ا�ستنكر املنتدى العاملي للو�سطية التفجريات التي ارتكبت‬ ‫يف مدينة جابهار الإيرانية والتي اأدت اإىل قتل الع�سرات من‬ ‫الأبرياء‪.‬‬ ‫ودعا يف بيان له كافة كوادره من علماء ومفكرين للقيام‬ ‫بواجبهم ال�سرعي يف ف�سح هذا النوع من اجلرائم‪ ،‬وفيما يلي‬ ‫ن�س البيان‪...‬‬ ‫بكل حزن واأ�سى تلقى املنتدى العاملي للو�سطية تفا�سيل‬ ‫اجلرمية املروعة التي ارتكبت يف مدينة جابهار الإيرانية والتي‬ ‫اأدت اإىل قتل الع�سرات من الأبرياء‪.‬‬ ‫اإن املنتدى العاملي للو�سطية ي�ستنكر هذه اجلرمية الب�سعة‬ ‫التي ارتكبت ويدعو كافة كوادره من علماء ومفكرين‬ ‫و�سحافيني للقيام بواجبهم ال�سرعي يف ف�سح هذا النوع من‬ ‫اجلرائم‪ ،‬والتاأكيد بكل الو�سائل املتاحة اأن قتل الأبرياء هو‬ ‫ري َن ْف ٍ�س اأَ ْو‬ ‫اأب�سع اجلرائم‪ ،‬وقد قال تعاىل ( َمنْ َق َت َل َن ْف ً�سا ِب َغ ْ ِ‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا َو َمنْ اأَ ْح َياهَا َف َك َاأ َّ َ‬ ‫الَ ْر ِ�س َف َك َاأ َّ َ‬ ‫منا‬ ‫َف َ�سا ٍد ِيف ْ أ‬ ‫منا َق َت َل ال َّن َ‬ ‫ا�س َجمِ ي ًعا) (املائدة‪.)32:‬‬ ‫اأَ ْح َيا ال َّن َ‬

‫والتاأكيد على وحدة الأمة الإ�سالمية باختالف مذاهبها حتت‬ ‫مظلة التوحيد‪ ،‬واإننا اإذ نقدم التعزية القلبية لل�سعب الإيراين‪،‬‬ ‫وذوي ال�سحايا الأبرياء‪.‬‬ ‫لندعو اهلل عز وجل اأن يقي الأمة الإ�سالمية الفنت ما ظهر‬ ‫منها وما بطن واأن يجمعها على ما ير�سي اهلل اإنه �سميع جميب‬ ‫الدعاء‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﻳﺼﺪﺭ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﻴ ﳲ ﻣﺼﺮ‬ ‫جن َعلَ ُه ْم اأَ ِئ َّم ًة َو َ ْ‬ ‫الَ ْر ِ�س َو َ ْ‬ ‫ق ــال تعــاىل‪َ ( :‬و ُن ـ ـ ِري ُد اأَ ْن َمنُنَّ َعلَ ــى ا َّلذِ َ‬ ‫جن َعلَ ُه ُم ا ْل َوا ِر ِث َ‬ ‫ني) ‪�( ،‬سورة الق�س�س‪)5:‬‬ ‫ا�س ُت ْ�س ِع ُف ــوا ِيف ْ أ‬ ‫ين ْ‬ ‫�سدق اهلل العظيم‪.‬‬ ‫اإننا يف املنتدى العاملي للو�سطية نبارك مل�سر ال�سقيقة على ثورة ال�سباب املوؤمن بعدالة ق�ساياه ومقاومة �سعبنا العربي ال�ستبداد‬ ‫والطغيان‪ ،‬ومقاومة الظلم الذي وقع على ار�س الكنانة لإحقاق احلق‪ ،‬ونهنئ �سعب م�سر الطيب وهو يعود �ساخما معززا بالكربياء‬ ‫‪ ،‬منت�سراً لل�سهداء الإبرار يف كل �سرب من ار�س العرب وهم يدافعون عن كرامة و�سرف الأمة بثورتهم ال�ساخمة �سد الظلم‬ ‫والطغيان‪.‬‬ ‫اإننا نعلن وقوفنا وت�سامننا مع ال�سعب امل�سري "يف خياره والوطني الدميقراطي وفى ثورته امل�سروعة‪ ،‬واعتزازنا مبا اختاره‬ ‫�سعب م�سر الأبي وتقرير م�سريه واإميانه بحقه يف اختيار من يحكمه ووقوفه يف وجه الظلم وال�ستبداد والقهر والتع�سف‬ ‫واحلرمان والتهمي�س‪ ،‬موؤكدين على �سرورة املحافظة على مكا�سب ومقدرات م�سر‪ ،‬اآملني لهذه الثورة العز والن�سر والتمكني‬ ‫والزدهار يف ظل جهود ال�سرفاء الأحرار‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﻳﺼﺪﺭ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﺣﻮﻝ ﺗﻔﺠﺮﻴﺍﺕ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺳﻴﺪﺓ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﳲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ‬ ‫دعا املنتدى العاملي للو�سطية يف بيان اأ�سدره امل�سوؤولون احلوار والتفاهم‪ ،‬ليعود العراق اإىل اأمته اآمناً وم�ستقراً‪.‬‬ ‫العراقيون اإىل عدم الت�ساهل يف حفظ الأمن وال�ستقرار يف حمى اهلل هذه الأمة من كل كيد و َمنَّ عليها بالأمن والأمان‪،‬‬ ‫العراق‪ ،‬وبذل كافة اجلهود حلماية مكا�سب ال�سعب العراقي‬ ‫ال�سقيق‪.‬‬ ‫واأكدوا يف البيان اإىل �سرورة تفويت الفر�سة على القوى‬ ‫الإقليمية والدولية للعبث بالعراق وا�ستباحة اأر�سه ودماء‬ ‫�سعبه‪ ،‬وذلك بعد العمل الإجرامي الذي ا�ستهدف كني�سة �سيدة‬ ‫النجاة يف العراق وراح �سحيتها اأبرياء عزل ‪.‬‬ ‫وفيما يلي ن�س البيان‪...‬‬ ‫قال ر�سول اهلل �سلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬من اآذى ذمياً فقد اآذاين)‬ ‫(رواه الطربي)‪.‬‬ ‫اإن املنتدى العاملي للو�سطية يدين وي�سجب العمل الإجرامي‬ ‫والتفجريات الإرهابية التي ا�ستهدفت كني�سة �سيدة النجاة‬ ‫والتي وقعت يف العا�سمة العراقية بغداد وراح �سحيتها اأبرياء‬ ‫عزل من قبل فئات �سالة لها م�سلحة يف ا�ستمرار العنف والقتل‬ ‫يف كل القطر العراقي اجلريح ول تفرق بني �سيخ اأو طفل‪،‬‬ ‫م�سلم اأو م�سيحي‪ ،‬ومن املوؤكد اأن وراء هذه التفجريات قوى‬ ‫الظالم التي تريد الإ�سرار بوحدة العراق واأمنه وا�ستقراره‪،‬‬ ‫حيث اأن هذه الأعمال تفتح الباب اأمامهم لتهديد العراق يف ظل‬ ‫غياب لغة احلوار املدرك لأهمية امل�سلحة العليا للعراق املهدد‬ ‫با�ستقراره واأمنه‪ ،‬وملا متثله هذه العملية من ا�ستهتار بالقيمة‬ ‫الدينية والأعراف الإن�سانية وتنتهك حرمة اأماكن العبادة‬ ‫َ‬ ‫ين اآ َم ُنواْ ا َّلذِ َ‬ ‫قال تعاىل‪َ (:‬و َل َتجِ َد َّن اأ ْق َر َب ُه ْم َّم َو َّد ًة ِّل َّلذِ َ‬ ‫والتاآخي بني امل�سلمني وامل�سيحيني‪.‬‬ ‫ين َقا ُل َواْ ِاإ َّنا‬ ‫اإن املنتدى العاملي للو�سطية يدعو امل�سئولني العراقيني َن َ�سا َرى)(املائدة‪.)82:‬‬ ‫اإىل عدم الت�ساهل يف حفظ الأمن وال�ستقرار يف العراق وبذل‬ ‫اجلهود الكافية حلماية مكا�سب ال�سعب العراقي ال�سقيق‬ ‫وتفويت الفر�سة على القوى الإقليمية والدولية للعبث بالعراق‬ ‫وا�ستباحة اأر�سه ودماء �سعبه‪ ،‬متمنني ال�سفاء العاجل جلرحى‬ ‫هذا احلادث املوؤمل وال�سرب وال�سلوان لذوي ال�سحايا‪.‬‬ ‫واملنتدى يدعو كذلك اإىل التاآلف واحلب والتوحد بني اأبناء‬ ‫العراق وال�سعي اإىل تعميق ال�ستقرار ودعوة جميع الفرقاء اإىل‬

‫‪74‬‬


‫ﺑﻴﺎﻥ ﺻﺎﺩﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﺣﻮﻝ ﺍﻻﺳﺘﻔﺘﺎﺀ ﻻﻧﻔﺼﺎﻝ ﺟﻨﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ‬ ‫مع اقرتاب ال�ستفتاء املنوي اإجراءه يف ال�سودان والذي قد‬ ‫يوؤدي اإىل انف�سال اجلنوب ال�سوداين عن �سماله ويهدد وحدة‬ ‫ال�سودان التي هي م�سئولية اجلميع ‪ ،‬لذا ينبغي على كل املحبني‬ ‫لمتهم واملخل�سني والغيارى على واقعها وم�ستقبلها اأن يكون‬ ‫لهم كلمة وان يكون لهم موقف حلماية هذه الوحدة من خطر‬ ‫التفكك و التمزق‪ ،‬الذي �سيوؤدي اإن متت املوافقة عليه اإىل‬ ‫تدمري الدولة الواحدة اجلامعة لأبناء ال�سودان حتت مظلتها‬ ‫اإن هذا الأمر يتطلب اأن يتحرك اجلميع �سريعا لإف�سال املوؤامرة‬ ‫التي ت�ستهدف وحدة ال�سودان واإف�ساد موؤامرة التق�سيم اجلارية‬ ‫الآن ملنع كيد املرتب�سني بال�سودان ووحدته ‪.‬‬ ‫اإن هذه املحاولت ت�ستهدف كذلك تقوي�س حلم الوحدة‬ ‫وال�سالم الإقليمي‪ ،‬وهي حماولت تتناق�س مع ميثاق الأمم‬ ‫املتحدة ومبادئ ال�سرعية الدولية‪ ،‬وخا�سة بعد حترك بع�س‬ ‫الدول الغربية لتعزيز فكرة النف�سال خدمة مل�ساحلها‪،‬‬

‫ولرغبتها وتطلعها لروؤية ال�سودان مفتتاً و�ساحة للقتال وخارج‬ ‫دائرة التاأثري العربي‪ ،‬ول�سوف ت�سعى هذه اجلهات اخلارجية‬ ‫ل�ستغالل ا�ستفتاء اجلنوب لت�سميم الأجواء ال�سودانية باملزيد‬ ‫من النق�سام والفرقة‪ ،‬وهو الأمر الذي يجب على امتنا العربية‬ ‫اأن تعمل على تفويته واإف�ساله وم�ساندة ال�سودان بكل ال�سبل‬ ‫املتاحة‪.‬‬ ‫اإننا يف املنتدى العاملي للو�سطية دعاة وحدة وندرك اأبعاد‬ ‫املوؤامرة التي حتاك �سد وحدة ال�سودان اإذ نعرب عن قلقنا العميق‬

‫اإزاء حماولت التق�سيم هذه من خالل الدعوة اإىل ال�ستفتاء‪،‬‬ ‫وان موقفنا وا�سح بالدعوة اإىل الوحدة للحفاظ على وحدة‬ ‫الرتاب ال�سوداين ملواجهة املوؤامرات التي حتاك �سده من خالل‬ ‫تر�سيخ مفاهيم الوحدة‪ ،‬وعدم التفريط بها ورف�س النف�سال‬ ‫وت�سوية امل�سكالت العالقة باحلوار لتحقيق املطلوب مبا يوؤ�س�س‬ ‫وير�سخ ملناخ ال�سالم وال�ستقرار والتنمية ال�ساملة التي توظف‬ ‫كل اإمكانات ال�سودان خلدمة كل ال�سودانيني يف كل الوليات‪.‬‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية ينا�سد جميع اأبناء ال�سودان من‬ ‫كل املناطق ويف جميع الطوائف اأن يقفوا اأمام هذا اخلطر‬ ‫الكبري والذي �ستكون له اآثار خطرية على كل املنطقة و�سيوؤدي‬ ‫اإىل مزيد من الإرتهاف للدول الطامعة يف ال�سودان وثرواته‬ ‫وا�ستباحة الرتاب الوطني التي هي �سمان ل�ستقرار كل اإفريقيا‬ ‫وكرامة كل �سوداين‪ ،‬كما اأننا نحمل ال�سعوب والقيادات العربية‬ ‫م�سوؤولية تعزيز تلك الوحدة ودعمها‪ ،‬ودعم احلراك ال�سعبي‬ ‫ل�ستمرار الوحدة بني ال�سمال واجلنوب باإخال�س العمل‬ ‫واجلدية والبتعاد عن نزعة التنازع والتخاذل واللجوء اإىل‬ ‫احلوار البناء وبروح امل�سوؤولية احلق‪ ،‬وهي م�سوؤولية م�سرتكة‬ ‫لأبناء ال�سودان يف ال�سمال واجلنوب والتوافق على ميثاق �سرف‬ ‫يحرتم املواطنة كاأ�سا�س للحقوق و الواجبات وي�سع مفهوماً‬ ‫للحفاظ على الوحدة مبفهوم جديد يرت�سيه اجلميع يهدف اإىل‬ ‫تقوية التما�سك وت�سافر اجلهود من اأجل مواجهة التحديات‬ ‫التي تواجه ال�سعب ال�سوداين خا�سة والأمتني العربية‬ ‫والإ�سالمية ‪ ،‬واأننا ندعو اأهلنا يف م�سر لدعم هذه الوحدة عن‬ ‫طريق احلوار البناء والذي �سيعيد الثقة والطمئنان للجميع‬ ‫وعدم ترك ال�ساحة جما ًل للعدو ال�سهيوين‪.‬‬ ‫وندعو كذلك القيادات ال�سيا�سية يف ال�سودان ال�سقيق‬ ‫وملا عُرف عنها من جدية واهتمام اإىل القيام مبا يفر�سه‬ ‫عليها الواجب للحفاظ على هذه الوحدة باإعطائها الأولوية‬ ‫والوقوف يف وجه املخططات الغربية الداعية لتق�سيم ال�سودان‬ ‫وتفتيته حتت م�سميات خمتلفة �سواء يف اجلنوب اأو يف الأقاليم‬ ‫الأخرى‪ ،‬فبقاء ال�سودان موحدا �سيكون قوة كبرية اأمام الأطماع‬ ‫اخلارجية ت�ساند م�سر وجوارها العربي و�سيكون �سعيفا اإن‬ ‫�سمح اأهل ال�سودان بتجزيئه وتفتيته وهذا بدوره �سيكون بداية‬ ‫لتفتيت الأمة العربية‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫ﻣﺆﺗﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬

‫ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﻳﻌﻘﺪ ﻣﺆﺗﻤﺮﻩ‬ ‫"ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻭﺩﻭﺭﻫﺎ ﳲ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻢ‬ ‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ" ﳲ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮ‬ ‫حتت رعاية فخامة رئي�س اجلمهورية ال�سيد عبد العزيز بو‬ ‫تفليقه‪ ،‬عقد املنتدى العاملي للو�سطية بالتعاون مع جمعية الإر�ساد‬ ‫والإ�سالح يف اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية ال�سعبية يوم‬ ‫ال�سبت املوافق ‪ 2010/12/25‬املوؤمتر الدويل التا�سع حتت عنوان "‬ ‫منهج الو�سطية ودورها يف احلفاظ على ال�سلم الجتماعي" مب�ساركة‬ ‫عدد من املفكرين والعلماء من خمتلف البلدان العربية ‪.‬‬ ‫اجلل�سة االفتتاحية‬

‫وقال رئي�س جمعية الإر�ساد و الإ�سالح الأ�ستاذ ن�سر الدين �سقالل‬ ‫يف اجلل�سة الفتتاحية للموؤمتر الذي ا�ستمرت اأعماله ليومني يف‬ ‫فندق الريا�س اإن الو�سطية �سمة هذه الأمة‪ ،‬وبها ُت ْعرف دون الأمم‪،‬‬ ‫بل هي ميزة م ّيزها اهلل تعاىل بها على غريها ‪ ،‬كما اأن الو�سطية‬ ‫تعني اأعدل الأحوال‬ ‫واأ�ساف اأنه قد تنادت اأ�سوات العلماء حدي ًثا تدعو الأمة للرجوع‬ ‫اإىل الو�سطية حيث قامت اجلماعات والهيئات على ‪‬غرار جمعية‬ ‫الإر�ساد واملنتدى العاملي‪ ‬تعمل جاهدة من اأجل ا�ستعادة هذا‬ ‫املنهج يف الفكر والعمل‪ ،‬والذي ل يعني اأبدا ‪-‬كما ي�سري الدكتور‬ ‫عمارة‪ -‬منهجا هالم ًّيا‪ ،‬بل الو�سط هو املوقف الأ�سعب اإذ لي�س‬ ‫بال�سهل والي�سري اأن نكون و�سطا يف الت�سور والعتقاد‪ ..‬ويف التفكري‬ ‫وال�سعور‪ ..‬ويف التنظيم والتن�سيق‪ ..‬ويف الرتباطات والعالقات‪ ..‬ويف‬ ‫املكان والزمان‪..‬‬ ‫واأ�سار باأن البالد قد واجهت كثريا من هذه الظروف من فلتات‬ ‫فكرية‪ ،‬مل جتد موجها اأو مرجعية هادية و مع غياب ثقافة الو�سطية‬ ‫‪ ،‬وقد ان�ساق الكثريون وراء تلك الدعاوى حتت تاأثري هالة اإعالمية‬ ‫�ساحبت تلك املرحلة‬ ‫واأ�ساف اأنه ما اأحوج الأمة اليوم اإىل التم�سك بهذا املنهج ال�سامي‬

‫"الو�سطية" الذي هو حبل النجاة و�سفينة الإنقاذ اليوم لأمتنا‬ ‫العربية والإ�سالمية من التيه وال�سياع ‪-‬بل الهالك والدمار‪-‬‬ ‫الذي ُيهدد حا�سرها وم�ستقبلها‪ ،‬ذلك اأن معظم ق�ساياها الفكرية‬ ‫والعملية الكربى ت�سيع فيها احلقيقة بني طرفني متباعدين‪:‬‬ ‫طرف الغلو اأو التطرف اأو الت�سدد اأو الإفراط‪ ،‬وطرف الت�سيب‬ ‫والتفريط والتق�سري والإ�ساعة‪.‬موؤكدا يف الوقت ذاته على دور‬

‫جانب من املوؤمتر‪.‬‬

‫اجلمعيات واملجتمع املدين و املوؤ�س�سات الر�سمية اأدوار كبرية يف تبني‬ ‫هذا املنهج كاأداة ر�سالية ح�سارية حلل م�ساكل املجتمع ‪.‬‬ ‫فيما قال الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري يف كلمته التي األقاها باأن املنتدى العاملي للو�سطية هو‬ ‫موؤ�س�سة فكرية ُتوؤمن باأ َّن العتدال وما ينتج عنه من ممار�سات‪،‬‬ ‫هو اللبنة الأ�سا�سية يف الرتقاء باأمتنا واإ�سالح احل�سارة العاملية‪،‬‬ ‫وتاأ�سيل روؤية وا�سحة متكننا من اإعادة �سياغة م�سروعنا النه�سوي‪،‬‬ ‫ويف امتالك و�سائل التاأثري لرد الهجمات عن هذا الدين املتهم‬ ‫ظلماً بالغلو والتطرف والت�سدد من قِبل الكثري من و�سائل الإعالم‬ ‫الغربية‪ ،‬الأمر الذي اأثر �سلبا على اأمننا وا�ستقرارنا وم�ساحلنا‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫و�أ�ضاف ب�أن املنتدى العاملي للو�سطية قد �أخذ على عاتقه منذ‬ ‫انطالقته الإ�سهام يف م�سرية �إ�صالح الأمة من خالل املراجعات‬ ‫الفكرية والثقافية التي يت�صدى لها العلماء واملفكرون وقادة الر�أي‬ ‫الذين يعبرّ ون عن الفكر الإ�سالمي‪ ،‬والذي ن�سعى ب�أن نكون جزءاً‬ ‫وقال �أن مفكرنا و�ضابط بو�صلة العمل الإ�سالمي املعا�صر قد‬ ‫حدد م�شكلة النه�ضة يف ثالث م�شكالت �أولية‪ :‬م�شكلة الإن�سان و‬ ‫الرتاب والوقت‪ .‬فلكي نقيم بناء نه�ضة ال يكون ذلك ب�أن نكد�س‬ ‫املنتجات ونقف على �أبواب احل�ضارة الغربية م�ستهلكني ملنتجاتها‪،‬‬ ‫و�إمنا ب�أن نحل هذه امل�شكالت الثالث من �أ�سا�سها ‪� ...‬إ َّن امل�شروع‬ ‫الإ�صالحي يبد�أ بتغيري الإن�سان‪ ،‬ثم بتعليمه االنخراط يف اجلماعة‬ ‫ثم بالتنظيم فالنقد البناء ‪ ...‬فلكي يتحقق التغري يف حميطنا يجب‬ ‫�أن يتحقق �أو ًال يف �أنف�سنا و�إال ف�إننا لن ي�ستطيع �إنقاذ انف�سنا وال‬ ‫�إنقاذ الآخرين‪.‬‬

‫و�أ�ضاف �أن هناك العديد من املعامل الإ�سرتاتيجية ال�ضرورية‬ ‫والتي تعمل على دفع غلواء التطرف والغلو والتكفري والتي حتتاج‬ ‫للوقوف عليها و و�ضع بلورة وا�ضحة لها فكرياً و�شرعياً و�سيا�سياً‬ ‫لنتمكن من مللمة كل الطاقات املمكنة يف �صفوف و جننب بالدنا‬ ‫�شرور الفرقة والتوتر واال�ستنزاف‪ ،‬ك�إعادة االعتبار للإ�سالم يف‬ ‫بالد امل�سلمني والتي هي مهمة حتتاج �إىل جمهود ود�أب وفكر وثقافة‬ ‫�أ�صعب بكثري مما يح�صر بع�ض املت�شددين فهمه وعمله يف حدوده‪،‬‬ ‫لن يكون للإ�سالم ن�صيب حقيقي من املهابة واالحرتام يف اخلارج‬ ‫مامل تتمكن الف�صائل التي ترفع لواء الو�سطية من تر�سيخ مبد�أ‬ ‫احرتام الإ�سالم و�إعادة االعتبار لدوره يف احلياة العامة وت�أ�سي�س‬ ‫النه�ضة اجلديدة والفكرة قبل الفعل والتي هي من املفاهيم‬ ‫الرئي�سة يف الت�صور الو�سطي للنه�ضة اجلديدة و بناء الأمة ال‬ ‫االنقالب على ال�سلطة‬ ‫ويف نهاية حفل االفتتاح �أن�شد �أحد املن�شدين الإ�سالميني �أن�شودة‬ ‫دينية تغنت بالو�سطية ومعانيها‪� ،‬إىل جانب ذلك قدم رئي�س اجلمعية‬ ‫الأ�ستاذ �شقالل دروعا تكرميية للم�شاركني يف امل�ؤمتر ‪.‬‬ ‫جل�سات امل�ؤمتر‬

‫من جهته �أكد الدكتور هايل الداود يف الكلمة التي �ألقاها نيابة‬ ‫عن رئي�س املنتدى العاملي للو�سطية دولة الإمام ال�صادق املهدي‬ ‫الذي تعذر ح�ضوره وامل�شاركة يف امل�ؤمتر ل�سوء الظروف ال�سيا�سية يف‬ ‫ال�سودان ‪� ،‬أن على ر�سالة املنتدى العاملي للو�سطية‪ ،‬والتي هي رو�شتة‬ ‫(و�صفة) للت�أ�صيل والتحديث يف كل العامل الإ�سالمي هي ال�سبيل‬ ‫لال�ستقرار يف كافة البلدان الإ�سالمية‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �إن لرو�شتة الو�سطية ا�ستحقاقات توجب و�ضوح الر�ؤية‬ ‫عرب حوارات فكرية جادة وجامعة بهدف االتفاق على ميثاق يقيم‬ ‫الدولة املدنية مبعنى امل�ساواة يف املواطنة مبرجعية �إ�سالمية‪ ،‬ويقيم‬ ‫احلكم على‬ ‫من جهة �أخرى رحب الأ�ستاذ املحامي منت�صر الزيات يف كلمته‬ ‫التي �ألقاها اجلزائر قيادة و�شعبا ‪ ،‬باعثا من خاللها حتية تقدير‬ ‫واحرتام للرئي�س بو تفليقه الذي عمل منذ وىل احلكم يف يومه‬ ‫الأول على معاجلة �أو�ضاع �شاذة وكفكفة االندفاع وحقن الدماء‪.‬‬

‫وناق�ش امل�ؤمتر يف جل�ساته عدة حماور و�أوراق عمل ذات �ش�أن و�صلة‬ ‫بالهدف الذي من �أجله عقد امل�ؤمتر حيث ركز الأ�ستاذ �أبو جرة‬ ‫ال�سلطاين يف ورقته "الو�سطية ودورها يف ا�ستقالل اجلزائر" على‬ ‫�أن الو�سطية هي منهج الأمة خا�صة و�أنها ت�ؤدي يف النهاية لل�صحوة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬كما ركز يف الوقت ذاته على دور جمعية الإر�شاد والإ�صالح‬ ‫يف بث مفاهيم التعقل وبيان خماطر الإرهاب ورف�ض �إباحة و�إراقة‬ ‫دماء امل�سلمني والدعوة للم�صاحلة الأمر الذي ي�ؤدي يف النهاية �إىل‬ ‫رجوع النا�س جميعا ل�صوابهم وحتقيق امل�صاحلة‪.‬‬ ‫يف حني تطرق الدكتور حممد حب�ش يف ورقته "الو�سطية يف فهم‬ ‫ال�سنة النبوية" �إىل تعريف لل�سنة ب�أنها هي كل ما �أثر عن ر�سول‬ ‫اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم من قول �أو فعل �أو و�صف �أو تقرير‪� ،‬ضاربا‬ ‫العديد من النماذج املتطورة يف حياة الر�سول الأعظم ‪ ،‬كما حتدث‬ ‫عن قاعدة الت�صرفات بالإمامة والنبوة و ما فعله عليه ال�سالم‬ ‫بطريق الإمامة من �إقامة احلدود وترتيب اجليو�ش ‪ ،‬وما ت�صرفه‬ ‫عليه ال�سالم بالر�سالة والتبليغ �أو الفتيا‬ ‫ويف اجلل�سة الثانية حتدث الأ�ستاذ الدكتور داوود احلدابي يف‬ ‫ورقته التي قدمها بعنوان" دور امل�ؤ�س�سات التعليمية يف النه�ضة"‬ ‫�إىل دور التعليم و�أهميته يف مراحل النه�ضة املختلفة التي ترنو لها‬ ‫املجتمعات‪ ،‬بدءاً من ال�صحوة وانطالقاً من اليقظة وو�صو ًال �إىل‬ ‫النه�ضة وانتها ًء باملدنية واحل�ضارة �أم ً‬ ‫ال يف تدارك املحن وجتاوز‬

‫‪77‬‬


‫ال�صعوبات التي �أثقلت كاهل الأمة كما تطرق لواقع م�ؤ�س�سات‬ ‫التعليم‪ ،‬مقدما يف الوقت ذاته قراءة بالأرقام والإح�صاءات لواقع‬ ‫التعليم يف البلدان العربية‪.‬‬ ‫يف حني حتدث الدكتور يو�سف بن مهدي يف ورقته التي بعنوان‬ ‫"التحديات التي تواجه الو�سطية" عن �أبرز التحديات التي تواجه‬ ‫منهج الو�سطية وكيفية التعامل معها وكيفية مواجهتها‪.‬‬ ‫�أما جل�سات اليوم الثاين فقد ناق�شت اجلل�سة الأوىل عدة حماور‬ ‫هامة‪ ،‬حيث ناق�ش الدكتورعز الدين بن زغيبة ورقة بعنوان"‬ ‫الو�سطية �ضمان نفوذ ال�شريعة يف الأمة و�أ�سا�س ا�ستمرار الدين يف‬ ‫الوجود"‪ ،‬فيما ناق�ش الدكتور هايل الداود ورقة بعنوان" اخلطاب‬ ‫الو�سطي يف العالقة مع الآخر" �أما الأ�ستاذ �أحمد نوفل فقد ناق�ش‬ ‫ورقة بعنوان" دور الو�سطية يف تعزيز وحدة الأمة"‪.‬‬ ‫يف حني ناق�شت اجلل�سة الثانية ورقة بعنوان" دور املر�أة والأ�سرة‬ ‫يف تر�سيخ الفكر املعتدل " قدمها كل من الدكتورة هدي العطار‬ ‫والأ�ستاذة الدكتورة فاطمة ال�سعيدي‪ ،‬يف حني ناق�ش الأ�ستاذ منت�صر‬ ‫الزيات ورقة بعنوان" اخلطاب الو�سطي ودوره يف مواجهة الغلو"‪،‬‬ ‫�أما الدكتور ب�شري م�صيطفي فقد حتدث عن "االقت�صاد من منظور‬ ‫�إ�سالمي"‪ ،‬وكان ختام اجلل�سة ورقة عمل للمهند�س ب�سام �أبو الن�صر‬ ‫تناول فيها" دور الو�سطية يف الإ�ستقرار ال�سيا�سي"‪.‬‬ ‫وقد خرج امل�شاركون يف اجلل�سة اخلتامية للم�ؤمتر بعدد من‬ ‫التو�صيات‪ ،‬حيث �أجمع امل�شاركون على ‪:‬‬

‫‪ -1‬الت�أكيد على دور اجلزائر يف نه�ضة الأمة باعتبارها بلدا �إ�سالميا‬ ‫رئي�ساً ووجوب العمل على دعمه للحفاظ على وحدته وا�ستقراره‬ ‫وبن�شر ثقافة الت�سامح بني �أبنائه‪ ،‬ودعوة �أبناء ال�شعب اجلزائري �إىل‬ ‫التعاون والت�آلف ملواجهة التحديات التي تتعر�ض لها ‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنويه مبيثاق ال�سلم و امل�صاحلة الوطنية اجلزائرية كنموذج‬ ‫و�سطي حلل الأزمات ال�سيا�سية و االجتماعية و �إدانة العنف و‬ ‫اللجوء �إىل القوة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الدعوة �إىل �إ�صالح النظام التعليمي وامل�ؤ�س�سات الرتبوية يف‬ ‫العاملني العربي والإ�سالمي لتقوم على �أ�س�س قومية‪ ،‬تت�ض ّمن‬ ‫توطني املعرفة و�إنتاجها‪ ،‬وتربية الأجيال على ثقافة احلوار‬ ‫والت�سامح والتعاي�ش و�ضرورة ت�ضمني املناهج الدرا�سية يف املراحل‬ ‫املدر�سية واجلامعية مفاهيم وقيم الو�سطية واحلوار مع الآخر‬ ‫و�صياغة دليل منهجي لتدري�س �ضوابط الو�سطية وقواعدها ‪،‬‬ ‫و�إجناز تدريبات عملية لرت�سيخ الفكر الو�سطي املنهجي بني طالب‬ ‫املدار�س واجلامعات ‪.‬‬ ‫‪ -4‬الت�صدي للم�سائل و الق�ضايا االجتماعية مبا يحقق العدالة‬

‫االجتماعية و ال�سالم وذلك بالعمل على تنفيذ برامج التنمية‬ ‫وحتقيق الرفاه االقت�صادي واالجتماعي‪.‬‬ ‫‪ -5‬النهو�ض بدور املر�أة امل�سلمة و احرتام حقوقها ال�شرعية التي‬ ‫�أكرمها اهلل بها‪ ،‬وازالة كافة ا�شكال التقاليد والعادات املنافية لروح‬ ‫ال�شريعة الإ�سالمية و الت�أكيد على دور الأ�سرة‪ ،‬ال �سيما الأم‪ ،‬يف‬ ‫�إر�ساء دعائم الو�سطية‪ ،‬وح�سن تربية الن�شء على احلوار والتعاي�ش‬ ‫ال�سلمي بني الأفراد؛ ا�ست�شرافا لتنمية ثقافة و�سطية يف املجتمعات‬ ‫على نطاق �أو�سع‬ ‫‪ -6‬املطالبة ب�ضرورة التوا�صل مع العامل الغربي و�أوروبا ل�شرح‬ ‫عدالة ق�ضايانا وت�أييدها‪ ،‬و�إف�ساح املجال �أمام القادة واملفكرين‬ ‫الإ�سالميني واجلاليات الإ�سالمية لفتح قنوات احلوار مع الآخر‬ ‫وبيان مرتكزات الإ�سالم الأ�سا�سية‪ ،‬بهدف تعريف ال ُنخب الفكرية‬ ‫و�ص َّناع القرار ال�سيا�سي هناك‬ ‫وال�سيا�سية والإعالمية الغربية ُ‬ ‫بق�ضايانا العدالة و�سماحة و�إن�سانية ديننا‪.‬‬ ‫‪� -7‬إبراز دور العلماء ذوي التوجهات املعتدلة واملتوازنة؛ عرب و�سائل‬ ‫الإعالم املختلفة؛ ليكون يف انت�شارهم ووجودهم �ضمانة للتوازن‬ ‫واالعتدال‬ ‫‪� -8‬إن�شاء مراكز علمية متخ�ص�صة تبحث يف �أ�سباب الغلو و�آثاره‬ ‫و�شبهاته؛ لرتد عليها ردا علميا قائماً على احلجة و�إزالة ال�شبهة‪.‬‬ ‫‪ -9‬دعم اجلمعيات و املنظمات و امل�شاريع اخلريية و االجتماعية التي‬ ‫ت�ساهم بجهدها يف ترقية الوحدة و حتافظ على ال�سلم االجتماعي‪.‬‬ ‫‪ -10‬التنبيه على ما يف الرتاث الإ�سالمي من �أدبيات دخيلة ت�سيء‬ ‫�إىل الإ�سالم‪ ،‬وتعكر �صفو العالقات بني امل�سلمني �أنف�سهم من ناحية‪،‬‬ ‫وبينهم وبني غريهم من ناحية �أخرى؛ وذلك ب�إجراء درا�سات متيز‬ ‫الفكر الإ�سالمي الأ�صيل مما طر�أ عليه من �أدبيات ال متت له ب�صلة‬ ‫و تر�سيخ الفقه و الفكر الذي يحفظ حقوق اجلميع‪.‬‬ ‫‪ -11‬العمل على احلفاظ على وحدة الأمة الإ�سالمية بجميع‬ ‫مذاهبها وطوائفها و�أقطارها‪ ،‬باعتباره م�س�ؤولية واجبة على العلماء‬ ‫واملفكرين والقادة و�أبناء الأمة‪ ،‬و�إنهاء النزاعات املذهبية واحلزبية‬ ‫يف �ضوء الو�سطية الإ�سالمية بالتقريب الفكري بني املذاهب‪.‬‬ ‫‪ -12‬دعوة احلكومات �إىل مراعاة مبادئ حقوق الإن�سان و�أ�صولها‬ ‫اخلم�سة‪ :‬كرامة الإن�سان‪ ،‬احلرية‪ ،‬العدالة امل�ساواة وال�سالم‪ ،‬وجتنب‬ ‫�سيا�سات الإثارة التي تن�شئ التطرف والإرهاب ‪ ،‬والتعامل مع ظاهرة‬ ‫الغلو والتطرف بعقالنية وتخطيط واقعي �شامل بعيدا عن املعاجلة‬ ‫الأمنية فقط‪.‬‬ ‫‪ -13‬الدعوة �إىل تبني م�شروع املو�سوعة الو�سطية والعمل على و�ضع‬ ‫خطط عملية لل�شروع فيه‬

‫‪78‬‬


‫‪ -14‬الت�أكيد على الدور الذي تقوم به و�سائل الإعالم املختلفة يف‬ ‫تعزيز قيم االعتدال واحلوار والتفاهم ومطالبتها ب�ضرورة التزام‬ ‫املو�ضوعية واحليادية يف نقل الأخبار والآراء وجتنب �إثارة ال�صراعات‬ ‫والنزاعات بني �أبناء الأمة الواحدة‪ ،‬و مراعاة الفوارق املذهبية و‬ ‫خ�صو�صيات البلدان و احرتام مرجعياتها الفكرية و تراثها العلمي‬ ‫و احل�ضاري ‪ ،‬و�إعداد برامج �إعالمية تن�شر ثقافة االعتدال ونبذ‬ ‫الغلو؛ م�ستخدمة ما تنتجه تلك املراكز العلمية‪ ،‬وتوجيهات املجل�س‬ ‫اال�ست�شاري الأعلى يف اخلطاب الإعالمي امل ُ َر َّ�شد‪.‬‬ ‫‪ - 15‬دعم اجلزائر الحت�ضان مركز املغرب العربي للو�سطية‪.‬‬

‫البحوث و الدرا�سات التي تعزز هذا الفكر و النهج الو�سطي‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬يعد مقر جمعية الإر�شاد و الإ�صالح يف العا�صمة اجلزائرية‬ ‫حمال خمتارا للمنتدى العاملي للو�سطية باجلمهورية اجلزائرية‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬يعد رئي�س جمعية الإر�شاد و الإ�صالح اجلزائرية ب�صفته‬ ‫الوظيفية ع�ضوا باملكتب التنفيذي الدائم للمنتدى العاملي‬ ‫للو�سطية‪.‬‬

‫بروتوكول تعاون وتو�أمة بني العاملي للو�سطية وجمعية‬ ‫الإر�شاد والإ�صالح‬

‫يف �إطار توثيق التعاون ما بني املنتدى العاملي للو�سطية وجمعية‬ ‫الإر�شاد والإ�صالح ‪ ،‬مت التوقيع على بروتوكول التعاون ما بني‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية وجمعية الإر�شاد لتقوم الأخرية بتمثيل‬ ‫املنتدى يف اجلزائر ال�شقيق ويكون اجلزائر مقرا للو�سطية لغرب‬ ‫�أفريقيا ودول املغرب العربي‪ ،‬ووقع عن املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫الأمني العام املهند�س مروان الفاعوري وعن جمعية الإر�شاد رابعا ‪ :‬تعد الوثيقة التوجيهية للمنتدى العاملي للو�سطية مرجعا‬ ‫والإ�صالح رئي�سها الدكتور ن�صر الدين �شقالل وذلك يوم الأحد �أدبيا و قانونيا للتعاون و التوافق بني جمعية الإر�شاد و الإ�صالح و‬ ‫املنتدى العاملي للو�سطية‪.‬‬ ‫‪.2010/12/26‬‬ ‫خام�سا ‪ :‬يتم تبادل الن�شرات و الكتب و املجالت و الإ�صدارات‬ ‫وفيما يلي ن�ص الربوتوكول ‪:‬‬ ‫بالرجوع �إىل القانون الأ�سا�سي جلمعية الإر�شاد و الإ�صالح و املختلفة و ال�صادرة عن كال الطرفني من �أجل التوا�صل و التقارب‬ ‫الوثيقة التوجيهية للمنتدى العاملي للو�سطية و �إىل القوانني و الفكري‪.‬‬ ‫اللوائح املنظمة يف اجلزائر و الأردن فقد مت يوم الأحد ‪ 20‬حمرم �ساد�سا ‪ :‬تبادل الزيارات بني العلماء و املفكرين و الدعاة من الطرفني‬ ‫‪ 1431‬هـ املوافق لـ ‪ 26‬دي�سمرب ‪ 2010‬يف العا�صمة اجلزائر �إقرار و من �أجل الت�شاور و التنا�صح و التباحث يف ال�ش�ؤون املختلفة فيما‬ ‫التوقيع على هذا االتفاق رغبة يف تعزيز التعاون ملا فيه خري الأمة و يتعلق بن�شر الفكر الو�سطي‪.‬‬ ‫�سابعا ‪ :‬التعاون على تر�سيخ منهج الو�سطية و االعتدال يف املغرب‬ ‫الدين و تعزيز العمل امل�شرتك بني ‪:‬‬ ‫العربي لأنه النهج احلق الذي يكفل حتقيق الأمن و الأمان و‬ ‫�أوال ‪ :‬جمعية الإر�شاد و الإ�صالح باجلزائر‬ ‫الرخاء يف كافة بالد امل�سلمني و خا�صة يف بالد املغرب العربي‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬املنتدى العاملي للو�سطية بالأردن‬ ‫حيث يرمي هذا الربتوكول �إىل دعم و تفعيل القيم لإ�سالمية من ثامنا ‪ :‬عقد امل�ؤمترات و الندوات و ور�شات العمل امل�شرتك التي‬ ‫خالل البعد احل�ضاري للإ�سالم و دعم قيم االعتدال و الو�سطية و تناق�ش الق�ضايا و امل�سائل و الإ�شكاليات التي تواجه الفكر الإ�سالمي‬ ‫نبذ التكفري و التطرف حيث تطابقت الأهداف و الغايات وقد مت اليوم و التي تعمق عمليات البناء و التنمية و ال�سلم االجتماعي‪.‬‬ ‫تا�سعا ‪ :‬مت االتفاق على �أن تكون اجلزائر مقرا ملركز الو�سطية يف‬ ‫الإنفاق على بنود التالية ‪:‬‬ ‫�أوال ‪� :‬أن يتم التعاون بني جمعية الإر�شاد و الإ�صالح و املنتدى بالد املغرب العربي‪.‬‬ ‫العاملي للو�سطية يف �إعالء تعاليم الإ�سالم و تر�سيخ قيم االعتدال‬ ‫و الو�سطية و رف�ض كل �شرور التكفري و الفرقة و االنق�سام و ذلك‬ ‫من خالل الو�سائط و الآليات و الأ�ساليب املعتمدة لديهما �سواء‬ ‫امل�ؤمترات و الندوات و �إ�صدارات الكتب و املجالت و املطويات و‬

‫‪79‬‬


‫ﺍﻟﻌﺎﳴﻲ ﻟﻠﻮﺳﻄﻴﺔ ﻳﻌﻘﺪ ﻣﺆﺗﻤـﺮﻩ‬ ‫" ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﳲ ﺍﻷﺭﺩﻥ "‬ ‫ﺍﳴﺸﺎﺭﻛﻮﻥ ﳲ ﺍﳴﺆﺗﻤﺮ ﻳﺜﻤﻨﻮﻥ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ ﻻﺗﺒﺎﻉ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺎﺕ‬ ‫برعاية رئي�س اجلامعة الأردنية الدكتور عادل الطوي�سي انطلق‬ ‫يوم الأحد املوافق ‪ 2010/12/12‬اأعمال املوؤمتر الذي يعقده املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية بالتعاون مع كلية ال�سريعة يف اجلامعة الأردنية‬ ‫حتت عنوان" الواقع الديني يف الأردن" يف اجلامعة الأردنية‪.‬‬ ‫و�سهدت مدرجات اجلامعة الأردنية التي احت�سنت جل�سات املوؤمتر‬ ‫ح�سورا لفتا ل�سخ�سيات فكرية اإ�سالمية من خمتلف القطاعات‬ ‫الر�سمية وغري الر�سمية وال�سعبية ملعنيني ومهتمني رجال ون�ساء‬ ‫و�سبابا و�سابات من اجلامعة‪.‬‬ ‫جل�سة االفتتاح‬

‫وقال الأمني العام للمنتدى العاملي للو�سطية املهند�س مروان‬ ‫الفاعوري يف كلمته التي األقاها يف حفل الفتتاح الذي اأقيم يف مدرج‬ ‫احل�سن بن طالل وكان عريفه الدكتور هايل الداود‪ ،‬اأن املنتدى‬

‫جانب من جل�سة االإفتتاح‪.‬‬

‫العاملي للو�سطية قد اأخذ على عاتقه اأن يكون مبادرا يف كافة الق�سايا‬ ‫التي مت�س الواقع يف جميع جمتمعاتنا العربية والإ�سالمية‪.‬‬ ‫واأ�ساف اأن درا�سة احلالة الدينية وواقعها يف هذه املجتمعات من اأهم‬ ‫الق�سايا‪ ،‬لأنها توؤكد على اأهمية الدين يف يقظة الأمة ونهو�سها من‬ ‫جديد‪ ،‬وتر�سي قواعد التدين ال�سليم املتوازن الذي يدفع اإىل النماء‬

‫والبناء والعمران‪ ،‬كما اأنها تر�سد وب�سكل علمي منهجي الواقع بكل‬ ‫موؤ�سراته الإيجابية وال�سلبية‪.‬‬ ‫واأكد الفاعوري اأن اأهمية هذا املوؤمتر تكمن يف حماولة املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية لر�سد الثابت واملتحول يف واقع الدين والتدين‬ ‫يف ال�ساحة الأردنية ويف اأو�ساطها املختلفة‪ ،‬كما اأنها دعوة عامة‬ ‫لبناء العقل للفرد واجلماعة واتخاذ خطوة طموحة يف م�سار تعميق‬ ‫املعرفة العلمية باأحد املجالت احليوية املوؤثرة يف حياة‬ ‫واأ�سار اإىل اإن درا�سة الواقع الديني يف املجتمعات الإ�سالمية اأمر بالغ‬ ‫الأهمية لأننا بذلك ن�سع اأيدينا على مواقع اخللل يف هذا الواقع‬ ‫من اأجل العمل على عالجه واإبعاده عن بوؤر الغلو والتطرف‪.‬‬ ‫من جهته قال وزير الأوقاف وال�سوؤون واملقد�سات الإ�سالمية‬ ‫الدكتور عبد ال�سالم العبادي اأن انعقاد مثل هذا املوؤمتر اأمر يف غاية‬ ‫الأهمية خا�سة واأنه يت�سدى ملو�سوع يكتنفه الكثري من الق�سايا‬ ‫التي تتطلب روؤية ودراية‪.‬‬ ‫واأ�ساد العبادي بالدور الكبري الذي يوؤديه املنتدى العاملي للو�سطية‬ ‫من تر�سيخ للو�سطية والعتدال التي ينادي فيها الأردن الذي اأطلق‬ ‫ر�سالة عمان التي تنادي للحوار‪.‬‬ ‫واأ�ساف اإىل اأن ل بد من الوقوف عند عدد من الق�سايا املهمة‬ ‫كالدور الذي توؤديه املوؤ�س�سات الدينية يف الأردن �سواء كانت ر�سمية‬ ‫وغري ر�سمية‪ ،‬واإن كانت توؤديه على اأكمل وجه و�سمن اأ�س�س �ساملة‪،‬‬ ‫واأي�سا احلريات الدينية املوجودة يف جمتمعنا ملعرفة اخللل الكامن‬ ‫ملعاجلته واإ�سالحه‪.‬‬ ‫اأما عميد كلية ال�سريعة يف اجلامعة الأردنية الأ�ستاذ الدكتور حممد‬ ‫اأحمد الق�ساة قال يف كلمته اأن انعقاد مثل هذا املوؤمتر هو خطوة‬ ‫ايجابية ورائدة يف م�سار تر�سيخ املعرفة العلمية املوؤثرة يف حياة‬ ‫الأردنيني‪ ،‬والتاأكيد على دور الدين فيها‪ ،‬واأنه من اخلطاأ اعتبار‬ ‫الدين طق�س من الطقو�س بل هو وجدان للعقل واجل�سد واأ�سواق‬ ‫للروح ‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫و�أ�ضاف �أن معرفة الواقع الديني يف الأردن مينحنا ت�صور عام‬ ‫الختيار ذوي الدين ومينحنا ت�صور لقدرتنا على التعامل الديني‬ ‫مع اعتزازنا بهويتنا الدينية والوطنية‪.‬‬ ‫اجلل�سة الأوىل‪ :‬دور امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية يف الأردن‬

‫وناق�ش امل�ؤمتر يف جل�سته الأوىل التي عقدت برئا�سة �سماحة ال�شيخ‬ ‫عبد الكرمي اخل�صاونة حمورا حول دور امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية‬ ‫يف الأردن حيث ا�ستهل اجلل�سة باحلديث عن واقع امل�ؤ�س�سات الدينية‬ ‫الر�سمية يف الأردن ون�ش�أتها‪ ،‬وتطرق �أي�ضا �إىل الهجمة الذي يتعر�ض‬ ‫له العلماء والدعاة من غزو للتيارات الفكرية والأزمات االقت�صادية‬ ‫امل�ؤثرة �إال �أن علماءنا يت�صدون لها مبنهج اهلل و�سنة ر�سوله‪.‬‬ ‫وتطرق �أمني عام وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية ف�ضيلة الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور حممد الرعود يف ورقته للحديث عن وزارة الأوقاف من‬ ‫حيث الر�ؤية والر�سالة والأهداف والواقع والإجنازات التي حققتها‬ ‫الوزارة �سابقا ويف عهد جاللة امللك عبد اهلل الثاين بن احل�سني‬ ‫حفظه اهلل‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �إىل �أن عمل الوزارة قد مر بثالثة مراحل الأوىل هي‬ ‫الت�أ�سي�سية والتي و�ضع فيها اخلطوط العري�ضة لآلية عمل الوزارة‪،‬‬ ‫والثانية هي مرحلة البناء والتي متيزت برت�سيخ العمل وتنظيمه‬ ‫�ضمن منهجية وا�ضحة و�أخريا التعزيز والتي بد�أت منذ عهد جاللة‬ ‫امللك عبد اهلل الثاين حيث متيزت بالتح�سني والإعمار ون�شر ر�سالة‬ ‫عمان وتنظيم قانون الأوقاف ‪ ،‬وطباعة امل�صحف الها�شمي وتزويج‬ ‫الآالف من الأئمة غري املتزوجني‪ ،‬و�أي�ضا طرح عطاء ترميم وزخرفة‬ ‫امل�سجد الأق�صى الذي مت قبل �أ�سبوعني‪.‬‬ ‫من جهته تطرق ف�ضيلة الدكتور من�صور طوالبة من دائرة قا�ضي‬ ‫الق�ضاة يف ورقته التي قدمها للحديث عن دائرة قا�ضي الق�ضاة من‬ ‫حيث ن�ش�أتها والدور املهم الذي كانت تقوم به وما زالت من حيث‬ ‫تطبيقها لل�شريعة الإ�سالمية ومن ثم ركز يف حديثه على قانون‬ ‫الأحوال ال�شخ�صية اجلديد الذي مي�س حياة كل فرد يف املجتمع‬ ‫ويعالج كل منابت العنف فيها‪.‬‬ ‫�أما منهجية دائرة الإفتاء العام فقد حتدث عنها ف�ضيلة الدكتور‬ ‫حممد اخلاليلة الذي تطرق يف ورقته للحديث بداية عن الفتوى‬ ‫مبعناها اللغوي واال�صطالحي‪ ،‬و�أهميتها خا�صة و�أن احلاجة ت�شتد‬ ‫هذه الأيام للفتوى لبيان حكم اهلل تعاىل ولهذا جاء االهتمام بدائرة‬ ‫الإفتاء العام‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف مركزا على الدور الكبري الذي تقوم به دائرة الإفتاء العام‬ ‫من خالل الإ�شراف على �ش�ؤون الفتوى والتعامل مع علماء ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمية فيما يتعلق ب�ش�ؤون الفتوى و�إ�صدار جملة علمية‬ ‫متخ�ص�صة تعنى بن�شر العلوم الإ�سالمية املتخ�ص�صة وغريها من‬

‫اجلهود‪.‬‬ ‫مفتي القوات امل�سلحة العميد الدكتور يحيى البطو�ش تطرق يف‬ ‫ورقته للحديث عن دائرة الإفتاء الع�سكري منذ ن�ش�أتها ور�سالتها‬ ‫والأهداف التي ت�سعى لتحقيقها والدور الكبري الذي توليه يف‬ ‫تطبيق ال�شريعة الإ�سالمية �ضمن كتاب اهلل و�سنة ر�سوله‪.‬‬ ‫يف حني تطرق رئي�س اجلامعة الإ�سالمية الأ�ستاذ الدكتور عبد‬ ‫النا�صر �أبو الب�صل للحديث عن جهود امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية‬ ‫وقال ب�أنه حني يتم احلديث عن امل�ؤ�س�سات الدينية ف�إنه يكون بذلك‬ ‫احلديث عن النف�س‪.‬‬ ‫و�أ�شار يف ورقته �إىل مواطن القوة يف امل�ؤ�س�سات الدينية ذاكرا �إياها‬ ‫كحماية الد�ستور ودعم الدولة املادي واملعنوي واحلرية املوجودة‬ ‫منذ ن�ش�أة الإمارة والوحدة املذهبية وغريها من املواطن‪.‬‬ ‫اجلل�سة الثانية‪ :‬دور امل�ؤ�س�سات الدينية غري الر�سمية يف‬ ‫الأردن‬

‫ناق�شت اجلل�سة الثانية التي تر�أ�سها الدكتور �أحمد نوفل حمورا‬ ‫حول دور امل�ؤ�س�سات الدينية غري الر�سمية حيث حتدث الأب نبيل‬ ‫حداد يف ورقته التي قدمها عن امل�ؤ�س�سات الدينية امل�سيحية حيث‬ ‫تطرق �إىل امل�سيحية منذ وجود الب�شرية وحتدث �أي�ضا عن جيو�ش‬

‫من اليمني ‪ :‬د‪ .‬الق�ضاة ‪ ،‬م‪.‬الفاعوري ‪ ،‬د‪ .‬هايل عبد احلفيظ‪.‬‬

‫الفتح العربي وعن القبائل العربية ومعركة م�ؤتة‪ ،‬وكيف ي�سهمون‬ ‫يف بناء الوطن‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �أن ما مييز امل�سيحية يف الأردن م�ساهمتهم الفعالة يف‬ ‫جمابهة الطائفية و�أحدثوا فيها حتوال م�سيحيا بعيدا عن ذهنية‬ ‫االنعزال والطائفية‪.‬‬ ‫فيما تناول الأ�ستاذ الدكتور حممد الروا�شدة يف ورقته التي بعنوان‬ ‫(احلالة الدينية يف الأردن – ال�صوفية �أمنوذجا)‪ ،‬دور الأردن يف‬ ‫احت�ضان احلركة ال�صوفية يف الأردن منذ قدمي الزمان م�ستعر�ضا‬

‫‪81‬‬


‫تاريخ الت�صوف يف الأردن منذ ن�شوء الإمارة يف �شرق الأردن‪ ،‬حيث‬ ‫كانت الهجرات متتالية‪ ،‬الأمر الذي �أدى لن�شوئها‪.‬‬ ‫وقدم �شرحا وافيا لطرق الت�صوف يف الأردن مثل ال�شاذلية والرفاعية‬ ‫والقادرية مبينا �أن الطرق ال�صوفية مل تنغلق على نف�سها بل بد�أت‬ ‫بن�شر فكرها من خالل الإذاعات والف�ضائيات والإنرتنت لتتحول‬ ‫لفكر وروح ينت�شر بني النا�س‪.‬‬ ‫د‪.‬نوح الفقري من دائرة الإفتاء الع�سكري يف اجلي�ش العربي حتدث‬

‫جانب من امل�ؤمتر‪.‬‬

‫يف ورقته التي قدمها حول (املواقع التاريخية الدينية يف الأردن)‬ ‫عن تاريخ �أر�ض الأردن دينيا حيث �سكنها الكثري من الأنبياء مثل‬ ‫نوح ويحيى ويو�شع‪ ،‬كما تطرق للحديث عن تاريخ الأردن منذ‬ ‫الع�صر النبوي وحتى ع�صر الها�شميني‪ ،‬معرجا يف احلديث عن‬ ‫الغزوات واملعارك التي ح�صلت ‪ ،‬ووجه يف نهاية حديثه منا�شدة‬ ‫ب�ضرورة �إظهار مكنوزات الأردن وتاريخية وربطها بالأ�صالة‪.‬‬ ‫�أما ع�ضو املنتدى العاملي للو�سطية الدكتور هايل الداود فقد حتدث‬ ‫يف ورقته التي قدمها حول املنتدى العاملي للو�سطية ون�ش�أته وفكرة‬ ‫ت�أ�سي�سه والأهداف التي ي�سعى لتحقيقها من خالله‪ ،‬م�ؤكدا على‬ ‫�أن الهدف الرئي�سي منت املنتدى هو جمع علماء ومفكري الأمة‬ ‫لتوحيد جهودهم‪ ،‬يف �سبيل ن�شر الفكر الو�سطي باعتباره م�ؤ�س�سة‬ ‫فكرية تهدف لإثراء الفكر واال�ستفادة من طاقات اجلميع‪.‬‬ ‫ختمت اجلل�سة الثانية بورقة عمل قدمها الدكتور عبد اهلل ال�صيفي‬ ‫والتي حتدث فيها عن دور كليات ال�شريعة يف اجلامعات يف الواقع‬ ‫الديني الأردين‪ ،‬م�ستعر�ضا ن�شوء كلية ال�شريعة يف اجلامعة‬ ‫و�أق�سامها التي تفرز الواقع الديني يف الأردن �ضاربا امل�صارف‬ ‫الإ�سالمية التي ترفد املجتمعات مبتخ�ص�صني بال�ش�ؤون امل�صرفية‬ ‫الإ�سالمية مثاال لذلك‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �أن دور كلية ال�شريعة غري منح�صر خلف �أ�سوار اجلامعة بل‬ ‫�أن لهال تعاون م�شرتك مع م�ؤ�س�سات املجتمع املدين‪.‬‬

‫اجلل�سة الثالثة‪ :‬حمور احلريات الدينية يف الأردن‬

‫فيما يتعلق باجلل�سة الثالثة التي تر�أ�سها الأ�ستاذ الدكتور حممد‬ ‫الق�ضاة والتي ناق�شت حمور احلريات الدينية يف الأردن‪ ،‬حيث‬ ‫�أكد الدكتور ب�سام البطو�ش يف ورقته التي قدمها بعنوان "العي�ش‬ ‫امل�شرتك الإ�سالمي امل�سيحي ‪/‬الكرك �صور وم�شاهد"‪ ،‬على �أهمية‬ ‫التعاي�ش بني �أبناء الوطن الواحد بغ�ض النظر عن الديانة‪� ،‬ضاربا‬ ‫�صورا من التعاي�ش امل�سيحي الإ�سالمي تعرب عن مدى املحبة‬ ‫امل�شرتكة بني �أبناء الديانتني كالتكافل االجتماعي وح�سن اجلوار‬ ‫والتعاون امل�شرتك‪.‬‬ ‫يف حني بني الدكتور عامر احلايف يف الورقة التي قدمها‬ ‫بعنوان"التنوع الديني يف املجتمع الأردين �أن املجتمعات الناجحة‬ ‫هي املجتمعات التي ت�سمح بالتعدد الديني وحتث على قبول الآخر‬ ‫وعدم رف�ضه‪ ،‬م�ؤكدا على �ضرورة امل�صارحة بني الطرفني واالبتعاد‬ ‫عن النفاق االجتماعي ملعاجلة �أي م�شكالت قد تقع م�ستقبال‪ ،‬مع‬ ‫الأخذ بعني االعتبار �ضرورة ت�سليط ال�ضوء على كافة اجلماعات‬ ‫الدينية يف املجتمع و�إعطائها حقها كامال ك�أفراد ينتمون له‪.‬‬ ‫�أما الدكتور نا�صر اخلوالدة يف ورقته التي قدمها بعنوان"واقع‬ ‫مناهج الرتبية الإ�سالمية يف الأردن" فقد �أكد على �أهمية ما يكتب‬ ‫�أو ير�سم يف املناهج ملا له من ت�أثري على القارئ‪ ،‬ويجب عدم �إغفاله‪.‬‬ ‫و�شدد على �أهمية تر�سيخ مبادئ احلوار يف مناهج الرتبية وتطويرها‬ ‫وربطها بالواقع الذي نعي�شه مبا يحقق �أهداف هذه املناهج والت�أكيد‬ ‫على �أهمية �صحة اال�ستدالل للق�ضايا التي تعاجلها‪ ،‬فالرتبية‬ ‫الإ�سالمية لي�ست ترفا بل هي منهج يجب االهتمام به لأنها تنعك�س‬ ‫على ال�سلوك واحلياة‪.‬‬ ‫من جهته قال معايل الدكتور منذر حدادين يف ورقته التي تناولها‬ ‫بعنوان"التعددية والتنوع الديني يف املجتمع الأردين" �أنه من غري‬ ‫اجلائز تق�سيم املجتمع على �أ�سا�س ديني لأن يف ذلك خطرا كبريا‬ ‫على وحدة املجتمع فالدين هلل والوطن جلميع �أبنائه‪� ،‬ضاربا �أمثلة‬ ‫تاريخية على ت�سامح امل�سيحيني مع امل�سلمني عرب التاريخ ابتداءا‬ ‫بر�سول اهلل عليه ال�صالة وال�سالم وحتى وقتنا احلايل‪،‬م�ؤكدا‬ ‫يف الوقت ذاته على دور القيادة الها�شمية يف احلفاظ على حقوق‬ ‫امل�سيحيني يف الأردن‪.‬‬ ‫وحتدثت الأ�ستاذة الدكتورة �صفا الكيالين يف ورقتها التي بعنوان"‬ ‫الأر�ض املقد�سة‪ :‬قد�سية البيئة‪ ،‬عاملية املكان‪ ،‬ن�شوء الأديان‪ ،‬وتطور‬ ‫القيم واحل�ضارة الإن�سانية" الأبعاد التاريخية واحل�ضارية والبيئية‬ ‫واجلغرافية والنف�سية املتوافقة وبعثة الأنبياء يف الأر�ض املقد�سة‬ ‫�شرقي نهر الأردن وغربه ‪-‬منذ نوح وحتى حممد عليهم جميعا‬‫ال�سالم؛ كما �أ�شارت �إىل الآثار التي تركت لدى الأمم ال�سابقة‬

‫‪82‬‬


‫املعا�صرة للأنبياء عليهم ال�سالم واملحيطة بنا يف الأر�ض املقد�سة‪،‬‬ ‫وت�أثري القيم التي حملها الأنبياء على التطور العقائدي والقيمي‬ ‫لدى الأمم والتي نلم�س �آثارها اليوم يف حياتنا املعا�صرة‪.‬‬ ‫اجلل�سة الرابعة‪ " :‬اخلطاب الديني يف الأردن"‬

‫وكان املنتدى العاملي للو�سطية قد ا�ست�أنف جل�سات امل�ؤمتر يف يومه‬ ‫الثاين يوم ال�سبت املوافق ‪ 2010/12/18‬بعد �أن ت�أجلت يف الأيام‬ ‫ال�سابقة نظرا للظروف اجلوية التي �سادت حينها‪ ،‬حيث ناق�شت‬ ‫اجلل�سة الأوىل من اليوم الثاين للم�ؤمتر والتي تر�أ�سها الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور حممد اخلطيب حمورا بعنوان" اخلطاب الديني يف الأردن"‬ ‫حيث تناول الأ�ستاذ ح�سني الروا�شدة بورقته التي بعنوان" اخلطاب‬ ‫الديني لل�صحافة الأردنية" اخلطاب الإ�سالمي ومدى ح�ضوره يف‬ ‫�صحافتنا الأردنية و�أهميته وم�ساحته وم�ضامينه وموا�صفاته و�أثره‬ ‫يف ت�شكيل الوعي لدى النا�س يف املجتمع‪.‬‬ ‫حيث عرف اخلطاب ب�شقيه اللغوي واال�صطالحي‪ ،‬كما عرف‬ ‫اخلطاب الإ�سالمي باعتباره الو�سيلة التي يخاطب بها امل�سلمني‬ ‫العامل واملنهاج الذي ي�صوغون من خالله �أفكارهم و�آرائهم‬ ‫ومواقفهم‪.‬‬ ‫وتطرق مل�صادر اخلطاب التي هي ذاتها م�صادر املعرفة كالوحي‬ ‫والكون وال�شريعة والعقل وعلوم الدين ومنهجيته‪.‬كما فرق بني‬ ‫الديني الذي يتعلق بالعبادات والأخالق والإ�سالمي الذي يتعلق‬ ‫باملعامالت والإن�سان م�ؤكدا يف الوقت ذاته �أنه من غري املمكن ف�صل‬ ‫اخلطابان عن بع�ضهما الآخر يف الوقت احلا�ضر ‪.‬‬ ‫وقال �أن اخلطاب الإ�سالمي لي�س خطابا واحدا بل هو خطاب‬ ‫متعدد امل�ضامني وال�صور واالجتاهات‪ ،‬و�أ�ضاف �أن اخلطاب الديني‬ ‫الإ�سالمي يحظى بح�ضور جيد يف �صحافتنا الأردنية �سواء كان‬ ‫يف الأخبار �أو املقاالت �أو يف املنا�سبات الدينية حيث يتم تخ�صي�ص‬ ‫مالحق خا�صة لهذه املنا�سبات‪� ،‬أو يف ال�صفحات اخلا�صة‪� ،‬أو �صفحات‬ ‫النعي حيث ت�شغل احليز الأكرب ‪.‬‬ ‫يف حني الإعالمي الدكتور ن�سيم �أبو خ�ضري يف ورقته التي حملت‬ ‫عنوان" الدين يف اخلطاب الإعالمي"‪ ،‬قال �أن اخلطاب الإ�سالمي‬ ‫يعتمد على الإقناع‪ ،‬وعلى خماطبة القلوب والعقول ويف حال مل يكن‬ ‫مو�ضوع الر�سالة جاذب وم�ؤدي الر�سالة غري مقبول وعلى درجة عالية‬ ‫من الت�أثري فلن ت�صل الر�سالة املرجوة للآخرين‪.‬‬ ‫و�أ�شار الدكتور �أبو خ�ضري �أن �أكرب خطر يواجه الإعالم الإ�سالمي هم‬ ‫رجال الدين خا�صة �إذا تواجدت املناف�سة احلادة بينهما‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �أن للإعالم دور كبري يف �إي�صال الر�سالة للنا�س فهو و�سيلة‬ ‫مهمة لتبليغ الدعوة ملا ميلكه من �إمكانيات ال ميلكها غريه من �صوت‬ ‫و�صورة و�إخراج ‪ ،‬حيث يخاطب املاليني بجهد ووقت قليلني وبتكلفة‬ ‫�أقل‪.‬‬

‫من جهته تناول �أ�ستاذ ال�شريعة يف جامعة الريموك د‪.‬حممد عقلة‬ ‫�أبو غزلـة ورقة بعنوان" املعاجلة الإعالمية للخطاب الديني يف‬ ‫ال�صحافة الأردنية اليومية" حيث تطرق يف درا�سته ملاهية املعاجلة‬ ‫الإعالمية للخطاب الديني املوجه للجماهري يف ال�صحف الأردنية‬ ‫اليومية‪ ،‬وهل �أن هذه املعاجلة كافية لتو�صيل م�ضامني اخلطاب‬ ‫الديني للجماهري ب�صورة معقولة‪� ،‬أم �أنها جمرد مادة �صحفية‪،‬‬ ‫وامل�ضامني الدينية الأكرث تناوال كالق�ضايا املعرفية الإ�سالمية‬ ‫والق�ضايا الفكرية وغريها و الأهداف التي ت�سعى ال�صحف الأردنية‬ ‫اليومية �إىل حتقيقها من وراء ن�شر ق�ضايا وم�ضامني اخلطاب‬ ‫الديني‪.‬‬ ‫كما حتدث عن عدد من التو�صيات التي يجب الأخذ بها مثل‬ ‫التنوع يف تناول املو�ضوعات املتعلقة بق�ضايا اخلطاب الديني‪ ،‬وعدم‬ ‫االقت�صار على جوانب معينة دون الأخرى و �إيالء ق�ضايا التثقيف‬ ‫الفقهية عن طريق ن�شر الفتاوى واالجتهادات ال�صادرة عن دور‬ ‫الفتيا املعتمدة حملياً و�إ�سالمياً‪ ،‬بغية رفع الوعي اجلماهريي‬ ‫ب�أحكام ال�شريعة حول الق�ضايا امل�ستجدة و التعاون وتوثيق ال�صلة ما‬ ‫بني �إدارة حترير ال�صفحات الدينية امل�سئولة عن اخلطاب الديني يف‬ ‫ال�صحافة الأردنية‪ ،‬وبني اجلهات امل�سئولة يف وزارة الأوقاف ودائرة‬ ‫الإفتاء العام يف اململكة الأردنية الها�شمية‪� ،‬ضماناً للتوا�صل ومتكيناً‬ ‫لهم من الإطالع على ما ي�ستجد من �أحكام وفتاوى �شرعية يف‬ ‫حينها‪ ،‬ت�سهي ً‬ ‫ال لن�شرها يف موعدها‪ ،‬ومتكيناً لفئات اجلمهور املهتمة‬ ‫واملعنية به من التنور واال�ستفادة وغريها من التو�صيات‪.‬‬ ‫فيما تناول الدكتور �إبراهيم اجلوارنة يف ورقة تنا�صفها مع الدكتور‬ ‫�إبراهيم �أبو عرقوب بعنوان "مو�ضوعات الفتيا للواعظات الأردنيات‬ ‫يف حمافظة �إربد و�سائلها وم�صادرها‪ /‬درا�سة فقهية �إعالمية‬ ‫حتليلية " معرفة املو�ضوعات الفقهية التي تركز عليها الواعظات‬ ‫يف حمافظة �إربد‪ ،‬والبالغ عددهن (‪ )100‬واعظة من حيث م�صادر‬ ‫املعلومات الفقهية التي تعتمد عليها الواعظات من ات�صال �شخ�صي‬ ‫(املحا�ضرات والندوات يف االجتماعات والدورات الت�أهيلية من وزارة‬ ‫الأوقاف الأردنية)‪ ،‬واالت�صال اجلماهريي من ( كتب و�صحف‬ ‫وجمالت و�إذاعات و�شا�شات تلفزة وهواتف وانرتنت)‪ ،‬وكذلك �أهم‬ ‫املو�ضوعات الفقهية التي ت�ستفتي عنها الن�ساء‪ ،‬وكيفية التعامل مع‬ ‫الأ�سئلة ال�صعبة يف الفتاوى‪ ،‬ومدى ت�أثري الأ�سرة على عمل الداعية‪،‬‬ ‫و�أ�شهر الدعاة الذين �أثروا يف الواعظات واملفتيني التي تعتمد عليهم‬ ‫يف الفتوى عند احلاجة وكذلك الف�ضائيات ومدى اعتمادها على‬ ‫املنهج املت�شدد �أو املي�سر‪.‬‬

‫‪83‬‬

‫اجلل�سة اخلام�سة‪ :‬الدين والدولة يف الأردن‬

‫وناق�شت اجلل�سة الثانية التي تر�أ�ستها الدكتورة خولة اخلوالدة‬


‫حمورا بعنوان" الدين والدولة يف الأردن" ‪ ،‬حيث تناول الدكتور‬ ‫ح�سان ال�صفدي يف ورقته التي قدمها بعنوان" م�ؤ�شرات التدين يف‬ ‫املجتمع الأردين " م�ؤ�شرات التدين الظاهرة بني املا�ضي واحلا�ضر‬ ‫والتي من املمكن مراقبتها ور�صدها عيانا كاملحافظة على ال�شعائر‬ ‫التعبدية‪ ،‬وال�صالت االجتماعية والدرو�س الدينية واملظاهر‬ ‫ال�شخ�صية كاللبا�س ون�شوء اجلمعيات واحلركات والأحزاب الدينية‪،‬‬ ‫كما تطرق لأ�شكال التدين وعناوينه ومقا�صد الدين وغاياته ‪.‬‬ ‫يف حني تطرقت الدكتورة نوال �شرار يف ورقتها التي حملت عنوان"‬ ‫مفهوم التد ّين عند املر�أة الأردنية م�ستوياته ‪ /‬مظاهره " ملفهوم‬ ‫التدين ودرجاته وركائزه و�سيكولوجيته ووظيفته ‪.‬‬ ‫كما تناولت م�ؤثرات التدين عند املر�أة الأردنية من بيئة حميطة‬ ‫وو�سائل �إعالم ودور �أزياء وغريها‪ ،‬وم�ستويات التدين ومظاهره‬ ‫وغريها الكثري من املحاور املهمة‪.‬‬ ‫�أما فيما يتعلق بورقة العمل التي قدمها �أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية‬ ‫الدكتور جمال ال�شلبي بعنوان" ر�سالة عمان �أمنوذجا عامليا" ‪ ،‬حيث‬ ‫قال �أن ر�سالة عمان لي�ست با�سم الأردنيني بل هي با�سم العرب‬ ‫وامل�سلمني جميعا‪ ،‬وهي مبادرة عربية �إ�سالمية حتاول �أن ت�ؤكد‬ ‫للجميع ب�أن كل ما ميتلكونه من خمزون معريف تر�سخ منذ �أحداث‬ ‫�سبتمرب ال ميثل الإ�سالم احلقيقي القائم على االعتدال‪ ،‬و�أي�ضا‬

‫يف �إحدى اجلل�سات‪.‬‬

‫ر�سالة عمان مبادرة �أردنية عربية بامتياز جاءت لي�ست لتف�سري‬ ‫جديد للدين الإ�سالمي بل هي ر�ؤية متفتحة للدين الإ�سالمي‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف ب�أن �أهمية ر�سالة عمان تتبدى من خالل �أمور ثالثة �أوال‬ ‫انطالقتها من عمان من خالل جاللة امللك عبد اهلل الثاين الذي‬ ‫يعود بن�سبه للها�شميني الأمر الذي يعطيها ال�شرعية احلقيقية‪،‬‬ ‫ثانيا �أن هناك ن�سبة من امل�سيحيني الذين يقطنون الأردن الأمر‬ ‫الذي يدلل على وجود التعاي�ش ال�سلمي بني جموع الأديان و�أخريا‬

‫�أن الأردن يحظى مبكانة رفيعة يف العامل ‪.‬‬ ‫" الديني وال�سيا�سي" هي ورقة العمل التي قدمها الدكتور خالد‬ ‫جرب حيث حتدث فيها عن عالقة الديني بال�سيا�سي �إن كانا‬ ‫متناق�ضني �أو متناهيني �أو متوازيني وغريها ‪ ،‬متطرقا يف الوقت‬ ‫ذاته �إىل �أمناط العالقة بينهما كالإندغام الكلي والتوازي غري‬ ‫امل�ستقل واال�ستيالء �شبه الكلي والتغول وغريها الكثري من املحاور ‪.‬‬ ‫التو�صيات‬

‫�أو�صى امل�شاركون يف امل�ؤمتر بجملة من التو�صيات وهي ‪:‬‬ ‫• تعزيز موقع املرجعية الإ�سالمية يف حتديد الهوية الذاتية‬ ‫الأردنية‪ ،‬مع االنفتاح على املكت�سبات احل�ضارية احلديثة‪ ،‬ك�أداة‬ ‫ا�ستباقية ملكافحة ظواهر التطرف والغلو الإرهاب �أو الإباحية‬ ‫واالنفالت‪.‬‬ ‫• �ضرورة العمل على تعميق حالة الوئام والتعاي�ش امل�شرتك بني‬ ‫�أتباع الديانات يف املجتمع الأردين‪ ،‬والدعوة �إىل التعامل مع اجلميع‬ ‫على �أ�سا�س حق املواطنة بعيداً عن منطق الأقلية والأكرثية‪ ،‬و�إزالة‬ ‫مظاهر الت�شوي�ش على حالة التعاي�ش املتميزة يف الأردن‪.‬‬ ‫• �ضرورة الت�أكيد على الرتبية والتوجيه الديني وغر�س القيم‬ ‫واملفاهيم الأخالقية ملكافحة ظواهر العنف املجتمعي واالنحراف‬ ‫والت�سيب املهددة للأمن االجتماعي الأردين‪.‬‬ ‫• تعزيز ر�سالة امل�سجد وحت�سني �صورتها وتفعيل دور م�ؤ�س�سة‬ ‫امل�سجد وتنمية م�ساهمتها يف �إر�ساء القيم واملفاهيم الدينية‬ ‫• درا�سة املناهج الدرا�سية املعتمدة يف كليات ال�شريعة يف اجلامعات‬ ‫الأردنية‪ ،‬مبا يكفل تخريج جيل من الدعاة الواعي ب�أحوال وطنه‬ ‫و�أمته‪ ،‬قادر على ن�شر �صورة الإ�سالم ال�سمحة‪ ،‬وتعزيز وتطوير‬ ‫احلالة الدينية الأردنية‬ ‫• يو�صي امل�ؤمتر باالهتمام باجلانب الإعالمي مبختلف جماالته‬ ‫�إن�شاء ف�ضائيات دينية �أردنية تعك�س �صورة اخلطاب الديني‬ ‫الأردين املعتدل‪ ،‬تلبي مطالب التدين والدعوة وتعالج �إ�شكالياته‬ ‫وم�شكالته‪.‬‬ ‫• يثمن امل�ؤمتر �أدوار امل�ؤ�س�سات الدينية الأردنية الر�سمية ( وزارة‬ ‫الأوقاف ودائرة قا�ضي الق�ضاة‪ ،‬ودائرة الإفتاء العام والع�سكري يف‬ ‫تطوير وتعزيز احلالة الدينية الأردنية ويدعو امل�ؤمتر �إىل �ضرورة‬ ‫التن�سيق والرتابط بني عمل هذه امل�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫• يتوجه امل�شاركون بال�شكر والتقدير للجامعة الأردنية ممثلة‬ ‫برئي�سها معايل الأ�ستاذ الدكتور عادل الطوي�سي على �إجناح �أعمال‬ ‫امل�ؤمتر ولكلية ال�شريعة يف اجلامعة الأردنية للتعاون مع املنتدى‬ ‫العاملي للو�سطية يف تنظيمه‪ ،‬و�إىل معايل الأ�ستاذ الدكتور عبد‬ ‫ال�سالم العبادي – وزير الأوقاف وال�ش�ؤون واملقد�سات الإ�سالمية‬ ‫على جهوده املباركة يف �إجناح �أعمال امل�ؤمتر‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫ﺍﺻﺪﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬

‫ﺍﻵﺧــﺮ ﻓــﻲ ﺍﻹﺳــــﻼﻡ‬ ‫د‪ .‬فوؤاد البنا‬ ‫اأ�ستاذ م�سارك يف الفكر االإ�سالمي ال�سيا�سي ‪‬جامعة تعز‬

‫�سدر عن املنتدى العاملي للو�سطية كتاب" الآخر يف الإ�سالم" روؤية تاأ�سيلية للدكتور‬ ‫فوؤاد البنا‪� ،‬سمن �سل�سلة الفكر الو�سطي ‪.‬‬ ‫ويبحث الكتاب م�سكلة النغالق احل�ساري على الذات‪ ،‬من خالل العودة اإىل الأ�سول‬ ‫الإ�سالمية يف التعامل مع هذه امل�سكلة‪ ،‬وا�ستح�سار موقف الفكر الإ�سالمي بتياراته‬ ‫الو�سطية من هذا امل�سكل‪ ،‬ابتداء بع�سر ال�سحابة‪ ،‬ومروراً بالع�سور الو�سيطة‪ ،‬وانتهاء‬ ‫بالع�سر احلديث‪ ،‬مع اختيار مناذج بدون ا�ستق�ساء مع مراعاة للطبيعة املحدودة ملثل هذه‬ ‫البحوث‪.‬‬

‫ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﳲ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‬ ‫د‪ .‬وليد ها�سم ال�سميدعي‬

‫�سدر عن املنتدى العاملي للو�سطية كتاب يحمل عنوان "الو�سطية يف مقا�سد ال�سريعة‬ ‫الإ�سالمية" للدكتور وليد ها�سم ال�سميدعي‪� ،‬سمن �سل�سلة الفكر الو�سطي ‪.‬‬ ‫ويتحدث الكتاب بني طياته عن الو�سطية واملقا�سد يف اللغة وال�سرع‪ ،‬والأثر التي‬ ‫يتحقق من خاللها‪ ،‬حيث اأن امل�سلمني مل ولن ينالهم ما نالهم من جمد و�سرف اإل بف�سل‬ ‫مت�سكهم بو�سطية الإ�سالم عقيدة و�سريعة‪ ،‬ومل ي�سابوا بعد ذلك مبا اأ�سيبوا به اليوم من‬ ‫�سعف ووهن وا�ستكانة و�سيعة اإل ب�سبب تهاونهم فيه واإهمالهم له‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ﺑﻦﻴ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺍﳴﺮﺃﺓ‬ ‫د‪� .‬سهيلة ‪‬ين العابدين حماد‬ ‫د‪ .‬رقية العلواين‬

‫كتاب " فل�سفة الأدوار بني الرجل واملراأة" هو بالأ�سا�س ندوة قد �سبق ونظمها قطاع‬ ‫املراأة يف املنتدى العاملي للو�سطية عام ‪ 2009‬لكل من الدكتورة �سهيلة زين العابدين حماد‬ ‫والدكتورة رقية العلواين‪ ،‬وقد لقت تلك الندوة ا�ستح�سانا منقطع النظري من قبل‬ ‫اجلمهور الذي ح�سر الندوة مبختلف فئاته العمرية والجتماعية من الن�ساء‪.‬‬ ‫وقد ارتاأى املنتدى لرتجمة تلك الندوة من خالل كتاب مميز ي�سدر عنه يحمل عنوان‬ ‫ذات الندوة‪ ،‬كتاب "فل�سفة الأدوار بني الرجل واملراأة " يتطرق اإىل الروؤية الإ�سالمية والتي‬ ‫ت�ستند يف ذلك اإىل قراءة و�سطية تقوم على رف�س الظلم الواقع على املراأة‪ ،‬وتهمي�س‬ ‫دورها ومعاملتها غري الالئقة‪ ،‬ورف�س حتويلها اإىل �سورة لالإغراء والإثارة‪ ،‬ومواجهة‬ ‫غالة اجلمود والتطرف الذين برر ل�ستمرار الأو�ساع املزرية التي حلقت باملراأة امل�سلمة‪،‬‬ ‫وتوظيف الن�سو�س وحتميلها اأكرث مما حتتمل ‪.‬‬

‫ﻭﺳﻄﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﳲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﻐﻠﻮ ﻭﺍﻟﺘﻄﺮﻑ‬ ‫د‪.‬يا�سني �سالح‬

‫�سدر عن املنتدى العاملي للو�سطية �سل�سلة من الإ�سدارات املميزة التي تعنى بال�ساأن‬ ‫الفكري الو�سطي املعتدل‪ ،‬من هذه الإ�سدارات كتاب "و�سطية الإ�سالم يف مواجهة الغلو‬ ‫والتطرف" للدكتور يا�سني مهدي �سالح ‪ ،‬حيث يتناول الكتاب و�سطية الدين الإ�سالمي‬ ‫الذي يعار�س التطرف والتع�سب‪ ،‬ويحرتم التعددية الثقافية والدينية واحل�سارية وينبذ‬ ‫العن�سرية‪.‬‬ ‫وي�سيف الكتاب اأن مواجهة ظاهرتي الغلو والتطرف ل تتم اإل باإحياء مفهوم الو�سطية‪،‬‬ ‫ودرا�سة الظروف الجتماعية التي �ساعدت على تف�سي تلك الظواهر‪ ،‬والتعرف على‬ ‫اأ�سبابها‪ ،‬و�سبل مواجهتها‪ .‬فمن اأهم اأهداف الإ�سالم اإيجاد الفرد ال�سالح النافع لنف�سه‬ ‫واأمته‪ ،‬واأ َّن جنوح الفرد مييناً اأو ي�ساراً بالغلو والتطرف‪ ،‬اأو الالمبالة والتهاون لهو موؤ�سر‬ ‫خطري ي�ستوجب �سحوة كل من ي�سطلع مب�سوؤولية الدعوة اإىل اهلل لبحث اأ�سباب هذا‬ ‫و�سبل عالجه للجيل احلا�سر‪ ،‬واإعداد العدة لوقاية اجليل اجلديد من ا�ستفحال‬ ‫التطرف ُ‬ ‫تلك الظواهر فيه‪.‬‬

‫‪86‬‬


‫ﻣﺴﻚ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬

‫ﺗـﻜـﻮﻳـﻦ ﻋـــﺎﺩﺓ ﺍﻟـﻘـــﺮﺍﺀﺓ‬

‫البدايات دائماً �ساقة ‪ ،‬واأ�سق مراحل الطريق هي املرحلة الأوىل‪،‬وكثري من النا�س يجد �سعوبة بالغة عند البدء يف اأي عمل اأو‬ ‫م�سروع‪،‬وذلك لأن نتائج جهده يف البداية تكون �سعيفة ‪،‬كما اأن ا�ستفادته من الوقت تكون غري مر�سية فالواحد منا ي�سعر اأنه اأم�سى‬ ‫وقتا طويال من اأجل اأ�سياء ل قيمة لها‪.‬لكن �سيهون الأمر حني نعد البداية يف اأي اأمر مثل ت�سخني ال�سيارة "حتماية" ثم يتعاظم‬ ‫النطالق �سيئا ف�سيئا‪.‬‬ ‫اإن عادة القراءة لن تتكون عند الإن�سان اإل عندما ي�سعر ب�سيء من املتعة واللذة عندما يقراأ‪ ،‬وهذا لن يكون اإل عندما ن تكون القراءة‬ ‫نوعاً من الكت�ساف ‪ ،‬وتنمية العقل‪،‬وتو�سيع قاعدة الفهم ‪.‬‬ ‫هناك و�سائل هامة يعينك اهلل بها على حب القراءة ومنها ‪:‬‬ ‫الو�سيلة االأوىل‪ :‬ا�ستح�سار النية‬ ‫ما هو هدفك من القراءة؟ وملاذا تقراأ؟‬

‫اأنا اأقراأ لأن اهلل عز وجل اأمرين بالقراءة‪ ،‬وقال يل ولكل امل�سلمني‬ ‫ِا�س ِم َر ِّب َك ا َّلذِ ي َخلَ َق ) (العلق‪،)1:‬‬ ‫ب�سيغة الأمر املبا�سر‪ ( :‬ا ْق َر ْاأ ب ْ‬ ‫ولذلك فقراءتي طاعة لربي‪.‬‬ ‫اأقراأ لأنفع نف�سي يف الدنيا والآخرة؛ فال فالح يف الدنيا بغري العلم‪،‬‬ ‫ول فالح يف الآخرة بغري العلم ا ً‬ ‫أي�سا‪...‬‬ ‫اأقراأ لأنفع من حويل‪ :‬اأمي واأبي واأولدي واإخواين واأخواتي واأقاربي‬ ‫واأ�سحابي‪ ،‬ومن اأعرف‪ ،‬ومن ل اأعرف‪ ..‬واأ�سبح كحامل امل�سك ل‬ ‫يجاوره اأحد اإل انتفع ب�سم رائحته العطرة‪...‬‬

‫اأقراأ ‪ -‬ا ً‬ ‫أي�سا ‪ -‬لأنفع اأمتي‪ ...‬لأن الأمة التي ل تقراأ ‪ -‬كما �سبق اأن‬ ‫اأ�سرت ‪ -‬اأمة غري مرهوبة‪ ،‬اأمة متخلفة عن الركب‪ ،‬متبعة لغريها‪،‬‬ ‫ولهذا فاأنا اأقراأ لأجعل اأمتي يف مقدمة الأمم‪...‬‬ ‫اإنك بالقراءة يا اأخي ُتر�سي رب العاملني‪ ،‬وتنفع نف�سك‪ ،‬وتنفع من‬ ‫حتب‪ ،‬تنفع اأمتك ا ً‬ ‫أي�سا‪ ...‬ل �سك اأن هذه الدوافع العظيمة ُت�سعل‬ ‫حما�ستك للقراءة‪...‬‬ ‫وطاملا كانت يف ذهنك دائ ًما هذه النية فلن تغيب عنك ال�سوابط‬ ‫التي ُذكرت يف �سدر �سورة العلق؛ فاأنت تقراأ با�سم اهلل‪ ..‬فال بد‬ ‫اأن تكون قراءتك على هذا امل�ستوى‪ ،‬واأنت ا ً‬ ‫أي�سا ل تتكرب بقراءتك‬ ‫وعلمك‪ ..‬لأنك تعلم اأن اهلل عز وجل هو الذي منّ عليك بهذه املنة‬ ‫وهذا الف�سل‪..‬‬

‫‪87‬‬


‫الو�سيلة الثانية‪� :‬أن تتعاون مع �أ�صحابك و�إخوانك يف القراءة‬

‫ت�ستطيع �أن تك ّون �أنت وجمموعة من �أ�صحابك �إن كنتم ثالثة �أو‬ ‫�أربعة �أو خم�سة‪ ...‬جمموع ًة للقراءة‪ٌ ،‬‬ ‫كل منكم يقر�أ يف جمال‪ ،‬ومن‬ ‫ثم يعر�ض ٌ‬ ‫كل منكم ما قر�أه على �أ�صحابه‪ ،‬ويتم تبادل املعلومات‬ ‫ب�شكل منظم وممتع؛ فلي�س ما تقر�ؤه عينا �إن�سان واحد كالذي‬ ‫تقر�ؤه هذه الأعني جمتمعة‪ ،‬ولي�س ما ي�ستوعبه عقل واحد مثل‬ ‫ما ت�ستوعبه عقول ثالثة �أو خم�سة‪ ،‬وبهذا يح ّفز ٌ‬ ‫كل منكم الآخر‪،‬‬ ‫وي�أخذ بيده للخري والنفع‪ ،‬ولن ي�ستطيع ال�شيطان �أن يتغلب عليكم‬ ‫فهو مع الواحد‪ ،‬ومن االثنني �أبعد‪ ..‬فما بالنا بثالثة �أو خم�سة؟!‪...‬‬ ‫وهذا ما نعمل عليه �سويا مب�شروعنا املتوا�ضع‬ ‫الو�سيلة الثالثة ‪� :‬أن ت�ضع خطة للقراءة‬

‫ال داعي �إذن للقراءة الع�شوائية‪ ،‬ينبغي و�ضع خطة وا�ضحة للقراءة‪،‬‬ ‫ولكي ت�ضع خطة بطريقة جيدة ال بد �أن تكون على دراية كافية‬ ‫ب�إمكانياتك‪ ،‬والوقت املتاح للقراءة لديك‪ ،‬والكتب املتاحة‪ ،‬وما هي‬ ‫قدرتك على اال�ستيعاب‪ ،‬وال بد � ً‬ ‫أي�ضا �أن تعرف ملاذا تقر�أ‪.‬‬ ‫بعد معرفة كل هذه العنا�صر �ضع خطة وا�ضحة يف ظل �إمكانياتك‬ ‫وقدراتك‪ ،‬مث ً‬ ‫ال �سوف �أقر�أ هذه الكتب اخلم�سة خالل الأ�شهر ال�ستة‬ ‫القادمة‪� ،‬أو �سوف �أقر�أ هذه الكتب الع�شرين خالل �سنة �أو �سنتني‪،‬‬ ‫على �أين �سوف �أقر�أ �أو ًال الكتاب الفالين يف مدة كذا‪ ،‬وبعده كتاب كذا‬ ‫يف مدة كذا‪ ...‬وعليك �أن تلتزم باخلطة التي و�ضعتها لنف�سك جيدًا‪،‬‬ ‫وال تغيرّ فيها �إال يف حالة ال�ضرورة‪ ،‬رمبا تتعب �أو ًال يف و�ضع اخلطة‪،‬‬ ‫ولكن �سوف تنجح �إذا حر�صت على االلتزام بها‪ .‬والزم الو�سطية يف‬ ‫خطتك؛ فلي�س من ال�صواب �أن تقرر قراءة ع�شرات الكتب يف وقت‬ ‫قليل فتف�شل يف الإجناز‪ ..‬ورمبا �أ�صبت بالإحباط‪ ،‬كما �أنه لي�س‬ ‫من ال�صواب �أن تخ�ص�ص وق ًتا طوي ً‬ ‫ال جدًا لكتب قليلة؛ فيكون هذا‬ ‫ت�ضيي ًعا للوقت‪ .‬ولت�س�أل املتخ�ص�صني‪ :‬ماذا تقر�أ‪ ،‬وب�أي كتاب تبد�أ‪،‬‬ ‫وما هو �أف�ضل كتاب يف هذا املو�ضوع‪ ،‬و�إذا كنت قر�أت كتا ًبا يف مو�ضوع‬ ‫معينّ فماذا تقر�أ بعده وهكذا‪...‬‬ ‫ريا ما ي�ض ّيع الإن�سان الكثري من وقته يف قراءة كتاب غري مفيد‪،‬‬ ‫كث ً‬ ‫�أو قراءة كتاب �صعب بينما هناك الأ�سهل‪� ،‬أو كتاب �سطحي بينما‬ ‫هناك الأعمق‪...‬فال بد �إذا �أن تنقل مِ ن العلماء واملتخ�ص�صني وذوي‬ ‫اخلربة‪ ،‬فال بد �أن نبد�أ من حيث انتهى الآخرون ويظهر ذلك‬ ‫بو�ضوح يف ق�ص�ص الأئمة العظماء والعلماء الأجالء‬ ‫و�سنعمل �سويا على حتقيق خطة مقرتحة من قبل خمت�صني‬ ‫‪..‬لن�صل �إىل الثقافة املطلوبة‬

‫الو�سيلة الرابعة‪ :‬حتديد وقت ثابت للقراءة وا�ستغالل‬ ‫الفراغات البينية‪.‬‬

‫وهذا يعني �أال تنتظر �إىل �آخر اليوم لتقر�أ ما يجب عليك قراءته‪،‬‬ ‫بل حدد لنف�سك وق ًتا معرو ًفا للقراءة‪ ،‬و�أح�سن اختيار هذا الوقت‪،‬‬ ‫وحاول �أن تختار وق ًتا يكون ذهنك فيه ً‬ ‫م�سرتيحا‬ ‫ن�شيطا‪ ،‬وتكون فيه‬ ‫ً‬ ‫حتى ت�ستطيع الرتكيز يف القراءة واخلروج بنتيجة جيدة‪.‬‬ ‫�سيكون مفيداً ونحن نبحث عن وقت للقراءة �أن نكت�شف ( ال�ساعة‬ ‫الذهبية ) يف يومنا‪ ،‬حيث يكون الواحد منا يف قمة ن�شاطه ‪ ،‬وبع�ض‬ ‫النا�س يخ�ص�ص �ساعة ي�سميها ( ال�ساعة الهادئة) فهو ال ي�ستقبل‬ ‫زائراً ‪ ،‬وال يرد فيها على الهاتف ‪.‬‬ ‫وميكن تكون ال�ساعة مث ً‬ ‫ال من بعد �صالة الفجر �إىل ال�شروق‪� ،‬أو قبل‬ ‫املغرب ب�ساعة‪� ،‬أو بني املغرب والع�شاء‪� ،‬أو بعد الع�شاء مبا�شرة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫حدد وق ًتا معي ًنا‪.‬‬ ‫ولو �أن الواحد منا �س�أل نف�سه ‪ :‬ما هو العمل الذي ميكن �أن �أقوم به‬ ‫الآن ‪ ،‬ثم ال �أقوم به ؟ ولو �س�أل نف�سه ‪ :‬هل العمل الذي �أقوم به الآن‬ ‫له �أهمية �أو �أولوية على غريه ؟ لوجد الوقت الكايف للقيام بالكثري‬ ‫من الأعمال النافعة ‪.‬‬ ‫كما ينبغي ا�ستغالل الأوقات البينية‪ ،‬وهي الأوقات التي عادة ما‬ ‫تكون بني عملٍ و�آخر ؛ ويف املوا�صالت‪� ،‬أو يف متجرك عند عدم وجود‬ ‫زبائن‪� ،‬أو يف �أوقات انتظارك داخل عيادة �أو مكتب لأداء عملٍ ما‪...‬‬ ‫وهكذا‪� .‬سوف جتد �أوقا ًتا بينية كثرية ميكن ا�ستثمارها يف القراءة‪،‬‬ ‫وليكن كتابك دائ ًما معك‪ ،‬ومبجرد �أن جتد �أي وقت فراغ �سارع‬ ‫بفتحه واقر�أ فيه‪� ...‬ستزداد بركة اليوم و�سي�صبح طوي ً‬ ‫ال ومت�س ًعا‬ ‫على عك�س املا�ضي‪.‬‬ ‫الو�سيلة اخلام�سة‪ :‬التدرج‬

‫البع�ض عندما يقر�أ هذه ال�سطور عن �أهمية القراءة �سوف ت�شتعل‬ ‫حما�سته‪ ،‬وتعلو همته‪ ،‬وي�سارع �إىل �شراء جمموعة من الكتب‪ ،‬ويبد�أ‬ ‫على الفور بقراءتها‪ ,‬ويف ّرغ �أوقا ًتا طويلة للقراءة‪ ..‬بل رمبا يطغى‬ ‫وقت القراءة على �أعمال �أخرى هامة يف حياته! وملثل هذا نقول‪:‬‬ ‫عليك بالتدرج‪�" ..‬إن هذا الدين متني؛ ف�أوغل فيه برفق"(الألباين‪:‬‬ ‫�صحيح اجلامع) وخا�صة �إذا مل تكن متعودًا على القراءة‪ ،‬و�إال �ستجد‬ ‫نف�سك قد مللت �سري ًعا‪ ,‬ورمبا توقفت عن القراءة‪ ،‬ولتكن مثل العب‬ ‫"املاراثون" الذي يجري مل�سافات طويلة‪ ،‬يبتدئ بهدوء وراحة‪ ,‬ثم‬ ‫ي�س ّرع من خطواته تدريج ًيا‪ ،‬وهذا مياثل القراءة؛ ف�إن طريقها‬ ‫منهجا حلياتك فيجب �أن تبد�أ‬ ‫طويل لأنها منهج حياة‪ ،‬و�إذا جعلتها ً‬ ‫بتعقل وروية حتى ت�صل ب�إذن اهلل‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫ريا‪ ،‬وهذا ال يت�أتى �إال‬ ‫الو�سيلة ال�ساد�سة‪ :‬اجلدية‬ ‫عن �أهدافهم وال يخرجون عن مو�ضوعهم كث ً‬ ‫كما �أكدنا يف البداية �أن القراءة لي�ست هواية‪ ،‬بل هي عمل جاد جدًا‪ ،‬باملران والتدريب‪ ،‬وفوائده ال حت�صى‪,‬هذا ف�ض ً‬ ‫ال عن الراحة النف�سية‬ ‫ويحتاج �إىل فكر ووقت ومال وجمهود وت�ضحية‪ ،‬وال بد �أن ُي�ؤخذ التي ي�ضفيها النظام على حياتك وحياة من معك من النا�س‪.‬‬ ‫املو�ضوع بجدية؛ ف�أنت تقر�أ لكي ت�ستوعب كل كلمة تقر�ؤها‪ ،‬تقر�أ‬ ‫الو�سيلة الثامنة‪ :‬تكوين مكتبة متنوعة يف البيت‬ ‫كي تفيد وت�ستفيد‪ ،‬فالقراءة عمل عظيم‪ ،‬ولي�س لك من هذا العمل‬ ‫اجعل هذا امل�شروع من �أهم امل�شاريع يف حياتك‪ ،‬وكما يفكر الزوجان‬ ‫�إال ما عقلته‪.‬‬ ‫ون�صيحتي لك عندما تقر�أ �أي كتابٍ �أن تقر�أه بنف�س الهمة التي يف �أن يكون لهما غرفة نوم‪ ،‬وغرفة ا�ست�ضافة‪ ،...‬عليهما �أي�ضا �أن‬ ‫تقر�ؤه بها لو طلب منك مذاكرته لت�ؤدي فيه اختبا ًرا‪ ،‬ولي�س يفكرا �أن يكون لهما يف املنزل غرفة للمكتبة‪ ..‬وهذا العمل لي�س‬ ‫�سجل مالحظاتك‪ ،‬مثال هنا ثانو ًيا‪ ،‬ولي�س من �أدوات الرتف‪ ،‬بل هو �شيء �أ�سا�سي يف املنزل‪ ،‬لي�س‬ ‫جمرد قراءة عابرة‪ ،‬وكلما قر�أت �شيئا ّ‬ ‫معلومة تريد �أن تتذكرها لتخرب بها �إخوانك و�أ�صحابك‪ ..‬اكتبها‪ ،‬مه ًما �أن تكون املكتبة فخمة �أو فاخرة ذات �أدراج مذهبة‪ ،‬ولكن املهم‪:‬‬ ‫وهنا معلومة �أخرى ال تفهم معناها جيدًا‪ ..‬اكتبها لت�س�أل فيها �أحد ماذا فيها من كتب؟‪ ..‬ينبغي �أن يكون يف ذهنك م�شروع وا�ضح ل�شراء‬ ‫املتخ�ص�صني‪ ،‬ويف مكان ما يف �أحد الكتب التي تقر�ؤها عنا�صر هامة جمموعة �ضخمة من الكتب‪ ،‬وهذا الكالم لي�س موجهًا �إىل الأغنياء‬ ‫لأحد املو�ضوعات‪ ،‬ولك اعرتا�ض على نقطة ما يف �أحد الكتب‪� ،‬أكتب فح�سب‪ ،‬بل هو للفقراء والأغنياء على حدٍ �سواء؛ فالإن�سان �إذا �أح�س‬ ‫كل ذلك يف دفرت حتتفظ به معك �أثناء قراءتك‪ ،‬و�إذا التزمت بهذا بقيمة الكتاب �سيوفر ‪ -‬بال �شك ‪ -‬من م�أكله وم�شربه لي�شرتيه‪،‬‬ ‫الأ�سلوب فال �شك �أنك �سوف تكون دائما على وعي وتركيز يف كل ورمبا ي�أكل الإن�سان �أكلة واحدة بثمن �أربعة �أو خم�سة كتب‪ ،‬ورمبا‬ ‫قمي�صا بثمن ع�شرة كتب‪ ،‬بل رمبا خرج يف رحلة �أ�سبو ًعا‬ ‫ما تقر�أ‪ ،‬و�سوف تالحظ بالفعل الإمكانيات الهائلة التي متتلكها‪ ،‬ي�شرتي‬ ‫ً‬ ‫و�سيزداد حت�صيلك �أ�ضعاف ما كنت تعتقد‪ ..‬وكن على يقني �أن مث ً‬ ‫ال بثمن مكتبة قيمة جدًا‪.‬‬ ‫�إمكانيات الب�شر فوق كل تخ ّيل‪ ،‬و�سبحان اهلل الذي خلق ف�س ّوى‪.‬‬ ‫وت�ستطيع ‪ -‬لو �شغل هذا املو�ضوع ذهنك ‪� -‬أن تك ّون مكتبة متنوعة‬ ‫و�شاملة لكل �أنواع املعارف‪ ،‬ولو كتا ًبا واحدًا يف كل فرع من فروع‬ ‫الو�سيلة ال�سابعة ‪ :‬التن�سيق للمعلومات والنظام يف كل �شيء‬ ‫املعرفة‪ ،‬حتى �إذا احتجت كتا ًبا يف جمالٍ معني وجدته‪ ،‬وقد مت ّل من‬ ‫النظام والتن�سيق مطلوبان يف كل �شيء‪ ،‬فحاول �أن تكون منظ ًما يف‬ ‫القراءة يف جمال بعينه فتجد لديك كتا ًبا يف جمال �آخر‪ ،‬وللعلم ف�إن‬ ‫كل حياتك‪ ،‬وعندما تقوم بت�سجيل املعلومات يف دفرتك اخلا�ص‬ ‫هذه املكتبة التي تك ّونها تعد �صدق ًة من ال�صدقات العظيمة اجلارية‪،‬‬ ‫بعد القراءة الواعية ال ت�سجلها هكذا مبعرثة؛ لأن امل�سلم منظم يف‬ ‫�شئونه‪ ..‬وليكن لديك دفرت خا�ص تدون فيه العلوم ال�شرعية‪ ،‬و�آخر لأنها تنفعك وتنفع �أوالدك‪ ،‬ورمبا �أحفادك و�أحفادهم بعد ذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫للعلوم ال�سيا�سية‪ ،‬وثالث للقراءات الأدبية‪ ،‬ورابع للتاريخ وهكذا‪،...‬‬ ‫الو�سيلة التا�سعة‪ :‬انقل ما تقر�أ �إىل غريك‬ ‫ف�سم هذه الدفاتر �إىل �أق�سام �أخرى �أكرث‬ ‫و�إذا كنت �أكرث‬ ‫ً‬ ‫تخ�ص�صا ّ‬ ‫ال‪ ،‬و�ضع ذلك كله يف مكان منظم يف بيتك �أو مكتبتك اخلا�صة‪ ،‬يقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬بلغوا عني‪ ..‬ولو �آية"(رواه‬ ‫تف�صي ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حتى ي�سهل الرجوع �إىل �أي معلومة تريدها ب�سهولة وي�سر‪ ،‬وت�ضيف البخاري) فالإن�سان مطالب ب�أن يعلم غريه ما تعلمه هو‪ ،‬ويف هذا‬ ‫ريا من فوائد جمة‪ ،‬ومنافع عظيمة‪ ،‬منها تثبيت العلم يف الذهن‪ ,‬و�إفادة‬ ‫ما تريد من معلومات حيث �شئت‪ ،‬و�سيوفر ذلك لك كث ً‬ ‫الغري بتعليمه‪ ،‬وي�أخذ الإن�سان مثل �أجر من تعلم على يديه دون �أن‬ ‫الوقت واجلهد‪.‬‬ ‫هذا الأ�سلوب الدقيق لن ينظم وقتك وبيتك فح�سب‪ ،‬بل �سينظم ينق�ص من املتعلم �شيء‪� ،‬أ�ضف �إىل ذلك �أن اهلل عز وجل يبارك له يف‬ ‫أي�ضا‪ ،‬فبع�ض النا�س جتدهم غري منظمني باملرة‪ ،‬ي�أتي علمه‪ ،‬وتذكر دائ ًما القول امل�أثور "من عمل مبا يعلم �أورثه اهلل علم‬ ‫عقلك � ً‬ ‫مبعلومة من ال�شرق ومعلومة من الغرب‪ ،‬دون دقة �أو نظام‪ ،‬بينما ما مل يعلم"؛ فكلما ع ّلمت النا�س �شيئا زادك اهلل من العلم "‬ ‫جتد �آخرين يح�سنون تنظيم معلوماتهم‪ ،‬مما يدل على �أن عقولهم �إن القراءة املثمرة ت�ستحق منا التخطيط والتفكري واملثابرة والعناء ‪،‬‬ ‫منظمة؛ فهم يعملون كل �شيء بعد ح�سابات دقيقة‪ ،‬وال يبتعدون لأنها من �أهم العوامل التي تعيد �صياغة وجودنا من جديد !‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫ﻣﺴﻚ ﺍﻟﻮﺳﻄﻴﺔ‬

‫ﻫﻠـﻤــﻮﺍ ﻧـﺤــﺐ ﺍﻟﺠـﻤــﺎﻝ‬ ‫املراأة والفر�س والطلل وغري ذلك من املظاهر املادية‪ ،‬ويعربون‬ ‫عنه �سمن م�ساعر عاطفية ل تتجاوز احل�س يف اأغلب الأحيان‪.‬‬ ‫وملا جاء الإ�سالم ارتقى الإح�سا�س باجلمال‪ ،‬وتعمق حني زاوج‬ ‫بني جمال الظاهر والباطن‪ ،‬ومتثل يف ن�سو�س قراآنية وحديثية‬ ‫عدة؛ اأبرزت قيمة اجلمال واأ�سفت عليه معاين ودللت جديدة‪.‬‬ ‫وكل هذه الن�سو�س تربز اأن اهلل �سبحانه وتعاىل م�سدر كل‬ ‫جمال يف هذا الكون‪ ،‬وكل ما يف هذا الكون من ح�سن وجمال‬ ‫وح�سنه‪ .‬فهو �سبحانه‬ ‫هو من اهلل �سبحانه وتعاىل الذي �سنعه ّ‬ ‫هلل‬ ‫(ا َّلذِ ي اأَ ْح َ�س َن ُك َّل َ�س ْي ٍء َخلَ َق ُه)(ال�سجدة‪ )7:‬واأتقنه( ُ�س ْن َع ا ِ‬

‫الدكتورة �سعاد النا�سر‬

‫ل �سك اأن ق�سية اجلمال اأ�سبحت حتتل املقام الأول يف عقول ا َّلذِ ي اأَ ْت َق َن ُك َّل َ�س ْي ٍء ) (النمل‪ ،)88:‬بل اإن اجلميل ا�سم من‬ ‫ال�سباب وقلوبهم‪ .‬ولعل الأمر يبدو طبيع ًّيا وعاد ًّيا بعد التغريات اأ�سماء اهلل احل�سنى و�سفة من �سفاته العليا‪.‬‬ ‫وحني ن�ستقرئ كل الآيات القراآنية التي تعلقت باجلمال‬

‫التي حت�سل يف اجل�سم والفكر والروح يف مراحل ال�سباب الأوىل‪،‬‬

‫اإل اأن الرتكيز على اجلمال اخلارجي واجل�سدي لدى الإن�سان ومفرداته املرتبطة به‪ ،‬ندرك عمق الدللت التي يحيل عليها‬ ‫املعا�سر‪ ،‬يكاد ي�سبح هو�ساً وجنوناً وا�ستعباداً ‪-‬اإن مل يكن اأ�سبح احلديث الذي يرويه عبد اهلل بن م�سعود ر�سي اهلل عنه عن‬

‫كذلك فعال‪ -‬ب�سكل يفتح املجال للقول‪ :‬اإنه ردة ح�سارية مهولة الر�سول �سلى اهلل عليه و�سلم‪" :‬اإن اهلل تعاىل جميل يحب‬ ‫اجلمال" (رواه البخاري)‪ ،‬كما ن�سعر مبدى بعدنا عن هذه‬ ‫لع�سور عفا عليها الزمن‪.‬‬ ‫ونعلم اأن العرب قبل الإ�سالم كانوا يقدرون اجلمال تقديراً الدللت التي ل �سك يف كونها كانت �ستفتح لنا اآفاقاً وا�سعة من‬ ‫كبرياً‪ ،‬لكنهم كانوا يرونه يف الأ�سياء املادية احل�سية‪ ،‬مثل جمال ال�سعادة واحلب لو ارتبطت بحياتنا وممار�ساتنا وعالقاتنا‪ ،‬ومل‬ ‫نقنع باجلمال الظاهري‪.‬‬

‫‪90‬‬


‫و�أول ما ي�ستوقفنا يف جمال اجلمال الإن�ساين يف الن�صو�ص‬ ‫مي)‬ ‫القر�آنية قوله تعاىل ( َل َق ْد َخلَ ْق َنا الإِ ْن َ�سا َن فيِ �أَ ْح َ�س ِن َت ْق ِو ٍ‬ ‫(التني‪َ ( ،)4:‬و َ�ص َّو َر ُك ْم َف�أَ ْح َ�س َن ُ�ص َو َر ُك ْم ) (غافر‪،)64:‬‬ ‫(ا َّلذِ ي َخلَ َق َك َف َ�س َّو َ‬ ‫اك َف َع َد َل َك * فيِ �أَ ِّي ُ�صو َر ٍة َما َ�شا َء َر َّك َب َك )‬ ‫(االنفطار‪ .)8-7:‬فمثل هذه الآيات ت�صب يف التكوين اجل�سماين‬ ‫كما ت�صب يف التكوين الروحي‪ ،‬ولذلك كان التح�سني والت�سوية‬ ‫والتقومي دلي ً‬ ‫ال على هذا التوازن اجلمايل بني الروح واجل�سد‪.‬‬ ‫�أما الناظر يف الآيات التي تربز اجلمال يف الكون‪ ،‬ف�إنه ال �شك‬ ‫�سيقف م�شدوهاً �أمام طبيعة هذا اجلمال وعمقه الذي نحاربه‬ ‫يف كل حياتنا بو�سائل خمتلفة؛ ابتدا ًء من رمي الأو�ساخ يف‬ ‫الطرقات والأحياء‪� ،‬إىل �إ�شاعة ال�شر والفاح�شة والظلم‪ ،‬وكل‬ ‫�أنواع القبح‪ .‬ونت�أكد �أننا �أبعد النا�س عن تذوق اجلمال الذي هو‬ ‫من �أعظم نعم اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬الأمر الذي يجعل الطباع‬ ‫خ�شنة وقا�سية‪ ،‬واحلياة فارغة من معانيها اجلميلة التي بثها‬

‫نبذه ورف�ضه‪ .‬فجمال ال�شكل مرغوب كما ذكره لنا الر�سول‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم يف حديثه ال�شريف عند اختيار الزوجة‪:‬‬ ‫"تنكح املر�أة لأربع‪ :‬ملالها وحل�سبها وجلمالها ولدينها‪ ،‬فاظفر‬ ‫بذات الدين تربت يداك" (متفق عليه)‪.‬‬ ‫و�إمنا الذي نعنيه هو الت�شويه املهول للجمال �أو اخت�صاره‬ ‫على �أقل تقدير‪ ،‬والرغبة التي تدفعنا يف هذه اللحظات احلرجة‬ ‫التي تعي�شها الأمة يف جميع امليادين وخمتلف امل�ستويات‪� ،‬إىل‬ ‫افتقاد الرتبية اجلمالية التي ت�سمو مب�شاعرنا وعالقاتنا �إىل‬ ‫�آفاق احلب والت�سامح‪ ،‬والعزة امل�ؤدية �إىل ال�سعادة واخلري‪ ،‬لي�س‬ ‫للأمة وحدها و�إمنا للب�شرية جمعاء التي جفت مياه اجلمال‬ ‫من �أ�شكالها‪ ،‬وانغم�ست ‪-‬ونحن وراءها‪ -‬يف م�ستنقعات من‬ ‫القبح‪� ،‬إال من ب�صي�ص من اجلمال الذي ال يروي الروح و�إن‬ ‫�شبع منه اجل�سد‪.‬‬ ‫وفقدان هذه الرتبية اجلمالية هي التي جتعلنا ال نكاد نح�س‬ ‫ٍّ‬ ‫م�صل منا‬ ‫حتى بجمال تديننا؛ ولن�أخذ ال�صالة كمثال؛ كم‬ ‫يتذوق جمالها‪ ،‬جمال ال�شكل‪َ ( :‬يا َبنِي �آ َد َم ُخ ُذوا زِي َن َت ُك ْم عِ ْن َد‬ ‫ُك ِّل َم ْ�سجِ دٍ َو ُك ُلوا َو ْا�ش َر ُبوا َو َال ُت ْ�س ِر ُفوا �إِ َّن ُه َال يُحِ ُّب المْ ُ ْ�س ِر ِف َ‬ ‫ني)‬

‫اهلل �سبحانه وتعاىل للتمتع بها‪.‬‬ ‫ال�س َما ِء َما ًء َف�أَ ْن َب ْت َنا ِب ِه َحدَا ِئ َق‬ ‫يقول تعاىل‪َ ( :‬و�أَ ْن َز َل َل ُك ْم مِ َن َّ‬ ‫َذ َ‬ ‫ات َبه َْج ٍة ) (النمل‪ ،)60:‬ويقول يف �آية �أخرى‪� ( :‬أَ َفلَ ْم َي ْن ُظ ُروا‬ ‫(الأعراف‪ )31:‬مع جمال اال�ستقامة وجالل اخل�شوع هلل‬ ‫ال�س َما ِء َف ْو َق ُه ْم َك ْي َف َب َن ْي َناهَا َو َز َّي َّناهَا َو َما َلهَا مِ نْ ُف ُروج *‬ ‫�إِلىَ َّ‬ ‫ٍ �سبحانه وتعاىل‪ ،‬جمال انتظام �أج�سام امل�ؤمنني يف ال�صفوف‬ ‫َوالأَ ْر َ‬ ‫�ض َم َد ْد َناهَا َو َ�أ ْل َق ْي َنا فِيهَا َر َوا�سِ َي َو�أَ ْن َب ْت َنا فِيهَا نْ ُك ّل َزوج‬ ‫مِ ِ ْ ٍ �إذا انتظمت مع جمال وحدة قلوبهم‪ ،‬و�صفاء �أرواحهم عندما‬ ‫ِيج) (ق‪.)7-6:‬‬ ‫َبه ٍ‬ ‫ت�سمو يف معارجها �إىل اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬كلما ركعت هلل �أو‬ ‫ولذلك نالحظ �أننا �أينما مددنا �أب�صارنا جند قبحا منت�شراً‪� ،‬سجدت رغبة �أو رهبة �أو حمبة وتذل ً‬ ‫ال‪� ،‬أو ا�ستمعت �إىل القر�آن‬ ‫ب�شكل يجعلنا نكاد جنزم باختالل عالقة الإن�سان باجلمال يف يتلى متدفقاً يف معانيه الراقية‪ ،‬و�أ�سلوبه اجلمايل الآ�سر الذي‬ ‫احلياة التي نعي�شها‪ .‬وبالتايل فقد الإن�سان عن�صراً مه ًّما من يفي�ض ح�سناً وي�شع بهاء‪..‬‬ ‫مقومات احلياة الطيبة‪ ،‬وانهارت قيمة عليا من القيم التي‬ ‫أم�س احلاجة �إىل �إعادة النظر يف مفهومنا للجمال‪،‬‬ ‫�أل�سنا يف � ّ‬ ‫حتكم العالقة بني الإن�سان والإن�سان‪ ،‬والأحياء والأ�شياء والكون و�إىل تربية �أذواقنا تربية جمالية م�ستمدة من القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫كله‪ .‬وهذا ال يعني �أننا ال نتذوق اجلمال ال�شكلي‪� ،‬أو ندعو �إىل تعيد لنا التوازن الذي نفتقده يف حياتنا‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫ﻧـﺼـﻒ‪ ‬ﺣـﻴــﺎﺓ‬ ‫جربان خليل جربان‬

‫ل جتال�س اأن�ساف الع�ساق‪ ،‬ول ت�سادق اأن�ساف الأ�سدقاء‪ ،‬ل تقراأ لأن�ساف املوهوبني‪ ،‬ل تع�س ن�سف حياة‪ ،‬ول متت ن�سف‬ ‫موت‪ ،‬ل تخرت ن�سف حل‪ ،‬ول تقف يف منت�سف احلقيقة‪ ،‬ل حتلم ن�سف حلم‪ ،‬ول تتعلق بن�سف اأمل‪ ،‬اإذا �سمتّ ‪ ..‬فا�سمت‬ ‫حتى النهاية‪ ،‬واإذا تكلمت‪ ..‬فتك ّلم حتى النهاية‪ ،‬ل ت�سمت كي تتكلم‪ ،‬ول تتكلم كي ت�سمت‪.‬‬ ‫فعرب عن رف�سك‪ ،‬لأن ن�سف الرف�س قبول‪ ..‬الن�سف‬ ‫فعرب عن ر�ساك‪ ،‬ل ت�سطنع ن�سف ر�سا‪ ،‬واإذا رف�ست‪ّ ..‬‬ ‫اإذا ر�سيت ّ‬ ‫هو حياة مل تع�سها‪ ،‬وهو كلمة مل تقلها‪ ،‬وهو ابت�سامة ا ّأجلتها‪ ،‬وهو حب مل ت�سل اإليه‪ ،‬وهو �سداقة مل تعرفها‪ ..‬الن�سف هو‬ ‫ما يجعلك غريباً عن اأقرب النا�س اإليك‪ ،‬وهو ما يجعل اأقرب النا�س اإليك غرباء عنك‪ ،‬الن�سف هو اأن ت�سل واأن لت�سل‪ ،‬اأن‬ ‫تعمل واأن ل تعمل‪ ،‬اأن تغيب واأن حت�سر‪ ..‬الن�سف هو اأنت‪ ،‬عندما ل تكون اأنت‪ ..‬لأنك مل تعرف من اأنت‪ .‬الن�سف هو اأن ل‬ ‫تعرف من اأنت ‪ ..‬ومن حتب لي�س ن�سفك الآخر‪ ..‬هو اأنت يف مكان اآخر يف الوقت نف�سه!!‪..‬‬ ‫ن�سف �سربة لن تروي ظماأك‪ ،‬ون�سف وجبة لن ت�سبع جوعك‪ ،‬ن�سف طريق لن يو�سلك اإىل اأي مكان‪ ،‬ون�سف فكرة لن‬ ‫تعطي لك نتيجة‪ ..‬الن�سف هو حلظة عجزك واأنت ل�ست بعاجز‪ ..‬لأنك ل�ست ن�سف اإن�سان‪ .‬اأنت اإن�سان‪ ..‬وجدت كي تعي�س‬ ‫احلياة‪ ،‬ولي�س كي تعي�س ن�سف حياة!!‬

‫‪92‬‬


‫ﺣﻴﺪﺭ ﻣﺤﻤﻮﺩ ‪ ،‬ﳲ ﺫﻛﺮﻯ ﺍﳴﻮﻟﺪ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ‪ ،‬ﻳﺴﺄﻝ ‪:‬‬ ‫"ﺃﻳﺨﻮﻥ ﻣﻦ‪ ‬ﻳﻬﻮﻯ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﻮﺍﻩ‪!"‬؟‬ ‫ﹸ‬

‫ﺧﺺ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻻﺭﺩﻧﻲ ﺍﻟﻜﺒﺮﻴ ﺣﻴﺪﺭ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﻭﺯﻳﺮ‬ ‫ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻻﺳﺒﻖ "ﻋﻤﻮﻥ" ﺑﻘﺼﻴﺪﺓ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺫﻛﺮﻯ‬ ‫ﺍﳴﻮﻟﺪ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ‪ ،‬ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﺴﺄﻝ ‪:‬‬

‫ال�ساعر حيدر حممود‬

‫«اأي ـخ ـ ـ ُ‬ ‫ـون َمـ ــنْ يهوى الذي يهـ ــواهً»!؟‬

‫األـ َـح ـ ّل ُ بـ ـ ـ ـ ــالإ�سـ ــال ِم‪..‬ل بِ�سِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ُه‬

‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ْلت ـّب ـ ِ ْع ـ ـ ـ ُه‪..‬كـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اأراد اللـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُه‬

‫َ�س َق َطتْ «جمي ُع ال َف ْل�سفاتِ ‪،‬ومل َي ُع ْد‬

‫اإ ّل هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ُه ‪ ..‬لِـ َم ـ ــنْ اأرا َد هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ُه‬

‫فـ ـ ـ ــا ْرجِ ـ ـ ْع اإلـ ـي ـنــا ‪ ..‬يا َربي ـ َع ُقلو ِبنـا‬

‫ال ّزاهي‪ ..‬فقد �س ّل اجلمي ُع ‪ ..‬وتاهـ ــوا‬

‫واأعِ ـ ْد علينـا «اقراأْ» ‪ِ ،‬ل َي ْنهَمِ َر ال ّندى‬

‫ـا�س َنــدا ُه‬ ‫عِ ْـط ــراً ‪ ..‬ويـن ًـ�س ـ ـ َر فـي اليب ـ ـ ِ‬

‫«اإ ْقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراأْ» ‪ ..‬فـ ـا ّإن اجل ــاهل ـ ِ ّي َة َك ّ�سـ َرتْ‬

‫ع ـ ـ ــن نـابه ـ ـ ـ ـ ــا ‪ ..‬والـ ـ ُك ْفـ ـ ُر َي ْف ـ َغ ُر ف ـ ـ ــا ُه‬

‫هِ َي «جاهِ ِل ّي ُتنــا» ‪ ..‬وفيـهـا مِ ــنْ «اأبـي‬

‫ني ‪ ..‬ومِ ــنْ ُ‬ ‫َجـ ـ ْهــلٍ » مــاليـ ـ ٌ‬ ‫«�سـ َركـ ــاهُ»!!‬

‫َيتط ــاول ــو َن على « ُم ـ َـح ّمدِ نــا» ‪ ..‬ول‬

‫‪93‬‬


‫َ�ص ـ ـ ـ ْو ٌت يثـ ــو ُر ‪ ..‬وال ُتـ ـ َزمجْ ـ ـ ـ ِ ُر «�آ�آ�آهُ»!!‬

‫وكثي ـ ــر ٌة»�أ�صـفـ ـ ـ ــا ُرنـ ـ ـ ــا» ‪ ..‬لـ ــك ّن ـن ـ ـ ـ ــا‬

‫بِـ ُعيــونِ ك ـ ـ ـ ـ ّل ِ ّ‬ ‫الط ـ ـ ــامِ ـع ـ َ‬ ‫ني «�شِ يـ ـ ـ ـ ـ ــاهُ»!‬

‫لل ّن ْح ـ ِر َمنــذورو َن ‪� ..‬أو للقـ ــه ِر ‪� ..‬أو‬

‫لل ـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـدْر ‪� ..‬أو ل ـنـخ ـ ــو َن َمـ ــنْ َن ْهـ ـ ـ ـ ــوا ُه‬

‫�أ َي ُ‬ ‫خون َمنْ َيهْوى الذي َيهْوى؟ نعم‬

‫ّ‬ ‫وال�شـ ـ ـ ـ ــاهِ ُد «الأق�صــى» ‪ ..‬ونح ُـن َن ــرا ُه‬

‫�ض ُ عن ُه ّ‬ ‫و َن ُغ ّ‬ ‫الط ْر َف ‪َ ..‬خ ْو َف مالم ٍة‬

‫�أ ّنـ ــا ِب َب ـ ـ ْع ِ�ض «ال ـ ـ ــوهْ ِم» ق ـ ــا َي ْ�ضـ ـنـ ـ ـ ـ ــا ُه !‬

‫ـا�سم ـ ُ‬ ‫ني قــ�صـ ـ ـ ــائـ ــدي‬ ‫َط َه ! و َي ْن ِف ُر يـ ـ َ‬

‫مِ ّنـ ــي ‪َ ..‬و َت ْن ـ ـ ـز ُِف �أنجْ ُ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً ع ْي ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه‬

‫كا َن ا َ‬ ‫حلما ُم على فمي ‪ ..‬وعلى دَمي‬

‫َي َ�ض ـ ـ ُع الكـ ـ ــال َم ‪ ..‬ول ـ ـ ــم �أ ُعـ ـ ـ ْد �ألق ـ ـ ـ ـ ــا ُه‬

‫َفلقد م�ضى ‪ ..‬وم�ض ْيتُ ‪ُ ..‬ك ّل ُ ُمطا َر ٍد‬

‫مِ ّن ـ ـ ــا ُي َف ـ ـ ـ ـ ّت ُ�ش في ـ ـ ـ ِه ‪ ..‬عـ ـ ـ ــنت َم ْنفـا ُه !‬

‫والـ ُم ْ�سلمو َن ‪ ..‬على امتدا ِد بالدِهِ م‬

‫ُم ْ�سـ ـ ـ َت ْهـ ـ ـ َدفـ ــو َن! ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َلهـ ــم � ْأ�شب ـ ـ ــا ُه‬

‫ـون يــرف ـ ُ‬ ‫الـ ـك ـ ـ ُ‬ ‫ـ�ض �أن ُيق ـي ـ َم ب ـ�أر�ض ـ ِ ِه‬

‫م ّنـ ـ ــا ْامـ ــر�ؤٌ ‪� ..‬أو ط ـ ـ ـ ــائـ ـ ٌر ب َِ�س ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه‬

‫«وا َ‬ ‫جل ْم ُر» ‪ ..‬حتــى وهْ َو يمَ ن ـ ُح دفئـ ُه‬

‫ـا�س ‪ ..‬يـحر ُقـنـ ــا ِبلَ ْف ـ ـ ِـح َلظـ ـ ـ ـ ـ ــاهُ!!‬ ‫للن ـ ـ ـ ِ‬

‫ف ــا�ش َفـ ـ ْع ل ّأمتـ ـ َـك الت ــي م ـ ـ ـ ــا زا َل يف‬

‫دَمِ ـه ـ ــا َد ٌم ‪ ..‬م ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ــا َد عـ ـ ــن م ـجـرا ُه‬

‫ين�سا ُبفي « الأق�صى ال�شريفِ » ‪ ..‬ودائماً‬

‫�سيـ ـ َـظ ـ ـ ّل ُ ‪ ..‬ي�سـ ـقــي ُك ـلـمـا ْا�س َت ْ�ســقا ُه ‪..‬‬

‫ـاب عن‬ ‫يـ ــا �س ّي ــدي ‪ُ ،‬عـ ــذراً‪� ،‬إذا مــا غ َ‬

‫ـاب ‪ ،‬مِ نْ «معناهُ»!‬ ‫َب ـ ـ ْوحـي الــذي قــد غ ـ َ‬

‫َفـ ــورا َء ليـ ـلـي �ألـ ـ ُـف ل ــيلٍ ‪ ..‬دو َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُه‬

‫لي ـ ـ ـ ُل ‪ ..‬وال َف ْـجـ ـ ـ ٌر َيل ـ ــو ُح �ضـِي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه !!‬

‫�إ ّال �إذا « ُعـ ـ ـ ْدن ــا» ف ـه ــل مِ ــن «عـ ـ ْودةٍ»‬

‫ـ�ض رِ�ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه !!‬ ‫هلل ؟! َت ْغ ُمـ ـ ـ ـ ـ ـ ُرن ــا ِب َف ْي ـ ِ‬

‫‪94‬‬


95


96


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.